42761.2900592708
42761.2900592708
42761.2900592708
Transform your PDFs into Flipbooks and boost your revenue!
Leverage SEO-optimized Flipbooks, powerful backlinks, and multimedia content to professionally showcase your products and significantly increase your reach.
العدد 559 فبراير 2017<br />
ثمن العدد<br />
الگويت: 500 فلس، البحرين: 750 فلسً ا،<br />
قطر: 8 رياالت، دولة اإلمارات العربية املتحدة:<br />
8 دراهم، سلطنة عمان: ريال واحد، السعودية:<br />
8 رياالت، األردن، دينار واحد، سورية: 50 ليرة،<br />
مصر: 3 جنيهات، املغرب: 10 دراهم.<br />
االشتراك السنوي<br />
لألفراد $ الگويت 10 دنانير<br />
لألفراد $ اخلارج 15 دينارًا أو ما يعادلها<br />
للمؤسسات والوزارات $ الداخل 20 دينارًا كويتيًا<br />
للمؤسسات والوزارات خارج الكويت 25 دينارًا<br />
كويتيًا أو ما يعادلها<br />
املراسالت<br />
رئيس حترير مجلة البيان ص .ب 34043 العديلية - الگويت<br />
الرمز البريدي - 73251 هاتف املجلة: + 965 22518286<br />
هاتف الرابطة: - 22518282 / 25106022 فاگس: 22510603<br />
مجلة أدبية ثقافية شهرية تصدر<br />
عن رابطة األدباء الكويتيني<br />
صدر العدد األول في أبريل )1966(<br />
رئيس التحرير<br />
طالل سعد الرميضي<br />
مدير التحرير<br />
صالح خالد املسباح<br />
سگرتير التحرير<br />
عدنان فرزات<br />
التدقيق اللغوي<br />
خليل السالمة<br />
تنفيذ وإخراج<br />
عالء متولي<br />
موقع رابطة األدباء على اإلنترنت<br />
WWW.KuwaitWriters.org<br />
البريد اإللكتروني<br />
ELBYAN@ hotmail.com<br />
وزارة اإلعالم - مطبعة حكومة دولة الگويت<br />
مجلة »البيان« مجلة أدبية ثقافية، تصدر عن رابطة<br />
األدباء في الگويت، وتعنى بنشر األعمال اإلبداعية<br />
والبحوث والدراسات في مجاالت اآلداب والعلوم<br />
اإلنسانية، ويتم النشر فيها وفق القواعد التالية:<br />
- 1 أن تكون املادة خاصة مبجلة البيان وغير منشورة<br />
أو مرسلة إلى جهة أخرى.<br />
- 2 املواد املرسلة تكون مطبوعة ومدققة لغويا ومرفقة<br />
باألصل إذا كانت مترجمة.<br />
- 3 يفضل إرسال املادة محملة على CD أو باإلمييل.<br />
- 4 موافاة املجلة بالسيرة الذاتية للكاتب مشتملة<br />
على االسم الثالثي والعنوان ورقم الهاتف ورقم<br />
احلساب املصرفي.<br />
- 5 املواد املنشورة تعبّر عن آراء أصحابها فقط.<br />
- 6 مكافأة النشر 100 يورو, وتسقط حق املطالبة بها<br />
في حال عدم استالمها بعد 6 أشهر.
Al Bayan<br />
LITERARY JOURNAL ISSUED<br />
BY KUWAIT WRITERS ASSOCIATION<br />
(559) February 2017<br />
Editor in chief<br />
Talal Saad Alrumaidhi<br />
Correspondence Should be Addresses to:<br />
The Editor,<br />
Al Bayan Journal<br />
P.O.Box: 34043 Audilyia - Kuwait<br />
Code: 73251 - Fax: +965 22510603<br />
Tel.: (Journel) +965 22518286 - 22518282 - 22510602<br />
2 العدد 559 فبراير 2017
احملتوى<br />
كلمة البيان<br />
•أدباء الكويت والقضايا العربية........................................البيان 6<br />
دراسات<br />
•جدلية احلركة والسكون لدى اإلنسان في معلقة لبيد.. د. عواد صالح احلياوي 10<br />
مقاالت<br />
24<br />
•القدس في الشعر العربي احلديث............................ د. زياد أبولنب 29<br />
•القصيبي.. ورسالة سيف الدولة.....................يوسف عوض العازمي 36<br />
•اآلداب زينة املجتمعات الراقية......................... عبدالله الفيلكاوي قراءات<br />
40<br />
•قصيدة »سوسنة اسمها القدس« ل: نازك املالئكة............ عهود العتيبي 45<br />
•كتاب »السيوطي البالغي« للمؤلف جاسم سليمان الفهيد... عبدالله احلمر حوار<br />
•د. محمد حرب ل »البيان« انعكست أسبقية الكويت للعالم العربي في الدميوقراطية<br />
على مناخها الثقافي.......................................... وليد الزهيري 54<br />
3<br />
العدد 559 فبراير 2017
أعالم<br />
•محمود شوقي األيوبي )1901 - 1966م(................. علي عبدالفتاح 64<br />
شعر<br />
74<br />
•التوأمان................................................... د. خليفة الوقيان 76<br />
•بناة املجد......................................إبراهيم بن عبدالكرمي السنيدي 80<br />
•كويت العطاء...............................................هشام عبدالغني الفرا 83<br />
•عيناك........................................................محمد خلف احلجي قصة<br />
86<br />
•مسابقة القصة القصيرة لواحة األدب في الكويت 87<br />
- املركز األول: »املجد الثاني«............................... محمد فطومي 91<br />
- املركز الثاني: »ثورة بائع الريح«............الصديق ابريك سليمان بودوارة 93<br />
- املركز الثالث: »رمزي«............................محمد أحمد نبيل جادالله محطات قلم<br />
•د. الوقيان.. شاعر القدس............................... طالل سعد الرميضي 96<br />
ZZZZ<br />
4 العدد 559 فبراير 2017
كلمة البيان<br />
بريشة خديجة البهاويد
كلمة البيان<br />
أدباء الكويت والقضايا العربية<br />
ثمة وقفات سياسية واقتصادية<br />
وإنسانية أدتها دولة الكويت لآلخرين<br />
عبر األزمان. ولكن هناك وقفات ثقافية<br />
وأدبية ال تقل شأنا عن ذلك، حيث كان<br />
أدباء الكويت من السباقني في الوقوف<br />
مع البالد التي يلمّ بها مكروه، إما بسبب<br />
االستعمار أو الكوارث اإلنسانية.<br />
هذه املواقف األدبية، قليل ما يتم<br />
ذكرها في التاريخ، إال إذا حلّت مناسبة<br />
ما، رغم أنها ال تقل شأناً عن بقية<br />
املواقف، بل إن املواقف األدبية هي<br />
مواقف شعبية عفوية نابعة من صميم<br />
وجدان الشعب للتعاطف مع شعب آخر<br />
بعيداً عن أية اعتبارات أخرى.<br />
وأكثر الذين يتبنون هذه املواقف<br />
الثقافية من خالل نتاجهم األدبي هم<br />
الشعراء، وذلك لسهولة التعبير بالشعر<br />
عن باقي األجناس السردية. وإذ وقف<br />
أدباء الكويت مع مختلف القضايا<br />
العربية، مثل الثورة اجلزائرية ضد<br />
املستعمر الفرنسي، فإن أكثر وقفاتهم<br />
كانت مع القضية الفلسطينية، كونها<br />
احملورية التي ما تزال قائمة حتى<br />
يومنا هذا.<br />
وسبق أن أقامت رابطة األدباء<br />
الكويتيني ندوة بعنوان »أدباء الكويت<br />
ودورهم في نصرة قضية فلسطني«،<br />
6 العدد 559 فبراير 2017
حاضر فيها الدكتور خالد الشطي،<br />
وأدارها الدكتور موسى الغضبان.<br />
ويومها حتدث الدكتور الشطي: عن<br />
»أهمية دور أدباء الكويت ومثقفيها في<br />
دعم قضية فلسطني منذ مطلع القرن<br />
العشرين، محددا تلك الفترة بعد إعالن<br />
وعد بلفور، إذ عمّت الكويت مبختلف<br />
شرائحها االجتماعية والسياسية<br />
والثقافية ثورة عارمة ضد هذا الوعد<br />
املشؤوم، تهدف إلى نصرة الشعب<br />
الفلسطيني املظلوم، عدد يومها الدكتور<br />
الشطي: أسماء مجموعة من الشعراء<br />
الذين وقفوا مع القضية الفلسطينية،<br />
مثل: خالد الفرج وخالد سعود الزيد<br />
ومحمود شوقي األيوبي وفهد العسكر<br />
وصقر الشبيب وفاضل خلف وأحمد<br />
السقاف وعبدالله سنان وفهد بورسلي<br />
وزيد احلرب وعبداللطيف الديني، كما<br />
تناول الشطي بعض الدراسات املتعلقة<br />
بالقضية الفلسطينية منها القضية<br />
العربية في الشعر الكويتي للدكتور<br />
خليفة الوقيان، وكذلك إصدارات أخرى<br />
للمؤلف عبدالله النوري وجاسم مهلهل<br />
الياسني وطارق السويدان وعبدالله<br />
خلف وغيرهم«.<br />
لذلك فإن فوز الشاعر واألكادميي<br />
الدكتور خليفة الوقيان بجائزة القدس<br />
األدبية جاء عن جدارة واستحقاق،<br />
فاجلائزة التي مينحها االحتاد العام<br />
لألدباء والكتاب العرب هي من أرفع<br />
اجلوائز التي يقدمها االحتاد سنويا.<br />
وجاء اإلعالن عن اجلائزة خالل<br />
اجتماعات املكتب الدائم لالحتاد العام<br />
لألدباء والكتاب العرب الذي عقد في<br />
مدينة دبي باإلمارات في الفترة من<br />
الرابع إلى السابع من سبتمبر العام<br />
الفائت. وسوف يتسلمها خالل شهر<br />
فبراير احلالي في افتتاح املؤمتر<br />
باجلزائر التي هي بدورها وقف معها<br />
املثقفون الكويتيون من خالل ثورتها<br />
ضد االستعمار الفرنسي، فقد قدم<br />
الباحث الدكتور فهد سالم الراشد<br />
قراءة لبعض معالم الثورة اجلزائرية<br />
7<br />
العدد 559 فبراير 2017
من خالل الفيلم احلائز على جوائز<br />
عاملية »ريح األوراس« مسلطا الضوء<br />
على تالحم اجلزائريني في حترير<br />
بالدهم من االستعمار الفرنسي.<br />
وقبله شعراء كثر منهم الشاعر صقر<br />
الشبيب الذي ذكره الدكتور خليفة<br />
الوقيان في كتابه »القضية العربية في<br />
الشعر الكويتي« ويقول الشبيب عن<br />
ثورة اجلزائر ضد الفرنسيني:<br />
ما لإلذاعات بني العرب دائبة<br />
تبثُ ملء الشروق اللهو والطربا<br />
كأنها حسبتْ أهل الجزائر في<br />
ما يقتضي طول بثّ اللهو الدَّأبا<br />
هذا جزء يسير من قريحة زاخرة<br />
بالشعر الذي تفاعل به األدباء<br />
الكويتيون مع إخوانهم العرب في كل<br />
مكان، كي يبقى التاريخ مستيقظاً<br />
في أذهان الناس عن عمق الوعي<br />
األدبي في الكويت.<br />
RRRR<br />
8 العدد 559 فبراير 2017
دراسات<br />
بريشة عبدالرضا باقر
دراسات<br />
جدلية احلركة والسكون<br />
لدى اإلنسان في معلقة لبيد<br />
)*(<br />
بقلم: د. عواد صالح احلياوي<br />
إذا سلمنا بأنّ الفعلَ رافدٌ مهمٌ من روافد احلركة لدى اإلنسان عامة وفي النّص األدبي<br />
خاصة، فإنّ أهم ما يلفت انتباهنا، ونحن نرصد حركة اإلنسان من خالل الفعل في معلقة<br />
لبيد هو هذا العدد املتواضع من األفعال مقارنة بعدد أبيات املعلقة.<br />
فاملعلقة تتكون من تسعة وثمانني بيتاً ومجموع عدد األفعال املنسوبة إلى اإلنسان<br />
مبختلف الضمائر العائدة عليه هو خمسة وأربعون فعالً توزعت بني:<br />
الضمير<br />
عدد األفعال املسندة<br />
الضمير<br />
عدد األفعال املسندة<br />
أنا<br />
عشرون فع ًال<br />
هم<br />
سبعة أفعال<br />
هو<br />
ستة أفعال<br />
هي<br />
سبعة أفعال<br />
أنتَ<br />
ثالثة أفعال<br />
أن ِت<br />
فعل واحد<br />
هما<br />
فعل واحد<br />
وال يفوتنا في عملية الرصد هذه أن نشير إلى فعل تعلق بالله عزّ وجلّ، في البيت<br />
اخلامس والثمانني وقد تكرّر هذا الفعل مرتني، في قوله ))) :<br />
)*( كاتب سوري.<br />
))) شرح املعلقات العشر للخطيب التبريزي، حتقيق. فخر الدين قباوة، دار الفكر، دمشق، دار الفكر املعاصر، بيروت،<br />
ط2عام2006. املعلقة من ص207-161.<br />
شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، ت. د. إحسان عباس، إصدار وزارة اإلرشاد، الكويت1962، املعلقة من ص321-297.<br />
10 العدد 559 فبراير 2017
58- فأقنَعْ بِ ما قَسَ م َاملَلِيك ُفإنّما<br />
قَسَ م َالخَ لائقَ بَينَنا عَ لاّ مُها<br />
إذاً فقد جتاوز عدد األفعال املتصلة باإلنسان في املعلقة نصف عدد أبياتها بقليل<br />
وهذه النسبة املتدنية لألفعال تعود إلى عاملني رئيسني:<br />
العامل األول: متصل مبضمون املعلقة إذ تعلقت نسبة كبيرة من عدد أبياتها بوصف<br />
احليوان عامة )الناقة واألتان والبقرة الوحشية والفرس(، وما سبق هذا القسم من وصف<br />
لألطالل وما صاحب وصف احليوان من وصف للطبيعة.<br />
العامل الثاني: متصل بالبناء الفني للمعلقة عموماً، وهو بناء غلّب الوصف على<br />
السرد من ناحية قصصية، ونحن نعلم أنّ من أهم اخلصائص الفنية للوصف غلبة اجلملة<br />
االسمية على اجلملة الفعلية. وقبل حتليل الداللة احلركية لألفعال املسندة إلى اإلنسان<br />
جتدر اإلشارة إلى بداية املعلقة وحتى البيت التاسع.<br />
إذ كانت حركة اإلنسان على امتداد هذه املساحة الشعرية حركة غائبة متاماً. وإذا<br />
سلمنا بأنّ بداية املعلقة في البناء الشعري التقليدي تقوم على الوقفة الطللية، فإنّ احلركة<br />
املتصلة باإلنسان في هذه البداية كانت متوقفة وغائبة، حتى لكأنّ الواقف على األطالل<br />
ليس الشاعر وحدّه، بل ّ كلُ مَن استمع أو قرأ معلقته، بل إنّ كلّ نفس بشرية على هذه<br />
األرض قد توقفت هي أيضاً عن احلركة ووقفت على األطالل.<br />
إنّ غياب أي فعل متصل باإلنسان في هذه البداية غياب أسدى إضافة فنية للمعلقة،<br />
سواء أكان ذلك بوعي من الشاعر أم بغير وعي منه.<br />
ضمير املتكلم املفرد )أنا(: ال شك أنّ ضمير املتكلم املفرد )أنا( الذي تُرصد حركته من<br />
خالل األفعال املسندة إليه، هو الضمير العائد على الشاعر. هذا الضمير الذي ظل ساكناً<br />
مسلوب احلركة من بداية املعلقة حتى البيت العاشر، وعندما حضرت حركته جمعت بني<br />
السكون واحليرة، من خالل الفعلني )وقفت، أسألها(، يقول:<br />
- 10 فوقَفتُ أسألُها وكيفَ سُ ؤالُنا<br />
(((<br />
صُ مّاً، خَ والِدَ، ما يَبِ ينيُ كَلامُها؟<br />
))) صمّ : صخور، خوالد: بواقي، الديوان، ص299.<br />
11<br />
العدد 559 فبراير 2017
وقبل النظر في هذين الفعلني يجدر بنا أن نتساءل: أين كانت )األنا( على امتداد<br />
األبيات التسعة السابقة؟ وملاذا تأخرت حركة الوقوف وحركة السؤال إلى البيت العاشر؟ إنّ<br />
اإلجابة الوحيدة التي جندها لهذين السؤالني هي أنّ املكان/األطالل قد شلتْ حركة )األنا(<br />
وأماتتها لبرهة من الزمن. وقد انعكست صورة املوت املعنوي القابعة في املكان/ وهو خلو<br />
من احلبيبة/على كيان الشاعر فأصبح ظالً للمكان من زاوية املوت املعنوي. ثم هو بعد هذا<br />
املوت املؤقت يُبعث من جديد ال ليستعيد حياة وحركة، بل ليعي غياب احلركة عنه ويفيض<br />
منه سؤال ال يجد بعده جوابا،ً بل سؤاالً تالياً )وكيف سؤالنا صُ مّاً خوالدَ ما يبنيُ كالمُها(.<br />
ولم يصاحب استعادة الوعي استعادة للحياة والطمأنينة، بل استعادة للحيرة والقلق.<br />
لذلك لم يكن األمر غريباً، عندما فاجأتنا املعلقة بغياب ثان لهذا الضمير، استمر<br />
حتى البيت الرابع واخلمسني. وكأنّ هذا الغياب هو عودة ثانية إلى ما أسميناه املوت<br />
املعنوي. ولعلّنا في هذه احملطة الثانية من الغياب يجوز لنا أن نتحدث عن تغييب )لألنا(.<br />
ألنّ الشاعر غيّب نفسه، وأحضر في بعض احملطات الفاصلة بني حضوره األول وحضوره<br />
(((<br />
الثاني ضميراً آخر، يعود على من كانت متأل املكان حياة )هي(، يقول<br />
- 12 شاقَتْكَ ظُ عْنُ الحَ يّ يومَ تحمَّلُوا<br />
(((<br />
فتكنَّسُ وا قُطُ ناً تَصِ رُّ خِ يامُها<br />
16- بَل ما تَذَكَّرُ من نَوَارَ وقَد نأتْ<br />
(((<br />
وتقطَّ عَتْ أسبابُها ورِ مامُها؟<br />
17- مُرِّيّةٌ حَ لَ ّتْ بفَيدَ وجاوَرَتْ<br />
(((<br />
أهلَ الحِ جازِ فأينَ مِ نكَ مَرَامُها؟<br />
19- فَصُ وَاِئقٌ إن أيمَنَتْ فمِ ظَ نّةٌ<br />
(((<br />
منها وِ حافُ القَهْرِ أو طِ لخامُها<br />
((( الديوان ص - 300 .302<br />
))) تكنسوا: دخلوا الكناس بيت الظبي، قطناً: ثوب القطن، الصرير: حتدث صريراً.<br />
))) نوار: صاحبة الشاعر، أسباب: حبال، رمام: حبال بالية.<br />
))) مرية: من بني مرة بن ذبيان، فيد: فالة، مرام: مطلب.<br />
))) صوائق: جبل لهذيل، مظنة: من الظن، حاف القهر: موضع، طلخام: موضع.<br />
12 العدد 559 فبراير 2017
وسنتناول الحقاً حركة األفعال املتصلة به. ولعلّه من الطريف فيما يتصل بعودة )األنا(<br />
ثانية مالحظة هذا التزامن العجيب بني حضور )األنا( وحضور ال )هي(، في قوله:<br />
54- أقْضِ ي اللُّبانةَ ال أُفَرِّطُ رِ يبَةً<br />
(((<br />
أو أنْ يَلومَ بِ حاجَ ةٍ لَوّ امُها<br />
55- أوَ لَمْ تَكُنْ تَدرِ ي نَوارُ بأنّنِ ي<br />
وفي هذا التزامن والتجاور يحضر لفظان مهمان:<br />
(((<br />
وَصّ الُ عَ قْدِ حَ بائِ لٍ جَ ذّامُها؟<br />
- اللفظ األول: هو حضور اسم احلبيبة تصريحاً )نوار(.<br />
- اللفظ الثاني: هو تعمد الشاعر استعمال صيغة املبالغة من فعل وصلَ )وصال( وكأنّ<br />
حضور )األنا( وتدفق حركتها، إنّ ا هو رهني حضور )هي( وتدفق حركتها، وإن كانت هذه<br />
احلركة حركة سلبية تركيباً )لم تكن تدري(. ومجرد حضور )نوار( اسماً وحركة تتدفق حركة<br />
)األنا( تدفقاً الفتاً لالنتباه. ثمانية عشر فعالً على امتداد ثالثة عشر بيتاً، وهذه هي املرة<br />
(((<br />
الوحيدة التي يتجاوز فيها عدد األفعال/احلركات املتصلة ب )األنا( عدد األبيات<br />
54- أقضِ ي اللُّبانة َ ال أُفَرّطُ رِ يبةً<br />
أو أنْ يَلومَ بِ حاجةٍ لَوّ امُها<br />
56- تَرّاكُ أمكِ نةٍ إذا لم أرْضَ ها<br />
أو يَرتَبِ طْ بعضَ النُّفُوسِ حِ مامُها<br />
58- قد بِ تُّ سامِ رَها وغايةِ تاجرٍ<br />
(((<br />
وافيتُ إذ رُفِ عَتْ وعَ زَّ مُدامُها!<br />
59- أُغلِي السِّ باءَ بِ كُلِّ أدكَنَ عاتِ قٍ<br />
(((<br />
أو جَ ونَةٍ قُدِ حَ تْ وفُضَّ خِ تامُها<br />
))) اللبانة: احلاجة، ريبة: تهمة وشك. الديوان ص313.<br />
))) جذام: قطاع، أصل من يستحق وأقطع من يستحق.<br />
))) الديوان ص318-313.<br />
))) غاية تاجر: راية خمّ ار، مدام: خمرة.<br />
))) أغلي السباء: أشتري اخلمر، أدكن عاتق: زق خالص.<br />
13<br />
العدد 559 فبراير 2017
61- باكَرتُ حاجَ تَها الدَّجاجَ بِ سُ حْ رةٍ<br />
(((<br />
ألُعَ لَّ مِ نها حِ نيَ هَ بَّ نِ يامُها<br />
62- وغَ داةِ رِ يحٍ قد وَزَعتُ وقِ رّةٍ<br />
(((<br />
قد أصبحَ تْ بيدِ الشِّ مالِ زِ مامُها<br />
63- ولقد حَ مَيتُ الخَ يلَ تَحمِ لُ شِ كّتِ ي<br />
(((<br />
فُرُطٌ وِ شاحِ ي إذ غَ دَوتُ لِجامُها<br />
64- فعَلوتُ مُرتقباً على مرهُ وبةٍ<br />
(((<br />
حَ رِ جٍ إلى إعْلامِ هِ نَّ قَتامُها<br />
66- أسهَلتُ وانتَصَ بَتْ كجذْعِ مُنِ يفةٍ<br />
(((<br />
جَ رداءَ يَحْ صَ رُ دُونَها جُ رّامُها<br />
67- رَفَّعْتُها طَ رْدَ النَّعامِ وفَوقَهُ<br />
حتَّى إذا سَ خَ نَتْ وخَ فَّ عِ ظامُها<br />
72- أنكَرْتُ باطِ لَها وبُؤتُ بحَ قِّها<br />
(((<br />
يَوماً ولم يَفخَ رْ عليَّ كِ رامُها<br />
73- وجَ زُورِ أيسارٍ دَعَ وتُ لحتفِ ها<br />
(((<br />
بمَغالِقٍ مُتَشابهٍ أعلامُها<br />
74- أدعُ و بِ هِ نَّ لعاقِ رٍ أو مُطفِ لٍ<br />
(((<br />
بُذِ لَتْ لجِ يرانِ الجَ ميعِ لِحامُها<br />
وهذه األفعال هي )أقضي، ال أفرط، لم أرضها، بتّ ، وافيت، أغلي، باكرت، ألعلّ،<br />
