22.07.2015 Views

الفصامي

الفصامي

الفصامي

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

٧١١٢٣٤٥٦٧٨٥١٠٧١٢٩١٤٥١٦٩١٩٧مقدمةالفصل الاول:‏لا كننا تجاهل الفصامالفصل الثاني:‏إرهاصات الفصامالفصل الثالث:‏وصف مرض الفصامالفصل الرابع:‏عالم الفصام من الداخلالفصل الخامس:‏أسباب الفصامالفصل السادس:‏طرق العلاج الرئيسيةالفصل السابع:‏العلاج باستشفىالفصل الثامن:‏الحياة اليومية مع اريضالفصل التاسع:‏النتائج:‏ الصور الاكلينيكية طرق اعالجة الرعايةالفصل العاشر:‏موصوعات خاصة:‏ اساعدونMMMM


٢١١٢٢٣٢٣١الفصل الحادي عشر:‏الوقايةالفصل الثاني عشر:‏ماذا نتعلم من الفصاماؤلف في سطورMMMM


مقدمةمقدمةالهدف الأول لهذا الكتاب هو أن أوضح للقارما نعلم وما لا نعلم عن الفصام وهو حالة ذهانيةيعاني منها ثلاثة ملاي مواطن أمريكي وأكثر منأربع مليونا من البشر وأملي أن أكن من توضيحطبيعة العالم الوهمي الذي يعيش فيه <strong>الفصامي</strong>والأبعاد اتعددة لأزمته والكيفية التي يتكون بهاط شخصيته الخاص والتي يواجه بها مشكلاتهالنفسية الذاتية واحتمالات الشفاء.‏وقد أتاح نقص معارفنا-اثير للعجب-في هذااجملال الفرصة للمفاهيم الخاطئة وغير الدقيقةأن تظل في الأذهان وللمخاوف أن تتزايد ‏(بصورةمبالغ فيها)‏ كما أتاح للشعور بالتحامل أن يستمروجعل تقد اساعدة يواجه بالإنكار أو يقبل بترددوفتور.‏ وأود أن أب أن <strong>الفصامي</strong> حتى قبل أنيتماثل للشفاء يظل أكثر قربا منا بكثير من الصورةالتي نراها في التليفزيون أو نقرأها في الأدبلشخصية اريض النفسي.‏لكن ذلك الهدف الأول إا هد للهدف الثانيوالرئيسي لهذا الكتاب:‏ وهو إرشاد الأسرةوالأصدقاء وكل من يهمه الأمر إلى كيفية اشاركةفي مهمة مساعدة اريض في أن يستعيد حالتهالسوية أو تتحسن حالته إلى حد معقول.‏ فمن اهمأن نتعلم ما علينا أن نفعله في البداية وما هيأنواع العلاج القائمة وكيفية الحصول عليها وأية7


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفائدة كن أن تتحقق من العلاج داخل استشفى وأهم من كل ذلك كيفنتعايش مع اريض يوما بيوم وكيف نتحادث معه وأية ترتيبات علينا أننوفرها له.‏ولقد ظل دور الأسرة كعامل مسبب للفصام لسنوات طويلة ينظر إليهنظرة خاصة لا تخلو من تحيز كما أن قدرة الأسرة على اشاركة فيإعادة التكامل للمريض واشاركة في عملية التأهيل ظلت موضع شك.‏ وأناأسعى في هذا الكتاب إلى إشاعة جو مختلف وأكثر توافقا مع اعارفالحديثة.‏ ولحسن الحظ لا تقف الأسرة وحدها في هذا اجملال.‏ فكماسنرى في هذا الكتاب:‏ هناك الأطباء النفسيون والاختصاص ومعاونوهموهناك استشفيات النفسية والبيوت الانتقالية وكثير من اؤسسات ومنالأفراد الذين لديهم استعداد للمشاركة في هذا العمل العظيم وهم كثيراما يؤدون عملا تازا.‏ أما بالنسبة للحالات ارضية التي لا تستجيبللعلاج وتخلف لنا مشكلة خطيرة فيمكننا القول بأن حدود مسئوليتنا تقفعند هذا الحد ولا يبقى أمامنا سوى الأسرة فليس هناك مكان آخر أوأفضل من الأسرة حيث تجدي النصائح والإرشادات وتلقى تقديرا كبيرا.‏أما الهدف الثالث فهو تقد نظرة عامة للجهود الرائدة في مجالالوقاية من ذلك ارض وسوف أب في النهاية كيف أن مثل تلك الحالةالعقلية ارضية كن أن تضيء لنا جوانب أخرى في فهمنا للحياة.‏وكتابنا هذا لا يغطي بطبيعة الحال كل تلك اجملالات اتسعة فقدتغاضيت عن موضوعات كثيرة لا تهم القار بصورة مباشرة.‏ وكن للقارالذي يريد الإطلاع على مناقشة أعمق وضوعات هذا الكتاب أو علىازيد من اوضوعات اتصلة بها أن يجد ذلك في كتابي ‏«تفسير الفصام»‏أو في كتب أخرى كثيرة عالجت تلك اشكلة.‏ وقد أوردت في هذا الكتابكل وجهات النظر وأنواع العلاج الرئيسية.‏ على أن القار سيتب أيا منتلك الآراء أؤيد وأيا منها أعطى أهمية أكبر.‏ فاتخاذ موقف موضوعيبالكامل إزاء كل التفسيرات والعلاجات القائمة يتطلب مني قدرا من التجرديتناقض مع طريقتي في معالجة الفصام.‏وسيلحظ كثير من القراء أن ثمة مسائل كثيرة بلا إجابة محددة وأقوللهؤلاء:‏8


مقدمةإن الفصام ليس شيئا شبيها رض الغدة النكفية أو الحصبة.‏ وقصورمعارفنا بصدد حالة تشتمل على كافة جوانب الوجود الإنساني ناشئ اشدحد كبير من حقيقة أنه لانهاية لسر الحياة.‏ لكن إذا كانت الرحلة بلا نهايةفقدرتنا على الفهم وعلى النمو وعلى التقدم هي أيضا بلا نهاية.‏وأنا لا أعتبر نفسي اؤلف الوحيد لهذا الكتاب.‏ إذ علي َّ أن أنوه بأننيقد تعلمت الكثير من أعمال زملائي ليس هذا فحسب بل إنني أعتبر أنمرضاي العديدين الذين منحوني ثقتهم وولاءهم هم شركائي في تأليفهذا الكتاب فلهم مني خالص الشكر.‏ فقد امتدت بيننا أواصر الصداقةوالرفقة التي تنشأ من اشاركة اتبادلة في الأفكار واشاعر والابتكاروالاندهاش والآمال.‏سيلفانو أريتي9


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده10


لا كننا تجاهل الفصام1 لا يمكننا تجاهل الفصامفي السابعة صباحا دق جرس انبه موقظاجوزيف مونرو-ظل الجرس يدق ويدق ويعلو رندقاته أكثر فأكثر حتى بدا وكأنه لن يتوقف أبدا.‏نهض جوزيف من الفراش.‏ الرن يكاد صوته يصمالآذان غطى جوزيف أذنيه بيديه لكن الصوتمازال مرتفعا لم يعد يعرف ماذا يفعل إزاء ذلك..‏أتجه صوب النافذة وفتحها فإذا بالرن الصاخبينتشر عبر الهواء حتى يبدو كأنه أصم آذان الناسجميعا كان الصوت في البداية يشبه صوت سيارةالبوليس ثم أصبح يشبه صوت عربة إطفاء الحريقوأخيرا أصبح من القوة بحيث بدا كأنه علامة إنذارموجهة للمدينة بأسرها الشوارع أيضا تبدو غيرمألوفة هذا الصباح فاباني تغيرت أشكالها بصورةهزلية وكل الأشياء أصبح لونها ناصعا وكأنها مشهدمن فيلم ملون.‏ لم يحدث لجوزيف مونرو طوالحياته التي ناهزت الأربعة والعشرين عاما أن لكهمثل هذا الإحساس بتوقع الخطر وبالغموض انذربشر آت.‏كانت ظلمة ما بعد الغروب آخذة في الانتشاربينما كانت آن ماري روفيل في طريقها إلى بيتهاالذي يقع على بعد خطوات قليلة لكن الظلام بدا11


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهاليوم داكنا أكثر من األوف في مثل هذا الوقت والأضواء بدت ضعيفةأكثر من اعتاد ضوضاء ادينة نفسها مختلفة هذا اساء-إذ يتخللها صوتيوحي بالرهبة والتوجس يخفت ويعلو كاوج لكنه لا يتوقف أبدا بل ثمةهمس منتشر حولها مسموع لكنه مشوش غير مفهوم وشيئا فشيئا بدأتتتضح الكلمات إنها تتحدث عنها.‏ والتفتت وراءها وإذا بهم هناك.‏ أناسغريبو الشكل شائهو الوجوه يتبعونها.‏ ما الذي يبتغونه من فتاة فقيرةبريئة لم تتجاوز الثانية والعشرين.‏ إنهم يتجسسون عليها.‏ ومن المحتملأنهم يريدون اللحاق بها را ليختطفوها وانطلقت آن تجري نحو انزلفي حالة من الهلع وهي تلهث وأخذت تبحث بيديها ارتعدت عن ثقبافتاح وما أن فتحت الباب حتى انفجرت في بكاء وصياح ‏«أمي..‏ أمي.‏إنهم يلاحقونني إنهم ورائي».‏جوزيف مونرو وآن ماري كلاهما يعاني من نوبة فصام حادة.‏ولو تصورت أن جوزيف أو آن ماري أحد أفراد أسرتك-فإن معاناة أيمنهما ستصبح هي معاناتك ومشكلته أو مشكلتها ستصبح أكثر مشاكلكإلحاحا وفي هذه الحالة ستجد لديك الرغبة في معرفة كل ما كنمعرفته عن هذا ارض الغريب بحيث تصبح قادرا على فهم ما يحدثلذلك الشخص وتصبح قادرا على مواجهة اوقف بل ورا تصبح قادراعلى مساعدة اريض نفسه أي ستجد لديك الرغبة في معرفة ما الذيسبب هذا ارض وكيف كن الشفاء منه.‏ولو أن أحد أفراد أسرتك كان قد غادر استشفى حديثا فستجد أنكبحاجة لأن تعرف كيف تتعامل معه في الحياة اليومية وكيف تكتشف أيةعلامات منذرة باحتمال حدوث نوبة فصام أخرى وأية حالات طارئة كنأن تحدث وكيف تعالجها في حينها.‏ أما إذا كنت حسن الحظ ولم يصبأحد من أقاربك بهذا ارض فرا أصاب أحد جيرانك أو أصدقائكورا يثير ذلك فضولا لديك لأن تعرف مدى التقدم الذي حدث في السنواتالأخيرة في فهم هذا ارض وما الذي لا يزال غامضا فيه.‏وحتى لو كنت لا تعرف أي شخص يعاني من هذا ارض فرا تكونقد قابلت أحد أولئك الذين غادروا استشفى وعادوا في الحياة الاجتماعيةوكن حينئذ أن تجد لديك الدافع لأن تزيد من معلوماتك عن تلك الحالة12


لا كننا تجاهل الفصامنتيجة لاهتمامك باخوتنا في البشرية الذين أصيبوا بها.‏ ويحتمل أن تجدلديك الرغبة في أن تعرف كيف كن التغلب على الأحكام الخاطئة التييطلقها الناس عليهم حينما يعودون لاندماج في اجملتمع ورا تزداد لديكتلك الرغبة حينما ترى بعضا من أولئك الذين يثيرون الشفقة يتجولون فيالشوارع على غير هدي كالصعاليك أو اصاب بالهذيان.‏والواقع أن أعدادا متزايدة من ارضى النفسي غادروا استشفياتالعامة في السنوات الأخيرة ومعظمهم فصاميون.‏ ‏(يقدر عدد ارضىالنفسي الذين غادروا استشفيات خلال عام واحد في ولاية نيويوركفقط بحوالي‎٠٠٠‎ ر‎٥٠‎ مريض).‏ وسياسة إخراج ارضى النفسي مناستشفيات في اجملتمع تلقى نفس التشجيع في املكة اتحدة أيضا.‏ويحتمل أيضا أن تكون قد سمعت أو قرأت بعض الشيء عن الفصاموأن يكون قد تجمع لديك قدر من اعرفة يجعلك تدرك أنك ح تعرفشيئا عن الفصام فإا أنت تعرف في نفس الوقت قدرا أكبر عن الوضعالإنساني وعن الأزمة الإنسانية بعامة.‏وأخيرا فلو كنت أنت نفسك الذي يعاني من الفصام فمن اهم للغايةأن تعرف كيف كن رضى الفصام أن يتم شفاؤهم في حالات كثيرةوكيف تتحسن حالتهم في حالات كثيرة أخرى وكيف أن ارض على الرغممن أنه قد يقلل من كفاءة وظائف معينة قد يثرى الحياة بأبعاد جديدة.‏كل تلك الأمور التي ظلت نسبة كبيرة منها مجهولة في ااضي سوفنناقشها في الصفحات التالية.‏إن الفصام مرض لا كن تجاهله ومع ذلك فقد لوحظ أنه في السنواتالأخيرة استحوذت أمراض أخرى على اهتمام أكبر بكثير فأمراض الشريانالتاجي والسرطان والسكر قد استأثرت باهتمام الرأي العام.‏ ولذلك نظمتحملات عديدة كافحة هذه الأمراض ولقيت تلك الحملات دعما مباشرامن الجمهور.‏ على أن الفصام لم يحظ ثل ذلك الاهتمام ورغم أن كثيرامن <strong>الفصامي</strong> قد غادروا استشفيات إلا أن عدد <strong>الفصامي</strong> الذين مازالواباستشفيات يفوق عدد اصاب بأمراض أخرى.‏ ولا توجد حالة اثلالفصام من حيث الأعباء الاقتصادية التي تحملها للدولة وللأسرة.‏ فمنذسنوات قليلة قدر ما كلفه مرض الفصام للدولة بحوالي ١٤ بليون دولار13


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهسنويا واليوم را تبلغ التكاليف ضعف هذا الرقم وقليلة هي الأمراضالتي تعوق حياة من يصاب بها مدة طويلة كما في الفصام.‏ إذ على الرغممن أن الفصام قد يحدث لفترة قصيرة-وردت تقارير عن حالات فصاميةلم تزد مدتها عن يوم أو اثن‏-إلا أنه من الصحيح أيضا أن هناك حالاتفصامية-وهي آخذة في التناقص لحسن الحظ-تبدأ مع فترة اراهقة أوبعدها بقليل وتستمر طوال حياة اريض التي قد تد إلى العقد التاسع.‏وحتى لو قارنا ب الاهتمام الذي يبديه الرأي العام تجاه الفصام وبما يبديه تجاه أنواع أخرى من الاضطرابات النفسية لاتضح لنا أن بعضالأنواع الأخرى من الاضطرابات النفسية-مثل إدمان الكحول والعقاقيروالاكتئاب قد استحوذ على اهتمام الرأي العام والصحافة بدرجة أكبركثيرا من الفصام.‏ ولو قدرنا ثقل ارض عيار واحد فقط هو عدد اصاببه لاستحق إدمان الكحول الاهتمام الأكبر لكننا لو قدرنا أهمية ارضدى خطورته على الحالة العقلية أو دى تأثيره على كفاءة الوظائفالعقلية لوجدنا أن الفصام يحتل ارتبة الأولى بلا منازع.‏فإذا ألقينا نظرة على مدى وطأة الفصام على الجيل الراهن ‏(هناكحوالي ٤٠ مليون فصامي في العالم)‏ ا وجدنا في تاريخ الحروب حربا كانلها مثل هذا العدد من الضحايا أو اصاب‏-ولم يحدث أن زلزالا أو كارثةأرضية سببت خسائر بهذا الحجم فلا توجد حالة أخرى من أي نوعكنها أن تحرم مثل هذا العدد الهائل من الشباب من متعة الحياة.‏اذا إذن لم يحظ الفصام إلا بالقليل من الاهتمام سواء من الصحافةأم من أجهزة الإعلام الجماهيرية?.‏ ليست هناك إجابة واحدة وإا هناكعدد من العوامل التي يدعم بعضها البعض.‏ فكثير من الناس يجدون أنفسهمتحت تأثير كثرة اشاكل التي تترتب على الفصام ميال لاتخاذ موقفالإنكار عنى أنهم يتصرفون كما لو كان الفصام مرضا لا وجود له أو كمالو كانوا يشعرون بأن أفضل الطرق لعلاجه هو صرف النظر عنه.‏والبعض الآخر ومنهم للأسف بعض اتخصص يصرون على أنه لاوجود لشيء اسمه الفصام ويرون إنه مجرد أسطورة وقد استطاعوا جذباهتمام الرأي العام والصحافة نظرا للطابع الإثاري لدعاواهم.‏ وبعض أولئكالذين ينكرون وجود الفصام أو الذين يرفضون اعتباره مرضا إا يفعلون14


لا كننا تجاهل الفصامذلك بحسن نية.‏ فهم يظلون غير مصدق وجود مثل تلك الحالة ارضيةالخطيرة إما لأنهم لا يستطيعون تصور وجود مرض دون أعراض عضويةواضحة وإما لأنهم يرفضون قبول افهوم الذي أصبح راسخا ‏(وبخاصةبعد فرويد)‏ والذي يرى أن كثيرا من الأمراض النفسية إا هي أمراضنفسجسميه أي أنها ناتجة على الأقل جزئيا من تأثير عوامل انفعالية.‏إنهم يرفضون الثورة التي حدثت في عالم الطب والتي قتضاها أصبحمن الثابت أنه ليس كل حالة مرضية تفترض حدوث تغيرات في تركيببعض خلايا الجسد.‏ فعلى الرغم من أن افهوم الذي صاغه أساسا عالمالأمراض الأاني فيرشوف Virchow صحيح بالنسبة لغالبية الأمراض إلاأنه غير صحيح في بعضها وهي تلك الحالات التي يحدث فيها التغير فيتركيب الخلايا عقب الاضطراب الانفعالي وليس قبل ذلك.‏ وهناك حالاتأخرى لا يحدث فيها تغير في تركيب الخلايا وإا يحدث التغير فقط فيالطريقة التي تؤدي بها بعض الخلايا وظائفها.‏ وفي هذه الحالة يسمىارض مرضا وظيفيا-وارض الوظيفي يتميز بأن هناك تغيرات كيمائيةحيوية تحدث وتصبح غير سوية إلى درجة كبيرة لكن التركيب التشريحيالأساسي يظل كما هو.‏وهناك آخرون ينكرون وجود الفصام على أساس أنه حالة عقلية غيرقابلة للتعريف فأعراضها شديدة الاختلاف عن مجمل أعراض الأمراضالأخرى كما أن أسبابها موضع اختلاف.‏ لكننا لكي نقدم تعريفا دقيقا لأيةظاهرة فذلك يفترض أننا قد عرفنا عنها كل شيء.‏ ولو تصورنا أننا انتظرناقبل أن نقدم تعريفا للكهرباء أو الذرة إلى أن تصبح لدينا معرفة كاملةعنهما ا حدث أدنى تقدم في العلم.‏ وحتى اليوم هناك من يقول بأننا لمنعرف بعد ما هي الكهرباء على الرغم من أننا نعرف الكثير عن خصائصهاوعن القوان التي تنظم حركة الطاقة الكهربية وكلمة ‏«ذره»‏ باليونانيةتعني ذلك الشيء الذي لا يقبل الانقسام.‏ وهذا تعريف غير دقيق إطلاقاللذرة وعلى الرغم من ذلك فبدون هذا التعريف افيد عمليا ما كانللكيمياء الفيزيائية أن تحرز أي تقدم.‏فإذا عدنا إلى الفصام فسنجد أننا قد عرفنا عنه الكثير فاكتباتتزخر بالعديد من اؤلفات حول هذا ارض والنجاحات التي تحققت في15


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهعلاجه حتى اليوم من شأنها أن تحدث صدمة لدي إميل كريبل milKraepelin وهو أول طبيب نفسي وصف الفصام وسماه بالعته ابكرdementia Praecox فعندما وضع كريبل مؤلفه الضخم عام ١٨٩٦ كان يعتقدأن الفصام متى أصاب شخصا أدى به إلى تدهور متزايد مستمر دون أدنىاحتمال للشفاء أو حتى للتحسن ولحسن الحظ فمثل هذا الاعتقاد لم يعدصحيحا.‏فإذا توغلنا إلى ما هو أبعد من السطح وبحثنا عن دوافع لا شعوريةلإنكار وجود ما هو واضح ومثير لاضطراب عظيم فسنصل في النهاية إلىأن مثل هذا الإنكار إا يستند إلى تحيزات شائعة وقدة ضد مختلفأنواع ارض العقلي التي ثل الفصام طها الرئيسي.‏ فالخوف من ارضالعقلي وفهم ارض العقلي على أنه شيء يدعو للخوف أو يثير الرعبيؤدي إلى إنكاره كذلك فالاعتقاد بأننا نحن أيضا لو انحرفنا في السلوكأو لو اتخذنا موقفا متطرفا أو مثيرا للخلاف أو غير مألوف قد نوصمخطأ بأننا فصاميون هذا الاعتقاد يؤدي إلى إنكار وجود الفصام.‏ كذلكفإن توجسنا من أننا را نعاني من هذا ارض خفية يؤدي بنا إلى إنكاره.‏وباثل فالخوف الذي لا مبرر له من أننا قد نكون سبب إحداث الفصام فيالآخرين خصوصا أطفالنا وأن علينا تبعا لذلك أن نواجه الإحساس بالذنبيؤدي إلى إنكاره.‏ كذلك فالاعتقاد الخاطيء بأن الفصام حالة غير قابلةللتحسن يؤدي إلى إنكاره والواقع أن واحدا من ب كل ثلاثة فصامييشفى اما وأكثر من الثلث يتحسن بدرجة تكفي لأن يحيا حياة عادية.‏وجدير بالذكر أن التحامل على ارض العقلي آخذ في التناقص السريعولم يعد ملحوظا كما كان من قبل لكنه رغم ذلك مازال موجودا وبخاصةلدى طبقات اجتماعية معينة وفي مناطق جغرافية محددة.‏ وهذا التحامليبدو جليا حينما يعتبر ارض العقلي ‏«وصمة»‏ stigmaأي صفة شائنة.‏ ولقدكان العبء كبيرا في ااضي حينما كان <strong>الفصامي</strong>ون يعتبرون مصدرا للعنفوللسلوك العدواني واضاد للمجتمع وهو تصور ثبت خطؤه.‏ فأعمال العنفلا تحدث لدى <strong>الفصامي</strong> أكثر ا تحدث ب عامة الناس.‏ لكن هناكسمات معينة للفصامي لا يقبلها أي مجتمع.‏ ف<strong>الفصامي</strong> لا يسلك دائماسلوكا متوائما مع اوقف ولا متسقا مع توقعات اجملتمع.‏ فاجملتمع يستند16


لا كننا تجاهل الفصامإلى النظام والتضامن والرضوخ لأعرافه وتقاليده.‏ وكما ذهب عالم الاجتماعالكبير إميل دور كا فإن أي موقف إدانة يتخذه اجملتمع ضد من ينحرفمن أفراده إا يهدف إلى منح الطمأنينة لباقي أفراد اجملتمع الذين يهمهمالمحافظة على استقراره وعلى منع ما يهدد ذلك الاستقرار.‏ و<strong>الفصامي</strong> قدينام نهارا ويستيقظ ليلا وقد يرتدي ملابس لا تتناسب مع اوقف كأنيذهب إلى جنازة مرتديا بنطلون جينز أو يشيح ببصره بعيدا حينما يتحدثإليه أحد.‏ لكن الذين كنوا من دراسة وملاحظة <strong>الفصامي</strong> يعلمون أن عدمتوافقه مع اعايير األوفة لا ينطوي على أي تهديد للسلوك التواؤميللآخرين بل هو مجرد مسألة شخصية.‏ فهو لا يعتنق مذهبا معينا فيالسلوك ولا يطمح لأن يكون مصلحا اجتماعيا.‏ وكل ما كن اعتباره عدماتساق أو شذوذ أو لامبالاة أو جمود في اشاعر كل هذه الصفات لا تحملأية نوايا شريرة بل هي تعبير عن انحرافه ارضي.‏وعامة الناس أخذوا يدركون أن انحراف <strong>الفصامي</strong> عن السواء في سلوكهلا ينطوي على خطورة اجتماعية وعلى الرغم من ذلك فإن حقيقة كونهمختلفا تجعله يبدو غريبا ب أقرانه كما يبدو شخصا يصعب التآلف معه.‏فإذا قارناه دمن الكحول أو ريض الاكتئاب لوجدنا أن التآلف مع أيمنهما أكثر يسرا.‏فمعظم الناس في اجملتمعات الغربية يلون إلى تعاطي الكحول فيبعض الأوقات وكلنا عانينا في وقت من الأوقات من الإحساس بالاكتئاب.‏وغالبا ما ينظر الناس إلى <strong>الفصامي</strong> بنفور لأنه بعزوفه عن الناسيعطي انطباعا بالخوف منهم أو برفضه إياهم.‏ فهو يتخذ أحيانا وضعايبدو فيه وكأنه ليس لديه ما يفعله إزاء ما يحدث حوله أو يبدو وكأنه ينظرإلى الكون بأسره بترفع لا حد له.‏ وكما سيتضح فيما بعد فتلك الانطباعاتعن <strong>الفصامي</strong> بعيدة عن الحقيقة-فهي ليست سوى الانطباعات التي يحملها<strong>الفصامي</strong> إلى الآخرين وغالبا إلى نفسه أيضا.‏ لكن رغبته الخفية هيإعادة التواصل مع اجملتمع الإنساني.‏ف<strong>الفصامي</strong> ذو ايول ‏«البارانوية»‏ يتسم سلوكه بتصيد أخطاء الناسجميعا وكل ما من شأنه إثبات أنهم غير منصف لكنه في الحقيقة إايفعل ذلك في سلوكه الظاهري فقط ولا تحتل تلك ايول سوى القشرة17


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالسطحية من تفكيره فقد جعله ارض يسلك على هذا النحو حماية لنفسهضد الشعور الذي يسرى في كيانه كله بفقدان الثقة بالآخرين.‏ فالفصامحالة لا تدعو للخجل أو الإحساس بالذنب اما كما أن ظاهرة طبيعيةكالزلازل لا تدعو للخجل أو الإحساس بالذنب حينما تحدث في اكانالذي نحيا فيه.‏ على أن الفصام يختلف عن الزلزال في أنه ظاهرة قدورناعمل الكثير تجاهها.‏ وإذا كان ثمة شيء يدعو للخجل أو الإحساس بالذنبفإا هو إنكارنا ثل تلك اشكلة ووقوفنا مكتوفي الأيدي تجاه علاجها أوالوقاية منها..‏ وحتى لو كان الفصام يتعلق جزئيا أو بطريقة غير مباشرةببعض الظروف غير اواتية أو غير العادلة في مجتمعنا فيجب ألا نكتفيإزاء ذلك بالخجل أو الإحساس بالذنب بل علينا أن نحاول التعرف على تلكالظروف وتخفيف وطأتها.‏ وحقيقة أن الفصام مازال يوجد بيننا يجب أنتحفزنا أكثر إلى تحس الطرق التي ننظم بها بيئتنا ومؤسساتنا الاجتماعيةوالكيفية التي نحيا بها داخل أسرنا والتي يؤثر بها كل منا في الآخر.‏لقد أبرزت حتى الآن التأثيرات العامة للفصام لكن الدراما اأساويةلهذا الاضطراب العقلي تصل إلى ذروتها داخل الفرد الذي يعاني منه.‏فالفصام لا يسبب أا عضويا ولكن شدة اعاناة العقلية التي تنشأ عنهتبلغ من الضراوة حدا يجعل اريض يقبل في سرور مقايضته أا عضويابل أحيانا يُحدث <strong>الفصامي</strong> عامدا إصابة في جسده آملا أن يخفف الألمالعضوي الناتج عن ذلك من هول الألم العقلي.‏ هذا الألم العقلي الهائلالذي تشتد حدته في ارحلة الأولية للمرض تسبقه بدوره معاناة طويلة:‏لم يلحظها أحد ولم يهتم بها أحد ولم تثر ريبة أحد وهي معاناة قد تدفي ااضي حتى الطفولة ابكرة وأثناء تلك ارحلة الأولية وما يليها منمراحل يعاني اريض من الإحساس بالرعب الناتج عن رؤيته لنفسه مقطوعالصلة بالعالم فهو يجد نفسه غير قادر على فهم الآخرين كذلك يجدالآخرون أنفسهم غير قادرين على فهمه وهو يشعر بنفسه وحيدا معزولالكنها عزلة غير كاملة لأن لديه قناعة بأن قوى غامضة تحيط به وشرورالا يعرف كنهها تتربص به أو بأن أناسا معين يلاحقونه ليوقعوا به الأذىوما لم يشف أو يتحسن-ودعني أكرر بأن ذلك احتمال مرجح بنسبةلصالحه-فإن قواه الوظيفية سوف تأخذ في التدهور بشكل متزايد.‏ إذ١ :٢18


لا كننا تجاهل الفصامسوف تقل شيئا فشيئا:‏ قدرته على التمتع بالحياة وقدرته على الأخذوالعطاء وقدرته على الشعور بالأمل وعلى الإبداع.‏ فالزمن كما يحس به لميعد يتحرك فليس ثمة تقدم إلى الأمام ولا تراجع إلى الخلف بل هومتوقف بلا حراك عند تلك الحالة من الدمار اترامي الأبعاد.‏ومن اهم أن يكون لدينا شعور بالتعاطف تجاه اريض عقليا وأن نكونمتفهم لطبيعة معاناته وأن نكون متحررين من مشاعر التحامل عليه بلرا كان الأهم من ذلك أن نكتسب حس القرابة تجاه اريض لأن الإحساسبالقرابة ينطوي على التعاطف وعلى التخلي عن أي تحامل.‏ وستزداد حينئذقدرتنا على مساعدته كما قد ينشأ لدينا في كثير من الأحيان شعوربالإعجاب تجاه اريض.‏وقد يبدو ذلك مثاراً‏ للدهشة غير أنه لا يعني أنني أتصور أن <strong>الفصامي</strong>يعرف الحقيقة العليا أو يعرف أية حقيقة أعلى ا يعرف الناس.‏ فمثلهذا اوقف اتطرف اتخذه رونالد لانج الطبيب النفسي الإنجليزي الذيأحرز شهرة ب عامة الناس أكثر منها ب زملائه فليس هناك إنسانيعرف الحقيقة وإذا وجد فلن يكون هو <strong>الفصامي</strong> الذي لا يستطيع فيمعظم الأحيان التمييز ب الواقع والخيال.‏ لكنني أعتقد أننا كن أن نكنللفصامي نوعا من الإعجاب لكونه شخصا يتعامل مع العالم بجدية ولأنهلا يستطيع أن يقبل ما يراه غير مقبول من أمور الحياة.‏ لكنه ليس قدورهالتصدي للموقف إذ يستحوذ عليه شعور بأنه غير مقبول وغير قادر علىالقبول في نفس الوقت.‏ فهو لا يريد الإذعان ا يراه سيئا ا يجرى حولهلكنه يشعر بأنه ليست لديه القوة لأن يحتج بصورة فعالة.‏اذا علينا إذن أن نشعر تجاهه بالقرابة?‏ لأن بداخل كل منا قدرا ضئيلاعلى الأقل من ايل للانحراف عن السواء لكننا على خلاف <strong>الفصامي</strong>نخاف أن نبوح به فهو يضخم انحرافه عن السواء بينما نحن نطويه داخلنفوسنا قدر الاستطاعة ونحن نشعر أيضا في بعض الأحيان بأننامرفوضون وأحيانا أخرى يحدث العكس فنشعر بأننا ميالون للرفض كمانشعر بايل إلى توجيه اللوم أو نشعر أننا موضع لوم.‏ فنحن كثيرا مانشارك <strong>الفصامي</strong> احتجاجه لكننا نظل صامت‏.‏ف<strong>الفصامي</strong> قد يصيح محتجا لكن صيحته تتلون بلون ارض واحتجاجه19


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيتخذ صيغا غريبة مثل احتجاج جوزيف مونرو الذي اتخذ صورة رن أصمآذان ادينة بأسرها أو مثل احتجاج آن ماري روفيل الذي اتخذ صورةالإحساس بالهلع عند رؤية أناس مشوهي الخلقة يلاحقونها ليوقعوا بهاالأذى.‏وكلما تقدمنا في فهم الفصام لن تتكشف للقار جوانب الرعب الإنسانيواأساة الإنسانية فحسب بل ستتكشف له أيضا مدى قوة العقل البشريوتنوعه وثرائه.‏ كيف كن أن يحدث ذلك ونحن ندرس مرضا كالفصام?‏الواقع أن دراسة الفصام تأخذنا إلى عالم ‏«اللامعقول»‏ لكن ‏«اللامعقول»‏هو أيضا إنساني وله ‏«معقوليته»‏ وثراؤه الخاص فما الذي هو أكثر لامعقولية من الحلم?‏ فنحن لا نستطيع أن نأخذ وقائع الحلم بحرفيتهافالأحداث ذات الأزمان اخملتلفة قد نراها في الحلم تحدث في نفس الوقتوالأماكن فيه قد تتشوش وتتداخل والناس قد تبدو فيه على غير هيئتهمالحقيقية وقد نفعل في الحلم أشياء من استحيل أن نفعلها في اليقظةورغم ذلك فإن اكتشاف فرويد العظيم عنى الأحلام قد كشف لنا عقلانيةالعمل الذي يقوم به العقل ح يحلم.‏ وما كشفه لنا فرويد عن الأحلاممكننا من فهم أبعاد جديدة للروح الإنسانية.‏ وباثل فنحن ح ندرسالفصام إا نستكشف عالم الخيال عاا لا تعود الأولوية فيه للواقع بلللمجاز فهو عالم تخيلات.‏ فبينما يظل الشخص العادي أسير الواقع يجنح<strong>الفصامي</strong> اشد الشرود منه.‏ فبينما نظل نحن لصيق بأرض الواقع نراهمثل ملاح الفضاء يتجه في استكشاف عوالم أفضل لكن يظل هناك فرقبينه وب ملاح الفضاء الحقيقي ذلك أنه يواجه صعوبات خطيرة فيالعودة إلى كوكبنا اتواضع.‏ فمحاولته للهروب من واقعه البشري محاولةعقيمة لأنه سيظل بشرا على الدوام.‏ بل إنه لشدة بشريته ولشدة انشغالهبهموم البشر لهذا السبب بالتحديد أصبح فصاميا.‏ وفي كتابنا هذا سنحاولأن نفهم كيف حدث ذلك وسوف نصحب اريض إلى عالم تخيلاته الذييتسم بالغموض وبالإنسانية في نفس الوقت.‏وفي كتاب لي بعنوان:‏ ‏«الإبداع:


لا كننا تجاهل <strong>الفصامي</strong>شعر بأنه سج داخل الأشياء كما هي في الواقع وينحو إلى تغييرها بأنيضيف لها شيئا يجعل العالم أكثر جمالا وأكثر قابلية للفهم وأكثر طواعيةلنا.‏ وقد أوضحت في ذلك الكتاب كيف أن العلماء والشعراء والفنانوكتاب اسرحيات وابدع بعامة إا يستخدمون عمليات عقلية اثلةللعمليات العقلية التي يستخدمها <strong>الفصامي</strong>-والتي يستخدمها أيضا الشخصالعادي ح يحلم فابدعون لديهم القدرة على دمج تلك العمليات العقليةالغريبة مع العمليات انطقية العادية للعقل ومحصلة ذلك هي العملالإبداعي وانتجات الإبداعية.‏ لكن <strong>الفصامي</strong> ليس قدوره القيام بعملذلك الولاف الشاق.‏فهو يستخدم العمليات التخيلية بطريقة مدمرة.‏ وعلى الرغم من ذلكوكما أوضحت في كتابي سالف الذكر فإن دراسة تلك العمليات توضحبدرجة كبيرة مدى تعقيد النشاط الإبداعي لدى الشخص ابدع.‏ لذلكفالفصام لا يظل أسير دائرة الاهتمام الطبي والإنساني.‏ صحيح أن اهتمامناوالتزامنا وانشغالنا بالفصام إا مصدره اهتمامنا العظيم بأولئك البشرالذين يعانون منه.‏ لكن دراسة هذه الحالة تتيح لنا بالإضافة إلى ذلكإمكانية أن نستكشف من خلال منظورات غير عادية متاهة العقل البشريذلك الكيان الذي لا مثيل في تعقيده لأية ظاهرة أخرى من ظواهر العلموالذي يكشف لنا دائما عن جديد فيه.‏ فنحن بدراستنا للفصام إا ندرسبطريقة فريدة لغز الكائن البشري في تأرجحه الأبدي ب الحقيقة والوهموفى عدم تيقنه الدائم من شعوره بالحب أو الكراهية وفي رحلته الدائريةب الشك اتزايد والإان اطلق ب جوعه الذي لا يشبع للآخرين وبوحدته وعزلته العميقة إلى ما لا نهاية.‏ فهذه اتناقضات جميعا إا تشكلبانوراما الوجود الإنساني.‏لقد تناولت في هذا الفصل ارة تلو ارة حالة لم أقدم لها تعريفا.‏فما هو الفصام?‏ الفصام حالة ليس من اليسير تعريفها مثلما نعرف الالتهابالرئوي أو التهاب الغدة النكفية ولا حتى مثلما نعرف الاكتئاب لذلكسأقدم تعريفات تتزايد دقتها كلما تقدمنا في معرفة الفصام خلال الفصولالتالية.‏ لكنني سأكتفي حاليا بالقول بأن الفصام هو حالة عقلية غير سويةتصيب الكائنات البشرية وحدها وتغير تغييرا عميقا من أاط تفكيرهم21


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوشعورهم وسلوكهم تجاه العالم بحيث تختلط لديهم الحقيقة بالوهم وتؤديإلى تبنى أساليب حياتية لا تتسق مع الواقع.‏22


إرهاصات الفصام2 إرهاصات الفصامعندما نتجاهل العلامات المنذرة:‏جوزيف مونرو وآن ماري روفيل اللذين ذكرتهمافي بداية الفصل الأول أصيبا فجأة بحالة فصامحادة أحدثت صدمة عنيفة لدى كل معارفهم.‏ وقدكان ذلك الشاب وتلك الفتاة وهما في مقتبلعمرهما يبدوان موفق في حياتهما ومتكيفمع الواقع بصورة طيبة.‏ فهل حدث لهما الفصاممن لا شيء مثلما يحدث البرق والرعد بعد سماءصافية مشرقة?.‏الواقع أن الفصام يحدث أحيانا دون توقعوأحيانا أخرى يحدث عقب واقعة ضئيلة الشأنمثل حادث بسيط يستطيع الشخص العادي أنيتغلب عليه أو يتحمله دون كبير عناء.‏ فهل لا توجدحقا علامات منذرة بحدوث الفصام?‏ دعنا نلقينظرة فاحصة على عدد من الحالات التي تقدم لناإمكانات متنوعة.‏ وسوف نركز في اختيارنا علىحالات الفصام التي تحدث في فترة الشباب ‏(منسن الثامنة عشرة حتى الخامسة والعشرين)‏ فهيالفترة الأكثر تعرضا لحدوث الفصام على الرغممن أنه قد يحدث في أي وقت.‏ وأحب أن أؤكد أنجميع الحالات التي قدمتها في هذا الكتاب ا23


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفي ذلك حالتي جوزيف مونرو وآن ماري روفيل هي حالات واقعية وأننيأرويها كما حدثت فعلا.‏ فيما عدا الأسماء فهي من عندي.‏أذكر مريضا قمت بفحصه منذ سنوات عقب الحرب العاية الثانيةدة ليست طويلة وكان قد وقع له حادث بسيط عندما كان يقود سيارةأتوبيس ولم يكن قد مضى عليه منذ التحاقه بتلك الوظيفة سوى يوم‏.‏والحادث في ذاته لم يكن ذا شأن:‏ إذ اصطدمت سيارة الأتوبيس بسيارةصغيرة ولم ينتج عن ذلك سوى بعض التلفيات البسيطة.‏ ولم يصب أحدبسوء.‏ رغم ذلك فقد أصيب السائق بحالة هياج وكان لا بد من عودتهللمنزل.‏ وأحضرته زوجته لعيادتي على الفور.‏وأخبرتني الزوجة أن زوجها ظل يهذي بكلام غير مفهوم منذ وقوعالحادث قبل مجيئها بحوالي سبع ساعات.‏ وذكرت أنها لم تلحظ أي شيءغير طبيعي على زوجها قبل الحادث وكانت حاملا وكانا قد تحادثا فيالليلة السابقة عن خططهما بالنسبة للمستقبل وعن طفلهما انتظر وكاناسعيدين للغاية.‏ وعندما رأيت اريض وجدته متهيجا وغير مستقر علىحال وكان مدركا أن شيئا هاما مثيرا للاضطراب قد حدث له لكنه لميستطع تحديد كنهه.‏ وعندما دق جرس التليفون كتبي مرت في حضورهاعتقد أن اكات كانتا تتعلقان به.‏ إذ لا بد أنهم يلاحقونه.‏ ولا بد أنهمعرفوا أين يكون.‏ ولأنه سمع صوتا نسائيا في نهاية اكاة افترض أنهاعمته وأنها تحدثني عنه ولم يكن قادرا على إدراك ما يجري حوله.‏ فكلشيء حوله دائب الحركة مشوش وغريب.‏وفيما يلي بعض أقواله ‏«العالم يسير بسرعة هائلة وهو يظل دائرا حولمحور لكنه يسير دائما.‏ ولو أن الناس في هذا العالم كانوا يسيرون بسرعةأقل.‏ إنهم يحاولون مجاراة العالم لكن لا يجب عليهم ذلك.‏ إنه رأيي البائعأن الناس يندفعون بطيئا بطيئا وعندما يصلون إلى نقطة معينة يبدأون فيالتحقق من أنهم يسيرون بسرعة أو ببطء وأنهم لا يستطيعون أن يكونواقضاة العالم بينما هو يدور.‏ العالم قد تغير إنه يسير بسرعة ويستمر فيالسير السير وأنا لا أستطيع أن أجاريه».‏وبعد أن أمت الفحص أوصيت بإدخاله استشفى وشفى خلال شهورقليلة.‏ فهل حقا لم تبد عليه أية علامات اضطراب قبل الحادث?‏24


إرهاصات الفصامالواقع أن اريض كان قد زارني عقب عودته من الحرب بفترة وجيزةفقد كان يواجه حينذاك صعوبة في التكيف مع الحياة ادنية وكان غيرقادر على تحديد ما إذا كان عليه أن يعاود الانضمام إلى الجيش.‏ وقدزارني بتوصية من مكتب التأهيل التابع لإدارة المحارب القدماء.‏ وكاناريض قد عقد خطوبته لكنه كان عاطلا عن العمل.‏ وفي نهاية الجلسةالثانية شعر بأنه غير راغب في مواصلة العلاج ولم أكن من إقناعهبالاستمرار فيه وحاولت أن أوضح له كيف أنه يبدو شديد القلق وأنه وإنكان من افهوم أن ينتابه بعض التوجس لكونه عاطلا عن العمل ويرغب فيالزواج في الوقت نفسه إلا أن قلقه زائد بصورة غير طبيعية واقترحتعليه أن نحاول معا أن نكتشف اذا يستولي عليه ذلك الشعور بعدم الأمانوما الذي كننا عمله إزاء ذلك.‏ لكنه لم يوافقني وبخاصة لأن أسرتهرسخت لديه الاعتقاد بأنه سليم وأن الصعوبة الوحيدة التي تواجهه هيالعمل وجرد حصوله على عمل فكل شيء سيصبح على ما يرام.‏وعلى الرغم من أنه أكد الدور الذي لعبته أسرته في إقناعه بأنه سوىإلا أنه طلب مني عدم الاتصال بهم وكان من ب الأسباب التي ذكرها فيمعرض حديثه عن توقفه عن العلاج أن عليه أن يقوم بزيارة أقاربه الأثرياءوهم من ذوي النفوذ ويقيمون خارج ادينة-عله يجد لديهم حلا شكلتهولم تكن باريض ح رأيته أية علامات فصامية ورغم ذلك فقد عرفتوقتها أن حالته لا تدعو للطمأنينة.‏وبعد مضي ثلاثة شهور تلقيت مكاة تليفونية من زوجته.‏ وعند وصولهاإلى عيادتي أخبرتني بأنهما قد تزوجا منذ شهر وأن أقاربه لم يوفوا بوعودهمإلا أنه استطاع خلال تلك الفترة أن يقوم ببعض الأعمال اؤقتة وكل شيءكان يبدو على ما يرام.‏ وأضافت أنه منذ يوم فقط استطاع الحصول علىوظيفة سائق أتوبيس.‏أعتقد أننا قد أصبحنا في وضع كننا من تقييم ما الذي يكمن وراءتلك النوبة <strong>الفصامي</strong>ة ‏«اثيرة للدهشة».‏ فبعد عودته من الجيش حاولاريض أن يتكيف مع الحياة ادنية إلا أن صعوبات قدة في شخصيتهمثل خجله وميله للخوف وتردده وافتقاده للمبادأة-تلك الصعوبات التي لميتح لها الظهور طيلة وجوده بالجيش-طفت على السطح عندما أصبح مدنيا25


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوأصبحت تعوق تكيفه ثانية مع الحياة ادنية وفي الوقت الذي عادت فيهالسمات السلبية في شخصيته إلى الظهور فإن الأعباء التي شعر بأن عليهتحملها أو التي حملها لنفسه أدت به إلى حالة من عدم الارتياح.‏ فقد شعربأن عليه أن يتزوج بالفتاة التي ظلت مخطوبة له فترة طويلة والتي انتظرتهحتى عاد.‏ أما أقاربه فقد خذلوه واعتماده عليهم ثبت خطؤه.‏ وطبيعي أنهكان عليه ألا يعتمد عليهم بل يعتمد على قدراته الذاتية لكنه لم تكن لديهثقة بنفسه وكان يشعر بعدم الأمان وبخاصة لأنه ليست لديه أية مهاراتخاصة ترضى أي صاحب عمل.‏ وهو لم يتعلم أية مهنة أو حرفة.‏ ولأنشعورا عميقا بالنقص جعله يعتقد بأنه لن يحالفه التوفيق في أية دراسة.‏وحتى في الوقت الحالي فإن شعوره بعدم الأمان جعله يحجم عن الالتحاقبالدراسة تحت كفالة لائحة حقوق قدامى المحارب‏.‏ ولقد أسهمت ظروفعديدة غير عادية وغير سارة حدثت في طفولته في تكوين ذلك الشعوربعدم الكفاءة.‏غير أنه استطاع رغم كل ذلك أن يحصل على وظيفة سائق أتوبيسقبل الحادث بيوم اثن لقد كان لديه اعتقاد بأنه سيفقد وظيفته تلكواعتقاده هذا رسخ شعوره العميق بعدم الجدارة.‏ وكان الحادث بالنسبةإليه برهانا على صدق إحساسه العميق بعدم الكفاءة وبخاصة وأنه كانيعلق أهمية كبيرة على تلك الوظيفة.‏ إذ كان إحساسه بالأمن يكاد يعتمدكلية على ذلك الأساس ازعزع وهو الحصول على وظيفة مجزية والآنيحق للجميع ألا يثقوا به وقد كان أقاربه على حق عندما لم يعاونوه فيإيجاد عمل له.‏ فهو عد الجدوى إلى حد اليأس بل هو غير قادر حتىعلى مسايرة الحياة.‏كانت تلك الأفكار ثابة جرح شاعر اعتبار الذات وللإحساس بالهويةبدرجة لم يستطع تحملها فأخذ يفكر بطريقة لا عقلانية وأخذت أفكارهتضطرب وتفقد اتساقها.‏ وأصبح يرى العالم بطريقة غير مألوفة:‏ إذ بدا لهوكأنه يجري سريعا بدرجة لا يستطيع معها أن يلاحق حركته فشعورهبعدم الكفاءة ذلك الشعور اتغلغل في حنايا نفسه حوّله ارض بصورةمجازية إلى إحساس بعدم القدرة-باعنى الفيزيائي-على ملاحقة حركةالعالم.‏ ومن المحتمل أن يكون الحادث قد أمده بفكرة الحركة.‏ وخلال26


إرهاصات الفصامساعات قليلة كان من الواضح أن أفكاره الخاصة الغريبة ‏(مثل فكرة أنعمته تحادثني بشأنه)‏ قد وصلت إلى أقصى مداها وكانت التصورات‏«اللاعقلانية»‏ تنمو في تتابع سريع.‏ إذ كانت رؤيته للأشياء قد تغيرتبالفعل فأصبح ينظر إليها بطريقة مختلفة ومشوشة وكان عليه أن يحاولإعادة تفسير الواقع.‏وقد يقول بعض القراء وهم على حق إن كثيرا من الناس قد رونثل ذلك الحادث البسيط دون أن يصابوا بالفصام.‏ وحتى لو كان الحادثمن النوع الذي قد تنتج عنه خبرات حياتية غير سارة ومثبطة للروح اعنويةفإن معظم الناس قدورهم التغلب على صعوباته دون كبير عناء.‏ وهناكمن ضون في افتراضهم خطوة أبعد فيقولون:‏ بأن مرضه إا كان نتيجةلتغيرات كيمائية حيوية في اخ وأن الحادث لم يكن سوى القشة التيقصمت ظهر البعير.‏ولست أود-عند هذه النقطة-أن أخوض في مناقشة أسباب الفصام.‏فذلك موضوع معقد سيناقش في حينه.‏ على أنه فيما يختص ريضناهذا.‏ كن القول بأن هناك احتمالا كبير أن يكون على درجة غير عاديةمن الحساسية جعلته أقل كفاءة في مواجهة بعض الظروف وأكثر تأثراببعض اواقف.‏ وكما سنرى فيما بعد كننا القول بأن حساسيته تلكتجعله تحت تأثير خبرات شديدة الوطأة عرضة لحدوث تفاعلات كيمائيةفي اخ تفوق من حيث الكم تلك التي تحدث في الشخص العادي.‏ لكن يظلهناك الكثير من الخصائص الفردية التي لا كن تجاهلها.‏ فأيا كانتحساسية اريض الخاصة أو قابليته للمرض ما كان لها أن تسبب ارض مالم يكن قد أتيح لها أن تشكل لديه نزعات سلبية متنامية تجاه الحياة.‏ومثل تلك العوامل النفسية غير اواتية تزيد بدورها من حساسية وقابليةارض.‏كذلك لا نستطيع اعتبار حدوث النوبة <strong>الفصامي</strong>ة يوم الحادث مجردصدفة.‏ فهل كان بإمكان أي حادث من نوع مغاير أن يحدث الأثر نفسه فياريض?‏ عنى أنه لو أن قدمه انزلقت مثلا فوقع على الأرض فكسرتساقه هل كان يصاب بنوبة فصامية?‏ الإجابة ‏(لا).‏ لأن حادث الانزلاقوكسر الساق لا يحمل نفس الدلالة بالنسبة للمريض.‏ فالحادث الذي يسبب27


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهصدمة نفسية لشخص ما إا هو ذلك الذي يشعر اريض بعدم كفاءتهوبالتالي يؤذي شعوره بتقدير الذات لقد بدا اريض شديد القابلية للمرضفي ارت اللت رأيته فيهما فقد رأيت أن افتقاده الإحساس بالأمن ينبئتاعب قادمة وحاولت إقناعه بالاستمرار في العلاج لكني لم أستطعالتغلب على تأثير أقاربه عليه ولا على رغباته هو.‏وهذه الحالة مثال توضيحي لعديد من الأشياء.‏ فأولا هل وقعت فيبعض الأخطاء تجاهه?‏ أعتقد أنه كان عليّ‏ أن أكون أكثر حزما في الإصرارعلى مواصلته العلاج على الرغم من اعارضة القوية التي واجهتها.‏ وإنكان عليّ‏ أن أعترف بأنه في ذلك الوقت أي منذ حوالي ثلاث عاما تحددسلوكي قدار اعارف اتاحة لي آنذاك.‏ وبالإضافة في ذلك فنحن نعرفأنه حتى في الحالات التي نرى فيها إشارات منبئة تاعب قادمة فهذهاتاعب قد لا تحدث في الواقع كذلك فقد شعرت وقتها مثلما أشعر الآنبأن على الطبيب النفسي-حتى إذا رأى علامات خطر-أن يقدم توصياتهويترك القرار النهائي للمريض أو لأقرب شخص إليه.‏ فإذا لم يكن اريضقادرا على أن يتخذ القرار السليم بنفسه فعلى الأسرة أن تلتزم بتوصياتالطبيب النفسي ما لم تكن هناك دواع قوية ومقنعة لغير ذلك.‏ إذ لو أنهأمتثل للتوصيات وأكمل العلاج لكان من امكن تجنب الفصام.‏ فأيا كانتدرجة الضعف في تكوينه الشخصي فلم يكن ذلك الضعف واضحا للعيانإذ لم يحدث أن ساور الشك أحدا في أن به شيئا غير سوى لهذه الدرجةإلى أن أصابه ارض وقد كان من امكن أن يتغير مساره نحو الفصام منذمدة طويلة لو أن شيئا فعله خلال فترة اراهقة بحيث يؤدي في تغييرصورة الذات لديه.‏ولنعد ثانية إلى حالة جوزيف مونرو الذي ورد ذكره في الفصل الأول.‏لقد أصيب الكل بذهول لتلك النوبة افاجئة التي أصابته على الرغم منأن كثيرين كانوا يشعرون بأنه كان بادي التبرم كما لاحظ أفراد أسرته أنهكان يحاول السيطرة على شعوره بالاستياء ويتجنب الحديث عنه كما لو كانشيئا مخجلا.‏ كذلك لاحظ والداه وأخته أنه يواجه صعوبة متزايدة فيالاستيقاظ صباحا لكن أحدا لم يفطن إلى أن الصعوبة الحقيقية التيكانت تتزايد يوما بعد يوم إا كانت قدرته على مواجهة الحياة.‏ إلى أن28


إرهاصات الفصامحدث ذات صباح أن أخذ جرس انبه يرن عاليا لدرجة بدا معها أن الناسجميعا لا بد سينهضون من نومهم.‏ فالرن لا بد أن يكون قد أيقظ ادينةكلها أيقظها لتواجه واقعا مزعجا مروعا.‏وجدير بالذكر أن أبويه وإن كانا قد لاحظا تغيرا في أحواله إلا أنهمالم يشاءا التدخل في خصوصياته.‏ فقد كانا يعتقدان أنه ليس من حقهماالتساؤل عما به ومن ثم لم يستطيعا التعرف على سبب متاعبه.‏ لقد كانوراء عجزه عن مواجهة يومه تاريخ طويل حزين مطوي داخل نفسه.‏ ورغبةأبويه في ‏«عدم التدخل في شئونه الخاصة»‏ إا كانت نوعا من التبرير:‏ إذلم يحدث أن شعرا أنهما قريبان منه بالدرجة التي تسمح لهما بالاستفسارعن أموره الخاصة.‏أما آن ماري روفيل فكانت قد أخبرت أبويها أنها تشعر بأنها غيرمرغوب فيها وأنها لن تجد رجلا يحبها ويتزوجها كما أنها لن تستطيعالحصول على عمل يناسب طموحاتها غير أن أسرتها كانت تفسر ملاحظاتهاتلك على أنها تشاؤم بعيد اما عن الواقع ولا يستحق الاهتمام وهكذااحتفظت ماري بكل متاعبها داخل نفسها.‏ ولم تفصح عن إرهاصات ارض.‏فقد كانت تلك الإرهاصات مؤة للآخرين ولنفسها فلم تشأ أن تعبرعنها.‏العلامات الحادة:‏في هذا الفصل سأقدم أمثلة أخرى لحالات تتخذ فيها إرهاصات الفصامشكلا حادا ولحالات أخرى تتبدى فيها بصورة تدريجية كذلك سأتناولبعض الأعراض التي يظن خطأ أنها فصامية وتسبب للأقارب مخاوف لامبرر لها.‏وفيما يلي مثال لإحدى الحالات الشائعة:‏ طالب جامعي حديث العهدبالدراسة الجامعية يتصل هاتفيا بوالديه ويخبرهما أنه ليس على ما يراموأنه يشعر بعدم القدرة على مواصلة الدراسة كما يشعر كأنه ‏«يتصدعويتمزق إربا».‏ فكيف يستجيب الآباء?‏ وهل تعتبر المحادثة دليلا على أنهيعاني من انهيار عصبي وتعتبر إنذارا بقرب حدوث الفصام?.‏ كلا.‏ إذ ليسمن الضروري أن يكون الأمر كذلك.‏ فالآباء يعلمون أن الشباب الذين يذهبون29


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهللدراسة بعيدا عن أهلهم للمرة الأولى يواجهون صعوبة كبيرة في التأقلممع البيئة الجديدة إذ عليهم أن يقوموا بخدمة أنفسهم وأن يقيموا صداقاتجديدة وأن يواجهوا متطلبات الدراسة.‏ وعلى الآباء في تلك الأحوال أنيطمئنوا أبناءهم ويظهروا تجاههم مشاعر التعاطف وأن يوضحوا لهم كيفأن الصعوبات التي يشعرون بها إا هي صعوبات مألوفة وأنهم سيتغلبونعليها ضي الوقت.‏ وعليهم كذلك أن يطلبوا منهم أن يحادثوهم ثانية وأنيقوموا هم بالاتصال بأبنائهم تليفونيا في اليوم التالي للاطمئنان على زوالحالة القلق الحاد.‏لكن إذا لم تزل تلك الأعراض أو زادت دون مبرر أو إذا كرر الطالبالاتصال بهم مرارا وكان الانزعاج باديا في نبرات صوته أو ظل الشعوربتصدع كيانه يلح عليه حينئذ يجب اعتبار ذلك ثابة استغاثة ثابةرسالة تنطوي على شك خطير في قدرته على مواجهة ذلك اوقف اشحونبالقلق ح وجد نفسه بعيدا عن أهله للمرة الأولى ومن الجائز أنه قبلالرحيل كان يبدو في أحسن أحواله وأنه مقبل على دراسته على نحوطيب إلا أن ذلك لم يكن سوى انطباع أعطاه للآخرين ح كان ب أهلهمشمولا برعايتهم في كثير من أمور حياته.‏وهناك عدة طرق واجهة مثل ذلك اوقف:‏ فقد يطلب الأب من أحدالأصدقاء أو اعارف الذين يعيشون بالقرب منه أن يقوم بزيارته ويطمئنهقدر الاستطاعة وأن يخبر الأهل بتقديره للموقف.‏ لكن التصرف الأكثرفعالية في هذه الحالة أن يذهب أحد الأبوين أو كلاهما لرؤية الابن والإقامةمعه يوم أو ثلاثة لتقييم اوقف فإذا كان كل ما يحتاجه هو بعض الطمأنةوبعض الحنان الأبوي وبعض النصائح الخاصة بكيفية التعامل مع الأمورالجديدة التي تواجهه وكان من شأن ذلك أن استعاد الابن طمأنينة النفسفبإمكان الأبوين أن يعودا مرتاحي البال ويكونا قد أنجزا عملا هاما للغاية.‏لكن إذا استمرت حالة القلق وكان الابن يقاوم بإلحاح ترك أبويه لهوظلت حالة عدم الطمأنينة تزداد حدة وكانت محاولات الأبوين لطمأنتهتلقى دائما معارضة وإصرارا على أن محاولتهما لا جدوى منها لأن هناكأشياء أخرى تهدد إحساسه بالأمن إذا حدث ذلك فعليهما أن يفكرا جديافي اصطحابه معهما إلى البيت ويفضل أن يتم ذلك بعد استشارة أخصائي.‏30


إرهاصات الفصامولا يعني ذلك أن على الطالب أن يتخلى عن دراسته.‏ إذ قد لا يتطلبالأمر أكثر من تأجيلها بعض الوقت را لستة شهور لا أكثر يكون خلالهاقد تلقى علاجا وتحليلا نفسيا لاكتشاف مصادر قلقه.‏ ولا شك أن اتخاذقرار بترك الدراسة أمر خطير سواء بالنسبة للأبوين أم للابن وخاصةبعد الاستعدادات اليئة بالبهجة والتوقعات الواعدة غير أنه قرار مهماكان مؤا يجب اتخاذه في ظروف معينة تجنبا شكلات أكثر خطورة.‏عند هذه النقطة قد يتساءل بعض القراء عما إذا أعتبر ترك الأهلوالذهاب إلى الجامعة سببا كافيا في حد ذاته لحدوث واحد من أخطرالأمراض العقلية.‏ والإجابة لا طبعا.‏ إذ أن أكثر من ٩٩% من الطلبة الذينيفعلون ذلك لا يصابون ثل ذلك الاضطراب غير أنه في حالة مثل التيذكرت كانت الأرض مهيأة لحدوث ما يسمى بالهلع <strong>الفصامي</strong>.‏ إذ أن ثمةعوامل عديدة منها التعاقبات الخاصة لأحداث سيكولوجية لم تكن ذاتأثر من قبل ومنها عوامل أخرى ‏(سنتناولها بالتفصيل فيما بعد)‏ مثل العملياتالكيميائية الحيوية الخاصة أو الحساسية الخاصة للجهاز العصبي يحتملأن تكون قد أسهمت مجتمعة في خلق مناخ من عدم الأمان وعدم التوازنالنفسي جعله ذا قابلية عالية للمرض.‏ وتلك القابلية التي لم تكن بارزة فيجو البيت أصبحت أشد كثيرا في الظروف الجديدة.‏ فهل كان من شأن تلكالقابلية أن تحدث نفس الأثر لو أنه تعرض لصعوبات من نوع مغاير?‏دعونا نفترض أن هذا الطالب لم يكمل دراسته والتحق بعمل ما فهذاالعمل أيضا سيشكل تحديا له.‏ فهل كان قدوره أن يواجه مثل ذلك التحديدون أن ينهار?‏ وبتعبير آخر هل هو شخص من ذلك النوع الذي يجب دائماأن يعامل بحرص وأن يدلل وأن عليه أن يتجنب أي نوع من الضغوط?‏ كلافليس ثمة ما يحتم ذلك.‏ وكل حالة يجب أن تقيّم على حده.‏والأطباء النفسيون الذين درسوا سيكولوجية الفصام يعلمون أن ثمةمواقف معينة تحدث بعض الإجهاد لدى غالبية الناس لكنها تتسبب فيمضاعفات خطيرة لدى قلة منهم.‏ وبتعبير آخر فالعتبة الفارقة التي يلزماجتيازها كي يحدث الهلع <strong>الفصامي</strong> ليست واحدة بالنسبة للجميع.‏ وقديعزي انخفاض تلك العتبة أحيانا إلى عوامل بيولوجية أو وراثية وقد يرجعبدرجة أكبر إلى عوامل نفسية.‏ فالشعور بعدم القدرة على إنجاز عمل ما31


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهكما حدث للجندي الذي ذكرنا آنفا وكما يحدث لبعض طلبة الجامعةيصبح ذا أثر مدمر نتيجة للدلالة الخاصة التي يضفيها عليه اريض.‏فالاختلال العقلي تتزايد احتمالاته عندما ينطوي الحدث عل صدمة قويةلصورة الذات لدى الفرد.‏وقد أبديت ملاحظة أثناء مناقشة حالة الجندي هي أن موقفا معينايشكل خطرا إذا مس نقطة حساسة معينة لديه.‏ هذه الحساسية الخاصةأو القابلية اعينة قد يصعب حتى على الطبيب النفسي الكفء اكتشافهاوفي معظم الأحيان لا تكتشف بسبب تجاهل العلاقات انذرة.‏ فأحيانا لايلاحظ الآباء تلك العلامات أو هم يرفضون رؤيتها وإن كانت نواياهمحسنة ومشاعرهم مفهومة.‏ إذ من اؤلم للآباء أن يتقبلوا مثلا:‏ أن يذهبأصدقاء أبنائهم كل إلى كليته بينما أبناؤهم لا يستطيعون ذلك.‏ لذلك فهميتجاهلون نداءات أبنائهم ساعدتهم.‏ وكن أن يترتب على ذلك عواقبعديدة:‏ فقد يصاب الطالب في نهاية الأمر بارض أو قد يبحث عنمهارب لتجنب القلق.‏ وهناك مهربان.‏ شائعان نسبيا.‏ أولهما:‏ السلوكالجنسي الذي لا يتفق مع شخصية اريض السابقة ولا مبادئه وأهدافهوالذي يؤدي إلى ازيد من الإحساس بعدم الرضى.‏ وثانيهما:‏ الانغماس فيتعاطي ااريجوانا أو الحشيش أو إدمان العقاقير اخملدرة أو انشطةواهرب الأول على الرغم من معارضة معظم الآباء له قد يؤجل حدوثالفصام أما الثاني فمن شأنه أن يعجل بحدوثه.‏والابتعاد عن الأهل لأي سبب من الأسباب-وليس فقط من أجل الدراسة-‏قد يزيد بصورة حادة من مخاطر حدوث الفصام.‏ فحالة الهلع التي يصاببها طلبة الجامعة اغترب قد تحدث بنفس اعدل للفتيان الذين يقضونبعض الوقت في معسكرات بعيدة عن ذويهم.‏إلا أن حدوث تلك الحالة داخل اعسكر أقل خطورة لسبب على الأقل:‏أولهما أن أولئك الفتية لم يبلغوا بعد السن اعتادة لحدوث الفصام.‏ إذ لاتكون الشخصية قبل هذه السن قد بلغت درجة التعقيد الذي يسمح لهامارسة الصراعات العميقة التي كن أن تؤدي إلى الفصام.‏ وثانيا فصغرسن الفتية اقيم في اعسكر وعدم الأهمية النسبية لبقائهم فيه باقارنةبالكلية الجامعية يجعل الآباء أكثر تقبلا لإعادة أبنائهم إليهم عند الضرورة.‏32


إرهاصات الفصامكذلك تحدث للشباب الذين يعيشون بعيدا عن أوطانهم نوبات حنللوطن إذ يشعرون بالاغتراب في البلد الأجنبي ويستبد بهم الشوق للعودةلوطنهم فالإقامة في بلد أجنبي تولد الشعور لدى اغترب بأنه ثمة مسافةبينه وب الناس أو بأنه يفتقد من ألف من الناس.‏ ومثل أولئك الأشخاصيجب أن يعودوا لوطنهم في أول فرصة إذا ما استمرت لديهم تلك اعاناة.‏ومن ب الحالات التي قد تزيد بصورة حادة من درجة القابلية للفصامدون توقع حالة الولادة.‏ فولادة طفل حدث يستقبل عادة بسرور.‏ فالإنجابيبرز لدى الأم هويتها الأنثوية كما أن مشاعر الأمومة تكشف لها عن بعدثري في شخصيتها لكنها بعد الولادة را تجد الواقع مختلفا اما.‏ وفيمثل هذه الحالات تجد الأم نفسها بعد أيام من الولادة قد بدأت تشعربالقلق والريبة والاستثارة ثم تصبح لا عقلانية وغير مترابطة التفكير مثل<strong>الفصامي</strong> اما.‏ ولحسن الحظ فإن عدد هذه الحالات ليس كثيرا لكننارغم ذلك نجد أن بعض الإرهاصات كان كن أن تب لنا أن مثل تلكارأة لم تكن معدة جيدا للإنجاب وللأمومة وأن اتاعب التي حدثت لهاكان كن تجنبها.‏فرا تكون قد رضخت لضغوط من زوجها أو من أهله أو من اجملتمعكي تنجب بينما تساورها في الواقع شكوك خطيرة في قدرتها على الأمومة.‏إذ قد تتساءل عما إذا كان قدورها أن تكون أما على درجة طيبة منالكفاءة وقد تعقد مقارنات لا شعورية بينها وب أمها.‏ فقد تشك في أنهاستصبح في مثل كفاءة أمها.‏ أو كما يحدث غالبا قد ينتابها القلق من أنتصبح أما فاشلة مثلما كانت أمها من وجهة نظرها.‏ كذلك فقد تتساءل:‏هل هي تريد طفلا?‏ وهل ترغب حقا في التخلي عن عملها لكي ترعىطفلها?‏ وغالبا ما نجد أنها لا تود ذلك.‏ وأنها لا ترغب في أن تكون أما ولاتعتقد أن قدورها أن تصبح أما جيدة.‏ إذ تتصور نفسها امرأة فاشلة غيرقادرة على تحمل أعباء الأمومة.‏فالأفكار واشاعر اشوهة والتوجسات غير اتسقة مع الواقعوابالغات وافاهيم الخاطئة كل ذلك قد يصل بها إلى حالة من اليأستجعلها شديدة القابلية للمرض العقلي مثل الاكتئاب العميق أو الفصام.‏ ولوأنها صارحت أحد اخملتص بشكوكها تلك قبل الحمل أو حتى أثناءه لكان33


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبالإمكان مساعدتها ولكان بالإمكان تجنب ارض في أغلب الأحيان.‏ بل لوأنها صارحت حتى زوجها أو صديقة حميمة لرا اختلف الأمر.‏ على أنكثيرا من النساء لديهن تلك الصراعات النفسية والبعض منهن يعاني منهالكنه قادر على السيطرة عليها باستثناء قلة لا يستطعن ذلك لأسبابكيمائية أو نفسية أو غيرها.‏ وفي مثل تلك الحالات تشتد الصراعات بعدالولادة ح تواجه اريضة بطفلها.‏ولو أننا استطعنا تجنب أو تعديل الظروف التي سببت الإجهاد العصبيوأدت بالتالي لزيادة القابلية للمرض لأمكن تجنب حدوثه.‏ لكننا لو حاولناإزالة تلك الظروف بعد حدوث ارض فعلا فنجاحنا في التغلب عليهمشكوك فيه.‏ إذا طاا بدأ ارض فعلا فالأمر يتطلب ما هو أكثر منمجرد إزالة اوقف اسبب له.‏ إذ يتطلب الأمر حينذاك برنامجا علاجيامحكما يشتمل غالبا على العلاج النفسي الطويل وعلى العلاج الدوائيحتى كن تجنب آثار الحالة العقلية غير السوية أو التغلب عليها.‏وهناك قلة من اخملتص تفضل أن ر اريض بالخبرة <strong>الفصامي</strong>ة ثميشفى منها على أن يحتفظ بارض في حالة كمون دون أن يصاب بهفالنوبة ارضية في رأيهم تقوى الشخصية.‏ لكني لا أوافق على وجهةالنظر هذه إطلاقا.‏ فإذا كان من الصحيح أن بعض ارضى يكتسبون شخصيةأقوى نتيجة للمرض وخصوصا نتيجة للعلاج فعكس ذلك يحدث في أكثرالحالات.‏ واخملاطرة كبيرة.‏ وأفضل شيء كن عمله بالنسبة للفصام هوالوقاية منه.‏ وسنورد ذلك تفصيلا في الفصل الحادي عشر.‏علامات تظهر ببطء وبطريقة متسللة:‏عرضنا حتى الآن حالات فصامية تظهر فيها الأعراض انذرة بصورةحادة فجائية غالبا نتيجة لحدث خاص وغير عادي وهي أعراض مناليسير التنبه إليها.‏لكن العلامات انذرة تتخذ في معظم الأحيان صورة أقل وضوحا وتنموخلال فترة طويلة.‏ وتوخيا للدقة عليّ‏ أن أشير إلى أن الأعراض بطيئةالحدوث التي تظهر بصورة متسللة كثيرا ما توجد حتى في الحالات التيعرضت لها والتي ظهرت فيها العلامات بصورة حادة نتيجة لعوامل مرسبة34


إرهاصات الفصامحادة انضافت إلى مسارها وسوف أعرض بصورة موجزة بعضا من تلكالعلامات الأقل وضوحا.‏ ‏(وسوف نناقش هذه اسألة مرة أخرى في الفصلالخاص بالوقاية من الفصام).‏وأود أولا أن أوضح حقيقة هامة هي أن أيا من تلك العلامات ليستدليلا مؤكدا أو حتى مرجحا لحدوث الفصام.‏ فالواقع أن كثيرا من الأشخاصالذين توجد لديهم تلك العلامات لا يصابون بالفصام.‏ كل ما في الأمر أنمعدل حدوث الفصام ب أفراد تلك اجملموعة أعلى عدة مرات منه فيعموم الناس.‏ وسوف أقدم فيما يلي بعض تلك العلامات اتفاوتة الشدة:‏١- حدوث تغير ملحوظ في الشخصية.‏ ويحدث ذلك أحيانا بإيقاعبطيء حتى أن من يعيش مع هذا الشخص لا يلحظ عليه أدنى تغير لكن منيغيب عنه طويلا يعتقد ح يراه أنه شخص آخر.‏ إذ يجده أقل تنبها احوله وأكثر ترددا وأقل فاعلية.‏ كما يجد أن مستوى تحصيله الدراسي قدانخفض حتى أصبح عرضة للرسوب أو حتى للفصل.‏ وأصبح يبدو لا مبالياتجاه كثير من الأشياء التي كانت فيما مضى موضع اهتمام بالغ.‏وأحيانا يحدث العكس إذ نجده قد أصبح أنيسا طيبا را إلى حدالوقاحة في أمور كان موقفه منها يتسم بالخجل والتحفظ الشديد كالأمورالجنسية مثلا إذ نجده الآن سافرا في مغازلة الجنس الآخر واستثارتهبالكلمات والإاءات.‏ وفي بعض الأحيان يصرح لأهله وأصدقائه بعدمقدرته على التحكم في اندفاعاته السلوكية.‏ إذ تصدر عنه بعض الأفعالالتي يجب أن يكون لديه شعور سئوليته عنها إلا أنه يشعر تجاهها كما لوكانت صادرة عن سواه.‏ وأحيانا يحدث خلط ب هؤلاء وب السيكوباتيأو السوسيوباتي‏-وهم أناس يعانون من اضطراب في الشخصية يجعلهميسلكون سلوكا مضادا للمجتمع كالسرقة مثلا تنفيسا عن مشاعرهم أوإرضاء لرغباتهم.‏ لكن الأشخاص ذوى القابلية العالية للفصام ليسواسيكوباتي وعندما يصابون بالفصام فإن فرصتهم في الشفاء أفضلكثيرا من السيكوباتي‏.‏٢- وقد يصبح الشخص غير مستقر على حال دائم التحفز لفعل مايسأل كثيرا من الأسئلة دون داع ويصبح شديد الحساسية ويل إلىإساءة التفسير أو إلى افتراض وجود تلميحات مغرضة في أية ملاحظات35


