جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
5 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />
كلّ انتخابات<br />
جيش من ورق<br />
بطريقة ال تخلو من داللة،<br />
اختارت بلجيكا مؤخّرا الطائرة<br />
المقاتلة األمريكية »ف35«<br />
عوضا عن اقتناء أجهزة<br />
مصمّمة في أوروبا مثل رافال<br />
واالوروفايتر وغريبان. الطائرة<br />
األمريكية تم اختيارها من حوالي<br />
عشر دول أوروبية ودخلت<br />
طور االستغالل مؤخرا، وقد<br />
عدّت بمثابة الشافطة للميزانيات<br />
المخصّ صة للدفاع بحكم الشروط<br />
المفروضة على المشترين )نظام<br />
مغلق، التزام بالسريّة، برمجيات<br />
مرتبطة بالمصنّع األصلي<br />
)لوكهيد مارتن( وبالنظر إلى<br />
الكلفة الباهظة جدّا: دفع هذا<br />
األمر بفلورانس بارلي وزيرة<br />
الدفاع الفرنسية إلى حد التصريح<br />
خالل زيارة إلى واشنطن يوم 18<br />
مارس/آذار <strong>2019</strong> أمام مجلس<br />
الناتو: »إن الفصل الذي ينصّ<br />
على التضامن بين أعضاء الناتو<br />
هو الفصل 5 ال الفصل ف35«.<br />
في الوقت الراهن، تكتفي<br />
هيئة األركان لالتحاد األوروبي<br />
بإنجاز مهمّات تكوينية وليس<br />
لديها قوات موضوعة على ذمّتها<br />
بشكل دائم. توجد مجموعات<br />
قتالية قوامها 13 ألف جندي يتمّ<br />
استبدالهم بصفة دوريّة كلّ ستّة<br />
أشهر ولكنها على مدى ثالث<br />
عشرة سنة من الوجود لم تتدخّ ل<br />
على الميدان ولو مرّة واحدة. أما<br />
العمليات التي تُعتبر معقّدة مثل<br />
أرتميس التي جرت في جمهورية<br />
الكونغو الديمقراطيّة سنة 2003،<br />
أو أطالنطا في المحيط الهندي<br />
)منذ سنة 2008( فال شك أنها لم<br />
تعد ممكنة اإلنجاز اليوم بسبب<br />
نقص الوسائل.<br />
لقد أصبح النقاش اآلن<br />
مركّزا حول تعاونية في برامج<br />
التجهيز. لكنّ التقارب بين مذاهب<br />
التشغيل والرزنامة واألولويات<br />
اإلستراتيجية للبلدان المنتجة<br />
والمشترية يظل صعب المنال رغم<br />
وجود بعض االستثناءات البارزة<br />
مثل النظام األوروبي لتحديد<br />
المواقع عبر األقمار الصناعية<br />
)غاليليو( الذي أطلق سنة 2001<br />
والذي دخل طور االشتغال النسبي<br />
بعد تأخيرات في اإلطالق و ارتفاع<br />
مهول في التكاليف)7(. كذلك<br />
الشأن بالنسبة إلى الناقلة العسكرية<br />
الفرنسية »أ-400-م« أو الطائرة<br />
العمودية »اوروكبتار 665 تيغر«.<br />
إن إحساس األوروبيين بأنّهم<br />
شبه مُجبَرين على اقتناء المعدّات<br />
األمريكية يمثّل مشكال مضاعفا:<br />
إضافة إلى كونهم يحرمون<br />
مؤسساتهم أو مؤسسات جيرانهم<br />
األوروبيين من هذه الصفقات، هم<br />
يسهمون في تناقص الميزانيات<br />
المخصصة للدفاع إضافة إلى<br />
احتمال أن يجدوا أنفسهم »بجيوش<br />
بونساي«)8(. الجيش الفرنسي<br />
ذاته، رغم أنه يُعتبر أحد أهم<br />
الجيوش األوروبية تجهيزا<br />
ونشاطا، أحد أقلّها اعتمادا على<br />
الخارج في مجال الشراءات ال<br />
يمكنه في نفس الوقت تعصير<br />
قوّته الرادعة، واقتناء حاملة<br />
طائرات ثانية، واتّباع سياسة<br />
فضائيّة، وتأسيس نظام مستقلّ<br />
للدفاعات الجوّيّة، الخ. يجب عليه<br />
أن يُخصص لهذه المشاريع ال فقط<br />
%1،82 من الناتج الداخلي الخام<br />
،كما هي الحال راهنا، وال %2<br />
)كما يطلب ذلك الرئيس دونالد<br />
ترامب والناتو( بل %3.<br />
نظرا إلى الخالفات السياسية<br />
داخل االتحاد، ال يوجد أيّ تطوّر<br />
مؤسساتي كبير على المدى<br />
المنظور. أقصى ما في األمر هو<br />
إمكانية أن يتأسّ س على هامش<br />
المعاهدات نوع من مجموعة<br />
- أوروبا للدفاع على شاكلة ما<br />
تأسّ س حول العُمْلة الموحّ دة.<br />
المبادرة األوروبية للدفاع التي<br />
أطلقت يوم 25 جوان/حزيران<br />
2018 من طرف تسع دول)9(<br />
راغبة في بناء »ثقافة إستراتيجية<br />
مشتركة« يمكن أن تمثل حجر<br />
األساس لهذه المجموعة كما<br />
يمكن أن يشتغل على قاعدة<br />
