16.12.2016 Views

دائمً‏

%E2%80%8F%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3-

%E2%80%8F%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3-

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

1<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة<br />

القافلة..‏<br />

تاريخ،‏<br />

معرفة<br />

وعراقة!‏<br />

فصليّة تصدر عن مشروع أصدقاء القراءة | العدد السادس | نوفمبر 2016<br />

أ.‏ سعدية<br />

مفرح:‏<br />

ذاكرتي<br />

كتاب،‏<br />

وكتابي<br />

ذاكرة..‏ عشت<br />

هكذا <strong>دائمً‏</strong> ا،‏<br />

وال أتذكرني<br />

بال كتاب!‏<br />

magazine.rfriends.net<br />

وصايا قارئ عتيق:‏<br />

الكلمة الجميلة الخالية من المعنى<br />

هي جسد جميل ال حياة فيه!‏


3 2<br />

فريق اإلعداد<br />

هشام العبيلي<br />

هند الصبار<br />

زهرة الصالح<br />

هي مجلة فصلية<br />

تصدر عن<br />

‏»مشروع أصدقاء<br />

القراءة«‏ كل ثالثة<br />

أشهر،‏ حتتوي على<br />

مقاالت ولقاءات<br />

تهمّ‏ كلّ‏ قارئ.‏<br />

فريق المراجعة<br />

والتدقيق<br />

بدور الفصام<br />

عبد الرحمن الغنيم<br />

يف أقل من دقيقة،‏<br />

مشاركتك يف تقييم<br />

املجلة ستساعدنا<br />

يف تطويرها.‏<br />

تتطلع املجلة للمساهمة<br />

يف ترسيخ ثقافة القراءة<br />

وتعزيزها يف املجتمع،‏ وأن<br />

تكون أداة فعالة لتوظيف<br />

املقروء الذي يخدم<br />

املجتمع معرفيًا وثقافيًا.‏<br />

رئيس التحرير<br />

فاطمة أبوسعدة<br />

فريق العالقات العامة<br />

غيداء الرويشد<br />

شمس اجلطيلي<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

تسعى املجلة لبناء<br />

املجتمع القارئ<br />

الواعي وذلك من<br />

خالل حتفيز أفراده<br />

ليكونوا عنصرًا<br />

مساهمًا يف التحول<br />

ملجتمع معريف.‏<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

المحتويات<br />

كلمة التحرير<br />

اخلطوة الثانية كيف ثم كم!‏<br />

قصة كتاب<br />

العمى ومكعبات ماجي<br />

مقابلة األستاذة سعدية مفرح<br />

مسابقة أفضل مراجعة على كتاب ‏»عبقرية عمر«‏ للعقّ‏ اد<br />

نحو كتابات فريدة<br />

يف معنى أن أكتب<br />

ملخص كتاب مذكرات قارئ<br />

جيش األفكار<br />

أدب املقالة<br />

مجلة القافلة خزانة املعرفة<br />

تعريف بخمسة كتب عربية<br />

إعارة الكتب<br />

املزهدون يف القراءة<br />

وصايا قارئ عتيق<br />

إنهم أصحابي فأروني ماذا فعل بكم صحبكم<br />

من حيث ال أدري افترقنا<br />

بيبلومانيا<br />

الذوق األدبي<br />

البحث عن ثقافة مفقودة<br />

4<br />

6<br />

9<br />

12<br />

14<br />

22<br />

27<br />

28<br />

30<br />

35<br />

38<br />

43<br />

49<br />

54<br />

57<br />

59<br />

62<br />

65<br />

67<br />

71<br />

73<br />

فريق التصميم<br />

Brandin» You


5 4<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

كلمة<br />

التحرير<br />

احلمد هلل رب العاملن،‏ والصالة<br />

والسالم على نبينا محمد،‏ وعلى<br />

آله وصحبه أجمعن،‏ أما بعد:‏<br />

ثمانية عشر شهرًا بتمامها<br />

استغرقت رحلة قوارئ بدءًا من<br />

انطالقتها األولى،‏ أسْ‏ فَرَت عن ستة<br />

أعداد فريدة من مجلتكم األثيرة،‏<br />

وقد كانت مع كل إصدار جديد<br />

تسعى للتجديد يف موضوعاتها<br />

والتنوع يف طرحها،‏ مع احملافظة<br />

على الهيكل العام،‏ والهدف الرئيس<br />

الذي انطلقت من أجل حتقيقه،‏ وها<br />

هي تواصل رحلة اإلبداع واإلمتاع<br />

خالل مسيرة عامها الثاني،‏ والذي<br />

تزداد فيه إيناعً‏ ا وإيراقًا يومًا إثر<br />

يوم.‏ ونحمد اهلل تعالى أن يسّ‏ ر<br />

لنا بلوغ العدد السادس،‏ والذي<br />

جاء بعد توفيق اهلل،‏ بتضافر<br />

جهود فريقٍ‏ متكامل،‏ وأيدي عاملة<br />

متفانية مخلصة،‏ استفرغت وسعها<br />

وأنفقت من وقتها لتكون عند حسن<br />

ظنّ‏ قرّائها وأصدقائها األوفياء،‏<br />

ثم بفضل اجلمهور القارئ الذي<br />

سَ‏ عدنا بتلقي مشاركاته القيّمة<br />

وآرائه الوجيهة وأفكاره النيّرة،‏<br />

والتي أسهمت إسهامًا كبيرًا يف<br />

تطور املجلة وإثرائها.‏<br />

أبلغ الشكر للفريق الذي يشعر<br />

بأن قوارئ قطعة من روحه،‏<br />

وللكتّاب والضيوف األكارم الذين<br />

ظللونا بسحائب أفكارهم ونفائس<br />

أقالمهم،‏ وللمشاركن الرائعن<br />

الذين تسابقوا يف نشر أعمالهم،‏<br />

وللقرّاء الشغوفن الذين يرتقبون<br />

موعدنا معهم كل ثالثة أشهر،‏<br />

وللمتفضلن بالدعوة إلى تناول<br />

مجلتنا،‏ ونشرها،‏ والنقل عنها،‏<br />

ودعمها.‏ ولألحبة الذين لم يتوانوا<br />

عن محاولة الكتابة،‏ وال زالوا<br />

ميتلكون إصرارًا وعزمًا يف صقل<br />

أقالمهم وتنمية مواهبهم والتي<br />

نثق بأنها ستشق طريقها عما<br />

قريب لتجد مكانها يف إحدى زوايا<br />

أعدادنا املقبلة بإذن اهلل.‏<br />

وأسرة التحرير تدعو املتخصصن<br />

واألكادميين واملثقفن والقرّاء إلى<br />

املشاركة يف تطوير املجلة،‏ والرفع<br />

من مستواها من جميع اجلوانب<br />

املوضوعية والشكلية،‏ من خالل<br />

إحتافها بآرائهم ومقترحاتهم،‏<br />

وتزويدها مبلحوظاتهم وتنبيهاتهم،‏<br />

وتؤكد أن ذلك سيكون محل عناية<br />

وتقدير لتحقيق مزيدًا من الريادة<br />

والتميّز.‏<br />

واهلل املسؤول أن يجعل عملنا<br />

خالصً‏ ا لوجهه الكرمي،‏ وأن يوفقنا<br />

إلى ما يحبه ويرضاه،‏ إنه قريب<br />

مجيب.‏


7 6<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

الخطوة الثانية:‏<br />

كيف ثم كم!‏<br />

غالبًا،‏ يضع القارئ خطة سنوية له مطلع العام اجلديد وذلك<br />

لتحديد هدفه القرائي والذي سيحققه بنهاية ذلك العام إن بذل<br />

جهده لذلك،‏ غالبًا ‏-أيضً‏ ا-‏ يُركز القراء يف خططهم القرائية<br />

على ‏»كم كتابًا سيقرؤون؟«‏ ال ‏»ما هي الكتب التي سيقرؤونها؟«،‏<br />

مما يجعل عددًا كبيرًا من املنضمن إلى مجتمع القراءة يصرفون<br />

اهتمامًا على الكم ‏-والذي هو ال يهم كثيرًا-‏ أكثر منه على الكيف<br />

‏-والذي هو من يُشكل الفارق يف عالم القراءة-.‏<br />

حينما نتحدث عن الكم فنحن نتحدث عن عدد الكتب التي<br />

قرأتها بغض النظر عن ماهيتها،‏ فسواء قرأت كتبًا يف شتى<br />

املجاالت أو قرأت كتبًا يف مجالٍ‏ واحد فأنت قرأت 50 كتابًا،‏<br />

وأنت هنا تتعادل مع أي قارئ قرأ 50 كتابًا أيضً‏ ا بغض النظر<br />

عن ماهية الكتب التي قرأها وعن عدد صفحاتها وعن مستواها<br />

اللغوي،‏ ولكن حينما نتحدث عن الكيف فنحن نتحدث عن ماهية<br />

الكتب التي قرأتها والفائدة التي خرجت منها،‏ فقد تكون قد<br />

قرأت موسوعة أو اثنتن فيكون مجموع ما متلكه من معلومات<br />

يُعادل ما ميلكه قارئ قرأ 1500 كتاب،‏ نعم..‏ الكم يُظهر أننا<br />

أجنزنا لكن الكيف يُظهر إلى أي حد اقتربنا من هدفنا من كل<br />

قراءاتنا.‏<br />

إن كنت قارئًا مبتدئًا نحن نقول لك:‏ اخلطوة الثانية يف القراءة<br />

‏-والتي تلي اخلطوة األولى التي حتدثنا عنها يف العدد اخلامس<br />

من قوارئ-‏ هي أن حتُ‏ دد هدفك القرائي بناءً‏ على ماذا ستقرأ<br />

أو يف أي مجال ستتعمق ال كم كتابًا ستقرأ،‏ أو على أقل تقدير أن<br />

تخلط بينهما بحيث حتُ‏ دد هدفك القرائي برقم ثم تُفصّ‏ ل ذلك<br />

الرقم ليكون هدفك أوضح وأدق.‏<br />

نعلم إنه سيكون األمر مُحبطً‏ ا بعض الشيء<br />

أو مُحبطً‏ ا جدًا جدًا أن ينتهي العام وقد<br />

قرأت 10 كتب خالل 12 شهرًا يف حن يكون<br />

أصدقاؤك قد قرؤوا أضعاف ما قرأت،‏ ولكن<br />

تذكر إن كنت تود أن تبقى لفترة طويلة يف حزب<br />

الذين يقرؤون فال تهتم بالعدد ألن ما سيُشكل<br />

ثقافتك العامة التي تكتسبها من القراءة وما<br />

سيُؤثر على طريقة تفكيرك وأسلوب حياتك لن<br />

يكون عدد الكتب التي قرأتها وال حجم املكتبة<br />

التي متلكها بل محتوى الكتب ذاتها.‏<br />

أن تقرأ عددًا محددًا من الكتب سنويًا ليس<br />

باألمر الصعب،‏ فالقراءة السريعة والقراءة<br />

املسحية ‏-التي ال ننصحك أن تتخذهما أسلوبًا<br />

لك يف الوقت الراهن-،‏ والكتب ذات الصفحات<br />

القليلة،‏ والكتب التي تُطبع بحجم صفحات<br />

صغير،‏ وطريقة إخراج الكتاب التي جتعل<br />

معظمه فارغًا،‏ جميعها وغيرها..‏ أمور تُساعدك<br />

على حتقيق هدفك القرائي الكمي لهذا العام،‏<br />

لكن ال شيء مما سبق ميكن أن يحقق الهدف<br />

الكيفي من القراءة،‏ قد تقرأ 244 كتابًا خالل<br />

عامٍ‏ واحد مبُعدل كتاب كل نصف يوم،‏ قد تُبهر<br />

الكثير،‏ وقد تفوز بتحدي القراءة،‏ لكن ال شيء<br />

من هذا سيضمن لك أن تكون قد استفدت<br />

حقًا مما قرأت أو أن تكون اختياراتك مؤثرة<br />

على مستواك الشخصي فتنقلك نقلة نوعية<br />

ملستوى قرائي جديد أو مستوى فكري أعلى.‏<br />

نحن ال نقول ال تهتم بالكم لكننا نقول<br />

اصرف قليالً‏ من اهتمامك فيه ألنه سيُظهر<br />

لك ولغيرك ما أجنزت بصورة قابلة للقياس،‏<br />

ولكن مع ذلك اهتم أكثر بالكيف واصرف وقتًا<br />

لتحديد الكتب التي ستقرأها لتصل بك إلى<br />

الهدف األساسي من القراءة والذي ال ميكنك<br />

قياسه بالطرق الرياضية ولكنك ستلحظه بشكل<br />

جلي يف شتى جوانبك الشخصية،‏ وسيلحظه<br />

اآلخرون وسيُبهرون به - حتى وإن لم يخبروك<br />

بذلك-.‏<br />

كُ‏ تب بواسطة - @mnaynabda


9 8<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

قصة كتاب:‏<br />

اإلسالم والحضارة<br />

العربية<br />

دُعيت إلى مؤمتر املستشرقن يف ليدن من بالد القاع يف<br />

صيف سنة 1931 وسألت رصفائي أعضاء املجمع العلمي العربي<br />

عن املوضوع الذي يرون أن أخوض فيه هناك،‏ وقلت لهم إن<br />

كل عضو ال يسمح له الكالم أكثر من عشرين دقيقة،‏ على ما<br />

رأيت يف مؤمتر املستشرقن يف أكسفورد سنة 1928، وقد تكلمت<br />

فيه على نهضة العربية األخيرة،‏ وتعاون العرب واملستعربن<br />

على النهوض بها،‏ وعلى نشر دفائنها املخطوطة.‏ فقال أحد<br />

األعضاء صديقي الدكتور أسعد احلكيم:‏ قل لهم إن اإلسالم<br />

أصبح معروفًا عند األمم مبا نقل إلى لغاتهم من كتبه،‏ فليس<br />

من الالئق بعد اآلن ببعض املؤلفن أن يطلقوا ألسنتهم فيه مبا ال<br />

يليق،‏ وال أن يطعن باملسلمن والعرب الطعن الذي لم ينشأ إال عن<br />

أحقاد قدمية وتعصبات رديئة.‏ فقال األعضاء:‏ هذا هو املوضوع.‏<br />

وقلت لهم:‏ ليتني كنت قيّدت أشياء عرضت لي ولها صلة مبا<br />

نريد فقالوا:‏ تكلم بقدر ما عندك من املادة وال يطلب منك<br />

الزيادة.‏ فأخذت بدرس املوضوع درسً‏ ا خفيفًا ألكتب فيه سبع<br />

صفحات.‏ وملا أزمعت الرحيل حددت احلكومة لي مدة الرحلة<br />

أربعن يومًا فاستقللتها،‏ وعدلت من تلقاء نفسي عن السفر،‏<br />

وفرح رئيس الوزراء ألنه كان يود أن يذهب إلى باريز وكذلك<br />

وزير املالية،‏ فأبت املفوضية أن جنيبهما إلى رغبتها إذ ال غاية<br />

ترجى من سياحتها.‏ وملا عدلت عن الذهاب إلى ليدن انصرفت<br />

إلى درس املوضوع الذي اقترح عليَّ‏ أن أعرض له يف جلسات<br />

املؤمتر،‏ واتفق أن تركت الوزارة بعد حن فسيطرت على وقتي<br />

كما أشتهي،‏ وما زال األفق يتسع وميتد،‏ وأنا حتدثني نفسي<br />

أني سآخذ مما كتبت محاضرات للمجمع العلمي حتى كتبت<br />

أكثر من تسعمائة صفحة،‏ كان منها ‏»كتاب اإلسالم واحلضارة<br />

العربية«‏ طبع يف مجلدين يف مطبعة دار الكتب املصرية بالقاهرة،‏<br />

على نفقة جلنة التأليف والترجمة والنشر،‏ وقد سلخت يف تأليفه


11 10<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

ثالث سنن لم أنقطع فيها يومًا واحدًا عن<br />

التأليف،‏ ومدة اشتغالي كل يوم ثماني ساعات<br />

فأكثر.‏ وشاهدت تيسيرًا يف التقاط مادته ما<br />

وقع لي يف تأليف كتاب غيره.‏ فكنت أذكر ما<br />

تلوته من ثالثن أو أربعن سنة يف هذا املبحث<br />

أو املباحث فأسقط يف احلال على ما أتوخى،‏<br />

وقرأت ورجعت إلى أكثر من خمسمائة مصنف<br />

باللغات الثالث،‏ وقال بعض العارفن إنه أجود<br />

كتبي تأليفًا؛ وذلك ألن موضوعه عام جذاب<br />

يحتاج إلى الرجوع إليه املوافق واملخالف،‏<br />

والكبير والصغير،‏ والعربي واإلفرجني ، ومما<br />

كتب إليَّ‏ األمير شكيب أرسالن فيه:‏ ‏»أنا معتقد<br />

أنك وفقت فيه توفيقًا كبيرًا وأنه خير ما كتبت<br />

بل من خير ما أخرج من الكتب يف هذا العصر،‏<br />

ولعمري إن هذا املوضوع كان يُعْوِزه كتاب جامع<br />

محيط بأطرافه كهذا الكتاب سدّ‏ هذا العوز،‏<br />

وكفى الناس مؤونة نشدان األدلة من هنا ومن<br />

هنالك ومن هناك.‏ إلى أن قال:‏ ولذلك مسّ‏ ت<br />

احلاجة إلى وضع كتاب يضيق معه مجال<br />

املغالطة يف فضل العرب،‏ ويأخذ على املكابرين<br />

أو املتجاهلن أفواه الطرق،‏ فكان هذا الكتاب<br />

الذي أرجو أن ينقل إلى لغة مشهورة من اللغات<br />

األوربية فاتنًا،‏ نحن يف حاجة إلى أن يعلموا هم<br />

عنا أكثر مما نحن يف حاجة إلى أن نعلم نحن<br />

عن أنفسنا«.‏<br />

وكتاب ‏»اإلسالم واحلضارة العربية«‏ صورة<br />

من حالة العرب قبل اإلسالم وحالتهم بعده،‏<br />

وفيه إشارات إلى تأثيرات اإلسالم ولغته يف<br />

األقطار املغلوبة،‏ ومناقشة من نالوا من اإلسالم<br />

والعرب وكتبوا فيهما بالهوى،‏ واالستدالل على<br />

نقض أقوالهم بكالم علماء منهم تكلموا نازعن<br />

ربقة التعصب الديني.‏ وقد رددت فيه أمهات<br />

الشبه التي أوردها الشعوبيون أعداء العرب<br />

واإلسالم،‏ وعرضت ملا أثر اإلسالم يف أوروبا<br />

من طريق األندلس وصقلية،‏ وما كان من اخلير<br />

لهاتن اجلزيرتن وما واالهما من حضارة<br />

العرب،‏ وعرضت ما كان من تخريب التتار<br />

من الشرق والبربر والصليبين من الغرب يف<br />

كيان العرب واإلسالم،‏ وما كان من غارات<br />

املستعمرين على ديار اإلسالم والشرق عامة،‏<br />

وما أخذه اإلفرجن من علوم العرب،‏ وما أخذه<br />

هؤالء عن األمم احلديثة ملا حاولوا النهوض<br />

يف العصر املاضي،‏ وذكرت ما أتى به اإلسالم<br />

من علوم خاصة به،‏ وما عبث به العابثون يف<br />

هذا الشأن يف العصور التالية مما كان فيه<br />

تدلي أهله.‏ وأفضت يف سياسة األمة العربية<br />

واألمم التي خلفتها كالترك والبربر والشراكسة<br />

واألكراد والفرس والهنود.‏ وتوسعت يف إدارة<br />

احلكومات التي توالت على أرض املسلمن من<br />

عهد صاحب الشريعة عليه الصالة والسالم<br />

إلى يوم الناس هذا.‏ فكان من هذين الفصلن<br />

األخيرين موجز من تاريخنا فيه زبدة ما يجب<br />

حفظه من تاريخ اإلسالم والعرب.‏<br />

محمد كرد علي،‏ املذكرات،‏ 3/316-318.


13 12<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

العمى<br />

ومكعبات ماجي<br />

كُ‏ تب بواسطة - غيداء اجلويسر @galjuwaiser<br />

قال ديفيد كورنويل الشهير ب:‏ جون لو كاريه : ‏»حتوّل كتابك إلى فيلم هو أشبه برؤية حتول بقرتك<br />

ملكعبات ماجي"نتخوّف دائمًا من تداول خبر إعادة إنتاج عمل كتابي لعمل فنّي،‏ إميانا من جتارب عديدة<br />

بأنه ما من نسخة أخرى ميكن أن تتفوق على العمل األدبي الذي نال حيِّزًا يف قلوبنا.‏ لكن خوزيه<br />

ساراماغو الروائي البرتغالي شاهد عمله النوبلي:‏ العمى وهي تتحول لفيلم ومسرحية ومقطوعة موسيقية<br />

