01.02.2017 Views

42761.2900592708

42761.2900592708

42761.2900592708

SHOW MORE
SHOW LESS

Transform your PDFs into Flipbooks and boost your revenue!

Leverage SEO-optimized Flipbooks, powerful backlinks, and multimedia content to professionally showcase your products and significantly increase your reach.

العدد 559 فبراير 2017<br />

ثمن العدد<br />

الگويت:‏ 500 فلس،‏ البحرين:‏ 750 فلسً‏ ا،‏<br />

قطر:‏ 8 رياالت،‏ دولة اإلمارات العربية املتحدة:‏<br />

8 دراهم،‏ سلطنة عمان:‏ ريال واحد،‏ السعودية:‏<br />

8 رياالت،‏ األردن،‏ دينار واحد،‏ سورية:‏ 50 ليرة،‏<br />

مصر:‏ 3 جنيهات،‏ املغرب:‏ 10 دراهم.‏<br />

االشتراك السنوي<br />

لألفراد $ الگويت 10 دنانير<br />

لألفراد $ اخلارج 15 دينارًا أو ما يعادلها<br />

للمؤسسات والوزارات $ الداخل 20 دينارًا كويتيًا<br />

للمؤسسات والوزارات خارج الكويت 25 دينارًا<br />

كويتيًا أو ما يعادلها<br />

املراسالت<br />

رئيس حترير مجلة البيان ص ‏.ب 34043 العديلية - الگويت<br />

الرمز البريدي - 73251 هاتف املجلة:‏ + 965 22518286<br />

هاتف الرابطة:‏ - 22518282 / 25106022 فاگس:‏ 22510603<br />

مجلة أدبية ثقافية شهرية تصدر<br />

عن رابطة األدباء الكويتيني<br />

صدر العدد األول في أبريل )1966(<br />

رئيس التحرير<br />

طالل سعد الرميضي<br />

مدير التحرير<br />

صالح خالد املسباح<br />

سگرتير التحرير<br />

عدنان فرزات<br />

التدقيق اللغوي<br />

خليل السالمة<br />

تنفيذ وإخراج<br />

عالء متولي<br />

موقع رابطة األدباء على اإلنترنت<br />

WWW.KuwaitWriters.org<br />

البريد اإللكتروني<br />

ELBYAN@ hotmail.com<br />

وزارة اإلعالم - مطبعة حكومة دولة الگويت<br />

مجلة ‏»البيان«‏ مجلة أدبية ثقافية،‏ تصدر عن رابطة<br />

األدباء في الگويت،‏ وتعنى بنشر األعمال اإلبداعية<br />

والبحوث والدراسات في مجاالت اآلداب والعلوم<br />

اإلنسانية،‏ ويتم النشر فيها وفق القواعد التالية:‏<br />

- 1 أن تكون املادة خاصة مبجلة البيان وغير منشورة<br />

أو مرسلة إلى جهة أخرى.‏<br />

- 2 املواد املرسلة تكون مطبوعة ومدققة لغويا ومرفقة<br />

باألصل إذا كانت مترجمة.‏<br />

- 3 يفضل إرسال املادة محملة على CD أو باإلمييل.‏<br />

- 4 موافاة املجلة بالسيرة الذاتية للكاتب مشتملة<br />

على االسم الثالثي والعنوان ورقم الهاتف ورقم<br />

احلساب املصرفي.‏<br />

- 5 املواد املنشورة تعبّر عن آراء أصحابها فقط.‏<br />

- 6 مكافأة النشر 100 يورو,‏ وتسقط حق املطالبة بها<br />

في حال عدم استالمها بعد 6 أشهر.‏


Al Bayan<br />

LITERARY JOURNAL ISSUED<br />

BY KUWAIT WRITERS ASSOCIATION<br />

(559) February 2017<br />

Editor in chief<br />

Talal Saad Alrumaidhi<br />

Correspondence Should be Addresses to:<br />

The Editor,<br />

Al Bayan Journal<br />

P.O.Box: 34043 Audilyia - Kuwait<br />

Code: 73251 - Fax: +965 22510603<br />

Tel.: (Journel) +965 22518286 - 22518282 - 22510602<br />

2 العدد 559 فبراير 2017


احملتوى<br />

كلمة البيان<br />

‏•أدباء الكويت والقضايا العربية........................................البيان 6<br />

دراسات<br />

‏•جدلية احلركة والسكون لدى اإلنسان في معلقة لبيد..‏ د.‏ عواد صالح احلياوي 10<br />

مقاالت<br />

24<br />

‏•القدس في الشعر العربي احلديث............................‏ د.‏ زياد أبولنب 29<br />

‏•القصيبي..‏ ورسالة سيف الدولة.....................يوسف عوض العازمي 36<br />

‏•اآلداب زينة املجتمعات الراقية.........................‏ عبدالله الفيلكاوي قراءات<br />

40<br />

‏•قصيدة ‏»سوسنة اسمها القدس«‏ ل:‏ نازك املالئكة............‏ عهود العتيبي 45<br />

‏•كتاب ‏»السيوطي البالغي«‏ للمؤلف جاسم سليمان الفهيد...‏ عبدالله احلمر حوار<br />

‏•د.‏ محمد حرب ل ‏»البيان«‏ انعكست أسبقية الكويت للعالم العربي في الدميوقراطية<br />

على مناخها الثقافي..........................................‏ وليد الزهيري 54<br />

3<br />

العدد 559 فبراير 2017


أعالم<br />

‏•محمود شوقي األيوبي )1901 - ‎1966‎م(.................‏ علي عبدالفتاح 64<br />

شعر<br />

74<br />

‏•التوأمان...................................................‏ د.‏ خليفة الوقيان 76<br />

‏•بناة املجد......................................إبراهيم بن عبدالكرمي السنيدي 80<br />

‏•كويت العطاء...............................................هشام عبدالغني الفرا 83<br />

‏•عيناك........................................................محمد خلف احلجي قصة<br />

86<br />

‏•مسابقة القصة القصيرة لواحة األدب في الكويت 87<br />

- املركز األول:‏ ‏»املجد الثاني«...............................‏ محمد فطومي 91<br />

- املركز الثاني:‏ ‏»ثورة بائع الريح«............الصديق ابريك سليمان بودوارة 93<br />

- املركز الثالث:‏ ‏»رمزي«............................محمد أحمد نبيل جادالله محطات قلم<br />

‏•د.‏ الوقيان..‏ شاعر القدس...............................‏ طالل سعد الرميضي 96<br />

ZZZZ<br />

4 العدد 559 فبراير 2017


كلمة البيان<br />

بريشة خديجة البهاويد


كلمة البيان<br />

أدباء الكويت والقضايا العربية<br />

ثمة وقفات سياسية واقتصادية<br />

وإنسانية أدتها دولة الكويت لآلخرين<br />

عبر األزمان.‏ ولكن هناك وقفات ثقافية<br />

وأدبية ال تقل شأنا عن ذلك،‏ حيث كان<br />

أدباء الكويت من السباقني في الوقوف<br />

مع البالد التي يلمّ‏ بها مكروه،‏ إما بسبب<br />

االستعمار أو الكوارث اإلنسانية.‏<br />

هذه املواقف األدبية،‏ قليل ما يتم<br />

ذكرها في التاريخ،‏ إال إذا حلّت مناسبة<br />

ما،‏ رغم أنها ال تقل شأناً‏ عن بقية<br />

املواقف،‏ بل إن املواقف األدبية هي<br />

مواقف شعبية عفوية نابعة من صميم<br />

وجدان الشعب للتعاطف مع شعب آخر<br />

بعيداً‏ عن أية اعتبارات أخرى.‏<br />

وأكثر الذين يتبنون هذه املواقف<br />

الثقافية من خالل نتاجهم األدبي هم<br />

الشعراء،‏ وذلك لسهولة التعبير بالشعر<br />

عن باقي األجناس السردية.‏ وإذ وقف<br />

أدباء الكويت مع مختلف القضايا<br />

العربية،‏ مثل الثورة اجلزائرية ضد<br />

املستعمر الفرنسي،‏ فإن أكثر وقفاتهم<br />

كانت مع القضية الفلسطينية،‏ كونها<br />

احملورية التي ما تزال قائمة حتى<br />

يومنا هذا.‏<br />

وسبق أن أقامت رابطة األدباء<br />

الكويتيني ندوة بعنوان ‏»أدباء الكويت<br />

ودورهم في نصرة قضية فلسطني«،‏<br />

6 العدد 559 فبراير 2017


حاضر فيها الدكتور خالد الشطي،‏<br />

وأدارها الدكتور موسى الغضبان.‏<br />

ويومها حتدث الدكتور الشطي:‏ عن<br />

‏»أهمية دور أدباء الكويت ومثقفيها في<br />

دعم قضية فلسطني منذ مطلع القرن<br />

العشرين،‏ محددا تلك الفترة بعد إعالن<br />

وعد بلفور،‏ إذ عمّت الكويت مبختلف<br />

شرائحها االجتماعية والسياسية<br />

والثقافية ثورة عارمة ضد هذا الوعد<br />

املشؤوم،‏ تهدف إلى نصرة الشعب<br />

الفلسطيني املظلوم،‏ عدد يومها الدكتور<br />

الشطي:‏ أسماء مجموعة من الشعراء<br />

الذين وقفوا مع القضية الفلسطينية،‏<br />

مثل:‏ خالد الفرج وخالد سعود الزيد<br />

ومحمود شوقي األيوبي وفهد العسكر<br />

وصقر الشبيب وفاضل خلف وأحمد<br />

السقاف وعبدالله سنان وفهد بورسلي<br />

وزيد احلرب وعبداللطيف الديني،‏ كما<br />

تناول الشطي بعض الدراسات املتعلقة<br />

بالقضية الفلسطينية منها القضية<br />

العربية في الشعر الكويتي للدكتور<br />

خليفة الوقيان،‏ وكذلك إصدارات أخرى<br />

للمؤلف عبدالله النوري وجاسم مهلهل<br />

الياسني وطارق السويدان وعبدالله<br />

خلف وغيرهم«.‏<br />

لذلك فإن فوز الشاعر واألكادميي<br />

الدكتور خليفة الوقيان بجائزة القدس<br />

األدبية جاء عن جدارة واستحقاق،‏<br />

فاجلائزة التي مينحها االحتاد العام<br />

لألدباء والكتاب العرب هي من أرفع<br />

اجلوائز التي يقدمها االحتاد سنويا.‏<br />

وجاء اإلعالن عن اجلائزة خالل<br />

اجتماعات املكتب الدائم لالحتاد العام<br />

لألدباء والكتاب العرب الذي عقد في<br />

مدينة دبي باإلمارات في الفترة من<br />

الرابع إلى السابع من سبتمبر العام<br />

الفائت.‏ وسوف يتسلمها خالل شهر<br />

فبراير احلالي في افتتاح املؤمتر<br />

باجلزائر التي هي بدورها وقف معها<br />

املثقفون الكويتيون من خالل ثورتها<br />

ضد االستعمار الفرنسي،‏ فقد قدم<br />

الباحث الدكتور فهد سالم الراشد<br />

قراءة لبعض معالم الثورة اجلزائرية<br />

7<br />

العدد 559 فبراير 2017


من خالل الفيلم احلائز على جوائز<br />

عاملية ‏»ريح األوراس«‏ مسلطا الضوء<br />

على تالحم اجلزائريني في حترير<br />

بالدهم من االستعمار الفرنسي.‏<br />

وقبله شعراء كثر منهم الشاعر صقر<br />

الشبيب الذي ذكره الدكتور خليفة<br />

الوقيان في كتابه ‏»القضية العربية في<br />

الشعر الكويتي«‏ ويقول الشبيب عن<br />

ثورة اجلزائر ضد الفرنسيني:‏<br />

ما لإلذاعات بني العرب دائبة<br />

تبثُ‏ ملء الشروق اللهو والطربا<br />

كأنها حسبتْ‏ أهل الجزائر في<br />

ما يقتضي طول بثّ‏ اللهو الدَّأبا<br />

هذا جزء يسير من قريحة زاخرة<br />

بالشعر الذي تفاعل به األدباء<br />

الكويتيون مع إخوانهم العرب في كل<br />

مكان،‏ كي يبقى التاريخ مستيقظاً‏<br />

في أذهان الناس عن عمق الوعي<br />

األدبي في الكويت.‏<br />

RRRR<br />

8 العدد 559 فبراير 2017


دراسات<br />

بريشة عبدالرضا باقر


دراسات<br />

جدلية احلركة والسكون<br />

لدى اإلنسان في معلقة لبيد<br />

)*(<br />

بقلم:‏ د.‏ عواد صالح احلياوي<br />

إذا سلمنا بأنّ‏ الفعلَ‏ رافدٌ‏ مهمٌ‏ من روافد احلركة لدى اإلنسان عامة وفي النّص األدبي<br />

خاصة،‏ فإنّ‏ أهم ما يلفت انتباهنا،‏ ونحن نرصد حركة اإلنسان من خالل الفعل في معلقة<br />

لبيد هو هذا العدد املتواضع من األفعال مقارنة بعدد أبيات املعلقة.‏<br />

فاملعلقة تتكون من تسعة وثمانني بيتاً‏ ومجموع عدد األفعال املنسوبة إلى اإلنسان<br />

مبختلف الضمائر العائدة عليه هو خمسة وأربعون فعالً‏ توزعت بني:‏<br />

الضمير<br />

عدد األفعال املسندة<br />

الضمير<br />

عدد األفعال املسندة<br />

أنا<br />

عشرون فع ‏ًال<br />

هم<br />

سبعة أفعال<br />

هو<br />

ستة أفعال<br />

هي<br />

سبعة أفعال<br />

أنتَ‏<br />

ثالثة أفعال<br />

أن ‏ِت<br />

فعل واحد<br />

هما<br />

فعل واحد<br />

وال يفوتنا في عملية الرصد هذه أن نشير إلى فعل تعلق بالله عزّ‏ وجلّ،‏ في البيت<br />

اخلامس والثمانني وقد تكرّر هذا الفعل مرتني،‏ في قوله ))) :<br />

)*( كاتب سوري.‏<br />

))) شرح املعلقات العشر للخطيب التبريزي،‏ حتقيق.‏ فخر الدين قباوة،‏ دار الفكر،‏ دمشق،‏ دار الفكر املعاصر،‏ بيروت،‏<br />

ط‎2‎عام‎2006‎‏.‏ املعلقة من ص‎207-161‎‏.‏<br />

شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري،‏ ت.‏ د.‏ إحسان عباس،‏ إصدار وزارة اإلرشاد،‏ الكويت‎1962‎‏،‏ املعلقة من ص‎321-297‎‏.‏<br />

10 العدد 559 فبراير 2017


58- فأقنَعْ‏ بِ‏ ‏ما قَسَ‏ ‏م ‏َاملَلِيك ‏ُفإنّما<br />

قَسَ‏ ‏م ‏َالخَ‏ ‏لائقَ‏ بَينَنا عَ‏ ‏لاّ‏ مُها<br />

إذاً‏ فقد جتاوز عدد األفعال املتصلة باإلنسان في املعلقة نصف عدد أبياتها بقليل<br />

وهذه النسبة املتدنية لألفعال تعود إلى عاملني رئيسني:‏<br />

العامل األول:‏ متصل مبضمون املعلقة إذ تعلقت نسبة كبيرة من عدد أبياتها بوصف<br />

احليوان عامة ‏)الناقة واألتان والبقرة الوحشية والفرس(،‏ وما سبق هذا القسم من وصف<br />

لألطالل وما صاحب وصف احليوان من وصف للطبيعة.‏<br />

العامل الثاني:‏ متصل بالبناء الفني للمعلقة عموماً،‏ وهو بناء غلّب الوصف على<br />

السرد من ناحية قصصية،‏ ونحن نعلم أنّ‏ من أهم اخلصائص الفنية للوصف غلبة اجلملة<br />

االسمية على اجلملة الفعلية.‏ وقبل حتليل الداللة احلركية لألفعال املسندة إلى اإلنسان<br />

جتدر اإلشارة إلى بداية املعلقة وحتى البيت التاسع.‏<br />

إذ كانت حركة اإلنسان على امتداد هذه املساحة الشعرية حركة غائبة متاماً.‏ وإذا<br />

سلمنا بأنّ‏ بداية املعلقة في البناء الشعري التقليدي تقوم على الوقفة الطللية،‏ فإنّ‏ احلركة<br />

املتصلة باإلنسان في هذه البداية كانت متوقفة وغائبة،‏ حتى لكأنّ‏ الواقف على األطالل<br />

ليس الشاعر وحدّه،‏ بل ّ كلُ‏ مَن استمع أو قرأ معلقته،‏ بل إنّ‏ كلّ‏ نفس بشرية على هذه<br />

األرض قد توقفت هي أيضاً‏ عن احلركة ووقفت على األطالل.‏<br />

إنّ‏ غياب أي فعل متصل باإلنسان في هذه البداية غياب أسدى إضافة فنية للمعلقة،‏<br />

سواء أكان ذلك بوعي من الشاعر أم بغير وعي منه.‏<br />

ضمير املتكلم املفرد ‏)أنا(:‏ ال شك أنّ‏ ضمير املتكلم املفرد ‏)أنا(‏ الذي تُرصد حركته من<br />

خالل األفعال املسندة إليه،‏ هو الضمير العائد على الشاعر.‏ هذا الضمير الذي ظل ساكناً‏<br />

مسلوب احلركة من بداية املعلقة حتى البيت العاشر،‏ وعندما حضرت حركته جمعت بني<br />

السكون واحليرة،‏ من خالل الفعلني ‏)وقفت،‏ أسألها(،‏ يقول:‏<br />

- 10 فوقَفتُ‏ أسألُها وكيفَ‏ سُ‏ ‏ؤالُنا<br />

(((<br />

صُ‏ ‏مّاً،‏ خَ‏ ‏والِدَ،‏ ما يَبِ‏ ‏ينيُ‏ كَلامُها؟<br />

))) صمّ‏ : صخور،‏ خوالد:‏ بواقي،‏ الديوان،‏ ص‎299‎‏.‏<br />

11<br />

العدد 559 فبراير 2017


وقبل النظر في هذين الفعلني يجدر بنا أن نتساءل:‏ أين كانت ‏)األنا(‏ على امتداد<br />

األبيات التسعة السابقة؟ وملاذا تأخرت حركة الوقوف وحركة السؤال إلى البيت العاشر؟ إنّ‏<br />

اإلجابة الوحيدة التي جندها لهذين السؤالني هي أنّ‏ املكان/األطالل قد شلتْ‏ حركة ‏)األنا(‏<br />

وأماتتها لبرهة من الزمن.‏ وقد انعكست صورة املوت املعنوي القابعة في املكان/‏ وهو خلو<br />

من احلبيبة/على كيان الشاعر فأصبح ظالً‏ للمكان من زاوية املوت املعنوي.‏ ثم هو بعد هذا<br />

املوت املؤقت يُبعث من جديد ال ليستعيد حياة وحركة،‏ بل ليعي غياب احلركة عنه ويفيض<br />

منه سؤال ال يجد بعده جوابا،ً‏ بل سؤاالً‏ تالياً‏ ‏)وكيف سؤالنا صُ‏ مّاً‏ خوالدَ‏ ما يبنيُ‏ كالمُها(.‏<br />

ولم يصاحب استعادة الوعي استعادة للحياة والطمأنينة،‏ بل استعادة للحيرة والقلق.‏<br />

لذلك لم يكن األمر غريباً،‏ عندما فاجأتنا املعلقة بغياب ثان لهذا الضمير،‏ استمر<br />

حتى البيت الرابع واخلمسني.‏ وكأنّ‏ هذا الغياب هو عودة ثانية إلى ما أسميناه املوت<br />

املعنوي.‏ ولعلّنا في هذه احملطة الثانية من الغياب يجوز لنا أن نتحدث عن تغييب ‏)لألنا(.‏<br />

ألنّ‏ الشاعر غيّب نفسه،‏ وأحضر في بعض احملطات الفاصلة بني حضوره األول وحضوره<br />

(((<br />

الثاني ضميراً‏ آخر،‏ يعود على من كانت متأل املكان حياة ‏)هي(،‏ يقول<br />

- 12 شاقَتْكَ‏ ظُ‏ ‏عْنُ‏ الحَ‏ ‏يّ‏ يومَ‏ تحمَّلُوا<br />

(((<br />

فتكنَّسُ‏ ‏وا قُطُ‏ ‏ناً‏ تَصِ‏ ‏رُّ‏ خِ‏ يامُها<br />

16- بَل ما تَذَكَّرُ‏ من نَوَارَ‏ وقَد نأتْ‏<br />

(((<br />

وتقطَّ‏ ‏عَتْ‏ أسبابُها ورِ‏ مامُها؟<br />

17- مُرِّيّةٌ‏ حَ‏ ‏لَ‏ ‏ّتْ‏ بفَيدَ‏ وجاوَرَتْ‏<br />

(((<br />

أهلَ‏ الحِ‏ ‏جازِ‏ فأينَ‏ مِ‏ ‏نكَ‏ مَرَامُها؟<br />

19- فَصُ‏ ‏وَاِئقٌ‏ إن أيمَنَتْ‏ فمِ‏ ‏ظَ‏ ‏نّةٌ‏<br />

(((<br />

منها وِ‏ حافُ‏ القَهْرِ‏ أو طِ‏ لخامُها<br />

((( الديوان ص - 300 .302<br />

))) تكنسوا:‏ دخلوا الكناس بيت الظبي،‏ قطناً:‏ ثوب القطن،‏ الصرير:‏ حتدث صريراً.‏<br />

))) نوار:‏ صاحبة الشاعر،‏ أسباب:‏ حبال،‏ رمام:‏ حبال بالية.‏<br />

))) مرية:‏ من بني مرة بن ذبيان،‏ فيد:‏ فالة،‏ مرام:‏ مطلب.‏<br />

))) صوائق:‏ جبل لهذيل،‏ مظنة:‏ من الظن،‏ حاف القهر:‏ موضع،‏ طلخام:‏ موضع.‏<br />

12 العدد 559 فبراير 2017


وسنتناول الحقاً‏ حركة األفعال املتصلة به.‏ ولعلّه من الطريف فيما يتصل بعودة ‏)األنا(‏<br />

ثانية مالحظة هذا التزامن العجيب بني حضور ‏)األنا(‏ وحضور ال ‏)هي(،‏ في قوله:‏<br />

54- أقْضِ‏ ‏ي اللُّبانةَ‏ ال أُفَرِّطُ‏ رِ‏ يبَةً‏<br />

(((<br />

أو أنْ‏ يَلومَ‏ بِ‏ ‏حاجَ‏ ‏ةٍ‏ لَوّ‏ امُها<br />

55- أوَ‏ لَمْ‏ تَكُنْ‏ تَدرِ‏ ي نَوارُ‏ بأنّنِ‏ ‏ي<br />

وفي هذا التزامن والتجاور يحضر لفظان مهمان:‏<br />

(((<br />

وَصّ‏ ‏الُ‏ عَ‏ ‏قْدِ‏ حَ‏ ‏بائِ‏ ‏لٍ‏ جَ‏ ‏ذّامُها؟<br />

- اللفظ األول:‏ هو حضور اسم احلبيبة تصريحاً‏ ‏)نوار(.‏<br />

- اللفظ الثاني:‏ هو تعمد الشاعر استعمال صيغة املبالغة من فعل وصلَ‏ ‏)وصال(‏ وكأنّ‏<br />

حضور ‏)األنا(‏ وتدفق حركتها،‏ إنّ‏ ا هو رهني حضور ‏)هي(‏ وتدفق حركتها،‏ وإن كانت هذه<br />

احلركة حركة سلبية تركيباً‏ ‏)لم تكن تدري(.‏ ومجرد حضور ‏)نوار(‏ اسماً‏ وحركة تتدفق حركة<br />

‏)األنا(‏ تدفقاً‏ الفتاً‏ لالنتباه.‏ ثمانية عشر فعالً‏ على امتداد ثالثة عشر بيتاً،‏ وهذه هي املرة<br />

(((<br />

الوحيدة التي يتجاوز فيها عدد األفعال/احلركات املتصلة ب ‏)األنا(‏ عدد األبيات<br />

54- أقضِ‏ ‏ي اللُّبانة َ ال أُفَرّطُ‏ رِ‏ يبةً‏<br />

أو أنْ‏ يَلومَ‏ بِ‏ ‏حاجةٍ‏ لَوّ‏ امُها<br />

56- تَرّاكُ‏ أمكِ‏ ‏نةٍ‏ إذا لم أرْضَ‏ ‏ها<br />

أو يَرتَبِ‏ ‏طْ‏ بعضَ‏ النُّفُوسِ‏ حِ‏ ‏مامُها<br />

58- قد بِ‏ ‏تُّ‏ سامِ‏ ‏رَها وغايةِ‏ تاجرٍ‏<br />

(((<br />

وافيتُ‏ إذ رُفِ‏ ‏عَتْ‏ وعَ‏ ‏زَّ‏ مُدامُها!‏<br />

59- أُغلِي السِّ‏ ‏باءَ‏ بِ‏ ‏كُلِّ‏ أدكَنَ‏ عاتِ‏ ‏قٍ‏<br />

(((<br />

أو جَ‏ ‏ونَةٍ‏ قُدِ‏ حَ‏ ‏تْ‏ وفُضَّ‏ خِ‏ تامُها<br />

))) اللبانة:‏ احلاجة،‏ ريبة:‏ تهمة وشك.‏ الديوان ص‎313‎‏.‏<br />

))) جذام:‏ قطاع،‏ أصل من يستحق وأقطع من يستحق.‏<br />

))) الديوان ص‎318-313‎‏.‏<br />

))) غاية تاجر:‏ راية خمّ‏ ار،‏ مدام:‏ خمرة.‏<br />

))) أغلي السباء:‏ أشتري اخلمر،‏ أدكن عاتق:‏ زق خالص.‏<br />

13<br />

العدد 559 فبراير 2017


61- باكَرتُ‏ حاجَ‏ ‏تَها الدَّجاجَ‏ بِ‏ ‏سُ‏ ‏حْ‏ ‏رةٍ‏<br />

(((<br />

ألُعَ‏ ‏لَّ‏ مِ‏ ‏نها حِ‏ ‏نيَ‏ هَ‏ ‏بَّ‏ نِ‏ ‏يامُها<br />

62- وغَ‏ ‏داةِ‏ رِ‏ يحٍ‏ قد وَزَعتُ‏ وقِ‏ ‏رّةٍ‏<br />

(((<br />

قد أصبحَ‏ ‏تْ‏ بيدِ‏ الشِّ‏ ‏مالِ‏ زِ‏ مامُها<br />

63- ولقد حَ‏ ‏مَيتُ‏ الخَ‏ ‏يلَ‏ تَحمِ‏ ‏لُ‏ شِ‏ ‏كّتِ‏ ‏ي<br />

(((<br />

فُرُطٌ‏ وِ‏ شاحِ‏ ‏ي إذ غَ‏ ‏دَوتُ‏ لِجامُها<br />

64- فعَلوتُ‏ مُرتقباً‏ على مرهُ‏ ‏وبةٍ‏<br />

(((<br />

حَ‏ ‏رِ‏ جٍ‏ إلى إعْلامِ‏ ‏هِ‏ ‏نَّ‏ قَتامُها<br />

66- أسهَلتُ‏ وانتَصَ‏ ‏بَتْ‏ كجذْعِ‏ مُنِ‏ ‏يفةٍ‏<br />

(((<br />

جَ‏ ‏رداءَ‏ يَحْ‏ ‏صَ‏ ‏رُ‏ دُونَها جُ‏ ‏رّامُها<br />

67- رَفَّعْتُها طَ‏ ‏رْدَ‏ النَّعامِ‏ وفَوقَهُ‏<br />

حتَّى إذا سَ‏ ‏خَ‏ ‏نَتْ‏ وخَ‏ ‏فَّ‏ عِ‏ ‏ظامُها<br />

72- أنكَرْتُ‏ باطِ‏ ‏لَها وبُؤتُ‏ بحَ‏ ‏قِّها<br />

(((<br />

يَوماً‏ ولم يَفخَ‏ ‏رْ‏ عليَّ‏ كِ‏ ‏رامُها<br />

73- وجَ‏ ‏زُورِ‏ أيسارٍ‏ دَعَ‏ ‏وتُ‏ لحتفِ‏ ‏ها<br />

(((<br />

بمَغالِقٍ‏ مُتَشابهٍ‏ أعلامُها<br />

74- أدعُ‏ ‏و بِ‏ ‏هِ‏ ‏نَّ‏ لعاقِ‏ ‏رٍ‏ أو مُطفِ‏ ‏لٍ‏<br />

(((<br />

بُذِ‏ لَتْ‏ لجِ‏ ‏يرانِ‏ الجَ‏ ‏ميعِ‏ لِحامُها<br />

وهذه األفعال هي ‏)أقضي،‏ ال أفرط،‏ لم أرضها،‏ بتّ‏ ، وافيت،‏ أغلي،‏ باكرت،‏ ألعلّ،‏<br />

