05.01.2015 Views

الفصل الثالث: قراءة في الصخور - Saudi Aramco

الفصل الثالث: قراءة في الصخور - Saudi Aramco

الفصل الثالث: قراءة في الصخور - Saudi Aramco

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

58 املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

الظهران،‏ ‎1936‎م.‏


59<br />

التنافس على املواقع<br />

الفصل الثالث<br />

قراءة الصخور


60 املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

جيولوجي يشري اإىل ‏صدع جيولوجي يف اململكة<br />

العربية السعودية يف العام ‎1939‎م.‏ قد حتتجز<br />

هذه التصدعات الزيت عند انسيابه عرب<br />

تشكيالت الصخور الرسوبية.‏


61<br />

قراءة الصخور<br />

بعد اإمتام اتفاقية التنقيب عن الزيت يف اململكة،‏<br />

‏رشع املسوؤولون التنفيذيون يف ‏ستاندرد اأويل اأف<br />

كاليفورنيا يف الستعداد لستكشاف مناطق<br />

المتياز الواسعة،‏ وسارع مسوؤولو ‏سوكال،‏ حتى<br />

قبل اأن تبداأ املفاوضات اخلاصة بالمتياز،‏ اإىل نرش<br />

العاملني واملواد الالزمة لأعمال التنقيب يف مواقع<br />

العمل لتاأكيد وجودهم واحلصول على موطئ<br />

قدم يف اململكة العربية السعودية.‏<br />

ففي عام ‎1932‎م،‏ انضم اإىل عمليات ‏سوكال يف البحرين روبرت بي ‏"بريت"‏ ميلر .P Robert<br />

"Bert"Miller الذي توىل فيما بعد مسوؤولية االأعمال اجليولوجية امليدانية يف اململكة.‏ وحسبما جاء يف مذكرة<br />

عن التاريخ الداخلي لسنوات ‏سوكال املبكرة يف اململكة العربية السعودية فاإن:"الهدف االأساس من اإرسال<br />

روبرت اإىل اململكة،‏ هو ‏ضمان وجوده يف حالة احلصول على عقد تنقيب عن النفط من حكومة اململكة العربية<br />

السعودية،‏ باالإضافة اإىل قيامه مبهام حمددة يف البحرين".‏<br />

ملَ‏ العجلة اإذن؟ اأوالً،‏ الأن اتفاقية االمتياز اشرتطت على ‏سوكال الشروع يف العمل يف اململكة بحلول نهاية<br />

‏سبتمرب من عام ‎1933‎م.‏ ثانياً،‏ الأن الشركة اأرادت اأن تتجنب تبديد ثرواتها واأموالها يف وقت كانت فيه باأمس<br />

احلاجة للحفاظ على تلك الرثوات واالأموال.‏ فقد قدمت الشركة حلكومة اململكة دفعة مبدئية قدرها 30,000<br />

جنيه اإسرتليني،‏ وهناك دفعة ثانية قدرها 20,000 جنيه اإسرتليني تستحق بعد 18 ‏شهراً‏ من التوقيع على<br />

اتفاقية االمتياز،‏ لذلك كانت ‏سوكال تسعى اإىل جمع اأكرب قدر ممكن من املعلومات عن منطقة االمتياز خالل<br />

تلك الفرتة.‏<br />

يف اأسواأ االحتماالت كان باإمكان ‏سوكال،‏ اأن تقرر من خالل اأعمال التنقيب املبدئية عدم وجود دالئل<br />

واعدة على وجود الزيت يف االأحساء،‏ فرتى اأن من االأجدى لها من الناحية املالية اأن تنهي اأعمالها قبل اأن<br />

يحني موعد تسديد الدفعة الثانية.‏ ولكن ما اأقل القرارات السهلة يف عامل التنقيب عن الزيت الذي يتصارع<br />

فيه التفاوؤل مع التشاوؤم!‏ ‏صحيح اأن الشركة ‏ستوفر مبلغ 20,000 جنيه اإسرتليني،‏ لكنها ‏ستضطر يف الوقت<br />

نفسه اإىل التنازل عن حقوقها باالستمرار يف التنقيب والتطوير يف منطقة االمتياز.‏<br />

يف ‏صبيحة يوم 23 ‏سبتمرب ‎1933‎م وصل اإىل ميناء اجلبيل يف اململكة العربية السعودية،‏ اأول اثنني من<br />

جيولوجيي ‏سوكال،‏ وهما ميلر وشويلر ب.‏ " كروج"‏ هرني Schuyler B."Krug" Henry قادمنيَ‏ من البحرين<br />

يرافقهما كارل تويتشل،‏ مهندس التعدين الذي ‏ساعد ‏سوكال يف التفاوض على اتفاقية االمتياز،‏ والذي وظفته<br />

الشركة للمساعدة يف اإعداد اجليولوجيني.‏ واستقلت املجموعة ‏سيارتني كان تويتشل قد استاأجرهما يف جدة،‏<br />

ثم توجهت القافلة اإىل اخلليج عرب الصحراء.‏ لكن السيارات غاصت يف الرمال يف يومها االأول يف اململكة،‏<br />

مما اضطر اأفراد املجموعة اإىل ركوب اجلمال وسط ذهول السكان الذين اأقبلوا ملشاهدتهم . فبالنسبة اإىل<br />

مشروع يُعد يف حد ذاته حتدياً‏ استثنائياً‏ حتى يف الظروف املثالية،‏ فاإن تلك البداية مل تكن تبشر باخلري.‏


62 املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

اجليولوجيان االأمريكيان روبرت بي.‏ ‏"بريت"‏<br />

ميلر وشويلر ب.‏ ‏"كروغ"‏ هرني ينتقالن من<br />

قارب الدهو على احلمري لقطع اآخر جزء من<br />

رحلتهم اإىل دارين الواقعة يف جزيرة تاروت وذلك<br />

بعد ثالثة اأيام من وصولهما للمملكة العربية<br />

السعودية يف 23 ‏سبتمرب ‎1933‎م.‏ وقد انطلقا من<br />

هناك باجتاه واحة نخيل القطيف القريبة كجزء<br />

من جهودهما ملسح املواقع املحتملة لالأعمال.‏<br />

بعد ذلك زار اجليولوجيون الهفوف والقطيف،‏ وهي واحة على الساحل جنوب اجلبيل.‏ وقرر الثالثة اإقامة<br />

مكتب يف الهفوف عمالً‏ بنصيحة احلكومة السعودية،‏ مع متركز فرق التنقيب يف جممع ‏سكني مساحته 10,000<br />

مرت مربع تقريباً‏ يف اجلبيل قدمته عائلة القصيبي الرثية املعروفة يف عامل التجارة واملقربة من امللك عبد العزيز.‏<br />

كانت اجلبيل خالية من قنوات الري التي توؤمن مياه الري لبساتني النخيل لكنها يف الوقت نفسه تُعد بيئة مثالية<br />

لتكاثر البعوض الناقل ملرض املالريا.‏<br />

ويف 28 ‏سبتمرب ‎1933‎م،‏ اأجرى هرني وميلر فحصاً‏ ‏سريعاً‏ للقبة اجليولوجية التي ‏شاهدها فريد ديفيس من<br />

البحرين عام ‎1930‎م،‏ ووضعا عالمات عليها بهدف اإجراء املزيد من الدراسات.‏ وشرع هرني يساعده ‏"سوك"‏ هوفر<br />

.J، .R "Soak" Hoover وهو جيولوجي اأيضاً،‏ يف تنفيذ اأعمال مسح مفصلة على القبة اإثر وصوله يف 22 اأكتوبر،‏ واأطلقا<br />

عليها اسم ‏"قبة الدمام"،‏ وهو اسم قرية ‏صغرية لصيد االأسماك تقع ‏شمال التشكيل،‏ كما وضعا اأيضاً‏ عالمات متوسط<br />

حركة املد وقياسها على مسافة بضعة كيلومرتات جنوب الدمام الستعمالها ارتفاعاً‏ اأساساً‏ يف خرائط املنطقة.‏ وكما<br />

اتضح الحقاً،‏ فاإن قبة الدمام كانت املنطقة االأوىل التي يكتشف فيها الزيت واإن مل يكن بكميات جتارية يف اأول االأمر.‏<br />

لكن التقدم الذي حتقق يف البداية يف اأعمال املسح اجليولوجي وعمليات احلفر ما لبث اأن انحسر اأمام التعرث<br />

والبطء يف ‏سري العمل.‏ وبدا اأن قبة الدمام حالة استثنائية.‏ كما عرث على تشكيالت اأخرى قليلة كان من السهل تعرفها<br />

يف منطقة االمتياز.‏ وعلى الرغم من ‏ساآلة كميات الزيت التي عرث عليها يف قبة الدمام يف البداية اإال اأن اأعمال احلفر<br />

االإضافية كانت خميبة لالآمال يف ‏سنوات متيزت بالتوتر الشديد.‏ يف تلك االأثناء طراأ حتسن طفيف على العالقات بني<br />

العاملني يف اأعمال التنقيب االأمريكيني،‏ واحلكومة السعودية،‏ والعمال السعوديني،‏ ومت جتاوز العديد من النكسات.‏


63<br />

قراءة الصخور<br />

كانت الرمال العميقة كثرياً‏ ما تسبب تعطل السيارات االأوىل،‏ وبخاصة الشاحنات الثقيلة املجهزة<br />

باالإطارات العادية.‏ فعندما وصل توماس كوخ Thomas Koch و اآرت براون Art Brown وهما جيولوجيان<br />

يعمالن يف ‏سوكال واأربعة من السعوديني من البحرين يف 10 نوفمرب ‎1933‎م الإجراء جتربة عرب الصحراء<br />

الرملية بني العقري والهفوف،‏ ‏سرعان ما غاصت الشاحنات يف الرمال حتى حماورها مما اضطر اجليولوجيني<br />

اإىل تركها يف العقري.‏ وبعد تقييم الوضع بسرعة،‏ جلاأ اجليولوجيون اإىل عادة قدمية عمرها اآالف السنني وهي<br />

استخدام اجلِ‏ مَ‏ الْ‏ يف حمل االأثقال عرب الصحراء.‏ وقد ‏ساعدتهم عائلة القصيبي التي متلك املجمع السكني<br />

على استئجار اجلمال.‏<br />

ولدة كاسوك:‏ يف اأوائل نوفمرب ‎1933‎م واجليولوجيون منهمكون يف عملهم يف الصحراء،‏ ‏صوّت مديرو<br />

‏سوكال لصالح اإنشاء ‏شركة تضم جميع اأعمال الشركة يف اململكة العربية السعودية.‏ والأسباب ‏سياسية قرر<br />

املديرون اأن من االأفضل لهم فرز العمليات يف اململكة العربية السعودية عن تلك اجلارية يف البحرين.‏ وبعد<br />

التفكري يف عدة اأسماء للوحدة اجلديدة،‏ وقع االختيار على اقرتاح ملباردي الذي يعربنِّ‏ عن هوية الشركة االأم<br />

والقاعدة اجلديدة للعمليات،‏ واأطلق على الشركة اجلديدة اسم كاليفورنيا اأرابيان ‏ستاندرد اأويل كومباين<br />

،California Arabian Standard Oil Company التي عرفت اختصاراً‏ باسم ‏"كاسوك ."Casoc ومت تاأسيس<br />

الشركة اجلديدة يف والية ديالوير يف 8 نوفمرب ‎1933‎م،‏ وتنازلت ‏سوكال على الفور عن حقوقها مبوجب<br />

يف تعبري عن االحرتام للتقاليد املحلية من<br />

خالل لبس الزي السعودي التقليدي،‏ موظفو<br />

‏شركة كاسوك اأمام مقر الشركة يف اجلبيل يف<br />

النصف الثاين من العام ‎1934‎م.‏ من اليسار<br />

اإىل اليمني،‏ توماس و.‏ كوخ وج.‏ و."سوك"‏<br />

هوفر ورتشارد ‏سي.‏ ‏"ديك"‏ كري وروبرت بي.‏<br />

‏"بريت"‏ ميلر وهيو ل.‏ بريشفيل وشويلر ب.‏<br />

‏"كروج"‏ هرني وفليكس و.‏ دريفوس وتشارلز<br />

روشفيل واألن ‏سي.‏ وايت واأرت ب.‏ براون.‏<br />

التقط هذه الصورة اجليولوجي ماكس<br />

‏ستاينكي.‏


64 املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

يف 7 ديسمرب ‎1933‎م وصل هرني وهوفر من قبة الدمام اإىل املقر اجلديد يف اجلبيل بعد اأن اأمضيا<br />

يف احلقل مدة ‏شهر تقريباً.‏ ووصف هوفر االنتقال اإىل اجلبيل يف مذكراته اليومية بتاريخ 10 ديسمرب،‏<br />

فصوّر املعسكر على اأنه قمة الرفاهية مقارنة بحياة املخيم فقال:‏ ‏"البيت واسع ورحب،‏ فمساحته تغطي<br />

مساحة املباين بني ‏شارعني يف املدينة.،‏ كان لكل غرفة حمامها البدائي وشرفة على السطح فيها<br />

مرافق ‏ضخمة للخدم...‏ وما ‏شابه".‏ وهناك انضم اإىل الرجال هيو بريتشفيل ،Hugh Burchfiel وهو<br />

اجليولوجي السادس الذي يصل اإىل اململكة العربية السعودية يف املوسم االأول ذاك . ويف تلك االأثناء<br />

كان األن وايت ،Allen White وهو املهندس الذي اأجرى اأول مسح ملنطقة امتياز البحرين واأكرث اأفراد<br />

املجموعة دراية بالثقافة العربية ، قد وصل من البحرين مع مرتجم من بيشاور اسمه عجب خان،‏<br />

وطباخ،‏ وثالث ‏سيارات نقل.‏<br />

‏"سوك"‏ هوفر وشويلر ب.‏ ‏"كروج"‏ هرني<br />

واأعضاء اآخرون من فريقهما امليداين يقفون<br />

اللتقاط ‏صورة لهم خارج خميمهم املسور<br />

يف اجلبيل يف خريف عام ‎1934‎م.‏ كان هوفر<br />

وهرني يف طريقهما الإجراء مسح جيولوجي<br />

مفصّ‏ ل لقبة الدمام.‏<br />

ويف 23 ديسمرب،‏ اأبحر ميلر اإىل البحرين ملقابلة د.‏ جورجن ‏"دوك"‏ نومالند،‏ كبري اجليولوجيني يف ‏سوكال،‏ الذي جاء<br />

ملراجعة ‏سري اأعمال اجليولوجيني،‏ ثم عاد اإىل اجلبيل يف 2 يناير ‎1934‎م بصحبة نومالند وامليكانيكي فيلكس دريفوس<br />

Felix Dreyfus الذي عهد اإليه بتاأسيس ورشة يف اجلبيل الإصالح املعدات امليكانيكية وتدريب السعوديني ليكونوا مساعدين<br />

له.‏ كان دريفوس موضع ترحاب لدى فريق العمل الذي كان يقوم باإصالحات موؤقتة لالآالت واملعدات حرصاً‏ على الوقت<br />

الثمني ريثما تصل قطع الغيار املهمة.‏<br />

مكث نومالند مع فريق عمل كاسوك يف منطقة االأحساء ملدة ‏شهر تقريباً‏ قبل اأن يواصل طريقه اإىل جدة ملقابلة<br />

وليام ليناهان ،William Lenahan ‏ضابط اتصاالت الشركة مع احلكومة السعودية،‏ ملعرفة ما اإذا كان يتعني على ‏سوكال<br />

التنافس مع ‏شركة نفط العراق على امتياز اآخر يف غرب اململكة.‏


قراءة الصخور 65<br />

قبل االنتهاء من ‏إنشاء ‏أول مرفأ يف<br />

اخلرب يف ربيع العام ‎1935‎م،‏ كانت معظم<br />

موؤن كاسوك تستورد ‏إىل اململكة العربية<br />

السعودية عرب ميناء العقري القدمي بالقرب<br />

من الهفوف.‏ وكانت اجلمال ‏أو الشاحنات<br />

تتوىل نقل الشحنات مسافة 80 كيلومرتاً‏<br />

باجتاه الشمال الغربي،‏ نحو الظهران.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

