19.11.2016 Views

شبهات "تنظيم الدولة" وأنصاره والرد عليها

قد جاء هذا الكتاب ( شبهات تنظيم " الدولة الإسلامية " وأنصاره والرد عليها ) للإجابة عما يثيره الغلاة وعلى رأسهم " تنظيم الدولة " من شبه وانحرافات، وبيان زيف أفكارهم، والرد على افتراءاتهم، ﺑﻤناقشة أهم شبهاتهم الشرعية والعقدية، وكانت هيئة الشام الإسلامية قد طبعته طبعة خاصة للتوزيع على الدعاة والمجاهدين في سورية، وبعض دول اللجوء، ضمن جهودها العلمية والدعوية المتنوعة، لتزويد الدعاة والمجاهدين ﺑﻤا ﻳﻤكن أن يجيبوا به عن مغالطات القوم وشبهاتهم، فلقي من القبول والانتشار بفضل الله ما ﻟﻢ يكن في الحسبان، وبدأت ترد العديد من المقترحات والملحوظات لتطويره، وجعله أكثر شمولاً، وظهرت الحاجة لطرحه في المكتبات، فانعقد العزم على إصدار طبعة جديدة موسعة منه، فكان هذا الكتاب.

قد جاء هذا الكتاب ( شبهات تنظيم " الدولة الإسلامية " وأنصاره والرد عليها )
للإجابة عما يثيره الغلاة وعلى رأسهم " تنظيم الدولة " من شبه وانحرافات،
وبيان زيف أفكارهم، والرد على افتراءاتهم، ﺑﻤناقشة أهم شبهاتهم الشرعية
والعقدية، وكانت هيئة الشام الإسلامية قد طبعته طبعة خاصة للتوزيع على
الدعاة والمجاهدين في سورية، وبعض دول اللجوء، ضمن جهودها العلمية
والدعوية المتنوعة، لتزويد الدعاة والمجاهدين ﺑﻤا ﻳﻤكن أن يجيبوا به عن
مغالطات القوم وشبهاتهم، فلقي من القبول والانتشار بفضل الله ما ﻟﻢ يكن
في الحسبان، وبدأت ترد العديد من المقترحات والملحوظات لتطويره، وجعله أكثر
شمولاً، وظهرت الحاجة لطرحه في المكتبات، فانعقد العزم على إصدار طبعة
جديدة موسعة منه، فكان هذا الكتاب.

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

احلمدُ‏ هلل ربِّ‏ العاملني،‏ والصّ‏ الة والسّ‏ الم عىل املبعوث رمحةً‏ للعاملني،‏ وعىل آله<br />

الطّ‏ يبني الطّ‏ اهرين،‏ وأصحابه الغرّ‏ امليامني،‏ ومَ‏ ن تبعهم بإحسانٍ‏ إىل يوم الدّ‏ ين،‏ وبعدُ‏ :<br />

فإنَّ‏ مِن أعظم األخطار التي تواجهها املجتمعاتُ‏ اإلسالميّة يف حارضنا موجاتِ‏<br />

الغلوِّ‏ التي تظهر بني الفَ‏ ينةِ‏ واألخرى،‏ وتتمثّل خطورةُ‏ هذا الفكر املنحرف يف عدّ‏ ةِ‏ أمورٍ:‏<br />

- أنّه ال يكتفي بإسقاط املخالف فحسب،‏ بل يعمِ‏ دُ‏ إىل تكفريه وإخراجه مِن دائرة<br />

اإلسالم،‏ واستباحةِ‏ دمِه ومالِه وعرضِ‏ ه بذلك،‏ فينترش اخلرابُ‏ والدّ‏ مار والقتل.‏<br />

- تشويهُ‏ الدّ‏ ين وحتريفُ‏ أحكامِه،‏ وإخراجُ‏ النّاس إىل البدعة،‏ ونرش الشّ‏ بهات.‏<br />

- استغاللُه مِن قِبَل أعداء الدّ‏ ين باالخرتاق تارةً،‏ أو التّوظيف لتنفيذ أهدافٍ‏ قريبةٍ‏<br />

أو بعيدةٍ‏ تارةً،‏ أو استغالل ترصفاهتم احلمقاء يف تشويه الدّ‏ ين تارة أخرى.‏<br />

- رصفُ‏ األمّ‏ ة عن معاركها احلقيقة يف مدافعة األعداء املحتلّني،‏ واملرتبّصني بدينها<br />

مِن طوائف املميّعني،‏ واملنحرفني،‏ وأشباههم.‏<br />

وقد جاء هذا الكتاب ‏)<strong>شبهات</strong>ُ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏»الدّ‏ ولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> <strong>والرد</strong>ّ‏ <strong>عليها</strong>(‏<br />

لإلجابة عام يثريه الغالةُ‏ ‏-وعىل رأسهم <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(-‏ مِن شُ‏ بهٍ‏ وانحرافاتٍ‏ ،<br />

وبيانِ‏ زيف أفكارهم،‏ <strong>والرد</strong>ّ‏ عىل افرتاءاهتم،‏ بمناقشة أهمِّ‏ شبهاهتم الرشّ‏ عية<br />

والعقدية،‏ وكانت هيئةُ‏ الشّ‏ ام اإلسالميّة قد طبعته طبعةً‏ خاصّ‏ ةً‏ للتّوزيع عىل الدّ‏ عاة<br />

5


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

واملجاهدين يف سورية،‏ وبعض دول اللّجوء،‏ ضمن جهودها العلميّة والدّ‏ عويّة<br />

املتنوّ‏ عة؛ لتزويد الدّ‏ عاة واملجاهدين بام يمكن أن جييبوا به عن مغالطات القوم<br />

وشبهاهتم،‏ فلقي من القَ‏ بول واالنتشار ‏-بفضل اهلل-‏ ما مل يكن يف احلسبان،‏ وبدأتْ‏<br />

ترِدُ‏ العديدُ‏ مِن املقرتحات وامللحوظات لتطويره،‏ وجعله أكثرَ‏ شموالً،‏ وظهرت<br />

احلاجةُ‏ لطرحه يف املكتبات،‏ فانعقد العزمُ‏ عىل إصدار طبعةٍ‏ جديدة موسّ‏ عة منه،‏<br />

وقد تضمّ‏ نت هذه الطّ‏ بعةُ‏ :<br />

1- التّوسع يف مناقشة الشّ‏ بهات التي يثريها الغالةُ‏ يف أمور العقيدة والسّ‏ ياسة<br />

الرشعية،‏ وما تطلبه ذلك مِن إضافة الكثري مِن الفقرات،‏ والفوائد،‏ وفصْ‏ لِ‏ بعض<br />

الشُّ‏ به،‏ أو ضمّ‏ بعضِ‏ ها إىل بعضٍ‏ ، مع احلفاظ عىل طريقة الكتاب يف عرض املادة<br />

العلمية،‏ والعدد الكيل للشُّ‏ بهِ،‏ وهو عرشون شبهة.‏<br />

2- التّوسّ‏ ع يف حترير العديد مِن املسائل وضبطها،‏ مع تغيري ما يلزم لذلك من<br />

حذف،‏ أو إضافة،‏ أو تغيري مكان.‏<br />

3- اإلبقاء عىل أساس مادة الكتاب يف مناقشة شُ‏ به الغالة من خالل الواقع<br />

السوري؛ استكامالً‏ ملا جرى عليه العمل يف الطبعة األوىل،‏ وألنَّ‏ شُ‏ به الغالة املعارصين<br />

وحججهم متشاهبةٌ‏ يف كلِّ‏ زمان أو مكانٍ‏ خرجوا فيه،‏ وألنَّ‏ بداية فضح هذا ال<strong>تنظيم</strong><br />

لعامة الناس انطلقت من الثورة السورية،‏ وقد ضمَّ‏ نت الكتاب بعض اإلشارات<br />

للمجتمعات األخرى التي خرج فيها ال<strong>تنظيم</strong>.‏<br />

4- اإلشارة ألهمّ‏ إضافات املراجِ‏ عني اإلثرائية يف احلاشية بذكر االسم بني قوسني<br />

هكذا )(، والتي ذهلت عنها يف الطّ‏ بعة األوىل.‏<br />

6


مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

5- إضافةُ‏ ملحقٍ‏ يف آخر الكتاب بأهمّ‏ أقوال زعامء <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مِن خالل<br />

بياناهتم الرّ‏ سمية؛ ليقف القارئ عىل مقدار الغلوّ‏ وحتريف الرشّ‏ ع فيها،‏ دون أن تكون<br />

مشتّتة يف ثنايا الكتاب.‏<br />

6- إضافةُ‏ ملحقٍ‏ بأهمّ‏ الدّ‏ راسات واملقاالت واإلصدارات عن <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(.‏<br />

7- إضافةُ‏ توضيحٍ‏ عن الشُّ‏ بهةِ‏ حملِّ‏ النقاش يف الفهرس؛ ليقف القارئُ‏ عىل ما<br />

تناقشه الفقرةُ‏ بشكلٍ‏ خمترص،‏ ويسهل له الرّ‏ جوعُ‏ إىل ما يريده رسيعً‏ ا.‏<br />

8- عدم التوسع يف ختريج األحاديث،‏ مع االلتزام باالقتصار عىل إيراد الصحيح<br />

منها،‏ وما كان فيه ضعفٌ‏ أو خالف قوي فقد أرشت لذلك يف احلاشية.‏<br />

وقد تنازع هذه الطّ‏ بعةَ‏ رغبةُ‏ اإلبقاء عىل الكتاب خمترصً‏ ا؛ تيسريًا للقراءة واملداولة،‏<br />

والرغبةُ‏ يف زيادة مادّ‏ ته العلمية؛ للحاجة املاسّ‏ ة للرَّ‏ دِّ‏ عىل الشّ‏ بهات التي يثريها الغالةُ،‏<br />

فجاء وسطً‏ ا بني النّزعتني قدرَ‏ املستطاع والوقت املتاح،‏ مع زيادة مادّ‏ ة الكتاب إىل<br />

الضِّ‏ عف تقريبًا.‏<br />

وال بدَّ‏ هنا مِن التنبيه عىل عدّ‏ ة أمورٍ:‏<br />

1- <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ ليس هو أولَ‏ مجاعةٍ‏ للغالة،‏ ولن يكون آخرَ‏ ها،‏ وزوالُ‏ التّنظيم<br />

أو انحسارُ‏ ه ال يعني زوالَ‏ أفكاره وشُ‏ بَهه أو انتهاءها؛ فاألفكارُ‏ ال تزول بزوال اجلامعات<br />

وإن حصل فيها تغريّ‏ ٌ أو تطوّ‏ ر،‏ ممّا يستدعي االستمرارَ‏ يف بذل اجلهد لتوضيح أحكام<br />

الدّ‏ ين الصحيح،‏ وتربية األجيال <strong>عليها</strong>،‏ وحتصينهم ضدّ‏ هذه االنحرافات.‏<br />

2- متتدُّ‏ <strong>شبهات</strong>ُ‏ الغالةِ‏ وتلبيساهتُ‏ م لتشمل غالبَ‏ أبواب الدّ‏ ين ومسائلِه،‏ وقد بذلوا<br />

يف السّ‏ نوات األخرية جهودً‏ ا كبريةً‏ يف تأصيلها،‏ ونرشها مِن خالل املؤلّفات والفتاوى،‏<br />

7


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ممّا يستدعي تضافرَ‏ اجلهودِ،‏ واجتامعَ‏ ها لكشف غلوّ‏ هؤالء،‏ وفضحِ‏ عوار منهجِ‏ هم؛<br />

ذبّاً‏ عن الدّ‏ ين،‏ ومحايةً‏ لشباب املسلمني مِن االنزالق إىل أودية غوايتهم وإضالهلم،‏<br />

ومِن خالل منتجاتٍ‏ متنوّ‏ عةٍ‏ تستهدف أصولَ‏ هذا الفكر املنحرفِ‏ ، وتطبيقاتِه العلميّةِ‏<br />

والعمليّةِ.‏<br />

3- خيتصّ‏ هذا الكتابُ‏ بالردِّ‏ عىل الشُّ‏ بهات الرشّ‏ عيّة،‏ دون اخلوض يف األمور<br />

التّنظيمية،‏ وذلك أنَّ‏ هذه التّنظيامت تُدرَ‏ س من جانبني:‏<br />

- اجلانب التّنظيمي:‏ والذي يبحث يف تاريخ ظهور هذه التّنظيامت،‏ وكيفية<br />

تطوّ‏ رها،‏ وتركيبتها،‏ وأهمّ‏ قادهتا،‏ وكيفية عملها،‏ وسياساهتا العسكرية،‏ واإلعالمية،‏<br />

وعالقاهتا بالتّنظيامت والدّ‏ ول األخرى،‏ ونحو ذلك،‏ وحملُّ‏ ها الدّ‏ راسات اإلسرتاتيجية<br />

والتّارخيية،‏ والتّحليالت السّ‏ ياسية،‏ والنّفسية.‏<br />

- اجلانب الرشّ‏ عي:‏ والذي يبحث يف العقائد واألفكار التي ينرشها التّنظيم،‏<br />

ويعتربها الغطاءَ‏ الرشّ‏<br />

عي واملستندَ‏ الدّ‏ يني لترصفاته وحترّ‏ كاته،‏ ويسعى إىل نرشها يف<br />

املجتمع،‏ بغضّ‏ النّظر عن مدى التزام ال<strong>تنظيم</strong> أو أفراده هبا.‏<br />

4- موافقةُ‏ أقوالِ‏ بعض أهل العلم التي اجتهدوا أو أخطؤوا فيها ليشءٍ‏ مِن األفكار<br />

أو املعتقدات التي ورد نقاشُ‏ اخلوارج فيها أو وصفُ‏ ها بالغلوّ‏ ال يعني احلكمَ‏ عىل هؤالء<br />

العلامء باالبتداع أو الغلوّ‏ يف الدّ‏ ين؛ الختالف األصول التي بُنيت <strong>عليها</strong> هذه األقوال،‏<br />

ومآالهتا؛ فأقوالُ‏ أهلِ‏ العلم مبنيّةٌ‏ عىل علمٍ‏ واجتهادٍ‏ ونظرٍ،‏ يف دائرة مجاعة أهل السّ‏ نة<br />

وإن أخطؤوا فيها،‏ أمّ‏ ا أقوالُ‏ اخلوارج ومعتقداهتم فهي مبنيّةٌ‏ عىل أصولٍ‏ بِدعيّة فارقوا<br />

هبا اجلامعةَ‏ ، ووالَوا وعادَ‏ وا <strong>عليها</strong>،‏ وتنتظمُ‏ يف سلسلةٍ‏ مِن االنحرافات والبدع األخرى،‏<br />

8


مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

قال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»الطّ‏ وائف املنتسبة إىل متبوعِ‏ ني يف أصول الدّ‏ ين والكالم عىل<br />

درجاتٍ‏ : منهم مَ‏ ن يكون قد خالف السّ‏ نّةَ‏ يف أصولٍ‏ عظيمةٍ،‏ ومنهم مَ‏ ن يكون إنّام<br />

خالف السّ‏ نّةَ‏ يف أمورٍ‏ دقيقةٍ...‏<br />

ومثلُ‏ هؤالء إذا مل جيعلوا ما ابتدعوه قوالً‏ يفارقون به مجاعةَ‏ املسلمني؛ يوالون عليه<br />

ويعادون؛ كان مِن نوع اخلطأ.‏ واهلل سبحانه وتعاىل يغفر للمؤمنني خطأهم يف مثلِ‏<br />

ذلك«‏ ((( .<br />

وليس كلُّ‏ مرتكبٍ‏ للبدعة مبتدعً‏ ا كام هو مقررٌ‏ يف أصول أهل السّ‏ نّة.‏<br />

5- أهمُّ‏ ما ينبغي التنبيه عليه يف التّصدّ‏ ي ل<strong>شبهات</strong>ِ‏ الغالة وتلبيساهتم،‏ واملبتدعة<br />

عمومً‏ ا،‏ أنَّ‏ م يعمِ‏ دون إىل االستدالل عىل انحرافاهتم بجانبٍ‏ مِن كالم أهل العلم،‏<br />

سواءً‏ ما جعلوه قواعدَ‏ عامة خمترصة،‏ أو حكامً‏ عىل أصلِ‏ املسألةِ‏ ال حكامً‏ عىل الشخص<br />

املُعنيَّ‏ ، دون النّظر يف بقية تقريراهتم وتأصيالهتم للمسألة،‏ ممّا يوجب الرّ‏ جوعَ‏ إىل كالم<br />

أهلِ‏ العلم كامالً‏ للوقوف عىل حقيقةِ‏ قوهلم يف املسائل املطروحة،‏ وهو ما سيأيت التّنبيهُ‏<br />

إليه يف العديد مِن املواضع.‏<br />

كام أنَّ‏ م يعمِ‏ دون إىل األخذ باجتهاداتِ‏ بعضِ‏ أهلِ‏ العلم أو ما تفرَّ‏ دوا به مِن مسائلَ‏ ،<br />

والتي قد تكون مِن قبيل الزالّ‏ ت واألقوال الشاذّ‏ ة،‏ أو االجتهادات املخالفة لطريقة<br />

أهلِ‏ العلم،‏ فيرضبون هبا أقوالَ‏ مجاهري العلامء،‏ وجيعلونا أصوالً‏ حتُ‏ اكم النّصوصُ‏<br />

الرشّ‏ عية إليها،‏ وتُفسَّ‏ هبا،‏ وتُستنبطُ‏ املسائلُ‏ العقدية واألحكام الرشعية عىل ضوئها،‏<br />

فالواجبُ‏ عند عرض هذه األقوال الرّ‏ جوعُ‏ إىل تقرير مذهب أهل العلم يف املسائل<br />

املطروحة،‏ ثمّ‏ النّظر يف أفرادِ‏ هذه األقوال عىل ضوئه.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )349/3(.<br />

9


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقد حذَّ‏ ر أهلُ‏ العلم مِن هذا املسلك،‏ وبيَّنوا أنَّه قد يوصل إىل االبتداع يف الدّ‏ ين،‏<br />

واخلروج عن الرصاط املستقيم،‏ قال األوزاعي رمحه اهلل:‏ ‏»مَ‏ ن أخذ بنوادر العلامء<br />

خرج مِن اإلسالم«‏ ))) ، وقال الذهبي رمحه اهلل:‏ ‏»مَ‏ ن تتبّع رخَ‏ ص املذاهب،‏ وزالّ‏ ت<br />

املجتهدين فقد رَ‏ قّ‏ دينُه«‏ ))) .<br />

ويف اخلتام:‏ أتوجّ‏ ه بالشّ‏ كر والدّ‏ عاء لكلِّ‏ مَ‏ ن نصح،‏ أو استدرك،‏ أو اقرتح،‏ وهم<br />

كثريٌ‏ ، وأخصّ‏ بالشّ‏ كر:‏<br />

الشّ‏ يخ الدّ‏ كتور عامّ‏ ر بن إبراهيم العيسى الذي دقَّقَ‏ هذه النّسخة،‏ وأهدى عددً‏ ا<br />

كبريًا مِن التّصحيحات،‏ واملقرتحات لتحرير العديد من املسائل وضبطها.‏<br />

والشيخ الدكتور فهد بن صالح العجالن،‏ الذي سجَّ‏ ل نصائح ومقرتحات يف<br />

ضبطِ‏ عددٍ‏ من املسائل.‏<br />

والشيخ عامر بن أمحد الصياصنة الذي قدَّ‏ م نصائح ومقرتحات عديدة يف التَصحيحِ‏<br />

والصياغة.‏<br />

وأختم بالوالد الكريم األستاذ عبد الوهاب بن عبد الغني خيتي،‏ الذي كانت له<br />

قراءة أخرية،‏ وتوجيهات،‏ ونصائح،‏ وتصحيحات.‏<br />

وقد اجتهدت يف األخذ بملحوظاهتم ونصائحهم،‏ جزاهم اهلل عني وعن املسلمني<br />

خري اجلزاء،‏ وكتب ذلك يف موازين أعامهلم.‏<br />

كام أتقدم بالشكر ملركز البيان للبحوث والدراسات عىل اهتاممه هبذا الكتاب<br />

وإخراجه ضمن إصدارات املركز.‏<br />

))) أخرجه البيهقي يف السنن الكربى )356/10، برقم 20918(.<br />

))) سري أعالم النبالء )90/8(.<br />

10


مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

واهللَ‏ أسألُ‏ أن جيعل هذا العمل خالصً‏ ا لوجهه الكريم،‏ وأنْ‏ ينفعَ‏ به،‏ وأنْ‏ جيعله<br />

حجّ‏ ةً‏ لنا ال علينا،‏ وما كان فيه من صواب فهو من توفيق اهلل وحده،‏ وما كان فيه من<br />

خطأ أو خلل فهو من نفيس ومن الشيطان،‏ وأستغفر اهلل منه.‏<br />

واحلمد هلل رب العاملني..‏<br />

وكتبه<br />

عامد الدين بن عبد الوهاب خيتي<br />

‎1437-1-20‎ه<br />

‎2015-11-2‎م<br />

11


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

مقدمة الطبعة األولى<br />

إن احلمد هلل نحمده،‏ ونستعينه،‏ ونستغفره،‏ ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا،‏ ومن<br />

سيئات أعاملنا.‏<br />

من هيده اهلل فال مضل له،‏ ومن يضلل فال هادي له،‏ ونشهد أن ال إله إال اهلل وحده<br />

ال رشيك له،‏ ونشهد أن حممدً‏ ا عبدُ‏ ه ورسولُه،‏ وبعد:‏<br />

فمنذ أن ظهرت بعض التنظيامت ذات الفكر الغايل وعىل رأسها <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ عىل<br />

الساحة السورية؛ وهي تعمدُ‏ إىل بثِّ‏ الشُّ‏ به واملغالطات التي تدعم أفكارها وآراءها<br />

الغالية،‏ وحتاول هبا تضليل الناس وخداعهم،‏ والتشكيك والطعن يف املخالفني،‏<br />

ويشرتك معهم يف ذلك عددٌ‏ من املنارصين هلم واملدافعني عنهم.‏<br />

ونظرً‏ ا ملا حتمله هذه الشُّ‏ به من خطورة يف تلبيس احلق بالباطل،‏ وتغرير املسلمني<br />

بزائف القول واملعتقد،‏ وحَ‏ رف األحكام الرشعية عن حقيقتها،‏ وما يرتتَّب عىل<br />

ذلك من تكفري املسلمني،‏ واستحالل دمائهم وأمواهلم،‏ وإثارة الفتنة ونرش الشُّ‏ بهة<br />

والبدعة؛ كان لزامً‏ ا عىل محَ‏ ‏َلةِ‏ العلم بيانُ‏ الصحيح يف هذه املسائل،‏ <strong>والرد</strong>ُّ‏ عىل أهل<br />

البدع وال<strong>شبهات</strong>؛ محاية للعقيدة واملجتمعات،‏ وعمالً‏ بقوله تعاىل:‏ ‏}وَِإذْ‏ ‏َأخَ‏ ذَ‏ اللَّ‏ ُ مِيثَاقَ‏<br />

الَّذِ‏ ينَ‏ ‏ُأوتُوا الْكِ‏ تَابَ‏ لَتُبَيِّنُنَّهُ‏ لِ‏ نَّاسِ‏ وَلَ‏ تَكْ‏ تُمُ‏ ونَهُ{‏ ‏]آل عمران:‏ 178[.<br />

فانعقد العزم عىل مجع أهم هذه الشُّ‏ به وأكثرها خطورة،‏ حسب ما اطلعنا عليه،‏ ومما<br />

دار من حوارات ونقاشات مع العديد من املجاهدين،‏ وطلبة العلم واملختصني،‏ ومن<br />

نتاج العديد من الدروس والدورات العلمية،‏ ثم أجبنا عنها بطريقة علميةٍ‏ خمترصة،‏<br />

12


مقدّ‏ مة الطَّ‏ بعة الثانية<br />

ولغة ميسَّ‏ ة؛ حتى تكون قريبة من عموم املسلمني،‏ ال تسأمها النفوس وال متلُّ‏ ها،‏ مع<br />

العناية واالستفادة واإلحالة إىل ما صدر من بحوث ودراسات وفتاوى يف املسائل<br />

املطروحة،‏ واإلحالة إليها.‏<br />

وقد اكتفيت يف هذا الكتاب بالرَّ‏ دِّ‏ عىل أهم الشُّ‏ به،‏ دون استقصاء ملناقشة مجيع<br />

أفكار ال<strong>تنظيم</strong>،‏ ومعتقداته.‏<br />

فجاءت يف عرشين شبهة،‏ مقسمة إىل ثالثة أقسام:‏<br />

القسم األول:‏ الرَّ‏ دُّ‏ عىل الشُّ‏ به املتعلقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(.‏<br />

القسم الثاين:‏ الرَّ‏ دُّ‏ عىل الشُّ‏ به حول قتال <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(.‏<br />

القسم الثالث:‏ الرَّ‏ دُّ‏ عىل الشُّ‏ به حول منهج املخالفني ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(.‏<br />

وينبغي التنبُّه إىل أنَّ‏ هذه املسائل واألقسام مرتابطة،‏ ومبنيَّة بعضها عىل بعض،‏<br />

وبمجموعها يكتمل كشف ال<strong>شبهات</strong>.‏<br />

وقد قام بقراءة هذا الكتاب وإثرائه كل من:‏ فايز بن حسني الصالح،‏ ود.‏ معن بن عبد القادر<br />

كوسا،‏ وجهاد بن عبد الوهاب خيتي،‏ وعبادة بن حممد النارص،‏ وعامر بن إبراهيم العيسى.‏<br />

فنسأله ‏-تعاىل-‏ أن ينفع به،‏ وأن جيعله حجة لنا ال علينا،‏ وأن يردَّ‏ ضال املسلمني،‏<br />

وهيدي حائرهم،‏ وأن يقمع أهل الزيغ والفساد.‏<br />

واحلمد هلل رب العاملني.‏<br />

وكتبه<br />

عامد الدين بن عبد الوهاب خيتي<br />

‎1436/3/29‎ه ‏-‏‎2015/1/20‎م<br />

13


القسم األول:‏<br />

الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة األولى<br />

ال يفتي قاعدٌ‏ لمجاهد!‏<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

بداية:‏ كيف تتكلمون يف أمور اجلهاد واملجاهدين،‏ وحتكمون وتناقشون،‏ ومعلومٌ‏<br />

أنَّه ‏)ال يفتي قاعدٌ‏ ملجاهد(،‏ فال يؤخذ إال قولُ‏ أهلِ‏ الثّغور مِن املجاهدين يف نوازل<br />

اجلهادِ،‏ ومستقبل األمّ‏ ة،‏ وأمورها العظام.‏<br />

ويزيد بعضُ‏ هم قائالً‏ : إنَّ‏ اهللَ‏ تعاىل فضَّ‏ ل املجاهدين عىل القاعدين بقوله:‏ ‏}لَ‏ يَسْ‏ تَوِ‏ ي<br />

الْقَاعِدُ‏ ونَ‏ مِنَ‏ الْمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ‏ غَيْرُ‏ ‏ُأولِ‏ الضَّ‏ َ رِ‏ وَالْمُ‏ جَ‏ اهِدُ‏ ونَ‏ فِ‏ سَ‏ بِيلِ‏ اهلل بَِأمْوَ‏ الِهِ‏ مْ‏ وََأنْفُسِ‏ ‏ِمْ‏ فَضَّ‏ لَ‏ اهللُ‏<br />

الْمُ‏ جَ‏ اهِدِ‏ ينَ‏ بَِأمْوَ‏ الِهِ‏ مْ‏ وََأنْفُسِ‏ ‏ِمْ‏ عَلَ‏ الْقَاعِدِ‏ ينَ‏ دَرَجَ‏ ةً‏ وَكُ‏ لًّ‏ وَعَدَ‏ اهللُ‏ الْحُ‏ سْ‏ نَ‏ وَفَضَّ‏ لَ‏ اهللُ‏ الْمُ‏ جَ‏ اهِدِ‏ ينَ‏<br />

عَلَ‏ الْقَاعِدِ‏ ينَ‏ ‏َأجْ‏ رً‏ ا عَظِ‏ يمً‏ ا{‏ ‏]النساء:‏ 95[.<br />

الرشّ‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

أوالً‏ : إنَّ‏ مقولةَ‏ : ‏)ال يفتي قاعدٌ‏ ملجاهد(‏ ليست مِن القواعد الفقهية،‏ أو األصول<br />

عية التي يُعرف هبا احلقُّ‏ ، وليس هلا مستند رشعي مِن نصوص القرآن أو السنّة،‏<br />

ومل جيعلها أهلُ‏ العلم مقياسً‏ ا ملعرفة احلقِّ‏ مِن الباطل،‏ بل ذلك مِن البدع المُ‏ حدثة<br />

التي ختالف نصوصَ‏ الرشّ‏<br />

ع،‏ وقواعد االستدالل.‏<br />

17


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

إذ إنَّ‏ معرفةَ‏ احلقِّ‏ مِن الباطل،‏ واإلصابةَ‏ يف الفتوى ليست منوطةٌ‏ باجلهاد أو العبادة،‏<br />

وإنّام باالستدالل وطرائقه،‏ وقد بنيَّ‏ أهلُ‏ العلم رشوطَ‏ املفتي مستمَ‏ دّ‏ ةً‏ مِن األدلة<br />

املعتربة،‏ ومِن تلك الرشّ‏ وط ))) :<br />

1- العلمُ‏ بكتاب اهلل تعاىل،‏ وسُ‏ نّة رسوله #، وما يتعلق هبام مِن علومٍ.‏<br />

2- العلمُ‏ بمواطن اإلمجاع واخلالف واملذاهب واآلراء الفقهية.‏<br />

3- املعرفةُ‏ التّامّ‏ ةُ‏ بأصول الفقه ومبادئه وقواعده،‏ ومقاصد الرشّ‏ يعة،‏ والعلوم<br />

املعينة عىل فهم الكتاب والسّ‏ نّة مثل:‏ النحو،‏ والرصف،‏ والبالغة،‏ واللغة،‏ وغريها.‏<br />

4- املعرفةُ‏ بأحوال النّاس وأعرافِهم،‏ وأوضاع العرص ومستجداته،‏ ومراعاة<br />

تغريُّ‏ ها فيام بني عىل العرف املعترب الذي ال يصادم النّصَّ‏ .<br />

5- امللَكة الفقهية التي تؤهِّ‏ ل الستنباط األحكام الرشعية من النصوص.‏<br />

6- الرجوعُ‏ إىل أهل اخلربة يف التّخصُّ‏ صات املختلفة؛ لتصور املسألة املسؤول<br />

عنها،‏ كاملسائل الطبية واالقتصادية ونحوها.‏<br />

ومل يذكروا مِن رشوط املفتي أنْ‏ يكون مقاتالً‏ أو جماهدً‏ ا،‏ أو مقيامً‏ بمناطق<br />

الثّغور،‏ بل إنَّ‏ العاملَ‏ يُؤخذ بقوله أيًا كان موقعُ‏ ه،‏ واجلاهل يُرتك قولُه أيا كان مكانُه<br />

وعملُه.‏<br />

))) ينظر:‏ قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسالمي،‏ يف دورته السابعة عرشة<br />

بعامن عام ‎1427‎ه-‏‎2006‎م،‏ وللتوسع يمكن الرجوع لكتب أهل العلم التي تناولت أحكام الفتوى<br />

واملفتي،‏ ومنها:‏ الفقيه واملتفقه،‏ للخطيب البغدادي،‏ وأدب املفتي واملستفتي،‏ للنووي،‏ وصفة الفتوى،‏<br />

البن محدان،‏ وإعالم املوقعني،‏ البن القيم.‏<br />

18


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

والكثريُ‏ مِن األئمّ‏ ةِ‏ وأهلِ‏ العلم مل يكونوا مِن أهل الغزو،‏ كاألئمّ‏ ة األربعة،‏ إال أنَّ‏<br />

ما كتبوه وأفتوا به يف باب اجلهاد كان وما يزال عمدةً‏ يف الفقه اإلسالمي،‏ ومرجعً‏ ا<br />

للعلامء يف كلِّ‏ العصور.‏<br />

وإنّام جيب عىل الفقيه أنْ‏ يعرف حقيقةَ‏ ما يفتي به معرفةً‏ حقيقيةً‏ متُ‏ كّ‏ نه مِن تصوّ‏ ر<br />

املسألة تصورً‏ ا صحيحً‏ ا،‏ يُبنى عليه احلكمُ‏ الرشّ‏ عي.‏<br />

قال ابنُ‏ القيّم رمحه اهلل:‏ ‏»وال يتمكّ‏ ن املفتي،‏ وال احلاكمُ‏ مِن الفتوى واحلكمِ‏ باحلقِّ‏<br />

إال بنوعني مِن الفهم:‏<br />

أحدمها:‏ فَهْ‏ مُ‏ الواقع والفقهُ‏ فيه،‏ واستنباطُ‏ علمِ‏ حقيقةِ‏ ما وقع بالقرائن واألمارات<br />

والعالمات،‏ حتى حييط به علامً‏ .<br />

والنّوع الثّاين:‏ فهمُ‏ الواجب يف الواقع،‏ وهو فهمُ‏ حُ‏ كمِ‏ اهلل الذي حكَ‏ م به يف كتابه،‏<br />

أو عىل لسان رسوله # يف هذا الواقع،‏ ثم يطبّق أحدَ‏ مها عىل اآلخر«‏ ))) .<br />

وتصوُّ‏ ر املسألةِ‏ حيصل بالنَّقل واإلخبار،‏ وال يُشرتط وجودُ‏ العامل أو الفقيه يف مكان<br />

احلدث وزمانه،‏ وال يلزمُ‏ وقوفُه عليه بنفسِ‏ ه،‏ وما زال أهلُ‏ العلم والفتوى جييبون<br />

ويفتون عام يُرسَ‏ ل إليهم مِن املسائل وهم يف بلدانم،‏ بل ربّام وضعوا الكتب الطوال<br />

يف اإلجابة عن ذلك.‏<br />

ثانيًا:‏ للعامل فضلٌ‏ ومكانةٌ‏ يف اإلسالم ال يشاركه فيها أحدٌ‏ غريه،‏ ونصوصُ‏ القرآن<br />

والسّ‏ نّة مشهورةٌ‏ معلومةٌ‏ يف ذلك،‏ ومنها:‏<br />

- قوله تعاىل:‏ ‏}شَ‏ ‏ِدَ‏ اللَّ‏ ُ ‏َأنَّهُ‏ ل ‏ِإلَ‏ َ ‏ِإلَّ‏ هُوَ‏ وَالْمَ‏ لئِكَ‏ ةُ‏ وَُأوْلُوا الْعِلْمِ‏ قَائِمً‏ ا بِالْقِسْ‏ طِ‏ ل ‏ِإلَ‏ َ<br />

‏ِإلَّ‏ هُوَ‏ الْعَزِ‏ يزُ‏ الْحَ‏ كِ‏ ميُ{‏ ‏]آل عمران:‏ ١٨[.<br />

))) إعالم املوقعني )96/1(.<br />

19


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

20<br />

وقال القسطالّ‏ ين رمحه اهلل:‏ ‏»وعند النّسائي:‏ ‏)إنّ‏ ‏ِمِن خريِ‏ النّاسِ‏ رجالً‏ عمل يف سبيلِ‏<br />

اهللِ‏ عىل ظهر فرسِ‏ ه(‏ بمِ‏ ن التبعيضية،‏ وذلك يُقوّ‏ ي قولَ‏ مَ‏ ن قال:‏ إنّ‏ قولَه:‏ ‏)مؤمنٌ‏ جيُ‏ اهدُ‏ )<br />

املقدَّ‏ ر بقوله:‏ ‏)أفضلُ‏ الناس مؤمن جياهد(‏ عامٌّ‏ خمصوص،‏ وتقديره:‏ مِن أفضل النّاس؛<br />

ألنَّ‏ العلامءَ‏ الذين محلوا النّاس عىل الرشائع والسنن وقادوهم إىل اخلري أفضل«‏ ))) .<br />

وكونُ‏ الشخصِ‏ أفضلَ‏ يف دِينه وتعبُّده ال يعني استقاللَهُ‏ بالفتوى وأنَّه أحق هبا؛ فَمناطُ‏<br />

الفتوى العِلم وليسَ‏ األفضلية.‏<br />

وقال ابنُ‏ القيم رمحه اهلل:‏ ‏»استشهد سبحانه بأويل العلم عىل أجلّ‏ مشهودٍ‏ عليه وهو<br />

توحيدُ‏ ه،‏ وهذا يدلّ‏ عىل فضلِ‏ العلم وأهله«‏ ))) .<br />

- وقد شهد النّبيُّ‏ # للعلامء بوراثة علمِ‏ ومكانةِ‏ األنبياء،‏ فقال:‏ ‏)وإنّ‏ فضلَ‏ العاملِ‏<br />

عىل العابِدِ‏ كفضل القَ‏ مَ‏ رِ‏ ليلةَ‏ البدرِ‏ عىل سائر الكواكِبِ‏ ، وإنَّ‏ العلامءَ‏ ورثةُ‏ األنبياء(‏ ))) .<br />

وذُ‏ كر لرسول اهلل # رجالن أحدُ‏ مها عابدٌ‏ ، واآلخرُ‏ عاملٌ،‏ فقال رسولُ‏ اهلل #:<br />

‏)فَضْ‏ لُ‏ العَ‏ املِ‏ ِ عَ‏ ىلَ‏ العَ‏ ابِدِ‏ كَ‏ فَ‏ ضْ‏ يلِ‏ عَ‏ ىلَ‏ أَدْ‏ نَاكُ‏ مْ‏ ) ))) .<br />

- ومهام بلغ املجاهدُ‏ يف سبيل اهلل ‏-تعاىل-‏ مِن األجرِ‏ والفضلِ‏ فإنَّ‏ للعامل العامل<br />

بعلمه فضالً‏ يفوق ذلك؛ فاجلهادُ‏ نوعٌ‏ مِن العبادة،‏ وفضلُ‏ العامل عىل العابد كبريٌ‏ .<br />

وما جاء يف األحاديث أنَّ‏ أفضل األعاملِ‏ اجلهادُ‏ ، كحديث:‏ ‏)قيل:‏ يا رسولَ‏ اهلل<br />

أيُّ‏ النّاسِ‏ أفضلُ‏ ؟ فقال رسولُ‏ اهلل #: مؤمنٌ‏ جياهد يف سبيل اهلل بنفْ‏ سِ‏ ه وماله(‏ ))) ،<br />

فال تعني األفضليةَ‏ عىل اإلطالق،‏ وقد بنيَّ‏ أهلُ‏ العلم املرادَ‏ بذلك:‏<br />

))) إرشاد الساري لرشح صحيح البخاري )34/5(.<br />

))) مفتاح دار السعادة )48/1(.<br />

))) أخرجه أبو داود )485/5، برقم 3641(، والرتمذي )48/5، برقم 2682(، وابن ماجه )151/1، برقم 223(.<br />

))) أخرجه الرتمذي )50/5، برقم 2685(.<br />

))) أخرجه البخاري )15/4، برقم 2786(، ومسلم )1503/3، برقم 1888(.


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

قال العيني رمحه اهلل:‏ ‏»قالوا:‏ هذا عامٌ‏ خمصوصٌ‏ ، تقديرُ‏ ه:‏ هذا مِن أفضل الناس؛<br />

وإال فالعلامءُ‏ أفضل،‏ وكذا الصّ‏ دّ‏ يقون كام جاءت به األحاديث«‏ ))) .<br />

فَكونُ‏ الشخصِ‏ أفضلَ‏ يف دِينه وتعبُّده ال يعني استقاللَهُ‏ بالفتوى وأنَّه أحق هبا؛<br />

فَمناطُ‏ الفتوى بالعِلم وليسَ‏ األفضلية.‏<br />

- بل إنّ‏ ما يقوم به أهلُ‏ العلمِ‏ مِن توضيح معامل الدّ‏ ين،‏ وبيان األحكام الرشعية،‏<br />

وردّ‏ ما خيالفُ‏ الرشّ‏<br />

يعةَ‏ يُعَ‏ دُّ‏ مِن أعظم اجلهاد يف سبيل اهلل تعاىل.‏<br />

قال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»وإنّام جُ‏ عل طلبُ‏ العلم مِن سبيل اهللِ؛ ألنَّ‏ به قوامَ‏ اإلسالم،‏<br />

كام أنّ‏ قوامه باجلهاد،‏ فقوامُ‏ الدّ‏ ين بالعلم واجلهاد،‏ وهلذا كان اجلهادُ‏ نوعني:‏ جهادٌ‏<br />

باليد والسِّ‏ نان،‏ وهذا املشاركُ‏ فيه كثريٌ‏ ، والثاين اجلهادُ‏ باحلجّ‏ ة والبيان،‏ وهذا جهادُ‏<br />

اخلاصّ‏ ة مِن أتباع الرُّ‏ سل،‏ وهو جهادُ‏ األئمّ‏ ة،‏ وهو أفضلُ‏ اجلهادين؛ لعظَ‏ م منفعتِه،‏<br />

وشدّ‏ ة مؤنته،‏ وكثرة أعدائه...‏ وجاء عن بعضِ‏ الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم:‏ ‏)إذا جاء<br />

املوتُ‏ طالبَ‏ العلم وهو عىل هذه احلالِ‏ مات وهو شهيدٌ‏ (، وقال سفيانُ‏ بن عيينة:‏<br />

‏)مَ‏ ن طلب العلم فقد بايع اهلل عز وجل(،‏ وقال أبو الدرداء:‏ ‏)مَ‏ ن رأى الغدوَّ‏ والرّ‏ واحَ‏<br />

إىل العلم ليس بجهادٍ‏ فقد نقص يف عقله ورأيه(«‏ ))) .<br />

ثالثًا:‏ أمّ‏ ا قوله تعاىل:‏ ‏}ل يَسْ‏ تَوِ‏ ي الْقَاعِدُ‏ ونَ‏ مِنَ‏ الْمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ‏ غَيْرُ‏ ‏ُأوْلِ‏ الضَّ‏ َ رِ‏ وَالْمُ‏ جَ‏ اهِدُ‏ ونَ‏<br />

فِ‏ سَ‏ بِيلِ‏ اللَّ‏ ِ بَِأمْوَ‏ الِهِ‏ مْ‏ وََأنفُسِ‏ ‏ِمْ‏ فَضَّ‏ لَ‏ اللَّ‏ ُ الْمُ‏ جَ‏ اهِدِ‏ ينَ‏ بَِأمْوَ‏ الِهِ‏ مْ‏ وََأنفُسِ‏ ‏ِمْ‏ عَلَ‏ الْقَاعِدِ‏ ينَ‏ دَرَجَ‏ ةً‏<br />

وَكُ‏ لًّ‏ وَعَدَ‏ اللَّ‏ ُ الْحُ‏ سْ‏ نَ‏ وَفَضَّ‏ لَ‏ اللَّ‏ ُ الْمُ‏ جَ‏ اهِدِ‏ ينَ‏ عَلَ‏ الْقَاعِدِ‏ ينَ‏ ‏َأجْ‏ رً‏ ا عَظِ‏ يمً‏ ا{‏ ‏]النساء:‏ ٩٥[،<br />

فال يدلُّ‏ عىل ما فهمه الغالةُ‏ مِن أنَّه تفضيلٌ‏ مطلقٌ‏ للمجاهدين عىل غريهم،‏ بمَ‏ ن فيهم<br />

أهلُ‏ العلم،‏ وليس يف اآلية تفضيلٌ‏ للمقاتلني عىل غريهم بإطالق؛ إذ إنَّ‏ هذه اآلية<br />

))) عمدة القاري رشح صحيح البخاري )83/14(.<br />

))) مفتاح دار السعادة )70/1(.<br />

21


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

مسوقةٌ‏ لبيان فضلِ‏ مَ‏ ن جاهد يف سبيل اهلل تعاىل بامله ونَفْ‏ سه عىل القاعد عن اجلهادِ،‏<br />

وليس لبيان فضل املجاهدين عىل أهل العلم.‏<br />

قال البيضاوي رمحه اهلل:‏ ‏»أي ال مساواةَ‏ بينهم وبني مَ‏ ن قعد عن اجلهاد مِن غري<br />

عِ‏ لّةٍ،‏ وفائدتُه تذكري ما بينهام مِن التفاوتِ‏ ؛ لريغب القاعدُ‏ يف اجلهاد رفعً‏ ا لرتبته،‏ وأنَفَ‏ ةً‏<br />

عن انحطاط منزلته«‏ ))) .<br />

كام أنَّ‏ اآلية قرّ‏ رت أنَّ‏ مَ‏ ن قعد عن القتال لعذرٍ‏ فإنَّ‏ له مثلَ‏ أجر املجاهدين.‏<br />

قال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»وصحّ‏ وثبت يف اخلرب أنّه عليه السالم قال وقد قفل مِن<br />

بعض غزواته:‏ ‏)إنَّ‏ باملدينةِ‏ رجاالً‏ ما قطعتم واديًا،‏ وال رستم مسريًا،‏ إال كانوا معكم،‏<br />

أولئك قومٌ‏ حبسهم العذرُ‏ ) ))) ، فهذا يقتيض أنَّ‏ صاحبَ‏ العُ‏ ذر يُعطى أجرَ‏ الغازي،‏<br />

فقيل:‏ حيتمل أنْ‏ يكون أجرُ‏ ه مساويًا،‏ ويف فضل اهلل متَّسعٌ‏ ، وثوابُه فضلٌ‏ ال استحقاقٌ‏ ،<br />

فيُثيب عىل النّية الصّ‏ ادقة ما ال يُثيب عىل الفعل،‏ وقيل:‏ يُعطى أجرَ‏ ه مِن غري تضعيفٍ‏ ،<br />

فيَفْ‏ ضُ‏ له الغازي بالتّضعيف للمبارشة.‏ واهلل أعلم.‏<br />

قلتُ‏ : والقولُ‏ األوّ‏ لُ‏ أصحُّ‏ إن شاء اهلل؛ للحديث الصحيح يف ذلك ‏)إنَّ‏ باملدينةِ‏ رجاالً‏ (،<br />

وحلديث أيب كَ‏ بْشةَ‏ األنامري قوله عليه السالم:‏ ‏)إنّام الدّ‏ نيا ألربعةِ‏ نفرٍ...(‏ احلديث(«‏ ))) .<br />

))) أنوار التنزيل وأرسار التأويل ‏»تفسري البيضاوي«‏ )91/2(.<br />

))) أخرجه البخاري )8/6، برقم‎4423‎‏(،‏ ومسلم )1518/3، برقم 1911(.<br />

))) اجلامع ألحكام القرآن ‏»تفسري القرطبي«‏ )342/5(.<br />

وحديث أيب كبشة أخرجه الرتمذي )563/4، برقم 2325( بلفظِ‏ : ‏)إنّام الدنيا ألربعةِ‏ نفرٍ:‏ عبدٍ‏ رزقه اهلل<br />

ماالً‏ وعلامً‏ ، فهو يتقي فيه ربَّه،‏ ويصِ‏ ل فيه رمحِ‏ ‏َه،‏ ويعلم هلل فيه حقًّ‏ ا،‏ فهذا بأفضل املنازل،‏ وعبدٍ‏ رزقه<br />

اهلل علامً‏ ، ومل يرزقه ماالً‏ ، فهو صادقُ‏ النّيةِ؛ يقولُ‏ : لو أنّ‏ يل ماالً‏ لعملتُ‏ بعمل فالنٍ‏ ، فهو بنيته فأجرمها<br />

سواءٌ‏ ، وعبدٍ‏ رزقه اهلل ماالً‏ ، ومل يرزقه علامً‏ ، فهو خيبِط يف ماله بغري علم،‏ ال يتقي فيه ربَّه،‏ وال يصل فيه<br />

رمحَه،‏ وال يعلم هلل فيه حقًّ‏ ا،‏ فهذا بأخبث املنازل،‏ وعبدٍ‏ مل يرزقه اهلل ماالً‏ ، وال علامً‏ فهو يقول:‏ لو أنّ‏ يل<br />

ماالً‏ لعملتُ‏ فيه بعمل فالنٍ‏ ، فهو بنيته،‏ فوزرُ‏ مها سواءٌ‏ (.<br />

22


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فإذا كان تَركُ‏ القتال مِن أجل االشتغال بالعلم،‏ وتعليم الناس،‏ وإفتاء املجاهدين،‏<br />

ونرصهتم باللّسان:‏ فإنَّ‏ ذلك مِن اجلهاد،‏ بل قد يكون أفضلَ‏ مِن عمل كثريٍ‏ من<br />

املجاهدين املقاتلني،‏ كام يشمل ذلك الفضل كل من كان له عملٌ‏ يف دعم اجلهاد،‏<br />

أو كان يف حاجة املجاهدين،‏ أو خَ‏ لَفهم يف أهلهم بخريٍ‏ مِن اإلغاثيني،‏ واألطباء،‏<br />

واإلعالميني،‏ ونحوهم،‏ ومَ‏ ن شارك يف اجلهاد بأيِّ‏ نوعٍ‏ من أنواعِ‏ ه فليس مِن املضيّعني<br />

املفرّ‏ طني،‏ فكيف إذا كان يشارك بعلمه وتوجيهه وفتاواه للمجاهدين؟!.‏<br />

بل إنَّ‏ كثريًا من العبادات جاء ذكرها يف الرشع بألفاظ التفضيل مثل ‏)أفضل(،‏ فهل<br />

يعني ذلك أنَّ‏ مَ‏ ن متسك بعبادة منها أنَّه جديرٌ‏ باحلق،‏ بسبب هذا التفضيل؟<br />

قال ابنُ‏ دقيق العيد رمحه اهلل:‏ ‏»وقد اختلفت األحاديث يف فضائلِ‏ األعامل،‏<br />

وتقديمِ‏ بعضها عىل بعض،‏ والذي قيل يف هذا:‏ إنا أجوبة خمصوصة لسائل<br />

خمصوص،‏ أو من هو يف مثلِ‏ حاله،‏ أو هي خمصوصة ببعض األحوال التي تُرشد<br />

القرائن إىل أنَّ‏ ا املراد...‏<br />

ولو خُ‏ وطب بذلك الشجاع الباسل املتأهّ‏ ل للنفع األكرب يف القتال لقيل له:‏<br />

‏»اجلهاد«،‏ ولو خوطب به من ال يقوم مقامه يف القتال وال يتمحّ‏ ض حاله لصالحية<br />

التبتّل لذكر اهلل تعاىل،‏ وكان غنيًا يُنتفع بصدقة ماله لقيل له:‏ ‏»الصدقة«،‏ وهكذا يف<br />

بقية أحوال الناس،‏ قد يكون األفضل يف حق هذا خمالفً‏ ا يف حق ذاك،‏ بحسب ترجيح<br />

املصلحة التي تليق به«‏ ))) .<br />

فليس اجلهاد هو العبادة الوحيدة الذي جاء ختصيصه بفضل،‏ مما يدل عىل أنَّ‏ هذا<br />

التفضيل ليس بإطالق.‏<br />

))) إحكام األحكام )163/1(.<br />

23


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

رابعً‏ ا:‏ عىل فرضِ‏ علم املجاهدين بالواقع فإنَّه ال يعني معرفتَهم باحلكم،‏ أو أحقّ‏ يتَهم<br />

بالفتوى؛ إذ احلكمُ‏ الرشّ‏ عي يؤخذ مِن كتاب اهلل وسنّة رسوله #، والعارفُ‏ هبام هو<br />

العامل.‏<br />

قال تعاىل:‏ ‏}فَِإنْ‏ تَنَازَعْ‏ تُ‏ ْ فِ‏ شَ‏ ْ ءٍ‏ فَرُدُّوهُ‏ ‏ِإلَ‏ اهللِ‏ وَالرَّ‏ سُ‏ ولِ‏ ‏ِإنْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاللِ‏ وَالْيَوْ‏ م الْ‏ خِ‏ رِ‏<br />

ذَلِكَ‏ خَ‏ يْرٌ‏ وََأحْ‏ سَ‏ نُ‏ تَأْوِيلً‏ } ‏]النساء:‏ 59[، وقال:‏ ‏}فَاسْ‏ ‏َألُوا ‏َأهْلَ‏ الذِّ‏ كْ‏ رِ‏ ‏ِإنْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ لَ‏ تَعْلَمُ‏ ونَ‏ }<br />

‏]النحل:‏ 43[، وقال:‏ ‏}وَلَوْ‏ رَدُّوهُ‏ ‏ِإلَ‏ الرَّ‏ سُ‏ ولِ‏ وَِإلَ‏ ‏ُأولِ‏ الْ‏ ‏َمْرِ‏ مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَ‏ هُ‏ الَّذِ‏ ينَ‏ يَسْ‏ تَنْبِطُ‏ ونَهُ‏<br />

مِنْهُمْ‏ } ‏]النساء:‏ 82[.<br />

فمسائلُ‏ الرشّ‏ ع ال يُقدَّ‏ م فيها قولُ‏ املجاهد عىل العامل،‏ وال يُعترب قولُ‏ املجاهد إال أن<br />

يكون مِن أهلِ‏ العلم والفتوى،‏ كام ال يُقدَّ‏ م قولُ‏ عاملٍ‏ يف الثّغور عىل عاملٍ‏ غريِ‏ مقاتلٍ‏ يف<br />

مسائل الرشّ‏ ع والتّأصيل؛ ملجرِّ‏ د مكان وجوده أو لقتاله،‏ وإنّام يُقدّ‏ مُ‏ لرجحان قوله<br />

وفتواه،‏ وقوّ‏ ةِ‏ دليلِه كام قرّ‏ ره أهلُ‏ العلم،‏ فكيف إذا كان ما يَعرِض للمجاهدين مِن<br />

القضايا والنّوازل اخلطرية:‏ كأحكام األرسى،‏ والغنائم،‏ واملعاهدات،‏ وغريها مما<br />

حيتاج إىل رسوخٍ‏ يف العلمِ‏ ، ومعرفةٍ‏ تامّ‏ ةٍ‏ بمسائل احلالل واحلرام؟!.‏<br />

كام أنّ‏ صفوفَ‏ املجاهدين ال ختلو مِن وجود جهلةٍ،‏ أو عصاةٍ،‏ أو مَ‏ ن يقاتل شجاعةً‏<br />

أو محيةً‏ ، وربام مَ‏ ن ليس مِن املجاهدين أصالً‏ ! ومجيعُ‏ أولئك ليسوا مِن أهل الفتوى<br />

وال القضاء،‏ مهام علت مراتبُهم،‏ أو تطاولت يف ساحات املعارك إقامتُهم،‏ أفتُقدّ‏ مُ‏<br />

أقواهلُ‏ م عىل أهل العلم والفتوى إذا مل يُقاتِلوا؟!.‏<br />

أمّ‏ ا يف جمال العمل العسكري،‏ والتخطيط امليداين للمعارك،‏ وتدريب اجلند،‏ وتوزيعهم<br />

عىل الكتائب،‏ وتقسيم اجليوش،‏ وأنواع األسلحة،‏ ونحو ذلك مما هو مِن طبيعة اجلهاد<br />

والقيادة،‏ فيعود تقديرُ‏ ه إىل أصحاب اخلربةٍ‏ فيه،‏ وهذا ال ينازعهم فيه العلامءُ‏ .<br />

24


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

خامسً‏ ا:‏ لو كان تقديمُ‏ قولِ‏ املجاهد عىل العامل صحيحً‏ ا الدَّ‏ عى أصحابُ‏ االختصاصات<br />

األخرى،‏ واملهن املختلفة أنّه ال يُؤخذ إال بفتوى مَ‏ ن يعمل عملَهم،‏ أو مَ‏ ن هو قريبٌ‏ مِن<br />

صنعتهم،‏ فالطبيبُ‏ ال يأخذ إال بفتوى طبيبٍ‏ مثله،‏ والصّ‏ انعُ‏ ال يأخذ إال بفتوى صانعٍ‏<br />

مثله،‏ وكذا التّاجر،‏ واملزارع،‏ وغريهم،‏ وهذا قولٌ‏ بنيِّ‏ الفساد والبُطالن.‏<br />

ومازال أهلُ‏ الصّ‏ نائع واملهن والتّخصّ‏ صات املختلفة يرجعون ألهل العلم،‏<br />

ويُصوِّ‏ رون هلم املسائلَ‏ ويُقرِّ‏ بونا؛ ليتمكن أهلُ‏ العلم مِن إفتائهم فيها.‏<br />

وحديثًا فإنَّ‏ مؤسسات البحث العلمي واإلفتاء ترجع إىل أهل اخلربةِ‏ والتّخصّ‏ ص<br />

يف كلِّ‏ بابٍ‏ ؛ للسّ‏ ؤال عامّ‏ خيفى عليهم ممّا يتعلق باملسائل التي يبحثونا؛ حتى تكون<br />

أبحاثُهم وفتاواهم مبنيةً‏ عىل تصوّ‏ ر صحيحٍ‏ للواقع الذي يُفتون فيه.‏<br />

فمآلُ‏ هذه املقولةِ‏ ردُّ‏ أقوالِ‏ العلامء الثّقات األثبات املعروفني،‏ محلةِ‏ الدّ‏ ين،‏ وحرّ‏ اسِ‏<br />

الرشع،‏ وحصنِه املنيع،‏ الذين ‏)ينفون عنه حتريفَ‏ الغالني،‏ وانتحالَ‏ املبطلني،‏ وتأويلَ‏<br />

اجلاهلني(‏ ))) ، وال يتحصّ‏ ل العلمُ‏ إال عن طريقِهم،‏ وال يُتوصّ‏ ل إىل احلقِّ‏ إال هبم،‏<br />

واألخذُ‏ بأقوالِ‏ مَ‏ ن مل ترسخ قدمُ‏ ه يف العلم،‏ ومل يُعرف بفقهٍ‏ وال علمٍ‏ ))) ، فيحصلُ‏<br />

))) أخرجه البزّ‏ ار يف مسنده )247/16، برقم 9423(، والطحاوي يف رشح مشكل اآلثار )17/10،<br />

برقم 3884(، والطرباين يف مسند الشاميني )344/1 برقم 599(، والبيهقي يف السنن الكربى<br />

)353/10، برقم 20911( عن عددٍ‏ من الصحابة:‏ أنّ‏ النبي # قال:‏ ‏)حيمل هذا العلمَ‏ مِن كلِّ‏<br />

خلفٍ‏ عدولُه،‏ ينفون عنه حتريفَ‏ الغالني،‏ وانتحالَ‏ املبطلني،‏ وتأويلَ‏ اجلاهلني(،‏ ويف ثبوته خالفٌ‏ .<br />

))) لعلّ‏ مِن أخطر ما يعمل عليه الغالةُ‏ خاصةً‏ ، وأهلُ‏ األهواء والشهوات عمومً‏ ا إسقاط مكانة العلامء<br />

وتشوهيها،‏ تارة بالتهوين من مكانتهم،‏ وتارة بزعم عدم فهمهم أو علمهم بقضايا الواقع واجلهاد<br />

واحلكم والسياسة،‏ وتارة بادّ‏ عاء التجرّ‏ د للحقّ‏ واتباعه،‏ وتارة بتخوينهم والطّ‏ عن فيهم بتهم إعانة<br />

الطّ‏ واغيت،‏ أو مواالهتم،‏ أو اخلضوع هلم،‏ أو وَ‏ سْ‏ مهم بأنم علامء السالطني،‏ أو سدنة الرشك،‏ وغري<br />

ذلك..‏ مع تنصيب رؤوسٍ‏ جهّ‏ ال يقررون هلم املسائل الكبار،‏ ويفتونم يف الدماء واألعراض..‏<br />

فإذا تزعزعت ثقةُ‏ الشّ‏ باب بأهلِ‏ العلم سقط هذا احلصنُ‏ املنيعُ‏ ، ومل يبقَ‏ للشّ‏ باب حصانةٌ‏ أمامَ‏ أيِّ‏ فكرٍ‏<br />

أو انحرافٍ‏ يُعرض عليهم؛ لعدم وجود مَ‏ ن يرجعون إليه يف هذه املدهلامت واخلطوب.‏<br />

25


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

بذلك االنحرافُ‏ ، كام قال #: ‏)إنَّ‏ اهللَ‏ ال يقبض العلمَ‏ انتزاعً‏ ا ينتزعه مِن العباد،‏ ولكن<br />

يقبض العلمَ‏ بقبض العلامء،‏ حتى إذا مل يُبقِ‏ عاملاً‏ اختذ النّاسُ‏ رؤوسً‏ ا جهّ‏ االً‏ ، فسُ‏ ئلوا<br />

فأفتوا بغري علمٍ‏ ، فضلّوا وأضلّوا(‏ ))) .<br />

وواقِعُ‏ الغالةِ‏ أنَّ‏ م ال يَقبلون حتى مَ‏ ن كان جمُ‏ اهِ‏ دً‏ ا من العُ‏ لامء وطَ‏ لَبةِ‏ العِلم،‏<br />

وساحاتُ‏ اجلهاد مألى هبم،‏ وهم منترشونَ‏ بني كافةِ‏ الفصائل،‏ بل كل من خَ‏ الَفهم<br />

كفَّ‏ روهُ‏ وضَ‏ لَّلوه ولو كان من أهل السَّ‏ ابقة يف اجلهاد؛ لذا فإنَّ‏ م ال يَقبلونَ‏ إال من كان<br />

عىل مَ‏ نهجهم ولو مل يكن جماهدً‏ ا،‏ ويرفضونَ‏ من خَ‏ الفهم ولو كان جماهدً‏ ا.‏<br />

واخلالصة:‏ أنَّه جيب الرّ‏ جوعُ‏ ألقوالِ‏ الثّقات األثبات مِن أهل العلم،‏ وأخذ<br />

الفتوى عنهم،‏ سواء كانوا ممّن محل السّ‏ الحَ‏ أم ال؛ فالعربةُ‏ بصحّ‏ ة االستدالل ممّن هو<br />

أهلٌ‏ لذلك،‏ أمّ‏ ا محلُ‏ السالح فال أثرَ‏ له يف صحّ‏ ة الفتوى،‏ واعتبار العلم.‏<br />

))) أخرجه البخاري )31/1، برقم 100(، ومسلم )2058/4، برقم 2673(.<br />

26


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة الثانية<br />

صدور فتاوى واجتهادات ال<strong>تنظيم</strong> مِ‏ ن هيئة شرعية معتبرة<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

بام أنَّكم قرَّ‏ رتم أنَّ‏ العلمَ‏ يؤخذ مِن أهله،‏ ففتاوانا،‏ وبياناتنا،‏ ومجيع ما يصدر عنّا<br />

مِن قرارت وأحكام إنّام يصدر عن هيئةٍ‏ رشعيةٍ‏ معتربةٍ،‏ مكوَّ‏ نة مِن طلبةِ‏ علمٍ‏ ، أخذوا<br />

العلمَ‏ عن املشايخ،‏ ويف املؤسسات العلمية،‏ وحصل بعضُ‏ هم عىل شهاداتٍ‏ رشعيةٍ‏<br />

عليا،‏ فال جيوز ردُّ‏ أقواهلم وفتاواهم ملجرد املخالفة.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

يف هذه الشّ‏ بهة مغالطاتٌ‏ عديدةٌ‏ ، بيانا فيام ييل:‏<br />

أوالً‏ : جمرّ‏ دُ‏ احلضور عند املشايخ،‏ واجللوس يف حلقاهتم،‏ وأخذ بعض العلم عنهم،‏<br />

أو الدّ‏ راسة يف اجلامعات أو املعاهد ال جتعل الشّ‏ خص من أهل العلم أو الفتوى،‏ بل<br />

ال تعدو أن تضعه عىل عتبات العلم،‏ وتيسّ‏ له سبلَ‏ املنهجية يف طلبه،‏ وليست العربة<br />

بمجرد اجللوس،‏ أو عدد الدروس،‏ أو كمية الكتب املقروءة،‏ أو السّ‏ نوات املقضية،‏<br />

أو الشّ‏ هادات املتحصلة،‏ بل بالفهم السّ‏ ليم واحلفظ والتأهُّ‏ ل.‏<br />

وال يستحق الشخص أن يُعدّ‏ مِن أهل العلم إال إن شهد له العلامء،‏ واستفاض<br />

أمرُ‏ ه،‏ واشتهر فضلُه،‏ وعُ‏ رف بعلمه،‏ وعدم شذوذه عن احلقّ‏ ، أمّ‏ ا اإلفتاء والقضاء بني<br />

النّاس،‏ فله رشوطٌ‏ أخرى سبق بعضها.‏<br />

27


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

كام أنَّ‏ تزكيةَ‏ العامل لطالبِ‏ العلم ال تعني أنَّ‏ طالب العلم هذا مزكّ‏ ى يف كلّ‏ يشء،‏<br />

أو إىل األبد،‏ وال تدلّ‏ عىل صحّ‏ ةِ‏ كلِّ‏ ما يقول،‏ وإال لكان ذلك عصمةً‏ له،‏ بل تعني<br />

أنَّ‏ هذا الشّ‏ خص مِن املقبولني يف العلم الرشّ‏<br />

عي،‏ ثم يُنظر يف أقواله وأعامله فإن كانت<br />

موافقةً‏ للحق فيُقبل منه،‏ وإال كان كالمهُ‏ مردودً‏ ا ‏-كائنًا مَ‏ ن كان-‏ ال سيام إذا انحرف<br />

عن طريقة أهل العلم.‏<br />

فكونُ‏ الشخص من العلامءِ‏ أو من طلبة العلم ال يعني األخذَ‏ بام يقوله إذا خالف<br />

الرشع؛ بل من خالف الرشع مل يؤخذ بقوله،‏ ومن عرف حال رشعيي هؤالء وفتاواهم<br />

وأقضيتهم عرف أن فعلهم ال يسوّ‏ غه جمتهد،‏ وال يقول به عامل عىل منهج أهل السنة.‏<br />

كام أنَّ‏ تعلُّ‏ ق <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هبذا الكالم مردودٌ‏ وباطل؛ ألنَّ‏ من درس من رشعييه<br />

عند أهل العلم أو يف املؤسسات التعليمية،‏ قد خالفوا املشايخ الذين درسوا عليهم،‏<br />

واملؤسسات التعليمية التي خترّ‏ جوا فيها،‏ يف املنهج،‏ ويف الفتاوى،‏ وطعنوا هبم،‏ وكالوا<br />

هلم التُّهم،‏ ونَكَ‏ لوا عن طريقتِهم إىل طريقة أخرى ال يرتضيها أهلُ‏ العلم أولئك،‏ فال<br />

حجّ‏ ةَ‏ هلم بذلك.‏<br />

قال الشّ‏ اطبي رمحه اهلل:‏ ‏»وللعامل املتحقّ‏ قِ‏ بالعلم أماراتٌ‏ وعالماتٌ‏ تتّفق مع ما<br />

تقدّ‏ م وإن خالفتها يف النّظر،‏ وهي ثالثٌ‏ :<br />

إحداها:‏ العملُ‏ بام علم حتى يكون قولُه مطابقً‏ ا لفعله،‏ فإن كان خمالفً‏ ا له فليس<br />

بأهلٍ‏ ألنْ‏ يؤخذ عنه،‏ وال أنْ‏ يُقتدى به يف علم..‏<br />

والثّانية:‏ أنْ‏ يكون ممّن ربّاه الشّ‏ يوخ يف ذلك العلم ألخذه عنهم ومالزمته هلم،‏ فهو<br />

اجلديرُ‏ بأنْ‏ يتّصف بام اتّصفوا به مِن ذلك،‏ وهكذا كان شأن السّ‏ لف الصالح؛ فأوّ‏ لُ‏<br />

ذلك مالزمةُ‏ الصّ‏ حابة ‏-ريض اهلل عنهم-‏ لرسول اهلل،‏ وأخذُ‏ هم بأقواله وأفعاله...‏<br />

28


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وحسبك مِن صحّ‏ ة هذه القاعدة أنّك ال جتد عالامً‏ اشتهر يف النّاسِ‏ األخذُ‏ عنه إال وله<br />

قدوةٌ‏ اشتهر يف قرنه بمثل ذلك،‏ وقلّام وُ‏ جدت فرقةٌ‏ زائغةٌ‏ ، وال أحدٌ‏ خمالفٌ‏ للسّ‏ نّة<br />

إال وهو مفارقٌ‏ هلذا الوصف...‏<br />

والثالثة:‏ االقتداءُ‏ بمَ‏ ن أخذ عنه،‏ والتأدّ‏ بُ‏ بأدبه كام علمتَ‏ مِن اقتداء الصّ‏ حابة بالنّبي<br />

#، واقتداء التّابعني بالصّ‏ حابة،‏ وهكذا يف كلِّ‏ قرن...‏ فلامّ‏ تُرك هذا الوصفُ‏ رَ‏ فعت<br />

البدعُ‏ رؤوسَ‏ ها؛ ألنَّ‏ تركَ‏ االقتداء دليلٌ‏ عىل أمرٍ‏ حدث عند التّارك،‏ أصْ‏ لُه اتّباعُ‏ اهلوى«‏ ))) .<br />

فالعربةُ‏ بتحصيل العلم الصّ‏ حيح،‏ والورع والتقوى،‏ والتمسك بمنهج أهل العلم،‏<br />

ال باملناصب،‏ أو األتباع،‏ أو املؤلّفات والشهادات.‏<br />

ثانيًا:‏ ما قيل عن دراسة رشعيي <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وقضاهتم وقادهتم وأخذهم عن<br />

املشايخ غري صحيح يف الغالب،‏ بل الثابتُ‏ أنَّ‏ معظمَ‏ هم مل يطلب علامً‏ عىل شيخٍ‏ ، ومل<br />

تُعرف له سابقةٌ‏ يف طلب العلم،‏ فضالً‏ عن كونم جماهيل غري معروفني،‏ جماهيل العني<br />

أو احلال،‏ وظهور أسامء بعض أفرادهم ال يرفع اجلهالة عن جهاهتم املختصّ‏ ة بالفتيا<br />

غري املزكَّ‏ اة من أهل العلم.‏<br />

إذ إنَّه ال يُؤخذ بقولِ‏ كلِّ‏ مَ‏ ن ادَّ‏ عى العلم أو حفظ شيئًا منه،‏ إال ممّن شهد له أهلُ‏<br />

العلم الراسخون بالعلم،‏ والقدرة عىل الفتيا،‏ ومِن كالمهم يف ذلك:‏<br />

قال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»وال يُتعلَّم إال ممن تكمَّ‏ لت أهليتُه،‏ وظهرت ديانتُه،‏ وحتقَّ‏ قت<br />

معرفتُه،‏ واشتهرت صيانتُه؛ فقد قال حممد بن سريين ومالك بن أنس وغريُ‏ هام مِن<br />

السلف:‏ ‏)هذا العلم دينٌ‏ ، فانظروا عمَّ‏ ن تأخذون دينَكم(«‏ ))) .<br />

((( املوافقات .)141/1(<br />

))) التبيان يف آداب محلة القرآن ص )47(.<br />

29


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال أبو الزّ‏ ناد رمحه اهلل:‏ ‏»أدركتُ‏ باملدينة مئةً‏ ، كلُّ‏ هم مأمونٌ‏ ‏]أي مِن الكذب[،‏ ما<br />

يؤخذ عنهم احلديثُ‏ ، يُقال:‏ ليس مِن أهله«‏ ))) .<br />

فإذا كان هذا يف حقِّ‏ مَ‏ ن عُ‏ رفت ديانتُه وأمانته،‏ فكيف باملجاهيل الذين ال يُعرفون،‏<br />

وال يُعرف أهم أهلُ‏ سنةٍ‏ أم أهلُ‏ بدعة؟ قال ابنُ‏ سريين رمحه اهلل:‏ ‏»مل يكونوا يسألون<br />

عن اإلسناد،‏ فلامّ‏ وقعت الفتنةُ‏ ، قالوا:‏ سَ‏ مُّ‏ وا لنا رجالكم،‏ فَيُنْظَ‏ رُ‏ إىل أهل السّ‏ نّة فَيُؤْ‏ خَ‏ ذُ‏<br />

حديثهم،‏ وَ‏ يُنْظَ‏ رُ‏ إىل أهل البدع فال يُؤْ‏ خَ‏ ذُ‏ حديثهم«‏ ))) .<br />

وكتب مالك بن أنس إىل حممد بن مطرّ‏ ف رمحهام اهلل:‏ ‏»سالمٌ‏ عليك،‏ فإين أمحد<br />

إليك اهلل الذي ال إله إال هو،‏ أمّ‏ ا بعدُ‏ : فإين أوصيك بتقوى اهلل - فذكره بطوله -...<br />

خذه ‏-يعني العلمَ‏ - مِن أهله الذين ورثوه ممّن كان قبلهم يقينًا بذلك،‏ وال تأخذ كلّ‏ ما<br />

تسمع قائالً‏ يقوله،‏ فإنّه ليس ينبغي أنْ‏ يؤخذ مِن كلِّ‏ حمُ‏ ‏ْدِ‏ ثٍ‏ ، وال مِن كلِّ‏ مَ‏ ن قال«‏ ))) .<br />

وقال اإلمام مالك رمحه اهلل:‏ ‏»ليس كلُّ‏ مَ‏ ن أحبَّ‏ أن جيلس يف املسجد للحديث<br />

والفتيا جلس،‏ حتى يُشاوَ‏ ر فيه أهلُ‏ الصّ‏ الح والفضل وأهلُ‏ اجلهة مِن املسجد،‏ فإنْ‏<br />

رأوه لذلك أهالً‏ جلس.‏ وما جلستُ‏ حتى شهد يل سبعون شيخً‏ ا مِن أهل العلم إين<br />

ملوضعٌ‏ لذلك«‏ ))) .<br />

وقال الشّ‏ اطبي رمحه اهلل:‏ ».. والثّاين:‏ أن ال يكون مِن أهل االجتهاد،‏ وإنّام أدخل<br />

نفسَ‏ ه فيه غلطً‏ ا أو مغالطةً‏ ؛ إذ مل يشهد له باالستحقاق أهلُ‏ الرّ‏ تبة،‏ وال رأوه أهالً‏<br />

للدّ‏ خول معهم؛ فهذا مذمومٌ‏ . وقلّام تقع املخالفةُ‏ لعمل املتقدّ‏ مني إال مِن أهل هذا<br />

))) أخرجه مسلم يف مقدمة صحيحه،‏ باب يف أنّ‏ اإلسناد من الدين )15/1(.<br />

))) املصدر السابق.‏<br />

))) الكفاية يف علوم الرواية،‏ للخطيب البغدادي ص )159(.<br />

))) ترتيب املدارك،‏ للقايض عياض )142/1(.<br />

30


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

القسم«‏ ((( .<br />

وإذا كانت قراءةُ‏ القرآن ال بدّ‏ فيها مِن األخذ عن أهل العلم بسندٍ‏ وإجازةٍ،‏ فكيف<br />

بفهم القرآن واستنباط األحكام الرشّ‏ عية منه؟<br />

ثالثًا:‏ ذكر أهلُ‏ العلم مراتبَ‏ للعلامء،‏ ومَ‏ ن تؤخذ عنه الفتوى ومَ‏ ن ال تؤخذ،‏ ومَ‏ ن<br />

حيقّ‏ له أن جيتهدَ‏ ومَ‏ ن ال حيقّ‏ له،‏ وجعلوا لكلِّ‏ فنٍّ‏ مِن فنون العلم مراتبَه ورشوطَ‏ ه،‏<br />

وراعَ‏ وا االختصاصَ‏ ، فمَ‏ ن تقدّ‏ م يف علمٍ‏ مل يقبلوا قولَه يف علمٍ‏ آخرَ‏ إذا مل يتقدّ‏ م فيه،‏<br />

لكنّ‏ الغالةَ‏ عمومً‏ ا ابتدعوا يف ذلك طريقةً‏ تقوم عىل تزكيةِ‏ كلِّ‏ مَ‏ ن تصدّ‏ ر منهم للعلم<br />

والفتوى،‏ فيأخذون عنه يف كلّ‏ العلوم،‏ وجيعلون له حق االجتهاد يف أدقّ‏ املسائل<br />

وأخطرها،‏ ويُضفون عليه مِن األلقاب التي ال تُطلق عىل الكبار مِن العلامء الصادقني؛<br />

ملجرد موافقته هلم،‏ وشهادهتم له.‏<br />

ثمّ‏ إنْ‏ أخطأ أو ظهر عوار فتياه ورأيه يف أمرٍ‏ عظيم كأمور الدّ‏ ماء واألعراض،‏<br />

قيل:‏ إنّه جمتهدٌ‏ ، ونرجو له األجر الواحد!‏ فتسلَّط بذلك اجلهلةُ‏ والسّ‏ فهاء عىل دين اهلل<br />

‏-تعاىل-‏ حيلّلون وحيرّ‏ مون ويعبثون،‏ دون رادعٍ‏ أو رقيبٍ‏ ، بحجّ‏ ة االجتهاد.‏<br />

اخلالصةُ‏ : أنَّ‏ رشعيي <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مِن املجاهيل الذين مل يُعرفوا بعلمٍ‏ ، ومل<br />

يشهد هلم أهلُ‏ العلم أو يزكوهم،‏ فليس هلم القدرةُ،‏ وال احلقُّ‏ يف الفتيا،‏ وال االجتهاد<br />

يف املسائل اليسرية مِن العلم،‏ فضالً‏ عن أمور النّاس العظيمة،‏ كمسائل الدّ‏ ماء،‏<br />

واألعراض،‏ واألموال،‏ والتّكفري وغريها.‏<br />

((( املوافقات .)287/3(<br />

31


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة الثالثة<br />

تكفَّ‏ ل اهلل للمجاهدين بالهداية<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

إنَّ‏ اهلل ‏-تعاىل-‏ قد تكفّ‏ ل هبداية املجاهدين فقال:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لَنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏<br />

سُ‏ بُلَنَا{‏ ‏]العنكبوت 69[، وأعضاءُ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ جماهدون،‏ فهم عىل احلقّ‏ ، وهم<br />

مهديّون هبداية اهلل هلم،‏ وهم مصيبون يف معتقداهتم واجتهاداهتم،‏ وال حيتاجون لرأي<br />

غريهم فيهم،‏ وال يؤخذ بقول خمالفيهم فيهم.‏<br />

وقد قال بعضُ‏ السّ‏ لف:‏ ‏»إذا اختلف النّاسُ‏ فاسألوا أهلَ‏ الثّغر؛ فإنَّ‏ احلقَّ‏ معهم،‏<br />

واهللُ‏ يقول:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لَنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏ سُ‏ بُلَنَا{‏ ‏]العنكبوت 69[«.<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

ال داللةَ‏ يف اآلية املذكورة عىل صحّ‏ ة منهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أو أيِّ‏ <strong>تنظيم</strong> جهاديٍّ‏<br />

آخر،‏ وليس فيها كفالةٌ‏ مِن اهلل ‏-تعاىل-‏ هبدايةِ‏ املجاهدين للحقِّ‏ والصّ‏ واب يف املسائِل<br />

العِلمية بسببِ‏ اجلهاد،‏ وبيانُ‏ ذلك كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : املقصودُ‏ باجلهادِ‏ يف هذه اآلية معناه العام مِن بذل الوسع واجلهد يف نرصةِ‏<br />

الدّ‏ ين،‏ وفعل اخلري،‏ فيدخل فيه جهادُ‏ الكفّ‏ ار واملنافقني بالقلب واللّسان واملال والنّفس،‏<br />

ويدخل فيه جهادُ‏ النفس بتعلّم دين اهلل،‏ والعمل به،‏ والدّ‏ عوة إليه،‏ والصّ‏ رب عىل األذى<br />

فيه،‏ وجهاد الشيطان بدفع ما يُلقي إىل العبد مِن الشّ‏ هوات والشّ‏ بهات،‏ ويدخل فيه<br />

32


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

جهادُ‏ أرباب املعايص والبدع بإنكارها عليهم،‏ وردّ‏ هم إىل طريق االستقامة.‏<br />

قال ابنُ‏ عطيّة رمحه اهلل:‏ ‏»فهي قبلَ‏ اجلهاد العُ‏ ريف،‏ وإنّام هو جهادٌ‏ عامّ‏ يف دين اهلل<br />

وطلب مرضاته«‏ ))) .<br />

فالعلمُ‏ جهادٌ‏ ، قال ابن تيميَّة رمحه اهلل:‏ ‏»}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لَنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏ سُ‏ بُلَنَا{‏ قال<br />

معاذ بن جبل:‏ والبحثُ‏ يف العِلم جهاد«‏ ))) .<br />

واالستغفارُ‏ والتّوبةُ‏ جهادٌ‏ ، قال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»لكن مَ‏ ن رجا شيئًا طلبه،‏<br />

ومَ‏ ن خاف مِن يشءٍ‏ هرب منه،‏ وإذا اجتهد واستعان باهلل ‏-تعاىل-‏ والزم االستغفارَ‏<br />

واالجتهاد فال بدَّ‏ أنْ‏ يؤتيه اهللُ‏ مِن فضله ما مل خيطر ببالٍ‏ ، وإذا رأى أنّه ال ينرشح<br />

صدرُ‏ ه،‏ وال حيصل له حالوةُ‏ اإليامن،‏ ونورُ‏ اهلداية فليكثر التّوبةَ‏ واالستغفارَ‏ ، وليالزم<br />

االجتهادَ‏ بحسب اإلمكان؛ فإنّ‏ اهلل يقول:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لَنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏ سُ‏ بُلَنَا{«‏ ))) .<br />

- وهذه اآليةُ‏ نزلَتْ‏ قبلَ‏ ترشيع اجلهَ‏ اد بالقتال؛ فهي آخرُ‏ آيةٍ‏ مِن سورة العنكبوت،‏<br />

وسورةُ‏ العنكبوت مكيّةٌ‏ عىل الصّ‏ حيح مِن أقوال املفسّ‏<br />

يف ساحات اجلهاد.‏<br />

ين؛ لذا فهي ال ختتصُّ‏ باملقاتلني<br />

قالَ‏ ابنُ‏ جزي رمحه اهلل:‏ ‏»يَعني:‏ جهادَ‏ النّفس مِن الصّ‏ رب عىل إذايةِ‏ الكفار،‏ واحتاملِ‏<br />

اخلروج عن األوطانِ‏ وغريِ‏ ذلكَ‏ ، وقيل:‏ يَعني القتالَ‏ . وذلكَ‏ ضعيفٌ‏ ؛ ألنَّ‏ القتالَ‏ مل<br />

يكُ‏ نْ‏ مأمورً‏ ا به حنيَ‏ نزولِ‏ اآلية«‏ ))) .<br />

))) تفسري ابن عطية ‏»املحرر الوجيز«‏ )326/4(.<br />

))) جامع العلم واملسائل )82/6(.<br />

))) جمموع الفتاوى )390/11(.<br />

))) تفسري ابن جزي ‏»التسهيل لعلوم التنزيل«‏ )129/2(.<br />

33


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»قال أبو سليامن الدّ‏ اراين:‏ ليس اجلهادُ‏ يف اآلية قتالَ‏<br />

الكفار فقط،‏ بل هو نرصُ‏ الدّ‏ ين،‏ <strong>والرد</strong>ُّ‏ عىل املبطلني،‏ وقمع الظاملني،‏ وعُ‏ ظْ‏ مُ‏ ه<br />

األمرُ‏ باملعروف والنهي عن املنكر،‏ ومنه جماهدةُ‏ النّفوس يف طاعة اهلل وهو اجلهاد<br />

األكرب...«‏ ((( .<br />

فحرصُ‏ هذه اآلية بالقتال يف سبيل اهلل - تعاىل - غري صحيح،‏ وهو حتكُّ‏ م بالنّصّ‏ ،<br />

فبطل االستداللُ‏ هبا.‏<br />

ثانيًا:‏ ليس يف اآلية أنَّ‏ اهلل تكفَّ‏ ل للمقاتلني بصحّ‏ ة أقواهلم،‏ واستقامة منهجهم<br />