وزعت، حميت، غدوت، علوت، أسهلت، رفعتها، أنكرت، بؤت، دعوت، أدعو(.<br />
))) باكرت بشربها الديوك ألشرب منها مرة بعد مرة.<br />
))) قرة: برد، زمام: حبل.<br />
))) الشكة: السالح، فرط: فرس، وشاح: ما يوضع على الصدر.<br />
))) مرتقب: مكان مرتفع، مرهوبة: مخوفة، حرج: ضيق، قتام: غبار.<br />
))) منيفة جرداء: نخلة قليلة السعف، جرام: قاطع النخل ومهذبه.<br />
))) أنكرت باطلها: رددته، بؤت: اعترفت.<br />
))) جزور أيسار: ناقة صاحب امليسر، حتف: نحر، مغالق: سهام امليسر، يفتخر بنحر الناقة في الكرم .<br />
))) عاقر: ال تلد، مطفل: ذات أطفال، حلام: حلم، يبذل اللحم للجيران.<br />
14 العدد 559 فبراير 2017
وعندما نتأمل داللة حركة هذه األفعال، من حيث معانيها أو سياق استعمالها، تتجلى<br />
لنا داللتها في منتهى اإليجابية، في عالقتها باملفاخر التي ترسم صورة البطولة واملروءة<br />
في املجتمع اجلاهلي.<br />
ولكنّ هذا التزامن بني )األنا وهي(، لم يحضر معه معجماً معهوداً ملا ميكن أن يجمع<br />
بني محب ومحبوب أو بني مشتاق ومشتاق إليه في مستوى األفعال/احلركات املتصلة ب<br />
)األنا(، بل كانت أغلب احلركات ذات داللة فخرية تنأى عن معجم العشق.<br />
وكان ميكن لهذا املعجم الذي استعمله لبيد، فيما يتعلق باألفعال املتصلة ب )األنا( أنّ<br />
يكون معجماً عادياً لتدوين سجل من الفخر، دأب عليه كثير من شعراء املعلقات، ولكن ما<br />
يجعل هذا املعجم ذا داللة خاصة، هو هذا التزامن الذي الحظناه آنفاً بني )األنا وهي( إذ<br />
ميكن أن ينقلب هذا املعجم املغرق في الذاتية البعيدة عن دائرة العشق في ظاهره معجماً،<br />
يحمل رسالة ال ميكن أن يفك رموزها إالّ قارئة واحدة، رأى الشاعر أن يجعلها تدري يقيناً<br />
وتصريحاً مبا لم تكن تدري.<br />
وإن كان الشاعر على يقني بأنّها تدري فعالً بقيمته. إذاً كانت حركة )األنا( في قسمها<br />
الثاني رسالة ذات بعدين:<br />
البعد األول: فيه تذكير بقيمة املهجور.<br />
البعد الثاني: فيه توبيخ ولوم وتذكير للهاجرة.<br />
> ضمير املفرد املؤنث الغائب/املخاطب )هي، أنتِ (: املساحة الشعرية والنصية التي حتتلها<br />
األنثى/اإلنسان من حيث احلركة وداللتها في املعلّقة، هي مساحة صغيرة جداً، مقارنة بعدد<br />
أبيات املعلقة إذ كان عدد األفعال املتصلة بضمير املفرد املؤنث الغائب )هي(، سبعة أفعال هي<br />
)شاقت، نأت، تقطعت، حلت، جاوزت، أمينت، لم تكن تدري(. واتصل بضمير املؤنث املخاطب<br />
)أنتِ ) فعل واحد )ال تدرين(، وتوزعت هذه األفعال على األبيات التالية ))) :<br />
12- شاقَتْكَ ظُ عْنُ الحَ يِّ يومَ تَحمَّلُوا<br />
فتَكنَ ّسُ وا قُطُ ناً تَصِ رُّ خِ يامُها<br />
))) التبريزي، ص193-168.<br />
15<br />
العدد 559 فبراير 2017
16- بَل ما تَذَكّرُ من نَوَارَ وقد نأتْ<br />
وتقطَّ عَتْ أسبابُها ورِ مامُها؟<br />
17- مُرِّيّةٌ حَ لَ ّتْ بفَيدَ وجاورَتْ<br />
أهلَ الحِ جازِ فأينَ منكَ مَرَامُها؟<br />
19- فَصُ وَاِئقٌ إن أيمَنَتْ فمِ ظَ نَ ّةٌ<br />
فيها وِ حافُ القَهْرِ أو طِ لخامُها<br />
55- أوَ لَمْ تَكُنْ تَدرِ ي نَوارُ بأنّنِ ي<br />
وَصّ الُ عَ قْدِ حَ بائِ لٍ جَ ذّامُها؟<br />
57- بل أنتِ ال تَدرِ ين: كمْ من ليلةٍ<br />
طَ لقٍ لذيذٍ لهوُ ها ونِ دامُها<br />
اشتركت جميع األفعال املتصلة باألنثى في الداللة على السلبية، فهي إذا شاقت فقد<br />
)بعدت ونأت وتقطعت ورحلت(، فهذا الضمير ال يصنع القرب والوصل، بل فقد صنع<br />
البعد والفصل، ثم هي فضالً عن حركة القطيعة املادية تضيف حركة قطيعة معنوية تزيد<br />
من تعميق أزمة الشاعر إذ إنّ القطيعة املادية تلهب العواطف، وتؤججها في منطق العشق<br />
إذا بقي التواصل املعنوي موجوداً أما إذا اجتمع املادي باملعنوي، فقد أصبحت القطيعة<br />
شاملة وعميقة ومدمرة، وبالتالي فقد أصبحت األزمة أعمق.<br />
لذلك الغرابة من غلبة ضمير الغائب، على حضور ذكر احلبيبة حتى وإن حضرت<br />
باالسم مرتني )نوار( وبضمير املخاطب املفرد املؤنث مرة واحدة )بل أنت(، ولكنّها عندما<br />
حضرت باالسم كانت )نأت وال تدري( وعندما حضرت بضمير املخاطب كانت كذلك )ال<br />
تدرين(. إذاً فقد كان ضمير املؤنث العاقل مصدر أزمة وتوتر في املعلقة، ولعلّنا سنجد لهذه<br />
األزمة والتوتر صدى في حديث الشاعر عن الناقة والبقرة الوحشية، كما سيتبني الحقاً.<br />
ولكنّ منزلة هذا الضمير ظلت منزلة عظيمة ومميزة، بدليل أنّ هذه األنثى حضرت اسماً<br />
)نوار( وحضرت ضميراً )هي وأنتِ ) وتوزع حضورها في محطات مختلفة من املعلقة.<br />
> ضمير املخاطب املفرد املذكر )أنتَ (: فقد حضرت حركة هذا الضمير في محطات<br />
ثالث من املعلقة، تتالت منها اثنتان، في قوله ))) :<br />
))) التبريزي، ص172.<br />
16 العدد 559 فبراير 2017
20- فاقطعْ لُبانةَ من تعرَّضَ وصلُهُ<br />
(((<br />
ولَخيرُ واصلٍ خُ لَّةٍ صَ رَّامُها<br />
21- واحبُ املُجاملَ بالجزيلِ وصُ رمُهُ<br />
وكانت احملطة الثالثة، في البيت التالي:<br />
(((<br />
باقٍ إذا ضَ لعتْ وزاغَ قِ وامُها<br />
85- فاقنعْ بما قَسمَ املَلِيكُ فإنَّما<br />
(((<br />
قسَ مَ الخلائقَ بَيننَا عاَّ مُها<br />
احملطة األولى: إذاً جمعت بني حركتني متقابلتني من حيث الداللة )اقطعْ، احبُ ) وكانتا<br />
ردة فعل على فعل سابق تعلق بالضمير العائد على احلبيبة الراحلة. فاملخاطب ال يخرج<br />
عن ذات املتكلم نفسه )األنا( ولكنّه ألبس هذه )األنا( ثوب املخاطب لتكون في موضع<br />
احملقق للزجر )اقطع( واملتقبل للنصح )احب( وميكن القول: إنّهما خرجا ملعنى النصح<br />
واإلرشاد، فلبيد يطلب من املخاطب أن يكون عزيز النفس في عالقته مع اآلخرين، فإذا<br />
ما الحظ تغيراً وانحرافاً في املودة فال ضير من القطع، ثم يستحضر املخاطب، من<br />
خالل )احبُ ) يحثّه على املجاملة، وعدم التعجل واستبقاء حبال الود رغم التغير، ورمبا<br />
يكون املوقف هنا موقف محاسبة للذات، ويكثر أن يحاسب املتكلم نفسه باستعمال ضمير<br />
املخاطب موهماً نفسه أنّه يستمع لصوت غير صوته ليكون أكثر إقناعاً لذاته.<br />
ثم إنّ هذه الدائرة املنغلقة )لألنا( فيها إقصاء لآلخر، وقطيعة معه خاصة وقد كان<br />
هذا اآلخر محور األزمة، أزمة الشاعر مع ذاته. وال ريب أنّ هذا اآلخر هو ذلك الضمير،<br />
الذي كانت داللة احلركات املتعلقة به في منتهى السلبية كما تبيناها في إطار حتليلنا<br />
حلركة الضمير املفرد املؤنث الغائب واملخاطب. وقد جاء هذا التقابل الواضح بني داللة<br />
احلركتني املنسوبتني لضمير املخاطب املفرد )أنت(، معبراً عن وجهني متناقضني للشخص<br />
ذاته، هذا الشخص الذي ميلك من القدرة والصفات ما يجعله جامعاً بني الشّ دة واللني<br />
والشّ ح والعطاء والفصل والوصل.<br />
))) لبانة: حاجة، تعرض وصله: تغير وده، خلة: مودة، صرام: قطاع.<br />
))) احب: اعط، صرم: قطيعة، ضلعت: مالت، زاغ: مال.<br />
))) التبريزي، ص206.<br />
17<br />
العدد 559 فبراير 2017
ولكنّ املصدر األساسي لهذين القرارين )اقطع، احبُ ) وإن كان في الظاهر الشاعر<br />
نفسه، فإنّه في احلقيقة مصدر خارج عن نطاقه متاما،ً ألنّ هذين القرارين يتنزالن<br />
في إطار ردّ الفعل ال الفعل كما كنا أشرنا إلى ذلك آنفاً. ثم كأنّنا بالشاعر يتخذ هذين<br />
القرارين، على استحياء وضعف باعتبار أنّ ما اتخذه هو ما يجب أن يكون، ال ما هو كائن<br />
فعالً، مبعنى أنّ )األنا( مازالت مسكونة باحلبيبة الهاجرة، إلى احلدّ الذي أربكها عن<br />
اتخاذ القرار بثوب )األنا( بل اتخاذه بثوب املأمور ال اآلمر. فاحلركتان )اقطعْ واحبْ (، هما<br />
حركتان قسريتان، وإن حاول إيهامنا بأنهما حركتان اتُخذتا بشكل إرادي.<br />
احملطة الثانية: على خالف احملطة األولى جاء املخاطب في هذه احملطة منفصالً<br />
عن ذات الشاعر )األنا( وإن كان في احلقيقة ال يقصي املتكلم إقصاء تاماً سياقاً، فهذا<br />
اخلطاب جاء في إطار افتخار الشاعر بقومه وعشيرته وما متيزوا به من سنن حميدة<br />
وفضائل محمودة موروثة عن األجداد ومتأصلة فيهم، ويبلغ الشاعر بحركة األمر في هذا<br />
البيت قمة التأكيد على أنّ هذه اخلالئق والطبائع هي قدر من الله جل جالله. وما كان<br />
قدراً من الله استحال على اإلنسان رفضه أو تغييره أو االنتقاص منه.<br />
إذاً فقد كان لإلطار املوضوعي الذي نزلت فيه حركة األمر السابقتني في البيتني<br />
العشرين واحلادي والعشرين، فاحلركتان املذكورتان طُ بعتا بطابع ذاتي خاص بالشاعر وال<br />
يتعداه إالّ إلى حبيبته الراحلة الهاجرة، أما احلركة الثانية )فاقنع( فهي تشع على أهداف<br />
كثيرة قد تشمل احلبيب والعدو، وهي في اآلن نفسه ال تقصي ذات الشاعر ألنّه جزء ال<br />
يتجزأ من ضمير املتكلم اجلمع، املضاف إلى الظرف في قوله: )بيننا(.<br />
> ضمائر املذكر الغائب )هو، هما، هم(: توزع ضمير الغائب توزيعاً ثالثياً، فحضر منه<br />
املفرد )هو( من خالل خمسة أفعال، ثالثة منها عادت على اإلنسان، وفعالن عادا على<br />
الله، في قوله:<br />
79- ومُقسِّ مٌ يُعطي العشيرةَ حقَّها<br />
(((<br />
ومُغذْمِ رٌ لحقُوقِ ها هضّ امُها<br />
80- فَضْ لا ًوذو كَرَم يُعيني على النَ ّدى<br />
سَ مْح كسوب رغائبٍ غَ نّامُها<br />
))) مقسم: يقسم بالعدل، مغذمر: يضرب حقوق الناس في بعضها، شرح ديوان لبيد، ص320-319.<br />
18 العدد 559 فبراير 2017
89- وهُ مُ العشيرةُ أن يُبطِّ ئ َحاسدٌ<br />
أو أن يلومَ مع العِ دا لوَّامُها<br />
85- فاقْنَعْ بما قَسَ مَ املليكُ فإنّما<br />
قسمَ الخلائقَ بيننا علاَّ مُها<br />
86- وإذا األمانةُ قُسِّ مت ْ في معشرٍ<br />
أوفَى بأعظمِ حظِّ نا قسّ امُها<br />
احملطة األولى: للحركات املتصلة بضمير الغائب املفرد املذكر )هو(، ضمّت ثالثة<br />
أفعال اتصل اثنان منها بسيد من أسياد قوم الشاعر )يعطي، يعني(، وال يخفى ما في<br />
هاتني احلركتني من إيجابية، تعبر عن فضل وقيمة، ذُكر بلقبني )مقسم، وذو كرم( وأسند<br />
إلى اللقب األول فعل )يعطي( وأسند إلى اللقب الثاني فعل )يعني(، وال يخفى ما في<br />
الفعلني من إيجابية تعبر عن فضل وقيمة، فالعطاء أفضل وجوه الكرم، واإلعانة أفضل<br />
وجوه املروءة. فاحلركتان اللتان عبر عنهما الفعالن تعززان غرض الفخر بالقبيلة، الذي<br />
اختار لبيد أن يجعله احملطة اخلتامية ملعلقته. وال يخلو هذا الفخر املوضوعي من فخر<br />
ذاتي »ألنّ املنطق ال يقصي ذات الشاعر من القبيلة، بل يعززها ويثبت انتماءها« ))) .<br />
احلركة الثالثة: في املجموعة األولى والتي جتلت من خالل الفعل )أن يبطئ(ن فالفاعل<br />
املتعلق بها ينأى متاماً عن ذات الشاعر وقومه، فالعالقة بني احلركتني السابقتني واحلركة<br />
الثالثة قائمة على التنافر ظاهرياً، والتناسق والتكامل حقيقة ألنّ احلسد ال يكون هدفه<br />
محسوداً ناقصاً بل كامالً، وبذلك يكون حضور احلاسد مكمالً للصورة التي بدأ الشاعر<br />
في رسمها لقومه بالفعلني )يعطي، يعني( ثم إنّ احلاسد ظهر في هيئة الفاشل العاجز عن<br />
حتقيق هدفه مع العشيرة.<br />
احملطة الثانية: للحركات املتصلة بضمير الغائب املفرد املذكر )هو( فقد ضمّت فعلني<br />
اتصال وعلى نحو جلي بالله سبحانه وتعالى )قسم املليكُ وأوفى قسّ امُها(.<br />
وقد جاءت هاتان احلركتان لتزيدا من تعزيز لوحة الفخر بالقبيلة والتي انطلق الشاعر<br />
في رسمها بداية من البيت السابع والسبعني، إذ يؤكد لبيد أنّ الله عز وجل هو من أنعم على<br />
))) لبيد بن ربيعة العامري، حياته وشعره، يحيى اجلبوري، مكتبة األندلس، بغداد 1970، ص285.<br />
19<br />
العدد 559 فبراير 2017
قومه، مبا كان قد ذكره من نعم وخصال، وهذا التأكيد يبرز أن ما يُوهب من الله ال يقوى<br />
غيره على نزعه أو االنتقاص من شأنه، ألنّ قدرة الله عزّ وجلّ ال تضارعها قوة على األرض،<br />
ونقل احلركة الثانية من خالل الفعل )أوفى( كانت أكثر تصريحاً وتوضيحاً على هذه املبادرة<br />
اإللهية لقوم الشاعر، ومتيزهم عن غيرهم بقيمة ثمينة جداً هي قيمة األمانة التي كان لقوم<br />
الشاعر أوفر احلظ منها، والتضعيف دليل ذلك في )قسّ مت، قسّ امها(. فقد تفرد ضمير<br />
الغائب املفرد )هو( في معلقة لبيد تفرداً متميزاً فكانت عالقته ب )الشاعر( عالقة تكامل.<br />
> ضمير الغائب املثنى )هما(: فقد حضر هذا الضمير من خالل بيت واحد في<br />
املعلقة، وجتلت حركته في الفعل )هبطا( والضمير متصل بطرفني ذُكرا في قوله:<br />
75- ّ فالضَ يفُ والجارُ الغريبُ كأنّما<br />
(((<br />
هَ بَطا تَبَالَةَ مُخصِ با أهضَ امُها<br />
فحركة الفعل تبدو حركة عادية في ذاتها، وقد ال تختزن داللة إيجابية أو سلبية ولكنّنا<br />
إذا ربطنا هذه احلركة باملفعول )تبالة( والنعت السببي )مخصباً أهضامها(، أصبحت<br />
داللة حركة الهبوط داللة في منتهى اإليجابية، لتزامنها مع منتهى اخلصب والنماء مكاناً،<br />
)فتبالة( واد مخصب من أودية اليمن، بل إنّ من أمثال العرب في ذلك العصر« ما<br />
حللتَ تبالةَ لتُحرمَ األضيافَ » ))) فقد كانت احلركة املتصلة بهذا الضمير حركة متصلة<br />
بذات الشاعر في إطار التعبير عن مفاخره، والتي يعتبر الكرم قيمة فخرية في إطارها<br />
االجتماعي والتاريخي وبذلك تكون حركة هذا الضمير مُعزِ زَة ملختلف احلركات اإليجابية<br />
املتصلة بضمير الغائب املفرد.<br />
> ضمير الغائب اجلمع )هم(: فقد كان عدد األفعال/احلركات التي اتصل بها ضمير<br />
الغائب اجلمع املذكر )هم( سبعة أفعال، هي )أبكروا، حتملوا، تكنسوا، يكللون، إن يفزعوا،<br />
ال يطبعون، فبنوا( وحضر من هذه األفعال ثالثة، في قوله:<br />
11- عَ رِ يَتْ وكانَ بها الجَ ميعُ فأبْكرُوا<br />
(((<br />
منها وغُ ودِ رَ نُؤيُها وثُمامُها<br />
))) تبالة: وادي، أهضام: أرض سهلة، جعل ضيفه وجاره مبنزلة من نزل وادياً خصباً.<br />
))) مجمع األمثال للميداني، ت. محمد محيي الدين عبد احلميد، مطبعة السنة احملمدية، مصر،1955م، ج2، ص260.<br />
))) النؤي: نهير حول البيت، الثمام: شجر يسد الفجوات، التبريزي، ص168-167.<br />
20 العدد 559 فبراير 2017
12- شاقَتْكَ ظُ عْنُ الحَ يِّ يومَ تحمَّلُوا<br />
فتكَنَّسُ وا قُطُ ناً ّ تَصرُ خِ يامُها<br />
أما األفعال الباقية فقد توزعت في آخر املعلقة على األبيات التالية:<br />
77- ويُكلّلُون إذا الرّياحُ تناوحَ تْ<br />
(((<br />
خُ لُجَ اً تُمَدُّ شَ وارِ عاً أيتامُها<br />
82- إنْ يفزَعُ وا تُلقَ املغافِ رُ عندَهُ م<br />
(((<br />
والسِّ نُّ يلمعُ كالكواكبِ المُها<br />
83- ال يَطبعُ ون وال يبورُ فَعالهُ م<br />
(((<br />
إذ ال تَميلُ مع الهوى أحلامُها<br />
84- فبنَوا لنا بيتاً رفيعاً سَ مْكُهُ<br />
فسَ ما إليهِ كهلُها وغُ لامُها<br />
جاءت األفعال الثالثة األولى في إطار حديث الشاعر عن األطالل وما أصابها بعد<br />
رحيل األحبة، وقد جاء ضمير اجلماعة في هذا اإلطار غير مقصود لذاته، وإنّ ا التصال<br />
حركة الراحل احلبيبة بحركة الراحل اجلمع )هم( فطبيعة العالقة بني الشاعر وحركة<br />
هذا الضمير هي عالقة قائمة على التوتر، باعتبار أنّ حركة هذا الضمير حركة مؤثرة<br />
تأثيراً سلبياً في )أنا( الشاعر، والسبب في ذلك واضح جلي، فحركة )هم( في هذا<br />
اإلطار، هي حركة تأخذ معها موضوع احلب واألنس والطمأنينة، لتسبب برحيلها اجلفاء<br />
والوحشة والقلق. أما حركة الضمير )هم( في املجموعة الثانية من األفعال/احلركات،<br />
فقد جاءت في إطار افتخار الشاعر بقومه، فأبرز كرمهم )يكللون( ومروءتهم )إن يفزعوا،<br />
ال يطيعون( وأصالتهم )فبنوا(.<br />
وعلى خالف املجموعة األولى جتلت عالقة الشاعر بضمير )هم( في املجموعة الثانية<br />
في منتهى التواصل واالنسجام، باعتبار أنّ ذات الشاعر جزء ال يتجزأ من اجلماعة التي<br />
يعود عليها هذا الضمير. فهو منطقياً يشترك معه في القيم التي جعلها موضوع افتخار<br />
))) كلل: رصف اللحم كإكليل، تناوحت: تقابلت، خلج: نهر صغير، التبريزي، ص205-203<br />
))) املغافر: سالح ودروع، السّ نّ : الرمح، المها: دروع.<br />
))) الطبع: تدنس العرض، يبور: يفسد.<br />
21<br />
العدد 559 فبراير 2017
)هم( وهي الكرم واملروءة واألصالة. ويتضح ذلك بعد حديث لبيد عن أفعاله وخصاله<br />
الذاتية، ثم ربط هذه األفعال واخلصال بالقبيلة، بداللة )إنّا، معشر، هم( هذا ينم عن<br />
روح متحدة مع القبيلة، ومجسدة لالندماج بها، »وذات الشاعر جزء ال يتجزأ عن الكلّ<br />
اجلماعي الذي هو العشيرة، وهي في أي صيغة متّ ذكرها )هم( تعبر عن )نحن( التي<br />
تتضمن حكم ال )أنا(. في دخول الذات في هذا الكلّ انخراط كامل يدل على وصل<br />
كامل« ((( .<br />
املصادر واملراجع:<br />
•شرح املعلقات العشر للخطيب التبريزي، حتقيق. فخر الدين قباوة، دار الفكر،<br />
دمشق، دار الفكر املعاصر، بيروت، ط2عام2006.<br />
•شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، ت. د. إحسان عباس، إصدار وزارة اإلرشاد،<br />
الكويت1962.<br />
•في النص الشعري العربي مقاربات منهجية، د. سامي سويدان، دار اآلداب،<br />
بيروت، ط،1989 .<br />
•لبيد بن ربيعة العامري، حياته وشعره، يحيى اجلبوري، مكتبة األندلس، بغداد<br />
.1970<br />
•مجمع األمثال للميداني، ت. محمد محيي الدين عبد احلميد، مطبعة السنة<br />
احملمدية، مصر،1955م.<br />
XXXX<br />
))) في النص الشعري العربي مقاربات منهجية، د. سامي سويدان، دار اآلداب، بيروت، ط1،1989 ص234.<br />
22 العدد 559 فبراير 2017
مقاالت<br />
بريشة ثريا البقصمي
مقاالت<br />
القدس في الشعر العربي احلديث<br />
)*(<br />
بقلم: د. زياد أبولنب<br />
يأتي كتاب الناقد عبدالله رضوان<br />
»القدس في الشعر العربي احلديث«، ملا<br />
تشغله القدس من مكانة دينية في األديان<br />
السماوية الثالثة، وما تتعرض له من<br />
تهويد وتغيير ملالمحها التاريخية، بفعل<br />
السلطة السياسية احملُ تَلَة لألرض واإلنسان<br />
الفلسطيني، وقد صدرت كتب ودراسات<br />
وأبحاث كثيرة عن القدس في الشعر<br />
والرواية واملسرحية والفنون باختالفها<br />
وتنوعها، وتلك الكتب متأل رفوف املكتبات<br />
العامة واخلاصة. وإنّ جاء رأي عبدالله<br />
رضوان مبا كُتب عن مدينة القدس شعراً<br />
أقل مما كُتب عن مدن عربية، وهذا الرأي<br />
ينقصه الدقّة العلمية، فالبحث املتقصي<br />