وزعت،‏ حميت،‏ غدوت،‏ علوت،‏ أسهلت،‏ رفعتها،‏ أنكرت،‏ بؤت،‏ دعوت،‏ أدعو(.‏<br />

))) باكرت بشربها الديوك ألشرب منها مرة بعد مرة.‏<br />

))) قرة:‏ برد،‏ زمام:‏ حبل.‏<br />

))) الشكة:‏ السالح،‏ فرط:‏ فرس،‏ وشاح:‏ ما يوضع على الصدر.‏<br />

))) مرتقب:‏ مكان مرتفع،‏ مرهوبة:‏ مخوفة،‏ حرج:‏ ضيق،‏ قتام:‏ غبار.‏<br />

))) منيفة جرداء:‏ نخلة قليلة السعف،‏ جرام:‏ قاطع النخل ومهذبه.‏<br />

))) أنكرت باطلها:‏ رددته،‏ بؤت:‏ اعترفت.‏<br />

))) جزور أيسار:‏ ناقة صاحب امليسر،‏ حتف:‏ نحر،‏ مغالق:‏ سهام امليسر،‏ يفتخر بنحر الناقة في الكرم .<br />

))) عاقر:‏ ال تلد،‏ مطفل:‏ ذات أطفال،‏ حلام:‏ حلم،‏ يبذل اللحم للجيران.‏<br />

14 العدد 559 فبراير 2017


وعندما نتأمل داللة حركة هذه األفعال،‏ من حيث معانيها أو سياق استعمالها،‏ تتجلى<br />

لنا داللتها في منتهى اإليجابية،‏ في عالقتها باملفاخر التي ترسم صورة البطولة واملروءة<br />

في املجتمع اجلاهلي.‏<br />

ولكنّ‏ هذا التزامن بني ‏)األنا وهي(،‏ لم يحضر معه معجماً‏ معهوداً‏ ملا ميكن أن يجمع<br />

بني محب ومحبوب أو بني مشتاق ومشتاق إليه في مستوى األفعال/احلركات املتصلة ب<br />

‏)األنا(،‏ بل كانت أغلب احلركات ذات داللة فخرية تنأى عن معجم العشق.‏<br />

وكان ميكن لهذا املعجم الذي استعمله لبيد،‏ فيما يتعلق باألفعال املتصلة ب ‏)األنا(‏ أنّ‏<br />

يكون معجماً‏ عادياً‏ لتدوين سجل من الفخر،‏ دأب عليه كثير من شعراء املعلقات،‏ ولكن ما<br />

يجعل هذا املعجم ذا داللة خاصة،‏ هو هذا التزامن الذي الحظناه آنفاً‏ بني ‏)األنا وهي(‏ إذ<br />

ميكن أن ينقلب هذا املعجم املغرق في الذاتية البعيدة عن دائرة العشق في ظاهره معجماً،‏<br />

يحمل رسالة ال ميكن أن يفك رموزها إالّ‏ قارئة واحدة،‏ رأى الشاعر أن يجعلها تدري يقيناً‏<br />

وتصريحاً‏ مبا لم تكن تدري.‏<br />

وإن كان الشاعر على يقني بأنّها تدري فعالً‏ بقيمته.‏ إذاً‏ كانت حركة ‏)األنا(‏ في قسمها<br />

الثاني رسالة ذات بعدين:‏<br />

البعد األول:‏ فيه تذكير بقيمة املهجور.‏<br />

البعد الثاني:‏ فيه توبيخ ولوم وتذكير للهاجرة.‏<br />

> ضمير املفرد املؤنث الغائب/املخاطب ‏)هي،‏ أنتِ‏ (: املساحة الشعرية والنصية التي حتتلها<br />

األنثى/اإلنسان من حيث احلركة وداللتها في املعلّقة،‏ هي مساحة صغيرة جداً،‏ مقارنة بعدد<br />

أبيات املعلقة إذ كان عدد األفعال املتصلة بضمير املفرد املؤنث الغائب ‏)هي(،‏ سبعة أفعال هي<br />

‏)شاقت،‏ نأت،‏ تقطعت،‏ حلت،‏ جاوزت،‏ أمينت،‏ لم تكن تدري(.‏ واتصل بضمير املؤنث املخاطب<br />

‏)أنتِ‏ ) فعل واحد ‏)ال تدرين(،‏ وتوزعت هذه األفعال على األبيات التالية ))) :<br />

12- شاقَتْكَ‏ ظُ‏ ‏عْنُ‏ الحَ‏ ‏يِّ‏ يومَ‏ تَحمَّلُوا<br />

فتَكنَ‏ ‏ّسُ‏ ‏وا قُطُ‏ ‏ناً‏ تَصِ‏ ‏رُّ‏ خِ‏ ‏يامُها<br />

))) التبريزي،‏ ص‎193-168‎‏.‏<br />

15<br />

العدد 559 فبراير 2017


16- بَل ما تَذَكّرُ‏ من نَوَارَ‏ وقد نأتْ‏<br />

وتقطَّ‏ ‏عَتْ‏ أسبابُها ورِ‏ مامُها؟<br />

17- مُرِّيّةٌ‏ حَ‏ ‏لَ‏ ‏ّتْ‏ بفَيدَ‏ وجاورَتْ‏<br />

أهلَ‏ الحِ‏ ‏جازِ‏ فأينَ‏ منكَ‏ مَرَامُها؟<br />

19- فَصُ‏ ‏وَاِئقٌ‏ إن أيمَنَتْ‏ فمِ‏ ‏ظَ‏ ‏نَ‏ ‏ّةٌ‏<br />

فيها وِ‏ حافُ‏ القَهْرِ‏ أو طِ‏ ‏لخامُها<br />

55- أوَ‏ لَمْ‏ تَكُنْ‏ تَدرِ‏ ي نَوارُ‏ بأنّنِ‏ ‏ي<br />

وَصّ‏ ‏الُ‏ عَ‏ ‏قْدِ‏ حَ‏ ‏بائِ‏ ‏لٍ‏ جَ‏ ‏ذّامُها؟<br />

57- بل أنتِ‏ ال تَدرِ‏ ين:‏ كمْ‏ من ليلةٍ‏<br />

طَ‏ ‏لقٍ‏ لذيذٍ‏ لهوُ‏ ها ونِ‏ ‏دامُها<br />

اشتركت جميع األفعال املتصلة باألنثى في الداللة على السلبية،‏ فهي إذا شاقت فقد<br />

‏)بعدت ونأت وتقطعت ورحلت(،‏ فهذا الضمير ال يصنع القرب والوصل،‏ بل فقد صنع<br />

البعد والفصل،‏ ثم هي فضالً‏ عن حركة القطيعة املادية تضيف حركة قطيعة معنوية تزيد<br />

من تعميق أزمة الشاعر إذ إنّ‏ القطيعة املادية تلهب العواطف،‏ وتؤججها في منطق العشق<br />

إذا بقي التواصل املعنوي موجوداً‏ أما إذا اجتمع املادي باملعنوي،‏ فقد أصبحت القطيعة<br />

شاملة وعميقة ومدمرة،‏ وبالتالي فقد أصبحت األزمة أعمق.‏<br />

لذلك الغرابة من غلبة ضمير الغائب،‏ على حضور ذكر احلبيبة حتى وإن حضرت<br />

باالسم مرتني ‏)نوار(‏ وبضمير املخاطب املفرد املؤنث مرة واحدة ‏)بل أنت(،‏ ولكنّها عندما<br />

حضرت باالسم كانت ‏)نأت وال تدري(‏ وعندما حضرت بضمير املخاطب كانت كذلك ‏)ال<br />

تدرين(.‏ إذاً‏ فقد كان ضمير املؤنث العاقل مصدر أزمة وتوتر في املعلقة،‏ ولعلّنا سنجد لهذه<br />

األزمة والتوتر صدى في حديث الشاعر عن الناقة والبقرة الوحشية،‏ كما سيتبني الحقاً.‏<br />

ولكنّ‏ منزلة هذا الضمير ظلت منزلة عظيمة ومميزة،‏ بدليل أنّ‏ هذه األنثى حضرت اسماً‏<br />

‏)نوار(‏ وحضرت ضميراً‏ ‏)هي وأنتِ‏ ) وتوزع حضورها في محطات مختلفة من املعلقة.‏<br />

> ضمير املخاطب املفرد املذكر ‏)أنتَ‏ (: فقد حضرت حركة هذا الضمير في محطات<br />

ثالث من املعلقة،‏ تتالت منها اثنتان،‏ في قوله ))) :<br />

))) التبريزي،‏ ص‎172‎‏.‏<br />

16 العدد 559 فبراير 2017


20- فاقطعْ‏ لُبانةَ‏ من تعرَّضَ‏ وصلُهُ‏<br />

(((<br />

ولَخيرُ‏ واصلٍ‏ خُ‏ ‏لَّةٍ‏ صَ‏ ‏رَّامُها<br />

21- واحبُ‏ املُجاملَ‏ بالجزيلِ‏ وصُ‏ ‏رمُهُ‏<br />

وكانت احملطة الثالثة،‏ في البيت التالي:‏<br />

(((<br />

باقٍ‏ إذا ضَ‏ ‏لعتْ‏ وزاغَ‏ قِ‏ ‏وامُها<br />

85- فاقنعْ‏ بما قَسمَ‏ املَلِيكُ‏ فإنَّما<br />

(((<br />

قسَ‏ ‏مَ‏ الخلائقَ‏ بَيننَا عاَّ‏ مُها<br />

احملطة األولى:‏ إذاً‏ جمعت بني حركتني متقابلتني من حيث الداللة ‏)اقطعْ،‏ احبُ‏ ) وكانتا<br />

ردة فعل على فعل سابق تعلق بالضمير العائد على احلبيبة الراحلة.‏ فاملخاطب ال يخرج<br />

عن ذات املتكلم نفسه ‏)األنا(‏ ولكنّه ألبس هذه ‏)األنا(‏ ثوب املخاطب لتكون في موضع<br />

احملقق للزجر ‏)اقطع(‏ واملتقبل للنصح ‏)احب(‏ وميكن القول:‏ إنّهما خرجا ملعنى النصح<br />

واإلرشاد،‏ فلبيد يطلب من املخاطب أن يكون عزيز النفس في عالقته مع اآلخرين،‏ فإذا<br />

ما الحظ تغيراً‏ وانحرافاً‏ في املودة فال ضير من القطع،‏ ثم يستحضر املخاطب،‏ من<br />

خالل ‏)احبُ‏ ) يحثّه على املجاملة،‏ وعدم التعجل واستبقاء حبال الود رغم التغير،‏ ورمبا<br />

يكون املوقف هنا موقف محاسبة للذات،‏ ويكثر أن يحاسب املتكلم نفسه باستعمال ضمير<br />

املخاطب موهماً‏ نفسه أنّه يستمع لصوت غير صوته ليكون أكثر إقناعاً‏ لذاته.‏<br />

ثم إنّ‏ هذه الدائرة املنغلقة ‏)لألنا(‏ فيها إقصاء لآلخر،‏ وقطيعة معه خاصة وقد كان<br />

هذا اآلخر محور األزمة،‏ أزمة الشاعر مع ذاته.‏ وال ريب أنّ‏ هذا اآلخر هو ذلك الضمير،‏<br />

الذي كانت داللة احلركات املتعلقة به في منتهى السلبية كما تبيناها في إطار حتليلنا<br />

حلركة الضمير املفرد املؤنث الغائب واملخاطب.‏ وقد جاء هذا التقابل الواضح بني داللة<br />

احلركتني املنسوبتني لضمير املخاطب املفرد ‏)أنت(،‏ معبراً‏ عن وجهني متناقضني للشخص<br />

ذاته،‏ هذا الشخص الذي ميلك من القدرة والصفات ما يجعله جامعاً‏ بني الشّ‏ دة واللني<br />

والشّ‏ ح والعطاء والفصل والوصل.‏<br />

))) لبانة:‏ حاجة،‏ تعرض وصله:‏ تغير وده،‏ خلة:‏ مودة،‏ صرام:‏ قطاع.‏<br />

))) احب:‏ اعط،‏ صرم:‏ قطيعة،‏ ضلعت:‏ مالت،‏ زاغ:‏ مال.‏<br />

))) التبريزي،‏ ص‎206‎‏.‏<br />

17<br />

العدد 559 فبراير 2017


ولكنّ‏ املصدر األساسي لهذين القرارين ‏)اقطع،‏ احبُ‏ ) وإن كان في الظاهر الشاعر<br />

نفسه،‏ فإنّه في احلقيقة مصدر خارج عن نطاقه متاما،ً‏ ألنّ‏ هذين القرارين يتنزالن<br />

في إطار ردّ‏ الفعل ال الفعل كما كنا أشرنا إلى ذلك آنفاً.‏ ثم كأنّنا بالشاعر يتخذ هذين<br />

القرارين،‏ على استحياء وضعف باعتبار أنّ‏ ما اتخذه هو ما يجب أن يكون،‏ ال ما هو كائن<br />

فعالً،‏ مبعنى أنّ‏ ‏)األنا(‏ مازالت مسكونة باحلبيبة الهاجرة،‏ إلى احلدّ‏ الذي أربكها عن<br />

اتخاذ القرار بثوب ‏)األنا(‏ بل اتخاذه بثوب املأمور ال اآلمر.‏ فاحلركتان ‏)اقطعْ‏ واحبْ‏ (، هما<br />

حركتان قسريتان،‏ وإن حاول إيهامنا بأنهما حركتان اتُخذتا بشكل إرادي.‏<br />

احملطة الثانية:‏ على خالف احملطة األولى جاء املخاطب في هذه احملطة منفصالً‏<br />

عن ذات الشاعر ‏)األنا(‏ وإن كان في احلقيقة ال يقصي املتكلم إقصاء تاماً‏ سياقاً،‏ فهذا<br />

اخلطاب جاء في إطار افتخار الشاعر بقومه وعشيرته وما متيزوا به من سنن حميدة<br />

وفضائل محمودة موروثة عن األجداد ومتأصلة فيهم،‏ ويبلغ الشاعر بحركة األمر في هذا<br />

البيت قمة التأكيد على أنّ‏ هذه اخلالئق والطبائع هي قدر من الله جل جالله.‏ وما كان<br />

قدراً‏ من الله استحال على اإلنسان رفضه أو تغييره أو االنتقاص منه.‏<br />

إذاً‏ فقد كان لإلطار املوضوعي الذي نزلت فيه حركة األمر السابقتني في البيتني<br />

العشرين واحلادي والعشرين،‏ فاحلركتان املذكورتان طُ‏ بعتا بطابع ذاتي خاص بالشاعر وال<br />

يتعداه إالّ‏ إلى حبيبته الراحلة الهاجرة،‏ أما احلركة الثانية ‏)فاقنع(‏ فهي تشع على أهداف<br />

كثيرة قد تشمل احلبيب والعدو،‏ وهي في اآلن نفسه ال تقصي ذات الشاعر ألنّه جزء ال<br />

يتجزأ من ضمير املتكلم اجلمع،‏ املضاف إلى الظرف في قوله:‏ ‏)بيننا(.‏<br />

> ضمائر املذكر الغائب ‏)هو،‏ هما،‏ هم(:‏ توزع ضمير الغائب توزيعاً‏ ثالثياً،‏ فحضر منه<br />

املفرد ‏)هو(‏ من خالل خمسة أفعال،‏ ثالثة منها عادت على اإلنسان،‏ وفعالن عادا على<br />

الله،‏ في قوله:‏<br />

79- ومُقسِّ‏ ‏مٌ‏ يُعطي العشيرةَ‏ حقَّها<br />

(((<br />

ومُغذْمِ‏ ‏رٌ‏ لحقُوقِ‏ ‏ها هضّ‏ ‏امُها<br />

80- فَضْ‏ ‏لا ‏ًوذو كَرَم يُعيني على النَ‏ ‏ّدى<br />

سَ‏ ‏مْح كسوب رغائبٍ‏ غَ‏ ‏نّامُها<br />

))) مقسم:‏ يقسم بالعدل،‏ مغذمر:‏ يضرب حقوق الناس في بعضها،‏ شرح ديوان لبيد،‏ ص‎320-319‎‏.‏<br />

18 العدد 559 فبراير 2017


89- وهُ‏ ‏مُ‏ العشيرةُ‏ أن يُبطِّ‏ ‏ئ ‏َحاسدٌ‏<br />

أو أن يلومَ‏ مع العِ‏ ‏دا لوَّامُها<br />

85- فاقْنَعْ‏ بما قَسَ‏ ‏مَ‏ املليكُ‏ فإنّما<br />

قسمَ‏ الخلائقَ‏ بيننا علاَّ‏ مُها<br />

86- وإذا األمانةُ‏ قُسِّ‏ ‏مت ْ في معشرٍ‏<br />

أوفَى بأعظمِ‏ حظِّ‏ ‏نا قسّ‏ ‏امُها<br />

احملطة األولى:‏ للحركات املتصلة بضمير الغائب املفرد املذكر ‏)هو(،‏ ضمّت ثالثة<br />

أفعال اتصل اثنان منها بسيد من أسياد قوم الشاعر ‏)يعطي،‏ يعني(،‏ وال يخفى ما في<br />

هاتني احلركتني من إيجابية،‏ تعبر عن فضل وقيمة،‏ ذُكر بلقبني ‏)مقسم،‏ وذو كرم(‏ وأسند<br />

إلى اللقب األول فعل ‏)يعطي(‏ وأسند إلى اللقب الثاني فعل ‏)يعني(،‏ وال يخفى ما في<br />

الفعلني من إيجابية تعبر عن فضل وقيمة،‏ فالعطاء أفضل وجوه الكرم،‏ واإلعانة أفضل<br />

وجوه املروءة.‏ فاحلركتان اللتان عبر عنهما الفعالن تعززان غرض الفخر بالقبيلة،‏ الذي<br />

اختار لبيد أن يجعله احملطة اخلتامية ملعلقته.‏ وال يخلو هذا الفخر املوضوعي من فخر<br />

ذاتي ‏»ألنّ‏ املنطق ال يقصي ذات الشاعر من القبيلة،‏ بل يعززها ويثبت انتماءها«‏ ))) .<br />

احلركة الثالثة:‏ في املجموعة األولى والتي جتلت من خالل الفعل ‏)أن يبطئ(ن فالفاعل<br />

املتعلق بها ينأى متاماً‏ عن ذات الشاعر وقومه،‏ فالعالقة بني احلركتني السابقتني واحلركة<br />

الثالثة قائمة على التنافر ظاهرياً،‏ والتناسق والتكامل حقيقة ألنّ‏ احلسد ال يكون هدفه<br />

محسوداً‏ ناقصاً‏ بل كامالً،‏ وبذلك يكون حضور احلاسد مكمالً‏ للصورة التي بدأ الشاعر<br />

في رسمها لقومه بالفعلني ‏)يعطي،‏ يعني(‏ ثم إنّ‏ احلاسد ظهر في هيئة الفاشل العاجز عن<br />

حتقيق هدفه مع العشيرة.‏<br />

احملطة الثانية:‏ للحركات املتصلة بضمير الغائب املفرد املذكر ‏)هو(‏ فقد ضمّت فعلني<br />

اتصال وعلى نحو جلي بالله سبحانه وتعالى ‏)قسم املليكُ‏ وأوفى قسّ‏ امُها(.‏<br />

وقد جاءت هاتان احلركتان لتزيدا من تعزيز لوحة الفخر بالقبيلة والتي انطلق الشاعر<br />

في رسمها بداية من البيت السابع والسبعني،‏ إذ يؤكد لبيد أنّ‏ الله عز وجل هو من أنعم على<br />

))) لبيد بن ربيعة العامري،‏ حياته وشعره،‏ يحيى اجلبوري،‏ مكتبة األندلس،‏ بغداد 1970، ص‎285‎‏.‏<br />

19<br />

العدد 559 فبراير 2017


قومه،‏ مبا كان قد ذكره من نعم وخصال،‏ وهذا التأكيد يبرز أن ما يُوهب من الله ال يقوى<br />

غيره على نزعه أو االنتقاص من شأنه،‏ ألنّ‏ قدرة الله عزّ‏ وجلّ‏ ال تضارعها قوة على األرض،‏<br />

ونقل احلركة الثانية من خالل الفعل ‏)أوفى(‏ كانت أكثر تصريحاً‏ وتوضيحاً‏ على هذه املبادرة<br />

اإللهية لقوم الشاعر،‏ ومتيزهم عن غيرهم بقيمة ثمينة جداً‏ هي قيمة األمانة التي كان لقوم<br />

الشاعر أوفر احلظ منها،‏ والتضعيف دليل ذلك في ‏)قسّ‏ مت،‏ قسّ‏ امها(.‏ فقد تفرد ضمير<br />

الغائب املفرد ‏)هو(‏ في معلقة لبيد تفرداً‏ متميزاً‏ فكانت عالقته ب ‏)الشاعر(‏ عالقة تكامل.‏<br />

> ضمير الغائب املثنى ‏)هما(:‏ فقد حضر هذا الضمير من خالل بيت واحد في<br />

املعلقة،‏ وجتلت حركته في الفعل ‏)هبطا(‏ والضمير متصل بطرفني ذُكرا في قوله:‏<br />

75- ّ فالضَ‏ ‏يفُ‏ والجارُ‏ الغريبُ‏ كأنّما<br />

(((<br />

هَ‏ ‏بَطا تَبَالَةَ‏ مُخصِ‏ ‏با أهضَ‏ امُها<br />

فحركة الفعل تبدو حركة عادية في ذاتها،‏ وقد ال تختزن داللة إيجابية أو سلبية ولكنّنا<br />

إذا ربطنا هذه احلركة باملفعول ‏)تبالة(‏ والنعت السببي ‏)مخصباً‏ أهضامها(،‏ أصبحت<br />

داللة حركة الهبوط داللة في منتهى اإليجابية،‏ لتزامنها مع منتهى اخلصب والنماء مكاناً،‏<br />

‏)فتبالة(‏ واد مخصب من أودية اليمن،‏ بل إنّ‏ من أمثال العرب في ذلك العصر«‏ ما<br />

حللتَ‏ تبالةَ‏ لتُحرمَ‏ األضيافَ‏ » ))) فقد كانت احلركة املتصلة بهذا الضمير حركة متصلة<br />

بذات الشاعر في إطار التعبير عن مفاخره،‏ والتي يعتبر الكرم قيمة فخرية في إطارها<br />

االجتماعي والتاريخي وبذلك تكون حركة هذا الضمير مُعزِ‏ زَة ملختلف احلركات اإليجابية<br />

املتصلة بضمير الغائب املفرد.‏<br />

> ضمير الغائب اجلمع ‏)هم(:‏ فقد كان عدد األفعال/احلركات التي اتصل بها ضمير<br />

الغائب اجلمع املذكر ‏)هم(‏ سبعة أفعال،‏ هي ‏)أبكروا،‏ حتملوا،‏ تكنسوا،‏ يكللون،‏ إن يفزعوا،‏<br />

ال يطبعون،‏ فبنوا(‏ وحضر من هذه األفعال ثالثة،‏ في قوله:‏<br />

11- عَ‏ ‏رِ‏ يَتْ‏ وكانَ‏ بها الجَ‏ ‏ميعُ‏ فأبْكرُوا<br />

(((<br />

منها وغُ‏ ‏ودِ‏ رَ‏ نُؤيُها وثُمامُها<br />

))) تبالة:‏ وادي،‏ أهضام:‏ أرض سهلة،‏ جعل ضيفه وجاره مبنزلة من نزل وادياً‏ خصباً.‏<br />

))) مجمع األمثال للميداني،‏ ت.‏ محمد محيي الدين عبد احلميد،‏ مطبعة السنة احملمدية،‏ مصر،‏‎1955‎م،‏ ج‎2‎‏،‏ ص‎260‎‏.‏<br />

))) النؤي:‏ نهير حول البيت،‏ الثمام:‏ شجر يسد الفجوات،‏ التبريزي،‏ ص‎168-167‎‏.‏<br />

