جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019

More documents

Recommendations

Info

جويلية/أوت - تموز/آب 2 2019 ثالثون سنة بعد الحرب األهلية المفقودون الخالدون للبنان ‏)بقية الصفحة األولى(‏ إيمانويل حداد Emmanuel Haddad منذ بدايات الحرب،‏ برزت بوضوح وسريعا ظاهرة االختفاء ضمن ترسانات مختلف الميليشيات اللبنانية على اعتبارها أحد األسلحة التي يمكن استخدامها بشكل عشوائي ضد المدنيين من الشق المنافس.‏ تحدث جوناثان راندال،‏ مراسل صحيفة ‏»نيويورك تايمز«‏ آنذاك في كتابه ‏»تراجيديا لبنان«)‏‎2‎‏(‏ عن قصة طارق متيري،‏ الذي أصبح متخصصا في تحرير المختطفين.‏ يقول في هذا الصدد:‏ ‏»يميز متيري بين ثالثة أصناف ‏)من األشخاص المورطين في عمليات االختطاف(،‏ الصنف األول يتصل بالميليشيات التي يفوق تعصبها سياسة المنظمات التابعة لها )...( وصنف ثان يضم أعضاء مختلف التنظيمات المسلحة التي تتلقى األوامر باختطاف عدد من األبرياء من أجل المساعدة على تحرير رهائنهم )...( أما الصنف الثالث من عمليات االختطاف فقد كان يتم تنفيذه استنادا إلى اعتبارات فردية وعلى أساس ‏)شكوك(‏ يثيرها غالبا طرف ثالث لدواع متنوعة،‏ من قبيل خصومة عاطفية أو نزاع تجاري«.‏ يتطلب تحقيق عملية اإلفراج إذن ممارسة ضرب من المهارة الديبلوماسية،‏ واالستنجاد بشبكة عالقات جد واسعة،‏ وبالخصوص سرعة كبيرة في التنفيذ،‏ مثلما يروي ذلك أسعد الشفتري،‏ الرجل الثاني سابقا في مخابرات القوات اللبنانية،‏ وهي إحدى أبرز الميليشيات المسيحية خالل الحرب.‏ يقول الشفتري:‏ ‏»كنا نتلقى عشرات مطالب اإلفراج،‏ وفي الغالب عبر وسطاء،‏ سواء من المسؤولين السياسيين أو من العسكريين أو من أشخاص ذوي مكانة اجتماعية.‏ كان يتعين علينا أن نتحرك سريعا باعتبار أنه في بدايات النزاع،‏ كان يتم قتل الناس بشكل فوري.‏ إنهم في الغالب رفاق ينتقمون لرفقائهم،‏ أو عائالت تم اختطاف أحد أفرادها وتقوم بالرد عبر فعل مماثل«.‏ أقرّ‏ أسعد الشفتري بأنه متورط شخصيا في العديد من عمليات االختفاء.‏ وفي هذا السياق،‏ كان قد توجه سنة 2000 برسالة توبة إلى اللبنانيين،‏ وطلب العفو من ضحاياه.‏ بعد خمسة عشر عاما من عمليات االختفاء القسري والجرائم األخرى التي ارتكبتها الميليشيات من كل االتجاهات،‏ وكذلك من قبل جيشي االحتالل االسرائيلي والسوري ‏)من 1978 إلى 2000 بالنسبة للقوات السورية ومن 1976 إلى 2005 بالنسبة للقوات االسرائيلية(،‏ سارعت السلطات اللبنانية بطي الصفحة،‏ إذ كانت مسكونة بهاجس صفقات إعادة اإلعمار المغرية.‏ هكذا،‏ تم في 26 أوت/آب 1991 التصويت على قانون العفو على كل الجرائم المرتكبة خالل فترة الحرب األهلية.‏ والحقا،‏ حث القانون عدد 434 لسنة 1995 أهالي األشخاص الذين مضت على فقدانهم أكثر أربع سنوات،‏ على إعالنهم أشخاصا متوفين.