66<br />

واستعمل ميلر عداد ‏سرعة السيارة وبوصلة برنتون لرسم النتائج واالجتاهات من اأجل اإعداد خرائط<br />

االستطالع اجليولوجية.‏ كما اأعد لوحة رسم كبرية الستخدامها يف السيارات حيث توضع اأوراق الرسم على<br />

اأسطوانات تسمح باستمرار عملية رسم اخلرائط.‏ ويتضح من مراجعة داخلية اأجرتها الشركة لنشاطاتها امليدانية<br />

يف السنوات االأوىل التفاقية االمتياز اأن ‏"العديد من لوحات الرسم كانت تعدّ‏ يف البحرين،‏ وكان استعمالها خالل<br />

السنتني االأوليني يف اململكة دقيقاً‏ بصورة ملحوظة".‏<br />

ووصف هوفر االأنشطة الروتينية للجيولوجيني خالل املوسم االأول،‏ حني رجع بذاكرته بعد ذلك بسنوات اإىل<br />

الرحلة االأوىل التي قام بها هو وهرني بعد انتقالهما من قبة الدمام يف نوفمرب فقال:‏<br />

بداأت اأنا وكروج العمل على الساحل الشرقي،‏ ووضعنا رسومات تقريبية حتى مدينة ‏صغرية تدعى<br />

احلناة،‏ مستخدمني بوصلة برنتون لتوجيهنا وعداد السرعة لقياس املسافة التي قطعناها.‏ وكان لدينا<br />

جهازا كرونومرت اأضبطهما كل ليلة عند الغروب ملعرفة الوقت يف لندن،‏ الأننا عندما بداأنا رسم النجوم<br />

وحتديد خطوط الطول والعرض كنا نتحرى الدقة لتربير اإنفاق تلك االأموال.‏ واأخذنا ما ‏سميناه متوسط<br />

مستوى ‏سطح البحر ثم انطلقنا حتى مدينة احلناة ‏)التي تبعد 85 كيلومرتاً‏ اإىل الغرب من اجلبيل(‏<br />

واأسسنا فيها مستودعاً‏ للمعدات.‏<br />

عمال يف اجلبيل يحملون البضائع عرب املياه<br />

الضحلة من قوارب الدهو ‏إىل الشاطئ،‏ العام<br />

‎1934‎م تقريباً.‏<br />

‏أسس ‏أول خميم للتنقيب وسط جبال قبة<br />

الدمام يف ‏أواخر ‏شهر ‏أكتوبر من العام ‎1933‎م.‏<br />

وأطلق اجليولوجيون على هذا املوقع الظهران<br />

على اسم اجلبال القريبة منه.‏ وبحلول ‏شهر<br />

يونيو من العام ‎1934‎م،‏ وهو العام الذي<br />

التقطت فيه هذه الصورة،‏ مت ‏إجناز الوصف<br />

التفصيلي لقبة الدمام.‏


قراءة الصخور 67<br />

الفرق امليدانية<br />

خالل السنوات االأوىل القليلة الأعمال التنقيب كانت الفرق امليدانية التابعة لسوكال تتاألف تقريباً,‏ وهي<br />

بكامل جتهيزها مما يلي :<br />

املوظفون:‏<br />

‏ضم الفريق املتجه ‏إىل الربع اخلايل<br />

يف يناير ‎1938‎م،‏ من اليسار ‏إىل<br />

اليمني،‏ جريي هاريس،‏ جيولوجي،‏<br />

وشوبي وإبراهيم،‏ ‏سائقان،‏ وحممد<br />

ابن عبد اللطيف،‏ خادم،‏ والطباخ<br />

‏صالح،‏ وجندي غري معروف،‏<br />

والدليل خميس بن رمثان،‏ وحممد<br />

ابن ‏سلمان،‏ جندي،‏ وتوم بريقر،‏<br />

جيولوجي.‏<br />

جيولوجي 2<br />

مرتجم 1<br />

طباخ 1<br />

مساعد طباخ 1<br />

خادم منزيل 1<br />

ميكانيكي 1<br />

مساعد ميكانيكي 1<br />

‏سائق 1<br />

جندي 15-30<br />

جمّ‏ الة 3<br />

الطعام:‏<br />

نخالة<br />

‏صلصة التوت الربي<br />

حبوب الشوفان<br />

دقيق الكيك<br />

عنب – جوز<br />

توابل : قرفة،‏ قرنفل،‏ كاري،‏<br />

بابريكا،‏ فلفل<br />

فواكه جمففة:‏ مشمش،‏<br />

خوخ،‏ تفاح،‏ ‏أجاص<br />

خوخ مُ‏ علَّب<br />

زبيب<br />

هليون<br />

‏شرائح الشمندر<br />

جزر<br />

حساء احللزون<br />

ذرة معلبة،‏ خضراوات خملوطة<br />

زيتون مُ‏ علَّب<br />

حمار مُ‏ علَّب<br />

بطاطا حلوة،‏ خضراوات مشكلة<br />

‏ساكوتاش<br />

‏سبانخ<br />

املعدات:‏<br />

‏سيارة نقل ركاب فورد مبحرك 1<br />

8 ‏أسطوانات<br />

‏سيارة نقل نصفية فورد 1<br />

مبحرك 8 ‏أسطوانات<br />

‏شاحنة ‏إكسربيس 2 3/4 طن 1<br />

8 ‏أسطوانات ‏)حيث ‏أمكن<br />

استخدام الشاحنات(‏<br />

جِ‏ مال حلمل 12 400<br />

رطل من العفش لكل جمل<br />

خيام حملية × 10 20 قدماً‏ 3<br />

مع حصرية للأرضيات<br />

خيمة حرير × 16 8 ‏أقدام 1<br />

طاولتان وكرسيان قابلن 2<br />

للطي وسريران للنوم<br />

جهاز راديو يعمل على 1<br />

املوجات القصرية<br />

كرونومرت ‏)أداة لقياس الوقت(‏ 1<br />

جهاز ترانزيت)آلة الأعمال املساحة(‏ 1<br />

لوحة رسم الستخدامها يف السيارة 1<br />

بوصلتا بروننت 2<br />

معدات لرسم اخلرائط<br />

‏أوعية مياه ‏سعة 6 جالونات 8<br />

قرب ماء ‏سعة 10-6 جالونات 6<br />

‏أكياس مياه 3<br />

معدات متفرقة:‏<br />

جتهيزات غذائية للجميع<br />

‏)ما عدا اجلنود )<br />

‏أدوات للطبخ<br />

مواقد تعمل بالكازولني<br />

ومصابيح<br />

كازولني وبنزين للسيارات<br />

‏)يتم نقلها ‏أوالً‏ ‏إىل املخيم<br />

بواسطةجِ‏ مال ‏إضافية(‏<br />

‏أدوات للرسم<br />

‏أدوات وقطع غيار لتصليح<br />

السيارات


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

68<br />

ومع اأن املقر يف اجلبيل كان مريحاً‏ نسبياً،‏ اإال اأن احلياة يف احلقل كانت قاسية اأحياناً،‏ فقد<br />

كانت الرمال تتغلغل يف كل ‏شيء بصرف النظر عن االحتياطات املتخذة،‏ فدرجة احلرارة يف اأوائل<br />

الربيع واأواخر اخلريف كانت تزيد على 37 درجة مئوية،‏ اأما يف الصيف فيمكن اأن ترتفع اإىل 50<br />

درجة مئوية.‏ كان القيظ الالهب من املنغصات الدائمة،‏ التي جعلت العمل يف منتصف النهار يف<br />

الصيف مستحيالً‏ وخطراً‏ على الصحة بدون تناول كمية وافرة من املاء.‏ اأما يف فصل الشتاء فكانت<br />

الرياح الباردة تصفر وهي تهب بني اخليام وتصل حتى البطانيات الصوفية التي تلف اأسرّ‏ ة النوم<br />

العسكرية،‏ هذا اإىل جانب استمرار تطاير الرمال بالطبع.‏ ويف فرباير ‎1934‎م تعرض هوفر وهرني<br />

اإىل وابل من الربَ‏ ‏َد يف الصحراء مع اأن درجة احلرارة ارتفعت اإىل 18 درجة يف ظهرية اليوم التايل.‏<br />

منظر من اجلو:‏ بالرغم من اأن خرائط اجليولوجيني كانت تغطي مساحة ال باأس بها من االأرض لكن<br />

اأعمال املسح الشاملة،‏ وكما تبني للجميع،‏ حتتاج اإىل وقت طويل بالنظر لضخامة منطقة االمتياز.‏ وكان<br />

حمامي ‏سوكال،‏ لويد هاملتون،‏ قد اقرتح اتفاقية تضم ‏شرطاً‏ وافقت عليه احلكومة السعودية يسمح لسوكال<br />

باستعمال الطائرات للتنقيب عن الزيت يف اململكة العربية السعودية يف خريف عام ‎1933‎م،‏ حني اأخذت<br />

الفرق اجليولوجية تستقر يف اململكة العربية السعودية،‏ كانت املحادثات قد بداأت يف ‏سان فرانسيسكو الإرسال<br />

طائرة تقوم باأعمال املسح من اجلو،‏ وهو االأسلوب الذي كانت ‏سوكال تستخدمه بنجاح يف كاليفورنيا.‏<br />

خُ‏ زنت املوؤن موؤقتاً‏ يف خمازن حول منطقة<br />

االمتياز يف منتصف الثلثينيات من<br />

القرن املاضي حتى يتسنى للجيولوجيني<br />

االستمرار بالتنقيب دون الرجوع ‏إىل اجلبيل<br />

‏أو الظهران للتزود باملوؤن.‏<br />

هل تتذكر عمّ‏ ي؟<br />

كان تواصل اجليولوجيني مع السكان املحليني خالل ‏سنتهم االأوىل يف احلقل حمدوداً‏ للغاية.‏ ويف<br />

جميع احلاالت تقريباً‏ كان الفضول يعرتي البدو والقرويني حول معدات هوؤالء الغرباء وخاصة السيارات<br />

والشاحنات،‏ وكثرياً‏ ما كانوا يتساءلون عما تاأكله وتشربه هذه املخلوقات.‏ وحافظ اجليولوجيون على<br />

عالقتهم الودية واحرتامهم للعادات املحلية،‏ واستمتعوا على وجه اخلصوص بالتفاعل مع االأطفال<br />

املندهشني الذين كانوا يسرتقون النظر عرب فتحات كل اخليام اأو اجلدران الطينية.‏ وبعد ‏سنوات عدة كتب<br />

‏سوك هوفر ذكرياته حول اإحدى هذه املقابالت قائالً:‏<br />

استاأجرنا رجالً‏ حلراسة خمزوننا من املعدات يف احلناة،‏ ومن ‏ضمنها البنزين واالأطعمة<br />

وجميع مستلزماتنا واأغراضنا.‏ وكنا نرسل اجلمّ‏ الني جللب ما يلزمنا منها،‏ اأو نذهب باأنفسنا<br />

اإىل ذلك املخزن بني حني واآخر،‏ حيث كنا جند احلارس مع ابنه الصغري،‏ اأو هكذا ظننت<br />

لكن اتضح يل فيما بعد اأنه ابن اأخيه.‏ وكثرياً‏ ما كان الطفل يساألني عما نفعل وغري ذلك من<br />

االأسئلة،‏ واأنا اأحتدث اإليه واأالعبه.‏<br />

يف يوم من اأيام اأكتوبر ‎1965‎م،‏ واأنا جالس يف مكتبي يف ‏شركة ‏شيفرون جيوفيزيكال<br />

Geophysical ‏)اأسس هوفر وتراأس هذا الفرع من الشركة ومقره يف هيوسنت،‏ تكساس(‏<br />

منهمك يف العمل رن الهاتف،‏ وكانت املكاملة من ‏سان فرانسيسكو،‏ مقرنا الرئيس،‏ فاعتقدت اأن<br />

اأحد روؤسائي يريد اأن يوبخني.‏ وبداأ رجل يف التحدث اإيل باللغة العربية،‏ وتاأكدت من اأنه عربي<br />

بالفعل.‏ وساألني الرجل:‏ ‏"هل تتذكر خمزن اللوازم يف احلناة؟"،‏ واأجبت باالإيجاب،‏ فقال:‏ ‏"هل<br />

تتذكر عمي؟"‏ اأنا الولد الصغري الذي كنت تاأتي وتتحدث وتلعب معه.‏ هل تتذكر اأنك طلبت من<br />

عمي اأن يرسلني اإىل املدرسة للتعلم؟ لقد اأرسلني اإىل املدرسة،‏ وحصلت على تعليم جيد،‏ وها<br />

اأنا قد عدت االآن،‏ الأعمل لدى الشركة يف الظهران يف اإدارة املحاسبة.”‏ كان ذلك الولد اأحمد<br />

عبد اهلل القرشي.‏<br />

وتعاقد ج.كالرك جيسرت مع ديك كري ،Dick Kerr الذي يحمل درجة عليا يف اجليولوجيا من جامعة<br />

كاليفورنيا يف بريكلي،‏ ويقوم باأعمال املسح اجلوي لسوكال يف كاليفورنيا الأداء الوظيفة نفسها يف اململكة العربية<br />

السعودية.‏ واقرتح كري وزميله،‏ والرت اإجنليش ،Walter English على الشركة استخدام طائرة ‏صغرية قادرة<br />

على املناورة بصورة اأفضل حول الكثبان الرملية التي افرتضا اأنها تغطي اململكة كلها.‏ وطلبت ‏سوكال من مصنع<br />

كريدر-ريسونر Kreider-Reisoner يف هاجرزتاون بوالية مرييالند ‏صنع طائرة فريتشايلد Fairchild 71 حسب


قراءة الصخور 69<br />

طلبها وتكون جمهَّ‏ زة بفتحة ‏سفلية وبنوافذ ميكن نزعها اللتقاط الصور،‏ وبخزان وقود ‏ضخم ميكّ‏ نها من تغطية<br />

دائرة نصف قطرها 560 كيلومرتاً‏ وباإطارات ‏ضخمة لتسهيل االإقالع والهبوط على الرمال.‏<br />

اأما الوقود واللوازم االأخرى فشحنت اإىل البحرين مباشرة على الناقلة ‏"اإل ‏سيغوندو "El Segundo التي<br />

متلكها ‏سوكال،‏ كما نقلت الطائرة على ظهر السفينة ‏"س.‏ ‏س.‏ اإكسوكوردا .S" .S Exochorda من نيويورك<br />

اإىل االإسكندرية يف مصر.‏ وبعد اأسابيع من االإجراءات البريوقراطية يف مصر اأقلع كري ومساعده تشاريل<br />

روتشفيل Charley Rocheville من االإسكندرية اإىل القاهرة ومنها اإىل غزة بفلسطني ثم اإىل بغداد قبل<br />

حتليقها فوق وادي نهر دجلة وهي يف طريقها اإىل البصرة،‏ واأخرياً‏ حطت الطائرة يف اجلبيل يف 8 مارس<br />

‎1934‎م حيث كانت مشكلة ‏صغرية يف انتظارها اإذ مل يكن لدى الطياريَن رخصة بالهبوط.‏<br />

حاولت احلكومة السعودية اإبقاء الطائرة يف البصرة،‏ لكن الطائرة كانت قد اأقلعت بالفعل قبل وصول<br />

الربقية اإىل السلطات يف املدينة جنوبي العراق.‏ كانت تلك مساألة حساسة يف ذلك الوقت بالذات بسبب<br />

احلرب التي نشبت بني اململكة العربية السعودية واليمن اإثر النزاع على احلدود وقلق املسوؤولني السعوديني<br />

من اإمكان استعمال الطائرات الأغراض عسكرية.‏<br />

انتظر مسوؤولو احلكومة يف املنطقة هبوط الطائرة يف اجلبيل واحتجزوها على الفور واعتقلوا<br />

