12.07.2015 Views

التوبة من المعاصي والذنوب

التوبة من المعاصي والذنوب

التوبة من المعاصي والذنوب

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

٥التوبة من المعاصي والذنوبالافتتاحيةقال تعالى:‏ ق ُل ْ يا عبادي ال َّذين أ َسرف ُوا عل َى أ َنف ُسِه ِم ل َاتق ْنط ُوا من رحمة الل َّه إ ِن َّ الل َّه يغفر الذ ُّنوب جميعا إ ِنه هو ال ْغف ُورالرحيم ‏[الزمر:‏.[٥٣اللهم إنا نسألك توبة صادقة..‏ وإنابة كاملةيا رب العالمين.‏وعملا متقبلا ..* * *


٦ التوبة من المعاصي والذنوبالإهداءإلى روح والدي العلامة/‏ الشيخ إبراهيم حقي.‏ تغمده االلهبواسع رحمته،‏ وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقينوالشهداء وحسن أولئك رفيقا ..وإلى أخي سماحة الشيخ الفاضل/‏ خاشع حقي الداعيةالإسلامي.‏اللهم أطل حياته على طاعتك،‏ واحمه من كل مكروه..‏وأحسن عمله في دينه ودنياه وإلى من يبحث عن السعادة فيالدارين.‏ وإلى من يرغب أن ينور االله قلبه بنور الإيمان،‏ أهدي إلىالجميع هذا الجهد المتواضع..‏واالله ولي التوفيق والسداد.‏


٧التوبة من المعاصي والذنوبتوبة وندامةأنا العبد الذي كسب الذنوبأنا العبد الذي أضحى حزيناأنا العبد الذي سطرت عليهأنا العبد المسيء عصيت سرا ًأنا العبد المفرط ضاع عمريأنا العبد الغريق بلج بحرأنا العبد السقيم من الخطاياأنا العبد المخلف عن أناسأنا العبد الشريد ظلمت نفسيأنا العبد الفقير مددت كفيأنا الغدار كم عاهدت عهداأنا المقطوع فارحمني وصلنيأنا المضطر أرجو منك عفوا ًوصدته الأماني أن يتوباعلى زلاته قلقا كئيباصحائف لم يخف فيها الرقيبافمالي الآن لا أبدي النحيبافلم أرع الشبيبة والمشيباأصيح لربما ألقى مجيباوقد أقبلت ألتمس الطبيباحووا من كل معروف نصيباوقد وافيت بابكمو منيباإليكم فادفعوا عني الخطوباوكنت على الوفاء به كذوباويسر منك لي فرجا قريباومن يرجو رضاك فلن يخيبا


٨ التوبة من المعاصي والذنوبالمقدمةإن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بااللهمن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.‏ من يهده االله فلا مضل له ومنيضلل فلا هادي له.‏ وأشهد أن لا إله إلا االله وحده لا شريك له،‏ لهالملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ‏–سبحانه وتعالى-‏ يقبلالتوبة من عباده ويعفو عن كثير.‏ ويفرح بعودة عبده العاصي إليهبالليل أو بالنهار.‏ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله.‏بلغ الرسالة وأدى الأمانة فكان خير من بلغ عن ربه عز وجلوصلى االله وسلم...‏ أما بعد:‏فإن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.‏ فالتوبةوالاستغفار سبيل المؤمن لمرضاته سبحانه وتعالى.‏ فباب التوبة مفتوحلا يغلق أمام أحد إلا حين تبلغ الروح الحلقوم أو تطلع الشمس منمغرا.‏ولقد يسر االله أمر التوبة،‏ وفتح أبواا لمن أرادها.‏ فهو عز وجليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،‏ ويبسط يده بالنهار ليتوبمسيء الليل.‏ وباب التوبة مفتوح للكفار والمشركين والمرتدينوالمنافقين والظالمين والعصاة والمقصرين.‏التوبة إلى االله جل وعلا من أجل العبادات وأحبها إليه،‏ ومنأوسع الطرق إلى رحمته وجنته وعطائه،‏ ورضوانه؛ لأا توجب الذلوالخضوع والانكسار بين يدي االله سبحانه،‏ والاعتراف بالذنبوالتقصير في جنب الرب تبارك وتعالى،‏ ففيها تظهر ملامح العبودية


٩التوبة من المعاصي والذنوب.(١)في أسمى صورها،‏ وا ينزل الإنسان منزلته التي خلقه االله عليها منالنقص والضعف والتفريط والخطأ والجهل والظلم فهي اعترافبنقص العقل وضعف النفس وإقرار بالكمال الله وحده لا شريك له.‏لذلك فإا منزلة لم يستغن عنها الأنبياء المرسلون،‏ ولا العبادالصالحون،‏ ولا الأولياء المقربون،‏ فهي بمثابة الروح للجسد،‏ لذلكقال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين:‏ وتوبوا إ ِل َى الل َّه جميعا أ َيهاال ْمؤمنون َ ل َعل َّك ُم تف ْلحون َأخي الكريم:‏ تذكر أنك إنسان،‏ وأن الإنسان معرض للخطأوالعصيان،‏ واقتراف الزلات والسيئات،‏ وركوب المعاصيوالخطيئات.‏ فلا أحد معصوم من الخلق إلا من عصمه االله في تبليغوحيه ورسالته.‏ لذا فإنه لا محيد لك عن الخطأ،‏ ولا حيلة من الزللوالعطب.‏ فاعلم حفظك االله أن التوبة من الذنوب هي حياة النفوسوالقلوب،‏ بل هي طريق السعادة.‏ وإن االله عز وجل يفرح بتوبةعبده فرحا أكيدا ويقبل منه أعذاره وانكساره،‏ ويكره له تماديهوإصراره.‏ قال تعالى:‏ وهو ال َّذي يق ْبل ُ التوبة َ عن عباده ويعف ُوعن ِ السيئ َات ويعل َم ما تف ْعل ُون َ.(٢)فمن أراد الرجوع إلى الطريق المستقيم فلا عليه إلا أن يبادربالتوبة،‏ ويقلع عن الذنوب من قبل أن يأتي يوم يحال فيه بينه وبينها،‏فيتحسر على ما فرط،‏ ويضيق ذرعا بما وصل إليه من واقع مرير.‏١( )٢سورة النور:‏سورة الشورى:‏.٣١.٢٥( )


١٠ التوبة من المعاصي والذنوبفليشمر المسلم عن ساعد الجد وليتب إلى االله بلسانه ويعزم بقلبهمحققا مدلول التوبة بالإيمان والعمل صالح.‏ عل ّ االله يقيل عثرته،‏ويقبل أوبته ويغفر ذنبه.‏اللهم إنا نسألك أن توفقنا للتوبة والإنابة،‏ وأن تفتح لأدعيتناأبواب الإجابة،‏ ونسأل االله أن يتقبل عملنا هذا وغيره من الأعمالالصالحة خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب للدعاء.‏ وصلى االلهتعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.‏


١١التوبة من المعاصي والذنوب..(١)التوبة من البيان الإلهي(٢)وقال تعالى:‏ ف َتل َق َّى آَدم من ربه ك َلمات ف َتاب عل َيه إ ِنه هوالتواب الرحيممن رحمة االله ولطفه بآدم وذريته أن علمه كلمات يستوجبا الرحمة والغفران،‏ وهي كلمات الاعتراف بالذنب وإعلان التوبةوطلب العفو،‏ وفي هذا فضل الاستغفار،‏ وأن الذنب قد تكون فيهمصالح عظيمة للعبد إذا تاب وأناب من الانكسار والندموالاجتهاد في الطاعة والبكاء والخوف والتواضع لعباد االله.‏وقال تعالى:‏ إ ِل َّا ال َّذين تابوا وأ َصل َحوا وبينوا ف َأ ُول َئك أ َتوبعل َيه ِم وأ َنا التواب الرحيمإلا الذين رجعوا عما اقترفوا،‏ وتابوا عما أسرفوا،‏ وندمواوأقلعوا واعتذروا إلى رم وأصلحوا ما سبق أن أفسدوه،‏ وأظهرواما كتموه،‏ فهؤلاء يقبل االله توبتهم،‏ ويغسل حوبتهم،‏ ويغفر زلتهم؛لأنه تواب يرجع على عباده بالعفو إذا تابوا،‏ وبالإحسان إذا أنابوا؛ولأنه رحيم لا يؤاخذ بذنب غفره لصاحبه،‏ بل يحسن إليه ويتغمدهبرحمته.‏وقال تعالى:‏ إ ِن َّ الل َّه يحب التواب ِين ويحب ال ْمتط َهر ِين (٣) .١( )٢سورة البقرة:‏سورة البقرة:‏سورة البقرة:‏.٣٧.١٦٠.٢٢٢( )٣( )


١٢ التوبة من المعاصي والذنوبفهو سبحانه يحب التائب من الأوزار،‏ والمتطهر من الأقذار:‏لأن الذنب دنس على النفس،‏ والقذر رجس على الجسم ونجس،‏فطهارة الأرواح والأجسام بترك الأقذار والآثام.‏وقال تعالى:‏ إ ِن َّ ال َّذين ك َف َروا بعد إ ِيمان ِه ِم ث ُم ازدادوا ك ُف ْرال َن تق ْبل َ توبتهم وأ ُول َئك هم الضال ُّون َ.(١).(٢)إن اليهود الذين كفروا بعيسى بعد أن آمنوا بموسى ثم ازدادواطغيانا وعتوا فكفروا بمحمد هؤلاء زادوا شرا إلى شر،‏ وفجوراإلى فجور،‏ هؤلاء الخونة المعرضون الناكثون لعهد االله لا يقبل االلهسبحانه وتعالى توبتهم؛ لأم لا يتوبون إلا عند الموت ولا يغفرذنوم،‏ ولا يتجاوز عنهم؛ لأم ضلوا وأضلوا،‏ وصدوا عن سبيلاالله ‏–عز وجل-‏ وأغرقوا في الكفر وأمعنوا في الضلال وأكثروا منالفساد.‏وقال تعالى:‏ إ ِنما التوبة ُ عل َى الل َّه لل َّذين يعمل ُون َ السوءَ‏ب ِجهال َة ث ُم يتوبون َ من ق َر ِيب ٍ ف َأ ُول َئك يتوب الل َّه عل َيه ِم وك َان َ الل َّهعليما حكيماالتوبة الصحيحة المتقبلة التي يتوب االله على أصحاا هي التيتحصل من قوم ارتكبوا المعصية عن سفه وجهالة،‏ ثم شعر أحدهمبالذنب والندم والأسف والانكسار،‏ فعاد إلى ربه سبحانه وتعالىوأناب وأقلع وانخلع من ذنبه واعتذر إلى ربه،‏ لا كالذي يرتكب١( )٢سورة آل عمران:‏سورة النساء:‏.٩٠.١٧( )


١٣التوبة من المعاصي والذنوبالأخطاء عن عمد إلى ربه تعالى بعدما ارتكب الذنب عن سفاهةوجهل،‏ وأناب وصدق فإن االله سبحانه وتعالى يغفر ذنبه،‏ ويسترعيبه،‏ ويبدل سيئاته حسنات،‏ ويكرم مثواه،‏ لأن االله سبحانه وتعالىعليم بمن صدق في توبته وعاد إلى مولاه بإخلاص،‏ وهو حكيمسبحانه وتعالى-‏ يضع كل شيء موضعه،‏ لا يعذب غير من يستحقالعذاب،‏ يعطي كل إنسان ما يستحقه من ثواب أو عقاب بحكمةمتناهية،‏ وقدرة فائقة.‏–وقال تعالى:‏ ول َيست التوبة ُ لل َّذين يعمل ُون َ السيئ َات حتىإ ِذ َا حضر أ َحدهم ال ْموت ق َال َ إ ِني تبت ال ْآَن َ ول َا ال َّذين يموتون َوهم ك ُف َّار أ ُول َئك أ َعتدنا ل َهم عذ َابا أ َليما.(١)والتوبة المتقبلة الصحيحة لا تعط َى لمن أسرف في الإجرام،‏واستمر على الآثام،‏ وارتكب المحارم بعمد،‏ وقصر واستهزأ بوعداالله سبحانه وتعالى ووعيده فإذا فاجأه الموت وأخذ يعتذر وأخذيتنصل من ذنوبه،‏ هذا ليس ممن يستحق التوبة؛ لأنه أسر واستكبروتجرأ على محارم االله عز وجل وسوف بالتوبة وأخر الإنابة وكذلكلا يتاب على من مات كافرا،‏ بل هو خالد مخلد في النار،‏ فإن االله لايقبل من كافر عملا ولا شفاعة،‏ ولا يدفع عنه العذاب يوم القيامةدافع،‏ هؤلاء أعد االله سبحانه وتعالى لهم العذاب الأليم الموجع،‏والنكال الدائم،‏ والعقاب المقيم.‏وقال تعالى:‏ وحسِبوا أ َل َّا تك ُون َ فتنة ٌ ف َعموا وصموا ث ُم تاب١) ( سورة النساء:‏ .١٨


.(١)١٤ التوبة من المعاصي والذنوبالل َّه عل َيه ِم ث ُم عموا وصموا ك َثير منهم والل َّه بصير ب ِمايعمل ُون َظن اليهود أن االله سبحانه وتعالى لن يعاقبهم على ما فعلوا،‏فاستحبوا العمى على الهدى،‏ وصموا عند سماع الحق،‏ ثم تاب االلهعليهم لعلهم أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى رم،‏ فعادوا إلىجرائمهم وبغيهم من جديد،‏ فازدادوا عمى عن الحق،‏ وصمما عنسماع الرشد،‏ وهذا فعل الكثير منهم،‏ وأما القليل منهم فمهتد،‏ وااللهلا تخفى عليه خافية من أعمالهم ولا مما أسروه واقترفوه،‏ وسوفيجازيهم بسوء صنيعهم،‏ وقبح فعلهم.‏قال تعالى:‏ أ َل َم يعل َموا أ َن َّ الل َّه هو يق ْبل ُ التوبة َ عن عبادهويأ ْخذ ُ الصدق َات وأ َن َّ الل َّه هو التواب الرحيم.(٢)ألم يعلم هؤلاء التائبون أن االله يتوب على من تاب ويرحم منأناب،‏ فيغفر زلام ويتقبل صدقام؛ لأنه كثير الغفران لمن هجرالمعصية وأقبل إلى الطاعة وندم على الذنب،‏ رحيم بمن صدق فيتوبته،‏ فلا يؤاخذه بما سلف ولا يعذبه بما اقترف.‏وقال تعالى:‏ التائبون َ ال ْعاب ِدون َ ال ْحامدون َ السائحون َالراكعون َ الساج ِدون َ ال ْآَمرون َ ب ِال ْمعروف والناهون َ عن ِ ال ْمنك َر ِوال ْحافظ ُون َ لحدود الل َّه وبشر ِ ال ْمؤمن ِين.(٣)١( )٢سورة المائدة:‏سورة التوبة:‏سورة التوبة:‏.٧١.١٠٤.١١٢( )٣( )


١٥التوبة من المعاصي والذنوب..(١)(٢)هؤلاء الأبرار ااهدون الذين وعدهم رم بالجنة هم التائبونمن الذنوب ما ظهر منها وما بطن،‏ المخلصون الطاعة لرم،‏الحامدون االله في السراء والضراء،‏ الصائمون أو المتفكرون في خلقاالله،‏ المداومون على الصلاة،‏ المكثرون من نوافلها،‏ الآمرون بما يحبهاالله ورسوله الناهون عما يكرهه االله ورسوله ، القائمونبحفظ الشرائع والتزام الأحكام وترك النواهي،‏ وبشر ‏–أيهاالرسول-‏ المؤمنين بجنات النعيم جزاء أعمالهم الصالحة.‏وقال تعالى:‏ وإ ِني ل َغف َّار لمن تاب وآَمن وعمل َ صالحا ث ُماهتدىواالله كثير الغفران لمن صدق في توبته من ذنبه،‏ وصدق بما جاءعند االله وعمل الأعمال الصالحة المشروعة،‏ ثم اهتدى إلى سلوكالطريق المستقيم،‏ واستقام على الحق.‏وقال تعالى:‏ وتوبوا إ ِل َى الل َّه جميعا أ َيها ال ْمؤمنون َ ل َعل َّك ُمتف ْلحون َعودوا أيها المؤمنون إلى طاعة االله بامتثال أمره واجتناب يه،‏وتحلوا بالخصال الحميدة والخلال ايدة،‏ واجتنبوا أفعال الجاهلية منالرذيلة والفاحشة والمنكر،‏ عسى أن تنالوا رضوان االله وجنتهويتغمدكم برحمته.‏١( )٢وقال تعالى:‏ ق ُل ْ يا عبادي ال َّذين أ َسرف ُوا عل َى أ َنف ُسِه ِم ل َاسورة طه:‏سورة النور:‏.٨٢.٣١( )


.(١)*١٦ التوبة من المعاصي والذنوبتق ْنط ُوا من رحمة الل َّه إ ِن َّ الل َّه يغفر الذ ُّنوب جميعا إ ِنه هو ال ْغف ُورالرحيم وأ َن ِيبوا إ ِل َى ربك ُم وأ َسلموا ل َه من ق َبل ِ أ َن ْ يأ ْتيك ُمال ْعذ َاب ث ُم ل َا تنصرون َقل ‏–أيها النبي-‏ لعباد االله الذي أكثروا من الذنوب وأسرفوافي المعاصي:‏ لا تيأسوا من رحمة االله لكثرة آثامكم وعظيم ذنوبكم،‏فإن رحمة االله واسعة،‏ وجوده عظيم،‏ وهو ‏–سبحانه-‏ يغفر كلالذنوب ويعفو عن جميع السيئات لمن تاب إليه وندم على ما فعل،‏بل يفرح االله بتوبته ويبدل سيئاته حسنات،‏ ولو لم تكن التوبة أحبشيء إليه ما ابتلى بالذنب أعز الناس عليه وهو آدم ‏–عليه السلام-‏فاالله كثير الغفران للعبد مهما اقترف من الآثام،‏ تواب يعود بفضلهوستره وعفوه على عباده رحيم بتلطف إليهم بإيصال أنواع المحاببأحسن الأسباب،‏ ويصرف عنهم المكاره،‏ فحري بالمسلم أن يفرحذه الآية وأن يحسن الظن بربه،‏ ولا ييأس من روح االله،‏ ولا يقنطمن رحمة مولاه،‏ بل مهما فعل من الذنوب واقترف من المعاصيفليتب وليعد إلى ربه وليستغفر إلهه و خالقه،‏ فهنيئا للتائبين وقرةعين للمنيبين ذا الفضل العظيم والثواب الكريم،‏ ويا بشرىللموحدين ذا النداء من الرحمن الرحيم،‏ ويا سعادة العباد ذاالكرم والجود من الواحد الأحد،‏ فنسأله ‏–سبحانه-‏ بأسمائه الحسنىوصفاته العلى أن يتوب علينا وأن يغفر ذنوبنا،‏ وهذه أرجى آية فيالقرآن عند الكثير.‏١) ( سورة الزمر:‏ .٥٤-٥٣


١٧التوبة من المعاصي والذنوب.(١).(٢)وعودوا إلى ربكم بالاستغفار والتوبة والندم وانقادوا لأمرهواخضعوا لحكمه قبل أن يقع بكم عذابه ويدرككم عقابه ولا يدفععنكم أحد بأس االله فلا راد لقضائه جل في علاه.‏وهووقال تعالى:‏ ال َّذي يق ْبل ُ التوبة َ عن عباده ويعف ُو عن ِالسيئ َات ويعل َم ما تف ْعل ُون َواالله تعالى هو الذي يتوب على من تاب وعاد إليه وأنابفيقبل حسناته ويعفو عن سيئاته،‏ واالله يعلم ما يعمل العباد من خيروشر،‏ لا يغيب عنه شيء،‏ وسوف يحاسبهم على ذلك.‏وقال تعالى:‏ يا أ َيها ال َّذين آَمنوا توبوا إ ِل َى الل َّه توبة ً نصوحاعسى ربك ُم أ َن ْ يك َف ِّر عنك ُم سيئ َاتك ُم ويدخل َك ُم جنات تجر ِي منتحتها ال ْأ َنهار يوم ل َا يخز ِي الل َّه النب ِي وال َّذين آَمنوا معه نورهميسعى بين أ َيديه ِم وب ِأ َيمان ِه ِم يق ُول ُون َ ربنا أ َتمم ل َنا نورنا واغ ْفر ل َناإ ِنك عل َى ك ُل ِّ شيءٍ‏ ق َديرأيها المؤمنون:‏ توبوا من كل ذنب توبة لا رجوع بعدهاللمعاصي خالصة لوجه االله،‏ عسى ربكم أن يغفر لكم السيئات،‏ويمحو الخطيئات،‏ ويدخلكم الجنات التي أارها من تحتأشجارها،‏ ونورها ملء قصورها في يوم القيامة الذي لا يخزي فيهاالله نبيه ولا عباده الصالحين،‏ ولا يفضحهم ولا يعذم،‏ بل يسعدهمويثيبهم ويعلي شأم،‏ نورهم يسعى أمامهم،‏ وفي أيمام يدعون١( )٢سورة الشورى:‏سورة التحريم:‏.٢٥.٨( )


١٨ التوبة من المعاصي والذنوبرم بدوام هذا النور حتى يتم المرور على الصراط إلى دار الحبور،‏مع غفران الذنوب،‏ وستر العيوب،‏ ورضوان علام الغيوب؛ لأن االلهعلى كل شيء قدير،‏ غلب أمره على غيره،‏ ونفذ حكمه بما أراد،‏ لايرده راد.‏التوبة من البيان النبويعن أنس بن مالك ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ قال رسول االله :‏«الله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان علىراحلته بأرض فلاة،‏ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها،‏فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته،‏ فبينما هوكذلك.‏ إذ هو ا قائمة عنده،‏ فأخذ بخطامها،‏ ثم قال من شدةالفرح:‏ اللهم أنت عبدي وأنا ربك،‏ أخطأ من شدة الفرح»‏.(١)وعن أنس بن مالك ‏–رضي االله عنه-‏ أن النبي قال:‏ ‏«كلابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون»‏.(٢)وعن أبي هريرة ‏–رضي االله عنه-‏ عن النبي قال:‏ ‏«لوأخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء،‏ ثم تبتم لتاب عليكم»‏.(٣):وعن عبد االله بن مسعود ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ قال رسول االله‏«التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه»‏.(٤)١( )٢( )٣( )٤( )رواه مسلم.‏رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدرامي.‏رواه ابن ماجة.‏رواه أحمد.‏


١٩التوبة من المعاصي والذنوبوعن أبي موسى الأشعري ‏–رضي االله عنه-‏ عن النبي قال:‏‏«إن االله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،‏ ويبسطيده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغرا»‏.(١)وعن الأغر ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ قال رسول االله : ‏«يا أيهاالناس توبوا إلى االله.‏ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة»‏.(٢).(٣)وعن ابن عمر ‏–رضي االله عنهما-‏ عن النبي قال:‏ ‏«إن االلهيقبل توبة العبد ما لم يغرغر»‏وعن جابر بن عبد االله ‏–رضي االله عنهما-‏ قال:‏ قال رسول‏«لا تمنوا الموت،‏ فإن هول المطلع شديد،‏ وإن من السعادةأن يطول عمر العبد ويرزقه االله الإنابة»‏.(٤)االله :وعن عائشة أم المؤمنين ‏–رضي االله عنها-‏ قالت:‏ قال ليرسول االله : ‏«يا عائشة،‏ إن كنت ألممت بذنب فاستغفري االله،‏فإن التوبة من الذنب،‏ الندم والاستغفار»‏.(٥)١( )٢( )٣( )٤( )٥( )رواه مسلم وأحمد.‏رواه مسلم وأحمد.‏رواه الترمذي وأحمد.‏رواه أحمد.‏رواه أحمد.‏


.(١).(٢)٢٠ التوبة من المعاصي والذنوبالتوبةالتوبة في اللغة:‏التوبة بفتح التاء وسكون الواو ‏–مأخوذة من ‏"توب"‏ التاءوالواو والباء كلمة واحدة تدل على الرجوع،‏ يقال تاب وأناب إذارجع عن ذنبه والتوبة هي الرجوع إلى االله،‏ بحل عقدة الإصرارعن القلب.‏ والتوبة الرجوع من الذنب،‏ يقال تاب إلى االله تعالىيتوب توبا وتوبة ومتابا:‏ أي رجع وأناب عن المعصية إلى االله،‏ويقال أيضا:‏ تاب العبد أي عاد إلى االله ورجع وأناب،‏ وتاب االلهعليه:‏ أي عاد عليه بالمغفرة.‏ قال تعالى:‏ وتوبوا إ ِل َى الل َّهجميعا أي عودوا إلى طاعته وأنيبو إليه،‏ واالله تعالى من أسمائهالحسنى ‏"التواب".‏ والتوب والتوبة معناهما واحد،‏ والمراد:‏ تركالذنب على أجمل الوجوه،‏ وهو أبلغ وجوه الاعتذار.‏١( )٢معجم مقاييس اللغة لابن فارس،‏ ج‎١‎‏،‏سورة النور:‏.٣٥٧.٣١( )


٢١التوبة من المعاصي والذنوبالتوبة في الاصطلاح الشرعي:‏بمعنى الرجوع من البعد عن االله إلى القرب إليه سبحانه وتعالى،‏وهو عبارة عن ندم.‏ والندم هو توجع القلب،‏ وعلامته طول الحزنوالبكاء على ما مضى،‏ والعزم على أن لا يعود إليه ولا إلى أمثالهوالإقلاع عن الذنب،‏ والندم على ما بدر في الماضي،‏ والعزم علىعدم إتيانه في المستقبل،‏ ويجب على الإنسان أن يتوب من جميعالذنوب.‏ وترك الذنب مخافة االله،‏ واستشعار قبحه،‏ وندم علىالمعصية من حيث هي معصية،‏ والعزيمة على ألا يعود إليها إذا قدرعليها،‏ وتدارك ما أمكنة أن يتدارك من الأعمال بالإعادة.‏ وعرفهاالإمام الحسن البصري ‏–رحمه االله-‏ قال:‏ ‏"التوبة النصوح هي الندمبالقلب والاستغفار باللسان،‏ والترك بالجوارح،‏ والإضمار أن لايعود".‏(١)التوبة في الرؤية :تدل على النجاة من السجن.‏ وتدل على نيل ملك،‏ وإصابةشرف وبركة بعد احتمال بلية.‏ ومن رأى في منامه أنه أقلع عنالفسق،‏ فإنه يبتلى ببلاء ثم يتوب،‏ ويملك ملكا،‏ وينال بركة وشرفا.‏ومن تاب في منامه عن ذنب لا يعلمه من نفسه ربما يخشى عليه منالوقوع فيه،‏ ولكن عاقبته إلى خير.‏ والتوبة للكافر إسلامه وااللهأعلم.‏..١( )تعطير الأنام في تعبير المنام،‏ الشيخ عبد الغني النابلسي،‏ دار المعرفة،‏ ص‎٧٣‎‏،‏ ط‎٣‎‏،‏‎١٤١٥‎ه-‏ ‎١٩٩٤‎م،‏ بيروت،‏ لبنان.‏