‏ يوضح نزار صاغية،‏ المحامي العضو في المنظمة غير الحكومية اللبنانية ‏»ليغال أجندا«‏ ‏)األجندة القانونية(‏ والمشارك في وضع المشروع التشريعي الذي انبثق عنه القانون عدد 105، بأنه ‏»كانت هناك رغبة واضحة في طي صفحة الحرب،‏ ذلك أن كل العائالت البورجوازية قد أعلنت أقرباءها أشخاصا متوفين حتى تحصل على ميراثهم.‏ منذ 1995، العائالت متواضعة الحال ‏)ليس لها من ميراث تحصله(‏ هي وحدها التي واصلت النضال«‏ من أجل معرفة مصير المفقودين.‏ اإلحترامية أُشترت بثمن بخس هكذا،‏ أطلق القانون عدد 434 لسنة 1995 بدايات عمليات الحجب،‏ التي يصفها غسان حلواني،‏ اإلبن األصغر لوداد،‏ ب ‏»الفقدان المزدوج«.‏ في أحد مقاطع شريطه الوثائقي ‏»طرس..‏ رحلة الصعود إلى المرئي«‏ ‏)الحائز سنة 2018 على جائزة أوليس لمهرجان سيني ماد بمونبيليي(،‏ الذي يسعى فيه إلى نفض غبار النسيان على الكثير من األشخاص المفقودين،‏ يقرأ المتفرج العبارة التالية:‏ ‏»الجريمة تجري على مرحلتين أو في فصلين«.‏ أوال،‏ فعل القتل.‏ وتاليا،‏ فعل التخلص من البراهين والقرائن«.‏ نرى في الخلفية مشهدا عاما للخراب الذي طال بيروت جراء الحرب وقد تم تعويضه بمشهد معاصر للمدينة بعد إعادة بنائها.‏ تم رسم أسهم موجهة إلى عديد الفضاءات الفخمة التي تم بناؤها في مواقع المقابر الجماعية:‏ هناك ملهى ليلي مشهورة،‏ وملعب صولجان أو جادة تنزه على الشاطئ.‏ في تناوله الثنين من أكثر األحياء جمالية وجاذبية في وسط المدينة،‏ يصدح حلواني بهذه الحقيقة المرعبة:‏ ‏»إذا ما سلكت الطريق بين الحمراء ومر ميكائيل،‏ أنت معرض ألن تصادف اثنين أو ثالثة مقابر جماعية،‏ تبعا للطريق الذي تسلكه«.‏ فكم هنالك من مقابر جماعية تعود إلى فترة الحرب ويتعين الكشف عنها؟ لقد تم في 21 جانفي/كانون الثاني 2000 إحداث لجنة تحقيق رسمية مهمتها اإلجابة عن هذا التساؤل من جملة مجموعة تساؤالت أخرى.‏ لكن اللجنة قامت بعد ستة أشهر من تأسيسها بنشر تقرير من صفحتين تحدثت فيه فقط عن 2046 مفقود وأعلنتهم ‏»أشخاصا متوفين آليا«.‏ اعترف التحقيق بوجود مقابر جماعية من خالل تحديد بعض منها،‏ لكنه اعتبر أن البقية ال يمكن التعرف عليها.‏ ولدى استفساره عن األمر بعد عشر سنوات من قبل المنظمة اللبنانية للتوثيق والبحوث ‏)أونام(،‏ عبّر الجنرال سليم أبو إسماعيل،‏ الذي كان رئيسا للجنة المذكورة عن استغرابه بالقول:‏ ‏»ما هي الفائدة التي سنجنيها من ذلك؟ وأية مصلحة في إخراج اآلالف من بقايا الرفات؟«.‏ في كل األحوال،‏ ووفقا للمنظمة غير الحكومية ‏»التحرك من أجل المفقودين«،‏ يعدّ‏ لبنان ما ال يقل عن 115 مقبرة جماعية.‏ وقد قامت المنظمة بتجميع معطيات ومعلومات عن كل واحدة من هذه المقابر،‏ وهي معطيات ستمد بها الحقا اللجنة التي نص القانون 105 على بعثها.‏ بعد أن شهدت بأم عينيها اختطاف إبنها أحمد ذي ال 17 ربيعا،‏ شاركت خديجة د.‏ في كل مظاهرات عائالت المفقودين منذ سنة 1982 إلى حد تاريخ وفاتها سنة 2016. تقول ابنتها سوسن،‏ التي أخذت مكانها في هذه المظاهرات:‏ ‏»إلى حد آخر أيام عمرها كانت تؤكد بأن أحمد سيعود.