الطيارين.‏ واأعقب ذلك اعتذارات كبرية من كاسوك على السهو الذي حصل يف جدول طريان الطائرة،‏<br />

وذكّ‏ رت الشركة احلكومة السعودية اأن اأحكام اتفاقية االمتياز تبيح لها استعمال الطائرات.‏ ويف النهاية<br />

اأعيدت الطائرة اإىل الطيارين،‏ ومت جتهيزها للقيام بعمليات االستطالع اجلوي.‏<br />

وضعت الطائرة يف اخلدمة يف 30 مارس ‎1934‎م.‏ وخالل املوسم االأول رافق ميلر الطيارين كير<br />

و روتشفيل يف جميع الطلعات،‏ اأما بريشفيل فشارك يف معظمها.‏ كان الهدف من هذه الرحالت تقسيم اأراضي<br />

اململكة اإىل مساحات عرض كل منها عشرة كيلومرتات،‏ وقد ‏سجل اجليولوجيون اخلصائص اجليولوجية<br />

واالأرضية بعرض خمسة كيلومرتات على كل جانب من جانبي الطائرة يف اأثناء الرحلة،‏ وحددوا مواقع املياه،‏<br />

ودروب اجلمال،‏ واملستوطنات باالإضافة اإىل التضاريس.‏ وبعد كل رحلة كانوا يرسمون خريطة عرضية تبني<br />

مسار الطائرة،‏ ويدوّنون العالمات املهمة،‏ ثم يصورونها فيما بعد الإدراجها يف خرائط مركبة.‏<br />

طائرة فريتشاليد 71 حممَّ‏ لة على ‏صندل<br />

بعد ثني جناحيها وتثبيتها متهيداً‏ لشحنها<br />

‏إىل اململكة العربية السعودية يف مطلع العام<br />

‎1934‎م يف موقع يعرف اليوم مبطار الجارديا<br />

يف نيويورك.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

70<br />

‏شاحنة تابعة لشركة كاسوك تقطر طائرة<br />

فريتشاليد 71 متهيداً‏ الإقلعها على مدرج<br />

موؤقت بالقرب من اجلبيل يف العام ‎1934‎م.‏<br />

وقد مكنت هذه الطائرة ‏شركة كاسوك من<br />

تخطيط منطقة االمتياز الشاسعة بسرعة<br />

‏أكرب،‏ ومتوين خميمات التنقيب النائية التي<br />

كان اجليولوجيون ميكثون فيها غالباً‏ عدة<br />

‏أشهر يف كل مرة.‏<br />

يف موسم واحد متكن طاقم الطائرة من اإجناز ما كان يحتاج اإىل ‏سنوات الإجنازه على االأرض.‏ وتذكر<br />

‏سجالت الشركة اأنه ‏"بحلول يونيو ‎1934‎م،‏ كان قد مت تصوير ورسم خرائط ملساحات ‏شاسعة ‏شملت القطاع<br />

الساحلي كله من راأس السفانية اإىل ما قبل ‏سلوى.‏ كما حلقت الطائرة بطلعات استكشافية بني يربين يف<br />

الشمال والصفا يف الغرب،‏ ومت ربط املنطقة كاملة بني هاتني النقطتني املتباعدتني.‏ وتوىل ميلر حتديد<br />

مهمات الفرق اجليولوجية امليدانية طوال السنة التالية على اأساس النتائج التي حصل عليها من الطلعات<br />

اجلوية التي نفذت خالل اأبريل ومايو.‏ ويذكر اأن طاقم الطائرة كان قد رصد يف ربيع عام ‎1934‎م جميع<br />

مناطق االإنتاج التي اكتشفتها الشركة خالل السنوات العشر االأوىل من وجودها".‏<br />

لكن هذه اجلهود كلها مل تعزز تفاوؤل فريق التصوير اجلوي بساأن احتماالت العثور على النفط يف اململكة<br />

العربية السعودية خارج قبة الدمام.‏ ويقول هوفر يف مذكراته اليومية بتاريخ 21 اأبريل ‎1934‎م،‏ وكان اآنذاك<br />

يف احلقل:‏ ‏"اأقلع ديك كري و تشاز روتشفيل بالطائرة اإىل اجلبيل،‏ وسيعودون بشحنة من البنزين غداً،‏<br />

لتنطلق الطائرة من هذا املعسكر يف االأيام القادمة.‏ اأما هيو ‏)بريشفيل(‏ فهو اأكرث الناس تشاوؤماً‏ فيما يتعلق<br />

بتشكيالت الصخور يف اململكة،‏ فبعد التحليق فوق معظم منطقة االمتياز مل يعرثوا على اأي ‏شيء ذي اأهمية<br />

باستثناء الدمام".‏<br />

بحلول منتصف مايو ‎1934‎م عاد هرني و ميلر اإىل عملهما يف قبة الدمام وقد اقرتب فصل الربيع من<br />

نهايته واآذن بحلول الصيف وحرّ‏ ه الالهب.‏ وكان البدو قد اقتلعوا العالمات اخلشبية االأصلية التي وضعها<br />

اجليولوجيون على القبة الستخدامها فيما يبدو حطباً‏ للنار.‏ لذلك جلاأ هرني و ميلر اإىل استخدام عالمات<br />

من املعدن عليها رايات الستئناف عملية رسم اخلرائط باستخدام اللوحة املستوية،‏ وربطا االرتفاعات<br />

املحيطة بالتشكيل الصخري،‏ ورسما خرائط الأنواع االأحفوريات التي تقابل احلقب اجليولوجية الرئيسة<br />

والتي تشري اإىل اأن القبة تعكس تشكيالت جوفية مناسبة الحتواء النفط.‏


قراءة الصخور 71<br />

واأعطى استمرار دليل االأحفوريات جيولوجيي كاسوك الثقة التي كانوا بحاجة اإليها باأن تشكيل قبة<br />

الدمام رمبا يعكس طبقة مماثلة يف تكوينات الصخور الرسوبية القادرة على احتجاز الزيت والغاز على عمق<br />

اآالف االأقدام حتت االأرض.‏ واأضاف هوفر ‏"حددنا موقع البئر هناك بالقرب من جبل اأم الروس حيث توجد<br />

ثالث اأو اأربع قمم تعوَّد البدو على الذهاب اإليها ملعرفة ما يجري.‏ وقد ‏ساعدين دليلنا خميس يف بناء رجم<br />

‏)كومة من الصخور(‏ لالإشارة اإىل املوقع املقرتح للبئر رقم 1" ‏)لعب الدليل خميس بن رمثان،‏ الذي يعرف<br />

لدى موظفي كاسوك باسم خَ‏ مِ‏ يس اأو خُ‏ مَ‏ يِّس،‏ دوراً‏ مهماً‏ يف حياة اجليولوجيني مع تقدم ‏سري عملهم يف<br />

اململكة العربية السعودية(.‏<br />

يف مايو،‏ توقف نومالند يف اجلبيل للمرة الثانية وهو يف طريق عودته من احلجاز حيث قام مبعاينة<br />

منطقة االمتياز التي منحت فيما بعد لشركة نفط العراق،‏ وناقش مع ميلر فكرة نقل معظم اأفراد الفريق اإىل<br />

مقر ‏صيفي ينعم بطقس لطيف،‏ يساعدهم على تفادي ‏ضربات الشمس وميكنهم اأيضاً‏ من العمل معاً‏ على<br />

اإعداد تقاريرهم عن العمل يف املوسم االأول قبل اإرسالها اإىل ‏سان فرانسيسكو.‏ ومت االتفاق على اأن يسافر<br />

ميللر قبل الفريق اإىل بريوت يف لبنان ليبحث هناك عن مكان مناسب يف التالل املطلة على املدينة،‏ ومن ثم<br />

يواصل طريقه اإىل لندن لالجتماع مبسوؤويل الشركة ومورديها.‏ وبحلول منتصف يوليو ‎1934‎م انتقل الفريق<br />

اإىل ‏ضهور الشوير القريبة من بريوت،‏ وتخلف عن الفريق فليكس دريفوس و األن وايت اللذان كانا يعمالن<br />

يف مكتب اجلبيل ويتناوبان يف االإجازات على اأن يظل موظف واحد على االأقل من موظفي كاسوك يف املوقع<br />

خالل فصل الصيف.‏<br />

وحني التاأم ‏شمل اجليولوجيني يف اململكة العربية السعودية يف ‏سبتمرب مع بداية موسم اخلريف،‏ انضم<br />

اإىل فريق العمل اأول الوجوه اجلديدة واأهمها وهو ماكس ‏ستاينكي ، Max Steineke كبري جيولوجيي ‏سوكال.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

72<br />

كان ‏ستاينكي من خريجي جامعة ‏ستانفورد يف عام ‎1921‎م،‏ وقد اأمضى السنوات الثالث عشرة السابقة وهو<br />

يعمل يف عدد من املواقع النائية التابعة للشركة قبل اأن يطلب نقله اإىل االأعمال اجلديدة يف اململكة العربية<br />

السعودية.‏ وانضم ‏ستاينكي اإىل اجليولوجيني االآخرين يف البحرين استعداداً‏ لالنتقال بالعبّارة اإىل اجلبيل،‏<br />

وقد اأسندت اإليه قيادة الفريق الثالث اجلديد للجيولوجيني امليدانيني.‏<br />

وسرعان ما اأقر زمالء ‏ستاينكي بحدة ذكائه وفهمه العميق للصورة اجليولوجية الكبرية التي كانوا<br />

بحاجة اإليها للتنقيب يف منطقة االمتياز الشاسعة.‏ كان ‏ستاينكي بطبعه رجالً‏ يعشق العمل امليداين خارج<br />

املكاتب،‏ ويتقن الرماية مما اأكسبه احرتام اجلنود البدو واالأدالَّء الذين رافقوا الفرق اجليولوجية يف احلقل،‏<br />

هذا باالإضافة اإىل كونه رجالً‏ خشناً‏ يتحمل الصعاب،‏ وليس ممن يهتمون بالتفاصيل اأو االأساليب املتحضرة.‏<br />

وتابع ‏ستاينكي بعناد عالمة جيولوجية طاملا غابت عن كثري من اجليولوجيني االآخرين.‏ ويذكر فيليب<br />

مكونيل Phillip McConnell الذي انضم اإىل فرق االإنتاج يف اململكة عام ‎1938‎م ‏"اأن ماكس ‏ستاينكي عرف<br />

حدود طية النعلة املحدبة منذ اللحظة االأوىل،‏ وعرف اأنها قد تكون من اأضخم مكامن النفط يف العامل،‏ لكنه<br />

كان على طريقة االأملان يتميز بشدة احلذر،‏ ويرفض اأن يلزم نفسه باإصدار االأحكام اإال اإذا اضطر اإىل ذلك".‏<br />

وبالفعل الحظ ‏ستاينكي وزميله توم كوش Tom Koch منذ نهاية املوسم االأول يف احلقل ‏)اأي يف ربيع عام<br />

‎1935‎م(،‏ اإشارات تلفت االنتباه يف قلب منطقة االمتياز فيما اأصبح الحقاً‏ من اأكرب حقول النفط املكتشفة،‏<br />

ال يف اململكة العربية السعودية فحسب،‏ بل ويف العامل باأسره.‏ وجاء يف ‏سجالت كاسوك اأن ‏"كليهما وصف<br />

اأربع مناطق اأخرى مرتفعة،‏ واحدة منها على االأقل لها ‏شكل قبة "، وقاال اإن استمرار العمل فيها ‏سيكون له ما<br />

يربره اإذا اأسفر احلفر يف قبة الدمام عن اكتشاف النفط بكميات جتارية.‏<br />

يف الوقت الذي تركزت فيه توصيات ‏ستاينكي و كوش باالستمرار يف العمل يف مناطق وتشكيالت ‏صخرية<br />

تبني فيما بعد اأنها ترقد على حقول الزيت العمالقة يف بقيق والقطيف والغوار،‏ فاإن وضع عالمات على<br />

التشكيالت الصخرية كمنطقة جديرة بالدراسة ال يُعد دليالً‏ قاطعاً‏ على وجود النفط باأي ‏شكل من االأشكال.‏<br />

املمر الذهبي<br />

يوجد اأكرث من %60 من احتياطيات النفط<br />

العاملية الثابتة و‎%40‎ من احتياطيات الغاز<br />

الطبيعي الثابتة يف ‏شريط من االأرض يبلغ<br />

طوله 2700 كيلومرت يف الشرق االأوسط،‏ يبداأ<br />

من ‏شرق تركيا ومير مبنطقة اخلليج العربي<br />

وينتهي عند بحر العرب.‏<br />

بحر<br />

قزوين<br />

العراق<br />

البحر االأبيض<br />

املتوسط<br />

‏الأردن<br />

‏الإمارات العربية<br />

املتحدة<br />

الكويت<br />

خليج عمان<br />

اململكة العربية السعودية<br />

البحر االحمر<br />

مفتاح اخلريطة<br />

املمر الذهبي<br />

حقل غاز<br />

حقل نفط<br />

‏سلطنة عمان<br />

بحر العرب<br />

اليمن


قراءة الصخور 73<br />

جيولوجيا كاسوك ماكس ‏ستاينكي وبريت<br />

ميلر،‏ وملحظ ‏أعمال احلفر جاي ‏"سليم"‏<br />

ويليامز،‏ وملحظ ‏أعمال ‏الإنشاء والت<br />

هينجي،‏ من اليسار ‏إىل اليمني،‏ مع ثلثة<br />

‏آخرين غري معروفني،‏ ‏أثناء بحثهم عن ‏أفضل<br />

موقع حلفر ‏أول بئر يف قبة الدمام.‏ وقد بدئ<br />

بحفر البئر يف 30 ‏أبريل ‎1935‎م.‏<br />

وقد استغرق االأمر خمسة عشر عاماً‏ على االأقل قبل اأن يدرك جيولوجيو الشركة بصورة كاملة التشكيالت<br />

اجلوفية التي اأوحت بها اخلصائص السطحية التي تعرفها ماكس ‏ستاينكي وكوش،‏ ووضعا عليها عالمات<br />

بهدف اإجراء املزيد من الدراسة يف ربيع عام ‎1935‎م.‏ وضمت قائمة االأعمال التي اأعداها ما يلي:‏<br />

1- حفر بئر اختبار يف قبة العالة.‏<br />

2- اإعداد خرائط تفصيلية لعدد من املواقع مثل بقيق والقرين.‏<br />

3- حفر اآبار جوفية اأو القيام باأعمال مسح ‏سيزموغرايف ‏)زلزايل(‏ جلزيرة تاروت.‏<br />

4- تقصي املنطقة املرتفعة جنوب غرب بقيق.‏<br />

5- تتبع طية ‏"النعلة"‏ اأحادية امليل غرب الهفوف يف اجتاه اجلنوب والشمال الغربي ملعرفة اأصلها.‏<br />

6- تقصي منطقة الغوار غرب الهفوف.‏<br />

7- استعمال وسائل التحري حتت ‏سطح االأرض للحصول على املعلومات اجليولوجية حتت املناطق<br />

الرملية وطبقة العصر امليوسيني املتداخلة يف مناطق معينة.‏<br />

الرتكيز على قبة الدمام:‏ مع اتفاق اجليولوجيني يف احلقل ورئاسة الشركة يف ‏سان فرانسيسكو على اأن قبة الدمام<br />

هي املوقع االأفضل للحفر،‏ بدئ يف اأواخر ‏سبتمرب ‎1934‎م التخطيط لنقل مواد احلفر وفرقه اإىل اململكة العربية السعودية.‏<br />

وقد اأرخ مسوؤولو الشركة بكل فخر اليوم الذي اأبلغوا فيه امللك عبد العزيز رسمياً‏ بخطط الشركة اخلاصة ببدء احلفر بعد<br />

‏سنة واحدة فقط من اليوم الذي وصل فيه اجليولوجيون االأوائل اإىل ‏سواحل اململكة.‏<br />

مل يقتصر اإعداد برنامج احلفر على حمل برج احلفر فوق مياه اخلليج من البحرين،‏ ومن ثم نقله فوق<br />