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبريئة لبعض الناس-فماذا سألت الأم ابنتها مثلا اذا ترتدي هذا الثوببالذات في هذا اليوم قد تفسر الابنة تساؤل أمها على أنه انتقاد لا يحتملورا تجرح هذه الاحظة كبرياءها الذاتي كما لو كانت أمها قد قالت:‏‏«لكم هو غير لائق أن ترتدي ذلك الثوب».‏ والذي يدعو للانزعاج أن إساءةالفهم تلك تتكرر بصورة متزايدة وبخاصة في مواقف لا يتوقع أحد أن يساءتفسيرها على ذلك النحو.‏وهناك حالات يل الناس فيها إلى نسبة مقاصد خاصة ‏(وخاطئة)‏ إلىتصرفات الآخرين تجاههم.‏ وأحيانا يكون ذلك ناشئا عن ضعف التواصلب أناس لا يقبلون بعضهم بعضا بدرجة ما.‏ إذ يحدث ذلك مثلا بالحماة وزوجة الابن أو ب زوجة الأب وابنة الزوج وبدرجة أقل كثيرا بزوجة الأب وأبناء الزوج لكن على أية حال لو تكررت إساءة الفهم منشخص إلى حد غير معقول يعني ذلك أن ثمة متاعب مرضية في طريقهاإليه.‏فمثلا ح تعتقد فتاة في السابعة عشر من عمرها أن زوجة أبيهاتتعمد الاستماع إلى موزار وفيفالدى خصيصا كي تضايقها بدعوى أنزوجة أبيها لا بد تعلم أنها لا تحب سوى موسيقى الروك فإن مثل هذاالتصرف الصغير الشأن يوحي بأشياء كثيرة.‏وبطبيعة الحال فوراء تلك التفسيرات الخاطئة-التي تفترض فيها ابنةالزوج نوايا سيئة في تصرفات زوجة أبيها-توجد مشاعر التنافس معهاوتوجد مشاعر الاحتجاج ضد الأب الذي تزوج ثانية ولم تنقض على وفاةأمها سوى فترة وجيزة ومن ناحية أخرى كن أن تكون لدى زوجة الأبمشاعر رفض ضد ابنة زوجها جعلتها لا تضع اعتبارا لاحتياجاتها ورغباتها-‏مثل رغبتها في الاستماع إلى بعض موسيقى أروك أحيانا-وأيا كان الأمرففي حالتنا هذه فإن نسبة مقاصد سيئة لزوجة الأب من قبل ابنة زوجهاتجاوزت حدود إساءة الفهم اعتاد وكان يجب أن يوجه إليها اهتمام خاص.‏وأحيانا تحدث إساءة الفهم في علاقات العمل ح يشعر اوظف بأنرئيسه غير منصف له مغال في طلباته أو أنه يبدي تعليقات غير لائقة.‏٣- وهناك ط آخر من السلوك كان أكثر انتشارا بكثير في ااضي غيرأنه مازال متكرر الحدوث حتى اليوم ذلك هو الانسحاب التدريجي من36


إرهاصات الفصامالحياة حيث ينمو لدى الشخص ميل متزايد للتحفظ وللانغلاق على الذاتحتى يصبح شخصية منطوية على ذاتها وقد يجهد نفسه كيلا يصبح أمرهلافتا للنظر.‏ لكنه يبدو كأنه في برج عاجي أو أن ثمة حاجزا يفصل بينهوب بقية البشر إذ يبدو أقل تلقائية غير مبال ا يجري حوله ساعياإلى اختزال احتياجاته مقللا من تعامله مح الآخرين ومن نشاطاته إلىأقصى حد.‏ وفي بعض الحالات يحتفظ بعلاقات شخصية محدودة لكنهحينئذ يسمح لنفسه أن يكون منقادا للآخرين.‏٤- وقد يصبح الشخص قلقا يعاني من إحساس شديد بعدم الأمان.‏فعلى الرغم من أنه ذو طبيعة دائمة التوجس إلا أن توجسه وصل إلى حداليأس.‏ فأصبح في شك متزايد تجاه إمكان نجاحه في أي شيء وأصبحمشغول البال بعدم جدوى أفعاله.‏ ويتوقع الفشل في كل شيء:‏ كما أصبحيحجم عن التحدث عما يدور بداخله خشية أن يسيء الآخرون فهمه.‏والواقع أن الناس يرون فيه شخصا متشائما أو مكتئبا فقد الأمل في كلشيء.‏ لكنه في الحقيقة ليس مكتئبا لأنه لم يستسلم بعد.‏ ولأنه لم يستسلمبعد فهو يعاني من قلق بالغ.‏ وأحيانا يبدو قلقا تجاه كل الأشياء بل قديصل به الأمر إلى أن تسيطر عليه مخاوف غير منطقية.‏وهناك حالتان يجب أن تكونا موضع اهتمام الآباء والأقارب هما:‏ حالةالإفراط في تعاطي الكحول إلى درجة التسمم الكحولي اتكرر وحالةتعاطي العقاقير اؤثرة على الحالة النفسية.‏فتعاطي الكحول بإفراط يلزم تجنبه دائما لكن بالنسبة للحالات التينتحدث عنها فاسألة أكبر من مجرد تعاطي كحول إذ أن الشخص فيهذه الحالات إا يتعاطى الكحول لكي يخفي عن نفسه أو يدفع عننفسه إحساسا بالقلق هو من الشدة بحيث كن أن يدفع به إلى حالةفصامية.‏كذلك فالعقاقير اؤثرة على الحالة النفسية كن أن تكون ثابة مهربلكنه مهرب وهمي.‏ فالقلق يجب أن يعالج بالطريقة السليمة التي تتطلبغالبا مساعدة اخملتص‏.‏والعلامات انذرة التي ذكرتها حتى الآن يتواتر حدوثها بالذات فيمنهم في أواخر اراهقة حتى أوائل العقد الثالث.‏ وعلى أية حال فمن اهم37


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأن نلاحظ العلامات انذرة في أوائل اراهقة والطفولة حيث إمكانيةحدوث الفصام عموما لا تزال بعيدة.‏والعلامات الباكرة انذرة بحدوث متاعب كثيرا ما تنأى عن الاحظةفي فترة اراهقة.‏ فاراهقة مرحلة يظل تأثيرها محسوسا طوال العمر.‏ إذبينما أعطت أبحاث التحليل النفسي ابكرة أهمية قصوى لفترة الطفولةعلى اعتبار أنها ارحلة التي تحدد إلى درجة كبيرة مراحل النمو التاليةكافة فإن الأبحاث اعاصرة تعطي أهمية كبرى أيضا رحلة اراهقة منحيث تأثيرها على تشكيل الشخصية فاراهقة مرحلة من الحياة تقدم لناأشد السمات والأاط السلوكية تباينا-فمن الرغبة اتعاظمة في محاكاةالآخرين الذين هم موضع إعجاب اراهق إلى السعي اضني واتواصللأن يصبح اراهق مختلفا عن الآخرين وأن يتخذ في حياته مسارا بعيداعن األوف يكون شاذا أحيانا إلى درجة الجموح.‏ هذا التباين الشديدليس من الضروري أن يكون منذرا بحدوث فصام على رغم التشابه بينهوب الانحرافات السلوكية التي تحدث في حالات الفصام.‏ وبعض النظرييفسرون الفصام على أنه مرحلة من مراحل النمو مشابهة رحلة اراهقة.‏وآخرون يعتبرون فترة اراهقة حالة فصامية أكثرنا يشفى منها.‏ لكن بالنسبةلي فمثل تلك الأفكار تبدو مضللة وفي أحسن الأحوال أساليب مجازية فيالتعبير.‏ فمن الصحيح أن اراهقة هي مرحلة من العمر تتفتح فيها آفاقجديدة وتنبثق فيها مشاعر جديدة وبالتالي فهي مرحلة و تزخر بحالاتعدم التيقن والتمرد وحتى بأكثر الأاط السلوكية غرابة وكل ذلك يذكرنابالفصام لكن ثمة فارقا هاما:‏ إذ بينما تؤدي اراهقة إلى و الشخصيةحتى في الفترات العاصفة فإن الفصام يؤدي إلى تحلل الشخصية أو إلىالحد من نشاطات الحياة.‏وفي بعض الحالات نجد اراهق شغوفا بإقامة علاقات مع الآخرينشغفا يصل إلى حد الهوس.‏ ثم بعد فترة نجد أن ذلك الجوع افاجئ-الذيلا يشبع-إلى الدخول في خبرات جديدة يعقبه انسحاب سريع من العلاقاتالاجتماعية ثم بعد ح يتجدد الشغف ثانية-‏ وتتكرر الدورة.‏ مثل هذاالنمط من السلوك يجب أن يكون مدعاة للاهتمام.‏ إذ علينا أن نتقصىالأمر لنعرف ما إذا كان هذا البحث الذي لا ينتهي هو في الحقيقة بحث38


إرهاصات الفصامعن النمو واستكشاف للحياة أم أنه دلالة على أن اراهق لا يستطيع قبولما يقدمه له الواقع أو غير قادر على الاستفادة منه بالشكل الائم.‏ وفيحالة الشك علينا أن نستشير أحد اخملتص‏.‏وأحيانا تحدث العلامات انذرة في وقت مبكر للغاية فبعض الفتيانالذين يصابون في أواخر مرحلة اراهقة بنوبات فصامية مثيرة للدهشةكانوا دائما ‏«أطفالا مهذب‏»‏ نادرا ما يبكون أو يكذبون أو تنتابهم حالاتهياج انفعالي غاضب وهم لم يتسببوا في أية متاعب لوالديهم دائما مطيعوندائما يؤدون ما يطلب منهم على خير وجه.‏ فإذا لاحظ الأب الواعي استمرارهذا النمط من السلوك اتسم بسلبية واضحة لدى طفله عليه أن يتساءلعما إذا كان الطفل حقيقة في سلام مع نفسه أم أنه غير قادر علىاواجهة.‏ هل يرضخ رغبة في إدخال السرور على الآخرين أم خوفا مناستثارة مشاعر عدم الرضا لديهم?‏ هل هو حقيقة شخص راض عن نفسهأم أنه عازف عن إظهار عدم رضاه?.‏ إذ غالبا ما تخفى صفة ‏«الولد اهذب»‏و ‏«البنت اهذبة»‏ قدرا بالغا من اعاناة.‏ فالتقبل السلبي للحياة كما هيدوا نبضة من الفردية أو الأصالة حالة تتطلب مزيدا من البحث.‏أعراض تفسر خطأ على أنها فصامية:‏وهناك بعض أنواع السلوك والعادات التي قد تزعج الآباء دون داع.‏ ومناهم أن نذكر أكثرها شيوعا.‏ وإحدى تلك العادات ليس ثمة ما يدعو لذكرهالأن معظم الناس قد أدرك أن الاعتقادات القدة بشأنها ثبت عدم صحتها.‏ورغم ذلك ففي بعض اناطق اتخلفة من العالم ما زالت الفكرة القدةقائمة وهي أن الإفراط في ارسة العادة السرية يؤدي إلى الفصام أو هونذير بقرب حدوثه.‏ وحتى كتب الطب النفسي التي كانت تصدر حتى بداياتهذا القرن كثيرا ما كانت تردد فكرة أن الإفراط في ارسة العادة السريةيؤدي إلى ارض العقلي.‏ وإذا كان هناك بعض الآباء لا يزال لديهم هذاالاعتقاد حتى الآن فعليهم أن يتخلوا عنه على الرغم من أنه يستند إلىتراث استمر قرونا عديدة ويجب ألا يشعروا بأي حرج لكون تلك الفكرةظلت مقبولة لديهم حتى اليوم.‏ومن الغريب أن ثمة حالة أخرى ما تزال تزعج بعض الناس أحيانا39


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوتجعلهم يفكرون في الفصام هي سهولة التصديق.‏ ففي أحيان نادرة يقومالآباء باستشارة الطبيب النفسي لأن أبناءهم صرحوا بأنهم يصدقون أشياءمثل الأطباق الطائرة والاتصال ب الكواكب والتناسخ والتنجيم والاتصالمع الأشباح وما شابه.‏ واحتمال أن مثل تلك الأفكار غير انطقية قد تكوندالة على الفصام هو احتمال جدير بالاعتبار.‏ وعلى أية حال فمن اليسيرتحديد ما إذا كان الطفل قد وقع تحت تأثير بعض الجماعات الخاصة أوتحت تأثير الجرائد أو اجمللات أو الكتب أو أفلام الروايات العلمية أوالتليفزيون.‏ لكن سهولة التصديق كن أن تكون نتاجا لعديد من الحالاتاتباينة.‏ ومن ب تلك الحالات الأكثر شيوعا الحاجة إلى الانتماء إلىجماعة أو إلى أن يصبح مقبولا من جماعة ما مثل الجماعات التي تؤمنبالتنجيم أو بالقوى غير الطبيعية أو عتقدات دينية غريبة وأحيانا أخرىتنشأ سهولة التصديق من إحساس بعدم الأمان يعطل الكات النقدية ويفسحالطريق للقابلية للاستهواء ولاعتناق مذاهب غريبة.‏ وفي أحيان أقل كثيراتنشأ سهولة التصديق من ضعف القدرات العقلية.‏ ومن ناحية أخرى فإنقابلية التصديق كن أن تكون صفة ملازمة للإبداع.‏ فابدعون يلونإلى النظر بعقول متفتحة حتى للإمكانات الصعبة التصديق فهم يدعونتفكيرهم وتصوراتهم تطوف حول مسارات غريبة وغير مألوفة.‏ فهميستبعدون الأفكار غير القابلة للتصديق فقط عندما تلكون دليلا قاطعاعلى خطئها.‏وطاا أشرنا إلى الإبداع فمن اناسب مناقشة اشكلات اتعلقة بهفكثير من الفتيان واراهق خاصة يتسمون جموعة من الخصائصغالبا ما تثير القلق لدى آبائهم وأصدقائهم دون داع.‏ فهم يلون إلىالاختلاء بأنفسهم بضع ساعات كل يوم ويلون إلى أحلام اليقظة وإلىالقراءة أو التفكير أكثر من ميلهم للقاء أصدقائهم كذلك قد يلاحظونوجود تشابهات أو اثلات ب أشياء لا رابط بينها ظاهريا ويعيشون حياةزاخرة بالخيال.‏ والواقع أن غالبية هؤلاء الفتيان لديهم إمكانات إبداعية.‏فبعض الخصائص مثل العزوف عن لغو الحديث وايل للوحدة وأحلاماليقظة تلك الصفات إا هي الطريق الذي يتيح لهم التجول خارج مساراتالتفكير البالية.‏ وعلى الرغم من أن كل الآباء يودون أن يصبح أطفالهم40


إرهاصات الفصاممبدع إلا أنهم في سلوكهم الفعلي يشجعون أبناءهم على أن يسلكوامثلما يسلك الآخرون وألا يشذوا عنهم.‏ ويقلقهم كثيرا ما يبدو لهم أنهانعزال زائد وميل لأحلام اليقظة وانطواء بل قد يتصورون أن تلك السماتإا هي مقدمات لحالة فصامية محتملة القدوم.‏ هذا النمط من التفكيرخاطئ بلا شك.‏ فهناك فرق ب ايل للوحدة الذي نجده عند الشخص ذيالإمكانيات الإبداعية وب العزلة اؤة لفتى منسحب من العالم المحيطبه.‏ فالسلوك الأول يستهدف التركيز على ثراء الحياة الذاتية الداخليةوإمكاناتها بينما السلوك الثاني ينتج عن الخوف وعن الإحساس بعدم الارتياحالذي ينتابهم عند الدخول في علاقات مع الآخرين.‏كذلك يبدى بعض الآباء ملاحظات مختلفة اما عن أطفالهم.‏ فيشكونمن أن أطفالهم يعانون من شيء غير سوى منذ ميلادهم.‏ إذ كان الطفلعصبيا دائم الصراخ يعاني من متاعب في الأكل وهكذا وفيما بعد فيمراحل الطفولة التالية أصبح من استحيل السيطرة عليه بل إن القديسنفسه لا يستطيع ترويضه.‏ وبعض الآباء يخشون أن يكون أطفالهم معرضللإصابة بالفصام لكن الاحتمال الغالب هو أن معظم أولئك الأطفال الذينيستحيل ترويضهم يعانون من تلف طفيف باخ ينتج عنه نشاط حركيزائد.‏ إذ يعبثون بأثاث البيت ويفتحون الأدراج وتد أيديهم إلى كل شيءفهم دائما يفعلون شيئا ما.‏ ولحسن الحظ فإن معظم هؤلاء الأطفاليتخلصون من تلك الأعراض في أواخر مرحلة الطفولة أو في مرحلةاراهقة.‏ وبينما يستطيع بعض الآباء أن يتكيفوا مع هذا النوع من الشذوذوبخاصة ح يستعينون بتوجيهات الأطباء فإن بعضهم يستعصي عليهذلك وأولئك الذين لا يستطيعون التكيف يصبحون فريسة للانزعاج والقلقاتزايد ويستجيبون شاعر القلق هذه لا يبذل مزيد من الاهتمام بأطفالهمبل بإهمالهم أو بإساءة معاملتهم ومن هنا تنشأ حلقة مفرغة ب الأبوطفله.‏ إذا ينعكس قلق الأب على الطفل فيزيد من حالته فيعود ذلكوينعكس على الأب فيتزايد قلقه وهكذا.‏ وما لم يتم تصحيح هذا اسارفإنه يؤدي إلى متاعب تفوق بكثير اتاعب الناشئة عن حالة الطفل الأصليةوفي أحيان نادرة قد تؤدي إلى الفصام لكن من الناحية العملية فكل هؤلاءالأطفال تقريبا حينما يتلقون العلاج اناسب يتغلبون على حالتهم تلك41


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهويعيشون حياة سوية ح يكبرون.‏وحالات الرهبة ‏(مثل الخوف من الظلمة أو الخوف من البقاء فردهفي الغرفة أو الخوف من أن يعضه حيوان ما أو الخوف من الانفصال عنالأم مثلما يحدث عند بداية الذهاب للمدرسة)‏ لا تفضي إلى الفصام لكنهاتتطلب تدخلا طبيا.‏ واخملاوف تصبح دالة على حالة أكثر خطورة إذا كانمصدر الخوف ليس شيئا أو حيوانا أو موقفا معينا بل إنسانا كذلكفاخملاوف غير انطقية يجب أن تؤخذ مأخذا أكثر جدية إذا كانت مصحوبةبأعراض أخرى مثل الانزواء والشك.‏أما العلامات الأخرى التي تشغل بال الآباء أحيانا فهي تلك الطقوسالبسيطة التي قد ينغمس في أدائها بعض الأطفال.‏ فمثلا:‏ قبل الذهابإلى الفراش قد يحرص الطفل على أن يضع الوسادة في وضع مع أوحينما ينزل السلم يقفز درجت درجت أو ح شي يتجنب أية خطوطعلى الأرض وهكذا.‏ والواقع أن كثيرا من الأطفال في مرحلة معينة منمراحل وهم تصدر منهم بعض تلك الأغراض الوسواسية-القهرية والتيلا صلة لها بالفصام.‏ لكن إذا زادت تلك الأعراض بدرجة ملحوظة وزادتكرارها فأنها تتطلب تدخلا طبيا.‏خلاصة:‏ونوجز ما جاء في هذا الفصل في أننا ناقشنا العلامات التي تشير إلىأن شخصا ما ذا قابلية للفصام عدل أعلى منه ب عامة الناس.‏ وناقشناأيضا الأعراض الأخرى التي على الرغم من أنها تثير الأسى وتتطلب رعايةطبية إلا أنها غير ذات صلة بالفصام وأخيرا عرضنا لبعض السماتالتي على الرغم من أنها تسبب حيرة لدى الأهل ويعتقد أحيانا أنها دالةعلى فصام وشيك الحدوث إلا أنها لا تدل على شيء غير سوى.‏وفي هذا الفصل تعلمنا أيضا أن الفصام ح يبدأ في الظهور عادةفي مرحلة الرشد ابكرة فإن ظهوره لا يعني أنه حديث التكوين اما بلهو استمرار لسلسلة من الأحداث غير السوية كانت متوارية عن عيونأفراد الأسرة وعن وعي اريض نفسه.‏ وليست هناك تحاليل أو فحوصطبية تستطيع الكشف عن أن الفصام سيحدث مستقبلا لشخص ما بل ولا42


إرهاصات الفصامحتى لإثبات وجوده ح يحدث مثل الاختبارات اعملية التي تجري علىعينات من الدم أو البول للكشف عن إختلالات التمثيل الغذائي أو عنأمراض الدم أو عن الالتهابات ايكروبية.‏وكثير من انظرين يعتبرون أن الفصام هو نتيجة لإخفاق ملحوظ فيالتخلي عن أاط وظيفية تنتمي رحلة الطفولة.‏ وبتعبير آخر فالفصامفي نظرهم هو فشل في ‏«النمو».‏ هذا الاعتقاد تدعمه ظاهريا حقيقة أنارض ح يحدث فإنه عادة ما يسترجع أاطا من التفكير والسلوكغير الناضج اثل لتفكير وسلوك الطفل.‏ ورغم ذلك فمن الخطأ الفادحأن نعتبر <strong>الفصامي</strong> شخصا غير ناضج أو أنه لم يستطع أن يتجاوز استوىالطفولي.‏إذ على الرغم من أن بعض هؤلاء ارضى يحتفظون بسمات غير ناضجةفإن معظمهم يكونون على درجة عالية من النمو النفسي قبل الإصابةبارض.‏ وحتى ح إصابتهم به فإنهم يبدون قدرا كبيرا من النضج لكنهتزج ببعض السمات غير الناضجة استعادة من مرحلة الطفولة.‏وعند هذا الحد نستطيع أن نضيف إلى تعريف الفصام الذي ذكرناه فيالفصل السابق أنه حالة ذات تاريخ طويل يسبق زمنيا لحظة حدوثهاالظاهري.‏43


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده44


وصف مرض الفصام3 وصف مرض الفصامسنرى في هذا الفصل كيف يبدو الفصامللآخرين وكيف يشعر اريض به عند حدوثه.‏والفصام مرض ذو ألف وجه ولذلك يتعذر وصفجميع جوانبه.‏ ورغم التباين الشديد في أعراضهإلا أن الأطباء النفسي أمكنهم التمييز ب عددمن أاطه اخملتلفة وسنقدم وصفا لأكثرها شيوعا.‏لكن دعونا قبل ذلك نلقي نظرة على سماته العامة.‏يظهر الفصام عادة بطريقت رئيسيت‏.‏ تتميزالأولى بالانسحاب النفسي الذي يعكس موقفاريض من العالم:‏ إذ يشعر تجاهه بخوف لا حدله وافتقاد شديد لأية ثقة بالناس ورغبة شاملةفي الهروب من كل شيء.‏ وهي رغبة تجد تبريرالها في تفكير اريض أو شعوره بأن العالم لا يستحقالالتفات إليه أو الاندماج فيه وغير أهل لأن يشاركفي أموره.‏ وقد نرى اريض يحدق في الفراغ أحياناكأا يخشى أن تقع عيناه على شيء من الأشياءاثيرة للرعب التي يعتقد أنها تحيط به من كلجانب.‏وأما الطريقة الثانية فتتميز بعملية الإسقاطوهو اصطلاح صاغه فرويد واستخدمه الأطباء بعدذلك.‏ حيث تستحوذ على اريض مجموعة متزاملة45


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأو منظومة من اعتقدات الزائفة.‏ فيعتقد أن ثمة أخطارا جسيمة محدقةبه وأن ثمة من يضطهده ويحيك له اؤامرات بطرق لا حصر لها.‏ ويشعراريض بتلك اخملاطر شعورا قويا كما لو كانت واقعا فعليا ويعيشها كحقيقةشديدة الإيلام.‏ ولنتناول هات الصورت بتفصيل أكثر.‏ ولنتساءل:‏ كيفنشأت كل منهما?‏يبدأ اريض وهو غالبا ما يكون في مقتبل العمر ‏(أي فيما ب مرحلةاراهقة والثلاثينيات)‏ وأحيانا أصغر أو أكبر في إظهار سلوك غير معتادكما رأينا في الفصل الثاني وقد تكون بعض السمات غير األوفة قدظهرت عليه في وقت سابق لكنها مرت دون ملاحظة أو دون أن تؤخذ بعالاعتبار.‏ لكنها في الوقت الحالي تصبح لافتة للنظر وتفرض نفسها فرضاوإن ظلت قابلة في بعض الأحيان لتفسيرات تبدو مقنعة.‏ فبعض القراراتالتي اتخذها اريض تبدو غريبة إلا أنه أحيانا يلتمس له العذر فيها.‏فطالب الجامعة مثلا قد يقرر فجأة التوقف عن الدراسة وقد يبرر ذلكبأنه لم يعد قادرا على الاستيعاب.‏ والعامل قد يشعر بأن رئيسه أو زملاءهفي العمل يتحاملون عليه أو لا يظهرون تجاهه نوايا حسنة أو لا يحترمونهوأنهم يلون لأن يسببوا له اتاعب أو يشوهوا سمعته أو يكلفونه بأعماللا قبل له بها.‏ فهم يبغضونه لأسباب قد تكون مفهومة أحيانا أو غيرمفهومة في معظم الأحيان.‏ وفي بعض الأحيان ينقطع اريض عن العملويصبح مشغولا بأمور تبدو غير ذات أهمية.‏ وفي نهاية الأمر تصبح تلكالسمات غير العادية بادية للعيان.‏ وأحيانا يحدث ذلك بصورة تدريجيةمتخفية ومتزايدة وأحيانا أخرى يحدث بصورة حادة مثلما حدث للمريضاللذين ورد ذكرهما في بداية الفصل الأول.‏وكما سنعرف بتفصيل أكثر في الفصل الرابع كثيرا ما نجد أن طالشخصية الخاص باريض والذي ألفته أسرته فيه قبل ارض يختلطبأعراض ارض بصورة غير ملحوظة حتى يصبح مستحيلا أن نحدد متىبدأ ارض فعلا.‏ويبدأ ارض في بعض الحالات بفترة من الخلط الذهني والهياجوالاستثارة الحركية يبدو خلالها اريض شغوفا بإقامة علاقات وبالتواصلمع كل من يعرف وبإعادة الصلة بينه وب عالم يبدو وكأنه يتواري بعيدا.‏46


وصف مرض الفصامفهو ينقب عن شيء لا يستطيع العثور عليه.‏ وأحيانا قد لا يعرف حتى انهيفعل ذلك.‏ فهو يريد أن يكون فعالا ويبدي نهما شديدا للحياة ولكل أنواعالخبرات لكن حالة الخلط الذهني لديه تفوق قدرته على ذلك وكن أنيشتد به الهياج ويفتقد كلامه الترابط ب أجزائه وتصبح حالته ارضيةواضحة جلية.‏وقد يقع اريض في بعض الأحيان فريسة لتوهم ارض وتكثر شكاواهمن الإصابة بعديد من الأمراض.‏ وأحيانا أخرى ينشغل ظهره الجسماني:‏بشكل أنفه بأذنيه بأسنانه البارزة بصدره بشعره وما إلى ذلك.‏ وبينماتبدو شكاواه مقبولة في بداية الأمر.‏ إلا أنه سرعان ما يتضح أنها قائمةعلى غير أساس أو أنها تحتوي قدرا هائلا من ابالغة أو الزيف.‏وقد نجد اريض في أحيان كثيرة وقد أصبح أقل اهتماما بأمورالحياة عن ذي قبل وأخذ بدلا من ذلك يركز على أمور معينة.‏ كأن يفكر فيأن أشياء بعينها ذات علاقة خاصة به أو أن لها معنى خاصا لديه.‏ ومثلهذا النوع من الأفكار يطلق عليه اسم:‏ أفكار إشارة.‏ فإذا حدث أن التقىاريض شخص ما في الطريق ظن أنه يتجسس عليه.‏ إذ يبدو اريضوكأنه غير قادر على تصديق أن ثمة أشياء كن أن تحدث عرضا أواتفاقا بل يعتقد أنها تحدث عن قصد وبتدبير سابق وهكذا فإذا فكر فيشيء ما أو موضوع ما ثم حدث أن ورد ذكر لهذا الشيء أو ذلك اوضوع فيجريدة أو فيلم أو في التليفزيون أو في الراديو لا يعتبر ذلك محض اتفاقبل يعتبره أمرا مثيرا للريبة.‏وتتزايد شكوكه في الآخرين.‏ فيعتقد أنهم ينظرون إليه نظرات غريبةوأنهم يسخرون منه أو يتقولون عليه من وراء ظهره.‏ كما قد يعتقد أنه واقعتحت تأثير جماعة أو منظمة مجهولة الهوية قد تكون إحدى الجماعاتالسياسية أو الأقليات العرقية أو إحدى منظمات اافيا أو حتى كائناتمن الكواكب الأخرى.‏ و«هم»‏ يجعلونه يشعر بأحاسيس غريبة أو يفكربطريقة مغايرة لطريقته هو و ‏«هم»‏ يستخدمونه كحيوان التجارب يسلكسلوكا خارجا عن إراداته.‏ وهو لا يستطيع تحديد هوية أولئك ال ‏«هم»‏سوى أنهم أناس-جماعة أو فرد-غير محددي اعالم ومعادون له.‏ثم يصبح ميالا لتأويل الوقائع والأشياء على نحو غريب لا يشاركه فيه47


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأحد.‏ فيتصور مثلا أن بيته قد ثبتت داخله أسلاك كهربائية أو أجهزةتصنت ترصد تفكيره أو أن طعامه قد وضع فيه سم أو أن ثمة تجاربتختص بالتنو أو بالتراسل عن بعد تجري عليه سرا.‏ ومثل تلك اعتقداتالزائفة تسمى ضلالات وتكون غالبا ذات طابع سلبي بالقدر الذي يكفيلإقناع اريض بأن بعض الناس أو القوى الخارجية تعمل على اضطهاده أوإيقاع الأذى به أو على الأقل ترصد سلوكه وتخطط لإلحاق الضرر به فياستقبل.‏ وقد يعتقد أن هناك من يتحكم أو يريد التحكم في أفعاله أوتفكيره وقد يشعر بأنه يتلقى رسائل معينة عن طريق شفرة سرية.‏ وقدتكتسب الكلمات التي يتداولها الناس معاني خاصة وتبدو له ثابة تورياتأو تلميحات هدفها التعريض به.‏ وقد يرى بعض ارضى تلك التوريات فيكل ما يحدث حولهم ويل البعض الآخر إلى تأويل إاءات الآخرينوحركاتهم وحتى الأصوات العابرة التي تصل إلى مسامعهم على أنها ذاتمعان خاصة.‏وقد تصبح اعتقدات الضلالية في مرحلة لاحقة ذات محتوى سارقد يصل إلى حد الشعور بالعظمة.‏ فاريضة قد تتصور أنها ملكة أومليونيرة أو أنها ستتزوج مثل مشهور.‏ واريض قد يتصور أنه اخترعشيئا عظيما أو اكتشف أسرار الكون أو أبدع نظاما فلسفيا من شأنه أنيكشف عن سر الحياة.‏ واريض هنا يصبح هو الذي يتحكم في الآخرينأو في الطقس أو في سوق الأوراق االية أو في الانفجار السكاني عنطريق وسائل مثل التنو أو التأثير من بعد.‏كذلك تتغير الطريقة التي يدرك بها اريض اثيرات الحسية الخارجيةفيسمع الأصوات ويبصر الأشياء على غير ما هي عليه في الواقع.‏ وعاهاألوف يبدو غريبا أو غير عادي.‏ إذ تبدو له الأشياء والناس وقد تغيرتملامحهم وتصبح علاقته بهم مختلفة عن ذي قبل.‏ بل إن أحجام الناسنفسها تتغير وتبدو له أكبر أو أصغر عما كانت.‏ كذلك يتغير إحساسهبالزمن فإيقاع الحياة يبدو أسرع أو أبطأ ا كان.‏ وأحيانا يختلط عليهإدراك طبيعة الأشياء فتبدو على غير ما هي عليه ‏(خداع الحواس .(Illusions)وقد يخطئ في التعرف على شخصيات الآخرين.‏ وتبرز في ذهنه اثلاتغريبة.‏ فقد تقع عيناه على رجل عجوز في الطريق شديد الشبه بجده48


وصف مرض الفصامفيقول لنفسه:‏ را كان هذا الشخص شقيقا توأما لجدى لكني لم أعلمبوجوده.‏وثمة ظاهرة أخرى يتكرر حدوثها بنفس معدل ظاهرة خداع الحواس أويزيد هي ظاهرة الهلاوس وهي مدركات حسية ليس لها أي مصدر فيالواقع الخارجي.‏ حيث يسمع اريض أصواتا تتحدث إليه أو تذكر اسمهدون أن يكون هناك من يتحدث إليه.‏ كذلك قد يرى أشخاصا أو أشياء غيرموجودة في الواقع.‏ وكثيرا ما يسبق الهلاوس أو يصاحبها شعور لدى اريضبأن أفكاره مسموعة للآخرين القريب منه أو حتى البعيدين عنه.‏ وفيمعظم الأحيان يسمع اريض أصواتا تتهمه بأنه جاسوس أو شاذ جنسياأو منحرف أو قاتل دون أن يكون هناك من يفعل ذلك وقد تحدث الهلاوسفي أي حاسة من الحواس إلا أن أكثرها شيوعا خلال جميع مراحل ارضهي الهلاوس السمعية.‏ وأقلها شيوعا هلاوس الشم والتذوق واللمس.‏وأحيانا يظل السلوك العام للمريض وتصرفاته عادية ولا تظهر أعراضارض إلا في أفكاره غير السوية.‏ لكن سلوكه العام يبدو في معظم الأحيانغير عادي وغير مقبول فتراه مثلا يلوي عضلات وجهه أو يتفوه بألفاظ أويحرك شفتيه بطريقة شاذة أو تراه منغمسا في حركات تكرارية متكلفةتجعل سلوكه يبدو غريبا ومسرحيا وشاذا.‏ وأحيانا أخرى تصدر منه أفعالمفاجئة:‏ إاءات صراخ صخب أو قهقهة عالية.‏وفي بعض الأحيان نجد أن طباع اريض قد انقلبت إلى نقيض ماكانت عليه من قبل.‏ فإذا كان متحفظا في سلوكه تجاه الجنس الآخر نجدهقد أصبح جريئا إلى حد ينافي العرف السائد.‏ وقد يقدم على مغازلاتجنسية بأسلوب غير مناسب وغير مستساغ على الإطلاق.‏ وإذا كان منالنوع استك أو اتواري عن الأنظار تواضعا نجده قد أصبح متذمراميالا للمعارضة وحتى للعراك وكثير من هؤلاء ارضى لا يستطيعون تركيزالانتباه مع من يحادثهم.‏ فتجدهم يكررون نفس السؤال وكأنهم لم يسمعواالإجابة التي قيلت لتوها.‏ويبدو اريض غير متسق على الإطلاق من الناحية الانفعالية.‏ فقدتنتابه بسهولة حالات مثل القلق والخوف والسب والارتياب والسخرية.‏وأحيانا يبدو بلا انفعال على الإطلاق حتى ح يتحدث عن أمور من شأنها49


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأن تثير الانفعال لدى من يسمعها.‏ وغالبا ما تجده بادي اللامبالاة أو متبلدالشعور اما.‏وفي حالات أخرى نجد أن حالة الانسحاب النفسي العام التي ذكرناهاسلفا تشكل السمة الأساسية للمرض.‏ حيث يبدو اريض وقد فقد القدرةليس فقط على فهم الواقع بل أيضا على الاهتمام به واشاركة في أحداثه.‏فهو يعيش داخل قوقعة لا تتجاوز حدود عاه الشخصي اباشر ضيقالنطاق.‏ ويختزل نشاطاته إلى الحدود الدنيا وح يؤديها فإا يفعل ذلكعادة بطريقة روتينية ذات ط واحد لا يتغير.‏ وغالبا ما يستلزم الأمر أنيُدفع دفعا لكي يؤدي عملا ما.‏ وقد يصل به العزوف عن فعل أي شيء إلىحد إهمال مظهره الشخصي.‏ وسنقدم وصفا للأاط اخملتلفة رض الفصامفي موضع لاحق من هذا الفصل.‏مرض الفصام من زوايا مختلفة:‏لعل من افيد أن نتوقف هنا قليلا لنرى كيف تنظر الأسرة وكيف ينظراريض نفسه للتغيرات التي طرأت عليه.‏ فأما الأسرة فهي تستقبل تلكالتغيرات أول الأمر جرد الاندهاش.‏ صحيح أن بعض سمات شخصيةاريض تبدو غريبة نوعا ما إلا أن تلك الغرابة تؤخذ على أنها مجرد تعبيرعن فردية اريض أو عن رغبته في أن يكون مختلفا عن الآخرين أو عنرغبته في تأكيد الذات.‏ لكن ما يلبث أن يتضح للأسرة أن ما بدا لها أولالأمر سمات يزة للمريض عن سواه قد أصبح بالنسبة له هو:‏ تغيراتطرأت على الكون ذاته.‏ هنا تصاب الأسرة بالحيرة.‏ وتدرك أن اريض لميعد في حالة سوية وأن الأمر يتطلب عرضه على الطبيب.‏ وتبدأ في بذلجهود مكثفة لإقناعه بذلك.‏فإذا كانت لدى أفراد الأسرة فكرة عن مرض الفصام فسوف يدركونأن اريض بحاجة إلى أن يرى العالم بطريقة مختلفة.‏ وأنه لا جدوى منمحاولة إقناعه بأنه مخطئ وأن الأسوأ من ذلك أن يحاول أحد أن يسخرمنه بسبب طريقته ‏«الشاذة»‏ في التفكير ويفضل في تلك الأحوال أنيتوجه إليه أحد أفراد الأسرة قائلا:‏ ‏«يا فلان»‏ لابد أن لديك سببا يجعلكترى الأمور على غير ما نرى نحن ورا يستطيع أحد اخملتص أن يوضح50


وصف مرض الفصاملنا جميعا ذلك السب».‏قدمنا فيما سبق وصفا رض الفصام وهو أساسا وصف للصورة التييبدو بها ن يلاحظ اريض أو حتى ن يفحصه من الاختصاصي إذااكتفى ا يقوله اريض عن نفسه.‏ والاختصاصي هنا يكون قد احتفظباوضوعية أو اسافة الإكلينيكية الأولية بينه وب اريض ولم يحاول بعدالنفاذ إلى داخل عقله.‏على أن اريض على الرغم ا حدث له من تغيرات أدت إلى ارضيظل غير مدرك أن تلك التغيرات إا حدثت داخل نفسه.‏ بل يعتقد أنالعالم الخارجي هو الذي تغير.‏ وكن تشبيه حالته-مع الفارق-‏ن يضععلى عينيه عدسات تغير أبعاد الأشياء.‏ فإذا لم يكن يعلم أنه يرتدي مثلتلك النظارة فسيعتقد أن الأشياء التي يراها هي فعلا بالشكل الذي يراهابه.‏ على أن التغييرات التي تحدث في عالم <strong>الفصامي</strong> لا تقتصر فقط علىما يراه ويسمعه بل تشمل بالدرجة الأولى الدلالات التي تكتسبها الأحداثمن حوله والتي تتشكل وفقا لطريقته الجديدة في التفكير وتصطبغ بلونانفعالاته.‏وكن تقسيم ارحلة الأولية للحالات الحادة النمطية إلى ثلاث فترات.‏تتميز الفترة الأولى بشعور بالقلق البالغ مجهول اصدر.‏ وتحدث في الفترةالثانية أشياء عديدة تتميز جميعا بالخلط الذهني فأحيانا تسيطر علىعقل اريض أفكار معينة دون سواها.‏ بحيث لا يستطيع إعادة الانتباهللأشياء الأخرى ولا الإجابة عن الأسئلة التي لا تتعلق مباشرة بالفكرةالسائدة لديه.‏ وتتملكه مشاعر عدم الارتياح.‏ فهو بحاجة ماسة إلى منيطمئنه لكن يبدو أن ذلك ليس قدور أحد.‏ فهو مشغول البال لدرجة أنهلا يستطيع سماع حتى إجابات الأسئلة التي يطرحها هو نفسه.‏ لذلك يظليكرر السؤال مرات ومرات وتبدو عليه معاناة شديدة.‏وقد ينجح أحيانا في الإفلات من حالة العذاب تلك ويعود إلى حالتهالطبيعية وأحيانا يشعر بأنه أفضل من ذي قبل لكن ذلك لا يستمر سوىساعات أو أيام قليلة تعاوده بعدها حالة الهلع را بصورة أشد إذ يشعربأن شيئا مهولا يحدث له.‏ وأنه را يكون على وشك الجنون.‏ وبعدئذيشعر بأن الآخرين هم الذين يظنون به الجنون.‏ وينمو لديه إحساس بأنه51


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيخسر معركة لا يدرى كنهها.‏ وتفتر عزته أكثر فأكثر.‏ وتتزايد لديه حالةالخلط الذهني والخوف بدرجة أكبر فأكبر تقهره وتغمر كيانه كموجاتهائلة.‏ وتبدو الأشياء حوله غريبة وتكتسب خصائص حسية مغايرة اكانت عليه كما تكتسب معاني مبهمة.‏ وأحيانا يجد اريض نفسه مستغرقافي تخيلات يدرك هو نفسه زيفها إلا أنها تتسم بدرجة من الوضوحالحسي يجعلها تبدو حقيقة واقعة.‏ ويحاول أن يجد تفسيرا لذلك كله دونجدوى وكثيرا ما يشعر أن الناس جميعا يلعبون أدوارا في مسرحية تستهدفتشويش تفكيره.‏ ويصبح العالم بالنسبة له خشبة مسرح مترامية الأبعاد.‏وتعقب فترة الخلط الذهني في الحالات النموذجية فترة ثالثة يشعرفيها اريض أن كل شيء قد أصبح واضحا:‏ إذ يجد نفسه فجأة وبلامقدمات وقد ومضت في ذهنه فكرة جعلت كل شيء مفهوما.‏ لقد عادالضوء مرة أخرى.‏ والأشياء التي كانت مختلطة ومبهمة أصبحت ذاتمعنى وهدف.‏ وأصبح يشعر بصفاء ذهني نادر فهو يفهم الآن كل شيء:‏فالأحداث الغريبة لم تكن أحداثا عارضة بل كانت مدبرة بقصد مع‏.‏ذلك أن هناك في مكان ما من يلاحقه ويعاديه.‏ ويظل اريض من الآنفصاعدا يسعى إلى أن يبرهن منطقيا على صحة ما بدا له يقينا.‏ وتحدثله الظاهرة التي أسميتها ‏«الاستبصار الذهاني».‏ وعند هذا الحد يكونارض قد توطدت دعائمه واتخذ طا بارانويا ‏(اضطهاديا).‏اذا نسمى تلك الظاهرة استبصارا ذهانيا?‏ كلمة الاستبصار تعنى اكتشافافجائيا عان وعلاقات ب أشياء ووقائع متباينة.‏ فالأشياء التي بدت للمريضفي ااضي غير مترابطة ومنبتة الصلة فيما بينها يراها الآن أجزاء من كلواحد.‏ لكن ذلك الاستبصار هو استبصار ذهاني لأن اريض وحده هوالذي يرى تلك الأشياء على ذلك النحو.‏ لقد أصبح قدوره أن ‏«يضعاتماثلات في فئة واحدة»‏ وأن يركب الصورة من أجزائها اخملتلفة كمايحدث في ألغاز ‏«الصور اقطعة»‏ لكنه وحده دون سواه الذي يرى مثل تلكالألغاز.‏ وهو يرى العالم على نحو مختلف لأنه يتبنى طرقا جديدة فيالتفكير.‏ فهو يتخلى عن التفكير انطقي ويتبنى أاطا من التفكير سنتحدثعنها فيما بعد.‏ ويشعر أنه لم يسبق له قط أن فكر ثل هذا الوضوح وثلتلك الفاعلية.‏ وهذا الانطباع نفسه قد يتكون لدى بعض من يلتقون به من52


وصف مرض الفصامعامة الناس.‏وجدير بالذكر أن اريض لا يتبنى تلك الطرق الجديدة وغير السويةفي تفسير الواقع دون أن يدور بينه وب نفسه في بداية الأمر صراعمرير.‏ فحينما تجول بخاطره تلك الطرق في التفكير ثم توشك على الظهوريبذل قصارى جهده كي يقاومها.‏ وهو يشعر بذلك الصراع داخل نفسهبوصفه ‏«محاولة قاومة ايل للاستسلام».‏ إلا أنه يظل خائفا من انهسيستسلم آجلا أو عاجلا وقد أشرنا سابقا إلى أنه يشعر بأنه مشتبك فيمعركة خاسرة.‏ على أن الاستسلام يبدو له من ناحية أخرى ذا إغراء لايقاوم.‏ إذ يحمل في طياته إمكان الخلاص من عذاب الخلط الذهني.‏ وقدوصف الطبيب النفسي و.‏ ج.‏ ست W.J.Stein تلك الحالة قائلا ‏«والآنفعلى الرغم من إحساسه بالعجز الكلي أو بأنه يقف شاهدا لدماره الشخصيدون حراك إلا أنه يبذل من ح لآخر محاولات يائسة للنجاة من اوت.‏مثل الغريق الذي لا يجيد السباحة لكنه رغم ذلك لا يفتأ يقاوم الغرقبضراوة».‏وعندما يستسلم اريض نهائيا ويدخل في حالة الاستبصار الذهانيتحدث له عملية عكسية:‏ إذ يبدأ في البحث إيجابيا عن أدلة تؤكد شكوكهكما تزداد حدة تنبهه الحسي ا يدور حوله.‏ فإذا سمع صوت ضوضاء أووردت كلمة معينة على لسان أحد معارفه أو شاهد شخصا غريبا يسيرفي الطريق رائحا غاديا اتخذ من كل ذلك أدلة تؤكد وجهة نظره.‏وأحيانا يتخذ الاستبصار الذهاني صيغة مختلفة عن ذلك.‏ فلا يسعىاريض إلى إثبات صحة أفكاره.‏ فهو ‏«يعرف»‏ وكفى.‏ فمعرفته تنبع من يقداخلي لاشك فيه وليس بحاجة إلى إثبات.‏ ‏«فهو يعرف».‏والآن علينا ألا نكتفي بالصورة الظاهرية لكل تلك الأمور إذ هي بحاجةإلى تفسير سيكولوجي.‏ وقبل ذلك يجب أن أشير إلى أن التفسيراتالسيكولوجية حتى لو كانت صحيحة اما لا تستطيع أن تفسر جميعجوانب العملية <strong>الفصامي</strong>ة.‏ أعني بذلك:‏ أن لدى اريض احتياجات نفسيةقوية عليه تلبيتها حلا شكلاته النفسية.‏ وهو يفعل ذلك عن طريق الأعراضارضية.‏ غير أن ثمة احتمال بأنه ما كان سيلجأ إلى تلك الطريقة غيرالسوية لحل مشكلاته ما لم يكن لديه استعداد لذلك نتيجة لتهيئة بيولوجية53


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمعينة أو لتآزر عوامل نفسية معينة أو زيج من كليهما.‏ على أنه أيا كانتضرورة العوامل فإن فهم الاحتياج النفسي للأعراض ارضية يعتبر أمراهاما.‏ولنأخذ مثالا توضيحيا من الطب الباطني.‏ فالحمى مثلا هي عادةعرض رض ميكروبي أي أنها عرض لحالة غير سوية رغم ذلك فهي ذاتوظيفة مفيدة إذ هي محاولة من الكائن الحي لمحاربة ارض ذاته.‏ فعنطريق رفع حرارة الجسم يتمكن الكائن الحي من محاربة ايكروبات الغازيةأو السميات الناتجة عنها بأن يصيبها هي نفسها بارض.‏ وفي حالةالفصام قد يكون للأعراض أيضا وظيفة مفيدة رغم عدم وجود ميكروباتلكن اريض يدافع عن نفسه هنا ضد مشاعره تجاه نفسه ومستقبلهوحياته وتجاه علاقته بالعالم من حوله.‏والصورة التي وصفناها آنفا رغم أنها صورة عامة إلا أنها تنطبق أكثرما تنطبق على النمط البارانوي للفصام.‏ فما هي الوظائف التي تؤديهاالأعراض ارضية في تلك الحالة أو بتعبير آخر ما معنى تلك الأعراضما معنى شعور اريض مثلا بأنه رقم وما معنى ميله لإلقاء اللوم علىالآخرين سواء أكانوا أفرادا معين أم جماعات غير محددة الهوية.‏ هذهالأعراض هي نتيجة لعملية الإسقاط التي تحدثنا عنها سلفا والإسقاطكلمة بديلة لعملية الإحالة إلى الخارج فعن طريق الإسقاط يعزو اريضمشكلات الصراع النفسي داخله إلى العالم الخارجي.‏فاريض قبل أن تظهر عليه علامات ارض بوضوح لم يكن في الواقعفي حالة طيبة بل كان يعاني من مشكلات نفسية خطيرة.‏ كان تقديرهلذاته متدنيا للغاية.‏ إذ كان يعتبر نفسه غير كفء وغير جدير بشيءأخرق غير محب وغير محبوب غير متقبل للناس وغير مقبول لديهم.‏وكان يلوم نفسه لكونه غير كفء أو متدن بطبيعته ولكون انه لم يفعل ماكان يجب عليه كي يرفع مستوى كفاءته وعلى الرغم من أنه يظل يحاولمعظم الوقت إنكار صورته تلك عن نفسه بل ويحاول إبعادها عن نطاقشعوره بأكمله إلا أن الوقت يجئ ح لا يعود قادرا على الاستمرار فيذلك وهنا يحيل تلك اشاعر إلى الخارج بطريقة لا تستند إلى أي منطق.‏وبذلك لا يعود الاتهام موجها إليه من نفسه بل آتيا إليه من الآخرين.‏ على54


وصف مرض الفصامأنه لا يستطيع القيام بعملية الإحالة تلك دون أن يلجأ إلى طريقة بدائية فيالتفكير تفتقر إلى الدقة كما سنرى في موضع لاحق وهذه الطريقة تبدولنا على أنها مبالغات وتحريفات للواقع إذ يقيم اريض ارتباطات بالأشياء لوجود اوجه اثل بينها ويخلط التماثل بالهوية.‏ وهكذا نجد أنأولئك الأشخاص غامضو اعالم الذين يتخيلهم اريض لا يتهمونه بأنه‏«غير كفء وغير محبوب ضئيل الشأن بل تتضخم الاتهامات في خيالاريض حتى تصل إلى حد اتهامه بأنه ‏«منحرف جاسوس قاتل عاهر»‏ويعتبر هذا العرض واحدا من ايكانزمات التي سماها فرويد دفاعاتنفسية.‏ولعله من العسير على غير اخملتص الذي لم يدرس ديناميكايات الطبالنفسي أن يتفهم كيف كن للأعراض ارضية أن تكون دفاعات نفسية أوتكون ذات فائدة للمريض.‏ وله أن يتساءل:‏ ألا يعتبر جعل اريض نفسهموضعا للاتهام أو موضوعا ؤامرة أو اضطهاد إساءة لنفسه أكثر من أنيكون دفاعا عنها?‏ ونقول نعم إذ الواقع أن اريض الذي يشعر انه مضطهدعلى ذلك النحو يعاني اشد اعاناة.‏ لكنه لم يعد هو الذي يتهم نفسه.‏ بلأصبح يعلى من قدرها.‏ إذ يعتبر نفسه شهيدا أو ضحية بريئة لسوء نيةالآخرين.‏ فلم يعد قدوره احتمال الشعور بانحطاط قدره.‏ فهو إحساسيجرح كبرياءه الذاتي من الداخل ولكي يتخلص من هذا الشعور يلجأ إلىميكانزم دفاعي كنه من أن يستبدل بالأذى الداخلي أذى قادما من العالمالخارجي.‏ وقد يكون التهديد الخارجي مؤا لكنه لا يدنى من قدره أمامنفسه.‏وبديهي أن الإسقاط ميكانزم غير سوى.‏ وحقيقة كان اريض بحاجةإلى الاعتقاد بأن التهديد مصدره في الخارج بدلا من أن يكون نابعا مننفسه وهو أمر لا يستطيع احتماله لكن تلك الحقيقة لا تكفي وحدهالتفسير لجوئه إلى ميكانزم الإسقاط فكما سنرى في الفصل الخامس لابد من توافر عوامل أخرى لكي يحدث ذلك.‏ غير أنه أيا كان السبب أوالأسباب اللازمة لحدوث الإسقاط فمن اهم أن نتذكر أن للعرض ارضيمعنى وهو معنى يستدل عليه من الوظيفة التي يؤديها أو يظن أنه يؤديهابالنسبة للمريض.‏ ومن اهم طبعا إن نعرف اذا كان تقدير اريض لنفسه55


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهقبل حدوث ارض متدنيا إلى ذلك الحد غير أننا لن نبحث تلك النقطةحاليا.‏أنواع الفصام:‏كما ذكرنا سلفا صنف الفصام إلى أنواع عدة وفقا لنوع الأعراضالسائدة في كل منها على أننا نجد حالات عديدة تختلط فيها الأعراضبحيث لا تندرج اما تحت أي من تلك الأنواع.‏ وسنناقش فيما يلي الأنواعالأربعة الرئيسية للفصام تلك الأنواع التي وصفها منذ أيام أميل كريبلالطبيب النفسي الذي وصف مرض الفصام لأول مرة في تاريخ الطب تحتاسم العته ابكر ‏(مصطلح الفصام صاغه الطبيب النفسي السويسري يوجبلويرBleuler (Eugen وسنضيف لتلك الأنواع الأربعة الرئيسية نوعا خامساأصبح شائعا في الوقت الراهن أكثر من ذي قبل هو:‏ الفصام الوجداني.‏النمط البارانويى:‏يشكل مرضى الفصام البارانويى القسم الأعظم من مجموع <strong>الفصامي</strong>ككل.‏ وهم يتميزون أساسا بالأعراض التي وصفناها في القسم الأول منهذا الفصل بالإضافة إلى بعض الأعراض الخاصة التي تختلف من حالةإلى أخرى.‏ وكثيرا ما يبدأ ارض في سن اراهقة إلا أنه قد يبدأ فيفترات متأخرة نسبيا مثل العقدين الرابع والخامس من العمر.‏ومرضى الفصام البارانويى عادة أكثر ذكاء من مرضى الأنواع الأخرى.‏ومنذ بداية ارض نجدهم ميال للشك ولسو تفسير الأشياء والأحداثمن حولهم على نحو يحط من قدرهم أمام أنفسهم.‏ فالشعور السائد لدىمريض الفصام البارانويى تجاه نفسه يحال للخارج فورا ويعود اريضفيدركه في صورة تقييم سلبي له من الآخرين ويحدث ذلك عن طريقميكانزم الإسقاط.‏ فإذا كان شعور اريض تجاه نفسه مثلا أنه أخرق فيتصرفاته وأنه عد الكفاءة إلى حد يدعو للسخرية يتكون لديه حينئذانطباع بأن الآخرين يتهكمون عليه.‏ وسرعان ما يصبح الانطباع حقيقةمؤكدة.‏ ويصبح موقنا أنهم ينظرون إليه على انه شخص سيئ وغير مقبوللديهم.‏ وتعود تلك الصفات فتتخذ لديه معنى خاصا هو انه شاذ جنسيا56


وصف مرض الفصاموهذا هو السبب في أنهم يشيرون إليه بضمير الغائب اؤنث ‏«هي»‏ فإذاسمع مثلا زملاءه في العمل يقولون ‏«إنها لا تؤدي عملها كما ينبغي».‏ يعتقدأنهم يقصدونه هو ويستخدمون كلمة ‏«هي»‏ إشارة إلى انه ليس رجلا.‏كذلك نجد أن ظاهرة انتشار اعنى شائعة ب <strong>الفصامي</strong> من هذاالنوع.‏ فاريض يعطي نفس اعنى لعديد من الأشياء لأنه يعيد تفسيرالعالم بحيث يتشكل وفقا لأفكاره الأساسية.‏ولا يقتصر الأمر على اعتقاد اريض بأن الآخرين يتهمونه بالصفاتالتي لا يحبها في نفسه بل يصل في النهاية إلى أن ينسب لهم الصفاتالتي لا يستطيع قبولها في نفسه.‏ فهو يبدأ بالشك في الآخرين ثم لا يلبثأن يصبح موقنا بأنهم يدبرون له مكيدة أو يتآمرون ضده.‏ ويستغرق فياستقصاء الأدلة التي تؤكد دعواه وقد يتخذ موقف من اعتدى عليه ظلمافتراه شاعرا بارارة غضوبا ميالا للمعارضة والتحدي.‏ وقد يتخذ ذلكاوقف الاستسلامي ن يشعر بالعجز وينشد العون لكنه لا يعرف السبيلإلى ذلك لأن ‏«ثمة أشياء غريبة تجري حوله».‏واعتقدات الضلالية تحدث في هذا النوع من الفصام عدل أكبر منهفي الأنواع الأخرى.‏ وقد تكون ضلالات اضطهاد أو عظمة أو توهم الأمراضأو اعتقاد اريض بأنه أجريت عليه تغييرات أو أنه متهم أو أنه واقع تحتتأثير قوة ما أو أنه منوّم أو موجّه من بعد أو مسموم أو أنه اتخذ مادةلإجراء التجارب وما إلى ذلك.‏وكثيرا ما تتخذ تلك الضلالات صيغة منظومة أو نسق مترابط منالأفكار.‏ عنى أن اريض لا يقبل تلك الأفكار كيفما اتفق بل يحاولتفسيرها بصورة منطقية في ضوء الجوانب الأخرى من حياته أو في ضوءملاحظاته ا يحدث في العالم من حوله.‏ فقد تؤسس انظومة الضلاليةعلى فكرة أن اريض مضطهد بسبب آرائه أو فلسفته أو معتقداته الدينية.‏وقد يقوم بصياغة معتقداته بحيث تبدو ذات بنيان علمي أو فلسفي أولاهوتي.‏واعتقدات الضلالية قابلة لجميع اضام التي كن تصورها.‏ واختباراريض ضمون ما يتوقف على بيئته الأسرية والثقافية والاجتماعية وأحيانايبدو تأثير البيئة الثقافية بصورة عكسية.‏ فنحن نجد مثلا أن الدين قد57


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأصبح في الوقت الراهن-في اجملتمعات الغربية-أقل تأثيرا في حياة الناسعن ذي قبل.‏ غير أننا نلاحظ حاليا أن عدد ارضى الذين لديهم ضلالاتعظمة ذات محتوى ديني آخذ في التزايد.‏ وأكثر الضلالات من هذا النوعشيوعا هو اعتقاد اريض انه اسيح يحدث ذلك لدى ارضى اسيحيوارضى اليهود الذين يعيشون في بلدان ذات أغلبية مسيحية.‏ كذلك فاعتقاداريض بأنه القديس بولس أو القديس بطرس أو اعتقاد اريضة أنهامر العذراء مثل تلك الاعتقادات أصبحت كثيرة الشيوع في الوقت الراهن.‏وعلى عكس ما تحدثنا به كتب الطب النفسي لم أصادف في حياتي مريضايعتقد أنه نابليون بونابارت.‏ وهناك نوع آخر من الضلالات أصبح أيضاكثير الشيوع هو ضلال الغيرة ‏(أي الاعتقاد بخيانة الزوجة أو الزوج)‏ وهويحدث بخاصة في مراحل العمر اتقدمة.‏ إلا أنه أكثر شيوعا في الحالاتالبارانوية عموما (١) منها في حالات الفصام.‏ولا يجب أن ننظر للضلالات والهلاوس على أنها-لكونها غير معقولة أوزائفة-غير جديرة بالاعتبار.‏ إذ هي كما نوهنا سابقا ذات هدف وبالتاليذات معنى وهو معنى قدور الاختصاصي التوصل إليه.‏ لقد أثبت فرويدأن المحتوى الظاهري للحلم والذي يبدو فارغا من اعنى هو في الحقيقة ذومعنى من اهم معرفته.‏ وقد طبق كارل يونج على أعراض الفصام نفسالتكنيك الذي طبقه فرويد على الأحلام وأصبح بذلك أول طبيب نفسييقدم تفسيرا سيكولوجيا وافيا للضلالات <strong>الفصامي</strong>ة.‏ وقد كتب يقول ‏«دعالحالم يروح ويغدو ويتصرف في يقظته كما يفعل أثناء الحلم وسنجدأنفسنا على الفور أمام الصورة الكلينيكية للعتة ابكر ‏(الفصام)».‏وكن اعتبار معظم الضلالات والهلاوس ثابة تشبيهات مجازية‏(خاصة ضلالات الاضطهاد)‏ أو ثابة عمليات تعويضية ‏(خاصة ضلالاتالعظمة).‏ ولنضرب بعض الأمثلة.‏ قد يعتقد أحد ارضى بأن زوجته تضعله السم في الطعام.‏ ويحس بطعم السم في كل مرة يأكل فيها.‏ حقيقة الأمرهنا هي أن اريض يعتقد أن زوجته قد سممت حياته مجازا.‏ عنى أنحياته الزوجية تعسة للغاية.‏ فيجد نفسه ميالا ‏(أو مرغما)‏ على الاعتقاد(١) الحالات البارانوية غير <strong>الفصامي</strong>ة تتميز بوجود معتقدات ضلالية تدور حول الاضطهاد أوالغيرة وتبدو منطقية متماسكة ولا تصاحبها أية أعراض فصامية أخرى.‏ ‏(اترجم)‏58


وصف مرض الفصامبأن طعامه مسموم.‏ وأياً‏ كان الألم اصاحب لذلك الاعتقاد فان تقبل فكرةدس زوجته السم في طعامه تبدو أقل مشقة من تقبل فكرة أن حياته‏(الزوجية)‏ أصبحت مسمومة.‏ وفضلا عن ذلك فمواجهته لواقع أن حياتهالزوجية تعسة إلى ذلك الحد سيحمله شيئا من اسئولية عن ذلك.‏ فراكان هو الذي أثار لدى زوجته مشاعر العداء والشقاق لعيب ما في شخصه.‏وقد يعاني مريض آخر من هلاوس شميه فيشم رائحة كريهة تنبعثمن جسده وهو مؤمن بصحة ذلك على الرغم من أن جميع من حوله ينفونه.‏حقيقة الأمر في مثل تلك الحالة هي أن اريض يشعر في قرارة نفسه بأنشخص مقزز ومنفر للآخرين والدور الذي يلعبه العرض ارضى هنا هوتحويل شعوره هذا بعيدا عن شخصه.‏ إذ أن تفكيره السلبي في جسده بدلامن شخصه يعتبر أيسر قبولا وأقل إيلاما.‏أما من يعتقد أنه اسيح أو من تعتقد أنها مر العذراء فأولئك يكونتقدير الذات لديهم بالغ التدني وتكون صورتهم أمام أنفسهم مدمرة لكيانهم.‏وعن طريق ضلالات العظمة تلك يرفعون من قدرهم أمام أنفسهم.‏ إذيجعلون أنفسهم مثلا عليا ورموزا للكمال البشري.‏الفصام الهيبفريني:‏قد يكون من العسير التمييز ب الفصام الهيبفريني والبارانوى.‏ فهمايشتركان في كثير من الأغراض إلا أنه في حالة الفصام الهيبفريني تكوندرجة ارض اشد والأعراض أقل اتساقا وأكثر تفككا.‏ وأكثر الفروق وضوحاب النوع هو أن مريض الفصام الهيبفريني يعاني من خلط ذهني أشدويكون بصفة عامة أقل قدرة على ارسة الحياة الطبيعية.‏ كذلك يصيبهارض عادة في سن أصغر.‏ وبعض ارضى البارانوي الذين لا يتلقونعلاجا يتقدم بهم ارض إلى النوع الهيبفرفينى.‏وقد يل اريض الهيبفريني إلى الاكتئاب الطفيف إلا أن الحالة ازاجيةالغالبة عليه هي جمود اشاعر والتجرد الانفعالي ويتخلل ذلك ب الحوالآخر لحظات من ارح أو الفكاهة الظاهرية.‏ وكثيرا ما يبتسم اريضفي مواقف لا تدعو إلى الابتسام مطلقا.‏ فقد تسأله عن شيء ما فيردبابتسامة لا تتلاءم مع اوقف.‏ وقد يفكر أحيانا تفكيرا منطقيا إلا أنه59


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمعظم الأحيان يفكر تفكيرا عشوائيا مفككا يتسم بالخلط الذهني.‏ وعلىعكس ما نجد لدى مريض الفصام البارانويى لا توجد لدى الهيبفرينيمنظومات معقدة أو ترابطات تضم معتقداته الضلالية في إطار فلسفي أوديني.‏ فهو لا يهتم-مثل البارانوى-بأن يثبت صحة معتقداته.‏ إذ لا يشعربحاجة للدفاع عن نفسه أمام عدوان الآخرين.‏ وقد يعتقد مثل البارانوميبأنه مضطهد إلا أنه لا يشعر رارة تجاه ذلك.‏ وضلالات العظمة لدىالهيبفريني تفوق كثيرا مثيلتها لدى الباراونويى في درجة بعدها عن العقلوفي تشبثه بها دون أي منطق.‏ فاعتقدات الضلالية لدى الهيبفريني تكونعادة أكثر بعدا عن الواقع.‏ وهي كثيرا ما تدور حول جسده حيث يعتقداريض أن أعضاءه قد دمرت أو توقفت عن العمل.‏ فقد يعتقد أن مخه قدذاب أو أن قلبه قد نقل من موضعه وما إلى ذلك من ضروب استحيل.‏الفصام الكاتاتوني ‏(التصلبي):‏من حسن الحظ أن هذا النوع من الفصام قد أصبح أقل شيوعا بكثيرعن ذي قبل.‏ وهو يبدأ بفترة هياج-وقد لا تحدث في حالات كثيرة-تتميزبسلوك هائج غير واضح الهدف ثم تخمد ثائرة اريض تدريجيا حتىيصل آجلا أو عاجلا إلى حالة من السلبية التامة والانسحاب والجمودالحركي شبه التام.‏ وفي الحالات النموذجية يصبح اريض مثل التمثال إذيتخذ أوضاعا كالتماثيل ويظل محتفظا بها لساعات أو أيام إلى أن يحركهأحد ليطعمه أو يأخذه إلى الفراش أو يساعده على قضاء حاجته ويبدواريض منقطع الصلة اما بالعالم من حوله.‏ فقد تبلغه أشد الأنباء إثارةللمشاعر-مثل نبأ وفاة فجائية لشخص عزيز-دون أن تطرف له ع‏.‏غير أن حالة انقطاع الصلة بالعالم تلك ليست سوى قشرة على السطح.‏فداخله بركان من الانفعالات.‏ إذ على الرغم من استقباله الأنباء الفاجعةبجمود في الإحساس وبوجه خال من أي تعبير فكثير منهم-بعد تجاوزالنوبة-يستعيد بدقة كل ما قيل له.‏ وهذا يدل على أنه كان على صلة وثيقةبالعالم من حوله غير أنه كان فاقد القدرة على الاستجابة الحركية فحتىالحركات البسيطة اللازمة لنطق الكلمات كانت تتجاوز قدرته.‏وإذا كان اريض عاجزا عن الحركة فليس ذلك بسبب أنه مصاب بالشلل60


وصف مرض الفصامأو أن جهازه الحركي معتل.‏ إا يكمن السبب في اختلال قدرته علىالإرادة على إصدار تعليمات لأعضاء جسده بالتحرك بالطريقة التي تؤديالفعل اطلوب.‏ وإذا كنا نراه أحيانا شديد الطاعة وشديد القابلية للإيحاءفالسبب هنا هو أنه يسلم نفسه لإرادة شخص آخر.‏ فلو حادثه الطبيبأثناء الفحص قائلا:‏ اخرج لسانك أريد أن أشكه بدبوس لوجدته يفعل ذلكصاغرا.‏ ويستطيع الطبيب أن يجعل جسم اريض يتخذ أشد الأوضاعصعوبة ويظل اريض على ذلك الوضع لساعات.‏ وتسمى هذه الظاهرةبالتصلب الشمعي.‏ وتوجد لدى ارضى من هذا النوع ظاهرة مناقضةللطاعة اطلقة هي السلبية العكسية Negativism فإذا طلبت من اريضأداء حركة معينة تجده يفعل عكسها اما.‏ فإذا سألته مثلا أن يخرجلسانه أغلق فمه بإحكام أو أدار وجهه بعيدا وإذا طلبت منه أن يقف ددراقدا.‏ وكثيرا ما يواصل اريض ارسة بضعة أنشطة لكنه يؤديها بطريقةروتينية وعلى نفس الوتيرة.‏ ولا ارس أية أنشطة عفوية أو مبتكرة.‏ إلا أنثمة استثناءات لافتة.‏ فعلى عكس حالة الجمود الحركي اعتادة قد تجداريض يكرر بعض الأفعال التي تكتسب لديه معنى خاصا أو تحقق لهغرضا خاصا في نفسه.‏ فقد رأيت مريضة في الثانية والعشرين من عمرهاتتجرد من ملابسها بصورة تكرارية دون اعتبار لوجود آخرين من الإناث أوالذكور.‏ وكثيرا ما نجد لدى ارضى من هذا النوع:‏ ضلالات وهلاوس إلاأنهم لا يستطيعون التعبير عنها إلى أن تتحسن حالتهم.‏ وكثيرا ما تدور تلكالضلالات والهلاوس حول موضوعات كونية كأن يعتقد مثلا ‏«أن العالميتحطم».‏ وأحيانا يستطيع اريض إجابة الأسئلة التي توجه إليه لكن إجابتهتكون ذات مقطع واحد:‏ نعم أو لا.‏ومن اهم أن نتعرف على العوامل النفسية وخبرات الطفولة التي تساعدعلى حدوث الفصام الكاتاتوني.‏ فمرضى هذا النوع من الفصام هم أولئكالذين لم يتح لهم في طفولتهم أن يكتسبوا ثقة في أفعالهم الشخصية ولاقدرة على الاعتماد على أنفسهم في تحديد اختياراتهم واتخاذ قراراتهم.‏فقد تعلموا في طفولتهم الطاعة العمياء لأبويهم ولم يتدربوا بدرجة كافيةعلى استعمال حرية الإرادة.‏ وعندما يأتي الوقت الذي عليهم فيه أن يتخذواقرارا يجدون أنفسهم في حيرة من الأمر فمشاعرهم متضاربة وقدرتهم61


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهعلى اتخاذ القرار مسلوبة.‏ وغالبا ما يشعرون بالذنب إذا سمحوا لأنفسهمبتحقيق رغباتهم وقد يتخذون في نهاية الأمر قرارات خاطئة.‏ وأكثر اواقفإثارة للقلق الشديد لديهم فيما بعد هي تلك اتعلقة بالعلاقات الجنسيةوالزواج واسائل العاطفية والطلاق وتغيير الدراسة أو العمل والانتقالإلى مدينة أخرى وما إلى ذلك.‏وعلى الرغم من تلك الثغرات في تكوينهم النفسي يستطيعون مواجهةاواقف شديدة الصعوبة إلا أنهم آجلا أو عاجلا يواجهون في وقت ماموقفا متأزما يبدو لهم التغلب عليه أمرا مستحيلا.‏ وغالبا ما يدفعون عنأنفسهم القلق الناشئ عن ذلك اوقف باللجوء إلى الوساوس والأفعالالقهرية إلا أن ذلك لا ينجح في تخليصهم من مشاعر القلق فيجدونأنفسهم منزلق شيئا فشيئا إلى حالة الجمود الحركي الكاتاتوني.‏وفي بعض الحالات يتأزم اوقف بصورة حادة فيدخل اريض مباشرةفي حالة الجمود الحركي دون مراحل وسيطة.‏ مثال ذلك سيدة أمريكيةمتزوجة في أواخر العشرينيات من عمرها أصيبت بحالة جمود حركيكامل قبل دقائق من اوعد المحدد لاستقلالها تاكسي يوصلها للمطار.‏وكان افروض أن تسافر إلى أوربا لتلحق بزوجها الذي سبقها إلى هناكقبل عام.‏وسفرها كان معناه أن تواجه زوجها بعد خيانتها له.‏ إذ حدث أثناءغيابه أن حملت سفاحا وأجهضت نفسها في وقت كان الإجهاض فيه غيرمشروع.‏ واوقف الذي كانت عاجزة عن مواجهته هو ادعاء الإخلاص أمامزوجها.‏ إذ كان ادعاء الإخلاص أكثر إثارة للشعور بالذنب من عدم الإخلاصذاته.‏ويكشف سلوك اريض خلال ارحلة السابقة على الجمود الحركي أوالتالية له عند التحسن النسبي عن شعور هائل بعدم التيقن وعدم القدرةعلى استخدام الإرادة فقد يتوقف في منتصف الحركة أو يؤدي الحركةوعكسها بصورة متتالية فهو يعاني صراعا ب رغبته في الانسحاب منالعالم وب رغبته في الاندماج فيه والحركات والأوضاع الجسمانية الغريبةالتي يتخذها هي نتاج لهات الرغبت حينما تنشطان في وقت واحد.‏وفرص الشفاء من النوبة الكاتاتونية جيدة إلا أن الوقاية من نوبات62