لألوبرا.‏<br />

نشر خوزيه روايته باللغة البرتغالية يف 1995،<br />

ومتت ترجمتها لإلجنليزية يف 1997. وحن سُ‏ ئل<br />

يف 1998 عن والدة فكرة هذه الرواية أجاب:‏ ‏»كنتُ‏<br />

جالسً‏ ا يف مطعمٍ‏ ما،‏ منتظرًا أن يُقدّم لي غذائي،‏<br />

ففكرت فجأة،‏ ماذا لو كانوا كلهم عميانًا ؟ كما<br />

لو كنت أجاوب سؤال نفسي،‏ لكننا نحن بالفعل<br />

عميان.‏ كانت هذه بذرة الرواية«.‏<br />

كانت مصافحتي األولى يف أغسطس 2015 مع<br />

األعمال النوبلية ومع ساراماغو يف ذات الوقت،‏ ال<br />

أريد أن أحرق هنا مضمون هذا العمل ملن لم يقرؤه<br />

أو أكرر سردها ملن قرأها،‏ لكن ذكر أحداث الرواية<br />

باختصار البد منه حتى يتمكّن القارئ من قراءة<br />

هذه املقالة.‏ الرواية تتحدث عن مرض يصيب<br />

شعبًا ما يف مدينة ما يف زمن ما،‏ هذا املرض هو<br />

العمى،‏ بالتحديد رؤية البياض التام.‏ ينتقل هذا<br />

املرض كالعدوى من مجهول كان يقود سيارته يف<br />

الشارع إلى مدينة بأكملها.‏ ولكن شاهدا واحدا<br />

يبقى بصيرا وهو زوجة طبيب العيون الذي أصيب<br />

بالعمى بعد كشفه على املصاب األول!‏ هذه الزوجة<br />

التي جتوب ما بن املشفى الذي حتول حملجر<br />

صحي قُذِ‏ فَ‏ فيه كل املصابون بالعمى.‏<br />

أذكر أنني كنت أغلق عيني وأفتحهما عدّة<br />

مرّات حتّى وصلت ملنتصف الرواية ألتأكد بأنني<br />

لم أصب بالعمى!‏ منذ املشهد األول الذي يصاب<br />

فيه السائق بالعمى يهاجمك ساراماغو ويتشبث بك<br />

كغريق ال يريد أن ينقذك بل يريدك أن تغرق معه<br />

كذلك.‏ كمية هائلة من الفظاعة يحملها هذا العمل<br />

بن طياته،‏ يكتب لك ساراماغو بأدق التفاصيل<br />

كيف يتحول البشر إلى حيوانات إذا ما فقدوا<br />

املأكل واملشرب،‏ مشاهد بشعة ترهقك أثناء القراءة<br />

بجانب اإلجهاد الذهني والعاطفي اللذان يضنيانك<br />

وأنت تقرأ صفحات الرواية،‏ لتجد أنك يف ذات<br />

الوقت ال تستطيع التوقف عن القراءة!‏<br />

حينما قررت مشاهدة الفيلم الذي بُنِيَ‏ علي<br />

الرواية والذي شاهده ساراماغو بنفسه يف 2008<br />

ظننت أن خيبتي بعد طعام..‏ صالة..‏ حُ‏ ب جلوليا<br />

روبرتس - املقتبس من سيرة ذاتية بنفس العنوان<br />

- ستتكرر،‏ لكنّ‏ العمل السينمائي وإن كان لم يصل<br />

لتصوير بشاعة األحداث يف الرواية - نال استحساني<br />

كثيرا،‏ كما أنني سعدت حن رأيت خوزيه نفسه<br />

يبكي من سعادته بهذا العمل.‏ يكفي الفيلم مشاهده<br />

يف أروقة املشفى الذي حتول حملجر صحي،‏ للشوارع<br />

التي حتولت ملكب قمامة ضخم،‏ وللبيت الذي<br />

أضيئت به الشموع لعميان إال واحدة!‏ هذه املشاهد<br />

ترسّ‏ خ يف ذهنك توليفة متجانسة مع الرواية لترسم<br />

صورة مكتملة عنهما معًا:‏ قراءة ومشاهدة.‏<br />

العمى رواية ال تكفيها قراءة واحدة،‏ طوفان<br />

من األسئلة يزورك منذ أول صفحة ويأخذ يف<br />

االزدياد حتى بعد أن تطوي آخر صفحة!‏ كلّما<br />

تقرأ مراجعة لهذا العمل تكتشف بأنّك قد غَفِ‏ لت<br />

عن مشهد ما،‏ لم اختار زوجة الطبيب كأنثى<br />

لتشهد على كل شيء؟ لم اختار شخصيات الرواية<br />

األساسية مبراحلهم العمرية وظروفهم االجتماعية<br />

والنفسية؟ لم النظارة السوداء قبل العمى؟ كيف<br />

يكون التسامح حاضرًا أمام هيبة االحتضار؟<br />

وكيف يكون مشهد االنتقام شفاء لغيظك!‏<br />

والسؤال الذي ما زلت أطرحه على ساراماغو:‏<br />

ماذا تقصد بالعمى؟ رغم أن الرواية تقول:‏ ‏»ما<br />

أصعب أن يكون املرء مبصرًا يف مجتمع أعمى«‏<br />

فالعمى هو ظالم اجلهل والرؤية هي نور الوعي،‏<br />

إال أنني ما زلت أحمل تأويالت مختلفة!‏<br />

رغم أن خوزيه لم يحدد اسمًا للمكان الذي<br />

أخذت الرواية منه حيّزًا،‏ إال أنني قرأتُ‏ يف إحدى<br />

املراجعات بأنّ‏ ساراماغو يقصد البرتغال؛ ألنّ‏ بعض<br />

املشاهد يف الرواية تتطابق وصفًا مع بعض األمكنة<br />

فيها،‏ قرأتُ‏ كذلك بأنّ‏ خوزيه كان هو زوجة<br />

الطبيب،‏ مبعنى أنّه حتدّث على لسانها يف الرواية،‏<br />

تتعدد القراءات لكنّ‏ األهم كيف تقرأ أنت العمى؟<br />

أختم هذه املراجعة املتواضعة مبا بدأت به عبر<br />

سؤال واحد:‏ إذن يا ديفيد ما رأيك مبكعبات ماجي<br />

هذه املرة؟


15 14<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

لقاء أصدقاء القراءة<br />

سعدية مفرح<br />

شاعرة وكاتبة وناقدة وصحفية،‏ اختارتها جريدة الغارديات<br />

البريطانية كممثلة للكويت في خريطة الشعر العالمي.‏ كما<br />

تُ‏ رجمت كثير من قصائدها وأعمالها إلى عدد من اللغات األجنبية.‏<br />

تُ‏ درّ‏ س تجربتها الشعرية في عدد من الجامعات المحلية والعربية.‏<br />

وصدر لها عدة مؤلفات منها:‏ تغيب فأسرج خيل ظنوني،‏ وجع<br />

الذاكرة،‏ ويسهر الخلق،‏ سين نحو سيرة ذاتية ناقصة،‏ هذا الجناح<br />

جناحي.‏<br />

‎1.1‎ما بواكير القراءة والبدايات<br />

األولى في عالم القراءة والكتابة<br />

عند أ.‏ سعدية؟<br />

ذاكرتي كتاب،‏ وكتابي ذاكرة..‏ عشت هكذا<br />

دائمًا،‏ وال أتذكرني بال كتاب،‏ لكن من الطبيعي أن<br />

تكون البداية احلقيقية من املدرسة.‏ ما زلت أتذكر<br />

قصة الفأرة البيضاء من سلسلة املكتبة اخلضراء<br />

التي كانت جائزة التفوق األولى بالنسبة لي من<br />

إدارة املدرسة يف الصف األول االبتدائي.‏ ولعلي ال<br />

أبالغ إن قلت أنني قرأت تلك القصة مرات كثيرة<br />

جدًا لدرجة أنني حفظتها أثناء العطلة الصيفية.‏<br />

كانت أول كتاب أقرأه خارج املنهج وكتب الدراسة،‏<br />

حيث اكتشفت يف ذلك العمر املبكر أن حياة أخرى<br />

جتري أحداثها على الورق أجمل بكثير من احلياة<br />

التي كنت أعيشها فعال.‏ وأن حياة الورق هذه<br />

ميكن أن تكون حياتي أنا بقليل من احلب.‏ أحببت<br />

القصة والقراءة كلها..‏ وهكذا بقيت النافذة التي<br />

فتحتها لي الفأرة البيضاء مفتوحة دائما،‏ وتقترح<br />

علي املزيد من االندهاشات واللذائذ واالكتشافات<br />

اخلارجة عن إطار توقعاتي.‏ لطاملا عرّفتُ‏ القراءة<br />

بأنها دهشة،‏ والكتابة بأنها دهشة مضاعفة،‏<br />

وبينهما كنت أبحث عن ذاتي التي أزعم أنني لم<br />

أعرفها إال من خاللهما.‏<br />

يف الثانية عشرة من عمري كنت قد بدأت<br />

القراءة بشكل منهجي يف مكتبة املدرسة،‏ حيث<br />

كانت كتب التراث هي مالذي اجلميل.‏ أقرأ كنوع<br />

من التقمص مع الزمن البعيد..‏ أعيشه بتفاصيله<br />

الغريبة،‏ وأكاد أندمج معها حيث ال فكاك وال أريد<br />

الفكاك.‏ كل شيء متنحه القراءة لنا علينا تقبّله<br />

كهدية ال ترد،‏ حتى لو رأينا أننا لسنا بحاجة<br />

لها اآلن.‏ ستحتفظ بها الذاكرة حتى يحن وقت<br />

حاجتنا لها أو رمبا تتالشى يف خاليانا وتنتهي فينا،‏<br />

نتكون منها ونبقى منتح من بئرها السري العميق<br />

إلى األبد.‏ نتكئ عليها لنكتب كتابتنا األولى ونبقى<br />

مدينن لها حتى الكتابة األخيرة.‏<br />

ما زلت أحتفظ ببطاقة ‏»أصدقاء املكتبة«‏ التي<br />

كانت تعطى ألكثر من يستعير الكتب من املكتبة<br />

ويقرأها..‏ كنت أعلق تلك البطاقة وعليها اسمي<br />

وصورتي على صدري كتعويذة ضد الفراغ والهراء،‏<br />

وأباهي بها زميالتي،‏ ومن خاللها عرفت أن القراءة<br />

ميكن أن تكون وسيلة أيضً‏ ا ال غاية وحسب!‏ وأن<br />

الفأرة البيضاء التي قضمت لي فجوة من اجلدار<br />

الذي كان يعزلني عن العالم سترافقني دائمًا لتقوم<br />

باملهمة ذاتها..‏<br />

يف كل معرض من معارض الكتب التي أزورها<br />

أجدني أبحث عن سلسلة املكتبة اخلضراء،‏ وأحيانا<br />

يحلو لي أن ألتقط الصور وأنا أمسك ببعض<br />

نسخها،‏ وكأنني أحاول استرجاع تلك اللحظات<br />

البعيدة التي انغمست فيها ألول مرة يف عالم<br />

القراءة كسمكة تفقس يف النهر لتجد نفسها تعوم<br />

يف أعماقه تلقائيًا،‏ وما زلت أعوم يف نهر احلبر<br />

منذ ذلك الوقت حيث كبرت مكتبتي وتلونت بكل<br />

األلوان؛ لكن لألخضر فيها دهشة البدء وأسراره،‏<br />

وللفأرة البيضاء تعويذة البقاء لألبد.‏<br />

‎2.2‎متى تضعين عناوين كتبك<br />

ومقاالتك وقصائدك،‏ هل تكون<br />

لحظة اإللهام العنوان قبل أو<br />

أثناء أو بعد الكتابة؟<br />

كأسماء البشر تبدو للقراء عناوين الكتب.‏ ورغم<br />

أنني أصدق فيروز وهي تصرح بأن ‏»أسامينا هني<br />

عينينا«،‏ إال أنني ال أصدق أن عناوين كتبنا هي عيون<br />

هذه الكتب دائما!‏ وإن كانت كذلك فهي أعن جتيد<br />

التصنع واخلداع،‏ وكم خدعنا بعنوان كتاب أفضى<br />

إلى ما ال يشير إليه عنوانه.‏ لست أدعو بأن يفضح<br />

العنوان املوضوع الذي يتناوله الديوان الشعري أو<br />

الرواية أو أي كتاب أخر مباشرة،‏ لكنني أستهجن<br />

فكرة العناوين اخلداعة التي حتاول أن تقود القارئ،‏<br />

وخصوصً‏ ا غير احملترف إلى ما ال يريد.‏<br />

أحب العناوين الالفتة،‏ أحبها لوحدها أحيانًا،‏<br />

ومبعزل عن فكرة الكتاب.‏ لكنني أستهجنها كفكرة<br />

متكاملة إن كانت من تلك العناوين ‏)أو لعلها<br />

العنوانات!(‏ اخلداعة الكاذبة كذبًا مبينًا.‏ لطاملا<br />

احتفظت ذاكرتي بعناوين آسرة بدت لي حلظة


17 16<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

اكتشافها كقصائد منفلتة من محيطها اللغوي<br />

والشعري،‏ وأذكر على سبيل املثال،‏ أنني عندما<br />

قرأت عنوان مجموعة شعرية قدمية للشاعر قاسم<br />

حداد كخبر عابر يف صحيفة ما يومها،‏ أخذت<br />

متامًا باللحظة الشعرية احمليطة بالعنوان؛ ‏»ميشي<br />

مخفورًا بالوعول«،‏ ولم أعد أفكر إال بتلك املشية<br />

الفارهة التي اقتنصتها موهبة الشاعر لتكون عنوان<br />

ملجموعته الشعرية فتأخذني إلى حيث أريد أنا ال<br />

إلى حيث يريد الشاعر رمبا!‏<br />

كلما حانت حلظة اختيار عنوان لكتاب جديد<br />

لي،‏ أو حتى قصيدة،‏ أستعيد لذّتي القدمية يف<br />

حضرة الشاعر الذي كان ميشي مخفورًا بالوعول<br />

يف غابة الكلمات،‏ لعلي أكتشف مشية أخرى يف<br />

غابة أخرى لم يكتشفها أحد قبلي!‏<br />

ال أدري إن كنت قد جنحت ولو جزئيًا أم ال،‏ لكنني<br />

عمومًا ال أعتمد نهجً‏ ا ثابتًا يف اختيار عناوين كتبي<br />

وقبلها قصائدي.‏ أحيانًا أختار العنوان أثناء الكتابة<br />

وأحيانًا قبلها وأحيانا بعد االنتهاء منها،‏ ورمبا اخترت<br />

عنوانًا لقصيدة أو مقالة أو كتاب قبل االنتهاء من<br />

العمل ثم غيرته الحقًا.‏ مثالً؛ ‏»تغيب فأسرج خيل<br />

ظنوني«،‏ عبارة اخترتها عنوانا لقصيدة لم أكن قد<br />

كتبتها بعد،‏ وبقي صدى العنوان يتردد يف داخلي إلى<br />

أن تشكلت القصيدة وبعدها بثالث أو أربع سنوات<br />

ظهرت تلك العبارة على غالف مجموعة شعرية!‏<br />

وعلى العكس من ذلك عنوان كتابي ‏»هذا اجلناح<br />

جناحي«‏ الذي لم أختره إال قبل أن أدفع مبسودة<br />

الكتاب إلى الناشر عبر اإلمييل بدقائق قليلة فقط..‏<br />

أتى هكذا بال تخطيط مسبق وال استشارة من أحد.‏<br />

قرأت مقدمة الكتاب مرة أخيرة وخرجت بالعنوان<br />

وكأنني أشير إلى جناح طائرة محلق يف السماء مندغم<br />

بجناح طائر..‏ كان جناحي أنا بالفعل..‏ وأصبح عنوان<br />

كتابي.‏ أما يف كتاب ‏»مجرد مرآم مستلقية«،‏ فقد<br />

احترت بن ثالثة عناوين واستشرت أحد الزمالء<br />

الشعراء.‏ استعرض هذا الزميل العبارات املقترحة<br />

وأضاف كلمة إلحداها..‏ وتكون العنوان.‏<br />

هل هذا هو اإللهام؟ أم أنه حلظة قرار واع؟ لعلها<br />

خليط بن هذا وذاك،‏ على أنني أهتم بقراءة العناوين<br />

يف ما أقرأ وأعتبرها عتبات النصوص ومفاتيحها<br />

األولية.‏ أنفر من العناوين املغرية حد االنكشاف<br />

والتي تأتي بأنساق جاهزة ومتوقعة،‏ يف حن جتذبني<br />

العناوين التي حتيل إلى الكثير من األسئلة.‏ على أية<br />

حال،‏ القراءة كلها سؤال مفتوح<br />

‎3.3‎ما رأيك بالمراجعات واالنطباعات<br />

التي يدوّ‏ نها الهواة على ال<br />

goodreads؟<br />

ال أعرف هذا املوقع كثيرا،‏ ولذلك ال أستطيع<br />

احلكم عليه بعدالة وموضوعية.‏ حثني بعض األصدقاء<br />

على التسجيل به قبل سنوات قليلة،‏ فدخلته ألستكشفه<br />

من باب املعرفة؛ ولكنني لم أحبه.‏ هناك مراجعات<br />

جيدة بالتأكيد،‏ وهناك غيرها.‏ لكني ال أدري ملاذا لم<br />

أنسجم مع محتواه رغم تكويني القرائي اجليد.‏ عمومًا<br />

أنا لست ممن يكتب مالحظاته االنطباعية بعد أو أثناء<br />

قراءة أي كتاب،‏ ورمبا ألنني دائما أحب اكتشاف الكتب<br />

بنفسي وبعيدًا عن آراء اآلخرين بها.‏ وغالبًا أحتفظ<br />

بذلك للكتابة عما أقرأه من كتب الحقًا يف مراجعات<br />

ومقاالت نقدية.‏ يقال إن هذا املوقع شجع على القراءة<br />

فعالً،‏ ويقال أيضً‏ ا أنه شجع على االدعاء.‏ وأنا أصدق<br />

ما يقال يف احلالن،‏ ولكنني أرى أن االدعاء هنا أيضً‏ ا<br />

مفيد ألنه يساعد على الترويج للكتب،‏ ويبقى احلكم<br />

ملستخدمي هذا التطبيق ومتصفحيه.‏<br />

4.4 كيف يكوّ‏ ن القارئ الملكة والقدرة<br />

على كتابة مراجعة أو انطباع عن<br />

كتاب ما؟<br />

القارئ اجليد ال بد أنه سيخرج بانطباع عما<br />

قرأه،‏ وهذا االنطباع يتحول إلى رأي إن أعمل الفكر<br />

والتحليل فيه،‏ وإن كان يجيد الكتابه سيفرغ هذا<br />

الرأي يف مراجعة يحرص فيها على إطالع اآلخرين<br />

على محتويات الكتاب ورأيه فيه.‏ كثيرون يحاولون<br />

االطالع على كل ما كتب عن الكتاب الذي يودون<br />

الكتابة عنه،‏ وبعضهم يحاول االطالع على كل نتاجات<br />

الكاتب حتى إذا لم يرد الكتابة إال عن هذا الكتاب..‏<br />

وطبعا كلها طرق مقبولة ومفهومة لكتابة املراجعات.‏<br />

ال أعتبرها عادة بل هي جزء من تكويني العقلي<br />

والفكري والوظيفي أيضً‏ ا.‏ أقرأ يف كل األمور واملجاالت..‏<br />

وعملي حلسن احلظ يتطلب مني أن أكون على متاس<br />

مباشر ويومي مع القراءة.‏ أفضل األوقات بالنسبة لي<br />

الليل حيث آوي إلى مملكتي اجلميلة؛ غرفتي التي<br />

حتتوي على مكتبتي ومكتبي وسرير نومي وقليل من<br />

احتياجاتي اليومية األخرى،‏ فال أعود بحاجة لشيء<br />

مهم غير ما حتتويه.‏ لكن هذا ال يعني أنني ال أقرأ<br />

يف أمكنة وأوقات أخرى.‏ وجود اآليباد معي دائمًا يسّ‏ ر<br />

األمور بالنسبة لي،‏ وأنا حلسن احلظ أحب القراءة يف<br />

الكتاب الورقي كما أحبها يف الكتاب اإللكتروني..‏ ويف<br />

آيبادي الكثير من الكتب التي تسعفني عندما أكون<br />

بعيدة عن مكتبتي يف البيت ومكتبتي يف العمل.‏<br />

6.6 الكتابة وليدة القراءة،‏ متى تتجلى<br />

أ.‏ سعدية كاتبة أو ناظمة؟<br />

كتابة املقاالت الصحفية عمل منظم خاضع لدورة<br />

العمل اليومية،‏ وغالبًا أكتب مقاالتي الصحفية بأوقات<br />

على صعيد آخر هناك رأي مثالً‏ يقول إن<br />

املراجعات ينبغي أن تكون للكتب اجليدة فقط<br />

تشجيعًا على قراءتها وترويجً‏ ا لها،‏ أما السيئة فال<br />

ينبغي أن ننشغل بالكتابة عنها حتى وإن على سبيل<br />

االنتقاد والتحذير مثالً،‏ وهناك رأي يقول إن علينا أن<br />

نكتب عن اجليد وعن السيىء من الكتب على حد<br />

سواء ونترك الفرصة للقارئ كي يحكم بنفسه على<br />

ما يقرأ.‏ وهناك من يشجع على استعراض محتويات<br />

الكتاب من دون تسجيل رأيه اخلاص يف النهاية.‏<br />

يف مراجعاتي للكتب أحاول أن أوازن بن كل اآلراء<br />

عادة.‏ لكنني يف السنوات األخيرة لم أعد أنشغل<br />

بالسيىء من الكتب،‏ وال حتى أكمل قراءتها...‏ ال<br />

أستطيع أصالً.‏ وأشعر أن وقتي أثمن من أن أضيعه<br />

بقراءات سيئة!‏ العمر ميضي سريعًا وعلينا أن نستغل<br />

كل ثانية فيه بجمال احلياة والكتب وحسب!‏<br />

5.5 هل تمارس أ.‏ سعدية عادة القراءة<br />

يوميً‏ ا،‏ وما لحظة االستغراق<br />

اليومي في القراءة؟<br />

محددة مسبقًا يف إطار وظيفتي الصحفية.‏ أما الكتابات<br />

اإلبداعية فهي تختار وقتها وظروفها وال أستطيع إال<br />

اخلضوع لذلك الوقت وتلك الظروف.‏<br />

‎7.7‎مجاالت القراءة مفازة ال تُ‏ حَ‏ دّ‏ ، أين<br />

تجد أ.‏ سعدية مفرح نفسها من<br />

أنواع الفنون أو العلوم؟<br />

القراءة مفازة ال حتُ‏ د..‏ جميل هذا التعبير،‏ رغم<br />

أن املفازات من طبعها األصيل أنها ال حتُ‏ د،‏ ورغم أن<br />

القراءة تفارق املفازة يف كونها سُ‏ قيا دائمة وغيث مستمر.‏<br />

أقرأ يف كل املجاالت؛ لكنني أحب قراءة الكتب الفكرية<br />

والعلوم،‏ وبالتأكيد الشعر وكنت أعشق قراءة الروايات؛<br />

لكنني تخففت من ذلك مؤخرًا،‏ لصالح السيرة الذاتية.‏<br />

أتتبع فيها مصائر البشر وأحاول قراءة مالمحهم قبل<br />

قراءة كلماتهم.‏ لكن أدب السيرة الذاتية باللغة العربية<br />

قليل جدًا قياسً‏ ا إلى الروايات مثالً،‏ وهو أدب مبتسر<br />

وناقص ألسباب كثيرة.‏


19 18<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

من املجاالت التي أجدني فيها كتب األطفال،‏<br />

أعني الكتب املوجهة لألطفال وليس عن األطفال،‏<br />

أقرأ قصصهم املصورة واملرسومة وأناشيدهم ذات<br />

النمط اإليقاعي،‏ وأحاول أن أكتب شيئًا مغايرًا<br />

للمعتاد منها.‏ لقصص األطفال ركن مهم يف مكتبتي<br />

أحنّ‏ إليه،‏ ويف أعقد مشكالتي احلياتية أجدني<br />

منساقة إلى هذا الرّف استمد منه شيئًا من<br />

الطاقة اخلالقة.‏<br />

كتب األديان واحلضارات القدمية من الكتب<br />

التي استهوتني يف فترة من فترات حياتي،‏ وما زلت<br />

أبحث عن أي كتاب مميز فيها.‏ عندما قرأة كتاب<br />

املوتى الفرعوني سحرني متامًا حتى أنني قرأته<br />

مرتن،‏ وما زلت أحتفظ به كأحد أهم الكتب يف<br />

مكتبتي،‏ وأحب أيضً‏ ا أدب التصوف وسير املتصوفن<br />

العرب.‏ كما أنني حاولت مرة معرفة سر اهتمام<br />

الشاعر محمود درويش بقراءة املعاجم اللغوية<br />

فانسقت وراءه يف سحر الكلمات ومعاني املفردات،‏<br />

لكنني لم أكمل على هذا الدرب املعجمي..‏ وتبقى<br />

االقتراحات القرائية مفتوحة أمامي..‏ ال أحب<br />

أن أبقى يف دائرة التصنيف فكل كتاب غير قابل<br />

للتصنيف يعتبر أحد كتبي املفضلة.‏<br />

8.8 هل المجال الصحفي معين<br />

في توليد المزيد من اإلبداع<br />

واإلضافة للقارئ؟ أم أنه ينقل<br />

القارئ إلى مجال ضيق ال<br />

يستطيع معه ممارسة اإلبداع<br />

ا لثقا في ؟<br />

وفقًا لتجربتي أرى أن املجال الصحفي معن<br />

على القراءة والكتابة وعلى جتويدهما أيضا.‏ علمتني<br />

الصحافة الكثير من األشياء اجلميلة وساعدتني<br />

على تنظيم وقتي رغم فوضويتها.‏ وفيها تعلمت<br />

قيمة الثواني يف حساب الزمن.‏ أكتب بسرعة وأقرأ<br />

بسرعة ولكن باستمتاع.‏ وأحاول متابعة األخبار<br />

واملقاالت واملوضوعات بنظرة شمولية.‏ وضعتني<br />

الصحافة يف قلب العالم،‏ وربتت على قلبي بكثير<br />

من الطمأنينة والصبر وأنا أتقلب بن مشاهد الدم<br />

وأخبار الدمار.‏ كثيرًا ما هربت من أخبارها إلى<br />

الشعر ومن الشعر إلى أخبارها وهذا علمني أن<br />

احلياة عجلة تدور بال بداية وال نهاية،‏ وعلينا أن<br />

نفهم هذا املنطق الدائري فيها ال لنستمر وحسب،‏<br />

ولكن أيضً‏ ا لكي منشي وال نقع!‏<br />

9.9 هل تدونين يومياتك أو حتى<br />

ذكرياتك؟ إن كان اإلجابة باإليجاب،‏<br />

فما غرضك من ذلك؟<br />

أيام املراهقة كنت أمتلك كراسة أسجل<br />

فيها يومياتي كل مساء.‏ كنت ال أستطيع النوم<br />

قبل االنتهاء من تسجيل ما مر بي من أحداث<br />

وشخصيات خالل النهار،‏ وأحيانًا أرسم بعض<br />

تلك األحداث والشخصيات على هامش الورقة،‏<br />

كانت تلك الكراسة هي ملجئي ومالذي،‏ وحافظة<br />

أسراري،‏ والشاهدة احلاضرة األمينة على أحالمي<br />

وطموحاتي وأمنياتي،‏ وحاضنة مواهبي األولى يف<br />

الكتابة والرسم.‏ وخالل سنوات قليلة جتمعت لدي<br />

كراسات كثيرة كنت أخبئها بعيدًا عن أعن العائلة<br />

كأنها سر مقدس حتى أصبحت عبئًا أشعر بثقله<br />

كلما عنّ‏ لي أن أعيد قراءة بعضها.‏ لكنني يف فترة<br />

ما شعرت بالنزق جتاهها،‏ ولم أعد أسجل شيئًا،‏<br />

بل إنني عمدت على ما توفر لدي منها فتخلصت<br />

منها..‏ واآلن لست متأكدة إن كنت نادمة على<br />

ذلك أم ال.‏ أحيانًا أتذكرها وأحتسر على ما كنت<br />

أسجله فيها،‏ وأقول لو أنها ما زالت معي حتى اآلن<br />

لساعدتني على األقل على معرفة حتوالتي املعرفية<br />

والفكرية والوجداني أيضً‏ ا،‏ ولسندت ذاكرتي يف أوان<br />

تعبها وإرهاقها،‏ خاصة وأنني بدأت أنسى الكثير<br />

مما مر بي وكنت أظنني لن أنساه!‏ لكنني أحيانًا<br />

أخرى أقول لنفسي حسنًا فعلت،‏ ال أريد أن أبقى<br />

أسيرة أحداث مضت بها من األلم واحلزن أكثر<br />

مما بها من الراحة والفرح!‏ وأن ذاكرتي االنتقائية<br />

تعمل بكفاءة وتشذب حلظويًا كل ما مير بها فال<br />

يبقى سوى ما ينبغي أن يبقى وحسب!‏<br />

‎1010‎ال يحظى بعض المثقفين<br />

بالشهرة أو الصيت مع ما لديهم<br />

من مخزون معرفي،‏ ما األسباب<br />

في نظرك؟<br />

ال ينبغي أن ينشغل املثقف احلقيقي مبثل هذا<br />

السؤال،‏ وال ينبغي أن تكون الشهرة بحد ذاتها<br />

هدفًا له.‏ واملخزون املعريف ليس من شروط<br />

الشهرة أو الصيت!‏ وال تهم الشهرة هنا إال سبيالً‏<br />

لتوزيع األفكار،‏ واملساهمة بنشرها بن اآلخرين.‏<br />

كثيرون مشهورون بال ثقافة وال معرفة وال شيء<br />

على االطالق،‏ ثم إن هناك نوعًا من الشهرة تعتبر<br />

وباالً‏ على أصحابها،‏ وخصوصً‏ ا الشهرة الالمعة<br />

ذات الوهج املتالشي،‏ والذي يتحول صاحبها إلى<br />

عبد لها..‏ يعمل باستمرار على أال تتالشى فيحاول<br />

أن يبقى يف دائرة الضوء بأساليب مشروعة وغير<br />

مشروعة ترهقه وتنتهك خصوصيته بال فائدة<br />

حقيقية سوى الفائدة املادية أحيانًا.‏<br />

‎1111‎من القدوات المؤثرة في حياة<br />

أ.‏ سعدية؟<br />

أقتدي باألفكار والكتب والفنون والقصائد<br />

واملعاني اجلميلة يف احلياة ال باألشخاص،‏<br />

فاألشخاص متغيرون والقيم اجلميلة ثابتة.‏<br />

‎1212‎كم تستغرقين من الوقت بين<br />

التماعة الفكرة وظهورها في<br />

كتاب؟<br />

قد نستطيع التحكم بالوقت نسبيًا أثناء تنفيذ<br />

األفكار،‏ لك األفكار نفسها ال تتقيد بوقت أو زمن<br />

معن.‏ لألفكار أجنحة ال أدري متى حتلق بنا..‏<br />

لكل كتاب من كتبي ظروفه الزمنية.‏ هناك كتاب<br />

شعري أجنزته كله تقريبًا خالل ليلة واحدة،‏ وهناك<br />

كتب على بساطتها استغرقت مني أعوامًا.‏ وبعضها ما<br />

زال يف االنتظار..‏ ال أفكر إال بتجويد ما أنا فيه خالل<br />

الكتابة،‏ وال يهمني الزمن كثيرًا إال ألسباب تنظيمية


21 20<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏»طوبى لمن ال يخشون العزلة،‏ لمن<br />