‏ واليوم أيضا أقول نفس الشيء«.‏ في رأي سوسن كما في رأي اآلالف من عائالت المفقودين،‏ التعرف على رفات المفقود المحبوب هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يَضع حدا للفترة الطويلة لما يسمى ‏»الحداد األبيض«،‏ والذي يمثل مصدر معاناة نفسانية حادة)‏‎3‎‏(‏ هكذا،‏ قامت بتقديم عينة بيولوجية مرجعية إلى اللجنة الدولية للصليب األحمر خالل العام الماضي.‏ منذ العام 2015، تولت لجنة الصليب األحمر تجميع 1500 من هذه العينات التي يمكن استخراج الحمض النووي منها،‏ والتي ستمكن من التعرف على بقايا الرفات الموجودة في المقابر الجماعية عند إخراج هذه الرفات.‏ وتمثل هذه المبادرة إحدى الطرق لتعويض جمود السلطات اللبنانية التي ظلت حبيسة منطق اإلنكار.‏ تضيف سوسن:‏ ‏»المرة األولى التي تعرضت فيها والدتي إلى جلطة قلبية كانت سنة 1998 عندما صرح الرئيس إلياس الهراوي بأن كل المفقودين تم رميهم في البحر أو ردمهم تحت اإلسمنت المسلح،‏ وأنه يتعين طي الصفحة«.‏ في ذلك الوقت،‏ كان ساكن قصر بعبدا الرئاسي يؤكد خالفا لما هو يقين،‏ بأنه ليس هناك لبناني واحد معتقل في سجن سوري أو إسرائيلي.‏ أمضى موسى صعب 15 عاما في االعتقال في زنزانات سورية متعددة،‏ ولكنه لم ينس محاولة محو وجوده.‏ يقول في هذا الخصوص : ‏»لقد مضت أربع سنوات على سجني في معتقل صيدنايا السوري.‏ كنت استمع إلى اإلذاعة اللبنانية عندما ألقى الياس الهراوي هذا الخطاب.‏ كنا مئات من المعتقلين اللبنانيين في سوريا نستمع إلى هذا الخطاب«.‏ تم اإلفراج عن موسى في 12 ديسمبر/كانون األول 2000. ترتب عن عملية اإلفراج عنه وعن 53 من المعتقلين السابقين في سوريا،‏ وكذلك عمليات االكتشاف المنتظم لحفر دفن جماعية في كامل أنحاء لبنان،‏ تحطيم وإفشال محاوالت القادة اللبنانيين المتكررة لطي ملف المفقودين.‏ في بيروت،‏ خصصت كل من الصحفية والمخرجة مونيكا بورغمان،‏ والكاتب والناشر لقمان سليم،‏ الذي هو أيضا مدير منظمة ‏»أونام«،‏ شريطا وثائقيا لعشرين من هؤالء المعتقلين السياسيين اللبنانيين في سوريا)‏‎4‎‏(.‏ تنزع المصادقة على القانون عدد 105 بذلك الرواية المتعلقة بالحرب من أيدي أولئك الذين ارتكبوا جرائم الحرب)‏‎5‎‏(‏ ليعود األمر إلى الضحايا،‏ الذين تم لحد ذلك الوقت إجبارهم على الصمت والغياب.‏ غير أن هذا النص ال يبدد كل الشكوك بخصوص صدقية هذا التمشي.‏ ‏»لماذا اآلن؟«،‏ يتساءل سليم،‏ الذي يعتبر أن جعل عملية المصادقة على هذا القانون بمثابة تتويج لست وثالثين سنة من كفاح أسر المفقودين،‏ قد يكون مجرد عملية إخراج ‏»رومانسية«.‏ هو يرى في األمر بالخصوص طريقة الكتساب االحترام لقاء ثمن ضئيل.‏ يقول ‏»إنها طريقة كالسيكية للبرلمان اللبناني من خالل التصويت على قوانين تحظى بإعجاب المجموعة الدولية«،‏ معتبرا أن هذا القانون سيكون مصيره على األرجح مثل مصير القوانين ال 39 التي تمت المصادقة عليها سابقا حول مواضيع شتى،‏ والتي ظلت حتى اليوم في انتظار األوامر التطبيقية.