وصف مرض الفصامأخرى تتطلب عناية مستمرة.‏ ويجب التركيز سواء في علاج اريض أو فيحياته الأسرية على تشجيعه على اتخاذ قرارات بنفسه وتهيئة مناخ لاتكون فيه نتائج قراراته موضعا للنقد.‏الفصام البسيط:‏هذا النوع من الفصام هو أكثر الأنواع ندرة في أمريكا.‏ ولم يكن يعتبرأصلا نوعا مستقلا إلا أن الأطباء النفسي وجدوا أنه من افيد اعتبارهنوعا قائما بذاته.‏ والفصام البسيط على خلاف الأنواع الأخرى لا يحدثمطلقا بصورة فجائية أو درامية.‏ بل يحدث بالتدرج وببطء.‏ حتى يكاد يكونمن استحيل تحديد نقطة بدايته.‏ وعادة ما تبدأ اشكلات اصاحبة للفصامالبسيط في فترة ما قبل اراهقة.‏ فنجد اريض قد أصبح خاملا وميالالتضييق نطاق حياته.‏ ولا يصبح في مستقبل حياته الشخص الذي كانمتوقعا أن يكون.‏ ويعطي انطباعا بأنه متكاسل وبلا طموحات.‏ فالحياةبالنسبة له لة ولا تستثير لديه أية اهتمامات أو تحديات.‏ وهو يفشل فيالوصول إلى النضج الانفعالي أو العقلي بسبب عزوفه عن اشاركة فيمعظم مناشط الحياة.‏ ورغم ذلك فبمقدوره أن يعمل إذا توافرت له الرعايةاللازمة وان كان عمله لا يتسم عادة بالكفاءة أو الإبداع.‏ وقد تنشأ لديهصعوبات في الدراسة أو العمل ويفصح عن رغبته في الابتعاد عن ارسةأشياء مفروض عادة أن تكون مثيرة وجذابة.‏ولا توجد في الفصام البسيط أية ضلالات أو هلاوس أو ملامح تفكيرغير منطقي بل على العكس يبدو اريض ميالاً‏ لعدم التفكير.‏ ولا يجد لديهحافزا لاستعمال عقله إلا في أقل القليل.‏ ولا يل للتفكير اجملرد بليفضل أن يقتصر حديثه على بضعة موضوعات بسيطة أثيرة لديه.‏وعلى الرغم من أن مريض الفصام البسيط يخلو من الاضطراباتالظاهرة التي توجد في الأنواع الأخرى إلا أن حالته العقلية لا ترقىللمستوى الطبيعي.‏ فلو عاش في بيئة طبيعية تتطلب اشاركة وابادأةلوجدنا سلوكه غير فعال وغير ملائم تطلبات الحياة اليومية.‏ وعلى الرغممن أن سلوكه يخلو من العنف ومن الاضطرابات الجسيمة إلا أنه يظلعبئا على أسرته.‏ وإذا كان بلا أسرة يصبح عرضة للسقوط إلى أدنى63


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهدرجات السلم الاجتماعي أو لأن تستغله إحدى الجماعات انحرفة.‏ ومريضالفصام البسيط ما لم يعالج بكفاءة فليس بإمكانه استعادة قدرته علىالاستمتاع بالحياة أو على النمو الشخصي واعنوي.‏الفصام الوجداني:‏في هذا النوع من الفصام نجد إلى جانب الأعراض <strong>الفصامي</strong>ة تغيراتواضحة في الحالة الوجدانية أو ازاجية وهي تغيرات إذا أخذت علىحدة أصبحت يزة لنوع آخر من الأمراض الذهانية يسمى ذهان الهوس-‏الاكتئابي.‏ حيث نجد اريض ر بفترات من الاكتئاب وبفترات من ارحقد يصل إلى حد النشوة.‏ والفصام الوجداني يشفى بسرعة أكبر من الأنواعالأخرى لكن نوباته يل للظهور ثانية.‏مسار الفصام:‏من الخصائص البارزة رض الفصام ذلك التباين الشديد في مساره.‏فبعض ارضى يشفون من نوبة فصامية حادة خلال ساعات أو أيام أوشهور.‏ وكما أشرنا من قبل فقد وردت تقارير عن حالات فصامية لم تدمأكثر من أربع وعشرين أو ثمان وأربع ساعة.‏ويوجد حاليا في أمريكا ميل للأخذ بالطريقة اتبعة في بلاد أخرى فيتشخيص مرض الفصام ووفقا لتلك الطريقة فإن الحالات ارضية التيتشفي خلال ستة شهور لا تعتبر فصاما حتى لو كانت ذات أعراض فصامية.‏وفي البلاد الناطقة بالفرنسية لا تسمى النوبة البارانوية الحادة فصاما بلتسمى نوبة ضلالية bouffee delirante وتلك الطريقة في التشخيص التيتعتمد على مدة ارض لا تبدو لي صحيحة علميا فالحالة ارضية التي لاتدوم سوى فترة وجيزة اثل ارحلة ابكرة للحالات التي تدوم لفترةأطول.‏وهناك بعض ارضى يستمر مرضهم فترة طويلة ومنهم من يظل مريضامدى الحياة ‏(إلا أن عددهم حاليا أقل من ذي قبل).‏ والبعض الآخر يتخذلديه ارض مسارا دوريا يتميز بنوبات متكررة وهذه الصورة الدورية تحدثأساسا للشخصيات اهيأة لذلك بحكم تكوينها.‏64


وصف مرض الفصاموكن تقسيم مسار الفصام إلى أربع مراحل مفترض أنه سيستمردون توقف حتى يصل إلى حالة النكوص الشديد.‏ وعلينا أن نتذكر هنا أنمعظم مرضى الفصام الذين يراهم الأطباء النفسيون في عياداتهم الخاصةيكونون في ارحلة الأولية للمرض وهم يظلون كذلك حتى ح يعاودهمارض للمرة الثانية أو الثالثة ذلك أن طرق العلاج الحديثة تحول دونتقدمهم إلى مراحل أبعد.‏ وارحلة الأولى تد من بداية فقد اريضصلته بالواقع إلى أن تكتمل لديه الأعراض <strong>الفصامي</strong>ة على النحو الذيذكرناه سلفا.‏وارضى الذين لا يتم شفاؤهم يتقدم بهم ارض إلى اراحل الثلاثالأخرى.‏ وتتميز ارحلة الثانية وهى مرحلة متقدمة بأن اريض يبدوفيها متقبلا لحالته فالأعراض ارضية لا تظل مصدرا لانزعاج اريضكما كانت من قبل.‏ وحياته تصبح مفتقدة للتلقائية ومحدودة النطاق أكثرفأكثر.‏ وفي ارحلة الثالثة وهي ارحلة قبل النهائية تفقد الأعراضحدتها الأصلية وتصبح متشابهة إلى حد كبير في أنواع الفصام كافة حتىليصعب التميز ب نوع بارانويى ونوع كاتاتوني.‏ أما ارحلة الرابعة فيتسمسلوك اريض فيها بالاندفاعية وبالأفعال الانعكاسية.‏ ومعرفة خصائصتلك اراحل بعد الأولية لا تهم قار هذا الكتاب.‏ على أننا سنعود فيالفصل التاسع لنناقش حالة ارضى الذين يتجاوز ارض لديهم مرحلتهالأولية.‏65


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده66


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخل4 عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلما ذكرناه عن مرض الفصام في الفصل السابقيعتبر مفيدا لكنه غير كاف.‏ إذ علينا أن نعرفبصورة أفضل العمليات النفسية التي جعلت اريضيفهم الحياة والناس ويفهم نفسه وماضيهومستقبله بطريقة مختلفة ليس فقط عن الطريقةالتي يشعر ويفكر بها الآخرون تجاه تلك الأمور بلأيضا عن الطريقة التي كان اريض نفسه يشعرويفكر بها قبل ارض فهو يبدو حاليا شخصامختلفا لكنه أيضا نفس الشخص وحالته الراهنةذات صلة وثيقة بحالته التي كان عليها من قبل.‏ولن نستطيع في هذا الفصل أن نستعرض عالم<strong>الفصامي</strong> من كافة جوانبه الرئيسية بل سنكتفيباختيار بعض الامح الهامة لذلك العالم بحيثتعطينا فكرة واضحة اما عما يجري بداخله.‏ولن يفيدنا كثير القول بأن اريض قد أصبح لاعقلانيا لا منطقيا غير مترابط الأفكار غيرواقعي وغير متسق مع نفسه وأن تصرفاتهأصبحت شاذة وغريبة الأطوار فمثل تلك الصفاتليست سطحية فحسب بل هي غير دقيقة فيبعض جوانبها.‏ فاريض العقلي منطقي أو له منطقهالخاص.‏ صحيح أننا نرى <strong>الفصامي</strong> غير منطقي67


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفي تفكيره وبخاصة عندما يتحدث عن الأغراض التي يعاني منها وصحيحأننا محقون في ذلك إلى حد ما لكن دعونا نرى اذا يعطينا ذلك الانطباع.‏ولنسأل أنفسنا:‏ فيم تختلف الأعراض غير انطقية في الفصام عن مثيلتهامن الأغراض في الحالات الأخرى كالعصاب مثلاً?‏ وقبل أن ضي فيالإجابة علينا أن نؤكد مرة أخرى أن معرفتنا النفسية لأعراض مرضىالفصام لا تعني معرفتنا لسبب تلك الأعراض أو لأسبابها اركبة.‏ولنأخذ حالة عصابية مثل الرهاب ‏(اخملاوف العصابية)‏ فنجد أن اريضقد يخاف من عبور الطريق.‏ وقد ينتابه خوف شديد من الحيوانات.‏ فإذارأى كلبا أو قطة انتابته حالة من الهلع.‏ وفي حالة عصابية أخرى مثلالوساوس والأفعال القهرية نجد أن اريض قد لا يستطيع منع نفسه منفحص أرقام السيارات التي يراها وحفظها.‏ أو قد تسيطر عليه فكرة أنهما لم يغسل يديه خمس مرات قبل الأكل فسيصاب أطفاله رض يتسببفي وفاتهم.‏ ومثل أولئك العصابيون يظلون محتفظ بتفكيرهم الطبيعيويدركون أن الأعراض التي لديهم ليس لها أساس في الواقع وأنها تقودهمإلى تصرفات لا يقبلها العقل وهم يسعون بشدة للتخلص منها.‏ ولا شيءيسعدهم أكثر من ذلك.‏ لكنهم لا يستطيعون.‏بينما نجد من ناحية أخرى أن مريضة الفصام التي لديها اعتقادضلالي بأنها ملكة إنجلترا لا ترى أية غرابة في ذلك.‏ بل هي تتشبث بتلكالفكرة كحقيقة لا جدال فيها على الرغم ا لدى الآخرين من أدلة دامغةعلى زيفها.‏ فاريضة تعيش في بروكل لا في لندن وتتحدث بلهجة أهلنيويورك لا أهل بريطانيا ولا أحد يخاطبها ‏«بصاحبة الجلالة»‏ بل ينادونها‏«آنسة سميث»‏ رغم ذلك فهي لا تفتأ تشير إلى نفسها بعبارة ‏«صاحبةالجلالة»‏ ‏«ملكة إنجلترا».‏ وعلينا أن نبحث عما طرأ من تغير في الوظائفاعرفية للمرضى من مثل الآنسة سميث فجعلهم غير قادرين على اختبارأفكارهم في الواقع أي غير قادرين على التمييز ب الحقيقة والخيال.‏فنحن جميعا قد نتخيل أو نتمنى أن نكون مثل ملكة إنجلترا أو مدام كوريأو ألبرت آينتشت لكننا نعرف أننا لسنا كذلك وأننا إا نتمنى ذلك فقط.‏والبعض يتمنى أن تكون له مكانة ملكة إنجلترا أو كفاءة وإبداع مدام كوريأو ألبرت آينتشت لكننا نعرف أننا لسنا كذلك.‏ ولقد ظلت ميكانزمات68


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلالتفكير <strong>الفصامي</strong> من مثل تلك التي جعلت الآنسة سميث تعتقد أنها ملكةإنجلترا موضع بحث مستفيض منذ أيام بلويلر الطبيب النفسي الذيصاغ اسم الفصام.‏ ولعله من الأفضل قبل الدخول في هذا اوضوع اعقدأن نبحث بعض الجوانب الأكثر بساطة لتلك الطريقة غير السوية فيالتفكير.‏ويجب أن نؤكد أولا أن <strong>الفصامي</strong> لا يظل يفكر بطريقة فصامية طوالالوقت وإا يفعل ذلك ح ترغمه الضغوط النفسية على التخلي عنالطرق السوية في التفكير.‏ وفضلا عن ذلك ف<strong>الفصامي</strong>ون يستخدمونميكانزمات يشاركهم فيها على الرغم من إنها ليست سوية إلى حد ماالعصابيون وحتى الأسوياء.‏ ودعونا نتناول إحدى تلك ايكانزمات مثلالتبرير.‏والتبرير هنا معناه محاولة إيجاد مبررات منطقية لأفعال أو أفكار ليستلها مبررات مقبولة وإا حدثت بدافع احتياجات نفسية قوية.‏ ويتم ذلكعن طريق تقد تفسير لفعل ما هو على الرغم من ثبوت عدم صحته عندالفحص الدقيق إلا أنه يبدو صحيحا ومستساغا لأنه ينجح في إخفاءالمحتوى غير انطقي ا حدث والدافع الحقيقي وراءه.‏ولنأخذ مثالا على ميكانيزم التبرير لدى الشخص العادي.‏ فقد يكونعلى أحد الأشخاص أن يلقي محاضرة في إحدى الأمسيات وهو في قرارةنفسه راغب في قضاء تلك الأمسية مع أسرته.‏ ويحدث أن يلقي بنظرة منالنافذة فيجد السماء طر.‏ حينئذ يقول لنفسه ‏«الجو رديء ومن الحكمةألا أغادر انزل هذا اساء»‏ وبهذه الطريقة تصبح رداءة الأحوال الجويةهي اسئولة عن عدم الذهاب إلى المحاضرة.‏ لنأخذ الآن مثالا على ميكانيزمالتبرير لدى إحدى مريضات الفصام التي كانت على مشارف مرحلة متقدمةمن ارض.‏ ولدت تلك اريضة وشبت في إحدى بلدان أمريكا الجنوبيةوقدمت إلى الولايات اتحدة في أوائل العشرينيات من عمرها بعد إامدراستها الجامعية.‏ وتزوجت من مواطن أمريكي وأنجبت طفلا.‏ وعندمارأيتها للمرة الأولى كانت في منتصف الثلاثينيات من عمرها وكانت مريضةلعدة سنوات وتعاني من أعراض نكوص نفسي.‏ وكانت تبدو متبلدة الانفعالإلا حينما تتحدث عن زوجها الذي تكن له مشاعر استياء مرير.‏ وكانت لا69


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهتفتأ تصف زوجها بأنه شخص سيئ وأنها كانت تعلم ذلك دائما.‏ وعندماسألتها اذا قبلت الزواج منه إذا كانت تعلم أنه سيئ إلى هذا الحد أجابت‏«لقد أقيم حفل الزفاف في هذا البلد.‏ وعندما سألني القس إذا كنت أرغبفي الزواج منه-قال ذلك بالإنجليزية ولم أفهمه-فقلت ‏«نعم».‏مثل هذا التبرير كان سيؤخذ مأخذ الهزل لو لم يفصح أيضا عن مشاعرالأسى لدى اريضة وكان سيبدو ا لو لم ين على مقدمات غير منطقية.‏فمن الواضح أن اريضة قد فهمت السؤال وأجابت عليه بالإنجليزية ‏«نعم»‏وفضلا عن ذلك فقد كانت تتحدث الإنجليزية بطلاقة وقت عقد القران.‏وتبريرها ذلك لا كننا الاقتصار في تفسيره على معناه الظاهري فنعتبرهثابة محاولة من جانب اريضة لتبرير سلوكها أو لإبعاد اسئولية عننفسها أو لجعل زواجها غير شرعي.‏ فتبريرها اللامعقول في ظاهر الأمرينطوي على ما هو أكثر بكثير من كل ذلك.‏فقد بدت لها السنوات التي قضتها في الولايات اتحدة غير حقيقيةأو اتسمت على الأقل بجو من الغموض وعدم التحدد.‏ فقد يزت تلكالسنوات بسلسلة من الأحداث غير السارة وصلت إلى ذروتها بزواجها غيراوفق.‏ والفترة الوحيدة من حياتها التي أحست بأنها ذات معنى كانتالفترة السابقة على مجيئها للولايات اتحدة حينما كانت تتحدث الأسبانية.‏فنشأ لديها ارتباط ب اللغة الإنجليزية من ناحية وب كل ما اتسم بالتشوشوغموض اعالم وارتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالألم والأسى منناحية أخرى إذ كن القول بأن اريضة عاشت بعض فترات حياتها كمالو كانت تعبيراتها الرمزية واجملازية حقيقة واقعة.‏ فحالة عدم التيقنواختلاط الأمور التي اتسمت بها حياتها في أمريكا الشمالية أصبحتتراها على أنها صعوبة لغوية.‏ كذلك لا كننا تفسير ذلك العرض أيالتبرير على أنه مجرد حيلة عقلية لإعفاء نفسها من اسئولية.‏ إذ فضلاعن ذلك هو بالدرجة الأولى تعبير عن حياة اريضة بأكملها عن أساهاالشخصي العميق وعن الفارق ب السلام النفسي ‏(أو ما بدا لها سلامانفسيا)‏ الذي اتسمت به حياتها الباكرة وب الاضطراب النفسي ‏(أو ما بدالها اضطرابا نفسيا)‏ الذي اتسمت به حياتها الزوجية.‏فكما هو الحال في عمل الفنان أو الشاعر كن اعتبار نوبة بسيطة70


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلأو عرض مفرد مثل التبرير ثابة تجسيد لقطاع أوسع من الواقع للكيفيةالتي خبرت بها إحدى الزوجات الجزء الأكبر من حياتها الزوجية.‏ لكندعونا نعيد النظر في عملية التبرير التي حدثت لشخص سوى مثل المحاضرالذي تحدثنا عنه.‏ فذلك التبرير أيضا لا كن أخذه عناه اباشر فقط.‏إذ كن اعتبار أن رداءة الطقس والعواصف ومغادرة البيت ليلا كانتترمز لعاه اهني الذي يتسم باشقة والتنافس إذ يتطلب منه أن يظلدائما في اقدمة وأن يواجه التحديات.‏ بينما نحه البقاء في البيتشعورا بالأمان في وجوده مع زوجته أو مع أمه أو داخل رحم الأم وفقاستوى التفسير الذي نراه ملائما لتلك الحالة.‏ فالتبرير هنا يكشف عنالحيرة ب ط للحياة عليه أن يواجههما وثل الاختيار الذي عليه أنيقدم عليه أحيانا.‏على أن الفحص الدقيق لهذين النوع من التبرير كننا من التعرفعلى الفارق بينهما.‏ فالتبرير لدى المحاضر مقبول في حد ذاته.‏ فالناس قدتبقى في منازلها أحيانا بسبب رداءة الطقس.‏ فنحن نجد هنا تطابقا بالحقيقة الظاهرية وإن كانت سطحية وهى رداءة الطقس وب الحقيقةالسيكوديناميكية وهي تجنب مواجهة عالم اهنة الشاق تلك الحقيقة التيكان عليه أن يقمعها عنى أن يبقى بانزل استنادا إلى كلا السبب سواءأكان رداءة الطقس أم كان تجنب مواجهة تحديات الحياة اهنية.‏أما في حالة السيدة القادمة من أمريكا الجنوبية فلا نجد مثل ذلكالتطابق أو التواؤم ب الحقيقة الخارجية أو السطحية وب الحقيقةاتعلقة شكلاتها النفسية العميقة.‏ فالتبرير هنا لا كن قبوله إلا حينمانفهم ما الذي دفع به إلى أغوار النفس لتحل محله أو ترمز إليه الصعوبةاللغوية.‏ويتضح لنا من تلك الأمثلة وا سيرد لاحقا في هذا الفصل أن أيشخص حتى <strong>الفصامي</strong> يسعى دائما إلى أن يظل حائرا القبول.‏ وعلىعكس ما يعتقد البعض فقلة من البشر هم الذين يقبلون ما يبدو لهم غيرمقبول عقليا.‏ فالحاجة إلى التقبل العقلي تضاهي في قوتها الحاجة إلىإشباع الدوافع غير العقلية والذين ينظرون إلى البشر على أنهم كائناتتتحكم فيهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة دوافعهم الغريزية يقللون من71


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهشأن تلك الحاجة إلى العقلانية.‏والواضح إنه إذا كان علينا أن نحتفظ فهوم الغريزة فيما يتعلق بفهمناللكائن البشري فعلينا أن نعترف بغريزة النزوع نحو العقلانية ‏(وهي تشتملعلى العقل والتبرير العقلاني).‏وإذا كانت الحاجة إلى العقلانية لا تزول اما فإن ط العقلانيةالشائع غالبا ما يتوقف عن العمل وبخاصة في حالات القلق الشديد أوحالات الطوار وهو أمر يتحقق بدرجة أكبر في العمليات العقلية التيسنتناولها في هذا الفصل على أن كل لا عقلانية لها عقلانيتها عنى أنلها غرضا خاصا ولا عقليا خاصا ولا لك هنا إلا أن ندهش من مدىتعدد جوانب النفس البشرية.‏ فما يبدو لنا عنصرا غير منطقي إا هوجزء من كل نفسي هذا الكل النفسي قدورنا أن نفهمه جرد أن نعرفالدافع النفسي العميق وراءه وايكانيزمات العقلية الخاصة به.‏طرق <strong>الفصامي</strong> الخاصة في التفكير:‏ليس من الضروري لغير الأطباء النفسي أن يعرفوا جميع قواعد وقوانانطق الخاصة التي يستخدمها <strong>الفصامي</strong> إثباتا لصحة أفكاره وعقدهالنفسية التي تبدو لنا ضلالية.‏ غير انه من اهم لهم أن يتذكروا دائما أناريض حينما يعبر بإخلاص شديد أو يدافع عن أقوال أو معتقدات تبدولنا غير معقولة فإنه لا يفعل ذلك بسبب من عناده أو جموحه أو ميلهللمعارضة أو الاعتراض ولا لأنه يريد أن يكون لا عقلانيا أو عسير الفهمفأفكاره تبدو له عقلانية لا جدال فيها وتنبني على اقتناع مطلق بصوابها.‏ذلك أن دوافعه اللاشعورية ورغباته التي لا لك السيطرة عليها ولايستطيع الفكاك منها تجبره على أن يستخدم طرفا غير معتادة في التفكير.‏وهناك مثال أميل إلى الاستشهاد به في هذا الصدد لأنه يعطي فكرةواضحة عن تلك الظاهرة ويتعلق ريضة شابة كانت تعتقد أنها العذراءمر‏.‏ وحينما كنت أسألها عن السبب في ذلك كانت تهمس قائلة أناعذراء أنا العذراء مر ولكي نفهم ذلك علينا أن نفهم اثنت منايكانيزمات العقلية الخاصة بتلك الحالة وهما يعملان معا في إطارالصورة الكلية ففي أعماقها الداخلية كانت تشعر إنها بلا كفاءة وإنها غير72


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلجديرة بأي شيء.‏ فظروف حياتها دمرت إحساسها بذاتها وتقديرها لذاتها.‏وأصبحت صورة الذات لديها فظيعة ولا تستطيع قبولها.‏ ومن هنا نشأتلديها الحاجة إلى أن تكون غير ذاتها وأن تصبح بدلا من ذلك ومن خلالعملية تعويضية ما تعتقد إنه مثال للكمال الأنثوي-أي الشخص الذي تشعرإنها شديدة القرب منه وأنها تنتمي إليه روحيا.‏ هذا الشخص كان بالنسبةلها مر العذراء.‏ لكنها لم تكن لتستطيع إقناع نفسها بأنها مر العذراء لوظلت تستخدم منطق التفكير اعتاد الذي كان سيذكرها بأنها ليست سوى‏«نانسي»‏ وإنه لا يوجد أي دليل على أنها شخص آخر.‏- فقد دفع بها ارض إلى تبني صورة بدائية من صور انطق حيثنجد أن أ تصبح ب إذا امتلكت خاصية واحدة من خصائص ب.‏ وطبقالذلك فإن أ ‏«نانسي»‏ تصبح ب ‏«مر العذراء»‏ لأنهما يشتركان معا فيصفة واحدة هي العذرية.‏ فاستخدام اريضة لهذه الطريقة في التفكيريتيح لرغباتها أن تستند إلى منطقها الجديد.‏ وتتشبث باعتقادها بأنهامر العذراء.‏وهذا النمط البدائي من انطق لا يسير وفقا لقوان التفكير الأرسطيةالكلاسيكية والتي نتبعها في تفكيرنا بصورة تلقائية بل وفقا لقاعدة صاغهاالطبيب النفسي فون دوماروس.‏ تقول هذه القاعدة مع شيء من التعديلبأنه بينما لا يقبل الشخص العادي فكرة التماثل أو الهوية ‏(أي أن شيئ أوشخص هما نفس الشيء أو نفس الشخص)‏ إلا بناء على اثل أو تطابقاوضوعات ‏(كلية اوضوع)‏ فإن الشخص الذي يفكر وفقا للمنطق البدائييقبل التماثل بناء على صفات متماثلة أي بناء على خاصية مشتركة أواثل جزئي.‏ فالتطابق التام ليس شرطا ضروريا للتماثل.‏ومن أمثلة ذلك اريض الذي ذكر بلويلر أنه كان يعتقد أنه سويسرا.‏كيف كن تفسير تلك الفكرة غير اعقولة?‏ كيف كن لشخص أن يكونإحدى الدول?‏ واقع الآمر أن سويسرا كانت حتى في زمن بلويلر من بقلة من الدول التي تتسم بالحرية وقد اختار اريض ذلك الاسم دلالة علىفكرة الحرية التي كانت لديه حاجة ملحة لأن يتوحد معها.‏ وسار التفكيرعلى النحو التالي ‏«سويسرا تحب الحرية.‏ أنا أحب الحرية.‏ أنا سويسرا».‏مثال آخر سيدة ذات شعر أحمر اللون كانت تعاني من نوبة فصامية73


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهحادة عقب الولادة وأصيبت بالتهاب أحد أصابعها فأصبح متورما وأحمراللون.‏ فنظرت إلى طبيبها قائلة ‏«هذا الإصبع هو أنا»‏ ومضت قائلة مشيرةإلى إصبعها ‏«تلك هي رأسي الحمراء العفنة»‏ ولم تكن تعني بذلك أن إصبعهاالتهب كان تعبيرا عن حالتها بل كانت تعني بطريقة يصعب علينا فهمهاأن إصبعها كان هي فعلا أو كان نسخة فعلية منها.‏مريضة أخرى كانت تعتقد أن الرجل الذين تحبهما هما شخص واحدفي حقيقة الأمر على الرغم من أن أحدهما يعيش في مكسيكو سيتيوالآخر في نيويورك.‏ وقد كان كلاهما يعزف الجيتار وكلاهما يحبها.‏ وقداستطاعت عن طريق لجوئها إلى طريقة التفكير ابنية على قاعدة فوندوماروس أن تثبت لنفسها أنها إا تحب شخصا واحدا.‏مثال آخر وإن كان مختلفا بعض الشيء.‏ زارني مريض لأول مرة وبينماكان يجلس بغرفة الانتظار وقعت عيناه على صورة في إحدى اجمللاتلطفل عار.‏ وتذكر أنه أيضا قد أخذت له صورة اثلة عندما كان طفلاوإنه منذ وقت قريب هدده أبوه بأنه سيطلع فتاته على تلك الصورة.‏ والفكرةهنا هي أن اريض اعتقد أن رؤيته لتلك الصورة في غرفة الانتظار لم تكنمجرد مصادفة.‏ وهو هنا يعبر عن ظاهرة شائعة لدى <strong>الفصامي</strong> هياعتقادهم أن ثمة قصدا وراء الأحداث التي تتشابه حض الصدفة.‏فاتماثلات اخمليفة والتي بلا تفسير تظل تطاردهم دون توقف.‏وظاهرة التماثلات أو الاتفاقات العرضية تلك وثيقة الصلة أيضا بقاعدةفون دوماروس.‏ فالاتفاق يعني أن سمة ما أو حدثا ما مشابه لآخر يحدثفي نفس الوقت أو يحدث في ظروف ذات دلالة خاصة بالنسبة للمريض.‏فاريض في محاولته العثور على أدنى أثر للانتظام داخل العالم اشوشالذي يحيا فيه يل إلى رصد أية اثلات يستطيع الوصول إليها ويسعىإلى إقامة نسق من الانتظام بناء على تلك التماثلات.‏ إذ أن مثل تلك الأنساقمن الانتظامات ازعومة تدعم عقده النفسية وضلالاته.‏وكثيرا ما يؤدي التركيز على التشابهات إلى أاط غير متوقعة منالتفكير الضلالي.‏ فقد حدث مثلا أن مريضا واجه بعض اتاعب في عملهقبل حدوث النوبة <strong>الفصامي</strong>ة وعندما حدثت النوبة أصبح يعتقد أن كثيرينن يلتقي بهم في الطريق يشبهون اما زملاءه في العمل.‏ ويشعر أن74


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلأولئك الزملاء لا بد لهم أخوة وأخوات ورا أشقاء توائم يسعون إلىمضايقته بتواجدهم أينما ذهب.‏ وقد حدث أن رأى شابا يشبه صديقتهالتي اعتاد أن يخرج معها.‏ فأحس على الفور أن ذلك الشاب لا بد أن يكونشقيق تلك الفتاة على الرغم من أنه يعلم أنها بلا أشقاء.‏ وعندما اثلللشفاء ظل يحدث الطبيب عن ميله القوي إلى الربط ب الناس والأشياءعلى أساس وجود بعض التشابهات بينهم.‏ لكنه أصبح قادرا على مقاومةايل إلى توحيد الهويات بطريقة غير سوية.‏ حيث كن لأي شخص بهسمة ما من سمات اضطهد ازعوم مثل أن يكون ذا لحية أو أحمر الشعرأو مرتديا زيا معينا أن يصبح هو اضطهد نفسه أو أحد أقاربه أو يصبحذا صلة به على أي نحو كان.‏ ويتضح لنا من تلك الأمثلة أن كثير من ارضىيجدون أنفسهم خلال تلك ارحلة منساق وراء ما يسمى ب ‏«هوجةالتماثلات أو توحيد الهويات».‏و<strong>الفصامي</strong> يستخدم طريقة التفكير البدائي تلقائيا دون أن يعرفميكانزماتها أو خطواتها اتتابعة اما مثلما نستخدم نحن قوان انطقالأرسطي دون أن ندري عنها شيئا أو مثل مسيو جوردان أحد شخصياتموليير الذي كان يلقي مقطوعات من النثر الأدبي دون أن يعرف ما هوالنثر.‏ مريضة فصامية مثلا تعتقد دون أن تعرف اذا إن الطبيب اسئولفي قاعة ارضى هو أبوها وأن باقي ارضى هم أخواتها.‏ فقد اتخذت منصفة مشتركة هي وجود رجل في موقع السلطة أساسا لإقامة التماثل بالطبيب وب أبيها.‏ وصفة مشتركة أخرى هي أن اريضات الأخريات همفي مثل موقعها اتسم بالاعتمادية جعلتها تعتبرهم أخواتها.‏ وقد يسر لهاذلك وضعها العائلي الذي يتحكم فيه أب متسلط متعصب.‏وأحيانا يتطلب تفسير ذلك النمط من التفكير مزيدا من الدقة.‏ مثالذلك مريض حدث عنه فون دوماروس كان يعتقد أن اسيح وعلب السيجاروالجنس?‏ هم نفس الشيء.‏ وبتحليل ذلك اعتقد الضلالي اتضح أن الصفةاشتركة ب الأشياء الثلاثة كانت هي حالة التطويق.‏ فطبقا ا صرح بهاريض فرأس اسيح تطوقها هالة النور وعلبة السيجار يطوقها شريطالرسوم الضريبية وارأة تطوقها نظرات الرجال.‏والعمليات العقلية التي تحدث في التفكير الضلالي للفصامي تشبه75


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالعمليات التي ذكرها فرويد في تحليله للأحلام.‏ بل إن عالم الرمزيةالفرويدي بكامله كما يظهر في الأحلام يعتمد من حيث بنيانه الصوريعلى قاعدة فون دوماروس.‏ فما يرمز إلى أ هو شيء يشير إلى أ لكنهأيضا شيء يحتوي على بعض خصائص أ-أي أن بينهما صفة أو خاصيةمشتركة.‏ ففي الأحلام نجد أن الثعبان أو قلم الحبر قد يرمز إلى القضيبللتشابه بينهما في الشكل الطولي.‏ والك قد يرمز إلى الأب نظرا وقعالسلطة الذي يحتلانه.‏ والصندوق قد يرمز إلى اهبل لأن كلا منهما قابللأن يحتوي شيئا داخل تجويفه.‏ والزوجة في الحلم قد تظهر مكتسبةالخصائص الجسمانية لرئيس العمل.‏ فكلا الشخص يظهران في الحلمكشخص واحد لأن الحالم يكون مشغولا بسمة مشتركة بينهما هي موقفالسيطرة ويقع الاختيار على رئيس العمل كرمز للسيطرة لأن الحالم بحكمتكوينه النفسي الخاص يكون أكثر تقبلا لأن يسيطر عليه رئيس العمل منأن تسيطر عليه زوجته.‏وهكذا نرى أن الحالم حينما يحلم و<strong>الفصامي</strong> حينما ارس ضلالاتهفإنهما يفكران بطريقة نفهمها على أنها مجازية أو استعارية.‏ و<strong>الفصامي</strong>حينما ينغمس في عاه الضلالي يبدو لنا أنه يحيا في عالم اجملاز.‏ لكنعلينا أن نتذكر أن ذلك العالم مجازي بالنسبة لنا نحن وليس بالنسبةللمريض فهو بالنسبة له حقيقة واقعة.‏ وقد قال كارل يونج المحلل النفسيالسويسري الذي افترق عن فرويد مؤخرا لو أن الحالم فعل في يقظتهنفس الأشياء التي يفعلها في أحلامه لأصبح فصاميا.‏اللغة في مرض الفصام:‏يعتبر موضوع اللغة وعلاقتها باضطرابات التفكير من اوضوعاتالكاشفة لخصائص التفكير <strong>الفصامي</strong>.‏ وهو موضوع متشعب لذلك سنكتفيهنا بذكر بعض النقاط التي قد تهم القار‏.‏تبدو لنا لغة <strong>الفصامي</strong> في معظم الحالات ارضية الشديدة غامضةأو غير مفهومة على الإطلاق.‏ ويذهب بعض الباحث إلى أن افتقاد الوضوحفي لغة <strong>الفصامي</strong> هو محاولة من جانبه لأن يخفي عن الآخرين وعن نفسهعلى الأخص المحتوى اثير للقلق ا كان عليه أن يقوله.‏ فهو عازف عن76


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلالتواصل مع الآخرين.‏ وهم يرون في طريقته في الكلام نفس ايكانيزمالذي رآه فرويد في تحليل الأحلام:‏ محاولة إخفاء المحتوى الحقيقي.‏ وعلىالرغم من أن ذلك صحيح في بعض الأحوال إلا أن التغييرات اللغوية التيتحدث في الفصام لها تشعبات أخرى ويجب تناولها في ضوء انطق وفيضوء اضطرابات التفكير.‏وكن تناول أية كلمة من الكلمات من ثلاث زوايا.‏ ولنأخذ مثلاً‏ كلمةمنضدة.‏فكلمة منضدة هي مفهوم معناه:‏ قطعة من الأثاث تتميز بجزء علويأفقي مسطح يقف على أرجل.‏ وكننا القول بأن هذا هو تعريف انضدةوفي انطق يسمى ذلك ‏«مفهوم»‏ كلمة منضدة لكن انضدة ليست مجردمفهوم فقد يكون اقصود بها هو اوضوع ذاته أي انضدة ككيان ماديانضدة التي أتناول عليها طعامي وفي انطق يسمى ذلك ‏«ما صدق»‏ كلمةمنضدة.‏ ولكن انضدة إلى جانب ذلك حركة صوتية أي تركيبة صوتيةأعطى لها معنى معينا.‏ وهذا هو منطوق الكلمة.‏ وكثيرا ما يحدث فيالفصام تغير عقلي ما يجعل اريض لا يعطي افهوم سوى أهمية ضئيلةويركز بدلا من ذلك على منطوق الكلمات على الكلمات كأصوات ككياناتصوتية.‏ وانطلاقا من التركيز على انطوق الصوتي تتالي عمليات عقليةأخرى.‏ وبالتالي يبدو اريض أحيانا-الأمر الذي سيتضح من الأمثلة التيسيرد ذكرها-شديد الغموض وغير مفهوم أو يكاد وأحيانا أخرى يبدوفكهًا كما لو كان يقصد إلقاء النكات.‏ لكن اريض يعني اما ما يبدو إنهمن قبيل الدعابة.‏فقد سئلت مريضة أثناء أحد الاختبارات النفسية عن معنى الحياةفأجابت قائلة ‏«يجب أن أعرف أية حياة تعني-هل تعني مجلة لايف أم تعنيذلك الشخص الودود الذي يشيع فيمن حوله ارح والسرور».‏ وأخبرتنيمريضة كنت أفحصها أثناء الحرب العاية الثانية بأن الياباني سيهاجمونالأمريكي في ارة التالية في ميناء ‏(هاربر ااس أو هاربر الذهب)‏ فلماسألتها اذا?‏ أجابت ‏«في ارة الأولى هاجموا هاربر اللؤلؤة لذلك سيهاجمونفي ارة الثانية هاربر ااس أو هاربر السافير».‏ فهي هنا استعملت كلمةلؤلؤة عناها أو مضمونها الحرفي ومضت في إقامة تداعيات متعلقة77


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبالأحجار الكرة.‏وغالبا ما يطوع اريض منطوق الكلمات بحيث يتلاءم مع انشغالاتهالخاصة أو معتقداته الضلالية.‏ مثال ذلك مريض كان كلما سمع كلمتيهوم ‏(منزل)‏ وفير ‏(منصف)‏ ظن أنهما الألفاظ العامية لكلمتي هومو ‏(جنسيةمثليه)‏ وفيري ‏(حوريه)‏ وتستخدمان للدلالة على الشذوذ الجنسي في الذكور.‏فقد كان مشغول البال شكلة اثلية الجنسية وكان يعتقد أن الناس تلمحإلى شذوذه الجنسي ازعوم.‏ ولم يكن ليلحظ التشابه ب تلك الكلمات لولم يكن مشغول الذهن بذلك اوضوع.‏مريضة أخرى سمعت بعض العامل في مكتبها يقولون ‏«يجب الاهتمامبال ‏«أُو»‏ ‏«بي ‏(‏O.B‏).»وعلى الفور ظنت أنهم يشيرون إليها فهذان الحرفانكانا يرمزان بالنسبة لها إلى كلمتي حقيبة قدةالعامي امرأة حامل أو إلى كلمة OBSTETRICS أي الولادة ومعنى ذلك انهميتهمونها ظلما بأنها حامل.‏ وقد تجاهلت الحقيقة التي تعرفها جيدا وهيأن ثمة قسما في مكتبها يبدأ اسمه بهذين الحرف‏.‏ وإن هذين الحرفيستخدمان دائما على ذلك النحو للإشارة إلى ذلك القسم.‏مريضة أخرى كانت تشعر حينما تسمع أحدا يردد كلمة ‏«حلوى»‏ أنهإا يشير إلى صديقها السابق.‏ وكانت هذه اريضة تتبع نظاما للتخسيسالأمر الذي جعلها تتخلى عن أكل الحلوى اما مثلما تخلت عن صديقها.‏فالصفة اشتركة هنا وهي ‏«التخلي عن»‏ جعلتها اثل ب الحلوى وبصديقها السابق وتفترض أن الآخرين يفعلون نفس الشيء.‏ومع تقدم ارض تصبح اضطرابات التفكير واللغة أكثر بروزا ويصبحكلام اريض غير مفهوم بالكامل أو يكاد.‏ إذ لا تترابط الأفكار فيما بينهاكاعتاد وينتج عن ذلك ما يسمى ب«سلطة الكلمات».‏وقد كتب بلويلر قائلا أن ارض ‏«يقطع خيوط الترابطات التي توجهتفكيرنا بصورة عشوائية اما فأحيانا يقطع خيطا مفردا وأحيانا يقطعمجموعة كاملة وأحيانا يقطع شريحة كبيرة من عدة مجموعات»‏ وطبقالبلوبلر فان ‏«أكثر المحددات أهمية يكون مفتقدا اما ألا وهو مفهومالغرض».‏وقد شهدنا تقدما كبيرا في فهم اللغة والتفكير <strong>الفصامي</strong> منذ كتابةOLD BAG ومعناها78


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلبلويلر لتلك الكلمات ويرجع هذا التقدم في جانب منه إلى بلويلر نفسهوعمله الرائد الذي دفع إلى مزيد من البحث في ذلك اوضوع.‏ وعلىالرغم من أن بلويلر قدم وصفا دقيقا للغة والتفكير <strong>الفصامي</strong> إلا أننانختلف معه فيما ذهب إليه من أن مفهوم الغرض لا وجود له في تفكير<strong>الفصامي</strong>.‏ فالغرض موجود وإن كان من الصعب اكتشافه.‏وليس ضروريا للقار أن يعرف الطرق التي يفسر بها كلام <strong>الفصامي</strong>وكتابته العسيرة الفهم.‏ لكننا سنورد هنا مثال لنب كيف أن هناك حبًابالغرض كن العثور عليه رغم أنه يصاغ بطرق غير معتادة ويتخفى وراءتعبيرات غريبة.‏ودعونا نقرأ أولا فقرة من خطاب كتبته مارجريت وهي مريضة فصاميةونرى مدى التفكك الفعلي الذي يعبر عنه:‏عزيزي د.‏ أريتيلقد أحضروني هنا لأنني عاطفية للغايةلقد سألني د.‏ ويبستر اذا أحضروني هنا لكني لم أستطع الإجابة دونتردد لكنني الآن أعرف.‏ أعرف الآن.‏إنني عاطفية للغاية.‏وهذا هو السبب في أنني لا أستطيع الحصول على عملوأنت أخطأت تشخيص حالتيخذ هذا مثلاً‏أبحث عن كلمة عواطف في اوسوعة ‏(وهي من روائع الكلمات)‏ وفيالقواميس.‏ واحذر أن تصاب بالحمى اخملية الشوكية في دراساتك.‏لكنك ستجد أن هناك فرقا ب عواطف اسيح وب عواطف قاتلالزوجات.‏ب عواطف اشاركة الوجدانية التي ليست في محلها وب عواطفالأفكار الانتحارية.‏هل أنت عاطفي متأثر الوجدان بشاعرك العظيم دانتي يا دكتور أربتي?‏وأنا لدي إعجاب عاطفي بأعمال موليير.‏ الشاعر الغنائي الفرنسي.‏وهناك زهرة العاطفة.‏واسرحيات العاطفية لأوبيرا ميرجو79


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفاريضة هنا تريد توصيل فكرة أنها أدخلت استشفى لأنها شديدةالعاطفة لا لأنها مريضة عقليا.‏ وتشعر أن تشخيص حالتها خاطئ.‏ لكنهاسرعان ما انساقت وراء معاني كلمة عاطفة PASSION وضاع منها اوضوعالأساسي.‏ولم يعد هناك تفكير منطقي أو موجه وبالتالي لم يعد هناك غرضظاهر.‏ لكن خطاب مارجريت رغم ذلك به معنى فهي تريد التأكيد بشدةعلى أن ثمة خطأ في تشخيص حالتها وأنها ليست مريضة عقليا.‏ وعندماكتبت مارجريت رسالتها تلك كانت قد وصلت إلى حالة نكوص متقدمةللغاية إذ كانت قد أمضت بضع سنوات باستشفى وكانت تعطي انطباعابأنها متبلدة اشاعر أو على الأقل سطحية الانفعالات.‏ الأمر الذي لميظهر في كتابتها التي كان لها وقع انفعالي شديد.‏ فهي تقرر بشدة أن سرمتاعبها لا يكمن في أنها مريضة عقليا بل في أنها ‏«عاطفية للغاية».‏ وسرعانما انحرف مسار تفكيرها في رسالتها واتجه إلى التركيز على معنىعاطفي وهي ترى أنها كلمة عسيرة الفهم إلى درجة أن دراستها قد تؤذيالجهاز العصبي ‏(فهي تحذر قائلة:‏ إحذر أن تصاب بحمى مخية شوكيةوأنت تدرس تلك الكلمة).‏ وفي لغة الحياة اليومية تستخدم كلمتي عاطفةوعاطفي للدلالة على الرغبة الجنسية القوية ولعل عدم القدرة على التحكمفي تلك الرغبات هي أصل متاعب اريضة.‏ لكن اريضة مضت إلى ما هوأبعد من اعنى الشائع:‏ فقد امتد نطاق الجنس لديها ليشمل العواطفكافة أي الانفعالات القوية بعامة فقد أصبحت كلمة عاطفة نفسها ‏«إحدىالدوافع».‏ واحتوت قائمة العواطف لديها أنواعا شتى فمن اشاعر الساميةليسوع اسيح إلى مشاعر الإجرام لدى قاتل الزوجات ومن الآلام الناشئةعن إظهار العاطفة تجاه من لا يستحقها إلى تلك اصاحبة للأفكارالانتحارية.‏ كذلك ضمت إلى قائمة العواطف اشاعر التي تتولد من تذوقالشعر والفن.‏وهكذا تكشف لنا القراءة التفسيرية الثانية عن أن مرجريت كانت فيباطن شعورها وفي قرارة نفسها على دراية بعديد من الأشياء.‏ إذ علىالرغم من حالة التفكك النفسي فقد استطاع ما تدور حوله مشاعرها ومايشغل تفكيرها أن يخرج إلى حيز التعبير.‏ واعنى هنا لا يظهر من خلال80


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلالتتابع انطقي للتفكير بل من خلال الصورة الكلية للأفكار.‏ فأيا كانتدرجة تفكك تلك الرسالة فإن نغمة خاصة وجواً‏ خاصا يشيعان فيها وهو مايسمى أحيانا نطاق اعنى.‏ وأحيانا نجد كتابات وتعبيرات <strong>الفصامي</strong> تتكونمن ‏«سلطة»‏ كلمات ومن صيغ طية أي كلمات تتكرر بطريقة تشي بفقرفي التفكير وافتقاد للمعنى.‏ وأحيانا أخرى نجد أنه قدورنا على الرغممن فقر اللغة الشديد والنمطية البارزة أن نقتفي أثر شيء من اعنىاتخلل للنص ككل أو نطاق اعنى.‏ وفيما يلي ما كتبه أحد <strong>الفصامي</strong> فيمرحلة متدهورة جدا من ارض:‏هل أرى كعكة هل أفعل عكس الفعلنعم هل أشعر أن حواسي تخدعنيالأفكار في الإيحاء العقلي في تزايدالحواس في الإيحاءالحواس خادعةفي في خداع خداع خداعخداعليمون الفانيليا مثل فانيليا الليمون مثل بدايةال في في ايحاءايحاءايحاءإيحاء الإيحاءات مثل البداية ال في الإيحاءفانيليا الليمون مثل بداية الالعقل مثل الليمون مثل في في الإيحاءايحاءايحاءايحاءالالإيحاءاتاللاإيحاءأفهل أرى هل في إيحوهذا مثال وذجي لسلطة الكلام وللتكرار النمطي.‏ والانطباع الذييتكون لدينا عند القراءة الأولى هو انه لغو خال من اعنى.‏ كذلك يدهشناتكرار بعض الكلمات لكن دعونا نحاول التوصل إلى نطاق اعنى على الأقل.‏81


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفاريض مشغول البال بعدم قدرته على الفهم وهو يتساءل:‏ هل حواسهموثوق بها أم أنه يتعرض لعملية إيحاء عقلي?‏ فهو يحس بأن العالم حولهتشيع فيه الفوضى ويتسم بالتجزؤ وبعدم اليق‏.‏ فكل ما يلاحظه حولهيؤدي به ا!لي أحد اختيارين أو رمزين أصبح يرى من خلالهما كل شيءهما:‏ خداع الحواس والإيحاء العقلي.‏ وبعبارة أخرى فهو يشعر بأنه إما أنيكون ضحية لخداع حواسه أو إنه يتعرض لإيحاء عقلي صادر من نفسه أومن العالم الخارجي.‏ فقد أصبح يتعامل مع كل شيء من خلال هذين افهومالنمطي‏:‏ الخداع والإيحاء.‏ لقد حدثت له ظاهرة غريبة:‏ ‏«هل أفعل عكسالفعل?»‏ أي ‏«هل أفعل عكس ما أود فعله?».‏ غير أن ثمة أشياء قليلة ظلتثابة جزء من الواقع لم تغمرها بعد أمواج الخداع والإيحاء.‏ فهو يسألنفسه عن شيء ملموس وعياني.‏ فيقول ‏«هل أرى كعكة?».‏ وهو يرى بعدذلك الليمون والفانيليا وهي أشياء جميلة الألوان تبعث على السرور وتقفنأى عن بحر التشوش الذي يعبر عما فيه بكلمات مجردة.‏ ويبدو أنالإيحاء العقلي قد تغلب لديه على خداع الحواس إذ يبدو أن اريض قدتوصل إلى أن سبب متاعبه إا هو الإيحاء فواقع الأمر أن تكرار كلمةإيحاء له دلالة موحية.‏الهلاوس:‏تعتبر الهلاوس من الأعراض الهامة واميزة رض الفصام.‏ وهي تحدثفي كثير من الحالات وإن لم تحدث فيها جميعا.‏والهلوسة هي إدراك مثير خارجي لا وجود له.‏ مثل أن يسمع اريضشخصا يتحدث إليه أو يوجه إليه اتهاما ما دون أن يكون هناك منيحدثه وقد يرى أشخاصا غير موجودين أو يشم رائحة لا يشمها سواه أويحس بطعم شيء غير موجود.‏ على أن أكثر أنواع الهلاوس شيوعا هيالهلوسة السمعية:‏ أي ‏«الأصوات».‏ والواقع أن ما يدعي اريض إدراكه إامصدره مثير داخلي أي أنه يصدر من داخل نفس اريض.‏ لكنه بقدر مايعتقد اريض أن إدراكاته مصدرها الواقع الخارجي بقدر ما تكون تلكالإدراكات زائفة.‏ وقد ذكرنا عديدا من الأمثلة على الهلاوس في الفصلالثالث.‏82


عالم <strong>الفصامي</strong> من الداخلوهناك العديد من الطرق التي تحدث بها الهلاوس.‏ لكننا نستطيع فيالحالات النموذجية أن يز ثلاث مراحل:‏ وتتكون ارحلة الأولى من اللحظةالأولى لحدوث الهلوسة.‏ فأحيانا لا يعطي اريض أهمية لتلك الظاهرةلكنها في حالات أخرى يكون لها وقع مباغت وعميق يهز كيان اريض فهويسمع صوتا قويا يحمل رسالة موجهة إليه وحده رسالة ذات صلة وثيقةبتكوينه النفسي بأكمله.‏ وكثير ما تحدد استجابة اريض لخبرته الأولىتلك مسار ارض بعد ذلك.‏ فقد يتأثر اريض تأثرا عميقا وينتابه خوفشديد لكنه يقول لنفسه:‏ إن ما أسمعه هذا ليس حقيقيا إنه محضتخيلات?‏ فإذا كانت لديه القدرة على الاستجابة لتلك الخبرة على ذلكالنحو فهذا يعني أنه مازالت لديه القدرة على مقاومة الفصام.‏ لكننا لسوءالحظ نجد أن اريض في معظم الأحيان بسبب من حالاته النفسية السابقةيشعر باهانة أكثر ا يشعر بالخوف ويكون مهيأ بدرجة أكبر لقبولواقعية ما تدركه حواسه وبدلا من أن يقول لنفسه ‏«هذا الصوت ليسحقيقيا»‏ نجده يقول ‏«هذا الصوت حقيقي لكن ما يقوله ليس صحيحا».‏وفي حالات نادرة يواصل اريض تفكيره فيما حدث على نحو يبعد به أكثرفأكثر عن الواقع.‏ لكنه غالبا ما يتساءل:‏ ‏«ما معنى أن اسمع مثل هذاالصوت?‏ واذا يقول ذلك عني?»‏ ويجيب قائلا:‏ ‏«إنني متهم.‏ إنني مضطهد.‏إنهم يتقولون ّ علي من وراء ظهري بطريقة تنطوي على إهانة وتحقير لشأني».‏وبعد أن يجتاز اريض خبرته الأولى تلك يدخل في ارحلة الثانيةحيث يتوقع حدوث الهلاوس فتحدث فعلا.‏ أما ارحلة الثالثة.‏ فلا يصلإليها إلا من يتقدم به ارض كثير.‏ حيث تصبح الهلاوس ظاهرة مألوفةللمريض ويتواتر حدوثها إلى حد أن تصبح جزءا هاما من حياته.‏وليس من الضروري للقار العادي أن يعرف كل النظريات التي تفسرالهلاوس.‏ لكن من اهم أن يتذكر أن الهلاوس هي عبارة عن أفكار اريضجرت عليها تحولات معينة وأنها بهذا اعنى تعكس شعور اريض تجاهنفسه وتعكس علاقته بالآخرين وبالعالم عموما.‏ والتحول الذي يحدث لتلكالأفكار هو أنها تصبح مدركات حسية مسموعة ‏(أو مرئية).‏ وأحيانا رذلك التحول رحلة وسيطة يسمع فيها اريض أفكاره ويعتقد أن الآخرينأيضا قدورهم أن يسمعوها.‏83


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهولعل من افيد أن نب أوجه التشابه ب الهلاوس والأحلام.‏ فالأحلامهي أيضا أفكار ومشاعر الحالم تحولت إلى هلاوس.‏ الفرق هو أن الفصامتغلب عليه الهلاوس السمعية بينما الأحلام تغلب عليها الهلاوس البصرية.‏والحالم أثناء حلمه يعتقد أن ما يحلم به يحدث فعلا اما كما يعتقد<strong>الفصامي</strong> أن خبرته الحسية مصدرها الواقع الخارجي.‏ والحالم لا يدركانه يحلم إلا حينما يوشك على الاستيقاظ.‏ كذلك ف<strong>الفصامي</strong> لا يدرك أنهلاوسه وأعراضه ارضية الأخرى هي في حقيقتها تخيلات إلا عندمايبدأ في التماثل للشفاء.‏أما أثناء ارض فاريض لا يستطيع إدراك أن هلاوسه نوع من الخداعالحسي ما لم يعالج على النحو السليم.‏ وقد كان الاعتقاد السائد إلى وقتقريب هو أن الهلاوس لا كن علاجها في ذاتها.‏ وأنها تختفي من تلقاءنفسها عندما يشفى اريض أو يتلقى علاجا دوائيا رضه ككل.‏ لكن أمكنمؤخرا التوصل إلى طريقة ناجحة في علاج الهلاوس بطرق علاجية نفسيةبحتة (×) .(×) انظر:‏ س اريتي تفسير الفصام الطبعة الثانية ‏(نيويورك.‏ بيزيك بوكسالصفحات من١٩٧٤ الفصل ٣٧٥٧٣ إلى .٥٧٦84


أسباب الفصام5 أسباب الفصامكثيرا ما نسمع أنه لا يوجد اتفاق ب الأطباءالنفسي على أسباب الحالات التي يعالجونها.‏ورغم أن هذا صحيح إلا أنه لا يعني أن مجالالطب النفسي يسوده التشويش أو يدعو لعدم الثقة.‏فالواقع أن ذلك القول له مدلولات أخرى أبرزهاأن معظم الأطباء النفسي لا يودون الوقوع فيخطأ الاختزالية عنى أنهم لا يريدون اختزال مايرونه مشكلة معقدة ذات أبعاد كثيرة إلى مجردسبب واحد أو معادلة بسيطة.‏والاختلافات في مجال الطب النفسي لا تزيدعن الاختلافات القائمة في العديد من فروع الطبالأخرى.‏ فثمة كثير من الأمراض الجسمانيةالشائعة نعرف عنها أقل ا نعرف عن الأمراضالنفسية.‏ كذلك علينا أن نتذكر أنه على الرغم منأنه من الأفضل كثير أن تكون لدينا معرفة كاملةودقيقة لأسباب الأمراض إلا أن عدم توفر تلكالدرجة من اعرفة لم يحل بيننا وب الوصول إلىعلاج فعال أو من شأنه تحس حالة اريض.‏ وهذاما حدث فعلا في تاريخ الطب الحديث.‏ ولنأخذمرض السكر كمثال وهو حالة نعرف عنها الكثيرونعالجها بنجاح في معظم الأحيان.‏ فنحن نعرف85


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأن مرض السكر ينشأ من عدم قدرة البنكرياس على إفراز كمية من الأنسولتكفي لاحتياجات الجسم لكننا لا نعرف ما الذي يجعل البنكرياس غيرقادر على ذلك.‏ ونحن نعرف أن السكر يصيب عائلات معينة لكنه لا يصيبكل أفراد تلك العائلات.‏ ونعرف أنه يل للحدوث ب الأشخاص البدينيلكن ليس كل بدين يصاب به.‏ ونعرف أن معدل حدوثه مرتفع لدى منيتناول كميات كبيرة من النشويات لكنه لا يصيبهم جميعا ‏(ولا حتى معظمهم).‏وأخيرا فعلى الرغم من أن معظم حالات مرض السكر تعالج بنجاح فلاأحد منهم يشفى.‏وبالنسبة للأمراض النفسية فمن الصواب أن نقول:‏ إنه وفقا عارفناالحالية علينا أن نعتبر أنهما نتاج جملموعة من الأسباب.‏ ومن المحتمل أنارض لا يحدث إلا حينما تجتمع تلك الأسباب.‏ عنى انه لو توفرت تلكالأسباب دون واحد منها ‏(أو عنصر منها)‏ لا يحدث ارض.‏ ويترتب علىذلك انه لو أمكننا استبعاد أحد تلك العناصر ‏(أو الأسباب)‏ من اجملموعةالسببية لتفادينا ارض.‏ولعل القار الذي اطلع على الفصول السابقة قد تحقق من أن الأمراضالنفسية لها هويتها استقلة الخاصة بها والتي يزها عن الأمراضالعضوية.‏ فحتى حينما نتحدث عن كثرة من الأسباب بالنسبة لأمراضالجسد نجد أن جميعها ذات طبيعة عضوية.‏ وقد تكون تلك الأسباب غيرمرئية للع اجملردة مثل البكتريا لكنها جميعا تؤثر على الكائن عضويامن خلال عمليات كيميائية-فسيولوجية.‏ أما بالنسبة للأمراض النفسيةمثل الفصام فهناك بعض الأسباب ترتبط مباشرة باستوى البيولوجي أوالكيميائي-الفسيولوجي إلا أن هناك أسبابا أخرى ترتبط ستويات مغايرة-‏سيكولوجية واجتماعية-حتى لو كان تأثيرها النهائي أو ارتباطاتها السببيةالأولى رض الفصام تحدث من خلال استوى الكيميائي-الفسيولوجي.‏وسنوضح التفاعلات اتبادلة ب تلك اجملالات في هذا الفصل.‏وعلى الرغم من قولنا:‏ إن معظم الأطباء النفسي يعتبرون الأمراضالنفسية نتاجا لعوامل عديدة فإن بعضا منهم يعتبر أنها نتاج لسبب واحدأو يعطي أهمية حاسمة لسبب واحد.‏ ومن اهم لأسرة اريض أن تعرفذلك لأن السبب الخاص الذي يعتبره الطبيب مسئولاً‏ عن ارض يعكس86


أسباب الفصامافهوم الذي سيتعامل من خلاله مع اريض والعكس صحيح تقريبا فيالطب النفسي.‏ عنى أن موقف الطبيب تجاه اريض يؤثر بدوره علىتصوره النظري لحالته.‏ فقد يرى فيه كائنا به خلل في التمثيل الغذائي وقديرى فيه إنسانا يعاني وقد يرى فيه شخصا واجه صعوبات حياته بطرقغير سوية وقد يرى فيه كل ذلك.‏ والقاعدة العملية-وإن لم تنطبق علىبعض الحالات-هي أن اعالج الذين يتصلبون في تشبثهم وقف نظريمع يتخذون موقفا غير مرن تجاه اريض أو على الأقل تجاه طريقةالعلاج.‏وبالنسبة للفصام كننا القول:‏ إن معظم الأطباء النفسي يرون أناجملموعة الخاصة من العوامل أو اجملموعة السببية التي تؤدي إلى ظهورارض تتكون من ثلاث مجموعات:‏١- عوامل بيولوجية وهي تتعلق بالتكوين العضوي للمريض ورا تكونموروثة.‏٢- عوامل سيكولوجية وهي الخبرات التي تكتسب في الطفولة أو بعدهاوالتي تتعلق بالأسرة ورا بأشخاص من غير أفراد الأسرة.‏٣- عوامل اجتماعية وهي تتعلق بالأحوال البيئية عموما أو باجملتمعالذي نشأ فيه اريض.‏وعلى الرغم من أن تلك العوامل قد يبدأ تأثيرها على اريض فيأوقات متباينة فإنها تتشابك فيما بينها في النهاية وقد تعمل متزامنةوتكوّن اجملموعة السببية التي ذكرناها سلفا.‏ وابتغاء للوضوح سنناقش كلاً‏منها على حدة.‏ ولن يكون عرضنا لها وافيا وإا سنقتصر على العواملالرئيسية إذ ليس هدفنا أن نقدم عرضا شاملا ودقيقا لهذا اوضوعاتشعب بل إبراز الجوانب التي تهم بوجه خاص قار هذا الكتاب.‏العوامل البيولوجية:‏نشأ الاعتقاد بأن للفصام أساسا وراثيا من ملاحظة ارتفاع معدل حدوثهفي عائلات معينة دون أخرى.‏ فكثير من اشتغل بالإحصاء يتفقون علىأن نسبة حدوث الفصام بعامة أقل قليلاً‏ من ٨٥ و‎٠‎‏%.‏ إلا أنمعدل حدوثه في عائلات معينة-‏ت ملاحظتها على مدى ثلاثة أجيال-‏١% تقريبا87


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوجد أعلى بكثير.‏فإذا كان أحد الأبوين أو أحد الأخوة قد أصيب بالفصام فإن نسبةحدوثه ب باقي الأفراد تتراوح ب ١٠%. وعلى ضوء هذه الاحظةالبسيطة واباشرة كن القول بأن للفصام أساسا وراثيا.‏ إلا أن اسألةليست بهذه البساطة.‏ فهناك بعض الأمراض مثل كوريا هنتنجتون ونزفالدم والتشوه العضلي والالتهاب الشبكي الصبغي أساسها الوراثي ليسموضع شك.‏ فعلماء الوراثة وهم الذين يبحثون كيف تنتقل الصفات الوراثيةمن جيل إلى جيل قد كنوا من الكشف عن أن تلك الأمراض تتوزع وراثياوفق قوان مندل أو لتفرعات منها.‏ لكن علماء الوراثة لم يستطيعوا التوصلإلى اكتشاف أية علاقة ب تلك القوان وب توزع الفصام.‏وقانون مندل يصف ط انتقال الصفات الوراثية وفقا لتعريف جريجورمندل Gregor Mendel الراهب الذي ب أن تلك الصفات إا تنتقل منخلال اتحاد قائم على الصدفة ب أزواج من الوحدات الوراثية التي تسمىالآن بالجينات.‏ ويوصف الج بأنه سائد إذا كان من شأنه أن ينتج أثراملحوظا ‏(مرضا مثلا)‏ في الجيل الثاني حتى لو كان الج اتحد معهمتنحيا.‏ ويوصف الج بأنه متنح إذا كان من شأنه ألا ينتج أثرا ملحوظامرضا وراثيا مثلا إلا إذا كان الج اتحد معه حاملا لنفس الصفة.‏وينتج عن اتحاد الجينات بتلك الطريقة عديد من الوحدات الثنائيةالأمر الذي يفسر تنوعات طرق انتقال الصفات والأمراض الوراثية.‏ وليسمن اهم بالنسبة لنا أن نعرف تفاصيل عملية اتحاد الجينات.‏ لكن ما يهمناهو أن نعرف أنه لم يتم اكتشاف أي اتحاد جيني مع قادر على تفسيرتورع الفصام ب أفراد عائلة ما.‏ولقد أثبت علماء الوراثة أن للتوائم اتماثلة نفس الشفرة الجينية اما.‏وهذا يعني أنه لو أصيب أحدهما رض وراثي فلا بد أن يصاب به الآخرسواء أكان ذلك ارض سائدا أم متنحيا.‏ ولا توجد طريقة لدراسة انتقالالأمراض الوراثية أفضل من جمع الإحصاءات الخاصة بالتوائم اتماثلة.‏فإذا كان ارض موضوع البحث مرضا عقليا فأفضل السبل لبحثه هودراسة التوائم اتماثلة التي نشأ كل منهما بعيدا عن الآخر حتى نتفادىتأثير التنشئة الأسرية.‏ ولقد قام العديد من الباحث بإجراء مثل تلك-٤88


أسباب الفصامالدراسات ولعل أحدثها هو ما قام به الباحثون الاسكندنافيون.‏ ولقد أظهرتتلك الأبحاث أنه لو حدث أن أصيب أحد التوائم اتماثلة رض الفصامفإن الآخر سيصاب به في وقت ما بنسبة ٣٥% حتى لو نشأ كل منهما بعيداعن الآخر.‏ وهذا يعني أن معدل حدوث ارض في هذه الحالة يصل تقريباإلى أربع ضعف معدل حدوثه ب سائر الأفراد.‏ وهي نتيجة مدهشةبالتأكيد لكن الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة أن ٦٠% من التوائم اتماثلالذين نشأوا بعيدا عن بعضهما البعض إذا أصيب أحدهما رض الفصامفان الآخر لا يصاب به حاضرا أو مستقبلا.‏وا أن أولئك التوائم متماثلون وراثيا اما فالاختلاف بينهما لا بدأن يكون نتيجة عوامل ذات طبيعة غير وراثية.‏ والاختلاف أو عدم التطابقب التوائم اتماثلة في حالة الفصام أكبر من التطابق.‏ بينما لو كان مرضالفصام وراثيا بحتا لوجب أن يكون التطابق مائة في اائة.‏ ويحق لنا إذن أننقوله إنه أصلا كان تأثير العوامل الوراثية في مرض الفصام فإن ذلكالتأثير لا يتعدى أن يزود الفرد بإمكان حدوث ارض وأن ثمة عواملأخرى لا بد من توافرها لكي يتحول ذلك الإمكان إلى حقيقة.‏ فعلية فماذاكانت اورثات الجينية تحمل تلك الإمكانية فلا بد لها من أن تلتقي بعواملأخرى منشطة را تحدث في فترة لاحقة من حياة الفرد.‏وقد حاول كثير من الباحث منذ زمن طويل العثور على ذلك العاملاهييء أو الأساس البيولوجي للمرض في بعض التغيرات ارضية للمخ.‏فمع تقدم علم باثولوجيا الجهاز العصبي حاول كثير منهم إثبات وجودتغيرات في تكوين نسيج مخ <strong>الفصامي</strong> إلا أن الأبحاث لم تتوصل لشيء منذلك القبيل.‏ وتب انه حتى باستخدام أقوى ايكروسكوبات فإنه يستحيلييز خلايا مخ <strong>الفصامي</strong> من الشخص العادي.‏ بل إن اجملال الحديثنسبيا والخاص بالفحص اجملهري ‏(ايكرسكوبي)‏ الإلكتروني لم يتمكن بعدمن الإسهام بصورة إيجابية في إثبات أي تغيرات مرضية في خلايا اخلدى <strong>الفصامي</strong>‏.‏على أن الدراسات الكيميائية الحيوية للجهاز العصبي قد أصبحتواعدة على نحو أفضل بكثير.‏ ونشأت لدى كثير من الباحث فكرة أنالتهيئة الوراثية كن أن تنتقل من خلال بعض التغيرات في النشاط89


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالكيميائي الحيوي للجهاز العصبي.‏ بل إن بعض الباحث الذين لا يعتقدونبأن الاستعداد <strong>الفصامي</strong> وراثي أصبحوا يقبلون فكرة أن العملية <strong>الفصامي</strong>ةهي في نهاية الأمر عملية كيميائية حيوية أيا كان السبب الأصلي للمرض.‏وهناك بعض الأدلة التي تؤيد تلك الفرضية.‏ فهناك أولا وقبل كل شيءذلك التحول الجذري الذي حدث خلال العشرين عاما الأخيرة في النظرياتالخاصة بفسيولوجيا الجهاز العصبي.‏ إذ بينما كان الاعتقاد السائد منقبل هو أن انتقال الرسائل ب الخلايا العصبية ‏(النيورونات)‏ يتم عن طريقتيار كهربائي ر في الأجزاء الطرفية العصبية ‏(الوصلات العصبية)‏ ثبتالآن أن وسيلة الانتقال ليست كهربية بل كيميائية حيوية.‏وهناك دليل آخر-وإن كان موضع جدل شديد-هو التأثير الإيجابي للعلاجبالعقاقير.‏ إذ يظن الكثيرون إنه مادام قدور مركب كيميائي ‏(عقارالفينوثيازين مثلا)‏ أن ينتج تأثيرا علاجيا في حالة معينة فلابد أن تكونذات أساس كيميائي.‏ غير أن هذا النوع من الاستدلال لا يقدم برهانا لايدحض فأولا التحسن الذي يحدث هو تحسن في أعراض ارض لا أكثر.‏عنى أنه على الرغم من أن الأعراض تختفي إلا أن سبب ارض لا يتمعلاجه وبالتالي فارض قد يعاود الظهور كما سنرى في الفصل السادس.‏وثانيا فحتى الحالات النفسية البحتة كن أن تتحسن بتأثير مادة كيمائية.‏ودعونا نأخذ مثالا من الحياة اليومية.‏ سيدة في الأربع من عمرها نشبتبينها وب زوجها مشادة خطيرة أكدت لها مرة أخرى مدى الصعوباتالعديدة التي عليها أن تواجهها في حياتها الزوجية.‏ وأصبحت قلقة معتلةازاج ولا تدري ماذا تفعل.‏ ولم تشأ طلب مساعدة مركز الإرشاد الأسريأو مركز علاج اشاكل الزوجية.‏ فقررت أن تأخذ قرص فاليوم ٥ مجم وإذابالقلق والحزن يختفيان.‏ وتصبح غير مهمومة شكلاتها الزوجية.‏ فمنالواضح هنا أن متاعب الزوجة كانت ذات طبيعة نفسية ومن الواضح أيضاأن مادة كيميائية قد خلصتها من شعورها الواعي تاعبها.‏ ورا يكونزوجها قد حذا حذوها أو را يكون قد فعل ما يفعله معظم الناس عادةفي اجملتمعات الغربية في مثل هذه الأحوال حينما لا تتوافر أقراص مثلالفاليوم وهو أن يذهب إلى البار ويتناول شرابا.‏ وبذلك يكون هو أيضا قددفن أحزانه في مادة كيميائية.‏ وباثل فإن حقيقة أن أعراض الفصام90


أسباب الفصامتخف حدتها بتأثير طرق علاج كيميائية حيوية ليست دليلا حاسما على أنالفصام عملية بيولوجية بالكامل أو ذات طبيعة كيميائية حيوية.‏ والواقع أنالاستعداد الشخصي للاستجابة شكلات الحياة الزوجية ثل تلك الدرجةمن القنوط مثلما حدث لتلك السيدة را يكون أيضا وإلى حد ما ذاطبيعة بيولوجية.‏ إذ ليس كل الناس حينما يواجهون ظروفا اثلةيستجيبون بنفس الطريقة وتستدعي حالتهم تعاطي الفاليوم أو ما شابه.‏وليس كل من يواجهون مشكلات اثلة يحتاجون إلى أن يغرقوا أحزانهمفي الكحول.‏ويعتقد كثير من الباحث أنهم قد وجدوا تغيرات كيميائية حيوية محددةفي <strong>الفصامي</strong>‏.‏ وهنا يطرح نفس السؤال.‏ فعلى فرض أن تلك التغيراتالكيميائية الحيوية قد ثبت وجودها فعلا فهل هي سبب للفصام أم نتيجةله?‏ إذ من افهوم أن كل ما يحدث في اخ له مقابله الكيميائي الحيوي.‏ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك حلقة مفرغة.‏ عنى أن اشكلات النفسيةكن أن تحدث تغيرات كيميائية حيوية وهذه بدورها تؤدي إلى تغيرات فيالوظائف النفسية.‏ ومن امكن أيضا أن تكون التغيرات البيولوجية الأصليةقد أحدثت اختلالات نفسية وهذه بدورها أدت إلى ازيد من التغيراتالبيولوجية.‏ وكثير من الباحث يعتقدون أنهم قد توصلوا إلى دليل يؤكد أنثمة تغيرات كيميائية حيوية تحدث في مرضى الفصام ولن نتعرض هناللنظريات التي اتضح أنها بلا أساس بل سنقتصر على تلك الأبحاث التيما تزال تبدو واعدة.‏ويقوم أحد تلك الأبحاث على فرضية التحول ايثيليففي عام ١٩٥٩ اكتشاف أن ثمة عملية كيميائية حيوية تحدث في اخالعادي وتسمى عملية التحول ايثيلي للنورإبينفرين إلى إبينفرين.‏ وقداستدل كثير من الباحث على أن ثمة تغيرات غير سوية تحدث في تلكالعملية لدى <strong>الفصامي</strong> وقدموا نتائج تبرهن على ذلك.‏ وتلك التغيرات منشأنها أن تخل بالتوازن الدقيق ب الجهاز العصبي السمبثاوي ‏(الذي يؤديعمله من خلال مركب الإبينفرين)‏ وب الجهاز العصبي الباراسمبثاوي‏(الذي يؤدي عمله من خلال مركب الأستيل كول‏).‏وهناك باحثون آخرون يعتقدون أن مرض الفصام يحدث نتيجة لنقص.Transmethylation91