.(٢)٢٢ التوبة من المعاصي والذنوب(١)أنواع المعاصي(٣)حدثنا عبد االله قال:‏ حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال:‏ حدثناجرير،‏ عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال:‏ سمعت رسول االله يقول:‏ ‏«إذا ضن الناس بالدينار والدرهم،‏ وتبايعوا بالعينة،‏ واتبعواأذناب البقر،‏ وتركوا الجهاد،‏ أدخل االله تعالى ذلا ً لا ينزعه عنهمحتى يراجعوا دينهم»‏حدثنا عبد االله قال:‏ علي بن الجعد قال:‏ حدثنا شعبة،‏ عن أبيقيس قال:‏ سمعت هزيل بن شرحبيل يحدث عن عبد االله بن مسعودقال:‏ لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس:‏ من لا يعرف معروفا،‏ولا ينكر منكرا.‏ يتهارجون كما تتهارج البهائم في الطريق.‏ تمرالمرأة بالرجل في الطريق،‏ فيقضي حاجته منها،‏ ثم يرجع إلىأصحابه،‏ فيضحك إليهم ويضحكون إليه،‏ كرجراجة الماء الخبيثالذي لا يطعم.‏العصاة على ثلاثة أقسام:‏القسم الأول:‏ عصاة مؤمنون اقترفوا الذنوب بجهالة منالجهالات النفسية التي أضعفت إرادم،‏ ثم تابوا من قريب وأصلحواأنفسهم،‏ وهؤلاء قد وعدهم االله بالتوبة.‏١( )٢)٣(( )العقوبات الإلهية للأفراد والجماعات والأمم/‏ ابن الدنيا،‏ تحقيق محمد رمضانيوسف،‏ ص‎٢٠٣‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤١٦‎ه ‏-‏‎١٩٩٦‎م،‏ دار ابن حزم،‏ بيروت.‏وأبو نعيم في الحلية.‏رقم:‏ رواه الإمام أحمد في المسند،‏ الهرج،‏ الفتنة والاختلاط.‏.٤٨٢٤٤/٢


٢٣التوبة من المعاصي والذنوبالقسم الثاني:‏ عصاة خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا،‏ واعترفوابذنوم دون توبة أو استقامة،‏ وهؤلاء ليس لهم وعد من االله بالتوبةعليهم،‏ ولكن االله جعل لهم رجاء بذلك.‏القسم الثالث:‏ عصاة أسرفوا في المعصية،‏ ولم يتوبوا أو يعترفوابذنوم،‏ وهؤلاء أملهم في التوبة ضعيف وتوقع العقوبة عليهمأرجح.‏يقول الإمام الغزالي‏–رحمه االله:‏ ‏"إن التوبة تتحقق بثلاثة أمور":‏أولها:‏ العلم وهو الإيمان واليقين بأن الذنوب سموم مهلكة،‏وكذلك معرفة ضرر الذنوب وأا حجاب بين العبد وربه.‏ثانيها:‏ الحال؛ بحيث يؤدي العلم إلى حالة أخرى تسمى إرادةتبعث الألم والندم في قلب المذنب،‏ ينتج عنها إرادة الإقلاع عنالذنب.‏ وفي قوله : ‏«الندم توبة»‏.(١)ثالثها:‏ الفعل؛ حيث يكون من نتيجة الندم والعزم على تركالذنوب،‏ والتعويض عن الماضي بفعل ما يجبر من الصالحات.‏(٢)آثار المعاصي :قال ابن القيم ‏–رحمه االله:‏ وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلبوالبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا االله.‏ فمنها أا مدد من١( )٢( )رواه ابن ماجه.‏موارد الظمآن لدروس الزمان،‏ الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان،‏ ص‎٣٢‎‏،‏ ط‎٢٦‎‏،‏‎١٤٢٠‎ه،‏ طبع على نفقة جماعة من المحبين للخير.‏


(١)٢٤ التوبة من المعاصي والذنوبالإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه.‏ ومنعقوباا أا تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه.‏ ومنها أا تجرئالعبد على من لم يكن يجترئ عليه،‏ ومنها الطبع على القلب إذاتكاثرت حتى يصبر صاحب الذنب من الغافلين،‏ كما قال بعضالسلف في قوله تعالى:‏ ك َل َّا بل ْ ران َ عل َى ق ُل ُوب ِه ِم ما ك َانوايك ْسِبون َ هو الذنب بعد الذنب،‏ وقال:‏ هو الذنب على الذنبحتى يعمى القلب وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية فإذازادت غلب الصدأ حتى يصبر رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلاوختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف.‏ومنها إفساد العقل:‏ فإن العقل نور والمعصية تطفئ نور العقل.‏ومنها:‏ أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى ون عليهوتصغر في قلبه.‏ومنها:‏ أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.‏ومنها:‏ أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا.‏ومنها:‏ ظلمة يجدها في قلبه يحس ا كما يحس بظلمة الليل.‏ومنها:‏ أن المعاصي توهن القلب والبدن:‏ أما وهنها للقلب فأمرظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية.‏ وأما وهنها للبدنفإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه.‏ومنها أن المعاصي تمحق بركة العمر؛ إذ أن المعاصي كلها١) ( سورة المطففين:‏ .١٤


٢٥التوبة من المعاصي والذنوبشرور.‏ وهذا ما يفرح العدو ويسيء الصديق.‏ومنها:‏ تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أومتعسرا عليه ومنها:‏ الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيماأهل الخير.‏ومنها حرمان دعوة الرسول ودعوة الملائكة للذين تابوا.‏ومنها:‏ أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول االله .ومنها:‏ أا تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواءوالزروع والثمار والمساكن.‏ومنها:‏ أا تطفئ من القلب نار الغيرة.‏ومنها:‏ ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.‏ومنها:‏ أا تضعف في القلب تعظيم الرب،‏ وتضعف وقاره فيقلب العبد.‏ومنها:‏ أا تستدعي نسيان االله لعبده البركة.‏ومنها:‏ أا تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثوابالمحسنين.‏ومنها:‏ أا تضعف سير القلب إلى االله والدار الآخرة.‏ومنها:‏ أا تصرف القلب عن صحته واستقامته.‏ومنها:‏ أا تعمي بصيرة القلب،‏ وتطمس نوره وتسد طرقالعلم.‏


٢٦ التوبة من المعاصي والذنوبومنها:‏ أا تصغر النفس وتحقرها وتقمعها عن الخير.‏ومنها:‏ أن العاصي في أسر شيطانه وسجن شهواته.‏ومنها:‏ سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند االله وعند خلقه.‏ومنها:‏ أا توجب القطيعة بين العبد وبين ربه.‏ومنها:‏ أا تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف.‏ومنها:‏ أا تجعل صاحبها من السفلة.‏أخي القارئ:‏ إن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الأمراض فيالأبدان،‏ بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها،‏ ولا دواء لها إلابتركها.‏ فأي عقل لمن آثر لذة ساعة أو يوم أو دهر ثم تنقضي كأاحلم،‏ على هذا النعيم المقيم والفوز العظيم؟ بل هو سعادة الدنياوالآخرة.‏ولولا العقل الذي تقوم عليه به الحجة لكان بمنزلة اانين،‏ بلقد يكون اانين أحسن حالا منه وأسلم عاقبة.‏وأما تأثيرها في نقصان العقل المعيشي فلولا الاشتراك في هذاالنقصان لظهر لمطيعنا نقصان عقل عاصينا،‏ ولكن الجائحة عامة،‏والجنون فنون.‏ويا عجبا!‏ لو صحت العقول لعلمت أن الطريق الذي تحصلبه اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش إنما هو في رضاه والنعيمكله في رضاه،‏ والألم والعذاب كله في سخطه وغضبه.‏ففي رضاه قرة العيون،‏ وسرور النفوس،‏ وحياة القلوب،‏ ولذة


٢٧التوبة من المعاصي والذنوب:(١)----الأزواج،‏ وطيب الحياة،‏ ولذة العيش وأطيب النعيم من له وزن منهمثقال ذرة بنعيم الدنيا لم تف به،‏ بل إذا حصل للقلب من ذلكأيسر نصيب لم يرض بالدنيا وما فيها عوضا منه.‏ كما أن المعاصيلها تأثير عظيم على اتمعات والأمم ومن ذلك على سبيل المثال مايليإهلاك الأمم بسبب المعاصي؛ لاشك أن جميع الأضرار فيالدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي:‏فما الذي أخرج الأبوين من الجنة،‏ دار اللذة والنعيم والبهجةوالسرور إلى دار الآلام والأحزان والمطالب؟وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنهومسخ ظاهره وباطنه،‏ فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنهأقبح من صورته وأشنع،‏ وبدل بالقرب بعدا،‏ وبالرحمة لعنة،‏وبالجمال قبحا،‏ وبالجنة نارا تلظى،‏ وبالإيمان كفرا؟وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوقرؤوس الجبال؟وما الذي سلط الريح على قوم عاد،‏ حتى ألقتهم موتى علىوجه الأرض كأم أعجاز نخل خاوية،‏ ودمرت ما عليه من ديارهموحروثهم وزروعهم ودوام،‏ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يومالقيامة.‏١( )نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة،‏ د.‏ سعيد بن علي بن رهفالقحطاني،‏ ص‎٣٦٥‎‏،‏ ط‎٣‎‏،‏ ‎١٤٢٤‎ه الناشر نفسه.‏


------٢٨ التوبة من المعاصي والذنوبوما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلومفي أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباحكلام،‏ ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها،‏ فأهلكهم جميعا.‏ ثمأتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم،‏ فجمع عليهم من العقوبةما لم يجمع على أمة غيرهم،‏ ولإخوام أمثالها،‏ وما هي من الظالمينببعيد؟وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر،‏ ثم نقلت أرواحهمإلى جهنم،‏ فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوباتودمرها تدميرا؟وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عنأخرهم؟لا شك أن الذي أصاب هؤلاء جميعا وأهلكهم هي ذنوم!‏فالمعاصي مواريث الأمم الظالمة،‏ فليحذر المسلم أن يرث المعاصيعن الظالمين،‏ فإن اللوطية ميراث عن قوم لوط،‏ وأخذ الحق بالزائدودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب،‏ والعلو في الأرض بالفسادميراث عن قوم فرعون،‏ والتكبر والتحبر ميراث عن قوم هود،‏ وغيرذلك.‏


٢٩التوبة من المعاصي والذنوبالمعاصي تؤثر حتى على الدواب والأشجار والأرض وعلىالمخلوقات تسبب عذاب القبر،‏ وعذاب يوم القيامة،‏ وعذاب النار،‏نعوذ باالله من ذلك.‏ المعاصي بريد الكفر،‏ كما أن القبلة بريدالجماع.‏المعاصي قبيحة وبعضها أقبح من بعض؛ فإن الزنا من أقبحالذنوب،‏ فإنه يفسد الفراش،‏ ويضر الأنساب وهو بالجارة أقبح؛فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعودإذا ً‏–رضي االله عنه-‏قال:‏ قلت يا رسول االله أي الذنوب أعظم قال:‏ ‏«أن تجعل الله نداوهو خلقك».‏ قلت:‏ ثم أي؟ قال:‏ ‏«أن تقتل ولدك من أجل أنيطعم معك»،‏ قلت:‏ ثم أي؟ قال:‏ ‏«أن تزني بحليلة جارك».‏كيف ترضى لنفسك السباحة في بحر الدنيا من غير قميصالنجاة؟ وكيف ترضون لأنفسكم الغوص في المعاصي من غيراستغفار أو توبة؟ لا أظن أن أحدنا يقر له قرار أو يهدأ له بال،‏ إذاعلم أن خلفه الموت وسكراته،‏ والقبر وآلامه،‏ والبعث وأهواله،‏والحشر ومآله،‏ والميزان ودقته،‏ والحساب وشدته،‏ والصراطوعراقيله،‏ والنار وحرها.‏ قال تعالى:‏ موي نق ُول ُ لجهنم هل ِ(١)امتل َأ ْت وتق ُول ُ هل ْ من مز ِيد .١) ( سورة ق:‏ .٣٠


٣٠ التوبة من المعاصي والذنوب(١)أقسام الذنوب :والذنوب التي دون الشرك قسمان:‏القسم الأول:‏ ذنوب تتعلق بحق االله تعالى.‏القسم الثاني:‏ ذنوب تتعلق بحقوق الآدميين.‏فالقسم الأول نوعان:‏**النوع الأول:‏أن يكون الذنب بترك واجب يمكن استدراكه كالصلواتوالصيام والحج.‏ فلا بد في هذه الحقوق من التوبة مع القضاء حيثقدر على ذلك وأمكنه،‏ وفي بعض الذنوب التوبة مع الكفارة،‏كالحنث في الأيمان،‏ والظهار وغير ذلك.‏أما النوع الثاني:‏أن تكون بسبب جهل وعدم معرفة االله كما ينبغي،‏ وتحليل ماأحله،‏ وتحريم ما حرمه،‏ ونحو ذلك.‏ فهذا النوع تجزئ فيه التوبةفقط،‏ ثم إن كان الذنب مما يوجب الكفر فلا بد من الإتيانبالشهادتين،‏ وإثبات ما أنكر،‏ وإنكار ما كان قد اعتقد مما يوجبالكفر.‏ وإن كان بسبب جهل أو إعراض فلا بد فيه أن يطلب العلمويتعلم من أمر دينه ما يعصمه ويحصنه من الوقوع في الذنب مرةأخرى.‏١( )التوبة إلى االله،‏ الدكتور/‏الرياض.‏صالح السدلان،‏ ص‎١٣٣‎ط‎٥‎‏،‏‎١٤١٨‎ه،‏ دار بلنسية،‏


٣١التوبة من المعاصي والذنوبأما القسم الثاني:‏*أن تكون الذنوب بسبب حق يتعلق بآدمي وهي نوعان:‏النوع الأول:‏..*أن ينجبر الحق بمثله من الأموال والجراحات،‏ وقيم المتلفاتوالسرقات والمغصوبات إلخ.‏ فلا بد في هذا النوع من رد كلمظلمة لأهلها،‏ ورد كل حق لمستحقه من مال ونحوه،‏ إن كانموجودا،‏ أو ورد مثله إن كان معدوما أو مستهلكا،‏ لأنه محض حقفيجب أداؤه إلى صاحبه،‏ فإن لم يجد أهلها تصدق ا عنهم،‏ وتمكينذي القصاص منه على الوجه المشروع.‏ فإن لم يفعل برد المظالم إلىأهلها،‏ واقتصر على التوبة فقط وندم وأقلع وعزم ألا يعود،‏ فقدتصح توبته فيما بينه وبين االله،‏ وتبقى في ذمته مظلمة الآدمي،‏ومطالبته على حالها،‏ ومن لم يجد السبيل لإخراج ما عليه لإعسارفعفو االله مأمول.‏ وفضله مبذول،‏ فكم ضمن من التبعات،‏ وبدل منالسيئات.‏النوع الثاني:‏(١)أن لا ينجبر الحق بمثله،‏ بل جزاؤه من غير جنسه،‏ كالقذففحده الجلد،‏ والزنا إذا ثبت فحده الرجم أو الجلد.‏أما الغيبة والنميمة ففاعلها مذنب ومستحق للعذاب إن لميستحل من اغتابه واقتراف مثل هذه الذنوب ما دامت مستورة)١(المشروع للتائب من الغيبة والنميمة أن يستحل ممن اغتابه أو نم عليه،‏ فإذا لم يمكنه=


..٣٢ التوبة من المعاصي والذنوببين العبد وبين ربه لم يطلع عليها أحد،‏ تكون توبته بالندم عليهاوالإقلاع عن فعلها وكثرة الاستغفار للمغتاب ونحوه،‏ وتكذيبنفسه مما قذف به،‏ وكثرة الإحسان لمن أفسد عليه زوجته وزنى ا،‏فيدعو االله لصاحب الحق ويستغفر له،‏ ويذكر المغتاب والمقذوف فيمواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره به من الغيبة،‏ فيبدل غيبته بمدحهوالثناء عليه،‏ وذكر محاسنه،‏ ويبدل قذفه بذكر عفته وإحصانه،‏ويستغفر له بقدر ما اغتاب به واالله أعلم.‏صفات الذنوب:‏.(١)ذكر الإمام الغزالي ‏–رحمه االله-‏ أربع أنواع من الصفات تثيرالذنوب وهي:‏-١صفات ربانية:‏ وينشأ عنها ذنوب؛ كالكبر والاستعلاء،‏وحب المدح والثناء.‏٢- صفات شيطانية:‏ وينشأ عنها ذنوب؛ كالحسد والبغيوالخداع المكر والغش والنفاق.‏-٣صفات يمية:‏ وتظهر في الاستجابة لشهوات النفسوالبطن والغرائز؛ كالزنا والشذوذ الجنسي والسرقة.‏٤- صفات سبعية:‏ وينشأ عنها ذنوب؛ كالحقد والغصبوالعدوان والقتل والضرب=١)(ذلك أو ترتب عليه مفسدة،‏ فإنه يستغفر ويدعو له.‏ ويذكره بالخير في المواضع التياغتابه أو نم عليه فيها.‏الموسوعة الجامعة في الأخلاق والآداب،‏ مجلد أول،‏ ص‎٤٢٣‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏م،‏=٢٠٠٥


٣٣التوبة من المعاصي والذنوب:(١)ومما يجدر ذكره هنا ما يرتكبه كثير من الناس من أخطاء فيباب التوبة وهي التي تدفع العصاة منهم إلى التسويف في التوبة أوالصد عنها،‏ أو تعود ببعض التائبين إلى السقوط مرة أخرى فيحبائل الأهواء والشهوات.‏ حيث تحصل بعض الأخطاء.‏ ومن هذهالأخطاء ما يلي-١تأجيل التوبة:‏ وذلك بتأخيرها،‏ والتسويف فيها إلى الكبر،‏أو إلى ما بعد الزواج،‏ ونحو ذلك والواجب هو المبادرة إليها:‏ لأنالأعمار غير مضمونة،‏ وزيادة المعاصي وتراكمها سبب في تحولها إلىطبع وعادة.‏-٢الغفلة عن التوبة:‏ فبعض العصاة يغفل عن التوبة منالذنوب بسبب ضعف تدينه،‏ أو إعجابه بنفسه وعمله.‏ أو جهلهبالحكم الشرعي،‏ أو انشغاله بالدنيا عن الآخرة.‏ وأن هدي النبي دوام الاستغفار ومواصلة التوبة.‏-٣الخوف من الرجوع في الذنوب:‏ حيث يسوف بعضالعصاة في ترك المعاصي والتوبة منها،‏ مخافة الرجوع في الذنوب مرةأخرى وهذه من حيل الشيطان على الإنسان ونزغاته،‏ حتى يصرفهعن التوبة والرجوع عن الذنوب والمعاصي.‏-٤الهمز واللمز:‏ فبعض العصاة يترك التوبة مخافة من لمز الناسوحديثهم ومقارنتهم بين وضعه بعد التوبة وما كان عليه حاله في=١)(إعداد سعود بن عبد االله الخزيمي.‏ دار الفجر،‏ القاهرة.‏مصدر سابق،‏ نقلت هذه الفقرة حرفيا فقط للتوضيح.‏


٣٤ التوبة من المعاصي والذنوبالسابق،‏ وهذا من الأخطاء الكبيرة؛ لأن خوف االله وخشيته مقدمعلى الخوف من الآخرين.‏ وكل ما يلاقيه التائب في طريقه إنما هوابتلاء وامتحان ومأجور عليه إن شاء االله.‏-٥الجاه والمكانة الاجتماعية:‏ حيث يفضل بعض العصاة البقاءفي بعض الوظائف والمناصب التي تجر ذنوبا،‏ أو الحصول علىالحظوة عند بعض الوجهاء،‏ على الاستقامة والإنابة والتوبة إلى ربهعز وجل وهذا نقص في ديانة الإنسان،‏ ومروءته،‏ وخطأ فادحيؤدي بصاحبه إلى الخسران والندم بعد فوات الأوان،‏ فهذه الأموركلها من متاع الدنيا الزائل،‏ ولا يبقى للإنسان إلا ما قدمه من عمليوصله إلى النعيم،‏ ويكون حجابا بينه وبين الوقوع في الجحيم.‏-٦التسويف بمغفرة االله ورحمته:‏ فبعض العصاة يترك التوبةويتمادى في اقتراف الذنوب بحجة سعة مغفرة االله ويقول إن االلهغفور رحيم،‏ أو اغترار بإمهال االله لبعض المفسدين.‏ وهذا خطأجسيم،‏ وجهل عظيم بأحكام التوبة؛ لأن االله عز وجل غفور رحيملعباده التائبين،‏ الذين يعملون الذنوب بجهالة ثم يعودون من قريب،‏ولكن االله شديد العقاب،‏ لمن أصر على الذنوب وعاند وكابر.‏-٧اليأس من رحمة االله:‏ حيث يشعر بعض المسرفين فيالمعاصي بالقنوط من رحمة االله ومغفرته،‏ ويعتقدون أن الشقاوة قدكتبت عليه،‏ أو يحتج بعضهم بالقدر فيقول إن االله قد قدر صلاحالعباد وفسادهم،‏ وليس لي إلا ما قدر لي.‏ وهذا كله جهل كبير،‏وضلال في العقيدة،‏ ومن أوهام الشيطان وتلبيسه.‏ فباب التوبة


٣٥التوبة من المعاصي والذنوبمفتوح للعبد حتى حضور الموت،‏ واليأس والقنوط من رحمة االله منالكبائر،‏ وأعظم إثما من اقتراف الذنوب.‏-٨توبة الكذابين:‏ وذلك أن بعض الناس يتوقف عن العصيانلوقت قصير،‏ بسبب مرض أو موقف معين.‏ ولكن لا يلبث أن يعودإليه مرة أخرى وهؤلاء لم يتوبوا توبة نصوحا،‏ بل لقد أمنوا مكروسيطرت عليهم الشهوات،‏ وتمكنت منهم المعاصي،‏ فلا فكاك لهممنها،‏ إلا أن يأذن االله لهم بذلك.‏بكى سفيان الثوري ‏–رحمه االله-‏ ذات ليلة إلى الصباح فلماأصبح قيل له:‏ أكل ُّ هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرضوقال:‏ الذنوب أهون من هذه وإنما أبكي خوفا من سوء الخاتمة.‏


٣٦ التوبة من المعاصي والذنوب(١)إمهال العصاة :أسئلة وأجوبةسؤال:‏ ما الحكمة في إمهال االله تعالى العصاة؟الجواب:‏ قيل لير ِى العباد أن العفو والإحسان أحب إليه منالأخذ والانتقام،‏ وليعلموا غاية شفقته وبره وكرمه.‏ واالله حليمصبور يمهل عباده العصاة حتى يتوبوا،‏ ول َو يؤاخذ ُ الل َّه الناسب ِظ ُل ْمه ِم ما ترك عل َيها من دابةذنوب العباد:‏.(٢)سؤال:‏ لم قدر االله الذنوب على العباد؟الجواب:‏ قيل:‏ لئلا يعجبوا بأنفسهم وأيضا:‏ ليرغم إبليس؛ لأنالصياد إذا اصطاد وذهب من الشبكة ما اصطاده،‏ كان غمه أكثرمما لم يصده وأيضا:‏ بشفاعته،‏ وأيضا قال يحيى بن معاذالرازي:‏ أوقعهم أي ألقاهم في الذنوب ليعرفهم فاقتهم إليه،‏ ثمأنجاهم ليعرفهم كرامته عليهم.‏لسروره الرد على احتجاج العاصي بقوله:‏(٣)ربنا يهديني :١( )كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار،‏ العلامة شهاب الدين احمد بن عمادالأقفهسي،‏ تحقيق محمد خير رمضان يوسف،‏ ص‎٧٠‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٦‎ه‎٢٠٠٥‎م دار ابن حزم.‏سورة النحل:‏فتاوى البلد الحرام،‏ تقديم الشيخ سعد بن عبد االله البريك،‏ إعداد خالد الجريسي،‏ص ‎١٤٢٠‎ه ‏-‏‎١٩٩٩‎م.‏-.٦١١٠٨٨، ط‎١‎‏،‏٢)٣(( )


٣٧التوبة من المعاصي والذنوبسؤال:‏ ماذا نقول ندعوه إلى التوبة والرجوع إلى االله فيقول:‏ إناالله لم يكتب لي الهداية،‏ والثاني يقول:‏ إن االله يهدي من يشاء؟جواب:‏ أما الأول فإنه يقول:‏ ‏(إن االله لم يكتب لي الهداية).‏وبكل بساطة نقول:‏ أطلعت الغيب أم اتخذت عند االله عهدا؟ فإنقال:‏ نعم،‏ فنقول إذن كفرت،‏ لأنك ادعيت علم الغيب،‏ وإنقال:لا،‏ فنقول:‏ غلبت،‏ إذا كنت لم تطلع إن االله لم يكتب الهدايةفاهتد،‏ فاالله ما منعك من الهداية،‏ بل دعاك إليها ورغبك فيها،‏وحذرك من الضلالة واك عنها،‏ ولم يشأ االله عز وجل أن يدععباده على ضلالة أبدا،‏ قال تعالى:‏ ير ِيد الل َّه ليبين ل َك ُم ويهديك ُمسنن ال َّذين من ق َبلك ُم ويتوب عل َيك ُم والل َّه عليم حكيم فتبإلى االله،‏ واالله عز وجل أشد فرحا بتوبتك من رجل ضلت راحلتهوعليها طعامه وشرابه وآيس منها ونام تحت شجرة ينتظر الموت،‏فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلقا بالشجرة.‏ فأخذ بخطام الناقة وقال:‏‏"اللهم أنت عبدي وأنا ربك"‏ متفق عليه.‏ أخطأ من شدة الفرح،‏فكان يريد أن يقول:‏ ‏"اللهم أنت ربي وأنا عبدك".‏.(١)وأما الثاني:‏ الذي يقول إن االله يهدي من يشاء،‏ فإذا كان االلهيهدي من يشاء،‏ فهذه حجة عليك،‏ فاهتد حتى تكون ممن شاء االلههدايته،‏ والحقيقة أن هذا الجواب من العاصي هو لدفع الحجةبالنسبة لنا،‏ ولن ينفعه ذلك عند االله؛ لأن االله عز وجل يقول:‏سيق ُول ُ ال َّذين أ َشرك ُوا ل َو شاءَ‏ الل َّه ما أ َشرك ْنا ول َا آَباؤنا ول َا١) ( سورة النساء:‏ .٢٦