الحقة تعقب عملية الكتابة نفسها وال تكون جزءًا منها.‏<br />

‎1313‎كيف يجوّ‏ د الكاتب قلمه وينمي<br />

ملكاته في اإلنشاء والتعبير؟<br />

النصيحة التقليدية القدمية ما زالت صاحلة<br />

حلسن احلظ؛ القراءة ثم القراءة ثم القراءة،‏ بوعي<br />

وتركيز واهتمام وجدية.‏ لكن علينا االنتباه أن هذه<br />

النصيحة تصلح ملن ميلك موهبة الكتابة فعالً،‏<br />

وبحاجة لتنميتها وجتويدها،‏ أما من ال ميلك ذرة<br />

من املوهبة فال أظن أن القراءة وال أي شيء أخر<br />

قادر على خلقها من العدم.‏<br />

1414 كيف نتقن كتابة المقالة؟<br />

حلسن احلظ فإن كتابة املقالة مما ميكن<br />

تعلمه فعالً‏ عن طريق التدريب واملمارسة.‏ ولعلكم<br />

تعرفون أن لدي مشروعًا باسم ‏»كيف تكتب مقالة«‏<br />

وهو عبارة عن دورات سريعة عن فنون الكتابة<br />

الصحفية بأنوعها املختلفة من مقالة وخبر وحتقيق<br />

واستطالع وتقرير.‏ وقد بدأ هذا املشروع بحساب<br />

على اإلنترنت يف نفس االسم mqalah@ وعندما<br />

وجدت إقباالً‏ كبيرًا على هذا احلساب خالل فترة<br />

وجيزة طورته إلى هذه الدورات املوجزة.‏<br />

‎1515‎كلمة تودين تسطيرها لمشروع<br />

أصدقاء القراءة،‏ ومجلة قوارئ.‏<br />

أشيد بكل مشروع يشجع القراءة بن األجيال<br />

اجلديدة،‏ ومشروعكم من أجمل املشروعات التي<br />

تعرّفت عليها مؤخرًا.‏ شكرًا لكم على ما تقومون<br />

به،‏ وأمتنى منكم االستمرار والدأب يف فتح نوافذ<br />

جديدة أمام القارئ والكاتب والكتاب.‏<br />

ال يخشون أن تكون نفسهم رفيقهم،‏<br />

لمن ال يبحثون بيأس،‏ على الدوام،‏<br />

عن فعل شيء شيء يستمتعون به،‏<br />

شيء يحكمون عليه.‏<br />

مال لم تنفردوا بأنفسكم يومً‏ ا،‏ فلن<br />

تعرفوها«.‏<br />

باولو كويلو


23 22<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مسابقة<br />

أفضل مراجعة<br />

على كتاب<br />

‏»عبقرية عمر«‏<br />

للعقاد<br />

كتب بواسطة - مرمي حمد سعيد lazord.reem@gmail.com<br />

الشرقية/‏ الدمام<br />

مما ال يغيب عن ذاكرة األدب،‏ أن ثمة أسماء ظلت خالدة..‏ كان<br />

العقاد أحد أبرز تلك األسماء التي ال تزال تصنع يف قلوبنا شيئًا،‏<br />

وتثري عقولنا بنفائس األفكار واملعاني لتسمو بنا وترقى..‏<br />

إن العقّاد لشخصية فريدة متفردة،‏ أعماله كانت نتيجة خليط<br />

احلياة التي شغف بها وكافح فيها من أجل العلم،‏ فبالرغم من<br />

مسيرة حياته الوظيفية والسياسية املرهقة وبالرغم من قصر<br />

مسيرته التعليمية؛ إذ لم يصل إلى أكثر من الشهادة االبتدائية،‏<br />

إال أن ذلك لم يثنه عن نهم القراءة شيئاً،‏ فظل يستزيد يف كل<br />

ما طالته يداه من الكتب على صعيد األدب العربي والعاملي على<br />

حد سواء،‏ حتى جعل من نفسه ذاك األديب والشاعر والفيلسوف<br />

والسياسي واملؤرخ والصحفي الذي شاع اسمه وبقي مطبوعًا على<br />

جبن التاريخ..‏<br />

وها نحن يف كتابه عبقرية عمر نصبّ‏ قراءتنا على أحد مؤلفاته<br />

العظيمة،‏ تطالعنا أفكاره ونخوض معه رحلة حول دراسة ألطوار<br />

عمر بن اخلطاب ‏-رضي اهلل عنه-‏ ذاك الصحابي الذي أُيّد اإلسالم<br />

بدخوله فيه وحتقق به دعاء النبي الكرمي صلى اهلل عليه وسلم<br />

عندما قال:‏ ‏"اللهم أيّد اإلسالم بأبي احلكم بن<br />

هشام أو بعمر بن اخلطاب"،‏ ونسافر مع العقّاد<br />

يف دالئل وخصائص عظمته،‏ مستفيدين من هذه<br />

اخلصائص يف علم النفس وعلم األخالق وحقائق<br />

احلياة،‏ باإلضافة إلى أوصافه - رضي اهلل عنه-.‏<br />

وتتجلى أوصاف عمر بن اخلطاب ‏-رضي اهلل<br />

عنه-‏ كما نص عليها العقّاد يف كتابه باهرة تدعونا<br />

للتفكّر يف هذه الشخصية التي عرفها العالم<br />

اإلسالمي وكانت وسمًا لنبل األخالق وعظم الدين<br />

يف نفسه،‏ إذ بها وضعت أسس الدولة اإلسالمية<br />

حديثة العهد وشمخت واتسعت رقعتها وعظمت يف<br />

نفوس أعدائها.‏<br />

يرسم لنا العقّاد هذه الشخصية العظيمة<br />

التي هي خليط رائع من الصفات التي تنسكب<br />

يف شخص واحد،‏ فهي كما يقول:‏ ‏"شخصية عمر<br />

من أقرب الشخصيات العظيمة مفتاحً‏ ا ملن يبحث<br />

عنه،‏ فليس فيها باب معضل الفتح وإن اشتملت<br />

على أبواب ضخام"،‏ وهو يف سرده لتفاصيل تلك<br />

الشخصية ال يكف عن االستدالل إلى ما يوضّ‏ ح<br />

ويعزّز أقواله باألدلة واملواقف التي تواترت عبر<br />

نصوص الرواة عن عمر ‏-رضي اهلل عنه-‏ يف<br />

شكل مبوّب وبأسلوب واضح بسيط وبعيد عن<br />

التكلف والتعقيد مما يجعل القارئ شغوفًا<br />

مبعرفة املزيد دون ملل عن هذه الشخصية<br />

الفذة التي كانت أمنوذجً‏ ا أخرجته الدنيا ليكون<br />

مؤسّ‏ س عهد ومحوّل تاريخ.‏<br />

إن فكر العقّاد وثقافته الظاهرة يف التحليل<br />

والبحث يف أسرار شخصية اخلليفة عمر ‏-رضي<br />

اهلل عنه-‏ وما يأتي به من اإلشارات والدالئل التي<br />

دعّ‏ م بها أقواله،‏ تكاد جتزم على أنه كاتب حاذق<br />

يهمه املغزى ويُعنى باللفظ واملعنى؛ ليصل إلى<br />

القارئ بشكل مشرق ال غموض فيه وال لبس،‏ كان<br />

ذلك لزامًا أن يدحض بها حجج املستشرقن الذين<br />

انتقصوا من تلك الشخصية وعبقريتها الفريدة<br />

وحطوا من شأنها مستنكرين تركيبتها التي جتتمع<br />

فيها فضائل األخالق،‏ ويغلب فيها العدل والرحمة<br />

والغيرة والفطنة واإلميان..‏<br />

ومن خالل تلك املواقف التحليلية،‏ استنتج<br />

العقّاد أن طبيعة اجلندي يف صفاتها املثلى هي<br />

أصدق مثال للشخصية العمرية.‏<br />

وال يزال العقّاد يتحدث بإسهاب عن هذه الطبيعة<br />

التي طغت على شخصية عمر من شتى اجلوانب،‏<br />

فهو صاحب الفراسة والفطنة وهو القوي باإلميان،‏<br />

والشجاع الذي ينتصر بدينه يف ميدان احلياة<br />

العادل الذي اليخشى يف احلق لومة الئم..‏ حتى<br />

لقّبه الرسول - صلى اهلل عليه وسلم-‏ بالفاروق.‏<br />

وبهذا التسلسل الرائع يف سرد األفكار<br />

يسلّط الضوء على إسناد مسمى مؤسس الدولة<br />

اإلسالمية لعمر بن اخلطاب بالرغم من أن أبا<br />

بكر أول من تولى اخلالفة،‏ موضحً‏ ا أن السبب يف<br />

ذلك إمنا جيء به ملعنى آخر غير معنى السبق،‏<br />

فإلى جانب أن عمر يعد مؤسسً‏ ا للدولة اإلسالمية،‏<br />

وهو واضع الدستور اإلسالمي وأول من سنّ‏ النظم<br />

والدعائم والقوانن للدولة اإلسالمية من جميع<br />

النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية..‏<br />

بل هو أكبر فاحت يف صدر اإلسالم،‏ كما أن يف<br />

تقدمي أبي بكر باخلالفة على عمر إمنا هو من<br />

باب املوازنة والشروع باألصح والصالح ألحوال<br />

الزمن ولكرامة الصحابة واملسلمن أجمعن،‏<br />

وليس تقليالً‏ لكفاءة عمر.‏<br />

فهو كما قال الرسول الكرمي:‏ ‏"لو كان بعدي<br />

نبي لكان عمر بن اخلطاب"‏ ، يخلص العقّاد بعد<br />

تلك االلتفاتات املفصّ‏ لة عن تلك الشخصية بصورة<br />

مجملة وحملة عامة يختصر فيها ما تطرق إليه<br />

من مالمح عمر وصوالً‏ لوفاته،‏ حيث كانت نهاية<br />

عمر تنم عن رجل عظيم امتأل قلبه باهلل والتعلق<br />

به حتى صغرت الدنيا يف عينيه،‏ وهو يف موضع<br />

احملتضر يعرض لنا العقّاد صورة عمر وهو ال يزال<br />

متمسكًا بأخالقه يف البدء باألهم حن الوصية<br />

وحن استأذن عائشة ‏-رضي اهلل عنها-‏ أن يدفن<br />

عند رفيقيه..‏<br />

وهكذا تويف عمر وبكى املسلمن فقده كأن لم<br />

تصبهم مصيبة إال يومئذ.‏


25 24<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏»وأحبّ‏ الكتابة؛ ألن<br />

الحياة تستوقفني،‏<br />

تُ‏ دهشني،‏ تشغلني،‏<br />

تستوعبني،‏ تُ‏ ربكني<br />

وتخيفني وأنا مولعةٌ‏<br />

بها«.‏<br />

رضوى عاشور


27 26<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

نحو<br />

كتابات فريدة<br />

كُ‏ تب بواسطة - رشا اليافعي @ralseyaiily<br />

استهالل!‏<br />

كم تختبئ خلف جُ‏ دران احلروف من معانٍ‏ !<br />

وكم جتُ‏ لِّل الكلمات من مفاهيم،‏ قد تختصر لنا السنن ببضع كلمات!‏<br />

في العمق..‏<br />

كثيرٌ‏ منّا يُحسن الكتابة،‏ لكن ال يُجيد صناعة الفكرة اجليدة،‏ القيمة<br />

األدبية،‏ احملتوى املفيد.‏ وال غرابة فقد أصبحنا أمام سيلٍ‏ من ركامِ‏<br />

حروفٍ‏ مرصوفةٍ‏ على قارعة برامج التواصل االجتماعي ‏)تويتر أمنوذجً‏ ا(،‏<br />

والعجيب من ‏)يُصفّق لها(‏ بتفضيلها تارة،‏ وإعادة تدويرها أخرى،‏ ال<br />

للمضمون؛ بل ألنه شيء من نوع جديد،‏ قد ال يجيد فهمه،‏ أو ألنه وجد<br />

الفكاهة فيها.‏<br />

عزيزي/تي الكاتب ينبغي حال الكتابة مراعاة الذائقة العامة لقُرّائك،‏<br />

ولكي أضمن لك خامة جيّدة من الكتابات،‏ عليك بااللتزام بتعاليم الشرع<br />

يف فحوى كالمك،‏ مع اختيار األسلوب املناسب واملوضوع اجلديد حينها<br />

سيكون محبّوك بشغف جلديدك،‏ ودمت كاتبًا متميزًا!‏<br />

خالصة الفكرة:‏<br />

احرص على سالمة اللغة فيما تدوّنه.‏<br />

احذر من األلفاظ والتعبيرات املخلّة باآلداب واملخالفة لتعاليم<br />

اإلسالم.‏<br />

‏ج مّ‏ ل تدويناتك بعالمات الترقيم.‏<br />

أكثر من القراءة يف كتب األدب ونحوها،‏ ستتمتع بحصيلة لغوية<br />

جيدة!‏<br />

‏ق دّ‏ م ما ينتفع الناس به؛ كي حتصد أجره!‏<br />

‏جِ‏ د ة املوضوع مما يجذب الناس للقراءة فيه.‏


29 28<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

في معنى<br />

كُ‏ تب بواسطة - أروى الزهراني<br />

ما كتبت شيئًا وال مرة<br />

دائمًا كنتُ‏ أحتلل ألصبح مخلوقًا جديدًا أو<br />

ألفنى،‏ أيًا كان الذي يفنى،‏ أحيانًا شعور،‏ وغالبًا<br />

تفوقت بجهد وحصلت على شهادة التميز<br />

إنني لم أنتمِ‏ قط ملسألة الرسوب والنجاح<br />

كانت دائمًا مسألة هزمية أو نصر<br />

rorozahrani123@gmail.com<br />

أن أكتب<br />

كمشكاة تتأرجح على حائط الدنيا!‏<br />

أُقاوم بقائي،‏ يفسرني هذا التأرجح<br />

وحده سقوطي حقيقي كاملوت،‏ أما اعتدالي<br />

وثباتي يف حائط احلياة فهو مسألة مُنتهية بالنسبة<br />

لي وللحياة أيضً‏ ا<br />

قبضتُ‏ تفاصيلها مُبكرًا جدًا وعرفت بأن قضيتي<br />

ال تقبل االستئناف بعد<br />

أحيانًا يُخيل لي أن النص مبثابة مشيمة<br />

تتكور فيها حقيقة مُلحّ‏ ة وآنيّة<br />

األمر الذي يجعلني إما جنينًا أو أُمًّا يف الكينونة<br />

والطريقة وليست يف الصنف فحسب.‏<br />

بالطبع لن أكون شيئًا آخر ألن احلَبكة هي أنا<br />

وما يف األنا،‏ وعالقة ذلك بي.‏<br />

كل ما يحدث من مخاضات بعد ذلك تستوجب<br />

املتابعة.‏ حتى أصل لسطر أخير لم أكن أدرِ‏ عن<br />

مضمونه يصبح فيما بعد البُشرى واخلالص.‏<br />

بهذه الطريقة بالضبط هي نصوصي<br />

النص الواحد يكون مرة مخاضً‏ ا،‏ ومرة مُلفّعًا<br />

باألمان..‏ مرة بُشرى لوالدة شعور ومرة نعيًا آلخر<br />

لم تكتمل خلقته يف رحم النص،‏ وهذا الذي يجعلني<br />

عصيّة على أن أتسمى على سبيل املباهاة ‏"كاتبة"!‏<br />

ألنني لم أشعر لو ملرة أنني أكتب!‏<br />

ولم أستطع أن أؤدي الكتابة اليومية املتوالية قط<br />

.. األمر مختلف<br />

إنني أعيش حالة<br />

أتخلّق،‏ يهزني مخاض الشعور وكل مرة أنازع<br />

بطريقة مختلفة عما قبلها<br />

أَلِد،‏ أُجهِ‏ ض،‏ أتلوّى،‏ أركل،‏ أطفو،‏ أندلِق<br />

فكيف أشعر بعد هذا كله أنني أكتب؟<br />

سِ‏ مات<br />

ما متكنت وال مرة أن أحدد وجهة السفر،‏<br />

وأسافر فيها بكل رغبتي ومقاصدي<br />

كنتُ‏ دائمًا مسافرة ملكانٍ‏ وأجدني يف نقيضه<br />

أبدأ من القمة تأمالً‏ يف القمة وأجد أنني يف<br />

القاع والغياهب من مشيمة شعورٍ‏ بعِ‏ ث ألسفل درك<br />

تتقن توفيره احلياة،‏<br />

ومن بذرة عقيم تتأكسد يف جويف عبثًا<br />

لشجرة يافعة تسر الناظرين<br />

فهل يُعقل أنني أكتب؟<br />

ما كنتُ‏ ألقول هذا لوال أن يدي أحيانًا<br />

كانت مِ‏ نجالً‏ ويف ذات الوقت ماء<br />

يف هذه احلالة رمبا أُقارب الكتابة ‏-كتابة يف<br />

الوقع وليس الطريقة-‏ فاملِنجل يدي وهي تقصل<br />

الزهر يف روحي حن تُباهي بفرط اجلرح.‏<br />

واملاء يدي،‏ يف حالة أخرى حن تكون وديعة جدًا<br />

وتُسقي اليباب يف أوراقي برقة ما ألِفناه وقلبي من<br />

التفاصيل والكلمات<br />

وأيضً‏ ا ال أشعر متامًا يف هذه احلالة بأنني<br />

أكتب!‏<br />

أُزهِ‏ ر نفسي وأئدُها،‏ فهل يليق بي أن أكون<br />

كاتبة؟<br />

متُ‏ سك الورقة بكل هدوء وثبات وتأمر قلمها<br />

باختيار املهذب من الكلمات!‏<br />

هي ثابتة وأنا من طور لطور أتشكل،‏ أحتلل<br />

أشخُ‏ ص ، أنصهر ، ألتحم ، أتخلّق<br />

هي متُ‏ سك القلم وأنا أستمسك بعروة قلبي<br />

هي تنجح ألن عالقتها بالكتابة،‏ عالقة تلميذ<br />

وكتاب<br />

غنيمة أو بتر<br />

مسألة معارك ونضال والنتيجة ال تُعطى<br />

هي املصير بحد ذاته<br />

فهل أجرؤ على تلبّس هذا اللقب والتجول بن<br />

كل املُلقبن به وأنا النقيض ' الضد ' وكثير من<br />

األحيان ال شيء!‏<br />

أمتنع عن التصنيف<br />

أنا حتى أتضوضأ من مسألة قراءتي<br />

لكثير من األوقات تُفزعني مسألة أن يقرأني<br />

أية أحد<br />

أتخيّر إخوتي يف الوعكات<br />

أقتنصُ‏ كل مُتأرجح بريبة يف حائط احلياة<br />

مشكاة،‏ ورقة،‏ لوحة،‏ صورة،‏ نُدبة أو حتى نقطة<br />

سوداء يف حائط أو احلائط بذاته<br />

أقتنص هؤالء ألنني وحدي أكيدة من أنهم زُمرةٌ‏<br />

من أهلي<br />

أهل التحلل والوالدات املتكررة والتخلق<br />

أولئك الذي يُزهرون أنفسهم ذاتيًا بفعل أنفسهم<br />

ويذبلون أيضً‏ ا بطريقة تخصهم وال يتدخل فيها<br />

أحد<br />

زُمرة مُبشرة ومُنذرة وممنوعة عن التصنيف<br />

وحن نقرأ بعضنا لن يحدث أن نقرأ نصً‏ ا<br />

بل سنعيش حالة،‏ ونشهد والدة،‏ أو ننعى فقيدًا<br />

نتعشّ‏ ب،‏ نتفتت،‏ نذبل،‏ ننازع،‏ نرعى تآلفًا،‏<br />

نهدهدِ‏ تناسُ‏ خً‏ ا.‏<br />

لن يحدث أن نكتب أو نقرأ فحسب<br />

سنقرأ رمبا يف حال إن كانت النصوص ال تخصنا<br />

وال تُفسرنا كمرآة.كغريق ال يريد أن ينقذك بل<br />

يريدك أن تغرق معه كذلك.‏ كمية هائلة


31 30<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

ملخص كتاب<br />

مذكرات قارئ<br />

كُ‏ تب بواسطة - وراق @waraqcast<br />

بعد أن جتاوزت األربعن،‏ غلبني إحساس شديد باحلاجة إلى الكتابة عن الكُ‏ تب،‏ وكيف ال أكتب؟؛ وقد<br />

قضيت معظم ما مر من سنوات وعيي قارئًا.‏ بدأت فوجدت النصوص التي أذكر مواقعها،‏ واألفكار التي مررت<br />

بها،‏ والنتائج التي توصلت لها ماثلةً‏ للعيان،‏ تُنادي كل منها من زاوية قريبة أو بعيدة،‏ كلها تطلب احلضور<br />

إلى عالم الوجود،‏ هاربة من عالم النسيان،‏ تُخيفها اللحظات القادمة،‏ ويروعها أن تُهمل ذات يوم.‏<br />

‏)مُ‏ تعة القراءة(‏<br />

‎1.1‎لماذا نقرأ؟<br />

يرى أحدهم بأنه:‏ ‏"يجدر بنا أن نقرأ لنكون أقوى؛ وألن الكتاب مصباحٌ‏ يف اليد".‏<br />

املؤلف:‏ د.‏ محمد األحمري<br />

إن القُ‏ رّ‏ اء يأتون للكتب بحثً‏ ا عن القوة،‏ أو املعرفة،‏ أو املتعة،‏ أو العاج.‏ غير أن الكتب التي تأتيها<br />

مختارً‏ ا قد تبقى معها دون اختيار،‏ فتسجنك با وعيّ‏ بقيودها،‏ وقد تسلبك القوة وأنت تتوهم أنها<br />

تُعطيك،‏ فالكتب تسلب الكثير من خلق الفطرة ومواهبها،‏ كالبراءة والتذكر واملاحظة املطلقة قبل<br />

ورود العلوم،‏ وقد تهوي بك بعض املعرفة يف مغاور اجلهل،‏ مبا تزعمه لك الكتب من علم قد ال يكون<br />

إال معرفة ناقصة،‏ وقد تفتح لك الكتب بابًا للشقاء!‏<br />

ولطاملا سُ‏ ئلت السؤال املعروف:‏ متى بدأت القراءة؟ وملاذا أحببت القراءة؟ وأعترف أنني ال أمتلك<br />

إجابة دقيقة،‏ غير أني أظن أن متكن الطالب من القراءة وتغلبه على عقدة الفهم يف األعوام األولى<br />