لتأكيد النسب اإلحصائية للكم الشعري<br />
الذي قيل في القدس قد يعطينا فارقاً<br />
واضحاً وحقيقياً بعيداً عن األحكام العامة،<br />
وقد يخالف ما جاء في مقدمة كتابه:<br />
»لقد سرقت العاصمة السياسية العربية<br />
- التقليدية بل واحلديثة - كل األضواء<br />
وأخذت اهتمام الشعراء، ولم تترك للقدس<br />
إال األقل، على أن تغيّراً نسبياً حدث في<br />
السنوات األخيرة وبخاصة منذ هزمية<br />
حزيران 1967 هذا التغير هو الذي برر<br />
)*( كاتب أردني - رئيس رابطة الكتاب األردنيني.<br />
24 العدد 559 فبراير 2017
إمكانية إجراء هذه الدراسة، وهو ما متثّل<br />
مبتغيرات القضية الفلسطينية وحتوّالتها<br />
املتعدّدة، بحيث بدأت القدس تأخذ<br />
حضورها النسبي في املعطى الشعري<br />
العربي، وإن ظلّ هذا احلضور محدوداً كماً<br />
وكيفاً« ص8 - 9. وقد أورد الرأي ثانية في<br />
ختام الدراسة بقوله: ».. وذلك مع التأكيد<br />
على قلة القصائد التي اتخذت القدس<br />
موضوعاً فنياً لها، بالقياس للعواصم<br />
السياسية العربية، وهذا سؤال يظل قائماً<br />
ويحتاج إلى تعمّق يبرر األسباب ويبحث<br />
فيها« ص77.<br />
يقف الباحث من خالل عناوين جزئية<br />
لدراسته على »صيغ وأشكال التمثّالت<br />
الشعرية ملدينة القدس في الشعر العربي<br />
احلديث«، في عُجاالت ال تغطي إال<br />
جزءاً محدوداً من القصائد التي وقف<br />
عليها، فمثالً يشرع في عنوان »التوظيف<br />
التاريخي واألسطوري والديني« فيقف<br />
على مقطوعات شعرية من قصيدة لكل<br />
من: سميح القاسم ومتيم البرغوثي وعلي<br />
عقلة عرسان ومحمود درويش، في حني أن<br />
هناك شعراء كُثر كتبوا شعراً متّكئاً على<br />
الرمز التاريخي واألسطوري والديني، وقد<br />
يتّسع الباب لبحوث وليس لبحث واحد،<br />
وهذا الرأي ينسحب على محاور البحث<br />
كلّه، وهناك أصوات شعرية متميزة تفوق<br />
ما كتبه علي عقله عرسان، بل إنّ قصيدة<br />
عرسان نظم بارد ال حياة فيها، ويخلط<br />
الشعر بالنثر، كما أن ما كتبه عبدالغني<br />
التميمي ومصطفى النجار وعلي اخلليلي<br />
يقع في دائرة النظم وليس الشعر، وقد<br />
استشهد بها عبدالله رضوان في بحثه،<br />
ومبرره – هُنا - هو املوضوع وليس فنية<br />
الشعر، وإذا فَتحتَ الباب على األخذ<br />
باملوضوع وإغفال الفن، فَسَ تجدَ أكواماً بل<br />
جباالً من الشعر املتورّم بالوهم.<br />
ومنطلق تبريره الشعري عن القدس<br />
يأتي »بهدف التأكيد على عروبة وعلى<br />
كنعانية القدس في مواجهة محاوالت تهويد<br />
وسرقة املدينة وتراثها« ص13، إذاً فهو شعر<br />
موجّ ه يحمل رسالة أو شعر مقاوِ م، واملفهوم<br />
الشعري احلديث جتاوز لغة املباشرة في<br />
القصيدة، وجتاوز أدجلة الشعر بصوره<br />
املختلفة، وأصبح شعراً يحمل جماليات<br />
احلياة وروحها كما حتمله قطعة موسيقية،<br />
أو لوحة تشكيلية، فتجد فيه مالذ الروح من<br />
25<br />
العدد 559 فبراير 2017
عذابات املدينة الطاغية بكل تناقضاتها،<br />
وكما يقولون بفجّ ها وعجرها.<br />
في التوطئة التي مهدت للدراسة<br />
التطبيقية في توظيف األسطوري<br />
والتاريخي والديني، يذكر الباحث أن مدينة<br />
»يبوس« أصبحت رمزاً للحضارة الكنعانية<br />
املبكرة، ثم تغيّر االسم إلى »أورسالم« ثم<br />
»إيليا« ثم »القدس«. رغم أن احلفريات<br />
والوثائق املصرية القدمية تثبت عكس ما<br />
ذهب إليه الباحث، ف »أورسالم« أي مدينة<br />
السالم هي التسمية األولى ملدينة القدس،<br />
وهو اسم اإلله الكنعاني حامي املدينة، ثم<br />
أخذت اسم »يبوس« نسبة إلى اليبوسيني<br />
املتفرعني من الكنعانيني، وهذا االسم نسبة<br />
للملك اليبوسي »ملكي صادق«، وهو أو من<br />
بنى يبوس، وظهر فيما بعد اسم »أورشليم«<br />
في الكتاب املقدس في سفر يشوع، وهو<br />
عبارة عن نحت من »أورسالم« االسم<br />
الكنعاني القدمي، ويعني »موقع مخصص<br />
لعبادة الله وخدمته«.<br />
وقد وردت في الكتاب إشارة الستخدام<br />
الشاعر متيم البرغوثي »مثمّن األضالع«،<br />
وهي إشارة لقبة الصخرة، تقول إشارة<br />
الباحث: »واإلشارة هنا إلى قبة الصخرة<br />
ذات األضالع الثمانية، باعتبار املثمّن جزءاً<br />
رئيساً من جماليات التشكيل الفني العربي<br />
اإلسالمي، ومصدره اآلية القرآنية الكرمية<br />
»ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية«. ص17،<br />
في حني يقول الدكتور عفيف البهنسي<br />
في بحث له قدّم ضمن أبحاث الندوة<br />
السادسة: يوم القدس، في عمان بتاريخ<br />
205 تشرين األول 1995، بعنوان: »هوية<br />
القدس العربية واإلسالمية«، »النجمة<br />
الثمانية التي تعبر عن مفهوم الكون وخالق<br />
الكون في الفكر اإلسالمي، والتي تتألف<br />
من مربعني متقابلني مبركز واحد. مربع<br />
ميثل اجلهات األربع كما هو مربع الكعبة<br />
املشرفة ومربع آخر ميثل عناصر الطبيعة<br />
األربعة: املاء والهواء والنار والتراب«.<br />
فطاملا أن البحث يخلو من أية مرجعية أو<br />
توثيق علمي، فاآلراء الواردة أو اجتهادات<br />
الباحث تبقى بعيدة كل البعد عن البحث<br />
العلمي املتقصّ ي. ودليل ذلك كشف بأسماء<br />
الشعراء وقصائدهم في نهاية الكتاب ال<br />
يوثّق املصدر بأي حال من األحوال.<br />
في عنوان آخر »التماهي والتناغم بني<br />
الذات واملكان« يقف الباحث في التطبيق<br />
على قصائد الشعراء: يوسف عبدالعزيز<br />
26 العدد 559 فبراير 2017
وهال الشروف وعبد اللطيف عقل ونضال<br />
قاسم، وقد تكررت كلمة »التذويت« في<br />
الدراسة ثماني مرات، وهي اشتقاق من<br />
الذات، وقد تعارف االشتقاق بني النقاد<br />
واألدباء احملدثني دون االستناد لقاعدة<br />
لغوية، وال نَحْ مِ ل أنفسنا على التزمّت<br />
في اللغة، بل نحن أقرب للسهل والتجويز<br />
في مفردات اللغة واشتقاقها. ولكن<br />
تكرارها ثماني مرات في صفحات قليلة<br />
تفقد الكلمة جماليات املعنى، بل تصبح<br />
استهالكاً جترارياً للمعنى، مثلها مثل كلمة<br />
»العقدي« التي تتكرر مرات كثيرة عند<br />
احلديث عن »القدس موقف ديني محدد<br />
الداللة واملعنى«.<br />
يتناول الباحث في محور أخر »عرض<br />
الوقائع اليومية مع استمرار التعلّق الروحاني<br />
النبيل« حيث يقف على قصيدة للشاعر<br />
إبراهيم نصرالله، وأخرى للشاعر متيم<br />
البرغوثي، ويلحظ الباحث اختالفاً جوهرياً<br />
بني اليومي لدى املنافي الفلسطينية وبني<br />
اليومي في القدس. كما يتناول »القدس<br />
باعتبارها خصوصية فلسطينية نادرة<br />
وحالة نضالية« في قصائد راشد حسني<br />
ومحمود درويش وعال الشروف، وأيضاً<br />
»إدانة الواقع العربي، والتوجّ ع من الواقع<br />
اليومي« في قصائد مظفر النواب ونزار<br />
قباني وعرار وعبدالرحيم محمود وعمر<br />
أبو ريشة وعبدالغني التميمي وأحمد مطر<br />
ومحمد مقدادي، وفي محور »التباهي<br />
واالفتخار باملكان املقدسي« يتناول<br />
قصيدة للشاعر املتوكل طه وأخرى للطفي<br />
الياسيني، وفي »املدينة متكأ لقول هموم<br />
الشاعر وتقدمي رؤيته« ينحصر في قصيدة<br />
»حتت الشبابيك العتيقة« حملمود درويش،<br />
وفي »القدس نظرة إنسانية حزينة« يقف<br />
الباحث على قصائد: هارون هاشم رشيد<br />
وسليمان العيسى وعمر أبو ريشة وإيليا<br />
أبو ماضي وزكي قنصل وعلي اخلليلي<br />
واألخوين رحباني وفدوى طوقان وحنا أبو<br />
حنا، ويتناول »القدس موقف ديني محدد<br />
الداللة واملعنى« في قصائد الشعراء:<br />
يوسف العظم وأمني شنار ونبيلة اخلطيب<br />
وعبدالغني التميمي، وفي احلديث عن<br />
»القدس موقف لشحذ الهمم والدعوة<br />
إلى الثورة والتغيير« يقف على قصائد:<br />
علي محمود طه ومظفر النواب ومصطفى<br />
النجار ونايف أبو عبيد وشادي املناصرة.<br />
27<br />
العدد 559 فبراير 2017
وقد ختم الناقد عبدالله رضوان بحثه<br />
بالقول: »وبعد، فهذه هي الصورة الشمولية<br />
التي أمكن رصدها للصيغ والكيفية التي<br />
تعامل بها الشعراء العرب في العصر<br />
احلديث مع قضية القدس، وهو تعامل عام<br />
غطّ ى مجمل اجلوانب التي ميكن للمبدع أن<br />
يتعامل فيها مع مكان متميز، ومع قضية<br />
مقدسة وهي القدس« ص77. وللموضوعية<br />
إن الدراسة التي قام بها عبدالله رضوان<br />
دراسة جادة، رغم أن العامل املوضوعي<br />
للدراسة هو الذي طغى على العامل الفني،<br />
فهناك من شواهد الشعر ما يرتقي بالفن<br />
وجمالياته ملستويات عالية، وهو قليل في<br />
هذه الدراسة، وهناك شواهد من نظم<br />
تقليدي ونثرية تهبط في فن الشعر، ويوظّ فه<br />
الباحث في خدمة الفكرة التي يسعى إلى<br />
تثبيتها في دراسته، وأيضاً قد وقع الكتاب<br />
في أخطاء طباعية وإمالئية، خاصة إهمال<br />
همزات القطع في مواضعها، مما أفسد<br />
متعة القراءة وتتبع املوضوع.<br />
28 العدد 559 فبراير 2017
مقاالت<br />
القصيبي .. ورسالة »سيف الدولة«!<br />
)*(<br />
بقلم: يوسف عوض العازمي<br />
مايسعى إليه اإلنسان »السامي« يكمن في ذاته هو ، أما »الدنيء«<br />
فيسعى ملا لدى اآلخرين«.<br />
« كونفويشيوش«<br />
»إن الكتابة عن األدب السياسي، أو األدب<br />
الذي رافق مواقف سياسية معينة، مت توثيقها<br />
أدبيًا، عبر الشعر، في كثير من األحيان تبدو<br />
صعبة، فما بالك لو كان أحد أطراف هذه<br />
املواقف السياسية، شاعرً ا »متمكنًا«، سنكون<br />
وقتها بانتظار وجبة شعرية باذخة، تتباحث<br />
والتاريخ السياسي وآدابة..<br />
والقيادة السياسية للوزارات تختلف<br />
من بلد إلى آخر، ومن دولة عن دولة أخرى،<br />
لكل دولة ظروفها وسياستها اخلاصة،<br />
وتقاليدها اإلدارية املمارسة بها اصطدام<br />
الشعر بالقرار السياسي ليس باألمر الذي<br />
ميكن متريره مرور الكرام، أو إماطة الوجه<br />
عنه، أو حتى استخدام غض النظر املثمر<br />
لضبط النفس جتاه وزير في دولة عرفت<br />
بصرامتها اإلداريه وتقاليدها الراسخة في<br />
هذا الشأن، التأثر بشعر املتنبي وبقصصه<br />
وأشعاره مع سيف الدوله، ليست صاحلة<br />
لكل زمان، وكل دولة، فمنذ أيام سيف<br />
الدولة في تلك القرون املاضية، حتى أيام<br />
الدولة السعودية في زمانها هذا، الشعر<br />
في مكانه وزمانه فقط، غير مسموح<br />
باخلروج عن النص، وللبالط امللكي آدابه.<br />
ولكل مقام مقال ..<br />
ثمه أمور يتواجه بها األدب والشعر<br />
والقيادة والسياسة وجها« لوجه، وينتج عن<br />
)*( كاتب كويتي .<br />
29<br />
العدد 559 فبراير 2017
ذلك تصادم عنيف يؤدي بأحد »املتواجهني«<br />
.. ألن األدب والشعر قد اليكون في مكانه<br />
املناسب وقت اإلتيان به. ونرجع هنا ملقولة<br />
»لكل مقام مقال« !<br />
واألديب والشاعر د. غازي بن<br />
عبدالرحمن القصيبي )مارس 1940.<br />
أغسطس 2010. كان يشغل منصب وزير<br />
الصحة في احلكومة السعودية إبان فترة<br />
حكم امللك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله،<br />
ومت إعفاؤه عن منصبه كوزير للصحة بعد<br />
سنة ونصف من تقلده، حيث كان ملدة سنة<br />
باإلنابة ونصف السنة باألصالة. والدكتور<br />
غازي رحمه الله هو املقصود بهذا البحث<br />
البسيط، حيث أثارت إقالته زخما »كبيرا«،<br />
ألسباب عديدة أهمها السبب احلقيقي<br />
لإلعفاء )كما توقعه املراقبون في تلك<br />
الفتره الزمنية( وكان السبب قصيده<br />
شعرية كتبها الوزير ونشرت ولفتت االنتباه<br />
لشكل الطريقة التي صيغت بها، واحلرفة<br />
الشعرية التي تعاملت مع السياسة واجلو<br />
السياسي احملاط بالوزير تلك الفترة.<br />
فلم يكن مقبوال »ال إداريا« وال بروتوكوليا<br />
»وال حتى سياسيا« أن ينقل ماوراء جدران<br />
السياسة من أمور خاصة جدا، إلى العلن.<br />
د. غازي القصيبي<br />
وبشكل قصيدة شعرية حتمل معان غير<br />
مقبولة لشكل املقام وقتها..<br />
وقبل أن أبدأ بذكر بعض األسباب<br />
املوضوعية. ملا جرى في هذا املوضوع،<br />
وحتى يكون الشرح واضحا«، وأسهل.<br />
معروف أن عنوان القصيدة، أيضً ا« كان<br />
مثيرًا« للجدل، كالقصيدة. كشاعرها،<br />
كإثارة تلك الظروف في تلك الفتره التي<br />
كان فيها الدكتور والشاعر والوزير غازي<br />
هو شاغل الدنيا والناس !<br />
مما بدا في القصيدة، وكانطباع أولي<br />
سريع، يتكشف ألول وهلة »شكل اخلطاب«،<br />
30 العدد 559 فبراير 2017
بدءًا من العنوان املثير للجدل، أيضا تبرز<br />
اللهجة اجلديدة في مخاطبة »سيف<br />
الدولة«، والذي هو كما يفهم »امللك فهد«،<br />
حيث ميوه الشاعر بذكاء بسيف الدولة،<br />
مع علم املتابع بأن سيف الدولة احلمداني<br />
املقصود هو »امللك فهد« !<br />
ومبا أن في مخاطبة امللوك لها آداب<br />
خاصة، وخير من يعرفها هو وزير امللك،<br />
الذي هو شاعرنا املقصود في هذه<br />
السطور، فقد »تهور« قلب الشاعر في<br />
»نفس« الوزير غازي. وكسر بروتوكوالت<br />
التخاطب، وتعدى أبجديات الدبلوماسية،<br />
وعاتب »سيف الدولة« عتابًا شديدًا وكما<br />
أسلفت، معروف من هو املقصود !<br />
هنا لن أنقد القصيدة كقصيدة، ونص<br />
شعري، فليس هذا مقام للنقد، إنا<br />
سأحتدث من وجهة نظر سياسية. أدبية<br />
محضة، ألن الوضع املعروض متشابك<br />
سياسيا »وأدبيا« وإعالميا أيضا، فالوزير<br />
الذي كان حديث الناس وشاغلهم، كان<br />
يلقب باالبن املدلل للملك، بسبب حظوته<br />
اخلاصة وتقديره الشديد عند امللك .<br />
وككل حالة مشابهة عبر التاريخ<br />
السياسي، فقد برز للوزير املدلل خصوم من<br />
داخل وخارج مؤسسة احلكم، وقامت شتى<br />
اإلتهامات. لم أقل شتائم. ) ضده. وكان<br />
يتهم دائما بالعلمانية والليبرالية، وبأنه<br />
مييل للنمط التغريبي، وتهم كثيره كتلك،<br />
وروج عنه خصومه كثيرًا من االتهامات<br />
التي تتعلق بضعف الوازع الديني، وما إلى<br />
ذلك على نفس النسق والسياق ..<br />
في القصيدة وفي البيت األول إلى<br />
الرابع، جند الشاعر يشكو وجود الواشني،<br />
عند الذي يطرب إلنشاده، وكان بشوش<br />
الوجه دوما« حني لقائه ..<br />
ثم ينقلب احلال إلى وجع نفسي شديد،<br />
أصاب الشاعر كما بني في خامس األبيات،<br />
حينما بدأ بالعتاب الذي كتب شعرا بأدب،<br />
لكنه قطعا يحمل أقسى العتب الذي يتبني<br />
بوضوح ملن يقرأ مابني السطور !<br />
وهنا أيضا »يتوضح حجم اجلرح<br />
في نفس الشاعر الوزير، من سماع امللك<br />
لألحاديث املضادة له، فاتهم مناوئيه بأنهم<br />
خدعوا امللك، وأن امللك عجبه اخلداع.<br />
31<br />
العدد 559 فبراير 2017
)هنا سقطة دبلوماسية وبروتوكولية من<br />
شخص يعرف متاما« مايقول(.<br />
سأقف هنا بشكل سريع، حيث يالحظ<br />
القارئ االنفعال في نفس الشاعر، تلك<br />
النفس التي تغلبت على نفس السياسي،<br />
ويتبني أيضا أن القصيبي لم يضبط<br />
انفعاالته، ويتكئ على الدبلوماسية<br />
املستحسنة في هكذا مواقف. تذكرت هنا<br />
أن الشاعر اليستطيع نزع ثوب الشعر،<br />
أينما وصل من مناصب أو مسؤوليات ..<br />
في البيت السابع يتعجب الشاعر من<br />
من القلوب التي جعلها الله خزائن للمشاعر<br />
املتقلبة!، وهنا قد نلمح اتهاما »مبطنا«،<br />
حيث يتهم املخاطب بتقلب املواقف، إننا<br />
أيضا النستطيع املرور مرور الكرام على<br />
مفردة »خزائن«!<br />
هل يقصد بها بأن قلوب الناس حتفظ<br />
وتغلق على املشاعر داخل القلوب ؟<br />
في األبيات من الثامن إلى احلادي<br />
عشر، ينتقل الشاعر ويوجه دفة احلديث<br />
نحو خصومه، الذين وصفهم بالوشاة،<br />
حيث يصف نفسه أو أخالقه. الفرق.<br />
ببياض الراية، مبعنى حسن األخالق، ثم<br />
يعرج بثقة عند قوله: فاسعوا في أدميي<br />
واضربوا !<br />
أي إنه رضي خلصومه أن يسعوا في<br />
»أدميه«. مبا معناه »جلده السميك«.<br />
وزاد أيضا »واضربوا«!، كداللة على تركه<br />
الساحه لهم برضاه نأيًا« عن معارك ليس<br />
يحسن خوضها، وإن عزته وإباءه متنعانه<br />
من أن يحارب »ثعلبا«، وفي ذلك رفعة<br />
للنفس كما يفهم من البيت. ومسار بقية<br />
األبيات املقصودة. حيث يصف خصومه<br />
بأنهم الميلكون سوى الدسائس، ويكرر<br />
ارتفاع النفس عن مجاراة الدنيء الذي<br />
أسماه بالعقرب ..<br />
وفي األبيات من الثاني عشر إلى<br />
السادس عشر، يدخلنا الشاعر إلى محور<br />
هام متصل باحملور السابق، وإن بوضوح<br />
أكثر، ميتدح الفقر الذي يحفظ كرامته،<br />
وبأن احلر اليصغي للوشاة، وبنفس السياق<br />
يعيد العتب عندما يقول وبشكل أقرب<br />
للتأكيد، بأن الفقر على مابه من عوز<br />
وحاجة، إال أنه أصدق )هنا لفظ »الصدق«<br />
يبني شيئا في نفس الشاعر( من ود اخلليل<br />
املتغير املتلون املتذبذب!<br />
32 العدد 559 فبراير 2017
وفي البيت اخلامس عشر والذي يليه،<br />
يبدأ البيت بحرف »س« أي إنه سيعمل، أو<br />
أنه ينوي أن يصب في سمع الرياح قصائده،<br />
أي سينثر القصائد في وجه الرياح، وشبه<br />
اخلصوم هنا بالرياح، وهو تشبيه بليغ يدل<br />
على قوة كالرياح، لكنه أيضا وفي لفظ<br />
»سأصب« يبني بفخر واضح أنه سيحارب<br />
الريح ويواجهها بقصائده، وبنفس الوقت<br />
لن يبحث أو يرجتي مكاسب من وراء ذلك،<br />
ألنه سيصيغ في شفة السراب )السراب:<br />
وصم اخلصوم بالكذب بطريقة مهذبة( ثم<br />
بعجب يؤكد أن السراب مع الكرامة يشرب!<br />
ببداية البيت السابع عشر ينتقل إلى<br />
محور آخر، وهو محور من أجمل محاور<br />
القصيدة، عندما يقرر أن الفراق قد أزف،<br />
ويسأل: هل سيكون وداعه صامتًا. وفجأة<br />
وبنفس البيت وفي الشطر الثاني يوجه<br />
سؤاال للمعاتب )بضم امليم وفتح العني( سؤاال<br />
فيه من اجلرأة في املخاطبة، أم أنت مصغ<br />
للعتاب فأعتب. ، إبداع الشاعر في الربط<br />
والضبط في املعنى، وإرفاق الصيغ مبفردات<br />
ترفع القيمة الشعرية للبيت واضح ..<br />
وأتابع انسكاب العتب الغزير، بألفاظ<br />
مرتفعة الرمت، تسترشد املعنى بداللة خفية<br />
التغيب عن القارئ احلذق، حيث يتالعب<br />
الشاعر باأللفاظ، ويضع معنى في سياق،<br />
وآخر خارجه، والفكرة واحدة، واملقصود<br />
يتجسد بوضوح املضمون ..<br />
في البيتني التاسع عشر والعشرين،<br />
يبدأ بكلمة »ياسيد«، أي أن الكالم اآلن<br />
مباشر وموجه للشخص املقصود، وتتبني<br />
مؤثرات أبا الطيب املتنبي في البيتني،<br />
وكأننا نقرأ للمتنبي مخاطبا« سيف الدولة،<br />