20 العدد 559 فبراير 2017


12- شاقَتْكَ‏ ظُ‏ ‏عْنُ‏ الحَ‏ ‏يِّ‏ يومَ‏ تحمَّلُوا<br />

فتكَنَّسُ‏ ‏وا قُطُ‏ ‏ناً‏ ّ تَصرُ‏ خِ‏ ‏يامُها<br />

أما األفعال الباقية فقد توزعت في آخر املعلقة على األبيات التالية:‏<br />

77- ويُكلّلُون إذا الرّياحُ‏ تناوحَ‏ ‏تْ‏<br />

(((<br />

خُ‏ ‏لُجَ‏ ‏اً‏ تُمَدُّ‏ شَ‏ ‏وارِ‏ عاً‏ أيتامُها<br />

82- إنْ‏ يفزَعُ‏ ‏وا تُلقَ‏ املغافِ‏ ‏رُ‏ عندَهُ‏ ‏م<br />

(((<br />

والسِّ‏ ‏نُّ‏ يلمعُ‏ كالكواكبِ‏ المُها<br />

83- ال يَطبعُ‏ ‏ون وال يبورُ‏ فَعالهُ‏ ‏م<br />

(((<br />

إذ ال تَميلُ‏ مع الهوى أحلامُها<br />

84- فبنَوا لنا بيتاً‏ رفيعاً‏ سَ‏ ‏مْكُهُ‏<br />

فسَ‏ ‏ما إليهِ‏ كهلُها وغُ‏ ‏لامُها<br />

جاءت األفعال الثالثة األولى في إطار حديث الشاعر عن األطالل وما أصابها بعد<br />

رحيل األحبة،‏ وقد جاء ضمير اجلماعة في هذا اإلطار غير مقصود لذاته،‏ وإنّ‏ ا التصال<br />

حركة الراحل احلبيبة بحركة الراحل اجلمع ‏)هم(‏ فطبيعة العالقة بني الشاعر وحركة<br />

هذا الضمير هي عالقة قائمة على التوتر،‏ باعتبار أنّ‏ حركة هذا الضمير حركة مؤثرة<br />

تأثيراً‏ سلبياً‏ في ‏)أنا(‏ الشاعر،‏ والسبب في ذلك واضح جلي،‏ فحركة ‏)هم(‏ في هذا<br />

اإلطار،‏ هي حركة تأخذ معها موضوع احلب واألنس والطمأنينة،‏ لتسبب برحيلها اجلفاء<br />

والوحشة والقلق.‏ أما حركة الضمير ‏)هم(‏ في املجموعة الثانية من األفعال/احلركات،‏<br />

فقد جاءت في إطار افتخار الشاعر بقومه،‏ فأبرز كرمهم ‏)يكللون(‏ ومروءتهم ‏)إن يفزعوا،‏<br />

ال يطيعون(‏ وأصالتهم ‏)فبنوا(.‏<br />

وعلى خالف املجموعة األولى جتلت عالقة الشاعر بضمير ‏)هم(‏ في املجموعة الثانية<br />

في منتهى التواصل واالنسجام،‏ باعتبار أنّ‏ ذات الشاعر جزء ال يتجزأ من اجلماعة التي<br />

يعود عليها هذا الضمير.‏ فهو منطقياً‏ يشترك معه في القيم التي جعلها موضوع افتخار<br />

))) كلل:‏ رصف اللحم كإكليل،‏ تناوحت:‏ تقابلت،‏ خلج:‏ نهر صغير،‏ التبريزي،‏ ص‎205-203‎<br />

))) املغافر:‏ سالح ودروع،‏ السّ‏ نّ‏ : الرمح،‏ المها:‏ دروع.‏<br />

))) الطبع:‏ تدنس العرض،‏ يبور:‏ يفسد.‏<br />

21<br />

العدد 559 فبراير 2017


‏)هم(‏ وهي الكرم واملروءة واألصالة.‏ ويتضح ذلك بعد حديث لبيد عن أفعاله وخصاله<br />

الذاتية،‏ ثم ربط هذه األفعال واخلصال بالقبيلة،‏ بداللة ‏)إنّا،‏ معشر،‏ هم(‏ هذا ينم عن<br />

روح متحدة مع القبيلة،‏ ومجسدة لالندماج بها،‏ ‏»وذات الشاعر جزء ال يتجزأ عن الكلّ‏<br />

اجلماعي الذي هو العشيرة،‏ وهي في أي صيغة متّ‏ ذكرها ‏)هم(‏ تعبر عن ‏)نحن(‏ التي<br />

تتضمن حكم ال ‏)أنا(.‏ في دخول الذات في هذا الكلّ‏ انخراط كامل يدل على وصل<br />

كامل«‏ ((( .<br />

املصادر واملراجع:‏<br />

‏•شرح املعلقات العشر للخطيب التبريزي،‏ حتقيق.‏ فخر الدين قباوة،‏ دار الفكر،‏<br />

دمشق،‏ دار الفكر املعاصر،‏ بيروت،‏ ط‎2‎عام‎2006‎‏.‏<br />

‏•شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري،‏ ت.‏ د.‏ إحسان عباس،‏ إصدار وزارة اإلرشاد،‏<br />

الكويت‎1962‎‏.‏<br />

‏•في النص الشعري العربي مقاربات منهجية،‏ د.‏ سامي سويدان،‏ دار اآلداب،‏<br />

بيروت،‏ ط،‏‎1989‎ .<br />

‏•لبيد بن ربيعة العامري،‏ حياته وشعره،‏ يحيى اجلبوري،‏ مكتبة األندلس،‏ بغداد<br />

.1970<br />

‏•مجمع األمثال للميداني،‏ ت.‏ محمد محيي الدين عبد احلميد،‏ مطبعة السنة<br />

احملمدية،‏ مصر،‏‎1955‎م.‏<br />

XXXX<br />

))) في النص الشعري العربي مقاربات منهجية،‏ د.‏ سامي سويدان،‏ دار اآلداب،‏ بيروت،‏ ط‎1،1989‎ ص‎234‎‏.‏<br />