الرمال وامللح اإىل قبة الدمام رغم ما تنطوي عليه هذه االأعمال من حتديات جسام.‏ فقد قال ديفيس ،Davies<br />

نائب مالحظ االأشغال لعمليات بابكو يف البحرين اآنذاك،‏ اإن عزلة املوقع وارتفاع درجات احلرارة يف الصيف<br />

اضطرا الشركة اإىل تنفيذ برنامج اإسكاين مذهل هو مدينة ‏صغرية يف الصحراء،‏ اأكرث تعقيداً‏ وتفصيالً‏ من<br />

احلد االأدنى املاألوف يف مرافق املعسكرات من هذا القبيل.‏ وشمل حي السكن املبدئي مرافق ‏سكنية ومطبخاً،‏<br />

ومطعماً،‏ وغرفة للرتفيه.‏ وباالإضافة اإىل مناطق السكن والرتفيه،‏ كان من الضروري بناء عددٍ‏ كافٍ‏ من<br />

املكاتب وخمترب جيولوجي.‏ ويف النهاية كان على كاسوك حفر اآبار للمياه،‏ وتركيب ‏شبكة من االأنابيب اخلاصة<br />

بها،‏ وبناء حمطة لتوليد الطاقة.‏<br />

واأنيطت مسوؤولية تنفيذ املشروع االإنشائي الضخم هذا بشخص واحد هو والرت هينجي ،Walter Haenggi<br />

وهو مالحظ االأعمال االإنشائية الذي اأشرف على بناء مساكن بابكو يف البحرين.‏ وبحلول نوفمرب ‎1934‎م كان<br />

هينجي يتجول يف املنطقة املسطحة الواقعة بالقرب من قبة الدمام بحثاً‏ عن موقع مناسب للمباين الدائمة


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

74<br />

‏أصل الزيت<br />

يف الشرق االأوسط ممر عريض ميتد مسافة 2,735 كيلومرتاً‏ تقريباً‏ من ‏شرق تركيا عرب وادي نهري<br />

دجلة والفرات ومنطقة اخلليج العربي.‏ ويحتوي هذا املمر على نحو %60 من احتياطيات الزيت اخلام<br />

الثابتة يف العامل.‏ وتُعد هذه االحتياطيات االأكرب يف العامل.‏ ومل يحدث هذا االأمر مصادفة بالطبع؛ فاحلياة<br />

البحرية الوفرية قبل اآالف احلقب الزمنية،‏ واحتكاك الصفائح التكتونية يف اأعماق االأرض بعضها ببعض،‏<br />

باالإضافة اإىل التصدعات واحلركات الالحقة التي طراأت على قشرة االأرض يف املنطقة،‏ كانت كلها ظروفاً‏<br />

مثالية لتشكيل الزيت والغاز الطبيعي واحتجازهما.‏<br />

ماكس ‏ستاينكي نفسه يحكي الفصل االأول من هذه الرواية،‏ ففي عدد 21 اأكتوبر ‎1945‎م من ‏صحيفة<br />

‏"دست راج ،"Dust Rag التي تصدرها ‏شركة اأرامكو ملوظفيها،‏ نشر ‏ستاينكي الكتيب التمهيدي عن<br />

جيولوجية الصخور الرسوبية وعنوانه ‏"اأصل الزيت"‏ وفيه يقول:‏<br />

‏"اإن منساأ الزيت غري معروف على وجه الدقة يف جميع احلاالت تقريباً،‏ لكن البيانات<br />

االإيجابية حول هذا املوضوع تشري،حيث وجدت،‏ وبصورة قاطعة اإىل مصدر بحري،‏ اأي اإىل<br />

عالقة وثيقة بالرواسب التي جتمعت اأوالً‏ يف البحر،‏ ثم حتوَّلت اإىل ‏صخور فيما بعد.‏ وفضالً‏ عن<br />

ذلك اكتشف العلماء اأن يف الصخور املنتجة للبرتول نسبة عالية من الكائنات البحرية املجهرية.‏<br />

ويف حاالت عديدة وجد العلماء اأيضاً‏ اأن كائنات تشبه تلك املوجودة يف الصخور التي اأنتجت<br />

الزيت تعيش االآن يف البحر،‏ واأنها حتتوي على حبيبات ‏صغرية من مواد ‏شحمية ميكنها اإنتاج<br />

مادة تشبه الزيت يف املخترب.‏<br />

ولدينا دليل قوي على اأن الكائنات املوجودة يف الصخور التي اأنتجت الزيت العربي عاشت<br />

قبل 150 مليون ‏سنة تقريباً.‏ ومن الواضح اأنها عاشت يف بحر هادئ،‏ اأو حوض مغلق تقريباً‏<br />

يشبه اإىل حد ما اخلليج العربي اليوم،‏ اإال اأنه اأكرب منه بكثري.‏ وعندما نفقت هذه الكائنات<br />

ترسبت يف القاع وتراكمت طبقاتها بعضها فوق بعض اإىل اأن ‏شكلت رواسب يصل ‏سمكها<br />

اإىل مئات االأقدام،‏ ثم غطتها اآالف االأقدام من رواسب الطمي والرمال وطبقات القواقع.‏<br />

ومع استمرار تراكم الرواسب انخفض قاع البحر تدريجياً‏ بسب حركات االأرض،‏ مما ‏سمح<br />

برتاكمات ‏ضخمة من الرواسب دون تغري يف عمق البحر وخواصه.‏ ومع تزايد ثقل الرواسب<br />

الالحقة،‏ تعرضت الرواسب املغمورة يف االأعماق للضغط بصورة طبيعية،‏ وارتفعت حرارتها<br />

مئات الدرجات بسبب العمق السحيق.‏ وهكذا تصّ‏ لبت كتلة الرواسب وحتولت اإىل ‏صخور بتاأثري<br />

الضغط الهائل واحلرارة يف الرواسب على مدى ماليني السنني.‏ ويف اأثناء هذا التغري يف طبيعة<br />

الرواسب حتولت املادة الشحمية يف الكائنات الدقيقة التي تشكل جزءاً‏ كبرياً‏ من الرواسب،‏<br />

بفعل عملية كيميائية اإىل منتجات برتولية خمتلفة االأنواع.‏ ورمبا ‏ساعدت املياه ‏شديدة امللوحة<br />

التي تشبعت بها الرواسب بدورها يف حدوث التفاعل الكيميائي الذي حول الكريات الشحمية يف<br />

الكائنات الدقيقة اإىل منتجات برتولية.‏<br />

اأما اإذا كانت الصخور املسامية التي حتتوي على الزيت واملاء مائلة،‏ فاإن الزيت ينتقل اإىل<br />

اأعلى التشكيل املحدب.‏ فاإذا كان احلوض املائل مكشوفاً‏ عند السطح بسبب حركات االأرض<br />

واجنراف الرتبة،‏ تسرب الزيت والغاز اإىل السطح،‏ وضاع بسبب التفاعل مع االأحوال اجلوية<br />

عرب العصور اجليولوجية.‏ واأما اإذا كانت طبقة الزيت هذه مغطاة بصخور كثيفة غري مسامية،‏<br />

وكانت على ‏شكل طيات ‏صخرية،‏ فاإن الزيت يهاجر اإىل اأقصى ارتفاع ممكن يف الطبقة التي<br />

حتتوي اأصالً‏ على الزيت،‏ لكنه يتوقف ويحتجز حتت الطبقات غري املسامية حيث ميكث على<br />

هذا النحو ماليني السنني".‏<br />

ومنذ اأيام ‏ستاينكي،‏ توصل العلماء اإىل فهم مفصل للقوى التي جعلت هذه الطبقات السميكة<br />

من الرواسب التي حتتوي على الزيت تتثنى على ‏شكل طيات؛ فاحلركات بني الصفائح التكتونية<br />

الضخمة التي تتحرك ببطء حتت اأعماق قشرة االأرض هي التي ‏ساعدت يف تكوين القارات التي


قراءة الصخور<br />

نعرفها اليوم،‏ كما اأن العديد من املظاهر االأرضية الضخمة مثل ‏سالسل اجلبال ليست ‏سوى عالمة<br />

للحواف التي تنزلق على امتدادها الصفائح التكتونية حتت اأو بجانب بعضها بعضاً.‏ وقبل نحو 90 مليون<br />

‏سنة،‏ ارتطمت الصفيحة التكتونية للجزيرة العربية بالصفيحة االأوروبية-االآسيوية االأكرب يف الشمال<br />

والشرق،‏ وبداأت تنزلق حتتها ببطء.‏ واأدى االرتطام اإىل تكوين جبال زغروس يف اإيران والغور املوازي لها<br />

من ناحية الغرب الذي يبلغ عرضه مئات االأميال والذي امتالأ يف النهاية مبياه اخلليج العربي.‏ كما اأدت<br />

الضغوط يف الصخور الناشئة عن ارتطام الصفيحتني والتحرك الذي ‏شهدته طبقات الصخور حتتها<br />

اإىل التواء جزء من الطبقات الرسوبية نحو االأعلى،‏ وولَّد ما يُعرف بالطيات التحدبية التي حتتجز املواد<br />

الهيدروكربونية اإذا غطتها ‏صخور غري مسامية.‏<br />

اأما ما يُعرف اليوم بالبحر االأحمر فيمالأ حفرة انهدامية نتجت عن انشقاق قشرة االأرض بني<br />

اإفريقيا وجزيرة العرب قبل نحو 36 مليون ‏سنة.‏ ويف اأثناء تكون االأخدود مال اجلانب الغربي من ‏شبه<br />

جزيرة العرب اإىل اأعلى بارتفاع ثالثة كيلومرتات تقريباً،‏ وتاآكل ذلك اجلانب على مدى ماليني السنني<br />

وشكل ما يسمى ‏"بالصخور القاعدية"‏ النارية واملتحولة التي يرجع تاريخها اإىل العصر ما قبل الكمربي،‏<br />

ويرتاوح عمرها بني بليونني و‎550‎ مليون ‏سنة.‏ وهذه الصخور التي ‏شكلت ما يعرف بالدرع العربي متتد<br />

‏شرقاً‏ عند وسط الدرع وحتتل نحو ثلث ‏شبه اجلزيرة.‏ وانتشرت احلمم الربكانية اجلديدة يف بعض<br />

املناطق عرب ‏صخور الدرع القدمية.‏ وينحدر هذا الدرع تدريجياً‏ نحو الشرق،‏ وتغطي ثلثيه ‏صخور رسوبية<br />

حديثة نسبياً‏ تسمى ‏"الرف العربي"،‏ وهي الصخور التي قال ماكس ‏ستاينكي اإنها تشكلت حتت البحار<br />

القدمية الضحلة خالل احلقبة اجلوراسية االأخرية حني كانت الديناصورات جتوب االأرض.‏<br />

كبري اجليولوجيني ماكس ‏ستاينكي يقف<br />

على حجر جريي مكشوفة تعود ‏إىل احلقبة<br />

اجليولوجية ‏الأيوسينية.‏ ويف املنطقة<br />

الشرقية،‏ توجد احلجارة ‏الأيوسينية عادة<br />

على عمق مئات ‏الأقدام حتت ‏سطح ‏الأرض<br />

من الصخور ‏الأحدث نسبياً‏ من الطبقات<br />

الرسوبية.‏ وعندما توجد هذه احلجارة على<br />

‏سطح ‏الأرض،‏ فقد يشري ذلك ‏إىل وجود<br />

تكوينات يف الصخور اجلوفية قادرة على<br />

حجز الزيت فيها.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

76<br />

االأوىل التي ‏ستبنى يف املنطقة.‏ وبصفته االأمريكي الوحيد الذي اختري للقيام باأعمال االإنشاء،‏ فقد اأعطى<br />

االأولوية لتعليم السعوديني املهارات الالزمة لتنفيذ معظم اأعمال البناء.‏<br />

وقام هينجي و جاي ‏"سليم"‏ ويليامز ،Guy "Slim" Williams وهو مالحظ اأشغال يف اأعمال احلفر،‏<br />

بجولة يف املواقع املقرتحة الإنشاء رصيف على الساحل حيث قررا اأن املنطقة غري مناسبة بسبب امتداد<br />

الصخور داخل اخلليج قرب قرية الدمام،‏ وركزا بدالً‏ عنها على قناة عميقة قريبة نسبياً‏ من الساحل بالقرب<br />

من قرية اخلرب تبعد حوايل عشرة كيلومرتات عن حي السكن،‏ وتقع على ‏سبخة ملحية ‏صغرية بالقرب من<br />

‏سهل ‏ساحلي ‏ضيق ‏شديد االنحدار.‏ وتوىل فلويد اأوليقر ،Floyd Ohliger وهو مهندس النفط الذي اأصبح<br />

فيما بعد املدير املقيم للحي السكني،‏ عملية االإشراف على بناء اأول رصيف بحري من ‏صخور ‏شبيهة باملحار<br />

تقتلع من املنطقة املغمورة يف اأوقات اجلزر وتثبت بجبس حملي،‏ كما استعملت املواد نفسها يف املباين االأولية<br />

عند موقع احلفر.‏<br />

بئر الزيت الأوىل:‏ يف 30 اأبريل ‎1935‎م،‏ بداأ ‏سليم ويليامز وفريق احلفر االستكشايف يف حفر البئر<br />

رقم 1 يف قبة الدمام،‏ وهي البئر االأوىل على نطاق اململكة العربية السعودية.‏ وبعد ‏ستة اأسابيع تقريباً‏<br />

اضطر اجليولوجيون اإىل التوقف عن احلفر بسبب دخول فصل الصيف وانتقالهم اإىل اأماكن معتدلة<br />

‏أعلى:‏ يعود تاريخ هذه الصورة ‏إىل ‏شتاء عام<br />

‎1937‎م،‏ وتظهر فيها بئرا الدمام رقم 1 ‏)إىل<br />

اليمني(‏ ورقم 7. وكان فريق احلفر قد واجه<br />

‏صعوبات جمة يف حفر البئر رقم 7، ويف اليوم<br />

‏الأخري من ذلك العام وعلى عمق 1,382 مرتاً،‏<br />

انفجرت البئر مما تسبب يف مزيد من التأخري.‏<br />

يسار:‏ جاي ‏"سليم"‏ ويليامز،‏ ملحظ ‏أعمال<br />

احلفر والحقاً‏ ‏أول ناظر للحي السكني يف<br />

الظهران،‏ يقابل عماالً‏ ‏سعوديني يف اخلرب يف<br />

عام ‎1935‎م.‏ ويف ‏أوائل ذلك العام،‏ وظف موقع<br />

الظهران ‏أكرث من 240 موظفاً‏ ‏سعودياً‏ للعمل<br />

يف مشروعات ‏إنشاء احلي السكني وفرق احلفر.‏<br />

الطقس لكتابة تقاريرهم.‏ ولكن ذلك مل يشمل عمال احلفر االستكشايف ومنهم ويليام اإلتيست William<br />

Eltiste و جاك ‏سكلويسلن Jack Schloesslin واإرنست ‏سميث .Ernest Smith لكن هيهات اأن يتمكن احلر<br />

وحده من اإيقاف احلفر اإذا بداأ!‏ فالعمليات مكلفة،‏ والتوقف ثم استئناف العمل يستغرق الكثري من الوقت،‏<br />

لذلك مل يكن اتخاذ قرار التوقف ‏سهالً.‏ فاإذا بداأ احلفر مل يكن ليتوقف قبل بلوغ املنطقة املنشودة.‏<br />

كانت بداية برنامج احلفر يف قبة الدمام مشجعة؛ ففي اأغسطس ‎1935‎م،‏ ومع اقرتاب فريق ويليامز<br />

من عمق الطبقات احلاملة للزيت يف البحرين ‏)نحو 610 اأمتار(‏ بداأ الزيت يف الظهور يف بئر الدمام،‏ ومع<br />

اأن الكمية الناجتة مل تكن باملعدالت التجارية التي كانوا يرجونها على االإطالق ‏)وهي حوايل األفي برميل<br />

يف اليوم(،‏ اإال اأنها كانت كافية الإثبات اأن الزيت موجود.‏ وعند اختبار البئر يف ‏سبتمرب على عمق 590 مرتاً‏<br />