خاصه بالشطر الثاني من البيت العشرين<br />
حينما يقول: أما وقد أرضاك فهو محبب!.<br />
في هذا الشطر وكأنه املتنبي بقوله: يا<br />
أعدل الناس إال في معاملتي، في القصيده<br />
األشهر للمتنبي ..<br />
في البيت الواحد والعشرين والثاني<br />
والعشرين، ينتقل برشاقه إلى محور آخر،<br />
حيث ميره بسرعة. وأي سرعة.<br />
يصف خصومه ويتهمهم باملادحني<br />
اجلائعني، أي منافقون يبحثون عن غنائم.<br />
ألنهم بحسب الشاعر اليدعون إال ودادا«<br />
في قلوب جال فيها »أشعب«!. القصد<br />
واضح. واملعروف اليعرف !<br />
33<br />
العدد 559 فبراير 2017
وينتقل بعد البيتني حملور آخر، عندما<br />
يؤكد أن الكاتب والشاعر اللذين يبيعان<br />
ويتاجران في النفاق والرياء، اليستويان مع<br />
قلم وشاعر يراعه بدم العيون يكتب، حيث<br />
يصف احلالة ببراعة .. ومتكن .وشاعرية..<br />
وفي آخر بيتني، يؤكد لنا الشاعر تأثره<br />
بقدوته املتنبي، وأيضا« يذكرنا بقصبدة<br />
واحر قلباه. حيث يشيد بنفسه ويفتخر<br />
ويعتز بشعره الذي يشرق وغيره يغرب،<br />
وبأنه شاعر األفالك الذي كل كليمه منه،<br />
من قوة تعبيرها، ورصانتها، وبالغتها،<br />
تلهب شفق اخللود!<br />
وحتى يعيش القارئ أجواء القصيده،<br />
ويتنفسها، سأضع فيما يلي نص القصيده<br />
كامله:<br />
بيني وبينك ألف واش ينعب<br />
فعام أسهب في الغناء وأطنب<br />
صوتي يضيع وال تحس برجعه<br />
ولقد عهدتك حني أنشد تطرب<br />
وأراك ما بني الجموع فلا أرى<br />
تلك البشاشة في املامح تعشب<br />
وتمر عينك بي وتهرع مثلما<br />
عبر الغريب مروعاً يتوثب<br />
بيني وبينك ألف واش يكذب<br />
وتظل تسمعه .. ولست تكذب<br />
خدعوا فأعجبك الخداع ولم تكن<br />
من قبل بالزيف املعطر تعجب<br />
سبحان من جعل القلوب خزائنا<br />
ملشاعر ملا تزل تتقلب<br />
قل للوشاة أتيت أرفع رايتي البيضاء<br />
فاسعوا في أديمي واضربوا<br />
هذي املعارك لست أحسن خوضها<br />
من ذا يحارب والغريم الثعلب<br />
ومن املناضل والسلاح دسيسة<br />
ومن املكافح والعدو العقرب<br />
تأبى الرجولة أن تدنس سيفها<br />
قد يغلب املقدام ساعة يغلب<br />
في الفجر تحتضن القفار رواحلي<br />
والحر حني يرى امللالة يهرب<br />
والقفر أكرم ال يغيض عطاؤه<br />
حينا ويصغي للوشاة فينضب<br />
والقفر أصدق من خليل وده<br />
متغير ..متلون .. متذبذب<br />
سأصب في سمع الرياح قصائدي<br />
ال أرتجي غنماً ... وال أتكسب<br />
وأصوغ في شفة السراب ماحمي<br />
إن السراب مع الكرامة يشرب<br />
34 العدد 559 فبراير 2017
أزف الفراق ... فهل أودع صامتا<br />
أم أنت مصغ للعتاب فأعتب<br />
هيهات ما أحيا العتاب مودة تغتال<br />
أو صد الصدود تقرب<br />
يا سيدي. في القلب جرح مثقل<br />
بالحب ... يلمسه الحنني فيسكب<br />
يا سيدي. والظلم غير محبب<br />
أما وقد أرضاك فهو محبب<br />
ستقال فيك قصائد مأجورة<br />
فاملادحون الجائعون تأهبوا<br />
دعوى الوداد تجول فوق شفاههم<br />
أما القلوب فجال فيها أشعب<br />
ال يستوي قلم يباع ويشترى<br />
ويراعه بدم املحاجر تكتب<br />
أنا شاعر الدنيا ... تبطن ظهرها<br />
شعري ... يشرق عبرها ويغرب<br />
أنا شاعر األفلاك كل كليمة مني<br />
على شفق الخلود تلهب<br />
أخيرا، في هذه القصيدة نرى احلياة<br />
بوجه مختلف، واحلس اإلنساني وكأنه يدور<br />
حول مشاعر متقلبة متأرجحة متناقضة،<br />
تتوافق والتتفق، في هندسة دقيقة ملا يجول<br />
في اخلاطرة اإلنسانية من شتى مابها،<br />
وماتؤثر به ويؤثر بها، احملبة ومتوجاتها<br />
في بحر عميق، الغيرة وتياراتها، املناصب<br />
وتهيؤاتها، املطامع ونظراتها، والفقد<br />
وماهيته، في ما مضى من سطور وكأني<br />
أقرأ عن النهار وإشراقه، وعن الغروب<br />
ومسائه، عن الصباح الذي يبدأ به الوزير<br />
املغضوب عليه عمله الدؤوب، وعن الليل<br />
الذي تبدأ به همهمة الواشني، وسفسطتهم،<br />
وعن الشعر وقصائده، واحلرف وكلماته،<br />
واملنظور، والغموض، واإلبتسام والبكاء ..<br />
قصيدة حتكي أن، وحتكي إن، وتلمح<br />
وتوضح، ومتدح وتنقد، كأنك أمام لوحة<br />
تراجيدية حتوي من الهم البكائي ماحتويه،<br />
ومن احلزن ماترويه، عندما جتتمع السياسة<br />
في جلسة حميمة مع األدب، فأنت في<br />
ضيافة غازي بن عبدالرحمن القصيبي ..<br />
XXXX<br />
35<br />
العدد 559 فبراير 2017
مقاالت<br />
اآلداب زينة المجتمعات الراقية<br />
فضل األدب على املجتمع كبير ودوره<br />
دورٌ جوهري, كنت أفكر منذ زمنٍ في مهنة<br />
)املؤدب( التي كانت في العهد العباسي، بل<br />
واستمرت حتى الدولة العثمانية، طرأ على<br />
خاطري إعداد مؤلفٍ يصلح أن يكون منهاجً ا<br />
تربويا تكون مادته مستخلصةً من األدب<br />
العربي، ألنني التمستُ من أهل زماننا في<br />
أخالق املتأدبني أو العاملني في حرفة األدب<br />
فضائل كثيرة و مروءات جمَّ ة، فوجدت ذلك<br />
الفضل عائدً ا إلى املخزون األدبي املختمر<br />
في أنفسهم، من هنا يحضرني قول لألديب<br />
األملعي مصطفى صادق الرافعي: « إن لألدب<br />
غرضان، غرضٌ أسمى وغرضٌ أدنى، فاألدنى<br />
هو التأدب و التخلُّق و األسمى هو خدمَةُ<br />
كتاب الله تبارك وتعالى « والغرضُ األدنى<br />
)*(<br />
بقلم: عبد الله الفيلكاوي<br />
هو ما نتباحثُ هُ في هذه املقالة، وسأعطي<br />
مناذج من هذه اآلداب وأثرها على النفس<br />
والوجدان والسلوك االجتماعي.<br />
إن الذين يحفظون األبيات التي حتث على اجلود والكرم هم الذين تفيض أيديهم<br />
وأنفسهم بهذه اخلصلة النبيلة ولقد حصلتُ في مباحثة مع األديب طالل العامر في هذا<br />
املعنى على حكاية شخصية له حيث يقول : إذا اعترضني عارض كرم ورأيت في نفسي<br />
إمساكًا فزع الشعر بداخلي يحثني حثًا ويسوقني سوقًا إلى سوق املكارم:<br />
)*( شاعر وكاتب كويتي.<br />
36 العدد 559 فبراير 2017
ال يألفُ الدرهمُ املضروب صُ رَّتنا<br />
لكن يمرُّ عليها وهو منطَ لِقُ<br />
وفيه خبرٌ مشابهٌ للشجاعة واإلقدام أن معاوية بن أبي سفيان قال : والله ما ثبتُّ أمام<br />
اإلمام علي بن أبي طالب إال بقولِ ابن اإلطنابة:<br />
إن الذين يحفظون األبيات التي حتث على اجلود والكرم هم الذين تفيض أيديهم<br />
وأنفسهم بهذه اخلصلة النبيلة ولقد حصلتُ في مباحثة مع األديب طالل العامر في هذا<br />
املعنى على حكاية شخصية له حيث يقول : إذا اعترضني عارض كرم ورأيت في نفسي<br />
إمساكًا فزع الشعر بداخلي يحثني حثًا ويسوقني سوقًا إلى سوق املكارم:<br />
ال يألفُ الدرهمُ املضروب صُ رَّتنا<br />
لكن يمرُّ عليها وهو منطَ لِقُ<br />
وفيه خبرٌ مشابهٌ للشجاعة واإلقدام أن معاوية بن أبي سفيان قال : والله ما ثبتُّ أمام<br />
اإلمام علي بن أبي طالب إال بقولِ ابن اإلطنابة:<br />
أَبَتْ لِي عِ فَّتِ ي وأَبَى إبائي<br />
وأَخْ ذِ ي الحَ مْدَ بالثَّمَنِ الرَّبِ يحِ<br />
وَقَوْلِي كلَّما جَ شَ أَتْ وجاشَ تْ<br />
مَكانَكِ ، تُحْ مَدِ ي أَو تَسْ تَرِ يحِ ي<br />
وليتَه انصرف وما ثبت ولكن ليس هذا شاهدنا من الرواية بل املوقف والدافع الشعري<br />
األدبي، وكذلك حتى في أدق شؤون احلياة فإنك جتد املتأدب العربي يتمثلُ بحكم أبي<br />
الطيب املتنبي - صلوات الشعر وسالمهُ عليه - فذلك يقول واصفًا اختبارهُ معرفةَ<br />
الصديق:<br />
أُصَ ادِ قُ نَفسَ املرْءِ من قبلِ جسمِ هِ<br />
وَأعْرِ فُهَا في فِ عْلِهِ وَالتّكَلّمِ<br />
وذلك يردُّ ظنَّ السوء الذي رُميَ بهِ بقول أبي الطيب:<br />
إذا ساءَ فِ عْلُ املرْءِ ساءَتْ ظُ نُونُهُ<br />
وَصَ دَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّ مِ<br />
37<br />
العدد 559 فبراير 2017
وذلك يتأسى ويتعلل على فقدان األصدقاء في طول مسيرة احلياة بقول البحتري )عازفُ<br />
الشعر(:<br />
لنا في كلَّ دهرٍ أصدقاءٌ<br />
عِ دًى وحاالتٌ تحولُ<br />
بل حتى في اللهو لهم مروءات خذ قول بشار بن برد )املبصر في الشعر(:<br />
ال تفش سرَّ فتاة كُنْتَ تألفُها<br />
إنَّ الكريم لها راعٍ وإن تابا<br />
واسعدْ بما قال في الحلم ابنُ »ذي يزنٍ »<br />
يلهو الكرامُ وال ينسون أحسابا<br />
حتى الفتاة التي لهوت معها ال تفش أسرارها وكن مُستَودَعًا ملا استودعت بل حتى في<br />
حاالت لهوك ال تُسقط مروءتَك وال تنسَ فضلك و أحسابك<br />
وذاك يُفاخرُ بعفتهِ وشرفه ببيتِ أبي فراسٍ احلمداني:<br />
عَ فافُكَ غَ يٌّ إنما عفّةُ الفتى<br />
إذا عفَّ عن لذّاتِ هِ وهو قادِ رُ<br />
ليت شعري كيف ينشأ الناشئ الذي يتربى على معاني القاضي أبواحلسن اجلرجاني<br />
وهو يصف عزة نفسه وجنوحه عن موقف الذل:<br />
يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما<br />
رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما<br />
أرى الناسَ من داناهُ مُ هان عندهم<br />
ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِ ما<br />
والشواهد بعدد األنفاس و الفضائل كثيرة إنا هذا املقال من عجل االرجتال و للتمثيل<br />
ال اإلجمال، ويقول قائلٌ لقد كشفت خطَّ ة بحثك وعرضت خطَّ مؤلَّفِ ك وقد يُؤخذ منك!<br />
أقول إن حصل فبه ونعمَ وكفيتُ تعبَ العمل، ولكن هذا ميدان خصب ويستحق أن<br />
تخرج فيه مؤلفات ال مُؤلف واحد وعسى الله أن يوفق و ييسر وننشط في هذا العمل.<br />
38 العدد 559 فبراير 2017
قراءات<br />
بريشة جاسم مراد
قراءات<br />
قصيدة »سوسنة اسمها القدس« ل : نازك المالئكة<br />
إغداق سخي مبفردات الطبيعة كي ندرك حجم<br />
خسارة الفقد للمدينة<br />
)*(<br />
> بقلم:عهود العتيبي<br />
مقدمة<br />
تشغل األمكنة واملدن حيزاً كبيراً من<br />
قرائح الشعراء، فهي ليست مجرد حجارة<br />
صماء وبيوت وأسواق، بل كثيراً ما تعامل<br />
الشعراء معها على أنها كائن حي حتمل في<br />
طينها وإسمنتها نبض الناس الذين شيدوها.<br />
ويرى الناقد الدكتور مختار أبو غالي<br />
بأن املدينة مركز ثقل إنساني« فاستقطبت<br />
جهد اإلنسان واستدرجته، وبدأت مفاتنها<br />
وشرورها اآلسرة تأخذ شكل الغواية التي<br />
يصعب مقاومتها«. )املدينة في الشعر<br />
العربي املعاصر، سلسلة عالم املعرفة،<br />
- 1995 العدد196(.<br />
)*( كاتبة كويتية.<br />
وبعض املدن استهوت الشعراء الذين<br />
ولدوا أو عاشوا فيها فقط، بينما هناك مدن<br />
أخرى كان لها البعد األوسع فألهمت شعراء<br />
من بالد أخرى رمبا لم يزوروها حتى، ألنها<br />
اكتسبت حضورها إما بسبب مكانتها إما<br />
الدينية أو اجلغرافية اخلالبة، أو لعمقها<br />
التاريخي، أو ألحداث سياسية وقعت فيها،<br />
وفي هذه الناحية جند أن القدس من املدن<br />
العربية التي كان لها احلضور الوافر في<br />
مخيلة الشعراء، فهي تتجدد في ذاكرتهم<br />
دائماً، ويحسبون حسابها في أنشطتهم<br />
الثقافية وندواتهم، وأبرز هذه االحتفاليات<br />
في الثالث سنوات األخيرة، احتفال العرب<br />
بالقدس عاصمة للثقافة العربية، وأقامت<br />
لها »املجلة العربية للعلوم اإلنسانية« في<br />
جامعة الكويت ندوة عام 2009 بعنوان<br />
40 العدد 559 فبراير 2017
لغة الطبيعة تهيمن على<br />
القصيدة، فتحشد الشاعرة<br />
كل ما يتأتى أمامها من<br />
مشاهد الكون كالزهور<br />
واملياه واجلبال والوديان<br />
والكواكب والنجوم<br />
والعناقيد الشواطئ<br />
»القدس ريحانة الضمير العربي«، وخرجت<br />
بتوصيات مهمة تتمثل في:« تكوين جلنة<br />
جلمع الوثائق املختصة بالقدس املنتشرة<br />
في اخلزائن العامة وخاصة فيما يتصل<br />
بالقدس إبان العهد العثماني وتوثيقها<br />
وحفظها وتوجيه اهتمام الدارسني بتنقية<br />
التراث العربي من االسرائيليات التي<br />
أصبحت أداة في يد الصهيونية تدعي بها<br />
حقوقا علمية وثقافية ليست لها، وترجمة<br />
ملخصات البحوث التي نوقشت في الندوة<br />
وطبعها في كتاب باللغات العاملية ومن ثم<br />
نشرها لتنوير الرأي العام العاملي، فضال<br />
عن تخصيص مقرر عن القدس دراسة<br />
حضارية بني املتطلبات االختيارية بجامعة<br />
الكويت واإليعاز إلى سائر اجلامعات<br />
العربية باتخاذ تلك اخلطوة، باإلضافة إلى<br />
إنشاء موقع على اإلنترنت خاص بالقدس<br />
العربية حترره كليات اإلعالم واآلداب<br />
والتربية واالقتصاد والعلوم االجتماعية،<br />
وأيضا اعتبار القدس عاصمة دائمة<br />
للثقافة العربية تزامنا مع إعالن اختيار<br />
العواصم العربية األخرى«. )صحيفة<br />
األنباء الكويتية/5 نوفمبر 2009(<br />
أسباب اهتمام الشعراء العرب بالقدس<br />
متتلك مدينة القدس مقومات كثيرة<br />
تستدعي االهتمام، فهي ذات عمق روحاني<br />
ديني أبرزها اإلسراء واملعراج، ولها منحى<br />
تاريخي أيضاً لقدمها املوغل في املاضي<br />
وتعاقب احلضارات عليها، ثم في العصر<br />
احلديث أصبحت ذات بعد سياسي نتيجة<br />
الصراع احلاصل حولها، ومحاولة انتزاعها<br />
من العرب لصالح إسرائيل. ويرى بعض<br />
النقاد:«أن مدينة القدس حظيت بأكثر<br />
شعر املدائن قاطبة. نظراً ملا كانت عليه<br />
من قيمة تاريخية ومحورية في احلروب<br />
والصراعات في املنطقة.. ومكانتها في<br />
الديانات السماوية. ولكنها لم تنل هذا<br />
احليز منذ معركة حطني إال بعد النكبة<br />
41<br />
العدد 559 فبراير 2017
والنكسة«.أي بني العامني 1948م و1967م.<br />
حيث بدأت الهزائم العربية أمام عمليات<br />
الهاغانا اإلسرائيلية وغيرها في احتالل<br />
فلسطني. يقول الشاعر إيليا أبي ماضي<br />
عنها في قصيدة بعنوان »أنتِ «:<br />
مهبط الوحي مطلع األنبياء<br />
كيف أمسيت مهبط األرزاء<br />
ويقول الكاتب الدكتور أسامة<br />
األشقر: »لم تكن القدس<br />
موضعاً جغرافياً جرت<br />
عليه أحداث سجّ لها<br />
التاريخ فحسب، ولم تكن<br />
موطناً يتغنى به سكانه<br />
املقيمون به أو املغتربون عنه،<br />
بل هي قيمة رمزية حتتل مكانة خاصة<br />
في كل قلب مؤمن، ينشأ حبها في قلبه مع<br />
تلقيه أولى اإلشارات السماوية والوحي<br />
اإللهي اخلامت، وتعيش معها في قلب<br />
املثال التاريخي، وجوهر الصراع الفاصل<br />
بني احلق والباطل، ولطاملا كانت القدس<br />
مصدراً من مصادر اإللهام في تاريخنا<br />
القدمي والوسيط واملعاصر«. )من مقدمة<br />
كتاب »القدس في الشعر العربي احلديث<br />
للدكتور يوسف حطيني – مؤسسة فلسطني<br />
للثقافة ط2012-1(.<br />
القدس في قصيدة »سوسنة« للشاعرة<br />
نازك املالئكة<br />
لم تكن املشاعر القومية لدى الشعراء<br />
العرب بأقل من نظيرتها لدى الشعراء<br />
الفلسطينيني بعد وقوع النكبة والنكسة،<br />
فقد جسد الشعراء إحساسهم<br />
باملرارة واأللم واخليبة عبر<br />
قصائدهم التي كان من<br />
بينها قصيدة ظلت خالدة<br />
للشاعرة العراقية نازك<br />
املالئكة بعنون »سوسنة<br />
اسمها القدس«.<br />
هيمنة الطبيعة على أجواء القصيدة<br />
املالحظ في هذه القصيدة أن لغة<br />
الطبيعة تهيمن على القصيدة، فتحشد<br />
الشاعرة كل ما يتأتى أمامها من مشاهد<br />
الكون كالزهور واملياه واجلبال والوديان<br />
والكواكب والنجوم والعناقيد الشواطئ..<br />
وغيرها الكثير من مفردات الطبيعة،<br />
وكأنها تريد أن تخبرنا بأن القدس هي<br />
مزيج من كل هذا الكون، بل هي كل هذه<br />
الطبيعة اخلالبة. فمنذ البداية يأخذنا<br />
42 العدد 559 فبراير 2017
العنوان إلى »زهرة السوسن«، قبل أن<br />
تؤكد في بقية مفردات القصيدة التصاق<br />
الطبيعة بقصيدتها التصاقاً وثيقا، فهي ال<br />
تنفصل عن رقرقة املاء، وليست مبنأى عن<br />
بهاء الكواكب التي تزين السماء، وال أقل<br />
لذة من عناقيد الكروم:<br />
إذا متنا وحاسبنا اهلل قال:<br />
ألم أعطكم موطناً<br />
أما كنتُ رقرقتُ فيه املياه مرايا<br />
وحليته بالكواكب؟ زينته بالصبايا؟<br />
وعرَّشتُ فيه العناقيد، بعثرتث فيه<br />
الثمر؟<br />
ولكن هذه العذوبة في العنوان ال تبقى<br />
كذلك في من القصيدة، بل إن الشطرة<br />
األولى من القصيدة ما تلبث أن تشكل منعطفاً<br />
مفاجئاً ينقلنا من هذا التمهيد العذب إلى<br />
النواح والبكاء واملوت بل والعوسج، النبات<br />
الشوكي املناقض لنعومة الورد:<br />
إذا ما عويل رياح املنايا<br />
غداً مر يمحو صدى عمرنا<br />
وصيرنا املوت مائدة الدود<br />
واستنبت العوسج املتشعب في<br />
شفتينا وفي شعرنا<br />
لكن الشاعرة ال تبقى على وتيرة واحدة<br />
فما تلبث أن تعود إلى اختيار مفردات<br />
أخرى من الطبيعة ذات نسق رقيق، فتنتقي<br />
من الطبيعة أعذب مكوناتها مثل: الينابيع/<br />
الشجر/االخضرار/الرابية، وغيرها من<br />
املفردات التي تضعنا أمام لوحة طبيعية<br />
مرسومة بعناية إلهية فائقة.<br />
إيحاء روحاني<br />
لكي ندرك حجم اخلسارة التي منينا<br />
بها بفقدنا للقدس، تقوم الشاعرة أيضاً<br />
بإضفاء أجواء روحانية على القصيدة، فهي<br />
تخاطب فينا نزعتنا العقائدية من ناحية:<br />
اخلوف من اخلالق عز وجل في يوم<br />
احلساب، وهي بذلك تستحث يقيننا<br />
بخشيتنا من الله يوم احلساب العسير،<br />
فتورد في أكثر من موضع تارةً سؤاالً<br />
ترهيبياً، وتارةً أخرى عبارة تذكيرية<br />
بجسامة فعلتنا وتهاوننا جتاه املدينة<br />
املقدسة وتساند الشاعر فكرتها هذه<br />
باملنحى الديني، لتخبرنا بأن هذه املدينة<br />
مزيج من روح وعقيدة وطبيعة ساحرة:<br />
»وعبر مساجدها العنبرية أسرى الرسول«.<br />
ثم تضعنا فجأة أمام مصيرنا الذي<br />
سنواجهه يوم القيامة:<br />
سيسألنا اهلل يوماً، فماذا نقول؟<br />
نعم! لقد مُنحنا الذرى والسواقي<br />
43<br />
العدد 559 فبراير 2017
ومجد التلول<br />
وهدب النجوم، وشعر الحقول<br />
ولكننا لم نصنها<br />
ولم ندفع الريح واملوت عنها<br />
فبانت كزنبقة في هدير السيول<br />
نعم ودفعنا بأقمارها لألفول<br />
ومتعن الشاعرة في ترهيبنا من السؤال<br />
اإللهي يوم العرض على رب العزة واجلالل،<br />
فتجعلنا نعترف بخطيئتنا جتاه القدس،<br />
وحجم تقاعسنا وتخاذلنا عن نصرتها،<br />
وكيف تركناها تواجه مصيرها:<br />
إلهي، ماذا صنعنا بوردتنا، قد<br />
نزعنا، نزعنا<br />
وريقاتها ودلقنا شذاها الخجول<br />
وهبنا صباها ألذرع غول<br />
ألشداق عقربة جائعة<br />
فكيف إليها الوصول؟<br />
وتضفي الشاعرة هالة قدسية أكبر على<br />
النص، فتبث الرهبة في نفوسنا من خالل<br />
استسالمنا لقدرنا أما خالقنا، معترفني مرة<br />
