19.08.2017 Views

تهذيب شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي.. نسخة جديدة ومنقحة

Mektebe -> Arapça Kitablar -> Akide

Mektebe -> Arapça Kitablar -> Akide

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

تھذیب<br />

<strong>شرح</strong> العقیدة الطحاویة<br />

تھذیب وتعلیق<br />

عبد المنعم مصطفى حلیمة<br />

" أبو بصیر الطرطوسي "<br />

5


Π<br />

)<br />

إن َّ اللھَ‏ لایغفرُ‏ أن یُشرَك بھ ویَغفرُ‏ مادون ذلك لمن یشاءُ)‏<br />

سورة النساء:‏<br />

6


)<br />

المقدمة :<br />

إن الحمدَ‏ نحمدُه ونستعینھ ونستغفره،‏ ونعوذُ‏ باللھ من شرور أنفُسِنا،‏<br />

ومن سیئات أعمالنا،‏ من یھده اللھ فلا مضل َّ لھ،‏ ومن یُضلل فلا ھادي لھ.‏<br />

وأشھدُ‏ أن لا إلھ إلا اللھ وحده لاشریك لھ،‏ وأشھد أن محمداً‏ عبدُه<br />

ورسُولھ.‏<br />

یا أیھا الذین آمنوا اتقوا اللھ حق َّ تقاتھ ولاتموتن َّ إلا وأنتم مسلمون)‏<br />

آل عمران:‏<br />

7


"<br />

كلھ یعود للخواء العقدي والإِیماني الذي یعاني منھ الناس،‏ ولجھلھم الكبیر<br />

بمتطلبات ولوازم شھادة التوحید أن لا إلھ إلا اللھ،‏ محمداً‏ رسُول اللھ<br />

والمسلم بعقیدتھ وإیمانھ والإیمان تصدیق وقول وعمل،‏ یزید<br />

بالطاعات،‏ وینقص بالذنوب والمعاصي وارتكاب الموبقات فإن كمل<br />

إیمانھ اجتمع لھ كمال الخیر في الدنیا والآخرة،‏ وإن شابھ نَقْصٌ‏ تحقق لھ من<br />

الذل والشرود عن الحق بقدر ما تحقق من ثلمٍ‏ ونقصٍ‏ في عقیدتھ وتوحیده.‏<br />

وثَم َّةَ‏ أمرٍ‏ أیضاً‏ لابد من الاتفاق علیھ والتسلیم بھ،‏ وھو أن العقیدة<br />

الإسلامیة حتى تحقق ثمارھا المرجوة،‏ یجب أن تُدَر َّ س الناسَ‏ بلغة سھلة<br />

بسیطةٍ،‏ وباسلوب بعید عن تعقیدات أھل الكلام وتعبیراتھم،‏ لیتمك َّن الجمیع<br />

من دراستھا وفھمھا من غیر صعوبة أو حرج.‏ كما یجب أن تكون ھذه<br />

العقیدة مستمدةً‏ من نصوص الكتاب والسنة مع مراعاة فھم السلف الصالح<br />

رضوان اللھ علیھم لھذه العقیدة،‏ وتقدیم أقوالھم على غیرھم ممن یخالفونھم<br />

الفھم والقول،‏ فھم مما لاشك فیھ أفھم خلق اللھ بمراد الرسُول<br />

المنصوص على وجوب اتباعھم،‏ واقتفاء آثارھم،‏ كما في قولھ تعالى :<br />

‏[ومن یشاقق الرسولَ‏ من بعد ما تبین لھ الھدى ویتبع غیرَ‏ سبی ‏ِل<br />

المؤمنین نولھ ما تولى ونُصلھ جھنمَ‏ وساءت مصیرا]‏<br />

."<br />

ε، وھم<br />

-<br />

النساء :<br />

-<br />

8


-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-2<br />

-4<br />

-5<br />

1- سعة انتشار الكتاب في أمصار المسلمین،‏ واعتماده بین المسلمین<br />

كمرجع عقدي حوى في صفحاتھ عقیدة أھل السنة والجماعة،‏ لذا فالكتاب<br />

في نظري یحتاج لمزید من الخدمة والتبسیط،‏ لیتحقق بھ أكبر قدر من النفع،‏<br />

ولیتمكن من قراءتھ وفھمھ الخاصة والعامة،‏ فالتوحید فرض على الجمیع،‏<br />

ولیس لأناسٍ‏ دون أناس.‏<br />

اطناب الشارح رحمھ اللھ في عرض شُبھ ومبادئ الفرق<br />

الضالة،‏ والرد علیھا،‏ وبخاصة أن أكثر ھذه الفرق لیس لھا أثر یُذكر بین<br />

المسلمین في ھذا العصر (1) ، مما جعل الكثیر من طلبة العلم فضلاً‏ عن عامة<br />

المسلمین ینأون عن قراءة الكتاب وینفرون منھ.‏<br />

3- عرض مبادئ الفرق الضالة وشبھاتھم والرد علیھا،‏ قد یؤدي إلى<br />

تشویش القارئ المسلم وبخاصة إذا كان من العامة،‏ وإشغالھ عن الغایة<br />

الأساسیة التي لأجلھا یدرس العقیدة والتوحید،‏ بل لربما یؤدي ذلك ببعض<br />

أصحاب القلوب المریضة إلى تبنّ‏ ‏ِي تلك الأفكار واعتقادھا،‏ ومن ثم دعوة<br />

الناس إلیھا،‏ فیكون قد حصل عكس المراد (2) .<br />

مرور الشارح على مسائل عقدیة ھامة في زماننا بشكلٍ‏ مقتضب<br />

وموجزٍ‏ تحتاج لمزیدٍ‏ من التوضیح وال<strong>شرح</strong> والبیان.‏<br />

اھتمام الشارح بالجانب النظري الغیبي للعقیدة دون الجانب العملي<br />

الذي یتضمن الكفر بالطاغوت،‏ والإشارة إلى جوانب الشرك المتعددة التي<br />

تُعتبر من نواقض الإیمان.‏<br />

9<br />

(1)<br />

ربما كان المؤلف-رحمھ اللھ-یوجد في عصره من الفرق الضالة مایبرر لھ<br />

ھذا الاطناب،‏ بینما في زماننا قد استجدت مذاھب وفرق-لم یسمع بھا سلفنا من<br />

قبل-تھدد عقیدة الأمة بالردة والانتكاس إِلى جاھلیة ماقبل الإسلام،‏ تتطلب جھداً‏<br />

مضاعفاً‏ من العلماء لمواجھتھا وتعریتھا،‏ حیث من العبث الانشغال بفتن انتھت<br />

واندرست-والخوض فیھا قد یحییھا من جدید-عن فتن العصر التي تنتظر من<br />

یتصدى لھا ویدحضھا.‏<br />

(2)<br />

قال الإمام أحمد بن حنبل للحارث بن أسد المحاسبي،‏ بسبب تصنیفھ كتاباً‏ في<br />

الرد على المبتدعة:‏ ویحك ألست تحكي بدعتھم أولاً‏ ثم ترد علیھم؟ ألست<br />

تحمل الناس بتصنیفك على مطالعة البدعة والتفكر بالشبھة،‏ فیدعوھم ذلك إِلى<br />

الرأي والبحث والفتنة؟!‏ عن <strong>شرح</strong> كتاب ‏"الفقھ الأكبر"‏ للشیخ الملا علي القاري<br />

<strong>الحنفي</strong>،‏ ص 9.


-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-6<br />

-7<br />

-1<br />

-3<br />

-4<br />

-5<br />

-6<br />

-7<br />

-8<br />

وجود بعض العبارات والكلمات یصعب فھمھا على العامة تحتاج<br />

إلى تعلیقٍ‏ وتبسیطٍ‏ و<strong>شرح</strong>ٍ.‏<br />

رغبة بعض الإخوان والزملاء بإِجراء تھذیب یسھل تدریسھ لطلبة<br />

العلم والعامة سواء.‏<br />

ھذه الأسباب مجتمعة كانت حافزاً‏ لي وسبباً‏ في أن أقوم بتھذیب ھذا<br />

ال<strong>شرح</strong> والتعلیق علیھ،‏ راجیاً‏ من اللھ تعالى التوفیق والقبول،‏ إنھ قریب<br />

مجیب.‏<br />

ویتلخص عملي في النقاط التالیة:‏<br />

ھذبت ال<strong>شرح</strong> تھذیباً‏ تفادیت فیھ كل مملّ‏ یقل نفعھ،‏ من دون إخلا ‏ٍل<br />

بقیمة ال<strong>شرح</strong> العلمیة.‏<br />

2- علقت على ال<strong>شرح</strong>،‏ و<strong>شرح</strong>ت الغامضَ‏ منھ،‏ ونبھت على أمورٍ‏ رأیت<br />

من الواجب التنبیھ علیھا.‏<br />

أثبت متن الإمام الطحاوي رحمھ اللھ كما ھو في الأصل،‏ وكذلك<br />

ال<strong>شرح</strong> لم أتدخل في عبارات الشارح إلا ما استلزمتھ ضرورة التھذیب،‏<br />

وجعلت كلامي وتعلیقاتي في الھامش من ال<strong>شرح</strong>.‏<br />

ترجمت لكل فقرة من الكتاب،‏ بعنوان یعرف القارئ على موضوع<br />

وفكرة الفقرة.‏<br />

وكذلك قمت بتشكیل بعض الكلمات،‏ لیسھُلَ‏ قراءتُھا وفھمھا.‏<br />

ألحقت في نھایة الكتاب أسئلة شاملة للمادة،‏ تمكن القارئ من اختبار<br />

نفسھ ومعرفة مدى استیعابھ وفھمھ لھذه العقیدة،‏ وكذلك أشرت إلى موضع<br />

الإجابة في الكتاب.‏<br />

لم تكن غایتي من عملیة التھذیب تقلیل صفحات الكتاب،‏ وتصغیر<br />

حجمھ،‏ بل لربما التھذیب مع التعلیق یوازي الأصل من حیث الحجم.‏<br />

ومن حیث الأحادیث الواردة في ال<strong>شرح</strong>،‏ فقد حذفت الضعیف منھا،‏<br />

وأثبت الحدیث الصحیح الذي بھ تقوم الحجة،‏ واعتمدت في ذلك تخریج<br />

وتصحیح الشیخ المحدث محمد ناصر الدین الألباني - حفظھ اللھ ثقة مني<br />

بعلمھ ودرایتھ بالحدیث الصحیح من الضعیف،‏ وفي التعلیق أیضاً‏ اجتھدت<br />

في أن لاأثبت إلا الحدیث الصحیح معتمداً‏ في ذلك على الصحیحین،‏ وكتب<br />

الشیخ وتعلیقاتھ،‏ وغیره من أھل العلم والاختصاص.‏<br />

9- ولضبط عملیة التھذیب،‏ اعتمدت النسخ التالیة :<br />

10


"<br />

أ-‏ <strong>نسخة</strong> مكتبة الریاض الحدیثة،‏ حققھا الشیخ أحمد محمد شاكر.‏<br />

ب-‏ <strong>نسخة</strong> المكتب الإسلامي،‏ حققھا وراجعھا جماعة من العلماء،‏ وخرج<br />

أحادیثھا الشیخ المحدث محمد ناصر الدین الألباني.‏<br />

ج-‏ <strong>نسخة</strong> مؤسسة الرسالة،‏ حققھا وعلق علیھا وخرج أحادیثھا،‏ الدكتور<br />

عبد اللھ ابن عبد المحسن التركي،‏ والشیخ شعیب الأرناؤوط.‏<br />

راجیاً‏ من اللھ تعالى التوفیقَ‏ والقبولَ،‏ وأن ینفعني وجمیع المسلمین بھذا<br />

العمل ویجعلھ قرة عین للموحدین،‏ وسبب ھدایة للضالین التائھین،‏ إنھ تعالى<br />

سمیعٌ‏ قریب مجیب.‏<br />

وصل َّى اللھ على محمد النبي الأُمي،‏ وعلى آلھ وصحبھ وسل َّم.‏<br />

كتبھا<br />

عبد المنعم مصطفى عبدالقادر حلیمة<br />

أبو بصیر<br />

عفا اللھ عنھ وعن والدیھ بمنھ ورحمتھ<br />

الطرطوسي "<br />

11


الدین:‏ "<br />

من مقدمة الشارح،‏ الإمام ابن <strong>أبي</strong> <strong>العز</strong> <strong>الحنفي</strong><br />

Π<br />

وبھ نستعین<br />

الحمد نحمدُه،‏ ونستعینھ ونستغفره،‏ ونعوذ باللھ من شرور أنفسنا<br />

ومن سیئات أعمالنا،‏ من یھده اللھ فلا مضل لھ،‏ ومن یُضلل فلا ھادي لھ.‏<br />

وأشھد أن لا إلھ إلا اللھ وحده لاشریك لھ،‏ وأشھد أن سیدنا محمداً‏ عبده<br />

ورسُولھ،‏ صلى اللھ علیھ وعلى آلھ وصحبھ،‏ وسلم تسلیما كثیراً.‏<br />

إذْ‏ شرفُ‏ العلم<br />

أما بعد:‏ فإنھ لما كان علم أصول الدین أشرف العلوم (1)<br />

بشرف المعلوم (2) ، وھو الفقھ الأكبر بالنسبة إلى فقھ الفروع،‏ ولھذا سمى<br />

الإمام أبو حنیفة ‏-رحمة اللھ علیھ-‏ ما قالھ وجمعھ في أوراقٍ‏ من أصول<br />

الفقھ الأكبر العباد إلیھ فوق كل حاجة،وضرورتھم إلیھ<br />

فوق كل ضرورة،‏ لأنھ لاحیاة للقلوب،‏ ولانعیم ولا طمأنینة،‏ إلا بأن تعرف<br />

ربھا ومعبودھا وفاطرھا بأسمائھ وصفاتھ وأفعالھ،‏ ویكون مع ذلك كلھ أح َّب<br />

إلیھا مما سواه ویكون سعیھا فیما یقربھا إلیھ دون غیره من سائر خلقھ.‏<br />

"، وحاجة<br />

12<br />

(1)<br />

(2)<br />

ھو علم التوحید،‏ ومتطلباتھ ونواقضھ.‏<br />

أي علمٍ‏ أشرف من علمٍ‏ ِ یُعرّ‏ ف العبد على خالقھ ومایجب لھ علیھ.‏


ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكھ على التفصیل<br />

فاقتضت رحمة <strong>العز</strong>یز الرحیم أن بعث الرسل بھ معرفین (1) ،<br />

وإلیھ داعین،‏ ولمن أجابھم مبشرین (2) ، ولمن خالفھم<br />

منذرین (3) ، وجعل مفتاح دعوتھم،‏ وزبدة رسالتھم معرفة المعبود سبحانھ<br />

بأسمائھ وصفاتھ وأفعالھ،‏ إذ على ھذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلھا من<br />

أولھا إلى آخرھا.‏<br />

ثم یتبع ذلك أصلان عظیمان:‏<br />

أحدھما : تعریف الطریق الموصل إلیھ،‏ وھي شریعتھ المتضمنة لأمره<br />

ونھیھ (4) .<br />

والثاني :<br />

تعریف السالكین مالھم بعد الوصول إلیھ من النعیم المقیم.‏<br />

فأعرفُ‏ الناس باللھ Υ أتبعھم للطریق الموصل إلیھ (5) ، وأعرفھم بحال<br />

السالكین عند القدوم علیھ،‏ ولھذا سمى اللھ ما أنزلھ على رسُولھ روحاً،‏<br />

لتوقف الحیاة الحقیقیة علیھ،‏ ونوراً‏ لتوقف الھدایة علیھ.‏<br />

فقال تعالى:‏ ‏[یُلقي الروحَ‏ من أمره على من یشاءُ‏ من عباده]‏ غافر:‏<br />

13


لتھدي إلى صراطٍ‏ مستقیم]‏ الشورى:‏<br />

14


وأما مایجب على أعیانھم،‏ فھذا یتنوع بتنوع قُدَرِ‏ ھم،‏ وحاجَتِھم ومعرفتھم،‏<br />

وما أُمِرَ‏ بھ أعیانھم،‏ ولایجب على العاجز عن سماع بعض العلم،‏ أو فھم<br />

دقیقھ مایجب على القادر على ذلك (1) .<br />

ویجب على من سَمِعَ‏ النصوص وفھمھا من علم التفصیل مالایجبُ‏ على<br />

من لم یسمعھا،‏ ویجب على المفتي والمحدّ‏ ‏ِث والحاكم مالایجب على من<br />

لیس كذلك.‏<br />

وعامة من ضل في ھذا الباب،‏ أو عجز فیھ عن معرفة الحق،‏ فإنما ھو<br />

في اتباع ماجاء بھ الرسول،‏ فلما أعرضوا عن كتاب اللھ،‏<br />

لتفریطھ (2)<br />

ضل ُّوا،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[فإما یأتینكم مني ھدىً‏ فمن اتبع ھُداي فلا یض‏ ُّل<br />

ولایشقى،‏ ومن أعرض عن ذكري فإن لھ معیشةً‏ ضنكاً‏ ونحشره یومَ‏<br />

القیامة أعمى،‏ قال ربِّ‏ لِمَ‏ حشرتني أعمى وقد كنت بصیرا،‏ قال كذلك أتتك<br />

آیاتنا فنسیتھا وكذلك الیوم تُنسى]‏ طھ:‏<br />

15


وقد نز َّ هَ‏ اللھُ‏ تعالى نفسَھ عما یصفھ بھ العباد إلا ماوصفھ بھ المرسلون،‏<br />

بقولھ سبحانھ:‏ ‏[سبحان ربك ربِّ‏ <strong>العز</strong>ة عما یصفون،‏ وسلامٌ‏ على<br />

المرسلین،‏ والحمد رب العالمین]‏ الصافات:‏<br />

16


فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إلى إیضاح الأدلة،‏ ودفع الش ُّبَھ الواردة<br />

علیھا،‏ وكَثُرَ‏ الكلامُ‏ والشغب،‏ وسبب ذلك إصغاؤھم إلى شبھ المبطلین،‏<br />

وخوضھم في الكلام المذموم الذي عابھ السلف،‏ ونَھَوا عن النظر فیھ،‏<br />

والإشتغال بھ،‏ والإصغاء إلیھ،‏ امتثالاً‏ لأمر ربھم،‏ حیث قال:‏ ‏[وإذا رأیت<br />

الذین یخوضون في آیاتِنَا فأعرض عنھم حتى یخوضوا في حدیثٍ‏ غیرِ‏ ه]‏<br />

الأنعام:‏<br />

17


ε<br />

ومعصیتَھ معصیَةً‏ لھ،‏ وأقسم بنفسھ أنھم لایؤمنون حتى یحكموه فیما شجر<br />

بینھم (3) ، وأخبر أن المنافقین یریدون أن یتحاكموا إلى غیره (4) ، وأنھم إذا<br />

دعو إلى اللھ والرسول ‏-وھو الدعاء إلى كتاب اللھ وسُن َّةِ‏ رسُولھ-‏ صَد ُّوا<br />

صُدوداً،‏ وأنھم یَزعمون أنھم إنما أرادوا إحساناً‏ وتوفیقاً(‏‎5‎‏)‏ !<br />

كما یقولھ كثیر من المتملّ‏ ‏ِكَةِ‏ والمتأمّ‏ ‏ِرة (6) : إنما نرید الإحسان بالسیاسة<br />

الحسنة (7) ، والتوفیق بینھما وبین الشریعة،‏ ونحو ذلك.‏<br />

وكل من طلَب أن یُحَكّ‏ ‏ِمَ‏ في شيءٍ‏ من أمر الدین غیرَ‏ ما جاء بھ الرسول،‏<br />

ویظن ُّ أن ذلك حسن،‏ وأن ذلك جمعٌ‏ بین ما جاء بھ الرسول وبین ما یُخالِفھ،‏<br />

بل ما جاء بھ الرسول كافٍ‏ كامل،‏ یدخل فیھ كل ُّ حقٍّ،‏<br />

فلھ نصیب من ذلك (8)<br />

كل الخیر یكون في الاقتداء بسُن َّةِ‏ النبي ε، فمن الغباء كل الغباء طلب الھدایة من<br />

غیر سنتھ والتماس الحلول لمشاكل الأمة من غیر ھدیھ<br />

الخبر ھو ما یتعلق بالعقائد والغیبیات،‏ والأمر ھو مایتعلق بالأحكام والشرائع<br />

أمراً‏ ونھیاً.‏<br />

(2)<br />

أي طاعة النبي ε سبباً‏ لطاعة اللھ Υ، ومعصیتھ ھي معصیة تعالى.‏<br />

إشارة إِلى قولھ تعالى:‏ ‏[فلا وربك لایؤمنون حتى یحكموك فیما شجر بینھم]‏<br />

النساء:‏<br />

.ε<br />

ε<br />

(1)<br />

(3)<br />

18


وإنما وقع التقصیر من كثیر من المنتسبین إلیھ،‏ فلم یعلموا ما جاء بھ<br />

الرسولُ‏ في كثیرٍ‏ من الأمور الكلامیة الاعتقادیة،‏ ولا في كثیر من الأحوال<br />

العبادی َّةِ،‏ ولافي كثیر من الإمارة السیاسیّ‏ ‏ِة،‏ أو نسبُوا إلى شریعة الرسول<br />

بظنھم وتقلیدھم مالیس منھا،‏ وأخرجوا عنھا كثیراً‏ مما ھو منھا.‏<br />

فبسبب جھل ھؤلاء وضلالھم وتفریطھم،‏ وبسبب عدوان أولئك وجھلھم<br />

ونفاقھم،‏ كثر النفاق،‏ ودَرَ‏ سَ‏ كثیرٌ‏ من علم الرسالة.‏<br />

بل یكون البحث التام،‏ والنظر القوي،‏ والإجتھاد الكامل،‏ فیما جاء بھ<br />

الرسول ε، لیُعْلَم ویعتقد،‏ ویُعمل بھ ظاھراً‏ وباطناً،‏ فیكون قد تُلي ح‏ َّق<br />

تلاوتھ (2) ، وأن لایُھمَل منھ شیئاً.‏<br />

وإن كان العبد عاجزاً‏ عن معرفة بعض ذلك،‏ أو العمل بھ،‏ فلاینھى عما<br />

عجز عنھ مما جاء بھ الرسول (3) ، بل حسبھ أن یسقط عنھ اللومُ‏ لعجزهِ(‏‎4‎‏)‏ ،<br />

19<br />

(1)<br />

فیمن ینحي شریعة اللھ كلیاً‏ عن الحكم ویستحسن غیرھا من شرائع الطاغوت،‏<br />

ثم ھو یفرضھا على الأمة بالحدید والنار كما ھو شأن طواغیت الحكم في ھذا<br />

الزمان..‏ لاشك أنھ أولى بالنفاق والكفر مھما زعم بلسانھ أنھ من المسلمین<br />

المؤمنین.‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

أي محي وخفي.‏<br />

أي أن تلاوة القرآن ‏-الذي جاء بھ النبي ε- حق التلاوة،‏ تكون بقراءتھ<br />

وتدبره،‏ واعتقاده،‏ والعمل بھ.‏<br />

(3)<br />

أي غایتھ أن یَظھر الإسلام،‏ ویعم الخیر بین الناس،‏ سواء تحقق ذلك عن<br />

طریقھ أو عن طریق غیره،‏ ولاینبغي أن یصده الھوى أو التحزب أو العجز عن<br />

نصرة ذلك الحق لكونھ جاء عن طریق غیره،‏ كما ھو حال كثیر من الأحزاب<br />

الیوم.‏ ولكن قد یقال:‏ من كان عنده علم صحیح لكنھ لایعمل بھ،‏ ھل یتكلم بھ<br />

وینشره بین الناس،‏ أم أنھ یلتزم الصمت حتى لایقع تحت طائلة النصوص التي<br />

تتوعد من یقول مالایفعل؟ الصحیح:‏ أنھ یتكلم وینشر العلم الصحیح وإن كان<br />

لایعمل بھ،‏ فلئن إجتمع علیھ وزر أن یقول مالایفعل،‏ خیر لھ من أن یجتمع علیھ<br />

وزران:‏ أن یقول مالایفعل،‏ ووزر كتمان العلم،‏ وبخاصة إن كان الناس بحاجة<br />

إِلى ھذا العلم الذي قد لا یوجد إلا عنده،‏ واللھ أعلم.‏<br />

(4) لأن العجز الذي لایمكن دفعھ یسقط عن صاحبھ التكلیف،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[لایكلف اللھ نفساً‏ إلا وسعھا].‏ البقرة:‏ 286.<br />

وفي الصحیحین:‏ ‏"وما أمرتكم بھ فأتوا منھ ما استطعتم"‏ والقاعدة تقول:‏<br />

‏(المیسور لا یسقط بالمعسور).‏ وھذا أمر متفق علیھ بین الأمة.‏


لكن علیھ أن یَفرح بقیام غیره بھ،‏ ویرضى بذلك،‏ ویود َّ أن یكون قائماً‏ بھ،‏<br />

وأن لایؤمنَ‏ ببعضھ،‏ بل یؤمن بالكتاب كلھ،‏ وأن یُصان عن أن یُدخل فیھ ما<br />

لیس منھ (1) ، من روایةٍ‏ أو رأيٍ،‏ أو یتبع مالیس من عند اللھ اعتقاداً‏ أو<br />

عملاً،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولاتلبسوا الحق بالباطل،‏ وتكتموا الحق وأنتم<br />

تعلمون]‏ البقرة:‏<br />

20


ذلك علمٌ‏ نافع،‏ أو أراد بھ الإعراض عنھ،‏ وترك الإلتفات إلى اعتباره،‏<br />

فإن ذلك یصونُ‏ عِلمَ‏ الرجل وعقلَھ،‏ فیكون علماً‏ بھذا الاعتبار.‏<br />

وعنھ أیضاً‏ أنھ قال:‏ من طلب العلم بالكلام،‏ تزندق (1) ، ومن طلب المالَ‏<br />

أفلسَ‏ ، ومن طلب غریب الحدیث كَذَبَ‏ .<br />

بالكیمیاء (2)<br />

وقال الإمام الشافعي رحمھ اللھ تعالى : حكمي في أھل الكلام أن<br />

یُضربوا بالجرید والنعال،‏ ویُطاف بھم في العشائر والقبائل،‏ ویُقال:‏ ھذا<br />

جزاء من ترك الكتاب والسنة،‏ وأقبل على الكلام.‏<br />

وقال أیضاً:‏<br />

كل ُّ العلومِ‏ سوى القرآن مَشغلَةٌ‏ إلا الحدیثَ‏ وإلا الفقھَ‏ في الدینِ‏<br />

العلمُ‏ ما كان فیھ قال حدثنا وماسِوى ذاك وسْواسُ‏ الشیاطینِ‏<br />

ولقد أحسن القائل:‏<br />

یاأیھا المغتدي لیطلُبَ‏ عِلماً‏ كل ُّ عِلمٍ‏ عبدٌ(‏‎3‎‏)‏<br />

تطلُبُ‏ الفَرْ‏ عَ‏ كي ِ تُصحّ‏ حَ‏ أصلاً‏<br />

لعلمِ‏ الرسولِ‏<br />

كیف أغفلت عِلمَ‏ أصلِ‏ الأصُولِ‏<br />

لذلك الصحیح أن الزندیق یُقتل ولا یستتاب،‏ لأن الاستتابة تكون من شيءٍ،‏<br />

وھذا لایعترف بشيءٍ‏ رغم قیام البینة القاطعة التي تُدینھ.‏<br />

وعندما سُئل علي بن <strong>أبي</strong> طالب τ عن قتلھ للزنادقة من دون أن یستتیبھم،‏<br />

قال:‏ جحدوني.‏<br />

قال ابن القیم في أعلام الموقعین 2/<br />

21


ε<br />

ونبی ُّنا أُوتي فواتحَ‏ الكلمِ‏ وخواتمھُ‏ وجوامعَھ (1) ، فبُعِثَ‏ بالعلوم الكلیة<br />

والعلوم الأولیة<br />

والأخرویة،‏ على أتم الوجوه،‏ ولكن كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في<br />

جوابھا،‏ فلذلك صار كلامُ‏ المتأخرین كثیراً،‏ قلیلَ‏ البركة،‏ بخلاف كلام<br />

المتقدمین،‏ فإنھ قلیلٌ،‏ كثیرُ‏ البركة،‏ لا كما یقولھ ضلال المتكلمین وجھلَتُھم:‏<br />

إن طریق القوم أسلم،‏ وإن طریقتَنا أحكم وأعلم!‏ وكما یقولھ من لم یقدّ‏ ‏ِرھم<br />

قدرھم من المنتسبین إلى الفقھ:‏ إن َّھم لم یتفرغوا لاستنباط الفقھ وضبطِ‏<br />

قواعدهِ‏ وأحكامِھ اشتغالاً‏ منھم بغیره،‏ والمتأخرون تفرغوا لذلك،‏ فھم<br />

أفقھ (2) !!<br />

فكل ھؤلاء محجوبون عن معرفة مقادیر السلف،‏ وعُمقِ‏ علومھم،‏ وقل َّة<br />

تكل ُّفِھم،‏ وكمال بصائرھم.‏ وتاللھ ما امتاز عنھم المتأخرون إلا بالتكلف<br />

والإشتغال بالأطراف التي كانت ھِم َّةُ‏ القوم مراعاةَ‏ أصولھا،‏ وضبطَ‏<br />

قواعدِھا،‏ وشد َّ معاقدِھا،‏ وھمَمُھم مشم َّرةً‏ إلى المطالب العالیة في كل شيء،‏<br />

فالمتأخرون في شأنٍ،‏ والقومُ‏ في شأنٍ‏ آخر،‏ وقد جعل اللھ لكل شيءٍ‏ قَدراً.‏<br />

وقد <strong>شرح</strong> ھذه العقیدة غیرُ‏ واحدٍ‏ من العلماء،‏ ولكن رأیت بعض<br />

الشارحین قد أصغى إلى أھل الكلام المذموم،‏ واستمد منھم وتكلم بعباراتھم.‏<br />

وقد أحببت أن أ<strong>شرح</strong>َھا سالكاً‏ طریق السلف في عباراتھم،‏ وأنسُجَ‏ على<br />

منوالِھم،‏ متطفلاً‏ علیھم،‏ لعلي أن أنظم في سلكھم،‏ وأدخل في عدادھم،‏<br />

وأحشر في زمرتھم ‏[مع الذین أنعم اللھ علیھم من النبیین والصدیقین<br />

ε<br />

22<br />

(1)<br />

قیل في تأویل مجامع الكلم:‏ أن النبي كان یتكلم بالقول الموجز القلیل اللفظ<br />

الكثیر المعاني.‏ وقیل:‏ المراد أنھ أوتي القرآن الكریم،‏ والقرآن غایة في إیجاز<br />

اللفظ واتساع المعاني،‏ وكلا القولین حق،‏ ونبینا یتصف بھما.‏<br />

قولھم أن الخلف أفقھ وأحكم وأعلم من الس َّلَف فیھ رد للأحادیث النبویة<br />

الصحیحة،‏ الدالة على أفضلیة القرون الثلاثة الأولى،‏ وفضل الرعیل الأول على<br />

مَن بعده.‏ وعندما أمرنا الرسول ε، باقتداء سنة الخلفاء الراشدین مِن بعده،‏ ذلك<br />

لعلمھم بالسنة الذي لایتحصل لمن بعدھم إلا بفضلھم وبواسطتھم.‏ ثم ھل یستوي<br />

الذین رضي اللھ عنھم بالنص الثابت وأمر بالترضي علیھم،‏ والذین لایُعرف<br />

حالھم عند اللھ Υ، أھم من المرضیین المرحومین أم من المغضوب علیھم؟!‏<br />

لاشك أنھما لایستویان مثلا.‏<br />

ε<br />

(2)


والشھداء والصالحین وحسن أولئك رفیقاً]‏ النساء:‏<br />

23


وقال تعالى:‏ ‏[ولقد بعثنا في كل أمةٍ‏ رسولاً‏ أن اعبدوا اللھَ‏ واجتنبوا<br />

الطاغو ‏َت (1) [ النحل:‏<br />

24


ε<br />

وقال ε: ‏"أُمرت أن أقاتل الناس حتى یشھدوا أن لا إلھ إلا اللھ،‏ وأن<br />

ولھذا كان الصحیح أن أولَ‏ واجب على المكلف<br />

محمداً‏ رسُول اللھ"‏ (1)<br />

شھادة أن لا إلھ إلا اللھ (2) .<br />

وھنا مسائل تكلم فیھا الفقھاء:‏ فمن صلى ولم یتكلم بالشھادتین (3) ، أو أتى<br />

بغیر ذلك من خصائص الإسلام،‏ ولم یتكلم بھما:‏ ھل یصیر مسلماً‏ أم لا؟<br />

والصحیح أنھ یصیر مسلماً‏ بكل ماھو من خصائص الإسلام (4) .<br />

فالتوحید أول ما یُدخَل بھ في الإسلام،‏ وآخر ما یُخرج بھ من الدنیا،‏ كما<br />

قال النبي ‏"من كان آخر كلامھ لاإلھ إلا اللھ دخل الجنة"‏ (5) . فھو أول<br />

فإن التوحیدَ‏ یتضمن ثلاثةَ‏ أنواع:‏ الكلام في<br />

واجب وآخر واجب (6)<br />

وھمھم الأكبر،‏ یجب أن توضع على رأس الأولویات عند كل عمل أو مشروع<br />

دعوي،‏ وھي غایة تصب في خدمتھا جمیع الوسائل والإمكانیات،‏ ولایجوز أن<br />

یكون العكس،‏ ولما غفلت كثیر من الأحزاب والجماعات الإسلامیة المعاصرة<br />

عن ھذا الأصل الھام وانشغلت عنھ بالدون من الوسائل والفروع،‏ قلّت بركتھا،‏<br />

وفقدت مبرر وجودھا،‏ ولم تتمكن من تحقیق شيء من أھدافھا العامة.‏<br />

متفق علیھ.‏<br />

25<br />

(1)<br />

(2)<br />

الواجب ھنا یمتد لیشمل النطق بھا وفھما والعمل بمدلولاتھا ولوازمھا،‏<br />

وبغض نواقضھا والإمساك عن الوقوع فیھا.‏<br />

(3)<br />

الصلاة تتضمن الشھادتین،‏ والشھادتان من فرائض الصلاة،‏ من تعمد تركھما<br />

لاتقبل صلاتھ.‏<br />

(4)<br />

ھذا الكلام لایصح على إطلاقھ وھو كلام تعوزه البینة والدلیل،‏ لأن الصیام<br />

والزكاة من خصائص الإسلام وأھم أركانھ ومع ذلك لایصح أن یُقال لمن صام<br />

أو زكى مالھ أنھ صار بذلك مسلماً‏ من دون أن ینطق بشھادة التوحید.‏<br />

والذي علیھ أھل العلم ودلت علیھ السنة أن المرء لایصیر مسلماً‏ إلا بنطقھ<br />

لشھادة التوحید،‏ ولایجزئ عن الشھادة من الأعمال شيء سوى الصلاة،‏ لقولھ ε<br />

: ‏"من صلى صلاتنا،‏ واستقبل قبلتنا وأكل ذبیحتنا،‏ فذاك المسلم لھ ذمةَ‏ اللھ وذمة<br />

رسولھ".‏ ولأن الصلاة تتضمن الشھادتین كما تقدم.‏<br />

(5) حدیث صحیح،‏ رواه الحاكم وغیره.‏<br />

(6) لأن من شروط التوحید الذي ینفع صاحبھ یوم القیامة الموافاة علیھ،‏ فالعبرة<br />

بالخواتیم وبما یختم بھ على المرء مھما كان العمل قبل الموافاة مغایراً‏ لما تمت<br />

الموافاة علیھ.‏


Ι<br />

الصفات (1) ، وتوحید الربوبیة،‏ وبیان أن اللھ وحده خالق كل شيءٍ.‏ وتوحید<br />

الإلھیة،‏ وھو استحقاقھ أن یعبد وحده لاشریك لھ.‏<br />

‏-توحیدُ‏ الربوبیة لم یذھبْ‏ إلى نقیضھ طائفة مِن بني آدم-‏<br />

توحید الربوبیة،‏ كالإقرار بأنھ خالق كلّ‏ شيءٍ،‏ وأنھ لیس للعالم صانعان<br />

متكافئان في الصفات والأفعال،‏ وھذا التوحید حق ٌّ لاریب فیھ وھو الغایة<br />

عند كثیرٍ‏ من أھل النظر والكلام وطائفةٍ‏ من الصوفیة.‏<br />

وھذا التوحید لم یذھبْ‏ إِلى نقیضھ طائفةٌ‏ معروفة من بني آدم،‏ بل القلوب<br />

مفطورة على الإقرار بھ أعظم من كونھا مفطورةً‏ على الإقرار بغیره من<br />

الموجودات،‏ كما قالت الرسل علیھم السلام فیما حكى اللھ عنھم:‏ ‏[قالت<br />

رسلھم أفي اللھ شك ٌّ فاطِرِ‏ السماواتِ‏ والأرض]‏ إبراھیم:‏<br />

26


واحدٌ،‏ كما أخبر تعالى عنھم بقولھ:[ولئن سألتھم من خلق السماوات<br />

والأرض لیقولُن َّ اللَھ].لقمان:‏<br />

27


ε<br />

ε<br />

علیھم الأمد،‏ فعبدوھم (1) ، وأن ھذه الأصنام بعینھا صارت إلى قبائلِ‏<br />

العرب،‏ ذكرھا ابن عباس قبیلةً‏ قبیلةً(‏‎2‎‏)‏ .<br />

وفي صحیح مسلم،‏ عن <strong>أبي</strong> الھی َّاج الأَسْدِي،‏ قال:‏ قال لي علي بن <strong>أبي</strong><br />

طالب τ: ألا أبعثك على مابعثني رسُول اللھ ε؟ ‏"أمرني أن لا أدع قبراً‏ إلا<br />

سویتھ،‏ ولاتمثالاً‏ إلا طمستھ".‏<br />

وفي الصحیحین،‏ عن النبي أنھ قال في مرض موتھ:‏ ‏"لعن اللھُ‏ الیھودَ‏<br />

والنصارى،‏ اتخذوا قبورَ‏ أنبیائھم مساجد"‏ یحذر ما فعلوا،قالت عائشة:‏<br />

ولولا ذلك لأُبرِ‏ زَ‏ قبرُ‏ ه،‏ ولكن كره أن یُت َّخذ مسجداً.‏<br />

وفي الصحیحین،‏ أنھ ذُكِرَ‏ لھ في مرض موتھ كنیسة بأرض الحبشة<br />

وذُكر لھ من حسنھا وتصاویرَ‏ فیھا،‏ فقال:‏ ‏"أولئك إذا مات فیھم الرجلُ‏ بنَوا<br />

على قبره مسجداً،‏ وصوروا فیھ تلك التصاویر،‏ أولئك شرارُ‏ الخلق عند<br />

اللھ یوم القیامة".‏<br />

وفي صحیح مسلم،‏ عنھ أنھ قال:‏ ‏"إن من كان قبلكم كانوا یتخذون قبو ‏َر<br />

أنبیائھم وصالحیھم مساجد،‏ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد،‏ فإني أنھاكم عن<br />

ذلك"‏ (3) .<br />

وھؤلاء كانوا مقرین بالصانع،‏ وأنھ لیس للعالَم صانعان ولكن اتخذوا ھذه<br />

الوسائط شفعاء،‏ كما أخبر عنھم تعالى بقولھ:‏ ‏[والذین اتخذوا من دونھِ‏<br />

أولیاءَ‏ ما نعبدُھم إلا لیقربونا إلى اللھِ‏ زُلفى]‏ الزمر:‏ 3. وقال تعالى:‏<br />

‏[ویعبدون من دون اللھ ما لا یضرھم ولا ینفعھم ویقولون ھؤلاء شُفعاؤنا<br />

عندَ‏ اللھِ‏ قل أتنبئون اللھَ‏ بما لا یعلَمُ‏ في السموات ولا في الأرض سبحانھ<br />

وتعالى عم َّا یُشركون]‏ یونس:‏<br />

28


قال تعالى:‏ ‏[فأقم وجھكَ‏ للدین حنیفاً‏ فطرتَ‏ اللھ التي فطر الناس<br />

لاتبدیلَ‏ لخلق اللھِ‏ ذلك الدینُ‏ القیّ‏ ‏ِم ولكن أكثر الناس لایعلمون<br />

الروم:‏<br />

[<br />

علیھا (1)<br />

29


‏-توحیدُ‏ الربوبیة یستلزمُ‏ تَوحیدَ‏ الألوھی َّةِ-‏<br />

من ذلك أن القرآن یقرر توحید الربوبیة،‏ ویبین أنھ لاخالق إلا اللھ،‏ وأن<br />

دلیلاً‏ على الثاني،‏ إذْ‏ كانوا<br />

ذلك مستلزم أن لا یعبد إلا اللھ،‏ فیجعل الأول (1)<br />

یُسلّ‏ ‏ِمون للأول ویُنازعون في الثاني فیبین لھم سبحانھ أنكم إذا كنتم تعلمون<br />

أنھ لاخالق إلا اللھ،‏ وأنھ ھو الذي یأتي العباد بما ینفعھم،‏ ویدفع عنھم<br />

مایضرھم،‏ لاشریك لھ في ذلك،‏ فلِمَ‏ تعبدون غیره،‏ وتجعلون معھ آلھةً‏<br />

أخرى ؟!‏<br />

كقولھ تعالى:‏ ‏[قُلِ‏ الحمدُ‏ ِ وسلامٌ‏ على عباده الذین اصطفى ءآللھُ‏ خیرٌ‏<br />

أَم َّا یُشركون،‏ أم َّن خلَقَ‏ السماواتِ‏ والأرضَ‏ وأنزل لكم من السماءِ‏ ماءً‏<br />

فأنبتنا بھ حدائقَ‏ ذات بھجةٍ‏ ما كان لكم أن تُنبتوا شجرھا أءِ‏ لھٌ‏ مع اللھ بل<br />

ھم قومٌ‏ یعدلون]‏ النمل:‏<br />

30


وقال تعالى:‏ ‏[یا أیھا الناس اعبدوا رب َّكُم الذي خلقكُم والذین من قبلِكُم<br />

لعل َّكم تتقون]‏ البقرة:‏<br />

31


‏-توحید الإِ‏ لھیة یتضمّن توحیدَ‏ الربوبیة-‏<br />

توحید الإِلھیة متضمنٌ‏ لتوحید الربوبیة دون العكس (2) ، فمن لایقدر على أن<br />

یخلق یكون عاجزاً،‏ والعاجز لایصلح أن یكون إلھاً.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[أیُشركون ما لا یخلق شیئاً‏ وھم یُخلقون]‏ الأعراف:‏<br />

32


‏-التوحید الذي دعت إِلیھ الرسل-‏<br />

التوحید الذي دعت إِلیھ رسل اللھ،‏ ونزلت بھ كتبھ نوعان:‏ توحید في<br />

الإِثبات والمعرفة،‏ وتوحید في الطلب والقصد.‏<br />

فالأول:‏ ھو إثبات حقیقة ذات الرب تعالى وصفاتھ وأفعالھ وأسمائھ،‏ لیس<br />

كمثلھ شيء في ذلك كلھ،‏ كما أخبر بھ عن نفسھ،‏ وكما أخبر رسُولھ<br />

والثاني:‏ وھو توحید الطلب والقصد (2) ، مثل ما تضمنتھ سورة ‏[قل یا<br />

أیھا الكافرون]‏ و ‏[قل یا أھل الكتاب تعالوا إِلى كلمةٍ‏ سواءٍ‏ بیننا وبینكم]‏<br />

آل عمران:‏<br />

. (1)<br />

ε<br />

33


وإِما خبرٌ‏ عن إِكرامھ لأھل توحیده،‏ وما فعل بھم في الدنیا وما یكرمھم<br />

بھ في الآخرة،‏ فھو جزاء توحیده.‏<br />

وإِما خبر عن أھل الشرك،‏ وما فعل بھم في الدنیا من النكال،‏ وما یح‏ ‏ّل<br />

بھم في العقبى من العذاب،‏ فھو جزاء من خرج عن حكم التوحید.‏<br />

فالقرآن كلھ في التوحید وحقوقِھ وجزائِھ،‏ وفي شأن الشرك وأھلھِ‏<br />

وجزائھم (1) .<br />

ف ‏[الحمد للھ رب العالمین]‏<br />

الرحیم]‏ ‏[مالك یوم الدین]‏<br />

توحید (2) ،<br />

توحید (2) ،<br />

توحید (1) ،<br />

‏[الرحمن<br />

‏[إِیاك نعبد وإِیاك<br />

وشرب الخمر .. وغیرھا.‏ لكن الإدمان على ارتكاب المحظورات،‏ وإِھمال<br />

الواجبات قد تؤدّي بصاحبھا إِلى الإِستھانة بأحكام اللھ،‏ واستحسان المنكر،‏<br />

وإِلى مؤاثرة الدنیا وزخرفھا على الآخرة ونعیمھا،‏ وبالتالي إِلى الكفر المخرج<br />

عن الملة،‏ فالاستھانة بالصغائر برید إِلى الكبائر،‏ والإدمان على الكبائر برید إِلى<br />

الكفر والعیاذ باللھ.‏<br />

(1)<br />

مادام التوحید لھ ھذا القدر من الأھمیة،‏ والقرآن الكریم كلھ یدور حول<br />

التوحید ومتطلباتھ ومكملاتھ ونبذ الشرك ومقدماتھ،‏ إِنھ لحريّ‏ بالمسلمین أن<br />

یھتموا بالتوحید،‏ ویتعلموه ویعلّموه،‏ وأن لا ینشغلوا عنھ بالمندوب والمباح،‏<br />

وبما ھو دونھ.‏ فالتوحید أصل وما دونھ فروع تبنى علیھ،‏ فإِن صح الأصل<br />

صح البناء،‏ وآتى ثماره،‏ ورُ‏ جي عطاؤه،‏ وإِن فسد الأصل فسد البناء وانھار<br />

على صاحبھ ولو بعد حین،‏ وطول تحصیل،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[وقدمنا إِلى ما<br />

عملوا من عملٍ‏ فجعلناه ھباءً‏ منثورا].‏<br />

أما التوحید فأصلھ ثابت یؤتي أكلھ وثماره كل حین ووقت،‏ كشجرةٍ‏ طیبة<br />

أصلھا ثابت وفرعھا في السماء،‏ تؤتي أكلھا كل حین،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ألم تر<br />

كیف ضرب اللھُ‏ مثلاً‏ كلمة طیبةً‏ كشجرةٍ‏ طیبةٍ‏ أصلُھا ثابت وفرعھا في<br />

السماء.‏ تُؤتي أُكُلَھا كل حینٍ‏ بإِذن ربھا ویضرب اللھُ‏ الأمثالَ‏ للناس لعل َّھم<br />

یتذكرون].‏<br />

وأما الشرك فمثلھ كما قال تعالى:‏ ‏[ومثل كلمةٍ‏ خبیثة كشجرةٍ‏ خبیثةٍ‏ اجتُث َّت من<br />

فوق الأرض مالھا من قرار].‏<br />

(2)<br />

یشمل على نوعي التوحید:‏ توحید الألوھیة وتوحید الربوبیة،‏ أما توحید<br />

الألوھیة یكمن في التوجھ إِلى اللھ وحده بالحمد والثناء والشكر،‏ وتوحید<br />

الربوبیة یكمن في توحید اللھ في ربوبیتھ على العالمین.‏<br />

34


توحید (3) ،<br />

نستعین]‏ ‏[اھدنا الصراط المستقیم]‏ توحید،‏ متضمن بسؤال<br />

الھدایة إِلى طریق أھل التوحید (4) ، ‏[غیر المغضوب علیھم ولا الضالین]‏<br />

الذین فارقوا التوحید (5) .<br />

وكذلك شَھِدَ‏ اللھُ‏ لنفسھ بھذا التوحید،‏ وشھدت لھ بھ ملائكتھ وأنبیاؤه<br />

ورسلُھ.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[شَھِدَ‏ اللھُ‏ أنھ لا إِلھ إِلا ھو والملائكَةُ‏ وأولوا العلمِ‏ قائماً‏<br />

بالقسط لا إِلھ إِلا ھو <strong>العز</strong>یزُ‏ الحكیم]‏ آل عمران:‏<br />

(6)<br />

35


وشھادَةُ‏ الربِّ‏ Υ وبیانُھ وإِعلامھ،‏ یكون بقولھ تارةً،‏ وبفعلھ أخرى،‏<br />

فالقول:‏ ما أرسلَ‏ بھ رسلَھ وأنزل بھ كُتُبَھ،‏ وأما بیانُھ وإِعلامھ بفعلھ،‏ فكما<br />

قال ابن كیسان:‏ شھد اللھ بتدبیره العجیب وأموره المحكمة عند خلقھ:‏ أنھ لا<br />

إِلھ إِلا ھو.‏<br />

وقال آخر:‏<br />

وفي ِ كُلّ‏ شيءٍ‏ لھ آیةٌ‏ تدل ُّ على أنھ واحِ‏ دُ.‏<br />

ومما یدل على أن الشھادة تكون بالفعل،‏ قولُھ تعالى:‏ ‏[ما كان للمشركین<br />

أن یَعمروا مساجدَ‏ اللھ شاھدین على أنفسھم بالكفر]‏ التوبة:‏<br />

36


وأیضاً‏ فالآیة دلت على أنھ وحدُه المستحِ‏ ق ُّ للعبادة (1) ، فإِذا أخبر أنھ<br />

ھو وحده المستحق للعبادة،‏ تضمن ھذا الإخبارُ‏ أمر العباد وإلزامھم بأداء<br />

مایستحقھ الرب ُّ تعالى علیھم،‏ وأن القیام بذلك ھو خالص حقھ علیھم (2) .<br />

163-162<br />

37<br />

-<br />

(1)<br />

العبادة بمعناھا العام الشامل لجمیع مایحبھ اللھ ویرضاه من الأقوال والأعمال<br />

الظاھرة منھا والباطنة،‏ عبادة النسك والشعائر .. وعبادة الركوع والسجود<br />

والخضوع .. وعبادة التوكل والخوف والرجاء والدعاء .. وعبادة الجھاد<br />

والأمر بالمعروف والنھي عن المنكر .. وعبادة الطاعة والانقیاد والرضى<br />

والتسلیم .. وعبادة التحاكم والاتباع .. وعبادة الحب والولاء والبراء .. فجمیع<br />

أنواع ومجالات العبادة ھذه وغیرھا من الطاعات التي أمر اللھ بھا یجب أن<br />

تصرف وحده دون أحدٍ‏ سواه.‏<br />

‏[قل إِن صلاتي ونسكي ومحیاي ومماتي رب العالمین.‏ لاشریك لھ وبذلك<br />

أُمرت وأنا أولُ‏ المسلمین]‏ الأنعام:‏ . فجمیع الحیاة وما یتخللھا من<br />

أعمال قد شرعھا اللھ للعباد كلھا یجب أن تُصرف ، وحتى الممات فإِنھ یجب<br />

أن یكون في سبیل اللھ وحده ولیس في سبیل الوطن أو القوم أو الإنسانیة أو<br />

الزعیم،‏ أو الدیمقراطیة،‏ وغیرھا من الطواغیت التي تھدر في سبیلھا الأرواح<br />

والحرمات،‏ وتُقدم لھا القرابین!!‏<br />

ومن مظاھر انحطاط وتخلف المسلمین في ھذا الزمان انحسار كثیر من<br />

المفاھیم الشرعیة عن مدلولھا الشرعي الصحیح في أذھانھم وفي واقع<br />

حیاتھم،‏ والذي كان من وراء ذلك العلمانیة الكافرة التي فصلت الدین عن<br />

الحیاة،‏ والفكر الصوفي الإِرجائي الإِتكالي القائل:‏ لایضر مع التصدیق كفر<br />

وذنب..‏ !<br />

من تلك المفاھیم:‏ العبادة،‏ حیث حُصرت في دائرة النسك والشعائر،‏ وانحسرت<br />

مدلولاتھا الشرعیة الواسعة في أذھان الناس إِلى مجرد أداء للشعائر التعبدیة<br />

فقط،‏ وبالتالي فھم إذا ما أُمروا أن یعبدوا اللھ فسرعان ما یحملون الأمر أو<br />

الخطاب على العبادة التي تعني الشعائر وحسب،‏ لذلك فھم لایجدون حرجاً‏ في<br />

أن یعبدوا غیر اللھ تعالى في المجالات الأخرى غیر الشعائر التعبدیة،‏ ولایرون<br />

في ذلك تعارضاً‏ مع كونھم لایجوز لھم أن یعبدوا غیر اللھ تعالى..!‏<br />

(2) حق اللھ على العباد،‏ أن یعبدوه ولا یشركوا بھ شیئاً،‏ كما في الحدیث<br />

الصحیح المتفق علیھ،‏ عن معاذ بن جبل،‏ قال:‏ قال النبي : ‏"یامعاذ أتدري<br />

ماحق اللھ على العباد؟"‏ قال اللھ ورسُولھ أعلم.‏ قال:‏ ‏"أن یعبدوه ولایشركوا بھ<br />

شیئاً،‏ أتدري ماحقھم علیھ؟"‏ قال:‏ اللھ ورسُولھ أعلم.‏ قال:‏ ‏"أن لایعذبھم".‏<br />

ε<br />

-


‏-اللھ تعالى بیّن التوحید بطرق ثلاث:‏ السمعِ،‏ والبصرِ‏ ، والعقلِ-‏<br />

أما السمعُ:‏ فبسمع آیاتھِ‏ المتلوة المبینة لما عَر َّ فَنا إِی َّاهُ‏ من صفات كمالِھ<br />

كلّ‏ ‏ِھا،‏ الوحدانیة وغیرھا غایة البیان،‏ لا كما یزعمھ الجھمیة ومن وافقھم<br />

من المعتزلة (2) ، ومعطلة بعض الصفات من دعوى احتمالات توقع في<br />

الحیرة،‏ تُنافي البیان الذي وصف اللھ بھ كتابَھ <strong>العز</strong>یز ورسُولھ الكریم،‏<br />

كما قال تعالى:‏ ‏[حم،‏ والكتاب المبین]‏ الزخرف:‏ ‏[الر تلك ءایاتُ‏<br />

الكتاب وقرءان مبین]‏ الحجر:‏<br />

وكذلك السن َّة تأتي مبینةً‏ أو مقررةً‏ لما دل علیھ القرآن،‏ لم یُحوِجنا ربنا<br />

سبحانھ وتعالى إِلى رأي فلانٍ،‏ ولا إِلى ذوق فلانٍ‏ ووجده في أصول<br />

دیننا (3) .<br />

(1)<br />

،2-1<br />

.1<br />

(1)<br />

نسبةً‏ إِلى الضال جھم بن صفوان،‏ القائل بإنكار الصفات وتعطیلھا،‏ ولھ كلام<br />

في الإیمان والوعد والوعید،‏ مفاده أن الإیمان محصور في القلب والتصدیق،‏<br />

وبالتالي فإن الكفر عنده محصور في التكذیب القلبي لاغیر.‏ وقد اشتد نكیر<br />

الس َّلَف على من یقول بھذا القول،‏ ومع ذلك فكثیر من مرجئة العصر الذین<br />

استفحل شرھم في البلاد یقولون بھذا القول وإن لم یعترفوا بأنھم على قول جھم<br />

ومن تابعھ في الإیمان،‏ وقد قتل جھماً‏ سلم بن أحوز،‏ لإِنكاره أن اللھ كلم<br />

موسى،‏ وذلك سنة ھ.‏ انظر سیر أعلام النبلاء:‏<br />

الطبري:‏<br />

المعتزلة فرقة ضالة،‏ تجحد صفات اللھ Υ، وتنكر القدر وأن تكون أفعال<br />

العباد قد خلقھا اللھ،‏ وقالوا : بأن كلام اللھ محدث مخلوق،‏ وبالمنزلة بین<br />

المنزلتین؛ أي أن الفاسق لاھو مؤمن ولا كافر!‏ وقیل أنھم سُموا بالمعتزلة نسبة<br />

إِلى واصل بن عطاء الغزال،‏ الذي طرده الحسن البصري من مجلسھ بسبب<br />

مقولتھ في القدر،‏ فاعتزل إِلى ساریة من سواري مسجد البصرة ومن حینھا سمي<br />

ھو وأتباعھ بالمعتزلة.‏ انظر الفرق بین الفرق:‏<br />

27-26/6، وتاریخ<br />

128<br />

. 295-294/4<br />

(2)<br />

38


ولھذا نجد من خالف الكتابَ‏ والسنة مختلفین مضطربین قال تعالى:‏ ‏[الیومَ‏<br />

أكملتُ‏ لكم دینَكُم وأتممت علیكم نعمتي ورضیت لكمُ‏ الإِ‏ سلامَ‏ دیناً]‏ المائدة:‏<br />

. فلا یَحتاج في تكمیلھ إِلى أمرٍ‏ خارجٍ‏ عن الكتاب والسنة.‏<br />

وأما آیاتھ العیانیة الخلقیة:‏ فالنظر فیھا،‏ والاستدلال بھا یدل على ماتدل<br />

علیھ آیاتھ القولیة السمعیة،‏ والعقل یجمع بین ھذه وھذه،‏ فیجزم بصحة ما<br />

جاءت بھ الرسل (1) ، فتتفق شھادةُ‏ السمعِ،‏ والبصر،‏ والعقل،‏ والفِطرة.‏<br />

‏-ما من نبي إِلا ومعھ آیةٌ‏ تدل ُّ على صدق نبوتھ-‏<br />

فھو سبحانھ لكمال عدلِھ ورحمتھ وإِحسانھ وحكمتھ ومحبتھ<br />

للعذر (2) ، وإِقامة الحُج َّة (3) ، لم یبعث نبیاً‏ إِلا ومعھ آیةٌ‏ تدل على صدقھ<br />

فیما أخبر بھ.‏<br />

39<br />

ε<br />

3<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

(1) لایوجد تعارض بین العقل السلیم وبین النقل الصحیح،‏ وفي حال ظھور<br />

التعارض،‏ یكون لأحد الأسباب التالیة:‏<br />

أ-‏ أن یكون العقل سلیماً،‏ ولكن النقل غیر صحیح من حیث السند والمتن.‏<br />

ب-‏ أن یكون النقل صحیحاً،‏ ولكن العقل یكون قد تجاوز الحد المقدر لھ،‏<br />

وتطاول في البحث عن أمورٍ‏ لاتخصھ ولاتعنیھ،‏ فحینھا یظھر التعارض<br />

ویكون الخلل من العقل لامن النقل.‏<br />

ج-‏ أن یكون النقل صحیحاً،‏ والعقل سلیماً،‏ لكن لجھلنا في التوفیق بینھما،‏ یظھر<br />

لنا الأمر أنھما متعارضان،‏ وفي الحقیقة أنھما غیر ذلك.‏<br />

قال رسول اللھ : ‏"لاشخصَ‏ أغیر من اللھ تعالى،‏ ولاشخص أحب إِلیھ<br />

العذر من اللھ Υ، ومن أجل ذلك بعث الرسل مبشرین ومنذرین ولاشخص أحب<br />

إِلیھ المدح من اللھ تعالى،‏ ومن أجل ذلك وعد الجنة".‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في<br />

السنة،‏ وصححھ الشیخ ناصر في التخریج.‏<br />

إِقامة الحجة تتعلق بثلاثة ضوابط،‏ وھي:‏ أولاً:‏ أن الجاھل الذي یجب أن تقام<br />

علیھ الحجة قبل الحكم علیھ،‏ ھو من كان جھلھ عن عجز لایمكن دفعھ،‏ أما إِذا<br />

كان جھلھ لسبب غیر العجز أو عن عجز یمكن دفعھ لكنھ لایفعل،‏ فھو ملام<br />

ومسؤول عن تقصیره ولایعذر بالجھل.‏ ثانیاً:‏ الحجة تقوم على الجاھل ببلوغھ<br />

الخطاب الشرعي عبر أي وسیلة كانت،‏ شریطة أن تصلھ بلغة یفھما وبطریقة<br />

ترفع عنھ العجز بمعرفة مراد الشارع فیما قد خالف فیھ،‏ ولایشترط ھنا حصول<br />

الاقتناع أو الاستجابة،‏ فھذا أمر مرده إِلى اللھ،‏ فھو سبحانھ یھدي من یشاء<br />

ویضل من یشاء.‏ ثالثاً:‏ یشترط فیمن یقیم الحجة أن یكون ملماً‏ بالمسألة التي یرید<br />

أن یقیم فیھا الحجة على المخالف،‏ لأن فاقد الشيء وجاھلھ لایعطیھ،‏ ولایشترط<br />

-


قال تعالى:‏ ‏[لقد أرسلنا رسُلَنا بالبینات وأنزلنا معھم الكتابَ‏<br />

لیقومَ‏ الناسُ‏ بالقسط]‏ الحدید:‏<br />

والمیزان (1)<br />

40


ِ<br />

-<br />

ویُعادون علیھا (1) ، ویَبذلون دماءھم وأموالھم في نصرتھم لھا،‏ ثم أك َّد ذلك<br />

علیھم بالإِ‏ ستھانة بھم،‏ واحتقارھم وازدرائھم،‏ ولو یجتمعون كل ُّھم على كیده<br />

وشفاء غیظھم منھ،‏ ثم یعاجلُونَھ ولایمھلونَھ لم یقدروا على ذلك إِلا ما كتبھ<br />

اللھ علیھ (2) .<br />

فأي آیةٍ‏ وبرھانٍ‏ أحسنُ‏ من آیات الأنبیاء علیھم السلام وبراھینِھم<br />

وأَدل َّتِھم؟ وھي شھادةٌ‏ من اللھ سبحانھ لھم،‏ بینھا لعباده غایة البیان.‏<br />

من أسمائھ تعالى الحُسْنَى (3) ، المؤمِنُ‏ والش َّھیدُ(‏‎4‎‏)‏ -<br />

ومن أسمائھ تعالى ‏"المؤمنُ"،‏ وھو في أحد التفسیرین:‏ المصدّقُ‏ الذي<br />

فإِنھ لابد أن یُرِ‏ ي العبادَ‏<br />

یُصدق الصادقین بما یُقیم لھم من شواھد صدقِھم (5)<br />

من الآیات الأُفقیة والنفسیة ما یُبیّ‏ ‏ِن لھم أن الوحي الذي بل َّغتھ رسُلُھ حق ٌّ،‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[سنُریھم ءایاتِنا في الآفاق وفي أنفُسھم حتى یتبی َّنَ‏ لھم أنھ<br />

الح ُّق]‏ فصلت:‏<br />

41


أن یُرِ‏ يَ‏ العبادَ‏ من آیاتھ الفعلی َّة الخَلْقیة ما یَشھد بذلك أیضاً(‏‎1‎‏)‏ ، ثم ذكَر ما ھو<br />

أعظَم من ذلك كلّ‏ ‏ِھ وأجل،‏ وھو شھادتھ سبحانھ على كل شيءٍ،‏ فإِن من<br />

أسمائھ الشھیدَ(‏‎2‎‏)‏ الذي لا یغیبُ‏ عنھ شيءٌ،‏ ولا یَعزُ‏ بُ‏ عنھ (3) ، بل ھو مطلع<br />

على كل شيءٍ‏ مُشاھد لھ،‏ علیم بتفاصیلھ.‏<br />

‏-الاستدلال بأسماء اللھ تعالى وصفاتھ،‏ على وِحدانیتھ وعلى<br />

بُطلان الشركِ‏ -<br />

قد أودع اللھ في الفطرة التي لم تتنج َّس بالجحود والتعطیل ولا بالتشبیھ<br />

والتمثیل (4) ، أنھ سبحانھ الكامِلُ‏ في أسمائھ وصفاتھ وأنھ الموصوفُ‏ بما<br />

وصف بھ نفسَھ ووصفھ بھ رُ‏ سُلھ (5) ، وما خَفِي عن الخلق من كمالھ أعظم<br />

وأعظم مما عرفوه منھ .<br />

ومن كمالھ المقد َّسِ‏ شھادتھ على كل شيءٍ‏ واطلاعُھ علیھ بحیث لایغیبُ‏ عنھ<br />

ذَر َّ ة في السماوات ولا في الأرض باطناً‏ وظاھراً،‏ ومَن ھذا شأنھُ‏ كیف یلیق<br />

بالعباد أن یُشركوا بھ وأن یعبدوا غیره ویجعلوا معھ إلھاً‏ آخر؟ وكیف یلیق<br />

بكمالِھ أن یُقِر َّ من یَكذِبُ‏ علیھ أعظمَ‏ الكذب،‏ ویُخبُر عنھ بخلاف ما الأمرُ‏<br />

علیھ،‏ ثم ینصره على ذلك ویؤیده ویُعلي شأنھ ویجیب دعوتھ،‏ ویُھلك عدو َّ ه،‏<br />

(1 ( من ذلك صعود الإنسان إِلى القمر،‏ وصناعتھ التلسكوبات الضخمة التي مكنتھ<br />

من رؤیة كثیر من أسرار ھذا الكون العظیم الذي یدل على خالقٍ‏ عظیم،‏ وربٍّ‏<br />

یستحق أن یُعبد ویُفرد بالعبادة ‏[وَ‏ عْدَ‏ اللھِ‏ حقّا ومَن أصدق من اللھِ‏ قیلاً]‏<br />

النساء:‏<br />

42


ویُظھر على یدیھ من الآیات والبراھین ما یَعجِ‏ زُ‏ عن مثلھ قوى البشر وھو<br />

مع ذلك كاذب علیھ مُفترٍ‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولو تقو َّ لَ‏ علینا بعض الأقاویل،‏ لأخذنا منھ بالیمین ثم<br />

لقطعنا منھ الوتین (2) ، فما منكم من أحدٍ‏ عنھ حاجزین]‏ الحاقة:‏<br />

(1) ؟!‏<br />

43


قلیلٌ‏ سالكھا،‏ لایھتدي إِلیھا إِلا الخوا ُّص (2) ، وطریقة<br />

وھذه الطریق (1)<br />

بالآیات المشاھدة،‏ لأنھا أسھل تناولاً‏ وأوسع،‏<br />

واللھ سبحانھ یُفضل بعضَ‏ خلقھ على بعض.‏<br />

‏-أكملُ‏ الناس توحیداً‏ الأنبیاءُ‏ والمرسلون،‏ وھم یتفاضلون فیھ-‏<br />

منھم<br />

إِن َّ أكمل الناس توحیداً‏ الأنبیاءُ‏ صلواتُ‏ اللھ علیھم،‏ والمرسلون (5)<br />

الاستدلال (4)<br />

الجمھور (3)<br />

أكمل في ذلك (6) .<br />

وأُولُوا <strong>العز</strong>م من الر ُّ سل أكملُھم توحیداً(‏‎7‎‏)‏<br />

وعیسى،‏ ومحمد،‏ صلى اللھ علیھم أجمعین.‏<br />

وھم:‏ نو ‏ٌح،‏ وإِبراھیمُ،‏ وموسى،‏<br />

وأكملھم توحیداً‏ الخلیلان:‏ محمدٌ‏ وإِبراھی ‏ُم صلوات اللھ علیھما وسلامھ،‏<br />

فإِنھما قاما من التوحید بما لم یقم بھ غیرھما علماً‏ ومعرفة وحالاً‏ ودعوةً‏<br />

للخلق وجھاداً،‏ فلا توحید أكمل من الذي قامت بھ الرسل،‏ ودَعوا إلیھ،‏<br />

44<br />

( 1 )<br />

( 4 )<br />

( 5 )<br />

أي طریق الإِستدلال على توحید اللھ Υ، بصفاتھ وأسمائھ،‏ إذ أن المألوه<br />

المستحق لكمال العبادة ھو الإلھ المتصف بھذه الأسماء الحسنى والصفات العلیا،‏<br />

أما ماسواه ‏-أی َّاً‏ كان-‏ فإنھ مجبول على الضعف والحاجة والنقص والعجز،‏ ومن<br />

كان كذلك لایستحق أن یُعبد،‏ ولایجوز أن یُعبد،‏ أو یُھتدى لعبادتھ.‏<br />

(2 ( ھم أَھْل العلم والتوحید الخالص،‏ أَھْل الاتباع لا الابتداع.‏<br />

(3 ( ھم العامة من المسلمین.‏<br />

أي الإستدلال على وحدانیة اللھ Υ.<br />

الفرق بین النبي والرسول:‏ أن النبي یُوحى إِلیھ لكنھ لم یؤمر بتبلیغ الناس بما<br />

أوحي إِلیھ.‏ بینما الرسول یُوحى إِلیھ ویرسل إِلى أناس معینین لیبلغھم بما أوحي<br />

إِلیھ،‏ ولذلك قالوا:‏ كل رسول نبي ولیس العكس.‏<br />

( 6 )<br />

المرسلون ھم أكمل إِیماناً‏ وتوحیداً،‏ لأنھم الأكثر جھاداً‏ وتضحیة ومعاناة من<br />

أجل إظھار التوحید وإبطال عبادة الطواغیت،‏ فالمرء كلما كمل جھاده ونصره<br />

للتوحید كلما كمل توحیده وإیمانھ،‏ وأعطاه اللھ القبول في الأرض وفي السماء.‏<br />

ومن یتأمل سیر الس َّلَف الصالح وسبب تفاوت مراتبھم یُدرك حقیقة ذلك.‏<br />

( 7 )<br />

فیھ أن التوحید یتفاضل بین الناس كالإیمان،‏ وھذا یستدعي من طالبھ أن<br />

لایقتنع بحد یقف عنده،‏ فالمرء كلما كمل توحیده كلما كان أقرب في الإِقتداء<br />

والتأسي بأولي <strong>العز</strong>م من الرسل وكان أحسن حالاً،‏ وأسلم دیناً،‏ وأرضى <br />

تعالى.‏


وجاھدوا الأممَ‏ علیھ ولھذا أمر سبحانھ نبی َّھ ε<br />

الذین ھدى اللھ فبھداھم اقتده]‏ الأنعام:‏<br />

أن یقتدي بھم فیھ:‏<br />

‏[أولئك<br />

45


قَولُھُ‏ : " ولاشَيءَ‏ مِثْلُھُ‏ ".<br />

ش:‏ اتفق أھلُ‏ السنة على أن اللھَ‏ لیس كمثلھ شيءٌ‏ لا في ذاتھ،‏ ولا في<br />

صفاتھ،‏ ولا في أفعالھ،‏ وأن خصائصَ‏ الربِّ‏ تعالى لایُوصف بھا شيءٌ‏ من<br />

المخلوقات،‏ ولا یُماثلھ شيء من المخلوقات في شيءٍ‏ من صفاتھ:‏ ‏[لیس<br />

كمثلھ شي ‏ٌء]‏ الشورى:‏<br />

46


قدیراً،‏ رؤوفاً،‏ رحیماً،‏ عزیزاً،‏ حكیماً،‏ سمیعاً،‏ بصیراً،‏ ملكاً،‏ مؤمناً،‏ جباراً،‏<br />

متكبراً.‏ وقد سمى بعض عباده بھذه الأسماء،‏ فقال : ‏[یُخرج الحي َّ من<br />

المیت]‏ الأنعام:‏<br />

47


]<br />

وإِذا اتفقنا في مُسمى الوجودِ‏ والعلم والقُدْرةِ،‏ فھذا المشتركُ‏<br />

مطلقٌ‏ كُلّ‏ ‏ِي یوجد في الأذھان لا في الأعیان (1) . والموجود في الأعیان<br />

مختصٌ‏ لا اشتراك فیھ (2) ، وأصل الخطأ والغلط توھمھم أن ھذه الأشیاء<br />

العامة الكلیة،‏ یكون مُسم َّاھا المُطلق ھو بعینھ ثابتاً‏ في ھذا لمعین وھذا<br />

المعین،‏ ولیس كذلك،‏ وھذه الأسماءُ‏ إِذا سُمّ‏ ‏ِيَ‏ اللھُ‏ بھا،‏ كان مُسم َّاھا مُعی َّناً‏<br />

مختصاً‏ بھ،‏ فإِذا سُمي بھا العبدُ‏ كان مُسَم َّاھا مختصاً‏ بھ،‏ فوجودُ‏ اللھِ‏ وحیاتُھ<br />

لایشارِ‏ كُھ فیھا غیرُ‏ ه،‏ بل وجود ھذا الموجود المعین لایشركھ فیھ غیره،‏<br />

فكیف بوجود الخالق؟!‏ ألا ترى أنك تقول:‏ ھذا،‏ ھو ذاك،‏ فالمشارُ‏ إِلیھ واحد<br />

ولكن بوجھین مختلفین.‏<br />

وبھذا ومثلِھ یتبی َّنُ‏ لك أن المشبھة أخذوا ھذا المعنى (3) ، وزادوا فیھ على<br />

الحقِّ‏ فضلوا،‏ وأن المعطلة أخذوا نفي المماثَلة بوجھ من الوجوه،‏ وزادوا فیھ<br />

على الحق حتى ضَل ٌّوا،‏ وأن كتابَ‏ اللھ دل َّ على الحقِّ‏ المحض الذي تعقِلُھ<br />

العقول السلیمةُ‏ الصحیحةُ،‏ وھو الحق المعتدل الذي لا انحراف فیھ (4) .<br />

ولا شيءَ‏ یُعْجِ‏ زُهُ‏ ".<br />

ش:‏ لكمالِ‏ قدرتھ،‏ قال تعالى:‏ إِن اللھَ‏ على ِ كلّ‏ شيءٍ‏ قدیر البقرة:‏<br />

[<br />

قولُھ:‏ "<br />

48


كقولھ تعالى:‏<br />

‏[ولا یظلم رب ُّكَ‏ أحداً]‏ الكھف:‏<br />

49


أحد من رعیتك،‏ أنت أعلى منھم وأشرف وأجل ُّ،‏ فإذا أجملت في النفي،‏<br />

أجملت في الأدب (1) .<br />

‏-التعبیرُ‏ عن الحق بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة مذھبُ‏<br />

أھل السن َّة والجماعة-‏<br />

والتعبیر عن الحق بالألفاظ الشرعیة النبویة الإلھیة،‏ ھو سبیل أھل السنة<br />

والجماعة،‏ والمعطّ‏ ‏ِلَة یُعرِ‏ ضون عم َّا قالھ الشارع من الأسماء والصفات،‏<br />

ولا یتدبرون معانیھا،‏ ویجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ ھو المحكم<br />

الذي یجب اعتقاده واعتماده.‏<br />

وأما أھلُ‏ الحق والسنة والإیمان،‏ فیجعلون ما قالَھ اللھُ‏ ورسُولھ ھو الحق<br />

الذي یجب اعتقادهُ‏ واعتماده،‏ والذي قالھ ھؤلاء إما أن یُعرضوا عنھ<br />

إِعراضاً‏ جُملیّاً(‏‎2‎‏)‏ ، أو یبینوا حالَھ تفصیلاً،‏ ویُحكم علیھ بالكتاب والسنة،‏ ولا<br />

یُحكم بھ على الكتاب والسنة.‏<br />

ولیس قول الشیخ رحمھ اللھ تعالى:‏ " ولا شيء یعجزه " من النفي<br />

المذموم،‏ فإن اللھ تعالى قال:‏ ‏[وما كان اللھُ‏ لیُعجِ‏ ‏زَهُ‏ من شيء في<br />

السماوات ولا في الأرض إِنھ كان علیماً‏ قدیراً]‏ فاطر:‏<br />

50


ش:‏ ھذه كلمة التوحید التي دعت إلیھا الرسلُ‏ كُل ُّھم،‏ وإثباتُ‏ التوحید بھذه<br />

والإثبات المقتضي للحصر (2) ، فإن الإثباتَ‏ المجرد<br />

الكلمة باعتبار النفي (1)<br />

51<br />

( 1 )<br />

أي نفي الإلھیة عن غیر اللھ Υ. ومنھ تعلم أن من أتى بجانب الإثبات لشھادة<br />

التوحید من دون جانب النفي المتضمن الكفر بالطواغیت،‏ لایكون قد شھد أن لا<br />

إلھ إلا اللھ الشھادة التي تنجیھ وتنفعھ یوم القیامة.‏<br />

( 2 )<br />

أي إثبات الإلھیة وحصر جمیع معانیھا وخصائصھا باللھ Υ من دون شریك.‏<br />

ومعنى ‏(لا إلھ إلا اللھ)،‏ أي لا معبود في الوجود بحق إلا اللھ تعالى.‏ ولشھادة<br />

التوحید شروط لایصح توحید المرء إلا بھا دلت علیھا نصوص الكتاب<br />

والسنة - لابدّ‏ من استیفائھا جمیعاً‏ لمن أراد أن ینتفع بھا یوم القیامة،‏ وھي<br />

شروط عشر،‏ نجملھا في النقاط التالیة:‏<br />

1- شرط النطق:‏ حیث أن الإیمان لایصح ولایُقبل من صاحبھ إلا بعد أن<br />

ینطق بشھادتي التوحید:‏ أن لا إلھ إلا اللھ،‏ وأن محمداً‏ عبده ورسُولھ.‏<br />

كما في الحدیث،‏ عن سعید بن المسیب،‏ عن أبیھ قال:‏ لما حضرت أبا<br />

طالب الوفاة،‏ جاءه رسول اللھ ε، فوجد عنده أبا جھل،‏ وعبد اللھ بن <strong>أبي</strong><br />

أمیة بن المغیرة،‏ فقال رسول اللھ : ‏"یا عم قل لا إِلھ إِلا اللھ،‏ كلمة<br />

أشھد لك بھا عند اللھ"،‏ فقال أبو جھل وعبد اللھ بن <strong>أبي</strong> أمیة:‏ یا أباطالب<br />

أترغب عن ملّة عبد المطلب،‏ فلم یزل رسولُ‏ اللھ یعرضھا علیھ ویعید<br />

لھ تلك المقالة،‏ حتى قال أبو طالب آخر ما كلمھم:‏ ھو على ملة عبد<br />

المطلب،‏ وأبى أن یقول:‏ لا إِلھ إِلا اللھ،‏ فقال رسول اللھ ε: ‏"أما واللھ<br />

لأستغفرن َّ لك ما لم أُنھ عنك"،‏ فأنزل اللھ Υ: ‏[ما كان للنبي والذین آمنوا<br />

أن یستغفروا للمشركین ولو كانوا أولي قُربى من بعد ما تبین لھم أنھم<br />

أصحاب الجحیم].‏<br />

وفي صحیح مسلم من حدیث <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ قال رسول اللھ لعمھ:‏<br />

‏"قل لا إِلھ إِلا اللھ أشھد لك بھا یوم القیامة"،‏ قال:‏ لولا أن تعیرني قریش<br />

یقولون إنما حملھ على ذلك الجزع لأقررت بھا عینك!‏ فأنزل اللھ :<br />

‏[إنك لا تھدي من أحببت ولكن اللھ یھدي من یشاء].‏<br />

وفي الحدیث المتفق علیھ،‏ قال رسُول اللھ ε: ‏"أُمرت أن أقاتل الناس<br />

حتى یشھدوا أن لا إِلھ إِلا اللھ وأن محمداً‏ رسُول اللھ،‏ ویقیموا الصلاة،‏<br />

ویؤتوا الزكاة،‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَھم وأموالھم إِلا بحق<br />

الإسلام وحسابُھم على اللھ".‏<br />

ε<br />

ε<br />

-<br />

ε


-<br />

قال النووي في ال<strong>شرح</strong> (212/1): فیھ أن َّ الإیمان شرطھ الإقرار<br />

بالشھادتین مع اعتقادھما واعتقاد جمیع ما أتى بھ رسُول اللھ ε. ا ھ.‏<br />

وقال ابن تیمیة في الفتاوى (609/7): الشھادتان إذا لم یتكلم بھما مع<br />

القدرة فھو كافرٌ‏ باتفاق المسلمین،‏ وھو كافر باطناً‏ وظاھراً‏ عند سلف الأمة<br />

وأئمتھا وجماھیر علمائھا ا ھ.‏<br />

2- شرط الكفر بالطاغوت:‏ إذ لا یصح الإیمان إلا بعد الكفر بالطاغوت:‏ وھو<br />

كل ما یعبد ‏-ولو في مجال من مجالات العبادة-‏ من دون اللھ تعالى.‏<br />

وھو المراد من قولھ تعالى:‏ ‏[فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن باللھ فقد<br />

استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لھا واللھ سمیع علیم]‏ البقرة:‏<br />

والعروة الوثقى كما قال أھل العلم والتفسیر ھي " لا إلھ إلا اللھ ".<br />

مفھوم الآیة الذي دلّ‏ علیھ منطوق النصوص الشرعیة أن من آمن باللھ<br />

لكنھ لم یكفر بالطاغوت لایكون قد استمسك بالعروة الوثقى،‏ ولا شھد أن لا<br />

إلھ إلا اللھ الشھادة التي تنفعھ أو تنجیھ.‏<br />

وھذا یوضحھ قولھ في صحیح مسلم:‏ ‏"من قال لا إلھ إلا اللھ وكفر بما<br />

یعبد من دون اللھ حرم مالھ ودمھ وحسابھ على اللھ".‏<br />

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ فقولھ:‏ ‏"وكفر بما یعبد من دون اللھ"‏<br />

تأكید للنفي،‏ فلا یكون معصوم الدم والمال إلا بذلك،‏ فلو شك أو تردد لم<br />

یعصم دمھ ومالھ ا-ھ ‏(مجموعة التوحید:‏<br />

قلت:‏ وكونھ مھدور الدم والمال،‏ فإنھ یدل أن شھادة أن لا إلھ إلا اللھ ما<br />

نفعتھ مع عدم الكفر بالطاغوت،‏ لأن مثلھ مثل من یقول بالشيء وضده في<br />

آن معاً،‏ وبالتوحید والشرك..‏ !!<br />

والكفر بالطاغوت ‏-المنجي لصاحبھ-‏ لھ صفات وأحوال وعلامات<br />

لایتحقق الكفر بالطاغوت إلا بعد استیفائھا والقیام بھا،‏ أما دعوى الكفر<br />

بالطاغوت بحركة اللسان ثم یتبع ذلك ما یضاده من استحسان وموالاة<br />

وركون للطواغیت،‏ فھو زعم بلا حقیقة أو برھان،‏ ویكذبھ واقع الحال<br />

والعمل.‏<br />

3- شرط العلم:‏ لقولھ تعالى:‏ ‏[فاعلم أنھ لا إلھ إلا اللھ]‏ محمد:‏<br />

في الحدیث الذي یرویھ مسلم:‏ " من مات وھو یعلم أنھ لا إلھ إلا اللھ<br />

دخل الجنة ".<br />

. 256<br />

. 19 ولقولھ<br />

.(35<br />

52<br />

ε<br />

ε


مفھوم الحدیث أن من مات وھو لایعلم أنھ لا إلھ إلا اللھ لایدخل الجنة<br />

وإن كان یتلفظ بھا في لسانھ وعلى عدد حبات مسبحتھ؛ لأن الجھل بالشيء<br />

من لوازمھ عدم اعتقاده في القلب،‏ وعدم اعتقاده التوحید كفر بلا خلاف.‏<br />

ثم كم ھؤلاء الذین یصرحون بشھادة أن لا إلھ إلا اللھ في لسانھم<br />

ویفسرونھا أن لا خالق ولا رازق ولا ضار إلا اللھ لذلك لا غرابة لو<br />

رأیتھم ‏-مع نطقھم لشھادة أن لا إلھ إلا اللھ-‏ یعبدون غیر اللھ تعالى في<br />

الطلب والدعاء والنذر والتحاكم والطاعة وغیر ذلك من مجالات العبادة،‏<br />

ثم لا یرون في ذلك تعارضاً‏ مع نطقھم لشھادة التوحید !!.<br />

فمثل ھذا لا ینفعھ مجرد النطق لشھادة التوحید وھو یجھل متطلباتھا<br />

ولوازمھا ونواقضھا،‏ ویفسرھا التفسیر المطابق لتفسیر وتوحید كفار<br />

قریش.‏<br />

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ اللھ : دین النبي التوحید؛ وھو<br />

معرفة لا إلھ إلا اللھ محمد رسُول اللھ،‏ والعمل بمقتضاھا،‏ فإن قیل:‏ كل<br />

الناس یقولونھا:‏ قیل:‏ منھم من یقولھا ویحسب معناھا أنھ لا یخلق إلا اللھ<br />

ولا یرزق إلا اللھ وأشباه ذلك،‏ ومنھم لایفھم معناھا،‏ ومنھم من لا یعمل<br />

بمقتضاھا،‏ ومنھم من لایعقل حقیقتھا.وأعجب من ذلك من عرفھا من وجھ<br />

وعاداھا وأھلھا من وجھ ! وأعجب منھ من أحبھا وانتسب إِلى أھلھا ولم<br />

یفرق بین أولیائھا وأعدائھا !! یا سبحان اللھ العظیم أتكون طائفتان<br />

مختلفتین في دین واحد وكلھم على الحق؟!‏ كلا واللھ،‏ فماذا بعد الحق إلا<br />

الضلال ا-ھ ‏(الرسائل الشخصیة:‏<br />

4- شرط الصدق والإخلاص:‏ لقولھ في الحدیث الذي یرویھ البخاري:‏ ‏"ما<br />

من أحدٍ‏ یشھد أن لا إلھ إلا اللھ وأن محمداً‏ رسُول اللھ صدقاً‏ من قلبھ إلا<br />

حر َّ مھ اللھ على النار".‏<br />

ولقولھ:‏ ‏"أبشروا،‏ وبشروا من وراءكم،‏ أنھ من شھد أن لا إلھ إلا اللھ<br />

صادقاً‏ بھا دخل الجنة".‏<br />

مفھوم الحدیث أن من یشھد أن لا إلھ إلا اللھ كذباً‏ ونفاقاً،‏ لاستقطاب<br />

الجماھیر وإقناعھم بھ كزعیم،‏ أو لركوب موجة التدیّن تضلیلاً‏ للناس عن<br />

حقیقتھ ونفاقھ وكفره،‏ كما ھو شأن كثیر من طواغیت الحكم حیث تراھم<br />

یتظاھرون بشيء من التدیّن ویصرحون بالشھادتین سیاسةً‏ وتكتیكاً‏<br />

لتضلیل شعوبھم وتمریر كفرھم على الناس..‏<br />

فمن كان كذلك فإن مفھوم الحدیث یقتضي أنھ لا یدخل الجنة،‏ بل ھو من<br />

المنافقین الذین ھم في الدرك الأسفل من النار.‏<br />

ε<br />

.(182<br />

ε<br />

53


ε<br />

ε<br />

5- شرط انتفاء الشك:‏ لقولھ في الحدیث الذي یرویھ مسلم:‏ ‏"أشھد أن لا إلھ<br />

إلا اللھ وأني رسُول اللھ،‏ لایلقى اللھ بھما عبد غیر شاك فیھما إلا دخل<br />

الجنة".‏<br />

مفھوم الحدیث أن من لقي اللھ بشھادتي التوحید وھو شاك فیھما أو<br />

بشيء من لوازمھما ومقتضیاتھما لا یدخل الجنة ولا یكون من أھلھا الذین<br />

یشھدون الحق بحق.‏<br />

6- شرط حصول الیقین:‏ وھو الذي ینتفي معھ أدنى ریب في أن اللھ واحد<br />

أحد في خصائصھ وإلھیتھ وربوبیتھ،‏ وأسمائھ وصفاتھ،‏ لا شریك لھ في<br />

شيء من ذلك.‏<br />

لقولھ في الحدیث الذي یرویھ مسلم:‏ ‏"من یشھد أن لا إلھ إلا َّ اللھ مستیقناً‏<br />

بھا قلبھ فبشره بالجنة".‏<br />

مفھوم الحدیث أن من یشھد أن لا إلھ إلا َّ اللھ وھو غیر مستیقن بھا<br />

وبمدلولاتھا ومتطلباتھا لا یبشر بالجنة فضلاً‏ أن یكون من أھلھا.‏<br />

7- شرط الحب:‏ حیث لایصح إیمان،‏ ولا ینفع توحید إلا َّ بعد أن یكون اللھ<br />

ورسُولھ أحب إلیھ مما سواھما،‏ قال تعالى:‏ ‏[ومن الناس من یتخذ من<br />

دون اللھ أنداداً‏ یحبونھم كحب اللھ والذین آمنوا أشد حباً‏ ] البقرة:‏<br />

. 24<br />

ε<br />

54<br />

. 165<br />

وقال تعالى:‏ ‏[قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم<br />

وعشیرتكم وأموال اقترفتموھا وتجارة تخشون كسادھا ومساكن<br />

ترضونھا أحب إلیكم من اللھ ورسُولھ وجھادٍ‏ في سبیلھ فتربصوا حتى<br />

یأتي اللھ بأمره واللھ لا یھدي القوم الفاسقین]‏ التوبة:‏<br />

قال ابن القیم في مدارج السالكین (100/1): فكل من قدم طاعة أحد من<br />

ھؤلاء على طاعة اللھ ورسُولھ،‏ أو خوف أحد منھم ورجاءه والتوكل علیھ<br />

على خوف اللھ ورجائھ والتوكل علیھ،‏ أو معاملة أحدھم على معاملة<br />

اللھ،‏ فھو ممن لیس اللھ ورسُولھ أحب إلیھ مما سواھما وإن قالھ بلسانھ<br />

فھو كذب منھ،‏ وإخبار بخلاف ماھو علیھ،وكذلك من قد َّم حكم أحد على<br />

حكم اللھ ورسُولھ،‏ فذلك المقد َّم عنده أحب إلیھ من اللھ ورسُولھ ا-ھ.‏<br />

وفي الحدیث فقد صح عن النبي أنھ قال:‏ ‏"لایؤمن عبد حتى أكون أحب<br />

إلیھ من أھلھ ومالھ والناس أجمعین".‏


قال أبو سلیمان الخطابي في <strong>شرح</strong>ھ للحدیث:‏ فمعناه لا تصدق في حبي<br />

حتى تُفني في طاعتي نَفْسَك،‏ وتؤثر رضاي على ھواك وإن كان فیھ<br />

ھلاكك ا-ھ ‏(<strong>شرح</strong> صحیح مسلم:‏<br />

قلت:‏ ومصداق ذلك في كتاب اللھ،‏ قولھ تعالى:‏ ‏[قل إن كنتم تحبون اللھ<br />

فاتبعوني یحببكم اللھ]‏ آل عمران:‏ . فانتفاء المتابعة دلیل على انتفاء<br />

الحب،‏ وعلى قدر الانقیاد والمتابعة یكون الحب في القلب،‏ ومن زعم<br />

الحب من غیر متابعة فھو كذاب أشر بدلالة النص.‏<br />

وكذلك فإن انتفاء الحب وحصول ضده من الكره لما أنزل اللھ،‏ ھو من<br />

نواقض الإیمان وداعٍ‏ لحبوط جمیع الأعمال الظاھرة والباطنة،‏ كما قال<br />

تعالى:‏ ‏[والذین كفروا فتعساً‏ لھم وأضلّ‏ أعمالھم.‏ ذلك بأنھم كرھوا ما<br />

أنزل اللھ فأحبط أعمالھم]‏ محمد:‏<br />

فعلل كفرھم وحبوط أعمالھم بأنھم كرھوا ما أنزل اللھ،‏ وأعظم ما أنزل<br />

اللھ شھادة التوحید أن لا إلھ إلا اللھ،‏ فمن كرھھا أو عاداھا،‏ أو عادى<br />

أھلھا ووالى أعداءھا،‏ فھو من الكافرین الذین كرھوا ما أنزل اللھ،‏ ولا<br />

ینفعھ حینئذ مجرد النطق أو التلفظ بلا إلھ إلا اللھ.‏<br />

8- شرط الرضى والتسلیم والانقیاد التام:‏ لقولھ تعالى:‏ ‏[فلا وربك لا یؤمنون<br />

حتى یحكموك فیما شجر بینھم ثم لایجدوا في أنفسھم حرجاً‏ مما قضیت<br />

ویسلموا تسلیماً]‏ النساء:‏ . وقولھ تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا لاتقدموا<br />

بین یدي اللھ ورسُولھ واتقوا اللھ إن اللھ سمیع علیم.‏ یأیھا الذین<br />

آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجھروا لھ بالقول كجھر<br />

بعضكم لبعضٍ‏ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون]‏ الحجرات:‏<br />

وقولھ تعالى:‏ ‏[وما كان لمؤمنٍ‏ ولا مؤمنةٍ‏ إذا قضى اللھ ورسُولھ أمراً‏<br />

أن یكون لھم الخیرة من أمرھم]‏ الأحزاب:‏ . وقولھ تعالى:‏ ‏[فلیحذر<br />

الذین یخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة أو یصیبھم عذاب ألیم]‏ النور:‏<br />

. 2-1<br />

36<br />

.(15/3<br />

31<br />

. 9-8<br />

55<br />

65<br />

. 63<br />

وقد فسر الإمام أحمد وغیره من أھل العلم الفتنة بالشرك،‏ قال تعالى:‏<br />

‏[والفتنة أكبر من القتل]‏ أي الشرك والكفر.‏<br />

ومنھ یعلم أن من یتلفظ بشھادة أن لا إلھ إلا اللھ لكنھ لا یرضاھا منھجاً‏<br />

لحیاتھ،‏ ولا یسلم وینقاد لھا ولمعانیھا،‏ فھو لیس ممن یشھدون أن لا إلھ إلا<br />

اللھ الشھادة التي تنفعھم یوم القیامة.‏


9- شرط العمل بھا وبلوازمھا:‏ فیعمل بالتوحید ویجتنب الشرك في الظاھر<br />

والباطن،‏ وھو المراد من قولھ تعالى:‏ ‏[وما أمروا إلا لیعبدوا اللھ<br />

مخلصین لھ الدین حنفاء ویقیموا الصلاة ویؤتوا الزكاة وذلك دین<br />

القیمة]‏ البینة:‏ . وقولھ تعلى:‏ ‏[وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون]‏<br />

الذاریات:‏<br />

فمن أبطل العمل بالتوحید كشرط لصحتھ،‏ فقد أبطل الغایة التي لأجلھا<br />

خلق اللھ الخلق،‏ وأنزل الكتب،‏ وأرسل الرسل،‏ قال تعالى:‏ ‏[وما أرسلنا<br />

من قبلك من رسُول إلا َّ نوحي إلیھ أنھ لا إلھ إلا أنا فاعبدون]‏ الأنبیاء:‏<br />

. وقال تعالى:‏ ‏[ولقد بعثنا في<br />

كل أمةٍ‏ رسولاً‏ أن اعبدوا اللھ واجتنبوا الطاغوت]‏ النحل:‏<br />

فالآیات تفید حصر غایات الرسل والرسالات في ھذا الأصل العظیم<br />

اعبدوا اللھ واجتنبوا الطاغوت]،‏ وكأن لیس لھم مھمة سوى تحقیق ذلك،‏<br />

كما قال الصحابي ربعي بن عامر لطاغوت فارس وملكھا:‏ لقد ابتعثنا اللھ<br />

لنخرج العباد من عبادة العباد إِلى عبادة رب العباد،‏ ومن جور الأدیان إِلى<br />

عدل الإسلام.‏<br />

وبالتالي فإننا نقول:‏ من اكتفى بمجرد النطق بشھادة التوحید من غیر<br />

عمل بمضمونھا ومتطلباتھا،‏ وھو في واقع حیاتھ وعملھ لم یعبد اللھ قط،‏<br />

ولم یقل یوماً‏ ربي اغفر لي خطیئتي یوم الدین،‏ ولم یجتنب الطواغیت<br />

وعبادتھا وموالاتھا،‏ فھو كافر مشرك،‏ ومناقض ومكذب لشھادة أن لا إلھ<br />

إلا اللھ التي یتلفظ بھا.‏<br />

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ لاخلاف أن التوحید لابد أن یكون<br />

بالقلب واللسان والعمل،‏ فإن اختلف شيء من ھذا لم یكن الرجل مسلماً،‏<br />

فإن عرف التوحید ولم یعمل بھ فھو كافر معاند كفرعون وإبلیس<br />

وأمثالھما ا-ھ.‏<br />

10- شرط الموافاة علیھا:‏ فمن مات وھو على ضدھا من الشرك،‏ لم تنفعھ<br />

شھادة أن لا إلھ إلا اللھ التي كان یتلفظ بھا طیلة حیاتھ،‏ لقولھ في<br />

الحدیث الذي یرویھ مسلم في صحیحھ:‏ ‏"ما من عبد قال لا إلھ إلا اللھ ثم<br />

مات على ذلك إلا دخل الجنة".‏<br />

مفھوم الحدیث أن من قال لا إلھ إلا اللھ،‏ لكنھ لم یمت علیھا ومات وھو<br />

على ضدھا لا یدخل الجنة ولا یكون من أھلھا.‏ ولأن العبرة بالخواتیم وبما<br />

] نأ<br />

ε<br />

. 36<br />

56<br />

5<br />

. 56<br />

25


قد یتطرق إلیھ الإحتمال ولھذا لما قال تعالى:‏<br />

‏[لا إلھ إلا ھو الرحمنُ‏ الرحیم]‏ البقرة:‏<br />

‏[وإلھكم إلھ واحد]‏<br />

قال بعده:‏<br />

57


والعلم بثبوت ھذین الوصفین مستقرٌ‏ في الفطر،‏ فإن الموجودات لابد أن<br />

تنتھي إِلى واجبِ‏ الوجود لذاتھ،‏ قطعاً‏ للتسلسلِ.‏<br />

‏-اسم القدیم لیس من أسماء اللھ الحُسنى-‏<br />

أدخل المتكلمون في أسماء اللھ تعالى ‏(القدیم)،‏ ولیس ھو من الأسماء<br />

الحسنى،‏ فإن ‏(القدیم)‏ في لغة العرب التي نزل بھا القرآن:‏ ھو المتقدم<br />

على غیره،‏ فیقال:‏ ھذا قدیم<br />

للعتیق،‏ وھذا حدیث للجدید،‏ ولم یستعملوا ھذا الاسم إلا فیما لم یسبِقْھُ‏ عدَمٌ.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[حتى عادَ‏ كالعرجونِ‏ القدیم]‏ یس:‏ ‎39‎‏.والعرجون القدیم:‏<br />

الذي یبقى إِلى حین وجود العرجون الثاني،‏ فإذا وجد الجدید قیل للأول قدیم<br />

وقال تعالى:‏ ‏[أفرءَیتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدَمُون]‏ الشعراء:‏<br />

76-75. فالأقدم مبالغة في القدیم.‏<br />

والتقدم في اللغة مطلق لا یختص بالتقدم على الحوادث كلّ‏ ‏ِھا<br />

من الأسماء الحسنى،‏ وجاء الشرع باسمھ ‏(الأو َّ ل)‏ وھو أحسن من القدیم،‏<br />

لأنھ یُشعر بأن َّ ما بعده آیل إلیھ،‏ وتابع لھ،‏ بخلاف ‏(القدیم)،‏ واللھ تعالى لھ<br />

الأسماء الحسنى لا الحَسَنَة.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"لایَفْنَى ولا یَبیدُ".‏<br />

ش:‏ إِقرار بدوام بقائھ سبحانھ وتعالى ، قال عَز َّ من قائل:‏ ‏[كل مَن علیھا<br />

فان ویبقى وجھُ‏ ربك ذُو الجلالِ‏ والإِ‏ كرام]‏ الرحمن:‏<br />

والبیدُ‏ متقاربان في المعنى،‏ والجمع بینھما في الذّ‏ ‏ِكْرِ‏ للتأكید.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا یكونُ‏ إلا َّ ما یُری ‏ُد"‏ .<br />

(1) ، فلا یكون<br />

. 27-26 والفناء<br />

58<br />

( 1 )<br />

أي لو أطلقت كلمة ‏(التقدم أو القدیم)‏ فھي لا تعني ولا تستلزم التقدم على جمیع<br />

الحوادث والمخلوقات،‏ لذلك كره الس َّلَف استخدامھا كاسم من أسماء اللھ<br />

الحسنى.‏ قال الشیخ ابن باز:‏ قولھ ‏"قدیم بلا ابتداء".‏ ھذا اللفظ لم یرد في أسماء<br />

اللھ الحسنى كما نبھ علیھ الشارح رحمھ اللھ وغیره،‏ وإنما ذكره كثیر من<br />

علماء الكلام لیثبتوا بھ وجوده قبل كل شيء،‏ وأسماء اللھ توقیفیة لا یجوز إثبات<br />

شيء منھا إلا بالنص من الكتاب <strong>العز</strong>یز أو السنة الصحیحة،‏ ولا یجوز إثبات<br />

شيء منھا بالرأي كما نص على ذلك أئمة الس َّلَف الصالح ا-ھ.‏


ش:‏ ھذا رد ٌّ لقول القدریة والمعتزلة،‏ فإِنھم زعموا أن اللھ أراد الإِیمان<br />

من الناس كلھم،‏ والكافر أرادَ‏ الكفرَ‏ (1) ، وقولُھم فاسدٌ‏ مردود لمخالفتھ الكتاب<br />

والس ُّن َّة،‏ والمعقولَ‏ الصحیح.‏<br />

وسُم ُّوا قدری َّةً‏ لإِنكارھم القدَرَ‏ (2) ، وكذلك تُسمى الجبریة (3) المحتجون<br />

بالقدر قدریةً‏ أیضاً،‏ والتسمیة على الطائفة الأولى أغلب.‏<br />

‏-عقیدةُ‏ أھْلِ‏ السن َّة في القدَر-‏<br />

أما أھْلُ‏ الس ُّن َّة فیقولون:‏ إِن اللھ وإِن كان یرید المعاصي قدَراً(‏‎4‎‏)‏ ، فھو لا<br />

یُحبھا ولا یرضاھا،‏ ولا یأمر بھا،‏ بل یبغضُھا،‏ ویسخطُھا،‏ ویكرھھا وینھى<br />

عنھا،‏ وھذا قول الس َّلَف قاطبةً،‏ فیقولون:‏ ما شاء اللھ كان،‏ وما لم یشَأْ‏ لم<br />

یكن.‏<br />

والمحققون من أھل الس ُّن َّة یقولون:‏ الإرادة في كتاب اللھ نوعان:‏ إرادةٌ‏<br />

قدری َّةٌ‏ كونیة خلقی َّة (5) ، وإرادة دینیة أمری َّة شرعیة (1) .<br />

59<br />

( 1 )<br />

( 3 )<br />

أي أن الكافر ‏-بزعمھم-‏ أراد شیئاً‏ لا یریده اللھ ولم یقدره علیھ،‏ فاستدلوا<br />

بقولھم الفاسد ھذا على جحود القدر،‏ وقالوا:‏ إِن الإنسان ھو خالق فعلھ ! وھذا<br />

القول منھم یقتضي أن للإنسان سلطة خارجة عن سلطة اللھ وإرادتھ وعلمھ،‏ إ ‏ْذ<br />

أنھ یفعل ما لا یریده اللھ ولا یحیط بھ علماً‏ من قبل،‏ وھذا كفر لما فیھ من<br />

وصف اللھ تعالى بالعجز والنقص تعالى اللھ عن ذلك علواً‏ كبیراً.‏<br />

( 2 )<br />

أي إِنكارھم بأن أفعال العباد قد خلقھا اللھ،‏ وھي مكتوبة علیھم في اللوح<br />

المحفوظ قبل أن یُخلقوا،‏ وأن ما كتبھ اللھ وقدّره كائن لا محال.‏<br />

الذین یقولون:‏ إِن الإِنسان مسلوب الإِرادة،‏ وأنھ مجبور على كل ما قدّره اللھ،‏<br />

ولا مجال لھ للإختیار،‏ وھذا أیضاً‏ باطل.‏<br />

( 4 )<br />

أي أن المعاصي ھي من جملة ما كتبھ اللھ وقدره وأراده أن یكون.‏<br />

القدریة لا تتخلف وھي واقعة شاء الإنسان أم أبى،‏ كمولده،‏<br />

وصفاتھ الخلقیة،‏ وماذا یحصل لھ غداً،‏ وساعة موتھ،‏ وأین یموت .. فھذا النوع<br />

من القدر واقع لا محال ولیس للإنسان إختیار في قبولھ أو رده.‏ وعلى العموم<br />

فإن كل أمر یجري على الإنسان لا إختیار لھ فیھ فھو یعتبر من الإرادة القدریة<br />

الكونیة التي لا تتخلف أبداً،‏ وھذا الجانب لا یُحاسب علیھ المرء،‏ وھو المراد من<br />

قولھ ε: ‏"وما أصابك لم یكن لیخطئك،‏ وما أخطأك لم یكن لیصیبك".‏ أما ما<br />

یخضع للإرادة الكونیة في جانب الھدایة والضلال فإن الجزاء والحساب یجرى<br />

علیھ.‏<br />

(5 ( ھذه الإرادة


‏-الإِ‏ رادة الشرعی َّة والكونیة-‏<br />

الإرادة الشرعیة:‏ ھي المتضمنةُ‏ للمحبة والرضى.‏<br />

والكونیة:‏ ھي المشیئةُ‏ الشامِلَةُ‏ لجمیع الحوادث،‏ وھذا كقولھ:‏ ‏[فمن یُرد<br />

اللھُ‏ أن یھدِیَھ ی<strong>شرح</strong> صدرَهُ‏ للإِسلام ومن یرد أن یُضل َّھ یجعل صدره ضیقاً‏<br />

حرجاً‏ كأنما یَص َّع َّدُ‏ في السماء]‏ الأنعام:‏ . وقولھ تعالى عن نوح:‏ ‏[ولا<br />

ینفعكم نُصحي إِن أردت ُّ أن أنصحَ‏ لكم إِن كان اللھ یرید أن یغویَكُم]‏ ھود:‏<br />

. وقولھ تعالى:‏ ‏[ولكن اللھ یفعل ما یرید]‏ البقرة:‏<br />

وأما الإرادة الدینیة الشرعیة الأمریة،‏ فكقولھ تعالى:‏ ‏[یریدُ‏ اللھ بكم<br />

الیسر ولا یرید بكم العُسْرَ]‏ البقرة:‏ ‏[یرید اللھ لیبیّ‏ ‏ِن لكم ویھدیكم<br />

سُنَنَ‏ الذین من قبلكم ویتوبَ‏ علیكم واللھ علیم حكیم]‏ النساء:‏<br />

‏[واللھ یریدُ‏ أن یتوب علیكم ویرید الذین یتبعون الشھوات أن تمیلوا میلاً‏<br />

عظیماً.‏ یریدُ‏ اللھُ‏ أن یُخفّ‏ ‏ِفَ‏ عنكم وخُلِقَ‏ الإِ‏ نسانُ‏ ضعیفاً‏ النساء:‏<br />

. 26<br />

-27<br />

[<br />

. 253<br />

125<br />

. 185<br />

34<br />

. 28<br />

فھذه الإِرادة ھي المذكورة في مثل قول الناس بمن یفعل القبائح:‏ ھذا<br />

یفعل ما لا یریده اللھ،‏ أي:‏ لا یحبھ،‏ ولا یرضاه،‏ ولا یأمر بھ.‏ وأما الإِرادة<br />

(1 ( ھذا النوع من الإرادة،‏ قضت حكمة اللھ تعالى أن تتخلف أحیاناً‏ ولكن<br />

بإِذنھ وعلمھ وإِرادتھ،‏ فاللھ تعالى یرید لعباده الیسر،‏ والإِیمان والھدى،‏<br />

ویرید منھم أن یجتنبوا المعاصي والمحرمات ویقوموا بالواجبات والطاعات،‏<br />

والإنسان مخیّر في ذلك وھو محاسب ومسؤول عن اختیاره،‏ سواء اختار<br />

الخیر والإیمان أو اختار الشر والكفر.‏ ولكن رغم أن الإنسان ھومخیر في ھذا<br />

الجانب من القدر إلا أن خیرتھ تقع بإِذن اللھ وعلمھ وإرادتھ،‏ ولیس جبراً‏ عن<br />

اللھ كما یقول القدریة والمعتزلة قاتلھم اللھ أنى یؤفكون.‏ فلو شاء اللھ غیر ما<br />

یشاء العباد،‏ فلن یكون إِلا ما شاء اللھ Ι، كما قال تعالى:‏ ‏[وما تشاؤون إلا أن<br />

یشاء اللھ].‏<br />

ومنھ یُعلم أن الإنسان أحیاناً‏ یكون مسیراً،‏ وأحیاناً‏ یكون مخیراً،‏ وأن الجزاء<br />

والحساب یكون على الجانب الإختیاري ولیس الجانب الآخر،‏ فإن اختار الخیر<br />

فھذا ما یریده اللھ ویرضاه ویُحبھ،‏ وإِن اختار الشر فیكون قد اختار ما یبغضھ<br />

اللھ ومالا یحبھ ویرضاه،‏ وكلا الاختیارین یجب أن نسلم أنھما وقعا بإذن اللھ<br />

وعلمھ وإِرادتھ مع التفریق بین ما یحب اللھ وما لا یحب.‏<br />

60


. (1)<br />

الكونیة،‏ فھي الإِرادة المذكورة في قول المسلمین:‏ ما شاء اللھ كان،‏ وما<br />

لم یشأ لم یكُنْ‏<br />

قولُھ:‏ " لاتَبْلُغُھ الأوھامُ،‏ ولا تُدرِ‏ كُھ الأَفْھَا ‏ُم"‏ .<br />

(1 ( وفي قولھ تعالى:‏ ‏[إذا قضى أمراً‏ فإِنما یقول لھ كن فیكون]‏ البقرة:‏ . 117<br />

وقولھ:‏ ‏[إِنما أمره إِذا أراد شیئاً‏ أن یقول لھ كن فیكون]‏ یس:‏<br />

أقول:‏ لعقیدة القضاء والقدر غایتان عظیمتان لا ینبغي للمرء أن یسھو عنھما<br />

وھو في غمار الجدال مع الفرق الضالة،‏ أولھما تتعلق بذات اللھ سبحانھ<br />

وبصفاتھ العظیمة التي یستحقھا من غیر أن یشركھ فیھا أحد من خلقھ،‏ فعقیدة<br />

القضاء والقدر تعني أن ما من شيء في ھذا الكون الفسیح ‏-مھما دق َّ أو كبر-‏<br />

إلا بقدر،‏ وتعني أن اللھ قادر على كل شيء وأنھ تعالى قاھر لعباده على ما<br />

یرید ویشاء،‏ وتعني أنھ لایُسبق في شيء ولا یكون في سلطانھ ومملكتھ إلا ما<br />

یرید وھذا من تمام وكمال ربوبیتھ وإلھیتھ وعظمتھ وجبروتھ.‏<br />

فعقیدة القضاء والقدر من ھذا الجانب إثبات لما یستحقھ اللھ تعالى من صفات<br />

الكمال،‏ وما یستحقھ من التعظیم والتوقیر والإِجلال والتنزیھ لجلال أسمائھ<br />

وكمال صفاتھ<br />

أما الغایة الثانیة،‏ فھي تتعلق بالعبد ذاتھ،‏ إذ أن من ثمار عقیدة القضاء والقدر<br />

أن تھب المرء الأمن والإطمئنان،‏ والرضى والقناعة والزھد بما في أیدي<br />

الناس،‏ والتفسیر الصحیح لكل ما یحدث لھ أو حولھ من غیر خوف أو جزع أو<br />

قلق أو انتحار ...<br />

فعلام الخوف والجزع،‏ والضر ُّ كلھ بید اللھ تعالى لا یصیبك یاعبد اللھ-‏<br />

شيء منھ ولو اجتمع على ذلك جمیع الإنس والجن إِلا ما شاء اللھ وأراد أن<br />

یصیبك بھ ‏..؟!‏ فعلام القلق على العیش والإِستشراف بما في أیدي الناس،‏<br />

والخیر كلھ بید اللھ تعالى لایصیبك منھ شيء إِلا بإِذن اللھ وإرادتھ .. ؟!‏<br />

ثم علام القنوط والأسى الشدید على نزول المصاب أو فقدان <strong>العز</strong>یز،‏ وأنت<br />

تعلم أن خیرة اللھ لك ھي خیر من خیرتك لنفسك كما في الحدیث:‏ ‏"ولو اطلعتم<br />

على الغیب لرضیتم بالواقع"‏ .. ؟!‏<br />

ھذا كلھ یستلزم من العبد أن یزداد حباً‏ وتعلقاً‏ وانقیاداً‏ لخالقھ،‏ وأن لا<br />

یخشى إِلا اللھ ولا یقصد إِلا اللھ،‏ ولا یرجو إِلا اللھ،‏ فللھ وحده الأمر من<br />

قبل ومن بعد،‏ بیده الخیر والضر،‏ والھدى والضلال،‏ یھدي من یشاء ویضل<br />

من یشاء،‏ ویعزّ‏ من یشاء ویذل من یشاء.‏<br />

. 82<br />

-<br />

61<br />


ش:‏ قال اللھ تعالى:‏ ‏[ولا یُحیطون بھ علماً]‏ طھ:‏ . قال في 110<br />

‏(الصحاح):‏ توھمت الشيء:‏ ظننتُھ،‏ وفَھمتُ‏ الشيءَ:‏ علمتَھ.‏ فمراد الشیخ<br />

رحمھ اللھ:‏ أنھ لا ینتھي إِلیھ وھمٌ،‏ ولا یُحیط بھ علم،‏ واللھ تعالى لایعلم<br />

كیف ھو إِلا ھو سبحانھ وتعالى (1) ، وإِنما نعرفُھ سبحانھ بصفاتھ،‏ وھو أنھ<br />

أحدٌ،‏ صَمَدٌ‏ لم یلد ولم یُولد ولم یكن لھ كُفُواً‏ أحد.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا یُشْبھھُ‏ الأنامُ"‏ .<br />

ش:‏ ھذا رد لقول المشبّ‏ ‏ِھَةِ‏ الذین یُشبھون الخالقَ‏ بالمخلو ‏ِق<br />

وتعالى،‏ قال تعالى:‏ ‏[لیس كمثلھ شيءٌ‏ وھو السمیع البصیر]‏ الشورى:‏<br />

، ولیس المراد نفي الصفات كما یقول أھل البدع.‏<br />

أقوالُ‏ أھلِ‏ العلم في المشبّ‏ ‏ِھةِ،‏ وفیمن یجحد الصفات بحجة عدم<br />

الوقوعِ‏ في التشبیھ-‏<br />

فمن كلام <strong>أبي</strong> حنیفة رحمھ اللھ في ‏(الفقھ الأكبر):‏ لا یُشبھ شیئاً‏ من<br />

خلقھ،‏ ولا یُشبھھ شيءٌ‏ من خلقھ،‏ ثم قال بعد ذلك:‏ وصفاتھ كل ُّھا خلا ‏َف<br />

صفات المخلوقین،‏ یعلمُ‏ لا كعلمنا ویقدر لا كقدرتنا ویرى لا كرؤیتنا.‏<br />

وقال نُعیم بن حم َّاد (1) : من شب َّھ اللھَ‏ بشيء من خلقھ فقد كَفَر،‏ ومن أنكر<br />

ما وصف اللھُ‏ بھ نفسَھ فقد كفر،‏ ولیس فیما وصف اللھُ‏ بھ نفسھ ولا رسولُھ<br />

تشبیھٌ.‏<br />

(2) ، سبحانھ<br />

11<br />

62<br />

Ι<br />

-<br />

(1 ( وما دام المرء مھما حاول لا یحیط بماھیة اللھ تعالى وكیفیة صفاتھ علماً،‏<br />

فمن التھلكة وعدم السلامة أن یكلف نفسھ عناء البحث والتأمل في ھذا الجانب<br />

من الغیب،‏ الذي لا یعلمھ أحد إِلا اللھ Ι. ومن یتأمل سبب ھلاك وضلال<br />

المتفلسفة والمتكلمة یجد ذلك في انشغالھم في كیفیة ذات اللھ وصفاتھ وبما ھو<br />

لیس من خصوصیاتھم،‏ وفوق طاقتھم وإمكانیاتھم.‏<br />

) 2 وھو رد أیضاً‏ على من یشبھ المخلوق<br />

‏-أیّاً‏ كانت صفتھ بشراً‏ كان أم حجراً-‏<br />

بصفات وخصائص الخالق Ι، الذین یشركون مع اللھ في العبودیة،‏ حیث<br />

ینسبون للمخلوق ما یستحقھ اللھ من خصائص الإلھیة،‏ فیطیعون ھذا المخلوق<br />

لذاتھ،‏ ویجعلون أمره وحكمھ فوق التعقیب أو المساءلة،‏ وھم كذلك یعقدون<br />

الولاء والبراء علیھ،‏ فیوالون ویعادون فیھ .. وغیر ذلك من الخصائص التي<br />

تُعتبر من ضروب تشبیھ المخلوق بالخالق في أخص خصائصھ،‏ وھذا النوع<br />

من الشرك رغم استفحالھ وانتشاره بین الناس قل َّ من ینتبھ أو یشیر إلیھ.‏<br />

Ι


وقال إسحاق بن راھَوَ‏ یھ (2) : من وصفَ‏ اللھَ،‏ فشبھ صفاتھ بصفات أحدٍ‏<br />

من خلق اللھ فھو كافرٌ‏ باللھ العظیم.‏ وقال:‏ علامة جھم وأصحابھ:‏ دعواھم<br />

على أھل الس ُّن َّة والجماعة ما أولعوا بھ من الكذب أنھم مُشَبّ‏ ‏ِھة<br />

المعطّ‏ ‏ِلَةِ.‏<br />

وكذلك قال خلق كثیر من أئِمة الس َّلَف:‏ علامة الجھمی َّة تسمیتُھم أھلَ‏ الس ُّن َّة<br />

مُشبھة،‏ فإِنھ ما من أحد من نُفاة شيء من الأسماء والصفات إِلا یسمي<br />

المثبتَ‏ لھا مُشبّ‏ ‏ِھاً.‏<br />

ولكن المشھورَ‏ من استعمال ھذا اللفظ عند علماءِ‏ الس ُّن َّة المشھورین:‏ أنھم<br />

لا یریدون بنفي التشبیھ نفي الصفات،‏ ولا یصفون بھ كل من أثب‏ ‏َت<br />

الصفات،‏ بل مُرادھم أنھ لا یُشبھ المخلوقَ‏ في أسمائھ وصفاتھ وأفعالھ،‏ كما<br />

تقدم من كلام <strong>أبي</strong> حنیفة:‏ أنھ تعالى یعلمُ‏ لا كعلمنا،‏ ویقدِرُ‏ لا كقُدرتنا،‏ ویرى<br />

لا كرؤیتنا،‏ وھذا معنى قولھ تعالى:‏ ‏[لیس كمثلھ شيء وھو السمیع<br />

البصیر]‏ . فنفى المِثْلَ‏ وأثبتَ‏ الوصفَ‏ .<br />

ونفيُ‏ مشابھة شيءٍ‏ من مخلوقاتھ لھ،‏ مستلزم لنفي مشابھتھ لشيء من<br />

مخلوقاتھ،‏ فلذلك اكتفى الشیخ رحمھ اللھ بقولھ:‏ ولا یشبھھ الأنامُ،‏ والأنام:‏<br />

الناسُ‏ ، وقِیل:‏ الخلق كل ُّھم،‏ وقیل:‏ كل َّ ذي روحٍ،‏ وقیل الثقلان،‏ وظاھرُ‏ قولھ<br />

(3) ، بل ھم<br />

(1 ( ھو نعیم بن حماد الخزاعي المروزي،‏ أبو عبد اللھ،‏ أول من جمع المسند في<br />

الحدیث،‏ كان من أعلم الناس بالفرائض،‏ أقام مدة في العراق والحجاز یطلب<br />

الحدیث،‏ ثم سكن مصر،‏ مات سنة ثمان وعشرین ومائتین.‏ انظر ‏(سیر أعلام<br />

النبلاء:‏<br />

(2 ( ھو إِسحاق بن إِبراھیم التمیمي المروزي أبو یعقوب،‏ عالم خراسان في<br />

عصره،‏ قال فیھ الخطیب البغدادي:‏ اجتمع لھ الحدیث والفقھ والحفظ والصدق<br />

والورع والزھد.‏ روى عنھ البخارى ومسلم والترمذي وغیرھم.‏<br />

وقال الإمام أحمد:‏ لم یعبر الجسر إِلى خراسان مثل إسحاق وإن كان یخالفنا في<br />

أشیاء،‏ فإن الناس لم یزل یُخالف بعضھم بعضاً.‏ انظر ‏(سیر أعلام النبلاء:‏<br />

.(383-358/11<br />

(3 ( ومن علامتھم أیضاً‏ وصفھم لأھل الس ُّن َّة والتوحید بأنھم في الإیمان والوعد<br />

63<br />

.(595/10<br />

والوعید خوارج وغلاة.‏


.<br />

. 111<br />

10<br />

. 58<br />

(2)<br />

.3-1<br />

]<br />

تعالى:‏ ‏[والأرض وضعھا للأنام]‏ الرحمن:‏ . یشھد للأول أكثر من<br />

الباقي (1) . واللھ أعلم.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"حِ‏ ي ٌّ لا یموتُ‏ ، قَی ُّوٌ‏ م لا ینامُ"‏ .<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ اللھُ‏ لا إِلھ إِلا ھو الحي ُّ القی ُّومُ‏ لا تأخذُهُ‏ سِنَةٌ‏ ولا<br />

نوم]‏ البقرة:‏ . فنفيُ‏ السّ‏ ‏ِنَةِ‏ والنوم دلیل على كمال حیاتھ وقیومی َّتِھ،‏<br />

وقال تعالى:‏ ‏[الم.‏ اللھُ‏ لا إلھ إلا ھو الحي ُّ القیوم.‏ نز َّل علیك الكتابَ‏<br />

بالحق]‏ آل عمران:‏<br />

وقال تعالى:‏ ‏[وعنت الوجوه للحيّ‏ ِ القیوم]‏ طھ:‏ ‏[وتوكل على<br />

الحيّ‏ ِ الذي لایموت وسبح بحمده]‏ الفرقان:‏ ‏[ھو الحي لا إِلھ إِلا ھو]‏<br />

غافر:‏ ε: ‏"إِن اللھ لاینام،‏ ولا ینبغي لھ أن ینام"‏ (3)<br />

لم َّا نفى الشیخُ‏ رحمھ اللھ التشبیھ،‏ أشارَ‏ إِلى ما تقعُ‏ بھ التفرقةُ‏ بینَھُ‏ وبین<br />

خلقھ،‏ بما یتصف بھ تعالى دون خلقھ،‏ فمن ذلك:‏ أنھ حي ٌّ لا یموت،‏ لأن<br />

صفة الحیاة الباقیة مختصة بھ تعالى دون خلقھ،‏ فإِنھم یموتون ومنھ أنھ قیومٌ‏<br />

لا ینامُ،‏ إِذ ھو مُختص ٌّ بعدم النوم والسّ‏ ‏ِنَة دون خلقھ،‏ فإِنھم ینامون،‏ وفي<br />

ذلك إِشارة إِلى أن نفي التشبیھ لیس المرادُ‏ بھ نفي الصفات،‏ بل ھو<br />

سبحانھ موصوفٌ‏ بصفات الكمال،‏ لكمال ذاتھ.‏<br />

‏-ھذان الاسمانِ‏ من أعظمِ‏ أسماء اللھِ‏ الحسنى-‏<br />

255<br />

. 65 وقال<br />

واعلم أَن َّ ھذین الاسمین،‏ أعني:‏ الحي َّ القیومَ،‏ ھما من أعظم أسماءِ‏ الل ‏ِھ<br />

الحسنى،‏ حتى قیل:‏ إن َّھما الاسمُ‏ الأعظم (4) ، فإنھما یتضم َّنا إثباتَ‏ صفاتِ‏<br />

(1 ( كونھ یشھد للأول لایفھم منھ ولا یستلزم أن یكون غیر الأنام من الخلق یشبھ<br />

اللھ تعالى في شيء من صفاتھ.‏<br />

( 2 )<br />

السنة:‏ النعاس،‏ وھو النوم الخفیف.‏<br />

(3 ( رواه مسلم،‏ وابن ماجھ،‏ والدارمي.‏<br />

(4 ( عن أنس أنھ كان مع رسولِ‏ اللھ إني<br />

ε جالساً،‏ ورجلٌ‏ یُصلي،‏ ثم دعا:‏ اللھم َّ<br />

أسألك بأن لك الحمد،‏ لا إلھ إلاّ‏ أنت المنان بدیع السماوات والأرض،‏ یا ذا<br />

الجلال والإكرام،‏ یاحي یاقیوم.‏ فقال النبي ‏"لقد دعا اللھ باسمھ العظیم الذي<br />

إذا دُعي بھ أجاب،‏ وإذا سُئل بھ أعطى".‏ صحیح سنن <strong>أبي</strong> داود:‏<br />

. 1326<br />

ε<br />

64


الكمال أكمل تضمّنٍ‏ وأصدَقَھُ،‏ ویدل ُّ القیومُ‏ على معنى الأزلیة والأبدیة مالا<br />

یَدُل ُّ علیھ لفظُ‏ القدیم،‏ ویدُل ُّ أیضاً‏ على كونھ موجوداً‏ بنفسھ وھو معنى كونھ<br />

واجبَ‏ الوجود،‏ والقیومُ‏ أبلغُ‏ من ‏(القی َّام)،‏ لأن َّ الواو أقوى من الألف،‏ ویُفیدُ‏<br />

قیامَھ بنفسھ وإقامتھ لغیره وقیامھ علیھ،‏ وھو یُفیدُ‏ دوامَ‏ قیامھ وكمالَ‏ قیامھ،‏<br />

بما فیھ من المبالغة،‏ فھو سبحانھ لا یزولُ‏ ولا یأفكُ؛ فإن َّ الآفِكَ‏ قد زال<br />

قطعاً،‏ أي:‏ لایغیبُ‏ ، ولا یَنْقُصُ‏ ، ولا یفنى،‏ ولا یَعْدَمُ،‏ بل ھو الدائِمُ‏ الباقي<br />

الذي لم یزَ‏ لْ‏ ولا یزالُ‏ موصوفاً‏ بصفات الكمال.‏<br />

واقترانُھ بالحيّ‏ ِ، یستلزمُ‏ سائر صفاتِ‏ الكمال،‏ ویدل ُّ على بقائھا ودوامھا،‏<br />

وانتفاءِ‏ النقصِ‏ والعدَم عنھا أزلاً‏ وأبداً،‏ ولھذا كانَ‏ قولُھ:‏ ‏[اللھُ‏ لا إلھَ‏ إلا َّ ھ ‏َو<br />

الحي ُّ القیومُ]،‏ أعظمَ‏ آیة في القرآنِ‏ ، كما ثبتَ‏ ذلك في الصحیحِ‏ عن النبيّ‏ ِ<br />

. (1) ε<br />

وعن أسماء بنت یزید:‏ أن النبي قال:‏ ‏"اسم اللھ الأعظم في ھاتین الآیتین<br />

‏[وإلھكم إلھٌ‏ واحدٌ‏ لا إلھَ‏ إلا ھو الرحمن الرحیم]‏ وفاتحة آل عمران:‏ ‏[الم.‏ اللھُ‏<br />

لا إلھَ‏ إلاّ‏ ھو الحي ُّ القیومُ]".‏ صحیح سنن <strong>أبي</strong> داود:‏<br />

وكان النب‏ ُّي ε، إذا حزبھ أمرٌ‏ قال:‏ " یا حي ُّ یاقی ُّومُ‏ برحمتِكَ‏ أستغیثُ‏ ". صحیح<br />

الكلم الطیب:‏<br />

(1 ( رواه مسلم وغیره،‏ وتمام الحدیث،‏ أن َّ النب‏ َّي ε سأل أُبي بن كعب،‏ فقال:‏<br />

‏"یا أبا المنذر أتدري أي ُّ آیةٍ‏ من كتابِ‏ اللھِ‏ معكَ‏ أعظمُ‏ ؟"‏ قال:‏ قلت:‏ ‏[اللھ لا<br />

إلھ إلا َّ ھو الحي ُّ القیومُ]،‏ قال:‏ فضربَ‏ في صدري وقال:‏ ‏"واللھِ‏ لیَھْنِكَ‏ العِلْمُ‏<br />

یاأبا المنذر".‏ أي لیسھل لك طلب العلم وفھمھ.‏<br />

ومعنى قولھ تعالى:‏ ‏[اللھ لا إلھ إلا ھو الحي القیوم]،‏ أي لا معبود بحق في<br />

الوجود إلا اللھ تعالى،‏ الذي من أسمائھ وصفاتھ أنھ الحي القیوم،‏ وفي الآیة دلالة<br />

أن المستحق للعبادة ھو الذي تتوفر فیھ صفات الكمال كلھا التي تنفي كل ما<br />

یضادھا من صفات الضعف والنقص،‏ والتي لأجلھا یجب أن یُعبد،‏ أما من<br />

یعتریھ النقص والضعف ولا یتصف بصفات الكمال ‏-وھو شأن كل مخلوق-‏ لا<br />

یجوز أن یدعي الإلھیة أو شیئاً‏ من خصائصھا،‏ كما لا یجوز أن یُخص بالعبادة<br />

ولو في وجھ أو مجال من مجالاتھا،‏ وعجباً‏ لأناس كیف یضلوا عن عبادة الخالق<br />

العظیم الذي لھ الأسماء الحسنى،‏ ویھتدوا إِلى عبادة العبد المخلوق الضعیف<br />

الذي یموت وینتابھ النقص والعجز من كل وجھ ؟!!‏<br />

. 1327<br />

65<br />

ε<br />

. 101


فعلى ھذین الإسمین مدَارُ‏ الأسماء الحُسنى كُلّ‏ ‏ِھا،‏ وإلیھما یرجِ‏ ‏عُ‏ معانیھا،‏<br />

فإن َّ الحیاةَ‏ مستلزِ‏ مةٌ‏ لجمیعِ‏ صفاتِ‏ الكمالِ،‏ فلا یتخل َّفُ‏ عنھا صِ‏ ‏فَةٌ‏ منھا إلا َّ<br />

لِضعفِ‏ الحیاةِ،‏ فإذا كانت حیاتُھ تعالى أكملَ‏ حیاة وأتم َّھا،‏ استلزَ‏ مَ‏ إثباتھا<br />

إثباتَ‏ كل كمالٍ‏ یُضاد ُّ نفیُھ كمالَ‏ الحیاة.‏ وأم َّا القیّومُ،‏ فھو متضمّ‏ ‏ِنٌ‏ كمالَ‏<br />

غناه وكمالَ‏ قُدرتھ،‏ فإن َّھُ‏ القائِمُ‏ بنفسھِ،‏ فلا یحتاجُ‏ إِلى غیرهِ‏ بوجھٍ‏ من الوجوهِ،‏<br />

المقیمُ‏ لغیرهِ،‏ فلا قِیامَ‏ لغیرهِ‏ إلا َّ بإقامتھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"خالِقٌ‏ بِلاَ‏ حاجَةٍ،‏ رازقٌ‏ بِلا مؤُونَة".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وما خلقتُ‏ الجن َّ والإنسَ‏ إِلا لیعبدون (1) . ما أُریدُ‏ منھم<br />

من رزقٍ‏ وما أُرید أن یُطعمون إِن اللھَ‏ ھو الرز َّاقُ‏ ذُو القو َّ ة المتین]‏<br />

(1 ( معنى قولھ تعالى:‏ إلا َّ لیعبدون]،‏ أي أن الغایة من<br />

‏[وما خلقت الجِ‏ ‏ن َّ والإِ‏ نسَ‏<br />

خلق الخلق،‏ وإِرسال الرسل،‏ وإِنزال الكتب ھو إِفراد اللھ تعالى وحده بالعبادة<br />

دون أحد سواه،‏ والآیة تتضمن النفي البات التام،‏ واستثناء یتبعھ إِثبات كامل،‏<br />

وھذا في اللغة یعتبر من أقوى صور الحصر والقصر،‏ ‏"ومعناھما النفي البات<br />

من جھة،‏ والحصر الكامل من الجھة الأخرى،‏ نفي أي غایة للوجود البشري<br />

غیر عبادة اللھ،‏ وحصر غایة ھذا الوجود كلھ في عبادة اللھ"‏ ‏(مفاھیم ینبغي<br />

أن تصحح لمحمد قطب).‏<br />

والعبادة تعني:‏ التذلل والخضوع،‏ والطاعة،‏ والدینونة،‏ ومنھ الطریق المعبد<br />

إِذا كان مذللاً‏ بكثرة الوطء.‏<br />

وشرعاً‏ تعني كما یقول أَھْل العلم:‏ فھي اسم جامع لكل ما یحبھ اللھ ویرضاه<br />

من الأقوال والأعمال الظاھرة والباطنة.‏<br />

وقالوا:‏ فھي تتضمن كمال الخضوع والطاعة والانقیاد مع كمال الحب <br />

تعالى؛ فمن أتى بالطاعة والانقیاد لظاھر الشریعة من غیر حب تعالى فھو<br />

منافق مبغض،‏ ومن زعم حب اللھ تعالى من غیر طاعة ولا انقیاد لظاھر<br />

الشریعة فھو زندیق كذاب،‏ یجب اجتنابھ والحذر منھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[قل إن<br />