تقريباً‏ تدفق الزيت مبعدل يقارب 100 برميل يف اليوم.‏ ومع اأن الزيت تدفق بكمية اأكرب اأحياناً‏ حني تابع<br />

الفريق احلفر اإىل اأعماق اأكرب،‏ لكنها بقيت دون مستوى االإنتاج التجاري.‏<br />

اأنتجت البئر رقم 1 الغاز الطبيعي بكميات كبرية،‏ لكنها كانت عدمية الفائدة بالنسبة اإىل كاسوك التي<br />

مل تعرف كيف تنقله وتخزنه.‏ لذا عمل املهندسون على ‏سد البئر موؤقتاً‏ على عمق 725 مرتاً‏ يف يناير ‎1936‎م.‏<br />

ويف النهاية مت تعميق البئر،‏ واستعملت الإنتاج الغاز.‏<br />

وكان الفريق يتعلم مع ممارسة العمل،‏ وحني بداأ احلفر يف البئر رقم 2 يف 8 فرباير ‎1936‎م،‏ تبنيّ‏ اأنها<br />

اأفضل من ‏سابقتها من حيث وفرة الزيت.‏ ويف يونيو،‏ وعلى عمق 3,800 مرت،‏ بينت اإحدى التجارب تدفق


قراءة الصخور 77<br />

‏أوائل املوظفني السعوديني<br />

مل يكن يف ‏شركة الزيت خالل ‏سنتها االأوىل ‏سوى عدد حمدود من املوظفني السعوديني بعضهم كان<br />

يوؤدي مهام املساندة مثل االأدالء،‏ والسائقني،‏ واملرتجمني.‏ ومل توظف الشركة السعوديني باأعداد كبرية اإال<br />

بعد اأن قررت كاسوك بناء رصيفها االأول يف اأواخر العام ‎1934‎م حني وظف اأوليقر ما بني 400 و‎500‎ عامل<br />

حملي للمساعدة يف بناء الرصيف وحمل الصخور املحلية يف ‏ساعات اجلزر من املراكب الشراعية اإىل<br />

الساحل لتنقلها اجلرارات اإىل موقع االإنشاء.‏<br />

فلويد ‏أوليقر،‏ الرئيس املقيم لشركة كاسوك،‏<br />

يرتدي معطفاً‏ مقلماً‏ ويشرف على وصول<br />

حجارة الفروش التي ‏ستستعمل الحقاً‏ يف بناء<br />

مرفأ الدمام،‏ العام ‎1935‎م،‏ ويقف ‏إىل يساره<br />

الصومايل ‏أحمد ‏"موسوليني"‏ .<br />

كان اأحمد حسني الصومايل من اأفضل العمال السعوديني الذين عملوا يف اأيام البناء االأوىل،‏ وملا كان<br />

يتحدث االإيطالية بطالقة،‏ اأطلق عليه االأمريكيون اسم ‏"موسوليني".‏ عمل الصومايل جنباً‏ اإىل جنب مع<br />

اأوليقر يف اإنشاء الرصيف يف اخلرب،‏ ويف عام ‎1939‎م حتول اإىل اإدارة النقل.‏ وكان من اأوىل مهامه نقل<br />

مسوؤويل الشركة بني جدة والظهران،‏ وهي رحلة ‏شاقة،‏ كانت تستغرق بني خمسة وسبعة اأيام على طرق<br />

وعرة وبدون اأجهزة االتصال الالسلكي التي تساعد على طلب املساعدة عند الضرورة.‏ ويف عام ‎1943‎م،‏<br />

التحق الصومايل بالعالقات احلكومية وعمل يف اإنهاء اإجراءات اجلوازات والتخليص اجلمركي ملوظفي<br />

الشركة يف مطار الظهران ورصيف اخلرب اإىل اأن تقاعد من العمل يف عام ‎1984‎م.‏<br />

‏شجع جناح مشروع الرصيف الذي اكتمل يف ربيع عام ‎1935‎م مديري كاسوك على توظيف اأعداد<br />

كبرية من العمال السعوديني وتدريبهم ‏شيئاً‏ فشيئاً‏ على اأداء االأعمال التي تتطلب قدراً‏ اأكرب من املهارة.‏<br />

وحتى قبل اكتمال الرصيف،‏ كان املئات من السعوديني يعملون يف موقع احلفر يف خميم الظهران،‏ منهم<br />

اأكرث من )240( بدوؤوا العمل يف املوقع منذ مطلع عام ‎1935‎م ، ثم تضاعف عددهم عشر مرات تقريبا<br />

بنهاية العقد.‏ وباالإضافة اإىل بناء املساكن للموظفني االأمريكيني الذين كانوا يعملون يف القبة،‏ قامت<br />

الفرق ببناء مساكن للعمال السعوديني ‏)من اخلشب واحلصري(‏ حيث كان عدد من العمال يشرتكون يف<br />

مسكن واحد.‏<br />

الزيت مبعدل يزيد على 3800 برميل يف اليوم من البئر قبل اأن تسد موؤقتاً،‏ لعدم وجود خزانات كافية<br />

الستيعاب تلك الكمية الكبرية من الزيت.‏<br />

كان ذلك هو كل ما يحتاج لسماعه مديرو الشركة يف ‏سان فرانسيسكو ، وسرعان ما ‏صدرت املوافقة<br />

على احلفر يف العالة،‏ وهو موقع يبعد 32 كيلومرتاً‏ اإىل الغرب من قبة الدمام بدا واعداً‏ للجيولوجيني خالل<br />

موسم ‎1934‎م – ‎1935‎م.‏ وصدرت املوافقة على حفر االآبار من 3 اإىل 6 الختبار احتماالت وجود الزيت يف<br />

تشكيالت قبة الدمام .<br />

وال ميكن وصف ‏"االإطار الذهني اجلماعي ملسوؤويل كاسوك"‏ باحلذر حاملا اأظهرت البئر رقم 2 بشائر<br />

وجود كميات كبرية من الزيت،‏ كما ورد فيما بعد يف مذكرة داخلية عن تاريخ الشركة.‏ وقد ورد يف تاريخ


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

78<br />

عاش جميع املوظفني السعوديني تقريباً‏ يف حي<br />

الظهران خلل الثلثينيات والأربعينيات من<br />

القرن املاضي يف برستيات مصنوعة من ‏سعف<br />

النخيل املخصوف.‏ وكان املسجد الظاهر يف<br />

هذه الصورة هدية من امللك عبد العزيز،‏ وبناه<br />

عمال من اليمن،‏ وعُ‏ رف هذا املسجد باسم<br />

مسجد العدنيني.‏<br />

الشركة اأيضاً‏ اأن ‏"التوسع اأصبح حقيقة واقعة على الرغم من التحذيرات القادمة من احلقل؛ فباالإضافة اإىل<br />

االآبار اخلمس التي ‏صدرت املوافقة على حفرها يف يونيو،‏ تقرر يف يوليو اإجراء اختبار عميق على بئر الدمام<br />

رقم 7. وصدرت التعليمات اإىل ديفيس باحلصول على جميع املواد املمكنة من ‏شركة نفط البحرين ثم اإفادة<br />

‏سان فرانسيسكو مبا يحتاجه،‏ كما نقل من ميكن االستغناء عنهم من املوظفني يف البحرين واأرسل اآخرون<br />

من الواليات املتحدة لشغل الوظائف يف املكاتب واأعمال البناء وحقول الزيت".‏<br />

‏شيء ل يصدق:‏ لكن الياأس ‏سرعان ما طغى على التفاوؤل احلذر،‏ اإذ مل يتمخض الوعد املبكر للحفر يف<br />

قبة الدمام عن اإنتاج كميات كبرية من الزيت يف السنة االأوىل.‏ وبداأ اإنتاج الزيت يف االآبار التي حفرت بكل<br />

حماسة يتناقص يف بئر تلو اأخرى.‏ فحتى البئر رقم 2 التي كانت مثاراً‏ لكثري من التفاوؤل هبط اإنتاجها هبوطاً‏<br />

حاداً‏ رغم االستمرار يف تعميقها،‏ واستقر عند مستوى بضع مئات من الرباميل يف اليوم.‏ واستمر حفر البئر<br />

رقم 4 اإىل عمق 710 اأمتار،‏ لكنها مل تنتج قطرة زيت واحدة،‏ وكانت بذلك اأول بئر جافة،‏ حتولت اإىل بئر<br />

اختبار عميقة.‏<br />

ومع الفشل يف اإنتاج الزيت بكميات جتارية من قبة الدمام بحلول خريف عام ‎1936‎م،‏ واجهت ‏سوكال<br />

مشكالت من نوع اآخر يف عملياتها يف البحرين؛ فقد كانت الطاقة االإنتاجية املقررة الآبار بابكو هي 30000<br />

برميل يف اليوم،‏ واأنساأت الشركة مصفاة ‏صغرية يف البحرين طاقتها 10000 برميل يف اليوم،‏ واأقيمت<br />

منساآت للشحن مع خطوط اأنابيب حتت مياه البحر اإىل نقاط الرسو يف املياه العميقة.‏ لكن مل تكن لبابكو<br />

املتفرعة من ‏سوكال طاقة تسويق لبيع الزيت ‏"شرق قناة السويس"‏ اأو يف اأوروبا،‏ كما اأن بناء املنساآت للوصول<br />

اإىل هذه الطاقة يشّ‏ كل حتدياً‏ باهظ التكاليف ويستغرق وقتًا طويالً.‏<br />

يف تلك االأثناء،‏ كانت ‏شركة نفط تكساس،‏ ومقرها يف مدينة نيويورك،‏ تواجه مشكلة معاكسة.‏ ‏صحيح<br />

اأن لديها التجهيزات االأساسية للتسويق بشكل مباشر اأو من خالل وكالئها يف اأوروبا،‏ واإفريقيا،‏ واأسرتاليا،‏<br />

والشرق االأقصى،‏ والصني،‏ لكن هذا يحتم عليها ‏شحن الزيت من الواليات املتحدة الذي ياأتي معظمه من<br />

والية تكساس،‏ اإذ مل يكن لدى الشركة اأي اإنتاج يف نصف الكرة االأرضية الشرقي.‏<br />

وتوافقت العمليتان بصورة طبيعية،‏ حيث اأدت ‏سلسلة من ‏صفقات حتويل االأسهم واالأصول يف يوليو<br />

‎1936‎م اإىل نقل عمليات التسويق الشرقية يف ‏شركة نفط تكساس اإىل ‏شركة ذات ملكية مشرتكة تابعة


قراءة الصخور 79<br />

لشركة بابكو اأنشئت حديثاً‏ اأطلق عليها اسم ‏شركة نفط كاليفورنيا تكساس املحدودة California Texas Oil<br />

،Company, Ltd اأو كالتكس .Caltex ويف ديسمرب ‎1936‎م،‏ تقاربت ‏شركتا ‏سوكال وتكساس اأكرث حني اشرتت<br />

تكساس نصف حصة ‏سوكال يف كاسوك مببلغ ثالثة ماليني دوالر نقداً‏ وثمانية عشر مليون دوالر تُدفع من<br />

حصة تكساس من مبيعات الزيت املستقبلية.‏<br />

‏شركة نفط العراق حتصل على موضع قدم:‏ يف منتصف عام ‎1936‎م،‏ حني كانت ‏سوكال تركز على<br />

البحرين وصفقاتها مع ‏شركة نفط تكساس،‏ كانت احلكومة السعودية تضع اللمسات النهائية على الشروط<br />

اخلاصة مبنح امتياز ثان للتنقيب عن الزيت على اجلانب االآخر من اململكة العربية السعودية.‏ وقد غطى<br />

هذا االمتياز ‏شريحة عرضها مائة كيلومرت على امتداد ‏ساحل البحر االأحمر من احلدود الشمالية مع االأردن<br />

جنوباً‏ اإىل حدود اليمن مبا يف ذلك جزر فرسان يف البحر االأحمر قرب مدينة جازان الساحلية.‏ ففي عام<br />

‎1912‎م،‏ حني كانت منطقة جازان خاضعة حلكم االأسرة االإدريسية جنحت ‏شركة نفط ‏شل Shell Oil يف<br />

احلصول على امتياز للتنقيب عن الزيت يف جزر فرسان وما حولها،‏ حيث كان البحارة يعرفون بوجود رشح<br />

للزيت منذ قرون.‏ وبعد احلفر يف عدة مواقع،‏ مل تستطع ‏شل العثور على الزيت فتخلت عن املشروع.‏<br />

ويف 9 يوليو ‎1936‎م،‏ وقَّعت ‏شركة امتيازات النفط املحدودة . Ltd .Petroleum Concessions التابعة<br />

لشركة نفط العراق،‏ اتفاقية مع احلكومة السعودية منحت مبقتضاها احلق يف التنقيب يف منطقة االمتياز<br />

يف اجلزء الغربي.‏ ووافقت الشركة على دفع 30,000 جنيه اإسرتليني ملرة واحدة مع رسم اإيجار ‏سنوي قدره<br />

7,500 جنيه اإسرتليني لفرتة تنقيب مبدئية مدتها ‏سنوات اأربع.‏ اأما رسوم االإيجار واملبالغ التي تدفع مقدماً‏<br />

على العائدات فتسدد خالل برنامج احلفر الالحق ومدته ‏سنوات عشر.‏ اأما الذي وقَّع اتفاقية االمتياز يف<br />

اجلزء الغربي فلم يكن ‏سوى ‏ستيفن لوجنريج الذي كان قد غادر جدة قبل ‏سنوات ثالث حانقاً‏ على مديريه<br />

الذين اأضاعوا بسبب ‏شدة بخلهم فرصة احلصول على امتياز االأحساء.‏ ‏)كانت ‏سوكال قد اأرسلت نومالند<br />

حُ‏ فرٌ‏ عملقة على امتداد منحدر طويق<br />

وأجراف جريية ‏أخرى بالقرب من الرياض<br />

تكشف عن مليني السنني من الصخور<br />

الرسوبية.‏ طبقة ‏الأنهيدرايت الظاهرة بوضوح<br />

هنا يف دحل هيت رمبا قادت اجليولوجي ماكس<br />

‏ستاينكي ‏إىل الظن بوجود الصخور نفسها حتت<br />

‏سطح معظم املنطقة الشرقية.‏ وإذا كان ‏الأمر<br />

كذلك،‏ فإن ‏صخور ‏الأنهيدرايت عدمية املسامية<br />

‏ستعمل كحاجز ‏أو غطاء ملكامن البرتول.‏<br />

لتقصي اإمكان هذا االمتياز لكن االأدلة املتوافرة اأضعفت االأمل بالعثور على الزيت،‏ وراأى نومالند اأن الشروط<br />

السعودية مرهقة،‏ ولذلك اأحجمت الشركة عن تقدمي عرضها(.‏<br />

واإذا كانت ‏شركة نفط العراق قد ‏شعرت باأنها حققت اإجنازاً‏ بحصولها على موطئ قدم يف ‏شبة<br />

اجلزيرة،‏ فاإن ‏شعورها ذاك مل يدم طويالً.‏ فبعد اأن بداأت االأعمال اجليولوجية يف نوفمرب ‎1936‎م،‏ قررت<br />

بحلول نهاية ‏صيف عام ‎1937‎م اأن اجلزء االأكرب من امتيازها يفتقر اإىل الدالئل الواعدة الإنتاج الزيت،‏<br />

واقتصرت اأعمالها على حفر عدد من االآبار يف جزر فرسان حتى عام ‎1939‎م حني توقفت عن العمل متاماً‏<br />

لعدم حتقيقها اأية نتائج.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

80<br />

الأيام السود:‏ يف اأواخر الصيف واأوائل اخلريف من عام ‎1936‎م،‏ توجس جيولوجيو كاسوك خشية وقوع<br />

مشكالت وشيكة.‏ فالطبقات الصخرية حتت قبة الدمام وعند العمق الذي عرث فيه على الزيت يف البحرين مل<br />