.٣٨ التوبة من المعاصي والذنوبحرمنا من شيءٍ‏ ك َذ َلك ك َذ َّب ال َّذين من ق َبله ِم حتى ذ َاق ُوا بأ ْسناق ُل ْ هل ْ عندك ُم من عل ْم ٍ ف َتخر ِجوه ل َنا إ ِن ْ تتب ِعون َ إ ِل َّا الظ َّن وإ ِن ْأ َنتم إ ِل َّا تخرصون َ(٢)(١)كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب؟.سؤال:‏ كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب وما هيأسباا؟الجواب:‏ أسباب قسوة القلب الذنوب والمعاصي وكثرة الغفلةوصحبة الغافلين والفساق كل هذه الخلال من أسباب قسوة القلبومن لين القلوب وصفاا وطمأنينتها طاعة االله جل وعلا،‏ وصحبةالأخيار،‏ وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار،‏ ومنحفظ وقته بذكر االله،‏ وقراءة القرآن،‏ وصحبة الأخيار،‏ والبعد عنصحبة الغافلين والأشرار،‏ يطيب قلبه ويلين.‏ قال تعالى أ َل َا ب ِذك ْر ِالل َّه تط ْمئن ال ْق ُل ُوب(٤)(٣).١٤٨١( )٢( )٣( )٤( )سورة الأنعام:‏من فتاوى الشيخ ابن عثيمين،‏ ج‎٢‎‏،‏ ص‎٩٦٤‎‏.‏سورة الرعد:‏مجموع فتاوى ومقالات متنوعة،‏ ج‎٥‎‏،‏ ص‎٢٤٤‎‏،‏ الشيخ ابن باز.‏.٢٨


٣٩التوبة من المعاصي والذنوبحقيقة التوبةتذكر يا عبد االله أن الذنوب هي سبب هلاك العبد وخسارته،‏فعواقبها في الدنيا واضحة مثل:‏ القلق والحيرة،‏ والضنك،‏والاضطراب في حياته،‏ وضيق وعذاب ولعنة من االله وعقابه.‏ فالتوبةشعور وجداني بالندم على ما وقع.‏ وتوجه إلى االله فيما بقي.‏ وكفعن الذنب وعمل صالح يحقق التوبة بالفعل كما يحققها الكفبالترك.‏ فهي فعل وجودي يتضمن إقبال التائب على ربه وإنابتهإليه.‏ والتزام طاعته،‏ من ترك الذنب تركا مجردا ولم يرجع منه إلى مايحبه االله تعالى لم يكن تائبا.‏ إلا إذا رجع وأقبل وأناب إلى االله عزوجل،‏ وحل عقد الإصرار،‏ وأثبت معنى التوبة في الجنان قبل التلفظباللسان،‏ وأدام الفكر فيما ذكره االله تعالى من تفاصيل الجنة ووعدبه المطيعين،‏ وما وصفه من عذاب النار وتوعد به العاصين،‏ وواظبعلى ذلك حتى يقوى خوفه ورجاؤه.‏ فيدعو االله تعالى رغبا ورهباأن يقبل توبته.‏ ويغسل حوبته،‏ ويحط عنه خطاياه.‏ وذا يكون قدحقق مدلول التوبة بالرجوع عما يكرهه االله إلى ما يحبه ويرضاه،‏بأن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع،‏ويندم بقلبه ويستغفر بلسانه،‏ ويمسك ببدنه.‏فعواقب الذنوب في الآخرة لا تخفى على مسلم عاقل.‏ قالتعالى:‏ ك َل َّا إ ِن َّ كتاب ال ْف ُجار ِ ل َفي سجين ٍ (١) . قال أبو عبيدة١) ( سورة المطففين:‏ .٧


.(٢)٤٠ التوبة من المعاصي والذنوب(١)والأخفش:‏ أي لفي حبس وضيق شديد وقال سبحانه ومنأ َعرض عن ذك ْر ِي ف َإ ِن َّ ل َه معيشة ً ضنك ًا ونحشره يوم ال ْقيامةأ َعمىفالذنوب سبب للنكد وضيق العيش في الدنيا والآخرة لذلككانت التوبة سبيلا قويما لتفريج الهموم وطمأنينة النفس.‏ وراحةالبال في الدنيا والنجاة يوم الحساب.‏فضل التوبة(٣)..أخي القارئ أختي القارئة:‏ إن فضل التوبة عند االله عظيم،‏وإن ثواا جزيل كريم فهي تج ُب ما قبلها من الخطايا والسيئات،‏وترفع لصاحبها الدرجات وتكون سببا لحصول رضي االله ومحبته.‏قال االله تعالى إ ِن َّ الل َّه يحب التواب ِين ويحب ال ْمتط َهر ِين (٤) .عن أبي نجيد عمران بن الحصين الخزاعي ‏–رضي االله عنهما-‏أن امرأة من جهينة أتت رسول االله وهي حبلى من الزنى.‏فقالت يا رسول االله أصبت حدا فأقمه علي‏،‏ فدعا نبي االله وليهافقال:‏ ‏«أحسن إليها فإذا وضعت فأتني»‏ ففعل فأمر ا نبي االله .فشدت عليها ثياا،‏ ثم أمر ا فرجمت،‏ ثم صلى عليها،‏ فقال له.٣٩٩/٥١( )٢( )٣( )فتح القدير للشوكاني،‏سورة طه:‏التوبة حقيقتها ‏–ثمارها،‏ دار ابن خزيمة،‏ ص‎١٠‎‏،ط‎١‎‏،‏الرياض.‏سورة البقرة:‏‎١٤٢١‎ه‏-‏‎٢٠٠٠‎م،‏.١٢٤.٢٢٢٤)(


٤١التوبة من المعاصي والذنوبعمر:‏ تصلي عليها يا رسول االله وقد زنت؟ قال:‏ ‏«لقد تابت توبةلو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضلمن أن جادت بنفسها الله عز وجل»‏ ؟!‏ ففي هذا الحديث دلالةعلى عظم قدر التوبة عند االله جل وعلا.‏ ولولا ذلك لما صلى على تلك المرأة.‏ ولما أخبر أن توبتها تسع سبعين من أهل المدينة.‏فتفكر فيما أسرفت على نفسك من الذنوب والخطايا،‏ وتذكر ماجنته يدك ورجلك،‏ وسمعك،‏ وبصرك من السيئات والآثام،‏وأحدث ْ لذلك توبة نصوحا،‏ وحاسب نفسك اليوم فإنه أهونعليك من أن تحاسب نفسك غدا.‏(١)قال تعالى:‏ يا أ َيها ال َّذين آَمنوا اتق ُوا الل َّه ول ْتنظ ُر نف ْس ماق َدمت لغد واتق ُوا الل َّه إ ِن َّ الل َّه خب ِير ب ِما تعمل ُون َ إذا ًً‏ قدملنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن،‏ بادر ا قبلغلق النفوس.‏ فإا ذخر وغنم للمنيب المحسن.‏.(٢)قال عمر بن الخطاب ‏–رضي االله عنه-:‏ ‏"حاسبوا أنفسكم قبلأن تحاسبوا،‏ وزنوها قبل أن توزنوا،‏ فإنه أهون عليكم في الحسابغدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم،‏ وتزينوا للعرض الأكبر،‏ يومئذتعرضون لا تخفى منكم خافية.‏شروط التوبةالتوبة إلى االله تعالى من أعظم الحسنات؛ لأا تزيل العوائق التي١( )٢رواه مسلم،‏سورة الحشر:‏.١٦٩٦.١٨( )


٤٢ التوبة من المعاصي والذنوبتقوم بين العبد وبين ربه.‏ تلك العوائق الكامنة في النفس من شهوااونزواا.‏ فالتوبة تملأ النفس بالأمل،‏ وتقود القلب إلى مصدر النور.‏فلن تكون التوبة صحيحة مقبولة حتى تتحقق فيها شروط تثبتصدق التائب في توبته.‏قال العلماء:‏ التوبة واجبة من كل ذنب؛ فإن كانت المعصية بينالعبد وبين االله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط.‏الشرط الأول:‏ أن يقلع عن المعصية.‏الشرط الثاني:‏ أن يندم على فعلها.‏الشرط الثالث:‏ أن يعزم ألا يعود إليها أبدا.‏فإن فقد أحد الشروط لم تصح توبته،‏ وإن كانت المعصية تتعلقبآدمي فشروطها ثلاثة:‏-١-٢-٣أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه.‏وإن كان حد قذف ونحوه مك َّنه منه أو طلب عفوه.‏وإن كان غيبة استحلها منه.‏ويجب أن يتوب من جميع الذنوب.‏ فإن تاب من بعضهاصحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقيفاالله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له وحدهمبتغى به وجهه،‏ وموافقا أمره باتباع رسوله . فلا بد أن يكون(١)١) ( من كلام الإمام النووي ‏–رحمه االله.‏


٤٣التوبة من المعاصي والذنوبالعمل خالصا إلى االله تعالى صوابا.‏ أي موافقا للسنة؛ إذ قد يكونالعمل صوابا ولا يكون خالصا،‏ فلا يقبل،‏ وقد يكون خالصا ولايكون صوابا فلا يقبل أيضا.‏ وكان من دعاء بن الخطاب ‏–رضياالله عنه-‏ ‏"اللهم اجعل عملي كله صالحا،‏ واجعله لوجهك خالصا،‏ولا تجعل لأحد فيه شيئا".‏أخي القارئ:‏ بعد أن عرفنا الشروط لا بد من معرفة علاماتقبولها،‏ كما ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين ‏–رحمه االله:‏-١انشراح الصدر والطمأنينة.‏٢- سهولة الطاعة على الإنسان.‏-٣محبة الخير وكراهية الشر.‏أخي القارئ:‏ إن النفس المشغولة بلذة المعصية قلما تخلص عملالخير فليجاهد التائب نفسه لاقتلاع جذور الشر من قلبه،‏ حتىيصبح نقيا خالصا صافيا،‏ تصدر عنه أعمال الخير بنية صالحة مقبولةعند االله.‏ فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال،‏ وإن كانتبترك واجب فعله في الحال،‏ إن كان مما يمكن قضاؤه وإنكانت مما يتعلق بحقوق الخلق تخلص منها وأداها إلى أهلها أواستحلهم منها.‏.فلن تكون التوبة صحيحة حتى يكون نادما آسفا حزينا على مابدر منه من المعاصي.‏ ندما ، ويجب الانكسار بين يدي االله عزوجل،‏ والإنابة إليه من هنا فلا يعد تائبا ونادما ذلك الذي يتحدثبمعاصيه السابقة التي قارفها يفتخر بذلك ويتباهى به،‏ بل هذا من


.٤٤ التوبة من المعاصي والذنوبااهرة التي قال عنها رسول االله : ‏«كل أمتي معافى إلاااهرون»‏(٢)(١)فالتائب يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود فيالمستقبل،‏ والقصد لتدارك ما فات وإصلاح ما يأتي،‏ ودوام الطاعةودوام ترك المعصية إلى الموت.‏ وإذا وصل العبد إلى هذه الدرجة منالعزم الجازم فلا يضر توبته الله مرة أخرى إن ندم وأسف وسارعإلى التوبة.‏ ‏«أذنب عبد ذنبا فقال:‏ اللهم اغفر لي ذنبي.‏فقال تبارك وتعالى:‏ أذنب عبدي،‏ فعلم أن له ربا يغفر الذنبويأخذ بالذنب،‏ ثم عاد فأذنب فقال:‏ أي رب اغفر لي ذنبي،‏ فقالتبارك وتعالى:‏ عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذالذنب،‏ ثم عاد،‏ فأذنب فقال:‏ أي رب اغفر لي ذنبي،‏ فقال تباركوتعالى:‏ أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذبالذنب،‏ اعمل ما شئت فقد غفرت لك»‏ ومعنى قوله فقدغفرت لك أي ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.‏.(٣)قال :ذا يتضح أن التوبة كل متكامل يفقد خصائصه كلها حينيفقد أحد أجزائه.‏ كالمركب يفقد خواصه كلها إذا فقد أحدعناصره.‏ فمن أتى بشرط وأغفل آخر،‏ لا يعتد بتوبته ما لم يحققبقية الشروط.‏١( )٢( )رواه البخاري.‏التوبة إلى االله،‏ د.‏بلنسية،الرياض.‏رواه البخاري٧٥٠٧٣)(صالح غانم السدلان،‏ ص‎٢٢‎‏،‏ ط‎٤‎‏،‏٢٧٥٨ ومسلموانظر لشرحه فتح الباري‎١٤١٨‎ه ، دار.٤٧١/١٣


٤٥التوبة من المعاصي والذنوبباب التوبة مفتوح(١)يقول ابن القيم ‏–رحمه االله-:‏ إذا أراد االله بعبده خيرا فتح لهأبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة بهوصدق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن منالحسنات؛ ما تكون تلك السيئة به سبب رحمته حتى يقول عدو االلهيا ليتني تركته ولم أوقعه.‏ وهذا معنى قول بعض السلف:‏ إن العبدليعمل الذنب يدخل به الجنة،‏ ويعمل الحسنة يدخل ا النار قالوا:‏كيف؟ قال:‏ يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفا منه مشفقاوجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الرأس بين يديهمنكسر القلب له فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة بماترتب عليه من هذه الأمور التي ا سعادة العبد وفلاحه حتى يكونذلك الذنب سبب دخول الجنة.فقد فتح االله سبحانه وتعالى بجوده وكرمه باب التوبة،‏ حيثأمر ا وحض عليها،‏ ووعد بقبولها،‏ سواء كانت من الكفار أوالمشركين،‏ أو المنافقين أو المرتدين،‏ أو الطغاة،‏ أو الملاحدة،‏ أوالظالمين،‏ أو العصاة المقصرين ومن خلال ما يلي يبين لنا شيء منفضل االله ‏–عز وجل-‏ في فتح باب التوبة:(٢)-١أن االله عز وجل أمر بالتوبة قال:‏ وأ َن ِيبوا إ ِل َى ربك ُم١( )٢( )موارد الظمأن لدروس الزمان،‏ الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان،ص‎٤٦‎‏،‏ ج‎١‎‏.‏التوبة وظيفة العمر،‏ محمد إبراهيم الحمد،‏ ص‎٢٣‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢١‎ه ‏-‏‎٢٠٠٠‎م،‏دار ابن خزيمة ‏-الرياض.‏


٤٦ التوبة من المعاصي والذنوب(١)وأ َسلموا ل َه من ق َبل ِ أ َن ْ يأ ْتيك ُم ال ْعذ َاب ث ُم ل َا تنصرون َ قالابن كثير ‏–رحمه االله-‏ في تفسير هذه الآية:‏ أي ارجعوا إلى االلهواستسلموا له.‏ وبادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة.‏..(٢)-٢إن االله وعد بقبول التوبة ‏–مهما عظمت الذنوب قال:‏وهو ال َّذي يق ْبل ُ التوبة َ عن عباده ويعف ُو عن ِ السيئ َات ويعل َم ماتف ْعل ُون َ-٣إن االله حذر من القنوط من رحمته:‏ قال:‏ ق ُل ْ يا عباديال َّذين أ َسرف ُوا عل َى أ َنف ُسِه ِم ل َا تق ْنط ُوا من رحمة الل َّه إ ِن َّ الل َّه يغفرالذ ُّنوب جميعا إ ِنه هو ال ْغف ُور الرحيم.(٣)قال ابن كثير ‏–رحمه االله-‏ قال علي بن أبي طلحة عن ابنعباس ‏–رضي االله عنهما-‏ في هذه الآية:‏ قال:‏ قد دعا االله تعالى إلىمغفرته من زعم أن المسيح هو االله،‏ ومن زعم أن المسيح هو ابناالله،‏ ومن زعم أن عزيزا ابن االله،‏ ومن زعم أن االله فقير،‏ ومن زعمأنه يد االله مغلولة،‏ ومن زعم أن االله ثالث ثلاثة،‏ يقول االله تعالىلهؤلاء:‏ أ َف َل َا يتوبون َ إ ِل َى الل َّه ويستغفرونه والل َّه غ َف ُور رحيم (٤) .قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏–رحمه االله-‏ في الآية:‏ آية الزمر المقصود ا النهي عن القنوط من رحمة االله تعالى وإن عظمتالذنوب وكثرت فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة االله،‏ ولا أن١( )٢سورة الزمر:‏سورة الشورى:‏سورة الزمر:‏سورة المائدة:‏.٥٤.٢٥.٥٣.٧٤( )٣( )٤( )


٤٧التوبة من المعاصي والذنوبيقنط الناس من رحمته.‏ لذا قال بعض السلف،‏ وإن الفقيه كل الفقيهالذي لا يؤيس الناس من رحمة االله ولا يجرئهم على معاصي االله.‏-٤إن االله يبسط يده بالليل،‏ ليتوب مسيء النهار،‏ ويبسط يدهبالنهار،‏ ليتوب مسيء الليل:‏ ‏«إن االله عز وجل يبسط يدهبالليل ليتوب مسيء النهار،‏ ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،‏حتى تطلع الشمس من مغرا»‏قال :.(١)-٥إن االله رتب الثواب الجزيل على التوبة ووعد من تاببالخير الكثير.‏وقال بعض الحكماء:‏ ‏"المعصية بعد المعصية عقاب المعصية،‏والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة،‏ وربما كان العقاب العاجلمعنويا.‏ وقال بعض أحبار بني إسرائيل:‏ يا رب:‏ كم أعصيك،‏ ولاتعاقبني.‏ فقيل له:‏ كم أعاقبك وأنت لا تدري ، أليس قد حرمتكحلاوة مناجاتي؟قال ابن الجوزي ‏–رحمه االله-:‏ ‏"الواجب على العاقل أن يحذرمغبة المعاصي،‏ فإن نارها تحت الرماد،‏ وربما تأخرت العقوبة،‏ وربماجاءت مستعجلة.‏-٦اليأس من رحمة االله:‏ فمن الناس من إذا أسرف على نفسهبالمعاصي،‏ أو تاب مرة أو أكثر فعاد إلى الذنب مرة أخرى ‏–أيسمن رحمة االله،‏ وظن أنه ممن كتب عليهم الشقاوة،‏ فاستمر في١) ( رواه مسلم،‏ .٢٧٥٩


٤٨ التوبة من المعاصي والذنوبالذنوب وترك التوبة إلى غير رجعة،‏ وهذا ذنب عظيم،‏ وقد يكونأعظم من مجرد الذنب الأول الذي ارتكبه؛ لأنه لا ييأس من روحاالله إلا القوم الكافرون.‏ فليجدد التوبة،‏ وليجاهد نفسه في ذات االلهحتى يأتيه اليقين.‏-٧اليأس من توبة العصاة:‏ فمن الناس من يكون في خيرونصح وحب للإصلاح.‏ فتراه يحرص على دعوة العصاة أيا كانتمعاصيهم،‏ فإذا رأى من أحدهم إعراضا من النصح،‏ وصدودا عنالخير،‏ وتماديا في الغواية ‏–أيس من هدايته،‏ وأقصر عن نصحه،‏ وربماجزم بأن االله لن يغفر له،‏ ولن يهديه سواء السبيل.‏ ثم كم من الناسمن يتمادون في الغواية والإجرام،‏ حتى يظن أم يموتون على ذلك.‏ثم يتداركهم الرحمن الرحيم بنفحة من نفحاته،‏ فإذا هم من الأبرارالأخيار.‏فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد،‏ وتصدق في التوبة والإنابةإلى رب العباد ‏–يفتح االله لها-‏ ويرفع من شأا،‏ ويعيدها إلى عزاومجدها وينقذها من وهدا التي انحدرت إليها،‏ وينجيها منالخطوب التي تحيط ا،‏ نتيجة الذنوب التي ارتكبتها،‏ والمنكرات التيأشاعتها من ربا ومجون،‏ وفسق وشرك وبدع وحكم بغير ما أنزلاالله،‏ وموالاة لأعداء االله،‏ وتقصير في تبليغ دعوة االله،‏ والأمربالمعروف والنهي عن المنكر،‏ ونحو ذلك مما هو مؤذن بالعقوبةوحلول اللعنة.‏فإذا تابت إلى را متعها االله بالحياة السعيدة،‏ وجعل لها الصولة


٤٩التوبة من المعاصي والذنوبوالدولة،‏ ورزقها الأمن والأمان،‏ ومكن لها في الأرض قال تعالى:‏ل َيستخلف َنهم الصالحات وعمل ُوا منك ُم آَمنوا ال َّذين الل َّه دعوفي ال ْأ َرض ِ ك َما استخل َف ال َّذين من ق َبله ِم ول َيمك ِّنن ل َهم دينهمال َّذي ارتضى ل َهم ول َيبدل َنهم من بعد خوفه ِم أ َمنا يعبدونن ِي ل َايشر ِك ُون َ ب ِي شيئ ًا ومن ك َف َر بعد ذ َلك ف َأ ُول َئك هم ال ْف َاسق ُون َ.(١)أخي القارئ:‏ الأعمال تطوى والأيام تنقضي،‏ والعمر قصير،‏والأجل قريب،‏ ولا يدري ابن آدم متى يأتيه الموت.‏ قال الشاعر:‏أشاب الصغير وأفنى الكبير مرور الليالي وكر العشيإذا ليلة هرمت أختها أتى بعد ذلك يوم فتينروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لافالتوبة واجبة على الفور من جميع الذنوب،‏ كبيرها وصغيرها،‏قال الإمام النووي ‏–رحمه االله-:‏ ‏"واتفقوا على أن التوبة من جميعالمعاصي واجبة على الفور،‏ ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصيةصغيرة أو كبيرة".‏١) ( سورة النور:‏ .٥٥


٥٠ التوبة من المعاصي والذنوبوقت التوبةالتوبة مقام ينبغي أن يستصحبه العبد من أول ما يدخل فيه إلىآخر عمره،‏ وعموم الناس محتاجون إلى التوبة دائما وعلى الخلقجميعا أن يتوبوا وأن يستديموا عليها،‏ قال االله تعالى:‏ وتوبوا إ ِل َىالل َّه جميعا أ َيها ال ْمؤمنون َ ل َعل َّك ُم تف ْلحون َ.(١)(٢)فالتوبة واجبة وجوبا مطلقا مدى العمر ووقتها مدة العمر.‏وهي غاية كل مؤمن،‏ وقد قال االله تعالى لأفضل الأنبياء محمد :ل َق َد تاب الل َّه عل َى النب ِي وال ْمهاج ِر ِين وال ْأ َنصار ِ ال َّذين اتبعوه فيساعة ال ْعسرة من بعد ما ك َاد يز ِيغ ُ ق ُل ُوب ف َر ِيق ٍ منهم ث ُم تابعل َيه ِم إ ِنه ب ِه ِم رءُوف رحيم..(٣)والعبد محتاج إلى التوبة والاستغفار مطلقا في كل وقت وحين،‏فإذا كان النبي قد أمر أن يختم أعماله بالتوبة والاستغفار في قولهتعالى:‏ إ ِذ َا جاءَ‏ نصر الل َّه وال ْف َتح ورأ َيت الناس يدخل ُون َ فيدين ِ الل َّه أ َف ْواجا ف َسبح ب ِحمد ربك واستغفره إ ِنه ك َان َتوابا**.(٤)فغير النبي أحوج إلى هذا منه،‏ فليجمع العبد همته وعزمه،‏.٣١١( )٢( )سورة النور:‏التوبة إلى االله،‏ د.‏ صالح السدلانن ص‎٢٦‎‏،‏ ط‎٥‎‏،‏والتوزيع ‏-الرياض.‏سورة التوبة:‏سورة النصر.‏‎١٤١٨‎ه دار بلنسية للنشر.١١٧٣)٤(( )


٥١التوبة من المعاصي والذنوبوليحاسب نفسه،‏ وليتب إلى االله حتى الممات.‏ وما من عبد إلا وقداقترف ذنبا وفعل إثما.‏ ‏«وكل بن آدم خطاء»‏.(١).(٢)فقد أقسم إبليس بعزة االله تعالى ‏–أنه لا يفارق ابن آدم بالغوايةوالإضلال ما دام روحه في جسده.‏عن أبي سعيد ‏–رضي االله عنه-‏ عن النبي قال:‏ ‏«قالإبليس:‏ يا رب وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم فيأجسادهم،‏ فقال االله عز وجل.‏ وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم مااستغفروني»‏ فباب التوبة مفتوح يثوب إليه الشاردون.‏فيستردون أنفسهم من تيه الضلال،‏ ويعملون عملا صالحا إنقدر لهم امتداد في العمر،‏ قبل أن يأتي يوم لا ينفع نفسا إيماا لمتكن أمنت من قبل،‏ أو كسبت في إيماا خيرا.‏ فمتى حشرجتالروح في الحلق،‏ وعاين ملك الموت.‏ وضاق ا الصدر،‏ وبلغتالروح الحلقوم،‏ وغرغرت النفس في الحلق فلا توبة ويبدأ وقتالتوبة عندما يستشعر القلب جلال ربه وعظمة خالقه،‏ فيعلن التوبةبالرجوع إلى االله تعالى بسلوك صراطه المستقيم الذي نصبه لعبادهموصلا إلى رضوانه،‏ وأمرهم بسلوكه بقوله تعالى:‏ وأ َن َّ هذ َاصراطي مستقيما ف َاتب ِعوه ول َا تتب ِعوا السبل َ ف َتف َرق ب ِك ُم عن سب ِيلهذ َلك ُم وصاك ُم ب ِه ل َعل َّك ُم تتق ُون َ.(٣)١( )٢( )٣( )رواه الترمذي.‏رواه الإمام أحمد في المسند.‏سورة الأنعام:‏.١٥٣