سوف تساعده على االستمرار يف القراءة.‏ وأن<br />

النصوص الصعبة مانعة من القراءة،‏ وحاجزة<br />

إذا تلقاها الطالب،‏ وهي أعلى من عمره<br />

العقلي،‏ أو كانت لغتها بعيدة املنال.‏<br />

إننا نقرأ للمتعة،‏ وهذا قد يكون خير<br />

مدخل للقراءة،‏ فالذي يقرأ ألنه مجبر قد ال<br />

يستفيد وال يستجيب لهدف النص،‏ وال يُدرك<br />

هدف القراءة ودوافعها.‏ فالقراءة من أجل<br />

املتعة والتلذذ باملغامرات واألفكار واملشكالت،‏<br />

والصور الفكرية والتاريخية واألدبية،‏ جتعل<br />

من القراءة رغبة دائمة.‏ وعيب هذه الرغبة<br />

أنها جترف القارئ ليقرأ فقط،‏ وليستمتع<br />

ويخرج من متعة نص ملتعة نص آخر،‏ وهكذا<br />

يسلمه كتاب لكتاب وكاتب لكاتب ويفقد هدف<br />

القراءة،‏ هذا إن لم جترفه الكتب ليفقد هدف<br />

احلياة.‏<br />

‎2.2‎كيف نقرأ وماذا نقرأ؟<br />

يقول ألدوس هيكسلي:‏ ‏"كل من يعرف كيف<br />

يقرأ يستطيع توسيع قدراته وتنويع وجوه<br />

وجوده،‏ ليجعل حياته مليئة ومهمة ومثيرة".‏<br />

وينصح أبو الوليد محمد بن رشد بتعلّم علم<br />

واحد يف وقتٍ‏ واحد،‏ وينهى عن تشتيت الذهن،‏<br />

وهي نصيحة قدمية متجددة.‏ يقول:‏ ‏"فإن من<br />

رام أن يتعلم أشياء أكثر من واحد يف وقت<br />

واحد،‏ لم ميكنه أن يتعلم وال واحدًا منها".‏<br />

إن اجلواب عن ‏"ماذا أقرأ؟"‏ عمره عمر<br />

السؤال،‏ غير أني أقول لك إن جُ‏ لّ‏ من قرأت<br />

لهم من قومنا ومن غيرنا يقولون:‏ عليك ب<br />

‏"املنابع العظمى"،‏ عليك بالكتب األصيلة اجليدة،‏<br />

عليك بكتب ‏"املؤسسن الكبار"‏ للعلوم واألفكار.‏<br />

ودع عنك هذه الشروح والردود والتعليقات<br />

وامللخصات.‏ وقد كان ابن باز يُنهي كتاباً‏ من<br />

‏"كتب احلديث"‏ ليعيد القراءة مرة أخرى،‏<br />

وال يتوسع يف ‏"كتب الفروع"،‏ بل ال يقرأ ما ال<br />

يتناسب مع شخصه وأدبه.‏ فقد قال إنه بدأ<br />

قراءة ‏"احمللى"‏ ثم الحظ سالطة لسان ابن حزم<br />

على العلماء فترك القراءة.‏<br />

وللفيلسوف مورتيمر إدلر نصيحة قرأتها<br />

يف مذكراته اجلميلة حقًا بجزأيها،‏ وقد درّس<br />

‏"الكتب الكالسيكية"‏ يف ‏"جامعة كولومبيا"‏<br />

ثم انتقل إلى ‏"جامعة شيكاغو"‏ ونقل فكرته<br />

معه،‏ وكان يُلزم طالب الدراسات العُليا بقراءة<br />

النصوص ودراستها،‏ ثم االجتماع عليها يف<br />

الفصل ومناقشتها،‏ ثم الكتابة عنها.‏ فيُصبح<br />

الطالب دارسً‏ ا وشارحً‏ ا ومُعلقًا على املن<br />

األصلي.‏ ومرة قال يف مقابلة معه عندما سأله<br />

املذيع:‏ ماذا تقرأ إذا انتهيت من كتاب تراثي<br />

مهم؟ قال:‏ أُعيد قراءة آخر.‏ وهذه نصيحة<br />

املتقدمن واملتأخرين منا ومن غيرنا،‏ فمالنا ال<br />

نُحب فعل ذلك؟!‏<br />

‎3.3‎هل نقرأ أي شيء؟<br />

كنت أُناصر هذه الفكرة يف غرارة الصبا،‏<br />

ونفذتها زمناً‏ ولم أُبالِ‏ ، وهرّبت من الكتب<br />

املمنوعة ما استطعت،‏ وملا سمعت عن كتب<br />

عبد اهلل القصيمي بعد قراءة ‏"الغربال"‏ مليخائيل<br />

نعيمة،‏ وحواره الساخر بالقصيمي قلت يف نفسي:‏<br />

لم ال تقرأ له؟ فحرصت على كتبه فلم أجدها<br />

عند أحد من معاريف،‏ وال يف الدول العربية التي<br />

لي فيها أصدقاء.‏ فلما سافرت للدراسة وجدت<br />

نفسي يف مكتبة ‏"جامعة ميشجن"‏ التي جمعت<br />

‏"كل الكتب".‏ وهناك صرفت وقت الدراسة<br />

لقراءة ما اتسع له يومي،‏ فأذهب لها كل يوم<br />

بعد الدوام.‏ وكان مما تذكرت البحث عنه كتب<br />

القصيمي،‏ فقرأت له،‏ وعند حلظة معينة وهو<br />

يتكلم عن األنبياء شعرتُ‏ باشمئزاز شديد من<br />

كتابته،‏ ورأيته يسف إلى درجة غير معقولة<br />

يف شتم الرسل واألنبياء.‏ وأحسست أن هذه<br />

النفسية املستخفة الساخطة تعاني من مرض<br />

وليس من ثقافة ومعرفة.‏ رميت كتب هذا الثقيل<br />

املتخافف املغرور غير راغب.‏ ولكني بدأت أشك<br />

يف القاعدة التي مشيت عليها.‏<br />

‎4.4‎نوجه الكتب أم توجهنا؟<br />

هل سألت نفسك ذات يوم عن العالقة بينك<br />

وبن الكتاب الذي بن يديك؟ هل قلت إنك


33 32<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

السر في<br />

املتصرف يف الكتاب رهينة يدك،‏ أم هو الرائد<br />

الهادي أو املضل املؤثر على فكرتك وتوجهك؟ ال<br />

حرج عليك أن تعترف باحلقيقة التي تعلمها من<br />

نفسك،‏ فإن كانت الصفحات التي مرت بك من<br />

كتاب ساقتك لقرار عملي سلمت به دون فكر،‏<br />

فإن كنت شاباً‏ ويف بحر الثالثن فال حرج يف هذا<br />

كثيراً،‏ وال لوم عليك أن تتبع الكتب،‏ وتسلم بكثير<br />

مما فيها،‏ أم إن كنت بعد األربعن من العمر وما<br />

زالت تسوقك الكتب،‏ فأنت أسير للمؤلفن وقليل<br />

االنتفاع بالكتب.‏ فبعد هذا العمر من عشق الكتب<br />

وصحبته،‏ من املؤمل أن تكون غلبته ولو يف بعض<br />

األحيان،‏ أو غالبته لتنتصر أحياناً‏ عليه.‏<br />

الكتب القديمة:‏<br />

ال حتقرن الكتب القدمية،‏ فقد جتد عليها<br />

تعليقاً‏ من فذّ‏ نبيه،‏ لرمبا كان أقدر من املؤلف<br />

الشهير الذي عال جنمه بكتابه،‏ فجمهور القُرّاء<br />

جنباء،‏ ومنهم كثيرون خير من املؤلفن.‏ يف مرحلة<br />

اجلامعة كنت أجلس يف مكتبة قدمية أُشتريت<br />

من ورثة األديب أحمد عبيد،‏ وقد فهمت أنه<br />

من سوريا،‏ من هوامش كتبه وأماكن شرائها،‏<br />

واستمتعت بتعليقاته،‏ وكنت أفوت محاضرات<br />

غير مهمة وأنا أرافق القارئ الكبير.‏ ويف أمريكا<br />

استمتعت بالكتب املستعملة،‏ واستفدت منها<br />

كثيراً،‏ وقد كنت أعاني من طول الكتب املطلوب<br />

قراءتها أسبوعياً،‏ وهي كتب تاريخ واملؤلفون<br />

الغربيون يكثرون الكالم جداً،‏ وقد تيسر ليّ‏ أن<br />

اهتديت باملعاناة وحدها إلى الكتب التي يترك<br />

القُرّاء خطوطاً‏ على املهم من أفكارها وقضاياها،‏<br />

ووجدت يف مجالت املراجعات التي تراجع الكتب<br />

مادة غنية مفيدة ورائعة،‏ وهناك فهارس لهذه<br />

املراجعات وأين كتبت.‏ فبعد زمن ليس بالطويل<br />

اهتديت إلى هذه الكنوز فأفادتني بأن أقدم فكرة<br />

الكتاب واضحة وملخصة ومنقودة،‏ ولكنها أضرت<br />

بي؛ ألنها تبعدني عن الكتاب وقراءته كامالً‏ أو<br />

أغلبه،‏ وكم من مُراجع تخدع مراجعته،‏ فيضع من<br />

اجليد ويُشيد بالرديء!‏<br />

‎5.5‎معايشة النمرة:‏<br />

قال همنجواي:‏ ‏"إن الكتابة قد تبدو سهلة،‏<br />

غير أنها يف الواقع أشق األعمال يف العالم".‏<br />

رمبا يكون هذا االقتباس مدخالً‏ جيداً‏ للحديث<br />

عن الكتابة،‏ الكتابة كمغامرة روحية ومعرفية<br />

ولغوية.‏ إن الكتابة تكشف إلنسان عن نفسه ما ال<br />

يكشفه التأمل والسكون؛ فأنت ترى نفسك هناك<br />

على السطور بكل محاسنك ومعايبك،‏ فلماذا<br />

تصعد مسرح الكتابة وتكشف هذه العيوب؟ هل<br />

هو مرض الظهور؟ أو هل هو حب املعرفة ونشرها<br />

بن الناس؟ أو هي الرغبة يف نصر املوقف؟ أم<br />

انتصار على الذات؟<br />

والكتابة - قبل كل شيء - إحلاح على النفس<br />

قد ال يعرف الكاتب سببه،‏ وخاصة يف البدء،‏<br />

وال يتصنعه غالباً.‏ حن حتاول الكتابة أول مرة،‏<br />

ال تسأل نفسك:‏ ‏"ملاذا أكتب؟"،‏ رمبا بعد وقتٍ‏<br />

طويل ستجد وقتًا لهذا السؤال:‏ ‏"ملاذا نكتب؟".‏<br />

‎6.6‎بيتٌ‏ في مدينة األدب:‏<br />

سمعت من عطاء اهلل مهاجراني أن أحدهم<br />

قال للطيب صالح:‏ ملاذا لم تكتب كتبًا جيدة يف<br />

مستوى ‏"موسم الهجرة إلى الشمال"؟ قال:‏ ما<br />

كان لي وال ميكنني كتابة كتاب آخر مثله،‏ فقد<br />

كنت حريصاً‏ على أن يكون لي بيت يف مدينة<br />

األدب،‏ وهذا بيتي يف مدينة األدب بيتًا صغيرًا<br />

جدًا،‏ ولكنه من األملاس!‏ فال عيب أن يكون لك يف<br />

عمرك عمل واحد فقط،‏ ولكنه عمل متميز.‏<br />

الكتابة<br />

‏»السر في الكتابة أيها الحبيب<br />

أن يكون عند الكاتب فكر يبديه<br />

هذا قبل كل شيء.‏<br />

ومن ثم فالقالب الذي يسكب<br />

فيه فكره يتوقف على دقة<br />

ذوقه في اختيار األلفاظ األكثر<br />

فعالية في تأدية المعنى،‏<br />

واأللطف وقعً‏ ا على السمع.‏<br />

أما الفكر فال يولده إال الفكر،‏<br />

وأعني أنك إذا أحببت أن يكون<br />

لك أفكار تبديها فعليك أن تمرّ‏ ن<br />

نفسك على التفكير.‏ ومتى<br />

عرفتَ‏ لذّ‏ ة التفكير وجدت في<br />

كل خطوة تخطوها،‏ وكل لقمة<br />

تزدرها،‏ وكل قطرة ماء تشربها،‏<br />

وكل ذرة غبار أو نفحة عطر<br />

تتنشقها،‏ وفي كل شيء تقع<br />

عليه عينك من حيّ‏ وجماد،‏<br />

وفي كل عالقة بشريّ‏ ة تشاهدها<br />

ما يدعو إلى التفكير.‏ وحينئذ ال<br />

تعدم موضوعً‏ ا تكتب فيه«.‏<br />

ميخائيل نعيمة


35 34<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

جيش<br />

األفكار<br />

كُ‏ تب بواسطة - فاطمة أبو سعدة _0f9_@<br />

القراءة تشكّل عقولنا،‏ تعيد صياغتنا من الداخل،‏ جتعلنا<br />

نفهم أنفسنا والعالم من حولنا،‏ والقارئ اجليّد هو الذي يعرف<br />

كيف يستفيد من محصّ‏ لته القرائية،‏ ودائمًا يُقال:‏ ليس مهمًا<br />

كم كتابًا قرأت؛ ولكن املهم كيف قرأت؟ فاملسألة ليست بعدد<br />

الصفحات وال عدد الساعات؛ ألن القراءة املثمرة تركز على<br />

الفائدة واحملصلة النهائية التي نحصل عليها من خالل ما نقرأ.‏<br />

قد نلتقي أشخاصً‏ ا يقرؤون من عشر سنوات ولكن شيئًا من<br />

محتويات هذه الكتب لم ينعكس عليهم،‏ ويف املقابل قد نلتقي<br />

أشخاصً‏ ا لم يقرؤوا عددًا كبيرًا من الكتب،‏ ولكنهم يف تطور<br />

مستمر.‏ واألول كمن يصطاد يف مياه ضحلة على الشاطئ فقد<br />

يجلس لفترات طويلة وال يصيد شيئًا،‏ واآلخر كمن يغوص يف<br />

أعماق البحار ميكنه خالل فترة وجيزة أن يصطاد الكثير من<br />

اجلواهر.‏<br />

والقراءة التي تنعكس آثارها على القارئ تتطلب جهدًا ووقتًا<br />

وتركيزًا أثناء القراءة؛ ألنه لن يكون قارئًا فقط،‏ بل قارئًا مفكرًا.‏<br />

وهذا النوع من القراءة هو ما يسمى بالقراءة التحليلة،‏ والتي<br />

تعد أفضل أنواع القراءة وأكثرها انتشارًا،‏ والكتب التي تُقرأ<br />

بهذه الطريقة والتي يرجو منها القارئ أن يرقى بتفكيره تكون<br />

عادةً‏ أعلى قليالً‏ من مستواه،‏ وفيها يحاول القارئ جتويد أساليب<br />

قراءته للحصول على الفائدة من أقل شيء يقرؤه،‏ فمن البدهيّ‏<br />

أن القراءة ليست عملية فيزيائية محضة نتلقى فيها املعلومات من<br />

الكتاب وندمجها يف عقولنا،‏ وإذا كانت مهمّة الكاتب توليد األفكار<br />

واملعاني وبثّها يف ثنايا كتابه،‏ فمهمّة القارئ أن يتحمل مسؤولية<br />

فهم املادة املقروءة واالستفادة منها واستخراج أفضل ما فيها،‏<br />

والقارئ هنا ال متر عليه املعلومة مرور الكرام،‏ بل يتوقف عندها<br />

وميحصها،‏ وتثير يف عقله الكثير من التساؤالت،‏ فتصبح قراءته<br />

نوعًا من االكتشاف،‏ والقارئ اجليد هو الذي يستطيع قطع املسافة


37 36<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

التي تكون بن الفكرة التي يعبّر عنها الكاتب<br />

وبن الكلمة التي استخدمها لتوصيلها،‏ وذلك<br />

باستخدام قدراته وملكاته الذهنية من املالحظة<br />

الدقيقة،‏ واخليال اخلصب،‏ والذاكرة املهيأة حتى<br />

يلتقط الفوائد واألفكار.‏ يقول رينيه ديسكارتيس:‏<br />

‏"إن قراءة الكتب اجليدة هي مبثابة التحاور مع<br />

أعظم العقول التي عاشت عبر العصور".‏ وكم<br />

من أشخاص تغيّروا وانقلبت حياتهم رأسً‏ ا على<br />

عقب،‏ لعبارة استوقفتهم،‏ أو حكمة انتفعوا بها،‏<br />

أو فائدة طبقوها يف حياتهم.‏<br />

ويرى كبار املفكرين بأن القراءة السريعة وحدها<br />

ال تصنع مفكرًا عظيمًا،‏ بل ال بد من القراءة مع<br />

التفكير،‏ يقول جون لوك:‏ ‏"إن القراءة ال متدّ‏ العقل<br />

إال مبواد املعرفة؛ لكن التفكير هو الذي يجعل<br />

ما نقرؤه ملكًا لنا"‏ لذا كان من املتّفق عليه بن<br />

املفكرين تخصيص وقت للقراءة ووقت للتفكير؛<br />

فإذا قرأنا ساعة على سبيل املثال،‏ ميكن تخصيص<br />

ثلث ساعة منها للتفكير فيكون هذا الوقت مبثابة<br />

البرمجة ملا قرأناه.‏<br />

وحن يشرع اإلنسان يف القراءة الواعية<br />

فال تفوته قضية العناية بتقييد الفوائد،‏ فهي<br />

من أهم املهمات وأجنع الطرق لتحقيق ثمرة<br />

القراءة،‏ فإنّ‏ األفكار واخلواطر إذا ومضت<br />

يف الذهن متر برفق كما متر نسمة الهواء<br />

السريعة،‏ فتحتاج لرعاية وتثبيت وإال مرت<br />

وانتهت!‏ ويف هذا يقول الشيخ علي الطنطاوي<br />

موصيًا حفيدته:"أيْ‏ بنيَّة!‏ إنَّ‏ الفرص ال تعود؛<br />

فهي مثل الذبابة إن لم تقتنصيها فسوف تطير<br />

دومنا رجعة".‏ وصدق رحمه اهلل.‏ ويقول هنري<br />

هازلت:‏ ‏"اخلواطر سريعة الطيران،‏ فال حتتقر<br />

حيلة متكنك من اقتناصها وإن هانت".‏<br />

وطرق التقييد يف زمننا عديدة،‏ ممَّا ال يترك<br />

مسوغًا للتأخير.‏ فيمكن للقارئ إذا أراد أن يقرأ<br />

كتابًا أن يصحب معه قلمًا،‏ ويجعل له دفترًا<br />

خاصً‏ ا ينتخب فيه الفوائد،‏ ويدون األفكار التي<br />

يعثر عليها أو تخطر له حول موضوع معنّ‏ . أو<br />

يدون على الصفحة الفارغة التي تلي صفحة<br />

الغالف فيجعلها كفهرس للفوائد واملعلومات<br />

املهمة التي قرأها،‏ فيلخص فيها مثالً‏ العناوين<br />

ورؤوس املسائل واألفكار والتعليقات،‏ مع رقم<br />

الصفحة التي وردت فيها،‏ وبعد االنتهاء من<br />

تقييد فوائد الكتاب ميكن نسخ جميع هذه<br />

الفوائد املوجودة يف الفهرس يف دفتر مستقل،‏<br />

ويستحسن أن يكون لكل فن من العلوم دفترًا<br />

مستقالً،‏ حتى يسهل الرجوع للمعلومة يف<br />

مظانها،‏ وميكن أيضً‏ ا الكتابة على هوامش<br />

صفحات الكتاب،‏ واستخدام القلم املظهر<br />

إلبراز اجلُمل املهمة،‏ والبعض يضع بطاقات<br />

صغيرة على الصفحات املهمة،‏ وميكن أيضً‏ ا<br />

االعتماد على احلاسوب أو األجهزة الذكية<br />

لتسجيلها كمالحظات،‏ كما ميكن رسم اخلرائط<br />

الذهنية لتلخيص الكتب وتنظيم األفكار،‏ وهكذا<br />

فاألساليب كثيرة،‏ واملهم دائمًا أن تعكس تلك<br />

اإلشارات ردود أفعال القارئ ودرجة عنايته مبا<br />

يقرأ.‏<br />

ومن الضروري أيضً‏ ا مراجعة تلك األفكار التي<br />

نكتبها املرة تلو املرة،‏ إليجاد روابط بينها والتمهيد<br />

لتصنيف منثورها بشكل جيّد.‏<br />

وفوائد التقييد كثيرة،‏ منها مساعدة القارئ على<br />

تذكر ما قرأه،‏ وقد قال الشافعي:‏<br />

العلمُ‏ صيدٌ‏ والكتابةُ‏ قيدُهُ‏<br />

فمن احلماقةِ‏ أن تصيد غزالةً‏<br />

قيّد صُ‏ يودكَ‏ باحلبالِ‏ الواثِقة<br />

وتعيدها بن اخلالئقِ‏ طالِقة<br />

كما أنه يساعد القارئ على إيجاد حلول<br />

لكثير من املسائل التي يتعرض لها،‏ وقد كان<br />

الناس يف مصر يدهشون من العالمة أحمد زكي<br />

باشا وبديهته يف حل عويصات املسائل؛ فإن طُ‏ رح<br />

عليه سؤاالً‏ يف الصحف،‏ يحمل اجلواب عليه من<br />

الغد،‏ وكانت اجلزازات التي أتقن وَضْ‏ عَها هي<br />

التي تُعينه على ذلك،‏ يَرجعُ‏ إليها يف احلال،‏<br />

فتلبيه وحتلّ‏ إشكاالته وإشكاالت الناس.‏<br />

كما كان يعتمد يف مراجعاته على ‏"جزازات"‏<br />

رتبها على احلروف،‏ كالفهارس يف موضوعات<br />

مختلفة،‏ دوّنها يف أثناء مطالعته للكتب القدمية<br />

واحلديثة.‏<br />

ومن فوائد التقييد:‏ أنه يضمن للقارئ أكبر<br />

قدر ممكن من االستفادة من الكتاب،‏ ويسهل عليه<br />

الرجوع إليه متى احتاج له،‏ ويعينه على توظيف<br />

قراءاته لتنمية ذاته وسرعة تطويرها؛ ألنه بذلك<br />

يجني أفضل ما لدى العقول اجلبارة،‏ فتصبح فكرة<br />

القارئ مبالقاتها فكرة أخرى مئاتٌ‏ من األفكار يف<br />

القوة والعمق واالمتداد،‏ كما قال العقاد.‏<br />

كما يحسّ‏ ن من مستوى تفكيره،‏ ويدرّبه على<br />

القراءة الناقدة،‏ فيصبح لديه نوع من احلسّ‏<br />

الغريزي الذي ميكنه من وزن األفكار،‏ وتقييم<br />

الكتب،‏ وتثمينها،‏ ومع تتابع القراءة والتدوين،‏<br />

سيكون قادرًا على التقاط أصعب الفوائد من<br />

أيسر القراءات،‏ كما قال العقاد.‏ وسيجتمع له<br />

حصيلة معرفيّة ثمينة مما جمع وقيّد،‏ وسيجد<br />

نفسه مع األيام أمام كم هائل من املعلومات<br />

واألفكار التي قد تتحول إلى كتب جديدة،‏ أو<br />

مشاريع ناجحة،‏ أو اختراعات عظيمة،‏ وكم من<br />

كتب وابتكارات وإبداعات نراها اليوم لم تكن<br />

سوى مجرد فكرة الحت؛ لكن أصحابها أحسنوا<br />

اصطيادها.‏ فاملبدع إنسان ملّاح يجيد التقاط<br />

األفكار العابرة،‏ واحلكم النادرة،‏ وينتبه لألفكار<br />

الصغيرة،‏ وال يغيب عن ذهنه بأن األفكار الصغيرة<br />

هي التي غيّرت مجرى العالم حتى وصلنا إلى<br />

ما نعيشه اآلن.‏ وكما يقول فيكتور هوغو:‏ ‏"ليس<br />

هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها".‏<br />

ولو نظرنا إلى عظماء املفكرين على مر التاريخ<br />

سنجد أنهم كانوا دائمًا قرّاء عظماء،‏ وما زال<br />

العلماء قدميًا وحديثًا يعتنون بالتقييد.‏<br />

قال النووي وهو يرشد الطالب إلى تعليق<br />

النفائس والغرائب مما يراه يف املطالعة أو يسمعه<br />

من شيخه:‏ ‏"وال يحتقرنّ‏ فائدة يراها أو يسمعها يف<br />

أيّ‏ فنٍّ‏ كانت؛ بل يُبادِ‏ ر إلى كتابتها،‏ ثم يواظب على<br />

مطالعة ما كتبه".‏<br />

وقيل ألحمد بن حنبل:‏ حتى متى مع احملبرة؟<br />

فقال:‏ ‏"مع احملبرة إلى املقبرة".‏<br />

والبخاري يستيقظ يف ليلةٍ‏ ثمان عشرة مرَّة<br />

ليُقيّد األشياء التي يستذكرها.‏<br />

والشافعي يحكي عنه صاحبه احلُمَيْديّ‏ أنه كان<br />

يخرج يف بعض الليالي،‏ فإذا مصباح منزله مُسْ‏ رج،‏<br />

فيصعد إليه ‏"فإذا قِ‏ رطاس ودَوَاة،‏ فأقول:‏ مَهْ‏ يا أبا<br />

عبد اهلل!‏ فيقول:‏ تفكّرت يف معنى حديث ‏-أو يف<br />

مسألة-‏ فخِ‏ فْت أن يذهب عليّ‏ ، فأمرت باملصباح<br />

وكتبته".‏<br />

ويقول علي الطنطاوي:‏ ‏"أكثر ما أكتب أكتبه<br />

عندما أضطجع يف الفراش وقد أرخى النعاس<br />

جسمي وأغلق أجفاني،‏ هنالك يتيقّظ الفكر<br />

وينطلق،‏ فأشعل النور ألدوّن فكرة عرضت<br />

لي،‏ فإذا نفدَت أطفأته ومتدّدت ألنام،‏ فتأتي<br />

فكرة أخرى فأعود إلى النور فأشعله.‏ تأتيني<br />

األفكار مثلما تُقبِل األمواج على الشاطئ،‏<br />

موجة بعد موجة،‏ وإذا توالت عليّ‏ وتعاقبت<br />

طار النوم من عيني".‏<br />

وقد دوّن كثير من العلماء هذه الفوائد يف<br />

كتب مفردة،‏ مثل:‏ ‏)الفنون(‏ البن عقيل،‏ و)صيد<br />

اخلاطر(‏ البن اجلوزي،‏ و)عيون الفوائد(‏ البن<br />

النجار،‏ و)بدائع الفوائد(‏ البن القيم.‏<br />

وكثير من الكتّاب املعاصرين أخرجوا لنا كتبًا<br />

قيّمة بديعة لم تكن إال نتاجً‏ ا لتقييد خواطرهم.‏<br />

فضم القليل إلى القليل مع املداومة واالستمرار،‏<br />

يتكون منه الكثير العجيب،‏ ومعظم النار من<br />

مُسْ‏ تَصْ‏ غَرِ‏ الشررِ.‏ وحسمها بهاء الدين ابن النحاس<br />

احللبي بقوله:‏<br />

اليومَ‏ شيءٌ‏ وغدًا مثلُهُ‏<br />

يُحَ‏ صّ‏ لُ‏ املرءُ‏ بها حِ‏ كمةً‏<br />

مِ‏ نْ‏ نُخَ‏ بِ‏ العِ‏ لمِ‏ التي تُلتَقَطْ‏<br />

وإمنا السَّ‏ يْلُ‏ اجتماعُ‏ النُّقَطْ‏


39 38<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

من أرشيف المجالت<br />

القديمة:‏ أدب المقالة<br />

لألستاذ زكي نجيب محمود<br />

انتقاء فاطمة أبو سعدة _0f9_@<br />

إن معظم النار من مستصغر الشرر؛ ذلك<br />

ما قرأته يف الكتب وما تعلمته من جتربة<br />

احلياة،‏ وهو ما أجرى القلم بهذه الكلمات،‏<br />

فليس بعيدًا أن ينبه هذا القلم املتواضع<br />

الذي ال يكاد صريره يبلغ سمع صاحبه،‏ أديبًا<br />

واحدًا من أئمة األدب يف هذا البلد فيتجه<br />

وجهة جديدة يف كتابة املقالة األدبية.‏<br />

فاملقالة توشك أن تكون يف مصر القالب<br />

األوحد الذي يَصُ‏ بّ‏ فيه األديب خواطره<br />

ومشاعره،‏ فأديبنا قصير النَّفَس،‏ تكفيه<br />

املقالة الواحدة ليفرغ يف أنهرها القليلة كل<br />

ما يتأجج به صدره من عاطفة وما يختلج به<br />

رأسه من فكرة؛ فإن غضب أديبنا من نقص<br />

يلمحه يف بناء اجلماعة أو أخالق الفرد،‏ فزع<br />

إلى املقالة يبث فيها ثورة غضبه؛ وإن افتن<br />

أديبنا بجمال الطبيعة اخلالب جلأ إلى املقالة<br />

يبث فيها ما أحس من عجب وإعجاب...أما<br />

األديب الذي يريد أن يعالج بؤس البائسن<br />

فينشر يف الناس القصة تلو القصة حتى يبلغ<br />

ما ينشره ألوف الصحائف كما فعل ‏"دكنز"‏ ؛<br />

أما األديب الذي يعطف على العمال فيكتب<br />

يف ذلك للمسرح الرواية يف إثر الرواية كما<br />

فعل ‏"جولزورثي"‏ . أما األديب الذي يتلقى<br />

خطابًا من قارئه تستفسره االشتراكية فيرد<br />

على الرسالة مبجلدين،‏ كما فعل ‏"برناردشو".‏<br />

أما األديب الذي يرى عالج اإلنسانية يف<br />

حكومة دولية متسك بزمام العالم كله فيكتب<br />

يف ذلك كتبًا تزيد على اخلمسن كما فعل<br />

‏"ولز"‏ . مثل هذا وذلك من األدباء لم تشهده<br />

مصر،‏ فبؤس البائسن عالجه مقالة،‏ والعمال<br />

تكفي لنصرتهم مقالة،‏ وحل املشكالت الدولية<br />

حسبه مقالة..‏<br />

فاملقالة إذًا هي عندنا مالذ األديب،‏ الذي<br />

ليس له من دونها مالذ،‏ وال بأس بهذا لو<br />

كانت املقالة األدبية يف مصر أدبًا تعترف به<br />

قواعد األدب الصحيح.‏ ولكن األديب املصري<br />

يكتب املقالة التي لو قيست مبعيار النقد<br />

األدبي لطارت هباءً،‏ وألغلقت دولة األدب من<br />

دونها األبواب،‏ وإمنا قصدت مبعيار النقد ما<br />

يكاد يجمع عليه النقاد من أدباء اإلجنليز.‏<br />

فهم هنالك يقولون إن املقالة يجب أن<br />

تصدر عن قلق يحسه األديب مما يحيط به<br />

من صور احلياة وأوضاع املجتمع،‏ على شرط<br />

أن يجيء السخط يف نقمة هادئة خفيفة،‏ هي<br />

أقرب إلى األنن اخلافت منها إلى العويل<br />

الصارخ،‏ أو قُل يجب أن يكون سخطً‏ ا مما<br />

يعبر عنه الساخط بهزة يف كتفيه ومطٍ‏ يف<br />

شفتيه،‏ مصطبغًا بفكاهة لطيفة،‏ ال أن يكون<br />

سخطً‏ ا مما يدفع الساخط إلى حتطيم األثاث<br />

ومتزيق الثياب...هذا السخط على احلياة<br />

القائمة يف هدوء وفكاهة،‏ هذا السخط الذي<br />

لم يبلغ أن يكون ثورة عنيفة،‏ هو موضوع املقالة<br />

األدبية مبعناها الصحيح؛ فإن تضرمت يف نفس<br />

األديب ثورة كاسحة جامحة،‏ فال يجيز له نَقَدَةُ‏<br />

األدب أن يتخذ املقالة متنفسً‏ ا لثورته،‏ وليسلك<br />

‏-إن أراد-‏ سبيله إلى املنابر يلقي ثورته يف<br />

موعظة،‏ ألنها حتتمل من الواعظ أعنف ألوان<br />

التقريع،‏ أو ليلتمس سبيالً‏ إلى القصيدة ‏-إن<br />

كان شاعرًا-ألن القصائد ال تتنافر بطبعها مع<br />

احلماس املشتمل.‏<br />

شرط املقالة األدبية أن يكون األديب ناقمًا،‏<br />

وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لون باهت<br />

من التفكه اجلميل؛ فإن التمست يف مقالة<br />

األديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم<br />

جتدها،‏ وإن افتقدت يف مقالة األديب هذا اللون<br />

من الفكاهة احللوة املستساغة فلم تصبه،‏ فاعلم<br />

أن املقالة ليست من األدب الرفيع يف كثير أو<br />

قليل،‏ مهما تكن بارعة األسلوب رائعة الفكرة؛<br />

وإن شئت فاقرأ لرب املقالة اإلجنليزية ‏"أدِ‏ سُنْ"‏<br />

ما كتب،‏ فلن جتده إال مازجً‏ ا سخطه بفكاهته،‏<br />

فكان ذلك أفعل أدوات اإلصالح.‏<br />

نريد من كاتب املقالة األدبية أن يكون لقارئه<br />

محدثًا ال معلمًا؛ بحيث يجد القارئ نفسه إلى<br />

جانب صديق يسامره ال أمام معلم يعنفه؛ نريد<br />

من كاتب املقالة األدبية أن يكون لقارئه زميالً‏


41 40<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مخلصً‏ ا يحدثه عن جتاربه ووجهة نظره،‏ ال أن<br />