‏ وفي ما يبدو أنه عمل مقصود،‏ تم في آخر لحظة إضافة فصل مثير للجدل خالل الجلسة العامة ما يضعف حظوظ تطبيق هذا القانون.‏ ينص الفصل 37 على أن ‏»كل محرض أو متورط أو متواطئ في عملية اختفاء قسري يجب معاقبته بالسجن المقرون باألشغال الشاقة من خمسة إلى خمسة عشر عاما«.‏ يعتبر مضمون هذا الفصل متعارضا مع انتظارات العائالت،‏ مثلما تؤكد على ذلك حلواني قائلة:‏ ‏»نحن غير مسؤولين عن الفصل 37. وبالنسبة إلينا،‏ فإن حق المعرفة يمر قبل العدالة الجزائية«.‏ من ناحيته،‏ يخشى الشفتري،‏ الذي أضحى اليوم عضوا في المنظمة غير الحكومية للمقاتلين السابقين التائبين ‏»المقاتلون من أجل السالم«،‏ من األثر السلبي لهذا الفصل،‏ إذ يصرح بقوله ‏»عندما تضع السيف على رقبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم خالل الحرب،‏ فإنني أشك كثيرا في كونهم سيأتون لتقديم شهاداتهم«.‏ جميع الحقوق محفوظة غائبون أحياء للسجل المدني اعتبارا لتعودها على مضي السياسيين اللبنانيين في التنكر لوعودهم،‏ تؤكد حلواني أنها أبعد من أن تكون مصابة بالغباء.‏ تقول محذرة ‏»إن التصويت على القانون يمثل مجرد مرحلة.‏ فنضالنا سيستمر مع تعيين األعضاء العشرة في اللجنة المقبلة،‏ ويتعين علينا أن نعمل على أال يتم اختيار المرشحين وفقا لمعايير سياسية وطائفية،‏ مثلما تعودنا على ذلك في لبنان«.‏ أما إبنها غسان،‏ فهو يسعى إلى تحفيز مجمل المجتمع اللبناني على أن يتبنى تاريخ المفقودين.‏ وإضافة إلى شريطه المذكور سابقا،‏ هو يعمل منذ 2015 على رقمنة األرشيف المجمع من قبل والدته صلب تجمع للمنظمات.‏ تتعلق المواد التي تم تجميعها بمعطيات دقيقة وتتضمن قصاصات صحفية وخطب وبالغات حول حركة عائالت المفقودين.‏ إنها تمثل مادة أولية من أجل استحضار الحرب األهلية من خالل إبراز صورة المفقودين لمرة واحدة.‏ هؤالء الذين تم إقصاؤهم من تاريخ النزاع،‏ هم على العكس من ذلك أحياء في وثائق السجل المدني.‏ في نهاية شريطه الوثائقي،‏ يروي غسان حلواني طرفة تخص كال من ريشار وكريستين،‏ وهما زوجان تعرضا إلى االختطاف خالل الحرب.‏ عندما أراد أحد الباعثين شراء منزل على ملكهما،‏ رفض أحد القضاة مطلبه،‏ معتبرا أن الزوجين ليسا متوفيين رسميا.‏ 2( جوناثان راندال ‏»المأساة اللبنانية:‏ كريستيان بارون الحرب،‏ المغامرات اإلسرائيية والمستنقع األمريكي«‏ نشر دار ‏»شاتو أند ويندوس«،‏ لندن،‏ .1983 3( بولين بوس ، ‏»خسارة غامضة.‏ تعلم العيش مع حزن بال حل«،‏ منشورات جامعة هارفارد،‏ لندن،‏ 2000. 4( أكرم بالقايد ، ‏»ظالل معتقل تدمر تخيم على سوريا«،‏ مجلة ‏»أوريون 21«، 26 ديسمبر/‏ كانون األول 2016، www.orientxxi.info 5( كارال عدة ، ‏»مذكرات الفاعلين في الحرب:‏ عودة على النزاع من خالل فرقائه«،‏ ضمن كتاب ‏»مذكرات الحروب في لبنان )1975- 1990(«، تحت إدارة فرانك مارميي وكريستوف فارين،‏ نشر دار ‏»آكت دي سود«،‏ آرل،‏ 2010.