تنتج ما هو متوقع.‏ وسرت ‏شائعات مفادها اأن الشك بداأ يساور مسوؤويل الشركة يف ‏سان فرانسيسكو،‏ واأنهم<br />

يسعون اإىل خفض النفقات حيثما وجدوا اإىل ذلك ‏سبيالً.‏ وقد وصف ديفيس تلك الفرتة ‏"باالأيام السود"‏ اإذ<br />

كان هناك الكثري من املخاوف من فشل املغامرة يف اململكة العربية السعودية.‏<br />

ما رقمك ؟<br />

لكل موظف من موظفي اأرامكو السعودية اليوم بطاقة هوية حتمل رقمه،‏ لكن احلال مل تكن هكذا على<br />

الدوام.‏<br />

عمال مغسلة ملبس يف البحرين يغسلون<br />

امللبس قرب جدول ينساب من ‏إحدى<br />

العيون يف ‏الأربعينيات من القرن املاضي.‏<br />

وقد تبنت ‏أرامكو نظام ترقيم امللبس<br />

املستخدم يف املغسلة كأساس الإصدار ‏أرقام<br />

‏شارات موظفيها.‏ وتظهر يف ‏الأسفل ‏شارتا<br />

فرانك ترايسي ويوسف الكوهجي من فرتة<br />

‏الأربعينيات من القرن املاضي.‏<br />

كانت عمليات كاسوك االأصلية ‏صغرية تسمح باستخدام االسم االأخري للموظف يف جميع السجالت.‏<br />

ومل يكن ثمة التباس اإال عند غسل املالبس اأسبوعياً‏ يف مغسلة هندية يف البحرين،‏ حيث كانت املالبس<br />

تختلط بعضها بالبعض االآخر،‏ وكثرياً‏ ما كان املوظفون يتسلمون مالبس غريهم.‏ وتفاقمت املشكلة بسبب<br />

زيادة عدد العمال اجلدد.‏ ولعالج هذه املشكلة بداأت الشركة يف عام ‎1938‎م يف تخصيص املوظفني باأرقام<br />

تستخدم كبطاقات تعريف على مالبسهم.‏ واأعطيت هذه االأرقام عموماً‏ بحسب تاريخ بدء العمل لدى<br />

الشركة.‏ اأما االأرقام التي ينتهي استخدامها فتعطى للموظفني اجلدد عند وصولهم.‏<br />

حقق نظام االأرقام جناحاً‏ كبرياً‏ يف املغسلة حتى اإنه استخدم فيما بعد الأغراض اأخرى.‏ فاأصحاب<br />

املحالت يف البحرين،‏ مثالً،‏ بدوؤوا يف قبول فواتري عليها اأرقام املغسلة املخصصة للموظفني مما وفر<br />

على املوظفني حمل اأكياس النقود املعدنية.‏ وكان تشارلز رودسرتوم ،Charles Rodstrom وكيل كاسوك<br />

يف البحرين،‏ يسدد قيمة الفواتري للتجار ثم يرسلها اإىل الظهران لتحسم من ‏"املخصصات امليدانية"‏<br />

للموظفني.‏ ويف عام ‎1944‎م،‏ بداأت الشركة يف استخدام اأرقام املغسلة يف جميع االأنشطة املتصلة بسوؤون<br />

املوظفني.‏ وخص فلويد اأندرسون املسوؤول عن املغسلة يف ذلك الوقت،‏ نفسه بالرقم 1، لكن اأرقام البطاقات<br />

الصغرية كانت خمصصة بصورة عامة لقدماء املوظفني؛ فعلى ‏سبيل املثال،‏ كان عبد العزيز الشلفان،‏<br />

اأقدم موظفي اأرامكو السعوديني الذي توفاه اهلل عام ‎1983‎م،‏ يحمل الرقم 4. وعلى مدى العقود الستة<br />

املاضية طالت اأرقام اإثبات الشخصية،‏ واأضحت البطاقات اأكرث تعقيداً،‏ فهي االآن معززة بخطوط اإلكرتونية<br />

ورسوم طيفية الإثبات ‏صحتها،‏ لكنها تظل الوسيلة االأساس للتعريف االإداري.‏


قراءة الصخور 81<br />

ويف الوقت الذي بداأ فيه بعض اجليولوجيني يف مراجعة مواقفهم وتصحيحها،‏ ظل ‏ستاينكي ثابتاً‏ على<br />

موقفه.‏ ومل يكتف ‏ستاينكي بتفادي االنشغال مبشكالت احلفر يف عام ‎1936‎م وحسب،‏ بل كان يستثمر<br />

ما وصفه ديفيس ‏"بقدرته النادرة ‏"على ربط اأجزاء املعلومات الغامضة واملعزولة التي يغفل عنها كلياً‏<br />

معظم الناس،‏ بل حتى معظم اجليولوجيني."‏ وكان ‏ستاينكي،‏ الذي عُ‏ نينّ‏ كبرياً‏ للجيولوجيني يف عام ‎1936‎م،‏<br />

يتعرف اإىل ما وصفه ديفيس ‏"بالشاهد البارز على قدرات ماكس ‏ستاينكي االستثنائية التي اأثبتها يف اململكة<br />

العربية السعودية".‏<br />

ويتذكر ديفيس معاناته يف يوم ‏شديد القيظ يف اأواخر عام ‎1936‎م،‏ فيقول:‏<br />

جاءين ماكس ‏ستاينكي وقال يل:‏ ‏"فرد!‏ اأريد اأن اآخذك الأريك حقل الزيت الثاين يف اململكة العربية<br />

السعودية"،‏ وكانت فكرة جيدة بالنسبة يل فالدمام هي كل ما لدينا.‏ وهكذا توجهنا بالسيارة نحو اجلنوب<br />

الغربي حيث بقيق االآن.‏ وخرج ماكس من السيارة مثل كلب الصيد ومشى بني الكثبان الرملية التي بدت<br />

يل متماثلة متاماً.‏ وانتهى بنا املطاف اإىل ‏"منخفض"‏ ‏صغري بني التالل الرملية تعلوه نتوءات من ‏صخور<br />

جريية بارزة من العصر االأيوسيني.‏ وانحنى ماكس وطرق على ‏صخرة ثم رفعها عالياً‏ وقال مفتخراً:‏ ‏"هل<br />

ترى هذه يا فرد؟ اإنها ‏صخور جريية من العصر االأيوسيني...".‏ ثم اأشار اإىل مسافة خمسة اأميال ‏)ثمانية<br />

كيلومرتات(‏ - واأنا الذي ال اأستطيع الروؤية ملسافة ربع ميل )400 مرت(‏ - وقال:‏ ‏"هذا جبل دام"،‏ ثم اأشار<br />

اإىل موقع اآخر على بعد عشرة اأميال وقال:‏ ‏"هذا جبل غرميل"،‏ ثم اأضاف:‏ ‏"ال بد من اأن يكون الزيت حتت<br />

االأرض يف هذين املكانني،‏ فلدينا اإذاً‏ تشكيل ‏صخري هناك وال بد لنا من اأن نحفر فيه."‏ نظرت اإليه يف<br />

دهشة،‏ وما كنت الأجروؤ على معارضته،‏ وقلت له:‏ ‏"بالطبع قد تكون مصيباً‏ لكنني ال اأستطيع حتى مشاهدة<br />

ما تشري اإليه."‏ لكن حماسته كانت بال حدود،‏ وملا حفرنا بعد فرتة قصرية يف ذلك املوقع متاماً‏ عرثنا على<br />

حقل بقيق الضخم.‏<br />

استطاع ‏ستاينكي بفضل مالحظات فريقه اأن يستنتج قدراً‏ كبرياً‏ من املعلومات من املوؤشرات<br />

السطحية،‏ مبا يف ذلك املوقع املحتمل حلقل بقيق الذي اأكدته اأعمال احلفر االستكشافية بعد بضع ‏سنوات.‏<br />

ومع ذلك مل يستطع اجليولوجيون اأن يفهموا بشكل كامل طبقات الصخور الرسوبية حتت منطقة االمتياز<br />

الضخمة.‏ وللمساعدة يف ‏سد هذه الفجوات املعرفية،‏ بداأ هرني وفريقه يف نوفمرب ‎1936‎م برناجماً‏ للحفر<br />

ملعرفة تشكيالت الصخور بفضل ابتكار طونّره ماكس ‏ستاينكي ملواجهة التحديات الناشئة عن اتساع منطقة<br />

االمتياز السعودية.‏ ويعتمد ابتكار ‏ستاينكي على حفر عدد من االآبار قليلة العمق نسبياً‏ اإذ يرتاوح عمقها بني<br />

األف واألفي قدم للحصول على عينات من الصخور ‏)مت فيما بعد حتويل العديد من هذه االآبار اإىل اآبار مياه<br />

ليستفيد منها البدو(،‏ من مناطق يبعد بعضها عن بعض مئات الكيلومرتات ومقارنتها لفحص استمرارية<br />

طبقة معينة من الصخور اجلريية عند عمق حمدد.‏ لكن الشروع يف مقارنة النتائج والتوصل اإىل استنتاجات<br />

معينة بخصوصها استغرق ‏شهوراً‏ عدة.‏<br />

دحل هيت:‏ يف اأواخر مارس واأوائل اأبريل عام ‎1937‎م،‏ وبرنامج احلفر ملعرفة التشكيالت الصخرية<br />

يجري على قدم وساق،‏ قام ‏ستاينكي و فلويد ميكر ،Floyd Meeker كبري امليكانيكيني،‏ مبا ‏سمنّ‏ اه العديد<br />

من جيولوجيي ‏سوكال الحقاً‏ بالرحلة التاريخية.‏ ورافق االثنان جمموعة اأكرب،‏ بينهم هاملتون من معسكر<br />

الظهران،‏ اإىل الرياض ومنها اإىل جدة،‏ حيث اأبحر هاملتون اإىل مكتب ‏سوكال يف لندن.‏<br />

غري اأن رحلة عودة فلويد ميكر وماكس ‏ستاينكي اأسهمت كثرياً‏ يف زيادة فهم الفريق جليولوجيا<br />

اململكة.‏ فاملنطقة التي عربوها ‏شرق الرياض هي احلد الفاصل بني الصخور القاعدية القدمية للدرع العربي<br />

والطبقات الرسوبية للرف العربي.‏ ويف اأماكن كثرية من التداخل هذا،‏ تكشف التالل الركامية الضخمة<br />

‏)واأبرزها تالل طويق(‏ واالآبار العميقة اأو املنخفضات املنهارة عن طبقات رسوبية عمرها ماليني السنني.‏<br />

لكن ما الحظه ‏ستاينكي يف هذه الرحلة،‏ واالستنتاجات التي توصل اإليها تبقى حمض حدس وتخمني.‏<br />

فاملالحظات البسيطة التي خطها ال ترقى اإىل مرتبة الدليل القاطع . وقام اأحد جيولوجيي اأرامكو السعودية<br />

السابقني،‏ واسمه توماس كيث ،Thomas Keith فيما بعد بقراءة مذكرات ‏ستاينكي امليدانية بغرض كتابة<br />

تاريخ جيولوجيي الشركة،‏ واألقى بعض الضوء حول رحلة العودة قائالً:‏ متهل ‏ستاينكي يف العودة واستثمر<br />

الفرصة لدراسة جيولوجيا املنطقة،‏ وخاصة النتوءات الصخرية حول الرياض حيث كانت طبقات الصخور


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

82<br />

اجلريية من العصر اجلوراسي العربي مكشوفة،‏ كما زار ‏"دحل هيت"‏ والتقط ‏صوراً‏ لتلك احلفرة االنهدامية<br />

التي تكشف التالمس بني طبقات الصخور اجلريية العربية العليا وطبقات الصخور الالمائية الضخمة<br />

فوقها.‏ ويعتقد اأن استماتته يف الدفاع عن االستمرار يف حفر بئر الدمام رقم 7 اإىل اأعماق اأبعد للوصول اإىل<br />

الطبقات الصخرية احلاملة للزيت،‏ والتي عرفت فيما بعد باسم " املنطقة العربية اجليولوجية"‏ كانت قائمة<br />

على معرفته باأن ‏صخور هيت الالمائية هي السدادة املحتملة للمكمن التي حتتجز الزيت يف الصخور التي<br />

حتمله يف اأعماق العديد من املواقع مبا يف ذلك قبة الدمام".‏<br />

استثمار الأموال كلها يف البئر الرقم 7: وبحلول يوليو ‎1937‎م مل يكن احلفر قد جتاوز عمق منطقة البحرين،‏ اأي<br />

حوايل 730 مرتاً‏ فقط.‏ ويف اأواخر اأكتوبر،‏ اأي بعد خمسة اأشهر،‏ مل يكن العمق قد جتاوز كيلومرتاً‏ واحداً‏ فقط ومازال<br />

بعيداً‏ عن املنطقة املستهدفة.‏ واستناداً‏ اإىل االأدلة التي جمعها اجليولوجيون،‏ اتفق ‏ستاينكي و ‏سكيرن Skinner ‏)الذي كان<br />

قد رجع اإىل ‏سان فرانسيسكو(‏ و ديفيس ‏)الذي حل حمل ‏سكيرن مديراً‏ عاماً‏ يف الظهران(‏ على العمق الذي يتعنينّ‏ عليهم<br />

استهدافه.‏ واأرسل ‏سكيرن برقية اإىل اأوليقر يف الظهران بتاريخ 10 نوفمرب ‎1937‎م،‏ ياأمره فيها بوقف اأعمال احلفر يف<br />

جميع االآبار االأخرى الأنهم يفضلون انتظار املزيد من النتائج من البئر رقم 7.<br />

كان القرار بالرتيث يعني يف الواقع تكريس اأموال ‏سوكال كلها ملعرفة النتائج من بئر واحدة.‏ و يف فرباير<br />

‎1937‎م نُقل لسرت هيليارد ،Lester Hilyard وهو اأحد مالحظي اأعمال احلفر السابقني،‏ من البحرين اإىل<br />

اململكة العربية السعودية خصيصاً‏ للعمل يف هذا املشروع.‏ وكثرياً‏ ما كانت اأعمال احلفر تتوقف ريثما تصل<br />

قطع الغيار اأو يتم اإصالح روؤوس احلفر يف ورشة البحرين.‏ ويقول هيليارد وهو يتذكر بوضوح االإحساس<br />

من على منصة ترتفع ‏ستة ‏أمتار تقريباً‏ عن<br />

قاعدة احلفر،‏ يقوم مالحظ ‏أعمال احلفر<br />

املتمرس لس هليارد،‏ ‏إىل اليسار،‏ وعامالن<br />

‏آخران من فريق احلفر بتجهيز مثقب حفر<br />

مزود بكابل حلزوين.‏ وكان جناح ‏شركة الزيت<br />

العربية مرهوناً‏ باأيدي الفرق العاملة على<br />

حفر البئر رقم 7 التي كانت مشروع احلفر<br />

القائم الوحيد يف ‏أواخر العام ‎1937‎م.‏


قراءة الصخور 83<br />

احلياة العائلية يف الظهران<br />

يف خضم العمل يف اختبار احلفر العميق للبئر رقم 7، حدث ما اعترب تشتيتاً‏ لطيفاً‏ للعاملني خالل<br />

االأشهر الصعبة من عام ‎1937‎م،‏ وهو وصول عائالت املوظفني االأجانب اإىل احلي السكني الذي اأطلق عليه<br />

اسم الظهران،‏ وهو اسم جبل يف قبة الدمام.‏ ففي اأول ‏صيف يقضيه اجليولوجيون يف لبنان،‏ كان كروج<br />

هرني قد تعرف بشابة من اأصل مصري وفرنسي اسمها اأنيت رابيل Annette Rabil وتزوجها.‏ ويف اأبريل<br />

‎1937‎م،‏ ومع توفر املساكن املناسبة،‏ كانت السيدة هرني ‏)مع ابنتهما ميتزي )Mitzi و نيلي كاربنرت Nellie<br />

Carpenter اأول ‏سيدتني من اأفراد العائالت يلتحقن باأزواجهن يف القرية اجلديدة يف الصحراء لالإقامة<br />