ملجرد جهادهم وقتاهلم!‏ فقد فُسِّ‏ ت اهلدايةُ‏ هنا بأمور:‏<br />

1- التّوفيق يف الوصول إىل ما جاهد مِن أجله.‏<br />

2- األجر والثّواب مِن اهلل ‏-تعاىل-‏ عىل هذه الطّ‏ اعة وهذه املجاهدة.‏<br />

3- الثّبات عىل احلقّ‏ .<br />

4- التّوفيق للعمل بالعلم.‏<br />

5- اإلخالص يف العمل.‏<br />

قال البغوي رمحه اهلل:‏ ‏»)لنثبّتنّهم عىل ما قاتلوا عليه(.‏<br />

وقيل:‏ ‏)لنزيدنّ‏ م هدى كام قال:‏ ‏}وَيَزِ‏ يدُ‏ اللَّ‏ ُ الَّذِ‏ ينَ‏ اهْتَدَ‏ وْا هُدىً‏ {(.<br />

وقيل:‏ ‏)لنُوفّقنّهم إلصابة الطريق املستقيمة،‏ والطريق املستقيمة هي التي يوصل<br />

هبا إىل رضا اهلل عز وجل(...‏<br />

))) تفسري القرطبي )364/13(.<br />

34


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقال الفضيل بن عياض:‏ ‏)والذين جاهدوا يف طلب العلم لنهدينّهم سبلَ‏ العمل<br />

به(.‏<br />

وقال سهل بن عبد اهلل:‏ ‏)والذين جاهدوا يف إقامة السنّة لنهدينّهم سبلَ‏ اجلنّة(.‏<br />

وروي عن ابن عباسٍ‏ : ‏)والذين جاهدوا يف طاعتنا لنهدينّهم سُ‏ بلَ‏ ثوابنا(«‏ ))) .<br />

وقال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»قال عبدُ‏ اهلل بن عباس:‏ والذينَ‏ جاهدُ‏ وا يف طاعتِنا<br />

لنهدينَّهُ‏ م سُ‏ بلَ‏ ثوابِنا.‏ وهَ‏ ذا يتناولُ‏ بعمومِ‏ الطّ‏ اعةِ‏ مجيعَ‏ األقوالِ‏ ، ونحوه قولُ‏ عبدِ‏ اهلل<br />

ابن الزبري«‏ ))) .<br />

وقال ابن القيّم رمحه اهلل:‏ ‏»}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا{‏ علَّق سبحانه اهلدايةَ‏ باجلهاد،‏<br />

فأكْ‏ ملُ‏ النّاسِ‏ هدايةً‏ أعظمُ‏ هم جهادً‏ ا،‏ وأفرضُ‏ اجلهاد جهادُ‏ النَّفْ‏ س،‏ وجهادُ‏ اهلوى،‏<br />

وجهادُ‏ الشَّ‏ يطان،‏ وجهادُ‏ الدُّ‏ نيا...‏ قال الجُ‏ نيد:‏ والذين جاهدوا أهواءَ‏ هم فينا بالتوبة،‏<br />

لنهدينّهم سُ‏ بُلَ‏ اإلخالص«‏ ))) .<br />

- ونحو هذا وردت آيات أخرى،‏ كقوله تعاىل:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ قُتِلُوا فِ‏ سَ‏ بِيلِ‏ اللَّ‏ ِ فَلَن يُضِ‏ لَّ‏<br />

‏َأعْ‏ مَ‏ الَهُمْ‏ #!٤!#( سَ‏ يَهْ‏ دِ‏ هيِمْ‏ وَيُصْ‏ لِحُ‏ بَالَهُ‏ مْ‏ #!٥!#( وَيُدْ‏ خِ‏ لُهُمُ‏ الْجَ‏ نَّةَ‏ عَرَّ‏ فَهَ‏ ا لَهُمْ‏ } ‏]حممد:‏ - ٤ ٦[.<br />

قال الطّ‏ ربي رمحه اهلل:‏ ‏»سيوفق اهللُ‏ ‏-تعاىل ذكره-‏ للعمل بام يرىض وحيبّ‏<br />

هؤالء الذين قاتلوا يف سبيله،‏ ‏)وَ‏ يُصْ‏ لِحُ‏ بَاهلَ‏ ‏ُمْ‏ ) ويصلح أمرَ‏ هم وحاهلم يف الدّ‏ نيا<br />

واآلخرة«‏ ((( .<br />

))) معامل التنزيل يف تفسري القرآن ‏»تفسري البغوي«‏ )568/3(.<br />

))) تفسري القرطبي )365/13(.<br />

((( الفوائد .)59/1(<br />

))) تفسري الطربي )159/22(.<br />

35


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال ابن كثري رمحه اهلل:‏ ‏»أَيْ‏ : لن يُذهبها،‏ بل يُكثّرها ويُنمّ‏ يها ويضاعفُ‏ ها.‏ ومِنهم<br />

مَ‏ ن جيري عليه عملُه يف طولِ‏ بَرزخِ‏ ه«‏ ))) .<br />

- وقد ورد نظريُ‏ ذلك يف آيات عديدة يف غري القتال،‏ ومدارُ‏ معانيها عىل أنَّ‏ اجلزاء<br />

مِن جنس العمل،‏ قال الشنقيطي ‏-رمحه اهلل-‏ يف قوله تعاىل:‏ ‏}ِإنَّهُمْ‏ فِتْيَةٌ‏ آمَنُوا بِرَ‏ بِّهِ‏ مْ‏<br />

وَزِدْنَاهُمْ‏ هُدً‏ ى{‏ ‏]الكهف:‏ 13[:<br />

‏»ويُفهم مِن هذه اآلية الكريمة أنَّ‏ مَ‏ ن آمن بربّه وأطاعه زاده ربُّه هدً‏ ى؛ ألنَّ‏ الطّ‏ اعةَ‏<br />

سببٌ‏ للمزيد مِن اهلدى واإليامن.‏<br />

وهذا املفهومُ‏ مِن هذه اآلية الكريمة جاء مبيَّنًا يف مواضعَ‏ أُخرَ‏ ، كقوله تعاىل:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏<br />

اهْتَدَ‏ وْا زَادَهُمْ‏ هُدً‏ ى وَآتَاهُمْ‏ تَقْوَ‏ اهُمْ‏ } ‏]حممّ‏ د:‏ 17[، وقوله:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏<br />

سُ‏ بُلَنَا...{‏ ‏]العنكبوت:‏‎69‎‏[،‏ وقوله تعاىل:‏ ‏}يَا ‏َأيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ‏ِإنْ‏ تَتَّقُوا اللَّ‏ َ يَجْ‏ عَلْ‏ لَكُمْ‏<br />

فُرْ‏ قَانًا...{‏ ‏]النفال:‏ 29[، وقوله:‏ ‏}فََأمَّا الَّذِ‏ ينَ‏ آمَنُوا فَزَ‏ ادَتْهُمْ‏ ‏ِإميَانًا وَهُمْ‏ يَسْ‏ تَبْشِ‏ ‏ُونَ‏ }<br />

‏]التوبة:‏ 124[، وقوله تعاىل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِ‏ ي ‏َأنْزَ‏ لَ‏ السَّ‏ كِ‏ ينَةَ‏ فِ‏ قُلُوبِ‏ الْمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ‏ لِيَ‏ زْ‏ دَادُوا ‏ِإميَانًا<br />

مَعَ‏ ‏ِإميَانِهِ‏ مْ‏ ...{ ‏]الفتح:‏ 4[، وقوله تعاىل:‏ ‏}يَا ‏َأيُّهَ‏ ا الَّذِ‏ ينَ‏ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّ‏ َ وَآمِنُوا بِرَ‏ سُ‏ ولِهِ‏<br />

يُؤْ‏ تِكُ‏ مْ‏ كِ‏ فْلَنيْ‏ ِ مِنْ‏ رَحْ‏ مَ‏ تِهِ‏ وَيَجْ‏ عَلْ‏ لَكُ‏ مْ‏ نُورًا تَمْ‏ شُ‏ ونَ‏ بِهِ{...‏ ‏]احلديد:‏ 28[، إىل غري ذلك<br />

مِن اآليات«‏ ))) .<br />

فاهلدايةُ‏ ‏-بنصِّ‏ القرآن-‏ شاملةٌ‏ جلميع املؤمنني،‏ وليست خاصّ‏ ةً‏ باملقاتلني،‏ وهي<br />

هدايةٌ‏ مرتبطةٌ‏ بنوع اجلهاد الّذي جياهده املسلم.‏<br />

وكالم املفسين يف هذا كثري.‏<br />

))) تفسري الطربي )159/22(.<br />

))) أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن )213/3(.<br />

36


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ثالثًا:‏ اهلداية ‏-بجميع أقسامها-‏ ليست حقًّ‏ ا الزمً‏ ا لكلِّ‏ مَ‏ ن جاهد؛ بل هي مُ‏ علَّقة<br />

برشوطها،‏ فمِ‏ ن رشوطها:‏<br />

1- اإلنابة إىل اهلل.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لَنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏ سُ‏ بُلَنَا{‏ ‏]العنكبوت:‏‎69‎‏[،‏<br />

قالَ‏ مُ‏ عاذ بنُ‏ جبل:‏ والبحثُ‏ يف العِلْمِ‏ جهادٌ‏ ، وقالَ‏ تعاىل:‏ ‏}اهللُ‏ يَجْ‏ تَبِ‏ ‏ِإلَيْهِ‏ مَنْ‏ يَشَاءُ‏<br />

وَيَهْ‏ دِ‏ ي ‏ِإلَيْهِ‏ مَنْ‏ يُنِيبُ‏ } ‏]الشورى:‏ ١٣[، فعلَّق اهلدايةَ‏ باإلنابة«‏ ))) .<br />

2- األخذ باألسباب الرشّ‏ عية؛ مِن طلب العلم،‏ وسؤال أهل العلم املختصّ‏ ني به،‏<br />

وعدم ترك السّ‏ نن الكونيّة واالتكاء عىل هداية التّوفيق فحسب؛ فإنّ‏ تلك اهلدايةَ‏ ال تكون<br />

إالّ‏ باألسباب والسّ‏ بل املرشوعة،‏ ومِن المُ‏ حكامت أنّ‏ العلم بالتّعلّم؛ فالعلمُ‏ الذي هو<br />

أصلُ‏ التّقوى ال يكون إال بالتّعلم والتّلقّ‏ ي،‏ ففي احلديث:‏ ‏)إنّام العلمُ‏ بالتّعلّم(‏ ))) .<br />

رابعً‏ ا:‏ يلزم عىل هذا الفهم أن يكون املقاتلُ‏ ‏-ملجرد قتاله-‏ أقدرَ‏ عىل الوصول إىل<br />

احلق،‏ وأعلمَ‏ برشع اهلل ‏-تعاىل-‏ ودينه مِن العلامء الذين أفنوا أعامرَ‏ هم يف طلب العلم<br />

وحتصيلِه،‏ وهذا مِن الباطل الذي ال يقوله عاقلٌ‏ ، فضالً‏ عن عاملٍ،‏ وهو مِن جنس الشّ‏ بهة<br />

األوىل التي سبق بيانا يف أنَّ‏ احلق مع أهل الثغور ملجرد وجودهم يف الثّغور أو القتال.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ عىل فرض صحّ‏ ة استدالهلم هبذه اآلية،‏ فمِ‏ ن أين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ‏-أو غريه<br />

من الغالة-‏ الزعمُ‏ أنَّ‏ م هم املقصودون بمثل هذه النّصوص دون بقية املجاهدين؟<br />

ويف السّ‏ احة غريُ‏ هم كثريٌ‏ ممّن حيمل راية اجلهاد؟ إنَّ‏ هذا حتكّ‏ م بالنّصّ‏ ، وادعاءٌ‏ لصحّ‏ ة<br />

املنهج،‏ وتزكيةٌ‏ للنّفسِ‏ ، واحتقارٌ‏ لآلخرين دون دليلٍ‏ .<br />

))) تفسري ابن كثري )307/7(.<br />

))) ذكره البخاري معلقً‏ ا جمزومً‏ ا به،‏ )24/1، باب العلم قبل القول والعمل(،‏ ووصله يف تغليق التعليق<br />

)78/2(، وقد ورد عن عدد مِن الصّ‏ حابة مرفوعً‏ ا وموقوفًا،‏ وحسّ‏ نه مجعٌ‏ مِن أهل العلم.‏<br />

37


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

بل وما العمل لو اجتهد ‏)جماهدان(‏ وأفتى كلٌّ‏ منهام بغري قول اآلخر؟ فبقول مَ‏ ن<br />

نأخذ؟ وساحاتُ‏ اجلهاد شاهدةٌ‏ بكثرة االختالف بني املجاهدين،‏ وتعدّ‏ د أقواهلم،‏<br />

وهي اختالفات ال ينجو منها <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ وال غريه من اجلامعات،‏ فام املرجع يف<br />

حسم هذه اخلالفات وكلهم يدعي أنَّه عىل حق؟.‏<br />

سادسً‏ ا:‏ أمّ‏ ا اآلثارُ‏ املنقولةُ‏ يف قول بعض السّ‏ لف:‏ ‏»إذا اختلف النّاسُ‏ فانظروا ما<br />

عليه أهل الثغر - أو فاسألوا أهل الثغر - فإنّ‏ اهللَ‏ يقول:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ جَ‏ اهَدُ‏ وا فِينَا لنَهْ‏ دِ‏ يَنَّهُمْ‏<br />

سُ‏ بُلَنَا...{«‏ فبيانُه كام ييل:‏<br />

1- نُسب هذا القول لعبد اهلل بن املبارك،‏ وأمحد بن حنبل،‏ وسفيان بن عُ‏ يينة،‏ وبعد<br />

تتبّع اآلثار تبنيَّ‏ أنّ‏ سندها ينتهي إىل سفيان بن عيينة،‏ ثم نُسب إىل غريه،‏ وكلُّ‏ أسانيد<br />

هذا القول ضعيفةٌ‏ ال يثبت يشءٌ‏ منها ))) .<br />

وعىل فرض ثبوته:‏ فإنَّ‏ املرادَ‏ به تفضيل أهلِ‏ العلم الذين مجعوا مع العلم:‏ اجلهادَ‏<br />

والرّ‏ باط،‏ وال يُراد به تفضيل املجاهدِ‏ غري العامل عىل العامل،‏ بدليل ما جاء يف القول<br />

نفسه:‏ ‏»فاسألوا أهل الثغر«،‏ وإنام يُسأل أهلُ‏ العلم،‏ قال تعاىل:‏ ‏}فَاسْ‏ ‏َألُوا ‏َأهْلَ‏ الذِّ‏ كْ‏ رِ‏<br />

‏ِإنْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ لَ‏ تَعْلَمُ‏ ونَ‏ } ‏]النبياء:‏ 7[، وال يُتصور مِن هؤالء العلامء ‏-وهم ممّن شدَّ‏ د يف<br />

موضوع الفتوى ومَ‏ ن تؤخذ عنه-‏ أنْ‏ حييل يف الفتوى إىل جمرد مقاتلٍ‏ ال علمَ‏ له<br />

بالرشع،‏ وال تتوافر فيه رشوط املفتي.‏<br />

2- فإن قيل:‏ وردت هذه املقولةُ‏ أيضً‏ ا يف كالم ابن تيمية وابن القيم:‏<br />

قال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وكان ابن املبارك وأمحد بن حنبل وغريهم يقولون:‏ إذا<br />

))) ينظر:‏ أهل الثغور،‏ د.‏ عبد الوهاب الطريري http://www.islamtoday.net/nawafeth/<br />

،htm.122545-42-artshow وإشكالية الغلو يف اجلهاد املعارص،‏ الشيخ علوي السقاف<br />

http://www.dorar.net/article/1687.<br />

38


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

اختلف الناسُ‏ يف يشء فانظروا ما عليه أهل الثَّغْ‏ ر،‏ فإنَّ‏ احلقَّ‏ معهم«‏ ))) .<br />

وقال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»وألهلِ‏ اجلهاد يف هذا مِن اهلداية والكشف ما ليس ألهل<br />

املجاهدة،‏ وهلذا قال األوزاعي وابن املبارك:‏ إذا اختلف النّاسُ‏ يف يشء فانظروا ما<br />

عليه أهل الثّغر«‏ ))) .<br />

فيجاب:‏<br />

ليس يف كالمهام ‏-رمحهام اهلل-‏ دليلٌ‏ عىل تركِ‏ أقوال أهل العلم لقول أهل الثّغور<br />

مِن املجاهدين بإطالق،‏ وبيانُ‏ ذلك:‏<br />

- أنّ‏ مقصودَ‏ ابن تيمية يف كالمِه الرتجيحُ‏ بام عليه أهلُ‏ الثغور مِن أهل العلم يف<br />

اختالفهم مع أهل العلم مِن غري أهل الثغور،‏ وهذا مِن الرتّ‏ جيح بمن عنده خربةٌ‏<br />

وعلمٌ‏ بالواقع كام سبق تقريرُ‏ ه،‏ وال شك أنَّ‏ العامل العارف بالواقعة التي فيها اخلالف<br />

يُقدَّ‏ م قولُه عىل العامل غري العارف بالواقعة.‏<br />

فكالمُ‏ ابن تيمية متعلّقٌ‏ بأحوال أهل العلم يف الثغور وميدان اجلهاد،‏ وليس عن<br />

عامة املجاهدين،‏ ويبنيّ‏ ذلك سياقُ‏ كالمِه حيث ذكرَ‏ مَ‏ ن أقامَ‏ من أهل العلم يف الثغور،‏<br />

ثم قال:‏ ‏»وكان ابن املبارك وأمحد بن حنبل وغريهم يقولون:‏ إذا اختلف الناسُ‏ يف<br />

يشء فانظروا ما عليه أهل الثَّغْ‏ ر،‏ فإنّ‏ احلق معهم...«‏ ))) .<br />

))) جامع املسائل )358/5(.<br />

))) مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني )506/1(.<br />

ينظر:‏ أهل الثغور،‏ د.‏ عبد الوهاب الطريري http://www.islamtoday.net/nawafeth/<br />

،htm.122545-42-artshow وإشكالية الغلو يف اجلهاد املعارص،‏ الشيخ علوي السقاف<br />

http://www.dorar.net/article/1687.<br />

))) جامع املسائل )357/5(.<br />

39


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وأمّ‏ ا كالمُ‏ ابن القيم فهو يف الرتّ‏ جيح بني األقوال املختلفة ألهل العلم بمرجِّ‏ حِ‏<br />

معرفة الواقع،‏ عندما يعرِض للقلب خواطرُ‏ تشتبه عليه إذا مل يظهر للمرء مِن اجلهة<br />

العلمية أيُّ‏ الطريقني أوىل بالصّ‏ واب،‏ وليست يف مطلق معرفة احلالل واحلرام<br />

واألحكام الرشّ‏ عية بمجرد اجلهاد أو الوجود يف الثّغور.‏<br />

قال ابنُ‏ القيم رمحه اهلل:‏ ‏»فإنّ‏ الصّ‏ ادقَ‏ يتحرّ‏ ى يف سلوكه كلِّه أحبَّ‏ الطُّ‏ رق إىل اهلل،‏<br />

فإنّه سالكٌ‏ به وإليه،‏ فيعرتضه طريقان ال يدري أهيَّ‏ ام أرىض هلل،‏ وأحبّ‏ إليه:‏<br />

فمنهم مَ‏ ن حيكّ‏ م العلم بجهده استدالالً‏ ، فإنْ‏ عجَ‏ ز فتقليدً‏ ا...‏<br />

ومنهم مَ‏ ن يُلقي الكلَّ‏ عىل شيخه..،‏ ومنهم مَ‏ ن يلجأ إىل االستخارة ..، وأصحابُ‏<br />

العزائم يبذلون وسعَ‏ هم يف طلب األَرْ‏ ىضَ‏ علامً‏ ومعرفةً‏ ..، ولرتجيح املصالح رتبٌ‏<br />

متفاوتة..،‏ فهذه مخسُ‏ جهاتٍ‏ مِن الرتجيح،‏ قلّ‏ أنْ‏ يعدمَ‏ واحدةً‏ منها...‏<br />

وألهل اجلهاد يف هذا مِن اهلداية والكشف ما ليس ألهل املجاهدة...«‏ ))) .<br />

3- عىل فرض ثبوت هذه املقوالت عن بعض أهل العلم،‏ وصحة استدالهلم<br />

هبا،‏ فإنَّ‏ ا ال تعارض النّصوص الرشعية،‏ والقواعد الفقهية،‏ وتقريرات أهل العلم يف<br />

وجوب الرّ‏ جوع إىل العلامء،‏ وحرمةِ‏ القولِ‏ عىل اهلل بال علمٍ‏ ، والواجبُ‏ محلُها عىل ما<br />

ال يعارضها.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ جمردَ‏ اشرتاكِ‏ الشّ‏ خص يف القتال يف سبيل اهلل تعاىل،‏ ال يعني أنَّه<br />

مصيبٌ‏ يف اجتهاداته واختياراته الرشعية،‏ أو أنَّ‏ اهلل قد تكفّ‏ ل هبدايته للحقِّ‏ فال يزيغ<br />

عنه،‏ وال يضلّ‏ .<br />

))) مدارج السالكني )505/1(.<br />

40


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة الرّابعة<br />

<strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ يستمدُّ‏ شرعيتَه<br />

مِ‏ ن تاريخ الجهاد ومشايخه<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

<strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ يستمدُّ‏ وجودَ‏ ه ورشعيتَه مِن تاريخ اجلهاد يف األمّ‏ ة اإلسالمية،‏<br />

ومشاخيُه هم مشايخ ‏)تيار السّ‏ لفية اجلهادية(،‏ فهم الذين زكَّ‏ وا هذه ‏)الدّ‏ ولة(‏ يف<br />

السابق،‏ وأقواهلُ‏ م يف ذلك كثريةٌ‏ .<br />

كام أنَّ‏ هذا التّنظيمَ‏ كان سباّقًا لرفع علم اجلهاد يف سورية عندما كان مع جبهة<br />

النّرصة.‏ فهم األحقُّ‏ برفع راية اجلهاد وقيادته.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

أوالً‏ : يقصد <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدولة(‏ باجلهادِ‏ ومشاخيه زعامء تيارِ‏ ‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏ دون<br />

سائرَ‏ علامء األمة وجماهدهيا،‏ ومع ذلك فقد تربّأ قادة هذا التيارِ‏ مِن التّنظيم،‏ ورصحوا<br />

بمخالفتهم له،‏ وسحبوا اعرتافَهم به حنيَ‏ خَ‏ الَفهم وخَ‏ رَ‏ ج عن طاعتهم.‏<br />

فقد ذكر الظّ‏ واهري يف كلمته ‏)شهادةٌ‏ حلقن دماء املجاهدين بالشّ‏ ام(‏ جانبًا من<br />

العالقة بني <strong>تنظيم</strong> القاعدة و<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ التي يبني ال<strong>تنظيم</strong> مرشوعيته عىل أساسها<br />

‏-والتي أُخفيت تفاصيلها طيلة فرتة الرصاع مع الفصائل العراقية األخرى-‏ عرب<br />

النقاط التالية:‏<br />

41


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

1- أنَّ‏ القاعدة مل تُستأمر،‏ ومل تُسترشْ‏ ، قُبيلَ‏ إعالنِ‏ قيامِ‏ دولةِ‏ العراقِ‏ اإلسالميةِ.‏<br />

2- أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مل يكن مطيعً‏ ا للقاعدة مستجيبًا ألوامرها:‏<br />

أ-‏ فهو مل يستأذنا يف إنشاء ‏)الدّ‏ ولة(‏ يف العراق،‏ ثم مل يستأذنا يف إعالن التّمدُّ‏ د<br />

لبالد الشّ‏ ام،‏ ومل يرضخ لطلبات القاعدة املستمرة يف العودة إىل العراق.‏<br />

ب-‏ أبو بكر البغدادي شخصٌ‏ ال تعرفه قياداتُ‏ القاعدة،‏ وهو جمهولٌ‏ بالنِّسبة<br />

إليها،‏ وقد طالبت <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ بالتّعريف به مرارً‏ ا فيام مىض.‏<br />

ج-‏ خمالفةُ‏ <strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة للقاعدة يف بعض األمور السياسية والعسكرية،‏ عىل الرغم<br />

مِن تكرار الرّ‏ سائل يف هذا الشّ‏ أن.‏<br />

د-‏ رفضُ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ تأسيسَ‏ حماكمَ‏ مستقلةٍ‏ يف األحداثِ‏ األخرية يف سورية<br />

رغم مطالبات <strong>تنظيم</strong> القاعدةِ‏ العديدة بذلك.‏<br />

ثم كان هذا موقفُ‏ كافّة شخصيات التّيار مثل أيب حممّ‏ د املقديس،‏ وأيب قتادة<br />

الفلسطيني،‏ وغريمها ))) .<br />

كام أنَّ‏ عامّ‏ ة تيار ‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏ واجلامعات التّابعة له مل توافق التّنظيم عىل<br />

سياساته وترصفّاته األخرية،‏ بدءً‏ ا من إعالن اخلالفة،‏ وما تبعها من مواقف وقرارات.‏<br />

ومثل ذلك ما ينقله <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ مِن أقوال ومواقفَ‏ البن الدن وغريه:‏ فقد ظهر<br />

للعلن وجود اخلالفات القديمة مع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ حول عددٍ‏ من األمور منذ أيام<br />

العراق،‏ والرسائل املتبادلة حول ذلك،‏ والتي برَّ‏ ر <strong>تنظيم</strong> ‏)القاعدة(‏ عدم احلديث عنها<br />

))) من ذلك بيان حال ‏»الدولة اإلسالمية يف العراق والشام«‏ واملوقف الواجب جتاهها،‏ للمقديس،‏<br />

وثياب اخلليفة،‏ للفلسطيني.‏<br />

42


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

عالنيةً‏ يف السابق هبدف احلفاظ عىل اجلهاد،‏ وعدم إعطاء فرصةٍ‏ لألعداء لالستفادة<br />

مِن أيِّ‏ خالفٍ‏ حيصل،‏ كام قرَّ‏ ر ذلك أبو حفص املوريتاين ‏)املفتي السابق للقاعدة(.‏<br />

فلم يبق قياديٌّ‏ مِن قيادات تيار ‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏ التي حيتجّ‏ ون بتارخيها موافقً‏ ا<br />

هلم يف مواقفهم األخرية،‏ فكيف يَستدلّ‏ <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ عىل صحّ‏ ة منهجه بتزكية تيار<br />

‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏ يف وقتٍ‏ دون وقتٍ‏ ؟!‏ فثبت بطالنُ‏ هذه املقولة واالستداللُ‏ هبا ))) .<br />

بل إن <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ قد طعن يف القادة التارخييني هلذا التيار وأسقطهم،‏ ووصف<br />

عددً‏ ا منهم باإلرجاء،‏ والضّ‏ الل ))) ، فكيف يصحُّ‏ هلم أنْ‏ يقولوا بعد ذلك:‏ إنم امتدادٌ‏<br />

هلم،‏ أو إنَّ‏ أولئك املشايخ يشهدون هلم؟!‏ ))) .<br />

))) وهذه املواقف مِن تيار ‏)السلفية اجلهادية(‏ هي ما أدت ب<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ إىل تنسيق محلةٍ‏ إعالميةٍ‏ رشعيةٍ‏<br />

عىل قيادات التيار إلسقاطها وسحب املرشوعية لصالح ال<strong>تنظيم</strong> عن طريق اهتام التيار باالنحراف عن<br />

املنهج الصّ‏ حيح،‏ وخيانة األمانة،‏ وبالتايل يصبح <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ هو الوريث الوحيد واملؤمتن عىل فكر<br />

تيار ‏)السلفية اجلهادية(.‏<br />

ومن ذلك ما قاله العدناين يف كلمته األخرية:‏ ‏)قل للذين كفروا ستغلبون(‏ خماطبًا أمريكا:‏ ‏»فقد جرجرناك<br />

إىل حربني يف خراسان والعراق«‏ مع أنَّه مل يكن ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ وجود يف أفغانستان وال مشاركة يف<br />

حروهبا!‏<br />

))) فقد احتوى العدد )6( من جملة دابق التي تصدر باللغة اإلنجليزية عىل عددٍ‏ من املقاالت التي وصفت<br />

كالً‏ من الظواهري،‏ واملال عمر،‏ وأبا حممد املقديس وأبا قتادة بالضّ‏ الل،‏ كام رمت <strong>تنظيم</strong>َ‏ القاعدة<br />

وقياداته ‏-بام فيهم ابن الدن باإلرجاء.‏<br />

))) اهتمت العديدُ‏ مِن التحليالت ببيان حقيقة اخلالف بني <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ وتيار ‏)السلفية اجلهادية(‏<br />

بتنظيامته املختلفة،‏ ويمكن اإلشارة يف هذا املخترص إىل أهمِّ‏ نقطتني يف هذا اخلالف:‏<br />

األوىل <strong>تنظيم</strong>ية:‏ تتمثل يف رفض قادة <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ االنصياع لقرارات قيادة التيار،‏ وما ترتب <strong>عليها</strong><br />

من اختالف وجهات النظر يف أولويات العمل،‏ وخاصة يف سورية،‏ ثم تطوّ‏ ر إىل خالفٍ‏ حول شكل<br />

ال<strong>تنظيم</strong>،‏ وهيكليته،‏ تبعه دخولُ‏ أشخاص غري مرضيني أو معروفني للقاعدة،‏ مما أدى إىل خروجه عن<br />

الطاعة وااللتزام باألوامر،‏ وهو أساس اخلالف الذي انبثقت عنه أحكام التكفري،‏ والقتال فيام بعد.‏<br />

الثانية فكرية:‏ وتتمثل يف بضعة اجتهادات رشعية انفرد هبا <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ سواء يف التّوسع يف تنزيل بعض<br />

مسائل التكفري،‏ أو يف العمليات العسكرية كامً‏ ونوعً‏ ا.‏ =<br />

43


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ثانيًا:‏ أنَّ‏ أهل العلم والفتوى واجلهاد والرأي واملشورة غريُ‏ حمصورين ب<strong>تنظيم</strong>ٍ‏<br />

أو انتامءٍ‏ معنيّ‏ ، بل هم مِن عموم األمة ومجهورها منذ عرشاتِ‏ السنني،‏ وهم من قام<br />

اجلهادُ‏ والعلمُ‏ والدعوةُ‏ عىل أيدهيم وبجهودهم،‏ وقد رفض علامءُ‏ األمّ‏ ة وجماهدوها<br />

هذا التّنظيم،‏ وحكموا عليه باالنحراف عن الدين.‏<br />

وقد صدرت كثريٌ‏ مِن الفتاوى والبيانات مِن جهاتٍ‏ علميّةٍ‏ تضمُّ‏ علامءَ‏ مِن خمتلف<br />

البالد اإلسالمية،‏ ترفض أفكارَ‏ التّنظيم،‏ وتُبنيِّ‏ عقيدتَه،‏ وهي فتاوى يطول مجعُ‏ ها،‏<br />

وفيام ييل ذكرُ‏ بعضها:‏<br />

‏=وقد رافقت بوادرُ‏ اخلالف <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ منذ أيام بيعة الزرقاوي البن الدن،‏ لكن جرى التكتّم <strong>عليها</strong><br />

ألجل ‏)مصلحة اجلهاد(‏ كام قيل،‏ حتى خرجت إىل العلن مؤخرً‏ ا،‏ ثم تطور إىل قتالٍ‏ بني فرعي التيار.‏<br />

وعىل الرغم مِن هذا اخلالف إال أنَّ‏ األساس الفكري والعقدي لتيار ‏)السلفية اجلهادية(‏ بجميع فروعه<br />

مبني عىل تبنِّي محل السالح منهجً‏ ا للتغيري ضد احلكومات واألنظمة يف العامل اإلسالمي والتي<br />

يصفونا ب ‏)العميلة واملرتدة املبدّ‏ لة لرشع اهلل(،‏ بناء عىل مبادئ احلاكمية وقواعد الوالء والرباء كام<br />

يرونا،‏ مع االقتصار عىل عددٍ‏ حمدودٍ‏ من املراجع الرشعية دون علامء األمة ومشاخيها.‏<br />

وبمراجعة أدبيات منظري التيار كاملقديس والفلسطيني يتَّضح مدى التوافق يف األصول العقدية والفكرية،‏<br />

بل إنَّ‏ املقديس غرَّ‏ د بعد فرتة طويلة من اخلالف معهم بقوله عن نفسه:‏ ‏»أنا شيخهم الذي علمهم<br />

التوحيد«!‏<br />

علامً‏ أنَّ‏ تيار ‏)السلفية اجلهادية(‏ يشتمل عىل توجهات متفاوتة بني الغلو واالعتدال،‏ وإن كانت تلتزم يف<br />

أصوهلا عىل تقعيدات منظري التيار وتأصيالهتم.‏<br />

ويمكن هنا اإلشارة إىل أنَّ‏ الشخصيات الذين تنتسب إليهم هذه التيارات ‏)كعبد اهلل عزام،‏ وابن الدن،‏<br />

وخطاب،‏ وغريهم(‏ مل تكن تعتنق غالب األفكار واملعتقدات احلالية التي حيملها هذا التيار،‏ ومنها:‏<br />

- تكفري احلكومات؛ حيث كانوا يطردون من معسكراهتم من يعتنق هذه األفكار.‏<br />

- أو وصف النافرين إليهم باملهاجرين؛ حيث كانوا يصفونم باألنصار وينهونم عن التقدم يف أي بلد<br />

حلوُّ‏ ا فيه.‏<br />

وغري ذلك كثري،‏ مما يستدعي إعادة النظر يف تاريخ التّغريات احلاصلة يف هذه التيارات،‏ وأسباهبا،‏<br />

والشخصيات التي تقف وراءها،‏ ومن ثم حقيقة انتامء هذه التيارات هلذه الشخصيات التي تكتسب<br />

مرشوعيتها من اسمها.‏<br />

44


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

1- فتوى الروابط واهليئات الرشّ‏ عية السورية بأنَّ‏ القتال القائم بني الكتائب<br />

املجاهدة و<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ليس قتالَ‏ فتنةٍ،‏ وإنّام هو قتالُ‏ فئةٍ‏ خارجةٍ‏ عن الرشّ‏<br />

وباغيةٍ‏ عىل املسلمني ))) .<br />

2- فتوى هيئة الشام اإلسالمية يف كشف عقيدة ال<strong>تنظيم</strong> اخلارجية ))) .<br />

ع،‏<br />

3- بيان لكربى الفصائل املجاهدة يف سورية هبيئاهتا الرشعية ‏)ممثلة باجلبهة<br />

اإلسالمية(‏ حول ادعاء اخلالفة،‏ والذي قرروا فيه أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة <strong>تنظيم</strong>ٌ‏ خارجي،‏<br />

وأنَّ‏ خالفتَه غريُ‏ رشعية ))) .<br />

4- عدة فتاوى وبيانات للمجلس اإلسالمي السوري ))) .<br />

5- بيان هيئة علامء املسلمني بالعراق،‏ والذي رفضت فيه إعالنَ‏ اخلالفة،‏ ورأت<br />

أنه يصب يف غري مصلحة املسلمني ))) .<br />

6- مواقف عامة الفصائل املجاهدة يف العراق منذ نشأة <strong>تنظيم</strong> ‏)دولة العراق<br />

اإلسالمية(،‏ ومِن اإلصدارات احلديثة إصدار جيش املجاهدين ‏»الدّ‏ ولة اإلسالمية<br />

))) ينظر فتوى ‏)هل القتال القائم بني الكتائب املجاهدة و<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ قتال فتنة؟(‏<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/1549<br />

))) ينظر فتوى:‏ هل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة اإلسالمية(‏ من اخلوارج؟<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/1945<br />

))) وهي:‏ فتوى حول <strong>تنظيم</strong> الدولة اإلسالمية يف العراق والشام http://sy-sic.com/?p=263<br />

وبيان املجلس اإلسالمي السوري بشأن احلرب عىل اإلرهاب http://sy-sic.com/?p=182<br />

وبيان توضيحي حول <strong>تنظيم</strong> دولة العراق والشام .http://sy-sic.com/?p=244<br />

))) وهي:‏ فتوى حول <strong>تنظيم</strong> الدولة اإلسالمية يف العراق والشام .http://sy-sic.com/?p=263<br />

وبيان املجلس اإلسالمي السوري بشأن احلرب عىل اإلرهاب .http://sy-sic.com/?p=182<br />

وبيان توضيحي حول <strong>تنظيم</strong> دولة العراق والشام .http://sy-sic.com/?p=244<br />

))) ينظر بيان ‏)رقم 1003( املتعلق بإعالن <strong>تنظيم</strong> الدولة اإلسالمية اخلالفة يف العراق وسوريا.‏<br />

http://www.iraq-amsi.net/ar/news_view_75741.html<br />

45


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

بني احلقيقة والوهم«‏ ألمريها أيب عبداهلل املنصور ))) .<br />

7- بيان االحتاد العاملي لعلامء املسلمني،‏ والذي قرَّ‏ ر أنَّ‏ إعالن خالفة البغدادي<br />

مِن قبل <strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة بالعراق يفتقد أليِّ‏ معايري رشعية وواقعية،‏ وحذّ‏ ر مِن فتح باب<br />

الفوىض يف االجتهادات،‏ بعيدً‏ ا عن أهل احلل والعقد لألمة اإلسالمية مِن علامئها<br />

وفقهائها ومتخصّ‏ صيها.‏<br />

8- بيان رابطة علامء املسلمني يف السودان،‏ والتي رفضت إعالنَ‏ اخلالفة،‏ وبيَّنت<br />

أنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong> مجاعةٌ‏ خارجية.‏<br />

9- مجاهري علامء األمة وعلامئها مِن السوريني وغريهم،‏ الذين رفضوا أفكار ال<strong>تنظيم</strong><br />

وترصفاته،‏ وإعالنه للخالفة،‏ ووصفه العديد منهم باخلروج عن مجاعة املسلمني،‏<br />

ولكثرهتم يصعب حرص أسامئهم،‏ وال يكاد املرء جيد أحدً‏ ا منهم مؤيدً‏ ا لل<strong>تنظيم</strong>!.‏<br />

ثالثًا:‏ ادعاء <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أنَّه مَ‏ ن بدأ اجلهادَ‏ يف سورية غريُ‏ صحيحٍ‏ ، فأهلُ‏ البالد<br />

هم مَ‏ ن بدأ هذه الثورة اجلهادية املباركة،‏ باإلرضاب،‏ ثم باملظاهرات ))) ، ثم انتقلوا<br />

للعمل املسلح عندما أجربهم تعاملُ‏ النّظام عىل ذلك.‏<br />

))) وقد صدر للفصائل العسكرية يف العراق وهيئاهتا الرشعية املختلفة الكثريُ‏ مِن البيانات والفتاوى<br />

واملواقف لبيان حال <strong>تنظيم</strong> ‏)دولة العراق اإلسالمية(‏ أيام احلرب يف العراق.‏<br />

))) منذ انطالق الثورة السورية املباركة واكبتها جهود أهل العلم والفتوى ببيان األحكام الرشعية املتعلقة<br />

بالثورة،‏ فكانت سبّاقة إىل ذلك قبل أيِّ‏ تنظيامت غالية،‏ ومن ذلك ما قدّ‏ مته هيئة الشام اإلسالمية،‏<br />

فكان مِن أوائل الفتاوى ‏)حكم دفع الزكاة مقدمً‏ ا إلغاثة الشعب السوري ؟(،‏ و)هل يطيع األوامر<br />

بقتل املتظاهرين لينجي نفسه؟(،‏ و)هل يسمى املقتول عىل أيدي النظام السوري شهيدً‏ ا؟(،‏ وغريها،‏<br />

ينظر:‏ .http://islamicsham.org/fatawa<br />

ثم ملا حتولت الثورة إىل جهاد مسلح صدر ‏)ميثاق املقاومة السورية(‏ ثم رشح يف ‏)رشح ميثاق املقاومة<br />

السورية(،‏ والذي يُعنى ببيان أحكام اجلهاد يف سوريا<br />

.http://islamicsham.org/versions/715<br />

46


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وغالبُ‏ التّجمّ‏ عات اجلهادية املوجودة اليوم ظهرت وبارشت عملَها قبل أن يكون<br />

ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أو ‏)النرصة(‏ وجودٌ‏ يف سورية.‏<br />

بل إنَّ‏ قادة جبهة النّرصة ‏-والتي كان زعامء وقادة <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ضمنَها-‏ ذكروا<br />

أنَّ‏ سببَ‏ جميئهم لسورية وتأسيس حركتهم تلك:‏ نرصةُ‏ الشّ‏ عب السوري،‏ وإعانتُه عىل<br />

مواجهة النّظام،‏ وأنّ‏ ذلك مل يكن ليحدث لوال الثّورة السورية.‏<br />

قال اجلوالين يف مقابلته عىل قناة ‏»اجلزيرة«‏ بتاريخ ‎2013/12/19‎م:‏<br />

‏»توالت علينا ظروفٌ‏ يف العراق،‏ ونحن أجسادُ‏ نا هناك،‏ وقلوبُنا كانت معلّقةً‏ يف<br />

أرض الشّ‏ ام إىل أن بدأت الثورةُ‏ السّ‏ ورية...‏ الشّ‏ ام مل تكن مهيأة لدخوهلا لوال الثورة<br />

السورية...‏ هذه الثورة دفعت أو أزالت الكثريَ‏ مِن العوائق التي مهّ‏ دت لنا الطريقَ‏ يف<br />

الدّ‏ خول والوصول إىل هذه األرض املباركة«‏ انتهى.‏<br />

فجميعُ‏ التّنظيامت اجلهادية يف سورية تدين للثورة السورية بالفضل يف وجودها<br />

وانطالقة رشارهتا،‏ ثم االنضامم هلا،‏ ودعمها،‏ واحتضانا،‏ وتوفري اجلو املالئم<br />

الستمرارها،‏ ومتكينها مِن العمل.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ ليست العربةُ‏ بمَ‏ ن بادر إىل ‏)إعالن(‏ اجلهاد،‏ أو كونه أولَ‏ مَ‏ ن بدأ به،‏ فاألولويةُ‏<br />

ال تعني احلقَّ‏ دائامً‏ ؛ بل قد تعني التّسُّ‏ ع والتعجُّ‏ ل،‏ كام ظهر ذلك يف احلركات اخلارجية<br />

واملنحرفة مِن الزنادقة والباطنيني،‏ التي أعلنت ‏)اجلهاد(‏ ضدَّ‏ دولة اخلالفة الراشدة،‏<br />

والدّ‏ ولة األموية،‏ والدّ‏ ولة العبّاسية.‏<br />

لكنَّ‏ العربة يف صحة اجلهاد:‏ موافقتُه للرشع،‏ وحتقُّ‏ ق املصلحة منه،‏ فإن صحَّ‏<br />

منهجُ‏ اجلامعة التي أعلنت اجلهادَ‏ : فعملها وجهادها صحيحٌ‏ ومقبولٌ‏ ، وإن تأخّ‏ رت<br />

47


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

يف الظّ‏ هور،‏ وإن ظهر فسادُ‏ منهجها:‏ فعملُها وجهادُ‏ ها باطلٌ‏ ومردودٌ‏ ، وإن تقدَّ‏ مت<br />

يف الظّ‏ هور.‏<br />

وقد ‏)بعث النبيُّ‏ # يف بعض الغزوات مناديًا ينادي يف النّاس:‏ أنّ‏ مَ‏ ن ضيّق منزالً‏ ،<br />

أو قطع طريقً‏ ا،‏ فال جهادَ‏ له(‏ ))) .<br />

فإذا كان هذا جزاء من ضيَّق منزالً‏ أو قطع طريقً‏ ا عىل مسلم،‏ فامذا بقي من جهاد<br />

من قتل املجاهدين والدعاة،‏ واعتنق عقائد اخلوارج الغالة؟ وأرض باجلهاد والبالد<br />

والعباد؟<br />

خامسً‏ ا:‏ عىل فرض أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو أولُ‏ مَ‏ ن أعلن اجلهاد،‏ فإنَّ‏ هذا ال يُبيح<br />

له أن يتحكَّ‏ م يف اجلهاد والدّ‏ ولة دون مشورةٍ‏ مِن املسلمني،‏ أو أن ينفردَ‏ بالقيادة عنهم،‏<br />

أو أنْ‏ يؤمِّ‏ ر عليهم مَ‏ ن ال قبولَ‏ هلم به وال رغبة،‏ وخاصّ‏ ة مَ‏ ن هو مِن خارج البالد،‏<br />

وعىل هذا كان مشايخُ‏ اجلهاد وقيادات املجاهدين يف كلِّ‏ بالدٍ‏ حَ‏ لُّ‏ وا فيها مِن أفغانستان،‏<br />

إىل الشّ‏ يشان،‏ والبوسنة،‏ وغريها،‏ وعىل هذا كان تاريخ اجلهاد الذي يزعمون أنم<br />

يستمدون رشعيتهم منه ))) !<br />

فإن قيل:‏ هؤالء املسلمون األوائل خرجوا مِن اجلزيرة العربية وفتحوا البالد<br />

وحكموها،‏ ومازالوا كذلك إىل وقتٍ‏ قريب.‏<br />

))) أخرجه أبو داود )268/4، برقم 2629(.<br />

))) قال الشيخ عبد اهلل عزام يف كتابه ‏»بشائر النرص«‏ ص )14(: ‏»ال تنس أنك ضيف عىل األفغان،‏ وأن<br />

هؤالء القوم مهدوا لك السبيل ألداء فريضة اجلهاد،‏ فالفضل هلل أوالً‏ وآخرً‏ ا ثم هلم،‏ فاحفظ هلم هذه<br />

املنة«.‏<br />

وكان يرفض هو والعديد من قادة اجلهاد تسلم أي مناصب يف الدول التي جياهدون فيها،‏ وهلم يف ذلك<br />

كالم كثري،‏ وحتذير كبري.‏<br />

48


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فيُجاب عن ذلك:‏<br />

بأنّ‏ هؤالء األمراء الفاحتني كانوا معروفني بأشخاصهم،‏ وأحواهلم،‏ وقد ارتضاهم<br />

الناسُ‏ حكامً‏ ا هلم،‏ وكانوا خيضعون لسلطة حاكمٍ‏ واحدٍ‏ مستقرِّ‏ احلكم،‏ واجب الطاعة،‏<br />

حيقّ‏ له أن يعزلَ‏ أو يعنيّ‏ بحسب املصلحة،‏ وكانت هذه املدن واألقاليم تابعةً‏ لدولةٍ‏<br />

واحدةٍ‏ مهام تباعدت أطرافُها ومسافاهتا.‏<br />

فأين هم مِن قادة هذا التّنظيم املجاهيل بالعني واحلال؟ والذين يعتنقون األفكارَ‏<br />

والعقائد املنحرفة،‏ ويتوصّ‏ لون إىل السّ‏ لطة بالطرق املخادعة واملجرمة؟ ويفرضون<br />

أنفسَ‏ هم عىل النّاس دون مشورةٍ‏ أو رأي؟ وجيدون بسبب ذلك معارضةً‏ ومقاومة؟<br />

فالقياس غريُ‏ صحيح.‏<br />

- كام أنَّ‏ مراعاةَ‏ أهلِ‏ البالد ووجهائها ومقدَّ‏ ميها يف شؤونم العامة،‏ وفيمن<br />

حيكمهم له أصلٌ‏ يف الرشع،‏ ومِن ذلك:‏<br />

1- عندما أراد النّبي # اهلجرة إىل املدينة مل هياجر حتى أسلم عددٌ‏ مِن أهلها،‏<br />

وعاهدوه أن حيموه ويكونوا أنصارً‏ ا له.‏<br />

2- إذا كان األمر خيصُّ‏ أهلَ‏ بلدٍ‏ ما فإنه كان يستشريهم دون غريهم،‏ كام استشار<br />

األنصار دون املهاجرين يف قتال قريش يف غزوة بدر.‏<br />

3- وعندما كان يرسل للبلدان مَ‏ ن يعلّمهم أمور دينهم كان يرسل هلم مِن أهل<br />

بلدهم غالبًا؛ ليكون ذلك أحرى بقبول الدّ‏ عوة،‏ كام أرسل أبا موسى األشعري قاضيًا<br />

عىل اليمن.‏<br />

49


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

5- وكذلك كان القضاةُ‏ يعيَّنون مِن أهل البلد يف كثري مِن األحيان.‏<br />

ثم إنَّ‏ املسلمني مل يكونوا يتشوَّ‏ فون للحكم والسّ‏ يطرة،‏ وقمع معارضيهم مِن<br />

املسلمني كام هو حال <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(،‏ الذي جعل اإلمارة والبيعة وإقامة الدولة<br />

نصب عينيه،‏ وقدَّ‏ مها عىل مدافعة املحتل املعتدي،‏ ثم واىل وعادى <strong>عليها</strong>،‏ إىل حدِّ‏ أن<br />

كفَّ‏ ر كل من عاداها،‏ كام سيأيت اإلشارة له.‏<br />

بل كان رسول اهلل # يرسل إىل امللوك واحلكام يقول هلم فيها:‏ ‏»أَسْ‏ لِمْ‏ تَسْ‏ لَمْ‏ ،<br />

وَ‏ أَجْ‏ عَ‏ لْ‏ لَك مَ‏ ا حتَ‏ ‏ْتَ‏ يَدَ‏ يْك«‏ ))) .<br />

وكان # يأتيه مِن القبائل واألقوام مَ‏ ن يتعلّم أمورَ‏ الدّ‏ ين،‏ ثم يعود إىل قومه<br />

يعلّمهم،‏ ويقوم بشؤونم.‏<br />

فشتان بني األمرين!‏ ))) .<br />

))) كام جاء يف كتاب النبي # إىل هَ‏ وذة بن عيل احلنفي صاحب الياممة.‏ ينظر:‏ عيون األثر يف فنون املغازي<br />

والشامئل والسري،‏ البن سيّد الناس )338/2(.<br />

))) قال أبو بصري الطرطويس يف مقاله:‏ ‏»ال يُؤَ‏ مُّ‏ املرءُ‏ يف سُ‏ لطانه«:‏ ‏»قال رسول اهلل #: ‏)مَ‏ ن زار قومً‏ ا فال<br />

يؤمّ‏ هم،‏ وليؤمّ‏ هم رجلٌ‏ منهم(،‏ وقال:‏ ‏)وال يُؤمُّ‏ الرّ‏ جلُ‏ يف بيتِه،‏ وال يف سلطانه،‏ وال جيُ‏ لسُ‏ عىل تكرمتِه<br />

‏]أي مكان جلوسه[‏ يف بيتِه إال بإذنه(.‏<br />

قال السلف:‏ صاحب املنزل أحقُّ‏ باإلمامة من الزائر.‏<br />

قلتُ‏ : قياسً‏ ا عليه؛ فكام ال يؤمُّ‏ الزائرُ‏ الوافدُ‏ القومَ‏ يف الصالة مراعاةً‏ حلقوق وحرمة ومشاعر صاحب املنزل<br />

والدار..‏ وكام أنَّه ال جيوز للزائر الوافد أن جيلس عىل أريكة مُ‏ ضيفه يف بيته إال بإذنه..‏ كذلك ال جيوز له<br />

أن يؤمّ‏ ه يف شؤون احلكم،‏ والسياسة،‏ وإدارة البالد..‏ أو أن جيلس عىل كريس احلكم..‏ إال بإذنه،‏ وبعد<br />

رضاه..‏ بل هذا املعنى أوىل مِن سابقه..‏ وأشدُّ‏ حساسية..‏ وأظهر يف االعتداء عىل مشاعر وحقوق<br />

وحرمة الطرف المُ‏ ضِ‏ يف.‏<br />

وأيام ضيفٍ‏ وافد ال يراعي هذا األدب،‏ وهذا التوجيه النبوي العظيم..‏ سيدخل يف خصومة مع صاحب<br />

احلقّ‏ والدّ‏ ار..‏ ال حمالة..‏ وال يلومنَّ‏ إال نفسه«!.‏<br />

50


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ عامّ‏ ةَ‏ علامء األمّ‏ ة،‏ وجماهدهيا،‏ قد حكموا بانحراف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وضالله،‏ وخروجه عن عقيدة األمّ‏ ة ومجاعتها،‏ فدعوى التّنظيم أنّه عىل منهج<br />

املجاهدين أو مشاخيهم ادعاءٌ‏ باطلٌ‏ مردودٌ‏ ، حتى من كان قريبًا من منهجه كتيار<br />

‏)السّ‏ لفية اجلهادية(.‏<br />

51


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة الخامسة<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ليسوا خوارج<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

كيف حتكمون عىل <strong>تنظيم</strong>ِ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ أنَّ‏ م خوارج،‏ ومعلومٌ‏ أنَّ‏ اخلوارجَ‏ هم مَ‏ ن خرج<br />

عىل اإلمامِ‏ املسلم،‏ ومَ‏ ن كفَّ‏ ر بالكبرية،‏ أمّ‏ ا <strong>تنظيم</strong>ُ‏ الدّ‏ ولة فلم خيرجوا عىل حاكمٍ‏ مسلمٍ‏ ،<br />

وال يقولون بكفر مرتكبِ‏ الكبرية!؟<br />

اإلجابة عن الشبهة:‏<br />

أوالً‏ : الضّ‏ ابطُ‏ المُ‏ عترب،‏ والقول الفصل يف تعريف اخلوارج مردُّ‏ ه إىل ما ورد<br />

يف النّصوص الرشعية،‏ وقد فصَّ‏ لت السّ‏ نّةُ‏ النّبوية وبيّنت مِن صفات اخلوارج ما مل<br />

تُفصِّ‏ له يف أيِّ‏ فرقةٍ‏ أخرى؛ تنبيهً‏ ا لألمة ورمحةً‏ هبا؛ لعظيم خطرهم الفكري،‏ وانحراف<br />

منهجهم يف التّعامل مع النصوص،‏ وخطرهم الواقعي يف تطبيق أفكارهم عىل املجتمع<br />

املسلم،‏ ولسعة االغرتار هبم؛ ملا يظهر فيهم من تعبُّدٍ‏ ، ورفع شعاراتٍ‏ برّ‏ اقة،‏ ختدع<br />

فريقً‏ ا مِن الناس فيحسنون الظنَّ‏ هبم،‏ مما يدفعهم إىل اعتقاد صحّ‏ ة أفكارهم وأعامهلم.‏<br />

ومل يرد يف النّصوص الرشّ‏ عية أنّ‏ مِن صفات اخلوارج اخلروجَ‏ عىل اإلمام املسلم،‏<br />

أو التّكفري بارتكاب الكبرية،‏ بل الذي أكَّ‏ دت عليه النّصوص الرشّ‏ عية صفتان رئيستان:‏<br />

- قتل املسلمني واستباحة دمائهم.‏<br />

52


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

- اخلروج عن أحكام الدّ‏ ين القويم،‏ ومفارقة مجاعة املسلمني.‏<br />

باإلضافة لبضع صفاتٍ‏ أخرى كالطَّ‏ يش والسَّ‏ فه،‏ وحداثة السِّ‏ نّ‏ ، مع الغرور<br />

والتّعايل عىل اخللق ))) .<br />

ثانيًا:‏ ما ذكره عددٌ‏ مِن العلامء مِن أنَّ‏ مذهبَ‏ اخلوارج ‏)تكفريُ‏ مرتكب الكبرية(،‏<br />

ليس وصفً‏ ا جامعً‏ ا لكلّ‏ ‏»اخلوارج«،‏ وليس رشطً‏ ا للوصف باخلروج،‏ بل الذي جاء يف<br />

الوصف النبوي أنم ‏)يقتلون أهلَ‏ اإلسالم(،‏ وذكر أهلُ‏ العلم أنّ‏ سببَ‏ هذا القتل<br />

هو:‏ أنَّ‏ م حيكمون بالكفر والرِّ‏ دة عىل خمالفيهم بغريِ‏ حقّ‏ .<br />

فيدخل يف اخلوارج:‏ كلُّ‏ مَ‏ ن يكفّ‏ ر املسلمني بغري حقٍّ‏ ، ويستحلُّ‏ دماءَ‏ هم،‏ ولو مل<br />

يعتقد كفرَ‏ مرتكبِ‏ الكبائر.‏<br />

قال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»وذلك أنّ‏ م ملا حكموا بكفرِ‏ مَ‏ ن خرجوا عليه مِن املسلمني،‏<br />

استباحوا دماءهم«‏ ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»اخلوارج دينهم المُ‏ عَ‏ ظَّ‏ مُ‏ : مفارقةُ‏ مجاعةِ‏ املسلمني،‏<br />

واستحاللُ‏ دمائِهم وأمواهلِ‏ م«‏ ))) .<br />

وقال:‏ ‏»فإنم يَسْ‏ تَحِ‏ لُّ‏ ونَ‏ دماءَ‏ أهلِ‏ القبلة؛ العتقادِهم أنم مرتدُّ‏ ون أكثر مما<br />

يَسْ‏ تَحِ‏ لُّ‏ ونَ‏ من دماء الكفّ‏ ار الذين ليسوا مرتدين«‏ ))) .<br />

))) ينظر مقال:‏ صفات اخلوارج يف السنة النبوية،‏ للشيخ عامر الصياصنة http://islamicsham.<br />

.org/article/1554<br />

))) املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم )84/9(.<br />

))) جمموع الفتاوى )209/13(.<br />

))) جمموع الفتاوى )497/28(.<br />

53


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال ابن عبد الرب رمحه اهلل:‏ ‏»وهم قوم اسْ‏ تَحَ‏ لُّ‏ وا بام تَأَوَّ‏ لُوا مِن كتاب اهلل عز وجل دماءَ‏<br />

املسلمني،‏ وكفّ‏ روهم بالذّ‏ نوب،‏ ومحلوا عليهم السّ‏ يف«‏ ))) .<br />

ومما يدلُّ‏ عىل عدم اشرتاط القول بتكفري مرتكب الكبرية للوصف باخلوارج:‏<br />

- أنَّ‏ اخلوارجَ‏ الذين خرجوا عىل أمري املؤمنني عيل بن أيب طالب والصّ‏ حابة ريض<br />

اهلل عنهم مل يكونوا ممّن يعتقد القول بكفر مرتكب الكبائر كالزنا والسّ‏ قة ورشب<br />

اخلمر،‏ وإنّام كفّ‏ روا الصّ‏ حابة بقبول التَّحكيم،‏ وهو ليس بذنبٍ‏ أصالً‏ ، فكفّ‏ روا عليًا<br />

ومعاوية واحلكَ‏ مني ريض اهلل عنهم،‏ ومَ‏ ن ريض معهم بالتَّحكيم،‏ واستحلّوا دماءهم،‏<br />

فحكم عليهم الصّ‏ حابةُ‏ بأنم اخلوارج الذين أخرب عنهم النّبي # لفعلهم هذا،‏ ومل<br />

يسألوهم عن مذهبهم يف بقية الذّ‏ نوب،‏ وهل يُكفِّ‏ رون هبا أم ال.‏<br />

- أنّ‏ ‏»النَّجْ‏ دات«‏ وهم مِن رؤوس اخلوارج باتفاق أهل العلم،‏ ال يقولون بكفر<br />

مرتكب الكبرية،‏ قال أبو احلسن األشعري ‏-رمحه اهلل-‏ مبينًا عقيدة اخلوارج:‏ ‏»وأمجعوا<br />

عىل أنّ‏ كلَّ‏ كبريةٍ‏ كفرٌ‏ ، إال النّجدات فإنّ‏ ا ال تقول بذلك«‏ ))) .<br />

وقال عبد القاهر البغدادي ‏-رمحه اهلل-‏ بعد أنْ‏ ذكر ما جيمع فرق اخلوارج:‏ ‏»وقد<br />

أخطأ الكعبيُّ‏ يف دعواه إمجاعَ‏ اخلوارج عىل تكفري مرتكبي الذّ‏ نوب منهم؛ وذلك أنّ‏<br />

النَّجدات مِن اخلوارج ال يكفّ‏ رون أصحاب احلدود مِن موافقتهم...«‏ ))) .<br />

ومما يدلُّ‏ عىل أنَّ‏ وصفَ‏ اخلوارج بالتّكفري بالكبرية إنّام هو بيانٌ‏ حلاهلم يف بعض<br />

العصور،‏ وأنَّه ليس وصفً‏ ا الزمً‏ ا جلميع اخلوارج يف كلّ‏ وقت قولُ‏ أيب احلسن<br />

((( االستذكار .)499/2(<br />

))) مقاالت اإلسالميني )86/1(.<br />

))) الفَ‏ رق بني الفِرق )55/1(.<br />

54


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

األشعري:‏ ‏»فأمّ‏ ا التّوحيد فإنّ‏ قولَ‏ اخلوارج فيه كقول املعتزلة...‏ واخلوارجُ‏ مجيعً‏ ا<br />

يقولون بخلق القرآن«‏ ))) .<br />

ومعلومٌ‏ أنّ‏ اخلوارجَ‏ األوّ‏ لني،‏ بل كثريٌ‏ مِن فرق اخلوارج ال تقول بخلق القرآن،‏ مما<br />

يدل عىل أنَّ‏ هذا قول لبعضهم فحسب.‏<br />

فالوصفُ‏ اجلامعُ‏ للخوارج هو:‏ ‏»تكفري املسلمني بغري حق واستحالل دمائهم<br />

بذلك«،‏ وهذا التّكفري له صورٌ‏ كثرية:‏ كتّكفري مرتكب الكبرية أو بمطلق الذّ‏ نوب،‏<br />

أو التّكفري بام ليس بذنبٍ‏ أصالً‏ ، أو التّكفري بالظّ‏ نّ‏ والشّ‏ بهات واألمور املحتملة،‏<br />

أو باألمور التي يسوغ فيها اخلالفُ‏ واالجتهاد،‏ أو دون التّحقّ‏ ق مِن توافر الرشّ‏<br />

وانتفاء املوانع.‏<br />

وط،‏<br />

وإذا كان العلامءُ‏ قد حكموا عىل مَ‏ ن يكفّ‏ ر مرتكبَ‏ الكبرية بأنّه مِن اخلوارج،‏ فكيف<br />

بمَ‏ ن يكفر بالصّ‏ غائر،‏ بل باألمور االجتهادية،‏ أو بام هو مباح،‏ كاجللوس مع الكفار<br />

ومراسلتهم مثالً‏ ؟!‏<br />

وحتى لو قيلَ‏ بأنَّ‏ اخلوارجَ‏ هم من يُكفِّ‏ ر بالكبرية،‏ فقد وقع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ وكثريٌ‏<br />

من الغالة املعارصين يف التكفري بأمور هي من باب االجتهادات،‏ وحتى لو قيل بأنَّ‏ ا<br />

من اخلطأ أو املحرمات،‏ فيكون التكفريُ‏ هبا من جنس التكفري بالذنوبِ‏ واملعايص التي<br />

وقع هبا اخلوارج األولون،‏ وسيأيت اإلشارة لذلك يف مواضع متعددة ))) .<br />

ثالثًا:‏ مل يرد يف النّصوص الرشّ‏<br />

عية ما يدلُّ‏ عىل اشرتاط ‏)اخلروج عىل اإلمام املسلم(‏<br />

للوصف باخلروج،‏ بل كلُّ‏ مَ‏ ن كان عىل معتقدهم ومنهجهم فهو مِن اخلوارج سواءٌ‏<br />

))) مقاالت اإلسالميني )124/1(.<br />

))) ‏)د.‏ فهد العجالن(.‏<br />

55


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

خرج عىل اإلمام أم مل خيرج.‏<br />

و)اخلروجُ‏ عىل األئمة(‏ عند اخلوارج نتج عن التّكفريِ‏ بغري حقٍّ‏ ، واستباحةِ‏ دماء<br />

املسلمني،‏ فإن وُ‏ جد اإلمامُ‏ خرجوا عليه،‏ واستباحوا الدّ‏ ماء واألموال،‏ وإن مل يوجد<br />

استباحوا دماءَ‏ عامّ‏ ة املسلمني وخيارهم مِن املجاهدين والعلامء والدعاة.‏<br />

فتسميتهم ب ‏»اخلوارج«‏ إنّام هي خلروجهم عن أحكام الدّ‏ ين ومفارقتهم مجاعة<br />

املسلمني،‏ كام قال #: ‏)سَ‏ يَخْ‏ رُ‏ جُ‏ قَوْ‏ مٌ‏ يفِ‏ آخِ‏ رِ‏ الزَّ‏ مَ‏ انِ‏ ، أَحْ‏ دَ‏ اثُ‏ األَسْ‏ نَانِ‏ ، سُ‏ فَ‏ هَ‏ اءُ‏<br />

األَحْ‏ الَمِ،‏ يَقُ‏ ولُونَ‏ مِنْ‏ خَ‏ ريْ‏ ِ قَوْ‏ لِ‏ الربَ‏ ‏ِيَّةِ،‏ ال جيُ‏ ‏َاوِزُ‏ إِيامَ‏ نُ‏ ‏ُمْ‏ حَ‏ نَاجِ‏ رَ‏ هُ‏ مْ‏ ، يَمْ‏ رُ‏ قُونَ‏ مِنَ‏ الدِّ‏ ينِ‏ ،<br />

كَ‏ امَ‏ يَمْ‏ رُ‏ قُ‏ السَّ‏ هْ‏ مُ‏ مِنَ‏ الرَّ‏ مِيَّةِ،‏ فَأَيْنَامَ‏ لَقِيتُمُ‏ وهُ‏ مْ‏ فَاقْتُلُوهُ‏ مْ‏ ، فَإِنَّ‏ يفِ‏ قَتْلِهِمْ‏ أَجْ‏ رًا ملَِنْ‏ قَتَلَهُ‏ مْ‏<br />

يَوْ‏ مَ‏ القِيَامَ‏ ةِ(‏ ))) .<br />

قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»سُ‏ مّ‏ وا بذلك خلروجهم عن الدّ‏ ين،‏ وخروجهم<br />

عىل خيار املسلمني«‏ ))) .<br />

وقال النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»وسمّ‏ وا خوارج؛ خلروجهم عىل اجلامعة،‏ وقيل:‏ خلروجهم<br />

عن طريق اجلامعة،‏ وقيل:‏ لقوله #: ‏)خيرج مِن ضئضئِ‏ هذا(‏ ))) .<br />

وقال #: ‏)مَ‏ ن خرج مِن الطّ‏ اعة،‏ وفارق اجلامعةَ‏ فامت،‏ مات مِيتةً‏ جاهليّةً‏ ، ومَ‏ ن<br />

قاتل حتت رايةٍ‏ عُ‏ مّ‏ يةٍ‏ يغضب لعَ‏ صبةٍ،‏ أو يدعو إىل عصبةٍ،‏ أو ينرص عصبةً‏ ، فقُ‏ تل،‏ فقِتلةٌ‏<br />

جاهليّةٌ‏ ، ومَ‏ ن خرج عىل أمّ‏ تي،‏ يرضب بَرَّ‏ ها وفاجرَ‏ ها،‏ وال يتحاشى مِن مؤمنِها،‏<br />

))) أخرجه البخاري )16/9، برقم 6930(، ومسلم )746/2، برقم 1066(.<br />

))) فتح الباري رشح صحيح البخاري )283/12(<br />

))) رشح النووي ‏»املنهاج رشح صحيح مسلم بن احلجاج«‏ )164/7(. ومعنى ‏)خيَ‏ ‏ْرُ‏ جُ‏ مِنْ‏ ضِ‏ ئْضِ‏ ئِ‏ (:<br />

خيرج من أصله ونسبه.‏<br />

56


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وال يفي لذي عهدٍ‏ عهدَ‏ ه،‏ فليس منّي ولستُ‏ منه(‏ ))) .<br />

قال القايض عياض رمحه اهلل:‏ ‏»أي:‏ ال يَكرتث بام يفعله هبا،‏ وال حيَ‏ ذر مِن عقباه،...‏<br />

أي أنّه إنام يقاتل لشهوة نفسه وغَ‏ ضَ‏ بِها أو لقومه وَ‏ عصبَته،‏ هذا ‏-واهلل أعلم-‏ يف<br />

اخلوارج وأشباههم مِن القرامطة«‏ ))) .<br />

وقال النووي ‏-رمحه اهلل-‏ عن حديث:‏ ‏)ال حيلُّ‏ دمُ‏ امرئٍ‏ مسلمٍ‏ ، يشهد أن ال إله إال اهللُ‏<br />

وأينّ‏ رسولُ‏ اهلل،‏ إال بإحدى ثالثٍ‏ : الثّيّبُ‏ الزّ‏ اين،‏ والنّفسُ‏ بالنّفسِ‏ ، والتاركُ‏ لدينِه املفارقُ‏<br />

للجامعة(‏ ))) : ‏»وأمّ‏ ا قوله # ‏)والتاركُ‏ لدينِه املفارقُ‏ للجامعة(:‏ ‏»فهو عامٌّ‏ يف كلِّ‏ مرتدٍّ‏ عن<br />

اإلسالم بأيِّ‏ ردّ‏ ةٍ‏ كانت،‏ فيجب قتلُه إن مل يرجع إىل اإلسالم،‏ قال العلامء:‏ ويتناول أيضً‏ ا<br />

كلَّ‏ خارجٍ‏ عن اجلامعة ببدعةٍ‏ أو بغيٍ‏ أو غريمها،‏ وكذا اخلوارجُ‏ ، واهلل أعلم«‏ ))) .<br />

وحني اختلف النّاسُ‏ يف حكم التّتار جعلهم ابنُ‏ تيمية مِن جنسِ‏ اخلوارج مع أنم<br />

مل خيرجوا عىل إمامٍ،‏ قال احلافظ ابن كثري رمحه اهلل:‏ ‏»وقد تَكَ‏ لَّمَ‏ النّاسُ‏ يف كيفية قتال<br />

هؤالء الترت مِن أي قَبِيلٍ‏ هو؟ فإنم يُظهرون اإلسالم،‏ وليسوا بغاةً‏ عىل اإلمام؛ فإنم<br />

مل يكونوا يف طاعته يف وقتٍ‏ ثمّ‏ خالفوه!،‏ فقال الشيخ تقي الدين ‏]يعني ابنَ‏ تيمية[:‏<br />

هؤالء مِن جنس اخلوارج الذين خرجوا عىل عيلٍّ‏ ومعاوية،‏ ورأوا أنم أحقُّ‏ باألمر<br />

منهام،‏ وهؤالء يزعمون أنم أحقُّ‏ بإقامة احلقِّ‏ مِن املسلمني«‏ ))) .<br />

وإنام خصَّ‏ عددٌ‏ مِن أهل العلم وصفَ‏ اخلوارج بمَ‏ ن خرج عىل األئمة؛ ألنَّ‏ هذا<br />

))) أخرجه مسلم )1476/3، برقم 1848(.<br />

))) إكامل املعلم بفوائد مسلم )259/6(.<br />

))) أخرجه البخاري،‏ )5/9، برقم 6878(، ومسلم،‏ )1302/3، برقم 1676(.<br />

))) رشح النووي )156/11(.<br />

))) البداية والنهاية )28/14(.<br />

57


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

كان ديدنَ‏ م وغالبَ‏ أمرهم،‏ فهم قد خرجوا أوالً‏ عىل اخللفاء الراشدين،‏ ثمّ‏ عىل<br />

الدّ‏ ولة األموية،‏ والعباسية،‏ وهذا شأنم مع كلِّ‏ حاكمٍ‏ مسلمٍ‏ .<br />

بل حتى لو أقام اخلوارجُ‏ دولتَهم،‏ فذلك ال ينفي عنهم صفة اخلارجية،‏ فام زال<br />

اخلوارجُ‏ يقيمون الدّ‏ ول واإلمارات عىل مَ‏ رِّ‏ التاريخ،‏ وفيهم مَ‏ ن ادعى اخلالفة،‏ ومل ينزع<br />

ذلك صفةَ‏ اخلروج عنهم ملجرد وصوهلم للحكم،‏ طاملا أنم يكفّ‏ رون أهل اإلسالم،‏<br />

ويستبيحون دماءهم.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ ال يُشرتط للوصف باخلروج محلُ‏ السّ‏ الح،‏ بل يكفي االنحرافُ‏ يف العقيدة،‏<br />

والغلوُّ‏ يف التّكفري،‏ واخلروجُ‏ عن منهج أهل السنّة.‏<br />

فمِ‏ ن املتّفق عليه بني أهل العلم أنَّ‏ مِن فرق اخلوارج مَ‏ ن ال يوجب اخلروجَ‏ عىل<br />

احلاكم أو محلَ‏ السّ‏ الح،‏ كفرقة ‏»القَ‏ عَ‏ دَ‏ ة،‏ أو القعدية«‏ لقعودهم عن القتال،‏ وهم فرقة<br />

تُزيّن معتقدات اخلوارج وأقواهلَ‏ م،‏ وال تبارش أفعاهلَ‏ م.‏<br />

قال ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»والقعديّةُ‏ : قومٌ‏ مِن اخلوارجِ‏ كانوا يقولون بقوهلم،‏<br />

وال يرون اخلروجَ‏ ، بل يزيّنونه«.‏ وقال:‏ ‏»والقعدةُ‏ اخلوارجُ‏ كانوا ال يُرون باحلرب،‏ بل<br />

يُنكرون عىل أمراء اجلور حسب الطّ‏ اقة،‏ ويدعون إىل رأهيم،‏ ويزيّنون مع ذلك اخلروجَ‏<br />

وحيسِّ‏ نونه«‏ ))) .<br />

فقد سامهم أهلُ‏ العلم خوارجَ‏ ، وعدُّ‏ وهم مِن فرقهم،‏ مع أنم مل يكونوا يبارشون<br />

القتالَ‏ ، ومل خيرجوا عىل احلاكم.‏<br />

بل عدَّ‏ هم عددٌ‏ مِن أهل العلم مِن أخبث اخلوارج،‏ روى أبو داود يف مسائل اإلمام<br />

))) فتح الباري )432/1(.<br />

58


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أمحد عن عبد اهلل بن حممد أيب عبد اهلل الضعيف أنّه قال:‏ ‏»قَعَ‏ دُ‏ اخلوارجِ‏ هم أخبثُ‏<br />

اخلوارجِ‏ » ((( .<br />

وذلك ملا يقومون به مِن نرش الفتنة،‏ والتّلبيس عىل عامّ‏ ة النّاس بتكفري املسلمني<br />

دونَ‏ حقٍّ‏ ، وحرْ‏ فِ‏ معتقدِ‏ هم،‏ وشحن قلوهبِ‏ م،‏ وإثارهتم،‏ وذلك له أثرٌ‏ بالغٌ‏ يف إضالل<br />

الناس،‏ ال سيام إذا خرج مِن رجلٍ‏ بليغٍ‏ متكلّمٍ‏ خيدع النّاسَ‏ بلسانه واستدالالته،‏<br />

ويتلبّس بالسنّة،‏ وينسب ما قاله للرشع.‏<br />

فمَ‏ ن كفَّ‏ ر املسلمني،‏ واستباح بذلك دماءَ‏ هم،‏ وحثَّ‏ عىل قتلهم،‏ أو دعا إىل ذلك،‏<br />

أو أرشد إليه،‏ فهو رشيكٌ‏ يف ذلك،‏ وإن مل يشارك بيده.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ قد وقع يف العديد مِن املخالفات ‏-وهي منشورةٌ‏ مِن<br />

أقواهلم،‏ ومتواترةٌ‏ مِن أفعاهلم-‏ التي تقتيض احلكمَ‏ عليهم بأنم خوارجُ‏ منحرفون عن<br />

املنهج النّبويّ‏ ، وهي ))) :<br />

1- احلكمُ‏ عىل بالد املسلمني بأنّ‏ ا بالد كفرٍ‏ وردّ‏ ة،‏ وإجيابُ‏ اهلجرة منها إىل مناطقِ‏<br />

سيطرهتم ونفوذهم.‏<br />

2- احلكمُ‏ عىل مَ‏ ن خالفهم بالكفر والرِّ‏ دة،‏ ووصفِهم بالصّ‏ حوات،‏ ورميُهم<br />

باخليانة والعاملة للكفّ‏ ار بالشُّ‏ به،‏ وبام ليس كفرً‏ ا أصالً‏ ، كالتّعامل مع احلكومات<br />

واألنظمة األخرى،‏ واللّقاء بمسؤوليها،‏ بل وبمجرَّ‏ د خمالفة <strong>تنظيم</strong>هم!.‏<br />

3- استحالهلم قتالَ‏ مَ‏ ن خالفهم يف منهجهم،‏ أو رفض اخلضوعَ‏ لدولتهم املوهومة،‏<br />

فأعملوا يف املسلمني خطفً‏ ا،‏ وغدرً‏ ا،‏ وسجنًا،‏ وقتالً‏ ، وتعذيبًا،‏ وأرسلوا مفخخاهتم إىل<br />

))) مسائل اإلمام أمحد رواية أيب داود السجستاين )362/1(.<br />

))) ينظر امللحق )1( ص )٣١١(.<br />

59


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

مقرات املجاهدين،‏ فقتلوا مِن رؤوس الثوار واملجاهدين،‏ والدعاة،‏ واإلعالميني،‏<br />

والنّشطاء ما مل يستطع النّظامان الطّ‏ ائفيان يف العراق وسورية فعلَه،‏ وقاتلوا املسلمني<br />

بام مل يقاتلوا به األعداء.‏<br />

ومجيع ذلك يصدّ‏ ق قول الرسول #: ‏)يَقتلون أهلَ‏ اإلسالمِ،‏ ويدَ‏ عون أهلَ‏<br />

األوثان(‏ ((( .<br />

4- اخلروجُ‏ عن مجاعة املسلمني،‏ وحرصُ‏ احلقِّ‏ يف منهجهم،‏ ومِن آخرِ‏ ذلك<br />

ادعاؤهم ‏»اخلالفة«،‏ وإجيابُ‏ بيعتهم عىل مجيع املسلمني.‏<br />

5- استحاللُ‏ أخذ أموال املسلمني بحجّ‏ ة قتال اجلامعات املنحرفة،‏ ومصادرهتا<br />

دون وجه حقٍّ‏ ، واحتكار موارد الدّ‏ خل العامّ‏ ة مِن آبار نفطٍ‏ ، وصوامع غالل وغريها،‏<br />

والتّرصف فيها كترصف احلاكم املتمكّ‏ ن.‏<br />

6- نارص <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ النّظامَ‏ املعتدي ضدَّ‏ املجاهدين يف القتال واحلصار،‏<br />

وأظهروا الفرحَ‏ بانكسار املجاهدين أمامَ‏ النّظام،‏ واستيالئه عىل مقرّ‏ اهتم،‏ حتى مل<br />

يَعد بعيدً‏ ا ما يُظَ‏ نُّ‏ مِن دخول أعداء اإلسالم واستخبارات بعض الدّ‏ ول يف صفوفهم،‏<br />

يرضبون هبم املجاهدين،‏ وحيقّ‏ قون ما عجَ‏ زوا عن حتقيقِه باحلرب املبارشِ‏ ة.‏<br />

فاجتمع يف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مِن الرش ما مل جيتمع يف غريهم مِن اخلوارج مِن قبل:‏ مِن<br />

االجتامع عىل الباطل،‏ واالمتناعِ‏ مِن االنقياد للحقِّ‏ واملحاكم الرشعية،‏ والكذب،‏ والغدر،‏<br />

واخليانة،‏ ونقض العهود،‏ ومماألة أعداء اإلسالم،‏ فصاروا أخطر عىل املسلمني واملجاهدين<br />

مِن النّظام النّصريي الطّ‏ ائفي،‏ وفاقوا اخلوارج األولني رشً‏ ا وسوءً‏ ا وانحرافًا ))) .<br />

60<br />

))) أخرجه البخاري )137/4، برقم 3344(، ومسلم )741/2، برقم 1064(.<br />

))) يعرتض بعض طلبة العلم عىل وصف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ باخلوارج خالفًا جلمهور أهل العلم والفتوى،‏<br />

وحجتهم يف ذلك أنَّ‏ غلو ال<strong>تنظيم</strong> ورضره فاق اخلوارج األولني،‏ والغالب عىل قياداته العاملة،‏ أو االخرتاق،=‏


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

خامسً‏ ا:‏ ال يُشرتط للوصف باخلروج أو االبتداع يف الدّ‏ ين خمالفةُ‏ معتقدِ‏ أهل السّ‏ نة<br />

يف أكثر أو غالب العقائد،‏ كمسائل حدِّ‏ اإليامن،‏ ومسائل القَ‏ دَ‏ ر،‏ والغيبيات،‏ وأمور<br />

اآلخرة،‏ واألسامء والصفات،‏ وغريها.‏<br />

فاخلوارجُ‏ األوّ‏ لون الذين خرجوا عىل الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم مل يؤثرْ‏ عنهم املخالفةُ‏<br />

يف هذه األصولِ‏ سوى الغلوّ‏ يف التّكفري،‏ وكذلك كان كثريٌ‏ مِن اخلوارج مِن بعدهم يف<br />

عهد الدّ‏ ولة األموية،‏ وإنام وقع االفرتاقُ‏ بني اخلوارج يف هذه األصول أو بعضِ‏ ها يف<br />

وقت الحق،‏ ومل يمنع ذلك مِن إطالق وصف اخلوارج،‏ وال إجراء األحكام عليهم.‏<br />

ومل يشرتط أهلُ‏ العلم حلصول االفرتاق خمالفةَ‏ أهلِ‏ السّ‏ نّة يف غالب األصول،‏<br />

وال مجيعها،‏ بل يف أحدها فحسب.‏<br />

قال الشاطبي رمحه اهلل:‏ ‏»املسألة اخلامسة:‏ وذلك أنّ‏ هذه الفرق إنّام تصري فرقًا<br />

بخالفها للفرقة الناجية يف معنًى كُ‏ يلٍّ‏ يف الدّ‏ ين،‏ وقاعدةٍ‏ مِن قواعد الرشّ‏ يعة،‏ ال يف<br />

جزئيٍّ‏ مِن اجلزئيات...‏ وإنّام ينشأ التّفرّ‏ قُ‏ عند وقوع املخالفة يف األمور الكليّة«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وممّا ينبغي أيضً‏ ا أنْ‏ يُعرف أنَّ‏ الطوائفَ‏ املنتسبة إىل<br />

متبوعني يف أصول الدين والكالم عىل درجاتٍ‏ : منهم مَ‏ ن يكون قد خالف السّ‏ نّةَ‏ يف<br />

أصولٍ‏ عظيمةٍ،‏ ومنهم مَ‏ ن يكون إنّام خالف السنّةَ‏ يف أمورٍ‏ دقيقة...‏<br />

‏=أو اختاذ بعض املجرمني هلذا املنهج التكفريي غطاءً‏ للوصول إىل ما يريدون من احلكم والسلطة.‏<br />

ومجيع هذا ال يمنع إطالق وصف اخلوارج عليهم؛ ألنَّ‏ اخلارجية وصف للعقائد واألفكار التي يعتنقها<br />

غالب أبناء ال<strong>تنظيم</strong>،‏ والتي تُنرش بني الناس،‏ أما حقيقة بعض زعامء ال<strong>تنظيم</strong> فشأن آخر،‏ وقد مرَّ‏ قريبًا<br />

أنَّ‏ ابن تيمية ‏-ومعه علامء عرصه-‏ جعلوا حكم التتار من حكم جنس اخلوارج،‏ مع ما وقع فيه التتار<br />

يف ذاك الزمان من الكفر واخلروج من الدين.‏<br />

((( االعتصام .)712/2(<br />

61


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ومثلُ‏ هؤالء إذا مل جيعلوا ما ابتدعوه قوالً‏ يفارقون به مجاعةَ‏ املسلمني؛ يوالون عليه<br />