3 جويلية/أوت - تموز/آب 2019 الرجوع بالتاريخ أكرم بلقايد منذ سنة 2011، وما سمي وقتها ‏»الربيع العربي«،‏ شكلت تونس استثناء ضمن مجموعة جغرافية موسومة عميقا بالحروب األهلية ‏)سوريا،‏ ليبيا،‏ اليمن(‏ أو بالسلطوية العنيفة ‏)مصر(‏ أو باالستبداد شبه اإلقطاعي ‏)ممالك الخليج(.‏ في الوقت الذي تواجه فيه كل من الجزائر والسودان صعوبات في التحرر من الديكتاتوريات العسكرية،‏ تواصل تونس،‏ رغم العراقيل،‏ طريقها نحو الديمقراطية ودولة القانون.‏ لكننا نجهل الكثير تاريخيا عن هذا البلد الصغير الذي ال يملك موارد طبيعية كبيرة.‏ هذا ما يزيد بقدر وافر من أهمية الكتاب الضخم الذي نشرته مؤخرا المؤرخة صوفي بسيس)‏‎1‎‏(.‏ تونس هي قبل كل شيء 3 آالف سنة من التاريخ،‏ عرفت خالله البالد عديد الفتوحات والغزوات المتتالية.‏ شهد هذا البلد البربري والبونيقي،‏ في دفعات متالحقة غزوات الرومان والوندال والبيزنطيين والعرب والعثمانيين ثم الفرنسيين.‏ في كل مرة،‏ تطال البلد تغيرات وتحوالت عميقة،‏ دون أن يفقد خصوصياته وطابعه المميز.‏ لم تقتصر صوفي بسيس في مؤلفها على تقديم رواية مبسطة ذات طابع تسلسلي،‏ على ما يكتسيه ذلك من أهمية ال سيما في ما يتعلق بفترة القرون الوسطى،‏ وإنما طرحت عملية تفكير محفزة حول كتابة التاريخ والعوائق الجسيمة التي يتوجب تخطيها عندما تتعلق المسألة ببلد مغاربي.‏ فهي،‏ على سبيل المثال،‏ تذكر بأن تونس لم تولد سنة 670، تاريخ تأسيس مدينة القيروان من قبل الفرسان الذين أتوا من الشرق محملين بدين جديد،‏ هو اإلسالم.‏ لقد جعل الحبيب بورقيبة،‏ أول رئيس للجمهورية التونسية ‏)‏‎1957‎‎1987‎‏(‏ من الحقبة التاريخية السابقة للحقبة اإلسالمية حجة بالغة األهمية من أجل إرساء تصور فريد،‏ ال يزال قائما:‏ ‏»الخصوصية التونسية«.‏ إنها طريقة للتميز عن النزعة القومية العربية التي كان ينادي بها الزعيم المصري جمال عبد الناصر.‏ نعم،‏ تونس بلد عربي إسالمي،‏ ولكن ليس هذا فقط...‏ وقد أتاح هذا الخطاب أيضا لبورقيبة الصمود في وجه التصريحات الفرنسية،‏ التي تنزع دوما للحديث عن مغرب عربي يفتقد لتاريخ كبير أو للتأكيد على الحقبة المسيحية قصد تبرير االستعمار...‏ وتفضل صوفي بسيس عبارة ‏»اإلستثناء التونسي«،‏ التي تراها أكثر دقة،‏ عن عبارة ‏»التفرّد التونسي«.