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمادة في اخ تسمى سيروتين‏.‏وقد خلص سيمور.‏ س.‏ كيتي S.Kety الذي را يكون قد قام بأكثرالدراسات تفصيلا حول الأسس الكيميائية الحيوية رض الفصام فيالولايات اتحدة إلى أنه لا يوجد حتى الآن دليل مؤكد على أن ثمة خللاكيميائيا حيويا محددا يحدث في الفصام.‏وهناك أربعة شروط تجريبية يلزم تحقيقها لكي نبرهن على أن مادة ماتتسبب في حدوث الفصام هي:‏١- يجب أن يتم استخلاص هذه اادة وأن يثبت وجودها في <strong>الفصامي</strong>دون سواهم.‏٢- فإذا وجدت في حالات أخرى غير الفصام يجب أن تكون كميتها فيمرضى الفصام أعلى بكثير ا هي لدى غير <strong>الفصامي</strong>‏.‏٣- يجب أن يكون قدور تلك اادة أن تحدث حالة فصامية فيالأشخاص غير <strong>الفصامي</strong> إذا تعاطوها بكميات معينة.‏٤- يجب أن يتميز مرضى الفصام بحساسية أكثر أو بأي نوع من أنواعالاستجابة غير الطبيعية ادة معينة.‏وهكذا نرى أن كثيرا من الباحث قد وجدوا فعلا تغيرات كيميائيةحيوية في مرض الفصام.‏ لكن ما توصلوا إليه لا يحقق أيا من الشروطالأربعة السالفة الذكر.‏ وإن كان ذلك لا يعني طبعا أن الأبحاث استقبلة لنتصل إلى نتائج أكثر إيجابية.‏خلاصة:‏يبدو أنه من الثابت أن التهيئة الوراثية لازمة لحدوث الفصام.‏ لكنالعامل الوراثي وحده لا ‏«يسبب»‏ الفصام.‏ وفضلا عن ذلك لم يتم اكتشافأي قانون وراثي للفصام.‏ ولم يتم تخصيص أي ج مع ذا علاقة بالفصامسواء على استوى الكيميائي الحيوي أو الفيزيائي الحيوي.‏ هناك تغيراتكيميائية حيوية تحدث في الفصام لكن منشأ تلك التغيرات ودلالتها تحتاجإلى إيضاح.‏ بل نحن لا نعرف ما إذا كانت تلك التغيرات سببا أم عاملامهيئا أم نتيجة لذلك ارض.‏ وتشريحيا لم يثبت وجود أي اختلاف فيالجهاز العصبي اركزي ب <strong>الفصامي</strong> وب سواهم.‏92


أسباب الفصامالأسباب النفسية:‏سوف نبحث الآن طائفة مختلفة اما من الأسباب:‏ تلك هي الأسبابالنفسية والفرضية التي تقوم عليها هي أن العوامل النفسية قد تؤثر علىنفسية الفرد أو على عقليته بطريقة غير سوية بحيث تؤدي في نهاية الأمرإلى الفصام ما لم تتدخل عوامل تعويضية في الوقت اناسب.‏وقبول العوامل النفسية كما ذكرنا سلفا لا يعني استبعاد التهيئةالبيولوجية.‏ بل إن كثيرا من الباحث وأنا من بينهم يعتقدون أن اسبباتالنفسية غير السوية وحدها لا تؤدي إلى الفصام ما لم تكن هناك تهيئةبيولوجية.‏ وعلى العكس من ذلك فالعوامل البيولوجية ليست علة كافيةللفصام ما لم تؤازرها سلسلة من الظروف النفسية غير اواتية.‏ وقد اعتادد.‏ روبرت كانكرو Robert Cancro وهو واحد من الباحث الذين قاموا بأدقالأبحاث الحديثة في الفصام على القول بأنه مثلما يلزم وجود حيوانمنوي وبويضة ليتكون الجن يلزم وجود عوامل بيئية وسيكلوجية ووراثيةلكي يحدث الفصام.‏الطفولة والبيئة الأسريةما هي تلك العوامل النفسية?‏ يرى كثير من الباحث أنها تتحدد فيالظروف التي تحيط بطفولة اريض وبالطريقة التي تنشئه أسرته عليهاوتعامله بها.‏ ويعزو بعض الباحث أهمية خاصة لاختلال التكوين الأسريككل ويركز آخرون على التعاسة الزوجية للآباء أو على شخصية الأب أوعلى ط العلاقات القائمة ب الأخوة.‏لكن شخصية الأم ومواقفها تظل في رأي الكثيرين العامل النفسيالحاسم.‏ فمريض استقبل عادة ما يكون قد عاش طفولته في ظروفجعلت علاقته بالآخرين تتميز بالقلق أو الشعور بالعداء الشديد تجاههمأو بالعزلة عنهم أو بنسب متفاوتة من كليهما.‏وتنطوي تلك الآراء على قدر كبير من الصواب إلا أنها تصاغ بطريقةفيها مبالغة أو تستخدم في صياغتها تعبيرات تثير-دون وجه حق-شعورابالذنب لدى الآباء وبخاصة لدى الأمهات.‏ فبعض الباحث يصف أمهات<strong>الفصامي</strong> بأنهن نساء يفتقدن مشاعر الأمومة.‏ والأصوب أن يقال إن93


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأولئك الأمهات قد تغلبت عليهن مصاعب الحياة في بعض فترات حياتهنوتتفاقم شدة تلك الصعوبات ليس فقط بسبب تعاسة حياتهن الزوجية بلأيضا وبدرجة أكبر بسبب ايول العصابية واواقف العصابية التي تكونتلديهن من خلال تعاملهن مع أطفالهن.‏وهناك نقطة أخرى جديرة بالذكر ذلك أن التقييمات التي أجريت علىأمهات <strong>الفصامي</strong> والتي كانت في غير صالحهن إا أجريت في فترةيزت بأن تحولات عميقة في الدور الاجتماعي للمرأة كانت آخذة فيالحدوث.‏ كانت تلك هي الفترة التي سبقت مباشرة عصر تحرير ارأةح كانت ارأة تتطلع بقوة-لكن دون إعلان-إلى الاستجابة لحاجتها التيبدأت تحوز القبول والخاصة بتأكيد مساواتها مع الرجل.‏ فهي لم تعد قابلةللرضوخ وإن كانت لا تزال لديها ميول لأداء دورها التقليدي.‏ فقد تدخلتالعوامل الاجتماعية في العلاقة الحميمة ب أفراد الأسرة وعقدت دورالآباء والأمهات على السواء.‏وكانت تلك الفترة هي أيضا فترة تحول الأسرة إلى ما يسمى بالأسرةالنووية Nuclear حيث أصبحت الأسرة تتكون من عدد قليل من الأفراديعيشون في حيز ضيق من اكان ويتنافسون فيما بينهم على امتلكاتاادية واعنوية.‏ ويستبد بهم التناحر والعداء.‏ وحيث أصبح البيت يفتقرإلى حد كبير إلى القيم التربوية واهنية والدينية.‏ فالأسرة النووية ذات أثرمدمر ليس على الأطفال فحسب بل وعلى الوالدين أيضا وبخاصة الأمهات.‏وأعتقد أن مريض استقبل يجب أن يكون قد عانى في طفولته منوطأة مشاعر سلبية قوية مثل التوتر والخوف والقلق والشعور بالعداءوبرود العاطفة-بصرف النظر عن مصدر تلك اشاعر-وأن يكون أيضا قدعانى من أثر التغيرات التي تطرأ على وه نتيجة لتعرضه لتلك اشاعرالسلبية ورا يكون قد عانى أيضا من سمات شخصية تكوينية تجعله أقلقدرة على تحمل تلك التأثيرات غير اواتية.‏وإجمالا نقول إنه من اليسير ‏(ومن الخطير أيضا في عواقبه)‏ أن نقفزإلى استنتاج أن أم مريض الفصام هي اسئولة عن مرضه.‏ فإذا كانت بعضأمهات <strong>الفصامي</strong> لسن أمهات ذوات كفاءة فعلينا أن نعبر عن تلك الحقيقةالواقعية بكلمات أكثر دقة فنقول إن تلك الأم بالتحديد لم تستطع أن تكون94


أسباب الفصامأما كفئا لذلك الطفل وبالتحديد في ظل تلك الظروف المحددة التي أحاطتبها.‏ وبذلك نكون قد تعرفنا على ثلاثة عوامل مختلفة كانت تعمل معا هي?‏الأم ‏(أو حالتها العصابية)‏ والأسرة بكل صعوبات حياتها ومتاعبها والطفلباستعداده البيولوجي وحساسيته الخاصة.‏ويلاحظ أننا قد ركزنا هنا-عملا ا هو سائد في تراث الطب النفسي-‏على دور الأم على اعتبار أنها التي تضطلع بالدور الأكبر في تنشئة الطفل.‏لكن علينا أن نركز أيضا على دور الأب أولا لأنه كثيرا ما يكون هو الأكثراضطلاعا بتربية طفل مع وثانيا لأنه من امكن أن يؤثر على الطفلبطريق غير مباشر واقفه غير اوفقة تجاه الأم وتجاه باقي أفراد الأسرة.‏وخلاصة القول:‏ إن الظروف المحيطة بفترة الطفولة ابكرة تعتبر منالعوامل ذات الأهمية اؤكدة واؤثرة على حياة الفرد بأكملها ا في ذلكاستعداده للفصام لكنها على أية حال ليست سوى جزء من كل.‏ فمن بالأسباب النفسية أيضا الطريقة التي يخبر بها الطفل واقعه البيئي.‏ إذرا تكون لديه حساسية خاصة أو تهيئة بيولوجية خاصة تجعله يستجيببقوة لا تتناسب مع شدة اؤثرات وبخاصة اؤة منها.‏ وفضلا عن ذلكعلينا أن نضع في الاعتبار الكيفية التي يستوعب بها الطفل خبرات بيئتهأي كيف تصبح تلك الخبرات جزءا من تكوينه النفسي.‏ ذلك أنه إذا كانتتلك الخبرات شديدة الوقع عليه فرا تظل مثيرة للاضطراب النفسيوتسبب له اتاعب وعدم الاستقرار.‏ وأخيرا علينا أن نلاحظ على أي نحوأثرت الكيفية التي استوعب بها خبراته تلك على أحداث حياته اللاحقة.‏أي أن علينا دراسة تاريخ حياته بالكامل.‏اكتساب أنماط خاصة للشخصية:‏حينما ندرس حياة اريض بأكملها قبل ظهور ارض كننا أن نتعرففيها على أربع مراحل أولها وهي مرحلة الطفولة الباكرة يعيشها اريضبكثافة انفعالية داخل أوضاع أسرية يخبرها بقوة بالغة وعلى نحو غيرسوى.‏أما ارحلة الثانية:‏ ‏(وهي مرحلة الطفولة اتأخرة)‏ فغالبا ما يكتسباريض خلالها-تحت تأثير صعوبات ارحلة الأولى طا خاصا من95


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالشخصية ما لم يتم تصحيحه على نحو ما فإنه يزداد وضوحا في فترةاراهقة وما بعدها.‏ وأحد تلك الأاط هو النمط الشيزويدي ‏(الانطوائي)‏حيث يتوقع الشخص أوتوماتيكيا-نتيجة لخبراته الباكرة-علاقات غير مرضيةمع الآخرين فيصبح ميالا للانفراد منعزلا عن الآخرين أقل انفعالا وأقلاهتماما وأقل اندماجا من الشخص العادي.‏ ويظل بينه وب نفسه شديدالحساسية إلا أنه يكون قد تعلم أن يتجنب القلق والغضب بطريقت‏:‏ بأنيظل متواريا عن الأنظار بقدر الإمكان ويحتفظ سافة مادية بينه وباواقف التي من شأنها أن تستثير لديه تلك اشاعر وبأن يكبت انفعالاته.‏وهو يحافظ على اسافة اادية بأن يتجنب الدخول في علاقات معالآخرين أو يحجم عن أية تصرفات قد لا ترضي الآخرين.‏ ويتميز مثل هذاالطفل في طفولته ومراهقته بأنه هاد الطبع.‏ وتتكون لديه الفكرة الخاطئةالقائلة بأنه مادام ‏«لا يفعل شيئا»‏ فهو طفل جيد.‏ وهو يكبر ولديه شعورعميق الجذور بالتشاؤم من نتائج أفعاله.‏وإحدى خصائص الشخص الشيزويدي هي صعوبة أن ينظر مباشرةفي عيون الآخرين فتجده في طفولته ورا بدرجة أكبر في مراهقتهوشبابه ميالا للنظر بعيدا عن عيون الآخرين ولا يسمح بأن تلتقي عيونهماإلا للحظة عابرة.‏ فالتقاء العيون يجعله أكثر تنبها ليس فقط لحضور الآخربل أيضا إلى أنه ينظر إليه.‏ وطاا أن الآخر لا ينظر إليه فهو ليس مصدرخطر.‏ فإذا نظر إليه سرعان ما يشعر بأن شخصا يكبره سنا يريد اقتحامعاه الشخصي ورا يريد استجوابه.‏وثمة ط آخر نجده في الأشخاص اهيئ للفصام هو النمط العاصفي‏(اتقلب الأهواء-اترجم).‏ ومثل هؤلاء الأشخاص يجدون أن الآخرين مصدرإزعاج لهم ويتصرفون تجاههم بطرق متباينة ومتضاربة-فأحيانا تثلونللآخرين ويذعنون لهم بدرجة مبالغ فيها وأحيانا أخرى تجدهم لحوحعدواني وأحيانا ثالثة تجدهم منعزل عن الآخرين.‏ فلا نستطيع أن نتنبأاع‏.‏ سيكون عليه سلوكهم في اوقف االمراهقة والشباب:‏وارحلة الثالثة التي تبدأ عادة مع اراهقة را تصبح أيضا مرحلة96


أسباب الفصاماضطراب في حياة اريض.‏ فاراهق كن أن يصبح مشغولا شاعرهالجنسية لكن ما يشغل باله أكثر من أي شيء إا هو الصورة التي تكونتلديه عن نفسه وهي صورة لا يستطيع تقبلها كما سنوضح لاحقا.‏ لكنعلينا أولا أن نؤكد أن ط الشخصية الذي اكتسبه اريض سابقا والذيكان من افروض أن يكون ثابة حماية أو دفاع قد أصبح حاليا يشكلعقبة إضافية بالنسبة إليه.‏ فالشخص الشيزويدي الذي عزل نفسه عنالآخرين وحدّ‏ من اتصاله بأمور الحياة يصبح أخرق ومرتبكا في تصرفاتهوغير قادر على التعامل مع أمور الحياة اليومية ومع الآخرين.‏ وأما اراهقذو الشخصية العاصفية فيصبح غير قادر على اكتساب إحساس واضحبهويته.‏ وغير قادر على إجابة تساؤلات أساسية معينة يطرحها على نفسه.‏مثل:‏ من هو وماذا تتوقع أسرته ومعارفه ومجتمعه منه?‏ وحتى لو توصل إلىما يتوقعه منه الآخرون فهل بإمكانه تلبية تلك التوقعات?‏ ولعل أشد الأسئلةحرجا بالنسبة إليه هو ماذا يتوقع هو من نفسه.‏وهو لا يطرح تلك التساؤلات على نفسه بصورة عامة أو مجردة أونظرية كما لا يطرحها كأسئلة فلسفية.‏ وإن كان طرح تساؤلات فلسفية منهذا النوع يعتبر أمرا عاديا بالنسبة للنابه ن هم في سن اراهقةوالشباب ابكر.‏ إلا أن الشخص اهيأ للفصام وخاصة ذا الشخصيةالعاصفية تجده مشغول البال بتلك اسائل على مستوى أكثر عيانية وفيحدود علاقته الخاصة بالآخرين لا أكثر.‏ وحينما نقول إنه يطرح تلك الأسئلةفنحن لا نعني إنه يوجه لنفسه أسئلة باعنى الحرفي وإن كان ذلك أيضاأمرا جائرا.‏ إلا أن ما يحدث غالبا هو أن طرح تلك التساؤلات وعدم القدرةعلى الإجابة عنها لا يتخذ صورة ألفاظ بل مشاعر إذ يشعر بأنه منساقوراء لا شيء وأنه غير قادر على أن يجد نفسه.‏وإزاء ذلك يلجأ الشخص الشيزويدي إلى استخدام ميكانيزمات ليهاعليه طبيعته الانعزالية.‏ فيتبع الآخرين في صمت ويظل شخصا منعزلابلا صاحب.‏ لكن ذا الشخصية العاصفية لا يستطيع اهادنة على ذلكالنحو.‏ إذ يظل دائب البحث عن دور له في الحياة رغم أنه يفشل في ذلك.‏فهو يظل يحاول الوصول إلى الآخرين رغم أنه يخفق في كل مرة.‏ ويظلمحتفظا بطموحاته رغم الإحباطات اتزايدة التي يتعرض لها.‏97


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوتتزايد الصعوبات كلما امتد نطاق فشله في اكتشاف دوره من دائرةالأسرة إلى الدائرة الأوسع التي تشمل الزملاء واعارف وأفراد اجملتمعالذي يعيش فيه فأي دور يقوم به بينهم?‏ وماذا يظنون به?‏ وحينما يلتحقبعمل ما يجد نفس اشاعر تتسلل إليه في صورة عدم قدرة على الإحساسبالانتماء هنته أو لعمل مع‏.‏ وتتزايد تلك اشاعر بتأثير جو انافسةالذي يشعر أنه محاط به.‏ وعلى الرغم من أننا نجد مثل تلك اشاعر لدىالعصابي إلا أنها تتخذ صورة أشد كثير لدى ذوي الشخصية العاصفيةاهيأة رض الفصام.‏وذوو الشخصية العاصفية كثيرا ما يكونون طيب إلى حد الرضوخالكامل وأحيانا أخرى يكونون عدواني شاعرين بالعداء للآخرين وأحياناأقل ينسحبون في برج عاجي من العزلة.‏ فإذا خرجوا من عزلتهم أصبحواشديدي القلق فالقلق يستحوذ على حياتهم وهم لذلك شديدو الاستعدادللاضطراب فأقل الأحداث شأنا كن أن تفجر لديهم أزمة ما.‏ وتصبححياتهم غالبا عبارة عن سلسلة من الأزمات.‏وذوو الشخصيات العاصفية يعيشون غالبا في جو من الكوارث واهالك.‏لكنهم يظهرون قدرة عالية على النهوض من عثرتهم ويبدون قادرين على أنيستعيدوا قوتهم ومعنوياتهم وروح ارح بسهولة.‏ لكنهم لا ينجحون عمومافي إخفاء قلقهم الكامن وراء موقفهم الظاهري اتسم بالسطحية والصخب.‏على أنهم حينما يصبحون في حالة مزاجية طيبة نسبيا تظهر لديهمتخيلات عظمة وميول للشعور بالاضطهاد.‏ ويتصورون أنهم سيصبحونناجح وعظماء لو منحت لهم الفرص.‏ وإنهم سيتزوجون من أشخاصرائع وهلم جرا.‏ وهم يلون للتطرف في كل شيء فيرون الأمور إماسوداء وإما بيضاء.‏ فالقبول يعني لديهم الحب والتفاني وعدم القبوليعني الرفض الكامل والكراهية فحياتهم تخلو من الظلال والألوان.‏والتغيرات التي تحدث في الحالة ازاجية وفي مواقف أولئك الأشخاصلا تخفف من معاناتهم.‏ والبعض منهم يلجأ إلى تعاطي العقاقير والكحولياتبإفراط.‏ وغالبا ما تتسبب الأزمات التي رون بها في إضعاف قواهمبصورة متزايدة وهي أزمات تحدث في كثير من الأحيان نتيجة لأحداثضئيلة الشأن لكنها تتضخم لدى مثل تلك الشخصيات العاصفية لأنها98


أسباب الفصامتستثير لديهم لا شعوريا مواقف اثلة حدثت في طفولتهم الباكرة وكانتمصدر قلق لهم.‏ وأحيانا أخرى تحدث الأزمات فعلا بسبب مواقف عصبيةتنشأ من أن مثل تلك الشخصيات قد تقدم بدافع القلق على تصرفات غيرمحسوبة العواقب ‏(زواج متعجل علاقات جنسية وظائف غير مناسبةانفصال زوجي أو طلاق مفاجئ وهكذا).‏ فالأحداث لا تحدث لهم دون أنيسهموا في حدوثها مثلما هو الحال في الشخصيات الشيزويدية.‏ ذلك أنالأشخاص العاصفي يبدو أنهم يبحثون بحثا نشطا عن طريقة ذات معنىفي الحياة.‏وكثير من الأشخاص الشيزويدي والعاصفي لا يتطور بهم الأمر إلىحد الإصابة بالفصام.‏ وهؤلاء يظلون محتفظ بسماتهم الشخصية تلكطوال حياتهم ما لم تتدخل طبعا عوامل علاجية أو ظروف غير متوقعةفي الوقت اناسب توجههم نحو طريقة أخرى في التكيف مع الواقع.‏والبعض منهم تتزايد لديهم السمات غير السوية في سلوكهم حتى أنكثير من الأطباء النفسي يعتبرونهم ما قبل فصامي أو لديهم فصامكامن أو على شفا الفصام.‏ ومعظمهم ينجحون في أن يعيشوا حياة اجتماعيةلا بأس بها وإن لم تكن مرضية.‏ وأيا كان الأمر فإن التكوين الشيزويدي أوالعاصفي للشخصية يفشل في النهاية في حمايتهم بالدرجة الكافية.‏ولأسباب عديدة تتزايد الصعوبات التي تتسم بها حياتهم كلما اقتربوامن سن الرشد.‏ فظروف الدراسة وتزايد الرغبة الجنسية وبحثهم عنمكانة مناسبة في عالم يسوده التنافس يشكل ضغوطا خطيرة على سماتهمالشخصية ذات الطبيعة الدفاعية.‏ فالدفاعات التي اكتسبها الصبي فيفترة حياته الباكرة كانت كافية اما حينما كان تعامله مقصورا بصفةأساسية على أفراد أسرته.‏ لكنه الآن يشعر أن عليه أن يتعامل مع العالمالأوسع.‏ وعلى الرغم من تجرده الانفعالي فإنه يشعر.‏ باستياء إزاء حقيقةأن كلا من الأسرة واجملتمع يطلبان منه التخلي عن عزلته وانسحابه-وهومطلب ليس قدوره تلبيته.‏ فالسمات الشيزويدوية لشخصيته لم تعد قاصرةعن حمايته فحسب بل أصبحت تشكل عائقا فعليا حينما تضطره الضغوطالاجتماعية إلى التعامل مع اجملتمع رغم ميوله الانسحابية.‏ فهو يشعر أنهمدفوع قسرا إلى ما يفعل.‏ ويسلك بطريقة عشوائية وبلا حماس ودون أن99


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيكون بإمكانه استغلال طاقته الكاملة ويزيد من شعوره بالخوف إحساسهبنقص الخبرة في التعامل مع الناس.‏ فإذا أمكنه التخلي عن موقفهالشيزويدي وأقدم على فعل ما عادت إليه حساسيته القدة وعانى منقلق هائل.‏ وتصور أن العالم مليء ا لا حصر له من رموز السلطة اتحفزةلانتقاد تصرفاته.‏ وتسهم الطبيعة التنافسية جملتمعنا-حيث يتع على كلفرد أن يؤكد ذاته أو يبرهن على كفاءته-في جعل وضعه أكثر سوءا.‏ فإذاكان مكبلا بكل تلك القيود فلا عجب في أن يفشل.‏ وكل فشل يؤدي إلىتزايد شعوره بعدم الكفاءة ويعرضه زيد من الفشل.‏وحالة عدم التكيف اتزايدة لها وجوه ومسارات عديدة ومتباينة.‏ فأحياناتكون في أعلى درجاتها لكنها تصعب ملاحظتها على غير الاصقللمريض.‏ بل على العكس قد تضفي بعض سمات تلك الحالة-مثل عدمالانفعال والتؤدة-على اريض مظهر الاتزان الذي قد يروق ن لا يعرف مايكمن وراءه من عدم استقرار نفسي.‏ وأحيانا أخرى تجد أن حالة من عدمالتكيف الآخذة في التزايد-بصورة متخفية-واؤدية للفصام ظاهرة للعيانلكن في نواح معينة.‏ فقد نجد مثلا أن مستوى الأداء ادرسي قد أخذ فيالتدهور استمر فبعد أن يكون اريض جيد استوى في ادرسة الابتدائيةيصبح مستواه أقل من اتوسط في ادرسة الثانوية حتى إذا وصل إلىاستوى الجامعي أخفق كلية.‏والاهتمام بالجانب الجنسي من الحياة يتسع مداه كثيرا بدءا من سناراهقة.‏والحياة الجنسية من حيث علاقتها بسيكولوجية الفصام لا تهمنا فيذاتها وإا تهمنا بالقدر الذي تؤثر به على صورة الذات من خلال اعانيالخاصة التي قد ترتبط بها لدى اريض.‏ فإذا نشأت لديه مثلا فكرة عننفسه أنه شخص غير كفء جنسيا أو شاذ أو غير مرغوب فيه أو ليستلديه القدرة على التحكم الجنسي أو ليست لديه هوية جنسية محددة فإنمثل تلك الانطباعات قد تكون لديه شعورا بالذات بالغ الضرر.‏اليأس،‏ الهلع،‏ قطع الصلة بالواقع:‏ويصل الشخص اتجه نحو الفصام آجلا أو عاجلا إلى نتيجة مؤداها100


أسباب الفصامأن استقبل لن يسترد ما فاته في ااضي أو الحاضر.‏ ويبلغ التدهورالسيكولوجي اميز للمرحلة الثالثة من ارض أقصى مداه حينما يوقناريض أنه لا أمل في استقبل وأن وعد الحياة لن يتحقق وأن استقبلكن أن يكون أكثر وحشة من الحاضر.‏ فهو يشعر بأن اخملاطر تحيط بهمن كل جانب كما لو كان وسط أدغال.‏ وهي ليست أدغال من الأسودوالنمور والثعاب والعناكب لكنها أدغال من التصورات-التي تدور حولفكرته عن نفسه-حيث تصبح صورة الذات لديه-وليس بقاءه-هي اهددةواخملاطر هنا هي مشاعر تنشأ عن تصوراته حول نفسه مثل أن يشعربعدم الانتماء أو بأنه غير مرغوب فيه وغير محبوب وغير محب غير كفءغير مقبول ضئيل الشأن أخرق بليد الحركة شاذ مختلف مرفوضمهان مذنب غير قادر على اتخاذ مسار له من ب مسارات الحياة اخملتلفةمضيع الكرامة متحامل عليه منبوذ مشكوك في أمره وهلم جرا.‏ هل هيأدغال من صنع البشر أوجدتها الحضارة بديلا للأدغال التي كانت تحاصرالقبائل البدائية?‏ لعلنا نجد الجواب في فهمنا للعملية الدائرية التي تتميزبها تلك اواقف.‏ذلك أن التجمعات البشرية في تراثها التاريخي وفي أوضاعها الراهنةقد أسهمت إلى حد كبير في صنع تلك الأدغال لكن اريض نفسه قدأسهم في صنعها أيضا إلى حد كبير.‏ فهو بحساسيته الناشئة من خبراتااضي ومن الدفاعات النفسية التي عرقلت وه بدلا من أن تؤازره يدركواقعه بصورة مشوهة.‏ إلا أن هذا التشوه لا يكون عند هذا الحد قد اتخذصورة إسقاط اضطهادي أو معتقد ضلالي.‏ وإا ارس إحساس بالكربوحساسية زائدة وخوف وقلق وألم نفسي.‏ ويصبح لدى اريض شعور بأنهغير مقبول ليس فقط من أولئك الذين يهتم بهم بل سيظل غير مقبول منالآخرين مدى الحياة.‏ فهو يشعر بأنه مبعد عن طريق الحياة ازدحمة التيلا ترحم فهو غير متوائم ووحيد.‏ فهو يعاني من وحدة قصوى فيصبح غيرمقبول حتى من نفسه وتلك هي اأساة الحقيقية:‏ أن يصبح ار غير مقبولمن نفسه.‏ وعند هذه النقطة تحدث حالة الهلع.‏وتلك الحالة الخاصة من الهلع يخبرها اريض في البداية كخليط منشيء شديد الوضوح ‏(مثل صورة الذات ادمرة)‏ ومن شيء غامض وكثيف101


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالظلال.‏ هذه القوى الغامضة التي ظلت ساكنة طويلا ثم أخذت تنبعث فيصخب هي خبرات الطفولة الباكرة وهي خبرات غير سارة ليس بالضرورةلأن ظروف الطفولة كانت غير سارة فعلا وإا بسبب أن اريض يبالغويضخم من شأن الجوانب السلبية لخبراته.‏ وخلال فترة الهلع تلك يجداريض نفسه غير قادر على فعل أي شيء.‏ ويبدو وكأن الأحداث تقع له منتلقاء نفسها.‏ وأنه لم يعد فاعلا لها ولا لك من أمرها شيئا.‏المرض الصريح:‏وعند هذا الحد تبدأ ارحلة الرابعة وهي ارحلة التي يتجلى فيهاارض بصوره الكلينيكية الصريحة.‏ فتتقطع الروابط ب اريض وبالواقع وينسحب منه بالطريقة اللافتة للنظر التي وصفناها فيما سبقوأحيانا أخرى يلجأ اريض لعملية الإسقاط ويصرح بأفكار اضطهادية.‏ولم يكن اريض خلال فترة الهلع يلقي اللوم على العالم الخارجي وإا كانيعتبر نفسه إلى حد كبير مسئولا عن هزته.‏ والآن يعود فيحيل تلكاشاعر إلى الخارج.‏ فيحس شاعر عداء غامضة تحيط به من كل جانب.‏ويصبح العالم مرعبا والخطر يتهدده في كل مكان.‏ ولا سبيل أمامه للهروب.‏وعلى استوى الكلينيكي لا يعتبر ارض قد حدث فعلا عندما يسقطاريض مشاعره وأفكاره على العالم الخارجي فحسب بل أيضا عندماتتخذ تلك الإسقاطات صيغة محددة.‏ فغير افهوم منها يصبح مفهوماوالتوقع الغامض للخطر يتحول إلى خطر محدد.‏ وبعد أن كان العالم كلهضد اريض يصبح الطرف اضاد هو ‏«هم».‏ فلا يعود يشعر بأن الجميعيتفحصونه ويراقبونه ولا يعود يراوده الشك تجاه جيرانه غير الودودين.‏ إذيتحول الإحساس بالشك إلى اعتقاد بأنهم ‏«هم»‏ الذين يتابعونه ويراقبونهأو حتى يتحكمون في تصرفاته.‏ فما كان عاما مبهما مجردا أصبح محددا.‏وكلمة ‏«هم»‏ تشير إلى جماعة ما ثل بالنسبة إليه مصدر التهديد الخارجيثم تشير فيما بعد إلى جماعة بعينها مثل وكالة الاستخبارات أو الجيرانأو ما إلى ذلك.‏ فبينما كان اريض يعتقد وهو في ارحلة الثالثة منارض بأن عديدا من ذوى الشأن كانوا محق في التقليل من قدرهأصبح الآن يعتقد أن قلة من أشرار الناس ذوي النفوذ متحامل عليه وأنهم102


أسباب الفصامالسبب وراء متاعبه.‏ وغالبا ما ر اريض ببعض الخبرات التي تجعلهمقتنعا بأن شيئا ما قد فعله أو ترتيبه ضده.‏ وأنه ضحية مؤامرة.‏ وأنهمتهم بأنه جاسوس أو قاتل أو خائن.‏ فهو يسمع هلوسته الصوتية ترددتلك الاتهامات.‏ فهو غير سعيد خائف وغالبا متذمر.‏ومن اهم هنا أن نناقش بعض النقاط التي أشرنا إليها في الفصلالثالث.‏ فللوهلة الأولى قد يتصور ارء أن حدوث أعراض مرضية لا كنأن يكون عملية دفاعية.‏ ذلك أن اريض يعاني فعلا.‏ إلا أن التفسير‏«السيكودينامي»‏ للفصام ينظر إليه على نحو مختلف إذ لو تعمقنا الأمرقليلا لرأينا أن تحول الصراع الداخلي إلى أعراض ينسبها اريض إلىالعالم الخارجي إا هو عملية في صالح اريض.‏ صحيح أنه أمر مؤلم أنيكون ارء موضع اتهام من الآخرين إلا أنه أقل إيلاما من أن يتهم الإنساننفسه وأن يصبح غير مقبول من نفسه.‏ويتخذ الاتهام صيغة محددة نتيجة لطرق التفكير الجديدة التي يتبناها<strong>الفصامي</strong> والتي تحدثنا عنها في الفصل الرابع.‏ فح يحيل اريض شعورهبالفشل مثلا إلى الخارج يظهر ذلك ليس في صورة اتهام بأنه فاشل بلاتهام بأنه جاسوس أو قاتل.‏ ومثل تلك الاتهامات تبدو أسوأ من الاتهامالأصلي الذي وجهه اريض لنفسه لكنها تتميز عنه بأنها من اليسير نسبتهاإلى الآخرين.‏ واريض ح يعتقد بأنه متهم ثل تلك الاتهامات يشعر فيالوقت نفسه أنها اتهامات زائفة.‏ وعلى ذلك فعلى الرغم من إنها اتهاماتمؤة إلا أنها لا تؤذي شعوره بتقدير الذات.‏ بل على العكس فباقارنة اكان عليه اريض قبل ارض الصريح نجد أن شعوره بتقدير الذات يرتفعوغالبا ما يصاحبه شعور بالاستشهاد.‏فاتهم الحقيقي هنا ليس اريض وإا هو من يضطهده.‏ وتهمته هيأنه يضطهد اريض دون وجه حق.‏ فالخطر الذي كان من قبل داخلياصدر حوّله اريض اشد خطر خارجي اصدر.‏ وفي عملية التحويل تلكينحصر بالفعل اغزى السيكودينامي لأكثر أاط الفصام شيوعا وهوالنمط البارانويى فبهذه الطريقة يزول الإحساس بالذنب وقد يستعيد اريضأحيانا صور الذات ابهجة التي كان فيما مضى لا يسمح لنفسه بالاستمتاعبها وغالبا ما يتخذ ذلك صيغة مشوهة وشاذة من الشعور بالعظمة.‏103


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهخلاصة:‏تعتبر الأحداث السيكولوجية في حياة اريض من ب العوامل شديدةالأهمية في حدوث الفصام حتى وإن تطلبت تهيئة بيولوجية معينة كييتيسر لها ذلك.‏فالأوضاع الأسرية وخبرات الطفولة واراهقة والشباب ابكر تكونسلسلة من الأسباب والنتائج تؤدي إلى أسلوب في الحياة يتميز بعدمالاستقرار وبأنه عرضة للتغيرات ارضية.‏ وهو يحاول طوال حياته-اتسمةبالقابلية العالية للتغير ارضي-بناء دفاعات نفسية أي وسائل نفسية يسعىعن طريقها إلى حماية إحساسه بهويته وبتفرد الذات.‏ وعندما يثبت فشلتلك الدفاعات ويصبح غير قادر على قبول نفسه على الإطلاق يلجأ اكن تسميته بالدفاع الذهاني.‏ وهنا تظهر أعراض الفصام وتسمح له بأنيستمر في الحياة بقدر أقل من الألم.‏وهكذا كننا اعتبار ايول النفسية الأساسية في حياة <strong>الفصامي</strong> ثابةأسباب تتكون بدورها من عديد من أسباب ثانوية ومعظمها مترابط فيمابينه.‏الأسباب الاجتماعية النفسية الثقافية:‏سنعرض لهذا النوع من الأسباب بإيجاز لأنها على الرغم من أهميتهاالبالغة إلا أنها محدودة الأهمية بالنسبة لأسرة اريض أو ن هم على صلةوثيقة به.‏ فهي نوع من العوامل يهم بالدرجة الأولى أولئك اخملتص الذينيختص عملهم نع حدوث الفصام لكن ما إن يحدث ارض فعلا لشخصما حتى يكون الوقت قد فات وسبق محاولة تغيير الظروف الاجتماعيةالثقافية من أجله.‏ وفضلا عن ذلك فتقدير تلك العوامل يجري ببطءويتطلب عملا على نطاق واسع يقوم به علماء الاجتماع والسياسيونواشتغلون في اجملالات التربوية ومجالات علم الوبائيات وغيرهم نيعنون بدراسة الجماعات الخاصة ‏«والجماعيات».‏ أما بالنسبة للطبيبالنفسي فمن اهم أن نؤكد أن العوامل الاجتماعية الثقافية إا تحدثتأثيرها على الفرد من خلال الفعل الوسيط للعمليات النفسية.‏إذ من اعروف أن الفقر والحرمان والضغوط الاجتماعية والهجرة104


أسباب الفصاموالانتماء لأقلية اجتماعية والحياة في الأحياء الفقيرة من شأنها أن تزيدمعدل حدوث ارض.‏ وعلينا أن نترجم تلك الوقائع الإحصائية إلى لغةاعاناة الإنسانية.‏ فعلينا مثلا أن نحدد ما إذا كان من شأن العواملالاجتماعية أن تساعد على حدوث ارض النفسي من خلال إضعاف قدرةجماعة معينة من الناس على أن يكونوا آباء أكفاء أو أن يتلقوا رعاية أبويةمناسبة.‏ ومن اهم أن نحدد أيضا ما إذا كانت العوامل الاجتماعية تقلل منتقدير الذات لدى الفرد فيتيسر بذلك حدوث ارض النفسي.‏لقد تأكد أن هناك زيادة في معدل الفصام في اراكز الحضرية الكبيرةوبخاصة اراكز الصناعية.‏ وأي شيء من شأنه أن يزيد اعاناة الإنسانيةويقلل من تقدير الذات ويفقد الإنسان الأمل كن أن يكون عاملا غيرمباشر من عوامل ارض.‏ واجملتمع الذي يكرس روح انافسة ب أفرادهيؤدي إلى تدني تقدير الذات لدى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم خاصويجعلهم أكثر عرضة للمتاعب النفسية.‏ بينما العدالة وتكافؤ الفرصوإمكان الحياة في مستوى مرْض كل ذلك يؤدي إلى تقليل فرصة العواملغير اواتية في أن تؤثر على الفرد.‏وفيما يختص بالفصام فإننا نجد مجموعت متناقضت من الظروف.‏فالأحداث الخارجية الواقعية الشديدة الوطأة لا تسبب الفصام بل راتحول دون حدوثه.‏ فقد لوحظ أثناء الحرب العاية الثانية وفي أعقابهامباشرة أن معدل الفصام قد انخفض في بعض البلدان الأوروبية اهزومة.‏فالظروف التي يكون فيها الخطر واضحا مثلما يحدث في أوقات الحروبوالهزائم القومية والكوارث التي تصيب الجماعة بكاملها لا تكون وحدهاسببا في الفصام.‏ فهي قد تسبب قلقا أو صعوبات نفسية لكنها لا تجرحبالضرورة الإحساس بالذات.‏ وفي حالة الحرب أو الهزة القومية فإنالشعور بالتضامن الاجتماعي واصير اشترك وانعدام اسئولية الشخصيةعما يحدث قد يكون من شأنه أن يحسن صورة الذات لدى الأفراد.‏خلاصة:‏قد يكون من شأن العوامل الاجتماعية التي يترتب عليها إحساس باعاناةأن هد السبيل أمام حدوث الفصام من خلال الفعل الوسيط للعمليات105


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالنفسية وبخاصة إذا كان من شأنها أن تقلل من فرصة تلقى رعاية أبويةملائمة وأن تؤثر على تقدير الفرد لذاته فإذا أردنا مرة أخرى أن نعرفالفصام في ضوء معرفتنا لأسبابه فعلينا أن نقول إنه في حدود معارفناالحالية فإن الفصام حالة ذات أسباب متعددة متشابكة-تتآزر فيها العواملالبيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية الثقافية-تؤدي إلى أشكال نكوصيةمن الأداء النفسي والسلوكي على النحو الذي بيناه سلفا.‏106


طرق العلاج الرئيسية6 طرق العلاج الرئيسيةالبحث عن أخصائي:‏استشارة الطبيب اتخصص ضرورة ويجب أنتتم دون تباطؤ سواء أكان ارض مجرد شيء محتملأم كان مشكوكا في وجوده أم كان واضحا لا ريبفيه.‏ فأفراد الأسرة لا يستطيعون أداء كل ما هومطلوب على نحو سليم أيا كان استعدادهم لبذلالوقت والجهد والرعاية ريضهم.‏ ولحسن الحظفهم ليسوا وحدهم.‏ إذ أن هناك العديد منالأخصائي الذين قدورهم معالجة اوقف بكفاءةوفعالية.‏وقد تكون الأسرة ‏(أو اريض نفسه)‏ بلا درايةبكيفية الحصول على مساعدة متخصصة أو العثورعلى الطبيب اتخصص في هذا النوع من الحالات.‏على أن الأسرة حينما تجد نفسها في حيرة منأمرها كنها اللجوء إلى دليل التليفون.‏ فتبحثفيه عن الفرع المحلي للجمعية القومية للصحةالعقلية أو اركز الاجتماعي للصحة العقليةوتسألهم اشورة.‏ وكنهم الاتصال باستشفىالتعليمي في انطقة.‏ كذلك كنهم الاتصال بنقابةالأطباء والحصول منها على قائمة بالأطباءالنفسي اخملتص‏.‏ أو حتى كنهم الاتصال107


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبالجمعية الأمريكية للطب النفسي بواشنطن للاستعلام عن الأطباء النفسياوجودين في نفس انطقة التي يعيش فيها اريض.‏إلا أن أفضل الطرق هو ذلك الذي يعتمد على الصلات الشخصية.‏فطبيب الأسرة أي امارس العام بإمكانه أن يدل اريض على طبيب نفسييثق به ويعرف طرقه في العلاج.‏ وطبيب الأسرة كن له أيضا أن يزودالطبيب النفسي باعلومات الأولية الخاصة بخلفية اريض الأسرية وفيحالة عدم وجود طبيب الأسرة كن لأحد الأصدقاء أن يدله على أحدالأطباء النفسي الذي عالج قريبا أو صديقا له من قبل.‏والوضع في بريطانيا يختلف عن ذلك قليلا.‏ فلكل فرد ارس عاميستشيره في حالات الطوار‏.‏ وامارس العام هنا سيقيم اوقف بأمانةويحيل اريض إلى أحد الأطباء النفسي بأحد استشفيات.‏ وعادة ماتكون هي استشفى التي تخدم انطقة التي يعيش فيها اريض فإذاشعرت الأسرة أو اريض بعدم الرضى عن مستوى ذلك النوع من العلاجفلأي منهما أن يذهب إلى طبيب نفسي خاص أو كما في الولايات اتحدةكنه أن يتصل بالجمعية العامة للصحة العقلية لطلب اشورة.‏ وهناكأيضا قسم الطوار في استشفى العام المحلي.‏ فمعظم تلك الأقسام توجدبها عيادة طوار للأمراض النفسية وفي بعض ادن الكبرى توجدستشفيات معينة خدمات طوار نفسية ليل نهار.‏ وفيما عدا العياداتالخاصة فكل تلك الخدمات تتبع الهيئة القومية للخدمات الصحية.‏ومن اهم عند مقابلة الطبيب النفسي تأكيد ما إذا كانت حالة اريضتتطلب فحصا عاجلا أم لا وتقديرات عامة الناس ليست دقيقة دائمالكنها غالبا ما تعبر بأمانة عن حالة اريض.‏ وبناء على ما يسمعه الطبيبالنفسي يكون قراره ا إذا كانت حالة اريض تتطلب فحضا عاجلا أو لا.‏ونحن نجد أن الأطباء النفسي هذه الأيام مشغولون للغاية لأيام أو حتىلأسابيع تالية.‏ وهم يكرسون جزءا كبير من وقتهم لحالات لا تعتبر عاجلةمثل تقد مشورة أو علاج لأشخاص يودون جعل حياتهم أكثر سعادة أو نلديهم مشكلات زواجية أو مهنية أو دراسية.‏ فإذا تحقق الطبيب النفسيمن أن حالة اريض تتطلب فحصا عاجلا ولم يكن لديه وقت لذلك أو لميستطع تأجيل بعض الحالات الأقل إلحاحا فسوف يدل اريض على طبيب108


طرق العلاج الرئيسيةآخر يعرف أن لديه وقتا.‏ومن افيد أن نعرف كيف يز ب حالة ملحة وحالة عاجلة.‏ فالحالةالحة معناها حالة تنطوي على خطورة لكنها عادة لا تتطلب بالضرورةتدخلا عاجلا.‏ إما الحالة العاجلة فهي التي تتطلب تدخلا عاجلا خلالأربع وعشرين ساعة أو أقل.‏ والحالات العاجلة في الطب النفسي تعتبرنادرة نسبيا إذا قورنت بفروع الطب الأخرى.‏ وسوف نتحدث عن الحالاتالعاجلة في الطب النفسي في الفصل العاشر.‏اختيار العلاج:‏أول شيء على الطبيب أن يفعله عند فحص اريض هو أن يقرر ما إذاكانت حالته تتطلب دخول استشفى فورا أو كن علاجها بالعيادة.‏ وهويقيم اوقف بناء على حالة اريض وقت الفحص وبناء على اعلومات التيتتوفر لديه من الأهل أو الأصدقاء.‏ وقد تلزم رؤية اريض أكثر من مرة قبلأن يتمكن الطبيب من اتخاذ مثل ذلك القرار.‏وقد كان التقليد السائد منذ عشرين عاما هو أن من تظهر عليه أعراضالفصام يدخل استشفى.‏ لكن ذلك لم يعد قائما اليوم.‏ إذ أصبح اريض لايدخل استشفى إلا إذا لم يتوفر علاج أفضل خارجها أو كان من غيرامكن عمليا إعطاؤه العلاج أو كان تأثير العلاج لا يصل إلى درجة منالتحسن تسمح بأن يتعايش اريض مع اجملتمع.‏ وسنحدد بتفصيل أكثر فيالفصل السابع معايير إدخال اريض استشفى وطرق العلاج بها.‏أما في هذا الفصل فسنعرض للنوع الرئيسي من العلاج اللذينكن استخدامهما في العيادة وهما:‏ العلاج النفسي والعلاج بالعقاقير (×) .وهذان النوعان من العلاج يستخدمان أيضا وبطبيعة الحال في استشفياتبالنسبة لغالبية ارضى.‏ ولن نشير في هذا الفصل إلى العلاج بالصدماتالكهربائية أو بالأنسول حيث إن هذين النوع من العلاج أصبحا لايستخدمان إلا في بعض الحالات النادرة التي لا تستجيب لأنواع العلاجالأخرى.‏(×) في بريطانيا لا يتوافر العلاج النفي في كل اناطق التابعة للهيئة القومية للخدمات الصحية.‏ففي بعض اناطق لا يوجد إطلاقا.‏109


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوعلى الرغم من أن قراء الكتاب لا يفترض فيهم أن يقوموا بعلاج<strong>الفصامي</strong> إلا أن إامهم ببعض اعلومات الخاصة بأهداف العلاج وطرقهاسيمكنهم من متابعة ما يحاول الطبيب أن يصل إليه وكنهم من بناء مناخمن الثقة والدفء والآمال الواقعية وهو مناخ لازم للمريض.‏وغالبا ما يعالج اريض بالعلاج النفسي والدوائي في الوقت نفسه.‏ وإنكان بعضا الأطباء النفسي يستخدمون أحد هذين النوع من العلاجبصفة رئيسية أو يقتصرون عليه كلية.‏ على أن مزاولة هذين النوع منالعلاج معا في وقت واحد من شأنها أن تعالج الأسس النفسية للحالة وأنتخفف من حدة الأعراض بالوسائل الكيميائية الحيوية في وقت واحد.‏وحينما يتخذ الطبيب النفسي قراره العلاجي-أي علاج أو علاجاتسيعطى للمريض?-فعلى الأسرة أن تتقبل قراره وتدعه يفعل ما يراه دونتدخل من جانبها.‏ ويجب أن يترك للطبيب أمر مباشرة العلاج الذي يراهملائما فيما عدا العلاج النفسي الجراحي الذي لا يوصى به إلا لحالاتمعينة.‏ وبالطبع سيأتي الوقت الذي تقيم فيه نتائج العلاج.‏وعلى الرغم من أن كلا العلاج النفسي والدوائي يزاولان في وقتواحد إلا أننا سنتناولهما كلاً‏ على حدة.‏العلاج النفسي:‏على الرغم من أن هناك عديدا من أنواع العلاجات النفسية ‏(الإقناع-‏التنو‏-العلاج السلوكي-العلاج الجشتالتي)‏ إلا أن العلاج النفسي الديناميهو الذي يستخدم غالبا في حالات الفصام:‏والعلاج النفسي الدينامي الذي يستخدم في حالات الفصام يختلف فيعديد من النواحي عن التحليل النفسي الفرويدي بصورته التقليدية إذ قدلا يتطلب أربع أو خمس جلسات أسبوعيا وإا يتم بخطة علاجية تحددوفقا لاحتياجات اريض كذلك لا تلزم فيه أريكة التحليل النفسي إلا فيماندر.‏ وغالبا ما يجلس اريض على كرسي مواجها الطبيب الذي لا ينتظرعادة أن يبدأ اريض في الكلام تلقائيا وفقا ا يسمى بالتداعي الطليق.‏فالطبيب يتدخل مرارا ويشعر اريض باشاركة الإيجابية.‏فالتحليل النفسي الكلاسيكي الذي يهدف إلى إزالة القلق حتى يتمكن110


طرق العلاج الرئيسيةمريض العصاب من الحركة والنمو لا يناسب حالات الفصام.‏ وهو ليسغير مفيد فحسب بل إنه نوع ‏(را باستثناء بعض الحالات الخفيفة جداأو التي قاربت الشفاء)‏ لأنه يضر أكثر ا ينفع.‏على أننا يجب أن ننوه بأن أي نوع من أنواع العلاج النفسي الديناميإا هو مشتق من الأصل الفرويدي فقد كان فرويد أول من علمنا أنارض النفسي لا يبدأ مع ظهور الأعراض الأولى بل له تاريخ طويل قدضي بعيدا حتى الطفولة الباكرة للفرد.‏والديناميات النفسية تعني دراسة القوى النفسية:‏ فالأحداث التي حدثتفي الحياة الباكرة والطريقة التي فسر بها اريض تلك الأحداث وتجمعاتهاالخاصة وتتابعها الزمني كل ذلك يشكل العوامل أو القوى النفسية التيتؤدي إلى نتائج معينة.‏ ومن مفارقات الأمور أن فرويد-الذي فعل الكثير فيسبيل فهم النفس البشرية وعلاجها-كان هو الذي حث على عدم استخدامالتحليل النفسي في حالات الفصام على الرغم من أنه صرح بأن استقبلرا يحمل إمكان التوصل إلى طرق كن بها تطويع العلاج النفسي التحليليبحيث يصبح ملائما لاستخدامه مع <strong>الفصامي</strong>‏.‏ورا كان فرويد أعظم من اشتغل في مجال النفس البشرية ورغمذلك فقد سمح لنفسه أيضا-مثل سائر البشر-أن يقع تحت تأثير أفكارمسبقة أو تركيبات نظرية صاغها هو نفسه.‏ فقد اعتقد فرويد أن <strong>الفصامي</strong>لا يستطيع إقامة تلك العلاقة التي يلزم وجودها مع اعالج حتى يصبحالعلاج فعالا وذلك بسبب انسحابه من الواقع المحيط به ومن الناس خاصة.‏وكان أحد تلاميذ فرويد وهو بول فيدرن Paul Federn هو الذي أثبت خطأوجهة نظر فرويد تلك وقام بصورة رائدة بعلاج <strong>الفصامي</strong>‏.‏ وجاء بعدهمعالجون آخرون كثيرون مارسوا هذا النوع من العلاج وابتدعوا عديدا منالطرق الجديدة.‏ ففي أمريكا نجد هاري ستاك سوليفانSullivan وفريدا فروم رايشمانFromm-Reichmann Frieda وجون روزونRosen وهارولد سيرلزكثيرين شاركوا في تطوير العلاج النفسي للفصامي وفي إنجلترا نجدإسهامات هامة قامت بها ميلاني كلايروزلفيلد H.Rosenfeld ود.‏ و.‏ وينيكوت D.W.Winnicot كذلك في سويسراHarry StackJhonHarold Searls وأتو ويل Otto Will وأنا وآخرينMelanie Klein وتلاميذها ه.‏111


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهقدم كل من مارجريت سيشهاي-‏Sechehaye Mar guerite وجيتانوبندتي GeatanoBenedetti إنجازات مفيدة.‏وأول ما يقوم به اعالج النفسي مع مريض الفصام هو جمع معلوماتتاريخ حياته في الحاضر وااضي كما يفعل معظم الأطباء عند أول مقابلةرضاهم.‏ واؤكد إنه من اهم للمعالج أن يعرف عن مريضه أكبر قدر مناعلومات.‏ فهذه اعلومات التي قدور الأسرة والأصدقاء والزملاء أوالأطباء الذين عالجوه سابقا تزويده بها تعتبر مفيدة للغاية.‏ على أنالهدف الذي عليه أن يبتغيه عند أول مقابلة مع اريض هو أن ‏«يصل إليه»‏أي يقيم معه رابطة شخصية عادية بقدر الإمكان.‏ فاريض كما ذكرنا فيالفصل الثالث يكون شكاكا وبلا ثقة في الآخرين.‏ ويعتبر أي سؤال يوجهإليه تدخلا في شئونه الخاصة أو جزا من مؤامرة أو محاولة لحرمانه منشيء يخصه وحده وفي أحيان قليلة قد يعتبر الأسئلة ثابة حيل ‏(دبرت)‏له لإثبات إنه مريض أو أنه يلزم عزله ستشفى أمراض عقلية أو أنهغير كفء أو أنه يجب أن يحرم من حقوقه القانونية وتسلب منه حريتهوتلكاته.‏ وعلى اعالج أن يحاول إقناع اريض أن دوره هو أن يساعدهعلى فهم كثير من الأمور وخاصة تلك التي تتعلق باتاعب التي واجههاحديثا أو الخبرات التي مر بها ولم يوافقه الآخرون على تفسيره لها لسببأو آخر.‏ولعله من العسير للغاية حتى بالنسبة للمعالج ذوي الخبرة أن يحققواارحلة الأولى من علاج الفصام والتي تتكون أساسا من محاولة خلق جومن الثقة الأساسية أو التوقعات ابنية على الثقة اتبادلة مثلما يحدث بأشخاص لا يكونون مجرد غير خائف من بعضهم البعض بل تكون لديهمإرادة مشتركة للتعاون الودي من أجل الوصول إلى أهداف مشتركة.‏وقد بينا في الفصول السابقة كيف أن اريض كانت لديه صعوبة فيالتواصل مع الآخرين منذ بداية حياته.‏ وكانت علاقته بالناس تعاني مناضطراب مزمن.‏ إذ كان يتسم بحالة من اليقظة اتوجسة والاحتراس ايجرى حوله أو بدرجة ما من التوتر.‏ وعلى الرغم من أن مثل تلك اشاعرتوجد لدى العصابي وتوجد بصورة مخففة حتى لدى الأسوياء إلا إنهاتكون ملحوظة بشكل خاص لدى أولئك الذين سيصبحون فصامي فيما112


طرق العلاج الرئيسيةبعد.‏ وقد بينا سلفا كيف أن مثل تلك اشاعر تتحول لديهم إلى شكوكومواقف ناشئة عن شعور بالاضطهاد وأكثر من ذلك تتحول إلى شعور بأنثمة تدابير عدائية توجه ضدهم يكون مصدرها في البداية الناس بعامةثم يصبح مصدرها فئة خاصة منهم ثم يتحدد في نهاية الأمر في جهةمعينة على وجه التخصيص.‏وعلى اعالج أن هد الطريق أمام اريض كي يستعيد ثقته في واحدمن الناس على الأقل.‏ فعليه أن يوجد لدى اريض انطباعات بأنه-أي اعالج-‏استثناء من باقي البشر.‏ بأنه ليس شخصا جديرا بعدم الثقة مثل الآخرينبل هو شخص راغب في مشاركته مخاوفه وقلقه أيا كانإلى أن يصبحبالنسبة للمريض شخصا قادرا على تغذيته باعنى النفسي وعلى تفسيرالأمور له على نحو مختلف وأهم من كل ذلك عليه أن يصبح شخصايخفف من حدة قلقه ونحه بعض الأمل في استقبل.‏ وليس من الضروريلأي من أفراد الأسرة أو ن يهمهم الأمر أن يعرفوا كيف سيحقق اعالجتلك الأهداف اتعلقة بالجزء الأول من العلاج.‏ كل ما هو مطلوب منهم أنيكونوا صبورين وأن يكون لديهم الأمل وألا يسألوا الطبيب أسئلة لا جوابلها.‏ فعليهم ألا يسألوه مثلا عما إذا كان قد عرف سبب حالة اريض أوعرف الحدث اع الذي وقع في طفولة اريض فأدى إلى تلك النهايةالفاجعة أو عرف الأخطاء التي ارتكبها الآباء فأدت إلى ذلك وبعبارةأخرى عليهم ألا يسألوا عما إذا كان الطبيب قد وجد افتاح الذي كنهمن كشف أسرار حالة اريض الخاصة.‏وقد يلجأ معالج الحالات <strong>الفصامي</strong>ة في ارحلة الأولى إلى طرق غيرمألوفة لم يجر عليها العرف.‏ فقد سك بيد اريض أو يربت على كتفهأو يتمشى معه في الحديقة أو يلقى نظرة على كتاب معه أو يتناول معهفنجانا من القهوة وما إلى ذلك.‏ فإذا سمعت الأسرة بهذه الأمور فعليهمألا ينزعجوا من تلك امارسات التي تبدو خارجة عن نطاق العمل اهنيوألا يتصورا أن الطبيب واريض يضيعان وقتهما أو أنهما أصبحا علىدرجة عادية من الألفة أو الصداقة أو التقارب.‏ بينما الواقع انهما يفعلانأي شيء ليه دواعي اللحظة أو التصرف التلقائي.‏ فهما يحاولان معرفةكل منهما الآخر وتقبل كل منهما الآخر ثم احترام كل منهما لشخصية113


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالآخر ككل بصرف النظر عن العديد من وجهات النظر واشاعر التي قديختلفان حولها.‏ولا يستطيع اعالج النفسي أن يتعامل مع الأعراض الأساسية للمريضإلا عندما يتحقق ذلك التفاهم الشخصي بينهما وعندئذ فقط يسمحاريض للمعالج بأن يقترح بعض التعديلات أو يقدم تفسيرات مغايرة بشأنما يحدث في حياة اريض.‏وبعبارة أخرى على اعالج أن يقوم خلال تلك ارحلة العلاجية اتقدمةعالجة ما يبدو ‏(للجميع عدا اريض نفسه)‏ ضربا من الخيالاتوالتصورات.‏ فهذا معناه اقتحام البؤرة اركزية للفصام.‏ إذ كيف تقنع اريضأن الأصوات التي يسمعها لا يسمعها سواه لأنها آتية من داخله?‏ وكيفتقنعه بأن الأشياء التي يراها لا وجود لها لأنها تخيلات بصرية?‏ وكيفتقنعه بأنه ليس هناك من يضحك عليه أو يتحدث عنه من وراء ظهره أويتآمر ضده?‏ فهو يشبه شخصا يحلم.‏ والحالم يعتقد أن ما يحدث فيالحلم إا هو واقع حتى يفيق من النوم أو يصبح على وشك الإفاقة ويبدأفي إدراك أنه إا كان يحلم.‏ كيف كن إيقاظ <strong>الفصامي</strong> من الحلم الذييعيش أحداثه وهو في حالة اليقظة?.‏دعوني أولا أوضح بعض الأمور.‏ لقد سبق أن قلت عبارة غير دقيقة هي‏«أن الحلم ليس حياة حقيقية».‏ لكن الواقع أنه حياة حقيقية.‏ فالأحلام جزءمن حياتنا.‏ وفضلا عن ذلك فالحلم كما أبان فرويد على أساس علميعلى الرغم من أنه ماديا غير صحيح إلا أن له أصل في حياة الحالم أو لهمعنى يفصح عن نفسه بطريقة ملتوية طريقة كن القول بأنها رمزيةمختلفة متخفية داخل شفرة سرية.‏ ونستطيع أن نقول نفس الشيء بالنسبةلأعراض الفصام.‏ وقد سبقت الإشارة إلى أن كارل يونج كان أول من قال إن<strong>الفصامي</strong> يفعل في يقظته ما يفعله الحالم أثناء الحلم.‏وليس من الضروري بالنسبة لأسرة اريض ولا بالنسبة للمريض نفسهأن يعرف طرق العلاج النفسي إلا في صورتها العامة.‏ وأحد تلك الطرقالشائعة ‏(والتي أستخدمها أنا شخصيا)‏ هي أن نلفت نظر اريض إلى مايفعله مع نفسه ح يفكر ويشعر على طريقته الخاصة.‏ فإذا تعرف اريض114


طرق العلاج الرئيسيةعلى ايكانزمات الخاصة التي يستخدمها فيمكن له أن يتعلم كيف يتصدىلها وإن كان ذلك أمرا صعبا في البداية.‏فهناك مثلا طريقة في العلاج ابتدعتها أنا نفسي كن بها مساعدةاريض على منع حدوث الهلاوس.‏ فإذا لم يكن اريض قد وصل في درجةشديدة من التدهور فيمكن توجيهه إلى التعرف على أنه لا يسمع الأصواتطوال الوقت لكنه يسمعها حينما يتوقع سماعها.‏ فإذا كن من ملاحظةنفسه وهو في الحالة التي سميتها اوقف الانصاتيفسوف يكون قدور اعالج أن يجعله يتعرف على جميع مراحل الخبرةالهلوسية وأن يتصدى لها.‏ وحتى وقت قريب كان الأطباء النفسيون حتىذوو الخبرة منهم يعتقدون إن الهلاوس لا كن منعها.‏ لكن ذلك شيء ليسقدور الأسرة أن تقوم بدور مباشر فيه لذلك سوف أتغاضى عن ذكرتفاصيل هذا اوضوع الهام.‏ لكن الأسرة قدورها-كما سنذكر تفصيلا فيفصل آخر-أن تتعلم كيف تتعرف على اظاهر التي تبدو على اريض حينماتنتابه الهلاوس أو تكون على وشك الحدوث فتعبيرات الوجه ووضع الجسموحالة اريض العامة تعتبر من العلامات الدالة على ذلك.‏ وكل ما تستطيعالأسرة أن تفعله حينئذ هو أن تشغل اريض بالحديث أو بعمل ما بحيثيصبح من الصعب عليه أن يتخذ اوقف الإنصاتي.‏ وحدوث الهلاوس وباقيالأعراض <strong>الفصامي</strong>ة هد لنفسه بنفسه.‏ أو بعبارة أخرى كلما تكرر حدوثهاكلما ازداد معدل حدوثها را بدرجة متزايدة.‏ فسوف تصبح عادات متأصلةبحيث تحدث تلقائيا عند أقل بادرة من الشعور بالقلق.‏ومن أهداف اعالج أيضا في هذه ارحلة أن يفهم الأغراض حينماتحدث وسوف أسوق بعض الأمثلة لتوضيح كيفية التوصل إلى ذلك.‏ وهيأمثلة مأخوذة من كتابي ‏«تفسير الفصام».‏كان أحد ارضى يتنزه في الحديقة في أمسية أحد جميل عندما حدثتفجأة أشياء غريبة فالناس الجالسون على الأرائك أخذوا يتحدثون بانفعالوينظرون إليه نظرات غريبة.‏ وكانت تصدر عنهم بعض الغمزات التي تشيرإليه بوضوح.‏ والأطفال الذين كانوا يجرون هنا وهناك أو يلعبون في العبالقريب منه أخذوا يجرون بعيدا عنه.‏ والعلم الأمريكي الذي كان يرفرفمن بعيد أخذ يتدلى.‏ كل هذا معناه أن الناس تتصور أن بالحديقة شخصاListening Attitude115


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمريعا را كان شخصا منحرفا يهاجم الأطفال والناس ولا بد أنهم يعتقدونأنه هو.‏ والنبأ ينتشر.‏ فأخذ اريض يجري عائدا إلى بيته في حالة اضطرابمؤلم وشديد.‏مثل هذا اريض عندما يرى اعالج ويحكي له ما حدث فعلى اعالجأن يتفهم حاجة اريض إلى بناء ذلك الحدث الخيالي.‏ وعليه أن يسأل:‏ماذا حدث قبل أن يذهب للحديقة?‏ وكيف كانت حالته ازاجية?‏ ألم يكنيبحث عن دليل?‏ ألم يكن آملا في العثور عليه حتى يتمكن من تفسيرشعوره ابهم بأن الناس تعتقد انه مخلوق مريع?‏ لقد كانت لديه حاجةملحة لأن يحول إحساسه ابهم وغير محدد اعالم بالخطر إلى خطرعياني محدد وان يحصر شعوره غير المحدد بأنه محتقر ومهان ومتحاملعليه في حدث محدد.‏ويتمثل الجزء الأكبر من العلاج النفسي في هذه ارحلة في جعل اريضيتحقق من إنه ليس كائنا سلبيا واقعا تحت سطوة الأعراض التي تبدو آتيةمن ‏«اللامكان»‏ وإا هو كائن قادر إلى حد كبير على التأثير فيما يحدثله.‏وكثيرا ما يحدث أن نجد جزءا من الحقيقة فيما يبدو أنه تفكير لاعقلاني للمريض.‏ فيوليت مثلا وهي فتاة في الخامسة والثلاث منعمرها كانت تعاني من حالة فصام خفيفة نسبيا سمحت لها أن تعيشحياة اجتماعية لا بأس بها وإن تحتفظ بوظيفتها على الرغم من الأغراضالكثيرة التي لديها.‏ إذ كانت تنتابها هلاوس ب الح والآخر وكانت لديهابعض اعتقدات الضلالية وكثير من الأفكار الإشارية.‏تلقت فيوليت باقة من الزهور من الشركة التي تعمل بها ناسبة عيدميلادها وا فتحتها وجدت زهورا جميلة صفراء اللون لكنها بدلا من أنتسربها أخذت تركز التفكير في اللون الأصفر.‏ فالشائع أن اللون الأصفريرمز للغيرة لذلك أحست بأن اختيار زملائها لهذا اللون بالذات معناه إنهميريدون إخبارها بأنهم يعلمون بأمر غيرتها من زوجة رئيسها في العمل.‏وحدث في اليوم التالي أن سمعت أحد زملائها يدندن بأغنية ‏«زهور تكساسالصفراء»‏ فأحست أنه فعل ذلك عامدا تعريضا بها.‏ ووصل بها الأمر فيالنهاية أن اكتسب كل ما هو أصفر اللون نفس اعنى وأصبحت تتجنبه.‏116


طرق العلاج الرئيسيةحتى أنها تخلصت من ثوب لديها لأنهما كانا ذا لون أصفر.‏وكان يوجد قر العمل مبرد للمياه به عطب فلا يعمل إلا إذا ضربعليه باليد.‏ فأخذت فيوليت تشعر حينما ترى أحدا من زملائها وبخاصةرئيسها يضرب على ابرد أنهم إا يعنون ضربها هي.‏ وعندما سألتهااذا فكرت في الأمر على ذلك النحو?‏ أجابت قائلة ‏«أنا لا أمشي.‏ إاأجري كااء.‏ لذلك فأنا استحق الضرب».‏ ففسرت لها الأمر بأنها حينماينتابها شعور بالقلق تلجأ إلى طريقة في التفكير تثبت بها لنفسها أنها غيرجديرة بشيء وأنها تعزو للآخرين اشاعر التي تحس بها تجاه نفسها.‏وقد استفادت من ذلك وأظهرت تحسنا كبير لبعض الوقت إلا أن أعراضااثلة عاودتها ثانية.‏فذات يوم جاءتني فيوليت غاضبة وأخبرتني بأن صديقتها لوسي زارتهافي بيتها في اليوم السابق مصطحبة معها كلبها.‏ وأضافت قائلة ‏«أترى.‏أنها تظن أن بيتي هو بيت للكلاب.‏ إنها تظنني كلبة».‏وكان لدى اريضة اعتقاد أيضا بأن زملاءها عندما يستخدمون كلمةماكينة إا يشيرون إليها.‏ وقالت ‏«إنني أعمل مثل ااكينة.‏ وأنا واثقة أنهميعنونني بذلك».‏ والواقع إنهم كانوا فعلا يعاملونها كما لو كانت ماكينةوليست شخصا مستغل فيها كفاءتها ورغبتها في القيام بأي قدر منالعمل دون احتجاج مثل ااكينة.‏ ولا شك في أن زملاءها قد أدركوا أنقدرتها الفائقة على العمل وخضوعها إا يرجعان إلى شيء ما غير طبيعيفي شخصيتها ورغم ذلك استغلوا حالتها تلك وعلى ذلك فارسال الزهوروما إلى ذلك من لفتات إا كانت من جانبهم تعويضا لها عن استغلالهمإياها لكنها كانت في نفس الوقت اعترافا منهم بأن بها شيئا غير عاديوشعورها بذلك اتخذ لديها تعبيرا رمزيا هو غيرتها من زوجة رئيسها.‏فإذا أعدنا النظر في أفكار فيوليت الإشارية لوجدنا أن هناك دائمابذرة من التبصر بالحقيقة.‏ لكن بذرة التبصر تلك ظلت مطمورة.‏ إلا أناعالج يستطيع استخدام هذا التبصر الجزئي لأغراض علاجية.‏ فيشعراريضة بأنها قادرة على رؤية بعض الحقيقة فيما يقول.‏ لكن اريضة ليسباستطاعتها توسيع نطاق هذا التبصر ليشمل حياتها كلها بل يظل محصورافي حدود الأمر الذي تتحدث عنه.‏ وهكذا يجب أن يغير اريض دوره117


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالسلبي إلى دور إيجابي مثلما كان الأمر مع الهلاوس.‏ بعبارة أخرى عليناأن نستثمر أية بذور للحقيقة كن أن نعثر عليها وسط الأفكار اخملتلةطاا أن ذلك الجزء الضئيل من الحقيقة يكشف لنا عن درجة عالية منالفهم والحساسية من جانب اريض.‏والفائدة التي يجنيها اريض من ذلك ليست مجرد نتاج لنوع من الاتفاقالعقلي ب شخص يتحاوران.‏ فحينما تعامل اعالج مع فيوليت على النحوالذي ذكرناه شعرت بأنها أفضل كثيرا وأنها لم تعد وحدها مع أعراضهاالغريبة.‏ فهي قد شعرت بأن اعالج يشاركها حقيقة مشاعرها وأفكارهاوأن موقفه ذاك ليس إدعاء.‏ وعقب ذلك بدأت فيوليت تتحسن فأصبحتعلى درجة أكبر من الكفاءة الاجتماعية وأصبحت قادرة على إقامة علاقاترومانتيكية حميمة ومتينة مع الجنس الآخر.‏ وتزوجت في التاسعة والثلاثمن عمرها وأنجبت طفلا وهي في الأربع‏.‏ وطفلها يناهز من العمر حالياحوالي اثني عشر عاما والأسرة بكاملها تعيش في خير وسعادة.‏وكما رأينا فكثير من الأفكار الضلالية للمرضى مبني على افتقادتقدير الذات أو على تصور أو رأي شديد التدني للمريض في نفسه.‏ ومنالأمثلة الشائعة لذلك اريض الذي يعتقد أن الناس تضحك عليه.‏ فهويسمعهم فعلا يضحكون عليه.‏ وحينما يدير رأسه وينظر إليهم يتكون لديهانطباع بأنهم يبتسمون وإنهم يستهزئون به.‏ ومن الجائز انهم لا يبتسمونإطلاقا وأن يكون هو الذي أساء تفسير تعبيرات وجوههم.‏ فإذا كانوايبتسمون فرا كانوا يفعلون ذلك لأسباب لا علاقة لها به.‏ ومهمة اعالجأن يساعد اريض على التعرف على انه إا يرى الناس ويسمعهم يضحكونعليه حينما يتوقع هو أن يراهم أو يسمعهم على ذلك النحو.‏ وفي مرحلةمتقدمة من العلاج يدرك اريض إنه يشعر بأن الناس يجب أن تضحكعليه لأنه مثار للضحك.‏ فهو يسمعهم يضحكون عليه لأنه يعتقد إنهم يجبأن يضحكوا عليه.‏ فلا يعتقده تجاه نفسه يصبح هو سبب أعراضه.‏ ومناؤلم بالنسبة للمريض أن يدرك أن ذلك هو واقع الحال بالنسبة إليه وإنتلك هي فكرته عن نفسه.‏ إلا أنه في مرحلة علاجية متقدمة سوف يتمكنساعدة اعالج أن يغير تلك النظرة ادمرة تجاه نفسه.‏وأحيانا يؤدي التقدير اتدني للذات إلى أعراض تنطوي على شعور118