أخرى بآثام أكثر اقترفناها حول القدس،<br />
فقد ذوت املدينة وحتولت إلى سجينة ولم<br />
نحافظ على هذه النعمة التي منحناها من<br />
الله عز وجل، والتي هي القدس املهملة من<br />
قبلنا، واملستباحة بسببنا من قبل اليهود:<br />
ويطوي الذبول<br />
سنابلنا ربّ عفوكَ ماذا نقول<br />
وفي عتباتك كيف تُرى سيكون<br />
املثول؟<br />
فأنت منحت الجناح الطليق، ونحن<br />
اخترعنا القيود<br />
وهبتَ لنا القدس أنت، ونحن<br />
دفعنا بها لليهود<br />
خامتة:<br />
ترسم الشاعرة نازك املالئكة في هذه<br />
القصيدة صوراً مدهشة إلى درجة الال<br />
معقول ملدينة القدس، وقد ال تكون حقيقية،<br />
أو رمبا أن هذه الصور هي أكثر مما توجد<br />
عليه القدس في الواقع من ناحية اجلمال<br />
الطبيعي. فيظن قارئ القصيدة أنه أمام<br />
جنة الله على األرض، وبأننا لم نعرف كيف<br />
نحافظ على هذه اجلنة، ولو أن الشاعرة<br />
لم تعط املدينة هذا الوصف، ولو أنها لم<br />
تذكرنا بأننا سنقف أمام اخلالق عز وجل<br />
يوم السؤال األعظم، ملا كنا شعرنا بحجم<br />
اخلسارة.<br />
44 العدد 559 فبراير 2017
قراءات<br />
كتاب »السيوطي البالغي«<br />
للمؤلف جاسم سليمان الفهيد<br />
جمع بني العربية األدبية والعجمية العقلية<br />
)*(<br />
عرض وحتقيق: عبدالله احلمر<br />
نعرض بني يدي القارئ كتاباً ذا مادة<br />
علمية رصينة وبحث بكر في مجال<br />
الدراسات البالغية، وهو إضافة مهمة<br />
للمكتبة العربية عموماً وملكتبة الدراسات<br />
األدبية والبالغية على وجه اخلصوص،<br />
تناول فيه مؤلفه اجلانب النظري في<br />
الدرس البالغي عند جالل الدين السيوطي<br />
)911-849 ه( واجلانب التطبيقي من<br />
خالل توظيفه اجلانب النظري في خدمة<br />
البحث البالغي، ويسلط البحث الضوء<br />
على النشاط البالغي في الفترة التي<br />
وسمت عند كثير من الباحثني بالتخلف<br />
واجلمود، وفي دراسة اجلانب البالغي من<br />
تراث السيوطي سبيل إلى إنصافه وإنزاله<br />
املنزلة الالئقة به بني أقرانه من خالل<br />
بيان ما قدمه من إضافات ومناقشات على<br />
صعيد البحث البالغي.<br />
وقد تكونت الدراسة من متهيد وأربعة<br />
أبواب وخامتة، نعرضها تباعاً.<br />
اشتمل التمهيد على مبحثني هما: حال<br />
الدراسات البالغية بعد السكاكي )ت 626<br />
ه( وحتى عصر اجلالل السيوطي، وهي<br />
الفترة املمتدة من منتصف القرن السابع<br />
إلى منتصف القرن التاسع الهجري،<br />
)*( كاتب كويتي.<br />
45<br />
العدد 559 فبراير 2017
وتستوقف الباحث والدارس ألحوال<br />
النشاط الثقافي وطبيعته ظاهرة مثيرة<br />
لالنتباه يسميها مؤلف الكتاب ظاهرة<br />
انتخاب أمهات العلوم؛ حيث يتم اختيار<br />
كتاب ما في أي علم يكون حاوياً ألصول<br />
هذا العلم، جامعاً لشتات مسائله وفروعه،<br />
مدوناً بلغة علمية تتسم باالختصار احملكم<br />
والعبارات املضغوطة فيصبح الكتاب قبلة<br />
طالب هذا العلم وقاصديه، تعقد اجللسات<br />
واحللقات لتدريسه، وتصنف الشروح<br />
واحلواشي والتعليقات خلدمة هذا الكتاب.<br />
رصد املؤلف ثالثة تيارات رئيسة<br />
جنحت في استقطاب حركة التصنيف<br />
البالغي في تلك الفترة، هي املدرسة<br />
الكالمية وميثلها السكاكي الذي استطاع<br />
حتويل مسار الدرس البالغي نحو قبلة<br />
املنطق والكالم و أخضعه للمقاييس العقلية<br />
واملعايير املنطقية.<br />
ثم تأتي املدرسة األدبية التي تركز في<br />
بحثها البالغي على اجلوانب األدبية من<br />
خالل اإلكثار من الشواهد األدبية والعناية<br />
بتحليلها واالستناد إلى الذوق الفني<br />
واإلقالل من املناقشات العقلية، وخير<br />
نوذج لها كتاب الصناعتني ألبي هالل<br />
العسكري.<br />
وتأتي في املرتبة الثالثة املدرسة<br />
البديعية التي تعد امتداداً للمدرسة األدبية<br />
لكنها قصرت موضوع بحثها على فنون<br />
البديع، ومؤسسها احلقيقي ابن املعتز<br />
أول من صنف في البديع، وبظهور تيار<br />
القصائد البديعية وشروحها اكتسبت هذه<br />
املدرسة قوتها، وقد تأثر السيوطي نفسه<br />
بهذا التيار ؛ حيث نظم بديعية وشرحها<br />
شرحاً موجزاً.<br />
ثم ينتقل املؤلف إلى املبحث الثاني من<br />
متهيده الذي جعله بعنوان السيوطي العالم<br />
املوسوعي، واستعرض فيه جهود السيوطي<br />
الرائدة وتصانيفه احلافلة في العلوم<br />
والفنون املتنوعة اجلامعة.<br />
أما الباب األول من الكتاب فقد جاء<br />
بعنوان مصنفات السيوطي البالغية: دراسة<br />
في املنهج واملصادر، وملا كان هذا الباب<br />
وثيق االتصال باألبواب األخرى فقد وقعت<br />
فيه كثرة اإلحاالت على األبواب األخرى،<br />
واعتذر املؤلف عن ذلك بأن هذا الباب<br />
46 العدد 559 فبراير 2017
هو آخر أبواب الكتاب من جهة التأليف<br />
ال الترتيب لشدة ارتباطه بها والعتماده<br />
أساساً على ما جاء فيها، ويشتمل هذا<br />
الباب على ثالثة فصول أولها مصنفات<br />
السيوطي البالغية ومنهجه فيها، خلص<br />
فيه املؤلف إلى أن السيوطي حاول في بحثه<br />
البالغي اجلمع بني محاسن الطريقتني<br />
العربية األدبية باإلكثار من الشواهد<br />
البالغية والنفرة من املنطق واالحتكام إلى<br />
الذوق، وهي السائدة في أبحاث البديع،<br />
وبني العجمية العقلية بالعناية باحلدود<br />
واملصطلحات، والسبر والتقسيم والتعليل،<br />
وهي الغالبة على أبحاث السيوطي في<br />
علمي املعاني والبيان، وتعاورت املدرستان<br />
مباحث اإلعجاز القرآني لديه.<br />
أما الفصل الثاني فجاء بعنوان دراسة<br />
املصادر والشواهد البالغية عند السيوطي؛<br />
فإن من مميزات البحث البالغي لدى<br />
السيوطي وفرة مصادره، وتدل كثرة<br />
املصادر على العلم الواسع للسيوطي مبا<br />
كتبه السابقون في املوضوع الذي يروم<br />
خوض جلج مشكالته، كما أن فيها إثراء<br />
ملادة بحثه وتوثيقاً لها، والسيوطي من النوع<br />
الذي ال يضن على قارئه بتحديد كثير من<br />
مصادره خالفاً لكثير من املؤلفني، بل إنه<br />
في بعض األحيان يهتدي إلى حل مشكل<br />
من املشكالت بجهده وتفكيره ثم يقف بعد<br />
ذلك على من سبقه إلى هذا احلل وال<br />
مينعه هذا من اإلشارة إلى فضله والتنويه<br />
بسبقه، ونظراً لكثرة مصادر السيوطي فإن<br />
املؤلف اكتفى بعرض أبرزها وأكثرها تأثيراً<br />
في بحثه البالغي، فرصد ثمانية كتب.<br />
أما الشواهد البالغية فقد قام املؤلف<br />
بإحصاء الشواهد البالغية التي تضمنها أحد<br />
كتب السيوطي كشاهد على حفاوة السيوطي<br />
بهذه الشواهد فبلغت 1136 شاهداً في كتاب<br />
تقل صفحاته عن املائتني صفحة.<br />
أما الفصل الثالث فقد جاء بعنوان<br />
أثر العلوم الشرعية والنحوية في الدرس<br />
البالغي عند السيوطي، وقد رصد املؤلف<br />
فيه أبرز آثار العلوم الشرعية في الدرس<br />
البالغي للسيوطي، ومنها: النفرة من<br />
املنطق، وترجيح جواز االقتباس من القرآن<br />
الكرمي في الشعر والنثر، واالشتغال بأشعار<br />
املولدين من فروض الكفاية، ومنعه تسمية<br />
فواصل القرآن أسجاعاً، ونفيه املساواة في<br />
47<br />
العدد 559 فبراير 2017
القرآن الكرمي، وتوقيفية ترتيب سور القرآن<br />
الكرمي، واجتناب اآلراء البالغية االعتزالية،<br />
وميله الواضح نحو التصوف وطرقه.<br />
أما أثر الصناعة النحوية في الدرس<br />
البالغي عند السيوطي فقد كان ملعرفته<br />
الراسخة بعلم النحو أثرها الواضح ألن<br />
يتولى حترير الصناعة النحوية في البحث<br />
البالغي، وينظر إلى أبحاث البالغيني<br />
النحوية بعني الناقد املتخصص، وقد أدى<br />
ذلك إلى الكشف عن أوهام لبعض البالغيني<br />
في هذا املجال، وأبان عن جوانب القصور<br />
في بحثهم البالغي املتصل بقضايا نحوية<br />
صرفة، واستدرك ما فاتهم ونبه عليه .<br />
ثم انتقل املؤلف إلى الباب الثاني وجاء<br />
بعنوان: اإلعجاز البالغي للقرآن الكرمي<br />
عند السيوطي، واشتمل هذا الباب على<br />
ثالثة فصول هي على التوالي: حقيقة<br />
اإلعجاز القرآني عند السيوطي، وعرض<br />
فيه وجوه اإلعجاز البالغي املختلفة التي<br />
تناولها السيوطي بالبحث واملناقشة في<br />
كتبه، ثم فنون التصوير البياني في القرآن<br />
الكرمي عند السيوطي من تشبيه وكناية<br />
واستعارة، ثم ختم هذا الباب مبناقشة<br />
بعض قضايا البالغة القرآنية كبالغة<br />
الفواصل القرآنية، وحسن التخلص في<br />
القرآن الكرمي، وأسرار التقدمي والتأخير<br />
في القرآن الكرمي، واالقتباس منه.<br />
وفي الباب الثالث من الكتاب الذي جاء<br />
بعنوان مباحث علمي املعاني والبيان عند<br />
السيوطي، لفت املؤلف االنتباه إلى خلو<br />
مباحث علمي املعاني والبيان من التصانيف<br />
املفردة فيهما خاصة خالفاً ملا جرت عليه<br />
عادة السيوطي في مباحث اإلعجاز البالغي<br />
للقرآن ومباحث علم البديع، وأرجع املؤلف<br />
هذا األمر إلى أن الصبغة الدينية التي<br />
اصطبغت بها ثقافة السيوطي كانت هي<br />
احلاكمة واملوجهة ملسار جهود السيوطي<br />
في فنون البالغة وغيرها هذا أوالً، وأما<br />
ثانياً فإن اجلو العام الغالب على طابع<br />
احلركة األدبية في عصره كان ينظر إلى<br />
العناية بالصنعة البديعية باعتبارها مناط<br />
التفاضل بني األدباء، وأساس احلكم على<br />
شاعرية الناظم وبالغة الناثر، فالسيوطي<br />
ابن هذا العصر ومن الطبيعي أن يتأثر<br />
بجوه العام فتسير جهوده البالغية متوائمة<br />
مع مقاييس عصره وعاطفته الدينية.<br />
48 العدد 559 فبراير 2017
أما الباب الرابع واألخير من الكتاب<br />
فقد جاء بعنوان مباحث علم البديع<br />
عند السيوطي، وعناية السيوطي بفنون<br />
البديع ال جند لها نظيراً في اهتماماته<br />
إال في مجال الدراسية البالغية لإلعجاز<br />
القرآني، ويتجلى هذا االهتمام في إفراد<br />
الفنون البديعية بتصانيف مستقلة، وليس<br />
مبستغرب أن يولي السيوطي فنون البديع<br />
كل هذا االهتمام فهو يرى أن الشاعر ال<br />
يصل إلى مكانة متميزة بني أقرانه إال حني<br />
تكثر في شعره األنواع البديعية، وال ريب<br />
أن اجتاه الذوق األدبي الذي كان سائداً<br />
في عصر السيوطي كان له أثر ال ينكر في<br />
تدعيم مثل هذه االهتمامات ؛ فقد كان<br />
إتقان الفنون البديعية أحد أبرز متطلبات<br />
األديب املجيد في ذلك العصر.<br />
ولم تقتصر عناية السيوطي بالفنون<br />
البديعية على اجلانب النظري، بل شملت<br />
املمارسة التطبيقية لتلك الفنون من خالل<br />
األسلوب الذي أنشأ به مقاماته، والذي كان<br />
يزدحم بألوان شتى من ضروب التحسني<br />
اللفظي واملعنوي.<br />
وألف في الدراسة التطبيقية رسالته<br />
املسماة فتح اجلليل للعبد الذليل، التي<br />
قام فيها بتحليل إحدى اآليات القرآنية<br />
الستخراج ما فيها من األلوان البديعية التي<br />
جاوزت املائة لون.<br />
وقد أقام املؤلف هذا الباب على<br />
فصلني، درس في األول اجلانب النظري<br />
لهذه الفنون الذي يكشف عن استقاللية<br />
شخصية السيوطي البالغية من خالل<br />
حتليل مناقشاته وإضافاته , فمن ذلك<br />
اجتهاده في استخراج اآليات القرآنية<br />
املتضمنة أللوان مختلفة من اجلناس التام،<br />
وفي هذا جنح السيوطي في استنباط<br />
ناذج قرآنية للجناس لم يسبق إليها من<br />
قبل، ومنها أيضاً عنايته البالغة باستقصاء<br />
الشواهد الشعرية أللوان اجلناس املختلفة<br />
ابتداء بأشعار املتقدمني وانتهاء بشعراء<br />
عصره، ومنها أيضاً اهتمامه بجمع الشواهد<br />
احلديثية املشتملة على ألوان من اجلناس،<br />
وقد كان له الفضل في التنبيه على أن<br />
بعض األحاديث الذي كثيراً ما استشهد بها<br />
البالغيون في حديثهم عن اجلناس ال أصل<br />
لها، ومنها أيضاً وضع مصطلحات جديدة<br />
49<br />
العدد 559 فبراير 2017
من خالل تسميته بعض أنواع اجلناس التي<br />
ظلت غفالً عن التسمية متيزت بوضوح<br />
داللتها على املقصود منها .<br />
ودرس في الثاني اجلانب التطبيقي لها<br />
على صعيد املمارسة الفعلية في املقامات<br />
والتحليل التطبيقي في رسالة فتح اجلليل<br />
بغية الوصول إلى كشف جوانب التآلف<br />
والتخالف بني التنظير والتطبيق، فتوصل<br />
إلى أن السيوطي في معظم ما صاغه من<br />
ضروب التحسني البديعي التزم القواعد<br />
واملعايير التي قررها نظرياً في مصنفاته<br />
البالغية، وقد كان لثقافته اللغوية الواسعة<br />
التي عرف بها بصماتها الواضحة في كثير<br />
من محسناته، غير أن هذا التأثير كان له<br />
وقعه السيئ على اجلانب النظري لتلك<br />
احملسنات ؛ حيث استأثر اجلانب اللغوي<br />
بالرعاية والعناية على حساب فنية املستوى.<br />
ثم ختم املؤلف الكتاب بخامتة عرض<br />
فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث .<br />
ومبا أن املؤلف وَلِعٌ بالتحقيق فإن<br />
النَّفَس التحقيقيّ فرض عليه عمل فهارس<br />
في نهاية الكتاب، وأشار إلى أنها ستة<br />
فهارس سقط منها اثنان أثناء الطبع .<br />
مضافاً إلى أن الكتاب لم يخل من بعض<br />
األخطاء الطباعية مما ال يسلم كتاب منها،<br />
وأكثر هذه األخطاء مما ال يستوجب توقف<br />
القارئ الفطن عندها، ومن ناذج هذه<br />
األخطاء:<br />
ص 62:<br />
ترجم البن حجة احلموي في هامش<br />
الكتاب بأنه أبو بكر بن علي بن عبد الله،<br />
وفي فهرس املصادر جاء اسمه أبو بكر<br />
علي بن عبد الله.<br />
وال خالف أن في اسم ابن حجة ونسبه<br />
شيئاً من االضطراب لم يشر إليه املؤلف .<br />
ص 67، بيت ابن حجة:<br />
من اعتدى فبعدوان يشاكله<br />
ولحكمة هو فيها خير منتقم<br />
الواو في بداية العجز تخل بوزن البيت.<br />
ص 68، بيت الصفي احللي:<br />
طرزت شعري بأوصاف له اتسقت<br />
يا حسن منتظم في حسن منظم<br />
والصواب في عجز البيت: منتظم .<br />
ص 86، بيت ابن حجة:<br />
50 العدد 559 فبراير 2017
وزاد إبهام عذلي عاذل ودجا<br />
ليلى فهل من يهيمٍ يشتفي أملي<br />
واخلطأ في ( ليلى( و) يهيم( والصواب:<br />
( ليلي( و ( بهيم( .<br />
ص 86، التعليل ميثل إحدى الوسائل ....<br />
وهذه إحدى املالمح .<br />
والصواب: أحد املالمح .<br />
ص 118، قول القاضي صدر الدين بن<br />
األدمي احلنفي:<br />
قَصْ دَنا حماة فلم نلقْ من<br />
أردنا لم ترع عهداً وإال<br />
والبيت مضطرب الوزن مختل الضبط،<br />
والصواب فيه:<br />
قصَ دْنا حماة ولم نلقَ من<br />
أردنا فلم نرع عهداً وإال<br />
ص 118، قول ابن النقيب:<br />
أنت طوقتني صنيعاً وأسمعتك<br />
شكراً كلاهما ما يضيع<br />
فإذا شجاك سجعي فإني<br />
أنا ذاك املطوق املسموع<br />
هكذا جاء البيت األول، والصواب في<br />
كتابته أن جتزأ كلمة )وأسمعتك( على<br />
الشطرين ألنه من املدور .<br />
أما البيت الثاني فقد سقطت منه )ما(<br />
بعد ( فإذا ) ليستقيم وزن البيت .<br />
ص 305، بيت البحتري:<br />
ووراء تسدية الوشاح ملية بالحسن<br />
تملح في القلوب وتعذب<br />
والصواب نقل كلمة )باحلسن( إلى<br />
عجز البيت.<br />
ص 345، بيت السيوطي:<br />
قيل هل تصنع هذا قلت ال<br />
كثر اهلل السخاويَّ وسخا<br />
والصواب حذف الشدة واحلركة من<br />
كلمة ( السخاوي ) ليستقيم وزن البيت .<br />
ص 353، قوله:<br />
أوحى إلى عشاقه طرفه<br />
هيهات هيهات ملا توعدون<br />
وردفه ينطق من خلفه<br />
ملثل هذا فليعمل العاملون<br />
وضع عجزي البيتني بني األقواس<br />
القرآنية، واألولى حذف األقواس ؛ ألنه<br />
اقتباس ليس حرفياً فإن قافية البيتني ساكنة،<br />
وعجز البيت الثاني ينبغي أن يكون )ملثل ذا<br />
فليعمل العاملون( ليستقيم وزن البيت.<br />
51<br />
العدد 559 فبراير 2017
ص 355، بيت الصفي احللي:<br />
خلت الفضائل بني الناس ترفعني<br />
باالبتداء فكانت أحرف القسم<br />
حذفت الهمزة من كلمة ( االبتدا( في<br />
عجز البيت، والصواب إبقاؤها لتكون<br />
)باالبتداء( ليستقيم وزن البيت.<br />
ص 358، بيت السيوطي:<br />
وأهيفَ أرفع أحواله<br />
فاستخدمت أعضائي البلوى<br />
جاءت كلمة )أهيف( في صدر البيت<br />
ممنوعة من الصرف، والصواب صرفها<br />
ضرورة ليستقيم وزن البيت<br />
بقي أن نشير إلى أن الكتاب في األصل<br />
أطروحة علمية نال بها املؤلف درجة<br />
املاجستير من كلية اآلداب بجامعة القاهرة<br />
سنة 1996م .<br />
وختاماً فالكتاب بال ريب له أهمية كبيرة<br />
في كشف النقاب عن مكانة السيوطي<br />
البالغية، ويعد إضافة مهمة لدارسي<br />
البالغة على املستويني النظري والتطبيقي،<br />
يقف الدارس من خالله على جهد بذله<br />
مؤلفه إلنصاف عالم من علمائنا الكبار،<br />
ووضعه في مكانه الالئق به في مجال<br />
الدراسات البالغية .<br />
52 العدد 559 فبراير 2017
حوار<br />
بريشة وسما اآلغا
حوار<br />
د. محمد حرب ل »البيان«:<br />
انعكست أسبقية الكويت للعالم العربي<br />
في الديموقراطية على مناخها الثقافي<br />
قال مؤسس مركز دراسات العالم التركي ومنطقة البلقان الدكتور محمد حرب<br />
ومستشار رئيس جامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول بتركيا أن معرض الكويت<br />
الدولي للكتاب في دورته احلادية واألربعني يتمتع بروح شابة، ملا ملسه من اهتمام كبير<br />
من شباب الكويت بشراء الكتب، وتهافتهم على حضور الندوات، مرجعً ا ذلك إلى أن<br />
الكويت سبقت العالم العربي في الدميقراطية مما حقق مناخً ا منفتحً ا ثقافيًا.<br />
وأضاف د. حرب في حديث صحفي له مع مجلة »البيان« أن كتابه )مذكرات السلطان<br />
عبداحلميد الثاني( استحوذ على األضواء من أعماله األخرى، مشيرً ا إلى أن نشره<br />
ملجموعة مقاالت في مجلة العربي الكويتية وفق خطة ممنهجة أفرزت كتاب )العثمانيون<br />
في التاريخ واحلضارة(، مبينًا أنه أول من استخدم مصطلح )العالم التركي( ويشمل<br />
على كل من )أسيا الوسطى، القوقاز، تركيا، والبلقان(.<br />
جاء ذلك في مقابلة صحفية مع د. حرب على هامش مشاركته في ندوة )جماليات األدب<br />
العثماني( في إطار فعاليات »معرض الكويت الدولي للكتاب احلادي واألربعون« لعام 2016.<br />
)*(<br />
> أجرى احلوار: وليد الزهيري<br />
)*( صحافي مصري.<br />
54 العدد 559 فبراير 2017
نرحب بكم ضيفً ا عزيزً ا على مجلة<br />
البيان الكويتية، ونرغب منكم تقدمي<br />
بطاقة تعريفية لقارئ البيان؟<br />