كنتم تحبون اللھ فاتبعوني یحببكم اللھ]‏ آل عمران:‏<br />

قال ابن كثیر:‏ ھذه الآیة حاكمة على من ادعى محبة اللھ ولیس ھو على<br />

الطریقة المحمدیة،‏ فإنھ كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى یتبع الشرع<br />

المحمدي والدین النبوي في جمیع أقوالھ وأفعالھ ا-ھ.‏<br />

وبالتالي فإن َّ العبد عندما یُطالَب بعبادة اللھ تعالى وحده،‏ فھو یُراد منھ ھذا<br />

المعنى العام الشامل للعبادة:‏ عبادتھ تعالى وحده في الركوع والسجود<br />

والخضوع،‏ وعبادتھ وحده في الصوم والحج والنذر والنسك،‏ وعبادتھ في الحب<br />

.31<br />

66


. 58-56<br />

. 15<br />

الذاریات:‏ ‏[یا أیھا الناسُ‏ أنتم الفقراءُ‏ إِلى اللھ،‏ واللھ ھو الغني<br />

الحمید]‏ فاطر:‏ ‏[قل أغیرَ‏ اللھ أتخذُ‏ ولیّاً‏ فاطر السماوات والأرض<br />

وھو یُطعِمُ‏ ولا یُطعَمُ]‏ الأنعام:‏ في الحدیث القدسي:‏ ‏“یاعبادي لو<br />

أن َّ أولَكُم وآخِ‏ رَ‏ كُم وإنسَكُم وجِ‏ ن َّكُم كانوا على أتقى قلب رجلٍ‏ واحدٍ‏ منكم ما<br />

زاد ذلك في ملكي شیئاً،‏ یاعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا<br />

على أفجرِ‏ قلبِ‏ رجلٍ‏ واحدٍ‏ منكم ما نقص ذلك من ملكي شیئاً،‏ یاعبادي لو<br />

أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعیدٍ‏ واحدٍ،‏ فسألوني،‏<br />

فأعطیت كل إنسان مسألتھ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ینق ‏ُص<br />

المِخْیَطُ(‏‎1‎‏)‏ إذا أُدخِ‏ لَ‏ البحرَ‏<br />

وقولٌھ:‏ بِلا مؤونةٍ:‏ بلا ثِقَلٍ‏ و لا كُلْفَةٍ.‏<br />

مُمیتٌ‏ بِلا مخافةٍ،‏ باعِثٌ‏ بِلا مَشَق َّةٍ‏<br />

ش:‏ الموتُ‏ صفةٌ‏ وجودی َّةٌ،‏ قال تعالى:‏ ‏[الذي خلقَ‏ الموتَ‏ والحیاةَ‏<br />

لیبلوكم أیكم أحسنُ‏ عملاً]‏ الملك:‏ 2. والعدم لا یُوصف بكونھ مخلوقاً،‏ وفي<br />

الحدیث:‏ " إنھ یُؤتى بالموت یوم القیامة على صورة كَبْشٍ‏ أملحٍ،‏ فیُذبح بین<br />

الجنة والنار"‏ (4) ، وھو وإن كان عرَ‏ ضاً‏ فاللھ تعالى یقلبھ عیناً(‏‎5‎‏)‏ .<br />

. "<br />

. 14 قال ε<br />

. (3) " (2)<br />

قولُھ:‏ "<br />

67<br />

.163-162<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

والكره والموالاة والمعاداة،‏ وفي الجھاد والتضحیة والأمر بالمعروف والنھي<br />

عن المنكر،‏ وعبادتھ وحده في الخشیة والتوكل،‏ وغیرھا من الأمور الواجبة<br />

والمستحبة شرعاً،‏ والتي تتخلل جمیع حیاة الإنسان،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[قل إن<br />

صلاتي ونسكي ومحیاي ومماتي رب العالمین لا شریك لھ وبذلك أمرت وأنا<br />

أول المسلمین]‏ الأنعام:‏<br />

تقدیره:‏ ینقص المخیط ماءَ‏ البحر إذا أدخل فیھ.‏<br />

أقول:‏ إلھ ھذه ھي قدرتھ وصفاتھ،‏ وھذا ھو ملكھ واستغناؤه،‏ لجدیرٌ‏ بأن یُعبد<br />

وحده،‏ ولا یشرك بھ شیئاً.‏<br />

(3 ( رواه مسلم،‏ وأحمد.‏<br />

(4 ( متفق علیھ.‏ والحدیث فیھ دلالة على الحیاة الأبدیة یوم القیامة،‏ حیث حیاة لا<br />

یتبعھا موت،‏ فھنیئاً‏ لمن كانت حیاتھ الأبدیة في الجنان یتنعم بخیراتھا،‏ وخاب<br />

وخسر من آلت حیاتھ الأبدیة إِلى جھنم تتلمظھ حی َّاتھا...‏<br />

( 5 )<br />

أي جسماً‏ یُدرك بالحواس كصورة الكبش الحقیقي.‏


ما زال بصفاتھ قدیماً(‏‎1‎‏)‏ قبل خلقھ ولم یزدَدْ‏ بكونِھم<br />

شیئاً‏ لم یكن قبلھم من صِ‏ ‏فَتھ،‏ وكما كان بصفاتھ أزلیاً،‏ كذلك لا<br />

یزال علیھا أبدیاً‏ " .<br />

ش:‏ أي أن اللھَ‏ سبحانھ وتعالى لم یزل متصفاً‏ بصفات الكمال:‏<br />

صفات الذات،‏ وصفات الفعل،‏ ولا یجوز أن یعتقد أن اللھ وُ‏ صِ‏ ‏فَ‏ بصف ‏ٍة<br />

بعد أن لم یكن متصفاً‏ بھا.‏ لأن صفاتھ سبحانھ صفاتُ‏ كمال،‏ وفقدھا صِ‏ فةُ‏<br />

نقصٍ‏ ، ولا یجوز أن یكون قد حصلَ‏ لھ الكمال بعد أن كان متصفاً‏<br />

بضِ‏ دّ‏ ‏ِه.‏<br />

‏-مباشرة اللھِ‏ عز وجل لفعل في وقتٍ‏ دون وقت،‏ لایستلزمُ‏ بحال<br />

أن اللھَ‏ لم یكنْ‏ متصفاً‏ بھذا الفعل قبل فعلھ-‏<br />

ھذه الأحوال:‏ صفات الفعل،‏ والصفات الإختیاریّ‏ ‏ِة،‏ كالخلق،‏ والتصویر،‏<br />

والإحیاء،‏ والإماتة،‏ والقبضِ‏ ، والبسط،‏ والإستواء،‏ والإتیان،‏ والمجيء،‏<br />

والنزول،‏ والغضب،‏ ونحو ذلك مما وصف بھ نفسُھ ووصفھ بھ رسولُھ،‏<br />

وإن كانت تحدث في وقت دون وقت،‏ كما في حدیث الشفاعة:‏ ‏"إن ربي<br />

غَضِ‏ بَ‏ الیومَ‏ غضباً‏ لم یغضب قبلَھُ‏ مثلھ،‏ ولن یغضب بعده مثلھ"‏ (2) . ھذا<br />

الحدوث بھذا الإعتبار غیر مُمتنع،‏ ولا یُطلق علیھ أنھ حدث بعد أن لم یكُن،‏<br />

ألا ترى أن من تكلم الیومَ‏ وكان مُتكلماً‏ بالأمس لا یُقال:‏ إِنھ حدث لھ الكلامُ،‏<br />

ولو كان غیر متكلم ‏-لآفةٍ‏ كالصغر والخرس-‏ ثم تكلم،‏ یُقال:‏ حدثَ‏ لھ<br />

الكلامُ،‏ فالساكتُ‏ لغیر آفةٍ‏ یُسم َّى متكلماً‏ بالقوة،‏ بمعنى أنھ یتكلمُ‏ إذا شاءَ.‏<br />

وفي حال تكلمھ یُسمى متكلماً‏ بالفعل،‏ وكذلك الكاتب في حال الكتابة ھو<br />

كاتب بالفعلِ،‏ ولا یخْرجُ‏ عن كونھ كاتباً‏ في حال عدم مباشرتھ للكتابة (3) .<br />

‏-ھل الصفةُ‏ زائدةٌ‏ على الذاتِ‏ أم لا؟-‏<br />

68<br />

قولُھ:‏ "<br />

1)<br />

قد تقدم أن اسم ‏"القدیم"‏ لایصح ولم یثبت بالدلیل الشرعي أنھ اسم من أسماء<br />

اللھ الحسنى،‏ وأنھ كذلك لا یفید الكمال كاسم ‏"الأول"‏ الثابت في النصوص<br />

الشرعیة،‏ وھو من إطلاقات أھل الكلام ومصطلحاتھم.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

(3 ( جاء في الحدیث الصحیح أن اللھ تعالى أول ما خلق القلم،‏ فأمره أن یكتب ما<br />

ھو كائن إِلى یوم القیامة.‏ فكون القلم أول خلق خلقھ اللھ تعالى لا یستلزم أن اللھ<br />

قبل خلقھ للقلم لم یكن خالقاً،‏ بل كان خالقاً‏ یخلق ما یشاء لو شاء ولكن قضت<br />

حكمتھ وشاءت أن لا یخلق شیئاً‏ قبل القلم.‏


كان أئمةُ‏ الس ُّن َّة رحمھم اللھ تعالى لا یُطلِقون على صفات اللھ وكلامھ<br />

أنھ غیره،‏ ولا<br />

(1)<br />

أنھ لیس غیرُ‏ ه،‏ لأن إطلاقَ‏ الإِثبات قد یُشعِرُ‏ أن ذلك مباینٌ‏ لھ،‏ وإطلاق<br />

النفي قد یُشعر بأنھ ھو ھو (2) .<br />

ولفظ ‏(الغیر)‏ فیھ إِجمالٌ،‏ فلا یُطلق إِلا مع البیان والتفصیل،‏ فإن أُریدَ‏ بھ<br />

أن ھناك ذاتاً‏ مجردةً‏ منفصلةً‏ عن الصفات الزائدة علیھا،‏ فھذا حق ٌّ،‏ ولكن<br />

لیس في الخارج ذات مجردة عن الصفات،‏ بل الذاتُ‏ الموصوفةُ‏ بصفات<br />

الكمال الثابتة لھا لا تنفصلُ‏ عنھا.‏<br />

وقد یقول بعضُھم:‏ الصفة لا عینْ‏ الموصوف ولا غیرُ‏ ه.‏ وھذا لھ معنى<br />

صحیح،‏ وھو:‏ أن الصفةَ‏ لیست عینَ‏ ذاتِ‏ الموصوف التي یفرضھا الذھن<br />

مجردة بل ھي غیرھا،‏ ولیست غیر الموصوف،‏ بل الموصوف بصفاتھ<br />

شيء واحدٌ‏ غیر مُتعدّ‏ ‏ِد.‏<br />

‏-الفرق بین الصفاتُ‏ غیرُ‏ الذات وبین صفاتُ‏ اللھ غیرُ‏ اللھ-‏<br />

والتحقیق أن یُفر َّ ق بین قول القائل:‏ الصفاتُ‏ غیرُ‏ الذات وبین قولِھ:‏<br />

صفاتُ‏ اللھِ‏ غیرُ‏ اللھ،‏ فإِن الثاني باطلٌ،‏ لأن مسم َّى اللھ یَدخل فیھ صفاتُھ<br />

بخلاف مسمى الذات،‏ فإنھ لایدخل فیھ الصفات.‏ ولھذا قال الشیخ رحمھ<br />

اللھ:‏ ‏"لا زال بصفات"‏ ولم یقل لازال وصفاتھ (3) ، لأن العطف یؤذنُ‏<br />

بالمغایرة (4) . وكذلك قال الإمام أحمد في مناظرتھ الجھمیة،‏ لانقول:‏ اللھ<br />

وعلمھ،‏ اللھ وقدرتھ،‏ اللھ ونوره،‏ ولكن نقول:‏ اللھ بعلمھ وقدرتھ ونوره<br />

ھو إِلھ واحد سبحانھ وتعالى.‏<br />

فإذا قلت:‏ أعوذ باللھ،‏ فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات<br />

الكمال المقدس الثابتة التي لاتقبل الإنفصال بوجھ من الوجوه.‏<br />

وإذا قلتُ‏ : أعوذُ‏ بعزةِ‏ اللھ فقد عذتُ‏ بصفةٍ‏ من صفاتِ‏ اللھ تعالى،‏ ولم<br />

أعُذْ‏ بغیرِ‏ اللھ.‏<br />

‏-الصفاتُ‏ لا یصح ُّ تصو ُّ رُھا منفصلةً‏ عن الذات-‏<br />

69<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

أي إثبات أن الصفات غیر اللھ تعالى.‏<br />

أي أن الصفات ھي نفسھا ذات اللھ تعالى.‏<br />

(3 ( لأن ھذا التعبیر یفید الإنفصال والمواكبة،‏ وأن الصفات شيء آخر غیر اللھ<br />

Ι، وھذا لا یصح.‏<br />

( 4 )<br />

أي بالمخالفة،‏ وأن الصفات شيء آخر غیر اللھ تعالى.‏


ε<br />

فعُلِمَ‏ أن الذات لا یُتصور انفصال الصفات عنھا بوجھ من الوجوه.‏ وقد<br />

قال : ‏"أعوذُ‏ ِ بعزّ‏ ة اللھ وقدرَ‏ تِھ من ِ شرّ‏ ما أجد وأُحاذِر"‏<br />

بكلمات اللھِ‏ التامات من ِ شرّ‏ ما خلَق"‏ بغیر اللھ .<br />

من صفاتھ تعالى،‏ أنھ یفعلُ‏ ما یشاءُ‏ وقت یشاء،‏ وكل ُّ ما سواه<br />

فھو مُحدَثٌ‏ كائنٌ‏ بعد أن لم یكُنْ‏<br />

والمستقبل،‏ كما یقولھ أئمة الحدیث،‏<br />

والحوادِثُ‏ یُمكن دوامھا في الماضي (3)<br />

فإن الرب َّ سبحانھ وتعالى لم یَزل ولا یزالُ‏ یفعل ما یشاء،‏ ویتكل َّمُ‏ إذا یشاء،‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[قال كذلكَ‏ اللھُ‏ یفعل ما یشاء]‏ آل عمران:‏ ‏[ولكن َّ اللھَ‏<br />

یفعل ما یُرید]‏ البقرة:‏ ‏[ذو العرش المجید.‏ فعالٌ‏ لما یُرید]‏ البروج:‏<br />

‏.[ولو أنما في الأرض من شجَرةٍ‏ أقلامٌ‏ والبحرُ‏ یمده من بعده<br />

سبعة أبحرٍ‏ ما نفِدَت كلماتُ‏ اللھ]‏ لقمان:‏ ‏[قُل لو كان البحرُ‏ مداداً‏<br />

لكلماتِ‏ ربي لنفِدَ‏ البحرُ‏ قبل أن تنفدَ‏ كلماتُ‏ ربي ولو جئنا بمثلھ مَدداً]‏<br />

الكھف:‏ 109. وقال غیر واحد من الس َّلَف:‏ الحي ُّ الفع َّالُ.‏ وقال عثمان بن<br />

(1) . وقال :ε ‏"أعوذ<br />

.40<br />

-<br />

(2) . ولا یعوذُ‏ ε<br />

.28<br />

.253<br />

-<br />

16-15<br />

(1 ( رواه مسلم،‏ وغیره.‏ وتمام الحدیث:‏ عن عثمان بن <strong>أبي</strong> العاص الثقفي،‏ أنھ شكا<br />

إِلى رسول اللھ وجعاً‏ في جسده منذ أسلم.‏ فقال رسول اللھ ε: ‏"ضع یدك على<br />

الذي تألم من جسدك وقل:‏ بسم اللھ ثلاثاً،‏ وقل سبع مرات:‏ أعوذ باللھ وقدرتھ<br />

من شر ما أجد وأُحاذر".‏ وجاء في روایة الترمذي بلفظ:‏ ‏"أعوذ بعزة اللھ<br />

وقدرتھ من شر ما أجد"‏ دون لفظة ‏(وأحاذر).‏ ومعنى وأحاذر:‏ أي احترز وألوذ<br />

باللھ من شر ما أجد.‏<br />

(2 ( رواه مسلم،‏ وأبو داود وغیره،‏ وسنده صحیح.‏ وتمام الحدیث:‏ عن خولة بن<br />

حكیم السلمیة قالت:‏ سمعت رسول اللھ یقول:‏ ‏"من نزل منزلاً،‏ ثم قال:‏ أعوذ<br />

بكلمات اللھ التامات من شر ما خلق،‏ لم یضره شيء حتى یرتحل من منزلھ<br />

ذلك".‏<br />

(3 ( جاء في الحدیث الذي یرویھ ابن عباس عن النبي أنھ قال:‏ ‏"إن أول شيء<br />

خلقھ اللھ تعالى القلم،‏ وأمره أن یكتب كل شيء یكون".‏ السلسلة الصحیحة:‏<br />

(133). ففي الحدیث دلالة صریحة أن للحوادث بدایة،‏ كما یقول الشارح.‏<br />

ε<br />

ε<br />

70<br />

ε


سعید (1) : كل حي فعال،‏ ولم یكن رب ُّنا تعالى قط في وقتٍ‏ من الأوقات مُعطلاً‏<br />

عن كمالھ من الكلام والإرادة والفعل (2) .<br />

ولا شك أن جمھورَ‏ العالَم من جمیع الطوائف،‏ یقولون:‏ إن كُل َّ ما سوى<br />

اللھ تعالى مخلوقٌ،‏ وكائن بعد أن لم یكن،‏ وھذا قول الرسل وأتباعھم من<br />

المسلمین والیھود والنصارى وغیرھم.‏<br />

- خلاصَةُ‏ القولِ‏<br />

والمقصودُ:‏ أن الذي دل علیھ الشرعُ‏ والعقل،‏ أن كل َّ ما سوى اللھ تعالى<br />

مُحدثٌ‏ كائنٌ‏ بعد أن لم یكن.‏ أما كونُ‏ الربِّ‏ تعالى لم یَزلْ‏ معط َّلا عن<br />

ثم فعلَ،‏ فلیس في الشرعِ‏ ولا في العقل ما یُثبتھ،‏ بل كلا ھما یدل<br />

الفعل (3)<br />

على نقیضھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"لیس منذُ‏ خلَقَ‏ الخلْقَ‏ استفادَ‏ اسمَ‏ الخالق،‏ ولا بإحداثِ‏ ‏ِھ<br />

البری َّةَ‏ استفادَ‏ اسمَ‏ الباري"‏ .<br />

ش:‏ ظاھر كلام الشیخ رحمھ اللھ تعالى أنھ یَمنع تسلسُ ‏َل<br />

الحوادث في الماضي (4) ، ویأتي في كلامھ ما یدل على أنھ لا یمنعھ في<br />

المستقبل،‏ وھو قولھ:‏ ‏"والجنةُ‏ والنار مخلوقتان لا تفنیان أبداً‏ ولا تبیدان"،‏<br />

وھذا مذھب الجمھور كما تقدم.‏<br />

-<br />

(1 ( وھو الإمام أبو سعید عثمان بن سعید الدارمي،‏ صاحب المسند الكبیر،‏ توفي<br />

ھ).‏ مترجم لھ في ‏(سیر أعلام النبلاء:‏<br />

(2 ( لا یستلزم كلامھ أن الحوادث متسلسلة إِلى ما لا نھایة،‏ بل یفھم من كلامھ<br />

إثبات صفات الكمال ، ونفي التعطیل عنھا أو النقص،‏ فربنا كما أنھ یخلق ما<br />

یشاء وقت یشاء كذلك لا یخلق وقت یشاء،‏ فاللھ تعالى لایُكرھھ شيء على أن<br />

یخلق كما أنھ لا یمنعھ شيء من أن یخلق لو شاء،‏ وھذا لا یستلزم التعطیل بل<br />

ھو من كمال التنزیھ والتوحید.‏<br />

أول ما خلق القلم كما جاء في الحدیث الصحیح،‏ لا یستلزم منھ أن<br />

قبل خلق القلم لم یكن خالقاً‏ بل كان خالقاً‏ یخلق ما یشاء لو شاء،‏ ولكن قضت<br />

حكمتھ سبحانھ أن لا یخلق قبل القلم شیئاً،‏ فاللھ تعالى لا یُكره على شيء،‏ ولا<br />

نقول یجب على اللھ أن یستمر في الخلق ‏-تعالى اللھ-‏ حتى لا تتعطل صفتھ<br />

‏(الخالق)،‏ بل یكفینا أن نقف عند قول النبي من دون تقدیم أو تأخیر.‏<br />

(4 ( ھذا ھو الحق الذي لا ریب فیھ،‏ لحدیث النبي ε: ‏"أول شيء خلقھ اللھ تعالى<br />

القلم".‏<br />

Ι<br />

.(319/13<br />

ε<br />

71<br />

سنة (280<br />

) 3 كون الرب<br />

Ι


وقولُ‏ من قال بجوازِ‏ حوادث لا أولَ‏ لھا،‏ من القائلین بحوادث لا آخر<br />

لھا،‏ أظھر في الصحة من قول من فرق بینھما (1) ، فإنھ سبحانھ لم یزل حیاً،‏<br />

فلم یزل فاعلاً‏ لما یُرید كما وصف بذلك نفسھ،‏ حیث یقول:‏ ‏[ذو العرش<br />

المجید،‏ فع َّال لما یُرید]‏ البروج:‏<br />

والقولُ‏ بأن الحوادث لھا أو َّ لُ:‏ یلزمُ‏ منھ التعطیل قبل ذلك،‏ وأن اللھَ‏<br />

سبحانھ وتعالى لم یزلْ‏ غیرَ‏ فاعلٍ،‏ ثم صارَ‏ فاعلاً(‏‎2‎‏)‏ !!<br />

وقولُھ:‏ ‏"لھ معنى الربوبی َّةِ‏ ولا مربوبَ‏ ، ومعنى الخالِق ولا<br />

مخلوقَ"‏<br />

ش:‏ یعني أن اللھَ‏ تعالى موصوفٌ‏ بأنھُ‏ ‏"الرب ُّ " قبل أن یوجد مربوبٌ‏ ،<br />

وموصوفٌ‏ بأنھ ‏"خالقٌ"‏ قبل أن یوجد مخلوقٌ(‏‎3‎‏)‏ .<br />

.16-15<br />

72<br />

( 1 )<br />

باعتبار أن الحوادث لھا أول،‏ بینما لا آخر لھا،‏ للنصوص الدالة على أن الجنة<br />

والنار لا تفنیان وھما باقیتان أبداً.‏ ولا شك أن ھذا القول ھو الأصوب والأصح<br />

لدلالة النصوص علیھ،‏ ولیس كما قال الشارح أن الصواب في عكسھ مخالفاً‏ في<br />

ذلك مذھب الجمھور وصاحب المتن كما ھو مثبت أعلاه!‏<br />

(2 ( ذكرنا من قبل أن اللھ تعالى إذا قضت حكمتھ أن لا یخلق في وقت من<br />

الأوقات لا یستلزم ذلك أن اللھ لم یعد خالقاً‏ في ھذا الوقت وأن صفتھ قد<br />

تعطلت!‏ بل اللھ یخلق ما یشاء وقت یشاء،‏ فإن شاء خلق وإن لم یشأ أن یخلق<br />

لا یخلق،‏ فلا مُكره لھ على شيء Ι، وھو في كلا الحالتین خالق فعال لما یرید.‏<br />

ثم لیس من السلامة التكلف وأن نعمل العقل من غیر دلیل صحیح صریح فیما<br />

یخص صفات اللھ Υ، بدعوى التنزیھ ونفي التعطیل،‏ وإنما السلامة كل<br />

السلامة أن نثبت ما أثبتتھ الس ُّن َّة الصحیحة،‏ وننفي ما نفتھ من دون تقدیم أو<br />

تعقیب أو تكل ُّف أو تكییف.‏<br />

یقول الشیخ محمد ناصر الدین الألباني،‏ في تعلیقھ على حدیث ‏"إن أول شيء<br />

خلقھ اللھ تعالى القلم":‏ من فوائد الحدیث:‏ فیھ رد على من یقول بحوادث لا أول<br />

لھا،‏ وأنھ ما من مخلوق إلا ومسبوق بمخلوق قبلھ،‏ وھكذا إِلى ما لا بدایة لھ،‏<br />

بحیث لا یمكن أن یقال:‏ ھذا أول مخلوق.‏ فالحدیث یبطل ھذا القول ویعین أن<br />

القلم ھو أول مخلوق،‏ فلیس قبلھ قطعاً‏ أي مخلوق.‏ ‏(السلسلة الصحیحة:‏<br />

.(208/1<br />

( 3 )<br />

فدل أن عدم وجود المخلوق لا یستلزم أن لا یوصف اللھ تعالى بأنھ خالق،‏ بل<br />

إن اللھ تعالى خالق فعال لما یرید قبل أن یخلق وقبل أن یوجد مخلوق في<br />

الوجود.‏ فانتفاء وجود المخلوق لا یستلزم انتفاء وتعطیل صفات الخالق Ι، كما


قولُھ:‏ ‏"وكما أنھ مُحي الموتى بعدَ‏ ما أحیا،‏ استحق َّ ھذا الاسم<br />

قبلَ‏ إحیائِھم،‏ كذلك استحق اسمَ‏ الخالِق قبل إنشائِھم".‏<br />

ش:‏ یعني أنھ سبحانھ وتعالى موصوفٌ‏ بأنھ مُحیي الموتى قبل إحیائھم،‏<br />

فكذلك یُوصفُ‏ بأنھ خالقٌ‏ قبل خلقھم.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ذلك بأنھ على ِ كُلّ‏ شيءٍ‏ قدیر،‏ وكل ُّ شيءٍ‏ إلیھ فقیرٌ،‏<br />

وكل ُّ أمرٍ‏ علیھ یسیرٌ،‏ لا یحتاج إِلى شيءٍ‏ ، لیس كمثلھ شيءٌ،‏ وھو<br />

السمیعُ‏ البصیرُ".‏<br />

ش:‏ لا یؤمن بأنھ رب ُّ كل ُّ شيء إلا من آمن أنھ قادرٌ‏ على تلك الأشیاء،‏<br />

ولا یؤمن بتمام ربوبیتھ وكمالِھا إلا من آمن بأنھ على ِ كلّ‏ شيءٍ‏ قدیر.‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"لیس كمثلھ شيءٌ".‏ رد ٌّ على المشبھة (1) ، وقولھ:‏ ‏"ھُو السمیع<br />

البصیر".‏ رد ٌّ على المعَطّ‏ ‏ِلة،‏ فھو سبحانھ وتعالى موصوفٌ‏ بصفات الكمال<br />

ولیس لھ فیھا شبیھٌ،‏ فالمخلوق وإن كان یوصف بأنھ سمیع بصیر،‏ فلیس<br />

سمعھ وبصره كسمع الرب وبصره،‏ إذْ‏ صفات المخلوقِ‏ كما یلیقُ‏ بھ،‏<br />

وصفاتُ‏ الخالق كما یلیقُ‏ بھ.‏<br />

‏-ما یلزمُ‏ على العبدِ‏ تجاهَ‏ ربھ-‏<br />

لاتنفِ‏ عن اللھ ما وصفَ‏ بھ نفسھ،‏ وما وصفَھُ‏ بھ أعرَ‏ فُ‏ الخلقِ‏ بربھ<br />

وما یجبُ‏ لھ وما یمتنعُ‏ علیھ،‏ وأنصَحُھم لأمتھ وأفصحُھم وأقدَرُ‏ ھم على<br />

البیان،‏ فإنك إن نفیت شیئاً‏ من ذلك كنت كافراً(‏‎2‎‏)‏ بما أُنزِ‏ ل على محمد<br />

،ε<br />

.ε<br />

یفترض الشارح ذلك بقولھ:‏ ‏"والقول بأن الحوادث لھا أول یلزم منھ التعطیل قبل<br />

ذلك"!!.‏<br />

(1 ( وھو كذلك رد على المشبھة من جھة تشبیھ المخلوق بالخالق وخصائصھ،‏ وما<br />

أكثر ھؤلاء في زماننا،‏ فكل من شبھ مخلوقاً‏ بالخالق أو نسب إلیھ شیئاً‏ من<br />

خصائص الإلھیة التي تفرد اللھ بھا دون سائر خلقھ،‏ فقد وقع في التشبیھ<br />

والشرك واتخذ من ذلك المخلوق نداً‏ وشریكاً‏ تعالى في خصائصھ سبحانھ.‏<br />

( 2 )<br />

التكفیر ھنا لیس على إطلاقھ فإنھ لا بد من التفریق بین نفي ونفي،‏ فالنفي الذي<br />

یكون مؤداه إِلى نسب الضعف والعجز أو النقص Υ، كنفي العلم والقدرة،‏<br />

والحیاة،‏ وأنھ سمیع بصیر وغیر ذلك،‏ فھذا النفي كفر وصاحبھ كافر خارج من<br />

الملة وإن ادعى أن نفیھ ناتج عن تأویل!‏<br />

أما من نفى صفة من صفات اللھ الفعلیة وصرفھا عن ظاھرھا متأولاً،‏<br />

كالنزول والمجيء،‏ والإتیان،‏ والإستواء وغیر ذلك مما لا یستفاد من نفیھ نسب<br />

73


وإذا وصفتَھ بما وصف بھ نفسھ،‏ فلا تُشَبّ‏ ‏ِھْھُ‏ بخلقِھ،‏ فلیس كمثلھ شيءٌ،‏<br />

فإذا شبھتھ بخلقھ،‏ كنت كافراً‏ بھ (1) ، قال نعیم بن حماد شیخ البخاري:‏ من<br />

شبھ اللھَ‏ بخلقھ فقد كَفَر،‏ ومن جحدَ‏ ما وصف اللھُ‏ بھ نفسَھ فقد كَفَر،‏ ولیس<br />

ما وصف اللھُ‏ بھ نفسھ،‏ ولا ما وصفھ بھ رسولُھ تشبیھاً.‏<br />

- المَثلُ‏ الأعلَى-‏<br />

وصف اللھُ‏ تعالى نفسَھ بأن لھ المثَل الأعلى،‏ فقال تعالى:‏ ‏[للذین لا<br />

یؤمنون بالآخرة<br />

مثَلُ‏ الس َّوءِ‏ و‏ المَثلُ‏ الأعلى]‏ النحل:‏<br />

74


."<br />

الثاني:‏ عِلمُ‏ العالَمین بھا ووجودھا في العِلْم والشعور،‏ وھذا معنى قول<br />

من قال من الس َّلَف:‏ إنھ ما في قلوبِ‏ عابدیھ وذاكریھ،‏ من معرفتھ،‏ وذكره<br />

ومحبتھ،‏ وإجلالھ وتعظیمھ،‏ وخوفھ ورجائھ،‏ والتوكل علیھ والإنابة إلیھ.‏<br />

وھذا الذي في قلوبھم من المثَلِ‏ الأعلى لا یَشْرَ‏ كھ فیھ غیرُ‏ ه.‏<br />

الثالث:‏ ذِكر صفاتھ،‏ والخبر عنھا وتنزیھھا من العیوبِ‏ والنقائص<br />

والتمثیل.‏<br />

الرابع:‏ محبةُ‏ الموصوفِ‏ بھا وتوحیده،‏ والإخلاصُ‏ لھ والتوكلُ‏ علیھ،‏<br />

والإنابةُ‏ إلیھ،‏ وكلما كان الإیمانُ‏ بالصفات أكمل،‏ كان ھذا الحب والإخلاص<br />

أقوى (1) .<br />

قولُھ:‏ " خَلَق الخلْق بعلمھِ‏<br />

ش:‏ خَلَقَ:‏ أي أوجد و أنشأَ‏ وأبدَعَ‏ وقد َّر،‏ وقولھ:‏ ‏"بعلمھ"‏ في محل نصب<br />

على الحال،‏ أي:‏ خلقھم عالماً‏ بھم،‏ قال تعالى:‏ یعلمُ‏ من خلَقَ‏ وھو<br />

اللطیفُ‏ الخبیر]‏ الملك:‏ ‏[وعندَه مفاتِحُ‏ الغیبِ(‏‎2‎‏)‏ لا یعلمُھا إلا ھو<br />

] لاأ<br />

. 14<br />

75<br />

( 1 )<br />

إذ أن من طبائع القلوب النقیة الخالیة من الشرك،‏ أن تزداد تعلقاً‏ وحباً‏<br />

وخضوعاً‏ وانقیاد اً‏ لمن لھ صفات الكمال الذي لھ المثل الأعلى في ذاتھ<br />

وصفاتھ وأفعالھ سبحانھ،‏ المنزه عن النقص والعیوب.‏ ومن جھة فھي تزدري<br />

عبادة ‏-ولو في وجھ أو مجال من مجالات العبادة-‏ من لھ مثل الس ُّوء،‏ ویتخللھ<br />

وصفاتھ الضعف والنقص والعیوب والآفات.‏<br />

‏[ءأرباب متفرقون]‏ ضعفاء متشرذمون،‏ لا یملكون لأنفسھم ضراً‏ ولا نفعاً‏ إلا ما<br />

شاء اللھ،‏ ‏[خیرٌ‏ أم اللھُ‏ الواحدُ‏ القھار]‏ الذي لھ الأسماء الحسنى،‏ والصفات<br />

العلیا،‏ لا یماثلھ شيء في صفاتھ وخصائصھ،‏ وھو القاھر فوق عباده،‏ السمیع<br />

البصیر ؟!‏ Ι عما یشركون.‏<br />

(2 ( روى البخارى بسنده،‏ أن رسول اللھ لا یعلمھا إلا<br />

قال:‏ ‏"مفاتح الغیب خمسٌ‏<br />

اللھ:‏ ‏[إن اللھ عنده علم الساعة،‏ وینزل الغیث،‏ ویعلم ما في الأرحام،‏ وما<br />

تدري نفس ماذا تكسب غداً،‏ وما تدري نفس بأي أرض تموت،‏ إن اللھ علیم<br />

خبیر]".‏ وبالتالي فمن یدعي علم الغیب من دون اللھ أو بغیر سلطان من اللھ<br />

وھذا لیس لأحد بعد الأنبیاء-‏ كالسحرة،‏ والعرافین،‏ والمنجمین،‏ وضاربي<br />

الفنجان وغیرھم من المشعوذین فھو یدعي خاصیة من خصائص اللھ التي تفرد<br />

بھا دون أحد من خلقھ،‏ وھو بذلك مشرك مرتد بلا خلاف،‏ قال تعالى:‏ ‏[قل لا<br />

یعلم من في السماوات والأرضِ‏ الغیبَ‏ إلا اللھ]‏ النحل:‏<br />

-<br />

. 65<br />

ε


ویعلَمُ‏ ما في ِ البرّ‏ والبحر وما تسقطُ‏ من ورقةٍ‏ إلا یعلَمُھا ولا حب َّة في<br />

ظُلماتِ‏ الأرض ولا رطبٍ‏ ولا یابسٍ‏ إلا في كتابٍ‏ مُبین.‏ وھو الذي یتوفاكم<br />

باللیل ویعلَمُ‏ ما جرحتُم بالنھار]‏ الأنعام:‏<br />

قولُھ:‏ " وقد َّرَ‏ لھم أقداراً".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وخلق كل َّ شيء فقد َّره تقدیراً]‏ الفرقان:‏<br />

القمر:‏ ‏[الذي خلق فسوى والذي قد َّر<br />

‏[إنا كُ َّل شيءٍ‏ خلقناهُ‏ بقدَر]‏ (2)<br />

فھدَى]‏ الأعلى:‏<br />

.2<br />

(1)<br />

. 60-59<br />

. 49<br />

. 3-2<br />

وفي صحیح مسلم عن عبد اللھ بن عمر،‏ عن النبي ε، أنھ قال:‏ ‏"قد َّر<br />

اللھُ‏ مقادیرَ‏ الخلقِ‏ قبل أن یَخلُق السماواتِ‏ والأرضَ‏ بخمسین ألف سنةٍ،‏<br />

وكان عرشُھُ‏ على الماء".‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وضرَبَ‏ لَھُم آجالاً"‏ .<br />

ش:‏ یعني أن اللھَ‏ سبحانھ وتعالى قَد َّر آجالَ‏ الخلائق،‏ بحیثُ‏ إذا جاء<br />

أجلُھم لا یستأخرون ساعة ولا یستقدمون،‏ قال تعالى:‏ ‏[إذا جاء أجلُھم لا<br />

یستأخرون ساعةً‏ ولا یستقدمون]‏ النحل:‏ ‏[وما كان لنفسٍ‏ أن تموت<br />

إلا بإذن اللھ كتاباً‏ مؤج َّلاً]‏ آل عمران:‏ . وفي صحیح مسلم عن عبد<br />

اللھ بن مسعود،‏ قال:‏ قالت أم ُّ حبیبةَ‏ زوجُ‏ النبي ε: اللھم أمتعني بزوجي<br />

رسولِ‏ اللھ،‏ وبأبي <strong>أبي</strong> سفیان،‏ وبأخي معاویة،‏ قال:‏ فقال النبي<br />

سألتِ‏ اللھَ‏ لآجالٍ‏ مضروبةٍ،‏ وأیام معدودةٍ،‏ وأرزاقٍ‏ مقسومةٍ،‏ لن ِ یُعَجّ‏ لَ‏ شیئاً‏<br />

قبل حِ‏ لّ‏ ‏ِھ (3) ، ولن یُؤخر شیئاً‏ عن حِ‏ لھ،‏ ولو كُنتِ‏ سألتِ‏ اللھَ‏ أن یعیذك من<br />

عذاب في النار وعذاب في القبر،‏ كان خیراً‏ وأفضل".‏<br />

ε: ‏"قد<br />

. 61<br />

145<br />

76<br />

1) ( وقولھ:‏<br />

‏[فقدره تقدیراً]،‏ قال البغوي:‏ فسواه وھیأه لما یصلح لھ لا خلل فیھ ولا<br />

تفاوت،‏ وقیل:‏ قدر لكل شيء تقدیراً‏ من الأجل والرزق،‏ فجرت المقادیر على ما<br />

خلق ا-ھ.‏<br />

‏[بقدَر]،‏ قال البغوي:‏ أي ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ<br />

ا-ھ.‏<br />

( 3 )<br />

أي قبل حینھ وأوانھ.‏ وما دام الأمر كذلك،‏ فإنھ لحري بالمسلم أن لا یخشى إلا<br />

اللھ،‏ وأن لایخاف المخلوق أیاً‏ كان،‏ فإن خوف المخلوق مضیعة للوقت،‏<br />

وإرھاق للأعصاب،‏ وھو بنفس الوقت لایقدم أجلاً‏ ولا یؤخر،‏ ولا یمنع من رزق<br />

2) ( وقولھ:‏


فالمقتول میتٌ‏ بأجلھ،‏ فعلِمَ‏ اللھُ‏ تعالى وقد َّرَ‏ وقضى أن ھذا یموت بسبب<br />

المرضِ‏ ، وھذا بسبب القتل،‏ وھذا بسبب الھدمِ‏ ، إِلى غیر ذلك من الأسباب،‏<br />

واللھ سبحانھ خلق الموت والحیاة،‏ وخلقَ‏ سببَ‏ الموتِ‏ والحیاة.‏<br />

‏-تأثیرُ‏ صلةِ‏ الرحم في زیادة العُمُرِ‏ ونقصانِھ-‏<br />

قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"صِ‏ ‏لَةُ‏ الرحمِ‏ تزیدُ‏ في العمرِ‏ " (1) . أي:‏ سببُ‏ طولِ‏<br />

العمر،‏ وقد قد َّر أن ھذا یصِ‏ لُ‏ رحمھ،‏ فیعیش بھذا السبب إِلى الغایة،‏ ولولا<br />

ذلك السببُ‏ لم یصل إِلى ھذه الغایة،‏ ولكن قدر ھذا السبب وقضاه.‏<br />

‏-ھل للدعاء أثرٌ‏ في زیادةِ‏ العمر ونقصانھ ؟-‏<br />

الجواب:‏ أن الدعاء لیس لھ أثر في زیادة العمر ونقصانھ،‏ لقولھ<br />

حبیبة رضي اللھ عنھا:‏ ‏"قد سألتِ‏ اللھَ‏ لآجالٍ‏ مضروبة"،‏ كما تقدم.‏<br />

فعُلِمَ‏ أن الأعمارَ‏ مقدرةٌ،‏ لم یُشرَ‏ عُ‏ الدعاءُ‏ بتغییرھا (2) ، أما إن كان<br />

ε لأم<br />

ε<br />

مقدور.‏ وقد جاء في الحدیث عن النبي أنھ قال:‏ ‏"لا یمنعن َّ رجلاً‏ ھیبة الناس أن<br />

یقول بحق إذا علمھ،‏ فإنھ لا یقرب من أجل ولا یبعد من رزق".‏<br />

(1 ( صحیح.‏ وفي حدیث آخر،‏ عن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"من سره<br />

أن یُعظِم اللھ رزقھ،‏ وأن یمد في أجلھ،‏ فلیصل رحمھ"‏ متفق علیھ.ومن حدیث<br />

أنس،‏ عن النبي أنھ قال:‏ ‏"من سره أن یُبسط لھ في رزقھ،‏ ویُنسأ في أثره،‏<br />

فلیصل رحمھ".‏ صحیح سنن <strong>أبي</strong> داود:‏ (1485). فإنْ‏ قیلَ:‏ إذا كانت الأرزاق<br />

مقسومة والآجال مضروبة لا تتأخر ولا تتقدم،‏ فكیف تكون صلة الرحم سبباً‏ في<br />

زیادة الرزق وطول العمر؟ فالجواب:‏ أن اللھ تعالى یعلم من عبده ‏-قبل خلقھ<br />

وقبل كتابة القلم-‏ أنھ سیصل رحمھ،‏ ویبر والدیھ وأقاربھ من ذوي الحقوق علیھ،‏<br />

وبناء على علمھ المتقدم ھذا یقدر لھ الزیادة في الرزق والعمر،‏ وكون صلة<br />

الأرحام سبباً‏ في زیادة الرزق والعمر لا یخرج ذلك عن كونھ بقضاء وقدر من<br />

خالق علیم قدیر.‏<br />

(2 ( ھذا الكلام لا یصح على إطلاقھ،‏ وبخاصة أن الس ُّن َّة دلت على خلافھ،‏ حیث أن<br />

النبي دعا لأنس بن مالك بطول العمر،‏ كما في الحدیث عنھ قال:‏ دعا لي<br />

رسول اللھ فقال:‏ ‏"اللھم أكثر مالھ وولده وأطل حیاتھ"،‏ فاللھ أكثر مالي حتى<br />

إن كرماً‏ لي لتحمل في السنة مرتین،‏ وولد لصلبي مئة وستة.‏ وقد عم َّرَ‏ مئة<br />

وثلاث سنین،‏ وقیل:‏ مئة وسبع سنین .. وكذلك لما أصیب سعد بن معاذ یوم<br />

الخندق،‏ قال:‏ اللھم إن كنت أبقیت من حرب قریش شیئاً،‏ فأبقني لھا.‏ وكذلك<br />

دعوة سعد بن <strong>أبي</strong> وقاص على الرجل الذي قال في سعد:‏ فإنھ كان لا یعدل في<br />

τ<br />

77<br />

ε<br />

ε


الدعاءُ‏ بتغییر العمر یتضمن النفع الأخروي،‏ فھو مشروع،‏ كما قال<br />

ε: ‏"اللھم بعلمك الغیب،‏ وقدرتك على الخلق أحیني ما كانت الحیاة<br />

خیراً‏ لي،‏ وتوفني إذا كانت الوفاةُ‏ خیراً‏ لي"‏ (1) . وكان الإمام أحمد<br />

رحمھ اللھ یكره أن یُدعى لھ بطول العمر،‏ ویقول:‏ ھذا أمر قد فُرِ‏ غَ‏<br />

منھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ولم یَخْفَ‏ علیھ شيءٌ‏ قبل أن یخلُقَھُم وعَلِمَ‏ ما ھم<br />

عاملون قبل أن یَخلُقَھم".‏<br />

ش:‏ یعلم سبحانھ ما كان،‏ وما یكون،‏ وما لم یكن أن لو كان<br />

كیف یكون،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولو رُد ُّوا لعادوا لِمَا نُھوا عنھ]‏<br />

الأنعام:‏ ‏[ولو عَلِمَ‏ اللھُ‏ فیھم خیراً‏ لأسمعَھم ولو أسمعھم لتول َّوا<br />

وھم مُعرضون]‏ الأنفال:‏ 23. وفي ذلك رد ٌّ على الرافضة<br />

78<br />

.28<br />

القضیة،‏ ولا یقسم بالسویة،‏ ولا یسیر بالسریة،‏ فقال سعد:‏ اللھم إن كان كاذباً،‏<br />

فأعم بصره،‏ وأطل عمره،‏ وعرضھ للفتن.‏ قال عبد الملك بن عمیر:‏ فأنا رأیتھ<br />

بعدُ‏ یتعرض للإماء في السكك.‏ فإذا سُئل كیف أنت؟ قال:‏ كبیر مفتون،‏ أصابتني<br />

دعوة سعد.‏ والقصة متفق على صحتھا فقد رواھا البخاري ومسلم.‏ فدل أن<br />

الدعاء لھ تأثیر في زیادة العمر ونقصانھ،‏ وقد صح عن النبي أنھ قال:‏ ‏"لا<br />

یرد القدر إلا الدعاء"،‏ ولا شك أن الموت والحیاة،‏ والأعمار ھي من القدر،‏<br />

كما قال تعالى:‏ ‏[وإن من شيء إلا بقدر]‏ ، وما استدل بھ الشارح ‏-رحمھ اللھ-‏<br />

على منع تأثیر الدعاء في الأعمار لاحجة فیھ،‏ حیث أن النبي لم ینكر على أم<br />

حبیبة رضي اللھ عنھا دعاءھا بأن یمتعھا اللھ بزوجھا النبي<br />

وأخیھا،‏ وإنما بین لھا أن ما سألتھ فھو مقدور وكائن لا محال،‏ ثم بین لھا<br />

الدعاء الأفضل،‏ فقال لھا:‏ ‏"ولو كنت سألت اللھ أن یعیذك من عذاب في النار<br />

وعذاب في القبر،‏ كان خیراً‏ وأفضل".‏ فمفھوم الحدیث أن سؤالھا بأن یمتعھا<br />

اللھ تعالى بالنبي ε، وبأبیھا وبأخیھا فضیل،‏ ولكن الأفضل لو سألت اللھ أن<br />

یعیذھا من عذاب في النار،‏ وعذاب في القبر.‏<br />

فإن قیل الآجال محدودة فیكف یكون الدعاء سبباً‏ في إطالتھا؟<br />

فالجواب:‏ یقال ما قیل في تأثیر صلة الرحم على إطالة العمر،‏ حیث أن اللھ<br />

تعالى یعلم أن ھذا العبد سیُدعى لھ بطول العمر،‏ وینال الدعاء عند اللھ تعالى<br />

القبول،‏ فیطیل أجلھ وعمره بناء على علمھ السابق في ذلك قبل خلقھ.‏<br />

(1 ( صحیح،‏ رواه النسائي،‏ والحاكم وصححھ،‏ ووافقھ الذھبي.‏<br />

ε، وبأبیھا<br />

ε<br />

ε


والقدریة الذین قالوا:‏ إنھ لایعلمُ‏ الشيءَ‏ قبل أن یخلُقَھ<br />

ویوجِ‏ دَه (1) !!<br />

قولُھ:‏ ‏"وأمرَھُم بطاعتھ (2) ، ونھاھم عن معصیتھ (3) ".<br />

ش:‏ ذكر الشیخ رحمھ اللھ الأمرَ‏ والنھي،‏ بعد ذكره الخلقَ‏ والقَدَر،‏ إشارة<br />

إِلى أن اللھ تعالى خلق الخلْقَ‏ لعبادتھ (4) ، كما قال تعالى:‏ ‏[وما خلقت الجن<br />

(1 ( وھذا كفر،‏ لتضمنھ الشتم ووصف اللھ تعالى بالعجز والضعف،‏ وبما لا یلیق<br />

بأسمائھ الحسنى وصفاتھ العلیا.‏ واعلم أن أي إطلاق أو تعبیر بحق اللھ تعالى<br />

مفاده وصف اللھ تعالى بصفات تتضمن الضعف والنقص والعجز،‏ فھو كفر<br />

یوقع صاحبھ بالكفر والردة.‏<br />

( 2 )<br />

الطاعة منھا ما یعتبر من لوازم الإیمان ومتطلباتھ؛ وھو العمل بالتوحید قلباً‏<br />

وقالباً‏ واجتناب الشرك،‏ وكذلك إقامة الصلاة،‏ فھذا جانب ینتفي الإیمان بانتفائھ،‏<br />

وما دون ذلك من الطاعات تعتبر من مكملات الإیمان،‏ یزداد الإیمان بإتیانھا<br />

والقیام بھا،‏ وینقص بتركھا،‏ ولا ینتفي مطلقاً‏ بانتفائھا.‏<br />

(3 ( من المعاصي ما تخرج صاحبھا من الملة وتوقعھ في الكفر والردة،‏ وذلك<br />

عندما تصل إِلى درجة الشرك أو الكفر باللھ تعالى،‏ كالتوجھ بالعبادة أو بشيء<br />

من مجالاتھا لغیر اللھ تعالى فھو كفر یخرج صاحبھ من الملة،‏ وكذلك مظاھرة<br />

المشركین على المسلمین وغیرھا من المعاصي والممارسات التي تعتبر من<br />

نواقض الإیمان.‏<br />

وما سوى ذلك من المعاصي كارتكاب الكبائر وما دونھا من الذنوب،‏ فھي توجب<br />

على صاحبھا الوعید والعذاب،‏ ولكن لا تنفي عنھ مطلق الإیمان الذي ینفع<br />

صاحبھ یوم القیامة.‏ والمعصیة تطلق في القرآن والسنة على الكفر،‏ وعلى ما ھو<br />

79<br />

دون الكفر.‏<br />

( 4 )<br />

اعلم أن غایة الغایات التي لأجلھا خلق الإنس والجن عبادة اللھ Υ، فحیثما<br />

تتحقق سلامة العبادة ‏-بمفھومھا الشامل-‏ وجب على المسلم أن یقیم ویشد إلیھ<br />

الرحال،‏ وحیثما تنعدم<br />

سلامة العبادة والدین یتعین على المسلم الفرار بدینھ من ذلك المكان إِلى حیث<br />

تتحقق سلامة العبادة،‏ والشح بالوطن والدیار والأموال لا یبرر لصاحبھ قط أن<br />

یتخلف عن عبادة اللھ كما أُمِر،‏ والھجرة ما شرعت إلا لتحقیق ھذا المطلب<br />

الھام.‏


والإنس إلا لیعبدون]‏ الذاریات:‏ ‏[الذي خلق الموت والحیاة لیبلوكم<br />

أیكُم أحسنُ‏ عملاً]‏ الملك:‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وكُ‏ َّل شيءٍ‏ یجري بتقدیره ومشیئتِھِ،‏ ومشیئَتُھ تنفذُ،‏ لا<br />

مشیئةَ‏ للعبادِ‏ إلا ما شاءَ‏ لھم،‏ فما شاء لھم كان،‏ وما لم یشَأْ‏ لم<br />

80<br />

.56<br />

. 2<br />

یكُنْ‏ " .<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وما تشاءون إلا أن یشاءَ‏ اللھُ‏ إن اللھَ‏ كان علیماً‏ حكیماً]‏<br />

الدھر:‏ ‏[وما تشاؤون إلا أن یشاء اللھُ‏ رب ُّ العالمین]‏ التكویر:‏<br />

‏[ولو أننا نز َّلنا إلیھم الملائِكةَ‏ وك َّلمھم الموتى وحشرنا علیھم كُل َّ شيءٍ‏<br />

قُبُلاً‏ ما كانوا لیؤمنوا إلا أن یشاءَ‏ اللھ]‏ الأنعام:‏‎111‎‏.‏ ‏[ولو شاء رب ُّكَ‏ لآمن<br />

من في الأرض كُل ُّھم جمیعاً]‏ یونس:‏ . وقال تعالى حكایة عن نوح υ إذ<br />

قال لقومھ:‏ ‏[لا ینفعكم نُصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان اللھُ‏ یریدُ‏ أن<br />

یغویَكُم]‏ ھود:‏ . إِلى غیر ذلك من الأدلة على أنھ ما شاء اللھُ‏ كان وما<br />

لم یشَأْ‏ لم یكن.‏ وكیف یكون في ملكھِ‏ ما لا یشاؤه!‏ ومَن أضل ُّ سبیلاً‏ وأكفر<br />

ممن یزعم أن اللھَ‏ شاءَ‏ الإیمان من الكافر،‏ والكافرُ‏ شاءَ‏ الكفر،‏ فغلبت<br />

مشیئةُ‏ الكافر مشیئةَ‏ اللھ ! تعالى اللھ عما یقولون علواً‏ كبیراً.‏<br />

‏-شبھةٌ‏ ور ٌّد-‏<br />

فإن قیل:‏ یُشكِلُ‏ على ھذا قولھ تعالى:‏ ‏[سیقول الذین أشركوا لو شاء<br />

اللھُ‏ ما أشركنا ولا آباؤنا]‏ الأنعام:‏ ‏[وقال الذین أشركوا لو<br />

شاء اللھ ما عبدنا من دونھ من شيء]‏ النحل:‏ ‏[وقالوا لو شاء<br />

الرحمن ما عبدناھم مالھم بذلك من علم إن ھم إلا یخرصون]‏ الزخرف:‏<br />

. فقد ذمھم اللھُ‏ تعالى حیثُ‏ جعلوا الشرك كائناً‏ منھم بمشیئة اللھ ؟<br />

فقد أجیب على ھذا بأجوبة،‏ منھا:‏<br />

أنھ أنكر علیھم ذلك،‏ لأنھم احتجوا بمشیئتھ على رضاه ومحبتھ،‏ وقالوا:‏<br />

لو كره ذلك وسَخِ‏ طَھ،‏ لما شاءه فجعلوا مشیئتھ دلیل رضاه،‏ فرد اللھ<br />

علیھم ذلك.‏ أو أنھ أنكر علیھم اعتقادھم أن مشیئة اللھ دلیلٌ‏ على أمره.‏<br />

فجعلوا المشیئة العامة دافعة للأمر،‏ فلم یذكروا المشیئة على جھة<br />

التوحید (1) ، وإنما ذكروھا معارضین بھا لأمره،‏ دافعین بھا لشرعھ،‏ كفعل<br />

. 29<br />

99<br />

148. وقولھ:‏<br />

35. وقولھ:‏<br />

34<br />

Ι<br />

. 30<br />

20<br />

( 1 )<br />

أي توحید اللھ في مشیئتھ النافذة في شؤون خلقھ،‏ القاھرة لجمیع المشیئات<br />

والتي لاتعلوھا ولا تشركھا مشیئة مخلوق أیاً‏ كانت صفتھ ونوعھ.‏


الزنادقة،‏ والجھال،‏ إذا أمروا أو نھوا احتجوا بالقدر،‏ وقد احتج َّ سارق على<br />

عمر بالقدر،‏ فقال:‏ وأنا أقطع یدك بقضاء اللھ وقدره،‏ یشھد لذلك قولھ<br />

تعالى:‏ ‏[كذلك كذب الذین من قبلھم]‏ الأنعام:‏ . فعلم أن مرادھم<br />

التكذیب.‏<br />

- حدیثُ‏ احتجاجِ‏ آدم على موسى<br />

فإن قیل:‏ فما تقولون في احتجاج آدم على موسى بالقدَر،‏ إذْ‏ قال لھ<br />

أتلومني على أمرٍ‏ قد كتبھ اللھ علي َّ قبل أن أُخلق بأربعین عاماً؟ وشھد النبي<br />

أن آدم حج َّ موسى،‏ أي:‏ غلبھ بالحُج َّة (1) .<br />

قیل:‏ نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة،‏ لصحتھ عن رسول اللھ<br />

والصحیح أن آدم لم یحتج بالقضاء والقدر على الذنب،‏ وھو كان أعلم بربھ<br />

وذنبھ،‏ بل آحادُ‏ بنیھ من المؤمنین لایحتج ُّ بالقدَر (2) ، فإنھ باطل،‏ وموسى υ<br />

كان أعلم بأبیھ وبذنبھ من أن یلوم آدمَ‏ υ على ذنبٍ‏ قد تاب منھ وتاب اللھُ‏<br />

علیھ،‏ وإنما وقع اللومُ‏ على المصیبة التي أخرجت أولاده من الجنة فاحتج<br />

بالقدر على المصیبة،‏ لا على الخطیئة،‏ فإن القدر یُحتج بھ عند<br />

المصائب (3) ، لا عند المعایب.‏<br />

،ε<br />

-<br />

148<br />

ε<br />

آدم υ<br />

81<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

الحدیث متفق علیھ.‏<br />

أي على المعصیة،‏ كما ھو شأن الفساق والكفرة حیث تراھم یحتجون بالقدر<br />

على ارتكاب الذنوب والشرك،‏ وھو قول أقرب ما یكون إِلى مذھب الجبریة في<br />

القدر.‏<br />

(3 ( لأن الاستشھاد بالقدر عند المصائب من شأنھ أن یخفف من وطأة المصیبة<br />

على المصاب المبتلى،‏ ویكسیھ ثوب الرضى بقضاء اللھ وقدره،‏ ویرفع عنھ<br />

الآسى الشدید الذي غالباً‏ ما یؤدي بصاحبھ إِلى المرض أو الموت .. وحالات<br />

الانتحار التي نشھدھا في العالم الغربي الكافر ما ھي إلا بسبب فقدانھم لنعمة<br />

عقیدة القضاء والقدر كما بینھا الإسلام.‏<br />

فالإنسان عندما یؤمن أن ما أصابھ لم یكن لیخطئھ،‏ وأن خیرة اللھ لعبده خیر لھ<br />

من خیرة العبد لنفسھ،‏ وأنھ مأجور على ما أصابھ من بلاء إن شكر وصبر،‏ فإنھ<br />

لا یحصل لھ شيء من القلق والجزع والخوف والأسى جراء نزول المصائب<br />

كما یحصل لمن لا یؤمن باللھ تعالى ولا بقضائھ وقدره.‏ إذاً‏ فالقضاء والقدر من<br />

ثماره أنھ یھب المرء التفسیر الصحیح لكل ما یجري حولھ من أحداث وأمور<br />

وبخاصة الغامضة منھا-‏ من غیر مرض أو قلق أو جنون.‏<br />

-


وأما قول إبلیس:‏ ‏[ربِّ‏ بما أغویتني لأُزینن َّ لھم في الأرضِ‏ ولأغوین َّھم<br />

أجمعین]‏ الحجر:‏ 39. إِنما ذُم َّ على احتجاجھ بالقدر (1) ، لا على اعترافھ<br />

بالقدر وإثباتھ لھ،‏ ألم تسمع قول نوح υ ‏[ولا ینفعكم نُصحي إن أردت أن<br />

أنصحَ‏ لكم إن كان اللھُ‏ یریدُ‏ أن یغویَكُم ھو رب ُّكم وإلیھ تُرجعون]‏ ھود:‏<br />

34<br />

:<br />

.<br />

وعن وھب بن مُنبّ‏ ‏ِھ أنھ قال:‏ نظرت في القدر فتحیرت،‏ ثم نظرت فیھ<br />

فتحیرت،‏ ووجدت أعلَمَ‏ الناسِ‏ بالقدر أكف َّھُم عنھ،‏ وأجھلَ‏ الناس بالقدر<br />

أنطقَھُم فیھ (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"یھدي من یشاء،‏ ویَعصِ‏ ‏مُ‏ ویُعافي فضلاً،‏ ویُضِ‏ ‏ل ُّ من<br />

یشاءُ‏ ویخذُلُ‏ ویبتلي عدلاً"‏ .<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[إنك لا تھدي من أحببت ولكن اللھ یھدي من یشاء]‏ (3)<br />

القصص:‏ ‏[ولو شئنا لآتینا كل نفسٍ‏ ھداھا]‏ السجدة:‏ ‏[یُضِ‏ ُّل<br />

اللھُ‏ من یشاء ویھدي من یشاء]‏ المدثر:‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وكُل ُّھم یتقلبون في مشیئتھِ،‏ بین فضلِھ وعدلھ".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[ھو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ‏ ومنكم مؤمن]‏ التغابن:‏<br />

فمن ھداه إِلى الإیمان،‏ فبفضلِھ ولھ الحمد،‏ ومن أضل َّھُ‏ فبعدلِھ ولھ الحمد (4) .<br />

.2<br />

13. وقال:‏<br />

. 31<br />

.56<br />

(1 ( ذم على احتجاجھ بالقدر على فعل الذنب والإغواء والتزیین.‏<br />

(2 ( صح عن النبي أنھ قال:‏ ‏"إذا ذُكر القدر فأمسكوا".‏ أي لا تسترسلوا في<br />

الحدیث عن القدر،‏ فتخوضوا فیما لا یعنیكم،‏ فتضلوا،‏ لأن الخوض فیما ھو فوق<br />

المقدور وحدود المعقول،‏ مآلھ غالباً‏ إِلى الھلاك والضلال،‏ والسلامة تقتضي<br />

الإقتصار على المشروع والمعقول.‏<br />

الھدایة المنفیة عن نبینا ε، ھي ھدایة الإعانة والتوفیق أو المشیئة النافذة فیما<br />

شاء أو أحب،‏ وھذه الھدایة لیست لأحد سوى اللھ تعالى،‏ أما الھدایة بمعنى<br />

التبیین والنصح والإرشاد فھي المثبتة لنبینا ومن كان على نھجھ من العلماء<br />

الصالحین.‏ وھذا من لوازمھ تعلق القلب بخالقھ،‏ ونشدان الھدایة ممن بیده<br />

القدرة على الھدایة والاضلال دون أحد سواه.‏<br />

( 4 )<br />

فبعدلھ،‏ لأن اللھ تعالى منزه عن الظلم،‏ فلا یصدر عنھ إلا العدل المطلق،‏ كما<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولایظلم ربك أحداً]،‏ وھو یبغض الظلم من عباده،‏ كما في الحدیث<br />

القدسي الصحیح:‏ ‏"یاعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلتھ بینكم محرماً‏<br />

ε<br />

82<br />

ε<br />

( 3 )


قولُھ:‏ ‏"وھو مُتَعالٍ‏ عن الأضدادِ‏ والأندادِ"‏ .<br />

ش:‏ الضد:‏ المخالف،‏ والند:‏ المثل،‏ فھو سبحانھ لا معارض لھ (1) ، ولا<br />

الإخلاص:‏<br />

مثل،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولم یكن لھ كُفُواً‏ أحد]‏ (2)<br />

الشیخ بنفي الضد والند إِلى الرد على المعتزلة في زعمھم أن العبد یخلق<br />

فعلھ (3) .<br />

4. ویشیر<br />

83<br />

( 2 )<br />

فلا تظالموا"،‏ ومن الأخطاء الشائعة الجاریة على لسان عوام الناس،‏ إذا ظُلِمَ‏<br />

أحدھم تراه یقول لظالمھ:‏ اللھ یظلمك مثل ما ظلمتني!!‏ وھذا لا یجوز.‏<br />

(1 ( من لوازم صحة التوحید وشروطھ الإنقیاد والرضى،‏ وأن یسلم العبد بأن اللھ<br />

تعالى لا معارض لقولھ وحكمھ،‏ والتسلیم بأن إرادة الشعب أو للأكثریة الحق في<br />

أن تعارض حكم اللھ،‏ أو أن تعقب علیھ،‏ وأن حكمھا ھو الذي یجب أن ینفذ<br />

ویطبق وإن كان باطلاً‏ شرعاً،‏ كما تنص على ذلك الدیمقراطیة،‏ لھو صریح<br />

الكفر والإرتداد عن الدین.‏ ومع ذلك ما أكثر أولئك الذین یتشدقون بالدیمقراطیة<br />

ویطالبون بھا،‏ صدق اللھ:‏ ‏[وما یؤمن أكثرھم باللھ إلا وھم مشركون].‏<br />

فكما أن اللھ تعالى لا مثل لھ في ذاتھ وصفاتھ وأفعالھ،‏ فكذلك لا مثل لھ في<br />

شيء من خصائصھ تعالى التي تفرد بھا دون خلقھ،‏ والتي منھا أنھ المعبود بحق<br />

المستحق لكمال العبادة،‏ وأنھ تعالى لھ الحكم والتشریع وخاصیة التحلیل<br />

والتحریم،‏ وأنھ تعالى یحكم ما یرید من غیر أن یعقب علیھ أحد،‏ وأنھ تعالى فوق<br />

المساءلة لا یُسأل عما یفعل وما سواه من الخلق یسألون،‏ ومنھا أنھ تعالى<br />

المحبوب لذاتھ وما سواه یُحب لھ سبحانھ،‏ وأنھ كذلك المطاع لذاتھ وما سواه<br />

یطاع لأجلھ وفي الحق الذي یحبھ تعالى،‏ وأنھ تعالى وحده الضار النافع بیده<br />

الخیر والشر،‏ یعلم ما كان وما سیكون .. فھذه خصائص تفرد بھا اللھ وحده فمن<br />

ادعى شیئاً‏ منھا لنفسھ فقد ادعى الإلھیة وجعل من نفسھ نداً‏ تعالى،‏ ومن أقر لھ<br />

بھذه الخصائص أو بشيء منھا،‏ فقد اتخذه معبوداً‏ من دون اللھ وأقر لھ بالإلھیة<br />

وخصائصھا.‏<br />

(3 ( لأن ھذا القول من المعتزلة یستلزم منھم أن یجعلوا العبد المخلوق نداً‏ Υ في<br />

خاصیة الخلق،‏ حیث أضافوا إلیھ صفة الخلق،‏ فھو خالق لفعلھ كما أن اللھ تعالى<br />

خالق!!‏ أقول:‏ أیضاً‏ في كلام الشیخ رحمھ اللھ رد على من یدعي لنفسھ حقوق<br />

وخصائص ھي من خصائص الإلھیة،‏ كحق الحكم والتشریع،‏ وسن القوانین،‏<br />

وحق الطاعة من دون اللھ،‏ وغیرھا من الخصائص التي تقدم ذكرھا،‏ فمن ادعى<br />

لنفسھ شیئاً‏ من ھذا فقد ادعى الألوھیة،‏ وجعل من نفسھ نداً‏ Υ، ومن كانت ھذه<br />

صفتھ ودعواه فمن الإرجاء أن یناقش كفره،‏ ویحصل تردد في تكفیره.‏


قولُھ:‏ ‏"لا راد َّ لقضائھ،‏ ولا مُعقّ‏ ‏ِب لحُكْمِھ،‏ ولا غالِبَ‏ لأمرِ‏ ه".‏<br />

(1)<br />

ش:‏ أي لا یرد ُّ قضاءَ‏ اللھِ‏ راد ٌّ ، ولایعقبُ‏ ، أي:‏ لا ِ یؤخّر حكمَھ<br />

مؤخرٌ‏ (2) ، ولا یغلبُ‏ أمره غالبٌ‏ بل ھو اللھُ‏ الواحد القھار.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"آمنا بذلك كُل ُّھ،‏ وأیقَن َّا أن َّ كُلا‏ من عنده"‏ .<br />

ش:‏ أما الإیمان،‏ فسیأتي الكلام علیھ إن شاء اللھ تعالى،‏ في موضعھ.‏<br />

وقولھ كُلا:‏ أي كل كائن مُحدَثٍ‏ من عند اللھ،‏ بقضائھ وقدره وإرادتھ<br />

ومشیئتھ وتكوینھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وإن محمداً‏ عبدُه المصطفى،‏ ونبی ُّھُ‏ المجتبى،‏ ورسولُھ<br />

المُرتَضى"‏ .<br />

ش:‏ الإصطفاءُ‏ والإجتباء والإرتضاء:‏ متقار ‏ُب المعنى.‏<br />

‏-كمال المخلوق في تحقیق عبودیتھ تعالى وحده-‏<br />

84<br />

( 1 )<br />

أي مھما اتخذ الإنسان من أسباب المنعة والحیطة،‏ فإنھ لا یستطیع أن یرد<br />

قضاء اللھ تعالى،‏ فقضاؤه تعالى واقع لا محالة،‏ ومنھ یفھم قولھ تعالى:‏ ‏[أینما<br />

تكونوا یدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشیدة]‏ النساء:‏<br />

العبد لا یبلغ حقیقة الإیمان حتى یعلم أن ما أصابھ لم یكن لیخطئھ،‏ وما أخطأه لم<br />

یكن لیصیبھ".‏ وقولھ ε <strong>لابن</strong> عباس:‏ ‏"اعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم<br />

یردك اللھ بھ لم یقدروا علیھ".‏ ولا شك أن ھذه العقیدة ‏-عقیدة القضاء والقدر-‏<br />

من ثمارھا أنھا تكسب المرء الرضى والفھم الصحیح لما یطرأ علیھ من<br />

الأحداث،‏ وكذلك تكسبھ السكینة،‏ والتوكل على اللھ وحده،‏ وعدم الخوف من<br />

المخلوق أیاً‏ كان.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[واللھ یحكم لا معقب لحكمھ]‏ الرعد:‏ 41. قال الشوكاني في<br />

التفسیر:‏<br />

المعقب:الذي یكر على الشيء فیبطلھ وحقیقتھ الذي یقفیھ بالرد والإبطال.‏ قال<br />

الفراء:‏ معناه لا راد لحكمھ،‏ والمعقب الذي یتبع الشيء فیستدركھ،‏ والمراد من<br />

الآیة:‏ أنھ لا یتعقب أحدكم اللھ سبحانھ بنقص ولا تغییر.‏ وأخرج ابن <strong>أبي</strong> حاتم<br />

عن ابن زید:‏ لیس أحد یتعقب حكمھ فیرده كما یتعقب أھل الدنیا بعضھم حكم<br />

بعض فیرده.‏ ا-ھ.‏<br />

أقول:‏ مما تقدم یعلم أن معنى كلمة ‏"یعقب"‏ لایصح أن تحمل على معنى التأخیر،‏<br />

واللھ تعالى أعلم.‏<br />

78. وقولھ ε: ‏"إن<br />

( 2 )


ε<br />

اعلم أن كمالَ‏ المخلوق في تحقیق عبودیتھ تعالى،‏ وكلما ازدادَ‏ العبدُ‏<br />

تحقیقاً‏ للعبودیة ازدادَ‏ كمالُھ،‏ وعلت درجتھ،‏ ومن توھم أن المخلوق یخرج<br />

عن العبودیة بوجھٍ‏ من الوجوه (1) ، وأن الخروجَ‏ عنھا أكملُ،‏ فھو من أجھل<br />

الخلق وأضلّ‏ ‏ِھم،‏ قال تعالى:‏ ‏[وقالوا اتخذ الرحمن ولداً‏ سبحانھ بل عبادٌ‏<br />

مكرمون]‏ الأنبیاء:‏ 26. وذكر نبیھ باسم العبد في أشرف المقامات،‏ قال<br />

تعالى:‏ ‏[سبحان الذي أسرى بعبده]‏ الإسراء:‏ ‏[وأنھ لما قام عبدُ‏ اللھ<br />

یدعوه]‏ الجن:‏ ‏[فأوحى إِلى عبده ما أوحى]‏ النجم:‏ 10. وبذلك استحق<br />

التقدیم على الناس في الدنیا والآخرة،‏ ولذلك یقول المسیح υ یوم القیامة إذ<br />

طلبوا منھ الشفاعة:‏ ‏"اذھبوا إِلى محمدٍ،‏ عبدٌ‏ غُفر لھ ما تقدم من ذنبھ<br />

فحصلت لھ تلك المرتبةُ‏ بتكمیل عبودیتھ تعالى.‏<br />

وما تأخر"‏ (2)<br />

‏-صِ‏ دْقُ‏ الأنبیاء دلیلٌ‏ على صدقِ‏ نبو َّ تِھم-‏<br />

فإن النبوة إنما یدعیھا أصدقُ‏ الصادقین،‏ أو أكذب الكاذبین،‏ ولا یلتبس<br />

ھذا بھذا إلا على أجھل الجاھلین،‏ بل قرائنُ‏ أحوالھما تُعربُ‏ عنھما وتُعرّ‏<br />

بھما،‏ والتمییز بین الصادق والكاذب لھ طرق كثیرة،‏ فیما دون دعوى<br />

النبوة،‏ فكیف بدعوى النبوة؟!‏<br />

وما من أحدٍ‏ ادعى النبو َّ ةَ‏ من الكذابین،‏ إلا وقد ظھر علیھ من الجھل<br />

والكذبِ‏ والفجور واستحواذِ‏ الشیاطین علیھ،‏ إذ الصدق مستلزم للبّ‏ ‏ِر،‏<br />

والكذب مستلزم للفجور،‏ كما في الصحیحین عن النبي أنھ قال:‏ ‏"علیكم<br />

بالصدقِ‏ فإن الصدقَ‏ یھدي إِلى ِ البرّ‏ ، وإن البِر َّ یھدي إِلى الجنة،‏ ولا یزال<br />

ِ ف<br />

ε<br />

.1<br />

.19<br />

85<br />

( 1 )<br />

الإنسان محتاج ضعیف فُطر على النقص،‏ وبالتالي فھو مفطور على العبودیة<br />

یسعى دائماً‏ لیسد حاجتھ ونقصھ في ھذا المجال،‏ فمن لم یعبد اللھ الغني الرزاق<br />

بحق،‏ فھو لا شك یعبد عبداً‏ ضعیفاً‏ محتاجاً‏ مثلھ،‏ فھو عابدٌ‏ على كل الأحوال فمن<br />

لم یكن عبداً‏ فھو عبد لغیره،‏ ومن لم یدعو ویرجو اللھ فھو یدعو غیره،‏ ومن<br />

لم یعلق قلبھ رجاءً‏ واتكالاً‏ على اللھ یعلق قلبھ بغیره من خلقھ،‏ ومن لا یتحاكم<br />

إِلى اللھ یتحاكم إِلى غیره،‏ ومن لا یطیع اللھ ویحبھ،‏ یطع غیره من خلقھ،‏ ومن<br />

لم یضح في سبیل اللھ سیضحي في سبیل الطاغوت،‏ ومن فر َّ من العبودیة <br />

تعالى فھو واقع في عبادة غیره لا محالة.‏ وشتان شتان بین من یكون عبداً‏ <br />

الواحد الأحد الفعال لما یرید الذي بیده كل الأمر،‏ ومن یكون عبداً‏ للطاغوت<br />

الذي لایملك نفعاً‏ ولا ضراً‏ بكل ما تعني ھذه الكلمة من معنى.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏


الرجل یصدق ویتحرى الصدق حتى یُكتب عند اللھ صِ‏ دّ‏ ‏ِیقاً،‏ وإیاكم والكذب<br />

فإن الكذبَ‏ یھدي إِلى الفجور،‏ وإن الفجور یھدي إِلى النار،‏ ولا یزالُ‏ الرجلُ‏<br />

یكذب ویتحرى الكذب حتى یُكتبَ‏ عند اللھ كذ َّاباً".‏<br />

ولھذا قال تعالى:‏ ‏[ھل أنبئكُم على من تنز َّلُ‏ الشیاطین.‏ تنز َّلُ‏ على كل<br />

أف َّاكٍ‏ أثیم یُلقُونَ‏ السمعَ‏ وأكثرھم كاذبون.‏ والشعراءُ‏ یت َّبِعُھُم الغاوون.‏ ألم<br />

تر أن َّھم في ِ كلّ‏ وادٍ‏ یھیمون.‏ وأن َّھم یقولون ما لا یفعلون الشعراء:‏<br />

-221<br />

[<br />

86<br />

.226<br />

فالكھّان ونحوھم،‏ وإن كانوا أحیاناً‏ یخبرون بشيء من الغیبیات،‏ ویكون<br />

صدقاً،‏ فمعھم من الكذب والفجور ما یبین أن الذي یخبرون بھ لیس عن ملَ‏ ‏ٍك<br />

ولیسوا بأنبیاء.‏<br />

فمن عرف الرسولَ‏ وصدقھ ووفاءَهُ‏ ومطابقة قولھ لعملھ،‏ عَلِمَ‏ علماً‏ یقینیاً‏<br />

أنھ لیس بشاعرٍ‏ ولا كاھن.‏ والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لا بد أن<br />

یتصف الرسولُ‏ بھا،‏ وھي أشرفُ‏ العلومِ‏ وأشرف الأعمال.‏ فكیف یشتبھ<br />

الصادق فیھا بالكاذب؟!‏ وكیف لا یتمیز الصادق في ذلك من الكاذب بوجوه<br />

من الأدلة؟!‏<br />

ولھذا لما كانت خدیجة رضي اللھ عنھا تعلم من النبي أنھ الصادق<br />

البار،‏ قال لھا لما جاءه الوحي:‏ " إني قد خشیت على نفسي"،‏ فقالت:‏ كلا<br />

واللھ لا یخزیك اللھُ‏ أبداً،‏ إنك لتَصلُ‏ الرحم،‏ وتصدُقُ‏ الحدیثَ‏ ، وتحم‏ ‏ُل<br />

الكَل َّ،‏ وتَقرِ‏ ي الضیفَ‏ ، وتكسبُ‏ المعدومَ،‏ وتُعینُ‏ على نوائب الحقِّ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

وكذلك قال النجاشي ُّ لما استخبرھم عما یُخبرُ‏ بھ،‏ واستقرأھم القرآن<br />

فقرؤوه علیھ:‏ إن ھذا والذي جاء بھ موسى لیخرجُ‏ من مشكاةٍ‏ واحدة (2) .<br />

وكذلك ورقة بن نوفل لما أخبره النبي بما رآه،‏ فقال:‏ ھذا ھو<br />

الذي كان یأتي موسى (4) .<br />

وكذلك ھِرَ‏ قْلُ‏ ملك الروم،‏ فإن النب َّي لما كتب إلیھ كتاباً‏ یدعوه فیھ إِلى<br />

الإسلام،‏ طلب من كان ھناك من العرب،‏ وكان أبو سفیان قد قدم في طائفة<br />

من قریش في تجارةٍ‏ إِلى الشام،‏ وسألَھم عن أحوال النبي ε، فسأل أبا<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

الناموس (3)<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

( 4 )<br />

(1 ( صحیح أخرجھ البخاري وغیره من حدیث عائشة.‏<br />

أخرجھ ابن اسحق في السیرة،‏ وسنده حسن.‏<br />

المراد بھ جبریل υ.<br />

أخرجھ البخاري،‏ وھو جزء من حدیث عائشة الذي تقدم.‏


سفیان،‏ وأمر الباقین إن كذب أن یكذبوه،‏ فصاروا بسكوتھم موافقین لھ في<br />

الإخبار،‏ وكان مما سألھم:‏ ھل كنتم تتھمونھ بالكذب قبل أن یقول ما قال؟<br />

فقالوا:‏ لا،‏ ما جربنا علیھ كذباً.‏ فقال:‏ قد علمت أنھ لم یكن لیدع الكذب على<br />

الناس،‏ ثم یذھب فیكذب على اللھ.‏ قال:‏ وسألتكم ھل یغدر؟ فقلتم:‏ لا،‏ وكذلك<br />

الرسل لا تغدِرُ‏ (1) .<br />

‏-یُعْلَمُ‏ صدق الرسل من وجوهٍ‏ متعددة-‏<br />

منھا:‏ أنھم أخبروا الأمم بما سیكون من انتصارھم وخذلان أولئك وبقاء<br />

العاقبة لھم (2) ‏.ومنھا:‏ ما أحدثھ اللھُ‏ لھم من نصرھِم،‏ وإھلاكِ‏ عدوھم،‏ كغرق<br />

فرعون،‏ وغرقِ‏ قوم نوحٍ،‏ وبقیة أحوالھم ...<br />

ومنھا:‏ أن من عرف ما جاء بھ الرسل من الشرائع وتفاصیل أحوالھا،‏<br />

تبین لھ أنھم أعلم الخلق،‏ وأنھ لا یحصل مثل ذلك من كذاب جاھل،‏ وأنھ لا<br />

یصدر إلا عن راحم ٍ بَرّ‏ یَقصِ‏ دُ‏ غایةَ‏ الخیر والمنفعة للخلق.‏<br />

87<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

أخرجھ البخاري.‏<br />

أخرج مسلم في صحیحھ من حدیث حذیفة أنھ قال:‏ ‏"قام فینا رسول اللھ<br />

εمقاماً‏ ما ترك شیئاً‏ یكون في مقامھ ذلك إِلى قیام الساعة إلا حد َّث بھ،‏ حفظھ<br />

من حفظھ،‏ ونسیھ من نسیھ".‏<br />

وأخرج مسلم أیضاً‏ عن عمر بن الخطاب أنھ قال:"صلى بنا رسول اللھ<br />

الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظھر،‏ فنزل فصلى ثم صعد المنبر<br />

فخطبنا حتى حضرت العصر،‏ ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى<br />

غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما ھو كائن فأعلمنا أحفظنا".‏<br />

وقد أخبر النبي ε عن ظھور الخوارج،‏ وعلامتھم أن فیھم رجلاً‏ لھ عضد<br />

لیس لھ ذراع،‏ على عضده مثل حلمة الثدي،‏ علیھ شعرات بیض،‏ وقد تحقق<br />

ذلك في عھد علي بن <strong>أبي</strong> طالب<br />

وفي صحیح مسلم عن <strong>أبي</strong> ھریرة أن النبي قال:‏ ‏"ھلك كسرى ثم لایكون<br />

كسرى بعده،‏ وقیصر لیھلكن ثم لا یكون قیصر بعده،‏ ولتقسمن َّ كنوزھما في<br />

سبیل اللھ".‏ وقد تحقق ذلك بفضل اللھ تعالى ومنّھ.‏ والأخبار التي أخبر بھا<br />

النبي ثم تحققت ھي أكثر من أن تحصر في ھذا الموضع،‏ ومن أراد أن یستزید<br />

فعلیھ بمراجعة أبواب الفتن والملاحم وأشراط الساعة من كتب السنن،‏ فسیجد ما<br />

تقر ُّ بھ العین،‏ ویھدأ لھ بال كل مرتاب أو متشكك،‏ على نبینا أفضل الصلاة<br />

والسلام.‏<br />

ε<br />

ε<br />

τ<br />

.τ<br />

ε


‏-إنكارُ‏ رسالة النبيّ‏ ε ِ طعنٌ‏ في الربِّ‏ تبارك وتعالى-‏<br />

إنكار رسالتھ ε طعن في الرب تبارك وتعالى،‏ ونسبتھ إِلى الظ ُّلم والس َّفَھِ،‏<br />

تعالى اللھ عن ذلك علواً‏ كبیراً،‏ بل جَحدٌ‏ للربِّ‏ بالكلیة وإنكارٌ‏ .<br />

وبیان ذلك:‏ أنھ إذا كان محمدٌ‏ عندھم لیس بنبي صادق،‏ بل ملِكٌ‏ ظالم،‏ فقد<br />

تھی َّأ لھ أن یفتري على اللھ،‏ ویتقول علیھ،‏ ویستمر حتى یُحلل ویحرم،‏<br />

ویَفرضَ‏ الفرائض،‏ ِ ویُشَرّ‏ ع الشرائع،‏ وینسخ الملل،‏ ویضرب الرقاب،‏<br />

ویقتل أتباع الرسل وھم أھل الحق،‏ ویسبي نساءھم،‏ ویغنم أموالھم<br />

ودیارھم،‏ وینسب ذلك كلھ إِلى أمر اللھ لھ بھ،‏ ومحبتھ لھ،‏ والرب ُّ تعالى<br />

یشاھده وھو یفعل بأھل الحق،‏ وھو مستمر في الإفتراء علیھ ثلاثاً‏ وعشرین<br />

سنة،‏ وھو مع ذلك كلھ یؤیده وینصره،‏ ویعلي أمره،‏ ویمكن لھ من أسباب<br />

النصر الخارجة عن عادة البشر،‏ وأبلغ من ذلك أنھ یجیب دعواتھ،‏ ویُھلك<br />

أعداءه،‏ ویرفع لھ ذكره،‏ ھذا وھو عندھم في غایة الكذب والافتراء والظلم.‏<br />

فیل‏ زَ‏ مُھم أن یقولوا:‏ لا صانع للعالَم،‏ ولا مدبّ‏ ‏ِر،‏ ولو كان لھ مدبرٌ‏ قدیر<br />

حكیم،‏ لأخذ على یدیھ،‏ ولقابلھ أعظم مقابلة،‏ وجعلھ نكالاً‏ للصالحین،‏ إذ لا<br />

یلیق بالملوك غیرُ‏ ذلك،‏ فكیف بملك الملوك وأحكم الحاكمین؟<br />

قال تعالى:‏ ‏[أم یقولون افترى على اللھ كَذِباً‏ فإن یشَاءِ‏ اللھُ‏ یختِمْ‏ على<br />

قلبك]‏ الشورى:‏<br />

88


ذكروا فروقاً‏ بین النبي والرسول،‏ وأحسنھا:‏ أن من نبأه اللھ بخبر السماء<br />

وأن یبلغ غیره،‏ فھو نبي رسول،‏ وإن لم یأمره أن یبلغ غیرَ‏ ه،‏ فھو نبي<br />

ولیس برسول،‏ فكل رسول نبي،‏ ولیس كل نبي رسولاً(‏‎1‎‏)‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"وأنھ خاتَمُ‏ الأنبیاءِ‏ " .<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[ولكن رسولَ‏ اللھِ‏ وخاتمَ‏ النبیین]‏ الأحزاب:‏<br />

89


قولُھ:‏ ‏"وإمامُ‏ الأتقیاء"‏ .<br />

ش:‏ الإمام الذي یُؤتَم ُّ بھ،‏ أي:‏ یقتدون بھ،‏ والنبي إنما بُعث للإقتداء<br />

آل<br />

بھ،‏ لقولھ تعالى:‏ ‏[قل إن كنتم تحبون اللھ فاتبعوني یحببكم اللھ]‏ (2)<br />

عمران:‏<br />

ε<br />

90


قولُھ:‏ ‏"وسیّ‏ ‏ِدُ‏ المُرسلین".‏<br />

ش:‏ قال ε: ‏"أنا سیدُ‏ ولَدِ‏ آدم یوم القیامة،‏ وأولُ‏ من ینشق َّ عنھ القبرُ‏ ،<br />

وأولُ‏ شافع وأول مُشَف َّعٍ"‏ (1) . وفي حدیث الشفاعة:‏ ‏"أنا سیدُ‏ الناسِ‏ یوم<br />

القیامة"‏ (2) . وقال:‏ ‏"أنا سید ولد آدم ولا فخرَ‏ " (3) .<br />

‏-التوفیق بین ھذه الأحادیث والأحادیث التي تنھى عن التفضیل<br />

بین الأنبیاء-‏<br />

فإن قیل:‏ یُشكِلُ‏ على ھذا قولھ ε: ‏"لاتفضلوني على موسى،‏ فإن الناسَ‏<br />

یُصعَقُون یومَ‏ القیامة،‏ فأكون أو َّ لَ‏ من یفیق،‏ فأجد موسىَ‏ باطِشاً‏ بسا ‏ِق<br />

وقولُھ:‏<br />

العرش،‏ فلا أدري ھل أفاقَ‏ قبلي،‏ أو كان ممن استثنى اللھ ؟"‏ (4)<br />

ِ ‏"لاتفضّلوا بینَ‏ الأنبیاء"‏ (5) . فكیف یُجمعُ‏ بین ھذا وبین قولھ:‏ ‏"أنا سیدُ‏ ولَدِ‏<br />

آدم ولا فخر".‏<br />

،ε<br />

ε<br />

الإتباع والاقتداء وفي أھل الاتباع والاقتداء،‏ والمرء كلما كمل اقتداؤه بالنبي<br />

كلما كمل تقواه Υ، ومن یخرج عن الاتباع والاقتداء لا یكون مؤمناً‏ فضلاً‏<br />

عن أن یكون تقیاً،‏ ومنھ یعلم فساد قول من یعتبر المجانین والمھابیل الداشرة في<br />

الأسواق الذین تعلو ثیابھم النجاسات والأوساخ أنھم أتقیاء ومن أولیاء اللھ تعالى<br />

المقربین!!‏ كبرت كلمة تخرج من أفواھھم إن یقولون إلا كذبا.‏<br />

(1 ( صحیح أخرجھ مسلم وغیره.‏<br />

متفق علیھ.‏<br />

(3 ( صحیح أخرجھ الترمذي،‏ وابن ماجھ وأحمد.‏<br />

(4 ( متفق علیھ.‏ وقولھ:‏ ‏"ممن استثنى اللھ"‏ أي ممن استثناه اللھ من الصعق.‏<br />

(5 ( متفق علیھ.‏ وتمام الحدیث:‏ عن عبد الرحمن الأعرج قال:‏ بینما یھودي یعرض<br />

سلعة لھ أُعطي بھا شیئاً‏ كرھھ أو لم یرضھ،‏ قال:‏ لا والذي اصطفى موسى υ<br />

على البشر،‏ فسمعھ رجل من الأنصار،‏ فلطم وجھھ،‏ قال:‏ تقول:‏ والذي اصطفى<br />

موسى υ على البشر،‏ ورسول اللھ بین أظھرنا!‏ قال:‏ فذھب الیھودي إِلى<br />

رسول اللھ ε، فقال:‏ یا أبا القاسم إن لي ذمة وعھداً،‏ وقال:‏ فلان لطم وجھي،‏<br />

فقال رسول اللھ ε: ‏"لم لطمت وجھھ ؟"‏ قال:‏ قال یارسول اللھ الذي اصطفى<br />

موسى υ على البشر وأنت بین أظھرنا،‏ قال:‏ فغضب رسول اللھ ε حتى عرف<br />

الغضب في وجھھ،‏ ثم قال:‏ ‏"لا تفضلوا بین أنبیاء اللھ،‏ فإنھ ینفخ في الصور<br />

فیصعق من في السماوات ومن في الأرض،‏ إلا من شاء اللھ،‏ قال:‏ ثم ینفخ فیھ<br />

أُخرى فأكون أول من بُعث،‏ أو في أول من بعث،‏ فإذا موسى υ آخذ بالعرش،‏<br />

91<br />

( 2 )


فالجواب:‏ أن ھذا كان لھ سببٌ‏ ، فإنھ كان قد قال یھودي:‏ لا والذي<br />

اصطفى موسى على البشر،‏ فلطمھ مسلمٌ‏ وقال:‏ أتقولُ‏ ھذا ورسولُ‏ اللھ<br />

بین أظھرنا:‏ فجاء الیھودي ُّ فاشتكى من المسلم الذي لطمھ،‏ فقال النبي<br />

ھذا،‏ لأن التفضیل إذا كان على وجھ الحمی َّة والعصبیة وھوى النفس،‏ كان<br />

مذموماً(‏‎1‎‏)‏ ، فإن اللھ حرم الفخر،‏ كما في صحیح مسلم عن النبي أنھ قال:‏<br />

‏"أُوحي إِلي أن تواضَعوا،‏ حتى لا یَفخرَ‏ أحدٌ‏ على أحدٍ،‏ ولا یبغي أحدٌ‏ على<br />

أحدٍ".‏ فعُلِمَ‏ أن المذموم إنما ھو التفضیل على وجھ الفخر،‏ أو على وجھ<br />

الإنتقاص بالمفضول (2) ، وعلى ھذا یُحمل أیضاً‏ قولھ ِ ‏لوا بین<br />

الأنبیاء".‏<br />

وقد أجاب بعضھم بجوابٍ‏ آخر،‏ وھو أن قولَھ ε: ‏"لاتفضلوني على<br />

موسى"،‏ وقولَھ:‏ ‏"ولا تُفضلوا بین الأنبیاء"،‏ نھي عن التفضیل الخاص:‏<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

: ε ‏"لاتفضّ‏<br />

فلا أدري أحوسب بصعقتھ یوم الطور،‏ أو بعث قبلي،‏ ولا أقول:‏ إن َّ أحداً‏ أفضل<br />

من یونس بن متى υ. ومن حدیث <strong>أبي</strong> سعید الخدري مرفوعاً‏ بلفظ:‏ ‏"لا تخی َّروا<br />

92<br />

بین الأنبیاء".‏<br />

( 1 )<br />

یستبعد أن یكون الصحابي لطم الیھودي عن عصبیة وھوى النفس،‏ بل<br />

الذي یلیق بالصحابي ‏-وھو الذي یفھم من النص-‏ أنھ لطم الیھودي لما رأى في<br />

مقولتھ من انتقاص لقدر نبینا ε، والغضب للذود عن حرمات النبي ε ح‏ ٌّق<br />

وواجب على كل مسلم،‏ ولا یصح أن یعتبر ذلك من قبیل العصبیة وھوى النفس،‏<br />

فقد جاء في السنن أن رجلاً‏ أعمى قتل أم أولاده بسبب نیلھا من جناب النبي<br />

وشتمھا لھ،‏ وأن النبي قد أھدر دمھا.‏ كذلك قتل خالد ابن الولید τ، لمن كان<br />

یقول مشیراً‏ للنبي ε: ‏"ھذا الرجل أو عند صاحبكم"‏ من دون أن یضیف إلیھ<br />

نسبة النبوه،‏ لما رأى في مقولتھ من انتقاص لقدر النبي ε. ثم لو كان فعل<br />

الصحابي فیھ عصبیة وھوى للنفس لبین لھ النبي ذلك ولنھاه عنھ،‏ لأن النبي<br />

لا یجوز الإفتراض فیھ أنھ یسكت على منكر یراه أو یسمعھ،‏ فعلم أن غضب<br />

النبي كان لمجرد المفاضلة بین الأنبیاء بأعیانھم،‏ واللھ تعالى أعلم.‏<br />

إن مجرد إجراء المفاضلة بین الأنبیاء بأعیانھم،‏ سوف یحصل الشعور<br />

بانتقاص المفضول،‏ لذا فالسلامة في اجتنابھا.‏<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

( 2 )


ε<br />

ε<br />

أي:‏ لا یفضل بعض الرسل على بعض بعینھ،‏ بخلاف قولھ ‏"أنا سیدُ‏ ولد آدم<br />

ولا فخر"،‏ فإنھ تفضیل عام،‏ فلا یُمنَعُ‏ منھ (1) .<br />

قولُھ:‏ ‏"وحبیبُ‏ ربِّ‏ العالمین"‏ .<br />

ش:‏ ثبت لھ أعلى مراتب المحبة،‏ وھي الخُل َّة (2) ، كما صح عنھ أنھ<br />

قال:‏ " إن َّ اللھ اتخذني خلیلاً‏ كما اتخذ إبراھیم خلیلاً"‏ (3) . وقال:‏ ‏"ولو كنتُ‏<br />

متخذاً‏ من أھل الأرض خلیلاً،‏ لاتخذتُ‏ أبا بكرٍ‏ خلیلاً،‏ ولكن صاحِ‏ بَكُم خلیلُ‏<br />

الرحمنِ"‏ (4) .<br />

‏-الخُل َّة خاصةٌ‏ بإبراھیم ونبینا محمدٍ‏ صلوات اللھ علیھما،‏ أما<br />

المحبةُ‏ فھي عام َّةٌ‏ لجمیع المؤمنین-‏<br />

المحب َّةُ‏ ثبتت لغیرِ‏ ه ε، قال تعالى:‏ ‏[واللھ یحب المحسنین]‏ آل عمران:‏<br />

93


‏-لایصح أن یُوصف العبد بالعِشقِ‏ في محبتھ لربھ-‏<br />

العشِقُ:‏ ھو الحب ُّ المُفرِ‏ ط الذي یُخاف على صاحبھ منھ،‏ ولكن لا<br />

یُوصَفُ‏ بھ الرب ُّ تعالى،‏ ولا العبدُ‏ في محبة ربھ،‏ واختُلِفَ‏ في سبب المنع،‏<br />

فقیل:‏ عدمُ‏ التوقیف (1) ، وقیل غیر ذلك،‏ ولعل َّ امتناعَ‏ اطلاقھ أن العشقَ‏ محبةٌ‏<br />

مع شھوةٍ.‏<br />

خلیلي،‏ ومثل ھذا كثیر في الس ُّن َّة.‏ وكذلك قولھ ε: ‏"المرء على دین خلیلھ،‏<br />

فلینظر أحدكم من یخالل".‏ وأي خلیل أفضل دیناً‏ من نبینا فدل أن الخلة من<br />

الأعلى إِلى الأدنى غیر واردة باستثناء خلة اللھ تعالى لمحمد وإبراھیم علیھما<br />

أفضل الصلاة والسلام،‏ لورود النص،‏ بینما الخلة من الأدنى إِلى الأعلى فھي<br />

جائزة،‏ بل واجبة واللھ تعالى أعلم.‏ ولا یقال ‏-كما سمعت مرة من واعظ ی<strong>شرح</strong><br />

الطحاویة!!-‏ إن الخلة لاتجوز منا للنبي ε، ولا بین المؤمنین بعضھم لبعض،‏<br />

لأن ھذا یستلزم أن لا یبقى شيء من الحب تعالى لأن الخلة منتھى الحب<br />

وذروتھ،‏ وعلى ھذه الشبھة نرد من وجھین:‏<br />

أولھما،‏ وجود النصوص الشرعیة الدالة على ثبوت ھذا النوع من الخلة،‏<br />

كقولھ تعالى:‏ ‏[الأخلاء یومئذٍ‏ بعضھم لبعضھم عدو إلا المتقین]،‏ ولقولھ<br />

‏"فلینظر أحدكم من یخالل".‏<br />

أما الثاني،‏ أن ھذه الخلة في حقیقتھا ھي معقودة في اللھ و‏ ولیس لذات<br />

الخلیل وإلا لكانت شركاً‏ والعیاذ باللھ،‏ والدلیل على ذلك أن المحبوب المتخَذ<br />

خلیلاً‏ لو تغیر حالھ من الاستقامة والتقوى إِلى الفجور والكفر لسرعان ما تنقلب<br />

ھذه الخلة إِلى عداوة وبغضاء من الطرف الآخر،‏ فدل أن ھذا الحب ھو من<br />

محبة اللھ وطاعتھ ولیس لذات المحبوب،‏ حیث لا یحب لذاتھ إلا اللھ وما<br />

سواه یحب لھ ولأجلھ.‏<br />

ومن الإطلاقات الخاطئة التي ینبغي التحذیر منھا،‏ إطلاق بعض الوعاظ<br />

المتحمسین ‏-في خطب الجمعة-‏ لیستثیروا حماس الحضور:‏ ‏(یا أحباب محمد<br />

ε!!) ویكون في الحضور الكافر والفاسق والمؤمن،‏ ومن لا یصلي إلا َّ الجمعة،‏<br />

ومن یعتقد عقائد الكفر والضلال كالعلمانیة وغیرھا،‏ والشاھد كیف یطلق على<br />

ھؤلاء كلھم أنھم أحباب محمد ε، وقد ثبت أن أحباب محمد وأولیاءه ھم<br />

المؤمنون المتقون فقط مھما كانوا وأین كانوا.‏<br />

( 1 )<br />

أي:‏ لعدم ورود النص من الكتاب والسنة على مشروعیة ھذا الاطلاق أو<br />

المصطلح.‏<br />

:ε<br />

Ι<br />

ε<br />

ε<br />

94


قولُھ:‏ ‏"وكل ُّ دعوى النبو َّ ةِ‏ بعدَهُ‏ فغي ٌّ وھوى (1) ".<br />

ش:‏ لما ثبت أنھ خاتمُ‏ النبیین،‏ عُلِمَ‏ أن من ادعى بعده النبوة،‏ فھو كاذب،‏<br />

والغي ُّ:‏ ضد الرشاد،‏ والھوى:‏ عبارة عن شھوة النفس،‏ أي:‏ أن تلك الدعوة<br />

بسبب ھوى النفس.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وھو المبعوثُ‏ إِلى عامة الجِ‏ ِ ‏نّ‏ وكاف َّة الورى،‏ بالحقِّ‏<br />

والھدى،‏ وبالنورِ‏ والضیاء"‏ .<br />

ε<br />

ε<br />

95<br />

ε<br />

( 1 )<br />

قلت:‏ حكم الغي والھوى لا یستفاد منھ الحكم الصحیح الذي یستحقھ مدعي<br />

النبوة بعد النبي وھو الكفر والزندقة،‏ لأن لیس كل غي وھوى یعتبر كفراً،‏<br />

بینما كل كفر ھو غي وھوى،‏ لذا فالأصح أن یقال:‏ ‏"وكل دعوى النبوة بعده<br />

فكفر وزندقة"‏ واللھ تعالى أعلم.‏<br />

قال الشیخ ناصر في تعلیقھ على الطحاویة:‏ قد أخبر النبي أمتھ نصحاً‏ لھم<br />

وتحذیراً‏ في أحادیث كثیرة أنھ سیكون بعده دجالون كثیرون،‏ وقال في بعضھا:‏<br />

‏"كلھم یزعم أنھ نبي،‏ وأنا خاتم النبیین لا نبي بعدي"‏ رواه مسلم.‏ ومن ھؤلاء<br />

الدجالین ‏(میرزا غلام أحمد القادیاني)‏ الذي ادعى النبوة،‏ ولھ أتباع منتشرون<br />

في الھند وألمانیا وإنكلترا وأمیركا،‏ لھم فیھا مساجد یضلون بھا المسلمین،‏<br />

وكان منھم في سوریة أفراد،‏ استأصل اللھ شأفتھم وقطع دابرھم،‏ ولھم عقائد<br />

كثیرة غیر اعتقادھم بقاء النبوة بعده ε. وھم بلا شك ممن عناھم رسول اللھ<br />

في الحدیث الصحیح عنھ:‏ ‏"یكون في آخر الزمان دجالون كذابون یأتونكم من<br />

الأحادیث بما لم تسمعوا أنتم وآباؤكم فإیاكم وإیاھم،‏ لا یضلونكم ولا یفتنونكم"‏<br />

رواه مسلم.‏<br />

وإن من أبرز علاماتھم أنھم حین یبدأون بالتحدث عن دعوتھم إنما یبتدئون<br />

قبل كل شيء بإثبات موت عیسى علیھ الصلاة والسلام،‏ فإذا تمكنوا من ذلك<br />

بزعمھم انتقلوا إِلى مرحلة ثانیة وھي ذكر الأحادیث الواردة بنزول عیسى<br />

علیھ الصلاة والسلام ویتظاھرون بالإیمان بھا،‏ ثم سرعان ما یتأولونھا،‏ ما دام<br />

أنھم أثبتوا بزعمھم موتھ،‏ بأن المقصود نزول مثیل عیسى!‏ وأنھ ھو غلام أحمد<br />

القادیاني!‏ ولھم من مثل ھذا التأویل الشيء الكثیر والكثیر جداً،‏ مما جعلنا نقطع<br />

بأنھم طائفة من الباطنیة الملحدة.‏<br />

ومن ضلالات القادیانیة إنكارھم للجن كخلق غیر الإنس،‏ ویتأولون كل الآیات<br />

والأحادیث المصرحة بوجودھم ومباینتھم للإنس في الخلق بما یعود إِلى أنھم<br />

الإنس أنفسھم أو طائفة منھم حتى إبلیس نفسھ یقولون إنھ إنسي شریر!!‏ ا-ھ.‏


ش:‏ أما كونھ مبعوثاً‏ إِلى عامة الجنّ‏ ِ، فقد قال تعالى حكایة عن قول<br />

الجن:‏ ‏[یاقومَنا أجیبوا داعي اللھ]‏ سورة الأحقاف:‏<br />

96


ε<br />

ھذه أوصاف ما جاء بھ من الدین والشرع،‏ المؤی َّد بالبراھین الباھرة،‏<br />

من القرآن وسائر الأدلة.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وإن َّ القرآن كلامُ‏ اللھِ،‏ منھ بدا بلا كیفی َّةٍ‏ قولاً،‏ وأنزلَھُ‏ على<br />

رسُولھ وحیاً،‏ وصد َّقھ المؤمنون على ذلك حقاً،‏ وأیقنوا أنھ كلامُ‏<br />

اللھ تعالى بالحقیقة،‏ لیس بمخلوقٍ‏ ككلامِ‏ البریّ‏ ‏ِةِ،‏ فمن سمعھ<br />

فزعم أنھ كلام البشر فقد كفر،‏ وقد ذَم َّھُ‏ اللھُ‏ وعابھ،‏ وأوعدَهُ‏<br />

بسقَر حیثُ‏ قال تعالى:‏ ‏[سأُصلیھ سقر]‏ المدثر:‏<br />

97


لقد قال بعضھم لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة:‏ أرید أن تقرأ:‏<br />

وكل َّم اللھَ‏ موسى،‏ بنصب اسم اللھ،‏ لیكون موسى ھو المتكلم لا اللھ !! فقال<br />

لھ أبو عمرو:‏ ھَبْ‏ أني قرأت ھذه الآیة كذا،‏ فكیف تصنع بقولھ تعالى:‏ ‏[ولما<br />

جاء موسى لمیقاتنا وكل َّمَھُ‏ رب ُّھ]‏ الأعراف:‏<br />

98


]<br />

فإضافةُ‏ الأعیان إِلى اللھ للتشریف،‏ وھي مخلوقة لھ،‏ كبیت اللھ،‏ وناقة<br />

اللھ،‏ بخلاف إضافة المعاني،‏ كعِلْمِ‏ اللھ،‏ وقدرَ‏ تِھ،‏ وعِز َّ تھ،‏ وجلالھ،‏<br />

وكبریائھ،‏ وكلامھ،‏ وحیاتھ،‏ وعلوه،‏ وقھره،‏ فإن ھذا كُل َّھ من صفاتھ،‏ لا<br />

یمكن أن یكون شيءٌ‏ من ذلك مخلوقاً.‏<br />

‏-الوصف بالتكل ُّم من أوصاف الكمال-‏<br />

الوصف بالتكلم من أوصاف الكمال،‏ وضده من أوصاف النقص،‏ قال<br />

تعالى:‏ واتخذَ‏ قومُ‏ موسى من بعده من حُلیّ‏ ‏ِھم عِجلاً‏ جسَداً‏ لھ خوَ‏ ار ألم<br />

یروا أنھ لا یكلّ‏ ‏ِمُھم ولا یھدیھم سبیلاً‏ الأعراف:‏<br />

[<br />

99


‏-شبھة ورد-‏<br />

فإن قیل:‏ فقد قال تعالى:‏<br />

‏[إنھ لقولُ‏ رسولٍ‏ كریم]‏ الحاقة:‏<br />

100


الإنس والجن على أن یأتوا بمثل ھذا القرآن لا یأتون بمثلھ]‏ الإسراء:‏<br />

101


]<br />

قولُھ:‏ ‏"ومن وصف اللھَ‏ بمعنى من معاني البشر،‏ فقد كفَ‏ ‏َر (1) ،<br />

فَمن أبصرَ‏ ھذا اعتبر،‏ وعن مثل قول الكفار انزَجَرَ،‏ وعَلِمَ‏ أن<br />

اللھَ‏ بصفاتھ لیس كالبشر"‏ .<br />

ش:‏ نفیاً‏ للتشبیھ عَقِبَ‏ الإثبات،‏ یعني:‏ أنھ تعالى وإن وُ‏ صِ‏ ‏فَ‏ بأنھ مُتكلم،‏<br />

لكن لا یوصف بمعنى من معاني البشر التي یكون الإنسان بھا متكلماً،‏ فإن<br />

اللھ لیس كمثلھ شيءٌ،‏ وھو السمیعٌ‏ البصیر.‏<br />

(2)<br />

وقولُھ:‏ ‏"فمن أبصر ھذا اعتبر".‏ أي من نظر بعین بصیرتھ فیما قالھ<br />

من إثبات الوصف،‏ ونفي التشبیھ،‏ ووعید المشبّ‏ ‏ِھة،‏ اعتبر وانزجر عن مثل<br />

قولِ‏ الكفار.‏<br />

قولُھ:‏ "<br />

والرؤیةُ‏ حقٌ‏ لأھل الجَن َّةِ،‏ بغیر إحاطةٍ‏ ولا كیفی َّةٍ،‏ كما<br />

نطق بھ كتابُ‏ ربنا:‏ وجوهٌ‏ یومئذٍ‏ ناضِ‏ ‏رَةٌ‏ إِلى ربّ‏ ‏ِھا ناظرة<br />

القیامة:‏<br />

[<br />

102


‏-الأدلة على الرؤیة وأقوال الس َّلَف-‏<br />

عن ابن عباس:‏ ‏[إِلى ربھا ناظرة]‏ قال:‏ تنظر إِلى وجھ ربھا عز وجل.‏<br />

وقال عكرمة:‏<br />

‏[وجوه یومئذ ناضرة]،‏ قال:‏ من النعیم،‏ ‏[إِلى ربھا ناظرة]‏ قال:‏ تنظر إِلى<br />

ربھا نظراً.‏ وھذا قول كل مفسر من أھل الس ُّن َّة والحدیث.‏ وقال تعالى:‏ ‏[لھم<br />

ما یشاؤون فیھا ولدینا مزید]‏ ق:‏<br />

103


وكذلك فسرھا الصحابة ψ، روى ابن جریر عن جماعة،‏ منھم:‏ أبو بكر<br />

الصدیق،‏ وحذیفة،‏ وأبو موسى الأشعري،‏ وابن عباس.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[كلا إنھم عن ربھم یومئذٍ‏ لمحجوبون]‏ المطففین:‏<br />

104


على الرؤیة،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا<br />

لمدركون قال كلا]‏ الشعراء:‏<br />

105


ε<br />

وعن <strong>أبي</strong> ذر قال:‏ سألت رسولَ‏ اللھ ھل رأیتَ‏ رب َّك؟ فقال:‏ ‏"نورٌ‏ أنى<br />

وفي روایة:‏ ‏"رأیت نوراً".‏<br />

وعن <strong>أبي</strong> موسى الأشعري،‏ قال:‏ قام فینا رسول اللھ بخمس كلمات<br />

فقال:‏ ‏"إن اللھ لا ینام،‏ ولا ینبغي لھ أن ینام،‏ یخفض القسط ویرفعھ (2) ،<br />

یُرفَع إلیھ عملُ‏ اللیل قبل عمل النھار،‏ وعمل النھار قبل عمل اللیل،‏ حجابھ<br />

النور-‏ وفي روایة:‏ النار-‏ لو كشفھ،‏ لأحرقت سُبحاتُ‏ وجھھ ما انتھى إلیھ<br />

فیكون معنى قولھ لأبي ذر:‏ ‏"رأیت نوراً"‏ أنھ رأى<br />

بصره من خلقھ"‏ (3)<br />

الحجاب،‏ ومعنى قولھ:‏ ‏"نور أن َّى أراه"‏ النور الذي ھو الحجاب یمنع من<br />

رؤیتھ فأن َّى أراه؟!‏ أي فكیف أراه والنورُ‏ حجابٌ‏ بیني وبینھ یمنعني من<br />

رؤیتھ،‏ فھذا صریحٌ‏ في نفي الرؤیة،‏ واللھ أعلم.‏ وحكى عثمان بن سعید<br />

الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك.‏<br />

ε<br />

أراه"‏ (1)<br />

‏-إثبات الرؤیة القلبیة لنبینا ε-<br />

عن عطاءٍ،‏ عن ابن عباس رآه بقلبھ (4) .<br />

( 1 )<br />

أخرجھ مسلم وغیره،‏ قال الشیخ ناصر:‏ ویشھد لھ حدیث ابن عمر مرفوعاً‏<br />

بلفظ:‏ ‏"یوم القیامة أول یوم نظرت فیھ عینٌ‏ إِلى اللھ Υ". رواه الدار قطني كما<br />

في ‏"الدر"‏ (6/<br />

106


وقولھ:‏ ‏"بغیر إحاطة ولا كیفیة"‏ ھذا لكمال عظمتھ وبھائھ،‏ سبحانھ<br />

تعالى،‏ لا تدركھ الأبصار،‏ ولا تُحیطُ‏ بھ،‏ كما یُعلَمُ‏ ولا یُحاط بھ عِلماً،‏ قال<br />

تعالى:‏ ‏[لا تدركھ الأبصار]‏ الأنعام:‏<br />

107


‏-لا تعارض بین العقل السلیم والنقل الصحیح-‏<br />

وقولھ:‏ ‏"فإنھ ما سَلِمَ‏ في دینھ إلا من سَل َّم عز وجل ولرسولھ ε، ور َّد<br />

عِلْمَ‏ ما اشتُبھ علیھ إِلى عالمِھ"‏ أي:‏ سَل َّم لنصوص الكتاب والسنة،‏ ولم<br />

یعترض علیھا بالشكوك والشبھ والتأویلات الفاسدة (1) ، أو یقول:‏ العقلُ‏ یشھد<br />

ε<br />

ε<br />

108<br />

ε<br />

.56<br />

( 1 )<br />

المكفر المخرج من الملة من غیر أدنى تأویل،‏ وبھذا الضابط یتمیز الكفر الأكبر<br />

عن الكفر الأصغر،‏ والمسألة قد أوفیناھا بحثاً‏ في كتابنا ‏"قواعد في التكفیر"‏ عند<br />

الحدیث عن قاعدة ‏"الكفر العملي الأصغر لایقال بھ إلا بقرینة شرعیة تدل<br />

علیھ"،‏ فلتراجع.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[فلیحذر الذین یُخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة أو یصیبھم<br />

عذابٌ‏ ألیم]‏ النور:‏ 63. قال الإمام أحمد رحمھ اللھ:‏ نظرت في المصحف<br />

فوجدت طاعة الر َّ سُول في ثلاثة وثلاثین موضعاً.‏ ثم جعل یتلو:‏ ‏[فلیحذر<br />

الذین یخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة]،‏ وجعل یكررھا ویقول:‏ وما الفتنة؟<br />

الشرك،‏ لعلھ إذا رد َّ بعض قولھ أن یقع في قلبھ شيء من الزیغ فیزیغ قلبھ<br />

فیھلكھ.‏<br />

وقیل لھ:‏ إن قوماً‏ یدَعون الحدیث،‏ ویذھبون إِلى رأي سفیان!‏ فقال:‏ أعجب<br />

لقوم سمعوا الحدیث وعرفوا الإسناد وصحتھ یدَعونھ ویذھبون إِلى رأي سفیان<br />

وغیره!‏ قال اللھ تعالى:‏ ‏[فلیحذر الذین یُخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة]‏<br />

وتدري ما الفتنة؟ الكفر.‏ قال اللھ تعالى:‏ ‏[والفتنة أكبر من القتل]،‏ فیدَعون<br />

الحدیث عن رسولِ‏ اللھ ε، وتغلبھم أھواؤھم إِلى الرأي؟!‏ ا-ھ.‏ عن الصارم<br />

المسلول <strong>لابن</strong> تیمیة:‏<br />

قلت:‏ إذا كان ھذا حال من یدَع قول النبي إِلى قول سفیان وغیره من علماء<br />

الأمة،‏ فما یكون القول والحكم فیمن یدع قولھ إِلى قول الطواغیت وأئمة<br />

الكفر والفجور .. ؟!‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[فلا وربك لا یؤمنون حتى یحكموك فیما شجَر بینھم ثم لا یجدوا<br />

في أنفسھم حرجاً‏ مما قضیت ویُسلموا تسلیماً]‏ النساء:‏ 65. قال ابن القیم:‏<br />

أقسم سبحانھ بنفسھ المقد َّسة قسماً‏ مؤكداً‏ بالنفي قبلھ عدم إیمان الخلق حتى<br />

یحكموا رسُولھ في كل ما شجر بینھم من الأصول والفروع،‏ وأحكام الشرع،‏<br />

وأحكام المعاد وسائر الصفات وغیرھا،‏ ولم یثبت لھم الإیمان بمجرد ھذا<br />

التحكیم حتى ینتفي عنھم الحرج،‏ وھو ضیق الصدر،‏ وتن<strong>شرح</strong> صدورھم<br />

لحكمھ كل الانشراح وتنفسح لھ كل الانفساح،‏ وتقبلھ كل القبول،‏ ولم یثبت لھم


بضد ما دل علیھ النقل!!‏ والعقل أصل النقل!!‏ فإذا عارضھ قدمنا العقل!!‏<br />

وھذا لا یكون قط ُّ،‏ لكن إذا جاء ما یوھم مثل ذلك،‏ فإن كان النقلُ‏ صحیحاً،‏<br />

فذلك الذي یُد َّعى أنھ معقول إنما ھو مجھول،‏ ولو حُقّ‏ ‏ِق النظر لظھر ذلك،‏<br />

وإن كان النقلُ‏ غیرَ‏ صحیح،‏ فلا یصلح للمعارضة،‏ فلا یتصور أن یتعارض<br />

عقل صریح،‏ ونقلٌ‏ صحیحٌ‏ أبداً.‏<br />

‏-من لوازم الإیمان وشروطھ التسلیم للرسول والانقیاد لأمره-‏<br />

فالواجبُ‏ كمال التسلیم للرسول ε، والانقیادُ‏ لأمره،‏ وتلقي خبره بالقبول<br />

والتصدیق،‏ دونَ‏ أن یعارضَھ بخیالٍ‏ باطلٍ‏ یسمیھ معقولاً،‏ أو یُحَمّ‏ ‏ِلَھ شبھةً‏ أو<br />

شكاً،‏ أو یُقدّ‏ ‏ِمَ‏ علیھ آراءَ‏ الرجال،‏ وزبالَة أذھانھم،‏ ِ فیوحّده بالتحكیم والتسلیم<br />

والانقیاد والاذعان،‏ كما وح َّد المُرسِلَ‏ بالعبادة والخضوع والذل والإنابة<br />

والتوكل.‏ فھما توحیدان لا نجاة للعبد من عذاب اللھ إلا بھما:‏ توحیدُ‏ المُرسِل<br />

وتوحیدُ‏ متابعةِ‏ الر َّ سُول،‏ فلا یُحاكِم إِلى غیره،‏ ولا یرضى بحكم غیره،‏ ولا<br />

یَقِفُ‏ تنفیذُ‏ أمره وتصدیق خبره على عرضھ على قول شیخھ وإمامھ وذوي<br />

مذھبھ وطائفتھ ومن یُعظمھ،‏ فإن أذنوا لھ،‏ نفذه وَ‏ قبِلَ‏ خبرَ‏ ه!!‏ وإلا فو َّ ضَھ<br />

وأعرض عن أمره وخبره،‏ وحَر َّ فھ عن مواضِ‏ ‏عھ وسم َّى تحریفھ<br />

ε<br />

إلیھم (1)<br />

الإیمان بذلك أیضاً‏ حتى ینضاف إلیھ مقابلة حكمھ بالرضى والتسلیم وعدم<br />

المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض ا-ھ.‏<br />

وقال تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا<br />

تجھروا لھ بالقول كجھر بعضكم لبعضٍ‏ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون]‏<br />

الحجرات:‏ 2-1. قال ابن تیمیة في تفسیر الآیة:‏ أي حذَرَ‏ أن تحبط أعمالكم،‏ أو<br />

خشیة أن تحبط أعمالكم،‏ أو كراھة أن تحبط أعمالكم،‏ ولا یحبط الأعمال غیر<br />

الكفر،‏ لأن من مات على الإیمان فإنھ لابد أن یدخل الجنة ویخرج من النار إن<br />

دخلھا،‏ ولو حبط عملھ كلھ لم یدخل الجنة قط،‏ ولأن الأعمال إنما یحبطھا ما<br />

ینافیھا،‏ ولا ینافي الأعمال مطلقاً‏ إلا َّ الكفر ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ إذا كان مجرد رفع الصوت فوق صوت النبي مظنة لحبوط العمل<br />

وحصول الكفر،‏ فما یكون القول فیمن یرفع حكمھ على حكم الر َّ سُول<br />

علیھ،‏ ویجعلھ النافذ دونھ..‏ لاشك أنھ أولى بالكفر والارتداد،‏ وبأن تحبط أعمالھ.‏<br />

(1 ( جاء في الأصل:‏ ‏"وإلا فإن طلَبَ‏ السلامَةَ‏ فو َّ ضھ إلیھم،‏ وأعرض عن أمره..‏<br />

فالمعنى في ھذه الحالة لایستقیم ولا یصح؛ لأنھ لا یصح أن یقال لمن یعرض عن<br />

ε، ویقدمھ<br />

"<br />

ε<br />

109


تأویلاً‏ وحملاً!‏ فقال:‏ نُؤوِّلھ ونحمِلُھ.‏ فلأَن یلقى العبدُ‏ ربھ بكل ذنبٍ‏ ‏-ما خلا<br />

الإشراك باللھ-‏ خیرٌ‏ لھ من أن یلقاه بھذه الحال (1) .<br />

بل إذا بَلَغَھُ‏ الحدیثُ‏ الصحیح یعد ُّنفسھ كأنھ سمعھ من رسول اللھ<br />

یسوغ لھ أن یؤخر قبولَھ والعمل بھ حتى یعرضھ على رأي فلان وكلامِھ<br />

ومذھبھ!‏ بل كان الفرض المبادرة إِلى امتثالھ،‏ من غیر التفات إِلى سواه،‏<br />

ولا یُستَشكَلُ‏ قولُھ لمخالفتھ رأي فلان (2) ، بل تُستشكل الآراءُ‏ لقولھ،‏ ولا<br />

یُعارَ‏ ض نص ُّھ بقیاس،‏ بل تُھدر الأقیسة وتُلغى لنُصوصھ،‏ ولا یُحر َّ ف كلامُھ<br />

عن حقیقتھ،‏ لخیالٍ‏ یسمیھ أصحابھ معقولاً،‏ ولا یوقَفُ‏ قبولُ‏ قولھ على<br />

موافقتھ فلان دون فلان،‏ كائناً‏ من كان (3) .<br />

عن عمرو بن شعیبٍ،‏ عن أبیھ،‏ عن جده ‏-عبد اللھ بن عمرو بن<br />

العاص-،‏ قال:‏<br />

أقبلت أنا وأخي،‏ وإذا مشیخَةٌ‏ من أصحاب رسول اللھ ε جلوس عند باب<br />

من أبوابھ،‏ فكرھنا أن ِ نفرّ‏ ق بینھم،‏ فجلسنا حَجْرَ‏ ةً،‏ إذ ذكروا آیة من القرآن،‏<br />

ε، فھل<br />

110<br />

ε<br />

أمر النبي إِلى أمر غیره أنھ طالب للسلامة،‏ بل من كان ھذا وصفھ فھو طالب<br />

للكفر والغضب والعذاب.‏<br />

(1 ( لأن ھذا النوع من التأویل غالباً‏ ما یؤدي إِلى إباحة المحظورات،‏ وتعطیل<br />

الصفات وغیرھا من الغیبیات المثبتة في الكتاب والسنة،‏ وھو باب واسع یؤدي<br />

بصاحبھ إِلى الشرك والزندقة.‏<br />

( 2 )<br />

أي لا ینبغي أن یستشكل قول النبي ε على الأذھان،‏ لمعارضتھ لأقوال الغیر،‏<br />

مھما سمت مرتبة ھذا الغیر العلمیة والدینیة والاجتماعیة،‏ لأن الأصل الذي یجب<br />

أن یتبع من دون التفات أو تردد ھو قول النبي ε، وما سواه إن جاء قولھ مخالفاً‏<br />

لقول النبي ε، فھو مردود ولا یُشتغل بھ.‏ ومما یلاحظ على كثیر من الأحزاب<br />

والجماعات المعاصرة ‏-من باب التعصب للحزب أو الشیخ-‏ فإن الحق لا یؤخذ<br />

بھ إلا إذا جاء عن طریق الحزب أو الشیخ،‏ ولو جاء عن غیر طریق الحزب<br />

وأشیاخھ فھو یقابل بالفتور والتردد،‏ إذا لم یقابل بالرد والإعراض،‏ والاستھانة<br />

والاستخفاف،‏ وھذا من أشنع ما یؤخذ على كثیر من الأحزاب والتجمعات<br />

المعاصرة.‏<br />

( 3 )<br />

ε<br />

المتأمل لواقع المسلمین في ھذا الزمان،‏ یجد أن كثیراً‏ منھم یردون قول النبي<br />

لقول المذھب الذي یتمذھبون بھ،‏ أو لقول شیخ من مشایخ المذھب!‏ كما وأنك<br />

تجد في قلوبھم رھبة لقول المذھب والشیخ أو الطریقة أكثر من قول الر َّ سُول<br />

!!ε


فتمادوا فیھا،‏ حتى ارتفعت أصواتھم،‏ فخرج رسول اللھ مغضَباً،‏ قد ε<br />

أحمر َّ وجھھ،‏ یرمیھم بالتراب ویقول:"مھلاً‏ یاقوم،‏ بھذا أُھلِكت الأمم من<br />

قبلكم،‏ باختلافھم على أنبیائھم،‏ وضربھم الكُتُبَ‏ بعضھا ببعض،‏ إن القرآن لم<br />

ینزل یكذب بعضُھ بعضاً،‏ وإنما نزل یصدق بعضُھ بعضاً،‏ فما عرفتم منھ<br />

فاعملوا بھ،‏ وما جھلتُم منھ فردوه إِلى عالِمِھ"‏ (1) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا تَثبتُ‏ قدَمُ‏ الإِ‏ سلام إِلا على ظَھْرِ‏ التسلیم<br />

والاستسلام".‏<br />

أي:‏ لا یثبت إسلام من لم یسلم لنصوص الوحیین،‏ وینقادُ‏ إلیھما،‏ ولا<br />

یعترض علیھما،‏ ولا یُعارِ‏ ضُھا برأیھ ومعقولھ وقیاسھ (2) . روى البخاري<br />

عن الإمام محمد شھاب الزھیري رحمھ اللھ أنھ قال:‏ من اللھِ‏ الرسالةُ،‏<br />

وعلى الر َّ سُول البلاغُ،‏ وعلینا التسلیم.‏ وھذا كلام جامعٌ‏ نافع.‏<br />

(1 ( صحیح،‏ أخرجھ أحمد،‏ والبغوي في <strong>شرح</strong> الس ُّن َّة.‏<br />

(2 ( عن <strong>أبي</strong> سلمة أن أبا ھریرة قال لرجل:‏ یا ابن أخي،‏ إذا حدثتك عن رسول<br />

اللھ فلا تضرب لھ الأمثال.‏<br />

وقال عبادة بن الصامت لمعاویة ‏-وكان لھ إمرة علیھ-:‏ أحدثك عن رسول<br />

اللھ وتحدثني عن رأیك!‏ لئن أخرجني اللھ لا أساكنك بأرض لك علي فیھا<br />

إمرة.‏<br />

وعن ابن عمر أن رسول اللھ قال:‏ ‏"لا تمنعوا إماء اللھ أن یصلین في<br />

المسجد".‏ فقال ابن لھ:‏ إنا لنمنعھ َّن!!‏ فقال:‏ فغضب غضباً‏ شدیداً،‏ وقال أحدثك<br />

عن رسول اللھ وتقول إنا لنمنعھن؟!!.‏<br />

وكان ابن عباس یقول:‏ یوشك أن تنزل علیكم حجارة من السماء،‏ أقول:‏ قال<br />

رسول اللھ،‏ وتقولون قال أبو بكر وعمر!!.‏<br />

قلت:‏ فكیف بمن یعارض قول النبي ‏-كما ھو حال كثیر من الن َّاس في ھذا<br />

الزمان ‏-بقول أناسٍ‏ ھم أقل شأناً‏ ومكانة ودیناً‏ من <strong>أبي</strong> بكر وعمر؟!‏<br />

ومن نماذج الاقتداء والانقیاد التي جعلت من جیل الصحابة جیلاً‏ فریداً‏ لا یوازیھ<br />

جیل،‏ ما أخرجھ أبو داود في سننھ،‏ عن جابر قال:‏ لما استوى رسُول اللھ<br />

یوم الجمعة قال:‏ ‏"اجلسوا"‏ فسمع ذلك ابن مسعود،‏ فجلس على باب المسجد،‏<br />

فرآه رسُول اللھ فقال:‏ ‏"تعال یا عبد اللھ بنَ‏ مسعود"‏ فتأمل أین نحن منھم..؟!‏<br />

ε<br />

111<br />

ε<br />

τ<br />

ε<br />

τ<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

ε


قولُھ:‏ ‏"فمن رَامَ(‏‎1‎‏)‏ عِلْمَ‏ ما حُظِرَ‏ عنھ عِلمُھُ،‏ ولم یقنع بالتسلیم<br />

فَھْمُھُ،‏ حَجَبَھُ‏ مُرامُھ عن خالِص التوحید،‏ وصافي المَعرِ‏ فَة،‏<br />

وصحیحِ‏ الإیمان".‏<br />

ش:‏ ھذا تحذیر أن یُتكل َّم في أصول الدین وغیرھا بغیر علم،‏ قال تعالى:‏<br />

‏[ولا تَقْفُ‏ ما لیس لك بھ علم إن السمعَ‏ والبصر والفؤاد كل ُّ أولئك كان عنھ<br />

مسؤولاً]‏ الإسراء:‏<br />

112


‏-أصلُ‏ الفسادِ‏ في العالَمِ‏ من ثلاثِ‏ فِرَقٍ-‏<br />

قال عبد اللھ بن المبارك رحمة اللھ علیھ:‏<br />

رأیتُ‏ الذنوبَ‏ تُمیتُ‏ القلوبَ‏ وقد یُورِ‏ ثُ‏ الذ َّل إدمانُھا<br />

وتَركُ‏ الذنوبِ‏ حیاةُ‏ القلوبِ‏ وخیرٌ‏ لنفس عِصیانُھا<br />

وھل أفسدَ‏ الدینَ‏ إلا الملُوكُ‏ وأحبارُ‏ سُوءٍ‏ ورُ‏ ھبانُھَا<br />

فالملوك الجائرة یعترضون على الشریعة بالسیاسات الجائرة،‏<br />

ویعارضونھا بھا،‏ ویقدمونھا على حكم اللھ ورسولھ (1) !!<br />

ھواه وكان أمره فرطا]‏ وقولھ:‏ ‏[ولا تتبع أھواء الذین كذبوا بآیاتنا]‏ وقولھ:‏<br />

‏[ولو اتبع الحق أھواءھم لفسدت السماوات والأرض ومن فیھن]‏ وقولھ:‏<br />

‏[أرأیت من اتخذ إلھھ ھواه أفأنت تكون علیھ وكیلا]،‏ فالھوى الوارد في ھذه<br />

الآیات یراد بھ الكفر الأكبر.‏ ونوع یكون فسقاً‏ ومعصیة دون الكفر،‏ وذلك حین<br />

یُطاع عن ضعف في معصیة لا تخرج صاحبھا من الملة،‏ كارتكاب الزنى،‏<br />

وشرب الخمر وغیر ذلك من المعاصي التي ھي دون الكفر الأكبر،‏ كما في<br />

قولھ تعالى:‏ ‏[فلا تتبعوا الھوى أن تعدلوا]‏ وقولھ:‏ ‏[وأما من خاف مقام ربھ<br />

ونھى النفس عن الھوى فإن الجنة ھي المأوى].‏ أي:‏ نھاھا عن المحارم التي<br />

تشتھیھا.‏ ومنھ یعلم أن صاحب الھوى لیس كافراً‏ على الإطلاق،‏ فأحیاناً‏ یكون<br />

كافراً،‏ وأحیاناً‏ یكون فاسقاً‏ عاصیاً‏ بحسب الھوى المتبع،‏ وفیما قد اتبع.‏<br />

قال ابن تیمیة في صفة الھوى المكفر ‏(الفتاوى:‏ 359/8): فمن كان یعبد ما یھواه<br />

فقد اتخذ إلھھ ھواه،‏ فھو لا یتألھ من یستحق التألھ،‏ بل یتألھ ما یھواه،‏ وھذا المتخذ<br />