يقف منه موقف الواعظ فوق منبره مييل صلفًا<br />

وتيهًا بورعه وتقواه،‏ أو موقف املؤدب يصطنع<br />

الوقار حن يصب يف أذن سامعه احلكمة صبًّا<br />

ثقيالً؛ نريد للقارئ أن يشعر وهو يقرأ املقالة<br />

األدبية أنه ضيف قد استقبله الكاتب يف حديقته<br />

ليمتعه بحلو احلديث،‏ ال أن يحس كأمنا الكاتب<br />

دفعه دفعًا عنيفًا إلى مكتبته ليقرأ فصالً‏ من<br />

كتاب!‏<br />

لهذا كله يشترط الناقد اإلجنليزي يف<br />

املقالة األدبية شرطً‏ ا ال أحسب شيوخ األدب<br />

عندنا يقرونه عليه،‏ يشترط أن تكون املقالة<br />

على غير نسق من املنطق،‏ أن تكون أقرب إلى<br />

قطعة مشعثة من األحراش احلوشية منها إلى<br />

احلديقة املنسقة املنظمة؛ ويعرَّف ‏"جونسون"‏<br />

‏-ومكانته من األدب اإلجنليزي يف الذروة العليا-‏<br />

يعرَّف املقالة فيقول:‏ إنها نزوة عقلية ال ينبغي<br />

أن يكون لها ضابط من نظام،‏ هي قطعة ال<br />

جتري على نسق معلوم ولم يتم هضمها من<br />

نفس كاتبها،‏ وليس اإلنشاء املنظم من املقالة<br />

األدبية يف شيء.‏<br />

أين هذا من املقالة األدبية يف مصر؟ لقد<br />

سمعت أديبًا كبيرًا يسأل أديبًا كبيرًا مرة فيقول:‏<br />

هل قرأت مقالي يف هالل هذا الشهر؟ فأجابه:‏<br />

أن نعم،‏ فسأله:‏ وماذا ترى فيه؟ هل تراني أهملت<br />

نقطة من نقط املوضوع؟ فأجابه قائالً‏ : العفو،‏ وهل<br />

مثلك من يهمل يف مقالة يكتبها شاردة أو واردة؟!‏<br />

هذه هي املقالة عند قادة األدب:‏ أن تكون موضوعًا<br />

إنشائيًا مدرسيًا كل فضله أنه جميل اللفظ واسع<br />

النظر،‏ فالفرق بن مقالة األديب وموضوع التلميذ<br />

فرق يف الكم ال يف الكيف...فلله درك يا معلم<br />

اللغة العربية يف املدارس املصرية!‏ إنك لتتعقب<br />

بتأثيرك شيوخ الكتاب بن كتبهم وأوراقهم،‏ كأنى<br />

بك تضغط على أذن الكاتب بن إبهامك وسبابتك<br />

حن يحمل قلمه ليكتب،‏ مذكرًا إياه:‏ هل وفيت<br />

نقط املوضوع؟ أين نقط املوضوع؟!‏ كال ليس<br />

للمقالة األدبية،‏ وال ينبغي أن يكون لها نقطٌ‏ وال<br />

تبويب وال تنظيم؛ فإن كانت كذلك،‏ فال عجب<br />

أن ينفر القارئون ‏-يا أيها األدباء-‏ من قراءة ما<br />

تكتبون؛ ال تعجبوا يا قادة األدب املصري أال يقرأكم<br />

إال فئة من طبقة القارئن،‏ ألنكم تصرون على<br />

أن يقف الكاتب منكم إزاء قارئه موقف املعلم ال<br />

الزميل،‏ موقف الكاتب ال احملدث،‏ موقف املؤدب ال<br />

الصديق،‏ ويصطنع الوفاء فال يصل نفسه بنفسه؛<br />

وإال فحدثني بربك أي فرق يجده القارئ بن<br />

الصحيفة األدبية والكتاب املدرسي؟ أرأيت كيف<br />

يتحدث الصديق إلى صديقه عن حادثة شهدها<br />

يف عربة الترام وهو يف طريقه إليه؟ أرأيت كيف<br />

يالحظ الصديق لصديقه إذ هما يسيران مالحظة<br />

من هنا ومالحظة من هناك حول ما يقع عليه<br />

البصر؟ انقل هذا بيراعة األديب وبراعته يكن لك<br />

منه مقالة أدبية من الطراز األول؛ أما أن تعلم<br />

القارئ فصالً‏ من عوامل سقوط الدولة األموية،‏<br />

أو يف أسباب انحالل املجتمع وما إلى ذلك من<br />

فصول،‏ فذلك مفيد على أنه درس علمي،‏ ونافع<br />

يف عرض اطالعك الواسع،‏ ومثقف للقارئ كما<br />

يثقفه فصل من كتاب،‏ ودافع إلى الفضيلة على<br />

أنه موعظة منبرية...ولكن ال تطمح أن تكون أديبًا<br />

مبا تكتب من أمثال هذه الفصول واألبواب،‏ فلن<br />

تكون بأمثالها يف دولة األدب قزمًا وال عمالقًا...‏<br />

أنت بهذه الفصول عالم ولست بأديب - أنت بها<br />

قارئ ولست بكاتب،‏ وفضلك أن نقلت إلى القراء<br />

ما قرأت...وإنه لفضل عظيم،‏ ولكنه شيء واألدب<br />

اخلالص شيء آخر.‏<br />

فكاتب املقالة األدبية على أصح صورها،‏ هو<br />

الذي تكفيه ظاهرة ضئيلة مما يعج به العالم<br />

من حوله،‏ فيأخذها نقطة ابتداء،‏ ثم يسلم<br />

نفسه إلى أحالم يأخذ بعضها برقاب بعض،‏<br />

دون أن يكون له أثر قوى يف استدعائها عن عمد<br />

وتدبير،‏ حتى إذا ما تكاملت من هذه اخلواطر<br />

املتقاطرة صورة،‏ عمد الكاتب إلى إثباتها يف<br />

رزانة ال تظهر فيها حدّ‏ ة العاطفة،‏ ويف رفق<br />

بالقارئ حتى ال ينفر منه نفور اجلواد اجلموح،‏<br />

ألن واجب األديب احلق أن يخدع القارئ كمن<br />

ميعن يف القراءة كأمنا هو يسرّي عن نفسه<br />

املكروبة عناء اليوم أو يزجي فراغه الثقيل،‏ وهو<br />

كلما قرأ تسلل إلى نفسه ما شاع يف سطور<br />

املقالة من نكتة خفيفة وسخرية هادئة،‏ دون<br />

شعور منه بأن الكاتب يعمد يف كتابته إلى النكتة<br />

والسخرية؛ فإذا بالقارئ آخر األمر يضحك أو<br />

يتأثر على أي صورة من الصور،‏ بهذه الصورة<br />

اخليالية التي أثبتها الكاتب يف مقالته،‏ وقد<br />

يعجب القارئ:‏ كيف ميكن أن يكون يف النفوس<br />

البشرية مثل هذه اللفتات واللمحات؛ ولكنه لن<br />

يلبث حتى يتبن أن هذا الذي عجب منه إمنا<br />

هو جزء من نفسه أو نفوس أصدقائه،‏ فيضجره<br />

أن يكون على هذا النحو السخيف،‏ فيكون هذا<br />

الضجر منه أول خطوات اإلصالح املنشود.‏<br />

وما دمنا نشترط يف املقالة األدبية أن تكون<br />

أقرب إلى احلديث والسمر منها إلى التعليم<br />

والتلقن،‏ وجب أن يكون أسلوبها عذبًا سلسً‏ ا<br />

دفاقًا.‏ أما إن أخذت تشذب أطراف اللفظ<br />

هنا وتزخرف تركيب العبارة هناك،‏ كان ذلك<br />

متنافرًا مع طبيعة السمر احملبب إلى النفوس؛<br />

هذا من حيث الشكل.‏ وأما من حيث املوضوع<br />

فال يجوز عند الناقد األدبي أن تبحث املقالة<br />

يف موضوع مجرد،‏ كأن تبحث مثالً‏ فضل<br />

النظام الدميقراطي أو معنى اجلمال أو قاعدة<br />

يف علم النفس والتربية؛ ألن ذلك يبعدها عن<br />

روح املقالة مبعناها الصحيح،‏ إذ ال بد ‏-كما<br />

ذكرنا-‏ أن تعبر قبل كل شيء عن جتربة معينة<br />

مسّ‏ ت نفس األديب فأراد أن ينقل األثر إلى<br />

نفوس قرائه..ومن هنا قيل إن املقالة األدبية<br />

قريبة جدًا من القصيدة الغنائية،‏ ألن كلتيهما<br />

تغوص بالقارئ إلى أعمق أعماق نفس الكاتب<br />

أو الشاعر،‏ وتتغلغل يف ثنايا روحه حتى تعثر<br />

على ضميره املكنون؛ وكل الفرق بن املقالة<br />

والقصيدة الغنائية هو فرق يف درجة احلرارة:‏<br />

تعلو وتتناغم فتكون قصيدة،‏ أو تهبط وتتناثر<br />

فتكون مقالة أدبية.‏<br />

وملا كانت املقالة إمنا تتكئ على ظاهرة<br />

مطروقة معهودة يف احلياة اليومية لتنفذ خاللها<br />

إلى نقد احلياة القائمة نقدًا خفيًا يستره غطاء<br />

خفيف من السخرية،‏ وملا كانت كذلك تسلك<br />

يف التعبير أسلوبًا سلسً‏ ا مشرقًا،‏ فقد يُظَ‏ ن<br />

أحيانًا أنها ضرب هن من ضروب األدب ال<br />

يدنو من القصيدة أو القصة والرواية،‏ والواقع<br />

على عكس ذلك،‏ ألن أرفع الفن هو ما التقى<br />

فنه على النظرة العابرة،‏ فما أكثر من ينجح<br />

يف كتابة القصة والقصيدة!‏ وما أقل من يجيد<br />

كتابة املقالة!‏ وشأن الذي يستخف مبا تطلبه<br />

املقالة من فن كشأن الذي يظن أن الشعر<br />

املرسل أيسر من القصيد املقفى؛ ولعل عسر<br />

املقالة ناشئ من أنها ليس لها حدود مرسومة<br />

يحفظها املبتدئ فينسج على منوالها كما يفعل<br />

يف القصة أو القصيدة.‏<br />

إن الذي أريد أن أؤكده مرة أخرى هو أن<br />

املقالة األدبية البد أن تكون نقدًا ساخرًا لصورة<br />

من صور احلياة أو األدب،‏ وهدمًا لم يتشبث به<br />

الناس على أنه مثل أعلى،‏ وما هو إال صنم<br />

تخلّف يف تراث األقدمن.‏ أما إن كان الفصل<br />

املكتوب بحثًا رصينًا متسقًا فسمَّه ما شئت،‏<br />

فقد يكون علمًا،‏ وقد يكون فصالً‏ يف النقد<br />

األدبي،‏ وقد يكون تاريخً‏ ا أو وصفًا جغرافيًا<br />

كتبه قلم قدير،‏ ولكنه ليس مقالة أدبية،‏ كما<br />

أنه ليس بقصيدة وال قصة.‏<br />

مجلة الثقافة،‏ العدد ‎1941(،115‎م(:‏ 321-323.


43 42<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة القافلة ..<br />

خزانة المعرفة<br />

كُ‏ تب بواسطة - بندر احلربي @bander295<br />

مع صدور عدد مجلة القافلة األخير لشهر يوليو ‎2016‎م،‏ يكون عمر<br />

هذه املجلة ثالثةً‏ وستن عامًا.‏ ولدت من فكرة ثالثة مترجمن يف أحد<br />

مكاتب شركة ‏"أرامكو"‏ يف مدينة الظهران السعودية،‏ عام ‎1951‎م.‏<br />

تُعد مجلة القافلة ‏»مجلة عربية نادرة عند صدورها،‏ ونادرة عندما<br />

بلغت نصف قرن بال انقطاع«‏ كما يصفها املهندس علي بن إبراهيم<br />

النعيمي،‏ وزير البترول السعودي السابق يف عام ‎2002‎م مبناسبة<br />

احتفال املجلة بعيدها الذهبي،‏ وتواصل صدوره املدة خمسن عامًا.‏<br />

ولهذه الندرة حكاية تستحق أن تروى ملا تضمنه فصولها من تخطيط<br />

وتطوير وإجناز.‏ هذه املجلة التي ارتبطت بها أجيال عدة من القراء<br />

ارتباطً‏ ا ثقافيًا وعاطفيًا سنوات عديدة،‏ وأدت دورًا رئيسً‏ ا يف نشر الثقافة<br />

والتوعية يف محيطها احمللي،‏ وعلى امتداد الوطن العربي،‏ وأرجاء أخرى<br />

من العالم.‏ كيف ظهرت؟ وكيف استمرت؟ سؤاالن نحاول أن جنيب<br />

عنهما،‏ بعد أن ننظر سريعًا إلى تاريخ فن املجالت يف العالم.‏<br />

لطاملا أدت املطبوعة الورقية،‏ والتي تسمى ‏"املجلة"‏ دورًا ثقافيًا<br />

وتوعويًا مهمًا يف أنحاء العالم منذ ابتكارها يف العام ‎1663‎م على يد<br />

كاتب أملاني هاوٍ‏ للفلسفة.‏ هذه املطبوعة التي تختلف عن الصحيفة<br />

بصغر احلجم،‏ وجودة املضمون،‏ مصممةً‏ لالحتفاظ بها مدة أطول من<br />

الصحيفة،‏ ولالستفادة منها بشكل أكبر،‏ وأكثر فعالية.‏<br />

أما من أطلق اسم مجلة "Magazine" على هذه املطبوعة الورقية<br />

‏"املبتكرة"‏ فهو إدوارد كيِّف محرر مجلة Maga The Gentleman's<br />

"zine يف عام ‎1731‎م،‏ نسبة إلى الكلمة الفرنسية ،"Magasin" املأخوذة<br />

من كلمة ‏"مخزن"‏ يف اللغة العربية،‏ وهو املكان الذي يحتوي البضائع<br />

املتنوعة.ومنذ تلك املرحلة التاريخية،‏ بدأ العالم يهتم ويصدر هذا النوع<br />

من املطبوعات ابتداءً‏ القرن السابع عشر وما تبعه.‏<br />

"<br />

ويُؤرخ تاريخ املجالت يف الوطن العربي من عام ‎1892‎م،‏ مع<br />

صدور مجلة ‏"الهالل"‏ جلرجي زيدان،‏ يف مصر،‏ التي حلسن احلظ


45 44<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

ما زالت تصدر حتى يومنا هذا،‏ بصحبة ما يزيد<br />

عن 500 مجلة متنوعة ومتخصصة أخرى يف<br />

امتداد الوطن العربي.‏<br />

ومع تغير الزمن ووسائل اإلعالم،‏ وتوجهات القراء،‏<br />

ظلت املجالت يف العالم ويف الوطن العربي خصوصً‏ ا<br />

تصارع من أجل البقاء،‏ وبدأت تفقد قراءها،‏ بلثمة<br />

من يقول إنها يف الطريق إلى االنقراض.‏ فقد توقف<br />

الكثير من املجالت،‏ مثل مجلة ‏"الرسالة"‏ ‏،و"أبولو"،‏<br />

و"أقالم"،‏ و"آفاق عربية"،‏ و"الكاتب"‏ و"الطليعة"‏ و"الفكر<br />

املعاصر"،‏ و"دبي الثقافية"‏ و"األديب"‏ و"اآلداب"،‏ ويومًا<br />

بعد يوم يتوقف الكثير من املجالت عن الصدور.‏<br />

ومع هذا ظلت مجلة ‏»القافلة«‏ التي تُعد مِ‏ ن<br />

أقدم املجالت الثقافية والعلمية يف اململكة،‏ تصدر<br />

كُل شهرين بطباعة فاخرة وإخراج مميز يف 102<br />

صفحة،‏ عن شركة ‏)أرامكو السعودية(‏ متجاوزة<br />

حتديات التغيرات اإلعالمية والثقافية يف العالم<br />

العربي،كما اتسع دورها من أن تكون وسيلة تثقيف<br />

وتوعية ملوظفي الشركة الناطقن بالعربية،‏ إلى<br />

مجلة متنوعة تتسم بالعمق واألصالة،‏ تشمل أبوابًا<br />

يف الفكر واألدب،‏ والعلم والثقافة،‏ والفنون،‏ والطاقة،‏<br />

والصحة،‏ ومراجعات للكتب،‏ وتقارير عن البرامج<br />

التدريبية وورش العمل،‏ وعلى استطالعات صحفية،‏<br />

محايدة ومُبتعدة عن األمور املثيرة للخالف،‏ وتوزع<br />

كل شهرين عن طريق طلب اشتراك مجاني داخل<br />

وخارج اململكة.‏<br />

وخالل سنوات صدورها،‏ استضافت املجلة على<br />

صفحاتها أقالم كبار املفكرين العرب كالعقاد،‏ ومحمد<br />

مندور،‏ وأحمد أمن،‏ واملازني،‏ وجبران،‏ واخلوري،‏<br />

وعبدالقدوس األنصاري،‏ وعمر أبو ريشة،‏ ووديع<br />

فلسطن،‏ وكذلك ابن إدريس،‏ وحسن قرشي،‏ وأحمد<br />

رامي،‏ وطاهر زمخشري،‏ وبشارة اخلوري،‏ وغازي<br />

القصيبي يف بداياته.‏ وكانت تنقل مقاالت لطه حسن،‏<br />

والبارودي،‏ واجلواهري،‏ وجميل علوش،‏ ويوسف نوفل<br />

وآخرين كُثر.‏ كما كانت املجلة مرجعًا معتمدًا من وزارة<br />

املعارف السعودية يف نصوص املطالعة فيما مضى.‏<br />

بدأت حكاية هذه املجلة يف ربيع عام ‎1951‎م بعد<br />

أن اجتمع ثالثة مترجمن يف أحد مكاتب أرامكو يف<br />

الظهران،‏ وقرروا رفع اقتراح يقضي بإصدار نشرة<br />

عربية باسم ‏"الشمس العربية"‏ على غرار النشرة<br />

اإلجنليزية التي كانت تصدرها الشركة آنذاك<br />

‏"الشمس والوهج"‏ خاصةً‏ وأن احلكومة السعودية<br />

قُبيل موافقتها على إصدار ‏"الشمس والوهج"،‏ كانت<br />

قد اشترطت على الشركة أن تعمل على إصدار<br />

نشرة عربية حتتوي صورًا ومواضيع تهم الناس.‏<br />

وهذا يتوافق معهد فالشركة آنذاك إليجاد وسيلة<br />

للتقارب معا ملجتمع احمللي يف أرض االمتياز التي<br />

تعمل فيها،‏ إذ كانت حترص على تقوية العالقات<br />

مع املواطنن السعودين ومحيطها االجتماعي،‏ لتنقل<br />

لهم الرسائل التنظيمية والتوعوية والتثقيفية.‏ ويف<br />

نهاية ذلك العام صدر عدد جتريبي من صفحتن<br />

وحمل اسم ‏"األحداث"‏ طُ‏ بع مِ‏ نه ثالث أعداد فقط<br />

على اآللة الكاتبة.‏<br />

وهكذا رفعت الشركة طلبًا إلى احلكومة<br />

السعودية إلصدار النشرة التي حملت يف البداية اسم<br />

‏"األحداث"،‏ نسبةً‏ للشاب أو احلدث اجللل،‏ وتضمن<br />

الطلب أن النشرة سوف تنشر أخبارًا مهمة ومقاالت<br />

وصور املناسبات الرسمية،‏ وأنشطة املوظفن،‏<br />

وإعالنات الشركة،‏ كما سيدعى القراء إلى اإلسهام<br />

يف تقدمي املقاالت وغيرها من شتى املوضوعات<br />

األدبية والفنية،‏ وأنها ستطبع على اآللة الكاتبة.‏<br />

وكان االقتراح يف البداية أن تكون النشرة من صفحة<br />

واحدة حتتوي على أخبارً‏ وصورًا،‏ على أن يزيد عدد<br />

صفحاتها يف املستقبل.‏<br />

وبعد مداوالت ومخاطبات عديدة،‏ تلقت أرامكو يف<br />

يونيو‎1952‎م موافقة جاللة امللك عبدالعزيز ‏-طيب<br />

اهلل ثراه-‏ على إصدار النشرة.‏ ثم تركزت اجلهود<br />

على بلورة شخصية النشرة،‏ واختيار رئيس التحرير،‏<br />

حيث رأت أرامكو أن رئيس التحرير ال بد أن يكون<br />

سعوديًا ولديه خبرة ومعرفة باللغة اإلجنليزية.‏<br />

أما عن شخصية النشرة،‏ فقد اُتفق أن حتوي<br />

إرشادات توعوية ملوظفي الشركة،‏ وال تُفرض على<br />

القارئ بل يُشجع القارئ على بذل اجلهد للحصول<br />

عليها.‏ وأن تطبع مرة يف األسبوع،‏ من صفحتن على<br />

األقل،‏ وأن تخصص عمودًا عن تاريخ اململكة،وزوايا<br />

أخرى عن األنشطة الرياضية والصحة والسالمة،‏<br />

وأخبار املوظفن،‏ وتاريخ اململكة،‏ وأن تنشر القصص<br />

القصيرة،‏ ومقتطفات من الشعر العربي الكالسيكي،‏<br />

وأن تقوم بإجراء استطالعات مصورة حول موضوعات<br />

محلية،‏ وأن تستقي أخبار العالم من الصحف العربية<br />

واملذياع مع حتديد اجلهة صاحبة اخلبر،‏ أما أخبار<br />

اململكة فتؤخذ من املذياع والصحف التي تصدر يف<br />

مكة واملدينة والرياض.‏<br />

ويف أثناء العمل على العدد التجريبي الثاني<br />

يف العام نفسه تغير العنوان من ‏"األحداث"‏ إلى<br />

‏"احلوادث"‏ لوجود معانٍ‏ ودالالت غير لطيفة يف<br />

االسم األول.‏<br />

ويف أكتوبر عام ‎1953‎م صدر العدد األول مِ‏ ن<br />

النشرة التي أصبحت مجلة،‏ وحملت اسم ‏"قافلة<br />

الزيت"‏ باللونن األبيض واألسود وبغالف ملون،‏<br />

مِ‏ ن 16 صفحة مع الغالف يناألماميو اخللفي.‏ هذا<br />

االسم الذي سيستمر معها ملدة 30 عام،‏ تطبع شهريًا<br />

يف بيروت،‏ وعُن حافظ البارودي،‏ موظف الشركة<br />

منذ عام ‎1947‎م،‏ وخريج جامعة ‏"غوردون"أول رئيس<br />

حترير للمجلة.‏<br />

وبعد 6 سنوات من صدور العدد األول من<br />

املجلة،‏ ظهرت نشرة ‏"قافلة الزيت"‏ األسبوعية يف<br />

نوفمبر ‎1959‎م،‏ النشرة التي حررت وطبعت ونشرت<br />

بإشراف هيئة حترير مجلة ‏"قافلة الزيت"،‏ وأصبح<br />

لكل مطبوعة مسارها إال أنهما يلتقيان بالهدف،‏ وهو<br />

إبراز أنشطة الشركة وأدوار موظفيها،‏ ونشر الثقافة<br />

العربية.‏ واستمرت بهذا االسم حتى عام ‎1983‎م،‏<br />

حيث تغير إلى مجلة ‏"القافلة".‏<br />

وخالل هذه الفترة استمرت املجلة يف التطوير<br />

والتحديث على مستوى التحرير،‏ واحملتوى واإلخراج،‏<br />

ففي أغسطس عام ‎1954‎م أصبحت املجلة تُطبع<br />

وألول مرة بالطريقة األوفست احلديثة وقتها،‏ وزاد<br />

عدد صفحاتها إلى 28، وأصبح رئيس التحرير شكيب<br />

األموي،‏ موظف الشركة من عام 1954، والكاتب<br />

الصحفي،‏ ومؤلف العديد من القصص القصيرة.‏<br />

ويف يوليو ‎1956‎م زاد عدد صفحاتها إلى‎36‎ صفحة،‏<br />

ويف العام الذي يليه استخدمت الصورة امللونة بأربعة<br />

ألوان يف الغالف األمامي للمجلة.‏ وتولى سيف<br />

الدين عاشور،‏ أحد كبار موظفي الشركة رئاسة<br />

التحرير عام ‎1962‎م،‏ ويف العام ‎1964‎م بدأت املجلة<br />

تُطبع محليًا يف الدمام،‏ وتبنت من عام ‎1967‎م نشر<br />

استطالعات مصورة شاملة عن إحدى املدن يف<br />

اململكة.‏ ثم عقد ونشر ندوات أدبية وعلمية بشترك<br />

فيها كبار املفكرين والعلماء واألدباء العرب،‏ وكان<br />

منصور مدني رئيس التحرير . ثم تولى يف عام<br />

‎1978‎م رئاسة حتريرها عبداهلل الغامدي،‏ الذي<br />

حمل شعار:‏ ‏"كتبوا لنقرأ ونكتب ليقرؤوا"‏ يف إشارة<br />

إلى دعمه للكُتاب السعودين،‏ ثم رأس حتريرها<br />

عبداهلل اخلالد عام ‎1989‎م الذي وسّ‏ ع يف مادتها<br />

الثقافية والعلمية،‏ تبعه عصام توفيق عام ‎1999‎م<br />

الذي أعاد صياغة هويتها،‏ ومحمد طحالوي يف<br />

عام‎2001‎م الذي شجّ‏ ع على استكتاب األعالم يف<br />

مختلف مجاالت املعرفة.‏ ويف عام 2002 توقفت<br />

القافلة ملدة خمس أشهر،‏ جرت خالل هذه الفترة<br />

دراسة شاملة لتطويرها،‏ ثم عادت يف سبتمبر من<br />

العام نفسه بعدد خاص مبناسبة مرور ‎50‎عامًا على<br />

صدورها،‏ ويف العام ‎2003‎م تولى محمد العصيمي<br />

رئاسة حتريرها،‏ وزاد عدد صفحاتها إلى 102<br />

صفحة،‏ ومت حتويلها مِ‏ ن مجلة شهرية إلى مجلة<br />

تصدر كُل شهرين.‏ ويف عام‎2009‎م رأسها صالح<br />

السبتي ملدة عام واحد.‏ واليوم يرأس حتريرها<br />

الشاعر محمد الدميني،‏ واصبحت تُقدم إلى قرائها<br />

من خالل منصات عدة،‏ فباإلضافة إلى املطبوعة<br />

الورقية،‏ صدرت نسخة إلكترونية على موقعها على<br />

اإلنترنت،‏ وتطبيق للهواتف احملمولة،‏ وحسابات يف<br />

مواقع التواصل االجتماعي.‏<br />

وبهذه املرونة يف التكيف واألصالة يف احملتوى،‏<br />

استمرت املجلة بوصفها رافدًا من روافد املعرفة،‏<br />

يطبع اليوم منها كل شهرين 40 ألف نسخة،‏ وتصل<br />

مجانًا إلى قرائها داخل شركة أرامكو السعودية<br />

وداخل اململكة وخارجها،‏ ويُتوقع أن عدد القراء<br />

الذين يطّ‏ لعون على القافلة نحو 455 ألف قارئ،‏<br />

إذ يشترك 7 أشخاص يف قراءة النسخة الواحدة<br />

من كل عدد داخل اململكة وخارجها،‏ وذلك حسب<br />

إحصائية جرت سابقًا.‏


47 46<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏»البشر ال يولدون دومً‏ ا يوم تلدهم<br />