طرق العلاج الرئيسيةبالعظمة.‏ فالشخص الذي يعتقد إنه اسيح أو أنه القديس بولس أو أنهآينشت أو أنه مخترع عظيم هو شخص يحمل لا شعوريا تجاه نفسه نظرةشديدة التدني غالبا ما تكون مفزعة.‏ وهو يحاول إنكار ذلك بأن يعتقد إنهفوق مستوى البشر أو إنه واحد من العظماء الأحياء أو الأموات.‏وفي مرحلة علاجية أكثر تقدما حينما تنشأ علاقة حميمة ب اريضواعالج يجب بذل محاولة لتفسير حياة اريض في ااضي مع التركيزعلى تلك اواقف التي حدثت في طفولة اريض أو التي اتسمت بها حياتهالأسرية والتي كانت مصدرا للصراع النفسي.‏ ويجب أن تعطي أهمية كبيرةللعلاقات وبخاصة مع الوالدين.‏ فهناك ط مع من ارضى كان شائعافي ااضي ورا يعود فيصبح أكثر شيوعا في استقبل كان يصف والديهفي بداية العلاج بأنهم أبرار ملائكة واهب حياتهم للآخرين.‏ والواقع أناريض الذي يخاف من العالم والذي لا يزال يشعر بالاعتماد على والديهيجد انه في حاجة إلى أن يراهم ‏(وبخاصة الأم)‏ على ذلك النحو ابالغفيه.‏ وأي صفة سلبية فيهم يعزوها إلى مضطهديه.‏إلا أن غالبية ارضى لا يرون آباءهم على ذلك النحو.‏ فبعد ارحلةالأولية للعلاج والتي يركز فيها اريض على مضطهديه ويرى والديه علىنحو محايد يبدأ في اكتشاف أهمية فترة الطفولة وأهمية علاقته بأبيهوأمه.‏ ويتكون لديه حينئذ موقف مغاير تجاههم.‏ فتعود الصورة الأصليةالتي تكونت لديه في طفولته عن أبويه إلى الظهور في نطاق الوعي فيحملهمااسئولية الكاملة عن مرضه ويأسه.‏ ويل إلى إظهار أشد اشاعر عدائيةتجاههما ويتحدث عنهما بأكثر الطرق خلوا من اودة.‏ وكما رأينا سابقافهناك بعض اعالج ظنوا أن الصفات التي نسبها أولئك ارضى إلىآبائهم كانت تعبر عن الحقيقة بالفعل.‏ومن اليسير على اعالج أن يصدق ما يقوله ارضى عن آبائهم لعدةأسباب فهناك أولا بعض الآباء تنطبق عليهم بالفعل تلك الصفات السلبيةوثانيا فارضى ح يتحولون من التركيز على مضطهديهم إلى التركيزعلى آبائهم يكونون قد قطعوا شوطا كبيرا في الطريق إلى الشفاء وتكوناعتقدات الضلالية قد اختفت أو قلت كثيرا بحيث يبدو أنهم موثوق بهمإلى حد كبير فاعتقدات الضلالية من السهل التعرف عليها لبعدها الواضح119


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهعن الحقيقة أما التشويهات التي تحدث في هذه ارحلة من العلاج فمنالصعب التعرف عليها لأنها تكون ثابة مبالغات أو تحويرات لبعض عناصرالحقيقة.‏ورا تشكل هذه الفترة من العلاج اختبارا صعبا بالنسبة لأسرة اريضأكثر منها بالنسبة للمريض نفسه.‏ فالآن تنقلب الأدوار فلا يعود اريضهو الذي يشعر بأنه متهم من قبل قوى متخيلة بل يصبح الآباء أنفسهم همالذين يشعرون بأنهم متهمون من قبل اريض.‏ والوصية الوحيدة التي أملكتقدها هي محاولة تحمل تلك الفترة في جلد.‏ فآجلا أو عاجلا وساعدةاعالج سيتمكن اريض من إدراك أنه قد بالغ في أو حوّر الدور الذي لعبهأبواه فيما يتعلق تاعبه النفسية.‏ وسيكون على اعالج أن يساعد اريضعلى التمييز ب ما كان سلبيا فعلا في أبويه وب إضافاته الشخصية التينشأت أولا من حساسيته الخاصة ثم من الكيفية الخاصة التي تتابعت بهاالأحداث ثم نشأت ثالثا من حالة عدم النضج في الفهم تلك الحالة التيكان عليها اريض حينما وقعت تلك الأحداث ثم نشأت أخيرا بتأثير ارضنفسه.‏كذلك نجد أن اريض في غمرة انفعالاته-حديثة النشأة واعادية لأبويه-‏يشن حملة ضد تصرفاتهم وأقوالهم الراهنة.‏ وقد نجد تلك السمة لدىأشخاص غير فصامي لكنهم ذوي ميول فصامية التي لم تصل إلى درجةالفصام.‏ وهذا اوقف اعادي للأبوين قد يجعل مثل هؤلاء الأشخاص فيغير حاجة للمعتقدات الضلالية وأحيانا نجد تلك السمة بصورة أقل بعداعن الواقع بكثير لدى العصاب‏.‏ وأحيانا يتسع نطاق اوقف اعادي للأبوينليشمل آباء الأزواج ومن يلعبون دورا مشابها لدور الآباء.‏ويستخدم اعالج عديدا من الطرق لتصحيح التشويهات وابالغات لدىاريض على النحو الذي ذكرته في كتابي ‏«تفسير الفصام»‏ لكن ذلك أمر لايهمنا هنا.‏ على أن ما يجب أن يقل حتى يختفي إا هو بطبيعة الحالحاجة اريض لد التشويه إلى اتخاذ أعراض إلى استخدام كباش فداءوإلى اعتبار مواطن ضعفه أو الجوانب غير ارغوبة في حياته أو في الحياةبعامة مسئولية قلة من الأفراد تتكون بداية من مضطهدين غير محددين ثممن أفراد أسرته في نهاية الأمر.‏120


طرق العلاج الرئيسيةالطرح والطرح المضاد:‏هناك العديد من جوانب العلاج النفسي تتجاوز نطاق هذا الكتاب إلاأنه من افيد التنويه بها.‏ أولها:‏ تحليل الطرح أي تحليل شعور اريض تجاهاعالج.‏ فهذا التحليل لا يساعد في فهم العلاقات الهامة التي نشأت باريض وب والديه في طفولته فحسب بل يساعد أيضا في فهم العلاقاتالتي قدوره أن يقيمها في الوقت الراهن.‏ والطرح اضاد أي الشعورالذي يتكون لدى اعالج تجاه اريض مهم أيضا ويجب أن يدرس كييكشف لنا الشعور الذي يستثيره اريض لدى من يتعامل معهم عن قرب.‏وطبقا لنظرية التحليل النفسي الكلاسيكية الأصلية كما وضعها فرويديفترض في اعالج ألا يعبر أو ارس أي طرح مضاد أو شعور تجاه اريضالذي يجب أن يظل بالنسبة للمحلل موضوعا محايدا.‏ وقد تكون هذهالنظرة مفيدة في علاج ارضى الذين يعانون من أاط العصاب التيوصفها فرويد إلا أن الأمر مختلف بالتأكيد بالنسبة ريض الفصام.‏وقد كانت جيرترود شوينج وهي رضة تحليل تعمل في عيادة بولفيدرن أول من قالت ‏(في كتابها عن علاج مرضى الفصام)‏ بأن اعالجعليه أن يتزود بطبع الأم وسلوكها إذ عليه ليس فقط أن يفسر ويظهرالتشوهات واشاعر ازاحة بل عليه أيضا أن يغذي اريض نفسيا.‏ فكماأننا لا نتصور أما جيدة تغذي طفلها كما لو كان موضوعا محايدا لا تحملتجاهه أية مشاعر كذلك فإننا لا نستطيع أن نتصور معالجا نفسيا ذافعالية يظل محايدا تجاه مريضه <strong>الفصامي</strong> إذ لن يستطيع اجتياز العقباتالعديدة التي تواجهه ما لم تحفزه مشاعر قوية من الحماس والوعي تطلباترسالته.‏وقد عبر جون روزن John Rosen وهو أحد رواد العلاج النفسي للفصامعن وجهة النظر تلك بصورة بليغة حينما كتب قائلا بأن الطرح اضاد فيحالة علاج الفصام يجب أن يكون اثلا للمشاعر التي ارسها الأبالجيد تجاه طفله الشديد الاضطراب وكتب روزن قائلا بأن اعالج يجبأن يتوحد مع حالة اريض البائسة فيظل مهموما بها ولا يهدأ له بال حتىتستقر.‏وتتغير مشاعر الطرح والطرح اضاد بطبيعة الحال مع تقدم العلاج.‏121


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفتقل شيئا فشيئا هالة التقديس التي يضفيها اريض على اعالج.‏ إذ علىالرغم من أنه يظل مصدر سلطة في الأمور النفسية ‏(وليس تسلطا)‏ إلا أنهيقترب شيئا فشيئا من أن يصبح ندا.‏ إذ تنشأ بينهما درجة معينة من الألفةواودة الحميمة التي يجب ألا يحدث خلط بينها وب سواها من أمور أوتعتبر تدخلا زائدا عن الحد أو متساهلة أكثر من اللازم أو ذات إيحاءاتجنسية.‏والعلاج الناجح هو الذي يؤدي أولا في أن يتخلص اريض من أعراضهويؤدي ثانيا إلى قبول الذات.‏ فقبول الذات بالنسبة للفصامي هو أهممؤشرات التقدم.‏ فقبول اريض لذاته قبولا حقيقيا هو وحده الذي يجعلنامطمئن إلى أنه ليس عرضة للانتكاس.‏ونحن نشاهد في مسار العلاج الناجح تطور هذا الإحساس بالتقبلالحقيقي للذات ‏(ويجب ألا نخلط بينه وب التقبل الزائف القائم على إلقاءاللوم على الآخرين).‏ فقد رأينا أن اريض في بداية مرضه كان غير راغبفي مزيد من اتهام النفس ورفض الذات وأنه وصل في حالة من التقبلالزائف لذاته عن طريق اتهام الآخرين-أو بأن يصبح اسيح أو آينشت أوالكة اليزابيث.‏ فذلك بالطبع تقبل ذهاني للذات يتطلب استمراره وجودضلالات وطرق خاصة غير سوية في التفكير.‏والتقبل الحقيقي للذات يستلزم أن يرى اريض نفسه بصورة مختلفةعن تلك التي كان يرى بها نفسه قبل ارض لكن دون اللجوء إلى الضلالات.‏إذ أن التقبل الحقيقي للذات يعني وجود صورة مستقرة للذات مصحوبةبتقدير أكبر لها وبآمال أكبر في الحياة واستقبل ورؤية مختلفة للعالموتشمل كذلك قبول مواطن الضعف في الذات وفي البشر بعامة.‏ ففي ظلالعلاقة القائمة ب اعالج واريض يكونان معا فريقا يتعامل مع أاطالسلوك القدة اتصلبة فيفتشان عنها ويكتشفانها ثم يكبحان جماحهاوأخيرا يعيدان البناء متجه نحو سبل لم تكن معروفة من قبل.‏ وكل ذلكيتطلب تطبيقات لها تفاصيل يضيق نطاق هذا الكتاب عن وصفها.‏على أنه من الواضح أن هناك اختلافا ب اعالج النفسي وب أيطبيب أو معالج آخر سواء في الخلفية الفلسفية الأساسية أم في الأهدافالنهائية.‏ فالطبيب يستهدف عادة الوصول إلى ما يسمى في ادارس الطبية122


طرق العلاج الرئيسيةبإعادة الأمور إلى ما كانت عليه restitutio quo ante أي استعادة الحالة قبلارضية أي الحالة التي كان عليها اريض قبل إصابته.‏ وهي قاعدة سليمةفي الطب العام.‏ فالطبيب يهدف إلى إعادة اريض إلى الحالة التي كانعليها قبل أن يصاب بالالتهاب الرئوي أو بالتهاب الغدة النكفية أو بكسرفي عظام الساق.‏ لكن اعالج النفسي ريض الفصام يهدف إلى ما هو أكثرمن مجرد العودة إلى الحالة قبل ارضية لأن الحالة قبل ارضية رضىالفصام كانت في واقع الأمر مرضية إذ كانت تتضمن خصائص غير فصاميةوقبل فصامية جعلت اريض عرضة للفصام.‏ وقد يحدث أحيانا بطبيعةالحال أن نتواضع فيما نهدف إليه إذ أن كثير من مرضى الفصام لايستجيبون للعلاج النفسي إلا جزئيا.‏ وسوف نذكر بالتفصيل في الفصلالتاسع مختلف النتائج التي توصل إليها علاج الفصام.‏ومن اهم قبل أن نختم حديثنا عن العلاج النفسي أن نذكر أن بعضاعالج يحبذون العلاج النفسي الجمعي.‏ وهذا النوع من العلاج من واقعخبرتي الخاصة مفيد ومرغوب في كثير من حالات الفصام لكن كعلاجمصاحب للعلاج النفسي الفردي وليس بديلا عنه.‏العلاج الدوائي:‏يعتقد كثير من اعالج في الوقت الراهن بأن مرض الفصام عبارةعن اختلال في الكيمياء الحيوية للمخ.‏ ويعتقد آخرون بأن تلك التغيراتإنها هي نتيجة للفصام وليست سببا له اما مثلما أن اختلال التمثيلالغذائي في مرض السكري يحدث نتيجة للمرض وليس سببا له.‏وعلى أية حال لا يساورنا شك كبير في أن ثمة تغيرات في كيمياء اختحدث في مرض الفصام سواء أكانت سبتا للمرض أم نتيجة له.‏ وقد سعىكثير من الأطباء النفسي إلى تصحيح تلك التغيرات أو الحد من تأثيرهاعن طريق إعطاء أدوية معينة.‏وأصبح حتى من يعطي أهمية كبيرة للعوامل النفسية في مرض الفصام‏(وأنا منهم)‏ يستعمل العلاج الدوائي في كثير من الحالات.‏ ويكتسب العلاجالدوائي مزايا أكثر حينما يستخدم مع العلاج النفسي.‏ فهو يوجد لدىاريض إحساسا باسافة بينه وب الأعراض ارضية فيصبح أقل انشغالا123


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبها وأكثر قدرة على إقامة علاقة مع اعالج وعلى الإنصات له واستيعابما يقول.‏ وفي الحالات الحادة التي تتميز بعدم استقرار شديد وبالهياجوبعدم ترابط التفكير لا يستطيع اريض أن ينصت للمعالج بل قد لايستطيع ملاحظة وجوده أصلا.‏ وفي مثل هذه الحالات لا كن إقامةعلاقة مع اعالج ما لم تهدأ حالة اريض بواسطة الأدوية.‏وكن في بعض الحالات أن تخف حدة الأعراض بحيث لا يلزم إدخالاريض استشفى فيستمر اريض في عمله ويتردد على اعالج في عيادتهلتلقي العلاج النفسي والعلاج النفسي في هذه الحالة يجعل اريض فيغير حاجة إلى جرعات كبيرة من الأدوية ما لم يكن غير مستجيب لهذاالنوع من العلاج القائم على العلاقة الشخصية اتبادلة.‏وفي الحالات التي لا يتوفر فيها العلاج النفسي أو يتوفر بدرجة غيركافية يصبح العلاج الدوائي مفيدا ويؤدي في كثير من الأحيان إلى زوالالأعراض الظاهرة مثل الهلاوس والضلالات وأفكار الإشارة.‏ وتصبح صلةاريض بالعالم في حالة أفضل كما يصبح قادرا على رعاية نفسه وتوفيراحتياجاته الشخصية.‏ وأحيانا تتخلف بعض بقايا الأغراض وقد تعودالأغراض نفسها للظهور عند التعرض للضغوط.‏ ومنتقدو العلاج الدوائييبرزون هذه النقاط قائل بأن هذا النوع من العلاج إا يزيل الأعراضليس إلا تاركا اريض بنفس الشخصية ونفس الطباع التي كان عليها منقبل.‏ فالأدوية لا تجعله يغير الصورة التي لديه عن نفسه وعن الحياةوالعالم واستقبل.‏ والتهيئة الوراثية تظل أيضا كما هي أي يظل اريضعرضة لنوبات مرضية في استقبل وتظل إمكانية حدوث ارض على نفسالدرجة التي كانت عليها من قبل.‏ وهذا صحيح إلى حد ما فاريض الذيتخلص من أعراضه كن أن يصادف ظروفا موفقة تجعله يواجه الحياةبطرق بناءة بدرجة أكبر.‏ وفضلا عن ذلك علينا ألا نقلل من شأن زوالالأعراض حينما تكون تلك الأعراض معوقة للمريض مثل الأعراضالتصلبية والهلاوس والضلالات واضطرابات التفكير أو حينما يكونالسلوك العام للمريض شديد الشذوذ.‏ ومن اهم أن يعرف اريض وأنتعرف أسرته أن الأدوية كن إذا توفرت للمريض ظروف ملائمة ‏(انظرالفصل الثامن)‏ أن تقي اريض من الانتكاسات حتى بدون علاج نفسي.‏124


طرق العلاج الرئيسيةوإن كان اكتساب الوقاية من الانتكاس لا يعني أن اريض قد وصل إلىالدرجة اأمولة من النضج أو إنه اكتسب حصانة دائمة ضد ارض.‏وقد تحدث جارسيا دي أورتا Garcia de Orta وهو طبيب برتغالي فيبداية القرن السادس عشر واصفا في مذكراته تأثيرات أحد الأدوية التيألفها طوال الثلاث عاما التي قضاها في الشرق الأقصى.‏ وقد كان منامكن لاحظاته عن تأثير مستخلص جذور النبات اسمى بالروالفياسربنتينا-‏pentina Touwolfia ser أن يطويها النسيان لولا أن الطبيب الفرنسيCharles de L,Escluse واعروف أيضا بالاسم اللاتينيتلك الاحظات في كتاب طبع عام ١٥٦٧. ونبات الروالفيا اكتسب اسمه منليونارد روالف-‏Rauwolf Leo nard الطبيب وعالم النبات الأاني الذي جابأنحاء العالم لدراسة النباتات الطبية.‏وفي عام ١٩٥٢ استطاع الكيميائيون السويسريون استخراج مادة منجذور الروالفيا سميت رزربReserpine‏.‏ وقد وجد أن لهذه اادة تأثيرامفيدا على مرضى الفصام وخلال نفس العام استطاع كاربنتيهCharpentierفي فرنسا تصنيع مركب الكلور برومازين Chlor promazine الذي ثبت أنهأكثر فعالية من مادة الرزرب‏.‏والكلور برمازين هو من مشتقات الفينو ثيازين.‏ ونواة الفينو ثيازين تخليقها عام ١٨٧٦ مع ظهور ايثيل بلو وهو أحد الصبغات الإنيلينية.‏ وقبلأن أصبح طبيبا نفسيا متفرغا قمت بدراسات في علم باثولوجيا الجهازالعصبي أي أنني أجريت أبحاثا على اخ البشري مجهرية وفوق مجهرية‏(عادية).‏ وفي ذلك الوقت كانت الطريقة الرئيسية لتلوين خلايا الجهازالعصبي هي طريقة نيسل Nissl والتي كانت يستخدم فيها صبغات ايثيلوبخاصة الثيون والتولويدين.‏ ولم يخطر ببالي قط أن مادة كيميائية مشابهةلتلك اواد التي تستخدم في صبغ خلايا اخ ايتة كن أن تصبح ذاتفائدة للمرضى العقلي‏.‏ إلا أن بول إيرلش PauEhrlich العظيم والحائز علىجائزة نوبل الذي صاغ نظرية خصوصية التفاعل اتبادل ب الدواء والنسيجالعضوي أشار منذ تسعينيات القرن ااضي إلى أن ايثيل بلو كناستخدامه في علاج ارضى العقلي‏.‏ومعرفة التركيبات الكيميائية اخملتلفة للأدوية التي تستخدم في الفصامCaro lus Clusius نشر125


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهليست ضرورية بالنسبة للقار إلا أني أقول لأولئك الذين لديهم إامبالكيمياء الحيوية إن الفينو ثبازين يحتوي على نواة ثلاثية الدوائر تتكونمن حلقت بنزينيت ترتبطان من خلال حلقة مركزية تحتوي على ذرةكبريت وذرة نيتروج‏.‏ وتتصل بذرة النيتروج سلسلة كربونية جانبيةتتكون من إم amine ثلاثي أو من مركب مكافئ له.‏ كذلك ليس من الضروريللقار أن يعرف التركيب الكيميائي خملتلف الأدوية التي تستخدم في علاجالفصام.‏ لكني سأذكر هنا للمهتم من القراء بعض اركبات الشائعاستخدامها وأسماءها ‏(ب قوس‏)‏ التي تظهر بها في السوق.‏ ثيورازين‏(ميللريل)‏ فلوفينازين ‏(برولكس( بيرفينازين ‏(ترابلافون)‏ تراي فلو بيرازين‏(ستيلازمن)‏ كلور بروثيكس ‏(تاركتان)‏ ثيوثيكس ‏(ناف( لوكساب‏(لوكسيتان)‏ هالو بيريدول ‏(هالدول)‏ موليندون ‏(موبان).‏وتتعدد الاستجابات لتلك الأدوية إلى حد كبير.‏ لذلك فإن الجرعةاليومية أو الجرعة افردة يجب أن يحددها الطبيب بنفسه لكل مريضبعينه.‏ وحينما يتم تعاطي الدواء عن طريق الفم يظهر تأثيره خلال نصفساعة إلى ساعة.‏ وأحد ايزات العظمى لتلك الأدوية إنها ليست مسببةللإدمان وبذلك تتميز على أدوية مثل الباربيتيورات والكلورال هيدراتوالأمفيتام‏.‏ وبالنسبة للمرضى ايال للنسيان أو غير اهتم بأخذالجرعات المحددة في اواعيد المحددة كنهم تعاطي جرعة قوية منالفلوفينازين ‏(برولكس‏)‏ بالحقن في العضل.‏ ويستمر تأثير الجرعة فيالحالات استقرة دة تصل إلى أربعة أسابيع.‏وخلافا للعلاج بجرعات هائلة من الفيتامينات واسمى بايجافيتامأو الاورفو موليكيولر والذي تب من خبرتي الشخصية وخبرة كثيرين آخرينأنه بلا أثر على الإطلاق فإن العقاقير اضادة للذهان مثل التي سبقذكرها لها تأثير محدد.‏ فهي قادرة على إزالة الأغراض أو تخفيضها فيمعظم الحالات.‏ ويجب أن يستمر تعاطي الدواء بعد زوال الأعراض دة لاتقل عن ستة شهور بجرعات متناقصة.‏ ويجب أن يترك للطبيب أن يحددمن خلال محاولاته متى يقلل الجرعة أو يوقفها كلية.‏ ومن الأفضل أنيستمر اريض في العلاج حتى يقتنع الطبيب النفسي بأن خطر الانتكاسلم يعد قائما إلى حد بعيد.‏126


طرق العلاج الرئيسيةوليس معروفا بعد الكيفية التي تعمل من خلالها الأدوية اضادة للذهان.‏فلدينا قليل من اؤشرات لكن لم يتم التنسيق بينها بصورة كافية وتفسيراتهامازالت موضع جدل.‏ وخلافا ركبات الباريبتورات التي تعمل من خلالالقشرة الدماغية واراكز العصبية للتنفس الكائنة في جرع اخنجد أن مركبات الفينوثبازين وباقي الأدوية اضادة للذهان تعمل أساسامن خلال أجزاء اخ الكائنة تحت القشرة الدماغية مثل التكوين الشبكيوالهيبوثالاماس والرايننسفالون والعقد العصبية القاعدية ومن خلالتأثيرها على تلك الأجزاء تؤدي الأدوية اضادة للذهان إلى تقليل تنبهالجهاز العصبي اركزي دون كبير أثر على وظائف القشرة الدماغية وبالتاليلا تؤثر عمليا على الوظائف العليا ‏(اعرفية)‏ للعقل.‏ كذلك تؤدي تلك الأدويةإلى الحد من اثيرات الداخلة للجهاز العصبي التي تتزايد كثيرا أو لاويستطيع اريض التحكم فيها في الحالات الذهانية الحادة.‏ ويبدو أن تلكالأدوية تقلل أيضا من نشاط الجهاز العصبي السمبتاوي.‏وهناك خاصية أخرى للأدوية اضادة للذهان هي أنها تتميز نسبيابالأمان.‏ فمن استحيل عمليا أن تنجح محاولة الانتحار عن طريق تعاطيكميات كبيرة منها.‏ إلا أننا لا يجب أن نعتبرها بلا ضرر.‏ كذلك يجب أننعرف أن الآثار الناجمة عن استخدامها دة طويلة لم تعرف بالكامل.‏وعادة ما يطلب الطبيب إجراء عد دم بصفة دورية لأنه في قليل منالأحيان يحدث أن تؤثر تلك الأدوية على تركيب الدم.‏ كذلك قد يتأثرالكبد أو غيره من أعضاء الجسم.‏وهناك نوعان من الآثار الجانبية يحدثان كثير ويجب أن نتنبه لهمادائما.‏ أحدهما يتكون من أعراض تسمى إكسترا بيراميدال.‏ حيث تحدثتصلبا في وجه اريض وفي وضع جسمه وفي طريقته في اشي.‏ كمايفقد اريض قدرته على الحركة التلقائية للذراع والساق كذلك قدتدور عيناه إلى أعلى وقد يعاني من ارتعاشات.‏ وهذا النوع من الآثار الجانبيةكن علاجه بأدوية مثل بنزتروب ‏(كوجنت( و بروسيكليدين ‏(كيمادرين)‏وتراي هكسيفنيدايل ‏(ارتان).‏أما النوع الآخر من الآثار الجانبية والذي يسمىفيحدث في قلة من ارضى الذين يتعاطون مضادات الذهان لفترة طويلة.‏medullatardive dyskinesia,127


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهويتكون من حركات لا إرادية للشفاه واللسان والوجه وبعض أجزاء الجسمالأخرى.‏ وعلاج هذه الأعراض أكثر صعوبة من علاج أعراض النوع الأول.‏وكل هذه الآثار الجانبية تذكرنا بأن العلاج الدوائي يجب ألا يعطي دونييز بل يعطى بحرص وبنية إنهاء العلاج في أسرع وقت كن.‏128


العلاج باستشفى7 العلاج بالمستشفىدخول المستشفى:‏ المزايا والعيوب:‏يظل العلاج باستشفى على الرغم من التغيراتالعديدة التي حدثت في تقييمه وارسته يلعب دوراهاما للغاية في علاج مرض الفصام.‏ وثمة تاريخ طويلللعلاج ‏«الطبنفسي»‏ الحديث باستشفى لا لك هناإلا أن نلقى عليه نظرة عابرة.‏أقيمت استشفيات النفسية الأمريكية في بدايةالقرن التاسع عشر على غرار استشفيات الفرنسيةلتقدم نوعا من العلاج يسمى العلاج الأخلاقي.‏ فقدكانت العوامل النفسية اؤدية للمرض العقلي تسمىفي ذلك الوقت أسبابا أخلاقية.‏وكان العلاج الأخلاقي عبارة عن رعاية إنسانية-‏للمريض داخل استشفى.‏ وكان الهدف من ذلكجعل اريض يشعر بالراحة واستثارة اهتماماتهوتشجيعه على إقامة علاقات صداقة مع الآخرينوعلى مناقشة متاعبه.‏ وكانت الأنشطة داخلاستشفى تسير وفقا لنظام مرسوم ذي هدف.‏ وكاناعالج الأخلاقي يتعامل مع مريضه وكأنه خال منأي مرض متوقعا منه أن يسلك بصورة سوية كذلككان حريصا على كرامته (×) .(×) زيد من التفصيل والدقة حول العلاج الأخلاقي راجع:‏J.S.Bockhoven. Moral Teatment in American Psychiatry( N.Y. Springer 1963)129


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوالعلاج الأخلاقي مشابه للمحاولات التي تجري حاليا لتطوير العلاجباستشفيات النفسية.‏ وقد تلاشى العلاج الأخلاقي لسوء الحظ فيأعقاب الحرب الأهلية.‏ وقد كانت استشفيات الحكومية الكبيرة قائمةعلى أساس إبعاد ارضى العقلي عن اساو التي يتعرضون لها فيمختلف أنحاء الوطن لكنها سرعان ما ازدحمت بارضى لدرجة كبيرةواكتسبت هي نفسها سمات غير مرضية.‏ وحتى بداية الأربعينيات ظلتاستشفيات الحكومية تقوم بوظيفة حجز اريض وحمايته أكثر ا تعالجه.‏وكان الاهتمام بعزل اريض عن اجملتمع أكبر من الاهتمام بتأهيله للعودةإليه حيث كان مجتمع ذلك الوقت تساوره مخاوف لا مبرر لها من أي صورةمن صور الشذوذ أو الانحراف ويرجع السبب في تلك السمات السلبية إلىحد كبير إلى حقيقة أن الطب النفسي لم يكن لديه الكثير ليقدمه للمريضلكنه يرجع أيضا إلى الضغط الحكومي على مديري تلك استشفيات للحدقدر الإمكان من الإنفاق من أموال دافعي الضرائب.‏لكن الوضع تغير اما الآن.‏ فقد أصبحت استشفيات النفسية خاصةكانت أم حكومية مجهزة بصورة أفضل كثيرا وإن كانت ما تزال في حاجةإلى تحسينات كثيرة.‏ وهناك الكثير من الأطباء النفسي وكذلك ارضىلا يقبلون الاستفادة بإمكانيات استشفيات النفسية ما لم تحتم الضرورةالقصوى ذلك.‏ ويعود هذا اوقف جزئيا إلى اشاعر اتبقية تجاه ما كانتعليه بعض تلك استشفيات في ااضي إلا أنه يعود أيضا إلى حقيقة أنهحتى أرقى مستشفيات العالم النفسية تضع بعض القيود على حرية الفرد.‏ويعتقد معظم الأطباء النفسي أن مثل هذه القيود لا يجب أن تفرضإلا للضرورة القصوى.‏ ويعتقد البعض وإن كانوا قلة ضئيلة أن اريض لايجب أن يدخل استشفى قسرا على الإطلاق حتى لو بدا ذلك ضروريالشفائه.‏ إذ يجب أن يوافق اريض على ذلك بكامل إرادته.‏ لكن اسألة هيأن بعض مرضى الفصام ‏(وهم قلة لحسن الحظ)‏ يشتد بهم ارض إلىدرجة أنهم لا يدركون أنهم في حاجة لدخول استشفى.‏ وقد تعلم معظمالأطباء النفسيون من خبرتهم الإكلينكية أن اريض جرد أن يشفى أوتتحسن حالته إلى حد معقول يشعر بالامتنان لإدخاله استشفى حيثعولج وت حمايته من نزعاته التدميرية.‏ وعلى العكس من ذلك يشعر130


العلاج باستشفىبالاستياء إذا لم يتخذ الآخرون الإجراءات اللازمة لحماية حياته وصحتهالجسدية ولاستعادة توازنه العقلي حتى لو كان ذلك بدافع من احترامهملإرادته.‏ وبطبيعة الحال فإنه يجب قدر الإمكان بذل الجهود لإقناع اريضبدخول استشفى طواعية.‏وكما أشرت سابقا فقد أصبح الأطباء النفسيون أقل إقبالا بكثير علىإدخال مرضاهم استشفى باقارنة ا كان عليه الحال في ااضي.‏ فحتىعشرين عاما مضت كان مجرد ظهور بوادر أعراض فصامية كافيا للإسراعبإدخال اريض استشفى بينما أصبح الآن وجود أعراض فصامية لايعتبر في ذاته داعيا لدخول استشفى.‏ فقبل التوصية بدخول استشفىيجب أن تبحث البدائل الأخرى امكنة.‏ هل كن علاج اريض كتبالطبيب أو بعيادته الخاصة?‏ هل هناك إمكانيات مواتيه أخرى لدى أسرةاريض أو اجملتمع?‏والإقامة باستشفى تلبي احتياجات عديدة.‏ سوف نذكر منها أولا ثلاثةاحتياجات رئيسية هي:‏ حماية اريض ورعايته ملاحظته وتشخيص حالتهوعلاجه.‏ وسنذكر الاحتياجات الأخرى لاحقا في هذا الفصل.‏فبعض ارضى يحتاجون لحمايتهم من تفكيرهم وسلوكهم ووضعهمتحت نوع من اراقبة العطوفة.‏ إذ كن أن يتسببوا في الضرر لأنفسهم أوللآخرين فإذا هم لم يستطيعوا التحكم في أنفسهم أو تصرفوا وفقا اليه عليهم الهلاوس الصوتية أو الضلالات فإنهم يفقدون القدرة علىالتمييز ب الصواب والخطأ في السلوك الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقبوخيمة.‏ ولكن عدد هؤلاء ارضى قد قل كثير بفضل العلاج الدوائي والعلاجالنفسي ‏(في الوقت اناسب).‏ويحتاج عدد كبير من ارضى لدخول استشفى لأنهم في حالة تشوشذهني ونكوص وغير قادرين على تلبية احتياجاتهم الشخصية الأساسية.‏فاريض الذي يرفض الطعام أو الشراب دة تزيد عن ثلاث ساعة يجبإدخاله استشفى سواء أكان تشخيصه فصاما أم فقدان شهية عصبيanorexia أم مزيجا منهما.‏وهناك دواع أخرى لإدخال اريض استشفى ‏(لا تحظى بالإجماع)‏ هيرفض اريض تعاطي العلاج أو خوفه من أن يجيء سلوكه الشاذ إلى سمعته131


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوخاصة إذا كان يعيش في مدينة صغيرة.‏وفي بعض الأحيان يكون التشخيص صعبا.‏ فقد يبدو أن اريض يعانيمن الفصام بينما هو يعاني من تأثير تعاطي مواد مثل ايسكال أوالحشيش أو ااريجوانا أو إل.‏ إس.‏ دي.‏ أو الأمفيتام‏.‏ أو الكحول أوغيرها.‏ وأحيانا يكون هناك شك في أن اريض يعاني من حالة غير طيةأو غير مشخصة مثل وجود ورم باخ أو استسقاء بالرأس أو غير ذلك منالأمراض العصبية العضوية.‏ وهذه الحالات يلزم لها إجراء فحوص خاصةوملاحظة دقيقة لا تتوفر إلا في استشفى.‏ والدواعي الأخرى لدخولاستشفى هي:‏١- إبعاد اريض عن بيئته الاجتماعية التي تسببت في صراعه النفسيوعملت على إدامته أو التي تتسم بسوء الفهم وتفكك العلاقات وتغلبعليها اشاعر العدائية والرفض.‏٢- تخفيف العبء عن أسرة اريض التي لم تعد قادرة على تحمل حالةالتوتر والاضطراب التي يسببها اريض.‏ ومثل هذا الوضع يبلغ حده الأقصىعندما يكون لدى الأسرة أطفال في حاجة إلى رعاية أو أم حامل أو شخصمسن.‏ وأحيانا تعجز الأسرة عن الإنفاق على اريض لقصور مواردها.‏٣- حينما يكون اريض قد اجتاز نوبة ذهانية سابقة ثم ظهرت عليهدلالات عدم التكيف وعدم قدرة على التحمل وبدا أنه في مسيس الحاجةإلى وسط اجتماعي مطالبه أقل.‏٤- حينما يكون اريض في حاجة إلى الجماعة العلاجية وسنتحدثعنها لاحقا.‏ فقد يكون اريض بحاجة إلى علاج جماعي أو إلى أن يحياويعمل داخل وسط اجتماعي خاص أكثر من حاجته إلى العلاج النفسيالفردي أو يحتاج إليهما معا.‏٥- حينما يشعر اريض بضيق عام ويحتاج للشعور بالأمان داخلاستشفى.‏ وفي معظم هذه الحالات تكون العملية ارضية قد بدأت تحدثبالفعل فينتاب اريض شعور بالتفكك وشعور غامض أو صريح بأنهمضطهد فيطلب دخول استشفى كملاذ وحماية.‏ وقد يؤدي ذلك فيحالات معينة إلى منع تفاقم ارض.‏٦- علاج اريض بجرعات عالية من دواء يحتمل أن يؤدي إلى تسمم.‏132


العلاج باستشفىففي بعض الحالات يكون العلاج الدوائي على درجة من التعقيد بحيث لاكن إعطاؤه خارج استشفى.‏ إذ يستلزم ذلك وضع اريض تحت الاحظةالدقيقة لفترة معينة.‏ وفي الحالات النادرة التي تتطلب علاجا بالصدماتالكهربائية قد تلزم إقامة اريض باستشفى إلى أن تنتهي فترة النسيانوالتوهان التي تصاحب ذلك النوع من العلاج.‏٧- ساعدة اريض الذي يعيش وحيدا ولا يوجد من يساعده والذييكون منطويا أو شاكا ومرتابا أو متجمد الشعور لدرجة تحول بينه وبطلب اساعدة.‏ودواعي عدم دخول المستشفى هي:‏١- حينما تكون الأعراض ليست شديدة.‏ وعلينا أن نتذكر أن وجودأعراض مثل الهلاوس والضلالات وأفكار الإشارة وغرابة السلوك ليسفي ذاته سببا كافيا لدخول استشفى ولا تصبح تلك الأعراض داعيا لدخولاستشفى إلا إذا أدت للحالات التي ذكرناها آنفا.‏٢- حينما يؤدي العلاج النفسي أو الدوائي أو كلاهما إلى تقليل الأعراضلدرجة تجعل اريض في غير حاجة لدخول استشفى.‏٣- إذا كان ارجح أن تسؤ حالة اريض إذا حرم من علاقاته الاجتماعية.‏٤- إذا كان من امكن للمريض مواصلة عمله الذي يتكسب منه في نفسالوقت الذي يتلقى فيه علاجا كتب الطبيب أو عيادته.‏ فانقطاع اريضعن عمله يشعره بالهزة ولا يجب الإقدام عليه ما لم يكن لا بد منه.‏٥- إذا كانت حالة اريض تسمح بعلاجه خارج استشفى وكان راغبا فيذلك.‏٦- إذا كانت ظروف اريض الاجتماعية على الرغم من أنها غير مواتيةإلا أن بالإمكان تغييرها ببعض الجهد من جانب الأسرة أو اريض أواعالج أو الأخصائي الاجتماعي.‏ إذ كن في هذه الحالة جعلها أقل أعباءوأخف وطأة على اريض.‏- وأحيانا يكون من الصعب حتى على الطبيب النفسي ذي الخبرة أنيقيّم كل العوامل الخاصة بإدخال اريض استشفى في وقت قصير نسبياوأن يصل إلى قرار عاجل.‏ ففي الحالات الصريحة-أي ح‏-يكون ارض133


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهحادا أو يكون اريض عنيفا أو عدوانيا;‏ تكون دواعي الدخول بينه.‏ لكنبعض الحالات لا يكون الأمر فيها واضحا.‏ إذ قد تتغير العوامل المحددةلدخول استشفى خلال وقت قصير.‏ كذلك قد توجد عوامل أخرى تحولب الطبيب وب اتخاذ قرار عاجل.‏ فمثلا قد تكون لدى اريض أفكاراضطهادية بارانوية ومثل هذه الأفكار لا تشكل خطرا على اريض أو علىالغير إلا بدرجة ضئيلة للغاية إلا أن اعالج قد يرفض تحمل أية مخاطرةمهما كانت بعيدة الاحتمال.‏ واحتمالات الخطأ لا مفر منها لأن كل جانبمن جوانب اشكلة إا يقيّم بصورة تقريبية وطبقا عايير ذاتية غالبا.‏وعلى اجملتمع بعامة والأسرة بخاصة أن تتقبل ضرورة وجود احتمال للخطأ.‏وعلى الرغم من أن العلاج باستشفى يفيد في كثير من الحالات إلاأنه لا يؤدي وحده إلى الشفاء من مرض الفصام.‏ إذ يجب أن يدعم بطرقخاصة أخرى من العلاج.‏ وغالبا ما يجد الطبيب النفسي أن عليه-حتىعندما تكون ضرورة دخول استشفى واضحة-أن يسعى للتغلب على اعتراضأفراد أسرة اريض الذين يجتمعون ضد فكرة ‏«مستشفى الأمراض العقلية».‏وهي فكرة مترسبة ا كان عليه الحال في ااضي البعيد كما سبق أنذكرنا.‏ وفي هذا الحالة يجب أن يوضح للأسرة أن اتخاذ قرارات حول مايجب عمله اليوم لا يصح أن ينبنى على معلومات تتعلق ا كان عليه الحالفي ااضي.‏أنواع المستشفيات ودواعي دخولها:‏عادة ما يطرح الطبيب النفسي على أسرة اريض ويفضّل على اريضنفسه ثلاثة اختيارات:‏ ١- القسم النفسي ستشفى عام ٢- مستشفى خاص٣- مستشفى حكومي.‏ما لم تكن موارد الأسرة كافية لتغطية تكاليف علاج طويل ادى فيمستشفى خاص جيد استوى فالاختيار الأفضل هو استشفى العام.‏والواقع أن عدد ارضى الذين يدخلون تلك استشفيات للمرة الأولى يفوقحاليا عدد ارضى الذين يدخلون استشفيات النفسية الحكومية.‏ فاريضعادة أقل رفضا لدخول مستشفى عام لا يرتبط اسمها بالأمراض العقلية.‏وفضلا عن ذلك فطبيعة الأقسام النفسية باستشفيات العامة لا تسمح134


العلاج باستشفىبإقامة اريض إلا لبضعة أسابيع وعادة لا تتجاوز ثلاثة شهور.‏ وتتركزجميع الجهود من أجل تهيئة اريض للعودة لأسرته ولعمله وللمجتمع فيأسرع وقت كن وعلاج استشفى قصير ادى يهدف أساسا إلى مساعدةاريض ح ر بأزمة حياتية طارئة.‏ والأهداف ذات الأولوية هي تخفيفالشعور بعدم الأمان والقلق والتشوش الذهني.‏ والعلاج النفسي الذييستخدم في هذه الحالة هو ذلك النوع الذي يتركز حول اشكلة اطروحةفهو لا يسبر أغوار ااضي ولا يسعى لإحداث تغييرات أساسية في شخصيةاريض.‏وأفضل استشفيات العامة هي تلك الحقة بكليات الطب لكن لهذهالقاعدة استثناءات عديدة.‏ فغالبا ما تشكو أسرة اريض من أن الأطباءالذين يباشرون العلاج هم أطباء مقيمون صغار السن لدرجة لا تسمح لهمبفهم تعقيدات النفس الإنسانية اضطربة.‏ وهذا صحيح إلى حد ما.‏ إلاأنه حينما تكون الحاجة اباشرة هي تهيئة اريض للعودة للمجتمع ثانيةدون ضرورة استكشاف أعماقه النفسية فاستشفى العام مؤهل لذلك.‏وكن استكمال باقي أنواع العلاج الأخرى خارج استشفى.‏ وحتى أثناءوجود اريض ستشفى عام يقوم أطباء آخرون-وهم الأطباء النفسيونالذين يشرفون على عمل الأطباء اقيم‏-بتأكيد أو استبعاد الفصام ومناقشةالعلاج الدوائي.‏ ويختزل العلاج النفسي في الحد الأدنى.‏ وتقوم امرضاتواساعدات بعمل مهم جدا هو خلق جو الطمأنينة والحماية وهو ما يحتاجإليه اريض كي يتمكن من اجتياز أزمته.‏أما العلاج باستشفيات النفسية الخاصة فهو وإن كان أقل تكلفة مناستشفى العام بالنسبة لليوم الواحد إلا إنه يصبح أكثر تكلفة بكثير بسببطول الإقامة.‏ فالهدف الذي تسعى إليه استشفى الخاصة ليس مجردتهيئة اريض واجهة اجملتمع بل أيضا فهم متاعبه النفسية ومحاولة إيجادنوع من التكامل في تكوينه النفسي.‏ وعلى الرغم من أن هناك بعضاستشفيات الخاصة تتبع نفس السياسة العامة للمستشفيات العامة وتعملعلى اختزال مدة الإقامة قدر الإمكان إلا أننا سنقصر الحديث هنا علىتلك استشفيات التي لا تتبع مثل تلك السياسة وقلة من تلك استشفياتتهدف أساسا لتحقيق الربح وهي لذلك غير مرغوبة.‏ ومعظم استشفيات135


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيتراوح مستواها ب مقبول وجيد وبعضها تاز.‏ ويفضل من بينها تلكالتي تتخصص في علاج مرضى الفصام من الراشدين أو ن في سناراهقة ولا تقبل ارضى من الأطفال أو كبار السن أو مدمني العقاقيرأو الكحول.‏وبينما تهدف استشفى العام أساسا إلى إزالة أعراض الفشل التكيفيالحاد ‏(مثل رفض الأكل أو إهمال رعاية اريض لنفسه أو التبول والتبرزاللاإرادي أو الصراخ)‏ نجد أن أفراد الهيئة الطبية باستشفى الخاص قدتعلموا احتمال مثل تلك الأعراض النكوصية.‏وتصبح الإقامة طويلة ادى باستشفى مطلوبة حينما نشعر أن اريضفي حاجة إلى وسط اجتماعي مستقر حتى يتهيأ له التخلص من أعراضهواكتساب شعور بالاعتماد على الذات.‏ ويحدث ذلك عندما نجد أن العلاجقصير ادى باستشفى لم يحقق النتائج اطلوبة أو لم يحدث تحسنا أوأحدث بعض التحسن لكن ببطء أو حينما يكون اريض قد سبق له أنتلقى علاجا قصير ادى باستشفى لكنه فشل.‏ وفي هذه الحالة يصبحالهدف الرئيسي هو إحداث تغيير أساسي في الطريقة التي يتعامل بهااريض مع نفسه ومع الحياة ومع العالم وتسعى هيئة استشفى في منحاريض الوقت اللازم لتحقيق ذلك الهدف.‏ وفي بعض استشفيات الخاصةتواجه أعراض النكوص الحادة بسرعة لكن يظل الهدف العلاجي طويلادى محور الاهتمام.‏ وهي تستخدم العلاج الدوائي مصحوبا ببعض أنواعالعلاج النفسي.‏وإذا لم تكن موارد الأسرة تكفي لتغطية تكاليف العلاج طويل ادىستشفى خاص فيمكنها إدخال اريض مستشفى حكومي.‏ وبعض تلكاستشفيات تحسن مستواها بدرجة كبيرة وبخاصة في علاج مرضىالفصام.‏ فأصبحت أقل ازدحاما بكثير ا كانت عليه من قبل حيث أدىاستخدام العلاج الدوائي إلى إمكان إخراج الكثير من ارضى.‏ كذلك لميعد كثير منها يقبل دخول الحالات العضوية ‏(مثل الأفراد التي تصيب اخفي الشيخوخة ومثل تصلب شراي اخ والأمراض العصبية العضويةالأخرى).‏فقبل عام ١٩٥٥ كان متوسط مدة الإقامة باستشفى الحكومي ستة136


العلاج باستشفىشهور أما في الوقت الراهن فقد هبط ذلك اتوسط إلى أربع يوما ‏(علىالرغم طبعا من أن عددا معينا من ارضى ازمن يقيمون لسنوات وبعضهميقيم مدى الحياة).‏ وعلى الرغم من أن عدد ارضى اقيم باستشفىالحكومي قد نقص إلا أن عدد حالات الدخول قد زاد تقريبا إلى ضعف ماكان عليه عام ١٩٥٥. ولم يعد ثمة وجود على الإطلاق لعنابر تضم أولئكارضى الذين يبولون على أنفسهم أو يسيرون عرايا أو يعتدون علىالآخرين أو لا يكفون عن الصياح.‏ ويعود الفضل في ذلك في العلاج الدوائي.‏وعلى الرغم من تلك التحسينات إلا أنه يظل هناك الكثير ا يجبعمله.‏ فنتيجة لضعف ايزانية ارصودة لتلك استشفيات ونتيجة أيضالقلة عدد الأطباء الذين يتجهون للتخصص في الطب النفسي ‏(فضلا عنأولئك الذين لا يفضلون العمل في مستشفى حكومي)‏ أصبحت استشفياتالحكومية تعاني دائما من نقص في أفراد الهيئة الطبية ويفضل فيهاالعلاج الدوائي على العلاج النفسي كما أن النصيب الأعظم من العمليتحكم فيه معاونو الخدمة.‏ فحتى أفراد هيئة التمريض لا يتوافر عددهمبالدرجة الكافية.‏ومن الشكاوى التي تتردد كثير أن غالبية أطباء استشفيات الحكوميةأجانب وهم بسبب الصعوبات اللغوية لا يستطيعون التواصل مع ارضىعلى الوجه الأكمل.‏ والاشتغال بالطب النفسي يتطلب خبرة أكبر بلغة الحديثمنها في فروع الطب الأخرى وكن أن تنطوي تلك الادعاءات على شيءمن الصدق إلا أن ثمة عوامل أخرى يجب وضعها في الاعتبار.‏ فهناك ميزةبالتأكيد في اعرفة العميقة باللغة السائدة بتعبيراتها العامية الشائعةوبالإشارات العابرة التي ترد أثناء الحديث إلى تعبيرات ترددت خلال مرحلةالدراسة الأولية أو مرحلة الطفولة أو الحضانة.‏ إلا أنه لوحظ من ناحيةأخرى أن الأجنبي لكونه أجنبيا بالتحديد يستطيع بصورة أفضل أن يفهم<strong>الفصامي</strong> الذي يشعر أنه مثل الأجنبي غريب في مجتمعه.‏ ويلاحظ أنالكلمة اللاتينية alienus والتي اشتقت منها الكلمة الإنجليزيةأجنبي.‏ ولم يكن مجرد صدفة أن تطلق كلمة alienist اشتقة أيضا منالأصل اللاتيني على الطبيب النفسي في وقت ما في ااضي.‏ وقد لوحظأثناء انعقاد الجماعات العلاجية الأولى في إنجلترا منذ عدة أعوام أنalien تعني137


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالأجانب القادم من الدول الاسكندنافية كانوا أكثر قدرة على التواصلمع ارضى من نظرائهم الإنجليز.‏ كذلك نجد أن امتلاك الأطباء النفسيالأجانب القدرة على مقارنة تأثير ثقافت مختلفت على النفس البشريةنحهم فرصا نادرة لفهم أفضل في بعض الحالات الخاصة.‏ومعظم الاحظات السابقة تنطبق أيضا على الأوضاع في إنجلترا.‏فاستشفيات النفسية الخاصة تقوم بدور محدود في مجال الطب النفسيإذ أن عددها في الوقت الراهن قليل.‏ وعلى الرغم من أن كثير من استشفياتالعامة بها أقسام نفسية إلا أنه مازال يوجد عدد كبير من استشفياتالعقلية التي لا تعالج إلا ارضى النفسي‏.‏ وتتفاوت الأحوال تفاوتا كبيراب مستشفى وأخرى وكثير من اشكلات التي تعاني منها تلك استشفياتفي أمريكا موجودة في استشفيات البريطانية.‏ وفضلا عن ذلكفاستشفيات في بريطانيا تخدم مناطق محددة وبالتالي فليست لدى اريضفرصة لاختيار استشفى الذي يدخله.‏ إلا أن بعض استشفيات التعليميةلا تختص نطقة محددة وتقبل ارضى من جميع أنحاء املكة.‏ وارضىالذين تتطلب حالتهم علاجا طويل ادى باستشفى ينتهي بهم اطافغالبا للمستشفيات العقلية.‏ ويوجد عدد من اشروعات العلاجية التجريبيةيجري العمل بها تتضمن:‏ العنابر السكنية ‏(أي تحويل عنابر ارضى إلى مايشبه دور الإقامة الداخلية-اترجم)‏ واراكز النهارية واستشفيات النهاريةوالبيوت الانتقالية-‏houses half way التي تنظم الحياة اعيشية فيها علىغرار الحياة الاجتماعية العادية حيث يدرب ارضى على تحمل مسئوليةحياتهم الشخصية بقدر أكبر فأكبر.‏ لكن تلك اشاريع مازالت نادرة نسبيا.‏فمعظم ارضى يجدون أنفسهم داخل استشفيات العقلية التابعة للهيئةالقومية للخدمات الصحية حيث يجري العلاج على النمط التقليدي.‏العلاج عن طريق الوسط الاجتماعي الخاص:‏لا يقتصر دور استشفى على رعاية اريض وحمايته والعمل علىتشخيص حالته بسرعة وإا هي تعالج اريض أيضا وفضلا عن مختلفأنواع العلاج التي كن أن يعطي كل منها على حدة خارج استشفى بينماكن داخلها إعطاؤها جميعا في نفس الوقت إذا تطلب الأمر?‏ فإن استشفى138


العلاج باستشفىنفسه كن أن يستخدم كأداة علاجية أي كوسط أو بيئة خاصة هي ماسماها الطبيب النفسي ماكسويل جونز الجماعة العلاجية.‏إذ بينما نجد في العلاج النفسي أن اريض يفهم نفسه بصورة أفضلمن خلال علاقته بشخص آخر نجد في الجماعة العلاجية أن الوسطككل-أي استشفى نفسه ومن يوجد به ‏(ارضى-الأطباء-امرض‏-معاونيالخدمة)‏ يشكل مناخا ملائما لإقامة علاقات صحية.‏وهناك عديد من السمات اشتركة ب الجماعة العلاجية وب العلاجالأخلاقي في القرن التاسع عشر والذي تحدثنا عنه سابقا.‏وقد وصف ماكسويل جونز الجماعة العلاجية قائلا:‏‏«إن ملاحظة اريض داخل بيئة اجتماعية عادية ومألوفة نسبيا تعلمناالكثير.‏ حيث كن ملاحظة أساليبه العادية في علاقته بالآخرين وردودفعله إزاء الضغوط وما إلى ذلك.‏ فإذا استطعنا في نفس الوقت أن نجعلهمدركا لتأثير سلوكه على الآخرين وساعدناه على فهم بعض الدوافع وراءأفعاله فقد أصبح اوقف بذلك ذا إمكانية علاجية وتلك هي الخاصيةاميزة للجماعة العلاجية فيما نعتقد.‏ إذ من الواضح أن هناك إمكانيةمتساوية في أن تكون العلاقة ‏«الب‏-شخصية علاجية أو ضد علاجية.‏والذي يزيد من إمكانية أن تكون علاجية إا هو تغذيتها بأشخاص مدربمن الهيئة الطبية فضلا عن اشاركة انظمة ب ارضى وهيئة استشفىفي مختلف نواحي الحياة اليومية».‏وينظر للمريض الفرد في الجماعة العلاجية على أنه عضو مهم منأعضائها.‏ ويتركز الاهتمام في كيفية تعامله مع الآخرين داخل الجماعة.‏وقد شرح آلان كرافت في مقال له حول هذا اوضوع كيف تنشأ خلالالتفاعل اتبادل شبكة من العلاقات من كل الأنواع ظاهرة وكامنة لفظيةوغير لفظية واعية ولا واعية ‏«وهي تشمل استويات كافة:‏ فتنشأ باريض وزملائه وبينه وب العامل وب العامل في استشفى أنفسهم.‏وهذا يتيح فرصة الفحص الدقيق للتشوهات الادراكية والانفعالية في عمليةالتواصل خلال جميع العلاقات».‏وكن ريض الفصام الذي يعاني من صعوبات في التواصل وفي العلاقةبالآخرين أن يستفيد بدرجة كبيرة من الجماعة العلاجية.‏ فكل جوانب139


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهحياة اريض تناقش وتبحث بصراحة ونحه فرصا لتجربة حياتية تعليمية.‏وقد وصف كرافت هذا النوع من العلاج وصفا جيدا للغاية حينما قال:‏الجماعة العلاجية ليست بعيدة عن أن تكون مدرسة للحياة.‏ ‏«طلابها همأولئك الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على تلبية متطلبات الحياة اليومية.‏و هيئة تدريسها»‏ هم العاملون بها الذين اكتسبوا درجة من اهارة والحساسيةتجعلهم قادرين على تعليم الآخرين اهارات الاجتماعية وكيفية فهم الذات.‏‏«ومقرها الدراسي يتكون من مواقف الحياة اليومية التي تشبه في كثيرمن الجوانب الحياة اليومية العادية غير أنها تتميز بكونها أكثر حمايةوأكثر ثراء بحيث تزيد من فرص التعلم».‏كذلك تتميز الحياة داخل الجماعة العلاجية عنها في استشفيات العامةشاركة أكبر في اسئوليات من قبل ارضى.‏ إذ يشارك ارضى فياتخاذ القرارات وتشكل منهم بصورة منتظمة ما تسمى ب ‏«حكومة ارضى».‏ويزداد الدور الذي يقوم به اريض كلما تحسنت حالته ويتلاشى بالتدريجتوهمه بأن تحل مشاكله جملرد وجوده باستشفى دون مشاركة منه فيحلها.‏وقد ابتكر جي.‏ سي.‏ فولسوم J.C.Folsom نوعا من العلاج الوسطيسماه العلاج اوقفي.‏ ويعتمد هذا النوع على خمسة مواقف أساسية هي:‏١- الصداقة الإيجابية بهدف مساعدة اريض على الخروج من عزلته‎٢‎الصداقة السلبية:‏ حيث يكون لدى اعالج استعداد لإنشاء صداقة معاريض لكنه ينتظر حتى يبدأ اريض الخطوة الأولى ٣- الحزم الودي:‏حيث يوجه اعالج اريض للقيام بأنشطة منتجة بطريقة ودودة وحازمة فينفس الوقت ٤- واقعية الحياة الفعلية:‏ أو التعامل ب اعالج واريضبنفس الطريقة التي تحدث في الحياة اليومية العادية ٥- الإعفاء منالالتزامات:‏ وهي تستخدم ح تنتاب اريض حالة هلع من تفكك شخصيتهفحينئذ لا يطلب منه عمل أي شيء.‏خدمات المستشفى:‏معظم استشفيات تحاول اليوم اكتساب بعض خصائص الجماعةالعلاجية إلا أن كثيرا منها يركز على الخدمات التي يستطيع تأديتها بشكل140


العلاج باستشفىجيد.‏ وقد أعد دكستر بولارد قائمة بالخدمات التي يجب أن تتوافرباستشفى النفسي وهي:‏- تقييم للتشخيص الطبنفسي - رعاية ريضية طبنفسية- علاج نفسي فردي - علاج سلوكي- علاج بالنشاط- علاج جمعي- علاج بالرقص- علاج عائلي- دراسة حالة اجتماعيا - علاج بالفن- علاج باوسيقى- علاج وسطي- علاج دوائي- علاج ترفيهي- علاج طبيعي- علاج بالعمل- خدمات طبية عامة وأسنان- اختبارات نفسية- خدمات ارضى اقيم- اختبارات تعليمية- خدمات مستشفى نهاري- اختبارات مهنية- خدمات مستشفى ليلي- تدريب تأهيلي- خدمات عيادة خارجية- استشارة- خدمات تعليمية خاصة - علاج أزماتوهي قائمة ليست قصيرة على الرغم من أن مؤلفها اعتبرها ‏«جزئية».‏وليست كل تلك الخدمات مطلوب تقدها لكل مريض.‏ فهيئة استشفىتقرر أنواع الخدمات التي يحتاج إليها كل مريض بعينه.‏ لكننا لسوء الحظنجد طرق العمل باستشفيات الكبيرة تصبح مقننة ويل إلى أن تتخذصورة موحدة إن آجلا أم عاجلا.‏وقد تحدثنا في الفصل السادس عن العلاج النفسي والدوائي.‏ وليسثمة ضرورة لأن نتناول بالشرح كل أنواع الخدمات التي ذكرها بولارد.‏ لكنناسنختص ثلاثا منها ببضع كلمات وهي العلاج السلوكي والعلاج بالفنوالعلاج بالرقص.‏وطريقة اكافآت الرمزية لeconomy token ابتكرها ت.‏ أيلون.‏و ن.‏ ه أزرين N.H.Azrin وهي تستخدم تكنيك الارتباط الشرطي اتعلم.operant conditioning فقد لوحظ أنه بإعطاء ارضى مكافأة رمزية كلماسلك سلوكا مرغوبا فيه مثل أداء عمل ما أو العناية باظهر أو الاستحمامT.Ayllon141


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأو تنظيف الأسنان وما إلى ذلك;‏ كن لأشد ارضى نكوصا أن يكتسبواعادات أفضل وأن يصبح علاجهم أقل إثارة للمشاكل.‏ ورأيي أن تقتصر كلطرق العلاج القائمة على الارتباط الشرطي اتعلم على ارضى اتدهورةحالتهم والذين لا يستجيبون لطرق العلاج الأخرى.‏ فطرق العلاج القائمةعلى الثواب والعقاب ما لم تكن مصحوبة شاعر شخصية دافئة لا تحدثتحسنا إلا على مستوى السلوك الظاهري فحسب دون تغيير يذكر فيالتكوين النفسي الداخلي.‏وقد لوحظ أن كثير من <strong>الفصامي</strong> يبدأون ارسة الرسم تلقائيا رغمأن عديدا منهم لم يسبق له ذلك قبل ارض.‏ ويستحيل التحقق من صحةالاحظة التي ذكرها بعض الباحث والقائلة بأن <strong>الفصامي</strong> ارسونالرسم عدل يزيد عن الأسوياء.‏ وسواء أكانت تلك الاحظة صحيحة أملا فمن اؤكد أن الرغبة في ارسة الرسم لدى كثير من <strong>الفصامي</strong>يتناقض مع عزوف معظمهم عن التعامل مع الأشياء الخارجية.‏ وقد وضعتفروض كثيرة لتفسير تلك الظاهرة إلا أنها تتجاوز نطاق هذا الكتابوالعمل الفني للفصامي يساعدنا في سرعة التشخيص وفي فهم طبيعةارض.‏ وقد تعلم كثير من الاختصاصي بعد العمل الرائد ارجريتنامبورج (٢) Naumburg Margaret كيف يفسرون رسوم <strong>الفصامي</strong> على أنهاتعبيرات خطية عن صراعاتهم النفسية فبعض ارضى يجدون صعوبة فيالتعبير عن أنفسهم بالكلمات أو في الوصول إلى مستويات معينة في تكوينهمالنفسي عن طريق التأمل الاستبطاني الذي يستخدم الكلمات.‏ لذلك فهميعرضون مشاكلهم لأنفسهم وللآخرين بصورة أفضل من خلال اللوحاتوالرسوم.‏ ومهمة اعالج هي أن يساعد اريض على أن يتخلى عن الأشكالالنمطية اتكررة وأن يكتسب قدرا متزايدا من حرية التعبير وقد شاعالعلاج بالرسم في كثير من استشفيات لسبب مقنع على الأقل.‏ الأولهو انه يزيد من إدراك اريض لصراعاته النفسية ومن قدرته على التحدثعنها والثاني هو أنه يشحذ القدرة الإبداعية لدى اريض ونحه شعورابالتحقق والإنجاز. (١)1) See: S. Arieti, Interpretation of Schizophrenia,2nd ed. C New York: Basic Books, 1974), pp 74- 3512)Margaret Naumburg, Schizaphrenic Art:Its Meaning in Psychother, apy (New York, Grune& Stratton 1950)142


العلاج باستشفىأما العلاج بالرقص فهو يقوم على الفرضية القائلة بأن العقل والجسميجب أن يعملا في تجانس.‏ ومن شأن أي حالة مرضية انفعالية أن تحدثإخلالا وتغيرا في حركات الجسد وبخاصة تلك التي تعبر عن اشاعر..‏ويصل هذا التغير في حركات الجسد ذروته لدى مرضى الفصام منالنوع التصلبي لكنه يحدث بدرجات أقل في كل أنواع الفصام.‏ وتكشفتغيرات الحركة عن خلل وظيفي في استويات ما قبل اللفظية.‏والعلاج بالرقص يزيد من التنبه للتكوين الجسدي الشخصي ويرفعمن اقدرة على توجيه الجسد كما ينمي مشاعر السرور اصاحبة شاركةالآخرين في الحركة الجسدية.‏ ويتعامل اعالج هنا مع ظواهر مثل قوة شدالجاذبية الأرضية التنفس سريان الطاقة التشكيلات الفراغية التتابعاتالخاصة للحركات وتكرارية الحركات.‏ وباتباع ارضى للحركات الإيقاعيةالجماعية يصبحون أقل اهتماما شاغلهم الذاتية وأكثر استجابة للمثيراتالخارجية كما أنهم يتعلمون كيف يعملون مع الآخرين في تجانسوينطبق على الرقص ما سبق أن ذكرناه عن الرسم.‏ فبعض ارضىيصبحون قادرين من خلال اشاركة في النشاط الإيقاعي الجماعي علىإخراج ما كان يستحيل عليهم التعبير عنه بالكلمات.‏143


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده144


الحياة اليومية مع اريض8 الحياة اليومية مع المريضهل البيت هو المكان المناسب؟يعيش اريض الذي تشخصت حالته بأنها فصامحاليا مع أسرته.‏ قد يكون قد خرج من استشفى‏(وقد لا يكون قد دخلها أصلا)‏ ويكون على الأقلقد اجتاز ارحلة الحادة للمرض ‏(أو قد لا يكونقد مر بها أصلا).‏ على أية حال فهو حاليا فيحالة طيبة أو لا بأس بها أو أفضل كثير من ذيقبل.‏فما الذي يفيه وجود مثل ذلك الشخص بأفراد الأسرة?‏لقد صاحب الاتجاه الحديث والذي يحوز قبولاواسعا لإخراج مرضى الفصام من استشفياتبأسرع ما كن;‏ اتجاه لإعادة التأكيد على دورالأسرة وإعادة تقييمه من وجهة نظر مغايرة فلميعد ينظر للأسرة على أنها مصدر ارض وإاينصب الاهتمام عليها بوصفها أداة رئيسية فياستعادة اريض لحالته السوية.‏ إذ يجب اعتباراريض عرضة للانتكاس لفترة زمنية معينة ويجبأن يعامل خلالها معاملة خاصة حتى لو بدا انه قدأصبح طبيعيا اما.‏ويجب النظر ساهمة الأسرة في نقاهة اريض145


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمن خلال منظور أكبر هو التأهيل.‏ وموضوع التأهيل سنعالجه في الفصلالتالي حيث نتناول بالذكر اؤسسات التي أقيمت للنهوض به مثل:‏ البيوتالانتقالية halfway houses واستشفيات واراكز النهارية وأندية ارضىالسابق والأسر اتبنية للمرض.‏ إلا أن أسر اريض نفسه تظل هيالبيئة الأكثر شيوعا والأكثر فاعلية في كثير من الأحيان للقيام بعمليةالتأهيل.‏ وقدور العديد من الدراسات التي أجريت حول الأسرة بوصفهامصدرا للصراع النفسي وارض أن تب لنا الآن كيف كن للأسرة بدلامن ذلك أن تقوم بدور أساسي في مساعدة اريض.‏والأسرة وإن كان قدورها تأهيل اريض إلا أنها لا تستطيع القيامبالعلاج النفسي وهناك فرق كبير ب التأهيل وب العلاج النفسي وإنكان التأهيل يخلط عادة بينه وب العلاج النفسي أو يعتبر أحد أنواعه.‏وقد رأينا أن العلاج النفسي إا يساعد اريض على أن يدرك الأسبابالكامنة وراء مشاعره وأفعاله.‏ وأن يفهم كيف أن الأعراض ارضية إاهي تعبيرات عن احتياجات لديه لم يستطع تقبلها فتحولت إلى اللاشعور.‏كذلك يساعده العلاج النفسي على التخلص من أاط السلوك غير اوائمةومن طرق التفكير الخاطئة.‏وكثير على الأسرة أن نتوقع منها القيام بتلك اهام الشاقة.‏ وبينما يقوماعالج النفسي بالاشتراك مع اريض باستكشاف حياة اريض الداخليةيقوم أفراد الأسرة بالاشتراك مع اريض باستكشاف العالم الخارجيحتى يتب له كيف أن العالم الخارجي ليس مرعبا مثلما بدا له من قبل بلهو مكان قدوره أن يجد لنفسه فيه موطئ قدم بل ما هو أكثر من ذلكبكثير.‏ولا توجد نظرية تفسر الكيفية التي تنتج بها عملية التأهيل آثارهاارجوة سواء في الأسرة أم خارجها.‏ لكننا نشعر عموما فيما يختصبالتأهيل خارج الأسرة بأنه يصبح فعالا حينما يوفر طرقا من شأنها تيسيرإقامة اريض علاقات طبيعية مع الآخرين واستعادة الثقة بنفسه والانغماسفي نشاطات مثمرة.‏وتشمل إقامة العلاقات الطبيعية مع الآخرين:‏ علاقات حسن الجواروالعلاقات اتبادلة مع زملاء العمل والصداقات والشروع في البحث عن146


الحياة اليومية مع اريضالحب واودة الحميمة.‏ وتعني استعادة الثقة بالنفس الشعور بالأمل والتوقعتجاه حاضر الإنسان ومستقبله أما النشاطات اثمرة فهي تشمل أمورالحياة اعتادة والعمل والعادات األوفة وحتى اللعب.‏وعلى الرغم من أن التأهيل يشمل كل ذلك إلا أن التأهيل الذي يجريداخل الأسرة ينطوي على ما هو أكثر بحيث لا تعود كلمة تأهيل هي التسميةاناسبة.‏ فإذا سكنا بها فيجب أن نضيف إليها أنها نوع خاص من التأهيليتضمن إعادة التكامل ب أفراد الأسرة ليس عنى مجرد استعادة كلفرد في الأسرة لدوره كما كان من قبل وإا يعني تطوير تلك الأدوار فياتجاه التكامل داخل ذلك الوسط الشديد التقارب.‏ فالتأهيل هنا يتضمنشعور الفرد بالألفة تجاه أسرته وشعورا بالأخوة تجاه الأشقاء والأقارب-‏أي يتميز ضمون عاطفي وجداني أكثر ا نجد في التأهيل الذي تقومبه اؤسسات.‏لكن دعونا نواجه مباشرة حقيقة عودة اريض لأسرته فقد أضيفعامل جديد ولم يعد جو الأسرة كما كان من قبل.‏ والإدعاء بأن كل شيء كماكان ليس إلا طمسا للحقيقة.‏ إذ أن مثل ذلك الادعاء إا يقوم علىميكانزمات الإنكار التي تؤدي إلى عواقب سيئة.‏ وفضلا عن ذلك ليس منصالح الأسرة ألا تحدث بعض التغييرات.‏ فالشفاء من الفصام ليس كالشفاءمن التهاب الغدة النكفية أو الحصبة.‏ وحدوث تغير في جو الأسرة ليسحدثا سيئا بعامة بل كن أن يؤدي إلى نتائج مرضية.‏ والحياة مع اريضيوما بيوم تصبح عملا علاجيا وهو ليس عملا هينا حتى بالنسبة لأشدالأسر تعاونا.‏واشكلة الأولى هي اتخاذ قرار بها إذا كانت إقامة اريض مع أسرتههي أنسب الحلول.‏ وعلى الرغم من أن كل اعني بالأمر يشاركون فياتخاذ القرار إلا أن اسئولية الرئيسية تقع على عاتق الطبيب اعالج.‏وتختلف وجهات النظر في أوساط اشتغل بالطب النفسي حول هذهالنقطة.‏ فترى قلة منهم أن الأسرة لا تستطيع القيام بأي دور علاجي لأنالصراعات النفسية التي أدت إلى ارض إا نشأت داخل إطار الأسرة.‏فهم يرون أن أسرة اريض واريض والحالة ارضية إا تشكل معاوحدة واحدة أدى عدم سوائها إلى تلك النتيجة.‏ ولا شك أن هذا الوضع147