إلھھ ھواه لھ محبة كمحبة المشركین لآلھتھم،‏ ومحبة عباد العجل لھ،‏ وھذه محبة<br />

مع اللھ لا محبة ، وھذه محبة أھل الشرك،‏ والنفوس قد تدعي محبة اللھ،‏<br />

وتكون في نفس الأمر محبة شرك تحب ما تھواه وقد أشركتھ في الحب مع اللھ<br />

ا-ھ.‏ وھذا النوع من الشرك قل َّ من یسلم منھ في ھذا الزمان.‏<br />

( 1 )<br />

أقول:‏ بل الأمر لم یقف عند الملوك والحكام وحسب،‏ بل تعداھم إِلى خاصة<br />

المسلمین وعامتھم في ھذا الزمان!!‏ فیُرى أحدھم یمارس السیاسة وھو لا یبالي<br />

لو وقع في مخالفات ومزالق شرعیة وعقدیة صریحة!!‏ وإذا ما سئل عن سبب<br />

مخالفاتھ فسرعان ما یجیب:‏ ھذه السیاسة ومتطلباتھا،‏ فالسیاسة من الدین،‏<br />

والوقوع في المخالفات الشرعیة من لوازم السیاسة المعاصرة!!‏<br />

فالسیاسة عندھم غایة یبرر لأجلھا الوسائل!!‏ بل إن كلمة السیاسة أصبحت<br />

مبرراً‏ لممارسة الكفر عند كثیر من خاصة المسلمین وعامتھم!!‏ من ذلك تنادیھم<br />

بالدیمقراطیة،‏ وبحكم الشعب والأكثریة،‏ وبالانتخابات،‏ والدخول في المجالس<br />

113


وأحبار الس ُّوءِ،‏ وھم العلماء الخارجون عن الشریعة بآرائھم وأقیستھم<br />

الفاسدة،‏ والمتضمنة تحلیلَ‏ ما حرم اللھ ورسولھ،‏ وتحریمَ‏ ما أباحھ،‏<br />

واعتبار ما ألغاهُ،‏ وإلغاء ما اعتبره،‏ وإطلاقَ‏ ما قیده،‏ وتقیید ما أطلقھ (1) .<br />

والرھبان وھم جھالُ‏ المتصوفة،‏ والمعترضون على حقائق الإیمان<br />

والشرع،‏ بالأذواق والمواجید والخیالات والكشوفات الباطلة الشیطانیة<br />

المتضمنة شرع دین لم یأذن بھ اللھ،‏ وإبطالَ‏ دینھ الذي شرَ‏ عَھُ‏ على لسان<br />

نبیھ ε، والتعویض عن حقائق الإیمان بِخِ‏ ‏دَعِ‏ الشیطان،‏ وحظوظِ‏ النفس.‏<br />

وقالوا:‏ إذا تعارض الذوق وظاھر الشرع،‏ قدمنا الذوقَ‏ والكشف!!‏<br />

وكل ُّ من قال برأیھ أو ذوقھ أو سیاستھ ‏-مع وجود النص،‏ أو عارض<br />

النص بالمعقولِ-‏ فقد ضاه إبلیس،‏ حیث لم یُسَلّ‏ ‏ِم لأمر ربھ،‏ بل قال:‏ ‏[أنا خیر<br />

منھ خلقتني من نار وخلقتھ من طین]‏ الأعراف:‏<br />

114


(1)<br />

یُطع الرسولَ‏ فقد أطاعَ‏ اللھَ‏ ومن تول َّى فما أرسلناك علیھم حفیظاً]‏<br />

النساء:‏<br />

115


قال ابنُ‏ رشد،‏ وھو من أعلم الناس بمذھب الفلاسفة ومقالاتھم،‏ في كتابھ<br />

‏(تھافت التھافت)‏ (1) : ‏(وَ‏ مَن الذي قال في الإلھیات شیئاً‏ یُعتد بھ؟).‏ وكذلك<br />

الغزالي رحمھ اللھ،‏ انتھى آخرُ‏ أمرهِ‏ إِلى الوقفِ‏ والحیرة في المسائل<br />

الكلامیة،‏ ثم أعرض عن تلك الطرق،‏ وأقبل على أحادیث الر َّ سُول<br />

وصحیح البخاري على صدره.‏ وكذلك أبو عبد اللھ محمد بن عمر الرازي،‏<br />

قال في كتابھ الذي صنفھ في أقسام الل َّذات:‏<br />

وأرواحُنا في وحشةٍ‏ من جسُومِنَا وحاصِ‏ لُ‏ دُنیانا أذَى ووبال<br />

ولم نَسْتَفِدْ‏ من بحثنا طولَ‏ عُمْرِ‏ نا سِوى أن جمعنا فیھ:‏ قِیلَ‏ وقالوا<br />

ولقد تأملت الطرق الكلامیة،‏ والمناھج الفلسفیة،‏ فما رأیتھا تشفي علیلاً،‏<br />

ولا تروي غلیلاً،‏ ورأیتُ‏ أقرب الط ُّرقِ‏ طریقة القرآن،‏ اقرأ في الإثبات:‏<br />

فاطر:‏<br />

‏[الرحمن على العرش استوى]‏ طھ:‏ ‏[إلیھ یصعد الكَلِمُ‏ الطیبُ‏ [ (2)<br />

ε، فمات<br />

.5<br />

116


لا تشتغلوا بالكلام،‏ فلو عَرَ‏ فتُ‏ أن الكلامَ‏ یبلغ بي إِلى ما بلغ ما اشتغلت بھ.‏<br />

وقال عند موتھ:‏ لقد خضتُ‏ البحرَ‏ الخضم َّ،‏ وخل َّیتُ‏ أھل الإسلام وعلومَھم،‏<br />

ودخلت في الذي نھَوني عنھ،‏ والآن فإن لم یتداركني ربي برحمتھ،‏ فالویل<br />

<strong>لابن</strong> الجویني،‏ وھا أنا ذا أموت على عقیدةِ‏ أمي،‏ أو قال:‏ على عقیدة عجائز<br />

نیسابُور (1) !<br />

وكذلك قال شمس الدین الخسروشاھي (2) ، لبعض الفضلاء:‏ ما تعتقدُ؟<br />

قال:‏ ما یعتقده المسلمون،‏ فقال:‏ وأنت من<strong>شرح</strong> الصدر لذلك مستیقنٌ‏ بھ؟<br />

فقال:‏ نعم،‏ فقال:‏ أُشكُرِ‏ اللھ على ھذه النعمة،‏ لكني واللھ ما أدري ما أعتقدُ،‏<br />

واللھ ما أدري ما أعتقد،‏ وبكى حتى أخضل َّت لحیتَھُ!.‏<br />

وقال آخر (3) : أضطجِ‏ عُ‏ على فراشي،‏ وأضع الملحفَةَ‏ على وجھي،‏ وأقابل<br />

بین حجج ھؤلاء وھؤلاء حتى یطلُعَ‏ الفجرُ‏ ، ولم یترج َّح عندي منھا شيء!!‏<br />

‏-حكمُ‏ أَھْلِ‏ العلم في أَھْلِ‏ الكلام-‏<br />

لطلب العلم أن یصرف عزمھ وھمتھ لطلب العلم من منبعھ الصافي الأصیل؛<br />

الكتاب والسنة،‏ ویحرص على أن لا یشغلھ عنھما شاغل،‏ أو یصرفھ عنھما<br />

صارف،‏ وإنھا واللھ لمصیبة عظیمة أن یجد المرء نفسھ في نھایة عمره العلمي<br />

فارغاً‏ من العلم الصحیح لا یحمل منھ إلا اسمھ ورسمھ،‏ والعاقل من یعتبر<br />

بغیره.‏<br />

(1 ( لأن عقائد العجائز والعامة من المسلمین لم تلوث بشبھات وأباطیل علم الكلام،‏<br />

وھم على بساطة علمھم،‏ أسلم وأحكم إیماناً‏ وعقیدة من علماء الكلام.‏ وھذا<br />

یتطلب منا أن نشیر إِلى أمر،‏ وھو أن كثیراً‏ من الناس في ھذا العصر یعرضون<br />

عن التفقھ بالتوحید ومتطلباتھ كما جاء في الكتاب والسنة متذرعین بمقولة:‏ ‏"أنھم<br />

على إیمان العجائز!!‏ " مستدلین بما نقل عن ھؤلاء المتكلمین،‏ وھذا لا یجوز،‏<br />

ولا یصح أن یكون عذراً‏ لجھل التوحید،‏ فأولئك عندما نشدوا إیمان العجائز<br />

نشدوه لیبینوا سوء علم الكلام وما أوصلھم إلیھ،‏ ولیس حتى یجتنب الناس التفقھ<br />

بالتوحید من مصادره الصحیحة،‏ ویطلبوا إیمان العجائز والعوام!!.‏<br />

(2 ( ھو عبد الحمید بن عیسى الخسر وشاھي،‏ نسبة إِلى خسر وشاه،‏ قریة بمرو،‏<br />

قال السبكي في ‏"الطبقات"‏ : كان فقیھاً‏ أصولیاً‏ متكلماً‏ محققاً‏ بارعاً‏ في<br />

المعقولات،‏ قرأ على الإمام فخر الدین الرازي،‏ وأكثر الأخذ عنھ.‏<br />

(3 ( ھو محمد بن سالم بن واصل الحموي،‏ كما في درء تعارض العقل والنقل<br />

117<br />

161/8<br />

."165/1"


ومن یَصل إِلى مثل ھذه الحال إن لم یتداركھ اللھُ‏ برحمتھ وإلا تزندق،‏<br />

كما قال أبو یوسف رحمھ اللھ:‏ من طلب الدین بالكلام تزندق.‏ وقال<br />

أن یُضربوا بالجرید<br />

الشافعي رحمھ اللھ تعالى:‏ حُكمي في أھل الكلام (1)<br />

والنعال،‏ ویُطاف بھم في القبائل والعشائر،‏ ویقال:‏ ھذا جزاء من ترك<br />

الكتابَ‏ والسنةَ،‏ وأقبل على الكلام.‏ وقال:‏ لقد اطلعتُ‏ من أھل الكلام على<br />

شيء ما ظننت مسلماً‏ یقولُھ،‏ ولأن یُبتلى العبد بكل ما نھى اللھُ‏ عنھ<br />

‏-ما خلا الشركَ‏ باللھ ‏-خیر لھ من أن یُبتلى بالكلام.‏ ا-ھ.‏<br />

وتجدُ‏ أحد ھؤلاء عند الموت یرجع إِلى مذھب العجائز،‏ فیكونون في<br />

نھایاتھم ‏-إذا سَلِمُوا من العذاب-‏ بمنزلة أتباع أھلِ‏ العلم من الصبیان والنساءِ‏<br />

والأعراب (2) .<br />

والدواء النافعُ‏ لمثل ھذا المرض،‏ یكمن في دعاء النبي ε: ‏"اللھم َّ ر َّب<br />

جبریلَ‏ ومیكائیل وإسرافیل،‏ فاطِرَ‏ السماوات والأرض عالِمَ‏ الغیب<br />

والشھادة،‏ أنت تحكمُ‏ بین عبادك فیما كانوا فیھ یختلفون،‏ اھدِني لما اختُلِف<br />

فیھ من الحق بإذنك،‏ إنك تھدي من تشاءُ‏ إِلى صراطٍ‏ مستقیم"‏ (3) .<br />

118<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

المراد بأھل الكلام:‏ ھم كل من تكلم في الإلھیات والغیبیات وما یتعلق باللھ<br />

تعالى من خصائص وصفات،‏ معتمدین على العقل،‏ والمنطق،‏ والفلسفة،‏ بعیداً‏<br />

عن ھدي الكتاب والسنة وفھم الس َّلَف الصالح.‏<br />

فدل أن إیمان العجائز لا یصح أن یكون غایة ینشده الناس،‏ أو أن یكون عذراً‏<br />

لجھل التوحید.‏<br />

(3 ( صحیح،‏ أخرجھ مسلم وغیره.‏ قال الشیخ حافظ الحكمي في كتابھ ‏"اعتقاد<br />

الطائفة الناجیة المنصورة"‏ یبین صفة الصراط المستقیم الذي أُمرنا بسلوكھ من<br />

غیر التفات إِلى السبل الأخرى:‏ الصراط المستقیم ھو دین الإسلام الذي أرسل<br />

اللھ بھ رسلھ،‏ وأنزل بھ كتبھ،‏ ولم یقبل من أحدٍ‏ سواه،‏ ولا ینجو إلا من سلكھ،‏<br />

ومن سلك غیره تشعبت علیھ الطرق،‏ وتفرقت بھ السبل،‏ قال اللھ تعالى:‏ ‏[وأن<br />

ھذا صراطي مستقیماً‏ فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبیلھ].‏<br />

وخط النب ُّي ε خطاً‏ ثم قال:‏ ‏"ھذا سبیل اللھ مستقیماً"،‏ وخط َّ خطوطاً‏ عن یمینھ<br />

وشمالھ،‏ ثم قال:‏ ‏"ھذه السُبل لیس منھ سبیل إلا علیھ شیطان یدعو إلیھ"،‏ ثم<br />

قرأ:‏ ‏[وأن ھذا صراطي مستقیماً‏ فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن<br />

سبیلھ].‏


قولُھ:‏ ‏"ولا یصح ُّ الإیمانُ‏ بالرؤیة لأھل دار السلام لمن<br />

منھم بوھمٍ‏ ، أو تأو َّ لھا بفَھمٍ‏ ، إذا كان تأویل كُلّ‏<br />

یُضافُ‏ إِلى الربوبیة،‏ تَرْ‏ كَ‏ التأویل (2) ، ولزومَ‏ التسلیمِ‏ ، وعلیھ دینُ‏<br />

المسلمین (3) ، ومَن لم یتوق َّ النفيَ‏ والتشبیھ،‏ زَل َّ ولم یُصِ‏ ‏بِ‏<br />

التنزیھَ".‏<br />

ِ معنى<br />

(1)<br />

اعتبرھا<br />

،Ι<br />

119<br />

:ε<br />

( 2 )<br />

وقال ε: ‏"ضرب اللھ مثلاً‏ صراطاً‏ مستقیماً،‏ وعلى جنبتي الصراط سوران<br />

فیھما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة،‏ وعلى باب الصراط داعٍ‏ یقول:‏<br />

یا أیھا الناس ادخلوا الصراط المستقیم جمیعاً‏ ولا تفرقوا،‏ وداعٍ‏ یدعو من فوق<br />

الصراط،‏ فإذا أراد الإنسان أن یفتح شیئاً‏ من تلك الأبواب قال:‏ ویحك لا تفتحھ<br />

فإنك إن تفتحھ تلجھ،‏ فالصراط الإسلام،‏ والسوران حدود اللھ،‏ والأبواب المفتحة<br />

محارم اللھ،‏ وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب اللھ،‏ والداعي من فوق<br />

الصراط واعظ اللھ في قلب كل مسلم".‏ رواه أحمد،‏ والحاكم،‏ وقال:‏ صحیح<br />

على شرط مسلم،‏ ووافقھ الذھبي.‏<br />

ولا یتأتى سلوكھ والسلامة من الإنحراف عنھ إلا بالتمسك بالكتاب والسنة،‏<br />

والسیر بسیرھما والوقوف عند حدودھما،‏ وبذلك یحصل تجرید التوحید <br />

وتجرید المتابعة للرسول ‏[من یطع اللھ والر َّسُول فأولئك مع الذین أنعم اللھ<br />

علیھم من النبیین والصدیقین والشھداء والصالحین وحسن أولئك رفیقاً].‏<br />

وھؤلاء المنعم علیھم المذكورون ھھنا تفصیلاً‏ ھم الذین أضاف الصراط إلیھم<br />

في فاتحة الكتاب بقولھ تعالى:‏ ‏[إھدنا الصراط المستقیم.‏ صراط الذین أنعمت<br />

علیھم غیر المغضوب علیھم ولا الضالین]،‏ ولا أعظم نعمة على العبد من<br />

ھدایتھ إِلى ھذا الصراط المستقیم،‏ وتجنبھ السبل المضلة ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ ومنھ تعلم خطأ من یستبطئ طریق الإسلام وھدي الأنبیاء،‏ ویستعجل<br />

الطرق القصیرة الملتویة للوصول إِلى الغایة؛ كطریق الدیمقراطیة وما تفرزه<br />

من سبل شركیة باطلة التي راجت في البلاد وعلى العباد،‏ والتي على رأس كل<br />

سبیل منھا شیاطین الإنس والجن مجتمعة یزینون للعباد الولوج منھ..!!‏<br />

( 1 )<br />

أي اعتبر الرؤیة تشبیھاً‏ بوھم منھ.‏<br />

أي التأویل الصحیح للرؤیة وغیرھا من المعاني التي تضاف إِلى الرب<br />

یكون بترك التأویل الفاسد المخالف للكتاب والسنة وما كان علیھ سلف الأمة.‏<br />

( 3 )<br />

أي التسلیم المنافي للنفي والتشبیھ،‏ والذي بھ یدین المسلمون.‏


ش:‏ فیھ رد ٌّ على من یقول بنفي الرؤیة،‏ وعلى من یشَبّ‏ ‏ِھ اللھَ‏ بشيء من<br />

مخلوقاتھ.‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"لمن اعتبرھا منھم بوھم"،‏ أي توھم أن اللھ تعالى یُرى على<br />

صفة كذا،‏ فیتوھم تشبیھاً،‏ ثم بعد ھذا التوھم إن أثبت ما توھمھ من<br />

الوصف،‏ فھو مشبھ،‏ وإن نفى الرؤیةَ‏ من أصلھا لأجل ذلك التوھم،‏ فھو<br />

جاحد مُعطّ‏ ‏ِل،‏ بل الواجبُ‏ دفع ذلك الوھم وحده،‏ وإثباتُ‏ الحق.‏<br />

وإلى ھذا المعنى أشار الشیخُ‏ رحمھ اللھ تعالى بقولھ:‏ ‏"ومَن لم یتو َّق<br />

النفي والتشبیھ،‏ زل َّ ولم یصب التنزیھ"‏ فإن ھؤلاء المعتزلة یزعمون أنھم<br />

ینزھون اللھ بھذا النفي!‏ فإن نفيَ‏ الرؤیة لیس بصفة كمال،‏ إذ المعدوم لا<br />

یُرى (1) ، وإنما الكمالُ‏ في إثبات الرؤیة ونفي إدراك الر َّ ائي لھ إدراك<br />

إحاطةٍ،‏ كما في العلم،‏ فإن نفي العلم بھ لیس بكمالٍ،‏ وإنما الكمال في إثبات<br />

العلم ونفي الإحاطة بھ علماً،‏ فھو سبحانھ لا یُحاطُ‏ رؤیةً،‏ كما لا یُحاط بھ<br />

علماً.‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"أو تأولھا بفھم"‏ أي:‏ أدعى أنھ فھم لھا تأویلاً‏ یُخالف ظاھرھا،‏<br />

وما یفھمھ كل ُّ عربي ٌّ من معناھا،‏ فإنھ قد صار اصطلاح المتأخرین في<br />

معنى التأویل:‏ أنھ صَرْ‏ فُ‏ اللفظ عن ظاھِره،‏ وبھذا تَسَل َّط ِ المحرّ‏ فون على<br />

النصوص،‏ وقالوا:‏ نحن نؤوِّلُ‏ ما یخالف قولَنا،‏ فسموا التحریفَ‏ : تأویلاً،‏<br />

تزییناً‏ لھ،‏ وزخرفة لیقبل،‏ وقد ذم اللھ الذین زخرفوا الباطل،‏ قال تعالى:‏<br />

‏[وكذلك جعلنا لكل نبيّ‏ ٍ عدواً‏ شیاطین الإنس والجن یوحي بعضُھم إِلى<br />

بعضٍ‏ زُخرُفَ‏ القولِ‏ غروراً]‏ الأنعام:‏<br />

120


-2<br />

-3<br />

رسُولھ ε: ھو الحقیقةُ‏ التي یؤولُ‏ إلیھا الكلام،‏ فتأویل الخبر:‏ ھو عین<br />

المخبر بھ،‏ وتأویل الأمر:‏ نفس المأمور بھ.‏ وأما ما كان خبراً‏ عن اللھ<br />

والیوم الآخر،‏ فھذا قد لا یُعلَمُ‏ تأویلھ،‏ الذي ھو حقیقتھ،‏ إذْ‏ كانت لا تُعلَم<br />

بمجرد الإخبار،‏ فإن َّ المُخْبَرَ‏ إن لم یكن قد تصور المخْبَرَ‏ بھ،‏ أو ما یعرفھ<br />

قبل ذلك،‏ لم یعرف حقیقتھ (1) ، التي ھي تأویلُھ بمجرد الإخبار.‏ وھذا ھو<br />

التأویل الذي لا یعلمھ إلا اللھ،‏ لكن لا یلزَ‏ مُ‏ من نفي العلم بالتأویل نفي العلم<br />

بالمعنى الذي قصدَ‏ المخاطِبُ‏ إفھامَ‏ المخاطَبِ‏ إیاه،‏ فھذا معنى التأویل من<br />

الكتابِ‏ والسنة وكلام الس َّلَفِ‏ ، وسواءٌ‏ كان ھذا التأویل موافقاً‏ للظاھِرِ‏ أو<br />

مخالفاً‏ لھ.‏<br />

التأویل عند كثیر من المفسرین:‏ كابن جریر ونحوه یریدون بھ<br />

التفسیر وبیان معناه،‏ سواءٌ‏ وافق ظاھِرَ‏ هُ‏ أو خالف،‏ وھذا التأویل كالتفسیر،‏<br />

یُحمَدُ‏ حَق ُّھ،‏ ویُرد ُّ باطِلُھ.‏<br />

التأویل في كلام المتأخرین من الفقھاء والمتكلمین:‏ ھو صرف<br />

اللفظ عن الإحتمال الراجح إِلى الإحتمال المرجوح لدلالةٍ‏ تُوجب ذلك.‏<br />

فالتأویل الصحیح منھ:‏ الذي<br />

(1 ( مثال ذلك:‏ جھنم وعذابھا،‏ فنحن نعلم معنى ھذه الكلمة ومدلولاتھا،‏ ولكن لا<br />

نعلم حقیقة جھنم لأنھ لم یسبق لنا رؤیتھا ولا یوجد في دنیانا مثلھا،‏ لذا جاء في<br />

وصفھا أن نار الدنیا جزء من سبعین جزء من نار جھنم،‏ وأن َّى لنا أن ندرك<br />

حقیقة نارٍ‏ تزید سبعین ضعفاً‏ عن مجموع نار الدنیا،‏ وكذلك الجنة فإن فیھا ما لا<br />

أذن سمعت،‏ ولا عین رأت،‏ ولا خطر على قلب بشر،‏ كما جاء ذلك في الحدیث،‏<br />

وجنة ھذا وصفھا یعجز الإنسان عن معرفة حقیقتھا وإن كان معنى الجنة<br />

ونعیمھا الموصوف في القرآن الكریم معلوماً‏ لدینا.‏ وما یقال في المخلوق من ھذا<br />

الوجھ،‏ فمن باب أولى أن یقال في الخالق Ι، فإن أسماء اللھ تعالى وصفاتھ<br />

معلومة لدینا معناھا،‏ لكن حقیقتھا التي لھا علاقة ‏"بالكیف"‏ فإننا نجھلھا ولا<br />

یجوز الخوض أو حتى مجرد حدیث النفس فیھا،‏ وإذا ثبت عجزنا وضعفنا عن<br />

معرفة حقیقة وكیفیة المخلوق،‏ فمن باب أولى أن نمسك عن الخوض في كیفیة<br />

وحقیقة صفات اللھ تعالى،‏ وھذا لا یمنع من إثبات المعنى الذي أراده اللھ تعالى<br />

من ذكر أسمائھ وصفاتھ،‏ فھناك فرق بین معرفة حقیقة الصفة وبین إثبات معنى<br />

الصفة،‏ ولا یخلط بینھما إلا جاھل متشبھ،‏ أو متأول معطل.‏<br />

121


یوافق ما دلت علیھ نصوص الكتاب والسنة (1) ، وما خالف ذلك فھو التأویل<br />

الفاسد.‏<br />

‏-ما یترتب على التأویل الفاسد من مزالق ومحاذیر-‏<br />

فیُقال لھم:‏ ھذا الباب الذي فتحتموه،‏ فتحتم بھ علیكم باباً‏ لأنواع المشركین<br />

والمبتدعین،‏ ولا تقدرون على سده،‏ فإنكم إذا سوغتم صرف القرآن عن<br />

دلالتھ المفھومَةِ‏ بغیر دلیلٍ‏ شرعيٍ،‏ فما الضابِطُ‏ فیما یَسوغُ‏ تأویلُھ وما لا<br />

یَسوغُ؟!‏ فإن قلتم:‏ ما دل َّ القاطِعُ‏ العقلي ُّ على استحالتھ تأولناه،‏ وإلا أقررناه!‏<br />

یزعم<br />

قیل لكم:‏ وبأي عقل نزنُ‏ القاطِعَ‏ العقلي؟!‏ فإن القرمطي الباطني (2)<br />

قیام القواطع على بطلانِ‏ ظواھرِ‏ الشرع!‏ ویَزعُمُ‏ الفیلسوفُ‏ قیامَ‏ القواطِعِ‏<br />

على بُطلان حشرِ‏ الأجسادِ!‏ ویَزْ‏ عمُ‏ المُعتزلي ُّ قیام القواطعِ‏ على امتناع رؤیة<br />

اللھ تعالى،‏ وعلى امتناع قیام عِلمٍ‏ أو كلامٍ‏ أو رحمةٍ‏ بھ تعالى!!‏ وباب<br />

التأویلات التي یَد َّعي أصحابُھا وجوبَھا بالمعقولات أعظم من أن تنحصر<br />

في ھذا المقام ویلزم حینئذ محذوران عظیمان:‏<br />

أحدھما:‏ أن لا نقر بشيء من معاني الكتاب والسنة حتى نبحث قبل ذلك<br />

بحوثاً‏ طویلة عریضة في إمكان ذلك بالعقل،‏ وكل طائفة من المختلفین في<br />

الكتاب ید َّعون أن<br />

العقل یدل على ما ذھبوا إلیھ،‏ فیؤولُ‏ الأمرُ‏ إِلى الحیرة.‏<br />

الثاني:‏ أن القلوب تتخلى عن الجزم بشيء تعتقده مما أخبر بھ الر َّ سُول،‏<br />

إذ لا یُوثَقُ‏ بأن الظاھِر ھو المراد والتأویلاتُ‏ مضطربة،‏ فیلزم عزل الكتاب<br />

122<br />

( 1 )<br />

الكتاب والسنة یدلان دائماً‏ على الإحتمال الراجح للفظ ولیس المرجوح،‏ لذا<br />

فھذا النوع من التأویل لا یوافق الكتاب والسنة في أي وجھ من الوجوه،‏ وإن كان<br />

صاحبھ قد یكون لھ أجر لاجتھاده.‏<br />

( 2 )<br />

القرامطة:‏ نسبة إِلى حمدان القرمط أحد دعاتھم الأوائل،‏ من أصولھم تحریف<br />

الدین وتأویل ظواھر الشرع وصرفھا إِلى رموز باطنیة،‏ غایتھا إسقاط التكالیف<br />

عن العباد وإباحة المحرمات والمحظورات،‏ وھدفھم من ذلك ھدم أركان الدین،‏<br />

قال عنھم ابن تیمیة في منھاج الس ُّن َّة (258/8): ھم ملاحدة في الباطن،‏ خارجون<br />

عن جمیع الملل،‏ أكفر من الغالیة،‏ ومذھبھم مركب من مذھب المجوس والصابئة<br />

والفلاسفة،‏ مع إظھار التشیع،‏ وجدھم رجل یھودي كان ربیباً‏ لرجلٍ‏ مجوسي،‏<br />

وقد كانت لھم دولة وأتباع ا-ھ.‏ وانظر ‏"فضائح الباطنیة"‏ لأبي حامد الغزالي،‏<br />

فستجد من فضائحھم ومخازیھم وأخبارھم العجب العجاب.‏


والسنة عن الدلالة والإرشاد إِلى ما أنبأ اللھُ‏ بھ العباد.‏ ولھذا نجد أھل<br />

التأویل إنما یذكرون نصوص الكتاب والسنة للاعتضاد لا للاعتماد (1) ، إن<br />

وافقت ما ادّعوا أن العقل دل علیھ،‏ وإن خالفتھ أو َّ لوه (2) ! وھذا فتحُ‏ باب<br />

الزندقة والإنحلال.‏<br />

‏-مرض الش ُّبھةِ‏ أشد ُّ خطراً‏ من مرض الشھوة-‏<br />

أمراضُ‏ القلوب نوعان:‏ مرضُ‏ شُبھةٍ،‏ ومرض شھوة،‏ وكلاھما مذكور<br />

في القرآن،‏ قال تعالى:‏ ‏[فلا تخضَعْنَ‏ بالقول فیطمعَ‏ الذي في قلبھ مرضٌ‏<br />

الأحزاب:‏<br />

[<br />

123


‏-التشبیھ نوعان-‏<br />

فإن التشبیھ نوعان:‏ تشبیھُ‏ الخالق بالمخلوق،‏ وھذا الذي یتعبُ‏ أھلُ‏ الكلام<br />

في ردّ‏ ‏ِه وإبطالھ،‏ وأھلُھ في الناس أقل ُّ من النوع الثاني الذین ھم أھلُ‏ تشبیھ<br />

المخلوق بالخالق (1) ، كعُب َّادِ‏ المسیح،‏ وعُزیر،‏ والشمس والقمر،‏ والأصنام،‏<br />

تقر َّ أ فدخل في التشیع،‏ فسمعت حبیب بن <strong>أبي</strong> ثابت وھو یقول:‏ لأنت یوم كنت<br />

تقاتل وتفعل ما تفعل خیر منك الیوم.‏<br />

وعن <strong>أبي</strong> إدریس الخولاني أنھ كان یقول:‏ لأن أسمع بناحیة المسجد بنارٍ‏ تحترق<br />

أحب إلي َّ من أن أسمع فیھ ببدعة لیس لھا مغیر،‏ وما أحدثت أمة في دینھا بدعة<br />

إلا رفع اللھ بھا عنھم سنة.‏<br />

(1 ( وھو كما قال المصنف رحمھ اللھ،‏ فإن القوم ینشغلون إِلى حد المبالغة بشرك<br />

تشبیھ الخالق بالمخلوق مع انعدامھ،‏ ویتوسعون في ذلك إِلى أن یقعوا في شر<br />

التعطیل المنافي لاثبات الصفات،‏ بینما تراھم یغضون الطرف ‏-رھبة أو<br />

رغبة-‏ عن شرك تشبیھ المخلوق بخصائص الخالق سبحانھ،‏ رغم وجوده،‏<br />

وسعة انتشاره،‏ وتعدد الطواغیت التي تستشرف خصائص الإلھیة وتُقر علیھا<br />

من قبل جماھیر الناس،‏ وكأن ھذا النوع من الشرك لا یعنیھم،‏ ونصوص<br />

الشریعة لا تطالھ ولا تشملھ!‏<br />

فكم من إلھٍ‏ أصبحت ألوھیتھ مألوفة لدى جماھیر الناس،‏ والویل كل الویل لمن<br />

ینكر علیھا أو یعادیھا،‏ فھي في نظر دعاتھا ومروجیھا ثوابت لا یمكن تجاوزھا<br />

أو التعقیب علیھا،‏ فالوطن عندھم إلھ یُعبد من دون اللھ،‏ وعلى أساس الانتماء<br />

إلیھ تقسم الحقوق والواجبات،‏ ویعقد الولاء والبراء،‏ والقوم والقومیة إلھ،‏<br />

والعشیرة إلھ،‏ والإنسانیة إلھ،‏ والإنسان إلھ،‏ والشعب إلھ،‏ والأكثریة في عرف<br />

الدیمقراطیة والدیمقراطیین إلھ،‏ والمجالس التشریعیة النیابیة إلھ،‏ والدساتیر<br />

الوضعیة إلھ،‏ والثورة إلھ،‏ والأحزاب في بعض صورھا إلھ،‏ والطاغوت الحاكم<br />

إلھ،‏ ومجلس الأمم إلھ،‏ والجندي المجھول إلھ،‏ والعَلَم إلھ...‏ فھذه وغیرھا كثیر<br />

من الآلھة التي تُعبد من دون اللھ ولو في وجھ أو مجال من مجالات العبادة،‏<br />

ومع ذلك فھي لا تلفت نظر القوم ‏-الدعاة!!-‏ وكأن الأمر لا یعنیھم ولا یخصھم<br />

وھم یتحركون نحو التغییر والبناء.‏ علماً‏ أن دعوة الأنبیاء والرسل جمیعھم<br />

اجتمعت على تحقیق إخلاص العبادة تعالى،‏ والكفر بكل طاغوت مألوه یدعي<br />

لنفسھ شیئاً‏ من خصائص اللھ تعالى،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولقد بعثنا في كل أمة<br />

رسولاً‏ أنِ‏ اعبدوا اللھ واجتنبوا الطاغوت]‏ النحل:‏ 36. وقال تعالى:‏ ‏[وما<br />

124


والملائكة،‏ والنار،‏ والماء،‏ والعِجْلِ،‏ والقبورِ‏ ، والجن،‏ وغیر ذلك.‏ وھؤلاء<br />

ھمُ‏ الذین أُرسلت إلیھم الر ُّ سلُ‏ یدعونھم إِلى عبادة اللھ وحدَه لا شریك لھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"فإن رب َّنا جل َّ وعَلا موصُوف بصفاتِ‏ الوحدانی َّةِ‏ منعو ‏ٌت<br />

بنعوت الفردانی َّةِ،‏ لیس في معناهُ‏ أحد في البری َّةِ"‏ (1) .<br />

ش:‏ فقولُھ:‏ ‏"موصوف بصفات الوحدانیة"‏ مأخوذ من قولھ تعالى:‏ ‏[قل<br />

ھو اللھ أحد]‏ وقولھ:‏ ‏"منعوت بنعوت الفردانیة"‏ من قولھ:‏ ‏[اللھ الصمد<br />

لم یلد ولم یولد].‏ وقولھ:‏ ‏"لیس في معناه أحد من البریة"‏ من قولھ تعالى:‏<br />

‏[ولم یكن لھ كفواً‏ أحد].‏ والوصف والنعت مترادفان،‏ وقیل:‏ فالوصف<br />

للذات،‏ والنعت للفعل،‏ وكذلك الوحدانیة والفردانیة.‏ وقیل الفرق بینھما:‏ إن<br />

الوحدانیة للذات،‏ والفردانیة للصفات،‏ فھو تعالى مُوح َّدٌ‏ في ذاتھ،‏ مُنفردٌ‏<br />

بصفاتھ.‏ و[لیس كمثلھ شيء]‏ الشورى:‏<br />

125


ش:‏ للناس في إطلاق مثل ھذه الألفاظ ثلاثَة أقوال:‏ فطائفةٌ‏ تنفیھا،‏<br />

وطائفةٌ‏ تثبتھا،‏ وطائفةٌ‏ تفصل،‏ وھم المتبعون للسلف،‏ لأن المتأخرین قد<br />

صارت ھذه الألفاظ في اصطلاحھم فیھا إجمالٌ‏ وإبھام،‏ فلیس كُل ُّھم یستعمِلھا<br />

في نفس المعنى اللغوي،‏ ولھذا كان النُفاةُ‏ ینفون بھا حقاً‏ وباطلاً،‏ وبعض<br />

المثبتین لھا یُدخِ‏ لُ‏ فیھا معنى باطلاً‏ مخالفاً‏ لقول الس َّلَف.‏<br />

‏-الإعتصام بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنة-‏<br />

لیس لنا أن نصِ‏ فَ‏ اللھَ‏ تعالى بما لم یصفْ‏ بھ نفسَھُ،‏ ولا وصفَھ بھ رسولُھ<br />

نفیاً‏ ولا إثباتاً،‏ وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.‏ فما أثبتھ اللھ ورسولُھ<br />

أثبتناه،‏ وما نفاه اللھُ‏ نفیناه،‏ والألفاظ التي ورد بھا النص ُّ یُعتصم بھا في<br />

الإثبات والنفي.‏ وأما الألفاظ التي لم یرد نفیھا ولا إثباتھا،‏ فلا تُطلَقُ‏ حتى<br />

یُنظرَ‏ في مقصود قائلھا،‏ فإن كان معنى صحیحاً‏ قُبِلَ،‏ لكن ینبغي التعبیرُ‏<br />

عنھ بألفاظ النصوص دونَ‏ الألفاظِ‏ المجملَةِ‏ إلا عند الحاجة،‏ مع قرائن تبین<br />

المرادَ‏ والحاجَةَ.‏<br />

والشیخُ‏ رحمھ اللھ أراد الرد بھذا الكلام على المشبّ‏ ‏ِھة،‏ القائلین:‏ إن اللھَ‏<br />

جسمٌ،‏ وإنھ جُثةٌ‏ وأعضاء،‏ وغیر ذلك!‏ تعالى اللھ عما یقولون علواً‏ كبیراً.‏<br />

اللھ سبحانھ،‏ ولا یعلمھ العباد.‏ وأما ‏"الغایات والأركان والأعضاء والأدوات"،‏<br />

فمراده رحمھ اللھ تنزیھھ عن مشابھة المخلوقات في حكمتھ وصفاتھ الذاتیة من<br />

الوجھ والید والقدم ونحو ذلك،‏ فھو سبحانھ موصوف بذلك لكن لیست صفاتھ مثل<br />

صفات الخلق،‏ ولا یعلم كیفیتھا إلا ھو سبحانھ،‏ وأھل البدع یطلقون مثل ھذه<br />

الألفاظ لینفوا بھا الصفات بغیر الألفاظ التي تكلم اللھ بھا وأثبتھا لنفسھ حتى لا<br />

یفتضحوا وحتى لا یشنع علیھم أھل الحق.‏ والمؤلف الطحاوي رحمھ اللھ لم<br />

یقصد ھذا المقصد؛ لكونھ من أھل الس ُّن َّة المثبتین لصفات اللھ،‏ وكلامھ في ھذه<br />

العقیدة یفسر بعضھ بعضاً،‏ ویصدق بعضھ بعضاً،‏ ویفسر مشتبھھ بمحكمھ،‏<br />

وھكذا قولھ ‏"لا تحویھ الجھات الست كسائر المبتدعات"‏ مراده الجھات الست<br />

المخلوقة،‏ ولیس مراده نفي علو اللھ واستواءه على عرشھ؛ لأن ذلك لیس داخلاً‏<br />

في الجھات الست بل ھو فوق العالم ومحیط بھ،‏ وقد فطر اللھ عباده على<br />

الإیمان بعلوه سبحانھ وأنھ في جھة العلو،‏ وأجمع أھل الس ُّن َّة والجماعة من<br />

أصحاب النبي وأتباعھم بإحسان على ذلك،‏ والأدلة من الكتاب والسنة<br />

الصحیحة المتواترة كلھا تدل على أنھ في العلو سبحانھ ا-ھ.‏<br />

126<br />

ε


τ<br />

فالمعنى الذي أراده الشیخ من النفي الذي ذكره ھنا حق،‏ ولكن حدث بعده<br />

من أدخل في عموم نفیھ حقاً‏ وباطلاً‏ فیحتاج إِلى بیان ذلك.‏<br />

‏-اللھ تعالى لا تُحَد ُّ صفاتُھ بشيءٍ‏ ، وھو بائنٌ‏ عن خلقھ-‏<br />

السلفُ‏ متفقون على أن البشرَ‏ لا یعلمون حداً،‏ وأن َّھم لا یَحدّ‏ ‏ِون شیئاً‏<br />

من صفاتھ.‏ قال أبو داود الطیالسي:‏ كان سفیان،‏ وشعبة،‏ وحمادُ‏ بن یزید،‏<br />

وحماد بن سلمھ،‏ وشریك،‏ وأبو عوانھ،‏ لا یَحدّ‏ ‏ِون ولا یُشبّ‏ ‏ِھون ولا یمثلون،‏<br />

یروون الحدیث،‏ ولا یقولون:‏ كیف،‏ إذا سُئلوا قالوا بالأثر.‏ فعُلِمَ‏ أن مُراده (1) :<br />

أن اللھ یتعالى عن أن یُحیطَ‏ أحدٌ‏ بحده،‏ لا أنھ غیر متمیزٍ‏ عن خلقھ،‏ منفصل<br />

عنھم،‏ مباینٌ‏ لھم.‏ سُئل عبد اللھ بن المبارك:‏ بما نعرف ربنا؟ قال:‏ بأنھ على<br />

العرش،‏ بائنٌ‏ من خلقھ،‏ قیل:‏ بحد؟ قال:‏ بحد (2) . ومن المعلوم أن الحد َّ یُقال<br />

على ما ینفصل بھ الشيء ویتمیز بھ غیره،‏ واللھ تعالى غیر ٍ حالّ‏ في خلقھ،‏<br />

ولا قائم بھم،‏ بل ھو القیوم بنفسھ،‏ المقیم لما سواه.‏ فالحد بھذا المعنى لیس<br />

وراء نفیھ إلا نفي وجوب الرب،‏ ونفي حقیقتھ (3) .<br />

وأما الحد ُّ بمعنى العِلْمُ‏ والقول،‏ وھو أن یحد َّه العبادُ،‏ فھذا منتفٍ‏ بلا<br />

منازعة بین أھل الس ُّن َّة.‏<br />

‏-لفظُ‏ الأركان والأعضاء والأدوات-‏<br />

أما لفظُ‏ الأركانِ‏ والأعضاء والأدوات،‏ فیستدل ُّ بھا النُفاة على نفي بعض<br />

الصفات الثابتة بالأدلة القطعیة،‏ كالید والوجھ قال أبو حنیفة في ‏(الفقھ<br />

الأكبر):‏ لھ یدٌ‏ ووجھٌ‏ ونفسٌ‏ ، كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر الید والوجھ<br />

والنفس،‏ فھو لھ صفة بلا كیف،‏ ولا یُقال:‏ إن یده قدرتھ ونعمتھ،‏ لأن فیھ<br />

إبطال الصفة.‏ ا-ھ.‏<br />

وھذا الذي قالھ الإمام ثابتٌ‏ بالأدلة القاطعة.‏ قال تعالى:‏ ‏[ما منعك أن<br />

تسجد لما خلقتُ‏ بیدي]‏ ص:‏<br />

127


ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك]‏ المائدة<br />

128


الثاني:‏ أن قولھ:‏ ‏"كسائر المبتدعات"‏ یُفھم منھ أنھ ما من مُبتدَعٍ‏ إلا وھو<br />

محوي ٌّ وفي ھذا نظر (1) .<br />

قولُھ:‏ ‏"والمعراجُ‏ حق ٌّ،‏ وقد أُسرِ‏ يَ‏ بالنبي وعُرِ‏ جَ‏ بشخصھ في<br />

الیقظة،‏ إِلى السماء،‏ ثم إِلى حیثُ‏ شاء اللھُ‏ من العُلاَ،‏ وأكرمَھُ‏ اللھُ‏<br />

بما یشاء،‏ وأوحى إلیھ ما أوحى،‏ ما كذَبَ‏ الفؤادُ‏ ما رأى.‏ فصلى<br />

اللھ علیھ في الآخرةِ‏ والأولى".‏<br />

ش:‏ ‏"المعراج"‏ مفعال،‏ من العروج،‏ أي:‏ الآلة التي یُعرج فیھا،‏ أي<br />

یصعد،‏ لكن لا نعلم كیف ھو،‏ وحكمھ كحكم غیره من المغیبات،‏ نؤمن بھ<br />

ولا نشتغل بكیفیتھ.‏<br />

ε<br />

‏-ثبوتُ‏ الإسراء والمعراج لنبینا ε، بالیقظة بروحھ وجسده،‏<br />

ومرة واحدة-‏<br />

اختلف الناس في الإسراء،‏ فقیل:‏ كان الإسراء بروحھ،‏ ولمْ‏ یُفْقَد جَسَدُه.‏<br />

وقیل:‏ كان الإسراء مرتین،‏ مرة یقظةً،‏ ومرة مناماً.‏ وقیل:‏ مرة قبل الوحي<br />

ومرة بعده!‏ ومنھم من قال:‏ بل ثلاثَ‏ مرات:‏ مرةً‏ قبل الوحي،‏ ومرتین<br />

بعده!!‏<br />

والذي علیھ أئمة النقل:‏ أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة،‏ قبل<br />

الھجرة بسنةٍ،‏ وقیل:‏ بسنةٍ‏ وشھرین،‏ ذكره ابن عبد البر.‏ قال ابن القیم:‏<br />

یاعجباً‏ لھؤلاء الذین زعموا أنھ كان مراراً!‏ وكیف ساغ لھم أن یظنوا أنھ<br />

في كل مرة تفرض علیھم الصلوات خمسین،‏ ثم یتردد بین ربھ وبین موسى<br />

حتى تصیر خمساً،‏ فیقول:‏ ‏"أمضیتُ‏ فریضتي،‏ وخففت عن عبادي"،‏ ثم<br />

ا-ھ.‏<br />

یعیدھا في المرة الثانیة إِلى خمسین،‏ ثم یَحط ُّھا إِلى خمس؟!‏ (2)<br />

129<br />

( 1 )<br />

أي لا یصح على إطلاقھ،‏ لأنھ یستلزم التسلسل إِلى ما لا نھایة،‏ بمعنى أن ما<br />

من مخلوق إلا وھو محاط بمخلوق آخر إِلى ما لا نھایة!‏ وھذا لا یجوز التسلیم<br />

بھ.‏<br />

( 2 )<br />

أقول:‏ بل أكثر كلام الشارح عن الإسراء والمعراج،‏ ھو من كلام ابن القیم،‏<br />

وحتى حدیث الإسراء فقد نقلھ الشارح عن ابن القیم من كتابھ زاد المعاد )<br />

.(42-34/3


ε<br />

ومن حدیث الإسراء:‏ ‏"أنھ أُسرِ‏ يَ‏ بجسده في الیقظة على الصحیح،‏ من<br />

المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصى راكباً‏ على البراق،‏ صحبھ جبریل υ،<br />

فنزل ھناك وصلى بالأنبیاء إماماً،‏ وربط البراق بحلقة باب المسجد.‏ ثم<br />

عُرِ‏ جَ‏ بھ من بیت المقدس تلك اللیلة إِلى السماء الدنیا،‏ فاستفتح لھ جبریل،‏<br />

ففتح لھ،‏ فرأى ھناك آدم أبا البشر،‏ فسلم علیھ،‏ فرحب بھ ورد علیھ السلام،‏<br />

وأقر بنبوتھ،‏ ثم عُرج بھ إِلى السماء الثانیة،‏ فاستفتح لھ،‏ فرأى فیھا یحي بن<br />

زكریا،‏ وعیسى ابنَ‏ مریم،‏ فلقیھما فسلم علیھما فردا علیھ السلام،‏ ورحبا<br />

بھ،‏ وأقرا بنبوتھ،‏ ثم عُرج بھ إِلى السماء الثالثة،‏ فرأى فیھا یوسف،‏ فسلم<br />

علیھ فرد علیھ السلام ورحب بھ،‏ وأقر بنبوتھ،‏ ثم عُرج بھ إِلى السماء<br />

الرابعة،‏ فرأى فیھا إدریس فسلم علیھ،‏ ورحب بھ،‏ وأقر بنبوتھ،‏ ثم عرج بھ<br />

إِلى السماء الخامسة فرأى فیھا ھارون بن عمران،‏ فسلم علیھ ورحب بھ،‏<br />

وأقر بنبوتھ،‏ ثم عُرج بھ إِلى السماء السادسة،‏ فلقي فیھا موسى،‏ فقیل لھ:‏ ما<br />

یبكیك؟ قال:‏ أبكي لأن غلاماً‏ بعث بعدي یدخل الجنة من أمتھ أكثر مما<br />

یدخلھا من أمتي،‏ ثم عرج بھ إِلى السماء السابعة،‏ فلقي فیھا إبراھیم فسلم<br />

علیھ،‏ ورحب بھ،‏ وأقر بنبوتھ،‏ ثم رُ‏ فع إِلى سدرة المنتھى،‏ ثم رُ‏ فِعَ‏ لھ البی‏ ‏ُت<br />

المعمورُ‏ ، ثم عُرِ‏ ج بھ إِلى الجبار جل َّ جلالھ وتقدست أسماؤه،‏ فدنا منھ حتى<br />

كان قاب قوسین أو أدنى (1) ، فأوحى إِلى عبده ما أوحى،‏ وفرض علیھ<br />

خمسین صلاة،‏ فرجع حتى مر على موسى،‏ فقال:‏ بما أُمرت؟ قال:‏ بخمسین<br />

صلاة،‏ فقال:‏ إن أُمّتك لا تطیق ذلك،‏ إرجع إِلى ربّ‏ ك،‏ فاسْأَلھ التخفیف<br />

لأمّتك،‏ فالتفتَ‏ إِلى جبریل كأنھ یستشیره في ذلك،‏ فأشار أن:‏ نعم،‏ إن شئت،‏<br />

فعلا بھ جبریل حتى أتى بھ الجبار تبارك وتعالى وھو في مكانھ ‏-ھذا لفظ<br />

البخاري في صحیحھ،‏ وفي بعض الطرق-‏ فوضع عنھ عشراً،‏ ثم نزل حتى<br />

مَر َّ بموسى فأخبره،‏ فقال:‏ إِرجع إِلى ربك فاسألْھ التخفیف،‏ فلم یزل یتردد<br />

بین موسى وبین اللھ تبارك وتعالى،‏ حتى جعلھا خمساً،‏ فأمره موسى<br />

ِ<br />

130<br />

( 1 )<br />

قال الشیخ ناصر:‏ إن الدنو المذكور في ھذا السیاق،‏ ھو من روایة شریك بن<br />

عبد اللھ ابن <strong>أبي</strong> نمر الذي غل َّطھ الحفاظ في ألفاظ من حدیث الإسراء كما ذكر<br />

المؤلف آنفاً،‏ ومن ذلك ھذا اللفظ كما بینھ الحافظ ابن كثیر في تفسیر ‏(الإسراء).‏<br />

ومن قبلھ البیھقي في ‏"الأسماء والصفات"‏ ‏(ص 442-440). ا-ھ.‏


.1<br />

ε<br />

بالرجوع وسؤال التخفیف،‏ فقال:‏ قد استحییت من ربي ولكن أرضَ‏ وأسلم،‏<br />

فلما نَفَذَ،‏ نادى منادٍ:‏ قد أمضیتُ‏ فریضتي وخَف َّفْتُ‏ عن عبادِي"‏ (1) .<br />

ومما یدل على أن الإسراء بجسده في الیقظة،‏ قولھ تعالى:‏ ‏[سبحان الذي<br />

أسرى بعبده لیلاً‏ من المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصى]‏ الإسراء:‏<br />

والعبد عبارة عن مجموعة الجسد والروح،‏ كما أن الإنسان اسم لمجموع<br />

الجسد والروح،‏ ھذا ھو المعروف عند الإطلاق،‏ وھو الصحیح.‏<br />

‏-ترجیحُ‏ رؤیةِ‏ النبي لربھ بقلبھ،‏ دونَ‏ عینھ-‏<br />

قد تقدم ذِكرُ‏ اختلاف الصحابة في رؤیتھ رب َّھ عز وجل بعین رأسھ،‏<br />

وأن الصحیح أنھ رآه بقلبھ،‏ ولم یره بعین رأسھ،‏ وقولُھ:‏ ‏[ما كذب الفؤاد ما<br />

رأى]‏ النجم:‏<br />

ε<br />

131


من أمتي،‏ فیقال:‏ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"‏ (1) . وقال ε: ‏"أنا فَرطُكم<br />

وقال:‏ ‏"إني فَرطُكم على الحوض،‏ من مر َّ علي َّ،‏ شَرِ‏ بَ‏<br />

على الحوض"‏ (2)<br />

ومن شرب لم یظمأ أبداً،‏ لیردَن َّ علي َّ أقوامٌ،‏ أعرِ‏ فُھم ویعرفوني،‏ ثم یُحال<br />

بیني وبینھم"‏ (3) . والفَرط:‏ الذي یسبق إِلى الماء.‏<br />

والراجح أن الحوض في العَرَ‏ صَات قبل الصراط،‏ لأنھ یُختلَجُ‏ عنھ،‏<br />

ویُمنع منھ أقوام قد ارتدوا على أعقابھم،‏ ومثل ھؤلاء لا یجاوزون الصراط.‏<br />

‏-صفات الحوض ملخصة من الأحادیث الواردة-‏<br />

132<br />

ε<br />

( 1 )<br />

یتلخص من الأحادیث الواردة في صفة الحوض:‏ انھ حوضٌ‏ عظیم<br />

ومورِ‏ دٌ‏ كریم،‏ یُمَد ُّ من شراب الجنة،‏ من نھر الكوثر الذي ھو أشد بیاضاً‏ من<br />

اللبن،‏ وأبرَ‏ دُ‏ من الثلج،‏ وأحلى من العسل،‏ وأطیبُ‏ ریحاً‏ من المسك،‏ وھو<br />

في غایة الإتساع،‏ عَرْ‏ ضُھ وطولُھ سواء كل زاویة من زوایاه مسیرة شھر،‏<br />

فسبحان الخالق الذي لا یُعجزه شيء.‏ وقد ورَ‏ دَ‏ في أحادیث:‏ ‏"إن لكل نبيّ‏ ٍ<br />

حوضاً‏ وإن حوضَ‏ نبینا أعظمُھا وأجلھا وأكثرھا وارِ‏ داً"‏ (4) . جعلنا اللھ<br />

منھم بفضلھ وكرمھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"والشفاعةُ‏ التي اد َّخرھا لھم حق،‏ كما رُوي في<br />

الأخبار".‏<br />

ش:‏ عن <strong>أبي</strong> ھریرة τ، قال:‏ قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"أنا سیدُ‏ الناسِ‏ یومَ‏<br />

القیامة،‏ وھل تدرون مم ذاك؟ یجمع اللھ الأولین والآخرین في صعید<br />

واحدٍ،‏ فیقول بعض الناس لبعض:‏ ألا ترون ما أنتم فیھ؟ ألا ترون ما قد<br />

بلغكم؟ ألا تنظرون من یشفع لكم إِلى ربكم؟ فیقول بعضُ‏ الناس لبعضٍ‏ :<br />

أبوكُم آدمُ،‏ فیأتون آدَمَ،‏ فیقولون:‏ یا آدم،‏ أنت أبو البشر،‏ خلقكَ‏ اللھُ‏ بیده،‏<br />

ونفخَ‏ فیك من رُ‏ وحھ،‏ وأمر الملائكةَ‏ فسجدوا لك،‏ فاشفع لنا إِلى ربك،‏ ألا<br />

ترى ما نحن فیھ؟ ألا ترى ما قد بَلَغنا؟ فیقول آدم:‏ إن ربي قد غَضِ‏ ‏بَ‏ الیوم<br />

غضباً‏ لم یغضب قبلھ مِثْلَھُ،‏ ولن یغضب بعده مثلَھُ،‏ وإنھ نھاني عن الشجرة<br />

فعصیتُ‏ ، نفسي نفسي نفسي،‏ اذھبوا إِلى غیري،‏ اذھبوا إِلى نوحٍ،‏ فیأتون<br />

أخرجھ أحمد،‏ ومسلم.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

(3 ( متفق علیھ.‏<br />

(4 ( حسن،‏ أخرجھ الترمذي،‏ انظره في السلسلة الصحیحة:‏ (1589).


نوحاً،‏ فیقولون:‏ یانوح،‏ أنت أولُ‏ الرسُلِ‏ إِلى أھل الأرض،‏ وسماك اللھُ‏ عبداً‏<br />

شكوراً‏ فاشفع لنا إِلى ربك،‏ ألا ترى ما نحن فیھ؟ ألا ترى ما قد بلَغنا؟ فیقول<br />

نوح:‏ إن ربي قد غضب الیومَ‏ غضباً‏ لم یغضب قبلھ مِثلَھ،‏ ولن یغضب بعده<br />

مِثلَھ،‏ وإنھ كانت لي دعوةٌ‏ دعوتُ‏ بھا على قومي،‏ نفسي نفسي نفسي،‏ اذھبوا<br />

إِلى غیري،‏ اذھبوا إِلى إبراھیم،‏ فیأتون إبراھیم،‏ فیقولون:‏ یا إبراھیم،‏ أنت<br />

نبي اللھ وخلیلھ من أھل الأرض،‏ ألا ترى ما نحن فیھ؟ ألا ترى ما قد<br />

بلغنا؟ فیقول:‏ إن ربي قد غضب الیومَ‏ غضباً‏ لم یغضب قبلھ مثلَھ،‏ ولن<br />

یغضب بعده مثلھ،‏ وذكر كذباتھ (1) ، نفسي نفسي نفسي،‏ اذھبوا إِلى موسى،‏<br />

فیأتون موسى،‏ فیقولون:‏ یاموسى،‏ أنت رسولُ‏ اللھ،‏ اصطفاك اللھ<br />

برسالاتھ وبتكلیمھ على الناس،‏ اشفع لنا إِلى ربك،‏ ألا ترى ما نحن فیھ؟ ألا<br />

ترى ما قد بلغنا؟ فیقول لھم موسى:‏ إن ربي قد غضب الیومَ‏ غضباً‏ لم<br />

یغضب قبلھ مثلَھ ولن یغضب بعده مثلھ،‏ وإني قتلت نفساً‏ لم أؤمر بقتلھا،‏<br />

نفسي نفسي نفسي،‏ اذھبوا إِلى غیري،‏ اذھبوا إِلى عیسى،‏ فیأتون عیسى،‏<br />

فیقولون:‏ یا عیسى أنت رسول اللھ وكلمتھ ألقاھا إِلى مریمَ‏ وروحٌ‏ منھ ‏-قال:‏<br />

ھكذا ھو-‏ وكلمتَ‏ الناس في المھد،‏ فاشفع لنا إِلى ربك،‏ ألا ترى ما نحن<br />

فیھ؟!‏ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فیقول لھم عیسى:‏ إن ربي قد غَضِ‏ بَ‏ الیوم غَضباً‏<br />

لم یغضب قبلَھ مِثلَھ،‏ ولن یغضب بعده مثلھ،‏ اذھبوا إِلى غیري،‏ اذھبوا إِلى<br />

محمد ε، فیأتوني،‏ فیقولون:‏ یامحمدُ،‏ أنت رسول اللھ،‏ وخاتم الأنبیاء،‏ غفر<br />

اللھ لك ما تقدم من ذنبك،‏ وما تأخر،‏ فاشفع لنا إِلى ربك،‏ ألا ترى ما نحن<br />

فیھ؟ ألا ترى ما قد بَلغنا؟ فأقومُ‏ فآتي تحت العرش،‏ فأقع ساجداً‏ لربي Υ، ثم<br />

یفتح اللھ علي،‏ ویلھمني من محامده،‏ وحسن الثناء علیھ ما لم یفتحھ على<br />

أحد قبلي،‏ فیقال:‏ یامحمد،‏ ارفع رأسك،‏ سل تُعَطَھ،‏ اشفَعْ‏ تُشف َّع،‏ فأقول:‏<br />

یارب أمتي أمتي،‏ یارب أمتي أمتي،‏ یارب أمتي أمتي،‏ فیقال:‏ أدخل من<br />

أمتك من لا حساب علیھ من الباب الأیمن من أبواب الجنة،‏ وھم شركاء<br />

الناس فیما سواه من الأبواب"‏ (2) .<br />

(1 ( ھي ثلاث كذبات:‏ قولھ:‏ ‏(إني سقیم)،‏ وقولھ:‏ ‏(فعلھ كبیرھم)،‏ وقولھ:‏ لجبار من<br />

الجبابرة عن سارة أنھا أختھ.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

133


وممن یشفع لھم النبي یوم القیامة،‏ شفاعَتُھ في أھل الكبائر من أمتھ،‏<br />

ممن دخل النارَ‏ ، فیخرجون منھا،‏ وھذه الشفاعة تشاركھ فیھا الملائكة<br />

والنبیون والمؤمنون (1) .<br />

ε<br />

134<br />

ε<br />

τ<br />

( 1 )<br />

الشفاعة ھي ملك وحده،‏ ولا تكون إلا بإذنھ،‏ ولمن یأذن لھم بالشفاعة<br />

ورضي لھم قولاً،‏ والذي یعتقد في الشفیع أن لھ سلطة مستقلة تمكنھ من<br />

مشاركة اللھ تعالى في الشفاعة،‏ فیشفع من غیر إذن ولمن یرید فھو كافر<br />

مشرك،‏ وقد اعتقد عقیدة أھل الشرك في الصالحین والأنبیاء،‏ حیث ظنوا فیھم<br />

سلطة تقربھم إِلى اللھ زلفا،‏ وتمكنھم من الشفاعة لھم.‏<br />

قال الشیخ حافظ الحكمي في كتابھ أعلام السنة:‏ قد أثبت اللھ Υ الشفاعة في<br />

كتابھ في مواضع كثیرة بقیود ثقیلة وأخبرنا تعالى أنھا ملك لھ،‏ لیس لأحد فیھا<br />

شيء فقال تعالى:‏ ‏[قل الشفاعة جمیعاً]،‏ فأما متى تكون،‏ فأخبرنا Υ أنھا لا<br />

تكون إلا بإذنھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[من ذا الذي یشفع عنده إلا بإذنھ]،‏ ‏[ما من<br />

شفیع إلا من بعد إذنھ]،‏ ‏[وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتھم شیئاً‏<br />

إلا من بعد أن یأذن اللھ لمن یشاء ویرضى]،‏ ‏[ولا تنفع الشفاعة عنده إلا<br />

لمن أذن لھ].‏ وأما ممن تكون فكما أخبرنا تعالى أنھا لا تكون إلا من بعد إذنھ،‏<br />

أخبرنا أیضاً‏ أنھ لا یأذن إلا لأولیائھ المرتضین الأخیار كما قال تعالى:‏ ‏[لا<br />

یتكلمون إلا من أذن لھ الرحمن وقال صوابا]‏ وقال:‏ ‏[لا یملكون الشفاعة إلا<br />

من اتخذ عند الرحمن عھدا]‏ وأما لمن تكون فأخبرنا أنھ لا یأذن أن یُشفع إلا<br />

لمن ارتضى،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولا یشفعون إلا لمن ارتضى]،‏ ‏[یومئذٍ‏ لا تنفع<br />

الشفاعة إلا من أذن لھ الرحمن ورضي لھ قولاً]،‏ وھو سبحانھ لا یرتضي إلا<br />

أھل التوحید والإخلاص،‏ وأما غیرھم فقال تعالى:‏ ‏[ما للظالمین من حمیم ولا<br />

شفیع یُطاع]‏ وقال تعالى عنھم:‏ ‏[فما لنا من شافعین ولا صدیق حمیم]،‏ وقال<br />

تعالى فیھم:‏ ‏[فما تنفعھم شفاعة الشافعین].‏ وقد أخبرنا النبي أنھ أوتي<br />

الشفاعة،‏ ثم أخبرنا أنھ یأتي فیسجد تحت العرش،‏ ویحمد ربھ بمحامد یعلمھ<br />

إیاھا لا یبدأ بالشفاعة أولاً‏ حتى یقال لھ:‏ ‏"ارفع رأسك وقل یُسمع لك وسل تُعط<br />

واشفع تُشف َّع"‏ الحدیث.‏<br />

ثم أخبر أنھ لا یشفع في جمیع العصاة من أھل التوحید دفعة واحدة بل قال:‏<br />

‏"فیُحد لي حداً‏ فأدخلھم الجنة"،‏ ثم یرجع فیسجد وكذلك فیحد لھ حداً‏ إِلى آخر<br />

حدیث الشفاعة.‏<br />

وقال لھ أبو ھریرة مَن أسعد الناس بشفاعتك؟ قال:‏ ‏"من قال لا إلھ إلا اللھ<br />

خالصاً‏ من قلبھ".‏ ا-ھ.‏


عن أنس قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"شفاعتي لأھل الكبائر من أمتي"‏ (1) .<br />

ومن حدیث أنس أیضاً:‏ ‏"فیُقال:‏ یامحمد،‏ ارفع رأسك،‏ وقل یُسمَع لك،‏<br />

واشفع تشف َّع،‏ وسلْ‏ تُعطَھ،‏ فأقول:‏ یارب،‏ أمتي أمتي،‏ فیقال:‏ إنطلق فأخرج<br />

من كان في قلبھ مثقالُ‏ شعیرةٍ‏ من إیمان،‏ فأنطلق فأفعل،‏ ثم أعود فأحمده<br />

بتلك المحامد،‏ ثم أخِ‏ ‏ر ُّ لھ ساجداً،‏ فیُقال:‏ یامحمد،‏ ارفع رأسك،‏ وقل یُسمع<br />

لك،‏ واشفع تشفع،‏ وسلْ‏ تُعطھ،‏ فأقول:‏ یارب،‏ أمتي أمتي،‏ فیقال:‏ إنطلق<br />

فأخرج من كان في قلبھ مثقالُ‏ ذرةٍ،‏ أو خردَلةٍ‏ من إیمان،‏ فأنطلق فأفعل (2) ،<br />

ثم أعود فأحمده بتلك المحامد،‏ ثم أخِ‏ ‏ر ُّ لھ ساجداً،‏ فیقول:‏ یامحمد،‏ ارفع<br />

رأسك وقل یُسمع لك،‏ وسلْ‏ تُعطھ،‏ واشفع تشفع،‏ فأقول یارب أمتي أمتي،‏<br />

فیقول:‏ إنطلق فأخرج من كان في قلبھ أدنى مثقال حبة خردل من إیمان،‏<br />

(1 ( صحیح،‏ ولھ شواھد،‏ ‏"المشكاة"‏ (5599-5598). أقول:‏ یستثنى من أھل<br />

الكبائر اثنان فلا تنالھما شفاعة الرسول ε: الإمام الظلوم الغشوم،‏ والغالي في<br />

الدین المارق منھ،‏ كما جاء ذلك في قولھ ε: ‏"رجلان ما تنالھما شفاعتي:‏ إمام<br />

ظلوم غشومٌ‏ وآخر غالٍ‏ في الدین مارق منھ".‏ الحدیث:‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في<br />

السنة،‏ وصححھ الشیخ ناصر في التخریج:‏ (141) ثم من كان من أھل الكبائر،‏<br />

یشترط فیھ أن یكون من أھل التوحید،‏ وأن لا یكون قد ختم لھ بالكفر والشرك،‏<br />

فإن شفاعة نبینا ھي نائلة لأھل الكبائر من أھل التوحید،‏ كما في قولھ<br />

‏"أُعطیت الشفاعة وھي نائلة من لا یشرك باللھ شیئاً"‏ وقولھ:‏ ‏"أسعد الناس<br />

بشفاعتي یوم القیامة من قال:‏ لا إلھ إلا اللھ مخلصاً‏ من نفسھ".‏ أما من مات على<br />

الشرك فھو لا تنفعھ شفاعة الشافعین،‏ وھو خالد في نار جھنم أبداً،‏ كما قال<br />

تعالى:‏ ‏[إن اللھ لا یغفر أن یشرك بھ ویغفر ما دون ذلك لمن یشاء]‏ النساء:‏<br />

.48<br />

( 2 )<br />

إنھ رسول اللھ الذي عُرف في الدنیا بشدة قلقھ وحرصھ على سلامة أمتھ،‏<br />

وھدایة الناس،‏ وشدة ھمھ وحزنھ إذا ما أصاب المسلمین مكروه،‏ وھو كذلك<br />

شأنھ في الآخرة فلا یستریح حتى تستریح أمتھ،‏ ولا یطیب لھ المقام في نعیم<br />

الجنة العظیم حتى تدخل جمیع أمتھ الجنة!‏ وھا ھو لا یھدأ لھ بال ما دام واحد من<br />

أمتھ في النار .. ویكفي نبینا صلوات ربي وسلامھ علیھ،‏ وصف ربھ لھ:‏ ‏[لقد<br />

جاءكم رسول من أنفسكم عزیز علیھ ما عنتم حریص علیكم بالمؤمنین رؤوف<br />

رحیم]‏ التوبة:‏ 128. اللھم صل على سیدنا وحبیبنا وأسوتنا وعبدك ورسولك<br />

محمد،‏ عدد خلقك ورضى نفسك،‏ وزِ‏ نَةَ‏ عرشك،‏ ومِداد كلماتك،‏ وسلم تسلیماً‏<br />

كثیراً.‏<br />

:ε<br />

135<br />

ε


فأخرجھ من النار،‏ فأنطلق فأفعل،‏ ثم أعود الرابعة،‏ فأحمده بتلك المحامد،‏<br />

ثم أخرّ‏ لھ ساجداً،‏ فیقال:‏ یامحمد،‏ ارفع رأسك،‏ وقل یسمع لك،‏ وسل تُعْطَھ،‏<br />

واشفع تشفع،‏ فأقول:‏ یارب ائذن لي فیمن قال:‏ لا إلھ إلا اللھ،‏ فیقال:‏<br />

وعزتي وجلالي،‏ وكبریائي وعظمتي،‏ لأُخرِ‏ جَن َّ منھا من قال:‏ لا إلھ<br />

إلا اللھ (1) " رواه البخاري.‏<br />

ومن حدیث <strong>أبي</strong> سعید مرفوعاً،‏ قال:‏ ‏"فیقول اللھ تعالى:‏ شفعت الملائكة،‏<br />

وشفَعَ‏ النبی ُّون،‏ وشَفَعَ‏ المسلمون،‏ ولم یبق إلا أرحم الراحمین،‏ فیقبض<br />

قبضة من النار،‏ فیُخرِ‏ جُ‏ منھا قوماً‏ لم یعملوا خیراً‏ ق َّط (2) " (3) .<br />

‏-حكم التوسل بالأنبیاء والصالحین إِلى اللھ تعالى-‏<br />

فإن الداعي تارة یقول:‏ بحق نبیك؛ أو بحق فلان،‏ یقسم على اللھ بأحدٍ‏<br />

من مخلوقاتھ،‏ فھذا محذورٌ‏ من وجھین:‏ أحدھما:‏ أنھ أقسم بغیر اللھ.‏<br />

والثاني:‏ اعتقاده أن لأحد على اللھ حق َّاً.‏ ولا یجوز الحلف بغیر اللھ،‏ ولیس<br />

لأحد على اللھ حق إلا ما أحق َّھُ‏ على نفسھ،‏ كقولھ تعالى:‏ ‏[وكان حقاً‏ علینا<br />

نصرُ‏ المؤمنین]‏ الروم:‏<br />

136


ε<br />

اللھ على عباده؟ قال:‏ قلت:‏ اللھ ورسولھ أعلم،‏ قال:‏ حق َّھ علیھم أن یعبدوه<br />

ولا یشركوا بھ شیئاً،‏ أتدري ما حق ُّ العبادِ‏ على اللھ إذا فعلوا ذلك؟ قلت:‏<br />

اللھ ورسولھ أعلم ، قال:‏ حَق َّھم علیھ أن لا یعذّ‏ ‏ِبَھَم"‏ (1) . فھذا حق ٌّ وجب<br />

بكلماتھ التامة ووعده الصادق،‏ لا أن العبد نفسھ یستحق على اللھ شیئاً‏ كما<br />

یكون للمخلوق على المخلوق.‏<br />

وإن كان مُرادُه الإقسام على اللھ بحق فلان،‏ فذلك محذور أیضاً،‏ لأن<br />

الإقسام بالمخلوق لا یجوز،‏ فكیف على الخالق؟!‏ وقد قال ε: ‏"من حلف<br />

أن یقول<br />

بغیر اللھ فقد أشرك"‏ (2) . ولھذا قال أبو حنیفة وصاحباه ψ: یُكره (3)<br />

الداعي:‏ أسألك بحق فلان،‏ أو بحق أنبیائك ورسلك،‏ وبحق البیت الحرام،‏<br />

ونحو ذلك.‏ وھذا ونحوه من الأدعیة المبتدعة،‏ لم ینقل عن النبي ε، ولا عن<br />

الصحابة،‏ ولا عن التابعین،‏ ولا عن أحد من الأئمة ψ. والدعاء من أفضل<br />

العبادات،‏ والعبادات مبناھا على السنة والاتباع،‏ لا على الھوى والابتداع.‏<br />

وتارة یقول:‏ بجاه فلان عندك،‏ أو یقول:‏ نتوسل إلیك بأنبیائك ورسلك<br />

وأولیائك،‏ ومراده:‏ لأن فلاناً‏ عندك ذو وجاھة وشرف ومنزلة،‏ فأجب<br />

دعاءنا،‏ وھذا أیضاً‏ محذور،‏ فإنھ لو كان ھذا ھو التوسل الذي كان الصحابة<br />

یفعلونھ في حیاة النبي لفعلوه بعد موتھ،‏ وإنما كانوا یتوسلون في حیاتھ<br />

بدعائھ،‏ یطلبون منھ أن یدعو لھم،‏ وھم یُؤمّ‏ ‏ِنُون على دعائھ<br />

(4) ، كما في<br />

(1 ( متفق علیھ.‏ قلت:‏ حق اللھ على العباد أن یعبدوه العبادة بمعناھا العام والشامل<br />

لجمیع ما یحبھ اللھ من الأعمال الظاھرة والباطنة،‏ والبراءة من كل ما ینافیھا،‏<br />

والعبادة بھذا المعنى والشمولیة قل َّ من یوفیھا حقھا وبخاصة في زمان تزاحم<br />

الآلھة المزعومة التي تستشرف خصائص الإلھیة والربوبیة.‏<br />

(2 ( صحیح،‏ رواه أحمد،‏ والحاكم وصححھ.‏ قلت:‏ الحلف بغیر اللھ تعالى نوعان:‏<br />

عادة،‏ وعبادة،‏ فما كان منھ عادة كحلف المرء بأبیھ،‏ أو قولھ وحیاتك ونحو ذلك<br />

مما اعتاده الناس فھو شرك أصغر.‏ وما كان منھ یطلق على وجھ العبادة<br />

والتعظیم للمحلوف بھ فھو شرك أكبر یخرج صاحبھ من الملة،‏ وكلا النوعین قد<br />

دلت علیھما النصوص الشرعیة.‏<br />

( 3 )<br />

الكراھة ھنا تحمل على التحریم.‏<br />

(4 ( عن عثمان بن حنیف أن رجلاً‏ ضریر البصر،‏ أتى النب َّي ε، فقال:‏ ادع اللھ أن<br />

یعافیني،‏ قال:‏ ‏"إن شئت دعوت،‏ وإن شئت صبرت فھو خیرٌ‏ لك".‏ قال:‏ فادعھ،‏<br />

قال:‏ فأمره أن یتوضأ،‏ فیحسن وضوءه،‏ ویدعو بھذا الدعاء:‏ ‏"اللھم إني أسألك<br />

137


τ<br />

الاستسقاء وغیره،‏ فلما مات ε، قال عمر ‏-لما خرجوا یستسقون-:‏ ‏"اللھم<br />

إنا كنا إذا أُجدبنا نتوسل إلیك بنبینا فتسقیَنا،‏ وإنا نتوسل إلیك بعمّ‏<br />

معناه بدعائھ ھو رب َّھُ‏ وشفاعتِھ وسؤالھ،‏ لیس المراد أن نقسم علیك بھ،‏ أو<br />

نسألك بجاھھ عندك،‏ إذ لو كان ذلك مراداً‏ لكان جاه النبي أعظم وأعظم<br />

من جاه العباس.‏<br />

‏-التوس ُّل المشروع-‏<br />

وتارة یقول:‏ باتباعي لرسولك ومحبتي لھ،‏ وإیماني بھ وبسائر أنبیائك<br />

ورسلك وتصدیقي لھم،‏ ونحو ذلك،‏ فھذا من أحسن ما یكون من الدعاء<br />

والتوسل والإستشفاع.‏ كما في حدیث الثلاثة الذین أَوَ‏ وْ‏ ا إِلى الغار،‏ فإن<br />

الصخرة انطبقت علیھم فتوسلوا إِلى اللھ بذكر أعمالھم الصالحة،‏ وكل<br />

واحد منھم یقول:‏ فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجھك،‏ فافرُ‏ ج عن َّا ما نحن فیھ،‏<br />

فانفرجت الصخرةُ‏ فخرجوا یمشون (2) . فھؤلاء دعَوا اللھَ‏ بصالح الأعمال،‏<br />

(1)<br />

ِ نبینا"‏<br />

ε<br />

138<br />

ε<br />

وأتوجھ إلیك بنبیك محمد نبي الرحمة،‏ إني توجھت بك إِلى ربي في حاجتي ھذه<br />

لتقضى لي،‏ اللھم فشفعھ في َّ"‏ وفي المسند للإمام أحمد زیادة:‏ ‏"وشفعني فیھ"،‏<br />

قال:‏ ففعل الرجل فبرأ،‏ الحدیث رواه الترمذي وغیره،‏ وھو صحیح.‏ وقولھ:‏<br />

‏"فشفعني فیھ"‏ لھو دلیل أن المراد بالشفاعة ھو طلب الدعاء ولیس التشفع<br />

بالذات،‏ وإلا كیف یكون الرجل الضریر شفیعاً‏ للنبي ε؟!‏ فعلم أن المراد ھو<br />

الدعاء،‏ أي:‏ اللھم اقبل دعاء النبي في َّ،‏ واقبل دعائي فیھ.‏ وھذا المعنى یدل<br />

علیھ أول الحدیث وھو قولھ ε: ‏"إن شئتَ‏ دعوتُ‏ ، وإن شئتَ‏ صبرتَ‏ ". وھذا<br />

الحدیث رغم وضوح دلالاتھ ومعانیھ إلا أنھ استغل استغلالاً‏ سیئاً‏ من قبل أھل<br />

الأھواء والبدع،‏ حیث اعتبروه دلیلاً‏ على صحة كثیر من إطلاقاتھم وتعبیراتھم<br />

ε<br />

ε<br />

الشركیة والبدعیة!!.‏<br />

( 1 )<br />

ε<br />

لو كان المراد بالتوسل بالذات،‏ لما حاد الصحابة عن النبي بعد مماتھ<br />

وتوسلوا بغیره،‏ لأن ذات النبي ‏-حیاً‏ ومیتاً-‏ لا یفضلھا ذات مخلوق،‏ ومنھ نعلم<br />

أن التوسل كان بالدعاء.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏ وتمام الحدیث كما في صحیح البخاري،‏ عن ابن عمر،‏ عن النبيِّ‏<br />

قال:‏ ‏"خرجَ‏ ثلاثةُ‏ نفَرٍ‏ یمشون فأصابھم المطرُ‏ ، فدخلوا في جبلٍ،‏ فانحط َّتْ‏<br />

علیھم صخرةٌ،‏ فقال بعضُھم لبعضٍ‏ ادعو اللھَ‏ بأفضلِ‏ عملٍ‏ عَمِلْتُمُوه.‏ فقال<br />

أحدُھم:‏ اللھم َّ إني كان لي أبوانِ‏ شیخان كبیران،‏ فكنت أخرجُ‏ فأرعى،‏ ثم َّ أجی‏ ‏ُئ<br />

فأحلُبُ‏ ، فأجيءُ‏ بالحِ‏ لابِ‏ فآتي بھ أبوَ‏ ي َّ فیشرَ‏ بان،‏ ثم َّ أسقي الصبیَةَ‏ وأھلي


لأن الأعمال الصالحة ھي أعظم ما یتوسل بھ العبد إِلى اللھ،‏ ویتوجھ بھ<br />

إلیھ،‏ ویسألھ بھ.‏<br />

‏-الشفاعَةُ‏ عند اللھ لیست كالشفاعة عند البشر-‏<br />

فإن الشفیعَ‏ عند البشر كما أنھ شافِعٌ‏ للطالب شفَعَھُ‏ في الطلب،‏ بمعنى أنھ<br />

صار بھ شَفْعَاً‏ فیھ بعد أن كانَ‏ وِتْراً،‏ فھو أیضاً‏ قد شَفَعَ‏ المشفُوعَ‏ إلیھ (1) ،<br />

فبشفاعتھ بعد أن كان وِتْراً،‏ فھو أیضاً‏ قد شَفَعَ‏ الطالِبَ‏ والمطلوبَ‏ منھ،‏ واللھ<br />

تعالى وِتْرٌ‏ ، لا یشفَعُھُ‏ أحدٌ(‏‎2‎‏)‏ ، فلا یشفَع عنده أحدٌ‏ إلا بإذنھ،‏ فالأمر كلھ ،<br />

كما قال تعالى:‏ ‏[قل إن الأمرَ‏ كلھ ] آل عمران:‏<br />

139


یاعباس عم َّ رسول اللھ،‏ لا أملِكُ‏ لك من اللھ شيء"‏ (1) . فإذا كان سید الخلق<br />

وأفضل الشفعاء یقول لأخص الناس بھ:‏ ‏"لا أملك لكم من اللھ من شيء"‏<br />

فما الظن بغیره (2) ؟!‏<br />

قولُھ:‏ ‏"والمیثاقُ‏ الذي أخذَهُ‏ اللھُ‏ تعالى من آدَمَ‏ ِ وذرّی َّتِھِ‏ حَق ٌّ".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وإذ أخذ رب ُّكَ‏ من بني آدَمَ‏ من ظھورھم ذری َّتَھُم<br />

وأشھدَھُم على أنفسھم ألستُ‏ بربكم قالوا بلى شھدنا أن تقولوا یومَ‏ القیامة<br />

إنا كنا عن ھذا غافلین]‏ (3) . یخبر سبحانھ أنھ استخرج ذری َّةَ‏ بني آدم من<br />

أصلابھم شاھدین على أنفسھم أن اللھَ‏ رب َّھم وملیكُھم،‏ وأنھ لا إلھ إلا ھو.‏<br />

وعن ابن عباس،‏ عن النبي ε، قال:‏ ‏"إن اللھ أخذ المیثاق من ظھر آدم υ<br />

بنعمان ‏-یعني عرفھ-‏ فأخرج من صلبھ كل ذریة ذرَ‏ أَھا،‏ فنثرھا بین یدَیھ،‏<br />

ثم كل َّمَھُم قُبُلاً،‏ قال:‏ ‏[ألستُ‏ بربكم قالوا بلى شھدنا]‏ إِلى قولھ:‏<br />

140<br />

‏[المبطلون]‏ (4) .<br />

وعن أنس بن مالك،‏ عن النبي ε، قال:‏ ‏"یُقال للرجل من أھل النار یوم<br />

القیامة:‏ أرأیت لو كان لك ما على الأرض من شيء،‏ أكنت مفتدیاً‏ بھ؟ قال:‏<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

في ذلك موعظة للصوفیین وغیرھم،‏ الذي یتجھون إِلى المخلوق من دون اللھ<br />

تعالى،‏ ویطلبون منھ المدد والعون،‏ ویستغیثون بھ في الملمات!!‏ قال تعالى:‏ ‏[ولا<br />

تدع من دون اللھ ما لا ینفعك ولا یضرك فإن فعلت فإنك إذاً‏ من الظالمین،‏ وإن<br />

یمسسك اللھُ‏ ٍ بضرّ‏ فلا كاشف لھ إلا ھو وإن یردك بخیر فلا راد لفضلھ یصیب<br />

بھ من یشاء من عباده وھو الغفور الرحیم]‏ یونس 107-106. وقولھ تعالى:‏<br />

‏[فإنك إذاً‏ من الظالمین]‏ أي من المشركین،‏ فالظلم یطلق أحیاناً‏ ویراد منھ الشرك<br />

الأكبر كما ھو في ھذه الآیة.‏<br />

إِلى قولھ تعالى:‏ ‏[أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل،‏ وكنا ذریةً‏ من بعدھم<br />

أفتھلكنا بما فعل المبطلون]‏ الأعراف:‏ 173-172. وھاتان الآیتان دلیل على أن<br />

اللھ أشھد بني آدم على توحید الربوبیة والألوھیة،‏ ولیس على توحید الربوبیة<br />

فقط كما یشیر البعض،‏ وأن ھذا المیثاق حجة علیھم یوم القیامة،‏ یحسم أعذارھم،‏<br />

ولكن قضت حكمة اللھ تعالى ورحمتھ أن لا یعذب أحداً‏ إلا بعد قیام حجة الأنبیاء<br />

والرسل علیھ.‏<br />

(4 ( رواه النسائي،‏ وأحمد،‏ وابن جریر،‏ والحاكم في المستدرك.‏ قال الشیخ ناصر:‏<br />

صحیح،‏ لطرقھ وشواھده.‏


فیقول:‏ نعم،‏ قال:‏ فیقول:‏ قد أردت منك أھونَ‏ من ذلك،‏ قد أخذت علیك في<br />

ظھر آدم أن لا تُشرك بي شیئاً،‏ فأبیتَ‏ إلا أن تُشرك بي (1) " متفق علیھ.‏<br />

‏-التوحید أمرٌ‏ فطري،‏ والشرك مكتسبٌ‏ طارئ-‏<br />

ولا شك أن الإقرارَ‏ بالربوبیة أمرٌ‏ فطري،‏ والشركَ‏ حادثٌ‏ طارئ،‏<br />

والأبناء تقل َّدوه عن الآباءِ‏ (2) ، فإذا احتج ُّوا یومَ‏ القیامة بأن الآباءَ‏ أشركوا،‏<br />

(1 ( واضح أن ھذا المیثاق حجة على بني آدم یوم القیامة،‏ ممن قارَ‏ ف منھم الشرك<br />

ولا عذر لھم بتقلید الآباء ومواكبة العادات السائدة في المجتمع،‏ أو أنھم كانوا<br />

عن ھذا المیثاق غافلین.‏ فإن قیل كیف التوفیق بین ھذا وبین كون المرء لا<br />

یعذب إلا بعد بلوغ نذارة الرسل؟ أقول:‏ المیثاق حجة من حجج اللھ تعالى على<br />

عباده،‏ كحجة الفطرة،‏ وحجة الآیات التي أودعھا اللھ تعالى في النفس البشریة<br />

وفي الكون،‏ وھم یحاجون بھا یوم القیامة ویُفاتشون،‏ ولكن العذاب فإن حكمة<br />

اللھ ورحمتھ قضت أن لا یكون إلا بعد بلوغ نذارة الرسل وجحدھا ومعاندتھا<br />

والإعراض عنھا،‏ زیادة في قیام الحجة وتبكیتاً‏ لأعذارھم.‏ كما قال تعالى:‏ ‏[وما<br />

كنا معذبین حتى نبعث رسولاً].‏<br />

وقولھ تعالى لأھون أھل النار عذاباً:‏ ‏"قد أردت منك أھون من ھذا وأنت في<br />

صلب آدم أن لا تُشرك بي شیئاً‏ ولا أدخلك النار فأبیت إلا الشرك،‏ فیؤمر بھ إِلى<br />

النار".‏ لایفھم منھ أن أھون أھل النار عذاباً‏ أمر بھ إِلى النار لمجرد مخالفتھ<br />

لحجة المیثاق قبل أو من دون قیام حجة الرسل علیھ،‏ وبخاصة أن أھون أھل<br />

النار عذاباً‏ ھو ‏"أبو طالب"‏ كما في صحیح مسلم:‏ ‏"أھون أھل النار عذاباً‏ أبو<br />

طالب".‏ وأبو طالب لاشك أنھ قد بلغتھ نذارة الرسل،‏ وأقام علیھ الحجةَ‏ شخصُ‏<br />

النبي ε، فأبى إلا الشرك.‏ فإذا كان ھذا الذي ھو أھون أھل النار عذاباً،‏ قد بلغتھ<br />

نذارة الرسل،‏ فمن باب أولى من كان أشد منھ عذاباً،‏ أن تكون نذارة الرسل قد<br />

بلغتھ فقابلھا بالجحود والعناد.‏ ولكن فھم إضافة إِلى حجة الرسل ‏-الذي یُعقد<br />

العذاب والحساب على أساسھا-‏ محجوجون بحجة المیثاق وغیره من الحجج،‏<br />

والمسألة قد أوفیناھا بحثاً‏ في كتابي:‏ ‏(العذر بالجھل وقیام الحجة)‏ فلیراجع.‏<br />

(2 ( كما في قولھ ε: ‏"ما من مولود إلا ویولد على الفطرة.‏ فأبواه یھودانھ أو<br />

ینصرانھ أو یمجسانھ".‏ وفي روایة:‏ ‏"كل مولود یولد على الملة،‏ فأبواه یھودانھ،‏<br />

وینصرانھ،‏ ویشركانھ".‏ وفي الحدیث القدسي:‏ ‏"إني خلقت عبادي حنفاء كلھم،‏<br />

وأنھم أتتھم الشیاطین فاجتالتھم عن دینھم ..." وقولھ:‏ ‏"حنفاء"،‏ قال النووي في<br />

ال<strong>شرح</strong>:‏ أي مسلمین ا-ھ.‏ بقي أن نشیر إِلى أمر،‏ وھو أن المیثاق الذي أخذ اللھ<br />

141


ونحن جرینا على عادتھم،‏ كما یجري الناس على عادة آبائھم في المطاعم<br />

والملابس والمساكن،‏ یُقال لھم:‏ أنتم كنتم مُعترفین بالص َّانع،‏ مقرین بأن اللھَ‏<br />

رب ُّكم لا شریك لھ،‏ وقد شھدتم بذلك على أنفسكم فلِمَ‏ عدلتم عن ھذه المعرفة<br />

والإقرار الذي شھدتم بھ على أنفسكم إِلى الشرك؟!‏ بل عدَلْتُم عن المعلو ‏ِم<br />

المتیق َّن إِلى ما لا یعلم لھ حقیقة،‏ تقلیداً‏ لمن لا حُج َّة معھ.‏<br />

‏-اتباع الرسل في الدین دون الآباء-‏<br />

إن كان الآباءُ‏ مخالفین للرسل،‏ كان علیھ أن یَتبعَ‏ الرسلَ،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[ووصینا الإنسان بوالدیھ حُسْناً‏ وإن جاھداك لتُشرِ‏ كَ‏ بي ما لیس لك بھ<br />

علم فلا تُطعھما]‏ العنكبوت:‏ 8. فمن اتبع دین آبائِھ بغیر بصیرةٍ‏ وعِلم،‏ بل<br />

یعدل عن الحقِّ‏ المعلوم إلیھ،‏ فھذا اتبعَ‏ ھواهُ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[وإذا قیل لھم<br />

اتبعوا ما أنزل اللھ قالوا بل نتبع ما ألفینا علیھ آباءَنا أو لو كان آباؤھم لا<br />

یعقلون شیئاً‏ ولا یھتدون]‏ البقرة:‏<br />

142


فنك َّس رأسَھُ،‏ فجعل ینكُتُ‏<br />

اللھ ε، فقعد وقعدنا حولَھ،‏ ومعھ مَخْصَرَ‏ ةٌ(‏‎1‎‏)‏<br />

بمخصرتھ،‏ ثم قال:‏ ما من نفْسٍ‏ منفوسَةٍ‏ إلا قد كتب اللھ مكانھا من الجنة<br />

والنار،‏ وإلا وقد كُتِبَت شقی َّةً‏ أو سعیدةً،‏ قال:‏ فقال رجل:‏ یارسول اللھ،‏ أفلا<br />

نمكث على كتابنا وندَعُ‏ العمل؟ فقال:‏ من كان من أھل السعادة فسیصیرُ‏ إِلى<br />

عمل أھل السعادة،‏ ومن كان من أھل الشقاوة فسیصیر إِلى عمل أھل<br />

الشقاوة،‏ ثم قال:‏ اعملوا فكل ٌّ مُیس َّرٌ‏ لما خُلِقَ‏ لھ،‏ أما أھل السعادة فییسرون<br />

لعمل أھل السعادة،‏ وأما أھل الشقاوة فییسرون لعمل أھل الشقاوة"‏ ثم قرأ:‏<br />

‏[فأما من أعطى واتقى،‏ وصدق بالحُسنى،‏ فسنیسّ‏ ‏ِرُه للیُسرى،‏ وأما من<br />

بَخِ‏ ل واستغنى،‏ وكذ َّبَ‏ بالحسنى،‏ فسنیسره للعُسرى]‏ اللیل:‏<br />

-5<br />

143


خرجاه في الصحیحین،‏ وزاد البخاري:‏ ‏"وإنما الأعمال بالخواتیم (1) ".<br />

وقال ε: ‏"إن أحدَكُم یُجمعُ‏ خلقُھ في بطن أمھ أربعین یوماً‏ نُطفةً،‏ ثم علقةً‏<br />

مثل ذلك،‏ ثم یكن مضغة مثل ذلك،‏ ثم یرسل إلیھ الملك فینفخ فیھ الروح،‏<br />

ویؤمر باربع كلمات:‏ یُكتب رزقھ،‏ وأجلھ،‏ وعملھ،‏ وشقي ٌّ أم سعید،‏ فوالذي<br />

لا إلھ غیرُ‏ ه،‏ إن أحدَكم لیعمل بعمل أھل الجنة حتى ما یكون بینھ وبینھا إلا<br />

ذراع فیسبقُ‏ علیھ الكتاب (2) ، فیعملُ‏ بعمل أھل النار فیدخُلُھا،‏ وإن أحدَكُم<br />

لیعملُ‏ بعمل أھل النار حتى ما یكون بینھ وبینھا إلا َّ ذراع،‏ فیسبقُ‏ علیھ<br />

الكتابَ‏ ، فیعمل بعمل أھل الجنة فیدخلھا"‏ (3) .<br />

قولُھ:‏ ‏"وأصلُ‏ القدرِ‏ سر ُّ اللھ تعالى في خلقھِ،‏ لم یَ‏ َّطلِعْ‏ على<br />

ذلك ملكٌ‏ مقربٌ‏ ، ولا نبي ٌّ مرسل،‏ والتعم ُّقُ‏ والنظرُ‏ في ذلك ذریعةُ‏<br />

كما قال تعالى:‏ ‏[فلا تزكوا أنفسكم ھو أعلم بمن اتقى]‏ وقال:‏ ‏[ألم تر إِلى الذین<br />

یزكون أنفسھم بل اللھ یزكي من یشاء ولا یظلمون فتیلا].‏<br />

وإذا كان المرء لا یستطیع أن یزكي نفسھ على اللھ،‏ وھو أدرى الخلق بھا،‏<br />

فمن باب أولى أن لا یستطیع تزكیة الآخرین بأعیانھم،‏ لذا صح عن النبي<br />

أنھ قال:‏ ‏"من كان منكم مادحاً‏ أخاه ولا محالة،‏ فلیقل:‏ أحسب فلاناً،‏ واللھ<br />

حسیبھ،‏ ولا أزكي على اللھ أحداً،‏ أحسبھ كذا وكذا،‏ إن كان یعلم ذلك منھ".‏ فإذا<br />

كان مدحھ لأخیھ في الدنیا ‏-بما یعلم-‏ یجب علیھ أن یتوخى ھذه الدقة،‏ وأن لا<br />

یزكیھ على اللھ،‏ فكیف بھ لو أراد أن یتألى على اللھ،‏ ویحكم على الغیب الذي<br />

لا یعلمھ إلا اللھ،‏ بأن صاحبھ من أھل الجنة؟!‏<br />

وھل یقال لفلان شھید،‏ أو یحكم لمعین بالجنة؟!‏ فالراجح أنھ لا یشھد لمعین<br />

بالجنة إلا لمن جاء فیھ نص كالعشرة المبشرین بالجنة وغیرھم،‏ والمسألة قد<br />

استوفیناھا بحثا واستدلالاً‏ في كتابي ‏"قواعد في التكفیر"‏ فالیراجع.‏<br />

( 1 )<br />

أي بما یُختم بھ على المرء من عمل،‏ فإن ختم لھ بعمل صالح فقد فاز،‏ وإن<br />

ε<br />

ختم لھ بعمل طالح فقد ھلك وخسر مھما تقدمھ من عمل صالح.‏ ومن فقھ الحدیث<br />

التوقف عن الخوض في مصیر أحد بعینھ یوم القیامة،‏ قبل العلم بما ختم لھ من<br />

عمل،‏ وعلى أي عمل أدركتھ المنیة،‏ لذا یحسن بالمرء،‏ دائماً‏ أن یسأل اللھ تعالى<br />

لنفسھ ولإخوانھ الثبات على الحق وحسن الختام،‏ ولا یغرنھ عملھ الصالح،‏<br />

وتاریخھ الحافل بالمواقف والجھاد،‏ وفي قصة ‏"بلعام"‏ عبرة لمن أراد أن یعتبر.‏<br />

( 2 )<br />

أي یسبق المقدور المكتوب في الكتاب،‏ الذي ھو اللوح المحفوظ.‏<br />

(3 ( متفق علیھ.‏<br />

144


الخِ‏ ذْلان،‏ وسُل َّم الحِ‏ رمان،‏ ودرجَةُ‏ الطغیان،‏ فالحذَرَ‏ كُل َّ الحذر من<br />

ذلك نظراً‏ وفكراً‏ ووَ‏ سْوسَةً،‏ فإن اللھ تعالى طوى علم القدر عن<br />

أنامِھ،‏ ونھاھم عن مَرامھ،‏ كما قال تعالى في كتابھ:‏ ‏[لا یُسأَلُ‏ عما<br />

یفعلُ‏ وھم یُسألُون (1) [ الأنبیاء:‏<br />

145


وخالف في ذلك القدریة المعتزلة،‏ وزعموا أن اللھ شاء الإیمان من<br />

الكافر،‏ ولكن الكافرَ‏ شاء الكفرَ‏ ‏ فر ُّ وا إِلى ھذا،‏ لئلا َّ یقولوا:‏ شاء الكفرَ‏ من<br />

الكافر،‏ وعذبھ علیھ!‏ فإنھم ھربوا من شيء فوقعوا فیما ھو شر ٌّ منھ،‏ فإنھ<br />

یلزمھم أن مشیئةَ‏ الكافر غلبت مشیئةَ‏ اللھ تعالى،‏ فإن اللھ قد شاء الإیمان<br />

منھ ‏-على قولھم-‏ والكافر شاء الكفر،‏ فوقعت مشیئة الكافر دون مشیئة اللھ<br />

تعالى!‏ وھذا من أقبح الاعتقاد،‏ وھو قولٌ‏ لا دلیلَ‏ علیھ (2) .<br />

روى عمرُ‏ بن الھیثم،‏ قال:‏ خرجنا في سفینةٍ،‏ وصحبنا فیھا قدر ٌّي<br />

ومجوسي ُّ،‏ فقال القدري للمجوسي:‏ أسلم،‏ قال المجوسي:‏ حتى یریدَ‏ اللھ،‏<br />

فقال القدري ُّ:‏ إن اللھ یرید،‏ ولكن الشیطان لا یرید،‏ قال المجوسي:‏ أراد<br />

اللھ،‏ وأراد الشیطان،‏ فكان ما أراد الشیطان!‏ فأنا مع أقواھما!!‏<br />

ووقف أعرابي على حلقةٍ‏ فیھا عمرو بن عبید (3) ، فقال:‏ یا ھؤلاء،‏ إن<br />

ناقتي سُرقت،‏ فادعوا اللھَ‏ أن یردھا علي َّ،‏ فقال عمرو بن عُبید:‏ اللھم َّ إنك لم<br />

تُرِ‏ د أن تُسرق ناقَتُھ فسرقت،‏ فاردُدْھا علیھ،‏ فقال الأعرابي ُّ:‏ لا حاجة لي في<br />

دعائك.‏ قال:‏ ولِمَ؟ قال:‏ أخاف ‏-كما أراد أن لا تُسرق فسرقت-‏ أن یرید رد َّھا<br />

فلا تُرَ‏ د ُّ (4) !!<br />

فمنشأ الضلال من التسویة بین المشیئة والإرادة،‏ وبین المحب َّة والرضى.‏<br />

‏-الدلیلُ‏ من الكتاب والسنة على الفَرْ‏ قِ‏ بین المشیئة والمحبة-‏<br />

أما نصوص المشیئة والإرادة من الكتاب،‏ فقد قال تعالى:‏ ‏[ولو شئنا<br />

لآتینا كل َّ نفسٍ‏ ھداھا]‏ السجدة:‏<br />

146


وأما نصوصُ‏ المحب َّةِ‏ والرضى،‏<br />

البقرة:‏<br />

فقال تعالى:‏<br />

‏[واللھُ‏ لا یُحب َّ الفساد]‏<br />

147


ِ ، لتعط َّلَ‏ الخیرُ‏<br />

Ι<br />

ε<br />

. ِ<br />

كمال قدرتھ وعزتھ وملكھ وسُلطانھ.‏ فخلُو ُّ الوجود عن بعضھا بالكلیة<br />

تعطیلٌ‏ لحكمتھ،‏ وكمالِ‏ تصر ُّ فھِ،‏ وتدبیر مملكتھ.‏<br />

ومنھا:‏ ظھورُ‏ آثار أسمائھ القھریة،‏ مثلُ:‏ القھ َّار،‏ المنتقم،‏ والعدل،‏<br />

والض َّارِ‏ ، والشدید العقاب،‏ والسریعِ‏ الحساب،‏ وذي البطشِ‏ الشدید،‏<br />

والخافض،‏ والمُذلّ‏ ِ، فإن ھذه الأسماء والأفعال كمالٌ،‏ لا بد من وجو ‏ِد<br />

متعل َّقِھَا ولو كان الجن ُّ والإنسُ‏ على طبیعة الملائكة لم یظھرْ‏ أثرُ‏ ھذه<br />

الأسماء.‏<br />

ومنھا:‏ ظھورُ‏ آثارِ‏ أسمائِھ المُتَضَمّ‏ ‏ِنَةِ‏ لِحلْمھِ‏ وعَفوهِ‏ ومَغْفرَ‏ تھِ‏ وسَتْرِ‏ ه<br />

وتجاوزهِ‏ عَن حَقّ‏ ‏ِھِ‏ وعَتْقِھ لِمَنْ‏ شاءَ‏ مِنْ‏ عبیدِه،‏ فلولا خَلْقُ‏ ما یكرھھُ‏ مِ‏ ‏َن<br />

الأسبابِ‏ المُفضیَةِ‏ إِلى ظھورِ‏ آثارِ‏ ھذه الأسماء،‏ لتعط َّلتْ‏ ھذه الحِ‏ كَمُ‏<br />

والفوائِدُ،‏ وقد أشارَ‏ النب ُّي إِلى ھذا بقولِھ:‏ ‏"لَوْ‏ لَمْ‏ تُذنبوا،‏ لَذَھبَ‏ اللھُ‏ بكم،‏<br />

ولَجَاءَ‏ بقومٍ‏ یُذنبونَ،‏ ویستغفرونَ‏ فیغفِرُ‏ لَھُم"‏ رواه مسلم.‏<br />

ومنھا:‏ ظھورُ‏ آثارِ‏ أسماءِ‏ الحكمةِ‏ والخبرَ‏ ةِ،‏ فإن َّھ الحكیمُ‏ الخبیر،‏ الذي<br />

یضَعُ‏ الأشیاءَ‏ مواضِ‏ عَھا ویُنزِ‏ لُھا منازِ‏ لَھا اللائِقَةِ‏ بھا،‏ فھو أعلم حیثُ‏ یجعلْ‏<br />

رسالاتِھ،‏ وأعلَمُ‏ بمن یَصلُحُ‏ لِقبولِھا ویشكرُ‏ هُ‏ على انتھائھا إلیھ،‏ وأَعْلَمُ‏ بمن لا<br />

یَصلُحُ‏ لذلك.‏ فلو قُدّ‏ ‏ِرَ‏ عَدَمُ‏ الأسبابِ‏ المكروھَةِ،‏ لتعط َّلَتْ‏ حِ‏ كَمٌ‏ كثیرَ‏ ةُ،‏ ولَفاتَ‏ ‏ْت<br />

مصالِحُ‏ عدیدَةٌ،‏ ولو عُطّ‏ ‏ِلَتْ‏ تلكَ‏ الأسبابُ‏ لِما فیھا مِن الشَرّ‏<br />

الذي ھو أعظمُ‏ مِن ِ الش َّرّ‏ الذي في تلك الأسبابِ،‏ وھذا كالشمسِ‏ والمطرِ‏<br />

ِ والرّ‏ یاحِ،‏ التي فیھا مِن المصالحِ‏ ما ھو أضعافُ‏ أضعافُ‏ ما یحصلُ‏ بھا مِن<br />

الشرّ‏<br />

ومنھا:‏ حُصولُ‏ العبودیة المتنوعة التي لولا خَلْقُ‏ إبلیسَ‏ لَمَا حصَلَتْ‏ ، فإ َّن<br />

عبودی َّةَ‏ الجھاد مِن أحبِّ‏ أنواعِ‏ العبودی َّةِ‏ إلیھ سبحانھ،‏ ولو كان الناسُ‏ كُل ُّھُم<br />

مؤمنین لتعط َّلَتْ‏ ھذه العبودی َّةُ‏ وتوابِعُھا من الموالاة والمعاداة فیھ،‏<br />

وعبودی َّةُ‏ الأمرِ‏ بالمعروفِ‏ والنھي عن المنكَرِ‏ ، وعبودیةُ‏ الصبرِ‏ ، ومخالَفَةِ‏<br />

الھوى،‏ وإیثارِ‏ محَابِّ‏ اللھِ‏ تعالى،‏ وعبودیةُ‏ التوبةِ‏ والاستغفارِ‏ ، وعبودیةُ‏<br />

الاستعاذَةِ‏ باللھ أن یُجیرَ‏ هُ‏ مِنْ‏ عدوِّهِ،‏ ویعصِ‏ مَھُ‏ مِنْ‏ كیدِهِ‏ وأذاه.‏ إِلى غیرِ‏ ذلك<br />

مِن الحِ‏ كَمِ‏ التي تعجزُ‏ العقولُ‏ عن إدراكِھا.‏<br />

فإن قیل:‏ فھَلْ‏ كان یُمْكِنُ‏ وجودَ‏ تلكَ‏ الحِ‏ كَم بدونِ‏ ھذه الأسباب؟<br />

فھذا سؤالٌ‏ فاسِدٌ!‏ وھو فرضُ‏ وجود الملزوم بدونِ‏ لازمھِ،‏ كفرضِ‏ وجودِ‏<br />

ا<strong>لابن</strong>ِ‏ بدونِ‏ الأبِ،‏ والحرَ‏ كَةِ‏ بدونِ‏ المتحرّ‏ وبَةِ‏ بدون التائب.‏<br />

ِ كِ‏ ، والت<br />

148


فإن قیلَ:‏ كیفَ‏ یرضى لعبدهِ‏ شیئاً‏ ولا یُعِینُھ علیھ؟ قیل:‏ لأن َّ إعانَتَھُ‏ علیھ<br />

قد تستلزِ‏ مُ‏ فواتَ‏ محبوبٍ‏ لھ أعظمَ‏ مِنْ‏ حُصولِ‏ تلكَ‏ الطاعَةِ‏ التي رضیھا لھ،‏<br />

وقد یكونُ‏ وقوعُ‏ تلكَ‏ الطاعةِ‏ منھ یتَضَم َّنُ‏ مَفْسدَةً‏ ھي أكرَ‏ ه إلیھ سبحانھ مِنْ‏<br />

محبتھِ‏ لتلكَ‏ الطاعَةِ.‏ وقد أشارَ‏ تعالى إِلى ذلك في قولھ:‏ ‏[ولو أرادُوا الخروجَ‏<br />

لأعَد ُّوا لھ عُد َّةً‏ ولكن كَرِ‏ هَ‏ اللھُ‏ انبعاثَھُم فثب َّطَھُم]‏ التوبة:‏<br />

149


. (3)<br />

فإنْ‏ قیلَ:‏ إذا كانَ‏ الكُفْرُ‏ بقضاءِ‏ اللھِ‏ وقَدَرِ‏ هِ(‏‎1‎‏)‏ ، ونحنُ‏ مأمورونَ‏ أنْ‏<br />

نرضى بقضاءِ‏ اللھِ،‏ فكیفَ‏ نُنكِرُ‏ هُ‏ ونكرَ‏ ھُھ (2) ؟!‏<br />

فالجوابُ‏ : أن یُقالَ‏ أو َّ لاً:‏ نحنُ‏ غَیْرُ‏ مأمورین ِ بالرّ‏ ضى ِ بكُلّ‏ مایقضیھ اللھُ‏<br />

ویُقدّ‏ ‏ِرُ‏ هُ،‏ ولم یَرِ‏ دْ‏ بذلك كتابٌ‏ ولاسُن َّةٌ،‏ بل مِن المقضيّ‏ ما یُرضَى بھ،‏ ومنھ<br />

ما یُسْخَطُ‏ ویُمْقَتُ‏<br />

ویُقالُ‏ ثانیاً:‏ ھنا أمرانِ:‏ قضاءُ‏ اللھِ‏ وھو فعلٌ‏ قائِمٌ‏ بذات اللھِ‏ تعالى،‏<br />

ومقضي ٌّ:‏ وھو المفعولُ‏ المنفصِ‏ ‏لُ‏ عنھ،‏ فالقضاءُ‏ كلھ خیرٌ‏ وعَدْلٌ‏ وحِ‏ كمةٌ،‏<br />

فیُرضى بھ كُلّ‏ ‏ِھ،‏ والمقضي ُّ قسمان:‏ منھُ‏ مایُرضَى بھِ،‏ ومنھ ما لا یُرضى بھ.‏<br />

ویُقالُ‏ ثالثاً:‏ القضاءُ‏ لھ وجھان:‏ أحدُھما تعَل ُّقُھُ‏ بالر َّ بِّ‏ تعالى ونسبتھ إلیھ،‏<br />

فمن ھذا الوجھ یُرضَى بھ.‏ والوجھ الثاني:‏ تعَل ُّقھُ‏ بالعبدِ‏ ونسبتھ إلیھِ،‏ فمن ھذا<br />

الوجھ ینقسِمُ‏ إِلى ما یُرْ‏ ضَى بھِ،‏ وإلى ما لا یُرْ‏ ضَى بھ.‏ مثالُ‏ ذلك:‏ قَتْلُ‏<br />

النفسِ‏ ، لھ اعتباران:‏ فمن حیث قد َّرَ‏ هُ‏ اللھُ‏ وقضاهُ‏ وكَتَبَھُ‏ وشاءَهُ،‏ وجَعَلَھُ‏ أجلاً‏<br />

للمقتولِ‏ ونھایة لعمرِ‏ ه،‏ نرضى بھِ،‏ ومِن حیثُ‏ صَدَرَ‏ مِن القاتِل وباشرَ‏ هُ‏<br />

وكسَبَھُ،‏ وأقدَمَ‏ علیھ باختیارِ‏ ه،‏ وعصى اللھَ‏ بفعلھِ،‏ نسخَطُھ ولا نرضى بھ.‏<br />

‏-المبالَغةُ‏ في الكلام في القضاء والقدر وسیلَةٌ‏ إِلى الخِ‏ ذلانِ-‏<br />

وأحیاناً‏ ینزل البلاء لرفع المقامات والدرجات في الجنان یوم القیامة،‏ كما في<br />

الحدیث:‏ ‏"أشد الناس بلاءً‏ الأنبیاء ثم الأمثل فالأمثل،‏ یُبتلى الرجل على حسب<br />

دینھ،‏ فإنْ‏ كان في دینھ صُلباً‏ اشتد َّ بلاؤه؛ وإن كان في دینھ رقةٌ‏ ابتلي على قدر<br />

دینھ".‏ وقال ε: ‏"یقول اللھ Υ: مَنْ‏ أذھبتُ‏ حبیبتیھ فصبر واحتسب،‏ لم أرضَ‏ لھ<br />

ثواباً‏ دون الجنة".‏ وقال ε: ‏"یَود ُّ أھلُ‏ العافیة یوم القیامة حین یُعطى أھل البلاءِ‏<br />

الثوابَ‏ لو أن جلودھم كانت قُرضت في الدنیا بالمقاریض".‏ وھذه الأحادیث كلھا<br />

150<br />

صحیحة و‏ الحمد.‏<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

أي أن الكفر یكون بقضاء مِن اللھ وقدره ..<br />

القاريء المؤمن بغنى عن ذكر ھذه التساؤلات والشبھات،‏ ولكن لما كان<br />

أعداء الإیمان ومن في قلوبھم مرض وزیغ یتعرضون أھل الإیمان بھذه الأسئلة،‏<br />

رأینا إثباتھا وإثبات الجواب علیھا...‏<br />

(3 ( كل ما یدخل في معنى المعاصي مِنْ‏ كفر وظلم وفسق وغیر ذلك مِن الذنوب<br />

التي تُغضِ‏ ب اللھ تعالى ھو مِن القضاء الذي یجب أن یُسخط ویُمقت،‏ وكل ما<br />

یرضي اللھ فھو مِن القضاء الذي یجب أن یرضى بھ العباد ویحبوه.‏


وقولُھ:‏ ‏"والتعَم ُّقُ‏ والن َّظَرُ‏ في ذلكَ‏ ذریعَةُ‏ الخِ‏ ذْلا ‏ِن".‏<br />

المعنى:‏ أن َّ المبالغة في طلبِ‏ القَدَرِ‏ والغوصِ‏ في الكلامِ‏ فیھ،‏ ذریعَةُ‏<br />

الخذلان (1) . الذریعةُ:‏ الوسیلة،‏ والذریعةُ‏ والدرَ‏ جةُ‏ والس ُّل َّمُ،‏ متقارب المعنى.‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"فالحذَرَ‏ كُل َّ الحذَرِ‏ مِنْ‏ ذلك نَظَراً‏ وفِكْراً‏ ووسْوَ‏ سَةً".‏<br />

151<br />

( 1 )<br />

لیست الغایة مِنْ‏ دراسة عقیدة القضاء والقدر،‏ المعرفة النظریة المجر َّ دة،‏<br />

لمواجھة شبھات وتساؤلات جاحدي القضاء والقدر ‏-فھذا یحصل مِنْ‏ دون أن<br />

یكون ھو المقصود-‏ وإنما الغایة مِنْ‏ دراسة عقیدة القضاء والقدر،‏ تكمن في<br />

أمرین:‏<br />

أولھما:‏ یتعلق بمعرفة العبد لصفات الربِّ‏ Ι، وھو أن عقیدة القضاء والقدر<br />

ِ تُعرّ‏ ف المسلم على عظمة الخالق سبحانھ،‏ وكمال قدرتھ وعلمھ،‏ فھو عندما<br />

یعلم أن َّ اللھ تعالى قد َّرَ‏ الأشیاءَ‏ قبل خلقھا،‏ وأحاط بھا علماً،‏ وأنھ لا یحصل في<br />

سلطانھ شيء ‏-مھما عظم أو صغر-‏ إلا بإذنھ وإرادتھ ومشیئتھ،‏ وأنھ لا یكون<br />

إلا ما یرید،‏ یُدرك بالمقابل أن الإلھ الذي یستحق أن تتوجھ إلیھ العباد بالعبادة<br />

بمعناھا العام الشامل،‏ ھو اللھ وحده Ι، ثم أن ھذه العقیدة تورث المرء كمال<br />

التنزیھ للرب Ι، وھذا مطلب مِنْ‏ مطالب الشریعة.‏<br />

الثاني:‏ وھو ما یتعلق بجانب العبد،‏ فإن َّ عقیدة القضاء والقدر تورثھ<br />

الشجاعة،‏ وعدم الخوف مِن المخلوق أو فوات الرزق،‏ وھو كذلك یعلق قلبھ<br />

باللھ وحده ولا یرجو إلا اللھ،‏ وكیف لا ما دام كل شيء بقدر،‏ والضر والنفع<br />

كلھ بید اللھ،‏ ولا یكون إلا ما شاء اللھ لھ أن یكون،‏ وھي كذلك تورثھ<br />

الإطمئنان وراحة النفس والفھم الصحیح لما یجري حولھ ویطرأ علیھ،‏ وتعینھ<br />

على الصبر واحتساب الأجر عند اللھ إذا ما حل َّ بھ بلاء..‏ وھذا أیضاً‏ مطلب<br />

مِنْ‏ مطالب الشریعة.‏<br />

وإلى جانب ما تقدم فإن َّ الغایة مِنْ‏ دراسة عقیدة القضاء والقدر تحقیق الإیمان بھ<br />

إذ یعتبر مِنْ‏ أھم أركان الإیمان،‏ حیث لا یصح إیمان ولا یكتمل إلا بالإیمان<br />

بالقضاء والقدر خیره وشره،‏ كما جاء في الحدیث:‏ ‏"ولو كان لرجل أُحد أو مثل<br />

أُحد ذھباً‏ ینفقھ في سبیل اللھ،‏ لا یقبلھ اللھ Υ منھ حتى یؤمن بالقدر خیره وشره،‏<br />

ویعلم أن ما أصابھ لم یكن لیخطئھ،‏ وما أخطأه لم یكن لیصیبھ،‏ وإنك إن مت<br />

على غیر ھذا أدخلت النار".‏ وقال:‏ ‏"إن العبد لا یبلغ حقیقة الإیمان حتى یعلم أن<br />

ما أصابھ لم یكن لیخطئھ،‏ وما أخطأه لم یكن لیصیبھ".‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في<br />

السنة وصححھ الشیخ ناصر في التخریج.‏


عن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ جاءَ‏ ناسٌ‏ مِنْ‏ أصحابِ‏ النبيّ‏ ε ِ إِلى رسولِ‏ اللھ ε،<br />

فسألوه:‏ إنا نَجِ‏ ‏دُ‏ في أنفسنا ما یتعاظَمُ‏ أحدُنا أن یتكلم بھ؟ قال:‏ ‏"وقد<br />

وجدتُموُ‏ ه؟"‏ قالُوا:‏ نعَمْ،‏ قال:‏ ‏"ذاكَ‏ صریحُ‏ الإیمان".‏ رواه مسلم.‏<br />

الإشارَ‏ ةُ‏ بقولھ:‏ ‏"ذاك صریحُ‏ الإیمان"‏ إِلى تعاظمھم أن یتكل َّموا بھ.‏<br />

فمدافعَةُ‏ الوَ‏ سْوسَةِ‏ الشیطانیةِ،‏ واستعظامُھا صریحُ‏ الإیمانِ،‏ ومحضُ‏ الإیمان.‏<br />

ھذه طریقةُ‏ الصحابة ψ، والتابعین لھم بإحسانٍ،‏ ثم َّ خلَفَ‏ مِنْ‏ بَعْدِھم<br />

خَلْفٌ‏ ، سَو َّ دُوا الأوراقَ‏ بتلكَ‏ الوساوس،‏ التي ھي شكوكٌ‏ وشُبَھٌ،‏ بل وسَو َّ دُوا<br />

القلوبَ‏ ، وجادَلُوا بالباطِلِ‏ لیُدحِ‏ ضُوا بھ الحق َّ.‏<br />

‏-اتباع سنن الیھود والنصارى،‏ والخوض بما خاضوا!-‏<br />

عن عمرو بن شعیب،‏ عن أبیھ عن جَدّ‏ ‏ِهِ،‏ قال:‏ خرجَ‏ رسولُ‏ اللھِ‏ ذاتَ‏<br />

یومٍ‏ والن َّاس یتكلمونَ‏ في القدَرِ‏ ، قال:‏ فكأن َّما تَفَق َّأَ‏ في وَ‏ جھھِ‏ حَب ُّ ال ُّرمان مِن<br />

الغضبِ،‏ قال:‏ فقال:‏ ‏"ما لَكُمْ‏ تضرِ‏ بونَ‏ كِتابَ‏ اللھِ‏ بَعْضَھُ‏ ببعضٍ‏ ؟!‏ بھذا ھلَكَ‏<br />

مَنْ‏ كانَ‏ قبلَكم"‏ (1) .<br />

وقال تعالى:‏ ‏[فاستمتعتم بخلاقِكُم كما استمتَعَ‏ الذینَ‏ مِنْ‏ قَبْلِكُمْ‏ بخلاقِھِم<br />

وخُضْتُم كال َّذِي خاضُوا]التوبة:‏<br />

ε<br />

152


وعن عبد اللھ بن عمرو،‏ قال:‏ قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"لیأتیَن َّ على أُم َّتي ما أَتَى<br />

على بَني إسرائیل حَذْوَ‏ الن َّعْلِ‏ بالن َّعْلِ،‏ حتى إنْ‏ كانَ‏ مِنْھُمْ‏ مَنْ‏ أتَى أُم َّھُ‏ علانی َّةً،‏<br />

كان في أُم َّتي مَنْ‏ یصنعُ‏ ذلك،‏ وإن َّ بني إسرائیلَ‏ تفر َّ قُوا على اثنتینِ‏ وسبعینَ‏<br />

مِل َّةً،‏ وتَفترِ‏ ق أُم َّتي على ثلاثٍ‏ وسبعینَ‏ مِل َّةً،‏ كُل ُّھُمْ‏ في النارِ‏ إلا َّ مِل َّةً‏ واحِ‏ ‏دَةً"‏<br />

قالوا:‏ مَنْ‏ ھي یارسُولَ‏ اللھِ؟ قال:‏ ما أنا علیھ وأصحابي"‏ (1) .<br />

وعن <strong>أبي</strong> ھُریرة،‏ أن َّ رسولَ‏ اللھِ‏ قال:‏ ‏"تَفَر َّ قَتِ‏ الیھودُ‏ على إِحْدَى<br />

وسبعینَ‏ فِرْ‏ قَةً‏ أو اثنتَیْن وسبعینَ‏ فِرْ‏ قَةً،‏ والنصَارَ‏ ى مِثْلَ‏ ذلك،‏ وتفترقُ‏ أُم َّتِي<br />

على ثلاثٍ‏ وسبعینَ‏ فِرْ‏ قَةً"‏ (2) .<br />

وعن معاویة بن <strong>أبي</strong> سفیان،‏ قال:‏ قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"إن َّ أَھْلَ‏ الكتابَیْنِ‏<br />

افترَ‏ قُوا في دینِھمُ‏ على ثِنَتَیْنِ‏ وسبعینَ‏ مِل َّةً،‏ وإن َّ ھذه الأُم َّةَ‏ ستفتَرِ‏ قُ‏ على ثلاثٍ‏<br />

وسبعین مِل َّةً‏ ‏-یعني الأھواءَ-‏ كُل ُّھا في الن َّارِ‏ إلا َّ واحِ‏ دَةً،‏ وھي الجماعَةُ"‏ (3) .<br />

ε<br />

تابعوا الیھود والنصارى في جمیع شؤون الحیاة ومجالاتھا،‏ فما مِنْ‏ صوت یُرفع<br />

في الغرب الصلیبي إلا َّ ویوجد صداه في أخلاق وسلوك وعقائد الأمة..‏<br />

( 1 )<br />

قال الشیخ ناصر:‏ ضعیف بھذا السیاق،‏ وقد حسنھ الترمذي في بعض النسخ،‏<br />

وھو ممكن باعتبار شواھده،‏ ولذلك أوردتھ في ‏"صحیح الجامع"‏ (5219)،<br />

153<br />

‏"الصحیحة"‏ (1348).<br />

( 2 )<br />

رواه أبو داود،‏ وابن ماجھ،‏ والترمذي،‏ وقال:‏ حدیث حسن صحیح.‏ قال الشیخ<br />

ناصر:‏ صحیح،‏ وھو مخرج في ‏"الصحیحة"‏ (203).<br />

(3 ( رواه أحمد،‏ وأبو داود،‏ وھو صحیح.‏ في الحدیث والذي قبلھ أن َّ الفرقة الناجیة<br />

الْمَرْ‏ ضِ‏ یة،‏ ھي الجماعة التي تكون على ما كان علیھ النبي وصحبھ الكرام،‏<br />

فالدین الأمجد دینھم،‏ وما سواه لیس بدین.‏ ومنھ یُعلم فساد القول القائل:‏ بأ َّن<br />

الخلف أحكم من الس َّلف!!!‏ ساء ما یقولون.‏ وفیھ كذلك أن الجماعة ھي التي<br />

تكون على ما كان علیھ النبي وأصحابھ وإن قل عددھا،‏ فالجماعة تعرف<br />

بالاتباع والاقتداء لا بالكم الھائل الشارد عن الحق والمتابعة لھدي النبوة.‏<br />

وھنا تُثار مسألة ‏-كثر كلام الناس حولھا-‏ ھل الفرقة الناجیة ھي الطائفة<br />

المنصورة الظاھرة الوارد ذكرھا في الأحادیث،‏ أم أنھ یوجد فارق بینھما من<br />

بعض الوجوه؟<br />

والجواب على ھذه المسألة:‏ أن الفرقة الناجیة تشتمل على الطائفة المنصورة<br />

الظاھرة،‏ فكل فرد من الطائفة المنصورة ھو من الفرقة الناجیة ولا یستلزم ذلك<br />

العكس،‏ والذي حدد ھذا الفارق بین الفرقة والطائفة ھي النصوص الشرعیة،‏<br />

وصفة كل من الفرقة والطائفة كما بینتھا الأدلة الشرعیة.‏<br />

ε<br />

ε


1- دلالة النصوص الشرعیة على الفارق بین الفرقة الناجیة والطائفة<br />

المنصورة:‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولتكن منكم أمةٌ‏ یدعون إِلى الخیر ویأمرون بالمعروف وینھون<br />

عن المنكر وأولئك ھم المفلحون]‏ آل عمران:‏<br />

فھذا خطاب موجھ لمجموع الأمة المتمثلة في ‏"الفرقة الناجیة"‏ بأن تنفر منھم<br />

طائفةٌ‏ ‏-وھو المراد بالأمة-‏ تتخصص وتتفرغ للدعوة إِلى الخیر والأمر<br />

بالمعروف والنھي عن المنكر.‏ فالنص فر َّ ق بین ‏"الفرقة الناجیة"‏ وھي المعنیة<br />

من الخطاب،‏ وبین الطائفة المنصورة وھم النفر الذین یقومون بواجب الأمر<br />

بالمعروف والنھي عن المنكر.‏<br />

قال ابن كثیر في التفسیر (398/1): یقول تعالى:‏ ولتكن منكم أمة منتصبة<br />

للقیام بأمر اللھ في الدعوة إِلى الخیر والأمر بالمعروف والنھي عن المنكر<br />

وأولئك ھم المفلحون.‏ قال الضحاك:‏ ھم خاصة الصحابة وخاصة الرواة یعني<br />

المجاھدین والعلماء،‏ والمقصود من ھذه الآیة أن تكون فرقة من ھذه الأمة<br />

متصدیة لھذا الشأن ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ واضح أن الطائفة المنصورة ھم صفوة الفرقة الناجیة،‏ إذ یستحیل أن<br />

یكون كل فردٍ‏ من الفرقة الناجیة عالماً‏ ومجاھداً.‏<br />

وكذلك قولھ تعالى:‏ ‏[وكأین من نبي قاتل معھ ربیون كثیر فما وھنوا لما<br />

أصابھم في سبیل اللھ وما ضعفوا وما استكانوا واللھ یحب الصابرین]‏ آل<br />

عمران:‏<br />

فالربیون ھنا ھم الطائفة المنصورة الذین یجاھدون في سبیل اللھ ولا<br />

یخشون في اللھ لومة لائم،‏ ومن قال أن الربیین الوارد ذكرھم في الآیة یراد<br />

بھم الفرقة الناجیة بما فیھم العوام من الشی َّب والنساء فقد أخطأ وأبعد.‏<br />

وكذلك قولھ تعالى:‏ ‏[لا یستوي القاعدون من المؤمنین غیرُ‏ أولي الضررِ‏<br />

والمجاھدون في سبیل اللھ بأموالھم وأنفسھم فضل اللھ المجاھدین<br />

بأموالھم وأنفسھم على القاعدین درجةً‏ وكُلا‏ وعدَ‏ اللھ الحسنى وفضل اللھُ‏<br />

المجاھدین على القاعدین أجراً‏ عظیماً]‏ النساء:‏ 95. ففرق اللھ تعالى بین<br />

القاعدین الذین یدخلون في الفرقة الناجیة،‏ وبین المجاھدین في سبیل اللھ<br />

بأموالھم وأنفسھم الذین یدخلون في الطائفة المنصورة الظاھرة،‏ فھما لا<br />

یستویان صفة ومھمة ولا من حیث الأجر والدرجات یوم القیامة،‏ وإن كانا<br />

یشتركان بصفة النجاة من العذاب بدلیل قولھ تعالى:‏ ‏[وكُلا‏ وعدَ‏ اللھُ‏<br />

الحسنى]‏ ولكن ‏[فضل اللھ المجاھدین على القاعدین أجراً‏ عظیماً].‏<br />

.104<br />

154<br />

.146


ε<br />

-2<br />

وفي الحدیث فقد صح عن النبي ε أنھ قال:‏ ‏"لاتزال طائفة من أمتي ظاھرین<br />

على الحق لا یضرھم مَنْ‏ خذلَھم حتى یأتي أمر اللھ وھم كذلك"‏ وقال:‏ ‏"لن<br />

یزال قوم مِنْ‏ أمتي ظاھرین على الناس حتى یأتیھم أمر اللھ وھم ظاھرون"‏<br />

وقال:‏ ‏"لن یبرح ھذا الدین قائماً‏ یقاتل علیھ عصابة من المسلمین حتى تقوم<br />

الساعة"‏ وقال:‏ ‏"لا تزال طائفة من أمتي منصورین لا یضرھم من خذلھم حتى<br />

تقوم الساعة".‏ وھذه أحادیث كلھا صحیحة وللھ الحمد بعضھا مخرج في<br />

الصحیحین،‏ والشاھد منھا قولھ ε: ‏"لا تزال طائفة مِنْ‏ أمتي .. لا یزال قوم مِنْ‏<br />

أمتي .. عصابة من المسلمین"‏ حیث أن مِنْ‏ ھنا تفید التبعیض،‏ فالمسلمون من<br />

أمة محمد ھم الفرقة الناجیة،‏ والطائفة أو العصابة منھم الوارد ذكرھا في<br />

الأحادیث أعلاه ھم الطائفة المنصورة خواص الفرقة الناجیة،‏ ھذا من حیث<br />

دلالة النصوص الشرعیة.‏<br />

أما من حیث دلالة الصفات،‏ فقد میزت النصوص الشرعیة بین صفات<br />

الفرقة وصفات الطائفة المنصورة،‏ فالفرقة الناجیة تتصف بسلامة الاعتقاد<br />

وحسن الإتباع،‏ لذلك عندما سُئل النبي ε عنھا فأجاب بأنھا ھي التي تكون على<br />

‏"ما أنا علیھ وأصحابي".‏<br />

بینما الطائفة المنصورة ‏-بدلالة النصوص المتقدم ذكرھا-‏ فھي إضافة إِلى<br />

صفة سلامة الاعتقاد وحسن الاتباع،‏ فھي تجاھد في سبیل اللھ،‏ وھي ظاھرة<br />

على عدوھا بحجة السنان والبیان لا تخشى في اللھ لومة لائم،‏ تأمر<br />

بالمعروف وتنھى عن المنكر..‏<br />

قال النووي عنھم في <strong>شرح</strong>ھ لصحیح مسلم (67/13): یحتمل أن ھذه الطائفة<br />

مفرقة بین أنواع المؤمنین،‏ منھم شجعان مقاتلون،‏ ومنھم فقھاء،‏ ومنھم<br />

محدثون،‏ ومنھم زھاد وآمرون بالمعروف وناھون عن المنكر ا-ھ.‏ وھذه<br />

صفات مستحیل أن تتوفر في كل فرد من أفراد الفرقة الناجیة،‏ حیث أن الفرقة<br />

الناجیة تضم ھؤلاء وغیرھم من العجزة والشیوخ والنساء وغیرھم من العوام<br />

الذین یتوفر فیھم سلامة الاعتقاد والاتباع.‏<br />

ومما تقدم نستخلص النقاط التالیة:‏<br />

ا-‏ أن كل فرد من الطائفة المنصورة ھو من الفرقة الناجیة ولیس العكس..‏<br />

ب-‏ أن صفات الطائفة المنصورة الظاھرة المجاھدة یستحیل أن تتوفر في كل<br />

فرد من أفراد الفرقة الناجیة،‏ فلزم التفریق بینھا وبین الفرقة الناجیة..‏<br />

ج-‏ الطائفة المنصورة بالنسبة للفرقة الناجیة تعتبر الطلیعة أو الصفوة التي<br />

توكل إلیھا المھام العظام،‏ والتي تقود الأمة إِلى الخیر والفلاح والجھاد..‏<br />

155


‏-مَنْ‏ رَد َّ حُكْمَ‏ الكتابِ‏ من غیر شُبھةٍ‏ أو تأویلٍ،‏ فقد كفَرَ-‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"فمن سألَ:‏ لِمَ‏ فَعَل؟ فقَدْ‏ رَد َّ حُكْمَ‏ الكتابِ،‏ ومَنْ‏ رَد َّ حُكْمَ‏<br />