.(١).(٣)٥٢ التوبة من المعاصي والذنوبفيتوب قبل أن يتبين له الموت أو المرض وينشئ بتوبته صلاحافي القلب،‏ وصلاحا في الحياة ما دام مكلفا،‏ فالرجاء حينئذ باقويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل،‏ وهذا هو المقصود بقولهتعالى:‏ إ ِنما التوبة ُ عل َى الل َّه لل َّذين يعمل ُون َ السوءَ‏ ب ِجهال َة ث ُميتوبون َ من ق َر ِيب ٍ ف َأ ُول َئك يتوب الل َّه عل َيه ِم وك َان َ الل َّه عليماحكيماأي الذين يرتكبون الذنوب ويضلون طريق الهدى عن جهالة،‏طال أمد ذلك أم قصر،‏ ما دامت تلك الجهالة لا تستمر حتى تبلغالروح الحلقوم.‏ إذا ً فهي موافقة لمحلها.‏(٢)قال رسول االله : ‏«إن االله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»‏ .فلا يجوز تضييع الوقت بالاشتغال بالمعصية أو اللغو أو الإعراض عنواجب أو فرض.‏عن صفوان بن عسال قال:‏ قال رسول االله : ‏«إن من قبلمغرب الشمس بابا مفتوحا عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك البابمفتوحا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه،‏ فإذا طلعت من نحوه،‏ لمينفع نفسا إيماا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمااخيرا»‏وقال ابن هبيرة:‏ ‏"النفس المؤمنة إن لم تكسب في إيماا خيرا.١٧١( )٢( )٣( )سورة النساء:‏رواه الترمذي عن ابن عمر وحسنه ورواه غيره.‏رواه ابن ماجة ٤٠٧٠ في الفتن باب طلوع الشمس من مغرا.‏


٥٣التوبة من المعاصي والذنوب*حتى طلعت الشمس من مغرا لم ينفعها ما تكسبه.‏فعليك المبادرة إلى التوبة قبل الفوات.‏ والحذر الحذر من فعلالسيئات قبل أن يقول المذنب:‏ حتى إ ِذ َا جاءَ‏ أ َحدهم ال ْموت ق َال َرب ارج ِعون ل َعل ِّي أ َعمل ُ صالحا فيما ترك ْت ك َل َّا إ ِنها ك َلمة ٌ هوق َائل ُها ومن ورائه ِم برزخ إ ِل َى يوم ِ يبعث ُون َ.(١)* * *١) ( سورة المؤمنون:‏ .١٠٠-٩٩


.٥٤ التوبة من المعاصي والذنوبقبول التوبة(١)والتوبة المقبولة من االله تنقسم إلى قسمين :(٢)أولا:‏ توفيقه لعبده أن يتوب.‏ كما قال تعالى:‏ ث ُم تاب عل َيه ِمليتوبواأي وفقهم للتوبة ليتوبوا.‏.(٣).(٤)ثانيا:‏ قبولها منه.‏ كما قال تعالى:‏ وإ ِني ل َغف َّار لمن تاب وآَمنوعمل َ صالحا ث ُم اهتدى ويجمعها قوله تعالى:‏ وأ َنا التوابالرحيموهي من العبد:‏ الرجوع والإنابة إلى االله عز وجل،‏ والإخلاصله مع الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها،‏ والعزم على عدمالعودة إليها،‏ وأن تكون في وقتها المناسب.‏(٥)‏«إن االله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»‏ وبلوغالروح الحلقوم يعاين ما يصير إليه من رحمة أو هوان ولا ينفع حينئذتوبة،‏ ولا إيمان كما قال االله في محكم البيان:‏ ف َل َم يك ينف َعهمإ ِيمانهم ل َما رأ َوا بأ ْسنا سنة َ الل َّه ال َّتي ق َد خل َت في عباده وخسِر.قال :١( )٢)٣(( )٤( )٥( )التوبة وشروطها وممن تقبل ومتى؟،‏ د.‏ سليمان إبراهيم اللاحم،‏ ص‎٦‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏‎١٤٢٤‎ه،‏ دار العاصمة للنشر والتوزيع ‏-الرياض.‏سورة التوبة:‏سورة طه:‏سورة البقرة:‏أخرجه من حديث ابن عمر الترمذي في الدعوات وابن ماجه في الزهد وغيرهم.‏.١١٨.٨٢.١٦٠


٥٥التوبة من المعاصي والذنوب.(٣)..(٤).(٢)(١)هنالك ال ْك َافرون َ وقال تعالى:‏ ول َيست التوبة ُ لل َّذين يعمل ُون َيعمل ُون َ السيئ َات حتى إ ِذ َا حضر أ َحدهم ال ْموت ق َال َ إ ِني تبتال ْآَن َوعن أبي سعيد الخدري ‏–رضي االله عنه-‏ عن النبي : قال:‏‏«إن الشيطان قال:‏ وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامتأرواحهم في أجسادهم.‏ قال الرب عز وجل:‏ وعزتي وجلالي لاأزال أغفر لهم ما استغفروني»‏وإذا كانت التوبة تقبل قبل حضور الموت ولو بزمن قليل،‏فقبولها قبله من باب أولى.‏ قال تعالى:‏ ورحمتي وسعت ك ُل َّ شيءٍ‏ف َسأ َك ْتبها لل َّذين يتق ُون َ ويؤتون َ الزك َاة َ وال َّذين هم ب ِآَياتنايؤمنون َ وقال تعالى:‏ وهو ال َّذي يق ْبل ُ التوبة َ عن عبادهويعف ُو عن ِ السيئ َات ويعل َم ما تف ْعل ُون َ وقال تعالى:‏ وإ ِنيل َغف َّار لمن تاب وقال تعالى:‏ وك َان َ حقا عل َينا نصرال ْمؤمن ِين.(٥).(٦).(٧)وعن معاذ بن جبل‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ كنت رديف النبي.٨٥.١٨١( )٢( )٣( )٤( )٥( )٦( )٧( )سورة غافر:‏سورة النساء:‏أخرجه أحمد وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة.‏سورة الأعراف:‏سورة الشورى:‏سورة طه:‏سورة الروم:‏.١٥٦.٢٥.٨٢.٤٧


٥٦ التوبة من المعاصي والذنوبعلى حمار فقال:‏ ‏«يا معاذ أتدري ما حق االله على العباد،‏ وماحق العباد على االله»؟ قلت االله ورسوله أعلم.‏ قال ‏«حق االله علىالعباد ألا يشركوا به شيئا،‏ وحق العباد على االله ألا يعذب من لايشرك به شيئا»‏:.(١).(٢)فهو سبحانه الذي من على من شاء من عباده،‏ فوفقهم للعمل.‏ومن الدین عليهم بقبوله منهم وأثابتهم عليه،‏ ولهذا يسمي سبحانهجزاء الأعمال وثواا أجرا قال تعالى:‏ وإ ِن ْ تؤمنوا وتتق ُوا ف َل َك ُمأ َجر عظيموكما يسمي سبحانه الصدقة قرضا.‏ قال تعالى:‏ إ ِن َّال ْمصدقين وال ْمصدق َات وأ َق ْرضوا الل َّه ق َرضا حسنا تفضلامنه وامتنانا وإحسانا،‏ وأنه سبحانه ألزم نفسه بالثواب لمن عملصالحا ولقد أحسن القائل.‏ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا عمل لديه ضائعإن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع.(٣)فالعمل الصالح إنما هو سبب لدخول الجنة،‏ ودخولها إنما هوبرحمة االله،‏ الذي كتب على نفسه الرحمة شرعا وسمعا،‏ ولهذا قال: ‏«لن يدخل أحدكم الجنة بعمله».‏ قالوا:‏ ولا أنت يا رسول١( )٢( )٣( )أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.‏سورة آل عمران:‏سورة الحديد:‏.١٧٩.١٨


٥٧التوبة من المعاصي والذنوباالله؟ قال:‏.(٣).(٤)(١)‏«ولا أنا إلا أن يتغمدني االله برحمة منه وفضل»‏ .قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏–رحمه االله:‏ ‏"كل مؤمن لا بد لهمن التوبة ولا يكمل أحد إلا ا"‏ وقال أيضا:‏ ‏"وليست التوبة نقصا،‏بل هي من أفضل الكمالات،‏ واالله قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبةوالاستغفار،‏ عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم"‏ وقد قيل:‏‏"رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزاواستكبارا"‏ فكل عامل للسوء فإنما يعمله بجهالة وسفه وعدم رشد،‏وأن كل ذنب عصي االله به فهو جهالة،‏ سواء كان فاعله عالما أوجاهلا،‏ ذاكرا أو ناسيا،‏ متعمدا أو مخطئا،‏ مختارا أو مكرها.‏ لقولهتعالى:‏ لل َّذين يعمل ُون َ السوءَ‏ ب ِجهال َة (٢) .وقال ابن تيمية:‏ فمن عصى االله فهو جاهل أيا كان،‏ ومنأطاعه فهو عالم،‏ ولهذا قال تعالى:‏ إ ِنما يخشى الل َّه من عبادهال ْعل َماءُ‎ فكل عالم يخشاه،‏ فمن لم يخش االله فليس من العلماء،‏بل من الجهال.‏ قال ابن مسعود:‏ كفى بخشية االله علما،‏ وكفىبالاغترار به جهلا.‏ وقال رجل للشعبي:‏ أيها العالم.‏ فقال:‏ إنما العالممن يخشى االله.‏فعليك يا عبد االله المبادرة إلى التوبة لقوله:‏ ث ُم يتوبون َ منق َر ِيب ٍ أي:‏ قبل حضور الموت.‏ وإذا كان الإنسان لا يدري١( )٢( )٣( )٤( )أخرجه البخاري وابن ماجة من حديث أبي هريرة ‏–رضي االله عنه.‏سورة النساء‎١٧‎‏.‏سورة فاطرسورة النساء.٢٨.١٧


..:٥٨ التوبة من المعاصي والذنوبمتى يحضره الموت،‏ ويفجؤه الأجل،‏ فالواجب عليه قبل الموت التوبةحتى لا يأتيه الموت على غرة،‏ وهو مقيم على المعصية.‏قال رسول االله لعبد االله بن عمر ‏–رضي االله عنهما:‏ ‏«كنفي الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».‏أخي القارئ أختي القارئة:‏ قبول التوبة،‏ أو ردها خاضعلأمر االله ومشيئته،‏ ولكن من شروطها،‏ سبق وذكرنا قبولها علىوجه العموم أن يقلع العاصي عن المعصية،‏ أن يندم على فعلها،‏وأن يعزم ألا يعود إليها.‏ ويزاد في حقوق الآدميين،‏ فعليه أن يؤديلصاحب الحق حقه،‏ أو نظير حقه،‏ ويحصل على مسامحته له مندون إكراه بردها إليهم وطلب العفو والصفح منهم.‏ إذا ً قدملنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر ا قبلغلق النفوس فإا ذخر وغ ُنم للمنيب المحسن.‏


٥٩التوبة من المعاصي والذنوبأمور تعين على التوبة والاستمرار عليهاإخلاص النية الله تعالى في التوبة وجميع الأعمال الأخرى.‏أن يجتهد التائب قدر المستطاع في عمل أعمال صالحة تثبتهبعد توفيق االله على الخير.‏-١-٢-٣–أن يستشعر قبح وفداحة الذنب أو الذنوب التي ارتكبها،‏وضررها عليه في الدنيا والآخرة.‏-٤-٥أن يبتعد عن المكان الذي كانت تمارس فيه المعصية.‏إتلاف الأدوات المحرمة التي كان يعمل ا المعصية.‏ أو كلما يذكره بتلك المعصية.‏-٦أن بجد لنفسه رفقة صالحة تعينه على الخير،‏ وألا يجالسرفقاء السوء الذين كانوا يعملون المعاصي معه.‏-٧أن يداوم على قراءة آيات التخويف للمذنبين في القرآنالكريم والسنة المطهرة.‏ لتزجره عن الرغبة في العودة للغفلة وكذلكآيات قبول التوبة والترغيب ا.‏-٨-٩أن يتذكر أن العقوبة المعجلة قد تأتيه في أي وقت.‏أن يداوم على ذكر االله سبحانه وتعالى.‏


.(١).(٢)(٣)٦٠ التوبة من المعاصي والذنوبعلامات صدق التائبلا يعتبر مجرد التلفظ بالتوبة دليلا على الصدق فيها،‏ ما لم يأتالتائب بعلامات تكون ترجمة عملية للتوبة.‏ ومن العلامات الدالةعلى صدق التائب-١الإقلاع الفعلي عن الذنب،‏ والأخذ في مقابله من أعمالالطاعة،‏ وهذا دليل حساسية القلب وانتفاضه وشعوره بالإثم،‏ورغبته في التوبة.‏-٢العزم والقصد لتدارك ما فات،‏ وإصلاح ما يأتي،‏ فإن كانالماضي تفريطا في عبادة قضاها،‏ أو مظلمة أداها،‏ أو خطيئة لاتوجب غرامة حز ِن َ إذ ْ تعاطاها،‏ وهذا دليل على تعظيم االله في قلبهواشتداد خوفه منه ورجائه إياه،‏ وطمعه فيما عنده.‏-٣أن تضيق الأرض عليه كما ضاقت على كعب بن مالكوصاحبيه فيستولى عليه الحزن والبكاء،‏ فيشغله عن اللهووالضحك.‏-٤أن تكون الحالة بعد التوبة خيرا مما كان قبلها.‏ قال االلهتعالى:‏ ف َتل َق َّى آَدم من ربه ك َلمات ف َتاب عل َيه إ ِنه هو التوابالرحيم١( )٢( )٣( )التوبة إلى االله،‏ ص‎٥٨‎‏.‏انظر قصته في الصحيحين،‏ صحيح البخاري،‏سورة البقرة:‏٤١٥٦، كتاب.٣٧المغازي.‏


٦١التوبة من المعاصي والذنوب*-٥أن لا يأمن مكر االله طرفة عين فقال تعالى:‏ وال َّذين هممن عذ َاب ِ ربه ِم مشفق ُون َ إ ِن َّ عذ َاب ربه ِم غ َير مأ ْمون.(١).(٢)فيصحبه الخوف طيلة حياته،‏ ويستمر على ذلك حتى يسمعقول الرسول لقبض روحه:‏ إ ِن َّ ال َّذين ق َال ُوا ربنا الل َّه ث ُم استق َامواتتنزل ُ عل َيه ِم ال ْمل َائك َة ُ أ َل َّا تخاف ُوا ول َا تحزنوا وأ َبشروا ب ِال ْجنة ال َّتيك ُنتم توعدون َعاقبة.‏-٦-٧أن يتألم ويندم ويأسف على ما فرط منه،‏ وخوفا من سوءأن يذكر دائما سرعة لقاء ربه ويترقب في كل لحظة نزولالموت به وأنه أقرب إليه من شراك نعله.‏ قال رسول االله : ‏«الجنةأقرب إلى أحدكم من شراك نعله،‏ والنار مثل ذلك»‏.(٣)-٨ومن أقوى علامات صدقه في التوبة:‏ محبة االله ورسولهومحبة المؤمنين فيه والإتيان من العمل بما تقتضيه هذه المحبة.‏التوبة التامةتوبة يجمع العبد فيها كل عزمه وإرادته،‏ مبادرا به عازما علىالمضي فيها إلى آخر عمره،‏ مقلعا عن الذنب وهو يحدث نفسه ألايعود إليه،‏ كما لا يعود اللبن إلى الضرع.‏١( )٢سورة المعارج:‏سورة فصلت:‏رواه البخاري.‏.٢٨-٢٧.٣٠( )٣( )


٦٢ التوبة من المعاصي والذنوبتوبة تبدأ بالندم،‏ وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة وتظل تذكرالقلب بعدها،‏ وتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها،‏ وتحضه علىألا يعود إلى الذنب أبدا،‏ وأن تكون الله،‏ لا حفظا للصحة أو المال،‏أو حرصا على حظ من متاع الدنيا،‏ أو خوفا من عقاب أحد،‏ أوسطوة قانون،‏ أو عدم وجود ما يعينه على المعصية،‏ لكنه يهجرالذنب كي لا يغضب االله ورسوله.‏ثم اعلم أن على كل عضو من أعضاء الإنسان توبة:‏ فتوبة العينكفها عن النظر إلى المحارم،‏ وتوبة اليد كفها عن تناول المحرم،‏ وتوبةالسمع كفه عن سماع المحرم،‏ وتوبة الفرج كفه عن الزنا وهكذا.‏..وأن يستدرك العبد ما فاته،‏ فيؤدي كل فرض ضيعه،‏ ويريد إلىكل ذي حق حقه من المظالم،‏ ويشغل البدن الذي استعمله فيالسحت والحرام بطاعة االله تعالى وامتثال أوامره والتغذي بالحلال،‏والبعد عن مواطن الشبهات والحرام.‏** *


٦٣التوبة من المعاصي والذنوب:(٢)(١)التوبة النصوحأما التوبة النصوح فقد عرفها ابن كثير ‏–رحمه االله تعالى-‏بقوله:‏ ‏"توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعثالتائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات».‏ثمار التوبةوثمار التوبة يتذوق حلاوا من عرف حقيقة التوبة وتعبد االلها،‏ فهي سبب كل خير وفلاح وسبب طمأنينة النفس،‏ واستكانةالروح،‏ وطرب القلب،‏ ونشوته،‏ وفرحته،‏ فإن االله جل وعلا يحبالتائب ويفرح بتوبته،‏ ويورثه في قلبه حلاوة،‏ وسعادة وفرحا،‏ ومنأهم ثمار التوبة-١رضي االله تبارك وتعالى:‏ التائب إلى االله سبحانه محبوبعند االله،‏ مؤيد بعونه،‏ مصان محفوظ من كل سوء وبلية،‏ تتنزل عليهالرحمات،‏ وتتغشاه البركات،‏ وتستجاب له الدعوات.‏ قال تعالى فيالحديث القدسي:‏ ‏«فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به،‏ وبصرهالذي يبصر به،‏ ويده التي يبطش ا،‏ ورجله التي يمشي ا،‏ وإنسألني أعطيته،‏ ولئن استعاذني لأعيذنه»‏.(٣)١( )٢)(٣)(لا بأس طهور إن شاء االله،‏ عبد العزيز محمد بن عبد االله السدحان،‏ تقديم مفتي عامالمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ،‏ ص‎١٠‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٦‎ه ‏-‏‎٢٠٠٥‎م،‏ دارالعاصمة ‏-الرياض.‏التوبة حقيقتها ثمارها،‏ دار ابن خزيمة،‏ ص‎١٢‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢١‎ه-‏‎٢٠٠٠‎م،‏الرياض.‏رواه البخاري.‏


*.(٣)(٢)٦٤ التوبة من المعاصي والذنوب-٢طمأنينة النفس:‏ إن ضرر المعاصي على الأزواج والنفوسأخطر من ضرر الأمراض على الأجساد.‏ بل إن ضرر المعصية يشملالروح والبدن.‏ فترى العاصي قد اجتمعت عليه أنواع الهموموالغموم،‏ وألوان الوساوس والهواجس،‏ فلا تجده إلا قلقا فزعاخائفا،‏ وما ذلك إلا بسبب ما اقترفه من المعاصي والخطيئات،‏ لذلككانت التوبة طمأنينة للنفس،‏ وسعادة للقلب،‏ قال الإمام الحسنالبصري ‏–رحمه االله-:‏ ‏"الحسنة نور في القلب وقوة في البدن،‏والسيئة ظلمة في القلب ووهن في البدن،‏ فالتوبة دواء لأمراضالنفس والبدن تقتضي الصبر ومطالعة الثواب من عند االله.‏ فهي دواءيصقل القلوب ويجلي عنها أسباب الضيق والضنك وهو الران.‏ قال(١)تعالى:‏ ك َل َّا بل ْ ران َ عل َى ق ُل ُوب ِه ِم ما ك َانوا يك ْسِبون َ والقلوبإذا أزيل عنها الران أصبحت خفيفة مرحة لا تعرف اليأس ولايصيبها النكد.‏-٣اجتناب سخط االله عز وجل:‏ إن التوبة وقاية من عذاباالله وعقابه،‏ ذلك لأن الذنوب موجبة للسخط والنكال،‏ والتوبةماحية للذنوب ناسخة لها.‏ قال تعالى عن يونس ‏–عليه السلام-‏ف َل َول َا أ َنه ك َان َ من ال ْمسبحين ل َل َب ِث َ في بط ْن ِه إ ِل َى يوم ِيبعث ُون َ وإنما كان تسبيح يونس:‏ ل َا إ ِل َه إ ِل َّا أ َنت سبحانك إ ِنيك ُنت من الظ َّالمين١( )٢سورة المطففين:‏سورة الصافات:‏سورة الأنبياء:‏.١٤.١٤٤-١٤٣.٨٧( )٣( )


٦٥التوبة من المعاصي والذنوبفتفكر وفقك االله في أن الذنوب تنقضي لذاا وتبقى تبعاا،‏وأن التوبة هي فصل ما بين العبد وبين العقاب.‏ فعن أبي هريرةرضي االله عنه-‏ عن النبي قال:‏ ‏«إن االله يغار وإن المؤمن يغار،‏وغيرة االله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه»‏–.(١)–فتذكر يا عبد االله-‏ أنك بشر،‏ وأن أحكام البشرية جاريةعليك من السهو والغفلة والنسيان والخطأ وغلبة الطبع.‏ وهذايقتضي أن تكون ملازما للتوبة في كل حين لأا تجير ما بدر منكمن زلل وما اقترفته من قبيح العمل.‏١) ( رواه مسلم.‏


(٢)٦٦ التوبة من المعاصي والذنوب(١)فوائد التوبة.اعلم يا عبد االله:‏ أن للتوبة فوائد عظيمة وكثيرة ويكفي التائبأن يكون عند االله من أهل العدالة لقوله تعالى:‏ نمو ل َم يتبف َأ ُول َئك هم الظ َّالمون َ فيعرف الشيء بنقيضه،‏ ونقيض الظلمالعدالة وهي صفة التائبين ومن هذه الفوائد ما يلي:‏١- سلاح خلقي:‏ وهي من الأسلحة الإيمانية،‏ بل هي سلاحفتاك إذا استعمله الإنسان في حق نفسه فإنه يغير طبيعة حياته.‏ لهذاقال الكاتب الهولندي ‏(فرانزستال)‏ في مقال له نشر في الةالإسلامية التي تصدرها الجمعية الإسلامية في وولنج بإنجلتراالتوبة في الإسلام هي وسيلة تغير الأفراد أنفسهم،‏ وهي سلاحخلقي عظيم،‏ ففيها الندم والتغير والتحول".‏" نإ-٢-احترام الذات:‏ إن من أجمل فوائد التوبة أن يحترم الإنسانذاته وكيانه.‏ بعد أن كان يحتقرها ويكرهها،‏ حين كانت ساقطة منعينيه أثناء المعصية.‏ أما بعد التوبة فإن الواقع النفسي يختلف؛ حيثيحب التائب نفسه ويحترمها،‏ ويكون ذلك بيان الأمور التالية:‏إن التوبة تفتح الأمل أمام الإنسان القلق الذي حطمته ذنوبهوآثامه؛ حيث يجعله الأمل بعد التوبة يشعر براحة نفسية.‏١( )المنتقى من الفوائد الإيمانية،‏ مصطفى حقي،‏ ص‎٣٠‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏دار طويق،‏ الرياض.‏سورة الحجرات:‏‎١٤٢٤‎ه-‏‎٢٠٠٣‎م،‏.١١٢)(


٦٧التوبة من المعاصي والذنوب(١)--إن التوبة تؤدي بصاحبها إلى احترام ذاته بعدما كان يعلنالحرب عليها ويحتقرها بسبب الآثام.‏إن التوبة تدفع صاحبها إلى التحرر من الشعور بالذنبوالخوف.‏-٣البركة بالعمل والرقة بالقلب:‏ أخي التائب إن للتوبة آثارافي القلب،‏ ولهذا أخبر ابن قيم الجوزية ‏"إن التوبة توجب علىالتائب:‏ المحبة والرقة واللطف،‏ وشكر االله وحمده والرضا عنهوعبوديات أخرى.‏ فإذا تاب إلى االله توبته،‏ فيترتب له على ذلكالقبول أنواع من النعم التي لا يهتدي العبد لتفاصيلها،‏ بل لا يزاليتقلب في بركاا وآثارها ما لم ينقضها ويفسدها.‏-٤تبديل السيئات:‏ لقوله تعالى إ ِل َّا من تاب وآَمن وعمل َعمل ًا صالحا ف َأ ُول َئك يبدل ُ الل َّه سيئ َاته ِم حسنات وك َان َ الل َّهغ َف ُورا رحيما وهذه أعظم الفوائد التي ترغب التائب في أنيتوب في كل لحظة من حياته،‏ فتجب التوبة ما قبلها من السيئات،‏ويكون المرء دائما كما ولدته أمه طاهرا نقيا،‏ بعد إعلان التوبةالصادقة.‏من هم التائبون؟هم الذين إذا فعلوا سيئة أو فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروااالله،‏ فندموا وتابوا وآمنوا،‏ ورجعوا إلى االله من قريب،‏ واستغفروا١) ( سورة الفرقان:‏ .٧٠


-----٦٨ التوبة من المعاصي والذنوبلذنوم،‏ ولم يستمروا على ما فعلوا من المعصية غير مقلعين عنها،‏وعزموا أن لا يعودوا إليها أبدا.‏ وأتبعوا توبتهم الأعمال الصالحة.‏التائب:‏ صادق العبارة جم المشاعر،‏ جياش الفؤاد.‏ مشبوبالضمير.‏التائب:‏ منكسر القلب،‏ غزير الدمعة،‏ حي الوجدان،‏ قلقالأحشاء.‏التائب:‏ بين الرجاء والخوف،‏ والسلامة والعطب والنجاةوالهلاك.‏التائب في قلبه حرقة،‏ وفي وجدانه لوعة،‏ وفي وجهه أسى،‏وفي دمعه أسرار.‏التائب:‏ له في كل واقعة عبرة،‏ فالحمام إذا غرد بكى،‏ والطيرإذا صاح ناح،‏ والبلبل إذا شدا تذكر،‏ والبرق إذا لمع اهتز.‏قال عمر بن الخطاب ‏–رضي االله عنه-:‏ ‏"اجلسوا إلى التوابينفإم أرق أفئدة فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"‏ وقدجعل االله تعالى باب التوبة مفتوحا على مصراعيه.‏ ولن يغلقه حتىتطلع الشمس من مغرا.‏وقال أبو يزيد البسطامي ‏–رحمه االله-:‏ علامات التائب خمس:‏إذا ذكر نفسه افتقر،‏ وإذا ذكر ذنبه استغفر،‏ وإذا ذكر الدنيا اعتبر،‏وإذا ذكر الآخرة استبشر،‏ وإذا ذكر المولى افتخر.‏