- د. محمد حرب، آخر أعمالي أستاذ<br />
في جامعة عني شمس وبعد خروجي على<br />
املعاش زرت عدة بلدان عربية إلى أن<br />
استقر بي املقام في تركيا، وألنني كتبت عن<br />
األتراك كثيرًا، منحوني اجلنسية التركية،<br />
ومت تعييني مستشارًا لرئيس جامعة صباح<br />
الدين زعيم في اسطنبول.<br />
< من أعمالكم التي أثرت املكتبة<br />
العربية )مذكرات السلطان عبداحلميد<br />
الثاني( .. وضح لنا مدى أهمية ذلك<br />
العمل وأثره على القارئ العربي؟<br />
سؤال وجيه، احلقيقة أنا عملت أعمال<br />
كثيرة بعد )مذكرات السلطان عبداحلميد<br />
الثاني( قوية، لكن كتاب املذكرات استحوذ<br />
على األضواء من أعمالي األخرى، منذ<br />
حوالي 32 عامًا كنت في دراسة الدكتوراه<br />
باسطنبول، التقيت بالناشر إسماعيل<br />
عبيد، الذي أشار إلى أن صورة السلطان<br />
عبداحلميد سيئة في البلدان العربية<br />
ومهضوم احلق، وال يوجد دليل على<br />
د. محمد حرب<br />
انه شخص جيد لدى املثقفني العرب،<br />
وذلك لتأثرهم بالدعايات الغربية ضده،<br />
وذكرت له بدوري أنني ترجمت مذكرات<br />
السلطان عبداحلميد، بناء عليه أخذ مني<br />
النسخة األصلية املترجمة، مت نشرها<br />
في مجلة املجتمع الكويتية على حلقات<br />
في ذلك الوقت، ولم أكن أعلم بصدورها<br />
وذياع صيتها، شعرت بأنني قدمت هدية<br />
للمؤرخني باإلضافة إلى احتادات الطالب<br />
في أوروبا والبلدان العربية، ومت طباعة<br />
بعد ذلك ثالثني ألف نسخة من الكتاب في<br />
القاهرة.<br />
55<br />
العدد 559 فبراير 2017
د. محمد حرب ومحاوره أ. وليد الزهيري<br />
< تبحرمت في إصدار آخر وهو<br />
)العثمانيون في التاريخ واحلضارة( هل<br />
ألنها أطول دولة في التاريخ عمرً ا أم ماذا؟<br />
»العثمانيون في التاريخ واحلضارة«، له<br />
حكاية ففي مجلة العربي التي تصدر من<br />
دولة الكويت حتى حينه، كنت أنشر مقاالت<br />
بها وفق خطة اإلعداد لكتاب، وعندما كنت<br />
في املدينة املنورة مدرسً ا لالستشراق،<br />
التقيت بالناشر محمد علي دوده، طلب<br />
مني أن يصدر كتابًا ملجموع مقاالتي عن<br />
الدولة العثمانية، وقلت له أنه سيخسر<br />
ماديًا مشفقًا عليه، لكنه أصر، وبعد<br />
شهرين رأيت نسخة فاخرة من الكتاب، ذكر<br />
لي أن تقديره كان أفضل من تقديري، وأنه<br />
كان يخطط لطباعة ثالث آالف نسخة إال<br />
أن الكتاب بيع منه في شهر ونصف ألف<br />
وخمسمائة نسخة، كما قال الدكتور صالح<br />
بدحدح معقبًا على الكتاب أنه ليس كأي<br />
كتاب عن التاريخ العثماني، كما أن القوائم<br />
املوجودة حالياً حول التاريخ العثماني يوضع<br />
هذا الكتاب في مقدمتها، ويوصى بقراءته<br />
56 العدد 559 فبراير 2017
قبل قراءة أي كتاب آخر في هذا الشأن،<br />
اجلدير بالذكر أنه مت وضع داخل الكتاب<br />
كل ما يهم القارئ العربي على شكل أبواب<br />
ومن هنا كانت أهميته.<br />
< يعد كتاب )البحرية( موسوعة<br />
جغرافية فريدة، ملؤلفه محيي الدين<br />
بيري ريس والذي عكفتم على ترجمته،<br />
هل عملكم هذا أعاد اكتشاف بيري ريس<br />
للقارئ العربي؟<br />
بيري ريس قبطان بحري عثماني،<br />
مشهور بقوته في البحار وكذلك براعته<br />
في الكتابة، وقد قام بتصميم خريطة<br />
للبحر األبيض املتوسط مبوانيه، وحتدثت<br />
البحرية األمريكية حول أهمية هذا الكتاب<br />
إن البحرية األمريكية في عام 1965، قائلة<br />
إذا ركب أحدهم الطائرة محلقًا بها فوق<br />
موانئ البحر األبيض املتوسط لن تختلف<br />
الصورة عن ما قدمه بيري ريس في كتابه<br />
في القرن السادس عشر، يذكر أن ريس<br />
رافق السلطان سليم األول في فتحه ملصر،<br />
وقد رسم ريس خريطة ألمريكا الالتينية<br />
اجلزء املواجه ألفريقيا.<br />
دفعني الفضول بالذهاب إلى املتحف<br />
احلربي باحثًا عن كتاب )البحرية(، وطلبت<br />
نسخة منه، قررت من هنا ترجمته كمشروع<br />
يستفيد منه العرب واملسلمني، ومت نشره<br />
في دولة اإلمارات العربية املتحدة.<br />
57<br />
العدد 559 فبراير 2017
األتراك ألنه كان باللغة العربية، والعرب<br />
كذلك لم يهتموا به ألنه نسخة وحيدة<br />
بتركيا، لذا كان خارج دائرة الضوء، وكان<br />
من حسن حظي إعادة اكتشافه وحتقيقه.<br />
قدر ذلك العمل وزير الثقافة في جمهورية<br />
مصر العربية حلمي النمنم كثيرَا مشيدًأ<br />
بأهميته وقيمته، وسبق األتراك في هذا.<br />
< هل هناك أعمال أخرى تستحق<br />
وضعها في دائرة الضوء؟<br />
هناك كتاب مهمل بالنسبة للعرب،<br />
عندما كنت تلميذا في اسطنبول، كنت<br />
أتردد على املكتبة السليمانية، وجدت كتابًا<br />
عربيًا من نسخة وحيدة نادرة بخط املؤلف<br />
وهو »سلم الوصول إلى طبقات الفحول«،<br />
لكاتبه مصطفى بن عبد الله حاجي خليفة،<br />
صورت الكتاب حينها، وبعد إنشاء مركز<br />
بحوث العالم التركي بجهدي اخلاص، وكان<br />
اسمه في البداية مركز البحوث العثمانية<br />
والعالم التركي، تعاونت حينها مع الباحثني<br />
باملركز، وقد خرج الكتاب في )6( أجزاء،<br />
وقامت بطباعته وزارة الثقافة بجمهورية<br />
مصر العربية، ويعد من أروع الكتب في<br />
الترجمات. لم يلق الكتاب االهتمام من<br />
< أسستم مركزً ا لدراسات العالم<br />
التركي ومنطقة البلقان، ما هي أهدافه<br />
وما النتائج التي حققها؟<br />
يهدف املركز بالتعريف بالثقافة التركية<br />
والعثمانية بكافة شموليتها للعرب، ومهمتي<br />
في احلياة عندما كنت طالبًا باجلامعة في<br />
تركيا هو التوفيق بني األتراك والعرب،<br />
أعتقد أني لعبت دورًا في ذلك. وما حققه<br />
58 العدد 559 فبراير 2017
أمني عام رابطة األدباء أ. الرميضي يستقبل د. حرب في جناح رابطة األدباء مبعرض الكتاب<br />
املركز أوالً بزوغ اسم )العالم التركي(<br />
وانتشاره في )امليديا املصرية(، وأنا أول<br />
من استخدم هذا املصطلح، والعالم التركي<br />
يشمل كل من )آسيا الوسطى، القوقاز،<br />
تركيا، والبلقان(. كما قمت برصد الكثير<br />
من الكتب واملخطوطات عن اجلزيرة<br />
العربية الدقيقة جدًا.<br />
< متوج منطقة البلقان بصراعات<br />
عرقية، تخبو وتشتعل من وقت آلخر،<br />
ما السر وراء ذلك؟<br />
فكرة القومية التي أفسدت العالم<br />
اإلسالمي هي السبب، باإلضافة إلى أن<br />
البلقان به العديد من القوميات العرقية<br />
املتجاورة، وعند حدوث أي مشكلة صغيرة<br />
تكبر سريعًا وتصبح مأساة، لم يحدث ذلك<br />
في املاضي ألنه كان هناك مفهوم العالم<br />
اإلسالمي، فما قبل الثورة الفرنسية كان عهد<br />
الديانات فقط العالم مقسم إلى عاملني مسلم<br />
ومسيحي، وبظهور الثورة الفرنسية دمرت<br />
العاملني األوروبي والعثماني بفكرة القومية،<br />
وانتقل ذلك الصراع للعالم كله مبا فيه البلقان.<br />
59<br />
العدد 559 فبراير 2017
د. محمد حرب بعد محاضرته عن »جماليات األدب العثماني« مبعرض الكتاب<br />
< هناك تقارب عربي تركي على<br />
املستويين االقتصادي والسياسي، هل<br />
ينعكس أثر ذلك على املستوى الثقافي؟ وما<br />
أثر ذلك على اجلانبن )العربي التركي(؟<br />
قطعاَ له أثر على املستوى الثقافي، خالل<br />
فترة وجود حزب )العدالة والتنمية( في<br />
السلطة تطورت العالقات كثيرًا، وما قبل<br />
توليه احلكم ما كان يعلم الكثير من العرب<br />
شيئاً عن تركيا، وكان ينفر الطالب األتراك<br />
أيضً ا من العرب، وعندما وصل )العدالة<br />
والتنمية( إلى سدة احلكم مت تغيير الوضع،<br />
ومت اعتماد مشروعات لنشر اللغة التركية<br />
في البلدان العربية .. واللغة العربية في<br />
تركيا، كما أن هناك جامعات تركية تنطق<br />
بالعربية غير األقسام والتخصصات، كان<br />
يفضل الطالب سابقًا دخول االختبارات<br />
باللغة اإلجنليزية كلغة ثانية، حاليًا يدخلون<br />
باللغة العربية كلغة ثانية، وهناك أيضً ا<br />
بعض الباحثني يدخلون امتحان الدكتوراه<br />
باللغة العربية، يعد هذا تطورًا مذهالً .<br />
60 العدد 559 فبراير 2017
من خالل رؤيتكم املستقبلية، هل<br />
تتوقع أن يكون هناك إعادة فهم لتاريخ<br />
الدولة العثمانية، وحتقق ملزيد من<br />
التقارب الثقافي العربي التركي ؟<br />
بالتأكيد، بدأ هذا بالفعل، فقد قيل لي<br />
أحد املرات من وزير ثقافة مصري سابق<br />
»ما يثير االهتمام في دكتور حرب أنه يسبح<br />
ضد التيار« فالتيار الثقافي آنذاك كان ضد<br />
الدولة العثمانية في مصر، وقد بدأت بقوة<br />
ونشرت الكثير من األعمال، وتتلمذ على<br />
يدي طالب باجلامعة أصبحوا أساتذة بعد<br />
ذلك يتممون مشروعي في التقارب بني<br />
العاملني العربي والتركي.<br />
< لكم باع كبير في حقل الترجمة، ما<br />
رأيكم بحركة الترجمة من التركية إلى<br />
العربية وبالعكس؟<br />
بدأت الترجمة من العربية إلى التركية<br />
على يد التيار اإلسالمي في البالد العربية<br />
خاصة في مصر، وقد صدر لي كتاب<br />
العدالة االجتماعية، عندما كنت طالبًا<br />
مت ترجمته إلى اللغة التركية وانتقل بعد<br />
ذلك إلى دول آسيا الوسطى، اهتم االتراك<br />
بترجمة الكتب الدينية للغة التركية<br />
والترجمة من العربية للتركية كثيرة للغاية،<br />
لكن على املستوى األدبي ضعيفة إلى حد ما،<br />
وبالنسبة للترجمة من التركية إلى العربية<br />
جنح فيها السوريون أوالً وفي مصر أقسام<br />
اللغات الشرقية هي التي تكلف الطالب<br />
بالترجمات من التركية وهي أعمال تأتي<br />
في نطاق اجلامعة فقط وإجماالً ما يترجم<br />
من التركية للعربية قليل جداً.<br />
< حصلتم على جائزة ابن بطوطة<br />
عن كتابك )رحلالت عثمانية في<br />
اجلزيرة العربية والهند وآسيا الوسطى<br />
ما بن القرنن السادس عشر والعشرين(<br />
حدثنا عن موضوع الكتاب، ومالبسات<br />
حصولكم على اجلائزة؟<br />
عندما كنت في اسطنبول قمت بترجمة<br />
)رحالت عثمانية في اجلزيرة العربية<br />
والهند وآسيا الوسطى ما بني القرنني<br />
السادس عشر والعشرين( واملوجودة<br />
مبكتبة السلطان عبداحلميد الثاني، جمعت<br />
املادة والنصوص واملخطوط القائمة على<br />
الرحالت، عكفت على املشروع بالتعاون مع<br />
ابنتي )تسنيم محمد حرب( أستاذة التاريخ<br />
العثماني في جامعة قناة السويس، ومن ثم<br />
نشرته املؤسسة العربية للدراسات والنشر،<br />
61<br />
العدد 559 فبراير 2017
وقد فاز العمل بجائزة ابن بطوطة لألدب<br />
اجلغرافي في دورتها الثامنة )2010-<br />
2011( التي مينحها )املركز العربي لألدب<br />
اجلغرافي - ارتياد اآلفاق( ومقره أبوظبي<br />
ولندن، وفزت أنا وتسنيم حرب بجائزة<br />
حتقيق املخطوطات )الرحلة الكالسيكية(<br />
عن ترجمة وحتقيق كتاب )رحالت عثمانية<br />
في اجلزيرة العربية والهند وآسيا الوسطى<br />
ما بني القرنني السادس عشر والعشرين(<br />
وهو عبارة عن خمس مخطوطات ملجموعة<br />
من الرحالة، الذي يقع في مجلدين يتضمن<br />
حتقيقا خلمس مخطوطات عثمانية نادرة،<br />
تتعلق بجغرافيا اجلزيرة العربية والرحالت<br />
إليها. كما حصلت مؤخرًا على جائزة<br />
اسطنبول خلدمة العالم اإلسالمي من<br />
ماليزيا عن مجمل جهودي في التقريب<br />
بني الثقافتني العربية والتركية في شهر<br />
)أكتوبر( املاضي.<br />
< أخيراً .. ما هو رأيكم مبعرض<br />
الكويت الدولي للكتاب ال 41؟<br />
انطباعي العام عن املعرض أنه ناجح،<br />
املثير في املعرض تلك الروح الشابة، رأيت<br />
الكثير من الشباب يهتم بشراء الكتب،<br />
ويهتمون بحضور الندوات، قد يكون السبب<br />
في ذلك أن الكويت سبقت العالم العربي في<br />
الدميقراطية مما حقق مناخً ا منفتحً ا ثقافيًا.<br />
62 العدد 559 فبراير 2017
أعالم<br />
بريشة حميد خزعل
أعالم<br />
محمود شوقي األيوبي<br />
1901( - 1966م(<br />
عاشق الطبيعة والقيم اجلمالية واإلنسانية<br />
)*(<br />
> بقلم: علي عبدالفتاح<br />
تأثرت كثيرً ا بهذا الشاعر املبدع الذي ولد في مدينة الكويت ودرس في مدارسها بدءً ا<br />
من مرحلة »الكتاب« الذي عرف باسم »املطوع« في ذلك الوقت. ورغم رحالته العديدة<br />
خارج وطنه ظل قلبه دائمً ا نابضً ا بعشق الكويت ومهمومً ا بقضايا الشعوب العربية.<br />
طفولته وحياته<br />
توفي والده وهو مازال صغيرًا والتحق<br />
باملدرسة املباركية التي تعلم فيها مبادئ<br />
اللغة العربية والقرآن الكرمي. وبعد دراسته<br />
في املدرسة املباركية سافر مع خاله إلى<br />
البصرة وأمضى هناك عدة سنوات.<br />
)*( كاتب مصري.<br />
تعلم الطباعة وتنقل في عدة وظائف<br />
أمدته بخبرات كثيرة. وفي تلك الفترة<br />
أقبل على كتب الشعر واألدب يقرأ ويثقف<br />
نفسه مما دعا قاضي احملكمة التي كان<br />
يعمل فيها أن يدفعه لاللتحاق بدار املعلمني<br />
حيث أنهى دراسته فيها عام 1918 والتحق<br />
مبجال التدريس.<br />
64 العدد 559 فبراير 2017
شاعر التأمل<br />
الصوفي.. والدعوة<br />
إلى احلرية ونهضة<br />
الشعوب<br />
لقد قام الشاعر برحالت إلى بلدان<br />
ومدن كثيرة وذهب إلى حلب وبيروت حتى<br />
عبر حدود فلسطني وزار معظم مدنها إلى<br />
أن دخل رفح والعريش ومصر والصعيد<br />
وعاد إلى بغداد مرة أخرى.<br />
ولقد كانت هذه الرحالت من العوامل التي<br />
ساعدت على تنمية وعيه وثقافته ودراسة<br />
شعوب تلك البالد والتأثر بقضاياها السائدة.<br />
ويقول عن حياته: لكل فرد في هذا<br />
الوجود قصة.. وما قصتي في احلياة إال<br />
قصة اليتم واحلرمان والعذاب.. منذ نعومة<br />
أظافري وقصة الهيمان والعذاب والضرب<br />
في مشارق األرض ومغاربها.. بل هي قصة<br />
املجازفة أو سمها املغامرة كما تشاء« فيقول:<br />
وقالوا جن محمود وجني<br />
من األهوال ما أبقت بفكري<br />
لو أن الصخر قاسى ما أقاسي<br />
لدك الصخر مرتطمًا بصخر<br />
الشاعر محمود شوقي األيوبي<br />
مصائب لو هوت للصخر أمسى<br />
جذاذا انقضت كتفي وظهري<br />
أنوء بحملها في كل وقت<br />
أراقب بعدها كشفا لضري<br />
جتارب ثرية<br />
لقد تأثر األيوبي باملتنبي وأبي متام<br />
والشريف الرضي وابن الفارض وكذلك من<br />
الشعراء احملدثني مثل أحمد شوقي وعلي<br />
محمود طه وطاغور ومحمد إقبال، فكتب<br />
شعر املناسبات واملديح والوصف والغزل<br />
والشكوى وسادت التقريرية واملباشرة في<br />
هذه األشعار وعلى الرغم من ذلك لم تكن<br />
تخلو من رومانسية عذبة.<br />
65<br />
العدد 559 فبراير 2017
وحني تتاح له الفرص لزيارة البحرين<br />
بصحبة الشاعرين خالد الفرج عام 1898<br />
- 1954 وعبد اللطيف النصف )1904<br />
- 1971م( وزيارة أخرى للملكة العربية<br />
السعودية تتأجج نيران اإلبداع في أعماقه<br />
ويتأثر بالشخصيات التي يقابلها وال سيما<br />
حني التقى امللك عبدالعزيز آل سعود وقد<br />
أهدى الشاعر ديوانه »املالحم العربية« إلى<br />
امللك عبدالعزيز ويقول له في إحدى هذه<br />
املالحم:<br />
أقمت بحد السيف ملكا ودولة<br />
تذل لها كل امللوك وتخضع<br />
لك العزمة الكبرى إذا جد حادث<br />
من الفنت الهوجاء أو ضل مبدع<br />
وكانت رحلة الشاعر إلى أندونيسيا هي<br />
الرحلة األخيرة حيث تزوج هناك من امرأة<br />
وأجنبت له ثالث بنات وولدً ا وافتتح عدة<br />
مدارس وعمل في تدريس اللغة العربية<br />
وأنشأ مدرسة خاصة للقرآن الكرمي،<br />
وعاش الشاعر في أندونيسيا نحو عشرين<br />
عامًا ثم عاد إلى الكويت عام 1950 ليدرس<br />
في املعهد الديني واملدرسة األحمدية عام<br />
.1961<br />
جتربة الغربة<br />
لقد ذاق الشاعر خالل العشرين عامًا<br />
التي قضاها في أندويسيا مرارة الغربة<br />
لقد قام الشاعر برحالت<br />
إلى بلدان ومدن كثيرة وذهب<br />
إلى حلب وبيروت حتى عبر<br />
حدود فلسطني وزار معظم<br />
مدنها إلى أن دخل رفح<br />
والعريش ومصر والصعيد<br />
واحلنني إلى الوطن وقد صادفته جتارب<br />
كثيرة تركت آثارها في أشعاره فيقول:<br />
في عشرين عاما كنت فيها<br />
باآلالم من التشريد زرق<br />
حوادث كم وقفت بها )بجاوا(<br />
سخني الدمع أرنو نحو أفقي<br />
فأسكب خاطري في الكتب أبكي<br />
كشلو في مضيعة الهجر ملقى<br />
ومن أجمل قصائده في الغربة قصيدته<br />
»وطني« التي يتشوق فيها إلى الكويت<br />
ويتمنى العودة إليها:<br />
وطني بحبك تشرق اآلمال<br />
وعلى رحابك لي هوى سيال<br />
66 العدد 559 فبراير 2017
قد كنت فيك من املعاني شعلة<br />
بسنائها شعر الهوى يختال<br />
تتألق األنوار فيك كأنها<br />
شعر يجنحه حجً ا وخيال<br />
ربى جمالك بالسمو قريحتي<br />
فشدا بروحي في حماك سؤال<br />
أنا الذي شاطرت يومك همه<br />
أم يا ترى عبثت بك األهوال؟<br />
مالي أرى شجني يعذب مهجتي<br />
بجمالك حتى قطعت أوصال<br />
ولذلك نالحظ أن الغربة من أهم<br />
الظواهر الفنية في قصائد األيوبي وقد<br />
صاغها من ينابيع احلزن واأللم والوطن<br />
الذي يختال في ذهنه وفي جوانحه. وهذا<br />
الشعور مزق الشاعر فظل محترقًا بلهب<br />
الغربة حتى قامت احلرب العاملية الثانية<br />
فكان عليه أن يهاجر فرارًا من مدينة إلى<br />
أخرى مع أسرته.<br />
وتقول د. نورية الرومي في كتابها<br />
»محمود شوقي األيوبي: حياته وتراثه<br />
الشعري« »وفي هذا ما يعكس طبيعة التجربة<br />
التي عايشها األيوبي في أندونيسيا.. ولعل<br />
أهم ما ينبغي أن نالحظه من آثارها عليه هو<br />
إحساسه العميق بالغربة ومعاناته الشديدة<br />
من احلروب التي عايشها في هذه البالد«.<br />
67<br />
العدد 559 فبراير 2017
عركتني األيام حتى إذا ما قلت<br />
حسبي زادت لظى والتهابا<br />
فتنمرت للدواهي ولكن<br />
أين مني أن أتقي ذا العذابا<br />
أنا غريب في موطني أقاسي<br />
لوعة بعد لوعة واكتئابا<br />
إن غربة الشاعر هي غربة الروح<br />
والضياع في أرض بعيدة عن الوطن حتى<br />
إنه اجته في أغراضه الشعرية إلى مرحلة<br />
تقترب من التصوف.<br />
مرحلة صوفية تأملية<br />
ميثل ديوانه »رحيق األرواح« سمات<br />
مرحلة صوفية تأملية.. فهي تعبير صادق<br />
عن رؤية روح حائرة حتاول أن تعتصم<br />
بتعاليم اإلسالم ونور القرآن الكرمي..<br />
فنجده في قصائده يتسامى نحو القيم<br />
الدينية من رحمة وإخاء وحب وطهر<br />
وصفاء ويتعاطف مع الفقراء ويتأمل الكون<br />
ويدعو إلى احلب وعشق اجلمال واحلق<br />
فإذا بالعشق نور من السماء:<br />
إنما العشق رحمة هلل تسمو<br />
بنفوس العشاق نحو الرجولة<br />