التطوّع لألغلبية ذات الكفاءة<br />
باالستناد إلى الدول المؤطّ رة<br />
واالختصاصات حسب البلدان.<br />
وآنذاك ستطرح مسألة التنسيق<br />
بينه وبين بقية مؤسسات االتحاد.<br />
من جهة أخرى، فإن برلين<br />
وباريس اللتين يقع على كاهلهما<br />
ثقل الدفاع المشترك هما أبعد<br />
ما يكون عن تقاسم نفس الثقافة<br />
العسكرية. ألمانيا وبحكم ماضيها<br />
الثقيل ال يمكنها تصوّر إقحام<br />
جيشها »البندسفهر« دون موافقة<br />
»البندستاغ« وهذا ما ال يخدم ال<br />
الهجوم وال التدخّ ل. في أفغانستان<br />
على سبيل المثال، كان جنودها<br />
يحبّذون المشاركة في عمليات<br />
التنمية، أمّا مقاتالتها طورنادو<br />
فتكتفي بالمراقبة الجويّة)10(.في<br />
مقابل ذلك، يبقى النموذج الفرنسي<br />
»التنفيذي« جدّا الذي يمكنه أن<br />
ينخرط في الحرب بمجرّ د قرار<br />
من رئيس الجمهورية، نموذجا<br />
فريدا في أوروبا.إنّ هذا بال شكّ<br />
ضامن لسرعة التدخّل ولكنّه<br />
يستبعد كلّ مراقبة سياسية تقريبا.<br />
لندن، ال غنى عنها<br />
ينطبق األمر ذاته على<br />
صادرات األسلحة. ألمانيا الواقعة<br />
تحت تأثير االشتراكيين الديمقراطيين<br />
تضع مجموعة من القيود على بيع<br />
األسلحة. لقد أوقفت صفقة األسلحة<br />
مع المملكة العربية السعوديّة.<br />
أما فرنسا فتبدو غير متشدّدة في<br />
هذا الباب حتى وإن كان المستفيد<br />
السعودي يرتكب جرائم حرب<br />
في اليمن. تفضّ ل باريس مراعاة<br />
صناعتها العسكرية وهي شرط الحدّ<br />
األدنى من السيادة واالستقاللية على<br />
المستويين الوطني واألوروبي. كما<br />
يصطدم إنشاء هذا الفريق األوروبي<br />
بمسألة توسيع الضمان النووي<br />
الفرنسي ألن باريس هي اآلن العضو<br />
الوحيد الحائز على قوّة ردعيّة نوويّة<br />
جميع الحقوق محفوظة<br />
مستقّلة ومقعد دائم في مجلس األمن<br />
الدولي، وهو المقعد الذي تطالب<br />
بعض الشخصيات السياسية األلمانية<br />
بتقاسمه بين الدولتين.<br />
تضمّ معادلة األمن األوروبي<br />
المملكة المتحدة بالبريكست أو<br />
بدونه. باريس ولندن المرتبطان<br />
باتفاقيات النكستر هاوس )2010(<br />
يحقّقان لوحدهما أربعة أخماس<br />
البحث والتطوير العسكريين في<br />
أوروبا ويوفّران نصف الطاقات<br />
االستثماريّة، مع وجود التزامات<br />
مشتركة متّفق عليها في ميادين<br />
حسّ اسة مثل تشكيل قوّة ثنائيّة للتدخل<br />
السريع وتصميم الصواريخ ومحاكاة<br />
التجارب النوويّة. لعلّه من الواجب<br />
إيجاد الوسيلة التي تكفل إشراك<br />
لندن في معاهدة الدفاع واألمن التي<br />
يحلم بها ماكرون والتي عليها-<br />
حسب قوله- »أن نضبط التزاماتنا<br />
الضرورية باالتفاق مع حلف الناتو<br />
وحلفائنا األوروبيين: الترفيع في<br />
النفقات العسكرية و إدخال واجب<br />
الدفاع المتبادل حيّز التطبيق)11(.<br />
لقد تقلّصت أوروبا إلى مجرّ د قطع<br />
متناثرة من األحالف والتوافقات ذات<br />
الهندسة المتغيّرة، فهل يمكن ألوروبا<br />
للدفاع أن يحدد كيانه بغير الحدّ<br />
األدنى أي بإطالق العنان إلعالنات<br />
النوايا و للمصالح الصناعيّة؟<br />
جميع الحقوق محفوظة<br />
7( شارل براغين وغيّوم رونوار »غاليليو،<br />
عشرون عاما من الفوضى لمنافس محدّد المواقع<br />
ج.ب.س« <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>، ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />
8( فريدريك مورو و اوليفياي جيهن: »لماذا<br />
نحتاج إلى جيش أوروبي؟«، معهد العالقات<br />
الدولية واإلستراتيجية )ايريس(، باريس، جانفي/<br />
كانون الثاني <strong>2019</strong>.<br />
9( ألمانيا، بلجيكا، الدانمارك، اسبانيا، استونيا،<br />
فرنسا، هولندا، البرتغال، المملكة المتحدة.<br />
10( »لكن ماذا تفعل ألمانيا في أفغانستان؟«،<br />
<strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>، فيفري/شباط 2011.<br />
11( مقال رأي تمّ نشره يوم 5 مارس/آذار <strong>2019</strong><br />
في الصحافة األوروبية.