٦٩التوبة من المعاصي والذنوبقال أحد الشعراء:‏إلهي تبت عما كان منيوعاملني بلطفك يا إلهيوكن يوم القيامة لي معيناالتائب يناجي ربه.(٢)فكف ر س يئاتي وارض ع نيولا تقطع لأجل الذنب منيوأحسن بي كما أحسنت ظني(١)يتقلب التائب في الليل الداجي يبكي ويناجي،‏ فيقال له:‏مالك أطلعنا فسترنا،‏ وعرفنا فعذرنا،‏ وعلمنا فحملنا،‏ وقدرنافغفرنا!‏قال التائب:‏ يا رب أذنبت:‏ قال الرب:‏ وأنا غفرت،‏ قالالتائب:‏ ذنوبي تجل عن الإحصاء،‏ قال الرب:‏ ولو بلغت عنانالسماء.‏ قال التائب:‏ يا رب أهلكتني السيئات،‏ قال الرب:‏ إنالحسنات يذهبن السيئات.‏قال التائب:‏ يا رب تسامحنا على ما فات أما تحاسبنا على تلكالزلات؟ فقال الرب:‏ بل أبدل السيئات حسنات.‏ قال التائب:‏ لاأكرم منك أحد،‏ قال االله:‏ أنا الصمد!‏ ق ُل ْ يا عبادي ال َّذين أ َسرف ُواعل َى أ َنف ُسِه ِم ل َا تق ْنط ُوا من رحمة الل َّه إ ِن َّ الل َّه يغفر الذ ُّنوب جميعاإ ِنه هو ال ْغف ُور الرحيم٢٠٠٦١( )ضحايا الحب للدكتور عائض القرني،‏ ص‎٥١‎‏،‏ ط‎٥‎‏،‏العبيكان،‏ الرياض.‏سورة الزمر:‏‎١٤٢٧‎ه-‏مكتبة.٥٣٢)(


٧٠ التوبة من المعاصي والذنوبأيها التائب:‏ أبشر فإن تذكرك لذنبك طاعة منك لربك،‏ كلمااحترق قلبك بنار الندم،‏ ذابت جبال الخطايا والهم،‏ كلما أطار الهمنومك وكدر الحزن يومك غسلت سيئاتك ومحوت خطيئاتك،‏التائب حبيب االله وصديق عباده،‏ وضيف رحمته،‏ ووافد جنته،‏ومستحق كرامته،‏ وحائز قربه.‏التائب يحبه المرسلون لأنه صدق قيلهم،‏ واتبع سبيلهم،‏ واقتفىدليلهم،‏ والتائب تحبه الملائكة،‏ لأم يستغفرون له،‏ ويفرحونبطاعته،‏ ويحبون توبته،‏ والتائب يحبه المؤمنون،‏ لأنه أعام علىنفسه،‏ وجاهد معهم شيطانه،‏ وأرضى إلههم وإلهه.‏دمع التائب على صدق صاحبه برهان وعلى صحة توبتهسلطان أيها التائب:‏ الآن عرفت فالزم،‏ ووصلت فاسلم،‏ وحصلتفاغنم،‏ فتقدم ولا تحجم،‏ الباب أمامك مفتوح،‏ والعطاء من ربكممنوح،‏ والكرم منه يغدو ويروح.‏واالله واالله ما أبكي على طللأقفى وأفقر من أهل وسكانولا بكي ت عل ى واد الغض ا س حراأو خيم ة ب ين روض الطل ح والب انوما ذرفت دموعي في الهوى سفهالفيء خل ولا تذكار جيرانلك ن ل ذكر ذن وب ليت ها محي تبعفو رب وغفران وإحسان


التوبة من المعاصي والذنوب٧١


٧٢ التوبة من المعاصي والذنوبالاستقامة بعد التوبةالشيخ سيد قطب ‏–رحمه االله-‏ يعالج قضية الاستقامة بعدالتوبة.‏ وكيفية سد الفراغ الشيطاني في النفس بعوض إيمان عمليبقوله:‏‏"فالتوبة تبدأ بالندم والإقلاع عن المعصية،‏ وتنتهي بالعملالصالح الذي يثبت أن التوبة صحيحة وأا جدية،‏ وهو في الوقتذاته ينشئ التعويض الإيجابي في النفس بالإقلاع عن المعصية،‏فالمعصية عمل وحركة،‏ يجب ملء فراغها بعمل مضاد وحركة،‏ وإلاحنت النفس إلى الخطيئة بتأثير الفراغ الذي تحسنه بعد الإقلاع»‏.(١)ويقول الأستاذ الفاضل/‏ محمد خير رمضان يوسف في كتابه:‏‏(لا سلام مع الشيطان وأعوانه،‏ يعني لا سلام مع الشر وأهله،‏ ولاسلام مع الباطل ومعتنقيه،‏ ولا سلام مع النفس الأمارة بالسوء)‏.(٢)..أخي القارئ أختي القارئة:‏ عقلكم يحثكم على التوبة،‏وهواكم يمنعكم،‏ والحرب بينهما،‏ فلو جهزم جيش عزم فر العدو،‏تنوون قيام الليل،‏ فتنامون،‏ وتحضرون االس فلا تبكون،‏ كمتقولون ما السبب:‏ ق ُل ْ هو من عند أ َنف ُسِك ُم (٣) .١( )٢)(٣)(قطار المستغفرين إلى ديار التائبين،‏ جاسم بن محمد بن بدر المطوع،‏ ص‎١٠٨‎‏،‏ط‎٢‎‏،‏ ‎١٤١٢‎ه ‎١٩٩٢‎م،‏ دار الوفاء ‏-مصر.‏هكذا قلت،‏ محمد خير رمضان يوسف،‏ ص‎٧٦‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٦‎ه ‏-‏‎٢٠٠٥‎م،‏ دارابن حزم،‏ بيروت.‏سورة آل عمران:‏.١٦٥


٧٣التوبة من المعاصي والذنوب.عصيتم بالنهار،‏ فنمتم بالليل،‏ أكلتم الحرام،‏ فأظلم القلب،‏ لمافتح باب الوصول للمقبولين،‏ طردتم.‏من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال،‏ قالتعالى:‏ وأ َن ْ ل َو ِ استق َاموا عل َى الط َّر ِيق َة ل َأ َسق َيناهم ماءً‏ غ َدق ًا (١) .قال أبو سليمان الدراني ‏–رحمه االله:‏ ‏"من صفى صفي له،‏ ومنكدر كدر عليه،‏ ومن أحسن في ليله كوفئ في اره،‏ ومن أحسنفي اره كوفئ في ليله".‏(٢)‏–التوبةفالتوبة من استقام بعد توبته،‏ رزقه االله جناته،‏واعلم-‏ وفقك االله-‏ أن للذنوب أثرا عظيما على الخاتمة،‏ فإذا أردتحسن الخاتمة،‏ فعليك بترك الذنوب،‏ وإليك أخي التائب مثالان علىذلك:‏المثال الأول:‏ في أحد الأيام وصلت للموسيقار المشهور‏"بيتهوفن"‏ هدية من ‏"نبيذ الراين"،‏ وكان في سكرات موته،‏ فعلقعليها قائلا:‏ ‏"وا أسفاه،‏ لقد وصلت متأخرة.‏ ثم قبض من ساعته،‏فانظر يا أخي إلى حال الموسيقار وهو ينازع الموت،‏ وما هيالكلمات التي رددها،‏ واسأل نفسك لماذا كانت خاتمته سيئة؟المثال الثاني:‏ الإمام المقدسي الزاهد ابن قدامة الحنبلي ‏–رحمهاالله-‏ فقد كان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به،‏ ولا يسمعذكر صلاة إلا صلاها،‏ ولا يسمع حديثا إلا عمل به وكان لا يترك.١٦١( )٢( )سورة الجن:‏تابع كلام الشيخ قطب ‏–رحمه االله.‏


..٧٤ التوبة من المعاصي والذنوبقيام الليل من وقت شبابه،‏ وقلل الأكل في مرضه قبل موته حتى عادكالعود.‏ ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح.‏تفكر ‏–أخي القارئ أخي التائب-‏ فما قاله السلف-‏رضوان االله عليهم:‏ ‏"ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل ٍّ علىربه.‏ وباك نادم على ذنبه،‏ خير من ضاحك معترف بلهوه"‏ فاخترأخي المغادر مع أي الفريقين تكون؟ واختر أخي المغادر مع أيالمؤمنين تريد؟* * *


٧٥التوبة من المعاصي والذنوبهل(١)العودة إلى الذنب مفسدة للتوبة منه ؟بمعنى أن الشخص إذا تاب من ذنب،‏ ثم عاد إليه،‏ هل يعود إثمهذا الذنب عليه؛ لأنه رجع إليه؟تفصيل هذه المسألة لفضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان علىالنحو التالي:‏-١إذا تاب واستمر على توبته،‏ وكانت التوبة مستوفيةللشروط،‏ خالية من الموانع،‏ فهذه توبة صحيحة لا خلاف فيهابإجماع العلماء.‏-٢أن يتوب من الذنب،‏ ثم يعود إليه،‏ ثم يتوب منه،‏ ثم يعودإليه،‏ فإذا كانت كل توبة مستوفية شروطها فإن كل توبة صحيحة.‏-٣أن يتوب من الذنب،‏ ثم يعود إليه،‏ ويموت على ذلك،‏ فهليؤخذ بالأول والثاني،‏ أم يؤخذ بالثاني،‏ وأما الأول فقد جبته التوبة،‏ورفع عنه الإثم؟دعاء التوبةعن أبي الدرداء ‏–رضي االله عنه-‏ أن النبي قال:‏ ‏«كل شيءيتكلم به ابن آدم مكتوب عليه،‏ فإذا أخطأ خطيئة أو أذنب ذنبافأحب أن يتوب إلى االله فليمد يديه إلى االله ‏–عز وجل-‏ ثم يقول:‏‏(اللهم إني أتوب إليك منها لا أرجع إليها أبدا،‏ فإنه يغفر له ما لم١) ( التوبة إلى االله،‏ ص‎٦٧‎‏.‏


٧٦ التوبة من المعاصي والذنوب(١)يرجع في عمله ذلك»)‏ .عن أبي بكر الصديق ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ سمعت رسول االلهيقول:‏ ‏«ما من رجل يذنب ذنبا،‏ ثم يقوم فيتطهر،‏ ثم يصلي،‏ ثميستغفر االله إلا غفر له».‏ ثم قرأ هذه الآية:‏ وال َّذين إ ِذ َا ف َعل ُواف َاحشة ً أ َو ظ َل َموا أ َنف ُسهم ذ َك َروا الل َّه ف َاستغف َروا لذ ُنوب ِه ِم ومنيغفر الذ ُّنوب إ ِل َّا الل َّه ول َم يصروا عل َى ما ف َعل ُوا وهم يعل َمون َأ ُول َئك جزاؤهم مغفرة ٌ من ربه ِم وجنات تجر ِي من تحتها ال ْأ َنهارخالدين فيها ون ِعم أ َجر ال ْعاملين*.(٢)(١٥٢١)والحديث رواه أبو داود رقم باب ‏(من جاء فيالصلاة عند التوبة والترمذي وقال:‏ حديث حسن.‏قصص في فضل التوبةأول تائب إلى االلهإنه آدم ‏–عليه السلام-‏ خلقه االله من تراب ثم جعله طينا،‏ ثمصار الطين حمأ مسنونا،‏ ثم تركه حتى كان صلصالا كالفخار،‏ ثمنفخ فيه من روحه،‏ فصارا إنسانا.‏ ‏«لما نفخ في آدم،‏ فبلغالروح رأسه عطس،‏ فقال الحمد الله رب العالمين،‏ فقال له تباركوتعالى:‏ يرحمك االله»‏قال :.(٣)١( )٢( )٣( )أخرجه الحاكم في المستدرك.‏سورة آل عمران:‏أخرجه ابن حبان في صحيحه.‏.١٣٦-١٣٥


٧٧التوبة من المعاصي والذنوب--وكان إبليس عليه اللعنة يطوف حوله وهو لا يزال حمأمسنونا لما ينفخ فيه الروح بعد وذلك قبل أن يطرد الجنة فحسده.‏قال :‏«لما خلق االله آدم تركه ما شاء أن يدعه،‏ فجعلإبليس يطيف به،‏ فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك»‏.(١).(٢)*وكان رب العزة قبل خلق آدم ‏–عليه السلام-‏ قد أخبرالملائكة بذلك وأمرهم أن يسجدوا له بعد أن نفخ فيه من روحهإ ِذ ْ ق َال َ ربك لل ْمل َائك َة إ ِني خالق بشرا من صل ْصال ٍ من حمإ ٍمسنون ف َإ ِذ َا سويته ونف َخت فيه من روحي ف َق َعوا ل َهساج ِدينفسجد الملائكة كلهم لآدم ‏–عليه السلام-‏ طاعة لأمر االله،‏وكان إبليس حاضرا وشاهدا،‏ فلم يسجد حسدا وحقدا على آدمالذي كرمه االله على خلقه:‏ ف َسجد ال ْمل َائك َة ُ ك ُل ُّهم أ َجمعون َ إ ِل َّاإ ِبليس استك ْبر وك َان َ من ال ْك َافر ِين ق َال َ يا إ ِبليس ما منعك أ َن ْتسجد لما خل َق ْت ب ِيدي أ َستك ْبرت أ َم ك ُنت من ال ْعالين ق َال َ أ َناخير منه خل َق ْتن ِي من نار ٍ وخل َق ْته من طين ٍ ق َال َ ف َاخرج منها ف َإ ِنكرج ِيم وإ ِن َّ عل َيك ل َعنتي إ ِل َى يوم ِ الدين ِ**.*(٣)**ورفض إبليس السجود لآدم استكبارا منه،‏ فكان من الكافرين،‏وكان جزاؤه الطرد من رحمة االله،‏ ثم الخلود هو وأتباعه في نار١( )٢( )٣( )رواه أحمد في المسند ومسلم أيضا.‏سورة ص:‏سورة الحجر:‏.٧٢-٧١.٣٥-٣٠


٧٨ التوبة من المعاصي والذنوبجهنم.‏وأسكن االله آدم ‏–عليه السلام-‏ وزوجته حواء التي خلقت منهفي الجنة:‏ ويا آَدم اسك ُن أ َنت وزوجك ال ْجنة َ ف َك ُل َا من حيث ُشئ ْتما ول َا تق ْربا هذه الشجرة َ ف َتك ُونا من الظ َّالمين.(١)*ثم حذر المولى ‏–عز وجل-‏ آدم وحواء من إبليس وعدائه لهما:‏من يخر ِجنك ُما ف َل َا ولزوج ِك ل َك عدو هذ َا إ ِن َّ آَدم يا ف َق ُل ْناال ْجنة ف َتشق َى إ ِن َّ ل َك أ َل َّا تجوع فيها ول َا تعرى وأ َنك ل َا تظ ْمأ ُفيها ول َا تضحى*.(٢)وكان على آدم وحواء أن يأكلا من كل شجر الجنة إلا شجرةواحدة وبعد فترة من سكنى آدم وحواء الجنة،‏ استطاع الشيطان أنيصل إليهما بوسوسته،‏ فقال لآدم:‏ ف َوسوس إ ِل َيه الشيط َان ُ ق َال َ ياآَدم هل ْ أ َدل ُّك عل َى شجرة ال ْخل ْد ومل ْك ل َا يبل َى وظل إبليسيوسوس لآدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة التي أمرهما رما ألايأكلا منها حتى نسي آدم ‏–عليه السلام-‏ تحذير ربه وأكل هووزوجته منها.‏.(٣)قال تعالى:‏ ف َوسوس ل َهما الشيط َان ُ ليبدي ل َهما ما وور ِيعنهما من سوآَته ِما وق َال َ ما نهاك ُما ربك ُما عن هذه الشجرة إ ِل َّاأ َن ْ تك ُونا مل َك َين ِ أ َو تك ُونا من ال ْخالدين وق َاسمهما إ ِني ل َك ُما*١( )٢سورة الأعراف:‏سورة طه:‏سورة طه:‏.١٩.١١٩-١١٧.١٢٠( )٣( )


٧٩التوبة من المعاصي والذنوب*.(١)ل َمن الناصحين ف َدل َّاهما ب ِغرور ٍ ف َل َما ذ َاق َا الشجرة َ بدت ل َهماسوآَتهما وط َفق َا يخصف َان عل َيه ِما من ورق ِ ال ْجنة وناداهما ربهماأ َل َم أ َنهك ُما عن تل ْك ُما الشجرة وأ َق ُل ْ ل َك ُما إ ِن َّ الشيط َان َ ل َك ُما عدومب ِينفلما عصى آدم وزوجه أمر رما وأكلا من الشجرة،‏ بدتلهما عوراما،‏ فأخذا من ورق الجنة كي يسترا تلك العورة وعملاإزارا،‏ واختبأ آدم حياء من ربه،‏ فناداه ربه:‏ أفرارا مني يا آدم؟قال:‏ بل حياء منك يا رب مما جئت به.‏.(٢)*وأدرك آدم ‏–عليه السلام-‏ خطأه فبادر بالتوبة إلى االله،‏ فقالهو وزوجه:‏ ق َال َا ربنا ظ َل َمنا أ َنف ُسنا وإ ِن ْ ل َم تغفر ل َنا وترحمنال َنك ُونن من ال ْخاسر ِينوكانت تلك الكلمات هي أول دعاء واستغفار لآدم ثم منذريته من بعده،‏ إا أول توبة من أول تائب إلى االله،‏ وبالفعل قبلاالله عز وجل توبته لكنه أهبطه إلى الأرض كي يعيش فيها هووذريته من بعده:‏ ف َتل َق َّى آَدم من ربه ك َلمات ف َتاب عل َيه إ ِنه هوالتواب الرحيم ق ُل ْنا اهب ِط ُوا منها جميعا ف َإ ِما يأ ْتينك ُم مني هدىف َمن تب ِع هداي ف َل َا خوف عل َيه ِم ول َا هم يحزنون َ.(٤)(٣).٢٢-٢٠.٢٣.٣٨-٣٧١( )٢سورة الأعراف:‏سورة الأعراف:‏سورة البقرة:‏قصة للتائبين،‏ منصور بالحكيم،‏ ص‎٩‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏دمشق،‏ القاهرة.‏‎٢٠٠٥‎م،‏ الكتاب العربي،‏( )٣( )٤١٥٠ ( )


..٨٠ التوبة من المعاصي والذنوبوعن الحسن أنه قال:‏ لما تاب االله على آدم ‏–عليه السلام-‏هنأته الملائكة،‏ فهبط عليه جبرائيل وميكائيل وقالا:‏ يا آدم قرتعينك بتوبة االله عليك؟قال آدم:‏ فأين مقامي بعد التوبة؟فأوحى االله تعالى إليه:‏ ورثت ذريتك التعب والنصب،‏ وورثتهمالتوبة،‏ فمن دعا منهم لبيته ما لبيتك،‏ ومن سألني المغفرة لم أبخلعليه وأحشر التائبين من القبور مستبشرين ضاحكين،‏ ودعاؤهممستجاب.‏* * *


تقل٨١التوبة من المعاصي والذنوب:حوار مع دمعةبكيت يوما من كثرة ذنوبي،‏ وقلة حسناتي،‏ فانحدرت دمعة منعيني وقالت:‏ ما بك يا عبد االله؟ومن أنت؟قالت:‏ أنا دمعة.‏قلت:‏ وما الذي أخرجك؟قالت:‏ حرارة قلبك.‏قلت مستغربا:‏ حرارة قلبي؟ وما الذي أشعل قلبي نارا؟قالت:‏ الذنوب والمعاصي.‏قلت:‏ وهل يؤثر الذنب في حرارة القلب؟....قالت:‏ نعم ألم تقرأ دعاء النبي : ‏«اللهم اغسلني منخطاياي بالماء والثلج والبرد».‏ فكلما أذنب العبد اشتغل القلبنارا،‏ ولا يطفئ النار إلا الماء البارد والثلج.‏قلت:‏ صدقت فإني أشعر بالقلق والضيق وأظنها من حرقةالقلب بكثرة المعاصي.‏قالت:‏ نعميا عبد االله.‏..قلت:‏ أريد أسألك سؤالا.‏قالت:‏ تفضل.‏فإن للمعصية شؤما على صاحبها،‏ فتب إلى االله


: تقل٨٢ التوبة من المعاصي والذنوبإنني أجد قسوة في قلبي،‏ فكيف خرجت منه؟قالت:‏ إنه داعي الفطرة يا عبد االله.‏ وإن الناس اليوم تحجرتقلوم فلم تكد ترى قلبا نقيا دائم الاتصال باالله إلا ما ندر.‏قلت:‏ وما السبب يا دمعتي؟قالت:‏ حب الدنيا والتعلق ا؛ فالناس كلهم منكبون عليها إلامن رحم ربي،‏ ومثل الدنيا كالحية تعجبك نعومتها وتقتلك بسمها،‏والناس يتمتعون بنعومتها ولا ينظرون إلى السم القاتل ا.‏قلت:‏ وماذا تقصدين بالسم؟قالت:‏ الذنوب والمعاصي،‏ فإن الذنوب سموم القلوب،‏ فلا بدمن إخراجها وإلا مات القلب.‏قلت:‏ وكيف نطهر قلوبنا من السموم؟قالت:‏ بالتوبات الدورية إلى االله تعالى،‏ وبالسفر إلى ديار ‏"التوبةوالتائبين"‏ عن طريق ‏"قطار المسافرين"‏إن رجعت إلينا قبلناك.(١)روي أنه كان في بني إسرائيل شاب قد عبد االله عشرين سنة،‏ثم عصاه عشرين سنة،‏ ثم نظر في المرآة فرأى الشيب في لحيته،‏ فقالإلهي أطعتك عشرين وعصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك١( )قطار المستغفرين إلى ديار التائبين،‏ جاسم بن محمد بن بدر المطوع،‏ تقديم:‏ جاسمبن محمد المهلهل الياسين،‏ ط‎٢‎‏،‏ ‎١٤١٢‎ه - ‎١٩٩٩٢‎م،‏ دار الوفاء،‏ مصر.‏


٨٣التوبة من المعاصي والذنوبتقبلني؟ فسمع هاتفا من وراء البيت وهو يقول:‏ ‏"أحببتنا فأحببناك،‏وتركتنا فتركناك،‏ وعصيتنا فأمهلناك،‏ فإن رجعت إلينا قبلناك".‏هل من توبة؟عن أبي سعيد الخدري ‏–رضي االله عنه-‏ أن النبي قال:‏‏«كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرجيسأل فأتى راهبا فسأله.‏ فقال:‏ هل من توبة؟ قال:‏ لا فقتله،‏فجعل يسأل،‏ فقال له رجل:‏ ائت مكان َ كذا وكذا،‏ فأدركهالموت.‏ فنأى بصدره نحوها فاختصمت فيه ملائكته الرحمةوملائكة العذاب،‏ فأوحى االله إلى هذه أن تقاربي،‏ وأوحى إلى هذهأن تباعدي،‏ وقال:‏ قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذا أقرب بشبرفغفر له»‏ .يتوب كل مرة ثم يرجع إلى الفساد!!‏..(١)روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له نصوح كان يتوب فيكل مرة،‏ ثم يرجع إلى الفساد قال:‏ فندم مرة على قبيح صنعه،‏فخرج إلى الصحراء ومزق قميصه ووضع التراب على رأسه يقول:‏إلهي كم مرة أتوب وأعود،‏ فإن لم تعصمني أعود وأعود،‏ فسمعقائلا إن أنت تعود إلى المعصية وتعود وتعود فأنا أعود إلى الرحمةوأعود وأعود.‏ قال تعالى:‏ وإ ِن ْ عدتم عدنا‏.‏وهذه القصة تنطبق على حديث ما رواه الإمامان البخاري١) ( رواه البخاري.‏


٨٤ التوبة من المعاصي والذنوبومسلم عن أبي هريرة ‏–رضي االله عنه-‏ عن النبي أنه قال:‏‏«أذنب عبد ذنبا فقال:‏ اللهم اغفر لي ذنبي.‏ فقال تبارك وتعالى:‏أذنب عبدي،‏ فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب،‏ ثم عادفأذنب،‏ فقال:‏ أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى:‏ عبديأذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب،‏ ثم عادفأذنب،‏ فقال:‏ أي رب اغفر لي ذنبي،‏ فقال تبارك وتعالى:‏ أذنبعبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب،‏ أعمل ماشئت فقد عفرت لك».‏وهو الموافق لسماحة دين الإسلام لما فيه من الترغيب للتائبينوالمقبلين على الاستقامة.‏توبة فضيل بن عياضروي أن فضيل بن عياض كان يقطع الطريق،‏ فكان جالسا فيالكهف وهو يقرأ القرآن،‏ وأصحابه قطعوا القافلة وهم يقسمونالأموال،‏ فخرج من وسطها كيس مكتوب فيه آية الكرسي فأخذهمن الوسط.‏ وقال اطلبوا صاحب هذا المال.‏ فجاء ورد الكيس إليه.‏فقال له أصحابه:‏ ألم يكن في وسط هذه الأموال صاحب سواه،‏فلم رددته؟!.‏ فقال:‏ خفت لو شيئا من فضل القرآن وآية الكرسي،‏يعتقد أنه لا ينفع فيرجع.‏ وبال ذلك إلي وخلاصي من التلصص،‏أقرب من خلاصي أن يفسد اعتقاد الرجل في آية الكرسي منكتاب االله تعالى،‏ فبعد أيام ذهب يقطع قافلة.‏ فكان في القافلة منيقرأ وهو قوله:‏ أ َل َم يأ ْن لل َّذين آَمنوا أ َن ْ تخشع ق ُل ُوبهم لذك ْر ِ


٨٥التوبة من المعاصي والذنوب.(٢)(١)الل َّهفسمع فضيل فقال:‏ قد حان وتجاوز الآن،‏ فنزل عن دابتهوخلع ثياب الجفاء ولبس ثياب الوفاء وتاب إلى االله عز وجل،‏فرجع وآواه الليل إلى خربة،‏ فإذا فيها رفقة،‏ فقال بعضهم:‏ نرتحل.‏وقال بعضهم:‏ حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا،‏ لأنالفضيل كان قاطع طريق.‏فتاب الفضيل وأمنهم،‏ وأصبح شيخ الحرم المكي ومن أكابرالعباد الصلحاء.‏فيا فوز من بادر وصدق في توبته ولم يعد إلى معصيته فيكونبذلك ممن قال االله فيهم:‏ إ ِنما التوبة ُ عل َى الل َّه لل َّذين يعمل ُون َالسوءَ‏ ب ِجهال َة ث ُم يتوبون َ من ق َر ِيب ٍ ف َأ ُول َئك يتوب الل َّه عل َيه ِموك َان َ الل َّه عليما حكيماهو الذي يقبل التوبةروي أن نصر السمرقندي قال:‏ إن الإمام الزاهد أبا عبد االلهكان يمشي في زمرة من أصحابه،‏ فبلغ السير م إلى قوم جالسينيشربون الخمر،‏ فأراد أصحابه أن ينكروه عليهم ويمنعوهم عن تلكالحالة.‏ فقال أبو عبد االله:‏ دعوني حتى أمنعهم أنا بنفسي وأعلمهمالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم دنا إليهم وقال السلام عليكم.‏فقالوا:‏ وعليكم السلام.‏١( )٢سورة الحديد:‏سورة النساء:‏.١٦.١٧( )