الكتابِ،‏ كانَ‏ مِنَ‏ الكافرین".‏<br />

اعلم أن َّ مبنى العبودی َّةِ‏ والإیمان باللھِ‏ وكُتُبھِ‏ ورُ‏ سلھِ،‏ على التسلیمِ‏ وعدَ‏ ‏ِم<br />

الأسئلةِ‏ عن تفاصیلِ‏ الحكمةِ‏ في الأوامرِ‏ والن َّواھي والش َّرَ‏ ائعِ،‏ ولھذا كانَ‏<br />

سلفُ‏ ھذهِ‏ الأم َّةِ،‏ التي ھي أكملُ‏ الأُمَمِ‏ عقولاً‏ ومعارِ‏ فَ‏ وعلوماً،‏ لا تَسأَلُ‏<br />

نبی َّھا:‏ لِمَ‏ أمرَ‏ اللھُ‏ بكذا؟ ولِمَ‏ نھى عن كذا؟ ولِمَ‏ قَد َّرَ‏ كذا؟ ولِمَ‏ فعَلَ‏ كذا؟<br />

لعلمھم أن َّ ذلكَ‏ مُضادٌ‏ للإیمانِ‏ والاستسلامِ‏ ، وأن َّ قدَمَ‏ الإسلامِ‏ لا تَثْبُتُ‏ إلا َّ على<br />

درَ‏ جَةِ‏ التسلیم (1) .<br />

156<br />

-<br />

د-‏ الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة یشتركان في صفة سلامة الاعتقاد<br />

وحسن المتابعة والاقتداء،‏ ویفترقان في بقیة الصفات..‏<br />

ھذا ‏-باختصار-‏ أبرز ما یمیز الطائفة المنصورة عن الفرقة الناجیة،‏ ولصفات<br />

الطائفة المنصورة أفردنا مصنفاً‏ مستقلاً‏ أسمیناه ‏"صفة الطائفة المنصورة التي<br />

یجب أن تكثر سوادھا"‏ فلیراجعھ من أراد أن یستزید.‏<br />

الفائدة من ھذا التفریق بین الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة:‏<br />

توجد فوائد عدیدة من ھذا التفریق،‏ منھا:‏ إنزال الناس منازلھم،‏ ومعرفة كل امر ‏ٍء<br />

قدره وأین ھو من دین اللھ،‏ وقد وجدنا أناساً‏ ممن یتشبعون بما لم یُعطوا،‏<br />

ویحبون أن یُحمدوا بما لم یفعلوا،‏ یزكون أنفسھم على اللھ ویدعون أنھم ھم<br />

الطائفة المنصورة!،‏ وفي حقیقتھم لا یتعدون أن یكونوا من الفرقة الناجیة،‏ ولقد<br />

وجدنا بعضھم یعادي بغیر علم ھذا التفریق ‏-الذي دلّت علیھ نصوص الشریعة-‏<br />

بین الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة،‏ وذلك لما رأوا بُعد الشقة بینھم وبین<br />

صفات وخصال الطائفة المنصورة الظاھرة بالجھاد والأمر بالمعروف والنھي<br />

عن المنكر،‏ وحتى لا یخرجوا من دائرة الطائفة المنصورة قالوا:‏ الفرقة الناجیة<br />

ھي الطائفة المنصورة ولا فرق بینھما،‏ فأدخلوا العجایز مع العلماء العاملین<br />

المجاھدین،‏ وسووا بینھما!!.‏<br />

( 1 )<br />

التسلیم الذي یلازمھ الرضى وانتفاء الحرج في النفس،‏ أم َّا التعقیب على حكم<br />

اللھ وعرضھ للتصویت والإختیار،‏ فما تختاره الأكثریة ھو المختار وإن ضاد<br />

حكم اللھ ‏-كما ھو شأن الدیمقراطیة ودعاتھا-‏ فإن َّ ذلك من أوضح ما یُنقض بھ<br />

الإیمان.‏ ومما یشتد لھ العجب أن أولئك الذین استھوتھم عقولھم وغر َّ تھم<br />

الدیمقراطیة،‏ الذین لا یرون حرجاً‏ في التعقیب على حكم اللھ،‏ ھم أنفسھم<br />

یُسلمون للقوانین الوضعیة والدساتیر الطاغوتیة من دون تعقیب أو اعتراض -


فأو َّ لُ‏ مراتبِ‏ تعظیمِ‏ الأمرِ‏ : التصدیقُ‏ بھِ،‏ ثم َّ العَزْ‏ مُ‏ الجازمُ‏ على امتثالِھ،‏ ث‏ َّم<br />

المسارَ‏ عةُ‏ إلیھ والمبادَرَ‏ ةُ‏ بھ القواطِعَ‏ الموانِعَ،‏ ثم َّ بذلُ‏ الجھدِ‏ والنصحِ‏ في<br />

الإتیانِ‏ بھ على أكملِ‏ الوجوهِ،‏ ثم َّ فِعْلُھ لِكونِھِ‏ مأموراً‏ بھ،‏ بحیث لا یتوق َّفُ‏<br />

الإتیانُ‏ بھ على معرفة حِ‏ كمتھِ،‏ فإنْ‏ ظھرتْ‏ لھ،‏ فَعَلَھُ‏ وإلا َّ عط َّلَھُ،‏ فإن َّ ھذا<br />

یُنافي الانقیادَ،‏ ویقدَحُ‏ في الإمتثالِ.‏<br />

ولا شَك َّ في تكفیرِ‏ مَنْ‏ رَ‏ د َّ حُكْمَ‏ الكتا ‏ِب (1) ، ولكِنْ‏ مَنْ‏ تأو َّ لَ‏ حُكمَ‏ الكتابِ‏<br />

لِشُبھةٍ‏ عَرَ‏ ضَتْ‏ لھ،‏ یُبی َّن لھ الصوابُ‏ لیرجعَ‏ إلیھ (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"فھذا جُملَةُ‏ ما یحتاجُ‏ إلیھِ‏ مَن ھو مُنَو َّ رٌ‏ قلبُھُ‏ مِن أولیاءِ‏<br />

اللھ تعالى،‏ وھي درَجَةُ‏ الر َّاسخینَ‏ في العِلْمِ‏ ، لأن َّ العِلْمَ‏ عِلْمانِ:‏<br />

عِلْمٌ‏ في الخَلْقِ‏ موجودٌ،‏ وعِلْمٌ‏ في الخَلْقِ‏ مفقودٌ،‏ فإنكارُ‏ العِلْمِ‏<br />

الموجود كُفرٌ،‏ وادعاءُ‏ العِلْمِ‏ المفقودِ‏ كُفْرٌ،‏ ولا یثبُتُ‏ (3) الإیمانُ‏ إلا َّ<br />

بقبولِ‏ العلمِ‏ الموجودِ،‏ وتَرْ‏ ك طَلَبِ‏ العِلْمِ‏ المفقودِ".‏<br />

ش:‏ الإشارَ‏ ةُ‏ بقولِھ:‏ ‏"فھذا"‏ إِلى ما تقد َّمَ‏ ذِكْرُ‏ ه،‏ مِم َّا یجبُ‏ اعتقادُهُ‏ والعم‏ ‏ُل<br />

بھ،‏ مما جاءَت بھ الشریعَةُ.‏ ویعني بالعلمِ‏ المفقود:‏ عِلْمَ‏ القدَرِ‏ الذي طواهُ‏ اللھُ‏<br />

عن أنامھِ(‏‎4‎‏)‏ ، ونھاھم عن مرامھِ(‏‎5‎‏)‏ ، ویعني بالعلمِ‏ الموجودِ:‏ عِلْمَ‏ الشریعَةِ،‏<br />

.136<br />

157<br />

."<br />

( 1 )<br />

( 4 )<br />

( 5 )<br />

فالتسلیم لحكم اللھ عبودیة وتخلّف،‏ والتسلیم لحكم الطاغوت دیمقراطیة<br />

وحریة!!-‏ ویحتكمون إلیھا على أنھا ‏"فوق الجمیع"‏ وغیر قابلة للرد،‏ علماً‏ أ َّن<br />

أكثر ھذه الدساتیر تضمن لواضعھا ‏"أنّھ لا یُسأل عم َّا یفعل أو أن َّھ فوق<br />

المساءلة!!‏ ‏[فما كان لشركائھم فلا یصلُ‏ إِلى اللھ وما كان فھو یصلُ‏ إِلى<br />

شركائھم ساءَ‏ ما یحكمون]‏ الأنعام:‏<br />

من رد َّ حكم الكتاب والسنة جحوداً،‏ أو تكذیباً،‏ أو عناداً‏ وكبراً،‏ أو بغضاً‏<br />

وكرھاً،‏ أو استھانة بقدره ظناً‏ منھ أنھ یمكنھ الخروج عن حكم اللھ إِلى أي حكم<br />

شاء فھو كافر مرتد،‏ ومن شك َّ في كفره فھو كافر لجعلھ الكفر إیماناً‏ وإسلاماً.‏<br />

(2 ( ولكن من رد َّ حكم الكتاب والسنة تأویلاً‏ لشبھةٍ‏ معتبرة،‏ فمثل ھذا لا یحكم<br />

بكفره،‏ إلا َّ بعد قیام الحجة الشرعیة علیھ التي تدفع عنصر الجھل عنده،‏ فإنْ‏<br />

رَ‏ د َّھا وأصر َّ على قولھ الكفري،‏ حینھا یُكَف َّرُ‏ بعینھ.‏ ومسائل التكفیر قد استوفیتھا<br />

بحثاً‏ في كتابي ‏"قواعد في التكفیر"،‏ فلیراجع.‏<br />

( 3 )<br />

أي لایصح ولا یُقبل ..<br />

أي خلقھ.‏<br />

أي نھاھم عن التطلع إلیھ والبحث عنھ.‏


أُصولَھا وفروعَھا،‏ فمن أنكرَ‏ شیئاً‏ مِم َّا جاءَ‏ بھ الر َّسولُ‏ كان مِ ‏َن<br />

الكافرینَ‏ (1) ، ومن اد َّعى عِلْمَ‏ الغیبِ‏ كان من الكافرینَ،‏ قال تعالى:‏<br />

‏[عالِمُ‏ الغیبِ‏ فلا یُظھِرُ‏ على غیبھِ‏ أحَداً‏ إلا َّ مَنِ‏ ارتضَى مِن رسولٍ]‏ الجن:‏<br />

158


قال تعالى:‏ ش:‏<br />

‏[بَلْ‏ ھو قُرءانٌ‏ مجیدٌ.‏ في لوحٍ‏ محفوظٍ]‏ البروج:‏<br />

159


‏-أَی ُّھما خُلِقَ‏ أَو َّ لاً‏ القلَمُ‏ أَمِ‏ العَرْ‏ ش؟-‏<br />

اختلفَ‏ العلماءُ:‏ ھَلِ‏ القلَمُ‏ أو َّ لُ‏ المخلوقاتِ‏ أو العرش؟ على قولین<br />

أصح ُّھُما:‏ أن َّ العَرْ‏ شَ‏ قبلَ‏ القلَمِ‏ (1) ، مِم َّا ثبتَ‏ في ‏(الصحیح)‏ من حدیث عبد<br />

اللھ بن عمرو،‏ قال:‏ قالَ‏ رسولُ‏ اللھ ε: ‏"قَد َّرَ‏ اللھُ‏ مقادِیرَ‏ الخلْقِ‏ قبل أنْ‏<br />

یخلُقَ‏ الس َّماواتِ‏ والأرضَ‏ بخمسینَ‏ ألفَ‏ سَنَة.‏ وعرْ‏ شُھُ‏ على الماءِ"‏ (2) . فھذا<br />

صریحٌ‏ أن َّ التقدیرَ‏ وقعَ‏ بَعْدَ‏ خَلْقِ‏ العرشِ‏ ، والتقدیرُ‏ وقع عند أو َّ لِ‏ خَلْقِ‏<br />

القلم (3) ، بحدیث عبادَة ھذا.‏<br />

‏-وجودُ‏ أقلامٍ‏ غیرَ‏ القلَمِ‏ الذي كُتِبَ‏ بھ اللوح المحفوظ-‏<br />

فھذا القلم ‏-الذي خُط َّ بھ اللوح المحفوظ-‏ أو َّ ل الأَقْلامِ‏ وأفضَلُھا وأجَل ُّھا،‏<br />

وقالَ‏ غیرُ‏ واحدٍ‏ من أھل التفسیر:‏ إن َّھُ‏ القلَمُ‏ الذي أقسمَ‏ اللھُ‏ بھ في قولِھ تعالى:‏<br />

‏[ن.‏ والقلَمِ‏ وما یَسطُرونَ]‏ القلم:‏<br />

.2-1<br />

160<br />

( 1 )<br />

تعالى القلم،‏ ثم خلق العرش،‏ ثم َّ قد َّر المقادیر وأمر القلم بأن یكتب كل شيء<br />

یكون،‏ وعلى ھذا الإعتبار یكون العرش مستثنى مِم َّا كتبھ القلم،‏ لحصول خلقھ<br />

قبل حصول الكتابة،‏ واللھ أعلم.‏ والأحادیث التي استشھد بھا الشیخ ناصر،‏ تدل<br />

على أن القلم كان أو َّ ل مخلوق،‏ ولیس على أن َّ الكتابة حصلت قبل خلق العرش،‏<br />

وبخاصة أن ‏"ثم َّ"‏ ‏-التي بسببھا حصل الإشكال والخلاف-‏ تفید أ َّن الكتابة حصلت<br />

بعد زمن-‏ اللھ یعلمھ-‏ من خلق القلم..‏<br />

بل الذي دل َّت علیھ السنة أن أول المخلوقات كان القلم،‏ لقولھ ε: ‏"إن َّ أو َّ لَ‏ شيء<br />

خلقھ اللھ تعالى القلمُ،‏ وأمره أن یكتب كل شيء یكون".‏ ‏(السلسلة الصحیحة:‏<br />

(133)). وما استدل بھ الشارح لیس فیھ دلیلٌ‏ على أسبقیة العرش للقلم،‏ وإنما<br />

فیھ أن خلق العرش متقدم على كتابة المقادیر،‏ وھناك فرق بین خلق القلم<br />

وكتابة المقادیر كما تقدم بیان ذلك.‏<br />

وفي قول الش َّارح : ھل القلم أول المخلوقات أو العرش..؟ تسلیم منھ بأن َّ المحدَث<br />

لھ بدایة ولھ أو َّ ل،‏ وأولھ العرش ‏-على قولھ-‏ وھذا مغایر لما قالھ من قبل:‏ أ َّن<br />

الحوادث متسلسلة إِلى ما لا بدایة،‏ ولیس لھا أول،‏ وأن َّ ما من مخلوق إلا َّ وقبلھ<br />

مخلوق إِلى ما لا نھایة!!‏ فتأمل.‏<br />

(2 ( صحیح وتقدم تخریجھ.‏<br />

(3 ( ھذا على إفتراض صحة الكلمة:‏ ‏"فقال"‏ أم َّا أنھا لا تصح كما تقدم،‏ لا یصح<br />

بالمقابل أن تكون دلیلاً‏ یُرد ُّ بھ الصحیح الثابت وھو:‏ ‏"ثم قال".‏


ε<br />

والقلم الثاني:‏ قلَمُ‏ الوحي وھو الذي یُكتبُ‏ بھ وحي ُّ اللھِ‏ إِلى أنبیائِھ ورُ‏ سُلِھ،‏<br />

وقد رُ‏ فعَ‏ النب ُّي لیلَةَ‏ أُسريَ‏ بھ إِلى مستوىً‏ یَسْمَعُ‏ منھ صَریفَ‏ الأقلامِ‏ ، فھذه<br />

الأقلامُ‏ ھي التي تَكتُبُ‏ ما یوحیھ اللھ تباركَ‏ وتعالى من الأمورِ‏ التي یُدَبّ‏ ‏ِرُ‏<br />

بھا أمرَ‏ العالَمِ‏ العُلوي والس ُّفلي.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"فَلَوِ‏ اجتَمعَ‏ الخَلْقُ‏ كُل َّھُمْ‏ على شيءٍ‏ كتَبَھُ‏ اللھُ‏ تعالى أَن َّھُ‏<br />

كائِنٌ،‏ لیَجْعَلُوهُ‏ غیرَ‏ كائِنٍ،‏ لَمْ‏ یَقْدِرُوا علیھ،‏ ولو اجتمَعُوا كُل ُّھُم على<br />

شيءٍ‏ كَتبَھُ‏ اللھُ‏ تعالى فیھِ‏ أن َّھُ‏ غیرُ‏ كائِنٍ‏ لیجعَلُوهُ‏ كائِناً،‏ لم یَقْدِرُوا<br />

علیھِ.‏ جف َّ القَلَمُ‏ بما ھو كائِنٌ‏ إِلى یومِ‏ القِیامَةِ".‏<br />

ش:‏ تَقد َّمَ‏ حدیثُ‏ جاب ‏ٍر عن رسولِ‏ اللھ ε، قال:‏ جاء سُرَ‏ اقَةُ‏ بنُ‏ مالكِ‏ بن<br />

جُعْشُمْ،‏ فقال:‏ یارسولَ‏ اللھِ‏ بَیّ‏ ‏ِن لنا دیننا كأن َّا خُلِقْنا الآنَ،‏ فیمَ‏ العملُ‏ الیومَ؟<br />

أفیما جَف َّتْ‏ بھ الأقلامُ،‏ وجَرَ‏ تْ‏ بھ المقادیرُ‏ ؟ أَمْ‏ فیما یُستَقْبَلُ؟ قال:‏ ‏"لا،‏ بل فیما<br />

جَف َّتْ‏ بھ الأقلامُ،‏ وجَرَ‏ تْ‏ بھ المقادیرُ‏ " (1)<br />

وعن ابن عباس،‏ قال:‏ كنتُ‏ خَلْفَ‏ النبيّ‏ ε ِ یوماً،‏ فقال لي:‏ ‏"یاغُلامُ‏ أَلا<br />

أُعلّ‏ ‏ِمُكَ‏ كلماتٍ:‏ احْفظِ‏ اللھَ‏ یَحْفَظْكَ‏ ، احفَظِ‏ اللھَ‏ تجِ‏ دْهُ‏ تُجاھَكَ‏ ، إذا سألتَ‏ فَاسألِ‏<br />

اللھَ،‏ وإذا اسْتَعَنْتَ‏ فاستَعِنْ‏ باللھِ،‏ واعلَمْ‏ أن َّ الأم َّةَ‏ لو اجتمعَت على أ ‏ْن<br />

ینفعوكَ‏ بشيءٍ‏ لَمْ‏ ینفعُوكَ‏ إلا َّ بشيءٍ‏ قَدْ‏ كتبَھُ‏ اللھُ‏ لكَ‏ ، وإن اجتمعوا على أَنْ‏<br />

یَضر ُّ وكَ‏ بشيءٍ‏ لم یضر ُّ وكَ‏ إلا َّ بشيءٍ‏ قد كَتَبَھُ‏ اللھ علیكَ‏ ، رُ‏ فِعَتِ‏ الأقلامُ،‏<br />

وجَف َّتِ‏ الص ُّحُفُ‏ ". رواه الترمذي،‏ وقال:‏ حدیث حسن صحیح (2) .<br />

( 1 )<br />

أي أن العمل یكون فیما قد كُتب وقدر،‏ فالمرء یعمل ویتحرك في المكتوب<br />

والمقدور علیھ لا یستطیع أن یتخلف عن شيء منھ،‏ كما صح عن النبي<br />

‏"اعملوا فكل ٌّ میس َّرٌ‏ لما خُلِقَ‏ لھ".‏<br />

( 2 )<br />

قال الشیخ ناصر:‏ صحیح لغیره،‏ وقد خر َّ جتھ في ‏"السنة"‏ <strong>لابن</strong> <strong>أبي</strong><br />

عاصم )<br />

:ε<br />

161


وفي روایة غیر الترمذي:‏ ‏"احفظِ‏ اللھَ‏ تجدْهُ‏ أمَامَكَ‏ ، تعَر َّ ف إِلى اللھِ‏ في<br />

الر َّ خاءِ‏ یَعْرِ‏ فْكَ‏ في الشّ‏ ‏ِد َّةِ،‏ واعلَمْ‏ أن َّ ما أخطَأَكَ‏ لم یكن لیُصِ‏ ‏یبَكَ‏ ، وما أصابكَ‏<br />

لم یَكُن لیُخطِئَكَ‏ ، واعلَمْ‏ أن َّ الن َّصْرَ‏ معَ‏ الصبرِ‏ ، وأن َّ الفَرَ‏ جَ‏ معَ‏ الكرْ‏ بِ،‏ وأ َّن<br />

معَ‏ العُسْرِ‏ یُسْراً".‏<br />

‏-الأقلامُ‏ أَربَعَةٌ-‏<br />

الذي دَل َّت علیھ الس ُّن َّة أن َّ الأقلامَ‏ أربعةٌ:‏<br />

القلَمُ‏ الأو َّ ل:‏ العَام ُّ الش َّامِلُ‏ لجمیعِ‏ المخلوقاتِ،‏ وھو الذي تقد َّم ذِكْرُ‏ هُ‏ م‏ ‏َع<br />

اللوحِ.‏<br />

القلم الثاني:‏ حینَ‏ خُلِقَ‏ آدَمُ‏ علیھ السلام،‏ وھو قلمٌ‏ عامٌ‏ أیضاً،‏ لكن لبني<br />

آدم،‏ ورَ‏ دَ‏ في ھذا آیاتٌ‏ تدُل ُّ على أن َّ اللھَ‏ قَد َّرَ‏ أعمال بني آدَمَ‏ وأرزاقَھُم<br />

وآجالَھُم وسعادَتَھم عقیبَ‏ خَلْقِ‏ أبیھم.‏<br />

القلمُ‏ الثالث:‏ حین یُرْ‏ سَلُ‏ الملَكُ‏ إِلى الجنینِ‏ في بطنِ‏ أُم َّھِ،‏ فَیَنْفُخُ‏ فی‏ ‏ِھ<br />

الر ُّ وحَ،‏ ویُؤمَرُ‏ بأربع كلماتٍ:‏ یَكتبُ‏ رزقَھُ،‏ وأَجَلَھ،‏ وعملَھُ،‏ وشَقي ٌّ أو<br />

سعید (1) .<br />

فیعود لتلقیھم العقیدة من غیر الكتاب والسنة،‏ وانشغالھم بكتب یغلب علیھا طابع<br />

الفلسفة وعلم الكلام،‏ لاتمت إِلى الحق بصلة..‏<br />

لذا نقول:‏ كما یجب تلقین الأبناء العقیدة والتوحید،‏ یجب اعتماد الكتاب والسنة<br />

في ھذا التلقین.‏ فجریمة أیما جریمة أن یبلغ المرء سن َّ الحلم وھو یعرف<br />

الصلاة،‏ لكنھ لا یعرف لِمن یُصلي!!‏ وما ھي صفات وخصوصیات من یصلي<br />

لھ.‏<br />

وكان الس َّلف یتعلمون أولاً‏ الإیمان والتوحید ثم ینصرفون إِلى غیره من العلوم<br />

الشرعیة بحسب الحاجة والأھمیة،‏ كما في الحدیث الذي یرویھ جندب بن عبد<br />

اللھ،‏ قال:‏ كنا مع النبيِّ‏ ε ونحن فتیان فتعلمنا الإیمان قبل أن نتعلمَ‏ القرآن،‏ ثم<br />

تعلمنا القرآن فازدَدْنا بھ إیماناً.‏ صحیح سنن ابن ماجھ:‏ "<br />

162


القلمُ‏ الر َّابعُ:‏ الموضوع على العبدِ‏ عندَ‏ بلوغھِ،‏ الذي بأیدي الكرا ‏ِم<br />

الكاتبینَ،‏ الذین یكتبونَ‏ ما یفعَلُھ بنو آدَمَ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

‏-إذا كانَ‏ الخیرُ‏ والش َّر ُّ بیدِ‏ اللھِ‏ Υ، وأَن َّھُ‏ لا یكونُ‏ إلا َّ ما یُریدُ،‏<br />

فالواجبُ‏ إِفْرادُهُ‏ سبحانھ بالخَشْیَةِ‏ والتقوى-‏<br />

إذا عَلِمَ‏ العبدُ‏ أَن َّ كُلا‏ مِنْ‏ عِنْدِ‏ اللھِ،‏ فالواجِ‏ ‏بُ‏ إفْرادُهُ‏ سبحانھ بالخشیة<br />

والتقوى.‏ قال تعالى:‏ ‏[فلا تخشَوا الناسَ‏ واخشَون]‏ المائدة:‏<br />

163


(1)<br />

تُدْرَ‏ كُ،‏ فعلیكَ‏ بالأمرِ‏ الذي یُصلِحُكَ‏ فالْزَ‏ مْھُ،‏ ودَعْ‏ ما سواهُ،‏ فلا تُعَانِھِ،‏<br />

فإرضاءُ‏ الخَلْقِ‏ لا مَقدُورٌ‏ ولا مَأمورٌ‏ (2) ، وإرضاءُ‏ الخالِقِ‏ مَقْدورٌ‏ ومأمورٌ‏<br />

‏-ثِمارُ‏ تَقْوَ‏ ى اللھ-‏<br />

فإذا ات َّقى العبدُ‏ رب َّھُ،‏ كفاهُ‏ مَؤُونَةَ‏ الن َّاسِ‏ ، كما كتبت عائشةُ‏ إِلى معاویة،‏<br />

روي عنھا مرفوعاً‏ وموقوفاً:‏ ‏"مَنْ‏ أرضَى اللهَ‏ بِسُخْطِ‏ الن َّاسِ‏ ، رضيَ‏ اللھُ‏<br />

عَنھُ‏ وأرضَى عنھ الن َّاسَ‏ . ومَنْ‏ أرضَى الن َّاسَ‏ بِسُخْطِ‏ اللھِ،‏ عادَ‏ حامِدُهُ‏ مِنَ‏<br />

الناسِ‏ ذاماً"‏ (4) . فَمَنْ‏ أرضى اللھَ،‏ كَفاهُ‏ مؤْ‏ نةَ‏ الن َّاسِ‏ ورضيَ‏ عنھ،‏ ثم َّ فیما<br />

بعد یَرضَوْ‏ نَ،‏ إذ العاقِبَةُ‏ للتقوى،‏ ویُحِ‏ ب ُّھُ‏ اللھُ،‏ فیُحِ‏ ب ُّھُ‏ الناسُ‏ ، كما في<br />

‏(الصحیحین)‏ عن النبي ε، أَن َّھُ‏ قالَ:‏ ‏"إذا أَحَب َّ اللھُ‏ العبدَ،‏ نادَى:‏ یاجبریل،‏<br />

إني أُحِ‏ ب ُّ فلاناً‏ فَأَحِ‏ ب َّھُ،‏ فیُحِ‏ ب ُّھُ‏ جبریلُ،‏ ثم َّ ینادي جبریل في السماءِ:‏ إن َّ اللھَ‏<br />

یُحِ‏ ‏ب ُّ فُلاناً‏ فَأحِ‏ ب ُّوه،‏ فیُحِ‏ ب ُّھُ‏ أھلُ‏ الس َّماءِ‏ ثم َّ یُوضَعُ‏ لھ القَبُولُ‏ في الأرضِ‏ "،<br />

وقالَ‏ في البغض مثل ذلك.‏<br />

قالَ‏ بَعْضُ‏ الس َّلَفِ‏ : ما احتاجَ‏ تقي ٌّ قَط ُّ،‏ لقولِھ تعالى:‏ ‏[ومَن یَت َّقِ‏ اللھَ‏ یَجْعَل<br />

لھُ‏ مَخْرَجاً.‏ ویَرزُقْھُ‏ مِن حیثُ‏ لا یَحْتَسِبُ‏ [ الطلاق:‏ 3-2. فقد ضَمِنَ‏ اللھُ‏<br />

للمتقین أنْ‏ یجعلَ‏ لھم مخرجاً‏ مِم َّا یضیقُ‏ على الناسِ‏ ، وأن یَرْ‏ زُ‏ قَھم مِن حیثُ‏<br />

لا یحتسِبُونَ،‏ فإذا لم یَحْصُلْ‏ ذلك،‏ دَل َّ على أن َّ في التقوى خَلَلاً،‏ فلیستغفر<br />

اللھ ولیَتُبْ‏ إلیھ،‏ ثم َّ قال تعالى:‏ ‏[ومَن یَتَوَ‏ ك َّلْ‏ على اللھِ‏ فھو حَسْبُھُ]‏ الطلاق:‏<br />

3. أي:‏ فھو كافیھ،‏ لا یُحْوِجُھ إِلى غیره (5) .<br />

. (3)<br />

(1 ( وھو كل أمرٍ‏ فعلھ أو تركھ یرضي اللھ تعالى.‏<br />

أي:‏ غیر مُستطاع،‏ ولم یأمر بھ الشرع.‏<br />

أي:‏ مُستطاع،‏ والشرع قد أَمَرَ‏ بھ.‏<br />

(4 ( صحیحٌ،‏ رواه الترمذي وغیره.‏ وفي روایة حسنة الإسناد:‏ ‏"من التمسَ‏ رِ‏ ضى<br />

اللھ بسخط الناس رضي اللھ عنھ،‏ وأرضى عنھ الناس،‏ ومن التمس رضى<br />

الناس بسخط اللھ،‏ سخط اللھ علیھ وأسخط علیھ الناس".‏<br />

(5 ( كان الس َّلف رضوان اللھ علیھم أخوف ما یخافونھ على أنفسھم،‏ معاصیھم،‏<br />

لما یعلمون ما للمعاصي من آثار سیئة تجلب الذل والدمار على الأنفس والأھل<br />

والدیار،‏ وروي عن بعضھم قولھ:‏ إني لأرى أثر معصیتي في خلقِ‏ دابتي<br />

وامرأتي،‏ فتأم َّل حتى الدواب فھي لا تسلم من آثار معاصي بني آدم.‏ لذا نقول:‏<br />

لا شيء أفضل لرفع المصائب والكروب،‏ من تقوى اللھ والإستغفار،‏ ویتأمل<br />

معاصیھ التي بسببھا وقع الكرب والضیق،‏ فیقلع عنھا ویتوب إِلى اللھ..‏ ثم<br />

164<br />

( 2 )<br />

( 3 )


ینظر كیف تنجلي عنھ ھمومھ ومصائبھ،‏ وكیف یفتح اللھ علیھ بركات السماء<br />

والأرض،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولو أن َّ أھل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا علیھم<br />

بركاتٍ‏ من السماء والأرض،‏ ولكن كذبوا فأخذناھم بما كانوا یكسبون].‏ أي<br />

أخذناھم بالعذاب بما كذ َّبوا وكانوا یكسبون من الذنوب والمعاصي.‏<br />

وفي الحدیث القدسي:‏ ‏"وعز َّ تي وعظمتي،‏ لا یعتصم بِيَ‏ عبدٌ‏ من عبادي دو ‏َن<br />

خلقي،‏ أعرف ذلك من نیتھِ،‏ فتكیده السماوات السبعِ‏ ومن فیھن،‏ والأرضون<br />

السبع ومن فیھن،‏ إلا َّ جعلتُ‏ لھ من بینھن َّ مخرجاً..".‏<br />

وعن البراء بن عازب،‏ مرفوعاً:‏ ‏"ما اختلَجَ‏ عِرْ‏ قٌ‏ ولا عَینٌ،‏ إلا َّ بذنبٍ،‏ وما<br />

یدفعُ‏ اللھ عنھ أكثر".‏ السلسلة الصحیحة:‏ "<br />

165


‏-تعاطي الأسبابَ‏ والإكتسابَ‏ لا یُنافي التوكل-‏<br />

ظن َّ بَعْضُ‏ الناس أن َّ التوكل یُنافي الإكتسابَ‏ ، وتعاطي الأسباب (1) ، وأ َّن<br />

الأمورَ‏ إذا كانت مُقد َّرةً،‏ فلا حاجَةَ‏ إِلى الأسباب!‏ وھذا فاسِدٌ،‏ فإن َّ الإكتسابَ‏ :<br />

منھ فَرْ‏ ضٌ‏ ، ومنھ مُسْتحَب ٌّ ، ومنھ مُباحٌ،‏ ومنھ مكروه،‏ ومنھ حرام (2) . وقد<br />

كانَ‏ النب ُّي أفضَلَ‏ المتوكلین،‏ یَلْبَسُ‏ لأْمَةَ‏ الحَرْ‏ بِ(‏‎3‎‏)‏ ، ویمشي في الأسواقِ‏<br />

166<br />

ε<br />

ε<br />

كتابھ القیم ‏"الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي".‏ وللذنوب آثار سلبیة<br />

أخرى على صاحبھا فلیراجعھا من یشاء في الكتاب المذكور.‏<br />

(1 ( ولكن الذي یمكن قولھ:‏ أن َّ التوكل یُنافي تعلق القلب بالأسباب ونسیان خالق<br />

ومیسر ھذه الأسباب،‏ كما یُنافي القلق على العیش،‏ والإستشراف لما في أیدي<br />

الناس..‏<br />

قال رسول اللھ ε: ‏"لو أن َّ ابن آدم ھرب من رزقھ كما یھرب من الموت،‏<br />

لأدركھ رزقھ كما یدركھ الموت".‏ السلسلة الصحیحة.‏<br />

وقال:‏ ‏"إن َّ الرزق لیطلب العبد كما یطلبھ أجلھ".‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في<br />

السنة،‏ وحسنھ الشیخ ناصر في التخریج.‏ وقال ε: ‏"من تكفل لي أن لایسأل<br />

الناس شیئاً‏ أتكفل لھ بالجنة".‏ صحیح الترغیب والترھیب:‏ "807".<br />

أتى النب‏ َّي رجلٌ،‏ فقال:‏ یارسول اللھ أوصني وأوجِ‏ ‏زْ‏ ! فقال النبي<br />

بالإیاس مم َّا في أیدي الن َّاس،‏ وإیاكَ‏ وما یُعتذر منھ".‏ صحیح الترغیب :<br />

(2 ( وذلك عندما یكون المرء في غنى،‏ فیسعى مكاثراً‏ لمالھ،‏ مُنشغلاً‏ بھ عن<br />

فرائض الإسلام : كالجھاد،‏ والصلاة،‏ والحج..‏<br />

ε: ‏"علیك<br />

."852"<br />

قال رسول اللھ ε: ‏"وما سبیلُ‏ اللھِ‏ إلا َّ مَن قُتِلَ؟!‏ مَن سعى على والدیھ ففي<br />

سبیل اللھ،‏ ومَن سعى على عیالھ ففي سبیلِ‏ اللھِ،‏ ومَن سعى على نفسھ لیَعِف َّھا<br />

فھو في سبیل اللھ،‏ ومَن سعى مُكاثِراً‏ ففي سبیل الطاغوت،‏ وفي روایة:‏ سبیل<br />

الشیطان".‏ السلسلة الصحیحة:‏ "2232".<br />

وقال ε: ‏"إن َّ اللھ قال:‏ إن َّا أنزلنا المالَ‏ لإقام الصلاة،‏ وإیتاء الزكاة.‏ ولو كان<br />

<strong>لابن</strong> آدم وادٍ‏ لأحب َّ أن یكون لھ ثانٍ‏ ، ولو كان لھ وادیان لأحب َّ أن یكون لھما<br />

ثالث،‏ ولا یملأ جوف ابن آدم إلا َّ التراب،‏ ثم یتوبُ‏ اللھ على من تاب"‏ صحیح<br />

الجامع:‏ "1781".<br />

(3 ( كان النبي<br />

ε، یُرزق بالجھاد في سبیل اللھ ‏-أنعم بھا من حرفة-‏ كما جاء ذلك<br />

في الحدیث،‏ قال رسول اللھ بالسیفِ‏ حتى یُعبَدَ‏ اللھُ‏ لا شریكَ‏ لھ،‏<br />

وجُعِلَ‏ رزقي تحت ظل َّ رمحي،‏ وجُعِلَ‏ الذّ‏ ‏ِل َّةُ‏ والص َّغَارُ‏ على مَن خالف أمري،‏<br />

ε: ‏"بُعثتُ‏


.7<br />

للاكتسابِ،‏ حتى قال الكافرون:‏ ‏[مالِ‏ ھذا الر َّسُولِ‏ یأكُلُ‏ الطعامَ‏ ویَمشِي<br />

في الأسواقِ]‏ الفرقان:‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ومَا أخطأَ‏ العَبْدَ‏ لَمْ‏ یَكُنْ‏ لیُصیبَھُ،‏ ومَا أَصَابَھُ‏ لَمْ‏ یَكُنْ‏<br />

لیُخطِئَھُ".‏<br />

ش:‏ ھذا بِناءٌ‏ على ما تَقَد َّمَ‏ مِنْ‏ أن َّ المقْدُورَ‏ كائِنٌ‏ لا مَحَالَةَ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"وعلى العَبْدِ‏ أَنْ‏ یعْلَمَ‏ أَن َّ اللھَ‏ قَدْ‏ سَبَقَ‏ عِلْمُھُ‏ في ِ كُلّ‏ كائِ‏ ‏ٍن<br />

مِنْ‏ خَلْقِھِ،‏ فقَد َّرَ‏ ذلك تَقْدیرَاً‏ مُحكَمَاً‏ مُبْرَماً،‏ لیسَ‏ فیھِ‏ ناقِضٌ‏<br />

مُعَقّ‏ ‏ِبٌ‏ ، ولا مُزِ‏ یلٌ‏ ولا مُغَیّ‏ ‏ِرٌ،‏ ولا مُحَوِّلٌ‏ ولا ناقِصٌ‏ ، ولا زَائِدٌ‏ مِنْ‏<br />

خلْقِھِ‏ في سَماواتھِ‏ وأرْ‏ ضِ‏ ‏ِھ (4) ".<br />

ش:‏ ھذا بناءٌ‏ على ما تَقَد َّمَ،‏ مِن أن َّ اللھَ‏ تعالى قّدْ‏ سَبَقَ‏ علمُھُ‏ بالكائناتِ،‏<br />

وأن َّھ قَد َّرَ‏ مَقادیرَ‏ ھا قبلَ‏ خَلْقِھا،‏ كما قالَ‏ ε: ‏"قَد َّرَ‏ اللھُ‏ مَقادِیرَ‏ الخَلْقِ‏ قبلَ‏ أَنْ‏<br />

یَخْلُقَ‏ الس َّماواتِ‏ والأرضَ‏ بخمسینَ‏ ألفَ‏ سَنَةٍ،‏ وعَرْ‏ شُھُ‏ على الماءِ".‏ فإ َّن<br />

حصولَ‏ المخلوقاتِ‏ على ما فیھا مِن غرَ‏ ائبِ‏ الحِ‏ كَمِ‏ ، لا یُتَصَو َّ رُ‏ إِیجَادُھا إلا َّ<br />

(2) ، ولا<br />

(3)<br />

ومن تشب َّھ بقوم فھو منھم".‏ رواه أحمد وغیره.‏ قال الشیخ شاكر:‏ إسناده صحیح:‏<br />

167<br />

ε<br />

."5114"<br />

( 3 )<br />

( 4 )<br />

(1 ( صح َّ عن النبي أن َّھ قال:‏ ‏"إن َّ العبدَ‏ لا یبلغُ‏ حقیقةَ‏ الإیمان حتى یعلم أن َّ ما<br />

أصابَھ لم یكن لیُخطئھ،‏ وما أخطَأَهُ‏ لم یكن لیصیبَھ".‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في<br />

‏"السنة"،‏ وصححھ الشیخ ناصر في التخریج.‏<br />

( 2 )<br />

أي باطلٌ‏ یُبطلُ‏ ما قَد َّرَ‏ ه اللھُ‏ في خَلْقِھ وأراده،‏ فا‏ تعالى أعلى وأجل من أن<br />

یكون لھ ند ٌّ في خَلْقِھ لھ أدنى تصرف فیھ.‏<br />

كما أن َّ اللھَ‏ لا مُعقّ‏ ‏ِبَ‏ لحكمھِ‏ وتشریعھ،‏ كذلك لا مُعقّ‏ ‏ِبَ‏ لقضائھ وقدره،‏ وإسلام<br />

المرء لا یتحقق إلا َّ بعد الإستسلام الكامل لتشریعھ،‏ ولِقضائھ وقدَره،‏ فاللھ تعالى<br />

أعلى وأجل من أن یُسأل عما یفعل ویُقَدّ‏ ‏ِر،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[لایُسأل عما یفعل<br />

وھم یُسألون]‏ وھذا من أخص خصائصھ وصفاتھ.‏<br />

انتفاء المعارض والمعقب من خلقھ،‏ لدلیل على وحدانیتھ،‏ وعظمتھ وكمال<br />

قدرتھ وعلمھ،‏ سبحانھ وتعالى.‏


مِن عالِمٍ‏ قَدْ‏ سَبَقَ‏ علمُھ على إیجادِھا،‏ قالَ‏ تعالى:‏<br />

الملك:‏<br />

اللطِیفُ‏ الخبیرُ]‏ (1)<br />

‏[ألا یَعْلَمُ‏ مَنْ‏ خَلَقَ‏ وھو<br />

168


وقولُھ:‏ ‏"والاعترافُ‏ بتوحیدِ‏ اللھِ‏ ورُبُوبی َّتِھِ"‏ أي:‏ لایتِم ُّ التوحیدُ‏<br />

والاعترافُ‏ بالر ُّ بوبیةِ‏ إلا َّ بالإیمانِ‏ بصفاتِھِ‏ تعالى،‏ فإن َّ مَنْ‏ زَ‏ عَمَ‏ خالِقاً‏ غَیْ‏ ‏َر<br />

اللھِ،‏ فَقَد أشركَ‏ ، فكیفَ‏ بِمَن یَزْ‏ عُمَ‏ أن َّ كُل َّ أحَدٍ‏ یَخْلُقُ‏ فِعْلَھُ(‏‎1‎‏)‏ ؟!‏ ولھذا كانت<br />

القَدَری َّةُ‏ مجوس ھذهِ‏ الأم َّةِ.‏<br />

روى أبو داود عن ابن عمَرَ‏ ، عن النبيّ‏ ε، ِ قال:‏ ‏"القَدَرِ‏ ی َّةُ‏ مجوسُ‏ ھذهِ‏<br />

الأُم َّةِ،‏ إِنْ‏ مَرِ‏ ضُوا،‏ فلا تَعودُوھُم،‏ وإِنْ‏ ماتُوا فلا تَشْھَدُوھُم"‏ (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"فَوَ‏ یْلٌ‏ لِمَنْ‏ صارَ‏ ِ تعالى في القدَرِ‏ خَصیماً،‏ وأحضَرَ‏<br />

للن َّظَرِ‏ فیھِ‏ قَلْباً‏ سقیماً،‏ لَقدِ‏ التَمسَ‏ بوَ‏ ھمِھِ‏ في فَحْصِ‏ الغیبِ‏ سِر َّاً‏<br />

كتیماً،‏ وعَادَ‏ بِمَا قالَ‏ فیھِ‏ أَف َّاكاً‏ أَثِیْمَاً".‏<br />

ش:‏ اعلَمْ‏ أن َّ القَلْبَ‏ لھ حیاةٌ‏ وموتٌ‏ ، ومرضٌ‏ وشِفَاءٌ،‏ وذلكَ‏ أَعْظَمُ‏ مِم َّا<br />

للبدَنِ،‏ قال تعالى:‏ ‏[أَوَ‏ مَنْ‏ كانَ‏ میتاً‏ فأحییناهُ‏ وجعلنا لَھُ‏ نوراً‏ یمشي بھِ‏ في<br />

الن َّاسِ‏ كمن مَثَلُھ في الظ ُّلُماتِ‏ لیسَ‏ بخارِ‏ جٍ‏ منھا]‏ الأنعام:‏<br />

169


‏-مَرَضُ‏ القَلْبِ‏ نوعا ‏ِن-‏<br />

قلبھ المعروف وینكر المنكر.‏ قال الھیثمي في ‏"المجمع"‏ 275/7: رواه<br />

الطبراني،‏ ورجالھ رجال الصحیح.‏ وعنھ قال:‏ إذا رأیتَ‏ الفاجر فلم تستطع أن<br />

تغیر علیھ،‏ فاكفھر في وجھھ.‏ قال الھیثمي في ‏"المجمع"‏<br />

الطبراني باسنادین في أحدھما شریك وھو حسن الحدیث،‏ وبقیة رجالھ رجال<br />

الصحیح.‏ ومن علامات إیمان المرء أن تسره حسنتھ،‏ وتسیئھ سیئتھ،‏ كما جاء<br />

في الحدیث:‏ ‏"مَنْ‏ سَر َّ تھ حسنتھ وساءتھ سیئتھ فھو مؤمن".‏ لذا كان من نواقض<br />

الإیمان،‏ عدم إنكار القلب للمنكر؛ لأنھ لیس بعد إنكار القلب سوى الرضى،‏<br />

والرضى بالكفر كفر،‏ كما ھو منصوص علیھ.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[وقد نزل علیكم في الكتاب أن إذا سمعتم آیات اللھ یُكفر بھا<br />

ویُستھزأ بھا فلا تقعدوا معھم حتى یخوضوا في حدیث غیره إنكم إذاً‏ مثلھم].‏<br />

فھو مثلھم لأن َّ جلوسھ معھم من غیرِ‏ إكراهٍ‏ أو إنكارٍ‏ ، قرینة دالة على الرضى<br />

بحالھم وكفرھم،‏ ولو كان صادقاً‏ أنھ غیر راضٍ‏ بصنیعھم لخرج من عندھم وما<br />

جلس معھم.‏<br />

وقال ε عن تغییر المنكر:‏ ‏"فإنْ‏ لم یستطع فبقلبھ وذلك أضعف الإیمان".‏ وقال:‏<br />

‏"ولیس وراء ذلك من الإیمان حبة خردَل".‏ لأنھ لیس وراء ذلك سوى الإقرار<br />

والرضى.‏<br />

وقیل <strong>لابن</strong> مسعود من میت الأحیاء؟ فقال:‏ الذي لایعرف معروفاً‏ ولا یُنكِرُ‏<br />

منكراً.‏<br />

قال ابن تیمیة في ‏"الفتاوى"‏ 41/7: فإنْ‏ لم یكن مبغضاً‏ لشيءٍ‏ من المحرمات<br />

أصلاً،‏ لم یكن معھ إیمان أصلاً‏ ا-ھ.‏<br />

وقد دل َّت السن َّةُ‏ أن َّ الراضي بالمنكر كان كفاعلھ وإن لم یشھده،‏ قال رسول اللھ<br />

ε: ‏"إذا عُملت الخطیئة في الأرض،‏ كان مَن شھدھا فكرھھا كمن غاب عنھا،‏<br />

ومَن غاب عنھا فرضیھا كان كمن شھدھا".‏ صحیح الجامع الصغیر:‏ "689".<br />

لذا من الممكن القول:‏ أن َّ من فعل المنكر عن ضعفٍ‏ وھو كاره،‏ غیر مستحل لھ،‏<br />

أخف ُّ جرماً‏ وأھون بكثیر ممن یرضى بالمنكر وإن لم یأتھ،‏ والرضى غالباً‏ ما<br />

یكون لھ قرائن عملیة ظاھرة تدل ُّ علیھ،‏ والمسألة قد استوفیتھا بحثاً‏ في كتابي<br />

‏"قواعد في التكفیر"‏ فلیراجع.‏<br />

276/7: رواه<br />

170


ومرَ‏ ضُ‏ القلبِ‏ نوعانِ:‏ مرَ‏ ضُ‏ شَھْوَ‏ ةٍ،‏ ومرَ‏ ضُ‏ شُبْھَةٍ،‏ وأَرْ‏ دَؤُھُما مرضُ‏<br />

الش ُّبھَةِ(‏‎1‎‏)‏ ، وأَردأُ‏ الش ُّبَھِ‏ ما كانَ‏ مِنْ‏ أمرِ‏ القَدَرِ‏ . وقَدْ‏ یَمْرَ‏ ضُ‏ القلْبُ‏ ، ویشتد ُّ<br />

مرضُھُ،‏ ولا یَعْرِ‏ فُ‏ بھ صاحِ‏ بُھ،‏ لاشتغالِھِ‏ وانصرافھِ‏ عَن مَعْرِ‏ فَةِ‏ ص‏ َّحتِھ<br />

وأسبابِھا،‏ بَلْ‏ قد یموتُ‏ وصاحِ‏ بُھُ‏ لا یشعرُ‏ بموتھِ،‏ وعلامَةُ‏ ذلك أَن َّھُ‏ لا تؤلِمُھُ‏<br />

جِ‏ راحاتُ‏ القبائحِ،‏ ولا یُوجِ‏ عُھُ‏ جَھْلُھُ‏ بالحَقِّ‏ وعقائِدُهُ‏ الباطِلَةِ.‏ فإن َّ القلبَ‏ إذا<br />

كان فیھ حیاةٌ،‏ تأَل َّم بورودِ‏ القبیح علیھ،‏ وتأل َّمَ‏ بجَھْلِھِ‏ بالحقِّ‏ بحَسْبِ‏ حیاتِھِ.‏<br />

وقد یشعرُ‏ بمرضھِ،‏ ولكن یشتَد ُّ علیھ تحَم ُّلُ‏ مرارَ‏ ةِ‏ الدواءِ‏ والصَبْرِ‏ علیھا،‏<br />

فیُؤثِرُ‏ بقاءَ‏ ألَمِھِ‏ على مَشَق َّةِ‏ الد َّواء،‏ فإن َّ دواءَهُ‏ في مخالفةِ‏ الھوى (2) ، وذلك<br />

أصْعَبُ‏ شيءٍ‏ على الن َّفسِ‏ ، ولیس لھُ‏ أنفَعُ‏ منھ.‏<br />

171<br />

( 1 )<br />

ھو أردؤھما لأن صاحبھ في الغالب لا یحس بمرضھ،‏ وبالتالي فلا ینھض<br />

لمعالجتھ بالدواء النافع،‏ وھو من الذین ضل سعیھم وھم یحسبون أنھم یحسنون<br />

صنعاً.‏<br />

( 2 )<br />

اعلم أن من الھوى ما یكون طاغوتاً‏ ومعبوداً‏ من دون اللھ تعالى،‏ وذلك عندما<br />

یُطاع ویُت َّبع في معصیة اللھ تعالى،‏ بحیث یجعل مصدراً‏ للحكم على الأشیاء<br />

من غیر سلطان من اللھ،‏ فما یراه ھواه حقاً‏ فھو الحق عنده.‏ وما یراه باطلاً‏<br />

فھو الباطل عنده وإن جاء حكمھ مخالفاً‏ لشرع اللھ تعالى.‏<br />

ومن صور طغیان الھوى والعبودیة لھ أن تعقد الموالاة والمعاداة فیھ وعلیھ،‏<br />

ولیس على أساس ھدي اللھ ووحیھ،‏ فھو یوالي ما یھواه لا ما یجب علیھ أن<br />

یوالیھ،‏ ویعادي من یھوى معاداتھ وإن كان الواجب الشرعي یقضي بموالاتھ<br />

ونصرتھ.‏ فالھوى في ھذه الصورة یكون إلھاً‏ معبوداً‏ من دون اللھ،‏ وصاحبھ<br />

في حقیقة أمره یتألھ ما یھواه لا ما یجب علیھ أن یتألھھ ویعبده،‏ وقد جعل من<br />

ھواه طاغوتاً‏ ونداً‏ تعالى في كثیر من خصائصھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولا تُطِعْ‏<br />

من أغفلنا قلبَھ عن ذكرنا واتبع ھواه وكان أمره فرطا]،‏ وقال:‏ ‏[أرأیت من<br />

اتخذ إلھھ ھواه وأضل َّھ اللھُ‏ على علم].‏ وقال:‏ ‏[أرأیت من اتخذ إلھھ ھواه<br />

أفأنت تكون علیھ وكیلا].‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى "359/8": فمن كان یعبد ما یھواه فقد اتخذ إلھھ ھواه،‏<br />

فما ھویھ إِلھھ فھو لا یتأل َّھ من یستحق التألیھ،‏ بل یتألھ ما یھواه،‏ وھذا المتخذ إلھھ<br />

ھواه لھ محبة كمحبة المشركین لآلھتھم،‏ ومحبة عباد العجل لھ،‏ وھذه محبة مع<br />

اللھ لا محبة ، وھذه محبة أھل الشرك.‏ والنفوس قد تد َّعي محبة اللھ،‏ وتكون<br />

في نفس الأمر محبة شرك تحب ما تھواه وقد أشركتھ في الحب مع اللھ ا-ھ.‏<br />

نعوذ باللھ من الشرك واتباع الھوى،‏ أو نضل بعد إذ ھدانا اللھ.‏


‏-علامَةُ‏ مرضِ‏ القَلْبِ‏ عُدُولُھ عنِ‏ الأغْذِیَةِ‏ الن َّافِعَةِ‏ إِلى الأغذی ‏ِة<br />

الض َّار َّةِ-‏<br />

وعلامَةُ‏ مَرضِ‏ القلبِ‏ عُدُولُھ عنِ‏ الأغذیَةِ‏ الن َّافِعَةِ‏ المُوافِقَةِ‏ لھ إِلى الأغذیَةِ‏<br />

الض َّار َّ ةِ،‏ وعُدولُھ عن دوائھِ‏ الن َّافعِ(‏‎1‎‏)‏ إِلى دوائِھِ‏ الض َّار.‏ فالقلبُ‏ الصحیحُ‏ یؤثِرُ‏<br />

الن َّافِعَ‏ الش َّافي على ِ الض َّارّ‏ المُؤْ‏ ذي،‏ والقلبُ‏ المریضُ‏ بِضدّ‏<br />

‏-أَنْفَعُ‏ الأَغذِیَةِ‏ والأَدْوِیَةِ‏ الإیمانُ‏ والقرآنُ-‏<br />

أنفَعُ‏ الأغذیَةِ‏ غِذاءُ‏ الإیمانِ،‏ وأنفعُ‏ الأدویةِ‏ دواءُ‏ القرآنِ،‏ وكل ٌّ منھما فیھ<br />

الغِذاءُ‏ والد َّواءُ.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[قل ھو للذین آمنُوا ھُدىً‏ وشِفَاءً]‏ فصلت:‏<br />

ِ ذلك.‏<br />

172


قالَ‏ عبدُ‏ الرحمن بنُ‏ إسماعیل المعروف بأبي شَامَة في كتابِ‏ ‏(الحوادث<br />

والبدع):‏ ‏“حیث جاء الأمر بلزومِ‏ الجماعةِ،‏ فالمُرادُ‏ لُزُ‏ ومُ‏ الحَقِّ‏ واتباعُھُ،‏<br />

وإنْ‏ كان المتمَسّ‏ ‏ِكُ‏ بھ قلیلاً،‏ والمُخالِفُ‏ لھ كثیراً،‏ لأن َّ الحَق َّ ھو الذي كانت<br />

علیھ الجماعةُ‏ الأولى من عھدِ‏ النبيّ‏ ε ِ ولا نَظَرَ‏ إِلى كثرَ‏ ةِ‏ أھلِ‏<br />

وأصحابھِ‏ ψ<br />

173<br />

ε<br />

الباطِلِ‏ بعدَھم (1) ”.<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

وعن الحسن البصري رحمھ اللھ أن َّھ قال:‏ ‏“والس ُّن َّةُ‏ ‏-والذي لا إلھ إلا َّ ھو-‏<br />

بینَ‏ الغالي والجافِي،‏ فاصبِروا علیھا رَ‏ حِ‏ مَكُمُ‏ اللھ،‏ فإن َّ أھلَ‏ الس ُّن َّة كانوا<br />

أقَل َّ الن َّاسِ‏ فیما مضى وھم أقل الناس فیما بَقيَ(‏‎2‎‏)‏ ، الذین لم یذھبوا مع أَھْلِ‏<br />

الإترافِ‏ في إترافِھم،‏ ولا معَ‏ أَھْلِ‏ البدَعِ‏ في بدَعِھِمْ،‏ وصبَرُ‏ وا على سُن َّتِھِ‏ ‏ْم<br />

حتى لَقُوا رَ‏ ب َّھُم،‏ فكونوا كذلك"‏ (3) .<br />

قال عبد اللھ بن مسعود رضي اللھ عنھ،‏ لعمرو بن میمون:‏ جمھور الجماعة<br />

ھم الذین فارَ‏ قُوا الجماعَة،‏ والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.‏<br />

وقال نعیم بن حماد:‏ إذا فسدت الجماعة فعلیك بما كانت علیھ الجماعة قبل أن<br />

تفسد الجماعة وإن كنت وحدك فإنك أَنت الجماعَةَ‏ حینئذٍ.‏<br />

قال ابن القیم في ‏(أعلام الموقعین):‏ اعلم أَن َّ الإجماعَ‏ والحجة والسواد الأعظم<br />

ھو العالم صاحب الحق وإن كان وحده،‏ وإن خالفھ أھل الأرض ا-ھ.‏<br />

أقول:‏ مِم َّا تقد َّم یُعلم بطلان مذھب الدیمقراطیین،‏ حیث یعتبرون الحق الذي یجب<br />

اتباعھ یكون دائماً‏ مع الأكثریة،‏ ولو اجتمعوا على الباطل!!‏ ولا شك أن الأكثریة<br />

بھذا الاعتبار طاغوت یُعبَدُ‏ من دون اللھ.‏<br />

یصدق ذلك قولھ في ‏(صحیح مسلم):‏ ‏"بدأ الإسلام غریباً‏ وسیعود كما بدأ<br />

غریباً،‏ فطوبى للغرباء".‏ وفي روایة:‏ ‏"طوبى للغرباء"،‏ قیلَ:‏ ومَن الغرباء<br />

یارسول اللھ؟ قال:‏ ‏"ناسٌ‏ صالحون قلیل في ناسِ‏ سوءٍ‏ كثیر،‏ ومَن یعصیھم أكثر<br />

ممن یطیعھم".‏ وفي روایة:‏ ‏"طوبى للغرباء الذین یمسكون بكتاب اللھ حین<br />

یُترَ‏ ك،‏ ویعملون بالسنة حین تُطفأ".‏<br />

( 3 )<br />

قال ابن مسعود:‏ اتبعوا ولا تبتدعوا،‏ فقد كُفیتم كل َّ ضلالة.‏ وقال:‏ علیكم بالعلم،‏<br />

وإیاكم والتبدع والتنطع والتعمق،‏ وعلیكم بالعتیق.‏ وعن ابن عباس قال:‏ علیكم<br />

بالإستقامَةِ‏ والأثر وإیاكم والتبدّع.‏ وعن عبد اللھ بن المبارك،‏ قال:‏ أَعلم أَ‏ َّن<br />

الموت الیوم كرامة لكل مسلم لقي اللھ على الس ُّن َّة،‏ فإنا وإنا إلیھ راجعون،‏<br />

فإلى اللھ نشكو وحشتنا وذَھاب الإخوان،‏ وقِلّة الأعوان،‏ وظھورِ‏ البدع،‏ وإِلى<br />

اللھ نشكو عظیم ما حل َّ بھذه الأمة مِن ذھاب العلماء وأھل الس ُّن َّة،‏ وظھور<br />

البدع.‏


وقولُھ:‏ ‏"لقد التمسَ‏ بوھمھِ‏ في فَحْصِ‏ الغیبِ‏ سِر َّاً‏ كتیماً"‏ أي طلبَ‏<br />

بوھمھ في البحث عن الغیبِ‏ سِراً‏ مكتوماً،‏ إذِ‏ القَدَرُ‏ سِر ُّ اللھِ‏ في خَلْقِھِ.‏ فھو<br />

یَرومُ‏ ببحثھِ‏ الاطلاعَ‏ على الغیبِ،‏ وقَدْ‏ قال تعالى:‏ ‏[عالِمُ‏ الغیبِ‏ فلا یُظھِ‏ ‏ُر<br />

على غیبھِ‏ أحداً]‏ الجن:‏<br />

174


ش:‏ قال تعالى:‏<br />

‏[ذُو العَرْ‏ شِ‏ المَجیدُ]‏ البروج:‏<br />

175


وفي الحدیث:‏ ‏"ما الكرسي في العرشِ‏ إلا َّ كَحَلْقَةٍ‏ مِن حَدیدٍ‏ أُلقِیَتْ‏ بینَ‏<br />

ظَھْرَ‏ ي فلاةٍ‏ من الأرض"‏ (1) .<br />

وقال غیرُ‏ واحدٍ‏ مِن الس َّلَفِ‏ : الكرسي ُّ بین یديّ‏ العرشِ‏ كالمِرْ‏ قاةِ(‏‎2‎‏)‏ إلیھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وھو مُسْتَغْنٍ‏ عِنِ‏ العَرْ‏ شِ‏ وما دُونَھ،‏ مُحِ‏ ‏یطٌ‏ ِ بكُلّ‏ شي ‏ٍء<br />

وفَوْ‏ قَھُ،‏ وقَدْ‏ أَعْجَزَ‏ عنِ‏ الإحاطَةِ‏ خَلْقَھُ".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[فإن َّ اللھَ‏ غني ٌّ عَنِ‏ العالمین]‏ آل عمران:‏<br />

176


ولیس المُرادُ‏ مِن إحاطتھِ‏ بخلقھ أن َّھ كالفلك،‏ وأ َّن المخلوقاتِ‏ داخِ‏ ‏لُ‏ ذات‏ ‏ِھ<br />

المُقد َّسةِ،‏ تعالى اللھ عن ذلك عُلُو َّ اً‏ كبیراً،‏ وإن َّما المرادُ:‏ إحاطةُ‏ عظَمَةٍ‏<br />

وسَعَةٍ‏ وعِلْمٍ‏ وقُدْرَ‏ ةٍ(‏‎1‎‏)‏ ، وأنھا بالنسبة إِلى عظمتھ كالخردلةِ،‏ كما رُ‏ وي عن<br />

(1 ( مثل ھذا النوع من التأویل صحیح،‏ ومطلوب حتى لانقع في المحظور ونرد<br />

المحكم بالمتشابھ،‏ والمحكم ھنا:‏ أن َّ اللھ بائن عن خلقھ غیر حالٍ‏ فیھ أو العكس،‏<br />

وكل لفظ أو عبارة مغایرة لھذا المعنى ‏-ظاھراً-‏ فھو متشابھ لا بُد َّ من رَ‏ دّ‏ ‏ِه إِلى<br />

المحكم.‏ وھو كقولھ تعالى:‏ ‏[وھو معكم أینما كنتم]‏ فالمعیة ھنا معیة علم وقدرة<br />

وإرادة كما یقول ابن عباس وغیره من الس َّلف،‏ وھذا التأویل لا بد منھ لأن<br />

المحكم الذي دلت علیھ النصوص الشرعیة أن اللھ تعالى في السماء بائن عن<br />

خلقھ،‏ ومستوىٍ‏ على عرشھ استواءً‏ یلیق بكمال جلالھ وصفاتھ.‏ والشاھد أنھ<br />

عندما تأتي ألفاظ المتشابھ متعارضة في وجھ من الوجوه مع المحكم فلا بد من<br />

تقدیم المحكم وجعلھ حكماً‏ على المتشابھ،‏ وھذا لا یعتبر من التأویل الذي<br />

یفضي إِلى التعطیل والجحود،‏ كما لو قدم المتشابھ على المحكم فإنھ یؤدي إِلى<br />

التعطیل والجحود،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ھو الذي أنزل علیك الكتاب منھ آیات<br />

محكمات ھن أم ُّ الكتاب وأخَرُ‏ متشابھات فأما الذین في قلوبھم زیغٌ‏ فیتبعون ما<br />

تشابھ منھ ابتغاءَ‏ الفتنة وابتغاء تأویلھ]‏ آل عمران:‏<br />

قال ابن كثیر في التفسیر:‏ یخبر تعالى أن في القرآن آیات محكمات ھن أم<br />

الكتاب أي بینات واضحات الدلالة لا التباس فیھا على أحد،‏ ومنھ آیات أخر فیھا<br />

اشتباه في الدلالة على كثیر من الن َّاس أو بعضھم،‏ فمن رد ما اشتبھ إِلى الواضح<br />

منھ وحَك َّمَ‏ محكمھ على متشابھھ عنده فقد اھتدى،‏ ومن عكس انعكس،‏ ‏[وأُخر<br />

متشابھات]‏ أي تحتمل دلالتھا موافقة المحكم وقد تحتمل شیئاً‏ آخر من حیث اللفظ<br />

والتركیب لا من حیث المراد،‏ وقولھ:‏ ‏[ابتغاء الفتنة]‏ أي الإضلال لأتباعھم<br />

إیھاماً‏ لھم أنھم یحتجون على بدعتھم بالقرآن وھو حجة علیھم لا لھم،‏ وقولھ<br />

تعالى:‏ ‏[وابتغاء تأویلھ]‏ أي تحریفھ على ما یریدون ا-ھ.‏<br />

ومن صور التحریف الباطل المحدث في ھذا الزمان،‏ تسمیة دعاة الضلالة<br />

تحریفاتھم الباطلة،‏ وتأویلاتھم الفاسدة بالتجدید،‏ أو فقھ التجدید،‏ أو تطویر الفقھ<br />

والدین لمواكبة حاجیات العصر..‏ وغیر ذلك من الألقاب البراقة المزخرفة<br />

الخداعة،‏ وذلك لتمریر باطلھم وضلالھم على الأمة!!.‏<br />

.7<br />

177


ابن عباس أنھ قال:‏ ما الس َّماواتُ‏ الس َّبعُ،‏ والأرضونَ‏ الس َّبعُ‏ وما فیھن َّ وما<br />

بینَھُن َّ في یَدِ‏ الرحمنِ،‏ إلا َّ كَخَرْ‏ دَلَةٍ‏ في یَدِ‏ أحدكم (1) .<br />

‏-إثباتُ‏ صِ‏ فَةِ‏ العلُوِّ‏ والفَوْ‏ قِی َّةِ‏ Υ-<br />

وأم َّا كونھُ‏ فوقَ‏ المخلوقات،‏ فقال تعالى:‏ ‏[وھو القاھِرُ‏ فوقَ‏ عبادِهِ]‏<br />

الأنعام:‏<br />

178


وعرشُھُ‏ فوقَ‏ سبعِ‏ سماواتٍ،‏ قلتُ‏ : فإنْ‏ قالَ:‏ إن َّھُ‏ على العرشِ‏ ،<br />

ولكن یقول:‏ لا أدري العرشُ‏ في الس َّماءِ‏ أَم في الأرضِ‏ ؟ قال:‏ ھو كافِ‏ ‏ٌر،‏ لأنھ<br />

أنكرَ‏ أن َّھُ‏ في الس َّماءِ،‏ فَمَن أَنكَرَ‏ أَن َّھ في الس َّماءِ،‏ فقد كَفَر.‏ وزادَ‏ غَیْرُ‏ ه:‏ لأ َّن<br />

اللھَ‏ في أعلى علیین،‏ وھو یُدْعى مِن أَعْلَى،‏ لا مِنْ‏ أسْفَل (2) .<br />

استوى].‏ (1)<br />

‏-إثباتُ‏ صِ‏ فَةِ‏ العُلُوِّ‏ بالفطرةِ-‏<br />

وأم َّا ثبوتُھ بالفطرة،‏ فإن َّ الخَلْقَ‏ جمیعاً‏ بطباعِھم وقلوبِھم الس َّلیمَةِ‏ یرفعونَ‏<br />

أَیْدِیَھم عندَ‏ الد ُّعاءِ،‏ ویَقْصِ‏ ‏دُونَ‏ جِ‏ ھَةَ‏ العُلُوِّ‏ بقلوبھم عندَ‏ التضر ُّ عِ‏ إِلى الل ‏ِھ<br />

تعالى،‏ وذكرَ‏ محمد بن طاھر المقدسي،‏ أن َّ الشیخَ‏ أبا جعفر الھمذَاني حضرَ‏<br />

مجلسَ‏ الأستاذ <strong>أبي</strong> المعالي الجویني المعروف بإمام الحرمین (3) ، وھو یتكلمُ‏<br />

في نفي صِ‏ ‏فَةِ‏ العُلُوِّ،‏ ویقول:‏ كانَ‏ اللھُ‏ ولا عَرْ‏ شَ‏ وھو الآن على ما كان!‏<br />

فقال الشیخ أبو جعفر:‏ أَخْبِرْ‏ نَا یاأُستاذُ‏ عن ھذه الضرورة التي نجِ‏ ‏دُھا في<br />

قلوبنا؟ فإن َّھُ‏ ما قال عارفٌ‏ قَط ُّ:‏ یا اللھ،‏ إلا َّ وجدَ‏ في قلبھِ‏ ضرورةً‏ تطلُبُ‏<br />

العُلُ‏ َّو (4) ، لا یَلْتفتُ‏ یَمْنَھً‏ ولا یَسْرَ‏ ةً،‏ فكیفَ‏ ندفَعُ‏ ھذهِ‏ الضرورةَ‏ عَن أنْفُسِنا؟<br />

قال:‏ فلَطَمَ‏ أبو المعالي على رأسھِ‏ ونزَ‏ لَ!‏ وأَظُن ُّھُ‏ قال:‏ وبكى،‏ وقال:‏ حَی َّرَ‏ ني<br />

الھَمَذاني ُّ حَی َّرني الھمذاني!‏<br />

179<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

قال الشیخ عبد الرحمن السعدي رحمھ اللھ في مقدمة التفسیر في معنى<br />

الاستواء:‏ لفظ"استوى"‏ في القرآن على ثلاثة أوجھ:‏ إن عُدّ‏ ‏ِيَ‏ ب"على"‏ كان<br />

معناه العلو والإرتفاع كقولھ تعالى:‏ ‏[ثم َّ استوى على العرش].‏ وإن عُدّ‏ ‏ِيَ‏ ب"إِلى"‏<br />

فمعناه قصد،‏ كقولھ:‏ ‏[ثم َّ استوى إِلى السماء فسواھن سبع سماوات].‏ وإن لم<br />

یُعَد َّ بشيءٍ،‏ فمعناه ‏"كمل"،‏ كقولھ تعالى:‏ ‏[ولما بلغ أشده واستوى]‏ ا-ھ.‏<br />

أین أحناف ھذا الزمان من عقیدة الإمام <strong>أبي</strong> حنیفة رحمھ اللھ في الصفات،‏<br />

تراھم یتعصبون لذكره ومذھبھ في العبادات والمعاملات،‏ بینما في ‏(الاعتقاد)‏<br />

الفقھ الأكبر،‏ فھم یُحایدونھ ویتبعون غیره؟!!‏<br />

(3 ( ھو صاحب كتاب ‏(غیاث الأمم في التیاث الظ ُّلَم).‏<br />

(4 ( من العادات الحسنة التي لفتت نظري في الیمن أن عوام الن َّاس عندما یأتیھم<br />

سائل یسألھم حاجتھ،‏ تراھم یرفعون إصبعھم إِلى السماء؛ تعبیراً‏ على أن الرازق<br />

ھو اللھ الذي في السماء.‏


قولُھ:‏ ‏"ونقولُ:‏ إن َّ اللھَ‏ ات َّخَذَ‏ إبراھیمَ‏ خلیلاً،‏ وكَل َّمَ‏ موسى<br />

تكلیماً،‏ إیماناً‏ وتَصدیقاً‏ وتَسلیماً(‏‎1‎‏)‏ ".<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وات َّخَذَ‏ اللھُ‏ إبراھیمَ‏ خَلیلاً]‏ النساء:‏<br />

180


الجَھمی َّةُ‏ حقیقَةَ‏ المحب َّة مِنَ‏ الجانبینِ،‏ وكذلك أَنكَروا حقیقةَ‏ التكلیم،‏ وكانَ‏ أو َّ لُ‏<br />

مَن ابتدَعَ‏ ھذا في الإسلام ھو الجَعْدُ‏ بنُ‏ دِرھَم،‏ في أوائلِ‏ المئةِ‏ الثانیةِ،‏<br />

فَضَح َّى بھ خالِدُ‏ بنُ‏ عَبْدِ‏ اللھِ‏ القَسْرِ‏ ي أمیرُ‏ العراقِ‏ والمشرق بواسط،‏ خطبَ‏<br />

الن َّاسَ‏ یومَ‏ الأضحى فقالَ:‏ أَی ُّھا الن َّاسُ‏ ضَح ُّوا،‏ تَقَب َّلَ‏ اللھُ‏ ضَحایاكُم،‏ فإن َّي<br />

مُضَحٍّ‏ بالجعد بنِ‏ دِرْ‏ ھَم،‏ إن َّھ زعَمَ‏ أن َّ اللھَ‏ لم یتخِ‏ ‏ذْ‏ إبراھیمَ‏ خلیلاً،‏ ولم یُكَلّ‏ ‏ِم<br />

موسَى تكلیماً،‏ ثم َّ نزَ‏ لَ‏ فذبحَھُ.‏ وكان ذلك بفَتْوَ‏ ى أَھل زَ‏ مانھِ‏ مِنْ‏ عُلماءِ‏<br />

الت َّابعین ψ، فجزاهُ‏ اللھُ‏ عنِ‏ الدینِ‏ وأھلھ خیراً(‏‎1‎‏)‏ .<br />

وأخذَ‏ ھذا المذھب عن الجعد الجَھْمُ‏ بن صَفْوان (2) ، فأظھره وناظرَ‏ علیھ،‏<br />

وإلیھِ‏ أُضیفَ‏ قوْ‏ لُ:‏ ‏(الجھمیة).‏ فقتَلَھُ‏ مسلمُ‏ بنُ‏ أحوز أمیرُ‏ خُراسان بھا،‏ ث‏ َّم<br />

انتقلَ‏ ذلك إِلى المعتزلَةِ‏ أتباع عمرو بنِ‏ عُبید،‏ وظَھرَ‏ قَولُھم في أثناءِ‏ خلافَةِ‏<br />

المأمونِ،‏ حتى امتُحِ‏ نَ‏ أَئم َّةُ‏ الإسلامِ‏ ، ودَعَوْ‏ ھُم إِلى الموافَقَةِ‏ لھم على ذلك.‏<br />

181<br />

( 1 )<br />

تأم َّل كیف أن َّ الجعد بن درھم قُتِل،‏ لقولھ:‏ أن اللھَ‏ لم یتخذ إبراھیم خلیلاً،‏ ولم<br />

یكلم موسى تكلیماً،‏ وكان ذلك بفتوى من عُلماء التابعین.‏ فكیفَ‏ بمن یقول:‏ أ َّن<br />

شریعة الإسلام لا تصلح لكل زمان،‏ وھي متخلفة عن متطلبات العصر!‏ أو<br />

بفصل الدین عن الدولة والحیاة،‏ ویستحل الحكم بغیر ما أنزلَ‏ اللھ،‏ أو بمن یشتم<br />

اللھ والدین،‏ وغیر ذلك من العبارات الكفریة ‏-التي توقع صاحبھا في الكفر<br />

البواح-‏ التي تكاد أن تكون مألوفة على الأسماع في مجتمعاتنا المعاصرة،‏ التي<br />

تُسمى إسلامیة!!‏ وما من منكر،‏ بل كل الإنكار یكون على مَن ینكر ھذا الكفر<br />

والمجون،‏ تحت ذریعة التطاول على الحریات الشخصیة التي تضمن للمرء<br />

ممارسة الكفر من أوسع أبوابھ!!‏<br />

( 2 )<br />

قال الذھبي عنھ في میزان الاعتدال 426/1: الضال المبتدع رأس الجھمیة،‏<br />

ھلك في زمان صغار التابعین وما علمتھ روى شیئاً،‏ لكنھ زرع شراً‏ عظیماً‏ ا-‏<br />

ھ.‏<br />

ولھ كلام في الإیمان غریب عجیب،‏ مفاده أن الإیمان ھو تصدیق القلب ومعرفتھ<br />

وإن جاء مجر َّ داً‏ عن النطق والعمل،‏ وھذا لزمھ أن یحصر الكفر في التكذیب<br />

القلبي المضاد للتصدیق القلبي،‏ ورغم بطلان ھذا المذھب وتكفیر الس َّلَف للقائلین<br />

بھ،‏ فإنھ یوجد كثیر ممن یتصدرون مجالس الدعوة والافتاء في زماننا المعاصر<br />

الذین یقولون بھذا القول،‏ وإن لم یُسَم ُّوا أنفسھم جھمیین،‏ فالعبرة بالتحلي ولیس<br />

بالتسمي.‏


قولُھ:‏ ‏"ونُؤْمِنُ‏ بالملائكَةِ‏ والن َّبیینَ،‏ والكُتُبِ‏ المُنْزَلَةِ‏ على<br />

المُرسَلیَنَ،‏ ونَشْھَدُ‏ أَن َّھُم كانُوا على الحَقِّ‏ المُبینِ".‏<br />

ش:‏ ھذه الأمور مِن أركانِ‏ الإیمان،‏ قال تعالى:‏ ‏[آمنَ‏ الر َّسولُ‏ بما أُنْزِ‏ لَ‏<br />

إلیھِ‏ مِنْ‏ ر َّبّ‏ ‏ِھِ‏ والمؤمنونَ‏ كُل ٌّ آمَنَ‏ باللھ وملائكتھِ‏ وكُتُبھِ‏ ورُسُلِھ البقرة:‏<br />

[<br />

182


‏[ومَنْ‏ یكفُرْ‏ باللھِ‏ وملائكتھِ‏ ورُسُلِھِ‏ والیومِ‏ الآخِ‏ ‏رِ‏ فقَدْ‏ ضَل َّ ضلالاً‏ بعیدَاً]‏<br />

النساء:‏<br />

183


(1) [<br />

]<br />

قال تعالى:‏ فالمُدَبّ‏ ‏ِراتِ‏ أَمْرَاً‏ النازعات:‏ فالمُقَسّ‏ ‏ِماتِ‏ أَمْرَاً‏<br />

الذاریات:‏ 4. وھم الملائكةُ‏ عندَ‏ أھلِ‏ الإیمان وأتباعِ‏ ال ُّرسُلِ.‏<br />

فالملائكةُ‏ أَعظَمُ‏ جنودِ‏ اللھ،‏ ومِنْھُم:‏ المُرْ‏ سَلاتُ‏ عُرْ‏ فاً(‏‎3‎‏)‏ ، والن َّاشِراتُ‏<br />

نَشْرَ‏ اً(‏‎4‎‏)‏ ، والفارِ‏ قاتُ‏ فَرْ‏ قاً(‏‎5‎‏)‏ ، والمُلْقیاتُ‏ ذِكْراً(‏‎6‎‏)‏ .<br />

وَ‏ منھُمْ:‏ الن َّازِ‏ عات غَرْ‏ قاً(‏‎7‎‏)‏ ، والن َّاشِطات نَشْطاً(‏‎8‎‏)‏ ، والسّابِحَات سَبْحَاً(‏‎9‎‏)‏ ،<br />

فال َّسابقات سَبْقاً(‏‎10‎‏)‏ .<br />

ومنھم:‏ الص َّافات صف َّاً(‏‎11‎‏)‏ ، فالز َّ اجِ‏ رات زجْراً(‏‎1‎‏)‏ ، فالتالیات ذِكْراً(‏‎2‎‏)‏ .<br />

(2) [<br />

] .5<br />

184<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

قال ابن عباس:‏ ھم الملائكة وُ‏ كّ‏ ‏ِلُو بأمورٍ‏ عَر َّ فھم اللھ Υ العمل بھا.‏<br />

قال البغوي:‏ ھي الملائكة یقسمون الأمور بین الخلقِ‏ على ما أُمِروا بھ.‏<br />

قال البغوي:‏ یعني الریاح أُرسلت متتابعة كعرف الفرس.‏ وقیل عرفاً‏ أي<br />

كثیراً،‏ ھذا معنى قول مجاھد وقتادة.‏<br />

( 4 )<br />

قال البغوي:‏ یعني الریاح اللینة.‏ وقال الحسن:‏ ھي الریاح التي یرسلھا اللھ<br />

بشراً‏ بین یدي رحمتھ.‏ وقال مقاتل:‏ ھي الملائكة ینشرون الكتب.‏<br />

( 5 )<br />

قال ابن عباس ومجاھد والضحاك:‏ یعني الملائكة تأتي بما یفرقُ‏ بین الحق<br />

والباطل.‏<br />

( 6 )<br />

( 7 )<br />

قال البغوي:‏ یعني الملائكة تُلقي الذكر إِلى الأنبیاء.‏<br />

قال البغوي:‏ یعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أجسادھم.‏ والمراد<br />

بالإغراق المبالغة في المد.‏<br />

( 8 )<br />

قال البغوي:‏ ھي الملائكة تنشطُ‏ نفس المؤمن،‏ أي تحل حلاً‏ رفیقاً‏ فتقبضھا،‏<br />

كما ینشط العقال من ید البعیر.‏ قال ابن عباس:‏ ھي نفس المؤمن تنشط للخروج<br />

عند الموت،‏ لما یرى من الكرامة.‏<br />

( 9 )<br />

قال البغوي:‏ ھم الملائكة یقبضون أرواح المؤمنین یسلونھا سلاً‏ رفیقاً،‏ ث‏ َّم<br />

یدعونھا حتى تستریح كالسابح بالشيء في الماء یرفق بھ.‏ وقال مجاھد<br />

وأبوصالح:‏ ھم الملائكة ینزلون من السماء مسرعین كالفرس الجواد یُقال لھ<br />

سابح إذا أسرع في جریھ.‏<br />

( 10 )<br />

قال مجاھد:‏ ھي الملائكة سبقت ابن آدم بالخیر والعمل الصالح.‏ وقال مقاتل:‏<br />

ھي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنین إِلى الجنة.‏<br />

( 11 )<br />

قال ابن عباس:‏ والحسن وقتادة:‏ ھم الملائكة في السماء یصفون كصفوف<br />

الخلق في الدنیا للصلاة .


ومنھم ملائكةُ‏ الر َّ حمةِ،‏ وملائكةُ‏ العذابِ،‏ وملائكةٌ‏ قَدْ‏ وُ‏ كّ‏ ‏ِلُوا بِحملِ‏<br />

العرْ‏ شِ‏ ، وملائكةٌ‏ قد وُ‏ كّ‏ ‏ِلُوا بِعمارَ‏ ةِ‏ السماوات بالصلاةِ‏ والتسبیح والتقدیس،‏<br />

فھُم رُ‏ سُلُ‏ اللھِ‏ في خَلْقِھِ‏ وأَمْرِ‏ ه،‏ وسُفراؤهُ‏ بینَھُ‏ وبینَ‏ عبادِهِ،‏ ینزِ‏ لُونَ‏ بالأم ‏ِر<br />

مِنْ‏ عندِهِ‏ في أقطارِ‏ العالَم،‏ ویصعدونَ‏ إلیھ بالأمر.‏<br />

‏-الملائِكَةُ‏ عِبَادُ‏ اللھِ‏ وَ‏ جُندهُ‏ یَفعلُونَ‏ ما یُؤمَرونَ-‏<br />

الملَك رسولٌ‏ مُنَفّ‏ ‏ِذٌ‏ لأَمرِ‏ مُرسِلِھ،‏ فلیسَ‏ لھم من الأمر شيءٌ،‏ بل الأم ‏ُر<br />

كُل ُّھُ‏ ِ الواحدِ‏<br />

القَھ َّار،‏ وھم یُنفّ‏ ‏ِذونَ‏ أَمرَ‏ ه:‏ ‏[لا یسبِقُونَھُ‏ بالقَوْ‏ لِ‏ وھم بأمرِ‏ هِ‏ یعمَلُون.‏ یَعْلَمُ‏ ما<br />

بینَ‏ أَیْدیِھمِ‏ وما خَلْفَھُم ولا یشفعُونَ‏ إلا َّ لِمَنِ‏ ارتضى وَ‏ ھُمْ‏ من خَشیَتِھِ‏<br />

مُشفِقُونَ]‏ الأنبیاء:‏<br />

185


‏-في المُفاضَلَةِ‏ بینَ‏ الملائِكَةِ‏ وصَالِحي البَشَ‏ ‏ِر-‏<br />

وقد تكَل َّمَ‏ الن َّاسُ‏ في المفاضَلَةِ‏ بینَ‏ الملائِكَةِ‏ وصالِحي البَشَرِ‏ ، ویُنسَبُ‏ إِلى<br />

أھلِ‏ الس ُّن َّةِ‏ تفضیلُ‏ صالحي البَشَرِ‏ أو الأنبیاء فقط على الملائِكَة.‏ والشیخُ‏<br />

رحمھ اللھ لَمْ‏ یتعَر َّ ضْ‏ إِلى ھذه المسألةِ‏ بنفيٍ‏ ولا إثباتٍ،‏ ولَعَل َّھُ‏ یكونُ‏ قد<br />

تَرَ‏ كَ‏ الكلامَ‏ فیھا قَصْداً،‏ فإن َّ الإمامَ‏ أبا حنیفة رحمھ اللھ وقَفَ‏ في الجوابِ‏<br />

عنھا،‏ على ما ذكره في ‏(مآل الفتاوى)‏ (1) ، فإن َّھُ‏ ذكرَ‏ مسائِلَ‏ لم یَقطَعْ‏ أبو<br />

حنیفةَ‏ فیھا بجوابٍ،‏ وعَد َّ منھا:‏ التفضیل بینَ‏ الملائِكَة والأنبیاء.‏ وھذا ھو<br />

الحَق فإن َّ الواجِ‏ بَ‏ علینا الإیمانُ‏ بالملائكةِ‏ والنبیین،‏ ولیسَ‏ علینا أنْ‏ نَعتقِدَ‏ أ ُّي<br />

الفریقینِ‏ أفْضَلُ،‏ فإن َّ ھذا لو كان من الواجِ‏ بِ‏ لَبُیّ‏ ‏ِنَ‏ لنا نَص َّاً،‏ وقد قال تعالى:‏<br />

‏[الیومَ‏ أكملتُ‏ لَكُم دینَكُم]‏ المائدة:‏ ‏[وما كانَ‏ رَب ُّكَ‏ نَسیّاً]‏ مریم:‏<br />

.3<br />

186


وحاصِ‏ لُ‏ الكلامِ‏ : أن َّ ھذه المسأَلَةَ‏ مِن فضولِ‏ المسائِلِ،‏ ولھذا لم یتعَر َّ ضْ‏<br />

لھا كثیرٌ‏ مَن أھلِ‏ الأصولِ،‏ واللھ أعلم بالصواب.‏<br />

‏-وُ‏ جوبُ‏ الإیمانِ‏ بجمیعِ‏ الأَنبیاءِ‏ والر ُّسُلِ-‏<br />

وأَم َّا الأنبیاءُ‏ والمرسَلونَ،‏ فعلینا الإیمانُ‏ بِمَنْ‏ سَم َّى اللھُ‏ تعالى في<br />

كتابِھِ‏ من رسلھ،‏ والإیمانُ‏ بأن َّ اللھَ‏ تعالى أرسلَ‏ رُ‏ سُلاً‏ سواھم وأنبیاء لا<br />

یَعلَمُ‏ أَسماءَھُم وعدَدَھم إلا َّ اللھُ‏ تعالى الذي أرسلھم.‏ فعلینا الإیمانُ‏ بھم جُملَةً،‏<br />

لأن َّھ لم یأتِ‏ في عددھم نَص ٌّ .<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولقد أرسَلْنَا رُسُلاً‏ مِن قبلِكَ‏ مِنھم م َّنْ‏ قَصَصْنا علیكَ‏ ومِنْھُمْ‏<br />

م َّنْ‏ لم نَقْصُصْ‏ علَیْكَ‏ [ غافر:‏<br />

187


تعالى:‏<br />

‏[فَھَلْ‏ على الر ُّسُلِ‏ إلا َّ البلاغُ‏ المُبینُ]‏ النحل:‏<br />

188


ε<br />

اللھِ،‏ وأن َّھا حق ٌّ وھُدى ونورٌ‏ وبیانٌ‏ وشفاءٌ.‏ وأم َّا الإیمانُ‏ بالقرآنِ،‏ فالإقرارُ‏<br />

بھِ،‏ واتباعُ‏ ما فیھِ،‏ وذلك أمرٌ‏ زائدٌ‏ على الإیمان بغیرهِ‏ من الكت ‏ِب (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُسَمّ‏ ‏ِي أَھْلَ‏ قبلَتنَا مُسلمین مؤمنینَ،‏ ما داموا بما جاءَ‏<br />

بھِ‏ النب ُّي مُعتَرِ‏ فینَ،‏ ولَھُ‏ ِ بِكُلّ‏ ما قالَھُ‏ وأخبرَ‏ مُصَدّ‏ ‏ِقینَ".‏<br />

ش:‏ قالَ‏ رسُولُ‏ الل ‏ِھ ε: ‏"مَن صَل َّى صَلاتَنا،‏ واستقبلَ‏ قبلَتَنا،‏ وأكَلَ‏ ذَبیحَتَنا<br />

فھو المُسْلِمُ،‏ لھ ما لَنا وعلیھ ما علینا"‏ (3) .<br />

(1 ( مع الإنتباه أن َّ الأناجیل الموجودة الآن في أیدي النصارى والیھود،‏ قد<br />

اعتراھا التحریف والتغییر والتبدیل من قبل أحبارھم ورھبانھم،‏ وبالتالي لا<br />

یجوز نسبتھا إِلى اللھ تعالى.‏<br />

(2 ( لأن القرآن جاء خاتماً‏ للكتب السماویة،‏ ومھیمناً‏ علیھا،‏ وناسخاً‏ لھا،‏ وبالتالي<br />

فھو الكتاب الذي یجب على البشریة أن تدین بھ وتعمل بجمیع ما جاء فیھ،‏<br />

ومھما التمست الھدایة من غیر طریق القرآن،‏ فقد ضل َّت ووقعت في الھلاك<br />

والخسران.‏<br />

قال رسُول اللھ ε: ‏"القرآن حجة لك أو علیك".‏<br />

وقال:‏ ‏"أبشروا فإن َّ ھذا القرآن طرفھ بید اللھ،‏ وطرفھ بأیدیكم،‏ فتمسكوا بھ،‏<br />

فإنكم لن تھلكوا،‏ ولن تضلوا بعده أبداً".‏ رواه الطبراني،‏ صحیح الجامع الصغیر:‏<br />

.(34)<br />

(3 ( رواه البخاري وغیره.‏ فیھ أن من كانت ھذه صفتھ لا یجوز الإقدام على<br />

تكفیره،‏ ما لم یظھر منھ ما ینقض الإیمان،‏ وكذلك من كانت ھذه صفتھ یُحكم<br />

علیھ بالإسلام ومن دون أن یُسأل عن عقیدَتھ،‏ أو یُجرى لھ اختبار في التوحید،‏<br />

فمثل ھذا الصنیع لم یؤثر عن الس َّلَف الصالح،‏ بل ھو من خلق الخوارج الغلاة.‏<br />

وكذلك فیھ:‏ أن َّ تارك الصلاة،‏ أو من انتفت عنھ ھذه الصفات فھو غیر مسلم،‏<br />

ھذا ما یقتضیھ مفھوم المخالفة للحدیث واللھ تعالى أعلم.‏ قال حنبل:‏ حدثنا<br />

الحمیدي قال:‏ وأخبرت أن ناساً‏ یقولون:‏ من أقر بالصلاة والزكاة والصوم<br />

والحج ولم یفعل من ذلك شیئاً‏ حتى یموت،‏ ویصلي مستدبر القبلة حتى یموت،‏<br />

فھو مؤمن ما لم یكن جاحداً.‏ إذا علم أن تركھ ذلك فیھ إیمانھ إذا كان مقراً‏<br />

بالفرائض واستقبال القبلة،‏ فقلت:‏ ھذا الكفر الصراح،‏ وخلاف كتاب اللھ وسنة<br />

رسُولھ وعلماء المسلمین،‏ قال تعالى:‏ ‏[وما أُمروا إلا َّ لیعبدوا اللھ مخلصین لھ<br />

الدین].‏<br />

189


یشیر الشیخُ‏ أن َّ المسلمَ‏ لا یَخْرُ‏ جُ‏ مِنَ‏ الإسلامِ‏ بارتكابِ‏ الذنبِ(‏‎1‎‏)‏<br />

یَستحِ‏ ل ُّھ،‏ أو یُكذّ‏ ‏ِبْ‏ بشيءٍ‏ مِم َّا جاءَ‏ بھ الر َّ سُول<br />

ما لم<br />

. (2) ε<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا نَخُوضُ‏ في اللھِ،‏ ولا نُماري في دینِ‏ اللھِ".‏<br />

ش:‏ یُشیرُ‏ الشیخُ‏ إِلى الكفِّ‏ عَن كلامِ‏ المتكلمین الباطلِ،‏ ِ وذَمّ‏ علمھم،‏ فإنھم<br />

یتكل َّمونَ‏ في الإلھ بغیرِ‏ عِلْمٍ‏ وغیرِ‏ سُلطانٍ‏ أتاھم:‏ ‏[إنْ‏ یَت َّبِعونَ‏ إلا َّ الظن َّ وما<br />

تَھوى الأَنْفُسُ‏ ولَقدْ‏ جاءَھُمْ‏ مِن ر َّبّ‏ ‏ِھمُ‏ الھُدى النجم:‏<br />

[<br />

190


قولُھ:‏ ‏"وَ‏ لا نُجَادِلُ‏ في القرآنِ،‏ ونَشْھَدُ‏ أَن َّھُ‏ كَلامُ‏ رَبِّ‏ العالَمینَ،‏<br />

نَزَلَ‏ بھِ‏ الر ُّوحُ‏ الأمینُ،‏ فعَل َّمَھُ‏ سَیّ‏ ‏ِدَ‏ المرسلین مُحَم َّدَاً‏ صلى اللھ<br />

علیھ وعلى آلِھِ‏ أجمعینَ.‏ وھو كَلامُ‏ اللھ تعالى لا یُساویھ شيءٌ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

كلامِ‏ المَخْلُوقینَ،‏ ولا نقولُ‏ بخَلْقِھِ،‏ ولا نُخالِفُ‏ جماعَةَ‏<br />

المُسلِمینَ".‏<br />

ش:‏ فقولھ:‏ ‏"ولا نجادِلُ‏ في القرآن"‏ أي:‏ لا نقولُ‏ فیھ كما قال أھلُ‏ الزیغِ‏<br />

واختلَفوا،‏ وقالوا:‏ ‏(ھو مخلوق)،‏ بل نقول:‏ ‏"إنھ كلا ‏ُم ربِّ‏ العالَمین نزَل بھ<br />

الر ُّوحُ‏ الأمین".‏<br />

وكذلك لا نُجادِلُ‏ في القراءاتِ‏ الث َّابتَةِ،‏ بل نقرَ‏ ؤُه ِ بكُلّ‏ ما ثبَتَ‏ وصَح َّ،‏ عن<br />

عبد اللھِ‏ بن مسعود،‏ قال:‏ سمعتُ‏ رَ‏ جُلاً‏ قَرأَ‏ آیةً‏ سمعتُ‏ رسولَ‏ اللھِ‏ یقرأ<br />

خِ‏ لافَھا،‏ فأخذتُ‏ بیده،‏ فانطلقتُ‏ بھ إِلى رسُولِ‏ اللھِ‏ ε، فذكرتُ‏ ذلك لھ،‏<br />

فعَرَ‏ فتُ‏ في وجھھِ‏ الكراھَةَ،‏ وقال:‏ ‏"كِلاكُمَا مُحْسِنٌ،‏ ولا تختَلِفُوا،‏ فإن َّ مَنْ‏<br />

كانَ‏ قبلَكُم اختلَفُوا فَھلكُوا"‏ (1) .<br />

وقولُھ:‏ ‏"نَزَلَ‏ بھ الر ُّوحُ‏ الأمینُ"،‏ ھو جبریلُ‏ علیھ السلام،‏ سُمّ‏ ‏ِيَ‏ رُ‏ وحاً‏<br />

لأن َّھُ‏ حامِلُ‏ الوحي الذي بھ حیاةُ‏ القلوبِ‏ إِلى الر ُّ سلِ‏ من البشر صلواتُ‏ الل ‏ِھ<br />

علیھم أجمعین.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[نزَلَ‏ بھِ‏ الر ُّوحُ‏ الأمینُ.‏ على قَلْبِكَ‏ لتكونَ‏ من المُنذِرِ‏ ینَ]‏<br />

الشعراء:‏<br />

ε<br />

191


قولُھ:‏ ‏"ولا نُكَفّ‏ ‏ِرُ‏ أحداً‏ من أَھْلِ‏ القبلةِ‏ بذنبٍ‏ ما لم یستحِ‏ ل َّھُ‏<br />

نقولُ:‏ لا یضر ُّ مع الإیمان ذنبٌ‏ لِمَن عَمِلَھُ".‏<br />

(1) ، ولا<br />

والجماعة تُعرف بملازمتھا الحق وإن قل َّ عددھا،‏ فقد جاء في صحیح مسلم<br />

وغیره ‏"إن من الأنبیاء من لم یصدقھ من أمتھ إلا َّ رجلٌ‏ واحد".‏<br />

قال عبد اللھ بن مسعود رضي اللھ عنھ لعمرو بن میمون:‏ جمھور الجماعة<br />

ھم الذین فارقوا الجماعة،‏ والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك.‏<br />

وقال نعیم بن حماد:‏ إذا فسدت الجماعة فعلیك بما كانت علیھ الجماعة قبل أن<br />

تفسد الجماعة وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حینئذٍ.‏<br />

قال ابن القیم في أعلام الموقعین:‏ اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم<br />

ھو العالم صاحب الحق وإن كان وحده،‏ وإن خالفھ أھل الأرض ا-ھ.‏<br />

فإذا عرفت ذلك ‏-یا مسلم-‏ فعلیك بحبل اللھ المتین فاستعصم بھ،‏ ولا یغرنك<br />

كثرة سواد الباطل وزینة الدنیا التي اجتمعت لھ،‏ فإنما ھم حطب لجھنم یوم<br />

القیامة،‏ ولا یصدنك عن الحق وتكثیر سواده قلة أھلھ وأعوانھ،‏ فإن َّ الدین بدأ<br />

غریباً‏ وسیعود غریباً‏ كما بدأ،‏ فطوبى للغرباء.‏<br />

وكون مخالفة جماعة المسلمین زیغاً‏ وضلالاً‏ وبدعة،‏ فھو لقولھ تعالى:‏ ‏[ومن<br />

یشاقق الر َّسُول من بعد ما تبین لھ الھدى ویتبع غیر سبیل المؤمنین نولّ‏ ‏ِھ ما<br />

تولّى ونصلھ جھنم وساءت مصیراً]‏ النساء:‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى (38/7): فإنھما متلازمان فكل من شاق الر َّ سُول من<br />

بعد ما تبین لھ الھدى فقد اتبع غیر سبیل المؤمنین،‏ وكل من اتبع غیر سبیل<br />

المؤمنین فقد شاق الر َّ سُول من بعد ما تبین لھ الھدى،‏ فإن َّ كان یظن أنھ متبع<br />

سبیل المؤمنین وھو مخطئ فھو بمنزلة من ظن أنھ متبع للرسول وھو<br />

مخطئ.‏<br />

وھذه الآیة تدل على أن إجماع المؤمنین حجة من جھة أن مخالفتھم مستلزمة<br />

لمخالفة الر َّ سُول،‏ وإن كان ما أجمعوا علیھ فلا بد أن یكون فیھ نص عن<br />

الر َّ سُول،‏ فكل مسألة یقطع فیھا بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنین فإنھا مِم َّا<br />

بین اللھ فیھ الھدى،‏ ومخالف مثل ھذا الإجماع یكفر كما یكفر مخالف النص<br />

البین.‏ وأم َّا إذا كان یظن الإجماع ولا یقطع بھ،‏ فھنا قد لا یقطع بأنھا مِم َّا تبین فیھ<br />

.115<br />

الھدى من جھة الر َّ سُول،‏ ومخالف مثل ھذا الإجماع قد لا یكفر.‏ وھذا ھو فصل<br />

الخطاب فیما یكفر بھ من مخالفة الإجماع وما لا یكفر ا-ھ.‏<br />

( 1 )<br />

یُراد من الذنب الذنب الذي ھو دون الكفر والشرك؛ كالسرقة،‏ والزنى،‏<br />

وشرب الخمر وغیرھا من الذنوب التي ھي دون الكفر الأكبر ‏-مخالفة<br />

192


ش:‏ یشیرُ‏ الشیخُ‏ إِلى ِ الردّ‏ على الخوارج القائلین بالتكفیر بكل ذنب<br />

واعلم أن بابَ‏ التكفیر وعدَم التكفیر (1) ، بابٌ‏ عَظُمَت الفتنةُ‏ والمحنة فیھ،‏<br />

. (1)<br />

للخوارج الذین یُكفّ‏ ‏ِرون بكلّ‏ فمثل ھذه الذنوب لا یصح تكفیر صاحبھا إلا َّ<br />

إذا مارسھا على وجھ الاستحلال والتحسین،‏ لوجود أدلة وقرائن شرعیة<br />

تصرف الكفر الأكبر عن صاحب ھذه الذنوب،‏ أما إذا كان الذنب كفراً‏ أكبر<br />

فصاحبھ یُكف َّر سواء استحلھ أو لم یستحلھ،‏ فالاستحلال نوع من أنواع الكفر<br />

ولیس كل أنواع الكفر،‏ والشرك كفر مخرج من الملة لذاتھ سواء ضُم إلیھ<br />

عنصر الاستحلال أو لم یُضم.‏<br />

وقد روى الخلاّل بسنده إِلى الإمام أحمد بن حنبل،‏ قال جاء رجلٌ‏ فسأل أبا عبد<br />

اللھ فقال:‏ یا أبا عبد اللھ إجماع المسلمین على الإیمان بالقدر خیره وشره؟ قال<br />

193<br />

ِ ذنب-‏<br />

أبو عبد اللھ:‏ نعم،‏ قال:‏ ولا نكفر أحداً‏ بذنب؟ فقال أبو عبد اللھ:‏ اسكت،‏ من<br />

ترك الصلاة فقد كفر،‏ ومن قال القرآن مخلوق فھو كافر ا-ھ.‏<br />

وقال ابن تیمیة في الفتاوى (302/7): ونحن إذا قلنا:‏ أھل الس ُّن َّة متفقون على<br />

أنھ لا یكفر بالذنب،‏ فإنما نرید بھ المعاصي كالزنا والشرب ا-ھ.‏<br />

ومن غرائب مرجئة العصر ‏-الذین یتتبعون العثرات والزلات والمتشابھات<br />

أنھم یعتبرون الاستحلال شرطاً‏ للتكفیر في مطلق الذنوب بما في ذلك الذنوب<br />

التي تعتبر شركاً‏ وكفراً‏ أكبر،‏ مستدلین على شذوذھم ھذا بمقولة أَھْل العلم ‏"لا<br />

نكفّ‏ ‏ِر أحداً‏ من أَھْل القبلة بذنب ما لم یستحلھ"!،‏ ودرءاً‏ لھذا الإستغلال السيء<br />

أرى أن تقید ھذه المقولة بالقید التالي،‏ حیث تصبح:‏ ‏"لانكفّ‏ ‏ِر أحداً‏ من أَھْل القبلة<br />

بذنب دون الكفر ما لم یستحلھ"‏ واللھ تعالى أعلم.‏<br />

تأمل كیف فسر الشارح ‏-رحمھ اللھ-‏ المقولة على أنھا رد على الخوارج<br />

وأصولھم الذین یكفّ‏ ‏ِرون بكل ذنب.‏ والخوارج فرقة ضالة ‏-اختُلف في<br />

تكفیرھا-‏ أبرز ما یمیزھم محاربتھم لأَھْل القبلة من المسلمین،‏ وتركھم لأھل<br />

الشرك والأوثان،‏ وتكفیرھم الن َّاس بالظنون المرجوحة وبالكبائر والذنوب التي<br />

ھي دون الكفر.‏ وقد خصھم النب‏ ُّي بطائفة من الأحادیث،‏ محذراً‏ الأمة من<br />

فتنتھم ِ وشرّ‏ ھم،‏ حاضاً‏ على قتلھم وقتالھم إِلى أن یعودوا عن غلوِّھم إِلى دین<br />

الحق راشدین تائبین،‏ منھا ما ذكره البخاري في صحیحھ تحت باب ‏(قتل<br />

الخوارج والملحدین بعد إقامة الحجة علیھم":‏<br />

قال رسُول اللھ ε: ‏"سیخرج قومٌ‏ آخر الزمان أحداث الأسنان،‏ سفھاء<br />

الأحلام،‏ یقولون من قول خیر البریة،‏ لا یجاوز إیمانھم حناجرھم یمرقون من<br />

-<br />

ε<br />

( 1 )


τ<br />

ε<br />

الدین كما یمرق السھم من الرمیة،‏ فأینما لقیتموھم فاقتلوھم،‏ فإن َّ في قتلھم أجراً‏<br />

لمن قتلھم یوم القیامة".‏<br />

وكان ابن عمر یراھم شرار خلق اللھ،‏ وقال:‏ إنھم انطلقوا إِلى آیاتٍ‏ نزلت في<br />

الكفار فجعلوھا على المؤمنین.‏<br />

وكذلك قولھ ε: ‏"یقتلون أھل الإسلام ویتركون أھل الأوثان،‏ لئن أدركتھم<br />

لأقتلن َّھم قتل عاد".‏ ‏(متفق علیھ).‏<br />

وقال ε: ‏"سیخرج من أمتي قوم یقرؤون القرآن لیس قراءتكم إِلى قراءتھم<br />

بشيء،‏ ولا صلواتكم إِلى صلواتھم بشيء،‏ ولا صیامكم إِلى صیامھم بشيء،‏<br />

یقرؤون القرآن یرون أنھ لھم وھو علیھم،‏ لا یجاوز تراقیھم،‏ یمرقون من<br />

الإسلام مروق السھم من الرمیة".‏ ‏(مسلم).‏<br />

وقال:‏ ‏"إن بعدي من أمتي قوم یقرؤون القرآن لا یُجاوز تراقیھم یخرجون من<br />

الدین كما یخرج السھم من الرمیة،‏ ثم َّ لا یعودون فیھ،‏ ھم شر ُّ الخلق والخلیقة".‏<br />

‏(مسلم).‏<br />

ومن صفاتھم كذلك قولھ فیھم:‏ ‏"یتعمقون في الدین حتى یخرجوا منھ كما<br />

یخرج السھم من الرمیة،‏ ینظر في النصل فلا یجد شیئاً،‏ ثم َّ ینظر في القدح فلا<br />

یوجد شیئاً"‏ ‏(أحمد وغیره).‏<br />

وقال:‏ ‏"یدعون إِلى كتاب اللھ ولیسوا من اللھ في شيء،‏ فمن قاتلھم كان أولى<br />

منھم"،‏ فكان أول من قاتلھم علي بن <strong>أبي</strong> طالب في النھروان.‏<br />

وقال ε: ‏"طوبى لمن قتلھم وقتلوه"،‏ وقال:‏ ‏"الخوارج كلاب أَھْل النار".‏ ‏(ابن<br />

<strong>أبي</strong> عاصم في الس ُّن َّة).‏ وغیرھا كثیر من الأحادیث التي تحذر من الخوارج<br />

وفتنتھم وشرھم،‏ أعاذنا اللھ منھم ومن شرھم،‏ ومن أن نكثر سوادھم بشيء،‏ أو<br />

نقف في ظلھم،‏ أو ننصر باطلھم ولو بشطر كلمة واحدة.‏<br />

ومما یحسن ذكره ھنا ‏-انصافاً‏ للحق،‏ وانتصاراً‏ لإخوان غی َّبتھم سرادیب سجون<br />

الطواغیت،‏ لا ذنب لھم سوى أنھم دعاة إِلى اللھ-‏ أن مرجئة العصر ومن ل‏ َّف<br />

لفھم من علماء الطواغیت والسوء یحملون ھذه الأحادیث الآنفة الذكر ‏-التي قیلت<br />

في الخوارج-‏ على الموحدین المجاھدین من أَھْل الس ُّن َّة والجماعة الذین آلوا على<br />

أنفسھم مقارعة الكفر والظلم والطغیان،‏ ترھیباً‏ وتشكیكاً‏ لھم ولأتباعھم عما ھم<br />

علیھ من الحق المبین،‏ وانتصاراً‏ وذوداً‏ عن طواغیت الكفر والفجور.‏ ومن<br />

قیاساتھم الباطلة الجائرة أنھم یقیسون خروج أھل الجھاد والتوحید على طواغیت<br />

الكفر الذین اجتمعت فیھم جمیع خصال الكفر والنفاق على خروج الخوارج على<br />

علي بن <strong>أبي</strong> طالب τ!! بئس القیاس ما یقیسون وما یقولون.‏<br />

194


وكثُرَ‏ فیھ الافتراق.‏ وتشت َّتت فیھ الأھواءُ‏ والآراءُ،‏ وتعارضَت فیھ<br />

دلائِلُھم،‏ فالناسُ‏ فیھ على طرفین ووسط (2) .<br />

القول بأن َّا لا نكَفّ‏ ‏ِرُ‏ من أَھْل القبلة أحداً،‏ لا یَصُح ُّ على إطلاقھ<br />

فطائِفةٌ‏ تقول:‏ لا نُكَفّ‏ ‏ِرُ‏ من أھل القبلة أحداً،‏ فتنفي التكفیر نفیاً‏ عامّاً،‏ مع<br />

العلم بأن في أھل القبلة المنافقین،‏ الذین فیھم مَنْ‏ ھو أكفَرُ‏ من الیھود<br />

والنصارى،‏ وفیھم مَنْ‏ قد یُظھرُ‏ بعض ذلك حیث یُمكِنُھم،‏ وھم یتظاھرون<br />

-<br />

195<br />

-<br />

بالشھادتین (3) .<br />

1) ( ھذا<br />

( 2 )<br />

ما یقتضیھ الإنصاف،‏ وھو الإشارة إِلى الإفراط والتفریط الحاصل في<br />

التكفیر وعدم التكفیر،‏ ظاھرة الغلوِّ‏ والإرجاء سواء،‏ أم َّا الإشارة إِلى<br />

الإنحراف في جانب وغض الطرف ‏-رھبة أو رغبة-‏ عن الجانب الآخر،‏ فھذا<br />

بخلاف ما تقتضیھ الأمانة العلمیة والبیان الذي یرتضیھ ربنا سبحانھ وتعالى.‏<br />

الطرفان ھما:‏ طرف یتمثل في الخوارج ومن كان على شاكلتھم من الغلاة،‏<br />

وطرف یتمثل في<br />

المرجئة الذین أرجأوا وأخ َّروا العمل عن الإیمان،‏ وقالوا:‏ الإیمان تصدیق<br />

وقول،‏ وغلاتھم من الجھمیة قالوا:‏ الإیمان ھو التصدیق بالجنان فقط،‏ ورتبوا<br />

على إعتقادھم الفاسد ھذا حصر الكفر في الجحود أو التكذیب القلبي المضاد<br />

للتصدیق!!‏<br />

ومن سماة المرجئة أنھم یقللون من أھمیة العمل،‏ ویھتمون بأحادیث الوعد<br />

دون غیرھا من نصوص الوعید!.‏<br />

أم َّا الطرف الوسط:‏ فھو طرق الحق المتمثل في عقیدة أَھْل الس ُّن َّة والجماعة في<br />

الإیمان؛ وھو أن الإیمان اعتقاد وقول وعمل،‏ وكذلك الكفر یكون بالاعتقاد<br />

وبالقول والعمل،‏ وھذه مسألة سنأتي إِلى بحثھا بشيء من التفصیل في موضعھا<br />

إن شاء اللھ.‏<br />

(3 ( وھذه ظاھرة قد تكون مألوفة في زماننا المعاصر ‏-وعلى مستوى الحاكم<br />

والمحكوم-‏ فلا حرج عند القوم أن ینطقوا بشھادة التوحید وكلما طلب منھم ث‏ َّم<br />

بالمقابل یمارسون الكفر من أوسع أبوابھ ومجالاتھ،‏ ولا شك أن مِم َّا أعانھم<br />

على ھذا الكفر والنفاق مشایخ الإرجاء الذین یُفتونھم بأنھم مسلمون ومن أَھْل<br />

الجنة،‏ وشفاعة الشافعین تطالھم،‏ ولا حرج علیھم ما داموا ینطقون بشھادة<br />

التوحید!‏<br />

وللإعذار والتنبیھ فإننا نقول:‏ من اجتمع فیھ كفر أو شرك وإیمان فإن َّ إیمانھ<br />

لا ینفعھ في شيء،‏ لأن الشرك یحبط الإیمان والأعمال كلیاً،‏ كما قال تعالى:‏


ولھذا امتنع كثیرٌ‏ من الأئمة عن إطلاق القول:‏ بأن َّا لا نكفّ‏ ‏ِر أحداً‏ بذنبٍ،‏<br />

بل یُقال:‏ لا نكفرھُم بكل ذنبٍ‏ كما تفعل الخوارج (1) .<br />

‏[لئن أشركت لیحبطن عملُك ولتكونن َّ من الخاسرین].‏ وقال تعالى:‏ ‏[ولو<br />

أشركوا لحبط عنھم ما كانوا یعملون].‏ فمن یأتي بالإیمان والكفر معاً‏ كمن یأتي<br />

بالشيء وضده أو بما ینافیھ في آنٍ‏ معاً،‏ ومثلھ مثل من یقر بالتوحید ثم َّ من جھة<br />

یقر بآلھة أخرى مع اللھ ویعبدھا من دون اللھ،‏ وھذا أن َّى أن یثبت لھ إیمانھ<br />

وتوحیده فإن َّ الإیمان والكفر لا یمكن اجتماعھما في قلب واحد،‏ كما جاء في<br />

الحدیث الصحیح:‏ ‏"لا یجتمع إیمان وكفر في قلب امرئٍ"،‏ فاللھ تعالى<br />

أغنى الأغنیاء عن الشرك.‏<br />

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ اللھ:‏ دین النبي التوحید،‏ وھو<br />

معرفة لا إلھ إلا اللھ محمد رسُول اللھ والعمل بمقتضاھا،‏ فإنْ‏ قیلَ:‏ كل الن َّاس<br />

یقولونھا،‏ قیلَ:‏ منھم من یقولھا ویحسب معناھا أنھ لا یخلق إلا َّ اللھ ولا یرزق<br />

إلا َّ اللھ وأشباه ذلك،‏ ومنھم لا یفھم معناھا،‏ ومنھم من لا یعمل بمقتضاھا،‏<br />

ومنھم من لا یعقل حقیقتھا،‏ وأعجب من ذلك من عرفھا من وجھ وعاداھا<br />

وأھلھا من وجھ!‏ وأعجب منھ من أحبھا وانتسب إِلى أھلھا ولم یفرق بین<br />

أولیائھا وأعدائھا!!‏ یا سبحان اللھ العظیم أتكون طائفتان مختلفتین في دین<br />

واحد وكلھم على الحق؟!‏ كلا واللھ،‏ فماذا بعد الحق إلا َّ الضلال ا-ھ ‏(الرسائل<br />

الشخصیة:‏<br />

ε<br />

196


‏-إنكارُ‏ ما ھو معلومٌ‏ من الدین بالضرورَةِ،‏ كُفرٌ-‏<br />

فلا خلافَ‏ بین المسلمین أن َّ الرجُلَ‏ لو أظھر إنكارَ‏ الواجبات الظاھرة<br />

المتواترة،‏ والمحرماتِ‏ الظاھرة المتواترة،‏ فإنھ یُستتابُ‏ (1) .<br />

كان بواحاً‏ یُمارَ‏ سُ‏ على غیر وجھ الاعتقاد أو الاستحلال القلبي لا یُخرِ‏ جُ‏ عنده<br />

من الملة!!.‏<br />

فانظر مثلاً‏ ماذا یقول في كتابھ الأخیر ‏(التحذیر من فتنة التكفیر!!)‏ الذي جاء<br />

تأصیلاً‏ لعقیدة<br />

جھم في الإیمان والوعد والوعید:‏ ‏(وخلاصة الكلام:‏ لا بد من معرفة أن الكفر<br />

كالفسق والظلم-‏ ینقسم إِلى قسمین:‏ كفرٌ‏ وفسق وظلم یُخرِ‏ ج من الملة،‏ وكل ُّ ذلك<br />

یعود إِلى الاستحلال القلبي.‏ وآخرُ‏ لا یُخرِ‏ ج من الملة؛ یعود إِلى الاستحلال<br />

العمليِّ)!!‏ ا-ھ،‏ ص‎68‎‏.‏<br />

مفاد كلامھ أن أي كفر مھما كان بواحاً‏ ومُستحلاً‏ في الظاھر والعمل ولكن لا<br />

ینعقد استحلالھ في القلب فھو لا یُخرِ‏ ج من الملة،‏ وھذا مطابق لعقیدة جھم بن<br />

صفوان الذي یحصر الكفر في التكذیب القلبي وحسب!.‏<br />

وللشیخ شریط بعنوان:‏ ‏(الكفر كفران)‏ فیھ من العجب العجاب ‏-وھو لا یختلف<br />

عما أصلھ في كتابھ التحذیر!-‏ قد رددنا علیھ بمصنف یزید عن المائتي صفحة،‏<br />

بإمكان القارئ مراجعتھ.‏<br />

-<br />

تنبیھ:‏ نسجل ھذه الملاحظة على عنوان كتاب الشیخ ‏(التحذیر من فتنة التكفیر)‏<br />

إذ كیف یحذر من التكفیر وفتنتھ،‏ والتكفیر حكم شرعي ومصطلح أطلقھ الشارع<br />

في الكتاب والس ُّن َّة؟!‏ وكان الصواب أن یقول:‏ ‏(التحذیر من فتنة الغلو في<br />

التكفیر)،‏ فھذا أصح وأدق واللھ تعالى أعلم.‏<br />

( 1 )<br />

فإنھ یُستتاب على أنھ قد كفر وارتد َّ،‏ إلا َّ إذا كان إنكاره بسبب عجزه عن<br />

معرفة الحق فیما قد خالف فیھ،‏ فھنا تقام علیھ الحجة الشرعیة وھي تختلف عن<br />

الاستتابة التي تأتي بعد معاندة الحجة الشرعیة.‏ فقیام الحجة تكون لمن یقع في<br />

الكفر ‏-لجھل لا یمكن دفعھ-‏ لكن ھو لم یكفر،‏ أم َّا الاستتابة تكون لمن وقع في<br />

الكفر وكفر بعینھ.‏<br />

والاستتابة مذھب جمھور أَھْل العلم وأكثر الصحابة،‏ قال القاضي عیاض في<br />

الشفا (2/<br />

197


فإنْ‏ تابَ‏ وإِلا َّ قُتِلَ‏ كافراً‏ مرتداً(‏‎1‎‏)‏ .<br />

‏-البِدَعُ‏ والفجورُ‏ مظنتان للنفاق والرد َّةِ-‏<br />

البِدَعُ‏ والفجورُ‏ ، كما ذكره الخلا َّلُ‏ في كتابھ<br />

النفاقُ‏ والردة مظنتھما (2)<br />

‏(الس ُّن َّة)‏ بسنده إِلى محمد بن سیرین،‏ أنھ قال:‏ إن أسرَ‏ عَ‏ الن َّاس رِ‏ د َّةً‏ أَھْل<br />

الأھواء،‏ وكان یرى ھذه الآیة نزلت فیھم:‏ ‏[وإذا رأیتَ‏ الذین یخوضون في<br />

آیاتنا فأعرِ‏ ضْ‏ عنھم حتى یخوضوا في حدیثٍ‏ غیرهِ]‏ الأنعام:‏<br />

198


الكفر طاعة.‏ فھؤلاء في طرَ‏ فٍ‏ ، والخوارج (1)<br />

نكفّ‏ ‏ِرُ‏ المسلمَ‏ بكل ذنبٍ‏ كبیر.‏<br />

في طرَ‏ ف،‏ فإنھم یقولون:‏<br />

ھو ‏(القلب)‏ والنظر إلیھ:‏ ‏(فإنْ‏ كان القلبُ‏ مؤمناً‏ والعملُ‏ كافراً،‏ فھنا یتغلب<br />

الحكم المستقر في القلب على الحكم المستقر في العمل)!!‏ ھكذا یقولون،‏ وھكذا<br />

ِ یُدَرّ‏ سون وینشرون!!‏<br />

لذا لا غرابة ولا عجب من ھذا الإحترام والكرم المتبادلین ‏-والملحوظین عبر<br />

التاریخ وإِلى أیامنا ھذه-‏ بین طواغیت الحكم والكفر ومشایخ الإِرجاء؛<br />

فالطواغیت یمنون على مشایخ الإرجاء بالمال والعطایا والھبات والامتیازات<br />

ویجعلونھم من المقربین،‏ ومشایخ الإرجاء بالمقابل یكرمون على الطواغیت<br />

بمزید من التأویلات والتسویغات والتبریرات والفتاوى الباطلة التي تمنع من<br />

تكفیرھم وتبقیھم في دائرة الإسلام..!!‏ فالإحترام متبادل،‏ والمصالح مشتركة!!.‏<br />

وھذه النفَس الإرجائي الإتكالي التبریري لا شك أنھ انعكس سلباً‏ على أخلاق<br />

وسلوك الأمة،‏ وعلى مستوى الحاكم والمحكوم؛ فھذه مظاھر التفریط بالحكم<br />

بما أنزل اللھ نراھا ‏-على مدار الساعة-‏ أمام أعیننا،‏ وكذلك ظاھرة ترك<br />

الصلاة،‏ وغیرھا من الواجبات،‏ ولم یبق لكثیر من الن َّاس ‏-بفعل سموم الإرجاء-‏<br />

من إسلامھم سوى أسمائھم الإسلامیة التي تنم عن انتسابھم لأبوین مسلمین،‏<br />

وھذا یكفیھم لأن یعاملوا معاملة المسلمین من حیث الحقوق والواجبات..!!‏<br />

قال ابن تیمیة رحمھ اللھ في الفتاوى (394/7): فلھذا عظم القول في ذم<br />

الإرجاء حتى قال إبراھیم النخعي لفتنتھم ‏-یعني المرجئة-‏ أخوف على ھذه<br />

الأمة من فتنة الأزارقة.‏ ‏(والأزارقة ھم فرقة من الخوارج نسبة إِلى نافع بن<br />

الأزرق).‏<br />

وقال الزھري:‏ ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر ُّ على أَھْلھ من الإرجاء.‏<br />

وقال الأوزاعي:‏ كان یحیى بن <strong>أبي</strong> كثیر،‏ وقتادة یقولان:‏ لیس شيء من<br />

الأھواء أخوف عندھم على الأمة من الإرجاء.‏<br />

وقال شریك القاضي ‏-وذكر المرجئة فقال-:‏ ھم أخبث قوم،‏ حسبك بالرافضة<br />

خبثاً،‏ ولكن المرجئة یكذبون على اللھ.‏<br />

وقال سفیان الثوري:‏ تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابري.‏ ا-ھ.‏<br />

والثوب السابري:‏ ھو الثوب الشفاف الرقیق الذي یشف ما تحتھ،‏ تشبیھاً‏ لدین<br />

المرجئة الرقیق الذي لیس على شيء.‏<br />

( 1 )<br />

قال ابن تیمیة فیھم في الفتاوى (7/<br />

199


‏-الفَرق بین الخوارج والمعتزلة في مسألة الوعید-‏<br />

المعتزلةُ‏ یقولون:‏ یَحبَطُ‏ إیمانُھُ‏ كُل ُّھ بالكبیرَ‏ ةِ،‏ فلا یبقى مَعَھُ‏ شيءٌ‏ من<br />

الإیمانِ.‏ لكن الخوارج یقولون:‏ یخرجُ‏ مِنَ‏ الإیمان ویدخُلُ‏ في الكفر!‏<br />

والمعتزلة یقولون:‏ یخرجُ‏ من الإیمانِ،‏ ولا یدخلُ‏ في الكفرِ‏ ، وھذه المنزِ‏ لَةُ‏<br />

بین المنزلتین!!‏ وبقولھم بخروجھ من الإیمان أوجبوا لھ الخلودَ‏ في<br />

النارِ‏<br />

‏-تكفیرُ‏ العّام غیر تكفیر المعَی َّن (2) -<br />

200<br />

.! (1)<br />

ε: ‏"یقتلون أَھْل الإسلام ویدعون أَھْل الأوثان"،‏ وكف َّروا علیاً‏ بن <strong>أبي</strong> طالب،‏<br />

وعثمان بن عفان ومن والاھما،‏ وقتلوا علیاً‏ بن <strong>أبي</strong> طالب مستحلین لقتلھ؛ قتلھ<br />

عبد الرحمن بن ملجم المرادي منھم،‏ وكان ھو وغیره من الخوارج مجتھدین في<br />

العبادة،‏ لكن كانوا جھالاً‏ فارقوا الس ُّن َّة والجماعة.‏ فقال ھؤلاء:‏ ما الن َّاس إلا َّ مؤمن<br />

أو كافر،‏ والمؤمن فعل جمیع الواجبات وترك جمیع المحرمات،‏ فمن لم یكن<br />

كذلك فھو كافر مخلد في النار،‏ ثم َّ جعلوا كل من خالف قولھم كذلك.‏ ا-ھ.‏<br />

( 1 )<br />

اتفقت المعتزلة مع الخوارج في أن َّ أَھْل الكبائر خارجون عن الإیمان،‏<br />

ومخلدون في النار،‏ وأن شفاعة الشافعین یوم القیامة لا تطالھم ولا تنفعھم،‏<br />

واختلفوا معھم في وصفھم،‏ فالخوارج قالوا عن أھل الكبائر:‏ كفار،‏ والمعتزلة<br />

أمسكوا عن ھذا الإطلاق،‏ وقالوا:‏ ھم لیسوا بمؤمنین ولا كفار وإنما فساق،‏<br />

فاتفقوا في الأصل واختلفوا في الوصف والاسم!‏<br />

( 2 )<br />

أي أن تكفیر العام لا یستلزم دائماً‏ تكفیر المعین؛ لاحتمال وجود موانع التكفیر<br />

المعتبرة شرعاً‏ عند المعین التي تمنع من تكفیره أو لحوق الوعید بھ،‏ أم َّا في<br />

حال انتفاء موانع التكفیر عنھ،‏ فإن َّھ یجري علیھ حكم الكفر الذي وقع فیھ ویُكف َّر<br />

بعینھ لا محالة،‏ وعلیھ فإننا نقول:‏ من أظھر لنا الكفر ‏-من غیر مانعٍ‏ شرعيّ‏ ٍ<br />

معتبر یمنع من تكفیره-‏ أظھرنا لھ التكفیر بعینھ.‏<br />

ومما یشیعھ وینشره مشایخ الإرجاء ‏-في ھذا الزمان-‏ أن التكفیر ینبغي أن<br />

یكون بالعموم لا بالتعیین،‏ مھما كان الكفر بواحاً‏ وقد انتفت عن المعین موانعھ،‏<br />

فانظر مثلاً‏ ماذا یقولون في كتابھم الأثري الس َّلَفي ‏-كما زعموا-‏ ‏(إحكام<br />

التقریر)‏ والذي جاء تشویھاً‏ لعقیدة الس َّلَف:‏ ‏(فمن قامت عنده حجة على مسلم أنھ<br />

مستحل لما حرم اللھ من قطعيٍّ‏ من قطعیات الشریعة،‏ فالأقوى والأتقى أن لا<br />

یُجزم إلا َّ بتكفیر القول الصادر عنھ أو الفعل وما شابھ،‏ ولا یُجزم بكفر<br />

الشخص عینھ،‏ فضلاً‏ أن یدعو الن َّاس إِلى تكفیره،‏ وغیر ذلك من الھوَ‏ ج<br />

المتلبّ‏ ‏ِس باسم الشریعة...)‏ إِلى أن قالوا:‏ ‏(فإذا انتفت ھذه الاحتمالات كلھا عندك


الأقوالُ‏ الباطِلَةُ‏ المبتَدَعَةُ‏ المُحَر َّ مَةُ‏ المتضمّ‏ ‏ِنَةُ‏ نَفيَ‏ ما أثبتَھُ‏ الر َّ سُول،‏ أو<br />

إثباتَ‏ ما نفاهُ،‏ أو الأمرَ‏ بمانھى عنھ،‏ أو الن َّھيَ‏ عَم َّا أمَرَ‏ بھ،‏ یُقالُ‏ فیھا الحَق ُّ،‏<br />

ویُثبَتُ‏ لھا الوعیدُ‏ الذي دَل َّت علیھ النصوصُ‏ ، ویُبی َّنُ‏ أنھا كُفْرٌ‏ ، ویُقالُ:‏ مَ‏ ‏ْن<br />

قالھا،‏ فھو كافِرٌ.‏ وأم َّا الشخصُ‏ المُعَی َّنُ،‏ إذا قِیلَ:‏ ھل تشھدونَ‏ أن َّھ مِن أَھْ‏ ‏ِل<br />

الوعیدِ(‏‎1‎‏)‏ ، وأن َّھُ‏ كافر؟ فھذا لا نشھَدُ‏ علیھ إلا َّ بأمرٍ‏ تَجوزُ‏ معھُ‏ الش َّھادَةُ(‏‎1‎‏)‏ ،<br />

‏-وھي جمیع موانع التكفیر المعتبرة وغیر المعتبرة-‏ فلا یلزم أن تنتفي عند<br />

غیرك من المسلمین،‏ فیكفیك أن تحكم على القول أو الفعل أنھ كفرٌ‏ احتیاطاً‏<br />

وورعاً..)!!.‏<br />

فتأمل،‏ فَھُم باسم ورعھم البارد ھذا واحتیاطھم المرجوح الخاطئ،‏ یمسكون<br />

عن تكفیر من یكفر على أصول جھم بن صفوان،‏ ویریدون أن یظل َّ الكفر معلقاً‏<br />

عاماً‏ لا واقع لھ ولا أعیان متلبسین بھ،‏ وكأنھم یقولون:‏ یوجد كفر ولكن لا<br />

یوجد كفار،‏ وأن جھنم یوم القیامة ستمتلئ بالكفر لا بالكفار!!.‏<br />

تنبیھ:‏ قد كثر الكلام ‏-إفراطاً‏ وتفریطاً-‏ على موانع التكفیر،‏ فریق یوسع دائرة<br />

موانع التكفیر فیدخل فیھا ما لیس منھا،‏ وفریق یضیق دائرة الموانع فیخرج منھا<br />

ما ھو منھا،‏ ومن غیر ضابط یضبط المانع المعتبر من غیر المعتبر،‏ لذا فإننا<br />

نقول:‏ تُعرَ‏ فُ‏ جمیع موانع التكفیر المعتبرة شرعاً‏ ‏-على اختلاف صورھا<br />

وأشكالھا-‏ بضابط واحد؛ وھو تحقیق العجز عند المخالف عن دفع الكفر الذي<br />

وقع فیھ،‏ وأي مانعٍ‏ لا یحقق العجز عند المخالف عن دفع الكفر الذي وقع فیھ لا<br />

یعتبر مانعاً‏ معتبراً‏ في الشرع؛ لأنھ قادر على دفع الكفر ولكنھ ما فعل،‏ والقادر<br />

محاسب ومسؤول على حسب قدرتھ واستطاعتھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[لا یكلف اللھُ‏<br />

نفساً‏ إلا َّ وسعھا].‏<br />

( 1 )<br />

یوجد فرق بین أنْ‏ یُشھد على معین بالوعید وأنھ من أَھْل النار وبین أنْ‏ یُشھد<br />

علیھ بأنھ كافر،‏ فكل من یُشھد لھ بالنار والوعید یُشھد لھ بالكفر،‏ ولیس كل من<br />

یُشھد لھ بالكفر یجوز أن یُشھد لھ بأنھ من أَھْل النار والوعید.‏ وذلك أن العبرة<br />

بالخواتیم وبما یختم بھ على المرء،‏ فمن كان كافراً‏ یُشھد لھ بالكفر ولا یُشھد لھ<br />

بالنار إلا َّ إذا ختم لھ بالكفر،‏ لقولھ للأعرابي:‏ ‏"حیثما مررت بقبر كافر فبشره<br />

بالنار"،‏ فقال الأعرابي:‏ لقد كلفني رسُول اللھ تعباً،‏ ما مررت بقبر كافرٍ‏ إلا َّ<br />

بشرتھ بالنار.‏ ‏(السلسلة الصحیحة:‏<br />

فالحكم على المعین بالكفر لا یستلزم الحكم علیھ بأنھ من أَھْل النار والوعید،‏ إلا َّ<br />