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيوجد فعلا في كثير من الحالات.‏ إذ نجد أن الصراعات داخل الأسرةمازالت قائمة.‏ وأن حلها أو حتى تخفيف حدتها بعيد الاحتمال بحيثيصبح القرار السليم هو أن يعيش اريض بعيدا عن أسرته.‏ وحتى لو رأىالطبيب النفسي أن اشاعر السلبية القوية التي يحملها اريض تجاه أسرتهلا مبرر لها وإنها نتاج لسوء التأويل من جانب اريض فليس من استحسنأن يعيش مع أسرته حتى تتغير نظرته تلك.‏ ونؤكد هنا ثانية أن مشاعراريض تلك على الرغم من أنها لا تنبني على أساس من الواقع إلا أنهابالنسبة للمريض نفسه حقيقية جدا ويجب احترامها.‏ والتصرف على غيرهذا النحو قد يؤدي إلى نتائج غير طيبة.‏وأحيانا أخرى نجد أن اريض راغب فعلا في الإقامة مع أسرته لكنالطبيب النفسي لا يوافق على ذلك لأنه يرى أن تلك الأسرة بالذات ليسباستطاعتها مساعدة اريض فليس كل شخص قادر على ذلك.‏ وبعضالأقرباء تكون لديهم نوايا طيبة إلا أنهم يكونون مشغول عنه شاكلهمالخاصة ومتاعبهم وأمراضهم أو بأعمالهم اجملهدة إلى درجة لا تسمحلهم باساهمة في أداء مهمة شاقة بطبيعتها.‏ فإذا اتجه الرأي إلى عدمإقامة اريض مع أسرته نستطيع اللجوء إلى أحد اساعدين العلاجي أوأحد مرافقي ارضى النفسي كما سيرد في الفصل العاشر.‏ ويجب التزامالحرص في اتخاذ مثل تلك القرارات لأن إقامة اريض مع أسرته وإنكانت هي أفضل وسائل التأهيل إلا أنها قد تكون أيضا أشدها خطورةعلى اريض.‏ فمهمة الأسرة لا تنحصر في مجرد إيواء اريض وإا عليهاأن تشكل جوا من التقارب واودة الحميمة يقتسم فيه الجميع الأحزانوالأفراح معا.‏تهيئة الأسرة للمهمة:‏يستمر الكثير من ارضى الحالي والسابق في الإقامة مع أسرهمإما لأن الطبيب النفسي رأي أن ذلك أفضل للمريض أو لأنه لم يكن ثمةبديل آخر.‏ وبعض الأطباء النفسي لا يقومون بإعداد الأسرة لتلك اهمةلكنني أعتقد من ب آخرين كثيرين أنه من اهم تهيئة الأسرة بشكل عام.‏والهدف هنا ليس قيام أفراد الأسرة همة التمريض النفسي وإا كينهم148


الحياة اليومية مع اريضمن فهم طبيعة اشاكل اتوقعة حتى يتزودوا بالفهم إلى جانب عاطفتهمتجاه اريض واهتمامهم الشخصي به.‏ وأنا مدرك-وأود أن أجعل الأسرةتدرك أيضا-أن أفراد الأسرة لديهم ميزة كبيرة لا تلكها أفضل امرضات.‏فسيظل اريض بالنسبة للأسرة على الدوام شخصا وليس مجرد حالةطبية.‏ كما أن أفراد الأسرة يعرفون ما يحب اريض وما لا يحب.‏وقد اعتدت أن أبدأ توجيهي للأسرة بالإشارة إلى أن الكائنات البشريةقد تعلمت منذ طفولتها أن تتعامل مع الآخرين-على الأقل في القسم الأكبرمن العلاقات-بطرق نستمدها من اجملتمع أو من الوسط الخاص الذينعيش فيه.‏ وينتقد اجملتمع أو يرفض أو حتى يعاقب أولئك الذين لا يتبعونالأساليب اقبولة في التعامل مع الآخرين.‏ وأساليب السلوك اقبولة تعكستقاليد عمرها قرون عديدة من الزمان وذات جذور عاطفية عميقة فيحياة معظم الأفراد واجملتمع يحافظ عليها ليس فقط بالقدوة والمحاكاةوالتعليم بل أيضا بطرق الثواب والعقاب وحتى بالتلويح بالقوة.‏ وأساليبالسلوك الاجتماعية ذات قيمة تربوية لا شك فيها إلا أنها قد تصبح وخيمةالعواقب بالنسبة ريض الفصام ون هو في مرحلة النقاهة منه إذا هيفرضت عليه أو إذا ألزم نفسه بها.‏ فيجب على الأسرة أن تخفف من تلكالقيود بالنسبة للمريض بقدر الإمكان على الأقل في فترة نقاهته.‏ إذ يجبأن يشعر اريض بأنه مقبول حتى لو كان مختلفا أو غير مراع للأعرافالاجتماعية السائدة.‏ على أن تقبل اريض كما هو لا يعني تقبل سلوكه دونييز كما سنرى لاحقا.‏ فاريض يجب أن يتكامل تدريجيا داخل حياةمنظمة.‏ومعظم الأقارب يصرون على عدم معاقبة اريض العائد إلى البيتح يصدر منه سلوك مناف للعرف.‏ وهم يتحدثون بإخلاص شديد عنأنهم يعرفون أن سلوك اريض حتى لو كان منفرا إا هو نتيجة رضهوبالتالي لا يحاسب عليه.‏ والواقع انهم ما لم يدربوا أنفسهم على غير ذلكفإنهم يعاقبون اريض بطرق غير ظاهرة للعيان.‏ أي بطرق قد لا يلاحظونهاهم أنفسهم لكنها تبدو واضحة للمريض الذي يكون قد اكتسب حساسيةخاصة لأية إشارات غير سارة تأتي من الوسط المحيط به.‏ فقد يعاقب أحدأفراد الأسرة اريض بأن يتجنبه أو لا يجالسه إلا قليلا بألا يتحدث معه149


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأو يحادثه بجمل جافة مقتضبة بألا ينصت ا يقول أو يجيب عما يسألبأن يتخذ تجاهه موقفا متعطفا أو متغطرسا أو متعاليا بأن يكون دائمامتعجلا حينما يتعامل مع اريض بأن تعبر ملامح وجهه عن الحيرة أوالضيق أو السأم أو عدم الرضى وأحيانا بإشارة امتعاض.‏ فعلى الفرد منأفراد الأسرة ألا يلاحظ فقط سلوك ومواقف اريض بل أيضا سلوكهومواقفه هو-هو بالذات.‏ودعونا نفترض أن شقيق اريض يريد فعلا أن يكون ودودا معه مساعداله وأن نحه شعورا بالطمأنينة.‏ وبدلا من أن يكون اريض الذي عاد مناستشفى لتوه تنا لذلك نجده فاقدا للثقة بشقيقه مستهزئا به معادياله.‏ فمن الطبيعي أن يكون رد فعل الشقيق حينذاك أن يتضايق وأن ينتابهالغضب ورا يشعر بالإدانة تجاه اريض.‏ واريض بدوره يلاحظ ردودفعل شقيقه ذلك فيتدعم لديه شعور عدم الثقة والعدائية.‏ وتتكرر الحلقةافرغة.‏ وافروض هنا بالطبع أن يدرب الشقيق نفسه على ألا يستجيبلتصرفات شقيقه اريض بالطرق األوفة بل عليه أن يدرك أن اريضمازال بحاجة قوية لأن يقوم بإسقاط توتراته الداخلية على الآخرين وأنيلوم الآخرين بشأنها.‏واثال التالي يوضح الشكوى التي نسمعها كثير من أهل اريض:‏ ‏«أريدأن أكون حقيقيا طبيعيا.‏ فمنذ عادت ج أصبح عليّ‏ أن أفكر في كل كلمةأقولها ولم يعد باستطاعتي أن أكون تلقائيا.‏ لكني لا أدري ما إذا كان ماأفعله هذا صواب.‏ فقد يكون سلوكي اتصنع هذا ذا ضرر عليها.‏ إننيأومن بأن عليّ‏ أن أكون حقيقيا».‏ ومثل هذه الشكوك التي يطرحها قريباريض أمام نفسه أو أمام الطبيب النفسي إنها هي شكوك مشروعة وجديرةبكل اعتبار.‏ لكن عليه أن ضي أبعد من ذلك في تحليل ما يعنيه بكلمةحقيقي أو أصيل.‏ فان يفكر في كلامه قبل أن يتحدث إلى ج لا يعنيبالضرورة أنه فقد أصالته.‏ لكن أن يتصرف كما لو أن شيئا خطير لميحدث لقريب أو عزيز لديه لا يعني أنه يتصرف بأصالة.‏ وإا الأصيلوالأكثر جدوى هو أن ندرك أن علينا بسبب من قابلية اريض للانتكاسولحساسيته الخاصة أن نغير من بعض أساليب سلوكنا وأن نحجم عناستعمال كلمات أو عبارات قد تبدو له غامضة أو تنطوي على تهديد ما.‏150


الحياة اليومية مع اريضوفضلا عن ذلك علينا أن نتذكر أننا خلال تعرفنا على مواطن ضعفاريض وحساسيته الشديدة كن أن نكتشف أين ومتى نكون دون قصدفاقدين للحساسية أحيانا إلى درجة الجمود.‏ وقد نكتشف أننا را أردناأن لي عليه أساليبنا نحن لأننا نراها أكثر صلاحية أو أكثر صوابا-أو راببساطة لأننا يل إليها أكثر من سواها.‏فالحياة مع مريض فصامي أو في مرحلة النقاهة من الفصام تتطلبمنا بذل أقصى جهد لأن نضع في الاعتبار ذلك الشخص وكل ما له منحقوق وأن نتقبل حاجته لتلبية رغبات خاصة لديه.‏ وهو أمر صعب حتىبالنسبة للفصامي يلنا التلقائي ساعدته عن طريق إسداء النصح والتوجيهوتصويب مظاهر السلوك ارضى وإلقاء اواعظ حول التوافق مع اجملتمع.‏ويجب أن نعرف أيضا أن مساعدة اريض الراشد أكثر صعوبة من مساعدةاريض في سن الطفولة.‏ فبالنسبة للطفل لا نشعر كثير بحرج في أننعطيه تعليمات أو نصائح مباشرة أو أن نقوم إزاءه بدور إيجابي.‏ لكننانحجم عن ذلك مع اريض الراشد حتى لا يفسر اهتمامنا به على أنهوصاية لا مبرر لها أو دليلا على أننا نعتبره عاجزا أو طفلا أو غيرعقلاني في تصرفاته.‏ فالرعاية الأبوية الزائدة قد تشعره فعلا بالإهانةوقد تدعم لديه فكرته اتدنية عن نفسه.‏ ومن العادات السيئة أيضا والتيقلت كثيرا لحسن الحظ اعتبار ما يقوله اريض مجرد كلام بلا معنىوأحيانا مثارا للدعابة.‏ومن الواضح ا عرفناه من هذا الكتاب أن ما يبديه اريض منملاحظات أو شكاوى يجب أن يلقى اهتماما ويقدر باحترام.‏ فمخاوفاريض ومعتقداته الضلالية حقيقة واقعة وحية وهي دائما خبرة مؤة لهحتى وإن كانت ناشئة عن عمليات نفسية معقدة لا يفهمها سوى الطبيبالنفسي.‏ فإذا لم يستطع أحد أفراد الأسرة أن يفهم ما يقوله اريض فإنعليه على الأقل أن يستجيب لندائه بأن يلتفت إليه أحد ولرغبته في أنيحادثه أحد كذلك عليه وفقا لقدراته أن يؤثر في اريض ويوجهه ليسعن طريق قمع نشاطاته بل عن طريق زيادة معارفه وإيضاح اواقف الصعبة.‏وكما ذكرنا آنفا فإن فرد الأسرة اتعاون يكتسب بالتدريج معرفة واطنحساسية اريض ويصبح أكثر تنبها ا قد يؤثر عليه تأثيرا سلبيا.‏ ويجب151


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأن يكون لديه ‏«هوائي»‏ قادرا على التقاط ما قد يزعج اريض وأن يكوندائم اليقظة دوا مبالغة في العناية به أو فضول زائد فعليه أن يكونقريبا منه بقدر يسمح له بالعطاء حينما يكون العطاء مطلوبا وأن يكونبعيدا عنه بقدر لا يسبب له إزعاجا حينما يكون غير قادر على التواصل.‏وكننا القول حسب تعبير هاري ستاك سوليفان بأن اريض ح لايكون قادرا بعد على تقبل اودة يصبح سيئ الظن بالآخرين فيفسر تعبيراتاودة على أنها تخفي وراءها دوافع مغايرة.‏ والأسرة القادرة على تحملالصعوبات الكامنة في معايشة مريض فصامي ناقه تعتبر عاملا بالغالأهمية في الوصول إلى أفضل النتائج.‏ وعلى الرغم من أن أحد أفرادالأسرة قد يكون أكثر تقاربا مع اريض إلا أن جميع الأفراد عليهم أنيتعاملوا معه وأن يقدموا له دعما متبادلا.‏ فحينما يتسم جو الأسرة بالتضامنيصبح من الأيسر أن تتوفر للمريض بيئة متفهمة ومستقرة.‏ ويصبح اريضفي مثل هذا الوسط العلاجي موضع ترحيب واحترام كالابن التائب.‏ فهوموضع قبول بصرف النظر عما هو عليه الآن أو ما كان عليه في ااضي.‏والتعامل معه يجب أن يتسم بالاهتمام به والصبر والجلد وبقدر ملائم منالتسامح.‏ كما يتسم بشعور بالأمل في قدرة اريض على التحسن وبثقةفي قدرته على النمو.‏وعلى الرغم من أن موقف القبول يتضمن قدرا كبير من التسامح إلا أنذلك لا يعني أن يترك اريض يتصرف كما يشاء بلا حدود.‏ وغالبا ما يدركاريض نوع السلوك الائم له حينما يسود حوله جو من اودة يخلو منالرفض أو العقاب أو التصغير من شأنه أو الاستهزاء به.‏ ويعتبر التهديدبإعادته للمستشفى إذا لم يسلك سلوكا ملائما أمرا محطما عنوياته إلىأقصى حد.‏ فإذا أصبحت اشاكل لا تحتمل أو إذا ازداد التوتر في العلاقاتداخل الأسرة على الرغم من النوايا الطيبة لدى جميع أفرادها أو إذا أصبحهناك احتمال أن يقدم اريض على الانتحار أو على أفعال عنيفة فيجبالتفكير جديا في إعادته للمستشفى.‏ ولا يجب أن يصور ذلك للمريض علىأنه عقاب بل على أنه تلبية لحاجة لديه للحياة في جو يسوده النظاموالعمل انسق الأمر الذي لا يتوفر في جو البيت.‏ومن الإنصاف أن نقول إن تلك اهمة أكبر عموما من أن تتحملها الأسرة152


الحياة اليومية مع اريضما لم يصاحبها بالإضافة للعلاج النفسي الفردي نوع آخر من العلاج هوعلاج الأسرة.‏علاج الأسرة:‏يذهب كثير من الباحث إلى أن علاج الأسرة يقلل كثيرا من حدوثالنكسات ويختزل فترة العلاج اللازمة للمريض ويحسن أحوال الأسرةعموما بصرف النظر عن اريض نفسه.‏ وأنا لم أركز حتى الآن على دورعلاج الأسرة.‏ ويعود ذلك جزئيا إلى حقيقة أن قلة ضئيلة من الأسر ترحبثل هذا النوع من العلاج.‏ وأحيان لا تسمح اوارد االية للأسرة إلا بعلاجاريض في فترة نقاهته . (×) وكما ذكرنا في الفصل الرابع لا تعتبر اصاعبالأسرية السبب الوحيد للفصام لكننا نستطيع أن نقول وقد وصلنا إلى هذاالحد من اعرفة أنها تعتبر واحدة من الأسباب الرئيسية.‏ وقد لا يكون حلتلك الصعوبات حاليا له نفس التأثير فيما لو كان قد في فترة طفولةاريض أو قبل ارض لكنه يظل مؤثرا بدرجة كافية لتحس البيئةالاجتماعية التي على اريض أن يعيش فيها فترة طويلة.‏ وكن لعلاجالأسرة أن يجيب عن التساؤلات التالية:‏ هل مازالت هناك عمليات نفسيةتجري داخل الأسرة ضد اريض مثل الإنكار وسوء التأويل والتمسكبالخرافات?‏ هل مازالت الأسرة تعاني من حالة الانشقاق Schism التي وصفهاالطبيب النفسي تيودور ليدز ?Theodore Lidz ما نوع العلاقات القائمة بأفراد الأسرة?‏ هل الحوار الذي يجري بينهم حوار حقيقي أو مزيف?‏ هلتبادل انافع حقيقي أو مزيف?‏ هل هناك أصالة أو ألعاب نفسية?‏ وعلىالرغم من أننا نحبذ بقوة علاج الأسرة ما أمكن إلا أنه على الأسرة نفسهاأن تصبح في جميع الأحوال ثابة وسط علاجي وأعتقد أن هذا الأمركن في كثير من الأحيان.‏ويحبذ بعض اعالج أن يتسع نطاق علاج الأسرة ليشمل أيضا الأقرباءمن الدرجة اتوسطة أو حتى البعيدة مثل الأعمام والأخوال وأولاد العموالأجداد حتى يشارك الجميع في إعادة تكامل اريض.‏ وهى محاولة(×) لا ينطبق هذا الوضع لحسن الحظ على املكة اتحدة حيث توجد الهيئة القومية للخدماتالصحية153


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهتستحق التشجيع كلما أمكن ‏(لكنني لسوء الحظ نادرا ما نجحت في ذلك.‏را لأنني كنت أمارس العلاج في عاصمة كبيرة تلاشى فيها عمليا الطابعالعشائري للأسرة).‏فقد اختزلت الأسرة إلى عدد قليل من الأفراد أو إلى مجموعة ‏«نووية»‏ليست لها صلات حميمة بالأقارب البعيدين أو من الدرجة اتوسطة وأولئكالأقارب أنفسهم قد لا يرحبون كثيرا بأن يتحملوا مشقة الذهاب ساعدةمريض لا يعرفونه جيدا.‏ إلا أنني من قبيل الدقة يجب أن أذكر أنني صادفتأحيانا أجدادا محب لأحفادهم صغار السن وأنهم قدموا لهم مساعدةتازة.‏موضوعات خاصة:‏يجب أن أؤكد ثانية-قبل الشروع في وصف الكيفيات التي تتخذها الحياةمع فصامي في مرحلة النقاهة-على أن كل حالة تختلف عن الأخرى فكلمنها تتشكل من ظروف متفردة داخل بيئة لا اثل اما الحالات التيسبقتها.‏وسنتحدث الآن عن مسائل خاصة يتكرر حدوثها أثناء الحياة اليوميةمع اريض.‏ وقد أشرنا في الفصول السابقة إلى أمر هام متواتر الحدوث.‏فاريض لم تعد لديه معتقدات ضلالية إلا أنه مازال يسئ تفسير كثير منتصرفات الآخرين تجاهه فيراهم في صورة أسوأ بكثير من الواقع وقدينزع إلى توجيه الاتهامات وبالذات لوالديه اللذين أصبح يعتبرهما مصدرمتاعبه.‏ وهو يوجه اللوم أيضا إلى بقية أفراد الأسرة.‏ لكن بدرجة أقل.‏وهذا في الواقع أمر يصعب تقبله.‏ وأفضل تصرف في هذه الحالة هوتجنب الجدال مع اريض أو إخباره بأنه مخطئ.‏ إلا أنه من الصعب علىكثير من الآباء والأمهات ألا يتخذ موقفا دفاعيا فهم يشعرون إن كبرياءهمقد جرح وقد يتملكهم الغيظ فينبرون للدفاع عن أنفسهم بأقصى قوةوكأنهم أمام محكمة.‏ فإذا استسلموا لتلك النزعة فستمضي المحاكمة إلىمالا نهاية دون أي تقدم.‏ ومن الحكمة في تلك الحالة أن يتجه الأب إلىاريض قائلا:‏ ‏«را يأتي الوقت الذي ترى فيه بصورة مختلفة ما فعلناهوما نحاول أن نفعله»‏ كذلك كن للوالدين في نفس الوقت أن يطمئنا154


الحياة اليومية مع اريضاريض قائل إن كل فرد في الأسرة سوف يقوم ا عليه أن يفعله لتلبيةاحتياجات الجميع وضمان حقوقهم على أفضل نحو كن.‏ لذلك يحملاستقبل إمكانات أفضل بكثير ا كانت عليه في ااضي».‏وعلى الرغم من أن نقاط ضعف اريض وحساسياته يجب وضعها فيالاعتبار إلا أنه لا يجب تضخيمها.‏ إذ يجب ألا نجعل اريض أكثر اعتماديةعلى الآخرين ولا يجب أن نعامله على أنه غير صالح لشيء أو على أنهطفل.‏ فإذا كانت النشاطات الحياتية لبعض ارضى الناقه تتوقف فيمعظمها فإن نشاطات الأكثرية لا تتأثر إلا بدرجة بسيطة.‏ وعلينا أن نستثمركل النواحي التي لم يؤثر فيها ارض أو مسها مسا هينا.‏ وإيجاد دورللمريض داخل نطاق الأسرة يعتبر من الأهداف الرئيسية.‏ فيجب أن يعهدإليه ببعض الأعمال انزلية.‏ وذلك أمر يسير بالنسبة للمرضى من الإناثلكن حتى الذكور منهم يجب أن يتحملوا بعض اسئوليات انزلية فشعوراريض بأنه عضو فعال داخل الأسرة أمر مفيد له كما أنه يتيح لأفرادالأسرة أن يتخلصوا إلى حد كبير من مشاعر الشفقة والإحباط اتبقيةلديهم تجاه اريض.‏وقد لوحظ أن ارضى من العائلات الفقيرة يتم تأهيلهم داخل الأسرةأسرع من أولئك انتم إلى عائلات غنية.‏ فالأثرياء يلون للاعتماد علىغيرهم في أداء الأعمال الروتينية.‏ فمن الصعب في أسرة ثرية أن تعهد إلىاريض بأعمال منزلية.‏ ويجب تشجيع اريض على العناية بغرفته لكنيستحسن أيضا ألا يقتصر نشاطه على ما يتعلق به شخصيا.‏ بل علىالعكس عليه أن يشارك في أعمال تعود بالنفع على الأسرة ككل.‏وغالبا ما يفتقد اريض القدرة على ابادأة خصوصا بعد عودته مباشرةمن استشفى وعلى أفراد الأسرة أن يبادروا هم بحثه على ارسة بعضالأعمال وعليهم أن يكونوا صبورين إلى حد كبير.‏ فمن خصائص اريضفي تلك ارحلة أن يؤدي الأعمال ببطء شديد باقارنة بالشخص العادي.‏فضعف القدرة على التركيز ووجود أفكار دخيلة في ذهنه ومعوقات منشتى الأنواع كل ذلك قد يفوق أي نشاط يقوم به.‏ لكنه لو استمر رغم ذلكفي العمل على أسس مستقرة ولقي تشجيعا ا يفعل بصرف النظر عنبطئه فسينمو لديه شعور بالرضى.‏ وكلما قويت ثقته بنفسه كلما أصبح155


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأداؤه أسرع إيقاعا.‏وأحد الأسئلة التي تطرح كثيرا هي:‏ إذا لم يعد اريض شاعرا بالرضىعن أية أعمال أو مهام يعهد إليه بها داخل إطار انزل فهل يجب علىالأهل أن يوجدوا له عملا ما.‏ فقد يكون الأب والعم لكان مصنعا كبيرافهل يدبران وظيفة به للمريض?‏ أحيانا تكون هناك وظيفة شاغرة وأحياناأخرى يكون تدبيرها أمرا يسيرا.‏ ومرة أخرى لا نستطيع تقد إجابةواحدة لكل الحالات والقاعدة العامة الصحيحة هي أن الشخص الذييعاني من مشكلات خطيرة لا يجب أن يعمل لدى أقاربه.‏ فإذا كان قدأصبح سويا أو قريبا من السواء فيجب حثه على العمل لدى آخرين.‏ لكنمن ناحية أخرى إذا كان مازال شديد البطء أو كان غير قادر على الالتزامببرنامج يتطلب منه الاستيقاظ مبكرا والقيام بأعمال متنوعة فيمكن له-‏على الأقل مؤقتا ولدواع عملية بحتة-أن يعمل لدى الأب أو أحد الأقرباءذوي الاستعداد لتقبل بطئه أو عدم انتظامه في العمل.‏وقد لاحظ كثير من اعالج أن ارضى الذين يعودون من استشفىللحياة مع أزواجهم أو زوجاتهم يستعيدون قدرتهم على مزاولة الأعمالاهنية بصورة أفضل كثيرا من أولئك الذين يعودون للحياة مع والديهم.‏فشريك الحياة بعامة لا يعامل اريض على أنه شخص معتمد على الآخرينوهو أقل استعدادا لتقبل سلبيته كما أنه أكثر تشجيعا للمريض لأن يستعيددوره الإيجابي في الحياة.‏ بينما نجد الآباء من ناحية أخرى أكثر ميلامارسة الدور الأبوي ولتدعيم ايول الاعتمادية لدى اريض.‏ومن الأسئلة التي تطرح كثيرا السؤال التالي:‏ هل يجب أن ندفع اريضلأن يكون نشيطا أم لا?‏ ومرة أخرى لا توجد إجابة واحدة.‏ فبالنسبة للمرضىذوي ايل إلى السلبية يجب دفعهم دفعا بسيطا لكن يجب أن يكون دفعاحنونا بقفاز من حرير وألا يكون عن طريق الأوامر التسلطية بأي حال منالأحوال.‏ ويجب أن نشجع اريض وأن تدح عندما ينهي أي عمل منالأعمال بصرف النظر عن حجم نتائجه أو بطء أدائه.‏ والعكس صحيححينما يريد اريض الإقدام على أعمال ليس معدا لها بعد:‏ كأن يعودمباشرة لعمله.‏ أو أن يبحث عن وظيفة جديدة أو أن يعود لكليته لينهيالفصل الدراسي أو أن يعيش مستقلا في شقته الخاصة وما إلى ذلك.‏156


الحياة اليومية مع اريضففي مثل تلك الأحوال يلزم استخدام أساليب التأجيل فينصح اريض بأنيؤجل تلك اشاريع بعض الوقت حتى يصبح قادرا على مواجهتها بكفاءةأكبر.‏ ويجب ألا تثبط همته بأي حال من الأحوال وإا يقترح عليه تقسيممشروعاته إلى مراحل يتلو بعضها بعضا بتمهل.‏ ويجب في نفس الوقتحفزه إلى الاستفادة بها لديه من إمكانات كن توظيفها داخل انزل بدءامن قضاء بعض الحاجيات البسيطة إلى حساب ميزانية الأسرة.‏وقد نجد في بعض الأسر أنواعا أخرى من اشاكل فتوقعاتهم بالنسبةللمريض قد تكون أكبر بكثير من قدراته.‏ وقد ذكرنا أن شريك الحياةباقارنة بالوالدين عادة ما يكون أكثر حفزا للمريض على القيام بدورنشط.‏ وعلى الرغم من أن ذلك يؤدي بصفة عامة إلى نتائج إيجابية إلا أنهقد يكون ضارا باريض إذا كانت التوقعات أكبر من إمكانيات اريضالخارج من نوبة حادة.‏ فالزوجة قد تتوقع أن يقوم زوجها فورا بتحمل أعباءالأسرة االية.‏ والزوج قد يتوقع من زوجته أن تنهض بالكامل سئولياتهاكأم.‏ على أن إدراك حقيقة أن استعادة الصحة يتطلب وقتا من شأنه أنيخفف من حدة التوتر ونفاد الصبر وفتور الأمل.‏ومن الشكاوي الشائعة خصوصا ب الأزواج الشبان أن اريض الناقهقد ضعفت قدراته الجنسية.‏ إلا أن شريك الحياة حينما يعرف أنها حالةمؤقتة ستزول مستقبلا يصبح أكثر قدرة على تحملها.‏ وضعف الرغبةالجنسية يعود عموما إلى عديد من الأسباب أكثرها شيوعا هو تأثير الأدويةالتي يتعاطاها اريض.‏ فالعديد منها يضعف الرغبة الجنسية وبخاصةب الذكور وقد يؤدي إلى امتناع القذف.‏ وبعض الأطباء النفسي يخبرونمرضاهم بأنه من اتوقع أن يعانوا من ضعف رغباتهم الجنسية ويؤكدونلهم أن تلك حالة مؤقتة تزول بتقليل جرعة الدواء أو إيقافه أو تغييره.‏والكثير منهم يغفلون ذكر ذلك لشريك الحياة الذي يجب أن يعلم أيضا أنتلك حالة مؤقتة.‏وقد يرجع فقدان الرغبة الجنسية إلى أن اريض اعتاد ألا يهتم إطلاقابالأمور الجنسية أو أنه ظل منشغلا لفترة طويلة بأمور أخرى بحيث لم تنملديه الرغبات الجنسية أو تعود على عدم وجودها.‏ وفي أحيان أخرى يكونعلى اريض أن يعيد تقييم علاقته ‏(أو علاقتها)‏ بشريك حياته ليعرف أين157


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيقف.‏ وعلى شريك الحياة أن يحث اريض على أن يناقش مع اعالج مايعانيه من شعور بعدم الأمان أو القلق أو مشاعر العداء التي لم يتحرر منها.‏وثمة شيء مؤكد ويجب أن يكون واضحا.‏ هو أنه ليس صحيحا أنمريض الفصام في فترة النقاهة يكون فاقدا للشعور باللذة.‏ أي غير قادرعلى ارسة أي نوع من الذات ا فيها اللذة الجنسية.‏ فالحقيقة أناريض يكون قادرا على ارسة اللذة بالكامل جرد أن يشفى أو يقتربمن الشفاء بل إنه قد ارس اللذة الجنسية بدرجة لم يصل إليها قبلارض.‏ وثمة مجموعة من ارضى تشتد لديهم الشهوة الجنسية منذ بدايةارض وتظل كذلك طوال فترة ارض.‏التداخل وفرط التداخل:‏يساعد التشاور مع اعالج كلا من اريض وأسرته على تجنب مخاطرزيادة التعرض للمثيرات أو نقصه أي تواجد اريض في بيئة تتوقع منهأكثر بكثير من قدراته أو تقدم له أقل بكثير من احتياجاته.‏ والواقع أنتحديد التوازن الصحيح قد يكون صعبا في بعض الأحيان فزيادة اثيراتتفرض على اريض مواجهة متطلبات تفوق قدراته.‏ فإذا كان اريض ميالاللانسحاب خاملا أو بادي العزوف عما حوله فإن أقاربه حسنو النيةيحاولون جذب اهتمامه بعدد لا يحصى من الطرق فيأخذونه مثلا إلى دورالسينما واتاحف واسارح ويعيدون ويزيدون في الحديث إليه وفي روايةالحكايات عن الأيام الجميلة التي قضاها معهم في ااضي.‏ وقد يشعراريض أنه في غمرة طوفان وبخاصة إذا كان قد عاد لتوه من استشفىوهو رغم العلاج ورغم النشاطات اهنية يشعر أنه وحيد.‏ وقد يكون أمرابالغ اشقة بالنسبة إليه أن يحاول التأقلم مع وضع يتطلب قدرا زائدا منالتداخل أو يعرضه للتحدث كثيرا مع الآخرين.‏فإذا حدث حينئذ أن أشار اريض إلى بيته قائلا ‏«هذا ليس مكاني»‏ أوإذا قال:‏ ‏«إنني مضغوط من كل اتجاه»‏ فإن تلك الكلمات تعتبر ذات دلالاتخطرة.‏ وعلى الأهل إن يدركوا أن الوقت قد حان كي يرفعوا أيديهم عنه إذاجاز التعبير أو على الأقل يخففوا من قبضتهم عليه.‏ويفرق بعض الباحث البريطاني ب نوع من العبء الذي تتحمله158


الحياة اليومية مع اريضأسرة اريض هما العبء الذاتي وهو تقدير الأسرة دى اعاناة التييلاقونها بسبب حياة اريض بينهم والعبء اوضوعي وهو تقدير الباحثأنفسهم دى تلك اعاناة.‏ وطبقا لنتائج أولئك الباحث فقد وجد أن هناكتفاوتا ب التقديرين فقد كانت التقديرات اوضوعية أعلى دائما منالتقديرات الذاتية.‏ أي أن مدى اعاناة كان أكبر ا يعترف به أهل اريض.‏وطبعا بوسع ارء أن يتساءل عن حقيقة موضوعية تقدير أولئك الباحث‏.‏فالتقدير الذي يقوم به شخص من الخارج للوضع الأسري كن أيضا أنيكون ذاتيا نتيجة للمسافة الكبيرة التي تفصله عن ذلك الوضع أي لانعداموجود رابطة شعورية أو مشاركة مع اريض.‏ لكن على أي حال فما توصلواإليه من أن العبء اوضوعي كان أكبر كثيرا من العبء الذاتي يعطي فكرةطيبة عن أسر ارضى.‏ إذ يشير إلى أن معظم الأسر تبذل قصارى جهدهافي اشاركة في الأعباء الجسيمة لتأهيل شخص عزيز وأنها ترحب بتحملأعباء تلك العملية.‏وثمة مشكلة أخرى تتعلق بزيادة استثارة اريض أو نقصها.‏ تلك هيمشكلة فرط التداخل.‏ فقد وردت تقارير من باحث بريطاني استلهموابخاصة أفكار جون وينج John Wing الذي درس اوضوع بعمق.‏ فذهبوافيها إلى أن فرط التداخل من جانب الأسرة ا في ذلك التعبير عنعواطف زائدة عن الحد يؤدي في الانتكاس.‏ وقد كتب هو وزملاؤه قائل‏:‏‏«التعامل وجها لوجه دة خمس عشرة ساعة في الأسبوع أو يزيد بمريض فصامي وأحد أقربائه الشديدي الاهتمام به يعرضه بدرجة كبيرةلنوبة مرضية أخرى».‏فإذا كان من شأن التقارب أن يجدد الصراعات النفسية ويحول دونالخلوة مع النفس فإننا نصبح بلا شك أمام صورة فرط التداخل التيتحدث عنها وينج وزملاؤه.‏ على أن هذا النوع من فرط التداخل يبدو أنهامتداد ا كان عليه الحال في بعض أسر <strong>الفصامي</strong> حتى قبل حدوثارض.‏ فأفراد تلك الأسر لا ارسون تجاه بعضهم البعض مجرد الشعوربالتنافس.‏ بل يشعر الفرد منهم بأنه من حقه التدخل في تصرفات الآخروالانفعال بها ويتسم بحساسية خاصة تجاه أفعال الآخر وغالبا ما يفسرهاعلى نحو سلبي.‏ والواقع أن أفراد الأسر يود كل منهم مساعدة الآخر159


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهلكنهم بسبب من التشابكات الخاصة في علاقاتهم وبسبب ا يساورهممن الشعور بالقلق وعدم الثقة وسوء الفهم ينتهي بهم الأمر إلى أن يسيءكل منهم للآخر.‏ وهذا يذكرنا ببعض شخصيات تشيكوف التي بسبب طبيعةتكوينها وشدة الاهتمام والتداخل ب بعضها البعض تطورت بها الأمورتدريجيا إلى نهاية غير سارة.‏على أن فرط التداخل الذي يصل إلى درجة مرضية ليس شائعا بالصورةالتي قد توحي بها أقوال وينج وزملائه.‏ فالاختلافات الثقافية قد تلعبدورا في هذا الشأن.‏ فأبحاث وينج وزملائه إا أجريت في الغالب الأعمعلى مرضى وأسر ذات أصول انجلوسكسونية وما قد يعتبر فرط تداخلفي تلك الأوساط قد يكون هو الشائع األوف في أوساط الأسر الإيطاليةأو غيرها.‏ بتعبير آخر كن القول بأننا في تقييمنا ثل تلك العوامل عليناأن نضع في الاعتبار الخلفية العرقية ونوع الثقافة السائدة ب تلك الأسر.‏إساءة التأويل وكيفية تجنبها:‏ذكرنا آنفا أن اريض الناقه قد يسيء تفسير ما يقوله أفراد أسرته وقديسيء تأويل ما يجري بينه وبينهم دون أن يدرك أنه يفعل ذلك.‏ وهذا الأمريكثر حدوثه بخاصة في مرحلة معينة من مراحل التماثل للشفاء.‏ واريضح عودته لبيته را يكون قد تخلص من ضلالاته أو معتقداته الزائفةالتي لشدة بعدها عن الواقع يسهل على أي شخص معرفة أنها أعراضمرضية.‏ لكن اريض حاليا لا يفعل أكثر من إساءة التأويل.‏ وهي عمليةتنبني على الواقع لكن نسبة الحقيقة الواقعة فيها أو مكوناتها اخملتلفةتتغير.‏ فتلك التشويهات لدى اريض قد تحول الاهتمام الإنساني من جانبالأسر إلى ما يبدو أنه فرط تداخل مرضى أو تدخل في أموره الشخصيةأو تغامز عليه أو إهانة له.‏ وعلى الرغم من أن ايل للتشويه أو إساءةالتأويل أمور تتم معالجتها العلاج النفسي على يد الاختصاصي إلا أنه مناهم أن نوضحها لأفراد الأسرة حتى يتمكنوا من التعرف عليها ويتعلمواكيف نعون حدوثها.‏فقد يتوجه أحد أفراد الأسرة مجاملا للمريض قائلا:‏ ‏«لكم تبدو أنيقافي هذه الثياب»‏ فيتحول ذلك لدى اريض إلى أشنع الأكاذيب.‏ وقد تقال160


الحياة اليومية مع اريضكلمة تفتقر للكياسة فيراها اريض مثالا للزيف ولتشويه الواقع.‏ وكما رأينافي الفصل الخامس فإن ذلك ايل لتحوير الواقع إا ينشأ من حاجة لدىاريض لاستعادة ط مع مارسه في طفولته وهو ط نشأ في حينهليس فقط نتيجة ا حدث فعلا وإا ساهم في تكوينه نقص اعرفة لدىاريض وعدم نضج مرحلة الصبا وسوء الفهم.‏ فقد حدث مثلا أن أمإحدى اريضات أخبرتها قائلة:‏ ‏«إن حماتك مريضة».‏ فكان أن فسرتها كمالو كانت تقول لها:‏ إنك بصفاتك الشاذة قد تسببت في مرض حماتكمثلما تسببت في مرضى أنا ذات مرة».‏ ومرة أخرى سألت الأم أبنتهااريضة عما ستعده من طعام للعشاء.‏ ففسرت اريضة قول أمها بأنهينطوي على انتقادات لها.‏ إذ تصورت أن الأم بقولها ذاك إا تعنى أنالابنة لا تجيد الطهي ولا تعرف كيف تعد وجبة طعام.‏ وفي مناسبة أخرىنوهت الأم بجمال الشقة التي قامت شقيقة اريضة اتزوجة حديثا بتأثيثها.‏ففسرت اريضة-التي كانت باصادفة تغير من اهتمام أمها بشقيقتها-ذلكالقول على أنه يعني ‏«أن لأختك ذوقا يفضل ذوقك أنت بكثي».‏ومثل ذلك النوع من التفسيرات كن في الواقع أن يزيد من حدة قلقاريض ويعجل بنوبة ذهانية جديدة.‏ ولو لم يكن أفراد الأسرة متداخل معاريض را ما حدثت تلك اواقف الضارة.‏ على أن التباعد عن اريضليس مرغوبا أيضا ولا يسهل عملية التأهيل.‏ وإذا كان اريض يتلقى علاجانفسيا فسوف تتم مناقشة تلك الأحداث الصغيرة مع اعالج حتى يصفوالجو.‏ والأسرة ليست مهيأة لتأدية مثل تلك اهمة فقد يشرع أفراد الأسرةفي الدفاع عن أنفسهم دون داع وقد يتحول الحدث الصغير إلى مشاجرةلفظية حادة.‏من ناحية أخرى تلك اعالج بحكم تدريبه القدرة على أن يشرحللمريض اذا هو في حاجة لأن يتخذ طا جديدا وألا يحتفظ ويتشبثبالصورة القدة التي تكونت لديه عن قريبه.‏ وغالبا ما يصل اريض منخلال ذكر وتحليل الأحداث الصغيرة اليومية مع اعالج إلى أن يتب أنهإذا كانت لوالديه أو لأحد أقاربه اهم في حياته سمات سلبية فإن تلكالسمات لم تكن سهاما مصوبة نحوه خصيصا لإيذائه وإا كانت مجردخصائص لأولئك الأفراد لا يجب اعتبارها ثابة الطابع الغالب عليهم أو161


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالسمات امثلة لشخصياتهم ككل.‏ ففي اثال السابق مثلا عن اريضةوأمها كننا أن نلمس بعض عناصر العداء في ملاحظات الأم والواقع أنللمرء أن يفكر في أن تلك اريضة لم تكن غير مسيئة تأويل ما يحدثفحسب بل إنها كانت شديدة القرب من الواقع لأنها أصبحت حساسةبشكل خاص لعدائية أمها تجاهها.‏ تلك العدائية التي يريد الآخرون أنينكروها.‏ وهو موقف يذكرنا سرحية بيرانديللو Pirandello حيث لا نستطيعأن نعرف من اخملطئ ومن اصيب.‏ وعلى اعالج أن يساعد الابنة علىإدراك أنها-را كانت مصيبة في تقييم بعض الجوانب الخاصة في سلوكأمها تجاهها.‏ نعم فقد يكون ثمة ما هو أكثر من عنصر عداء في ملاحظاتالأم لكن قد لا تكون على وعي بها.‏ بل إنه حتى في أشد العلاقات حبا نجدبعض عناصر العداء وعلينا أن نقيمها بنسبتها الصحيحة دون تضخيم منشأنها.‏ففي كل علاقة واتصال إنساني وفي كل حدث اجتماعي يوجد عديدمن الأبعاد واعاني.‏ واريض يركز على بعض الأجزاء السلبية ويغفل الإبعادالأخرى للعلاقة الثرية التي را تضمنت مشاعر حارة واهتماما أصيلا.‏لكنه من الصعب على اريض أن يتحمل أي تناقض في اشاعر أو أيتعدد للأبعاد.‏ على أن العلاج النفسي قدوره أن يساعد على تقبل تلكالتعددية كسمة أصيلة في حياة البشر.‏واثال الذي ذكرناه كن أن يعطي لأفراد الأسرة فكرة عن كيفية تحسعلاقتهم باريض الناقه.‏ فعلى الأسرة أن تتعرف على مواطن الحساسيةارضية لدى اريض وأن تتجنب مساسها وقد لا يكون ذلك بطبيعة الحالأمرا يسيرا.‏ فالأم كانت تعلم أن ابنتها اريضة لديها شعور بالغيرة تجاهشقيقتها وكانت تعلم أنها تشعر بعدم كفاءتها في الأعمال انزلية والطهي.‏وكانت تعلم أيضا أن ابنتها ركزت كل اهتمامها في عملها اهني.‏ فلماذاتطرح عليها مثل تلك الأمور?‏ وفيما يتعلق بحماة ابنتها اذا لم تدع أمرإخبارها رضها لزوجها?‏ كل ذلك يشير إلى أن الأم كانت على نحو ما غيرعابئة شاعر أبنتها.‏ لكن ليس بالضرورة إلى ذلك الحد من السوء أوالعدوانية اتعمدة كما تصورت ابنتها.‏ وعدم حساسية الأم تجاه ابنتهاكن أن يكون بدوره نتاجا لعوامل سيكلوجية ليس هنا مجال بحثها.‏ وكما162


الحياة اليومية مع اريضأشرنا سابقا فإن الحياة مع مريض ناقه يتطلب قدرا وافرا من الحساسيةمن جانب أفراد الأسرة.‏ وبقدر ما يكتسب أفراد الأسرة درجة عالية منالحساسية بقدر ما تتحقق منافع عديدة للجميع.‏لقد ذكرنا بعضا من اواقف التي يجب أن تتخذها الأسرة تجاه مريضهاوهي مواقف تتسم بالاختلاف وأحيانا بالتعارض ونوهنا بالصعوبات التيتكتنف الاختيار بينها.‏ وعلينا أن نشير هنا إلى بعض اشكلات الأخرى.‏واحدة من تلك اشاكل تنشأ من الوضع الذي يكون فيه اريض بحاجة إلىالصحبة وإلى الخصوصية الشخصية في نفس الوقت وتكون كلتاهماضرورية بالنسبة إليه ويجب أن تلبى.‏ لذلك يلزم توفير الوقت للحاجتكلتيهما.‏ مشكلة أخرى تنشأ من التوازن الصعب الذي يجب الالتزام به بحاجة اريض للحرية وحاجته للنظام.‏ إذ يجب أن ارس اريض الشعوربحرية أن يفعل ما يشاء لكنه عليه أن يقبل الالتزام بنوع من النظام منالروت أو البرنامج اليومي كل الأول خلال الشهور الأولى التالية لعودته مناستشفى.‏ وعلى الرغم من أن نشاطه اليومي يجب أن يكون منظما إلا أنهيجب ألا يكون مزدحما بكثرة من الأعمال وألا تكون تلك الأعمال معقدة.‏ودرجة تعقد الأعمال اليومية يجب أن تتعدل وفقا لقدرات اريض.‏وليس قدور البيت أن يوفر جميع الاحتياجات لشخص على الرغممن أنه في مرحلة النقاهة إلا أنه غير قادر بعد على استئناف نشاطاتهاعتادة.‏ ويفضل للمريض كما سنرى في الفصل التاسع أن يقضي بعضالوقت في إحدى استشفيات النهارية أو أحد أندية ارضى السابق‏.‏ويستحسن أن تقتصر الاستعانة رافق نفساني أو رض أو مساعدعلاجي على ارضى الذين لا يتماثلون للشفاء أو حتى الذين لا تتحسنحالتهم بدرجة كبيرة وسنناقش هذه النقطة في الفصل العاشر.‏وإذا ظل اريض على صلة باستشفى الذي عولج به فغالبا ما تقعمهمة اتابعة هنا على عاتق الأخصائي الاجتماعي.‏ وقد تغير وضعالأخصائي الاجتماعي مع بروز فكرة الوسط التأهيلي ريض الفصام فيفترة النقاهة.‏ فبينما كانت اهمة التي تطلبتها استشفى أو الطبيب النفسيمن الأخصائي الاجتماعي في الخمسينيات والستينيات هي التحري الدقيقعن مدى إسهام العوامل الأسرية في الحالة ارضية أصبحت اهمة التي163


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيقوم بها حاليا هي استكشاف كل العوامل والإمكانات الإيجابية في أسرةاريض والتي كن أن تفيد في تأهيله.‏ فقد أصبح باستطاعة أي أخصائياجتماعي-أن يلعب دورا نشطا في تنظيم برنامج لحياة اريض.‏أحداث هامة وقرارات هامةتواجه العائلة أحيانا بأحداث غير عادية في حياة اريض.‏ وعلى الرغممن أن تلك الأحداث عادة ما تناقش باستفاضة مع اعالج إلا أن الأسرةقد تجد نفسها في قلب الحدث حتى قبل أن يعرف اعالج.‏ وقد لا يكونهناك معالج يحال إليه اوضوع.‏ فقد نجد أن اريض قد تعرف علىشخص من الجنس الآخر ويرغب في أن يذهب لإقامة معه أو معها.‏ وفيأحيان أخرى قد يرغب اريض في إام الخطوبة أو عقد القران مباشرة.‏ويكون لدى الأسرة شعور قوي بأن اريض ليس مؤهلا لذلك بعد لكنها فينفس الوقت لا تريد أن تضغط عليه إلى الحد الذي يجعله يشعر بأنه مقيدأو أنهم يتحكمون في تصرفاته دون وجه حق.‏ والحل الأمثل هنا هو استخدامطريقة التأجيل.‏ فتحاول الأسرة إقناع اريض بأن عليه أن يتريث إلى أنيشعر بأنه أكثر قدرة على تنفيذ مشروعه دون عناء.‏ لكن إذا أصر اريضولم تنجح محاولات إقناعه بالتأجيل فأفضل شيء هو أن ضي الأسرةمعه في مشروعه وتؤازره قدر الإمكان.‏ ولا ننصح بأن تتخذ الأسرة موقفالغضب الصريح أو اعارضة أو الانتقام فهذه كلها قد تأتي بنتائج عكسية.‏ونفس الشيء كن أن يقال عن اريضة الناقهة التي تريد أن تحملفالحمل والأمومة تعتبر تحديا حقيقيا لكل النساء والإقدام على ذلك لايوصي به بينما اريضة لا تزال في مرحلة النقاهة ودعوني أوضح هذهالنقطة حتى لا يساء فهمي.‏ فأنا لا أقول إن اريضة الناقهة أو السابقة لايجب أن تصبح أما.‏ فبعض منهن أمهات تازات.‏ إلا أنه بالنسبة لكثير مناريضات-حتى اللواتي يحققن أفضل النتائج منهن-توجد هناك فترة معينة‏(عام على الأقل وحتى خمسة أعوام)‏ تتميز ببعض الصعوبة في مواجهةتحديات غير عادية وذات مسئوليات مثل الحمل والولادة والأمومة فإذاكانت اريضة لازالت تتعاطى علاجا دوائيا فعليها أن تكون أشد حيطةتجاه الحمل لأن تأثير الأدوية على الحمل والرضاعة لم يتضح بعد بجلاء164


الحياة اليومية مع اريضعلى الرغم من أنه ليس ثمة دليل على أنها تحدث تشوهات في الجن‏.‏وهناك نسبة ما من الدواء تفرز مع ل الثدي.‏وأحيانا يريد اريض الإقدام على عمل خطير الشأن كأن يهجر شريكحياته وأولاده.‏ وشريك الحياة الذي يواجه بالتهديد بأن يترك وحيدا بعدماتحمل معاناة الوقوف بجانب اريض أثناء مرضه وقدم له الإخلاصواساندة يشعر هانة جارحة وأحيانا يكون شريك الحياة مستعدا لقبولذلك القرار لكن غالبا بلا استعداد للتراجع.‏ ومرة أخرى فالحل الأمثل هوطريقة التأجيل لكن إذا مضى في مشروعاته فعلى الأسرة أن تؤازره.‏ويجب أن نعرف أن اريض لا يتخلى عن علاقة عائلية هامة بسبب رغبة أونزوة عابرة لكن بسبب عدم قدرته على تحمل تلك الأوضاع.‏ وإذا كانهناك أطفال سهم ذلك القرار فيجب أن تبذل كل الجهود لرعايتهم.‏وعلى الرغم من أنه قد سبق لي القول بأن بعض <strong>الفصامي</strong> السابق أوحتى الحالي قد يكونون آباء تازين إلا أنه من الصحيح أيضا أن<strong>الفصامي</strong> الناقه الذين يشعرون بعدم قدرة على مواجهة أوضاعهمالاجتماعية كن أن يكونوا شديدي الإزعاج بالنسبة للأطفال وفي هذهالحالة يجب البحث عن والد بديل.‏وهناك سؤال آخر يطرح كثيرا وهو:‏ هل من الصواب إخبار اريضالناقه بحدث مؤلم ‏(وفاة مفاجئة أو مرض جسيم)‏ يكون قد وقع لأحدالأقرباء أو الأشخاص الأعزاء لدى اريض?.‏ منذ ما يزيد عن ثلاث عاماحينما كنت أعمل ستشفى حكومية كان الأطباء الأقدم مني يخبروننيبأن عليّ‏ أن أنصح أفراد أسرة اريض أن يخبروه بالحقيقة دائما.‏ ومناؤكد أننا لا نريد أن نكذب على اريض أو سواه.‏ لكن هناك أوقات ملائمة.‏وأوقات غير ملائمة للإخبار بالحقائق.‏ وكان أطباء استشفى الحكوميةيصرون على أنه لم يحدث أن نتج أي ضرر من كشف الحقائق السيئةللمريض.‏ وكانوا آنذاك يشيرون إلى مجموعة من ارضى الذين كانوابالإضافة رضهم يعيشون في حالة اغتراب عن اجملتمع تعضدها الظروفالقائمة حينذاك.‏ وكثير منهم كانوا غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم.‏فالبلادة الظاهرية لا يجب أن تفسر على أنها فقدان للمشاعر.‏ فحتىمريض الفصام التصلبي ‏(الكاتاتوني)‏ الذي يبدو متبلد الإحساس وجامدا165


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهكالتمثال لديه مشاعر شديدة القوة.‏ فثمة بركان من الانفعالات وراء مظهرهاتحجر.‏لكن اوقف يختلف اما بالشبة للفصامي الناقه.‏ فهو شديد الحساسيةولن يغفر لأهله عدم إخبارهم إياه بالحقيقة.‏ غير أن معرفة الحقيقة كنأن تكون أمرا ضارا له إذا كانت حالته لم تستقر بعد وكان لا يزال يجاهدفي سبيل استعادة صحته الكاملة.‏ وفي هذه الحالة يجب أن يهيأ اريضتدريجيا لسماع النبأ ولا يخبر به صراحة إلا عندما يكون قد أصبح متوقعاحدوثه ويكون قد فكر بينه وب نفسه في كيفية مواجهته.‏وهناك مسألة أخرى وهي اذا ننصح اريض إذا تساءل عما إذا كانعليه أن يخبر أشخاصا مهم في حياته بحقيقة مرضه.‏ فإذا تقدم لخطوبةفتاة هل يخبرها بأنه كان مريضا فصاميا?‏ وإذا تقدم للالتحاق بإحدىالكليات هل يذكر في طلب الالتحاق أنه قد دخل استشفى للعلاج منمرض عقلي?‏ مرة أخرى أتذكر أنني عندما كنت طبيبا مقيما قيل لي أنعليّ‏ أن أوصي اريض بأن يقول الصدق دائما.‏ ونحن بالتأكيد نود أنتعرف الحقائق وأن تسود دائما.‏ فالشخص الذي يشرع في إقامة علاقةحميمة مع شخص آخر كشريك حياة لا شك يرغب في أن يعرف عنه كلالأمور الهامة في حياته ويكون متفائلا بشأن نتائج إخباره بها.‏ لكن ذلكأمر مختلف عن توجيه اريض لأن يكشف حقائق حياته الشخصية.‏ فليسلأحد الحق في ذلك سواء بالنسبة للمعالج أم بالنسبة للوالدين.‏ إذ يجب أنيترك الأمر للمريض نفسه ليختار ويتخذ القرار ومن حق الآخرين أنيقرروا ما يشاءون بشأن تلك الأنباء.‏أما فيما يتعلق بذكر مرضه في طلب الالتحاق بإحدى الكليات أود أنأقول أنه قدورنا دائما أن نوصي اريض بقول الصدق لكن ذلك مرةأخرى مسئولية جسيمة.‏ فعلى اريض وحده أو بالاشتراك مع أسرته أنيقرروا ما يفعلون بهذا الشأن.‏ وقد يبدو ذلك أمرا غريبا بالنسبة للقارلكن على أن أذكر هنا بعض الخبرات غير السارة اتعلقة بهذا الأمر.‏ إذحدث أن عالجت بعض ارضى الذين ذكروا موضوع مرضهم عند تقدمهمللكليات أو الذين علمت لجنة القبول بهذا الأمر من مدرسيهم أو عمداءكلياتهم.‏ وحدث في عديد من الحالات أنهم وجدوا صعوبة في قبولهم166


الحياة اليومية مع اريضببعض الكليات على الرغم من أنهم كانوا قد اثلوا اما للشفاء وكانتلديهم تقارير أكادية تازة.‏ فما يزال بعض أعضاء لجان القبول بالكلياتوادارس العليا لديهم تحفظات على ارض العقلي على الرغم من تأكيدهمعكس ذلك.‏ وإن كان من الإنصاف أن أذكر أن ذلك اوقف اتحفظ آخذفي الأفول وأن بعض مرضاي قد قبلوا في أفضل الكليات على الرغم منمرضهم السابق الذي ذكره صراحة.‏ فالكليات ذات استوى الجيد التيعلى دراية بالتطورات الجديدة في الطب والتي لديها أعضاء هيئة تدريسذوى ثقافة سيكلوجية عالية ليست لديها تحفظات من ذلك النوع.‏ لكنأحيانا يكون من الصعب تحديد الاتجاه السائد بالنسبة لكلية معينة.‏ملاحظات ختامية:‏خلاصة القول إن الحياة مع فصامي ناقه أمر شاق لكنه ليس مناستحيل التغلب على مشقته.‏ وكن أن يكون ذا نتائج مثمرة ليس فقطبالنسبة للمريض بل لكل اشارك فيه.‏ ولو قارنا ب الحياة مع فصاميناقه وب الحياة مع مدمن خمر أو فاقد للبصر أو مريض صرع أو مريضبأحد الأمراض ازمنة اعوقة لوجدنا أن الحياة مع <strong>الفصامي</strong> أيسر كثيرا.‏ففي كثير من الأحيان يسود جو من الأمل كما أن الشعور بالرضى الناشئعن تحقق نتائج جزئية على الأقل كثمرة لتعاون أفراد الأسرة يخلق مزيدامن الشعور بالارتياح والتفاؤل.‏ وحتى بالنسبة للأسرة التي لديها أطفالفعلى الرغم من أن اصاعب تصبح أشد إلا أنها كن التغلب عليها.‏ فإذاكان الأطفال قد بلغوا من العمر درجة تسمح لهم بالفهم فيجب إخبارهمبأن أحد أفراد الأسرة مريض ويحتاج لطريقة خاصة في التعامل معه.‏والتصرفات الغريبة التي قد تصدر عن اريض يجب أن تفسر لهم علىإنها جزء من الحالة ارضية وأن تؤخذ مأخذ الجد اصحوب بالتفاؤل.‏والأطفال عادة ما يستجيبون بصورة طيبة للظروف السيئة أو غير السويةشريطة أن تتوفر لديهم بدائل تعوضهم عنها.‏ ووجود فرد مريض في أسرةيسود فيها جو من التعاطف الدافئ واناقشة الصريحة لا يشكل سوىجزء أصغر ا نتصور عادة من حياة الطفل وقد يكون من شأنه أحيانا أنيساعده على النضج.‏167


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده168


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالنتائج:‏ الصور الإكلينيكيةطرق المعالجة،‏ الرعاية9تتراوح نتائج مرض الفصام كما ذكرنا فيالفصل الأول ب الشفاء الكامل وب التدهورازمن.‏ويجب تأكيد أن عدد الحالات التي تحقق نتائجطيبة يتزايد ومع تحسن طرق العلاج في استقبلسيصبح معدل الشفاء الكامل أعلى من اعدلالحالي.‏ويعتبر العاان الفنلنديان:‏ نيسكانوآشته Achte من ب من قاموا بأهم الدراساتالإحصائية حول نتائج حالات الفصام ح أجريادراستيهما على ارضى الذين دخلوا استشفياتالنفسية في أعوام ٬١٩٥٠ و‎١٩٦٠‎ و‎١٩٦٥‎‏.‏ وكانت نسبةارضى الذين شفاؤهم بالكامل أو استأنفواحياتهم الاجتماعية بعد خمس سنوات من ارض:‏Niskanen%٦٩ عام ١٩٥٠ و %٦٨ عام ٬١٩٦٠ و %٥٤ عام .١٩٦٥كما أن نسبة ارضى الذين استدعت حالتهم العودةللمستشفى بعد خمس سنوات تناقصت باطراد:‏فقد كانتثم%٢٢ عام ١٩٥٠ وأصبحت %١٤ عام ١٩٦٠%١٠ عام .١٩٦٥169


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوالواقع أن تلك النتائج مشجعة ونستطيع أن نؤكد أن حوالي ثلثيارضى يتم شفاؤهم أو يصبحون بدرجة أو أخرى قادرين على ارسةحياتهم الاجتماعية.‏وقد كاف تقييم النتائج المحتملة للمرضى أو التنبؤ بها يتم في ااضيقبل اختراع طرق العلاج الحديثة على أساس واحد هو خصائص الأعراضالأولية ومسار ارض إلا أن التأكيد قد تحول في الوقت الراهن إلىالتأثير في مسار الفصام بدلا من ترك الآمر متعلقا كلية بالجوانب الإيجابيةفي الأغراض الأولية.‏على أن تقييم الأعراض يظل مهما.‏ ومن أهم الخصائص اواتية مايلي:‏١- كلما كانت البداية حادة كلما كان الشفاء أكثر احتمالا.‏ وإن كان ذلكلا ينطبق على بعض الحالات.‏٢- إذا كان قد حدث ظرف خاص وواضح ووثيق الصلة بالحالة ارضيةمثل فقدان الوظيفة أو فسخ الخطوبة أو إنجاب طفل وكان قد لعب-‏ضمن عوامل أخرى-دورا هاما في حدوث ارض أفمن ارجح أن يستعيداريض توازنه عند زوال ذلك الظرف أو زوال تأثيره.‏٣- القلق الواعي يعتبر من العلامات الهامة اواتية لنتائج طيبة فوجودهيعني أنه لم يحدث للمريض تبلد انفعالي-وهو عنصر غير موات-يحول بينهوب التعبير عن تلك اشاعر حتى على مستوى الوعي.‏ ومشاعر القلقتلك لكونها مؤة تحفز اريض على مواصلة البحث عن الحقيقة وراالعودة إليها.‏٤- الشخصية العاصفية تعتبر عنصرا مواتيا.‏٥- تجاوب اريض مع اعالج وهيئة التمريض يعتبر عنصرا مواتيا.‏وبخاصة بالنسبة رضى الفصام البارانويى.‏٦- القدرة على الإدعاء أو الكذب تعتبر علامة مواتية.‏ فاعتقداتالضلالية هي بالنسبة للمريض واقع حقيقي لا ادعاء فيه ففي الحالاتاتقدمة لا يستطيع اريض ح يسأل عن معتقداته الضلالية أن ينكرهاأو يكذب بشأنها لأنه لا يستطيع أن يفكر تفكيرا تجريديا فيضع فرضامتخيلا.‏ إذ أن إنكاره لضلالات هي بالنسبة له حقيقة يتطلب قدرة على170


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالتجريد أو التصور الذهني جملموعة من الوقائع هي بالنسبة له غير حقيقية.‏وعندما يصبح اريض قادرا على الكذب بشأن تلك الضلالات فهذا يعنيأنه في طريقه للشفاء.‏ ولن يظل يكذب طويلا لأن الضلالات نفسها سرعانما تختفي.‏ ‏(لكن علينا أن نتذكر أن مرضى الفصام الذين يعالجون حتىبجرعات متوسطة من العقاقير غالبا ما يستعيدون القدرة على الكذب.‏لذلك لا ينطبق عليهم هذا اعيار).‏أما الخصائص التي تعتبر غير مواتية في معظم الحالات لا جميعهافهي:‏١- حدوث ارض بصورة بطيئة وغير ظاهرة.‏٢- عدم وجود عوامل ذات صلة وثيقة بحدوث ارض أو أسبابسيكولوجية واضحة.‏٣- تبلد اشاعر واتسام شخصية اريض بطابع شيزويدي ‏(انطوائي)‏واضح.‏٤- اتخاذ اريض موقفا مناوئا للأطباء وهيئة التمريض.‏٥- تبرئة اريض لنفسه وإلقائه اللوم على الآخرين.‏ وهذا اعيار لاينطبق على جميع الحالات.‏٦- تقبل اريض لحالته ارضية واستسلامه لها.‏ وهي صفة تتسم بهااراحل اتقدمة للمرض.‏وسنتناول فيما يلي ثلاث مجموعات من ارضى:‏١- أولئك الذين تغلبوا اما على مرضهم.‏٢- أولئك الذين يظلون في حالة مرضية متوسطة.‏٣- أولئك الذين أصبحوا مرضى مزمن‏.‏المرضى الذين تغلبوا على الفصام:‏نعم فمرض الفصام قابل للشفاء.‏ فهناك فصاميون تتحسن حالتهمويشفون اما على الرغم من النظرة اتشائمة التي سادت في ااضي.‏وإن كانت نسبتهم لا تتجاوز ثلث مجموع ارضى.‏ ويجب هنا أن نوضح مانعنيه بكلمة ‏«شفاء».‏ وقد ذكرنا أن اختفاء الأعراض وإن كان يعد أمراطيبا إلا أنه ليس أفضل اطلوب في الأمراض النفسية.‏ فالطب التقليدي171


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيعتبر أن الشفاء هو عودة اريض للحالة التي كان عليها قبل ارض.‏ لكنالطبيب النفسي لا يرضيه أن يستعيد اريض شخصيته الأولى التي اتسمتبكثير من نقاط الضعف وكانت بحكم تكوينها عرضة للمرض العقلي.‏ فهوينشد ما هو أكثر من ذلك.‏ إذ يريد من اريض أن يكتسب القدرة علىإقامة علاقات طيبة مع الآخرين وعلاقات حميمة مع بعض الأفرادوعلاقات محبة تجاه شريك حياته وتجاه أطفاله.‏ فعلى اريض أن يعيدتنظيم جوانب شخصيته بحيث يكتسب شعورا بالهوية.‏ فيعرف من هوويتقبل نفسه بل ويحبها.‏ ويكون لديه أهداف وآمال ويؤمن بإمكانية تحقيقذاته.‏ وبعبارة أخرى عليه أن يرى نفسه ويرى الحياة والعالم واستقبلنظار مختلف.‏ومن امكن تحقيق تلك النتائج مع عدد كبير من الحالات ويذكر كثيرمن ارضى السابق أن ارض كان مفيدا لهم كان ثابة خبرة عليهم أنروا بها لكي يصبحوا قادرين على مواجهة الحياة دون خوف وبقدر أقلمن الصراعات النفسية ومن التردد وبقدرة أكبر على مواجهة الصعوباتوالتغلب عليها.‏ فهم يشعرون كأا ولدوا من جديد.‏ وقد يحدث أثناء ارضأن يتكون لديهم على مستوى اعتقدات الضلالية وكمحاولة للهروب منواقع حياتهم اعتقاد بأنهم ولدوا من جديد باعنى الحرفي للكلمة.‏ لكنهمالآن يشعرون كما لو كانوا قد ولدوا من جديد لأنهم يكتشفون في أنفسهمقدرات لم يحلموا بامتلاكها من قبل.‏ ونحن كأطباء نفسي لا نذهب إلىهذا ادى فنقود معهم بأنه من افيد أن ر الإنسان بخبرة فصامية.‏ فهوأمر لا ننصح به.‏ فنحن نفضل تجنب الفصام ما أمكن لأن النتائج لا كنالتأكد منها.‏ لكن لا شك في أن كثيرا من ارضى يصلون بفضل العلاجالدوائي والعلاج النفسي إلى درجة من النضج أعلى ا كانوا عليه قبلارض.‏أما إذا كنا نعني بالشفاء اكتساب حالة من الحصانة نع تكرار النوباتارضية مرة أخرى فحينئذ نصبح في وضع لا نستطيع فيه أن نقطعبشيء.‏ فالنتائج الإحصائية مازالت متضاربة والطرق التي تستخدم فيالوصول إليها لا تقبل إجراء مقارنة بينها.‏ لكن قدورنا أن نؤكد أنه إذا مانجح العلاج في تغيير السمات السيكولوجية الأساسية للمريض وكان قدوره172


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةأن يعيد تنظيم جوانب شخصيته الأساسية فاحتمال حدوث انتكاساتيصبح أقل كثيرا.‏ فارضى الذين يتم علاجهم بنجاح يتعلمون على استوىالعملي كيف يتصرفون إزاء تحديات الحياة.‏ ويتعلمون أيضا كيفية التعرفعلى الأمور التي لا قبل لهم بها وكيفية تجنبها.‏ كذلك يتعلمون كيفية التعرفعلى ذلك النوع من القلق الذي ح يحدث لا تخف حدته بل تتزايد وكيفيةتجنبه.‏وقد راجعت الحالات التي علاجها بكفاءة ختلف أنواع العلاجاتا فيها العلاج النفسي اكثف وتوصلت إلى أن تنبؤاتي اتفائلة بشأنهاثبتت دقتها في معظم الحالات.‏ على أن بعض الحالات عولجت علاجااعتبر كافيا لكنها انتكست فيما بعد.‏ فقد ظلت ذات قابلية للمرض عندتعرضها واقف مثيرة للشعور بالخوف.‏ على أنه من اهم أن نضيف هنا أنالانتكاسات في معظم تلك الحالات كانت من درجة متوسطة وأنها شفيت.‏والنكسات <strong>الفصامي</strong>ة تقيم حاليا بصورة مختلفة عما كانت قبل التطوراتالتي حدثت في طرق العلاج الرئيسية وبخاصة العارفي النفسي الديناميكياكثف.‏ فالنوبة ارضية الثالثة كانت تعتبر في ااضي ذات دلالة حاسمة.‏إذ كانت تعني أن اريض قد دخل في مرحلة الفصام ازمن الذي لا شفاءله.‏ لكننا نجد حاليا أن النوبة الثانية والثالثة تكون عموما أخف من سابقتهاوأقصر مدى.‏ وحدوثها لا يعني إطلاقا أن ارض أصبح مزمنا ويجب أنيُطمْأن اريض وأسرته بهذا الشأن.‏ ومسار ارض لا يصبح موضع شكشديد إلا حينما نجد النوبات التالية أشد خطورة من سابقتها.‏ وقد وجدكثير من الأطباء النفسي أن ارضى السابق قد استطاعوا التوصل إلىأسلوب في الحياة مرض للغاية.‏ فالبعض منهم قد وصل إلى مراكز مهمةفي.‏ عالم رجال الأعمال وعالم الفنون أو اجملال الأكادي وما إلى ذلك.‏ولو بحثت عن صفة سلبية مشتركة ب ارضى الذين عالجتهم علاجاكافيا لوجدت أن نسبة كبيرة منهم قد تزوجوا بأشخاص أقل منهم ذكاء.‏ إلاأن الصفة الإيجابية اشتركة بينهم هي أنهم يصبحون في نهاية الأمرقادرين على تحقيق الحب في حياتهم وإن كان بدرجات متفاوتة.‏على أن ذلك لا يعني أن متاعب اريض تختفي اما بعد العلاج الناجح.‏وهناك عبارة شهيرة لفريدا فروم-رايشمان Frieda Fromm-Reichmann تقول173


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبأننا لا نستطيع أن نعد بحديقة وردية.‏ إذ سيكون من غير الواقعي أن نعتبرالوعد بالحياة وعدا بحديقة مزهرة.‏ فذلك أمر خيالي بالنسبة للمريضمثلما هو بالنسبة لنا نحن لكن الواقعي هو أن نعد اريض ا نعد بهأنفسنا-أننا في استقبل القريب أو البعيد سيكون لنا حديقتنا الصغيرة.‏المرضى الذين يظلون في حالة مرضية متوسطة:‏الصورة ليست وردية دائما.‏ فقد ذكرنا أن نسبة تتراوح بمن ارضى لا يحقق العلاج لهم سوى نتائج جزئية.‏وينتج عن ذلك أوضاع عديدة.‏ فبعض ارضى على الرغم من وجودأعراض مرضية لديهم يصبحون قادرين على تحقيق درجة من التكيفأعلى ا كانت لديهم قبل ارض والبعض الآخر تظهر لديهم أعراضمرضية بدرجة أكبر بحيث لا نستطيع القول بأنهم قد كنوا من الوصولحتى إلى درجة التكيف على نفس استوى الذي كان لديهم قبل ارض.‏ولا يجب أن يطغى جو التشاؤم على الاعتبارات الأخرى في مثل تلكالحالات.‏ ففي بعض منها قد يستمر التحسن في الحدوث ببطء على مدىسن عديدة.‏ وأحيانا يكون التحسن بطيئا لدرجة تدق على الاحظةلكننا عندما نقيّم الحالة بعد مضي فترة طويلة نلحظ تحسنا ملموسا.‏ويذكرني ذلك بطريقة التصوير ذات الحركة اتقطعة فلو أننا صورنا والنبات وتفتح الزهور بالحركة العادية لحصلنا على شريط ساكن.‏ إذ لايبدو في صوره أي تغير.‏ لكن بطريقة الحركة اتقطعة يتم تصوير النباتعلى فترات ثم تجمع الصور متتابعة فنلاحظ النمو والازدهار عند رؤيتناللنبات في لحظات مختلفة عبر فترة زمنية طويلة.‏وإذا كان اريض يعيش مع أسرته فيجب اتباع الطرق التي ذكرت فيالفصل الثامن وفي الحالات العديدة اغايرة يجب الاستعانة ببعضالإمكانات اتاحة خارج الأسرة وسوف نتحدث عنها في فقرة لاحقة.‏والصور الإكلينيكية للمرضى الذين يظلون في حالة مرضية متوسطةتتعدد وتتخذ أشكالا مختلفة.‏ ففي عدد قليل من الحالات نجد اريضشديد الإقبال على الحياة وعلى الاستمتاع بها اما مثلما يفعل بعضالأشخاص العادي‏.‏ لكننا نجد في معظم الأحيان أن اريض يفتقد٣٠ إلى %٤٠174


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالتلقائية والاندماج الانفعالي كما يفتقد حس الالتزام والرغبة في اشاركةوالإسهام إذ يصبح غير قادر على بدء فعل ما.‏ ويحتاج إلى حفز مستمرلكن ذلك يجب أن يتسم بالرقة واللطف الشديدين وإلا فقد يضر أكثر اينفع.‏ وإذا طلب من اريض أن يركز تفكيره في موضوع مع تجده غيرقادر على ذلك وتتسم استجابته بالنفور وعدم الوضوح.‏ وقد تجد بعضارض وقد استولت عليهم حالة من التشكك فيما يحدث حولهم.‏ فيواصلونتفسير كل ما يحدث على أنه فعل مدبر خصيصا ضدهم.‏ وفي بعضالحالات النادرة نجد اريض يسمع أصواتا لا وجود لها ويعبر عن أفكارشديدة الغرابة إلا أن اعدل الذي تحدث به تلك الأعراض لا يقارن إطلاقاا كانت عليه الحالة ارضية الحادة.‏ والبعض منهم يختزل نشاطاتهالحياتية حتى تقتصر على بعض الأعمال الروتينية وما لم تتم مساعدتهمبدأب وصبر فستصبح حياتهم شديدة الفقر في محتواها السيكولوجي.‏ولدينا هدفان أساسيان علينا أن نسعى للوصول إليهما مع ارضىالذين يظلون في حالة مرضية متوسطة.‏١- التأكد من أن اريض مستمر في تعاطي العلاج الذي وصف له أثناءمرضه ويتكون العلاج الذي يجب أن يحدده الأخصائي من نفس أنواعالعلاجات التي تحدثنا عنها في الفصل السادس مع بعض التعديلات.‏٢- الإعداد لتأهيل اريض واستئنافه حياته سواء في بيئته الأصلية أمفي بيئة جديدة واضع في الاعتبار ما إذا كان اريض قد تخلص منبعض اعوقات التي سببها ارض أم لا.‏وكن صياغة ذلك بصورة أخرى:‏١- استعادة الصحة العقلية.‏٢- اكتساب القدرة على الحياة بصورة مقبولة على الرغم من بقاياارض.‏وهناك بعض القواعد العملية التي قد تفيدنا في التعامل مع ارضىالذين تحسنت حالتهم جزئيا وهي:‏١- أولا وقبل كل شيء علينا أن نتقبل حقيقة أن اريض على الأقللبعض الوقت لن يكون قادرا على استئناف جميع نشاطاته السابقة.‏ وعليناأن نتقبل تلك الحالة من القصور.‏ وأن محاولة دفعه إلى عمل أشياء تتجاوز175