ويعادون؛ كان مِن نوع اخلطأ.‏ واهللُ‏ سبحانه وتعاىل يغفر للمؤمنني خطأهم يف مثلِ‏<br />

ذلك.‏<br />

وهلذا وقع يف مثل هذا كثري من سلف األمة وأئمتها:‏ هلم مقاالت قالوها باجتهاد<br />

وهي ختالف ما ثبت يف الكتاب والسنّة،‏ بخالف مَ‏ ن واىل موافقَ‏ ه،‏ وعادى خمالفَ‏ ه،‏ وفرّ‏ ق<br />

بني مجاعةِ‏ املسلمني،‏ وكفّ‏ ر وفسّ‏ ق خمالفَ‏ ه دون موافقِه يف مسائل اآلراء واالجتهادات؛<br />

واستحلّ‏ قتالَ‏ خمالفِه دونَ‏ مُ‏ وافقِه فهؤالء مِن أهل التّفرّ‏ ق واالختالفات.‏ وهلذا كان<br />

أولَ‏ مَ‏ ن فارق مجاعة املسلمني مِن أهل البدع اخلوارجُ‏ املارقون«‏ ))) .<br />

فاملخالَفةُ‏ يف قاعدة كليةٍ،‏ أو أصلٍ‏ مِن أصول اإلسالم خروجٌ‏ عن مجاعة املسلمني،‏<br />

وبدعةُ‏ اخلوارج مِن املخالفات يف أصلٍ‏ مِن أصول الدّ‏ ين،‏ وقاعدةٍ‏ مِن قواعده العظام،‏<br />

أال وهي التّكفري.‏<br />

بل إنَّ‏ االفرتاقَ‏ يف الدّ‏ ين يكون يف اجلزئيّات إذا كثُرت،‏ وأصبحت سِ‏ مَ‏ ةً‏ ومنهجً‏ ا<br />

عامً‏ ا للفرد أو اجلامعة،‏ جيتمعون عليه،‏ ويوالون عليه ويعادون،‏ فيُخرج صاحبَها عن<br />

منهج أهل السّ‏ نّة واجلامعة،‏ ويُدخله يف فِرق البدعة والضاللة،‏ وبالنّظر حلال معظم<br />

الفرق التي وقعت يف اخلروج عن املنهج القويم يرى أنا وقعت يف جزئيّات صارت<br />

علَامً‏ عىل اخلروج عن اجلامعة ومفارقتها،‏ ممّا جيعلها يف حكمِ‏ البدعةِ‏ واخلروجِ‏ عن<br />

منهج أهل السنّة.‏<br />

قال الشاطبي يف تكملة كالمه السابق:‏ ‏»وجيري جمرى القاعدةِ‏ الكليّة كثرةُ‏<br />

))) جمموع الفتاوى )348/3(.<br />

62


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

اجلزئيّات،‏ فإنّ‏ املبتدعَ‏ إذا أكثر مِن إنشاء الفروع املخرتعة عاد ذلك عىل كثريٍ‏ مِن<br />

الرشّ‏ يعة باملعارضة،‏ كام تصري القاعدةُ‏ الكليّةُ‏ معارِضةً‏ أيضً‏ ا،‏ وأمّ‏ ا اجلزئيُّ‏ فبخالف<br />

ذلك،‏ بل يُعَ‏ دُّ‏ وقوعُ‏ ذلك مِن املبتدع له كالزّ‏ لّة والفلتة«.‏<br />

فال يُشرتط حصول االنحراف يف أكثر أو أغلب أصول الدين يف اجلامعات<br />

اخلارجية املعارصة ليُحكم عليه باخلروج،‏ وال ينبغي االغرتار بام لدهيا من أصول<br />

عقدية صحيحة،‏ فام لدهيا من االنحراف كبري،‏ وهو كافٍ‏ للحكم <strong>عليها</strong> باخلروج،‏<br />

والتعامل معها بمقتىض ذلك.‏<br />

سادسً‏ ا:‏ قد يقال:‏ إن بقيةَ‏ أوصاف اخلوارج ال تنطبق عىل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(،‏ كسفاهة<br />

األحالم،‏ والغرور واإلعجاب بالنّفس،‏ وحتليق الشعر،‏ وغريها.‏<br />

وجياب بام ييل:‏<br />

هذه األوصافُ‏ ليست هي األوصافَ‏ الرئيسةَ‏ املؤثرة يف الوصف باخلروج،‏<br />

بل التّعويلُ‏ عىل ما سبق تقريره مِن تكفريِ‏ املسلمني بغريِ‏ حقٍّ‏ ، واستحاللِ‏ دمائهم،‏<br />

واخلروج عن مجاعة املسلمني.‏<br />

أما بقية الصفات فهي فرعية،‏ وال يُشرتط أن جتتمع يف مجاعةٍ‏ واحدةٍ،‏ أو شخصٍ‏<br />

واحدٍ‏ ، بل هي مِن عالمات اخلوارج املوجودةِ‏ يف جمموع فرق اخلوارج.‏<br />

وبالنّظر حلال معظم الفرق التي وقعت يف اخلروج ‏-ومنها <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(-‏<br />

عن املنهج القويم نرى أنا وقعت يف هذه اجلزئيّات والفرعيات حتى صارت علَامً‏<br />

<strong>عليها</strong>،‏ ومِن ذلك:‏<br />

1- أنَّه ليس فيهم علامءُ‏ معروفون مشهودٌ‏ هلم عند املسلمني،‏ كام قال ابنُ‏ عباس<br />

63


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

‏-ريض اهلل عنه-‏ ألسالفهم مِن اخلوارج:‏ ‏»أتيتُكُ‏ م من عندِ‏ صحَ‏ ابَةِ‏ النَّبيِّ‏ #، مِنَ‏<br />

املهاجِ‏ رينَ‏ واألنصارِ...‏ وفيهِم أُنزِلَ‏ ، ولَيسَ‏ فيكُ‏ م منهُ‏ م أحَ‏ دٌ‏ » ))) .<br />

فغالبُهم مِن صغار السنِّ‏ الذين تغلب عليهم اخلِفَّ‏ ة واالستعجالُ‏ واحلامسة،‏ وقِرصُ‏<br />

النّظر واإلدراك،‏ مع ضيق األفقِ‏ ، وعدم البصرية،‏ فهم كام قال عنهم النّبي #: ‏)حدثاءُ‏<br />

األسنانِ‏ ، سُ‏ فهاءُ‏ األحالمِ(‏ ))) .<br />

وقد أثَّر غيابُ‏ أهلِ‏ العلم واحلكمة عىل ترصفّاهتم فوقعوا يف السّ‏ فاهة<br />

والطّ‏ يش،‏ وعدم النّظر ملآالت األمور وعواقبها،‏ وما جترّ‏ ه عىل املسلمني مِن ويالتٍ‏<br />

ودمارٍ،‏ بزعم الصّ‏ دعِ‏ بكلمة احلقِّ‏ ، أو التّوكل عىل اهلل!.‏<br />

2- فإذا اجتمع اجلهلُ‏ بالدّ‏ ين،‏ مع احلامسة غري املنضبطة،‏ وصِ‏ غر السّ‏ نّ‏ ، أوصل<br />

ذلك للغرورِ‏ والكِ‏ رب والتعايل عىل عباد اهلل،‏ واإلعجاب بالنّفس والعمل،‏ ولذلك<br />

فإنَّ‏ اخلوارجَ‏ يُكثرون مِن التّفاخر بام قدّ‏ موه وما فعلوه،‏ ويُكثرون مِن تزكية منهجهم<br />

وأفعاهلم،‏ والثناء عىل أنفسهم.‏<br />

ومجيعُ‏ ذلك يدفعهم إىل الغرور والتَّعايل عىل املسلمني،‏ والتّطاول عىل أهل العلم<br />

واحلكمة،‏ وعدم األخذ بكالمهم،‏ فيدَّ‏ عون العلمَ‏ والفهمَ‏ ، ويواجهون األحداث<br />

اجلسام بال جتربةٍ‏ وال رَ‏ ويّة،‏ ويزعمون أنم وحدَ‏ هم املجاهدون يف سبيل اهلل،‏<br />

والعارفون بسنن اهلل يف اجلهاد.‏<br />

قال النبي # يف اخلوارج:‏ ‏)إِنَّ‏ فِيكُ‏ مْ‏ قَوْ‏ مً‏ ا يَعْ‏ بُدُ‏ ونَ‏ وَ‏ يَدْ‏ أَبُونَ‏ ، حَ‏ تَّى يُعْ‏ جَ‏ بَ‏ هبِ‏ ‏ِمُ‏<br />

))) أخرجه احلاكم يف املستدرك )164/2، برقم 2656(.<br />

))) أخرجه البخاري )200/4، برقم 3611(.<br />

64


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

النَّاسُ‏ ، وَ‏ تُعْ‏ جِ‏ بَهُ‏ مْ‏ نُفُ‏ وسُ‏ هُ‏ مْ‏ ، يَمْ‏ رُ‏ قُونَ‏ مِنَ‏ الدِّ‏ ينِ‏ مُ‏ رُ‏ وقَ‏ السَّ‏ هْ‏ مِ‏ مِنَ‏ الرَّ‏ مِيَّةِ(‏ ))) .<br />

3- اختاذهم شعارً‏ ا يتميّزون به عن سائر النّاس:‏ فقد كان للخوارج يف كلّ‏ عرصٍ‏<br />

وزمانٍ‏ شعارٌ‏ يتميّزون به،‏ وقد خيتلف مِن زمن آلخر،‏ ومِن جمموعةٍ‏ ألخرى،‏ وقد<br />

يكون هذا الشّ‏ عار يف الرّ‏ اية،‏ أو لون اللّباس،‏ أو هيئته،‏ أو غري ذلك.‏<br />

ففي زمن الصّ‏ حابة كان شعارَ‏ هم حلقُ‏ شعر رؤوسهم،‏ كام أخرب عنهم النبي #<br />

بقوله:‏ ‏)سِ‏ يامَ‏ هُ‏ مُ‏ التَّحْ‏ لِيقُ‏ ) ))) .<br />

قال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»)سيامهم التّحليق(‏ أي:‏ جعلوا ذلك عالمةً‏ هلم عىل<br />

رفضِ‏ هم زينةَ‏ الدّ‏ نيا،‏ وشعارً‏ ا ليُعرفوا به«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وهذه السّ‏ يام سيام أوّ‏ هلم كام كان ذو الثّدَ‏ يّة؛ ال أنَّ‏ هذا<br />

وصفٌ‏ الزم هلم«‏ ))) .<br />

فالتَّحليقُ‏ مع أنّه سمةُ‏ اخلوارج األوّ‏ لني لكنّ‏ املقصودَ‏ به التّميزُ‏ عن األمة،‏ وهو نابعٌ‏<br />

مِن حبّ‏ التفرُّ‏ د عن سواد األمة،‏ وهو مِن عالمات اخلروج عن اجلامعة،‏ هذا التفرُّ‏ د<br />

هو ما ظهر عند العديد مِن مجاعات الغلو املعارصة يف ملبسها،‏ أو أسلوهبا،‏ أو طريقة<br />

معيشتها؛ رغبةً‏ عن األمّ‏ ة،‏ ومتيزً‏ ا عنها ))) .<br />

))) أخرجه أمحد )289/20، برقم 12972(، ومعنى ‏)يَدْ‏ أَبُونَ‏ (: يلزمونَ‏ العمل وجيتهدون فيه.‏<br />

))) أخرجه البخاري )162/9، برقم 7562(.<br />

))) املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم )114/3(.<br />

))) جمموع الفتاوى )497/28(.<br />

))) من اخلطأ والبدعة التعلُّ‏ ق هبذا التفرُّ‏ د،‏ واعتباره دليالً‏ عىل العبادة،‏ أو التمسك بالدين،‏ أو صحة اجلهاد،‏<br />

كإطالة الشعر،‏ ولبس مالبس عىل هيئة معينة،‏ كاملالبس التي اشتهرت يف بالد األفغان،‏ أو العاممة،‏<br />

أو اللّون األسود ونحو ذلك.‏ فهذه األمور وأمثاهلا ليست داللة عىل الدين أو التدين،‏ أو صحة اجلهاد،‏<br />

أو املنهج.‏ =<br />

65


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

واحلكمُ‏ عىل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ بأنَّه مِن اخلوارج،‏ ال يعني بالرضّ‏ ورة احلكمَ‏ عىل<br />

كلِّ‏ فردٍ‏ مِن أفراده بذلك؛ إذ قد يكون فيهم مَ‏ ن هو جاهلٌ‏ بحقيقة أقواهلم وحاهلم،‏<br />

أو مغرّ‏ ر به،‏ إال أنّ‏ م مجيعً‏ ا مِن حيثُ‏ حكم التّعامل معهم سواء كام سيأيت،‏ فعلينا دفعُ‏<br />

رشورهم،‏ وحساهبم عىل اهلل تعاىل ))) .<br />

واخلالصة:‏ أنَّه يصدقُ‏ عىل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أنم خوارجُ‏ ؛ خلروجهم عن العقيدة<br />

الصّ‏ حيحة،‏ ومجاعة املسلمني،‏ واستباحتهم دماءَ‏ هم بالباطل،‏ بل إنَّ‏ م أشدُّ‏ من اخلوارج<br />

األولني،‏ وأخطر عىل املسلمني من األعداء الطائفيني.‏<br />

66<br />

‏=وقد أدرك سلفُ‏ األمة خطورة هذا التفرُّ‏ د،‏ فنهوا عن خمالفة عادات الناس وأعرافهم،‏ وعدُّ‏ وه مِن الشُّ‏ هرة<br />

املنهي عنها،‏ بقوله #: ‏)مَ‏ ن لبس ثوبَ‏ شهرةٍ‏ ألبسه اهلل يومَ‏ القيامة ثوبًا مثلَه،‏ ثمّ‏ تُلهبُ‏ فيه النّار(‏<br />

أخرجه أبو داود )143/6، برقم 4029(، وقوله:‏ ‏)مَ‏ ن لبس ثوبَ‏ شهرةٍ‏ يف الدنيا،‏ ألبسه اهلل ثوبَ‏<br />

مذلّةٍ‏ يوم القيامة(‏ أخرجه ابن ماجه )601/4، برقم 3606(، وأمحد )480/5، برقم 6245(.<br />

وثوب الشُّ‏ هرة:‏ ما يُشتهر به البسُ‏ ه بني النّاس،‏ ويتميَّز عنهم بأي صفةٍ‏ من أوصافه،‏ سواء كان يف قيمته،‏<br />

أو لونه،‏ أو غرابته بني الناس،‏ ومن مواقفهم يف ذلك:‏<br />

الشُّ‏ هرة يف القيمة:‏ قال السخيس يف املبسوط )268/30(: ‏»واملراد أن ال يلبس ناية ما يكون مِن احلُ‏ سن<br />

واجلودة يف الثياب عىل وجه يُشار إليه باألصابع،‏ أو يلبس ناية ما يكون من الثياب اخلَلِقِ‏ ‏]القديم<br />

البايل[‏ عىل وجه يُشار إليه باألصابع؛ فإن أحدمها يرجع إىل اإلرساف،‏ واآلخر يرجع إىل التَّقتري،‏ وخري<br />

األمور أوسطها«.‏<br />

الشُّ‏ هرة يف اللون:‏ نقل العظيم أبادي يف عون املعبود )50/11( قول ابن األثري:‏ ‏»الشُّ‏ هرة:‏ ظهورُ‏ اليشء،‏<br />

واملراد:‏ أنّ‏ ثوبه يَشْ‏ تَهِرُ‏ بني النّاس ملخالفة لونِه أللوان ثياهبم،‏ فريفع النّاسُ‏ إليه أبصارهم«.‏<br />

الشُّ‏ هرة يف الغرابة بني الناس بام خيالف عاداهتم وتقاليدهم وما يألفونه،‏ نقل ابن أيب الدنيا يف التواضع<br />

واخلمول )86/1(: ‏»عن عدي بن الفضل قال:‏ قال يل أيوب:‏ احْ‏ ذُ‏ نَعْ‏ لَنيْ‏ ِ عىل نحو حذو نعلِ‏ رسول<br />

اهلل #، قال:‏ ففعلتُ‏ ، فلبسها أيامً‏ ا ثم تركها،‏ فقلت له يف ذلك،‏ فقال:‏ مل أر الناس يلبسونا«.‏<br />

ويف مصنف ابن أيب شيبة )205/5، برقم 25267( عن احلصني،‏ قَالَ‏ : ‏»كان زُ‏ بيد اليامي يلبس بُرْ‏ نُسً‏ ا،‏<br />

قال:‏ فسمعتُ‏ إبراهيم عَ‏ ابَهُ‏ عليه،‏ قال:‏ فقلت له:‏ إنّ‏ النّاس كانوا يلبسونا،‏ قال:‏ أجل،‏ ولكن قد فَنِيَ‏<br />

مَ‏ ن كان يلبسها،‏ فإن لبسها أحد اليوم شَ‏ هَ‏ رُ‏ وهُ،‏ وأشاروا إليه باألصابع«.‏<br />

))) ينظر فتوى:‏ هل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة اإلسالمية(‏ من اخلوارج؟<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/1945


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة السّ‏ ادسة<br />

اجتهادُ‏ أفراد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ في العبادة وجهادُهم<br />

دليلٌ‏ على صحّ‏ ة منهجهم<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

كيف تصفون <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ باخلوارج،‏ ونحن نرى منهم اجتهادً‏ ا يف العبادة،‏<br />

وحرصً‏ ا عىل االلتزام هبا؟ فال يوجد بينهم مدخّ‏ نون،‏ أو مَ‏ ن يرتك الصّ‏ الة،‏ ونرى منهم<br />

شدَّ‏ ة يف القتالِ‏ ، وبذالً‏ للنّفس يف العمليات ‏)االستشهادية(،‏ وهذه العبادةُ‏ والتّضحية<br />

ال تصدر إال عن تقوى،‏ بل إنّنا نرى العديدَ‏ منهم يتعامل مع النّاس بحسن اخللق..‏<br />

وهذا يدلّ‏ عىل صحة املنهج.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

أوالً‏ : عىل فرض وجود نوعٍ‏ مِن االلتزام ببعض جوانب الدّ‏ ين،‏ كاللحية،‏ أو أداء<br />

الصّ‏ لوات،‏ أو ترك التّدخني بني عنارص <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(؛ فهذا ال يعني التزامَ‏ التّنظيم،‏<br />

وانضباطَ‏ ه العامَّ‏ بالدّ‏ ين؛ ألنَّ‏ ما ذُ‏ كر إنّام هو جانبٌ‏ مِن الدّ‏ ين فيام يكون بني املرء<br />

وربه،‏ أمّ‏ ا ما يتعلّق باملعاملة مع النّاس فإنَّ‏ التّنظيمَ‏ وأنصارَ‏ ه قد وقعوا يف أمورٍ‏ عظيمةٍ‏<br />

وخطريةٍ،‏ مِن تكفري املسلمني،‏ وسبّهم واالستطالة عليهم بفاحش القولِ‏ ، وسيِّئ<br />

األخالق،‏ واستحاللِ‏ دمائهم وأمواهلم،‏ والكذب والغدر واخليانة،‏ وهذه األمورُ‏ هي<br />

67


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

املقصودُ‏ األعظم واألهمّ‏ مِن األخالق،‏ فقد امتنّ‏ اهللُ‏ تعاىل عىل نبيّه # هبذا األمر<br />

فقال:‏ ‏}وَِإنَّكَ‏ لَعَلَ‏ خُ‏ لُقٍ‏ عَظِ‏ ميٍ{‏ ‏]القلم:‏ 4[.<br />

وقال # عن نفسه:‏ ‏)إنّام بُعثتُ‏ ألُ‏ متّم مكارمَ‏ األخالق(‏ ))) .<br />

وجعلَ‏ حُ‏ سنَ‏ اخللقِ‏ والتعامل دليالً‏ عىل اخلريية،‏ فقال:‏ ‏)إنَّ‏ مِن أخريكم أحسنَكم<br />

خُ‏ لقً‏ ا(‏ ))) .<br />

بل جعل حسنَ‏ اخللق مِن كامل اإليامن،‏ وممّا يَثقلُ‏ يف ميزان العبد:‏ فعن أيب هريرة<br />

قال:‏ قال رسول اهلل #: ‏)أكملُ‏ املؤمنني إيامنًا أحسنُهم خُ‏ لقً‏ ا(‏ ))) .<br />

وعن أيب الدرداء ريض اهلل عنه:‏ أنّ‏ النّبي # قال:‏ ‏)ما مِن يشءٍ‏ أثقلُ‏ يف امليزانِ‏ مِن<br />

حُ‏ سن اخلُ‏ لق(‏ ))) .<br />

قال احلسنُ‏ البرصي رمحه اهلل:‏ ‏»حقيقةُ‏ حسنِ‏ اخلُ‏ لق:‏ بذلُ‏ املعروف،‏ وكفُّ‏ األذى،‏<br />

وطالقةُ‏ الوجه،‏ قال القايض عياض:‏ هو خمالطةُ‏ النّاس باجلميل والبِرش،‏ والتّودّ‏ د هلم،‏<br />

واإلشفاقِ‏ عليهم،‏ واحتامهلم واحللم عنهم،‏ والصّ‏ رب عليهم يف املكاره،‏ وترك الكرب<br />

واالستطالة عليهم،‏ وجمانبة الغِلَظ والغضب واملؤاخذة«‏ ))) .<br />

التزام أفراد ال<strong>تنظيم</strong> الظاهري بالدّ‏ ين،‏ ويف بعض اجلوانب ال كلّها،‏ مع تضييع<br />

جوانبَ‏ أخرى أهمّ‏ وأعظم ليس التزامً‏ ا صحيحً‏ ا،‏ قال ‏-تعاىل-‏ حمذرً‏ ا مِن ذلك:‏<br />

‏}َأفَتُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِبَعْضِ‏ الْكِ‏ تَابِ‏ وَتَكْ‏ فُرُونَ‏ بِبَعْضٍ‏ فَمَ‏ ا جَ‏ زَاءُ‏ مَنْ‏ يَفْعَلُ‏ ذَلِكَ‏ مِنْكُ‏ مْ‏ ‏ِإلَّ‏ خِ‏ زْ‏ يٌ‏<br />

))) أخرجه أمحد )513/14، برقم 8952(.<br />

))) أخرجه البخاري )12/8، برقم 6029(.<br />

))) أخرجه أبو داود )177/7، برقم 4799(، وأمحد )510/45، برقم 27517(.<br />

))) أخرجه أبو داود )70/7، برقم 4682(، والرتمذي )458/3، برقم 1162(.<br />

))) رشح النووي )78/15(.<br />

68


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فِ‏ الْحَ‏ يَاةِ‏ الدُّ‏ نْيَا وَيَوْ‏ مَ‏ الْقِيَامَةِ‏ يُرَ‏ دُّونَ‏ ‏ِإلَ‏ ‏َأشَ‏ دِّ‏ الْعَذَ‏ ابِ‏ وَمَا اللَّ‏ ُ بِغَافِلٍ‏ عَمَّ‏ ا تَعْمَ‏ لُونَ‏ }<br />

‏]البقرة:‏ 85[.<br />

وعنِ‏ ابنِ‏ أيب نُعْ‏ مٍ‏ قال:‏ ‏»كنتُ‏ شاهدً‏ ا البنِ‏ عمرَ‏ ، وسأله رجلٌ‏ عن دم البَعوض،‏<br />

فقال:‏ ممّن أنت؟ فقال:‏ مِن أهل العراق،‏ قال:‏ انظروا إىل هذا!‏ يسألني عن دم البعوض،‏<br />

وقد قتلوا ابنَ‏ النبي # ! ‏]يعني احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام[«‏ ))) .<br />

فكيف وكثريٌ‏ من جنود التّنظيم مل يُر فيهم هذا االدعاءَ‏ املزعومَ‏ مِن االلتزامِ،‏ والقوةِ‏<br />

يف العبادة؟!‏<br />

بل إنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong> قد استقطبَ‏ رشحيةً‏ كبريةً‏ ممّن مل يُعرف باالستقامة مِن البلدان<br />

اإلسالمية وغريها،‏ ولبعضهم ماضٍ‏ سيئٌ‏ يف اإلجرام،‏ أو التفريط يف األحكام<br />

الرشّ‏ عية،‏ حتى صار التّنظيمُ‏ يف كثريٍ‏ مِن احلاالت مأوىً‏ لقطاع الطرق،‏ وللفارين مِن<br />

عقوبة املحاكم الرشّ‏ عية وباقي التنظيامت.‏<br />

ثانيًا:‏ إذا كان هذا التَّدين ال يَنهى عن االبتداع يف الدّ‏ ين،‏ واستحاللِ‏ دماء املسلمني<br />

وأمواهلم،‏ والغدر والكذب،‏ وسوء اخلُ‏ لق،‏ فال عربةَ‏ به يف االستقامة،‏ وال يعني<br />

صحّ‏ ةَ‏ املنهج،‏ أو سالمةَ‏ العقيدة،‏ فقد جيتمع مع العبادة انحرافٌ‏ وبدعةٌ‏ ، بل هو عنيُ‏<br />

ما عُ‏ رف به اخلوارج طوال تارخيهم؛ فقد أخربنا رسول اهلل # عن اجتهاد اخلوارج<br />

يف العبادة حتى ال نغرتَّ‏ هبم،‏ فقال خماطبًا الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم،‏ وهم مَ‏ ن هم يف<br />

العبادة وااللتزام بالدّ‏ ين والفضل:‏ ‏)حيَ‏ ‏ْقِرُ‏ أَحَ‏ دُ‏ كُ‏ مْ‏ صَ‏ التَهُ‏ مَ‏ عَ‏ صَ‏ الهتِ‏ ‏ِمْ‏ ، وَ‏ صِ‏ يَامَ‏ هُ‏ مَ‏ عَ‏<br />

صِ‏ يَامِهِمْ‏ ) ((( .<br />

))) أخرجه البخاري )7/8، برقم 5994(.<br />

))) أخرجه البخاري )200/4، برقم 3610(، ومسلم )744/2، برقم 1064(.<br />

69


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»كانَ‏ يُقال هلم الْقُ‏ رَّ‏ اءُ‏ ؛ لشدَّ‏ ة اجتهادِهم يف التّالوة<br />

والعبادة،‏ إال أنم كانوا يَتأوَّ‏ لون القرآنَ‏ عىل غري املراد منه،‏ ويستبدّ‏ ون برأهيم،‏<br />

ويَتَنَطَّ‏ عونَ‏ يف الزهد واخلشوع وغري ذلك«‏ ))) .<br />

كذلك ال يُعدُّ‏ جمرّ‏ دُ‏ بذل النّفس يف املعارك،‏ والقيام بالعمليات الفدائية،‏ دليالً‏ عىل<br />

التَّدين أو صحّ‏ ة املنهج،‏ فقد عُ‏ رف اخلوارجُ‏ عىل مرِّ‏ الزمان باجلرأة والعنف يف القتال،‏<br />

وقد استامتوا يف معركة النّهروان ضدّ‏ جيش عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه حتى مل<br />

ينجُ‏ منهم إال عرشة نفر!‏ ثمّ‏ كان هلم مع الدّ‏ ولة األموية صوالتٌ‏ وجوالتٌ‏ ، حتى<br />

اشتُهروا بذلك.‏<br />

قال ابن حجر رمحه اهلل:‏ »... مع ما عُ‏ رف مِن شدّ‏ ة اخلوارج يف القتال وثباهتم<br />

وإقدامِهم عىل املوت،‏ ومَ‏ ن تأمّ‏ ل ما ذكر أهلُ‏ األخبار مِن أمورهم حتقّ‏ ق ذلك«‏ ))) .<br />

لكنَّ‏ هذا اإلِقدامَ‏ والشِّ‏ دّ‏ ةَ‏ قد يصدر مِن املنحرفني،‏ بل مِن غري املسلمني؛ فقد عُ‏ رف<br />

يف التاريخِ‏ الكثريُ‏ مِن حوادث الشدَّ‏ ة والثبات،‏ وبذل النّفوس مِن غري املسلمني قديامً‏<br />

وحديثًا،‏ كام عُ‏ رف بذلك اإلسامعيلية احلشاشون قديامً‏ ، و)الكاميكازي(‏ اليابانيون ))) ،<br />

والعديد مِن املنظّ‏ امت الشّ‏ يوعية املناهضة الحتالل اليهود لفلسطني،‏ فبذهلُ‏ م وتضحيتُهم<br />

وثباهتم ال يساوي شيئًا يف ميزان الرشّ‏ ع واحلقّ‏ ما داموا غريَ‏ مسلمني،‏ مما يدلّ‏ عىل أنَّ‏<br />

القوةَ‏ واجلرأة والبأس والتّضحية بالنّفس ال تدلُّ‏ وحدَ‏ ها عىل قَبول العملِ‏ ، أو صحّ‏ ة<br />

املنهج.‏<br />

))) فتح الباري )291/12(.<br />

))) فتح الباري )48/9(.<br />

))) الكاميكازي:‏ كلمة يابانية،‏ تعني الرّ‏ ياحَ‏ املقدسة،‏ وهي كلمة تستخدم لإلشارةِ‏ إىل إعصارٍ‏ يقال:‏ إنَّه<br />

أنقذ اليابان من غزو أسطولٍ‏ مغويلٍ‏ بقيادةِ‏ قبالي خان عام ‎1281‎م.‏<br />

70


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ثالثًا:‏ مِن اخلطأ اعتبارُ‏ جمرد املناداة بتطبيق الرشّ‏ يعة أو حماربة الطّ‏ واغيت،‏ أو رفع<br />

شعاراتٍ‏ إسالمية دليالً‏ عىل التَّدين،‏ أو صحّ‏ ة املنهج،‏ والسّ‏ المة مِن االنحراف.‏<br />

فجاملُ‏ الكالم والشّ‏ عارات حيُ‏ سنه كلُّ‏ أحدٍ‏ ، بل كثريًا ما تغنَّى هبا سيئُ‏ املعتقد والنية،‏<br />

قال #: ‏)إِنَّ‏ أخوفَ‏ ما أخافُ‏ عىل أُمَّ‏ تي كلُّ‏ مُ‏ نافقٍ‏ عليمِ‏ اللِّسانِ‏ ) ))) .<br />

ومِن عالمات آخر الزّ‏ مان كثرةُ‏ مَ‏ ن يدَّ‏ عي خالفَ‏ ما هو عليه،‏ قال #: ‏)سيأيت عىل<br />

النّاس سنواتٌ‏ خدّ‏ اعاتٌ‏ ، يصدّ‏ ق فيها الكاذبُ‏ ، ويكذّ‏ ب فيها الصّ‏ ادقُ‏ ، ويؤمتن فيها<br />

اخلائنُ‏ ، وخيوّ‏ ن فيها األمني(‏ ))) .<br />

وقد أخربنا # أنَّ‏ اخلوارج حيُ‏ سنون القول،‏ ويُظهرون الدّ‏ عوة للحقّ‏ ، عىل الرغم<br />

مِن انحراف منهجهم واالبتداع يف معتقدهم،‏ فقال عنهم:‏ ‏)حيُ‏ سنون القيلَ‏ ، ويُسيئون<br />

الفعلَ‏ ) ))) . وقال:‏ ‏)يتكلّمون بكلمةِ‏ احلقّ‏ ال جتُ‏ اوز حلوقَهم(‏ ))) .<br />

قال السّ‏ ندي رمحه اهلل:‏ ‏»أي يتكلَّمون ببعض األقوال التي هي مِن خِ‏ يار أقوال<br />

النّاس يف الظّ‏ اهر،‏ مثل:‏ إنِ‏ احلكمُ‏ إال هلل،‏ ونظائره،‏ كدعائهم إىل كتاب اهلل«‏ ))) .<br />

وقد اجتمع رؤوسُ‏ اخلوارج يف عهد عيل بن أيب طالب،‏ وتعاهدوا عىل حكم<br />

القرآن،‏ وطلبِ‏ احلقّ‏ وإنكار الظّ‏ لم،‏ وجهاد الظّ‏ املني وعدم الركّ‏ ون إىل الدّ‏ نيا،‏ واألمر<br />

باملعروف والنّهي عن املنكر،‏ ثم قاموا إىل قتال الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم!.‏<br />

))) أخرجه أمحد )227/1، برقم 143(.<br />

))) أخرجه ابن ماجه )162/5، برقم 4036(.<br />

))) أخرجه أبو داود )143/7، برقم 4765(.<br />

))) أخرجه أمحد )122/2، برقم 1254(.<br />

))) حاشية السندي عىل سنن النسائي )72/1(.<br />

71


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وهبذا يتبنيَّ‏ ُ أنَّ‏ جمرد إعالن األقوال احلسنة،‏ والتّغنّي هبا،‏ ورفع الشعارات،‏<br />

وإظهار احلرص عىل أمور الدّ‏ ين،‏ ال يدلّ‏ بالرضّ‏<br />

ورة عىل صدق قائلها،‏ أو صحّ‏ ةِ‏<br />

منهجه.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ أما ما قيل عن حُ‏ سن خُ‏ لق أفراد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(:‏<br />

1- فإنّه ليس بصحيحٍ‏ ، ووجودُ‏ أفرادٍ‏ مِن التّنظيم ممّن يتمتَّع بحسن اخللق هو مِن<br />

القليل أو النّادر،‏ واحلكم لألغلب األعمّ‏ .<br />

2- قام الدّ‏ ليل مِن الواقع عىل خالف هذا الزّ‏ عم،‏ فظهورُ‏ التَّكرب منهم عىل النّاس،‏<br />

وازدراؤهم،‏ وإظهار جهلهم،‏ والسّ‏ خرية هبم،‏ وغري ذلك مِن الترصفات يدلّ‏ عىل<br />

سوءِ‏ خلق قادهتم وأفرادِهم.‏<br />

3- بل وقع مِن أفراد هذا التّنظيم ما هو أشدّ‏ مِن ذلك وأفظع:‏ مِن اعتقاالت،‏<br />

وتعذيب،‏ وتنكيلٍ‏ ، وقتلٍ‏ لكلِّ‏ مَ‏ ن طالته أيدهيم مِن املجاهدين والثّوار،‏ بتهمٍ‏ متعدّ‏ دة<br />

ومتنوعة،‏ مدارُ‏ ها عىل التّخوين،‏ واحلكم بالردَّ‏ ة،‏ حتى وصل عددُ‏ مَ‏ ن قُتل عىل أيدهيم<br />

قرابةَ‏ مخسة عرشَ‏ ألف شخص ‏-عىل أقل تقدير-‏ بني جماهد ومِن عامة الناس!‏ ))) وقد<br />

رافق عملياتِ‏ القتلِ‏ املوثَّقة - بالشّ‏ هود ومقاطع الفيديو-‏ السُّ‏ بابُ‏ والشتائم،‏ واملشاهد<br />

الوحشية،‏ والتمثيل باجلثث،‏ والعبث هبا عىل وجهٍ‏ تشمئزُّ‏ منه النّفوس السّ‏ وية،‏ فامذا<br />

جيدي التّعامل مع عموم النّاس باحلسنى ‏-عىل فرض وقوعه-‏ إذا كانوا يعاملون خرية<br />

الناس مِن املجاهدين والدعاة بالتّكفري والقتل؟!‏<br />

4- أمّ‏ ا عامّ‏ ة النّاس الذين ال حيملون أيَّ‏ مرشوعٍ‏ منافسٍ‏ للتّنظيم،‏ وليس هلم اتصاالتٌ‏<br />

))) أما من قتل عىل أيدهيم يف العراق أيام ‏)دولة العراق اإلسالمية(‏ فيبلغ أضعافًا مضاعفة.‏<br />

72


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أو عالقات مع الثّوار أو فصائل املجاهدين ))) : فقد يعاملهم التّنظيمُ‏ معاملةً‏ عاديةً‏ ما<br />

داموا خاضعني حلكمِ‏ ه،‏ وغري معارضني لترصفاته ومنهجه وفتاواه وأحكامه،‏ وهكذا<br />

كان حال النّاس أيامَ‏ النّظام؛ ال يتعرَّ‏ ض هلم بمضايقةٍ‏ أو مساءلةٍ‏ ما داموا خاضعني له،‏<br />

حتى قال البعض منتقدً‏ ا الثورة،‏ وما سبّبته من متاعب:‏ ‏)كنا عايشني!(.‏<br />

5- السببُ‏ يف خضوع غالبية النّاس هلم،‏ وعدم خمالفتهم هو اخلوف منهم،‏ واتّقاءُ‏<br />

رشّ‏ هم،‏ وليس رغبةً‏ هبم،‏ أو رضً‏ ا عنهم،‏ وعن منهجهم،‏ كام هو متامً‏ ا حالُ‏ النّاسِ‏ يف<br />

اخلضوع للطغاة خشيةً‏ مِن بطشهم،‏ وال يدلّ‏ هذا اخلضوع عىل صحّ‏ ة منهج هؤالء<br />

الطّ‏ غاة،‏ أو سالمة ترصفاهتم،‏ أو حُ‏ سن أخالقهم،‏ وليس يف ذلك مدحٌ‏ هلم أو ثناءٌ‏<br />

عليهم،‏ قال #: ‏)إنّ‏ مِن رشّ‏ النّاسِ‏ منزلةً‏ يوم القيامةِ‏ مَ‏ ن تركه النّاسُ‏ اتّقاءَ‏ رشّ‏ ه(‏ ))) .<br />

وليس أدلَّ‏ عىل خوفِ‏ النّاس:‏ مِن تلك األعداد الغفرية مِن الالجئني اخلارجني<br />

مِن مناطق سيطرة ال<strong>تنظيم</strong>،‏ أو التي يف طريقها للسّ‏ قوط بيد ال<strong>تنظيم</strong>؛ هربًا مِن جحيم<br />

سيطرته،‏ وقد اعرتف أبو بكر البغدادي هبذا يف كلمة ‏)انفروا خفافًا وثقاالً(‏ لكنه ختىلَّ‏<br />

عن مسؤولية ذلك فقال يف كالم طويل:‏ ‏»وإنام حيزننا وحيزّ‏ يف نفوسنا أن نرى بعض نساء<br />

السنة وأطفاهلم وعوائلهم يلتجئون إىل مناطق سيطرة الروافض وملحدي األكراد...‏<br />

كونوا عىل يقني أن قلوبنا تتفطر لرتككم منازلكم ودياركم...‏ ولئن كان بعض<br />

ذويكم مرتدين وحماربني لدين اهلل موالني للروافض والصليبيني فإنّا ال نأخذكم<br />

بجريرهتم،‏ فعودوا إىل دياركم والزموا بيوتكم«.‏<br />

))) ومن عجيب انحراف هؤالء:‏ أنَّ‏ كل مَ‏ ن عمل يف الثورة ضد النظام فهو هدفٌ‏ هلم بالتّكفري والقتل؛<br />

بحجةِ‏ انحرافِ‏ الراية،‏ أو التعاونِ‏ مع الطواغيت واملرتدين،‏ أي دول العامل،‏ بينام ينجو مِن ذلك مَ‏ ن مل<br />

يواجه النظام!‏<br />

))) أخرجه البخاري )13/8، برقم 6032(.<br />

73


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

6- إذا كان حُ‏ سن اخلُ‏ لق وحُ‏ سن التعامل دليالً‏ عىل صحّ‏ ة املنهج:‏ ففي الكفّ‏ ار<br />

مَ‏ ن هو حَ‏ سَ‏ نُ‏ اخللق،‏ حسن املعاملة،‏ بل إنّ‏ الدول الغربية أصبحت حملَّ‏ جلوءِ‏ كثريٍ‏<br />

مِن املسلمني يف العقودِ‏ واألعوام السابقة؛ ملا جيدونه فيها مِن حسن معاملةٍ‏ وعدالة<br />

يفتقدونا يف كثريٍ‏ مِن البالد اإلسالمية الرازحة حتت الطغيان.‏<br />

فاإلحسانُ‏ يف العمل مل ينفرد به اخلوارج،‏ بل عُ‏ رف به غري املسلمني كذلك،‏ لكنّه<br />

ال ينفعهم يوم القيامة؛ إذ البدّ‏ لصحّ‏ ة العمل وقبوله مِن رشطني:‏ اإلخالص هلل تعاىل.‏<br />

واملتابعة بأنْ‏ يكون العملُ‏ عىل وفق رشع اهلل.‏<br />

قال الفضيل بن عياض ‏-رمحه اهلل-‏ يف قوله تعاىل:‏ ‏}لِيَبْلُوَ‏ كُ‏ مْ‏ أيُّكُ‏ مْ‏ أحْ‏ سَ‏ نُ‏ عَمَ‏ لً‏ }<br />

‏]امللك:‏ 2[: ‏»أخلصُ‏ ه وأصوبُه،‏ قيل:‏ يا أبا عيل،‏ ما أخلصُ‏ ه وأصوبه؟ قال:‏ إنّ‏ العمل إذا<br />

كان خالصً‏ ا،‏ ومل يكن صوابًا مل يُقبل،‏ وإذا صوابًا ومل يكن خالصً‏ ا مل يُقبل،‏ حتى يكون<br />

خالصً‏ ا صوابًا،‏ واخلالصُ‏ أنْ‏ يكون هلل،‏ والصّ‏ وابُ‏ أن يكون عىل السُّ‏ نة«‏ ))) .<br />

وقد كان بعضُ‏ عساكر النّظام قبل الثّورة طيبي املعاملة،‏ فهل يدلّ‏ هذا عىل صحّ‏ ة<br />

منهجهم أيضً‏ ا؟<br />

خامسً‏ ا:‏ يف هذا الكالم طعنٌ‏ يف الفصائل األخرى،‏ ونفيٌ‏ لاللتزام الديني عنها،‏ بينام<br />

االلتزام والتدين واحلرص عىل العبادات،‏ والدروس الرشعية،‏ يف الفصائل العسكرية<br />

واملكونات الثورية موجودة بشكلٍ‏ واضحٍ‏ جيلّ،‏ سواء كان بني أفرادها أو قياداهتا،‏<br />

))) حلية األولياء،‏ أليب نعيم )95/8(.<br />

وتراجع أقوال أهل العلم يف هذه املسألة عند تفسري اآليات القرآنية:‏ ‏}صِ‏ ‏َاطَ‏ الَّذِ‏ ينَ‏ ‏َأنْعَمْ‏ تَ‏ عَلَيْهِ‏ مْ‏ غَيْرِ‏<br />

الْمَ‏ غْضُ‏ وبِ‏ عَلَيْهِ‏ مْ‏ وَلَ‏ الضَّ‏ الِّنيَ{‏ ‏]الفاحتة:‏ 7[، وقوله:‏ ‏}وَقَدِ‏ مْنَا ‏ِإلَ‏ مَا عَ‏ مِ‏ لُوا مِنْ‏ عَ‏ مَ‏ لٍ‏ فَجَ‏ عَلْنَاهُ‏ هَبَاءً‏ مَّنثُورًا{‏<br />

‏]الفرقان:‏ 23[، وقوله:‏ ‏}عَامِلَةٌ‏ نَّاصِ‏ بَةٌ‏ #!٣!#( تَصْ‏ لَ‏ نَارًا حَ‏ امِيَةً{‏ ‏]الغاشية:‏ ٤[. ٣،<br />

74


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

بل وُ‏ جد يف كثريٍ‏ مِن تلك الكتائب مَ‏ ن شُ‏ هد هلم بالعلم والفضل،‏ ومَ‏ ن عُ‏ رف بحسن<br />

سريته،‏ واستقامة طريقته،‏ وال نزكي عىل اهلل أحدً‏ ا.‏<br />

فحرصُ‏ ال<strong>تنظيم</strong> لاللتزام بأتباعه تزكيةٌ‏ للنفس واهتامٌ‏ لآلخرين.‏<br />

وال ينفي ذلك وجودَ‏ بعض الكتائب أو أفرادها الذين يقلّ‏ فيهم االلتزام الرشعي،‏<br />

وهذا التفاوت طبيعي بني النّاس،‏ وال سيام مع تأثري الظّ‏ روف السّ‏ ابقة للمجتمع<br />

السّ‏ وري.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ أتباع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مل يُعرفوا بمزيد عبادةٍ‏ أو طاعةٍ‏ عن غريهم،‏<br />

بل وقع فيهم مِن االنحراف يف العقيدة،‏ وارتكاب الكبائر،‏ واإلجرام بحقّ‏ املسلمني<br />

ما مل يقع يف غريهم،‏ ولو كان بعضُ‏ هم مِن العبَّاد الطائعني يف جانبٍ‏ من جوانب الدين،‏<br />

فقد أخلوا بجوانب أخرى أعظم،‏ واالجتهادُ‏ يف الطّ‏ اعة ال يدلُّ‏ عىل صحّ‏ ة املنهج<br />

أو سالمة االعتقاد ))) .<br />

))) ومما يتعلَّق هبذه املسألة،‏ ما شاع أنَّ‏ مِن عالمات قبول الشهيد،‏ وحسن خامتته:‏<br />

1- التبسُّ‏ م عند الوفاة،‏ وليس عىل ذلك دليلٌ‏ صحيح،‏ بل ثبت عدم ظهور يشء مِن ذلك عىل مَ‏ ن يرجى أن<br />

يكون من الشهداء األخيار،‏ بينام ظهر يشءٌ‏ مِن التبسّ‏ م عىل بعض املجرمني،‏ أو غري املسلمني.‏<br />

فالتبسُّ‏ م إن حصل فهو مِن البشائر التي يُستأنس هبا،‏ لكنها ليست دليالً‏ عىل الصالح،‏ وال سالمة املنهج،‏<br />

أو حسن اخلامتة،‏ كام أن عدمها ليس دليالً‏ عىل االنحراف،‏ أو سوء اخلامتة؛ إذ كثريًا ما يكون سببه طبيعة<br />

التغريات واحلركات التي تصيب عضالت اجلسم بعد الوفاة.‏<br />

2- عدم أكل األرض جلثة الشهيد،‏ فالثابت رشعً‏ ا خصوصية عدم أكل األرض ألجساد األنبياء،‏ قال<br />

#: ‏)إنّ‏ اهلل عزّ‏ وجلّ‏ قد حرّ‏ م عىل األرضِ‏ أن تأكلَ‏ أجسادَ‏ األنبياءِ(‏ أخرجه النسائي )91/3، برقم<br />

1374(، وابن ماجه )186/2، برقم 1085(.<br />

أما غري األنبياء فال دليل عليه سواء كان من الشهداء،‏ أم الصاحلني،‏ أم غريهم،‏ وبالتايل فال داللة يف حدوثه<br />

عىل الفضل،‏ وال ينبني عليه حكمٌ‏ رشعي،‏ كام ال ينبني عىل عدمه حكم رشعيٌ‏ كذلك،‏ وقد وقع يشء<br />

مِن ذلك لبعض املجاهدين وغريهم،‏ كام نقل أهلُ‏ التاريخ والسري،‏ بينام مل يقع للعديد من الشهداء<br />

والصاحلني،‏ وقد يكون ذلك كرامةً‏ من اهلل تعاىل،‏ وقد يكون لعوامل أخرى تتعلق بسعة حتلل اجلثة<br />

من حرارة أو برودة،‏ ورطوبة أو جفاف،‏ ونوعية الرتبة،‏ ونحو ذلك.‏<br />

75


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة السّ‏ ابعة<br />

وجود المهاجرين في صفوف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

داللةٌ‏ على صحّ‏ ة المنهج<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

املهاجرون تركوا ديارَ‏ هم وأهلَهم هجرةً‏ وجهادً‏ ا يف سبيل اهلل،‏ وهذا يدلّ‏ عىل أنَّ‏ م<br />

عىل احلقِّ‏ واملنهج الصّ‏ حيح،‏ وأكثرُ‏ هم موجودون يف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(،‏ مما يدلّ‏ عىل<br />

صحة منهج ال<strong>تنظيم</strong>.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

أوالً‏ : تسميةُ‏ القادمني إىل سورية ‏-وغريها مِن بلدان اجلهاد واملقاومة-‏ باملهاجرين<br />

غريُ‏ مُ‏ سَ‏ لّمة.‏<br />

فاهلجرةُ‏ لغةً‏ تُطلق عىل معانٍ‏ أمهها:‏ القطعُ‏ ، والرتّ‏ ك،‏ والتّباعد،‏ واالنتقال إىل بالد<br />

أخرى ((( .<br />

وهي يف الرشّ‏ ع:‏ تركُ‏ دار الكفرِ،‏ واخلروجُ‏ منها إىل دار اإلسالم ))) .<br />

))) ينظر:‏ تاج العروس من جواهر القاموس )397/14(، ولسان العرب )250/5(.<br />

))) ينظر:‏ جامع العلوم واحلكم،‏ البن رجب )72/1(، والتعريفات،‏ للجرجاين ص )256(.<br />

76


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وإنام تكون اهلجرةُ‏ رشعيةً‏ إذا كانت فرارً‏ ا بالدّ‏ ين،‏ أو نجاةً‏ مِن االضطهاد،‏ قال<br />

القرطبي ‏-رمحه اهلل-‏ يف قوله تعاىل:‏ ‏}وَاتَّقُواْ‏ فِتْنَةً‏ لَّ‏ تُصِ‏ يبَ‏ َّ الَّذِينَ‏ ظَلَمُواْ‏ مِنكُ‏ مْ‏ خَ‏ آصَّ‏ ةً{‏<br />

‏]النفال:‏ 25[: ‏»قال علامؤنا:‏ فالفتنةُ‏ إذا عمّ‏ ت هلك الكلُّ‏ ، وذلك عند ظهور املعايص،‏<br />

وانتشار املنكر،‏ وعدم التّغيري،‏ وإذا مل تُغريَّ‏ وجب عىل املؤمنني املنكرين هلا بقلوهبم<br />

هجرانُ‏ تلك البلدة واهلربُ‏ منها.‏ وهكذا كان احلكم فيمَ‏ ن كان قبلنا مِن األمم..‏ وهبذا<br />

قال السّ‏ لف ريض اهلل عنهم«‏ ))) .<br />

وغالبيةُ‏ هؤالء جاؤوا مِن بالدٍ‏ إسالمية غريِ‏ كافرة،‏ ومَ‏ ن جاء منهم مِن بالد غري<br />

إسالمية مل خيرج منها فرارً‏ ا بدينه،‏ وال هربًا مِن اضطهادٍ‏ أو مضايقة،‏ بل كان يعيش<br />

فيها آمنًا مطمئنًا قبل انتقاله.‏<br />

فال يستقيم أن يُطلق عىل هؤالء املنتقلني اسمُ‏ ‏)املهاجرين(‏ ولو قُصد املعنى<br />

اللُّ‏ غوي؛ ألنَّ‏ اهلجرةَ‏ أضحت مصطلحً‏ ا رشعيًا له معناه،‏ وأحكامه اخلاصة به،‏ ال سيام<br />

وأنّ‏ م يبنون عىل هذه التسمية أحكامً‏ ا ومواقف.‏<br />

وحتى لو كانوا مهاجرين حقيقةً‏ ؛ فليس يف جمرّ‏ د اهلجرة ما يدلّ‏ عىل صحّ‏ ة املنهج،‏<br />

والرتجيح بني احلقّ‏ والباطل.‏<br />

ثانيًا:‏ ظهر يف كالم <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ غلوٌّ‏ يف فهم نصوص اهلجرة وتطبيقها،‏ ومِن<br />

ذلك:‏<br />

تنزيلُ‏ النّصوص الرشعية الواردة يف الصحابة املهاجرين عىل مَ‏ ن التحق بال<strong>تنظيم</strong>،‏<br />

قال العدناين يف كلمته:‏ ‏)ثم نبتهل فنجعل لعنة اهلل عىل الكاذبني(‏ يف كالم طويل عن<br />

‏)املهاجرين(:‏<br />

))) تفسري القرطبي )932/7(.<br />

77


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

‏»يا مَ‏ ن يبغي الرشاد:‏ لقد قال نبيُّكَ‏ #: ‏)عليكَ‏ بالشام فإنّ‏ ا خريةُ‏ اهللِ‏ من أرضه،‏<br />

جيتبي إليها خريته من خلقه(.‏ فانظُ‏ ر إىل املهاجرين يف أرض الشام يف أيّ‏ صفٍّ‏ هم<br />

اليوم؟...‏<br />

يا أهيّ‏ ا األنصار:‏ تأمّ‏ لوا يف قول ربّكم عزّ‏ وجل:‏ ‏}ِإنَّ‏ الَّذِ‏ ينَ‏ آمَنُوا وَالَّذِ‏ ينَ‏ هَاجَ‏ رُوا<br />

وَجَ‏ اهَدُ‏ وا فِ‏ سَ‏ بِيلِ‏ اهللِ‏ ‏ُأولَئِكَ‏ يَرْ‏ جُ‏ ونَ‏ رَحْ‏ مَ‏ تَ‏ اهللِ{‏ ‏]البقرة:‏ 218[.<br />

فلوذوا باملهاجرين أهيا األنصار،‏ فإن اهلل تبارك وتعاىل قال:‏ ‏}وَالَّذِ‏ ينَ‏ هَاجَ‏ رُ‏ واْ‏ فِ‏ اهللِ‏ مِن<br />

بَعْدِ‏ مَا ظُلِمُ‏ وا لَنُبَوِّ‏ ئَنَّهُمْ‏ فِ‏ الدُّ‏ نْيَا حَ‏ سَ‏ نَةً‏ وَلَ‏ ‏َجْ‏ رُ‏ الخِ‏ رَ‏ ةِ‏ ‏َأكْ‏ بَرُ‏ لَوْ‏ كَ‏ نُوا يَعْلَمُ‏ ونَ‏ } ‏]النحل:‏ 41[.<br />

لوذوا باملهاجرين فإنّ‏ اهلل ضامِنٌ‏ هلم.‏<br />

لوذوا باملهاجرين وآووهم وانرصوهم،‏ فإنّ‏ اهلل لن يضلّهم.‏<br />

لوذوا باملهاجرين فإنّ‏ اجلهاد ال يقوم إال باملهاجرين واألنصار..«‏ انتهى.‏<br />

ويف هذا الكالم انحرافٌ‏ يف فهم هذه النّصوص الرشّ‏<br />

عية مِن وجوه:‏<br />

1- أنَّ‏ هذه النّصوص نزلت يف الصّ‏ حابة املهاجرين ريض اهلل عنهم،‏ وهم الذين<br />

شهدت هلم النّصوص الرشّ‏ عية بالرضا مِن اهلل تعاىل،‏ ورسوله #، واجلنة واملغفرة،‏<br />

فأنى ذلك لغريهم؟<br />

2- أنَّ‏ تنزيل النّصوص الرشّ‏ عية الواردة يف مهاجري الصّ‏ حابة عىل مَ‏ ن أطلقوا<br />

عليهم تسمية ‏»املهاجرين«،‏ ثم تنزيل ما ورد يف الصّ‏ حابة مِن أحكام وفضائل عىل<br />

مهاجرهيم،‏ واالستدالل بتلك الفضائل عىل صحّ‏ ة منهجهم كام كان منهج الصّ‏ حابة<br />

صحيحً‏ ا،‏ هلو أمر واضح الفساد والبطالن.‏<br />

78


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

3- ليس يف هذه النّصوص الرشعية ما يدلّ‏ عىل أنَّ‏ جمرد اهلجرة يستلزم ‏)النجاة مِن<br />

الضالل،‏ وصحة األعامل واألقوال(!.‏<br />

4- دعوى أنّ‏ اجلهادَ‏ ال يقوم إال باملهاجرين واألنصار ادعاءٌ‏ باطلٌ‏ ، ال أساسَ‏ له<br />

يف الرشّ‏<br />

ع،‏ بل إنَّ‏ جهاد الدفع ‏-وهو جهاد الكفار املعتدين عىل بالد املسلمني-‏ جيب<br />

عىل أهل تلك البالد،‏ وال جيب عىل أهل البالد األخرى إال إن احتيج إليهم،‏ كام سيأيت<br />

بعد فقرات.‏<br />

ثالثًا:‏ مَ‏ ن جاء إىل العراق وسورية بقصد النُّرصة فقد وجد مِن أهل البالد الرتّ‏ حيب<br />

واالستقبال،‏ وفتحوا هلم قلوهبم قبل ديارهم وبيوهتم،‏ وآووهم وأعانوهم،‏ وقدّ‏ موا<br />

هلم ما حيتاجون،‏ وفرحوا هبم.‏<br />

لكن عندما يتحوَّ‏ ل هذا القادم إىل شخصٍ‏ يكفِّ‏ ر أهل البالد،‏ ويستحل دماءَ‏ هم<br />

وأمواهلم،‏ ويرميهم باخليانة والعاملة،‏ ويريد حرفَ‏ ثورهتم إىل أهدافٍ‏ ومشاريع ليست<br />

يف صالح البالد أو العباد،‏ ويُعني الطّ‏ اغية املستبد،‏ أو املستعمر املرتبِّص بطريقةٍ‏ مبارشةٍ‏<br />

أو غريِ‏ مبارشة،‏ قصد ذلك أو مل يقصد،‏ فال مناصَ‏ مِن دفع بغيه وعدوانه؛ الستعادة<br />

احلقوق،‏ واحلفاظ عىل الثورة واجلهاد،‏ ال فرقَ‏ يف ذلك بني مَ‏ ن كان مِن أهل البالد<br />

أو مِن خارجها،‏ وال تعفيه نيتُه ‏-إنْ‏ كانت حسنةً‏ - مِن املسؤولية عن اخلطأ واملحاسبة<br />

عليه ((( .<br />

))) من أهم أسباب اعتامد هذه التنظيامت عىل ‏)املهاجرين(‏ واحلرص عىل تنصيبهم وتوليتهم املسؤوليات<br />

القيادية:‏ عدم الثقة بأهايل البالد التي خيرجون فيها؛ ملعرفتهم أنّ‏ تلك املجتمعات ال تتقبل أفكارهم<br />

ومشاريعهم التي تُفرض عليهم،‏ وال تراعي أحوال جمتمعهم وظروفه،‏ بخالف من جاء ‏)مهاجرً‏ ا(‏<br />

من منطقة أخرى؛ فإنَّه مل يأتِ‏ إال بعد اقتناعٍ‏ كامل هبذه األفكار،‏ وبعد أن أحرق مجيع أوراق العودة،‏<br />

فلم يبق له إال هذا املرشوع الذي يُقبل عليه بكل جهده واجتهاده،‏ ويتفانى يف خدمته والقيام به.‏ =<br />

79


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

رابعً‏ ا:‏ تكرارُ‏ احلديث عن أنم ما هاجروا إال ابتغاءَ‏ مرضاة اهلل،‏ ونرصةً‏ للحقّ‏ ،<br />

ودفاعً‏ ا عن املستضعفني يندرجُ‏ حتت ما نى اهللُ‏ عنه مِن تزكيةِ‏ النّفس بقوله:‏ ‏}فَلَ‏ تُزَ‏ كُّ‏ وا<br />

‏َأنفُسَ‏ كُ‏ مْ‏ هُوَ‏ ‏َأعْ‏ لَمُ‏ بِمَ‏ نِ‏ اتَّقَى{‏ ‏]النجم:‏ 32[، فضالً‏ عامّ‏ يرتتب عىل ذلك مِن ترصفاتٍ‏<br />

مذمومةٍ،‏ ومَ‏ نٍّ‏ وأذىً‏ ، وتكربّ‏ ٍ واستعالءٍ‏ باألقوال واألفعال.‏<br />

وكان الواجبُ‏ عليهم االعرتافَ‏ هلل ‏-تعاىل-‏ بالفضل عىل أنْ‏ يسَّ‏ هلم هذه النعمة<br />

العظيمة،‏ وشكرَ‏ ه <strong>عليها</strong>،‏ والتواضعَ‏ للناس،‏ فهذا مِن دالالت صالح العمل وقبوله،‏<br />

قال ابن كثري رمحه اهلل:‏ ‏»}يَمُ‏ نُّونَ‏ عَلَيْكَ‏ ‏َأنْ‏ ‏َأسْ‏ لَمُ‏ وا{:‏ يعني:‏ األعراب الذين يمنُّون<br />

بإسالمهم ومتابعتهم ونرصهتم عىل الرسول #، يقول اهللُ‏ ردّ‏ ا عليهم:‏ ‏}قُلْ‏ لَ‏ تَمُنُّوا<br />

عَلَ‏ َّ ‏ِإسْ‏ لمَكُ‏ مْ‏ {: فإنّ‏ نَفْ‏ عَ‏ ذلك إنّام يعود عليكم،‏ وهلل املنَّةُ‏ عليكم فيه:‏ ‏}بَلِ‏ اللَّ‏ ُ يَمُ‏ نُّ‏ عَ‏ لَيْكُ‏ مْ‏<br />

‏َأنْ‏ هَدَ‏ اكُ‏ مْ‏ لِإلميَانِ‏ ‏ِإنْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ صَ‏ ادِقِنيَ{‏ أي:‏ يف دعواكم ذلك،‏ كام قال النّبي # لألنصار يوم<br />

حُ‏ نني:‏ ‏)يَا مَ‏ عْ‏ رشَ‏ َ األَنْصَ‏ ار!‏ أَملَ‏ ْ أَجِ‏ دْ‏ كُ‏ مْ‏ ضُ‏ الَّ‏ الً‏ فَهَ‏ دَ‏ اكُ‏ مُ‏ اهللُ‏ يبِ‏ ؟ وَ‏ كُ‏ نْتُمْ‏ مُ‏ تَفَ‏ رِّ‏ قِنيَ‏ فَأَلَّفَ‏ كُ‏ مُ‏<br />

اهللُ‏ يبِ‏ ؟ وَ‏ عَ‏ الَةً‏ فَأَغْ‏ نَاكُ‏ مُ‏ اهللُ‏ يبِ‏ ؟،‏ كُ‏ لَّامَ‏ قَالَ‏ شَ‏ يْئًا قَالُوا:‏ اهللُ‏ وَ‏ رَ‏ سُ‏ ولُهُ‏ أَمَ‏ نُّ‏ (« ))) .<br />

‏=لذا يلحظ:‏ أنَّ‏ غالبية من يقوم ب ‏)العمليات االستشهادية(‏ هلذه التنظيامت هم مِن غري أهايل تلك البالد،‏<br />

وأنَّ‏ بداية ظهور خاليا هذه التنظيامت تكون عىل أيدهيم،‏ وأنَّ‏ انيارها يكون بعد القضاء عليهم.‏<br />

كام أنَّ‏ غالب اإلنتاج اإلعالمي ‏-مقروءً‏ ا ومرئيًا-‏ والذي حيمل حقيقة فكر هذه التنظيامت موجَّ‏ ه لغري<br />

العرب بلغات أجنبية؛ كمجلة ‏»دابق«‏ التي يصدرها <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(،‏ فهي تنرش العديد من املواد<br />

الرشعية املليئة بالغلو والتكفري،‏ بام ال يوجد يف منتجات ال<strong>تنظيم</strong> العربية،‏ وتصويرً‏ ا ألوضاع ‏)اخلالفة(‏<br />

والبالد التي حتكمها،‏ والتنظيامت ‏)املرتدة(‏ التي تقاتلها عىل خالف الواقع؛ استغالالً‏ جلهل الفئة<br />

املوجهة إليها بحقيقة األوضاع يف سورية وغريها،‏ وخداعً‏ ا هلا،‏ وحشدً‏ ا لألتباع واألعوان منها.‏<br />

وملا قام بعضهم برتمجة بعض أعداد املجلة للغة العربية كثرت املطالبات باحلذف،‏ وهو ما كان!‏ ومل يبق<br />

إال بعض املقاالت املختارة بعناية ألهداف يريدونا.‏<br />

))) تفسري ابن كثري )390/7(.<br />

وحديث األنصار أخرجه البخاري )157/5، برقم 4330(، ومسلم )738/2، برقم 1061( مِن<br />

حديث عبد اهلل بن زيد ريض اهلل عنه.‏<br />

80


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقد جاء يف سبب نزول هذه اآلية:‏ ‏»أنّ‏ ناسً‏ ا مِن العرب قالوا:‏ يا رسول اهلل،‏ أسلمنا<br />

ومل نقاتلك وقاتلك بنو فالن!.‏<br />

وورد أنم قالوا:‏ يا رسول اهلل،‏ إنّا شهدنا أنْ‏ ال إله إال اهلل وحدَ‏ ه ال رشيك له،‏<br />

وأنك عبده ورسوله،‏ وجئناك يا رسول اهلل ومل تبعث إلينا!‏ ونحن ملن وراءنا سِ‏ لمٌ‏ .<br />

فأنزل اهلل هذه اآلية«‏ ))) .<br />

علامً‏ أنَّه يوجد يف بقية الفصائل املجاهدة يف سورية كثريٌ‏ من املقاتلني غري السوريني،‏<br />

ويعامَ‏ لون معاملة طيبة وما زالوا،‏ ومل يتعرض هلم أحدٌ‏ بأذيةٍ‏ أو مظلمةٍ،‏ وهذا يدلّ‏ عىل<br />

أصلِ‏ اخلالف وسببه.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ حكم النفري إىل اجلهاد:‏<br />

تعمد التنظيامتُ‏ ‏)اجلهادية(‏ إىل حشد األتباع للقدوم مِن خارج البلدان التي يقع<br />

فيها القتال بزعم أنَّ‏ اجلهادَ‏ فرضُ‏ عنيٍ‏ عىل كلِّ‏ مسلمٍ‏ ومسلمةٍ‏ يف مشارق األرض<br />

ومغارهبا إذا اعتُدي أو احتُلَّ‏ أيُّ‏ بلدٍ‏ مِن بالد املسلمني،‏ وسامها بعضُ‏ هم بالفريضة<br />

الغائبة،‏ ووصفها آخرون بأنّ‏ ا الفرض األعظم يف هذا الوقت.‏<br />

ويستدلّون عىل ما ذهبوا إليه ببعض النّقول عن أهل العلم،‏ وعند النّظر فيها يتَّضح<br />

أنَّ‏ هذه األقوال فُهمت عىل غري مرادها،‏ أو استُعملت بطريقةٍ‏ غري صحيحة.‏<br />

فكالمُ‏ أهل العلم وفتاواهم قديامً‏ وحديثًا عىل أنَّه ال جيب اجلهادُ‏ بالنّفس وجوبًا<br />

عينيًا إال يف حاالت:‏<br />

األوىل:‏ إذا استنفر اإلمامُ‏ قومً‏ ا فيلزمهم النّفريُ‏ .<br />

))) لباب النقول يف أسباب النزول ص )182(.<br />

81


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الثانية:‏ عند التقاء الصفني ))) .<br />

الثالثة:‏ إذا هجم العدو عىل بلدٍ‏ للمسلمني فيتعنيَّ‏ قتاهلُ‏ م عىل كلِّ‏ قادر مِن أهل ذلك<br />

البلد،‏ فإن عجَ‏ ز أهلُ‏ البلدِ‏ انتقل ملن بعدهم،‏ األقرب فاألقرب،‏ وهكذا حتى تتحقّ‏ ق<br />

الكفاية،‏ وتنقيض احلاجة.‏<br />

نقل ابن عابدين ‏-رمحه اهلل-‏ يف حاشيته:‏ ‏»أنَّ‏ اجلهاد إذا جاء النفري إنام يصري فَرْ‏ ضَ‏<br />

عَ‏ نيْ‏ ٍ عىل من يَقْ‏ رُ‏ بُ‏ من العدو،‏ فأما مَ‏ ن وراءهم بِبُعْ‏ دٍ‏ من العدو فهو فرضُ‏ كفايةٍ‏<br />

عليهم،‏ حتى يسعهم تركه إذا مل حيُ‏ تج إليهم،‏ فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان يقرب<br />

مِن العدو عن املقاومة مع العدو،‏ أو مل يعجزوا عنها،‏ لكنّهم تكاسلوا ومل جياهدوا فإنه<br />

يُفرتض عىل مَ‏ ن يليهم فرض عني...«‏ ))) .<br />

وقال القرطبي رمحه اهلل:‏ ‏»وقد تكون حالة جيب فيها نفريُ‏ الكلّ‏ ‏-وهي:‏<br />

الرابعة،‏ وذلك إذا تعني اجلهادُ‏ بغلبة العدو عىل قطرٍ‏ مِن األقطار،‏ أو بحلوله<br />

بالعُ‏ قْ‏ رِ،‏ فإذا كان ذلك وجب عىل مجيع أهل تلك الدار أن ينفروا وخيرجوا إليه خفافًا<br />

وثقاالً‏ ، شبابًا وشيوخً‏ ا،‏ كلٌّ‏ عىل قدْ‏ رِ‏ طاقته،‏ مَ‏ ن كان له أبٌ‏ بغري إذنه،‏ ومَ‏ ن ال أب له،‏<br />

وال يتخلّف أحدٌ‏ يقدر عىل اخلروج،‏ مِن مقاتل أو مكثر.‏<br />

فإن عجَ‏ ز أهلُ‏ تلك البلدة عن القيام بعدوّ‏ هم كان عىل مَ‏ ن قارهبم وجاورهم أن<br />

خيرجوا عىل حسب ما لزم أهلَ‏ تلك البلدة،‏ حتى يعلموا أنّ‏ فيهم طاقةً‏ عىل القيام هبم<br />

ومدافعتهم.‏<br />

))) لالنسحاب عند التقاء الصفني حاالت ورشوط ليس هذا موضع بيانا،‏ لكن ال بدّ‏ مِن التنبيه أنَّ‏<br />

حاالت االنسحاب يف جهاد الطلب ختتلف عن حاالت االنسحاب يف جهاد الدفع،‏ وينظر فتوى<br />

‏)حكم االنسحاب مِن املدن وجبهات القتال(‏ .http://islamicsham.org/nashrah/1129<br />

))) رد املحتار عىل الدر املختار ‏»حاشية ابن عابدين«‏ )124/4(.<br />

82


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وكذلك كلُّ‏ مَ‏ ن علم بضعفهم عن عدوّ‏ هم،‏ وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثُهم<br />

لزمه أيضً‏ ا اخلروجُ‏ إليهم،‏ فاملسلمون كلُّ‏ هم يدٌ‏ عىل مَ‏ ن سواهم،‏ حتى إذا قام بدفع<br />

العدو أهلُ‏ الناحية التي نزل العدوُّ‏ <strong>عليها</strong> واحتل هبا سقط الفرضُ‏ عن اآلخرين«‏ ))) .<br />

وقال الدّ‏ ردير رمحه اهلل:‏ ‏»)وتعنيّ‏ ) اجلهادُ‏ ‏)بفَ‏ جْ‏ ء العدوِّ‏ ) عىل قومٍ،‏ ‏)وإن(‏ توجّ‏ ه<br />

الدّ‏ فعُ‏ ‏)عىل امرأةٍ(‏ ورقيقٍ‏ ، ‏)و(‏ تعنيّ‏ ‏)عىل مَ‏ ن بقُ‏ رهبم إن عجَ‏ زوا(‏ عن كفِّ‏ العدوِّ‏<br />

بأنفسِ‏ هم«‏ ))) .<br />

وقال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»اجلهاد اليومَ‏ فرضُ‏ كفاية،‏ إال أنْ‏ ينزل الكفارُ‏ ببلد<br />

املسلمني،‏ فَيَتَعَ‏ نيَّ‏ عليهم اجلهادُ‏ ، فإنْ‏ مل يكن يف أهل ذلك البلد كفايةٌ‏ وجب عىل مَ‏ ن<br />

يليهم تَتْمِ‏ يمُ‏ الكفاية«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ قدامة رمحه اهلل:‏ ‏»ويتعني اجلهاد يف ثالثة مواضع:‏<br />

أحدها:‏ إذا التقى الزّ‏ حفانِ‏ ، وتقابل الصّ‏ فّ‏ ان حرم عىل مَ‏ ن حرض االنرصافُ‏ ، وتعني<br />

عليه املقامُ‏ .<br />

الثاين:‏ إذا نزل الكفارُ‏ ببلدٍ‏ ، تعنيّ‏ عىل أهله قتاهلُ‏ م ودفعُ‏ هم.‏<br />

الثالث:‏ إذا استنفر اإلمامُ‏ قومً‏ ا لزمهم النّفريُ‏ معه«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وإذا دخل العدوُّ‏ بالدَ‏ اإلسالم فال ريبَ‏ أنه جيب دفعُ‏ ه<br />

عىل األقرب فاألقرب؛ إذ بالدُ‏ اإلسالم كلُّ‏ ها بمنزلة البلدة الواحدة...‏ وقتالُ‏ الدّ‏ فع<br />

))) تفسري القرطبي )151/8(.<br />

))) الرشح الكبري )174/2(.<br />

))) رشح النووي )9/13(.<br />

((( املغني .)197/9(<br />

83


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

مثل أن يكون العدوُّ‏ كثريًا ال طاقة للمسلمني به،‏ لكن خيُ‏ اف إن انرصفوا عن عدوّ‏ هم<br />

عطَ‏ فَ‏ العدوُّ‏ عىل مَ‏ ن خيلفون مِن املسلمني،‏ فهنا قد رصحّ‏ أصحابُنا بأنه جيب أن يبذلوا<br />

مُ‏ هَ‏ جَ‏ هم ومهَ‏ جَ‏ مَ‏ ن خيُ‏ اف عليهم يف الدّ‏ فع حتى يَسلموا«‏ ))) .<br />

وكالم أهل العلم طويل،‏ ويف بعضه إطالقات وعمومات يُقصد هبا أهل تلك<br />

البالد،‏ ال عموم املسلمني.‏<br />

أمّ‏ ا إطالقُ‏ القول بوجوب النّفري العام عىل مجيع املسلمني مِن مجيع األقطار<br />

والبلدان،‏ فليس عليه كالم أهل العلم،‏ وال فتاواهم،‏ وهو مِن األخطاء واملبالغات<br />

التي وقع فيها كثريٌ‏ من اجلامعات التي تدعو إىل اجلهاد.‏<br />

ويُضافُ‏ لذلك أنَّ‏ كثريًا مِن البالد التي حصل فيها جهادٌ‏ ضد املحتلّني أو املعتدين<br />

ال تعاين مِن نقصٍ‏ يف الرّ‏ جال،‏ وإنّام حاجتُهم ماسّ‏ ةٌ‏ إىل الدّ‏ عم املادي للتّسليح،‏ والغذاء،‏<br />

وكفاية األهل،‏ وغري ذلك.‏<br />

باإلضافة جلهالة حال القادم بالبالد وأهلها،‏ وطبيعة اجلامعات التي يقبل إليها،‏<br />

والتي كثريًا ما حترص عىل استقدام غري أهل البالد؛ لسهولة خداعهم،‏ والتّلبيس<br />

عليهم،‏ كام كشفت العديد مِن التّقارير واالعرتافات التي بثتها جهاتٌ‏ عديدةٌ‏ يف<br />

سورية من أنَّ‏ عددً‏ ا ممّن كان يُدفَع لقتال الفصائل بالعمليات االنتحارية أو غريها<br />

كانوا يومهونه أنه يف قتالٍ‏ مع النّظام،‏ أو مع مرتدين!.‏<br />

وما يعانيه القادمون من عزل عن املجتمع،‏ وحصار يف جممعات خاصةٍ،‏ وقطع<br />

لسبل التواصل مع خارج هذا العامل؛ حتى يسهل التوجيه واخلداع كام يريدون.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )539/5(.<br />

84


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أما إذا أصبح اجلهاد فرض عني فحني ذاك ال يُشرتط إذنُ‏ الغريم،‏ وال إذنُ‏<br />

الوالدين،‏ وال إذنُ‏ احلاكم ))) ، ونحو ذلك مِن األحكام التي ذكرها أهل العلم.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ مَ‏ ن جاء منضامًّ‏ إىل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أو أيِّ‏ فصيل آخر هبدف اجلهاد<br />

يف سبيل اهلل،‏ فال تصحُّ‏ تسميته باملهاجر،‏ ولو صحّ‏ ت التّسميةُ‏ فليس ملجرد ‏)هجرته(‏<br />

أثرٌ‏ يف صحّ‏ ة منهجه،‏ أو سالمة ترصفاته.‏<br />

))) قول بعض أهل العلم:‏ إنّ‏ جهاد الدفع ال يشرتط له إذن حاكم ليس عىل إطالقه،‏ بل خيتلف بحسب<br />

اختالف األحوال،‏ فإذا كان الصيال عىل بلدٍ‏ هلا حاكم فال بدَّ‏ مِن إذنه؛ ألمرٍ‏ قد يراه،‏ أو خطةٍ‏ يضعها،‏<br />

وكذا إن مل يكن للبلد حاكمٌ‏ واحد،‏ لكن كان فيها من هو مسموع الكلمة أو له مكانة،‏ كقادة الفصائل<br />

ونحوهم.‏<br />

وإنام يسقط إذن احلاكم يف حال املدافعة عن النفس واقتحام العدو،‏ قال ابن قدامة ‏-رمحه اهلل-‏ يف املغني<br />

)213/9(: ‏»وألنَّ‏ م إذا جاء العدو،‏ صار اجلهاد عليهم فرض عني،‏ فوجب عىل اجلميع،‏ فلم جيَ‏ ‏ُز<br />

ألحدٍ‏ التخلف عنه،‏ فإذا ثبت هذا فإنم ال خيرجون إال بإذن األمري،‏ ألنَّ‏ أمر احلرب موكولٌ‏ إليه،‏<br />

وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم،‏ ومكامن العدو وكيدهم،‏ فينبغي أن يُرجع إىل رأيه،‏ ألنه أحوط<br />

للمسلمني،‏ إال أن يتعذر استئذانه؛ ملفاجأة عدوّ‏ هم هلم،‏ فال جيب استئذانه؛ ألن املصلحة تتعني يف<br />

قتاهلم،‏ واخلروج إليهم،‏ لتعني الفساد يف تركهم.‏<br />

وإن قالوا:‏ املراد بجهاد الدفع:‏ دفع الصائل الذي يصول عىل النفس واملال،‏ قلنا:‏ صحيح،‏ يف هذه احلالة<br />

جيوز القتال دون إذن ويل األمر،‏ ملا روى مسلمٌ‏ عن أيب هريرة - ريض اهلل عنه قال -: ‏)جاء رجل إىل<br />

رسول اهلل # فقال:‏ ‏)يا رسول اهلل أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مايل؟ قال:‏ ‏)فال تعطه مالك(‏ قال:‏<br />

أرأيت إن قاتلني؟ قال:‏ ‏)قاتله(.‏ قال:‏ أرأيت إن قتلني؟ قال:‏ ‏)فأنت شهيد(.‏ قال:‏ أرأيت إن قتلته؟<br />

قال:‏ هو يف النار(«.‏<br />

85


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة الثامنة<br />

كثرةُ‏ األعداء داللةٌ‏ على صحّ‏ ة المنهج<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

‏»حيظى«‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ بكثرة األعداء،‏ فقد تكالب عليه الكفّ‏ ارُ‏ بأصنافهم،‏<br />

واخلونةُ‏ مِن احلكام،‏ ومِن الفصائل العميلة،‏ وكلُّ‏ هذا دليلٌ‏ عىل صحّ‏ ةِ‏ منهجهم،‏<br />

وسالمة طريقهم،‏ وأنّ‏ مَ‏ ن خالفهم عىل غري احلقّ‏ ، وال يرضهم لو كانوا قلّة،‏ كام قال<br />

تعاىل:‏ ‏}وَِإنْ‏ تُطِ‏ عْ‏ ‏َأكْ‏ ثَرَ‏ مَنْ‏ فِ‏ الْ‏ ‏َرْضِ‏ يُضِ‏ لُّوكَ‏ عَنْ‏ سَ‏ بِيلِ‏ اللَّ‏ ِ{ ‏]النعام:‏ 116[، وقال:‏ ‏}وَما<br />

‏َأكْ‏ ثَرُ‏ النَّاسِ‏ وَلَوْ‏ حَ‏ رَ‏ صْ‏ تَ‏ بِمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ{‏ ‏]يوسف:‏ 103[.<br />

وقد سُ‏ ئِل اإلمام الشافعي:‏ كيف ترى احلقَّ‏ مِن بني كلِّ‏ هذه الفتن؟ فقال:‏ اتبع<br />

سهامَ‏ أعداء اهلل ورسولِه أين تقعُ‏ ترشدك إىل أهلِ‏ احلقِّ‏ «.<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

يف هذه الشبهة مغالطات عديدة،‏ يمكن بيانا كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : مقولة:‏ ‏)إنَّ‏ كثرة األعداء تدلّ‏ عىل صحّ‏ ة املنهج(‏ مقولةٌ‏ مبتدعة خمرتعة،‏<br />

ال أساسَ‏ هلا يف الرشع؛ فليست العربة يف كثرة املخالفني،‏ بل يف موافقة الشخص نفسِ‏ ه<br />

للحقّ‏ .<br />

86


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وإال لكان اخلوارج األولون عىل حقٍّ‏ مع خمالفة مجهور األمة هلم مِن الصّ‏ حابة،‏ والتابعني،‏<br />

واألمويني،‏ وسائر املسلمني،‏ وكذلك سائر املبتدعة مِن اجلهمية واملعتزلة وغريهم.‏<br />

ولكان ذلك حجةً‏ ألشهر الطّ‏ واغيت الذين حاربتهم البرشية عىل مرِّ‏ التاريخ!.‏<br />

فإن قيل:‏ إنَّ‏ اخلوارج واجلهمية واملعتزلة فاسدو املعتقد..‏<br />

قلنا:‏ وهذا يدلّ‏ عىل نقض مقولتكم السابقة،‏ وأنَّه ال بد مِن النظر يف املنهج واملعتقد،‏<br />

وأنَّ‏ كثرة األعداء وحدها ليست دليالً‏ عىل صحّ‏ ة املنهج.‏<br />

ففي هذهِ‏ املقولةِ‏ مُ‏ غالطة واضحة؛ فَمَ‏ عَ‏ أنَّ‏ صاحبَ‏ احلقِّ‏ سَ‏ يعاديِه الكفار وسَ‏ تجتمعُ‏<br />

عليه األعداء،‏ لكن ليسَ‏ كلُّ‏ من عادَ‏ اه الناسُ‏ يكون هو صاحبَ‏ احلق؛ بل احلق يُعرف<br />

بالربهانِ‏ وموافقة السنة،‏ ال بمعاداة الناس أو مساملتهم ))) .<br />

ثانيًا:‏ ورد يف الرشّ‏ ع األمرُ‏ بلزوم مجاعة املسلمني،‏ وعدمِ‏ الشّ‏ ذوذ عنها باعتقادٍ،‏<br />

أو قولٍ‏ ، أو عملٍ‏ ؛ ألنَّ‏ األصلَ‏ والغالبَ‏ أنَّ‏ احلقَّ‏ معها،‏ لذا كان مِن خصائص أهل<br />

السنة:‏ االجتامعُ‏ عىل احلقِّ‏ ، ولزومُ‏ اجلامعة املتمسكة به؛ وعدم مفارقتهم.‏ ومِن<br />

النّصوص الرشّ‏ عية يف ذلك:‏<br />

قوله تعاىل:‏ ‏}وَاعْتَصِ‏ مُ‏ وا بِحَ‏ بْلِ‏ اللَّ‏ ِ جَ‏ مِ‏ يعًا وَلَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا وَاذْكُ‏ رُوا نِعْمَ‏ تَ‏ اللَّ‏ ِ عَلَيْكُ‏ مْ‏ ‏ِإذْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ<br />

‏َأعْ‏ دَ‏ اءً‏ فََألَّفَ‏ بَنيْ‏ َ قُلُوبِكُ‏ مْ‏ فََأصْ‏ بَحْ‏ تُ‏ ْ بِنِعْمَ‏ تِهِ‏ ‏ِإخْ‏ وَ‏ انًا{‏ ‏]آل عمران:‏ 103[.<br />