معهم يف اثنني من االأكواخ الستة التي مت تسليمها قبل ذلك التاريخ بعام،‏ كاملة مع التكييف.‏ كما مت اأيضاً‏<br />

تسليم العديد من مساكن العزاب مكيفة الهواء.‏ ويف ‏سبتمرب،‏ وبعد انقضاء ‏شهور الصيف العربية القائظة،‏<br />

وصلت اإىل حي السكن يف الظهران اإدنا براون و اإيرما ويذرسبون Erma Witherspoon وابنتها مارلني<br />

االحتفاء باأول القادمني من زوجات وأبناء<br />

موظفي الشركة ‏الأجانب ‏إىل املنطقة<br />

الشرقية يف العام ‎1937‎م.‏ ‏الأطفال يف الصف<br />

‏الأول ‏)من اليسار ‏إىل اليمني(‏ هم متزي<br />

هرني وماريان ‏ستاينكي وماكسني ‏ستاينكي.‏<br />

ويف الصف اخللفي تقف مارلني ويذرسبون<br />

‏)الثانية من اليسار(.‏ فيما تقف فلورنس<br />

‏ستاينكي مباشرة خلف ابنتها ماكسني.‏<br />

.Marian و ماريان Maxine وفلورنس ‏ستاينكي وابنتاها ماكسني Patsy Jones و باتسي جونز Marilyn<br />

وجذبت النساء واالأطفال انتباه العمال يف فرق التنقيب كما يجذب املغناطيس برادة احلديد،‏ فكانوا<br />

يقومون بتسليم الهدايا اإىل اأبوابهن،‏ كما انهمر ‏سيل احليوانات املنزلية االأليفة على االأطفال.‏ كان الرجال<br />

مبظهرهم اخلشن يقدمون ‏صغار احليوانات الوديعة اإىل االأطفال،‏ مبا يف ذلك الظباء،‏ وجراء الكالب<br />

السلوقية مدركني اأنهم بذلك يدخلون الفرح والبهجة اإىل قلوب االأطفال القادمني اجلدد.‏<br />

كانت ماكسني ‏ستاينكي يف السابعة من العمر حني وصلت اإىل الظهران،‏ وقد بهرت اأنظار الرجال<br />

بصفة خاصة بسبب مهارتها يف األعاب الورق.‏ وقد دعيت اإىل االنضمام اإىل مباراة ودية مع بعض الرجال،‏<br />

ومتكنت خالل بضعة اأسابيع من السيطرة على اللعبة.‏ وتتذكر ماكسني فيما بعد كيف استمتع الرجال باإقناع<br />

اأحد الوافدين اجلدد ممن مل يكونوا على علم مبا يجري باللعب مع ماكسني.‏ وقد ظن عامل الزيت ذاك اأن<br />

عليه اأن يراأف بهذه الطفلة التي تفتحت يف ‏سن مبكرة،‏ لكنه ذهل حني هزمت جميع الالعبني تقريباً.‏<br />

كانت ماكسني واأختها الصغرى ماريان تتلقيان تعليمهما يف البيت على يد اأمهما خالل االأسبوع و ترتقبان<br />

بلهفة اأيام اجلمعة وهي عطلة والدهما.‏ وكثرياً‏ ما كانتا تذهبان للسباحة يف مياه اخلليج الضحلة،‏ غري عابئتني<br />

باأسماك القرش القريبة.‏ ويف اأوقات اأخرى كانتا تقلدان والدهما املتخصص يف اجليولوجيا،‏ وتبحثان عن<br />

اأسنان ‏سمك القرش على اجلبال الواقعة خلف حي السكن الصغري.‏ كان ركوب السيارة على الكثبان الرملية من<br />

االأنشطة االأخرى املفضلة لديهما،‏ حيث كان ماكس يقود السيارة ببطء على ‏سفوح الطعوس الرملية ثم ينحدر<br />

بسرعة من قمة التل ، والطفلتان تصرخان من ‏شدة الفرح والسيارة مندفعة اإىل السفح.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

84<br />

بالضيق يف املعسكر على مر الشهور يف خضم االإشاعات املتنامية باأن مصري املشروع باأكمله يتوقف على<br />

جناح البئر رقم 7: ‏"طوال عام ‎1937‎م واصلت الشركة بناء عدد حمدود من املباين التي كانت قيد<br />

االإنشاء،‏ رمبا لتثبت للملك اأنها مل تياأس اأو تستسلم بعد،‏ على الرغم من اأن بداية عملية احلفر كل يوم<br />

كانت اأكرث اإحباطاً‏ من ‏سابقه.‏ وسرت اإشاعة لفرتة من الزمن مفادها اأن ملك اململكة العربية السعودية<br />

مل يكن هو الوحيد الذي بداأ يضجر من هذا الوضع،‏ الأن الضجر نال من بعض اإداريي ‏سوكال يف ‏سان<br />

فرانسيسكو اأيضاً".‏<br />

عالقة مذهلة:‏ يف 14 ديسمرب ‎1937‎م،‏ ومع انصراف االنتباه اإىل زيارة ويل العهد وملك املستقبل ‏سعود<br />

ابن عبد العزيز اإىل املنطقة،‏ مل يلحظ كثري من الناس وصول جيولوجي ‏شاب اآخر يضع نظارات على عينيه<br />

ويقيم يف احلي اسمه توم بارقر .Tom Barger وبارقر هذا الذي ترقَّى عرب رتب الشركة حتى اأصبح اأكرث<br />

اجليولوجيون توم بارقر ووالت هوج وماكس<br />

‏ستاينكي وجريي هاريس ‏)من اليسار ‏إىل<br />

اليمني(‏ خالل العمل بالقرب من ‏سلوى يف<br />

العام ‎1937‎م.‏ وقد اسرتعى بارقر،‏ الذي ‏أصبح<br />

رئيس ‏شركة الزيت العربية ‏الأمريكية وكبري<br />

‏إدارييها التنفيذيني،‏ انتباه كبري اجليولوجيني<br />

ماكس ‏ستاينكي.‏<br />

كبار املديرين التنفيذيني يف تاريخ اأرامكو نفوذاً‏ وتاأثرياً،‏ كان قد تزوج ‏سراً‏ قبل اأقل من ‏شهر يف والية نورث<br />

داكوتا وترك زوجته الشابة كاثلني Kathleen للعيش مع والديها ليلتحق باأعمال التنقيب يف ‏شركة كاسوك يف اململكة.‏<br />

وسرعان ما اأدرك بارقر اأن احلظ كان حليفه بالعمل مع جيولوجي ثاقب البصرية وحاضر البديهة مثل<br />

‏ستاينكي،‏ ودليل موهوب مثل خميس بن رمثان.‏ اأمضى بارقر وستاينكي وابن رمثان اأسابيع عديدة على مدى<br />

السنوات القليلة التالية يف العمل جنباً‏ اإىل جنب يف اأثناء النهار وهم يعدون خرائط االرتفاعات و يبحثون<br />

عن النتوءات اجليولوجية وغريها من العالمات.اأما يف املساء فكانوا يتحلقون حول نار املعسكر ويتبادلون<br />

الروايات حول اجلن،‏ ورعاة البقر،‏ والهنود احلمر.‏ وقد اأدرك بارقر تشابه طبيعة رفيقيه،‏ وكشف عن مهارته


قراءة الصخور 85<br />

الصادقة يف االإقرار بقدرات االآخرين بغض النظر عن خلفياتهم،‏ وهي خاصية استفاد منها كثرياً‏ طوال<br />

تاريخه الوظيفي احلافل يف الشركة،‏ حيث قال:‏<br />

يدهشني اأنني خالل ‏شهر واحد تعرفت اإىل اثنني من اأحسن الرجال الذين ‏صادفتهم يف حياتي على<br />

االإطالق،‏ وهما ماكس ‏ستاينكي وخميس بن رمثان،‏ واأصبحت ‏صديقاً‏ خملصاً‏ لهما،‏ فبالرغم من اأنهما<br />

مولودين على طرفني متباعدين من االأرض،‏ وعلى الرغم من ‏شدة التباين يف مظهرهما اخلارجي فاالأول<br />

‏ضخم ، كثري الصخب،‏ واالآخر ممشوق القوام ، متوسط البنية،‏ وال يحب الظهور،‏ اإال اأنهما يشرتكان يف الطباع<br />

نفسها،‏ ويتميزان بالنشاط املفرط والذكاء احلاد.‏ واإذا تعرضا لقسوة الطبيعة،‏ والرياح الالذعة،‏ والطعام<br />

الرديء،‏ واملياه العكرة مل يتحدثا عن ذلك اإطالقًا،‏ اإال اإذا كانت مناسبة لسرد قصة طريفة اأو نكتة مضحكة.‏<br />

وخميس ال ميكن اأن يتوه يف الصحراء اأبداً،‏ فباالإضافة اإىل حاسته السادسة التي هي مبثابة بوصلة<br />

داخلية ال تخطئ،‏ فاإنه يتمتع بذاكرة غري عادية متكنّ‏ نه من تذكر ‏شجرية مر بها عندما كان ‏شاباً،‏ اأو طريق<br />

اإىل بئر اأخربه بها اأحدهم قبل ‏سنوات عشر.‏<br />

ويف الصحراء وسط طبقات الصخور والرواسب حيث يعمل اجليولوجي،‏ فاإن ماكس ال يختلف كثرياً‏<br />

عن خميس بن رمثان،‏ فهو قادر على ربط نتوء ‏صخري يعرث عليه على الشاطئ بفقرة من تقرير جيولوجي<br />

‏ضخم كان قد قراأه قبل ‏سنوات.‏ ويبدو اأن االثنني من الناحيتني املجازية واحلرفية كانا يدركان دائماً‏ اأين<br />

هما االآن واإىل اأين هما ذاهبان بعد ذلك.‏<br />

اأقام اجليولوجيان ، توم بارقر وماكس ‏ستاينكي،‏ وابن رمثان خالل ‏سنوات االمتياز االأوىل عالقة كانت<br />

اأقرب اإىل االستثناء منها اإىل القاعدة.‏ فقد حصل ابن رمثان على وظيفته ملهاراته التخصصية على وجه<br />

التحديد،‏ وعمل مع رجال يتمتعون مبستوى رفيع من التدريب والعلم ويثمنون قدراته وشخصيته الفريدة من<br />

نوعها.‏ وملا كان معظم السعوديني الذين مت توظيفهم اآنذاك عماالً‏ غري مهرة يقومون باأعمال البناء والنقل<br />

واحلفر فقد كان من الضروري تعليمهم تقريباً‏ كل ما يحتاجون اإىل معرفته وهم يف موقع العمل.‏ ‏صحيح اأن<br />

حتديد املواقع العاملية<br />

وجد اجليولوجيون االأمريكيون الذين وصلوا اإىل اململكة يف ثالثينيات القرن العشرين ‏صعوبة ‏شديدة<br />

يف تتبع مواقعهم،‏ فحساب خطوط العرض كان يتم من خالل قياس موقع الشمس باالإسطرالب واأدوات<br />

اأخرى،‏ اأما خطوط الطول فكانت حتدد باأخذ التوقيت الدقيق من االإشارات الالسلكية.‏ وباالإضافة اإىل<br />

ذلك،‏ كانوا يعايرون عدادات السيارة لكي تساعدهم يف تخطيط مسارهم بالكيلومرتات عرب اأرض يباب<br />

تغطيها الرمال،‏ واحلجارة،‏ والسبخات امللحية.‏ اأما خميس بن رمثان وغريه من البدو الذين عملوا مع رجال<br />

الزيت فلم يكونوا بحاجة لهذه االأدوات.‏ فالعالمات الصحراوية كانت بالنسبة اإليهم واضحة يف جميع<br />

االجتاهات،‏ وقراءتها ‏سهلة مثل قراءة خرائط الطرق التي توزع يف حمطات البنزين يف الواليات املتحدة.‏<br />

اأما يف الليل،‏ فكان البدو يتبعون العالمات املضيئة التي توفرها لهم النجوم والكواكب جماناً.‏<br />

اأصبح ابن رمثان بفضل طبيعته املنفتحة ومهاراته غري العادية يف قص االأثر اأقرب العمال البدو اإىل<br />

جيولوجيي كاسوك يف ‏سنوات التنقيب االأوىل من االمتياز.‏ وينتمي ابن رمثان،‏ اإىل قبيلة العجمان التي<br />

متردت على امللك عبد العزيز اإبان توحيد اململكة،‏ وكان قد هاجر مع الكثريين من اأبناء قبيلته من االأحساء<br />

اإىل جنوب العراق يف اأوائل العشرينيات بحثاً‏ عن مراعٍ‏ اآمنة.‏ وقد طلب اأمري منطقة االأحساء،‏ وهو ابن عم<br />

امللك،‏ من ابن رمثان العودة اإىل ديرته ملساعدة اجليولوجيني يف تنقالتهم عرب جماهل الصحراء،‏ وهذا<br />

دليل واضح على االأهمية التي اأوالها امللك عبد العزيز لنجاح جهود التنقيب واإقراره بقدرات ابن رمثان<br />

املعروفة يف قص االأثر.‏ وسرعان ما نساأت االألفة بينه وبني بارقر وماكس ‏ستاينكي،‏ وكم كان ابن رمثان<br />

يدهشهم باأساليبه يف االهتداء اإىل الطريق واحلياة يف الصحراء.‏ وقد ظل يعمل يف اأرامكو حتى وافته<br />

املنية عام 1959 بعد ‏صراع مع السرطان.‏ لكن ذكراه مل تنته مبوته،‏ اإذ اأطلقت الشركة اسمه على حقل<br />

‏)الرمثان(‏ عرفاناً‏ بجميله بعد اكتشافه على مسافة 95 كيلومرتاً‏ ‏شرقي القيصومة عام ‎1974‎م.‏<br />

‏صورة تضم الدليل البدوي ‏الأسطوري<br />

خميس بن رمثان،‏ ‏إىل اليمني،‏ والدليل<br />

حممد على الكثريي،‏ يف ‏أبريل ‎1935‎م،‏<br />

اللذين قاما بدور حيوي يف مساعدة<br />

اجليولوجيني ‏الأوائل على اجتياز الصحارى<br />

ومعرفة تقاليد البالد.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

86<br />

وصل فيليب مكونيل ‏إىل اململكة العربية<br />

السعودية يف العام ‎1938‎م وعمل كبرياً‏<br />

ملهندسي البرتول يف ‏شركة كاسوك خالل<br />

‏سنوات احلرب.‏ وقد كتب الحقاً‏ كتاباً‏<br />

بعنوان ‏"مائة رجل"‏ استوحاه من جتاربه<br />

‏أثناء احلرب.‏<br />

بطاقة بريدية من الظهران<br />

كانت الرسائل التي يبعثها اجليولوجيون واملهندسون يف اململكة العربية السعودية اإىل عوائلهم واأصدقائهم<br />

خالل الثالثينيات واالأربعينيات من القرن املاضي قد قدمت ملحات رائعة عن احلياة يف داخل املخيم النفطي<br />

ويف الصحارى الواسعة غري املاأهولة للصحراء العربية.‏ نستور جون ‏ساندر Nestor John Sander عامل<br />

متحجرات ‏شاب كان قد عمل لدى ‏سوكال يف اأوائل عام ‎1938‎م وكان واحداً‏ من مئات الذين مت تعيينهم من<br />

قبل كاسوك عقب جناح حفر البئر رقم 7 يف الدمام.‏<br />

عمل ‏ساندر لبضعة اأشهر يف كاليفورنيا لدى ‏سوكال قبل اأن يُرسَ‏ ل اإىل اململكة العربية السعودية يف نوفمرب<br />

من ذلك العام.‏ وانهمك مع اثنني من اجليولوجيني يف رحلة طويلة اأشبه بامللحمة استمرت ‏شهراً‏ كامالً،‏ وهي<br />

مغامرة ‏شبيهة برحالت اجليل التايل من العاملني يف جمال الزيت الذين جيء بهم للعمل يف الصحراء<br />