وهو طهر يعج نورًا بهيجً ا<br />
وجمال فيه املعاني الجميلة<br />
شعلة العشق تدفع الروح دفعا<br />
نحو روض العا ومرج البطولة<br />
ويكتب الشاعر قصائد طويلة في<br />
ذكرى اإلسراء واملعراج واملناسبات الدينية<br />
األخرى ويضمن في قصائده الدعوة إلى<br />
احلرية والعودة إلى نور احلق وكتاب الله،<br />
68 العدد 559 فبراير 2017
ونلمح في هذه القصائد غنائية عذبة تخلو<br />
من ثقيل اللفظ وغريبه، ويقول:<br />
يا بلبل زد في الكون تغريدا<br />
وامأل بألحانك األجيال تجديدا<br />
إني أترجم عنك اللحن مرتجا<br />
شعرا يضيء مدى اآلباء تخليدا<br />
هذا الجمال تجلى في الضياء له<br />
حق يحلق للعلياء تصعيدا<br />
الروح وامللأل األعلى يزف له<br />
وكانت رحلة الشاعر إلى<br />
اندونيسيا هي الرحلة األخيرة<br />
حيث تزوج هناك من امرأة<br />
وأجنبت له ثالث بنات وولدً ا<br />
وافتتح عدة مدارس وعمل في<br />
تدريس اللغة العربية وأنشأ<br />
مدرسة خاصة للقرآن الكرمي<br />
من التحايا لذات الحق تمجيدا<br />
وتظل هذه القصائد الصوفية التأملية<br />
تنثر ما في القلب والروح من ابتهاالت<br />
تردد أحلان احلب وتدنو من منابع الدين<br />
اإلسالمي لتتزود مبعاني اخلير واجلمال<br />
ولهفة النفس إلى التقوى والصالح ويصف<br />
حلظة تأمل في حياته فيقول:<br />
أنا وحدي أراقب النجم وحدي<br />
ويح قلبي قد طال في الليل سهدي<br />
في الليالي الطوال والبرد قاسٍ<br />
أتلظى على فراشي بوجدي<br />
ساكنًا والحجا يثور ويخبو<br />
يتخطى من ركن وهد لوهد<br />
سائحً ا يستفز قلبي ويسري<br />
في الشراييني وقدُ شر وقد<br />
النزعة الوطنية واإلصالح<br />
والشاعر األيوبي في دعوته إلى اإلصالح<br />
وإيقاظ النزعة الدينية في النفوس ال يهمل<br />
تراث األجداد الذين خاطروا في البحر<br />
بحياتهم وقاوموا شظف العيش ومرارة<br />
احلياة ووجهوا قسوة الصحراء بثبات<br />
وعزمية وإميان، ويكشف عن هذا التراث<br />
فيقول:<br />
دعوت قومي إلى املغنى وبهجته<br />
ليشهدوا موكب الصيد األعزاء<br />
لحن من الغيب هز الثائرين إلى<br />
مفاتن العز زخار بأصداء<br />
ومن أهم املالمح الوطنية ما كتبه عن<br />
»الكويت« وطنه الذي متزق في الغربة من<br />
69<br />
العدد 559 فبراير 2017
أجله واألغراض الوطنية مزجها الشاعر<br />
مبدح حكام الكويت وتأكيد مدى والء<br />
الشعب لهم وعمق انتمائهم:<br />
وطني أحميك ال نخشى الروح<br />
بدمائي وبروحي وجهودي<br />
كلنا نزحف للموت لكي<br />
نسبق األجيال للعيش الرغيد<br />
الكويت الحر ال يرضى سوى<br />
شيخه املغوار ذي الرأي السديد<br />
فلتعش يا وطني حرا على<br />
االجتاه القومي<br />
رغم أنف الخاسر الوغد العنود<br />
لقد سافر الشاعر إلى بالد كثيرة<br />
واعتصرته احملن القاسية واحلروب التي<br />
نشبت على أرض أندونيسيا فانفجرت في<br />
أعماقه روافد شعر قومي يحث العرب على<br />
احلرب والدفاع عن أرضهم.<br />
وكتب عن األزمات التي واجهت الشعوب<br />
وكفاحها ضد االستعمار في مصر واجلزائر<br />
وسوريا وتأثر باملد القومي في فترة الستينات<br />
مبصر خالل حكم عبدالناصر فيراه رمزًا لقائد<br />
عربي يحرر البالد وزعيمًا قوميًا يوحد العرب.<br />
ولعل ديوانه »أحلان الثوره« يتميز<br />
بتلك القصائد الثورية التي شكلت االجتاه<br />
القومي في شعره:<br />
في الشرق والغرب للسارين همهمة<br />
تنم عن عزة في الروح شماء<br />
راع األباة جنوح الغاضبني إلى<br />
كبت النفوس وتشريد األلباء<br />
فخاصموا الجود إيمانًا بحقهم<br />
ولم يناموا على ضيم وإغضاء<br />
وزلزلوا كل طاغوت بوثبتهم<br />
وروعوا أكبد الزرق األلداء<br />
ومن أعماله الشعرية<br />
ديوان املوازين، رحيق األرواح، هاتف من<br />
الصحراء، األشواق، املنابر واألقالم وأحلان<br />
الثورة، املالحم.<br />
وقد كتب عن الشاعر مجموعة كبيرة<br />
من األدباء والنقاد وطبعت كتب عن الثقافة<br />
والشعر في الكويت كان الشاعر األيوبي من<br />
روادها. وأذكر أن الدكتور محمد عبداملنعم<br />
خفاجي كتب عنه يقول: إن محمود شوقي<br />
األيوبي يتميز بأنه خصب اخليال، دقيق<br />
الشعور، عميق التجربة، متجدد اإلحساس<br />
الفني املتصل بينابيع اإللهام الشعري اخلالد،<br />
يكره التنقيح وتكلف التجويد الفني، ويضع<br />
الشعر ارجتاالً أو ما يشبه االرجتال، عازفًا<br />
عن الصنعة، كارهًا للتعجل واإلغراب«.<br />
وقد ساهم الشاعر الراحل عبدالله<br />
زكريا األنصاري في نشر بعض دواوين خاله<br />
محمود شوقي األيوبي بعد وفاته مما ساهم<br />
في التعرف على حياة الشاعر وشعره.<br />
70 العدد 559 فبراير 2017
شعر<br />
بريشة نورة العبدالهادي
د.خليفة الوقيان<br />
•د. خليفة عبدالله فارس الوقيان.<br />
•امليالد: - 1941/10/10 الكويت.<br />
•شاعر وباحث.<br />
د. خليفة الوقيان<br />
•حاصل على شهادة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها<br />
مبرتبة الشرف األولى - جامعة عني شمس 1980م.<br />
•شغل منصب األمني العام املساعد للمجلس الوطني<br />
للثقافة والفنون واآلداب سابقاً.<br />
•أمني عام رابطة األدباء الكويتيني سابقاً خالل السنوات<br />
1988 -1990م.<br />
•نائب املشرف العام لسلسلة كتب عالم املعرفة.<br />
•عضو هيئة حترير مجلة الثقافة العاملية - الصادرة عن<br />
املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب.<br />
•سكرتير حترير مجلة البيان - الصادرة عن رابطة<br />
األدباء في الكويت سابقاً.<br />
•عضو هيئة حترير مجلة الكاتب العربي- الصادرة عن<br />
االحتاد العام للكتاب والعرب.<br />
•عضو مجلس إدارة مركز الدراسات والبحوث الكويتية.<br />
•عضو في عدد من املؤسسات الثقافية.<br />
•عضو اللجنة التحضيرية للموسوعة العربية - جامعة<br />
الدول العربية.<br />
72 العدد 559 فبراير 2017
•عضو في عدد من جلان اخلطة الشاملة<br />
للثقافة العربية – جامعة الدول العربية.<br />
•عضو في اللجان التحضيرية للخطة<br />
الثقافية لدول مجلس التعاون.<br />
•األمني العام املساعد للمؤمتر الشعبي<br />
الكويتي- جدة 1990م.<br />
•أسهم في تأسيس املجلس الوطني للثقافة<br />
والفنون واآلداب.<br />
•ترجمت ناذج من شعره إلى اللغات اإلجنليزية<br />
والفرنسية والروسية واأللبانية.<br />
•حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2004م.<br />
•حصل كتابه »الثقافة في الكويت بواكير -<br />
واجتاهات - ريادات« على جائزة معرض<br />
الكتاب 2007م املقدمة من مؤسسة الكويت<br />
للتقدم العلمي ألحسن كتاب مؤلف عن الكويت.<br />
•تكرمي من مهرجان الشعر في مسقط -<br />
عام2010م.<br />
•حصل على جائزة فلورنسا أوروبا - عام 2011م.<br />
•حصل على جائزة مهرجان الشارقة للشعر<br />
العربي - عام 2012م.<br />
•كرم من قبل رابطة األدباء الكويتيني<br />
في احتفالية )الوقيان في سماء الثقافة<br />
الكويتية( بتاريخ 2013-9-25م.<br />
•فاز بجائزة القدس من االحتاد العام<br />
للكتاب واألدباء العرب، وسيتم تكرميه في<br />
الرابع من شهر فبراير اجلاري.<br />
األعمال األدبية:<br />
•املبحرون مع الرياح – مجموعة شعرية<br />
ط1- دار ذات السالسل للنشر والتوزيع<br />
– الكويت 1974م. - ط2 شركة الربيعان<br />
للنشر والتوزيع – الكويت 1980م.<br />
•القضية العربية في الشعر الكويتي، املكتبة<br />
العصرية- الكويت 1977م.<br />
•حتوالت األزمنة- مجموعة شعرية - مكتبة<br />
دار العروبة للنشر والتوزيع - الكويت<br />
1983م.<br />
•شعر البحتري - دراسة فنية - املؤسسة العربية<br />
للدراسات والنشر – بيروت 1985م.<br />
•اخلروج من الدائرة - مجموعة شعرية<br />
- توزيع شركة الربيعان للنشر والتوزيع،<br />
الكويت 1989م.<br />
•حصاد الريح - ديوان شعر - مطبعة<br />
مقهوي - الكويت 1995م.<br />
•ديوان »أوشال« شعر أحمد مشاري العدواني،<br />
جمع وقراءة واختيار باالشتراك مع د. سالم<br />
خداده - املجلس الوطني للثقافة والفنون<br />
واآلداب – صدر عام 1996م.<br />
•ديوان خليفة الوقيان مختارات، دار<br />
اآلداب- بيروت 1996م.<br />
•الثقافة في الكويت – بواكير واجتاهات –<br />
الطبعة األولى 2006م، الطبعة السادسة 2014م.<br />
•إبحار مع القلم: مختارات من كتابات<br />
صحافية – الكويت عام 2013م.<br />
•ديوان صور و سوائح – شعر أحمد مشاري<br />
العدواني، اعتنى بنشره باالشتراك مع د.سالم<br />
عباس خداده – مركز البحوث والدراسات<br />
الكويتية – الكويت عام 2007م.<br />
73<br />
العدد 559 فبراير 2017
شعر<br />
التوأمان<br />
)*(<br />
د. خليفة الوقيان<br />
بيروت<br />
واختنقت بعيني دمعتان<br />
تلهبت في الصدر مني جمرتان<br />
ماذا أرى<br />
رحل املكان<br />
ترملت في الشاطئ الفضي<br />
أسراب النوارس<br />
ضيع الدوري أعشاش الصغار<br />
مضى حمام الحي يخبط في الظام<br />
IIII<br />
وحبيبة في الرملة البيضاء<br />
تسأل العراف<br />
تكتب فوق خد الرمل سطرًا<br />
ثانيًا...<br />
يمحو لسان املوج ما كتبت<br />
تعود<br />
يعود<br />
ترسل دمعة حرى<br />
تغيبها الرمال<br />
IIII<br />
)*( شاعر كويتي.<br />
بيروت<br />
سوسنة الحواضر<br />
نفحة الزمن املعطر بالحنان<br />
صنني فارق جبة الشيخ<br />
املعمم بالوقار<br />
تمزقت حلل الصنوبر<br />
غادر العنقود حقل الكرم<br />
74 العدد 559 فبراير 2017
هد التيه ظهر األرز<br />
وانسفحت على األرض الدنان<br />
IIII<br />
لبنان<br />
نحن التوأمان<br />
املانحان الحب<br />
حني تضن بالحب اليدان<br />
من سيف كاظمة<br />
ومن دارين<br />
من صور ومن صيدا أتينا<br />
نقهر املوج املعربد<br />
تستحيل الريح في يدنا شراعً ا<br />
دفة للحلم<br />
ننظم لؤلؤ البحرين عقدًا<br />
فوق نحر العصر<br />
نغرس من شذا األسفار<br />
ألف منارة<br />
تهدي إلى الركب األمان<br />
IIII<br />
لبنان<br />
نحن التوأمان<br />
الغارسان الحرف قنديا<br />
على شفة الزمان<br />
الحاصدان حرائق األيام<br />
حقل الشوك<br />
عربدة القيان<br />
75<br />
العدد 559 فبراير 2017
شعر<br />
بناة املجد<br />
)*(<br />
د. إبراهيم بن عبدالكرمي السنيدي<br />
تباهي به الدنيا و تحيا املجامع<br />
و من تزدهي األنحا به و املواضع<br />
يتوِ جهذا الدهر بالعز ِقائما<br />
لقولِ )صباح األحمد( املجدُ طائع<br />
ومَن شع هذا الفجرُ بالنور ِكاسمِ ه ِ<br />
صباحاً يوازي قدرَهُ أو يُدَافع<br />
أميرعلى ممشاهُ قامتْ ملاحم<br />
و دربُ اإلبا يشتاقه و املواقع<br />
فمن بعد ست بعد ألفيني أشرقت<br />
بشائرُه فينا و جلت بدائع<br />
أال مرحباً يا فجرأضحى متوجاً<br />
)صباحٌ ) و من كفيه قامت شرائع<br />
أميراً على )أرض الكويت ) مملكاً<br />
و في صدره بالحق قد قام صادع<br />
أال يا ربيع الدهر هذي قلوبنا<br />
)*( شاعر سعودي.<br />
تحييكَ ، و اإليمان للروح دافع<br />
76 العدد 559 فبراير 2017
فإنَك فينا سلسبيلٌ معينه<br />
و أبصارنا تُجلى به و املسامع<br />
تباهي به الدنيا و تحيا املجامع<br />
و من تزدهي األنحا به و املواضع<br />
يتوِ جهذا الدهر بالعز ِقائما<br />
لقولِ )صباح األحمد( املجدُ طائع<br />
ومَن شع هذا الفجرُ بالنور ِكاسمِ ه ِ<br />
صباحاً يوازي قدرَهُ أو يُدَافع<br />
أميرعلى ممشاهُ قامتْ ملاحم<br />
و دربُ اإلبا يشتاقه و املواقع<br />
فمن بعد ست بعد ألفيني أشرقت<br />
بشائرُه فينا و جلت بدائع<br />
أال مرحباً يا فجرأضحى متوجاً<br />
)صباحٌ ) و من كفيه قامت شرائع<br />
أميراً على )أرض الكويت ) مملكاً<br />
و في صدره بالحق قد قام صادع<br />
أال يا ربيع الدهر هذي قلوبنا<br />
تحييكَ ، و اإليمان للروح دافع<br />
فإنَك فينا سلسبيلٌ معينه<br />
و أبصارنا تُجلى به و املسامع<br />
سموُ ك يحوينا و أنت تشدنا<br />
و نهجك )باسم هلل( للألمر جامع<br />
جمعتَ بنهج العدل شعبا قلوبهم<br />
إليكم تداعت ترتجي و تبايع<br />
77<br />
العدد 559 فبراير 2017
و آخيت بالقول السديد فما بدا<br />
لعهدك إال مفتدٍ أو مدافع<br />
جمعتهم تحت اللواء أُخوة<br />
فما جاء من يزري بها أو ينازع<br />
فكانوا الهداةَ الغرَ كلٌ بقلبه<br />
يقيني و أمرفي ربا العز جامع<br />
فإنك ميزان البلاد و نورها<br />
و أنت لنهر املكرمات املنابع<br />
و كنت لحكام الخليج )بمجلس ال<br />
تعاون ) سهماال يدانيه قاطع<br />
دعوت إلى اإلصلاح حتى تآلفت<br />
قلوب و خابت عند ذاك النوازع<br />
و إن العلا مذ كنت قد كان سيدا<br />
و يهتز غصن من سموكيانع<br />
و مذ كنت كان الصولجان و أينعت<br />
كروم البها و الصيت في العز ذائع<br />
ألنتم بناة املجد و الطيب و الوفا<br />
بكم تهتدي الدنيا و تزهو املطالع<br />
يروح و يغدو ذكركم لكأنما<br />
تُسد بكم للمكرمات الذرائع<br />
ألنكم في الجود أقصى عيونه<br />
بكم هلت األندا و طابت منابع<br />
و إنكم في سابق العهد فوحُ ه<br />
جبال هدى ال تعتريها الزوابع<br />
78 العدد 559 فبراير 2017
بكل بلاد منكم ألف قُبلة<br />
تهلل باألفيا و تدوي الجوامعُ<br />
فأي بلاد ما ملكتم قلوبها ؟!<br />
و أي مكان ما احتوتكم مزارع<br />
و ما كان للأليام في غيركم ندى<br />
و لوال نداكم فهي محل بلاقع<br />
و لوال محياكم به الصبح باسم<br />
ألمسى و ما في الكون للفجر طابع<br />
و كم في قلوب الناس من جاء أو مضى<br />
صنيع لكم، جلت بذاك الصنائع<br />
فأنتم بهاء من بهاء و من سنا<br />
و بيني يديكم ها هو الدهر راكع<br />
و هذا )السنيديْ ) أُلزمت نفسُ ه على<br />
قوافٍ لها حسنا تصيخ املسامعُ<br />
و من بحر أبكار املعاني نظمتُكم<br />
فرائدفيها الحسن و الطيب خاشعُ<br />
سأشري بهذا الكون طراً ودادكم<br />
و إني ملن أضحى سواكم لبائع<br />
فأنتم لنا مستودعالعزُ و السنا<br />
فأنعم بكم مجدا و نعمَ الودائعُ<br />
ففيكم مدى األيام للدهر عصمة<br />
و تاريخكم من فيض معناه ناصعُ<br />
يباركُ ربُ العرش مسعاكم هدى<br />
و يشملكم فضل من اهلل واسع<br />
XXXX<br />
79<br />
العدد 559 فبراير 2017
شعر<br />
كويت العطاء<br />
)*(<br />
هاشم عبدالغني الفرا<br />
تلألأل عيد الكويت ضياء<br />
وجدد نبض القلوب عطاء<br />
وعانق ثوب الربيع صباحا<br />
يقبل هامة شيخ وفاء<br />
وتصعد كل املسامع سورا<br />
يرتل لحن الوجود والء<br />
وتزحف كل املواكب فجرا<br />
تعظم يوما مجيدا جلاء<br />
هنا للكويت رجال شداد<br />
نموت وتحيى الكويت إباء<br />
وتبقى الحرائر فوق الشموس<br />
تشاطر كل الكواكب ماء<br />
فلا ضيم يسري بليل مريب<br />
وهذا الحكيم يقود اللواء<br />
ويسبغ عند الخطوب سراعا<br />
يشاطر كل الجراح رداء<br />
شديد الصلابة للحق سيف<br />
إذا ما استغاث الضعيف نداء<br />
)*( شاعر سوري.<br />
80 العدد 559 فبراير 2017
تجذر في األرض عهد صبوح<br />
تعاظم رشدا وأبلى بلاء<br />
وعلم كل العوالم أنّا<br />
نجود النفائس حبا رضاء<br />
وأزهر طلع الحياة ربيعا<br />
وأشرق وجهك سلوى حياء<br />
ويوم غزانا الجوار بليل<br />
تقاسم كل الرجال فداء<br />
وهذي الشهيدة أسرار قلب<br />
تفيض القلوب لعرض دماء<br />
فلبت نداء الكويت بعزم<br />
وعزم الرجال أجاب النداء<br />
وعاضد فهد الكويت أسيرا<br />
تجرع ظلما وأُشبع داء<br />
وجدد عزم الصلابة صبر<br />
وأظلم ليل العداء عداء<br />
فهبت صقور البوادي تباعا<br />
تلقن رأس البلاء هباء<br />
فما كان إال رحيل الغزاة<br />
ليشرق عيد يضيء السماء<br />
وتنطق أرض السلام ورودا<br />
تجدد طيب الحياة صفاء<br />
وتمسح عن كل من بات قهرا<br />
وتشفى النطيحة فيها شفاء<br />
سنحمل كل املشاعل عمرا<br />
تقاطر وجه السماء سماء<br />
ونرفع عز الكويت فخارا<br />
يرفرف فوق الحصون لواء<br />
81<br />
العدد 559 فبراير 2017
لتبقى الكويت ديار صباح<br />
يقود الحنايا ويغني العطاء<br />
وينطق في األرض زاد الكويت<br />
وزاد الحسان أطال الدعاء<br />
تطول النخيل لعيد شموخا<br />
وتسقط فوق العيون هناء<br />
وأن الكويت منارة بحر<br />
تعاظم موج البحار عناء<br />
فكم من عواصف أدمت بلادا<br />
وعاند فيها الشقاء شقاء<br />
وأن القلائد تعني سلاما<br />
إذا ما أهل الحكيم صفاء<br />
وجدد في األرض نور الوصال<br />
يبدد كل الظلام فناء<br />
هنالك تزكو الحياة فخارا<br />
ويسطع عيد الكويت ضياء<br />
IIII<br />
سأبقى أجود القصائد حبا<br />
وأنشد وجه الكويت لقاء<br />
XXXX<br />
82 العدد 559 فبراير 2017
شعر<br />
عيناك<br />
)*(<br />
محمد خلف احلجي<br />
عيناك مملكة ما نالها ملك<br />
وجيش رمشك بالعشاق قد فتكوا<br />
طغى الجمال من األجفان مسرفة<br />
فكل قلب لدى عينيك منتهك<br />
وعاضد الثغر سحر العيني واجتمعا<br />
فكلكم في دماء الخلق مشترك<br />
تساقطت بتلات الورد من حسد<br />
والريم من هذه األحداق مرتبك<br />
أذهلت لب الورى عن كل نازلة<br />
قبالهم في ربوع الحسن منهمك<br />
أرخت على عينها أستار غرتها<br />
كي ال يعم الفناء الناس والهلك<br />
ال تقدر البشر الطرفيني قاطبة<br />
فالناس من سحر طرف واحد فتكوا<br />
واجتاح شعرك قلب الصب تتبعه<br />
مدى الفضاء جديل ملؤه الحبك<br />
)*( شاعر كويتي<br />
83<br />
العدد 559 فبراير 2017
فبددت ملعات العيني ظلمتها<br />
كما تدك شياطني السما النزك<br />
وجددت في تمام البدر بسمتها<br />
وأرجع الشمس في إشراقها الضحك<br />
وضيعت كل نجمات مجرتها<br />
وضيعت سيرها من حسنك الفلك<br />
وبثت الروح فرحً ا بعد مزهقها<br />
فالسعد في لحظك الفتاك مشتبك<br />
لقد بلغت من اإلعجاز منزلة<br />
ماليس يبلغها إنس وال ملك<br />
XXXX<br />
84 العدد 559 فبراير 2017
قصة<br />
بريشة منال آل هيد
قصة<br />
مسابقة القصة القصيرة لواحة األدب في الكويت<br />
برعاية رابطة األدباء الكويتيين<br />
)دورة سبتمرب 2016(<br />
تقيم مجموعة واحة األدب في الكويت مسابقة للقصة القصيرة، برعاية رابطة األدباء<br />
الكويتيني، وتشرف على املسابقة األستاذة شمسة العنزي مؤسّ سة واحة األدب في الكويت،<br />
وحكّم دورة هذه املسابقة كل من األدباء:<br />
د. حسن كاكي )العراق( د. مصطفى الضبع )مصر( أ. سناء وادي الرمحي )األردن(<br />
أ.جنوى غنيم )السعودية( أ. ربيحاوي مخلوف )اجلزائر( أ. صفية يوسف )اليمن( د.محمد<br />