أمهاتهم,‏ وإنما تجبرهم الحياة على<br />

والدة أنفسهم بأنفسهم ثانية،‏<br />

ولمراتٍ‏ عديدة«.‏<br />

غابرييل غارسيا ماركيز


49 48<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

تعريف بخمسة<br />

كتب عربية<br />

كُ‏ تب بواسطة - هشام العبيلي @hsaad78<br />

تأليف:‏ محمود شاكر.‏<br />

يقع الكتاب يف 466 صفحة.‏<br />

الناشر:‏ دار اخلاجني.‏<br />

يقول هنري ميللر يف ‏)الكتب يف حياتي(:"‏ هناك كتب ثورية<br />

حقًا؛ أي ملهَمة وملهِ‏ مة - وهي نادرة طبعًا - واحملظوظ من<br />

يصادف حفنة منها يف حياته"‏ . انتهى.‏<br />

هذه النوعية من الكتب امللهمة تنقلك من رتبة إلى أخرى ومن<br />

درجة إلى أعلى،‏ حتدث يف نفسك وتفكيرك ما ال حتدثه عشرات<br />

الكتب لو قرأتها بشكل متواصل،‏ ما إن تنتهي منها حتى حتس<br />

بصعوبة يف البدء بكتاب جديد،‏ إذ أن هذا الكتاب املُلهم قد حلّق<br />

بك بعيداً،‏ فرأيت من عُلْوٍ‏ آفاقا جديدة لم تك لتبصرها لو قرأت<br />

ما هو أدنى منه.‏ تريد أن تخبر اجلميع وبصوت مرتفع وصاخب:‏<br />

هذا كتاب رائع!‏ وال ميكن أن أقرأ أحسن من هذا الكالم.‏<br />

أباطيل وأسمار<br />

الكتب امللهمة حتُ‏ دث فارقاً‏ يف تصوراتك وتفكيرك.‏ ومن<br />

األكيد أن تنشأ يف نفسك الرغبة والقابلية إلعادة قراءة هذا<br />

الكتاب كَرة أخرى.‏<br />

من الكتب امللهمة ‏)أباطيل وأسمار،‏ تأليف محمود شاكر(وهو<br />

عبارة عن فصول نُشرت يف مجلة الرسالة،‏ غَرض الكتاب األول<br />

الدفاع عن العربية،‏ إال أن فيه من أصول البحث العلمي الصحيح<br />

املبني على السبر واالستقصاء واالنتقاء السليم،‏ ما يجعله عالمة<br />

فارقة يف مسيرتك القرائية.‏<br />

هذا عوضاً‏ عن الفوائد املبثوثة،‏ تبحرُ‏ مع الكتاب يف بحر<br />

خضم،‏ فيجود عليك بأنْفس ما فيه.‏


51 50<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏"إن كتاب ‏)اإلسالم بن الشرق والغرب(ليس كتاباً‏ بسيطاً‏<br />

ميكن للقارئ أن يتناوله مسترخياً‏ أو يقتحمه من أي موضع<br />

فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أنه قد فهم شيئاً‏<br />

. ال ... إنه موجه جلمهور من خاصة القراء يتمتعون بخلفية<br />

ثقافية عريضة وعميقة،‏ ولهم قدمٌ‏ راسخة يف تذوق اللغة<br />

واألدب . يف عقول هؤالء ميكن أن تتفاعل أفكار علي عزت<br />

وأن تثمر"انتهى من مقدمة املترجم .<br />

وصدق فيما قال،‏ فالكتاب صعب جداً،‏ قد يستحيل أن<br />

تهضمه من أول قراءة،‏ فهو من الكتاب التي حتتاج إلى<br />

تكرار وإعادة .<br />

إال أن املرحوم عبدالوهاب املسيري قد ذلل لنا شيئاً‏ من<br />

صعوبة الكتاب،‏ إذ قد أتى على أفكار الكتاب وخلصها يف<br />

تقدميه،‏ فجعلها كاملمهدة واملوطئة ملا ستقرأه من أفكار عميقة<br />

حتتاج إلى تأمل،‏ وإلى أن حتملها على أحسن احملامل،‏ وقد<br />

تخالف بعضها أحياناً‏ أخرى .<br />

الكتاب فلسفي حتليلي،‏ فيه من روح اإلسالم،‏ وأقل من<br />

ذلك روحانية اإلسالم .<br />

اإلسالم بين<br />

الشرق والغرب<br />

تأليف:‏ علي عزت بيقوفيتش<br />

ترجمة:‏ محمد يوسف عدس<br />

يقع الكتاب يف 374 صفحة<br />

طبعة:‏ دار الشروق.‏<br />

مذكرات قارئ<br />

تأليف:محمد حامد األحمري<br />

يقع الكتاب يف 474 صفحة<br />

الناشر:‏ دار اخللود .<br />

ما هذا السِ‏ فر الباذخ!‏ خليقٌ‏ به أن يُعاد ويكرر،‏ مترعٌ‏ بالفوائد<br />

والعِ‏ بر،‏ إنه ملءُ‏ السمع والبصر.‏ جَ‏ مع األحمري بن جلدتي<br />

الكتاب تاريخاً‏ طويالً‏ من القراءة،‏ بثَّ‏ فيه أفكاراً‏ وجتارب،‏ حلوالً‏<br />

وتأمالت.‏ عُمُر من القراءة جتده طوع يديك.‏<br />

لكم متنيتُ‏ أن يُقدِ‏ م قُراؤنا الكبار على مثل هذا النوع من<br />

الكتابة عن جتاربهم مع القراءة والكتاب،‏ إذ هي من زكاة ما<br />

حصلوه من معارف،‏ وفيها منار للسالكن من بعدهم . ‏-حتدث<br />

املؤلف إجماالً‏ عن القراءة والكتب والكتابة وشخصية القارئ<br />

ووصايات ومتفرقات.‏<br />

‏-حشد املؤلف كمّاً‏ هائالً‏ من املقروءات يف كتابه هذا،‏ ووظفها<br />

توظيفا مناسباً،‏ وساقها يف أثناء استشهاداته على ما يريد،‏ وهذا<br />

النوع من الكتب أعني الذي يوظف املقروء من الكتب يف السياق<br />

نوعٌ‏ من الكتب نادرٌ‏ وعزيزٌ‏ .<br />

‏-يف الكتاب تكرار لذيذ غيرُ‏ ممل،‏ يوحي بأن املولف كتبه على<br />

أوقات متفاوتة .<br />

‏-املؤلف فيه جترد عند احلكم على الكتب واألفكار.‏ نعم توافقه<br />

وقد تخالفه لكنه جترد محمود ال يخضع ألي سلطة فكرية.‏<br />

‏-ذكر األحمري جملة من الكتب األجنبية املهمة التي لم تترجم<br />

إلى العربية حتى الساعة .<br />

يقع املؤلف يف أوهام قليلة جداً‏ عند ذكر أسماء الكتب<br />

واملؤلفن،‏ وهذا من طبيعة النقص البشري . ‏-لو كان لي من املال<br />

شيء لوزعت الكتاب مجانًا على القراء،‏ سيجدون فيه مرآة تعكس<br />

شيئا يشبههم.‏<br />

‏-ختم املؤلف كتابه بقائمة طويلة من الكتب التي يوصي بها،‏<br />

تقع يف ‎15‎صفحة.‏


53 52<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

فقه السيرة<br />

تأليف:محمد الغزالي<br />

يقع الكتاب يف 476 صفحة<br />

الناشر:‏ دار القلم .<br />

تتنوع كتب السيرة النبوية يف أسلوبها،‏ وروحها<br />

وطريقة عرضها،‏ خذ مثالً‏ ‏)نور اليقن يف سيرة<br />

سيد املرسلن(حملمد اخلضري بك،‏ يعتمد<br />

يف كتابه على السرد التاريخي . وأبو احلسن<br />

الندوي يف كتابه ‏)السيرة النبوية(يعتمد األسلوب<br />

األدبي . ومحمد الغزالي يف ‏)فقه السيرة(‏<br />

يرتكز يف عرضه على الروح العاطفية،‏ ناهيك<br />

عن األسلوب األدبي الرشيق،‏ والعرض املاتع<br />

اللذيذ،‏ وهذا ما يحفز إلى قراءة ما كتبه هؤالء<br />

األعالم يف سيرة محمد عليه الصالة والسالم،‏<br />

فكل منهم يتناول مواقف السيرة وأحداثها ‏-وإن<br />

تشابهت يف أصلها-بشكل مختلف،‏ فتكتشف يف<br />

كل مرة شيئا جديدا يضيفه إليك هذا املؤلف أو<br />

ذاك بحسب ميوله وتوجهه .<br />

والغزالي يف كتابه هذا أشبعه عاطفة نضاحة،‏<br />

محركة للقلوب الركدة،‏ واألنفس الهامدة نحو<br />

رجل عظيم جدُ‏ عظيم . كونوا مع محمد صلى<br />

اهلل عليه وسلم يف داخلة قلوبكم،‏ أحيوه يف<br />

نفوسكم.‏<br />

ومن امللفت اجلميل أن املؤلف بدأ بكتابة<br />

هذه السيرة يف املدينة املنورة،‏ ويا له من شعور<br />

متدفق يبعث على الكتابة وهو ينعم باجلوار<br />

الطيب .<br />

ستقرؤون سيرة مختلفة ..<br />

حكاية على منط قدمي من الكتابة صعب<br />

التناول،‏ دقيق العبارة،‏ ملّاح اإلشارة،‏ ال يكتب مثله<br />

إال أملعيٌ‏ عبقري .<br />

احلكاية متثل ما بعد شهرزاد،‏ وسكوتها عن<br />

الكالم املباح وخالص رقبتها من أن ينالها ظلم<br />

شهريار،‏ وافتراض الكاتب أن شهريار تزوجها بعد.‏<br />

هذه احلكاية ستروق ملن يحبون حكايات اجلن<br />

والعفاريت،‏ وكيف هم العبون عابثون ببني آدم،‏ خذ<br />

مثالً‏ صنعان اجلمالي،‏ وجد شياطن اجلن عليه<br />

مدخالً‏ من إميانه،‏ ولوال سذاجة خالطت إميانه ملا<br />

استطاع شيطان اجلن أن يصيّره إلى احلال التي<br />

وصل إليها . املؤمن ويفٌّ‏ مطيع مخلص أمن،‏ ومن<br />

هنا دخل الشيطان على صنعان اجلمالي . ال تأمن<br />

شيطاناً‏ أبداً،‏ إنسياً‏ كان أم جنياً،‏ وإن زعم أن يف<br />

طاعتك إياه خالصك وجناتك،‏ فهو غادر خائن .<br />

ستقرأ مزيجاً‏ من عبارات التصوف الرقيق،‏<br />

وخياالً‏ من قصة حب لم تكتمل،‏ وقتالً‏ محموماً‏ ال<br />

لغاية وال هدف،‏ وشيئاً‏ من اإلغراب واخليال .<br />

يف لفتة ذات معنى،‏ ابتدأ الكاتب احلكاية برحيل<br />

السندباد من البالد،‏ واختتمها بعودته،‏ وعقد لعودته<br />

فصالً‏ ضمّن يف العِ‏ بر واحلكم والتجارب أوردها<br />

على لسان السندباد.‏ وكأنه يلخص ما استفدته من<br />

احلكاية على لسانك أنت أيها القارئ السندباد .<br />

ليالي ألف ليلة<br />

جنيب محفوظ<br />

تقع يف 298 صفحة<br />

الناشر:دار الشروق .


ّ<br />

55 54<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

إعارة الكتب<br />

كتب بواسطة - د.‏ أشرف صالح محمد<br />

ashraf-salih@hotmail.com<br />

أحب املسلمون العلم وكرموا أهله،‏ وبذلوا يف سبيله أموالهم وراحتهم،‏ ورحلوا من أجله الرحالت<br />

الطويلة،‏ وبلغوا به أعلى املراتب.‏ وقد اهتم املسلمون بالكتاب اهتمامًا عظيمًا؛ تأليفًا ونسخً‏ ا<br />

وجتليدًا وحفاظً‏ ا،‏ فكتب التراث حافلة بقصص ونوادر وحكايات عن شغف املسلمن وحبهم للكتب<br />

وبذل كل ما ميلكون يف سبيل احلصول عليها،‏ وركوب الصعب يف الوصول إليها.‏ وبناءً‏ على هذا<br />

الشغف عرف املسلمون مسلك حضاري جميل وتعاملوا معه أال وهو ‏"إعارة الكتب"،‏ وال نعني هنا<br />

اإلعارة من املكتبات ودور العلم،‏ أو من الكتب الوقف،‏ إمنا نقصد إعارة الكتب من غير الدور<br />

املتخصصة يف هذا املجال مثل املكتبات اخلاصة،‏ ودكاكن الوراقن.‏<br />

فكرة اإلعارة:‏<br />

لقد أقبل العرب على اقتناء الكتب إقباالً‏<br />

منقطع النظير،‏ وأغلب الظن أن هذا ما دفع إلى<br />

ظهور فكرة إعارة الكتب إلتاحة فرصة القراءة<br />

ومطالعة الكتب لقطاع من طلبة العلم السيما<br />

الفقراء منهم ممَنْ‏ ال يجدون سعة يف أموالهم<br />

ينفقون بها على اقتناء الكتب أو استنساخها،‏<br />

لذلك جند يف كتب التراث أبوابًا تُرغب يف ذلك،‏<br />

منها مثالً‏ ما جاء يف كتاب ‏"اجلامع ألخالق<br />

الراوي والسامع"‏ ملؤلفه اخلطيب البغدادي،‏<br />

وكتاب ‏"جامع بيان العلم وفضله"‏ البن عبد البر<br />

القرطبي:‏ باب الترغيب يف إعارة الكتب/‏ باب<br />

كراهة حبس الكتب املستعارة عن أصحابها وما<br />

جاء يف األمر بتعجيل ردها إلى أربابها/‏ باب<br />

شكر املستعير للمُعير..‏ وغيرها من األبواب<br />

الشيقة.‏<br />

وقد حبذ العلماء إعارة الكتب ودعوا إلى<br />

بذلها للمستفيدين حتى يتمكنوا من االطالع<br />

واالستزادة يف العلم،‏ وكان القاضي وكيع يقول:‏<br />

‏"أول بركة العلم إعارة الكتب".‏ وقال ابن شهاب<br />

‏)ت.‏ ‎124‎ه(‏ ليوسف بن زيد،‏ إياك وغلول<br />

الكتب،‏ قال:‏ ‏"وما غلول الكتب..‏ قال حبسها".‏<br />

ورُوي أنَ‏ ‏ّه أتى أبا العتاهية أحد إخوانه،‏ فقال<br />

له:‏ أعِ‏ رْني دفتر كذا وكذا،‏ فقال أبو العتاهية:‏<br />

إنِّي أكرهُ‏ ذاك،‏ فقال له املستعير:‏ أمَا عَلِمْتَ‏ أنَ‏<br />

املكارمَ‏ موصولةٌ‏ باملكاره؟!‏ فدفع إليه الدَ‏<br />

آداب إعارة الكتب:‏<br />

ّ فتر.‏<br />

رأت جماعةٌ‏ من أصحاب الكتب احللَ‏<br />

إسداء النُ‏ ‏ّصح إلى املستعيرين علَ‏ ‏ّه يَردُ‏ ‏ّهم إلى<br />

اجلادَ‏ ‏ّة فينالوا بُغيتَهم ويحفظوا حقوق املُعِ‏ يرين،‏<br />

فأنشد احلسنُ‏ بنُ‏ علي لبعض أصحابه:‏<br />

ّ يف<br />

أيُ‏ ‏ّها املستعيرُ‏ مِ‏ نيِّ‏ كتاب ً ا<br />

اِرْضَ‏ لي منه ما لنفسك ترضى<br />

ال ترى ّ ردَ‏ ما أَعَرْتُك نفْالً‏<br />

وترى ّ ردَ‏ ما استعرْتُك فرضا<br />

وعلى حُ‏ سن الرّدِّ‏ ملا له من أثر حسن على<br />

دميومة تلك الفضيلة،‏ قال أبو محمَ‏ ‏ّد بنُ‏ نصرٍ‏<br />

السُ‏ ويدي:‏<br />

فإنْ‏ أعاروكَ‏ فاردُدْها على عجلٍ‏<br />

حتَ‏ ‏ّى تُعارَ‏ بال مَنْعٍ‏ وال نصبِ‏<br />

وهذه من آداب إعارة الكتب،‏ بأن يعيد املعار<br />

الكتب يف سرعة وعجل حتى ال يتضايق صاحبها<br />

ويضطر إلى حبسها إذا تأخروا يف إعارتها،‏<br />

فبسبب حبس الكتب املستعارة امتنع غير واحد<br />

من إعارتها.‏<br />

قال مُحَ‏ مَ‏ ‏ّدَ‏ بْنَ‏ خَ‏ لَفِ‏ بْنِ‏ املْ‏ ‏َرْزُبَانِ‏ :<br />

أَعِ‏ رِ‏ الدَّ‏ فْتَرَ‏ لِلصَّ‏ احِ‏ بِ‏<br />

إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ قَبِيحً‏ ا<br />

بِالرَّهْنِ‏ الْوَثِيقِ‏<br />

أَخْ‏ ذُ‏ رَهْنٍ‏ مِ‏ نْ‏ صَ‏ دِ‏ يقِ‏<br />

فهنا يطلب الشاعر املُعير أن يقبض رهنًا<br />

وهو يعلم بأنه أمر قبيح وال يقبله املجتمع من<br />

صديق،‏ ولكنه يرى يف ذلك الضمان الوحيد<br />

إلعادة الكتاب.‏<br />

وياقوت احلموي ‏)‏‎676‎ه(‏ الذي أنفق من<br />

عمره ثالث أعوام يف مدينة ‏"مرو"،‏ يذكر أنه<br />

سر كل السرور يف اإلقامة بتلك البلدة ملا يف<br />

أهلها من الرغد ولن اجلانب،‏ وحسن العشرة،‏<br />

وكثرة كتب األصول املتقنة بها.‏ ويضيف ياقوت:‏<br />

‏"ولوال ورود التتار إلى تلك البالد وخرابها ملا<br />

فارقتها إلى املمات ملا فيها من خزائن الوقف،‏<br />

وكانت الكتب سهلة التناول ال يفارق منزلي<br />

منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها<br />

مائتي دينار".‏<br />

والسمات احلميدة املطلوبة يف الرجل أن<br />

يكون متسامحً‏ ا يف إعارة كُتبه لطالب العلم،‏<br />

حتى أنهم أشاروا إلى ذلك عند ترجمتهم


57 56<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

لبعض األشخاص الذين عُرفوا بذلك،‏ حيث<br />

كانوا يعيرون طالبهم ويعينونهم بالكتب النفيسة<br />

دون تفرقة بن جمهرة الطالب.‏ ولعل وجوب رد<br />

الكتب واحملافظة عليها وإحسان ضيافتها بل<br />

إحسان استخدامها والشكر عند ردها،‏ كانت<br />

من أبرز النصائح التي حرص الكثيرون على<br />

التنبيه إليها ويف باب شكر املستعير للمُعير<br />

جند أن بعض شيوخ السلف قالوا:‏<br />

قَدْ‏ رَدَدْنَا إِلَيْكَ‏ أَصْ‏ لَحَ‏ كَ‏ ّ اهللَ‏ ُ<br />

وَرَأَيْنَاكَ‏ أَحْسَ‏ نَ‏ النَ‏ ‏ّاسِ‏ صَ‏ بْرًا<br />

مَعَ‏ ّ الشُ‏ كْرِ‏ مَا اسْ‏ تَعَرْنَاهُ‏ مِ‏ نْكَا<br />

وَاحْ‏ تِمَاال ملِ‏ ‏َا حَ‏ بَسْ‏ نَاهُ‏ عَنْكَا<br />

ويف احلقيقة؛ إن هذه الضوابط يف اإلعارة<br />

أو مبعنى أصح إجراءاتها إذا دلت على شيء،‏<br />

فإمنا تدل على مدى الرقي احلضاري يف ذلك<br />

الزمان.‏<br />

فوائد اإلعارة:‏<br />

من الطرائف أن القاضي أبا الوليد الكناني،‏<br />

إذا أعار كتابًا ألحد إمنا يتركه عنده بعدد<br />

ورقاته أيامًا ثم ال يسامحه بعد ذلك،‏ ويقول<br />

هذه الغاية إن كنت أخذته للدرس والقراءة فلن<br />

يغلب أحد حفظ ورقة كل يوم،‏ وإن أردته للنسخ<br />

فكذلك،‏ وإن لم يكن هذا وال هذا فأنا أحوط<br />

بكتابي وأولى برفعه منك.‏ ويكشف هذا املوقف<br />

على أمر مهم،‏ وهو السماح بنسخ الكتب عند<br />

إعارتها،‏ حيث يُسمح للمستعير أن ينسخ نسخة<br />

من الكتاب الذي استعاره،‏ وهذا غاية الكرم<br />

يف بذل العلم ودون مطالبة املؤلفن بأي حقوق<br />

تأليف.‏ فقد اقتضت ظروف العصر املتمثلة يف<br />

ضعف الوسائل املتاحة لنشر الكتب على نطاق<br />

واسع أن يتهافت طلبة العلم على الكتب النفيسة<br />

والنادرة،‏ رغبة يف استنساخها،‏ ومن الطريف أن<br />

أبا عبد اهلل بن أبي الفتح الصواف عبر عن<br />

هذا االجتاه يف بيتن من الشعر قال فيهما:‏<br />

يَا مُسْ‏ تَعِ‏ يرَ‏ كِ‏ تَابِي إِنَ‏ ‏ّهُ‏ عَلِقٌ‏<br />

فأنتَ‏ يف سعة إن كُنتَ‏ تَنسخهُ‏<br />

مبِ‏ ‏ُهْجَتِي وكذاك الكُتبَ‏ بِاملْ‏ ‏ُهَجِ‏<br />

وَأَنْتَ‏ مِ‏ نْ‏ حَ‏ بْسِ‏ هِ‏ يفِ‏ ضْ‏ يَقِ‏ احلْ‏ ‏َرَجِ‏<br />

وجتدر اإلشارة أخيرًا إلى أن البعض رأى<br />

عدم استساغة استعارة الكتب مع التمكن من<br />

شرائها أو استئجارها،‏ وهناك فريق من العلماء<br />

بخلوا بإعارة كتبهم ملكانتها عندهم،‏ وخلوفهم<br />

من فقدها وضياعها أو تلفها.‏ قال مسافرُ‏ ابنُ‏<br />

محمَ‏ ‏ّد البَلْخي:‏<br />

أجودُ‏ بِجُ‏ لِّ‏ مالي ال أُبالي<br />

وذلك أنَ‏ ‏ّني أفنيتُ‏ فيه<br />

وأبخلُ‏ عند مسألةِ‏ الكتابِ‏<br />

عزيزَ‏ العُمر أيَ‏ ‏ّامَ‏ ّ الشَ‏ بابِ‏<br />

وقد ذكرت املصادر أن القاضي الطارف<br />

‏)قاضي اجلامعة يف األندلس(‏ ال يُعير كتابًا<br />

من كتبه البتة،‏ وإذا سأله أحد ذلك وألح<br />

عليه،‏ أعطاه للناسخ فنسخه،‏ وقابله ودفع إلى<br />

املستعير.‏ وأنشد األميرُ‏ سعد منصور بن محمَ‏ ‏ّد<br />

العَاطِ‏ يَ‏ ، يقول:‏<br />

ال تَسْ‏ تَعِ‏ رْ‏ شيئن مِ‏ نِّي صاحِ‏<br />

أمَ‏ ‏ّا الكتابُ‏ فإنَ‏ ‏ّه لي مُؤنسٌ‏<br />

وسِ‏ واهُما فاطلُب تَفُزْ‏ بنجاحِ‏<br />

وإعارةُ‏ املركُوبِ‏ فهْوَ‏ جَ‏ ناحي<br />

المزهدون<br />

في القراءة!‏<br />

كُ‏ تب بواسطة - عبداهلل بن عمر @a_3mr<br />

من مفارقات عاملنا املثيرة للدهشة:‏ أن ترى<br />

قومًا من املثقفن،‏ يحقر أحدكم قراءته إلى<br />

قراءتهم،‏ وثقافته إلى ثقافتهم،‏ وتفكيره إلى<br />

تفكيرهم،فهم قومٌ‏ قد أخذوا من الكتب بحظ<br />

وافر،‏ ونهلوا من منابع املعرفة حتى تضلعوا،ثم<br />

بدا لهم مؤخرًا أن هذه القراءة جهد مهدور،‏<br />

وعمل غير صالح وال مبرور،‏ وأخذوا يزهّ‏ دون<br />

الناس يف القراءة قدر ما يستطيعون،‏ وينظرون<br />

إليها باستخفاف،‏ حيث يقول قائلهم:‏ ال تقرؤوا،‏<br />

وال تعلقوا اآلمال العراض على القراءة؛ فقد<br />

قرأنا قبلكم،‏ ووصلنا إلى نهاية السكة فوجدناها<br />

توصل إلى مفازة ال جدوى من السير نحوها!‏<br />

أعرف من هؤالء بضعة نفر،‏ عقولهم غير<br />

عادية،‏ ونتاجهم جميل،‏ وأسلوبهم أدبي رشيق،‏<br />

وكلهم قراء ‏-سابقًا-‏ على احلقيقة ال املجاز،‏<br />

وكلهم ميتلك مكتبة عامرة أنفق فيها العزيز<br />

من املال،‏ وسافر يف تكوينها إلى معارض الكتب،‏<br />

وبعضهم يؤلف،‏ ويدرب،‏ وينظّ‏ ر،‏ ويحلل!‏<br />

ومن احملتمل واملفهوم للغاية أن يأتي إنكار<br />

جدوى القراءة من لم يقرأ قط؛ فاملرء عدو ما<br />

جهل..‏<br />

ومن الطبيعي للغاية أيضً‏ ا..‏ أن تضغط احلياة<br />

بارتباطاتها ومشاغلها على املرء فتختفي القراءة<br />

من جدوله اليومي،‏ أو تتغير البيئة التي كانت<br />

حتفزه على املطالعة فيتخلى عن إلف الكتاب<br />

ومخادنة األسفار..‏ أو يجد يف وسائل أخرى<br />

أبوابًا للمعرفة أنسب له من القراءة،‏ أو تعاف<br />

نفسه رائحة الكتب،‏ فيتركها.‏<br />

لكن غير الطبيعي هو أن يناصب املرء الكتب<br />

العداء بعدما تخلى عن عاملها،‏ وأن يزعم أنها<br />

غير مجدية وال نافعة؛ كأنه لم ينبت حلم أكتافه<br />

من خيرها،‏ ولم يتذوق لذتها،‏ ولم يجدها ذات يوم<br />

شيئًا يستحق أن يصرف فيه املال،‏ وينصب ألجله<br />

البدن،‏ ويطيب معه السمر والسهر،‏ ولم تفتح له<br />

القراءة آفاقًا أرحب،‏ يف تفكيره ومنطقه،‏ وقلبه<br />

وروحه،‏ وعالقاته وعاطفته،‏ ووضعه االجتماعي،‏<br />

ورمبا رصيده البنكي!‏<br />

ال حرج على املرء أن يقرأ أو ال يقرأ،‏ أو أن<br />

يعود أميُّا من جديد إن أراد،‏ لكن ال يحسن<br />

باإلنسان أن يجحد فضل القراءة عليه حن<br />

يسوء ما بينه وبينها؛ فاملروءة تنكر ذلك..‏ كما<br />

أنه ال يحسن باملرء أن يجعل القراءة شيئا تافهًا<br />

يف عيون اآلخرين؛ فلآلخرين حقهم يف أن تكون<br />

لهم جتربتهم املختلفة،‏ وهم يف غالب األحيان<br />

سيصلون إلى نتيجة مختلفة عما وصل إليه<br />

القراء السابقون..‏ املزهدون يف القراءة.‏


59 58<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

وصايا<br />

قارئ عتيق<br />

كُ‏ تب بواسطة - أحمد عبداهلل الغزي @ahmed_alghizzi<br />

القراءةُ‏ ال حتتاجُ‏ إلى تقدميٍ‏ أو تزويق،‏ أو تبيانٍ‏ ألهميتها وقدرها.‏<br />

فمهما حبّرنا األوراق ألجلها فلن نزيدها رفعةً،‏ ولن نضيفَ‏ لها فضالً‏ .<br />

فقد أخذت ما يكفي وزيادة حن افتتحَ‏ اهلل - سبحانه - بها معجزتهُ‏<br />

الكبرى ( القرآن الكرمي (. وحن كانت أول ما ألقى األمنُ‏ " جبريل "<br />

على صدرِ‏ سيد البشر محمد عليه الصالة والسالم.‏ قال لهُ‏ ( اقرأ(‏<br />

، لتكون مرتبة القراءة بعدها ال تعدلُها مرتبة،‏ وال ميُ‏ اثلُها شرف.‏<br />

اقرأ .. فالقراءةُ‏ مفتاحُ‏ العلم.‏ ( الذي علّم بالقلم * علّم االنسان<br />

ما لم يعلم )<br />

وعليه،‏ فلن نتطرقَ‏ لهذا اجلانب يف قادمِ‏ احلديث،‏ بل سيكونُ‏ بوحً‏ ا<br />

خالصً‏ ا من قارئٍ‏ عتيق للطارئنَ‏ يف هذا املجال.‏ تتمازجُ‏ فيه عُصارةُ‏<br />

اخلبرة مع قليلٍ‏ من وجهاتِ‏ النظر.‏ هي وصايا ملن أراد االستفادة<br />

منها،‏ وملن رأى أن فيها ما يُفيد،‏ أُقدّمُها لكم على ثالثة محاور:‏<br />

ماذا نقرأ؟ .. وكيف نقرأ؟ .. وأين نقرأ؟<br />

فلنبدأ،‏ وعلى اهلل االتكال.‏<br />

- ماذا نقرأ؟<br />

نوّع قراءتك،‏ واسلُك يف القراءةِ‏ سُ‏ بُالً‏ فجاجً‏ ا،‏ وال تلزم جانبًا واحدًا<br />