22 العدد 559 فبراير 2017


مقاالت<br />

بريشة ثريا البقصمي


مقاالت<br />

القدس في الشعر العربي احلديث<br />

)*(<br />

بقلم:‏ د.‏ زياد أبولنب<br />

يأتي كتاب الناقد عبدالله رضوان<br />

‏»القدس في الشعر العربي احلديث«،‏ ملا<br />

تشغله القدس من مكانة دينية في األديان<br />

السماوية الثالثة،‏ وما تتعرض له من<br />

تهويد وتغيير ملالمحها التاريخية،‏ بفعل<br />

السلطة السياسية احملُ‏ تَلَة لألرض واإلنسان<br />

الفلسطيني،‏ وقد صدرت كتب ودراسات<br />

وأبحاث كثيرة عن القدس في الشعر<br />

والرواية واملسرحية والفنون باختالفها<br />

وتنوعها،‏ وتلك الكتب متأل رفوف املكتبات<br />

العامة واخلاصة.‏ وإنّ‏ جاء رأي عبدالله<br />

رضوان مبا كُتب عن مدينة القدس شعراً‏<br />

أقل مما كُتب عن مدن عربية،‏ وهذا الرأي<br />

ينقصه الدقّة العلمية،‏ فالبحث املتقصي<br />

لتأكيد النسب اإلحصائية للكم الشعري<br />

الذي قيل في القدس قد يعطينا فارقاً‏<br />

واضحاً‏ وحقيقياً‏ بعيداً‏ عن األحكام العامة،‏<br />

وقد يخالف ما جاء في مقدمة كتابه:‏<br />

‏»لقد سرقت العاصمة السياسية العربية<br />

- التقليدية بل واحلديثة - كل األضواء<br />

وأخذت اهتمام الشعراء،‏ ولم تترك للقدس<br />

إال األقل،‏ على أن تغيّراً‏ نسبياً‏ حدث في<br />

السنوات األخيرة وبخاصة منذ هزمية<br />

حزيران 1967 هذا التغير هو الذي برر<br />

)*( كاتب أردني - رئيس رابطة الكتاب األردنيني.‏<br />

24 العدد 559 فبراير 2017


إمكانية إجراء هذه الدراسة،‏ وهو ما متثّل<br />

مبتغيرات القضية الفلسطينية وحتوّالتها<br />

املتعدّدة،‏ بحيث بدأت القدس تأخذ<br />

حضورها النسبي في املعطى الشعري<br />

العربي،‏ وإن ظلّ‏ هذا احلضور محدوداً‏ كماً‏<br />

وكيفاً«‏ ص‎8‎ - 9. وقد أورد الرأي ثانية في<br />

ختام الدراسة بقوله:‏ ».. وذلك مع التأكيد<br />

على قلة القصائد التي اتخذت القدس<br />

موضوعاً‏ فنياً‏ لها،‏ بالقياس للعواصم<br />

السياسية العربية،‏ وهذا سؤال يظل قائماً‏<br />

ويحتاج إلى تعمّق يبرر األسباب ويبحث<br />

فيها«‏ ص‎77‎‏.‏<br />

يقف الباحث من خالل عناوين جزئية<br />

لدراسته على ‏»صيغ وأشكال التمثّالت<br />

الشعرية ملدينة القدس في الشعر العربي<br />

احلديث«،‏ في عُجاالت ال تغطي إال<br />

جزءاً‏ محدوداً‏ من القصائد التي وقف<br />

عليها،‏ فمثالً‏ يشرع في عنوان ‏»التوظيف<br />

التاريخي واألسطوري والديني«‏ فيقف<br />

على مقطوعات شعرية من قصيدة لكل<br />

من:‏ سميح القاسم ومتيم البرغوثي وعلي<br />

عقلة عرسان ومحمود درويش،‏ في حني أن<br />

هناك شعراء كُثر كتبوا شعراً‏ متّكئاً‏ على<br />

الرمز التاريخي واألسطوري والديني،‏ وقد<br />

يتّسع الباب لبحوث وليس لبحث واحد،‏<br />

وهذا الرأي ينسحب على محاور البحث<br />

كلّه،‏ وهناك أصوات شعرية متميزة تفوق<br />

ما كتبه علي عقله عرسان،‏ بل إنّ‏ قصيدة<br />

عرسان نظم بارد ال حياة فيها،‏ ويخلط<br />

الشعر بالنثر،‏ كما أن ما كتبه عبدالغني<br />

التميمي ومصطفى النجار وعلي اخلليلي<br />

يقع في دائرة النظم وليس الشعر،‏ وقد<br />

استشهد بها عبدالله رضوان في بحثه،‏<br />

ومبرره – هُنا - هو املوضوع وليس فنية<br />

الشعر،‏ وإذا فَتحتَ‏ الباب على األخذ<br />

باملوضوع وإغفال الفن،‏ فَسَ‏ تجدَ‏ أكواماً‏ بل<br />

جباالً‏ من الشعر املتورّم بالوهم.‏<br />

ومنطلق تبريره الشعري عن القدس<br />

يأتي ‏»بهدف التأكيد على عروبة وعلى<br />

كنعانية القدس في مواجهة محاوالت تهويد<br />

وسرقة املدينة وتراثها«‏ ص‎13‎‏،‏ إذاً‏ فهو شعر<br />

موجّ‏ ه يحمل رسالة أو شعر مقاوِ‏ م،‏ واملفهوم<br />

الشعري احلديث جتاوز لغة املباشرة في<br />

القصيدة،‏ وجتاوز أدجلة الشعر بصوره<br />

املختلفة،‏ وأصبح شعراً‏ يحمل جماليات<br />

احلياة وروحها كما حتمله قطعة موسيقية،‏<br />

أو لوحة تشكيلية،‏ فتجد فيه مالذ الروح من<br />

25<br />

العدد 559 فبراير 2017


عذابات املدينة الطاغية بكل تناقضاتها،‏<br />

وكما يقولون بفجّ‏ ها وعجرها.‏<br />

في التوطئة التي مهدت للدراسة<br />

التطبيقية في توظيف األسطوري<br />

والتاريخي والديني،‏ يذكر الباحث أن مدينة<br />

‏»يبوس«‏ أصبحت رمزاً‏ للحضارة الكنعانية<br />

املبكرة،‏ ثم تغيّر االسم إلى ‏»أورسالم«‏ ثم<br />

‏»إيليا«‏ ثم ‏»القدس«.‏ رغم أن احلفريات<br />

والوثائق املصرية القدمية تثبت عكس ما<br />

ذهب إليه الباحث،‏ ف ‏»أورسالم«‏ أي مدينة<br />

السالم هي التسمية األولى ملدينة القدس،‏<br />

وهو اسم اإلله الكنعاني حامي املدينة،‏ ثم<br />

أخذت اسم ‏»يبوس«‏ نسبة إلى اليبوسيني<br />

املتفرعني من الكنعانيني،‏ وهذا االسم نسبة<br />

للملك اليبوسي ‏»ملكي صادق«،‏ وهو أو من<br />

بنى يبوس،‏ وظهر فيما بعد اسم ‏»أورشليم«‏<br />

في الكتاب املقدس في سفر يشوع،‏ وهو<br />

عبارة عن نحت من ‏»أورسالم«‏ االسم<br />

الكنعاني القدمي،‏ ويعني ‏»موقع مخصص<br />

لعبادة الله وخدمته«.‏<br />

وقد وردت في الكتاب إشارة الستخدام<br />

الشاعر متيم البرغوثي ‏»مثمّن األضالع«،‏<br />

وهي إشارة لقبة الصخرة،‏ تقول إشارة<br />

الباحث:‏ ‏»واإلشارة هنا إلى قبة الصخرة<br />

ذات األضالع الثمانية،‏ باعتبار املثمّن جزءاً‏<br />

رئيساً‏ من جماليات التشكيل الفني العربي<br />

اإلسالمي،‏ ومصدره اآلية القرآنية الكرمية<br />

‏»ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية«.‏ ص‎17‎‏،‏<br />

في حني يقول الدكتور عفيف البهنسي<br />

في بحث له قدّم ضمن أبحاث الندوة<br />

السادسة:‏ يوم القدس،‏ في عمان بتاريخ<br />

205 تشرين األول 1995، بعنوان:‏ ‏»هوية<br />

القدس العربية واإلسالمية«،‏ ‏»النجمة<br />

الثمانية التي تعبر عن مفهوم الكون وخالق<br />

الكون في الفكر اإلسالمي،‏ والتي تتألف<br />

من مربعني متقابلني مبركز واحد.‏ مربع<br />

ميثل اجلهات األربع كما هو مربع الكعبة<br />

املشرفة ومربع آخر ميثل عناصر الطبيعة<br />

األربعة:‏ املاء والهواء والنار والتراب«.‏<br />

فطاملا أن البحث يخلو من أية مرجعية أو<br />

توثيق علمي،‏ فاآلراء الواردة أو اجتهادات<br />

الباحث تبقى بعيدة كل البعد عن البحث<br />

العلمي املتقصّ‏ ي.‏ ودليل ذلك كشف بأسماء<br />

الشعراء وقصائدهم في نهاية الكتاب ال<br />

يوثّق املصدر بأي حال من األحوال.‏<br />

في عنوان آخر ‏»التماهي والتناغم بني<br />

الذات واملكان«‏ يقف الباحث في التطبيق<br />

على قصائد الشعراء:‏ يوسف عبدالعزيز<br />

26 العدد 559 فبراير 2017


وهال الشروف وعبد اللطيف عقل ونضال<br />

قاسم،‏ وقد تكررت كلمة ‏»التذويت«‏ في<br />

الدراسة ثماني مرات،‏ وهي اشتقاق من<br />

الذات،‏ وقد تعارف االشتقاق بني النقاد<br />

واألدباء احملدثني دون االستناد لقاعدة<br />

لغوية،‏ وال نَحْ‏ مِ‏ ل أنفسنا على التزمّت<br />

في اللغة،‏ بل نحن أقرب للسهل والتجويز<br />

في مفردات اللغة واشتقاقها.‏ ولكن<br />

تكرارها ثماني مرات في صفحات قليلة<br />

تفقد الكلمة جماليات املعنى،‏ بل تصبح<br />

استهالكاً‏ جترارياً‏ للمعنى،‏ مثلها مثل كلمة<br />

‏»العقدي«‏ التي تتكرر مرات كثيرة عند<br />

احلديث عن ‏»القدس موقف ديني محدد<br />

الداللة واملعنى«.‏<br />

يتناول الباحث في محور أخر ‏»عرض<br />

الوقائع اليومية مع استمرار التعلّق الروحاني<br />

النبيل«‏ حيث يقف على قصيدة للشاعر<br />

إبراهيم نصرالله،‏ وأخرى للشاعر متيم<br />

البرغوثي،‏ ويلحظ الباحث اختالفاً‏ جوهرياً‏<br />

بني اليومي لدى املنافي الفلسطينية وبني<br />

اليومي في القدس.‏ كما يتناول ‏»القدس<br />

باعتبارها خصوصية فلسطينية نادرة<br />

وحالة نضالية«‏ في قصائد راشد حسني<br />

ومحمود درويش وعال الشروف،‏ وأيضاً‏<br />

‏»إدانة الواقع العربي،‏ والتوجّ‏ ع من الواقع<br />

اليومي«‏ في قصائد مظفر النواب ونزار<br />

قباني وعرار وعبدالرحيم محمود وعمر<br />

أبو ريشة وعبدالغني التميمي وأحمد مطر<br />

ومحمد مقدادي،‏ وفي محور ‏»التباهي<br />

واالفتخار باملكان املقدسي«‏ يتناول<br />

قصيدة للشاعر املتوكل طه وأخرى للطفي<br />

الياسيني،‏ وفي ‏»املدينة متكأ لقول هموم<br />

الشاعر وتقدمي رؤيته«‏ ينحصر في قصيدة<br />

‏»حتت الشبابيك العتيقة«‏ حملمود درويش،‏<br />

وفي ‏»القدس نظرة إنسانية حزينة«‏ يقف<br />

الباحث على قصائد:‏ هارون هاشم رشيد<br />

وسليمان العيسى وعمر أبو ريشة وإيليا<br />

أبو ماضي وزكي قنصل وعلي اخلليلي<br />

واألخوين رحباني وفدوى طوقان وحنا أبو<br />

حنا،‏ ويتناول ‏»القدس موقف ديني محدد<br />

الداللة واملعنى«‏ في قصائد الشعراء:‏<br />

يوسف العظم وأمني شنار ونبيلة اخلطيب<br />

وعبدالغني التميمي،‏ وفي احلديث عن<br />

‏»القدس موقف لشحذ الهمم والدعوة<br />

إلى الثورة والتغيير«‏ يقف على قصائد:‏<br />

علي محمود طه ومظفر النواب ومصطفى<br />

النجار ونايف أبو عبيد وشادي املناصرة.‏<br />

27<br />

العدد 559 فبراير 2017


وقد ختم الناقد عبدالله رضوان بحثه<br />

بالقول:‏ ‏»وبعد،‏ فهذه هي الصورة الشمولية<br />

التي أمكن رصدها للصيغ والكيفية التي<br />

تعامل بها الشعراء العرب في العصر<br />

احلديث مع قضية القدس،‏ وهو تعامل عام<br />

غطّ‏ ى مجمل اجلوانب التي ميكن للمبدع أن<br />

يتعامل فيها مع مكان متميز،‏ ومع قضية<br />

مقدسة وهي القدس«‏ ص‎77‎‏.‏ وللموضوعية<br />

إن الدراسة التي قام بها عبدالله رضوان<br />

دراسة جادة،‏ رغم أن العامل املوضوعي<br />

للدراسة هو الذي طغى على العامل الفني،‏<br />

فهناك من شواهد الشعر ما يرتقي بالفن<br />

وجمالياته ملستويات عالية،‏ وهو قليل في<br />

هذه الدراسة،‏ وهناك شواهد من نظم<br />

تقليدي ونثرية تهبط في فن الشعر،‏ ويوظّ‏ فه<br />

الباحث في خدمة الفكرة التي يسعى إلى<br />

تثبيتها في دراسته،‏ وأيضاً‏ قد وقع الكتاب<br />

في أخطاء طباعية وإمالئية،‏ خاصة إهمال<br />

همزات القطع في مواضعها،‏ مما أفسد<br />

متعة القراءة وتتبع املوضوع.‏<br />

28 العدد 559 فبراير 2017


مقاالت<br />

القصيبي .. ورسالة ‏»سيف الدولة«!‏<br />

)*(<br />

بقلم:‏ يوسف عوض العازمي<br />

مايسعى إليه اإلنسان ‏»السامي«‏ يكمن في ذاته هو ، أما ‏»الدنيء«‏<br />

فيسعى ملا لدى اآلخرين«.‏<br />

« كونفويشيوش«‏<br />

‏»إن الكتابة عن األدب السياسي،‏ أو األدب<br />

الذي رافق مواقف سياسية معينة،‏ مت توثيقها<br />

أدبيًا،‏ عبر الشعر،‏ في كثير من األحيان تبدو<br />

صعبة،‏ فما بالك لو كان أحد أطراف هذه<br />

املواقف السياسية،‏ شاعرً‏ ا ‏»متمكنًا«،‏ سنكون<br />

وقتها بانتظار وجبة شعرية باذخة،‏ تتباحث<br />

والتاريخ السياسي وآدابة..‏<br />

والقيادة السياسية للوزارات تختلف<br />

من بلد إلى آخر،‏ ومن دولة عن دولة أخرى،‏<br />

لكل دولة ظروفها وسياستها اخلاصة،‏<br />

وتقاليدها اإلدارية املمارسة بها اصطدام<br />

الشعر بالقرار السياسي ليس باألمر الذي<br />

ميكن متريره مرور الكرام،‏ أو إماطة الوجه<br />

عنه،‏ أو حتى استخدام غض النظر املثمر<br />

لضبط النفس جتاه وزير في دولة عرفت<br />

بصرامتها اإلداريه وتقاليدها الراسخة في<br />

هذا الشأن،‏ التأثر بشعر املتنبي وبقصصه<br />

وأشعاره مع سيف الدوله،‏ ليست صاحلة<br />

لكل زمان،‏ وكل دولة،‏ فمنذ أيام سيف<br />

الدولة في تلك القرون املاضية،‏ حتى أيام<br />

الدولة السعودية في زمانها هذا،‏ الشعر<br />

في مكانه وزمانه فقط،‏ غير مسموح<br />

باخلروج عن النص،‏ وللبالط امللكي آدابه.‏<br />

ولكل مقام مقال ..<br />

ثمه أمور يتواجه بها األدب والشعر<br />

والقيادة والسياسة وجها«‏ لوجه،‏ وينتج عن<br />

)*( كاتب كويتي .<br />

29<br />

العدد 559 فبراير 2017


ذلك تصادم عنيف يؤدي بأحد ‏»املتواجهني«‏<br />

.. ألن األدب والشعر قد اليكون في مكانه<br />

املناسب وقت اإلتيان به.‏ ونرجع هنا ملقولة<br />

‏»لكل مقام مقال«‏ !<br />

واألديب والشاعر د.‏ غازي بن<br />

عبدالرحمن القصيبي ‏)مارس 1940.<br />

أغسطس 2010. كان يشغل منصب وزير<br />

الصحة في احلكومة السعودية إبان فترة<br />

حكم امللك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله،‏<br />

ومت إعفاؤه عن منصبه كوزير للصحة بعد<br />

سنة ونصف من تقلده،‏ حيث كان ملدة سنة<br />

باإلنابة ونصف السنة باألصالة.‏ والدكتور<br />

غازي رحمه الله هو املقصود بهذا البحث<br />

البسيط،‏ حيث أثارت إقالته زخما ‏»كبيرا«،‏<br />

ألسباب عديدة أهمها السبب احلقيقي<br />

لإلعفاء ‏)كما توقعه املراقبون في تلك<br />

الفتره الزمنية(‏ وكان السبب قصيده<br />

شعرية كتبها الوزير ونشرت ولفتت االنتباه<br />

لشكل الطريقة التي صيغت بها،‏ واحلرفة<br />

الشعرية التي تعاملت مع السياسة واجلو<br />

السياسي احملاط بالوزير تلك الفترة.‏<br />

فلم يكن مقبوال ‏»ال إداريا«‏ وال بروتوكوليا<br />

‏»وال حتى سياسيا«‏ أن ينقل ماوراء جدران<br />

السياسة من أمور خاصة جدا،‏ إلى العلن.‏<br />

د.‏ غازي القصيبي<br />

وبشكل قصيدة شعرية حتمل معان غير<br />

مقبولة لشكل املقام وقتها..‏<br />

وقبل أن أبدأ بذكر بعض األسباب<br />

املوضوعية.‏ ملا جرى في هذا املوضوع،‏<br />

وحتى يكون الشرح واضحا«،‏ وأسهل.‏<br />

معروف أن عنوان القصيدة،‏ أيضً‏ ا«‏ كان<br />

مثيرًا«‏ للجدل،‏ كالقصيدة.‏ كشاعرها،‏<br />

كإثارة تلك الظروف في تلك الفتره التي<br />

كان فيها الدكتور والشاعر والوزير غازي<br />

هو شاغل الدنيا والناس !<br />

مما بدا في القصيدة،‏ وكانطباع أولي<br />

سريع،‏ يتكشف ألول وهلة ‏»شكل اخلطاب«،‏<br />

30 العدد 559 فبراير 2017


بدءًا من العنوان املثير للجدل،‏ أيضا تبرز<br />

اللهجة اجلديدة في مخاطبة ‏»سيف<br />

الدولة«،‏ والذي هو كما يفهم ‏»امللك فهد«،‏<br />

حيث ميوه الشاعر بذكاء بسيف الدولة،‏<br />

مع علم املتابع بأن سيف الدولة احلمداني<br />

املقصود هو ‏»امللك فهد«‏ !<br />

ومبا أن في مخاطبة امللوك لها آداب<br />

خاصة،‏ وخير من يعرفها هو وزير امللك،‏<br />

الذي هو شاعرنا املقصود في هذه<br />

السطور،‏ فقد ‏»تهور«‏ قلب الشاعر في<br />

‏»نفس«‏ الوزير غازي.‏ وكسر بروتوكوالت<br />

التخاطب،‏ وتعدى أبجديات الدبلوماسية،‏<br />

وعاتب ‏»سيف الدولة«‏ عتابًا شديدًا وكما<br />

أسلفت،‏ معروف من هو املقصود !<br />

هنا لن أنقد القصيدة كقصيدة،‏ ونص<br />

شعري،‏ فليس هذا مقام للنقد،‏ إنا<br />

سأحتدث من وجهة نظر سياسية.‏ أدبية<br />

محضة،‏ ألن الوضع املعروض متشابك<br />

سياسيا ‏»وأدبيا«‏ وإعالميا أيضا،‏ فالوزير<br />

الذي كان حديث الناس وشاغلهم،‏ كان<br />

يلقب باالبن املدلل للملك،‏ بسبب حظوته<br />

اخلاصة وتقديره الشديد عند امللك .<br />

وككل حالة مشابهة عبر التاريخ<br />

السياسي،‏ فقد برز للوزير املدلل خصوم من<br />

داخل وخارج مؤسسة احلكم،‏ وقامت شتى<br />

اإلتهامات.‏ لم أقل شتائم.‏ ) ضده.‏ وكان<br />

يتهم دائما بالعلمانية والليبرالية،‏ وبأنه<br />

مييل للنمط التغريبي،‏ وتهم كثيره كتلك،‏<br />

وروج عنه خصومه كثيرًا من االتهامات<br />

التي تتعلق بضعف الوازع الديني،‏ وما إلى<br />

ذلك على نفس النسق والسياق ..<br />

في القصيدة وفي البيت األول إلى<br />

الرابع،‏ جند الشاعر يشكو وجود الواشني،‏<br />

عند الذي يطرب إلنشاده،‏ وكان بشوش<br />

الوجه دوما«‏ حني لقائه ..<br />

ثم ينقلب احلال إلى وجع نفسي شديد،‏<br />

أصاب الشاعر كما بني في خامس األبيات،‏<br />

حينما بدأ بالعتاب الذي كتب شعرا بأدب،‏<br />

لكنه قطعا يحمل أقسى العتب الذي يتبني<br />

بوضوح ملن يقرأ مابني السطور !<br />

وهنا أيضا ‏»يتوضح حجم اجلرح<br />

في نفس الشاعر الوزير،‏ من سماع امللك<br />

لألحاديث املضادة له،‏ فاتهم مناوئيه بأنهم<br />

خدعوا امللك،‏ وأن امللك عجبه اخلداع.‏<br />

31<br />

العدد 559 فبراير 2017


‏)هنا سقطة دبلوماسية وبروتوكولية من<br />

شخص يعرف متاما«‏ مايقول(.‏<br />

سأقف هنا بشكل سريع،‏ حيث يالحظ<br />

القارئ االنفعال في نفس الشاعر،‏ تلك<br />

النفس التي تغلبت على نفس السياسي،‏<br />

ويتبني أيضا أن القصيبي لم يضبط<br />

انفعاالته،‏ ويتكئ على الدبلوماسية<br />

املستحسنة في هكذا مواقف.‏ تذكرت هنا<br />

أن الشاعر اليستطيع نزع ثوب الشعر،‏<br />

أينما وصل من مناصب أو مسؤوليات ..<br />

في البيت السابع يتعجب الشاعر من<br />

من القلوب التي جعلها الله خزائن للمشاعر<br />

املتقلبة!،‏ وهنا قد نلمح اتهاما ‏»مبطنا«،‏<br />

حيث يتهم املخاطب بتقلب املواقف،‏ إننا<br />

أيضا النستطيع املرور مرور الكرام على<br />

مفردة ‏»خزائن«!‏<br />

هل يقصد بها بأن قلوب الناس حتفظ<br />

وتغلق على املشاعر داخل القلوب ؟<br />

في األبيات من الثامن إلى احلادي<br />

عشر،‏ ينتقل الشاعر ويوجه دفة احلديث<br />

نحو خصومه،‏ الذين وصفهم بالوشاة،‏<br />

حيث يصف نفسه أو أخالقه.‏ الفرق.‏<br />

ببياض الراية،‏ مبعنى حسن األخالق،‏ ثم<br />

يعرج بثقة عند قوله:‏ فاسعوا في أدميي<br />

واضربوا !<br />

أي إنه رضي خلصومه أن يسعوا في<br />

‏»أدميه«.‏ مبا معناه ‏»جلده السميك«.‏<br />

وزاد أيضا ‏»واضربوا«!،‏ كداللة على تركه<br />

الساحه لهم برضاه نأيًا«‏ عن معارك ليس<br />

يحسن خوضها،‏ وإن عزته وإباءه متنعانه<br />

من أن يحارب ‏»ثعلبا«،‏ وفي ذلك رفعة<br />

للنفس كما يفهم من البيت.‏ ومسار بقية<br />

األبيات املقصودة.‏ حيث يصف خصومه<br />

بأنهم الميلكون سوى الدسائس،‏ ويكرر<br />

ارتفاع النفس عن مجاراة الدنيء الذي<br />

أسماه بالعقرب ..<br />

وفي األبيات من الثاني عشر إلى<br />

السادس عشر،‏ يدخلنا الشاعر إلى محور<br />

هام متصل باحملور السابق،‏ وإن بوضوح<br />

أكثر،‏ ميتدح الفقر الذي يحفظ كرامته،‏<br />

وبأن احلر اليصغي للوشاة،‏ وبنفس السياق<br />

يعيد العتب عندما يقول وبشكل أقرب<br />

للتأكيد،‏ بأن الفقر على مابه من عوز<br />

وحاجة،‏ إال أنه أصدق ‏)هنا لفظ ‏»الصدق«‏<br />

يبني شيئا في نفس الشاعر(‏ من ود اخلليل<br />

املتغير املتلون املتذبذب!‏<br />

32 العدد 559 فبراير 2017


وفي البيت اخلامس عشر والذي يليه،‏<br />

يبدأ البيت بحرف ‏»س«‏ أي إنه سيعمل،‏ أو<br />

أنه ينوي أن يصب في سمع الرياح قصائده،‏<br />

أي سينثر القصائد في وجه الرياح،‏ وشبه<br />

اخلصوم هنا بالرياح،‏ وهو تشبيه بليغ يدل<br />

على قوة كالرياح،‏ لكنه أيضا وفي لفظ<br />

‏»سأصب«‏ يبني بفخر واضح أنه سيحارب<br />

الريح ويواجهها بقصائده،‏ وبنفس الوقت<br />

لن يبحث أو يرجتي مكاسب من وراء ذلك،‏<br />

ألنه سيصيغ في شفة السراب ‏)السراب:‏<br />

وصم اخلصوم بالكذب بطريقة مهذبة(‏ ثم<br />

بعجب يؤكد أن السراب مع الكرامة يشرب!‏<br />

ببداية البيت السابع عشر ينتقل إلى<br />

محور آخر،‏ وهو محور من أجمل محاور<br />

القصيدة،‏ عندما يقرر أن الفراق قد أزف،‏<br />

ويسأل:‏ هل سيكون وداعه صامتًا.‏ وفجأة<br />

وبنفس البيت وفي الشطر الثاني يوجه<br />

سؤاال للمعاتب ‏)بضم امليم وفتح العني(‏ سؤاال<br />

فيه من اجلرأة في املخاطبة،‏ أم أنت مصغ<br />

للعتاب فأعتب.‏ ، إبداع الشاعر في الربط<br />

والضبط في املعنى،‏ وإرفاق الصيغ مبفردات<br />

ترفع القيمة الشعرية للبيت واضح ..<br />

وأتابع انسكاب العتب الغزير،‏ بألفاظ<br />

مرتفعة الرمت،‏ تسترشد املعنى بداللة خفية<br />

التغيب عن القارئ احلذق،‏ حيث يتالعب<br />

الشاعر باأللفاظ،‏ ويضع معنى في سياق،‏<br />

وآخر خارجه،‏ والفكرة واحدة،‏ واملقصود<br />

يتجسد بوضوح املضمون ..<br />

في البيتني التاسع عشر والعشرين،‏<br />

يبدأ بكلمة ‏»ياسيد«،‏ أي أن الكالم اآلن<br />

مباشر وموجه للشخص املقصود،‏ وتتبني<br />

مؤثرات أبا الطيب املتنبي في البيتني،‏<br />

وكأننا نقرأ للمتنبي مخاطبا«‏ سيف الدولة،‏<br />

خاصه بالشطر الثاني من البيت العشرين<br />

حينما يقول:‏ أما وقد أرضاك فهو محبب!.‏<br />

في هذا الشطر وكأنه املتنبي بقوله:‏ يا<br />

أعدل الناس إال في معاملتي،‏ في القصيده<br />

األشهر للمتنبي ..<br />

في البيت الواحد والعشرين والثاني<br />

والعشرين،‏ ينتقل برشاقه إلى محور آخر،‏<br />

حيث ميره بسرعة.‏ وأي سرعة.‏<br />

يصف خصومه ويتهمهم باملادحني<br />

اجلائعني،‏ أي منافقون يبحثون عن غنائم.‏<br />

ألنهم بحسب الشاعر اليدعون إال ودادا«‏<br />

في قلوب جال فيها ‏»أشعب«!.‏ القصد<br />

واضح.‏ واملعروف اليعرف !<br />

33<br />

العدد 559 فبراير 2017


وينتقل بعد البيتني حملور آخر،‏ عندما<br />

يؤكد أن الكاتب والشاعر اللذين يبيعان<br />

ويتاجران في النفاق والرياء،‏ اليستويان مع<br />

قلم وشاعر يراعه بدم العيون يكتب،‏ حيث<br />

يصف احلالة ببراعة .. ومتكن ‏.وشاعرية..‏<br />

وفي آخر بيتني،‏ يؤكد لنا الشاعر تأثره<br />

بقدوته املتنبي،‏ وأيضا«‏ يذكرنا بقصبدة<br />

واحر قلباه.‏ حيث يشيد بنفسه ويفتخر<br />

ويعتز بشعره الذي يشرق وغيره يغرب،‏<br />

وبأنه شاعر األفالك الذي كل كليمه منه،‏<br />

من قوة تعبيرها،‏ ورصانتها،‏ وبالغتها،‏<br />

تلهب شفق اخللود!‏<br />

وحتى يعيش القارئ أجواء القصيده،‏<br />

ويتنفسها،‏ سأضع فيما يلي نص القصيده<br />

كامله:‏<br />

بيني وبينك ألف واش ينعب<br />

فعام أسهب في الغناء وأطنب<br />

صوتي يضيع وال تحس برجعه<br />

ولقد عهدتك حني أنشد تطرب<br />

وأراك ما بني الجموع فلا أرى<br />

تلك البشاشة في املامح تعشب<br />

وتمر عينك بي وتهرع مثلما<br />

عبر الغريب مروعاً‏ يتوثب<br />

بيني وبينك ألف واش يكذب<br />

وتظل تسمعه .. ولست تكذب<br />

خدعوا فأعجبك الخداع ولم تكن<br />

من قبل بالزيف املعطر تعجب<br />

سبحان من جعل القلوب خزائنا<br />

ملشاعر ملا تزل تتقلب<br />

قل للوشاة أتيت أرفع رايتي البيضاء<br />

فاسعوا في أديمي واضربوا<br />

هذي املعارك لست أحسن خوضها<br />

من ذا يحارب والغريم الثعلب<br />

ومن املناضل والسلاح دسيسة<br />

ومن املكافح والعدو العقرب<br />

تأبى الرجولة أن تدنس سيفها<br />

قد يغلب املقدام ساعة يغلب<br />

في الفجر تحتضن القفار رواحلي<br />

والحر حني يرى امللالة يهرب<br />

والقفر أكرم ال يغيض عطاؤه<br />

حينا ويصغي للوشاة فينضب<br />

والقفر أصدق من خليل وده<br />

متغير ‏..متلون .. متذبذب<br />

سأصب في سمع الرياح قصائدي<br />

ال أرتجي غنماً‏ ... وال أتكسب<br />

وأصوغ في شفة السراب ماحمي<br />

إن السراب مع الكرامة يشرب<br />

34 العدد 559 فبراير 2017


أزف الفراق ... فهل أودع صامتا<br />

أم أنت مصغ للعتاب فأعتب<br />

هيهات ما أحيا العتاب مودة تغتال<br />

أو صد الصدود تقرب<br />

يا سيدي.‏ في القلب جرح مثقل<br />

بالحب ... يلمسه الحنني فيسكب<br />

يا سيدي.‏ والظلم غير محبب<br />

أما وقد أرضاك فهو محبب<br />

ستقال فيك قصائد مأجورة<br />

فاملادحون الجائعون تأهبوا<br />

دعوى الوداد تجول فوق شفاههم<br />

أما القلوب فجال فيها أشعب<br />

ال يستوي قلم يباع ويشترى<br />

ويراعه بدم املحاجر تكتب<br />

أنا شاعر الدنيا ... تبطن ظهرها<br />

شعري ... يشرق عبرها ويغرب<br />

أنا شاعر األفلاك كل كليمة مني<br />

على شفق الخلود تلهب<br />

أخيرا،‏ في هذه القصيدة نرى احلياة<br />

بوجه مختلف،‏ واحلس اإلنساني وكأنه يدور<br />

حول مشاعر متقلبة متأرجحة متناقضة،‏<br />

تتوافق والتتفق،‏ في هندسة دقيقة ملا يجول<br />

في اخلاطرة اإلنسانية من شتى مابها،‏<br />

وماتؤثر به ويؤثر بها،‏ احملبة ومتوجاتها<br />

في بحر عميق،‏ الغيرة وتياراتها،‏ املناصب<br />

وتهيؤاتها،‏ املطامع ونظراتها،‏ والفقد<br />

وماهيته،‏ في ما مضى من سطور وكأني<br />

أقرأ عن النهار وإشراقه،‏ وعن الغروب<br />

ومسائه،‏ عن الصباح الذي يبدأ به الوزير<br />

املغضوب عليه عمله الدؤوب،‏ وعن الليل<br />

الذي تبدأ به همهمة الواشني،‏ وسفسطتهم،‏<br />

وعن الشعر وقصائده،‏ واحلرف وكلماته،‏<br />

واملنظور،‏ والغموض،‏ واإلبتسام والبكاء ..<br />

قصيدة حتكي أن،‏ وحتكي إن،‏ وتلمح<br />

وتوضح،‏ ومتدح وتنقد،‏ كأنك أمام لوحة<br />

تراجيدية حتوي من الهم البكائي ماحتويه،‏<br />

ومن احلزن ماترويه،‏ عندما جتتمع السياسة<br />

في جلسة حميمة مع األدب،‏ فأنت في<br />

ضيافة غازي بن عبدالرحمن القصيبي ..<br />

XXXX<br />

35<br />

العدد 559 فبراير 2017


مقاالت<br />

اآلداب زينة المجتمعات الراقية<br />

فضل األدب على املجتمع كبير ودوره<br />

دورٌ‏ جوهري,‏ كنت أفكر منذ زمنٍ‏ في مهنة<br />

‏)املؤدب(‏ التي كانت في العهد العباسي،‏ بل<br />

واستمرت حتى الدولة العثمانية،‏ طرأ على<br />

خاطري إعداد مؤلفٍ‏ يصلح أن يكون منهاجً‏ ا<br />

تربويا تكون مادته مستخلصةً‏ من األدب<br />

العربي،‏ ألنني التمستُ‏ من أهل زماننا في<br />

أخالق املتأدبني أو العاملني في حرفة األدب<br />

فضائل كثيرة و مروءات جمَّ‏ ة،‏ فوجدت ذلك<br />

الفضل عائدً‏ ا إلى املخزون األدبي املختمر<br />

في أنفسهم،‏ من هنا يحضرني قول لألديب<br />

األملعي مصطفى صادق الرافعي:‏ « إن لألدب<br />

غرضان،‏ غرضٌ‏ أسمى وغرضٌ‏ أدنى،‏ فاألدنى<br />

هو التأدب و التخلُّق و األسمى هو خدمَةُ‏<br />

كتاب الله تبارك وتعالى « والغرضُ‏ األدنى<br />

)*(<br />

بقلم:‏ عبد الله الفيلكاوي<br />

هو ما نتباحثُ‏ هُ‏ في هذه املقالة،‏ وسأعطي<br />

مناذج من هذه اآلداب وأثرها على النفس<br />

والوجدان والسلوك االجتماعي.‏<br />

إن الذين يحفظون األبيات التي حتث على اجلود والكرم هم الذين تفيض أيديهم<br />

وأنفسهم بهذه اخلصلة النبيلة ولقد حصلتُ‏ في مباحثة مع األديب طالل العامر في هذا<br />

املعنى على حكاية شخصية له حيث يقول : إذا اعترضني عارض كرم ورأيت في نفسي<br />

إمساكًا فزع الشعر بداخلي يحثني حثًا ويسوقني سوقًا إلى سوق املكارم:‏<br />

)*( شاعر وكاتب كويتي.‏<br />

36 العدد 559 فبراير 2017


ال يألفُ‏ الدرهمُ‏ املضروب صُ‏ ‏رَّتنا<br />

لكن يمرُّ‏ عليها وهو منطَ‏ ‏لِقُ‏<br />

وفيه خبرٌ‏ مشابهٌ‏ للشجاعة واإلقدام أن معاوية بن أبي سفيان قال : والله ما ثبتُّ‏ أمام<br />

اإلمام علي بن أبي طالب إال بقولِ‏ ابن اإلطنابة:‏<br />

إن الذين يحفظون األبيات التي حتث على اجلود والكرم هم الذين تفيض أيديهم<br />

وأنفسهم بهذه اخلصلة النبيلة ولقد حصلتُ‏ في مباحثة مع األديب طالل العامر في هذا<br />

املعنى على حكاية شخصية له حيث يقول : إذا اعترضني عارض كرم ورأيت في نفسي<br />

إمساكًا فزع الشعر بداخلي يحثني حثًا ويسوقني سوقًا إلى سوق املكارم:‏<br />

ال يألفُ‏ الدرهمُ‏ املضروب صُ‏ ‏رَّتنا<br />

لكن يمرُّ‏ عليها وهو منطَ‏ ‏لِقُ‏<br />

وفيه خبرٌ‏ مشابهٌ‏ للشجاعة واإلقدام أن معاوية بن أبي سفيان قال : والله ما ثبتُّ‏ أمام<br />

اإلمام علي بن أبي طالب إال بقولِ‏ ابن اإلطنابة:‏<br />

أَبَتْ‏ لِي عِ‏ ‏فَّتِ‏ ‏ي وأَبَى إبائي<br />

وأَخْ‏ ‏ذِ‏ ي الحَ‏ ‏مْدَ‏ بالثَّمَنِ‏ الرَّبِ‏ ‏يحِ‏<br />

وَقَوْلِي كلَّما جَ‏ ‏شَ‏ ‏أَتْ‏ وجاشَ‏ ‏تْ‏<br />

مَكانَكِ‏ ، تُحْ‏ ‏مَدِ‏ ي أَو تَسْ‏ ‏تَرِ‏ يحِ‏ ‏ي<br />

وليتَه انصرف وما ثبت ولكن ليس هذا شاهدنا من الرواية بل املوقف والدافع الشعري<br />

األدبي،‏ وكذلك حتى في أدق شؤون احلياة فإنك جتد املتأدب العربي يتمثلُ‏ بحكم أبي<br />

الطيب املتنبي - صلوات الشعر وسالمهُ‏ عليه - فذلك يقول واصفًا اختبارهُ‏ معرفةَ‏<br />

الصديق:‏<br />

أُصَ‏ ‏ادِ‏ قُ‏ نَفسَ‏ املرْءِ‏ من قبلِ‏ جسمِ‏ ‏هِ‏<br />

وَأعْرِ‏ فُهَا في فِ‏ ‏عْلِهِ‏ وَالتّكَلّمِ‏<br />

وذلك يردُّ‏ ظنَّ‏ السوء الذي رُميَ‏ بهِ‏ بقول أبي الطيب:‏<br />

إذا ساءَ‏ فِ‏ ‏عْلُ‏ املرْءِ‏ ساءَتْ‏ ظُ‏ ‏نُونُهُ‏<br />

وَصَ‏ ‏دَقَ‏ مَا يَعتَادُهُ‏ من تَوَهُّ‏ ‏مِ‏<br />

37<br />

العدد 559 فبراير 2017


وذلك يتأسى ويتعلل على فقدان األصدقاء في طول مسيرة احلياة بقول البحتري ‏)عازفُ‏<br />

الشعر(:‏<br />

لنا في كلَّ‏ دهرٍ‏ أصدقاءٌ‏<br />

عِ‏ ‏دًى وحاالتٌ‏ تحولُ‏<br />

بل حتى في اللهو لهم مروءات خذ قول بشار بن برد ‏)املبصر في الشعر(:‏<br />

ال تفش سرَّ‏ فتاة كُنْتَ‏ تألفُها<br />

إنَّ‏ الكريم لها راعٍ‏ وإن تابا<br />

واسعدْ‏ بما قال في الحلم ابنُ‏ ‏»ذي يزنٍ‏ »<br />

يلهو الكرامُ‏ وال ينسون أحسابا<br />

حتى الفتاة التي لهوت معها ال تفش أسرارها وكن مُستَودَعًا ملا استودعت بل حتى في<br />

حاالت لهوك ال تُسقط مروءتَك وال تنسَ‏ فضلك و أحسابك<br />

وذاك يُفاخرُ‏ بعفتهِ‏ وشرفه ببيتِ‏ أبي فراسٍ‏ احلمداني:‏<br />

عَ‏ ‏فافُكَ‏ غَ‏ ‏يٌّ‏ إنما عفّةُ‏ الفتى<br />

إذا عفَّ‏ عن لذّاتِ‏ ‏هِ‏ وهو قادِ‏ رُ‏<br />

ليت شعري كيف ينشأ الناشئ الذي يتربى على معاني القاضي أبواحلسن اجلرجاني<br />

وهو يصف عزة نفسه وجنوحه عن موقف الذل:‏<br />

يقولون لي فيك انقباضٌ‏ وإنما<br />

رأوا رجلاً‏ عن موقفِ‏ الذلِّ‏ أحجما<br />

أرى الناسَ‏ من داناهُ‏ ‏مُ‏ هان عندهم<br />

ومن أكرَمته عزةُ‏ النفسِ‏ أكرِ‏ ما<br />

والشواهد بعدد األنفاس و الفضائل كثيرة إنا هذا املقال من عجل االرجتال و للتمثيل<br />

ال اإلجمال،‏ ويقول قائلٌ‏ لقد كشفت خطَّ‏ ة بحثك وعرضت خطَّ‏ مؤلَّفِ‏ ك وقد يُؤخذ منك!‏<br />

أقول إن حصل فبه ونعمَ‏ وكفيتُ‏ تعبَ‏ العمل،‏ ولكن هذا ميدان خصب ويستحق أن<br />

تخرج فيه مؤلفات ال مُؤلف واحد وعسى الله أن يوفق و ييسر وننشط في هذا العمل.‏<br />