))) وبسببِ‏ معتقدِ‏ الغالة هذا وقعوا يف تالعبِ‏ األعداء هبم لتسليطهم عىل املسلمني وإحداثِ‏ الفُ‏ رقة<br />

بينهم،‏ فكثريًا ما يرصح أولئك ‏-كذبًا وهبتانًا-‏ بأنَّ‏ م عىل استعدادٍ‏ للتواصل مع اجلامعة الفالنية،‏<br />

أو مساعدة الفصيل اآلخر،‏ أو أنَّ‏ هؤالء الغالة هم الوحيدون الذين ال يمكن اللقاء أو احلوار معهم،‏<br />

فيناصب هؤالء الغالة املسلمني العداء،‏ وحيكمون عليهم باخليانة <strong>والرد</strong>ة؛ ملا اعتقدوه أنَّ‏ حماربة<br />

األعداء هلم دليلُ‏ صحة منهجهم،‏ ومساملة األعداء لغريهم دليلُ‏ عاملتهم،‏ وبيانات هؤالء الغالة مليئة<br />

بمثل ذلك.‏<br />

87


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقوله تعاىل:‏ ‏}وَمَنْ‏ يُشَ‏ اقِقِ‏ الرَّ‏ سُ‏ ولَ‏ مِنْ‏ بَعْ‏ دِ‏ مَا تَبَنيَّ‏ َ لَهُ‏ الْهُ‏ دَ‏ ى وَيَتَّبِعْ‏ غَيْرَ‏ سَ‏ بِيلِ‏ الْمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ‏<br />

نُوَ‏ لِّهِ‏ مَا تَوَ‏ لَّ‏ وَنُصْ‏ لِهِ‏ جَ‏ هَ‏ نَّ‏ َ وَسَ‏ اءَتْ‏ مَصِ‏ ريًا{‏ ‏]النساء:‏ 115[.<br />

وعن أيب هريرة ‏-ريض اهلل عنه - أنّ‏ رسولَ‏ اهلل # قال:‏ ‏)إِنَّ‏ اهللَ‏ يَرْ‏ ىضَ‏<br />

لَكُ‏ مْ‏ ثَالَ‏ ثًا،‏<br />

وَ‏ يَكْ‏ رَ‏ هُ‏ لَكُ‏ مْ‏ ثَالَ‏ ثًا،‏ فَريَ‏ ‏ْىضَ‏<br />

لَكُ‏ مْ‏ : أَنْ‏ تَعْ‏ بُدُ‏ وهُ،‏ وَ‏ الَ‏ تُرشْ‏ ِ كُ‏ وا بِهِ‏ شَ‏ يْئًا،‏ وَ‏ أَنْ‏ تَعْ‏ تَصِ‏ مُ‏ وا بِحَ‏ بْلِ‏<br />

اهللِ‏ مجَ‏ ‏ِيعً‏ ا وَ‏ الَ‏ تَفَ‏ رَّ‏ قُوا،‏ وَ‏ يَكْ‏ رَ‏ هُ‏ لَكُ‏ مْ‏ : قِيلَ‏ وَ‏ قَالَ‏ ، وَ‏ كَ‏ ثْرَ‏ ةَ‏ السُّ‏ ؤَ‏ الِ‏ ، وَ‏ إِضَ‏ اعَ‏ ةِ‏ املْ‏ ‏َالِ‏ ) ))) .<br />

وعن حذيفةَ‏ بنِ‏ اليامن ريض اهلل عنهام قال:‏ ‏)كَ‏ انَ‏ النَّاسُ‏ يَسْ‏ أَلُونَ‏ رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ‏ # عَ‏ نِ‏<br />

اخلْ‏ َ ريْ‏ ِ، وَ‏ كُ‏ نْتُ‏ أَسْ‏ أَلُهُ‏ عَ‏ نِ‏ الرشَّ‏ ِّ خمَ‏ ‏َافَةَ‏ أَنْ‏ يُدْ‏ رِكَ‏ نِي،‏ فَقُ‏ لْتُ‏ : يَا رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ،‏ إِنَّا كُ‏ نَّا يفِ‏ جَ‏ اهِ‏ لِيَّةٍ‏<br />

وَ‏ رشَ‏ ٍّ ، فَجَ‏ اءَنَا اهللُ‏ هبِ‏ ‏َذَ‏ ا اخلْ‏ ‏َريْ‏ ِ، فَهَ‏ لْ‏ بَعْ‏ دَ‏ هَ‏ ذَ‏ ا اخلْ‏ ‏َريْ‏ ِ رشَ‏ ٌّ ؟ قَالَ‏ : نَعَ‏ مْ‏ ، فَقُ‏ لْتُ‏ : هَ‏ لْ‏ بَعْ‏ دَ‏ ذَ‏ لِكَ‏<br />

الرشَّ‏ ِّ مِنْ‏ خَ‏ ريْ‏ ‏ٍ؟ قَالَ‏ : نَعَ‏ مْ‏ ، وَ‏ فِيهِ‏ دَ‏ خَ‏ نٌ‏ ، قُلْتُ‏ : وَ‏ مَ‏ ا دَ‏ خَ‏ نُهُ‏ ؟ قَالَ‏ : قَوْ‏ مٌ‏ يَسْ‏ تَنُّونَ‏ بِغَ‏ ريْ‏ ِ سُ‏ نَّتِي،‏<br />

وَهيَ‏ ‏ْدُ‏ ونَ‏ بِغَريْ‏ ِ هَ‏ دْ‏ يِي،‏ تَعْرِفُ‏ مِنْهُمْ‏ وَتُنْكِرُ،‏ فَقُلْتُ‏ : هَ‏ لْ‏ بَعْدَ‏ ذَلِكَ‏ اخلْ‏ ‏َريْ‏ ِ مِنْ‏ رشَ‏ ٍّ ؟ قَالَ‏ :<br />

نَعَ‏ مْ‏ ، دُ‏ عَ‏ اةٌ‏ عَ‏ ىلَ‏ أَبْوَ‏ ابِ‏ جَ‏ هَ‏ نَّمَ‏ مَ‏ نْ‏ أَجَ‏ اهبَ‏ ‏ُمْ‏ إِلَيْهَ‏ ا قَذَ‏ فُ‏ وهُ‏ فِيهَ‏ ا،‏ فَقُ‏ لْتُ‏ : يَا رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ،‏ صِ‏ فْ‏ هُ‏ مْ‏<br />

لَنَا،‏ قَالَ‏ : نَعَ‏ مْ‏ ، قَوْ‏ مٌ‏ مِنْ‏ جِ‏ لْدَ‏ تِنَا،‏ وَ‏ يَتَكَ‏ لَّمُ‏ ونَ‏ بِأَلْسِ‏ نَتِنَا،‏ قُلْتُ‏ : يَا رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ،‏ فَامَ‏ تَرَ‏ ى إِنْ‏<br />

أَدْرَكَنِي ذَلِكَ‏ ؟ قَالَ‏ : تَلْزَمُ‏ مجَ‏ ‏َاعَ‏ ةَ‏ الْمُ‏ سْ‏ لِمِنيَ‏ وَإِمَامَهُمْ‏ ، فَقُلْتُ‏ : فَإِنْ‏ ملَ‏ ْ تَكُ‏ نْ‏ هلَ‏ ‏ُمْ‏ مجَ‏ ‏َاعَ‏ ةٌ‏<br />

وَ‏ الَ‏ إِمَ‏ امٌ‏ ؟ قَالَ‏ : فَاعْ‏ تَزِلْ‏ تِلْكَ‏ الْفِرَ‏ قَ‏ كُ‏ لَّهَ‏ ا،‏ وَ‏ لَوْ‏ أَنْ‏ تَعَ‏ ضَّ‏ عَ‏ ىلَ‏ أَصْ‏ لِ‏ شَ‏ جَ‏ رَ‏ ةٍ‏ حَ‏ تَّى يُدْ‏ رِكَ‏ كَ‏<br />

الْمَ‏ وْ‏ تُ‏ وَ‏ أَنْتَ‏ عَ‏ ىلَ‏ ذَ‏ لِكَ‏ ) ))) .<br />

وعن عمر بن اخلطاب - ريض اهلل عنه - أنَّ‏ الرسول # قال:‏ ‏)فمَ‏ ن أحبّ‏ منكم أن<br />

ينالَ‏ بُحبوحةَ‏ اجلنّة فليلزم اجلامعةَ‏ ؛ فإنّ‏ الشّ‏ يطانَ‏ مع الواحدِ‏ ، وهو مِن االثنني أبعدُ‏ ) ))) .<br />

))) أخرجه مسلم )1340/3، برقم 1715(.<br />

))) أخرجه البخاري )199/4، برقم 3606(، ومسلم )1475/3، برقم 1847(.<br />

))) أخرجه أمحد )310/1، برقم 177(، و)بُحبوحةَ‏ اجلنّة(:‏ وسطها وخريها.‏<br />

88


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

واملقصودُ‏ بجامعة املسلمني:‏ سوادُ‏ هم األعظمُ‏ وجمموعهم امللتزمون بالسّ‏ نّة،‏<br />

أو املجتمعون عىل إمامٍ‏ يُطبِّق فيهم رشعَ‏ اهلل ))) .<br />

ثالثًا:‏ قد يُقال:‏ إنَّ‏ جمموعَ‏ األمة وعامّ‏ تَها قد يفسد ويَضل،‏ وقد أُمرنا يف الرشّ‏<br />

باألخذ باحلقّ‏ حتى وإن كان مع شخصٍ‏ واحدٍ‏ .<br />

ع<br />

ففي حديث حذيفة بن اليامن - ريض اهلل عنه - أنه سأل رسول اهلل # عن الرش<br />

يف آخر الزمان،‏ ثم قال له:‏ ‏)فام تأمرين إنْ‏ أدركني ذلك؟ قال:‏ تلزم مجاعةَ‏ املسلمني<br />

وإمامَ‏ هم،‏ قلتُ‏ : فإن مل يكن هلم مجاعةٌ‏ وال إمامٌ‏ ؟ قال:‏ فاعتزل تلك الفرق كلَّها،‏ ولو<br />

أنْ‏ تعضَّ‏ بأصل شجرةٍ،‏ حتى يدركك املوتُ‏ وأنتَ‏ عىل ذلك(‏ ))) .<br />

وقال عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنه:‏ ‏»إنَّام اجلامعةُ‏ ما وافَقَ‏ احلقَّ‏ ، وإن كنتَ‏ وَ‏ حدَ‏ ك«‏ ))) .<br />

وقال أبو شامة املقديس رمحه اهلل:‏ ‏»حيث جاء األمرُ‏ بلزوم اجلامعة،‏ فاملرادُ‏ به لزومُ‏<br />

))) تنوَّ‏ عت عبارات أهل العلم يف بيان مفهوم اجلامعة،‏ ولعلّ‏ مِن أشمل مَ‏ ن مجعها الشاطبي يف ‏»االعتصام«،‏<br />

حيث ذكر أنا ترجع إىل مخسة أقوالٍ‏ ، وهي:‏<br />

1- أنا السواد األعظم مِن أهل اإلسالم.‏<br />

2- مجاعة أئمة العلامء واملجتهدين.‏<br />

3- الصحابة ريض اهلل عنهم عىل وجه اخلصوص.‏<br />

4- مجاعة أهل اإلسالم إذا أمجعوا عىل أمر.‏<br />

5- مجاعة املسلمني إذا اجتمعوا عىل أمري.‏<br />

وغالبُ‏ تفاوت أقواهلم من اختالف التنوع والعبارات،‏ ال اختالف التضاد،‏ وهي تؤول إىل معنيني:‏<br />

األول:‏ أنا ما كان عليه رسول اهلل # وصحابته ريض اهلل عنهم،‏ من االعتقاد والقول والعمل،‏ مما ال يسوغ<br />

ألحد من املسلمني أن خيالفه.‏<br />

الثاين:‏ أنا االجتامع عىل خليفة رشعي،‏ وطاعته باملعروف،‏ وحرمة منازعته األمر،‏ ما مل يُر منه الكفر البواح.‏<br />

))) سبق ص )88(.<br />

))) أخرجه الاللكائي يف رشح أصول اعتقاد أهل السنة )121/1(.<br />

89


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

احلقّ‏ و اتِّباعه،‏ وإن كان املتمسك به قليالً‏ ، واملخالفُ‏ كثريًا«‏ ))) .<br />

مما يدلُّ‏ عىل أنَّ‏ احلق قد يكون مع غري اجلامعة!.‏<br />

واجلواب:‏<br />

إنَّ‏ احلقَّ‏ قد يكون مع العدد القليل يف حاالت معينة،‏ لكنَّ‏ ضابطه أن يكون موافقً‏ ا<br />

للهدي الذي كان عليه الرسول #، ومجاعة املسلمني مِن الصحابة،‏ والتابعني،‏ وأهل<br />

القرون املفضلة األوىل،‏ فقد سُ‏ ئل النبي # عن سبيل النجاة من االفرتاق املذموم<br />

فأرشد إىل التمسك هبذا املنهج بقوله:‏ ‏)ما أنا عليه وأصحايب(‏ ))) .<br />

وقال نُعيم بن محَّاد رمحه اهلل:‏ ‏»إذا فَسَ‏ دت اجلامعة،‏ فعليك بام كانت عليه قبل أن<br />

تفسُ‏ د،‏ وإن كنتَ‏ وحدك،‏ فإنَّك اجلامعة حينئذٍ‏ » ))) .<br />

وقال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»وما أحسن ما قال أبو حممد عبد الرمحن بن إسامعيل<br />

املعروف بأيب شامة يف كتاب احلوادث والبدع:‏ ‏»حيث جاء به األمر بلزوم اجلامعة<br />

فاملراد به لزوم احلق واتباعه،‏ وإن كان املتمسك به قليالً‏ واملخالف له كثريًا؛ ألنّ‏ احلقّ‏<br />

هو الذي كانت عليه اجلامعة األوىل مِن عهد النبي -# وأصحابه،‏ وال نظرَ‏ إىل كثرة<br />

أهل الباطل بعدهم«‏ ))) .<br />

ونقل قول معاذ بن جبل ريض اهلل عنه:‏ ‏»إنَّ‏ اجلامعةَ‏ ما وافقَ‏ طاعةَ‏ اهلل تعاىل«.‏<br />

وقال:‏ ‏»وقالوا:‏ مَ‏ ن شذَّ‏ شذَّ‏ اهلل به يف النّار،‏ وما عرف املختلفون أنّ‏ الشاذ ما خالف<br />

احلقّ‏ ، وإن كان الناس كلّهم عليه إال واحدً‏ ا منهم فهم الشّ‏ اذون،‏ وقد شذَّ‏ النّاسُ‏ كلّهم<br />

))) الباعث عىل إنكار البدع واحلوادث ص )22/1(.<br />

))) أخرجه أبو داود )6/7، برقم 4597(، والرتمذي )26/5، برقم 2641(.<br />

))) الباعث عىل إنكار البدع واحلوادث )22/1(.<br />

))) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ص )69(.<br />

90


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

زمنَ‏ أمحدَ‏ بن ‏ِحنبل إال نفرً‏ ا يسريًا،‏ فكانوا هم اجلامعة،‏ وكانت القضاة حينئذ واملفتون<br />

واخلليفة وأتباعه كلّهم هم الشاذون،‏ وكان اإلمام أمحد وحده هو اجلامعة«‏ ))) .<br />

وقد كان اإلمام أمحد عىل عقيدة أهل السنة واملخالفون له عىل عقيدة املعتزلة؛<br />

ف»القَ‏ وْ‏ ل الشاذ هُ‏ وَ‏ الّذي ليسَ‏ مع قائله دليل مِن كتاب اهلل،‏ وال مِن سنة رَ‏ سُ‏ ول اهلل<br />

#، فهذا هُ‏ وَ‏ القَ‏ وْ‏ ل الشاذّ‏ ، ولو كان عليه مجهورُ‏ أهل األرضِ‏ ، وَ‏ أمّ‏ ا قَولُ‏ ما دلّ‏ عليهِ‏<br />

كتابُ‏ اهلل وَ‏ سنّة رَ‏ سُ‏ ول اهلل # فَلَيْسَ‏ بشاذٍّ‏ ، وَ‏ لَو ذهب إِلَيْهِ‏ الْواحد مِن األْ‏ مّ‏ ة«‏ ))) .<br />

فمعنى هذه اآلثار تركُ‏ قولِ‏ غالب النّاس إذا بدّ‏ لوا وغريوا،‏ والرجوع للمنهج احلقّ‏<br />

الذي عليه الدّ‏ ليل وسلف األمة.‏<br />

والسؤال:‏ أين يف النّصوص الرشعية وأقوال سلف األمة ما يامثل معتقدات<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ يف التكفري والتخوين لعامة املخالفني،‏ واستباحة القتل،‏ والطعن يف<br />

ظهور املسلمني أثناء دفعهم للعدو الصائل يف العراق،‏ وسورية،‏ وفلسطني،‏ وأخريًا<br />

يف أفغانستان وليبيا؟ واختاذ أشنع الطرق وسيلةً‏ للقتل؟ والتفجري يف املساجد ودور<br />

العبادة؟ والتفرُّ‏ د بإعالن اخلالفة؟<br />

إنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو مَ‏ ن خالف مجاعة املسلمني قوالً‏ واعتقادً‏ ا وعمالً‏ ، وشذَّ‏<br />

عنها،‏ فهو ليس مِن مجاعة املسلمني الصادقني،‏ بل مِن اخلوارج املارقني.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ مِن األخطاء يف هذه املسألة تنزيلُ‏ النّصوص التي تذمّ‏ الكثرةَ‏ عىل غري<br />

دالالهتا،‏ كاالستدالل بالنّصوص الدالة عىل أنَّ‏ احلق ال يكون مع غالبية الناس:‏<br />

كقوله تعاىل:‏ ‏}ِإنَّ‏ اهللَ‏ لَذُ‏ و فَضْ‏ لٍ‏ عَلَ‏ النَّاسِ‏ وَلَكِ‏ نَّ‏ ‏َأكْ‏ ثَرَ‏ النَّاسِ‏ لَ‏ يَشْ‏ كُ‏ رُونَ‏ } ‏]البقرة:‏<br />

91<br />

]243 ‏]غافر:‏ .]61<br />

))) إعالم املوقعني عن رب العاملني )308/3(.<br />

))) الفروسية،‏ البن القيم ص )299(.


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقوله:‏ ‏}وَلَكِ‏ نَّ‏ ‏َأكْ‏ ثَرَ‏ النَّاسِ‏ لَ‏ يَعْلَمُ‏ ونَ‏ } ‏]العراف:‏ 187[.<br />

وقوله أيضً‏ ا:‏ ‏}وَالَّذِ‏ يَ‏ ‏ُأنزِ‏ لَ‏ ‏ِإلَيْكَ‏ مِن رَّبِّكَ‏ الْحَ‏ قُّ‏ وَلَكِ‏ نَّ‏ ‏َأكْ‏ ثَرَ‏ النَّاسِ‏ لَ‏ يُؤْ‏ مِنُونَ‏ } ‏]الرعد:‏ 1[.<br />

وقوله:‏ ‏}وَمَا ‏َأكْ‏ ثَرُ‏ النَّاسِ‏ وَلَوْ‏ حَ‏ رَ‏ صْ‏ تَ‏ بِمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ{‏ ‏]يوسف:‏ 103[.<br />

وقوله:‏ ‏}وَلَقَدْ‏ صَ‏ َّ فْنَا لِ‏ نَّاسِ‏ فِ‏ هَذَ‏ ا الْقُرْ‏ آنِ‏ مِن كُ‏ ِّ مَثَلٍ‏ فََأبَى ‏َأكْ‏ ثَرُ‏ النَّاسِ‏ ‏ِإلَّ‏ كُ‏ فُورًا{‏<br />

‏]اإلرساء:‏ 89[.<br />

وقوله:‏ ‏}وَقَلِيلٌ‏ مِّنْ‏ عِبَادِيَ‏ الشَّ‏ كُ‏ ورُ{‏ ‏]سبأ:‏ 13[.<br />

فاالستداللُ‏ هبذه النصوص عىل أنَّ‏ احلقَّ‏ ال يكون مع غالبية النّاس بإطالقٍ‏ غريُ‏<br />

صحيح وال حجَّ‏ ة فيه؛ إذ إنَّ‏ هذه األدلة ليست خاصةً‏ باملسلمني أصالً‏ ، بل هي يف<br />

عموم النّاس،‏ ويدخل فيهم غري املسلمني؛ لذا فإنا جاءت بلفظ ‏)النّاس(‏ الذي<br />

يدخل فيه مجيع الناس مؤمنهم وكافرهم،‏ فتشري هذه النّصوص إىل أنَّ‏ أكثر النّاس<br />

غريُ‏ عابدين هلل تعاىل،‏ وأنَّ‏ أكثرهم يف النّار،‏ فعىل اإلنسان أال يغرتَّ‏ بالكثرة التي ختالف<br />

احلقّ‏ ، وهو اإلسالم.‏<br />

عن أيب هريرة - ريض اهلل عنه - أنّ‏ النبي # قال:‏ ‏)أوّ‏ لُ‏ مَ‏ ن يُدعى يومَ‏ القيامة<br />

آدمُ‏ ، فَرتَ‏ ‏َاءَ‏ ى ذريتُه،‏ فيُقال:‏ هذا أبوكم آدم،‏ فيقول:‏ لَبَّيْكَ‏ وَ‏ سَ‏ عْ‏ دَ‏ يْكَ‏ ، فيقول:‏ أخرج<br />

بعثَ‏ جهنّم مِن ذريتك،‏ فيقول:‏ يا رب كم أُخرج؟ فيقولُ‏ : أخرجْ‏ مِن كلِّ‏ مئةٍ‏ تسعةً‏<br />

وتسعني،‏ فقالوا:‏ يا رسول اهلل،‏ إذا أُخذ منّا مِن كلّ‏ مائةٍ‏ تسعةٌ‏ وتسعون،‏ فامذا يبقى منا؟<br />

قال:‏ إنّ‏ أمّ‏ تي يف األمم كَ‏ الشَّ‏ عَ‏ رَ‏ ةِ‏ البَيْضَ‏ اءِ‏ يفِ‏ الثَّوْ‏ رِ‏ األَسْ‏ وَ‏ دِ(‏ ))) .<br />

))) أخرجه البخاري )110/8، برقم 6529(.<br />

92


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أمّ‏ ا عند احلديث عن املسلمني،‏ ومعرفة احلقِّ‏ مِن الباطل:‏ فقد ورد األمرُ‏ بلزوم<br />

اجلامعة،‏ كام سبق.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ مِن األخطاء املرتتّبة عىل هذه املسألة كذلك ذمُّ‏ األكثرية أو األغلبية<br />

بإطالق،‏ واملبالغةُ‏ يف التفرُّ‏ د عن اجلامعة والبعد عنها،‏ وفهم نصوصِ‏ غربة الدّ‏ ين<br />

والقبض عىل اجلمر،‏ واألمر بلزوم خاصة النفس والبعد عن اجلامعة يف آخر الزمان<br />

بناءً‏ عىل هذا املفهوم اخلاطئ!‏<br />

مع أنَّ‏ لألكثرية واألغلبية ‏-إمجاالً‏ - اعتباراً‏ يف الرشع،‏ وهي مِن املبادئ التي<br />

توافرت األدلة والشواهد <strong>عليها</strong>،‏ ومن ذلك ))) :<br />

1- أنّ‏ تفضيل األغلبية عىل األقلية مِن األمور املستقرّ‏ ة يف الفِطَ‏ ر،‏ املركوزة يف<br />

العقول،‏ فغالبُ‏ النّاس سواء كانوا مِن املسلمني أو غريهم يدركون أنّه حيثام كانت<br />

الكثرةُ‏ يف الرأي ويف االختيار ويف املوقف فالصّ‏ واب فيها أكثر وأقرب.‏<br />

2- أنّ‏ نصوصَ‏ الرشّ‏ يعة مِن الكتاب والسنة دلّت عىل أنّ‏ الغلبةَ‏ والكثرةَ‏ يف<br />

األوصاف أو األحوال أو األفعال هلا تأثريٌ‏ واعتبارٌ‏ يف تقرير األحكام واستنباطها<br />

والرتجيح بينها،‏ ومِن تلك النّصوص:‏<br />

أ-‏ قوله تعاىل:‏ ‏}يَسْ‏ ‏َألُونَكَ‏ عَنِ‏ الْخَ‏ مْ‏ رِ‏ وَالْمَ‏ يْسِ‏ ِ قُلْ‏ فِهيِمَ‏ ا ‏ِإثْمٌ‏ كَ‏ بِريٌ‏ وَمَنَافِعُ‏ لِ‏ نَّاسِ‏ وَِإثْمُ‏ هُ‏ مَ‏ ا<br />

‏َأكْ‏ بَرُ‏ مِن نَّفْعِهِ‏ مَ‏ ا وَيَسْ‏ ‏َألُونَكَ‏ مَاذَا يُنفِقُونَ‏ قُلِ‏ الْعَفْوَ‏ كَ‏ ذَ‏ لِكَ‏ يُبنيِّ‏ ُ اهللُ‏ لَكُ‏ مُ‏ اليَاتِ‏ لَعَلَّكُ‏ مْ‏<br />

تَتَفَكَّ‏ رُونَ‏ } ‏]البقرة:‏ 219[.<br />

قال العز بن عبد السالم:‏ ‏»حرّ‏ مهام؛ ألنّ‏ مفسدهتَ‏ ام أكربُ‏ مِن منفعتِهام«‏ ))) .<br />

))) لالستزادة ينظر كتاب:‏ قضية األغلبية من الوجهة الرشعية،‏ د.‏ أمحد الريسوين.‏<br />

))) قواعد األحكام يف مصالح األنام )98/1(.<br />

93


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

بل إنّ‏ النّصوصَ‏ الدّ‏ الة عىل ذمّ‏ الكثرة ‏-وهي يف جمملِها تدلُّ‏ عىل ذمّ‏ الكثرة التي<br />

عىل الباطل وخالف احلجّ‏ ة والربهان-‏ استدل هبا بعضُ‏ أهل العلم عىل مرشوعية<br />

األخذ باألغلبية،‏ قال ابن عرفة يف تفسريه عن آية:‏ ‏}قُلْ‏ لَ‏ يَسْ‏ تَوِ‏ ي الْخَ‏ بِيثُ‏ وَالطَّ‏ يِّبُ‏ وَلَوْ‏<br />

‏َأعْ‏ جَ‏ بَكَ‏ كَ‏ ثْرَ‏ ةُ‏ الْخَ‏ بِيثِ‏ } ‏]املائدة:‏ 100[: ‏»فقوله تعاىل:‏ ‏}وَلَو ‏َأعجَ‏ بَكَ‏ كَ‏ رثَةُ‏ الْخَ‏ بِيثِ‏ } يدلُّ‏<br />

أنَّ‏ الكثرةَ‏ هلا اعتبارٌ‏ ؛ بدليلِ‏ أنّ‏ ا ما أسقطت هنا إال اخلبيث..«‏ ))) .<br />

ب-‏ قوله #: ‏)إذا كان املاءُ‏ قُلَّتني مل حيَ‏ مِ‏ ل اخلَبَثَ‏ ) ))) ، وقد أمجع أهلُ‏ العلم عىل أنّ‏<br />

املاء الكثري ال ينجس،‏ ما مل تتغري إحدى صفاته.‏<br />

ج-‏ وقد كان # حريصً‏ ا عىل معرفة رأي غالبِ‏ صحابته ومدى استعدادهم<br />

للقتال:‏<br />

ففي غزوة بدر شاور أصحابه يف قتال قريش،‏ فأشار املهاجرون بموافقته عىل<br />

القتال،‏ لكنّه رغب أنْ‏ يسمع مِن األنصار،‏ فلامّ‏ وافقوه أذن بالسّ‏ ري للقتال.‏<br />

قال ابنُ‏ هشام:‏ ‏»ثم قال رسولُ‏ اهلل #: ‏)أشريوا عيلَّ‏ أهيا النّاس(‏ وإنّام يريد<br />

األنصار،‏ وذلك أنم عددُ‏ النّاسِ‏ » ))) أي أكثرهم.‏<br />

ويف غزوة أحد:‏ كان رأي النّبي # ومجاعةٌ‏ مِن شيوخ الصحابة البقاء يف املدينة<br />

والدفاع عنها،‏ وعدم اخلروج لقتال املرشكني،‏ لكن كان رأي غالبية أصحابه يف<br />

اخلروج لقتاهلم،‏ فرتك رأيَه لرأهيم،‏ وخرج للقتال.‏<br />

))) تفسري ابن عرفة )127/2(.<br />

))) أخرجه أبو داود )46/1، برقم 63(، وابن ماجه )325/1، برقم 516(، وأمحد )405/4، برقم<br />

.)4803<br />

))) السرية النبوية،‏ البن هشام )615/1(.<br />

94


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وحينام أخذ النّبي # بام أشار به الصّ‏ حابةُ‏ يف شأن إطالق األرسى،‏ ونزل القرآن<br />

بذلك معاتبًا،‏ قال الطاهر بن عاشور - رمحه اهلل -: ‏»وفيه إشارةٌ‏ إىل أنّ‏ الرسولَ‏ عليه<br />

الصالة والسالم غريُ‏ معاتَبٍ‏ ؛ ألنّه إنّام أخذ برأي اجلمهور«‏ ))) .<br />

د-‏ ورد األخذ باألكثر أو األغلب يف اآلداب،‏ فقد قدّ‏ م حقّ‏ الكثري عىل القليل<br />

بقوله #: ‏)يُسَ‏ لِّمُ‏ الرّ‏ اكبُ‏ عىل املايش،‏ واملايش عىل القاعدِ‏ ، والقليلُ‏ عىل الكثريِ(‏ ))) .<br />

3- وقد جرى فهم اخللفاء الراشدين عىل ذلك:‏<br />

ففي حديث رجوع عمر بن اخلطاب - ريض اهلل عنه - عن دخول الشّ‏ ام بسبب<br />

الوباء فيها،‏ رجع إىل قول مشيخةِ‏ قريشٍ‏ ، فأشاروا عليه بالرجوع.‏<br />

قال ابن حجر ‏-رمحه اهلل -: ‏»وفيه الرتّ‏ جيح باألكثر عددً‏ ا،‏ واألكثر جتربةً‏ ؛ لرجوع<br />

عمرَ‏ ريض اهلل عنه لقول مشيخة قريش مع ما انضم إليهم ممّن وافق رأهيَ‏ م مِن املهاجرين<br />

واألنصار،‏ فإنّ‏ جمموعَ‏ ذلك أكثرُ‏ مِن عدد مَ‏ ن خالفه مِن كلٍّ‏ مِن املهاجرين واألنصار،‏<br />

ووازن ما عند الذين خالفوا ذلك مِن مزيد الفضل يف العلم والدين ما عند املشيخة<br />

مِن السنِّ‏ والتّجارب،‏ فلامّ‏ تعادلوا مِن هذه احليثية رجّ‏ ح بالكثرة«‏ ))) .<br />

4- أنّ‏ األخذ باألكثرية أصلٌ‏ مقرر يف القواعد الرشعية،‏ ومن ذلك:‏<br />

أ/‏ قاعدة العمل بغلبة الظن ‏)الظنّ‏ الراجح(‏ يف االستنباط والعمل.‏<br />

ب/‏ قاعدة ‏)إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمُ‏ هام رضرً‏ ا بارتكاب أخفِّ‏ هام(.‏<br />

))) تفسري التحرير والتنوير )75/10(.<br />

))) أخرجه البخاري )52/8، برقم 6232(، ومسلم )1703/4، برقم 2160(.<br />

))) فتح الباري )190/10(.<br />

95


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

قال السّ‏ خيس رمحه اهلل:‏ ‏»الرتّ‏ جيح بالكثرة،‏ وهو أصلٌ‏ يف الفقهِ«‏ ))) .<br />

ج / قاعدة ‏)األكثرُ‏ يقوم مقامَ‏ الكل(،‏ ومن تطبيقاهتا:‏<br />

األكثر ينزل منزلة الكامل،‏ لألكثر حكمُ‏ الكامل أو حكم الكل،‏ األقلّ‏ يتبع األكثر،‏<br />

إقامة األكثر مُ‏ قام الكلّ‏ أصلٌ‏ يف الرشّ‏ ع،‏ األقلُّ‏ تبعٌ‏ لألكثر،‏ ولألكثرِ‏ حكمُ‏ الكلِّ‏ .<br />

5- أنّ‏ األخذ بالكثرة مِن األصول املقررة يف علوم احلديث وأصول الفقه:‏<br />

ففي مسألة ثبوت احلديث كان املحدثون إذا روى الراوي حديثًا ‏-حتى ولو<br />

كان ثقة-‏ فخالف به جمموعةً‏ مِن الثقات فإنم يَعدون حديثَ‏ هذا املنفرد شاذً‏ ا،‏<br />

ويرجّ‏ حون الرواية التي نقلها العدد األكثر،‏ وهي مِن الطرق املعتربة يف الرتجيح<br />

بني األدلة.‏<br />

قال اخلطيب البغدادي رمحه اهلل:‏ ‏»ويُرجّ‏ ح بكثرة الرّ‏ واة ألحد اخلربين؛ ألنّ‏ الغلطَ‏<br />

عنهم والسّ‏ هو أبعد،‏ وهو إىل األقلِّ‏ أقربُ‏ » ))) .<br />

6- أنّ‏ األغلبيةَ‏ معتربةٌ‏ يف املسائل الفقهية:‏<br />

فأهلُ‏ العلم يَعتربون يف ترجيح املسائل الفقهية بأمورٍ،‏ منها قول مجهور العلامء،‏<br />

وحيذّ‏ رون مِن الشّ‏ ذوذ وقول األفراد من أهل العلم.‏<br />

قال الشّ‏ اطبي رمحه اهلل:‏ ‏»إذا انفرد صاحبُ‏ قولٍ‏ عن عامّ‏ ة األمةِ‏ فليكن اعتقادُ‏ ك أنّ‏<br />

احلقَّ‏ مع السّ‏ واد األعظم مِن املجتهدين،‏ ال مِن املقلدين«‏ ))) .<br />

((( املبسوط .)115/2(<br />

))) الكفاية يف علم الرواية )436/1(.<br />

((( املوافقات .)140/5(<br />

96


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

7- األخذ باألكثر يف الشّ‏ هادة والقضاء:‏<br />

فإذا شهد عىل أمرٍ‏ ما عند القايض أو غريه شاهدان،‏ وشهد ضدَّ‏ شهادهتام آخرون<br />

أكثر عددً‏ ا فإنّه يرتجّ‏ ح جانب األكثر.‏<br />

8- األكثرية معتربة يف باب السّ‏ ياسة الرشّ‏ عية:‏<br />

فاإلمامةُ‏ تنعقد ببيعة مجهور أهل احلل والعقد.‏<br />

قال الغزايل رمحه اهلل:‏ ‏»وال تقوم الشّ‏ وكة إال بموافقة األكثرين مِن معتربي كلّ‏<br />

زمان«‏ ((( .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وإنّام صار - أي أبو بكر ريض اهلل عنه - إمامً‏ ا بمبايعة<br />

مجهور الصّ‏ حابة الذين هم أهل القدرة والشّ‏ وكة.‏ ومل يرض ختلف سعد بن عبادة ريض<br />

اهلل عنه؛ ألنّ‏ ذلك ال يقدح يف مقصود الوالية،‏ فإنّ‏ املقصودَ‏ حصولُ‏ القدرة والسّ‏ لطان<br />

اللذَ‏ ين هبام حتصل مصالحُ‏ اإلمامة،‏ وقد حصل ذلك بموافقة اجلمهور،‏ فمَ‏ ن قال:‏<br />

يصري إمامً‏ ا بموافقة واحدٍ‏ أو اثنني أو أربعةٍ،‏ وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد<br />

غلط،‏ كام أنَّ‏ مَ‏ ن ظنَّ‏ أنّ‏ ختلف الواحد أو االثنني أو العرشة يرضّ‏ فقد غلط«‏ ))) .<br />

ومما ينبغي التنبيه عليه أنَّ‏ األخذ باألغلبية أو األكثرية إنام يكون بضوابطَ‏ مِن أمهها:‏<br />

1- أال يعارض هذا القولُ‏ نصً‏ ا رشعيًا صحيحً‏ ا رصحيًا.‏<br />

2- أال يكون هناك دليلٌ‏ أقوى للرتّ‏ جيح.‏<br />

))) فضائح الباطنية )177/1(.<br />

))) منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة القدرية )530/1(.<br />

97


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

قال السخيس رمحه اهلل:‏ ‏»واملصريُ‏ إىل الرتجيحِ‏ بالكثرة عند املساواةِ‏ يف القوة«‏ ))) .<br />

وأساس اخلطأ يف إنكار مرشوعية األغلبية أو األكثرية:‏ الربط بينها وبني<br />

الديمقراطية،‏ وتصوير أنَّ‏ ام متالزمتان،‏ وبالتايل سحب حكم الديمقراطية عىل قضية<br />

األغلبية واألكثرية ))) .<br />

سادسً‏ ا:‏ أما ما نُسب لإلمام الشافعي من قول:‏ ‏»اتبع سهام أعداء اهلل ورسوله أين<br />

تقع ترشدك إىل أهل احلق«،‏ فغري صحيح ملا ييل:‏<br />

1- هذه العبارة - بجميع ألفاظها - غري ثابتة عنه،‏ وال عن أحدٍ‏ من أهل العلم،‏<br />

بل هي مِن العبارات الدّ‏ ارجة عىل األلسنة ويف الصفحات واملنتديات،‏ وال سندَ‏ هلا.‏<br />

2- هذه العبارة تعارض ما سبق تقريره مِن النّصوص وأقوال أهل العلم.‏<br />

3- لو قيل بصحّ‏ تها:‏ فإنا ال تكون مُ‏ طلقة عامة،‏ بل هي مُ‏ قيَّدة بموافقة الرشع.‏<br />

سابعً‏ ا:‏ عىل فرض صحة هذه الشُّ‏ بهة ‏)كثرة األعداء داللة عىل صحة املنهج(،‏<br />

فإنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ليس هو الوحيد مِن بني التنظيامت ‏)اجلهادية(‏ الذي يلقى العداء<br />

واملحاربة والتضييق،‏ فبقية التنظيامت واحلركات اجلهادية تلقى العداء والتضييق<br />

والتصنيف باإلرهاب كذلك،‏ وقبل ظهور هذا ال<strong>تنظيم</strong> بمدة طويلة،‏ ولو كان هذا<br />

دليالً‏ لل<strong>تنظيم</strong> فهو دليلٌ‏ لغريها كذلك،‏ وال وجه لتخصيص ال<strong>تنظيم</strong> بذلك،‏ أو زعم<br />

انفراده باألمر.‏<br />

((( املبسوط .)83/26(<br />

))) وسيأيت مزيد تفصيل حلكم الديمقراطية ص )١٣١(.<br />

98


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

واخلالصة:‏ أنَّ‏ اجلامعة هي ما عليه مجهورُ‏ األمة وعامّ‏ ة علامئها،‏ املجتمعون عىل<br />

احلقّ‏ ، وامللتزمون بالسنّة،‏ واملعيارُ‏ يف معرفة هذه اجلامعة:‏ ما كان عليه هدي النبيِّ‏ #،<br />

وصحابتِه،‏ وتابعيهم،‏ وأئمةِ‏ العلم،‏ يف املعتقد والعمل.‏ أما معرفة احلقّ‏ مِن خالل كثرة<br />

املخالفني:‏ فهو معيارٌ‏ مبتدعٌ‏ باطلٌ‏ ، ال اعتبارَ‏ به.‏<br />

وأنَّ‏ مجاعة <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ قد خالفت مجاعة املسلمني وشذَّ‏ ت عنهم يف املنهج<br />

واملعتقد.‏<br />

99


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة التاسعة<br />

<strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة يحارب األعداءَ‏ ويحقّ‏ ق االنتصارات!‏<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

100<br />

<strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ حيارب الرّ‏ افضة والنّصرييني،‏ وله يف ذلك إنجازاتٌ‏ هي األكرب عىل<br />

السّ‏ احة،‏ وهي كبريةٌ‏ ال تُنكَ‏ ر،‏ فهو الذي قاتل الرافضةَ‏ يف العراق،‏ وقصم النّصريية<br />

وأنزل هبا اهلزائم يف سورية،‏ ومِن أمهها حترير املطارات الثالثة يف الرقة،‏ فكيف<br />

تقولون:‏ إنه يقتل أهلَ‏ اإلسالم فقط،‏ وتستدلّون بحديث:‏ ‏)يَقتلونَ‏ أهلَ‏ اإلسالمِ،‏<br />

ويدَ‏ عون أهلَ‏ األوثان(‏ ؟ والتّنظيمُ‏ مل يرتك قتالَ‏ الرّ‏ افضة والنّصريية؟ ثمّ‏ أال تدلّ‏ تلك<br />

االنتصاراتُ‏ عىل أنّ‏ م جماهدون صادقون؟<br />

اإلجابة عن هذه الشُّ‏ بهة:‏<br />

احتوت هذه الشُّ‏ بهة عىل عدّ‏ ةِ‏ مسائل توضيحُ‏ ها فيام ييل:‏<br />

أوالً‏ : أصلُ‏ الشُّ‏ بهة هو اخلطأ يف فهم قول النّبي #: ‏)يَقتلونَ‏ أهلَ‏ اإلسالمِ،‏<br />

ويدَ‏ عون أهلَ‏ األوثان(‏ حيث فهمها بعضُ‏ هم أنَّ‏ مِن صفات اخلوارج أنَّ‏ م يرتكون<br />

قتالَ‏ غريِ‏ املسلمني نائيًا،‏ وجعل هذا مقياسً‏ ا للحُ‏ كم عىل األفكار واجلامعات،‏ وليس<br />

ذلك بصحيحٍ‏ ، ال رشعً‏ ا،‏ وال واقعً‏ ا.‏<br />

فأمّ‏ ا رشعً‏ ا:‏ فمعنى احلديث:‏ أنَّه لامّ‏ كان جيب توجيهُ‏ القتال إىل الكفّ‏ ار فقط ‏)أهلِ‏<br />

األوثان(،‏ فإنّ‏ رصفَ‏ يشءٍ‏ منه إىل مَ‏ ن ال يستحقّ‏ ه ‏)أهل اإلسالم(‏ هو تركٌ‏ لقتاهلم يف


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

هذا املوضع،‏ كام قال تعاىل عن قوم لوط:‏ ‏}َأتَأْتُونَ‏ الذُّ‏ كْ‏ رَ‏ انَ‏ مِنَ‏ الْعَالَمِ‏ نيَ‏ #١٦٥#( وَتَذَ‏ رُونَ‏ مَا<br />

خَ‏ لَقَ‏ لَكُ‏ مْ‏ رَبُّكُ‏ م مِ‏ ‏ّنْ‏ ‏َأزْوَاجِ‏ كُ‏ م{‏ ‏]الشعراء:‏ 166-165[، ومعلومٌ‏ أنّ‏ قومَ‏ لوط مل يرتكوا إتيانَ‏<br />

النّساء بالكلّية،‏ وإال النقطع نسلُهم،‏ ولكنهم ملا أتوا الذُّ‏ كران لشهوهتم حني كان ينبغي<br />

عليهم أن يأتوا النّساء،‏ صاروا تاركني إلتيان النّساء هبذا املعنى.‏<br />

وكام يُقال للزاين املحصن:‏ أترتك ما أحلّ‏ اهللُ‏ لك وتذهب إىل ما حرم اهلل عليك؟<br />

فهو حني أتى احلرامَ‏ بدل احلاللِ‏ يف هذا املوضع سُ‏ مّ‏ ي تاركً‏ ا ملا أحلّ‏ اهلل له،‏ مع أنَّه<br />

مل يرتكه بالكلية ))) .<br />

ولذلك مل يفهم العلامءُ‏ مِن احلديث أنّه يعني تركَ‏ قتالِ‏ الكفّ‏ ار بالكلّية،‏ وأنّ‏ مَ‏ ن قاتل<br />

الكفّ‏ ار أحيانًا يكون قد سلم مِن بدعة اخلوارج،‏ قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وصاروا<br />

يُقاتلون إخوانم املؤمنني بنوعٍ‏ مما كانوا يقاتلون به املرشكني،‏ وربام رأوا قتال املسلمني<br />

آكَ‏ دَ‏ ، وهبذا وَ‏ صَ‏ فَ‏ النبي # اخلوارج حيث قال:‏ ‏)يَقْ‏ تُلُونَ‏ أَهْ‏ لَ‏ اإلْ‏ ‏ِسْ‏ الَ‏ مِ‏ وَ‏ يَدْ‏ عُ‏ ونَ‏ أَهْ‏ لَ‏<br />

األْ‏ ‏َوْ‏ ثَانِ‏ (« ))) .<br />

وأمّ‏ ا واقعً‏ ا:‏<br />

فإنَّ‏ اخلوارجَ‏ عىل مرِّ‏ التاريخ كانوا يقاتلون املسلمني أكثر من قتاهلم للكفار،‏ وأشدُّ‏<br />

نكاية،‏ وأعظم رضرً‏ ا.‏<br />

فالنتيجة:‏<br />

أنَّ‏ اخلوارجَ‏ يَستَحِ‏ لُّ‏ ون مِن قتال املسلمني ما يستحلّون من قتال الكفار،‏ ويعدُّ‏ ون<br />

ذلك مِن اجلهاد،‏ بل يعدُّ‏ ون قتال املسلمني أوىل؛ ألنَّ‏ م حيكمون عليهم بالكفر والرَّ‏ دة.‏<br />

))) ‏)د.‏ معن كوسا(.‏<br />

))) الفتاوى الكربى )360/6(.<br />

101


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ثم إنَّ‏ يف قوله #: ‏)يَقتُلونَ‏ ) إشارةٌ‏ إىل غدرهم باملسلمني،‏ وتسلُّ‏ طهم عليهم؛ لقرهبم<br />

منهم،‏ وخمالطتهم هلم،‏ فلربَّام أَمِنَهم املسلمون،‏ أو اغرتُّ‏ وا بحاهلم فانقلبوا عليهم.‏<br />

والتاريخُ‏ يشهد عىل مرِّ‏ العصورِ‏ أنَّ‏ اخلوارج كانوا يتسلَّطون عىل املسلمني،‏ فيقتلونم<br />

دون حترُّ‏ جٍ‏ أو إعذار،‏ كام فعلوا مع عبد اهلل بن خبَّاب بن األرتّ‏ ريض اهلل عنهام،‏ وزوجه<br />

وولده،‏ ويُساملون أهل الكتاب،‏ ويراعون فيهم ذمّ‏ ةَ‏ اهلل ووصية رسوله #! ))) .<br />

و<strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ منذ ظهورِه مل يزل معظمُ‏ قتاله وعملياته موجهً‏ ا ضدّ‏ أهل السنة،‏<br />

بتهم اخليانة،‏ والرّ‏ دّ‏ ة،‏ والصّ‏ حوات،‏ وهذا ما عمل عليه يف العراق،‏ ثمّ‏ سورية،‏ ثمّ‏ يف<br />

أماكن ظهوره يف مناطق املجاهدين يف كلّ‏ مِن فلسطني،‏ وأفغانستان،‏ وليبيا وغريها،‏<br />

ومل يظهر له وجودٌ‏ يف دولٍ‏ يزعم قتاهلا وحرهبا،‏ كإيران،‏ مثالً!.‏<br />

فهو هبذا املعنى الوارد يف احلديث تاركٌ‏ لقتال الكفّ‏ ارِ‏ حقيقةً‏ ، وإنْ‏ وجّ‏ ه هلا بعض<br />

العمليات؛ فالعربةُ‏ بغالب العمل،‏ ومنطلقه الرشّ‏ عي.‏<br />

ثانيًا:‏ الزعم أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو أكرب الفصائل،‏ أو أكثرها إنجازات غري صحيح.‏<br />

فلم يكن ال<strong>تنظيم</strong> هو األكرب وال األكثر إنجازً‏ ا يف العراق،‏ بل كان للفصائل<br />

األخرى العمل األكرب بشهادة أشخاصٍ‏ مِن التّنظيم نفسه،‏ فقد جاء يف شهادة أيب<br />

سليامن العتيبي القايض األول يف ‏)دولة العراق اإلسالمية(:‏<br />

»... ويف حقيقة األمر يظنّ‏ النّاسُ‏ أنّ‏ قيامَ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ كان بعد مبايعة مجاعات<br />

جملس شورى املجاهدين ل<strong>تنظيم</strong> القاعدة،‏ ثم مبايعة شيوخ العشائر بحلف<br />

))) ومِن تناقضات <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ يف ذلك:‏ أن بثُّوا أرشطة فيه تنفيذ حكم القتل بعدد من أفراد الفصائل<br />

يف سورية،‏ ألنَّ‏ م قدروا عليهم قبل التوبة،‏ وبالتايل فال توبة هلم،‏ بينام بثوا إصدارات فيه إعالن قبول<br />

توبة بعض النصرييني بعد أرسهم!‏ وقد تكرَّ‏ ر منهم هذا مرارً‏ ا.‏<br />

102


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

املطيّبني،‏ وليس األمر كذلك ألبتة،‏ وإنّام بايع رؤوس هذه اجلامعات كسايا اجلهاد،‏<br />

ورسايا الغرباء،‏ وجيش أهل السنة،‏ وكتائب األهوال،‏ وجيش الطائفة املنصورة...‏<br />

وهم أناسٌ‏ ال عالقة هلم باجلهاد احلقيقي يف السّ‏ احة،‏ بل منهم مَ‏ ن مل حيمل السّ‏ الح<br />

يف حياته كلّها،‏ ومنهم مَ‏ ن ليس له أتباعٌ‏ أصالً‏ ، وإنّام هي أسامءٌ‏ جمرّ‏ دة،‏ فبايعوا<br />

واشرتطوا إمّ‏ ا بلسان احلال أو املقال أن يتولّوا مناصب يف هذه الدّ‏ ولة التي ستُعلن،‏<br />

ووقع األمرُ‏ كام أرادوا.‏<br />

وأنا أشهد باهلل العظيم عىل ذلك بحكم قريب مِن أيب محزة املهاجر،‏ ومل يتدخل<br />

شيوخُ‏ العشائر املعروفون كام يرصحّ‏ كثريًا أبومحزة«‏ انتهى ))) .<br />

وأمّ‏ ا يف سورية:‏ فاألمرُ‏ أشهر مِن أن يوضّ‏ ح؛ فالتّنظيمُ‏ مل يدخل إال متأخّ‏ رً‏ ا بعد<br />

انطالق الثّورة التي حرّ‏ رت مساحات كبرية مِن البالد،‏ ثم بدأت سيطرةُ‏ ال<strong>تنظيم</strong> عىل<br />

بعض تلك املناطق لعوامل عديدة سيأيت ذكرها.‏<br />

وكذلك حاله يف مجيع املناطق التي ظهر فيها فيام بعد.‏<br />

ثالثًا:‏ يعتمد <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ عىل تضخيم وجوده،‏ وأعامله،‏ ومنجزاته،‏ والتّهويل<br />

منها،‏ مِن خالل أعامل إعالمية احرتافية،‏ تقوم عىل عدّ‏ ة مرتكزاتٍ‏ ، منها:‏<br />

1- نفسية،‏ ختاطب العاطفةَ‏ مِن خالل:‏<br />

- الرتكيز عىل أنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong> هو األكرب واألضخم يف السّ‏ احة اجلهادية،‏ والوحيد الذي<br />

استطاع حتويل حلم الدّ‏ ولة اإلسالمية واخلالفة - الذي تنتظره األمّ‏ ةُ‏ منذ أمدٍ‏ طويل-‏<br />

))) وللمزيد ينظر:‏ رسالة الشيخ أيب سليامن العتيبي للقيادة يف خراسان،‏ http://syrianoor.net/<br />

،article/9380 وقد أوضح العتيبي يف رسالته أخطاء عديدة،‏ وانحرافات كبرية لل<strong>تنظيم</strong> أدت<br />

الستقالته من منصب القضاء،‏ واعتزال ال<strong>تنظيم</strong>.‏<br />

103


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

إىل واقعٍ‏ متحقّ‏ ق،‏ مع التّأكيد عىل استخدام األلفاظ ذات املدلول الضّ‏ خم،‏ كالدّ‏ ولة<br />

اإلسالمية،‏ أو اخلالفة،‏ واستدعاء األجماد السّ‏ ابقة بتسميات تارخيية ملختلف أعامهلم،‏<br />

‏)كالوايل،‏ وبيت املال(‏ ونحوها.‏<br />

وتصوير األوضاع يف مناطق سيطرة ال<strong>تنظيم</strong> تصويرً‏ ا مثاليًا ال شائبة فيه،‏ ينعم<br />

بالرخاء واالستقرار وإقامة دين اهلل ))) .<br />

- تعمُّ‏ د إظهار القوة والعنف وبثّ‏ الرّ‏ عب يف قلب اخلصوم،‏ بالرتكيز عىل<br />

مشاهد التّفجري،‏ والتّدمري،‏ واإلرساف يف تصوير عمليات القتل،‏ ومشاهد الذّ‏ بح،‏<br />

وقطع الرؤوس،‏ وغريها،‏ مع استخدام ألفاظ التشفي واالنتقام مِن األعداء ونرصة<br />

املستضعفني؛ لذا فإنّ‏ ا تعمد إىل تسمية منتجاهتا بأسامء رنانة ذات مدلول إحيائي معنيّ‏ ،<br />

كإصدار ‏)فرشد هبم من خلفهم(‏ مثالً‏ ، مما يؤدّ‏ ي لرسوخ صورة البطل الذي ال هيزم،‏<br />

واألسطورة التي ليس هلا مثيل.‏<br />

))) ومن طرائف ذلك:‏ نرش ال<strong>تنظيم</strong> إلصدارات تصور احلياة يف مناطق وجوده عن ‏)صناعة اخلبز يف مدينة<br />

كذا،‏ أو صناعة النسيج يف والية كذا،‏ أو صور منشآت من جسور أو مصانع أو مستشفيات ونحوها(،‏<br />

وهي مما ليس لل<strong>تنظيم</strong> فيها يدٌ‏ أو عمل،‏ بل هي إما مملوكة للسكان،‏ أو من منشآت الدولة قبل أن يظهر<br />

ال<strong>تنظيم</strong>.‏<br />

بل يعمد ال<strong>تنظيم</strong> إىل نرش صور طبيعية لبحريات،‏ أو مراعٍ‏ ونحو ذلك من املظاهر الطبيعية أنعم اهلل هبا عىل<br />

تلك املناطق،‏ ويعدّ‏ ها من الرخاء الذي منَّ‏ اهلل به عليهم!.‏<br />

كام يعمد ال<strong>تنظيم</strong> إىل نرش خرائط تظهر سيطرته عىل معظم العراق وسورية،‏ وأنَّه قاب قوسني أو أدنى من<br />

إحكام السيطرة <strong>عليها</strong>م،‏ بينام ال تعدو سيطرته عىل بعض املدن،‏ والطرق بينها،‏ أما الغالبية العظمى من<br />

املناطق فهي إما صحارٍ‏ غري مأهولة وليس عند ال<strong>تنظيم</strong> ما يغطي حراستها أو البقاء فيها،‏ أو يوجد فيها<br />

أعداد قليلةٌ‏ من مقاتليه.‏<br />

فيظن اجلاهل باملنطقة وغري العارف هبا أن منجزات ال<strong>تنظيم</strong> عظيمة،‏ ويستقي رسالة مفادها أن دولة<br />

ال<strong>تنظيم</strong> مستقرة ثابتة األركان،‏ وأنَّ‏ هلا منجزات تنموية ضخمة.‏<br />

104


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ويف املقابل تصمتُ‏ عن اهلزائم واخلسائر وال تذكرها،‏ وإن ذُ‏ كرت فيجري التّعرض<br />

هلا رسيعً‏ ا حتت شعار:‏ احلرب سجال!.‏<br />

2- وأخرى رشعية تقوم عىل إظهار التّنظيم أنَّه املرشوع اجلهادي الرشعي الوحيد،‏<br />

مع مهامجة اخلصوم وإسقاطهم،‏ واهتامهم بشتى االهتامات وأقساها،‏ والغضّ‏ مِن<br />

حجمهم ومنجزاهتم،‏ حتى ليخيل إىل السّ‏ امع أنَّه ال يوجد مقاتلون إال هم.‏<br />

وتؤدّ‏ ي هذه السياسة اإلعالمية إىل اجتذاب عامّ‏ ة النّاس،‏ وخاصّ‏ ة طبقة الشّ‏ باب<br />

املتحمِّ‏ س،‏ وإىل جتنيدهم مدافعني ومروجني للتّنظيم،‏ ممّا يعطي انطباعً‏ ا غري حقيقي<br />

عن حجمه وأعداد منارصيه وأتباعه.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ يعتمد <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ يف وجوده وتوسعه عىل سياسة النّشاط يف املناطق<br />

الرخوة،‏ واخلارجة عن سيطرة األنظمة احلاكمة يف الدول اإلسالمية ))) ، بام حيقّ‏ ق له<br />

وجودً‏ ا قويًا وانتصارات سهلة بسبب أوضاع املناطق التي تسود فيها فوىض احلروب<br />

والنزاعات.‏<br />

ففي العراق مل يظهر ال<strong>تنظيم</strong> إال يف مناطق السُّ‏ نة،‏ وهي املناطق هي التي تشهد فعليًا<br />

حركة جهاد ومقاومة سنيّة كبرية،‏ عىل الرّ‏ غم مِن مرور السنوات الطوال عىل ظهوره،‏ والتي<br />

كانت كافية له بالتمدُّ‏ د إىل مناطق الشيعة يف العراق أو إيران،‏ إال أنه مل يفعل،‏ أو مل يستطع،‏<br />

مع تكرار التّحدي اإليراين باالقرتاب مِن احلدود اإليرانية عىل لسان عدّ‏ ة مسؤولني!.‏<br />

))) وعىل الرغم من مرور السنواتِ‏ الطوال عىل ظهور تنظيامتِ‏ الغلو هذه،‏ وهتديدها للرشق والغرب<br />

فإنا مل تستطع أن جتدَ‏ هلا موطئَ‏ قدم يف الدول غري اإلسالمية،‏ مما يوضَّ‏ ح حقيقة قدرة هذه التنظيامت،‏<br />

ودور الدول األخرى يف إفساح املجال هلا للعبث يف مناطق السنة هبدفِ‏ إناك هذه املناطق وتدمريها،‏<br />

مستغلني ما هو معروف من معتقدات هذه اجلامعات يف تقديمِ‏ ‏)قتال املرتدين(‏ عىل املرشكني.‏<br />

كام حيُ‏ قق هذا الوجودُ‏ ‏)إنجازً‏ ا ما(‏ لتلك اجلامعات يف مقابل عجزها عن الوجود يف تلك الدول،‏ وتستغله<br />

يف الرتويجِ‏ ملرشوعها وأهدافها.‏<br />

105


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وكذلك احلال يف سورية:‏ حيث مل يظهر ال<strong>تنظيم</strong> إال يف املناطق السُّ‏ نية التي ينشط<br />

فيها الثّوار وقاموا بتحريرها مِن قوات النّظام قبل أنْ‏ يُعلن <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ عن نفسه،‏<br />

فقام بالسّ‏ يطرة <strong>عليها</strong> بعد الغدر باملجاهدين عىل اجلبهات،‏ كام حصل يف كلٍّ‏ مِن الرقة،‏<br />

ودير الزور،‏ والقلمون،‏ وغريها ))) .<br />

ويمثِّل هذا العمل انتهازيةً‏ قائمةً‏ عىل التمدُّ‏ د عىل حساب الغري،‏ والتّخلص ممّن<br />

كانوا رشكاءه أو سبقوه يف العمل،‏ بينام يُصورها إعالمه عىل أنَّ‏ ا تطهريٌ‏ لألرض مِن<br />

الفاسدين،‏ وحتقيقٌ‏ لوعد اهلل بتمكني املجاهدين الصّ‏ ادقني!.‏<br />

وبعد إحلاق اهلزيمة هبذه التّنظيامت يُعرض عىل أفرادها االنضامم إليهم،‏ فال يكون<br />

أمامَ‏ غالبية النّاس إال االنضامم إليهم،‏ إمّ‏ ا خوفًا مِن انتقام ال<strong>تنظيم</strong> كام ثبت عليه القتل<br />

بتهمة العاملة،‏ أو بسبب انيار بعض األشخاص حيث جيد املهزوم يف ذلك فرصةً‏ لكي<br />

يعيد االعتبارَ‏ لنفسه،‏ وأن يصبح جزءً‏ ا مِن <strong>تنظيم</strong> قويّ‏ ، ممّا يُكسب ال<strong>تنظيم</strong> مزيدً‏ ا مِن<br />

األتباع،‏ ويُصوَّ‏ ر ذلك عىل أنَّه شعبية كبريةٌ‏ لل<strong>تنظيم</strong>،‏ ورضً‏ ا بمنهجه.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ أمّ‏ ا انتصارات التّنظيم:‏<br />

فمع حتقيق ال<strong>تنظيم</strong> بعض اإلنجازات واالنتصارات،‏ إال أنا ال تقارن بام أنجزته<br />

))) ويلحظ أنَّ‏ ظهور ال<strong>تنظيم</strong> يف مناطق السنة قد أرض بأهل السنة اقتصاديًا دون أن يرض باملناطق األخرى،‏<br />

ففي العراق سيطر ال<strong>تنظيم</strong> عىل املقدرات االقتصادية من مصانع،‏ وخمازن حبوب،‏ وسدود،‏ ونحو<br />

ذلك،‏ بينام بقيت مناطق النفط،‏ واملمرات املائية بيد النظام.‏<br />

ويف سورية سيطر ال<strong>تنظيم</strong> عىل املناطق النفطية التي خرجت من يد النظام،‏ كام سيطر عىل املصانع،‏ واملخازن،‏<br />

والسدود،‏ ومل يتأثر النظام هبا حيث بقي له متويله اخلاص من إيران وروسيا،‏ واستمرت املحروقات<br />

وغريها تأتيه من ال<strong>تنظيم</strong> عرب وسطاء.‏<br />

واخلارس الوحيد يف كلتا احلالتني الثورتان السُّ‏ نيتان!.‏<br />

106


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فصائل املجاهدين منذ اندالع الثورة ))) ، ومع ذلك فال بدَّ‏ مِن وقفةٍ‏ معها،‏ ويمكن<br />

االقتصار يف هذا املخترص عىل وقفتني ))) :<br />

الوقفة األوىل:‏ االستيالء عىل املوصل:‏<br />

شهدت عمليات املقاومة العراقية نشاطً‏ ا كبريًا يف عامي ‎2013‎م،‏ و‎2014‎م،‏ عىل<br />

الرّ‏ غم مِن ضعف التّغطية اإلعالمية هلا،‏ وكانت شاملةً‏ لكافّة املكوّ‏ نات السّ‏ نيّة مِن<br />

عشائرَ‏ وفصائل،‏ ثمّ‏ كان احلراكُ‏ السّ‏ ني الذي أربك النّظامَ‏ الطّ‏ ائفي،‏ وشمل غالبَ‏<br />

مناطق السّ‏ نّة،‏ واستطاع توحيدَ‏ كلمتِهم،‏ مع عجز النّظام عن اخرتاق هذا احلشد<br />

لشهورٍ‏ طويلة،‏ والذي بدأ يتحرّ‏ ك ويتوسّ‏ ع باجتاه مناطقَ‏ جديدةٍ،‏ وأمهُّ‏ ها بغداد.‏<br />

))) وبنظرة رسيعة يف إحصائيات الثورة السورية خالل السنوات السابقة:‏ فإنَّ‏ خسائر النظام السوري منذ<br />

أن انطلقت رشارة العمليات العسكرية ‏-عىل وجه التقريب-‏ كام ييل:‏<br />

1- أكثر من )70.000( ألف جندي،‏ منهم ما يقارب )30.000( نصريي ‏»علوي«.‏<br />

2- أكثر من 3700 دبابة وآلية عسكرية.‏<br />

3- حوايل 100 طائرة.‏<br />

4- باإلضافة لعدد كبري من كبار الضباط والرتب العسكرية العالية.‏<br />

وبالنظر يف إعالنات معارك <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ والتي تكاد تنحرص يف املطارات الثالثة يف الرقة،‏ والتي كانت<br />

اخلسائر فيها تقارب )1000( قتيل،‏ ولو زادت ملا جتاوزت بأقىص حساباهتا )5000( قتيل خالل<br />

سنوات الثورة.‏<br />

باإلضافة لعدد الثكنات العسكرية التي حررهتا الفصائل األخرى،‏ وقتىل كبار الضباط.‏<br />

فإذا كان احلساب بكمية االنتصارات واإلنجازات فام قيمة ما قام به ال<strong>تنظيم</strong> أمام عمل بقية الفصائل<br />

األخرى؟<br />

‏)وهذه اإلحصائيات منذ إعداد الكتاب للطبعة األوىل،‏ مل يدخل فيها حترير إدلب،‏ واملناطق املحررة مؤخرً‏ ا<br />

يف الغوطة(.‏<br />

))) صدرت العديد من التحليالت السياسية والعسكرية لالنتصارات الكبرية ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(،‏ وللتمثيل<br />

ينظر:‏ ‏)أحداث العراق األخرية ومشاركة <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ فيها(‏ http://islamicsham.org/<br />

http://syrianoor. و)من املوصل إىل تدمر..‏ الرهان عىل ‏»حصان«‏ داعش(‏ ،article/1837<br />

.net/revto/12614<br />

107


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ويف هجومٍ‏ مفاجئٍ‏ سيطر <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ عىل املوصل يف الشهر السادس مِن<br />

‎2014‎م بعد أن كان حمصورً‏ ا يف بضع مناطق صحراوية،‏ وبعد أن أصدر عدة بيانات<br />

يف ختوين احلشد السني والطعن هبم لرفعهم شعاراتٍ‏ سلمية،‏ واعتبار ذلك رضوخً‏ ا<br />

للطواغيت،‏ وختاذالً‏ عن نرصة الدّ‏ ين!.‏<br />

واستوىل ال<strong>تنظيم</strong>ُ‏ خالل هذا اهلجوم عىل كمياتٍ‏ هائلةٍ‏ مِن أموال البنوك،‏ واألسلحة<br />

احلديثة،‏ استُخدمت فيام بعدُ‏ يف حصار ورضب الفصائل املجاهدة يف سورية،‏ وظهر<br />

ذلك يف إصدارات التّنظيم.‏<br />

رافق ذلك حريةٌ‏ كبريةٌ‏ لتحرك التّنظيم قبل االستيالء عىل املوصل وبعده بأرتالٍ‏<br />

كبرية بني بعض املناطق العراقية،‏ وبني سورية والعراق بعد انسحاب قوات حرس<br />

احلدود العراقية،‏ وعدم تعرّ‏ ضها لرضبات النّظامني العراقي والسوري.‏<br />

ثم نرش <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ عدة إصدارات إعالمية منتجة بطريقةٍ‏ احرتافية يعزف<br />

فيها عىل وتر هدم حدود سايكس - بيكو،‏ وظهور ‏)اخلليفة(‏ إلثبات وجوده،‏ ونفي<br />

اجلهالة عنه.‏<br />

وكان مِن نتائج سقوط املوصل ونقل هذه األسلحة:‏<br />

1- رضب احلراك السّ‏ نّي يف العراق وإناؤه بام مل يستطع النّظام العراقي عىل مدى<br />

عام فعله.‏<br />

2- روَّ‏ ج النظام العراقي ملا جيري أنه عمليات إرهابية من <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(،‏ فحشد<br />

لرضب مناطق أهل السنة قوات من العراق وإيران،‏ وحصل عىل دعم املجتمع الدويل<br />

وتأييده.‏<br />

108


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

3- الطعن يف خارصة املجاهدين يف سورية،‏ وإناء وجود اجلامعات اجلهادية يف<br />

العديد مِن املناطق،‏ مع قتل املئات منهم.‏<br />

4- فتح الباب لدخول القوّ‏ ات اإليرانية للمعركة عالنيةً‏ دون مواربة عرب احلدود<br />

التي أسقطها ال<strong>تنظيم</strong>!‏ وحتت صمتٍ‏ بل سامحٍ‏ عاملي بحجّ‏ ة حماربة إرهاب ال<strong>تنظيم</strong>!.‏<br />

مع ظهور تساؤالت مهمة عن هذه األحداث،‏ من قبيل:‏ رسِ‏ ّ زيارة مسؤولني<br />

إيرانيني لبعض مناطق املوصل واحلدود العراقية السورية قبل األحداث بمدة يسرية.‏<br />

الوقفة الثانية:‏ االستيالء عىل تدمر:‏<br />

بعد شهورٍ‏ طويلةٍ‏ مِن هدوء جبهات القتال استوىل ال<strong>تنظيم</strong>ُ‏ رسيعً‏ ا عىل مدينة تدمر<br />

احلصينة املنيعة واحتلّها يف بضعة أيام،‏ مع قلّة خسائر النّظام السوري،‏ وانسحاباته<br />

مِن عدة مناطق ال تقتضيها الطبيعة احلربية،‏ وانسحابه مِن معرب التّنف عىل احلدود مع<br />

العراق دون قتال.‏<br />

ومدينة تدمر تعترب امتدادً‏ ا لصحراء األنبار التي سقطت قبل ذلك بأيام قالئل<br />

بيد التّنظيم بطريقةٍ‏ مدهشة كذلك،‏ كام تُعدّ‏ تدمر مِن املستودعات الضخمة للسالح<br />

والذخرية للنظام السوري،‏ والتي تركها دون تدمري كام يفعل عادة،‏ باإلضافة إىل أنا<br />

بحسب موقعها اإلسرتاتيجي عقدةُ‏ مواصالتٍ‏ تتيح ملن يتحكم هبا أن يتوجه إىل<br />

خمتلف املناطق السورية،‏ وقطع رشايينها،‏ وحمارصة أيّ‏ منطقة فيها.‏<br />

وبالنظر إىل النّجاح الكبري الذي حصده النّظامان السوري والعراقي بعد سقوط<br />

املوصل،‏ وظهور تناغم كبري بني حتركاهتام وحتركات التّنظيم،‏ وقيام التّنظيم بام عجز<br />

عنه النّظامان يف كلٍّ‏ مِن العراق وسورية بسبب عقيدته التّكفريية الغالية،‏ وما تتضمنه<br />

مِن تقديم قتال ‏)املرتدين(،‏ وإىل أمهية مدينة تدمر عسكريًا،‏ وإسرتاتيجيًا،‏ فقد كان مِن<br />

109


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

املتوقع:‏ أنه أريد ملنطقة تدمر أن تكون نقطة ارتكاز لل<strong>تنظيم</strong> لالنطالق شامالً‏ وجنوبًا<br />

وغربًا لرضب التّنظيامت اجلهادية،‏ وقطع الطرق <strong>عليها</strong>،‏ مستخدمً‏ ا ما حتصّ‏ ل لديه مِن<br />

أسلحة وأفرادٍ،‏ ويمكّ‏ نه مِن وصل مناطق نفوذه وطرقه بعضِ‏ ها ببعض،‏ فيضغط عىل<br />

هذه الفصائل بقوة.‏<br />

بل إنّ‏ ذلك سيؤدي إىل وقف زحف الفصائل املجاهدة إىل منطقة السّ‏ احل؛ حيث<br />

إنّ‏ ظهرها سيكون مكشوفًا له بالكامل،‏ كام سيؤدّ‏ ي إىل تقطيع أوصال املناطق املحررة<br />

بالكامل وفك االرتباط بينها.‏<br />

وهو ما حتقّ‏ ق فعالً‏ خالل الشهور املاضية.‏<br />

وهبذا يتبنيَّ‏ بام ال يدع جماالً‏ للشكّ‏ أنَّ‏ هناك إرادةً‏ مبيّتةً‏ الستدراج ال<strong>تنظيم</strong> وتيسري<br />

السّ‏ بل أمامه لالستيالء عىل هذه املناطق،‏ والكمّ‏ يات مِن األسلحة،‏ ومِن ثمّ‏ توظيفه<br />

حلصار أهل السّ‏ نّة،‏ والقضاء عىل التّنظيامت اجلهادية األخرى بذريعة حماربة املرتدّ‏ ين!‏<br />

ثمّ‏ اختاذ وجوده ذريعة للهجوم عىل تلك املناطق وإعادة إخضاعها للنظام أو عمالء<br />

آخرين،‏ بحجّ‏ ة القضاء عىل اإلرهاب.‏<br />

فضالً‏ عن الدالئل املتزايدة عن اخرتاق ال<strong>تنظيم</strong> من عدة أجهزة استخبارات عىل<br />

مستويات قيادية من جهة،‏ ووجود تواصل مبارش وتنسيق بني بعض قيادات ال<strong>تنظيم</strong><br />

وبعض رجاالت هذه األنظمة.‏<br />

وأنَّ‏ النظامني العراقي والسوري مل يقاتال التّنظيم قتاالً‏ حقيقيًا كام يقاتلون غريَه<br />

مِن التنظيامت،‏ بل عىل العكس:‏ كان وجود التّنظيم يف مكانٍ‏ ما حائالً‏ بني املجاهدين<br />

وبني السّ‏ يطرة عىل بعض املناطق التي حيتلّها النّظام،‏ وما إنْ‏ خرج التّنظيم منها ودخلها<br />

املجاهدون حتى فتحها اهللُ‏ عليهم.‏<br />

110


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وكذا احلال بالنسبة لتحرير بعض السّ‏ جون يف العراق،‏ واالستيالء عىل مطارات<br />

الرقّة الثالثة يف سورية،‏ والتي ما زال الشّ‏ كّ‏ يدور حول كيفية حصول ذلك ))) .<br />

سادسً‏ ا:‏ حقيقة حرب التحالف مع ال<strong>تنظيم</strong>:‏<br />

للمرة األوىل يف التاريخ يُعلن عن إنشاء حلف يتكون مِن 40 دولة،‏ وبميزانية تُقدر<br />

بمليارات الدّ‏ والرات للقضاء عىل ‏)<strong>تنظيم</strong>(‏ ال يتمتع بمقوّ‏ مات البقاء،‏ فضالً‏ عن بناء<br />

دولة،‏ وبعد مرور شهور طويلة عىل بدء احلملة فإن نتائجها هزيلة للغاية ))) ، ويُلحظ<br />

فيها ما ييل:‏<br />

- ترصيح العديد مِن قادة دول التّحالف أنَّ‏ رضباهتم ال تسعى إىل إسقاط التّنظيم،‏<br />

بل إىل حتجيمه،‏ وأنَّ‏ احلرب عىل ال<strong>تنظيم</strong> ستمتد ألكثر مِن عرش سنني،‏ وربام لثالثني سنة!‏<br />

))) متتاز السجون العراقية بأنَّ‏ ا شديدة التحصني واملراقبة،‏ ومع ذلك تكرر حدوث عمليات فرار مجاعية<br />

للمئات من عنارص ال<strong>تنظيم</strong>،‏ وغالبًا ما تقع عمليات الفرار هذه قبل عمليات كبرية لل<strong>تنظيم</strong>،‏ كام حدث<br />

قبيل متدده يف سوريا،.‏<br />

ويلحظ يف عملية الفرار األخرية أنا ترافقت مع االستيالء عىل البنوك واملؤسسات املالية يف املوصل،‏<br />

وكذلك األسلحة احلديثة،‏ فاجتمع لل<strong>تنظيم</strong> القوة البرشية،‏ واملالية،‏ والعسكرية!.‏<br />

أما املطارات الثالثة يف الرَّ‏ قة،‏ فقد كانت حمارصةً‏ من بقية الفصائل وبعضها كان عىل وشك السقوط،‏ لوال<br />

مهامجة ال<strong>تنظيم</strong> هلم:‏<br />

1- فسقطت يف يد ال<strong>تنظيم</strong> بعد أن انسحب غالب جنود النظام وخاصة كبار الضباط من خالل ممرات<br />

آمنة،‏ ومل يُمَ‏ سُّ‏ وا بسوء.‏<br />

2- مل تستمر املعارك إال بضعة أيام،‏ بينام يف مناطق أخرى خيوض فيها املجاهدون قتاالً‏ ضد النظام يستمر<br />

فيها شهورً‏ ا طويلة.‏<br />

3- مل يستخدم النظام يف قتاله لل<strong>تنظيم</strong> إال قوة نارية يسرية،‏ يف مقابل ما يستخدمه يف معاركه ضد الفصائل<br />

األخرى،‏ من عرشات اآلالف من القذائف،‏ والصواريخ،‏ ومئات الطلعات اجلوية،‏ بل والسالح<br />

الكيميائي.‏<br />

))) يف مقابل احلرب عىل النظام العراقي األسبق والذي كان يُعد اجليش الرابع يف العامل!‏ فقد حتالفت )49(<br />

دولة يف معركة استمرت من ‎2003/3/20‎م إىل إعالن انتهاء العمليات احلربية يف ‎2003/6/1‎م،‏<br />

أي قرابة الشهرين ونصف.‏<br />

111


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

- غض النظر عن املسافات الطّ‏ ويلة التي تقطعها أرتال <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وهي تتنقل<br />

بني العراق وسورية،‏ وتنقل آالف املسلحني،‏ واآلليات الضّ‏ خمة،‏ دون التّعرّ‏ ض هلا ))) .<br />

- بقيت الغارات عىل مناطق سيطرة التّنظيم حمصورة يف مساحات جغرافية<br />

قليلة،‏ بينام بقيت غالب مناطقه تتمتع بأمان نسبي يف مقابل مناطق سيطرة الفصائل<br />

األخرى ((( .<br />

- كان التحالف جادًّ‏ ا يف حالةٍ‏ واحدةٍ‏ حني اجته التّنظيم ‏-أو استدرج-‏ إىل مناطق<br />

األكراد يف العراق وسورية،‏ فرضب بقوة،‏ وتم تقليم أظافره بعنفٍ‏ يف معارك خس<br />

فيها العديد مِن قادته وقواته وأسلحته،‏ فارتدّ‏ إىل مناطق السنّة يعمل فيها قتالً‏ وترشيدً‏ ا<br />

دون أنْ‏ ينبس ببنت شفةٍ‏ عن تلك األحداث ))) .<br />

وهو ما يوضح أنّ‏ التحالفَ‏ حريص عىل حرص التّنظيم يف مناطق السّ‏ نّة،‏ وهو<br />

سيقوم بدوره رشَّ‏ قيام،‏ مدفوعً‏ ا بعقيدته املنحرفة،‏ وختيالته املريضة يف االنتقام من<br />

املجاهدين باعتبارهم عمالء التحالف!.‏<br />

))) بل نقلت وسائل اإلعالم ترصحيًا ألحد جنود البيشمركة تأكيده عىل منع القيادة هلم من التعرض<br />

خلطوط إمدادات ال<strong>تنظيم</strong> من العراق إىل سوريا.‏<br />

))) وقد رصح جون ماكني ‏-رئيس جلنة الشؤون العسكرية التابعة للكونغرس يف مقابلة مع CNN أن<br />

»75 يف املئة من الغارات اجلوية تعود لقواعدها دون إلقاء القنابل،‏ ذلك بسبب عدم وجود أي أحد<br />

عىل األرض يمكن أن يعطيهم قدرة عىل حتديد األهداف«!.‏<br />

))) حسب تقريرٍ‏ أعدَّ‏ ه موقع أورينت عام ‎1436‎ه ‏-‏‎٢٠١٦‎م،‏ فإنَّ‏ )75 %( من الغارات كانت من<br />

نصيب بلدة عني العرب الصغرية،‏ ‏»حيث تقول اإلحصائيات حسب الصحيفة بأن )428( غارة<br />

جوية استهدفت مواقع داعش يف مدينة ‏»عني العرب«،‏ بينام قام التحالف بتنفيذ )21( غارة عىل<br />

مواقع داعش يف حمافظة حلب،‏ من أصل )559( غارة شنها التحالف منذ األول من أيلول حتى<br />

30 كانون األول املايض«.‏<br />

112


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وحتى بعد حصول االعتداء الرويس حتت مزاعم رضب ال<strong>تنظيم</strong> فإنَّ‏ مجيع<br />

اإلحصاءات تشري إىل أنَّ‏ الرضبات الروسية قد تركزت عىل الفصائل األخرى املعادية<br />

لل<strong>تنظيم</strong>،‏ واملناطق املدنية،‏ وكانت اخلسائر فيها باملئات،‏ والدمار هائالً)))‏ .<br />

- مل يدعم التّحالفُ‏ أيًا مِن مناوئي التّنظيم سوى بعض التنظيامت الكردية<br />

االنفصالية،‏ ذات خلفية فكرية خمالفة هلوية البالد،‏ مما ينبئ بمالمح الدّ‏ ور الذي يراد<br />

هلذه التنظيامت القيام هبا،‏ وربام مالمح التخطيط القادم.‏<br />

- مل يقم التّحالف بعملٍ‏ جادٍّ‏ ملنع آالف املهاجرين مِن دوله،‏ بام فيهم خربات علمية<br />

دقيقة،‏ تسهم يف دعم ال<strong>تنظيم</strong> وتقويته.‏<br />

مما يعني أنّ‏ احللف الدّ‏ ويل ليس جادً‏ ا يف إناء التّنظيم حاليًا،‏ وبذلك يبقى عامل<br />

جذب للشّ‏ باب املتحمّ‏ س،‏ فيتمّ‏ حرقُهم يف أتون هذا التّنظيم ومعاركه العبثية<br />

اإلجرامية،‏ إىل أنْ‏ حيني القضاء عليه بعد استنفاد أسباب وجوده.‏<br />

ومجيعُ‏ ما سبق يؤكّ‏ د أنَّ‏ ‏)االنتصارات(‏ التي يسجّ‏ لها التّنظيم ليست بسببِ‏ جهوده<br />

القتالية،‏ أو صحّ‏ ة منهجه،‏ بل لوجود إرادةٍ‏ ما بتضخيمِ‏ هذا التّنظيم ليؤدّ‏ ي دورً‏ ا يراد<br />

منه يف املناطق التي تشهد مقاومةً‏ سنّيّة،‏ سواء كان ذلك بالتّوظيف،‏ أو التّسهيل،‏<br />

أو االستدراج،‏ أو االخرتاق.‏<br />

))) ففي ترصيح صحفي لالئتالف السوري أوضح أنَّه ‏»منذ اليوم األول للعدوان الرويس عىل سورية<br />

كانت اإلسرتاتيجية واضحة ال لبس فيها،‏ فاملدنيون يقعون عىل رأس األهداف الروسية،‏ وذلك بقصد<br />

قتلهم أو هتجريهم،‏ فقد أسفرت الغارات التي شنتها طائرات االحتالل الرويس حتى يوم )٢٦ ترشين<br />

األول(‏ عن استشهاد ١٥١١ مدنيًا،‏ بينهم نساء وأطفال،‏ وتدمري ١٢ مشفً‏ ى ومركزاً‏ طبياً،‏ إضافة إىل<br />

مدارس ودور عبادة ومؤسسات خدمية ومناطق أثرية«.‏<br />

113


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وال يمنع هذا من وقوع العديد من الضحايا واخلسائر يف صفوف النظامني<br />

الطائفيني،‏ لكنها خسائر يسرية مقابل الفوائد الكبرية التي سيحصلون <strong>عليها</strong>.‏<br />

سابعً‏ ا:‏ لو كان حتقيق االنتصاراتِ‏ داللةً‏ عىل صحّ‏ ة املنهج لكان ذلك دليالً‏ لبقية<br />

الفصائل العسكرية السورية والعراقية وغريها،‏ وال خصوصية الحتكار <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدولة(‏ ذلك.‏<br />

وهل لو حقق ‏)حزب اهلل(‏ انتصارً‏ ا عىل إرسائيل أن يعدَّ‏ ذلك داللةً‏ عىل صحة<br />