على اعتبار موافاتھ على الكفر فحینھا یشھد لھ بالكفر والنار،‏ والحكم على<br />

ε<br />

.(18<br />

201<br />

ε


فإن َّھ من أعظمِ‏ البغي أن یُشھَدَ‏ على معینٍ‏ أن َّ اللھَ‏ لا یَغفِرُ‏ لھ ولا یرحمھ،‏ بل<br />

یُخلّ‏ ‏ِدُهُ‏ في النار،‏ فإن َّ ھذا حُكمُ‏ الكافرِ‏ بَعْدَ‏ الموت.‏<br />

عن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ سمعتُ‏ رسُولَ‏ اللھِ‏ یقول:‏ ‏"كانَ‏ رَ‏ جُلانِ‏ في بني<br />

إسرائیل مُتَواخییْنِ‏ ، فكان أحدھما یُذنِبُ‏ ، والآخَرُ‏ مجتھدٌ‏ في العبادَةِ،‏ فكان لا<br />

یزالُ‏ المجتَھِدُ‏ یَرى الآخرَ‏ على الذ َّنب،‏ فیقولُ:‏ أَقْصِ‏ ‏رْ‏ ، فوجدَهُ‏ یوماً‏ على<br />

ذَنبٍ،‏ فقال لھ:‏ أقصِ‏ رْ‏ . فقال:‏ خَلّ‏ ‏ِني ورَ‏ بّ‏ ‏ِي،‏ أبُعِثْتَ‏ علي َّ رَ‏ قیباً؟ فقال:‏ والل َّھِ‏ لا<br />

یَغفرُ‏ اللھُ‏ لكَ‏ ، أو لا یُدخِ‏ لكَ‏ الجَن َّةَ(‏‎2‎‏)‏ ، فقبض أرواحَھُما،‏ فاجتَمَعا عِندَ‏ ربِّ‏<br />

العالَمین،‏ فَقال لھذا المجتَھدِ:‏ أَكُنتَ‏ بي عالِماً؟ أو كُنتَ‏ على ما في یَدَ‏ َّي<br />

قادِراً؟ وقال للمذنبِ:‏ اذھَبْ‏ فادخُلِ‏ الجَن َّةَ‏ برحمتي،‏ وقال للآخر:‏ اذھبُوا بھ<br />

إِلى النار".‏<br />

ε<br />

المعین بأنھ من أَھْل النار من دون تعلیقھ بخاتمة الكفر،‏ یكون من ضروب التألي<br />

على اللھ بغیر علم،‏ إذ لا یعلم الخواتیم قبل حدوثھا إلا َّ اللھ سبحانھ وتعالى.‏<br />

( 1 )<br />

قد تبین لك من قبل أن المعین الذي یجوز لك أن تشھد لھ بالكفر،‏ ھو كل من<br />

یقع في الكفر من غیر مانعٍ‏ شرعي معتبر یتحقق فیھ الضابط الآنف الذكر.‏<br />

وكذلك یجوز لك أن تشھد على كل معینٍ‏ یختم لھ بالكفر بأنھ من أھل النار<br />

والوعید للحدیث الآنف الذكر وغیره.‏<br />

فإنْ‏ قیلَ:‏ كیف یُعرف عن شخص معین أنھ قد ختم لھ بالكفر؟.‏ أقول:‏ من<br />

خلال القرائن الكفریة الدالة على كفره،‏ فإنْ‏ مات علیھا من غیر توبة معروفةٍ‏<br />

عنھ یُشھد لھ بالكفر والنار.‏<br />

فإنْ‏ قیلَ:‏ كیف بھ إذا كانت توبتھ بینھ وبین خالقھ،‏ ولم یعلم الخلق منھ ذلك؟<br />

أقول:‏ یكون الحكم علیھ بناء على ما یُعلم منھ،‏ حیث یحكم علیھ بالكفر والخلود<br />

في النار،‏ وھذا لا یمنع من عفو اللھ عنھ وتوبتھ علیھ لأن الحكم أولاً‏ وآخراً‏ <br />

تعالى الواحد القھار،‏ وخطأنا نحن في الحكم علیھ بالكفر والنار مغفور ‏-إن شاء<br />

اللھ-‏ لأنھ ناتج عن علم واجتھاد،‏ والمجتھد إذا أخطأ فلھ أجر،‏ ولا یعتبر ذلك من<br />

باب التألي على اللھ أو القول علیھ بغیر علم.‏<br />

( 2 )<br />

التألي على اللھ تعالى بغیر علم،‏ ھو الحكم على قضیة بحكم واحد،‏ وھي<br />

تحتمل عند اللھ تعالى العفو أو العقاب.‏ أما من یحكم على قضیة بحكم واحد<br />

وھي لا تحتمل عند اللھ تعالى إلا َّ ھذا الحكم،‏ فھذا لا یجوز أن یعتبر من باب<br />

التألي على اللھ بغیر علم،‏ بل ھو من القول بقول اللھ ورسُولھ ε.<br />

202


قال أبو ھریرة:‏ والذي نفسي بیدِهِ،‏ لتكلمَ‏ بكلمة أو بقتْ‏ دُنیاهُ‏ وآخِ‏ رَ‏ تَھ (1) .<br />

ثم َّ إذا كان القولُ‏ في نفسھ كفراً،‏ قیلَ:‏ إنھ كُفرٌ‏ ، والقائِلُ‏ لھ یكفر بشروط<br />

وانتفاء موانع (2) ، ولا یكونُ‏ ذلك إلا َّ إذا صار منافقاً‏ زندیقاً،‏ فلا یُتصو َّ رُ‏ أن<br />

یَكفُرَ‏ أحدٌ‏ من أَھْل القبلةِ‏ المظھرین الإسلامَ‏ إلا َّ من یكونُ‏ منافقاً‏ زندیقاً.‏ فإ َّن<br />

اللھ صن َّفَ‏ الخلقَ‏ في كتابھ ثلاثةَ‏ أصنافٍ‏ : صِ‏ نفٌ‏ كفار من المشركین ومن<br />

أَھْل الكتاب؛ وھم الذین لا یُقر ُّ ون بالشھادتین،‏ وصنفٌ‏ مؤمنون باطناً‏<br />

وظاھراً،‏ وصنفٌ‏ أقر ُّ وا بھ ظاھراً‏ لا باطناً.‏ وھذه الأقسامُ‏ الثلاثةُ‏ مذكورةٌ‏ في<br />

أول سورة البقرة،‏ وكل ُّ مَنْ‏ ثبتَ‏ أنھ كافرٌ‏ وفي نفس الأمر كان مُقراً‏<br />

بالشھادتین،‏ فإن َّھ لا یكونُ‏ إلا َّ زندیقاً،‏ والزندیقُ‏ ھو المنافق (3) .<br />

:ε<br />

203<br />

τ<br />

(1 ( رواه أبو داود،‏ وھو حدیث حسن.‏ والحدیث فیھ دلالة على ضرورة حفظ<br />

اللسان عما لا یعنیھ،‏ وأن ھلكة ابن آدم غالباً‏ ما تكون بسبب طول لسانھ<br />

وخوضھ فیما لا یعنیھ،‏ فلرب َّ كلمة یقولھا وھو لا یُلقي لھا بالاً،‏ ولا یظن أن<br />

تبلغ بھ ما بلغت،‏ یھوي بھا في جھنم سبعین خریفاً،‏ كما في الحدیث:‏ ‏"إن<br />

الرجل لیتكلم بالكلمة لا یرى بھا بأساً‏ یھوي بھا سبعین خریفاً‏ في النار"،‏ وقال<br />

ε: ‏"إن الرجل لیتكلم بالكلمة لا یرى بھا بأساً‏ یھوي بھا سبعین خریفاً‏ في<br />

النار"،‏ وقال ε: ‏"إن العبد لیتكلم بالكلمة ما یتبین فیھا،‏ یزل بھا إِلى النار أبعد<br />

مِم َّا بین المشرق والمغرب".‏ وقال ε: ‏"إن الرجل لیتكلم بالكلمة من سخط اللھ<br />

ما كان یظن أن تبلغ ما بلغت،‏ یكتب اللھ بھا سخطھ إِلى یوم القیامة"،‏ وقال<br />

‏"من قال في مؤمن ما لیس فیھ،‏ حُبس في ردغة الخبال،‏ حتى یأتي<br />

بالمخرج مِم َّا قال".‏ فما بالك فیمن یقول في اللھ،‏ وعلى اللھ ما لیس فیھ وبغیر<br />

علم؟!.‏<br />

وعن عبد اللھ بن مسعود قال:‏ ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.‏<br />

وقال أبو الدرداء τ: أنصف أذنیك من فیك،‏ فإنما جُعلت لك أذنان وفم واحد<br />

لتسمع أكثر مِم َّا تتكلم بھ.‏<br />

( 2 )<br />

الشروط:‏ تكمن في بلوغ الحجة الشرعیة بطریقة یندفع بھا الجھل عند<br />

المخالف.‏ أم َّا انتفاء الموانع،‏ فھي تكمن في تحقیق القدرة وانتفاء العجز عند<br />

المخالف عن إدراك مراد الشارع فیما قد خالف فیھ.‏ وبالتالي فإن َّ أي امرئٍ‏ تبلغھ<br />

الحجة الشرعیة،‏ وینتفي عنھ العجز عن إدراك مراد الشارع فیما قد خالف فیھ،‏<br />

فقد تحققت فیھ شروط التكفیر وانتفت عنھ موانعھ التي تمنع من تكفیره بعینھ.‏<br />

( 3 )<br />

یوجد فرقٌ‏ بین الزندیق والمنافق من حیث أن المنافق یبطن كفره ولا یظھره<br />

أو یعرف عنھ ذلك،‏ بینما الزندیق یظھر كفره الذي یعتقده،‏ وإذا ما أُقیمت علیھ


عن عُمرَ‏ ، أن َّ رجلاً‏ كان على عھد النبيّ‏ ε، ِ كان اسمُھُ‏ عبدَ‏ اللھ،‏ وكان<br />

یُلق َّبُ‏ حماراً،‏ وكان یُضحِ‏ كُ‏ رسُولَ‏ اللھِ‏ ε، وكان رسُولُ‏ اللھِ‏ قد جلدَه من<br />

الش َّرابِ،‏ فأُتِيَ‏ بھ یوماً،‏ فأمرَ‏ بھ فجُلِدَ،‏ فقال رجلٌ‏ من القومِ‏ : اللھم َّ العنھُ!‏ ما<br />

أكثر ما یُؤتَى بھِ!‏ فقال رسُولُ‏<br />

ε<br />

الحجة والبینة على كفره،‏ سرعان ما ینكر ویدعي الإسلام،‏ ویتظاھر<br />

بالشھادتین لذا فالراجح أن الزندیق یُقتل ولا یُستتاب،‏ لأن الاستتابة تكون من<br />

شيء،‏ وھذا لا یعترف بشيءٍ،‏ ولما قتل علي بن <strong>أبي</strong> طالب الزنادقة من دون أن<br />

یستتیبھم،‏ سُئل عن سبب ذلك،‏ فقال:‏ جحدوني،‏ أي لم یعترفوا لھ بكفرھم فعلام<br />

یستتیبھم.‏<br />

روى أبو أدریس قال:‏ أُتي علي بناس من الزنادقة ارتدوا عن<br />

الإسلام،‏ فسألھم<br />

فجحدوا،‏ فقامت علیھم البینة العدول،‏ قال:‏ فقتلھم ولم یستتبھم،‏ قال:‏ وأُتي برجلٍ‏<br />

نصرانیاً‏ وأسلم،‏ ثم َّ رجع عن الإسلام،‏ قال:‏ فسألھ فأقر َّ بما كان منھ،‏ فاستتابھ،‏<br />

فتركھ،‏ فقیل لھ كیف تستتیب ھذا ولم تستتب أولئك؟ قال:‏ إن َّ ھذا أقر َّ بما كان<br />

منھ،‏ وإن َّ أولئك لم یقر ُّ وا وجحدوا حتى قامت علیھم البینة،‏ فلذلك لم أستتبھم.‏<br />

وفي روایة قال:‏ أتدرون لِمَ‏ استتبت ھذا النصراني؟ استتبتھ لأنھ أظھر دینھ،‏<br />

وأم َّا الزنادقة الذین قامت علیھم البینة جحدوني،‏ فإن َّما قتلتھم لأن َّھم جحدوا<br />

وقامت علیھم البینة ا-ھ ‏(عن الصارم المسلول:‏ 3<br />

τ<br />

204


اللھ ε: ‏"لا تلعنھُ،‏ فإن َّھ یُحب ُّ اللھَ‏ ورسُولَھ"‏ (1) .<br />

‏-من عیوب أَھْل البدَعِ‏ تكفیرُ‏ بعضھم بعضاً‏ بالظنّ‏<br />

فمن عیوبِ‏ أَھْل البِدَعِ‏ تكفیرُ‏ بعضِ‏ ھم بعضاً،‏ ومن ممادِح أَھْل العلم أن َّھُم<br />

یُخطّ‏ ‏ِئون ولا یُكفّ‏ ‏ِرون<br />

‏-كفرٌ‏ عملي ٌّ أصغر،‏ أو كُفرٌ‏ دون كُفر (3) -<br />

ِ والشبھات-‏<br />

. (2)<br />

(1 ( رواه البخاري.‏ والشاھد من الحدیث أن اللعن العام لا یستلزم دائماً‏ لعن<br />

المعین،‏ وكذلك التكفیر لاحتمال وجود موانع تمنع من لحوق الوعید العام<br />

بالمعین،‏ وبیان ذلك أن النبي قد صح عنھ أنھ قال:‏ ‏"أتاني جبریل فقال یا<br />

محمد إن اللھ Υ لعن الخمر،‏ وعاصرھا،‏ ومعتصرھا،‏ وشاربھا،‏ وحاملھا،‏<br />

والمحمولة إلیھ،‏ وبائعھا،‏ ومبتاعھا،‏ وساقیھا،‏ ومُسقیھا"،‏ وقال ε: ‏"مدمن خمر<br />

كعابد وثن"،‏ ومع ذلك فالنبي نھى عن لعن ذلك الرجل الذي كان یكثر من<br />

شربھ للخمر لوجود حسنة عنده ‏-وھي حبھ ولرسولھ-‏ منعت من لحوق<br />

الحكم العام بھ.‏<br />

وفي الحدیث دلالة أیضاً‏ وھي أن الحسنات یذھبن السیئات،‏ ولكن ینبغي التنبیھ<br />

إِلى أمرٍ‏ وھو أن الحسنات یتشفعن لصاحبھا في الذنوب التي ھي دون الكفر،‏<br />

وفي الكفر المحتمل الغیر جليّ،‏ أم َّا إذا كان الكفر جلیاً‏ بواحاً‏ فإن َّ الحسنات لا<br />

تتشفع،‏ ولا یمكن لھا أن تقاوم الكفر البواح الذي یحبط جمیع الأعمال والحسنات.‏<br />

مراده أن أَھْل العلم لا یُكفّ‏ ‏ِرون إلا َّ بعد التثبت والتبین،‏ وفي الأوجھ التي لا<br />

تحتمل غیر الكفر،‏ أم َّا عند ورود الشبھات والإحتمالات وحصول الظن لا<br />

الیقین فھم یخطئون ولا یُكفّ‏ ‏ِرون،‏ بخلاف أَھْل البدع والأھواء فإن َّھم لأدنى<br />

شبھة،‏ وبالظن الذي لا یغني من الحق شیئاً‏ یطلقون حكم التكفیر على المعین!!‏<br />

قال ابن حجر في الفتح (314/12): قال الغزالي:‏ ینبغي الاحتراز عن التكفیر<br />

ما وجد إلیھ سبیلاً،‏ فإن َّ استباحة دماء المصلین المقرین بالتوحید خطأ،‏ والخطأ<br />

في ترك ألف كافرٍ‏ في الحیاة أھون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد ا-ھ.‏<br />

وقد وھَمَ‏ الشیخ الألباني في كتابھ ‏(حكم تارك الصلاة،‏ ص 61) عندما نقل قول<br />

الغزالي الآنف الذكر حاذفاً‏ كلمة ‏(المصلین)‏ وواضعاً‏ مكانھا كلمة ‏(المسلمین)‏<br />

انتصاراً‏ لمذھبھ في تارك الصلاة!!.‏<br />

( 3 )<br />

الكفر دون كفر ھو كل قول أو عمل أطلق الشارع علیھ حكم الكفر،‏ ثم َّ في<br />

نصوص شرعیة أخرى یصرف الكفر عن أصحابھا ویثبت لھم صفة الإیمان.‏<br />

وھذا النوع من الكفر ‏-رغم أنھ یعد من الكبائر-‏ إلا َّ أنھ لا یُخرِ‏ ج صاحبھ من<br />

205<br />

ε<br />

ε<br />

( 2 )


بقي إشكالٌ،‏ وھو:‏ أن َّ الشارعَ‏ قد سم َّى بعضَ‏ الذنوبِ‏ كُفراً،‏ قال اللھ<br />

تعالى:‏ ‏[ومن لم یحكُم بما أنزلَ‏ اللھ فأولئك ھم الكافرون (1) [ المائدة:‏<br />

206


وقال ε: ‏"سباب المسلم فسوق،‏ وقتالھ كفر"‏ (1) . وقال:‏ ‏"لا ترجعوا<br />

بعدي كفاراً‏ یضربُ‏ بعضُكم رقابَ‏ بعضٍ‏ " (1) .<br />

فیما أقترفوه،‏ وأنھم یستحقون العقوبة علیھ..‏ فھؤلاء الحكام بصفاتھم ھذه ھم<br />

الذین یحمل علیھم قولَ‏ أَھْل العلم:‏ كفر دون كفر لاینقل عن الملة.‏<br />

أم َّا الحكام الذین یرفضون حكم اللھ ویعرضون عنھ،‏ أو یحاربون دعاة الحكم<br />

إِلى اللھ،‏ أو یُشرعون التشریع الذي یضاھي شرع اللھ،‏ أو یُلزمون الأمة<br />

بشرائع وقوانین من غیر شرع اللھ،‏ أو یقاتلون دونھا من یعادیھا أو یحاربھا،‏<br />

أو یقعون في التبدیل لشرع اللھ بشرائع الطاغوت،‏ وكل شریعة غیر شریعة<br />

اللھ فھي طاغوت،‏ فھؤلاء یحمل علیھم ‏-وجوباً-‏ الكفر الأكبر،‏ والظلم الأكبر،‏<br />

والفسق الأكبر،‏ وإن لم یصرحوا بلسانھم أنھم یجحدون حكم اللھ في قلوبھم،‏<br />

لأن لسان الحال أقوى وأصرح من لسان المقال،‏ وھو شاھد علیھم بالكفر،‏ كما<br />

قال تعالى:‏ ‏[ما كان للمشركین أن یعمروا مساجد اللھ شاھدین على أنفسھم<br />

بالكفر]‏ التوبة:‏<br />

207


و"إذا قال الرجل لأخیھ یا كافر فقد باءَ‏ بھا أحدُھما"‏ (2) . وقال:‏ ‏"أربعٌ‏ من<br />

كُن َّ فیھ كان منافِقاً‏ خلِصاً،‏ ومن كانت فیھ خِ‏ صلَةٌ‏ منھن َّ كان فیھ خَصلةٌ‏<br />

من النفاقِ‏ حتى یدَعَھا:‏ إذا حد َّث كذَبَ‏ ، وإذا وعَدَ‏ أَخلَفَ‏ ، وإذا عاھدَ‏ غدَرَ‏ ،<br />

قال ابن حزم في الملل (3/<br />

208


وإذا خاصمَ‏ فجَرَ‏ " (1) . وقال:‏ ‏"لا یزني الز َّ اني حین یزني وھو مؤمن،‏ ولا<br />

یَسرقُ‏ الس َّارِ‏ قُ‏ حین یَسْرقُ‏ وھو مؤمن،‏ ولا یَشرَ‏ بُ‏ الخمرَ‏ حین یشرَ‏ بُھا وھو<br />

مؤمن،‏ والتوبةُ‏ معروضَةٌ‏ بَعْدُ"‏ (2) . وقال:‏ ‏"بین المسلم وبین الكفر تركُ‏<br />

الصلاةِ"‏ (3) .<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

(3 ( رواه مسلم.‏ قلت:‏ مسألة حكم تارك الصلاة قد بحثتھا في أكثر من موضع في<br />

كتبي،‏ فأعید ھنا ما كتبتھ في كتابي ‏(الانتصار لأھل التوحید)‏ فأقول:‏ الراجح<br />

في تارك الصلاة كلیاً‏ أنھ كافر بیقین خارج من دین الإسلام،‏ وذلك كلھ مع<br />

الإقرار بوجوبھا،‏ ھذا ما نصت علیھ أدلة الكتاب والس ُّن َّة،‏ وأقوال الس َّلَف من<br />

الصحابة والتابعین وغیرھم من الأئمة المھتدین،‏ وإلیك بیان ذلك:‏<br />

أم َّا أدلة الكتاب،‏ فقد قال تعالى:‏ ‏[فإنْ‏ تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة<br />

فإخوانكم في الدین ونفصل الآیات لقوم یعلمون]‏ التوبة:‏<br />

مفھوم الآیة أنھم إذا لم یتوبوا من الشرك،‏ ویقیموا الصلاة،‏ ویؤتوا الزكاة،‏<br />

لیسوا إخواننا في الدین،‏ ولا تنتفي أخوة الدین إلا َّ عن الكافرین.‏ ولكن لما<br />

جاءت نصوص أخرى تصرف الكفر عن تارك الزكاة،‏ كقولھ في الحدیث<br />

الذي یرویھ مسلم وغیره:‏ ‏"ما من صاحب كنز لا یؤدي حقھ،‏ إلا َّ جعلھ اللھ یوم<br />

القیامة یُحمى علیھا في نار جھنم فتكوى بھا جبھتھ وجنبھ وظھره،‏ حتى یقضي<br />

اللھ تعالى بین عباده في یوم كان مقداره خمسین ألف سنة مِم َّا تعدون،‏ ثم َّ یرى<br />

سبیلھ إما إِلى الجنة وإما إِلى النار"،‏ فكونھ یترك للمشیئة إما إِلى الجنة وإما إِلى<br />

النار،‏ فھذا من شأن من یموت على التوحید ولیس على الكفر،‏ لأن الكافر لیس<br />

لھ یوم القیامة إلا َّ النار.والشاھد أنھ لما وجدت القرینة الشرعیة التي تصرف<br />

الكفر عن تارك الزكاة دون تارك الصلاة،‏ تعین القول بكفر تارك الصلاة دون<br />

تارك الزكاة.‏<br />

ومن الأدلة كذلك قولھ تعالى:‏ ‏[یوم یكشف عن ساق ویدعون إِلى السجود فلا<br />

یستطیعون.‏ خاشعة أبصارھم ترھقھم ذلة وقد كانوا یدعون إِلى السجود وھم<br />

سالمون]‏ القلم:‏<br />

وھذا وعید بحق الكافرین والمنافقین الذین كانوا یُدْعَون في الحیاة الدنیا إِلى<br />

السجود تعالى والصلاة فیأبون،‏ فكل من كان في الحیاة الدنیا تاركاً‏ للصلاة<br />

فھو معني بالوعید الوارد في الآیة،‏ والنص یطالھ ویشملھ.‏<br />

ε<br />

.11<br />

209<br />

.43-42


قال ابن كثیر في التفسیر (435/4): ولما دعوا إِلى السجود في الدنیا فامتنعوا<br />

منھ مع صحتھم وسلامتھم كذلك عوقبوا بعدم قدرتھم علیھ في الآخرة إذا تجلى<br />

فیسجد لھ المؤمنون،‏ ولا یستطیع أحد من الكافرین والمنافقین أن<br />

یسجد بل یعود ظھر أحدھم طبقاً‏ واحداً،‏ كلما أراد أحدھم أن یسجد خر َّ لقفاه<br />

عكس السجود كما كانوا في الدنیا بخلاف ما علیھ المؤمنون ا-ھ.‏<br />

وقال البغوي في التفسیر:‏ قولھ Υ: ‏[یدعون إِلى السجود فلا یستطیعون]،‏<br />

یعني الكفار والمنافقون،‏ تصیر أصلابھم كصیاصي البقر فلا یستطیعون<br />

السجود ا-ھ.‏<br />

وفي الحدیث الذي یرویھ مسلم وغیره،‏ وفیھ أن اللھ تعالى یلقي في نار جھنم<br />

جمیع الكفار من عبدة الأصنام وكفار أھل الكتاب وغیرھم،‏ حتى إذا لم یبق إلا َّ<br />

من كان یعبد اللھ من بَر وفاجر أتاھم رب العالمین في أدنى صورة من التي<br />

رأوه فیھا،‏ قال:‏ فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد،‏ قالوا:‏ یاربنا فارقنا<br />

الن َّاس في الدنیا أفقر ما كنا إلیھم ولم نصاحبھم،‏ فیقول:‏ أنا ربكم،‏ فیقولون:‏ نعوذ<br />

باللھ منك لا نشرك باللھ شیئاً‏ مرتین أو ثلاثاً،‏ حتى إن بعضھم لیكاد أن ینقلب،‏<br />

فیقول:‏ ھل بینكم وبینھ آیة تعرفونھ بھا،‏ فیقولون:‏ نعم فیكشف عن ساق فلا<br />

یبقى من كان یسجد من تلقاء نفسھ إلا َّ أذن اللھ لھ بالسجود،‏ ولا یبقى من<br />

كان یسجد نفاقاً‏ وریاءً‏ إلا َّ جعل اللھ ظھره طبقةً‏ واحدة،‏ كلما أراد أن یسجد خ‏ َّر<br />

على قفاه.‏<br />

والسؤال:‏ إذا كان ھذا حال من كان یجد من تلقاء نفسھ ومن یسجد نفاقاً،‏<br />

فما ھو حال الذي لم یسجد قط،‏ وأین مكانھ؟<br />

فالحدیث یدل على أنھ ألقي في نار جھنم مع الكافرین،‏ حیث لم یبق من العباد<br />

لمعاینة ذاك المشھد العظیم إلا َّ من كان یسجد طوعاً‏ من تلقاء نفسھ،‏ أو من<br />

یسجد نفاقاً،‏ ولم یشاركھما صنف آخر من العباد،‏ كما أن تارك الصلاة<br />

والسجود لم یعد ممن یعبد اللھ من بَر أو فاجر،‏ فتأمل.‏<br />

وفي الس ُّن َّة فقد صح عن النبيِّ‏ ε أنھ قال في تارك الصلاة:‏ ‏"بین الرجل وبین<br />

الكفر ترك الصلاة".‏<br />

وقال:"العھد الذي بیننا وبینھم الصلاة،‏ فمن تركھا فقد كفر"،‏ وقال:‏ ‏"بین<br />

الكفر والإیمان ترك الصلاة".‏ وقال:‏ ‏"بین العبد وبین الكفر والإیمان الصلاة،‏<br />

فإذا تركھا فقد أشرك"،‏ وقال:‏ ‏"آخر ما یُفْقَدُ‏ مِنَ‏ الدین الصلاة".‏ فإذا فقد الصلاة<br />

لم یعد عنده شيء من الدین یبقیھ في الإسلام ویبرر الحكم علیھ بالإسلام.‏<br />

ونحوه قولھ ε: ‏"آخر عرى الإسلام نقضاً‏ الصلاة"،‏ وقال:‏ ‏"بین العبد والكفر أو<br />

210<br />

الرب Υ


الشرك ترك الصلاة،‏ فإذا ترك الصلاة فقد كفر"،‏ وغیرھا كثیر من الأحادیث<br />

التي تدل على كفر تارك الصلاة.‏<br />

وفي الأثر عن ابن مسعود قال:‏ ‏"من ترك الصلاة فلا دین لھ".‏<br />

وعن <strong>أبي</strong> الدرداء رضي اللھ عنھ قال:‏ ‏"لا إیمان لمن لا صلاة لھ،‏ ولا<br />

صلاة لمن لا وضوء لھ".‏<br />

وعن حماد بن زید عن أیوب قال:‏ ‏"ترك الصلاة كفر،‏ لا یختلف فیھ".‏<br />

وعن محمد بن نصر المروزي:‏ سمعت إسحق یقول:‏ صح عن النبي أن<br />

تارك الصلاة كافر،‏ وكذلك كان رأي أھل العلم من لدن النبي أن تارك<br />

الصلاة عمداً‏ من غیر عذر حتى یذھب وقتھا كافر.‏<br />

وعن عبد اللھ بن شقیق العقیلي رضي اللھ عنھ قال:‏ ‏"كان أصحاب محمد<br />

لا یرون شیئاً‏ من الأعمال تركھا كفر غیر الصلاة".‏<br />

قلت:‏ والكفر الذي یرونھ ھو الكفر الأكبر المخرج من الملة،‏ بدلیل أنھم یرون<br />

كثیراً‏ من الأعمال تركھا كفر أصغر لا یُخرِ‏ ج من الملة.‏<br />

قال ابن حزم:‏ وقد جاء عن عمر،‏ وعبد الرحمن بن عوف،‏ ومعاذ بن جبل،‏<br />

و<strong>أبي</strong> ھریرة،‏ وغیرھم من الصحابة ψ أن من ترك صلاة فرضٍ‏ واحدة متعمّ‏ ‏ِداً‏<br />

حتى یخرج وقتھا فھو كافر مرتد،‏ ولا نعلم لھؤلاء من الصحابة مخالفاً‏ ا-ھ.‏<br />

وقال الحافظ المنذري:‏ قد ذھب جماعة من الصحابة ومن بعدھم إِلى تكفیر<br />

من ترك الصلاة متعمّ‏ ‏ِداً‏ لتركھا،‏ حتى یخرج جمیع وقتھا منھم عمر بن<br />

الخطاب،‏ وعبد اللھ بن مسعود،‏ وعبد اللھ بن عباس،‏ ومعاذ بن جبل،‏ وجابر<br />

بن عبد اللھ،‏ وأبو الدرداء ψ. ومن غیر الصحابة أحمد بن حنبل،‏ وإسحاق بن<br />

راھویھ،‏ وعبد اللھ بن المبارك،‏ والنخعي،‏ والحكم بن عتبة،‏ وأیوب<br />

السختیاني،‏ وأبو داود الطیالسي،‏ وأبو بكر بن <strong>أبي</strong> شیبة،‏ وزھیر بن حرب،‏<br />

وغیرھم رحمھم اللھ تعالى ا-ھ.‏ جمیع ما تقد َّم من أحادیث وآثار تخص ُّ تارك<br />

الصلاة ھي صحیحة،‏ انظر صحیح الترغیب والترھیب:‏<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

211


وقال:‏ ‏"مَن أَتى كاھِناً‏ فَصَد َّقَھُ،‏ أَوْ‏ أتى امرَ‏ أَةً‏ في دُبُرِ‏ ھَا،‏ فَقَدْ‏ كفَرَ‏ بِمَا<br />

أُنْزِ‏ لَ‏ على مُحَم َّدٍ"‏ (1) .<br />

وقال:‏ ‏"مَنْ‏ حَلَفَ‏ بغیرِ‏ اللھِ‏ فقد كَفَرَ‏ " (2) . وقال:‏ ‏"ثِنَتانِ‏ في أُم َّتي ھُما كُفرٌ‏ :<br />

الط َّعْنُ‏ في الن َّسَبِ،‏ والنّ‏ ‏ِیاحَةُ‏ على المَیّ‏ ‏ِتِ"رواه مسلم.‏ ونظائِرُ‏ ذلك كثیرَ‏ ةٌ.‏<br />

الس َّلَف من بعدھم كما یقول ابن تیمیة،‏ فأي الفریقین أحق بالحق والأمن<br />

والسلامة،‏ من كان واقفاً‏ في قولھ مع الصحابة وأكثر الس َّلَف،‏ أم من كان واقفاً‏<br />

في صف الخلف ومن ھم دون الصحابة مكانةً‏ وعلماً؟!!‏<br />

(1 ( صحیح،‏ رواه أبو داود وغیره.‏<br />

(2 ( رواه الحاكم،‏ وھو صحیح.‏ قلت:‏ إذا كان الحلف بغیر اللھ تعالى على وجھ<br />

التعظیم والتقدیس والعبادة للمحلوف بھ فھو شرك أكبر،‏ وإذا كان على وجھ<br />

اللغو والعادة فھو شرك أصغر.‏ وكلا النوعین من الشرك دلت علیھما<br />

النصوص الشرعیة ونص علیھما أھل العلم.‏<br />

قال الشیخ سلیمان بن عبد اللھ آل الشیخ في كتابھ ‏(<strong>شرح</strong> كتاب التوحید،‏<br />

): فالجمھور:‏ لا یُكَفّ‏ ‏ِر كفراً‏ ینقل عن الملة،‏ لكنھ من الشرك الأصغر كما<br />

نص على ذلك ابن عباس وغیره.‏ لكن الذي یفعلھ عباد القبور إذا طلبت من<br />

أحدھم الیمین باللھ،‏ أعطاك ماشئت من الأیمان صادقاً‏ أو كاذباً،‏ فإذا طلبت منھ<br />

الیمین بالشیخ أو تربتھ أو حیاتھ،‏ ونحو ذلك،‏ لم یقدم على الیمین بھ إن كان<br />

كاذباً.‏ فھذا شرك أكبر بلا ریب؛ لأن المحلوف بھ عنده أخوف وأجل وأعظم<br />

من اللھ،‏ وھذا ما بلغ إلیھ شرك عباد الأصنام،‏ لأن جھد الیمین عندھم ھو<br />

الحلف باللھ كما قال تعالى:‏ ‏[وأقسموا باللھ جھد أیمانھم لا یبعث اللھ من<br />

یموت]‏ النحل:‏ 38. فمن كان جھد یمینھ الحلف بالشیخ أو بحیاتھ،‏ أو تربتھ فھو<br />

شركاً‏ أكبر منھم،‏ فھذا ھو تفصیل القول في ھذه المسألة ا-ھ.‏<br />

وقد أثر عن ابن مسعود قولھ:‏ لأنْ‏ أحلفَ‏ باللھ كاذباً‏ أحب إلي َّ من أن أحلف<br />

بغیره صادقاً.‏<br />

قال الشیخ سلیمان في كتابھ ‏(<strong>شرح</strong> كتاب التوحید):‏ فیھ دلیل على أن الحلف<br />

بغیر اللھ صادقاً‏ أعظم من الیمین الغموس،‏ وفیھ دلیل على أن الشرك<br />

الأصغر أكبر من الكبائر ا-ھ.‏ المجردة عن صفة الكفر أو الشرك.‏<br />

قلت:‏ ومع ذلك فالحلف بغیر اللھ تعالى ظاھرة متفشیة بین الن َّاس في ھذا<br />

الزمان،‏ فالذین یحلفون بغیر اللھ أكثر من الذین یحلفون باللھ وحده،‏ وھذا إن<br />

دل فھو یدل على اندراس التوحید وغربتھ بین الن َّاس.‏<br />

212<br />

593


]<br />

والجوابُ‏ : أَن َّ أَھْلَ‏ الس ُّن َّةِ‏ مُتفقون كُل ُّھم على أن َّ مُرتكبَ‏ الكبیرَ‏ ةِ‏ لا یكفرُ‏<br />

كُفْراً‏ ینقلُ‏ عَن المِل َّةِ‏ بالكُلی َّةِ،‏ كما قالت الخوارج،‏ إذْ‏ لو كَفَرَ‏ كُفراً‏ ینقلُ‏ ع‏ ‏ِن<br />

المل َّةِ،‏ لكانَ‏ مُرْ‏ تَد َّاً‏ یُقتَلُ‏ على ِ كُلّ‏ حال،‏ ولا یُقْبَلُ‏ عَفوُ‏ وليّ‏ ِ القِصاص،‏ ولا<br />

تجري الحدودُ‏ في ِ الزّ‏ نى والس َّرِ‏ قَةِ،‏ وشربِ‏ الخمرِ‏ ، وھذا القولُ‏ معلومٌ‏ بُطلانُھ<br />

وفسَادُهُ‏ بالضرورَ‏ ةِ‏ مِن دینِ‏ الإسلام.‏<br />

ومتفقونَ‏ على أَن َّھُ‏ لا یَخرِ‏ جُ‏ من الإیمانِ‏ والإسلام،‏ ولا یَدْخُلُ‏ في الكفرِ‏ ،<br />

ولا یستحق ُّ الخلودَ‏ في الن َّارِ‏ مع الكافِرین،‏ إذْ‏ قد جعَلَ‏ اللھُ‏ مرتكِبَ‏ الكبیرَ‏ ة<br />

مِنَ‏ المؤمنین،‏ قال تعالى:‏ ‏[یا أی ُّھا الذینَ‏ آمنوا كُتِبَ‏ علیكم القِصاصُ‏ في<br />

القتلى]‏ إِلى أن قال:‏ فَمَنْ‏ عُفِيَ‏ لَھُ‏ مِن أخیھِ‏ شيءٌ‏ فاتّ‏ ‏ِباعٌ‏ بالمعروفِ‏<br />

البقرة:‏<br />

[<br />

213


حسناتُھ قبلَ‏ أن یُقضَى ما علیھ أُخِ‏ ذَ‏ من خطایاھُمْ‏ فطُرِ‏ حَتْ‏ علیھ،‏ ثم َّ طُرِ‏ حَ‏ في<br />

.<br />

النار"‏ (1)<br />

ومن قال من أَھْل الس ُّن َّة:‏ إن الإیمانَ‏ قولٌ‏ وعمل یزیدُ‏ وینقص (2) ، قال ھو<br />

كفرٌ‏ عمل‏ ٌّي (3) لا اعتقاديٌ،‏ والكفرُ‏ عنده على مراتبٍ؛ كفرٌ‏ دونَ‏ كفرٍ‏ ،<br />

كالإیمان عنده.‏<br />

‏-صِ‏ فَةُ‏ الحاكم بغیرِ‏ ما أنزلَ‏ اللھُ‏ الذي یكفر كُفراً‏ أكبر،‏ والحاكم<br />

الذي یكفر كفراً‏ أصغَر-‏<br />

وھنا أمرٌ‏ یجبُ‏ أن یُتفَط َّنَ‏ لھ،‏ وھو:‏ أن َّ الحُكمَ‏ بغیر ما أنزل اللھُ‏ قد یكون<br />

كفراً‏ ینقل عن الملة،‏ وقد یكون معصیةً:‏ كبیرة أو صغیرة (4) ، ویكون كفراً‏<br />

أن الحكمَ‏ بما أنزلَ‏ اللھُ‏<br />

أصغر،‏ وذلك بحسب حالِ‏ الحاكم،‏ فإن َّھُ‏ إن اعتقد (5)<br />

غیرُ‏ واجبٍ،‏ وأن َّھ مخیرٌ‏ فیھ،‏ أو استھان بھ مع تیق ُّنھِ‏ أن َّھُ‏ حكمُ‏ اللھِ،‏ فھذا<br />

(1 ( رواه مسلم وغیره،‏ والشاھد من الحدیث أن أَھْل الكبائر لیسوا كفاراً،‏ ولو<br />

كانوا كفاراً‏ بذنوبھم ومعاصیھم لحبطت عنھم جمیع حسناتھم،‏ ولما أمكنھم أن<br />

یعطوا الآخرین من ذوي الحقوق علیھم شیئاً‏ من حسناتھم.‏<br />

(2 ( ھذا القول ھو الحق الذي دلت علیھ نصوص الكتاب والس ُّن َّة،‏ وأقوال الس َّلَف<br />

الصالح،‏ والمسألة سیأتي مزید كلام علیھا عند الحدیث عن الإیمان.‏<br />

(3 ( من أطلق من أَھْل العلم على بعض الذنوب والمعاصي صفة ‏(الكفر العملي)‏<br />

أرادوا بھ الكفر الأصغر،‏ أو الكفر دون كفر،‏ أو كفر النعمة.‏ ولم یریدوا منھ<br />

مطلق الكفر الظاھر على الجوارح كما فھم البعض،‏ ودرء اً‏ لھذا الفھم الخاطيء<br />

والاستغلال السيء أرى أن یقید ھذا الإطلاق بكلمة ‏(الأصغر)‏ بحیث یصبح<br />

‏(الكفر العملي الأصغر)‏ لیتمیز عن الكفر العملي الأكبر،‏ ولیشعر القارئ أن من<br />

الأعمال ما تعتبر كفراً‏ لذاتھا ولو جاءت مجردة عن الاعتقاد أو الاستحلال.‏<br />

( 4 )<br />

قولھ ‏"أو صغیرة"‏ فیھ نظر؛ لأن ذنباً‏ أطلق علیھ الشارع سبحانھ صفة الكفر<br />

أو الشرك لا یُعتبر صغیراً،‏ بل ھو ‏-وإن كان كفراً‏ دون كفر-‏ أكبر من الكبائر<br />

التي لم توصف بالكفر أو الشرك،‏ وقد تقدم كلام أَھْل العلم في تعلیقھم على أثر<br />

ابن مسعود:‏ ‏"لأن أحلف باللھ كاذباً‏ أحب إلي َّ من أن أحلف بغیره صادقاً".‏<br />

( 5 )<br />

الاعتقاد أمر باطني لا یعلمھ إلا َّ اللھ تعالى،‏ دلیلنا إلیھ لسان القال أو لسان<br />

الحال والعمل،‏ أو كلاھما معاً،‏ وأحیاناً‏ یكون لسان الحال والعمل أكثر دلالة<br />

وإعراباً‏ عما في الاعتقاد من غیره من القرائن،‏ فالظاھر برید الباطن ومرآة لھ،‏<br />

لذا لا یتصور ظاھر كافر مقترن بإیمانٍ‏ حقیقي في الباطن.‏<br />

214


كفرٌ‏ أكبر (1) ، وإن اعتقدَ‏ وجوبَ‏ الحُكمِ‏ بما أنزلَ‏ للھُ،‏ وعَلِمَھُ‏ في ھذه<br />

الواقعة،‏ وعدلَ‏ عنھ مع اعترافِھ بأنھ مستحق ٌّ للعقوبَةِ،‏ فھذا عاصٍ‏ ، ویُسم َّى<br />

(1 ( ومن الصفات التي توقع الحاكم في الكفر الأكبر أیضاً،‏ كرھھ للحكم بما أنزل<br />

اللھ،‏ أو معاداتھ ومعاداة من یطالبھ بالحكم بما أنزل اللھ،‏ أو إعراضھ كلیاً‏ عن<br />

الحكم بما أنزل اللھ واستبدالھ بشرع آخر من شرائع الطاغوت،‏ أو وصفھ<br />

لحكم اللھ بالعبارات التي تنم عن الطعن والتھكم،‏ والسخریة والاستھزاء،‏ أو<br />

تحسینھ ومدحھ للحكم بغیر ما أنزل اللھ .. فھذه حالات كل واحدة منھا تكفر<br />

المتصف بھا من الحكام كفراً‏ أكبر مخرجاً‏ عن الملة،‏ وإلیك بعض أقوال أَھْل<br />

العلم في ذلك:‏<br />

ابن كثیر:‏<br />

قال في تفسیر قولھ تعالى:‏ ‏[أفحكم الجاھلیة یبغون ومن أحسن من اللھ حكماً‏<br />

لقومٍ‏ یوقنون]‏ المائدة:‏ 50. ینكر تعالى على من خرج عن حكم اللھ المحكم<br />

المشتمل على كل خیر،‏ الناھي عن كل شر،‏ وعدل إِلى ما سواه من الآراء<br />

والأھواء والاصطلاحات التي وضعھا الرجال بلا مستند من شریعة اللھ كما<br />

كان أَھْل الجاھلیة یحكمون بھ من الضلالات والجھالات مِم َّا یضعونھا بآرائھم<br />

وأھوائھم،‏ وكما یحكم بھ التتار من السیاسات الملكیة المأخوذة عن ملكھم<br />

جنكزخان الذي وضع لھم ‏(الیاسق)،‏ وھو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام<br />

قد اقتبسھا من شرائع شتى من الیھودیة والنصرانیة،‏ والملة الإسلامیة وغیرھا،‏<br />

وفیھا كثیر من الأحكام أخذھا من مجرد نظره وھواه فصارت في بنیھ شرعاً‏<br />

متبعاً‏ یقدمونھا على الحكم بكتاب اللھ وسنة رسُول اللھ فمن فعل ذلك فھو<br />

كافر یجب قتالھ حتى یرجع إِلى حكم اللھ ورسولھ،‏ فلا یحكم سواه في قلیل<br />

ولا كثیر ا-ھ.‏<br />

فتأمل كیف اعتبر الحكم ‏(بالیاسق)‏ كفراً،‏ وأن الذي یحكم بھ كافر یجب قتالھ،‏<br />

ثم َّ تأمل ھل تجد فارقاً‏ بین یاسق جنكزخان وبین یاسق القوانین الوضعیة النافذة<br />

في أمصار المسلمین،‏ التي یسھر على تنفیذھا وتطبیقھا طواغیت الحكم؟!‏<br />

أحمد شاكر:‏<br />

قال معلقاً‏ على كلام ابن كثیر السابق في كتابھ ‏(عمدة التفسیر:‏ ‎4‎؟‎171‎ و<br />

174): أفیجوز مع ھذا في شرع اللھ أن یحكم المسلمون في بلادھم بتشریع<br />

مقتبس عن تشریعات أوروبا الوثنیة الملحدة،‏ بل تشریع تدخلھ الأھواء والآراء<br />

الباطلة یغیرونھ ویبدلونھ كما یشاؤون،‏ لا یبالي واضعھ وافق شرعة الإسلام أم<br />

خالفھا..‏<br />

،ε<br />

215<br />

-1<br />

-2


-3<br />

إن الأمر في ھذه القوانین الوضعیة واضح وضوح الشمس،‏ ھي كفر بواح<br />

لاخفاء فیھ ولا مداورة،‏ ولا عذر لأحد ممن ینتسب للإسلام ‏-كائناً‏ من كان-‏<br />

في العمل بھا أو الخضوع لھا أو إقرارھا..‏ ا-ھ.‏<br />

وقال في تعلیقھ على الطحاویة:‏ وھذا ‏-أي الكفر الأكبر-‏ مثل ما ابتلي بھ الذي<br />

درسوا القوانین الأوروبیة من رجال الأمم الإسلامیة،‏ ونسائھا أیضاً،‏ الذین<br />

أُشربوا في قلوبھم حُبھا،‏ والشغف بھا،‏ والذبِّ‏ عنھا،‏ وحكموا بھا،‏ وأذاعوھا،‏<br />

بما رُ‏ بوا من تربیة أساسھا صنع المبشرین الھدامین،‏ أعداء الإسلام،‏ ومنھم<br />

من یُصرح،‏ ومنھم من یتوارى،‏ ویكادون یكونون سواء ا-ھ.‏<br />

ابن تیمیة:‏<br />

قال رحمھ اللھ في الفتاوى (524/28): ومعلوم بالاضطرار من دین<br />

المسلمین وباتفاق جمیع المسلمین أن من سوغ اتباع غیر دین الإسلام،‏ أو اتباع<br />

شریعة غیر دین الإسلام،‏ أو اتباع شریعة غیر شریعة محمد فھو كافر،‏<br />

وھو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ من التسویغ لغیر دین اللھ التسویغ والدعوة إِلى الدیمقراطیة أو<br />

الاشتراكیة أو القومیة وغیرھا من المنطلقات والمذاھب العلمانیة التي تفصل<br />

الدین عن الدولة والحیاة،‏ وتجعل الحقوق والواجبات على غیر أساس رابطة<br />

الدین والعقیدة.‏<br />

ثم َّ لیت طواغیت الحكم في ھذا الزمان وقفوا عند حد التسویغ لشرائع الكفر<br />

والإلحاد،‏ بل تراھم ‏-وبكل وقاحة وجرأة على اللھ-‏ یروِّجون لھا،‏ ویحسنونھا<br />

في أعین الن َّاس،‏ ویأطرون الأمة أطراً‏ إِلى التحاكم إلیھا،‏ والویل كل الویل لمن<br />

یعارضھا،‏ أو یتخلف عن تنفیذ أحكامھا وقوانینھا،‏ أو یستھین بھا .. فأي كف‏ ‏ٍر<br />

یعلو ھذا الكفر؟!‏<br />

محمد بن عبد الوھاب:‏<br />

قال رحمھ اللھ:‏ نُكفّ‏ ‏ِر من أشرك باللھ في إلھیتھ بعدما نبین لھ الحجة على<br />

بطلان الشرك،‏ وكذلك نكفّ‏ ‏ِر من حسنھ للناس ، أو أقام الشبھ الباطلة على<br />

إباحتھ،‏ وكذلك من قام بسیفھ دون ھذه المشاھد ‏-أي القبور-‏ التي یشرك باللھ<br />

عندھا،‏ وقاتل من أنكرھا وسعى في إزالتھا،‏ ونكفر من أقر بدین اللھ ورسولھ<br />

ثم َّ عاداه وصد الن َّاس عنھ ا-ھ.‏ ‏(الرسائل الشخصیة:‏<br />

قلت:‏ ونحوه الذي یقاتل دون قوانین الكفر والشرك،‏ وقاتل من أنكرھا وسعى<br />

في إزالتھا ‏-كما ھو شأن طواغیت الحكم مع الدعاة إِلى الحكم بما أنزل اللھ-‏<br />

فإنھ كافر أیضاً.‏ وكذلك الذي یروجھا ویحسنھا ویفرضھا على الأمة فإنھ كافر.‏<br />

ε<br />

.(60 ، 58<br />

216<br />

-4


ε<br />

5- محمد بن إبراھیم بن عبد الطیف آل الشیخ:‏<br />

حیث عد َّ أنواع الحكام الذین یكفرون كفراً‏ أكبر ناقلاً‏ عن الملة،‏ فقال رحمھ<br />

اللھ:‏ أحدھما أن یجحد الحاكمُ‏ بغیر ما أنزل اللھ أحقیة حكم اللھ ورسُولھ،‏<br />

وھذا ما لا نزاع فیھ بین أَھْل العلم..‏ فإنھ كافر الكفر الناقل عن الملة.‏<br />

الثاني:‏ أن لا یجحد الحاكم بغیر ما أنزل اللھ كون حكم اللھ ورسُولھ حقاً،‏<br />

لكن اعتقد أن حكم غیر الر َّ سُول أحسن من حكمھ،‏ وأتم ُّ وأشملُ..‏ وھذا أیضاً‏<br />

لا ریب أنھ كفر.‏<br />

الثالث:‏ أن لا یعتقد كونھ أحسن من حكم اللھ ورسُولھ،‏ لكن اعتقد أنھ مثلھ،‏<br />

فھذا كالنوعین اللذین قبلھ،‏ في كونھ كافراً‏ الكفر الناقل عن الملة.‏<br />

الرابع:‏ أن لا یعتقد كون حكم الحاكم بغیر ما أنزل اللھ مماثلاً‏ لحكم اللھ<br />

ورسُولھ،‏ فضلاً‏ عن أن یعتقد كونھ أحسن منھ،‏ لكن أعتقد جواز الحكم بما<br />

یخالف حكمَ‏ اللھ ورسُولھ،‏ فھذا كالذي قبلھ.‏<br />

الخامس:‏ وھو أعظمھا وأشملھا وأظھرھا معاندة للشرع،‏ ومكابرة لأحكامھ<br />

ومشاقة ولرسولھ،‏ ومضاھاة بالمحاكم الشرعیة،‏ إعداداً‏ وإمداداً‏ وإرصاداً‏<br />

وتأصیلاً‏ وتفریعاً‏ وتشكیلاً‏ وحكماً‏ وإلزاماً،‏ ومراجع ومستندات.‏ فكما أن<br />

للمحاكم الشرعیة مراجع مستمدات،‏ مرجعھا كلھا إِلى كتاب اللھ وسنة رسُولھ<br />

ε، فلھذه المحاكم مراجع،‏ ھي:‏ القانون الملفق من شرائع شتى،‏ وقوانین كثیرة،‏<br />

كالقانون الفرنسي،‏ والقانون الأمریكي،‏ والقانون البریطاني،‏ وغیرھا من<br />

القوانین،‏ ومن مذاھب بعض البدعیین المنتسبین إِلى الشریعة وغیر ذلك.‏<br />

فھذه المحاكم في كثیر من أمصار الإسلام مھیأة مكملة،‏ مفتوحة الأبواب،‏<br />

والناس إلیھا أسراب إثر أسراب،‏ یحكم حكامھا بینھم بما یخالف حكم الس ُّن َّة<br />

والكتاب من أحكام ذلك القانون،‏ وتلزمھم بھ،‏ وتقرھم علیھ،‏ وتحتمھ علیھم،‏<br />

فأي كفر فوق ھذا الكفر،‏ وأي مناقضة للشھادة بأن محمداً‏ رسُول اللھ بعد ھذه<br />

المناقضة.‏<br />

السادس:‏ ما یحكم بھ كثیر من رؤساء العشائر،‏ والقبائل من البوادي<br />

ونحوھم،‏ من حكایات آبائھم وأجدادھم،‏ وعاداتھم التي یسمونھا ‏(سلومھم)،‏<br />

یتوارثون ذلك منھم،‏ ویحكمون بھ ویحضون على التحاكم إلیھ عند النزاع،‏ بقاءً‏<br />

على أحكام الجاھلیة،‏ وإعراضاً‏ ورغبة عن حكم اللھ ورسُولھ ا-ھ.‏ ‏(رسالة<br />

تحكیم القوانین).‏<br />

قلت:‏ من یتأمل واقع كثیر من حكام ھذه الأمة ‏-بعین الإنصاف والتجرد<br />

للحق-‏ یجد أن ھذه الأنواع المكفرة الستة التي ذكرھا الشیخ متوفرة فیھم<br />

217


،ε<br />

-6<br />

،Υ<br />

جمیعاً،‏ ویتصفون بھا،‏ ویزیدون علیھا خصلة الاستھانة والطعن،‏ والتھكم<br />

والاستھزاء بشرع اللھ،‏ وخصلة أخرى ثامنة وھي:‏ كرھھم وبغضھم للحكم بما<br />

أنزل اللھ،‏ وخصلة تاسعة:‏ محاربتھم واضطھادھم لمن یطالبھم بالحكم بما<br />

أنزل اللھ.‏ ومع ذلك نجد ‏-من مشایخ الإرجاء-‏ من یتوسع لھم ‏-رھبة أو رغبة-‏<br />

في التأویل والتسویغ،‏ ویحمل علیھم مقولة:‏ كفر دون كفر،‏ والكفر العملي<br />

الأصغر!!!.‏<br />

الشنقیطي:‏<br />

قال رحمھ اللھ في التفسیر (84/4): وبھذه النصوص السماویة التي ذكرنا<br />

یظھر غایة الظھور أن الذین یتبعون القوانین الوضعیة التي شرعھا الشیطان<br />

على ألسنة أولیائھ مخالفة لما شرعھ اللھ جل وعلا على ألسنة رسلھ أنھ لا<br />

یشك في كفرھم وشركھم إلا َّ من طمس<br />

اللھ بصیرتھ،‏ وأعماه عن نور الوحي مثلھم ا-ھ.‏<br />

فتأمل كیف اعتبر مجرد اتباع القوانین الوضعیة كفراً‏ وشركاً‏ مخرجاً‏ لصاحبھ<br />

من الملة.‏<br />

‎7‎‏-عبد <strong>العز</strong>یز بن باز:‏<br />

حیث قال:‏ ولا إیمان لمن اعتقد أن أحكام الن َّاس وآراءھم خیر من حكم اللھ<br />

ورسُولھ،‏ أو تماثلھا وتشابھھا،‏ أو تركھا وأحل محلھا الأحكام الوضعیة،‏<br />

والأنظمة البشریة،‏ وإن كان معتقداً‏ أن أحكام اللھ خیر وأكمل وأعدل.‏<br />

وقال:‏ فمن خضع سبحانھ وأطاعھ وتحاكم إِلى وحیھ،‏ فھو العابد لھ،‏ ومن<br />

خضع لغیره وتحاكم إِلى غیر شرعھ،‏ فقد عبد الطاغوت وانقاد لھ ا-ھ.‏<br />

‏(رسالة وجوب تحكیم شرع اللھ).‏<br />

فانظر كیف اعتبر الشیخ أن مجرد ترك الحكم بما أنزل اللھ،‏ واستبدالھ<br />

بالأحكام الوضعیة،‏ والأنظمة البشریة،‏ یقتضي انتفاء مطلق الإیمان عن<br />

صاحبھ،‏ وإن ادعى سلامة اعتقاده نحو شرع اللھ وحكمھ.‏<br />

ومما تقدم من نقولات لأھل العلم عن الحالات التي یكفر فیھا الحاكم بغیر ما<br />

أنزل اللھ كفراً‏ أكبر ناقلاً‏ عن الملة،‏ تعلم خطأ الشیخ محمد ناصر الدین<br />

الألباني الشنیع والمتكرر في أكثر من موضع،‏ وھو حصره لكفر الحاكم في<br />

صیغة معینة واحدة،‏ الكامن في قولھ:‏ ‏(فلا تستطیع أن تقول بكفره ‏-أي الحاكم<br />

بغیر ما أنزل اللھ-‏ حتى یعرب عما في قلبھ بأنھ لا یرى الحكم بما أنزل اللھ<br />

وحینئذٍ‏ فقط تستطیع أن تقول أنھ كافر كفر ردة!!)‏ فتنة التكفیر:‏<br />

218


كافراً‏ كُفراً‏ مجازیاً،‏ أو كفراً‏ أصغر (1) ، وإن جَھِلَ‏ حُكمَ‏ اللھ فیھا،‏ مع بذل<br />

جھدهِ،‏ واستفراغ وِسعِھِ‏ في معرفة الحكمِ‏ وأخطأَهُ،‏ فھذا مخطئٌ‏ لھ أجرٌ‏ على<br />

اجتھادِه،‏ وخطؤه مغفور (2) .<br />

‏-خطأ من قال:‏ لا یضر ُّ مع الإیمان ذنبٌ‏ -<br />

وقولھ:‏ ‏"ولا نقولُ‏ لا یضر ُّ مع الإیمان ذنبٌ‏ لِمَن عملھ"،‏ أراد<br />

الشیخُ‏ مخالَفَة المرجئة (1) . وشُبھتُھم كانت وقعت لبعضِ‏ الأولین،‏ فاتفق<br />

غیر كتاب ‏(التحذیر من فتنة التكفیر)!!.‏ وانظر كتابنا ‏(الانتصار لأھل التوحید:‏<br />

219


الصحابةُ‏ على قتلِھم إن لم یتوبوا من ذلك،‏ فإن َّ قُدامَةَ‏ بن مظعون (2) شرِ‏ بَ‏<br />

الخمرَ‏ بعد تحریمھا ھو وطائفةٌ،‏ وتأو َّ لوا (3) قولَھ تعالى:‏ ‏[لیس على الذین<br />

آمنوا وعَمِلوا الصالحات جناحٌ‏ فیما طَعِمُوا إذا ما ات َّقوا وآمنوا وعَمِلُوا<br />

الصالحات]‏ المائدة:‏<br />

220


وذلك أن ھذه الآیةَ‏ نزلَت بسبب أن اللھَ‏ سبحانھ لَم َّا حر َّ مَ‏ الخمرَ‏ ، وكان<br />

تحریمُھا بعد وقعة أُحُد،‏ قال بعض الصحابَة:‏ فكیف بأصحابنا الذین ماتوا<br />

وھم یشرَ‏ بون الخمر؟ فأنزلَ‏ اللھُ‏ ھذه الآیةَ‏ بی َّنَ‏ أن َّ من طَعِمَ‏ الشيءَ‏ في الحال<br />

التي لم یُحَر َّ مْ‏ فیھا،‏ فلا جُناحَ‏ علیھ إذا كانَ‏ من المؤمنین المتقین الصالحین،‏<br />

كما كان من أمرِ‏ استقبالِ‏ بیتِ‏ المقدسِ‏ ، ثم َّ إن َّ أولئك الذین فعلوا ذلك ندِمُوا<br />

وعلموا أنھم أخطأوا،‏ وأَیِسُوا من التوبةِ!‏ فكتب عُمرُ‏ إِلى قُدامة یقول لھ:‏<br />

‏[حَم.‏ تنزیلُ‏ الكتابِ‏ مِنَ‏ اللھِ‏ <strong>العز</strong>یزِ‏ العلیم.‏ غافرِ‏ الذنبِ‏ وقابلِ‏ التوبِ‏ شدیدِ‏<br />

العقاب]‏ غافر:‏ 3-1. ما أدري أي ُّ ذَنبكَ‏ أعظمُ،‏ استحلالُكَ‏ المحر َّ م أولاً‏ أمْ‏<br />

یأسُكَ‏ من رحمةِ‏ اللھ ثانیاً؟!‏ (1) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ونَرْ‏ جُو للمحسنینَ‏ مِنَ‏ المؤمنینَ‏ أَنْ‏ یَعْفُوَ‏ عَنْھُم ویُدخِ‏ لَھُم<br />

الجَن َّةَ‏ بِرَحمتِھِ(‏‎2‎‏)‏ ، ولا نأمَنُ‏ عَلَیْھِم (1) ، ولا نَشْھَدُ‏ لھم بالجَن َّةِ(‏‎2‎‏)‏ ،<br />

وَ‏ نستغفِرُ‏ لِمُسِیئِیھِمْ،‏ ونخافُ‏ علیھم،‏ ولا نُقَنّ‏ ‏ِطُھُم<br />

." (3)<br />

(1 ( وذلك لأن الیأس من رحمة اللھ ‏-كما سیمر معنا-‏ كفر ینقل عن الملة،‏ لقولھ<br />

تعالى:‏ ‏[إنھ لا ییأس من روحِ‏ اللھ إلا َّ القوم الكافرون]‏ یوسف:‏<br />

221


]<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ أولئك الذینَ‏ یَدعُونَ‏ یبتغونَ‏ إِلى رَبّ‏ ‏ِھِمُ‏ الوسیلَةَ‏ أَی ُّھُمْ‏<br />

أقربُ‏ ویرجون رحمَتَھُ‏ ویَخافونَ‏ عذابَھُ‏ إن َّ عذابَ‏ ربّ‏ ‏ِك كان محذوراً‏<br />

الإسراء:‏<br />

[<br />

222


‏"لا،‏ یا ابنَةَ‏ الصدیق،‏ ولكنھُ‏ الرجلُ‏ یصومُ‏ ویُصلي ویتصد َّقُ،‏ ویخافُ‏ أن لا<br />

یُقبَلَ‏ منھ"‏ (1)<br />

قال الحسَن ‏-والل ‏ِھ-‏ بالطاعاتِ،‏ واجتھدوا فیھا،‏ وخافوا أَنْ‏ تُرَ‏ د َّ<br />

علیھم،‏ إن َّ المؤمِنَ‏ جمعَ‏ إحساناً‏ وخشیَةً،‏ والمنافِقَ‏ جمعَ‏ إساءةً‏ وأَمناً.‏<br />

τ: عَمِلُوا<br />

‏-لوازِ‏ مُ‏ الر َّجاءِ‏ -<br />

ومِم َّا ینبغي أَنْ‏ یُعْلَمَ‏ أن َّ مَن رَ‏ جَا شیئاً،‏ استَلْزَ‏ مَ‏ رجاؤُهُ‏ أُموراً:‏ مَحب َّةُ‏ ما<br />

یَرْ‏ جْوهُ،‏ وخَوْ‏ فُھُ‏ مِن فواتِھِ،‏ وسَعْیُھُ‏ في تحصیلھِ‏ بحَسَبِ‏ الإمكان.‏<br />

وأم َّا رجاءٌ‏ لا یُقارِ‏ نُھ شيءٌ‏ مِن ذلك،‏ فھو من بابِ‏ الأمَانِيّ‏ ِ، والرجاءُ‏<br />

شيءٌ،‏ والأماني ُّ شيءٌ‏ آخر،‏ فكل ُّ راجٍ‏ خائفٌ‏ ، والسائِرُ‏ على الطریقِ‏ إذا<br />

خافَ‏ أَسْرَ‏ عَ‏ السَیْرَ‏ مَخَافَةَ‏ الفواتِ.‏<br />

‏-الاستخفافُ‏<br />

بالص َّغائِرِ‏ قَدْ‏ یُلْحِ‏ قُھا بالكبائِ‏ ‏ِر-‏<br />

الكبیرة قد یقترنُ‏ بھا مِنَ‏ الحیاءِ‏ والخوفِ‏ والاستعظامِ‏ لھا ما یُلْحِ‏ قُھا<br />

بالص َّغائِرِ‏ ، وقد یقترنُ‏ بالصغیرةِ،‏ مِن قِل َّةِ‏ الحیاءِ،‏ وعَدَمِ‏ المُبالاةِ،‏ وتَرْ‏ كِ‏<br />

الخوفِ‏ والاستھانةِ‏ بھا ما یُلْحِ‏ قُھا بالكبائ ‏ِر (2) ، وھذا أمرٌ‏ مَرجِ‏ عُھُ‏ إِلى ما<br />

یقومُ‏ بالقلْبِ(‏‎3‎‏)‏ ، وھو قَدْرٌ‏ زائِدٌ‏ على مُجَر َّ دِ‏ الفعل.‏<br />

‏-الأسبابُ‏ التي تمنع من لحوقِ‏ الوعید بالمعی َّن (4) -<br />

فإن َّ فاعِلَ‏ السیئات تسقطُ‏ عنھ عقوبَةُ‏ جھنم،‏ بنحو عشرةِ‏ أسبابٍ(‏‎1‎‏)‏ ،<br />

عُرِ‏ فَت بالإستقراء من الكتاب والس ُّن َّةِ.‏<br />

(1 ( رواه أحمد،‏ والترمذي،‏ وھو حدیث حسن.‏<br />

(2 ( وذلك یكون لعدم المبالاة بھا،‏ فھو یمارسھا شبھ مستحل لھا،‏ حیث لا یرى فیھا<br />

ضیراً‏ على دینھ،‏ معتقداً‏ أنھا ذنوب مغفورة ‏-وكأنھ اطلع على الغیب-‏ فلا تُقلقُ‏ لھ<br />

بالاً،‏ وبالتالي فھي لا تضطره للتوبةِ‏ والإستغفار.‏<br />

(3 ( من اطمئنان للذنب،‏ أو من استحسانٍ‏ لھ واستھانة بھ.‏<br />

(4 ( كل مانع من موانع التكفیر یُعتبر سبباً‏ یمنع من لحوق الوعید بالمعین،‏ ولیس<br />

كل سبب یمنع من لحوق الوعید بالمعین یعتبر مانعاً‏ من موانع التكفیر،‏ وإن<br />

كانت ھذه الأسباب أحیاناً‏ تتشفع لصاحبھا عند الكفر المحتمل غیر الیقیني،‏<br />

بحسب قوتھا،‏ وحال الكفر المحتمل قوة وضعفاً.‏<br />

223


السبب الأول:‏<br />

التوبةُ(‏‎2‎‏)‏ ، قال تعالى:‏<br />

‏[إلا َّ من تاب]‏ مریم:‏<br />

224


الرابع:‏ المصائِبُ‏ الدنیویة،‏ قال ε: ‏"ما یُصیبُ‏ المؤمِنَ‏ من وَ‏ صبٍ(‏‎1‎‏)‏ ولا<br />

نَصَبٍ،‏ ولا غمّ‏ ٍ ، ولا حَزَ‏ نٍ‏ حتى الشوكَة یُشاكُھا،‏ إلا َّ كَف َّرَ‏ بھا من<br />

خطایاه"‏ (2) .<br />

فالمصائِبُ‏ نفسُھا مكفرةٌ،‏ وبالصبرِ‏ علیھا یُثابُ‏ العبدُ(‏‎3‎‏)‏ وبالت َّسَخ ُّطِ‏ یأثَمُ،‏<br />

فالمصیبَةُ‏ من فعل اللھ لا من فِعْلِ‏ العبدِ(‏‎4‎‏)‏ ، وھي جزاءٌ‏ من اللھِ‏ للعبد على<br />

ذنبھ،‏ ویكَفّ‏ ‏ِرُ‏ ذنبھُ‏ بھا<br />

225<br />

ٍ ، ولا ھمّ‏<br />

. (5)<br />

( 1 )<br />

الوصب:‏ المرض والوجع،‏ والنصب:‏ التعب.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏ وفي ھذا المعنى قد جاءت أحادیث عدیدة عن النبيِّ‏ ε، منھا قولھ<br />

ε: ‏"إن العبدَ‏ إذا سبقت لھ من اللھ منزلة لم یبلُغھا بعملھ ابتلاه اللھ في جسده،‏ أو<br />

في مالھ،‏ أو في ولده،‏ ثم َّ صب َّرَ‏ ه على ذلك،‏ حتى یُبلغَھُ‏ المنزلة التي سبقت لھ من<br />

اللھ تعالى".‏ وقولھ:‏ ‏"لیوَ‏ د َّن َّ أَھْلُ‏ العافیة یوم القیامة أن َّ جلودھم قُرِ‏ ضت<br />

بالمقاریض،‏ لما یرون من ثواب أَھْل البلاء".‏ وقولھ:‏ ‏"ما من شيء یُصیبُ‏<br />

المؤمن في جسده یؤذیھ،‏ إلا َّ كَف َّرَ‏ اللھ عنھ من سیئاتھ".‏ وقولھ ε: ‏"إن اللھ تعالى<br />

یقول:‏ إذا ابتلیتُ‏ عبداً‏ من عبادي مؤمناً،‏ فحمدني وصبر على ما ابتلیتُھ بھ،‏ فإنھ<br />

یقوم من مضجعھ ذلك كیوم ولدتھ أمھ من الخطایا".‏ وھي أحادیث كلھا صحیحة<br />

و‏ الحمد.‏<br />

( 3 )<br />

قال الشیخ عبد الرحمن السعدي رحمھ اللھ في مقدمة التفسیر:‏ أمر اللھ<br />

بالصبر وأثنى على الصابرین،‏ وذكر جزاءھم العاجل والآجل في عدة آیات،‏<br />

نحو تسعین موضعاً،‏ وھو یشمل أنواعھ الثلاثة:‏ الصبر على طاعة اللھ،‏ حتى<br />

یؤدیھا كاملة من جمیع الوجوه،‏ والصبر على محارم اللھ حتى ینھى نفسھ<br />

الأمارة بالسوء عنھا.‏ والصبر على أقدار اللھ المؤلمة،‏ فیتلقاھا بصبر وتسلیم،‏<br />

غیر متسخط في قلبھ،‏ ولا بدنھ ولا لسانھ ا-ھ.‏<br />

( 4 )<br />

أي لا إختیار للعبد فیھا،‏ إلا َّ من جھة ذنوبھ ومعاصیھ فقد تكون سبباً‏<br />

لحصولھا.‏<br />

( 5 )<br />

المصائب والبلایا التي تنزل بالعبد لیست كلھا بسبب معاصیھ وذنوبھ،‏ لتطھره<br />

من ذنوبھ وآثامھ،‏ فالمصائب أحیاناً‏ تنزل لاثقال النفوس وتربیتھا على الجھاد<br />

والمصابرة،‏ وأحیاناً‏ تكون لرفع الدرجات والمقامات یوم القیامة.‏ ثم َّ أن الأنبیاء<br />

أشد الناس بلاءً‏ ثم َّ الأمثل فالأمثل،‏ كما دلت على ذلك الس ُّن َّة،‏ فھل یقال إن شدة<br />

البلاء علیھم لمعاصیھم،‏ ولتطھیرھم من ذنوبھم؟!‏ حاشاھم وألف حاشاھم،‏ وقد<br />

جاء في الحدیث:‏ ‏"یبتلى المرء على قدر دینھ،‏ فإنْ‏ كان دینھ صلباً‏ اشتد بلاؤه،‏<br />

وإن كان في دینھ رقة ابتلي على حسب دینھ"،‏ وقال ε: ‏"إن الصالحین یُشد َّد


الخامس:‏ عذابُ‏ القَبْرِ‏ .<br />

السادس:‏ دُعاءُ‏ المؤمنین واستغفارُ‏ ھُم،‏ في الحیاةِ‏ وبَعدَ‏ المماتِ.‏<br />

السابع:‏ ما یُھدَى إلیھ بعدَ‏ الموتِ،‏ مِن ثوابِ‏ صدَقَةٍ،‏ أو قِراءَةٍ،‏ أو حجٍّ،‏<br />

ونحو ذلك.‏<br />

الثامن:‏ أھوالُ‏ یومِ‏ القیامَةِ‏ وشدائِدُه.‏<br />

التاسع:‏ ما ثبت في ‏(الصحیح):‏ ‏"أن َّ المؤمنینَ‏ إذا عَبرُ‏ وا الصراطَ،‏ وقِفُوا<br />

على قنطرَ‏ ةٍ‏ بین الجَن َّةِ‏ والن َّارِ‏ ، فیقتَص ُّ لبعضِ‏ ھم مِنْ‏ بَعْضٍ‏ ، فإذا ھُذّ‏ ‏ِبُوا ونُق ُّوا<br />

أُذِنَ‏ لَھُمْ‏ في دخولِ‏ الجَن َّةِ"‏ رواه البخاري وغیره.‏<br />

العاشر:‏ شفاعَةُ‏ الشافعینَ،‏ كما تقدم.‏<br />

الحادي عشر:‏ عَفوُ‏ أرحَم الر َّ احمین مِن غیرِ‏ شفاعَةٍ،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[وَ‏ یغفِرُ‏ ما دونَ‏ ذلِكَ‏ لِمَن یَشاءُ]‏ النساء:‏<br />

226


وقد مدحَ‏ اللھُ‏ أَھْلَ‏ الخوفِ‏ والرجاء (1) ، بقولھ:‏ ‏[أم َّن ھو قانتٌ‏ آناءَ‏ اللیل<br />

ساجداً‏ وقائماً‏ یحذرُ‏ الآخرةَ‏ ویرجو رحمةَ‏ ربّ‏ ‏ِھ الزمر:‏ ‏[تتجافَى جنوبُھُم<br />

عن المضاجِ‏ عِ‏ یدعون رب َّھُم خوفاً‏ وطمعاً]‏ السجدة:‏<br />

.9<br />

[<br />

227


قولُھ:‏ " ولا یَخرجُ‏ العبدُ‏ من الإیمان إلا َّ بجحودِ‏ ما أدخلَھُ‏<br />

فیھ (1) ."<br />

(1 ( ظاھر القول یفید حصر الكفر في الجحود والتكذیب،‏ وھذا قول فیھ نظر لا<br />

یُسلم بھ؛ لدلالة<br />

النصوص الشرعیة التي تفید أن الكفر یمكن أن یكون من غیر جھة الجحود<br />

والتكذیب.‏<br />

فقد یكون من جھة العناد،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ألقیا في جھنم كل جبارٍ‏ عنید]‏<br />

ق:‏<br />

228


وقد یكون الكفر من جھة الطعن بالدین والاستھزاء بھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[قل<br />

أباللھ وآیاتھ ورسولھ كنتم تستھزئون.‏ لاتعتذروا قد كفرتم بعد إیمانكم]‏<br />

التوبة:‏<br />

229


قال الشیخ ابن باز في تعلیقھ على ما جاء في متن الطحاویة:‏ ھذا الحصر فیھ<br />

نظر،‏ فإن الكافر یدخل في الإسلام بالشھادتین إذا كان لا ینطق بھما،‏ فإن كان<br />

ینطق بھما دخل في الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره،‏ وقد یخرج من الإسلام<br />

بغیر الجحود لأسباب كثیرة بینھا أھل العلم في باب حكم المرتد،‏ من ذلك:‏<br />

طعنھ في الإسلام أو في النبي ε، أو استھزائھ باللھ ورسولھ،‏ أو بكتابھ،‏ أو<br />

بشيء من شرعھ سبحانھ،‏ لقولھ سبحانھ:‏ ‏[قل أباللھ وآیاتھ ورسولھ كنتم<br />

تستھزئون.‏ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إیمانكم]‏ الآیة.‏ ومن ذلك عبادتھ للأصنام<br />

أو الأوثان،‏ أو دعوتھ الأموات والاستغاثة بھم وطلبھ منھم المدد والعون ونحو<br />

ذلك؛ لأن ھذا یناقض قول لا إلھ إلا اللھ لأنھا تدل على أن العبادة حق <br />

وحده،‏ ومنھا الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك،‏<br />

فمن صرف منھا شیئاً‏ لغیر اللھ من الأصنام والأوثان والملائكة،‏ والجن،‏<br />

وأصحاب القبور وغیرھم من المخلوقین فقد أشرك باللھ،‏ ولم یحقق قول لا إلھ<br />

إلا اللھ،‏ وھذه المسائل كلھا تخرجھ من الإسلام بإجماع أھل العلم،‏ وھي لیست<br />

من مسائل الجحود وأدلتھا معلومة من الكتاب والسنة،‏ وھناك مسائل أخرى<br />

كثیرة یكفر بھا المسلم وھي لا تسمى جحوداً،‏ وقد ذكرھا العلماء في باب حكم<br />

المرتد ا-ھ.‏<br />

وقال صاحب كتاب الجامع في طلب العلم الشریف:‏ قول الطحاوي رحمھ اللھ<br />

‏"ولا یخرج العبد من الإیمان إلا بجحود ما أدخلھ فیھ"،‏ ھذا الحصر خطأ،‏<br />

وھو صریح مذھب المرجئة.‏ فإن الإیمان عندھم ھو التصدیق بالقلب ومنھم من<br />

لم یُدخل إقرار اللسان فیھ،‏ واعتبروه شرطاً‏ لإجراء أحكام الإسلام علیھ في<br />

الدنیا،‏ وھم الأشاعرة والماتریدیة،‏ ومنھم من قال بل الإقرار داخل في حقیقة<br />

الإیمان،‏ وھم مرجئة الفقھاء ‏(الأحناف)‏ وبعض الأشاعرة.‏ انظر ‏(<strong>شرح</strong> جوھرة<br />

التوحید)‏ للبیجوري،‏ ص<br />

230


ش:‏ فیھ تقریرٌ‏ لما قال أولاً:‏ ‏"لا نكفّ‏ ‏ِرُ‏ أحداً‏ من أھل القبلة بذنبٍ‏ ما لم<br />

یستحلھ".‏ وتقد َّمَ‏ الكلامُ‏ على ھذا المعنى!.‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"والإیمانُ‏ ھو الإقرارُ‏ باللّ‏ ‏ِسان،‏ والتصدیقُ‏<br />

(1) ، وجمیعُ‏ ما صَح َّ عن رسولِ‏ اللھِ‏ من الشرعِ‏<br />

بالجَنانِ‏<br />

ε<br />

فقط،‏ بل إذا كان الكفر،‏ یكون تكذیباً،‏ ویكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً‏ بلا<br />

تكذیب،‏ فلا بد أن یكون الإیمان تصدیقاً‏ مع موافقة وموالاة وانقیاد لا یكفي<br />

مجرد التصدیق ا-ھ.‏<br />

وقال في الفتاوى (2/<br />

231


قال ابن حجر في الفتح (1/<br />

232


والبیان كُل ُّھُ‏ حق ٌّ،‏ والإیمان واحدٌ،‏ وأھلُھُ‏ في أصلِھ سوا ‏ٌء (1) ،<br />

والتفاضل بینھم بالخشیةِ‏ والتقى،‏ ومُخالَفَةِ‏ الھوى،‏ ومُلازمَةِ‏<br />

الأولى (1) ."<br />

فمن قال من السلف:‏ الإیمان قول وعمل،‏ أراد قول القلب واللسان،‏ وعمل<br />

القلب والجوارح.‏ ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا یفھم منھ إلا القول<br />

الظاھر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب.‏ ومن قال:‏ قول وعمل ونیة،‏ قال:‏<br />

القول یتناول الاعتقاد وقول اللسان،‏ وأما العمل فقد لا یفھم منھ النیة فزاد ذلك.‏<br />

ومن زاد اتباع الس ُّن َّة فلأن ذلك كلھ لا یكون محبوباً‏ إلا باتباع الس ُّن َّة ا-ھ.‏<br />

والشاھد من جمیع ما تقدم أن یدرك القارئ عقیدة أَھْل الس ُّن َّة والجماعة في<br />

الإیمان،‏ وأن قول الطحاوي الآنف الذكر في الإیمان خطأ ومحدث وھو قول<br />

المرجئة في الإیمان.‏<br />

قال الشیخ ابن باز في تعلیقھ على متن الطحاوي:‏ ھذا التعریف فیھ نظر<br />

وقصور،‏ والصواب الذي علیھ أَھْل الس ُّن َّة والجماعة أن الإیمان:‏ قول وعمل،‏<br />

واعتقاد یزید بالطاعة وینقص بالمعصیة،‏ والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة<br />

أكثر من أن تحصر.‏ وإخراج العمل من الإیمان ھو قول المرجئة ا-ھ.‏<br />

(1 ( ھذا قول المرجئة،‏ ومفاده تساوي إیمان الأنبیاء والمرسلین مع إیمان الفسقة<br />

والفجرة من المسلمین،‏ وھذا مغایر لكثیر من النصوص التي تدل على تفاضل<br />

المؤمنین في إیمانھم،‏ والتي على أساسھا تتفاضل منازلھم یوم القیامة.‏ قال<br />

تعالى:‏ ‏[لا یستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من<br />

الذین أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً‏ وعد اللھ الحسنى]‏ الحدید:‏<br />

233


ش:‏ اختلف الناسُ‏ فیما یقعُ‏ علیھ اسمُ‏ الإیمانِ‏ اختلافاً‏ كثیراً:‏ فذھب مال‏ ‏ُك<br />

والشافعي ُّ،‏ وأحمدُ،‏ والأوزاعي ُّ،‏ وإسحاقُ‏ بنُ‏ راھویھ،‏ وسائِرُ‏ أَھْلِ‏ الحدیث،‏<br />

وأھْلُ‏ المدینة رحمھم اللھ إِلى أنھ تصدیقٌ‏ بالجَنانِ،‏ وإقرارٌ‏ باللسانِ،‏ وعم‏ ‏ٌل<br />

بالأركان (2) .<br />

234<br />

( 1 )<br />

وقال ε: ‏"أكمل المؤمنین إیماناً‏ أحسنھم خلقاً"،‏ وغیرھا كثیر من النصوص<br />

التي تدل على تفاضل المؤمنین في إیمانھم،‏ والتي على أساسھا تتحدد منازلھم<br />

یوم القیامة.‏<br />

قال الشیخ ابن باز في تعلیقھ على متن الطحاویة:‏ قولھ ‏"والإیمان واحد وأھلھ<br />

في أصلھ سواء"‏ ھذا فیھ نظر،‏ بل ھو باطل،‏ فلیس أَھْل الإیمان فیھ سواء بل ھم<br />

متفاوتون تفاوتاً‏ عظیماً،‏ فلیس إیمان الرسل كإیمان غیرھم،‏ كما أنھ لیس إیمان<br />

الخلفاء الراشدین وبقیة الصحابة ψ مثل إیمان غیرھم،‏ وھكذا لیس إیمان<br />

المؤمنین كإیمان الفاسقین،‏ وھذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم باللھ<br />

وأسمائھ وصفاتھ،‏ وما شرعھ لعباده،‏ وھو قول أَھْل الس ُّن َّة والجماعة خلافاً‏<br />

للمرجئة ومن قال بقولھم ا-ھ.‏<br />

الخشیة والتقى وملازمة الأولى،‏ ھي من ثمار الإیمان ولوازمھ،‏ فالظاھر<br />

مرآة تعكس حقیقة الباطن وما وقر في القلب،‏ وبالتالي فإن التفاضل في الآثار<br />

یستلزم التفاضل في أصل ما وقر في القلب من یقین وإیمان.‏<br />

( 2 )<br />

نسجل على ھذا التعریف الملاحظتین التالیتین:‏<br />

أولھما،‏ أن أعمال القلب أعم وأشمل من التصدیق،‏ فمن أتى بالتصدیق من<br />

دون بقیة الأعمال القلبیة كالحب،‏ والخشیة،‏ والانقیاد،‏ والیقین وغیرھا لا یكون<br />

مؤمناً،‏ لذا نجد أن السلف ‏-كما تقدم-‏ استعاضوا في تعریفھم للإیمان عن كلمة<br />

‏"التصدیق"‏ بكلمة ‏"اعتقاد في القلب"‏ لدلالة ھذا الوصف على عموم أعمال<br />

القلب التي تعتبر شرطاً‏ لصحة الإیمان،‏ بخلاف كلمة ‏"التصدیق"‏ التي تعني<br />

نوعاً‏ واحداً‏ من أعمال القلب.‏<br />

ثانیاً،‏ لو قال ‏"عمل بالجوارح"‏ كما أثر عن السلف،‏ بدلاً‏ من قولھ ‏"وعمل<br />

بالأركان"‏ لكان أصوب وأدق؛ لأن جمیع الطاعات تدخل في مسمى الإیمان<br />

ولیس فقط العمل بالأركان الخمسة،‏ واللھ تعالى أعلم.‏


وذھب كثیرٌ‏ من أصحابنا (1) إِلى ما ذكره الطحاوي:‏ أنھ الإقرارُ‏ باللسان،‏<br />

والتصدیقُ‏ بالجنان.‏<br />

ومنھم من یقول:‏ إن الإقرار باللسان ركنٌ‏ زائدٌ‏ لیس بأصلي (2) ، وإِلى<br />

ھذا ذھب أبو منصور الماتُریدي،‏ ویُروى عن <strong>أبي</strong> حنیفة<br />

. (1) τ<br />

( 1 )<br />

أي الأحناف الذین ھم على مذھب الإمام <strong>أبي</strong> حنیفة،‏ وقد تقدم أن ما ذكره<br />

الطحاوي في تعریفھ للإیمان من أنھ تعریف ناقص ومُحدَث،‏ وھو بخلاف ما<br />

دلت علیھ الأدلة وأجمعت علیھ كلمة سلف الأمة.‏<br />

(2 ( مفاد ھذا القول حصر الإیمان في التصدیق فقط،‏ وھذا المذھب ‏-لا نخطئ لو<br />

قلنا-‏ ھو عین مذھب جھم بن صفوان في الإیمان الذي یحصر الإیمان في<br />

العلم أو المعرفة،‏ أو التصدیق القلبي،‏ وبالتالي فالكفر یكون عنده محصوراً‏ في<br />

الجھل أو التكذیب القلبي!‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى (7/<br />

235


وذھب الكر َّ امی َّةُ(‏‎2‎‏)‏ إِلى أن الإیمانَ‏ ھو الإقرارُ‏ باللسان فقط،‏ فالمنافقون<br />

عندھم مؤمنون كامِلُو الإیمان!.‏<br />

والذي دعانا إِلى ھذا التعقیب والتفصیل وجود نفرٍ‏ في زماننا یخوضون جدلاً‏<br />

عقیماً‏ مشبوھاً‏ حول الفارق بین المعرفة والتصدیق،‏ وھل مذھب جھم في<br />

الإیمان ھو المعرفة القلبییة أم التصدیق؟!!‏<br />

والملفت للنظر في الأمر أن الشارح ابن <strong>أبي</strong> <strong>العز</strong> ‏-رحمھ اللھ-‏ یذكر المذھب<br />

‏"التصدیقي"‏ في الإیمان من دون أن یتعرض لھ بمدح أو ذم أو نقد،‏ واكتفى<br />

بالترحم والترضي على أصحاب ھذا المذھب من دون أي تعقیب!!.‏<br />

( 1 )<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى (7/<br />

236


وذھب الجھم بن صفوان إِلى أن الإیمانَ‏ ھو المعرفة بالقلب،‏ وھذا القولُ‏<br />

أظھرُ‏ فساداً‏ مما قبلھ،‏ فإن لازمھ أن فرعون وقومَھ كانوا مؤمنین،‏ وكذلك<br />

أَھْل الكتاب وغیرھم من الكافرین،‏ بل إبلیسُ‏ یكون عند الجھم مؤمناً،‏ فإنھ لم<br />

یجھلْ‏ ربھ بل ھو عارفٌ‏ بھ،‏ ‏[قال ربِّ‏ فأَنظرني إِلى یوم یُبعثون]،‏ والكفر<br />

عند الجھم ھو الجَھلُ‏ بالربِّ‏ تعالى (1) ، ولا أحدَ‏ أجھل منھ بربھ.‏<br />

والاختلافُ‏ الذي بین <strong>أبي</strong> حنیفة والأئمة الباقین من أَھْل الس ُّن َّة اختلا ‏ٌف<br />

صُوري،‏ ونزاعٌ‏ لفظي (2) !!.<br />

ولا خلافَ‏ بین أَھْل الس ُّن َّةِ‏ أن اللھَ‏ تعالى أراد من العباد القولَ‏ والعملَ؛<br />

وأعني بالقول:‏ التصدیق بالقلب (1) ، والإقرار باللسان،‏ وھذا الذي یُعنى بھ<br />

عند إطلاقِ‏ قولھِم:‏ الإیمانُ‏ قولٌ‏ وعمل.‏<br />

دام ‏-في عمره-‏ مرة قال لا إلھ إلا اللھ!!‏ ونحن بدورنا نعجب من ترحم الشیخ<br />

قطب المتكرر على ھذا الذي لا یكفّ‏ ‏ِر الشیوعي الملحد الذي تجتمع فیھ جمیع<br />

مظاھر الجحود والإنكار للدین،‏ الذي یقول لا إلھ إلا اللھ!!‏<br />

فأي كر َّ امیة تعلو ھذه الكرامیة،‏ وأي إرجاء یعلو ھذا الإرجاء؟!‏ نعوذ باللھ من<br />

237<br />

الكفر والخذلان.‏<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

الكفر عند جھم ھو الجھل أو التكذیب القلبي لأن الإیمان عنده محصور في<br />

المعرفة أو التصدیق القلبي.‏ ومن یقول بقول أَھْل الس ُّن َّة في الإیمان لزمھ أن<br />

یقول بقولھم في الكفر،‏ وھو أنھ یكون بالاعتقاد،‏ وبالقول،‏ وبالعمل كما أن<br />

الإیمان یكون بالاعتقاد والقول والعمل.‏<br />

وما یلزم ‏"جھم"‏ من باطل مذھبھ ‏-وقد أشار الشارح إِلى بعضھ-‏ یلزم المذھب<br />

التصدیقي،‏ حیث لا فرق بین المذھبین كما تقدم.‏<br />

بل ھو خلاف لفظي ومعنوي وحقیقي،‏ ولا أدل على ذلك من أن الذي یُخرج<br />

العمل من مسمى الإیمان،‏ ویحصر أعمال القلب في التصدیق والمعرفة،‏<br />

یكون عنده المرء مؤمناً‏ ومن أَھْل الجنة وإن لم یأت بجنس العمل،‏ وانتفى عنھ<br />

مطلق الانقیاد الظاھر والباطن ‏-باستثناء التصدیق-‏ لشرع اللھ،‏ بخلاف من<br />

یدخل العمل في مسمى الإیمان فإن ذلك یلزمھ أن ینفي الإیمان عمن لم یأت<br />

بجنس العمل وأصلھ،‏ الذي ینتفي عنھ مطلق الانقیاد الظاھر لشرع اللھ تعالى.‏<br />

قال الشیخ ابن باز:‏ لیس الخلاف بینھم وبین أَھْل الس ُّن َّة فیھ لفظیاً،‏ بل ھو لفظي<br />

ومعنوي،‏ ویترتب علیھ أحكام كثیرة یعلمھا من تدبر كلام أَھْل الس ُّن َّة وكلام<br />

المرجئة ا-ھ.‏


( 1 )<br />

وقد أجمعوا على أنھ لو صَد َّق بقلبھ وأقر َّ بلسانھ،‏ وامتنعَ‏ عن العملِ‏<br />

بجوارحھ:‏ أنھ عاصٍ‏ ورسولِھ،‏ مستحق ٌّ الوعیدَ(‏‎2‎‏)‏ .<br />

قول القلب یتضمن جمیع أعمال القلب من علم،‏ وتصدیق،‏ وخشیة،‏ وحب،‏<br />

ورجاء،‏ وانقیاد،‏ وخضوع،‏ وتوكل،‏ وإنابة وغیرھا من العبادات القلبیة..‏<br />

وبالتالي فحصر قول القلب بالتصدیق فیھ نظر،‏ وھو خطأ،‏ وقد تقدمت الإشارة<br />

إِلى ذلك.‏<br />

(2 ( ھذا الإجماع صحیح لا إشكال علیھ،‏ ولكن یخشى أن یفھم منھ نفي الإجماع<br />

على كفر من لا یعمل بالتوحید،‏ ولم یأت بجنس العمل وأصلھ،‏ أو أنھ امتنع عن<br />

مطلق الانقیاد ‏-الظاھر على الجوارح-‏ لشرع اللھ،‏ لذا وجب التنبیھ على كفر<br />

من تكون ھذه صفتھ واللھ تعالى المستعان.‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى (7/<br />

238


وقال رحمھ اللھ في ‏(مفتاح السعادة:‏ 1/<br />

239


‏-فسادُ‏ قولِ‏ مَن لا یُدخل الأعمالَ‏ في مُسَم َّى الإیمان-‏<br />

لكن فیمن یقول:‏ إن َّ الأعمال غیرُ‏ داخلَةٍ‏ في مسمى الإیمان،‏ مَن قال:‏ لَم َّا<br />

كان الإیمانُ‏ شیئاً‏ واحداً،‏ فإیماني كإیمان <strong>أبي</strong> بكر الصدیق،‏ وعمر رضي<br />

اللھ عنھما!‏ بل قال:‏ كإیمان الأنبیاءِ‏ والمرسلینَ‏ وجبریل ومیكائیل علیھمُ‏<br />

السلامَ!‏ وھذا غلُو ٌّ منھ،‏ فإن الكفرَ‏ مع الإیمانِ‏ كالعمى مع البصر،‏ ولا ش‏ َّك<br />

أن البصراءَ‏ یختلفون في قوة البصَرِ‏ وضَعفِھ،‏ فمنھم الأخفشُ‏ والأعشى،‏<br />

ومن یرى الخط َّ الثخینَ‏ دون الرفیع إلا بزجاجةٍ‏ أو نحوھا،‏ ومَن یرى عن<br />

قُربٍ‏ زائدٍ‏ على العادة،‏ وآخرُ‏ بضدّ‏ ‏ِه<br />

فتفاوتُ‏ نورِ‏ لا إلھ إلا اللھ في قلوبِ‏ أَھْلِھا لا یُحصیھِ‏ إلا َّ اللھُ‏ تعالى (2) ،<br />

فمن الناسِ‏ مَن نورُ‏ ھا في قلبھ كالشمسِ‏ ، ومنھم مَن نُورُ‏ ھا في قلبھ كالكوكب<br />

ِ الدرّ‏ ي،‏ وآخرُ‏ كالمشعلِ‏ العظیم،‏ وآخر كالسّ‏ ‏ِراجِ‏ المضيء،‏ وآخرُ‏ كالسراجِ‏<br />

. (1)<br />

فقلت:‏ ھذا الكفر الصراح،‏ وخلاف كتاب اللھ وسنة رسولھ وعلماء المسلمین،‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[وما أمروا إلا لیعبدوا اللھ مخلصین لھ الدین]‏ البینة:‏<br />

وقال حنبل سمعت أبا عبد اللھ أحمد بن حنبل یقول:‏ من قال ھذا فقد كفر<br />

باللھ،‏ ورد َّ على أمره وعلى الرسول ما جاء بھ عن اللھ.‏ ‏(الفتاوى <strong>لابن</strong> تیمیة:‏<br />

/7<br />

.5<br />

240


الضعیفِ‏ ، ولھذا تظھر الأنوارُ‏ یومَ‏ القیامةِ‏ بأیمانھم وبین أیدیھم على ھذا<br />

المقدار،‏ بحسب ما في قلوبھم من نورِ‏ الإیمان والتوحیدِ‏ علماً‏ وعملاً،‏ وكُل َّما<br />

اشتد َّ نورُ‏ ھذه الكلمةِ‏ وعَظُمَ،‏ أحرَ‏ قَ‏ من الشبھاتِ‏ والشھواتِ‏ بحسب قوتھ،‏<br />

بحیث إنھ ربما وصلَ‏ إِلى حالٍ‏ لا یُصادِفُ‏ شھوةً‏ ولا شُبھةً‏ ولا ذنباً‏ إلا َّ<br />

أحرَ‏ قَھُ(‏‎1‎‏)‏ ، وھذا حال الصادِقِ‏ في توحیده،‏ فسماءُ‏ إیمانھ قد حُرِ‏ سَتْ‏ بالرجومِ‏<br />

من كُل سارِ‏ قٍ،‏ ومَن عَرفَ‏ ھذا عَرَ‏ فَ‏ معنى قول النبيّ‏ ε: ِ ‏"إن َّ اللھَ‏ حر َّ م<br />

على النارِ‏ مَن قال:‏ لا إلھ إلا اللھ یبتغي بذلك وجھَ‏ اللھِ‏ تعالى".‏ وقولھ:‏<br />

‏"لا یدخلُ‏ النارَ‏ مَن قالَ:‏ لا إلھ إلا اللھ"‏ (2) .<br />

‏-زیادةُ‏ الإیمانِ‏ بزیادةِ‏ الطاعات-‏<br />

(1 ( مصداق ذلك قولھ ε: ‏"تُعرضُ‏ الفتنُ‏ على القلوب كالحصیر عوداً‏ عوداً،‏ فأي<br />

قلبٍ‏ أُشربھا نُكتت فیھ نكتةٌ‏ سوداء،‏ وأي قلبٍ‏ أنكرھا نُكتت فیھ نكتة بیضاء،‏<br />

حتى یصیر على قلبین:‏ أبیض بمثل الص َّفا فلا تضره فتنةٌ‏ ما دامت السماوات<br />

والأرض،‏ والآخر أسودٌ‏ مرباداً‏ مجخیاً‏ لا یعرفُ‏ معروفاً‏ ولا یُنكر منكراً‏ إلا َّ ما<br />

أُشرب من ھواه".‏ رواه مسلم.‏<br />

فالمرء كلما كمل توحیده كلما اشتدت مقاومتھ للفتن والأھواء،‏ والضلالات<br />

والانحرافات،‏ وأي خرقٍ‏ یصیب المرء في عقیدتھ وأفكاره أو مواقفھ ھو لخلل<br />

أو ضعفٍ‏ في إیمانھ وتوحیده..‏<br />

وجوابنا للشباب المسلم الذي یسأل عن المخرج من ھذه الفتن والأھواء الضاربة<br />

الانتشار بین المسلمین في ھذا الزمان..‏ ھو أن یستعصم بالتوحید ‏-بمعناه الشامل<br />

من غیر انتقاص لشيء من جوانبھ أو أنواعھ-‏ دراسة وفھماً،‏ والتزاماً‏ وعملاً؛<br />

فالتوحید حصن المسلم الحصین الذي یحمیھ ویحفظھ من أي غزوٍ‏ خارجي<br />

مادي أو معنوي-‏ یستھدف شخصھ أو دینھ وأمتھ.‏<br />

الحدیث متفق علیھ،‏ وكذلك الذي قبلھ.‏ ومما ینبغي التنویھ لھ ھنا أن ھذا<br />

الحدیث وغیره من الأحادیث التي تدل على أن من قال لا إلھ إلا اللھ دخل<br />

الجنة،‏ أو لا یدخل النار وغیر ذلك،‏ یجب أن تحمل على من قال لا إلھ إلا اللھ<br />

معتقداً‏ بھا،‏ عالماً‏ بمدلولاتھا،‏ فاعلاً‏ لمقتضیاتھا،‏ مجتنباً‏ لنواقضھا..‏ ھذا ما<br />

یقتضیھ التوفیق بین مجموع النصوص ذات العلاقة بالمسألة،‏ وقد تقدم ذكر<br />

بعضھا عند الحدیث عن شروط لا إلھ إلا اللھ،‏ فلتراجع.‏<br />

ولو أُخِ‏ ذت ھذه الأحادیث مجردة عن بقیة النصوص ذات العلاقة ‏-كما ھو شأن<br />

من أصابھم داء الإرجاء-‏ للزم من یفعل ذلك أن یُدخل المنافقین والزنادقة الجنة،‏<br />

ویحرم علیھم النار،‏ لأنھم یقولون لا إلھ إلا اللھ..‏ وھذا باطل بلا خلاف.‏<br />

-<br />

241<br />

( 2 )


وأما زیادةُ‏ الإیمان من جھةِ‏ الإجمالِ‏ والتفصیل،‏ فمعلومٌ‏ أنھ لا یجِ‏ ‏بُ‏ في<br />

أو َّ لِ‏ الأمر ما وجبَ‏ بعد نزول القرآنِ‏ كُلّ‏ ‏ِھ،‏ ولا یجبُ‏ على كل أحدٍ‏ من<br />

الإیمانِ‏ المفص َّلِ‏ مما أخبرَ‏ بھ الرسولُ‏ ما یجبُ‏ على مَن بلغَھ خَبَرُ‏ هُ،‏ كما في<br />

حقِّ‏ النجاشي (1) وأمثالھ.‏<br />

وأیضاً‏ فمن وجب علیھ الحج والزكاة مثلاً،‏ یجبُ‏ علیھ من الإیمانِ‏ أن<br />

یعلَمَ‏ ما أُمِرَ‏ بھ،‏ ویؤمن بأن اللھَ‏ أوجَبھ،‏ ما لا یجبُ‏ على غیرِ‏ ه إلا َّ<br />

مجملاً،‏ وھذا یجبُ‏ علیھ فیھ الإیمانُ‏ المفص َّل.‏<br />

وكذلك الرجلُ‏ أول ما یُسلِمُ،‏ إنما یجبُ‏ علیھ الإقرارُ‏ المجملُ،‏ ثم إذا جاءَ‏<br />

وقتُ‏ الصلاة،‏ كان علیھ أن یؤمِنَ‏ بوجوبھا ویؤدّ‏ ‏ِیھا،‏ فلم یتسا وَ‏ الناسُ‏ فیما<br />

أُمروا بھ من الإیمان (2) .<br />

(1 ( من شروط العمل بلوغ العلم المتمثل في الخطاب الشرعي،‏ فإذا لم یبلغ العلم<br />

سقط العمل؛ لأن العلم یتقدم العمل والعمل تابع لھ،‏ وعذر النجاشي فیما وقع<br />

لھ من التقصیر من وجھین:‏ أولھما عدم بلوغھ الخطاب الشرعي الذي یُلزمھ<br />

بالعمل،‏ والثاني عجزه عن العمل فیما قد بلغھ من العلم،‏ والعجز یرفع عن<br />

صاحبھ التكلیف والمؤاخذة إِلى حین توفر الاستطاعة لدیھ.‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى )<br />

τ<br />

242


وأما الزیادةُ‏ بالعمل والتصدیق المستلزِ‏ مِ‏ لعملِ‏ القلبِ‏ والجوارحِ،‏ فھو أكمل<br />

من التصدیقِ‏ الذي لا یستلزمُھُ،‏ فالعِلمُ‏ الذي یعمل بھ صاحبھُ‏ أكملُ‏ من العلم<br />

الذي لا یُعملُ‏ بھ،‏ فإذا لم یحصل اللازمُ‏ دل َّ على ضعف الملزوم.‏ ولھذا قال<br />

لما أُخبرَ‏ أن قومَھُ‏ عبدوا<br />

النب ُّي<br />

العجلَ‏ لم یُلقِ‏ الألواحَ،‏ فلما رآھم قد عبدوه ألقاھا،‏ ولیس ذلك لشكّ‏<br />

في خبرِ‏ اللھِ،‏ لكن المخبَرَ‏ وإن جزم بصدق المخْبِرِ‏ فقد لا یتصورُ‏ المخْبَ‏ ‏َر<br />

بھ في نفسھ كما یتصورُ‏ ه إذ عاینَھُ،‏ كما قال إبراھیمُ:‏ ‏[ربِّ‏ أرِ‏ ني كیف تُحي<br />

الموتى قال أوَ‏ لَمْ‏ تؤمِنْ‏ قالَ‏ بلى ولكن لیطمئن َّ قلبي]‏ البقرة:‏<br />

ِ موسى<br />

υ المخبَرُ‏ كالمعاین"‏ (1) . وموسى ‏"لیس ε:<br />

243


والش ُّبھةِ‏ أو إحداھما،‏ لَما عصى،‏ بل یشتغِلُ‏ قلبُھُ‏ ذلك الوقت بما یواقِعُھ من<br />

المعصیةِ،‏ فیغیبُ‏ عنھ التصدیق (1) والوعیدُ‏ فیعصي،‏ فلھذا قال ε: ‏"لا یزني<br />

الزاني حِ‏ ینَ‏ یزني وھو مؤمن"‏ (2) .<br />

قال تعالى:‏ ‏[فإنھم لا یكذبونك ولكن الظالمین بآیات اللھ یجحدون]‏ النمل:‏<br />

244


فھو حین یزني یغیبُ‏ عنھ تصدیقُھ بحُرمَةِ‏ الزّ‏ (1) !، وإن بقي أصلُ‏<br />

التصدیق في قلبھِ،‏ ثم یُعاودُه،‏ فإن َّ المتقین كما وصفَھُم اللھ تعالى بقولھ:‏ ‏[إ َّن<br />

الذین ات َّقوا إِذا مَس َّھُمْ‏ طائفٌ‏ من الشیطانِ‏ تذك َّروا فإذا ھم مبصرون]‏<br />

الأعراف:‏<br />

ِ نى<br />

245


1<br />

2<br />

أتبعُكَ‏ بل أعادیكَ‏ وأبغضُكَ‏ وأخالفُكَ‏ ، لكان كُفرهُ‏ أعظمُ(‏‎1‎‏)‏ ، فعُلِمَ‏ أن الإیمانَ‏<br />

لیس ھو التصدیقَ‏ فقط،‏ ولا الكفرُ‏ ھو التكذیبَ‏ فقط (2) ، بل إذا كان الكفرُ‏<br />

یكونُ‏ تكذیباً،‏ ویكون مخالَفةً‏ ومعاداةً‏ بلا تكذیب،‏ فكذلك الإیمانُ‏ یكونُ‏<br />

تصدیقاً‏ وموافقةً‏ وموالاةً‏ وانقیاداً،‏ ولا یكفي مج َّردُ‏ التصدیق.‏<br />

‏-أحادیثُ‏ تدل ُّ على دخولِ‏ الأعمال في مُسَم َّى الإیمان-‏<br />

قال ε: ‏"الإیمانُ‏ بِضعٌ‏ وسَبعون شُعبةً،‏ فأفضَلُھا قولُ‏ لا إلھ إلا اللھ،‏<br />

وأدناھا إماطةُ‏ الأذى عن الطریقِ"‏ (3) ، وقال:‏ ‏"الحیاءُ‏ شُعبةٌ‏ من الإیمان"‏ (4) .<br />

وقال:‏ أكملُ‏ المؤمنین إیماناً‏ أحسَنُھم خُلُقاً"‏ (5) . وقال:‏ ‏"من رأى منكم منكراً‏<br />

فلیغیرْ‏ هُ‏ بیدهِ،‏ فإن لم یستطع فبقلبھ،‏ وذلك أضعفُ‏ الإیمان".‏ وفي لفظٍ:‏<br />

‏"لیس وراء ذلك من الإیمان حبةَ‏ خرْ‏ دَلٍ"‏ (6) . وقال:‏ ‏"البذاذَةُ‏ من الإیمان"‏ (7) .<br />

فیھ رد ٌّ على من یمنعون الكفر عمن تنتفي عنھ المتابعة الظاھرة،‏ إذا كان قد أتى<br />

بالتصدیق والإقرار.‏<br />

فیھ رد ٌّ على الجھمیة ومن تابعھم الذین یحصرون الكفر في التكذیب أو<br />

الاستحلال القلبي فقط،‏ وقد تقدم ذكر الأدلة الدالة على أن الكفر یكون من غیر<br />

جھة الاستحلال أو التكذیب القلبي ما یغني عن إعادتھا ھنا.‏<br />

(3 ( متفق علیھ.‏ والشاھد من الحدیث أن مجموع ھذه الشعب التي تتضمن أعمال<br />

الظاھر والباطن تُسمى إیماناً،‏ ومنھا ما یعتبر شرطاً‏ للصحة،‏ ومنھا ما یعتبر<br />

شرطاً‏ للكمال.‏<br />

(4 ( متفق علیھ وھو جزء من الحدیث الذي قبلھ.‏<br />

(5 ( صحیح،‏ رواه أبو داود،‏ وابن حبان،‏ والحاكم،‏ وأحمد وغیرھم.‏ والحدیث فیھ<br />

دلالة على تفاضل الناس في الإیمان كما یتفاضلون في الأخلاق.‏<br />

(6 ( رواه مسلم باللفظین.‏ والحدیث فیھ أن الأمر بالمعروف والنھي عن المنكر<br />

إیمان،‏ وأنھ لیس وراء إنكار المنكر بالقلب شيء من الإیمان،‏ لأنھ لیس وراء<br />

إنكار القلب إلا َّ الرضى،‏ والرضى بالكفر كفر أكبر مخرج عن الملة.‏ وفیھ أن<br />

تغییر المنكر مُناط بجمیع أفراد الأمة،‏ وكل ٌّ بحسب استطاعتھ،‏ لأن ‏"مَن"‏ الواردة<br />

في الحدیث تفید العموم؛ أي كل من یرى المنكر.‏ وفیھ أن من یغیر المنكر بیده<br />

یكون أقوى إیماناً‏ ممن یغیر المنكر بلسانھ،‏ وأن من یغیر المنكر بلسانھ أقوى<br />

إیماناً‏ ممن ینكر المنكر بقلبھ،‏ وأن إنكار المنكر في القلب ھو أضعف درجات<br />

الإیمان.‏<br />

(7 ( حسن،‏ رواه أبو داود وغیره.‏ والبذاذة تعني:‏ القصد في اللباس والتواضع،‏<br />

وعدم الإسراف والمباھات الذي یكون مدعاة للكبر والتفاخر والعجب.‏ ولا ینبغي<br />

246


ε<br />

وروى الترمذي ُّ عن رسول اللھ أنھ قال:‏ ‏"من أحب َّ ِ، وأبغضَ‏ ِ،<br />

وأعطى ِ، ومنعَ‏ ِ فقد استكمل الإیمان"‏ (1) . إِلى غیر ذلك من الأحادیثِ‏<br />

الدال َّةِ‏ على قوةِ‏ الإیمان وضَعْفِھ بحسبِ‏ العمل.‏<br />

فإذا كانَ‏ الإیمانُ‏ أصلاً‏ لھ شُعَبٌ‏ متعدّ‏ ‏ِدَةٌ،‏ وكل ُّ شُعبةٍ‏ منھا تُسمى إیماناً؛<br />

فالصلاةُ‏ من الإیمان (2) ، وكذلك الزكاةُ‏ والصومُ‏ والحج ُّ،‏ والأعمالُ‏ الباطنةِ؛<br />

كالحیاءِ‏ والتوكلِ‏ والخشیةِ‏ من اللھِ‏ والإنابة إلیھ،‏ حتى تنتھي ھذه الش ُّعَب إِلى<br />

إماطَةِ‏ الأذى عن الطریق فإنھ مِن شُعَبِ‏ الإیمان،‏ وھذه الش ُّعَب منھا ما<br />

یزولُ‏ الإیمانُ‏ بزوالھا،‏ كشعبَةِ‏ الشھادَةِ،‏ ومنھا ما لا یزول بزوالھا،‏ كترك<br />

إماطة الأذى عن الطریق،‏ وبینھُما شُعَبٌ‏ متفاوتةٌ‏ تفاوتاً‏ عظیماً،‏ منھا ما<br />

یَقْرُ‏ بُ‏ من شعبةِ‏ الشھادَةِ،‏ ومنھا ما یقربُ‏ من شعبةِ‏ إماطة الأذى (3) ، وكما أ َّن<br />

أن یفھم من ‏"البذاذة"‏ إھمال نظافة البدن والثوب ‏-كما یفعل ذلك بعض الجھلة-‏<br />

فاللھ تعالى جمیل یحب الجمال،‏ والنظافة والطھور من الإیمان.‏<br />

(1 ( صحیح.‏ قلت:‏ الموالاة والمعاداة في اللھ و‏ شرط لصحة الإیمان؛ لأن<br />

المحبوب لذاتھ ھو اللھ تعالى وحده،‏ لا یجوز أن یشركھ في ذلك أحدٌ‏ من خلقھ،‏<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى )<br />

247


شُعَبَ‏ الإیمان إِیمانٌ،‏ فكذا شعَبُ‏ الكفر كفرٌ‏ ، فالحكم بما أنزلَ‏ اللھُ‏ ‏-مثلاً-‏ من<br />

شُعَبِ‏ الإیمانِ‏ ، والحكم بغیر ما أنزلَ‏ اللھُ‏ كُفْرٌ‏ .<br />

قال الحسن البصري رحمھ اللھ:‏ لیس الإیمان بالتحلي ولا بالتمنّ‏ ‏ِي،‏<br />

ولكنھُ‏ ما وقرَ‏ في الصدرِ‏ ، وصد َّقتھُ‏ الأعما ‏ُل (1) .<br />

‏-صلاحُ‏ الظاھِرِ‏ مِن صَلاحِ‏ الباطنِ‏<br />

لاشك َّ أنھ یلزمُ‏ من عَدمِ‏ طاعةِ‏ الجوارح عَدَمُ‏ طاعَةِ‏ القلب،‏ إذْ‏ لو أطاعَ‏<br />

القلبُ‏ وانقادَ‏ لأطاعتِ‏ الجوارِ‏ حُ‏ وانقادَتْ‏ ، ویَلْزَ‏ مُ‏ من عَدَمِ‏ طاعةِ‏ القلبِ‏<br />

وانقیادِه عدَم التصدیق المستلزمِ‏ للطاعَةِ،‏ قال ε: ‏"إن في الجسد مُضغةً‏ إذا<br />

صلَحَتْ‏ صلحَ‏ لھا سائِرُ‏ الجسَدِ،‏ وإذا فسدَت فسَدَ‏ لھا سائِرُ‏ الجسَدِ،‏ ألا وھي<br />

. فمن صَلَحَ‏ قلبُھُ‏ صلَحَ‏ جسَدُه قطعاً،‏ بخلاف العكس (1) .<br />

القلبُ‏ " (3)<br />

- (2)<br />

( 1 )<br />

فیھ أن التصدیق یكون بالعمل الظاھر على الجوارح،‏ كما یكون في القلب؛<br />

وبالتالي فإن حصر التصدیق في القلب فیھ نظر،‏ قال ابن تیمیة في الفتاوى<br />

/7)<br />

248


فعل شیئاً‏ من واجباتھ بلا خوف،‏ فھذا لا یكون مؤمناً‏ في الباطن،‏ وإنما ھو<br />

كافر.‏<br />

وزعم جھم ومن وافقھ أنھ یكون مؤمناً‏ في الباطن،‏ وأن مجرد معرفة القلب<br />

وتصدیقھ یكون إیماناً‏ یوجب الثواب یوم القیامة بلا قول ولا عمل ظاھر،‏ وھذا<br />

باطل شرعاً‏ وعقلاً‏ وقد كف َّر السلف كوكیع وأحمد وغیرھما من یقول بھذا<br />

القول،‏ وقد قال النبي ε: ‏"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلھ،‏<br />

وإذا فسدت فسد الجسد كلھ ألا وھي القلب"،‏ فبین أن صلاح القلب مستلزم<br />

لصلاح الجسد،‏ وإذا كان الجسد غیر صالح دل على أن القلب غیر صالح،‏<br />

والقلب المؤمن صالح،‏ فعلم أن من یتكلم بالإیمان ولا یعمل بھ لا یكون قلبھ<br />

مؤمناً؛ وذلك أن الجسد تابع للقلب فلا یستقر شيء في القلب إلا َّ ظھر موجبھ<br />

ومقتضاه على البدن ولو بوجھ من الوجوه ا-ھ.‏<br />

وقال رحمھ اللھ في الفتاوى (273/18): فالظاھر والباطن متلازمان،‏ لا<br />

یكون الظاھر مستقیماً‏ إلا َّ مع استقامة الباطن،‏ وإذا استقام الباطن فلا بد أن<br />

یستقیم الظاھر ا-ھ.‏<br />

وقال (221/7): والقرآن یبین أن إیمان القلب یستلزم العمل الظاھر بحسبھ،‏<br />

كقولھ تعالى:‏ ‏[ویقولون آمنا با‏ وبالرسول وأطعنا ثم یتولى فریق منھم من<br />

بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنین]‏ إِلى قولھ:‏ ‏[إنما كان قول المؤمنین إذا دعوا<br />

إِلى اللھ ورسولھ لیحكم بینھم أن یقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك ھم<br />

المفلحون]،‏ فنفى الإیمان عمن تولىعن طاعة الرسول،‏ وأخبر أن المؤمنین إذا<br />

دعوا إِلى اللھ ورسولھ لیحكم بینھم سمعوا وأطاعوا،‏ فبین أن ھذا من لوازم<br />

الإیمان ا-ھ.‏<br />

وقال (533/7): وبھذا یظھر خطأ جھم ومن اتبعھ في زعمھم أن مجرد<br />

إیمان بدون الإیمان الظاھر ینفع في الآخرة،‏ فإن ھذا ممتنع إذ لا یحصل<br />

الإیمان التام في القلب إلا َّ ویحصل في الظاھر موجبھ بحسب القدرة،‏ فإن من<br />

الممتنع أن یحب الإنسان غیره حباً‏ جازماً‏ وھو قادر على مواصلتھ ولا یحصل<br />

منھ حركة ظاھرة إِلى ذلك ا-ھ.‏<br />

وقال (187/7): فإذا كان فیھ ‏-أي القلب-‏ معرفة وإرادة سرى ذلك إِلى البدن<br />

بالضرورة،‏ لا یمكن أن یتخلف البدن عما یریده القلب.‏ فإذا كان القلب صالحاً‏<br />

بما فیھ من الإیمان علماً‏ وعملاً‏ قلبیاً،‏ لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول<br />

الظاھر والعمل بالإیمان المطلق،‏ كما قال أئمة أَھْل الحدیث:‏ قول وعمل؛ قول<br />

باطن وظاھر،‏ وعمل باطن وظاھر،‏ والظاھر تابع للباطن لازم لھ متى صلح<br />

249


الباطن صلح الظاھر،‏ وإذا فسد فسد،‏ ولھذا قال من قال من الصحابة عن<br />

المصلي العابث:‏ لو خشع قلب ھذا لخشعت جوارحھ ا-ھ.‏<br />

ومما تقدم تعلم خطأ الذین تابعوا جھماً‏ في كثیر من أقوالھ في الكفر والإیمان،‏<br />

حیث یفترضون وجود إیمانٍ‏ نافع في القلب یرافقھ ظاھر كافر متمرد على<br />

طاعة اللھ.‏ ومن ذلك قول الشیخ محمد ناصر الدین الألباني ‏-والذي تابعھ علیھ<br />

كثیر ممن یقلدوه!‏ ‏-في شریطھ المعروف ب ‏"الكفر كفران!‏ فإن كان القلب<br />

مؤمناً‏ والعمل كافراً،‏ فھنا یتغلب الحكم المستقر في القلب على الحكم المستقر<br />

في العمل..‏ لا یوجد عندنا في الشریعة أبداً‏ نص یصرح ویدل دلالة واضحة<br />

على أن من آمن بما أنزل اللھ لكنھ لم یفعل بشيء مما أنزل اللھ فھذا ھو<br />

كافر..‏ لا یجوز سحب ھذه الآیة ‏-ومن لم یحكم بما أنزل اللھ فأولئك ھم<br />

الكافرون-‏ على أولئك المسلمین لأنھم یختلفون عن المشركین بأنھم آمنوا بما<br />

أنزل اللھ لكن إیمانھم بما أنزل اللھ لم یقترن بھ العمل!،‏ بینما أولئك الكفار<br />

جحدوا ما أنزل اللھ قلباً‏ وقالباً..‏ لكننا نفرق بین الكفر المقصود قلباً‏ وبین الكفر<br />

الذي لم یقصد قلباً.‏ وإنما قالباً‏ وفعلاً..‏ انتھى الاقتباس من الشریط.‏ وغیرھا<br />

كثیر من العبارات التي تدل على أن كلاً‏ من القلب والجوارح یتحرك بمفرده<br />

وبطریقتھ المستقلة والمنعزلة عن الآخر!‏ فھومؤمن في قلبھ لكنھ كافر في<br />

ظاھره..‏ فتأمل!!.‏<br />

ومن إطلاقاتھ الغریبة في ذلك قولھ في السلسلة (112-111/6): فلا یجوز<br />

حمل ھذه الآیات ‏-ومن لم یحكم بما أنزل اللھ..‏ - على بعض الحكام المسلمین<br />

وقضاتھم الذین یحكمون بغیر ما أنزل اللھ من القوانین الأرضیة،‏ أقول:‏ لا<br />

یجوز تكفیرھم بذلك وإخراجھم من الملة إذا كانوا مؤمنین باللھ ورسولھ،‏ وإن<br />

كانوا مجرمین بحكمھم بغیر ما أنزل اللھ،‏ لا یجوز ذلك،‏ لأنھم وإن كانوا<br />

كالیھود من جھة حكمھم المذكور،‏ فھم مخالفون لھم من جھة أخرى،‏ ألا وھي<br />

إیمانھم وتصدیقھم بما أنزل اللھ،‏ بخلاف الیھود الكفار،‏ فإنھم كانوا جاحدین لھ<br />

كما یدل علیھ قولھم المتقدم:‏ ‏"وإن لم یعطكم حذرتموه فلم تحكموه"،‏ بالإضافة<br />

إِلى أنھم لیسوا مسلمین أصلاً،‏ وسر ھذا أن الكفر قسمان،‏ اعتقادي وعملي،‏<br />

فالاعتقادي مقره القلب،‏ والعملي محلھ الجوارح!!‏ ا-ھ.‏<br />

:"<br />

فتأمل،‏ فھم ‏-أي الحكام-‏ في الباطن مؤمنون بما أنزل اللھ،‏ ومع ذلك فھم في<br />

الظاھر كالیھود لا یحكمون بما أنزل اللھ..‏ وھذا لا یستلزم عند الشیخ ومن<br />

تابعھ تكفیرھم،‏ لأن باطنھم ‏-وإن جاء مخالفاً‏ لظاھرھم الكافر-‏ مستقر على<br />

التصدیق والإیمان..!!‏<br />

250


‏-الإیمانُ‏ یزدادُ‏ وینقصُ‏<br />

- (2)<br />

-<br />

والشیخ عندما یقسم الكفر إِلى كفرین،‏ فھو لا یرید تقسیم أَھْل الس ُّن َّة الذین<br />

قسموا الكفر إِلى كفر أكبر وكفر أصغر،‏ وإنما یرید تقسیم جھم بن صفوان ومن<br />

تابعھ من غلاة المرجئة للكفر؛ كفر باطن مقره القلب وھو الذي یخرح من<br />

الملة،‏ وكفر ظاھر مقره الجوارح لا یخرج صاحبھ من الملة مھما كان بواحاً.‏<br />

وإلیك بعض أقوالھ في ذلك مقتبسة من شریطھ ‏"الكفر كفران!‏ " حیث قال:‏<br />

الكفر الاعتقادي یختلف عن الكفر العملي من حیث أنھ كفر قلبي،‏ أما الكفر<br />

العملي لیس كفراً‏ قلبیاً‏ وإنما ھو كفر عملي!!..‏ ھل انتبھت سابقاً‏ أو لاحقاً‏ في<br />

ھذه الجلسة أن الكفر عمل قلبي ولیس عمل بدني!!‏ ھل انتبھت لھذا أم لا!!‏ ..<br />

ا-ھ.‏<br />

وقد رددنا على ھذا الشریط المذكور لما فیھ من الطامات-‏ بمصنف مطبوع<br />

یزید عن المائتي صفحة،‏ فلیراجعھ من یشاء.‏<br />

( 1 )<br />

قولھ ‏"بخلاف العكس"‏ أي أحیاناً‏ یستلزم صلاح الجسد صلاح القلب ویدل<br />

علیھ،‏ ولكن لیس على الاطلاق ووجھ الجزم لاحتمال النفاق،‏ حیث أن المنافق<br />

یُظھر من الأعمال الصالحة ما لیس في قلبھ من الاعتقاد والكفر،‏ ومع ذلك فإن<br />

المنافق لا نستطیع أن نحكم على صلاح ظاھره كما لو كان سلیم الباطن<br />

والاعتقاد،‏ حیث أن القرائن العملیة الدالة على كفره ونفاقھ لا بد من أن تظھر<br />

بین الفینة والأخرى من خلال فلتات اللسان أو المواقف التي لا یمكن لھ أن<br />

یتجنبھا أو یتجاوزھا بحكم انقیاده لاعتقاده الفاسد في الباطن.‏<br />

وقد تقدم قول ابن تیمیة:‏ وذلك أن الجسد تابع للقلب فلا یستقر شيء في القلب<br />

إلا َّ ظھر موجبھ ومقتضاه على البدن ولو بوجھ من الوجوه ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ فمن استقر في قلبھ النفاق،‏ لابد من أن یظھر نفاقھ على جوارحھ وفي<br />

مواقفھ ولو بوجھ من الوجوه.‏ ومنھ تعلم أن صلاح ظاھر المنافق لا یتساوى مع<br />

صلاح ظاھر المؤمن الصادق في إیمانھ.‏<br />

( 2 )<br />

أي یزداد بالطاعات،‏ وینقص بالذنوب والمعاصي،‏ ومن لوازم ھذا القول<br />

التسلیم بأن المعاصي والذنوب تؤثر على الإیمان ضعفاً‏ وسلباً‏ بحسب نوعھا<br />

وكمھا،‏ حیث كلما كبرت الذنوب وكثرت كلما ضعف الإیمان،‏ فكبائر الذنوب<br />

تضعف الإیمان أكثر من الصغائر،‏ والكفر أو الشرك أثره على الإیمان أشد من<br />

اجتماع الكبائر كلھا معاً.‏<br />

وبالتالي من یقول:‏ الإیمان یزداد وینقص یلزمھ أن یمیز بین الشرك وغیره من<br />

الذنوب من حیث أثرھا على الإیمان ضعفاً‏ وقوةً،‏ ومن لا ینفي الإیمان بالشرك<br />

251


قال تعالى:‏ ‏[وإذا تُلِیَتْ‏ علیھم آیاتُھ زادَتھم إیماناً]‏ 3.<br />

اللھُ‏ الذین اھتدَوا ھُدَىً‏ [ مریم:‏<br />

الأنفال:‏<br />

‏[ویزیدُ‏<br />

252


τ<br />

وحدیث الشفاعَةِ،‏ وأنھ یخرجُ‏ مِنَ‏ النارِ‏ من في قلبھِ‏ أدنى أدنى مثقالِ‏ ذَر َّ ةٍ‏ من<br />

إیمانٍ‏ .<br />

فكیف یُقال بعد ھذا إن إیمانَ‏ أَھْلِ‏ السماواتِ‏ والأرض سواء؟!‏ وإنما<br />

التفاضلُ‏ بینھم بمعانٍ‏ أُخر غیرِ‏ الإیمان (1) .<br />

ومن كلام الصحابة،‏ قول <strong>أبي</strong> الدرداء:‏ مِن فِقھِ‏ العبدِ‏ أن یتعاھدَ‏ إیمانَھُ‏ وما<br />

نقصَ‏ منھ،‏ ومن فقھ العبدِ‏ أن یعلَمَ:‏ أیزدادُ‏ ھو أم ینقصُ‏ ؟<br />

وكان عمر یقول لأصحابھ ھَلُم ُّوا نَزدَدْ‏ إیماناً،‏ فیذكرونَ‏ اللھَ‏ Υ.<br />

وكان ابن مسعود یقولُ‏ في دعائھ:‏ اللھم َّ زِ‏ دنا إیماناً‏ ویقیناً‏ وفقھاً(‏‎2‎‏)‏ .<br />

وكان معاذ بن جبل یقولُ‏ لِرجُلٍ:‏ اجلِسْ‏ بنا نؤمن ساعَةً(‏‎3‎‏)‏ . ومثلھ عن عبد<br />

اللھ بن رواحة.‏ وصح َّ عن عمار بن یاسرٍ‏ أنھ قال:‏ ثلاثٌ‏ من كُن َّ فیھ فقد<br />

استكمل الإیمانَ:‏ إنصافٌ‏ من نفسِھ،‏ والإنفاقُ‏ مِن إقتارٍ‏ ، وبذلُ‏ السلام<br />

للعالَم (4) .<br />

‏-مُسم َّى الإیمان أحیاناً‏ یتضمنُ‏ العملَ‏ ویشملُ‏ الإسلام (5) -<br />

ب-‏ حب ٌّ ینفي مطلق الإیمان:‏ كأن تكون طاعة بعض الناس أحب إِلى قلبھ من<br />

طاعة النبي ε، وحكمھ مقدم عنده على حكم النبي ε، ومثل ھذا النوع من الحب<br />

لاشك َّ أنھ ینفي عن صاحبھ مطلق الإیمان.‏<br />

( 1 )<br />

فیھ رد على ما جاء في متن الطحاوي رحمھ اللھ وھو قولھ:‏ ‏"وأھلھ في أصلھ<br />

سواء،‏ والتفاضل بینھم بالخشیة والتقى..‏ "، وكان الشارح من قبل یظھر أن<br />

خلاف أصحاب ھذا القول مع أَھْل الس ُّن َّة والحدیث خلاف صوري لا حقیقي!!.‏<br />

( 2 )<br />

قال الھیثمي في المجمع (185/10): إسناده جید.‏<br />

(3 ( رواه ابن <strong>أبي</strong> شیبة بسند صحیح.‏<br />

(4 ( رواه ابن <strong>أبي</strong> شیبة بإسناد صحیح عنھ موقوفاً.‏<br />

ھل یتضمن الإیمان الإسلام،‏ أم ٍ لكلّ‏ منھما لھ معناه المغایر،‏ وھل الإسلام<br />

یأتي أحیاناً‏ متضمناً‏ للإیمان..؟ ھذه مسألة كنت قد كتبت فیھا في كتابي ‏"قواعد<br />

في التكفیر"‏ بشيء من التفصیل،‏ وإتماماً‏ للفائدة أنقلھ ھنا فأقول:‏<br />

خلاصة ما قیل في المسألة،‏ والذي دل َّت علیھ النصوص من الكتاب والسنة أ َّن<br />

الإیمان أحیاناً‏ یطلق ویكون لھ معنى مغایر للإسلام،‏ وكذلك الإسلام فإنھ أحیاناً‏<br />

یطلق ویكون لھ معنى مغایر للإیمان.‏ وفي ھذه الحالة یكون الإیمان مكانھ<br />

القلب ویتضمن الأعمال القلبیة كالإیمان باللھ،‏ وملائكتھ،‏ وكتبھ،‏ ورسلھ،‏<br />

والیوم الآخر،‏ والقضاء والقدر خیره وشرّ‏ ه،‏ والحب في اللھ والكره في اللھ.‏<br />

253<br />

( 5 )


ε<br />

أم َّا الإسلام فیكون مكانھ الجوارح ویتضمن الأعمال الظاھرة من صلاة<br />

وصوم،‏ وحج،‏ وزكاة وغیر ذلك.‏<br />

ودلیل ذلك،‏ سؤال جبریل النب‏ َّي ε عن الإسلام والإیمان،‏ قال:‏ یا محم َّد<br />

أخبرني عن الإسلام.‏ فقال رسول اللھ ε: ‏"الإسلام:‏ أنْ‏ تشھَدَ‏ أنْ‏ لا إلھ إلا اللھ،‏<br />

وأن َّ محمداً‏ رسول اللھ وتُقیمَ‏ الصلاةَ،‏ وتؤتي الزكاةَ،‏ وتصومَ‏ رمضانَ،‏ وتح‏ َّج<br />

البیت إن استطعت إلیھ سبیلاً".‏ قال:‏ صدَقتَ‏ . قال:‏ فأخبرني عن الإیمان.‏ قال:‏<br />

‏"أن تؤمِنَ‏ باللھ،‏ وملائكتِھ وكُتُبِھ،‏ ورسُلھ،‏ والیوم الآخر،‏ وتؤمِنَ‏ بالقَدرِ‏ خیرِ‏ هِ‏<br />

ِ وشَرّ‏ هِ".‏ قال:‏ صدقت.‏ ‏(رواه مسلم وغیره).‏ ففسر الإسلام بأمر ظاھر بینما<br />