*٨٦ التوبة من المعاصي والذنوبفقال أحدهم ووضع قدحا في كف الشيخ فأخذ القدح منه.‏وقال:‏ يا فتيان إن من عادتكم أن تذكروا أخباركم عند شربالخمر وإني أريد أن أذكر ما لا بد منه.‏ فقيل الأمر إليك.‏فقال:‏ إخواني نذكر يوما ً تحمل فيه إلى القبور أجسادنا،‏ وترفعإلى السماء أرواحنا،‏ ويقسم في الدور ميراثنا،‏ ونذكر يوما يناديبنا:‏ أنتم جمعتم الدنيا أم الدنيا جمعتكم،‏ أنتم قبلتم الدنيا أم الدنياقبلتكم،‏ أنتم تركتم الدنيا أم الدنيا تركتكم ونذكر يوما نوضع علىسرير الغرباء وينادي بنا أين نفوسكم القوية ما أضعفكم أينلسانكم الذلق ما أسكتكم؟!‏أين أحباؤكم الكثرة ما أوحشكم؟!‏ ونذكر من يركبمركوب الضعفاء يحمل بأربعة أنفس فينادي الواحد منا:‏ يا إخوتاه،‏ويا أهل بيتاه،‏ ويا حملة نعشاه لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتنيولا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي،‏ ونذكر قول القبر لنا أنا بيتالظلمة،‏ أنا بيت الوحشة أنسيت وحشتي أم نسيت ظلمتي؟ وتذكريوما فيه تبيض وجوه وتسود وجوه،‏ ولا ندري من أيهما نحنونذكر يوما ً قال االله عز وجل:‏ ف َأ َما من أ ُوتي كتابه ب ِيمين ِه ف َيق ُول ُف َهو فيإ ِني ظ َننت أ َني مل َاق ٍ حساب ِيه هاؤم اق ْرءُوا كتاب ِيه ك ُل ُوا واشربواق ُط ُوف ُها دان ِية ٌ في جنة عالية عيشة راضية وأ َما من أ ُوتي كتابه ب ِشمالههن ِيئ ًا ب ِما أ َسل َف ْتم في ال ْأ َيام ِ ال ْخالية يا ل َيتهاول َم أ َدر ِ ما حساب ِيه ف َيق ُول ُ يا ل َيتن ِي ل َم أ ُوت كتاب ِيه هل َك عني سل ْط َان ِيهما أ َغ ْنى عني ماليه ك َانت ال ْق َاضية َ ث ُم في سل ْسِل َة ذ َرعها سبعون َث ُم ال ْجحيم صل ُّوه خذ ُوه ف َغل ُّوه ************


٨٧التوبة من المعاصي والذنوبذراعا ف َاسل ُك ُوه.*(١)إ ِنه ك َان َ ل َا يؤمن ب ِالل َّه ال ْعظيم ِ .(٢)ونذكر يوما ً.‏ قال االله عز وجل:‏ عضنو ال ْمواز ِين ال ْقسط َليوم ِ ال ْقيامة ف َل َا تظ ْل َم نف ْس شيئ ًا وإ ِن ْ ك َان َ مث ْق َال َ حبة من خردل ٍأ َتينا ب ِها وك َف َى ب ِنا حاسب ِين‏.‏ ونذكر يوما.‏ قال االله تعالى:‏ ف َر ِيقفي ال ْجنة وف َر ِيق في السعير ِفلما بلغ هذا الموضع من الموعظة والمعرفة.‏ قام أولئك القوموالشباب،‏ وكسروا ما كان بين أيديهم من آلات الفسق والخمور،‏وتابوا إلى االله عز وجل وأحسنوا توبتهم،‏ قال تعالى:‏يق ْبل ُ التوبة َ عن عباده ويعف ُو عن ِ السيئ َات ويعل َم ما تف ْعل ُون َقصة رجل من كبار المذنبينوهو ال َّذي(٣).(٤)حكي عن مالك بن دينار قال:‏ رأيت بالبصرة قوما يحملونجنازة وليس معهم ممن يشيع الجنازة،‏ فسألهم عنه؟ قالوا:‏ هذا رجلمن كبار المذنبين.‏قال:‏ فصليت عليه وأنزلته في قبره ثم انصرفت إلى الظل فنمت،‏فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا قبره،‏ ونزل أحدهما إليهوقال لصاحبه:‏ اكتبه من أهل النار،‏ فما فيه جارحة سلمت من.٣٣-١٩.٤٧.٧١( )٢( )٣( )٤( )سورة الحاقة:‏سورة الأنبياء:‏سورة الشورى:‏جبال الذنوب وسيل الغفران،‏ أبو طلحة محمد يونس عبد الستار ص‎١٩٢‎‏،‏ ط‎٤‎‏،‏الناشر نفسه،‏ مكة المكرمة.‏


.(١)٨٨ التوبة من المعاصي والذنوبالمعاصي والأوزار،‏ فقال له صاحبه:‏ لا تعجل عليه اختبر عينيه،‏ قال:‏قد اختبرا،‏ فوجدما مملوءتين بالنظر إلى محارم االله،‏ فاختبر سمعه،‏قال:‏ اختبرته فوجدته مملوءا بسماع الفواحش والمنكرات والأغاني،‏قال:‏ فاختبر لسانه،‏ قال:‏ اختبرته فاختبر يديه،‏ قال:‏ قد اختبرمافوجدما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يمل من الشهوات واللذات،‏قال:‏ فاختبر رجليه،‏ قال:‏ قد اختبرما فوجدما مملوءتين بالسعيفي النجسات فنزل إليه الملك الثاني وأقام عنده ساعة وقال:‏ يا أخيقد اختبرت قلبه فوجدته مملوء إيمان فاكتبه مرحوما سعيدا.‏فضل االله تعالى يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا،‏ فهذاوإن حصل بسبب الإيمان،‏ لكنه قليل:‏ ف َل َا يأ ْمن مك ْر الل َّه إ ِل َّا ال ْق َومال ْخاسرون َعبدي بين ثلاث خلالعن مكحول أنه قال:‏ بلغني أن إبراهيم ‏–عليه السلام-‏ لما عرجملكوت السموات،‏ أبصر على صاحب كبيرة فدعا عليه،‏ فأهلكهاالله،‏ ثم نظر فإذا عبد يسرف،‏ فدعا عليه،‏ فأهلكه االله تعالى،‏ فقالاالله جل وعلا:‏ ‏"يا إبراهيم دع عنك عبادي،‏ فإن عبدي بين ثلاثخلال:‏ بين أن يتوب فأتوب عليه،‏ وبين أن أستخرج له ذريةتعبدني،‏ وبين أن يغلب عليه الشقاء فمن ورائه جهنم،‏ أما علمت أنمن أسمائي ‏"الصبور"؟١) ( سورة الأعراف:‏ .٩٩


٨٩التوبة من المعاصي والذنوبلا أخيب عبدا اتكل عليقال سيدنا موسى ‏–عليه السلام-:‏ يا رب إذا سألك عبدكالطائع ماذا تقول له؟قال:‏ أقول لبيك.‏قال:‏ فالزاهد؟قال:‏ أقول لبيك؟قال:‏ فالصائم؟قال:‏ أقول لبيك؟قال فالعاصي؟....قال:‏ أقول:‏ لبيك لبيك لبيك..‏ كل واحد من هؤلاءيتوكل على عمله،‏ والعاصي،‏ يتكل على رحمتي،‏ وأنا لا أخيب عبدااتكل علي‏،‏ لأني قلت:‏ نمو يتوك َّل ْ عل َى الل َّه ف َهو حسبه (١) .١) ( سورة الطلاق:‏ .٣


٩٠ التوبة من المعاصي والذنوب(١)إنا الله وإنا إليه راجعونعن أبي هريرة ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ خرجت ذات ليلة بعدماصليت العشاء مع رسول االله . فإذا أنا بامرأة منتقبة،‏ قائمة علىالطريق،‏ فقالت:‏ يا أبا هريرة:‏ إني قد ارتكبت ذنبا عظيما،‏ فهل منتوبة؟فقلت:‏ وما ذنبك؟فقلت:‏ إني زنيت وقتلت ولدي من الزنا.‏فقلت لها:‏ هلكت وأهلكت،‏ واالله مالك توبة.‏قال:‏ فشهقت شهقة،‏ وخرت مغشيا عليها،‏ ومضيت وقلت فينفسي ‏(أفتي،‏ ورسول االله بين أظهرنا)؟فلما أصبحت،‏ غدوت إلى رسول االله فقلت:‏ يا رسول االله:‏إن امرأة استفتتني البارحة في كذا وكذا،‏ وإني أفتيتها بكذا وكذا،‏فقال رسول االله : ‏«إنا الله وإنا إليه راجعون،‏ أنت واالله يا أباهريرة هلكت وأهلكت،‏ أين كنت يا أبا هريرة،‏ من هذه الآية:‏حرم ال َّتي النف ْس يق ْتل ُون َ ول َا آَخر إ ِل َها الل َّه مع يدعون َ ل َا وال َّذينالل َّه إ ِل َّا ب ِال ْحق ول َا يزنون َ ومن يف ْعل ْ ذ َلك يل ْق أ َث َاما يضاعف ل َهال ْعذ َاب يوم ال ْقيامة ويخل ُد فيه مهانا إ ِل َّا من تاب وآَمن وعمل َعمل ًا صالحا ف َأ ُول َئك يبدل ُ الل َّه سيئ َاته ِم حسنات وك َان َ الل َّه**،١٩٩٦-١( )دليل السائلين،‏ أنس إسماعيل أبو داود،‏ ص‎١٣٥‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏جدة،‏ الناشر نفسه.‏‎١٤١٦‎ه


٩١التوبة من المعاصي والذنوب(١)غ َف ُورا رحيما ».قال أبو هريرة ‏–رضي االله عنه-‏ فخرجت من عند رسول االلهوأنا أعدو في سكك المدينة وأقول:‏ ‏"من يدلني على امرأةاستفتتني البارحة في كذا وكذا،‏ والصبيان يقولون:‏ جن أبو هريرة،‏حتى إذا كان الليل،‏ لقيتها في ذلك الموطن،‏ فأعلمتها بقول رسولوأن لها التوبة،‏ فشهقت شهقة من السرور،‏ وقالت:‏ إن ليحديقة،‏ وهي صدقة للمساكين كفارة لذنبي.‏درجة محبة االلهاالله .سئل الإمام الشافعي ‏–رحمه االله:‏ أيهما أفضل:‏ الكافر إذا أسلم؟أم العاصي إذا تاب؟قال الإمام:‏ العاصي إذا تاب؛ لأن الكافر إذا أسلم ينتقل مندرجة الجهل باالله إلى درجة العلم باالله.‏ أما العاصي إذا تاب فينتقلمن درجة العلم باالله إلى درجة محبة االله.‏١) ( سورة الفرقان:‏ .٧٠-٦٨


٩٢ التوبة من المعاصي والذنوبتوبة شاب مسرف على نفسه(١)على يد إبراهيم بن أدهموروي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له:‏ يا أباإسحاق:‏ إني مسرف على نفسي،‏ فأعرض علي ما يكون لها زاجراومستنقذا لقلبي.‏قال:‏ إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية،‏ولم توبقك ‏–لم لك-‏ لذة.‏قال:‏ هات يا أبا إسحاق.‏قال:‏ أما الأولى:‏ فإذا أردت أن تعصي االله عز وجل فلا تأكلرزقه،‏ قال:‏ فمن أين أكل وكل ما في الأرض من رزقه؟قال له:‏ يا هذا:‏ أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟قال:‏ لا.‏ هات الثانية.‏قال:‏ وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده،‏ قالالرجل:‏ هذه أعظم من الأولى.‏١( )يا هذا:‏ إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له،‏ فأين أسكن؟قال:‏ يا هذا:‏ أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟قال:‏ لا.‏ هات الثالثة.‏جبال الذنوب وسيل الغفران،‏ أبو طلحة محمد يونس بن عبد الستار،‏ ص‎١٧٧‎‏.‏ط‎٤‎‏،‏ ‎١٤٢٠‎ه،‏ مطابع التوحيد،‏ مكة المكرمة.‏


٩٣التوبة من المعاصي والذنوبقال:‏ إذا أردت أن تعصيه،‏ وأنت تحت رزقه وفي بلاده،‏ فانظرموضعا لا يراك فيه مبارزا له فأعصه فيه.‏قال:‏ إبراهيم:‏ كيف هذا وهو مطلع ما في السرائر؟قال:‏ يا هذا:‏ أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيهوهو يرى ما تجاهره به؟قال:‏ لا.‏ هات الرابعة.‏قال:‏ إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له:‏ أخرني حتىأتوب توبة نصوحا وأعمل االله صالحا.‏قال:‏ لا يقبل مني.‏قال:‏ يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب،‏وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير،‏ فكيف ترجو وجه الخلاص؟قال:‏ هات الخامسة؟قال:‏ إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلاتذهب معهم.‏قال:‏ لا يدعونني ولا يقبلون مني.‏قال:‏ فكيف ترجو النجاة إذا؟قال له:‏ يا إبراهيم:‏ حسبي حسبي!‏ أنا أستغفر وأتوب إليه،‏ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.‏


٩٤ التوبة من المعاصي والذنوبالأمة المحمدية على درجات ثلاثيعامل االله الأمة المحمدية على درجات ثلاث:‏ أهل العفو وأهلالمغفرة وأهل الرحمة:‏ أهل العفو هم الذين يدخلون الجنة بغيرحساب،‏ وإمامهم الصديق أبو بكر ‏–رضي االله عنه-‏ وأما أهلالمغفرة فهم الذين كانت لهم هفوات وماتوا من غير توبة،‏ يستلمونالكتاب بأيمام ويفتحونه فإذا النور،‏ فتبيض وجوههم،‏ فيطالعونالكتاب فيجدون بعض الهفوات فيظنون الهلاك،‏ فيخاطبهم الحق فيسرهم:‏ سترا عليكم في الدنيا واليوم أغفرها لكم ولا أبالي.‏ أماأهل الرحمة فهم الذين لهم ذنوب كثيرة فيرحمهم االله بسبب أفعالصالحة عملوا ا في الدنيا.‏ففي اليوم من ثقلت حسناته عن سيئاته بحسنة واحدة دخلالجنة،‏ ومن ثقلت سيئاته عن حسناته بسيئة واحدة دخل النار،‏ ومنتساوت حسناته وسيئاته فأمره إلى االله.‏ فيؤتى برجل ليس له إلاحسنة واحدة،‏ فيجد رجلا آخر يبحث عن حسنة واحدة ليتممحسناته ليدخل الجنة فيعطيها له ويقول له:‏ خذها فإني هالكهالك.‏ فيقول االله له:‏ خذ بيد أخيك فادخل الجنة.‏ وأعلى درجاتالغفران هي العفو،‏ لذا نجد في القرآن أن العفو سبق المغفرة والرحمةفي قوله تعالى:‏ واعف عنا واغ ْفر ل َنا وارحمنا أ َنت مول َاناف َانصرنا عل َى ال ْق َوم ِ ال ْك َافر ِين.(١)١) ( سورة البقرة:‏ .٢٨٦


٩٥التوبة من المعاصي والذنوب(١)قصة ماعز الأسلميوهي عند أبي داود من طريق نعيم بن هزال قال:‏ ‏"كان ماعزبن مالك يتيما في حجر أبي،‏ فأصاب جارية من الحي فقال له أبي:‏ائت رسول االله فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ورجاء أنيكون لك مخرجا،‏ فأتاه فقال:‏ يا رسول االله إني زنيت،‏ فأقم عليكتاب االله،‏ وفي لفظ البخاري من حديث أبي هريرة ‏"فناداه يارسول االله إني زنيت،‏ يريد نفسه،‏ فأعرض عنه النبي فتنحى لشقوجهه الذي أعرض قبله،‏ فقال يا رسول االله إني زنيت،‏ فأعرض عنهفجاء لشق وجه النبي الذي أعرض عنه،‏ فلما شهد على نفسهأربع شهادات دعاه النبي فقال:‏ ‏«أبك جنون»؟ قال:‏ لا يارسول االله،‏ فقال:‏ ‏«أحصنت»؟ قال:‏ نعم يا رسول االله،‏ قال:‏‏«اذهبوا فارجموه».‏وفي حديث ابن عباس عند البخاري أيضا أن رسول االله قال له:‏ ‏«لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت»،‏ وفي رواية هريرةالمذكورة أن النبي سأله باللفظ الصريح الذي معناه الجماع‏(...؟)‏ قال:‏ نعم،‏ قال:‏ ‏«حتى غاب ذلك منك في ذلك منها»؟قال:‏ نعم،‏ قال:‏ ‏«كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البتر»؟قال:‏ نعم،‏ قال:‏ ‏«أتدري ما الزنا»؟ قال:‏ نعم أتيت منها حراما مايأتي الرجل من امرأته حلالا،‏ قال:‏ ‏«فماذا تريد ذا القول»؟١( )ولا تقربوا الفواحش،‏ جمال عبد الرحمن إسماعيل،‏ ص‎٤٧‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٣‎ه وزارةالشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد،‏ السعودية.‏


٩٦ التوبة من المعاصي والذنوبتطهرني،‏ فأمر به فرجم.‏وعند أبي داود من حديث جابر بن عبد االله قال:‏ كنت فيمنرجم الرجل،‏ إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخبنا:‏ يا قوم ردوني إلى رسول االله فإن قومي قتلوني وغروني مننفسي وأخبروني أن رسول االله غير قاتلي،‏ فلم ننزع عنه حتى قتلناه،‏فلما رجعنا إلى رسول االله وأخبرناه قال : ‏«فهلا تركتموهوجئتموني به»‏ ليتثبت رسول االله ، فأما لترك حد فلا.‏وفي رواية له أيضا عن أبي هريرة ‏–رضي االله عنه-‏ قال:‏ فأمربه رسول االله فرجم،‏ فسمع رجلين من أصحابه يقولأحدهما لصاحبه:‏ أنظر إلى هذا الذي ستر االله عليه،‏ فلم تدعه نفسهحتى رجم رجم الكلب،‏ فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مربجيفة حمار شائل برجله،‏ فقال:‏ ‏«أين فلان وفلان»؟ فقالا:‏ نحنذان يا رسول االله،‏ فقال:‏ ‏«انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار»‏فقالا:‏ يا نبي االله من يأكل هذا،‏ قال:‏ ‏«فما نلتما من عرض أخيكماآنفا أشد من أكل منه،‏ والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أار الجنةينغمس فيها».‏النبي االله أكبر،‏ ما أجمل التوبة الصادقة النصوح ولو كان ثمنها قتلالنفس،‏ وإا للحظات ثم ينغمس في أار الجنة،‏ وصحيح أن الرجمعذاب ولكنه يطهر كما قال ماعز للنبي : ‏"فطهرني"‏ فالتطهير فيالدنيا يقي عذاب الآخرة:‏ ول َعذ َاب ال ْآَخرة أ َك ْبر ل َو ك َانوا


٩٧التوبة من المعاصي والذنوب–(١)يعل َمون َ .جاء في حديث عبادة بن الصامت عن النبي : ‏«ومن أصابمن ذلك شيئا أي:‏ من السرقة والزنا والقتل وغيره فعوقببه-‏ أي:‏ في الدنيا-‏ فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئافستره االله عليه فهو إلى االله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه»‏فهل يدري من مات،‏ ولم يحد إلى أي مشيئة سيصير؟.(٢)–* * *.٣٣١( )٢( )سورة القلم:‏رواه البخاري ومسلم وأحمد.‏


٩٨ التوبة من المعاصي والذنوبنصيحة والد لولدهاعلم أن من تكفر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة،‏ فإذاتفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة وعلم أن اللبث فيالقبور طويل،‏ فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة.‏فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا اية له.‏ فإذا عاد إلىالنظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلا فإنه يمضي منهاثلاثون سنة في النوم،‏ ونحو من خمس عشرة في الصبا.‏ فإذا حسبالباقي كان أكثر الشهوات والمطاعم والمكاسب.‏فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا،‏ فبماذاتشتري الحياة الأبدية وإنما الثمن هذه الساعات.‏فانتبه يا بني لنفسك،‏ واندم على ماضي من تفريطك واجتهدفي لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة.‏ واسق غصنك،‏ ما دامتفيه رطوبة،‏ واذكر ساعتك التي ضاعت فكف ا عظة.‏وقد كان السلم الصالح ‏–رحمهم االله-‏ يحبون جمع كل فضيلة،‏ويبكون على فوات واحدة منها.‏قال إبراهيم بن أدهم ‏–رحمه االله-‏ دخلنا على عابد مريض،‏وهو ينظر إلى رجليه ويبكي،‏ فقلنا:‏ مالك تبكي؟فقال:‏ ما أغبرتا في سبيل االله.‏ وبكى آخر فقالوا:‏ ما يبكيك؟فقال:‏ علي يوم مضى ما صمته،‏ وعلى ليلة ذهبت ما قمتها.‏واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات،‏ والساعات تبسط


٩٩التوبة من المعاصي والذنوبأنفاسا،‏ وكل نفس خزانة،‏ فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء،‏ فترىفي القيامة خزانة فارغة فتندم ولا يفعك الندم.‏


١٠٠ التوبة من المعاصي والذنوبموعظة للإمام علي بن أبي طالب إلى– ولده الحسين.(١)رضي االله عنهماكتب علي بن أبي طالب ‏–رضي االله عنه-‏ إلى ولده الحسين:‏من عبد االله علي أمير المؤمنين؛ الوالد الفاني الذام للدنيا الساكنمساكن الموتى.‏ إلى الولد؛ المؤمل ما لا يدرك،‏ السالك سبيل من قدهلك،‏ عرضة الأقسام ورهينة الأيام وأسير المنايا وقرين الرزاياوصريع الشهوات،‏ ونصب الآفات وخليفة الأموات.‏يا بني:‏ إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى االله عز وجل،‏وعمارة قلبك بذكره،‏ والاعتصام بحبله فإن االله يقول:‏ واعتصمواب ِحبل ِ الل َّه جميعا ول َا تف َرق ُوا واذ ْك ُروا ن ِعمة َ الل َّه عل َيك ُم إ ِذ ْ ك ُنتمأ َعداءً‏ ف َأ َل َّف بين ق ُل ُوب ِك ُم ف َأ َصبحتم ب ِن ِعمته إ ِخوانا وك ُنتم عل َى شف َاحف ْرة من النار ِ ف َأ َنق َذ َك ُم منها ك َذ َلك يبين الل َّه ل َك ُم آَياته ل َعل َّك ُمتهتدون َوأي سبب ‏–يا بني-‏ أوثق من سبب بينك وبين االله عز وجل.‏أحيي قلبك بالموعظة ونوره بالحكمة وقوه بالزهد وذلله بالموتوقرره بالفناء وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي.‏ واعرض عليهأخبار الماضين وسر في ديارهم وآثارهم،‏ فانظر ما فعلوا وأين حلوافإنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة.‏ ووصيتهطويلة اكتفيت إلى هنا.‏١) ( سورة آل عمران:‏ ١٠٣.