منهجه؟<br />

إنَّ‏ جمرد حتقيق انتصار عسكري أمرٌ‏ يشرتك فيه املسلم والكافر،‏ صحيح العقيدة<br />

واملنحرف عن املنهج الصحيح،‏ وليس حكرً‏ ا عىل املسلم أو صحيح العقيدة بحيث<br />

يُعدُّ‏ داللة عىل صحة املنهج أو سالمة املعتقد.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ ما يُشاع عن انتصارات <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ إنام هو يف حقيقته استيالءٌ‏<br />

عىل مناطقَ‏ حرّ‏ رها املجاهدون مِن قبل،‏ أو مناطقَ‏ تركتها له األنظمةُ‏ الطّ‏ ائفية لتستخدمه<br />

يف حتقيق أهدافها،‏ بينام معظمُ‏ أعامله العسكرية موجهةٌ‏ ضدّ‏ بقية الفصائل املجاهدة،‏<br />

وأمّ‏ ا جهوده احلقيقية يف قتال النّظام ال تكاد تُذكر.‏<br />

ولو حصل قتالٌ‏ وحقّ‏ ق التّنظيمُ‏ انتصاراتٍ‏ ، فإنَّ‏ ذلك ال ينفي عنه العقائدَ‏ اخلارجيّة<br />

الغالية،‏ وال يعفيه مِن دماء املسلمني يف رقبته.‏<br />

114


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة العاشرة<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو الوحيد<br />

الذي يطبّق الشّ‏ ريعة،‏ ويقيم الحدود<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

<strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ متمسكٌ‏ بالتحاكم للرشيعة؛ لذا فإنَّه عمِ‏ لَ‏ عىل تطبيق احلدود<br />

الرشّ‏ عية يف مناطق نفوذه،‏ وطهّ‏ رها مِن اللّصوص واملجرمني،‏ وهو يرفض التّحاكمَ‏<br />

ملحاكمَ‏ غريِ‏ واضحةِ‏ املنهج،‏ أو ال تكفِّ‏ ر الكافر،‏ وهذا دليلٌ‏ عىل صحّ‏ ة منهجه،‏ وصدقِه<br />

يف تطبيق الرشيعة.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشّ‏ بهة:‏<br />

أوالً‏ : عندما سيطرت الفصائلُ‏ والكتائبُ‏ عىل عددٍ‏ مِن املناطق وحرّ‏ رهتا:‏ كان مِن<br />

أول األعامل التي قامت هبا تأسيسُ‏ حماكمَ‏ رشعيّةٍ‏ عديدة،‏ قامت بتسيري أمور الناس<br />

والفصل بينهم،‏ فحازت عىل رضا النّاس وثقتهم،‏ وكانت مثاالً‏ حيتذى به.‏<br />

ومل خيَ‏ لُ‏ عملُ‏ هذه املحاكم مِن ضعفٍ‏ أو وجودِ‏ بعض األخطاء،‏ كام هو حال سائر<br />

املؤسسات الثورية؛ نتيجةً‏ لظروف احلرب،‏ ونقص الكوادر واإلمكانات،‏ لكنّها قائمةٌ‏<br />

عىل أساس تطبيق الرشيعة اإلسالمية.‏<br />

وهذه املحاكمُ‏ أسبق يف التأسيس،‏ وأكثر انتشارً‏ ا مِن حماكم <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(.‏<br />

115


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

فاالدّ‏ عاءُ‏ أنّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو وحده مَ‏ ن قام بتحكيم الرشّ‏<br />

صحيح.‏<br />

يعة ادعاءٌ‏ باطل غري<br />

ثانيًا:‏ أنَّ‏ إقامةَ‏ الرشيعة يف املناطق املحررة جرى بطريقةٍ‏ صحيحة وفق فتاوى<br />

اجلهات الرشّ‏ عية املعروفة بمنهجها وعلامئها،‏ حيث:‏<br />

1- فُتحت أبوابُ‏ الدّ‏ عوة إىل اهلل يف املساجد وغريها،‏ وافتُتحت الدّ‏ ورات الرشّ‏ عية،‏<br />

وحلقات تعليم القرآن؛ لرفع اجلهل عن النّاس املفروض عليهم منذ عقود.‏<br />

2- أُقيم األمر باملعروف والنهي عن املنكر بعد أن كان مِن اجلرائم عند النّظام؛<br />

فعومل النّاس بالتّدرج،‏ وأُخذوا بالرفق،‏ والتعليم،‏ وأُشيعت بينهم الفتاوى التي<br />

تتعلق بالنّوازل.‏<br />

3- أُقيمت دورات ومعاهد لتأهيل وختريجِ‏ الدّ‏ عاة،‏ والقضاة،‏ وفق مناهج معروفة،‏<br />

ومِن علامء وطلبة علم ثقات معروفني؛ مللء الفراغ احلاصل يف املناطق املحرّ‏ رة.‏<br />

4- حُ‏ ورب الفسادُ‏ بجميع صوره،‏ ومُ‏ نعت الرّ‏ شوة،‏ واستغالل النّاس،‏ وقُيض عىل<br />

ما أمكن القضاء عليه مِن عصابات السَّ‏ لب والنّهب.‏<br />

5- حُ‏ كِّ‏ م رشعُ‏ اهلل ‏-سبحانه-‏ يف املحاكم بدالً‏ مِن القوانني الوضعية الظاملة<br />

املفروضة مِن النّظام.‏<br />

6- طُ‏ بّقت العقوبات واحلدود المُ‏ تعلِّقة بحقوق اآلدميني،‏ كالقصاص،‏ وحدِّ‏<br />

احلرابة،‏ وجرى تأجيلُ‏ تطبيق العقوبات املتعلقة بحقّ‏ اهلل تعاىل،‏ كام سيأيت بيانه،‏ مع<br />

إيقاع عقوباتٍ‏ بديلةٍ،‏ واالستمرار بالتّعليم.‏<br />

116


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

7- سعت اهليئاتُ‏ الرشّ‏ عية للتّنسيق فيام بينها يف اجلهود الدعوية،‏ والرشعية،‏<br />

وسعت املحاكم للتنسيق فيام بينها يف األمور القضائية،‏ وكُ‏ لِّفت الفصائل العسكرية<br />

بتأمني احلاميةِ‏ هلا،‏ وأُخذ <strong>عليها</strong> التّعهد بتنفيذ أحكامها.‏<br />

وهذا كلُّ‏ ه مِن إقامة رشع اهلل ‏-تعاىل-‏ يف األرض ))) .<br />

قال القايض أبو بكر بنُ‏ العريب ‏-رمحه اهلل-‏ يف قوله تعاىل:‏ ‏}شَ‏ ‏َعَ‏ لَكُ‏ مْ‏ مِنَ‏ الدِّ‏ ينِ‏<br />

مَا وَصَّ‏ بِهِ‏ نُوحًا وَالَّذِ‏ ي ‏َأوْحَيْنَا ‏ِإلَيْكَ‏ وَمَا وَصَّ‏ يْنَا بِهِ‏ ‏ِإبْرَاهِميَ‏ وَمُوسَ‏ وَعِيسَ‏ ‏َأنْ‏ ‏َأقِيمُوا الدِّينَ‏<br />

وَلَ‏ تَتَفَرَّ‏ قُوا فِيهِ{‏ ‏]الشورى:‏ 14[:<br />

‏»وكأنَّ‏ املعنى:‏ ووصّ‏ يناك يا حممّ‏ دُ‏ ونوحً‏ ا دينًا واحدً‏ ا،‏ يعني يف األصولِ‏ التي ال ختتلف<br />

فيها الرشّ‏<br />

يعةُ‏ ، وهي:‏ التّوحيد،‏ والصّ‏ الة،‏ والزكاة،‏ والصيام،‏ واحلجّ‏ ، والتّقرّ‏ بُ‏ إىل اهلل<br />

تعاىل بصالح األعامل،‏ والتزلّفُ‏ إليه بام يردُّ‏ القلبَ‏ واجلارحةَ‏ إليه،‏ والصّ‏ دقُ‏ ، والوفاءُ‏<br />

بالعهد،‏ وأداءُ‏ األمانة،‏ وصِ‏ لةُ‏ الرّ‏ حِ‏ م،‏ وحتريمُ‏ الكفر،‏ والقتلِ‏ ، والزّ‏ نا،‏ واإلذايةِ‏ للخلق<br />

كيفام ترصّ‏ فت،‏ واالعتداءِ‏ عىل احليوان كيفام كان،‏ واقتحامِ‏ الدّ‏ ناءات،‏ وما يعود بخرْ‏ مِ‏<br />

املروءات«‏ ((( .<br />

ثالثًا:‏ تطبيقُ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ لألحكام الرشعية يعرتيه العديدُ‏ مِن األخطاء،‏ مِن<br />

أمهّها:‏<br />

1- حرصُ‏ مسألة إقامة الرشّ‏ يعة يف تطبيق بعض احلدود الرشعية،‏ وتضخيم احلديث<br />

عنها،‏ واملبالغة يف تصويرها،‏ ونرشها بني النّاس،‏ وجعلها دليالً‏ عىل إقامته للرشّ‏<br />

ع،‏ بينام<br />

))) ‏)أ.‏ جهاد خيتي(.‏<br />

))) أحكام القرآن )89/4(.<br />

117


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

إقامة الرشّ‏ يعة أعمُّ‏ مِن إقامة بعض احلدود والعقوبات،‏ بل قد يكون مِن الرشّ‏ ع عدمُ‏<br />

تطبيق بعض احلدود يف بعض األحوال كام سيأيت.‏<br />

2- عمل التّنظيمُ‏ عىل إقامة احلدود التي هي مِن حقّ‏ اهلل تعاىل،‏ كحدِّ‏ السقة،‏ يف أيّ‏<br />

بقعةٍ‏ يصل جنودُ‏ ه إليها،‏ ولو مل يستقرّ‏ هلم األمرُ‏ فيها،‏ وفتاوى مجعٍ‏ مِن أهل العلم عىل<br />

عدم إقامة هذه احلدود يف احلرب،‏ لقوله #: ‏)ال تُقْ‏ طَ‏ عُ‏ األيْدِ‏ ي يف الغَ‏ زْ‏ وِ(‏ ))) .<br />

قال الرتمذي:‏ ‏»والعملُ‏ عىل هذا عند بعض أهل العلم منهم األوزاعي،‏ أن ال يقامَ‏<br />

احلدُّ‏ يف الغزو بحرضة العدوِّ‏ ، خمافةَ‏ أنْ‏ يلحق مَ‏ ن يُقام عليه احلدُّ‏ بالعدو«‏ ))) .<br />

ويف سنن سعيد بن منصور:‏ أنّ‏ عُ‏ مرَ‏ بن اخلطاب - ريض اهلل عنه - كتب إىل النّاس:‏<br />

‏»أنْ‏ ال جيلدنّ‏ أمريُ‏ جيشٍ‏ وال رسيةٍ‏ رجالً‏ مِن املسلمني حدًّ‏ ا وهو غازٍ‏ حتى يقطع الدّ‏ ربَ‏<br />

قافالً‏ ؛ لئالّ‏ حتمله محيّةُ‏ الشّ‏ يطانِ‏ ، فيلحقَ‏ بالكفّ‏ ار«‏ ))) .<br />

كام اكتفى سعدُ‏ بنُ‏ أيب وقّاص بحبس أيب حمجن ‏-ريض اهلل عنهام-‏ ملا رشب اخلمر<br />

يف القادسية،‏ ومل جيلده.‏<br />

قال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»فهذا حدٌّ‏ مِن حدود اهلل تعاىل،‏ وقد نى عن إقامته يف الغزو<br />

خشيةَ‏ أنْ‏ يرتتَّب عليه ما هو أبغضُ‏ إىل اهلل مِن تعطيله أو تأخريه،‏ مِن حلوق صاحبه<br />

باملرشكني محَ‏ ‏ِيَّةً‏ وغضبًا«‏ ))) .<br />

))) أخرجه الرتمذي )53/4، برقم 1450(.<br />

))) املصدر السابق.‏<br />

))) أخرجه سعيد بن منصور يف سننه )235/2، برقم 2500(.<br />

))) إعالم املوقعني )13/3(.<br />

118


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وهبذا صدرت فتاوى اهليئات الرشعية املختلفة يف سورية ))) .<br />

وحتى لو اعتقد ال<strong>تنظيم</strong> خطأَ‏ هذه الفتاوى،‏ فإنَّ‏ اعتقاده أنَّه هو الوحيد الذي حيكم<br />

بالرشع بسبب هذه املسألة هو من الغلو.‏<br />

ولو كانَ‏ عدمُ‏ تطبيقِ‏ بعضِ‏ احلدود يف أوقات أو مناطق النزاعات واحلروب أمرً‏ ا<br />

حمرَّ‏ مً‏ ا فإنَّ‏ التكفريَ‏ به هو من التكفري بالذنوب،‏ وهو فعل اخلوارج األولنيَ‏ حذوَ‏ القذّ‏ ة<br />

بالقذّ‏ ة.‏<br />

3- ثبت بالربهان والدّ‏ ليل القاطع عدمُ‏ أهلية قضاة حماكم التّنظيم للقضاء؛ وذلك<br />

ألنم جماهيل احلال،‏ غريُ‏ مشهودٍ‏ هلم بالعلم،‏ والقدرة عىل القضاء،‏ بل ثبت أنَّ‏ كثريًا<br />

منهم قليلُ‏ العلم،‏ بداللة تطبيق األحكام بطريقةٍ‏ غري صحيحة،‏ ومِن ذلك:‏<br />

أ-‏ تطبيق حدِّ‏ السّ‏ قة يف حال املجاعة،‏ ومِن املعلوم أنه ال يقام حدُّ‏ السّ‏ قة يف<br />

املجاعة،‏ وال ختفى شدّ‏ ةُ‏ احلاجة والفقر التي يعيشها النّاس يف سورية بسبب ظروف<br />

احلرب واحلصار.‏<br />

ب-‏ تنفيذ قطع يد السارق بالساطور،‏ وما فيه مِن تعدٍّ‏ عىل احلدّ‏ املرشوع بتهشيم<br />

عظم السّ‏ اعد،‏ بينام الطريقة الرشعية هي قطع اليد بالسّ‏ كّ‏ ني مِن املفصل.‏<br />

ج-‏ التّعذيب الشديد للكثري مِن املعتقلني بام يشابه أفعال النظام املجرم،‏ مما أدّ‏ ى<br />

ملوت العديد منهم ))) .<br />

))) ينظر فتوى:‏ هل تقام احلدود والعقوبات يف املناطق املحررة من سوريا يف الوقت احلايل؟<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/1423<br />

))) ينظر مقال:‏ تعليق عىل إقامة <strong>تنظيم</strong> الدولة حد السقة يف ريف حلب<br />

.http://syrianoor.net/revto/8358<br />

119


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

د-‏ اجلور الشّ‏ ديد والظّ‏ لم يف األحكام الرشعية،‏ كاحلكم عىل العديد من املسلمني<br />

بل وقادة املجاهدين بالرِّ‏ دَّ‏ ة والكفر،‏ وتعذيبهم وقتلهم بذلك،‏ بشُ‏ بهاتٍ‏ واهيةٍ‏ ال تُعدُّ‏<br />

مِن أسباب الكفر،‏ كالتّعامل مع الكتائب األخرى املخالفة للتّنظيم،‏ أو مواالة الكفّ‏ ار،‏<br />

ونحو ذلك،‏ واحلكم بمصادرة أموال وممتلكات النّصارى.‏<br />

ه - تطبيق العقوبات بصورٍ‏ تأنف منها النّفوسُ‏ السّ‏ وية،‏ كاختاذ الذّ‏ بح عادةً‏ يف<br />

إعدام الكثري ممّن حُ‏ كم عليهم باإلعدام،‏ وادعاء أنّ‏ ذلك سنّة نبوية،‏ مع مجعِ‏ الناس<br />

هلا،‏ وتصوير ذلك،‏ والتباهي به،‏ والعبث بالرؤوس واجلثث.‏<br />

مع أنّ‏ األدلة الرشعية تنهى عن هذا الفعل القبيح،‏ ومل يثبت يف ذلك نصٌّ‏ رشعي،‏<br />

ف ‏»القتلُ‏ ذبحً‏ ا طريقةٌ‏ مل تُعهد عن املسلمني منذ عهد النبي # وصحابته ومَ‏ ن بعدهم<br />

مِن أهل العلم والقضاء؛ فنِسبةُ‏ هذا األمر إىل السّ‏ نّة منكرٌ‏ مِن القول،‏ وادعاءٌ‏ بال علم.‏<br />

وإنام عُ‏ رفت هذه الطريقة يف القتل عن اخلوارج األولني،‏ كام جاء يف كتب التاريخ<br />

والسِّ‏ ري أنم : ‏»ذبحوا عبد اهلل بن خبّاب ‏-ريض اهلل عنهام-‏ كام تُذبح الشاة،‏ ثمّ‏ قرّ‏ بوا<br />

أمّ‏ ولده،‏ فبقروا عامّ‏ يف بطنِها،‏ فهي سنةٌ‏ خارجية،‏ ال سنةٌ‏ نبوية«‏ ))) .<br />

ثم ظهر التّفنُّن يف القتل باحلرق،‏ أو اإلغراق،‏ أو التّفجري وغريها،‏ مما مل يظهر<br />

إال عند كبار الطّ‏ غاة واملجرمني.‏<br />

ومل يتوقف األمرُ‏ عند جمرد الذبح أو القتل هبذه الطرق الشّ‏ نيعة،‏ بل رافقه تعذيب<br />

املقتولني بالقول والفعل،‏ وهتديدهم بالذّ‏ بح،‏ والسخرية منهم قبل ذلك،‏ ومنع املعتقلني،‏<br />

واملقتولني مِن الصّ‏ الة؛ بزعم أنم مرتدون ال يستفيدون مِن صالهتم!‏ أو حلق حلاهم.‏<br />

))) ينظر فتوى:‏ ما حكم ذبح أرسى األعداء بالسكني؟ وهل هو فعالً‏ سنة نبوية يمكن اتباعها؟<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/1990<br />

120


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ومحل الرؤوس والعبث هبا،‏ ونصبها،‏ والتّباهي هبا،‏ وتصويرها،‏ وركلها باألقدام،‏<br />

والسّ‏ خرية هبا،‏ فأيُّ‏ رشع هذا الذي يقام؟؟<br />

وأسوأ ما يف األمر:‏ أنّ‏ مِن ضمن املذبوحني ‏-ردّ‏ ةً‏ كام زعموا!-‏ خرية املجاهدين<br />

والدّ‏ عاة ))) .<br />

4- عطَّ‏ ل ال<strong>تنظيم</strong>ُ‏ تطبيقَ‏ أحكام العقوبات عىل كثريٍ‏ مِن املجرمني وقطّ‏ اع الطرق<br />

بمجرّ‏ د مبايعتهم للتّنظيم،‏ فقد ثبت انضاممُ‏ عددٍ‏ غري قليلٍ‏ مِن املجرمني إىل <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدّ‏ ولة(‏ هبدف محاية أنفسهم مِن حماسبة املحاكم الرشعية والفصائل األخرى،‏ وقد<br />

قدّ‏ م هلم التّنظيمُ‏ احلاميةَ‏ مقابلَ‏ البيعة،‏ فتعطَّ‏ لت بذلك األحكام،‏ وضاعت حقوقُ‏<br />

العباد،‏ ثم تسلّط هؤالء عىل الشّ‏ عب مرّ‏ ةً‏ أخرى باألساليب واألفعال نفسها باسم<br />

الدّ‏ ين والرشّ‏ ع!.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ قد حيتجّ‏ قائلٌ‏ : بأنّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ قىض عىل اللّصوص وقطاّع الطّ‏ رق يف<br />

تلك املناطق بام مل تستطع بقية الكتائب فعله!.‏<br />

واجلوابُ‏ أنّ‏ :<br />

1- القضاء عىل اللّصوص وقطاّع الطّ‏ رق قامت به مجيعُ‏ الفصائل حسب القدرة<br />

واملتاح.‏ وانتشار أعامل الفوىض مِن طبيعة الثورات،‏ وحيتاج عالجُ‏ ها لصربٍ‏ وتؤدة<br />

ووقت،‏ خاصة مع انشغال الفصائل يف حرب النّظام بام يستنفد أكثر طاقتها،‏ بينام كان<br />

))) وللوقوف عىل بعض هذه اجلرائم ينظر موقع:‏ جرائم دولة البغدادي http://jaraem.kfasad.<br />

،/cf وهو موقع هيتم بتوثيق أغلب جرائم ال<strong>تنظيم</strong> بالوثائق،‏ واألرشطة املرئية،‏ واملسموعة سواء كانت<br />

صادرة رسميًا عن مؤسسات ال<strong>تنظيم</strong>،‏ أو بطريقة غري رسمية عن أفراد من ال<strong>تنظيم</strong>،‏ علامً‏ أنَّه دائم<br />

احلذف والتجديد عىل الشبكة.‏<br />

121


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ال<strong>تنظيم</strong> متفرغً‏ ا ملا حيقّ‏ ق له بسط نفوذه يف املناطق املحررة،‏ ورشاء الوالءات،‏ وإخضاع<br />

املناطق.‏<br />

2- ما ظهر للنّاس مِن أنّه قضاء <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ عىل اللّصوص وقطّ‏ اع الطرق<br />

هو يف حقيقته انضامم الكثري مِن هؤالء لل<strong>تنظيم</strong> مقابل العفو عنهم،‏ وتسلمهم لزمام<br />

األمور األمنية والتّحقيق واالعتقال،‏ فزادت نسبةُ‏ االنحراف والظّ‏ لم يف التّنظيم،‏<br />

وأصبح عملُ‏ هؤالء املجرمني منظّ‏ امً‏ ، يُامرَ‏ س باسم الرشّ‏<br />

ع والدّ‏ ين،‏ وحتت محاية <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدولة(‏ وحصانتها،‏ وقد تكرر هذا يف كل من سورية،‏ وليبيا،‏ واليمن،‏ وغريها ))) .<br />

3- وعىل فرض قيام التّنظيم بالقضاء الفعيل عىل بعض مجاعات اللّصوص،‏ فإنَّه<br />

يف سبيل ذلك قد انتهك حرمات كثريٍ‏ مِن األبرياء،‏ وقىض عىل كثريٍ‏ مِن املجاهدين<br />

والدّ‏ عاة باهتاماتٍ‏ باطلة،‏ فام قيمةُ‏ القضاء عىل بضع لصوص أمام الفتك بعرشات<br />

املجاهدين والدّ‏ عاة والقادة؟!‏<br />

عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‏-ريض اهلل عنهام-‏ قال:‏ قال رسول اهلل #:<br />

‏)والذي نفيس بيده،‏ لقتلُ‏ مؤمنٍ‏ أعظمُ‏ عند اهلل مِن زوال الدّ‏ نيا(‏ ))) .<br />

وعن عبد اهلل بن عمر ‏-ريض اهلل عنهام-‏ قال:‏ ‏)رأيتُ‏ رسولَ‏ اهلل # يطوف<br />

بالكعبة،‏ ويقولُ‏ : ما أطيبَك وأطيبَ‏ رحيَكِ‏ ! ما أعظمَ‏ ك وأعظمَ‏ حرمتَكِ‏ ! والذي<br />

نفسُ‏ حممّ‏ دٍ‏ بيده،‏ حلرمةُ‏ املؤمن أعظمُ‏ عند اهلل حرمةً‏ منك،‏ مالِه ودمِه،‏ وأنْ‏ نظنَّ‏ به إال<br />

خريًا(‏ ((( .<br />

))) حاول ال<strong>تنظيم</strong> تربئة نفسه مِن ذلك بمحاسبة بعض أتباعه إلظهارِ‏ أنَّه يطبق الرشع عىل اجلميع،‏ إال<br />

أنَّ‏ هذا ال يعدو أن يكون تطبيقً‏ ا عىل صغار املجرمني،‏ وما زال كبارهم يف مناصبهم القيادية يأرسون<br />

ويعذبون ويقتلون،‏ وهم يمثلون ركنًا أساسيًا يف قيادات ال<strong>تنظيم</strong>.‏<br />

))) أخرجه النسائي )82/7، برقم 3986(.<br />

))) أخرجه ابن ماجه )85/5، برقم 3932(.<br />

122


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

بل إنّ‏ النّظام املجرم كان يبسط نوعً‏ ا مِن األمن عىل البالد قبلَ‏ الثّورة،‏ وكذلك<br />

تفعل الدّ‏ ول غريُ‏ املسلمة،‏ فهل هذا يدلّ‏ عىل صحّ‏ ة منهجه؟!‏<br />

خامسً‏ ا:‏ يرى <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ أنَّه ال حماكم رشعية إال حماكمه،‏ ويرفض نتائجَ‏ أيِّ‏<br />

حماكم أخرى للنّظر يف اخلالفات التي حدثت بينه وبني التّنظيامت األخرى،‏ فحرص<br />

التّحاكم إىل حماكمه،‏ وجتاهل حماكم اآلخرين،‏ وهو بذلك يرى أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong>ه الوحيد<br />

املخوّ‏ ل باحلديث باسم الرشع وتفسريه وتطبيقه.‏<br />

واملحاكم التي رفض <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ التحاكمَ‏ إليها كانت مِن خارج التنظيامت<br />

والفصائل التي خيتلف معها،‏ ومِن شخصيات حيادية مستقلّة،‏ بل ومِن ‏)تيار السلفية<br />

اجلهادية(‏ الذي ينتمي إليه التّنظيم!.‏<br />

وقد طُ‏ لب مِن التّنظيم اقرتاحُ‏ األشخاص الذين يرغب يف أن يكونوا يف املحكمة،‏<br />

لكنّه رفض ))) .<br />

ويف ترصفات ال<strong>تنظيم</strong> هذه تعطيلٌ‏ للحكم بالرشّ‏ يعة حتت دعاوى عديدةٍ‏ باطلةٍ،‏<br />

رغم كثرة املطالبات واالتصاالت واملناشدات التي تلقّ‏ اها يف ذلك،‏ فشاهبوا بذلك من<br />

قال اهلل تعاىل فيهم:‏ ‏}َألَمْ‏ تَرَ‏ ‏ِإلَ‏ الَّذِ‏ ينَ‏ ‏ُأوتُوا نَصِ‏ يبًا مِنَ‏ الْكِ‏ تَابِ‏ يُدْ‏ عَوْ‏ نَ‏ ‏ِإلَ‏ كِ‏ تَابِ‏ اللَّ‏ ِ لِيَحْ‏ كُ‏ مَ‏<br />

بَيْنَهُمْ‏ ثُمَّ‏ يَتَوَ‏ لَّ‏ فَرِ‏ يقٌ‏ مِنْهُمْ‏ وَهُمْ‏ مُعْرِ‏ ضُ‏ ونَ‏ } ‏]آل عمران:‏ 23[.<br />

سادسً‏ ا:‏ اشرتط <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ لالنضامم أليّ‏ حمكمةٍ‏ رشطان:‏<br />

أوهلام:‏ أنْ‏ تبنيّ‏ الفصائلُ‏ وتعلن موقفها مِن ‏»الديمقراطية«‏ و»العلامنية«‏ و»الدّ‏ ولة<br />

املدنيّة«،‏ ومِن اهليئات واملجالس التي متثلها عالنيةً‏ كهيئة األركان واالئتالف الوطني<br />

))) وقد رصَّ‏ ح العديد من زعامء ال<strong>تنظيم</strong> واملحسوبني عليه أثناء النقاشات واحلوارات أنَّه ال حلّ‏ إال بمبايعة<br />

ال<strong>تنظيم</strong> والقبول بمحاكمه؛ ألنَّه هو الدولة،‏ وما سواه جمرد تنظيامت.‏<br />

123


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

واملجلس العسكري وغريها،‏ واجلامعات والفصائل والتكتالت املنضوية حتت هذه<br />

املسمّ‏ يات أو املرتبطة هبا أو تقاتل عىل األرض حتت رايتها،‏ وما جيب عىل اجلميع يف<br />

كيفية التّعامل معهم ومع رموزهم.‏<br />

ثانيهام:‏ أن تعلن موقفَ‏ ها مِن األنظمة احلاكمة يف املنطقة كاحلكومة األردنيّة<br />

والسعوديّة والقطريّة واإلماراتيّة والرتكيّة وغريها،‏ وتعلن موقفَ‏ ها مِن اجلامعات<br />

والفصائل التي تتعامل معها،‏ أو تتلقّ‏ ى الدّ‏ عمَ‏ منها.‏<br />

وفضالً‏ عام يف هذه الرشّ‏ وط من ختوينٍ‏ عامٍّ‏ للمجاهدين،‏ واهتامهم باهتاماتٍ‏ باطلة،‏<br />

فإنَّه إلزامٌ‏ بام ال يلزم،‏ وال يقوم عليه دليلٌ‏ صحيحٌ‏ ، ملا ييل:‏<br />

1- املسلم غري مُ‏ تعبَّد باعتقاد كفرِ‏ أشخاصٍ‏ أو مجاعاتٍ‏ مِن املسلمني بأعيانم،‏ خاصّ‏ ةً‏<br />

إذا كان مناطُ‏ التّكفري حملَّ‏ نظرٍ،‏ فكيف إذا كان مرفوضً‏ ا من أهل العلم والفتوى املعتربين؟<br />

وهيدف ال<strong>تنظيم</strong> من خالل هذه الرشوط إىل امتحان الفصائل يف معتقداهتا،‏ ومن ثم<br />

احلكم <strong>عليها</strong> بالكفر <strong>والرد</strong>ة إن هي مل توافقه يف ذلك.‏<br />

2- اعتقاد كفر ما دلَّ‏ الرشع عىل كفره من االعتقادات،‏ أو األقوال،‏ أو األفعال<br />

ال يلزم منه اعتقادُ‏ كفُ‏ رِ‏ مَ‏ ن ارتكب هذا الكفر،‏ كام خيلط يف ذلك الغالةُ‏ عمومً‏ ا،‏ وأتباع<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ بخاصة؛ فاحلكم بكفر ما دلَّ‏ الرشع عىل كفره واجب،‏ وال يلزم من<br />

ذلك احلكمُ‏ عىل الفاعل أو القائل بالكفر،‏ بل قد يتخلَّف هذا احلكم عن الشخص<br />

املعنيَّ‏ ألسباب عديدة،‏ وسيأيت احلديث عنه بالتفصيل ))) .<br />

))) وسيأيت تفصيل ذلك ص )١٣٢(.<br />

ومن باب إمتام الفائدة:‏<br />

مِن الشُّ‏ به التي يثريها الغالة أنَّ‏ ‏)التحاكم إىل حماكم غري رشعية(‏ هو رضا بحكم الطاغوت،‏ والرضا<br />

بالطّ‏ اغوت كفرٌ‏ وردَّ‏ ة.‏ =<br />

124


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ولو كان ال<strong>تنظيم</strong> جادً‏ ا يف الوصول إىل احلق لطلب البحث يف املسائل املختلف<br />

‏=وقد بحث أهلُ‏ العلم مسألة التحاكم إىل املحاكم التي حتكم بغري ما أنزل اهلل،‏ وقرروا فيها ما ييل:‏<br />

1- األصل يف املسلم أن يتحاكم إىل املحاكم التي حتكم بام أنزل اهلل،‏ وحتريم التحاكم للمحاكم التي حتكم<br />

بالقوانني الوضعية،‏ ويدلّ‏ عىل ذلك نصوص رشعية عديدة،‏ منها:‏<br />

قوله تعاىل:‏ ‏}ِإنِ‏ الْحُ‏ كْ‏ مُ‏ ‏ِإلَّ‏ للِ‏ َّ ِ يَقُصُّ‏ الْحَ‏ قَّ‏ وَهُوَ‏ خَ‏ يْرُ‏ الْفَاصِ‏ لِنيَ{‏ ‏]النعام:‏‎57‎‏[‏ وقوله:‏ ‏}ِإنِ‏ الْحُ‏ كْ‏ مُ‏ ‏ِإلَّ‏ للِ‏ َّ ِ ‏َأمَرَ‏<br />

‏َألَّ‏ تَعْبُدُ‏ وا ‏ِإلَّ‏ ‏ِإيَّاهُ{‏ ‏]يوسف:‏‎40‎‏[،‏ وقوله:‏ ‏}فَل وَرَبِّكَ‏ ل يُؤمِنونَ‏ حَ‏ تّ‏ يُحَ‏ كِّ‏ موكَ‏ فامي شَ‏ جَ‏ رَ‏ بَينَهُ‏ م ثُمَّ‏ ل يَجِ‏ دوا<br />

ف ‏َأنفُسِ‏ ‏ِم حَ‏ رَ‏ جً‏ ا مِّمّ‏ ا قَضَ‏ يتَ‏ وَيُسَ‏ لِموا تَسليمً‏ ا{‏ ‏]النساء:‏ 65[.<br />

فالتحاكم للرشع من اإليامن باهلل تعاىل،‏ وهو مِن العبادات اجلليلة،‏ وقد سامّ‏ ها اهلل عبادة،‏ قال تعاىل:‏ ‏}ِإنِ‏<br />

الْحُ‏ كْ‏ مُ‏ ‏ِإلَّ‏ للِ‏ َّ ِ ‏َأمَرَ‏ ‏َألَّ‏ تَعْبُدُ‏ وا ‏ِإلَّ‏ ‏ِإيَّاه{‏ ‏]يوسف:‏‎40‎‏[.‏<br />

وقد أوجب اهلل تعاىل التحاكم إىل رشعه فقال:‏ ‏}وَمَا اخْ‏ تَلَفْتُ‏ ْ فِيهِ‏ مِنْ‏ شَ‏ ْ ءٍ‏ فَحُ‏ كْ‏ مُ‏ هُ‏ ‏ِإلَ‏ اللَّ‏ ِ{ ‏]الشورى:‏ 10[،<br />

وقال:‏ ‏}فَِإنْ‏ تَنَازَعْ‏ تُ‏ ْ فِ‏ شَ‏ ْ ءٍ‏ فَرُدُّوهُ‏ ‏ِإلَ‏ اللَّ‏ ِ وَالرَّ‏ سُ‏ ولِ‏ ‏ِإنْ‏ كُ‏ نْتُ‏ ْ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاللَّ‏ ِ وَالْيَوْ‏ مِ‏ الْ‏ خِ‏ رِ‏ } ‏]النساء:‏ 59[،<br />

وغريها من النصوص الكثرية.‏<br />

2- من اضطُ‏ ر هلذه املحاكم سواء كانت يف بالد املسلمني أو يف بالد غري املسلمني ألخذِ‏ حقٍّ‏ ، أو دفع ظلم:‏<br />

فقد أجاز أهلُ‏ العلم ذلك برشوط،‏ ومن أمهها:‏<br />

أ-‏ أال يكون هناك طريقة أخرى ألخذ حقّ‏ ه غري هذه املحاكم.‏<br />

ب-‏ أن يقترص عىل أخذِ‏ حقّ‏ ه دون زيادة إن قضت له املحكمةُ‏ بغري حقه.‏<br />

ج-‏ أن يكره بقلبه التحّ‏ اكم لغري رشع اهلل.‏<br />

فتحاكم املسلمني إىل الرشيعة بعيدً‏ ا عن املحاكم الوضعية واجبٌ‏ عليهم ما استطاعوا إىل ذلك سبيالً‏ ،<br />

والقدرة مناط التكليف،‏ كام قال تعاىل:‏ ‏}فَاتَّقُوا اهللَ‏ مَا اسْ‏ تَطَ‏ عْتُ‏ ْ{، وقوله #: ‏)وَ‏ إِذَ‏ ا أَمَ‏ رْ‏ تُكُ‏ مْ‏ بِأَمْ‏ رٍ‏ فَأْتُوا<br />

مِنْهُ‏ مَ‏ ا اسْ‏ تَطَ‏ عْ‏ تُمْ‏ ) أخرجه البخاري،‏ ومسلم.‏<br />

لذا كان من القواعد الفقهية املقررة عند أهل العلم ‏)أنه إذا ضاق األمر اتسع(،‏ وأنه ‏)ال واجب مع عجز<br />

وال حرام مع رضورة(.‏<br />

ودون إتاحة هذا التحاكم تضيع احلقوق واألموال،‏ وتتوقف املصالح.‏<br />

قال ابن القيم رمحه اهلل يف ‏»الطرق احلكمية«‏ )147/1(: ‏»وأما الرِّ‏ ضَ‏ ا بِنَبِيِّهِ‏ رَ‏ سُ‏ والً‏ : فيتضمَّ‏ ن كامل االنقياد<br />

له،‏ والتَّسليم املطلق إليه،‏ بحيث يكون أوىل به من نفسه،‏ فال يتلقَّ‏ ى اهلدى إال مِن مواقع كلامته،‏<br />

وال حيُ‏ اكم إال إليه،‏ وال حيكم عليه غريه،‏ وال يرىض بحكم غريه أَلْبَتَّةَ‏ ، ال يف يشء من أسامء الرب<br />

وصفاته وأفعاله،‏ وال يف يشء من أذواق حقائق اإليامن ومقاماته،‏ وال يف يشء من أحكام ظاهره<br />

وباطنه،‏ ال يرىض يف ذلك بحكم غريه،‏ وال يرىض إال بحكمه،‏ فإن عجز عنه كان حتكيمه غريه مِن<br />

باب غذاء املضطر إذا مل جيد ما يقِيتُه إال مِن امليتة والدّ‏ م،‏ وأحسن أحواله:‏ أن يكون من باب الرتاب<br />

الذي إنام يتُيمم به عند العجز عن استعامل املاء الطهور«‏ ‏)مدارج السالكني 171/2(.<br />

وعىل ذلك فتاوى أهل العلم يف اللّجوء إىل املحاكم غري اإلسالمية عند الرضورة.‏<br />

كام أنَّ‏ جمرد التحاكم إىل املحاكم الوضعية ال يعني القبول والرّ‏ ضا هبا،‏ فالرضا أمرٌ‏ زائد،‏ كام أُشري إليه مرارً‏ ا.‏<br />

125


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

حوهلا،‏ ال احلكم عىل أعيانٍ‏ وجهاتٍ‏ بقصد االمتحان والتمحك.‏<br />

3- املحاكم تنظر يف مجيع القضايا،‏ وتفصل بني مجيع اخلصوم،‏ مسلمهم وكافرهم،‏<br />

وبَرّ‏ هم وفاجرهم،‏ وتأخذ لصاحب احلقّ‏ حقَّ‏ ه ما دام مظلومً‏ ا،‏ وإن كان كافرً‏ ا،‏ وقد<br />

كان النّبي # يقيض بني املسلمني واليهود،‏ وعىل هذا مىض من بعده صحابته الكرام،‏<br />

وتابعوهم بإحسان،‏ فال يُشرتط أن يكون اخلصم مسلامً‏ ، أو صحيح املعتقد ليقبل<br />

ال<strong>تنظيم</strong> باجللوس للمحكمة معه!.‏<br />

ونتيجة هلذا املوقف املُتعنِّت مِن <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ذكر العديدون من طلبة العلم<br />

الذين سعوا بني الطرفني أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ قد امتنع عن حتكيم الرشّ‏ ع وعطَّ‏ له ))) .<br />

فلو أنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong> اشرتطَ‏ يف القايض رشوطً‏ ا مُ‏ عينة لكانت حملّ‏ نظر،‏ أما أن يَشرتط<br />

فيمن يُطالبه بِحقِّ‏ ه أن يُكفر مجاعةً‏ أو دولةً‏ بعينها رشطً‏ ا ألخذِ‏ حقِّ‏ ه فهذا رشطٌ‏ غريُ‏<br />

مسبوق؛ إذ احلقوقُ‏ جيب إيصاهلا ألهلها دون رشطٍ‏ ، ومهام كان معتقده.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مل يطبق الرشع بشكل صحيح،‏ بل كانت أحكامه<br />

مليئة باألخطاء والظّ‏ لم واجلور،‏ فضالً‏ عن عدم أهليّة قضاته،‏ وغلوه يف التّطبيق،‏ كام<br />

أنَّه امتنع عن التحاكم للرشع فيام حدث بينه وبني الفصائل األخرى،‏ فعطَّ‏ ل الرشع<br />

بفعله وترصفاته.‏<br />

))) ينظر يف الرد عىل بيان ال<strong>تنظيم</strong>:‏ بيان بشأن موقف مجاعة الدولة من مبادرة األمة،‏ د.‏ يوسف األمحد.‏<br />

.http://www.saaid.net/Doat/yusuf/69.htm<br />

126


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة الحاديةَ‏ عشرةَ‏<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو الوحيد الذي يهدف إلى إقامة<br />

دولةٍ‏ إسالميّةٍ‏ واضحةِ‏ الرّاية<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ يطمح إىل دولةٍ‏ إسالميّة عىل منهاج النّبوة،‏ واضحة الراية،‏ أمّ‏ ا<br />

الفصائل األخرى فهي فصائل تُقدِّ‏ م الوطنيةَ‏ عىل اإلسالم،‏ وتلتزم بحدود سايكس-‏<br />

بيكو،‏ رايتُها جاهلية،‏ غريُ‏ معروفة األهداف وال النّتائج،‏ وهي تريد تطبيق العلامنية<br />

والدّ‏ يمقراطية،‏ باإلضافة إىل أنَّ‏ العلَم الذي يرفعونه هو علَمٌ‏ جاهيل مِن أيام االستعامر<br />

الفرنيس!.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشبهة:‏<br />

حتوي هذه الشبهة عدّ‏ ةَ‏ مسائل مهمة حتتاج لبيان،‏ كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : ال بدّ‏ مِن حترير مصطلح الرَّ‏ اية،‏ والذي خيطئ فيه كثريون،‏ فالراية الواردة يف<br />

الرشع وكالم أهل العلم هي:‏ الغاية واهلدف مِن القتال،‏ وليست قطعةَ‏ القامش التي<br />

تسمّ‏ ى اآلن بالعلَم،‏ قال #: ‏)مَ‏ ن قاتل حتت راية عُ‏ مِّ‏ يَّةٍ:‏ يغضب لعصبةٍ،‏ أو يدعو إىل<br />

عُ‏ صبةٍ،‏ أو ينرص عصبةً‏ ؛ فَقُ‏ تِلَ‏ فَقِتْلَةٌ‏ جَ‏ اهِ‏ ليّة(‏ ))) .<br />

))) أخرجه مسلم )1476/3، برقم 1848(.<br />

127


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

فاهلدفُ‏ مِن القتال هو الذي حيدّ‏ د رشعيةَ‏ هذه الراية وصحّ‏ تَها،‏ فمَ‏ ن كان قتالُه حلامية<br />

الرضورات التي جاءت الرشّ‏<br />

يعةُ‏ اإلسالمية باحلفاظ <strong>عليها</strong>،‏ وهي:‏ النّفس،‏ والدّ‏ ين،‏<br />

والعقل،‏ والعرض،‏ واملال؛ فرايتُه وغايتهُ‏ رشعية،‏ قال تعاىل:‏ ‏}وَمَا لَكُ‏ مْ‏ لَ‏ تُقَاتِلُونَ‏ فِ‏<br />

سَ‏ بِيلِ‏ اهللِ‏ وَالْمُ‏ سْ‏ تَضْ‏ عَفِنيَ‏ مِنَ‏ ّ الرِ‏ جَ‏ الِ‏ وَالنِ‏ ‏ّسَ‏ اءِ‏ وَالْوِ‏ لْدَ‏ انِ‏ الَّذِ‏ ينَ‏ يَقُولُونَ‏ رَبَّنَا ‏َأخْ‏ رِ‏ جْ‏ نَا مِنْ‏ هَذِ‏ هِ‏<br />

الْقَرْ‏ يَةِ‏ الظَّ‏ الِمِ‏ ‏َأهْلُهَ‏ ا وَاجْ‏ عَلْ‏ لَنَا مِنْ‏ لَدُ‏ نْكَ‏ وَلِيًّا وَاجْ‏ عَلْ‏ لَنَا مِنْ‏ لَدُ‏ نْكَ‏ نَصِ‏ ريًا{‏ ‏]النساء:‏‎75‎‏[،‏<br />

وقال #: ‏)مَ‏ ن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ‏ ، ومَ‏ ن قُتل دون دمه فهو شهيد،‏ ومَ‏ ن قتل دون<br />

دينه فهو شهيد،‏ ومَ‏ ن قُتل دون أهله فهو شهيد(‏ ))) .<br />

وقد تضمّ‏ نت ترصحياتُ‏ وبياناتُ‏ ومواثيق الفصائل الثورية النصّ‏ عىل أهدافٍ‏<br />

وغاياتٍ‏ مرشوعة؛ مِن إسقاط النّظام،‏ وحترير اإلنسان واألوطان،‏ وإقامةِ‏ دولة يتحقق<br />

فيها العدل واحلرية واألمان؛ فاهتّ‏ امُ‏ ها بأنا ‏)غريُ‏ معروفة األهداف وال النتائج(‏ اهتامٌ‏<br />

ال أساس له مِن الصّ‏ حّ‏ ة يف الواقع،‏ وهو اهتام قائم عىل الشُّ‏ به والظّ‏ نون،‏ واحتكار احلقّ‏ ،<br />

وتزكية النّفس.‏<br />

ثانيًا:‏ هناك فرقٌ‏ بني الرّ‏ ايات التي كانت تُرفع يف احلروب قديامً‏ ، وبني األعالم<br />

التي تتخذها الدّ‏ ول اليوم؛ فالرّ‏ اياتُ‏ واألعالم يف احلرب سُ‏ نّة نبويَّة مستحبّة،‏ فقد كان<br />

الرسول # يتّخذ الرايات يف غزواته وحروبه،‏ وكان لكلٍّ‏ قبيلةٍ‏ وقومٍ‏ رايةٌ‏ ، فكان<br />

للمهاجرين راية،‏ ولألنصار راية،‏ وكان # حيبّ‏ لكلّ‏ أحدٍ‏ أن يقاتل حتت رايةِ‏ قومِه<br />

ومجاعته؛ لغرضٍ‏ جليل هو اجتامعُ‏ املقاتلني واحتاد قلوهبم عندما يكونون مِن قبيلة<br />

واحدة فيكونون كاجلسم الواحد،‏ فيحرصون أن تبقى رايتُهم مرفوعةً‏ ، فال يأيت العدو<br />

من قِبَلهم.‏<br />

))) أخرجه أبو داود )246/4، برقم 4772(، والرتمذي )30/4، برقم 1421(، والنسائي )116/7،<br />

برقم 4095(.<br />

128


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أمّ‏ ا األعالمُ‏ التي تتخذها الدّ‏ ول اليوم لتكون رمزً‏ ا هلا فهي حمدَ‏ ثة مل تكن معروفة<br />

يف العهود السابقة،‏ واألصلُ‏ فيها اإلباحة،‏ ما مل تتضمّ‏ ن إشارةً‏ أو داللةً‏ عىل خمالفة<br />

رشعيَّة.‏<br />

ثالثًا:‏ مل يَرِد عن رسول اهلل # أنَّه اختذ لونًا واحدً‏ ا أو شكالً‏ واحدً‏ ا لرايات احلرب،‏<br />

فقد ثبت أنّ‏ النّبي # كانت له رايةٌ‏ سوداء،‏ وأحيانًا بيضاء،‏ وقيل أيضً‏ ا:‏ صفراء،‏ وقد<br />

علَّل احلافظ ابن حجر ذلك بحسب اختالف األوقات واحلاالت ))) .<br />

ومل يثبت أنه ‏#كان يكتب شيئًا يف تلك الرايات كام قد يتومهه بعضُ‏ املتأخرين،‏<br />

وما رُ‏ وي عن ابن عباسٍ‏ ‏-ريض اهلل عنهام-‏ أنّ‏ راية النبي # كان مكتوبًا فيها:‏ ‏)ال إله<br />

إال اهلل حممد رسول اهلل(،‏ فإنه حديثٌ‏ باطل كام قال العلامء ))) .<br />

رابعً‏ ا:‏ ما يتعلَّق بعلم االستقالل الذي اختاره عامَّ‏ ةُ‏ الشعب السوري يف أول الثورة،‏<br />

ورضوا به،‏ فهذا راجعٌ‏ إىل كونه علمَ‏ الدّ‏ ولة يف مرحلةِ‏ ما قبل اغتصاب نظام البعث<br />

للسّ‏ لطة،‏ وفيه رسالةٌ‏ إىل إسقاط هذا النّظام،‏ واالنخالع عنه بجميع مراحله ورموزه،‏<br />

وعدم رشعيته،‏ وعدم القبول أو االعرتاف به بأيِّ‏ شكلٍ‏ مِن األشكال.‏<br />

وأمَّ‏ ا ما يُقال:‏ إنَّه علمٌ‏ مِن حقبة االستعامر،‏ وكان برضا فرنسا:‏ فهذا غري صحيح؛<br />

إذ العلم احلايل وُ‏ ضع بعد الثّورة عىل الفرنسيني.‏<br />

فقد كان علم االستعامر الفرنيس يف أول األمر ‏)سنة ‎1338‎ه-‏‎1920‎م(‏ أزرق<br />

ويف زاويته اليسى العليا علم فرنسا املصغَّ‏ ر،‏ وبعد الثورة السورية الكربى ‏)سنة<br />

‎1343‎ه-‏ ‎1925‎م(‏ غريّ‏ ه الفرنسيون فصار خطني أخرضَ‏ ين بينهام مساحة بيضاء<br />

))) فتح الباري )126/6(.<br />

))) ومن ذلك الرواياتُ‏ التي تسمّ‏ ي راية النبي # بالعُ‏ قاب،‏ لكنها أحاديثُ‏ ضعيفةٌ‏ ، ال يصحّ‏ االستدالل<br />

هبا.‏<br />

129


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وبقي العلم الفرنيس املصغر يف الزاوية،‏ وعندما وقّعت فرنسا اتفاقية االستقالل<br />

‏)األول(‏ سنة ‏)‏‎1355‎ه - ‎1936‎م(‏ ألغيت األعالم الفرنسية،‏ واعتُمد العلم الذي<br />

صمّ‏ مته الثورة السورية الكربى ))) .<br />

وبقي هذا العلم مستعمالً‏ ، حتى جاء حزبُ‏ البعث إىل السّ‏ لطة،‏ ووضع مكانه علامً‏<br />

جديدً‏ ا،‏ فلامَّ‏ قامت الثّورة احلالية عربَّ‏ الناس عن رفضهم للنّظام برتك علمه،‏ واألخذ<br />

بام قبل نظام البعث.‏<br />

وما يُقال عن اعتامد فرنسا هلذا العَ‏ لَم لو صحّ‏ ال جيعله عَ‏ لَامً‏ فرنسيًا حمرّ‏ مً‏ ا،‏ أو علامً‏<br />

استعامريًا،‏ مثلُه يف ذلك مثلُ‏ مجيع مؤسسات الدّ‏ ولة،‏ وأنظمتها،‏ ومراتب الوظائف،‏<br />

ومسمّ‏ ى العملة التي وُ‏ جدت يف عهد االستعامر،‏ إىل غري ذلك.‏<br />

واخلطأُ‏ الذي يقع فيه الغالةُ:‏ اعتبار كلّ‏ ترصفٍ‏ أو تعاملٍ‏ مع االستعامر رىضً‏<br />

بالكفر والكفار،‏ ثم احلكم عليه باخليانة لذلك ))) .<br />

كام أنَّ‏ احلديث عن العَ‏ لَم مِن هذه النّاحية يظهر منه الغلوُّ‏ يف فهم العلَم،‏ واملقصود<br />

منه،‏ واعتباره جزءً‏ ا مِن الدّ‏ ين،‏ كام سبقت اإلشارة إليه.‏<br />

وعليه:‏ فإنَّ‏ العَ‏ لَم الذي يرفعه املجاهدون ‏)علم االستقالل(‏ ليس فيه ما خيالف<br />

الرشّ‏ عَ‏ ، واهلدف منه معروفٌ‏ ومرشوعٌ‏ ، وهو عَ‏ لَم مؤقت هلذه املرحلة مِن تاريخ<br />

سورية،‏ ال ينبغي االختالفُ‏ حوله،‏ ثم بعد التحرير يكون اجتامع النّاس عىل ما يرونه<br />

أو خيتارونه من عَ‏ لَم ))) .<br />

))) ينظر مقال:‏ حوار مع داعيش،‏ أ.‏ جماهد ديرانية .http://cutt.us/G6zA<br />

))) سيأيت مزيد تفصيل هلذه املسألة ص )٣٠١(.<br />

))) وللمزيد ينظر فتوى:‏ ‏)هل هناك راية حمددة جيب أن يلتزم هبا السوريون ؟(‏ http://islamicsham.<br />

.org/fatawa/275<br />

130


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

خامسً‏ ا:‏ اهتام الكتائب والفصائل والقوى الثورية أنا تريد العلامنية:‏ اهتامٌ‏ غري<br />

صحيح،‏ وباطل،‏ ملا ييل ))) :<br />

1- أنَّ‏ الفصائل قد أعلنت عىل مدى السّ‏ نوات املاضية وبترصحيات وبيانات<br />

ومواثيق تنفي ذلك مرارً‏ ا،‏ ومل يثبت مِن هذه االهتامات القائمة عىل الشُّ‏ به والظنون<br />

يشءٌ‏ .<br />

2- أنَّ‏ ما يَرِدُ‏ عن بعضهم مِن ترديد ألفاظ ‏»الديمقراطية«،‏ و»الدّ‏ ولة املدنية«‏<br />

ونحوها:‏ فريُ‏ ادُ‏ هبا أحدُ‏ معنيني:‏<br />

األول:‏ معنى فلسفي عقدي،‏ وهو الذي جيعل الترشيع حقً‏ ا للعباد،‏ وال خيتص باهلل<br />

تعاىل.‏<br />

الثاين:‏ معنى إجرائي يتعلَّق ببعضِ‏ األدوات التي يُراد منها حتقيقُ‏ العدالة،‏ ومنع<br />

الظلم،‏ واستغالل السّ‏ لطة.‏<br />

وال شكَّ‏ أنَّ‏ املعنى األول خمالفٌ‏ للرشّ‏ ع،‏ وينازع اهلل تعاىل يف حقّ‏ ه يف الترشيع،‏ أمّ‏ ا<br />

الثاين فهو حمل اجتهادٍ‏ ونظرٍ،‏ وهو غالب استخدام عامة الناس حاليًا.‏<br />

وبسبب اشتاملِ‏ هذه األلفاظ عىل معانٍ‏ باطلةٍ،‏ وأخرى حمتملة للصّ‏ حّ‏ ة فإنَّه ال بدَّ‏<br />

مِن االستفسار مِن قائلها عن مراده،‏ وهذا هو املنهج احلق يف التعامل مع ‏)األلفاظ<br />

املجملة(.‏<br />

قال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وأمّ‏ ا األلفاظ التي ليست يف الكتاب والسنّة،‏ وال اتفق<br />

السّ‏ لف عىل نفيها أو إثباهتا،‏ فهذه ليس عىل أحدٍ‏ أن يوافق مَ‏ ن نفاها أو أثبتها حتى<br />

))) للمزيد ينظر:‏ األحكام الرشعية للنوازل السياسية،‏ د.‏ عطية عدالن،‏ ص )223-152(.<br />

131


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

يستفس عن مراده:‏ فإنْ‏ أراد هبا معنى يوافق خربَ‏ الرسول # أقر به،‏ وإن أراد هبا معنى<br />

خيالف خرب الرسول # أنكره.‏<br />

ثم التعبريُ‏ عن تلك املعاين إن كان يف ألفاظه اشتباه أو إمجال عَ‏ ربّ‏ بغريها،‏ أو بنيّ‏<br />

مرادَ‏ ه هبا بحيث حيصل تعريفُ‏ احلقّ‏ بالوجه الرشّ‏ عي«‏ ))) .<br />

ضوابط التكفري:‏<br />

3- أنّ‏ املنادي ‏»بالديمقراطية«‏ و»الدّ‏ ولة املدنية«‏ لو كان يقصد هبا املعنى الباطل<br />

رشعً‏ ا:‏ ال جيوز تكفريُ‏ ه واحلكم بردَّ‏ ته إال بعد استيفاء الرشّ‏ وط،‏ وانتفاء املوانع.‏<br />

فقد نصَّ‏ أهلُ‏ العلم،‏ عىل أنَّ‏ للحكم بالكفر <strong>والرد</strong>ة رشوطً‏ ا،‏ وضوابط،‏ وموانع<br />

ال بدَّ‏ من حتققها،‏ فمِ‏ ن أهم الضّ‏ وابط:‏ التّفريق بني احلكم بكفرِ‏ القول أو االعتقاد<br />

واحلكم بتكفريِ‏ المُ‏ عنيَّ‏ ِ، والذي ال يكون إال بعد إقامةِ‏ احلجّ‏ ة،‏ والتّأكّ‏ د مِن توفّر<br />

الرشّ‏ وط وانتفاء املوانع.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وحقيقةُ‏ األمر يف ذلك:‏ أنَّ‏ القولَ‏ قد يكون كفرً‏ ا فيُطلق<br />

القولُ‏ بتكفري صاحبه،‏ ويقال:‏ مَ‏ ن قال كذا فهو كافر،‏ لكنّ‏ الشّ‏ خصَ‏ المُ‏ عنيّ‏ الذي<br />

قاله ال حيُ‏ كم بكفره حتى تقوم عليه احلجّ‏ ةُ‏ التي يكفر تاركُ‏ ها«‏ ))) .<br />

وقال:‏ ‏»األصل الثاين:‏ أنَّ‏ التّكفري العام ‏-كالوعيد العام-‏ جيب القولُ‏ بإطالقه<br />

وعمومه.‏ وأمّ‏ ا احلكمُ‏ عىل املعنيّ‏ بأنّه كافر أو مشهودٌ‏ له بالنّار:‏ فهذا يقف عىل الدّ‏ ليل<br />

املعنيّ‏ ؛ فإنّ‏ احلكمَ‏ يقف عىل ثبوت رشوطه،‏ وانتفاء موانعه«‏ ))) .<br />

))) جمموع الفتاوى )114/12(.<br />

))) جمموع الفتاوى )619/7(.<br />

))) جمموع الفتاوى )498/12(.<br />

132


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وموانع تكفري المُ‏ عنيَّ‏ :<br />

- اخلطأ:‏ وهو أن يصدر منه القول أو الفعل دون قصدٍ‏ له.‏<br />

- اجلهل:‏ بأن يعتقدَ‏ اعتقادً‏ ا،‏ أو يقولَ‏ قوالً‏ ، أو يعملَ‏ عمالً‏ ال يعلمُ‏ أنَّه مِن موجبات<br />

الكفر،‏ وال أنّه خمالفٌ‏ للدين.‏<br />

- اإلكراه:‏ وهو إلزامُ‏ الغري بام ال يريده قهرً‏ ا،‏ بحيث ال يبقى له قدرةٌ‏ وال اختيار.‏<br />

- التّأويل:‏ وهو أن يفعل الكفرَ‏ العتقاده أنّه صوابٌ‏ وحقّ‏ ؛ اعتامدً‏ ا عىل شبهةٍ‏<br />

يستدلّ‏ هبا.‏<br />

وإذا كانت هذه موانعَ‏ عامّ‏ ةً‏ للتّكفري،‏ فكيف باألمور الدّ‏ قيقة التي حيصل هبا اخلطأ،‏<br />

واللبس،‏ وختفى عىل كثريٍ‏ مِن الفضالء؟ ))) .<br />

ومن أقوال أهل العلم يف ذلك:‏<br />

قال اإلمام الشافعي رمحه اهلل:‏ ‏»هلل أسامءٌ‏ وصفاتٌ‏ ال يسع أحدً‏ ا ردُّ‏ ها،‏ ومَ‏ ن خالف<br />

بعد ثبوت احلجّ‏ ة عليه فقد كفر،‏ وأمّ‏ ا قبل قيام احلجّ‏ ة فإنّه يُعذر باجلهل؛ ألنّ‏ علمَ‏ ذلك<br />

ال يُدرك بالعقل،‏ وال الرويّةِ‏ والفِكرِ«‏ ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وأمّ‏ ا التّكفريُ‏ : فالصّ‏ وابُ‏ أنَّه مَ‏ ن اجتهدَ‏ من أمةِ‏ حممد #<br />

وقصدَ‏ احلقَّ‏ ، فأخطأَ‏ مل يَكفُ‏ ر،‏ بل يُغفر له خطؤه«‏ ))) .<br />

))) ينظر:‏ حتذير املتبع احلر من تكفري اجليش احلر،‏ د.مظهر الويس http://syrianoor.net/<br />

.research/10520<br />

))) فتح الباري )407/13(، ونسبه البن أيب حاتم يف مناقب الشافعي.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )180/12(.<br />

133


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

134<br />

وقال:‏ ‏»كان اإلمام أمحد يكفِّ‏ ر اجلهمية املنكرين ألسامء اهلل وصفاته؛ ألنّ‏ مناقضةَ‏<br />

أقواهلم ملا جاء به الرسول # ظاهرةٌ‏ بيّنةٌ‏ ... لكن ما كان يكفّ‏ ر أعيانم...‏ ومع<br />

هذا فالّذين كانوا مِن والة األمور يقولون بقول اجلهمية،‏ ويدعون النّاسَ‏ إىل ذلك<br />

ويعاقبونم،‏ ويكفّ‏ رون مَ‏ ن مل جيبهم،‏ ومع هذا فاإلمامُ‏ أمحد ترحّ‏ م عليهم،‏ واستغفر<br />

هلم؛ لعلمه بأنّ‏ م مل يبني هلم أنّ‏ م مكذّ‏ بون للرّ‏ سول #، وال جاحدون ملا جاء به،‏ ولكن<br />

تأوّ‏ لوا فأخطؤوا،‏ وقلّدوا مَ‏ ن قال هلم ذلك«‏ ))) .<br />

وقال ابن القيم ‏-رمحه اهلل-‏ بعد أنْ‏ ذكر كفرَ‏ مَ‏ ن جَ‏ حَ‏ دَ‏ فريضةً‏ مِن فرائضِ‏ اإلسالم:‏<br />

‏»وأمّ‏ ا مَ‏ ن جحد ذلك جهالً،‏ أو تأويالً‏ يُعذر فيه صاحبُه:‏ فال يُكفّ‏ رُ‏ صاحبُه به،‏ كحديث<br />

الذي جحد قدرةَ‏ اهلل عليه،‏ وأمر أهلَه أنْ‏ حيرقوه ويذروه يف الرّ‏ يح،‏ ومع هذا فقد غفر اهلل<br />

له،‏ ورمحه جلهله،‏ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغَ‏ علمه،‏ ومل جيحد قدرةَ‏ اهلل عىل إعادته عناداً‏<br />

أو تكذيبًا«‏ ))) .<br />

إقامة احلجّ‏ ة والعذر باجلهل ))) :<br />

))) جمموع الفتاوى )348/23/23(.<br />

))) مدارج السالكني )3348/1(.<br />

))) نازع بعضُ‏ أهل العلم ‏-ال سيام املتأخرون واملعارصون - يف وجوب إقامة احلجة يف بعض املسائل<br />

املتعلقة بأصول الدين والرشّ‏ ك األكرب،‏ وذكروا أنَّ‏ مرتكبها ال يُعذر باجلهل،‏ وحيُ‏ كَ‏ م بكفره دون إقامة<br />

احلجّ‏ ة عليه،‏ وعند التّحقيق يف املسألة من النصوص الرشعية،‏ وأقوال السلف يتبنيَّ‏ أنّ‏ الرّ‏ اجحَ‏ يف<br />

املسألة عىل خالف ما قرّ‏ ره هؤالء،‏ وأنّ‏ إقامة احلجة شاملة ألصول الدين وفروعه كام ستأيت اإلشارةُ‏<br />

إليه يف بعض النقول.‏<br />

بل إنَّه قد نُقل عن بعض أهل العلم املتأخرين خالفُ‏ ما نُسبَ‏ إليهم،‏ ومِن ذلك قول الشيخ حممد بن عبد<br />

الوهاب كام يف الدّ‏ رر السّ‏ نية )104/1(: ‏»وأمَّ‏ ا الكذب والبهتان،‏ فمثلُ‏ قوهلم:‏ إنَّا نكفِّ‏ ر بالعموم،‏<br />

ونوجب اهلجرة إلينا عىل مَ‏ ن قدر عىل إظهار دينه،‏ وإنَّا نكفِّ‏ ر مَ‏ ن مل يكفّ‏ ر ومَ‏ ن مل يُقاتل،‏ ومثل هذا<br />

وأضعاف أضعافه،‏ فكلُّ‏ هذا مِن الكذب والبهتان الذي يصدُّ‏ ون به النّاس عن دين اهلل ورسوله #،<br />

وإذا كنَّا ال نكفِّ‏ ر مَ‏ ن عبَد الصّ‏ نمَ‏ الذي عىل عبد القادر،‏ والصّ‏ نم الذي عىل قرب أمحد البدوي وأمثاهلام؛<br />

ألجل جهلِهم،‏ وعدم مَ‏ ن يُنبِّههم،‏ فكيف نكفِّ‏ ر مَ‏ ن مل يرشك باهلل إذا مل هيُ‏ اجر إلينا،‏ أو مل يكفّ‏ ر ويُقاتل،‏<br />

سبحانك هذا هبتان عظيم«.‏ =


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

من أعظم األصول التي جتب مراعاهتا عند احلكم بالكفر والرّ‏ دّ‏ ة:‏ عدمُ‏ التّكفري إال<br />

بعد إقامة احلجّ‏ ة،‏ ورفع اجلهل عن الشّ‏ خص املتلبّس بالكفر،‏ ومِن أقوال أهل العلم<br />

يف ذلك إضافةً‏ ملا سبق:‏<br />

قال ابن حزم رمحه اهلل:‏ ‏»وَ‏ أما مَ‏ ن قَالَ‏ : إنّ‏ اهلل ‏-عز وَ‏ جل-‏ هُ‏ وَ‏ فالَ‏ نٌ‏ إلِنْسَ‏ ان بِعَ‏ يْنِه،‏<br />

أَو أَن اهلل تَعَ‏ اىلَ‏ حيل يفِ‏ جسم من أجسام خلقه،‏ أَو أَن بعد حمُ‏ ‏َمَّ‏ د # نَبيًا غري عِ‏ يسَ‏ ى بن<br />

مَ‏ رْ‏ يَم،‏ فَإِنَّهُ‏ الَ‏ خيْتَلف اثْنَان يفِ‏ تكفريه لصِ‏ حَّ‏ ة قيام احلجَّ‏ ة بِكُ‏ لِّ‏ هَ‏ ذَ‏ ا عىل كلِّ‏ أحدٍ‏ ، وَ‏ لَو<br />

أمكن أَن يُوجد أحدٌ‏ يدين هبِ‏ ذا مل يبلغهُ‏ قطُّ‏ خِ‏ الفُه ملا وَ‏ جب تكفريُ‏ ه حتّى تقوم احلجَّ‏ ة<br />

عليه«‏ ((( .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»األقوالُ‏ التي يكفر قائلُها قد يكون الرّ‏ جلُ‏ مل تبلغْ‏ ه<br />

النّصوصُ‏ املوجبةُ‏ ملعرفة احلقِّ‏ ، وقد تكون عنده ومل تثبتْ‏ عنده،‏ أو مل يتمكن مِن<br />

فهمها،‏ وقد يكون قد عرضَ‏ تْ‏ له <strong>شبهات</strong>ٌ‏ يعذره اهللُ‏ هبا،‏ فمَ‏ ن كان مِن املؤمنني جمتهدً‏ ا<br />

يف طلب احلقِّ‏ وأخطأ،‏ فإنّ‏ اهللَ‏ يغفر له خطأه كائنًا ما كان،‏ سواء كان يف املسائل النّظرية<br />

أو العملية،‏ هذا الذي عليه أصحاب النبي #، ومجاهري أئمة اإلسالم،‏ وما قسموا<br />

املسائل إىل مسائلِ‏ أصولٍ‏ يكفر بإنكارها،‏ ومسائلِ‏ فروعٍ‏ ال يكفر بإنكارها...«‏ ))) .<br />

وذكر أنَّ‏ معاملَ‏ الدّ‏ ين قد تندرس وتُنسى لظروفٍ‏ معيّنة،‏ وهذا هو املشاهَ‏ د يف كثريٍ‏<br />

من البالد اإلسالميّة التي قد يغيب عن كثريٍ‏ مِن أهلها جوانبُ‏ مهمّ‏ ة مِن العلم بالرشع،‏<br />

‏=وقال كام يف ‏»جمموع مؤلفات الشيخ حممد بن عبد الوهاب«‏ )14/3(: ‏»أما ما ذكره األعداء عني،‏ أينّ‏<br />

أكفر بالظّ‏ نّ‏ وباملواالة،‏ أو أكفِّ‏ ر اجلاهل الذي مل تقم عليه احلجّ‏ ة،‏ فهذا هبتان عظيم،‏ يريدون به تنفريَ‏<br />

النّاس عن دين اهلل ورسوله #«.<br />

وللمزيد يف املسألة ينظر كتاب:‏ إشكالية اإلعذار باجلهل يف البحث العقدي،‏ لسلطان العمريي.‏<br />

))) الفصل يف امللل واألهواء والنحل )139/3(.<br />

))) جمموع الفتاوى )346/23(.<br />

135


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

قال رمحه اهلل:‏ ‏»وكثريٌ‏ مِن النّاس قد ينشأ يف األمكنة واألزمنة الذي يَندَ‏ رِس فيها كثريٌ‏<br />

مِن علوم النّبوّ‏ ات،‏ حتى ال يبقى مَ‏ ن يُبلّغ ما بعث اهللُ‏ به رسولَه مِن الكتاب واحلكمة،‏<br />

فال يعلم كثرياً‏ مما يبعث اهللُ‏ به رسولَه #، وال يكون هناك مَ‏ ن يبلّغه ذلك،‏ ومثلُ‏<br />

هذا ال يكفر؛ وهلذا اتّفق األئمّ‏ ةُ‏ عىل أنَّ‏ مَ‏ ن نشأ بباديةٍ‏ بعيدةٍ‏ عن أهل العلم واإليامن،‏<br />

وكان ))) حديثَ‏ العهد باإلسالم،‏ فأنكر شيئًا مِن هذه األحكام الظّ‏ اهرة املتواترة فإنّه<br />

ال حيُ‏ كم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسولُ‏ #« ))) .<br />

فاهتّ‏ امُ‏ الفصائل بأنا مريدةٌ‏ للعلامنية،‏ ثمّ‏ بناءُ‏ أحكام التّكفري عىل ذلك مِن غري<br />

استفصالٍ‏ وال نظرٍ‏ للرشّ‏ وطِ‏ واملوانعِ‏ غريُ‏ صحيح،‏ ولعلّ‏ سببَه منهجُ‏ التّنظيم يف الطعن<br />

بكلٍّ‏ مرشوع غري مرشوعه،‏ واعتباره مرشوعَ‏ فسادٍ‏ وعلامنية أو ردّ‏ ة،‏ وتربئة مرشوعه<br />

فحسب!‏ كام سبقت اإلشارة إليه ))) .<br />

سادسً‏ ا:‏ اشرتاطُ‏ أن تكون الدّ‏ ولة املسلمةُ‏ دولةً‏ مُ‏ طلقة عامّ‏ ةً‏ ال حدود هلا غريُ‏<br />

صحيح ملا ييل:‏<br />

1- مل يرد هذا االشرتاط يف كتاب وال سنّةٍ،‏ وال قول أحدٍ‏ مِن أهل العلم،‏ وال يمكن<br />

أن تكون الدّ‏ ولة إال بحدودٍ‏ واضحةٍ‏ معلومة.‏ فام كانت الدّ‏ ولة يف عهد الرسول # يف<br />

املدينة،‏ ثم اجلزيرة العربية إال بحدودٍ‏ بني املسلمني وغريهم،‏ وهكذا كانت يف عهد<br />

املسلمني طوال تارخيهم.‏<br />

))) كذا يف جمموع الفتاوى،‏ ولعلّها:‏ ‏)أو كان(‏ ؛ إذ املقصود إحدى احلالتني،‏ ال اجلمع بني الوصفني<br />

‏)د.‏ عامر العيسى(.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )407/11(.<br />

))) ينظر فتوى ‏)حكم املجالس والتشكيالت التي حتوي مبادئ ختالف الرشيعة،‏ والتعاون معها(،‏<br />

،http://islamicsham.org/fatawa/2413 وسيأيت مزيد تفصيل عند مناقشة الشبهة العرشين<br />

ص )٢٧٨(.<br />

136


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

بل إنّ‏ أهل العلم بحثوا يف أحكام الثّغور،‏ وهي األقاليم التي تقع عىل احلدود<br />

مع بالد الكفار،‏ ومِن املعلوم أنّ‏ هذه احلدود مل تكن باختيار املسلمني،‏ وال رغبتهم<br />

أو ختطيطهم يف أكثر األحيان،‏ بل كانت بسبب عدم قدرهتم عىل فتح تلك البالد،‏<br />

فقبلوا بتلك احلدود ورضوا والتزموا هبا.‏<br />

وسواء أكان الوقوف عند هذه احلدود بسبب عدم القدرة عىل قتال الكفار وفتح<br />

بالدهم،‏ أو تقسيمها باالتفاقيات واملعاهدات،‏ فاملؤدَّ‏ ى واملعنى واحدٌ‏ ، فضالً‏ عن<br />

العجز عن تغيريها.‏<br />

2- العمل داخل نطاق احلدود احلالية ال يعني الرضا والقبول بتقسيم الكفار لبالد<br />

املسلمني،‏ أو املوافقة هلم،‏ فضالً‏ عن اخلضوع هلم،‏ والعاملة هلم،‏ فهذا مِن باب اإللزام<br />

بام ال يلزم،‏ وهو باطلٌ‏ رشعً‏ ا.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»الزمُ‏ مذهبِ‏ اإلنسان ليس بمذهب له إذا مل يلتزمه؛ فإنه<br />

إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافتُه إليه كذبًا عليه«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ حزم رمحه اهلل:‏ ‏»مَ‏ ن كفّ‏ ر النَّاس بِام تؤول إليه أقواهلم فخطأ؛ ألنّه كذبٌ‏<br />

عىل اخلصم،‏ وتقويلٌ‏ لَهُ‏ ما مل يقل بِهِ«‏ ))) .<br />

وال يُعرف عن حركة أو منظّ‏ مة جهادية أنا ترىض هبذه التقسيامت احلدودية بني<br />

بلدان املسلمني،‏ أو تقدِّ‏ م أخوة ‏)الوطن(‏ عىل أخوة الدّ‏ ين يف التعامل،‏ لكن طبيعة<br />

العمل تفرض االلتزامَ‏ بذلك كام سبق يف احلديث عن اهلجرة واملهاجرين.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )217/20(.<br />

))) الفَ‏ صل يف امللل واألهواء والنحل )139/3(.<br />

137


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

3- يلزم مِن هذا الطعن بجميع حركات املقاومة واجلهاد التي قامت يف العامل<br />

اإلسالمي بدءً‏ ا مِن التحرر مِن االستعامر إىل اليوم،‏ مِن رشق العامل اإلسالمي إىل<br />

غربه؛ ألنا كانت حركات وطنية يف بلدانا ))) .<br />

٤- لو كان االلتزام هبذه احلدود حمرمً‏ ا يف أصلِه لكان مرشوً‏ عا ملا فيه من املصالح<br />

املرتتبة عليه،‏ وما يف عدم االلتزام به من مفاسد،‏ قال العز بن عبدالسالم رمحه اهلل:‏<br />

‏»قد جيوزُ‏ اإلعانةُ‏ عىل املعصيةِ‏ ال لِكونا معصيةً‏ بل لكونا وسيلةً‏ إىل حتصيلِ‏ املصلحة<br />

الرّ‏ اجحة،‏ وكذلك إذا حصلَ‏ باإلعانةِ‏ مصلحةٌ‏ تربو عىل مصلحةِ‏ تفويتِ‏ املفسدة«‏ ))) .<br />

٥- لو كانَ‏ التزامُ‏ هذه احلدودِ‏ مراعاةً‏ للمصلحةِ‏ واإلمكانِ‏ خطأً‏ فهو اجتهادٌ‏ معترب<br />

صَ‏ دَ‏ ر من أهله،‏ أما التكفري به،‏ أو التبديع فهو من جنسِ‏ معتقداتِ‏ اخلوارجِ‏ يف التَّكفريِ‏<br />

بالذنوب.‏<br />

سابعً‏ ا:‏ <strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة قد التزم فعليًا بحدود الدّ‏ ول التي ظهر فيها،‏ فسمَّ‏ ى نفسه<br />

‏)دولة العراق اإلسالمية(،‏ ثم ‏)الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام(،‏ فهل كان راضيًا<br />

بحدود سايكس-بيكو ثمّ‏ تاب مِن ذلك؟!‏<br />

فإن قيل:‏ إنَّ‏ املراد النّسبة إىل أقاليم طبيعية كالشام أو العراق،‏ أو بالد املغرب،‏<br />

أو أرض الكنانة،‏ ونحو ذلك.‏<br />

))) من شؤم الغالة أنَّ‏ م أصبحوا مشاريع تقسيم للبالد اإلسالمية وتفتيتها بعكس ما ينادون به،‏ علموا أم<br />

مل يعلموا،‏ فألجل عدم التزامهم هبذه احلدود فإنَّ‏ م يعمدون إىل إعالن إمارات أو واليات داخل هذه<br />

احلدود،‏ أو عابرة هلا،‏ مما يؤدي إىل زيادة االنقسام،‏ واستعداء األعداء،‏ ومن ثم فشل هذه اجلامعات كام<br />

هو مشاهد معروف؛ لعدم صالحية مشاريعها للتطبيق.‏<br />

))) قواعد األحكام )87/1(.<br />

ومن أسس السياسة الرشعية تقليلُ‏ الرشّ‏ باإلبقاء عىل الوضع احلايل ‏)ولو كان غري مرشوع(‏ حتاشيًا للوقوع<br />

فيام هو أسوأ وأشدّ‏ ؛ وعمالً‏ بقاعدة ‏)يُغتفر يف البقاء ما ال يُغتفر يف االبتداء(.‏<br />

138


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فاجلوابُ‏ : أنَّ‏ ا مل خترج مِن اإلقليمية وال الوطنية اسامً‏ ، كام أنا مل تستطع أن خترج<br />

منها فعالً‏ .<br />

فإن قيل:‏ إنا ستخرج منها ومتتدُّ‏ حني متلك القدرة عىل ذلك،‏ وتتوافر الرشوط<br />

املالئمة.‏<br />

فيقال:‏ املهم أنَّ‏ م قبلوا بذلك واقعً‏ ا،‏ واضطروا إليه،‏ وعاشوه فعليًا،‏ وهذا يعني يف<br />

فكرهم الرضا به!.‏<br />

ويُلحظ:‏ أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ الدّ‏ ولة وأشباهه أجاز ألعضائه االلتزام بام يتعلق هبذه<br />

االتفاقيات،‏ مِن استخراج جوازات سفر،‏ واحلصول عىل تأشريات دخول،‏ وااللتزام<br />

بقوانني املطارات التي نزلوا فيها...إلخ.‏<br />

فإن قالوا:‏ كنا مضطرين لذلك حتى نصل ألرض اجلهاد!.‏<br />

قيل:‏ واألمة اإلسالمية وشعوهبا يف مرحلة استضعاف واضطرار،‏ وليست يف<br />

عرص متكني وسعة وقوة!‏<br />

بل إنَّ‏ ثورات احلرية تكاد ختُ‏ تطف أو اختُطفت يف عدّ‏ ة بلدان،‏ والثورةُ‏ السورية<br />

يُكاد هلا الكثري،‏ وهي مل تنته من حترير البالد،‏ وهي يف حال اضطرارٍ‏ فعيل.‏<br />

فلامذا جيوز هلذه التّنظيامت وأفرادها يف حال اضطرارهم الشّ‏ خيص ما ال جيوز لبقية<br />

املسلمني يف حال االضطرار العام الذي هو أشدُّ‏ وأعظم؟<br />

بل إنّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ قد وقع فيام هو أخطر مِن ذلك،‏ بحيث أصبح تقديم<br />

‏)املهاجرين(‏ عىل أهل البالد يف املناصب الرشّ‏ عية والدعوية وغريها أصالً‏ وقاعدةً،‏<br />

فوقع يف غلوٍّ‏ آخر من هذا اجلانب.‏<br />

139


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

واحتكر بعض املناصب والقيادات جلنسيات ‏)قُطرية(‏ معينة؛ لضامن الوالء،‏ وعدم<br />

ثقته باآلخرين!‏<br />

ثامنًا:‏ إن كانت ‏)العاملية(‏ دليالً‏ عىل احلقّ‏ وصحة املنهج،‏ فكثريٌ‏ مِن احلركات<br />

واجلامعات املنتسبة لإلسالم تعلن أنا حركاتٌ‏ أو مجاعاتٌ‏ عاملية،‏ ومتتدُّ‏ أنشطتها<br />

وفروعها لبالد غري املسلمني،‏ وبعضها خارج عن اإلسالم،‏ كالقاديانية،‏ وغريها.‏<br />

كام أنَّ‏ العديد مِن احلركات والنظريات املعادية للدّ‏ ين حتمل شعارات وخمططات<br />

عاملية،‏ وتعمل عىل مدِّ‏ نفوذها عرب العامل.‏<br />

فثبت أنَّ‏ جمرَّ‏ د رفع شعار ‏)العاملية(‏ ال يدلُّ‏ عىل صحة املعتقد،‏ أو سالمة املنهج.‏<br />

تاسعً‏ ا:‏ متدّ‏ د <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ خارج احلدود مل يأت عىل املسلمني إال بنتائج عكسية<br />

وخيمة،‏ وذلك ألنَّ‏ متدّ‏ ده كان عىل حساب حركات ومنظامت مقاومة أخرى،‏ عمل<br />

عىل تكفريها،‏ وختوينها،‏ ومِن ثَمّ‏ الطّ‏ عن فيها أثناء مقاومتها،‏ ومِن أظهر صور ذلك<br />

متدده يف سورية،‏ وأفغانستان،‏ وفلسطني!.‏<br />

بل إنَّ‏ إعالن انيار احلدود مع كلٍّ‏ مِن العراق ولبنان قابله إعالنٌ‏ سافر بالتّدخل<br />

اإليراين يف سورية عن طريق العراق،‏ وتدخل ميليشيات حزب اهلل عن طريق لبنان،‏<br />

وقد أعطى <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ بفعله ذلك الذّ‏ ريعة هلؤالء إلعالن التدخل رصاحةً‏ ، مع<br />

احلصول عىل موافقة رصحية أو ضمنية مِن العامل بدعوى حماربة اإلرهاب مل حيدث<br />

إال بعد هذه احلوادث.‏<br />

أمّ‏ ا متدَّ‏ د هذا التّنظيم لدول غري إسالمية بالتفجري والقتل واالغتيال:‏ فباإلضافة إىل<br />

أن فيه نقضً‏ ا لعهود الدّ‏ خول إىل تلك البالد بالكذب واخلديعة،‏ وقتل مَ‏ ن ال يستحقّ‏<br />

140


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

القتل فيها مِن عامة الناس،‏ فإنَّ‏ فيه استعداءً‏ لتلك الدول،‏ ودفعً‏ ا هلا للدّ‏ خول يف حربٍ‏<br />

علنيّة ‏)مرشوعة(‏ مع املسلمني،‏ والتّضييق عىل املسلمني يف تلك البالد ))) .<br />

ومصلحةُ‏ هذا التّمدد ‏-إن كانت موجودة-‏ فهي أقلُّ‏ بكثريٍ‏ مِن املفاسد املرتتبة عىل<br />

ذلك.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ الراية هي الغاية من القتال،‏ وغاية الفصائل يف سوريا يف مدافعة<br />