فسر الإیمان بأمر باطن.‏<br />

وكان النبي یقول:‏ ‏"اللھُم َّ مَن أحییتَھُ‏ منا،‏ فأحیِھ على الإسلام،‏ ومن توفیتَھُ‏<br />

منا،‏ فتوفھ على الإیمان".‏ ‏(رواه الترمذي وقال:‏ حسن صحیح،‏ والحاكم في<br />

صحیحھ،‏ ووافقھ الذھبي).‏<br />

قال ابن رجب في جامع العلوم (108/1): لأن َّ العمل بالجوارح إن َّما یتمكن<br />

منھ في الحیاة،‏ فأما عند الموت فلا یبقى غیرُ‏ التصدیق بالقلب ا ھ.‏<br />

وقال ε: ‏"من صل َّى صلاتنا،‏ واستقبل قبلتنا،‏ وأكل ذبیحتنا فذلكم المسلم".‏<br />

‏(رواه البخاري وغیره)،‏ وھذه أعمال ظاھرة من عمل الجوارح.‏<br />

وفي صحیح مسلم أن رجلاً‏ سأل رسولَ‏ اللھ ε، أي المسلمین خیر؟ قال:‏ ‏"من<br />

سلم المسلمون من لسانھ ویده".‏ بینما عندما سئل عن المؤمن قال:‏ ‏"من أمنھ<br />

الناس على أموالھم وأنفسھم".‏ ففسر المؤمن بأمر باطن،‏ وھو أن یأمنھ الناس،‏<br />

والأمان مكانھ القلب،‏ بینما فسر المسلم بأمر ظاھر،‏ وھو سلامة المسلمین من<br />

لسانھ ویده،‏ وكلاھما شيء ظاھر.‏<br />

وفي حدیث عمرو بن عبسة،‏ أن رجلاً‏ قال للنبيِّ‏ ε: ما الإسلام؟ قال:‏ ‏"إطعام<br />

الطعام ولین الكلام".‏ قال:‏ فما الإیمان؟ قال:‏ ‏"السماحة والصبر".‏ ففسر الإسلام<br />

بأمر ظاھر،‏ وفس َّرَ‏ الإیمان بأمر باطن لأن َّ السماحة والصبر مكانھما القلب.‏<br />

وكذلك قولھ في ‏(الصحیحین):‏ ‏"لا یؤمن أحدكم حتى یحب َّ لأخیھ ما یح‏ ُّب<br />

لنفسھ".‏ وقولھ:‏ ‏"لا یؤمن أحدكم حتى أكونَ‏ أحب َّ إلیھ من والده والناس<br />

أجمعین".‏ وقولھ:‏ ‏"ثلاثٌ‏ مَن كن َّ فیھ وجد حلاوة الإیمان:‏ أن یكون اللھُ‏<br />

ورسولُھ أحب َّ إلیھ مما سواھما،‏ وأن یحب المرء لا یحبھ إلا َّ ، وأن یكره أن<br />

یعود في الكفر كما یكره أن یُقذف في النار".‏ والحب والكره ھما من أعمال<br />

القلوب.‏ وكذلك قول النبيِّ‏ ε في الأنصار:‏ ‏"لا یحبھم إلا َّ مؤمن،‏ ولا یبغضھم إلا َّ<br />

منافق"‏ رواه مسلم.‏ والأحادیث في ھذا الباب كثیرة،‏ وقد استفاضت بھا الس ُّن َّة.‏<br />

-<br />

254<br />

ε


وأحیاناً‏ یُطلق الإیمان ویكون شاملاً‏ للإسلام متضمناً‏ لھ،‏ وكذلك الإسلام فإنھ<br />

أحیاناً‏ یُطلق ویكون متضمناً‏ للإیمان،‏ وفي ھذه الحالة یكون الإیمان مكانھ<br />

الباطن والظاھر حیث أنھ یشمل العمل،‏ وكذلك الإسلام فإنھ یكون مكانھ الظاھر<br />

والباطن.‏<br />

كما في قولھ تعالى:‏ ‏[إن َّ الدین عند اللھ الإسلام]‏ وقولھ:‏ ‏[ومن یبتغِ‏ غیرَ‏<br />

الإسلام دیناً‏ فلن یُقبل منھ]‏ آل عمران:‏ و 85. فالإسلام الذي لا یقبل اللھ<br />

دیناً‏ غیره،‏ ھو الإسلام الذي یتضمن الإیمان والأعمال القلبیة،‏ والأعمال<br />

الظاھرة ولا یصح أن یقال غیر ذلك.‏<br />

وكذلك قولھ تعالى:‏ ‏[فأخرجنا من كان فیھا من المؤمنین فما وجدنا فیھا غیر<br />

بیت من المسلمین]‏ الذاریات 36-35. فالمسلم والمؤمن ھنا بمعنى واحد،‏ وكل<br />

منھما متضمن للآخر.‏ وھو كقولھ في السلام على مقابر المسلمین:‏ ‏"السلام<br />

على أَھْل الدیار من المؤمنین والمسلمین،‏ ویرحَمُ‏ اللھ المستقدمین من َّا<br />

والمتأخرین،‏ وإنا إن شاء اللھ بكم للاحقونَ"‏ رواه مسلم.‏ قال النووي في<br />

ال<strong>شرح</strong> (44/7): ولا یجوز أن یكون المراد بالمسلم في ھذا الحدیث غیر<br />

المؤمن لأن َّ المؤمن إن كان منافقاً‏ لا یجوز السلام علیھ والترحم ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ لعل الأصوب أن یُقال ‏"المسلم"‏ بدلاً‏ من كلمة ‏"المؤمن"‏ لأن المؤمن لا<br />

یصح أن یفترض فیھ النفاق،‏ فلا یجتمع في قلب واحد إیمان ونفاق مخرج من<br />

الملة،‏ بینما المسلم یمكن أن یكون في ظاھره مستسلماً‏ لأحكام الشریعة وفي<br />

باطنھ یُضمر الكفر والنفاق.‏<br />

وكذلك قول النبي ε، لوفد عبد القیس:‏ ‏"أتدرون ما الإیمان باللھ وحده؟"‏<br />

قالوا:‏ اللھ ورسولُھ أعلم،‏ قال:‏ ‏"شھادة أن لا إلھ إلا اللھ وأن محمداً‏ رسولُ‏<br />

اللھ،‏ وإقام الصلاة،‏ وإیتاء الزكاة،‏ وصیام رمضان،‏ وأن تعطوا من المغنم<br />

الخمس".‏ ففسر الإیمان بالإسلام مما دل َّ أن َّ الإیمان أحیاناً‏ یشمل الإسلام.‏<br />

وفي مسند الإمام أحمد،‏ عن عمرو بن عبسة،‏ قال:‏ جاءَ‏ رجلٌ‏ إِلى النبيِّ‏ ε،<br />

فقال:‏ یا رسول اللھ،‏ ما الإسلام؟ قال:‏ ‏"أن تُسلم قلبكَ‏ وأن یسلم المسلمونَ‏<br />

من لسانِكَ‏ ویدِكَ‏ "، قال:‏ فأي ُّ الإسلام أفضلُ؟ قال:‏ ‏"الإیمان".‏ قال:‏ وما الإیمان؟<br />

قال:‏ أن تؤمِن باللھ،‏ وملائكتھ،‏ وكتبِھ،‏ ورسُلِھ،‏ والبعثِ‏ بعدَ‏ الموت"‏ قال:‏ فأ ُّي<br />

الإیمان أفضلُ؟ قال:‏ ‏"الھجرة".‏ قال:‏ فما الھجرةُ؟ قال:‏ ‏"أن تھجُرَ‏ الس ُّوءَ"،‏ قال:‏<br />

فأي ُّ الھجرة أفضل؟ قال:‏ ‏"الجھاد"؛ قال الھیثمي في ‏"المجمع"‏<br />

أحمد،‏ والطبراني في الكبیر بنحوه،‏ ورجالھ ثقات.‏<br />

59/1: رواه<br />

19<br />

255<br />

ε


فجعل النبي ε الإیمان داخلاً‏ في الإسلام وھو أفضلھ،‏ ثم أدخل الأعمال<br />

كالھجرة والجھاد في مسمى الإیمان وجعلھا منھ.‏ كما فسر الإسلام بأمر باطني<br />

وھو استسلام القلب Υ.<br />

وكذلك قولھ ε: ‏"لایدخل الجنة إلا َّ نفس مسلمة"‏ رواه البخاري.‏ فالإسلام ھنا<br />

یشمل الإیمان،‏ لأن من لوازم دخول الجنة الإیمان باللھ Υ. كما قال لعمر:‏<br />

‏"یا ابن الخطاب!‏ اذھب فنادِ‏ في الناس:‏ إنھ لا یدخل الجنة إلا َّ المؤمنون"‏ رواه<br />

أحمد،‏ ومسلم،‏ صحیح الجامع:‏ "7837". وفي حدیث آخر قال:‏ ‏"یا ابن عوف!‏<br />

اركب فرسك،‏ ثم نادِ:‏ إن َّ الجنة لا تحل ُّ إلا َّ لمؤمنٍ"‏ رواه أبو داوود،‏ صحیح<br />

الجامع الصغیر:‏ "7840".<br />

تنبیھ:‏ بقي أمرٌ‏ لا بد َّ من ذكره والتنبیھ علیھ،‏ وھو أن َّ كل مؤمن مسلم،‏ وذلك<br />

أن َّ المؤمن الصادق في إیمانھ لا بد َّ من أن یدفعھ إیمانھ للعمل وأن تظھر آثاره<br />

على جوارحھ بفعل الأركان والطاعات،‏ والإنتھاء عما نُھي عنھ.‏ كما في<br />

الحدیث الصحیح:‏ ‏"ألا وإن َّ في الجسد مضغةً‏ إذا صلحت صلح الجسد كل ُّھ،‏ وإذا<br />

فسدت فسد الجسدُ‏ كل ُّھ،‏ ألا وھي القلب".‏<br />

قال ابن حجر في ‏"الفتح"(‏‎128/1‎‏):‏ خص َّ القلبَ‏ بذلك لأنھ أمیر البدن،‏<br />

وبصلاح الأمیر تصلح الرعیة،‏ وبفساده تفسد ا-ھ.‏ لذلك فأیما امرءٍ‏ یدعي<br />

الإیمان في قلبھ،‏ وأنھ یصدق بكل ما جاء بھ الإسلام،‏ وھو بنفس الوقت لا یقوم<br />

بأركان الإسلام ولا بشئٍ‏ من واجبات الإیمان ومتطلباتھ العملیة،‏ فھو كافر<br />

كذ َّاب لأن َّ الفرع دلیل على الأصل،‏ والظاھر دلیل على الباطن،‏ فخراب<br />

الظاھر من خراب الباطن كما أن َّ صلاح الظاھر من صلاح الباطن،‏ فھو لازم<br />

لملزوم.‏<br />

ولیس كل مسلم مؤمناً؛ لاحتمال أن یكون المسلم منافقاً،‏ حیث أنھ یأتي بأركان<br />

الإسلام.‏ فمثل ھذا وإن كان كافراً‏ مخلداً‏ في نار جھنم وفي الدرك الأسفل منھا،‏<br />

إلا َّ أنھ في الدنیا یعامل معاملة المسلمین بناء على ظاھره ما لم یُعرف نفاقھ<br />

ویظھر.‏<br />

ومما تقدم نستطیع أن نقول:‏ أن َّ كل مؤمن بالمعنى المتضمن للعمل یدخل<br />

الجنة،‏ ولیس كل مسلم ‏-بالمعنى المغایر للإیمان-‏ یدخل الجنة.‏ أما إن كان<br />

بالمعنى المتضمن للإیمان والاعتقاد،‏ یكون كل مسلم یدخل الجنة وھو من<br />

أھلھا.‏<br />

ε<br />

256


.2<br />

قال تعالى:‏ ‏[إنما المؤمنون الذین إذا ذُكِرَ‏ اللھُ‏ وجِ‏ لَتْ‏ قلوبُھم]‏ الأنفال:‏<br />

‏[ولو كانوا یؤمنون باللھ والنبيّ‏ ِ وما أُنزِ‏ لَ‏ إلیھ ما اتخذوھم أولیاءَ]‏<br />

المائدة:‏<br />

257


وقولھ تعالى:‏<br />

الأحزاب:‏<br />

‏[إن َّ المسلمین والمسلماتِ‏ والمؤمنینَ‏ والمؤمنا ‏ِت]‏<br />

258


‏-مسألةُ‏ الاستثناءِ‏ في الإیمان-‏<br />

وھو أن یقولَ‏ الرجلُ:‏ أنا مؤمنٌ‏ إن شاءَ‏ اللھُ.‏ والناسُ‏ فیھ على ثلاث‏ ‏ِة<br />

أقوالٍ:‏ طرفان ووسط،‏ منھم مَن یوجِ‏ بُھ،‏ ومنھم من ِ یُحرّ‏ مُھ،‏ ومنھم من<br />

یُجیزُ‏ ه باعتبارٍ‏ ویمنعُھ باعتبار،‏ وھذا أصح ُّ الأقوال،‏ وھم أسعدُ‏ بالدلیلِ‏ من<br />

الفریقین:‏ فإن أرادَ‏ المستثني الشك َّ في أصل إیمانھ مُنع مِنَ‏ الاستثناءِ،‏ وھذا<br />

مما لا خلافَ‏ فیھ،‏ وإن أرادَ‏ أنھ مؤمِنٌ‏ من المؤمنین الذین وصفھم اللھ:‏<br />

أولئكَ‏ ھم المؤمنون حق َّاً‏ لھم درجاتٌ‏ عند ربّ‏ ‏ِھم ومغفرةٌ‏ ورِ‏ زقٌ‏ كریمٌ‏<br />

الأنفال:‏ 4. فالاستثناء حینئذٍ‏ جائِزٌ‏ (1) ، وكذلك من استثنى وأرادَ‏ عدَمَ‏ علمھِ‏<br />

بالعاقبة،‏ وكذلك من استثنى تعلیقاً‏ للأمر بمشیئةِ‏ اللھ،‏ لاشكاً‏ في إیمانھ (2) .<br />

[<br />

259<br />

ε<br />

]<br />

الموت".‏ قال الھیثمي في المجمع (59/1): رواه أحمد،‏ والطبراني في الكبیر<br />

بنحوه،‏ ورجالھ ثقات.‏<br />

فانظر كیف فسر النبي في أول الحدیث الإسلام بأمر باطن وظاھر في آنٍ‏<br />

معاً،‏ وھو إسلام القلب ، وأن یسلم المسلمون من لسانك ویدك.‏<br />

ثم انظر كیف جعل الإسلام متضمناً‏ للإیمان،‏ ثم كیف فسر الإیمان بالأصول<br />

التي ھي من أعمال القلب.‏<br />

وكذلك قولھ ε: ‏"لا یدخل الجنة إلا َّ نفسٌ‏ مسلمة"،‏ فالإسلام ھنا یشمل الإیمان<br />

ویتضمنھ،‏ لأن المنافق الذي لا یعتقد الإیمان لایدخل الجنة،‏ بل ھو في الدرك<br />

الأسفل من النار.‏<br />

خلاصة القول:‏ قد تقدمت الإشارة إِلى أن الإیمان یُطلَق أحیاناً‏ ویكون شاملاً‏<br />

للإسلام،‏ وأحیاناً‏ یُطلق ویكون مغایراً‏ لھ.‏<br />

وكذلك الإسلام،‏ أحیاناً‏ یطلق ویكون شاملاً‏ للإیمان،‏ وأحیاناً‏ یُطلق ویكون مغایراً‏<br />

لھ.‏ ھذا الذي دلت علیھ نصوص الشریعة،‏ واللھ تعالى أعلم.‏<br />

( 1 )<br />

بل ھو واجب،‏ لأن عدم الاستثناء في ھذه الحالة یُعتبر نوعاً‏ من التألي على<br />

اللھ بغیر علم،‏ وفیھ تزكیة المرء لنفسھ على اللھ،‏ واللھ تعالى یقول:‏ ‏[فلا تزكوا<br />

أنفسكم ھو أعلم بمن اتقى].‏<br />

( 2 )<br />

الاستثناء یكون كذلك للعمل،‏ لأن العمل من الإیمان،‏ والمرء لم یأت بمطلق<br />

العمل لذا فھو یستثني لھ،‏ بخلاف المرجئة والجھمیة الذین یحصرون الإیمان<br />

في التصدیق فھم لا یرون الاستثناء في الإیمان،‏ لأن الاستثناء عندھم یستلزم<br />

الشك في التصدیق!.‏<br />

وقد سئل الإمام أحمد عن الاستثناء في الإیمان،‏ فقال:‏ نعم،‏ الاستثناء على غیر<br />

معنى شك مخافة واحتیاطاً‏ للعمل،‏ وقد استثنى ابن مسعود وغیره،‏ وھو مذھب


الثوري،‏ قال اللھ عز وجل:‏ ‏[لتدخلن المسجدَ‏ الحرامَ‏ إن شاء اللھُ‏ آمنین]‏<br />

الفتح:‏ 27. وقال النبي ε لأصحابھ:‏ ‏"إني لأرجو أن أكون أتقاكم "، وقال في<br />

البقیع:‏ ‏"علیھ نبعث إن شاء اللھ"،‏ وقال:‏ ‏"وإنا إن شاء اللھ بكم لاحقون"،‏ قال:‏<br />

ھذا حجة في الاستثناء في الإیمان،‏ لأنھ لا بد من لحوقھم لیس فیھ شك.‏<br />

وقال أیضاً:‏ سمعت یحیى بن سعید القطان یقول:‏ ما أدركت أحداً‏ من أصحابنا<br />

لا ابن عون،‏ ولا غیره إلا َّ وھم یستثنون في الإیمان.‏<br />

وقال رحمھ اللھ لرجل:‏ ألیس الإیمان قولاً‏ وعملاً؟ قال الرجل:‏ بلى،‏ قال:‏<br />

فجئنا بالقول،‏ قال:‏ نعم،‏ قال:‏ فجئنا بالعمل؟ قال:‏ لا،‏ قال:‏ فكیف تعیب أن یقول<br />

إن شاء اللھ ویستثني؟ وقال:‏ الإیمان قول وعمل فجئنا بالقول ولم نجئ بالعمل،‏<br />

فنحن مستثنون بالعمل.‏<br />

وقال ‏-أي الإمام أحمد-‏ رحمھ اللھ:‏ بلغني عن عبد الرحمن بن مھدي أنھ قال:‏<br />

أول الإرجاء ترك الاستثناء.‏<br />

وقال:‏ لو كان القول كما تقول المرجئة أن الإیمان قول،‏ ثم استثنى بعد على<br />

القول لكان ھذا قبیحاً‏ أن تقول:‏ لا إلھ إلا اللھ إن شاء اللھ،‏ ولكن الاستثناء على<br />

العمل.‏ ‏(انظر كتاب الس ُّن َّة للخلال،‏ فصل الرد على المرجئة في الاستثناء في<br />

الإیمان،‏ ص<br />

وقال ابن تیمیة في الفتاوى (429/7 و 438): وأما الاستثناء في الإیمان بقول<br />

الرجل:‏ أنا مؤمن إن شاء اللھ،‏ فالناس فیھ على ثلاثة أقوال:‏ منھم من یوجبھ،‏<br />

ومنھم من یحرمھ،‏ ومنھم من یجوز الأمرین باعتبارین،‏ وھذا أصح الأقوال.‏<br />

فالذین یحرمونھ ھم المرجئة والجھمیة ونحوھم،‏ ممن یجعل الإیمان شیئاً‏ واحداً‏<br />

یعلمھ الإنسان من نفسھ،‏ كالتصدیق بالرب ونحو ذلك مما في قلبھ...‏ إِلى أن<br />

قال:‏ وأما مذھب سلف أصحاب الحدیث،‏ كابن مسعود وأصحابھ،‏ والثوري<br />

وابن عیینة،‏ وأكثر علماء الكوفة،‏ ویحیى بن سعید القطان فیما یرویھ عن<br />

علماء أَھْل البصرة،‏ وأحمد بن حنبل وغیره من أئمة السنة،‏ فكانوا یستثنون في<br />

الإیمان،‏ وھذا متواتر عنھم،‏ لكن لیس في ھؤلاء من قال:‏ أنا استثني لأجل<br />

الموافاة،‏ وأن الإیمان إنما ھو اسم لما یوافى بھ العبد ربھ،‏ بل صرح أئمة<br />

ھؤلاء بأن الاستثناء إنما ھو لأن الإیمان یتضمن فعل الواجبات،‏ فلا یشھدون<br />

لأنفسھم بذلك،‏ كما لا یشھدون لھا بالبر والتقوى،‏ فإن ذلك مما لا یعلمونھ وھو<br />

تزكیة لأنفسھم بلا علم ا-ھ.‏<br />

ومما تقدم تعلم أن أصل الخلاف في ھذه المسألة وغیرھا یعود إِلى الموقف من<br />

تعریف الإیمان،‏ ومنھ تعلم أیضاً‏ أن الخلاف بین أَھْل الس ُّن َّة الذین یقولون:‏<br />

260<br />

.(593


‏-قبولُ‏ خَبَرِ‏ الآحادِ‏ إن صَ‏ َّح-‏<br />

قولھ:‏ ‏"وجمیعُ‏ ما صَح َّ عن رسولِ‏ اللھ مِنَ‏ الش َّرْ‏ عِ‏ والبیانِ‏ كل ُّھُ‏<br />

حق ٌّ".‏ یشیرُ‏ رحمھ اللھ بذلك إِلى ِ الردّ‏ على الذین یُبطلونَ‏ أحادیث الآحاد،‏<br />

بقولھم:‏ أنھا لا تُفیدُ‏ العلمَ،‏ ولا یحتج ُّ بھا من جھةِ‏ طریقِھا،‏ ولا من جھة<br />

متنھا!‏ فسَد ُّوا على القلوب معرفَةِ‏ الربِّ‏ تعالى وأسمائِھ وصفاتِھ وأفعالِھ من<br />

جھةِ‏ الرسولِ،‏ وأحالُوا الناسَ‏ على قضایا وھمیة ومقدماتٍ‏ خیالیة سم َّوھا<br />

قواطِعَ‏ عقلیة،‏ وبراھینَ‏ یقینی َّة!!‏ وھي في التحقیق:‏ ‏[كسرابٍ‏ بقیعَةٍ‏ یحسَبُھُ‏<br />

الظمآنُ‏ ماءً‏ حتى إذا جاءَهُ‏ لم یجدْهُ‏ شیئاً]‏ النور:‏<br />

ε<br />

261


من الن َّسَبِ"‏ متفق علیھ.‏ وھو نظیرُ‏ خبَرِ‏ الذي أتى مسجد قباء،‏ وأخبرَ‏ أ َّن<br />

القبلةَ‏ تحو َّ لَت إِلى الكعبةِ،‏ فاستداروا إِلیھا.‏ ‏(متفق علیھ).‏<br />

وكان رسولُ‏ اللھِ‏ یُرسِلُ‏ رُ‏ سُلَھُ‏ آحاداً(‏‎1‎‏)‏ ، ویُرْ‏ سِلُ‏ كُتبَھُ‏ مع الآحادِ،‏ ولم<br />

یكن المرسَلُ‏ إلیھم یقولون:‏ لا نقبلُھُ‏ لأنھ خبَرُ‏ واحدٍ(‏‎2‎‏)‏ .<br />

ε<br />

262<br />

ε<br />

(1 ( كما في الصحیحین عن ابن عباس أن رسولَ‏ اللھ لم َّا بعثَ‏ معاذاً‏ إِلى الیمن،‏<br />

قال:‏ ‏"إنك تقدم على قومٍ‏ أَھْل كتابٍ،‏ فلیكن أو َّ لَ‏ ما تدعوھم إلیھ عبادةُ‏ اللھ فإذا<br />

عَرفوا اللھ،‏ فأخبرھم أن اللھَ‏ قد فرض علیھم خمس صلواتٍ‏ في یومھم<br />

ولیلتھم..".‏<br />

والحدیث فیھ رد على من ینكرون ‏-بغیر دلیل سوى اتباع الظن والھوى-‏ حجیة<br />

خبر الواحد في العقائد،‏ حیث أن معاذاً‏ كان واحداً،‏ ومع ذلك فقد أُمِر أن یبلغ<br />

الآخرین التوحید والعقائد التي تتضمن تعریفھم بخالقھم،‏ وحقھ علیھم.‏ ولو لزم<br />

‏-كما یزعم البعض-‏ لأمر النبي أصحابھ أن یبلغوا<br />

تبلیغ العقائد شرط التواتر<br />

عنھ التوحید والعقائد وھم جماعات جماعات،‏ ولم َّا لم یحصل ھذا وحصل<br />

خلافھ عُلِمَ‏ أنھ شرط باطل لا أصل لھ في دیننا.‏<br />

للشیخ محمد ناصر الدین الألباني كلام جید ‏-یرد فیھ على من یشترطون حد<br />

التواتر لقبول الخبر في العقائد ‏-في رسالتھ ‏"وجوب الأخذ بحدیث الآحاد في<br />

العقیدة"-‏ حیث یقول:‏ إن ھذا القول ‏-أن أحادیث الآحاد لا تفید العلم،‏ وأنھا لا<br />

تثبت بھا عقیدة-‏ وإن كنا نعلم أنھ قد قال بھ بعض المتقدمین من علماء الكلام،‏<br />

فإنھ منقوض من وجوه عدیدة:‏<br />

الوجھ الأول:‏ أنھ قول مبتدَع محدث،‏ لا أصل لھ في الشریعة الإسلامیة<br />

الغراء،‏ وھو غریب عن ھدي الكتاب وتوجیھات السنة،‏ ولم یعرفھ السلف<br />

الصالح رضوان اللھ تعالى علیھم،‏ ولم ینقل عن أحدٍ‏ منھم،‏ بل ولا خطر لھم<br />

على بال،‏ ومن المعلوم المقرر في الدین الحنیف أن كل أمرٍ‏ مبتدع من أمور<br />

الدین باطل مردود لا یجوز قبولھ بحال،‏ عملاً‏ بقول النبي ε: ‏"من أحدث في<br />

أمرنا ھذا ما لیس منھ فھو رد"‏ متفق علیھ.‏<br />

وإنما قال ھذا القول جماعة من علماء الكلام،‏ وبعض من تأثر بھم من علماء<br />

الأصول من المتأخرین،‏ وتلقاه عنھم بعض الكتاب المعاصرین بالتسلیم دون<br />

مناقشة ولا برھان،‏ وما ھكذا شأن العقیدة،‏ وخاصة من یشترط لثبوتھا القطعیة<br />

في الدلالة والثبوت.‏<br />

الوجھ الثاني:‏ أن ھذا القول یتضمن عقیدة تستلزم رد مئات الأحادیث<br />

الصحیحة الثابتة عن النبي لمجرد كونھا في العقیدة،‏ وھذه العقیدة ھي أن<br />

ε<br />

ε<br />

( 2 )


أحادیث الآحاد لا تثبت بھا عقیدة،‏ وإذا كان الأمر كذلك عند ھؤلاء المتكلمین<br />

وأتباعھم فنحن نخاطبھم بما یعتقدون،‏ فنقول لھم أین الدلیل القاطع على صحة<br />

ھذه العقیدة لدیكم من آیة أو حدیث متواتر قطعي الثبوت،‏ قطعي الدلالة أیضاً‏<br />

بحیث أنھ لا یحتمل التأویل.‏<br />

وقد یحاول البعض الإجابة عن ھذا السؤال،‏ فیستدل ببعض الآیات التي تنھى<br />

عن اتباع الظن،‏ كقولھ تعالى في حق المشركین:‏ ‏[إن یتبعون إلا َّ الظن وإن<br />

الظن لا یغني من الحق شیئاً]‏ النجم:‏ 28. ونحوھا،‏ وجوابنا على ذلك أن الذي<br />

أنزلت علیھ ھذه الآیة وغیرھا ھو الذي أنزلت علیھ الآیات الأخرى التي تأمر<br />

الأفراد والجماعات بنقل العلم كقولھ تعالى:‏ ‏[وما كان المؤمنون لینفروا كافة<br />

فلولا نفر من كل فرقة منھم طائفة لیتفقھوا في الدین ولینذروا قومھم إذا<br />

رجعوا إلیھم لعلھم یحذرون]‏ التوبة:‏ 122. والطائفة تقع على الواحد فما فوقھ<br />

في اللغة،‏ فأفادت الآیة أن الطائفة تنذر قومھا إذا رجعت إلیھم،‏ والإنذار<br />

والإعلام بما یفید العلم،‏ وھو یكون بتبلیغ العقیدة وغیرھا مما جاء بھ الشرع،‏<br />

وكقولھ تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبینوا]‏ الحجرات:‏<br />

6. وفي القراءة الأخرى ‏[فتثبتوا]،‏ وھذا یدل على الجزم والقطع بقبول خبر<br />

الواحد الثقة،‏ وأنھ لا یحتاج إِلى تثبت،‏ ولو كان خبره لا یفید العلم لأمر بالتثبت<br />

حتى یحصل العلم.‏ والمراد بالظن ‏-في الآیة-‏ الظن المرجوح الذي لا یفید<br />

علماً،‏ بل ھو قائم على الھوى والغرض المخالف للشرع ویوضح ذلك قولھ<br />

تعالى في آیة أخرى:‏ ‏[إن یتبعون إلا َّ الظن َّ وما تھوى الأنفس ولقد جاءھم من<br />

ربھم الھدى]‏ النجم:‏ 23. إِلى أن قال:‏ لو كان ھناك دلیل قطعي على أن العقیدة<br />

لا تثبت بخبر الآحاد كما یزعمون لصرح بذلك الصحابة،‏ ولما خالف في ذلك<br />

من سیأتي ذكرھم من العلماء،‏ لأنھ لا یعقل أن ینكروا الدلالة القاطعة أو تخفى<br />

علیھم،‏ لما ھم علیھ من الفضل والتقوى وسعة العلم..‏<br />

الوجھ الثالث:‏ أن ھذا القول مخالف لجمیع أدلة الكتاب والسنة التي نحتج نحن<br />

وإیاھم جمیعاً‏ بھا على وجوب الأخذ بحدیث الآحاد في الأحكام الشرعیة،‏ وذلك<br />

لعمومھا وشمولھا لما جاء بھ رسول اللھ ε عن ربھ سواء كان عقیدة أو حكماً..‏<br />

فتخصیص ھذه الأدلة بالأحكام دون العقائد تخصیص بدون مخصص وذلك<br />

باطل،‏ وما لزم منھ باطل فھو باطل.‏<br />

الوجھ الرابع:‏ أن القول المذكور لیس فقط لم یقل بھ الصحابة بل ھو مخالف لما<br />

كانوا علیھ رضي اللھ عنھم،‏ فإننا على یقین أنھم كانوا یجزمون بكل ما یحدث<br />

بھ أحدھم من حدیث رسول اللھ ε، ولم یقل أحد منھم لمن حدثھ عن رسول اللھ<br />

263


ِ<br />

ِ الصحیحِ-‏<br />

-<br />

موقفُ‏ أَھْلِ‏ الس ُّن َّةِ‏ من النصّ‏<br />

وطریقُ‏ أَھْل الس ُّن َّةِ‏ أن لا یعدلوا عن النصّ‏ الصحیح،‏ ولا یُعارضُوه<br />

بمعقولٍ،‏ ولا قولِ‏ فلانٍ،‏ كما أشارَ‏ إلیھ الشیخُ،‏ وكما قال البخاري ُّ رحمھ<br />

اللھ:‏ سمعتُ‏ الحمیدي َّ یقول:‏ كنا عند الشافعيّ‏ ِ رحمھ اللھ،‏ فأتاه رجلٌ،‏ فسألَھُ‏<br />

عن مسألةٍ،‏ فقال:‏ قضى فیھا رسولُ‏ اللھِ‏ كذا وكذا،‏ فقال الرجل للشافعي:‏<br />

ما تقولُ‏ أنتَ‏ ؟!‏ فقال:‏ سبحان اللھِ!‏ تراني في كنیسةٍ!‏ تراني في بیعَةٍ!‏ ترى<br />

على وسطي زن َّاراً(‏‎1‎‏)‏ ؟!‏ أقول لك:‏ قضى رسولُ‏ اللھِ‏ ε، وأنت تقول:‏ ما<br />

تقول أنتَ‏ ؟!!‏<br />

‏[وما كان لمؤمنٍ‏ ولا<br />

ونظائرُ‏ ذلك في كلامِ‏ الس َّلفِ‏ كثیرٌ‏<br />

مؤمنةٍ‏ إذا قضى اللھُ‏ ورسولُھ أمراً‏ أن یكون لھُم الخِ‏ یرَةُ‏ من أَمْرِ‏ ھم]‏<br />

الأحزاب:‏<br />

ε<br />

(2) ، وقال تعالى:‏<br />

264


." (1)<br />

قولُھ:‏ ‏"والمؤمنونَ‏ كُل ُّھم أولیاءُ‏ الرحمنِ‏<br />

ش:‏ فالمؤمنونَ‏ أولیاءُ‏ اللھِ،‏ واللھ تعالى ولی ُّھم،‏ قال تعالى:‏ ‏[ألا إ َّن<br />

أولیاءَ‏ اللھِ‏ لاخوفٌ‏ علیھم ولا ھم یحزنون.‏ الذین آمنوا وكانوا یت َّقون (2) [<br />

مثلاً‏ بمثل،‏ لا زیادةَ‏ بینھما ولا نَظِرة".‏ فقال لھ معاویة:‏ یا أبا الولید لا أرى في<br />

ھذا إلا َّ ما كان من نَظِرَ‏ ةٍ!‏ فقال عبادة:‏ أحدثك عن رسول اللھ وتحدثني عن<br />

رأیك؟!‏ لئن أخرجني اللھ لا أساكنك بأرضٍ‏ لك علي فیھا إمرَ‏ ةً!‏<br />

وعن <strong>أبي</strong> سلمة أن أبا ھریرة قال لرجل:‏ یا ابن أخي،‏ إذا حدثتك عن رسولِ‏<br />

اللھ ε حدیثاً‏ فلا تضرب لھ الأمثالَ.‏<br />

وقال ابن عباس:‏ یوشك أن تنزل علیكم حجارةٌ‏ من السماء،‏ أقول:‏ قال رسول<br />

اللھ،‏ وتقولون:‏ قال أبو بكرٍ‏ وعمر؟!‏<br />

قلت:‏ إذا كان ھذا حال من یقول بقول <strong>أبي</strong> بكر وعمر رضي اللھ عنھما على<br />

قول رسول اللھ ε، فما یكون القول فیمن یقول على قول رسول اللھ<br />

قال:‏ أفلاطون،‏ وفروید،‏ ودارون،‏ وماركس،‏ ولینین..‏ وغیرھم من طواغیت<br />

الأرض؟!‏<br />

وكذلك قصة قتل عمر بن الخطاب للرجل الذي لم یرضَ‏ بحكم النبيِّ‏ ε وأراد<br />

أن یتحاكم إلیھ من دون النبي ε، فھي معروفة ومشھورة في كتب الحدیث.‏<br />

فلیحذر الذین یقدمون حكم الطاغوت وحثالات آراء الناس على حكم اللھ<br />

ورسولھ،‏ من قارعة لا تُبقي ولا تذر،‏ وما أشد القوارع التي تنزل في الأمة في<br />

ھذا الزمان بسبب إعراض الناس عن حكم اللھ ورسولھ،‏ ولكن أین المعتبر:‏<br />

‏[ولقد أخذناھم بالعذاب فما استكانوا لربھم وما یتضرعون]‏ المؤمنون:‏<br />

الولایة ھنا ولایة عامة مطلقة،‏ أما تخصیصھا بشخص معین لا نقدم علیھ إلا َّ<br />

من ثبت في حقھ نص یدل على ذلك،‏ وھذا منقطع بعد زمان النبوة لیس لأحد<br />

بعد النبي أن یدل علیھ دلالة قاطعة.‏ والقول في الولایة والولي كالقول في<br />

الشھادة والشھید من حیث التعمیم والتخصیص.‏<br />

ثم أن ولایة اللھ تعالى للمؤمنین لیست سواء وعلى درجة واحدة،‏ وإنما ھي<br />

تكون بحسب إیمانھم قوة وضعفاً؛ فولایتھ سبحانھ وتعالى للأنبیاء والرسل ھي<br />

أعلى من ولایتھ لمن ھم دونھم،‏ وولایتھ لأھْل الطاعات والاستقامة ھي أعلى من<br />

ولایتھ لأھْل المعاصي والذنوب،‏ وولایتھ لأھْل المعاصي والذنوب ھي أعلى من<br />

ولایتھ لأھْل الكبائر والفجور،‏ ولا ولایة لكافر،‏ ‏[وأن الكافرین لا مولى لھم].‏<br />

2 ھذه ھي صفة أولیاء الرحمن الذي یحبھم ویحبونھ،‏ ویرضى سبحانھ عنھم،‏<br />

ویرضون عنھ:‏ الإیمان،‏ والتقوى.‏ والتقوى تعني فعل الطاعات وجمیع ما أمر<br />

ε، ولكن<br />

.76<br />

ε<br />

265<br />

τ<br />

ε<br />

( 1 )


یونس:‏<br />

266


.<br />

[<br />

والتقر ُّ بُ‏ إلیھ بمرضاتھ.‏ والوَ‏ لایة:‏ ھي عبارةٌ‏ عن موافقَةِ‏ الولي الحمیدِ‏ في<br />

محابّ‏ ‏ِھ ومَسَخِ‏ طِھ<br />

‏-ولایةُ‏ الخالقِ،‏ لیستْ‏ كولایَةِ‏ المخلوقِ‏ للمخلوق (2) -<br />

فاللھُ‏ یتول َّى عِبادَهُ‏ المؤمنینَ،‏ فیُحب ُّھُم ویُحبونَھُ،‏ ویَرضى عنھم ویرضونَ‏<br />

عنھ،‏ ومن عادَ‏ لھ ولی َّاً‏ فقد بارزَ‏ ه بالمحاربَةِ،‏ وھذه الوَ‏ لایةُ‏ من رحمتھ<br />

وإحسانِھ،‏ لیسَت كولایةِ‏ المخلوق للمخلوق لحاجتِھ إلیھ،‏ قال تعالى:‏ ‏[وقل<br />

الحمدُ‏ ِ الذي لم یتخِ‏ ذْ‏ ولَدَاً‏ ولم یكُنْ‏ لھ شریكٌ‏ في الملْكِ‏ ولم یكن لھ ول‏ ُّي<br />

مِنَ‏ الذ ُّلّ‏ ‏ِرْ‏ هُ‏ تكبیرا الإسراء:‏<br />

(2) (1)<br />

ِ وكَبّ‏<br />

267


یجتمع في المؤمن ولایةٌ‏ من وجھٍ،‏ وعداوةٌ‏ من وجھ (1) ، كما قد یكونُ‏ فیھِ‏<br />

كفرٌ‏ (2) وإیمان،‏ وشِركٌ‏ وتوحید (3) ، وتقوى وفجورٌ‏ ، ونِفاقٌ(‏‎4‎‏)‏ وإیمان.‏ قال<br />

یوسف:‏<br />

تعالى:‏ ‏[وما یؤمِنُ‏ أكثرُھم باللھ إلا َّ وھم مشركون]‏ (5)<br />

268


تعالى:‏<br />

‏[قلْ‏ لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا]‏ الحجرات:‏<br />

269


ε<br />

ومنھا:‏ بیان بطلان اعتبار التفاضل على أساس لون البشرة،‏ أو الانتماء<br />

العرقي،‏ أو الانتماء القومي،‏ أو الانتماء القبلي والإقلیمي أو العائلي،‏ أو الانتماء<br />

الوطني،‏ أو الانتماء إِلى لغة معینة..‏ وغیرھا من الولاءات والانتماءات التي لا<br />

تعتبر التقوى والعمل الصالح المیزان الوحید للتفاضل بین الناس فھذه الولاءات<br />

كلھا باطلة وجاھلیة نتنة،‏ مؤداھا إِلى الشرك،‏ وعبادة أوثانٍ‏ ضخمةٍ‏ من دون<br />

اللھ تعالى.‏<br />

ومنھا:‏ بیان بطلان اعتبار التفاضل بین الناس على أساس الغنى والفقر،‏ أو<br />

على أساس الجاه،‏ والمناصب،‏ أو الریاسة والزعامة،‏ أو الشھادات والوظائف..‏<br />

وغیر ذلك من الاعتبارات الوضیعة السائدة في عرف كثیر من الناس!!‏<br />

فالمرء یساوي في نظر الآخرین ‏-المھزومین داخلیاً‏ وعقدیاً-‏ بقدر ما یملك من<br />

مال،‏ وعلى قدر ما یملك من مال وجاه بقدر ما یتعاظم شأنھ عند الناس<br />

المھزومین إیمانیاً،‏ وتقدم لھ التبجیلات والاحترامات،‏ والتنازلات،‏<br />

والامتیازات،‏ بغض النظر عن دینھ وأخلاقھ وتقواه!!‏<br />

وفي الحدیث فقد صح َّ عن النبي أنھ قال:‏ ‏"یا معشرَ‏ الفقراء ألا أبشركم؟ إن<br />

فقراء المؤمنین یدخلون الجنة قبل أغنیائھم بنصف یوم:‏ خمسمائة عام"‏ صحیح<br />

الجامع الصغیر )<br />

270


قولُھ:‏ ‏"والإیمانُ:‏ ھو الإیمانُ‏ باللھِ،‏ وملائكتھِ،‏ وكُتُبھِ،‏ ورسُلِھ،‏<br />

والیومِ‏ الآخِ‏ ‏رِ‏ ، والقدَرِ‏ خیرِ‏ ه ِ وشرّ‏ هِ،‏ وحُلْوِهِ‏ ِ ومُرّه،‏ من اللھ<br />

(1)<br />

تعالى"‏<br />

271<br />

( 1 )<br />

وھكذا تسقط جمیع الفوارق،‏ وتسقط جمیع القیم،‏ ویرتفع میزان واحد بقیمة<br />

واحدة،‏ وإِلى ھذا المیزان یتحاكم البشر،‏ وإِلى ھذه القیمة یرجع اختلاف البشر<br />

في المیزان.‏<br />

وھكذا تتوارى جمیع أسباب النزاع والخصومات في الأرض،‏ وترخص<br />

جمیع القیم التي یتكالب علیھا الناس.‏ ویظھر سبب ضخم واضح للألفة<br />

والتعاون:‏ ألوھیة اللھ للجمیع،‏ وخلقھم من أصل واحد،‏ كما یرتفع لواء واحد<br />

یتسابق الجمیع لیقفوا تحتھ:‏ لواء التقوى في ظل اللھ.‏ وھذا ھو اللواء الذي<br />

رفعھ الإسلام لینقذ البشریة من عقابیل العصبیة للجنس،‏ والعصبیة للأرض،‏<br />

والعصبیة للقبیلة،‏ والعصبیة للبیت،‏ وكلھا من الجاھلیة وإلیھا،‏ تتزیا شتى<br />

الأزیاء،‏ وتتسمى بشتى الأسماء،‏ وكلھا جاھلیة عاریة من الإسلام!‏<br />

وقد حارب الإسلام ھذه العصبیة الجاھلیة في كل صورھا وأشكالھا،‏ لیقیم<br />

نظامھ الإنساني العالمي في ظل رایة واحدة:‏ رایة اللھ..‏ لا رایة الوطنیة،‏ ولا<br />

رایة القومیة،‏ ولا رایة البیت،‏ ولا رایة الجنس،‏ فكلھا رایات زائفة لا یعرفھا<br />

الإسلام.‏<br />

قال رسول اللھ ε: ‏"كلكم بنو آدم،‏ وآدم خُلِقَ‏ من تراب،‏ ولینتھین قوم یفخرون<br />

بآبائھم،‏ أو لیكونن أھون على اللھ من الجعلان".‏<br />

وقال ε عن العصبیة الجاھلیة:‏ ‏"دعوھا فإنھا منتنة".‏<br />

وھذه ھي القاعدة التي یقوم علیھا المجتمع الإسلامي،‏ المجتمع الإنساني العالمي،‏<br />

الذي تحاول البشریة في خیالھا المحلق أن تحقق لوناً‏ من ألوانھ فتخفق،‏ لأنھا لا<br />

تسلك إلیھ الطریق الواحد الواصل المستقیم..‏ الطریق إِلى اللھ..‏ ولأنھا<br />

لاتقف تحت الرایة الواحدة المجمّ‏ ‏ِعَة..‏ رایة اللھ ا-ھ.‏<br />

تفسیر الإیمان بالإیمان الباطن فقط فیھ نظر،‏ وھو مشكل ومخالف للنصوص<br />

التي فسرت الإیمان بالإیمان الظاھر على الجوارح،‏ كما جاء في حدیث وفد<br />

عبد القیس وغیره.‏ ولعل الذي<br />

أوقع الشیخ في ھذا ھو تعریفھ للإیمان بأنھ:‏ تصدیق وقول.‏ فرتب على ھذا<br />

الخطأ خطأ آخر.‏


ε<br />

ε<br />

-<br />

ش:‏ تقد َّم أن ھذه الخصالَ‏ ھي أصولُ‏ الدین،‏ وبھا أجابَ‏ النب‏ ُّي في<br />

حدیثِ‏ جبریل المشھور،‏ حین جاءَ‏ إِلى النبيّ‏ ε ِ على صورة رجلٍ‏ أعرابي،‏<br />

وسألَھُ‏ عن الإیمان.‏<br />

وفس َّرَ‏ الإیمانَ‏ في حدیثِ‏ وفدِ‏ عبدِ‏ القیس،‏ حیث قال لھم:‏ ‏"آمرُ‏ كم<br />

بالإیمانِ‏ باللھ وحدَهُ،‏ أتدرونَ‏ ما الإیمانُ‏ باللھِ؟ شھادَةُ‏ أن لا إلھ إلا اللھ<br />

وحدَهُ‏ لا شریك لھ،‏ وإقامُ‏ الصلاةِ،‏ وإیتاءُ‏ الزكاةِ،‏ وأن تؤد ُّوا خُمُسَ‏ ما<br />

غَنِمتُم"‏ (1) .<br />

‏-لا تعارُضَ‏ بین الحدیثینِ-‏<br />

لا یُقالُ:‏ إن بین تفسیر النبيّ‏ ε ِ الإیمانَ‏ في حدیثِ‏ جبریل،‏ وتفسیره إیاه<br />

في حدیثِ‏ وفد عبد القیس معارضةً،‏ لأنھ فس َّرَ‏ الإیمانَ‏ في حدیث جبریل بعد<br />

تفسیر الإسلام،‏ فكان المعنى أنھ الإیمانُ‏ باللھِ‏ وملائكتھ وكُتبھ ورسُلِھ والیومِ‏<br />

الآخرِ‏ مع الأعمال التي ذكرھا في تفسیر الإسلام،‏ بخلافِ‏ حدیث وفدِ‏ عبدِ‏<br />

القیس،‏ لأنھُ‏ فس َّرَ‏ هُ‏ ابتداءً،‏ لم یتقدم قبلَھُ‏ تفسیرُ‏ الإسلام،‏ ولكن ھذا الجواب لا<br />

یتأت َّى على ما ذكرهُ‏ الشیخُ‏ رحمھ اللھ من تفسیر الإیمان،‏ فحدیثُ‏ وفدِ‏ عبدِ‏<br />

القیس مُشكِلٌ‏ علیھ (2) .<br />

الإیمانُ‏ بالقدَرِ‏ خیرِ‏ هِ‏ ِ وشرّ‏ هِ،‏ على أنھ من عندِ‏ اللھِ‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[قلْ‏ لن یُصیبنا إلا َّ ما كتبَ‏ اللھُ‏ لنا]‏ التوبة:‏<br />

-<br />

272


الشورى:‏<br />

فبما كسبَتْ‏ أیدیكُم]‏ (1)<br />

273


أن یتخذوا بین ذلك سبیلاً.‏ أولئك ھم الكافرون حقاً]‏<br />

(1)<br />

النساء:‏<br />

274


عز وجل َّ في كتابھ:‏ ‏[ویغفِرُ‏ ما دون ذلك لِمَنْ‏ یشاء].‏ وإن شاءَ‏<br />

عذ َّبَھُم في النارِ‏ بعدلِھِ(‏‎1‎‏)‏ ، ثم یُخرجُھُم منھا برحمتِھِ‏ وشفاعة<br />

الشافعین من أَھْل طاعَتِھِ،‏ ثُم َّ یبعثُھم إِلى جن َّتِھ.‏ وذلك بأن اللھَ‏<br />

تعالى مولَى أَھْلِ‏ معرفَتِھ (2) ، ولم یجعَلْھُمْ‏ في الدارین كأھل نكِرَتھِ،‏<br />

الذین خابُوا من ھِدایَتھِ،‏ ولم ینالُوا مِنْ‏ ولایَتِھ.‏ اللھم َّ یاولي َّ الإسلامِ‏<br />

وأھلِھِ،‏ ثبّ‏ ‏ِتنا على الإسلام حتى نلْقاكَ‏ بھِ".‏<br />

ش:‏ فقولھ:‏ ‏"وأھلُ‏ الكبائ ‏ِر من أمةِ‏ محم ‏ٍد في النارِ‏ لا یُخل َّدون .. " رد ٌّ<br />

لقولِ‏ الخوارج والمعتزلَةِ‏ القائلین بتخلید أَھْل الكبائر في النار (3) .<br />

:ε<br />

ε<br />

ε<br />

ذلك فالرحمة لا تنالھم لموافاتھم على الشرك.‏ ثم أن اشتراط المعرفة ھو مذھب<br />

جھم بن صفوان كما تقدم،‏ وھو مذھب باطل خبیث لا یعول علیھ.‏<br />

(1 ( روى البخاري في صحیحھ،‏ عن عبادة بن الصامت،‏ أن رسول اللھ قال<br />

وحولھ عصابة من أصحابھ:‏ ‏"بایعوني على أن لا تشركوا باللھ شیئاً،‏ ولا<br />

تسرقوا،‏ ولا تزنوا،‏ ولا تقتلوا أولادَكم،‏ ولا تأتوا ببھتان تفترونھ بین أیدیكم<br />

وأرجلكم،‏ ولا تعصوا في معروفٍ‏ . فمن وف َّى منكم فأجره على اللھ،‏ ومن<br />

أصاب من ذلك شیئاً‏ فعوقب في الدنیا فھو كفارة لھ،‏ ومن أصاب في ذلك شیئاً‏<br />

ثم ستره اللھ،‏ فھو إِلى اللھ إن شاء عفا عنھ،‏ وإن شاء عاقبھ"‏ فبایعناه على<br />

ذلك.‏<br />

قال المازني:‏ فیھ رد ٌّ على الخوارج الذین یكفرون بالذنوب.‏<br />

( 2 )<br />

لو قال أَھْل توحیده وطاعتھ بدلاً‏ من ‏"أَھْل معرفتھ"‏ لكان أحسن وأصح،‏<br />

وذلك للعلة الآنفة الذكر في الھامش رقم (2) فانظره.‏<br />

( 3 )<br />

قد تضافرت الأدلة الدالة على خروج أَھْل الكبائر الموحدین من النار،‏ منھا<br />

الحدیث الذي یرویھ مسلم في صحیحھ:‏ عن <strong>أبي</strong> ٍ ذرّ‏ قال:‏ قال رسول اللھ<br />

‏"ما من عبدٍ‏ قال لا إلھ إلا اللھ ثم مات على ذلك إلا َّ دخل الجنة".‏ قلت:‏ وإن<br />

زنى وإن سرق؟!‏ قال:‏ ‏"وإن زنى وإن سرق"،‏ قلت:‏ وإن زنى وإن سرق؟!‏<br />

قال:‏ ‏"وإن زنى وإن سرق"،‏ ثلاثاً،‏ وفي روایة:‏ ‏"وشرب الخمر"،‏ ثم قال في<br />

الرابعة:‏ ‏"على رغم أنف <strong>أبي</strong> ذر"،‏ قال:‏ فخرج أبو ٍ ذرّ‏ وھو یقول:‏ وإن رغم<br />

أنف <strong>أبي</strong> ذر.‏<br />

قال الإمام أحمد:‏ ومن مات من أَھْل القبلة موحدا◌ً‏ یُصلى علیھ ویُستغفر لھ،‏<br />

ولا تترك الصلاة علیھ لذنب أذنبھ،‏ صغیراً‏ كان أو كبیراً،‏ وأمره إِلى اللھ Υ ا-‏<br />

ھ.‏<br />

275


ε<br />

‏-الرحمةُ‏ تنالُ‏ أَھْلَ‏ الكبائرِ‏ من جمیعِ‏ الأُمم-‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وأھلُ‏ الكبائِر من أُم َّةِ‏ محمدٍ"‏ تخصیصھ أم َّةَ‏ محمدٍ،‏ یُفَھمُ‏ منھ أن<br />

أَھْلَ‏ الكبائر من أمةِ‏ غیرِ‏ محم ‏ٍد قبل نسخِ‏ تلك الشرائع بھ،‏ حُكمھُم مخالِفٌ‏<br />

لأھلِ‏ الكبائرِ‏ من أمةِ‏ محمدٍ،‏ وفي ذلك نظر،‏ فإن النب‏ َّي أخبرَ‏ أنھ:‏ ‏"یَخرجُ‏<br />

من النارِ‏ من كان في قلبھ مثقالُ‏ ذر َّ ةٍ‏ من إیمان"،‏ ولم یخص َّ أمتَھُ‏ بذلك،‏ بل<br />

ذكرَ‏ الإیمانَ‏ مطلَقاً.‏<br />

‏-تعریفُ‏ الكبیرَ‏ ‏ِة-‏<br />

اختلفَ‏ العلماءُ‏ في الكبائرِ‏ على أقوالٍ،‏ أصح ُّھا من قال:‏ إنھا ما یترت َّب<br />

علیھا حد ٌّ،‏ أو تُوعّ‏ ‏ِدَ‏ علیھا بالنار،‏ أو اللعنَةِ،‏ أو الغضَب<br />

القول من وجوه:‏<br />

(1) ، وترجیحُ‏ ھذا<br />

ε<br />

وقال أبو ثور إبراھیم بن خالد الكلبي رحمھ اللھ:‏ والذي عندنا أن نقول:‏ لا<br />

یخلد موحد في النار ا-ھ.‏<br />

وقال محمد بن إسماعیل البخاري یروي عن جماعة من السلف:‏ لم یكونوا<br />

یكفرون أحداً‏ من أَھْل القبلة بالذنب لقولھ تعالى:‏ ‏[إن اللھ لا یغفر أن یُشرك بھ<br />

ویغفر ما دون ذلك لمن یشاء]‏ ا-ھ.‏<br />

وغیرھم كثیر من السلف الذین قرروا عدم تخلید أَھْل الكبائر الموحدین في النار.‏<br />

‏(انظر <strong>شرح</strong> أصول اعتقاد أَھْل الس ُّن َّة والجماعة لأبي قاسم الطبري اللالكائي،‏ ج<br />

/ 1<br />

276


]<br />

أحدُھا:‏ أنھ ھو المأثورُ‏ عن السلف،‏ كابنِ‏ عباسٍ‏ ، وابن عُیینَةَ،‏ وابن حنبل<br />

وغیرھم.‏<br />

الثاني:‏ أن اللھَ‏ تعالى قال:‏ إن تجتنبوا كبائرَ‏ ما تُنھَونَ‏ عنھ نُكفّ‏ ‏ِرْ‏ عنكم<br />

سیئاتِكُم وندخِ‏ لْكُم م ُّدخلاً‏ كریماً]‏ النساء:‏<br />

277


الزمر:‏<br />

278


:ε<br />

( 2 )<br />

ش:‏ في صحیح البخاري أن عبد اللھ بن عمر كان یُصَلّ‏ ‏ِي خلفَ‏ الحج َّاجِ‏<br />

بن یوسف الثقفي،‏ وكذا أنس بن مالِك،‏ وكان الحج َّاجُ‏ فاسقاً‏ ظالماً.‏ وقال<br />

‏"یُصل ُّون لكم،‏ فإن أصابوا فلكُم ولھم،‏ وإن أخطأوا فلكم وعلیھم"‏ (1) . وكذلك<br />

كان عبد اللھ بن مسعود وغیره،‏ یُصَل ُّون خلفَ‏ الولید بن عقبة بن <strong>أبي</strong><br />

معیط،‏ وكان یشرَ‏ بُ‏ الخمرَ‏ ، حتى إنھ صلى بھم الصبحَ‏ مر َّ ةً‏ أربعاً،‏ ثم قال:‏<br />

أزیدُكم؟!‏ فقال لھ ابن مسعود:‏ ما زلنا معكَ‏ منذ الیومَ‏ في زیادَةٍ!!‏<br />

‏-الصلاةُ‏ خلْفَ‏ مستورِ‏ الحالِ-‏<br />

یجوزُ‏ للرجلِ‏ أن یُصَلّ‏ ‏ِي خلْفَ‏ من لم یَعلَم منھ بدعةً‏ ولا فِسقاً،‏ باتفاق<br />

الأئمة،‏ ولیس من شرط الائتمام أن یعلَمَ‏ المأمومُ‏ اعتقادَ‏ إمامِھِ،‏ ولا أن<br />

یمتحِ‏ نَھُ،‏ فیقولُ:‏ ماذا تعتقد (2) ؟!‏ بل یُصلي خلفَ‏ المستورِ‏ الحال.‏<br />

صلاة خلفھ ولا علیھ؛ فالتوحید أصل الأصول ترخص في سبیلھ ولأجلھ كل<br />

الأصول والوشائج والمقاصد.‏<br />

ومن غرائب ھذا الزمان التي یشتد لھا العجب،‏ أنھ لا یوجد شخص ‏-مادام<br />

ینتسب للملة-‏ لا یُصلى خلفھ مھما كان متلبساً‏ بالشرك والكفر،‏ وكذلك لا یوجد<br />

میت لا یصلى علیھ مھما أسلف في حیاتھ من الكفر البواح،‏ ولو كان علَماً‏ من<br />

أعلام الزندقة والإلحاد!!‏<br />

وفي حین یُسأل القوم عن الدلیل على غرائبھم الباطلة ھذه،‏ یجیبون بعبارة<br />

الماتن:‏ ‏"ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر"،‏ فحملوا الفجور على الكفر<br />

البواح!!‏<br />

(1 ( رواه البخاري وغیره.‏<br />

اشتراط معرفة عقیدة الإمام ھو من خلق الخوارج وعاداتھم السیئة الذین<br />

عُرفوا بالغلو والتكلف والتنطع،‏ وكنت قد رافقت بعض من مسھم غلو الخوارج<br />

إِلى الصلاة في مسجدٍ‏ من مساجد ‏"كراتشي"‏ في الباكستان،‏ فصلینا نحن<br />

مؤتمین بالإمام كالعادة،‏ وھم امتنعوا عن الصلاة خلفھ وصلوا منفردین،‏<br />

وعندما انتھت الصلاة سألناھم عن سبب فعلتھم،‏ فتعل َّلوا أنھم یجھلون عقیدتھ،‏<br />

ویمكن أن یكون كافراً..!!‏<br />

ولھؤلاء ولمن كان على نھجھم وجھلھم ‏-سائلین اللھ لھم الھدایة-‏ ننقل إلیھم<br />

قول ابن تیمیة رحمھ اللھ،‏ حیث یقول في الفتاوى (4/<br />

279


. (1)<br />

‏-الحالاتُ‏ التي تُترك فیھا الصلاةُ‏ خلفَ‏ الفاسقِ‏ المبتدعِ-‏<br />

ولو صل َّى خلفَ‏ مبتدعٍ‏ یدعو إِلى بدعتھ،‏ أو فاسقٍ‏ ظاھرِ‏ الفسقِ،‏ وھو<br />

الإمامُ‏ الراتِبُ‏ الذي لا یمكِنھُ‏ الصلاة إلا َّ خلفَھُ،‏ كإمام الجمعة والعیدین،‏<br />

والإمام في صلاة الحجِّ‏ بعرفَةِ،‏ ونحو ذلك فإن المأمومَ‏ یُصلي خلفَھُ،‏ عند<br />

عام َّةِ‏ السلفِ‏ والخلَفِ‏ .<br />

والفاسِقُ‏ والمبتدعُ‏ صلاتُھ في نفسھا صحیحةٌ،‏ فإذا صلى المأمومُ‏ خلْفَھُ‏ لم<br />

تبطلُ‏ صلاتُھ،‏ لكن إنما كَرِ‏ ه من كَرِ‏ ه الصلاةَ‏ خلفَھُ،‏ لأن الأمرَ‏ بالمعروف<br />

والنھي َّ عن المنكر واجبٌ‏<br />

ومن ذلك أن من أظھر بدعةً‏ وفجوراً‏ لا یُرَ‏ ت َّبُ‏ إماماً‏ للمسلمین،‏ فإنھ<br />

یستحق التعزیرَ‏ حتى یتوبَ‏ ، فإذا أمكنَ‏ ھجرُ‏ هُ‏ حتى یتوبَ‏ كان حسناً،‏ وإذا<br />

كان بعضُ‏ الناسِ‏ إذا تركَ‏ الصلاةَ‏ خلفَھُ‏ وصلى خلف غیره،‏ أث َّرَ‏ ذلك في<br />

إنكار المنكر حتى یتوبَ‏ أو یُعزَ‏ لَ،‏ أو ینتھي الناسُ‏ عن مثل ذنبھِ،‏ فمثلُ‏ ھذا<br />

إذا تركَ‏ الصلاةَ‏ خلفَھُ‏ كان في ذلك مصلحةً‏ شرعیة،‏ ولم تَفُتِ‏ المأمومَ‏ جمعةً‏<br />

ولا جماعةً.‏<br />

وكذلك إذا أمكن الإنسانُ‏ أن لا یُقدّ‏ ‏ِمَ‏ مُظھِراً‏ للمنكر في الإمامةِ‏ وجب علیھ<br />

ذلك،‏ لكن إذا ولا َّه غیرُ‏ هُ،‏ ولم یُمكِنھُ‏ صرفَھُ‏ عن الإمامةِ،‏ أو كان لا یتمك َّن<br />

من صرفھ عن الإمامةِ‏ إلا َّ ٍ بشرّ‏ أعظم ضرراً‏ من ضرر ما أظھر من<br />

المنكر،‏ فلا یجوزُ‏ دفعُ‏ الفسادِ‏ القلیلِ‏ بالفسادِ‏ الكثیرِ‏ ، ولا دفعُ‏ أخفِّ‏ الضررین<br />

مخالف للصحابة والتابعین لھم بإحسان وأئمة المسلمین الأربعة وغیرھم ا-‏<br />

ھ.‏<br />

وقال في الفتاوى<br />

280


τ<br />

بحصول أعظمِھما (1) ،<br />

فإن الشرائعَ‏ جاءَت بتحصیلِ‏ المصالحِ‏ وتكمیلِھا،‏<br />

وتعطیل المفاسِدِ‏ وتقلیلھا بحسبِ‏ الإمكان (2) ، فتفویتُ‏ الج ُّمَعِ‏ والجماعاتِ‏<br />

أعظمُ‏ فساداً‏ من الإقتداء فیھما بالإمام الفاجر،‏ لاسی َّما إذا كان التخل ُّفُ‏ عنھا<br />

لا یدفعُ‏ فجوراً(‏‎3‎‏)‏ .<br />

‏-إذا أخطأ الإمامُ،‏ فلا إعادةَ‏ على المأموم-‏<br />

وأما الإمامُ‏ إذا نسيَ‏ أو أخطأ،‏ ولم یعلم المأمومُ‏ بحالھ فلا إعادة على<br />

المأمومِ‏ ، لقولھ ε: ‏"یُصلون لكم،‏ فإن أصابوا فلكم ولھم،‏ وإن أخطأوا فلكم<br />

وعلیھم".‏ نص ٌّ صحیحٌ‏ صریحٌ‏ في أن َّ الإمامَ‏ إذا أخطأَ‏ فخطؤُه علیھ لا على<br />

المأموم.‏ وقد صلى عمر وھو جُنبٌ‏ ناسیاً‏<br />

للجنابة،‏ فأعادَ‏ الصلاةَ،‏ ولم یأمر المأمومین بالإعادة (4) .<br />

‏-طاعةُ‏ الأئمةِ‏ في مواردِ‏ الإجتھاد-‏<br />

(1 ( ھذه القاعدة ‏"ارتكاب أخف الضررین لدفع الأعظم أو الأشد ضرراً"،‏ ھي<br />

قاعدة شرعیة صحیحة قد دلت علیھا كثیر من النصوص الشرعیة،‏ ولكن مما<br />

ینبغي التنویھ لھ ھنا:‏ أن تقییم المفاسد والمصالح ینبغي أن یكون على ضوء<br />

الشرع وعلى أساس الأولویات التي حددتھا الشریعة،‏ بعیداً‏ عن الترجل والھوى<br />

والأغراض الشخصیة والحزبیة.‏ فلا مفسدة تعلو مفسدة الشرك والكفر،‏ ولا<br />

مصلحة تعلو وترجح على مصلحة التوحید وتحقیقھ،‏ لذا ترخص لأجلھ جمیع<br />

281<br />

المصالح،‏ والغالي والنفیس..‏<br />

( 2 )<br />

ε<br />

لتغییر المنكر یُشترط شرطان:‏ أحدھما،‏ الاستطاعة والقدرة،‏ لقولھ تعالى:‏<br />

‏[فاتقوا اللھ ما استطعتم]‏ ‏[لا یكلف اللھ نفساً‏ إلا َّ وسعھا].‏ وفي الحدیث فقد<br />

صح َّ عن النبي أنھ قال:‏ ‏"لیس بمؤمن من أذَل َّ نفسَھُ،‏ یُ‏ ِ عَرّ‏ ضُ‏ نفسَھ للبلاء لیس<br />

لھ بھ طاقة".‏ والثاني:‏ أن لا یؤدي المنكر إِلى ما ھو أشد منھ منكراً‏ وفساداً،‏<br />

فنغیر الصغائر لنقع في الكبائر،‏ أو نغیر الكبائر وإذا بنا نقع في الكفر<br />

والشرك!!.‏<br />

( 3 )<br />

قد تقدم أن المراد بالإمام الفاجر ھو الإمام الذي لم یبلغ بھ فجوره درجة الكفر<br />

الأكبر،‏ أما إذا بلغ بھ فجوره درجة الكفر والارتداد،‏ فحینھا لا تصح صلاتھ،‏ ولا<br />

تجوز الصلاة خلفھ،‏ وھذا مما لا خلاف علیھ.‏<br />

(4 ( رواه عبد الرزاق في ‏"المصنف"‏ وكذا ابن <strong>أبي</strong> شیبة بأسانید بعضھا صحیح.‏


قد دل َّت نصوصُ‏ الكتابِ‏ والس ُّن َّةِ،‏ وإجماعُ‏ سلَفِ‏ الأمةِ‏ أن ولي َّ الأمر،‏<br />

وإمامَ‏ الصلاةِ(‏‎1‎‏)‏ ، والحاكِمَ،‏ وأمیرَ‏ الحربِ،‏ وعامِلَ‏ الصدقة یُطاعُ‏ في<br />

مواضعِ‏ الإجتھاد،‏ فإن مصلحةَ‏ الجماعةِ‏ والإئتلاف،‏ ومفسدَةِ‏ الفُرق‏ ‏ِة<br />

والإختلاف أعظمُ‏ من أمرِ‏ المسائلِ‏ الجزئیةِ.‏ ویُروى عن <strong>أبي</strong> یوسف أنھ لما<br />

حج َّ مع ھارون الرشید،‏ فاحتجمَ‏ الخلیفةُ،‏ وأفتاه مالِك بأنھ لا یتوضأ،‏ وصَلى<br />

بالناس،‏ فقیل لأبي یوسف:‏ أصلیت خلفَھُ؟ قال سُبحانَ‏ اللھِ!‏ أمیرُ‏ المؤمنین.‏<br />

یریدُ‏ بذلك أن تركَ‏ الصلاةِ‏ خلفَ‏ ولاةِ‏ الأمورِ‏ من فِعلِ‏ أَھْلِ‏ البدَع.‏<br />

‏-الصلاة على مَوتى المسلمین وإن كانوا فُج َّاراً-‏<br />

وقولھ:‏ ‏"وعلى من ماتَ‏ منھم"‏ أي ونرى الصلاةَ‏ على مَن ماتَ‏ من<br />

الأبرارِ‏ والفجارِ‏ ، وإن كان یُستَثنى من ھذا الكلامِ‏ البُغاةُ‏ وقُطاعُ‏ الطریقِ،‏<br />

وكذا قاتِلُ‏ نفسھ (2) ، لكن الشیخَ‏ إنما ساقَ‏ ھذا الكلامَ‏ لبیانِ‏ أن َّا لا نتركُ‏ الصلاةَ‏<br />

على من ماتَ‏ من أَھْل البدَعِ‏ والفجور،‏ لا للعمومِ‏ الكُلّ‏ ‏ِي.‏<br />

‏-تركُ‏ الصلاة على مَن عُرِ‏ ف بالنفاقِ،‏ أو ماتَ‏ مُرتداً-‏<br />

فمن عُلِمَ‏ نفاقُھُ،‏ لم تجز الصلاةُ‏ علیھ والاستغفارُ‏ لھ،‏ ومَن لم یُعلَمْ‏ ذلك منھ<br />

صُلّ‏ ‏ِي علیھ،‏ فإذا عَلِمَ‏ شخصٌ‏ نفاقَ‏ شخصٍ‏ لم ِ یُصلّ‏ ھو علیھ،‏ وصلى علیھ<br />

282<br />

ε<br />

( 1 )<br />

فقد صح َّ عن النبي أنھ قال:‏ ‏"إنما جُعل الإمام لیؤتم بھ،‏ فإذا ركع فاركعوا،‏<br />

وإذا رفع فارفعوا،‏ وإذا صلى جالساً‏ فصلوا جلوساً‏ أجمعون".‏ وعلیھ فالراجح أن<br />

المأموم یتبع إمامھ في جمیع حركات الصلاة وإن خالفت بعضھا مذھبھ،‏<br />

وبخاصة إذا كانت ھذه الحركات صادرة عن الإمام عن اجتھاد صحیح وراجح.‏<br />

وبسبب غیاب ھذا الفقھ الھام كانت ولاتزال تحصل مشاكل كثیرة ‏-تنعكس سلباً‏<br />

على وحدة الصف والكلمة وصفاء القلوب ‏-بین الإمام والمؤتمین لمخالفة أحدھما<br />

للآخر في بعض حركات الصلاة!!.‏<br />

( 2 )<br />

ھذا الاستثناء فیھ نظر،‏ حیث لا دلیل علیھ،‏ وإذا كان النبي ترك الصلاة<br />

على بعض العصاة،‏ إنما ذلك لبیان سوء صنیعھم وزجراً‏ لمن بعدھم من الناس<br />

من أن یأتوا صنیعھم،‏ وحتى لا یقترفوا ما فعلوه،‏ ولیس لعدم جواز الصلاة<br />

علیھم مطلقاً،‏ بدلیل أنھ قال لأصحابھ:‏ ‏"صلوا على صاحبكم"،‏ فأمرھم بالصلاة<br />

علیھ وكان قد قتل نفسھ،‏ واعتزل ھو الصلاة علیھ.‏ لذلك فلو قیل یستحسن<br />

للأمراء والعلماء تأسیاً‏ بالنبي أن یعتزلوا الصلاة على من اشتھر بالفجور<br />

وارتكاب المعاصي،‏ وصلى علیھ من ھم دونھم من عامة المسلمین،‏ لكان ذلك<br />

أحسن وأقرب للسنة.‏<br />

ε<br />

ε<br />

ε


τ<br />

مَن لم یَعلمْ‏ نفاقَھُ،‏ وكان عمر لا یُصلي على مَن لم ِ یُصلّ‏ علیھ حُذیفةُ،‏ لأنھ<br />

كان في غزوةِ‏ تبوك قد عَرَ‏ فَ‏ المنافقین (1) ، وقد نھى اللھُ‏ سبحانھ رسولَھ<br />

عن الصلاةِ‏ على المنافقین،‏ وأخبرَ‏ أنھ لا یغفِرُ‏ لھم باستغفارهِ،‏ وعل َّلَ‏ ذلك<br />

بكفرھم باللھ ورسولھ (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا نُنْزِ‏ لُ‏ أَحَداً‏ مِنھم جَن َّةً‏ وَ‏ لا نَاراً(‏‎3‎‏)‏ ".<br />

ε<br />

(1 ( حیث أعلمھ النبي ε عن أسمائھم،‏ وقد سئل علي بن <strong>أبي</strong> طالب τ عن حذیفة<br />

فقال:‏ كان أعلم الناس بالمنافقین.‏ ‏(المستدرك:‏<br />

/3<br />

283


ش:‏ یرید:‏ أن َّا لا نقولُ‏ عن أَحَدٍ‏ مُعَی َّنٍ‏ من أَھْل القبلةِ:‏ إن َّھ مِن أَھْل الجن َّةِ،‏<br />

أو مِن أَھْل النار،‏ إلا َّ مَن أَخبرَ‏ الصادِ‏ ‏ُق أَنھ مِن أَھْل الجَن َّة كالعَشْرَ‏ ةِ‏ رضي<br />

اللھ عنھم (1) ، وإن كُن َّا نقول:‏ إن َّھ لا بُد َّ أَنْ‏ یَدخُلَ‏ النارَ‏ من أَھْل الكبائرِ‏ مَن<br />

یشاء اللھُ‏ إدخالَھُ‏ النارَ‏ ، ثم َّ یَخرجُ‏ بشفاعَةِ‏ الش َّافِعین،‏ ولكن َّا نَقِفُ‏ في الش َّخْ‏ ‏ِص<br />

المُعَی َّنِ،‏ فَلا نَشْھَدُ‏ لھ بجَن َّةٍ‏ ولا نار إلا َّ عن عِلْم،‏ لأن َّ حقیقَةَ‏ باطِنھِ،‏ وما ماتَ‏<br />

علیھ لا نُحیطُ‏ بھ (2) ، لكن نَرجو للمُحْسِنِ،‏ ونَخافُ‏ على المُسيءِ.‏<br />

ε<br />

(1 ( عن عبد الرحمن بن عوف،‏ قال:‏ قال رسول اللھ في الجن َّةِ،‏<br />

ε: ‏"أبو بكرٍ‏<br />

وعُمَرُ‏ في الجن َّةِ،‏ وعُثمان في الجنةِ،‏ وعَلي ٌّ في الجنة،‏ وطَلْحةُ‏ في الجنة،‏<br />

والزبیرُ‏ في الجن َّة،‏ وعبد الرحمن بن عوفٍ‏ في الجن َّةِ،‏ وسَعْدُ‏ بن <strong>أبي</strong> وقاص في<br />

الجنة،‏ وسَعیدُ‏ بن زیدٍ‏ في الجنة،‏ وأبو عبیدَةَ‏ بنُ‏ الجر َّ احِ‏ في الجنةِ".‏ صحیح<br />

سنن الترمذي:‏ "<br />

284


‏-ثناء الن َّاسِ‏ (1) على المرءِ‏ خیراً،‏ بُشْرى خَیْرٍ‏ لھ،‏ وكذلك ثناؤھم<br />

علیھ شَر َّاً،‏ بُشْرَىَ‏ شَ‏ ‏ٍرّ‏ لھ یومَ‏ القیامَ‏ ‏ِة<br />

جاء في ‏"الصحیحین":‏ أَن َّھُ‏ مُر َّ بجنازَ‏ ةٍ،‏ فأَثْنَوا علیھا بخَیرٍ‏ ، فقالَ‏ النب‏ ُّي<br />

‏"وجَبَتْ‏ "، ومُر َّ بأخْرَ‏ ى فأُثنِيَ‏ علیھا ٍ بشَرّ‏ ، فقال:‏ ‏"وجَبَت"،‏ فقال عُمَرُ‏ :<br />

یارسولَ‏ اللھِ،‏ ما وجَبَتْ‏ ؟ فقالَ‏ رسولُ‏ اللھ ε: ‏"ھذا أَثنیتُم علیھ خیْراً‏ وجَبَتْ‏<br />

لھ الجن َّةُ،‏ وھذا أَثنیتُم علیھ شَر َّ اً‏ وجبت لھ الن َّارُ‏ ، أنتم شُھَدَاءُ‏ اللھِ‏ في<br />

:ε<br />

-<br />

285<br />

الأرضِ‏ ".<br />

وقال ε: ‏"تُوشِكُونَ‏ أَنْ‏ تَعلَمُوا أَھْلَ‏ الجن َّةِ‏ مِنْ‏ أَھْل الن َّارِ‏ "، قالوا:‏ بِما<br />

یارَ‏ سولَ‏ اللھ؟ قال:‏ ‏"بالث َّناءِ‏ الحَسَنِ‏ والثنَاءِ‏ الس َّيّ‏ ‏ِءِ"‏ (2) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ولا نشھَدُ‏ علیھِمْ‏ بكفرٍ‏ ولا بِشرْ‏ كٍ‏ ولا بنفاقٍ،‏ ما لَمْ‏ یَظھرْ‏<br />

.<br />

منھم شيءٌ‏ من ذلك،‏ ونذَرُ‏ سرائرَھُم إِلى اللھِ‏ تعالى"‏ (3)<br />

لیعملُ‏ عملَ‏ أَھْل الجنة فیما یبدو للناس،‏ وھو من أَھْل النار.‏ وإن َّ الرجلَ‏ لیعمَ‏ ‏ُل<br />

عملَ‏ أَھْلِ‏ النار فیما یبدو للناس،‏ وھو من أَھْل الجنة".‏<br />

( 1 )<br />

المراد بالناس ھنا،‏ ھم الناس العدول الصالحون المتقون،‏ ولیس الرعاع<br />

والفساق والفجار والمنافقین،‏ فھؤلاء لا یثنون خیراً‏ إلا َّ على من كانَ‏ على<br />

شاكلتھم وخُلقھم،‏ وثناؤھم لا یعتبر..‏<br />

(2 ( رواه ابن ماجة،‏ وأحمد،‏ وإسناده محتمل التحسین.‏ وھناك أحادیث عدیدة<br />

صحیحة تدل على ھذا المعنى،‏ منھا قولھ ε: ‏"إذا أتى الرجل القوم فقالوا لھ:‏<br />

قحطاً،‏ فقحطاً‏ لھ یوم القیامة".‏ وقولھ:‏ ‏"إذا سمعت جیرانك یقولون أحسنت فقد<br />

أحسنت،‏ وإذا سمعتھم یقولون:‏ قد أسأت فقد أسأت".‏ وقولھ:‏ ‏"أھلُ‏ الجنة مَن مَلأ<br />

اللھُ‏ أذنیھ من ثناء الناس خیراً،‏ وھو یسمع،‏ وأھل النار مَن ملأ أذنیھ من ثناء<br />

الناس شراً‏ وھو یسمع".‏ وقولھ:‏ ‏"إذا صَل ُّوا على جنازَ‏ ةٍ‏ فأثنوا خیراً،‏ یقول الرب:‏<br />

أجزت شھادَتھم فیما یعلمون،‏ وأغفر لھ ما لا یعلمون".‏ وقولھ:‏ ‏"أی ُّما مسلمٍ‏ شھد<br />

لھ أربعةٌ‏ بخیر،‏ أدخلھ اللھُ‏ الجن َّةَ،‏ أو ثلاثةٌ‏ أو اثنان".‏ وھذا كلھ یحمل على وجھ<br />

العموم لا التعیین،‏ وعلى وجھ الرجاء لا الجزم والیقین.‏<br />

( 3 )<br />

كما یحكم على المرء بالإسلام من خلال ظاھره الدال على إسلامھ وانقیاده؛<br />

كذلك یُحكم علیھ بالكفر والخروج من الدین من خلال ظاھره الدال على كفره،‏<br />

فمن أظھر لنا الكفر البواح ‏-من غیر مانعٍ‏ شرعي معتبر-‏ أظھرنا لھ التكفیر،‏<br />

فمدار الحكم إیماناً‏ وكفراً‏ على الظاھر،‏ من دون أن نتكلف معاناة شق القلوب،‏<br />

وتتبع خفایا السرائر التي لا یعلمھا إلا َّ اللھ سبحانھ وتعالى.‏


عن أسامة بن زید قال:‏ بعثنا رسول اللھ ε في سریة،‏ فصبحنا الحرقات من<br />

جھینة،‏ فأدركت رجلاً،‏ فقال:‏ لا إلھ إلا اللھ،‏ فطعنتھ،‏ فوقع في نفسي من ذلك،‏<br />

فذكرتھ للنبي ε، فقال رسول اللھ ε: ‏"أقال لا إلھ إلا اللھ وقتلتھ؟!"،‏ قال:‏ قلت<br />

یارسول اللھ إنما قالھا خوفاً‏ من السلاح!،‏ قال:‏ ‏"أشققت عن قلبھ حتى تعلم<br />

أقالھا أم لا؟!"‏ فما زال یكررھا علي حتى تمنیت أني أسلمت یومئذٍ.‏ ‏(رواه<br />

مسلم).‏<br />

أي كونك لا تستطیع أن تشق عن قلبھ،‏ وھو فوق الطاقة،‏ لتعلم أقالھما تعوذاً‏<br />

من السلاح أم لا،‏ كان یجب علیك أن تكتفي بما ظھر منھ مما یدل على إسلامھ.‏<br />

قال النووي في ال<strong>شرح</strong> (2/<br />

286


ش:‏ لأنا قد أُمِرْ‏ نا بالحكمِ‏ بالظاھرِ‏ ، ونُھینا عن ِ الظنّ‏ واتباعِ‏ ما لیس لنا<br />

بھ عِلمٌ.‏ قال تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا اجتنبوا كثیراً‏ من ِ الظنّ‏ إن َّ بعض<br />

الظن إثمٌ]‏ الحجرات:‏ ‏[ولاتقفُ‏ ما لیس لك بھ عِلمٌ‏ إن السمعَ‏<br />

والبصرَ‏ والفؤادَ‏ كل ُّ أولئك كان عنھ مسؤولاً]‏ الإسراء:‏<br />

2. وقال:‏<br />

287


فجزاؤه جھن َّمُ‏ خالداً‏ فیھا وغَضبَ‏ اللھ علیھ ولعنَھ وأعد َّ لھ عذاباً‏ عظیماً]‏<br />

النساء:‏<br />

288


قولُھ:‏ ‏"ولا نرى الخروجَ‏ على أئمتِنا ووُ‏ لاةِ‏ أُمورِ‏ نا (1) ...<br />

وإن جاروا (2) ...<br />

الاشتغال بھ-‏ لیقتل معھ النساء والأطفال،‏ والعشرات من المسلمین الآمنین في<br />

بیوتھم وأسواقھم..‏ لیس من الدین ولا الرجولة أن تضع قنبلتك في أي مكان،‏<br />

وبطریقة لا تأمن ضحایاھا وقتلاھا،‏ ثم تولي ھارباً‏ فزعاً،‏ زاعماً‏ أنك ألقیت<br />

قنبلة على الكافرین..!!‏ فإن أردت أجر وثواب الجھاد،‏ فاعلم أنھ لا جھاد لمن<br />

یؤذي مؤمناً‏ واحداً‏ في جھاده،‏ وقد صح عن قائد المجاھدین محمد أنھ قال:‏<br />

‏"من آذى مؤمناً،‏ فلا جھاد لھ"‏ ‏(رواه أحمد وغیره،‏ صحیح الجامع:‏<br />

ε<br />

289


ε<br />

ε<br />

-ε<br />

ε<br />

ε<br />

یتعین علیھ الإعداد الذي یمكنھ من الخروج،‏ ھذا ما دلت علیھ الشریعة،‏ وأجمع<br />

علیھ علماء الأمة.‏<br />

فقد صح عن النبي أنھ قال:‏ ‏"من رأى من أمیرهِ‏ شیئاً‏ یكرھھ فلیصبر علیھ،‏<br />

فإنھ من فارق الجماعة شبراً‏ فمات إلا َّ مات میتةً‏ جاھلیة"‏ متفق علیھ.‏<br />

وعن عبد اللھ بن مسعود،‏ قال:‏ قال لنا رسولُ‏ اللھ ε: ‏"إنكم سترون بعدي<br />

أثَرَ‏ ةً‏ وأموراً‏ تنكرونھا".‏ قالوا:‏ فما تأمرنا یارسول اللھ؟ قال:‏ أدوا إلیھم حَق َّھم<br />

وسلوا اللھَ‏ حقكم"‏ البخاري.‏<br />

وعن حذیفة بن الیمان،‏ قال لھ النب‏ ُّي ε: ‏"تسمع وتُطیع للأمیرِ‏ ، وإن ضُرِ‏ بَ‏<br />

ظھرُ‏ كَ‏ ، وأُخِ‏ ذَ‏ مالُكَ‏ ، فاسمع وأطع"‏ مسلم.‏<br />

وعن نافعٍ،‏ قال لما خلعَ‏ أَھْل المدینة یزید بن معاویة،‏ جمع ابنُ‏ عمر حشمَھُ‏<br />

وولده،‏ فقال:‏ إني سمعت النب َّي یقول:‏ ‏"یُنصبُ‏ ِ لكلّ‏ غادرٍ‏ لواءٌ‏ یومَ‏ القیامة"،‏<br />

وإنا قد بایعنا ھذا الرجلَ‏ على بیعِ‏ اللھِ‏ ورسولھِ،‏ وإني لا أعلمُ‏ غدراً‏ أعظم من<br />

أن یُبایعَ‏ رجلٌ‏ على بیعِ‏ اللھِ‏ ورسولھِ‏ ثم ینصب لھ القتال،‏ وإني لا أعلمُ‏ أحداً‏<br />

منكم خلعھُ‏ ولا بایعَ‏ في ھذا الأمر إلا َّ كانت الفیصلُ‏ بیني وبینھ.‏<br />

قال ابن حجر في الفتح:‏ وفي ھذا الحدیث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت لھ<br />

البیعة،‏ والمنع من الخروج علیھ ولو جارَ‏ في حكمھ،‏ وأنھ لا ینخلعُ‏ بالفسق ا-ھ.‏<br />

وعن سلمة بن یزید الجعفي،‏ أنھ سأل رسولَ‏ اللھ ε، فقال:‏ یا نبي َّ اللھِ‏ أرأیتَ‏<br />

إن قامت علینا أمراءٌ‏ یسألون حقھم ویمنعونا حقنا،‏ فما تأمرنا؟ فأعرضَ‏ عنھ،‏<br />

ثم سألَھُ‏ فأعرض عنھ،‏ ثم سألَھُ‏ الثالثة،‏ فجذبھ الأشعثُ‏ بن قیس ‏-خشیة أن یكون<br />

في السؤال ما یكرھھ النبي فقال رسولُ‏ اللھِ‏ ε: ‏"اسمعوا وأطیعوا،‏ فإنما<br />

علیھم ما حُمّ‏ ‏ِلُوا وعلیكم ما حُمّ‏ ‏ِلْتُمْ"‏ مسلم.‏<br />

وقال : ‏"ألا مَن ولّ‏ ‏ِي َّ علیھ والٍ‏ یأتي شیئاً‏ من معصیة اللھِ،‏ فلیكره ما یأتي<br />

من معصیةِ‏ اللھ ولا ینزعن َّ یداً‏ من طاعةٍ"‏ مسلم.‏<br />

وعن عبادة بن الصامت،‏ عن النبي قال:‏ ‏"اسمعْ‏ وأطعْ‏ في عُسرِ‏ ك ویسرك،‏<br />

ومنشطك ومكرھك،‏ وأثرةٍ‏ علیكَ‏ وإن أكلوا مالَكَ‏ وضربوا ظھركَ‏ " أحمد<br />

وغیره.‏<br />

وغیرھا كثیر من الأحادیث التي تأمر بالصبر على الولاة المسلمین وإن<br />

ظلموا،‏ وبالكف عن الخروج علیھم لمجرد الفسق.‏<br />

قال النووي في <strong>شرح</strong>ھ لصحیح مسلم )<br />

290


أما إن ظھر من الحاكم الكفر البواح،‏ عندنا من اللھ فیھ برھان من آیة أو<br />

حدیث صحیح لا یحتمل صرفاً‏ ولا تأویلاً،‏ فحینھا لا سمع لھ ولا طاعة،‏ ویتعین<br />

الخروج علیھ بالقوة على كل من یملك القدرة على ذلك.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولن یجعل اللھُ‏ للكافرین على المؤمنین سبیلاً]‏ النساء:‏<br />

291


ولا نَدعو علیھِم (1) ، ولا نَنزَعُ‏ یداً‏ مِن طاعَتِھم،‏ ونرى طاعَتَھُم مِن<br />

طاعةِ‏ اللھ عز َّ وجل فریضةً،‏ ما لم یَأمروا بمعصیةٍ(‏‎2‎‏)‏ ...<br />

وندعو لھم بالص َّلاحِ‏ والمعافاةِ(‏‎3‎‏)‏ ".<br />

الضرر الأكبر بالضرر الأصغر..‏ ولو قال:‏ لا ینبغي الخروج،‏ أو لا یستحسن<br />

بدلاً‏ من قولھ ‏"لم یجز"‏ لكان مستساغاً‏ أكثر.‏<br />

قال النووي في <strong>شرح</strong>ھ لصحیح مسلم )<br />

292


ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا أطیعوا اللھَ‏ وأطیعوا الرسولَ‏<br />

وأُولي الأمرِ‏ مِنكم]‏ النساء:‏<br />

293


قال:‏ ‏"نعم،‏ قومٌ‏ من جِ‏ لْدَتِنا،‏ یتكلمونَ‏ بألسِنَتِنا (1) "، قلتُ‏ : یارسولَ‏ اللھِ‏ فما<br />

ترى إن أدرَ‏ كني ذلك؟ قال:‏ ‏"تلزَ‏ مُ‏ جماعةَ‏ المسلمین وإمامَھُم"‏ قلتُ‏ : فإنْ‏ لَمْ‏<br />

یَكُنْ‏ لھم جماعةٌ‏ ولا إمامٌ؟ قال:‏ ‏"فاعتزِ‏ لْ‏ تِلكَ‏ الفِرَ‏ قَ‏ كُل َّھا،‏ ولو أن تع‏ َّض<br />

على أصل شجرَ‏ ةٍ‏ حتى یُدرِ‏ كَكَ‏ الموتُ‏ وأنتَ‏ على ذلك (2) " متفق علیھ.‏<br />

وعن ابن عباس،‏ قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"مَن رأى من أمیره شیئاً‏<br />

یكرھُھُ‏ فلیَصْبرْ‏ ، فإنھ من فارقَ‏ الجماعةَ‏ شِبراً‏ فماتَ‏ ، فمیتَتُھُ‏ جاھلیةٌ(‏‎3‎‏)‏ " متفق<br />

علیھ.‏ وفي روایة:‏ ‏"فقد خلَعَ‏ رِ‏ بْقَةَ‏ الإسلامِ‏ من عُنُقھِ"‏ (4) .<br />

ε: ‏"لا<br />

294<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

أراھم دعاة العلمانیة،‏ والقومیة،‏ والوطنیة،‏ والدیمقراطیة،‏ والاشتراكیة،‏<br />

وغیرھا من المفاھیم والدعوات الھدامة،‏ التي یتبناھا ویدعو إلیھا أناس ھم من<br />

أبناء جلدتنا،‏ ویتكلمون بألسنتنا،‏ والساحة تعج ُّ بھم!!.‏<br />

قلت:‏ لا یجتمع غیاب الإمام العام للمسلمین،‏ وجماعة المسلمین في آنٍ‏ معاً‏ إلا َّ<br />

في آخر الزمان یوم یدرس الدین،‏ وتنمحي معالمھ وآثاره،‏ حتى لا یُدرى شيء<br />

منھ سوى قول الناس لا إلھ إلا اللھ،‏ كلمة حفظوھا من آبائھم،‏ كما جاء ذلك في<br />

الحدیث.‏<br />

وبالتالي فالحدیث یحمل على ذلك الزمان،‏ أما زماننا وإن تحقق فیھ غیاب الإمام<br />

العام،‏ فإن الجماعة موجودة،‏ والطائفة المنصورة الظاھرة موجودة ولن تزال إِلى<br />

ذاك الزمان بإذن اللھ،‏ كما في قولھ ε: ‏"لن تزال طائفة من أمتي ظاھرین على<br />

الحق لا یضرھم من خذلھم حتى یأتي أمر اللھ وھم كذلك".‏ وقال ε: ‏"لن یبرح<br />

ھذا الدین قائماً‏ یقاتل علیھ عصابة من المسلمین حتى تقوم الساعة".‏ وقال<br />

تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللھ لا یضرھم من خذلھم أو خالفھم حتى یأتي<br />

أمر اللھ وھم ظاھرون على الناس".‏ وغیرھا من الأحادیث الدالة على أن<br />

الجماعة قائمة إِلى یوم القیامة،‏ وبالتالي لا یجوز حمل حدیث حذیفة على زماننا<br />

بحجة غیاب الخلیفة،‏ أو أن یكون الحدیث ذریعة لدعوة الناس إِلى الاعتزال<br />

واجتناب الساحة ومیادین الجھاد والقتال،‏ فحدیث حذیفة یشترط للعزلة غیاب<br />

الخلیفة والجماعة معاً،‏ وھذا غیر محقق في زماننا،‏ و‏ الحمد.‏<br />

( 3 )<br />

أي یموت كمیتة الجاھلیین في جاھلیتھم حیث لا إمام لھم یسوسھم،‏ ولا جماعة<br />

تجمعھم وتوحدھم،‏ ولیس المراد بالمیتة على الكفر والردة كما فھم البعض،‏<br />

واللھ تعالى أعلم.‏<br />

(4 ( صحیح،‏ أخرجھ أحمد وغیره.‏


وعن <strong>أبي</strong> سعید الخدري،‏ قال:‏ قال رسولُ‏ الل ‏ِھ ε: ‏"إذا بُویعَ‏ لخلیفتین<br />

فاقتلوا الآخَرَ‏ مِنھما"‏ (1) .<br />

وعن عوف بن مالك،‏ عن رسولِ‏ اللھ ε، قال:‏ ‏"خیارُ‏ أئمتكم الذینَ‏<br />

تحبونَھمُ‏ ویحبونَكُم،‏ وتصلونَ‏ علیھم ویصلون علیكم،‏ وشِرارُ‏ أئمتِكُم الذین<br />

تبغضونَھُم ویبغضونَكُم،‏ وتلعنونَھم ویلعنونَكُم"،‏ فقلنا:‏ یا رسولَ‏ اللھِ،‏ أفلا<br />

ننابذُھم بالسیفِ‏ عند ذلك؟ قال:‏ ‏"لا،‏ ما أقاموا فیكم الصلاة،‏ ألا مَن ولِيَ‏<br />

علیھ والٍ‏ فرآه یأتي شیئاً‏ من معصیة اللھ،‏ فلیكره ما یأتي من معصیةِ‏ اللھ،‏<br />

ولا ینزِ‏ عن َّ یداً‏ من طاعَةٍ"‏ مسلم.‏<br />

‏-الحكمةُ‏ من عَدَمِ‏ الخروجِ‏ على أئمة الجورِ‏<br />

وأما لزومُ‏ طاعَتِھم وإن جارُ‏ وا،‏ فلأنھُ‏ یترتبُ‏ على الخروجِ‏ عن طاعَتھم<br />

من المفاسدِ‏ أضعافُ‏ ما یحصُلُ‏ من جورِ‏ ھِم (2) ، بل في الصبر على جَورِ‏ ھم<br />

-<br />

(1 ( رواه مسلم.‏ والحدیث فیھ بیان فساد الأنظمة التي من أصولھا التنافس على<br />

منصب الإمامة العامة،‏ كما ھو الحال في النظام الدیمقراطي وغیره.‏ وفیھ كذلك<br />

بطلان الفكرة ‏-المستوردة من أنظمة الغرب الصلیبي-‏ القائلة:‏ بتحدید فترة<br />

زمنیة معینة لحكم الخلیفة أو الإمام العام،‏ تُقدر بخمس سنوات أو أكثر بقلیل أو<br />

أقل،‏ والتي یقول بھا كثیر من الكت َّاب المسلمین في ھذا العصر!.‏<br />

( 2 )<br />

قد تقدم أن ھذا لیس على إطلاقھ،‏ وأنھ لابد من تقدیر المفاسد والمصالح<br />

المترتبة على الصبر أو الخروج،‏ وھذا یعود إِلى درجة إنحراف الحاكم عن<br />

الحق،‏ ومدى سھولة خلعھ إن وقع الخیار على الخروج،‏ وضابط المسألة إعمال<br />

القاعدة بتجرد عن الھوى التي تأمر:‏ بتقدیم أقل الخیارین ضرراً‏ لدفع أشدھما<br />

ضرراً‏ وفساداً..‏<br />

وما یقال في الحاكم الفاسق الظالم لا یجوز أن یقال في الحاكم الكافر المرتد،‏<br />

لورود النص أولاً‏ الذي یلزم الأمة بخیار الخروج،‏ ولأن الخروج علیھ مھما<br />

تعاظمت فتنتھ ومفاسده فھي أقل بكثیر من مفاسد الصبر على الكفر والشرك<br />

المتمثل في الحاكم الكافر المرتد-‏ والإقرار لھ بأن یسود البلاد والعباد،‏ فالشرك<br />

مفسدة عظمى تھون أمامھ جمیع المفاسد مھما تعاظمت،‏ فلیس بعد فتنة الشرك<br />

والصبر علیھ فتنة،‏ ولیس بعد ظلم الشرك والكفر ظلم،‏ كما قال تعالى:‏<br />

الشرك لظلم عظیم]‏ وقال:‏ ‏[والفتنة أشد من القتل]،‏ والمراد بالفتنة ھنا الشرك<br />

والكفر.‏ وقال تعالى:‏ ‏[وقاتلوھم حتى لا تكون فتنة ویكون الدین كلھ ]. ولما<br />

عبدَ‏ بنو إسرائیل العجل من دون اللھ،‏ كانت عقوبتھم من عند اللھ:‏ ‏[فاقتلوا<br />

-<br />

] نإ<br />

295


[<br />

تكفیرُ‏ السیئات،‏ ومضاعفَةُ‏ الأجور،‏ فإن اللھَ‏ تعالى ما سَل َّطھُم علینا إلا َّ لفسادِ‏<br />

أعمالِنا (1) ، والجزاء مِن جنسِ‏ العمل،‏ فعلینا الإجتھادُ‏ في الإستغفار والتوبَ‏ ‏ِة<br />

وإصلاحِ‏ العمل،‏ قال اللھ تعالى:‏ ‏[وما أصابَكُم من مصیبةٍ‏ فبما كسبَتْ‏<br />

أیدیكم ویعفوا عن كثیرٍ‏ الشورى:‏<br />

296


ε<br />

(1)<br />

قولُھ:‏ ‏"ونتبعُ‏ الس ُّن َّةَ‏ والجماعَةَ،‏ ونجتنبُ‏ الشذوذَ‏ والخلاف<br />

والفُرقَةِ".‏<br />

ش:‏ الس ُّن َّة:‏ طریقة الرسو ‏ِل (2) . والجماعَةُ:‏ جماعَةُ‏ المسلمین؛ وھم<br />

الصحابَةُ‏ والتابعونَ‏ لھم بإحسانٍ‏ إِلى یومِ‏ الدین،‏ فاتباعُھم ھُدى،‏ وخِ‏ لافُھم<br />

ضلالٌ،‏ قال تعالى:‏ ‏[قل إن كنتم تحبونَ‏ اللھَ‏ فاتبعوني یُحببكُم اللھُ‏ ویغفِرْ‏<br />

لكم ذنوبَكم واللھ غفورٌ‏ رحیم]‏ آل عمران:‏<br />

297


اللھَ‏ وأطیعوا الرسولَ‏ فإنْ‏ توَ‏ ل َّوا فإنما علیھ ما حُمّ‏ ‏ِلَ‏ وعلیكُم ما حُمّ‏ ‏ِلتُم<br />

وإن تُطیعوه تھتدوا وما على الرسولِ‏ إلا َّ البلاغُ‏ المبین]‏ النور:‏<br />

298


آثارھِم،‏ وتمسكوا بما استطعتُم من أخلاقھِم ودینِھم،‏ فإن َّھم كانوا على الھُدى<br />

المستقیم (1) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُحِ‏ ‏ب ُّ أَھْلَ‏ العَدْلِ‏ والأَمانَةِ،‏ ونُبْغِضُ‏ أَھْلَ‏ الجَورِ‏<br />

والخیانَةِ".‏<br />

ش:‏ وھذا من كمالِ‏ الإیمانِ‏ وتمامِ‏ العبودی َّة،‏ فإن َّ العبادَةَ‏ تتضم َّنُ‏ كما ‏َل<br />

المَحَب َّةِ‏ ونھایتَھا،‏ وكمال ِ الذ ُّلّ‏ ونھایتُھ،‏ فمحَب َّةُ‏ رسُلِ‏ اللھِ‏ وأنبیائِھ وعبادِه<br />

المؤمنینَ‏ مِنْ‏ مَحب َّةِ‏ اللھِ،‏ وإنْ‏ كانت المَحَب َّةُ‏ التي ِ لا یَستحِ‏ ق ُّھا غیرُ‏ هُ(‏‎2‎‏)‏ ،<br />

(1 ( من الأدلة الدالة على وجوب الاقتداء بفھم السلف الصالح،‏ قولھ ε: ‏"أوصیكم<br />

بأصحابي،‏ ثم الذین یلونھم،‏ ثم الذین یلونھم..‏ علیكم بالجماعة وإیاكم والفرقة،‏<br />

فإن الشیطان مع الواحد وھو من الاثنین أبعد،‏ من أراد بحبوحة الجنة فلیلزم<br />

الجماعة".‏ وقولھ ε: ‏"اقتدوا باللذین من بعدي،‏ <strong>أبي</strong> بكر وعمر".‏ وقولھ:‏ ‏"خیر<br />

الناس قرني،‏ ثم الذین یلونھم،‏ ثم الذین یلونھم".‏<br />

وعن عمران بن حصین قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"خیر أمتي القرن الذي<br />

بعثتُ‏ فیھم ثم الذین یلونھم"‏ قال:‏ ولا أعلم أذكر الثالث أم لا،‏ ‏"ثم ینشأ أقوام<br />

یشھدون ولا یستشھدون،‏ ویخونون ولا یؤتمنون،‏ ویفشو فیھم السّ‏ ‏ِمَن"‏ وفي<br />

روایة:‏ ‏"ثم یأتي من بعدھم قوم،‏ یتسمنون ویحبون السّ‏ ‏ِمَن یُعطون الشھادة قبل<br />

أن یُسألوھا".‏<br />

وفي جمیع ما تقدم دلیل على أن السلف رضوان اللھ تعالى علیھم أعلم من<br />

الخلف وأحكم وأسلم،‏ ولیس كما یقول جھلة المتأخرین:‏ بأن الخلف أحكم من<br />

السلف!!.‏<br />

(2 ( من ضروب الشرك أن تحب َّ المخلوق كحبِّ‏ اللھ أو أشد حباً،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[ومن الناس من یتخذ من دون اللھ أنداداً‏ یحبونھم كحب اللھ،‏ والذین آمنوا<br />

أشد ُّ حباً‏ ]. وعلامة ذلك تظھر في الطاعَة والاتباع،‏ فأی ُّھما تُقدم طاعتھ<br />

واتباعھ على الآخر،‏ یكون ھو المعبود المحبوب،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[قل إن كنتم<br />

تحبون اللھ فاتبعوني یُحببكم اللھ].‏ وقال:‏ ‏[وإن أطعتموھم إنكم لمشركون].‏<br />

وذلك بتقدیم طاعتھم على طاعة اللھ.‏ ونحو ذلك قولھ تعالى:‏ ‏[قالوا وھم فیھا<br />

یختصمون تاللھ إن كُن َّا لفي ضلالٍ‏ مبین إذْ‏ نسویكم بربِّ‏ العالمین].‏ وذلك یكون<br />

في الخوف والرجاء،‏ والحب والاتباع والطاعة.‏ قال ابن تیمیة رحمھ اللھ في<br />

الفتاوى )<br />

299


. (2)<br />

فغیرُ‏ اللھ یُحَب ُّ في اللھِ،‏ لا مَعَ‏ اللھ (1) ، فإن َّ المُحِ‏ ب َّ یُحِ‏ ب ُّ ما یحب ُّ محبوبُھُ،‏<br />

ویُبغِضُ‏ ما یُبغِضُ‏ ، ویُوالي مَنْ‏ یُوالیھ،‏ ویُعادي مَن یُعَادیھ،‏ ویرضى<br />

لرضائھ،‏ ویَغْضَبُ‏ لغَضَبھ،‏ ویأمرُ‏ بما یَأمُرُ‏ بھ،‏ ویَنھى عَم َّا یَنْھى عنھ،‏ فھو<br />

مُوافقٌ‏ لِمَحبوبھ في كلّ‏<br />

ِ حالٍ‏<br />

( 1 )<br />

قال ابن تیمیة رحمھ اللھ في الفتاوى<br />

300


‏-مِن لَوازِ‏ مِ‏ الإیمان أَنْ‏ تُحِ‏ ب َّ ما یُحِ‏ ب ُّھُ‏ اللھُ،‏ وَ‏ تكرهَ‏ ما یكرھُھُ‏<br />

اللھُ-‏<br />

واللھُ‏ تعالى یُحِ‏ ‏ب ُّ المحسنینَ،‏ ویُحِ‏ ‏ب ُّ المت َّقینَ،‏ ویُحِ‏ ‏ب ُّ التوابینَ،‏ ویُحِ‏ ُّب<br />

المتطھرین،‏ ونحنُ‏ نُحِ‏ ب ُّ مَنْ‏ أَحَب َّھُ‏ اللھُ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

واللھ لا یُحِ‏ ‏ب ُّ الخائنین،‏ ولا یُحِ‏ ‏ب ُّ المفسدین،‏ ولا یُحِ‏ ‏ب ُّ المستكبرینَ،‏<br />

ونَحنُ‏ لا نُحِ‏ ب ُّھُم أیضاً،‏ ونُبغِضُھُم،‏ موافقةً‏ لھ سبحانھ وتعالى (2) .<br />

وریاساتھم فلا مُبالاة بما جرى على الدین؟ وخیارھم المتحزن المتلمظ،‏ ولو<br />

نوزع في بعض ما فیھ غضاضة علیھ في جاھھ أو مالھ بذل وتبذ َّل،‏ وجد َّ<br />

واجتھد،‏ واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعھ!،‏ وھؤلاء ‏-مع سقوطھم<br />

من عین اللھ ومقت اللھ لھم-‏ قد بُلوا في الدنیا بأعظم بلیة تكون وھم لا<br />

یشعرون،‏ وھو موت القلوب،‏ فإن القلب كلما كانت حیاتھ أتم كان غضبھ <br />

ورسولھ أقوى،‏ وانتصاره للدین أكمل.‏<br />

وقد ذكر الإمام أحمد وغیره أثراً‏ أن اللھ سبحانھ أوصى إِلى ملكٍ‏ من الملائكة<br />

أن اخسف بقریة كذا وكذا،‏ فقال:‏ یارب كیف وفیھم فلان العابد؟ فقال:‏ بھ فابدأ،‏<br />

فإنھ لم یتمع َّر وجھُھُ‏ في َّ یوماً‏ قط.‏<br />

وذكر أبو عمر في كتاب التمھید أن اللھ سبحانھ أوحى إِلى نبي من أنبیائھ أن قل<br />

لفلان الزاھد:‏ أما زھدك في الدنیا فقد تعج َّلتَ‏ بھ الراحة،‏ وأما انقطاعك إلي فقد<br />

اكتسبت بھ <strong>العز</strong>،‏ ولكن ماذا عملت فیما لي علیك؟ فقال:‏ یارب وأي شيء لك<br />

علي؟ قال:‏ ھل والیتَ‏ في َّ ولیّاً‏ أو عادیت في َّ عدوّ‏ اً؟؟ ا-ھ.‏ فتأمل وتدبر.‏<br />

( 1 )<br />

إن كره ما أنزلَ‏ اللھ،‏ وبغض ما یحبھ سبحانھ وتعالى یُعتبر من نواقض<br />

الإیمان التي تُخرج صاحبھا من الملة،‏ وتُحبط مطلق العمل،‏ لما في ذلك من<br />

تقبیح لما حسنھ اللھ،‏ ورَ‏ ‏ٍدّ‏ لقولھ،‏ وتعقیب علیھ،‏ وعدم الرضى بحكمھ وشرعھ،‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ذلك بأَن َّھم كرھوا ما أنزلَ‏ اللھ فأحبطَ‏ أعمالھم].‏ وقال:‏ ‏[إن الذین<br />

ارتدوا على أدبارھم من بعد ما تبین لھم الھدى الشیطان سَو َّ لَ‏ لھم وأملى لھم،‏<br />

ذلك بأنھم قالوا للذین كَرِ‏ ھُوا ما نَز َّلَ‏ اللھُ‏ سَنُطیعُكُم في بعض الأمرِ‏ ]. فإذا كان<br />

الذین قالوا للذین كرھوا ما نَز َّ لَ‏ اللھ سنطیعكم في بعض الأمر،‏ قد اعتبرھم<br />

الشارع لأجل ذلك مرتدین،‏ فما یكون القول في الذین كرھوا ما نَز َّ لَ‏ اللھ<br />

أنفسھم،‏ لا شك َّ أنھم أولى بالارتداد والكفر.‏<br />

(2 ( وكذلك أن تحب ما حرمھ اللھ وسخطھ،‏ یُعتبر مِن نواقض الإیمان،‏ لِما في<br />

ذلك من تحسین وتزیین للباطل الذي قبحھ اللھ وذمھ،‏ فاللھ تعالى یقول عن<br />

الشيء ‏"شِین"‏ وھو یقول عنھ ‏"زین!‏ " ویوالیھ.‏ قال تعالى:‏ ‏[ولو كانوا یُؤمنون<br />

301


ِ<br />

ِ<br />

وفي ‏"الصحیحین"‏ عن النبي ε: ‏"ثَلاثٌ‏ مَنْ‏ كُن َّ فیھِ‏ وَ‏ جَدَ‏ حَلاوَ‏ ةَ‏ الإیمانِ:‏<br />

مَنْ‏ كانَ‏ اللھُ‏ ورسولُھ أحَب َّ إلیھ مِم َّا سِواھُما،‏ ومَنْ‏ كانَ‏ یُحِ‏ ب ُّ المَرْ‏ ءَ‏ لا یُحِ‏ ب ُّھُ‏<br />

إلا َّ ، ومَنْ‏ كانَ‏ یَكرَ‏ هُ‏ أن یَرْ‏ جِ‏ عَ‏ في الكُفْرِ‏ بَعْدَ‏ أَنْ‏ أنقذَهُ‏ اللھُ‏ مِنْھُ،‏ كما یَكرَ‏ هُ‏<br />

أنْ‏ یُلْقَى في النارِ‏ ".<br />

فالمَحب َّةُ‏ التام َّةُ‏ مُسْتَلْزِ‏ مَةٌ‏ لِموافقةِ‏ المحبوبِ‏ في مَحبوبھِ‏ ومَكْروھِھِ،‏<br />

وولایتھِ‏ وعداوَ‏ تِھ.‏ ومِنَ‏ المعلومِ‏ أن َّ مَنْ‏ أَحَب َّ اللھَ‏ المحب َّةَ‏ الواجبةِ،‏ فلا بُد َّ أن<br />

یُبغِضَ‏ أعداءَهُ،‏ ولا بُد َّ أَن یُحِ‏ ب َّ ما یُحِ‏ ب ُّھُ‏ مِن جھادِھم (1) ، كما قال تعالى:‏ ‏[إ َّن<br />

اللھَ‏ یُحِ‏ ب ُّ الذینَ‏ یُقاتِلُونَ‏ في سَبیلِھ صَف َّاً‏ كأَن َّھم بُنیانٌ‏ مَرصُوصٌ‏ الصف:‏<br />

[<br />

-<br />

.4<br />

المُوالاةُ‏ والمُعَاداةُ‏ بحسبِ‏ خِ‏ صَالِ‏ الخیرِ‏ والش َّرّ-‏<br />

والحب ُّ والبغضُ‏ بحسبِ‏ ما فیھم مِنْ‏ خِ‏ صال الخیرِ‏ والشرّ‏<br />

یَجتمع فیھ سَبَبُ‏ الولایَ‏ ‏ِة (1) ، وسَبَبُ‏ العَداوَ‏ ةِ(‏‎2‎‏)‏ ، والحبِّ‏ والبغضِ‏ ، فیكونُ‏<br />

مَحْبُوباً‏ مِنْ‏ وَ‏ جْھٍ‏ مَبْغوضاً‏ مِنْ‏ وَ‏ جْھٍ،‏ والحكمُ‏ للغالِبِ(‏‎3‎‏)‏ .<br />

(2) ، فإن العَبْدَ‏<br />

باللھ والنبيّ‏ ِ وما أُنزِ‏ ل إلیھ ما اتخذوھم أولیاء ولكن كثیراً‏ منھم فاسقین].‏ قال<br />

ابن تیمیة في تفسیره للآیة:‏ فدَل َّ على أن الإیمان المذكور ینفي اتخاذھم أولیاء<br />

ویُضاده،‏ ولا یجتمع الإیمان واتخاذھم أولیاء في القلب.‏ ومثلھ قولھ تعالى:‏ ‏[لا<br />

تتخذوا الیھودَ‏ والنصارى أولیاء،‏ بعضھم أولیاء بعض ومن یتولھم منكم فإنھ<br />

منھم],‏ فإنھ أخبر في تلك الآیة أن متولیھم لا یكون مؤمناً،‏ وأخبر ھنا أن متولیھم<br />

ھو منھم،‏ فالقرآن یصدق بعضھ بعضاً‏ ا-ھ.‏ ‏(الفتاوى:‏ 7/<br />

302


قولُھ:‏ ‏"ونقولُ:‏ اللھُ‏ أعلَمُ‏ فِیما اشتَبَھَ‏ علینا عِلْمُھُ".‏<br />

ش:‏ من تكل َّمَ‏ بغیرِ‏ علمٍ‏ ، فإنما یتبعُ‏ ھواه،‏ وقد قال تعالى:‏<br />

مم َّن ات َّبَعَ‏ ھواه بغیر ھُدىً‏ مِن اللھِ]‏ القصص:‏<br />

‏[ومَ‏ ‏نْ‏ أض‏ ُّل<br />

303


2<br />

أما الوجھ الثاني:‏ تكون بفتوتك الجاھلة قد أضللت مستفتیك فیما أفتاك بھ،‏<br />

حیث أنھ استأمنك على دینھ وحرماتھ،‏ وأنت لم تراعِ‏ فیھ ھذه الأمانة،‏ وفي<br />

الحدیث:‏ ‏"من أُفتي بغیر علمٍ‏ كان إثمھ على مَن أفتاه".‏ فلا یمنعن َّك ‏-یا أخا العلم-‏<br />

إذا كنت لا تعلم أن تقول:‏ لا أعلم.‏ فثلث العلم لا أعلم،‏ أولا أدري،‏ فإن<br />

استصعبت قولھا ‏-وذلك من الشیطان-‏ فتذكر أن من ھم خیرٌ‏ منك بكثیر قد<br />

قالوھا،‏ وأمروا بھا،‏ وإلیك بعض ما أُثر في ذلك عن السلف الصالح.‏<br />

عن ابن <strong>أبي</strong> ملَیكة قال:‏ سُئل أبو بكرٍ‏ الصدیق τ عن آیةٍ،‏ فقال:‏ أي أرضٍ‏<br />

تقلني وأي سماءٍ‏ تظُلني؟ وأین أذھب؟ وكیف أصنع إذا أنا قلت في كتاب اللھِ‏<br />

بغیر ما أراد اللھ بھا؟!‏<br />

وقال علي ٌّ بن <strong>أبي</strong> طالب τ: وابَرْ‏ دَھا على كبدي،‏ ثلاث مرات،‏ قالوا:‏ یا أمیر<br />

المؤمنین وما ذاك؟ قال:‏ أن یُسأل الرجلُ‏ عما لا یعلم فیقول:‏ اللھ أعلم.‏<br />

وعن خالد بن أسلم قال:‏ خرجنا مع ابن عمر نمشي،‏ فلحقنا أعرابي فقال:‏ أنت<br />

عبد اللھ بن عمر؟ قال:‏ نعم،‏ قال:‏ سألت عنك ودُللتُ‏ علیكَ‏ ، فأخبرني أتَرثُ‏<br />

العمةُ؟ قال:‏ لا أدري،‏ قال:‏ أنت لا تدري؟!‏ قال:‏ نعم،‏ اذھب إِلى العلماء في<br />

المدینة فاسألھم..‏<br />

وقال ابن مسعود:‏ من كان عنده علم فلیقل بھ،‏ ومن لم یكن عنده علم،‏ فلیقل:‏<br />

اللھ أعلم،‏ فإن اللھ قال لنبیھ:‏ ‏[قل ما أسألكم علیھ من أجرٍ‏ ، وما أنا من<br />

المتكلفین].‏<br />

وصح عن ابن مسعود وابن عباس:‏ من أفتى الناس في كل ما یسألونھ عنھ<br />

فھو مجنون.‏<br />

وقال أبو حصین الأسدي:‏ إن أحدھم لیفتي في المسألة،‏ ولو وردت على عمر<br />

لجمع لھا أَھْل بدر.‏<br />

وقال مالك:‏ من فقھ العالم أن یقول:‏ لا أعلم،‏ فإنھ عسى أن یتھیأ لھ الخیر،‏<br />

وقال:‏ سمعت ابن ھرمز یقول:‏ ینبغي للعالِم أن یورث جلساءه من بعده ‏"لا<br />

أدري"،‏ حتى یكون ذلك أصلاً‏ في أیدیھم یفزعون إلیھ.‏<br />

وقال الشعبي:‏ لا أدري،‏ نصفُ‏ العلم.‏<br />

وقال ابن جبیر:‏ ویل لمن یقول لما لا یعلم،‏ إني أعلم.‏<br />

وقال ابن وھب:‏ قال لي مالك وھو ینكر كثرة الجواب في المسائل:‏ یا عبد<br />

اللھ ما علمتَ‏ فقل،‏ وإی َّاك أن تُقَلّ‏ ‏ِدَ‏ الناسَ‏ قلادَةَ‏ سوء.‏<br />

وكان ابن المسیب لا یكاد یفتي إلا َّ قال:‏ اللھم سلمني وسَلّ‏ ‏ِم مني . ‏(انظر جمیع<br />

ما تقدم من آثار،‏ أعلام الموقعین:‏<br />

304


ε<br />

وقد أمر اللھُ‏ نبی َّھُ‏ أن یَرُ‏ د َّ عِلْمَ‏ ما لا یَعلَمُ‏ إلیھ،‏ فقال تعالى:‏<br />

أعلمُ‏ بما لَبِثوا لھ غیبُ‏ السماواتِ‏ والأرضِ‏ الكھف:‏<br />

‏[قلِ‏ اللھُ‏<br />

[<br />

305


(2)<br />

قولُھ:‏ ‏"والحج ُّ والجِ‏ ھادُ‏ ماضِ‏ یانِ‏ مَعَ‏ أُولي الأَمرِ‏ مِنَ‏ المسلمینَ،‏<br />

ِ بَرّ‏ ھِمْ‏ وفاجِ‏ رِ‏ ھِمْ‏ إِلى قیامِ‏ الس َّاعَةِ،‏ لا یُبطِلُھُما شيءٌ‏ ولا<br />

یَنْقُضُھُما".‏<br />

قال أبو داود في سننھ "<br />

306


ش:‏ یُشیرُ‏ الشیخ إِلى الر َّ ‏ِدّ‏ على الر َّ افضة،‏ حیثُ‏ قالوا:‏ لا جِ‏ ھادَ‏ إلا َّ مَ ‏َع<br />

الإمامِ‏ المعصومِ‏ (1) ، وھو الإمام المَعْدُوم...‏<br />

ومما ینبغي التنبیھ لھ ھنا،‏ أن الذي یُجاھَدُ‏ معھ لا یجوز أن یبلغ فجوره درجة<br />

الكفر الأكبر،‏ فإن بلغ بھ فجوره درجة الكفر فحینھا لا جھاد معھ،‏ بل یتعین<br />

الجھاد ضده وقد تقدم ذكر إجماع أَھْل العلم على ذلك.‏<br />

( 1 )<br />

لكنھم مؤخراً‏ أحدثوا فكرة تحررھم من عقدة انتظار إمامھم المزعوم،‏ وھي<br />

فكرة ‏"ولایة الفقیھ"‏ حیث أن الفقیھ الشیعي ینوب عن الإمام المنتظر في كثیر<br />

من صلاحیاتھ،‏ التي منھا إعلان الجھاد،‏ وھذه الفكرة أحدثت من فقھاء الشیعة<br />

أرباباً‏ تتسلط ‏-باسم الإمام والعصمة-‏ على رقاب شعوبھم وأتباعھم،‏ كما كان<br />

شأن أحبار وقساوسة الكنیسة مِن قبل،‏ حیث زعموا أن سلطتھم مُستمدة من<br />

اللھ!!‏ وأنھم یحكمون باسم اللھ ونیابة عنھ!!!‏<br />

ونسبة العصمة لغیر الأنبیاء مؤداه إِلى الشرك الأكبر،‏ وذلك من أوجھ،‏ منھا:‏<br />

رفع درجة الأئمة إِلى درجة الأنبیاء والرسل،‏ من حیث عصمتھم عن الخطأ،‏<br />

ووجوب طاعتھم واتباعھم في كل ما یصدر عنھم،‏ ومن حیث ما لھم من مقام<br />

حمید عند ربھم!!‏ ومنھا:‏ تكذیب القرآن بأن الدین لم یكتمل بحیاة نبینا محمد<br />

بدلیل اتباع أقوال الأئمة الاثنى عشر كاتباع أقوال القرآن!!‏ ومنھا:‏ إشراك الإمام<br />

مع اللھ في الحكم والتشریع،‏ حیث اعتبروا أقوال الإمام واجبة الاتباع كأقوال<br />

!! وإلیك بعض المقتطفات من كتاب ‏"الحكومة الإسلامیة"‏ للخمیني حیث<br />

یقول:‏ ‏"فإن َّ للإمام مقاماً‏ محموداً‏ ودرجةً‏ سامیةً‏ وخلافةً‏ تكوینیة،‏ تخضع لولایتھا<br />

وسیطرتھا جمیع ذرات ھذا الكون!!‏ وإن من ضروریات مذھبنا أن َّ لأئمتنا مقاماً‏<br />

لا یبلغھ ملك مقرب ولا نبي مرسل!!‏ " ‏"نحن نعلم أن َّ أوامر الأئمة تختلف عن<br />

أوامر غیرھم.‏ وعلى مذھبنا فإن َّ جمیع الأوامر الصادرة عن الأئمة في حیاتھم<br />

نافذة المفعول،‏ وواجبة الاتباع حتى بعد وفاتھم"‏ ‏"نحن نعتقد أن المنصب الذي<br />

منحھ الأئمة ‏(ع)‏ للفقھاء لا یزال محفوظاً‏ لھم،‏ لأن َّ الذین لا نتصور فیھم السھو<br />

أو الغفلة !!! ونعتقد فیھم الإحاطة بكل ما فیھ مصلحة للمسلمین"‏ وبالتالي سلطة<br />

الفقیھ على رقاب الشیعة كسلطة الإمام!!‏ وقال:‏ ‏"وقد قلت سابقاً‏ أن تعالیم الأئمة<br />

كتعالیم القرآن!!‏ لا تخص جیلاً‏ خاصاً،‏ وإنما ھي تعالیم للجمیع في كل عصر<br />

ومصر وإلى یوم القیامة یجب تنفیذھا واتباعھا!!‏ " أقول:‏ فأي كفر بعد ھذا<br />

الكفر،‏ وأي شرك بعد ھذا الشرك!!‏ وھم یصدق فیھم قولھ تعالى:‏ ‏[اتخذوا<br />

أحبارھم ورھبانھم أرباباً‏ من دون اللھ].‏<br />

،ε<br />

307<br />

اللھ Υ


ε<br />

الذي لم ینفعھم في دینٍ‏ ولا دُنیا (1) ، فإن َّھم یَد َّعونَ‏ أن َّ الإمامَ‏ المنتظَر،‏ محمدُ‏<br />

بنُ‏ الحسن العسكري،‏ الذي دَخَلَ‏ السّ‏ ‏ِردابَ‏ في زعمھم سنة ستین ومئتین،‏ أو<br />

قریباً‏ من ذلك في سامر َّ اء،‏ وقَد یُقیمونَ‏ ھناك داب َّةً،‏ إم َّا بَغلَةً‏ وإم َّا فَرساً،‏<br />

لیركبھا إذا خرج!‏ ویُقیمُونَ‏ ھناكَ‏ في أوقاتٍ‏ عَی َّنوھا لِمَن یُنادِي علیھ<br />

بالخروج:‏ یا مولانا،‏ اخرج!‏ یا مولانا اخرج!‏ ویُشھرونَ‏ السلاحَ،‏ إِلى غیرِ‏<br />

ذلك من الأمور التي یَضحَكُ‏ علیھم فیھا العقلاء.‏<br />

وفي صحیح مسلم،‏ عن عوف بن مالك الأَشجعي،‏ قال:‏ سَمعتُ‏ رسولَ‏<br />

اللھِ‏ یقول:‏ ‏"خیار أَئمتكُم الذین تُحبونَھم ویُحِ‏ ب ُّونَكُم،‏ وتُصَل ُّونَ‏ علیھم<br />

ویُصَل ُّونَ‏ عَلَیْكُم،‏ وشرارُ‏ أئِم َّتِكُم الذین تُبغِضُونَھُم ویُبغضونَكُم،‏ وتلعنونَھم<br />

ویلعنونَكم"،‏ قال:‏ قلنا:‏ یا رسولَ‏ اللھِ،‏ أفلا نُنابذُھُم عِندَ‏ ذلك؟ قال:‏ ‏"لا،‏ ما<br />

أقامُوا الصلاةَ،‏ ألا مَن وَ‏ ليَ‏ علیھ والٍ،‏ فرآهُ‏ یأتي شیئاً‏ من مَعصیةِ‏ اللھ،‏<br />

فلیكرَ‏ ه ما یأتي مِن مَعصیةِ‏ اللھِ،‏ ولا یَنْزِ‏ عَن َّ یَداً‏ من طاعتھ".‏ ولم یَقُلْ‏ إ َّن<br />

الإمامَ‏ یَجبُ‏ أن یكونَ‏ مَعصوماً.‏<br />

وقولھ:‏ ‏"مع أولي الأَمر ِ بَرّھم وفاجرِ‏ ھم"‏ لأن َّ الحَج َّ والجھادَ‏ فَرضانِ‏<br />

یتعل َّقان بالس َّفرِ‏ ،<br />

فلا بُد َّ مِن سائسٍ‏ یسوسُ‏ الناسَ‏ فیھما،‏ ویُقاوِمُ‏ العدو َّ ، وھذا المعنى كما<br />

یَحصَلُ‏ بالإمامِ‏ ِ البَرّ‏ یحصَلُ‏ بالإمامِ‏ الفاجرِ‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُؤْمِنُ‏ بالكِرَامِ‏ الكاتِبینَ،‏ فإن َّ اللھَ‏ قَدْ‏ جَعَلَھُمْ‏ عَلَینا<br />

حافِظِینَ"‏ .<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وإن َّ عَلَیْكُم لَحَافظینَ.‏ كِرَاماً‏ كاتبین.‏ یَعْلَمونَ‏ ما<br />

تَفْعلُونَ]‏ الإنفطار:‏<br />

308


لا نَسْمَعُ‏ سِر َّھُم ونجواھم بَلَى ورُسُلُنا لدیھم یَكْتُبونَ]‏ الزخرف:‏<br />

309


فاكتبوھا عَشْراً"‏ (1) . وقال ε: ‏"قالتِ‏ الملائكَةُ:‏ ذل كَ‏ عَبدُكَ‏ یُریدُ‏ أن یَعْمَلَ‏ سَیّ‏ ‏ِئةً‏<br />

‏-وھو أبصرُ‏ بھ-‏ فقال:‏ ارقُبُوهُ،‏ فإنْ‏ عَمِلَھا فاكتبوھا بِمثْلِھا،‏ وإنْ‏ تَرَ‏ كَھا،‏<br />

فاكتُبوھا لَھُ‏ حَسنَةً،‏ إن َّما ترَ‏ كھا مِنْ‏ جَر َّ اي"‏ متفق علیھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُؤمِنُ‏ بملَكِ‏ الموتِ،‏ الموَ‏ ك َّلِ‏ بقبضِ‏ أَرواحِ‏ العالَمینَ".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[قُل یتوَ‏ ف َّاكُم م َّ لَكُ‏ الموتِ‏ الذي وُ‏ كِّ‏ ‏لَ‏ بِكُم ثم َّ إِلى رَ‏ بِّكم<br />

تُرجَعونَ]‏ (2) السجدة:‏<br />

310


‏-الر ُّوح بَعْدَ‏ مفارَقَتِھا للجَسَدِ‏ لا تَموت-‏<br />

اختلفَ‏ الناسُ‏ : ھل تموتُ‏ الروحُ‏ أَم لا؟ والصوابُ‏ أن یُقَالَ:‏ موتُ‏ النفوس<br />

ھو مفارَ‏ قَتُھا لأجسادِھا،‏ وخروجھا منھا،‏ فإنْ‏ أُریدَ‏ بموتھا ھذا القَدْرُ‏ ، فھي<br />

ذائِقَةُ‏ الموتِ،‏ وإنْ‏ أُریدَ‏ أَنھا تُعدَمُ‏ وتَفنى بالكلیة،‏ فھي لا تموتُ‏ بھذا<br />

الإعتبار،‏ بل ھي باقیةٌ‏ بعدَ‏ خلقھا في نعیم أو في عذاب (1) .<br />

وقد أخبر سبحانھ أَ‏ َّن أَھْلَ‏ الجنةِ:‏ ‏[لا یَذُوقونَ‏ فیھا الموتَ‏ إلا َّ الموتةَ‏<br />

الأولى]‏ الدخان:‏<br />

311


ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وحَاقَ‏ بآلِ‏ فِرْ‏ عَونَ‏ سُوءَ‏ العَذَاب.‏ الن َّارُ‏ یُعْرَضُونَ‏ عَلَیھا<br />

غُدُو َّ اً‏ وعَشِی َّاً‏ ویوم تَقومُ‏ الس َّاعَةُ‏ أَدخِ‏ لوا ءَالَ‏ فِرعَونَ‏ أَشد َّ العذاب]‏<br />

(1) غافر:‏<br />

312


السماءِ:‏ أَنْ‏ صَدَقَ‏ عَبْدي،‏ فافرشُوهُ‏ مِنَ‏ الجن َّةِ،‏ وافتحوا لھ باباً‏ إِلى الجن َّةِ،‏<br />

قال:‏ فیأتیھِ‏ مِنْ‏ رَ‏ وْ‏ حِ‏ ھا وطیبِھا،‏ ویُفْسَحُ‏ لھ في قبرِ‏ هِ‏ مد َّ بَصَرهِ‏ ویُفْسَ‏ ‏ُح<br />

لھ في قبرِ‏ هِ‏ مد َّ بَصَرهِ،‏ قال:‏ ویَأْتیھِ‏ رجلٌ‏ حَسَنُ‏ الوَ‏ جْھِ،‏ حَسَنُ‏ الثیابِ،‏ طَیّ‏ ‏ِبُ‏<br />

الریحِ،‏ فیقولُ:‏ أَبشِرْ‏ بالذي یَسُر ُّ كَ‏ ، ھذا یومُكَ‏ الذي كُنتَ‏ تُوعَدُ،‏ فیقولُ‏ لھ:‏<br />

مَنْ‏ أنتَ‏ ؟ فوَ‏ جْھُكَ‏ الوَ‏ جْھُ‏ الذي یجيءُ‏ بالخیر،‏ فیقول:‏ أنا عَملُكَ‏ الص َّالِحُ،‏<br />

فیقولُ:‏ یارَ‏ ب ُّ أَقِم الس َّاعَةَ‏ حَت َّى أرجعَ‏ إِلى أَھْلي ومَالي.‏<br />

قال:‏ وإن َّ العَبْدَ‏ الكافرَ‏ إذا كان في انقطاعٍ‏ مِنَ‏ الد ُّنیا وإقبالٍ‏ مِنَ‏ الآخِ‏ ‏رَ‏ ةِ،‏<br />