وتُكثر القراءة فيه زاعمًا أنك ستُحققُ‏ ما تصبو إليه من القراءة.‏ كُن حُ‏ رًا،‏<br />

مُنطلقًا،‏ وال تُقيّد نفسك بقيودٍ‏ صنعتها ذائقتك التي لم تربو بعد.‏ وتذّكر أنك<br />

تقرأُ‏ لتُنيرَ‏ عقلك،‏ وتُزيح بعضً‏ ا من رُكام اجلهلِ‏ الذي يُطبقُ‏ على تفكيرك،‏<br />

ولتُنمي معرفتك،‏ فالكلمة التي تقرأُها تظلُ‏ تدُقُ‏ بإزميلها لتحفر لها مكانًا يف<br />

رأسك؛ لتزيد علمًا،‏ أو لتسُ‏ ّ دَ‏ نقصً‏ ا،‏ أو لتُقّوم خلالً‏ ، أو تُزيح جهالً.‏<br />

األدبُ‏ سبعةُ‏ أبحر،‏ والكلمات قطراتُها،‏ واملعاني صيد،‏ والقراءةُ‏<br />

صنارتُكَ‏ التي عليك أن حتُ‏ سنَ‏ أين ترميها.‏ وإياكَ‏ وركوب السهل،‏<br />

فالنفائسُ‏ ال تكونُ‏ إال يف عرضِ‏ البحرِ‏ ، أو يف األعماق،‏ دونها خرطُ‏<br />

القتاد.‏ اركب الصعب،‏ وانطلق لها تاركًا ما على الساحل للمتقاعسن


61 60<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

العاجزين واملكتفن بتجميع األصدافِ‏ والقواقع من<br />

املياه الضحلة.‏<br />

األدبُ‏ كينونة،‏ والكلمةُ‏ جسد،‏ واملعنى روح،‏ والتوازنُ‏<br />

مطلب،‏ فالكلمةُ‏ اجلميلة اخلاليةُ‏ من املعنى هي جسدٌ‏<br />

جميل ال حياةَ‏ فيه.‏ واملعنى العميق الذي ال تُبرزهُ‏ ألفاظٌ‏<br />

جميلة،‏ هو روحٌ‏ راقية يف هيئةٍ‏ قبيحة!‏<br />

انتقِ‏ من تقرأ لهُ‏ بدقة،‏ واحذر من الكتّاب<br />

املُستَنسخن،‏ هؤالء املتشابهن أسلوبًا،‏ وتوجهًا،‏<br />

وأفكارًا . ابتعد عنهم،‏ ثم ابحث عن الكاتب املتفرد<br />

بنفسه،‏ املتميز بأسلوبه،‏ املختلف عن غيره،‏ ذاك<br />

الذي يُدخلُك يف أفالكٍ‏ من األلفاظ لم تعهدها،‏<br />

وينيرُ‏ لكَ‏ دياجيرَ‏ املعاني التي لم تكُ‏ تعيها أو<br />

تُدركُ‏ كنهها.‏ أنتَ‏ لست بحاجةٍ‏ أن تقرأَ‏ لعشرةٍ‏<br />

منهم يتحدثون عن ( احلُبِّ‏ ) مثالً‏ بذات الطريقة،‏<br />

وبنفس األسلوب،‏ ومن الزاوية عينها.‏ يكفيكَ‏ منهم<br />

واحدُ،‏ ثم ابحث عن آخرَ‏ يُنبئُكَ‏ أن احلب والكراهية<br />

وجهانِ‏ لعملةٍ‏ واحدة،‏ وثالثٍ‏ يتوقُ‏ إلقناعكَ‏ بأن<br />

احلب مفتاحٌ‏ للرذيلة،‏ ورابعٍ‏ يهُزكَ‏ بعُنفٍ‏ لتستيقظَ‏<br />

وتُدركَ‏ أن احلبَ‏ مضيعةٌ‏ للوقت ليس إال!‏<br />

أعجبُ‏ ممن يسأمون من الطعامِ‏ الواحد،‏<br />

والشرابِ‏ الواحد،‏ واللباسِ‏ الواحد،‏ وال ميّلون من<br />

العباراتِ‏ واألساليبِ‏ واألفكارِ‏ واملعاني الواحدة!‏<br />

للعقلِ‏ ذائقةٌ‏ أيضً‏ ا متلُّ‏ وتسأم،‏ وترنو للجديد<br />

املختلف،‏ ولو كان أقلَ‏ جودةٍ‏ أحيانًا،‏ فاالختالفُ‏ قد<br />

يصنعُ‏ لذته،‏ ويُضفي عليهِ‏ نكهةً‏ مميزة.‏<br />

- كيف نقرأ؟<br />

مشكلة القراءة أنها بذاتها عصيّة،‏ جامحةٌ‏ كاملُهرة<br />

التي لم تُعسف بعد،‏ كلما أقبلتَ‏ عليها جتدُها قد<br />

فرت منك،‏ وكلما بدأت فيها جتدُ‏ نفسكَ‏ قد مللت،‏<br />

أو لم جتد تلك املتعة التي يتغنى بها اجلميع عندك.‏<br />

هل يبالغون؟ .. وهل القراءةُ‏ ممتعةٌ‏ حقًا؟ ..<br />

وأين هذه املتعة ال أجدُها؟<br />

هل أتخذُ‏ القراءةَ‏ " واجبًا " يوميًا،‏ أم أجلأُ‏ إليها<br />

كمُتنفس من أعباءِ‏ احلياة؟<br />

وإن كانت مُتنفسً‏ ا،‏ فلمَ‏ ال أجدُها كذلك؟ .. هل<br />

العيبُ‏ يفَّ‏ أم فيها؟!‏<br />

احلقُ‏ أنه ال هذا وال ذاك.‏ كُلُّ‏ ما يف األمر أن<br />

البدايات عسيرةٌ‏ دومًا،‏ وكلُّ‏ أمرٍ‏ يف أولهِ‏ شاقٌ،‏<br />

يلزمُكَ‏ الصبر،‏ فعلى قدرِ‏ املشقة يكون الظفر،‏<br />

واالنتصارات الكبرى ال تتأتى إال بالكدِّ‏ والتحمل.‏<br />

هذا يف البدايةِ‏ فقط،‏ ثم سُ‏ رعان ما يتغير احلال<br />

حن تبدأُ‏ يف " تعلم " القراءة،‏ فهي " مهارةٌ‏ " قبل أن<br />

تكونَ‏ هواية،‏ ولها قواعدُ‏ وآداب يجبُ‏ احترامها كي<br />

تصل بها ومعها إلى وفاق.‏<br />

وهي كالسباحة،‏ كلما تعلمها املرءُ‏ يف سنٍ‏ أصغر<br />

كانت عليهِ‏ أسهل،‏ وباتت مالزمةً‏ لهُ‏ طوال حياته،‏<br />

وكلما طالت مالزمتهُ‏ لها انتقلت إلى مستوىً‏ أعلى<br />

فأصبحت " عادة " ميارسُ‏ ها املرء تلقائيًا،‏ ويف أي<br />

مكان،‏ وعلى أية كيفية،‏ وبدونِ‏ قيود أو شروط،‏ وبال<br />

مللٍ‏ وال سأم،‏ بل يشعرُ‏ عند عدم ممارستها كأن<br />

هناك أمرًا ناقصً‏ ا،‏ ويصبح مُرتابًا منزعجً‏ ا كالذي<br />

نسيَ‏ شيئًا خلفهُ‏ لكنهُ‏ ال يعرف ما هو.‏<br />

عندما تصلُ‏ إلى أن تعتادَ‏ القراءةَ‏ فأنت من<br />

احملظوظن،‏ فكلُ‏ أبوابِ‏ املعرفةِ‏ قد أُشرعت أمامك،‏ وما<br />

عليك إال أن تعبَّ‏ من كنوزها حتى متتلئ جيوب عقلك.‏<br />

القراءةُ‏ قد يبدأها فيك " الفضول " أو " التقليد<br />

"، لكن ال يهم،‏ املهم أن بذرتها قد أوجِ‏ دَتْ‏ يف<br />

أعطافك،‏ يبقى عليك أن تنميها،‏ حتى تصل بها<br />

أن تصبح جزءًا ال يتجزأُ‏ من شخصيتك،‏ وفرضً‏ ا ال<br />

يُهملُ‏ من فروض يومك.‏<br />

واحرص عند البدء أن ال تظلمَ‏ نفسك بقراءةِ‏ ما<br />

ال تفهم،‏ أو ما ال حتُ‏ ب،‏ فأنت هكذا تُضيفُ‏ حلملكَ‏<br />

حمالً‏ آخر،‏ وتُصّ‏ عبَ‏ األمر عليك أكثر،‏ فعظمُكَ‏ يف<br />

القراءةِ‏ ال زال طريًا،‏ وعودُكَ‏ لم يشتدَّ‏ بعد.‏ وبالعودة<br />

لتشبيه القراءة بالسباحةِ‏ الذي ذكرناهُ‏ سابقًا نقولُ:‏<br />

بأن تعليم السباحةِ‏ ال يكونُ‏ بإلقاءِ‏ املتعلمِ‏ يف البحرِ‏<br />

فجأةً،‏ بل يُدربُ‏ قبالً‏ يف املياهِ‏ التي ال تُغرق،‏ وحن<br />

تقوى ساعداه،‏ وتزدادُ‏ ثقتهُ‏ بنفسه،‏ ويعرفُ‏ كيف<br />

يُالعب املاء ويسايره،‏ يتعمقُ‏ رويدًا يف أعطافِ‏ البحر.‏<br />

لذا فمن األحوطِ‏ أن تبدأ بالقراءةِ‏ مبا تهوى وحتُ‏ ب،‏<br />

لكي يكون التشويق واإلثارة دافعن إضافين يذهبانِ‏<br />

بكَ‏ قُدمًا.‏ وملّا جتتاز هذه اخلطوة،‏ وتصعدُ‏ الدرجة<br />

األولى يف سُ‏ لمِ‏ القراءة،‏ وتزولُ‏ رهبة البدايات،‏ وتضعُ‏<br />

قدمًا ثابتةً‏ يف هذا الطريق،‏ عندها،‏ وعندها فقط<br />

جتاوز بنفسك لقراءةِ‏ ما ال تهوى،‏ وما ال تشتهي من<br />

املوضوعاتِ‏ واألفكار،‏ عطفًا على أن القراءة ليست<br />

للمتعةِ‏ بالدرجةِ‏ األولى،‏ بل الفائدةُ‏ أولى،‏ وأصلُ‏<br />

الفائدةِ‏ يأتي من قراءةِ‏ ما جتنبتهُ‏ سابقًا من علومٍ‏<br />

ومعارف،‏ أو ما لم تتطرق له بالكلية.‏ وحن توطنُ‏<br />

نفسك على القراءةِ‏ يف املجال الذي ال تهواه،‏ وحن<br />

تُفرّقُ‏ بن القراءةِ‏ ( كوسيلة ) وبن ما يُقرأ ( كهدف(،‏<br />

وحن تستمتعُ‏ بالوسيلة لذاتها حتى ولو ارتبطت<br />

بهدفٍ‏ ال يروقُ‏ لك كثيرًا؛ فمبروك،‏ لقد أصبحت<br />

قارئًا محترفًا.‏<br />

- أين نقرأ ؟<br />

- حن أوشكَ‏ " جُ‏ بران " على املوتِ‏ يف منفاه،‏<br />

أوصى من حولهُ‏ أن يدفنوه يف مكتبتهِ‏<br />

بلبنان.‏ مكتبتهُ‏ التي اعتزلَ‏ الناسَ‏ طويالً‏ وجلأ<br />

إليها.‏ ليقرأ ويكتُب،‏ ويتأمل،‏ وليخلو بنفسهِ‏<br />

وعقلهِ‏ بعيدًا عن ضجيجِ‏ البشر.‏ وقد كان،‏<br />

فوضِ‏ عَ‏ جسدهُ‏ بن كُنبه،‏ لتصبح بعدها تلك<br />

( املكتبة الصومعة ) من أهم مزارات لبنان<br />

السياحية -<br />

مكتبتُكَ‏ هي مُستقرُكَ‏ ومستودعك،‏ وهي<br />

صومعتُك.‏ قد أقمتها بنفسك،‏ وبنيتها مبالك،‏<br />

وصنعتها على عينك.‏ جمعتَ‏ فيها عقول صفوة<br />

البشر،‏ وبعض مشاعرهم وصففتها جنبًا إلى جنبٍ‏<br />

على رفوفٍ‏ متساوية.‏<br />

املكتبة واحةُ‏ نخيلُها الكتب.‏ املكتبةُ‏ كونٌ،‏ والكتبُ‏<br />

أفالكٌ‏ وكواكب.‏<br />

املكتبةُ‏ صرحُ‏ والكتبُ‏ طوب.‏ املكتبةُ‏ كُلٌّ‏ ، والكتبُ‏<br />

أجزاء.‏<br />

املكتبةُ‏ جنةٌ،‏ أنت ساكنُها الوحيد،‏ والكتبُ‏ زخرف.‏<br />

عامل مكتبتك وكأنها أحد أبنائك،‏ راعِ‏ ها وتعهدها،‏<br />

وال تبخل عليها.‏ واجعلها تنمو أمام ناظريك،‏ تكبرُ‏<br />

وتكبرُ‏ فرحتُك بها،‏ تنمو وتنمو آمالُكَ‏ فيها.‏<br />

احذر أن تُعاملَ‏ الكتب فيها ك ( مجموعةِ‏ أوراقٍ‏<br />

جُ‏ مِ‏ عتْ‏ مع بعضها ثم غُلِفتْ‏ (، الكتابُ‏ وديعةٌ‏ من<br />

كاتبهِ‏ قد وضعها عندك،‏ والودائعُ‏ حقيقٌ‏ بها أن<br />

حتُ‏ فظ.‏ وهو بعضٌ‏ من مؤلفه،‏ من أفكاره،‏ ومشاعره،‏<br />

وجتاربه،‏ وخبراته.‏ وكلُّ‏ هذا ال يليقُ‏ بهِ‏ إال أن يُصان<br />

يف أكثر زوايا بيتك قُدسيةً،‏ وأكثرُها قيمة.‏<br />

لكن تذكر دائمًا أن العبرةَ‏ هنا بالكيف ال بالكم،‏<br />

فالكتبُ‏ تُقاسُ‏ مبا فيها ال بحجمها أو بعددها ( إال<br />

يف عن من اقتناها تفاخُ‏ رًا ، أو ليلتقط صورًا معها،‏<br />

فالعددُ‏ مهمٌ‏ هُنا(‏<br />

لذا ال تقتني مائة كتابٍ‏ حتملُ‏ نفسَ‏ األفكارِ‏<br />

واملوضوعاتِ‏ ، ثم تقولُ‏ يف نفسك:‏<br />

لي مكتبةٌ‏ غنية!‏ .. بل هي فقيرة،‏ ضئيلة،‏ ولو<br />

كانت أرففهاتنوءُ‏ مبا عليها من كتب.‏ وتذكر أن<br />

الطعامَ‏ الواحدَ‏ ال يُغذي جسمك ولو أكثرتَ‏ منهُ‏<br />

حتى سَ‏ مِ‏ نتْ‏ !<br />

القراءةُ‏ غذاءٌ‏ للعقل،‏ فنّوع طعام عقلكَ‏ لتُغذيه،‏<br />

ولتُنميه،‏ ولتتفتح مداركهُ،‏ وليكونَ‏ بصحة جيدة،‏<br />

وكما حتُ‏ ب.‏<br />

وإياكَ‏ و)‏ ثقافة القطيع ) عامةً‏ ويف األدب خاصة،‏<br />

فأنت حن تقتني كتابًا ألن جميعَ‏ من حولك قد<br />

اقتنوه فتلك مصيبة.‏ وإن اقتنيتَ‏ كتابًا بدافعٍ‏ من<br />

شُ‏ هرةِ‏ كاتبه وعدد متابعيه يف مواقع التواصل فتلك<br />

كارثة.‏ وإن اقتنيتَ‏ كتابًا بأعنٍُ‏ مغمضة،‏ وبدون أن<br />

تُكّلفَ‏ نفسك عناءَ‏ فتحهِ‏ وتقليبَ‏ صفحاته واالطالع<br />

على محتواه فهذهِ‏ مأساة!‏<br />

سر بعيدًا عن هذا القطيع،‏ واسبح عكس التيار<br />

الذي قد يقودكَ‏ للمنحدر،‏ وكن أنت وال تكن صورةً‏<br />

لغيرك.‏ وإن شئت؛ فقّلد من شئتَ‏ يف اللباسِ‏ وطريقةِ‏<br />

املشي والكالم وغيرهم،‏ لكن احذر أن تُقّلدَ‏ أحدًا يف<br />

قراءاتك،‏ كي ال يكون عقلُكَ‏ نُسخةً‏ مُشوهةً‏ عن عقله.‏


63 62<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

إنهم أصحابي<br />

فأروني ماذا فعل<br />

بكم صحبكم<br />

كُ‏ تب بواسطة - سمية علي _B221_@<br />

وكأني أود لو أكون العاشق الوحيد والويفّ‏ لها.‏<br />

كيف ملتكبرٍ‏ على أحزانه مثلي أن ينكب<br />

على وجهه يف خَلوة ليالء؟!‏ خُذ بأصابع الضوء<br />

النحيلة مني وهيّا لنغير صيغة التساؤل،‏ ملا هو<br />

أهل له:‏ من أنا لوال الكتب؟<br />

نعم،‏ أنا وبكامل تلك العنجهية أصيح مثل<br />

فتى مخبول مسرفًا يف نحيبي بأنني ال شيء<br />

يُذكر لوال صفحات يفوح منها عبير العبرات،‏<br />

وحلو األفكار،‏ ناهيك عن تلكم األصوات التي<br />

تندمج مع قلبي دقة إثر دقّة،‏ وأنا أقلب بن<br />

الفكرة والفن،‏ وهذا اجلمال املسدول بن<br />

صُ‏ فيحات ودُول من الكراكيب القيمة جدًا،‏<br />

واملُلهمة جدًا والقاسية نادرًا.‏<br />

أعني بتلك القسوة التي تأخذ مني ثأرها<br />

وهي مصفوفة أرقبها وأمنّي نفسي بأن ال<br />

أغادر هذه احلياة وقلبي لم يستشفها بعد<br />

وتلك التي عهدت أن أقرأها مرارًا منهول<br />

جمالها ولم أُعاودها،‏ تلك القسوة التي لطاملا<br />

تُشعرني بحزن مُترف يجعلني أنام وأنا أضم<br />

كتابي اجلديد وعيناي قد انغلقت على األخرى<br />

وهي تعاتبني مبا عهدتها.‏<br />

إنهم أصحابي وشأني بهم شأن ذلك السامع<br />

الطروب التي تطربه نغماتهم وتسحره أخرى،‏ آه<br />

ما أعذب رائحتها!‏ وما ألذّ‏ طعمها!‏ وال أُخفيكم<br />

غبطتي وغيرتي حال اندثار الكتّاب غزالً‏ بها<br />

خُ‏ ذ ما شاكست به املمثلة العظيمة ‏"ليف<br />

أوملان"‏ يف أحد مذكراتها تقول:‏ ‏"لطاملا اعتبرت<br />

الكتب كائنات حيّة بعد أن صادفت مؤلفن<br />

بارعن غيروا حياتي قليالً‏ ، فبينما أمرّ‏ بفترة<br />

ارتباك ما أبحث عن شيء ال أستطيع حتديده،‏<br />

إذا بكتاب معن يظهر ويتقدم مني كما يفعل<br />

الصديق،‏ يحمل بن دفتيه األسئلة واألجوبة<br />

التي أبحث عنها".‏<br />

إننا نحن معشر املُتيّمن،‏ نقاتل ألجلها<br />

قتاالً‏ على احلبّة والنسمة والذرّة والهبوة،‏ وهي<br />

تفتدي بنفسها دومنا أن تسأل.‏<br />

ما أحناها بقلبي وقلبك!‏ أما عزمت أن تعقد<br />

نكاحها؟ وتتوسد صفحاتها وتنهال على خيراتها<br />

وتُصافح محاسنها ؟!‏ أما استفهمت استنجاد<br />

الشعراء بها وانسالخ أبي الطيب من نرجسيته<br />

وهو يحنو ويهتف ويهمس:‏ ‏"وخير جليس يف<br />

الزمان كتاب"!!‏<br />

ذلك العشق املفرط ما كان حقبة زمنية<br />

سُ‏ لطت عليها أضواء اإلعالم أو تشعبطت عليها<br />

أقالم الصحافة،‏ بل إنه ترابط أزلي وكل قلب<br />

قد عاش معها سيعلم متامًا مقصودي من تلك<br />

القداسة.‏<br />

ال أنسى أبدً‏ ا لقائي األول بها حيث عقدت<br />

العزم متامًا على أال أنفك عنها وإن عزفت<br />

أطوارًا وكأنها ألبستني متائم تعيذني من أن<br />

أرتفع بحب غيرها حيث أن كل حب سواها رهن<br />

السقوط.‏<br />

كانت أولى رحالتي مع الكتب يف الصف<br />

اخلامس كنت حينها قد استعرت من املكتبة<br />

املدرسية كتابًا من النوع القصصي،‏ لم أكن<br />

أشعر بالقراءة مقابل شعوري وكأنه يتحدث<br />

إليّ‏ ، ذلك اللقاء األول،‏ جرني يف بحر املعاني<br />

وأصبحت تطربني الكلمات وأحلو بتذوق<br />

العبارات على الرغم أنه لم يكن مستواي<br />

الدراسي يف األدب والنصوص جيّدا،‏ حيث كنت<br />

أجد صعوبة يف احلصول على العالمة الكاملة،‏<br />

رمبا كان السبب أن الوقت يذهب وأنا أسائل<br />

نفسي يف فهم النصوص أكثر من حفظها،‏ فكان<br />

يهمني جدًا الوصول لشعور الكاتب حاملا كتب<br />

هذا النص وما هو نوع احلزن الذي اعتصره<br />

أكثر من أنني أحفظ ملجرد اإلجابة على:‏<br />

‏)أكملي القصيدة ..(.<br />

كان أكثر ما يواجهني ويستصعب علي هو<br />

كيف لي أن أشرح جمال الكتب ملن ال يعرفها،‏<br />

كنت أشعر بضيق ميتطيني ويثقل علي وكأنني<br />

مسؤولة عن هذا األمر وواجب أدبيّ‏ يف هذه<br />

احلياة التي تعجّ‏ كثيرًا بأشياء أخذت قيمتها<br />

أكثر مما يُستحق وتركت هذا النور.‏<br />

أنا ال أعلم ماهيّة املشاعر التي جتتاحك<br />

وأنت تقرأ هذه املقالة،‏ أهي حماسة تطير بك<br />

ألقرب مكتبة؟ أو رحتَ‏ تركض مفتشً‏ ا إن كنت<br />

متلك شيئًا من هذا الكنز؟ وإن كنت قد عزمت<br />

على ذلك حقًا فأنا راجيةً‏ منك رجوى صغيرة<br />

يا صديقي:‏<br />

‏»حذار من أن ترغم نفسك على قراءة ما<br />

ال تُطيق وحتب ومتيل،‏ فما تقرأه يشعر مبا<br />

تُرسله إليه وسيُقابلك بالنفور وستشعر حينها<br />

أن القراءة مملة،‏ اختر من الكتب ما جتد بأن<br />

الكثير من داخلها يلتقي بالكثير من داخلك،‏<br />

فاألمر جتاذُب والتفاف وشغف أكثر من كونه<br />

قراءة فحسب«.‏


65 64<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

من حيث<br />

ال أدري .. افترقنا<br />

كُ‏ تب بواسطة - ندى عصام احلميدان<br />

@Nadalhumaidan<br />

نهارٌ‏ بارد،‏ رغم الشمس الدافئة.‏<br />

مستلقٍ‏ على األرض يف شُ‏ رفتنا املتواضعة،‏<br />

تارةً‏ أتأمل غيوم السماءِ..‏ وأخرى أتأملها<br />

وهي جالسةٌ‏ على مكتبها تتصفح مجلةً‏ ما.‏<br />

تركتْ‏ عرشها إلعداد الغداء،‏ تساورني فكرةٌ‏<br />

ما!‏<br />

بودّي لو أعلم ماذا تتصفح طيلةَ‏ هذه األيام،‏<br />

زادت هذه العادة يف األيام األخيرة.‏<br />

أأسترُق النظر؟ قليالً‏ ، لن يضر!‏<br />

أجلس على املكتب،‏ أشعر بهيبَة املكان..‏<br />

أبتسم.‏<br />

تصفحتُ‏ سريعًا بعض املجالتِ‏ واألوراق..‏<br />

ال مُلفت فيها سوى أنها أدبيّة!‏<br />

وهذا جانبٌ‏ لم أعرفه عنها مطلقًا،‏ تفاجأت!‏<br />

كنت أعتقد بأن الفتيات ممن لديهن ميلٌ‏<br />

لألدبِ‏ يؤثر ذلك تلقائيًا على روتينهن يف احلياة،‏<br />

تفكيرهن،‏ ذوقهن يف ارتداء املالبس.‏<br />

لذلك كانت هي بعيدةٌ‏ متامًا عن هذا التصور!‏<br />

لديها أسلوبها اخلاص يف احلياة،‏ مزعجة<br />

حتب األلوان الصارخة،‏ ويبدو أن هذا الوصف<br />

يكفي،‏ فبرغم ما هي عليه إال أنّي أحببتها.‏<br />

حسنًا..‏ قُبِض علي باجلرم املشهود:‏<br />

‏-ما الذي تفعله؟ أليست هذه الزاوية ضمن<br />

اخلطوط احلمراء يف هذا املنزل!‏<br />

‏-نعم أعلم،‏ ‏-يهمس-إضافةً‏ للمطبخ.‏<br />

‏-ما الذي قلته؟<br />

‏-آه ال شيء،‏ فقط.‏ أتساءل:‏ لمَ‏ يكمن هذا<br />

املكان ضمن خطوطك احلمراء؟<br />

‏-ماذا!!‏ ألن حتترم خصوصيتي يف هذا<br />

املنزل!‏ نعم صحيح .. نتشارك يف حياتنا ولكن<br />

ليس لهذه الدرجة!‏<br />

‏-هوّني عليكِ‏ ! ما الذي يدعو لكل هذا<br />

ا لغضب ؟<br />

‏-أنت تعلم..‏ يبدو بأنّ‏ أمرًا ما لفت انتباهك<br />

هنا.‏<br />

‏-اجلانب األدبيّ‏ منكِ‏ ؟ باهللِ‏ عليك أمتزحن؟<br />

‏-أيّ‏ مزاح؟ املوضوع جدي.‏ لم كل هذا<br />

االستغراب!‏<br />

‏-لم أعلم بأنكِ‏ متيلن لهذا اجلانب،‏ أخْ‏ فيتهِ‏<br />

جيدًا..‏<br />

باإلضافة أنه لستُ‏ أنا املالم هنا!‏


67 66<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏-من إذًا!‏ أنا؟ ألنني أخفيته!‏<br />