١٠١التوبة من المعاصي والذنوب(١)قصة الغامديةروى مسلم في صحيحه عن بريدة أن امرأة تسمى الغامديةجاءت إلى رسول االله فقالت:‏ يا رسول االله:‏ إني زنيت فطهرنيفردها رسول االله : فلما كان الغد قالت:‏ يا رسول االله لم تردني؟لعلك تردني كما رددت ماعزا؟ فواالله إني لحبلى،‏ فقال:‏ ‏«إمال ًافاذهبي حتى تلدي»‏ فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت:‏ هذاقد ولدته،‏ قال:‏ ‏«اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»‏ فلما فطمته أتتبالصبي في كسرة خبز فقالت:‏ هذا يا نبي االله قد فطمته وقد أكلالطعام؟ فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر ا فحفر لها إلىصدرها،‏ وأمر الناس فرجموها،‏ فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمىرأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها،‏ فسمع نبي االله سبهإياها فقال:‏ ‏«مهلا يا خالد،‏ فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لوتاا صاحب مكس لغفر له»‏ ثم أمر ا فصلي عليها ودفنت(٢).(٤)(٣)أيها المسرف على نفسك:‏ أما آن لك أن تتوب فيتوب عليكغفار الذنوب؟١( )٢)(٣)٤)(ولا تقربوا الفواحش،‏ جمال عبد الرحمن إسماعيل،‏ وزارة الشؤون الإسلاميةوالأوقاف والدعوة والإرشاد،‏ ص‎٥١‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٣‎ه،‏ الرياض.‏إمالا:‏ معناه إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبيحتى تلدي،‏ فترجمين بعد ذلك.‏( صاحب مكس:‏ قال ابن الأثير:‏ المكس:‏ الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار،‏والمماكسة في البيع:‏ انتقاص الثمن واستحطاطه،‏ النهاية في غريب الحديث.‏رواه مسلم وأصحاب السنن.‏


**١٠٢ التوبة من المعاصي والذنوبقال تعالى:‏ ق ُل ْ يا عبادي ال َّذين أ َسرف ُوا عل َى أ َنف ُسِه ِم ل َاتق ْنط ُوا من رحمة الل َّه إ ِن َّ الل َّه يغفر الذ ُّنوب جميعا إ ِنه هو ال ْغف ُورالرحيم وأ َن ِيبوا إ ِل َى ربك ُم وأ َسلموا ل َه من ق َبل ِ أ َن ْ يأ ْتيك ُمال ْعذ َاب ث ُم ل َا تنصرون َ واتب ِعوا أ َحسن ما أ ُنز ِل َ إ ِل َيك ُم من ربك ُممن ق َبل ِ أ َن ْ يأ ْتيك ُم ال ْعذ َاب بغتة ً وأ َنتم ل َا تشعرون َ أ َن ْ تق ُول َنف ْس يا حسرتا عل َى ما ف َرط ْت في جنب ِ الل َّه وإ ِن ْ ك ُنت ل َمنالساخر ِين أ َو تق ُول َ ل َو أ َن َّ الل َّه هدان ِي ل َك ُنت من ال ْمتقين أ َوتق ُول َ حين ترى ال ْعذ َاب ل َو أ َن َّ لي ك َرة ً ف َأ َك ُون َ من ال ْمحسِن ِينبل َى ق َد جاءَتك آَياتي ف َك َذ َّبت ب ِها واستك ْبرت وك ُنت منال ْك َافر ِيناالله أرحم بعباده***.*(١)روي أن أحد الصالحين كان يسير في بعض الطرقات فرأى باباقد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتىخرج،‏ فأغلقت الباب في وجهه،‏ ودخلت فذهب الصبي غير بعيدوقف مفكرا فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا منيؤويه غير والدته،‏ فرجع مكسور القلب حزينا فوجد الباب مغلقافتوسده ووضع خده على عتبة الباب،‏ ونام ودموعه على خديه،‏فخرجت أمه بعد حين،‏ فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمتنفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي،‏ وتقول:‏ يا ولدي أين ذهبت عنيومن يؤويك سواي،‏ ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملي على عقوبتك١) ( سورة الزمر:‏ .٥٩-٥٣


١٠٣التوبة من المعاصي والذنوب.(١)بخلاف ما جبلني االله عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ثم أخذتهودخلت!!‏ولكن رسول االله يقول:‏ ‏«االله أرحم بعباده من هذهبولدها»‏وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة االله التي وسعت كل شيء،‏واالله يفرح إذا تاب العبد إليه،‏ ولن نعدم خيرا من رب يفرح ‏«اللهأشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من رجل كان في سفر فيفلاة من الأرض،‏ نزل منزلا وبه مهلكة ومعه راحلته عليها طعامهوشرابه،‏ فأوى إلى ظل شجرة فوضع رأسه فنام نومة تحتها،‏فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها فأتى شرفا فصعد عليه فلم يرشيئا،‏ ثم أتى آخر فأشرف فلم ير شيئا حتى إذا اشتد عليه الحروالعطش قال:‏ أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت،‏فأتى شجر فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته،‏ فبينما هوكذلك رفع رأسه فإذا راحلته قائمة عنده،‏ تجر خطامها،‏ عليهازاده:‏ طعامه وشرابه،‏ فأخذ بخطامها،‏ فاالله أشد فرحا بتوبة المؤمنمن هذا براحلته وزاده»‏–.(٢)١( )٢( )رواه مسلم.‏السياق مجموع من روايات صحيحة.‏ انظر ترتيب صحيح الجامع.٣٦٨/٤


--------١٠٤ التوبة من المعاصي والذنوبالأقوال والآثار في التوبةقال يحيى بن معاذ ‏–رحمه االله:‏ ‏"الذي حجب الناس عنالتوبة طول الأمل.‏ وعلامة التائب؛ إسبال الدمعة،‏ وحب الخلوة،‏والمحاسبة للنفس عند كل همة".‏وقال محمد بن كعب القرظي:‏ ‏"التوبة يجمعها أربعة أشياء:‏الاستغفار باللسان،‏ والإقلاع بالأبدان،‏ وإضمار ترك العود بالجنان،‏ومهاجرة سيء الإخوان".‏وقال أحدهم:‏ ‏"علامة التوبة:‏ الخروج من الجهل،‏ والندمعلى الذنب،‏ والتجافي عن الشهوة،‏ وترك الكذب والانتهاء عنسوء الخلق".‏وقال علي بن أبي طالب ‏–رضي االله عنه-:‏ ‏"عجبا لمن يهلكومعه النجاة،‏ قيل له:‏ وما هي؟ قال:‏ التوبة والاستغفار".‏وقال أبو بكر الواسطي ‏–رحمه االله:‏ ‏"التأني في كل شيءحسن إلا في ثلاث خصال:‏ عند وقت الصلاة،‏ وعند دفن الميت،‏والتوبة عند المعصية".‏وقال مجاهد ‏–رحمه االله:‏ ‏"من لمن يتب إذا أمسى،‏ وأصبح،‏فهو عن الظالمين".‏وقال الحسن البصري ‏–رحمه االله:‏ ‏"من أراد التوبة فليخرجمن المظالم،‏ وليدع مخالطة الناس،‏ وإلا لم ينل ما يريد".‏وقال شقيق البلخي‏–رحمه االله:‏ ‏"علامة التوبة:‏ البكاء على


١٠٥التوبة من المعاصي والذنوب----ما سلف،‏ والخوف من الوقوع في الذنب،‏ وهجران إخوان السوء،‏وملازمة الأخيار".‏وقال الحسن البصري ‏–رحمه االله-:‏ ‏"إن المؤمن قوام علىنفسه يحاسب نفسه الله عز وجل،‏ وإنما خف الحساب يوم القيامةعلى قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة".‏وقيل:‏ ‏"ما أراد االله من الناس إلا خصلتين:‏ أن يقروا له بالنعمفيزيدهم،‏ وبالذنوب فيغفرها لهم".‏وقيل:‏ ‏"التوبة خلع الثوب الدنس،‏ وقطع العرق النجس".‏(١)وروي أن داود ‏–عليه السلام قال:‏ ‏"يا رب:‏ إن عبادكيعصونك ولا يبالون.‏ فقال االله تعالى:‏ يا داود إني عاملتهم بأربعخصال:‏ أولها:‏ لم أظهر أسرارهم،‏ والثاني:‏ لم أفضحهم،‏ والثالث:‏أكرمتهم بكرامتي بعد جفائهم.‏ والرابع:‏ أني أقبل توبتهم إذا تابوا".‏---–وفي بعض كتب االله تعالى:‏ ‏"الزلة مع العذر،‏ أحب إلي منالطاعة مع العجب.‏ قيل:‏ كما كان لآدم ‏–عليه السلام-‏ ولإبليسعليه اللعنة".‏(٢)وروي أن إبليس لما لعن،‏ وأجيب سؤاله في النظرة قال:‏وعزتك لأخرجت من ولد آدم ما دام الروح فيه.‏ فقال جل جلاله:‏١( )٢)(ذيب خالصة الحقائق ونصاب غاية الدقائق،‏ محمود بن أحمد الفارياني ‏–هذبهوخرج أحاديثه،‏ محمد خير رمضان يوسف،‏ مجلد أول،‏ ص‎٣٠٦‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢١‎ه‏-‏‎٢٠٠٠‎م.‏يعني أن ينظر إلى يوم الدين.‏


------١٠٦ التوبة من المعاصي والذنوبوعزتي لا أغلقت عنه باب التوبة ما دام الروح فيه".‏قيل لحاتم الأصم:‏ مالنا نستمع ولا ننتفع؟ قال:‏ بخلال خمسةفيكم:‏ ما أنعم االله عليكم لم تشكروا،‏ وما علمتم من العلم لمتعلموا،‏ وبمن صحبتم من الأخيار لم تقتدوا،‏ وفيما دفنتم منالأموات لم تعتبروا،‏ وعما أذنبتم إليه لم تتوبوا.‏وعن أبي نصر الحدادي صاحب البساطين أنه قال:‏ يقولالجوزجاني:‏ أصل التوبة خمسة أشياء:‏ الندامة بالقلب مع الاستغفارباللسان،‏ وإصلاح الأمور في موافقة القرآن،‏ ومجاهدة النفس فيمرضاة الرحمن،‏ ومفارقة الإخوان الذين هم حزب الشيطان،‏والخوف الدائم على ما مضى من العصيان.‏وقال ابن عطاء:‏ التوبة توبتان:‏ توبة الإنابة،‏ وتوبةالاستجابة.‏ فتوبة الإنابة،‏ أن يتوب العبد خوفا من عقوبته،‏ توبةالاستجابة أن يتوب حياء من كرمه.‏وقال السري:‏ السقطي ‏–رحمه االله:‏ التوبة على أربع دعائم:‏استغفار باللسان،‏ وندم بالقلب،‏ وترك بالجوارح،‏ وإضمار أن لايعود.‏وقال يحيى بن معاذ:‏ علامة صدق التوبة ثلاث أشياء:‏ قلةالطعام،‏ وقلة المنام،‏ وقلة الكلام.‏وعن أبي عثمان أنه قال:‏ قال شاه،‏ إذا صحح العبد مقامالتوبة نقل إلى مقام الخوف،‏ ثم إلى مقام الرجاء،‏ ثم إلى مقامالصالحين،‏ ثم إلى مقام المريدين،‏ ثم إلى مقام المطيعين،‏ ثم إلى مقام


١٠٧التوبة من المعاصي والذنوب--المحبين،‏ ثم إلى مقام المشتاقين،‏ ثم إلى مقام الأولياء،‏ ثم إلى مقامالمقربين.‏وعن بعض الحكماء أنه قال:‏ ‏"أصدق الناس القائم علىتوبته،‏ وأكذب الناس العائد في ذنبه،‏ وأجهل الناس الفاخر بحسناته،‏وأعلم الناس أخوفهم الله".‏وحكي أن رجلا تاب في مشيبه،‏ فقيل له:‏ أبطأت،‏وأسرعت،‏ يعني:‏ أبطأت حين أخرت التوبة،‏ وأسرعت حيث تبتقبل الموت.‏إلهي تبت عما كان مني فكفر سيئاتي وارض عنيوعاملني بلطفك يا إلهيوكن يوم القيامة لي معينا ً---ولا تقطع لأجل الذنب منيوأحسن بي كما أحسنت ظنيوقال بعض المفسرين:‏ الذنوب كلها على ثلاثة أوجه:‏ ذنببينك وبين الحق،‏ وذنب بينك وبين الخلق،‏ وذنب في ترك الأوامر.‏فالتوبة في الكل الرجوع من الكل،‏ والتضرع والابتهال،‏ وتقديم أمراالله،‏ حتى يأتيك اليقين.‏وقال بعضهم:‏ ‏"نوم التائب قليل،‏ ونجواه مع الحق طويل،‏وبدنه مع حياء التقصير عليل،‏ وأنيسه ملك جليل".‏(١)وفي الزبور : ‏"وأوحى االله تعالى إلى داود ‏–عليه السلام-:‏أنا االله معطي كل سائل،‏ وغافر كل مستغفر،‏ وصريخ كل١) ( مصدر سابق،‏ ص‎٣١٣‎‏،‏ مجلد أول.‏


.(٢).(١)---..١٠٨ التوبة من المعاصي والذنوبمستصرخ،‏ وكاشف كل مكروب،‏ ومحب كل تائب.‏ فأحبالتائبين.‏ وبشر المحسنين،‏ وأنذر الخاطئين.‏ قال ‏–عليه الصلاةوالسلام:‏ ‏«لو عملتم بالخطايا حتى تبلغ السماء،‏ ثم تبتم تاب االلهعليكم»‏قال أبو طالب المكي ‏–رحمه االله:‏ ‏"لقد حصرت الذنوب منأقوال الصحابة فوجدا أربعة في القلب وهي:‏ الإشراك باالله،‏والإصرار على المعصية،‏ والقنوط من رحمة االله،‏ والأمن من مكر االلهوأربعة في اللسان وهي:‏ شهادة الزور،‏ وقذف المحصنات،‏واليمين الغموس،‏ والسحر وثلاثة في البطن وهي:‏ شرب الخمر،‏وأكل مال اليتيم،‏ وأكل الربا.‏ واثنين في الفرج:‏ الزنا واللواط،‏واثنين في اليدين:‏ وهما القتل والسرقة.‏ وواحدا في الرجلين وهو:‏الفرار من الزحف وواحدا يتعلق بجميع الجسد وهو عقوقالوالدين".‏قال عبد االله بن مسعود ‏–رضي االله عنه:‏ ‏"التوبة النصوح أنيتوب ثم لا يعود،‏ وقال أيضا:‏ باب التوبة مفتوح،‏ وهي مقبولة منكل أحد إلا من ثلاثة:‏ إبليس رأس الكفرة،‏ وقابيل بن آدم رأسالخطائين،‏ ومن قتل نبيا من الأنبياء".‏وقال ذو النون المصري:‏ ‏"توبة العوام من الذنوب،‏ وتوبةالخواص من الغفلة".‏١( )٢( )رواه الحاكم في المستدرك وحسنه الألباني.‏السحر لا يقتصر على اللسان،‏ بل تشترك الجوارح في عمله.‏


١٠٩التوبة من المعاصي والذنوب–.(١)-----وقال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه:‏ ‏"لا تؤخر التوبة فإنالموت يأتي بغتة".‏روى أبو سعيد الخدري ‏–رضي االله عنه-‏ أن سيدنا محمداقال:‏ ‏«قال إبليس أي رب لا أزال أغوي بني آدم ما دامتأرواحهم في أجسادهم،‏ فقال الرب عز وجل:‏ لا أزال أغفر لهمما استغفروني»‏وقال قتادة ‏–رحمه االله:‏ ‏"القرآن يدلكم على دائكمودوائكم.‏ أما داؤكم فالذنوب،‏ وأما دواؤكم فالاستغفار".‏وقال الفضيل ‏–رحمه االله:‏ ‏"الاستغفار بلا إقلاع توبةالكذ َّابين".‏وقال أبو حامد الغزالي رحمه االله:‏ ‏"حقيقة التوبة الرجوعإلى االله بالتزام فعل ما يحب،‏ وترك ما يكره،‏ فهي رجوع من مكروهإلى محبوب،‏ فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها،‏ والرجوع عنالمكروه الجزء الآخر".‏رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمااوترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصياا* * *١) ( أخرجه أحمد والحاكم.‏


١١٠ التوبة من المعاصي والذنوب(١)فتاوى مهمة للتائبينوإليك أيها العائد إلى االله ما عله يشفي الغليل.‏س‎١‎‏:‏ إنني في الذنب فأتوب منه،‏ ثم تغلبني نفسي الأمارةبالسوء فأعود إليه!‏ فهل تبطل توبتي الأولى ويبقى علي إثم الذنبالأول وما بعده؟ج‎١‎‏:‏ أكثر العلماء أنه لا يشترط في صحة التوبة ألا يعود إلىالذنب،‏ وإنما صحة التوبة تتوقف على الإقلاع عن الذنب،‏ والندمعليه،‏ والعزم الجازم على ترك معاودته،‏ فإن عاوده يصبح حينئذكمن عمل معصية جديدة تلزمه توبة جديدة منها وتوبته الأولىصحيحة.‏س‎٢‎‏:‏ هل تصح التوبة من ذنب وأنا مصر على ذنب آخر؟ج‎٢‎‏:‏ تصح التوبة من ذنب ولو أصر على ذنب آخر،‏ إذا لميكن من النوع نفسه،‏ ولا يتعلق بالذنب الأول.‏ فمثلا لو تاب منالربا ولم يتب من شرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة،‏ والعكسكذلك.‏ أما إذا تاب من ربا الفضل وأصر على ربا النسيئة فلا تقبلتوبته حينئذ.‏ وكذلك من تاب من تناول الحشيشة وأصر علىشرب الخمر أو العكس،‏ وكذلك من تاب عن الزنا بامرأة وهومصر على الزنا بغيرها فهؤلاء توبتهم غير صحيحة،‏ وغاية ما فعلوه..١( )عنوان الكتاب:‏ أريد أن أتوب ولكن.‏ للشيخ محمد صالح المنجد،‏ دار الوطن،‏ص‎٣٩‎ الطبعة الأولى،‏ ‎١٤١٠‎ه ‏-الرياض.‏


١١١التوبة من المعاصي والذنوبأم عدلوا عن نوع من الذنب إلى نوع آخر منهالمدارج).‏.. ‏(راجعس‎٣‎‏:‏ تركت حقوقا الله في الماضي من صلوات لم أؤدها وصيامتركته وزكاة منعتها،‏ فماذا أفعل الآن؟ج‎٣‎‏:‏ أما تارك الصلاة فالراجح أنه لا يلزمه القضاء لأنه فاتوقتها.‏ ولا يمكن استدراكه ويعوضه بكثرة التوبة والاستغفار،‏والإكثار من النوافل لعل االله أن يتجاوز عنه.‏ أما تارك الصيام فإنكان مسلما وقت تركه للصيام،‏ فإنه يجب عليه القضاء مع إطعاممسكين على كل يوم أخره من رمضان حتى دخل رمضان الذيبعده،‏ من غير عذر وهذه كفارة عن التأخير،‏ وهي واحدة لاتتضاعف ولو توالت أشهر رمضان مثال:‏ رجل ترك أيام منرمضان سنة ‎١٤٠٠‎ه و‎٥‎ أيام من رمضان سنة ‎١٤٠١‎هاونا.‏ وبعد سنين تاب إلى االله،‏ فإنه يلزمه قضاء الصيام ثمانية أيام،‏وإطعام مسكين عن كل يوم من الأيام الثمانية.‏ مثال آخر:‏ امرأةبلغت عام ‎١٤٠٠‎ه وخجلت من إخبار أهليها،‏ فصامت أيامعادا الثمانية ‏(مثلا)‏ ولم تقضها،‏ ثم تابت إلى االله الآن فعليها الحكمالسابق نفسه.‏ وينبغي أن يعلم أن هناك فرقا بين ترك الصلاة وتركالصيام ذكره أهل العلم على أن هناك من العلماء من يرى عدمالقضاء على من ترك الصيام متعمدا دون عذر.‏ وأما تارك الزكاةفيجب عليه إخراجها وهي حق الله من جهة.‏ وحق للفقير من جهةأخرى.‏ ‏(المزيد راجع مدارج السالكين٣.(٣٨٣/١..


١١٢ التوبة من المعاصي والذنوبس‎٤‎‏:‏ إذا كانت السيئة في حق آدمي فكيف تكون التوبة؟».(١)–ج‎٤‎‏:‏ الأصل في هذا حديث رسول االله : من كانتلأخيه عنده مظلمة،‏ من عرض أو مال،‏ فليتحلله اليوم قبل أنيؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم،‏ فإن كان له عمل صالح أ ُخذمنه بقدر مظلمته،‏ وإن لم يكن له عمل أ ُخذ من سيئات صاحبه،‏فجعلت عليه»‏ فيخرج التائب من هذه المظالم إما بأدائها إلىأصحاا وإما باستحلالها منهم وطلب مسامحتهم،‏ فإن سامحوه وإلاردها.‏س‎٥‎‏:‏ وقعت في غيبة شخص أو أشخاص،‏ وقذفت آخرينبأمور هم بريئون منها فهل يشترط إخبارهم بذلك مع طلبالمسامحة،‏ وإذا كان لا يشترط فكيف أتوب؟!‏ج‎٥‎‏:‏ المسألة هنا تعتمد على تقدير المصالح والمفاسد.‏ فإن كانإذا أخبرهم بما اغتام أو قذفهم لا يغضبون منه ولا يزدادون عليهحنقا وغما،‏ صارحهم وطلب منهم المسامحة ولو بعبارات عامة،‏كأن يقول إني أخطأت في حقك في الماضي،‏ أو ظلمت بكلام،‏ وإنيتبت إلى االله فسامحني،‏ دون أن يفصل فلا بأس ذا.‏وإن كان إذا أخبرهم بما اغتام أو قذفهم حنقوا عليه وازدادواغما وغيظا ربما يكون هذا هو الغالب-‏ أو أنه إذا أخبرهمبعبارات عامة لم يرضوا إلا بالتفاصيل التي إذا سمعوها زادوا كراهيةله،‏ فإنه حينئذ لا يجب عليه إخبارهم أصلا لأن الشريعة لا تأمر١) ( رواه البخاري.‏


١١٣التوبة من المعاصي والذنوببزيادة المفاسد،‏ وإخبار شخص بأمور كان مستريحا قبل سماعها علىوجه يسبب البغضاء ينافي مقصد الشريعة في تأليف القلوبوالتحاب بين المسلمين،‏ وربما يكون الإخبار لعداوة لا يصفو بعدهاقلب المغتاب أبدا لمن اغتابه،‏ وفي هذه الحالة يكفي في التوبة أمورمنها:‏-١الندم وطلب المغفرة من االله مع التأمل في شناعة هذهالجريمة واعتقاد تحريمها.‏-٢أن يكذب نفسه عند من سمع الغيبة،‏ أو القذف ويبرئالمقذوف.‏-٣أن يثني بالخير على من اغتابه في االس التي ظلمه فيها،‏ويذكر محاسنه.‏إليه.‏الشرح-٤أن يدافع عمن اغتابه،‏ ويرد عنه إذا أراد أحد أن يسيء-٥.(٧٨/١٢)أن يستغفر له بظهر الغيب‏(المدارج‎٢٩١/١‎‏)،‏ والمغني معولاحظ أيها الأخ المسلم،‏ الفرق بين الحقوق المالية وجناياتالأبدان،‏ وبين الغيبة والنميمة،‏ فالحقوق المالية يستفيد أهلها إذاأخبروا ا،‏ وردت إليهم،‏ ويسرون بذلك،‏ ولذلك لا يجوز كتمهابخلاف الحقوق التي في جانب العرض،‏ والتي قد لا تزيد من يخبر اإلا ضررا وييجا.‏


١١٤ التوبة من المعاصي والذنوبس‎٦‎‏:‏ كيف يتوب القاتل المتعمد؟ج‎٦‎‏:‏ القاتل المتعمد عليه ثلاث حقوق:‏ حق الله،‏ وحق للقتيل،‏وحق للورثة.‏ فحق االله لا يقضى إلا بالتوبة.‏ وحق الورثة أن يسلمنفسه إليهم ليأخذوا حقهم،‏ إما بالقصاص أو بالدية أو العفو.‏ويبقى حق القتيل الذي لا يمكن الوفاء به في الدنيا،‏ وهنا قال أهلالعلم إذا حسنت توبة القاتل،‏ فإن االله يرفع عنه حق القتيل ويعوضالقتيل يوم القيامة خيرا من عنده عز وجل،‏ وهذا أحس الأقوال‏(المدارج ٢٩٩/١).س‎٧‎‏:‏ كيف يتوب السارق؟ج‎٧‎‏:‏ إذا كان الشيء عنده الآن رده إلى أصحابه.‏ وإن تلف أونقصت قيمته بالاستعمال أو الزمن وجب عليه أن يعوضهم عنذلك،‏ إلا إذا سامحوه فالحمد الله.‏س‎٨‎‏:‏ أشعر بالحرج الشديد إذا واجهت من سرقت منهم،‏ ولاأستطيع أن أصارحهم،‏ ولا أن أطلب منهم المسامحة فكيف أفعل؟ج‎٨‎‏:‏ لا حرج عليك في البحث عن طريق تتفادى فيه هذاالإحراج الذي لا تستطيع موجهته،‏ كأن ترسل حقوقهم معشخص آخر،‏ وتطلب عدم ذكر اسمك،‏ أو بالبريد،‏ أو تضعها خفيةعندهم،‏ وتقول هذه حقوق لكم عند شخص،‏ وهو لا يريد ذكراسمه،‏ والمهم رجوع الحق إلى أصحابه.‏س‎٩‎‏:‏ كنت أسرق من جيب أبي خفية،‏ وأريد الآن أن أتوبولا أعلم كم سرقت بالضبط،‏ وأنا محرج من مواجهته؟


١١٥التوبة من المعاصي والذنوبج‎٩‎‏:‏ عليك أن تقدر ما سرقته بما يغلب على ظنك أنه هو أوأكثر منه،‏ ولا بأس أن تعيده إلى أبيك خفية كما أخذته خفية.‏س‎١٠‎‏:‏ سرقت أموالا من أناس وتبت إلى االله،‏ ولا أعرفعناوينهم؟ وآخر يقول أخذت من شركة أموالا خلسة،‏ وقد أتعملها وغادرت البلد؟ وثالث يقول سرقت من محل تجاري سلعا،‏وتغير مكانه ولا أعرف صاحبه؟ج‎١٠‎‏:‏ عليك بالبحث عنهم على قدر طاقتك ووسعك،‏ فإذاوجدم فأدفعها إليهم والحمد الله،‏ وإذا مات صاحب المال فتعطيلورثته،‏ وإن لم تجدهم على الرغم من البحث الجاد فتصدق ذهالأموال بالنيابة عنهم،‏ وأنوها لهم ولو كانوا كفارا لأن االله يعطيهمفي الدنيا ولا يعطيهم في الآخرة.‏ويشبه هذه المسألة ما ذكره ابن القيم ‏–رحمه االله-‏ في ‏"المدارجأن رجلا في جيش المسلمين غل ‏(سرق)‏ من الغنيمة،‏ ثمتاب بعد زمن فجاء غلة إلا أمير الجيش فأبى أن يقبله منه،‏ وقالكيف لي بإيصاله إلى الجيش ‏(وقد تفرقوا)!‏ فأتى ‏(هذا التائب)‏حجاج بن الشاعر ‏(يستفتيه)‏ فقال له ‏(حجاج)‏ يا هذا إن االله يعلمالجيش وأسماءهم وأنسام فأدفع خمسة إلى صاحب الخمس وتصدقبالباقي عنهم،‏ فإن االله يوصل ذلك إليهم ففعل فلما أخبر معاوية قاللأن أكون أفتيك بذلك أحب إلى من نصف ملكي،‏ وهناك فتوىمشاة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه االله-‏ قريبة من هذه فيقصص مذكورة في المدارج.‏–"٣٨٨/١


١١٦ التوبة من المعاصي والذنوبس‎١١‎‏:‏ غصبت مالا لأيتام،‏ وتاجرت به وربحت،‏ ونما المالأضعافا وخفت من االله وندمت فكيف أتوب؟ج‎١١‎‏:‏ للعلماء في هذه المسألة أقوال أوسطها وأعدلها أنك تردرأس المال الأصلي للأيتام،‏ زائد نصف الأرباح،‏ فتكون كأنكوإياهم شركاء في الربح مع إعادة الأصل إليهم.‏ وهذه رواية عنالإمام أحمد،‏ وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذه ابنالقيم ‏–رحمه االله-‏ ‏(المدارج وكذلك لو غصبت سائمةمن إبل أو غنم فنتجت أولادا فهي ونصف أولادها للمالكالأصلي،‏ فإن ماتت أعطي قيمتها مع نصف النتائج إلى مالكها.‏(٣٩٢/١س‎١٢‎‏:‏ رجل يعمل في الشحن الجوي وتتخلف عندهم بضائعأخذ منها مسجلا خلسة وبعد سنوات تاب فهل يرجع المسجلنفسه أو قيمته أو شبيها به،‏ علما بأن هذا النوع قد انتهى منالسوق.‏ج‎١٢‎‏:‏ يرجع المسجل نفسه زائدا ً عليه ما نقص من قيمته لقاءالاستعمال أو تقادم الزمن،‏ وذلك بطريقة مناسبة دون أن يؤذينفسه،‏ فإن تعذر،‏ تصدق بقيمته نيابة عن صاحبه الأصلي.‏س‎١٣‎‏:‏ كان عندي أموال من الربا ولكني أنفقتها كلها،‏ ولميبق عندي منها شيء،‏ وأنا الآن تائب فماذا يلزمني؟ج‎١٣‎‏:‏ لا يلزمك إلا التوبة إلى االله عز وجل توبة نصوحاوالربا خطير،‏ ولم يؤذن االله بحرب أحد في القرآن الكريم إلا أهلالربا وما دامت الأموال الربوية قد ذهبت كلها،‏ فليس عليك من