38 العدد 559 فبراير 2017


قراءات<br />

بريشة جاسم مراد


قراءات<br />

قصيدة ‏»سوسنة اسمها القدس«‏ ل : نازك المالئكة<br />

إغداق سخي مبفردات الطبيعة كي ندرك حجم<br />

خسارة الفقد للمدينة<br />

)*(<br />

> بقلم:عهود العتيبي<br />

مقدمة<br />

تشغل األمكنة واملدن حيزاً‏ كبيراً‏ من<br />

قرائح الشعراء،‏ فهي ليست مجرد حجارة<br />

صماء وبيوت وأسواق،‏ بل كثيراً‏ ما تعامل<br />

الشعراء معها على أنها كائن حي حتمل في<br />

طينها وإسمنتها نبض الناس الذين شيدوها.‏<br />

ويرى الناقد الدكتور مختار أبو غالي<br />

بأن املدينة مركز ثقل إنساني«‏ فاستقطبت<br />

جهد اإلنسان واستدرجته،‏ وبدأت مفاتنها<br />

وشرورها اآلسرة تأخذ شكل الغواية التي<br />

يصعب مقاومتها«.‏ ‏)املدينة في الشعر<br />

العربي املعاصر،‏ سلسلة عالم املعرفة،‏<br />

- 1995 العدد‎196‎‏(.‏<br />

)*( كاتبة كويتية.‏<br />

وبعض املدن استهوت الشعراء الذين<br />

ولدوا أو عاشوا فيها فقط،‏ بينما هناك مدن<br />

أخرى كان لها البعد األوسع فألهمت شعراء<br />

من بالد أخرى رمبا لم يزوروها حتى،‏ ألنها<br />

اكتسبت حضورها إما بسبب مكانتها إما<br />

الدينية أو اجلغرافية اخلالبة،‏ أو لعمقها<br />

التاريخي،‏ أو ألحداث سياسية وقعت فيها،‏<br />

وفي هذه الناحية جند أن القدس من املدن<br />

العربية التي كان لها احلضور الوافر في<br />

مخيلة الشعراء،‏ فهي تتجدد في ذاكرتهم<br />

دائماً،‏ ويحسبون حسابها في أنشطتهم<br />

الثقافية وندواتهم،‏ وأبرز هذه االحتفاليات<br />

في الثالث سنوات األخيرة،‏ احتفال العرب<br />

بالقدس عاصمة للثقافة العربية،‏ وأقامت<br />

لها ‏»املجلة العربية للعلوم اإلنسانية«‏ في<br />

جامعة الكويت ندوة عام 2009 بعنوان<br />

40 العدد 559 فبراير 2017


لغة الطبيعة تهيمن على<br />

القصيدة،‏ فتحشد الشاعرة<br />

كل ما يتأتى أمامها من<br />

مشاهد الكون كالزهور<br />

واملياه واجلبال والوديان<br />

والكواكب والنجوم<br />

والعناقيد الشواطئ<br />

‏»القدس ريحانة الضمير العربي«،‏ وخرجت<br />

بتوصيات مهمة تتمثل في:«‏ تكوين جلنة<br />

جلمع الوثائق املختصة بالقدس املنتشرة<br />

في اخلزائن العامة وخاصة فيما يتصل<br />

بالقدس إبان العهد العثماني وتوثيقها<br />

وحفظها وتوجيه اهتمام الدارسني بتنقية<br />

التراث العربي من االسرائيليات التي<br />

أصبحت أداة في يد الصهيونية تدعي بها<br />

حقوقا علمية وثقافية ليست لها،‏ وترجمة<br />

ملخصات البحوث التي نوقشت في الندوة<br />

وطبعها في كتاب باللغات العاملية ومن ثم<br />

نشرها لتنوير الرأي العام العاملي،‏ فضال<br />

عن تخصيص مقرر عن القدس دراسة<br />

حضارية بني املتطلبات االختيارية بجامعة<br />

الكويت واإليعاز إلى سائر اجلامعات<br />

العربية باتخاذ تلك اخلطوة،‏ باإلضافة إلى<br />

إنشاء موقع على اإلنترنت خاص بالقدس<br />

العربية حترره كليات اإلعالم واآلداب<br />

والتربية واالقتصاد والعلوم االجتماعية،‏<br />

وأيضا اعتبار القدس عاصمة دائمة<br />

للثقافة العربية تزامنا مع إعالن اختيار<br />

العواصم العربية األخرى«.‏ ‏)صحيفة<br />

األنباء الكويتية/‏‎5‎ نوفمبر 2009(<br />

أسباب اهتمام الشعراء العرب بالقدس<br />

متتلك مدينة القدس مقومات كثيرة<br />

تستدعي االهتمام،‏ فهي ذات عمق روحاني<br />

ديني أبرزها اإلسراء واملعراج،‏ ولها منحى<br />

تاريخي أيضاً‏ لقدمها املوغل في املاضي<br />

وتعاقب احلضارات عليها،‏ ثم في العصر<br />

احلديث أصبحت ذات بعد سياسي نتيجة<br />

الصراع احلاصل حولها،‏ ومحاولة انتزاعها<br />

من العرب لصالح إسرائيل.‏ ويرى بعض<br />

النقاد:«أن مدينة القدس حظيت بأكثر<br />

شعر املدائن قاطبة.‏ نظراً‏ ملا كانت عليه<br />

من قيمة تاريخية ومحورية في احلروب<br />

والصراعات في املنطقة..‏ ومكانتها في<br />

الديانات السماوية.‏ ولكنها لم تنل هذا<br />

احليز منذ معركة حطني إال بعد النكبة<br />

41<br />

العدد 559 فبراير 2017


والنكسة«.أي بني العامني ‎1948‎م و‎1967‎م.‏<br />

حيث بدأت الهزائم العربية أمام عمليات<br />

الهاغانا اإلسرائيلية وغيرها في احتالل<br />

فلسطني.‏ يقول الشاعر إيليا أبي ماضي<br />

عنها في قصيدة بعنوان ‏»أنتِ‏ «:<br />

مهبط الوحي مطلع األنبياء<br />

كيف أمسيت مهبط األرزاء<br />

ويقول الكاتب الدكتور أسامة<br />

األشقر:‏ ‏»لم تكن القدس<br />

موضعاً‏ جغرافياً‏ جرت<br />

عليه أحداث سجّ‏ لها<br />

التاريخ فحسب،‏ ولم تكن<br />

موطناً‏ يتغنى به سكانه<br />

املقيمون به أو املغتربون عنه،‏<br />

بل هي قيمة رمزية حتتل مكانة خاصة<br />

في كل قلب مؤمن،‏ ينشأ حبها في قلبه مع<br />

تلقيه أولى اإلشارات السماوية والوحي<br />

اإللهي اخلامت،‏ وتعيش معها في قلب<br />

املثال التاريخي،‏ وجوهر الصراع الفاصل<br />

بني احلق والباطل،‏ ولطاملا كانت القدس<br />

مصدراً‏ من مصادر اإللهام في تاريخنا<br />

القدمي والوسيط واملعاصر«.‏ ‏)من مقدمة<br />

كتاب ‏»القدس في الشعر العربي احلديث<br />

للدكتور يوسف حطيني – مؤسسة فلسطني<br />

للثقافة ط‎2012-1‎‏(.‏<br />

القدس في قصيدة ‏»سوسنة«‏ للشاعرة<br />

نازك املالئكة<br />

لم تكن املشاعر القومية لدى الشعراء<br />

العرب بأقل من نظيرتها لدى الشعراء<br />

الفلسطينيني بعد وقوع النكبة والنكسة،‏<br />

فقد جسد الشعراء إحساسهم<br />

باملرارة واأللم واخليبة عبر<br />

قصائدهم التي كان من<br />

بينها قصيدة ظلت خالدة<br />

للشاعرة العراقية نازك<br />

املالئكة بعنون ‏»سوسنة<br />

اسمها القدس«.‏<br />

هيمنة الطبيعة على أجواء القصيدة<br />

املالحظ في هذه القصيدة أن لغة<br />

الطبيعة تهيمن على القصيدة،‏ فتحشد<br />

الشاعرة كل ما يتأتى أمامها من مشاهد<br />

الكون كالزهور واملياه واجلبال والوديان<br />

والكواكب والنجوم والعناقيد الشواطئ..‏<br />

وغيرها الكثير من مفردات الطبيعة،‏<br />

وكأنها تريد أن تخبرنا بأن القدس هي<br />

مزيج من كل هذا الكون،‏ بل هي كل هذه<br />

الطبيعة اخلالبة.‏ فمنذ البداية يأخذنا<br />

42 العدد 559 فبراير 2017


العنوان إلى ‏»زهرة السوسن«،‏ قبل أن<br />

تؤكد في بقية مفردات القصيدة التصاق<br />

الطبيعة بقصيدتها التصاقاً‏ وثيقا،‏ فهي ال<br />

تنفصل عن رقرقة املاء،‏ وليست مبنأى عن<br />

بهاء الكواكب التي تزين السماء،‏ وال أقل<br />

لذة من عناقيد الكروم:‏<br />

إذا متنا وحاسبنا اهلل قال:‏<br />

ألم أعطكم موطناً‏<br />

أما كنتُ‏ رقرقتُ‏ فيه املياه مرايا<br />

وحليته بالكواكب؟ زينته بالصبايا؟<br />

وعرَّشتُ‏ فيه العناقيد،‏ بعثرتث فيه<br />

الثمر؟<br />

ولكن هذه العذوبة في العنوان ال تبقى<br />

كذلك في من القصيدة،‏ بل إن الشطرة<br />

األولى من القصيدة ما تلبث أن تشكل منعطفاً‏<br />

مفاجئاً‏ ينقلنا من هذا التمهيد العذب إلى<br />

النواح والبكاء واملوت بل والعوسج،‏ النبات<br />

الشوكي املناقض لنعومة الورد:‏<br />

إذا ما عويل رياح املنايا<br />

غداً‏ مر يمحو صدى عمرنا<br />

وصيرنا املوت مائدة الدود<br />

واستنبت العوسج املتشعب في<br />

شفتينا وفي شعرنا<br />

لكن الشاعرة ال تبقى على وتيرة واحدة<br />

فما تلبث أن تعود إلى اختيار مفردات<br />

أخرى من الطبيعة ذات نسق رقيق،‏ فتنتقي<br />

من الطبيعة أعذب مكوناتها مثل:‏ الينابيع/‏<br />

الشجر/االخضرار/الرابية،‏ وغيرها من<br />

املفردات التي تضعنا أمام لوحة طبيعية<br />

مرسومة بعناية إلهية فائقة.‏<br />

إيحاء روحاني<br />

لكي ندرك حجم اخلسارة التي منينا<br />

بها بفقدنا للقدس،‏ تقوم الشاعرة أيضاً‏<br />

بإضفاء أجواء روحانية على القصيدة،‏ فهي<br />

تخاطب فينا نزعتنا العقائدية من ناحية:‏<br />

اخلوف من اخلالق عز وجل في يوم<br />

احلساب،‏ وهي بذلك تستحث يقيننا<br />

بخشيتنا من الله يوم احلساب العسير،‏<br />

فتورد في أكثر من موضع تارةً‏ سؤاالً‏<br />

ترهيبياً،‏ وتارةً‏ أخرى عبارة تذكيرية<br />

بجسامة فعلتنا وتهاوننا جتاه املدينة<br />

املقدسة وتساند الشاعر فكرتها هذه<br />

باملنحى الديني،‏ لتخبرنا بأن هذه املدينة<br />

مزيج من روح وعقيدة وطبيعة ساحرة:‏<br />

‏»وعبر مساجدها العنبرية أسرى الرسول«.‏<br />

ثم تضعنا فجأة أمام مصيرنا الذي<br />

سنواجهه يوم القيامة:‏<br />

سيسألنا اهلل يوماً،‏ فماذا نقول؟<br />

نعم!‏ لقد مُنحنا الذرى والسواقي<br />

43<br />

العدد 559 فبراير 2017


ومجد التلول<br />

وهدب النجوم،‏ وشعر الحقول<br />

ولكننا لم نصنها<br />

ولم ندفع الريح واملوت عنها<br />

فبانت كزنبقة في هدير السيول<br />

نعم ودفعنا بأقمارها لألفول<br />

ومتعن الشاعرة في ترهيبنا من السؤال<br />

اإللهي يوم العرض على رب العزة واجلالل،‏<br />

فتجعلنا نعترف بخطيئتنا جتاه القدس،‏<br />

وحجم تقاعسنا وتخاذلنا عن نصرتها،‏<br />

وكيف تركناها تواجه مصيرها:‏<br />

إلهي،‏ ماذا صنعنا بوردتنا،‏ قد<br />

نزعنا،‏ نزعنا<br />

وريقاتها ودلقنا شذاها الخجول<br />

وهبنا صباها ألذرع غول<br />

ألشداق عقربة جائعة<br />

فكيف إليها الوصول؟<br />

وتضفي الشاعرة هالة قدسية أكبر على<br />

النص،‏ فتبث الرهبة في نفوسنا من خالل<br />

استسالمنا لقدرنا أما خالقنا،‏ معترفني مرة<br />

أخرى بآثام أكثر اقترفناها حول القدس،‏<br />

فقد ذوت املدينة وحتولت إلى سجينة ولم<br />

نحافظ على هذه النعمة التي منحناها من<br />

الله عز وجل،‏ والتي هي القدس املهملة من<br />

قبلنا،‏ واملستباحة بسببنا من قبل اليهود:‏<br />

ويطوي الذبول<br />

سنابلنا ربّ‏ عفوكَ‏ ماذا نقول<br />

وفي عتباتك كيف تُرى سيكون<br />

املثول؟<br />

فأنت منحت الجناح الطليق،‏ ونحن<br />

اخترعنا القيود<br />

وهبتَ‏ لنا القدس أنت،‏ ونحن<br />

دفعنا بها لليهود<br />

خامتة:‏<br />

ترسم الشاعرة نازك املالئكة في هذه<br />

القصيدة صوراً‏ مدهشة إلى درجة الال<br />

معقول ملدينة القدس،‏ وقد ال تكون حقيقية،‏<br />

أو رمبا أن هذه الصور هي أكثر مما توجد<br />

عليه القدس في الواقع من ناحية اجلمال<br />

الطبيعي.‏ فيظن قارئ القصيدة أنه أمام<br />

جنة الله على األرض،‏ وبأننا لم نعرف كيف<br />

نحافظ على هذه اجلنة،‏ ولو أن الشاعرة<br />

لم تعط املدينة هذا الوصف،‏ ولو أنها لم<br />

تذكرنا بأننا سنقف أمام اخلالق عز وجل<br />

يوم السؤال األعظم،‏ ملا كنا شعرنا بحجم<br />

اخلسارة.‏<br />

44 العدد 559 فبراير 2017


قراءات<br />

كتاب ‏»السيوطي البالغي«‏<br />

للمؤلف جاسم سليمان الفهيد<br />

جمع بني العربية األدبية والعجمية العقلية<br />

)*(<br />

عرض وحتقيق:‏ عبدالله احلمر<br />

نعرض بني يدي القارئ كتاباً‏ ذا مادة<br />

علمية رصينة وبحث بكر في مجال<br />

الدراسات البالغية،‏ وهو إضافة مهمة<br />

للمكتبة العربية عموماً‏ وملكتبة الدراسات<br />

األدبية والبالغية على وجه اخلصوص،‏<br />

تناول فيه مؤلفه اجلانب النظري في<br />

الدرس البالغي عند جالل الدين السيوطي<br />

)911-849 ه(‏ واجلانب التطبيقي من<br />

خالل توظيفه اجلانب النظري في خدمة<br />

البحث البالغي،‏ ويسلط البحث الضوء<br />

على النشاط البالغي في الفترة التي<br />

وسمت عند كثير من الباحثني بالتخلف<br />

واجلمود،‏ وفي دراسة اجلانب البالغي من<br />

تراث السيوطي سبيل إلى إنصافه وإنزاله<br />

املنزلة الالئقة به بني أقرانه من خالل<br />

بيان ما قدمه من إضافات ومناقشات على<br />

صعيد البحث البالغي.‏<br />

وقد تكونت الدراسة من متهيد وأربعة<br />

أبواب وخامتة،‏ نعرضها تباعاً.‏<br />

اشتمل التمهيد على مبحثني هما:‏ حال<br />

الدراسات البالغية بعد السكاكي ‏)ت 626<br />

ه(‏ وحتى عصر اجلالل السيوطي،‏ وهي<br />

الفترة املمتدة من منتصف القرن السابع<br />

إلى منتصف القرن التاسع الهجري،‏<br />

)*( كاتب كويتي.‏<br />

45<br />

العدد 559 فبراير 2017


وتستوقف الباحث والدارس ألحوال<br />

النشاط الثقافي وطبيعته ظاهرة مثيرة<br />

لالنتباه يسميها مؤلف الكتاب ظاهرة<br />

انتخاب أمهات العلوم؛ حيث يتم اختيار<br />

كتاب ما في أي علم يكون حاوياً‏ ألصول<br />

هذا العلم،‏ جامعاً‏ لشتات مسائله وفروعه،‏<br />

مدوناً‏ بلغة علمية تتسم باالختصار احملكم<br />

والعبارات املضغوطة فيصبح الكتاب قبلة<br />

طالب هذا العلم وقاصديه،‏ تعقد اجللسات<br />

واحللقات لتدريسه،‏ وتصنف الشروح<br />

واحلواشي والتعليقات خلدمة هذا الكتاب.‏<br />

رصد املؤلف ثالثة تيارات رئيسة<br />

جنحت في استقطاب حركة التصنيف<br />

البالغي في تلك الفترة،‏ هي املدرسة<br />

الكالمية وميثلها السكاكي الذي استطاع<br />

حتويل مسار الدرس البالغي نحو قبلة<br />

املنطق والكالم و أخضعه للمقاييس العقلية<br />

واملعايير املنطقية.‏<br />

ثم تأتي املدرسة األدبية التي تركز في<br />

بحثها البالغي على اجلوانب األدبية من<br />

خالل اإلكثار من الشواهد األدبية والعناية<br />

بتحليلها واالستناد إلى الذوق الفني<br />

واإلقالل من املناقشات العقلية،‏ وخير<br />

نوذج لها كتاب الصناعتني ألبي هالل<br />

العسكري.‏<br />

وتأتي في املرتبة الثالثة املدرسة<br />

البديعية التي تعد امتداداً‏ للمدرسة األدبية<br />

لكنها قصرت موضوع بحثها على فنون<br />

البديع،‏ ومؤسسها احلقيقي ابن املعتز<br />

أول من صنف في البديع،‏ وبظهور تيار<br />

القصائد البديعية وشروحها اكتسبت هذه<br />

املدرسة قوتها،‏ وقد تأثر السيوطي نفسه<br />

بهذا التيار ؛ حيث نظم بديعية وشرحها<br />

شرحاً‏ موجزاً.‏<br />

ثم ينتقل املؤلف إلى املبحث الثاني من<br />

متهيده الذي جعله بعنوان السيوطي العالم<br />

املوسوعي،‏ واستعرض فيه جهود السيوطي<br />

الرائدة وتصانيفه احلافلة في العلوم<br />

والفنون املتنوعة اجلامعة.‏<br />

أما الباب األول من الكتاب فقد جاء<br />

بعنوان مصنفات السيوطي البالغية:‏ دراسة<br />

في املنهج واملصادر،‏ وملا كان هذا الباب<br />

وثيق االتصال باألبواب األخرى فقد وقعت<br />

فيه كثرة اإلحاالت على األبواب األخرى،‏<br />

واعتذر املؤلف عن ذلك بأن هذا الباب<br />

46 العدد 559 فبراير 2017


هو آخر أبواب الكتاب من جهة التأليف<br />

ال الترتيب لشدة ارتباطه بها والعتماده<br />

أساساً‏ على ما جاء فيها،‏ ويشتمل هذا<br />

الباب على ثالثة فصول أولها مصنفات<br />

السيوطي البالغية ومنهجه فيها،‏ خلص<br />

فيه املؤلف إلى أن السيوطي حاول في بحثه<br />

البالغي اجلمع بني محاسن الطريقتني<br />

العربية األدبية باإلكثار من الشواهد<br />

البالغية والنفرة من املنطق واالحتكام إلى<br />

الذوق،‏ وهي السائدة في أبحاث البديع،‏<br />

وبني العجمية العقلية بالعناية باحلدود<br />

واملصطلحات،‏ والسبر والتقسيم والتعليل،‏<br />

وهي الغالبة على أبحاث السيوطي في<br />

علمي املعاني والبيان،‏ وتعاورت املدرستان<br />

مباحث اإلعجاز القرآني لديه.‏<br />

أما الفصل الثاني فجاء بعنوان دراسة<br />

املصادر والشواهد البالغية عند السيوطي؛<br />

فإن من مميزات البحث البالغي لدى<br />

السيوطي وفرة مصادره،‏ وتدل كثرة<br />

املصادر على العلم الواسع للسيوطي مبا<br />

كتبه السابقون في املوضوع الذي يروم<br />

خوض جلج مشكالته،‏ كما أن فيها إثراء<br />

ملادة بحثه وتوثيقاً‏ لها،‏ والسيوطي من النوع<br />

الذي ال يضن على قارئه بتحديد كثير من<br />

مصادره خالفاً‏ لكثير من املؤلفني،‏ بل إنه<br />

في بعض األحيان يهتدي إلى حل مشكل<br />

من املشكالت بجهده وتفكيره ثم يقف بعد<br />

ذلك على من سبقه إلى هذا احلل وال<br />

مينعه هذا من اإلشارة إلى فضله والتنويه<br />

بسبقه،‏ ونظراً‏ لكثرة مصادر السيوطي فإن<br />

املؤلف اكتفى بعرض أبرزها وأكثرها تأثيراً‏<br />

في بحثه البالغي،‏ فرصد ثمانية كتب.‏<br />

أما الشواهد البالغية فقد قام املؤلف<br />

بإحصاء الشواهد البالغية التي تضمنها أحد<br />

كتب السيوطي كشاهد على حفاوة السيوطي<br />

بهذه الشواهد فبلغت 1136 شاهداً‏ في كتاب<br />

تقل صفحاته عن املائتني صفحة.‏<br />

أما الفصل الثالث فقد جاء بعنوان<br />

أثر العلوم الشرعية والنحوية في الدرس<br />

البالغي عند السيوطي،‏ وقد رصد املؤلف<br />

فيه أبرز آثار العلوم الشرعية في الدرس<br />

البالغي للسيوطي،‏ ومنها:‏ النفرة من<br />

املنطق،‏ وترجيح جواز االقتباس من القرآن<br />

الكرمي في الشعر والنثر،‏ واالشتغال بأشعار<br />

املولدين من فروض الكفاية،‏ ومنعه تسمية<br />

فواصل القرآن أسجاعاً،‏ ونفيه املساواة في<br />

47<br />

العدد 559 فبراير 2017


القرآن الكرمي،‏ وتوقيفية ترتيب سور القرآن<br />

الكرمي،‏ واجتناب اآلراء البالغية االعتزالية،‏<br />

وميله الواضح نحو التصوف وطرقه.‏<br />

أما أثر الصناعة النحوية في الدرس<br />

البالغي عند السيوطي فقد كان ملعرفته<br />

الراسخة بعلم النحو أثرها الواضح ألن<br />

يتولى حترير الصناعة النحوية في البحث<br />

البالغي،‏ وينظر إلى أبحاث البالغيني<br />

النحوية بعني الناقد املتخصص،‏ وقد أدى<br />

ذلك إلى الكشف عن أوهام لبعض البالغيني<br />

في هذا املجال،‏ وأبان عن جوانب القصور<br />

في بحثهم البالغي املتصل بقضايا نحوية<br />

صرفة،‏ واستدرك ما فاتهم ونبه عليه .<br />

ثم انتقل املؤلف إلى الباب الثاني وجاء<br />

بعنوان:‏ اإلعجاز البالغي للقرآن الكرمي<br />

عند السيوطي،‏ واشتمل هذا الباب على<br />

ثالثة فصول هي على التوالي:‏ حقيقة<br />

اإلعجاز القرآني عند السيوطي،‏ وعرض<br />

فيه وجوه اإلعجاز البالغي املختلفة التي<br />

تناولها السيوطي بالبحث واملناقشة في<br />

كتبه،‏ ثم فنون التصوير البياني في القرآن<br />

الكرمي عند السيوطي من تشبيه وكناية<br />

واستعارة،‏ ثم ختم هذا الباب مبناقشة<br />

بعض قضايا البالغة القرآنية كبالغة<br />

الفواصل القرآنية،‏ وحسن التخلص في<br />

القرآن الكرمي،‏ وأسرار التقدمي والتأخير<br />

في القرآن الكرمي،‏ واالقتباس منه.‏<br />

وفي الباب الثالث من الكتاب الذي جاء<br />

بعنوان مباحث علمي املعاني والبيان عند<br />

السيوطي،‏ لفت املؤلف االنتباه إلى خلو<br />

مباحث علمي املعاني والبيان من التصانيف<br />

املفردة فيهما خاصة خالفاً‏ ملا جرت عليه<br />

عادة السيوطي في مباحث اإلعجاز البالغي<br />

للقرآن ومباحث علم البديع،‏ وأرجع املؤلف<br />

هذا األمر إلى أن الصبغة الدينية التي<br />

اصطبغت بها ثقافة السيوطي كانت هي<br />

احلاكمة واملوجهة ملسار جهود السيوطي<br />

في فنون البالغة وغيرها هذا أوالً،‏ وأما<br />

ثانياً‏ فإن اجلو العام الغالب على طابع<br />

احلركة األدبية في عصره كان ينظر إلى<br />

العناية بالصنعة البديعية باعتبارها مناط<br />

التفاضل بني األدباء،‏ وأساس احلكم على<br />

شاعرية الناظم وبالغة الناثر،‏ فالسيوطي<br />

ابن هذا العصر ومن الطبيعي أن يتأثر<br />

بجوه العام فتسير جهوده البالغية متوائمة<br />

مع مقاييس عصره وعاطفته الدينية.‏<br />

48 العدد 559 فبراير 2017


أما الباب الرابع واألخير من الكتاب<br />

فقد جاء بعنوان مباحث علم البديع<br />

عند السيوطي،‏ وعناية السيوطي بفنون<br />

البديع ال جند لها نظيراً‏ في اهتماماته<br />

إال في مجال الدراسية البالغية لإلعجاز<br />

القرآني،‏ ويتجلى هذا االهتمام في إفراد<br />

الفنون البديعية بتصانيف مستقلة،‏ وليس<br />

مبستغرب أن يولي السيوطي فنون البديع<br />

كل هذا االهتمام فهو يرى أن الشاعر ال<br />

يصل إلى مكانة متميزة بني أقرانه إال حني<br />

تكثر في شعره األنواع البديعية،‏ وال ريب<br />

أن اجتاه الذوق األدبي الذي كان سائداً‏<br />

في عصر السيوطي كان له أثر ال ينكر في<br />

تدعيم مثل هذه االهتمامات ؛ فقد كان<br />

إتقان الفنون البديعية أحد أبرز متطلبات<br />

األديب املجيد في ذلك العصر.‏<br />

ولم تقتصر عناية السيوطي بالفنون<br />

البديعية على اجلانب النظري،‏ بل شملت<br />

املمارسة التطبيقية لتلك الفنون من خالل<br />

األسلوب الذي أنشأ به مقاماته،‏ والذي كان<br />

يزدحم بألوان شتى من ضروب التحسني<br />

اللفظي واملعنوي.‏<br />

وألف في الدراسة التطبيقية رسالته<br />

املسماة فتح اجلليل للعبد الذليل،‏ التي<br />