‏-رمبا،‏ أنتِ‏ تعلمن أنني مهتم يف هذا املجال..‏<br />

فلم أخفيته؟<br />

‏-إخفاؤه ليس باألمر اجللل،‏ معتقداتك هي<br />

املشكلة.‏<br />

‏-أيّة معتقدات؟<br />

‏-ههه تضحكني!‏ هل تعتقد بأن ثالث سنوات<br />

قضيتها معك ستذهب هباءً‏ منثورًا؟ أعرف طريقة<br />

تفكيرك وإن حاولت حَ‏ جبها.‏ ومبا أنّك مهتمٌ‏ باألدبِ‏<br />

قد يكون هذا من األسباب التي جعلتك أنيقًا يف<br />

مظهرك،‏ تأخذ التفاصيل الصغيرة يف عن االعتبار،‏<br />

وعممّت بدورك هذه القاعدة على اجلميع.‏<br />

‏-أنتِ‏ مخطئة،‏ العديد من الفتيات كنّ..‏<br />

تقاطعه:‏<br />

‏-ال تتباهى بتجاربك أمامي!‏ احذر،‏ فلستَ‏ أهالً‏<br />

لتكون حَ‏ كمًا تقارن بيننا!‏<br />

‏-آسف.‏<br />

تكن لتحمل مشاعر احلب جتاهي،‏ لتُكلِلَها بالزواج،‏<br />

لم عندما وصل األمر عند األدب.‏ قررت الفصل<br />

بيني وبينه؟ سؤال يستحق اإلجابة،‏ صحيح؟<br />

طلبت اإلذن للخروج من املنزل،‏ وتُركت أنا<br />

لوحدي أمللم ما بعثرته يفّ‏ إثر هجومها غير املتوقع.‏<br />

بعد ساعةٍ‏ ونصف من الهدوء الذي باغت املكان،‏<br />

رنّ‏ جرسُ‏ املنزل وإذا بعاملٍ‏ للتوصيل خلفه.‏<br />

استلمتُ‏ الطرد وفتحته وإذا به طبقٌ‏ من احللوى<br />

كُتب عليه:‏<br />

مباركٌ‏ تألقك يف ذكرى إصدارك األول.‏<br />

باإلضافةِ‏ إلى مجموعة مستندات التي ما إن<br />

تصفحتها ندِ‏ مت ومتنيتُ‏ بأنني أستطيع إصالح ما<br />

ارتكبت!‏<br />

كانت حتتوي على نُسخٍ‏ من رسائل ونصوصٍ‏<br />

أدبيّةٍ‏ قد أُرسلت إلي طوال ثالث سنوات..‏ كنتُ‏<br />

أتلهّف الستالم الرسالة أو النص القادم،‏ فقد اعتاد<br />

صاحبها أن يرسلها إليّ‏ بانتظام كل أُسبوع،‏ تعجّ‏ بت<br />

حينها من إتقانه فيما يكتب.‏<br />

بيبلومانيا!‏<br />

‏-ثمّ‏ ما عالقتي بهنّ!‏ ألم أكن دومًا مختلفة؟<br />

شاذة عن القاعدة؟!‏<br />

‏-أنتِ‏ على حق أغفلتُ‏ هذا اجلانب..‏<br />

‏-ال..‏ لم تُغفله،‏ بل تتجاهله.‏<br />

‏-من قال ذلك؟<br />

‏-أنا يا سيّد!‏ هل من اعتراض؟ حتُ‏ بني نعم،‏<br />

ولكنك دائمًا ما تراني غير الئقة ألقف بجانبك يف<br />

حفل توقيع كتابٍ‏ أصدرته،‏ أو أمسيةٍ‏ شعريةٍ‏ دُعيت<br />

إليها،‏ وأيضً‏ ا..‏ هل سبق وأن كتبت نصً‏ ا يخصني؟ أو<br />

عبارةً‏ تُهديها إليّ‏ ؟ أنت تتفنّ‏ فيما تكتبه ملعجباتك<br />

لكن حن يصل األمر لي،‏ غير مهم!لم جعلت األدبَ‏<br />

حكرًا على الفتياتِ‏ األنيقات اجلميالت،‏ وغيرهن<br />

سلَبت هذا األمر منهن؟ ليس األمر أنني أرى نفسي<br />

غير جميلة أو غير ذلك!‏ أعلم بأنه باستطاعتي<br />

أن أبدو كذلك..‏ ولكنني غير مهتمة!‏ هل هو أمر<br />

خاطئ!‏ يف املقام األوّل إن لم أكن جميلةً‏ بعينك،‏ لم<br />

واآلن بعد كل هذه الفترة،‏ اتضّ‏ ح بأنها هي من<br />

تقِ‏ ف خلف هذه الكلمات واملشاعر العذِ‏ بة.‏<br />

كانت تخطط كشف السرّ‏ الذي طاملا خبأتْه يف<br />

صدرها،‏ بطريقةٍ‏ خالبةٍ‏ قد أستبعدُ‏ أن تكون منها.‏<br />

مرّت األيام بصخبها الذي اعتاد أن تكون عليه،‏<br />

والذي اختلف هذه املرة أنها لم تكُن أمام ناظريه.‏<br />

استلم بعد مدةٍ‏ إصدار من مجلة أدبيّة،‏ أعتقد<br />

أنها من باب الترويج والنشر،‏ ولكن لفتَ‏ نظره نصٌ‏<br />

ما خُ‏ تمَ‏ بِ:‏<br />

‏"وعلى عكسِ‏ ك ستجد كلماتي طريقها دائمًا<br />

إليكَ‏ بالنهاية،‏ مهما اعترانا من برود مهما افترقنا،‏<br />

الكتابة لغيرك أو ملجرد الكتابة هي موتٌ‏ يحدّق بي.‏<br />

وأنت احلياة التي تُنقذني عندما أكتب إليك"‏<br />

إنهَا هي وإن كانت الكلمات غير كافية ألميزها،‏<br />

فتوقيعها يف نهاية النص يثبت ذلك.‏<br />

كتب بواسطة - زهرة الصالح @meeladfajr<br />

أخذت تتجول والدهشة ترسم على مالمحها<br />

اتساعًا يزداد كُلما جالت بعينيها الواسعتن على<br />

أرفف الكتب املمتدة،‏ منذ مدة طويلة وهي حتاول<br />

منع نفسها من زيارة هذه املكتبة العظيمة التي متتاز<br />

مبنظر فاتن للكتب املصفوفة بعناية،‏ واملرتبة بدقة<br />

متناهية،‏ لكنها لم تقوَ‏ على التمنع أكثر،‏ فنفسها<br />

تاقت للكتب.‏<br />

قلبت بصرها يف أرجاء املكتبة التي تنتشر فيها<br />

أشعة شمس الصباح،‏ ولفت انتباهها لوحة تتوسط<br />

املمر وقد كُتب عليها بخط الثلث العربي وبشكل<br />

الفت ‏)الكتب القدمية واملخطوطات(‏ مشيرة إلى<br />

جهة اليسار،‏ لم تقاوم تلك الرغبة التي داهمتها يف<br />

تقليب تلك الكتب وشم رائحة ورقها األصفر الباهت،‏<br />

تقدمت واللهفة حتيط بها إلى نهاية املمر وعرجت<br />

ناحية اليسار مغمضة العينن وقلبها يخفق بشدة<br />

وهي تتخيل املنظر الذي ينتظرها،‏ حاملًا وصلت<br />

فتحت عيناها على اتساعهما وهي ترى الكتب ذات<br />

املجلدات السوداء والبنية واخلطوط الذهبية وقد<br />

اصطفت أمامها بكل جمال ودالل،‏ وكأنها حتثها على<br />

معانقتها وتقليبها.‏<br />

تقدمت أكثر وبدأت تتلمس الكتب برفق وتودد<br />

وكأنها عاشق أرهقه الفراق!‏<br />

جترأت وبدأت تقلب الكتب بن يديها،‏ هالها<br />

منظر الصفرة احمليطة بالورق وملمس الورق اخلشن<br />

جعلها تغمر رأسها بن دفتي الكتاب وكأنها حتاول<br />

العودة إلى زمن هذا الكتاب،‏ أكملت تقليب الكتب<br />

وهي تتنشق رائحتها العتيقة التي أضفت على<br />

املكان عبقًا مختلفًا،‏ راودتها تلك الفكرة السيئة التي<br />

جتعلها تهرب دومًا من زيارة املكتبات،‏ وحترجها مع


بائع الكتب.‏<br />

69 68<br />

لكنها لم تستطع املقاومة أكثر،‏ بدأت تتلفت مينة<br />

ويسرة بشكل مريب،‏ وهي حتاول أن تدس الكتاب<br />

داخل حقيبتها اجللدية وباحترافية عالية انتهت من<br />

املهمة،‏ وعادت لتقليب الكتب وكأنها لم تفعل شيئًا!‏<br />

أخذت متشي بال هدف داخل املكتبة وجتاوزت<br />

عدد من املمرات حتى وصلت إلى ممر الرواية<br />

والقصة،‏ توقفت أمامه،‏ وبدأت متر على عناوين<br />

الكتب بال تركيز،‏ لقد تشتت تركيزها وهي حتاول<br />

أن تكون أكثر هدوءًا وطبيعية حتى ال تثير االنتباه؛<br />

لكن يدها املتشبثة بحقيبتها تخونها كثيرًا!‏<br />

مر بجانبها أحد البائعن وقال لها:‏<br />

- هل حتتاجن إلى مساعدة؟<br />

فاجأها صوت البائع وأربكها وقالت له وهي تهز<br />

رأسها تأكيدًا:‏<br />

- ال .. ال!‏<br />

قال لها وهو ميرر يده على الكتب:‏<br />

- أحد القراء الذين يترددون على مكتبتنا قال<br />

لي يومًا أن الكتب كائنات حساسة حتتاج صديقًا<br />

مخلصً‏ ا ال يخونها!‏<br />

ال تدري ملا قال لها هي بالذات ذلك،‏ بقيت واقفة<br />

أمام الرف وهي تفكر بكالم البائع وذلك القارئ.‏<br />

أحست أنه يقصدها وتأكدت حن التفت ووجدته<br />

الزال جانبها وبن يديه أحد الكتب،‏ نظرت إليه<br />

بتوجس؛ لكنه بادلها النظرة مع ابتسامة أزالت شيء<br />

من توترها كما توهمت!‏<br />

أرادت اخلروج من هذا املمر؛ لكنه قال لها:‏<br />

- يف مكتبتنا للكتب قدسيتها،‏ ومن يتعدى عليها<br />

يتعرض ألشد العقوبات!‏<br />

ازدادت نبضات قلبها ويداها تعرقت وهي تشدّ‏<br />

على حقيبتها،‏ حاولت جتاهل كالمه وهي تكمل<br />

مشيها؛ لكنه أكمل حديثه:‏<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

- حسنًا..‏ الكتاب الذي داخل حقيبتك ميثل<br />

للمكتبة كنزًا عظيمًا وال يجوز التفريط فيه!‏<br />

وقف أمامها مباشرة وأكمل:‏<br />

- وفقدانه املفاجئ يعرضني للمسائلة وقد أفقد<br />

وظيفتي بسببك.‏<br />

أغمضت عينيها وهي حتاول أن تستوعب كالمه<br />

وبعد عدة دقائق أخرجت الكتاب بيدها املرتعشة<br />

بكل هدوء ووضعته يف يده املفتوحة أمامها،‏ وقالت<br />

بكل أسف:‏<br />

- أعتذر لك وللكتاب وللمكتبة وللقارئ،‏ لكنها<br />

عادة سيئة ترافقني منذ أن كنت طفلة.‏<br />

ابتسم وهو يقول لها بسخرية:‏<br />

- إذن كم كتابًا فقدت املكتبات بسببك!!‏<br />

صفعها سؤاله بكل قسوة وذكرها بعدد املرات<br />

التي أخذت فيها كتب من أرففها دون وجه حق،‏<br />

إن هذه العادة تصيبها باإلحباط وبسببها هي تعنف<br />

نفسها كثيرًا،‏ لكنها عجزت عن التخلص منها،‏ إذ<br />

أن شيئًا ما داخلها يرغمها على فعلتها تلك حينما<br />

ترى الكتب أمامها..‏ إنها ضعيفة جدًا أمام منظر<br />

الكتب اآلسر،‏ يجعلها تشعر أنها يجب أن متتلك ذلك<br />

الكتاب وبتلك الطريقة؛ ألنها كما تبرر لنفسها ال<br />

تستطيع دائمًا شراء الكتب،‏ لذا حينما جلأت لتلك<br />

الطريقة وهي يف التاسعة من عمرها ولم يلحظها<br />

أحد،‏ وجدت أنها فرصة عظيمة وحيلة مريحة كلما<br />

رغبت بامتالك كتاب ليس لديها ثمنه!‏<br />

عادت وقالت له:‏ لدي رف كتب يف مكتبتي املنزلية<br />

عليه كتب كثيرة مختلفة،‏ وضعت عليه الفتة كتبت<br />

عليها:‏ ‏"أتت إلى هنا دون إرادتها !"<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

‏»في العزلة كفاءةُ‏<br />

المُ‏ ؤْ‏ تَ‏ مَ‏ ن على نفسه،‏<br />

يكتب العبارة وينظر إلى<br />

السقف،‏ ثم يضيف:‏ أن<br />

تكون وحيدً‏ ا أن تكون<br />

قادرً‏ ا على أن تكون<br />

وحيدً‏ ا هو تربية ذاتيَّ‏ ة«.‏<br />

محمود درويش


71 70<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

الذوق<br />

األدبي<br />

كُ‏ تب بواسطة - هند الصبار @hind_alsbbar<br />

كنت أتساءل ما الذي جعل يوليسيس أو دون كيخوته أعماالً‏<br />

أدبية ناجحة؟ وما الذي جعل قصائد شكسبير ال تتقادم؟ ما<br />

الذي يجعل عمالً‏ أدبيًا ما عمالً‏ جيدًا أو عمالً‏ رديئًا؟ اجلواب<br />

املوضوعي أن هناك معايير معينة تخضع لها كل األنواع األدبية<br />

منها،‏ اجلدة واالبتكار،‏ الطرح اجليد،‏ التماسك،‏ الوحدة الشكلية،‏<br />

اإلبداع الفني وغيرها،‏ مع أن ملختلف الثقافات معايير متباينة<br />

لتقرير ما األدب اجليد وما األدب الرديء،‏ إال أننا نكتشف دائمًا<br />

أن األعمال الرفيعة هي التي اتفق القرّاء أغلبهم على جودتها.‏<br />

ووجود ضوابط معينة متثل حدًا أدنى العتبار العمل األدبي<br />

ناجحً‏ ا،‏ وعابرًا حلدود زمانه ومكانه،‏ ال يعني أن كل جوانب النجاح<br />

يف العمل مت ضبطها ومعرفتها؛ ألنه يف كل مرة يُقرأ فيها العمل<br />

األدبي قد يُظهر شيئًا جديدًا كان سببًا لبقاء وجناح العمل؛<br />

لكننا قد جند بشكل عام أن تلك األعمال التي توصف باألدب<br />

الرفيع أو اجليد والتي حتصل على اتفاق بجودتها يف الغالب<br />

هي ما تناولت مالمح التجربة اإلنسانية التي تتصف بالدوام،‏<br />

والتي ال تتغير والتتبدل،‏ تلك املوضوعات العابرة للزمان واحلدود<br />

اجلغرافية،‏ يف الفرح واملعاناة واأللم واملوت والعاطفة،‏ أو التي<br />

تناولت أسئلة كبرى منها الفلسفي والفكري.‏ بينما األعمال التي<br />

كانت موضوعاتها محلية أو وقتية أو ماجرياتية؛ فإنها تنسى،‏<br />

جودتها من عدمها مؤقتة.‏ لذلك جند القصائد العربية التي<br />

يكون موضوعها املدح والهجاء املتعلق بشخصية معينة مثالً‏ ال<br />

تلقى من االهتمام ما يلقاه الشعر الذي كان موضوعه إنسانيًا<br />

بحتًا،‏ بخالف غيره من الشعر الذي كان غرضه الغزل أو الرثاء<br />

أو فلسفة الشاعر عن حياته.‏ فالتجربة الشعورية لشاعر مثل<br />

املعري هي أول ما يتوارد إلى أذهاننا عن شعره وما كتب وال<br />

نتذكر وقتها وال نتساءل ما إذا كان املعري قد كتب يف فترة من


73 72<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

فترات حياته شيئًا مختلفًا،‏ مع ذلك ال ميكن أن<br />

يكون هذا املعيار مطلقًا،‏ فليس كل من كتب يف<br />

هذه املوضوعات مت لعمله النجاح والبقاء.‏<br />

قد يكون أيضً‏ ا من املعايير التي ترد على<br />

ذهن أي متسائل هو مدى تعقيد العمل وامتناعه،‏<br />

وفرضية مثل فرضية أن األدب اجليد يصعب<br />

فهمه تَرِ‏ د يف ذهن بعض القرّاء،‏ إال أننا ال ميكن<br />

أن نستعمل هذا املعيار دائمًا؛ ألن األعمال<br />

اجليدة ال تقاس بتعقيدها،‏ فالغرائبي واخليالي<br />

والسريالي والرمزي املركب غالبًا ما تكون<br />

أعماالً‏ نخبوية على هامش التأثير والوصول،‏ ال<br />

ميكن جتاوز بساطة الصياغة مع عمق الفكرة<br />

يف أنها ميزة ترفع بالعمل األدبي إلى مرتبة<br />

األدب الرفيع أكثر من التعقيد والتركيب الذي<br />

يجعل قراءة العمل بالنسبة للقارئ جهدًا شاقًا.‏<br />

واللغة واخلاصية اللغوية للعمل حتتل مكانتها<br />

أيضً‏ ا؛ لكن هل ترفع بالعمل وتهوي به مبفردها؟<br />

ال شك بأنها ركيزة مهمة ألي عمل؛ فاللغة هي<br />

مادة األديب والكاتب كلما كان أكثر قدرة على<br />

توفيرها ملصنعه وورشته الكتابية وكان قادرًا على<br />

تشكيلها جيدًا كلما ارتقى بعمله،‏ ولنا يف فن<br />

املقامات العربية مثال،‏ فالذي مييز هذا النوع<br />

من األدب هو التعقيد اللغوي واالنتقاء اللفظي،‏<br />

واالعتماد عليهما يف رفع العمل كبير.‏ بيد أن<br />

هناك أعماالً‏ أدبية جيدة لم تستخدم اللغة<br />

باحترافية،‏ ولم يكتب أصحابها بأسلوب لغوي<br />

متفرّد،‏ بل كان االعتماد فيها على توظيف كالم<br />

بسيط وواضح،‏ فلغة جورج أورويل يف رواياته<br />

مثالً‏ ليست باللغة الفخمة التي جتدها مثالً‏ يف<br />

كتابات جاين أوسن.‏ إال أنه بال شك ينبغي أن<br />

تكتب األعمال األدبية كتابة جيدة،‏ تتفاوت تلك<br />

اجلودة ومكانتها يف الرفع بالعمل بحسب تكامل<br />

اخلصائص األخرى يف العمل األدبي.‏<br />

ومع كل املعايير والضوابط والتقييمات<br />

واجلوائز التي تصنف األعمال األدبية وترفع<br />

بعضها وتقصي اآلخر،‏ إال أن املساحة تتسع<br />

لكل قارئ،‏ فيبقى له أن يحدد بنفسه ما اجليد<br />

الذي يراه يف عملٍ‏ أدبيٍّ‏ ما والسيىء بدون أن<br />

يخجل أو يستنقص من رأيه وأدواته؛ ألن ميزة<br />

األدب األولى هي مرونة العمل وتقبله لكل<br />

قراءة وخضوعه لكل رأي تساوى يف ذلك الناقد<br />

الكبير والقارئ البسيط.‏<br />

البحث عن<br />

ثقافة مفقودة<br />

كُ‏ تب بواسطة - هشام العبيلي @hsaad78<br />

ّ ثُلَ‏<br />

أنتج الغرب من هول مأسأة احلرب العاملية الثانية،‏ وكردة فعل حائرة<br />

ومصدومة،‏ مسرحَ‏ الالمعقول أو مسرح العبث،‏ هادفن إلى تصحيحٍ‏ أو شفاء.‏ يف<br />

املقابل ‏-ومع جميع نكبات العرب املتأخرة-،‏ لم يُنْتِج العرب أي لون ثقايف مميز<br />

يليق بهذه املصائب<br />

وما هو أشد مرارةً‏ من عدم ردة الفعل الثقافية ، هو ردة الفعل محاكاة<br />

وتشبّهاً‏ باآلخرين،‏ بل واقتباساً‏ ملسرحياتهم وثقافتهم كما هي،‏ كردة فعل على<br />

مصائبنا،‏ أوَليس لنا عقول مبدعة،‏ وأفكار منتجة ، فما احلاجة بنا إلى سلوك<br />

سَ‏ نَ‏ اآلخرين حذو القذة بالقذة!‏<br />

ولكنَ‏ ‏ّة متيقظة أخذت تتفهم املشكلة قبل أن تبحث عن احلل العملي<br />

املناسب،‏ يف مقابل آخرين ‏-سيطويهم الزمن-‏ ما زالوا يعكِّرون صفوَ‏ هؤالء<br />

الباحثن عن مخرج،‏ بل ويحاولون تضليلهم،‏ لكن هل رأيت ذباباً‏ أوقَف إعصاراً‏ ؟<br />

ال زال بعضنا صرعى ألفكارٍ‏ وإيديولوجيات غربية،‏ أنتجها الغرب وفقاً‏<br />

ملرجعياته هو ‏-إن وجدت هذه املرجعيات-،‏ لكنها ال تتوائم وتنسجم مع<br />

مرجعيتنا النهائية كمسلمن،‏ لكن البعض ما زال يحاول إلباسنا ثوباً‏ بدون<br />

أكمام وال حاشية،‏ بل ومرقعاً،‏ ويُصِ‏ رُّ‏ علينا إال ارتداءه،‏ ويخلع عنا ثوب فطرتنا.‏<br />

أصبح عاملنا العربي و اإلسالمي أكثر األماكن التي تتركز فيها احلروب<br />

الكونية،‏ وأصبحت طرق القتل والتفن فيها مما لم تعهد أمتنا مثله،‏ وكلما زاد<br />

طرف يف طرق القتل وفنونه،‏ ازداد الطرف اآلخر ، وأظن أن بعضهم سيفني<br />

بعضاً‏ كما قال صلى اهلل عليه وسلم.‏<br />

واخلالصة:‏ أننا ال بد وأن جند ردة الفعل الثقافية املناسبة،‏ والتي ستساهم<br />

بشكل كبير وفعّال يف استعادة األمة العربية واإلسالمية عافيتها،‏ وإنّا لنُحس<br />

جميعاً‏ بأمل يحدوه باعث حثيث،‏ بأن نهضتنا القرائية ستكون سُ‏ لَّماً‏ موصِ‏ الً‏ ملا<br />

نأمله يف أمتنا اخليّرة.‏


75 74<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

يسرّنا أن تساهموا<br />

معنا في نشر<br />

مجلة قوارئ<br />

ودعوة أصدقائكم<br />

للكتابة والمشاركة<br />

فيها<br />

ينصب تخصص املجلة يف الكتابة<br />

حول القراءة وفلسفتها وطرقها<br />

ومدارجها.‏ ويف كلّ‏ ما يتعلق بالشأن<br />

الثقايف عمومًا،‏ كالكتب والكتابة،‏<br />

واملكتبات والتعلم،‏ واألدب والفنون<br />

والعلم.‏<br />

مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

-<br />

شروط النشر في مجلة قوارئ<br />

أن يخدم موضوع املشاركة رؤية املجلة ورسالتها وأهدافها.‏<br />

أن يكون النّص املُرسل جيدًا جدًا ولم يسبق نشره.‏<br />

أال يزيد حجم النص عن ١٢٠٠ كلمة بحدّ‏ أقصى.‏<br />

تخضع األعمال املعروضة للنشر ملوافقة هيئة التحرير.‏<br />

النصوص التي تُنشر يف املجلة تعبّر عن آراء كُتابها،‏ وال تعبر<br />

بالضرورة عن رأي املجلة.‏<br />

مجلة قوارئ ال متانع يف النقل أو االقتباس شريطة ذكر<br />

املصدر.‏<br />

تُرسل املشاركات بصيغة ملف وورد فقط.‏<br />

يف أقل من دقيقة،‏ مشاركتك<br />

يف تقييم املجلة ستساعدنا يف<br />

تطو ير ها .<br />

نأمل إرفاق بيانات التواصل:‏<br />

| البريد اإللكتروني | رقم اجلوال | حساب تويتر |<br />

Qawaree1@gmail.com


76 مجلة قوارئ | العدد السادس<br />

@Qawaree_<br />

Magazine.RFriends.net

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!