١١٧التوبة من المعاصي والذنوبجهتها شيء الآن.‏س‎١٤‎‏:‏ اشتريت سيارة بمال بعضه حلال وبعضه حرام،‏ وهيموجودة عندي الآن فكيف أفعل؟ج‎١٤‎‏:‏ من اشترى شيئا لا يتجزأ كالبيت أو السيارة بمالبعضه حلال وبعضه حرام فيكفيه أن يخرج ما يقابل الحرام من مالهالآخر ويتصدق به تطيبا لتلك الممتلكات،‏ فإن كان هذا الجزء منالمال الحرام هو حق للآخرين وجب رد مثله إليهم على التفصيلالسابق.‏س‎١٥‎‏:‏ ماذا يفعل بالمال الذي ربحه من تجارة الدخان،‏وكذلك إذا اختلط بأمواله الأخرى الحلال؟ج‎١٥‎‏:‏ من تاجر بالمحرمات كبيع آلات اللهو والأشرطة المحرمةوالدخان وهو يعلم حكمها ثم تاب يصرف أرباح هذه التجارةالمحرمة في وجوه الخير تخلصا لا صدقة؛ لأن االله طيب لا يقبل إلاطيبا.‏ وإذا اختلط هذا المال الحرام بأموال أخرى حلال كصاحبالبقالة الذي يبيع الدخان مع السلع المباحة،‏ فإنه يقدر هذا المالالحرام تقديرا باجتهاده،‏ ويخرجه بحيث يغلب على ظنه أنه نقىأمواله من الكسب الحرام،‏ واالله يعوضه خيرا وهو الواسع الكريم.‏وعلى وجه العموم فإن من لديه أموالا من كسب حرام،‏ وأراد أنيتوب فإن كان:‏-١كافرا عند كسبها فلا يلزم عند التوبة بإخراجها؛ لأنرسول االله لم يلزم الصحابة بإخراج ما لديهم من الأموال المحرمة


١١٨ التوبة من المعاصي والذنوبلما أسلموا.‏-٢وأما إن كان عند كسبه للحرام مسلما عالما بالتحريم فإنهيخرج ما لديه من الحرام إذا تاب.‏س‎١٦‎‏:‏ شخص يأخذ الرشاوي،‏ ثم هداه االله إلى الاستقامة،‏فماذا يعمل بالأموال التي أخذها من الرشوة؟ج‎١٦‎‏:‏ هذا الشخص لا يخلو من حالتين:‏-١إما أن يكون أخذ الرشوة من صاحب حق مظلوم اضطرأن يدفع الرشوة ليحصل على حقه؛ لأنه لم يكن له سبيل للوصولإلى حقه إلى بالرشوة،‏ فهنا يجب على هذا التائب أن يرد المال إلىالراشي صاحب الحق لأنه في حكم المال المغصوب ولأنه ألجأه إلىدفعه بالإكراه.‏-٢أن يكون أخذ الرشوة من راش ظالم تحصل عن طريقالرشوة على أشياء ليست من حقه،‏ فهذا لا يرجع إليه ما أخذه منه،‏وإنما يتخلص التائب من هذا المال الحرام في وجوه الخير كإعطائهللفقراء مثلا.‏ كما يتوب مما تسبب فيه من صرف الحق عن أهله.‏س‎١٧‎‏:‏ الشخص الذي يعمل في أعمال محرمة،‏ أو يقدمخدمات محرمة،‏ ويأخذ مقابلا أو أجرة على ذلك إذا تاب إلى االلهوعنده هذا المال الحرام فإنه يتخلص منه ولا يعيده إلى من أخذهمنه.‏فالزانية التي أخذت مالا على الزنا لا تعيده إلى الزاني إذا تابت.‏


١١٩التوبة من المعاصي والذنوبوالمعنى الذي أخذ أموالا على الغناء المحرم لا يعيده إلى أصحابالحفلة إذا تاب.‏ وبائع الخمر أو المخدرات لا يعيدها إلى من اشتروامنه إذا تاب.‏ وشاهد الزور الذي أخذ مقابلا لا يعيد المال إلى مناستخدمه لشهادة الزور وهكذا.‏ والسبب أنه إذا أرجع المال الحرامللعاصي الذي دفعه فإنه يكون قد جمع له بين العوض الحراموالمعوض الحرام،‏ ويكون قد أعانه على معصية االله ولذلك يكتفيبالتخلص منه،‏ هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح تلميذهابن القيم،‏ كما في ‏"المدارج."٣٩٠١-١س‎١٨‎‏:‏ هناك أمر يقلقني ويسبب لي إرهاقا وأرقا،‏ وهو أنيوقعت في الفاحشة مع امرأة فكيف أتوب،‏ وهل يجوز لي الزواجمنها لستر القضية؟ وآخر يسأل أنه وقع في الفاحشة في الخارج،‏وأن المرأة حملت منه فهل يكون هذا ولده،‏ وهل يجب عليه إرسالنفقة الولد؟ج‎١٨‎‏:‏ لقد كثرت الأسئلة عن الموضوعات المتعلقة بالفواحشكثرة تجعل من الواجب على المسلمين جميعا إعادة النظر فيأوضاعهم وإصلاحها على هدي الكتاب والسنة وخصوصا فيمسائل غض البصر وتحريم الخلوة،‏ وعدم مصافحة المرأة الأجنبيةوالالتزام بالحجاب الشرعي الكامل وخطورة الاختلاط،‏ وعدمالسفر إلى بلاد الكفار والاعتناء بالبيت المسلم والأسرة المسلمةوالزواج المبكر وتذليل صعوباته.‏ أما بالنسبة إلى السؤال فمن فعلالفاحشة فلا يخلو من حالتين:‏


١٢٠ التوبة من المعاصي والذنوب-١إما أنه زنى بالمرأة اغتصابا وإكراها فهذا عليه أن يدفع لهامهرا مثلها،‏ عوضا عما ألحق ا من الضرر،‏ مع توبته إلى االله توبةنصوحا،‏ وإقامة الحد عليه إذا وصل أمره إلى الإمام،‏ أو من ينوبعنه كالقاضي ونحوه.‏ ‏(انظر المدرج ٣٦٦/١).-٢أن يكون قد زنا ا برضاها،‏ فهذا لا يجب عليه إلا التوبة،‏ولا يلحق به الولد مطلقا ولا تجب عليه النفقة؛ لأن الولد جاء منسفاح ومثل هذا ينسب لأمه،‏ ولا يجوز إلحاقه بنسب الزاني.‏ ولايجوز للتائب الزواج منها لستر القضية واالله يقول:‏ الزان ِي ل َا ينكحإل َّا زان ِية ً أ َو مشر ِك َة ً والزان ِية ُ ل َا ينكحها إ ِل َّا زان أ َو مشر ِك ولايجوز العقد على امرأة لا يدري أهي حامل أم لا.‏ أما إذا تاب هووتابت المرأة توبة صادقة وتبين براءة رحمها،‏ فإنه يجوز له حينئذ أنيتزوج منها،‏ ويبدأ معها حياة جديدة يحبها االله.‏.(١)س‎١٩‎‏:‏ لقد حصل والعياذ باالله أني ارتكبت الفاحشة،‏ وعقدتعلى المرأة الزانية،‏ وقد صار لنا سنوات وقد تبنا أنا وهي إلى االلهتوبة صادقة فماذا يجب علي؟ج‎١٩‎‏:‏ ما دامت التوبة قد صحت من الطرفين فعليكما إعادةالعقد بشروطه الشرعية من الولي والشاهدين،‏ ولا يلزم أن يكونذلك في المحكمة بل لو حصل في البيت لكان كافيا.‏س‎٢٠‎‏:‏ امرأة تقول إا تزوجت من رجل صالح وقد فعلتأمورا لا ترضي االله قبل زواجها،‏ وضميرها يؤنبها الآن،‏ وتسأل هي١) ( سورة النور:‏ .٣


١٢١التوبة من المعاصي والذنوبيجب عليها إخبار زوجها بما حصل منها في الماضي؟ج‎٢٠‎‏:‏ لا يحل على أي من الزوجين إخبار الآخر بما فعل فيالماضي من المنكرات،‏ ومن ابتلى بشيء من هذه القاذورات فليستربستر االله ويكفيه التوبة النصوح.‏ وأما من تزوج بكرا ثم تبين له عندالدخول ا أا ليست بكرا كذلك لفاحشة ارتكاا في الماضي،‏فإنه يحق له أخذ المهر الذي أعطاها ويفارقها،‏ وإن رأى أا تابتفستر عليها وأبقاها فله الأجر والمثوبة من االله.‏س‎٢١‎‏:‏ ماذا يجب على التائب من فاحشة اللواط؟ج‎٢١‎؟ الواجب على الفاعل والمفعول به التوبة إلى االله توبةعظيمة،‏ فإنه لا يعلم أن االله أنزل أنواعا ً من العذاب بأمة كما أنزلبقوم لوط لشناعة جريمتهم فإنه:‏-١. (١) أ َعينهم ف َط َمسناأبيهم.‏-٢-٣-٤أخذ أبصارهم فصاروا عميانا،‏ يتخبطون كما قال تعالى:‏أرسل عليهم الصيحة.‏قلب ديارهم،‏ فجعل عاليها سافلها.‏أمطرهم بحجارة من سجيل منضود،‏ فأهلكهم عن بكرةولذلك كان الحد الذي يقام على مرتكب هذه الفاحشة القتلمحصنا أو غير محصن،‏ كما قال : ‏«من وجدتموه يعمل عمل قوم١) ( سورة القمر:‏ .٣٧


١٢٢ التوبة من المعاصي والذنوب(١)لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به»‏ ..(٢)س‎٢٢‎‏:‏ تبت إلى االله ولدي أشياء محرمة كأدوات موسيقيةوأشرطة وأفلام،‏ فهل يجوز لي بيعها خصوصا وأا تساوي مبلغاكبيرا؟ج‎٢٢‎‏:‏ لا يجوز بيع المحرمات وثمن بيعها حرام،‏ قال : نإ«‏االله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»‏ وكل ما تعلم أن غيرك سيستخدمهفي الحرام فلا يجوز لك بيعه إياه؛ لأن االله ى عن ذلك فقال ِ:‏ ول َاتعاونوا عل َى ال ْإ ِث ْم ِ وال ْعدوان‏.‏ ومهما خسرت من مال الدنيا فماعند االله خير وأبقى،‏ وهو يعوضك بمنه وفضله وكرمه.‏س‎٢٣‎‏:‏ كنت إنسانا ضالا أنشر الأفكار العلمانية،‏ وأكتبالقصص والمقالات الإلحادية،‏ وأستخدم شعري في نشر الإباحيةوالفسوق،‏ وقد تداركني االله برحمته،‏ فأخرجني من الظلمات إلىالنور وهداني فكيف أتوب؟ج‎٢٣‎‏:‏ هذه واالله النعمة الكبرى والمنة العظمى،‏ وهي الهدايةفاحمد االله عليها،‏ واسأل االله الثبات والمزيد من فضله.‏ أما من كانيستخدم لسانه وقلمه في حرب الإسلام ونشر العقائد المنحرفة أوالبدع المضلة والفجور والفسق فإنه يجب عليه الآتي:‏أولا:‏ أن يعلن توبته منها جميعا،‏ ويظهر تراجعه على الملأ بكلوسيلة وسبيل يستطيعه حتى يعذر فيمن أضلهم،‏ ويبين الباطل الذي١( )٢رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني ‏(إرواء الغليل:‏رواه أبو داود وهو حديث صحيح.‏.(٢٣٥٠( )


١٢٣التوبة من المعاصي والذنوبكان عليه لئلا يغتر من تأثر به من قبل،‏ ويتتبع الشبهات التي أثارهاوالأخطاء التي وقع فيها فيرد عليها،‏ ويتبرأ مما قال وهذا التبيينواجب من واجبات التوبة،‏ قال تعالى:‏ إ ِل َّا ال َّذين تابوا وأ َصل َحواوبينوا ف َأ ُول َئك أ َتوب عل َيه ِم وأ َنا التواب الرحيم.(١).(٢)ثانيا:‏ أن يسخر قلمه ولسانه في نشر الإسلام،‏ ويوظف طاقتهوقدراته في نصر دين االله،‏ وتعليم الناس الحق والدعوة إليه.‏ثالثا:‏ أن يستخدم هذه الطاقات في الرد على أعداء االلهوفضحهم وفضح مخططاهم،‏ كما كان يناصرهم من قبل ويفندمزاعم أعداء الإسلام،‏ ويكون سيفا لأهل الحق على أهل الباطل،‏وكذلك كل من اقنع شخصا ‏ًولو في مجلس خاص بأمر محرمكجواز الربا،‏ وأنه فوائد مباحة،‏ فإنه ينبغي عليه أن يعود ويبين لهكما أضله حتى يكفر عن خطيئته واالله الهادي.‏فيا عبد االله فتح االله باب التوبة فهلا ولجت ‏«إن للتوبة باباعرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب».‏ وفي رواية‏«عرضه مسيرة سبعين عاما،‏ لا يغلق حتى تطلع الشمس منمغرا»‏ونادى االله ‏«يا عبادي إنكم تخطئون الليل والنهار وأنا أغفرالذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم»‏ فهلا استغفرت.‏ واالله.(١).١٦٠١( )٢( )١( )سورة البقرة:‏رواه الطبراني في الكبير ‏(صحيح الجامعرواه مسلم.‏.(٢١٧٧


١٢٤ التوبة من المعاصي والذنوبيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،‏ ويبسط يده بالنهار ليتوبمسيء الليل،‏ واالله يحب الاعتذار فهلا أقبلت.‏فلله ما أحلى قول التائب،‏ أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني.‏أسألك بقوتك وضعفي،‏ وبغناك عن فقري إليك هذه ناصيتيالكاذبة الخاطئة بين يديك،‏ عبيدك سواي كثير وليس لي سيد سواكلا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك،‏ أسألك مسألة المسكين،‏ وابتهلإليك ابتهال الخاضع الذليل،‏ وأدعوك دعاء الخائف الضرير،‏ سؤالمن خضعت لك رقبته،‏ ورغم لك أنفه وفاضت له عيناه وذل لكقلبه.‏


١٢٥التوبة من المعاصي والذنوبمناجاة–قالت المحدثة الجليلة شهدة الإبرية رحمها االله:‏ سمعت القاضيالإمام أبا المعالي عزيزي بن عبد الملك شيذلة من لفظه يقول:‏ اللهم،‏يا واسع المغفرة،‏ ويا باسط اليدين بالرحمة،‏ افعل بي ما أنت أهله.‏إلهي،‏ أذنبت في بعض الأوقات،‏ وآمنت بك في كل الأوقات؛فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا.‏إلهي،‏ لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها،‏وأنا عبد؛ فكيف لا أرجوك أن ب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنترب‏.‏ فيا من أعطاها خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال؛لا تمنعنا أوسع ما في خزائنك وهو العفو مع السؤال.‏إلهي،‏ حجتي حاجتي،‏ وعدتي فاقتي،‏ فارحمني.‏إلهي،‏ كيف أمتنع بالذنب مع الدعاء ولا أراك تمتنع مع الذنبمع العطاء،‏ فإن غفرت فخير راحم أنت،‏ وإن عذبت فغير ظالمأنت.‏(١)إلهي أسألك تذللا؛ فأعطني تفضلا .-١٠٠١( )فائدة وفائدة،‏ محمد خير رمضان يوسف،‏ ص‎١٠٩‎‏،‏ ط‎١‎‏،‏‎٢٠٠٦‎م،‏ دار ابن حزم بيروت.‏‎١٤٢٧‎ه


١٢٦ التوبة من المعاصي والذنوبالخاتمةوفي الختام تقدم أيها التائب،‏ وتقدمي أيتها التائبة خطوات،‏ لكنهاخطوات في طريق الخير،‏ وليست خطوات في طريق الشر.‏ فقد حذرناربنا ‏–تبارك وتعالى-‏ منها وبين لنا أا خطوات الشيطان فقال:‏ ول َاتتب ِعوا خط ُوات الشيط َان إ ِنه ل َك ُم عدو مب ِين.(١)*واحذر أن تعتمد على سعة رحمة االله فتترك التوبة،‏ فربما داهمكالأجل وأنت على معصية،‏ أو ربما حلت بك مصيبة وأنت علىمعصية،‏ فقد قال سبحانه وتعالى:‏ نبئ ْ عبادي أ َني أ َنا ال ْغف ُورالرحيم وأ َن َّ عذ َاب ِي هو ال ْعذ َاب ال ْأ َليم.(٢)وقال :‏«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلحالجسد كله،‏ وإذا فسدت فسد الجسد كله:‏ ألا وهي القلب»‏.(٣)اللهم وفقنا للتوبة النصوح وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.‏حفظني االله وإياكم من كل سوء،‏ ووفقنا لكل خير وثبتنا علىطاعته إلى أن نلقاه،‏ إنه خير مسؤول وهو العزيز الغفور.‏ وصلى االلهعلى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد الله رب العالمين.‏..أخوكم في االلهمصطفى حقي أبو رفعة١( )٢سورة البقرة:‏سورة الحجر:‏( صحيح مسلم.‏.١٦٨.٥٠-٤٩( )٣)


١٢٧التوبة من المعاصي والذنوب-١أهم المصادرالقرآن الكريم.‏٢- كتب أحاديث الرسول ز-٣ذيب خالصة الحقائق ونصاب غاية الدقائق،‏ محمود بنأحمد الفارياني،‏ هذبه وخرج أحاديثه،‏ محمد خير رمضان يوسف.‏مجلد أول،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢١‎ه-‏ ‎٢٠٠٠‎م،‏ دار ابن حزم،‏ بيروت.‏-٤المنتقى من الفوائد الإيمانية،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٤‎ه،‏ دار طويقللنشر والتوزيع،‏ الرياض.‏١٥٠ -٥قصة للتائبين،‏ منصور عبد الحكيم،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎٢٠٠٥‎م،‏دار الكتاب العربي،‏ دمشق،‏ القاهرة.‏-٦قطار المستغفرين إلى ديار التائبين،‏ جاسم بن محمد بنالمطوع،‏ تقديم جاسم بن محمد المهلهل الياسين ط‎٢‎‏،‏ ‎١٤١٢‎ه‎١٩٩٢‎م،‏ دار الوفاء مصر.‏--٧نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة،‏ د.‏سعيد بن علي ابن رهف القحطاني،‏ ط‎٣‎‏،‏ ‎١٤٢٤٧‎ه،‏ الناشرنفسه.‏-٨موارد الظمآن لدروس الزمان،‏ الشيخ عبد العزيز المحمدالسلمان.‏-٩التوبة وظيفة العمر،‏ محمد بن إبراهيم الحمد،‏ ط‎١‎‏،‏‎١٤٢١‎ه-‏‎٢٠٠٠‎م،‏ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع،‏ الرياض.‏


١٢٨ التوبة من المعاصي والذنوب-١٠التوبة حقيقتها ‏–ثمارها،‏ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع،‏ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢١‎ه ‏-‏‎٢٠٠٠‎م،‏ الرياض.‏-١١التوبة إلى االله ‏–الشيخ الدكتور/‏ صالح بن غانم السدلان،‏ط‎٥‎‏،‏ ‎١٤١٨‎ه،‏ دار بلنسية للنشر والتوزيع،‏ الرياض.‏-١٢التوبة والمواعظ والرقائق،‏ محمد ناصر الدين الألباني،‏مكتبة المعارف للنشر والتوزيع،‏ الرياض،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٥‎ه‎٢٠٠٥‎م.‏--١٣الموسوعة الجامعة في الأخلاق والآداب،‏ مجلد أول،‏ إعدادسعود بن عبد االله الحزيمي،‏ ط‎٢٠٠٥-١‎م،‏ دار الفجر للنشروالتوزيع،‏ القاهرة.‏-١٤التوبة وشروطها وممن يتقبل ومتى،‏ أد.‏ سليمان بنإبراهيم بن عبد االله اللاحم،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٤‎ه،‏ دار العاصمة للنشروالتوزيع،‏ الرياض.‏-١٥دليل السائلين،‏ أنس إسماعيل أبو داود،‏ ط‎١‎‏،‏‎١٤١٦‎ه،‏ ‎١٩٩٦‎م،‏ الناشر نفسه،‏ جدة.‏-١٦مختصر رونق االس،‏ للعلامة عثمان بن يحيى الميري،‏ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٠٥‎ه ‏-‏‎١٩٨٥‎م،‏ دار الإيمان،‏ دمشق.‏-١٧ولا تقربوا الفواحش،‏ جمال عبد الرحمن إسماعيل،‏ وزارةالشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٣‎ه،‏السعودية.‏


١٢٩التوبة من المعاصي والذنوب-١٨نفائس الكلام من أفواه السلف الكرام،‏ مصطفى حقي،‏ط‎١‎‏،‏ ‎١٤٢٥‎ه ‎٢٠٠٤‎م،‏ دار الشريف.‏ الرياض.‏-١٩العقوبات الإلهية للأفراد والجماعات والأمم،‏ ابن أبيالدنيا،‏ تحقيق محمد خير رمضان يوسف،‏ ط‎١‎‏،‏ ‎١٤١٦‎ه-‏‎١٩٩٦‎م،‏ دار ابن حزم،‏ بيروت.‏-٢٠ضحايا الحب،‏ د.‏ عائض القرني،‏ ط‎٥‎‏،‏ ‎١٤٢٧‎ه-‏‎٢٠٠٦‎م ‏–مكتبة العبيكان ‏–الرياض.‏-٢١الفقه الميسر،‏ أبو طلحة محمد يونس عبد الستار،‏ ط‎٢‎‏،‏‎١٤٢١‎ه،‏ المدينة المنورة.‏-٢٢جبال الذنوب وسيل الغفران،‏ الشيخ أبو طلحة محمديونس بن عبد الستار،‏ ط‎٤‎‏،‏ ‎١٤٢٠‎ه،‏ مكة المكرمة.‏-٢٣التفسير الميسر،‏ الدكتور عائض القرني،‏ الطبعة الأولى‎١٤٢٧‎ه ‏-‏‎٢٠٠٦‎م،‏ مكتبة العبيكان ‏–الرياض.‏-٢٤كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار،‏ العلامة شهابالدين أحمد بن عماد القفهسي،‏ تحقيق:‏ محمد خير رمضان يوسف،‏الطبعة الأولى،‏ ‎١٤٢٦‎ه ‏-‏‎٢٠٠٥‎م،‏ دار ابن حزم،‏ بيروت.‏١٠٠ -٢٥فائدة وفائدة،‏ محمد خير رمضان يوسف،‏ الطبعةالأولى،‏ ‎١٤٢٧‎ه -٢٠٠٦، دار ابن حزم ‏–بيروت.‏


١٣٠ التوبة من المعاصي والذنوبالفهرسالافتتاحية٥...................................................الإهداء ...................................................٦توبة وندامةالمقدمة٧.................................................٨...................................................التوبة من البيان الإلهي......................................‏‎١١‎التوبة من البيان النبوي١٨.....................................التوبة...................................................‏‎٢٠‎أنواع المعاصي.............................................‏‎٢٢‎أقسام الذنوب :........................................٣٠صفات الذنوب :.......................................٣٢أسئلة وأجوبة٣٦.............................................إمهال العصاة:.........................................‏‎٣٦‎ذنوب العباد:..........................................‏‎٣٦‎كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب؟حقيقة التوبة٣٨................٣٩..............................................


١٣١التوبة من المعاصي والذنوبفضل التوبة٤٠...............................................شروط التوبة ..............................................٤١باب التوبة مفتوحوقت التوبة٤٥.........................................٥٠...............................................قبول التوبة................................................‏‎٥٤‎أمور تعين على التوبة والاستمرار عليهاعلامات صدق التائبالتوبة التامة٥٩......................٦٠.....................................٦١...............................................التوبة النصوح .............................................٦٣ثمار التوبة .................................................٦٣فوائد التوبة٦٦...............................................من هم التائبون؟...........................................‏‎٦٧‎التائب يناجي ربه..........................................‏‎٦٩‎الاستقامة بعد التوبة........................................‏‎٧٢‎هل العودة إلى الذنب مفسدة للتوبة منه؟.....................‏‎٧٥‎دعاء التوبة................................................‏‎٧٥‎قصص في فضل التوبة ......................................٧٦أول تائب إلى االله ..........................................٧٦حوار مع دمعة٨١............................................إن رجعت إلينا قبلناك......................................‏‎٨٢‎


١٣٢ التوبة من المعاصي والذنوبهل من توبة؟..............................................‏‎٨٣‎يتوب كل مرة ثم يرجع إلى الفساد!!‏توبة فضيل بن عياضهو الذي يقبل التوبةقصة رجل من كبار المذنبين٨٣........................٨٤......................................٨٥.......................................٨٧................................عبدي بين ثلاث خلال.....................................‏‎٨٨‎لا أخيب عبدا اتكل علي‎٨٩...................................إنا الله وإنا إليه راجعون.....................................‏‎٩٠‎درجة محبة االله .............................................٩١توبة شاب مسرف على نفسه...............................‏‎٩٢‎على يد إبراهيم بن أدهمالأمة المحمدية على درجات ثلاث٩٢...................................٩٤...........................قصة ماعز الأسلمي ........................................٩٥نصيحة والد لولده .........................................٩٨موعظة للإمام علي بن أبي طالب إلىولده الحسين١٠٠ ......................رضي االله عنهما –١٠٠ ..........................قصة الغامدية............................................‏ ١٠١االله أرحم بعباده١٠٢ .........................................الأقوال والآثار في التوبة .................................. ١٠٤فتاوى مهمة للتائبين١١١ .....................................


١٣٣التوبة من المعاصي والذنوب١٢٦ ...............................................١٢٧ ................................................مناجاةالخاتمةأهم المصادر.............................................‏ ١٢٨الفهرس.................................................‏ ١٣١* * *

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!