نزَ‏ لَ‏ إلیھ مِنَ‏ السماءِ‏ ملائِكةٌ‏ سُودُ‏ الوجُوهِ،‏ مَعَھُم المُسُو ‏ُح (1) ، فیجلسونَ‏ مِنھُ‏<br />

مَد َّ البَصَرِ‏ ، ثم َّ یجيءُ‏ مَلَكُ‏ الموتِ‏ حتى یَجْلسَ‏ عِندَ‏ رأْسھِ،‏ فیقول:‏ أیتھا النفسُ‏<br />

الخبیثةُ،‏ اخرُ‏ جي إِلى سَخطٍ‏ من اللھِ‏ وغضبٍ،‏ قال:‏ فتَتَفَر َّ قُ‏ في جَسَدِهِ،‏<br />

فینتزِ‏ عُھا كما یُنْتَزَ‏ عُ‏ الس ُّف ُّودُ(‏‎2‎‏)‏ مِن الص ُّوفِ‏ المبلولِ،‏ فیأخُذُھا،‏ فإذا أخَذَھا لَ‏ ‏ْم<br />

یَدَعُوھا في یَدِهِ‏ طَرْ‏ فَةَ‏ عَینٍ،‏ حتى یجعَلُوھا في تِلْكَ‏ المسوحِ،‏ ویَخرُ‏ جُ‏ منھا<br />

كَأَنْتَنِ‏ ریحٍ‏ وُ‏ جِ‏ دَتْ‏ على وَ‏ جْھِ‏ الأَرضِ‏ ، فیَصعَدُونَ‏ بھا،‏ فلا یمر ُّ ونَ‏ بھا على<br />

مَلأٍ‏ مِنَ‏ الملائكةِ‏ إلا َّ قالوا:‏ ما ھذا ال‏ ُّروحُ‏ الخبیثُ‏ ؟ فیقولونَ:‏ فُلانُ‏ بنُ‏ فُلانٍ،‏<br />

بأقبحِ‏ أسمائِھ التي كانَ‏ یُسَم َّى بھا في الد ُّنیا،‏ حتى یُنْتَھى بھا إِلى الس َّماءِ‏<br />

الد ُّنیا،‏ فَیُستَفتَحُ‏ لھُ،‏ فلا یُفتَحُ‏ لھ،‏ ثم َّ قرأَ‏ رسول اللھِ‏ ‏[لا تُفَت َّحُ‏ لھم أبوابُ‏<br />

الس َّماءِ،‏ ولا یدخلونَ‏ الجن َّةَ‏ حت َّى یَلِجُ‏ الجمَلُ‏ في ِ سَمّ‏ الخیا ‏ِط الأعراف:‏<br />

[<br />

:ε<br />

313


ھذا یومُكَ‏ الذي كُنتَ‏ تُوعَدُ،‏ فیقول:‏ مَنْ‏ أنتَ‏ ؟ فوجْھُكَ‏ الوَ‏ جْھُ‏ الذي یجيء<br />

ِ بالش َّرّ‏ ، فَیَقُولُ:‏ أَنا عَمَلُكَ‏ الخَبیثُ‏ ، فیقول:‏ رَ‏ بِّ‏ لا تُقِمِ‏ الساعةَ"‏<br />

. (1)<br />

وذَھبَ‏ إِلى مُوجِ‏ ‏بِ(‏‎2‎‏)‏ ھذا الحدیثِ‏ جَمیعُ‏ أَھْلِ‏ الس ُّن َّةِ‏ والحدیثِ(‏‎3‎‏)‏ ، وفي<br />

الصحیح،‏ قال رسول اللھِ‏ ε: ‏"إن َّ العبدَ‏ إذا وُ‏ ضِ‏ ‏عَ‏ في قَبرِ‏ هِ‏ وتَوَ‏ ل َّى عنھُ‏<br />

أَصحَابُھُ،‏ إن َّھُ‏ لیَسْمَعُ‏ قَرْ‏ عَ‏ نَعَالِھم،‏ فَیأْتیھِ‏ مَلكانِ،‏ فیُقعِدانھ،‏ فیقولانِ‏ لھ:‏ ما كُنتَ‏<br />

تَقُولُ‏ في ھذا الرجلِ،‏ محمد ε؟ فأَم َّا المؤمِنُ،‏ فیقول:‏ أَشْھَدُ‏ أَن َّھ عَبدُ‏ اللھِ‏<br />

ورسولُھ،‏ فیقولُ‏ لھ:‏ انظُرْ‏ إِلى مَقْعَدِكَ‏ مِنَ‏ الن َّارِ‏ أَبدَلَكَ‏ اللھُ‏ بھِ‏ مقعداً‏ مِ‏ ‏َن<br />

الجن َّةِ،‏ فیراھما جمیعاً"‏ (4) .<br />

وفي ‏"الصحیحین"‏ عن ابن عباس:‏ أَن َّ النب َّي مَر َّ بِقَبْریْنِ،‏ فقال:‏ ‏"إن َّھُما<br />

لیُعَذ َّبانِ،‏ وما یُعَذ َّبَان في كَبیر،‏ أم َّا أحَدُھُما،‏ فكانَ‏ لا یَسْتَبْرئُ(‏‎5‎‏)‏ مِنَ‏ البَوْ‏ لِ،‏<br />

وأما الآخَرُ‏ ، فكانَ‏ یَمشي بالنمیمةِ،‏ فدَعا بجریدَةٍ‏ رَ‏ طْبَةٍ،‏ فشَق َّھا نِصفَینِ،‏ وقالِ:‏<br />

لعَل َّھُ‏ یُخَف َّفُ‏ عنھُما ما لَم یَیْبَسَا".‏<br />

ε<br />

(1 ( صحیح،‏ رواه أحمد،‏ وأبو داود،‏ والنسائي،‏ وابن ماجھ،‏ وغیرھم.‏ وللحدیث<br />

زیادة صحیحة ذكرھا الشیخ الألباني في كتابھ ‏"أحكام الجنائز"‏ وھي:‏ ‏"ثم یُقی َّضُ‏<br />

لھ أعمى أصم أبكم في یده مَرزَ‏ بة لو ضُرِ‏ بَ‏ بھا جبل كان تراباً،‏ فیضربھ ضربةً‏<br />

حتى یصیر بھا تراباً،‏ ثم یعیده اللھ كما كان،‏ فیضربھ ضربةً‏ أخرى،‏ فیصیح<br />

صیحةً‏ یسمعھ كل شيء إلا َّ الثقلین،‏ ثم یُفتح لھ باب مِنَ‏ النار،‏ ویُمھد من فرش<br />

النار،‏ فیقول:‏ رَ‏ بِّ‏ لا تُقم الساعة".‏<br />

( 2 )<br />

أي إِلى مقتضى ومعنى ھذا الحدیث..‏<br />

(3 ( عذاب القبر حق،‏ وھو معلوم من الدین بالضرورة،‏ وقد تضافرت الأدلة<br />

والأحادیث النبویة الدالة علیھ،‏ فمن الصحابة الذین رَ‏ ووا أحادیث عذاب القبر<br />

عن النبيِّ‏ ε: البراء بن عازب،‏ وابن عباس،‏ وأنس بن مالك،‏ وأبو ھریرة،‏ وزید<br />

بن ثابت وغیرھم،‏ وبعض أَحادیثھم في الصحیحین،‏ والعجیب بعد ذلك أن یأتي<br />

نفر من شواذ الأمة حَك َّموا العقل على النقل!!‏ فجحَدوا عذاب القبر بحجة أَ‏ َّن<br />

الأخبار الدالة علیھ آحاد لا تقوم بھا حجة!!‏<br />

(4 ( رواه البخاري.‏<br />

(5 ( وفي روایة البخاري وأكثر الروایات ‏"لا یَسْتَتِر"،‏ بمعنى لا یَتوق َّى ولا یتحفظ<br />

منھ،‏ ولا یجعل بینھ وبین بولھ سترة،‏ انظر فتح الباري:‏ 1/<br />

314


وعن <strong>أبي</strong> ھریرةَ،‏ قالَ:‏ قالَ‏ النب‏ ُّي ε: ‏"إذا قُبِرَ‏ أَحَدُكُمْ(‏‎1‎‏)‏ أو الإنسانُ‏ أتَاهُ‏<br />

ملكانِ‏ أسودانِ‏ أَزرقانِ،‏ یُقالُ‏ لأحَدِھما:‏<br />

وقَدْ‏ تواترتِ‏ الأخبارُ‏ عن رسولِ‏ اللھ في ثبوتِ‏ عذابِ‏ القبر ونعیمھ لِمن<br />

كان لذلك أَھْلاً،‏ وسؤال الملَكین،‏ فیجبُ‏ اعتقادُ‏ ثبوتِ‏ ذلك،‏ والإیمانُ‏ بھ،‏ ولا<br />

نتكل َّمُ‏ في كیفی َّتِھِ،‏ إذْ‏ لیسَ‏ للعقلِ‏ وقوفٌ‏ على كیفیتھِ،‏ لِكونھِ‏ لا عَھْدَ‏ لھ بھ في<br />

ھذا الد َّار.‏<br />

‏-تَعَل ُّقُ‏ الر ُّوحِ‏ بالبَدَنِ-‏<br />

فالروحُ‏ لھا بالبدَنِ‏ خَمسَةُ‏ أنواعٍ‏ مِنَ‏ الت َّعَل ُّقِ،‏ مُتَغایرَ‏ ةِ‏ الأحكامِ‏<br />

أَحدُھا:تَعَل ُّقُھا بھ في بَطنِ‏ الأُمّ‏<br />

الثاني:‏ تَعَل ُّقُھا بھِ‏ بَعْدَ‏ خُرُ‏ وجھِ‏ إِلى وجھِ‏ الأرضِ‏ .<br />

الثالث:‏ تعل ُّقھا بھ في حالِ‏ الن َّومِ‏ ، فَلَھا بھ تَعَل ُّقٌ‏ من وَ‏ جْھٍ،‏ ومُفارَ‏ قَةٌ‏ مِن<br />

المُنكَرُ‏ ، وللآخَر:‏ الن َّكیرُ‏ .. " (2) .<br />

ε<br />

: (3)<br />

ِ جنیناً.‏<br />

وجھ (1) .<br />

(1 ( جاء في ھامش <strong>نسخة</strong> مؤسسة الرسالة:‏ ‏"في الأصول:‏ أحدكم،‏ والمثبت من ابن<br />

حبان ‏"إذا قُبِرَ‏ المیت"،‏ وھو في ‏"صحیح ابن حبان"‏ )<br />

315


الرابع:‏ تعَل ُّقھا بھ في البَرزَ‏ خِ،‏ فإن َّھا وإنْ‏ فارَ‏ قتھ،‏ وتَجر َّ دَتْ‏ عنھ،‏ فإن َّھا لم<br />

تُفارِ‏ قْھ فِرَ‏ اقاً‏ كُلی َّاً‏ بحیثُ‏ لا یَبقَى لھا إلیھ التِفاتٌ‏ أَلَبَت َّةَ(‏‎2‎‏)‏ .<br />

الخامس:‏ تَعل ُّقھا بھ یَومَ‏ بَعْثِ‏ الأجسادِ،‏ وھو أَكْمَلُ‏ أنواعِ‏ تَعَل ُّقِھا بالبدَنِ،‏ إ ‏ْذ<br />

ھو تَعَل ُّقٌ‏ لا یَقْبَلُ‏ البدَنُ‏ معھ مَوْ‏ تاً‏ ولا نَوْ‏ ماً‏ ولا فَسَاداً.‏<br />

‏-الس ُّؤالُ‏ في القَبْرِ‏ للروحِ‏ والبَدَنِ-‏<br />

دَل َّت الأحادیثُ‏ الص َّحیحةُ‏ أن َّ السؤالَ‏ في القبرِ‏ یكونُ‏ للروح والبَدَنِ،‏<br />

وكذلك عذابُ‏ القبرِ‏ یكون للن َّفسِ‏ والبدنِ‏ جمیعاً،‏ باتّ‏ ‏ِفاقِ‏ أَھْل الس ُّن َّةِ‏ والجماعة،‏<br />

تَنْعَمُ‏ النفسُ‏ وتُعَذ َّبُ‏ ، مُفْرَ‏ دَةً‏ عن البدَنِ‏ ومُت َّصِ‏ لَةً‏ بھ.‏<br />

وھل یدومُ‏ عذابُ‏ القبرِ‏ أو ینقطع؟ جوابھ أن َّھ نوعان:‏ منھ ما ھو دائمٌ،‏ كما<br />

قال تعالى:‏ ‏[الن َّار یُعْرَضُونَ‏ علیھا غُدُو َّ اً‏ وعَشِی َّاً‏ ویومَ‏ تقومُ‏ الس َّاعَةُ‏ أَدخِ‏ لُوا<br />

آلَ‏ فِرعونَ‏ أشَد َّ العذابِ]‏ غافر:‏<br />

316


ِ ناره<br />

( 2 )<br />

إِلى جاره شيءٌ‏ من حرّ‏ (1) ، ولا مِن ھذا إِلى جارهِ‏ شيء مِن نعیمِھِ،‏<br />

وقدرةُ‏ اللھ أوسَعُ‏ مِن ذلك وأعجب،‏ ولكنِ‏ النفوسَ‏ مُولَعَةٌ‏ بالتكذیب بما لم<br />

تُحِ‏ ط بھ عِلماً!!‏ وقَدْ‏ أرانا اللھُ‏ في ھذه الد َّار مِن عجائبِ‏ قدرَ‏ تھ ما ھو أَبلَغُ‏<br />

مِن ھذا بكثیر،‏ وإذا شاءَ‏ اللھُ‏ أَن یُطلِعَ‏ على ذلك بعضَ‏ عبادِه أطلعھُ،‏ وغَی َّبَھُ‏<br />

عن غیره،‏ ولو أَطْلَعَ‏ اللھُ‏ على ذلك العِبادَ‏ كُل َّھم،‏ لزالَت حِ‏ كْمَةُ‏ التكلیفِ‏<br />

والإیمانِ‏ بالغیبِ،‏ ولما تدافنَ‏ الناسُ‏ ، كما في الصحیح عنھ ε: ‏"لو لا أن لا<br />

تَدافنوا،‏ لَدعَوتُ‏ اللھَ‏ أن یُسْمِعَكُم مِن عذابِ‏ القبرِ‏ ما أسْمعُ"‏ (2) .<br />

‏-مُسْتَقَر ُّ الأرواحِ‏ بعدَ‏ المو ‏ِت-‏<br />

الأرواحُ‏ في البَرْ‏ زَ‏ خِ‏ مُتفاوِتَةٌ‏ أَعظمَ‏ تفاوت،‏ فمنھا:‏ أرواحٌ‏ في أَعلى<br />

عِلّ‏ ‏ِیینَ،‏ في الملأِ‏ الأعلى،‏ وھي أرواحُ‏ الأنبیاء صلواتُ‏ اللھ علیھم<br />

وسلامھُ،‏ وھم مُتفاوَ‏ تونَ‏ في منازلھم.‏<br />

ومنھا:‏ أَرواحٌ‏ في حواصِ‏ لِ‏ طَیرٍ‏ خُضْرٍ‏ ، تَسْرَ‏ حُ‏ في الجنةِ‏ حیثُ‏ شاءَت (3) .<br />

ومنھا:‏ مَن یكونُ‏ محبوساً‏ على بابِ‏ الجنة بسببِ‏ دینٍ‏ علیھ،‏ كما في<br />

الحدیثِ:‏ ‏"رأیتُ‏ صاحِ‏ بَكم مَحبوساً‏ على بابِ‏ الجنةِ".‏ ومنھا:‏ مَنْ‏ یكون<br />

طائِراً‏ یَعْلَقُ‏ في شَجَر الجنةِ،‏ كما في الحدیث:‏ ‏"إن َّ نَسَمَةَ‏ المؤمنِ‏ طائِرٌ‏ یَعْلَقُ‏<br />

في شَجَرِ‏ الجنة،‏ حتى یرجِ‏ عَھُ‏ اللھُ‏ إِلى جَسَدِه یومَ‏ یَبْعَثُھُ".‏<br />

ومنھم مَن یكونُ‏ مَحْبوساً‏ في قبرهِ،‏ ومنھم مَن یكونُ‏ مَحبوساً‏ في الأرض،‏<br />

ومنھا أَرواحٌ‏ تكونُ‏ في تَن ُّورِ‏ الز ُّ ناةِ‏ والز َّ واني،‏ وأرواحٌ‏ في نَھرِ‏ الد َّمِ‏ تَسبَحُ‏<br />

فیھ،‏ وتُلْقَمُ‏ الحِ‏ جارَ‏ ةَ،‏ كُل ُّ ذلك تشھَدُ‏ لھ الس ُّن َّةُ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

(1 ( وھذا من تمام قدرة اللھ تعالى،‏ وفضلھ ورحمتھ بعباده المؤمنین،‏ حیث قد<br />

اختلطت المقابر بالكفار والمؤمنین،‏ ولم تعد قبور الكفار تمیز عن قبور<br />

المؤمنین..‏ لأن قوانین الأرض لا تمیز بینھم في الحیاة الدنیا،‏ ولكن ھذا ‏-و‏<br />

الحمد-‏ لن یضیر المؤمنین في شيء.‏<br />

أخرجھ مسلم.‏<br />

(3 ( وھي أرواح الشھداء كما قال تعالى:‏ ‏[ولا تحسبن َّ الذین قُتِلوا في سبیل اللھ<br />

أمواتاً‏ بل أحیاءٌ‏ عند ربھم یُرزَقون]‏ آل عمران:‏<br />

317


‏-الأرضُ‏ لا تأكلُ‏ أجسادَ‏ الأَنبیاءِ‏ -<br />

(1 ( جاء في ‏"صحیح البخاري":‏ عن ثمرة بن جندب،‏ قال:‏ كان رسولُ‏ اللھ ε<br />

یعني مما یكثرُ‏ أن یقول لأصحابھ:‏ ھل رأى أَحدٌ‏ منكم من رؤیا؟ قال:‏ فیُقَص ُّ علیھ<br />

ما شاء اللھ أن یقص َّ . وإنھ قال لنا ذاتَ‏ غداةٍ:‏ ‏"إنھ أتاني اللیلةَ‏ آتِیان،‏ وإنھما<br />

ابتعثاني وإنھما قالا لي:‏ انطلق.‏ وإني انطلقتُ‏ معھما،‏ وإنا أتینا على رجلٍ‏<br />

مُضطجع،‏ وإذا آخرُ‏ قائمٌ‏ علیھ بصخرة،‏ وإذا ھو یَھوي بالصخرة لِرَ‏ أسھ فَیَثْلَغْ‏<br />

رَ‏ أْسَھُ‏ فیتدَھْدَه الحجر ھا ھنا،‏ فیتبعُ‏ الحجرَ‏ فیأخُذُه فلا یرجعَ‏ إلیھ حتى یصح َّ رأسھ<br />

كما كان،‏ ثم َّ یعودُ‏ فیفعل بھ مثل ما فعل بھ المرة الأولى.‏ قال:‏ قلت لھما:‏ سبحان<br />

اللھ،‏ ما ھذان؟ قال قالا لي:‏ انطلق انطلق،‏ فانطلقنا فأتینا على رجل مُستَلْقٍ‏ لقفاه،‏<br />

وإذا آخر قائم علیھ بكلوب من حدید،‏ وإذا ھو یأتي أحد شقي وجھھ فیشرشر<br />

شدقھ إِلى قفاه،‏ ومنخره إِلى قفاه،‏ وعینھ إِلى قفاه،‏ قال:‏ ثم َّ یتحول إِلى الجانب<br />

الآخر فیفعل بھ مثل ما فعل بالجانب الأول،‏ فما یفرغ من ذلك الجانب حتى یصح<br />

ذلك الجانب كما كان،‏ ثم یعود علیھ فیفعل مثل ما فعل المرة الأولى.‏ قال قلت:‏<br />

سبحان اللھ ما ھذان؟ قال قالا لي:‏ انطلق انطلق،‏ فانطلقا فأتینا على مثل التنور،‏<br />

فإذا فیھ لغط وأصوات.‏ قال:‏ فاطلعنا فیھ فإذا فیھ رجال ونساء عراة،‏ وإذا ھم<br />

یأتیھم لھب من أسفل منھم،‏ فإذا أتاھم ذلك اللھب ضوضوا،‏ قال قلت لھما:‏ ما<br />

ھؤلاء؟ قال قالا لي:‏ انطلق انطلق،‏ قال فانطلقنا فأتینا على نھر حسبت أنھ كان<br />

یقول أحمر مثل الدم،‏ وإذا في النھر رجل سابح یسبح،‏ وإذا على شط النھر<br />

رجل قد جمع عنده حجارة كثیرة،‏ وإذا ذلك السابح یسبح ما یسبح،‏ ثم یأتي ذلك<br />

الذي قد جمع عنده الحجارة فیفغر لھ فاه فیلقمھ حجراً،‏ فینطلق یسبح ثم یرجع<br />

إلیھ،‏ كلما رجع إلیھ فغر فاه فألقمھ حجراً.‏ قال قلت لھما:‏ ما ھذان؟ قال قالا لي:‏<br />

انطلق انطلق.‏ قال:‏ فانطلقنا فأتینا على رجلٍ‏ كریھ المرآة كأكره ما أنت راء<br />

رجلاً‏ مرآه،‏ وإذا عنده نار یحشھا ویسعى حولھا...‏ قال قلت لھما:‏ فإني قد رأیت<br />

منذ اللیلة عجباً،‏ فما ھذا الذي رأیت؟ قال قالا لي:‏ أما إنّا سنخبرك:‏ أم َّا الرجل<br />

الأول الذي أتیت علیھ یثلغ رأسھ بالحجر،‏ فإنھ الرجل یأخذ بالقرآن فیرفضھ<br />

وینام عن الصلاة المكتوبة.‏ وأما الرجل الذي أتیت علیھ یشرشر شدقھ إِلى قفاه<br />

ومنخره إِلى قفاه وعینھ إِلى قفاه فإنھ الرجل یغدو من بیتھ فیكذب الكذبة تبلغ<br />

الآفاق.‏ وأما الرجال والنساء العراة الذین في مثل بناء التنور فھم الزناة<br />

والزواني.‏ وأما الرجل الذي أتیت علیھ یسبح في النھر ویلقم الحجر فإنھ آكل<br />

الربا.‏ وأما الرجل الكریھ المرآة الذي عند النار یحشھا ویسعى حولھا فإنھ مالِك<br />

خازن جھنم".‏<br />

318


حَر َّ مَ‏ اللھُ‏ على الأرضِ‏ أَنْ‏ تأْكُلَ‏ أجسادَ‏ الأنبیاءِ،‏ كما رُ‏ ويَ‏ في<br />

‏"السنن"‏ (1) ، وأما الشھداءُ،‏ فقد شُوھِدَ‏ مِنھم بَعْدَ‏ مُدَدٍ‏ مِن دفنھ كما ھو لم<br />

یتغیر (2) ، فَیُحتَملُ‏ بَقاؤهُ‏ كذلك في تُربَتھِ‏ إِلى یومِ‏ مَحْشَرهِ،‏ ویُحتَملُ‏ أَن َّھُ‏ یَبْلى<br />

مع طول المدة،‏ وكأنھ ‏-واللھ أعلمُ-‏ كلما كانتِ‏ الش َّھادَةُ‏ أكملَ،‏ والشھیدُ‏<br />

أَفضلَ،‏ كان بَقاءُ‏ جَسَدِهِ‏ أَطوَ‏ لَ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُؤمِنُ‏ بالبَعْثِ‏ وجزاءِ‏ الأعمالِ‏ یومَ‏ القیامة والعرْ‏ ضِ‏<br />

والحِ‏ سابِ،‏ وقِراءَةِ‏ الكتابِ،‏ والث َّوابِ‏ والعقابِ،‏ ِ والصّرَا ‏ِط<br />

والمیزَان".‏<br />

ش:‏ الإیمانُ‏ بالمَعَاد مما دل َّ علیھ الكِتابُ‏ والس ُّن َّةُ،‏ والعَقْلُ‏ والفِطرَ‏ ةُ‏<br />

السلیمةُ،‏ فأخبَرَ‏ اللھُ‏ سبحانھ عنھ في كتابھِ‏ <strong>العز</strong>یز،‏ وأَقامَ‏ الدلیلَ‏ علیھ،‏ ورَ‏ د َّ<br />

على منكریھ في غالبِ‏ سُوَ‏ رِ‏ القرآن.‏<br />

‏-الأنبیاءُ‏ مُجْمِعُونَ‏ على الإیمانِ‏ بالبعثِ‏ والیوم الآخ ‏ِر-‏<br />

الأنبیاءُ‏ علیھم السلامُ‏ كُل ُّھم مُت َّفقونَ‏ على الإیمانِ‏ بالآخرةِ.‏ فإن َّ القیامة<br />

الكُبرى ھي معروفة عندھم،‏ مِنْ‏ آدَمَ‏ إِلى نوحٍ،‏ إِلى إبراھیم وموسى وعیسى<br />

وغیرھم علیھم السلام.‏<br />

وقد أخبرَ‏ اللھُ‏ بھا مِن حین أُھبِطَ‏ آدمُ،‏ فقال تعالى:‏ ‏[قال اھبطُوا بَعْضُكُم<br />

لبَعْضٍ‏ عَدَو ٌّ ولَكُم في الأرضِ‏ مُسْتَقَر ٌّ ومَتاعٌ‏ إِلى حینٍ.‏ قالَ‏ فیھا تَحْیَونَ‏<br />

وفیھا تموتونَ‏ ومنھا تُخْرَجُونَ]‏ الأعراف:‏<br />

319


‏[رَبِّ‏ فأَنظِرْ‏ ني إِلى یومِ‏ یُبعثُونَ.‏ قالَ‏ فإن َّكَ‏ مِنَ‏ المنظرینَ.‏<br />

المعْلُومِ‏ [ ص:‏<br />

إِلى یومِ‏ الوق‏ ‏ِت<br />

320


وأخبر عن اقترابھا،‏ فقال:‏ ‏[اقتربت الس َّاعةُ‏ وانشق َّ القمرُ]‏ القمر:‏ 1.<br />

‏[اقتربَ‏ للناسِ‏ حسابُھُم وھم في غَفْلَةٍ‏ مُعْرِ‏ ضونَ]‏ الأنبیاء:‏ ‏[إن َّھم یرونھ<br />

بعیداً.‏ ونراهُ‏ قریباً]‏ المعارج:‏<br />

‏-ذَم ُّ المكذبین بالمعاد-‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[قدْ‏ خَسِرَ‏ الذینَ‏ كَذ َّبوا بِلقاء اللھِ‏ وما كانوا مُھتدین]‏ یونس:‏<br />

.1<br />

.7-6<br />

321


جعلَ‏ لكم مِنَ‏ الش َّجَرِ‏ الأخضَرِ‏ ناراً‏ فإذا أنتُم مِنھ توقدون.‏ أَو لیسَ‏ الذي خَلَقَ‏<br />

السماواتِ‏ والأرضَ‏ بقادِرٍ‏ على أَنْ‏ یخلُقَ‏ مِثلَھُم بلى وھو الخلا َّقُ‏ العلیم]‏<br />

یس:‏<br />

322


.3<br />

قال تعالى:‏ ‏[مالكِ‏ یُوْ‏ مِ‏ الدینِ]‏ الفاتحة:‏ ‏[یَومَئذٍ‏ یُوفیھم اللھُ‏ دینَھُمُ‏<br />

الحَق َّ ویعلَمونَ‏ أن َّ اللھَ‏ ھو الحق ُّ المبین]‏ النور:‏<br />

323


بالس َّیئةِ‏ فلا یُجْزى إلا َّ مِثْلَھا وَ‏ ھُم لا یُظلَمون]‏ الأنعام:‏<br />

324


ِ<br />

-<br />

عن عبد اللھ بن مسعود،‏ قال:‏ ‏"یجمعُ‏ اللھُ‏ الناسَ‏ یومَ‏ القیامَةِ"‏ إِلى أن<br />

قال:‏ ‏"فَیُعْطَونَ‏ نُورَ‏ ھُم على قَدْرِ‏ أعمالھم،‏ قال:‏ فمنھم مَن یُعطى نورهُ‏ مِث‏ ‏َل<br />

الجبلِ‏ بین یدیھ،‏ ومِنھُم مَن یُعطى نورَ‏ هُ‏ فوقَ‏ ذلك،‏ ومنھم مَنْ‏ یُعطى نوره<br />

مِثلَ‏ النخلةِ‏ بیمینھِ،‏ ومِنھُم من یُعطى دونَ‏ ذلك بیمینھ،‏ حتى یكونَ‏ آخرُ‏ ذلك<br />

مَن یُعطى نُورَ‏ هُ‏ على إبھامِ‏ قَدَمِھِ(‏‎1‎‏)‏ ، یُضيء مَر َّ ةً‏ ویُطْفأُ‏ مَر َّ ةً،‏ إذا أَضاءَ‏ قَد َّم<br />

قَدمَھُ،‏ وإذا طُفِئَ‏ قامَ،‏ قال:‏ فیمر ُّ ویَمرونَ‏ على ِ الصّ‏ ‏راطِ،‏ ِ والصّ‏ ‏راطُ‏ كحَدّ‏<br />

السیفِ‏ ، دَحْض مَزَ‏ ل َّةٌ،‏ فیقالُ‏ لَھُم:‏ امضوا على قَدْرِ‏ نُورِ‏ كُم،‏ فمنھم مَنْ‏ یم‏ ُّر<br />

كانقِضاض الكوكب،‏ ومنھم مَنْ‏ یمر ُّ ِ كالرّ‏ یحِ،‏ ومِنْھُم مَنْ‏ یم‏ ُّر كالط َّرْ‏ فِ‏ ،<br />

ومِنْھُم مَنْ‏ یمر ُّ ِ كَشَدّ‏ الر َّ حْلِ،‏ ویَرمُلُ‏ رمَلاً،‏ فیمرون على قَدْرِ‏ أعمالِھِم،‏ حت َّى<br />

یمر َّ الذي نورُ‏ هُ‏ على إبھامِ‏ قدمِھِ،‏ تُجَر ُّ یَدٌ،‏ وتَعْلَقُ‏ یَدٌ،‏ وتُجَر ُّ رِ‏ جْلٌ‏ وتَعْلَقُ‏<br />

رِ‏ جلٌ،‏ وتُصیبُ‏ جوانِبَھُ‏ النارُ‏ ، قال:‏ فیخلصونَ،‏ فإذا خَلَصُوا قالوا:‏ الحمدُ‏ ِ<br />

الذي نَج َّانا مِنْكِ‏ بَعدَ‏ أَنْ‏ أَراناكِ‏ ، لَقَد أَعطانا اللھُ‏ ما لَمْ‏ یُعْطِ‏ أَحداً"‏ (2) .<br />

المرادُ‏ بورودِ‏ جھن َّم بالنّ‏ ‏ِسبةِ‏ للمؤمنینَ‏<br />

المرادُ‏ من قولھ:‏ ‏[وإن منكم إلا َّ وارِ‏ دُھا]‏ مریم:‏<br />

-<br />

325


-<br />

قال القرطبي:‏ وقولُھ:‏ ‏[ونضعُ‏ الموازینَ‏ القِسْطَ‏ لیومِ‏ القیامَ‏ ‏ِة].‏ یحتملُ‏ أن<br />

یكون ثَم َّ موازینُ‏ متعددة تُوزَ‏ نُ‏ فیھا الأعمالُ،‏ ویَحتملُ‏ أن یكون المرادُ‏<br />

الموزونات،‏ فَجُمعَ‏ باعتبارِ‏ تَنوِّعِ‏ الأعمالِ‏ الموزونَةِ،‏ واللھ أعلم.‏<br />

میزانُ‏ الأعمالِ‏ حِ‏ سّ‏ ‏ِي ٌّ مُشاھَد<br />

الذي دَل َّتْ‏ علیھ الس ُّن َّة:‏ أن میزانَ‏ الأعمالِ‏ لھ كِف َّتا نِ‏ حِ‏ سّ‏ ‏ِی َّتانِ‏ مُشَاھدتان،‏<br />

قال رسولُ‏ اللھ : ‏"إن َّ اللھَ‏ سَیُخَلّ‏ ‏ِصُ‏ رَ‏ جْلاً‏ مِنْ‏ أُم َّتي على رُ‏ ؤوسِ‏ الخلائِقِ‏<br />

یومَ‏ القیامةِ،‏ فینْشُرُ‏ علیھ تِسْعَةً‏ وتسعینَ‏ سِجِ‏ لاً،‏ كُل ُّ سِجِ‏ ‏ٍلّ‏ مَد ُّ البصرِ‏<br />

یقولُ‏ لھ:‏ أتنكِرُ‏ مِن ھذا شیئاً؟ أظلمكَ‏ كَتَبتي الحافِظونَ؟ قال:‏ لا،‏ یاربِّ،‏<br />

فیقولُ:‏ أَلكَ‏ عُذْرٌ‏ أو حَسَنَةٌ؟ فَیُبْھَتُ‏ الرجلُ،‏ فیقول:‏ لا یارَ‏ بِّ،‏ فیقولُ:‏ بلى،‏ إ َّن<br />

لكَ‏ عندَنا حسنةً‏ واحِ‏ دةً،‏ لا ظُلْمَ‏ علیكَ‏ الیومَ،‏ فتُخرَ‏ جُ‏ لھ بِطاقَةٌ‏ فیھا:‏ أشھدُ‏ أنْ‏<br />

لا إلھ إلا اللھُ،‏ وأن َّ مُحمداً‏ رسولُ‏ اللھِ(‏‎2‎‏)‏ ، فیقولُ:‏ أحضروه،‏ فیقول:‏ یارَ‏ بِّ،‏<br />

ما ھذه البطاقةُ‏ معَ‏ ھذه السّ‏ ‏ِجِ‏ لا َّتِ؟!‏ فیقولُ:‏ إن َّكَ‏ لا تُظْلَمُ،‏ قال:‏ فتوضَعُ‏<br />

السّ‏ ‏ِجِ‏ لا َّتُ‏ في كِف َّةٍ،‏ والبطاقةُ‏ في كفةٍ،‏ قال:‏ فطاشَتِ‏ السّ‏ ‏ِجلاتُ‏ ، وثَقُلَت<br />

البِطاقةُ،‏ ولا یَثْقُلُ‏ شيءٌ‏ بِسْمِ‏ اللھِ‏ الرحمن الرحیم"‏ (3) .<br />

ومِنَ‏ الأحادیثِ‏ الدال َّةِ‏ على وزنِ‏ الأعمالِ،‏ قولُھ ε: ‏"الطھورُ‏ شَطرُ‏<br />

الإیمان (4) ، والحمدُ‏ ِ تَمْلأُ‏ المیزانِ"‏ (5) . وقولُھ:‏ ‏"كَلِمتانِ‏ خفیفتانِ‏ على<br />

(1) ، ث‏ َّم<br />

-<br />

ε<br />

( 1 )<br />

( 4 )<br />

ینبغي أن تحمل سعة ھذه السجلات وضخامتھا على أنھا لا تحوي على<br />

الشرك الأكبر،‏ ولو كانت تتضمن الشرك الأكبر لما نفع الرجل شيء،‏ ولحبطت<br />

عنھ مطلق حسناتھ وأعمالھ،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[ولو أشركوا لحبِطَ‏ عنھم ما كانوا<br />

یعملون].‏ وقال تعالى:‏ ‏[إنھ من یُشرك باللھ فقد حَر َّمَ‏ اللھ علیھ الجنة].‏<br />

فنصوص الشریعة تصدق بعضھا بعضاً،‏ ولا تَعارض بینھا و‏ الحمد.‏<br />

( 2 )<br />

قد تقدم أن شھادة أن لا إلھ إلا اللھ،‏ محمداً‏ رسول اللھ لھا شروط ونواقض،‏<br />

وھي تنفع صاحبھا،‏ عندما یستوفي شروطھا ویجتنب نواقضھا،‏ وعلى ھذا<br />

المعنى ینبغي أن یحمل انتفاع الرجل بشھادة التوحید،‏ المدونة في البطاقة التي<br />

ثقلت ورجحت على جمیع السجلات،‏ ولیس كما یقول أَھْل الإرجاء أن الرجل لم<br />

یكن عنده من الحسنات سوى نطقھ لشھادة التوحید،‏ فضلوا بذلك وأضلوا!!.‏<br />

(3 ( صحیح،‏ رواه أحمد وغیره.‏<br />

فیھ أن الإیمان عمل.‏ وفي صحیح سنن ابن ماجة )<br />

326


-<br />

اللّ‏ ‏ِسانِ‏ ، حبیبتانِ‏ إِلى الرحمن،‏ ثقیلتانِ‏ في المیزانِ:‏ سُبحانَ‏ اللھِ‏ وبحمدهِ،‏<br />

سُبحانَ‏ اللھِ‏ العظیمِ‏ " (1) .<br />

‏-وَ‏ زْ‏ نُ‏ العامِلِ‏ مَعَ‏ أَعمالِھ-‏<br />

العامِلُ‏ یُوزَ‏ نُ‏ معَ‏ عَمَلِھ،‏ عَن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ عن رسول اللھ ε، قال:‏ ‏"إن َّھُ‏<br />

لَیَأتيَ‏ الرجل العظیمُ‏ الس َّمینُ‏ یومَ‏ القیامةِ،‏ لا یَزِ‏ نُ‏ عِندَ‏ اللھ جناحَ‏ بعوضَةٍ،‏<br />

وقال:‏ اقرَ‏ ؤوا إن شِئْتُم:‏ ‏[فلا نُقیمُ‏ لھم یومَ‏ القیامةِ‏ وزناً]"‏ (2) .<br />

وَ‏ روى الإمامُ‏ أحمد،‏ عن ابنِ‏ مَسعودٍ:‏ أن َّھُ‏ كان یَجتني سِواكاً‏ مِنَ‏ الأراكِ‏ ،<br />

وكانَ‏ دقیقَ‏ الس َّاقینِ،‏ فجعَلَتِ‏ الریحُ‏ تَكفؤُهُ،‏ فضَحِ‏ كَ‏ القومُ‏ مِنْھُ،‏ فقالَ‏ رسولُ‏<br />

اللھِ‏ ε: ‏"مِم َّ تَضحكونَ؟"‏ قالوا:‏ یانبي َّ اللھِ،‏ مِنْ‏ دِق َّةِ‏ سَاقیھِ،‏ فقال:‏ ‏"والذي<br />

نَفْسي بیده لَھُما أَثقَلُ‏ في المیزانِ‏ مِنْ‏ أُحُدٍ"‏ (3) .<br />

فَثَبَتَ‏ وزنُ‏ الأَعمالِ‏ والعامِل وصَحائفِ‏ الأعمال،‏ وثبت أن َّ المیزانَ‏ لھ<br />

كِف َّتانِ،‏ واللھ تعالى أعْلَمُ‏ بما وراء ذلك من الكیفیاتِ،‏ فعلینا الإیمانُ‏ بالغیبِ‏<br />

كما أَخبرنا الصادِقُ‏ ε، مِن غَیرِ‏ زیادَةٍ‏ ولا نقصان.‏<br />

ِ الصّراطُ‏ بعدَ‏ المیزانِ‏<br />

الحوضُ‏ قبلَ‏ المیزان،‏ والصراطُ‏ بعدَ‏ المیزان،‏ ففي ‏"الص َّحیحین"‏ : ‏"أ َّن<br />

المؤمنینَ‏ إذا عَبَروا ِ الصّراطَ‏ وقفوا على قَنْطَرَ‏ ةٍ‏ بینَ‏ الجنةِ‏ والنارِ‏ ، فیُقت ُّص<br />

لبعضھم مِن بَعْضٍ‏ ، فإذا ھُذّ‏ ‏ِبُوا ونُق ُّوا،‏ أُذِنَ‏ لَھُم في دُخولِ‏ الجنةِ".‏<br />

-<br />

ِ في<br />

327<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

ε<br />

(3 ( حسن،‏ رواه أحمد بسند حسن.‏ وفي الحدیث:‏ أن ابن مسعود τ، من أَھْل الجنة.‏<br />

وفیھ:‏ أن وزن الانسان یكون بحسب عملھ،‏ فإن كان في دنیاه من أَھْل الإیمان<br />

والصلاح،‏ ثقل وزنھ في المیزان،‏ وإن كان من أَھْل الكفر والفسق،‏ خَف َّ وزنھ<br />

بحسب درجة فسقھ وعصیانھ،‏ وقد ثبت في الس ُّن َّة أَن َّ الطغاةَ‏ المتكبرین یُحشرون<br />

یوم القیامةِ‏ ِ كالذ َّرّ‏ ، یغشاھم الذل والھوان من كل مكان،‏ كما في الحدیث عن النبيِّ‏<br />

قال:‏ ‏"یُحشَرُ‏ المتكبرون یومَ‏ القیامةِ‏ أمثالَ‏ الذ َّرّ‏ صور الرجال،‏ یغشاھم الذل<br />

من كل مكان،‏ یُساقون إِلى سجنٍ‏ في جھن َّم یُسمى بُولُسَ‏ ، تعلوھم نارُ‏ الأنیار،‏<br />

یُسقونَ‏ من عصارَ‏ ةِ‏ أَھْلِ‏ النارِ‏ ، طینة الخبال".‏ رواه أحمد والترمذي،‏ صحیح<br />

الجامع الصغیر )


قولُھ:‏ ‏"والجن َّةُ‏ والن َّارُ‏ مَخْلوقَتانِ،‏ لا تَفْنیانِ‏ أبَداً‏ ولا تَبیدانِ،‏ فإ َّن<br />

اللھَ‏ تعالى خلقَ‏ الجن َّةَ‏ والن َّارَ‏ قبْلَ‏ الخلْقِ(‏‎1‎‏)‏ ، وخَلَقَ‏ لَھُما أَھلاً،‏ فَمَن<br />

شاءَ‏ مِنْھُم إِلى الجن َّةِ‏ فَضْلاً‏ مِنْھُ،‏ ومَنْ‏ شاءَ‏ مِنْھُم إِلى الن َّارِ‏ عَدْلاً‏<br />

مِنْھُ،‏ وَ‏ كُل ٌّ یَعْمَلُ‏ لِما قَدْ‏ فُرِ‏ غَ‏ لھ (2) ، وصَائِرٌ‏ إِلى ما خُلِقَ‏ لَھُ،‏ والخیْرُ‏<br />

والش َّر ُّ مُقَد َّرانِ‏ على العِبادِ".‏<br />

ش:‏ ات َّفَقَ‏ أَھْل الس ُّن َّة على أن َّ الجن َّةَ‏ والن َّارَ‏ مخلوقتانِ‏ موجودتانِ‏ الآن.‏ قال<br />

تعالى عن الجن َّةِ:‏ ‏[أُعِد َّت للمتقین]‏ آل عمران:‏<br />

1<br />

328


وفي ‏"الصحیحین"،‏ عن ابن عباس،‏ قال:‏ انخَسَفَت الش َّمسُ‏ على عھْدِ‏<br />

رسولِ‏ اللھِ‏ ε، فذَكَرَ‏ الحدیثَ‏ ، وفیھ:‏ فقالُوا:‏ یارَ‏ سولَ‏ اللھِ‏ رأیناكَ‏ تَناوَ‏ لتَ‏<br />

شیئاً‏ في مقامِكَ‏ ، ثم َّ رأیناكَ‏ تَكعْكَعْتَ‏ ؟ فقال:‏ ‏"إنّ‏ ‏ِي رَ‏ أیتُ‏ الجن َّةَ‏ فتناولتُ‏<br />

عُنقوداً،‏ ولَو أَصَبْتُھُ‏ لأَكلتُم مِنْھُ‏ ما بقیتِ‏ الد ُّنیا،‏ ورأیتُ‏ الن َّارَ‏ ، فَلَم أرَ‏ منْظراً‏<br />

كالیومِ‏ قَط ُّ أَفظعَ،‏ ورأَیْتُ‏ أَكثرَ‏ أَھْلَھا النّ‏ ‏ِساء"،‏ قالوا:‏ بِمَ،‏ یارسُولَ‏ اللھِ؟ قال:‏<br />

‏"یَكْفُرْ‏ نَ"،‏ قِیلَ:‏ أَیكفرنَ‏ باللھِ؟ قال:‏ ‏"یكفُرنَ‏ العَشِیرَ‏<br />

لو أَحسنتَ‏ إِلى إحداھُن َّ الد َّھرَ‏ كُل َّھ،‏ ثم َّ رأَتْ‏ مِنكَ‏ شیئاً،‏ قالَتْ‏ : ما رأَیتُ‏ خَیْرَ‏ اً‏<br />

قَط ُّ!!".‏<br />

وفي ‏"صحیح مسلم"‏ مِن حدیثِ‏ أَنس:‏ ‏"وایمُ‏ الذي نفسي بیدِه،‏ لَو رأَیتُم ما<br />

رأیتُ‏ ، لَضَحِ‏ كْتُم قلیلاً‏ وبكیتم كثیراً".‏ قالوا:‏ وما رأیتَ‏ یا رسولَ‏ اللھِ؟ قال:‏<br />

‏"رأیتُ‏ الجن َّة والن َّارَ‏ ".<br />

ومن حدیثِ‏ <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ أَن َّ رسولَ‏ اللھِ‏ قال:‏ ‏"لَم َّا خَلَقَ‏ اللھُ‏ الجن َّةَ‏<br />

والن َّارَ‏ ، أَرسَلَ‏ جبریلَ‏ إِلى الجن َّةِ،‏ فقال:‏ اذھبْ‏ فانظر إلیھا،‏ وإلى ما أَعدَدْتُ‏<br />

لأھلھا فیھا...‏ " (3) . ونظائِرُ‏ ذلك في الس ُّن َّة كثیرةٌ.‏<br />

‏-الجن َّةُ‏ والن َّارُ‏ باقیتانِ‏ لا تفنیانِ‏ أَبَداً‏ ولا تبیدانِ-‏<br />

ھذا قولُ‏ جمھور الأئمةِ‏ مِنَ‏ الس َّلَفِ‏ والخَلَف (4) . وھو مِم َّا یُعْلَمُ‏ بالضرورةِ‏<br />

أن َّ الرسول أخبرَ‏ بھ،‏ قال تعالى:‏ ‏[وأم َّا الذینَ‏ سُعِدوا ففي الجن َّةِ‏ خالدی ‏َن<br />

فیھا ما دامَتِ‏ السماواتُ‏ والأرضُ‏ إلا َّ ما شاءَ‏ رَب ُّكَ‏ عَطاءً‏ غیرَ‏ مجذوذٍ]‏<br />

ھود:‏<br />

(2) ، ویكفرنَ‏ الإحسانَ،‏<br />

ε<br />

(1)<br />

ε<br />

329


ص:‏<br />

330


أَھْلاً،‏ خَلَقَھُم لھا وَ‏ ھُم في أَصلابِ‏ آبائھم،‏ وخَلَقَ‏ للن َّارِ‏ أَھْلاً،‏ خَلَقَھُم لھا وھم<br />

في أصْلابِ‏ آبائھم"‏ (1) .<br />

‏-اللھُ‏ تعالى مُنَز َّهٌ‏ عنِ‏ الظلم-‏<br />

وقولُھ:‏ ‏"فمن شاء منھم إِلى الجن َّة فضلاً‏ منھ،‏ ومنْ‏ شاءَ‏ منھم إِلى<br />

الن َّار عدْلاً‏ منھ".‏ مِم َّا یجِ‏ ‏بُ‏ أنْ‏ یُعلَمَ:‏ أَن َّ اللھَ‏ تعالى لا یَمنعُ‏ الثوابَ‏ إلا َّ إذا<br />

مُنِعَ‏ سبَبَھُ،‏ وھو العملُ‏ الصالح (2) ، فإنھ:‏ ‏[مَنْ‏ یَعْمَلْ‏ مِنَ‏ الصالِحاتِ‏ وھوَ‏<br />

مؤمنٌ‏ فلا یَخافُ‏ ظلْماً‏ ولا ھَضْماً]‏ طھ:‏<br />

331


قولُھ:‏ ‏"والاستِطاعةُ‏ التي یجبُ‏ بھا الفعلُ،‏ مِنْ‏ نَحو الت ُّوْ‏ فیقِ‏<br />

الذي لا یوصَفَ‏ المخلوقُ‏ بھِ‏ تكونُ‏ معَ‏ الفِعْلِ(‏‎1‎‏)‏ ، وأم َّا الاسْتطاعَةُ‏<br />

مِنْ‏ جِ‏ ھَةِ‏ الص َّح َّةِ‏ والوُ‏ سْعِ‏ والتمكینِ‏ وسلامةِ‏ الآلاتِ،‏ فھيَ‏ قَبْ‏ ‏َل<br />

الفِعْلِ(‏‎2‎‏)‏ ، وبھا یتعَل َّقُ‏ الخِ‏ طابُ‏ (3) ، وھو كما قال تعالى:‏ ‏[لا یُكل‏ ُّف<br />

اللھُ‏ نفساً‏ إلا َّ وسعھا]‏ البقرة:‏<br />

332


وكذلك قولُھ تعالى:‏<br />

‏[فات َّقوا اللھ ما استطعتم]‏ التغابن:‏<br />

333


العُسْرَ‏ ، وما جعَلَ‏ علیكم في الدّ‏ ‏ِینِ‏ مِنْ‏ حَرَ‏ جٍ،‏ والمریضُ‏ قد یستطیعُ‏ القیامَ‏ معَ‏<br />

زیادةِ‏ المرضِ‏ وتأخ ُّر بُرْ‏ ئِھ،‏ فھذا في الش َّرعِ‏ غیرُ‏ مُستطیعٍ،‏ لأجلِ‏ حُصولِ‏<br />

الض َّرَ‏ رِ‏ علیھ،‏ وإنْ‏ كانَ‏ یُسَم َّى مُستطیعاً،‏ فالش َّارعُ‏ لا ینظرُ‏ في الاستطاعةِ‏<br />

الشرعیةِ‏ إِلى مجر َّ دِ‏ إمكانِ‏ الفِعلِ،‏ بَلْ‏ ینْظُرُ‏ إِلى لوازمِ‏ ذلك،‏ فإذا كانَ‏ الفِعْلُ‏<br />

ممكناً‏ مع المفسدَةِ‏ الر َّ اجحةِ،‏ لم تكنْ‏ ھذه استطاعةً‏ شرعیةً،‏ كالذي یَقْدِرُ‏ على<br />

الحجِّ‏ مَعَ‏ ضَرَ‏ رٍ‏ یَلْحقُھُ‏ في بدَنھ أو مالھ،‏ أو یُصلي قائماً‏ مع زیادَةِ‏ مرضھ،‏ أو<br />

یصومُ‏ الشھرین مع انقطاعھ عن معیشتِھِ،‏ فإذا كانَ‏ الش َّارعُ‏ قد اعتبر في<br />

المكنة عدَمَ‏ المفسدَةِ‏ الرّ‏ اجحةِ،‏ فكیفَ‏ یُكَلّ‏ ‏ِف معَ‏ العجزِ‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وأَفعالُ‏ العبادِ‏ خَلْقُ‏ اللھِ‏ وكَسْبٌ‏ مِنَ‏ العِبادِ".‏<br />

ش:‏ قال أَھْل الحقِّ:‏ أَفعالُ‏ العبادِ‏ بھا صاروا مُطیعینَ‏ وعصاةً،‏ وھي<br />

مخلوقةٌ‏ ِ تعالى،‏ والحَق ُّ سبحانھ وتعالى مُنفَردٌ‏ بخلق المخلوقات،‏ لا خالِقَ‏<br />

لھا سواه.‏ فالجبریة غَلَوْ‏ ا في إثباتِ‏ القَدَر،‏ فَنَفَوا صُنْعَ‏ العبدِ‏ أَصلاً(‏‎2‎‏)‏ ،<br />

والقَدَری َّةُ‏ نُفاة القَدَرِ‏ جعلوا العِبادَ‏ خالِقینَ‏ معَ‏ اللھ تعالى،‏ ولھذا كانوا مجو ‏َس<br />

(1) ؟!‏<br />

لكنھا تنتھي بصاحبھا إِلى الضرر الراجح،‏ والحرج الشدید الذي قد یتعذر معھ<br />

مواصلة العمل..‏ وحمل النفس على ھذا النوع من الاستطاعة قد نھى الشارع<br />

عنھ فضلاً‏ ورحمة بعباده.‏<br />

(1 ( رفع التكلیف عند العجز أو انعدام الاستطاعة،‏ ھو من جملة الأدلة الشرعیة<br />

الد َّالة على مبدأ العذر بالجھل،‏ سواء كان الجھل في الأصول أو الفروع،‏ فإذا<br />

انعدمت الاستطاعة عند المرء على دفع جھلھ لسبب قاھر،‏ كأن یكون حدیث عھد<br />

بالإسلام،‏ أو أنھ یسكن في منطقة نائیة عن العلم وھو لا یستطیع شد الرحال<br />

لطلب العلم،‏ أو لتأویل مستساغ قد ألبس علیھ أو غیر ذلك،‏ فجھلھ ھنا یعذره<br />

لعجزه.‏ أم َّا إذا وجدت القدرة على دفع الجھل،‏ وصاحبھ ق َّصر في دفعھ لا نشغالھ<br />

بأمور الدنیا وزینتھا،‏ أو لكسل أو غیر ذلك،‏ فالجھل ھنا لا یعذره،‏ لأنھ یستطیع<br />

ولكنھ لم یفعل،‏ وھو مسؤول عند اللھ على قدر وسعھ وطاقتھ،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[فاتقوا اللھ ما استطعتم].‏ ‏[لا یكلف اللھ نفساً‏ إلا َّ وسعھا].‏ ومنھ یُعلَمُ‏ بطلان<br />

قول مَن لا یرى الجھل عذراً‏ على الإطلاق،‏ كما أنھ یُعلم أیضاً‏ بطلان قول مَن<br />

یرى الجھل عذراً‏ على الإطلاق،‏ والحق الذي لا ریب فیھ ھو الوسط،‏ حیث أنھ<br />

أحیاناً‏ یعذر وأحیاناً‏ لا یعذر،‏ والمسألة قد تتبعت أدلتھا في كتابي ‏"العذر بالجھل"‏<br />

فلیراجع.‏<br />

(2 ( حیثُ‏ اعتبروه مُسی َّراً‏ في جمیع أفعالِھ وحركاتھ،‏ ونفوا عنھ مطلق الاختیار!‏<br />

334


ھذه الأُم َّة (1) ، بَلْ‏ أردأَ‏ من المجوس،‏ مِن حیثُ‏ إن َّ المجوسَ‏ أَثْبَتَتْ‏ خالِقَیْنِ،‏<br />

وھم أثبتوا خالِقینَ‏<br />

فكل ُّ دلیلٍ‏ صحیحٍ‏ یُقیمُھ الجبر ُّي (3) ، فإن َّما یَدُل ُّ على أَن َّ اللھَ‏ خالِقُ‏ كُ‏ َّل<br />

شيءٍ،‏ وأنھ على ِ كُلّ‏ شيءٍ‏ قدیر،‏ وأن َّ أَفعالَ‏ العبادِ‏ من جُملَةِ‏ مَخلوقاتھ،‏ وأن َّھ<br />

ما شاء كانَ‏ وما لم یشأ لم یكنْ‏ ، ولا یدُل ُّ على أَن َّ العبدَ‏ لیس بفاعِلٍ‏ في<br />

الحقیقةِ‏ ولا مُریدٍ‏ ولا مختارٍ‏ ، وأَن َّ حركاتھ الاختیاریة بمنزلة حَرَ‏ كَةِ‏<br />

وھبوبِ‏ ِ الرّ‏ یاحِ،‏ وحركاتِ‏ الأشجار.‏<br />

وكل ُّ دلیلٍ‏ صحیحٍ‏ یُقیمُھ القَدَرِ‏ ي ُّ،‏ فإن َّما یَدُل ُّ على أَن َّ العبدَ‏ فاعِلٌ‏ لِفِعْلِھ<br />

حقیقةً،‏ وأنھ مُریدٌ‏ لھ مختارٌ‏ لھ حقیقةً،‏ وأن َّ إضافتَھُ‏ ونِسبَتھُ‏ إلیھ إضافةُ‏ حقٍّ،‏<br />

ولا یدل على أنھ غیر مقدورٍ‏ تعالى،‏ وانھ واقعٌ‏ بغیرِ‏ مشیئتھِ‏ وقدرتھ.‏<br />

فإذا ضممتَ‏ ما معَ‏ ِ كلّ‏ طائفةٍ‏ منھما مِنَ‏ الحقِّ‏ إِلى الأخرى،‏ فإنما یدل ذلك<br />

على ما دل َّ علیھ القرآن وسائِرُ‏ كُتبِ‏ اللھِ‏ المنَز َّ لةِ،‏ من عمومِ‏ قدرة اللھِ‏<br />

ومشیئتھِ‏ لجمیع ما في الكون من الأعیان والأفعالِ،‏ وأن َّ العبادَ‏ فاعلونَ‏<br />

لأفعالِھم حقیقةً،‏ وأن َّھم یستوجبونَ‏ علیھا المدْحَ‏ والذ َّم َّ.‏<br />

‏-مِنَ‏ الأدل َّةِ‏ على خَلْقِ‏ اللھِ‏ لأفعالِ‏ العِبادِ-‏<br />

!! (2)<br />

المرتعشِ‏ ،<br />

: ‏"إن َّ ِ لكلّ‏ أمة مجوساً،‏ وإن مجوس ھذه الأمة القدریة،‏ فلا تعودوھم<br />

إذا مرضوا،‏ ولا تُصل ُّوا على جنائزھم إذا ماتوا".‏ رواه ابن <strong>أبي</strong> عاصم في الس ُّن َّة،‏<br />

وصححھ الشیخ ناصر في التخریج.‏<br />

(2 ( حیثُ‏ اعتبروا كل َّ انسانٍ‏ خالقاً‏ لأفعالھ،‏ وبذلك یكونون قد جعلوا الإنسان نداً‏<br />

وشریكاً‏ في الخَلْقِ!!،‏ وھم من ھذا الوجھ شابھوا المجوس الذین جعلوا للخلق<br />

إلھین،‏ إلھ للخیر،‏ وإلھ للشر!‏<br />

(3 ( على إثبات أن الإنسان مسلوب الإرادة ولا حریة لھ ولا اختیار،‏ فھو لا یعدو<br />

335<br />

1) ( كما قال ε<br />

أن یكون دلیلاً‏ على أن اللھ خالق كل شيء،‏ وأنھ قادر على كل شيء،‏ وأنھ لا<br />

یكون إلا َّ ما یرید،‏ وأن أفعال العباد من جملة خلقھ سبحانھ وتعالى.‏ وكذلك<br />

القدریة نفاة القدر فإن أدلتھم لا تعدوا أن تكون دلیلاً‏ على أن إرادة الإنسان لما<br />

یفعل،‏ ومسؤولیتھ عنھ،‏ واختیاره لھ..‏


ِ شيءٍ‏ [<br />

قال تعالى:‏ ]<br />

اللھُ‏ خالِقُ‏ كُلّ‏<br />

الرعد:‏<br />

336


الجواب الصحیح،‏ أَن یُقال:‏ إن َّ ما یُبتلى بھ العبدُ‏ مِنَ‏ الذنوبِ‏ الوجودی َّةِ،‏<br />

وإنْ‏ كانت خَلْقاً‏ تعالى،‏ فھي عقوبةٌ‏ لھ على ذنوبٍ‏ قبلَھا،‏ فالذنبُ‏ یُكْسِبُ‏<br />

الذنبَ‏ ، ومِنْ‏ عقابِ‏ السیئَةِ‏ السیئَةُ‏ بعدھا،‏ فالذنوبُ‏ كالأمراضِ‏ التي یُورِ‏ ‏ُث<br />

بعضھا بعضاً.‏<br />

یبقى أن یُقال:‏ فالكلامُ‏ في الذنبِ‏ الأو َّ لِ‏ الجالِبِ‏ لِما بَعْدَه مِنَ‏ الذنوب،‏ یُقال:‏<br />

ھو عقوبَةٌ‏ أَیضاً‏ على عدمِ‏ فِعْلِ‏ ما خُلِقَ‏ لھ،‏ وفُطِرَ‏ علیھ،‏ فإن َّ اللھَ‏ سبحانھ<br />

خلقھ لعبادَتھ وَ‏ حْدَهُ‏ لا شریكَ‏ لھ،‏ وفطَرَ‏ هُ‏ على محب َّتھِ،‏ وتألھھِ‏ والإنابةِ‏ إلیھ،‏<br />

كما قال تعالى:‏ ‏[فأقِمْ‏ وَ‏ جْھكَ‏ للدینِ‏ حینیفاً‏ فِطرَتَ‏ اللھِ‏ التي فَطَرَ‏ الن َّاسَ‏<br />

علیھا]‏ الروم:‏<br />

337


حیلةَ‏ لأحَدٍ،‏ ولا تَحو ُّ لَ‏ لأحدٍ،‏ ولا حَرَكَةَ‏ لأَحدٍ‏ عَنْ‏ مَعْصِ‏ ‏یَةِ‏ اللھ،‏ إلا َّ<br />

بمعونَةِ‏ اللھِ،‏ ولا قُو َّ ةَ‏ لأحدٍ‏ على إقامة طاعةِ‏ اللھ والث َّباتِ‏ عَلیھا<br />

إلا َّ بتوفیقِ‏ اللھ تعالى،‏ وكُل ُّ شَيءٍ‏ یَجري بمشیئَةِ‏ اللھ تعالى<br />

وعِلْمِھِ‏ وقضائھ وقَدَرِ‏ هِ.‏ غَلَبتْ‏ مَشیئتُھُ‏ المشیئاتِ‏ كُلّ‏ ‏ِھا،‏ یفعلُ‏ ما<br />

یشاءُ،‏ وھو غیرُ‏ ظالمٍ‏ أبداً:‏ ‏[لا یُسْأَلُ‏ عَم َّا یَفْعَلُ‏ وھُمْ‏<br />

یُسْألونَ]‏ (2) الأنبیاء:‏<br />

338


القضاءُ‏ الكون ُّي (1) ، ففي قولِھ تعالى:‏<br />

فصلت:‏<br />

‏[فقضاھن َّ سبعَ‏ سماواتٍ‏ في یومین]‏<br />

339


‏-اللھ تعالى حر َّم على نفسھ الظلمَ‏ وھو قادِرٌ‏ علیھ-‏<br />

جاء في الحدیث القدسي:‏ ‏"یا عِبادِي إنّ‏ ‏ِي حَر َّ متُ‏ الظ ُّلمَ‏ على نفسي،‏<br />

وجَعَلْتُھُ‏ بینَكُم مُحَر َّ ماً،‏ فلا تظ َّالَموا".‏ أخبرَ‏ أنھ حَر َّ مھ على نفسھ،‏ كما أخبرَ‏<br />

أنھ كَتَبَ‏ على نفسِھ الر َّ حمة،‏<br />

وإن َّما حر َّ مَ‏ على نفسھ وكَتبَ‏ على نفسھ ما ھو قادِرٌ‏ علیھ لا ما ھو ممتن ‏ٌع<br />

‏-اللھ تعالى مُنَز َّهٌ‏ عَنِ‏ العَبَثِ‏ والوَ‏ صْفِ‏ المُعیبِ‏ المذموم-‏<br />

اللھ تعالى مُنَز َّ هٌ‏ مُقد َّسٌ‏ عن فِعْلِ‏ السوءِ،‏ والفِعْلِ‏ المعیبِ‏ المذموم،‏ كما أَن َّھُ‏<br />

منَز َّ هٌ‏ مُقَد َّسٌ‏ عن وصفِ‏ السوءِ‏ والوصفِ‏ المُعیب المذموم،‏ كما قال تعالى:‏<br />

‏[أَفحسبتُم أَن َّما خَلَقناكُمْ‏ عَبَثاً‏ وأن َّكُم إلینا لا تُرجَعون]‏ المؤمنون:‏<br />

. (1)<br />

340


-<br />

-<br />

انتفاعُ‏ المیّ‏ ‏ِتِ‏ بدُعاءِ‏ الآخرینَ‏ واستغفارِ‏ ھم لھ<br />

قال تعالى:‏ ‏[والذینَ‏ جاؤوا مِنْ‏ بَعْدِھِم یقولونَ‏ رَب َّنا اغفِرْ‏ لَنا ولإخواننا<br />

الذینَ‏ سبقونا بالإیمان]‏ الحشر:‏<br />

341


ε<br />

إِلى المقابر أنْ‏ یقولوا:‏ ‏"السلام علیكُم أَھْل الدیارِ‏ مِنَ‏ المؤمنینَ‏ والمسلمین،‏<br />

وإن َّا إنْ‏ شاءَ‏ اللھُ‏ بِكُم لاحِ‏ قونَ،‏ نَسْألُ‏ اللھَ‏ لنا ولكم العافیةَ".‏<br />

‏-وصولُ‏ ثوابِ‏ الص َّدَقةِ‏ للمیتِ-‏<br />

عن عائشةَ‏ رضي اللھ عنھا:‏ أن َّ رَ‏ جُلاً‏ أتى النب َّي ε، فقال:‏ یارسولَ‏ اللھِ،‏<br />

إن َّ أُمّ‏ ‏ِي افتُلِتَتْ‏ (1) نَفْسُھا،‏ ولَم توصِ‏ ، وأَظُن ُّھا لو تكَل َّمَتْ‏ تَصَد َّقَتْ‏ ، أفَلَھا أَجرٌ‏<br />

إنْ‏ تصَد َّقْتُ‏ عنھا؟ قال:‏ ‏"نعم"‏ (2) .<br />

وفي ‏"صحیح البخاري"،‏ عن ابن عباس،‏ أن َّ سَعْدَ‏ بن عُبادةَ‏ توفّ‏ ‏ِیتْ‏ أم ُّھ<br />

وھو غائِبٌ‏ عنھا،‏ فأتَى النب‏ َّي ، فقال:‏ یارسولَ‏ اللھِ،‏ إن َّ أُمّ‏ ‏ِي توفّ‏ ‏ِیتْ‏ وأنا<br />

غائِبٌ‏ عنھا،‏ فَھلْ‏ ینفَعُھا إنْ‏ تَصَد َّقْتُ‏ عنھا؟ قالَ:‏ ‏"نعم"،‏ قال:‏ فإنّ‏ ‏ِي أُشھِدُكَ‏<br />

أَن َّ حائِطي المِخرافَ‏<br />

(3) صَدَقةٌ‏ عنھا (4) .<br />

( 1 )<br />

أي:‏ سُلبت روحھا،‏ فماتت فجأة.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

( 3 )<br />

( 4 )<br />

المخراف:‏ الكثیر الثمر.‏<br />

قال الشیخ ناصر في كتابھ ‏"أحكام الجنائز":‏ ما یفعلھ الولد الصالح من<br />

الأعمال الصالحة،‏ فإن َّ لوالدیھ مثل أجره،‏ دونَ‏ أن ینقص من أجره شيء،‏ لأ َّن<br />

الولد من سعیھما وكسبھما،‏ واللھ Υ یقول:‏ ‏[وأن لیس للإنسان إلا َّ ما سعى]،‏<br />

وقال:‏ رسول اللھ ε: ‏"إن َّ أطیب ما أكل الرجل من كسبھ،‏ وإن ولده من كسبھ".‏<br />

قال الشوكاني في ‏"نیل الأوطار"‏ (4/<br />

342


‏-وصولُ‏ ثوابِ‏ الص َّوْ‏ مِ‏ -<br />

الصالحة،‏ ولا شك أن َّ الوالد یزكي نفسھ بتربیتھ لولده وقیامھ علیھ فكان لھ<br />

أجره بخلاف غیره.‏<br />

الثاني:‏ أَنھ قیاس مع الفارِ‏ ق إذا تذكرت أَن َّ الشرع جعل الولد من كسب الوالد<br />

كما سبق في حدیث عائشة فلیس ھو كسباً‏ لغیره،‏ واللھ Υ یقول:‏ ‏[كل نفس بما<br />

كسبت رھینة]‏ ویقول:‏ ‏[لھا ما كسبت،‏ وعلیھا ما اكتسبت].‏ وقد قال ابن كثیر<br />

في تفسیر قولھ Υ: ‏[وأن لیس للإنسان إلا َّ ما سعى]:‏ ‏"أي كما لا یُحمل علیھ<br />

وزر غیره،‏ كذلك لا یحصل من الأجر إلا َّ ما كسب ھو لنفسھ.‏ ومن ھذه الآیة<br />

الكریمة استنبط الشافعي رحمھ اللھ ومن اتبعھ أَن َّ القراءة لا یصل إھداء ثوابھا<br />

إِلى الموتى لأنھ لیس من عملھم ولا كسبھم،‏ ولھذا لم یندب إلیھ رسول اللھ<br />

أمتھ،‏ ولا حث َّھم علیھ،‏ ولا أرشدھم إلیھ بنص ولا إیماء،‏ ولم ینقل ذلك عن أح‏ ‏ٍد<br />

من الصحابة رضي اللھ عنھم،‏ ولو كان خیراً‏ لسبقونا إلیھ،‏ وباب القربات<br />

یُقتصرُ‏ فیھ على النصوص ولا یتصرف فیھ بأنواع الأقیسة والآراء".‏<br />

وقال <strong>العز</strong> بن عبد السلام في ‏"الفتاوى"‏ )<br />

ε<br />

343


وأَم َّا وصولُ‏ ثوابِ‏ الص َّومِ‏ ، ففي ‏"الصحیحین"،‏ عَن عائشةَ‏ رضي اللھ<br />

عنھا،‏ أن َّ رَ‏ سولَ‏ اللھ ε، قال:‏ ‏"مَنْ‏ ماتَ‏ وعلیھ صیامٌ‏ صَامَ‏ عنھُ‏ ولی ُّھُ".‏ ولھ<br />

نظائِرُ‏ في ‏"الصحیح"‏ (1) .<br />

ولكن أبا حنیفة رحمھ اللھ قال بالإطعامِ‏ عنِ‏ المیت دون الصیام عنھ،‏<br />

لحدیثِ‏ ابن عباس المتقدم (2) .<br />

(1 ( كما في حدیث ابن عباس،‏ قال:‏ ‏"أن امرأة ركبت البحر فنذرت،‏ إنِ‏ اللھ تبارك<br />

وتعالى أنجاھا أن تصوم شھراً،‏ فأنجاھا اللھ Υ، فلم تصم حتى ماتت،‏ فجاءت<br />

ابنتھا إِلى النبيِّ‏ ε، فذكرت ذلك لھ،‏ فقال:‏ ‏"أرأیتك لو كان علیھا دَین كنت<br />

تقضیھ؟"‏ قالت:‏ نعم.‏ قال:‏ ‏"فدَین اللھ أحق أَن یُقضى،‏ فاقضِ‏ عن أمك"".‏<br />

أخرجھ أبو داود وغیره،‏ وسنده صحیح.‏ وعنھ أیضاً:‏ أن سعد بن عبادة استفتى<br />

رسول اللھ ε، فقال:‏ إن َّ أمي ماتت وعلیھا نذر؟ فقال:‏ ‏"اقضھِ‏ عنھا".‏ متفق علیھ.‏<br />

وھو قولھ:‏ ‏"لا یُصَلّ‏ ‏ِي أحدٌ‏ عن أحَدٍ،‏ ولا یصومُ‏ أحدٌ‏ عن أَحدٍ،‏ ولكن یُطعِمُ‏ عنھ<br />

مكان ِ كلّ‏ یومٍ‏ مُد َّاً‏ مِنْ‏ حِ‏ نْطَةٍ".‏ موقوف على ابن عباس،‏ وسنده صحیح.‏<br />

قال الشیخ ناصر في كتابھ ‏"أحكام الجنائز"‏ ‏(ص<br />

τ<br />

( 2 )<br />

344


‏-وصولُ‏ ثَوابِ‏ الحجِّ-‏<br />

عَن ابن عباس:‏ أَن َّ امرأَةً‏ مِنْ‏ جُھینةَ‏ جاءَت إِلى النبي ، فقالت:‏ إن َّ أُمّ‏ ‏ِي<br />

نَذَرَ‏ تْ‏ أَنْ‏ تحُج َّ،‏ فلَم تحج َّ حتى ماتت أفأَحُج َّ عَنھا؟ قالَ:‏ نعم ِ حُجّ‏ ‏ي عَنھا،‏<br />

أَرأیتِ‏ لو كانَ‏ على أُمّ‏ ‏ِكِ‏ دَینٌ،‏ أَكُنتِ‏ قاضیتَھُ؟ اقْضُوا اللھَ،‏ فاللھُ‏ أَحَ‏ ُّق<br />

ε<br />

-<br />

-<br />

بالوَ‏ فَاءِ"‏ (1) .<br />

قَضَاءُ‏ الد َّینِ‏ عَن المیّ‏ ‏ِتِ‏<br />

أَجمعَ‏ المسلمونَ‏ على أَن َّ قضاءَ‏ الد َّیْنِ‏ یُسْقِطُھُ‏ مِنْ‏ ذِم َّةِ‏ المیت،‏ ولو كان من<br />

أَجنبيّ‏ ٍ، ومِنْ‏ غَیرِ‏ تَرِ‏ كَتِھِ،‏ وقَدْ‏ دَل َّ على ذلك حدیثُ‏ <strong>أبي</strong> قتادةَ،‏ حیثُ‏ ضَمِنَ‏<br />

الدینارَ‏ ینِ‏ عن المیتِ،‏ فلَم َّا قَضَاھما،‏ قالَ‏ النب‏ ُّي ε: ‏"الآن بَر َّ دْتَ‏ علیھِ‏<br />

جلدَتَھُ"‏ (2) .<br />

وھي راویتھ،‏ ومِن المقرر أَن َّ راوي الحدیث أدرى بمعنى ما روى،‏ لا سیما إذا<br />

كان ما فھم ھو الموافق لقواعد الشریعة وأصولھا،‏ كما ھو الشأن ھنا.‏<br />

قال ابن القیم في ‏"أعلام الموقعین"‏ (3/<br />

345


-<br />

-<br />

قِراءَةُ‏ القرآنِ‏ على المیّ‏ ‏ِتِ‏<br />

أم َّا قِراءَةُ‏ القرآنِ‏ وإھداؤھا لھ تطو ُّ عاً‏ بغیرِ‏ أُجرَ‏ ةٍ،‏ فھذا یَصِ‏ ‏لُ‏ إلیھ،‏ كما<br />

یَصِ‏ لُ‏ ثوابُ‏ الصومِ‏ والحجِّ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

وأم َّا استئجارُ‏ قَومٍ‏ یقرَ‏ ؤونَ‏ القرآنَ،‏ ویُھدُونَھُ‏ للمیتِ،‏ فھذا لم یَفْعَلْھُ‏ أحدٌ‏ مِ‏ ‏َن<br />

الس َّلَفِ‏ (2) ، ولا أَمرَ‏ بھ أَحدٌ‏ مِن أئمةِ‏ الدینِ،‏ ولا رَ‏ خ َّصَ‏ فیھ،‏ والاستئجارُ‏ على<br />

نَفْسِ‏ التلاوَ‏ ةِ‏ غیرُ‏ جائِز بلا خلافٍ‏ .<br />

‏[وأَنْ‏ ل َّیْسَ‏ للإنسانِ‏ إلا َّ ما سَعَى]‏ (3) -<br />

ε<br />

‏-معنى قَوْ‏ لھ تعالى:‏<br />

الجنائز عند مقام جبریل،‏ ثم َّ آذنا رسولَ‏ اللھ بالصلاةِ‏ علیھ،‏ فجاءَ‏ معنا خطىً،‏<br />

ثم َّ قال:‏ ‏"لعل على صاحبكم دَیناً؟"‏ قالوا:‏ نعم دیناران،‏ فتخل َّفَ‏ ، فقال لھ رجل منا<br />

یُقال لھ أبو قتادة:‏ یارسول اللھ ھما علي َّ،‏ فجعل رسولُ‏ اللھ یقول:‏ ‏"ھما علیك<br />

وفي مالك،‏ والمیت منھا بريء"‏ فقال:‏ نعم،‏ فصل َّى علیھ،‏ فجعلَ‏ رسولُ‏ اللھ إذا<br />

لقي أبا قتادة یقول:‏ ‏"ما فعلَ‏ الدیناران؟"‏ حتى كان آخر ذلك،‏ قال:‏ قد قضیتھما یا<br />

رسول اللھ،‏ قال:‏ ‏"الآن بَر َّ دت علیھ جلده".‏<br />

(1 ( ھذا القیاس باطل من وجھین:‏ الأول ، أنھ یُحَمّ‏ ‏ِل الأحادیث التي تدل على<br />

وصول ثواب الصوم والحج للمیت ما لا تحتمل.‏ والثاني:‏ أن َّ الصحابة ‏-وھم<br />

قدوتنا-‏ لم یسبقونا إِلى ھذا القیاس فھماً‏ وعملاً،‏ ونحن یكفینا ما كفاھم.‏ ثم َّ أن<br />

تلاوة القرآن ووھب ثوابھا للأموات ‏-في نظر المجیزین-‏ ھي عبادة یُتقر َّ ب بھا<br />

إِلى اللھ تعالى،‏ فلو كانت كذلك لبینھا لنا النبي بنص صریح،‏ كما في قولھ:‏<br />

‏"ما تركت شیئاً‏ یقربكم إِلى اللھ إلا َّ وقد أمرتكم بھ،‏ وما تركت شیئاً‏ یبعدكم عن<br />

اللھ ویقربكم من الن َّار،‏ إلا َّ وقد نھیتكم عنھ".‏ فإن قیل لم یرد حدیثاً‏ ینھي عن<br />

إھداء ثواب تلاوة القرآن للأموات،‏ قیل:‏ بلى،‏ فقد صح عن النبي أنھ قال:‏ ‏"مَن<br />

أحدث في دیننا ما لیس منھ فھو رَ‏ د ٌّ".‏ فالأصل في العبادات المنع والحظر ما لم<br />

یرد نص یأمر أو یجیز،‏ بخلاف الأمور الدنیویة البحتة،‏ فإن الأصل فیھا الإباحة<br />

ما لم یرد نص على التحریم.‏ والشارح قد استدل ببعض الآثار لا یصح سندھا،‏<br />

كما أشار إِلى ذلك الشیخ،‏ ونحن تعھدنا أن لا نثبت في ھذا التھذیب إلا َّ ما یصح<br />

من جھة سنده ومتنھ،‏ الذي بھ تقوم الحجة.‏<br />

(2 ( كما استدل الشارح على بطلان الاستئجار بعدم فعل السلف،‏ یُستدل على<br />

بطلان إھداء ثواب التلاوة بعدم فعل الس َّلَف.‏<br />

النجم:‏<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

346<br />

.39<br />

( 3 )


أجابَ‏ العلماءُ‏ بأجوبةٍ:‏ أصَ‏ ُّحھا جوابان (1) أحدھما:‏ أَن َّ الإنسانَ‏ بسعیھ<br />

وحُسْنِ‏ عِشْرَ‏ تھِ‏ اكتسبَ‏ الأَصدقاءَ،‏ وأَولَدَ‏ الأولادَ،‏ وَ‏ نكحَ‏ الأزواجَ،‏ وأسدى<br />

الخیرَ‏ ، وتَود َّد إِلى الناسِ‏ ، فترَ‏ ح َّموا علیھ،‏ ودَعَوْ‏ ا لھ،‏ وأَھْدَوا لھ ثوابَ‏<br />

الطاعاتِ،‏ فكانَ‏ ذلك أَثَر سعیھ،‏ بل دخولُ‏ المسلم مع جملَةِ‏ المسلمین في عَھْ‏ ‏ِد<br />

الإسلامِ‏ مِن أَعظمِ‏ الأسبابِ‏ في وصولِ‏ نَفْعِ‏ ٍ كلّ‏ مِنَ‏ المسلمین إِلى صاحبھ في<br />

حیاتھِ‏ وبعدَ‏ مماتھِ،‏ ودعوةُ‏ المسلمینَ‏ تُحیطُ‏ مِنء ورائھم.‏<br />

الثاني:‏ أَن َّ القرآن لَم یَنفِ‏ انتفاعَ‏ الر َّ جلِ‏ بسعي غیره،‏ وإنّما نَفَى مِلْكَھُ‏<br />

لغیرِ‏ سعیھِ،‏ وبینَ‏ الأمرین مِنَ‏ الفرقِ‏ ما لا یخفى،‏ فأخبَرَ‏ تعالى أَن َّھُ‏ لا یمل‏ ‏ُك<br />

إلا َّ سَعیَھُ،‏ وأم َّا سَعيُ‏ غیرِ‏ ه،‏ فھو مُلكٌ‏ لساعیھ،‏ فإنْ‏ شاءَ‏ أن یَبذُلَھُ‏ لغیرِ‏ هِ،‏ وإنْ‏<br />

شاءَ‏ أَن یُبقیَھُ‏ لنفسھ (2) .<br />

وأم َّا استدلالُھم (3) بقولھ ε: ‏"إذا ماتَ‏ ابنُ‏ آدَمَ‏ انقطَعَ‏ عَمَلُھُ".‏ فاستدلا ‏ٌل<br />

ساقط،‏ فإن َّھ لم یَقُلْ‏ انقطعَ‏ انتفاعُھ،‏ وإن َّما أخبرَ‏ عن انقطاعِ‏ عملھ،‏ وأم َّا عمَلُ‏<br />

غیرِ‏ ه،‏ فھو لعامِلِھ،‏ فإنْ‏ وھبھ لھ،‏ وصَلَ‏ إلیھ ثوابُ‏ عملِ‏ العاملِ(‏‎4‎‏)‏ لا ثوابُ‏<br />

عملھِ‏ ھو،‏ وھذا كالد َّین یُوفیھ الإنسان عن غیره،‏ فتبرأ ذِم َّتُھ،‏ ولكن لیس لھ<br />

ما وف َّى بھ الد َّین.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"واللھُ‏ تعالى یَسْتَجیبُ‏ الد َّعواتِ،‏ ویَقْضي الحاجاتِ".‏<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[وقالَ‏ رَب ُّكُم ادعوني أستجِ‏ بْ‏ لكُم]‏ غافر:‏<br />

347


الأسباب في جلب المنافعِ،‏ ودفعِ‏ المضارِ‏ (1) ، وقد أَخبرَ‏ تعالى عن الكفار أَن َّھم<br />

إذا مَس َّھم الض ُّر ُّ في البحر دَعَوا اللھ مخلصینَ‏ لھ الدینَ،‏ وأَن َّ الإنسانَ‏ إذا<br />

مَس َّھُ‏ الض ُّر ُّ دعاه لجنبھِ،‏ أو قاعِداً،‏ أو قائِماً.‏ وإجابةُ‏ اللھُ‏ لِدُعاءِ‏ العبدِ،‏ مسلماً‏<br />

كانَ‏ أو كافِراً،‏ وإعطاؤهُ‏ سُؤلَھ،‏ مِنْ‏ جنسِ‏ رِ‏ زقھِ‏ لھم،‏ ونَصْره لھم،‏ وھو مما<br />

تُوجبُھ الربوبی َّة للعبدِ‏ مُطلَقاً.‏ ثم َّ قد یكونُ‏ ذلك فتنةً‏ في حَقّ‏ ‏ِھِ‏ ومَضَر َّ ةً‏ علیھ،‏<br />

وإذْ‏ كانَ‏ كفرهُ‏ وفسوقُھ یقتضي ذلك.‏<br />

‏-غَضَبُ‏ اللھ على مَنْ‏ لا یَسْأَلھ-‏<br />

قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"مَنْ‏ لَمْ‏ یَسْأَلِ‏ اللھَ‏ یَغْضَبْ‏ علیھ"‏ (3) . وقَد نَظَمَ‏ بَعْضُھم<br />

ھذا المعنى،‏ فقال:‏<br />

(2)<br />

1<br />

2<br />

فإن قیل:‏ كیف التوفیق بین كون الدعاء یدفع الضر وبین أَن َّ كل شيء بقدر؟<br />

الجواب:‏ أَن الدعاء وما یحصل بسببھ ھو من جملة ما یكون قد قدر،‏ فالدعاء<br />

یغیر المقدور إِلى مقدور آخر،‏ وكل ذلك یكون بإذن اللھ ومشیئتھ،‏ وفي الحدیث:‏<br />

‏"لایرد ُّ القدرَ‏ إلا َّ الدعاء".‏ فیرده بقدرٍ‏ آخر.‏<br />

أحیاناً‏ یكون الخیر فتنة لصاحبھ،‏ كما قال تعالى:‏ ونبلوكم ِ بالشرّ‏ والخیر فتنة<br />

ولربما تكون فتنة الخیر أشد على قلوب الرجال من فتنة الشر.‏ وفي الحدیث:‏ ‏"إذا<br />

رأیت اللھَ‏ تعالى یُعطي العبدَ‏ من الدنیا ما یُحب ُّ ، وھو مقیم على معاصیھ،‏ فإنما<br />

ذلك منھ استدراج"،‏ فالخیر إذا أَلھى وأَطغى لا ش َّك أَنھ بلاء ووباء على صاحبھ،‏<br />

وھو خسران لھ یوم القیامة،‏ كما قال النب‏ ُّي ε: ‏"ما قَل َّ وكَفى،‏ خیرٌ‏ مما كَثُرَ‏<br />

وأَلْھى".‏ وقال:‏ ‏"اللھم َّ مَن آمن بك،‏ وشَھِدَ‏ أَني رسولك،‏ فحبب إلیھ لقاءَكَ‏ ، وسَھّ‏ ‏ِل<br />

علیھ قضاءك،‏ وأقلل لھ من الدنیا،‏ ومن لم یؤمن بك،‏ ویشھد أني رسولك فلا<br />

تحبب إلیھ لقاءكَ‏ ، ولا تسھل علیھ قضاءك،‏ وكَثّ‏ ‏ِر لھ من الدنیا".‏ رواه أحمد وابن<br />

حبان،‏ صحیح الجامع الصغیر:‏ )<br />

.[<br />

]<br />

348


الرب ُّ یَغضَبُ‏ إنْ‏ تركتَ‏ سُؤالَھُ‏ وبنَي ُّ آدَمَ‏ حِ‏ ینَ‏ یُسْأَلُ‏ یَغْضَبُ‏<br />

‏-مَعانٍ‏ مُسْتَخْلَصَة مِنْ‏ ن َّدْبِ‏ اللھِ‏ تعالى إِلى الدعا ‏ِء-‏<br />

أَحَدُھا:‏ الوجودُ،‏ فإن َّ مَنْ‏ لیسَ‏ بموجودٍ‏ لا یُدْعى.‏<br />

الثاني:‏ الغِنى،‏ فإن َّ الفقیرَ‏ لا یُدعى.‏<br />

الثالث:‏ الس َّمْعُ،‏ فإن َّ الأصَم َّ لا یُدْعى.‏<br />

الر َّابع:‏ الكَرَ‏ مُ،‏ فإن َّ البخیلَ‏ لا یُدْعى.‏<br />

الخامس:‏ الر َّ حمةُ،‏ فإن َّ القاسيَ‏ لا یُدْعى.‏<br />

السادس:‏ القدرةُ،‏ فإن َّ العاجِ‏ زَ‏ لا یُدْعى.‏<br />

‏-الت َّعَل ُّقُ‏ بالأَسبابِ‏ شِرْ‏ كٌ،‏ والإعراضُ‏ عنھا نَقْصٌ‏ في العَقْلِ‏ وقَدحٌ‏<br />

في الش َّرْ‏ عِ-‏<br />

مِم َّا ینبغي أَنْ‏ یُعلَمَ‏ أَن َّ الالتفاتَ‏ إِلى الأَسبابِ‏ شِرْ‏ كٌ‏ في التوحید (2) ، ومحو<br />

الأسبابِ‏ أَنْ‏ تكونَ‏ أسباباً،‏ نَقْصٌ‏ في العَقْلِ(‏‎1‎‏)‏ ، والإعراضُ‏ عن الأسباب<br />

(1)<br />

فاللھ تعالى كما یغضب على من لا یسألھ،‏ فھو یغضب على من یسأل غیره<br />

من غیر ضرورة مُلزمة؛ لأن سؤالھ المخلوق في حقیقتھ یتضمن شكوى الخالق<br />

‏-الذي أَحَل َّ بھ الفقر والبلاء-‏ للمخلوق لیكشف عنھ ما أصابھ من بلاء وفقر بقدَرٍ‏<br />

من اللھ تعالى،‏ فھو یشكو الخالق للمخلوق.‏ لذا فإن الشارع نھى عن سؤال<br />

الناس شیئاً،‏ ولأھمیة الأمر فإن النبي أخذ من أصحابھ بیعة مستقلة على أن<br />

لا یسألوا الناس شیئاً،‏ كما في الحدیث عن <strong>أبي</strong> ٍ ذرّ‏ قال:‏ دعاني رسول اللھ<br />

فقال:‏ ‏"ھل لك إِلى البیعة ولك الجنة؟"‏ قلت:‏ نعم،‏ وبسطت یدي،‏ فقال رسول<br />

اللھ وھو یشترط:‏ ‏"على أن لا تسأل الناس شیئاً"،‏ قلت:‏ نعم،‏ قال:‏ ‏"ولا<br />

سوطك إن سقط منك حتى تنزل فتأخذه".‏<br />

وقال ε: ‏"من تكفل لي أن لا یسأل الناس شیئاً‏ أتكفل لھ بالجنة".‏<br />

(1 ( عجیب لمن یُؤاثر المخلوق الضعیف البخیل،‏ الذي یغضب من سؤال الناسِ‏<br />

لھ،‏ على الخالق القدیر الكریم،‏ مالك الملك،‏ الذي یحب من العباد أن یسألوه،‏ لكي<br />

یُجازیھم على سؤالھم خیرا!!‏ وقد قال تعالى:‏ ‏[قل لو أنتم تملكون خزائِنَ‏ رحمة<br />

ربي إذاً‏ لأمسكتم خشیَةَ‏ الإنفاق وكان الإنسانُ‏ قَتُوراً].‏ فمن نعم اللھ على خلقھ<br />

أن تصریف الأرزاق بیده وحده.‏<br />

(2 ( ھو شرك لتعلق القلب بالسبب،‏ والنظر إلیھ على أنھ مصدر الرزق،‏ أو الجھة<br />

التي یركن إلیھا لتفریج الكروب عند حدوث الملمات والمصائب..‏ فھو ینظر إِلى<br />

الأسباب ولا یتعداھا،‏ ونسي خالق الأسباب ومسخرھا الذي بیده ملك كل شيء.‏<br />

ε<br />

ε<br />

349<br />

ε


ٍ<br />

ε<br />

بالكُلّ‏ ‏ِیةِ‏ قدْحٌ‏ في الش َّرْ‏ ع،‏ ومعنى التوكل والرجاء،‏ یتألف مِن مُوجبِ‏ التوحیدِ‏<br />

والعقل والشرع (2) .<br />

وبیانُ‏ ذلك:‏ أَن َّ الالتفات إِلى السببِ‏ ھو اعتمادُ‏ القلبِ‏ علیھ،‏ ورجاؤه،‏<br />

والإستناد إلیھ،‏ ولیس مِنَ‏ المخلوقاتِ‏ ما یَستحق ُّ ھذا،‏ لأن َّھ لیس بمستقلّ(‏‎3‎‏)‏ ،<br />

ولا بُد َّ لھ من شُركاء وأَضدادٍ،‏ ومعَ‏ ھذا كُلّ‏ ‏ِھ فإنْ‏ لم ِ یُسَخّ‏ رْ‏ هُ‏ مُسَبّ‏ ‏ِبُ‏<br />

الأسباب (4) لم یُسَخ َّر.‏<br />

‏-استجابَةِ‏ الد ُّعاءِ‏ -<br />

یوجدُ‏ سؤالٌ،‏ وھو:‏ أن َّ من الناسِ‏ مَن قد یسأل اللھَ‏ شیئاً‏ فلا یُعطى،‏ أو<br />

یُعطى غیرَ‏ ما سألَ،‏ فأُجیبَ‏ عنھ بأجوبةٍ:‏<br />

أحدھا:‏ أن الآیة (5) لم تتضم َّن عطِی َّةَ‏ السؤال مطلقاً،‏ وإنما تضم َّنَتْ‏ إجابةَ‏<br />

الداعي،‏ والداعي أعم ُّ من السائل،‏ وإجابةَ‏ الداعي أعم ُّ من إعطاءِ‏ السائل.‏<br />

ولھذا قال النب ُّي : ‏"ینزلُ‏ رب ُّنا في ِ كلّ‏ لیلةٍ‏ إِلى سماءِ‏ الدنیا،‏ فیقولُ:‏ من<br />

یدعوني فأستجیبَ‏ لھُ؟ من یسألُني فأُعطیَھ؟ مَنْ‏ یستغفِرُ‏ ني فأغفرَ‏ لَھ؟"‏<br />

(6) ففَر َّ قَ‏ بین الداعي والسائل،‏ وبین الإجابة والإعطاء،‏ وھو فرقٌ‏ بین<br />

وھذا معنى قولھ ε: ‏"علیك بالإیاس مِم َّا في أیدي الناس"‏ لیخلص تعلق القلب<br />

بخالقھ سبحانھ وتعالى.‏<br />

(1 ( ھو نقص في العقل،‏ لأن الأشیاء لا تُدرك وتُنال إلا َّ بمراعاة أسبابھا التي<br />

تؤدي إلیھا،‏ فمن طلب الأشیاء من دون أن یسلك الطرق والأسباب التي تؤدي<br />

إلیھا فھو متواكل،‏ وصنیعھ یدل على نقصٍ‏ في دینھ وعقلھ.‏<br />

( 2 )<br />

أي:‏ ما یوجبھ التوحید والشرع والعقل:‏ التوكل والرجاء معاً،‏ ولیس أحدھما<br />

دون الآخر.‏<br />

( 3 )<br />

أي:‏ لیس بغني عن غیره،‏ وھو محتاج إِلى غیره.‏<br />

(4 ( وھو اللھ سبحانھ وتعالى،‏ فالأمر كلھ إلیھ،‏ ما شاء كان وما لم یشأ لم یكن.‏<br />

(5 ( وھي قولھ تعالى:‏ إذا<br />

‏[وإذا سألك عبادي عني فإني قریب أُجیبُ‏ دعوةَ‏ الداعِ‏<br />

دعانِ]‏ البقرة:‏<br />

350


ε<br />

العمومِ‏ والخصوص،‏ كما أتبعَ‏ ذلك بالمستغفِر،‏ وھو نوعٌ‏ من السائل،‏ فذكرَ‏<br />

العام َّ،‏ ثم َّ الخاص َّ ، ثم َّ الأخص َّ .<br />

الجواب الثاني:‏ أن إجابةَ‏ دعاءِ‏ السؤالِ‏ أعم ُّ من إعطا ‏ِء عین السؤال.‏ كما<br />

فس َّرَ‏ هُ‏ النب‏ ُّي بقولھ:‏ ‏"ما من رجل یدعو اللھَ‏ بدعوةٍ‏ لیست فیھا إثمٌ‏ ولا<br />

قطیعةُ‏ رحم إلا َّ أعطاهُ‏ بھا إحْدى ثلاثِ‏ خِ‏ صالٍ:‏ إما أن ِ یُعجّ‏ ‏لَ‏ لھ دعوتَھُ،‏ أو<br />

یَد َّخِ‏ رَ‏ لھ من الخیر مِثلَھا،‏ أو یَصرِ‏ فَ‏ عنھ من ِ الشرّ‏ مِثلھا"،‏ قالوا:‏ یارسولَ‏<br />

اللھِ‏ إذاً‏ نُكثِرُ‏ ، قال:‏ ‏"اللھ أكثَرُ‏ " (1) .<br />

الجواب الثالث:‏ أن الدعاءَ‏ سببٌ‏ مقتضٍ‏ لنیل المطلوبِ،‏ والمسبَبُ‏ لھ<br />

شروطٌ‏ وموانع،‏ فإذا حصلَت شروطُھ (2) ، وانتفت موانِعُھ (3) ، حصلَ‏<br />

المطلوب،‏ وإلا َّ فلا یَحصُلُ‏ ذلك المطلوبُ‏ ، بل قد یحصُلُ‏ غیرُ‏ ه.‏<br />

السماء الدنیا لیقول لعبده الضعیف الفقیر المحتاج،‏ قم من فراشك فاسأل<br />

لأعطیك،‏ وادعو لأُجیبك...‏<br />

(1 ( صحیح،‏ أخرجھ أحمد وغیره.‏<br />

(2 ( من شروط الدعاء المقبول:‏ موافقة القلب للسان،‏ والإخلاص في الدعاء<br />

والتوجھ،‏ وأن لا یكون في الدعاء قطیعة رحم أو إثم،‏ وأن لا یستعجل على اللھ<br />

القبول..‏<br />

(3 ( من موانع قبول الدعاء:‏ انتفاء شروط الدعاء الآنفة الذكر،‏ وكذلك الكسب<br />

الحرام،‏ والمأكل الحرام،‏ والمشرب الحرام،‏ وغیر ذلك من الأخلاق السیئة التي<br />

تمنع من قبول الدعاء،‏ كما جاء في الحدیث عن النبي أنھ قال:‏ ‏"ثلاثة یدعون<br />

فلا یُستجابُ‏ لھم،‏ رجل كانت تحتھ امرأة سیئة الخلق فلم یطلقھا،‏ ورجل<br />

كان لھ على رجلٍ‏ مال فلم یُشھد علیھ،‏ ورجلٌ‏ آتى سفیھاً‏ مالَھ،‏ وقال اللھ تعالى:‏<br />

‏[ولا تؤتوا السفھاء أموالكم]"‏ رواه الحاكم وغیره،‏ صحیح الجامع:‏ )<br />

ε<br />

اللھَ‏ Υ<br />

351


فإذا كان الدعاءُ‏ في نفسھ غیرَ‏ صالحٍ،‏ أو الداعي لم یجمع بین قلبھِ‏ ولسانِھ<br />

في الدعاء،‏ أو كان ثم َّ مانِعٌ‏ من الإجابةِ،‏ لم یحصُلُ‏ الأثَرُ‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ویملكُ‏ كل َّ شيءٍ‏ (2) ، ولا یَملِكُھُ‏ شَيءٌ.‏ ولا غِنى عَنِ‏ اللھ<br />

تعالى طرفةَ‏ عینٍ،‏ ومَنِ‏ استغنى عَنِ‏ اللھ (3) طَرفةَ‏ عینٍ،‏ فقَدْ‏ كفَرَ،‏<br />

وصارَ‏ مِنْ‏ أَھْلِ‏ الحَیْنِ".‏<br />

ش:‏ كَلامٌ‏ حق ٌّ ظاھِرٌ‏ لا خَفاءَ‏ فیھ.‏ والحَیْنُ:‏ الھلاكُ‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"واللھُ‏ یَغْضَبُ‏ ویَرْ‏ ضى،‏ لا كأَحَدٍ‏ مِنَ‏ الورى".‏<br />

ش:‏ قالَ‏ تعالى:‏ ‏[رضيَ‏ اللھُ‏ عَنْھُم]‏ التوبة:‏<br />

. (1)<br />

352


وفي ‏"الصحیحین"‏ عن <strong>أبي</strong> سعید الخدري،‏ عن النبيّ‏ ε: ِ ‏"إن َّ اللھ تعالى<br />

یقولُ‏ لأھلِ‏ الجن َّةِ:‏ یا أَھْلَ‏ الجن َّةِ،‏ فیقولونَ:‏ لبیك رَ‏ ب َّنا وسَعْدیكَ‏ والخیرُ‏ في<br />

یدیكَ‏ ، فیقول:‏ ھل رضیتُم؟ فیقولونَ:‏ وما لَنا لا نرضى یارَ‏ ب ُّ ؟ وقد أعطیتنا<br />

ما لم تُعْطِ‏ أحداً‏ من خلْقِكَ‏ ، فیقول:‏ ألا أُعْطِیكم أفضلَ‏ من ذلك؟ فیقولون:‏<br />

یارَ‏ ب ُّ ، وأي شيءٍ‏ أفضلُ‏ من ذلك؟ فیقولُ:‏ أُحِ‏ ل ُّ علیكم رِ‏ ضواني،‏ فلا أَسْخَطُ‏<br />

علیكم بَعْدَه أبداً".‏ فیُستدَل ُّ بھ على أَن َّھ یُحِ‏ ‏ل ُّ رضوانَھُ‏ في وقتٍ‏ دونَ‏ وقتٍ،‏<br />

وأن َّھُ‏ قد یُحِ‏ ‏ل ُّ ثم َّ یَسْخَطُ(‏‎2‎‏)‏ ، كما یُحِ‏ ‏ل ُّ السخط ثم َّ یَرضى،‏ لكن ھؤلاء أَحَ‏ َّل<br />

علیھم رضواناً‏ لا یتعق َّبُھُ‏ سَخَطٌ(‏‎3‎‏)‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"ونُحِ‏ ب ُّ أَصْحابَ‏ رسْولِ‏ اللھِ‏ ε، ولا نُفْرِ‏ طُ(‏‎4‎‏)‏ في حُبِّ‏ أحدٍ‏<br />

منھمْ،‏ ولا نتبر َّأُ‏ مِن أَحدٍ‏ مِنھم (5) . ونُبْغِضُ‏ مَنْ‏ یُبْغِضُھم،‏ وبغیر<br />

الخیرِ‏ یَذكُرُھُمْ.‏ ولا نَذْكُرھُم إلا َّ بخیر.‏ وحُب ُّھمْ‏ دینٌ‏ وإیمانٌ‏ وإحسانٌ،‏<br />

وبُغْضُھُم كُفْرٌ‏ ونِفاقٌ‏ وطُغیانٌ(‏‎6‎‏)‏ ".<br />

353<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

( 2 )<br />

( 4 )<br />

اللھ Υ<br />

( 6 )<br />

بحسب حال العبد،‏ فإن كان في حال عبادة وتقوى رضي اللھ عنھ،‏ فإن بَد َّل<br />

إِلى المعصیة والفسوق حَل َّ علیھ غضبُ‏ اللھ وسخطھ،‏ فإن تاب وعادَ‏ إِلى الحق،‏<br />

عاد اللھ عن سخطھ لیتوب علیھ ویرضى عنھ.‏<br />

(3 ( لأنھم لا یبدلون إِلى حالٍ‏ یستلزمُ‏ السخط ‏-وذلك من فضل اللھ علیھم-‏ فإن اللھ<br />

تواب غفور رحیم.‏ فھم في حالة لا یشوبھا أدنى معصیة،‏ لذا یظلون متنعمین<br />

برضوان اللھ علیھم،‏ نسأل اللھ تعالى أن یجعلنا منھم،‏ وأن لا یحرمنا رضاه<br />

یوم نلقاه.‏<br />

أي:‏ لانغالي في حبّ‏ ‏ِھم فنرفعھم فوق درجتھم التي یستحقونھا،‏ كما فعلت الشیعة<br />

الاثنى عشریة بأئم َّتھم حیث غالوا في موالاتھم،‏ ورفعوھم إِلى درجة فوق درجة<br />

الأنبیاء والرسل،‏ ووصفوھم بصفات الألوھیة والربوبیة،‏ التي ھي من صفات<br />

وحده.‏<br />

(5 ( مخالفة للرافضة الشیعة الذین یتبرأون من أكثر الصحابة،‏ ویلعنونھم<br />

ویكفرونھم..‏ ویجعلون ذلك من الدین الذي یُتقرب بھ إِلى اللھ !!<br />

فقد صح َّ عن النبيِّ‏ ε أنھ قال في الأنصار:‏ ‏"لا یحبھم إلا َّ مؤمن،‏ ولا یبغضھم<br />

إلا َّ منافق،‏ مَنْ‏ أَحَب َّھم أَحبھ اللھ،‏ ومنْ‏ أبغضھم أَبغضھ اللھ".‏ وفي روایة:‏ ‏"لا<br />

یبغضُ‏ الأنصارَ‏ رجلٌ‏ یؤمن باللھ والیومِ‏ الآخرِ‏ ". وإذا كان ھذا حكم من یبغض


ε<br />

الأنصار،‏ فما یكون القول فیمن یبغض الأنصار والمھاجرین معاً؟!‏ لا شك أَن َّھ<br />

أغلظ كفراً‏ ونفاقاً.‏ وھذا ینقلنا للحدیث عن الرافضة الاثنى عشریة ‏-أحقد الناس<br />

على أَھْل الس ُّن َّة،‏ وأشدھم كرھاً‏ لصحابة رسول اللھ ε، ولمن یترضى علیھم<br />

من بعدھم-‏ وأن نبین حكم الإسلام فیھم؟<br />

وشیخ الإسلام ابن تیمیة ‏-رحمھ اللھ-‏ كفانا مؤنة الجواب،‏ عند ما سُئل عنھم:‏<br />

عمن یزعمون أنھم یؤمنون باللھ Υ، وملائكتھ،‏ وكتبھ ورسلھ،‏ والیوم الآخر،‏<br />

ویعتقدون أن َّ الإمام الحق بعد رسول اللھ ε، ھو علي بن <strong>أبي</strong> طالب،‏ وأ َّن<br />

رسولَ‏ اللھ نص َّ على إمامتھ،‏ وأن الصحابة ظلموه ومنعوه حَق َّھ،‏ وأنھم<br />

كفروا بذلك.‏<br />

فھل یجب قتالھم؟ ویكفرون بھذا الاعتقاد أَم لا؟<br />

فأجاب:‏ الحمد رب العالمین.‏ أَجمع علماء المسلمین على أَن َّ كل طائفة<br />

ممتنعة عن شریعةٍ‏ من شرائع الإسلام الظاھرة المتواترة،‏ فإنھ یجب قتالھم حتى<br />

یكون الدین كلھ ..<br />

وقد ثبت عن علي في ‏"صحیح البخاري"‏ وغیره من نحو ثمانین وجھاً،‏ أَنھ<br />

قال:‏ خیرُ‏ ھذه الأمة بعد نبیھا،‏ أبو بكر وعمر.‏ وثبت عنھ أَنھ حر َّ ق غالیة<br />

الرافضة الذین اعتقدوا فیھ الإلھیة.‏ وروي عنھ بأسانید جیدة،‏ أَن َّھ قال:‏ لا أُوتى<br />

بأحدٍ‏ یفضلني على <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ وعمر،‏ إلا َّ جلدتھ جلد المفتري..‏<br />

وھؤلاء الرافضة إن لم یكونوا شر َّ اً‏ مِنَ‏ الخوارج المنصوصین<br />

المنصوص على قتالھم ومروقھم من الدین ‏-فلیسوا دونھم،‏ فإن َّ أولئك إنما<br />

كف َّروا عثمان وعلیاً‏ وأتباع عثمان وعلي فقط،‏ دون مَن قعد عن القتال أو مات<br />

قبل ذلك.‏ والرافضة كف َّرت أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المھاجرین والأنصار<br />

والذین اتبعوھم باحسان الذین رضي اللھ عنھم ورضوا عنھ،‏ وكفروا جماھیر<br />

أمة محمد من المتقدمین والمتأخرین.‏<br />

فیكفّرون كل من اعتقد في <strong>أبي</strong> بكر وعمر والمھاجرین والأنصار العدالة،‏ أو<br />

ترضى عنھم كما رضي اللھ عنھم،‏ أو یستغفر لھم كما أمرَ‏ اللھ بالاستغفار<br />

لھم،‏ ولھذا یكفرون أعلام الملة،‏ مثل:‏ سعید بن المسیب،‏ و<strong>أبي</strong> مسلم<br />

الخولاني،‏ وأویس القرني،‏ وعطاء بن <strong>أبي</strong> رباح،‏ وإبراھیم النخعي،‏ ومثل<br />

مالك والأوزاعي و<strong>أبي</strong> حنیفة،‏ وحماد بن زید،‏ وحماد بن <strong>أبي</strong> سلمة،‏<br />

والثوري،‏ والشافعي،‏ وأحمد بن حنبل،‏ وفضیل بن عیاض،‏ و<strong>أبي</strong> سلیمان<br />

الداراني..‏<br />

- يأ<br />

354<br />

ε


ویستحلون دماء مَن خرج عنھم،‏ ویرون في أَھْل الشام ومصر والحجاز<br />

والمغرب والیمن والعراق والجزیرة وسائر بلاد الإسلام أنھ لا یحل نكاح<br />

ھؤلاء ولا ذبائحھم،‏ وأن َّ المائعات التي عندھم من المیاه والأدھان وغیرھا<br />

نجسة،‏ ویرون أن َّ كفرھم أغلظ من كفر الیھود والنصارى لأن َّ أولئك عندھم<br />

كفار أصلیون،‏ وھؤلاء مرتدون،‏ وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر<br />

الأصلي.‏<br />

ولھذا السبب یعاونون الكفار على الجمھور من المسلمین،‏ فیعاونون التتار<br />

على الجمھور،‏ وھم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكیز خان ملك<br />

الكفار،‏ إِلى بلاد الإسلام،‏ وفي قدوم ھولاكو إِلى بلاد العراق،‏ وفي أخذ حلب،‏<br />

ونھب الصالحیة.‏ وبھذا السبب یقطعون الطرقات علىالمسلمین،‏ والكآبة الشدیدة<br />

بانتصار الإسلام ما ظھر،‏ وكذلك لما فتح المسلمون الساحل ‏-عكة وغیرھا-‏<br />

ظھر فیھم من الانتصار للنصارى وتقدیمھم على المسلمین ما قد سمعھ<br />

الناس منھم..‏<br />

وقد أظھروا الرفض،‏ ومنعوا أن نذكر على المنابر الخلفاء الراشدین،‏ وذكروا<br />

علیاً‏ وأظھروا الدعوة للاثنى عشر،‏ الذین تزعم الرافضة أنھم أئمة معصومون،‏<br />

وأن أبا بكر وعمر وعثمان كفار وفجار ظالمون،‏ لا خلافة لھم ولا لمن<br />

تبعھم..‏<br />

والرافضة تحب التتار ودولتھم،‏ لأنھ یحصل لھم بھا من <strong>العز</strong> ما لا یحصل<br />

بدولة المسلمین.‏ والرافضة ھم معاونون للمشركین والیھود والنصارى على<br />

قتال المسلمین،‏ وھم كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل إسلامھم<br />

إِلى أرض المشرق بخراسان والعراق والشام،‏ وكانوا من أعظم الناس معاونة<br />

لھم على أخذھم لبلاد الإسلام وقتل المسلمین وسبي حریمھم.‏<br />

وقضیة ابن العلقمي وأمثالھ مع الخلیفة،‏ وقضیتھم في حلب مع صاحب حلب<br />

مشھورة یعرفھا عموم الناس.‏ وكذلك في الحروب التي بین المسلمین وبین<br />

النصارى بسواحل الشام،‏ وقد عرف أَھْل الخبرة أن َّ الرافضة تكون مع<br />

النصارى على المسلمين،‏ وأنھم عاونوھم على أخذ البلاد لما جاء التتار،‏ وعَ‏ َّز<br />

على الرافضة فتح عكة وغیرھا من السواحل،‏ وإذا غلب المسلمون النصارى<br />

والمشركین كان ذلك غص َّة عند الرافضة،‏ وإذا غلب المشركون والنصارى<br />

المسلمین كان ذلك عیداً‏ ومسر َّة عند الرافضة..‏<br />

فھم أشد ضرراً‏ على الدین وأھلھ وأبعد عن شرائع الإسلام من الخوارج<br />

الحروریة،‏ ولھذا كانوا أكذب فرق الأمة.‏ فلیس في الطوائف المنتسبةِ‏ إِلى<br />

355


القبلة أَكثر كذباً‏ ولا أكثر تصدیقاً‏ للكذب وتكذیباً‏ للصدق منھم،‏ وسیما النفاق<br />

فیھم أَظھر منھ في سائر الناس،‏ وھي التي قال فیھا النب ُّي ε: ‏"آیة المنافق ثلاث:‏<br />

إذا حد َّث كذب،‏ وإذا وعد أخلف،‏ وإذا اؤتمن خان".‏ وكل من جر َّ بھم یعرف<br />

اشتمالھم على ھذه الخصال،‏ ولھذا یستعملون التقیة التي ھي سیما المنافقین،‏<br />

والیھود یستعملونھا مع المسلمین:‏ ‏[یقولون بألسنتھم ما لیس في قلوبھم].‏ وقد<br />

أشبھوا الیھود في أمور كثیرة،‏ لا سیما السامرة من الیھود:‏ یشبھونھم في دعوة<br />

الإمامة في شخص أو بطن بعینھ،‏ والتكذیب لكل من جاء بحق غیره یدعونھ،‏<br />

وفي اتباع الأھواء أو تحریف الكلم عن مواضعھ،‏ وتأخیر الفطر وصلاة<br />

المغرب وغیر ذلك،‏ وتحریم ذبائح غیرھم،‏ ویشبھون النصارى في الغلو في<br />

البشر والعبادات المبتدعة،‏ وفي الشرك وغیر ذلك.‏<br />

وھم یوالون الیھود والنصارى والمشركین على المسلمین،‏ وھذه شیم<br />

المنافقین..،‏ ولیس لھم عقل ولا نقل،‏ ولا دین صحیح،‏ ولا دنیا منصورة،‏ وھم<br />

لا یصلون جمعة ولا جماعة،‏ والخوارج كانوا یصلون جمعة وجماعة،‏ وھم لا<br />

یرون جھاد الكفار مع أئمة المسلمین،‏ ولا الصلاة خلفھم،‏ ولا طاعتھم في<br />

طاعة اللھ،‏ ولا تنفیذ شيءٍ‏ من أحكامھم لاعتقادھم أَن َّ ذلك لا یسوغ إلا َّ خلف<br />

إمام معصوم،‏ ویرون أن َّ المعصوم قد دخل السرداب من أكثر من أربعمائة<br />

وأربعین سنة،‏ وھو إِلى الآن لم یخرج،‏ ولا رأه أحد،‏ ولا عَل َّم أحداً‏ دیناً‏ ولا<br />

حصل بھ فائدة بل مضرة.‏ ومع ھذا فالإیمان عندھم لا یصح إلا َّ بھ ولا یكون<br />

مؤمناً‏ إلا َّ من آمن بھ،‏ ولا یدخل الجن َّة إلا َّ أتباعھ..!!‏<br />

وأكثر محققیھم عندھم یرون أن َّ أبا بكر وعمر،‏ وأكثر المھاجرین والأنصار،‏<br />

وأزواج النبيِّ‏ ε، مثل عائشة وحفصة وسائر أئمة المسلمین وعام َّتھم،‏ ما آمنوا<br />

باللھ طرفة عین..!!‏<br />

ومنھم مَن یرى أن َّ فرج النبيِّ‏ ε الذي جامع بھ عائشة وحفصة لا بد َّ أن تمسھ<br />

الن َّار،‏ لیطھر من وطئ الكوافر على زعمھم،‏ لأن وطئ الكوافر حرام عندھم.‏<br />

ومع ھذا یردون أحادیث رسول اللھ الثابتة المتواترة عنھ عند أَھْل العلم،‏<br />

مثل أحادیث البخاري ومسلم،‏ ویرون أن َّ شعر شعراء الر َّ افضة،‏ مثل:‏<br />

الحمیري،‏ وكوشیار الدیلمي،‏ وعمارة الیمني خیر من أحادیث البخاري ومسلم.‏<br />

وقد رأینا في كتبھم من الكذب والإفتراء على النبي وصحابتھ وقرابتھ أكثر<br />

مِم َّا رأینا من الكذب في كتب أَھْل الكتاب من التوراة والإنجیل.‏<br />

ویبنون على القبور المكذوبة وغیر المكذوبة مساجد یتخذونھا مشاھد.‏ وقد<br />

لعن رسول اللھ من اتخذ المساجد على القبور،‏ ونھى أم َّتھ عن ذلك..‏ ویرون<br />

ε<br />

ε<br />

356<br />

ε


أن حج َّ ھذه المشاھد المكذوبة وغیر المكذوبة من أعظم العبادات،‏ حتى أن من<br />

مشایخھم من یفضلھا على حج البیت الذي أمر اللھ بھ ورسولھ..!!‏<br />

فبھذا یتبین أنھم شَر ٌّ من عام َّةِ‏ أَھْل الأھواء،‏ وأحق بالقتال من الخوارج،‏ وھذا<br />

ھو السبب فیما شاع في العرف العام:‏ أن أَھْل البدع ھم الرافضة،‏ فالعامة شاع<br />

عندھا أن َّ ضد السني ھي الرافضة فقط،‏ لأنھم أظھر معاندة لسنة رسول اللھ<br />

ε، وشرائع دینھ من سائِر أَھْل الأھواء..‏<br />

وأیضاً‏ فالخوارج كانوا یتبعون القرآن بمقتضى فھمھم،‏ وھؤلاء إنما یتبعون<br />

الإمام المعصوم عندھم الذي لا وجود لھ،‏ فمستند الخوارج خیرٌ‏ مِن مستندھم.‏<br />

وأیضاً‏ فالخوارج لم یكن منھم زندیق ولا غالٍ،‏ وھؤلاء فیھم من الزنادقة<br />

والغالیة من لا یحصیھ إلا َّ اللھ..‏ فغالب أئمتھم زنادقة،‏ إنما یظھرون الرفض<br />

لأنھ طریق إِلى ھدم الإسلام..‏<br />

وأم َّا ذكر المستفتي أنھم یؤمنون بكل ما جاء بھ محمد فھذا عین الكذب،‏<br />

بل كفروا بما جاء بھ بما لا یحصیھ إلا َّ اللھ،‏ فتارة یكذبون بالنصوص الثابتة<br />

عنھ،‏ وتارة یكذبون بمعاني التنزیل.‏ وما ذكرنا وما لم نذكره من مخازیھم یعلم<br />

كل أحدٍ‏ أَن َّھ مخالف لما بعث اللھ بھ محمداً‏ ε. فإنھم مشركون،‏ لأنھم أشد ُّ الناس<br />

تعظیماً‏ للمقابر التي اتخذت أوثاناً‏ من دون اللھ،‏ وھذا باب یطول..‏<br />

وھم یقاتلون لعصبیة شر من عصبیة ذوي الأنساب،‏ وھي العصبیة للدین<br />

الفاسد ، فإن َّ في قلوبھم من ِ الغلّ‏ والغیظ على كبار المسلمین وصغارھم<br />

وصالحیھم وغیر صالحیھم ما لیس في قلب أحد.‏ وأعظم عبادتھم عندھم لعن<br />

المسلمین من أولیاء اللھ،‏ مستقدمھم ومستأخرھم،‏ وأمثلھم عندھم الذي لا<br />

یلعن ولا یستغفر!!‏<br />

وأما خروجھم یقتلون المؤمن والمعاھد فھذا أیضاً‏ حالھم،‏ مع دعواھم أنھم ھم<br />

المؤمنون وسائر الأمة كفار!‏ وروى مسلم في ‏"صحیحھ"‏ عن محمد بن شریح،‏<br />

قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"إنھ ستكون ھنأة وھنأة،‏ فمن أراد أن یفرق أمر ھذه<br />

الأمة وھي جمیع فاضربوه بالسیف كائن مَن كان".‏ وھؤلاء أشد الناس حرصاً‏<br />

على تفریق جماعة المسلمین..‏ أعظم أصولھم عندھم التكفیر واللعن والسب<br />

لخیار ولاة الأمور،‏ كالخلفاء الراشدین،‏ والعلماء المسلمین ومشایخھم،‏<br />

لاعتقادھم أن َّ كل من لم یؤمن بالإمام المعصوم ‏-الذي لا وجود لھ-‏ فما آمن<br />

باللھ ورسولھ..!!‏<br />

الخروج والمروق یتناول كل من كان في معنى أولئك ‏-أي الرافضة-‏ ویجب<br />

قتالھم بأمرِ‏ النبي كما وجب قتال أولئك ‏-أي الخوارج-‏ وإن كان الخروج عن<br />

،ε<br />

357<br />

ε


ش:‏ یُشِیرُ‏ الشیخُ‏ إِلى الر َّ ‏ِدّ‏ على الروافض.‏ وقد أَثنى اللھُ‏ على الصحابَة<br />

ھو ورسُولُھ،‏ ورَ‏ ضيَ‏ عنھم،‏ ووعدَھُم الحُسْنى.‏<br />

‏-ثَنَاءُ‏ اللھِ‏ ورسُولِھ على الصحابَة-‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[والس َّابقونَ‏ الأو َّ لونَ‏ مِن المھاجرینَ‏ والأنصار والذینَ‏<br />

ات َّبعُوھم بإحسانٍ‏ رضيَ‏ اللھُ‏ عَنْھُم ورَضُوا عنھ وأَعَد َّ لھم جن َّاتٍ‏ تجري<br />

تحتھا الأنھارُ‏ خالدینَ‏ فیھا أبَداً‏ ذلك الفوزُ‏ العظیم]‏ التوبة:‏<br />

358


-8<br />

ویُؤثِرونَ‏ على أنفسِھِم ولَو كانَ‏ بھم خَصَاصَةٌ‏ ومن یوقَ‏ شُح َّ نفسھِ‏ فأولئك<br />

ھم المفلِحُونَ.‏ والذین جاؤوا مِنْ‏ بعْدھم یَقُولونَ‏ رب َّنا اغفر لنا ولإخوانِنا<br />

الذین سَبَقونا بالإیمانِ‏ ولا تَجْعلْ‏ في قلوبنا غِلاً‏ للذین آمنوا رَب َّنا إن َّ‏ ‏َك<br />

رؤوفٌ‏ رَحیمٌ]‏ الحشر:‏<br />

359


وعن ابن عباسٍ‏ ، أن َّھُ‏ قال:‏ ‏(لا تَسُب ُّوا أصحابَ‏ محم َّدٍ،‏ فَلَمقامُ‏ أَحَدِھم ساعةً‏<br />

‏-یعني معَ‏ النبيّ‏ ε- ِ خَیرٌ‏ مِن عَمَلِ‏ أَحَدِكُم أربعینَ‏ سَنَةً)‏<br />

‏(خیرٌ‏ مِنْ‏ عبادَةِ‏ أحَدِكُم عُمُرَ‏ هُ).‏<br />

وفي ‏"الصحیحین"،‏ قال رسولُ‏ اللھ ε: ‏"خیرُ‏ الن َّاسِ‏ قَرْ‏ ني،‏ ثم َّ الذین<br />

یلونَھُم،‏ ثم َّ الذینَ‏ یلونَھُم"‏ (2) .<br />

وقال ε: ‏"لا یدخُلُ‏ النارَ‏ أَحدٌ‏ بایعَ‏ تحتَ‏ الشجرةِ"‏ (3) .<br />

وعن عبد اللھ بن مسعود،‏ قال:‏ إن َّ اللھَ‏ نظرَ‏ في قلوب العِباد،‏ فوجدَ‏ قَلْبَ‏<br />

محمدٍ‏ خَیْرَ‏ قلوبِ‏ العبادِ،‏ فاصطفاهُ‏ لِنَفْسِھ،‏ وابتعثَھُ‏ برسالَتِھِ،‏ ثم َّ نظرَ‏ في قلوبِ‏<br />

العبادِ‏ بَعْدَ‏ قَلْبِ‏ محمدٍ‏ ε، فوجَدَ‏ قُلُوبَ‏ أصْحابھِ‏ خَیْرَ‏ قلوبِ‏ العبادِ،‏ فجعَلَھُم<br />

وزراءَ‏ نبیّ‏ ‏ِھِ،‏ یُقاتِلونَ‏ على دینھِ،‏ فما رآهُ‏ المسلمون حَسَناً،‏ فھو عند اللھِ‏<br />

حَسَنٌ،‏ وما رأوْ‏ هُ‏ سَیّ‏ ‏ِئاً،‏ فھو عِندَ‏ اللھ سَيّ‏ ‏ِءٌ‏ (4) . وفي روایة:‏ وقدْ‏ رأى<br />

أَصحابُ‏ محمدٍ‏ جمیعاً‏ أنْ‏ یَسْتَخلِفوا أَبا بكر.‏<br />

فمن أَضل ُّ مِم َّن یكونُ‏ في قلبھِ‏ غل ٌّ لخیار المؤمنین،‏ وساداتِ‏ أَولیاءِ‏ الل ‏ِھ<br />

تعالى بعد النبیین؟!‏ بَلْ‏ قد فَضَلَتْھُمُ‏ الیھودُ‏ والنصارى بِخَصْلَةٍ،‏ قیلَ‏ للیھود:‏<br />

مَنْ‏ خَیرُ‏ أَھْلِ‏ مِل َّتِكُم؟ قالوا:‏ أَصحابُ‏ موسى،‏ وقیلَ‏ للن َّصارى:‏ مَنْ‏ خیرُ‏ أَھْل<br />

مِل َّتِكُم؟ قالوا:‏ أَصحابُ‏ عیسى،‏ وقیلَ‏ للر َّ افضةِ:‏ مَنْ‏ شَر ُّ أَھْل ملتكم؟ قالوا:‏<br />

أصحابُ‏ محمدٍ!!‏ لَمْ‏ یستثنوا منھم إلا َّ القلیل،‏ وفیمن سَب ُّوھم مَنْ‏ ھو خیرٌ‏<br />

مم َّن استثنوھم بأضعافٍ‏ مُضاعَفَةٍ(‏‎5‎‏)‏ .<br />

(1) . وفي روایة:‏<br />

(1 ( صحیح،‏ أخرجھ أحمد وغیره.‏<br />

فیھ:‏ أن القرون المشھود لھا بالخیریة،‏ ھي القرون الثلاثة الأولى،‏ وبالتالي من<br />

یُرد الحق َّ فعلیھ أن یلتمسھ في ھذه القرون.‏<br />

(3 ( رواه مسلم وغیره،‏ وصَح َّ عنھ رجلٌ‏ شھِدَ‏ بدراً‏<br />

أَن َّھ قال:‏ ‏"لن یدخُلَ‏ النارَ‏<br />

والحدیبیة".‏ وقال:‏ ‏"إن َّ اللھ تعالى اط َّلعَ‏ على أَھْل بدر،‏ فقال:‏ اعملوا ما شئتم فقد<br />

غفرت لكم".‏ وفي ھذه الأحادیث وغیرھا دلالة على فضل الصحابة على مَن<br />

بعدَھم من الأجیال والقرون.‏<br />

(4 ( حسنٌ‏ موقوفاً،‏ أخرجھ الطیالسي وأحمد وغیرھما بسند حسن.‏<br />

یشیر إِلى سبھم على <strong>أبي</strong> بكر وعمر رضي اللھ عنھما،‏ وھما بلا خلاف<br />

أفضل من علي بن <strong>أبي</strong> طالب τ، وكان علي یعزر بالضرب من یفضلھ على <strong>أبي</strong><br />

بكر وعمر.‏<br />

360<br />

ε<br />

( 2 )<br />

( 5 )


وقولھ:‏ ‏"ولا نُفْرِ‏ طُ‏ في حُبِّ‏ أَحَدٍ‏ منھم"‏ أي:‏ لا نتجاوزُ‏ الحَد َّ في حُبِّ‏ أَحدٍ‏<br />

منھم،‏ كما تفعل الشیعةُ،‏ فنكون مِنَ‏ المعتدین،‏ قال تعالى:‏ ‏[یا أَھْلَ‏ الكتابِ‏ لا<br />

تَغْلُوا في دینِكُم]‏<br />

(1) النساء:‏<br />

361


ε<br />

. (4)<br />

وقال رسولُ‏ اللھِ‏ ε: ‏"اقتَدوا بال َّلذینِ‏ مِن بَعْدي:‏ أَبي بَكْرٍ‏ وعُمَرَ‏ " (1) .<br />

وفي ‏"الصحیحین"‏ عن عائِشة رضي اللھ عنھا وعَنْ‏ أبیھا،‏ قالَتْ‏ : دخَلَ‏<br />

عَلَ‏ َّي رسولُ‏ الل ‏ِھ في الیَوْ‏ مِ‏ الذي بُدِئَ‏ فیھ (2) ، فقالَ:‏ ‏"ادعِي لي أَبَاكِ‏<br />

وأَخاكِ‏ ، حت َّى اكتُبَ‏ لأَبي بَكْرٍ‏ كِتَاباً"،‏ ثم َّ قالَ:‏ ‏"یأبَى اللھُ‏ والمسلِمونَ‏ إلا َّ أبا<br />

بَكْرٍ‏ ". وفي روایة:‏ ‏"فلا یَطْمعْ‏ في ھذا الأمرِ‏ طَامعٌ".‏ وفي روایة:‏ قال:‏<br />

‏"ادعي لي عبدَ‏ ال‏ َّرحمن بن <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ ، لأكتُبَ‏ لأبي بكرٍ‏ كتاباً‏ لا یُخْتَلَ‏ ‏ُف<br />

علیھ"،‏ ثم َّ قال:‏ ‏"مَعاذَ‏ اللھِ‏ أَنْ‏ یَخْتَلِفَ‏ المؤمنونَ‏ في أَبي بكرٍ‏ " (3) .<br />

وأحادیثُ‏ تقدیمِھ في الصلاةِ‏ مَشْھورةٌ‏ معروفَةٌ،‏ وھو یقول:‏ ‏"مُرُ‏ وا أبا بكرٍ‏<br />

فَلْیُصَلّ‏<br />

وفي ‏"الصحیحین"‏ عن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ سمعتُ‏ رسولَ‏ اللھ یقول:‏<br />

‏"بَیْنَا أَنا نائِمٌ‏ رَ‏ أَیتُنِي على قَلِیبٍ،‏ علیھا دَلْوٌ‏ ، فَنَزَ‏ عتُ‏ منھا ما شاءَ‏ اللھُ،‏ ث‏ َّم<br />

أخَذَھا ابنُ‏ <strong>أبي</strong> قُحافَةَ،‏ فنَزَ‏ عَ‏ منھا ذَنوباً‏ أو ذَنوبین،‏ وفي نَزْ‏ عِھ ضَعْفٌ‏ ، واللھ<br />

یَغفِرُ‏ لَھُ،‏ ثم َّ استحالَتْ‏ غَرْ‏ باً،‏ فأخذھا ابنُ‏ الخط َّا ‏ِب (5) ، فلَمْ‏ أرَ‏ عبقری َّاً‏ مِنَ‏<br />

الناسِ‏ یَفْري فَرِ‏ ی َّھُ،‏ حتى ضرَ‏ بَ‏ الن َّاسُ‏ بِعَطَنٍ"‏ (6) .<br />

ε<br />

ِ بالن َّاسِ‏ "<br />

362<br />

ε<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

(1 ( صحیح،‏ أخرجھ الترمذي،‏ وابن ماجھ،‏ وأحمد.‏<br />

أي:‏ مرضھ الذي مات فیھ.‏<br />

فیھ إشارَ‏ ةٌ‏ صریحة على استخلاف <strong>أبي</strong> بكر τ، وروایة البخاري بلفظ:‏ ‏"ھممت<br />

أن أرسل إِلى <strong>أبي</strong> بكر وابنھ،‏ فأعھد،‏ أن یقول القائلون،‏ أو یتمنى المتمنون،‏ ث‏ َّم<br />

قلت:‏ یأبى اللھُ‏ ویدفع المؤمنون أو یدفع اللھ ویأبى المؤمنون".‏<br />

(4 ( متفق علیھ.‏<br />

(5 ( وروایة مسلم،‏ لفظھ في بعضھا:‏ ‏"ثم أخذھا عمر،‏ فاستحالت غرباً"‏ ومن<br />

حدیث ابن عمر:‏ ‏"ثم أَخذھا ابن الخطاب من ید <strong>أبي</strong> بكر،‏ فاستحالت في یده<br />

غرباً".‏ وفي الحدیث إشارة إِلى استخلاف عمر بعد <strong>أبي</strong> بكر.‏<br />

( 6 )<br />

قولھ:‏ ‏"على قلیب"‏ أي:‏ على بئر،‏ وقولھ:‏ ‏"ذنوباً‏ أو ذنوبین"‏ الذنوب:‏ الدلو<br />

الممتلئة.‏ قال الشافعي في ‏"الأم":‏ ومعنى قولھ:‏ ‏"وفي نزعھ ضعف":‏ قصر<br />

مدتھ،‏ وعجلة موتھ،‏ وشغلھ بالحرب لأھل الردة عن الافتتاح والازدیاد الذي بلغھ<br />

عمر في طول مدتھ.‏ وقولھ:‏ ‏"یفري فریھ"‏ أي:‏ یعمل عملھ،‏ ویقطع قطعھ،‏<br />

‏"والعطن"‏ ما یعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل.‏


ε<br />

وقالَ‏ ε: ‏"لو كُنتُ‏ مُت َّخِ‏ ذاً‏ مِنْ‏ أَھْل الأرضِ‏ خلیلاً،‏ لات َّخَذْتُ‏ أَبا بكرٍ‏ خلیلاً،‏<br />