قام فيها بتحليل إحدى اآليات القرآنية<br />

الستخراج ما فيها من األلوان البديعية التي<br />

جاوزت املائة لون.‏<br />

وقد أقام املؤلف هذا الباب على<br />

فصلني،‏ درس في األول اجلانب النظري<br />

لهذه الفنون الذي يكشف عن استقاللية<br />

شخصية السيوطي البالغية من خالل<br />

حتليل مناقشاته وإضافاته , فمن ذلك<br />

اجتهاده في استخراج اآليات القرآنية<br />

املتضمنة أللوان مختلفة من اجلناس التام،‏<br />

وفي هذا جنح السيوطي في استنباط<br />

ناذج قرآنية للجناس لم يسبق إليها من<br />

قبل،‏ ومنها أيضاً‏ عنايته البالغة باستقصاء<br />

الشواهد الشعرية أللوان اجلناس املختلفة<br />

ابتداء بأشعار املتقدمني وانتهاء بشعراء<br />

عصره،‏ ومنها أيضاً‏ اهتمامه بجمع الشواهد<br />

احلديثية املشتملة على ألوان من اجلناس،‏<br />

وقد كان له الفضل في التنبيه على أن<br />

بعض األحاديث الذي كثيراً‏ ما استشهد بها<br />

البالغيون في حديثهم عن اجلناس ال أصل<br />

لها،‏ ومنها أيضاً‏ وضع مصطلحات جديدة<br />

49<br />

العدد 559 فبراير 2017


من خالل تسميته بعض أنواع اجلناس التي<br />

ظلت غفالً‏ عن التسمية متيزت بوضوح<br />

داللتها على املقصود منها .<br />

ودرس في الثاني اجلانب التطبيقي لها<br />

على صعيد املمارسة الفعلية في املقامات<br />

والتحليل التطبيقي في رسالة فتح اجلليل<br />

بغية الوصول إلى كشف جوانب التآلف<br />

والتخالف بني التنظير والتطبيق،‏ فتوصل<br />

إلى أن السيوطي في معظم ما صاغه من<br />

ضروب التحسني البديعي التزم القواعد<br />

واملعايير التي قررها نظرياً‏ في مصنفاته<br />

البالغية،‏ وقد كان لثقافته اللغوية الواسعة<br />

التي عرف بها بصماتها الواضحة في كثير<br />

من محسناته،‏ غير أن هذا التأثير كان له<br />

وقعه السيئ على اجلانب النظري لتلك<br />

احملسنات ؛ حيث استأثر اجلانب اللغوي<br />

بالرعاية والعناية على حساب فنية املستوى.‏<br />

ثم ختم املؤلف الكتاب بخامتة عرض<br />

فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث .<br />

ومبا أن املؤلف وَلِعٌ‏ بالتحقيق فإن<br />

النَّفَس التحقيقيّ‏ فرض عليه عمل فهارس<br />

في نهاية الكتاب،‏ وأشار إلى أنها ستة<br />

فهارس سقط منها اثنان أثناء الطبع .<br />

مضافاً‏ إلى أن الكتاب لم يخل من بعض<br />

األخطاء الطباعية مما ال يسلم كتاب منها،‏<br />

وأكثر هذه األخطاء مما ال يستوجب توقف<br />

القارئ الفطن عندها،‏ ومن ناذج هذه<br />

األخطاء:‏<br />

ص 62:<br />

ترجم البن حجة احلموي في هامش<br />

الكتاب بأنه أبو بكر بن علي بن عبد الله،‏<br />

وفي فهرس املصادر جاء اسمه أبو بكر<br />

علي بن عبد الله.‏<br />

وال خالف أن في اسم ابن حجة ونسبه<br />

شيئاً‏ من االضطراب لم يشر إليه املؤلف .<br />

ص 67، بيت ابن حجة:‏<br />

من اعتدى فبعدوان يشاكله<br />

ولحكمة هو فيها خير منتقم<br />

الواو في بداية العجز تخل بوزن البيت.‏<br />

ص 68، بيت الصفي احللي:‏<br />

طرزت شعري بأوصاف له اتسقت<br />

يا حسن منتظم في حسن منظم<br />

والصواب في عجز البيت:‏ منتظم .<br />

ص 86، بيت ابن حجة:‏<br />

50 العدد 559 فبراير 2017


وزاد إبهام عذلي عاذل ودجا<br />

ليلى فهل من يهيمٍ‏ يشتفي أملي<br />

واخلطأ في ( ليلى(‏ و)‏ يهيم(‏ والصواب:‏<br />

( ليلي(‏ و ( بهيم(‏ .<br />

ص 86، التعليل ميثل إحدى الوسائل ....<br />

وهذه إحدى املالمح .<br />

والصواب:‏ أحد املالمح .<br />

ص 118، قول القاضي صدر الدين بن<br />

األدمي احلنفي:‏<br />

قَصْ‏ ‏دَنا حماة فلم نلقْ‏ من<br />

أردنا لم ترع عهداً‏ وإال<br />

والبيت مضطرب الوزن مختل الضبط،‏<br />

والصواب فيه:‏<br />

قصَ‏ ‏دْنا حماة ولم نلقَ‏ من<br />

أردنا فلم نرع عهداً‏ وإال<br />

ص 118، قول ابن النقيب:‏<br />

أنت طوقتني صنيعاً‏ وأسمعتك<br />

شكراً‏ كلاهما ما يضيع<br />

فإذا شجاك سجعي فإني<br />

أنا ذاك املطوق املسموع<br />

هكذا جاء البيت األول،‏ والصواب في<br />

كتابته أن جتزأ كلمة ‏)وأسمعتك(‏ على<br />

الشطرين ألنه من املدور .<br />

أما البيت الثاني فقد سقطت منه ‏)ما(‏<br />

بعد ( فإذا ) ليستقيم وزن البيت .<br />

ص 305، بيت البحتري:‏<br />

ووراء تسدية الوشاح ملية بالحسن<br />

تملح في القلوب وتعذب<br />

والصواب نقل كلمة ‏)باحلسن(‏ إلى<br />

عجز البيت.‏<br />

ص 345، بيت السيوطي:‏<br />

قيل هل تصنع هذا قلت ال<br />

كثر اهلل السخاويَّ‏ وسخا<br />

والصواب حذف الشدة واحلركة من<br />

كلمة ( السخاوي ) ليستقيم وزن البيت .<br />

ص 353، قوله:‏<br />

أوحى إلى عشاقه طرفه<br />

هيهات هيهات ملا توعدون<br />

وردفه ينطق من خلفه<br />

ملثل هذا فليعمل العاملون<br />

وضع عجزي البيتني بني األقواس<br />

القرآنية،‏ واألولى حذف األقواس ؛ ألنه<br />

اقتباس ليس حرفياً‏ فإن قافية البيتني ساكنة،‏<br />

وعجز البيت الثاني ينبغي أن يكون ‏)ملثل ذا<br />

فليعمل العاملون(‏ ليستقيم وزن البيت.‏<br />

51<br />

العدد 559 فبراير 2017


ص 355، بيت الصفي احللي:‏<br />

خلت الفضائل بني الناس ترفعني<br />

باالبتداء فكانت أحرف القسم<br />

حذفت الهمزة من كلمة ( االبتدا(‏ في<br />

عجز البيت،‏ والصواب إبقاؤها لتكون<br />

‏)باالبتداء(‏ ليستقيم وزن البيت.‏<br />

ص 358، بيت السيوطي:‏<br />

وأهيفَ‏ أرفع أحواله<br />

فاستخدمت أعضائي البلوى<br />

جاءت كلمة ‏)أهيف(‏ في صدر البيت<br />

ممنوعة من الصرف،‏ والصواب صرفها<br />

ضرورة ليستقيم وزن البيت<br />

بقي أن نشير إلى أن الكتاب في األصل<br />

أطروحة علمية نال بها املؤلف درجة<br />

املاجستير من كلية اآلداب بجامعة القاهرة<br />

سنة ‎1996‎م .<br />

وختاماً‏ فالكتاب بال ريب له أهمية كبيرة<br />

في كشف النقاب عن مكانة السيوطي<br />

البالغية،‏ ويعد إضافة مهمة لدارسي<br />

البالغة على املستويني النظري والتطبيقي،‏<br />

يقف الدارس من خالله على جهد بذله<br />

مؤلفه إلنصاف عالم من علمائنا الكبار،‏<br />

ووضعه في مكانه الالئق به في مجال<br />

الدراسات البالغية .<br />

52 العدد 559 فبراير 2017


حوار<br />

بريشة وسما اآلغا


حوار<br />

د.‏ محمد حرب ل ‏»البيان«:‏<br />

انعكست أسبقية الكويت للعالم العربي<br />

في الديموقراطية على مناخها الثقافي<br />

قال مؤسس مركز دراسات العالم التركي ومنطقة البلقان الدكتور محمد حرب<br />

ومستشار رئيس جامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول بتركيا أن معرض الكويت<br />

الدولي للكتاب في دورته احلادية واألربعني يتمتع بروح شابة،‏ ملا ملسه من اهتمام كبير<br />

من شباب الكويت بشراء الكتب،‏ وتهافتهم على حضور الندوات،‏ مرجعً‏ ا ذلك إلى أن<br />

الكويت سبقت العالم العربي في الدميقراطية مما حقق مناخً‏ ا منفتحً‏ ا ثقافيًا.‏<br />

وأضاف د.‏ حرب في حديث صحفي له مع مجلة ‏»البيان«‏ أن كتابه ‏)مذكرات السلطان<br />

عبداحلميد الثاني(‏ استحوذ على األضواء من أعماله األخرى،‏ مشيرً‏ ا إلى أن نشره<br />

ملجموعة مقاالت في مجلة العربي الكويتية وفق خطة ممنهجة أفرزت كتاب ‏)العثمانيون<br />

في التاريخ واحلضارة(،‏ مبينًا أنه أول من استخدم مصطلح ‏)العالم التركي(‏ ويشمل<br />

على كل من ‏)أسيا الوسطى،‏ القوقاز،‏ تركيا،‏ والبلقان(.‏<br />

جاء ذلك في مقابلة صحفية مع د.‏ حرب على هامش مشاركته في ندوة ‏)جماليات األدب<br />

العثماني(‏ في إطار فعاليات ‏»معرض الكويت الدولي للكتاب احلادي واألربعون«‏ لعام 2016.<br />

)*(<br />

> أجرى احلوار:‏ وليد الزهيري<br />

)*( صحافي مصري.‏<br />

54 العدد 559 فبراير 2017


نرحب بكم ضيفً‏ ا عزيزً‏ ا على مجلة<br />

البيان الكويتية،‏ ونرغب منكم تقدمي<br />

بطاقة تعريفية لقارئ البيان؟<br />

- د.‏ محمد حرب،‏ آخر أعمالي أستاذ<br />

في جامعة عني شمس وبعد خروجي على<br />

املعاش زرت عدة بلدان عربية إلى أن<br />

استقر بي املقام في تركيا،‏ وألنني كتبت عن<br />

األتراك كثيرًا،‏ منحوني اجلنسية التركية،‏<br />

ومت تعييني مستشارًا لرئيس جامعة صباح<br />

الدين زعيم في اسطنبول.‏<br />

< من أعمالكم التي أثرت املكتبة<br />

العربية ‏)مذكرات السلطان عبداحلميد<br />

الثاني(‏ .. وضح لنا مدى أهمية ذلك<br />

العمل وأثره على القارئ العربي؟<br />

سؤال وجيه،‏ احلقيقة أنا عملت أعمال<br />

كثيرة بعد ‏)مذكرات السلطان عبداحلميد<br />

الثاني(‏ قوية،‏ لكن كتاب املذكرات استحوذ<br />

على األضواء من أعمالي األخرى،‏ منذ<br />

حوالي 32 عامًا كنت في دراسة الدكتوراه<br />

باسطنبول،‏ التقيت بالناشر إسماعيل<br />

عبيد،‏ الذي أشار إلى أن صورة السلطان<br />

عبداحلميد سيئة في البلدان العربية<br />

ومهضوم احلق،‏ وال يوجد دليل على<br />

د.‏ محمد حرب<br />

انه شخص جيد لدى املثقفني العرب،‏<br />

وذلك لتأثرهم بالدعايات الغربية ضده،‏<br />

وذكرت له بدوري أنني ترجمت مذكرات<br />

السلطان عبداحلميد،‏ بناء عليه أخذ مني<br />

النسخة األصلية املترجمة،‏ مت نشرها<br />

في مجلة املجتمع الكويتية على حلقات<br />

في ذلك الوقت،‏ ولم أكن أعلم بصدورها<br />

وذياع صيتها،‏ شعرت بأنني قدمت هدية<br />

للمؤرخني باإلضافة إلى احتادات الطالب<br />

في أوروبا والبلدان العربية،‏ ومت طباعة<br />

بعد ذلك ثالثني ألف نسخة من الكتاب في<br />

القاهرة.‏<br />

55<br />

العدد 559 فبراير 2017


د.‏ محمد حرب ومحاوره أ.‏ وليد الزهيري<br />

< تبحرمت في إصدار آخر وهو<br />

‏)العثمانيون في التاريخ واحلضارة(‏ هل<br />

ألنها أطول دولة في التاريخ عمرً‏ ا أم ماذا؟<br />

‏»العثمانيون في التاريخ واحلضارة«،‏ له<br />

حكاية ففي مجلة العربي التي تصدر من<br />

دولة الكويت حتى حينه،‏ كنت أنشر مقاالت<br />

بها وفق خطة اإلعداد لكتاب،‏ وعندما كنت<br />

في املدينة املنورة مدرسً‏ ا لالستشراق،‏<br />

التقيت بالناشر محمد علي دوده،‏ طلب<br />

مني أن يصدر كتابًا ملجموع مقاالتي عن<br />

الدولة العثمانية،‏ وقلت له أنه سيخسر<br />

ماديًا مشفقًا عليه،‏ لكنه أصر،‏ وبعد<br />

شهرين رأيت نسخة فاخرة من الكتاب،‏ ذكر<br />

لي أن تقديره كان أفضل من تقديري،‏ وأنه<br />

كان يخطط لطباعة ثالث آالف نسخة إال<br />

أن الكتاب بيع منه في شهر ونصف ألف<br />

وخمسمائة نسخة،‏ كما قال الدكتور صالح<br />

بدحدح معقبًا على الكتاب أنه ليس كأي<br />

كتاب عن التاريخ العثماني،‏ كما أن القوائم<br />

املوجودة حالياً‏ حول التاريخ العثماني يوضع<br />

هذا الكتاب في مقدمتها،‏ ويوصى بقراءته<br />

56 العدد 559 فبراير 2017


قبل قراءة أي كتاب آخر في هذا الشأن،‏<br />

اجلدير بالذكر أنه مت وضع داخل الكتاب<br />

كل ما يهم القارئ العربي على شكل أبواب<br />

ومن هنا كانت أهميته.‏<br />

< يعد كتاب ‏)البحرية(‏ موسوعة<br />

جغرافية فريدة،‏ ملؤلفه محيي الدين<br />

بيري ريس والذي عكفتم على ترجمته،‏<br />

هل عملكم هذا أعاد اكتشاف بيري ريس<br />

للقارئ العربي؟<br />

بيري ريس قبطان بحري عثماني،‏<br />

مشهور بقوته في البحار وكذلك براعته<br />

في الكتابة،‏ وقد قام بتصميم خريطة<br />

للبحر األبيض املتوسط مبوانيه،‏ وحتدثت<br />

البحرية األمريكية حول أهمية هذا الكتاب<br />

إن البحرية األمريكية في عام 1965، قائلة<br />

إذا ركب أحدهم الطائرة محلقًا بها فوق<br />

موانئ البحر األبيض املتوسط لن تختلف<br />

الصورة عن ما قدمه بيري ريس في كتابه<br />

في القرن السادس عشر،‏ يذكر أن ريس<br />

رافق السلطان سليم األول في فتحه ملصر،‏<br />

وقد رسم ريس خريطة ألمريكا الالتينية<br />

اجلزء املواجه ألفريقيا.‏<br />

دفعني الفضول بالذهاب إلى املتحف<br />

احلربي باحثًا عن كتاب ‏)البحرية(،‏ وطلبت<br />

نسخة منه،‏ قررت من هنا ترجمته كمشروع<br />

يستفيد منه العرب واملسلمني،‏ ومت نشره<br />

في دولة اإلمارات العربية املتحدة.‏<br />

57<br />

العدد 559 فبراير 2017


األتراك ألنه كان باللغة العربية،‏ والعرب<br />

كذلك لم يهتموا به ألنه نسخة وحيدة<br />

بتركيا،‏ لذا كان خارج دائرة الضوء،‏ وكان<br />

من حسن حظي إعادة اكتشافه وحتقيقه.‏<br />

قدر ذلك العمل وزير الثقافة في جمهورية<br />

مصر العربية حلمي النمنم كثيرَا مشيدًأ<br />

بأهميته وقيمته،‏ وسبق األتراك في هذا.‏<br />

< هل هناك أعمال أخرى تستحق<br />

وضعها في دائرة الضوء؟<br />

هناك كتاب مهمل بالنسبة للعرب،‏<br />

عندما كنت تلميذا في اسطنبول،‏ كنت<br />

أتردد على املكتبة السليمانية،‏ وجدت كتابًا<br />

عربيًا من نسخة وحيدة نادرة بخط املؤلف<br />

وهو ‏»سلم الوصول إلى طبقات الفحول«،‏<br />

لكاتبه مصطفى بن عبد الله حاجي خليفة،‏<br />

صورت الكتاب حينها،‏ وبعد إنشاء مركز<br />

بحوث العالم التركي بجهدي اخلاص،‏ وكان<br />

اسمه في البداية مركز البحوث العثمانية<br />

والعالم التركي،‏ تعاونت حينها مع الباحثني<br />

باملركز،‏ وقد خرج الكتاب في )6( أجزاء،‏<br />

وقامت بطباعته وزارة الثقافة بجمهورية<br />

مصر العربية،‏ ويعد من أروع الكتب في<br />

الترجمات.‏ لم يلق الكتاب االهتمام من<br />

< أسستم مركزً‏ ا لدراسات العالم<br />

التركي ومنطقة البلقان،‏ ما هي أهدافه<br />

وما النتائج التي حققها؟<br />

يهدف املركز بالتعريف بالثقافة التركية<br />

والعثمانية بكافة شموليتها للعرب،‏ ومهمتي<br />

في احلياة عندما كنت طالبًا باجلامعة في<br />

تركيا هو التوفيق بني األتراك والعرب،‏<br />

أعتقد أني لعبت دورًا في ذلك.‏ وما حققه<br />

58 العدد 559 فبراير 2017


أمني عام رابطة األدباء أ.‏ الرميضي يستقبل د.‏ حرب في جناح رابطة األدباء مبعرض الكتاب<br />

املركز أوالً‏ بزوغ اسم ‏)العالم التركي(‏<br />

وانتشاره في ‏)امليديا املصرية(،‏ وأنا أول<br />

من استخدم هذا املصطلح،‏ والعالم التركي<br />

يشمل كل من ‏)آسيا الوسطى،‏ القوقاز،‏<br />

تركيا،‏ والبلقان(.‏ كما قمت برصد الكثير<br />

من الكتب واملخطوطات عن اجلزيرة<br />

العربية الدقيقة جدًا.‏<br />

< متوج منطقة البلقان بصراعات<br />

عرقية،‏ تخبو وتشتعل من وقت آلخر،‏<br />

ما السر وراء ذلك؟<br />

فكرة القومية التي أفسدت العالم<br />

اإلسالمي هي السبب،‏ باإلضافة إلى أن<br />

البلقان به العديد من القوميات العرقية<br />

املتجاورة،‏ وعند حدوث أي مشكلة صغيرة<br />

تكبر سريعًا وتصبح مأساة،‏ لم يحدث ذلك<br />

في املاضي ألنه كان هناك مفهوم العالم<br />

اإلسالمي،‏ فما قبل الثورة الفرنسية كان عهد<br />

الديانات فقط العالم مقسم إلى عاملني مسلم<br />

ومسيحي،‏ وبظهور الثورة الفرنسية دمرت<br />

العاملني األوروبي والعثماني بفكرة القومية،‏<br />

وانتقل ذلك الصراع للعالم كله مبا فيه البلقان.‏<br />

59<br />

العدد 559 فبراير 2017


د.‏ محمد حرب بعد محاضرته عن ‏»جماليات األدب العثماني«‏ مبعرض الكتاب<br />

< هناك تقارب عربي تركي على<br />

املستويين االقتصادي والسياسي،‏ هل<br />

ينعكس أثر ذلك على املستوى الثقافي؟ وما<br />

أثر ذلك على اجلانبن ‏)العربي التركي(؟<br />

قطعاَ‏ له أثر على املستوى الثقافي،‏ خالل<br />

فترة وجود حزب ‏)العدالة والتنمية(‏ في<br />

السلطة تطورت العالقات كثيرًا،‏ وما قبل<br />

توليه احلكم ما كان يعلم الكثير من العرب<br />

شيئاً‏ عن تركيا،‏ وكان ينفر الطالب األتراك<br />

أيضً‏ ا من العرب،‏ وعندما وصل ‏)العدالة<br />

والتنمية(‏ إلى سدة احلكم مت تغيير الوضع،‏<br />

ومت اعتماد مشروعات لنشر اللغة التركية<br />

في البلدان العربية .. واللغة العربية في<br />

تركيا،‏ كما أن هناك جامعات تركية تنطق<br />

بالعربية غير األقسام والتخصصات،‏ كان<br />

يفضل الطالب سابقًا دخول االختبارات<br />

باللغة اإلجنليزية كلغة ثانية،‏ حاليًا يدخلون<br />

باللغة العربية كلغة ثانية،‏ وهناك أيضً‏ ا<br />

بعض الباحثني يدخلون امتحان الدكتوراه<br />

باللغة العربية،‏ يعد هذا تطورًا مذهالً‏ .<br />

60 العدد 559 فبراير 2017


من خالل رؤيتكم املستقبلية،‏ هل<br />

تتوقع أن يكون هناك إعادة فهم لتاريخ<br />

الدولة العثمانية،‏ وحتقق ملزيد من<br />

التقارب الثقافي العربي التركي ؟<br />

بالتأكيد،‏ بدأ هذا بالفعل،‏ فقد قيل لي<br />

أحد املرات من وزير ثقافة مصري سابق<br />

‏»ما يثير االهتمام في دكتور حرب أنه يسبح<br />

ضد التيار«‏ فالتيار الثقافي آنذاك كان ضد<br />

الدولة العثمانية في مصر،‏ وقد بدأت بقوة<br />

ونشرت الكثير من األعمال،‏ وتتلمذ على<br />

يدي طالب باجلامعة أصبحوا أساتذة بعد<br />

ذلك يتممون مشروعي في التقارب بني<br />

العاملني العربي والتركي.‏<br />

< لكم باع كبير في حقل الترجمة،‏ ما<br />

رأيكم بحركة الترجمة من التركية إلى<br />

العربية وبالعكس؟<br />

بدأت الترجمة من العربية إلى التركية<br />

على يد التيار اإلسالمي في البالد العربية<br />

خاصة في مصر،‏ وقد صدر لي كتاب<br />

العدالة االجتماعية،‏ عندما كنت طالبًا<br />

مت ترجمته إلى اللغة التركية وانتقل بعد<br />

ذلك إلى دول آسيا الوسطى،‏ اهتم االتراك<br />

بترجمة الكتب الدينية للغة التركية<br />

والترجمة من العربية للتركية كثيرة للغاية،‏<br />

لكن على املستوى األدبي ضعيفة إلى حد ما،‏<br />

وبالنسبة للترجمة من التركية إلى العربية<br />

جنح فيها السوريون أوالً‏ وفي مصر أقسام<br />

اللغات الشرقية هي التي تكلف الطالب<br />

بالترجمات من التركية وهي أعمال تأتي<br />

في نطاق اجلامعة فقط وإجماالً‏ ما يترجم<br />

من التركية للعربية قليل جداً.‏<br />

< حصلتم على جائزة ابن بطوطة<br />

عن كتابك ‏)رحلالت عثمانية في<br />

اجلزيرة العربية والهند وآسيا الوسطى<br />

ما بن القرنن السادس عشر والعشرين(‏<br />

حدثنا عن موضوع الكتاب،‏ ومالبسات<br />

حصولكم على اجلائزة؟<br />

عندما كنت في اسطنبول قمت بترجمة<br />

‏)رحالت عثمانية في اجلزيرة العربية<br />

والهند وآسيا الوسطى ما بني القرنني<br />

السادس عشر والعشرين(‏ واملوجودة<br />

مبكتبة السلطان عبداحلميد الثاني،‏ جمعت<br />

املادة والنصوص واملخطوط القائمة على<br />

الرحالت،‏ عكفت على املشروع بالتعاون مع<br />

ابنتي ‏)تسنيم محمد حرب(‏ أستاذة التاريخ<br />

العثماني في جامعة قناة السويس،‏ ومن ثم<br />

نشرته املؤسسة العربية للدراسات والنشر،‏<br />

61<br />

العدد 559 فبراير 2017


وقد فاز العمل بجائزة ابن بطوطة لألدب<br />

اجلغرافي في دورتها الثامنة )2010-<br />

2011( التي مينحها ‏)املركز العربي لألدب<br />

اجلغرافي - ارتياد اآلفاق(‏ ومقره أبوظبي<br />

ولندن،‏ وفزت أنا وتسنيم حرب بجائزة<br />

حتقيق املخطوطات ‏)الرحلة الكالسيكية(‏<br />

عن ترجمة وحتقيق كتاب ‏)رحالت عثمانية<br />

في اجلزيرة العربية والهند وآسيا الوسطى<br />

ما بني القرنني السادس عشر والعشرين(‏<br />

وهو عبارة عن خمس مخطوطات ملجموعة<br />

من الرحالة،‏ الذي يقع في مجلدين يتضمن<br />

حتقيقا خلمس مخطوطات عثمانية نادرة،‏<br />

تتعلق بجغرافيا اجلزيرة العربية والرحالت<br />

إليها.‏ كما حصلت مؤخرًا على جائزة<br />

اسطنبول خلدمة العالم اإلسالمي من<br />

ماليزيا عن مجمل جهودي في التقريب<br />

بني الثقافتني العربية والتركية في شهر<br />

‏)أكتوبر(‏ املاضي.‏<br />

< أخيراً‏ .. ما هو رأيكم مبعرض<br />

الكويت الدولي للكتاب ال ‎41‎؟<br />

انطباعي العام عن املعرض أنه ناجح،‏<br />

املثير في املعرض تلك الروح الشابة،‏ رأيت<br />

الكثير من الشباب يهتم بشراء الكتب،‏<br />

ويهتمون بحضور الندوات،‏ قد يكون السبب<br />

في ذلك أن الكويت سبقت العالم العربي في<br />

الدميقراطية مما حقق مناخً‏ ا منفتحً‏ ا ثقافيًا.‏<br />

62 العدد 559 فبراير 2017


أعالم<br />

بريشة حميد خزعل


أعالم<br />

محمود شوقي األيوبي<br />

1901( - ‎1966‎م(‏<br />

عاشق الطبيعة والقيم اجلمالية واإلنسانية<br />

)*(<br />

> بقلم:‏ علي عبدالفتاح<br />

تأثرت كثيرً‏ ا بهذا الشاعر املبدع الذي ولد في مدينة الكويت ودرس في مدارسها بدءً‏ ا<br />

من مرحلة ‏»الكتاب«‏ الذي عرف باسم ‏»املطوع«‏ في ذلك الوقت.‏ ورغم رحالته العديدة<br />

خارج وطنه ظل قلبه دائمً‏ ا نابضً‏ ا بعشق الكويت ومهمومً‏ ا بقضايا الشعوب العربية.‏<br />