العدو غاية مرشوعة،‏ وال يشرتط لصحة هذه الغاية أن ترفع شعارات معينة،‏ أو أن<br />

تكون عامةً‏ جلميع البلدان،‏ كام ظن ذلك <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ بغلوه وجهله،‏ وما ترتب عىل<br />

ذلك من تكفري سائر الفصائل وطعنه هبا.‏<br />

))) يستدل العديد مِن الغالة عىل مرشوعية القيام بأمثال هذه العمليات التفجريية يف بالد املسلمني وغري<br />

املسلمني،‏ بأنَّه قد قام باملطلوب منه وهو اإلثخان يف العدو أو التسبب بخسارهتم،‏ وإن مل تكن النتائج<br />

كاملة،‏ كام يزعمون.‏<br />

وعىل الرغم من بطالن هذا الكالم رشعً‏ ا،‏ وعدم صحته واقعً‏ ا،‏ وجهل قائله بأصول اجلهاد،‏ والسياسة<br />

الرشعية ومراعاة املآالت،‏ فإن يف ترصفاهتم شبهً‏ ا باخلوارج األولني.‏<br />

فقد جاء يف ‏»التذكرة احلمدونية«:‏ ‏»كربِ‏ رجلٌ‏ مِن اخلوارج وهرم حتى مل يكن فيه نوضٌ‏ ، فأخذ منزالً‏ عىل<br />

ظهر الطريق،‏ فلام جاء مطرٌ‏ ، وابتلّت األرض أخذ زجاجً‏ ا وكسه ورماه يف الطريق،‏ فإذا مرّ‏ به رجلٌ‏<br />

وعقر رجلَه الزجاجُ‏ ، قال اخلارجي مِن وراء الباب:‏ ال حكم إال هلل،‏ اللهمّ‏ هذا جمهودي!.‏<br />

وكان باملدينة آخر منهم فرئي وهو حيذف قناديل املسجد باحلصباء فيكسها،‏ فقيل له:‏ ما تفعل؟ قال:‏<br />

أنا كام ترى شيخ كبري ال أقدر عىل أكثر من هذا،‏ أغرّ‏ مهم قنديالً‏ أو قنديلني يف كلّ‏ يوم«‏ ‏)التذكرة<br />

احلمدونية،‏ 330/9(.<br />

141


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة الثّانيةَ‏ عشرةَ‏<br />

أُعلنت الخالفةُ‏ فيجب اللَّحاقُ‏ بها ومبايعتُها<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

بغضّ‏ النّظر عن كلّ‏ الكالم السّ‏ ابق واخلالف حولَه:‏ فام دامت اخلالفةُ‏ قد أُعلنت<br />

فيجب عىل اجلميع االنضواء حتتها وبيعتها؛ فإنه إذا بويع إلمامٍ‏ فال جيوز مبايعةُ‏ إمامٍ‏<br />

آخر،‏ أو التّأخّ‏ ر عن االلتحاق به،‏ قال #: ‏)تكونُ‏ خلفاءُ‏ ، وتكثرُ‏ . قالوا:‏ فكيف نصنعُ‏ ؟<br />

قالَ‏ : فُوا ببيعةِ‏ األولِ‏ فاألوّ‏ ل،‏ أدّ‏ وا الذي عليكم؛ فإنّ‏ اهللَ‏ سيسأهلم الذي عليهم(‏ ))) ،<br />

وقال:‏ ‏)إذا بويع خلليفتني فاقتلوا اآلخِ‏ رَ‏ منهام(‏ ))) .<br />

ثمّ‏ إنّ‏ إقامة خالفةٍ‏ توحِّ‏ د مجيع املسلمني حتت حكمٍ‏ واحدٍ‏ واجبٌ‏ رشعي،‏ وهو<br />

أملُ‏ األمة منذ عقود،‏ وإن كان هناك أخطاء أو ملحوظات فيمكن إصالحُ‏ ها الحقً‏ ا<br />

وبالتّدريج،‏ وال جيوز هدمُ‏ هذا املرشوع،‏ أو التأخّ‏ ر عن نرصته.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشّ‏ بهة:‏<br />

يف هذا الكالم أخطاء كثرية،‏ ومغالطاتٌ‏ عديدة،‏ وحتريفٌ‏ للنّصوص عن معانيها،‏<br />

وبيانُ‏ ذلك كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : تكلّم أهل العلم يف حكم اخلالفة،‏ ومكانتها،‏ ووجوب إعادة حكمها لبالد<br />

املسلمني،‏ ويف ذلك أقوال وبحوث ودراسات يمكن الرجوع إليها يف أماكنها.‏<br />

))) أخرجه البخاري )169/4، برقم 3455(، ومسلم )1471/3، برقم 1842(.<br />

))) أخرجه مسلم )1480/3، برقم 1853(.<br />

142


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

لكنّ‏ إعالنَ‏ اخلالفة ال يكون هبذه الطريقة التي ختلو مِن أي مقوّ‏ م مِن مقوماهتا:‏<br />

1- فالبالدُ‏ ما زالت حمتلّةً‏ ، ويف حال حربٍ‏ ، وليس فيها متكنيٌ‏ لقيام دولة،‏ فضالً‏<br />

عن خالفة جامعة للمسلمني يف كلّ‏ أقطارهم،‏ فاخلالفةُ‏ ‏-وما يتبعها من أحكام اإلمامة<br />

العظمى-‏ تأيت نتيجةً‏ للتمكن يف البالد،‏ ال بمجرَّ‏ د اإلعالن،‏ أو السعي إىل ذلك.‏<br />

2- انعقاد احلكم لشخصٍ‏ له ضوابطه ورشوطه،‏ وال بدّ‏ فيه مِن توافق أهل احلل<br />

والعقد الذين يمثّلون عموم النّاس،‏ وهذا أمرٌ‏ معروف مبسوط يف كتب أهل العلم،‏<br />

وأشهر مِن أن يتحدث به،‏ ونذكره هنا باختصار.‏<br />

روى اخلالّ‏ لُ‏ أنَّ‏ أمحد بن حنبل رمحه اهلل:‏ ‏»سئل عن حديث النبي #: ‏)مَ‏ ن ماتَ‏<br />

ولَيْسَ‏ لَهُ‏ إِمامٌ‏ ماتَ‏ مِيتةً‏ جاهِ‏ ليَّةً‏ (، ما معناه؟ قال أبو عبد اهلل:‏ ‏»تدري ما اإلمام؟ اإلمام<br />

الذي جيُ‏ مع املسلمون عليه،‏ كلُّ‏ هم يقول:‏ هذا إمامٌ‏ ، فهذا معناه«‏ ))) .<br />

وقال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»األصحّ‏ أنَّ‏ المُ‏ عتَرب بيعة أهل احلل والعقد من العلامء،‏<br />

والرؤساء،‏ وسائر وجوه النّاس الذين يتيسّ‏ ُ حضورهُ‏ مْ‏ » ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فإنه ال يشرتط يف اخلالفة إاللّ‏ اتفاقُ‏ أهل الشوكة<br />

واجلمهور،‏ الذين يقام هبم األمر؛ بحيث يمكن أن تُقامَ‏ هبم مقاصدُ‏ اإلمامة؛ وهلذا قال<br />

النبي #: ‏)عليكم باجلامعة؛ فإن يدَ‏ اهلل معَ‏ اجلامعة(،‏ وقال:‏ ‏)إنّ‏ الشيطان مع الواحد،‏<br />

وهو مِن االثنني أبعد(«‏ ))) .<br />

أمّ‏ ا هذا ال<strong>تنظيم</strong> فلم يوافق عىل قيام دولته يف العراق،‏ ثمّ‏ عىل متدُّ‏ دها إىل سورية،‏<br />

))) السُّ‏ نة،‏ أليب بكر اخلالل )80/1(.<br />

))) روضة الطالبني وعمدة املفتني )43/10(.<br />

))) منهاج السنة النبوية )336/8(.<br />

143


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ثم إعالن اخلالفة إال عددٌ‏ قليل فحسب!‏ وليس يف دولته املزعومة أدنى مقومات<br />

االستشارة أو مقوّ‏ مات الدّ‏ ولة احلقيقية:‏<br />

أ-‏ فال<strong>تنظيم</strong> يعتقد أنه يصح إقامة الدّ‏ ولة دون وجود أيٍّ‏ مِن مكوناهتا احلقيقية،‏<br />

وعىل هذا أعلن دولته يف العراق قبل اخلالفة،‏ وقد خلَّص عثامن بن أمحد التميمي يف<br />

رسالته ‏)إعالن األنام بميالد دولة اإلسالم(‏ الصادرة عن ‏)وزارة اهليئات الرشعية(‏ يف<br />

‏)دولة العراق اإلسالمية(‏ بقوله:‏ ‏»إن الدّ‏ ولة التي أقامها رسول اهلل # ال حتمل كلَّ‏<br />

املواصفات التي ينظر هلا عىل أنا مِن خصائص الدّ‏ ولة املعارصة بكياناهتا السياسية<br />

واإلدارية واالقتصادية،‏ فالدّ‏ ولةُ‏ التي ينشدها اإلسالم هي تلك التي تقيم الدِّ‏ يْن أوالً‏<br />

قبل أيّ‏ اعتبار آخر«‏ انتهى.‏<br />

وهبذا يتبنيَّ‏ أنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong> قد هدم كلّ‏ أركان الدّ‏ ولة احلقيقية،‏ ومل يبق منها إال ‏)التّوحيد،‏<br />

وحتكيم الرشيعة(‏ وفق مفهومه هو،‏ وعليه فيمكن أليِّ‏ عددٍ‏ مِن األشخاص يف أيِّ‏<br />

مكانٍ‏ يف العامل إعالن دولةٍ‏ خاصةٍ‏ هبم ))) !<br />

ب-‏ يعتقد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أنّ‏ قرار إعالن الدّ‏ ولة واخلالفة ينحرص يف <strong>تنظيم</strong>ه<br />

))) وهو ما اجتهد وزير دفاع ال<strong>تنظيم</strong> السابق أبو محزة املهاجر يف إثباته من خالل دراسة طويلة مليئة<br />

باملغالطات والتحريفات أسامها ‏)الدولة النبوية(،‏ تقوم عىل عدة أفكار،‏ من أمهها:‏<br />

1- ال يشرتط أن يعمّ‏ األمان واالستقرار يف الدّ‏ ولة املعلنة.‏<br />

2- ال يشرتط أن تكون الغلبة والسيطرة التامة للمسلمني عىل مناطق الدولة.‏<br />

3- يكفي أن تكون املنطقة مماثلة ملساحة املدينة النبوية وعدد سكانا إلعالن الدولة.‏<br />

ويف هذا التفسري تسطيح خطري وساذج ملعنى الدّ‏ ولة اإلسالمية،‏ ال يدعمه دليلٌ‏ رشعي،‏ وال نظر عقيل،‏ ومل<br />

يقل به أحدٌ‏ مِن أهل العلم قديامً‏ وال حديثًا،‏ بل فيه فتح لباب العبث بإطالق اسم الدولة أو اإلمارة<br />

عىل جمموعة مبان أو مناطق حمدودة بمجرد االستيالء <strong>عليها</strong>،‏ وهو ما حدث بالفعل يف عدد مِن الدول<br />

اإلسالمية عىل يد بعض احلركات،‏ وأيدها <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ يف ذلك،‏ كام حصل يف أحد مساجد غزة<br />

عىل يد مجاعة ‏)جند أنصار اهلل(‏ قبل سنوات،‏ وحيصل حاليًا بأخذ البيعات ‏)للخالفة(‏ مِن عدة تنظيامت<br />

يف بلدان خمتلفة،‏ تُقيم إمارات أو واليات يف بضع أبنية أو غرف!‏<br />

144


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فحسب،‏ دون بقية املسلمني،‏ بسبب ختوينهم،‏ ورميهم بالرِّ‏ دة والعاملة،‏ قال العدناين<br />

يف كلمته ‏)لن يرضوكم إال أذى(:‏ ‏»ما كان لنا أنْ‏ نشاور مِن الفصائل مَ‏ ن خيالفنا املنهج<br />

واملرشوع،‏ ويعمل ضدّ‏ نا يف اخلفاء والعلن،‏ أو مَ‏ ن جيتمع متآمرً‏ ا مع املخابرات علينا،‏<br />

بل ويوقّع عىل قتالنا..«‏ انتهى ))) .<br />

فهم قد اختزلوا األمّ‏ ة باملقاتلني دون بقية األمة وعلامئها،‏ ووجهائها،‏ ثم خوَّ‏ نوا<br />

الفصائل ورفضوها،‏ فلم يبقَ‏ إال هم أهالً‏ للعلم واملشورة والدّ‏ ين الصّ‏ حيح،‏ وقد جاء<br />

يف احلديث:‏ ‏)إِذا قالَ‏ الرّ‏ جلُ‏ : هَ‏ لكَ‏ النّاسُ‏ فهُ‏ وَ‏ أهْ‏ لكُ‏ هُ‏ مْ‏ ) ))) .<br />

ج-‏ بل إنَّ‏ أساس <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وهو ‏)دولة العراق اإلسالمية(‏ مل تكن عن<br />

مشورةٍ‏ مِن املسلمني يف العراق،‏ وال الفصائل العسكرية فيه،‏ فلم يوافق عىل قيام دولة<br />

التّنظيم يف العراق إال عددٌ‏ يسري من أتباع ال<strong>تنظيم</strong> دون استشارة ألهل احللّ‏ والعقد،‏<br />

كام سبق بيانه يف رسالة أيب سليامن العتيبي ‏-قايض ‏)دولة العراق اإلسالمية(-‏ للقيادة<br />

يف خراسان ))) .<br />

د-‏ عندما أُعلنت اخلالفة كان مَ‏ ن وافق عىل ذلك بضعةُ‏ نفرٍ‏ مِن أعضاء ال<strong>تنظيم</strong>!‏<br />

قال العدناين يف كلمته:‏ ‏)هذا وعد اهلل(:‏ ‏»اجتمع جملس شورى الدّ‏ ولة اإلسالمية،‏<br />

وتباحث هذا األمر،‏ بعد أن باتت الدّ‏ ولة اإلسالمية بفضل اهلل متتلك كلّ‏ مقوّ‏ مات<br />

))) ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ منهج منحرف يف نظرته للدولة،‏ وفهمه إلقامتها،‏ ونقاشها حيتاج ملزيد إيضاح وبسط،‏<br />

ويمكن لذلك مراجعة املقالني التاليني:‏<br />

نقاش هادئ حول فكر ‏)دولة اإلسالم يف العراق والشام(‏ )4( موقف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ من إقامة الدولة<br />

.http://syrianoor.net/revto/8122<br />

ونقاش هادئ حول فكر ‏)دولة اإلسالم يف العراق والشام(‏ )5( موقف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ من البيعة<br />

.http://syrianoor.net/revto/8384<br />

))) أخرجه مسلم )2024/4، برقم 2623(.<br />

))) سبقت ص )١٠٢(.<br />

145


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

اخلالفة،‏ والتي يأثم املسلمون بعدم قيامهم هبا،‏ وأنه ال يوجد مانع أو عذر رشعي لدى<br />

الدّ‏ ولة اإلسالمية؛ يرفع عنها اإلثم يف حال تأخرها أو عدم قيامها باخلالفة؛ فقررت<br />

الدّ‏ ولة اإلسالمية،‏ ممثّلة بأهل احلل والعقد فيها؛ مِن األعيان والقادة واألمراء وجملس<br />

الشورى )!( إعالن قيام اخلالفة اإلسالمية وتنصيب خليفة للمسلمني«‏ انتهى.‏<br />

ومعلومٌ‏ أنَّ‏ جملس الشورى هذا ال يتجاوز عدده البضعة عرش فردً‏ ا..‏<br />

والبيعة دون مشورة من املسلمني،‏ وأهل احلل والعقد فيهم،‏ بيعةٌ‏ باطلة بدعية.‏<br />

قال عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه:‏ ‏»مَ‏ ن بايع رجالً‏ عن غري مشورةٍ‏ مِن املسلمني<br />

فال يُبايع هو وال الذي بايعه،‏ تغرّ‏ ةً‏ أنْ‏ يُقتال«‏ ))) .<br />

وقال ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»واملعنى:‏ أنَّ‏ مَ‏ ن فعل ذلك فقد غرَّ‏ ر بنفسه وبصاحبه<br />

وعرَّ‏ ضهام للقتل«.‏<br />

4- ينبغي عدمُ‏ االغرتار بالشعارات والالفتات املرفوعة اخلالية مِن املضمون،‏ فاخلالفة<br />

إنام يعقدها مَ‏ ن كان عىل منهاج النبوة،‏ وليس مَ‏ ن كان عىل منهاج اخلوارج املارقني،‏ وقد<br />

تكرّ‏ ر مِن املنحرفني إعالن اخلالفة مرارً‏ ا يف التاريخ اإلسالمي،‏ فال غرابة يف ذلك«‏ ))) .<br />

((( أخرجه البخاري /8( ،169 رقم .)6830<br />

))) تكرر يف التاريخ أن أعلن عددٌ‏ من أهل البدع ‏)خالفات(‏ خاصة هبم يف بعض البلدان،‏ ومن ذلك:‏<br />

1- ادعى شبيب اخلارجيّ‏ اخلالفة يف عهد عبد امللك،‏ ومل ينلْها.‏<br />

2- يف سَ‏ نة 140 للهجرة،‏ دُ‏ عي باخلالفة لرأس اإلباضيَّة عبد األعىل بن السَّ‏ مح املعافري،‏ واستمرَّ‏ أربع<br />

سنوات،‏ ثم قتله املنصور عام ‎144‎ه.‏<br />

3- ويف طَ‏ نْجة دُ‏ عي للخِ‏ الفة ألمري اخلوارج،‏ وخاطبوه بأمري املؤمنني،‏ ثم قتله خالدُ‏ بن حبيب الفهريُّ‏ .<br />

4- وادَّ‏ عى املعز إسامعيل بن طغتكني حاكم زبيد أنَّه قُريش من بني أُميَّة،‏ وهو مِن أصلٍ‏ كُ‏ ردي،‏ خرج عن<br />

منهج أهل السنة وتشيَّع،‏ فخطَ‏ ب لنفسه باخلالفة،‏ وتلقَّ‏ ب باهلادي،‏ ثم هلَك سنة ‎598‎ه.‏<br />

ينظر:‏ إعالنُ‏ اخلِالفةِ‏ اإلسالميَّةِ‏ - رؤيةٌ‏ رشعيَّةٌ‏ واقعيَّةٌ‏ ، لعَ‏ لَوي بن عبدالقادر السَّ‏ قَّ‏ اف<br />

.http://dorar.net/article/1760<br />

146


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وبناءً‏ عليه:‏<br />

فإنّ‏ االستدالل بأحاديث وجوب الطاعة،‏ والبيعة كام سبق يف السؤال:‏ ‏)فوا ببيعة<br />

األول فاألول(،‏ و)إِذا بُويعَ‏ خلليفتني فاقتلوا اآلخِ‏ رَ‏ منهام(:‏ إنام هو فيمن جاء ينازع<br />

احلاكم الذي ثبتت واليته وحكمه،‏ وبايعه عامّ‏ ة الناس،‏ واستقرّ‏ ت له األمور،‏ وحصل<br />

له التّمكني،‏ فال يطاع هذا املنازع،‏ وال يُلتفت إليه،‏ وليس ملطلق األولية وملن سبق<br />

بإعالن نفسه خليفة،‏ ولو كان زعيم عصابة!.‏<br />

قال النّووي:‏ ‏»معنى هذا احلديث إذا بويع خلليفة بعد خليفة فبيعة األول صحيحة<br />

جيب الوفاء هبا،‏ وبيعة الثاين باطلة حيرم الوفاء هبا وحيرم عليه طلبها«‏ ))) .<br />

ثانيًا:‏ قد يُقال:‏<br />

إنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ قد تغلَّب عىل املناطق التي حيكمها،‏ فال بدّ‏ مِن طاعته واخلضوع<br />

له،‏ وقد نى الرشّ‏ عُ‏ عن اخلروج عىل احلكام،‏ ونزع اليد مِن طاعتهم.‏<br />

وقد أشار لذلك العدناين يف كلمته ‏)هذا وعد اهلل(‏ حيث قال:‏ ‏»بإعالن اخلالفة؛<br />

صار واجبًا عىل مجيع املسلمني مبايعة ونرصة اخلليفة إبراهيم حفظه اهلل،‏ وتبطل<br />

رشعيّة مجيع اإلمارات واجلامعات والواليات والتنظيامت،‏ التي يتمدّ‏ د إليها سلطانه،‏<br />

ويصلها جنده،‏ قال اإلمام أمحد رمحه اهلل،‏ يف رواية عبدوس بن مالك العطار:‏ ومَ‏ ن<br />

غلب عليهم بالسّ‏ يف؛ حتى صار خليفة،‏ وسُ‏ مّ‏ ي أمري املؤمنني:‏ فال حيلُّ‏ ألحد يؤمن<br />

باهلل أن يبيت وال يراه إمامً‏ ا،‏ برًّ‏ ا كان أو فاجرً‏ ا«‏ انتهى.‏<br />

ويف هذا الكالم أخطاء عديدة:‏<br />

))) رشح النووي )231/12(.<br />

147


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

1- فهو خلطٌ‏ بني ادعاء أنَّ‏ دولة ال<strong>تنظيم</strong> نتجت عن بيعة،‏ والدعوة لذلك،‏ ثم<br />

االحتجاج بالتغلُّ‏ ب لتقرير رشعيتها،‏ وهذا ال يستقيم فإنَّ‏ بينهام فروقًا عديدة.‏<br />

والدعوة للخضوع لدولة ال<strong>تنظيم</strong> المُ‏ تغلِّبة تُظهر جليًا أنَّ‏ البيعة مل تكن شاملة<br />

وال عامّ‏ ة،‏ وال كافية الستتباب حكم دولتهم؛ بدليل أنَّ‏ م أبطلوا رشعية مجيع اجلامعات<br />

والواليات والتنظيامت،‏ وهددوها،‏ ولو كانت بايعتهم ملا اضطروا لذلك.‏<br />

2- يف هذا الكالم ترشيعٌ‏ لالستبداد والقهر ممن يدعي ‏)اخلالفة عىل منهاج النبوة(،‏<br />

بناء عىل الفهم املغلوط حلقيقة مسألة ‏)إمامة املتغلب(‏ عند أهل السنة.‏<br />

فالطريقة الرشعية التي جاء هبا اإلسالم لتويل احلكم هي:‏ الشورى واالختيار،‏ مع<br />

ترك الطرق والوسائل التفصيلية املعتمدة يف ذلك لالجتهاد والتشاور.‏<br />

أما تويل احلكم تغلبًا دون رغبةٍ‏ مِن املسلمني فمحرّ‏ م،‏ قال ابن حجر اهليتمي رمحه<br />

اهلل:‏ ‏»املتغلب فاسق معاقَب،‏ ال يسْ‏ تَحقّ‏ أَن يبرش،‏ وال يُؤمر بِاإلْ‏ ‏ِحْ‏ سانِ‏ فِيام تغلب عليهِ،‏<br />

بل إِنَّامَ‏ يسْ‏ تَحق الزّ‏ جر واملقت واإلعالم بقبيح أَفعاله،‏ وفسادِ‏ أَحْ‏ واله«‏ ))) .<br />

وقال اجلويني رمحه اهلل:‏ ‏»إنّ‏ الذي ينتهض هلذا الشأن لو بادره مِن غري بيعةٍ‏ وحاجة<br />

مستفزة أشعر ذلك باجرتائه وغلوّ‏ ه يف استيالئه،‏ وتشوفه إىل استعالئه،‏ وذلك يسَ‏ مِ‏ ه<br />

بابتغاء العلوّ‏ يف األرض بالفساد«‏ ))) .<br />

وإنّام أجاز أهل العلم واليةَ‏ املتغلب يف حال الرضورة،‏ ال االختيار؛ تغليبًا للمصلحة<br />

العامة،‏ وبرشوطٍ‏ عديدة.‏<br />

))) الصواعق املحرقة عىل أهل الرفض والضالل والزندقة )627/2(.<br />

))) غياث األمم يف التياث الظلم ص )326(.<br />

148


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وممن فصَّ‏ ل الكالم يف ذلك املاوردي عند ذكر رشوط احلاكم املتغلب فقال رمحه<br />

اهلل:‏ ‏»وأما إمارة االستيالء التي تُعقد عن اضطرارٍ،‏ فهي أن يستويل األمريُ‏ بالقوة عىل<br />

بالد يقلِّده اخلليفة إمارهتا،‏ ويفوِّ‏ ض إليه تدبريها وسياستها،‏ فيكونُ‏ األمري باستيالئه<br />

مستبدًّ‏ ا بالسياسة والتدبري،‏ واخلليفة بإذنه منفذً‏ ا ألحكام الدين؛ ليخرج من الفساد إىل<br />

الصحة،‏ ومِن احلظر إىل اإلباحة.‏<br />

وهذا وإن خرج عن عُ‏ رف التَّقليد املطلق يف رشوطه وأحكامه،‏ ففيه مِن حفظ<br />

القوانني الرشعية وحراسة األحكام الدينية ما ال جيوز أن يُرتك خمتالً‏ خمذوالً‏ وال فاسدً‏ ا<br />

معلوالً‏ ، فجاز فيه مع االستيالءِ‏ واالضطرارِ‏ ما امتنع يف تقليد االستكفاء واالختيار؛<br />

لوقوع الفرق بني رشوط املُكنة والعجز«.‏<br />

ثم بنيَّ‏ رشوط هذا املتغلِّب بقوله:‏<br />

‏»أحدها:‏ حِ‏ فظ منصب اإلمامة يف خالفة النبوة،‏ وتدبري أمور املِلَّة...‏<br />

والثاين:‏ ظهورُ‏ الطاعة الدينية التي يزول معها حكم العِناد فيه،‏ وينتفي هبا إثم<br />

املباينة له.‏<br />

والثالث:‏ اجتامع الكلمة عىل األُ‏ لفة والتنارص؛ ليكون للمسلمني يدٌ‏ عىل مَ‏ ن<br />

سواهم.‏<br />

والرابع:‏ أن تكون عقود الواليات الدينية جائزة،‏ واألحكام واألقضية فيها نافذة،‏<br />

ال تبطل بفساد عقودها،‏ وال تسقط بخلل عهودها.‏<br />

واخلامس:‏ أن يكون استيفاءُ‏ األموال الرشعية بحقٍ‏ تربأ به ذمة مؤدهيا ويستبيحه<br />

آخذها.‏<br />

149


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

والسادس:‏ أن تكون احلدود مستوفاة بحق وقائمة عىل مستحق...‏<br />

والسابع:‏ أن يكون األمري يف حفظ الدين ورعً‏ ا عن حمارم اهلل،‏ يأمر بحقه إن أطيع،‏<br />

ويدعو إىل طاعته إن عُ‏ يص...«‏ ))) .<br />

فأين هذه الرشوط يف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(؟<br />

3- أخطرُ‏ ما يف مسألة إعالن اخلالفة ما ترتَّب <strong>عليها</strong> من اعتبارِ‏ أنَّ‏ ا احلقّ‏ الذي<br />

ال حميدَ‏ عنه،‏ وأنَّ‏ كل من خالفها فهو خارجٌ‏ عن طاعةِ‏ اإلمام الرشعي،‏ شاقٌّ‏ للصف<br />

مفرقٌ‏ للجامعة،‏ فظهر بسبب ذلك فسادٌ‏ عظيمٌ‏ ورشٌّ‏ مستطري؛ وقتل بسببه املسلمون،‏<br />

واستبيحت دماؤهم وأمواهلم ))) ، قال العدناين يف كلمة ‏)قل للذين كفروا ستغلبون(،‏<br />

والتي مألها هتديدً‏ ا ووعيدً‏ ا للمجاهدين:‏ ‏»سنفرّ‏ ق اجلامعات،‏ ونشق صفوف<br />

التنظيامت،‏ نعم ألنَّه مع اجلامعة ال مجاعات،‏ وسحقً‏ ا للتنظيامت،‏ سنقاتل احلركات<br />

والتجمعات واجلبهات،‏ سنمزق الكتائب واأللوية واجليوش حتى نقيض بإذن اهلل<br />

عىل الفصائل؛ فام يضعف املسلمني ويؤخر النرص إال الفصائل«‏ انتهى.‏<br />

ثالثًا:‏ حتى لو تغلَّب <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ عىل تلك املناطق وخضعت له فالواجب<br />

مدافعته وجهاده حسب اإلمكان؛ ملا فيه مِن انحراف وخروج عن الدّ‏ ين الصحيح<br />

يف االعتقاد،‏ ونرش البدعة والغلو،‏ وقتل املسلمني،‏ وهذه أقوال طائفة من أهل العلم<br />

يف ذلك:‏<br />

قال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»قال القايض:‏ فلو طرأ عليه كفرٌ‏ وتغيري للرشع،‏ أو بدعة<br />

خرج عن حكم الوالية،‏ وسقطت طاعته،‏ ووجب عىل املسلمني القيامُ‏ عليه وخلعه،‏<br />

))) األحكام السلطانية )66/1(.<br />

))) ‏)د.‏ فهد العجالن(.‏<br />

150


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك،‏ فإن مل يقع ذلك إال لطائفة وجب عليهم القيام<br />

بخلع الكافر،‏ وال جيب يف املبتدع إال إذا ظنوا القدرة عليه،‏ فإن حتققوا العجز مل جيب<br />

القيام،‏ وليهاجر املسلم عن أرضه إىل غريها ويفر بدينه«‏ ))) .<br />

وشبيهٌ‏ هبذا األمر ما حصل أيام غزو التتار الذين كان هلم القوة واملنعة واحلكم،‏ فلم<br />

يقبل املسلمون بالدخول يف حكمهم،‏ وقاتلوهم حتى طردوهم عن ديار املسلمني.‏<br />

وسئل ابن تيمية عن قتال التتار،‏ فقال رمحه اهلل:‏ ‏»كلُّ‏ طائفة ممتنعة عن التزام رشيعة<br />

من رشائع اإلسالم الظاهرة املتواترة؛ مِن هؤالء القوم وغريهم فإنه جيب قتاهلم حتى<br />

يلتزموا رشائعه،‏ وإن كانوا مع ذلك ناطقني بالشهادتني وملتزمني بعض رشائعه،‏<br />

كام قاتل أبو بكر الصديق والصحابة ريض اهلل عنهم مانعي الزكاة.‏ وعىل ذلك اتفق<br />

الفقهاء بعدهم...«‏ ))) .<br />

رابعً‏ ا:‏ من األخطاء التي وقع هبا <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وغريه من الغالة:‏ اعتقادُ‏ أنه<br />

ال جهاد،‏ وال إقامة لرشع اهلل ‏-تعاىل-‏ إال بإمارة ودولة،‏ وال يكون ذلك إال ببيعة؛<br />

لذا كان مههم وانشغاهلم بإقامة دولتهم،‏ وجتميع البيعات واألنصار،‏ وقتال املخالفني<br />

أكثر مِن مههم بمدافعة العدو،‏ ثم إنم التفتوا إىل بقية اجلامعات اجلهادية والشعب<br />

فأجربوهم عىل املبايعة أو القتال!.‏<br />

وقد فهموا كالم أهل العلم عىل غري وجهه،‏ ومن ذلك استدالهلم بكالم ابن تيمية<br />

رمحه اهلل بقوله:‏ ‏»جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل<br />

ال قيام للدين وال للدنيا إال هبا...‏ وألن اهلل ‏-تعاىل-‏ أوجبَ‏ األمر باملعروف والنهي عن<br />

))) رشح النووي )229/12(.<br />

))) جمموع الفتاوى )502/28(.<br />

151


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

املنكر،‏ وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة،‏ وكذلك سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإقامة<br />

احلج واجلمع واألعياد ونرص املظلوم،‏ وإقامة احلدود،‏ ال تتم إال بالقوة واإلمارة«‏ ))) .<br />

وهذا االستدالل غري صحيح،‏ وفيه خلط بني عدة أمور:‏<br />

1- كالم ابن تيمية هذا ‏-ومثله كثري يف كتب السياسة الرشعية-‏ يف أصل إقامة<br />

الدّ‏ ول،‏ ومعناه:‏ أنَّ‏ حياة الناس ال تستقيم إال بدولة وحاكم واحد؛ وإال شاعت<br />

الفوىض وانعدم األمن،‏ وهذا صحيحٌ‏ ال ينازع فيه أحدٌ‏ مِن املسلمني وال غريهم.‏<br />

لكن هذا يكون يف حال التمكني واستقرار األحوال.‏<br />

أما يف حال جهاد الدفع:‏ فإنَّه ال يشرتط إقامة دولة،‏ وال إمارة،‏ كام ال يشرتط له<br />

اجتامع عىل أمريٍ‏ واحد إال من باب وحدة الكلمة ونزع االختالف.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»أما قتال الدفع فهو أشدّ‏ أنواع دفع الصائل عن احلُ‏ رمة<br />

والدين فواجب إمجاعً‏ ا؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ال يشء أوجب بعد<br />

اإليامن مِن دفعه،‏ فال يشرتط له رشطٌ‏ ، بل يُدفع بحسب اإلمكان،‏ وقد نص عىل ذلك<br />

العلامء أصحابنا وغريهم«‏ ))) .<br />

وقال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»فقتال الدَّ‏ فع أوسع من قتال الطَّ‏ لب وأعمُّ‏ وجوبًا،‏ وهلذا<br />

يتَعَ‏ نيَّ‏ عىل كل أحد...‏ وجياهد فِيهِ‏ العَ‏ بْد بِإِذن سَ‏ يّده وبدُ‏ ون إِذْ‏ نه،‏ والْولد بِدُ‏ ونِ‏ إِذن<br />

أبويه،‏ والغَ‏ ريم بِغَ‏ ريْ‏ إِذن غَ‏ رِيمه...«‏ ))) .<br />

))) جمموع الفتاوى )390/28(.<br />

))) الفتاوى الكربى )538/5(.<br />

((( الفروسية .)188/1(<br />

152


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فال يشرتط لصحة جهاد الدفع وجود أمري وال إذنه،‏ بل يكفي أن يقيم الناس أمراء<br />

وقادة ‏)أصحاب الواليات اخلاصة(‏ لينتظم أمر القتال.‏<br />

كام ال يُشرتط إلقامة الدين واحلكم بالرشع وجود إمارةٍ‏ عامة أو دولة،‏ بل ينزَّ‏ ل<br />

هؤالء األمراء مكان اإلمام،‏ وحيكمون بني الناس بام يستطيعونه ويقدرون عليه من<br />

أحكام الدين.‏<br />

قال ابن حجر اهليتمي رمحه اهلل:‏ ‏»إذا عدِ‏ م السّ‏ لطانُ‏ لزم أهلَ‏ الشّ‏ وكة الذين هم أهلُ‏<br />

احللّ‏ والعقد ثَمّ‏ ؛ أن ينصبوا قاضيًا،‏ فتنفذ حينئذ أحكامُ‏ ه للرضّ‏ ورة امللجئة لذلك«‏ ))) .<br />

وقال أبو املعايل اجلويني رمحه اهلل:‏ ‏»لو خال الزّ‏ مانُ‏ عن السّ‏ لطان فحقٌّ‏ عىل قُطّ‏ ان كلّ‏<br />

بلدةٍ،‏ وسكّ‏ ان كلِّ‏ قريةٍ،‏ أنْ‏ يقدّ‏ موا مِن ذوي األحالم والنُّهى،‏ وذوي العقول واحلِجا<br />

مَ‏ ن يلتزمون امتثالَ‏ إشاراته وأوامره،‏ وينتهون عن مناهيه ومزاجره؛ فإنّ‏ م لو مل يفعلوا<br />

ذلك،‏ تردّ‏ دوا عند إملام املهامّ‏ ت،‏ وتبلّدوا عند إظالل الواقعات«‏ ))) .<br />

واجلهادُ‏ يف العامل اإلسالمي اليوم هو جهادُ‏ دفعٍ‏ للصّ‏ ائل املعتدي،‏ وال يُشرتط فيه<br />

إال ما قرَّ‏ ره أهلُ‏ العلم،‏ ودلَّت عليه النّصوص الرشّ‏ عية.‏<br />

ولو وصل األمرُ‏ إىل رضورة اجتامع الكلمة،‏ وتوحيد الفصائل أو الكتائب،‏ أو بداية<br />

إقامة الدّ‏ ولة،‏ فإنَّ‏ ذلك ال بدّ‏ أن يكون عن اتفاق وشورى كام سبق بيانه ))) .<br />

))) حتفة املحتاج )261/7(.<br />

))) غياث األمم )387/1(.<br />

))) ظهر يف <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وغريه مِن تنظيامت الغالة عقدُ‏ الوالء والرباء عىل تنظيامهتم ومشاريعها،‏<br />

واحلرص الشديد عىل إعالن الدول وإنشاء اإلمارات،‏ مع االستيالء عىل مراكز الثروة،‏ ومكامن القوة،‏<br />

واستاملة السكان واستقدام األتباع لتقوية تنظيامهتم،‏ بل ال يكادون يسمعون بمكان يقوم فيه اجلهاد<br />

أو املقاومة إال ويتطفلون عليه،‏ ثم يزعمون أنم األحقّ‏ بحكمه،‏ ويكفّ‏ رون غريهم ويقتلونم بسبب=‏<br />

153


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

خامسً‏ ا:‏ يعتمد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وأمثاله عىل نرش فكر ‏»البيعة«،‏ وإهيام أتباعهم أنا<br />

مِن أعظم الواجبات التي ال جيوز التّخيلّ‏ عنها،‏ وإلزامهم هبا،‏ ثم التّحذير مِن عدم<br />

الوفاء هبا،‏ أو تركها مهام كانت الظّ‏ روف،‏ ويستدلون عىل ذلك بام ييل:‏<br />

1- وجوب البيعة،‏ لقوله #: ‏)إِذَ‏ ا خَ‏ رَ‏ جَ‏ ثَالَ‏ ثَةٌ‏ يفِ‏ سَ‏ فَ‏ رٍ‏ فَلْيُؤَ‏ مِّ‏ رُ‏ وا أَحَ‏ دَ‏ هُ‏ مْ‏ ) ))) .<br />

وقوله:‏ ‏)مَ‏ ن ماتَ‏ وليس يف عُ‏ نُقِهِ‏ بَيْعَ‏ ةٌ‏ ، ماتَ‏ مِيتةً‏ جاهليّةً‏ ) ))) .<br />

2- وجوب الطاعة وعدم جواز نقض البيعة بقوله #: ‏)مَ‏ ن بايعَ‏ إِمامً‏ ا فَأعطاهُ‏<br />

ثَمَ‏ رةَ‏ قَلبهِ‏ وصَ‏ فْ‏ قةَ‏ يَدِ‏ هِ،‏ فلْيُطِ‏ عهُ‏ ما اسْ‏ تَطاعَ‏ ) ))) .<br />

‏=ذلك،‏ بل ويقتتلون فيام بينهم <strong>عليها</strong>،‏ فلبَّس عليهم الشيطان دينهم فاعتقدوا أنَّ‏ اجلهاد والدعوة ال تقوم<br />

إال بدولة وحكم،‏ وأنّه ال دينَ‏ صحيحَ‏ إال ما كانوا عليه؛ فوضعوا احلكم نصب أعينهم والوصول إىل<br />

السلطة بكل طريقةٍ‏ مهام كانت؛ ليطبقوا رشع اهلل الصحيح كام يزعمون،‏ فأضحوا بترصفاهتم تلك<br />

طالب سلطة،‏ وأصحاب دنيا،‏ وإن رفعوا يف ذلك شعارات ‏)إن احلكم إال هلل(،‏ أو ‏)حتكيم الرشيعة(،‏<br />

فأشبهوا بذلك اخلوارج األولني.‏<br />

ذكر أبو حيان التوحيديّ‏ يف كتابه ‏»البصائر والذخائر«‏ )156/1(: أنّه ‏»أتى رجلٌ‏ من اخلوارج احلسنَ‏<br />

البرصي فقال له:‏ ما تقول يف اخلوارج؟ قال:‏ هم أصحاب دنيا،‏ قال:‏ ومِن أين قلتَ‏ ، وأحدُ‏ هم يميش<br />

يف الرمّ‏ ح حتى ينكس فيه،‏ وخيرج مِن أهله وولده؟<br />

قال احلسن:‏ حدّ‏ ثْني عن السلطان أيمنعك مِن إقامة الصّ‏ الة،‏ وإيتاء الزكاة،‏ واحلجّ‏ والعمرة؟ قال:‏ ال،‏ قال:‏<br />

فأُراه إنام منعك الدنيا فقاتلته <strong>عليها</strong>«.‏<br />

وبسبب غلوهم يف مشاريعهم،‏ وعنفهم مع كل من خالفهم،‏ وقعوا يف أشدِّ‏ مما نقموه من الطّ‏ غاة الذين<br />

زعموا أنم خرجوا عليهم،‏ فصاروا يكفّ‏ رون،‏ ويستبيحون الدماء ملجرد خمالفة مرشوعهم،‏ ويقتلون<br />

مَ‏ ن يرتكهم،‏ أو يتخىل عن بيعتهم،‏ ويُغدقون أوصافَ‏ التعظيم والعصمة عىل مرشوعهم ودولتهم<br />

وحكامها،‏ ويرفضون مراجعتَها،‏ أو إعادة النّظر فيها!.‏<br />

))) أخرجه أبو داود )306/3، برقم 2608(.<br />

))) أخرجه مسلم )1478/3، برقم 1851(.<br />

))) أخرجه أبو داود )302/6، برقم 4248(، وابن ماجه )103/5، برقم 3956(، وأمحد )54/6،<br />

برقم 6501(.<br />

154


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

3- عقوبة مَ‏ ن خلع يدَ‏ ه مِن البيعة ولو بالقَ‏ تل بحديث:‏ ‏)مَ‏ ن أتاكمْ‏ وأمرُ‏ كم مجيعٌ‏<br />

عىل رجلٍ‏ واحدٍ‏ يريدُ‏ أنْ‏ يشقّ‏ عصاكم،‏ أو يفرّ‏ ق مجاعتَكم فاقتلوه(‏ ))) .<br />

4- عدمُ‏ جواز بيعة شخصٍ‏ آخر بام سبق مِن أحاديث.‏<br />

ويف هذا الكالم العديد مِن املغالطات،‏ وبيانا يف النقاط التالية:‏<br />

النقطة األوىل:‏<br />

املراد بالبيعة:‏ إعطاءُ‏ العهد عىل السّ‏ مع والطّ‏ اعة.‏<br />

قال ابن منظور رمحه اهلل:‏ ‏»والبَيْعةُ‏ : الصَّ‏ فْ‏ قةُ‏ عَ‏ ىل إِجياب البيْع،‏ وعىل المُ‏ بايعةِ‏<br />

والطاعةِ.‏ والبَيْعةُ‏ : المُ‏ بايعةُ‏ والطّ‏ اعةُ‏ . وقَدْ‏ تبايَعُ‏ وا عىل األَمر:‏ كقولِك أصفقوا عليه،‏<br />

وبايَعه عليه مُ‏ بايَعة:‏ عاهَ‏ ده«‏ ))) .<br />

وقال اخلازن رمحه اهلل:‏ ‏»وأصلُ‏ البيعة:‏ العقدُ‏ الذي يعقده اإلنسانُ‏ عىل نفسه مِن<br />

بذل الطاعة لإلمام،‏ والوفاء بالعهد الذي التزمه له«‏ ))) .<br />

وسُ‏ ميت بذلك ألنم كانوا إذا بايعوا األمريَ‏ جعلوا أيدهيم يف يده تأكيدً‏ ا للعهد،‏<br />

فأشبه ذلك فعلَ‏ البائع واملشرتي،‏ فسمِّ‏ يت بيعةً‏ ، وصارت البيعةُ‏ مصافحةً‏ باأليدي.‏<br />

قال ابن خلدون رمحه اهلل:‏ ‏»اعلم أنّ‏ البيعةَ‏ هي العهد عىل الطّ‏ اعة،‏ كأنّ‏ املبايِع يعاهد<br />

أمريَه عىل أنَّه يسلِّم له النَّظرَ‏ يف أمر نفسه،‏ وأمور املسلمني ال ينازعه يف يشء مِن ذلك،‏<br />

ويطيعه فيام يكلّفه به مِن األمر عىل املنشط واملكره«‏ ))) .<br />

))) أخرجه مسلم )1480/3، برقم 1852(.<br />

))) لسان العرب )26/8(.<br />

))) لباب التأويل يف معاين التنزيل ‏»تفسري اخلازن«‏ )156/4(.<br />

))) ديوان املبتدأ واخلرب ‏»تاريخ ابن خلدون«‏ )261/1(.<br />

155


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وإذا أطلقت البيعةُ‏ فإنّ‏ املقصودَ‏ هبا بيعةُ‏ احلاكم الذي يتوىل أمورَ‏ الرعيّة وتدبري<br />

شؤونم،‏ وهذا املعنى هو املقصود يف النّصوص الرشعية،‏ والذي جاء يف كتب أهل<br />

العلم عند رشح األحاديث النبوية،‏ ويف كتب السياسة الرشعية،‏ ومجيع األحكام<br />

الواردة يف البيعة إنام هي يف بيعة اإلمام،‏ أي احلاكم العام.‏<br />

وقد كانت بيعة العقبة األوىل والثانية مِن هذه البيعة؛ فهي بيعةٌ‏ عىل النّبوة،‏ وعىل<br />

احلكم.‏<br />

النقطة الثانية:‏<br />

تُعقد البيعة للحاكم من أهل احلل والعقد،‏ وبمشورةٍ‏ من عامة املسلمني،‏ وبالرشوط<br />

والكيفية السابق ذكرها ))) .<br />

ويرتتَّب عىل البيعة للحاكم أمورٌ‏ عديدة،‏ مِن أمهها:‏<br />

وجوب السّ‏ مع والطاعة باملعروف،‏ وحتريمُ‏ مبايعة حاكم آخر،‏ وحتريم نزع اليد مِن<br />

البيعة أو نقضها دون موجبٍ‏ رشعي،‏ وحتريم عقد بيعةٍ‏ أخرى لغري احلاكم.‏<br />

النقطة الثالثة:‏<br />

ورد يف بعض النصوص إطالقُ‏ البيعة يف حال احلرب لإلمام نفسه،‏ فهي جتديدٌ‏<br />

للبيعة العامة،‏ وما فيها من تذكري بالتزام املقاتلني بالطاعة،‏ وحث املقاتلني عىل الصرب<br />

يف املعركة.‏<br />

جاء يف صحيح مسلم يف ‏)باب استحباب مبايعة اإلمام اجليش عند إرادة<br />

القتال(:‏ عن جابرٍ‏ ريض اهلل عنه قال:‏ ‏)كُ‏ نَّا يَوْ‏ مَ‏ احلْ‏ ُ دَ‏ يْبِيَةِ‏ أَلْفً‏ ا وَ‏ أَرْ‏ بَعَ‏ مِائَةٍ،‏ فَبَايَعْ‏ نَاهُ‏<br />

((( ص .)١٤٣(<br />

156


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وَ‏ عُ‏ مَ‏ رُ‏ آخِ‏ ذٌ‏ بِيَدِ‏ هِ‏ حتَ‏ ‏ْتَ‏ الشَّ‏ جَ‏ رَ‏ ةِ،‏ وَ‏ هِ‏ يَ‏ سَ‏ مُ‏ رَ‏ ةٌ‏ ، وَ‏ قَالَ‏ : بَايَعْ‏ نَاهُ‏ عَ‏ ىلَ‏ أَنْ‏ الَ‏ نَفِرَّ‏ ، وَ‏ ملَ‏ ْ نُبَايِعْ‏ هُ‏<br />

عَ‏ ىلَ‏ املْ‏ ‏َوْ‏ تِ‏ ) ))) .<br />

وكام ورد عن عيل بن أيب طالب ‏-ريض اهلل عنه-‏ يوم صفني من قوله:‏ ‏»من يبايعني<br />

عىل املوت؟«‏ ))) .<br />

قال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»فالبيعة ‏)عىل أن ال نفر(‏ معناه:‏ الصرب حتى نظفر بعدونا<br />

أو نقتل،‏ وهو معنى ‏)البيعة عىل املوت(،‏ أي نصرب:‏ وإن آل بنا ذلك إىل املوت،‏ ال أن<br />

املوت مقصود يف نفسه،‏ وكذا ‏)البيعة عىل اجلهاد(‏ أي:‏ والصرب فيه«‏ ))) .<br />

وقد تكون لقائد اجليش يف أرض املعركة بمعنى ‏)املعاهدة عىل القتال(،‏ لتصبري<br />

املقاتلني،‏ وتشجيعهم،‏ وتقوية معنوياهتم.‏<br />

فقد ‏»جعل عيل عىل مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعني ألفً‏ ا<br />

بايعوه عىل املوت«‏ ))) .<br />

وورد عن عكرمة ‏-ريض اهلل عنه-‏ أنه نادى يف معركة الريموك:‏ ‏»مَ‏ نْ‏ يُبَايِعُ‏ عَ‏ ىلَ‏<br />

املْ‏ ‏َوْ‏ تِ‏ ؟ فَبَايَعَ‏ هُ‏ احلْ‏ ‏َارِثُ‏ بْنُ‏ هِ‏ شَ‏ امٍ‏ وَ‏ رضِ‏ َ ارُ‏ بْنُ‏ األَزْ‏ وَ‏ رِ‏ يف أربعامئة مِنْ‏ وُ‏ جُ‏ وهِ‏ املْ‏ ‏ُسْ‏ لِمِ‏ نيَ‏<br />

وَ‏ فِرْ‏ سَ‏ انِ‏ ‏ِمْ‏ » ))) .<br />

ويقصد هبا هنا البيعة اللغوية التي هي بمعنى االتفاق واملعاهدة،‏ وال يتعدَّ‏ ى أثرها هذا<br />

املوضع فحسب،‏ بداللة أنَّه ليس هلذا املبايَع إال منارصته أثناء احلمل عىل العدو فحسب.‏<br />

))) أخرجه مسلم )1483/3، برقم 1856(.<br />

))) سري أعالم النبالء،‏ للذهبي )33/4(.<br />

))) رشح النووي )3/13(.<br />

))) أخرجه يف فتح الباري )63/13(.<br />

))) تاريخ الرسل وامللوك ‏»تاريخ الطربي«‏ )401/3(.<br />

157


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقد نبَّه إىل الفرق بني بيعة األمري والبيعة يف أرض املعركة صحابة رسول اهلل #،<br />

فعنْ‏ عبدِ‏ اهللِ‏ بنِ‏ زَ‏ يدٍ‏ ‏-ريضِ‏<br />

اهلل عنهُ‏ - قال:‏ ‏»ملَ‏ ‏َّا كَ‏ انَ‏ زَ‏ مَ‏ نُ‏ احلَرَّ‏ ةِ‏ أَتَاهُ‏ آتٍ‏ فَقَ‏ الَ‏ لَهُ‏ : إِنَّ‏ ابْنَ‏<br />

حَ‏ نْظَ‏ لَةَ‏ يُبَايِعُ‏ النَّاسَ‏ عَ‏ ىلَ‏ املَوْ‏ تِ‏ ، فَقَ‏ الَ‏ : ال أُبَايِعُ‏ عَ‏ ىلَ‏ هَ‏ ذَ‏ ا أَحَ‏ دً‏ ا بَعْ‏ دَ‏ رَ‏ سُ‏ ولِ‏ اهللِ‏ #« ))) .<br />

قال القسطالين رمحه اهلل:‏ ‏»والفرق أنه عليه الصالة والسالم يستحق عىل كل مسلم<br />

أن يفديه بنفسه بخالف غريه«‏ ))) .<br />

النقطة الرابعة:‏<br />

من اخلطأ يف هذه املسألة اخللط بني مسائل اإلمارة،‏ والعمل اجلامعي،‏ والبيعة.‏<br />

حيث اعتقد القائلون بالبيعة لغري اإلمام احلاكم أنَّ‏ كلّ‏ أمريٍ‏ ال بدّ‏ أن تُعقد له بيعةٌ‏ ،<br />

واستدلوا بأحاديث اإلمارة والتّأمري عىل لزوم البيعة،‏ وهذا خطأ.‏<br />

فاإلمارة تُعقد لالجتامع عىل رأي واحد وعدم النّزاع،‏ وقد حثَّ‏ <strong>عليها</strong> النبي # يف<br />

األمور اليسرية كالسفر تنبيهً‏ ا عىل ما هو أعظم منها،‏ قالَ‏ #: ‏)إِذَ‏ ا خَ‏ رَ‏ جَ‏ ثَالَ‏ ثَةٌ‏ يفِ‏ سَ‏ فَ‏ رٍ‏<br />

فَلْيُؤَ‏ مِّ‏ رُ‏ وا أَحَ‏ دَ‏ هُ‏ مْ‏ ) ))) .<br />

قالَ‏ اخلطّ‏ ايب رمحه اهلل:‏ ‏»إنّام أمر بذلك؛ ليكون أمرُ‏ هم مجيعً‏ ا،‏ وال يتفرّ‏ ق هبم الرأيُ‏ ،<br />

وال يقع بينهم اختالفٌ‏ » ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»أوجب # تأمريَ‏ الواحد يف االجتامع القليل العارضِ‏ يف<br />

السّ‏ فر؛ تنبيهً‏ ا بذلك عىل سائر أنواع االجتامعِ‏ » ))) .<br />

))) أخرجه البخاري )50/4، برقم 2959(.<br />

))) إرشاد الساري )121/5(.<br />

))) أخرجه أبو داود )251/4، برقم 2609(.<br />

))) معامل السنن )260/2(.<br />

))) جمموع الفتاوى )390/28(.<br />

158


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقال الشوكاين رمحه اهلل:‏ ‏»ومع التّأمري يقلّ‏ االختالفُ‏ ، وجتتمع الكلمةُ‏ ، وإذا رشُ‏ ع<br />

هذا لثالثةٍ‏ يكونون يف فالةٍ‏ مِن األرضِ‏ ، أو يسافرون فرشعيتُه لعددٍ‏ أكثرَ‏ يسكنون<br />

القرى واألمصارَ‏ ، وحيتاجون لدفع التّظاملِ،‏ وفصل التّخاصم أوىل وأحرى«‏ ))) .<br />

ومل يرد يف هذه النصوص الرشعية،‏ وأقوال أهل العلم ما يدلّ‏ عىل البيعة يف مثل<br />

هذه األحوال،‏ وال تسميةُ‏ اإلمارة بالبيعة،‏ بل مجيعُ‏ ذلك مبتدعٌ‏ حمدث.‏<br />

وفرقٌ‏ بني إمارةٍ‏ خمصوصةٍ‏ يف الزمن والغاية،‏ والسلطات،‏ وبني بيعة هي من جنس<br />

بيعة احلكام.‏<br />

- كام اعتقد بعضهم أنَّ‏ العمل اجلامعي ال يقوم وال يتنظَّ‏ م إال ببيعة،‏ وهذا إلزام بام<br />

ال يلزم،‏ وال دليل عليه،‏ ف<strong>تنظيم</strong> العمل اجلامعي راجعٌ‏ إىل حتديد الصالحيات،‏ وتقسيم<br />

األعامل،‏ وال ارتباط له ببيعة وال إمارة.‏<br />

وال بد من اإلشارة إىل أنَّ‏ القائلني ببيعة اجلامعات يستدلون عىل كالمهم بالتوسُّ‏ ع<br />

يف بيان احلكمة من ترشيع اإلمارة،‏ أو فضائل العمل اجلامعي،‏ وهذا مما خالف فيه،‏<br />

وهو خارج حمل النزاع ))) .<br />

))) نيل األوطار )294/8(.<br />

))) تاريخ ظهور بيعات اجلامعات يف التاريخ اإلسالمي حيتاج ملزيد بحث وحترير،‏ ويمكن باستعراضٍ‏<br />

رسيع تسجيل التايل:‏ أول ما ظهرت بيعات اجلامعات يف التاريخ اإلسالمي عىل يد اخلوارج الذين<br />

كفروا احلكام وأسقطوا والياهتم،‏ واعتربوا أنَّ‏ بيعة مجاعتهم هي البيعة الرشعية،‏ ثم تتالت اجلامعات<br />

املنحرفة التي ادعت اخلالفة،‏ أو اإلمارة،‏ أو املهدية،‏ وبخاصة اجلامعات الباطنية بمختلف أنواعها.‏<br />

ثم خطت البيعات خطوة أخرى داخل املجتمع املسلم دون إسقاطٍ‏ لبيعة اإلمام احلاكم،‏ كام ظهرت عند<br />

الطرق الصوفية،‏ والتي ارتبطت بيعة املشايخ فيها بأخذ العهد وامليثاق،‏ وسند الطريقة،‏ والغلو يف<br />

طاعة الشيخ،‏ واالمتثال ألمره وعدم معصيته،‏ ثم انتقلت لبعض اجلامعات الدعوية املعارصة،‏ بيشء<br />

مشابه لذلك،‏ ومنها إىل مجاعات الغلو ملا اعتنقت تكفري الدول واحلكومات،‏ وانعزلت عن املجتمع،‏<br />

واختذت لنفسها أفكارً‏ ا ادعت صحتَها دون سواها.‏<br />

159


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

النقطة اخلامسة:‏<br />

مما سبق يتَّضح أنَّ‏ ما يعرف باسم ‏)بيعة اجلامعات(‏ سواء كانت دعوية أو جهادية<br />

أمر بدعيٌ‏ غري مرشوع،‏ ال دليلَ‏ عليه من كتاب أو سنة،‏ أو عمل السّ‏ لف أو أقوال أهل<br />

العلم،‏ بل هي مِن آثار االنعزال عن املجتمع والتاميز عنه بجامعة حترص احلق يف دعوهتا<br />

أو مجاعتها.‏<br />

فالعمل ضمن هذه اجلامعات أو املؤسسات،‏ واالنضامم إليها هو من جنس العقود<br />

بني الطرفني،‏ والوفاء هبذا العقد،‏ ما مل خيالف حكامً‏ رشعيًا كأي عقدٍ‏ آخر؛ لعموم<br />

النصوص احلاثة عىل الوفاء بالعقود،‏ كقوله تعاىل:‏ ‏}يَا ‏َأيُّهَ‏ ا الَّذِ‏ ينَ‏ آمَنُوا ‏َأوْفُوا بِالْعُقُودِ{‏<br />

‏]املائدة:‏ 1[، وقوله:‏ ‏}وََأوْفُوا بِالْعَهْ‏ دِ‏ ‏ِإنَّ‏ الْعَهْ‏ دَ‏ كَ‏ نَ‏ مَسْ‏ ئُولً‏ } ‏]النحل:‏ 91[.<br />

وللشّ‏ خص العامل فيها طلب اإلقالة مِن هذا العهد بعد إبراء ذمته بتسليم عهدته<br />

مِن أدواتٍ‏ أو عتاد وسالح،‏ كام يقع التحلّل مِن هذا العهد بانتهاء الغرض الذي<br />

تعاقدوا عليه،‏ كانتهاء القتال ونحوه،‏ وال حيرم عليه إناء تعاقده أو عمله،‏ إال ما<br />

يكون لبعض هذه األعامل من خصوصية كالفصائل املقاتلة؛ ألنَّ‏ يف تركها بسبب<br />

مشاحنة أو اختالف يف وجهات النّظر ختلخلَ‏ الصّ‏ فوف،‏ وإضعافَ‏ املجاهدين.‏<br />

وليس لقائد هذه اجلامعة ما للحاكم الرشعي،‏ مِن البيعة،‏ أو احلقوق املرتتبة <strong>عليها</strong>،‏<br />

وليس له إلزام األفرادِ‏ بالطّ‏ اعة التي هي من جنس طاعة احلاكم.‏<br />

كام أنَّ‏ تعدُّ‏ د البيعات هلذه اجلامعات سيؤدي إىل تفريق كلمة املسلمني،‏ والتعصب<br />

هلا،‏ وعقد الوالء والرباء <strong>عليها</strong>،‏ واحلبٍّ‏ والبغض عىل مسمياهتا،‏ ومجيعُ‏ ذلك داخلٌ‏<br />

فيام حذر اهلل منه من التفرق واالختالف،‏ واجلامعة احلق التي يُعقد هلا الوالء واملحبة<br />

160


القسم األول:‏ الرَّد على الشُّ‏ به المتعلِّقة بمنهج <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

والنرصة بإطالقٍ‏ هي مجاعة املسلمني العامة،‏ وهو مقتىض أخوة الدين ))) .<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ خالفةَ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ تفتقد جلميع مقوّ‏ مات الدّ‏ ولة،‏ بدءً‏ ا مِن<br />

قيامها عىل يد فئة خارجية منحرفة العقيدة،‏ معتدية عىل املسلمني جيب دفع رشّ‏ ها<br />

ورضرها،‏ إىل افتقادها للشّ‏ ورى،‏ ورضا املسلمني،‏ فال تعدو أن تكون كبقية حركات<br />

اخلوارج التي ظهرت يف التاريخ اإلسالمي رسعان ما تزول.‏<br />

))) قال الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد رمحه اهلل:‏ ‏»واخلالصة:‏ أنَّ‏ البيعة يف اإلسالم واحدة من ذوي<br />

الشوكة:‏ أهل احلل والعقد لويل املسلمني وسلطانم،‏ وأن ما دون ذلك من البيعات الطرقية واحلزبية<br />

يف بعض اجلامعات اإلسالمية املعارصة كلها بيعات ال أصل هلا يف الرشع،‏ ال من كتاب اهلل وال سنة<br />

رسوله عليه الصالة والسالم،‏ وال عمل صحايب وال تابعي،‏ فهي بيعات مبتدعة،‏ وكل بدعة ضاللة،‏<br />

وكل بيعة ال أصل هلا يف الرشع فهي غري الزمة العهد،‏ فال حرج وال إثم يف تركها ونكثها،‏ بل اإلثم<br />

يف عقدها؛ ألنَّ‏ التعبد هبا أمر حمدث ال أصل له،‏ ناهيك عام يرتتب <strong>عليها</strong> من تشقيق األمة وتفرقها<br />

شيعً‏ ا وإثارة الفتن بينها،‏ واستعداء بعضها عىل بعض،‏ فهي خارجة عن حد الرشع سواء سميت بيعة<br />

أو عهدً‏ ا أو عقدً‏ ا«.‏ ينظر:‏ حكم االنتامء إىل الفرق واألحزاب واجلامعات اإلسالمية،‏ ص )182(.<br />

161


القسم الثاني:‏<br />

الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة الثالثة عشرة<br />

لماذا المسارعة إلى إعالن الحرب على <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ قبلَ‏<br />

محاورته؟<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

سارعت الكتائبُ‏ والفصائل يف بالد الشّ‏ ام إىل قتال التّنظيم قبل حماورته والنّقاش<br />

معه،‏ وكان الواجبُ‏ احلوارَ‏ وحماولةَ‏ التّوصل معه إىل اتفاقٍ‏ حيقن الدّ‏ ماء،‏ ويمنع<br />

احلرب.‏<br />

ثم إنَّ‏ احلقيقة التي ال ينبغي إنكارُ‏ ها أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مل يعلن احلربَ‏ عىل الفصائل،‏<br />

بل إنَّ‏ الفصائل األخرى هي مَ‏ ن أعلن القتالَ‏ واحلرب عليه،‏ فهي املسؤولةُ‏ عن سفك<br />

الدّ‏ ماءِ،‏ وما آلت إليه األمور،‏ وكان بإمكانا االنشغالُ‏ بالدّ‏ فاع عن املسلمني،‏ وقتال<br />

النظام املجرم،‏ وخاصة أنّ‏ قادة ال<strong>تنظيم</strong> أعلنوا مرارً‏ ا أنم ال يرغبون يف القتال،‏ وطالبوا<br />

الفصائل بالتّخلية بينهم وبني األعداء!.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشّ‏ بهة:‏<br />

ما حصل بالفعل يف بداية األمر هو احلوار،‏ واملناصحة،‏ والدعوة إىل التّحاكم<br />

للرشيعة،‏ لكنّ‏ موقفَ‏ التّنظيم الرافض،‏ واملستمر يف االعتداء هو الذي أوصل األمورَ‏<br />

إىل ما هي عليه،‏ ويتَّضح هذا األمر مِن خالل النقاط التالية:‏<br />

165


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

أوالً‏ : أعلن <strong>تنظيم</strong>ُ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ عن مرشوعه ‏-وذلك بعد انطالق اجلهاد،‏ وتأسيس<br />

اجلامعات-‏ دون مشورةٍ‏ مِن أيّ‏ فصيل عسكري أو هيئة رشعية،‏ ممّا أثار الكثريَ‏ مِن<br />

التّساؤالت لدى عامّ‏ ة النّاس،‏ فقامت اهليئاتُ‏ الرشّ‏ عيةُ‏ ، والروابط العلمية السورية<br />

ببذل جهدها يف احتواء هذه املسألة،‏ فأصدرت موقفً‏ ا علنيًا مِن هذه اخلطوة؛ إجابةً‏<br />

للنّاس عىل تساؤالهتم،‏ وبيانًا للموقف الرشّ‏ عي من هذه احلادثة،‏ وذلك يف بيان ‏)حول<br />

الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام وبيعة جبهة النّرصة(،‏ والذي وضَّ‏ حت فيه أسبابَ‏<br />

رفض هذا اإلعالن املتمثلة يف:‏<br />

1- االفتئات عىل أهل احللّ‏ والعقد يف بالد الشّ‏ ام بإعالن دولةٍ‏ وبيعة دون استشارةٍ‏<br />

ألحدٍ‏ مِن أهلها،‏ فضالً‏ عن إرشاك علامئها وجماهدهيا.‏<br />

2- املخاطر املستقبلية املرتتِّبة عىل هذا اإلعالن ))) .<br />

ورافق ذلك تواصلُ‏ عرشات الرشّ‏ عيني واملهتمني مع أطرافٍ‏ عديدةٍ‏ مِن قيادات<br />

التّنظيم؛ ملحاولة احتواء هذا اإلعالن،‏ أو التّخفيف مِن آثاره،‏ وإجياد السّ‏ بل لرأب<br />

الصّ‏ دع،‏ لكنّها مل تلق أيَّ‏ جتاوب أو اهتامم.‏<br />

ومع استمرار التّنظيم يف اعتدائه عىل املجاهدين والدّ‏ عاة باالعتقال،‏ والتّعذيب،‏<br />

والقتل،‏ واحتالل املناطق،‏ تتالت املواقف واخلطابات حسب تطور مواقف التّنظيم،‏<br />

واعتدائه عىل الكتائب:‏<br />

حيث صدر ‏)بيان إىل الفصائل والكتائب املجاهدة يف سوريا(‏ والذي حثّ‏<br />

بأسلوبٍ‏ عامٍّ‏ عىل:‏<br />

))) وللمزيد ينظر:‏ بيان ‏)حول الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام وبيعة جبهة النرصة(‏<br />

.http://islamicsham.org/letters/824<br />

166


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

1- دعوة كافّة الفصائل إىل توحيد الصّ‏ فّ‏ جتاه اهلدف األساس،‏ وهو إسقاط النّظام.‏<br />

2- التّحذير مِن التّفرق وخطورته.‏<br />

3- احلث عىل إصالح ذات البَني،‏ وإن مل تتمكن الفصائلُ‏ مِن الصّ‏ لح فيكون<br />

االتفاقُ‏ عىل هيئة رشعية مِن العلامء واحلكامء لالحتكام هلا،‏ وااللتزام بام تُصدره.‏<br />

4- التّحذير مِن تكفري الفصائل األخرى،‏ واستباحة دمائهم،‏ وأنَّ‏ ذلك ينذر برشٍّ‏<br />

خطري،‏ ويوقع يف فتنة عمياء تأيت عىل األخرض واليابس ))) .<br />

ثم صدر ‏)بيانٌ‏ حول ترصفات <strong>تنظيم</strong> الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام(،‏ والذي<br />

فصَّ‏ ل أهمّ‏ املخالفات التي وقع فيها التّنظيم،‏ ثم قرَّ‏ ر:‏<br />

1- دعوة قيادات <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ إىل أنْ‏ تفيء إىل احلق،‏ وتستمع إىل الناصحني<br />

املخلصني،‏ وتصحّ‏ ح هذه املخالفات واألخطاء.‏<br />

2- حتميل <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ مسؤولية االنتهاكات واجلرائم نتيجة استمرارها يف<br />

بغيها وعدوانا.‏<br />

3- مناشدة أهل العلم ممّن مل تزل هلم كلمة مسموعة عند <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ أن يقولوا<br />

كلمة احلقّ‏ دون مواربة.‏<br />

4- دعوة داعمي اجلهاد يف سوريا أنْ‏ يتقوا اهللَ،‏ ويتحرّ‏ وا يف توجيه أمواهلم وأموال<br />

املسلمني؛ لئال تكون سببًا يف سفك دماء املسلمني،‏ والفتِّ‏ يف عضد املجاهدين ))) .<br />

))) ينظر:‏ ‏)بيان إىل الفصائل والكتائب املجاهدة يف سوريا(‏<br />

./http://islamicsham.org/letters 1312<br />

))) ينظر:‏ ‏)بيان حول ترصفات <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام(‏<br />

.http://islamicsham.org/letters/1431<br />

167


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ورافق هذه البيانات واخلطابات الكثري مِن املناصحات واملناقشات رسًّ‏ ا وعلنًا مع<br />

قادة التّنظيم كام سبق بيانه،‏ لكن ذلك مل يزد هذا التّنظيم إال غلوً‏ ا وبعدً‏ ا عن احلقّ‏ .<br />

ثم كان للعديد مِن شخصيات تيار ‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏ وقفات وحوارات مع <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدّ‏ ولة(‏ ملدّ‏ ةٍ‏ طويلة،‏ ومتتازُ‏ هذه الوقفات باألمهية لطبيعة العالقة الفكرية والتّنظيمية<br />

بينهام،‏ وقد سبقت اإلشارة إىل بعضها ))) .<br />

وقد كان مصريها مجيعً‏ ا الرفضُ‏ وعدمُ‏ االستجابة مِن التّنظيم،‏ ومنها:‏ ‏)مبادرة<br />

اهلدنة بني الفصائل(‏ التي أعلنتها أربع عرشة شخصية مِن تيار ‏)السّ‏ لفية اجلهادية(‏<br />

قبيل عيد األضحى يف ذي احلجة عام ‎1435‎ه،‏ وكان مِن أهم بنودها:‏ ‏»ندعو مجيع<br />

الفصائل يف الشّ‏ ام والعراق إىل كفّ‏ القتال فيام بينها عىل أن يبدأ ذلك يف موعد أقصاه<br />

ليلة عرفة لعلّ‏ اهلل ‏-تعاىل-‏ يُنزل رمحاته عىل الشّ‏ ام وأهله بدعاء حشود املسلمني يف<br />

هذا اليوم العظيم..‏<br />

عىل أن يتوىل اإلخوةُ‏ يف أنصار الدّ‏ ين الرباط عىل احلدود بني الطرفني لتُضبط تلك<br />

احلدودُ‏ ، وهتدأ نقاط التّامس...«‏ انتهى.‏<br />

وقد تمّ‏ متديدُ‏ وقت املبادرة لعرشة أيام،‏ ثم انتهت مجيعً‏ ا دون أيِّ‏ موافقةٍ‏ مِن <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدّ‏ ولة(،‏ ثم انتهى املوعد اآلخر دون موافقة التّنظيم ))) !.<br />

((( ص .)٤١(<br />

))) وقد أصدر أصحاب اهلدنة بيانًا بعد فشل املبادرة ينصّ‏ عىل أنَّ‏ املبادرة كانت:‏ ‏»استجابة لنداء إخواننا<br />

مِن الداخل السوري،‏ رغبة يف حقن دماء املجاهدين وتفريغهم لرد هجمة التحالف الصليبي املرتد؛<br />

فبادرنا بذلك حرصً‏ ا عىل توجيه البنادق واملدافع إىل وجهتها الصحيحة،‏ وجتاوب معنا وراسلنا إخوة<br />

أفاضل تلبية للمبادرة،‏ وصمت آخرون،‏ وانتقد اهلدنة غريهم،‏ وفهمنا مِن بيانات بعضهم رفضها،‏<br />

وذكر لنا إخوة ممن راسلونا أنّ‏ ما طلبناه يف هذه اهلدنة موجود بالفعل حاليًا عىل أرض الواقع،‏ وأن<br />

القتال اليوم بينهم وبني الدّ‏ ولة يكاد يكون معدومً‏ ا حتى ما كان يف ريف حلب الشاميل صار جبهة=‏<br />

168


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فهل بعد كل هذه املبادرات واملراسالت من أطراف عديدة يُقال:‏ ملاذا مل تناقشوا؟<br />

أم مل حتاوروا؟ وماذا قدم ال<strong>تنظيم</strong> يف مقابل هذه املبادرات غري الرفض والتعنُّت؟<br />

ثانيًا:‏ بينام كان ال<strong>تنظيم</strong> يُعلن عىل املأل رشوطً‏ ا للقبول هبذه املبادرات،‏ أو اجللوس<br />

للمحكمة،‏ مثل إعالن املوقف من بعض دول العامل،‏ أو بيان احلكم الرشعي يف<br />

‏»الديمقراطية«‏ ونحوها،‏ كان يُسِ‏ ُّ يف هذه املراسالت بالسبب احلقيقي لالمتناع<br />

عن القبول هبا،‏ وهو أنَّه يرى نفسَ‏ ه ‏)دولة(‏ هلا حاكم رشعيٌ‏ واجب الطاعة عىل<br />

اجلميع،‏ بينام بقيةُ‏ خصومه جمرد فصائل خارجة عن طاعته،‏ والطّ‏ ريقةُ‏ الوحيدة ‏-يف<br />

نظره-‏ حللّ‏ النزاع:‏ هي حلُّ‏ الفصائل لنفسها،‏ وإعالن الوالء ل<strong>تنظيم</strong> الدولة،‏ ومِن<br />

ثَمّ‏ الرتّ‏ افع ملحاكمه!.‏<br />

ومع ما يف هذا من كذبٍ‏ وخداعٍ‏ وتقيَّة،‏ وغلوٍّ‏ يف نزع الرشّ‏ عية واملصداقية عن بقية<br />

الفصائل،‏ واحتكارها،‏ فإنَّ‏ فيه جهالً‏ ببدهييّات القضاء وفصل النّزاعات،‏ والتّعامل<br />

مع اخلصوم؛ فاخلالف بني شخصني أو جهتني إنَّام حيُ‏ لُّ‏ بِطرفٍ‏ ثالث ولو كان أحدمها<br />

حاكامً‏ ، وما زال خُ‏ لفاءُ‏ املسلمنيَ‏ وحكامهم وسلف األمة جيلسون أمامَ‏ القضاء مع<br />

خصومهم من عامة الناس الذين حتت حكمهم،،‏ وال يمنعهم مِن ذلك يشء،‏ فكيف<br />

بمن ال يقرّ‏ هلم هبذا السلطان؟<br />

‏=شبه هادئة،‏ وأن تبادالً‏ ألسارى مفعل بني األطراف،‏ وأن هناك أطرافًا رئيسة مهمة معروفة لن تؤيد<br />

أيّ‏ هدنة،‏ ومِن ثَمّ‏ فلن تؤيت الدعوة إليها ثامرها«‏ انتهى.‏<br />

دون حتديد السم الطّ‏ رف الرافض!.‏<br />

بل قام صالح الدين الشيشاين ‏-قائد جيش املهاجرين واألنصار-‏ أحد التشكيالت األساسية جلبهة أنصار<br />

الدين بمبادرةٍ‏ منه لوقف القتال بني <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ واألطراف األخرى،‏ فكانت اإلجابة بالرفض؛<br />

والسّ‏ بب أنّ‏ التّنظيم يعتقد فعليًا بكفر اجلبهة اإلسالمية وجبهة النرصة.‏ ينظر املقابلة:‏<br />

.http://www.youtube.com/watch?v=qoNPvnFrkEU&feature=youtu.be<br />

169


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

170<br />

ثمّ‏ أظهر ال<strong>تنظيم</strong> بعد ذلك سببًا آخر كان خيفيه،‏ أال وهو تكفري هذه الفصائل،‏<br />

واحلكم <strong>عليها</strong> بالرِّ‏ دّ‏ ة واخلروج مِن الدّ‏ ين،‏ وأنّ‏ الطريقة الوحيدة حللّ‏ األزمة بإعالن<br />

توبتها ومبايعتها للتّنظيم!.‏<br />

ثالثًا:‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ هو مَ‏ ن بدأ بإعالن احلرب عىل الفصائل األخرى فكريًا<br />

وعسكريًا:‏<br />

فأمّ‏ ا فكريًا:‏ فألنَّ‏ مرشوعَ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ يقوم عىل إلغاء أيِّ‏ مرشوعٍ‏ آخر،‏ جهاديًا<br />

كان،‏ أو سياسيًا،‏ أو اجتامعيًا أو مدنيًا،‏ ويرى التّنظيم أنه الوحيد الذي يُقيم رشعَ‏ اهلل،‏<br />

وأنَّ‏ كلَّ‏ <strong>تنظيم</strong> آخر هو مرشوع عاملةٍ‏ وحربٍ‏ عىل اإلسالم!‏ وبالتّايل فإنَّه حيكم عليه<br />

بالعاملة واخليانة،‏ والكفر والرّ‏ دّ‏ ة.‏<br />

فوجودُ‏ أيِّ‏ <strong>تنظيم</strong> آخر هو بمثابة إعالن احلرب عليه،‏ والعداء له ابتداءً‏ ؛ لذا<br />

فإنَّه يَرصف معظم جهده يف القضاء عىل التّنظيامت األخرى،‏ واستهداف القيادات<br />

املجتمعية باالغتيال والتّصفية.‏<br />

ومِن األدلة عىل ذلك ما ييل:‏<br />

1- قال العدناين يف كلمته ‏)لن يرضّ‏ وكم إال أذىً‏ (:<br />

‏»إنّ‏ مرشوعنا هذا يقابله مرشوعان؛ األول:‏ مرشوع دولة مدنيّةٍ‏ ديمقراطية،‏<br />

مرشوع علامين تدعمه مجيع مللِ‏ الكفر قاطبةً‏ ‏...خوفًا مِن إعادة سلطان اهلل إىل أرضه،‏<br />

وإقامة اخلالفة اإلسالمية..‏<br />

وأمّ‏ ا املرشوع الثاين؛ فمرشوعُ‏ دولة حملّية وطنيّة تسمّ‏ ى إسالمية ... إنّ‏ هذا املرشوع<br />

ظاهرُ‏ ه:‏ إسالمي،‏ وحقيقته:‏ مرشوعُ‏ دولةٍ‏ وطنيّة،‏ ختضع للطّ‏ واغيت يف الغرب،‏ وتتبع<br />

هلم يف الرشّ‏ ق،‏ هيدف حلرف مسار اجلهادِ،‏ وتوجيه رضبةٍ‏ له يف الصّ‏ ميم...«.‏


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ثمّ‏ يقول:‏ ‏»وإنّ‏ الدّ‏ ولة اإلسالمية يف العراق والشام تواجه عىل هذا الصّ‏ عيد أرشسَ‏<br />

احلروب؛ إذ إنّ‏ هلا يف هذا املضامر ثالثةَ‏ خصوم؛ الكفار بجميع أبواقهم...‏ واملرتدّ‏ ون<br />

مِن بني جلدتنا بكلّ‏ أطيافهم وعلامء سوئهم،‏ وأهلُ‏ األهواء وأرباب البدع وأصحاب<br />

املناهج املنحرفة مِن املسلمني...‏ بل وحتى مِن بعض مَ‏ ن حيُ‏ سَ‏ ب عىل املجاهدين«‏ انتهى.‏<br />

2- وما إنْ‏ أعلن التّنظيمُ‏ عن ‏)خالفته(‏ حتى سارع إىل جتديد موقفِه مِن الفصائل<br />

األخرى،‏ فقال العدناين يف كلمته ‏)هذا وعد اهلل(:‏ ‏»وننبّه املسلمني:‏ أنّه بإعالن اخلالفة؛<br />

صار واجبًا عىل مجيع املسلمني مبايعةُ‏ ونرصة اخلليفة إبراهيم حفظه اهلل،‏ وتبطل رشعيّةُ‏<br />

مجيع اإلمارات واجلامعات والواليات والتّنظيامت،‏ التي يتمدّ‏ د إليها سلطانُه،‏ ويصلها<br />

جندُ‏ ه«‏ انتهى.‏<br />

وهذا البيان وحدَ‏ ه إعالنُ‏ حربٍ‏ عىل مجيع الفصائل العسكرية،‏ واهليئات الرشّ‏<br />

عية،‏<br />

واملنظّ‏ امت االجتامعية يف مجيع األرض،‏ ولو مل يرفع عليهم سالحً‏ ا،‏ ومل يقتل منهم<br />

أحدً‏ ا،‏ فكيف وقد فعل ما هو أشنع من ذلك؟<br />

وبناءً‏ عىل إعالن احلرب هذا فإنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> الدولة يَعترب متدَّ‏ ده أليّ‏ مناطقَ‏ جديدةٍ‏<br />

دخوالً‏ ملناطقه التابعةِ‏ له رشعً‏ ا،‏ وأنّ‏ اآلخرين هم البغاة واملعتدون!.‏<br />

أمّ‏ ا عىل أرض الواقع:‏ فقد بدأ التّنظيم فور اإلعالن عن نفسِ‏ ه العمل عىل تطبيق<br />

أفكاره املنحرفة،‏ فبدأ باعتقال القيادات الثّورية ‏)اإلعالمية،‏ واإلغاثية،‏ والدّ‏ عوية(،‏<br />

وقتَلَ‏ العديدَ‏ منها بزعم التّكفري والرّ‏ دّ‏ ة،‏ مع التّوسع واالستيالء عىل أرايض وممتلكات<br />

الفصائل األخرى التي حرّ‏ رت املناطق مِن النّظام،‏ متّخذً‏ ا يف سبيل ذلك كلَّ‏ وسيلةٍ‏<br />

حتى ولو كانت غريَ‏ مرشوعة،‏ مِن غدرٍ‏ باملجاهدين،‏ ونقضٍ‏ للعهود بعد إعطاء<br />

األمان،‏ مستغالً‏ تورُّ‏ عَ‏ الكثريِ‏ مِن املجاهدين عن مدافعته؛ لظنهم ابتداءً‏ أنه قتالُ‏ فتنة!‏<br />

171


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وعىل الرغم مِن كلّ‏ املناشدات واملطالبات مل تتوقف هذه التّرصفات،‏ بل ازدادت<br />

مع مرور الزّ‏ من،‏ وما هذه التّرصفات إال إعالنُ‏ حربٍ‏ مِن التّنظيم يف حقيقة األمر،‏<br />

ولو نفى ذلك.‏<br />

فالشُّ‏ بهة التي ذُ‏ كرت مبنيّة عىل تصوّ‏ رٍ‏ غري صحيح ملعنى إعالن احلرب،‏ ومغالطةٌ‏<br />

لسري األحداث وتسلسلها؛ فاحلربُ‏ مع هذا التّنظيم قائمةٌ‏ بالفعل ملجرِّ‏ د وجوده،‏<br />

فضالً‏ عن قيامه باستباحة دماء وأموال املسلمني،‏ ونقض العهود واملواثيق،‏ ورفض<br />

التّحاكم للرشّ‏ ع،‏ ولو مل ينطق بكلمةِ‏ ‏)إعالن احلرب(.‏<br />

وقد عدَّ‏ النبي # نقضَ‏ العهود واملواثيق،‏ وقتلَ‏ الرّ‏ سل،‏ إعالنًا للحرب مِن<br />

املرشكني،‏ ولو مل يرفعوا شعاراتٍ‏ بإعالنا،‏ فاستباح بذلك قتاهلم ودماءهم،‏ بل إنَّه قد<br />