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهقدرته تنطوي على مخاطر استعادة شعوره بالقلق الشديد ا قد يزيدحالته سوءا.‏ وعلينا أن نقترب نحن منه أكثر ا نتوقع اقترابه هو منا.‏وعلينا أن نتذكر أن عملية التأهيل عملية طويلة ادى وليست مجابهةفورية.‏٢- يجب ألا يعامل اريض على أنه شخص غير مسئول أو على أنه مناتوقع أن يؤذي نفسه أو يؤذى الآخرين.‏ فالإحصائيات لم تبرهن إطلاقاعلى أن معدل العنف أو السلوك الإجرامي أعلى في <strong>الفصامي</strong> منه فيباقي الأفراد.‏٣- على الرغم من أن اريض ليس مدركا بالكامل للواقع إلا أنه لا يزالتلك إلى حد كبير القدرة على تقييم أمور الحياة بشكل صحيح.‏ فهو ليسمتخلفا عقليا.‏ ولا يجب أن يعامل كطفل أو كشخص أقل من الآخرين أوكشيء.‏ فيجب أن نحترم دائما كرامته كإنسان.‏ ويجب أن نبث فيه الثقةوالأمل.‏ ولا يجب أن ننهال عليه بأسئلة من مثل:‏ ‏«‏اذا فعلت ذلك?»‏ أو ‏«‏اذاقلت ذاك?»‏ أو اذا ‏«لا تتكلم?».‏ ولا يجب أن نقول شيئا يجعله يشعر بأنهمتهم أو قليل الشأن أو مرفوض أو موضع استجواب.‏٤- على الرغم من أن اريض قد يبدو غير شاعر ا حوله ومنسحبامن العالم إلا أن علينا أن نتذكر أنه يتأثر ا يحدث حوله حتى لو لم يبدأية استجابة ظاهرة فهو لحساسيته افرطة يرتدي درع الجمود الانفعالي.‏٥- مرضى الفصام إذا استفزوا بصورة زائدة أو عوملوا بقسوة أو إذاطلب منهم فعل شيء لا قبل لهم به قد يصبحون عدواني وعلى أية حاليجب حينما يعبر اريض عن معتقدات ضلالية تفيد أنه موضع تحقير أوسخرية أو اضطهاد أن يبلغ ذلك مباشرة للطبيب النفسي وليس لأي منمعاونيه.‏٦- على الرغم من أن اريض تظل لديه أعراض أو آثار للمرض إلا أنالجزء الأكبر من قواه العقلية يظل سليما.‏ ويجب أن نتعامل مع هذا الجزءالسليم.‏ فيجب أن نوضح الأمور ونشرحها لكن بالقدر الذي يستوعبه.‏ويجب ألا نحجم عن شرح نفس اوضوع مرة ومرات.‏وفيما عدا ذلك تتحدد طرق التعامل مع ارضى ذوى الدرجة اتوسطةوفقا لحاجاتهم الخاصة والفردية.‏ والجو العام يجب أن يكون على غرار ما176


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةوصفناه في الفصل الثامن.‏ ويجب أن يعلم ارضى أن باستطاعتهم توقعالتحسن.‏ ويجب في نفس الوقت أن يلتزموا قدر استطاعتهم ببرنامج أوخطة توضع لهم خصيصا.‏فإذا حدث رغم كل ذلك أن انتكس اريض وأظهر سلوكا طفليا أوانساق وراء نوبات من الغضب أو الصياح أو البكاء خارجة عن سيطرتهفإن ذلك يعني أن جو الأسرة ليس أفضل مكان للتأهيل.‏ويعتقد عدد كبير من الاختصاصي أن اريض إذا ظل في درجةمتوسطة من ارض فيجب على الأسرة ألا تحاول القيام بعملية التأهيل×‏وأود أن أؤكد أن هذا الرأي لا يحظى بالإجماع.‏ فكثيرا ما نجد أنفسنا أماممجموعة أخرى من الوقائع:‏ فقد تكون الأسرة راغبة في اشاركة بالكاملفي عملية التأهيل لكن ظروفا خاصة ‏(مثل وجود أطفال أو وجود سيدةحامل أو شخص معوّق أو وجود شعور بالعدائية أو الاستياء تجاه اريضأو وجود حساسية زائدة أو عدم استقرار انفعالي لدى بعض أفراد الأسرة)‏تجعل من الضروري أن تتم عملية التأهيل خارج الأسرة جرد خروجاريض من استشفى.‏ولحسن الحظ يوجد عدد كبير من اؤسسات التي تقوم بتأهيل ارضىاتوسطي الدرجة كما أن عدد ارضى الذين يستفيدون منها في تزايدسريع.‏ وتعتبر الإقامة الطويلة باستشفى حتى بالنسبة للمرضى الذينتزيد حالتهم ارضية عن الدرجة اتوسطة أمرا غير مرغوب فيه لعدةأسباب.‏ ففي كثير من الأحيان يؤدي ذلك إلى ما يسمى بالعصاب أوالذهان اؤسساتي-‏psychosis institution al neurosis or وهي حالة تتميز بفقدانالفردية والاستسلام والجمود الانفعالي والانطواء على الذات.‏والإمكانيات العلاجية والتأهيلية متوفرة في كثير من استشفياتالنفسية أيضا.‏ إلا أنها تظل قائمة داخل الجو اغلقsheltered للمستشفىوالطريقة التي يتكيف بها اريض معها لا تعتبر مقياسا لطريقة تكيفه معنفس الإمكانيات ح توجد خارج استشفى حيث يصبح أكثر قربا منالحياة ومصاعبها.‏ويتجه الرأي هذه الأيام إلى تأهيل اريض داخل مؤسسات تقيمهاالجماعات الاجتماعية على أساس أن اريض سيعود مرة أخرى لأسرته177


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهبعد قضاء فترة التأهيل.‏ حيث تتبع التوصيات والطرق التي تحدثنا عنهافي الفصل الثامن.‏ ويجب أن نؤكد مرة أخرى أن هدف التأهيل في اؤسساتالاجتماعية ليس إبقاء اريض داخلها كبديل للمستشفى وإا الهدف النهائيهو عودة اريض لأسرته أو لأسرة بديلة.‏ فإذا تعذر تحقيق ذلك الهدفبسبب تقدم عمر اريض أو بسبب عدم وجود أسرة فعندئذ فقط كنترتيب إجراءات أخرى واعتبارها هدفا نهائيا.‏وإذا كنا نعنى بتعبير استعادة التكامل داخل الجماعة أو العودة إلىالجماعة أن يصبح اريض جزءا من مجموع أفراد الجماعة عقب خروجهمن استشفى مباشرة ودون ارور باؤسسات التأهيلية الخاصة فيجبأن ندرك أننا إا نستخدم عبارة مهذبة.‏ فنحن نستخدم تعبيرات هي منقبيل التمنيات لأنها تفترض شروطا اجتماعية غير قائمة.‏ فالحياة خارجاستشفى في منطقة مزدحمة بالسكان لا تعني بالضرورة أن يصبح ارءعضوا في تلك الجماعة.‏ فالجماعات التقليدية-حيث يعرف الناس بعضهمبعضا وتنشأ بينهم مصالح واهتمامات مشتركة وتكافل اجتماعي-نادرة الوجودهذه الأيام حتى بالنسبة للناس العادي بسبب التصنيع وإقامة مراكزحضرية كبيرة وسرعة انتقال السكان من مكان إلى آخر.‏مراكز التأهيل في اجملتمع:‏خلفية تاريخية:‏في عام ١٩٥٥ جاء في تقرير لجنة مشتركة للأمراض العقلية والصحةما يلي ‏«يبدو أن الخبرة اتحصلة لدى عيادات خارجية معينة تابعة لجماعاتخاصة ولدى مراكز للتأهيل تشير إلى أن كثيرا من ارضى العقلي يعالجونبالعيادات الخارجية بصورة أفضل وبتكلفة أقل كثيرا من استشفى»‏واقترحت اللجنة اشتركة في تقريرها النهائي عامالصحة العقلية»‏ أنه يجب تقليل حجم استشفيات النفسية وزيادة مواردهاومد خدماتها إلى اجملتمع.‏ وأوصت اللجنة بعودة اريض لأسرته وللحياةالاجتماعية على أسرع وجه كن وبقائه في اجملتمع تحت رعاية استشفياتالنهارية واستشفيات الليلية وعيادات رعاية الناقه والخدماتالتمريضية التابعة للصحة العامة ورعاية الأسر البديلة وبيوت ريض١٩٦١ واسمى«قانون178


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالناقه ومراكز التأهيل ومراكز العمل وجماعات ارضى السابق‏...‏طاا كانت تقوم بوظيفتها على نحو سليم ولديها الكفاية من العاملوكانت تعمل في إطار نظام متكامل لخدمة ارضى العقلي‏.‏وفى عام ١٩٦٣ أرسل الرئيس كيندي إلى الكونجرس أول رسالة يبعثبها رئيس للولايات اتحدة للكونجرس بخصوص الأمراض العقلية وقددعا فيها إلى تبني موقف جديد تجاه الأمراض العقلية حيث قال إن‏«الأساليب التي تتسم بالبرود التي كانت تنطوي عليها الطرق القدة للعلاجباستشفيات يجب أن تستبدل بها طرق جديدة تعتمد على الدفء الرحبلاهتمام الجماعة الاجتماعية وإمكانياتها».‏ وكان هذا اوقف الجديد متفائلاأكثر ا يجب بالنسبة لطائفة معينة من ارضى-أولئك الذين ظلت حالتهمعلى نفس الدرجة وأصبحت مزمنة.‏ وسنتحدث عنهم لاحقا.‏ إلا أن هذاالاتجاه كان بالنسبة للمرضى من الدرجة اتوسطة علامة لعصر جديدوفتح أمامهم إمكانيات جديدة (×) .المراحل الانتقالية الأولى:‏ المستشفيات الليلية والمستشفيات النهارية:‏حينما يغادر ارضى استشفى حيث كانوا يعيشون تحت الحماية بعيدينعن أسرهم فإنه يصبح عليهم أن روا راحل انتقالية مختلفة من مراحلالتأهيل.‏ وقد تكون الخطوة الأولى لبعض منهم هي استشفى الليلية.‏فبعض ارضى ينتابهم شعور بالقلق ليلا إما بسبب خوفهم من شيء ماحولهم وهو خوف تزداد حدته ليلا وإما بسبب خوفهم من أنفسهم أيخوفهم من أن تنطلق لديهم دوافع وأعراض مرضية حينما يأتي الليل.‏وضي استشفى النهارية خطوة أبعد من ذلك.‏ وهى ذات قيمة خاصةلأنها كن بسهولة أن تحل محل استشفى كذلك كنها تقد برامجتأهيلية تازة.‏وقد كان الروسي زاجاروف M.A.Dzhaharov أول من أنشأ مستشفىنهارية عام ١٩٣٣ لكن ذلك اشروع ظل مجهولا للغرب لعدة سنوات.‏ وفيأمريكا أنشئت أول مستشفى نهارية عام ١٩٤٧ في مونتريال بواسطة اوينكاميرون .Ewen Cameron وفى إنجلترا أنشأتJoshua Birer مستشفى اثلة(×) حدث تطور ما به في نفس الفترة في بلدان أخرى ا فيها املكة اتحدة.‏179


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهعام ١٩٤٨. وقد تزايدت استشفيات النهارية في الولايات اتحدة بسرعةوبخاصة بعد عام ١٩٦٣ حيث كان على أي مركز اجتماعي للصحة العقلية-‏لكي يحصل على دعم مالي من الحكومة الفيدرالية-أن يكون لديه مركزرعاية نهارية.‏ فبينما كان عدد استشفيات النهارية في الولايات اتحدة-‏عام ٣٧ أصبح لديها ١٤٦ مستشفى في مارس ١٩٦٤. ومنذ ذلك الحاخذ عددها يتزايد باضطراد.‏ ويشترط في مرضى استشفيات النهاريةأن تسمح حالتهم ارضية بأن يقيموا مع أسرهم ليلا دون كبير عناء وأنيكون قدورهم الحضور للمستشفى والعودة منه.‏وتتمتع استشفيات النهارية يزات عديدة فهي أقل تكلفة مناستشفيات التقليدية.‏ ولا حاجة بها لوجود قاعات نوم للمرضى.‏ وتكاليفأجور العامل تقل لكونهم يعملون فترة واحدة بدلا من ثلاث فترات فياليوم ولكونها تعمل خمسة أيام في الأسبوع فقط.‏ وبعض النظم التقليديةللمستشفيات العادية تصبح لا ضرورة لها.‏ فاختبار سلوك اريض في بيئتهالعادية لا يتطلب منحه إجازة لنصف يوم أو في نهاية الأسبوع ليقضيهامع أسرته.‏ فاريض لا يشعر بأنه معزول داخل مؤسسة مغلقة.‏ ولا يشعربأنه على وشك أن يفقد صوابه أو أنه عبوس وراء أبواب مغلقة أو أنهمنعزل عن العالم.‏ إذ يظل محتفظا بروابط كافية مع أسرته وبيئته الاجتماعيةلكن تلك الروابط لا تكون من القوة بحيث تحدث له صراعات أو اضطرابات.‏فاستشفيات النهارية تزيل الانقطاع الحاد ب الحياة الأسرية من ناحيةوالحياة الدائمة داخل استشفى من ناحية أخرى ذلك الانقطاع الذيكن أن يؤدي إلى نتائج غير سارة.‏ واستشفى النهارية لديها بالطبعالإمكانيات التي للمستشفى ذات الإقامة الدائمة ‏(والتي تحدثنا عنها فيالفصل السابع).‏لقد تحدثت حتى الآن عن استشفى النهارية بوصفها مرحلة انتقاليةمن الإقامة الدائمة في استشفى إلى الحياة مع الأسرة.‏ إلا أن كثيرا منارضى كن لهم من البداية أن يعالجوا باستشفى النهارية دون الذهابأولا إلى استشفى التقليدية.‏ وهو أمر يحدث كثيرا حينما يواصل اريضزيارته لطبيبه النفسي بانتظام.‏واستشفى النهارية لا ترتبط في ذهن الكثيرين بالأفكار الشائعة حول-١٩٦٠180


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةاستشفيات العقلية.‏ فكثير من ارضى الذين يرفضون فكرة دخول مستشفىأمراض عقلية لا انعون في الذهاب إلى استشفى النهارية.‏ والأسرةأيضا تتقبل تلك الفكرة دون صعوبة.‏ ولعل تعبير اركز النهاري يبدو أكثرصوابا من تعبير استشفى النهارية ويجب أن يشيع استخدامه.‏البيوت الانتقالية ‏(بيوت منتصف الطريق)‏ وما شابهها:‏بيوت منتصف الطريق هي مراكز للإقامة تقام لتلبية احتياجات ارضىالذين هم في منتصف الطريق ب الحالة التي كانوا عليها داخل استشفىوب التأهيل الكامل.‏ ولا يجب أخذ تعبير منتصف الطريق حرفيا.‏ فبعضارضى يكونون قد قطعوا شوطا أكبر من منتصف الطريق والبعض يكونونلم يصلوا إليه بعد.‏ وبعض بيوت منتصف الطريق يكون معدا أيضا كمراكزنهارية.‏ واقيمون بتلك البيوت غير اعدة لأن تكون أيضا مراكز نهاريةكنهم التردد بانتظام على تلك اراكز أثناء النهار.‏وأكثر أاط بيوت منتصف الطريق شيوعا هي تلك التي كانت قبل ذلكبيتا للضيافة أو بيتا قدا تبرع به محسن.‏ و كثير من تلك البيوت يضعحدا أقصى للمدة اسموح بها لإقامة الفرد ‏(وهي تتراوح فيما ب ستيوما وسنة)‏ لكن معظمها لا يتشبث بصرامة بتلك القاعدة.‏ وسياسة وضعحد دة الإقامة لا تتيح فقط لعدد أكبر من ارضى أن يستفيدوا بتلكالبيوت بل تذكرهم أيضا بأن إقامتهم بها ليست دائمة.‏ فيصبح عليهم أنيعملوا من أجل عودتهم للاندماج بالجماعة.‏وبيوت منتصف الطريق لا تستهدف عادة تحقيق ربح.‏ فالبعض منها لايتقاضى أجرا على الإطلاق وإن كان البعض الآخر يتقاضى أجرا عاليا.‏والعاملون لديها معينون بصفة دائمة ومدربون على معالجة اشكلاتالنفسية على الأقل على استوى السلوكي-العملي.‏ وقد ينضم إلى هيئةالعامل أخصائيون اجتماعيون أو متطوعون.‏ ومن يقيم بها عليه أن يلتزمبدرجة من النظام ويحترم القواعد اعمول بها.‏ على أن النظام لا يكونعادة متشددا والخروج عليه من جانب أي فرد تتم مناقشته ب اجملموعةقبل أن تتخذ بشأنه إجراءات نظامية.‏ ويتناوب الأفراد اقيمون بتلك البيوتالقيام بوظائف دورية فيما بينهم.‏181


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوعلى الرغم من أن الجو العام الذي يسود تلك البيوت يتسم بالصداقةوالتسامح إلا أن سياستها العامة قد تختلف من بيت لآخر.‏ ولذلك يجباختيار البيت الأكثر توافقا مع الاحتياجات الخاصة للمريض.‏ وبعض تلكالبيوت يطلق عليها اسم اراكز ذات التوقعات العالية.‏ حيث يجب علىاريض أن يلتحق بدراسة ما أو بعمل ما أو بكليهما.‏ وفي بعض البيوتالأخرى تجد تلك التوقعات ذات درجة متوسطة.‏وتتسم تلك البيوت جميعا بأنها لا تشجع التسامح الشديد تجاه ارضىوإلا أصبح جوها اثلا ا هو سائد في مستشفيات ارضى ازمن منحيث أنها لا تتخذ إجراءات قاومة الأعراض النكوصية والسلبية وإهمالارضى لأنفسهم.‏ ويقال إن البيوت ذات التوقعات العالية تتفوق في نتائجهاباقارنة بالبيوت ذات التوقعات انخفضة إلا أنه من الصعب أن نحدد إلىأي مدى يعتمد ذلك الفرق على الاختيار الأصلي لنوع الرواد.‏ ولسوء الحظلا يوجد عدد كاف من تلك البيوت لتلبية الحاجة الكبيرة إليها وبخاصة فيبعض أجزاء الوطن.‏ وتقدم تلك اؤسسات خدماتها أيضا رضى نفسيغير مرضى الفصام.‏ إلا أنها لا تقبل مدمني الخمر والعقاقير ومرضىالانحرافات الجنسية.‏ وبعض تلك البيوت معد للإقامة طويلة ادى ولديهإمكانيات لتوفير عمل لرواده.‏ والبعض منها الذي يوجد في مناطق ريفيةيطلق عليه مزرعة أو ضيعة.‏وقد أشاد د.‏ إسرائيل زفيرلنج Israel Zwerling الذي قام بأبحاث كثيرةحول رعاية ارضى بعد خروجهم من استشفى أولا بتكوين مجموعةصغيرة من ارضى خلال علاجهم باستشفى وثانيا بجعلهم يغادروناستشفى معا كوحدة واحدة ويقيمون معا في إحدى اؤسسات الاجتماعية.‏وفيما يلي ما ذكره عن العمل الذي قام د.‏ فيرويزرلنزلاء استشفى التابع لإدارة المحارب القدماء في بالو التو:‏‏«لقد درسوا ‏(أي د.‏ فيرويزر ومساعدوه)‏ مجموعة مكونة من خمسةوسبع مريضا مزمنا ثم غادروا استشفى معا إلى أحد ‏«اوتلات»‏ بعد أنت مناقشة اشاكل المحتمل مواجهتها في اجملتمع وحلولها امكنة وفقالخطة استغرقت أربعة أسابيع.‏ وكان ارضى هم الذين يقومون بتنظيمالحياة في ‏«اوتيل»‏ بالكامل فيما عدا زيارات ب الح والآخر يقوم بهاFairweather ومساعدوه182


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةأحد أفراد استشفى لأداء مهمة خاصة.‏ وكان التعاقد على الوظائف يتمباسم ‏«اوتيل»‏ وليس باسم الأفراد اقيم فيه بحيث إذا لم يستطع أحدارضى القيام سئوليات عمله لتوعك في صحته أو لعجز مؤقت فيقدراته أمكن لآخر أن يحل محله ويظل ‏«اوتيل»‏ محتفظا بالوظيفة.‏ وكانتوزيع الوظائف والأعمال اعيشية مثل من الذي يقوم باشتروات أو طهيالطعام أو ترتيب الكتب وما إلى ذلك من الأعمال الضرورية لسير الحياةداخل ‏«اوتيل»‏ وكذلك من الذي يقوم بأداء مهام هذه الوظيفة أو تلك خارجاوتيل كل ذلك كان يتم خلال اجتماعات يعقدها النزلاء أنفسهم.‏ وكانتالنتائج مثيرة للإعجاب للغاية:‏ فخلال الشهور الستة الأولى أصبحالنزلاء بغير حاجة للمستشفى والتحق ٥٠% منهم بوظائف ذات يوم كاملبينما كانت النتائج في مجموعة ضابطة اختيرت بدقة:‏ أن ٢٤% ظلوا خارجاستشفى و ٣% استطاعوا الالتحاق بوظائف خلال فترة الشهور الستةالأولى.‏ وظلت الفوارق ب اجملموعت عالية طوال فترة اتابعة التياستغرقت ثلاث شهرا.‏ ومن الأمور ذات الدلالة الكبيرة أنه لم يكن هناكفرق واضح في الأعراض ارضية لدى أفراد اجملموعت إذا أخذ كل علىحده إذ أن جو الحياة في ‏«اوتيل»‏ جعل الأعراض غير ذات أثر سلبي علىنزلائه من ارضى.‏ فقد أتاح النظام الاجتماعي للموتيل درجة عالية للغايةمن التكافل ب ارضى بحيث إذا أصاب أحدهم عجز ما من شأنه أنيجعله غير قادر على ارسة الحياة الاجتماعية لو كان يحيا فردهتتكفل اجملموعة في اوتيل بتعويض أثره.‏ وهناك بعض مؤسسات التأهيليصعب تعريفها لأن لها بعضا من سمات اراكز النهارية وبيوت منتصفالطريق ونوادي ارضى السابق‏.‏ وقد كانت أول مؤسسة تقام من هذاالطراز هي ‏«فاونت هاوس»‏ في نيويورك ولعلها مازالت أفضلها.‏وقد انشأ مرضى مستشفى روكلاند الحكومي تلك اؤسسة في أوائلالأربعينيات وفي عام ١٩٤٨ خصصت ميزانية لشراء بيت حجري بني اللونفي وسط مانهاتن.‏ وفي الخمسينيات زودت ببرنامج نهاري تحت إشرافجون بيرد .John Beard وتهدف مؤسسة ‏«فاونت هاوس»‏ إلى مساعدة نزلائهاعلى اكتساب حس بالانتماء وشعور بأن اجملتمع في حاجة إليهم.‏ وتحاولخلق نوع جديد من الأسرة امتدة التي تتبنى مواقف تجاه الصداقة والعمل٦٣% من183


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالجماعي واساعدة اتبادلة ب الأفراد مختلفة عن اواقف اعتادة.‏والعبارات التالية التي أوردها مديرها جون برد في دراسة نشرتهالجنة اعلومات التابعة لجمعية الطب النفسي الأمريكية باشاركة مع الجمعيةالقومية للصحة العقلية تعبر ببلاغة عن طبيعة تلك اؤسسة إذ تقول:‏‏«يحتاج الناس إلى الشعور بأهميتهم ولكي يتحقق ذلك يجب أن يتواجدوافي بيئة ذات طبيعة تتيح لهم تنمية الشعور بالأهمية.‏ ولأننا نتعامل مععملاء لا يتوقع منهم الكثير يشعر موظفونا بأهمية أي نجاح أو إنجازيتحقق.‏ خذ مشروع اطعم لدينا إذ يعمل به سبعة عشر شخصا ن همشديدو ارض ومعوق مهنيا وهم يكسبون دخلا حقيقيا في مشروععمل حقيقي يحقق ربحا ويتجاوب موظفونا مع هذا النوع من النجاح.‏ولو تقدم أفضل النزلاء لدينا وأكثرهم قربا من الشفاء للفحص الطبيلدى طبيب نفسي مقيم وكان ذلك الطبيب ماهرا فسيشخص حالته بأنهافصام.‏ لكن ذلك أمر لا أهمية له لأن ذلك الشخص يؤدي وظيفة فياجملتمع.‏ والتشخيص هنا يظل مجرد تشخيص أكادي.‏ لذلك فإن قناعتيهي أن السبب الذي يجعل <strong>الفصامي</strong> اوجودين في اجملتمع على حالتهمتلك إا هو أننا أخفقنا في أن نتيح لهم نوع الخبرات التي تنمي لديهموظائف الأنا إلى أقصى حد كن».‏وقد أضاف بيرد قائلا إن موظفي ‏«فاونت هاوس»‏ لا يهتمون بالحالةارضية في ذاتها ولا بالخلفية الشخصية للمريض وإا يهتمون بتعليمارضى ما يحتاجون معرفته ونحونهم الدعم اللازم لكي يصبحوا قادرينعلى العمل وعلى الحياة في اجملتمع وعلى أن تكون حياتهم طيبة.‏وقد كان لدى ‏«فاونت هاوس»‏ وقت كتابة ذلك التقرير (١٩٧١) ستةوخمس موظفا متفرغا وعشرة موظف غير متفرغ‏.‏ وعندما أقيم مبنى‏«فاونت هاوس»‏ الحالي عبر الطريق من ابنى الأصلي إلى شارع رقمبلغت تكاليف البناء حوالي ٢ مليون دولار.‏ وأكثر من ٨٠% من أعضائهتشخصت حالتهم على أنها فصام.‏ وهناك أكثر من ٣٠٠ شخص يشاركونفي أنشطته النهارية ويشارك عدد أكبر من ذلك كثيرا في الأنشطة اسائيةوأنشطة عطلة نهاية الأسبوع.‏ ويتيح البرنامج الاجتماعي للرواد خياراتكثيرة فيمكنهم الاستماع للموسيقى أو اشاركة في أنواع شتى من الألعاب٤٧184


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةأو مشاهدة التليفزيون ضمن اجملموعة.‏ وتتضمن الأنشطة التي ارسمعظمها في اساء وفي العطلات.‏ مشاهدة اسرحيات والتصويروالسباحة وكرة السلة والذهاب إلى دور السينما واناقشات الجماعيةوالنزهات.‏ويعتبر البرنامج اهني أكثر نشاطات مؤسسة فاونت هاوس إثارةللإعجاب وهو يهدف لإعداد اريض للعمل والحصول على وظيفة له.‏وينقسم إلى مرحلت‏:‏١- مرحلة النشاطات قبل اهنية وهي ارس داخل مبنى اؤسسة.‏ إذيعمل الأعضاء في مكتب الاستقبال أو الكانت thrift shop أو في الكافتيرياأو في اطعم أو في أماكن النشاطات التعليمية وما إلى ذلك.‏٢- مرحلة التوظيف في عدد كبير من اؤسسات والمحلات دينةنيويورك وقد شاركت في البرنامج مؤسسات كبرى مثل سرزRoe buck ومجلة النيوزويك والبنوك الكبرى وقدمت ‏«وظائف مؤقتة»‏لأعضاء مؤسسة ‏«فاونت هاوس».‏ومن مراكز التأهيل الهامة الأخرى:‏ هورايزن هاوس في فيلادلفياوكاونسيل هاوس في بيتسبرج وثريشولدز في شيكاغو ويورتال هاوس فيلوس انجيلوس وهل هاوس في كليفيلاند.‏sears وروبك-‏التأهيل المهني ونوادي المرضى السابقين:‏وتوجد بالإضافة للبرامج التي تقوم بها بيوت منتصف الطريق مراكزالتأهيل برامج أخرى للتأهيل اهني تقوم بها مؤسسات أخرى ونأمل أنتتزايد تلك اؤسسات أكثر فأكثر.‏ وهناك اؤسسة التي تسمى س.‏ ر.‏ ب.‏‏(برنامج التأهيل الصناعي للمستشفى الأهلي)‏ وهي تابعة لإدارة المحاربالقدماء في بروكتون وماساتشوستس.‏ ويتقاضى ارضى أجرا عن العملالذي يؤدونه خلال التحاقهم ببرامج العلاج التعليمي والتدريب على الفنوناليدوية.‏وتقبل اصانع ال ١٤١ اشاركة في البرامج القومية تحت رعاية مؤسسةجودويل اندستريس أفرادا ذوي تاريخ مرضى نفسي.‏ كذلك تقبل مصانع‏«ألترو»‏ وهي جزء من ‏«اركز التأهيلي للمرضى ازمن انتكس‏»‏ مرضى185


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهنفسي للعمل بها.‏ وتتكون الجمعية القومية للمصانع اتكفلة برعاية العامل١٣٠٠ مصنع من بينها حوالي ألف مصنع يقبل الأفراد ذويارض النفسي.‏وهناك نواد عديدة لديها برامج اثلة لبعض مراكز التأهيل وأكبرهاما يسمى ‏«ريكفري إنكوربوراتد»‏ وقد أقيم عام ١٩٣٧ ويضم حاليا ما يقربمن‎٠٠٠‎ر‎٥‎ عضو.‏وقد توجد في املكة اتحدة مؤسسات مشابهة لتلك التي لدى الولاياتاتحدة لكن معدل و تلك اؤسسات لا يواكب السياسة الحديثة القائمةعلى زيادة معدل إخراج ارضى من استشفى.‏ والخدمات الأهلية لم تنجحفي احتواء الأعداد اتزايدة باستمرار من ارضى الذين يحيون في اجملتمع.‏لذلك أنشئ العديد من اؤسسات اماثلة لبيوت منتصف الطريق بواسطةمؤسسات خيرية أكثر منها بواسطة هيئة الصحة القومية.‏ إلا أن كثيرا منالسلطات الصحية المحلية باشاركة مع مكاتب الخدمة الاجتماعية قامتبإنشاء دور إقامة وبيوت منتصف طريق لتأهيل ارضى النفسي‏.‏ وقدأنشأ د.‏ دوجلاس بينيت-‏Bennett Douglas من مستشفى مودسلى بلندن مركزالخدمة الحي وهو يأمل في تزويده برعاية طبنفسية متكاملة لأفراد الجماعةالمحلية اقيم في انطقة التي توجد بها استشفى.‏ وسوف تضم تلكالخدمات بيوت منتصف طريق ودور إقامة لديها موظف مدرب ودورإيواء لا تخضع إلا لإشراف بسيط.‏ ونأمل أن يستفيد ارضى من تلكالخدمات الواحدة تلو الأخرى متزودين بقدر أكبر فأكبر من القدرة علىالعودة للتكامل مع الحياة الاجتماعية.‏ وإن كان ذلك للأسف أمر غير شائع.‏shltered منالحالات المرضية الشديدة والمزمنة:‏علينا أن نعالج الآن أشد اوضوعات إزعاجا في هذا الكتاب وهومشكلة ارضى الذين لا يشفون من مرض الفصام ليس هذا فحسب بلإن حالتهم ارضية تشتد وتصبح مزمنة وإذا كان قار هذا الكتاب قدحدث أن تشخصت حالته في ااضي البعيد أو القريب على أنها فصامفيجب ألا يعتبر نفسه واحدا ن سنتحدث عنهم.‏ إذ لو كان واحدا منهم ااستطاع أن يقرأ هذا الكتاب بل ا استطاع أن يتجاوز الصفحات الأولى186


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةمنه.‏ وعلى ذلك فما سيرد في هذا الجزء من الكتاب لا ينطبق عليه.‏على أن هناك نقطة سارة يجب ذكرها ونحن بصدد مناقشة حالة أولئكارضى تلك هي أن عددهم في تناقص مستمر.‏ وفضلا عن ذلك فإنعدد من يصل منهم إلى أشد اراحل خطورة في تناقص كبير.‏ولا يستطيع أيّ‏ من أولئك ارضى بذل مجهود ذهني كبير.‏ وتتنوعالصور الإكلينيكية ب أكثرهم مرضا.‏ فبعضهم يستمر في حالة من الهيجانوالعدوانية وايل للتدمير ويتحدث بصوت مرتفع محدثا أصواتا متخيلة.‏وقد تستمر الأفكار الإضطهادية راسخة كما كانت في اراحل الأولى.‏ لكننانجد لدى الغالبية منهم أن الهلاوس والضلالات قد اختفت أو لم تعدظاهرة.‏ وفي بعض الحالات تظل موجودة لكنها تفتقد اما أي تناسق كماتفقد شحنتها الانفعالية.‏ وتعاني عمليات التفكير لديهم من تشوش خطيرإلى درجة أن أفكارهم لا كن فهمها إلا بصعوبة بالغة.‏ ونجد لدى البعضمنهم عادات غريبة يزة للمراحل اتقدمة من تفكك الشخصية.‏ فمنهممن يجمع عددا من الأشياء عادة ما تكون صغيرة الحجم ودون فائدةعملية.‏ ويجمعونها في جرم تبدو لهم قيمة للغاية ويحافظون عليها كما لوكانت تلكات ثمينة.‏وفي دراسة أجريتها منذ سنوات طويلة حول ارضى ازمن والذينهم في حالة نكوص وجدت أن بعض ارضى قد جمع في حزم أشياء مثل:‏الأوراق من أي نوع-خطابات قدة أوراق تواليت ورق جرائد وقطع منالأخشاب أو الأحجار أو أوراق الشجر أو الحصى أو قطع الصابون أوالحبال الرفيعة أو الخرق أو دبابيس الشعر أو فرش الأسنان القدة أوالأسلاك أو الفناج أو الريش أو الفواكه أو بقايا الطعام أو الشعر أوأقلام الرصاص أو أقلام الحبر أو أمشاط أو علب صغيرة أو ورق كرتونوما إلى ذلك.‏ ولا يقتصر ذلك على ارضى الذين قضوا سن طويلة فياستشفيات العقلية فقد يحدث أحيانا أن نرى من بينهم مرضى غادروااستشفى وفي أحيان أقل نجد تلك العادة لدى مرضى لم يدخلوا استشفىأصلا يسيرون في شوارع ادن يحملون كل ما لديهم من تلك الأشياء كمالو كانت جزءا من شخصيتهم.‏وقد يجمع ارضى الأقل نكوصا والذين نشأت لديهم تلك العادة حديثا187


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأشياء ذات استخدام عملي أو دلالة رمزية-خطابات صور جرائد حديثةإلا أنهم مع تقدم حالاتهم ارضية يأخذون في جمع تلك الأشياء ليسبهدف استخدامها وإا بهدف جمعها فحسب.‏ ولا يقتصر الأمر على عدماستخدامهم ا جمعوه فحسب بل يبدأون في جمع أشياء أخرى غير ذاتنفع أيضا.‏وعادة جمع الأشياء تلك على شذوذها ذات معنى.‏ فالأشياء التي لانفع لها التي يجمعها اريض ذات نفع له.‏ فهي ثل الأثر الباقي لعلاقتهبالناس والأشياء فهي البديل للعلاقات الهامة التي كانت لديه ذات يوم أوالتي كان يتمنى أن تكون لديه فهي تبقى على بعض الروابط بالعالم الخارجي.‏ولا يوصى بحرمان اريض من أشيائه تلك ما لم يصبح مستحيلا الاحتفاظبها في حجرته بسبب حجمها أو عددها.‏وتنشأ لدى بعض ارضى وبخاصة من النساء عادة تزي أنفسهمبصورة غير عادية وملفتة للأنظار وبادية الشذوذ في نظر الآخرين.‏ إذيستعملن طلاء الشفاه واكياج بصورة مبالغ فيها وقد يطلون جزءا كبيرامن وجوههن باساحيق.‏ وقد يصنعن غوايش وخوا وعقودا من بقاياالورق والخرق.‏ وكثير من ارضى من الجنس يزينون أنفسهم بوضع أشياءمثل الأزرار أو الأختام أو العلب الصغيرة أو السدادات اصنوعة منالفل أو العملات اعدنية على صدورهم.‏ ويجب أن تفهم تلك العاداتعلى أنها تلبية لحاجة لديهم لعمل شيء ما فهي ثابة المحاولات الأخيرةلعمل أشياء تبدو لهم سبلا لتحس أنفسهم.‏أما ارضى الذين يصل بهم ارض إلى مراحل أكثر تقدما فإنهميفقدون القدرة على التحكم في التبول ولا يستطيعون ارتداء ملابسهمبأنفسهم كما لا يستطيعون قضاء حاجاتهم الخاصة.‏ وتتحول حياتهم إماإلى سلبية تامة أو إلى سلوك اندفاعي انعكاسي غريزي.‏ والبعض منهميضع في فمه أشياء يحاول أكلها سواء أكانت صالحة للأكل أم لا.‏وأكرر القول بأن ارضى الذين يصلون إلى تلك اراحل اتقدمة أصبحعددهم بالغ القلة هذه الأيام.‏ ولو زرنا القاعات اخملصصة لهؤلاء ارضىفي استشفيات العقلية الحالية لوجدنا أن معظمهم بدأ ارض لديه منذوقت طويل وأن البعض منهم قد دخل استشفى قبل ظهور طرق العلاج188


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالحديثة.‏وقد نجح العلاج الدوائي في تخليص ارضى من سلوكهم اتسمبالصياح والعنف والعدوانية لكنه مازال أقل تأثيرا في علاج تلك الأعراضالنكوصية والعادات البدائية.‏واشكلة هي ماذا نستطيع أن نفعل من أجل أولئك ارضى ذوي الحالاتازمنة والخطيرة وإذا كانوا لا يستطيعون العودة للحياة العادية فما الذينستطيع عمله لكي نجعل حياتهم أكثر يسرا وأكثر جدوى بقدر الإمكان?‏وكيف كننا مساعدتهم على ألا يكونوا معوق لحياة الآخرين?‏ هناكإمكانات عديدة لكنها جميعا لسبب أو آخر ليست كافية.‏ وسوف نتناولكلا منها على حدة وكن إيجازها فيما يلي:‏١- العودة للحياة الأسرية.‏٢- العلاج الطبنفسي.‏٣- الإقامة الدائمة باؤسسات العقلية.‏٤- احترام حقوقهم الإنسانية.‏٥- إعادة التكامل بينهم وب اجملتمع.‏وفيما يختص جموعة ارضى التي سنتحدث عنها فيما يلي نجد أنصور تفكك الشخصية لديهم تتعدد وقد يستجيب بعضهم لوضع معأكثر من سواه.‏العودة للحياة الأسرية:‏تعتبر عودة هذا النوع من ارضى إلى أسهم أشق بكثير ا هي بالنسبةللمرضى من الدرجة اتوسطة.‏ فأولا وقبل كل شيء نجد أن العبء أشدوطأة بكثير إذ على الأهل في هذه الحالة أن يعتنوا حتى بأبسط احتياجاتاريض.‏وثانيا غالبا ما يشعر الأهل أن تحملهم عبء ذلك العمل الشاق يعتبرقضية خاسرة وجهدا مشكوكا في جدواه إذ يسود لديهم شعور بعدم الجدوىوأيا كان الحماس في بداية الأمر فإن حدته تأخذ في الفتور باضطراد.‏على أنه لو اقتصرت الأغراض ارضية على الخمول وعدم ترابط التفكيردون نوبات من السلوك العدواني فقد يشعر الأهل بنوع من الرضى الداخلي189


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهلعنايتهم بفرد منهم يعاني من مرض شديد وقد شاهدت عددا كبيرا منأولئك ارضى يعيشون في بيوتهم في رعاية أبويهم اسن ويعاملونهمحبة وحنان.‏ إلا أننا نجد أن شريك الحياة أو الأخوة أقل استعدادا لتحملذلك العبء.‏وعلى الرغم أن إقامة هذا النوع من ارضى مع أسرهم يعتبر من أشقالحلول التي كن الالتجاء إليها إلا أنه أفضلها جميعا وأحبها إلى اريض.‏فهو حل إنساني.‏ إذ كم هو مؤثر أن ترى مثل هؤلاء ارضى يعاملون فيبيوتهم بدفء وحنان.‏ هذا يحدث غالبا في القرى وادن الصغيرة حيثالحياة أقل تعقيدا.‏ إلا أننا من الناحية العملية يجب أن نؤكد أن معايشةمريض فصامي في حالة نكوص شديد أكثر مشقة بكثير من معايشة كهلمسن أو شخص متخلف عقليا.‏العلاج الطبنفسي:‏يعتبر العلاج الطبنفسي للحالات ارضية الشديدة محدود النتائج.‏ ورغمذلك فمن اهم أن يداوم اريض على زيارة الطبيب بانتظام لإجراء أيةتعديلات يتطلبها العلاج ولتقد التوجيهات فيما يتعلق بظروف حياةاريض.‏ ولا ارس العلاج النفسي مع تلك الحالات إلا عدد قليل منالأطباء النفسي‏.‏ وفي كثير من الأحيان تتكفل إحدى الجهات اضطلعةبرعاية ارضى بدفع نفقات ذلك العلاج.‏ وتتبع بعض العيادات استشفىالتي كان يعالج بها اريض والبعض الآخر يقدم العلاج للمرضى الذين بلامصدر للدخل أو بلا دعم من جانب الأسرة مقابل أجر رمزي.‏الإقامة الدائمة بالمستشفى:‏لقد كتب الكثير ضد إقامة ارضى العقلي ذوي الحالات ازمنةوالخطيرة باؤسسات الكبيرة مثل استشفيات العقلية التابعة للدولة أوللمحافظة.‏ وشبهت بالسجون أو بأماكن لوضع ارضى تحت الحماية عزلعن اجملتمع ليس إلا.‏ وعلينا أن يز في تلك الادعاءات ب ما هو صحيحوما هو بعيد اما عن الدقة وما ينطوي على مبالغة.‏ وقد كتب البيرتدوتشDeutsch Albert عام ١٩٤٨ كتابا سماه ‏«عار الدول»‏ انتقد فيه استشفيات190


(×)النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةالعقلية الحكومية.‏ ويود بعض الباحث أن يروا جميع ارضى وقد تركوااستشفى وانتقلوا إلى أماكن أخرى مثل استشفيات العامة ودور التمريضأو إلى نوع جديد من اؤسسات.‏ وقد صدرت في بعض البلدان الأوربيةتشريعات تطالب بإغلاق استشفيات العقلية العامة في أقصر وقت كن.‏ويرى بعض الباحث أن حياة استشفى من شأنها أن تجعل الحالةارضية أكثر إزمانا أي أنها تطيل أمد الأعراض ارضية.‏ وأن الحياةداخل تلك اؤسسات التقليدية غير مرضية وذات أثر ضار حتى علىErvingالأشخاص الأسوياء.‏ ويتصدر أولئك الباحث إرفنج جوفمان (×)Goffman الذي وصف بالتفصيل أحوال ارضى العقلي في اؤسساتالتقليدية وخبراتهم وسلوكهم وصور بطريقة درامية عملية القهر التيارس على ارضى.‏ وقد ذهب جوفمان إلى أن استشفى تحرم من يقيمبها من ارسة تلك الأفعال التي نح الإنسان شعورا بقدر من السيطرةعلى عاه الشخصي وتحرمه بالتالي من الشعور بذاته فهو لا يستطيعارسة الأفعال التي نحه شعورا بالاستقلال الذاتي وبابادأة.‏وقد أجرى كثير من تلك الدراسات التي تصف اؤسسات العقلية منذسن عديدة ح كان عدد النزلاء يتزايد كل عام وح كانت النظم اتبعةفي تلك اؤسسات تقوم على مباد ت صياغتها في ااضي قبل توفرالطرق الفعالة في علاج ارض العقلي.‏ وقد كان صحيحا في ذلك الوقت-‏على الرغم من أنها حقيقة مؤة-أن استشفيات لم يكن قدورها أن تقدملغالبية ارضى سوى الحماية.‏ ومن الصحيح أنه حتى ذلك النوع من الحمايةكان كن أن يكون أفضل ا كان عليه وأنه كان كن أن تبذل محاولاتفي اتجاه تغيير مؤسسات الحماية إلى جماعة علاجية.‏ ومن ناحية أخرىلم تبذل محاولات لتبني وجهات النظر الجديدة الخاصة بالوسط العلاجيوالعلاج الأخلاقي الذي ينتمي إلى ماضي طواه النسيان.‏ وفضلا عن ذلكفقد أوصت حكومات بعض الولايات تحت تأثير سنوات الكساد باتباع١. جوفان:‏ ‏«الاجئ مقالات حول الأوضاع الاجتماعية للمرضى العقلي وغيرهم من النزلاء»‏‏(جاردن ستي نيويورك دابلداي.(١٩٦١E.Goffwan, Asylums. Essays on the social Situation of Mental Patients and other Inmates (Gardencity, N.Y.: Doubleday.1961)191


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأقصى قدر من التقشف في إدارة استشفيات التابعة لها.‏غير أن الأوضاع لحسن الحظ تحسنت بدرجة كبيرة وما زالت فيطريقها إلى الأفضل.‏ إذ نجد أولا وقبل كل شيء أن عدد ارضى فيمستشفيات الدولة والأقاليم والذي بلغ في عام ٩٢٢ ر‎٥٥٨‎ مريضانخفض في عام ٤٣٦ ر١٩٣‎ أي بنسبة ٤ ر%٦٥‎ على الرغم من٣٠ إلى ٤٠% منهم٬١٩٥٥١٩٧٦ إلىالزيادة الكبيرة في تعداد الولايات اتحدة ونجد ثانيا أنمرضى عادوا للمستشفى بسبب نوبات انتكاسية.‏ فالسياسة الجديدة تشجعخروج ارضى مبكرا قدر الإمكان كما أصبحت أقل اهتماما سألة التأكدمن أن اريض قد شفى اما.‏ ونجد ثالثا أن ارضى الجدد يشكلون نسبةكبيرة من إجمالي عدد ارضى.‏فإذا كان الجزء الأكبر من ارضى يتكون من ارضى الجدد وارضىالعائدين لفترة قصيرة فهذا يعني أن استشفى لم تعد مكانا للعزل تحتالحماية.‏ لكنه من الصحيح على أية حال أن ثمة نواة صلبة تبقى بعدذلك وهي تتكون من أولئك ارضى الذين أصبحوا في حالة نكوص وفيحاجة دائمة للإشراف والرعاية.‏ وطاا أن العدد الإجمالي للمرضى قدنقص فيجب توجيه اوارد الاقتصادية الفائضة نحو تحس أسلوب حياةذلك العدد القليل من ارضى اتبق‏.‏ لكن إنكار اشكلة واطالبة بإلغاءتلك اؤسسات دون تقد بدائل كافية يبدو أمرا غير واقعي.‏وتوجد بعض استشفيات الخاصة التي تقبل ارضى شديدي النكوصلكن تكاليفها باهظة إلى حد لا يقدر عليه سوى القلة.‏ وفضلا عن ذلكفعدد تلك استشفيات في تناقص سريع.‏ وعلى كل مواطن أن يطالباشرع أن يبذلوا جهدا أكبر بكثير في سبيل تحس أحوال استشفياتالتي تأوي مرضى عقلي مزمن‏.‏إعادة التكامل مع الجماعة:‏إذا كانت العودة للتكامل مع الجماعة تعتبر حدثا رائعا بالنسبة ن شفىمن الفصام أو من ظل مريضا بدرجة متوسطة فإنه حدث نادر الحدوثبالنسبة للمرضى انتم لتلك النواة الصلبة التي تحدثنا عنها.‏ ويجب أننتذكر أن اشكلة الحقيقية لأولئك ارضى ليست كما يريدنا البعض أن192


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةنصدق-أنها إقامتهم باستشفى بل إنها خطورة حالتهم ارضية.‏وفي غمرة حركة ذات مقصد نبيل لكنها غير واقعية خرج كثير منارضى من استشفيات حيث لم تتح لهم أية فرصة للانتماء لإحدىالجماعات الاجتماعية.‏ وأنا لست ضد إخراج ارضى حتى لو لم تكنلديهم سوى فرصة ضئيلة للحياة في اجملتمع.‏ كذلك لا يزعجني احتمالعودة ارضى للمستشفى واتباع ما يسمى بسياسة الباب الدوار.‏ فالبابالدوار أفضل من الباب اغلق.‏ وأنا أؤيد طبعا مساعدة هؤلاء الناس بكلالطرق امكنة لكي يجتازوا اراحل اخملتلفة لعملية التأهيل.‏ إلا أن هناكعددا من اشكلات تتعلق بارضى ذوى الحالات الشديدة يجب أخذهابع الاعتبار.‏ واسألة الخاصة ا إذا كان اريض يشكل خطرا علىالآخرين ليست الوحيدة الجديرة بالاعتبار.‏وإا اشكلة هي كيف تساعد اريض على أن يحيا بصورة مُرضية ‏(أولا بأس بها).‏ فالكثير منهم يعيش في دور إقامة غير مرخصة وتفتقدللأشراف الجيد هؤلاء ارضى يهيمون الآن في الطرقات وينامون فيمداخل الكنائس ومحطات السكك الحديدية أو بعض الأماكن في الطرقاتتكون أقل عرضه لقسوة الأحوال الجوية.‏ وهم غالبا ما يحملون معهمأشياءهم التي اعتادوا جمعها ويصبحون غير حليقي الشعر متسخومصاب بالهزال.‏ والبعض منهم يصبح عرضة للضرب أو النهب من قبلعصابات الصبيان أو مدمني اخملدرات.‏ وكثير من الجماعات تبدي سخطهانظر أولئك البشر دون أن تتعاطف معهم بل تكتفي بالاستياء فحسب.‏ ولوكان البرت دوتش ما يزال حيا لتوافر لديه من الأسباب ما يدعوه لكتابةمؤلف ثان عن العار الثاني للدول.‏احترام الحقوق المدنية:‏يجب أن تحترم الحقوق ادنية حتى ن هو في أشد حالات ارضالعقلي.‏ فإيداع اريض مؤسسة ما أيا كانت درجة ‏«ليبراليتها»‏ ينطويعلى سلب للحرية لا يجب الإقدام عليه دون اتخاذ الإجراءات القانونيةاللازمة.‏ وقد تغيرت منذ وقت قريب تغيرا ملحوظا الشروط التي أوردتهاتشريعات الدولة لإيداع اريض استشفى.‏ وإيداع اريض إجباريا جائز193


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهعموما حينما يكون ثمة دليل بيّن على أن حالة اريض تشكل خطرا قائماتجاه اريض نفسه أو تجاه الآخرين.‏ أما مجرد وجود احتمال للخطورةعلى اريض نفسه أو على الآخرين فلم يعد سببا كافيا في تشريعات معظمالولايات.‏وقد ازدادت حركة ‏«الحق-في-العلاج»‏ قوة منذ ١٩٦٠. فإذا لم تستطع أيةمؤسسة عقلية أن تقدم دليلا على أن لديها علاجا فعالا للمريض الذيأدخل استشفى رغم إرادته فإن من حقه الخروج بناء على طلبه.‏ وبطبيعةالحال فإن من الصعب تحديد مستويات العلاج الفعال بالنسبة للمريضالعقلي ازمن الشديد ارض.‏ فبالنسبة لأولئك الذين وصلت حالتهم إلىأقصى درجات النكوص لا يوجد علاج فعال.‏ ويجب بالتأكيد أن يحاطوابجو إنساني ويجب أن تكون الهيئة العلاجية اخملتصة ذات كفاءة كماوكيفا ويجب أن ينال كل مريض الحد الأدنى على الأقل من الرعايةالشخصية لكن هل تلك السمات كافية لأن تجعل العلاج فعالا?.‏ وثمة حقوقأخرى للمرضى يدور الجدل حولها في الأوساط القانونية والطبنفسية.‏أحد تلك الحقوق هو الحق في العلاج الأقل تقييدا للحرية.‏ فإذا وجد علاجبديل للحجز اللاإرادي فيجب استخدامه.‏ويعتقد الكثيرون أن اريض-بصرف النظر عن درجة مرضه-له الحقفي رفض العلاج الجراحي النفسي والعلاج بالصدمات الكهربائيةوبالأدوية وحتى العلاج النفسي.‏ وأنا أؤيد إلغاء الجراحات النفسية:‏ فالتلفاخملي الدائم الذي تحدثه تلك الجراحات والذي يحول دون الاستفادة بأيطرق جديدة يأتي بها استقبل أو أي إمكانات لا كن التكهن بها حالياهذا الأمر من شأنه أن يقنع أي شخص بأن يستبعد هذا النوع من العلاج.‏وقد حالفني النجاح دائما في إقناع اريض بتقبل العلاج الذي أراه مناسبا.‏إلا أنني أدرك أنه قد يكون من العسير إقناع تلك القلة من ارضى الشديديارض والذين يرفضون تقبل أي نوع من العلاج.‏ وحتى القلة القليلة التي لايوجد-عمليا-أي أمل في تحسنهم أو يكون الأمل في التحسن ضعيفا للغايةيستحسن ألا ارس عليهم أي ضغط.‏ فسوف يتبقى للمريض على الأقلالشعور بأنه إلى حد ما ما يزال يوجه حياته.‏ومسألة احترام الحقوق ادنية للمرضى تجرى مناقشتها بحرارة في194


النتائج:‏ الصور الإكلينيكيةاملكة اتحدة فقانون الصحة العقلية الصادر في ١٩٥٧ قد أجرى تغييراتشاملة فيما يتعلق بحقوق ارضى لكنه يعاد النظر فيه حاليا في ضوءالطب النفسي الحديث.‏ وقد شارك كثير من العامل في مجال الصحةالعقلية بنشاط في تلك اناقشات إلا أن الدفعة الأساسية في اتجاه الإصلاحقد انبثقت عن هيئات تطوعية أبرزها في املكة اتحدة الرابطة القوميةللصحة العقلية.‏ملاحظات ختامية:‏ما اواقف العامة التي يجب اتخاذها تجاه اريض ازمن شديد ارض?‏١- يجب تعليم اجملتمع أن يتخذ موقفا أكثر تسامحا تجاه هؤلاء البشر.‏ويجب أولا وقبل كل شيء أن نؤكد للمجتمع أن أولئك ارضى لا يشكلونخطورة إلا بقدر مساو للخطورة اتوقعة من نفس العدد من الناس الذين لميصابوا بالفصام في حياتهم.‏٢- على اشرع أن يتنبهوا للحاجة الحة لتوفير مأوى وحياة معيشيةطيبة للمرضى العقلي‏.‏ ورا يكون بالإمكان تحويل بعض استشفياتالحكومية القدة إلى دور للإقامة لا تخضع إلا لذلك القدر من النظامالضروري لسير الحياة فيها على الوجه الصحيح.‏٣- يجب أن نتحرر من الخرافة التي يؤمن بها بعض اتفائل والتيتقول:‏ إن رعاية اريض الشديد النكوص داخل الجماعة أقل تكلفة منإيداعه إحدى اؤسسات.‏ فإذا كنا ننشد لهم حياة أرفع مستوى ا هوقائم حاليا فعلى اجملتمع أن يتهيأ لإنفاق ازيد من اال.‏ وحينما نكونبصدد تقد مساعدة جملموعة من البشر وإنقاذها والبحث عن خلاصهافابدأ اوجه لنا لا يجب أن يكون أقل النفقات بل أقرب السبل لتحقيقأهدافنا العلاجية.‏واعاملة الإنسانية لأولئك الذين يشكلون النواة الصلبة من ارضى<strong>الفصامي</strong> الشديدي النكوص ليست مسألة تقع بكاملها ولا حتى فيالجزء الأكبر منها في نطاق الطب النفسي.‏ وإا هي مسألة يختص بهااجملتمع بأكمله.‏ فعلى اجملتمع أن يشارك وأن يتحمل الجزء الأعظم مناسئولية.‏ ودرجة تحضر اجملتمع تقاس ا يقدمه لأفراده اصاب رض195


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيستعصي على العلاج.‏ ولا توجد طريقة تتحقق بها الروح الإنسانية لأفراداجملتمع أفضل من اتخاذ موقف متعاطف ومتعاون تجاه أولئك ارضى.‏وعلى العكس فإن درجة تخلف اجملتمع كن أن تقاس ا لديه من خططتجاه مرضاه.‏ وقد كان أكثر ‏«الحلول»‏ وحشية للمرضى العقلي ذوى الحالاتالخطيرة ما فعله إزاءهم النازيون الأان في الحرب العاية الثانية.‏196


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونموضوعات خاصة:‏المساعدون العلاجيونوالمرافقون النفسيون10في الأعوام ااضية كنت أشير كثيرا إلىاساعدة التي بإمكان اساعد العلاجي أو ارافقالنفسي أن يسهم بها في علاج وتأهيل ارضىالذين يظلون في حالة مرضية متوسطة أو شديدةويعيشون مع أسرهم.‏ وقد أصبحت حاليا قليلالإشارة إلى تلك الطريقة لعدة أسباب:‏١- أصبح من الصعب أن نجد أشخاصا لديهمالقدرة على ارسة تلك اهمة وبخاصة مع ارضىالذكور في سن الشباب.‏٢- ارتفاع تكاليف تلك الطريقة العلاجية جعلهابعيدة عن متناول الكثيرين.‏٣- ظهور العلاج الدوائي ‏(الذي لم يكن موجوداعندما بدأ استخدام تلك الطريقة)‏ وما يترتب عليهمن تحسن في الأغراض ارضية جعل الحاجة إلىاساعد أو ارافق النفسي أقل-وإن كانت ما تزالمرغوبة في بعض الحالات.‏٤- شهدت الأعوام الأخيرة إعادة نظر في197


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهافاهيم الراسخة حول دور الأسرة في التكوين النفسي الدينامي للمريض.‏وقد أدت تلك العوامل إلى إشراك أفراد الأسرة في علاج اريض علىالنحو الذي بيناه في الفصل الثامن وأدت بالتالي إلى أن يقتصر دوراساعد العلاجي على بعض الحالات دون غيرها.‏وتنشأ تلك الحالات عندما تكون متطلبات اريض على قدر من الضخامةيفوق قدرات أفراد الأسرة أو حينما يكون التداخل الانفعالي ب أفرادالأسرة شديد التعقيد أو مليئا بالصراعات وغير قابل للتعديل.‏ ففي مثلتلك الحالات نجد أن الاستعانة بشخص خارجي تلك قدرات اساعدالعلاجي أو ارافق النفسي قد تغني اريض عن دخول استشفى.‏وكن للممرض الذي تلقى تدريبا في الطب النفسي أو للشخص الذيتلك قدرا كبيرا من اشاركة الوجدانية والفهم أو ن أجرى له تحليلنفسي بصورة ناجحة أو ن مارس العلاج النفسي الدينامي كن لأي منهؤلاء أن يصبح مرافقا نفسيا كفءًا.‏ومثلما فعل الطبيب النفسي جون روزين الذي أدخل تلك الطريقةالعلاجية أستخدم أنا أيضا ارضى الذهاني السابق لأداء تلك اهمة.‏فخبراتهم السابقة تضيف بعدا جديدا وخصبا للسمات التي ذكرناها آنفا.‏وليس كل ارضى السابق يصلحون لتلك اهمة بل قلة منهم فقط هيالتي ترغب في الدخول مرة أخرى في تجربة ارض العقلي حتى الأعماق.‏وإذا توفرت لديهم الرغبة نجدهم يحققون نتائج مرضية للغاية.‏ وارافقالعلاجي هنا يقوم همة اساعدة واساندة واشاركة.‏وتزداد أهمية اساعد العلاجي في مرحلة معينة من مراحل العلاج.‏فحينما يتخلص اريض نتيجة للعلاج النفسي من الهلاوس والضلالاتقد يتبقى لديه رغم ذلك شعور بأنه مهدد-وهو شعور مجرد وغير متحددويحاول اريض الدفاع عن نفسه ضده بالانسحاب.‏ وتكون مهمة ارافقالعلاجي هنا هي إبعاد ذلك الشعور عن اريض.‏ كذلك يتواجد ارافقالعلاجي عندما يكون أفراد الأسرة منشغل بارتباطات العمل أو غير ذلك.‏فهنا نجد أن ثمة شخصا يستطيع اريض أن يعتمد عليه لفترات طويلة.‏ويقوم اساعد العلاجي بتمهيد طريق اريض إلى العالم الخارجي ويزيلمخاوفه ا حوله.‏ ومخاوف اريض لا يتم التغلب عليها بطبيعة الحال198


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونبدون جهد اعالج النفسي اتوغل في أعماق النفس.‏ لكن ارافق النفسيهو الذي يشكل الرابطة الواقعية ب الفهم النفسي الدينامي والعلاقةالجديدة مع اعالج ومع العالم الخارجي.‏ فارافق النفسي يب للمريضبشكل مباشر أن الأشياء العديدة التي يخاف منها لا وجود لها ولا محل لأنتسبب له أي أذى.‏ وكثير ما يرى اريض أن ارافق النفسي أكثر إقناعاوأكثر مدعاة للطمأنينة من أي فرد من أفراد الأسرة.‏وحينما تفتر حدة الأعراض ارضية يستطيع ارافق العلاجي أن يزيدمن سرعة اختفائها.‏ فقد يخاف اريض مثلا من الذهاب إلى أحد المحلاتخشية أن يجد هناك أحدا من مضطهديه أو أن يخطئ اختيار ما يشترى.‏لكنه كنه الذهاب بصحبة ارافق النفسي وسيجد أنه قادر على الاختيارالصحيح وأنه لا وجود ن يعتقد أنهم يضطهدونه.‏ويستطيع ارافق النفسي أن يساعد اريض أكثر من أي فرد من أفرادالأسرة على التخلص من بعض العادات والأعراض ارضية الضارة واعطلةوالتي تزيد من عزلته عن العالم.‏ وما لم يتم تصحيح تلك العادات فإنهاتترسخ ويل لأن تصبح متأصلة في حياة اريض بأكملها.‏ على أن تلكالعادات ليست غير قابلة للتعديل كما تبدو.‏ فشعور اريض بالحاجة إلىاشاركة الوجدانية الحارة مع شخص آخر كفيل بأن يجعله يقلع عن تلكالعادات.‏ واعالج قد لا يكون على علم بتلك العادات اعوقة إما لأنها لاتظهر أثناء الجلسات النفسية أو لأنها ضي دون ملاحظة.‏ ومن الناحيةالأخرى نجد أن أفراد الأسرة قد اعتادوا عليها حتى أصبحت بالنسبة لهمأمرا عاديا ولا يرون فيها ما يدعو لإخبار اعالج بها.‏ لكن اساعد العلاجيقدوره أن يلاحظها وأن يبلغ اعالج بها وأن يصححها بطريقة ودية.‏وما ذكرته عن العادات والسلوك العام ينطبق أيضا على الأعراض.‏ ومنافيد هنا أن أذكر مرة أخرى بإسهاب ما سبق أن تحدثت عنه في الفصلالثامن بخصوص بعض الإجراءات التي يتبعها أفراد الأسرة مع اريض.‏فكثير من اعالج لا يعرفون الأوقات التي يل فيها اريض إلى الهلوسةأو إلى السلوك وفقا ضمون هلاوسه.‏ لكن اساعد العلاجي يعرف رابسبب خبرته بتعبيرات وجه اريض أو وضع جسمه أنه خلال بضع دقائقستحدث له الهلاوس وأنه قد يخرج محتويات تلك الهلاوس في صورة199


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهسلوك اندفاعي.‏ وهنا يقترب منه اساعد العلاجي ويشد انتباهه فياتجاه آخر ويحاول أن يدفعه للقيام بنشاطات أخرى بحيث يقل احتمالحدوث الهلوسة.‏ فبينما يسعى اعالج إلى تفسير الأعراض وجعل اريضبغير حاجة إليها يقدم اساعد العلاجي للمريض طرقا عملية لتفاديها.‏والعلاج عن طريق تفادى الأعراض لا علاقة له بالعلاج القائم على الانعكاسالشرطي ايكانيكي إا يقوم على التدخل اليء بالدفء من جانب إنسانعلى علاقة وثيقة باريض.‏ وأنا أعني بتفادي الأعراض خلق مواقف يقلفيها احتمال حدوث الأعراض وتجنب اواقف التي يل فيها الأغراضللظهور.‏ فمثلا إذا كان لدى اريض ميل مارسة أفعال مرضية تكراريةحينما يخلو بنفسه يجب ألا يترك فرده قدر الإمكان.‏ والعلاج بتفاديالأعراض ليس مجرد علاج مهد للأعراض بل إنه أكثر من ذلك بكثيرلأن الأعراض والعادات تصبح أشد قوة ومقاومة للعلاج كلما ازداد تكرارها.‏وقد نجد لدى بعض ارضى ن هم تحت رعاية ارافق العلاجي ميلاللعودة إلى حالة تنتمي للطفولة الباكرة وللنظر إلى ارافق العلاجي علىأنه ثابة الأم التي تعتني به.‏ لكن اساعد العلاجي يستطيع-بصورة أفضلمن أفراد الأسرة-أن يغذي اريض نفسيا دون أن يعوق وه ويستطيع أنيدفع به دفعة ودودة لينه تخلو من الخشونة التي قد تجد مقاومة من قبلاريض.‏ وشعور اساعد العلاجي بقوة علاقته باريض هو الذي يدله-بدلامن الأفكار اسبقة والبرامج اخملططة سلفا أو النشاطات اليومية-علىالوقت الائم لتوجيه تلك الدفعة الرقيقة قاومة ميل اريض للخمول أوالانسحاب.‏ورا تنشأ صعوبات عديدة أثناء قيام اساعد العلاجي بعمله.‏ وكثيرمنها يتعلق باساعد نفسه كشخص كأن تنشأ لديه مشاعر طرح مضادمثلما يحدث للمعالج..‏ وفي حالات نادرة يل ارافق العلاجي لرؤية اريضعلى أنه شخص بحاجة إلى قدر كبير من اساعدة بينما تكون حالة اريضقد تحسنت كثير.‏ لكن ارافق يظل غير راغب في تقليل الفترات التييقضيها مع اريض أو تخفيف رعايته له.‏ وقد تكون قد نشأت لديه مشاعروجدانية قوية تجاه اريض بحيث لا يستطيع التوقف عن العمل معه.‏ ومعذلك فقد كان الطرح اضاد ضروريا لقيام علاقة علاجية قوية.‏ وجميع200


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونتلك اشاعر يجب أن يتم تحليلها وأن يوجد لها حل خلال اللقاءات الدوريةالتي يجب أن تعقد ب اعالج واساعد العلاجي.‏وقد تنشأ صعوبة أخرى في بعض الحالات هي شعور اريض بالعداءتجاه اساعد إما بسبب عدم رضاه عن أن يرى نفسه معتمدا على غيرهأو لأنه يخاف من الشعور بحرارة العلاقة تجاه اساعد أو لأنه يوحد بينهوب شخص كان مؤثرا بالنسبة له في ااضي شبه ما فينظر إليه نظرةإضطهادية.‏ وكل تلك اواقف يجب أن تنقل إلى اعالج الذي يقوم بدورهناقشتها مع اريض.‏وقد تنشأ بعض اواقف التي يطلق عليها اواقف ثلاثية الأبعاد حيثنجد كلا من اعالج وارافق العلاجي ينافس كل منهما الآخر أو يبدو أنهمامتضادان في عملهما بسبب حيل اريض.‏ وتضطرب حالة اريض إذا هوشعر بأن اعالج وارافق العلاجي مختلفان حول طريقة علاجه أو أنهناك خلافا ب اعالج أو ارافق العلاجي وب أحد الوالدين.‏ وقد يكونسبب اضطراب حالة اريض أحيانا هو انبعاث شعور كامن لديه منذ طفولتهبأنه السبب أو الضحية للشقاق الذي كان قائما ب والديه آنذاك.‏ لكنسرعان ما يزول ذلك الاضطراب حينما تناقش تلك اشاكل مع اريضبصراحة ويوضح له وجه الخطأ في فهمه أو في تسويته ب ظروف مختلفة.‏حالات الطوارئ:‏تعتبر حالات الطوار الخطيرة في الطب النفسي قليلة بالقياس ثيلتهافي فروع الطب الأخرى.‏ فلا توجد حالات في درجة خطورة انفجار الزائدةالدودية أو زق جدار اعدة نتيجة التهاب قرحة بها أو اختناق فتق أوذبحة صدرية.‏ فمعظم ارضى النفسي يستطيعون الانتظار على الأقلأربعا وعشرين ساعة قبل أن يفحصهم الطبيب حتى لو كانت حالتهمخطيرة.‏ إلا أن هناك حالات طوار في الطب النفسي أيضا.‏ ويلزم علىأفراد الأسرة أن يبلغوا الطبيب بها عند حدوثها.‏ فإذا لم يوجد طبيب كنالاتصال به فعليهم أن يأخذوا اريض للمستشفى.‏ وكثير من استشفياتتوجد بها عيادة طوار أو عيادة استقبال حيث يقوم الطبيب النفسيبفحص اريض فورا وإجراء الإسعافات الأولية وتقد التوصيات201


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالضرورية.‏وإذا كان الاتصال التليفوني باستشفى متاحا فعلى الأسرة أن تستعلممن استشفى عما إذا كانت لديها عيادة حالات نفسية حادة أم لا.‏ وهناكبعض اناطق يسهل لقاطنيها العثور على مثل تلك العيادات.‏ ففي مدينةنيويورك مثلا توجد حوالي تسع مستشفيات بها عيادات طوار نفسية.‏ويجب على الأسرة أن تبلغ استشفى بعنوان اريض لتعرف ما إذا كانتانطقة أو الحي الذي يقطنه تابع لتلك استشفى أم لغيرها.‏ كذلك توجدباستشفيات العامة بادن الكبرى في املكة اتحدة عيادات طوارنفسية تعمل ليلا ونهارا.‏لكن قد يتعذر في بعض اناطق التوصل إلى عيادة طوار نفسية.‏ إلاأن مكتب الاستعلامات في أي مستشفى قدوره إرشاد اواطن إلىأقرب مستشفى مزود ثل تلك العيادات.‏وغالبا ما نجد أن عدد <strong>الفصامي</strong> الذين يحتاجون ثل تلك العياداتليس كثيرا كما نتصور-فهو أقل من حالات مثل مدمني العقاقير وحالاتالهوس الحادة وإدمان الكحول أو حالات الاكتئاب الشديد التي تدفعاريض إلى محاولة الانتحار إلا أن هناك حالات طوار قد تحدث ريضالفصام.‏ إذ كن أن يحاول الانتحار أو يحاول قتل أحد من الناس أويؤذى الآخرين أو يصبح كثير الشجار معهم أو يسبب إزعاجا لا كناحتماله أو تتسلط عليه نوبات سلوكية اندفاعية معادية للمجتمع ولأنتلك الحالات تتميز بأنها لافتة للأنظار فإنها تبدو كبيرة العدد إلا أنها فيالواقع ليست كذلك إذا ما قورنت بالعدد الإجمالي رضى الفصام فمدينةأمستردام تضم حوالي مليون نسمة والخدمات الطبية والصحية بها ذاتشهرة دولية في مجال توافر عيادات الطوار النفسية.‏ ومع ذلك فعددالحالات التي تستقبلها من القلة بحيث أن الأطباء النفسي اقيم بهانادر ما يضطرون إلى الاستيقاظ من النوم بعد منتصف الليل.‏ وقد لوحظعلى الأقل حتى بضع سن مضت أن عددا قليلا من ارضى يحتاجونبعد منتصف الليل لعيادات الطوار النفسية التي تعمل ليل نهار في مركزماساشوستي للصحة العقلية ببرسطون ومركز مالكولم بليس للصحة العقليةفي سانت لويس.‏202