لزيادة الفرص التي بداأت باكتشاف الزيت يف البئر رقم 7. ويروي ‏ساندر اأيامه االأوىل يف املعسكر:‏<br />

‏»كانت الظهران اآنذاك،‏ كما راأيتها،‏ جمرد ‏شارع عريض غري مرصوف،‏ على اأحد جانبيه ‏صالة للطعام<br />

ومساكن عمال احلفر املوؤلفة من طابقني مسقوفني بالقش اأما ‏صالة الطعام فكانت من طابق واحد.‏<br />

وعلى اجلانب االآخر من الشارع خمترب ‏صغري لالإحفوريات واملتحجرات يتاألف من كوخ ‏سقفه من<br />

الصفيح ويضم اأيضاً‏ مقسم الهاتف،‏ باالإضافة اإىل عدد من<br />

املباين االأخرى،‏ وعلى التل عند الطرف الشمايل للشارع بضعة<br />

خزانات،‏ اأعتقد اأن معظمها يستعمل لتخزين املياه،‏ اإذ مل يكن<br />

هناك اإنتاج يذكر يف ذلك الوقت.‏<br />

خالل الشهر اأو الشهرين اأو الثالثة االأوىل كنت اأنام يف ممر<br />

فندق احلفارين،‏ اأو ‏سمنّ‏ ه ما ‏شئت.‏ وكانت هناك جمموعة من<br />

الغرف يف الطابقني،‏ و لكل حفار غرفة خاصة به فيها مكيف هواء<br />

من النوع اجلداري فنظام التكييف املركزي مل يكن متوافراً‏ يف<br />

ذلك الوقت لكنه رُكب فيما بعد.‏ وهكذا كانت الغرف باردة عند<br />

النوم،‏ مع اأن حرارة اجلو تصبح مقبولة عموماً‏ يف يناير وفرباير<br />

ومارس.‏ اأما مشكلتي الرئيسة فكانت عمال احلفر الذين يغريون<br />

النوبة عند منتصف الليل،‏ كانت ‏ضوضاوؤهم متنعني من النوم<br />

الأن ‏سريري يف املمر.‏<br />

بعد ثالثة اأو اأربعة اأشهر ‏شعرت بفرحة غامرة حني مت اإنشاء<br />

‏سلسلة من كبائن معدنية خضر مسقوفة بسعف النخيل و مكيفة<br />

الهواء.‏ واأتذكر كيف كنت خالل االأسابيع الثالثة االأوىل غري<br />

متاأكد من رغبتي يف البقاء بسبب احلنني اإىل الوطن والشعور<br />

بالوحدة«.‏<br />

كان بات دويل،‏ وهو رسام موهوب<br />

وجيولوجي ‏شاب،‏ يزين رسائله ‏إىل ‏أهله<br />

برسومات تصور املناظر الطبيعية للجزيرة<br />

العربية وحياتها الفطرية وسكانها.‏


قراءة الصخور 87<br />

رجال الزيت االأمريكيني مل يسجلوا تاريخ هوؤالء بدقة كما فعلوا مع ابن رمثان،‏ لكن اإسهاماتهم كانت بالغة<br />

االأهمية يف جناح ‏صناعة الزيت التي ‏ساعدوا على تاأسيسها.‏<br />

وتُعد خطابات بارقر اإىل اأهله التي جمعها ابنه تيم Tim ونشرها عام ‎2000‎م حتت عنوان ‏»يف الهواء<br />

الطلق »Out in the Blue اإسهاماً‏ مميزاً‏ يف تسجيل التاريخ املبكر للشركة.‏ وحتتوي خطابات بارقر على ملحات<br />

للحياة يف معسكر ‏شركة الزيت يف اأواخر الثالثينيات واأوائل االأربعينيات من القرن العشرين،‏ وهي السنوات<br />

التي ‏شكلت نقطة انعطاف يف تطوير امتياز التنقيب عن الزيت يف اململكة.‏ لكن زمن التنقيب يف اأراض<br />

جمهولة،‏ وحتديد مواقع احلفر يف الصحراء مرتامية االأطراف كان يوشك على االنتهاء.‏<br />

العصر اجلديد:‏ يف مطلع ربيع عام ‎1938‎م،‏ اأي بعد ما يقرب من ‏سنوات خمس من اجلهد املضني،‏<br />

والبدايات املتعرثة،‏ واالآمال املحطمة،‏ التي اأعقبتها تصريحات بالنجاح،‏ اأصبح املصري النهائي لبئر الدمام<br />

رقم ‎7‎وبالطبع مصري املشروع باأكمله،‏ يف يد جملس اإدارة ‏سوكال الذي كان من املقرر اأن يجتمع يف ‏سان<br />

فرانسيسكو.‏ اأما السوؤال الذي كان يدور يف اأذهان اجلميع يف اأثناء اجتماع كبار مسوؤويل ‏سوكال ومديريها<br />

حول مصري البئر رقم 7 فكان:‏ ‏»ما هو راأي ماكس ‏ستاينكي؟«.‏<br />

كان مئات العمال االأمريكيني والسعوديني على كشوف رواتب ‏سوكال التي استثمرت ماليني الدوالرات<br />

يف اأعمال التنقيب واحلفر يف املنطقة.‏ ومع ذلك،‏ وحتى ذلك الوقت،‏ مل تكن الشركة قد اأنتجت ما يكفي من<br />

الزيت لضمان استمرار املشروع.‏ واستبد القلق بكثري من املوظفني من عدم حتقق اجلدوى التجارية.‏<br />

‏أسفل:‏<br />

نشرت نيويورك وورلد تيليجرام يف عددها<br />

الصادر يف 16 ‏أكتوبر ‎1938‎م نباأ ‏إعالن ‏سوكال<br />

اكتشافها الزيت بكميات جتارية يف اململكة<br />

العربية السعودية.‏<br />

ميني:‏<br />

حلظة انبعاث الزيت من بئر يف الظهران يف<br />

اأوائل العام ‎1938‎م.‏ وقد اأعلن اختبار اأجري<br />

للبئر رقم 7 بتاريخ 3 مارس ‎1938‎م مولد<br />

عصر جديد:‏ اململكة العربية السعودية تلحق<br />

بركب الدول املنتجة للزيت.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

88<br />

مدينة خيام نصبت موؤقتاً‏ الإقامة امللك عبدالعزيز<br />

مع حوايل 2000 ‏شخص من حاشيته،‏ يف ربيع<br />

العام ‎1939‎م،‏ يف الصحراء،‏ ‏شمال الظهران،‏<br />

بالقرب من ‏أبو حدرية حيث يقع معسكر البئر<br />

االستكشافية لشركة كاسوك.‏ وكانت تلك<br />

‏أول زيارة يقوم بها امللك ‏إىل مرافق كاسوك،‏<br />

لالحتفال بتحميل ‏أول ناقلة بالنفط السعودي.‏


قراءة الصخور 89<br />

لقد انسحبت ‏سوكال من عدد من مشروعات احلفر خارج الواليات املتحدة.‏ ورمبا قد حان الوقت االآن<br />

للكف عن اإضاعة االأموال يف الوقت الذي كان اقتصاد الواليات املتحدة مير مبرحلة ما عُ‏ رف ‏»بركود روزفلت«‏<br />

يف بداية فرتة رئاسته الثانية عام ‎1937‎م وقلة الطلب على الزيت.‏<br />

ال ‏شك يف اأن كل من يعمل يف ‏صناعة الزيت يدرك اأن التنقيب عن الزيت يف اأفضل حاالته ينطوي على<br />

خماطرة.‏ ويف تلك اللحظة بدا اأن البئر رقم 7 ‏)الوحيدة(‏ اأبعد ما تكون من اأن تصبح اأول بئر جمدية<br />

من الناحية التجارية يف اململكة.‏ لذلك،‏ فقد حفزت فكرة ما يجب فعله يف االأحساء،‏ كالرك جيسرت،‏<br />

الذي كان من كبار اجليولوجيني يف الشركة،‏ اإىل استدعاء ‏ستاينكي اإىل ‏سان فرانسيسكو للتشاور معه.‏<br />

لقد حان الوقت االآن ملسوؤويل الشركة الكبار االستماع مباشرة من ‏شخص يُعد من كبار اجليولوجيني يف<br />

اململكة العربية السعودية.‏<br />

عُ‏ رف عن ‏ستاينكي حدسه املذهل حني يتعلق االأمر بقدرته على جتميع املوؤشرات اجليولوجية املتباعدة،‏<br />

وباحلذر الشديد عند استخالص االستنتاجات من تلك املوؤشرات.‏ ولديه ميل طبيعي الإجراء عملية مسح<br />

واحدة للتاأكد،‏ لكن الوقت كان قد نفد.‏ وباالعتماد على ‏سنوات العمل امليداين التي اأمضاها برفقة اأعضاء<br />

فرق اجليولوجيا التابعة لسوكال يف ‏صحراء اململكة،‏ وعلى عشرات التقارير،‏ وبناء على معرفته املوسوعية،‏<br />

اأدرك ‏ستاينكي اأن هناك رسالة ‏صحيحة واحدة ينبغي اإيصالها اإىل جملس االإدارة اأال وهي التوصية<br />

باستمرار احلفر.‏<br />

فبينما كان قادة ‏سوكال يتقلبون يف فراشهم ويفكرون ملياً‏ يف مصري مشروعهم السعودي الضخم الذي<br />

حتيط به كل هذه املشكالت،‏ كان موظفو حقول الزيت يف نصف الكرة االأرضية االآخر يرقصون من الفرح.‏<br />

‏أول معسكر يف رأس تنورة،‏ اللسان الرملي<br />

الذي يقع على بعد 64 كيلومرتاً‏ ‏شمال<br />

الظهران،‏ ويتكون املعسكر من عدد من البيوت<br />

املتنقلة كما يظهر هنا يف العام ‎1939‎م.‏


املجلد الأول : اإمداد العامل بالطاقة<br />

90<br />

ووصلت برقية موؤرخة يف 4 مارس ‎1938‎م اإىل ‏سان فرانسيسكو تعلن على املالأ اأن بئر الدمام رقم 7 ينتج<br />

1,585 برميالً‏ يف اليوم على عمق واحد ونصف الكيلومرت تقريباً‏ يف الصخور اجلريية املسامية التي اأصبحت<br />

تُعرف باسم املنطقة اجلريية املسامية العربية.‏<br />

انتشرت اأخبار اكتشاف الزيت يف جميع اأنحاء اململكة من خالل الربقيات كسرعة انتشارها يف جملس<br />

اإدارة الشركة يف ‏سان فرانسيسكو.‏ وبدا وزراء احلكومة السعودية يف جدة ‏سعداء وهم يطلبون املزيد من<br />

املعلومات حول موعد بدء االإنتاج التجاري وتدفق اإيرادات الزيت اإىل خزائن الدولة.‏ وقد حاول ويليام ج.‏ ‏»بل«‏<br />

ليناهان ،William .J «Bill» Lenahan ممثل كاسوك لدى احلكومة جاهداً‏ اأن يخفف من توقعات السعوديني.‏<br />

ويف االأيام التالية استمرت عمليات االختبار اإىل اأن اأصبحت البئر تنتج ما يزيد على 100,000 برميل يف<br />

اليوم.‏ وخالل مدة قصرية مت تعميق البئرين 2 و‎4‎ اإىل املستوى نفسه،‏ واكتشف الزيت فيهما اأيضاً.‏ يف هذا<br />

الوقت مل يعد هناك ‏شك يف وجود الزيت بكميات جتارية يف اململكة،‏ واإن كان االإعالن الرسمي عن ذلك مل<br />

يتم اإال يف اأكتوبر.‏<br />

يف هذه االأثناء بداأ االإسراع يف بناء مرافق حتميل الزيت املكتشف حديثاً‏ اإىل السوق.‏ ويف غضون اأشهر<br />

قليلة مت ‏صنع خزانات التجميع،‏ وخطوط االأنابيب وحمطة حتميل ‏صغرية يف اخلُ‏ رب،‏ ويف ‏سبتمرب ‎1938‎م<br />

بداأت الشركة يف ‏شحن الزيت بالصنادل اإىل مصفاة بابكو يف البحرين،‏ ويف 16 اأكتوبر ‎1938‎م اأعلنت<br />

كاسوك للحكومة السعودية رسمياً‏ اأنها بداأت االإنتاج التجاري.‏ .<br />

ملا كان العمل يف مرافق اخلرب جارياً‏ على قدم وساق،‏ بداأ العمل بالفعل يف اإقامة ‏شبكة اأخرى لتجميع<br />

الزيت وتوزيعه ونقله عرب خط اأنابيب قطره 25 ‏سنتيمرتاً‏ اإىل اللسان الرملي املعروف باسم راأس تنورة على<br />

بعد 64 كيلومرتاً‏ ‏شمال الظهران حيث كانت خطوط التحميل متتد حتت البحر لتنقل الزيت اإىل مراسي<br />

الناقالت يف املياه العميقة على مسافة كيلومرت واحد تقريباً‏ من الساحل.‏ وقد عمل مساحو كاسوك وغريهم<br />

من املوظفني بالتعاون مع قسم الهيدروغرافيا التابع للبحرية الربيطانية على حتديث اخلرائط الإيجاد قنوات<br />

جديدة توفر لقباطنة الناقالت ومالحي املرفاأ ممراً‏ مفتوحاً‏ وماأموناً‏ اإىل مراسي راأس تنورة.‏<br />

ويف 1 مايو ‎1939‎م،‏ واحتفاالً‏ بتحميل اأول ناقلة زيت يف راأس تنورة،‏ اأدار امللك عبد العزيز ‏شخصياً‏<br />

الصمام الذي ‏سمح بتدفق الزيت اإىل ناقلة ‏سوكال ‏»دي.‏ جي.‏ ‏سكوفيلد .D«. .G Scofield كان االحتفال<br />

مناسبة عظيمة حضره كبار االأمراء واأفراد العائلة املالكة،‏ باالإضافة اإىل مسوؤولني حكوميني بارزين اآخرين،‏<br />

على راأسهم وزير املالية معايل الشيخ عبد اهلل السليمان،‏ والتجار،‏ واملرافقون،‏ واالأصدقاء،‏ واخلدم مما<br />

رفع اإجمايل عدد احلاشية اإىل األفي ‏شخص تقريباً،‏ جاوؤوا يف اأكرث من 400 ‏سيارة من مكة وجدة والرياض،‏<br />

واأقاموا عدة اأيام يف 350 خيمة نصبت على مقربة من الظهران،‏ ‏شهدوا خاللها االحتفاالت،‏ واستمتعوا<br />

باجلوالت التفقدية،‏ ومباآدب الطعام،‏ واخلطب.‏<br />

وحني اأدار امللك عبد العزيز الصمام لبدء تدفق الزيت،‏ كان عملياً‏ ونظرياً‏ يربط ‏شعبه املتطلع للرخاء<br />

بركب العامل الصناعي.‏ وكان يعتقد جازماً،‏ مثل ‏سائر املسوؤولني التنفيذيني يف ‏شركة الزيت احلاضرين،‏<br />

باأن الزيت السعودي ‏سيعود على السعوديني بالرثوة واخلري الوفري واحلياة االأفضل.‏ ولكن مل يخطر يف بالهم<br />

قط اأن االأحداث العاملية ‏ستقف حجر عرثة اأمام حتقيق طموحاتهم.‏ فاالنقسامات اجلغرافية السياسية التي<br />

‏سبقت اندالع احلرب العاملية الثانية يف اأوروبا اأججت التوترات بني اأعضاء السلك الدبلوماسي يف اململكة<br />

العربية السعودية.‏ كما اأن احلرب العاملية التي تلت تلك التوترات اأخنّ‏ رت اأعمال استكشاف الزيت واإنتاجه يف<br />

اململكة طوال السنوات التالية .


قراءة الصخور 91<br />

جاللة املغفور له امللك عبدالعزيز،‏ يستعد<br />

لفتح الصمام الذي ‏سريسل الزيت اخلام<br />

السعودي ‏إىل الناقلة د.‏ جي.‏ ‏سكوفيلد يف 1<br />

مايو ‎1939‎م.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!