عدَّ‏ قتلَ‏ مرشكٍ‏ مِن حلفائه نقضً‏ ا للعهد وإعالنًا للحرب،‏ فكيف بقتل مسلم؟<br />

فقد روى أصحابُ‏ السري والسّ‏ نن أنّ‏ النّبي # لامّ‏ عقد صلحَ‏ احلديبية،‏ دخلت<br />

قبيلةُ‏ خُ‏ زاعةَ‏ يف عهد رسول اهلل #، ودخل بنو بكر يف عهد قريش،‏ ثمّ‏ ما لبث بنو بكر<br />

أن غدروا ببني خزاعة،‏ وأعانت قريشٌ‏ بني بكر بالسّ‏ الح والرّ‏ جال،‏ فانطلق عمرو بن<br />

سامل اخلزاعي إىل رسول اهلل # يف املدينة مستغيثًا ومستنجدً‏ ا،‏ فقال له عليه الصالة<br />

والسالم:‏ ‏)نُرصتَ‏ يا عمرُ‏ و بنَ‏ ساملٍ(،‏ ومجع جيشَ‏ ه،‏ وتوجّ‏ ه لفتح مكّ‏ ة،‏ وعىل الرغم<br />

مِن حماولة قريش لالعتذار عامّ‏ حصل،‏ وإرسال أيب سفيان لتجديد الصّ‏ لح إال أنَّ‏<br />

الرسول # أبى ذلك ))) .<br />

- ما فعلته الفصائلُ‏ األخرى مِن الرد عىل بيانات ال<strong>تنظيم</strong> ‏-املليئة بإعالن احلرب،‏<br />

والتّخوين والتّكفري-‏ ببيانات التّحذير وفضح املامرسات،‏ وبيان احلكم الرشّ‏ عي يف<br />

))) أخرجه البيهقي يف السنن الكربى )390/9، برقم 18859(.<br />

172


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

هذه التّرصفات،‏ <strong>والرد</strong>ِّ‏ عىل عدوانه باملدافعة والقتال إنّام جاء تاليًا لفعله،‏ ومل يصدر<br />

ابتداءً‏ .<br />

مع أنَّ‏ ابتداء قتال اخلوارج مرشوعٌ‏ ولو مل يبدؤوا بالقتال كام سيأيت بيانه ))) ، فكيف<br />

بمن بالغ يف الولوغ يف الدماء؟<br />

ولو قيل:‏ إنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ يقاتل الفصائل،‏ وهم يقاتلونا،‏ فالقتال حاصلٌ‏<br />

واقعً‏ ا،‏ وكون من بدأ ال يؤثر يف حقيقةِ‏ أنَّ‏ كل طرف يرى أن اآلخر يقاتله؛ فهذا باطلٌ‏<br />

ومردود؛ إذ ال مساواةَ‏ بني حمُ‏ ق يطالب بإقامة الرشع عىل املعتدين،‏ وبني مُ‏ عتدٍ‏ مستمرٍ‏<br />

يف عدوانه وانتهاك حرمات اهلل.‏<br />

رابعًا:‏ ال ينبغي أن تكون احلوارات،‏ والرتّ‏ فق بالنقاش سببًا لسفك الدّ‏ ماء املحرمة،‏<br />

والغدر باملجاهدين،‏ وذريعةً‏ لتمرير الباطل والبغي والعدوان،‏ فال تناقضَ‏ بني إقامة<br />

احلجة عىل املعتدين وبني دفع عدوانم.‏<br />

فقد أرسل عيلُّ‏ بنُ‏ أيب طالب عبدَ‏ اهلل بنَ‏ عباسٍ‏ - ريض اهلل عنهم - إىل اخلوارج<br />

فحاورهم،‏ وأقام عليهم احلجّ‏ ة،‏ ثم أمر بقتاهلم،‏ وهكذا كان حالُ‏ املسلمني مع اخلوارج<br />

يف كلّ‏ عرصٍ‏ ومرصٍ‏ .<br />

ففي الوقت الذي كانت تُوجَّ‏ ه فيه الدّ‏ عوات إىل التّنظيم للحوار والنقاش وعدم<br />

القتال،‏ وتُعقد املبادرات،‏ وتُطلق النّداءات،‏ وتُرسل الرّ‏ سائل،‏ كان التّنظيم يتامدى يف<br />

غدره وخيانته،‏ ويوجّ‏ ه مفخّ‏ خاته وانتحارييه الستهداف مقرّ‏ ات الكتائب األخرى،‏<br />

مستخدمً‏ ا حضورَ‏ اللّقاءات واملفاوضات غطاءً‏ هلجامته بعد أخذ األمان وإعطاء<br />

العهود،‏ فاستشهد عددٌ‏ مِن القادة والدّ‏ عاة بذلك الغدر.‏<br />

((( ص .)200(<br />

173


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

كام كان يوجه األرتالَ‏ الحتالل املناطق والبلدات مومهًا املجاهدين برغبته يف<br />

اخلروج مِن املنطقة،‏ أو الرّ‏ غبة يف التّوجه ملناطق النّظام،‏ وإذا به يغدر هبم،‏ ويفاجئهم<br />

يف مقراهتم.‏<br />

فهو بذلك قد نقض العهود واملواثيق واهلدن التي كان يُسعى إلقامتها بني الطّ‏ رفني،‏<br />

وعمل بعكس ما ينادي به،‏ فقتل وحارب أثناء الدّ‏ عوات للحوار واإلصالح املزعوم!.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ أمّ‏ ا مرادُ‏ التّنظيم مِن قوله:‏ ‏)خَ‏ لُّ‏ وا بيننا وبني أعدائنا،‏ خلوا بيننا وبني<br />

الرافضة(:‏ أن ال يكون أليِّ‏ <strong>تنظيم</strong> مرشوعٌ‏ منافس،‏ وأن ال يرتكب ما يعدُّ‏ ه التّنظيم<br />

عاملةً‏ أو خيانة،‏ بل أن تدخل كافّةُ‏ التّنظيامت يف طاعته وإمرته!‏ ال ‏-كام يفهمها<br />

السذَّ‏ ج-‏ طلبُ‏ تركِ‏ قتاله،‏ والتّفرُّ‏ غ لقتال النّظام ))) .<br />

وترديد هذا العبارات وما فيها من دعاوى ال يعني أنّ‏ م مصيبون فيها،‏ أو أنَّ‏ م عىل<br />

حقٍّ‏ ، فليس كلُّ‏ صاحب دعوى مصيبًا،‏ كام يف نفيهم صفة اخلارجية عن أنفسهم.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ قد أعلن احلربَ‏ عىل سائر الفصائل املجاهدة،‏<br />

واملكوّ‏ نات الثّورية،‏ وبادرها باإللغاء واإلبطال،‏ ثم التّكفري والقتل واالعتقال بالغدر<br />

واخليانة،‏ ورفض كلَّ‏ نصيحةٍ‏ له،‏ أو حوارٍ‏ معه،‏ وطعن يف مجيع مَ‏ ن ناقشه وجادله،‏<br />

ومجيعُ‏ ذلك إعالنٌ‏ رصيحٌ‏ للحرب وإن راوغَ‏ وخادَ‏ ع وزعم غري ذلك.‏<br />

))) تقرتن هذه املقوالت يف خطاباهتم بادعاءت املظلومية ‏)لك اهلل أيتها الدّ‏ ولة املظلومة(،‏ ‏)كفّ‏ وا عنا(،‏<br />

‏)جئنا لنرصتكم،‏ رفدناهم بام يف بيت املال مناصفة...(‏ يف عويل ولطم يشابه لطميات وادعاءات<br />

اليهود يف ‏)اهلولوكوست النازي(،‏ والرافضة يف ‏)اللطميات الكربالئية(،‏ ولعلّ‏ مِن أسوئها ادعاءات<br />

اغتصاب نساء ‏)املهاجرين(،‏ والتي ثبت كذهبا وبطالنا،‏ يف استغالل بشعٍ‏ للعواطف،‏ بالكذب<br />

والبهتان.‏<br />

174


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة الرابعة عشرة<br />

في صفوف التّنظيم مغررٌ‏ بهم،‏ ومَ‏ ن نيّته إرادةُ‏ الخير<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

عىل فرض أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ منحرفٌ‏ فكيف جتُ‏ يزون قتالَه ويف صفوفه مَ‏ ن<br />

هو مغرَّ‏ رٌ‏ به وخمدوعٌ‏ ، ومَ‏ ن نيتُه إرادة اخلري ونرصته،‏ واجلهاد يف سبيل اهلل،‏ فكيف<br />

تستبيحون قتاهلَ‏ م وسفك دمائهم؟<br />

كام أنَّه ليس هناك مصلحةٌ‏ يف قتال <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(،‏ أو االنشغال بالرّ‏ دّ‏ عليه،‏ بل<br />

املصلحةُ‏ يف حشد الطّ‏ اقات ضدّ‏ النّظام،‏ حتى ال تتشتّت اجلهود،‏ وتضعف الثّورة،‏<br />

وهذا ليس يف مصلحةِ‏ أحدٍ‏ ، فلم ال يؤجّ‏ ل حلُّ‏ اخلالفات إىل ما بعد إسقاط النّظام؟<br />

اإلجابة عن الشُّ‏ بهة:‏<br />

هذه املقولةُ‏ مبنيّة عىل عدم تصوّ‏ ر املسألة تصوّ‏ رً‏ ا صحيحً‏ ا واقعيًا،‏ وبيانُ‏ ذلك يف<br />

النقاط التّالية:‏<br />

أوالً‏ : األصلُ‏ يف الطّ‏ وائف التي هلا قوّ‏ ةٌ‏ وشوكة ومَ‏ نَعة،‏ وهلا قيادةٌ‏ تأمتر بأمرها،‏<br />

وتسمع وتطيع هلا،‏ ورايةٌ‏ تقاتل حتتَها:‏ أن يكون التّعاملُ‏ معها باملجموع العام،‏ وما<br />

يغلب <strong>عليها</strong>،‏ وما يظهر منها مِن عقائد وترصفات.‏<br />

فإن أظهرت هذه الطّ‏ ائفةُ‏ العقائدَ‏ اخلارجية:‏ فهي طائفةُ‏ خوارجَ‏ ، وإن ظهر منها<br />

البغيُ‏ فهي طائفةُ‏ بغاةٍ،‏ وهكذا يف مجيع الطوائف واألديان واجلامعات،‏ فحُ‏ كم الطّ‏ ائفة<br />

175


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

يشمل مجيعَ‏ أفرادها،‏ وال يتوقف احلكم <strong>عليها</strong> أو التّعامل معها عىل خمالفةِ‏ بعض<br />

أفرادها لعامّ‏ ة الطّ‏ ائفة.‏<br />

فإذا ثبت أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ <strong>تنظيم</strong>ٌ‏ خارجيُّ‏ املعتقد،‏ فيشمل حكمُ‏ ه مجيعَ‏ األفراد،‏<br />

ويُقاتَلون مجيعً‏ ا دون تفريقٍ‏ بينهم.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»والطّ‏ ائفةُ‏ إِذا انترص بَعْ‏ ضُ‏ ها بِبَعْ‏ ض حتّى صارُ‏ وا ممتنعني<br />

فهم مشرتكون يف الثَّواب والعقاب...‏<br />

فأعوانُ‏ الطَّ‏ ائِفَ‏ ة املمتنعة وأنصارُ‏ ها مِنْها فِيام هلَ‏ ‏ُم وعليهم،‏ وهكَ‏ ذا املقتتلون عىل<br />

باطِ‏ ل الَ‏ تأوِيلَ‏ فِيهِ‏ مثل املقتتلني عىل عصبيّةٍ‏ ودَ‏ عوى جاهِ‏ لِيَّة...؛ ألِ‏ ‏َنّ‏ الطّ‏ ائِفَ‏ ةَ‏ الواحِ‏ دَ‏ ة<br />

المُ‏ مْ‏ تَنع بَعْ‏ ضُ‏ ها بِبَعْ‏ ض كالشّ‏ خص الواحِ‏ د«‏ ))) .<br />

وسُ‏ ئل ابنُ‏ تيمية عن أجنادٍ‏ يمتنعون عن قتال التّتار ويقولون:‏ إنّ‏ فيهم مَ‏ ن خيرج<br />

مكرَ‏ هً‏ ا معهم،‏ وإذا هرب أحدُ‏ هم هل يُتبع أم ال؟<br />

فأجاب:‏<br />

‏»احلمد هلل ربّ‏ العاملني،‏ قتالُ‏ التّتار الذين قدموا إىل بالد الشام واجبٌ‏ بالكتاب<br />

والسنّة...‏<br />

وقد اتّفق علامءُ‏ املسلمني عىل أنّ‏ الطّ‏ ائفة املمتنعةَ‏ إذا امتنعت عن بعضِ‏ واجبات<br />

اإلسالم الظّ‏ اهرة املتواترة فإنّه جيب قتاهلُ‏ ا...‏<br />

والتّتار وأشباهُ‏ هم أعظمُ‏ خروجً‏ ا عن رشيعة اإلسالم مِن مانعي الزكّ‏ اة واخلوارج<br />

مِن أهل الطّ‏ ائف الذين امتنعوا عن ترك الرّ‏ با.‏ فمَ‏ ن شكّ‏ يف قتاهلم فهو أجهلُ‏<br />

))) جمموع الفتاوى )312/28(.<br />

176


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

النّاس بدين اإلسالم،‏ وحيث وجب قتاهلُ‏ م قوتلوا وإن كان فيهم املكرَ‏ ه باتّفاق<br />

املسلمني...«‏ ((( .<br />

وقد كان الرّ‏ سولُ‏ # خيُ‏ اطب رؤساء القبائل،‏ وامللوك،‏ والزُّ‏ عامء،‏ وينذرهم ويُقيم<br />

عليهم احلجّ‏ ة،‏ فإنْ‏ ساملوه أو أسلموا:‏ كان سِ‏ لمُ‏ ه هلم وألقوامهم،‏ وحرَّ‏ م دماءهم<br />

وأمواهلم مجيعً‏ ا،‏ وإنْ‏ حاربوه حارهبم مجيعً‏ ا،‏ واستحلّ‏ منهم ذلك،‏ دون أن يكون ذلك<br />

لكلِّ‏ فردٍ‏ مِن أفراد قومهم أو جيوشهم.‏<br />

ثم قاتل الصحابة - ريض اهلل عنهم - املمتنعني عن أداء الزكّ‏ اة،‏ وفتحوا البلدان،‏<br />

وقاتلوا اخلوارجَ‏ . وعىل ذلك جرى أهلُ‏ العلم يف أقواهلم وعملهم،‏ ومل يشرتط أحدٌ‏<br />

منهم أال يكون يف صفوف املُقاتلني مَ‏ ن هو مغرَّ‏ رٌ‏ به،‏ أو خمدوع،‏ أو جاهل؛ إذً‏ ا لتوقف<br />

اجلهاد يف سبيل اهلل!‏<br />

ثانيًا:‏ إذا كان يف أفراد هذه الطّ‏ وائف مَ‏ ن له عذرٌ‏ مِن جهلٍ‏ ، أو تغريرٍ،‏ أو غري ذلك:‏<br />

فإنه يُبعث عىل نيّته يوم القيامة،‏ كام ورد يف حديث عائشة ريض اهلل عنها،‏ عن النّبي #<br />

أنّه قال:‏ ‏)إِنَّ‏ نَاسً‏ ا مِنْ‏ أُمَّ‏ تِي يَؤُ‏ مُّ‏ ونَ‏ بِالْبَيْتِ‏ بِرَ‏ جُ‏ لٍ‏ مِنْ‏ قُرَ‏ يْشٍ‏ ، قَدْ‏ جلَ‏ ‏َأَ‏ بِالْبَيْتِ‏ ، حَ‏ تَّى إِذَ‏ ا<br />

كَ‏ انُوا بِالْبَيْدَ‏ اءِ‏ خُ‏ سِ‏ فَ‏ هبِ‏ ‏ِمْ‏ ، فَقُ‏ لْنَا:‏ يَا رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ‏ إِنَّ‏ الطَّ‏ رِيقَ‏ قَدْ‏ جيَ‏ ‏ْمَ‏ عُ‏ النَّاسَ‏ ، قَالَ‏ : نَعَ‏ مْ‏ ،<br />

فِيهِمُ‏ املْ‏ ‏ُسْ‏ تَبْرصِ‏ ُ وَ‏ املْ‏ ‏َجْ‏ بُورُ‏ وَ‏ ابْنُ‏ السَّ‏ بِيلِ‏ ، هيَ‏ ‏ْلِكُ‏ ونَ‏ مَ‏ هْ‏ لَكً‏ ا وَ‏ احِ‏ دً‏ ا،‏ وَ‏ يَصْ‏ دُ‏ رُ‏ ونَ‏ مَ‏ صَ‏ ادِرَ‏<br />

شَ‏ تَّى،‏ يَبْعَ‏ ثُهُ‏ مُ‏ اهللُ‏ عَ‏ ىلَ‏ نِيَّاهتِ‏ ‏ِمْ‏ ) ))) .<br />

ويف حديث أمّ‏ سلمة ريض اهلل عنها:‏ ‏)فَقُ‏ لْتُ‏ : يَا رَ‏ سُ‏ ولَ‏ اهللِ‏ فَكَ‏ يْفَ‏ بِمَ‏ نْ‏ كَ‏ انَ‏ كَ‏ ارِهً‏ ا؟<br />

قَالَ‏ : خيُ‏ ‏ْسَ‏ فُ‏ بِهِ‏ مَ‏ عَ‏ هُ‏ مْ‏ ، وَ‏ لَكِ‏ نَّهُ‏ يُبْعَ‏ ثُ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْقِيَامَ‏ ةِ‏ عَ‏ ىلَ‏ نِيَّتِهِ(‏ ))) .<br />

))) جمموع الفتاوى )544/28(، وكالمه طويل يف تقرير قتال الطائفة املمتنعة،‏ فريجع إليه.‏<br />

))) أخرجه البخاري )65/3، برقم 2118(، ومسلم )2210/4، برقم 2884(.<br />

))) أخرجه مسلم )2208/4، برقم 2882(.<br />

177


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

قال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»وفيه أنّ‏ مَ‏ ن كثَّر سوادَ‏ قومٍ‏ جرى عليه حكمُ‏ هم يف ظاهر<br />

عقوبات الدّ‏ نيا«‏ ))) .<br />

فالواجبُ‏ يف التّعامل مع اخلوارج عمومً‏ ا،‏ و<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ خصوصً‏ ا:‏ قتاهلُ‏ م،‏<br />

ومدافعتهم،‏ كام ورد يف األحاديث النّبوية السّ‏ ابق ذكرها،‏ ومَ‏ ن كان ضمن هذا التّنظيم<br />

ممّن له عذرٌ‏ رشعي،‏ فاهللُ‏ حسيبُه يوم القيامة.‏<br />

وال جيوز أن تكون مراعاة وجود بعض املغرّ‏ ر هبم يف صفوف التّنظيم سببًا يف<br />

استمرار االعتداء عىل املسلمني،‏ وإهدار دمائهم،‏ وختريب جهادهم،‏ حتت ذريعة<br />

الورع عن قتاهلم،‏ وهم ال يتورَّ‏ عون عن إفساد عقيدة املسلمني،‏ والطّ‏ عن يف دينهم،‏<br />

والولوغ يف دمائهم!.‏<br />

وخاصةً‏ أنَّ‏ هؤالء ‏)املغرّ‏ ر هبم(‏ أو ‏)اجلاهلني(‏ هم مادةُ‏ حربِ‏ املجاهدين،‏ وأدواتُ‏<br />

قتلهم وتفجريهم،‏ فال بدّ‏ مِن دفع رشِّ‏ هم ورضرهم،‏ أمّ‏ ا عدم التّصدي لصياهلم<br />

وعدوانم بدعوى سالمة نيّتهم ففيه تعطيلٌ‏ للجهاد،‏ وإهالكٌ‏ للمجاهدين،‏ فضالً‏<br />

عن خمالفته ملا يقتضيه العقل السليم مِن التّصدي للمعتدين.‏<br />

ثالثًا:‏ إنّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وغريه مِن تنظيامت الغالة قد عملت بعكس هذا الذي<br />

تنادي به،‏ فقد كفَّ‏ رت مجيعَ‏ خمالفيها،‏ وأجازت قتلَهم دون تفريق.‏<br />

فقد كفَّ‏ رت ‏)اهليئة الرشعية(‏ التّابعة للتّنظيم عنارصَ‏ التّنظيامت األخرى،‏ وأحلّت<br />

دماءهم بمجرد االنتساب لتلك اجلامعات،‏ ووجّ‏ هت اهلجامت باملفخّ‏ خات والقصف،‏<br />

بل وقتلت معهم الكثري مِن النّساء واألطفال.‏<br />

))) رشح النووي )7/18(.<br />

178


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وجاء يف بيان ‏)اهليئة الرشعية(:‏<br />

‏»فإذا تقررت ردّ‏ ةُ‏ أمراءِ‏ ما يُعرف باجلبهة اإلسالمية؛ كأيب عيسى الشيخ رئيس<br />

جملس الشورى،‏ وزهران علوش القائد العسكري،‏ وحسان عبود رئيس اهليئة<br />

السياسية،‏ بام تقدّ‏ م مِن مناطاتٍ‏ كفريّةٍ‏ كتويل املرتدّ‏ ين والكفّ‏ ار،‏ وتصحيح مذهبِهم،‏<br />

وغري ذلك،‏ فليُعلم أنّ‏ كلَّ‏ مَ‏ ن التحق هبؤالء املرتدّ‏ ين بعد العلم بحاهلم،‏ وقاتل حتتَ‏<br />

رايتهم فحكمُ‏ ه حكمُ‏ هم سواء بسواء،‏ فال خالفَ‏ بني أمّ‏ ة التّوحيد يف حكم مَ‏ ن صار<br />

مع املرتدّ‏ ين،‏ وأعداء الدّ‏ ين،‏ يف أنّه مِن مجلتهم،‏ وحكمَ‏ ه حكمُ‏ هم...‏<br />

ورِدّ‏ ةُ‏ هؤالء األتباع يكون مِن جهة اتّباعهم املرتدّ‏ ين مِن أمراء ما يُسمّ‏ ى باجلبهة<br />

اإلسالمية؛ فالقاعدةُ‏ أنّ‏ التّابعَ‏ له حكم املتبوع،‏ وهذه التّبعية واملشاركة هلؤالء األمراء<br />

ردّ‏ ةٌ‏ عن دين اإلسالم،‏ فهم كالطّ‏ ائفة الواحدة يف األحكام الدّ‏ نيوية،‏ وكذلك يف<br />

األخروية...«‏ انتهى ))) .<br />

))) ورد يف بيان اهليئة الرشعية لل<strong>تنظيم</strong> قوهلم:‏ ‏»فإذا تقرَّ‏ ر هذا فليعلم أن حكم الردة ال يطَّ‏ رِد عندنا يف أفراد<br />

وأتباع ما يسمى باجلبهة اإلسالمية،‏ إال بعد علمهم بحال رايتهم املتمثلة يف أمرائهم،‏ فال حيكم بردَّ‏ ة<br />

أعيان هذه الطائفة إال بعد علمهم بحال أمرائهم«‏ انتهى.‏<br />

وقد يظن القارئ هلذه العبارة أنَّ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(‏ ال يُكفر أفراد الفصائل املخالفة إال بعدَ‏ إقامة احلجة،‏<br />

والصحيح عكس ذلك،‏ فهم يعدّ‏ ون كل من عمل يف تلك الفصائل مرتدً‏ ا،‏ وأصدروا العديد من<br />

البيانات الرسمية واإلصدارات التي يفتخرون فيها بالتفجري يف املرتدين،‏ أو ذبح املرتدين،‏ ويقصدون<br />

هبم املجاهدين من الفصائل األخرى،‏ وبيانات أخرى يف ‏)استتابة(‏ من كان يف صفوف هذه الفصائل.‏<br />

بل إنم أصدروا بيانات يف ‏)استتابة(‏ من كان يعمل موظفً‏ ا مع النظام،‏ كاستتابتهم ملوظفي التعليم العام،‏<br />

مع أنم ينفون تكفريهم لعموم املسلمني،‏ وسيأيت ص )328(.<br />

وهذه الدعوى كغريها من دعاواهم التي ثبت كذهبم فيها واستعامهلم للتقيَّة والباطنية معها،‏ فهم ال يقولون<br />

بالعذر باجلهل،‏ ويؤصلون لذلك وينافحون عنه،‏ ثم يكذبون يف ادعاء خالفه،‏ وقد جاء يف جملتهم<br />

‏)دابق(‏ العدد )6(، مقال بعنوان ‏)قاعدة الظواهري واهلراري والنظاري(‏ أليب ميسة الشامي،‏ عابَ‏<br />

فيه عىل من فرَّ‏ ق بني أفراد الطائفة املمتنعة يف التكفري والقتل،‏ ومما جاء يف املقالة:‏ =<br />

179


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

فقد كفَّ‏ ر ال<strong>تنظيم</strong>ُ‏ اجلنودَ‏ تبعً‏ ا لتكفريِ‏ القادة،‏ واستحلَّ‏ دماءهم بذلك،‏ وعىل الرغم<br />

من هذا التكفريِ‏ املُتسلسل،‏ إال أنَّ‏ ال<strong>تنظيم</strong>َ‏ قد حكم عىل عامةِ‏ اجلنودِ‏ بحكمٍ‏ واحدٍ‏ دون<br />

اعتبارٍ‏ إلكراهٍ،‏ أو تغريرٍ،‏ أو غريِ‏ ذلك.‏<br />

بل إنَّ‏ م جتاوزوا ذلك إىل قتل عامّ‏ ة املسلمني ممّن ال عالقةَ‏ هلم باحلرب عن طريقِ‏<br />

القصفِ‏ للمناطق املحارصة،‏ فقتلوا منهم الكثريين بام يعمّ‏ مِن القنابل والصّ‏ واريخ،‏<br />

وحتى األسلحة الكيميائية.‏<br />

فكيف يعرتضون عىل مَ‏ ن يُدافع جنودهم املعتدين بالعموم وهم يُقاتلون كافة<br />

املسلمني بالعموم؟!‏ ))) .<br />

‏=»فإن املرء إذا كان يقدّ‏ ر وجود ‏»مسلمني«‏ يف صفوف الطائفة،‏ ويوسّ‏ ع هلم دائرة العذر ليشملَ‏ اجلهلَ‏<br />

بأصل الدين،‏ فسيضطر من حيث يشعر أو ال يشعر عاجالً‏ أو آجالً‏ إىل أن ‏»يتورّ‏ ع«‏ وحيتاط،‏ فال<br />

يستهدف املرتدين خشية أن يقتل ‏»مسلمني متأوّ‏ لني..«.‏<br />

ثم يقول:‏ ‏»يُفرَّ‏ ق بني الطائفة وأعيانا يف اسم الكفر وبعض أحكامه،‏ وهذا التفريق خمالف إلمجاع السلف<br />

يف حق الطوائف التي اجتمعت عىل كفر«.‏<br />

ومن هذا الكذب الثابت عليهم،‏ ما جاء يف كلمة العدناين ‏)لك اهلل أيتها الدولة املظلومة(‏ التي تربَّأ فيها من<br />

العديد من ‏)التهم(‏ التي تنسب لل<strong>تنظيم</strong> والتي ثبت فعلهم هلا،‏ ومن ذلك قوله:‏ ‏»إن الغرب الكافر اليوم<br />

يَشنّ‏ محلةً‏ إعالميةً‏ شعواء ضد جماهدي الدولة اإلسالمية يف العراق والشام...‏ ومن أبرز ما تتمثّل به<br />

هذه احلملة اخلبيثة:‏ أوالً:‏ اهتام الدولة اإلسالمية بتفجري املساجد يف املناطق السُّ‏ نيَّة يف العراق...«‏<br />

ثم كانوا هم من فجَّ‏ ر املساجد يف العراق لقتل بعض السياسيني السنة الذين رموهم بالردة،‏ ثم فجَّ‏ روا<br />

يف مساجد سوريا والسعودية،‏ ومجيع ذلك ببيانات رسمية من مؤسساهتم اإلعالمية.‏<br />

))) جتاوز الغالة جمرّ‏ دَ‏ التعامل بالعموم مع املخالفني إىل مسائل أكثر خطورة يف استحالل الدّ‏ ماء،‏ والتّهاون<br />

بالقتل،‏ ومِن ذلك:‏<br />

1- ‏)قتل املصلحة(‏ ويعنون به قتلَ‏ املخالف يف املعتقد أو التوجه إذا خيش منه تغريُّ‏ ٌ يف املستقبل،‏ أو تغيري<br />

منهج اجلامعة.‏<br />

ومِن هذا الباب أجازوا قتل النساء واألطفال ملصلحة احلفاظ عىل املجاهدين،‏ أو أعراضهم،‏ كام زعموا.‏<br />

2- ‏)قتل الترتس(،‏ ومع أن مسألة الترتس يف الفقه اإلسالمي معلومة،‏ وهي:‏ أنْ‏ يتخذَ‏ العدو طائفةً‏ مِن<br />

النَّاس املعصومني من املسلمني أو غريهم بمثابة الرتُ‏ س حيمي هبم نفسَ‏ ه أثناء احلرب،‏ كأخذهم رهائن،‏<br />

أو جعلهم يف أماكن حساسة،‏ للتدرُّ‏ ع هبم فال يَقْ‏ دِ‏ ر املسلمون عىل قتال العدو إال بإصابة هؤالء=‏<br />

180


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

كام أنَّ‏ الغالة ‏-ومنهم <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(-‏ كفَّ‏ روا العساكر يف الدول املسلمة كلها،‏<br />

بكافة قطاعاهتا العسكرية واألمنية؛ وزعموا أنَّ‏ ا طائفة ممتنعة،‏ واستحلُّ‏ وا بذلك قتل<br />

أفرادها دون تفريق،‏ مع أن كثريًا من أفراد هؤالء العساكر يتعاملون مع قضايا أمنيةٍ‏<br />

أو معيشية تتعلق بتسيري حياة عامة الناس بعيدً‏ ا عن كثريٍ‏ من املحظورات الرشعية،‏<br />

كطاعةِ‏ احلاكمِ‏ يف معصيةِ‏ اهلل،‏ أو إعانته عىل ظلمه،‏ لكنهم مل يعتربوا ذلك مانعً‏ ا من<br />

تكفريهم أو استباحة دمائهم،‏ لكن إن تعلَّق األمر بتنظيامهتم تناسوا ذلك وصاروا<br />

يعتذرون بالتَّغرير وحُ‏ سن النية!.‏<br />

‏=من املعصومني،‏ فأجاز أهل العلم للرضورة رضب هؤالء الرتس ولو أدى إىل قتلهم،‏ من باب دفع<br />

أعىل املفسدتني بأدنامها،‏ ورفع الرضّ‏ ر عن بقية املسلمني،‏ برشط أال يمكن رضب العدو إال برضب<br />

هؤالء املعصومني،‏ وأال يقصد رضب الرتس مبارشة،‏ ويتحاشاهم قدر املستطاع.‏<br />

لكن الغالة توسعوا يف قضية الترتس،‏ وعكسوا بعض صورها،‏ ومِن ذلك:‏<br />

أ-‏ العمليات التفجريية التي يقومون هبا وسط املجمعات السكنية،‏ أو املدن ويف الطرقات لرضب األعداء،‏<br />

واعتبار من يسقط من املدنيني الذين يعيشون أو يعملون فيها مِن الرتس.‏<br />

ب-‏ اهلجوم عىل الكفار غري املحاربني يف بالدهم أو بالد املسلمني،‏ مع ما يُقتل مِن املسلمني يف هذه<br />

العمليات.‏<br />

ويضعون لذلك العديد مِن املربرات التي يظنّونا رشعية،‏ مثل:‏ إسقاط أمان هؤالء الكفار،‏ والزعم<br />

أنَّ‏ قتلهم مِن باب مماثلة ما يقوم به الكفار مِن قتل املسلمني،‏ والزعم بأنَّ‏ موت هؤالء املسلمني هو<br />

من باب الرتُّ‏ س،‏ وأنّ‏ موهتم عىل اإلسالم هبذه التفجريات خري هلم مِن احلياة حتت سلطان الكفار<br />

أو ‏)املرتدين(،‏ وخطر ذلك عىل عقيدهتم،‏ ودينهم،‏ وأخالقهم،‏ ومستقبل أجياهلم!.‏<br />

3- القتل باالستفاضة:‏ ويُقصد باالستفاضة:‏ االشتهار بني الناس.‏<br />

والشهادةُ‏ باالستفاضة معمول هبا يف عددٍ‏ حمدودٍ‏ من األحكام الرشعية التي مبناها عىل االشتهار،‏ كإثبات<br />

النسب،‏ والنكاح،‏ واملوت،‏ والوقف،‏ كام ينظر باالستفاضة يف الروايات احلديثية.‏<br />

وقد وضع أهل العلم للشهادةِ‏ باالستفاضةِ‏ رشوطً‏ ا،‏ من أمهها:‏ أن يكون الشاهد عدالً،‏ وأن يكون<br />

املتحدثون باخلرب مجاعة يستحيل تواطؤهم عىل الكذب،‏ وأن يكون اخلرب املستفيض عن واقعة يصح<br />

اشتهارها.‏ مع اتفاقهم أنَّ‏ ا ال تكون يف احلدود والقصاص.‏<br />

لكن املبتدَ‏ ع عند هؤالء الغالة مستبيحي الدماء:‏ استحالل قتل املسلم معصوم الدم بام ‏)استفاض(‏ بني<br />

الناس من اهتام هلذا الشخص،‏ مع أنَّ‏ احلدود والقصاص ال يُقبل فيها إال ما كان دليالً‏ قطعيًا ال شك<br />

فيه،‏ وأنَّ‏ ا تُدرأ بال<strong>شبهات</strong>!.‏<br />

181


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

رابعً‏ ا:‏ أنّ‏ وقوع التّغرير عىل بعض املوجودين يف صفوف التّنظيم ال يُعفيهم مِن<br />

تبعة االشرتاك يف جرائم وبدع تلك العصابة،‏ وهم مؤاخَ‏ ذون عىل ارتكاب جرائمهم<br />

تلك.‏<br />

وقد قرَّ‏ ر أهلُ‏ العلم أنَّ‏ تأويلَ‏ اخلوارج للنّصوص غريُ‏ سائغٍ‏ ، وأنَّ‏ م غريُ‏ معذورين<br />

فيه؛ ألنَّه قائمٌ‏ عىل اتباع اهلوى يف تفسري النّصوص ممّن ليس له حقُّ‏ االجتهاد والنّظر يف<br />

أخطر األمور الرشّ‏<br />

عية،‏ وهو التّكفري واستحالل الدّ‏ ماء بذلك،‏ فهم مِن أبعد النّاس عن<br />

العلامء،‏ وأكثرهم رفضً‏ ا لكالمهم،‏ وازدراءً‏ هلم.‏<br />

قال ابنُ‏ احلاج رمحه اهلل:‏ ‏»ومِن قول أهل السّ‏ نّة:‏ أنَّه ال يُعذر مَ‏ ن أدّ‏ اه اجتهادُ‏ ه إىل بدعةٍ؛<br />

ألنَّ‏ اخلوارجَ‏ اجتهدوا يف التّأويل فلم يُعذَ‏ روا؛ إذ خرجوا بتأويلهم عىل الصّ‏ حابة،‏ فسامّ‏ هم<br />

عليه السالم مارقني مِن الدّ‏ ين،‏ وجعل املجتهدَ‏ يف األحكام مأجورً‏ ا وإن أخطأ«‏ ))) .<br />

ولعلّ‏ مقصوده فيمن اجتهد يف الدّ‏ ين،‏ وليس له أهلية النّظر واالجتهاد،‏ ويوضّ‏ حه<br />

قولُ‏ النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»فأمّ‏ ا مَ‏ ن ليس بأهلٍ‏ للحُ‏ كم فال حيلُّ‏ له احلكمُ‏ ، فإنْ‏ حكم<br />

فال أجرَ‏ له،‏ بل هو آثمٌ‏ ، وال ينفُ‏ ذ حكمُ‏ ه،‏ سواء وافق احلقَّ‏ أم ال؛ ألنّ‏ إصابتَه اتفاقيةٌ‏<br />

ليست صادرةً‏ عن أصلٍ‏ رشعيٍّ‏ ، فهو عاصٍ‏ يف مجيع أحكامه،‏ سواء وافق الصّ‏ وابَ‏ أم<br />

ال،‏ وهي مردودةٌ‏ كلُّ‏ ها،‏ وال يُعذر يف يشءٍ‏ مِن ذلك«‏ ))) .<br />

وقال ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»وإنّام فسقوا ‏-يعني اخلوارج-‏ بتكفريهم املسلمني<br />

مستندين إىل تأويلٍ‏ فاسدٍ‏ ، وجرَّ‏ هم ذلك إىل استباحة دماء خمالفيهم وأمواهلم،‏<br />

والشّ‏ هادة عليهم بالكفر والرشّ‏ ك«‏ ))) .<br />

((( املدخل .)326/2(<br />

))) رشح النووي )14/12(.<br />

))) فتح الباري )300/12(.<br />

182


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

خامسً‏ ا:‏ يف الرّ‏ دّ‏ عىل شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ وقتاله؛ مصالح كبرية،‏ دينيّة ودنيويّة:‏<br />

- فالرَّ‏ د عىل أهل البدع،‏ وكشف ضالهلم وانحرافهم مِن أفضل األعامل وأجلِّها؛<br />

ملا فيه مِن محاية الدّ‏ ين،‏ وتنقيته مما يُلحقه به أهلُ‏ الغلوّ‏ واالبتداع،‏ والنّصحِ‏ للخلقِ‏<br />

بتحذيرهم مِن الوقوع يف االبتداع،‏ ويف ذلك محايةٌ‏ ألعىل رضورةٍ‏ مِن الرضّ‏ ورات،‏<br />

وهي:‏ احلفاظ عىل الدّ‏ ين؛ لذلك كان الردُّ‏ عىل أهل البدع مِن أفضل القربات إىل اهلل<br />

تعاىل.‏<br />

قال الفضيل بن عياض رمحه اهلل:‏ ‏»مَ‏ ن أتاه رجلٌ‏ فشاوره،‏ فدلَّه عىل مبتدعٍ‏ فقد غشّ‏<br />

اإلسالم«‏ ((( .<br />

وقال حييى بن حييى رمحه اهلل:‏ ‏»الذَّ‏ بُّ‏ ‏]أي الدّ‏ فاع[‏ عن السّ‏ نّة أفضلُ‏ مِن اجلهاد«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وقال بعضهم ألمحد بن حنبل:‏ إنه يَثقُ‏ ل عيلَّ‏ أنْ‏ أقول فالنٌ‏<br />

كذا،‏ وفالنٌ‏ كذا.‏ فقال:‏ إذا سكتَّ‏ أنت،‏ وسكتُّ‏ أنا فمتى يعرف اجلاهلُ‏ الصّ‏ حيحَ‏ من<br />

السّ‏ قيم؟!‏<br />

ومثل أئمّ‏ ة البدع مِن أهل املقاالت أو العبادات املخالفة للكتاب والسّ‏ نّة؛ فإنّ‏ بيانَ‏<br />

حاهلم،‏ وحتذيرَ‏ األمّ‏ ة منهم واجبٌ‏ باتّفاق املسلمني،‏ حتى قيل ألمحد بن حنبل:‏ الرّ‏ جلُ‏<br />

يصوم ويصيلّ‏ ويعتكف أحبُّ‏ إليك،‏ أو يتكلم يف أهل البدع؟ فقال:‏ إذا قام وصىلّ‏<br />

واعتكف فإنّام هو لنفسه،‏ وإذا تكلّم يف أهل البدع فإنام هو للمسلمني،‏ هذا أفضلُ‏ .<br />

فبنيَّ‏ أنّ‏ نفعَ‏ هذا عامٌّ‏ للمسلمني يف دينهم مِن جنس اجلهاد يف سبيل اهلل«‏ ))) .<br />

))) رشح أصول اعتقاد أهل السنة )1/ 155(.<br />

))) جمموع الفتاوى )13/4(.<br />

))) جمموع الفتاوى )231/28(.<br />

183


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال ابنُ‏ القيم رمحه اهلل:‏ ‏»فقِوامُ‏ الدّ‏ ين بالعلمِ‏ واجلهاد،‏ وهلذا كان اجلهادُ‏ نوعني:‏<br />

جهادٌ‏ باليد والسِّ‏ نان،‏ وهذا املشاركُ‏ فيه كثريٌ‏ ، والثاين اجلهادُ‏ باحلُ‏ جة والبيان،‏ وهذا<br />

جهادُ‏ اخلاصّ‏ ة مِن أتباع الرُّ‏ سل،‏ وهو جهادُ‏ األئمّ‏ ة،‏ وهو أفضلُ‏ اجلهادَ‏ ين؛ لعِظَ‏ م<br />

منفعتِه،‏ وشدّ‏ ة مُ‏ ؤْ‏ نته،‏ وكثرة أعدائه«‏ ))) .<br />

فإذا كان بيانُ‏ حالِ‏ أهل البدع عمومً‏ ا مِن األمهّية بمكان،‏ فإنَّ‏ بيانَ‏ حال اخلوارج<br />

أوىل وأهم؛ ملا يف بدعتهم مِن االعتداء عىل األمة،‏ وإفساد دينها ودنياها بالقوّ‏ ة.‏<br />

ونقل ابن حجر قول ابن هبرية رمحهام اهلل:‏ ‏»ويف احلديث أنّ‏ قتالَ‏ اخلوارجِ‏ أوىل<br />

مِن قتال املرشكني،‏ واحلكمةُ‏ فيه أنّ‏ يف قتاهلم حفظَ‏ رأسِ‏ مالِ‏ اإلسالم،‏ ويف قتالِ‏ أهل<br />

الرشّ‏ ك طلبُ‏ الرِّ‏ بح،‏ وحفظُ‏ رأسِ‏ املال أوىل«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»تطهريُ‏ سبيلِ‏ اهلل ودينه ومنهاجه ورشعته،‏ ودفعُ‏ بغي<br />

هؤالء وعدوانم عىل ذلك:‏ واجبٌ‏ عىل الكفاية باتّفاق املسلمني،‏ ولوال مَ‏ ن يُقيمه اهلل<br />

لدفع رضر هؤالء لفسد الدّ‏ ين،‏ وكان فسادُ‏ ه أعظمَ‏ مِن فساد استيالء العدوِّ‏ مِن أهل<br />

احلرب؛ فإنّ‏ هؤالء إذا استولوا مل يُفسدوا القلوبَ‏ وما فيها مِن الدّ‏ ين إال تبعً‏ ا،‏ وأمّ‏ ا<br />

أولئك فهم يُفسدون القلوبَ‏ ابتداءً‏ » ))) .<br />

- ويف قتاهلم دفعٌ‏ لصياهلم واعتدائهم عىل األنفس واألموال املعصومة،‏ واستنقاذُ‏<br />

ما احتلّوه مِن مناطق،‏ وما استولوا عليه مِن ممتلكات.‏<br />

وقد أثبت هذا املوقف مِن التّنظيم صحتَه وصوابَه؛ فقد انكشفت حقيقتُه املنهجية<br />

والفكرية التي اغرتَّ‏ هبا بعضهم،‏ وسُ‏ حب الغطاء الرشعي عنه،‏ فتحقّ‏ ق بذلك احلفاظُ‏<br />

))) مفتاح دار السعادة )70/1(.<br />

))) فتح الباري )301/12(.<br />

))) جمموع الفتاوى )175/1(.<br />

184


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

عىل حياة املجاهدين وقادهتم،‏ ومحاية مناطقهم مِن احتالل الغالة وعدوانم،‏ وعدم<br />

تَكرار مأساة هدم اجلهادِ‏ كام حصل يف العراق وأماكن أخرى عىل يد هؤالء وأمثاهلم.‏<br />

فمصلحةُ‏ احلفاظ عىل دين األمّ‏ ة،‏ ودمائها مقدَّ‏ مةٌ‏ عىل حفظ بعض أفراد تلك<br />

التّنظيامت اإلجرامية،‏ الذي يمثل أسوأ مجاعات اخلوارج يف العرص احلايل.‏<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ احلكم عىل طائفةٍ‏ ما والتّعامل معها يكون بمنهجها العام،‏ وما<br />

يغلب <strong>عليها</strong> مِن معتقدات وترصّ‏ فات،‏ ولو كان بعضُ‏ أفرادها جاهلني بذلك،‏ كام هو<br />

احلال مع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ اخلارجي.‏<br />

وأنَّ‏ يف فضح عقائد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ والتَّصدي له مصالحَ‏ دينيةً‏ ودنيويةً‏ عظيمةً‏ ،<br />

وهي مصلحةٌ‏ راجحةٌ‏ مقدَّ‏ مة عىل مصلحة بعض األفراد اجلهلة،‏ أو املغرّ‏ ر هبم يف<br />

التّنظيم.‏<br />

185


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة الخامسة عشرة<br />

القتالُ‏ ضد <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ قتالُ‏ فتنةٍ‏ ، وقد نهى الشّ‏ ارع عن<br />

قتالِ‏ الفتنة<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

أمر النّبي # باعتزال القتال الذي يقع بني املسلمني،‏ وسامَّ‏ ه قتال فتنة،‏ ونى عن<br />

االشرتاك فيه يف العديد مِن األحاديث،‏ كقوله:‏ ‏)إِذَ‏ ا التَقَ‏ ى املُسْ‏ لِامَ‏ نِ‏ بِسَ‏ يْفَ‏ يْهِامَ‏ فَالقَ‏ اتِلُ‏ وَ‏ املَقْ‏ تُولُ‏<br />

يفِ‏ النَّارِ(‏ ))) ، وقوله:‏ ‏)سَ‏ تَكُ‏ ونُ‏ فِتَنٌ‏ القَ‏ اعِ‏ دُ‏ فِيهَ‏ ا خَ‏ ريْ‏ ٌ مِنَ‏ القَ‏ ائِمِ‏ ، وَ‏ القَ‏ ائِمُ‏ فِيهَ‏ ا خَ‏ ريْ‏ ٌ مِنَ‏ املَايشِ‏ ،<br />

وَ‏ املَايشِ‏ فِيهَا خَ‏ ريْ‏ ٌ مِنَ‏ السَّ‏ اعِي،‏ وَ‏ مَنْ‏ يُرشْ‏ ‏ِفْ‏ هلَ‏ ‏َا تَسْ‏ تَرشْ‏ ‏ِفْهُ،‏ وَ‏ مَنْ‏ وَ‏ جَ‏ دَ‏ مَلْجَ‏ أً‏ أَوْ‏ مَعَاذًا فَلْيَعُ‏ ذْ‏<br />

بِهِ(‏ ))) ، وقوله:‏ ‏)فَإِنْ‏ أَدْ‏ رَ‏ كْ‏ تَ‏ ذَ‏ اكَ‏ ، فَكُ‏ نْ‏ عَ‏ بْدَ‏ اهللِ‏ املْ‏ ‏َقْ‏ تُولَ‏ ، وَ‏ الَ‏ تَكُ‏ نْ‏ عَ‏ بْدَ‏ اهللِ‏ الْقَ‏ اتِلَ‏ ) ))) .<br />

ثمّ‏ كان مِن هدي الصّ‏ حابة والسّ‏ لف اعتزالُ‏ الفتن،‏ وعدم االشرتاك فيها؛ حلرمة<br />

دم املسلم،‏ فكيف جتيزون قتالَ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ عىل الرّ‏ غم مِن ذلك؟<br />

اإلجابة عن الشبهة:‏<br />

الزعم أنَّ‏ القتالَ‏ مع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ حمرَّ‏ مٌ‏ ؛ ألنَّه قتالُ‏ فتنةٍ‏ منهيٌ‏ عنه،‏ أو أنَّه مرشوعٌ‏<br />

يف حال الدفاع عن النفس فحسب غريُ‏ صحيح؛ بل هو قتالٌ‏ مأمورٌ‏ به الستئصال رشّ‏<br />

اخلوارج،‏ وهو خمتلف عن قتال الفتنة،‏ أو دفع الصائل املعتدي،‏ وبيانُ‏ ذلك فيام ييل:‏<br />

))) أخرجه البخاري )15/1، برقم 31(، ومسلم )2214/4، برقم 2888(.<br />

))) أخرجه البخاري )51/9، برقم 7081(، ومسلم )2214/4، برقم 2886(.<br />

((( أخرجه أمحد /34( ،543 برقم .)21064<br />

186


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

أوالً‏ : قرَّ‏ ر أهلُ‏ العلم وأمجعوا عىل أنَّ‏ األصلَ‏ يف دم املسلم احلرمةُ‏ والعصمة،‏ لقوله<br />

تعاىل:‏ ‏}وَمَنْ‏ يَقْتُلْ‏ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَ‏ زَاؤُهُ‏ جَهَنَّ‏ ُ خَالِدًا فِهيَا وَغَضِ‏ بَ‏ اللَّ‏ ُ عَلَيْهِ‏ وَلَعَنَهُ‏ وََأعَدَّ‏ لَهُ‏<br />

عَذَ‏ ابًا عَظِ‏ يمً‏ ا{‏ ‏]النساء:‏ 93[.<br />

وقوله #: ‏)والذي نفيس بيده لَقتلُ‏ مؤمنٍ‏ أعظمُ‏ عند اهلل مِن زوالِ‏ الدّ‏ نيا(‏ ))) .<br />

ومِن أعظم ما فارق به الغالةُ‏ أهلَ‏ السّ‏ نّة:‏ االستهانةُ‏ بدماء املسلمني ألدنى<br />

الشّ‏ بهات،‏ والغلوّ‏ يف التّكفري.‏<br />

ولكن مع تأكيد هذا األصل العظيم،‏ إن حتقّ‏ ق يف املسلم ما يُبيح دمهَ‏ - بحكمٍ‏ رشعيٍّ‏<br />

دلّت عليه النّصوص،‏ وباجتهادٍ‏ مُ‏ عتربٍ‏ مِن أهله-‏ فال يكون القتلُ‏ والقتالُ‏ حينها حمرّ‏ مً‏ ا،‏<br />

ويكون التّورعُّ‏ عن االمتثال ملا أمر الشّ‏ ارعُ‏ به معصيةً‏ ، وخمالفة للنّصّ‏ الرشّ‏<br />

للمجرم يف جريمته باإلفالت مِن العقاب.‏<br />

وممّا أذن الشارع به يف القتل والقتال:‏<br />

عي،‏ وإعانةً‏<br />

1- القصاص مِن القاتل،‏ قال تعاىل:‏ ‏}وَلَكُ‏ مْ‏ فِ‏ الْقِصَ‏ اصِ‏ حَ‏ يَاةٌ‏ يَا ‏ُأولِ‏ الْ‏ ‏َلْبَابِ‏ لَعَلَّكُ‏ مْ‏<br />

تَتَّقُونَ‏ } ‏]البقرة:‏ 179[.<br />

2- قتل املرتد،‏ لقوله #: ‏)مَ‏ ن بَدّ‏ لَ‏ دِينَهُ‏ فاقْتلوهُ(‏ ))) .<br />

3- دفع الصائل املعتدي.‏<br />

4- قتال الفئة الباغية.‏<br />

5- قتال اخلوارج.‏<br />

))) أخرجه النسائي )82/7، برقم 3986(.<br />

))) أخرجه البخاري )61/4، برقم 3017(.<br />

187


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ثانيًا:‏ دلّت النصوصُ‏ الرشّ‏ عية عىل التّفريق بني أنواع القتال الواقع بني املسلمني،‏<br />

وجعلت لكلٍّ‏ منها أحكامً‏ ا خاصةً‏ هبا،‏ كام ييل:‏<br />

1- دفع الصائل:‏<br />

والصّ‏ ائل هو:‏ املعتدي عىل نفسِ‏ غريه،‏ أو عرضه،‏ أو ماله بغري حقّ‏ .<br />

قال تعاىل:‏ ‏}فَمَ‏ نِ‏ اعْ‏ تَدَ‏ ى عَلَيْكُ‏ مْ‏ فَاعْ‏ تَدُ‏ وا عَلَيْهِ‏ بِمِ‏ ثْلِ‏ مَا اعْ‏ تَدَ‏ ى عَلَيْكُ‏ مْ‏ وَاتَّقُوا اللَّ‏ َ وَاعْ‏ لَمُ‏ وا<br />

‏َأنَّ‏ اللَّ‏ َ مَعَ‏ الْمُ‏ تَّقِنيَ‏ } ‏]البقرة:‏ 194[.<br />

وقال #: ‏)مَ‏ نْ‏ قُتلَ‏ دُ‏ ونَ‏ مالهِ‏ فهو شهيد،‏ ومَ‏ نْ‏ قُتِلَ‏ دُ‏ ونَ‏ دَ‏ مِهِ‏ فهو شهيد،‏ ومَ‏ ن قتلَ‏<br />

دون دِينه فهو شهيد،‏ ومن قُتلَ‏ دُ‏ ونَ‏ أهْ‏ لهِ‏ فِهو شهيد(‏ ))) .<br />

فيُرشَ‏ عُ‏ للمتعدَ‏ ى عليه ردُّ‏ العدوان بالقدر الالزم لدفع االعتداء،‏ مبتدئًا باألخفّ‏<br />

فاألخفّ‏ .<br />

قال ابنُ‏ املنذر رمحه اهلل:‏ ‏»يقول عوامّ‏ أهل العلم:‏ إنَّ‏ للرّ‏ جل أنْ‏ يُقاتِل عن نفسه<br />

وماله وأهله،‏ إذا أُريد ظلامً‏ ؛ لألخبار التي جاءت عن رسول اهلل #، مل ختصّ‏ وقتًا دون<br />

وقتٍ‏ ، وال حاالً‏ دون حال«‏ ))) .<br />

وقال ابن حجر ‏-رمحه اهلل-‏ معلّقً‏ ا عىل حديث يعىل بن أمية ريض اهلل عنه قال:‏<br />

‏)خرجتُ‏ يف غزوةٍ،‏ فعضّ‏ رجلٌ‏ ، فانتزعَ‏ ثنيّتَه،‏ فأبطلها النّبي #( ))) : ‏»وفيه دفعُ‏<br />

الصّ‏ ائل،‏ وأنّه إذا مل يمكن اخلالصُ‏ منه إال بجناية عىل نفسِ‏ ه،‏ أو عىل بعض أعضائه،‏<br />

))) أخرجه أبو داود )246/4، برقم 4772(، والرتمذي )30/4، برقم 1421(، والنسائي )116/7،<br />

برقم 4095(.<br />

))) اإلرشاف عىل مذاهب العلامء )248/7(.<br />

))) أخرجه البخاري )8/9، برقم 6893(، ومسلم )1301/3، برقم 1674(.<br />

188


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ففُ‏ عل به ذلك كان هدَ‏ رً‏ ا«‏ ))) .<br />

وذكر الفقهاءُ‏ رشوطً‏ ا لدفع الصّ‏ ائل،‏ هي باختصار:‏<br />

1- أن يكون هناك اعتداءٌ‏ حقيقةً‏ ، ال جمرد توهّ‏ م أو شكّ‏ .<br />

2- أن يكون االعتداء قائامً‏ بالفعل يف احلال،‏ ال جمرد هتديد.‏<br />

3- أالّ‏ يُمكِ‏ ن دفع االعتداء بطريق آخر.‏<br />

4- أن يدفع االعتداءَ‏ بالقدر الالزم مِن القوة مبتدئًا باألخفّ‏ فاألخفّ‏ .<br />

قال النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»ويدفع الصّ‏ ائل باألخفّ‏ ، فإن أمكن بكالمٍ‏ واستغاثة حَ‏ رُ‏ مَ‏<br />

الرضّ‏ ب،‏ أو برضبٍ‏ بيدٍ‏ حَ‏ رُ‏ مَ‏ سوطٌ‏ ، أو بسوطٍ‏ حَ‏ رُ‏ مَ‏ عصً‏ ا،‏ أو بقطعِ‏ عضوٍ‏ حَ‏ رُ‏ مَ‏ قتلٌ‏ » ))) .<br />

فإن هرب الصّ‏ ائلُ‏ فيجب الكفُّ‏ عنه،‏ قال العز بن عبد السالم رمحه اهلل:‏ ‏»قتال<br />

الصِّ‏ والِ‏ ما داموا مقبلني عىل الصّ‏ يال،‏ فإن انكفّ‏ وا حرم قتلُهم وقتاهلم«‏ ))) .<br />

وللفقهاء تفصيلٌ‏ ألحكامهم يرجع إليه يف مظانه.‏<br />

2- قتال الفتنة:‏<br />

وهو:‏ القتال الذي ال يتبنيَّ‏ فيه احلقّ‏ ، أو يكون قتاالً‏ عىل غايةٍ‏ غري مرشوعة،‏<br />

أو يكون قتاالً‏ عىل ظلم.‏<br />

قال اجلصاص رمحه اهلل:‏ ‏»إذا قَصَ‏ دَ‏ كلُّ‏ واحدٍ‏ منهام صاحبَه ظلامً‏ عىل نحو ما يفعله<br />

أصحابُ‏ العَ‏ صَ‏ بيَّةِ‏ والفتنة«‏ ))) .<br />

))) فتح الباري )233/12(.<br />

))) منهاج الطالبني )305/1(.<br />

))) قواعد األحكام )187/1(.<br />

))) أحكام القرآن )47/4(.<br />

189


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»تُتَأَوَّ‏ ل األحاديث عىل:‏ مَ‏ ن مل يَظهر له احلقّ‏ ، أو عىل طائفتني<br />

ظاملتني ال تأْويلَ‏ لواحدةٍ‏ منهام«‏ ))) .<br />

وقد جاءت النصوص الرشعية ناهيةً‏ عن قتال الفتنة،‏ واالشرتاك فيه،‏ ومن ذلك:‏<br />

- حديث النبي #: ‏)أنّه ذكر فتنةً‏ القاعدُ‏ فيها خريٌ‏ مِن القائم،‏ والقائمُ‏ فيها خريٌ‏ مِن<br />

املايش،‏ واملايش فيها خريٌ‏ مِن السّ‏ اعي،‏ قال:‏ فإن أدركتَ‏ ذاك،‏ فكن عبدَ‏ اهلل املقتول،‏<br />

وال تكن عبدَ‏ اهلل القاتل(‏ ))) ، وقال #: ‏)فمَ‏ ن وجد ملجأً‏ أو مَ‏ عاذً‏ ا،‏ فلْيعُ‏ ذْ‏ به(‏ ))) .<br />

- وحديث:‏ ‏)فإذا نزلتْ‏ أو وقعتْ‏ ، فمَ‏ ن كان له إبلٌ‏ فلْيلحقْ‏ بإبله،‏ ومَ‏ ن كانت له<br />

غنمٌ‏ فليلحق بغنمه،‏ ومَ‏ ن كانت له أرضٌ‏ فليلحق بأرضه.‏ فقال رجلٌ‏ : يا رسول اهلل،‏<br />

أرأيت مَ‏ ن مل يكن له إبلٌ‏ وال غنمٌ‏ وال أرضٌ‏ ؟ قال:‏ يعمِ‏ د إىل سيفِه فيدقُّ‏ عىل حَ‏ دِّ‏ ه<br />

بحجرِ،‏ ثمّ‏ لْينجُ‏ إن استطاع النَّجاءَ‏ ) ))) .<br />

وقد عمل الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم هبذه األحاديث حني اندالع الفتنة يف معركتي<br />

اجلمل وصفّ‏ ني،‏ فاعتزلوا الفتنة إال نفراً‏ يسرياً.‏<br />

قال الشّ‏ عبي ‏-رمحه اهلل-‏ عن موقعتي اجلمل وصفني جمتمعتني:‏ ‏»بِاهللِ‏ الّذي ال إله<br />

إال هُ‏ وَ‏ ، مَ‏ ا نض يفِ‏ تِلكَ‏ الفتنة إال ستةُ‏ بدريني ما هلم سابعٌ‏ ، أو سبعةٌ‏ ما هلَ‏ ‏ُمْ‏ ثامنٌ‏ » ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وأكثرُ‏ أكابر الصّ‏ حابة مل يقاتلوا ال مِن هذا اجلانب،‏<br />

وال مِن هذا اجلانب،‏ واستدلّ‏ التّاركون للقتال بالنّصوص الكثرية عن النبي # يف<br />

))) رشح النووي )10/18(.<br />

))) أخرجه أمحد )543/34، برقم 21064(.<br />

))) أخرجه البخاري )51/9، برقم 7081(، ومسلم )2214/4، برقم 2886(.<br />

))) أخرجه مسلم )2212/4، برقم 2887(.<br />

))) تاريخ الطربي )447/4(.<br />

190


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ترك القتال يف الفتنة،‏ وبيّنوا أنّ‏ هذا قتالُ‏ فتنة«‏ ))) .<br />

سببُ‏ االعتزال يف قتال الفتنة:‏<br />

يتّضح مِن أحاديث الفتن التي تأمر ب ‏)العزلةِ‏ يف الفتنة،‏ والبُعدِ‏ عن كلتا الطائفتني<br />

املتقاتلتني،‏ ولزومِ‏ الدّ‏ ار،‏ وإغالقِ‏ الباب،‏ والتّخلّصِ‏ مِن السّ‏ الح وكسه،‏ وتركِ‏<br />

الدّ‏ فاع عن النّفس(‏ أنَّ‏ مقصودَ‏ الشّ‏ ارع هو:‏ تقليلُ‏ القتال،‏ وحقنُ‏ الدّ‏ ماء،‏ وإيقافُ‏<br />

احلرب؛ سعيًا إىل إناء الفتنة؛ ألنَّ‏ االستمرار يف القتال يزيد الفتنة؛ لذا كان املعتزل<br />

للفتنة واملستسلم للقتل خريًا مِن املقاتل.‏<br />

وقد أثنى النبي # عىل احلسن بن عيل ‏-ريض اهلل عنهام-‏ ألنَّ‏ وضعَ‏ ه للسّ‏ الح<br />

وتركه للقتال أدّ‏ ى إىل حقن دماء املسلمني،‏ واجتامع كلمة األمة،‏ فقال:‏ ‏)ابْني هذا سَ‏ يِّدٌ‏<br />

ولعلَّ‏ اهللَ‏ أَن يُصلحَ‏ به بني فئتني مِن املسلمني(‏ ))) .<br />

3- قتال الفئة الباغية:‏<br />

البغاةُ:‏ مجاعةٌ‏ مِن املسلمني خيرجون عىل اإلمام،‏ بتأويلٍ‏ سائغ،‏ وهلم قوّ‏ ةٌ‏ وشوكة<br />

ومنعة.‏<br />

ومعنى التّأويل السائغ:‏ شُ‏ بهة أو حُ‏ جّ‏ ة يستسيغون هبا اخلروجَ‏ عىل اإلمام،‏ وقد<br />

ال تكون هذه احلجَّ‏ ةُ‏ صحيحة.‏<br />

قال النووي رمحه اهلل:‏ ‏»الذين خيالفون اإلمامَ‏ باخلروج عليه،‏ وترك االنقياد<br />

واالمتناع مِن أداء احلقوق ينقسمون إىل بغاةٍ‏ وغريهم،‏ أمّ‏ ا البغاةُ‏ فتُعترب فيهم خصلتان:‏<br />

))) جمموع الفتاوى )55/53(.<br />

))) أخرجه البخاري )186/3، برقم 2704(.<br />

191


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

إحدامها:‏ أن يكون هلم تأويلٌ‏ يعتقدون بسببه جوازَ‏ اخلروج عىل اإلمام،‏ أو منعِ‏<br />

احلق املتوجه عليهم...‏<br />

الثّانية:‏ أن يكون هلم شوكةٌ‏ وعددٌ‏ ، بحيث حيتاج اإلمامُ‏ يف ردِّ‏ هم إىل الطّ‏ اعة إىل كُ‏ لفة<br />

ببذل مالٍ‏ ، أو إعداد رجال،‏ ونَصْ‏ بِ‏ قتال«‏ ))) .<br />

وقد ذكر أهل ‏ُالعلم يف كيفية التّعامل مع البغاة:‏<br />

أنّ‏ اإلمامَ‏ يبعث إليهم شخصً‏ ا أمينًا ناصحً‏ ا،‏ يسأهلم ما ينقمون،‏ فإذا ذكروا مظلمةً‏<br />

أزاهلا،‏ أو شبهةً‏ وضّ‏ حها وبيّنها،‏ وإنْ‏ طلبوا حقًّ‏ ا هلم أُعطَ‏ وه،‏ فإن أرصّ‏ وا عىل موقفهم<br />

يف اخلروج،‏ أو مل يكن هلم مطلبٌ‏ عادل،‏ وإنّام كان خروجهم مِن أجل الدنيا،‏ أو انتزاع<br />

احلكم فيُنصَ‏ حون،‏ فإن رجعوا،‏ وإال قوتلوا.‏<br />

وقد أوجب الشارع قتالَ‏ الفئة الباغية،‏ وجعل غايةَ‏ قتاهلا التّوقفَ‏ عن االعتداء،‏<br />

والنّزول عىل حكم الرشّ‏ ع،‏ قال تعاىل:‏ ‏}وَِإنْ‏ طائِفَتانِ‏ مِنَ‏ الْمُ‏ ؤْ‏ مِنِنيَ‏ اقْتَتَلُوا فََأصْ‏ لِحُ‏ وا بَيْنَهُام<br />

فَِإنْ‏ بَغَتْ‏ ‏ِإحْ‏ داهُ‏ ا عَلَ‏ الْ‏ ‏ُخْ‏ رى فَقاتِلُوا الَّتِ‏ تَبْغِي حَ‏ تَّ‏ تَفِيءَ‏ ‏ِإل ‏َأمْرِ‏ اللَّ‏ ِ فَِإنْ‏ فاءَتْ‏ فََأصْ‏ لِحُ‏ وا بَيْنَهُام<br />

بِالْعَدْ‏ لِ‏ وََأقْسِ‏ طُ‏ وا ‏ِإنَّ‏ اللَّ‏ َ يُحِ‏ بُّ‏ الْمُ‏ قْسِ‏ طِ‏ نيَ{‏ ‏]احلجرات:‏ 9[.<br />

ففي وجوب قتاهلا،‏ قال ابن بطال رمحه اهلل:‏ ‏»فأمّ‏ ا إذا ظهر البغيُ‏ يف إحدى الطّ‏ ائفتني،‏<br />

مل حيلّ‏ ملسلمٍ‏ أن يتخلّف عن قتال الباغية؛ لقوله تعاىل:‏ ‏}فَقَاتِلُوا الَّت تَبْغِى حَتَّ‏ تَفِيءَ‏<br />

‏ِإلَ‏ ‏َأمْرِ‏ اللَّ‏ ِ{، ولو أمسكَ‏ املسلمون عن قتالِ‏ أهلِ‏ البغي لَبَطلَت فريضةُ‏ اهلل تعاىل«‏ ))) .<br />

ويف بيان مآل القتال وغايته:‏ قال اإلمام الشّ‏ افعي رمحه اهلل:‏ ‏»فإن فاءت مل يكن<br />

ألحدٍ‏ قتاهلُ‏ ا؛ ألنّ‏ اهلل عز وجل إنّام أذن يف قتاهلا يف مدّ‏ ة االمتناع بالبغي إىل أنْ‏ تفيء...‏<br />

))) روضة الطالبني )50/10(.<br />

))) فتح الباري )31/10(.<br />

192


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

والفيءُ‏ : الرّ‏ جعةُ‏ عن القتال باهلزيمة،‏ أو التّوبة وغريها،‏ وأيُّ‏ حالٍ‏ تَرك هبا القتالَ‏ فقد<br />

فاء«‏ ((( .<br />

وما ورد يف ‏»قتل«‏ الباغي عىل اإلمام فهو مفسٌّ‏ باملدافعة أوالً‏ :<br />

قال النووي رمحه اهلل يف حديث:‏ ‏)مَ‏ ن بايع إمامً‏ ا،‏ فأعطاه صفْ‏ قةَ‏ يده،‏ وثمرة قلبِه،‏<br />

فليطعه إن استطاع،‏ فإنْ‏ جاء آخرُ‏ ينازعه فارضبوا عنقَ‏ اآلخر(‏ ))) :<br />

‏»معناه ادفعوا الثّاين،‏ فإنه خارجٌ‏ عىل اإلمام،‏ فإن مل يندفع إال بحربٍ‏ وقتالٍ‏ فقاتلوه،‏<br />

فإن دعت املقاتلةُ‏ إىل قتله جاز قتلُه،‏ وال ضامن فيه؛ ألنّه ظاملٌ‏ متعدٍّ‏ يف قتاله«‏ ))) .<br />

ويُالحظ يف أنواع القتال السّ‏ ابقة أنَّ‏ األصلَ‏ فيها عصمةُ‏ دم املسلم،‏ وإنّام أبيح قتالُه<br />

لدفع رضره؛ فإن ذهب رضرُ‏ ه عادت إليه عصمتُه ‏)إال بحقوقٍ‏ ترتَّبت عىل اعتدائه(،‏<br />

دون أن يُبيح ذلك الطّ‏ عنَ‏ يف دينه وعقيدته ملجرد االعتداء.‏<br />

ثالثًا:‏ أمّ‏ ا يف حال اخلوارج فيختلف التّعامل معهم؛ ألنَّ‏ اخلالف معهم عقديٌّ‏ ،<br />

وبدعتُهم مِن رشّ‏ البدع وأخطرها،‏ فلهم حكمٌ‏ آخر غري ما سبق مِن أنواع القتال بني<br />

املسلمني:‏<br />

1- مل جيعل النبي # اخلوارجَ‏ من مجاعة املسلمني التي انقسمت إىل جيش عيل<br />

أو معاوية ريض اهلل عنهام،‏ بل أخرجهم منهم،‏ ممّا يدلُّ‏ عىل أنم ليسوا عىل دعوة<br />

اإلسالم.‏<br />

((( األم .)227/4(<br />

))) أخرجه مسلم )1472/3، برقم ١٨٤٤(.<br />

))) رشح النووي )234/12(.<br />

193


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

194<br />

قال #: ‏)مترقُ‏ مارقةٌ‏ عند فُرقةٍ‏ مِن املسلمني،‏ يقتلُها أوىل الطائفتني باحلقّ‏ ) ))) ، ويف<br />

لفظٍ‏ : ‏)تكون يف أمّ‏ تي فرقتان،‏ فتخرج مِن بينهام مارقةٌ‏ ، ييل قتلَهم أوالهم باحلقّ‏ ) ))) .<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فهؤالء الذين قتلهم أمريُ‏ املؤمنني عيل - ريض اهلل عنه - ملا<br />

حصلت الفُ‏ رقةُ‏ بني أهل العراق والشّ‏ ام،‏ وكانوا يُسَ‏ مّ‏ ون احلرورية،‏ بنيَّ‏ النبي # أنّ‏<br />

كلتا الطائفتني املفرتقتني مِن أمّ‏ ته،‏ وأن أصحاب عيل - ريض اهلل عنه - أوىل الطّ‏ ائفتني<br />

باحلقّ‏ ، ومل حيُ‏ رِّ‏ ض إال عىل قتال أولئك املارقني الذين خرجوا مِن اإلسالم،‏ وفارقوا<br />

اجلامعة،‏ واستحلّوا دماءَ‏ مَ‏ ن سواهم مِن املسلمني وأمواهلم،‏ فثبت بالكتاب والسنّة<br />

وإمجاع األمّ‏ ة أنّه يُقاتَل مَ‏ ن خرج عن رشيعة اإلسالمِ،‏ وإن تكلّم بالشّ‏ هادتني«‏ ))) .<br />

2- اخلوارجُ‏ معاقَبون يف اآلخرة بحرمانم مِن شفاعة الرسول # التي تنال أهلَ‏<br />

الكبائر:‏<br />

- حلديث:‏ ‏)رجالنِ‏ ما تناهلام شفاعتي:‏ إمامٌ‏ ظلومٌ‏ غشومٌ‏ ، وآخرُ‏ غالٍ‏ يف الدّ‏ ين،‏<br />

مارقٌ‏ منه(‏ ))) .<br />

قال الصنعاين رمحه اهلل:‏ ‏»)مارقٍ‏ ) مِن مرق السّ‏ هم مِن الرّ‏ ميةِ‏ نفذها،‏ أي:‏ خارجٌ‏<br />

بغلوّ‏ ه مِن الدين مع أنه باقٍ‏ عىل اإلسالم إال أنّه بغلوِّ‏ ه صار كاخلارج عنه«‏ ))) .<br />

- لذا جاءت النّصوص يف عالج بدعتهم باألمر بقتلهم،‏ والتّأكيد عليه:‏<br />

- حلديث:‏ ‏)فإذا لقيتموهم فاقتلوهم(‏ ))) .<br />

))) أخرجه مسلم )745/2، برقم 1064(.<br />

))) أخرجه مسلم )746/2، برقم 1064(.<br />

))) جمموع الفتاوى )357/28(.<br />

))) أخرجه ابن أيب عاصم يف السنة )23/1، برقم 41(.<br />

))) التنوير رشح اجلامع الصغري )609/6(.<br />

))) أخرجه مسلم )746/2(، برقم 1066(.