‏ هي طريقة للقول بأنه هنالك فعليا مجاالت فيها اإلستثناء حقيقي وواقعي:‏ التقاليد اإلصالحية،‏ عراقة الدولة واإلدارة التي يمتد تاريخها لعدة قرون،‏ التشريعات المناصرة لحقوق النساء،‏ ثقافة التوافق السياسي،‏ وجود تقاليد نقابية حقيقية...‏ غير أنها تذكر بأنه توجد أيضا مجاالت أخرى ال فرق فيها بين تونس وجيرانها،‏ مثلما برهنت على ذلك السلطوية الديكتاتورية للرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي،‏ وإنكار حقوق األقليات الدينية غداة االستقالل.‏ في الخريف المقبل،‏ سيتوجه الشعب التونسي مجددا إلى صناديق اإلقتراع،‏ في ما يمكن اعتباره امتحانا هاما لتجربته الهشة في مجال االنتقال الديمقراطي.‏ من شأن قراءة كتاب صوفي بسيس حيازة معطيات تاريخية تيسر فهم مصادر ومسوغات التفرّد التونسي.‏ أما المختص في الشؤون السياسية،‏ نجيب سيدي موسى،‏ فيقترح على القراء نظرة متجددة لتاريخ استقالل الجزائر)‏‎2‎‏(.‏ خالفا للفكرة السائدة،‏ لم يكن حزب جبهة التحرير الوطني )FLN( الفاعل الوحيد في المعركة من أجل االستقالل.‏ الحركة الوطنية الجزائرية )MNA( بقيادة الزعيم التاريخي مصالي الحاج،‏ الذي انكب المؤلف على درس مسيرته،‏ كان في المحصلة أحد أكبر الخاسرين في حرب الجزائر في أعقاب تهميشه،‏ وغالبا بصورة عنيفة،‏ من قبل حزب جبهة التحرير.‏ باالستناد إلى وثائق أرشيفية لم يسبق نشرها،‏ يتيح نجيب سيدي جميع الحقوق محفوظة موسى للقارئ فهم كيفية والدة الفكرة الثورية في الجزائر،‏ مثلما روج لها تيار مصالي الحاج،‏ وكيف إفلتت هذه الفكرة،‏ في نهاية األمر،‏ من أيديهم.‏ 1( صوفي بسيس،‏ ‏»تاريخ تونس،‏ من قرطاح إلى اليوم«،‏ نشر ‏»تاالنديي«،‏ باريس،‏ 528 2019، صفحة،‏ 23،90 يورو.‏ 2( نجيب سيدي موسى،‏ ‏»الجزائر.‏ رواية أخرى لتاريخ االستقالل.‏ المسارات الثورية ألنصار مصالي الحاج«،‏ المنشورات الجامعية الفرنسية،‏ باريس،‏ 328 2019، صفحة،‏ 22 يورو.‏ Akram Belkaïd للمؤسسات،‏ يرجى الإتصال : abonnement@editionarabediplo.com الهاتف : 900 / 71 160 الفاكس : 855 71 963 للخواص الراغبين في دعم الجريدة يمكنهم الحصول على اشتراك دعم سنوي ابتداءا من 100 دينار في السنة إشتراك سنوي I تونس:‏ 30 دينار/الجزائر : 1500 دينار/المغرب:‏ 180 درهم مغربي/موريطانيا:‏ 6000 أوقية
Page 1: ص 18 مناضالت في تمرد
Page 5 and 6: 5 جويلية/أوت - تموز/آ
Page 11 and 12: 11 جويلية/أوت - تموز/

جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

Delete template?

Save as template?