لا یبقیَن َّ في المَسجدِ‏ خَوْ‏ خَةٌ‏ إلا َّ سُد َّت،‏ إلا َّ خَوخَةُ‏ <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ " (1) .<br />

وعن <strong>أبي</strong> بكرةَ،‏ أن َّ النب‏ َّي قال ذاتَ‏ یومٍ‏ : ‏"مَنْ‏ رأى منكم رُ‏ ؤیا؟"‏ فقال<br />

رَ‏ جُلٌ‏ أنا رَ‏ أَیْتُ‏ كَأَن َّ میزاناً‏ أُنزلَ‏ مِنَ‏ السماءِ،‏ فَوُ‏ زِ‏ نتَ‏ أَنتَ‏ وأَبو بكرٍ‏ ،<br />

فرجَحْتَ‏ أنتَ‏ بأبي بكرٍ‏ ، ثم َّ وزِ‏ نَ‏ عُمَرُ‏ وأبو بكرٍ‏ ، فرجحَ‏ أَبو بكرٍ‏ ، ووزِ‏ نَ‏<br />

عُمَرُ‏ وعُثمانُ،‏ فرَ‏ جَحَ‏ عُمَرُ‏ ، ثم َّ رُ‏ فِعَ‏ المیزانُ،‏ فرأیتُ‏ الكراھَةَ‏ في وجھِ‏ النبيّ‏ ِ<br />

ε، فقال:‏ ‏"خِ‏ لافَةُ‏ نُبو َّ ةٍ،‏ ثم َّ یُؤتي اللھُ‏ المُلكَ‏ مَنْ‏ یشاءُ"‏ (2) .<br />

وقال ε: ‏"خِ‏ لافَةُ‏ الن ُّبو َّ ةِ‏ ثلاثُونَ‏ سنةً(‏‎3‎‏)‏ ، ثم َّ یُؤتي اللھُ‏ مُلْكَھُ‏ مَنْ‏ یشاءُ‏ أو<br />

ε<br />

الملك"‏ (4) .<br />

وفي ‏"الصحیحین"‏ عن عمرو بن العاص:‏ أَن َّ رسولَ‏ اللھ بعثَھُ‏ على<br />

جیشِ‏ ذات الس َّلاسِلِ،‏ فأتیتُھ،‏ فقلت:‏ أَي ُّ الن َّاسِ‏ أَحَب ُّ إلیكَ‏ ؟ قال:‏ ‏"عائِشَةُ"،‏<br />

قُلْتُ‏ : مَنَ‏ ِ الرّ‏ جالِ؟ قال:‏ ‏"أبوھا"،‏ قلتُ‏ : ثم َّ مَنْ‏ ؟ قال:‏ ‏"عمر".‏<br />

وعن أَبي الد َّرداءِ،‏ قال:‏ كُنتُ‏ جالِساً‏ عندَ‏ النبيّ‏ ε، ِ إذْ‏ أَقبَلَ‏ أَبو بكرٍ‏ آخذاً‏<br />

بطَرَ‏ فِ‏ ثوبھِ،‏ حتى أَبدى عَنْ‏ رُ‏ كبَتَیْھِ،‏ فقالَ‏ النب‏ ُّي ε: ‏"أم َّا صاحِ‏ بُكُم،‏ فقد<br />

غامَرَ‏ (5) "، فسَل َّمَ،‏ وقال:‏ إن َّھ كانَ‏ بیني وبینَ‏ ابن الخطاب شيءٌ،‏ فأسرَ‏ عتُ‏<br />

إلیھِ،‏ ثم َّ نَدِمْتُ‏ ، فسألتُھ أنْ‏ یغفرَ‏ لي،‏ فأبى عَلَي َّ،‏ فأَقْبَلْتُ‏ إلیك،‏ فقال:‏ ‏"یَغْفِ‏ ‏ُر<br />

اللھُ‏ لكَ‏ یا أبا بَكرٍ‏ " ثلاثاً،‏ ثم َّ إن َّ عُمرَ‏ نَدِمَ،‏ فأَتى مَنْزِ‏ لَ‏ <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ ، فسألَ:‏ أثَ‏ َّم<br />

ھو؟ فقالوا:‏ لا،‏ فأتى النب َّي ε، فسَل َّمَ‏ علیھ،‏ فجعلَ‏ وجھُ‏ النبيّ‏ ε ِ یَتَمَع َّرُ‏ ، حتى<br />

أَشفقَ‏ أَبو بكرٍ‏ (6) ، فجثا على رُ‏ كبَتَیْھِ،‏ فقال:‏ یا رسولَ‏ اللھ،‏ واللھِ‏ أنا كُنتُ‏<br />

أَظْلَمُ‏ مر َّ تین،‏ فقالَ‏ النب‏ ُّي ε: ‏"إن َّ اللھَ‏ بَعَثَني إلیكم،‏ فقُلْتم:‏ كَذَبتَ‏ ، وقال أَبو<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

(2 ( صحیح،‏ رواه أبو داود.‏<br />

(3 ( وھي المدة التي استُخلِفَ‏ فیھا الخلفاء الأربعة،‏ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي<br />

ψ، حیث استمرت خلافة <strong>أبي</strong> بكر سنتین،‏ وخلافة عمر عشر سنین،‏ وخلافة<br />

عثمان اثنتي عشرة سنة،‏ وخلافة علي ست سنین.‏<br />

363<br />

4) ( حسن.‏<br />

( 5 )<br />

( 6 )<br />

قال ابن حجر في ‏"الفتح":‏ والمعنى دخل في غمرة الخصومة،‏ والغامر الذي<br />

یرمي بنفسھ في الأمر العظیم كالحرب وغیره ا-ھ.‏<br />

أي أشفق على عمر لِما رأى من غضب النبي<br />

ε علیھ..‏


ِ<br />

بكرٍ‏ : صَدَقْتَ‏ ، وواسَاني بنفسِھِ‏ ومالِھ،‏ فَھَلْ‏ أَنتُم تارِ‏ كُو لي صاحِ‏ بِي؟".‏<br />

مر َّ تین،‏ فما أُذيَ‏ بَعْدَھا (1) .<br />

‏-حُ‏ َّجةُ‏ مَنْ‏ قال:‏ لَمْ‏ یَسْتَخْلِفْ‏ بالن َّصّ‏<br />

واحتج َّ مَنْ‏ قالَ:‏ لَمْ‏ یَستخلِفْ‏ بالخبرِ‏ المأثورِ‏ ، عنْ‏ عبدِ‏ اللھ بن عمر،‏ عن<br />

عمرَ‏ رضي<br />

اللھ عنھما،‏ أَن َّھ قالَ:‏ إنْ‏ أَسْتَخْلِف،‏ فقد استخلَفَ‏ مَنْ‏ ھو خَیرٌ‏ مني،‏ یعني أبا<br />

بكرٍ‏ ، وإنْ‏ لا أسْتَخْلِف،‏ فلم یَستخلِفْ‏ مَنْ‏ ھو خَیْرٌ‏ مني،‏ یعني رسولَ‏ اللھ<br />

ε<br />

-<br />

. (2) ε<br />

وبما رُ‏ ويَ‏ عن عائشة رضي اللھ عنھا أَن َّھا سُئِلتْ‏ مَنْ‏ كان رسولُ‏ اللھِ‏<br />

مُستخلفاً‏ لو استخلَف (3) .<br />

والظاھرُ‏ ‏-واللھ أعلم-‏ أَن َّ المُرادَ‏ أن َّھُ‏ لَمْ‏ یَسْتَخلِفْ‏ بعھدٍ‏ مكتوبٍ(‏‎4‎‏)‏ ، ولو<br />

كَتَبَ‏ عھداً،‏ لكتبھ لأبي بكر،‏ بَلْ‏ أَرادَ‏ كتابَتَھُ‏ ثم َّ تَركَھُ،‏ وقال:‏ ‏"یأْبى اللھُ‏<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

أخرجھ البخاري.‏<br />

متفق علیھ،‏ واللفظ لمسلم.‏<br />

أخرجھ مسلم وغیره.‏<br />

(4 ( ویمكن أَنْ‏ یُقال أیضاً:‏ أن َّ عمر τ، لم تبلغھ مجموع الأحادیث التي تُفید<br />

استخلاف <strong>أبي</strong> بكر فالتجأ إِلى ھذا القیاس،‏ كما فعل یوم أنْ‏ ھم َّ أبو بكر بمقاتلة<br />

مانعي الزكاة،‏ فقال لھ:‏ كیف تقاتلُ‏ الناسَ‏ وقد قال رسول اللھ ε: ‏"أمِرتُ‏ أَنْ‏<br />

أُقاتل الناس حتى یقولوا لا إلھ إلا اللھ،‏ فمن قال لا إلھ إلا اللھ عَصمَ‏ مني مالُھ<br />

ونفسھ إلا َّ بحقھ وحسابھ على اللھ".‏ فلو كان قد بلغھ قول النبي ε: ‏"أمرت أن<br />

أقاتل الناس حتى یشھدوا أن لا إلھ إلا اللھ،‏ وأن محمداً‏ رسول اللھ،‏ ویقیموا<br />

الصلاة،‏ ویؤتوا الزكاة.."‏ لما سأل ھذا السؤال وكذلك أبو بكر لو بلغھ الحدیث<br />

لَما التجأ إِلى قیاس الزكاة على الصلاة،‏ بقولھ:‏ واللھ لأقاتلن َّ من فر َّ قَ‏ بین<br />

الصلاة والزكاة،‏ فإن الزكاة حق المال..‏ كما قال ابن حجر في ‏"الفتح"‏<br />

)<br />

τ<br />

364


ε<br />

ε<br />

والمسلمونَ‏ إلا َّ أبا بكرٍ‏ ". فكانَ‏ ھذا أَبْلَغَ‏ مِنْ‏ مجَر َّ دِ‏ العھدِ،‏ فإن َّ النب‏ َّي دَ‏ َّل<br />

المسلمین على استخلافِ‏ <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ ، وأرشدھم إلیھ بأمورٍ‏ متعدّ‏ ‏ِدةٍ،‏ مِنْ‏ أقوالِھ<br />

وأَفْعالِھ،‏ وأَخبرَ‏ بخلافَتِھ إخبارَ‏ راضٍ‏ بذلك،‏ حامِدٍ‏ لھ،‏ وعَزمَ‏ على أنْ‏ یكت‏ ‏َب<br />

بذلك عَھداً،‏ ثم َّ عَلِمَ‏ أن َّ المسلمینَ‏ یجتمعونَ‏ علیھ،‏ فتركَ‏ الكِتابَ‏ اكتفاءً‏ بذلك.‏<br />

فلو كان التعیینُ‏ مِم َّا یَشْتَبِھُ‏ على الأَم َّةِ،‏ لبی َّنھ بیاناً‏ قاطعاً‏ للعُذرِ‏ ، لكن لما<br />

دل َّھم دلالاتٍ‏ متعدّ‏ ‏ِدَةً‏ على أ َّن أبا بكرٍ‏ المتعَی َّنُ،‏ وفھموا ذلك،‏ حصلَ‏ المقصودُ،‏<br />

ولھذا قال عمرُ‏ في خطبتھِ‏ التي خطبھا بمحضَرٍ‏ منَ‏ المھاجرینَ‏ والأنصار:‏<br />

أنتَ‏ خَیْرُ‏ نا وسیّ‏ ‏ِدُنا وأحب ُّنا إِلى رسولِ‏ اللھ ε. ولم ینكر ذلك منھم أَحَدٌ،‏ ولا<br />

قالَ‏ أحَدٌ‏ مِنَ‏ الص َّحابةِ:‏ إن َّ غیر <strong>أبي</strong> بكر من المھاجرین أحق ُّ بالخلافةِ‏ منھ،‏<br />

ولم یقلْ‏ أحَدٌ‏ منھم قَط ُّ:‏ إن َّ النب‏ َّي نص َّ على غیر <strong>أبي</strong> بكر،‏ لا علي ٌّ،‏ ولا<br />

العباسُ‏ ، ولا غیرھما،‏ كما قَدْ‏ قالَ‏ أَھْلُ‏ البدَعِ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

‏-ما حَصَلَ‏ في سَقیفَةِ‏ بني ساعِدَة-‏<br />

عَن عائشة رضي اللھ عنھا:‏ أَن َّ رسولَ‏ اللھ مات وأَبو بكر<br />

بال س ُّنْ حِ(‏‎2‎‏)‏ ‏-فذَكَرَ‏ تِ‏ الحدیثَ‏ - إِلى أَنْ‏ قالَتْ‏ : واجتمعَ‏ الأنصارُ‏ إِلى سَعْدِ‏ بن<br />

ε<br />

محمداً‏ قد مات،‏ ومن كان یعبد اللھ فإن َّ اللھ حي لا یموت،‏ قال اللھ تعالى:‏<br />

‏[وما محمد إلا َّ رسولٌ‏ قد خلت من قبلھ الرسل أفإن ماتَ‏ أو قُتِلَ‏ انقلبتم على<br />

أعقابكم ومن ینقلب على عقبیھ فلن یَضُر َّ اللھ شیئاً‏ وسیجزي اللھ<br />

الشاكرین].‏ قال عمر:‏ ‏"واللھ ما ھو إلا َّ أن سمعت أبا بكر تلاھا فعرقت حتى<br />

ما تقلني رجلاي،‏ وحتى ھویت إِلى الأرض"‏ وكأنھ لم یسمعھا من قبل.‏<br />

والشاھد:‏ أن قول عمر الآنف الذكر،‏ لا یمكن أن نرد بھ أحادیث النبيِّ‏ ε الدالة<br />

على استخلاف <strong>أبي</strong> بكر،‏ واللھ تعالى أعلم.‏<br />

( 1 )<br />

إشارة إِلى الشیعة الروافض،‏ حیث أو َّ لوا النصوص،‏ وحملوھا ما لا تحتمل،‏<br />

من ذلك تأویلھم لقولھ تعالى:‏ ‏[إن اللھ یأمركم أن تؤدوا الأمانات إِلى أھلھا وإذا<br />

حكمتم بین الناس أن تحكموا بالعدل].‏ قال الخمیني في كتابھ ‏"الحكومة<br />

الإسلامیة"‏ ص<br />

τ<br />

365


عُبادةَ،‏ في سَقیفَةِ‏ بني ساعِدَة،‏ فقالوا:‏ مِن َّا أَمیرٌ‏ ، ومِنكُم أَمیرٌ‏ ، فَذَھبَ‏ إلیھم أبو<br />

بكرٍ‏ ، وعمرُ‏ بن الخطاب،‏ وأبو عبیدَةَ‏ بنُ‏ الجَر َّ اح،‏ فذھب عُمَرُ‏ یتكلم،‏ فأسكتھُ‏<br />

أبو بكرٍ‏ ، وكانَ‏ عمرُ‏ یقول:‏ واللھ ما أَرَ‏ دتُ‏ بذلك إلا َّ أنّ‏ ‏ِي ھی َّأتُ‏ في نفسي<br />

كلاماً‏ قد أعجبني،‏ خَشِیتُ‏ أَنْ‏ لا یَبْلُغَھُ‏ أبو بكر،‏ ثم َّ تكل َّمَ‏ أبو بكر،‏ فتكل َّمَ‏ أبلغَ‏<br />

الناسِ‏ ، فقال في كلامِھ:‏ نحنُ‏ الأُمراءُ،‏ وأنتمُ‏ الوزراءُ،‏ فقالَ‏ حبابُ‏ بنُ‏ المنذر:‏<br />

لا واللھ لا نَفْعَل،‏ مِن َّا أَمیرٌ‏ ومنكم أمی ‏ٌر (1) ، فقالَ‏ أبو بكرٍ‏ : لا ولكِن َّا الأُمراءُ،‏<br />

وأَنتمُ‏ الوزراءُ،‏ ھم أَوسطُ‏ العرب،‏ وأعَز ُّ ھم أحساباً،‏ فبایعوا عُمرَ‏ أو أبا عبیدَةَ‏<br />

بن الجر َّ اح،‏ فقال عمر:‏ بل نبایعُكَ‏ ، فأَنْتَ‏ سَیّ‏ ‏ِدُنا،‏ وخیْرُ‏ نا،‏ وأَحب ُّنا إِلى رسولِ‏<br />

اللھ ε، فأخذَ‏ عُمَرُ‏ بیده فبایَعَھُ،‏ وبایَعَھُ‏ الن َّاسُ‏ ، فقالَ‏ قائلٌ:‏ قتلتم سعداً،‏ فقالَ‏<br />

عُمَرُ‏ : قتلَھُ‏ اللھُ(‏‎2‎‏)‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"ثم َّ لِعُمَرَ‏ بنِ‏ الخط َّا ‏ِب<br />

ش:‏ أي ونُثْبِتُ‏ الخلافَةَ‏ بعد <strong>أبي</strong> بكر،‏ لعمرَ‏ رضي اللھ عنھما.‏ وذلك<br />

بتفویضِ‏ <strong>أبي</strong> بكر الخلافةَ‏ إلیھ،‏ واتّ‏ ‏ِفاقِ‏ الأُم َّةِ‏ بعدَه علیھ.‏<br />

‏-من فضائل عمر<br />

عن محمد بن الحنفیة أَن َّھ قال:‏ قلتُ‏ لأبي:‏ یا أبتِ،‏ مَن خَیْرُ‏ الن َّاسِ‏ بعدَ‏<br />

رسولِ‏ اللھ ε؟<br />

فقال:‏ یا بُنَي َّ،‏ أوَ‏ ما تَعْرِ‏ ف؟ فقلتُ‏ : لا،‏ قال:‏ أبو بكرٍ‏ ، قلتُ‏ : ثم َّ مَنْ‏ ؟ قالَ:‏<br />

عمرُ‏ ، وخَشیتُ‏ أنْ‏ یقولَ:‏ ثم َّ عثمان فقلتُ‏ : ثم َّ أنتَ‏ ؟ فقال:‏ ما أَنا إلا َّ رجُلٌ‏ من<br />

المسلمین (3) .<br />

وتقد َّمَ‏ قَوْ‏ لھ ε: ‏"اقتَدُوا بالل َّذینَ‏ مِنْ‏ بعدِي:‏ <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ وعُمرَ‏ ".<br />

-τ<br />

." τ<br />

366<br />

( 1 )<br />

ε<br />

فیھ أن َّ الصحابي یمكن أن یفوتھ بعض العلم،‏ فلو كان ممن اعترض من<br />

الأنصار بادئ ذي بدء على أن تكون الإمامة في قریش،‏ یعلمون بأحادیث النبي<br />

المتواترة الدالة على أن َّ ‏"الأئمة من قریش ما بقي منھم اثنان"،‏ لما حصل منھم<br />

ذلك الاعتراض،‏ ولما قالوا مقولتھم تلك،‏ وكذلك أبو بكر لو كان یعلم بقول<br />

النبي ‏"الأئمة من قریش"،‏ لما استبدلھ بكلام آخر،‏ لما في كلام النبيِّ‏ ε من<br />

الحجة المُلزمة ما لیس في كلام غیره من البشر.‏ ویحتمل أن َّ أبا بكر كان یعلم<br />

بقول النبيِّ‏ ε، لكنھ صاغھ باسلوبھ من دون أن یرفعھ إِلى النبيِّ‏ ε، واللھ تعالى<br />

أعلم.‏<br />

(2 ( صحیح،‏ أخرجھ البخاري وغیره.‏<br />

τ<br />

τ<br />

ε<br />

(3 ( صحیح،‏ أخرجھ البخاري وغیره.‏


ε<br />

وفي ‏"صحیح مسلم"‏ عن ابن عباس،‏ قال:‏ وُ‏ ضِ‏ ‏عَ‏ عُمرُ‏ على سریرِ‏ هِ،‏<br />

فتكنفَھُ‏ الن َّاسُ‏ یدعون ویُثنُونَ،‏ ویُصَل ُّونَ‏ علیھ قبل أَن یُرْ‏ فَعَ،‏ وأنا فیھم،‏ فَلم<br />

یَرُ‏ عْني إلا َّ برَ‏ جُلٍ‏ قد أَخذَ‏ بمنكبي من ورائي،‏ فالتفَت ُّ إلیھِ،‏ فإذا ھو عَلي ٌّ،‏<br />

فترَ‏ ح َّمَ‏ على عُمرَ‏ ، وقال:‏ ما خَل َّفتَ‏ أحداً‏ اَحَب َّ إليّ‏ أَن أَلقى اللھَ‏ بمثلِ‏ عَمَلِھ<br />

مِنْكَ‏ ، وایْمُ‏ اللھِ،‏ إنْ‏ كُنتُ‏ لأظن ُّ أن یَجْعَلَكَ‏ اللھُ‏ مع صاحبی كَ‏ ، وذلك أَنّ‏ ‏ِي كُن ‏ُت<br />

كثیراً‏ ما أَسْمعُ‏ رسولَ‏ اللھ یقول:‏ ‏"جئتُ‏ أنا وأبو بكرٍ‏ وعمرُ‏ ، ودخلتُ‏ أنا<br />

وأَبو بكر وعمرُ‏ ، وخرجتُ‏ أنا وأبو بكرٍ‏ وعمرُ‏ ، فإنْ‏ كنتُ‏ لأرجو،‏ أو لأظ‏ ُّن<br />

ان یجعلكَ‏ اللھُ‏ معَھُما".‏<br />

وفي ‏"الصحیحین"،‏ من حدیث سَعْدِ‏ بنِ‏ أَبي وقاصٍ‏ : قال:‏ استأذَنَ‏ عم‏ ‏ُر<br />

بنُ‏ الخطاب على رسولِ‏ اللھ ε، وعِنده نِساءٌ‏ مِنْ‏ قُرَ‏ یشٍ‏ ، یُكلمْنَھُ‏ عالیةً‏<br />

أصواتُھن َّ...‏ وفیھ،‏ فقال النب ُّي ε: ‏"إیْھَاً‏ یا ابنَ‏ الخَط َّابِ!‏ وال َّذي نَفْسِي بیدِهِ،‏ ما<br />

لَقِیَكَ‏ الش َّیطانُ‏ سالِكاً‏ فج َّاً(‏‎1‎‏)إلا َّ سلكَ‏ فج َّاً‏ غیْرَ‏ فجّ‏<br />

وقالَ‏ ε: ‏"قَدْ‏ كانَ‏ في الأُممِ‏ قَبلَكُم مُحَد َّثُونَ،‏ فإنْ‏ یَكُنْ‏ في أُم َّتي منھم أحَدٌ،‏<br />

فإن َّ عُمرَ‏ بن الخط َّابِ‏ منھم"‏ (2) .<br />

قال ابنُ‏ وھب:‏ تفسیرُ‏ مُحَد َّثون:‏ مُلْھَمُونَ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ثم َّ لِعُثمانَ‏<br />

ش:‏ أي ونُثْبتُ‏ الخلافَةَ‏ بعد عمر لعثمانَ‏ رضي اللھ عنھما.‏<br />

‏-قص َّةُ‏ مَقتل عمر،‏ ومُبایعة عثمان-‏<br />

عن عمرو بنِ‏ میمون،‏ قال:‏ رَ‏ أیتُ‏ عُمَرَ‏ قبلَ‏ أَنْ‏ یُصابَ‏ بأیامٍ‏ بالمدینةِ..‏<br />

قال:‏ إني لقائِمٌ‏ ما بیني وبینَھُ‏ إلا َّ عبدُ‏ اللھ بنُ‏ عباس غداةَ‏ أُصیبَ‏ ، وكان إذا<br />

مر َّ بینَ‏ الص َّف َّینِ‏ قال:‏ استووا،‏ حتى إذا لم یرَ‏ فیھن َّ خَلَلاً‏ تقد َّمَ‏ فكب َّرَ‏ ، ورب َّما<br />

قَرَ‏ أ سورَ‏ ةَ‏ یوسف،‏ أو النحل أو نحو ذلك في ِ الرّ‏ كعةِ‏ الأولى،‏ حت َّى یَجتمِعَ‏<br />

الن َّاسُ‏ ، فما ھو إلا َّ أَن كَب َّرَ‏ ، فسمعتُھ یَقولُ:‏ قتلني أو أكلني الكلبُ‏ ، حینَ‏ طعَنَھُ،‏<br />

فطارَ‏ العِلْجُ‏ بسكینٍ‏ ذاتِ‏ طرَ‏ فین،‏ لا یمُر ُّ على أحَدٍ‏ یَمیناً‏ ولا شِمالاً‏ إلا َّ طعَنَھُ،‏<br />

حتى طعَنَ‏ ثلاثَةَ‏ عَشَرَ‏ رَ‏ جُلاً،‏ ماتَ‏ منھم سبعةٌ،‏ فلم َّا رأى ذلك رَ‏ جُلٌ‏ مِنَ‏<br />

المسلمینَ،‏ طَرَ‏ حَ‏ علیھ بُرْ‏ نُسَاً،‏ فلم َّا ظن َّ أن َّھ مأخوذٌ‏ نَحَرَ‏ نَفسَھُ،‏ وتناولَ‏ عُمرُ‏<br />

ِ كَ‏ ."<br />

τ<br />

." τ<br />

( 1 )<br />

أي:‏ طریقاً.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

367


یدَ‏ عبد الر َّ حمن بن عوف،‏ فقَد َّمَھُ(‏‎1‎‏)‏ ، فمن یلي عمرَ‏ فقد رأى الذي أرى،‏ وأم َّا<br />

نواحي المسجد،‏ فإن َّھم لا یدرونَ‏ غیرَ‏ أَن َّھم قد فقدوا صوتَ‏ عمرَ‏ ، وھُم<br />

یقولون:‏ سُبْحانَ‏ اللھ،‏ سبحان اللھ،‏ فصلى بھم عبد الرحمن صلاةً‏ خفیفةً،‏<br />

فلما انصرفوا،‏ قال:‏ یا ابن عباس انظرْ‏ مَن قتَلَني؟ فجالَ‏ ساعَةً‏ ثم َّ جاءَ،‏<br />

فقال:‏ غُلامُ(‏‎2‎‏)‏ المغیرَ‏ ةِ،‏ قال:‏ ال َّصنَ‏ ‏ُع (3) ؟ قال:‏ نَعَم،‏ قال:‏ قاتلھ اللھُ،‏ فلَقد أَمَرْ‏ تُ‏<br />

بھ معروفاً!‏ الحمدُ‏ اللھ الذي لم یجعَلْ‏ مَنی َّتي على یدِ‏ رَ‏ جُلٍ‏ یَد َّعي الإسلامَ،‏ قَدْ‏<br />

كُنتَ‏ أَنتَ‏ وأَبوكَ‏ تُحِ‏ ب َّانِ‏ أَن تكثُرَ‏ العُلُوجُ(‏‎4‎‏)‏ بالمدینةِ،‏ وكانَ‏ العباسُ‏ أكثرَ‏ ھُم<br />

رَ‏ قیقاً،‏ فقال:‏ إنْ‏ شِئْتَ‏ فعَلْتُ‏ ، أي:‏ إنْ‏ شِئْتَ‏ قَتَلْنا،‏ فقال:‏ كذَب ‏َت (5) ، بعد ما<br />

تكل َّموا بلسانِكُم،‏ وَ‏ صَل ُّوْ‏ ا قِبْلَتَكم،‏ وحَج ُّوا حَج َّكُم (6) ! فا حتُمِلَ‏ إِلى بیتھ،‏ فانطلقنا<br />

معھ،‏ وكأَن َّ الن َّاسَ‏ لم تُصِ‏ بْھُم مُصیبةٌ‏ قَبْلُ‏ یومئذٍ،‏ فقائلٌ‏ یقولُ:‏ لا بَأسَ‏ علیھ،‏<br />

وقائلٌ‏ یقولُ:‏ أخافُ‏ علیھ،‏ فأُتِيَ‏ بنبی ‏ٍذ (7) فشرِ‏ بَھُ،‏ فخرجَ‏ مِنْ‏ جَوْ‏ فِھ،‏ ثم َّ أُتيَ‏ بلبنٍ‏<br />

فَشَرِ‏ بَھ،‏ فخرَ‏ جَ‏ مِن جَوفِھ،‏ فَعرفُوا أَن َّھُ‏ میت (8) . فدَخَلْنا علیھ،‏ وجاءَ‏ الن َّاسُ‏<br />

یُثنُونَ‏ علیھ،‏ وجاء رجلٌ‏ شاب ٌّ ، فقال:‏ أبشِرْ‏ یا أمیرَ‏ المؤمنین ببُشرَ‏ ى اللھ<br />

( 1 )<br />

( 3 )<br />

( 4 )<br />

( 5 )<br />

أي:‏ قدمھ إِلى إمامَة الن َّاس في الصلاة،‏ وھذا یكون في حال تعسر عودة الإمام<br />

ثانیة إِلى الإمامة..‏<br />

(2 ( وھو أبو لؤلؤة المجوسي لعنھ اللھ.‏<br />

الصنع:‏ صاحب الصنعة الذي یعمل بیده.‏<br />

العلوج:‏ ھم العبید الخدم.‏<br />

أَھْلُ‏ الحجاز یقولون:‏ ‏"كذبت"‏ في موضع ‏"أخطأت".‏ ‏(ھامش <strong>نسخة</strong> مؤسسة<br />

الرسالة).‏<br />

( 6 )<br />

فیھ بیان لمدى انصاف عمر وعظمة عدلھ،‏ وأن َّ أحكامھ لم تكن تصدر عن<br />

ھوى وردة فعل،‏ علماً‏ أن الذي حصل لھ لو حصل لكثیر من الولاة غیره،‏ لوجد<br />

لنفسھ مبرراً‏ أن یبید جمیع أقارب الجاني،‏ والبلدة التي ینتمي إلیھا!!‏<br />

(7 ( ھو ماءٌ‏ یُنقع فیھ تمر.‏<br />

(8 ( ومن روایة عبد الرزاق في مصنفھ )<br />

368


لكَ‏ ، مِ‏ ‏نْ‏ صُحْ‏ بَةِ‏ رسول اللھِ،‏ وقَدَ‏ ‏ٍم (1) في الإسلام ما قَدْ‏ علِمْتَ‏ ، ثم َّ وَ‏ لِیتَ‏<br />

فَعَدَلْتَ‏ ، ثم َّ شھادَة،‏ قال:‏ وَ‏ دِدْتُ‏ أن َّ ذلك كان كِفافاً،‏ لا عَلي َّ ولا ليَ(‏‎2‎‏)‏ ، فلم َّا<br />

أَدبَرَ‏ إذا إزارُ‏ ه یَمَس ُّ الأرض،‏ قال:‏ رُ‏ د ُّوا عَلي َّ الغلامَ،‏ قالَ:‏ یا ابن أَخي،‏<br />

ارْ‏ فَعْ‏ ثَوْ‏ بَكَ‏ ، فإن َّھ أَنقى لِثوبِكَ‏ ، وأَتقى لِرَ‏ بّ‏ (3) ، یا عبدَ‏ اللھ بنَ‏ عمر،‏ انظر ما<br />

عَلَي َّ مِنَ‏ الد َّیْنِ،‏ فحَسَبُوهُ،‏ فوجدوهُ‏ سِت َّةً‏ وثمانینَ‏ أَلفاً‏ أو نحوَ‏ ه،‏ قال:‏ إنْ‏ وَ‏ فَى لھ<br />

آلِ‏ عمر،‏ فأَدّ‏ ‏ِهِ‏ مِنْ‏ أموالِھم،‏ وإلا َّ فَسَلْ‏ في بني عدي بنِ‏ كعب،‏ فإنْ‏ لم تَفِ‏<br />

موالُھم،‏ فَسَلْ‏ في قریشٍ‏ ، ولا تعْدُھُم إِلى غیرِ‏ ھم،‏ ِ فأَدّ‏ عني ھذا المالَ.‏ انطلِ‏ ‏ْق<br />

أَمالُ‏<br />

إِلى عائشة ِ أمّ‏ المؤمنینَ‏ فقل:‏ یقرأ علیكِ‏ عمرُ‏ الس َّلامَ،‏ ولا تقلْ:‏ أمیر<br />

المؤمنین،‏ فإني لَسْتُ‏ الیومَ‏ للمؤمنینَ‏ أَمیراً،‏ وقل:‏ یستأذِنُ‏ عمرُ‏ بنُ‏ الخطا ‏ِب<br />

أَنْ‏ یُدفَنَ‏ مع صاحبیھِ،‏ فَسَل َّمَ‏ واستأذَنَ،‏ ثم َّ دخلَ‏ علیھا،‏ فوجدھا قاعدةً‏ تبكي،‏<br />

فقال:‏ یَقرأُ‏ علیكِ‏ عمرُ‏ بنُ‏ الخطابِ‏ السلامَ،‏ ویَستأذِنُ‏ أن یُدْفَنَ‏ مع صاحبیھ،‏<br />

قالت:‏ كُنتُ‏ أُریدُه لنفسي،‏ ولأُوثِرَ‏ ن َّ بھ الیومَ‏ على نفسي،‏ فلَم َّا أَقبلَ،‏ قیل:‏ ھذا<br />

عَبدُ‏ اللھِ‏ قدْ‏ جاءَ،‏ قال:‏ ارفعوني،‏ فأسندَهُ‏ رجلٌ‏ إلیھ،‏ قال:‏ ما لدیك؟ قال:‏ الذي<br />

تُحِ‏ ب ُّ یا أمیرَ‏ المؤمنین،‏ أَذِنَتْ‏ ، قال:‏ الحمدُ‏ ، ما كانَ‏ شيءٌ‏ أَھم َّ إلي َّ مِن<br />

ذلك،‏ فإذا أَنا قَضیتُ‏ ، فاحملوني،‏ ثُم َّ سَلّ‏ ‏ِم،‏ فقُلْ:‏ یَسْتَأذِنُ‏ عمرُ‏ بنُ‏ الخطاب،‏<br />

فإنْ‏ أَذِنَتْ‏ لي،‏ فأدخلوني،‏ وإنْ‏ رَ‏ د َّتني فرد ُّوني إِلى مقابر المسلمین.‏ وجاءَ‏ ‏ْت<br />

أُم ُّ المؤمنینَ‏ حَفصةُ‏ والنساءُ‏ تسیرُ‏ معھا،‏ فلَم َّا رأَیْناھا قُمنا،‏ فوَ‏ لَجَت علیھ،‏<br />

ِ ‏َك<br />

369<br />

τ<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

أي:‏ المكانة والفضل.‏<br />

أقول:‏ إذا كان عمر الفاروق العادل،‏ أفضل الن َّاس بعد رسولِ‏ اللھ و<strong>أبي</strong> بكر،‏<br />

المبشر بالجنة،‏ یرجو أن یكون حسابھ یوم القیامة كفافاً‏ لا لھ ولا علیھ،‏ فمن باب<br />

أولى من ھم دونھ شأناً‏ وفضلاً‏ ‏-مما لا یُعلم حالھم عند اللھ-‏ أن لا تغرنھم<br />

الأماني،‏ وأن لا یُزكوا أنفسھم على اللھ،‏ وھو كذلك مدعاة لأن یمسك الن َّاس عن<br />

التوسل بالصالحین والأولیاء،‏ ظن َّاً‏ منھم أن َّ لھم جاھاً‏ عند ربھم،‏ یخولھم التوسط<br />

والتشفع..!!‏ وكأنھم قد اضطلعوا على الغیب وعرفوا مكانتھم عند ربھم،‏ وما لھم<br />

أو علیھم!!‏<br />

( 3 )<br />

أقول:‏ رغم مرضھ وأنھ على فراش الموت،‏ وتزاحم الن َّاس علیھ لیسمعوا<br />

منھ ما یوصي بھ..‏ فكل ذلك لم یمنعھ من أن ینھى الرجل عن إطالة ثوبھ،‏ ھذه<br />

المسألة التي تھاون بھا كثیر من الن َّاس بحجة أنھا من المسائل الفرعیة،‏ ومن<br />

القشور التي لا ینبغي الانشغال بھا..!!‏


فبكت عنده ساعةٍ(‏‎1‎‏)،‏ واستأذَنَ‏ ِ الرّ‏ جالُ،‏ فوَ‏ لَجَت داخلاً‏ لھم،‏ فَسمِعنا بُكاءَھا<br />

من الداخل،‏ فقالوا:‏ أَوصِ‏ یا أمیرَ‏ المؤمنین،‏ استخلِفْ‏ ، قال:‏ ما أَجِ‏ دُ‏ أَحق َّ بھذا<br />

الأمر من ھؤلاء النفر أو الر َّ ھط،‏ الذین تُوفّ‏ ‏ِي رسولُ‏ اللھِ‏ وھو عنھم<br />

راضٍ‏ ، فَسَم َّى علی َّاً،‏ وعثمانَ،‏ والز ُّ بَیْرَ‏ ، وطلحةَ،‏ وسَعْداً،‏ وعبدَ‏ الر َّ حمن،‏<br />

وقال:‏ یَشْھَدُكُمْ‏ عبدُ‏ اللھ بنُ‏ عمر،‏ ولیس لھ مِنَ‏ الأمر شيءٌ،‏ كھیئةِ‏ التعزی‏ ‏ِة<br />

لھ،‏ فإنْ‏ أَصابت سعداً‏ فھو ذاكَ‏ ، وإلا َّ فلیَسْتَعِنْ‏ بھ أَی ُّكم ما أُمّ‏ ‏ِر،‏ فإنّ‏ ‏ِي لم أَعْزِ‏ لْھُ‏<br />

من عَجزٍ‏ ولا خیانَةٍ(‏‎2‎‏)‏ .<br />

(1 ( ذكر ابن سعد<br />

ε<br />

/3<br />

370


وقال:‏ أُوصي الخلیفَةَ‏ مِنْ‏ بَعْدي بالمھاجرین الأولین:‏ أَن یَعْرفَ‏ لھم<br />

حَق َّھم،‏ ویَحفَظَ‏ لھم حُرْ‏ مَتَھم،‏ وأُوصیھ بالأنصارِ‏ خَیْراً،‏ الذین تبو َّ ؤوا الد َّا ‏َر<br />

والإیمانَ‏ مِن قبلھم،‏ أَنْ‏ یقبلَ‏ مِنْ‏ محسنھم،‏ ویتجاوَ‏ زَ‏ عن مُسیئھم (1) ، وأُوصیھ<br />

بأھلِ‏ الأمصارِ‏ خیراً،‏ فإن َّھم رِ‏ دءُ‏ الإسلامِ‏ ، وجُباةِ‏ الأموالِ،‏ وغیظُ‏ العدو،‏ وأَن<br />

لا یُؤخذَ‏ منھم إلا َّ فضلھم عن رِ‏ ضاھم،‏ وأُوصیھ بالأعرابِ‏ خَیراً،‏ فإن َّھم<br />

أَصلُ‏ العَرَ‏ بَ‏ ، وماد َّةُ‏ الإسلامِ‏ ، أن یُؤخَذَ‏ من حواشي أَموالھم،‏ وأَن یُرَ‏ د َّ على<br />

فقرائھم،‏ وأُوصیھ بذم َّة اللھِ‏ وذم َّةِ‏ رسولھِ‏ أن یوفى لھم بعھدھم،‏ وأنْ‏ یُقاتَل<br />

مِن ورائھم،‏ ولا یُكَل َّفوا إلا َّ طاقتھم.‏<br />

فلما قُبِضَ‏ خَرَ‏ جنا بھ،‏ فانطلقنا نمشي،‏ فسَل َّمَ‏ عبدُ‏ اللھِ‏ بنُ‏ عمر،‏ قال:‏<br />

یَستأذِنُ‏ عمرُ‏ بن الخطاب،‏ قالَت:‏ أَدخلوهُ،‏ فأُدخِ‏ لَ،‏ فوضِ‏ عَ‏ ھناكَ‏ معَ‏ صاحبیھ،‏<br />

فلما فُرِ‏ غَ‏ مِنْ‏ دَفنھِ،‏ اجتمعَ‏ ھؤلاء الر َّ ھْطُ،‏ فقال عبد الرحمن بن عوف:‏<br />

اجعلوا أمرَ‏ كم إِلى ثلاثَةٍ‏ منكم،‏ قال الزبیر:‏ قد جعلت أمري إِلى عليّ‏ ٍ، وقال<br />

طلحةُ:‏ قد جعلتُ‏ أَمري إِلى عثمان،‏ وقال سَعْدٌ:‏ قد جعلتُ‏ أمري إِلى عبد<br />

الرحمن،‏ فقالَ‏ عبد الرحمن:‏ أَی ُّكما تَبَر َّ أَ‏ مِنْ‏ ھذا الأمرِ‏ فنجعلھ إلیھ (2) ، واللھُ‏<br />

علیھ والإسلام لینظرَ‏ ن َّ أَفضلَھم في نفسھ،‏ فأسكِتَ‏ الشیخان،‏ فقال عبدُ‏<br />

الرحمن:‏ أفتجعلونَھ إلي َّ؟ واللھُ‏ عل َّي أَنْ‏ لا آلوَ‏ عن أفضلِكم؟ قالا:‏ نعم،‏ فأَخَذَ‏<br />

بیدِ‏ أحدِھما فقال:‏ لكَ‏ قرابةٌ‏ مِن رسولِ‏ اللھِ‏ والقِدَمَ‏ في الإسلامُ‏ ما قَدْ‏<br />

علمت،‏ فباللھ علیكَ‏ ، لئن أَم َّرتُكَ‏ لَتَعْدِلَن َّ،‏ ولئن أَم َّرتُ‏ علیكَ‏ لتسمعَ‏ َّن<br />

ولتُطیعَن َّ،‏ ثم َّ خَلا بالآخرِ‏ ، فقال لھ مثلَ‏ ذلك،‏ فلَم َّا أَخَذَ‏ المیثاقَ،‏ قال:‏ ارفع<br />

یدَك یا عُثمانُ،‏ فبایَعَھ،‏ وبایَعَ‏ لھ عليّ‏ ٍ، وولَجَ‏ أَھْل الد َّارِ‏ فبایعوه (3) .<br />

ε<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

فیھ أن الحسنات یذھبن السیئات،‏ وأن تُقال عثرات مَن كان لھ سابقة إسلام<br />

وجھاد،‏ وأن یُتأو َّ ل لھ عند وقوعھ في الشبھات..‏<br />

أي:‏ نجعل إلیھ مھمة تعیین الخلیفة،‏ وأن یُطاع فیما یشیر إلیھ.‏<br />

(3 ( صَح َّ عن النبيِّ‏ ε عدة أحادیث تشیر إِلى استخلاف عثمان بن عفان<br />

حصل لھ یومَ‏ حوصِ‏ ر في داره،‏ منھا:‏ عن عائشة،‏ قالت:‏ قال رسولُ‏ اللھ<br />

عثمانُ!‏ إن وَ‏ لا َّكَ‏ اللھُ‏ ھذا الأمرَ‏ یوماً،‏ فأرادَكَ‏ المنافقون أن تخلَعَ‏ قَمیصَكَ‏ الذي<br />

قَم َّصَكَ‏ اللھ،‏ فلا تخلَعْھُ"‏ یقولُ‏ ذلك ثلاث مَر َّ اتٍ.‏ قال النعمان:‏ فقلت لعائشة:‏ ما<br />

منعكِ‏ أن تُعلمي الناسَ‏ بھذا؟ قالت:‏ أُنْسِیتُھُ.‏ صحیح سنن ابن ماجة:‏ )<br />

τ، وما<br />

ε: ‏"یا<br />

371


‏-من فضائل عثمان بن عفان<br />

عن عائِشةَ،‏ قالت:‏ كانَ‏ رسولُ‏ اللھ مُضطجعاً‏ في بیتھ،‏ كاشِفاً‏ عن<br />

فخِ‏ ذَیْھِ‏ أو ساقیھ،‏ فاستأذَنَ‏ أبو بكرٍ‏ ، فأَذِنَ‏ لھ وھو على تلكَ‏ الحالةِ،‏ فتحَد َّثَ‏ ، ث َّم<br />

استأذَنَ‏ عمرُ‏ ، فأذنَ‏ لھ وھو على تلك الحالة،‏ فتحد َّثَ‏ ، ثم َّ استأذَنَ‏ عُثمانُ،‏<br />

فجلسَ‏ رسولُ‏ اللھِ‏ وسَو َّ ى ثِیابَھ،‏ فدخَلَ‏ فتحد َّثَ‏ ، فلم َّا خَرجَ،‏ قالت عائِشَةُ:‏<br />

دخَلَ‏ أَبو بكرٍ‏ ، فلم تَھَ‏ َّش (1) لھ ولم تُبَالِھ،‏ ثم َّ دَخَلَ‏ عمرُ‏ ، فلم تَھش َّ لھ ولم تُبالِھ،‏<br />

ثم َّ دخَلَ‏ عثمانُ‏ فجلست وسو َّ یْتَ‏ ثیابَك؟ فقال:‏ ‏"ألا أَسْتَحِ‏ ي مِنْ‏ رجُلٍ‏ تستحِ‏ ي<br />

-τ<br />

ε<br />

منھ الملائِكَةُ"‏ (2) .<br />

وفي ‏"الصحیح":‏ لَم َّا كانَ‏ یومُ‏ بیعَةِ‏ ِ الرّ‏ ضوان،‏ وأن َّ عثمانَ‏ كانَ‏ قد بعثَھُ‏<br />

النب ُّي إِلى مك َّة،‏ وكانت بیعَةُ‏ ال َّرضوان بعدَما ذھب عثمانُ‏ إِلى مكة،‏ فقا ‏َل<br />

رسولُ‏ اللھِ‏ بیدِه الیُمنى:‏ ‏"ھذِهِ‏ یَدُ‏ عُثمانَ"،‏ فضرَ‏ بَ‏ بھا على یدِه،‏ فقال:‏<br />

τ<br />

." τ<br />

ε<br />

ε<br />

‏"ھذه لعثمان"‏ (3) .<br />

قولُھ:‏ ‏"ثُم َّ لِعَليّ‏ ِ بن أَبي طالِبٍ‏<br />

ش:‏ أي:‏ ونُثبتُ‏ الخلافةَ‏ بعدَ‏ عثمانَ‏ لعليّ‏ ٍ رضي اللھ عنھما.‏ وھو الخلیفَةُ‏<br />

في زمانِھ خِ‏ لافَةَ‏ نبو َّ ةٍ،‏ لِقولِھ ε: ‏"خلافَةُ‏ النُبو َّ ةِ‏ ثلاثُونَ‏ سنَةً،‏ ثم َّ یؤتي اللھُ‏<br />

مُلكَھُ‏ مَنْ‏ یَشاءُ"‏ (4) .<br />

فالخلافَةُ‏ ثَبتَتْ‏ لأمیرِ‏ المؤمنین علي بن <strong>أبي</strong> طالب بعدَ‏ عثمانَ‏<br />

بمبایَعَةِ‏ الصحابةِ،‏ سوى معاویة معَ‏ أَھْل الشامِ‏<br />

،τ<br />

τ<br />

. (1)<br />

<strong>أبي</strong> موسى أَن َّھ كان مع النبي في حائط من حیطان المدینة،‏ فجاء رجل یستفتح،‏<br />

فقال النب ُّي ε: ‏"افتح لھ وبشره بالجنة"‏ ففتحت،‏ فإذا أبوبكر،‏ فبشرتھ بالجنة،‏ ث‏ َّم<br />

استفتح رجل آخر،‏ فقال:‏ ‏"افتح لھ وبشره بالجنة"‏ فإذا عمر،‏ ففتحت لھ وبشرتھ<br />

بالجنة،‏ ثم َّ استفتح رجلٌ‏ آخر وكان متكئاً‏ فجلس فقال:‏ ‏"افتح لھ وبشره بالجنة<br />

على بلوى تصیبھ أو تكون"‏ فإذا عثمان ففتحت لھ وبشرتھ بالجنة،‏ فأخبرتھ<br />

بالذي قال:‏ فقال:‏ اللھ المُستعان.‏<br />

تَھشّ‏ : من الھشاشة،‏ وھي طلاقة الوجھ،‏ وحسن اللقاء.‏<br />

أخرجھ مسلم وغیره.‏<br />

(3 ( رواه البخاري من حدیث ابن عمر.‏<br />

(4 ( حسن،‏ وقد تقدم.‏<br />

372<br />

ε<br />

( 1 )<br />

( 2 )


ِ<br />

τ<br />

τ<br />

( 1 )<br />

امتناع أَھْل الشام عن مبایعة علي بن <strong>أبي</strong> طالب كان بتأویل واجتھاد منھم،‏<br />

لظنھم أن َّ قتلة عثمان ھم من أنصار علي،‏ وأنھ لا بد مِن القصاص منھم<br />

أولاً،‏ ولشعورھم أیضاً‏ بظھور حركات باطنیة تدعو إِلى ألوھیة علي بن <strong>أبي</strong><br />

طالب،‏ كان على رأسھم الیھودي عبد اللھ بن سبأ،‏ وھؤلاء كانوا من جملة<br />

مَنْ‏ تظاھروا بنصرة علي بن <strong>أبي</strong> طالب على مَن سواه..‏<br />

وخلاصة القول:‏ أن َّ امتناعھم لم یكن خروجاً‏ على عليٍّ‏ وعدم الرضى بھ<br />

إماماً،‏ وإنما كان لشبھة وتأویل،‏ بزوالھ تزول المعارضة،‏ لِذا عندما أراد عل‏ ٌّي<br />

قتالھم لإخضاعھم لسلطتھ،‏ تخلف عن القتال معھ عدد من الصحابة منھم ابن<br />

عمر وغیره،‏ على اعتبار أَن َّھ قتال فتنة یجب اعتزالھ،‏ آخذین بنصیحة النبي<br />

‏"كَسّ‏ ‏ِرُ‏ وا قَسی َّكم ‏-یعنى في الفتنة-‏ وقَطّعوا أوتاركم،‏ والزموا أجوافَ‏ البیوت،‏<br />

وكونوا فیھا كالخیر من ابني آدم".‏ ‏(السلسلة الصحیحة).‏ وقال ε: ‏"إنھ ستكون<br />

فرقة واختلاف،‏ فإذا كان كذلك فاكسر سیفك واتخذ سیفاً‏ من خشب،‏ واقعد في<br />

بیتك حتى تأتیكَ‏ ید خاطئة أو منیة قاضیة".‏ ‏(رواه أحمد والترمذي،‏ صحیح<br />

الجامع الصغیر:‏<br />

:ε<br />

373


والحق ُّ معَ‏ عليّ‏ (1) τ ٍ .<br />

‏-مِنْ‏ فضائِلِ‏ عَليّ‏ ِ بنِ‏ أَبي طالب<br />

عن سَعْدِ‏ بن <strong>أبي</strong> وق َّاص،‏ قال:‏ قال رسول اللھ لعلي:‏ ‏"أنتَ‏ مِنّ‏ ‏ِي بمنزلَةِ‏<br />

ھارونَ‏ مِنْ‏ موسى،‏ إلا َّ أن َّھ لا نبي َّ بَعْدي"‏ (2) .<br />

وقال یوم خیبر:‏ ‏"لأعطیَن َّ الرایةَ‏ غداً‏ رجُلاً‏ یُحِ‏ ب ُّ اللھَ‏ ورسولَھُ،‏ ویُحِ‏ ب ُّھُ‏<br />

اللھُ‏ ورسولُھ"‏ قال:‏ فتَطَاوَ‏ لنا لھا (3) ، فقال:‏ ‏"ادعُوا لي علی َّاً،‏ فأُتِيَ‏ بھ أَرْ‏ مَدَ،‏<br />

فبصَقَ‏ في عینَیْھِ،‏ ودفعَ‏ الر َّ ایةَ‏ إلیھ،‏ ففتَحَ‏ اللھُ‏ علیھ"‏ (4) .<br />

ولم َّا نزلت ھذه الآیة:‏ ‏[فقُلْ‏ تعالوا نَدْعُ‏ أبناءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا<br />

ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم]‏ آل عمران:‏<br />

-τ<br />

ε<br />

ε<br />

374


عن ابن عُمرَ‏ ، قال:‏ كنا نقولُ‏ ورسولُ‏ اللھِ‏ ε حي ٌّ:‏ أَفضَلُ‏ أَم َّةِ‏ النبيّ‏ ε ِ<br />

بعدَه:‏ أبو بكرٍ‏ ، ثم َّ عُمرُ‏ ، ثم َّ عُثمانُ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

وفي ‏"صحیح البخاري"‏ قول عبد الر َّ حمن بن عوف لعليّ‏ ٍ رضي اللھ<br />

عنھما:‏ إنّ‏ ‏ِي قد نظرتُ‏ في أمرِ‏ الناسِ‏ فلم أرَ‏ ھم یَعْدلونَ‏ بعثمان.‏<br />

قال أیوبُ‏ الس َّخْتیاني:‏ مَنْ‏ لم یُقَدّ‏ ‏ِمْ‏ عثمانَ‏ على عليّ‏ ٍ، فقد أزرى<br />

بالمھاجرین والأنصار.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"وأَن َّ العشْرَةَ‏ الذین سَم َّاھم رسولُ‏ اللھِ‏ وبَش َّرَ‏ ھُم<br />

بالجنة،‏ نَشْھَدُ‏ لھم بالجنةِ(‏‎2‎‏)‏ ، على ما شَھِدَ‏ لھم رسولُ‏ اللھ<br />

وقَوْ‏ لُھُ‏ الحَق َّ،‏ وھُم:‏ أَبو بكرٍ‏ ، وعمرُ،‏ وعثمانُ،‏ وعلي ٌّ،‏ وطلْحَةُ،‏<br />

والز ُّبیرُ،‏ وسَعْدٌ،‏ وسَعیدٌ،‏ وعبدُ‏ الرحمن بنُ‏ عوفٍ‏ ، وأبو عُبیدةَ‏ ب‏ ‏ُن<br />

الجراحِ،‏ وھو أمینُ‏ ھذِهِ‏ الأُم َّةِ،‏ رضي اللھ عنھم أجمعینَ".‏<br />

ش:‏ عن سعید بن زی‏ ‏ٍد τ، قال:‏ أشھدُ‏ على رسولِ‏ اللھِ‏ أَنّ‏ ‏ِي سمعتُھ<br />

یقول:‏ ‏"عشرةٌ‏ في الجن َّة:‏ النبي ُّ في الجن َّة،‏ وأبو بكرٍ‏ في الجن َّة،‏ وعمرُ‏ في<br />

الجن َّة،‏ وعُثمانُ‏ في الجن َّة،‏ وعلي ٌّ في الجن َّة،‏ وطَلْحَةُ‏ في الجن َّة،‏ والزبیر في<br />

الجن َّة،‏ وسَعْدُ‏ بنُ‏ مالك في الجن َّة،‏ وعبدُ‏ الرحمن بن عَوْ‏ فٍ‏ في الجن َّة"،‏ ولو<br />

شِئْتُ‏ لسم َّیتُ‏ العاشِرَ‏ ، قال:‏ فقالوا:‏ مَنْ‏ ھو؟ قال:‏ سعیدُ‏ بنُ‏ زَ‏ یدٍ،‏ قال:‏ لمَشھَدُ‏<br />

رَ‏ جلٍ‏ منھم مع رسولِ‏ اللھ ، یَغبَر ُّ منھ وَ‏ جْھُھُ،‏ خیرٌ‏ مِن عَملِ‏ أَحدِكُم ولو<br />

عُمّ‏ ‏ِرَ‏ عُمُرَ‏ نوحٍ‏<br />

وعن عبد الرحمن بن عوف τ، أَن َّ النب‏ َّي قال:‏ ‏"أبوبكرٍ‏ في الجن َّة،‏<br />

وعمرُ‏ في الجن َّة،‏ وعلي ٌّ في الجن َّة،‏ وعثمانُ‏ في الجن َّة،‏ وطلحةُ‏ في الجن َّة،‏<br />

والزبیر بن العوام في الجن َّة،‏ وعبدُ‏ الرحمن بنُ‏ عَوْ‏ فٍ‏ في الجن َّة،‏ وسعیدُ‏ ب‏ ‏ُن<br />

زَ‏ یْدِ‏ بن عمرو بن نُفَیلٍ‏ في الجن َّة،‏ وأبو عبیدةَ‏ بنُ‏ الجر َّ احِ‏ في الجن َّة"‏ (4) .<br />

،ε<br />

ε<br />

ε<br />

ε<br />

375<br />

. (3)<br />

(1 ( صحیح،‏ أخرجھ أبو داود بسندٍ‏ صحیح عنھ،‏ وھو عند البخاري بنحوه.‏<br />

(2 ( مقتضى ھذا الكلام أننا لا نشھد لغیرھم بالجنة ممن لم یرد فیھم نص،‏ لأن<br />

الجزم للمعینین بأسمائھم بالجنة ھو من خصوصیات النبي ولیس لأحدٍ‏ بعده.‏<br />

ولو جاز لغیر النبي أن یشھد على أحدٍ‏ بالجنة لما كانت لھذه الشھادة میزة،‏ ولا<br />

للصحابة المبشرین بالجنة خاصیة تمیزھم عن غیرھم..‏<br />

(3 ( صحیح،‏ رواه أبو داود،‏ وابن ماجة،‏ والترمذي،‏ وغیرھم.‏<br />

ε<br />

ε<br />

(4 ( صحیح،‏ رواه أحمد وغیره.‏


ε<br />

وعن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ كانَ‏ رسولُ‏ اللھ ε على حِ‏ ‏رَ‏ اء،‏ ھو وأبو بكرٍ‏<br />

وعُمرُ‏ وعثمانُ‏ وعلي ٌّ وطلحةُ‏ والزبیر،‏ فتَحَر َّ كَتِ‏ الص َّخْرَ‏ ةُ،‏ فقال رسولُ‏ الل ‏ِھ<br />

: ‏"اھْدَأْ،‏ فما علیك إلا َّ نبي ٌّ أو صِ‏ دّ‏ ‏ِیق أو شھیدٌ"‏<br />

‏-مِنْ‏ فضائِل أَبي عُبیدَةَ‏ بنُ‏ الجَر َّاح-‏<br />

عن أنسِ‏ بنِ‏ مالك،‏ قال:‏ قالَ‏ رسولُ‏ اللھِ‏ : ‏"إن َّ ِ لِكُلّ‏ أُم َّةٍ‏ أَمیناً،‏ وإن َّ أمینَنَا<br />

أی َّتُھا الأُم َّةُ:‏ أَبو عُبیدةَ‏ بنَ‏ الجَر َّ احِ"‏ (2) .<br />

وعن حُذَیْفَةَ‏ بن الیمانِ،‏ قال:‏ جاءَ‏ أَھْل نجرانَ‏ إِلى النبي ε، فقالوا:‏ یا<br />

رسول اللھ،‏ ابعثْ‏ إلینا رجلاً‏ أمیناً،‏ فقال:‏ ‏"لأبعَثَن َّ إلیكم رَ‏ جُلاً‏ أَمیناً‏ ح‏ َّق<br />

أمین"،‏ قال:‏ فاستشرفَ‏ لھا الن َّاسُ‏ ، قال:‏ فبعثَ‏ أبا عبیدَةَ‏ بن الجر َّ اح.‏ متفق<br />

علیھ.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ومَنْ‏ أَحْسَنَ‏ القولَ‏ في أصحابِ‏ رسولِ‏ الل ‏ِھ<br />

وأَزواجِھِ‏ الطاھراتِ‏ مِنْ‏ كُلّ‏ ِ ی َّاتِھِ‏ المقَد َّسین مِنْ‏ كُلّ‏<br />

رِ‏ جْسٍ‏ ، فقد برئَ‏ مِنَ‏ النّ‏ ‏ِفاقِ‏<br />

،ε<br />

ِ<br />

. (1)<br />

ε<br />

ِ دَنَسٍ‏ ، وذُرّ‏<br />

." (3)<br />

(1 ( رواه مسلم وغیره.‏<br />

376<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

( 3 )<br />

یُشیر الشیخ إِلى الشیعة الر َّ وافض،‏ لأنھم عُرِ‏ فوا عن غیرھم بطعنھم وشتمھم<br />

للصحابة ولأزواج النبيِّ‏ ε، وبحقدھم الشدید على أَھْل الس ُّن َّة.‏ وقولھ ‏"برئ من<br />

النفاق"،‏ لأن َّ النص َّ د َّل ‏-كما تقدم-‏ أن َّ حبھم دین وھو من الإیمان،‏ وبغضھم<br />

من النفاق،‏ وبالتالي فإنھ لا یجتمع ادعاء حب الدین،‏ وبغض مَن نقل إلینا ھذا<br />

الدین مباشرة عن النبيِّ‏ ε إلا َّ في منافق زندیق صریح النفاق،‏ فكیف یدعي حُ‏ َّب<br />

الشيء ثم َّ یُظھر ضده ونقیضھ في آن واحد..؟!‏<br />

وإلى جانب ذلك فإن َّ الطعن بالصحابة الكرام،‏ وبأزواج النبي الطاھرات،‏<br />

فیھ طعن بمربیھم ومعلمھم وھو النبي ε، وكأن َّ لسان حالھم یقول:‏ رجل ھؤلاء<br />

ھم أصحابھ فھو لا یعدو أن یكون مثلھم،‏ والصاحب یُعرف بصاحبھ..‏<br />

وكذلك فإن طعنھم للصحابة ولأزواج النبيِّ‏ ε، فیھ تكذیب Υ الذي أنزل في<br />

كتابھ رضاه عنھم،‏ وأمر بحبھم وموالاتھم..‏<br />

لذا كانَ‏ شتم الصحابة وبغض نساء النبي نفاقاً‏ صریحاً‏ لا یعلوه نفاقاً.‏<br />

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ من سب َّھم سباً‏ لایقدحُ‏ في عدالتھم ولا في دینھم،‏<br />

مثل وصف بعضھم بالبخل،‏ أو الجبن،‏ أو قلة العلم،‏ أو عدم الزھد،‏ ونحو ذلك<br />

ε<br />

ε


ش:‏ في ‏"صحیح مسلم"،‏ عن زید بنِ‏ أرقم،‏ قال:‏ قام فینا رسولُ‏ اللھ ε<br />

خطیباً‏ بماءٍ‏ یُدعى:‏ خُم َّاً(‏‎1‎‏)‏ بین مك َّةَ‏ والمدینةِ،‏ فقال:‏ ‏"أم َّا بَعْدُ،‏ أَی ُّھا الن َّاسُ‏ ، إنما<br />

أنا بشَرٌ‏ یوشِكُ‏ أَنْ‏ یأتیني رسولُ‏ رَ‏ بّ‏ ‏ِي ، فأجیبُ‏ ربي،‏ وإنّ‏ ‏ِي تارِ‏ كٌ‏ فیكم<br />

ثَقَلینِ:‏ أَو َّ لُھُما كِتابُ‏ اللھِ،‏ فیھِ‏ الھدى والن ُّورُ‏ ، فَخذوا بكتابِ‏ اللھِ‏ واستَمْسِكُوا<br />

بھ"‏ فَحَث َّ على كِتابِ‏ اللھِ‏ ورَ‏ غ َّبَ‏ فیھ،‏ ثم َّ قال:‏ ‏"وأھلُ‏ بیتي،‏ أُذَكّ‏ ‏ِرُ‏ كُمُ‏ اللھَ‏ في<br />

أَھْل بیتي،‏ ثلاثاً"‏ (3) .<br />

(2)<br />

فھذا ھو الذي یستحق التأدیب والتعزیر،‏ ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك،‏ وعلى<br />

ھذا یحمل كلام من لم یكفرھم من أَھْل العلم.‏<br />

وأما من جاوز ذلك إِلى أن زعم أنھم ارتدوا بعد رسول اللھ علیھ الصلاة<br />

والسلام إلا َّ نفراً‏ قلیلاً‏ لا یبلغون بضعة عشر نفساً،‏ أو أنھم فسقوا عامتھم،‏ فھذا<br />

لا ریب أیضاً‏ في كفره،‏ لأنھ كذب لما نصھ القرآن في غیر موضع:‏ من<br />

الرضى عنھم والثناء علیھم،‏ بل من یشك في كفر مثل ھذا فإن كفره متعین،‏<br />

فإن مضمون ھذه المقالة أن نقلة الكتاب والس ُّن َّة كفار أو فساق،‏ وأن ھذه الآیة<br />

التي ھي ‏[كنتم خیر أمة أخرجت للناس]،‏ وخیرھا ھو القرن الأول،‏ كان<br />

عامتھم كفاراً‏ أو فساقاً،‏ ومضمونھا أن ھذه الأمة شر الأمم،‏ وأن سابقي ھذه<br />

الأمة ھم شرارھا،‏ وكفر ھذا مِم َّا یعلم بالاضطرار من دین الإسلام.‏ ولھذا تجد<br />

عامة من ظھر علیھم شيء من ھذه الأقوال،‏ فإنھ یتبین أَن َّھ زندیق ا-ھ.‏<br />

وقال القاضي عیاض في الشفا (2/<br />

377


وخَر َّ جَ‏ البُخاري ُّ عن <strong>أبي</strong> بكرٍ‏ الصدیق τ، قال:‏ ارقُبوا محم َّداً‏ في أَھْل<br />

بیتھِ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

قولُھ:‏ ‏"وعُلماءُ‏ الس َّلفِ‏ مِنَ‏ الس َّابقین،‏ ومَنْ‏ بَعْدَھُم مِنَ‏ التابعینَ‏<br />

‏-أھْلِ‏ الخیْرِ‏ والأثرِ‏ ، وأھْلِ‏ الفِقْھِ‏ والن َّظَ‏ ‏ِر-‏ لا یُذْكَرونَ‏ إلا َّ بالجمیل،‏<br />

ومَنْ‏ ذَكَرَھُمْ‏ بِسُوءٍ‏ ، فھو على غیرِ‏ الس َّبیلِ(‏‎2‎‏)‏ ".<br />

ش:‏ قال تعالى:‏ ‏[ومَنْ‏ یُشاقِقِ‏ الرسولَ‏ مِنْ‏ بعدِ‏ ما تَبی َّنَ‏ لھ الھُدى ویت َّبع<br />

غیرَ‏ سبیلِ‏ المؤمنین نُوَ‏ لّ‏ ‏ِھِ‏ ما تَول َّى ونُصْلِھِ‏ جَھن َّمَ‏ وساءتْ‏ مصیراً]‏ (3)<br />

النساء:‏<br />

378


جَعَلَھُم اللھُ‏ بمنزلَةِ‏ الن ُّجومِ‏ ، یُھدَى بھم في ظلماتِ‏ ِ البَرّ‏ والبحرِ‏ ، فإن َّھم خلفاءُ‏<br />

الرسولِ‏ من أُم َّتھِ،‏ والمحیونَ‏ لِما ماتَ‏ من سنتھِ(‏‎1‎‏)‏ .<br />

فلھم الفَضْلُ‏ علینا والمن َّةُ‏ بالس َّبقِ،‏ وتبلیغِ‏ ما أُرْ‏ سِلَ‏ بھ الرسولُ‏ إلینا،‏<br />

وإیضاحِ‏ ما كان منھ یَخْفى علینا،‏ فَرضيَ‏ اللھ عنھم وأرضاھم.‏ ‏[رَب َّنا اغْفِرْ‏<br />

لنا ولإخوانِنا الذین سَبقونا بالإیمانِ‏ ولا تَجْعَلْ‏ في قلوبِنا غِلا‏ للذینَ‏ آمنوا<br />

ربنا إنكَ‏ رَؤوفٌ‏ ر َّحیمٌ]‏ الحشر:‏<br />

ε<br />

379


ومنھم مَنْ‏ یظن أَن َّھ قد صار أَفضل من الأنبیاءِ!!‏ ومنھم من یقول:‏ إ َّن<br />

الأنبیاءَ‏ والرسلَ‏ إنما یأخذون العلْمَ‏ باللھ من مِشكاةِ‏ خاتَمِ‏ الأولیاء!!‏ وید َّعي<br />

لنفسھِ‏ أَن َّھ خاتمُ‏ الأولیاءِ!!‏<br />

كما قال ابن عربي (1) :<br />

مقام النبوة في بَرزخٍ‏ فُوَ‏ یْقَ‏ الر َّ سولِ‏ ودونَ‏ الوَ‏ لي!!‏<br />

قال أبو عثمان النیسابوري:‏ مَنْ‏ أم َّرَ‏ الس ُّن َّة على نفسھِ‏ قولاً‏ وفِعلاً،‏ نط‏ ‏َق<br />

بالحِ‏ كمةِ،‏ ومَن أَم َّرَ‏ الھوى على نفسِھِ،‏ نَطَقَ‏ بالبدعَةِ.‏<br />

بأسره،‏ وإن رسولَ‏ اللھ ε صی َّر ذلك كلھ عند أَمیر المؤمنین υ. فقال لھ رجلٌ:‏<br />

یا ابن رسول اللھ فأمیر المؤمنینَ‏ أعلم أَم بعض النبیین؟ فقال أبو جعفر υ:<br />

اسمعوا ما یقول؟!‏ إن َّ اللھ یفتح مسامعَ‏ ما یشاء،‏ إني حدثتھ أَن َّ اللھَ‏ جمعَ‏ لمحم ‏ٍد<br />

ε علم النبیین وأن َّھ جمع ذلك كلھ عند أمیر المؤمنین υ، وھو یسألني أھو أعلم<br />

أم بعض النبیین؟!‏<br />

وقال أبو عبد اللھ (1/ υ<br />

380


قولُھ:‏ ‏"ونؤمِنُ‏ بما جاءَ‏ مِن كراماتھم،‏ وصَح َّ عن الثّ‏ ‏ِقاتِ‏ مِنْ‏<br />

روایاتِھم".‏<br />

ش:‏ المعجزةُ‏ في الل ُّغةِ‏ تَعُم ُّ كُل َّ خارِ‏ قٍ‏ للعادةِ،‏ وكذلك الكرامةُ‏ في عُرْ‏ ‏ِف<br />

أئم َّةِ‏ أَھْل العلمِ‏ المتقدمینَ‏ ، ولكن كثیرٌ‏ مِنَ‏ المتأخرین ِ یُفَرّ‏ قُون في الل َّف‏ ‏ِظ<br />

بینھما،‏ فیجعلونَ‏ المعجزة للنبيّ‏ ِ والكرامَةَ‏ للولي،‏ وجماعھما الأمرُ‏ الخارِ‏ قُ‏<br />

للعادةِ.‏<br />

‏-مَرَد ُّ الإعجازِ‏ إِلى اللھِ‏ وَ‏ حْدَه-‏<br />

صِ‏ فاتُ‏ الكمالِ‏ ترجِ‏ عُ‏ إِلى ثلاثةٍ:‏ العلمُ،‏ والقدرةُ،‏ والغنى،‏ وھذه الثلاثةُ‏ لا<br />

تَ‏ صْلُحُ‏ على وَ‏ جْھِ‏ الكمال إلا َّ وحدَهُ،‏ فإن َّھ الذي أَحاطَ‏ ِ بكلّ‏ شيءٍ‏ عِلْماً،‏ وھو<br />

على ِ كُلّ‏ شيءٍ‏ قدیر،‏ وھو غني ٌّ عن العالمین،‏ ولھذا أمرَ‏ النب َّي أنْ‏ یبرأَ‏ مِنْ‏<br />

دَعْوى ھذه الثلاثة بقولھ:‏ ‏[قُلْ‏ لا أقولُ‏ لكم عِندي خزائنُ‏ اللھ ولا أعلمُ‏ الغیبَ‏<br />

ولا أقولُ‏ لكم إني مَلَكٌ‏ إن أت َّبعُ‏ إلا َّ ما یُوحى إل َّي]‏ الأنعام:‏<br />

ε<br />

381


‏-إذا صَح َّ الدینُ،‏ حَصَلَت الكرامةُ-‏<br />

إن َّ الدینَ‏ إذا صَح َّ عِلماً‏ وعملاً،‏ فلا بد َّ أنْ‏ یوجبَ‏ خَرْ‏ ق العادَةِ،‏ إذا احتاجَ‏<br />

إِلى ذلك صاحِ‏ بھ،‏ قال تعالى:‏ ‏[ومَنْ‏ یَت َّقِ‏ اللھَ‏ یجعل لھ مَخْرَجاً،‏ ویَرْ‏ زُقْھُ‏ مِنْ‏<br />

حیثُ‏ لا یحتسِبُ‏ [ الطلاق:‏ ‏[إنْ‏ تت َّقوا اللھَ‏ یَجْعلْ‏ لكم فُرْ‏ قاناً]‏ الأنفال:‏<br />

.3-2<br />

382


وفراسةٌ‏ ری َّاضیة:‏ وھي التي تحصل بالجوعِ‏ والس َّھر والتخلّ‏ ‏ِي،‏ وھذه<br />

فِراسَةٌ‏ مشتركة بین المؤمن والكافر،‏ ولا تدُل ُّ على إیمانٍ‏ ولا على ولایَةٍ،‏<br />

وھي مِنْ‏ جنسِ‏ فِراسَةِ‏ الولاةِ،‏ وأصحابِ‏ عبارَ‏ ة الر ُّ ؤیا ونحوھم.‏<br />

وفراسةٌ‏ خَلْقی َّةٌ:‏ وھي التي صَن َّفَ‏ فیھا الأطباءُ‏ وغیرُ‏ ھم،‏ واستدل ُّوا بالخَلْ‏ ‏ِق<br />

على الخُلُق،‏ لِما بینھما مِنَ‏ الارتباط.‏<br />

قولُھ:‏ ‏"ونؤمِنُ‏ بأَشْراطِ‏ الس َّاعةِ:‏ مِنْ‏ خروجِ‏ الد َّجالِ،‏ ونزولِ‏<br />

عیسى ابنِ‏ مَریمَ‏ علیھِ‏ الس َّلامُ‏ مِن السماءِ،‏ ونؤمنُ‏ بطلوعِ‏ الشمس<br />

مِن مغربھا،‏ وخروج داب َّة الأرضِ‏ مِنْ‏ موْ‏ ضِ‏ عھا".‏<br />

ش:‏ عن عَوفِ‏ بن مالكٍ‏ الأ ‏ْشجَعيّ‏ ِ، قال:‏ أتیتُ‏ النب‏ َّي في غَزوَ‏ ةِ‏ تَبوكٍ‏ ،<br />

وھو في قُب َّةٍ‏ من أَدَمٍ‏ (1) . فقال:‏ ‏"اعْدُدْ‏ سِت َّاً‏ بینَ‏ یدي الس َّاعَةِ:‏ موْ‏ تي،‏ ثم َّ فَتْحُ‏<br />

بیت المقدس،‏ ثم َّ مُوْ‏ تانٌ‏ (2) یأخذُ‏ فیكم كقُعاص (3) الغنمِ‏ ، ثم َّ استِفاضَةُ‏ المالِ‏ حت َّى<br />

یُعْطى الر َّ جلُ‏ مِئَةَ‏ دینارٍ‏ فیَظل ُّ ساخِ‏ طاً،‏ ثم َّ فتنة لا یَبْقى بیتٌ‏ مِنَ‏ العربِ‏ إلا َّ<br />

دَخَلَتْھُ،‏ ثم َّ ھُدنَةٌ‏ تكونُ‏ بینكم وبین بني الأصفر،‏ فیغدرونَ‏ فیأتونَكُم تَحْتَ‏<br />

ثمانینَ‏ غایَةً،‏ تحت ِ كلّ‏ غایةٍ‏ اثنا عَشَرَ‏ أَلفاً"‏<br />

وعن حُذَیفةَ‏ بن أَسیدٍ،‏ قال:‏ اط َّلعَ‏ النب‏ ُّي ε علینا ونحن نتذاكرُ‏ الس َّاعة،‏<br />

فقال:‏ ‏"إن َّھا لَنْ‏ تقومَ‏ حتى ترون قبلھا عَشْرَ‏ آیاتٍ:‏ الد ُّخانُ(‏‎5‎‏)‏ ، والد َّجالُ،‏<br />

ε<br />

. (4)<br />

وعن <strong>أبي</strong> سعید مرفوعاً‏ قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"اتقوا فراسة المؤمن فإنھ ینظر<br />

بنور اللھ"‏ ثم َّ قرأ النبي ‏[إن في ذلك لآیات للمتوسمین].‏ وقال<br />

فراسة المؤمن فإنھ ینظر بنور اللھ،‏ وبتوفیق اللھ".‏ وعن أنس بن مالك قال:‏ قال<br />

النبي ε: ‏"إن عباداً‏ یعرفون الن َّاس بالتوسم".‏ ‏(عن تفسیر ابن كثیر).‏<br />

الأدم:‏ الجلد المدبوغ المنزوع عنھ لحمھ وشحمھ.‏<br />

بضم المیم وسكون الواو،‏ قال القزاز:‏ ھو الموت.‏ وقال غیره الموت الكثیر<br />

الوقوع.‏ انظر ‏"فتح الباري":‏<br />

القعص:‏ أن یُضْرَ‏ ب الإنسان فیموت مكانھ.‏ یُقال قعصْتُھ وأقعصتُھ إذا قَتَلْتَھ<br />

سریعاً.‏ وقعاص الغنم:‏ داء یأخذ الغنم لا یُلبثُھا أن تموت.‏ ‏"النھایة <strong>لابن</strong> كثیر".‏<br />

أخرجھ البخاري.‏<br />

(5 ( عن <strong>أبي</strong> مالك الأشعري τ، قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"إن َّ ربكم أنذركم ثلاثاً:‏<br />

الدخان یأخذ المؤمن كالزكمة،‏ ویأخذ الكافر فینتفخ حتى یخرج من كل مسمع<br />

منھ،‏ والثانیة الدابة،‏ والثالثة الدجال".‏ رواه الطبراني،‏ قال ابن كثیر:‏ إسناده جید.‏<br />

ومثل ھذا قال عدد من الصحابة كعلي،‏ وعبد اللھ بن عمر،‏ و<strong>أبي</strong> سعید الخدري<br />

ε: ‏"احذروا<br />

383<br />

.32/6<br />

:ε<br />

( 1 )<br />

( 2 )<br />

( 3 )<br />

( 4 )


والد َّاب َّةُ،‏ وطُلوعُ‏ الش َّمسِ‏ مِنْ‏ مغربھا،‏ ونُزول عیسى ابن مریمَ،‏ ویأجوجُ‏<br />

ومأجوجُ،‏ وثلاثةُ‏ خُسوفٍ‏ (1) : خَسْفٌ‏ بالمشرقِ،‏ وخَسْفٌ‏ بالمغربِ،‏ وخَسْفٌ‏<br />

بجزیرة العرب،‏ وآخِ‏ ‏رُ‏ ذلك نارٌ‏ تَخْرجُ‏ مِنَ‏ الیمن تَطرُ‏ دُ‏ الناسَ‏ إِلى<br />

مَحشَرِ‏ ھم (2) " مسلم.‏<br />

وعن ابن عمرَ‏ قال:‏ ذُكِرَ‏ الد َّج َّالُ‏ عِنْدَ‏ النبيّ‏ ε، ِ فقال:‏ ‏"إن َّ اللھَ‏ لا یَخفَى<br />

علیكم،‏ وإن َّ اللھَ‏ لیسَ‏ بأَعْوَ‏ رَ‏ ، وأشارَ‏ بیدِهِ‏ إِلى عَیْنِھِ،‏ وإن َّ المسیحَ‏ الد َّجالَ‏<br />

أَعْورُ‏ عَیْنِ‏ الیُمْنى،‏ كأن َّ عَیْنَھُ‏ عِنَبَةٌ‏ طافیةٌ(‏‎3‎‏)‏ " (4) .<br />

وعن أنسِ‏ بن مالِكٍ‏ ، قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"ما مِنْ‏ نبيّ‏ ٍ إلا َّ أنذَرَ‏ قَوْ‏ مَھُ‏<br />

الأَعْوَ‏ رَ‏ الد َّج َّال،‏ أَلا إن َّھ أعْورُ‏ ، وإن َّ رَ‏ ب َّكُم لیسَ‏ بأَعْورَ‏ ، ومكتوبٌ‏ بینَ‏ عینیھ<br />

كَ‏ فَ‏ رَ‏ " (5) ، فَس َّرَ‏ هُ‏ في روایة:‏ ‏"أي:‏ كافِر (6) ".<br />

وغیرھم.‏ انظر تفسیر ابن كثیر عند تفسیره لقولھ تعالى:‏ ‏[فارتقب یوم تأتي<br />

السماءُ‏ بدخان مبین.‏ یَغْشى الن َّاسَ‏ ھذا عذابٌ‏ ألیم]‏ الدخان:‏<br />

(1 ( خسَفَت الأرض،‏ خَسْفاً‏ وخُسُوفاً:‏ غارت بما علیھا.‏ ویقال:‏ خَسَفَ‏ اللھُ‏<br />

الأرضَ‏ : غی َّبھُم فیھا.‏ وفي التنزیل <strong>العز</strong>یز:‏ ‏[فخَسَفْنا بھِ‏ وبداره الأرضَ‏<br />

الوسیط).‏<br />

(2 ( والمحشر یكون یومئذٍ‏ في الشام،‏ كما في قولھ ε: ‏"الشام أرض المحشر<br />

والمنشر".‏ وعن معاویة القشیري قال:‏ قلت یارسول اللھ أین تأمرني؟ فقال:‏ ‏"ھا<br />

ھنا"‏ وأومأ بیده نحو الشام.‏ قال:‏ ‏"إنكم محشورون رجالاً‏ وركباناً‏ ومُجْرَ‏ ون على<br />

وجوھكم".‏ أخرجھ أحمد وغیره،‏ وكلا الحدیثین صَح َّحھما الشیخ ناصر في<br />

تحقیقة لأحادیث فضائل الشام للربعي،‏ فانظره.‏<br />

(3 ( طافیة:‏ أي بارزةٌ.‏<br />

(4 ( متفق علیھ.‏<br />

(5 ( متفق علیھ.‏<br />

(6 ( ھذه الكلمة المكتوبة بین عینیھ،‏ یقرأھا مَن یحسن القراءة ومن لا یقرأ من<br />

المسلمین،‏ ولعل الحكمة من ذلك،‏ حتى لا یخفى كفره على أحد،‏ وحتى لا<br />

یختلف على كفره اثنان،‏ وحتى لا ینبري وقتھا مشایخ الإرجاء فیتأو َّ لون كفره<br />

إِلى الكفر العملي أو الكفر الأصغر،‏ كما یفعلون ذلك ‏-في زماننا-‏ مع طواغیت<br />

لا یقل كفرھم عن كفر المسیح الدجال!!‏<br />

وقد جاءت أحادیث صحیحة عدة في الدجال،‏ منھا ما رواه مسلم في كتاب<br />

الفتن،‏ عن <strong>أبي</strong> سعید الخدري قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"یخرج الدجال،‏<br />

]. ‏(المعجم<br />

.11-10<br />

384<br />

τ


وعن <strong>أبي</strong> ھریرة،‏ قال:‏ قال رسول اللھ ε: ‏"والذي نفسي بیدهِ‏ لَیُوشِكَن َّ أن<br />

یَنْزِ‏ لَ‏ فیكم ابنُ‏ مریمَ‏ حكَماً‏ عَدْلاً،‏ فیكْسِرُ‏ الص َّلیبَ‏ ، یَقْتُلُ‏ الخنزیرَ‏ ، ویضَعُ‏<br />

الجِ‏ زْ‏ یَةَ(‏‎1‎‏)‏ ، ویفیض المال حتى لا یقبلھ أحدٌ،‏ حت َّى تكونَ‏ الس َّجْدَةُ‏ خیْراً‏ منَ‏<br />

الدنیا وما فیھا"‏ (2) . ثم َّ یقولُ‏ أبو ھریرة:‏ اقرؤوا إنْ‏ شِئْتُمْ:‏ ‏[وإنْ‏ مِنْ‏ أَھْل<br />

الكِتابِ‏ إلا َّ لَیُؤمِنَن َّ بھ قبلَ‏ موتھِ‏ ویوم القیامَةِ‏ یكونُ‏ علیھم شَھیداً]‏ النساء:‏<br />

385


وأم َّا خروج الداب َّةِ‏ وطلوعُ‏ الشمسِ‏ مِنَ‏ المغْربِ،‏ فقال تعالى:‏ ‏[وإذا وقَعَ‏<br />

القولُ‏ علیھم أَخْرَجنا لھم دَاب َّةً‏ مِنَ‏ الأرضِ‏ تُكلّ‏ ‏ِمُھم أَن َّ الن َّاسَ‏ كانوا بآیاتِنا لا<br />

یوقنونَ]‏ النمل:‏<br />

386


-<br />

-<br />

ε<br />

الكھانُ‏ ِ والمنَجّمونَ‏ لَیْسوا بشيءٍ‏<br />

عَنْ‏ عائشةَ،‏ قالت:‏ سُئِلَ‏ رسول اللھ ε عن الكُھ َّان؟ فقال:‏ ‏"لَیْسوا بشيءٍ"،‏<br />

فقالوا:‏ یارسول اللھِ،‏ إن َّھُم یُحدّ‏ ‏ِثونَ‏ أحیاناً‏ بالشيءِ‏ فیكون حق َّاً؟ فقالَ‏ رسول<br />

اللھ : ‏"تلك الكَلمةُ‏ مِنَ‏ الحَقِّ‏ یَخْطَفُھا الجنّ‏ ‏ِي ُّ فیُقَرْ‏ قِرُ‏ ھا في أُذُنِ‏ وَ‏ لِیّ‏ ‏ِھِ،‏<br />

فَیَخْلِطُونَ‏ معھا أَكثرَ‏ مِنْ‏ مائَةِ‏ كَذْبَةٍ"‏ (2) .<br />

‏-كَسْبُ‏ الكاھِنِ‏<br />

قالَ‏ رسولُ‏ اللھِ‏ ε: ‏"ثَمَنُ‏ الكَلْبِ‏ خَبیثٌ‏ ، ومَھْرُ‏ البَغِيّ‏ ِ خَبیثٌ‏ ، وحُلْوانُ‏<br />

(1)<br />

(3) حَرَامٌ-‏<br />

الكاھِن خبیثٌ‏ " (4) .<br />

ویدخلُ‏ في ھذا المعنى ما یُعطاهُ‏ ِ المنجّمُ،‏ وصاحبُ‏ الأَزلامِ‏ التي یُستَقْسَمُ‏<br />

بھا،‏ مثل الخشبَةِ‏ المكتوبة علیھا ‏"ا ب ج د"،‏ والض َّارب بالحصى،‏ والذي<br />

387<br />

( 1 )<br />

أي:‏ یُرَ‏ دّ‏ ‏ِدُھا.‏<br />

(2 ( متفق علیھ.‏<br />

( 3 )<br />

الكاھِنْ‏ : ھو الذي یتكھن ویُخبر عن أمورٍ‏ غیبیة،‏ من غیر طریق شرعي.‏<br />

ولا شك أن من یدعي لنفسھ خاصیة علم الغیب أَن َّھ كافر لادعائھ خاصیة من<br />

خصوصیات اللھ تعالى وحده.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[وعنده مفاتیح الغیب لا یعلمھا إلا َّ ھو]‏ الأنعام:‏ ‏[فقل<br />

إنما الغیب ] یونس:‏ ‏[قل لا یعلم من في السماوات والأرض الغیبَ‏<br />

إلا َّ اللھ]‏ النمل:‏<br />

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ الطواغیت كثیرة ورؤوسھم خمسة،‏ منھم:‏<br />

الذي یدعي علم الغیب من دون اللھ،‏ والدلیل قولھ تعالى:‏ ‏[عالم الغیب فلا یُظھر<br />

59. وقال:‏<br />

20. وقال:‏<br />

.65<br />

على غیبھ أحدا]‏ ا-ھ.‏<br />

ومما یدخل في مسمى الكھانة والكاھن،‏ ضارب الفنجان والكف،‏ والرمل،‏ وكذلك<br />

علم الأبراج والكواكب الذي تُصد َّر بھ الصحف،‏ ووسائل الإعلام المرئیة<br />

وغیرھا،‏ فكل ذلك من الطغیان والكھانة الذي یعتبر ضرب في الغیب الذي لا<br />

یعلمھ إلا َّ اللھ.‏<br />

(4 ( صحیح،‏ أخرجھ مسلم.‏ وقولھ:‏ ‏"مھر البغي"،‏ ھو ما تأخذه الز َّ انیة على الزنى.‏<br />

وقولھ:‏ ‏"حلوان الكاھن"،‏ ھو ما یأخذه كأجرٍ‏ على تكھنھ وشعوذتھ.‏ وھو حرام<br />

بالإجماع لما فیھ من أخذ العوض على أمر باطل،‏ والحلوان أیضاً‏ الرشوة،‏ وھو<br />

أیضاً‏ أخذ الرجل مھر ابنتھ لنفسھ.‏ انظر ‏"الفتح":‏ 498/4.


-<br />

یخط ُّ في الر َّ ملِ،‏ وما یُعطاهُ‏ ھؤلاء حَرَ‏ امٌ،‏ وقد حَكى الإجماعَ‏ على تحریمھ<br />

غیرُ‏ واحدٍ‏ مِنَ‏ العلماء.‏<br />

وعن عائِشةَ‏ رضي اللھ عنھا قالَتْ‏ : كانَ‏ لأبي بكر غُلامٌ‏ یَأْكُلُ‏ مِنْ‏<br />

خَرَ‏ اجھ،‏ فجاءَ‏ یوماً‏ بشيءٍ،‏ فأكَلَ‏ منھ أبو بكرٍ‏ ، فقال لھ الغُلامُ:‏ تَدْري مِم َّ ھذا؟<br />

قال:‏ وما ھو؟ قال:‏ كُنتُ‏ تَكَھ َّنْتُ‏ لإنسانٍ‏ في الجاھلیة وما أُحْسِنُ‏ الكِھانَةَ،‏ إلا َّ<br />

أَنّ‏ ‏ِي خَدَعْتُھ،‏ فَلَقیَني،‏ فأعطاني بذلك،‏ فھذا الذي أَكَلْتَ‏ منھ،‏ فأدْخلَ‏ أَبو بكرٍ‏<br />

یَدَهُ،‏ فقاءَ‏ كُل َّ شيءٍ‏ في بَطْنِھِ"‏ (1) .<br />

التنجیمُ‏ وادّ‏ ‏ِعاء أَن َّ للنّ‏ ‏ِجومِ‏ أَثَراً!!‏<br />

صناعَةُ‏ التنجیم ‏-التي مضمونھا الإحكامُ‏ والتأثیرُ‏ ، وھو الاستدلالُ‏ على<br />

الحوادِثِ‏ الأرضیة بالأحوال الفلكیة،‏ أو التمزیجُ‏ بینَ‏ القوى الفلكیة والغوائل<br />

الأرضیة-:‏ صِ‏ ناعةٌ‏ مُحَر َّ مَةٌ‏ بالكتابِ‏ والس ُّن َّة.‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ولا یُفلِحُ‏ الساحِ‏ رُ‏ حیثُ‏ أتى]‏ طھ:‏<br />

-<br />

388


( 1 )<br />

جمھورُ‏ العلماء یُوجِ‏ بونَ‏ قَتْلَ‏ الس َّاحرِ‏ ، كما ھو مذھبُ‏ أَبي حنیفة ومالك<br />

وأحمد في المنصوص عنھ،‏ وھذا ھو المأثورُ‏ عن الص َّحابةِ،‏ كعمر وابنھ،‏<br />

وعثمان وغیرھم ψ. ثم َّ اختلفَ‏ ھؤلاء:‏ ھل یُستتاب أم لا؟ وھل یكفر<br />

بالسّ‏ ‏ِحرِ‏ ؟ أم یُقتل لِسَعیھ في الأرض الفسادِ؟<br />

قالت طائفةٌ:‏ إنْ‏ قَتَلَ‏ بالسحر قُتِلَ،‏ وإلا َّ عوقب بدون القتل،‏ إذا لم یكن في<br />

قولِھ وعملِھ كفرٌ‏ ، وھذا ھو المنقولُ‏ عن الشافعي،‏ وھو قولٌ‏ في مذھب أحمد<br />

رحمھما اللھ (1) .<br />

قال ابن تیمیة في الفتاوى )<br />

389


وات َّفقوا كُل ُّھم على أَن َّ ما كانَ‏ مِنْ‏ جنسِ‏ دَعْوة الكواكبِ‏ الس َّبعةِ،‏ أو<br />

غیرھا أو خِ‏ طابِھا،‏ أو الس ُّجودِ‏ لھا،‏ والت َّقَر ُّ بِ‏ إلیھا بما یُناسبُھا مِنَ‏ اللباسِ‏<br />

والخواتم والبخ ُّورِ‏ ونحو ذلك،‏ فإن َّھ كُفْرٌ‏ ، وھو مِنْ‏ أَعْظمِ‏ أبوابِ‏ الشركِ‏ ،<br />

یجبُ‏ غَلقُھ وسَد ُّه.‏<br />

وات َّفقوا كُل ُّھم أیضاً‏ على أَن َّ كُل َّ رُ‏ قْیَةٍ،‏ أو قَسَمٍ‏ فیھ شِرْ‏ كٌ‏ باللھ،‏ فإن َّھ لا<br />

یجوز التكلم بھ،‏ وإِن أَطاعَتھُ‏ بھ الجِ‏ ن ُّ أو غیرھم،‏ وكذلك كُل ُّ كلامٍ‏ فیھ كفر لا<br />

یجوزُ‏ التكلم بھ،‏ وكذلك الكلامُ‏ الذي لا یُعرَ‏ فُ‏ معناهُ‏ لا یُتكَل َّمُ‏ بھ،‏ لإمكانِ‏ أَن<br />

یكونَ‏ فیھ شِركٌ‏ لا یُعرَ‏ فُ‏ . ولھذا قال النبي ε: ‏"لا بأسَ‏ بالر ُّ قى ما لَمْ‏ تَكُنْ‏<br />

شِرْ‏ كاً"‏ (1) .<br />

ولا یجوزُ‏ الاستعاذَةُ‏ بالجنّ‏ ِ، فقَدْ‏ ذم َّ اللھُ‏ الكافرین على ذلك،‏ فقال تعالى:‏<br />

‏[وأَن َّھ كانَ‏ رجالٌ‏ من الإنسِ‏ یَعوذونَ‏ برجالٍ‏ من ِ الجنّ‏ فزادوھم رَھَقاً‏ الجن:‏<br />

6. قالوا:‏ كان الإنسي ُّ إذا نَزَ‏ لَ‏ بالوادي یقول:‏ أعوذُ‏ بعظیمِ‏ ھذا الوادي مِنْ‏<br />

سُفَھائِھ،‏ فیبیتُ‏ في أَمْنٍ‏ وجوارٍ‏ حتى یُصبح،‏ ‏[فزادوھم رَھَقاً]‏ یعني:‏ الإنسَ‏<br />

ِ للجنّ‏ ، باستعاذَتِھم بھم،‏ رھقاً‏ أي إثماً‏ وطغیاناً‏ وجَرَ‏ اءَةً‏ وشَر َّ اً،‏ وذلك،‏ أنھم<br />

قالوا:‏ قَد سُدْنا الجن َّ والإنسَ‏ ! فالجن ُّ تُعاظِمُ‏ في أَنْفُسِھا،‏ وتزداد كُفراً‏ إذا<br />

[<br />

الثاني،‏ أن اللھ سبحانھ قد صرح في كتابھ بأنھ كفر فقال:‏ ‏[وما كفر سلیمان]‏<br />

بقول السحر،‏ ‏[ولكن الشیاطین كفروا]‏ بھ وبتعلیمھ.‏ وھاروت وماروت یقولان:‏<br />

‏[إنما نحن فتنة فلا تكفر]‏ وھذا تأكید للبیان ا-ھ.‏<br />

قلت:‏ لا یتأتى السحر إلا َّ بالشرك والكفر،‏ من استغاثة بشیاطین الجن<br />

وتعظیمھم ورجائھم،‏ وزعم التأثیر بالأشیاء،‏ والإتیان بما یعتبر من خوارق<br />

العادة وغیر ذلك،‏ ومن فعل السحرة المعھود علیھم الاستھانة بكلام اللھ تعالى<br />

استرضاءً‏ لشیاطینھم،‏ قال ابن تیمیة فیھم في الفتاوى )<br />

390


عاملتھا الإنسُ‏ بھذه المعاملة:‏ ‏[ویومَ‏ نَحْشُرُھُم جمیعاً‏ ثم َّ نقولُ‏ للملائكةِ‏<br />

أَھؤلاءِ‏ إیاكُم كانوا یَعبدونَ.‏ قالوا سُبحانَكَ‏ أَنتَ‏ ولی ُّنا مِنْ‏ دونھم بل كانوا<br />

یعبدون الجن َّ أكثرُھم بھم مؤمنونَ]‏ سبأ:‏<br />

391


قال تعالى:‏ ش:‏<br />

‏[واعتصموا بحبلِ‏ اللھِ(‏‎1‎‏)‏ جمیعاً‏ ولا تفر َّقوا]‏ آل عمران:‏<br />

392


[<br />

-<br />

‏"أعوذ بوجھكَ‏ " ‏[أو یَلبِسَكُم شیعاً‏ ویُذیقَ‏ بعضَكُم بأسَ‏ بعضٍ‏ قال:‏ ‏"ھاتانِ‏<br />

أھوَ‏ نُ"‏ (1) . فدل َّ على أَن َّھ لابد َّ أن یَلبِسَھُمْ‏ شیَعَاً،‏ ویُذیقَ‏ بعضھم بَأسَ‏ بعضٍ‏ .<br />

وجوبُ‏ رَد ُّ النّ‏ ‏ِزاع إِلى اللھِ‏ ورسولھ<br />

الأمور التي تتنازَ‏ عُ‏ فیھا الأم َّةُ،‏ في الأصولِ‏ والفروع،‏ إذا لم تُردّ‏ إِلى اللھِ‏<br />

والرسولِ‏ لم یتبی َّن فیھا الحق ُّ،‏ بَلْ‏ یَصیرُ‏ فیھا المتنازعونَ‏ على غیرِ‏ بینَةٍ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

أَمْرِ‏ ھم،‏ فیقعُ‏ بینھم الاختلافُ‏ المذموم،‏ ویبغي بَعضُھم على بعضٍ‏ ، إم َّا<br />

بالقولِ‏ مثل تكفیرِ‏ ه وتفسیقِھ،‏ وإم َّا بالفعلِ‏ مثل حَبْسِھ وضَرْ‏ بِھ وقَتْلِھ (2) !<br />

-<br />

393<br />

ε<br />

-1<br />

-3<br />

( 1 )<br />

قال الحافظ العراقي:‏ وذكر الجن َّة إنما ھو للتنبیھ بھ على الأمور العظام لا<br />

للتخصیص،‏ فلا یُسأل بوجھھ في الأمور الدنیئة،‏ بخلاف الأمور العظام تحصیلاً‏<br />

أو دفعاً،‏ كما یشیر إلیھ استعاذة النبي بھ ا-ھ.‏<br />

أخرجھ البخاري.‏ قالت:‏ رغم تضافر الأدلة من الكتاب والس ُّن َّة التي تحض<br />

على وجوب الاجتماع والاتحاد،‏ ونبذ الفرقة والخلاف،‏ فإنھ ینبري من<br />

المسلمین من یقول:‏ إن الإسلام یُقر بتعدد الأحزاب السیاسیة،‏ بل ویأمر بھا!!،‏<br />

وبعضھم من قیدھا بقید الإسلام،‏ وبعضھم من تركھا دعوة مفتوحة ‏-لجمیع<br />

الأحزاب على اختلاف عقائدھا ومشاربھا وانتماءاتھا ‏-من دون أي قید أو<br />

شرط..!!.‏<br />

(2 ( عدم رد التنازع إِلى اللھ والرسول؛ أي الكتاب والس ُّن َّة،‏ یترتب علیھ المزالق<br />

والمخاطر التالیة:‏<br />

فقدان الحكَم والمرجعیة التي یحتكم إلیھا الن َّاس في منازعاتھم ومشاكلھم،‏<br />

والكفیلة بایجاد الحلول لجمیع المنازعات الدینیة والدنیویة،‏ وھذا مؤداه إِلى<br />

استمرار الفرقة والمنازعات من دون ٍ حلّ‏ أو معالجة.‏<br />

2- عدم رد المنازعات إِلى اللھ والرسول یستلزم بالضرورة ردھا إِلى<br />

الطاغوت،‏ وھو كل حكم غیر حكم اللھ ورسولھ..‏ إذ لا بد للناس من حكَم.‏<br />

إن عدم رد التنازع إِلى اللھ والرسول،‏ یستلزم انتفاء الإیمان والخروج<br />

من الملة،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[فلا وربك لا یؤمنون حتى یحكموك فیما شجر بینھم<br />

ثم َّ لا یجدوا في أنفسھم حرجاً‏ مِم َّا قضیت ویُسلموا تسلیماً]‏ النساء:‏<br />

وقال تعالى:‏ ‏[یا أیھا الذین آمنوا أطیعوا اللھ وأطیعوا الرسول وأولي الأمر<br />

منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إِلى اللھ والرسول إن كنتم تؤمنون باللھ<br />

والیوم الآخر]‏ النساء:‏<br />

.65<br />

.59


ِ<br />

‏-اختلافُ‏ التنوّ‏ عِ‏ لا یستدعي التنازع والش َّحناء-‏<br />

اختلافُ‏ التنوِّعِ‏ على وجوهٍ،‏ منھ ما یكونُ‏ كُل ُّ واحدٍ‏ مِنَ‏ القَوْ‏ لین أو الفعلین<br />

حَق َّاً‏ مشروعاً،‏ كما في القراءات التي اختلفَت فیھا الص َّحابة ψ، حتى<br />

زَ‏ جَرَ‏ ھُم النبي<br />

ومثلُھُ‏ اختلافُ‏ الأنواعِ‏ في صفةِ‏ الأذانِ،‏ والإقامةِ،‏ والاستفتاحِ،‏ ومَحلّ‏<br />

سجود الس َّھو،‏ والت َّشھ ُّدِ،‏ وصلاة الخَوفِ‏ ، وتكبیرات العید،‏ ونحو ذلك،‏ مِم َّا<br />

قَدْ‏ شُرِ‏ عَ‏ جَمیعُھُ،‏ وإنْ‏ كانَ‏ بَعْضُ‏ أنواعِھ أرْ‏ جَحُ‏ أو أفْضَلَ.‏<br />

ثم َّ تَجِ‏ دُ‏ لِكثیرٍ‏ مِنَ‏ الأُم َّةِ‏ في ذلك مِنَ‏ الاختلافِ‏ ما أَوجبَ‏ اقتتالَ‏ طوائفَ‏<br />

منھم على شَفْعِ‏ الإقامةِ‏ وإیتارھا ونحو ذلك!!‏ وھذا عینُ‏ المحر َّ ‏ِم (2) .<br />

ومنھ ما یكون كُل ٌّ من القَوْ‏ لَین ھو في معنى القول الآخر،‏ لكن العبارتانِ‏<br />

مُختلِفَتان.‏ ثم َّ الجھلُ‏ أو الظ ُّلمُ‏ یحمِلُ‏ على حَمْدِ‏ إحْدى المَقَالتین،‏ وذَمّ‏<br />

والاعتداءِ‏ على قائِلھا!‏<br />

بَلْ‏ أَكثَرُ‏ الاختلافِ‏ الذي یَؤولُ‏ إِلى الأھواءِ‏ بینَ‏ الأُم َّةِ،‏ ھو من ھذا النوعِ،‏<br />

وكذلك إِلى سفكِ‏ الدّ‏ ‏ِماء،‏ واستباحةِ‏ الأَموالِ‏ والعداوَ‏ ةِ‏ والبغضاءِ،‏ لأن َّ إحدى<br />

الطائفتینِ‏ لا تَعْتَرفُ‏ للأخرى بما معھا مِنَ‏ الحقِّ،‏ ولا تُنْصِ‏ فُھا،‏ بل تزیدُ‏ على<br />

ما مع نَفْسِھا مَنَ‏ الحقِّ‏ زیاداتٍ‏ مِنَ‏ الباطلِ،‏ والأُخرى كذلك.‏ ولذلك جَعَ‏ ‏َل<br />

اللھُ‏ مَصْدَرَ‏ هُ‏ البغيَ،‏ في قَوْ‏ لھ:‏ ‏[وما اختَلَفَ‏ فیھ إلا َّ الذینَ‏ أوتوهُ‏ مِنْ‏ بعدِ‏ ما<br />

جاءَتْھُمُ‏ البیّ‏ ‏ِناتُ‏ بَغْیاً‏ بَیْنَھم والبغي مجاوزَ‏ ةُ‏ الحدّ‏<br />

ِ الأُخرى<br />

.ِ<br />

ε، وقال:‏ ‏"كلاكُما مُحْسِنٌ"‏ (1) .<br />

394<br />

[<br />

قال ابن القیم في الأعلام (50/1): جعل ھذا الرد من موجبات الإیمان<br />

ولوازمھ،‏ فإذا انتفى ھذا الرد انتفى الإیمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء<br />

الآخر ا-ھ.‏<br />

4- عدم رد التنازع والخلافات إِلى اللھ وإلى الرسول،‏ یستلزم حصول<br />

الظلم والبغي،‏ وسفك الدماء،‏ وانتھاك الحرمات،‏ وضیاع الحقوق..‏ وھذا ھو<br />

المشاھَد في زمن غیاب حكم الشریعة،‏ وتحكیم شریعة الغاب بدلاً‏ عنھا.‏<br />

( 1 )<br />

أخرجھ البخاري من حدیث ابن مسعود.‏<br />

(2 ( لأن اجتماع الكلمة ووحدة الصف مقصد عظیم من مقاصد الشریعة،‏ لا یُھدر<br />

أو یُفَر َّ طُ‏ بھ من أجل اختلافات حول مسائل ھي دونھ في الأھمیة،‏ ولا أرى<br />

مقصداً‏ یعلو مقصد الاجتماع ووحدة الصف سوى مقصد التوحید غایة الغایات،‏<br />

فإن تعارض مقصد الاجتماع والوحدة مع مقصد التوحید،‏ قُدم مقصد التوحید<br />

الذي لا یعلوه مقصد،‏ ویھون في سبیلھ كل مقصد.‏


ε<br />

-<br />

وقالَ‏ رسول اللھ ε: ‏"ذَروني ما تَركْتكُم،‏ فإن َّما ھَلَكَ‏ مَنْ‏ كانَ‏ قَبْلكُم بكَثرَ‏ ةِ‏<br />

سُؤالِھِم واختلافھم على أَنبیائھم،‏ فإذا نھیتكُم عن شيءٍ‏ فاجتنبوه،‏ وإذا أمرتُكُم<br />

. فأمَرَ‏ ھم بالإمساكِ‏ عَم َّا لم یُؤْ‏ مَرُ‏ وا بھ،‏ مُعَلّ‏ ‏ِلاً‏<br />

بأمرٍ‏ ، فأْتوا منھ ما استطعتُم"(‏‎1‎‏)‏<br />

بأن َّ سَبَبَ‏ ھلاكِ‏ الأو َّ لینَ‏ إن َّما كان كثرة الس ُّؤالِ‏ ثم َّ الاختلافَ‏ على الر ُّ سُ‏ ‏ِل<br />

بالمعصیة.‏<br />

‏-ثناءُ‏ الش َّارِ‏ ع خیراً‏ على المختلفینَ‏ اختلافَ‏ تنو ُّ عٍ،‏ إذا لم یَحْصَلْ‏<br />

بَغْيٌ-‏<br />

قال تعالى:‏ ‏[ما قَطعْتُم منْ‏ لِینَةٍ(‏‎2‎‏)‏ أو تركتموھا قائِمةً‏ على أُصولِھا فبإذنِ‏<br />

الحشر:‏ 5. وقد كانوا اختلفوا في قَطْعِ‏ الأشجارِ‏ ، فقَطَعَ‏ قَوْ‏ مٌ،‏ وتَرَ‏ كَ‏<br />

آخَرونَ.‏<br />

وكما في إقرار النبي یومَ‏ بني قُرَ‏ یظَةَ‏ لمن صل َّى العَصْرَ‏ في وقتھا،‏<br />

ولِمَن أَخّرَ‏ ھا إِلى أنْ‏ وصلَ‏ إِلى بني قریظةَ(‏‎4‎‏)‏ .<br />

اختلافُ‏ ِ الت َّضادّ‏ لا یَمْنعْ‏ مِنْ‏ إنصافِ‏ المخالِفین<br />

أم َّا اختلافُ‏ التضادّ:‏ فھو القَوْ‏ لانِ‏ المتنافیان،‏ إم َّا في الأصولِ‏ وإم َّا في<br />

الفروعِ،‏ والمصیبُ‏ واحدٌ،‏ والخطْبُ‏ في ھذا أشد ُّ،‏ لأن َّ القولین یتنافیان،‏ لكن<br />

نَجِ‏ دُ‏ كثیراً‏ مِنْ‏ ھؤلاء قد یكونُ‏ القوْ‏ لُ‏ الباطلُ‏ الذي معَ‏ منازِ‏ عھ فیھ حق ٌّ ما،‏ أو<br />

معھ دلیلٌ‏ یقتضي حَق َّاً‏ ما،‏ فَیَرُ‏ د ُّ الحق َّ مَعَ‏ الباطِلِ،‏ حتى یَبقى ھذا مُبطلاً‏ في<br />

البَعْضِ‏ ، كما كانَ‏ الأو َّ لُ‏ مبطلاً‏ في الأَصلِ،‏ وھذا یجري كثیراً‏ لأَھْلِ‏ الس ُّن َّةِ.‏<br />

‏-في ھذا الاختلاف،‏ یُمْدَحُ‏ فیھ أَھْلُ‏ الحَقِّ‏ فقط-‏<br />

-<br />

اللھ]‏ (3)<br />

395<br />

(1 ( متفق علیھ.‏<br />

( 2 )<br />

قال ابن كثیر:‏ اللین نوع من التمر،‏ وھو جید.‏ قال أَبو عبید:‏ وھو ما خالف<br />

العَجْوَ‏ ة،‏ والبرني مِنَ‏ التمر،‏ وقال ابن جریر:‏ ھو جمیع النخل،‏ ونقلھ عن مجاھد<br />

ا-ھ.‏<br />

( 3 )<br />

قال ابن عباس:‏ أمروا بقطع النخل فحاك في صدورھم فقال المسلمون:‏ قطعنا<br />

بَعْضاً‏ وتركنا بَعْضاً‏ فلنسألن َّ رسولَ‏ اللھ ھل لنا فیما قطعنا من أجر؟ وھل<br />

علینا فیما تركنا مِن وزر؟ فأنزل اللھ ‏[ما قطعتم من لینَة].‏ والآیة نزلت في<br />

یھود بني النضیر.‏ انظر تفسیر ابن كثیر.‏<br />

(4 ( متفق علیھ.‏ أقول:‏ مِنَ‏ الأخطاء الشائعة بین الن َّاس استشھادھم بھذا الحدیث<br />

على جواز اختلاف التضاد!!‏<br />

ε


قال تعالى:‏ ‏[ولو شاءَ‏ اللھ ما اقْتَتَلَ‏ الذینَ‏ مِنْ‏ بَعْدِھم مِنْ‏ بَعْدِ‏ ما جاءَتْھُمُ‏<br />

البیناتُ‏ ولكن اختلَفوا فمِنْھُم م َّن آمَنَ‏ ومِنْھُم مَنْ‏ كَفَ‏ ‏َر]‏ البقرة:‏<br />

396


ε<br />

الغُلُوِّ‏ والت َّقْصِ‏ ‏یرِ‏ ، وبَیْنَ‏ الت َّشبیھِ‏ والت َّعطیلِ،‏ وبَیْنَ‏ الجَبْرِ‏ والقَدَر،‏<br />

وبَیْنَ‏ الأَمْنِ‏ والإیاسِ‏ ".<br />

ش:‏ ثَبَتَ‏ عن النبي أَن َّھ قال:‏ ‏"إن َّا مَعَاشِرَ‏ الأنبیاءِ‏ دینُنا واحِ‏ دٌ"‏ (1) . وقولُھ:‏<br />

تعالى:‏ ‏[ومَنْ‏ یَبْتَغِ‏ غَیرَ‏ الإسلام دیناً‏ فَلَن یُقْبَلَ‏ مِنْھ]‏ آل عمران:‏<br />

397


قالَ‏ تعالى:‏ ‏[یا أَھْلَ‏ الكتابِ‏ لا تَغلُوا في دینكُم ولا تَقولوا على اللھِ‏ إلا َّ<br />

الح‏ َّق]‏ النساء:‏<br />

398


-1<br />

تعالى أنْ‏ یُثَبّ‏ ‏ِتَنا على الإیمانِ،‏ ویَخْتِمَ‏ لَنَا بھِ،‏ ویَعْصِ‏ ‏مَنا مِنَ‏ الأَھواءِ‏<br />

المخْتَلِفةِ،‏ والآراءِ‏ ِ المتَفَرّ‏ قَةِ،‏ والمذاھبِ‏ الر َّدی َّةِ،‏ مِثْلُ‏ المشَبّ‏ ‏ِھَةِ،‏<br />

والمعتَزلةِ،‏ والجھمیةِ،‏ والجَبْری َّةِ،‏ والقَدَری َّةِ،‏ وغیرھم،‏ مِنَ‏ الذینَ‏<br />

خالَفوا الجماعَةَ،‏ وحالَفُوا الض َّلالَةَ،‏ ونحنُ‏ مِنْھُم بَراءٌ(‏‎1‎‏)‏ ، وھم<br />

عندنا ضُلا َّلٌ‏ وأَردِیاءُ،‏ وباللھِ‏ العِصْمَةُ‏ والت َّوفِیقُ".‏<br />

ش:‏ الإشارَ‏ ةُ‏ بقولھ:‏ ‏"فھذا"‏ إِلى ِ كُلّ‏ ما تَقَد َّم من أَو َّ ل الكتابِ‏ إِلى ھنا.‏<br />

‏-تعریف ببعض الفرق الضال َّة-‏<br />

المُشَبّ‏ ‏ِھَةُ:‏ ھم الذین شَب َّھوا الخالِقَ‏ بالمخلوقِ،‏ كداود الجواربي وأشباھھ.‏<br />

المُعتزلة:‏ نسبةً‏ إِلى عمرو بن عبید،‏ وواصل بن عطاء،‏ سُم ُّوا بالمعتزل‏ ‏ِة<br />

لاعتزالھِم مَجالِس المسلمین في المسجد.‏ یقوم مذھبھم على خمسة أصول<br />

لَب َّسُوا فیھا الحق َّ بالباطل:‏<br />

العدْلُ:‏ ستَروا تحتھ نفي القَدَر،‏ وقالوا:‏ كیفَ‏ یخلقُ‏ اللھُ‏ الشر َّ ثم َّ یُعذّ‏ ‏ِب<br />

علیھ؟ فمن لوازِ‏ م العَدْلِ‏ عِنْدَھم نفي خلق اللھِ‏ لل َّش رّ‏<br />

التوحید:‏ ستروا تحتھ القولَ‏ بخلق القرآن،‏ إذْ‏ لو كان غیْرَ‏ مَخْلوقٍ،‏<br />

لَزَ‏ مَ‏ تَعد ُّدُ‏ القدماء!!‏<br />

الوعید:‏ قالوا مَن وعَدَه اللھُ‏ بالنار،‏ فلا بُد َّ أن ینفذ فیھ وعیدَه،‏ فلا<br />

یَغفِرُ‏ لمن یریدُ،‏ ولا یعفو عَم َّن یشاءُ!!‏<br />

المنزِ‏ لَةُ‏ بین المنزلتین:‏ فعندھم أَن َّ مَن ارتكبَ‏ كبیرَ‏ ةً‏ یَخرجُ‏ من<br />

الإیمان،‏ ولا یدخُلُ‏ الكفرَ‏ ، وھو بینَ‏ المنزلتین!!‏<br />

!! ِ<br />

-2<br />

-3<br />

-4<br />

(1 ( من لوازم وشروط متابعة الحق التبرؤ من الباطل وأھلھ،‏ إذ لا یجتمع متابعة<br />

الحق مع الرضى أو السكوت على ضده من الباطل،‏ كما قال تعالى:‏ ‏[قد كانت<br />

لكم أسوة حسنة في إبراھیم والذین معھ إذ قالوا لقومھم إنا برءاؤا منكم ومما<br />

تعبدون من دون اللھ كفرنا بكم وبدا بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً‏ حتى<br />

تؤمنوا باللھ وحده]‏ الممتحنة:‏ 4. وقال تعالى:‏ ‏[وإذ قال إبراھیم لأبیھ وقومھ<br />

إنني براء مِم َّا تعبدون.‏ إلا َّ الذي فطرني فإنھ سیھدین]‏ الزخرف:‏<br />

ھذه ھي الأسوة الحسنة التي أمرنا بالاقتداء بھا،‏ وھذه ھي ملة إبراھیم التي لا<br />

یرغب عنھا إلا َّ من سفھ نفسھ:‏ ‏[ومن یرغب عن ملة إبراھیم إلا َّ من سفھ نفسھ]‏<br />

البقرة:‏<br />

.27 ،26<br />

399<br />

.130


-5<br />

الأمر بالمعروف:‏ وھو الدعوة إِلى باطلھم ومعتقداتھم.‏ والنھي عن<br />

المنكر،‏ ضَم َّنوه الخروج على أئمة المسلمین بالقتال إذا جَاروا!!‏<br />

وھم یُقدّ‏ ‏ِمونَ‏ العَقْلَ‏ على الن َّقل،‏ والكتاب والس ُّن َّة عندھم بمنزلةِ‏ الش ُّھو ‏ِد<br />

الزائِدینَ‏ علا النّ‏ ‏ِصابِ‏ (1) !! وإذا استدَل ُّوا بأدِل َّةٍ‏ سَمعی َّةٍ،‏ إن َّما یذكرونھا<br />

، لا للاعتماد علیھا،‏ ومنھم مَنْ‏ یَذْكُرُ‏ ھَا لیبیّ‏ ‏ِن مُوافقَةَ‏ الس َّمعِ‏<br />

للاعتضادِ‏ بھا (2)<br />

للعقْلِ،‏ ولإیناسِ‏ الناسِ‏ بھا..!!‏<br />

الجھمی َّة:‏ نسبَةً‏ إِلى جھْمِ‏ بنِ‏ صفوان،‏ أظھرَ‏ نفيَ‏ ِ الصّفات والتعطیل.‏ وقال<br />

بنفي الجن َّة والنار،‏ وأن َّ الإیمانَ‏ ھو المعرفةُ‏ فقط،‏ والكفر ھو الجھلُ‏ فقط،‏<br />

وأنھ لا فِعْلَ‏ لأحدٍ‏ في الحقیقة إلا َّ وحده،‏ وأن َّ الن َّاس إنما تُنْسَبُ‏ إلیھم<br />

أَفعالُھم على سبیل المجاز!!‏<br />

الجبریة:‏ أَصْل قولِھم من جھم بن صفوان،‏ وقالوا:‏ إن َّ العَبْدَ‏ مُسَی َّرٌ‏ ، وفعلھ<br />

بمنزلةِ‏ طُولِھ ولونھِ،‏ وھم عكسُ‏ القدری َّة نُفاةُ‏ القدر.‏ فالجبریة غالوا في إثبات<br />

القدر،‏ والقَدَری َّةُ‏ غالُوا في نَفي القدر!!‏<br />

وقد تقد َّمَ‏ الرد ُّ على مبادئ ھذه الفِرقِ‏ الضال َّةِ‏ كُلّ‏ ‏ِھا.‏<br />

‏-سَبَبُ‏ الض َّلالِ‏ العُدولُ‏ عَن صِ‏ راطِ‏ اللھ المستقیم-‏<br />

سببُ‏ ضلالِ‏ ھذه الفِرقِ‏ وأَمثالھم،‏ عُدولھم عن ِ الصّراطِ‏ المستقیمِ‏ ، الذي<br />

أمرَ‏ نا اللھُ‏ باتّ‏ ‏ِباعِھ،‏ فقال تعالى:‏ ‏[وأن َّ ھذا صِ‏ ‏راطي مُستقیماً‏ فات َّبِعوهُ‏ ولا<br />

تَت َّبِعُوا الس ُّبُلَ‏ فتَفَر َّقَ‏ بِكُمْ‏ عن سبیلِھِ]‏ الأنعام:‏<br />

400


ِ<br />

لھذا شرعَ‏ اللھ تعالى في الصلاة قِراءَةَ‏ ِ أُمّ‏ القُرآن في ِ كُلّ‏ ركعةٍ،‏ المشتملة<br />

على أَشرَ‏ فِ‏ المطالبِ‏ وأجلّھا،‏ فقد أمَرَ‏ نا اللھُ‏ تعالى أن نقول:‏ ‏[اھدنا الصراط<br />

المستقیمَ.‏ صِ‏ راطَ‏ الذین أنعمتَ‏ علیھم غیرَ‏ المغضوبِ‏ علیھم ولا الضالین]‏<br />

(1) . وقد ثبت عن النبي أَن َّھ قال:‏<br />

‏"الیھود مغضوبٌ‏ علیھم،‏ والنصارى ضال ُّون"‏ (2) .<br />

401<br />

ε<br />

(3)<br />

( 1 )<br />

( 3 )<br />

سبحان ربّ‏ ‏ِك رَبِّ‏ العِز َّة عما یَصِ‏ فُون.‏ وسلامٌ‏ على المرسَلِینَ.‏ والحمدُ‏ ِ<br />

ربِّ‏ العالمینَ‏<br />

قال ابن جریر في التفسیر:‏ (6/2): إنما وصفھم بأنھم وسط لتوسطھم في<br />

الدین،‏ فلا ھم أَھْل غلوّ‏ فیھ،‏ غلو النصارى الذین غلوا بالترھب،‏ وقِیلھم في<br />

عیسى ما قالوا فیھ،‏ ولا ھم أَھْل تقصیر فیھ تقصیر الیھود الذین بدلوا كتاب<br />

اللھ،‏ وقتلوا أنبیاءھم،‏ وكذبوا على ربھم،‏ وكفروا بھ،‏ ولكنھم أَھْل توسط<br />

واعتدال فیھ،‏ فوصفھم اللھ بذلك إذ كان أحب الأمور إِلى اللھ أوسطھا ا-ھ.‏<br />

وفي معنى الاستقامة:‏<br />

قال عمر بن الخطاب τ: أن تستقیم على الأمر والنھي،‏ ولا تروغ روغان<br />

الثعالب.‏<br />

وقال الحسن:‏ استقاموا على أمر اللھ،‏ فعملوا بطاعتھ،‏ واجتنبوا معاصیھ.‏<br />

وقال ابن تیمیة:‏ استقاموا على محبتھ وعبودیتھ،‏ فلم یلتفتوا عنھ یمنةً‏ ولا<br />

یسرة.‏<br />

وقال ابن القیم في مدارج السالكین (105-104/2): فالاستقامة كلمة جامعة،‏<br />

آخذة بمجامع الدین،‏ وھي القیام بین یدي اللھ على حقیقة الصدق،‏ والوفاء<br />

بالعھد.‏ والاستقامة تتعلق بالأقوال،‏ والأفعال،‏ والأحوال،‏ والنیات،‏ فالاستقامة<br />

فیھا:‏ وقوعھا ، وباللھ،‏ وعلى أمر اللھ.‏<br />

وسمعت شیخ الإسلام ابن تیمیة یقول:‏ أعظم الكرامة لزوم الاستقامة ا-ھ.‏<br />

وقال ابن كثیر في التفسیر (29/1): اختلفت عبارات المفسرین من الس َّلَف<br />

والخلف في تفسیر الصراط،‏ وإن كان یرجع حاصلھا إِلى شيء واحد،‏ وھو<br />

المتابعة ولرسولھ ا-ھ.‏<br />

(2 ( صحیح،‏ رواه الترمذي وغیره.‏<br />

انتھیت من تھذیبھ والتعلیق علیھ ‏-بفضل اللھ تعالى ومِن َّتھ-‏ صبیحة یومِ‏<br />

الجمعةِ،‏ في التاسِعِ‏ عشرَ‏ من شھر رمضان المبارك،‏ لِسَنَةِ‏ من ھجرة<br />

النبي المصطفى ε. الموافق للثاني عشرَ‏ من آذار،‏ لِسَنَ‏ ‏ِة میلادي.‏<br />

1413<br />

1993


وصل َّى اللھ على محمدٍ‏ النبي الأُمي،‏ وعلى آلھ وصحبھ وسل َّم.‏<br />

كتبھا<br />

عبد المنعم مصطفى عبد القادر حلیمة<br />

أَبو بصیر الطرطوسي<br />

عفا اللھ عنھ وعن أَھْلِ‏ بیتھ ووالدیھ بمنّ‏ ‏ِھِ‏ ورحمتھ<br />

.ε<br />

وقد انتھیت من مراجعتھ،‏ وإجراء بعض التعدیلات علیھ ‏-حذفاً‏ وإضافةً-‏ قبل<br />

إحالتھ للطبع عصرَ‏ یومِ‏ الخمیس،‏ في الثالثِ‏ من شھر ذي الحجة،‏ لِسَنَةِ‏<br />

1417 من ھجرة النبي المصطفى<br />

راجیاً‏ من اللھ تعالى القبولَ،‏ إن َّھ سمیعٌ‏ قریب مجیب.‏<br />

402


ھذا ملح ‏ٌق یتضمن ذكر بعض الأسئلة التي تمكن طالب العلم أو القارئ<br />

من تقییم نفسھ،‏ ومعرفة مدى استیعابھ وفَھمھ لمادة الكتاب،‏ كما وتساعد<br />

مدرس المادة في تحدید الأسئلة عند إجراء الاختبارات للطلاب..‏<br />

وتسھیلاً‏ على الطالب في الرجوع إِلى الجواب،‏ نشیر بجانب كل سؤال<br />

إِلى الصفحة التي یكمن فیھا الجواب.‏<br />

ماھو السؤال:‏<br />

أشرفُ‏ العلومِ‏ وأقدسھا؟ ولماذا؟<br />

الجواب:‏ "<br />

403


س‎8‎‏:‏ ما<br />

ذلك.‏<br />

ھو سبب ضلال<br />

الناس عن الحقِّ‏ والھدى؟ واذكر<br />

دلیلاً‏ على<br />

الجواب:‏ "<br />

404


الجواب:‏ "<br />

405


س<br />

406


س<br />

407


س<br />

408


س<br />

409


س<br />

410


الجواب:‏ "<br />

411


س<br />

412


الجواب:‏ "<br />

413


س<br />

414


الجواب:‏ "<br />

415


س<br />

416


س<br />

417


س<br />

418


س<br />

419


الجواب:‏ "<br />

420


س<br />

421


س<br />

422


س<br />

423


س<br />

424


س<br />

425


س<br />

426


الجواب:‏ "<br />

427


س<br />

428


الجواب:‏ "<br />

429


س<br />

430


س<br />

431


س<br />

432


الجواب:‏ "<br />

-3<br />

-4<br />

الإسلام<br />

الإسلام<br />

بین<br />

بین<br />

الجبر والقدَر.‏<br />

الأمن والإیاس.‏<br />

433


-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

فھرس الموضوعات<br />

الصفحة<br />

الموضوع<br />

المقدمة<br />

مقدمة ابن <strong>أبي</strong> <strong>العز</strong> <strong>الحنفي</strong><br />

أشرف علوم الدین<br />

مھمة الرسل<br />

الطریق الموصل إلى الله<br />

تعریف السالكین ما لھم من النعیم<br />

أعرف الناس با‏ عز وجل<br />

ما أنزلھ الله تعالى على رسولھ،‏ فھو روح وشفاء<br />

یجب على العامة أن یؤمنوا إیماناً‏ مجملاً‏ بما جاء بھ النبي صلى الله<br />

علیھ وسلم<br />

ما یجب على الأعیان یتنوع بتنوع قُدرھم<br />

أصل الضلال التفریط بما جاء بھ الرسول<br />

13<br />

13<br />

13<br />

7<br />

12<br />

12<br />

12<br />

13<br />

14<br />

14<br />

15<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

ش-‏ روط صحة العبادة وقبولھا<br />

وصف الله بما وصف بھ نفسھ،‏ وما وصفھ بھ الرسل<br />

مذاھب الناس في التأویل<br />

مراتب الانحراف<br />

الواجب اتباع الرسل<br />

اكتمال الدین<br />

15<br />

16<br />

16<br />

17<br />

17<br />

18<br />

434


-<br />

من قرائن النفاق الأكبر،‏ إرادة التحاكم إلى غیر النبي صلى الله<br />

علیھ وسلم<br />

الحكم على الأشیاء بالحسن أو القبح من خصوصیات الله تعالى<br />

وحده<br />

- غایة المسلم أن یظھر الحق ویعلو،‏ وإن جاء ذلك عن غیر<br />

طریقھ<br />

العجز یرفع التكلیف ..<br />

الأمة الوسط ..<br />

- علم الكلام ھو الجھل،‏ وھو سبب للزندقة ..<br />

الفرق بین المنافق والزندیق ..<br />

18<br />

18<br />

20-19<br />

20<br />

20<br />

21<br />

21<br />

21<br />

22<br />

23<br />

24<br />

..<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

- حكم الزندیق ..<br />

-<br />

-<br />

-<br />

- حكم الشافعي في أَھْل الكلام ..<br />

الرد على من یقول الخلف أفقھ من الس َّلَف<br />

التوحید أول دعوة الرسل،‏ وأول منازل طریق طلب العلم ..<br />

الحكمة من تقدیم جانب النفي والبراء على جانب الإثبات<br />

في شھادة التوحید ..<br />

معنى الطاغوت وما یدخل في معناه ..<br />

الدعوة إِلى التوحید والكفر بالطاغوت،‏ وھي دعوة<br />

الأنبیاء والرسل.‏<br />

ما یصیر المرء بھ مسلماً‏ ..<br />

أنواع التوحید..‏<br />

توحید الربوبیة لم یذھب إِلى نقیضھ طائفة من بني آدم ..<br />

المشركون كانوا یقرون ببعض معاني الربوبیة،‏ ولیس جمیعھا ..28<br />

توحید الإلھیة متضمن لتوحید الربوبیة ..<br />

التحذیر من اتخاذ قبور الأنبیاء والصالحین<br />

الأمر بتسویة القبور،‏ وطمس التماثیل ..<br />

كل مولود یولد على فطرة الإسلام ..<br />

توحیدُ‏ الربوبیة یستلزم توحید الألوھیة<br />

توحید الإلھیة یتضمن توحیدَ‏ الربوبیة ..<br />

معنى قولھ تعالى:‏ ‏)إذاً‏ لابتغوا إِلى ذي العر ‏ِش سبیلاً(‏<br />

24<br />

25<br />

28<br />

29<br />

30<br />

31<br />

32<br />

35<br />

26<br />

26<br />

27<br />

28<br />

..<br />

مساجد ..<br />

..<br />

..<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

435


- التوحید الذي دعت إلیھ الرسل ..<br />

436


- قولھ:‏ ‏"ولا شيء یعجزه".‏<br />

437


- قولُھ:‏ ‏"حي لا یموت،‏ قیوم لا ینام".‏<br />

438


- حكم من یجحد شیئاً‏ من خصائص اللھ تعالى،‏ أو یدعیھا لنفسھ.‏<br />

439


- الفرق بین النبي والرسول ..<br />

440


- حكم من أنكر أن القرآن كلام اللھ ..<br />

441


- حكم أَھْل العلم في أَھْل الكلام ..<br />

442


- الشفاعة عند اللھ لیست كالشفاعة عند البشر..‏<br />

443


- أیھما خُلق أولاً‏ القلم أم العرش ..<br />

444


- عند التعارض یرد المتشابھ إِلى المحكم ..<br />

445


- صفة الجماعة التي یتعین تكثیر سوادھا ..<br />

446


- كفر عملي أصغر،‏ أو كفر دون كفر ..<br />

447


- قولھ:‏ ‏"والأمن والإیاس ینقلان عن الملة .. ".<br />

448


-<br />

قاعدة من قواعد التكفیر:‏ ‏"كل شيء فعلھ من شروط<br />

فتركھ من نواقض الإیمان،‏ والعكس كذلك<br />

التوحید<br />

." ..<br />

449


450<br />

- شبھة ورد ..


- حرمة المسلم على المسلم ..<br />

451


- الروح بعد مفارقتھا للجسد لا تموت ..<br />

452


- الاستطاعة القدریة الكونیة ..<br />

453


- قولھ:‏ ‏"ومن استغنى عن اللھ طرفة عین فقد كفر .. ".<br />

454


- وجوب اتباع الس َّلَف ..<br />

455


- من لوازم وشروط متابعة الحق التبرؤ من الباطل وأھلھ ..<br />

456

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!