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونوقد عرّف بعض الباحث حالة الطوار بأنها أية حالة تتطلب تدخلافوريا ولا كن علاجها من خلال الإمكانيات اتاحة في الظروف العاديةوعرّفها آخرون ‏(مثل ه.‏ ر ذنيك H.resnik وه.‏ روب‏)‏ بأنها ‏(حدث فوريمفاجئ وغير متوقع إذا لم تتم معالجته بسرعة يشكل خطورة على الحياةأو يؤدي إلى مضاعفات نفسية شديدة).‏وحالات الطوار النفسية التي تحدث لغير <strong>الفصامي</strong> قد تكون خلافازوجيا أو شجارا ب الأبناء والآباء أو صدمات ناشئة عن خبرات جنسيةمؤة أو وفاة صديق أو قريب عزيز أو مضاعفات تسمم أو إدمان كحولأو عقاقير.‏ وكن في معظم تلك الحالات التوصل إلى اسببات اباشرةأو العوامل الضاغطة التي أدت إليها وقد وصف بعض الباحث نوعا منالعلاج النفسي لحالات الطوار كن استخدامه في اواقف الخاصةبالأزمات النفسية.‏ وهو عبارة عن جلسات نفسية يتراوح عددها من جلسةواحدة إلى ست جلسات ويقوم فيها اعالج بدور إيجابي للغاية.‏ إلا أن هذاالنوع من العلاج لا يلائم مرضى الفصام.‏فالأمر أكثر تعقيدا بالنسبة رضى الفصام.‏ فالبعض منهم يصبحونبصورة غير متوقعة خطرين تجاه أنفسهم ويحاولون الانتحار استجابةلأصوات هلاوسهم.‏ وآخرون يصبحون خطرا على الغير نتيجة أيضالتوجيهات عدوانية تصدر من تلك الأصوات.‏ وليس أمرا نادر الحدوث أننرى مريضا بارانويا يكشف عن ميول عدوانية تجاه مضطهدين متخيليحاول الدفاع عن نفسه ضدهم.‏ وحينما يبدى اريض سلوكا ينم عنمحاولة لإيذاء الآخرين أو عن ميول عدوانية أو تدميرية فإن حالته تلكتعد بلا شك حالة طوار‏.‏ وارضى الآخرون تعد حالاتهم من حالاتالطوار إذا هم أصيبوا بحالة تشوش في الوعي مصحوبة بتهيج أو فقدواالقدرة على إدراك اكان والزمان والأشخاص حولهم أو أصيبوا بحالةهياج أو أصبح سلوكهم باد الشذوذ أو معاديا للمجتمع و<strong>الفصامي</strong>ونالذين يثيرون قلقا بالغا لدى أقاربهم ولدى الجمهور عموما هم أولئكالذين يسلكون وفقا عتقداتهم الضلالية ليس ذلك السلوك الذي يشكلخطرا على أنفسهم وعلى الآخرين وإا السلوك الذي يعتبر شاذا وغيرمقبول اجتماعيا.‏ فالناس تتسامح مع ارضى الذين يكتبون خطابات مزعجة203


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهأو حتى يحطمون الأشياء لكنهم لا يتساهلون إزاء من ارس العادة السريةأو يتبرز أو يتبول في الأماكن العامة أو من يتعرى أو يشاكس الأطفال.‏ ومناهم تأكيد أن مثل تلك التصرفات لم يقم أي دليل على أنها تحدث لدى<strong>الفصامي</strong> عدل أكبر ا تحدث لدى غير <strong>الفصامي</strong>‏.‏وارضى البارنويون ايالون لإيذاء الآخرين على الرغم من أن نسبتهمالعددية ضئيلة للغاية إلا أنهم يسببون إزعاجا لا حد له لأنهم من الصعبجدا التعامل معهم وكن أن يشكلوا خطورة.‏ وعادة ما يصبح اريضخطرا حينما يكون خائفا.‏ فحتى ارضى الذين يبدون وديع كن أنيتحولوا إلى النقيض إذا عوملوا بطريقة تنطوي في نظرهم على تهديديدعم معتقداتهم الضلالية.‏ وهنا يطرح السؤال عما إذا كان من الواجباستدعاء البوليس إذا نشأت حالة طوار أو إذا أبدى مريض بارانويىسلوكا فيه إيذاء للآخرين.‏ولا مفر من تدخل البوليس في بعض الحالات.‏ فمن سوء الحظ أنه لاتوجد طرق بديلة ولا توجد أية جماعة منظمة مدربة على التعامل مع تلكالحالات.‏ وفي مناطق عديدة يستلزم حتى طلب النجدة أن يتم من خلالالبوليس.‏ والاستعانة بالبوليس تثير شعور بعدم الارتياح.‏ فاعروف أنالبوليس يتعامل أولا وقبل كل شيء مع الخارج على القانون لذلك يبدولنا أمرا مقيتا أن يتولى البوليس أمر شخص مريض.‏ وفضلا عن ذلك فإنكثيرا من ارضى البارنوي ستترسخ لديهم معتقداتهم الضلالية بأنهممضطهدون وضحايا لعملية اجتماعية منظمة.‏ لكننا من ناحية أخرى نجدأنه بالإضافة إلى عدم وجود أية بدائل في بعض الحالات فإن كثيرا منرجال البوليس قد أصبحوا يجيدون التعامل مع ارضى العقلي بدرجةيحسدهم عليها الاختصاص‏.‏ إذ نجدهم بطريقة أو أخرى يعرفون كيفيبثون الطمأنينة في نفس اريض أو يجعلونه قادرا على السيطرة علىسلوكه العدواني.‏ويتعذر أحيانا إحضار بعض حالات الطوار النفسية إلى استشفى أوإلى العيادات اتخصصة وفي مثل تلك الحالات النادرة يجب أن يذهبالأخصائي إلى بيت اريض ويعتذر كثير من الأطباء النفسي عن زيارةاريض نزله إلا أن معظمهم يعرفون زملاء شبانا بدأوا ارسة اهنة204


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونحديثا ولديهم الوقت لأداء تلك اهمة.‏ والهدف الرئيسي من زيارة الطبيبالنفسي للمريض هو القيام بتشخيص الحالة وتقرير ما إذا كانت تستدعىدخول استشفى أو لا.‏ وكن أن يستدعى الطبيب النفسي لزيارة اريضعضوي يجعله عاجزا عن الحضور للطبيب إذا كان مصابا رض نزلهكأن يكون مصابا بأزمة قلبية أو التهاب بافاصل أو جلطة باخ.‏ وهناكسبب ثالث يستدعي زيارة الطبيب النفسي للمريض نزله هو أن يكوناريض مصرا على عدم مغادرة انزل سواء أكان ذلك بسبب من مخاوفبارانوية أو معتقدات ضلالية أخرى أو بسبب أنه قد يكون مصابا بالإضافةللأعراض <strong>الفصامي</strong>ة خاوف مرضية ‏(رهاب)‏ نعه من مغادرة انزل.‏ويجب كلما أمكن أن تجرى محاولة إقناع اريض بأن يذهب إلى العيادةالنفسية أو حتى إلى قسم الطوار النفسية.‏ ذلك أن شعور اريض بأنباستطاعته إحضار الطبيب النفسي إلى منزله قد يجعله يعتقد بأن قدورهالتحكم في العملية العلاجية ا قد يؤدي إلى تأخير شفائه.‏الانضمام إلى جماعات عقائدية سرية:‏كثيرا ما نجد أن آباء مرضى الفصام السابق أو الذين تحسنت حالتهمبدرجة متوسطة أو أصبح مرضهم مزمنا يلجأون للأطباء النفسي طالباشورة في أمر أبنائهم الذين انضموا إلى جماعات عقائدية سرية.‏ فقديقيم الابن خارج انزل.‏ وأحيانا تسمح له الجماعة بالإقامة في بيته إلا أنهلا يشغل باله سوى ارسة تعاليم تلك الجماعة والحديث عن معتقداتهاالغريبة.‏ فما الذي يستطيع أن يفعله الآباء?‏ الواقع أنه على الرغم منانتشار تلك الظاهرة حديثا إلا أنها ليست جديدة اما.‏ إذ أن لها جذورافي ااضي تعود إلى أحداث مشابهة حدثت قبل تفشي الجماعات الجديدة.‏فقد كنت أشاهد منذ بداية ارستي للطب النفسي عددا معينا منالأفراد الذين يعتبرون في حالة قبل فصامية ومن <strong>الفصامي</strong> ومن كانوافصامي وتحسنت حالتهم جزئيا يتحولون إلى ديانة جديدة.‏ وكانوا بذلكيحققون عددا من الأهداف:‏١- فهم بذلك يتمردون على آبائهم.‏٢- وهم يحاولون أن يجدوا في الديانة الجديدة حلا شاكلهم التي205


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهيعتقدون أنها كانت ستظل بلا حل طاا بقيت الأوضاع على ما كانت عليه.‏٣- وهم يسعون كملاذ أخير إلى إقامة علاقات شخصية مرضية وإنكانت تتخذ صوراً‏ خارجة اما عن األوف ‏(من خلال الأديرة مثلا أوالعمل التبشيري أو الجماعات الصوفية وما إلى ذلك).‏وكان التحول إلى ديانة أخرى يحدث في إطار الأديان الكبرى اعروفةفي اجملتمعات الغربية.‏ لكن الوضع تغير هذه الأيام.‏ فهناك أولا وقبل كلشيء وبالإضافة إلى الأهداف اذكورة آنفا حالة عدم رضى متزايدة تجاهاجملتمع.‏ ولا تعبر حالة عدم الرضى تلك عن نفسها من خلال حركاتسياسية مثلما حدث في الحركات الطلابية في الستينيات وإا تتخذصورة اعتناق وجهات نظر صوفية تجاه العالم.‏ وعلى الرغم من ذلك فإنبعض الجماعات العقائدية تتشكل معتقداتها من صور محورة من الأيدلوجيةاليهودية-اسيحية أو من توجهات سياسية خاصة إلا أن غالبيتها تنبنيعلى مفاهيم هندوسية وشرقية.‏ وبعضها ينشغل بالسحر وتحضير الأرواح.‏وأود أن أوضح نقطة معينة خشية أن يساء فهمي.‏ فأنا لا أعني بأيحال من الأحوال القول بأن كل أعضاء تلك الجماعات أو معظمهم يتشكلونمن <strong>الفصامي</strong> أو ارضى العقلي أو من انحرف اجتماعيا.‏ إذ ليسلدي علم بأي إحصائيات تدل على ذلك.‏ وفضلا عن ذلك فأنا أعرف أنالحركات الأيديولوجية حتى تلك التي يثبت فيما بعد أنها ذات نفع للبشريةتجذب إليها في البداية عددا كبيرا من الأفراد الذين هم ليسوا غير راضعن الأوضاع من حولهم فحسب بل هم إلى هذا الحد أو ذاك مضطربونعقليا وكل ما أستطيع قوله هو أن هناك عددا ذا دلالة إحصائية منالأفراد الذين كن تصنيفهم بأنهم يقعون في انطقة الرمادية القائمةفيما ب ارض العقلي وعدم التكيف الاجتماعي ينضمون إلى تلكالجماعات.‏ وبالإضافة إلى هؤلاء ينضم أيضا إلى تلك الجماعات عددكبير ن هم قبل-فصامي أو فصاميون سابقا أو فصاميون متحسنونجزئيا أو فصاميون مزمنون.‏ وتنتمي كل تلك الفئات عمليا إلى الطبقةالاجتماعية الوسطى وفوق الوسطى والعليا.‏وقد كتبت الأخصائية النفسية مارجريت ت.‏ سينجر دراسة تازةبعنوان ‏(علاج أعضاء الجماعات العقائدية السابق‏).‏ وهي دراسة متفائلة206


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونإلى حد ما.‏ إذ كتبت قائلة إن ‏(أولئك الأشخاص لديهم قدر كبير من الغضبتجاه تلك الجماعات لكونها استعملتهم وسيطرت عليهم.‏ كما أنهم غاضبونوآسفون للسن التي فقدوها والفرص التي ضيعوها.‏ ولديهم خوف مناستقبل وقلق بشأن ما كن أن يحدث لو أنهم لم يستطيعوا أن ارسواحياتهم على استوى الذي يريدون).‏ولتخليصهم من عملية الارتباط الشرطي والهيمنة العقائدية تقدم لهمسنجر كماً‏ هائلا من اعلومات وتؤازرهم وتساعدهم.‏ وعملية ‏(إزالةالبرمجة)‏ تلك لا تنطوي في نظر الكاتبة على أية وحشية كما وصفتهاالجماعات في تصريحاتها للصحافة ‏(وإا هي مجرد فترة مكثفة منإمدادهم باعلومات).‏ وأعتقد رغم أني لست على يق أن الدكتورةمارجريت سنجر قد أجرت بحثها على أنواع من الأفراد مختلف عمنالتقيت أنا بهم وغالبية الأفراد الذين تتحدث عنهم ليسوا فصامي‏.‏وقد وصفت د.‏ سنجر بصورة جيدة جدا ما تقدمه تلك الجماعاتلأفرادها فهي تقدم لهم ‏(إجابات مبسطة)‏ شكلات الحياة.‏ فهي تزودأعضاءها بأصدقاء جاهزين وقرارات جاهزة فيما يتعلق ستقبل حياتهمونظامها اليومي وأمور الجنس والزواج و ‏(معنى الحياة).‏ ويشترطون عليهمباقابل طاعة عمياء يظلون ملتزم بها طوال العمليات اخملتلفة للبرمجةالعقائدية).‏ وبعض تلك الجماعات لي على أفرادها أن يدبروا الحصولعلى نقود ولا يستطيعون العودة دون الحصول على مائة وخمس دولارا أوأكثر حتى لو تطلب منهم ذلك أن يظلوا يعملون من ثماني عشرة إلى أربعوعشرين ساعة.‏ وأود أن أضيف إلى ملاحظات د.‏ سينجر الدقيقة أنإحدى ايزات الظاهرة لتلك الجماعات هي أنها تزيل أو تقلل من أهميةالعلاقة الثنائية الحميمةوهو ما يحدث أيضا في بعض الكوميونات.‏ وهذا النوع من العلاقة هوالذي يوجد ب شخص ‏(زوج وزوجة أب وإبن):‏ وهي علاقة تتطلب درجةمن التلاصق والالتزام والأخذ والعطاء لا تتوفر في أية علاقة أخرى.‏والشخص الذي يصبح جزءا من جماعة يستبدل تلك الجماعة والعلاقةالسيكولوجية الأكثر بساطة داخلها بالعلاقة الثنائية الحميمة.‏كيف أشعر تجاه تلك الجماعات?‏ أود أن أؤكد مرة ثانية أن إجابتي إاDyadic207


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهتختص فقط جموعة <strong>الفصامي</strong> ‏(التي تشمل الأشخاص ما قبل<strong>الفصامي</strong> و<strong>الفصامي</strong> السابق و<strong>الفصامي</strong> متوسطي الدرجةوازمن‏)‏ ولا تشمل مجموع الأفراد الذين شملتهم دراسة د.‏ سينجر.‏وشعوري هو أنه أمر محزن للغاية أن نرى شخصا يضحي بفرديته وبقدرتهعلى التحكم الذاتي وباستقلاليته وينضم إلى جماعة عقائدية سرية لكييحتفظ ولو بالحد الأدنى للتوازن العقلي.‏ ورغم ذلك فهذا هو حال بعضأفراد البشر.‏ على أني أعتقد أن الانضمام لتلك الجماعات قد حال ببعض الأفراد الذين لم يجدوا طريقة أفضل للتأهيل وب أن يصابوا بحالةمن النكوص النفسي لا شفاء منها.‏ وفضلا عن ذلك فقد وجد بعضارضى أن ط الحياة الذي توفره لهم تلك الجماعات أكثر إرضاء لهم منالطرق السائدة حاليا للتأهيل النفسي.‏ وعلى ما يبدو فإنهم لم يلتفتوا ايخسرونه بانضمامهم لتلك الجماعات ‏(الحرية ابادأة التلقائية)‏ وإاالتفتوا إلى ما يجنونه من ذلك ‏(الحماية التحرر من عبء اتخاذ قراراتوما إلى ذلك من أعباء).‏وحينما يسألني الآباء عما يفعلون إزاء ابنهم الذي يريد أن ينضم أوالذي أنضم فعلا إلى جماعة عقائدية فإنني أجيب ا يلي:‏ أولا إذا كانذلك الشاب فوق الثامنة عشر فإنني أذكر الآباء بأنهم لا يستطيعون قانوناأن يفعلوا شيئا إلا إذا أقاموا الدليل على أنه يعامل بقسوة أو يحرم منالطعام أو يعامل بعنف أو يستعبد أو يُكره على تعاطي اخملدرات أوارسات من هذا القبيل فإذا لم يستطع الآباء إقامة الدليل على أي منتلك امارسات ولكن لديهم قناعة قوية بأنها تحدث فعليهم أن يقوموابإبلاغ السلطات المحلية أو الاتصال بالنائب البراني لكي يرفع اوضوعللحكومة ويستحثها على اتخاذ الإجراءات اللازمة نع تكرار مثل تلكامارسات.‏ وثانيا إذا كان الابن ينتمي إلى مجموعة <strong>الفصامي</strong> فعلينا أننبحث ما إذا كان ما يقدمه له نظامنا التأهيلي أفضل ا تقدمه له تلكالجماعات.‏ وثالثا قد يكون من الخطر ‏(إزالة برمجة)‏ <strong>الفصامي</strong>.‏ فتلكالعملية قد تؤدي إلى تفكك كامل في شخصيته.‏ فالبرمجة إذا أمكن تحقيقهافعلا كن أن تؤدي إلى تحسن حالته تحسنا مشابها ا يحدث لأولئكارضى الشديدي النكوص حينما نعاملهم بطريقة الاقتصاد الرمزي.‏ وفي208


اساعدون العلاجيون وارافقون النفسيونرأي أن أسوأ شيء في البرمجة وفي التحويل العقائدي هو أنهما يجعلاناريض من مجموعة <strong>الفصامي</strong> غير قابل للعلاج النفسي كلية.‏ورا أغير رأيي حينما أتعامل مع عدد أكبر من <strong>الفصامي</strong> الذين كانواأعضاء في تلك الجماعات لكن عليّ‏ أن أصرح بأنني لم أستطع اضيبعيدا مع فرد واحد منهم وكان التحويل العقائدي الذي أجري لهم هوالحائل بيني وبينهم.‏ وهذا الحاجز من شأنه أيضا حماية اريض من العالمخارج الجماعة.‏ لكن الحاجز الذي حماه وعزله عن حياة أكثر خصوبة هوالذي حماه أيضا من الانحدار إلى درجة أكبر من النكوص.‏وأكثر الأمور مدعاة للأسف في هذا اوضوع بأكمله-بالنسبة لي هو أنهثبت أن الجماعات العقائدية قادرة على الوصول إلى عدد كبير من جمهورارضى بينما نحن اخملتص في الصحة العقلية غير قادرين على ذلك.‏وثمة أمر مؤسف آخر هو أننا لا نستطيع أن نحث أولئك الأشخاص ونحنمرتاحو الضمير على ألا ينضموا لتلك الجماعات ‏(سواء فعلنا ذلك مباشرةأم من خلال آبائهم)‏ طاا بقيت قدراتنا التأهيلية الراهنة للمرضى ازمنتعاني من قلة وعدم كفاءة الإمكانيات الأمر الذي يؤدي إلى أن نرى عدداكبير من أولئك الأفراد يتجولون في الطرقات على غير هدى على النحوالذي وصفناه في موضع سابق من هذا الكتاب.‏ ولو أن اجملتمع كان أكثراستجابة لمحنة أولئك البشر ا اكتسبت الجماعات العقائدية مثل تلكالشعبية.‏ ولعل من واجبنا ألا ندين تلك انظمات سلفا apriori بل علينا أنندرسها بكثير من التواضع بحيث نستقي منها العناصر افيدة والقابلةللتطبيق مع جماعات أخرى.‏ ولو استطعنا أن نفعل ذلك وأن نتخلص فينفس الوقت ا هو غير مرغوب فيه في تلك الجماعات العقائدية ‏(مثلالقيود افروضة على الفردية وعلى حرية الاختيار)‏ لرا وصلنا إلى نتائجظلت حتى الآن بعيدة انال.‏تذييل:‏بعد أيام قليلة من تسليم مخطوطة هذا الكتاب للناشر وردت الأنباءاؤسفة عن اذبحة التي حدثت في جونز تاون بجويانا لأتباع جماعة‏«معبد الشعب»‏ التي أسسها جيمس جونز.‏ ورغم أن علينا ألا نقع في خطأ209


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوضع كل الجماعات العقائدية في فئة واحدة إلا أن ضرورة إجراء ازيد منالأبحاث والتمييز ب جماعة عقائدية وأخرى تبدو أكثر إلحاحا بعد تلكاأساة التي راح ضحيتها أكثر من ٩٠٠ شخص.‏ فتلك الجماعات لأنها تبدوفي بداية الأمر أنها نح قبولا وحلولا سهلة للمشاكل اعقدة فإنها تجذبالأشخاص الذين يشعرون أنهم مرفوضون أو مسحوقون تحت وطأة متاعبالحياة ومن ب هؤلاء كثير ن ينتمون إلى مجموعة <strong>الفصامي</strong> كماذكرنا سابقا.‏ إلا أنه يحدث في بعض الجماعات بعد مضي فترة ما أنأمورا مثل ارسة الطقوس الصوفية والتحويل العقائدي والافتتان بجاذبيةالقادة وإلغاء الخصوصية الشخصية والحرمان من النوم وفقر التغذيةكل ذلك يجعل تحرير الأفراد لأنفسهم من نير النظام الجمعي أمرا بالغالصعوبة.‏ ومرة أخرى أناشد اجملتمع بقوة أن يقدم حلولا بديلة للأخوةاواطن الذي هم سيكولوجيا في أمس الحاجة إلى ذلك.‏210


الوقاية11 الوقايةتعتبر الوقاية من الفصام أهم الأمور بالنسبةللمعني بهذا ارض.‏ وقد حقق الطب الوقائيتقدما هائلا في ثلاث حالات تنتمي جملال الطبالنفسي هي:‏١- الذهان الناشئ عن البلاجرا.‏٢- الضعف العضلي العام الناشئ عن الزهري.‏٣- الهذيان الناشئ عن الأمراض ايكروبية.‏ومن اعروف أن تلك الحالات الثلاث تنشأ عنأسباب عضوية بحتة.‏ ويكفي للوقاية من البلاجراأن يحتوي الغذاء على كمية كافية من الفيتاميناتوالضعف العضلي العام كن الوقاية منه بتعاطيمضادات الزهري جرد ظهور الأعراض الأوليةوتتم الوقاية من الهذيان بتعاطي مركبات السلفاواضادات الحيوية.‏إلا أن أسباب الفصام كما رأينا في الفصلالخامس أكثر تعقيدا ومختلفة كلية عن أسبابتلك الحالات الثلاث.‏ ولم يلق موضوع الوقاية منالفصام حتى الآن ما يستحق من اهتمام نظرالتشعباته اعقدة.‏ إلا أن الأطباء النفسيوالأخصائي النفسي في الولايات اتحدة قدأصبحوا منذ عهد قريب أكثر اهتماما بكثير211


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوضوع الوقاية من الأمراض العقلية بعامة.‏ وقد افتتاح مراكز في كثيرمن ادن للإرشاد الجيني وللعلاج الأسرى ولإرشاد الأفراد والجماعاتبأجر زهيد.‏ وعلى الرغم من أن الجهود التي تبذل في مجال الوقاية منالفصام مازالت في مرحلة رائدة إلا أنها تلقى تقديرا وتحظى ا هيجديرة به من اعتبار.‏ وقد أثبت كتابنا هذا أنه على الرغم من أن ثمة نقاطامازالت موضع تساؤل فيما يتعلق بأسباب الفصام إلا أننا لدينا معارفعلى درجة من الوفرة والدقة ا يكفي لتمكيننا من اتخاذ إجراءات فعالةللوقاية منه.‏وسوف نناقش فيما يلي ثلاثة أنواع من الوقاية هي:‏١- الوقاية الأساسية:‏وهي تهدف لإزالة الأسباب اهيئة التي تؤدي إلى إمكان حدوث الفصامأو تزيد الاستعداد للإصابة به سواء أكانت تلك الأسباب وراثية أم بيئية.‏٢- الوقاية ذات البعد الطولي:‏وهى تهدف إلى مساعدة الفرد طوال حياته.‏ وبخاصة في ارحلة ابكرةمنها-على تجنب الظروف والأحداث والأوضاع استدة التي من شأنهاأن تعجل خاطر تحول ما قد كان إمكانا أو تهيؤا للمرض إلى مرض فعلي.‏٣- الوقاية وقت الأزمات:‏وهي التي تحاول مساعدة الشخص ذي الاستعداد للفصام على تجنبأحداث ضاغطة من نوع خاص قدورها أن تسبب ارض.‏١- الوقاية الأساسية:‏الوراثة:‏ يوجد دليل شبه مؤكد كما رأينا في الفصل الخامس على أنالاستعداد للفصام له أساس وراثي.‏ ودعونا نقرر ثانية بوضوح أنه وفقاللمعارف الحالية فإن مرض الفصام لا يورث وإا الذي يورث هو الاستعدادللإصابة به.‏ وعلى ذلك فالوقاية الفعالة تتحدد في منع انتقال ذلك الاستعدادالوراثي من جيل إلى جيل بحيث إن الأفراد مهما تعرضوا لخبرات نفسيةضاغطة أو بالغة الأثر فإنهم لن يصابوا بارض.‏ إلا أن مثل تلك الإجراءاتالوقائية غير قابلة للتنفيذ وغير مرغوب فيها.‏ فالفصام يضعنا في موقفمختلف اما عن ذلك الذي نجد أنفسنا فيه عندما نكون أمام أمراضمعروف جيدا أنها وراثية في ذاتها.‏ فبمقدور الطبيب إزاء أسرة ذات تاريخ212


٩٠ إلىالوقايةإيجابي لأمراض مثل كوريا هنتنجتون أو مرض التشوه العضلي أو النزفالدموي أو غيرها من الأمراض الوراثية أن يشرح للفرد ببساطة قوانمندل في الوراثة ووجود الحوامل الوراثية ‏(الجينات)‏ بنوعيها السائدواتنحي والاحتمالات القائمة لإصابة أطفاله.‏ لكن مثل هذه الإرشاداتالوراثية الواضحة مستحيلة في حالة الفصام.‏ وكل ما يستطيع الاختصاصيقوله هو أنه إذا كان أحد الوالدين مصابا بالفصام فإن احتمال إصابةأطفاله يزيد معدله عن اتوسط العام إلا أنه تظل لديهم فرصة لا تقلنسبتها عن ٩٥% في ألا يصابوا بالفصام.‏وإذا كان من غير امكن عمليا منع زواج الأفراد الحامل لأمراضوراثية فمن البديهي أن يصبح الأمر أكثر صعوبة بكثير من حالة الفصامحيث تشير معارفنا الراهنة إلى وجود نسبة % ٩٠ من عدم الإصابة.‏ وبتعبيرآخر إذا كان هناك شخص أصيب بالفصام فإن احتمال انتقال الاستعدادللمرض لأبنائه يصل إلى ١٠%. وإذا كان هناك شخص أصيب أحد والديهبالفصام فإن احتمال استعداده للفصام يصل إلى ١٠%. والاحتمال وارد أنهإذا أتبعت الإجراءات الوقائية السيكولوجية الأخرى فإن تحقق احتمال ال١٠% ينعدم.‏ وحقيقة أن الإحصاءات ليست دامغة وأن ثمة إمكانية للعواملالبيئية أن تلغى تأثيرها يجعل أولئك الأفراد يسلكون في زواجهم وفقاشاعرهم وقيمهم دون التفات للمخاطر الوراثية.‏ وفضلا عن ذلك فقديقوى هذا الأمر من تصميمهم على توفير بيئة ملائمة لأطفالهم وقد يدفعهملتلقي علاج نفسي وقائي.‏ والإجراءات الوقائية مثل منع الحمل مدى الحياةأو التعقيم الاختياري أو الإجهاض العلاجي لا كن أن نوصي بها استناداإلى حقائق علمية طاا ظلت اخملاطر ضئيلة نسبيا.‏ لكن مثل تلك الإجراءاتيجب أن يوصى بها إذا كان الأبوان كلاهما قد أصيب بالفصام ففي هذهالحالة يصل احتمال وراثة الاستعداد للمرض لدرجة عالية جدا ‏(منإلى ٦٨%). ونوجز ما سبق فيما يلي:‏١- من الصعب ‏(ورا لا يوجد مبرر)‏ النصح بعدم الزواج أو على الأقلبعدم الإنجاب لأولئك الذين كن أن يكونوا حامل للاستعداد الوراثيللفصام ما لم تكن نسبة توريث ذلك الاستعداد عالية.‏ وهي تكون كذلك فيحالة ما إذا كان زوجي استقبل قد أصيب كلاهما بالفصام.‏٥٠213


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعده٢- إذا كان توريث الاستعداد للفصام قائما لدى شخص ما وكان مصمماعلى الزواج فيجب إرشاده إلى كيفية توفير بيئة أسرية ملائمة وتقليلمخاطر ارض.‏الظروف البيئية للطفولة:‏يبدو مؤكدا وفقا عارفنا الراهنة أن التهيئة الوراثية للفصام كنإلغاء تأثيرها بتوفير ظروف بيئية ملائمة في فترة الطفولة.‏ وعلى ذلكيجب أن تدور الوقاية من الفصام حول إزالة الأسباب التي من شأنها أنتجعل البيئة الأسرية غير سوية من الناحية النفسية.‏زواج الآباء:‏يعتبر عدم التوافق الزوجي ب الأبوين من أهم العوامل وأكثرها شيوعافي خلق بيئة غير صحية بالنسبة للأبناء.‏ فمن شأن عدم التوافق أن يقويما قد يكون قائما من سمات سلبية في شخصية كل من الزوج‏.‏ صحيحأن هناك الكثير من حالات عدم التوافق الزوجي وأن نسبة ضئيلة فقط منأبنائهم يصابون بالفصام.‏ ذلك أنه لا بد أن يكون هناك استعداد وراثيبالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة ليس هذا فحسب بل يتع أن يكون عدمالتوافق الزوجي غير ملائم للتكوين النفسي للأطفال بحيث يحول بينهموب أن يتوحدوا بدرجة كافية مع أحد الوالدين أو أن يشعروا بالحد الأدنىمن الأمان.‏وقد أجرى مسح لعائلات مرضى الفصام تب منه أن عدم التوافقالزوجي بينهم أشد حدة وأعلى نسبة منه في عائلات غير <strong>الفصامي</strong>‏.‏ إلاأن هناك إستثناءات فأحيانا تتقوى الروابط وينشأ شعور بالتكافل بأفراد أسرة <strong>الفصامي</strong> بسبب وجود مريض لديهم.‏ إلا أن ذلك يحدث عادةفي وقت متأخر وما لم يدرس بعناية ويخضع للتوجيه من قبل الاختصاصفقد يكون ضرره أكبر من نفعه.‏ فالزواج الذي يستلزم استمراره وجودمريض داخل الأسرة إا هو زواج هش ويفتقد الأصالة.‏ وأزواج استقبلالذين يعلمون مسبقا أنهم من الناحية الوراثية قد ينجبون أطفالا لديهماستعداد عال للفصام عليهم أن يطلبوا اشورة وأن يصبحوا على دراية214


الوقايةبالتزامات ومسئوليات الحياة الزوجية.‏الأبوة والأمومة:‏قد يجد الأزواج غير اوفق في إنجاب الأطفال إرضاء وتعويضانفسيا وبخاصة في البيئات الثقافية التي تعتبر فيها الأبوة والأمومة أهمأهداف الزواج.‏ ولا يضار الأطفال كثير في مثل تلك الأحوال.‏ أما فيالبيئات الثقافية التي لا تحتل فيها الأبوة والأمومة مكانة هامة أو تعتبرذات أهمية ثانوية في العلاقة الزوجية فإننا نجد أن الأزواج غير اوفقيكونون أيضا آباء سيئ‏.‏ ومنذ الثورة الصناعية إلى الوقت الحاضر وبخاصةمنذ أخذت التغيرات التكنولوجية تحدث عدلات بالغة السرعة أصبحمجتمعنا وثقافتنا في حالة انتقالية مستمرة.‏ وأخذت تحدث تغيرات فيأدوار الآباء والأمهات بصورة تهدد بتقويض الأبوة التقليدية.‏ فإذا أضيفتللصعوبات الناشئة عن تلك العوامل الثقافية صعوبات أخرى ناشئة عنتكوين الشخصية فإننا لا نتوقع نتائج طيبة.‏فارأة الحديثة أخذت تعيد النظر في كثير من القيم والأدوار التقليدية.‏وهي تشعر في نفس الوقت ‏(وإن لم تفصح عن ذلك صراحة إلى عهدقريب)‏ بالتبرم إزاء حقيقة أنها في اجملتمع الذي تكون السيادة فيه للرجلتعتبر غالبا مواطنا من الدرجة الثانية ولا تحصل على فرص متكافئة معالرجل.‏ وهي في سعيها للمساواة تبدد جزءا من طاقتها كربة بيت وتبحثعن مستقبل مهني كما يفعل الرجل.‏ وهي بالتأكيد محقة في ذلك وجديرةبه.‏ غير أن اجملتمع مثلما خذلها ح جعلها خاضعة للرجل يخذلها الآنأيضا ح لا يعدها جيدا لأداء دورها ازدوج.‏ والواقع أن اهمة عسيرةوعلى علماء الاجتماع أن يدرسوا اشكلة بقدر أكبر من الكفاءة وأن يدرسوهاعلى استوى العملي لا النظري.‏ فالزوجات يجب أن يشعرن بتحقيق الذاتوإلا شعرن بالإحباط ودخلن في منافسة مع أزواجهن الأمر الذي يؤديإلى عدم التوافق الأسري.‏وثمة وظيفة للمرأة لا كنها التخلي عنها تلك هي الأمومة.‏ لكن قيامهابتلك الوظيفة لا يعني ابتعادها عن ارسة جوانب الحياة الأخرى العديدةوالهامة.‏ ويواجه كثير من النساء صعوبات في اجملتمع الحضري-الصناعي.‏215


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهفظروف ذلك اجملتمع لا تتيح إعدادا جيدا لكثير من الفتيات لوظيفة الأمومة.‏وبعضهن لا يرون في الأمومة أي جمال ولا تشكل لهن موضوعا للطموح.‏ومن الواضح أننا لا يجب أن ننتقد أو ننبذ أولئك الفتيات بل علينا أننساعدهن على إعادة تقييم مفهوم الأمومة بينما يواصلن إعداد أنفسهنللحياة اهنية.‏ ويجب في مجتمعنا الغربي الحديث الذي يهدف لتحقيقاساواة ب الجنس أن يعاد النظر أيضا في دور الأب والأدوار التي كانعلى ارأة القيام بها وحدها دون الرجل يجب أن يعاد توزيعها بينهما بصورةأكثر إنصافا.‏واهتمام ارأة بالعمل اهني ومنافستها للرجل ليسا هما العاملالوحيدين وراء صعوبة إعداد ارأة لوظيفة الأمومة.‏ وقد ذكرتنا ناتاليشينس-‏Shainess Natalie في دراستها للمشكلات السيكولوجية اصاحبةللأمومة بتأكيد فرويد ازدواجية الدور الجنسي للمرأة وما يستتبعه مننتائج:‏ إذ عليها أولا أن تكون جذابة للرجل وأن تقيم معه علاقة حبوعليها ثانيا أن تنجب أطفالا وتقوم تجاههم بوظائف الأمومة.‏ وبعض الأمهاتينجحن فقط في اهمة الأولى ‏(الدور الأول)‏ إلا أن كثير من الأمهات لاينجحن في أي من الدورين.‏ فهن يقدمن على الزواج ولديهن توقعات كبيرةدون أن يكن مؤهلات للعطاء مقابل ذلك.‏ وبعد الإنجاب يشعرن بأن الأمومةعبء عليهن.‏وعلى اجملتمع أن يساعد الفتيات على استعادة الإحساس بهدف الأمومة.‏وننصح بأن تتلقى الفتيات الصغيرات في ادارس الثانوية وفي الجامعةشيئا من التوجيه والتعليم.‏ ففي ارحلة الانتقالية الحالية جملتمعنا حيثيعاد تقييم دور ارأة يفتقد الكثير منهن فرصة اكتساب معرفة كافيةبالأمومة من خلال عملية التوحد مع أمهاتهن أنفسهن.‏ وقد تبدو تلكاناهج والتعليمات النظرية وحتى التوجيهات التي يتلقونها في ادرسة أوالكلية محاولة لغرس حب الأمومة بطرق علمية مبالغ فيها كما تبدومصطنعة ونتيجة لتأملات نظرية مسبقة.‏ إلا أن واقع الحال أن نسبةمعينة من النساء قد فقدن نتيجة للتغيرات الاجتماعية الشعور التلقائيوالطبيعي تجاه الأمومة الذي كان ينتقل سابقا من جيل إلى جيل.‏ وإلى أنتدرك النساء الخلفية الاجتماعية لهذا الوضع علينا أن نستع بكافة216


الوقايةالوسائل التي قد تكون ذات فائدة في هذا الصدد.‏وقد أصبح دور الأب أيضا أقل فعالية منذ الثورة الصناعية.‏ وقد تحدثميتشيرليتش.‏M Mitscherlich & عما يسمى ب ‏(الأب غير ارئي)‏ في مجتمعنا.‏فلم يعد الأب هو اعلم ولم يعد هو الشريك الأكثر خبرة بالحياة.‏ فهو لميفقد هيبته كمعلم فحسب بل أيضا كمحافظ على النظام داخل الأسرةوكقدوة يقتدي بها وكشخص يستطيع أبناؤه أن يتوحدوا معه.‏ وغالبا ماتتدنى منزلته إلى مجرد رفيق لعب فهو لا يرى أطفاله إلا نادر فإذا حدثذلك فكل ما يريده هو أن يصبح واحدا منهم يشاركهم اللعب كزميل لهم.‏وهو إذ يفعل ذلك إا يفقد مكانته كأب.‏ ولا شك أن الأبوة في إطارالتغيرات الاجتماعية الراهنة يجب أن يتغير معناها أيضا وليس كل ماذكره ميتشيرليتش سلبيا بالضرورة إلا أن الآباء اعاصرين لم يعيدوا تحديددورهم الجديد وقد تؤدي حالة عدم التحديد تلك إلى نشوب صراع وعدماستقرار أسري.‏ فالآباء اعاصرون مثلهم مثل الأمهات اعاصرات يحتاجونأيضا للتوجيه.‏ ويجب أن يتلقى آباء استقبل برامج تعليمية اثلة لتلكالتي ذكرناها بالنسبة لأمهات استقبل.‏وخلاصة القول:‏ إنه في ضوء معارفنا الحالية يبدو أنه من امكنتجنب آثار الظروف البيئية غير اواتية في مرحلة الطفولة عن طريقإجراءات وقائية على استوى السيكولوجي والاجتماعي بهدف الإقلال منحالات الزواج غير اوفق وك الآباء والأمهات من القيام بأدوارهم بصورةمرضية.‏٢- الوقاية ذات البعد الطولي:‏يهدف هذا النوع من الوقاية إلى التخفيف من أثر الظروف البيئية غيرالائمة في مرحلة الطفولة.‏ ويحاول تعديل الأحوال الاجتماعية بطريقةتتيح تحقيق أيسر الاحتياجات الأساسية للفرد في طفولته أو صباه أو فيسن الرشد ولا تدع الضغوط غير العادية تتجاوز قدرة الفرد على احتمالها.‏والوقاية ذات البعد الطولي تواجه صعوبات في تحقيقها لأن الأسرة لاتطلب اشورة اتخصصة إلا ح تصبح الحاجة إليها ملحة للغاية وكذلكلأن اجملتمع بعامة ‏(وبعض دوائر معينة في اجملالات الطبية والتربوية)‏ لايعير اهتماما للمشكلات النفسية.‏217


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوأعتقد شخصيا أنه يجب إجراء اختبار طبنفسي أو سيكولوجي لكلالتلاميذ على الأقل تلاميذ ارحلة الابتدائية والثانوية وأن تبلغ نتائج تلكالاختبارات للآباء.‏ فإذا لاحظ الفاحص أية بوادر عدم سواء في شخصيةالتلميذ فعليه ابادرة باقتراح ما يلزم من علاج:‏ سواء أكان علاجا نفسيافرديا أم مجرد توجيه أم علاجا للأسرة أم للوالدين أو قد يقترح إجراءتعديلات في البيئة التي يعيش فيها الطفل أو اراهق أو الشاب وقد يكونمفيدا في بعض الأحيان أن توسع دائرة الأسرة.‏ ففي العائلة التقليديةيتعرض الطفل ؤثرات عديدة لا يقتصر مصدرها على الأبوين وأخ أواثن بل تتعدد اصادر لتشمل كثيرا من الأُخوة والأخوات والأجدادوالأعمام والأخوال وأولاد وبنات العم وآخرين كثيرين.‏ أما الأسرة الحاليةفهي تقتصر غالبا خصوصا في ادن الكبرى على الأبوين وطفل أو اثنفإذا لم تتوافر في الأبوين الصفات اطلوبة لأداء وظائفهم كآباء لا تتاحللطفل فرصة تعويض ذلك أو فرصة توحده مع أشخاص آخرين.‏وقد يوصى الفاحص في كثير من الأحيان بأن يكون الطفل أو الصبيتحت إشراف أشخاص آخرين غير الوالدين.‏ إذ كن لواحد من أخوة الأمأو الأب أو أخواتهما يحفز الصبي إلى التطور في اتجاه التكامل النفسي.‏وثمة اقتراح أكثر تحديدا هو أن تشارك إحدى النساء الأم في وظيفةالأمومة.‏ فقد أثبتت بعض تجارب الحياة الجماعية اشتركة أنه قد يكونمن افيد للطفل أن يشارك أكثر من فرد في أداء وظائف الأمومة خصوصافي فترة غياب الأم الأصلية.‏ والأم البديلة هنا تقوم بدور الأمومة تجاهأطفال الجماعة المحددة ككل.‏ وقد أجرى السيكولوجي اعروف برونو بتلهاBruno Bettelheim دراسة عن الأطفال الذين نشأوا بهذا الأسلوب فلم يجدبينهم فصاميا واحدا.‏ ولاحظ ذلك الباحث أن الطفل في هذه الحالة يستمدإحساسه بالأمان ليس فقط من أبويه بل أيضا من الأم البديلة ومن الجماعةككل.‏ وعلى ذلك كننا استنتاج أن اؤثرات غير الأبوية قد تكون مفيدةجدا للطفل الذي لديه استعداد للمرض وأن تلك الطريقة يجب استخدامهاكلما استدعى الأمر ذلك.‏ وفي مثل تلك الحالات لن تكون ثمة ضرورةلإبعاد الطفل عن الأسرة.‏إلا أنه في بعض الأحيان يصبح إبعاد الطفل عن الحياة مع أسرته أمرا218


الوقايةضروريا.‏ ويحدث ذلك حينما يشكل وجود الطفل مع أسرته خطورة عليه لاسبيل إلى تجنبها.‏ وفي مثل تلك الحالات قد يكون الالتحاق درسةداخلية منتقاة بعناية أمرا مفيدا للغاية.‏وهناك مؤثرات أخرى خارج محيط الأسرة قد تساعد على حدوثالفصام.‏ والواقع أنه كن القول بأن أي عامل من شأنه أن يشكل ضغطانفسيا قد يكون ذا أثر ضار على الطفل ذي القابلية للمرض.‏ على أنالأبحاث اتعلقة بهذا اوضوع قد ركزت على بعض العوامل المحددة.‏ فقدوجد أن معدل الفصام ب اهاجرين للولايات اتحدة أعلى منه لدى اواطنالأصلي‏.‏ وأن معدله ب غير اتزوج أعلى منه لدى اتزوج‏.‏ وأنمعدله ب سكان ادن الكبيرة أعلى منه ب سكان ادن الصغيرة.‏ وتغييرهذه الأوضاع أمر صعب للغاية.‏ إلا أن هناك بعض الأوضاع الاجتماعيةالتي كن تجنبها:‏ مثل الفقر واساكن غير الائمة والجرة وإدماناخملدرات.‏ فإزالة مثل تلك الظروف غير اواتية شيء رائع ليس في ذاتهفحسب بل لأنه سيقلل بصورة غير مباشرة من الضغوط النفسية التيتساعد على حدوث الفصام.‏٣- الوقاية وقت الأزمات:‏وهي تعني مساعدة اريض وقت حدوث أزمة يحتمل أن تكون سببامباشرا في إصابته بالفصام.‏ والسؤال هنا هو عما إذا كان مثل هذا النوعمن الوقاية كن تنفيذه عمليا?‏ فقد يظن ارء أن الحدث الذي من شأنهأن يسبب الفصام ليس إلا القشة التي قصمت ظهر البعير وأنه من غيرامكن أن ضي في حياتنا بأكملها دون أن نتعرض ثل تلك الأحداث.‏ إلاأن الأمر كما رأينا في الفصل الثاني ليس كذلك.‏ إذ ليس من الصحيح أنبإمكان أي حدث ضاغط نفسيا أن يسبب الفصام حتى لو كانت كل العوامل:‏الوراثية والبيئية واتعلقة بنمط الشخصية مهيأة لذلك.‏ إذ يلزم للحدثالذي يسبب الفصام أن يكون وثيق الصلة أو ذا مغزى خاص بالنسبة للتكوينالنفسي للمريض ككل أن يكون حدثا س وترا حساسا لديه ويسببجرحا عميقا لصورة الذات لديه مثل حادث السيارة في حالة اجملند التيأوردناها في الفصل الثاني.‏إلا أننا لسوء الحظ يستحيل علينا أن نحدد سلفا اعنى الذي يحمله219


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهحدث مع لشخص مع وعواقب ذلك.‏ لذلك قد تكون الوقاية وقت الأزماتمن أصعب الأمور.‏ وقد نعرف في أحيان كثيرة أن موقفا معينا سيشكلتحديا حقيقيا للمريض.‏ ونحن نعرف أيضا أن اواقف الصعب أو حتىالأزمات كن أن تحفز طاقات الشخص العادي وتنضج شخصيته بينماقد تؤدي إلى اختلال شخصية الفرد اؤهل للمرض.‏ إلا أننا رغم ذلك لسنافي وضع كننا من تجنيب اريض مثل تلك اواقف.‏ فلو أننا وضعنا قيوداعلى أفعاله فإننا نكون قد سلبناه حقا من حقوقه الدستورية.‏ وإذا نحنمنعناه من الإقدام على تصرف مع فقد يؤثر ذلك على معنوياته بدرجةقد تؤدي إلى نوبة مرضية.‏ إذ قد يتمثل ذلك التصرف أو الحدث الذييشكل تحديا لقدراته في ابتعاده عن أسرته طلبا للدراسة أو العمل أوالإقدام على خطوبة أو زواج أو إنجاب طفل أو تغيير الكلية أو الوظيفة أوالقيام برحلة تنطوي على مغامرة أو الحصول على ترقية أو فسخ خطوبةأو زواج أو ارتباط طويل ادى وما إلى ذلك.‏ فقد أكدت الخبرة الطبنفسيةأن مثل تلك الأحداث قد تتسبب فعلا في نشوء حالة من عدم التوازن بمتطلبات التحدي انطوية عليها تلك الأحداث وب القدرات النفسيةللفرد.‏ صحيح أنه لو لم يكن الشخص مهيئا بفعل العوامل الوراثيةوالسيكولوجية ا كان لتلك الأحداث مثل ذلك التأثير.‏ إلا أننا رغم ذلك لانستطيع أن نتجاهل تأثير تلك التحديات بذاتها.‏وفي أحوال نادرة قد يكون مصدر التحدي حدثا يعتبر عموما منالأحداث السارة مثل الحصول على ترقية.‏ إلا أن اريض في مثل هذهالحالة قد تنشأ لديه مخاوف من عدم قدرته على مواجهة اتطلبات الإضافيةالتي يفرضها عليه وضعه الجديد.‏ إذ من الصعب تحمل الإخفاق بعد تحقيقالنجاح.‏ ولكي نحول دون وقوع أزمة نفسية لشخص ما علينا أن نحيطهبرعاية شخصية تيسر له سبل مواجهة اوقف الجديد وعلينا أن نسعىلتخفيف مضاعفاته.‏وقد قدمنا مثالا على الحالة الأولى في الفصل الثاني حينما تحدثنا عنالطلبة الجامعي الذين يحرمون من الحماية الأسرية حينما يبتعدون عنأسرهم للمرة الأولى.‏ أما تخفيف اضاعفات فهو أمر يصعب تنفيذه دونأن نجور على حقوق اريض.‏ إذ يجب ألا نخفي عنه تقييمنا للموقف.‏ فإذا220


الوقايةأصر على اضي فيما ينتوي فيجب ألا نقف ضده بل نساعده على التقليلمن الأخطار التي ينطوي عليها.‏ وقد يكون ما ينتوي عمله شيئا بسيطا مثلالقيام برحلة للخارج أو أمرا معقدا مثل عقد خطوبة مع شخص غيرموثوق به.‏وإذا لم يكن قدور أحد أقارب اريض أن يساعده وقت الأزمة أو فيموقف تحد غير عادي فيجب أن يقوم أحد اخملتص بتلك اهمة.‏ وأحياناكن عن طريق علاج قصير ادى اجتياز أزمة كانت بغير ذلك كن أنتؤدي إلى اضطرابات خطيرة.‏وكن للحمل والولادة أن يشكلا تحديات درامية في حياة ارأة.‏ فالأمالتي أنجبت حديثا كن أن يكون عليها مواجهة بعض من جوانب الحياة لمتكن تتوقعها من قبل أو تبدو لها الآن أمرا غير مرغوب فيه.‏ وعادة ما يكونعلى الأم حديثة العهد بالأمومة أن تعيد تقييم نفسها وتعيد تقييم الكيفيةالتي تبدو بها أمام الآخرين.‏ فارأة التي كانت تركز اهتمامها في ااضيعلى سحرها الأنثوي قد تواجه انتكاسة كبيرة ح تجد نفسها مضطرةإلى إعادة النظر في أنوثتها.‏ فجاذبيتها الشخصية التي كانت تحقق لهاعلاقات شخصية ناجحة لم تعد لها دور في القيام سئولياتها الجديدة.‏وارأة التي كانت تساورها الشكوك في قدرتها على القيام هام الأمومةقد تستبد بها اخملاوف من أنها لن تكون قادرة على رعاية طفلها بكفاءةومن أن الأمومة مسئولية تفوق قدراتها.‏ وغالبا ما تكون الأم الشابة لم تتلقفي طفولتها رعاية جيدة من جانب أمها هي.‏ وهي لذلك تخاف أن تتعاملمع طفلها بنفس الطريقة التي كانت تعاملها بها أمها.‏والخلاف الزوجي الشديد قد يزداد سوءا بعد إنجاب طفل.‏ فقد ينشألدى الزوجة في هذه الحالة شعور بأنها قد أصبحت مرغمة على الحياة معزوجها ولم تعد لديها فرصة التحرر من الارتباط به وتلقي تبعة ذلك علىإنجاب الطفل.‏والنقطة الأخيرة اتعلقة بذلك الصراعات تختص بالعلاقة ب الأموطفلها.‏ فقد يبدو لها الطفل على أنه دخيل على حياتها يحول بينها وبأن تفعل ما تشاء أو تحيا حياة مستقلة.‏ وقد تشعر بالغيرة من مشاعرالحب التي يشعر بها الأب تجاه الطفل وترى أنها كانت أحق بها منه.‏221


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوبينما نجد أن النساء عموما قادرات على التغلب على الصراعات أومواجهتها نجد أن قلة منهن ن لديهن حساسية سيكولوجية خاصة لايستطعن السيطرة على مثل تلك اواقف.‏ وأنواع الصراع التي ذكرناها آنفاقد تصل في بعض الأحيان إلى درجة غير متوقعة من الحدة وتسبب قلقابالغا للمريضة التي أنجبت حديثا أو التي على وشك الإنجاب فهي تجدنفسها في مأزق لا مخرج منه.‏ وبقدر ما تظل تلك الصراعات كامنة فياللاشعور بقدر ما تتسبب في أضرار كثيرة قبل أن تتخذ صورة أعراضمرضية واضحة.‏ وحينما يوجد شك في وجود صراعات لا تستطيع اريضةأن تحلها أو حينما تظهر البوادر الأولى لأي عدم استقرار نفسي لدىالسيدة الحامل أو التي وضعت حديثا يجب أن يتم فحصها وعلاجهابواسطة الطبيب اخملتص.‏ إذ كننا عن طريق مثل تلك الإجراءات الوقائيةتجنب حدوث كثير من حالات الفصام بعد الولادة.‏222


ماذا نتعلم من الفصام12 ماذا نتعلم من الفصامهل كن فعلا أن نتعلم من الفصام ذلك ارضالعقلي الخطير?‏ نعم نستطيع أن نتعلم منه الكثير.‏وإجابتي تلك لا تشير إلى ما كن معرفته عنارض نفسه فهذا أساسا اختصاص الأطباءالنفسي‏.‏ لكن ما أعنيه هو أن الفصام يعلمنا الكثيرعن الحياة الإنسانية عموما وعن أزمة الإنسانخصوصا.‏إذ لا يوجد كما أشرت سابقا حالة أخرى منعدم السواء أو ارض تتيح لنا أن نغوص إلى هذاالحد من العمق في الطبيعة البشرية.‏ فمعرفةالفصام تعرض أمام عيوننا وإفهامنا بانوراما الوضعالبشري بكل ما فيه من مشكلات أساسية:‏ الحقيقةوالوهم الشذوذ والإبداع الشعور بالعظمة والشعوربالتدني العزوف عن الآخرين والاندماج معهمالشك الدائم والإان اطلق الجمود الحركيوالحركة بلا قيود القدرة على الإسقاط وعلى اتهامالذات الاستجابة شاعر الحب والكراهيةواللامبالاة بتلك اشاعر.‏ وتتيح لنا بانوراما الفصامارسة وفهم الحياة نهج علمي وبحساسيةسيكولوجية من خلال إطار عقلي يكاد يجمع بالحقيقة والخيال في رؤية موحدة تتجاوز ظواهر223


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهالأشياء.‏وعالم الفصام على الرغم من أسراره الباهرة وما به من إمكانات لمتتكشف بعد ليس هو باكان الائم لأن يلوذ به هارب من اأزق البشريوليس هو السبيل إلى امتلاك الحقيقة والحكمة ولا إلى شحذ القوىالروحية للإنسان.‏ وهذا القول تحصيل حاصل ولم أكن لأذكره هنا لولا أنثمة اتجاها حديثا لإضفاء طابع مثالي رومانتيكي على <strong>الفصامي</strong> مثلماحدث ريض الدرن في بعض روايات وأوبرات القرن التاسع عشر.‏ وأعتقدأن مثل هذه النظرة الرومانتيكية ليست مفيدة لأحد وبخاصة ريض الفصامالذي عاد للاندماج ثانية للجماعة البشرية.‏ وسأتناول في هذا الفصلثلاثة موضوعات سأحاول أن أزيدها وضوحا على ضوء معارفنا وفهمناللفصام.‏رسالة المريضة:‏يرى الطبيب النفسي الفنلندي سيرالا siirala أن <strong>الفصامي</strong> ضحية وأنهلا ينصت إليه أحد.‏ ويرى أن واجب اعالج هو أن يبلغ اجملتمع بالرؤيالنبوية رضاه.‏ وهي الرؤي التي تتألف من نظرات عميقة في مرضناالجمعي في أفعال الشر التي ارتكبناها بوصفنا أفرادا في اجملتمع علىمدى أجيال عديدة وواريناها التراب حتى لا يراها أحد.‏ ويرى سيرالا أنالفصام مرض خاص ينشأ من مرض عام يشارك فيه من يسمون بالأسوياءوطبقا ا يقول سيرالا فإن الفصام مرض اجتماعي على الأقل من حيثمنشئه.‏اذا جعل سيرالا من <strong>الفصامي</strong> نبيا?‏ لست على يق ا أقول لكنيبدو لي أننا را وجدنا بعض التشابه ‏(وليس اثلا بالتأكيد)‏ ب <strong>الفصامي</strong>وب الأنبياء.‏ فقد كان الأنبياء شديدي الحساسية للشر أو ا يحيط بهممن مشاعر العداء.‏ وكانوا أيضا شديدي الحساسية للامبالاة اجملتمع بأفعالالشر.‏ وكثير من <strong>الفصامي</strong> الباراونوي يسلكون ويفكرون كما لو كان لديهمرادار سيكولوجي كنهم من التقاط مظاهر العدوانية في العالم وتسجيلهابدرجة تفوق كثير قدرة الشخص العادي.‏ إذ لم يعودا راغب في إنكار الشرأكثر من ذلك.‏ وهم يريدون أن يزيحوا الأقنعة عمن يفعلونه.‏224


ماذا نتعلم من الفصامهل نعتبر تلك السمات قيما إيجابية أم نعتبرها أعراضا مرضية?‏ إنمحاولة الإجابة عن سؤال ما إذا كان البارانوي ذا معتقدات ضلالية أم نبياتساوي محاولة إجابة السؤال عما إذا كان الحلم تعبيرا عن حالة لاعقلانيةأم تعبيرا عن ‏(الحقيقة الحقيقية).‏ فالحلم واقع حقيقي من حيث هو خبرةنفسية وهو كما تعلمنا من فرويد يبلغنا برسالة لم يكن يتيسر لنا معرفتهالو كنا مستيقظ لكنه يبلغا بها بطريقة مشوهة.‏ كذلك فإنه على الرغممن أن العدوانية موجودة في العالم إلا أن اريض البارانوي يعبر عنهابطريقة غير سوية وشديدة التشوه.‏ وعلى الرغم من أن العدوانية تدخلضمن الأسباب العميقة واعقدة للفصام إلا أن عوامل أخرى عديدة يلزمتوافرها لكي تتحول إلى عنصر نشط من عناصر اجملموعة السببية.‏ أيأنه على الرغم من أن الشعور بالعدوان هو أحد العوامل النفسية الهامة إلاأن عوامل نفسية أخرى عديدة يلزم وجودها أيضا.‏وما أود قوله هو أنه صحيح أن اريض يستجيب للعالم بطريقة غيرسوية كما يسيء تفسير وقائعه لكننا لا يجب رغم ذلك أن نرى سوىالجانب السلبي لذلك الوضع.‏ فلو أننا حاولنا فهمه بعمق لأدركنا أن حالةالسواء ‏(أو ما يسمى بالسواء)‏ قد تتطلب ميكانيزمات عقلية ومواقف تخلومن السواء.‏ فأحيانا نجد أننا مطالبون بأن نكون جامدي اشاعر أو علىالأقل لا مبال تجاه ما يقع حولنا من أحداث مؤذية أو جارحة للمشاعر.‏ونحن نحمي أنفسنا منها بأن ننكرها أو نخفيها أو بأن تتبلد أحاسيسناتجاهها أو أن نختلق لأنفسنا ألف طريقة لتبريرها أو للتكيف معها.‏ ونصبحأغلبية صامتة.‏ واريض بحكم استعداده وحساسيته قد يعلمنا أن نقاومفي أنفسنا جمود اشاعر.‏ ونحن نبدد جزءا كبير من طاقتنا في عمليةالتكيف لكي نعيش ونحيا في أحسن مستوى نستطيع الوصول إليه لكنناندفع مقابل ذلك ثمنا باهظا قد يؤدي إلى ضمور بعض جوانب شخصيتنا.‏فقد نصبح أكثر فأكثر سجناء الامتثال عايير اجملتمع.‏وحينما يشعر <strong>الفصامي</strong> البارانوي أن اجملتمع ما هو إلا غابة من النمطالدارويني فعلينا أن نتذكر أن أول من أشار إلى ذلك التطابق إا كانداروين نفسه لكن في الاتجاه العكسي.‏ فبعد أن درس داروين اجملتمعالبشري من خلال كتابات مالتوس رأي في أدغال جزر جالاياجوس صورة225


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهمطابقة للمجتمع البشري.‏ فعدم اساواة والتنافس والصراع والقوة هيالطابع الغالب في كلا الحال‏.‏ فمنطق القوة هو الذي يسود في كل منهماما لم تكبح جماحه الإرادة الإنسانية في اجملتمع البشري.‏ و<strong>الفصامي</strong> أو منلديه استعداد للفصام ليس بالتأكيد أكثر الناس قدرة على حياة الغاب.‏وحينما يصاب بارض لا يصبح نبيا باعنى الحرفي للكلمة لكنه يذكرنابأن منطق القوة هو الذي يكتب له النصر في معظم الأحيان ويصيح قائلا‏(الويل للمنتصرين).‏ وصياحه هنا ذو دلالة لكنه لتواضعه وضعفه ولكونهصوت نشاز لا يسمعه أحد.‏ وعلى من يهتم بأمر اريض أن ينصت ايقول.‏ وعليه في نفس الوقت أن يساعده على التخلص من الأعراض ارضيةالتي تشوه رسالته.‏ ونحن نرى الفيلسوف واتمرد والثوري مثلهم مثل<strong>الفصامي</strong> يفتقدون القدرة على التكيف مع اجملتمع لكنهم يستعيضون عنذلك بقدراتهم الإبداعية.‏ أما <strong>الفصامي</strong>ون فهم لا يقومون إلا فيما ندربتوظيف أية ميول إبداعية لديهم.‏ فماذا أردنا أن نسمع صوته الأصيل وأنننقل رسالته للعالم فعلينا أن نزيل العقبات التي تقف في سبيل ذلك بسببارض.‏ما هو الصوت الحقيقي وما هي القيمة التي كان <strong>الفصامي</strong> يود الإفصاحعنها لولا مرضه?‏ أنها القيمة الأساسية للكائن البشري.‏ ف<strong>الفصامي</strong> يريدأن يكون سيد إرادته.‏ يريد أن يكون نفسه بكاملها لكنه لا ينجح.‏ فهو يرىالسيادة لدى الآخرين لكنه لا يجدها في نفسه فيعزو لهم نوايا عدائيةتجاهه ويضمر داخل نفسه قدرا كبيرا من مشاعر العداء.‏وعلى كل منا سواء بالنسبة للمعالج أو الصديق أو القريب أن تكونلديه الرغبة في تقبل رسالته وإبلاغها للآخرين.‏ إذ قد تكون ذات فائدةبالنسبة لأجيال استقبل أو ن هم في طور النمو.‏ ويجب أيضا أن نحاولمساعدة اريض نفسه.‏ وسنكون في وضع يتيح لنا أن نساعده وأن ننقلإليه رسالتنا نحن إذا شعر بأننا مثله وأننا أفراد من البشر يشاركونه قيمه.‏فح يشعر أن القوى اتوهمة أو الحقيقية التي تزعجه تزعجنا نحنأيضا فسيبدأ في التعامل معنا بثقة.‏ وحينما نتقبل شعوره بالعدوانية منزاوية عامة فسيجعلنا ذلك فيما بعد في وضع يسمح لنا بأن نقلل أو نزيلالتشوهات الضلالية لشعوره بالعدوانية.‏ وشيئا فشيئا يتحول الهدف الرئيسي226


ماذا نتعلم من الفصاملديه من محاربة الشر إلى البحث عن الحب وتحقيق الذات.‏نقطة أخرى نود إيضاحها في هذا الفصل هي أننا حينما نساعد<strong>الفصامي</strong> فإننا قد نساعد أنفسنا أيضا.‏ فقد نصبح أقل عزوفا عن مقاومةالعدوانية استترة وأقل تجاهلا ا لا نريد أن نراه وأكثر رغبة في اتخاذموقف وفي مكافحة مالا نوافق عليه وأكثر استعدادا لتفهم ما يقوله منينشق على اجملتمع حتى لو أفصح عن رأيه بصورة خرقاء أو مبالغ فيهاونصبح أكثر قدرة على الإنصات للكلمات التي يل إلى تجاهلها لأنهاتنبعث من مصادر تبدو لا عقلانية أو مساة أو متواضعة أكثر من اللازم.‏الفصام واجملتمع:‏والطريقة الثانية التي كن أن نستفيد بها من معرفتنا بالفصام رغمأنها متصلة بالأولى إلا أنها ذات منطلق مختلف اما.‏ فحينما ناقشناأسباب الفصام في الفصل الخامس وطرق الوقاية منه في الفصل الحاديعشر وصلنا إلى استنتاج مؤداه أننا ليس لدينا سوى القليل جدا اكننا عمله نع انتقال الاستعداد الوراثي من جيل إلى جيل لكننا نستطيععمل الكثير نع تأثير العوامل التي تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرةفي استكمال الدائرة السببية اعقدة لهذا ارض.‏ على أن منع تأثير العواملالبيئية يعني بالدرجة الأولى تحس أحوال اجملتمع وأخذه بأسباب الحضارة.‏يعني محاربة عدم اساواة والتمييز ب الفئات الاجتماعية وهي أمورتجعل كثيرا من الناس غير قادرين على أن يكونوا آباء جيدين.‏ ويعني أننزيل أسباب عدم التوافق الزوجي ونوسع دائرة الأسرة قليلة العدد.‏ كمايعني تشجيع علاقات الجوار الطيبة وزيادة التواصل السوي ب البشر.‏وتوفير إشراف سيكولوجي لتلاميذ ادارس بهدف الإرشاد أو العلاجالنفسي.‏ ويعني أنه قد أصبح لدينا سبب جديد وعلى غاية الأهمية يدعونالمحاربة اعاناة الإنسانية.‏ فمثل تلك اعاناة كثير ما تؤدي لظهور ارضفيمن لديهم استعداد بيولوجي أو بيئي له.‏ وقد يكون من شأن أولئك الذينيعتبرون أن الفصام أساسا هو مرض اجتماعي أن يدفعوا الآخرين لأنيتحققوا من أن اجملتمع لم يقم حتى الآن بإجراءات الوقاية التي ذكرناهاإلا بقدر ضئيل وه وبلا حماس.‏227


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهوفضلا عن ذلك فقد يكون ما ذكرناه في الفصل التاسع فيما يختصبتلك النواة من ارضى الذين نقف أمامهم عاجزين في حدود معارفناالراهنة والذين ما لم تحدث طفرة ما-سيظلون على درجة شديدة منارض قد يكون في هذا الأمر حافزا لتبني موقفا أكثر إنسانية وتسامحاتجاه أي فئة من فئات اجملتمع.‏الفصام والإبداع:‏أشرنا في هذا الفصل إلى أننا نحن الذين نسمي بالأسوياء يل علىخلاف <strong>الفصامي</strong> لأن نظل سجناء للامتثال وأشرنا في الفصل الأول إلىأننا يل لأن نظل سجناء الواقع لكن <strong>الفصامي</strong> ليس كذلك:‏ فهو هاربليس فقط من الامتثال بل أيضا من الواقع.‏ على أنه ليس الوحيد من أفرادالبشر الذي يفر من الامتثال ومن الواقع.‏ إذ ثمة طائفة أخرى من البشر لاترضى بالعالم كما يرونه.‏ لذلك يسعون لتغييره بأن يجعلوه أكثر جمالاوأكثر عقلانية وأكثر يسرا وأكثر أمنا وأكثر قابلية للفهم عن طريقالأعمال الفنية والعلمية والأدبية والفلسفية.‏ وأولئك هم ابدعون.‏ والأمرالغريب هنا أنهم أيضا وإلى حد مع يهربون من الأساليب األوفة فيارسة أحداث العالم وتفسيرها عن طريق اللجوء لنفس ايكانزمات العقليةالخاصة بعمليات التفكير البدائي التي وصفناها في الفصل الرابع والتييستخدمها <strong>الفصامي</strong> لكنهما يفترقان افتراقا كبيرا عند نقطة معينة.‏ف<strong>الفصامي</strong> يظل أسير تلك العمليات البدائية في التفكير ويصبح ضلاليالاعتقاد أو غير مترابط التفكير.‏ أما ابدع فهو ينجح في اجملانسة بطرق التفكير البدائية وب الطرق األوفة وصولا إلى العمل الإبداعي.‏فقاعدة فون دوماروس مثلا التي شرحناها في الفصل الرابع يستخدمها<strong>الفصامي</strong> ليحتفظ عتقداته الضلالية ويستخدمها ابدع في مرحلةمعينة ليواصل عملية الإبداع.‏ وابدع هنا مثله مثل <strong>الفصامي</strong> يقيم أوجهاللشبه ب أشياء تبدو في ظاهر الأمر لا تشابه بينها.‏ فقد رأي نيوتن مثلاوجها للتشابه ب التفاحة في سقوطها على الأرض وب القمر.‏ وهو تشابهلم يلاحظه سواه.‏ ولو لاحظه شخص عادي ا أعاره التفاتا.‏ لكن نيوتنأدرك أن ثمة تشابها ب ما يجعل التفاحة تسقط على الأرض وما يجعل228


ماذا نتعلم من الفصامالقمر معلقا في مداره في السماء.‏ وما كان في بداية الأمر مجرد اثلةأصبح في النهاية اكتشافا لقوى الجاذبية.‏كذلك نجد أن التحولات التي تحدث للمعتقدات الضلالية لدى <strong>الفصامي</strong>تصبح لدى الشاعر تشبيهات مجازية.‏ إذ تنشأ اثلة ب شيئ لاشتراكهمافي قرينة أو سمة ما.‏ فتشبه ارأة مثلا بالوردة لأن كلا منهما يشترك فيسمة ما هي الجمال.‏ وأحيانا نجد لدى الشاعر قدرة على التخيل تناظرقدرة الحالم أو قدرة على إقامة ‏(مهرجان للتماثلات)‏ مثلما يفعل <strong>الفصامي</strong>.‏وقد يستخدم الشاعر في استعاراته صورا لا كن توقعها.‏ فعلى سبيلاثال شبه الشاعر الفرنسي فيكتور هوجو النجوم بتشبيهات متنوعة وبطرقيصعب على البعض إدراكها إذ شبهها:‏ بااس وباجملوهرات وبالسحبالذهبية وبالحصى الذهبية وباصابيح وباعابد اضاءة وبزهور الصيفالأبدية وبالزنابق الفضية وبعيون الليل وبعيون الشفق الغامضة وبجمراتالسماء وبنقاط دم آدم وشبهها حتى بالبقع الونة في ذيل الطاووس.‏ولا يدخل في نطاق كتابنا هذا تبيان الكيفية التي يجانس بها ابدع بالتفكير البدائي وب العمليات اعرفية الراقية بحيث يحقق إبداعات فيمختلف اجملالات (×) . على أنه من اهم هنا التأكيد على نقطت‏:‏١- أن دراسة عمليات التفكير البدائية لدى <strong>الفصامي</strong> قد تفيدنا في فهمالعملية الإبداعية لدى ابدع‏.‏٢- أن لدى <strong>الفصامي</strong> خصوبة لا حد لها في تكوينه النفسي.‏ ولو أنهشفي بدرجة كافة فقد كنه استخدام مواهبه تلك في تآلف مع عملياتالتفكير السوية وبذلك تصبح لديه أيضا إمكانية الإبداع.‏ملاحظات ختامية:‏آمل أن أكون قد استطعت خلال هذا الكتاب أن أب أن بإمكاننا أننتعلم كيف نفهم بصورة أفضل كائنا بشريا قد يبدو مستعصيا على الفهموأن نقيم علاقة معه حتى لو بدا راغبا في قطع علاقاته مع البشر جميعا.‏وآمل أن نكون قد أمكننا التعرف وراء الأقنعة التي يصنعها الفصام على(×) للإطلاع على وصف تفصيلي لتلك العمليات انظر س.‏ أرتي الإبداع:‏ ذلك الولاف السحري.‏نيويورك.‏S.Arieti, Creativity: The Magic Synthesis (New York. Basic Books 1976)229


<strong>الفصامي</strong>:‏ كيف نفهمة ونساعدهشخص لديه من اشاعر والآمال مثل ما لدينا ولديه قدرة على اعاناة مثلما لدينا على شخص تنشأ معاناته من أنه غير قادر على الإفصاح أواشاركة بكامل إنسانيته على شخص قدورنا أن نجعله ارس متعةالحياة.‏وهنا حيث نقطة الالتقاء ب اعارف العلمية الحديثة في الطب النفسيوب وجداننا نجد اكان الذي نستطيع فيه أن نساعد <strong>الفصامي</strong> والذيكن فيه لآمالنا في أهداف أعظم أن تنمو وتزدهر وتصبح أكثر فعالية.‏230


اؤلف في سطورطبيب ومحلل نفسي مرموق.‏× يعمل أستاذا للطب النفسي الإكلينيكي بكلية الطب بنيويورك.‏ رئيستحرير موسوعة الطب النفسي الأمريكية.‏× نال العديد من الجوائز العلمية لإسهاماته اللافتة في فهم مرضالفصام وعلاجه.‏× له دراسة مفصلة بعنوان ‏«تفسير الفصام»‏ كتبت للمتخصص بالإضافةلدراسات أخرى عديدة.‏اترجم في سطورطبيب نفسي وكاتب ومترجم.‏× كتب وترجم العديد من اقالات في قضايا فكرية متنوعة نشرت فيالدوريات الثقافية في مصر وبيروت في الستينيات والسبعينيات.‏× صدر له عن دارالطليعة ببيروت ‏«نقد الفهمالعصري للقرآن»‏ ١٩٧١ ‏«ونقدالعقل الوضعي:‏ دراسة فيالكتابالأزمة انهجية لفكر زكيالقادمنجيب محمود»‏ ١٩٨٠.الاستشراق في الفن الرومنسيالفرنسيتأليفد.‏ زينات بيطار231


deسيلفانو آريتي حجة في الفصام على مستوى العالم كله.‏ وهويقدم هذا الكتاب للقار العادي فيشرح بلغة بسيطة وواضحة ماالذي نعرفه عن الفصام ويصف عالم اريض اللاواقعي ومعاناتهويقدم إرشادات قيمة لكيفية التعرف على العلامات الأولى للمرضويعلمنا كيف نحيا مع اريض ونتحدث معه يوما بيوم ويزودناعلومات هامة عن الترتيبات التي علينا أن نعدها وعن العلاجاتاتاحة وعن استشفيات النفسية وما كن أن تقدمه.‏ أي يعلمناببساطة كيف كننا مساعدته بوصفنا أقرباء له أو أصدقاء أومشارك في عملية علاجه.‏ف<strong>الفصامي</strong> يسبب مشكلات لا حصر لها ن يتعاملون معه بصورةيومية.‏ وهذا الكتاب ‏(ارجعي)‏ يقدم فهما حقيقيا لعالم <strong>الفصامي</strong>ويزودنا بتوجهات من شأنها أن تساعد على سرعة شفائه.‏وهو يعد أول كتاب متعمق وموثق بالعربية في هذا اوضوع.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!