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

- وحديث:‏ ‏)فإذا خرجوا فاقتلوهم،‏ ثمّ‏ إذا خرجوا فاقتلوهم،‏ ثمّ‏ إذا خرجوا<br />

فاقتلوهم(‏ ((( .<br />

- وحديث:‏ ‏)قِتاهلُ‏ م حقٌّ‏ عىل كُ‏ لِّ‏ مُ‏ سلمٍ‏ ) ))) .<br />

وبيَّنت أنَّ‏ قتاهلَ‏ م قتلُ‏ استئصالٍ‏ ، ال قتال دفعِ‏ صائلٍ‏ ، وال لغاية معينة:‏<br />

- حلديث:‏ ‏)لئنْ‏ أدركْ‏ تهم ألقتلنّهم قتلَ‏ عادٍ(‏ ))) .<br />

- وحديث:‏ ‏)لئنْ‏ أدركْ‏ تهم ألقتلنّهم قتلَ‏ ثَمُ‏ ودَ‏ ) ))) .<br />

- وحديث:‏ ‏)كلّام طلع منهم قرنٌ‏ قطعه اهلل عز وجل(‏ ))) .<br />

- وحديث:‏ ‏)كُ‏ لّام خرج قرنٌ‏ قُطع(‏ قال ابنُ‏ عمر ريض اهلل عنهام:‏ سمعت رسول<br />

اهلل # يقول:‏ ‏)كُ‏ لّام خرج قرنٌ‏ قُطع،‏ أكثر مِن عرشين مرّ‏ ةً(‏ ))) .<br />

قال ابن اجلوزي رمحه اهلل:‏ ‏»وقَوله:‏ ‏)ألقتلنّهم قتلَ‏ عادٍ(‏ أَي أستأصلَنّهم؛ فَإِنّ‏ عادً‏ ا<br />

استؤصلوا«‏ ((( .<br />

وقال النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»قوله # ‏)لئن أدركتهم ألقتلنّهم قتلَ‏ عادٍ(‏ أي قتالً‏ عامًّ‏ ا<br />

مستأصِ‏ الً‏ ، كام قال تعاىل:‏ ‏}فَهَ‏ لْ‏ تَرى لَهُمْ‏ مِنْ‏ باقِيَةٍ{‏ ‏]احلاقة:‏ 8[، وفيه احلثُّ‏ عىل<br />

قتاهلم«‏ ((( .<br />

))) أخرجه أمحد )115/5، برقم 5562(.<br />

))) أخرجه أمحد )155/2، برقم 1345(.<br />

))) أخرجه البخاري )137/4، برقم 3344(، ومسلم )741/2، برقم 1064(.<br />

))) أخرجه البخاري )163/5، برقم 4351(، ومسلم )742/2، برقم 1064(.<br />

))) أخرجه أمحد )115/5، برقم 5562(.<br />

))) أخرجه ابن ماجه )120/1، برقم 174(.<br />

))) كشف املشكل من حديث الصحيحني )120/3(.<br />

))) رشح النووي )162/7(.<br />

195


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال العيني رمحه اهلل:‏ ‏»التّقديرُ‏ : كقتلِ‏ عادٍ،‏ والتّشبيهُ‏ ال عمومَ‏ له،‏ والغرضُ‏ منه<br />

استئصاهلُ‏ م بالكلّيةِ‏ كاستئصال عاد«‏ ))) .<br />

وقال القسطالّ‏ ين رمحه اهلل:‏ ‏»)لئنْ‏ أنا أدركتُهم(‏ أي املوصوفني بام ذُ‏ كر ‏)ألقتلنّهم<br />

قتلَ‏ عادٍ(‏ أي ألستأصلنَّهم بحيثُ‏ ال أُبقي منهم أحدً‏ ا كاستئصال عاد«‏ ))) .<br />

وأنَّ‏ سببَ‏ قتلهم هو بدعتُهم اخلطرية:‏<br />

قال الطِّ‏ يبي رمحه اهلل:‏ ‏»أي:‏ فإذا لقيتموهم فاعلموا أنّ‏ م رشارُ‏ خلق اهللِ‏ فاقتلوهم،‏<br />

كام قال:‏ ‏)طوبى لمَ‏ ن قتلهم وقتلوه(،‏ ووجهٌ‏ آخر:‏ وهو أنْ‏ يكون اجلزاءُ‏ حمذوفًا،‏ يعني<br />

فاقتلوهم،‏ واجلملةُ‏ بعدَ‏ ه استئنافيّةٌ‏ لبيان املوجِ‏ ب«‏ ))) .<br />

وقال املازري ‏-رمحه اهلل-‏ عن حديث ‏)لئن أدركتهم ألقتلنّهم قتلَ‏ عادٍ(:‏ ‏»قد يتعلّق<br />

بظاهر هذا مَ‏ ن يرى تكفريَهم،‏ وقد اختلف أهلُ‏ األصول يف تكفريِهم،‏ وقد يَنفصل<br />

عن هذا مَ‏ ن ال يرى تكفريَهم بأنْ‏ حيُ‏ مل قتلُهم عىل أنّه كاحلدّ‏ هلم عىل بدعتِهم«‏ ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فرتَّب األمرَ‏ بالقتل عىل مروقِهم،‏ فعُ‏ لم أنّه املوجِ‏ بُ‏<br />

له«‏ ((( .<br />

ورتَّب األجرَ‏ الكبريَ‏ عىل قتلِهم للحثّ‏ عليه،‏ وحسم الرتّ‏ دُّ‏ د فيه؛ ملا قد يقع يف<br />

النّفوس مِن عبادهتم.‏<br />

))) عمدة القاري )228/15(.<br />

))) إرشاد الساري )335/5(.<br />

))) رشح الطيبي ‏»الكاشف عن حقائق السنن«‏ )2510/8(.<br />

))) املعلم بفوائد مسلم )35/2(.<br />

))) املعلم بفوائد مسلم )35/2(.<br />

196


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فمَ‏ ن قاتلهم فهو خريُ‏ األمّ‏ ة:‏<br />

- حلديث:‏ ‏)مَ‏ ن قاتلهم كان أوىل باهللِ‏ منهم(‏ ))) .<br />

نقل املال عيل القاري ‏-رمحه اهلل-‏ أنّ‏ : ‏»الضّ‏ مري فيه راجعٌ‏ إىل األمّ‏ ةِ،‏ أي:‏ مَ‏ ن قاتلهم<br />

مِن أمّ‏ تي أوىل باهلل مِن باقي أمّ‏ تي...‏ أمّ‏ ا عىل الوجه الثّاين فالضّ‏ مريُ‏ راجعٌ‏ إىل الفرقة<br />

الباطلة«‏ ((( .<br />

- وحديث:‏ ‏)إنّ‏ م رشارُ‏ أمّ‏ تي ‏ِيقتلهم خيارُ‏ أمّ‏ تي(‏ ))) .<br />

- وحديث:‏ ‏)خَ‏ ريْ‏ ُ قتىل مَ‏ ن قَتلوا(‏ ))) .<br />

وله األجرُ‏ الكبريُ‏ يومَ‏ القيامة:‏<br />

- حلديث:‏ ‏)فإنّ‏ يف قتلهم أجرً‏ ا لمَ‏ ن قتلهم يومَ‏ القيامة(‏ ))) .<br />

- ‏)فطوبى لمَ‏ ن قتلهم،‏ وطوبى لمَ‏ ن قتلوه(‏ ))) . وطوبى شجرةٌ‏ يف اجلنّة.‏<br />

ومَ‏ ن قاتلهم ومل يُقتل فله أجرُ‏ شهيدٍ‏ ، ومَ‏ ن قُتل عىل أيدهيم فله أجر شهيدين:‏<br />

- ‏)مَ‏ ن قتلهم فله أجرُ‏ شهيدٍ‏ ، ومَ‏ ن قتلوه فله أجرُ‏ شهيدَ‏ ين(‏ ))) .<br />

بل إنّ‏ قتلَهم يكاد يكفي للنّجاة مِن النّار؛ لكثرة الثواب عليه:‏<br />

))) أخرجه أبو داود )143/7، برقم 4765(، وأمحد )51/21، برقم 13338(.<br />

))) مرقاة املفاتيح )2316/6(.<br />

))) أخرجه اآلجري يف الرشيعة )362/1، برقم 56(.<br />

))) أخرجه ابن ماجه )121/1، برقم 176(، وأمحد )654/36، برقم 22314(.<br />

))) أخرجه البخاري )16/9، برقم 6930(، ومسلم )746/2(.<br />

))) أخرجه أمحد )115/5، برقم 5562(.<br />

))) أخرجه الطرباين يف األوسط )276/1، برقم 90(، والسنة،‏ البن أيب عاصم )451/2، برقم 926(.<br />

197


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

- قال عيل ‏-ريض اهلل عنه-‏ يف اخلوارج:‏ ‏»لو يعلم اجليشُ‏ الذين يصيبونم،‏ ما<br />

قُيض هلم عىل لسان نبيّهم # التّكلوا عن العمل«‏ ))) .<br />

قال السيوطي رمحه اهلل:‏ ‏»أَي التّكلوا عىل ثَواب ذلك العملِ‏ ، واعتمدوا عليه يفِ‏<br />

النجاة مِن النَّار،‏ والفوز باجلنة؛ ألنه عظيمٌ‏ جسيم«‏ ))) .<br />

وقد أدرك الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم هذه األحكامَ‏ فاتفقوا عىل قتال اخلوارج:‏<br />

فعىل خالف موقف عامّ‏ ة الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم مِن الفتنة التي جتنّبوها،‏ كان<br />

موقفُ‏ هم االجتامعَ‏ عىل قتال اخلوارج،‏ وحثّ‏ الناس عليه برواية أحاديث رسول اهلل<br />

# فيهم.‏<br />

ولامّ‏ رأى عيل ريض اهلل عنه ‏)ذا الثُّديّة(‏ مقتوالً‏ : ‏)فكربّ‏ َ، ثمّ‏ قال:‏ صدق اهللُ،‏ وبلّغ<br />

رسولُه(‏ ((( .<br />

ويف رواية:‏ ‏)فخررْ‏ نا سجودً‏ ا،‏ وخرَّ‏ عيلٌّ‏ ريض اهلل عنه ساجدً‏ ا معنا(‏ ))) .<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وقاتل أمري املؤمنني عيل بن أبى طالب ريض اهلل عنه<br />

اخلوارجَ‏ ، وذكر فيهم سنّة رسول اهلل # املتضمّ‏ نة لقتاهلم،‏ وفرِحَ‏ بقتلِهم،‏ وسجد هلل<br />

شكرً‏ ا لامّ‏ رأى أباهم مقتوالً‏ ، وهو ذو الثُّدَ‏ يَّة،‏ بخالف ما جرى يومَ‏ اجلمل وصفّ‏ ني؛<br />

فإنّ‏ عليًّا ريض اهلل عنه مل يفرح بذلك،‏ بل ظهر منه مِن التّأملّ‏ والنّدم ما ظهر،‏ ومل يذكر<br />

عن النبي # يف ذلك سنَّةً‏ ، بل ذكر أنّه قاتل باجتهاده«‏ ))) .<br />

))) أخرجه مسلم )748/2، برقم 1066(.<br />

))) الديباج عىل صحيح مسلم )168/3(.<br />

))) أخرجه مسلم )748/2، برقم 1066(، وذو الثُّدَ‏ يةِ‏ رجلٌ‏ يدُ‏ ه مقطوعةٌ‏ تشبه الثدي،‏ وقد جعله النبي<br />

# عالمةً‏ عىل اخلوارج.‏<br />

))) أخرجه أمحد )411/2، برقم 1255(.<br />

))) جمموع الفتاوى )395/20(.<br />

198


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقال ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»ويف سجودِ‏ كعبٍ‏ ريض اهلل عنه حني سمع صوتَ‏<br />

املبرشِّ‏<br />

دليلٌ‏ ظاهرٌ‏ أنّ‏ تلك كانت عادةَ‏ الصّ‏ حابة،‏ وهي سجودُ‏ الشّ‏ كر عند النّعم<br />

املتجدّ‏ دة،‏ والنّقم املندفعة،‏ وقد سجد أبو بكر الصِّ‏ دِّ‏ يق ريض اهلل عنه لامّ‏ جاءه قتلُ‏<br />

مُ‏ سَ‏ يْلِمة الكذَّ‏ اب،‏ وسجد عيل بن أبى طالب ريض اهلل عنه لامّ‏ وجد ذا الثُّديَّةِ‏ مقتوالً‏<br />

يف اخلوارج«‏ ))) .<br />

ثمّ‏ قاتلهم معاويةُ‏ ، وقاتلهم عبد اهلل بن الزبري ريض اهلل عنهم،‏ وكان عىل قتاهلم<br />

كافّةُ‏ علامء األمّ‏ ة جيالً‏ بعد جيلٍ‏ ، واألخبارُ‏ يف ذلك أكثرُ‏ مِن أن حتُ‏ ىص.‏<br />

قتالُ‏ اخلوارج ال خيتصّ‏ بزمان أو مكان:‏<br />

فكلُّ‏ مَ‏ ن كان عىل عقيدة اخلوارج فهو مشمولٌ‏ باألمر بالقتال،‏ والدليلُ‏ عىل ذلك:‏<br />

أنَّ‏ األحاديث تنصَّ‏ عىل أنّ‏ اخلوارجَ‏ فرقةٌ‏ سيستمرّ‏ وجودُ‏ ها إىل آخر الزّ‏ مان،‏ وقد<br />

جاءت النّصوصُ‏ مطلّقةً‏ يف أحكام التّعامل مع اخلوارج دون ختصيصٍ‏ بزمنٍ‏ دون آخر،‏<br />

بل إنَّ‏ ا نصَّ‏ ت عىل األمر بقتلهم كلّام خرجوا ؛ حلديث:‏ ‏)فَإِذَ‏ ا خَ‏ رَ‏ جُ‏ وا فَاقْتُلُوهُ‏ مْ‏ ، ثُمَّ‏ إِذَ‏ ا<br />

خَ‏ رَ‏ جُ‏ وا فَاقْتُلُوهُ‏ مْ‏ ، ثُمَّ‏ إِذَ‏ ا خَ‏ رَ‏ جُ‏ وا فَاقْتُلُوهُ‏ مْ‏ (، وحديث:‏ ‏)أَيْنَامَ‏ لَقِيتُمُ‏ وهُ‏ مْ‏ فَاقْتُلُوهُ‏ مْ‏ (،<br />

وحديث:‏ ‏)كُ‏ لَّامَ‏ طَ‏ لَعَ‏ مِنْهُ‏ مْ‏ قَرْ‏ نٌ‏ قُطِ‏ ع(.‏<br />

وهذا ما فهمه علامءُ‏ األمّ‏ ة،‏ وما زالوا يستدلّون هبذه النّصوص عىل هذا العموم.‏<br />

قال الشّ‏ هرستاين رمحه اهلل:‏ ‏»كلُّ‏ مَ‏ ن خرج عىل اإلمام احلق الذي اتفقت اجلامعة<br />

عليه يسمى خارجيًا،‏ سواء كان اخلروج يف أيام الصحابة عىل األئمة الراشدين؛<br />

أو كان بعدهم عىل التّابعني بإحسان،‏ واألئمة يف كل زمان«‏ ))) .<br />

))) زاد املعاد )511/3(.<br />

))) امللل والنحل )114/1(.<br />

199


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وهذه العالمةُ‏ التي ذكرها النبي # هي عالمةُ‏ أولِ‏<br />

مِن خيرج منهم،‏ ليسوا خمصوصني بأولئك القوم؛ فإنّه قد أخرب يف غري هذا احلديث<br />

أنّ‏ م ال يزالون خيَ‏ رجون إىل زمن الدّ‏ جال،‏ وقد اتّفق املسلمون عىل أنّ‏ اخلوارجَ‏ ليسوا<br />

خمتصّ‏ ني بذلك العسكر«‏ ))) .<br />

ثم إنَّ‏ خطرَ‏ هم العقدي ال خيتصّ‏ بوقتٍ‏ دون وقت،‏ بل ربّام كان يف بعض الفرق<br />

الالّ‏ حقة مَ‏ ن هو أشدُ‏ انحرافًا وتلبيسً‏ ا مِن الفرق األوىل.‏<br />

رابعً‏ ا:‏ إضافةً‏ ملا سبق فإنَّ‏ لقتال اخلوارج أحكامً‏ ا أخرى ختصّ‏ ه دون بقية أنواع<br />

القتال بني املسلمني ليس هذا مكانَ‏ بسطها،‏ ولكن نذكر طرفًا منها؛ لبيان خصوصية<br />

هذه البدعة اخلطرية:‏<br />

1- جوازُ‏ بدئهم بالقتالِ‏ ، وإن مل يبدؤوا:‏<br />

ذهب عددٌ‏ من أهلِ‏ العلم إىل جواز ابتداء اخلوارج بالقتال،‏ حتى وإن مل يبدؤوا<br />

هم بذلك.‏<br />

به...‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء،‏ فاالقتتالُ‏ ابتداءً‏ ليس مأمورً‏ ا<br />

وأمّ‏ ا اخلوارج فقد قال النبي # فيهم:‏ ‏)أينام لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنّ‏ يف قتلهم<br />

أجرً‏ ا عند اهلل لمَ‏ ن قتلهم يومَ‏ القيامة(،‏ وقال:‏ ‏)لئن أدركتُهم ألقتلنّهم قتلَ‏ عادٍ(«‏ ))) .<br />

وقال ابن قدامة رمحه اهلل:‏ ‏»الصّ‏ حيحُ‏ إن شاء اهلل،‏ أنّ‏ اخلوارج جيوز قتلُهم ابتداءً‏ ،<br />

واإلجهازُ‏ عىل جرحيهم؛ ألمر النبي # بقتلهم،‏ ووعده بالثّواب مَ‏ ن قتَلَهم...‏ وألنّ‏<br />

))) جمموع الفتاوى )495/28(.<br />

))) جمموع الفتاوى )57/35(.<br />

200


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

بدعتَهم،‏ وسوءَ‏ فعلهم،‏ يقتيض حِ‏ لَّ‏ دمائهم؛ بدليل ما أخرب به النبي # مِن عِ‏ ظَ‏ م<br />

ذنبهم،‏ وأنّ‏ م رشُّ‏ اخللق واخلليقة،‏ وأنّ‏ م يمرقون مِن الدّ‏ ين،‏ وأنم كالبُ‏ النّار،‏ وحثّه<br />

عىل قتلِهم،‏ وإخبارُ‏ ه بأنّه لو أدركهم لقتلهم قتلَ‏ عادٍ،‏ فال جيوز إحلاقُهم بمَ‏ ن أمر النبي<br />

# بالكفِّ‏ عنهم،‏ وتورعّ‏ كثريٌ‏ مِن أصحاب رسول اهلل # عن قتاهلم،‏ وال بدعةَ‏<br />

فيهم«‏ ((( .<br />

2- جوازُ‏ قتل الشّ‏ خص املنفرد مِن اخلوارج،‏ وإن مل يكن له مجاعةٌ‏ ، وإن مل يقاتل:‏<br />

قرَّ‏ ر عددٌ‏ من أهلِ‏ العلم أنَّ‏ املبتدع الدّ‏ اعي إىل بدعته املغلّظة أو املكفّ‏ رة،‏ والتي<br />

تتسبّب يف تفريق مجاعةِ‏ املسلمني،‏ واخلروج عن الدّ‏ ين الصّ‏ حيح،‏ ومل يمكن دفعُ‏ رشّ‏ ه<br />

بالطرق املعتادة من املناظرة واالستتابة وغريها،‏ والتي غالبًا ما يندفع هبا رشّ‏ هؤالء:‏<br />

أنَّه جيوز لإلمامِ‏ إزالة رضره ولو بالقتل،‏ ما مل يرتتَّب عىل ذلك مفسدةٌ‏ أعظم منها.‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فأمّ‏ ا قتل الواحد املقدور عليه مِن اخلوارج؛ كاحلرورية<br />

والرافضة ونحوهم:‏ فهذا فيه قوالن للفقهاء،‏ مها روايتان عن اإلمام أمحد.‏ والصّ‏ حيح<br />

أنه جيوز قتلُ‏ الواحد منهم؛ كالدّ‏ اعية إىل مذهبِه،‏ ونحو ذلك ممّن فيه فسادٌ‏ ... ألنّ‏<br />

هؤالء مِن أعظم املفسدين يف األرض«‏ ))) .<br />

وقال ابن رجب رمحه اهلل:‏ ‏»وقد رُ‏ وي مِن وجوهٍ‏ متعدّ‏ دة أنّ‏ النبي # أمر بقتل<br />

رجلٍ‏ كان يصيلّ‏ ، وقال:‏ ‏)لو قُتل لكان أوّ‏ لَ‏ فتنةٍ‏ وآخرَ‏ ها(،‏ ويف روايةٍ:‏ ‏)لو قُتل مل<br />

خيتلف رجالنِ‏ مِن أمّ‏ تي حتّى خيرج الدّ‏ جّ‏ الُ‏ ‏(؛ خرَّ‏ جه اإلمام أمحد وغريه،‏ فيُستدلّ‏ هبذا<br />

عىل قتل املبتدع إذا كان قتلُه يكفّ‏ رشّ‏ ه عن املسلمني،‏ وحيسم مادّ‏ ة الفتن«‏ ))) .<br />

((( املغني .)526/8(<br />

))) جمموع الفتاوى )499/28(.<br />

))) جامع العلوم واحلكم )329(.<br />

201


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وذكر ابن عابدين رمحه اهلل:‏ ‏»واملبتدعُ‏ لو له داللةٌ‏ ودعوةٌ‏ للنّاس إىل بدعته،‏ ويُتوهم<br />

منه أنْ‏ ينرش البدعةَ‏ وإن مل حيُ‏ كم بكفرِه جاز للسّ‏ لطان قتله سياسةً‏ وزجرً‏ ا«‏ ))) .<br />

وقال ابن فرحون املالكي رمحه اهلل:‏ ‏»وأمّ‏ ا املفرّ‏ قُ‏ جلامعةِ‏ املسلمني فإنّه يُستتاب،‏ فإنْ‏<br />

تاب،‏ وإال قُتل«‏ ))) .<br />

وقد شهد التاريخُ‏ قتلَ‏ عددٍ‏ مِن رؤوس كبار املبتدعة كمعبد اجلهني يف عهد اخلليفة<br />

عبد امللك بن مروان،‏ وغيالن الدّ‏ مشقي القدري يف عهد اخلليفة هشام بن عبد امللك،‏<br />

وغريهم مِن الزنادقة واملبتدعة،‏ فكيف إذا كانت هذه البدعةُ‏ مِن رشّ‏ البدع وأخطرِها،‏<br />

وال تتوقف حتى تُستباح هبا الدّ‏ ماءُ‏ املعصومة؟<br />

3- جوازُ‏ قتل أسري اخلوارج ومدبرهم:‏<br />

سبق كالمُ‏ ابن قدامة قريبًا:‏ ‏»الصّ‏ حيحُ‏ إن شاء اهلل،‏ أنّ‏ اخلوارجَ‏ جيوز قتلُهم ابتداءً‏ ،<br />

واإلجهازُ‏ عىل جرحيهم«.‏<br />

وقال أبو احلسن الطرابليس رمحه اهلل:‏ ‏»فإنْ‏ هزمهم وهلم فئةٌ‏ يلجؤون إليها فينبغي<br />

لإلمام العدل أن يتّبع مدبرَ‏ هم،‏ وجيُ‏ هزَ‏ عىل جرحيِهم،‏ ويقتلَ‏ أسريَهم،‏ وإن شاء حبسه؛<br />

ألنه لو خالّ‏ هم يعودون حربًا علينا..«‏ ))) .<br />

وقال السّ‏ خيس رمحه اهلل:‏ ‏»وإن كانت له فئةٌ‏ فال بأس بأنْ‏ يُقتل أسريُ‏ هم؛ ألنه ما<br />

اندفع رشُّ‏ ه،‏ ولكنه مقهورٌ‏ ، ولو ختلّص انحاز إىل فئته«‏ ))) .<br />

))) حاشية ابن عابدين )243/4(.<br />

))) تبرصة احلكام )297/2(.<br />

))) معني احلكام )191/1(.<br />

((( املبسوط .)126/10(<br />

202


القسم الثاني:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حولَ‏ قتالِ‏ <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقال اجلصاص رمحه اهلل:‏ ‏»فإذا كانت هلم فئةٌ‏ فإنّه يُقتل األسريُ‏ إنْ‏ رأى ذلك اإلمامُ‏ ،<br />

وجيُ‏ هز عىل اجلريحِ‏ ، ويتبع املدبر«‏ ))) .<br />

4- جواز اغتنام أمواهلم:‏<br />

قال السّ‏<br />

خيس رمحه اهلل:‏ ‏»املالُ‏ لو كان للخوارج مل جيزْ‏ ردُّ‏ ه عليهم مع بقاء توهّ‏ م<br />

االستعانةِ‏ عىل قتال املسلمني إن كانت منعتُهم باقيةً‏ » ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فهؤالء يقاتَلون ما داموا ممتنعني،‏ وال تُسبى ذرارهيم،‏<br />

وال تُغنم أمواهلم التي مل يستعينوا هبا عىل القتال،‏ وأمّ‏ ا ما استعانوا به عىل قتال املسلمني<br />

مِن خيلٍ‏ وسالحٍ‏ وغري ذلك،‏ ففي أخذه نزاعٌ‏ بني العلامء،‏ وقد رُ‏ وي عن عيل بن أيب<br />

طالب ريض اهلل عنه أنه نب عسكرُ‏ ه ما يف عسكر اخلوارج،‏ فإنْ‏ رأى ويلُّ‏ األمر أنْ‏<br />

يستبيح ما يف عسكرِهم مِن املال كان هذا سائغً‏ ا«‏ ))) .<br />

وهذا ما كان عليه املسلمون يف حماربة اخلوارج،‏ فقد ذكر ابنُ‏ كثري رمحه اهلل أنَّ‏<br />

املهلّبَ‏ : ‏»اشرتط عىل أهل البرصة أن يُقوِّ‏ ي جيشَ‏ ه مِن بيت ماهلم،‏ وأن يكون له ما<br />

غلب عليه مِن أموال اخلوارج،‏ فأجابوه إىل ذلك«‏ ))) .<br />

وما سبقَ‏ من أحكام إنام يكون فيمن قاتل املسلمني،‏ مستبيحً‏ ا دماءهم،‏ معتقدً‏ ا<br />

عقائد اخلوارج يف التكفري،‏ أما من تابَ‏ واعتزلَ‏ القتال،‏ أو أرادَ‏ الصلح،‏ أو كانَ‏<br />

معتقدً‏ ا لعقائدَ‏ اخلوارجِ‏ دون إرضارٍ‏ باملسلمني،‏ أو نرشٍ‏ للبدعة وحتريضٍ‏ عىل األذية،‏<br />

فال تشمله أحكام القتل،‏ ومصادرة األموال ونحوها،‏ وإنَّام يُعامل بحسب ما وقع منه،‏<br />

كام هو مبسوطٌ‏ يف كتب أهل العلم.‏<br />

))) أحكام القرآن )284/5(.<br />

))) رشح السري الكبري )747/1(.<br />

))) جمموع الفتاوى )515/28(.<br />

))) البداية والنهاية )287/8(.<br />

203


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

واخلالصةُ‏ : قتالُ‏ اخلوارج هو قتالٌ‏ مرشوعٌ‏ مأمورٌ‏ به،‏ وهو قتالُ‏ استئصالٍ‏ وإزالة؛<br />

لعِظَ‏ م بدعة اخلوارج،‏ وشديدِ‏ خطرِها،‏ وليس هو من جنسِ‏ قتال الصّ‏ ائلِ‏ املرشوعِ‏<br />

لدفع صياله وعدوانه،‏ أو قتالِ‏ الفتنة املأمورِ‏ باعتزالِه؛ ألنَّه ال يتبنيَّ‏ فيه احلقُّ‏ ، أو يكون<br />

قتاالً‏ عىل غايةٍ‏ غري مرشوعة منهيّ‏ عنه،‏ أو قتالَ‏ البغاة املرشوعِ‏ لردّ‏ الباغي إىل احلقّ‏ ))) .<br />

))) يرى بعض الناس ‏-ومنهم عددٌ‏ من طلبة العلم-‏ الذينَ‏ مل تتبنيَّ‏ هلم حقيقة األحداث اجلارية مع <strong>تنظيم</strong><br />

‏)الدولة(‏ اعتزالَ‏ القتال مع <strong>تنظيم</strong> ‏)الدولة(،‏ ويرى أنَّ‏ هذا القول هو من قبيل اعتزال الفتنة.‏<br />

وحقيقة هذا القول أنَّه مشاركةٌ‏ يف احلكم وليس اعتزاالً؛ وذلك ألنَّ‏ القائل بذلك قد حكم عىل الفريقني<br />

مجيعً‏ ا باملساواة يف املسؤولية عن األحداث اجلارية،‏ وهذا حكمٌ‏ منه وليس اعتزاالً.‏<br />

بينام الواجب عىل من التبست عليه األمور أن يعتزل احلديثَ‏ يف هذه النازلة،‏ ويسكت فال حيكم فيها<br />

بيشء،‏ وال جيوز له أن جيعل قصور اطالعه أو قلة علمه حجة له باحلكم يف هذه املسألة،‏ وهو يظن أنَّه<br />

قد تورَّ‏ ع عن احلديث يف الدماء،‏ بينام قد يكون حديثه هذا قد تسبب يف تعطيل احلكم الرشعي الواجب<br />

ملجرد أنَّه أراد التَّورع املبني عىل جهل بالواقع.‏ ‏)د.‏ فهد العجالن(.‏<br />

204


القسم الثالث:‏<br />

الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين<br />

ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

الشُّ‏ بهة السادسة عشرة<br />

مخالفو <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ يكفرون ال<strong>تنظيم</strong><br />

» تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

»<br />

كثريٌ‏ ممّن خيالف <strong>تنظيم</strong>َ‏ ‏)الدّ‏ ولة(‏ ويعيبون عليه التَّكفري يقعون يف تكفري التّنظيم،‏<br />

فهم يقاتلونم،‏ وحيثّون عىل ذلك مستشهدين بأحاديثَ‏ تدلُّ‏ عىل أنم غري مسلمني<br />

كحديث:‏ ‏)يَقتلون أهلَ‏ اإلسالمِ،‏ ويدَ‏ عون أهلَ‏ األوثانِ‏ ، لَئن أنا أدركتُهم ألقتلنّهم<br />

قتلَ‏ عادٍ(،‏ ويَصفون أفرادَ‏ التّنظيم ب ‏)كالب أهل النّار(،‏ وأنّ‏ م ‏)يمرقون مِن الدّ‏ ين(،‏<br />

وحديث:‏ ‏)رشُّ‏ قتىل حتتَ‏ أديم السّ‏ امء(.‏<br />

وهذا تكفريٌ‏ للتّنظيم وأفراده،‏ فكيف تقعون فيام تعيبون عىل ال<strong>تنظيم</strong>َ‏ الوقوعَ‏ فيه؟<br />

اإلجابةُ‏ عن هذه الشُّ‏ بهة:‏<br />

يف هذه الشّ‏ بهة خطأٌ‏ وخلطٌ‏ بني عدّ‏ ة أمور،‏ وجتنٍّ‏ عىل املخالفني للتّنظيم،‏ وبيانُ‏<br />

ذلك كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : األمرُ‏ بالقتل أو القتال ال يدلُّ‏ عىل التّكفري،‏ بل هناك قتال رشعي ملن ليس<br />

بكافر:‏<br />

1- فقد أمر اهلل تعاىل بقتال البغاةِ‏ عند رفضهم للصلح وبغيهم،‏ وهم مسلمون<br />

باالتفاق.‏<br />

2- وأمر بقتالِ‏ الصّ‏ ائلِ‏ املعتدي ودفعه.‏<br />

207


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

3- وكام أمرَ‏ بدفعِ‏ قطاّع الطريق،‏ وهم عصاةٌ‏ .<br />

ويف هذه احلاالت ال يكون فيها املسلم كافرً‏ ا،‏ ومع ذلك جيوز قتالُه.‏<br />

فال تالزمَ‏ بني القتالِ‏ وبني الكفر،‏ فليس كلُّ‏ مَ‏ ن جازَ‏ قتلُه أو قتالُه يكون كافرً‏ ا،‏<br />

والفتوى بجواز قتال <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ليس لكفرهم،‏ بل خلارجيّتهم وإجرامهم كام<br />

سبق.‏<br />

ثانيًا:‏ اخلوارجُ‏ ليسوا كفارً‏ ا عند مجهور أهل العلم ))) :<br />

فالّذي عليه عامةّ‏ العلامء مِن السّ‏ لف واخللف ‏:عدمُ‏ تكفري اخلوارج،‏ واستدلّوا<br />

عىل ذلك بأنّ‏ الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم مل حيَ‏ كموا بكفر اخلوارج مع قتاهلم هلم،‏ فعن<br />

طارق بن شهاب،‏ قال:‏ ‏»كنتُ‏ عند عيلٍّ‏ ريض اهلل عنه،‏ فسُ‏ ئل عن أهل النّهر ‏)يعني:‏<br />

اخلوارج(،‏ أهم مرشكون؟<br />

قال:‏ مِن الرشّ‏<br />

ك فرّ‏ وا.‏<br />

قيل:‏ فمنافقون هم؟<br />

قال:‏ إنّ‏ املنافقني ال يذكرون اهللَ‏ إال قليالً‏ .<br />

قيل له:‏ فام هم؟<br />

قال:‏ قومٌ‏ بغوا علينا«‏ ))) .<br />

))) ينظر فتوى:‏ حكم تكفري <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ولعنهم وحكم أرساهم وأمواهلم؟<br />

.http://islamicsham.org/fatawa/2046<br />

))) أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه )563/7، برقم 37942(، بينام قال يف أهل اجلمل وصفني:‏ ‏»إِخْ‏ وَ‏ انُنَا<br />

بَغَ‏ وْ‏ ا عَ‏ لَيْنَا«.‏ أخرجه البيهقي يف السنن الكربى )300/8، برقم 16713(، ومل يثبت أنَّه وصف<br />

اخلوارج بلفظ األُ‏ خوَّ‏ ة.‏<br />

208


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»ومل يُكَ‏ فِّ‏ رْ‏ هُ‏ مْ‏ عيلُّ‏ بن أيب طالب وسعد بن أيب وقاص<br />

وغريُ‏ مها مِن الصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم،‏ بل جعلوهم مسلمني مع قتاهلم،‏ ومل يقاتلهم<br />

عيلٌّ‏ ريض اهلل عنه حتى سَ‏ فكوا الدّ‏ مَ‏ احلرامَ‏ ، وأغاروا عىل أموال املسلمني؛ فقاتلهم<br />

لدَ‏ فع ظلمِ‏ هم وبغيهم،‏ ال ألنم كفّ‏ ار«‏ ))) .<br />

وقال:‏ ‏»بل كانت سريةُ‏ عيلٍّ‏ والصّ‏ حابةِ‏ ريض اهلل عنهم يف اخلوارج خمالِفةً‏ لسرية<br />

الصّ‏ حابة يف أهل الرّ‏ دّ‏ ة،‏ ومل يُنكِ‏ ر أحدٌ‏ عىل عيلٍّ‏ ريض اهلل عنه ذلك،‏ فعُ‏ لِمَ‏ اتفاقُ‏<br />

الصّ‏ حابة عىل أنّ‏ م مل يكونوا مرتدّ‏ ين عن دين اإلسالم«‏ ))) .<br />

وقَالَ‏ اخلَطَّ‏ ايب رمحه اهلل:‏ ‏»أمجع علامءُ‏ املسلمني عىل أنّ‏ اخلوارج مع ضاللتهم فِرقةٌ‏<br />

مِن فِرق املسلمني،‏ وأجازوا مناكحتَهم،‏ وأكلَ‏ ذبائحهم،‏ وأنّ‏ م ال يكفرون ما داموا<br />

متمسّ‏ كني بأصل اإلسالم«‏ ))) .<br />

وقال النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»املذهبُ‏ الصّ‏ حيحُ‏ املختار الذي قاله األكثرون واملحقّ‏ قون:‏<br />

أنّ‏ اخلوارج ال يُكَ‏ فَّ‏ رُ‏ ونَ‏ كسائر أهل البدع«‏ ))) .<br />

وقال ابن حجر رمحه اهلل:‏ ‏»وذهب أكثرُ‏ أهل األصول مِن أهل السّ‏ نّة إىل أنّ‏ اخلوارج<br />

فُسَّ‏ اقٌ‏ ، وأنّ‏ حكمَ‏ اإلسالم جيري عليهم؛ لتلفّ‏ ظهم بالشّ‏ هادتني،‏ ومواظبتهم عىل أركان<br />

اإلسالم،‏ وإنّام فسقوا بتكفريهم املسلمني مستندين إىل تأويلٍ‏ فاسدٍ‏ ، وجرَّ‏ هم ذلك إىل<br />

استباحة دماء خمالفيهم وأمواهلم،‏ والشّ‏ هادة عليهم بالكفر والرشّ‏ ك«‏ ))) .<br />

))) جمموع الفتاوى )282/3(.<br />

))) منهاج السنة النبوية )241/5(.<br />

))) فتح الباري )300/12(.<br />

))) رشح النووي )50/2(.<br />

))) فتح الباري )300/12(. وللمزيد ينظر فتوى:‏ حكم تكفري <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ولعنهم وحكم أرساهم<br />

وأمواهلم.‏ .http://islamicsham.org/fatawa/2046<br />

209


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وعليه:‏<br />

فال يصحُّ‏ إطالقُ‏ القول بكفر <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ ، وإنَّام حيُ‏ كم عليهم بالبدعة والضّ‏ اللة<br />

واخلروج عن الدين الصحيح،‏ قال اآلجرّ‏ ي رمحه اهلل:‏ ‏»مل خيتلف العلامءُ‏ قديامً‏ وحديثًا<br />

أنّ‏ اخلوارجَ‏ قومُ‏ سُ‏ وءٍ،‏ عصاةٌ‏ هلل تعاىل ولرسوله #، وإنْ‏ صلَّوا وصاموا واجتهدوا يف<br />

العبادة،‏ فليس ذلك بنافعٍ‏ هلم«‏ ))) .<br />

وال يَمنع ذلك مِن وقوع بعض أفرادهم يف الكفر؛ الرتكابه ناقضً‏ ا مِن نواقض<br />

اإلسالم،‏ أو كونه مِن غري املسلمني املندسّ‏ ني يف صفوفهم،‏ أو غري ذلك،‏ لكن ال يكون<br />

احلكمُ‏ عليه إال ببيّنةٍ‏ رشعيّةٍ،‏ بعد استيفاء الرشّ‏<br />

وط،‏ وانتفاء املوانع.‏<br />

فهل جيرؤ أعضاءُ‏ التّنظيم عىل الشّ‏ هادة لسائر الفصائل باإلسالم والرباءة مِن الكفر<br />

والرِّ‏ دَّ‏ ة؟.‏<br />

مع أنَّ‏ إعامل القواعد التي يُعامِل هبا <strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏ خمالفيه تؤدّ‏ ي إىل احلكم عليه<br />

بالكفر؛ ألنَّه يعدُّ‏ كلَّ‏ تعاملٍ‏ مع الكفّ‏ ار أو املرتدّ‏ ين،‏ أو إعانتهم عىل املسلمني كفرً‏ ا<br />

وردّ‏ ة بإطالق،‏ وقد ثبت أنَّ‏ التّنظيم متعاملٌ‏ مع النّظامني السّ‏ وري والعراقي،‏ ومُ‏ عنيٌ‏<br />

هلم يف قتاهلم للمسلمني..‏ وهذا يقتيض احلكمَ‏ عليه بالكُ‏ فر والرّ‏ دّ‏ ة!‏<br />

غري أن منهج أهل السنة منهجٌ‏ عدل،‏ فال يُكفّ‏ رون من كفرهم وال يظلمون من<br />

ظلمهم،‏ وإن حكموا عليهم بالغلوِّ‏ والبغي،‏ قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وأئمةُ‏ السّ‏ نةِ‏<br />

واجلامعةِ،‏ وأهل العلم واإليامن فيهمُ‏ العلم والعدل والرمحة،‏ فيعلمون احلق الذي<br />

يكونونَ‏ به موافقنيَ‏ للسنّة ساملنيَ‏ من البدعة،‏ ويعدِ‏ لون عىل من خرَ‏ ج منها ولو<br />

ظلمهم...‏<br />

((( الرشيعة .)325/1(<br />

210


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

فلهذا كانَ‏ أهلُ‏ العلم والسّ‏ نة ال يكفّ‏ رونَ‏ مَ‏ ن خالفهم،‏ وإن كان ذلك املخالف<br />

يُكفّ‏ رهم؛ ألنَّ‏ الكفر حكم رشعي،‏ فليسَ‏ لإلنسانِ‏ أن يُعاقِب بمثله،‏ كمن كَ‏ ذبَ‏ عليكَ‏<br />

وزنى بأهلك،‏ ليس لكَ‏ أن تكذبَ‏ عليه وتزين بأهله؛ ألنَّ‏ الكذبَ‏ والزنا حرامٌ‏ حلقِّ‏<br />

اهلل تعاىل«‏ ))) .<br />

ثالثًا:‏ ما ورد مِن ألفاظٍ‏ يف األحاديث النّبوية مثل:‏ أنّ‏ م ‏)يمرُ‏ قون مِن الدّ‏ ين(،‏ و)رشُّ‏<br />

قتىل حتتَ‏ أديم السّ‏ امء(،‏ وأنّ‏ م ‏)كالبُ‏ أهل النّار(،‏ ال يدلُّ‏ عىل التّكفري،‏ أو الوقوع يف<br />

الكفر والرّ‏ دّ‏ ة،‏ بل يدلُّ‏ عىل اخلروج عن الدّ‏ ين الصّ‏ حيح،‏ والوقوع يف البدعة،‏ باإلضافة<br />

إىل ما فيها من هتديد ووعيد:‏<br />

1- فوصفُ‏ هم باملروق مِن الدين يعني املروقَ‏ مِن الدّ‏ ين الصّ‏ حيح:‏<br />

قال السّ‏ ندي رمحه اهلل:‏ ‏»فَيؤوَّ‏ لُ‏ هذا بِكُ‏ فْ‏ رانِ‏ نعمة اإليامن حتى امليش عىل وَ‏ فْقِهِ،‏<br />

ويُؤوّ‏ لُ‏ ‏)خيرجون مِن الدِّ‏ ينِ‏ (: باخلروج مِن كامله..«‏ ))) .<br />

2- ووصفُ‏ هم برشِّ‏ القتىل لبيان نكارة فعلِهم،‏ وشدّ‏ ة رضرهم،‏ وعِ‏ ظَ‏ مِ‏ خطرهم عىل<br />

املسلمني:‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»أي أنّ‏ م رشٌّ‏ عىل املسلمني مِن غريهم؛ فإنم مل يكن أحدٌ‏<br />

رشًّ‏ ا عىل املسلمني منهم:‏ ال اليهودُ‏ ، وال النّصارى؛ فإنم كانوا جمتهدين يف قتلِ‏ كلِّ‏<br />

مسلم مل يوافقْ‏ هم،‏ مُ‏ ستحلّني لدماء املسلمني وأمواهلم،‏ وقتل أوالدهم،‏ مكفّ‏ رين هلم،‏<br />

وكانوا متديّنني بذلك؛ لعِظَ‏ م جهلهم وبدعتهم املضلّة.‏<br />

))) االستغاثة يف الرد عىل البكري ص )380/2(.<br />

))) حاشية السندي عىل ابن ماجه )75/1(.<br />

211


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ومع هذا فالصّ‏ حابة ريض اهلل عنهم والتّابعون هلم بإحسان مل يكفّ‏ روهم،‏<br />

وال جعلوهم مرتدّ‏ ين،‏ وال اعتدوا عليهم بقولٍ‏ وال فعلٍ‏ ، بل اتّقوا اهللَ‏ فيهم،‏ وساروا<br />

فيهم السّ‏ ريةَ‏ العادلة«‏ ))) .<br />

3- ووصْ‏ فُ‏ هم بكالب أهل النّار تشبيهٌ‏ لدناءة أفعاهلم يف حقّ‏ املسلمني بدناءة<br />

الكالب:‏<br />

قال املناوي رمحه اهلل:‏ ‏»)كالبُ‏ أهل النَّار(‏ أَي يتعاوون فِيها كعُ‏ واء الكالبِ‏ ، أَو هم<br />

أخسُّ‏ أَهلِها وأحقرُ‏ هم،‏ كام أنّ‏ الكالبَ‏ أخسُّ‏ احلَيَوان«.‏<br />

وقال:‏ ‏»هم قوم ‏}الَّذِ‏ ينَ‏ ضَ‏ لَّ‏ سَ‏ عْيُهُمْ‏ فِ‏ الْحَ‏ ياةِ‏ الدُّ‏ نْيا وَهُمْ‏ يَحْ‏ سَ‏ بُونَ‏ ‏َأنَّهُمْ‏ يُحْ‏ سِ‏ نُونَ‏<br />

صُ‏ نْعًا{؛ وذلك ألنّ‏ م دَ‏ أَبوا ونَصِ‏ بوا يف العبادة،‏ ويف قلوهبم زيغٌ‏ ، فَمَ‏ رقوا مِن الدّ‏ ين<br />

بإغواء شيطانم حتى كفَّ‏ روا املوحّ‏ دين بذنب واحد،‏ وتأوَّ‏ لوا التّنزيل عىل غري وجهه،‏<br />

فخُ‏ ذلوا بعد ما أُيّدوا حتى صاروا كالبَ‏ النّار،‏ فاملؤمن يَسرتُ‏ ويرحم ويرجو املغفرة<br />

والرّ‏ محة،‏ واملفتون اخلارجيّ‏ هيتِك ويُعريِّ‏ ويقنط،‏ وهذه أخالقُ‏ الكالب وأفعاهلم،‏ فلام<br />

كلبوا عىل عباد اهلل،‏ ونظروا هلم بعني النّقص والعداوة،‏ ودخلوا النّارَ‏ صاروا يف هيئة<br />

أعامهلم كالبًا كام كانوا عىل أهل السّ‏ نّة يف الدّ‏ نيا كالبًا باملعنى املذكور«‏ ))) .<br />

رابعً‏ ا:‏ أنَّ‏ دخولَ‏ النّار ال يعني احلكمَ‏ بالكفرِ‏ أو اخللودِ‏ فيها؛ فإنَّ‏ املسلم املوحِّ‏ د<br />

العايص مُ‏ توعَّ‏ دٌ‏ بدخول النّار ملجازاته عىل ما ارتكب مِن ذنوبٍ‏ وآثام،‏ فيدخلها<br />

ليتطهّ‏ ر مِن ذنوبه،‏ ثمّ‏ خيرج منها دون أنْ‏ خيُ‏ لّد فيها،‏ كام هو معلومٌ‏ مِن منهج أهل السّ‏ نّة<br />

واجلامعة.‏<br />

))) منهاج السنة النبوية )248/5(.<br />

))) فيض القدير )509/3(.<br />

212


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

قال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»واخلوارجُ‏ كانوا منِ‏ أظهر النّاس بدعةً‏ وقتاالً‏ لألمّ‏ ة،‏<br />

وتكفريًا هلا،‏ ومل يكن يف الصّ‏ حابة مَ‏ ن يكفّ‏ رهم،‏ ال عيلُ‏ بن أيب طالب وال غريُ‏ ه،‏ بل<br />

حَ‏ كَ‏ موا فيهم بحُ‏ كمهم يف املسلمني الظّ‏ املني املعتدين...،‏ وكذلك سائر الثنتني<br />

والسبعني فرقةً‏ ))) مَ‏ ن كان منهم منافقً‏ ا فهو كافرٌ‏ يف الباطن،‏ ومَ‏ ن مل يكن منافقً‏ ا بل<br />

كان مؤمنًا باهلل ورسوله يف الباطن مل يكن كافرً‏ ا يف الباطن،‏ وإنْ‏ أخطأ يف التّأويل كائنًا<br />

ما كان خطؤه؛ وقد يكون يف بعضهم شعبةٌ‏ مِن شُ‏ عَ‏ ب النّفاق،‏ وال يكون فيه النّفاقُ‏<br />

الذي يكون صاحبُه يف الدّ‏ رَ‏ ك األسفل مِن النّار.‏ ومَ‏ ن قال:‏ إنّ‏ الثّنتني والسبعني فرقةً‏<br />

كلُّ‏ واحدٍ‏ منهم يَكفُ‏ ر كفرً‏ ا ينقل عن امللّة فقد خالف الكتابَ‏ والسّ‏ نّةَ‏ وإمجاعَ‏ الصّ‏ حابة<br />

رضوان اهلل عليهم أمجعني،‏ بل وإمجاعَ‏ األئمّ‏ ة األربعة،‏ وغري األربعة،‏ فليس فيهم مَ‏ ن<br />

كفّ‏ ر كلّ‏ واحدٍ‏ مِن الثنتني والسبعني فرقة«‏ ))) .<br />

واخلالصةُ‏ : أنَّ‏ وصفَ‏ اخلوارج بأنّ‏ م ‏)يمرقون مِن الدّ‏ ين،‏ وأنّ‏ م كالبُ‏ أهل<br />

النّار،‏ ورشُّ‏ القتىل(‏ ليس فيه تكفري هلم،‏ أو ختليدٌ‏ يف النّار،‏ بل فيه داللةٌ‏ عىل انحرافهم<br />

عن الدّ‏ ين الصّ‏ حيح،‏ وهتديدهم بالعذاب،‏ ولو مل خيلّدوا فيه،‏ وكذلك األمر يف اإلذن<br />

بقتال اخلوارج وقتلهم،‏ فليس فيه تكفريهم أو حكمٌ‏ بردَّ‏ هتم،‏ بل النحرافهم وعدائهم<br />

للمسلمني وقتاهلم هلم.‏<br />

))) قال #: ‏)افرتقت اليهودُ‏ عىل إحدى أو اثنتني وسبعني فرقةً‏ ، وتفرّ‏ قت النّصارى عىل إحدى أو اثنتني<br />

وسبعني فرقةً‏ ، وتفرتق أمّ‏ تي عىل ثالث وسبعني فرقةً‏ ) رواه أبو داود )5/7، برقم 4596(، والرتمذي<br />

)25/5، برقم 2640(، وابن ماجه )128/5، برقم 3991(.<br />

ويف رواية:‏ ‏)وواحدةٌ‏ يف اجلَنّة،‏ وهي اجلامعةُ‏ ) رواه أبو داود )198/4، برقم 4597(، وابن ماجه<br />

،130/5( برقم .)3993<br />

ويف رواية:‏ ‏)ما أَنا عليه وأصحايب(‏ رواه أبو داود )6/7، برقم 4597(، والرتمذي )26/5، برقم 2641(.<br />

))) جمموع الفتاوى )217/7(.<br />

213


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

الشُّ‏ بهة السّ‏ ابعةَ‏ عشرةَ‏<br />

الفصائل في سورية ال تَكفُ‏ ر بالطّ‏ اغوت،‏ وال تُكفِّ‏ ره<br />

» ‏«تقول الشُّ‏ بهة:‏<br />

الفصائل املقاتلة يف سورية،‏ واهليئات الرشعية ال تَكفُ‏ ر بالطّ‏ اغوت؛ فقد رفضت<br />

تكفريَ‏ احلكومات العربية الطّ‏ اغوتية،‏ مع أنَّ‏ أولَ‏ واجبٍ‏ عىل املرء حتى يكون مسلامً‏ أنْ‏<br />

يَكفُ‏ رَ‏ بالطّ‏ اغوت،‏ قال تعاىل:‏ ‏}فَمَ‏ نْ‏ يَكْ‏ فُرْ‏ بِالطَّ‏ اغُوتِ‏ وَيُؤْ‏ مِن بِاللِ‏ فَقَدِ‏ اسْ‏ تَمْ‏ سَ‏ كَ‏ بِالْعُرْ‏ وَةِ‏<br />

الْوُ‏ ثْقَىَ‏ لَ‏ انفِصَ‏ امَ‏ لَهَ‏ ا وَاهللُ‏ سَ‏ ‏ِيعٌ‏ عَلِميٌ{‏ ‏]البقرة:‏‎256‎‏[.‏<br />

وبذلك تكون هذه الفصائلُ‏ قد أخلَّت بالتّوحيد.‏<br />

اإلجابة عن هذه الشّ‏ بهة:‏<br />

تضمّ‏ نت هذه الشّ‏ بهةُ‏ العديدَ‏ مِن القضايا املهمة التي وقع فيها اخلطأ واخللط مِن<br />

الغالة،‏ وبيانا كام ييل:‏<br />

أوالً‏ : معنى الطّ‏ اغوت:‏<br />

الطّ‏ اغوتُ‏ لغةً‏ : مأخوذ مِن الطُّ‏ غيان،‏ أي:‏ جتاوز القدر واحلدّ‏ ، واالرتفاع،‏ وجماوزة<br />

احلدّ‏ يف الكثرة ))) .<br />

))) ينظر:‏ تاج العروس )492/38(، ولسان العرب )7/15(.<br />

214


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

ويُطلق عىل كلِّ‏ رأسٍ‏ يف الضّ‏ الل،‏ مِن شيطانٍ‏ ، أو ماردٍ،‏ أو صنمٍ‏ ، أو كاهنٍ‏ ،<br />

أو ساحرٍ،‏ وكلِّ‏ صارفٍ‏ عن اخلري،‏ ومَ‏ ن عُ‏ بد مِن دون اهلل،‏ أو أُطيع يف معصية ))) .<br />

واصطالحً‏ ا:‏ تنوعت عباراتُ‏ أهلِ‏ العلم يف تعريفه،‏ وال تكاد خترج عن املعنى<br />

اللّغوي السّ‏ ابق.‏<br />

ومِن أمجع ما قيل فيه قولُ‏ ابن القيم رمحه اهلل:‏ ‏»الطّ‏ اغوتُ‏ : كلُّ‏ ما جتاوز العبدُ‏ به<br />

حدَّ‏ ه مِن معبودٍ،‏ أو متبوعٍ‏ ، أو مُ‏ طاعٍ‏ ، فطاغوتُ‏ كلِّ‏ قومٍ‏ مَ‏ ن يتحاكمون إليه غري اهلل<br />

ورسوله،‏ أو يعبدونه مِن دون اهلل،‏ أو يتّبعونه عىل غري بصريةٍ‏ مِن اهلل،‏ أو يطيعونه فيام<br />

ال يعلمون أنّه طاعةٌ‏ هلل«‏ ))) .<br />

وقال القرطبيُّ‏ رمحه اهلل:‏ ‏»وقيل:‏ هو كلُّ‏ معبودٍ‏ مِن دون اهلل،‏ أو مطاعٍ‏ يف معصية اهلل،‏<br />

وهذا حسن...‏ وقيل:‏ اجلبت كلُّ‏ ما حرّ‏ م اهللُ،‏ والطّ‏ اغوتُ‏ كلُّ‏ ما يُطغي اإلنسان«‏ ))) .<br />

وقال ابن تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»وهو اسمُ‏ جنسٍ‏ يدخل فيه:‏ الشّ‏ يطانُ‏ ، والوثنُ‏ ، والكُ‏ هّ‏ ان،‏<br />

والدّ‏ رهمُ‏ ، والدّ‏ ينارُ‏ ، وغري ذلك«‏ ))) .<br />

بل إنّ‏ أهل العلم أطلقوا لفظ ‏»الطّ‏ اغوت«‏ عىل ما يَعتمد عليه أهلُ‏ البدع والفرق<br />

املنحرفة ويقدّ‏ مونه عىل الكتاب والسّ‏ نّة:‏<br />

قال ابنُ‏ القيّم رمحه اهلل:‏ ‏»وقد أَمرنا اهللُ‏ بِردِّ‏ ما تنازعنا فيه إليه وإىل رسوله #، فلم يُبِحْ‏<br />

لنا قطُّ‏ أنْ‏ نردَّ‏ ذلك إىل رأيٍ‏ ، وال قياسٍ‏ ، وال تقليدِ‏ إمامٍ،‏ وال منامٍ،‏ وال كشوفٍ‏ ، وال إهلامٍ،‏<br />

))) ينظر:‏ تاج العروس )540/22(، ولسان العرب )444/8(، وخمتار الصحاح )191/1(.<br />

))) إعالم املوقعني )40/1(.<br />

))) تفسري القرطبي )249/5(.<br />

))) جمموع الفتاوى )565/16(.<br />

215


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وال حديثِ‏ قلبٍ‏ ، وال استحسانٍ‏ ، وال معقولٍ‏ ، وال رشيعةِ‏ الدّ‏ يوانِ‏ ، وال سياسةِ‏ امللوكِ‏ ،<br />

وال عوائدِ‏ النّاس الّتي ليس عىل رشائعِ‏ املسلمني أرضُّ‏ منها،‏ فكلُّ‏ هذه طواغيتُ‏ ؛ مَ‏ ن<br />

حتاكم إليها،‏ أو دعا - منازعةً‏ - إىل التّحاكم إليها،‏ فقد حاكم إىل الطّ‏ اغوت«‏ ))) .<br />

وقال عن كبار األصول التي يرجع إليها أهلُ‏ البدع يف حتريف النّصوص:‏<br />

‏»الفصل الرابع والعرشون:‏ يف ذكر الطّ‏ واغيت األربع التي هَ‏ دم هبا أصحابُ‏ التّأويلِ‏<br />

الباطلِ‏ معاقلَ‏ الديّن،‏ وانتهكوا هبا حُ‏ رمةَ‏ القرآنِ‏ ، وحمَ‏ ‏َوا هبا رسومَ‏ اإليامنِ‏ ...« ))) .<br />

وممّا سبق يتبنيَّ‏ :<br />

1- أنَّ‏ لفظ ‏)الطّ‏ اغوت(‏ يُطلق عىل معانٍ‏ عديدة مِن البدع واملعايص جيمعها أنا<br />

‏)رؤوسٌ‏ يف الضّ‏ اللة(،‏ ومنها عدمُ‏ احلكم بغري ما أنزل اهلل،‏ لكنَّه ليس لفظً‏ ا خاصً‏ ا<br />

باحلكم بغري ما أنزل اهلل.‏<br />

2- أنّه لفظٌ‏ يُطلقُ‏ عىل ما هو كفرٌ‏ ، وعىل ما هو دون ذلك مِن البدع والضّ‏ الالت،‏<br />

أو املعايص والذّ‏ نوب،‏ أو الظُّ‏ لم واجلَور،‏ فمجرَّ‏ دُ‏ إطالقِ‏ لفظ ‏»الطّ‏ اغوت«‏ ال يدلُّ‏ عىل<br />

حكمٍ‏ معنيّ‏ منها ))) .<br />

ثانيًا:‏ معنى الكفرِ‏ بالطّ‏ اغوت:‏<br />

ورد األمرُ‏ بالكفر بالطّ‏ اغوت يف العديد مِن النّصوص الرشّ‏<br />

عية،‏ كقوله تعاىل:‏<br />

‏}لَ‏ ‏ِإكْ‏ رَ‏ اهَ‏ فِ‏ الدِّ‏ ينِ‏ قَدْ‏ تَبَنيَّ‏ َ الرُّ‏ شْ‏ دُ‏ مِنَ‏ الْغَيِّ‏ فَمَ‏ نْ‏ يَكْ‏ فُرْ‏ بِالطَّ‏ اغُوتِ‏ وَيُؤْ‏ مِنْ‏ بِاللِ‏ فَقَدِ‏ اسْ‏ تَمْ‏ سَ‏ كَ‏<br />

بِالْعُرْ‏ وَةِ‏ الْوُ‏ ثْقَى لَ‏ انْفِصَ‏ امَ‏ لَهَ‏ ا وَاهللُ‏ سَ‏ ‏ِيعٌ‏ عَلِميٌ{‏ ‏]البقرة:‏ ٢٥٦[.<br />

))) إعالم املوقعني )186/1(.<br />

))) الصواعق املرسلة )173/1(.<br />

))) قال الشيخ حممد بن عبد الوهاب:‏ ‏»والطواغيت كثرية واملتبني لنا منهم مخسة:‏ أوهلم الشيطان،‏ وحاكم<br />

اجلور،‏ وآكل الرشوة،‏ ومن عُ‏ بد فريض،‏ والعامل بغري علم«‏ ‏)الدرر السنية 137/1(.<br />

216


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقوله تعاىل:‏ ‏}وَلَقَدْ‏ بَعَثْنَا فِ‏ كُ‏ ِ ّ ‏ُأمَّةٍ‏ رَسُ‏ ولً‏ ‏َأنِ‏ اعْ‏ بُ‏ دُ‏ وا اهللَ‏ وَاجْ‏ تَنِبُوا الطَّ‏ اغُوتَ‏ }<br />

‏]النحل:‏ ٣٦[.<br />

والكفرُ‏ بالطّ‏ اغوت مع اإليامن باهلل هو معنى شهادة التّوحيد ‏)ال إله إال اهلل(.‏<br />

ويكون الكفرُ‏ بالطّ‏ اغوت باعتقاد تفرُّ‏ دِ‏ اهلل تعاىل باستحقاق مجيع أنواع العبادة<br />

االعتقاديّة،‏ والقوليّة،‏ والفعلية،‏ واعتقادِ‏ بطالنِ‏ عبادةِ‏ غري اهلل،‏ والرباءة منه،‏ سواءً‏<br />

كان مِن األوثان أو األصنام،‏ أو اجلنّ‏ ، أو املدّ‏ عني لأللوهية والربوبية مِن الطغاة،‏<br />

أو الدجالني،‏ أو املعاندين هلل يف التّرشيع،‏ ونحو ذلك.‏<br />

وهذه العقيدة الصّ‏ حيحة هي التي تنعكس عىل مجيع ترصّ‏ فات املسلم وتصبغها به،‏<br />

ومِن ذلك الوالء والرباء،‏ فعن أيب أُمامةَ‏ ريض اهلل عنه:‏ أنّ‏ النّبي # قال:‏ ‏)مَ‏ ن أحبّ‏<br />

يف اهلل،‏ وأبغض يف اهلل،‏ وأعطى هلل،‏ ومنع هلل فقد استكمل اإليامن(‏ ))) .<br />

بل إنّ‏ ذلك هو الطريقُ‏ لنيل والية اهلل تعاىل،‏ فعن ابن عبّاسٍ‏ - ريض اهلل عنهام -<br />

قال:‏ ‏»أَحِ‏ بَّ‏ يف اهلل،‏ ووالِ‏ يف اهلل،‏ وعادِ‏ يف اهلل،‏ فإنّام تُنال واليةُ‏ اهلل بذلك،‏ ال جيد رجلٌ‏<br />

طعمَ‏ اإليامنِ‏ وإن كثرت صالتُه وصيامُ‏ ه حتى يكون كذلك«‏ ))) .<br />

وبنطق الشّ‏ خص بكلمة التّوحيد،‏ واالعتقاد هبا؛ يكون مؤمنًا باهلل تعاىل،‏ كافرً‏ ا<br />

بألوهية غريه تعاىل.‏<br />

قال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»فالتّوحيدُ‏ ضدُّ‏ الرشّ‏<br />

حقُّ‏ اهللِ،‏ فعَ‏ بَدَ‏ ه ال يُرشك به شيئاً‏ كان موحّ‏ دً‏ ا«‏ ))) .<br />

كِ‏ ، فإذا قام العبدُ‏ بالتّوحيد الذي هو<br />

))) أخرجه أبو داود )69/7، برقم 4681(.<br />

))) أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف )134/7، برقم 34770(.<br />

))) جمموع الفتاوى )52/1(.<br />

217


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ومن املسائل املتعلِّقةِ‏ بالكفرِ‏ بالطاغوت والتي يَكثر فيها خطأُ‏ الغالةِ،‏ وهي ‏)طاعة<br />

الطّ‏ واغيت(:‏<br />

فإنَّ‏ طاعةَ‏ غريِ‏ اهلل وتقديمَ‏ ها عىل طاعة اهلل ورسوله # مِن برشٍ‏ ، أو هوىً‏ ، أو غريه،‏<br />

تارةً‏ تكون كفرً‏ ا خمرجً‏ ا مِن امللّة،‏ وتارة تكون معصية،‏ ومِن كالم أهل العلم يف ذلك:‏<br />

قال الطربي - رمحه اهلل - يف قوله تعاىل:‏ ‏}وَِإنْ‏ ‏َأطَ‏ عْتُمُ‏ وهُمْ‏ ‏ِإنَّكُ‏ مْ‏ لَمُ‏ شْ‏ ‏ِكُ‏ ونَ‏ } ‏]النعام:‏<br />

121[: ‏»يعني:‏ إنّكم إذً‏ ا مِثلُهم؛ إذ كان هؤالء يأكلون امليتة استحالالً‏ ، فإذا أنتم أكلتمُ‏ وها<br />

كذلك فقد رصتُم مثلَهم مُ‏ رشكني«‏ ))) .<br />

وقال القرطبي - رمحه اهلل - يف قوله تعاىل:‏ ‏}اتَّخَ‏ ذُ‏ وا ‏َأحْ‏ بارَهُمْ‏ وَرُهْبانَهُمْ‏ ‏َأرْبابًا مِنْ‏ دُونِ‏<br />

اللَّ‏ ِ{ ‏]التوبة:‏ 31[: ‏»معناه أنّ‏ م أنزلوهم منزلةَ‏ رهبّ‏ م يف قبول حتريمهم وحتليلهم ملِ‏ ا مل<br />

حيرّ‏ مه اهلل،‏ ومل حيُ‏ ‏ِلّه اهلل«‏ ))) .<br />

وقد سُ‏ ئل أبو العالية:‏ كيف كانت الرّ‏ بوبيةُ‏ يف بني إرسائيل؟ قال:‏ ‏»إنّ‏ م وجدوا<br />

يف كتاب اهلل ما أُمروا به ونوا عنه،‏ فقالوا:‏ لن نَسبق أحبارَ‏ نا بيشءٍ،‏ فام أَمرونا به<br />

ائتمرنا،‏ وما نونا عنه انتهينا لقوهلم.‏ فاستنصحوا الرّ‏ جالَ‏ ، ونبذوا كتابَ‏ اهلل،‏ وراءَ‏<br />

ظهورهم«‏ ((( .<br />

وقال ابنُ‏ العريب رمحه اهلل:‏ ‏»إنّام يكون املؤمنُ‏ بطاعة املرشكِ‏ مرشكً‏ ا إذا أطاعه يف<br />

اعتقادِه الذي هو حملُّ‏ الكفر واإليامن؛ فإذا أطاعه يف الفِعلِ‏ ، وعَ‏ قْ‏ دُ‏ ه سليمٌ‏ مستمرٌّ‏ عىل<br />

التّوحيد والتّصديق فهو عاصٍ‏ . فافهموا ذلك يف كلِّ‏ موضعٍ‏ » ))) .<br />

))) تفسري الطربي )87/12(.<br />

))) تفسري القرطبي )106/4(.<br />

))) أخرجه الطربي )212/14(، وينظر جمموع الفتاوى البن تيمية )47/7(.<br />

))) أحكام القرآن )275/2(.<br />

218


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»هؤالء الذين اختّ‏ ذوا أحبارَ‏ هم ورهبانم<br />

أربابًا حيث أطاعوهم يف حتليلِ‏ ما حرّ‏ م اهللُ،‏ وحتريم ما أحلّ‏ اهللُ‏ يكونون عىل<br />

وجهني:‏<br />

أحدمها:‏ أنْ‏ يعلموا أنّ‏ م بدّ‏ لوا دينَ‏ اهلل فيتبعوهم عىل التّبديل،‏ فيَعتقدون حتليلَ‏ ما<br />

حرّ‏ م اهلل،‏ وحتريمَ‏ ما أحلّ‏ اهلل؛ اتباعً‏ ا لرؤسائهم،‏ مع علمهم أنم خالفوا دينَ‏ الرّ‏ سل،‏<br />

فهذا كفرٌ‏ ، وقد جعله اهللُ‏ ورسولُه # رشكً‏ ا،‏ وإن مل يكونوا يصلّون هلم ويسجدون<br />

هلم،‏ فكان مَ‏ ن اتّبع غريَه يف خالف الدّ‏ ين مع علمه أنه خالفُ‏ الدّ‏ ين،‏ واعتقد ما قاله<br />

ذلك،‏ دون ما قاله اهلل ورسوله مرشكً‏ ا مِثلَ‏ هؤالء.‏<br />

والثاين:‏ أن يكون اعتقادُ‏ هم وإيامنُ‏ م بتحريم احلاللِ‏ ، وحتليل احلرام ثابتًا،‏ لكنّهم<br />

أطاعوهم يف معصية اهلل،‏ كام يفعل املسلمُ‏ ما يفعله مِن املعايص التي يعتقد أنّ‏ ا معاصٍ‏ ،<br />

فهؤالء هلم حكمُ‏ أمثاهلم مِن أهل الذّ‏ نوب«‏ ))) .<br />

فيتَّضح ممّا سبق أنَّ‏ اتّباعَ‏ الطّ‏ واغيت وطاعتهم ليس كفرً‏ ا خمرجً‏ ا من امللّة عىل كل<br />

حال:‏<br />

فإذا كانت الطاعة يف حتليل احلرام،‏ أو حتريم احلالل مع اعتقاد حلّ‏ ما حرّ‏ م اهلل،‏<br />

أو حتريم ما أحلّ‏ اهلل:‏ فهي كفرٌ‏ خمرجٌ‏ مِن امللّة.‏<br />

أمّ‏ ا إذا كانت الطاعة مع اعتقاد حتريمِ‏ ما حرّ‏ م اهللُ،‏ وحتليلِ‏ ما أحلّ‏ اهلل:‏ فهي معصيةٌ‏<br />

وذنبٌ‏ مِن الذّ‏ نوبِ‏ ، وليست كفرً‏ ا،‏ ويكونُ‏ التَّكفريُ‏ هبا حينذاك من جنسِ‏ فعلِ‏ اخلوارجِ‏<br />

يف التكفريِ‏ بالذنوب.‏<br />

))) جمموع الفتاوى )70/7(.<br />

219


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

ثالثًا:‏ أولُ‏ واجبٍ‏ عىل العبدِ‏ :<br />

دلتَّ‏ النصوص الرشعية من الكتاب والسنة،‏ وأقوال أهل العلم،‏ عىل أنَّ‏ أولَ‏ ما<br />

جيب عىل الشّ‏ خص هو توحيد اهلل تعاىل،‏ ويكون ذلك بالنّطق بالشهادتني:‏<br />

فمِ‏ ن اآليات القرآنية:‏<br />

قوله تعاىل:‏ ‏}وَمَا ‏َأرْسَ‏ لْنَا مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ مِنْ‏ رَسُ‏ ولٍ‏ ‏ِإلَّ‏ نُوحِ‏ ي ‏ِإلَيْهِ‏ ‏َأنَّهُ‏ ل ‏ِإلَ‏ َ ‏ِإلَّ‏ ‏َأنَا فَاعْبُدُونِ{‏<br />

‏]النبياء:‏ 25[.<br />

وقوله:‏ ‏}الچر كِ‏ تَابٌ‏ ‏ُأحْ‏ كِ‏ مَ‏ تْ‏ آيَاتُهُ‏ ثُمَّ‏ ّ فُصِ‏ لَتْ‏ مِن لَّدُ‏ نْ‏ حَ‏ كِ‏ ميٍ‏ خَ‏ بِريٍ‏ #!١!#( ‏َألَّ‏ تَعْبُدُ‏ وا ‏ِإلَّ‏ اللَّ‏ َ<br />

‏ِإنَّنِ‏ لَكُ‏ م مِ‏ ‏ّنْهُ‏ نَذِ‏ يرٌ‏ وَبَشِ‏ ريٌ{‏ ‏]هود:‏ ٢[ ١، .<br />

وقوله:‏ ‏}لَقَدْ‏ ‏َأرْسَ‏ لْنَا نُوحً‏ ا ‏ِإلَ‏ قَوْ‏ مِهِ‏ فَقَالَ‏ يَا قَوْ‏ مِ‏ اعْ‏ بُدُ‏ وا اللَّ‏ َ مَا لَكُ‏ مْ‏ مِنْ‏ ‏ِإلَ‏ ٍ غَيْرُهُ‏ ‏ِإنِّ‏ ‏َأخَ‏ افُ‏<br />

عَلَيْكُ‏ مْ‏ عَذَ‏ ابَ‏ يَوْ‏ مٍ‏ عَظِ‏ ميٍ‏ } إىل قوله:‏ ‏}وَِإلَ‏ عَادٍ‏ ‏َأخَ‏ اهُمْ‏ هُودًا قَالَ‏ يَا قَوْ‏ مِ‏ اعْ‏ بُدُ‏ وا اللَّ‏ َ مَا لَكُ‏ مْ‏ مِنْ‏<br />

‏ِإلَ‏ ٍ غَيْرُهُ‏ ‏َأفَلَ‏ تَتَّقُونَ‏ } ‏]العراف:‏ 59- 65[.<br />

ومن السنة النبوية:‏<br />

عن ابن عباس ريض اهلل عنهام:‏ أنّ‏ النّبي # بعث معاذً‏ ا ريض اهلل عنه إىل اليمن،‏<br />

فقال:‏ ‏)ادعُ‏ هم إىل شهادةِ‏ أنْ‏ ال إلهَ‏ إال اهللُ،‏ وأينّ‏ رسولُ‏ اهلل،‏ فإنْ‏ هم أطاعوا لذلك،‏<br />

فأعلمهم أنّ‏ اهللَ‏ قد افرتض عليهم مخسَ‏ صلواتٍ‏ يف كلِّ‏ يومٍ‏ وليلةٍ،‏ فإنْ‏ هم أطاعوا<br />

لذلك،‏ فأعلمهم أنّ‏ اهلل افرتض عليهم صدقةً‏ يف أمواهلم،‏ تؤخذ مِن أغنيائهم،‏ وتُردُّ‏<br />

عىل فقرائهم(‏ ))) .<br />

))) أخرجه البخاري )104/2، برقم 1395(، ومسلم )50/1، برقم 19(.<br />

220


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وعن ابن عمر - ريض اهلل عنه - أنَّ‏ رسولَ‏ اهلل # قال:‏ ‏)أُمرتُ‏ أنْ‏ أقاتلَ‏ النّاسَ‏ حتى<br />

يشهدوا أنْ‏ ال إلهَ‏ إال اهلل،‏ وأنّ‏ حممّ‏ دً‏ ا رسولُ‏ اهلل،‏ ويقيموا الصّ‏ الة،‏ ويؤتوا الزكاة،‏ فإذا<br />

فعلوا ذلك عصموا منّي دماءَ‏ هم وأمواهلم إال بحقِّ‏ اإلسالم،‏ وحساهبُ‏ م عىل اهللِ(‏ ))) .<br />

وعنه - ريض اهلل عنه - أنَّ‏ رسولَ‏ اهلل # قال:‏ ‏)بُني اإلسالمُ‏ عىل مخسٍ‏ : شهادةِ‏<br />

أنْ‏ ال إلهَ‏ إال اهللُ،‏ وأنّ‏ حممّ‏ دً‏ ا رسولُ‏ اهلل،‏ وإقام الصّ‏ الة،‏ وإيتاء الزكاة،‏ واحلجّ‏ ، وصوم<br />

رمضانَ‏ ) ))) . ويف لفظٍ‏ ملسلمٍ‏ : ‏)عىل أنْ‏ يُوحّ‏ دَ‏ اهللُ(‏ ))) ، ويف لفظٍ‏ آخرَ‏ له:‏ ‏)عىل أن يُعبدَ‏<br />

اهللُ،‏ ويُكفرَ‏ بام دونَه(‏ ))) .<br />

قال ابن حزم رمحه اهلل:‏ ‏»أوَّ‏ لُ‏ ما يلزم كلَّ‏ أحدٍ‏ وال يصحُّ‏ اإلسالمُ‏ إالَّ‏ به:‏ أنْ‏ يعلم<br />

املرءُ‏ بقلبه عِ‏ لْمَ‏ يقنيٍ‏ وإخالصٍ‏ ‏-ال يكون ليشءٍ‏ مِن الشَّ‏ كِّ‏ فيه أثرٌ‏ - وينطقَ‏ بلسانه<br />

والبدَّ‏ ، بأنْ‏ ال إله إالَّ‏ اهللُ،‏ وأنَّ‏ حممَّ‏ دً‏ ا رسولُ‏ اهلل«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ دقيق العيد رمحه اهلل:‏ ‏»والبداءة يف املطالبة بالشّ‏ هادتني؛ ألنّ‏ ذلك أصلُ‏<br />

الدّ‏ ين الذي ال يصحُّ‏ يشءٌ‏ مِن فروع الدّ‏ ين إال به«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ تيمية رمحه اهلل:‏ ‏»واملقصودُ‏ هنا أنّ‏ السّ‏ لفَ‏ واألئمّ‏ ةَ‏ متّفقون عىل أنّ‏ أوّ‏ لَ‏ ما<br />

يُؤمر به العبادُ‏ الشّ‏ هادتان«‏ ))) .<br />

))) أخرجه البخاري )14/1، برقم 25(، ومسلم )51/1، برقم 20(.<br />

))) أخرجه البخاري )11/1، برقم 8(، ومسلم )45/1، برقم 16(.<br />

))) أخرجه مسلم )45/1، برقم 16(.<br />

))) التخريج السابق.‏<br />

((( املحىل .)22/1(<br />

))) إحكام األحكام )375/1(.<br />

))) درء تعارض العقل والنقل )11/8(.<br />

221


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

وقال النّووي رمحه اهلل:‏ ‏»واتّفق أهلُ‏ السّ‏ نّة مِن املحدثني،‏ والفقهاء،‏ واملتكلمني عىل<br />

أنّ‏ املؤمن الذي حيُ‏ كم بأنّه مِن أهل القبلة،‏ وال خيُ‏ لّد يف النّار،‏ ال يكون إال مَ‏ ن اعتقد<br />

بقلبه دينَ‏ اإلسالم اعتقادً‏ ا جازمً‏ ا خاليًا مِن الشّ‏ كوك،‏ ونطق مع ذلك بالشّ‏ هادتني«‏ ))) .<br />

وقد كان الرسول # يدعو املرشكني،‏ والنّصارى واليهود إىل قول:‏ ‏)ال إله إال اهلل(‏<br />

وااللتزام هبا فحسب،‏ مع ما هم فيه مِن الرشّ‏ ك والضّ‏ الل والعبودية لغري اهلل،‏ وترشيعِ‏<br />

ما مل يأذن به اهللُ،‏ وال يزيد عىل ذلك،‏ بل كان يقبلُ‏ ممّن يُظهرها،‏ ولو كان غريَ‏ مؤمنٍ‏ هبا<br />

حقيقةً‏ كاملنافقني،‏ ثمّ‏ كان يتعاهدهم بالتّعليم والتّوجيه للعمل بمقتضاها ولوازمِها،‏<br />

والتّحذير ممّا خيالفها.‏<br />

فلفظُ‏ الشّ‏ هادتني فيه نفيٌ‏ وإثبات:‏<br />

فالنّفي:‏ نفي األلوهية واستحقاق العبادة عن كلّ‏ أحدٍ‏ يف قول:‏ ‏)ال إله(،‏ وهو<br />

حقيقةُ‏ الكفر بالطاغوت،‏ واإلثبات:‏ إثباهتا هلل وحده يف قول:‏ ‏)إال اهلل(.‏<br />

وهذا يقتيض الرباءةَ‏ مِن كلِّ‏ معبودٍ‏ سوى اهلل مِن الطّ‏ واغيت؛ لذا فإنَّه مل يؤثر عن<br />

الرسول # أو أحدٍ‏ مِن صحابته املطالبةُ‏ بالزيادة عىل النّطق بالشّ‏ هادتني مِن الكفر<br />

بالطواغيت،‏ أو الرباءة منها؛ ألنا داخلةٌ‏ يف الشهادتني.‏<br />

قال ابن رجب رمحه اهلل:‏ ‏»ومِن املعلوم بالرضّ‏ ورة أنّ‏ النّبي # كان يَقبل مِن كلِّ‏<br />

مَ‏ ن جاءه يريد الدّ‏ خولَ‏ يف اإلسالمِ‏ الشّ‏ هادتني فقط،‏ ويَعصم دمَ‏ ه بذلك،‏ وجيعله<br />

مسلامً‏ »... ((( .<br />

))) إحكام األحكام )375/1(.<br />

))) جامع العلوم واحلكم )228/1(.<br />

222


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

وإنّام قُدّ‏ م ذِكرُ‏ الكفر بالطّ‏ اغوتِ‏ عىل اإليامنِ‏ باهلل يف قوله تعاىل:‏ ‏}فَمَ‏ نْ‏ يَكْ‏ فُرْ‏<br />

بِالطَّ‏ اغُوتِ‏ وَيُؤْ‏ مِنْ‏ بِاللِ{؛ ألنَّ‏ اإليامن باهلل ال يصحّ‏ مع الرشّ‏ ك،‏ فلزم اجلمعُ‏ بني النّفي<br />

واإلثبات،‏ وبني الكفر بام يُعبَدُ‏ مِن دون اهلل واإليامن باهلل؛ ليتحقّ‏ ق التّوحيد الذي هو<br />

أوّ‏ لُ‏ واجبٍ‏ عىل العبيد،‏ فليس الكفرُ‏ بالطّ‏ اغوتِ‏ واجبًا مستقالًّ‏ يأيت به العبدُ‏ أوالً‏ قبل<br />

اإلتيان بالتوحيد،‏ بل هو جزءُ‏ التوحيد الذي ال بدّ‏ منه.‏<br />

عىل أنّ‏ الكفرَ‏ بالطّ‏ اغوت املشرتط يف صحّ‏ ة التّوحيد هو الرباءة مِن الرشك وأهله<br />

عىل سبيل اإلمجال،‏ وال يدخلُ‏ فيه التربّؤ مِن أعيانِ‏ كلّ‏ مَ‏ ن يُزعَ‏ مُ‏ أنّه طاغوتٌ‏ ، ثمّ‏<br />

يُمتحن النّاسُ‏ هبم،‏ وجيُ‏ عل معيارً‏ ا لصحّ‏ ة اإليامن،‏ وحتقيق التوحيد ))) .<br />

إنَّ‏ اشرتاط الكفر بالطاغوت ابتداءً‏ كام يقرّ‏ ره الغالة لثبوت وصف اإلسالم للناس<br />

مبنيٌّ‏ عىل اعتقادِ‏ أنّ‏ األصلَ‏ يف النّاس ابتداء هو الكفرُ‏ ، أو التوقُّ‏ ف ))) ، إال مَ‏ ن علموا<br />

هم إسالمَ‏ ه بيقني ))) !!<br />

))) ‏)د.‏ عامر العيسى(.‏<br />

))) مِن آثار الغلو املعارص ظهور بدعة ‏)التوقُّ‏ ف والتبنيُّ‏ ) والتي يُقصد هبا التّوقف يف احلكم عىل النّاس،‏<br />

فال حيُ‏ كم عليهم بكفر أو إيامنٍ‏ حتى يتبيَّنوا منهم،‏ ويشمل ذلك التّوقف عن إقامة شعائر الدين معهم،‏<br />

من حضور اجلمعة واجلامعة،‏ واجلهاد،‏ واألمر باملعروف والنّهي عن املنكر،‏ والنكاح والطالق،‏<br />

واملواريث،‏ وأكل الذبائح،‏ ونحو ذلك مما له عالقة بالتّعامل بني املسلم والكافر،‏ أو املسلم واملرتد،‏<br />

وهذه البدعة وإن مل تعد اجلامعة التي تبنَّتها موجودةً‏ عىل شكل مجاعة واضحة ال<strong>تنظيم</strong> واملالمح،‏ إال أنَّ‏<br />

أفكارها ما زالت موجودةً‏ بني الغالة،‏ وتظهر يف ثنايا كالمهم وأفكارهم وإن مل يرصحوا هبا.‏<br />

))) من أهم الفوائد التي يمكن اخلروج هبا من هذه املسألة أمران:‏<br />

األول:‏ السري يف العملية التعليمية عىل طريقة النصوص الرشعية وما كان عليه السلف الصالح،‏ من تعليم<br />

التوحيد،‏ وكيفية تعبيد املسلم هلل تعاىل،‏ بمعرفة أركان اإلسالم،‏ واإليامن،‏ وبقية أمور العقيدة،‏ مع<br />

التدرج يف التحذير من املخالفات التي ختدش التوحيد أو تناقضه من خالل األدلة الرشعية دون<br />

توسعٍ‏ كبري،‏ وتأخري تعليم نواقض اإلسالم،‏ وما يتعلق بالكفر إىل مراحل متقدمة يف التعليم،‏ واقتصار<br />

التوسع فيه عىل طلبة العلم،‏ مع االهتامم ببيان ضوابط التكفري،‏ ومن له حق احلكم فيها.‏ =<br />

223


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

رابعً‏ ا:‏ إسالم املرتد:‏<br />

قد يعرتض بعضُ‏ هم ويقول:‏ إذا وقع املسلمُ‏ يف الردّ‏ ة فال بدّ‏ أنْ‏ يأيت مع شهادتِه بام<br />

جحده مِن الدّ‏ ين،‏ فمَ‏ ن أطاع الطّ‏ واغيتَ‏ ، وريض هبم،‏ فال بدَّ‏ أن يكفر هبم عند دخوله<br />

يف الدّ‏ ين.‏<br />

ويستدلون لذلك بقول الرّ‏ ميل رمحه اهلل:‏ ‏»قال الكامل بن أيب رشيف:‏ وال بد يف<br />

إسالم املرتدّ‏ مِن أن يأيت بالشّ‏ هادتني،‏ ثم إن كانت ردّ‏ تُه بجحدِ‏ فرضٍ‏ ، أو استباحة<br />

حمرّ‏ مٍ،‏ فال بدّ‏ مع ذلك أنْ‏ يرجع عامّ‏ اعتقده«‏ ))) .<br />

وقول ابن قدامة رمحه اهلل:‏ ‏»وإن ارتدّ‏ بجحود فرضٍ‏ ، مل يُسلِم حتى يُقِرّ‏ بام جحده،‏<br />

ويُعيدَ‏ الشّ‏ هادتني؛ ألنّه كذّ‏ ب اهللَ‏ ورسولَه بام اعتقده.‏ وكذلك إنْ‏ جحد نبيًّا،‏ أو آيةً‏ مِن<br />

كتاب اهلل تعاىل،‏ أو كتابًا مِن كتبه،‏ أو ملَكً‏ ا مِن مالئكته الذين ثبت أنم مالئكةُ‏ اهلل،‏<br />

أو استباح حمرّ‏ مً‏ ا،‏ فال بدّ‏ يف إسالمه مِن اإلقرار بام جَ‏ حده«‏ ))) .<br />

وجياب بام ييل:‏<br />

‏=الثاين:‏ اعتامد طريقة التفصيل يف بيان نواقض اإلسالم،‏ أو ما خيالفه،‏ دون االقتصار عىل القواعد<br />

املخترصة العامة التي ال تراعي ضوابط التكفري،‏ ورشوطه،‏ وقواعده العامة،‏ وبمقررات خاصة بكل<br />

مرحلة،‏ تناسب أعامرهم ومستواهم العلمي والعقيل.‏<br />

أما البدء بتعليم نواقض اإلسالم منذ الصغر،‏ وبقواعد عامة خمترصة ال تفصيل فيها قبل أن يترشَّ‏ ب الطالب<br />

معنى التوحيد واإليامن،‏ وكيفية عبادة اهلل تعاىل فهو خمالف لسرية السلف الصالح يف التعليم،‏ ويفتح بابًا<br />

للخطأ يف فهم املسائل،‏ وتطبيقاهتا،‏ وقد يؤدي للغلو يف إطالق األحكام ممن مل ترتسخ قدمه يف ذلك.‏<br />

إذ الواجب عىل عامة الناس معرفة توحيد اهلل تعاىل،‏ وعبادته،‏ وجتنب ما خيالفها،‏ ال كيفية احلكم عىل<br />

اآلخرين بالكفر <strong>والرد</strong>ة.‏<br />

))) فتاوى الرميل )26/4(.<br />

((( املغني .)21/9(<br />

224


القسم الثالث:‏ الرَّدُّ‏ على الشُّ‏ به حول منهج المخالفين ل<strong>تنظيم</strong> ‏)الدّ‏ ولة(‏<br />

1- إذا وقع املسلمُ‏ يف يشءٍ‏ مِن االعتقادِات الباطلة يف الطّ‏ واغيتِ‏ كأنْ‏ يعتقد أنّ‏<br />

أحدً‏ ا مِن البرش يملك أنْ‏ يُرشَ‏ ِّ ع للنّاس،‏ وحيُ‏ لل احلرام،‏ أو حيُ‏ رّ‏ م احلالل،‏ فيجبُ‏ عليه أنْ‏<br />

يصحّ‏ حَ‏ عقيدَ‏ تَه،‏ ويشهد أنَّ‏ التّرشيع والتّحليلَ‏ والتّحريمَ‏ حقٌ‏ هلل تعاىل وحده؛ ليصحّ‏<br />

كفرُ‏ ه بالطّ‏ اغوت،‏ لكن ال يُشرتط استنطاقه بذلك.‏<br />

بل يكفي يف املرتدّ‏ الذي ثبتت ردّ‏ تُه أن يشهدَ‏ الشّ‏ هادتني لرجوعه إىل اإلسالم،‏<br />

سواء كانت ردّ‏ تُه اعتقاديةً‏ أو قوليةً‏ أو عمليةً‏ ، ثمّ‏ إن كانت ردّ‏ تُه بسبب جحدِ‏ يشءٍ‏ مِن<br />

الدّ‏ ين فإنَّه يطالَبُ‏ باإلتيان به لتصحّ‏ عودتُه للدّ‏ ين،‏ علامً‏ أنَّ‏ اجلحدَ‏ أمرٌ‏ إضايفٌّ‏ عىل جمرد<br />

القول أو الفعل متعلّقٌ‏ بالقلب،‏ فال يثبتُ‏ إال بإقراره بلسانه.‏<br />

قال احلجّ‏ اوي رمحه اهلل:‏ ‏»وتوبةُ‏ املرتدِّ‏ وكلِّ‏ كافرٍ‏ إسالمُ‏ ه؛ بأنْ‏ يشهدَ‏ أن ال إله إال<br />

اهلل وأنّ‏ حممّ‏ دً‏ ا رسولُ‏ اهلل،‏ ومَ‏ ن كفر بجحدِ‏ فرضٍ‏ ونحوِه فتوبتُه مع الشّ‏ هادتني إقرارُ‏ ه<br />

باملجحودِ‏ به،‏ أو قولُ‏ : أنا بريءٌ‏ مِن كلِّ‏ دين ‏ٍخيالف دينَ‏ اإلسالم«‏ ))) .<br />

وقال ابنُ‏ قدامةَ‏ رمحه اهلل:‏ ‏»مَ‏ ن كفر بغري هذا،‏ فال حيصل إسالمُ‏ ه إال باإلقرار بام<br />

جحده.‏ ومَ‏ ن أقرّ‏ برسالةِ‏ حممّ‏ دٍ‏ #، وأنكر كونَه مبعوثًا إىل العاملني،‏ ال يثبت إسالمُ‏ ه<br />

حتى يشهد أنّ‏ حممّ‏ دً‏ ا رسولُ‏ اهلل إىل اخللق أمجعني،‏ أو يتربأ مع الشّ‏ هادتني مِن كلِّ‏ دينٍ‏<br />

خيالف اإلسالمَ‏ . وإن زعم أنّ‏ حممّ‏ دً‏ ا رسولٌ‏ مبعوثٌ‏ بعدُ‏ غريَ‏ هذا،‏ لزمه اإلقرارُ‏ بأنّ‏<br />

هذا املبعوثَ‏ هو رسولُ‏ اهلل؛ ألنّه إذا اقترص عىل الشّ‏ هادتني،‏ احتمل أنّه أراد ما اعتقده.‏<br />

وإن ارتدّ‏ بجحودِ‏ فرضٍ‏ ، مل يُسْ‏ لِمْ‏ حتى يقرّ‏ بام جحده،‏ ويُعيدَ‏ الشّ‏ هادتني؛ ألنه كذّ‏ ب<br />

اهللَ‏ ورسوله بام اعتقده.‏ وكذلك إن جحد نبيًّا،‏ أو آيةً‏ مِن كتاب اهلل تعاىل،‏ أو كتابًا مِن<br />

كتبِه،‏ أو ملَكً‏ ا مِن مالئكته الذين ثبت أنم مالئكةُ‏ اهلل،‏ أو استباح حمرّ‏ مً‏ ا،‏ فال بدّ‏ يف<br />

))) زاد املستقنع ص )225(.<br />

225


شُ‏ بهات <strong>تنظيم</strong> ‏»الدولة اإلسالمية«‏ <strong>وأنصاره</strong> والرَّد <strong>عليها</strong><br />

إسالمه مِن اإلقرارِ‏ بام جحده«‏ ))) .<br />

2- علامً‏ أنَّه ليس كلُّ‏ مَ‏ ن أطاع طاغوتًا أو عاش حتت سلطانه فهو مؤمنٌ‏ به كام<br />

يزعم الغالةُ،‏ فقد يكون معذورً‏ ا بعدم قدرته عىل خمالفته،‏ أو مُ‏ كرهً‏ ا،‏ ونحو ذلك من<br />

األعذار.‏<br />

ولو كان مُ‏ طيعً‏ ا له فليست كلُّ‏ طاعةٍ‏ للطاغوت كفرً‏ ا كام سبق.‏<br />

3- ومن املسلَّم به أنَّ‏ احلكمَ‏ عىل مسلمٍ‏ بالرّ‏ دّ‏ ة إنّام يكون بدليلٍ‏ صحيحٍ‏ رصيحٍ‏ عىل<br />

كفرٍ‏ وقع منه،‏ ال شبهةَ‏ له فيه،‏ وال تأويلَ‏ ، وال عذرَ‏ ، وال يكون ذلك إال مِن حمكمةٍ‏<br />

رشعيّةٍ‏ أو عامل راسخٍ‏ يف العلم،‏ بالرشوط التي بيَّنها أهل العلم،‏ ال بمجرّ‏ د <strong>شبهات</strong><br />

الغالة واهتاماهتم.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ تكفريُ‏ ا