طفولته وحياته<br />

توفي والده وهو مازال صغيرًا والتحق<br />

باملدرسة املباركية التي تعلم فيها مبادئ<br />

اللغة العربية والقرآن الكرمي.‏ وبعد دراسته<br />

في املدرسة املباركية سافر مع خاله إلى<br />

البصرة وأمضى هناك عدة سنوات.‏<br />

)*( كاتب مصري.‏<br />

تعلم الطباعة وتنقل في عدة وظائف<br />

أمدته بخبرات كثيرة.‏ وفي تلك الفترة<br />

أقبل على كتب الشعر واألدب يقرأ ويثقف<br />

نفسه مما دعا قاضي احملكمة التي كان<br />

يعمل فيها أن يدفعه لاللتحاق بدار املعلمني<br />

حيث أنهى دراسته فيها عام 1918 والتحق<br />

مبجال التدريس.‏<br />

64 العدد 559 فبراير 2017


شاعر التأمل<br />

الصوفي..‏ والدعوة<br />

إلى احلرية ونهضة<br />

الشعوب<br />

لقد قام الشاعر برحالت إلى بلدان<br />

ومدن كثيرة وذهب إلى حلب وبيروت حتى<br />

عبر حدود فلسطني وزار معظم مدنها إلى<br />

أن دخل رفح والعريش ومصر والصعيد<br />

وعاد إلى بغداد مرة أخرى.‏<br />

ولقد كانت هذه الرحالت من العوامل التي<br />

ساعدت على تنمية وعيه وثقافته ودراسة<br />

شعوب تلك البالد والتأثر بقضاياها السائدة.‏<br />

ويقول عن حياته:‏ لكل فرد في هذا<br />

الوجود قصة..‏ وما قصتي في احلياة إال<br />

قصة اليتم واحلرمان والعذاب..‏ منذ نعومة<br />

أظافري وقصة الهيمان والعذاب والضرب<br />

في مشارق األرض ومغاربها..‏ بل هي قصة<br />

املجازفة أو سمها املغامرة كما تشاء«‏ فيقول:‏<br />

وقالوا جن محمود وجني<br />

من األهوال ما أبقت بفكري<br />

لو أن الصخر قاسى ما أقاسي<br />

لدك الصخر مرتطمًا بصخر<br />

الشاعر محمود شوقي األيوبي<br />

مصائب لو هوت للصخر أمسى<br />

جذاذا انقضت كتفي وظهري<br />

أنوء بحملها في كل وقت<br />

أراقب بعدها كشفا لضري<br />

جتارب ثرية<br />

لقد تأثر األيوبي باملتنبي وأبي متام<br />

والشريف الرضي وابن الفارض وكذلك من<br />

الشعراء احملدثني مثل أحمد شوقي وعلي<br />

محمود طه وطاغور ومحمد إقبال،‏ فكتب<br />

شعر املناسبات واملديح والوصف والغزل<br />

والشكوى وسادت التقريرية واملباشرة في<br />

هذه األشعار وعلى الرغم من ذلك لم تكن<br />

تخلو من رومانسية عذبة.‏<br />

65<br />

العدد 559 فبراير 2017


وحني تتاح له الفرص لزيارة البحرين<br />

بصحبة الشاعرين خالد الفرج عام 1898<br />

- 1954 وعبد اللطيف النصف )1904<br />

- ‎1971‎م(‏ وزيارة أخرى للملكة العربية<br />

السعودية تتأجج نيران اإلبداع في أعماقه<br />

ويتأثر بالشخصيات التي يقابلها وال سيما<br />

حني التقى امللك عبدالعزيز آل سعود وقد<br />

أهدى الشاعر ديوانه ‏»املالحم العربية«‏ إلى<br />

امللك عبدالعزيز ويقول له في إحدى هذه<br />

املالحم:‏<br />

أقمت بحد السيف ملكا ودولة<br />

تذل لها كل امللوك وتخضع<br />

لك العزمة الكبرى إذا جد حادث<br />

من الفنت الهوجاء أو ضل مبدع<br />

وكانت رحلة الشاعر إلى أندونيسيا هي<br />

الرحلة األخيرة حيث تزوج هناك من امرأة<br />

وأجنبت له ثالث بنات وولدً‏ ا وافتتح عدة<br />

مدارس وعمل في تدريس اللغة العربية<br />

وأنشأ مدرسة خاصة للقرآن الكرمي،‏<br />

وعاش الشاعر في أندونيسيا نحو عشرين<br />

عامًا ثم عاد إلى الكويت عام 1950 ليدرس<br />

في املعهد الديني واملدرسة األحمدية عام<br />

.1961<br />

جتربة الغربة<br />

لقد ذاق الشاعر خالل العشرين عامًا<br />

التي قضاها في أندويسيا مرارة الغربة<br />

لقد قام الشاعر برحالت<br />

إلى بلدان ومدن كثيرة وذهب<br />

إلى حلب وبيروت حتى عبر<br />

حدود فلسطني وزار معظم<br />

مدنها إلى أن دخل رفح<br />

والعريش ومصر والصعيد<br />

واحلنني إلى الوطن وقد صادفته جتارب<br />

كثيرة تركت آثارها في أشعاره فيقول:‏<br />

في عشرين عاما كنت فيها<br />

باآلالم من التشريد زرق<br />

حوادث كم وقفت بها ‏)بجاوا(‏<br />

سخني الدمع أرنو نحو أفقي<br />

فأسكب خاطري في الكتب أبكي<br />

كشلو في مضيعة الهجر ملقى<br />

ومن أجمل قصائده في الغربة قصيدته<br />

‏»وطني«‏ التي يتشوق فيها إلى الكويت<br />

ويتمنى العودة إليها:‏<br />

وطني بحبك تشرق اآلمال<br />

وعلى رحابك لي هوى سيال<br />

66 العدد 559 فبراير 2017


قد كنت فيك من املعاني شعلة<br />

بسنائها شعر الهوى يختال<br />

تتألق األنوار فيك كأنها<br />

شعر يجنحه حجً‏ ‏ا وخيال<br />

ربى جمالك بالسمو قريحتي<br />

فشدا بروحي في حماك سؤال<br />

أنا الذي شاطرت يومك همه<br />

أم يا ترى عبثت بك األهوال؟<br />

مالي أرى شجني يعذب مهجتي<br />

بجمالك حتى قطعت أوصال<br />

ولذلك نالحظ أن الغربة من أهم<br />

الظواهر الفنية في قصائد األيوبي وقد<br />

صاغها من ينابيع احلزن واأللم والوطن<br />

الذي يختال في ذهنه وفي جوانحه.‏ وهذا<br />

الشعور مزق الشاعر فظل محترقًا بلهب<br />

الغربة حتى قامت احلرب العاملية الثانية<br />

فكان عليه أن يهاجر فرارًا من مدينة إلى<br />

أخرى مع أسرته.‏<br />

وتقول د.‏ نورية الرومي في كتابها<br />

‏»محمود شوقي األيوبي:‏ حياته وتراثه<br />

الشعري«‏ ‏»وفي هذا ما يعكس طبيعة التجربة<br />

التي عايشها األيوبي في أندونيسيا..‏ ولعل<br />

أهم ما ينبغي أن نالحظه من آثارها عليه هو<br />

إحساسه العميق بالغربة ومعاناته الشديدة<br />

من احلروب التي عايشها في هذه البالد«.‏<br />

67<br />

العدد 559 فبراير 2017


عركتني األيام حتى إذا ما قلت<br />

حسبي زادت لظى والتهابا<br />

فتنمرت للدواهي ولكن<br />

أين مني أن أتقي ذا العذابا<br />

أنا غريب في موطني أقاسي<br />

لوعة بعد لوعة واكتئابا<br />

إن غربة الشاعر هي غربة الروح<br />

والضياع في أرض بعيدة عن الوطن حتى<br />

إنه اجته في أغراضه الشعرية إلى مرحلة<br />

تقترب من التصوف.‏<br />

مرحلة صوفية تأملية<br />

ميثل ديوانه ‏»رحيق األرواح«‏ سمات<br />

مرحلة صوفية تأملية..‏ فهي تعبير صادق<br />

عن رؤية روح حائرة حتاول أن تعتصم<br />

بتعاليم اإلسالم ونور القرآن الكرمي..‏<br />

فنجده في قصائده يتسامى نحو القيم<br />

الدينية من رحمة وإخاء وحب وطهر<br />

وصفاء ويتعاطف مع الفقراء ويتأمل الكون<br />

ويدعو إلى احلب وعشق اجلمال واحلق<br />

فإذا بالعشق نور من السماء:‏<br />

إنما العشق رحمة هلل تسمو<br />

بنفوس العشاق نحو الرجولة<br />

وهو طهر يعج نورًا بهيجً‏ ا<br />

وجمال فيه املعاني الجميلة<br />

شعلة العشق تدفع الروح دفعا<br />

نحو روض العا ومرج البطولة<br />

ويكتب الشاعر قصائد طويلة في<br />

ذكرى اإلسراء واملعراج واملناسبات الدينية<br />

األخرى ويضمن في قصائده الدعوة إلى<br />

احلرية والعودة إلى نور احلق وكتاب الله،‏<br />

68 العدد 559 فبراير 2017


ونلمح في هذه القصائد غنائية عذبة تخلو<br />

من ثقيل اللفظ وغريبه،‏ ويقول:‏<br />

يا بلبل زد في الكون تغريدا<br />

وامأل بألحانك األجيال تجديدا<br />

إني أترجم عنك اللحن مرتجا<br />

شعرا يضيء مدى اآلباء تخليدا<br />

هذا الجمال تجلى في الضياء له<br />

حق يحلق للعلياء تصعيدا<br />

الروح وامللأل األعلى يزف له<br />

وكانت رحلة الشاعر إلى<br />

اندونيسيا هي الرحلة األخيرة<br />

حيث تزوج هناك من امرأة<br />

وأجنبت له ثالث بنات وولدً‏ ا<br />

وافتتح عدة مدارس وعمل في<br />

تدريس اللغة العربية وأنشأ<br />

مدرسة خاصة للقرآن الكرمي<br />

من التحايا لذات الحق تمجيدا<br />

وتظل هذه القصائد الصوفية التأملية<br />

تنثر ما في القلب والروح من ابتهاالت<br />

تردد أحلان احلب وتدنو من منابع الدين<br />

اإلسالمي لتتزود مبعاني اخلير واجلمال<br />

ولهفة النفس إلى التقوى والصالح ويصف<br />

حلظة تأمل في حياته فيقول:‏<br />

أنا وحدي أراقب النجم وحدي<br />

ويح قلبي قد طال في الليل سهدي<br />

في الليالي الطوال والبرد قاسٍ‏<br />

أتلظى على فراشي بوجدي<br />

ساكنًا والحجا يثور ويخبو<br />

يتخطى من ركن وهد لوهد<br />

سائحً‏ ‏ا يستفز قلبي ويسري<br />

في الشراييني وقدُ‏ شر وقد<br />

النزعة الوطنية واإلصالح<br />

والشاعر األيوبي في دعوته إلى اإلصالح<br />

وإيقاظ النزعة الدينية في النفوس ال يهمل<br />

تراث األجداد الذين خاطروا في البحر<br />

بحياتهم وقاوموا شظف العيش ومرارة<br />

احلياة ووجهوا قسوة الصحراء بثبات<br />

وعزمية وإميان،‏ ويكشف عن هذا التراث<br />

فيقول:‏<br />

دعوت قومي إلى املغنى وبهجته<br />

ليشهدوا موكب الصيد األعزاء<br />

لحن من الغيب هز الثائرين إلى<br />

مفاتن العز زخار بأصداء<br />

ومن أهم املالمح الوطنية ما كتبه عن<br />

‏»الكويت«‏ وطنه الذي متزق في الغربة من<br />

69<br />

العدد 559 فبراير 2017


أجله واألغراض الوطنية مزجها الشاعر<br />

مبدح حكام الكويت وتأكيد مدى والء<br />

الشعب لهم وعمق انتمائهم:‏<br />

وطني أحميك ال نخشى الروح<br />

بدمائي وبروحي وجهودي<br />

كلنا نزحف للموت لكي<br />

نسبق األجيال للعيش الرغيد<br />

الكويت الحر ال يرضى سوى<br />

شيخه املغوار ذي الرأي السديد<br />

فلتعش يا وطني حرا على<br />

االجتاه القومي<br />

رغم أنف الخاسر الوغد العنود<br />

لقد سافر الشاعر إلى بالد كثيرة<br />

واعتصرته احملن القاسية واحلروب التي<br />

نشبت على أرض أندونيسيا فانفجرت في<br />

أعماقه روافد شعر قومي يحث العرب على<br />

احلرب والدفاع عن أرضهم.‏<br />

وكتب عن األزمات التي واجهت الشعوب<br />

وكفاحها ضد االستعمار في مصر واجلزائر<br />

وسوريا وتأثر باملد القومي في فترة الستينات<br />

مبصر خالل حكم عبدالناصر فيراه رمزًا لقائد<br />

عربي يحرر البالد وزعيمًا قوميًا يوحد العرب.‏<br />

ولعل ديوانه ‏»أحلان الثوره«‏ يتميز<br />

بتلك القصائد الثورية التي شكلت االجتاه<br />

القومي في شعره:‏<br />

في الشرق والغرب للسارين همهمة<br />

تنم عن عزة في الروح شماء<br />

راع األباة جنوح الغاضبني إلى<br />

كبت النفوس وتشريد األلباء<br />

فخاصموا الجود إيمانًا بحقهم<br />

ولم يناموا على ضيم وإغضاء<br />

وزلزلوا كل طاغوت بوثبتهم<br />

وروعوا أكبد الزرق األلداء<br />

ومن أعماله الشعرية<br />

ديوان املوازين،‏ رحيق األرواح،‏ هاتف من<br />

الصحراء،‏ األشواق،‏ املنابر واألقالم وأحلان<br />

الثورة،‏ املالحم.‏<br />

وقد كتب عن الشاعر مجموعة كبيرة<br />

من األدباء والنقاد وطبعت كتب عن الثقافة<br />

والشعر في الكويت كان الشاعر األيوبي من<br />

روادها.‏ وأذكر أن الدكتور محمد عبداملنعم<br />

خفاجي كتب عنه يقول:‏ إن محمود شوقي<br />

األيوبي يتميز بأنه خصب اخليال،‏ دقيق<br />

الشعور،‏ عميق التجربة،‏ متجدد اإلحساس<br />

الفني املتصل بينابيع اإللهام الشعري اخلالد،‏<br />

يكره التنقيح وتكلف التجويد الفني،‏ ويضع<br />

الشعر ارجتاالً‏ أو ما يشبه االرجتال،‏ عازفًا<br />

عن الصنعة،‏ كارهًا للتعجل واإلغراب«.‏<br />

وقد ساهم الشاعر الراحل عبدالله<br />

زكريا األنصاري في نشر بعض دواوين خاله<br />

محمود شوقي األيوبي بعد وفاته مما ساهم<br />

في التعرف على حياة الشاعر وشعره.‏<br />

70 العدد 559 فبراير 2017


شعر<br />

بريشة نورة العبدالهادي


د.خليفة الوقيان<br />

‏•د.‏ خليفة عبدالله فارس الوقيان.‏<br />

‏•امليالد:‏ - 1941/10/10 الكويت.‏<br />

‏•شاعر وباحث.‏<br />

د.‏ خليفة الوقيان<br />

‏•حاصل على شهادة دكتوراه في اللغة العربية وآدابها<br />

مبرتبة الشرف األولى - جامعة عني شمس ‎1980‎م.‏<br />

‏•شغل منصب األمني العام املساعد للمجلس الوطني<br />

للثقافة والفنون واآلداب سابقاً.‏<br />

‏•أمني عام رابطة األدباء الكويتيني سابقاً‏ خالل السنوات<br />

1988 ‏-‏‎1990‎م.‏<br />

‏•نائب املشرف العام لسلسلة كتب عالم املعرفة.‏<br />

‏•عضو هيئة حترير مجلة الثقافة العاملية - الصادرة عن<br />

املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب.‏<br />

‏•سكرتير حترير مجلة البيان - الصادرة عن رابطة<br />

األدباء في الكويت سابقاً.‏<br />

‏•عضو هيئة حترير مجلة الكاتب العربي-‏ الصادرة عن<br />

االحتاد العام للكتاب والعرب.‏<br />

‏•عضو مجلس إدارة مركز الدراسات والبحوث الكويتية.‏<br />

‏•عضو في عدد من املؤسسات الثقافية.‏<br />

‏•عضو اللجنة التحضيرية للموسوعة العربية - جامعة<br />

الدول العربية.‏<br />

72 العدد 559 فبراير 2017


‏•عضو في عدد من جلان اخلطة الشاملة<br />

للثقافة العربية – جامعة الدول العربية.‏<br />

‏•عضو في اللجان التحضيرية للخطة<br />

الثقافية لدول مجلس التعاون.‏<br />

‏•األمني العام املساعد للمؤمتر الشعبي<br />

الكويتي-‏ جدة ‎1990‎م.‏<br />

‏•أسهم في تأسيس املجلس الوطني للثقافة<br />

والفنون واآلداب.‏<br />

‏•ترجمت ناذج من شعره إلى اللغات اإلجنليزية<br />

والفرنسية والروسية واأللبانية.‏<br />

‏•حصل على جائزة الدولة التقديرية عام ‎2004‎م.‏<br />

‏•حصل كتابه ‏»الثقافة في الكويت بواكير -<br />

واجتاهات - ريادات«‏ على جائزة معرض<br />

الكتاب ‎2007‎م املقدمة من مؤسسة الكويت<br />

للتقدم العلمي ألحسن كتاب مؤلف عن الكويت.‏<br />

‏•تكرمي من مهرجان الشعر في مسقط -<br />

عام‎2010‎م.‏<br />

‏•حصل على جائزة فلورنسا أوروبا - عام ‎2011‎م.‏<br />

‏•حصل على جائزة مهرجان الشارقة للشعر<br />

العربي - عام ‎2012‎م.‏<br />

‏•كرم من قبل رابطة األدباء الكويتيني<br />

في احتفالية ‏)الوقيان في سماء الثقافة<br />

الكويتية(‏ بتاريخ ‎2013-9-25‎م.‏<br />

‏•فاز بجائزة القدس من االحتاد العام<br />

للكتاب واألدباء العرب،‏ وسيتم تكرميه في<br />

الرابع من شهر فبراير اجلاري.‏<br />

األعمال األدبية:‏<br />

‏•املبحرون مع الرياح – مجموعة شعرية<br />

ط‎1‎‏-‏ دار ذات السالسل للنشر والتوزيع<br />

– الكويت ‎1974‎م.‏ - ط‎2‎ شركة الربيعان<br />

للنشر والتوزيع – الكويت ‎1980‎م.‏<br />

‏•القضية العربية في الشعر الكويتي،‏ املكتبة<br />

العصرية-‏ الكويت ‎1977‎م.‏<br />

‏•حتوالت األزمنة-‏ مجموعة شعرية - مكتبة<br />

دار العروبة للنشر والتوزيع - الكويت<br />

‎1983‎م.‏<br />

‏•شعر البحتري - دراسة فنية - املؤسسة العربية<br />

للدراسات والنشر – بيروت ‎1985‎م.‏<br />

‏•اخلروج من الدائرة - مجموعة شعرية<br />

- توزيع شركة الربيعان للنشر والتوزيع،‏<br />

الكويت ‎1989‎م.‏<br />

‏•حصاد الريح - ديوان شعر - مطبعة<br />

مقهوي - الكويت ‎1995‎م.‏<br />

‏•ديوان ‏»أوشال«‏ شعر أحمد مشاري العدواني،‏<br />

جمع وقراءة واختيار باالشتراك مع د.‏ سالم<br />

خداده - املجلس الوطني للثقافة والفنون<br />

واآلداب – صدر عام ‎1996‎م.‏<br />

‏•ديوان خليفة الوقيان مختارات،‏ دار<br />

اآلداب-‏ بيروت ‎1996‎م.‏<br />

‏•الثقافة في الكويت – بواكير واجتاهات –<br />

الطبعة األولى ‎2006‎م،‏ الطبعة السادسة ‎2014‎م.‏<br />

‏•إبحار مع القلم:‏ مختارات من كتابات<br />

صحافية – الكويت عام ‎2013‎م.‏<br />

‏•ديوان صور و سوائح – شعر أحمد مشاري<br />

العدواني،‏ اعتنى بنشره باالشتراك مع د.سالم<br />

عباس خداده – مركز البحوث والدراسات<br />

الكويتية – الكويت عام ‎2007‎م.‏<br />

73<br />

العدد 559 فبراير 2017


شعر<br />

التوأمان<br />

)*(<br />

د.‏ خليفة الوقيان<br />

بيروت<br />

واختنقت بعيني دمعتان<br />

تلهبت في الصدر مني جمرتان<br />

ماذا أرى<br />

رحل املكان<br />

ترملت في الشاطئ الفضي<br />

أسراب النوارس<br />

ضيع الدوري أعشاش الصغار<br />

مضى حمام الحي يخبط في الظام<br />

IIII<br />

وحبيبة في الرملة البيضاء<br />

تسأل العراف<br />

تكتب فوق خد الرمل سطرًا<br />

ثانيًا...‏<br />

يمحو لسان املوج ما كتبت<br />

تعود<br />

يعود<br />

ترسل دمعة حرى<br />

تغيبها الرمال<br />

IIII<br />

)*( شاعر كويتي.‏<br />

بيروت<br />

سوسنة الحواضر<br />

نفحة الزمن املعطر بالحنان<br />

صنني فارق جبة الشيخ<br />

املعمم بالوقار<br />

تمزقت حلل الصنوبر<br />

غادر العنقود حقل الكرم<br />

74 العدد 559 فبراير 2017


هد التيه ظهر األرز<br />

وانسفحت على األرض الدنان<br />

IIII<br />

لبنان<br />

نحن التوأمان<br />

املانحان الحب<br />

حني تضن بالحب اليدان<br />

من سيف كاظمة<br />

ومن دارين<br />

من صور ومن صيدا أتينا<br />

نقهر املوج املعربد<br />

تستحيل الريح في يدنا شراعً‏ ا<br />

دفة للحلم<br />

ننظم لؤلؤ البحرين عقدًا<br />

فوق نحر العصر<br />

نغرس من شذا األسفار<br />

ألف منارة<br />

تهدي إلى الركب األمان<br />

IIII<br />

لبنان<br />

نحن التوأمان<br />

الغارسان الحرف قنديا<br />

على شفة الزمان<br />

الحاصدان حرائق األيام<br />

حقل الشوك<br />

عربدة القيان<br />

75<br />

العدد 559 فبراير 2017


شعر<br />

بناة املجد<br />

)*(<br />

د.‏ إبراهيم بن عبدالكرمي السنيدي<br />

تباهي به الدنيا و تحيا املجامع<br />

و من تزدهي األنحا به و املواضع<br />

يتوِ‏ جهذا الدهر بالعز ‏ِقائما<br />

لقولِ‏ ‏)صباح األحمد(‏ املجدُ‏ طائع<br />

ومَن شع هذا الفجرُ‏ بالنور ‏ِكاسمِ‏ ‏ه ِ<br />

صباحاً‏ يوازي قدرَهُ‏ أو يُدَافع<br />

أميرعلى ممشاهُ‏ قامتْ‏ ملاحم<br />

و دربُ‏ اإلبا يشتاقه و املواقع<br />

فمن بعد ست بعد ألفيني أشرقت<br />

بشائرُه فينا و جلت بدائع<br />

أال مرحباً‏ يا فجرأضحى متوجاً‏<br />

‏)صباحٌ‏ ) و من كفيه قامت شرائع<br />

أميراً‏ على ‏)أرض الكويت ) مملكاً‏<br />

و في صدره بالحق قد قام صادع<br />

أال يا ربيع الدهر هذي قلوبنا<br />

)*( شاعر سعودي.‏<br />

تحييكَ‏ ، و اإليمان للروح دافع<br />

76 العدد 559 فبراير 2017


فإنَك فينا سلسبيلٌ‏ معينه<br />

و أبصارنا تُجلى به و املسامع<br />

تباهي به الدنيا و تحيا املجامع<br />

و من تزدهي األنحا به و املواضع<br />

يتوِ‏ جهذا الدهر بالعز ‏ِقائما<br />

لقولِ‏ ‏)صباح األحمد(‏ املجدُ‏ طائع<br />

ومَن شع هذا الفجرُ‏ بالنور ‏ِكاسمِ‏ ‏ه ِ<br />

صباحاً‏ يوازي قدرَهُ‏ أو يُدَافع<br />

أميرعلى ممشاهُ‏ قامتْ‏ ملاحم<br />

و دربُ‏ اإلبا يشتاقه و املواقع<br />

فمن بعد ست بعد ألفيني أشرقت<br />

بشائرُه فينا و جلت بدائع<br />

أال مرحباً‏ يا فجرأضحى متوجاً‏<br />

‏)صباحٌ‏ ) و من كفيه قامت شرائع<br />

أميراً‏ على ‏)أرض الكويت ) مملكاً‏<br />

و في صدره بالحق قد قام صادع<br />

أال يا ربيع الدهر هذي قلوبنا<br />

تحييكَ‏ ، و اإليمان للروح دافع<br />

فإنَك فينا سلسبيلٌ‏ معينه<br />

و أبصارنا تُجلى به و املسامع<br />

سموُ‏ ك يحوينا و أنت تشدنا<br />

و نهجك ‏)باسم هلل(‏ للألمر جامع<br />

جمعتَ‏ بنهج العدل شعبا قلوبهم<br />

إليكم تداعت ترتجي و تبايع<br />

77<br />

العدد 559 فبراير 2017


و آخيت بالقول السديد فما بدا<br />

لعهدك إال مفتدٍ‏ أو مدافع<br />

جمعتهم تحت اللواء أُخوة<br />

فما جاء من يزري بها أو ينازع<br />

فكانوا الهداةَ‏ الغرَ‏ كلٌ‏ بقلبه<br />

يقيني و أمرفي ربا العز جامع<br />

فإنك ميزان البلاد و نورها<br />

و أنت لنهر املكرمات املنابع<br />

و كنت لحكام الخليج ‏)بمجلس ال<br />

تعاون ) سهماال يدانيه قاطع<br />

دعوت إلى اإلصلاح حتى تآلفت<br />

قلوب و خابت عند ذاك النوازع<br />

و إن العلا مذ كنت قد كان سيدا<br />

و يهتز غصن من سموكيانع<br />

و مذ كنت كان الصولجان و أينعت<br />

كروم البها و الصيت في العز ذائع<br />

ألنتم بناة املجد و الطيب و الوفا<br />

بكم تهتدي الدنيا و تزهو املطالع<br />

يروح و يغدو ذكركم لكأنما<br />

تُسد بكم للمكرمات الذرائع<br />

ألنكم في الجود أقصى عيونه<br />

بكم هلت األندا و طابت منابع<br />

و إنكم في سابق العهد فوحُ‏ ‏ه<br />

جبال هدى ال تعتريها الزوابع<br />

78 العدد 559 فبراير 2017


بكل بلاد منكم ألف قُبلة<br />

تهلل باألفيا و تدوي الجوامعُ‏<br />

فأي بلاد ما ملكتم قلوبها ؟!‏<br />

و أي مكان ما احتوتكم مزارع<br />

و ما كان للأليام في غيركم ندى<br />

و لوال نداكم فهي محل بلاقع<br />

و لوال محياكم به الصبح باسم<br />

ألمسى و ما في الكون للفجر طابع<br />

و كم في قلوب الناس من جاء أو مضى<br />

صنيع لكم،‏ جلت بذاك الصنائع<br />

فأنتم بهاء من بهاء و من سنا<br />

و بيني يديكم ها هو الدهر راكع<br />

و هذا ‏)السنيديْ‏ ) أُلزمت نفسُ‏ ‏ه على<br />

قوافٍ‏ لها حسنا تصيخ املسامعُ‏<br />

و من بحر أبكار املعاني نظمتُكم<br />

فرائدفيها الحسن و الطيب خاشعُ‏<br />

سأشري بهذا الكون طراً‏ ودادكم<br />

و إني ملن أضحى سواكم لبائع<br />

فأنتم لنا مستودعالعزُ‏ و السنا<br />

فأنعم بكم مجدا و نعمَ‏ الودائعُ‏<br />

ففيكم مدى األيام للدهر عصمة<br />

و تاريخكم من فيض معناه ناصعُ‏<br />

يباركُ‏ ربُ‏ العرش مسعاكم هدى<br />

و يشملكم فضل من اهلل واسع<br />

XXXX<br />

79<br />

العدد 559 فبراير 2017


شعر<br />

كويت العطاء<br />

)*(<br />

هاشم عبدالغني الفرا<br />

تلألأل عيد الكويت ضياء<br />

وجدد نبض القلوب عطاء<br />

وعانق ثوب الربيع صباحا<br />

يقبل هامة شيخ وفاء<br />

وتصعد كل املسامع سورا<br />

يرتل لحن الوجود والء<br />

وتزحف كل املواكب فجرا<br />

تعظم يوما مجيدا جلاء<br />

هنا للكويت رجال شداد<br />

نموت وتحيى الكويت إباء<br />

وتبقى الحرائر فوق الشموس<br />

تشاطر كل الكواكب ماء<br />

فلا ضيم يسري بليل مريب<br />

وهذا الحكيم يقود اللواء<br />

ويسبغ عند الخطوب سراعا<br />

يشاطر كل الجراح رداء<br />

شديد الصلابة للحق سيف<br />

إذا ما استغاث الضعيف نداء<br />

)*( شاعر سوري.‏<br />

80 العدد 559 فبراير 2017


تجذر في األرض عهد صبوح<br />

تعاظم رشدا وأبلى بلاء<br />

وعلم كل العوالم أنّا<br />

نجود النفائس حبا رضاء<br />

وأزهر طلع الحياة ربيعا<br />

وأشرق وجهك سلوى حياء<br />

ويوم غزانا الجوار بليل<br />

تقاسم كل الرجال فداء<br />

وهذي الشهيدة أسرار قلب<br />

تفيض القلوب لعرض دماء<br />

فلبت نداء الكويت بعزم<br />

وعزم الرجال أجاب النداء<br />

وعاضد فهد الكويت أسيرا<br />

تجرع ظلما وأُشبع داء<br />

وجدد عزم الصلابة صبر<br />

وأظلم ليل العداء عداء<br />

فهبت صقور البوادي تباعا<br />

تلقن رأس البلاء هباء<br />

فما كان إال رحيل الغزاة<br />

ليشرق عيد يضيء السماء<br />

وتنطق أرض السلام ورودا<br />

تجدد طيب الحياة صفاء<br />

وتمسح عن كل من بات قهرا<br />

وتشفى النطيحة فيها شفاء<br />

سنحمل كل املشاعل عمرا<br />

تقاطر وجه السماء سماء<br />

ونرفع عز الكويت فخارا<br />

يرفرف فوق الحصون لواء<br />

81<br />

العدد 559 فبراير 2017


لتبقى الكويت ديار صباح<br />

يقود الحنايا ويغني العطاء<br />

وينطق في األرض زاد الكويت<br />

وزاد الحسان أطال الدعاء<br />

تطول النخيل لعيد شموخا<br />

وتسقط فوق العيون هناء<br />

وأن الكويت منارة بحر<br />

تعاظم موج البحار عناء<br />

فكم من عواصف أدمت بلادا<br />

وعاند فيها الشقاء شقاء<br />

وأن القلائد تعني سلاما<br />

إذا ما أهل الحكيم صفاء<br />

وجدد في األرض نور الوصال<br />

يبدد كل الظلام فناء<br />

هنالك تزكو الحياة فخارا<br />

ويسطع عيد الكويت ضياء<br />

IIII<br />

سأبقى أجود القصائد حبا<br />

وأنشد وجه الكويت لقاء<br />

XXXX<br />

82 العدد 559 فبراير 2017


شعر<br />

عيناك<br />

)*(<br />

محمد خلف احلجي<br />

عيناك مملكة ما نالها ملك<br />

وجيش رمشك بالعشاق قد فتكوا<br />

طغى الجمال من األجفان مسرفة<br />

فكل قلب لدى عينيك منتهك<br />

وعاضد الثغر سحر العيني واجتمعا<br />

فكلكم في دماء الخلق مشترك<br />

تساقطت بتلات الورد من حسد<br />

والريم من هذه األحداق مرتبك<br />

أذهلت لب الورى عن كل نازلة<br />

قبالهم في ربوع الحسن منهمك<br />

أرخت على عينها أستار غرتها<br />

كي ال يعم الفناء الناس والهلك<br />

ال تقدر البشر الطرفيني قاطبة<br />

فالناس من سحر طرف واحد فتكوا<br />

واجتاح شعرك قلب الصب تتبعه<br />

مدى الفضاء جديل ملؤه الحبك<br />

)*( شاعر كويتي<br />

83<br />

العدد 559 فبراير 2017


فبددت ملعات العيني ظلمتها<br />

كما تدك شياطني السما النزك<br />

وجددت في تمام البدر بسمتها<br />

وأرجع الشمس في إشراقها الضحك<br />

وضيعت كل نجمات مجرتها<br />

وضيعت سيرها من حسنك الفلك<br />

وبثت الروح فرحً‏ ‏ا بعد مزهقها<br />

فالسعد في لحظك الفتاك مشتبك<br />

لقد بلغت من اإلعجاز منزلة<br />

ماليس يبلغها إنس وال ملك<br />

XXXX<br />

84 العدد 559 فبراير 2017


قصة<br />

بريشة منال آل هيد


قصة<br />

مسابقة القصة القصيرة لواحة األدب في الكويت<br />

برعاية رابطة األدباء الكويتيين<br />

‏)دورة ‏سبتمرب 2016(<br />

تقيم مجموعة واحة األدب في الكويت مسابقة للقصة القصيرة،‏ برعاية رابطة األدباء<br />