جيب )مصر( أ. أبو إسماعيل أعبو )املغرب( أ. عبدالرؤوف عدوان )سوريا( أ. علي أحمد<br />
عبده قاسم )اليمن( أ. واثق اجللبي )العراق( أ. أحمد جبار )العراق( أ. عادل مؤنس<br />
)مصر( أ. باسم عطوان )فلسطني( أ. أحمد نصار )فلسطني( أ. لقمان محمد )السعودية(<br />
أ. حنني الكرمي )فلسطني( أ. صباح رحيمة )العراق( أ. مصطفى اخلطيب )الكويت(<br />
أ. وسام كوكب )العراق( أ. علي العكشي )ليبيا( أ. سامي الغشم )اليمن( أ. سمر عيد<br />
)سوريا( أ. عبد الكرمي بالوش )سوريا( أ. فاضل قباني )مصر( أ. محمد السيد الزغبي<br />
)مصر( أ. حورية داودي )اجلزائر( أ. مروه محمود )مصر( أ. بسمه العوني )سوريا(.<br />
وجاء ترتيب القصص الفائزة باملراكز الثالثة األولى كاآلتي:<br />
•املركز األول: محمد فطومي من تونس - اسم القصة: املجد الثّاني.<br />
•املركز الثاني: الصديق ابريك سليمان بودوارة من ليبيا - اسم القصة: ثورة بائع الريح.<br />
•املركز الثالث: محمد أحمد نبيل عبدالفتاح جاد الله من مصر - اسم القصة: رمزي.<br />
86 العدد 559 فبراير 2017
قصة<br />
المركز األول<br />
املجد الثاني<br />
> بقلم: محمد فطومي )*(<br />
أوّل ابتسامة عرفتها البشريّة كانت<br />
من نصيب صبيّ أشقر على علبة معجون<br />
أسنان. عقب ظهور املنتج توالت احملاوالت<br />
من هنا وهناك لتقليد االبتسامة لكنّها<br />
لم تكن إال نسخا مزوّرة تعوزها احلرارة<br />
والرّوح املُفعمة باجلرأة التي ال متنحها<br />
الطّ بيعة مرّتني.<br />
بفضل حوزها شرف إطالق االبتسامة<br />
األولى حقّقت الشّ ركة أرباحا طائلة مكّنتها<br />
في غضون أشهر من سحق منافسيها.<br />
وصار الصبيّ األشقر الفتى األكثر شهرة<br />
على وجه األرض. وسُ مّي طفل العالم،<br />
وانفردت إحدى الصّ حف العنصريّة بوسمه<br />
)*( قاص تونسي.<br />
الطّ فل األبيض فباعت ماليني النّسخ.<br />
أُحلقت االبتسامة باملعاهدات الكبرى<br />
وأُدرجت رسميّا ضمن لوائح اليونسكو<br />
على أنّها إرث عامليّ . مأخوذا بنشوة<br />
اجلمهور الالّنهائيّ ، حتدّ ث إلى اجلرائد<br />
وفي التّلفازات عن ابتسامته وكيف أنّها<br />
شغلت العالم، وعيّنت له الدّولة حرّاسا<br />
شخصيّني حلمايته ووضعت حتت تصرّفه<br />
جميع موظّ فيها وفريقا من احملامني ومدير<br />
أعمال يكره تبذير الوقت، لكنّه سرعان<br />
ما استغنى عنهم واختار عوضا عن ذلك<br />
إتاحة الفرصة للمعطّ لني من عائلته<br />
املُوسّ عة. وأوكل إلى صديقته مهمّة فرز<br />
البريد؛ رسائل املُعجبني حتُ رق فيما يُنظر<br />
برويّة في الصّ فقات املُغرية. بارك املجتمع<br />
87<br />
العدد 559 فبراير 2017
الدّوليّ اختياره وافتخرت به عائلته كثيرا<br />
وراحوا يتحدّثون عنه إلى وسائل اإلعالم<br />
حيثما حلّوا قائلني: »نحن فخورون بأنّ<br />
الله اخلالق قد اختار ابننا بالذات ليلقي<br />
بابتسامة العالم على محيّاه دون غيره...«<br />
وقال والده: »لقد أنقذ ابني البشريّة من<br />
الكآبة في دقائقها األخيرة«.<br />
بخطى واثقة حتوّل طفل العالم إلى<br />
جنم يضيء بحنوّ سماء النّاس، فهو الذي<br />
يطلع عليك عبر الفتات موزّعة على امتداد<br />
الطّ ريق راجيا لك سفرة طيّبة، وهو الذي<br />
يطلّ عليك من خالل البنايات العمالقة<br />
ليذكّرك بفضيلة احلِ لم حني تكون أعصابك<br />
على أشدّها وقت الذّروة، وهو الذي يشحنك<br />
باألمل واحلماس وأنت تستقبل يوما جديدا،<br />
وهو الذي يربّت على وجدانك بابتسامته<br />
العذبة قبل النّوم متمنّيا لك ليلة سعيدة.<br />
وهو الذي يقول لك »صحّ ة وعافية« حني<br />
تفرغ من األكل. من أجل ذلك كلّه خُ صّ ص<br />
له راتب يُقدّر بعشرين ألف دوالر شهريّا،<br />
يُصرف له مدى احلياة. فشكرهم وألقى<br />
كلمة حتدّث فيها عن ابتسامته وكيف أنّ<br />
األمر لم يكن بسيطا كما تتخيّله فئة كبيرة<br />
من عقالء الدّنيا، وابتسمها لهم ممتنّا.<br />
قدّم عروضا وألقى محاضرات في زوايا<br />
األرض األربع ليحدّث النّاس عن ابتسامته<br />
التي ابتسمها ذات يوم وعن كفاحه املضني<br />
من أجل التّذكير بها حتّى ال يطالها التّلف،<br />
وقال إنّه وحّ د العالم بابتسامته السّ احرة<br />
التي ابتسمها يوما عندما كان صبيّا.<br />
كثيرون اتّخذوا من االبتسامة موضوعا<br />
ألطروحاتهم وألّف آخرون كتبا لشرحها<br />
على نحو غير مسطّ ح مُستعملني عبارات<br />
عسيرة على الهضم جتعل املتلقّني يقرّون<br />
بأنّهم استحقّوا مواقعهم كمجرّد قرّاء<br />
عاديّني.<br />
وفي حادثة معزولة اضطر طفل<br />
العالم إلى أن ميثل أمام القضاء بعدما<br />
رفعت ضدّه شركة معجون األسنان قضيّة<br />
تطالبه فيها بنصيب من عائدات اإلعالنات<br />
والعروض وأشرطة السّ ينما وكلّ ما قد<br />
تدرّه عليه االبتسامة من مال. وبدل أن<br />
يؤدّي القسم ابتسم االبتسامة األولى<br />
للقاضي فكسب املعركة وغُرّمت الشّ ركة<br />
لفائدته. ولقد محق خصومه في معركة<br />
أخرى شنّها عليه حاسدون شكّكوا في<br />
ابتسامته وقالوا إنّ العيوب تساورها وأنّ<br />
88 العدد 559 فبراير 2017
مالمح النّائم هي أصدق تعبير إنسانيّ<br />
على اإلطالق. أدرك العالم إثر تلك الضجّ ة<br />
أنّ لديه أعداء كثيرين، فمكّنوه من حصانة<br />
كالتي متُ نح للقادة السامني. ونصّ بته بالده<br />
سفيرا للنّوايا احلسنة وناطقا باسمها في<br />
مؤمترات احملبّة والسّ الم، وأدّى دوره على<br />
أمتّ صورة وحتدّث عن ابتسامته وكيف أنّها<br />
غسلت البشريّة من شرورها وأعلن ألوّل<br />
مرّة أنّ ابتسامته كانت أكثر عبقرية من نور<br />
الشّ مس املنعكس على ليمونة، وابتسمها<br />
لهم. رُخّ ص له أيضا في ارتكاب خمس<br />
جرائم وطنيّة وجرميتني خارج أرض الوطن،<br />
فتجاوز السّ قف لكنّه ابتسم للقاضي فعفا<br />
عنه ومحا له فائض اجلرائم ووهبه واحدة<br />
إضافيّة على أن تُرتكب بعد موته.<br />
في اجلنازة أبّن طفل العالم والده بنصّ<br />
مؤثّر حتدّث فيه عن ابتسامته وكيف أنّ<br />
املرحوم أحبّها كثيرا وراهن عليها. حضرت<br />
شخصيّات عامليّة لتُؤدّي واجب العزاء،<br />
فقام معهم بواجب الضّ يافة ورغم حزنه<br />
ابتسمها لهم من باب العرفان باجلميل.<br />
بعد أسابيع أقام حفلة مبناسبة تخرّج ابنه<br />
من الكلّيّة احلربيّة، ألقى في مُستهلّها كلمة<br />
حدّث فيها املدعوّين عن االبتسامة األولى<br />
التي ابتسمها يوما، وقال إنّها معجزة لن<br />
تتكرّر. وابتسمها لهم ثالث مرّات إجالال<br />
لهم على قدومهم. وملّا لم يعد يقوى على<br />
املشي إالّ برفقة أحدهم أصبح يصاحبه<br />
ابنه إلى الندوات واجلامعات وإلى مواعيده<br />
التّلفازيّة. ثمّ في آخر أيّامه صار ال<br />
يُستضاف إالّ في األخبار املسائيّة، هناك<br />
وبنبرة مرتعشة توجّ ه بكلمة إلى شرفاء<br />
العالم حتدّث فيها عن ابتسامته السّ احرة<br />
التي ابتسمها عندما كان صبيّا في العاشرة<br />
وناشد الضّ مائر احليّة أن تساعد ابنه<br />
على مواصلة املسيرة التي بدأها وأخبرهم<br />
بضرورة انتقال االبتسامة إلى ابنه كي ال<br />
يضيع إرث إنسانيّ بهذه احلساسيّة.<br />
مات طفلُ العالم فأٌقيمت له جنازة<br />
مهيبة رُفعت فيها الفتات حتمل صورا<br />
له وهو يبتسم. خالل التّأبني قال االبن<br />
بصفته الوريث الشّ رعيّ لوالده إنّه طفل<br />
العالم اجلديد وحدّث النّاس آلخر مرّة<br />
عن ابتسامة أبيه األولى التي ابتسمها يوما<br />
عندما كان صبيّا في العاشرة وابتسم لهم<br />
واحدة تشبه ابتسامة أبيه فأعجبتهم كثيرا<br />
89<br />
العدد 559 فبراير 2017
وصفّقوا له بتأثّر شديد وطفرت الدّموع من الوحيدة املُتبقّية في رصيده وكان بني احلني<br />
عيون بعضهم. وابتسم والده لألموات حتت واآلخر يحدّثهم عن ابتسامته التي ابتسمها<br />
األرض االبتسامة املُتحلّلة األولى، فخرجت<br />
يوما عندما كان صبيّا عمره عشر سنوات،<br />
ميّتة مكتظة بالدّود. رغم ذلك سحرتهم<br />
وكان في كلّ مرّة ينهي فيها كالمه يبتسمها<br />
وأنعشت عظامهم ففسحوا له حيّزا مريحا<br />
لهم مغمورا بالرّحابة والرّوعة التي تهبها<br />
ليحدّثهم عنها ففعل، وابتسمها لهم ثانية<br />
نزوال عند رغبتهم، ولم يشعر يوما طوال األماكن حيث العبقريّة تكون أقلّ صرامة.<br />
إقامته بينهم أنّه في حاجة إلى اجلرمية<br />
XXXX<br />
90 العدد 559 فبراير 2017
قصة<br />
المركز الثاني<br />
ثورة بائع الريح<br />
)*(<br />
> بقلم: الصديق ابريك سليمان بودوارة<br />
لم يكن عادياً ذلك اليوم، عندما توفى<br />
»مراجع بائع الريح« وعندما اكتملت<br />
إجراءات جتهيزه للدفن رفض أن يذهب<br />
إلى املقبرة.<br />
ساد الهرج واملرج، واجتمعت »أم<br />
اجلراد« بشيبها وشبابها في مليونية<br />
حاشدة لم يتجاوز عدد أفرادها الثالثمئة،<br />
هم كل رجال البلدة، أما النساء فاكتفني<br />
مبراقبة احلدث من وراء شقوق نوافذ<br />
بيوتهن العتيقة.<br />
)*( قاص ليبي.<br />
- عليك أن ترضخ لسلطة األمر الواقع،<br />
يجب أن تذهب معنا إلى املقبرة يا بائع<br />
الريح.<br />
كان مختارنا املهيب يتحدث إلى املتوفى<br />
املشاغب، ورذاذ فمه املبارك يتطاير ليقع<br />
برداً وسالماً على قماش الكفن األبيض<br />
الناصع، لكن امليت كان يرى األمر من زاوية<br />
مختلفة:<br />
- عليكم اللعنة، وأنت بالذات، عليك<br />
ألف لعنة، لم أعد من األحياء كي أخافك<br />
وأخشى سطوتك، أنا اآلن ميت، هل<br />
91<br />
العدد 559 فبراير 2017
سمعتني يا برميل القمامة الذي عشنا ألف<br />
سنة نسميه مختارنا املهيب؟<br />
كان صوت امليت واضحاً جهورياً، وكانت<br />
معانيه صادمة للجميع، وفجأة ملعت عيون<br />
سكان البلدة بوميضٍ لم يسبق لهم أن<br />
عاينوه من قبل، واقتربوا أكثر من النعش<br />
وهم يستمعون باهتمام إلى اجلثة »املندسة«<br />
حسب تعبير املختار:<br />
- نعم، أنا أعني ما أقول، ما الذي يجبرني<br />
على الذهاب إلى املقبرة ليدعو لي لص مثلك؟<br />
لن أقبل أن أركض على الصراط مصحوباً<br />
بصوتك البشع ومفرداتك امليتة، كنت مجبراً<br />
على الطاعة عندما كنت من األحياء، ولكن، ملاذا<br />
استمر في اخلنوع لك وقد أصبحت جثةً ال تقع<br />
حتت طائلة حكمك املقزز؟.<br />
لن أذهب إلى املقبرة، أريد أن أتعفن في<br />
داري ويأكلني الدود، هذه جثتي وأنا حر في<br />
ما أصنعه بها، أريد أن أمارس حريتي للمرة<br />
األولى يا برميل القمامة.<br />
انصرف اجلميع مذهولني برهبة<br />
املعجزة، لكن صباح اليوم التالي شهد حدثاً<br />
فريداً من نوعه لم تشهده »أم اجلراد« منذ<br />
ماليني السنني، لقد كانت ساحة البلدة<br />
تغص باجلثث في أكفانها البيض، رجاالً<br />
ونساء، وكان اجلميع يرفضون بإصرار أن<br />
يدفنهم املختار وأن يدعو لهم، مطلقني<br />
ألسنتهم امليتة بأقذع أصناف السباب في<br />
وجه »برميل القمامة«، ذلك الذي كنا ندعوه<br />
سابقاً مبختارنا املهيب.<br />
92 العدد 559 فبراير 2017
قصة<br />
المركز الثالث<br />
رمزي<br />
)*(<br />
بقلم: محمد أحمد جاد الله<br />
بِهِ مَّةٍ قام بقصِّ عددٍ من اإلعالنات<br />
املهمة من الصحيفة اليومية كعادته. جمع<br />
أوراقه قاصدًا املكتبة القريبة من منزله.<br />
قام بتصوير عدة نسخ من كل مستند.<br />
قسَّ مَ صور املستندات على عددٍ من امللفات<br />
تساوي عدد اإلعالنات التي جمعها.<br />
ظل رمزي يفعل ذلك ما يقارب السنةِ ،<br />
فبعد تخرجه من اجلامعة؛ يقصد كل يومٍ<br />
مجموعةً جديدةً من الشركات املُعلِنةِ عن<br />
وظائفَ خالية، وفي طريق عودته يشتري<br />
عددًا من أكياس الشيبسي إلخوته الصغار؛<br />
حيث يتنافسون لتجميع أكبر عددٍ من<br />
اجلوائز املُقدَّمة من الشركة املنتجة. وفي<br />
ذلك اليوم، فتح أحد األكياس لنفسه، فإذا<br />
به يربح عشرة آالف جنيه؛ فأخذ يقفز<br />
فرحً ا مع إخوته، ووالداه ينظران إليه بحبٍ<br />
وسعادة.<br />
وفي وسط أجواء السعادة واملرح، تقدم<br />
والده نحوه ببطءٍ ، ثم وضع يده على كتفه<br />
من خلفه؛ فاستدار إليه. نظر األب في<br />
عينيه نظرةً عميقةً، ثم قال له: »اِعلم يا<br />
بني أن الله دومًا يكافئ من يسعى، وأنه<br />
أبدًا ال يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عمال«. قبَّلَ<br />
)*( قاص مصري.<br />
93<br />
العدد 559 فبراير 2017
رأس والده، ثم عاد ليستأنف أجواء املرح<br />
مع إخوته.<br />
قرّرَ استثمار املبلغ؛ فأصبح يشتري<br />
به كل ما ميكن شراؤه من املنتجات التي<br />
تتضمن جوائز من الشيبسي واآليس<br />
كرمي واحللوى واللبان، بل أنه قد أدمن<br />
تتبع العروض املقدمة من سالسل الهايبر<br />
ماركت.<br />
على مدار ستة أشهر، كان وإخوته<br />
يحققون بعض املكاسب: هنا ربع جنيه،<br />
وخمسني قرشً ا هناك، وتلك عبوة مجانية،<br />
وذاك كوبون خصم. كانوا يأكلون ما<br />
يكسبونه، بينما كان هو يزيد من إنفاقه<br />
لشراء املزيد من منتجات اجلوائز، في<br />
انتظار تكرار ذلك الفوز الكبير، أو حتقُّق<br />
أمنيته بجائزةٍ كبرى يضمن بها مستقبله.<br />
وفي ذاك الصباح، قام بهِ مَّةٍ عالية. فتح<br />
درج مكتبه. أخذ يعُدّ ما تبقى من اجلائزة.<br />
اتخذ قراره وهو يُحدّثُ نفسه: »هذه األلف<br />
وتسعمئة جنيه هي آخر ما تبقى لي من أملٍ<br />
في الفوز الذي لن أتنازل عنه«.<br />
استقلّ سيارة أجرة ليذهب إلى تاجر<br />
اجلملة الشهير، ثم راح مُحَ مَّالً مبا سمحت<br />
له نقوده بحمله من السلع ذات العروض<br />
الترويجية باجلوائز السخية. وما أن رآه<br />
إخوته من الشُّ رفة؛ حتى نزلوا مهرولني إليه<br />
يحملون عنه بسعادةٍ وشغف.<br />
وقبل صعوده، انتبه إلى طرف مظروفٍ<br />
يتدلى من أسفل صندوق البريد اخلاص<br />
بأسرته بجانب الدّرَج. فتح الصندوق، تناول<br />
املظروف الذي اكتسى بطبقةٍ من الغبار.<br />
فوجئ بأنه من إحدى الشركات الكبرى<br />
التي سبق وأن تقدم بطلب وظيفةٍ فيها،<br />
وأجرى بها مقابلةً شخصيةً منذ فترة.<br />
فتح املظروف والفضول ميأل كيانه،<br />
والترقب يقفز من عينيه اللتني لم يكد<br />
يصدقهما وهو يقرأ خطاب الشركة الذي<br />
يفيد بقبوله لشغل تلك الوظيفة، ودعوته<br />
إلحضار أصول مستنداته الشخصية في<br />
أسرع وقت ممكن الستالم العمل.<br />
صَ عَدَ الدّرَجَ طائرًا. دخلَ املنزلَ مناديًا<br />
بأعلى صوته: « أمي! أبي! لقد مت قبولي<br />
في واحدة من الشركات الكبرى التي كنت<br />
أحلم بالعمل بها«. عانق والديه منهاالً على<br />
أيديهما ورأسيهما بالقُبَل، وهما يدعوان له<br />
بالتوفيق والسداد.<br />
94 العدد 559 فبراير 2017
في صباح اليوم التالي، استيقظ مبكرًا.<br />
لبس أفضل ثيابه، وتعطّ ر. أخذ ملف<br />
مستنداته املنسيّ في درج مكتبه. أخذ<br />
من والده مبلغًا يكفي لركوب ليموزين بدالً<br />
من املواصالت العامة؛ حتى يحافظ على<br />
هندامه وأناقته، ورائحة العطر.<br />
وصلَ مبنى الشركة متوجهًا إلى إدارة<br />
املوارد البشرية. قدَّم لهم ملف مستنداته<br />
ومعه خطاب قبوله بالوظيفة. ألقى املسؤولُ<br />
نظرةً على اخلطاب، ثم قال: »رمزي! نعتذر<br />
بشدة عن عدم قبولك بالوظيفة؛ فقد مت<br />
تعيني آخر«.<br />
رمزي: كيف هذا؟! أنتم مَنْ أبلغني<br />
بالقبول، وبضرورة إحضار مستنداتي<br />
الستالم العمل!<br />
املسؤول: صحيح، ولكنك لم تنتبه إلى<br />
أن خطابنا لك كان منذ حوالي ستة أشهر.<br />
95<br />
العدد 559 فبراير 2017
محطات قلم<br />
د.الوقيان.. شاعر القدس<br />
للكويت حضور مميز في احلراك<br />
الثقافي العربي منذ القدم وتعد إضافة<br />
كبيرة في اخلريطة الثقافية حيث<br />
يتنوع هذا احلضور من إبداعات أدبية<br />
بأقالم كويتية في مختلف املجاالت<br />
والفنون كالقصة القصيرة و الرواية<br />
و الشعر و املسرح والبحث األدبي<br />
وخالفه، ولعل فوز قصيدة الشاعر<br />
فهد العسكر مبسابقة إذاعة لندن عام<br />
1944م مثال واضح على عراقة اإلبداع<br />
الكويتي املتجدد، لنجد أن األدباء منذ<br />
مطلع القرن العشرين سطروا الشعر<br />
والنثر في خدمة القضايا العربية<br />
وليعبروا عن وجدان هذا الشعب<br />
العربي األصيل وتالحمه مع إخوانه<br />
العرب من احمليط إلى اخلليج.<br />
وقد وثق أديبنا الكبير د.خليفة<br />
الوقيان هذا اجلانب املضيء في<br />
كتابه )القضية العربية في الشعر<br />
الكويتي( وتتبع قصائد الشعراء<br />
الكويتيني بدقته املعهودة وأسلوبه<br />
البحثي الرائع ليعطي للقارئ العربي<br />
صفحات عظيمة من تاريخ الشعر<br />
الكويتي، وقد صدر له في شهر مايو<br />
كتاب )فلسطني في الشعر الكويتي(<br />
الذي أشرفت عليه رابطة األدباء<br />
وطبع بالتعاون مع املجلس الوطني<br />
للثقافة والفنون واآلداب ضمن<br />
منشورات الكويت عاصمة للثقافة<br />
اإلسالمية لعام 2016م وكان إضافة<br />
قيمة للمكتبة العربية.<br />
وقد فاز بكل جدارة واعتزاز<br />
شاعرنا د.الوقيان بجائزة القدس<br />
لعام 2016م والتي تعتبر أرفع جائزة<br />
مينحها االحتاد العام لألدباء العرب<br />
سنويا، وجاء هذا الفوز نظراً ملجمل<br />
أعماله األدبية لدعم ومناصرة القضية<br />
الفلسطينية، وكلفني شخصيا لتمثيله<br />
في استالم جائزته في املؤمتر الذي<br />
سيعقد هذه األيام في اجلزائر.<br />
إن التعرف على قامات األدب<br />
الكويتي عن كثب يعطي املتلقي شعوراً<br />
عظيماً ودافعاً كبيرا للبذل والعطاء،<br />
فالقدوة احلسنة في املجتمعات أمر<br />
مهم ووجوبي لبناء أجيال واعية قادرة<br />
على مواجهة األفكار الهدامة، ولي مع<br />
هذه القامة الثقافية معرفة أعتز بها<br />
منذ عام 2001م حيث أهديته كتابي<br />
بقلم: طالل سعد الرميضي*<br />
األول )أعالم الغوص عند العوازم<br />
خالل قرن(، كما تشرفت بكتابته<br />
ملقدمة كتابي )شخصيات من تاريخ<br />
الكويت( وأسعدني وصفه لي ب »باحث<br />
جاد وأمتلك حاسة التقاط املوضوعات<br />
التي لم تذللها جهود الباحثني ومبثل<br />
جهدي التفاتة نبيلة ووفاء جميال ملن<br />
اعطوا للوطن ورحلوا دون وداع، وأن<br />
كتابي يسد ثغرة في املكتبة الكويتية«.<br />
إن احلديث عن األمور اجلميلة<br />
يدفع للفرح والبهجة والتفاؤل وكذلك<br />
احلال عند احلديث عن جمال اخللق<br />
والفكر واإلبداع لدى د.الوقيان حفظه<br />
الله ورعاه .<br />
* أمني عام رابطة األدباء الگويتيني - رئيس التحرير.