الكويتيني،‏ وتشرف على املسابقة األستاذة شمسة العنزي مؤسّ‏ سة واحة األدب في الكويت،‏<br />

وحكّم دورة هذه املسابقة كل من األدباء:‏<br />

د.‏ حسن كاكي ‏)العراق(‏ د.‏ مصطفى الضبع ‏)مصر(‏ أ.‏ سناء وادي الرمحي ‏)األردن(‏<br />

أ.جنوى غنيم ‏)السعودية(‏ أ.‏ ربيحاوي مخلوف ‏)اجلزائر(‏ أ.‏ صفية يوسف ‏)اليمن(‏ د.محمد<br />

جيب ‏)مصر(‏ أ.‏ أبو إسماعيل أعبو ‏)املغرب(‏ أ.‏ عبدالرؤوف عدوان ‏)سوريا(‏ أ.‏ علي أحمد<br />

عبده قاسم ‏)اليمن(‏ أ.‏ واثق اجللبي ‏)العراق(‏ أ.‏ أحمد جبار ‏)العراق(‏ أ.‏ عادل مؤنس<br />

‏)مصر(‏ أ.‏ باسم عطوان ‏)فلسطني(‏ أ.‏ أحمد نصار ‏)فلسطني(‏ أ.‏ لقمان محمد ‏)السعودية(‏<br />

أ.‏ حنني الكرمي ‏)فلسطني(‏ أ.‏ صباح رحيمة ‏)العراق(‏ أ.‏ مصطفى اخلطيب ‏)الكويت(‏<br />

أ.‏ وسام كوكب ‏)العراق(‏ أ.‏ علي العكشي ‏)ليبيا(‏ أ.‏ سامي الغشم ‏)اليمن(‏ أ.‏ سمر عيد<br />

‏)سوريا(‏ أ.‏ عبد الكرمي بالوش ‏)سوريا(‏ أ.‏ فاضل قباني ‏)مصر(‏ أ.‏ محمد السيد الزغبي<br />

‏)مصر(‏ أ.‏ حورية داودي ‏)اجلزائر(‏ أ.‏ مروه محمود ‏)مصر(‏ أ.‏ بسمه العوني ‏)سوريا(.‏<br />

وجاء ترتيب القصص الفائزة باملراكز الثالثة األولى كاآلتي:‏<br />

‏•املركز األول:‏ محمد فطومي من تونس - اسم القصة:‏ املجد الثّاني.‏<br />

‏•املركز الثاني:‏ الصديق ابريك سليمان بودوارة من ليبيا - اسم القصة:‏ ثورة بائع الريح.‏<br />

‏•املركز الثالث:‏ محمد أحمد نبيل عبدالفتاح جاد الله من مصر - اسم القصة:‏ رمزي.‏<br />

86 العدد 559 فبراير 2017


قصة<br />

المركز األول<br />

املجد الثاني<br />

> بقلم:‏ محمد فطومي )*(<br />

أوّل ابتسامة عرفتها البشريّة كانت<br />

من نصيب صبيّ‏ أشقر على علبة معجون<br />

أسنان.‏ عقب ظهور املنتج توالت احملاوالت<br />

من هنا وهناك لتقليد االبتسامة لكنّها<br />

لم تكن إال نسخا مزوّرة تعوزها احلرارة<br />

والرّوح املُفعمة باجلرأة التي ال متنحها<br />

الطّ‏ بيعة مرّتني.‏<br />

بفضل حوزها شرف إطالق االبتسامة<br />

األولى حقّقت الشّ‏ ركة أرباحا طائلة مكّنتها<br />

في غضون أشهر من سحق منافسيها.‏<br />

وصار الصبيّ‏ األشقر الفتى األكثر شهرة<br />

على وجه األرض.‏ وسُ‏ مّي طفل العالم،‏<br />

وانفردت إحدى الصّ‏ حف العنصريّة بوسمه<br />

)*( قاص تونسي.‏<br />

الطّ‏ فل األبيض فباعت ماليني النّسخ.‏<br />

أُحلقت االبتسامة باملعاهدات الكبرى<br />

وأُدرجت رسميّا ضمن لوائح اليونسكو<br />

على أنّها إرث عامليّ‏ . مأخوذا بنشوة<br />

اجلمهور الالّنهائيّ‏ ، حتدّ‏ ث إلى اجلرائد<br />

وفي التّلفازات عن ابتسامته وكيف أنّها<br />

شغلت العالم،‏ وعيّنت له الدّولة حرّاسا<br />

شخصيّني حلمايته ووضعت حتت تصرّفه<br />

جميع موظّ‏ فيها وفريقا من احملامني ومدير<br />

أعمال يكره تبذير الوقت،‏ لكنّه سرعان<br />

ما استغنى عنهم واختار عوضا عن ذلك<br />

إتاحة الفرصة للمعطّ‏ لني من عائلته<br />

املُوسّ‏ عة.‏ وأوكل إلى صديقته مهمّة فرز<br />

البريد؛ رسائل املُعجبني حتُ‏ رق فيما يُنظر<br />

برويّة في الصّ‏ فقات املُغرية.‏ بارك املجتمع<br />

87<br />

العدد 559 فبراير 2017


الدّوليّ‏ اختياره وافتخرت به عائلته كثيرا<br />

وراحوا يتحدّثون عنه إلى وسائل اإلعالم<br />

حيثما حلّوا قائلني:‏ ‏»نحن فخورون بأنّ‏<br />

الله اخلالق قد اختار ابننا بالذات ليلقي<br />

بابتسامة العالم على محيّاه دون غيره...«‏<br />

وقال والده:‏ ‏»لقد أنقذ ابني البشريّة من<br />

الكآبة في دقائقها األخيرة«.‏<br />

بخطى واثقة حتوّل طفل العالم إلى<br />

جنم يضيء بحنوّ‏ سماء النّاس،‏ فهو الذي<br />

يطلع عليك عبر الفتات موزّعة على امتداد<br />

الطّ‏ ريق راجيا لك سفرة طيّبة،‏ وهو الذي<br />

يطلّ‏ عليك من خالل البنايات العمالقة<br />

ليذكّرك بفضيلة احلِ‏ لم حني تكون أعصابك<br />

على أشدّها وقت الذّروة،‏ وهو الذي يشحنك<br />

باألمل واحلماس وأنت تستقبل يوما جديدا،‏<br />

وهو الذي يربّت على وجدانك بابتسامته<br />

العذبة قبل النّوم متمنّيا لك ليلة سعيدة.‏<br />

وهو الذي يقول لك ‏»صحّ‏ ة وعافية«‏ حني<br />

تفرغ من األكل.‏ من أجل ذلك كلّه خُ‏ صّ‏ ص<br />

له راتب يُقدّر بعشرين ألف دوالر شهريّا،‏<br />

يُصرف له مدى احلياة.‏ فشكرهم وألقى<br />

كلمة حتدّث فيها عن ابتسامته وكيف أنّ‏<br />

األمر لم يكن بسيطا كما تتخيّله فئة كبيرة<br />

من عقالء الدّنيا،‏ وابتسمها لهم ممتنّا.‏<br />

قدّم عروضا وألقى محاضرات في زوايا<br />

األرض األربع ليحدّث النّاس عن ابتسامته<br />

التي ابتسمها ذات يوم وعن كفاحه املضني<br />

من أجل التّذكير بها حتّى ال يطالها التّلف،‏<br />

وقال إنّه وحّ‏ د العالم بابتسامته السّ‏ احرة<br />

التي ابتسمها يوما عندما كان صبيّا.‏<br />

كثيرون اتّخذوا من االبتسامة موضوعا<br />

ألطروحاتهم وألّف آخرون كتبا لشرحها<br />

على نحو غير مسطّ‏ ح مُستعملني عبارات<br />

عسيرة على الهضم جتعل املتلقّني يقرّون<br />

بأنّهم استحقّوا مواقعهم كمجرّد قرّاء<br />

عاديّني.‏<br />

وفي حادثة معزولة اضطر طفل<br />

العالم إلى أن ميثل أمام القضاء بعدما<br />

رفعت ضدّه شركة معجون األسنان قضيّة<br />

تطالبه فيها بنصيب من عائدات اإلعالنات<br />

والعروض وأشرطة السّ‏ ينما وكلّ‏ ما قد<br />

تدرّه عليه االبتسامة من مال.‏ وبدل أن<br />

يؤدّي القسم ابتسم االبتسامة األولى<br />

للقاضي فكسب املعركة وغُرّمت الشّ‏ ركة<br />

لفائدته.‏ ولقد محق خصومه في معركة<br />

أخرى شنّها عليه حاسدون شكّكوا في<br />

ابتسامته وقالوا إنّ‏ العيوب تساورها وأنّ‏<br />

88 العدد 559 فبراير 2017


مالمح النّائم هي أصدق تعبير إنسانيّ‏<br />

على اإلطالق.‏ أدرك العالم إثر تلك الضجّ‏ ة<br />

أنّ‏ لديه أعداء كثيرين،‏ فمكّنوه من حصانة<br />

كالتي متُ‏ نح للقادة السامني.‏ ونصّ‏ بته بالده<br />

سفيرا للنّوايا احلسنة وناطقا باسمها في<br />

مؤمترات احملبّة والسّ‏ الم،‏ وأدّى دوره على<br />

أمتّ‏ صورة وحتدّث عن ابتسامته وكيف أنّها<br />

غسلت البشريّة من شرورها وأعلن ألوّل<br />

مرّة أنّ‏ ابتسامته كانت أكثر عبقرية من نور<br />

الشّ‏ مس املنعكس على ليمونة،‏ وابتسمها<br />

لهم.‏ رُخّ‏ ص له أيضا في ارتكاب خمس<br />

جرائم وطنيّة وجرميتني خارج أرض الوطن،‏<br />

فتجاوز السّ‏ قف لكنّه ابتسم للقاضي فعفا<br />

عنه ومحا له فائض اجلرائم ووهبه واحدة<br />

إضافيّة على أن تُرتكب بعد موته.‏<br />

في اجلنازة أبّن طفل العالم والده بنصّ‏<br />

مؤثّر حتدّث فيه عن ابتسامته وكيف أنّ‏<br />

املرحوم أحبّها كثيرا وراهن عليها.‏ حضرت<br />

شخصيّات عامليّة لتُؤدّي واجب العزاء،‏<br />

فقام معهم بواجب الضّ‏ يافة ورغم حزنه<br />

ابتسمها لهم من باب العرفان باجلميل.‏<br />

بعد أسابيع أقام حفلة مبناسبة تخرّج ابنه<br />

من الكلّيّة احلربيّة،‏ ألقى في مُستهلّها كلمة<br />

حدّث فيها املدعوّين عن االبتسامة األولى<br />

التي ابتسمها يوما،‏ وقال إنّها معجزة لن<br />

تتكرّر.‏ وابتسمها لهم ثالث مرّات إجالال<br />

لهم على قدومهم.‏ وملّا لم يعد يقوى على<br />

املشي إالّ‏ برفقة أحدهم أصبح يصاحبه<br />

ابنه إلى الندوات واجلامعات وإلى مواعيده<br />

التّلفازيّة.‏ ثمّ‏ في آخر أيّامه صار ال<br />

يُستضاف إالّ‏ في األخبار املسائيّة،‏ هناك<br />

وبنبرة مرتعشة توجّ‏ ه بكلمة إلى شرفاء<br />

العالم حتدّث فيها عن ابتسامته السّ‏ احرة<br />

التي ابتسمها عندما كان صبيّا في العاشرة<br />

وناشد الضّ‏ مائر احليّة أن تساعد ابنه<br />

على مواصلة املسيرة التي بدأها وأخبرهم<br />

بضرورة انتقال االبتسامة إلى ابنه كي ال<br />

يضيع إرث إنسانيّ‏ بهذه احلساسيّة.‏<br />

مات طفلُ‏ العالم فأٌقيمت له جنازة<br />

مهيبة رُفعت فيها الفتات حتمل صورا<br />

له وهو يبتسم.‏ خالل التّأبني قال االبن<br />

بصفته الوريث الشّ‏ رعيّ‏ لوالده إنّه طفل<br />

العالم اجلديد وحدّث النّاس آلخر مرّة<br />

عن ابتسامة أبيه األولى التي ابتسمها يوما<br />

عندما كان صبيّا في العاشرة وابتسم لهم<br />

واحدة تشبه ابتسامة أبيه فأعجبتهم كثيرا<br />

89<br />

العدد 559 فبراير 2017


وصفّقوا له بتأثّر شديد وطفرت الدّموع من الوحيدة املُتبقّية في رصيده وكان بني احلني<br />

عيون بعضهم.‏ وابتسم والده لألموات حتت واآلخر يحدّثهم عن ابتسامته التي ابتسمها<br />

األرض االبتسامة املُتحلّلة األولى،‏ فخرجت<br />

يوما عندما كان صبيّا عمره عشر سنوات،‏<br />

ميّتة مكتظة بالدّود.‏ رغم ذلك سحرتهم<br />

وكان في كلّ‏ مرّة ينهي فيها كالمه يبتسمها<br />

وأنعشت عظامهم ففسحوا له حيّزا مريحا<br />

لهم مغمورا بالرّحابة والرّوعة التي تهبها<br />

ليحدّثهم عنها ففعل،‏ وابتسمها لهم ثانية<br />

نزوال عند رغبتهم،‏ ولم يشعر يوما طوال األماكن حيث العبقريّة تكون أقلّ‏ صرامة.‏<br />

إقامته بينهم أنّه في حاجة إلى اجلرمية<br />

XXXX<br />

90 العدد 559 فبراير 2017


قصة<br />

المركز الثاني<br />

ثورة بائع الريح<br />

)*(<br />

> بقلم:‏ الصديق ابريك سليمان بودوارة<br />

لم يكن عادياً‏ ذلك اليوم،‏ عندما توفى<br />

‏»مراجع بائع الريح«‏ وعندما اكتملت<br />

إجراءات جتهيزه للدفن رفض أن يذهب<br />

إلى املقبرة.‏<br />

ساد الهرج واملرج،‏ واجتمعت ‏»أم<br />

اجلراد«‏ بشيبها وشبابها في مليونية<br />

حاشدة لم يتجاوز عدد أفرادها الثالثمئة،‏<br />

هم كل رجال البلدة،‏ أما النساء فاكتفني<br />

مبراقبة احلدث من وراء شقوق نوافذ<br />

بيوتهن العتيقة.‏<br />

)*( قاص ليبي.‏<br />

- عليك أن ترضخ لسلطة األمر الواقع،‏<br />

يجب أن تذهب معنا إلى املقبرة يا بائع<br />

الريح.‏<br />

كان مختارنا املهيب يتحدث إلى املتوفى<br />

املشاغب،‏ ورذاذ فمه املبارك يتطاير ليقع<br />

برداً‏ وسالماً‏ على قماش الكفن األبيض<br />

الناصع،‏ لكن امليت كان يرى األمر من زاوية<br />

مختلفة:‏<br />

- عليكم اللعنة،‏ وأنت بالذات،‏ عليك<br />

ألف لعنة،‏ لم أعد من األحياء كي أخافك<br />

وأخشى سطوتك،‏ أنا اآلن ميت،‏ هل<br />

91<br />

العدد 559 فبراير 2017


سمعتني يا برميل القمامة الذي عشنا ألف<br />

سنة نسميه مختارنا املهيب؟<br />

كان صوت امليت واضحاً‏ جهورياً،‏ وكانت<br />

معانيه صادمة للجميع،‏ وفجأة ملعت عيون<br />

سكان البلدة بوميضٍ‏ لم يسبق لهم أن<br />

عاينوه من قبل،‏ واقتربوا أكثر من النعش<br />

وهم يستمعون باهتمام إلى اجلثة ‏»املندسة«‏<br />

حسب تعبير املختار:‏<br />

- نعم،‏ أنا أعني ما أقول،‏ ما الذي يجبرني<br />

على الذهاب إلى املقبرة ليدعو لي لص مثلك؟<br />

لن أقبل أن أركض على الصراط مصحوباً‏<br />

بصوتك البشع ومفرداتك امليتة،‏ كنت مجبراً‏<br />

على الطاعة عندما كنت من األحياء،‏ ولكن،‏ ملاذا<br />

استمر في اخلنوع لك وقد أصبحت جثةً‏ ال تقع<br />

حتت طائلة حكمك املقزز؟.‏<br />

لن أذهب إلى املقبرة،‏ أريد أن أتعفن في<br />

داري ويأكلني الدود،‏ هذه جثتي وأنا حر في<br />

ما أصنعه بها،‏ أريد أن أمارس حريتي للمرة<br />

األولى يا برميل القمامة.‏<br />

انصرف اجلميع مذهولني برهبة<br />

املعجزة،‏ لكن صباح اليوم التالي شهد حدثاً‏<br />

فريداً‏ من نوعه لم تشهده ‏»أم اجلراد«‏ منذ<br />

ماليني السنني،‏ لقد كانت ساحة البلدة<br />

تغص باجلثث في أكفانها البيض،‏ رجاالً‏<br />

ونساء،‏ وكان اجلميع يرفضون بإصرار أن<br />

يدفنهم املختار وأن يدعو لهم،‏ مطلقني<br />

ألسنتهم امليتة بأقذع أصناف السباب في<br />

وجه ‏»برميل القمامة«،‏ ذلك الذي كنا ندعوه<br />

سابقاً‏ مبختارنا املهيب.‏<br />

92 العدد 559 فبراير 2017


قصة<br />

المركز الثالث<br />

رمزي<br />

)*(<br />

بقلم:‏ محمد أحمد جاد الله<br />

بِهِ‏ مَّةٍ‏ قام بقصِّ‏ عددٍ‏ من اإلعالنات<br />

املهمة من الصحيفة اليومية كعادته.‏ جمع<br />

أوراقه قاصدًا املكتبة القريبة من منزله.‏<br />

قام بتصوير عدة نسخ من كل مستند.‏<br />

قسَّ‏ مَ‏ صور املستندات على عددٍ‏ من امللفات<br />

تساوي عدد اإلعالنات التي جمعها.‏<br />

ظل رمزي يفعل ذلك ما يقارب السنةِ‏ ،<br />

فبعد تخرجه من اجلامعة؛ يقصد كل يومٍ‏<br />

مجموعةً‏ جديدةً‏ من الشركات املُعلِنةِ‏ عن<br />

وظائفَ‏ خالية،‏ وفي طريق عودته يشتري<br />

عددًا من أكياس الشيبسي إلخوته الصغار؛<br />

حيث يتنافسون لتجميع أكبر عددٍ‏ من<br />

اجلوائز املُقدَّمة من الشركة املنتجة.‏ وفي<br />

ذلك اليوم،‏ فتح أحد األكياس لنفسه،‏ فإذا<br />

به يربح عشرة آالف جنيه؛ فأخذ يقفز<br />

فرحً‏ ا مع إخوته،‏ ووالداه ينظران إليه بحبٍ‏<br />

وسعادة.‏<br />

وفي وسط أجواء السعادة واملرح،‏ تقدم<br />

والده نحوه ببطءٍ‏ ، ثم وضع يده على كتفه<br />

من خلفه؛ فاستدار إليه.‏ نظر األب في<br />

عينيه نظرةً‏ عميقةً،‏ ثم قال له:‏ ‏»اِعلم يا<br />

بني أن الله دومًا يكافئ من يسعى،‏ وأنه<br />

أبدًا ال يُضيعُ‏ أجرَ‏ من أحسنَ‏ عمال«.‏ قبَّلَ‏<br />

)*( قاص مصري.‏<br />

93<br />

العدد 559 فبراير 2017


رأس والده،‏ ثم عاد ليستأنف أجواء املرح<br />

مع إخوته.‏<br />

قرّرَ‏ استثمار املبلغ؛ فأصبح يشتري<br />

به كل ما ميكن شراؤه من املنتجات التي<br />

تتضمن جوائز من الشيبسي واآليس<br />

كرمي واحللوى واللبان،‏ بل أنه قد أدمن<br />

تتبع العروض املقدمة من سالسل الهايبر<br />

ماركت.‏<br />

على مدار ستة أشهر،‏ كان وإخوته<br />

يحققون بعض املكاسب:‏ هنا ربع جنيه،‏<br />

وخمسني قرشً‏ ا هناك،‏ وتلك عبوة مجانية،‏<br />

وذاك كوبون خصم.‏ كانوا يأكلون ما<br />

يكسبونه،‏ بينما كان هو يزيد من إنفاقه<br />

لشراء املزيد من منتجات اجلوائز،‏ في<br />

انتظار تكرار ذلك الفوز الكبير،‏ أو حتقُّق<br />

أمنيته بجائزةٍ‏ كبرى يضمن بها مستقبله.‏<br />

وفي ذاك الصباح،‏ قام بهِ‏ مَّةٍ‏ عالية.‏ فتح<br />

درج مكتبه.‏ أخذ يعُدّ‏ ما تبقى من اجلائزة.‏<br />

اتخذ قراره وهو يُحدّثُ‏ نفسه:‏ ‏»هذه األلف<br />

وتسعمئة جنيه هي آخر ما تبقى لي من أملٍ‏<br />

في الفوز الذي لن أتنازل عنه«.‏<br />

استقلّ‏ سيارة أجرة ليذهب إلى تاجر<br />

اجلملة الشهير،‏ ثم راح مُحَ‏ مَّالً‏ مبا سمحت<br />

له نقوده بحمله من السلع ذات العروض<br />

الترويجية باجلوائز السخية.‏ وما أن رآه<br />

إخوته من الشُّ‏ رفة؛ حتى نزلوا مهرولني إليه<br />

يحملون عنه بسعادةٍ‏ وشغف.‏<br />

وقبل صعوده،‏ انتبه إلى طرف مظروفٍ‏<br />

يتدلى من أسفل صندوق البريد اخلاص<br />

بأسرته بجانب الدّرَج.‏ فتح الصندوق،‏ تناول<br />

املظروف الذي اكتسى بطبقةٍ‏ من الغبار.‏<br />

فوجئ بأنه من إحدى الشركات الكبرى<br />

التي سبق وأن تقدم بطلب وظيفةٍ‏ فيها،‏<br />

وأجرى بها مقابلةً‏ شخصيةً‏ منذ فترة.‏<br />

فتح املظروف والفضول ميأل كيانه،‏<br />

والترقب يقفز من عينيه اللتني لم يكد<br />

يصدقهما وهو يقرأ خطاب الشركة الذي<br />

يفيد بقبوله لشغل تلك الوظيفة،‏ ودعوته<br />

إلحضار أصول مستنداته الشخصية في<br />

أسرع وقت ممكن الستالم العمل.‏<br />

صَ‏ عَدَ‏ الدّرَجَ‏ طائرًا.‏ دخلَ‏ املنزلَ‏ مناديًا<br />

بأعلى صوته:‏ « أمي!‏ أبي!‏ لقد مت قبولي<br />

في واحدة من الشركات الكبرى التي كنت<br />

أحلم بالعمل بها«.‏ عانق والديه منهاالً‏ على<br />

أيديهما ورأسيهما بالقُبَل،‏ وهما يدعوان له<br />

بالتوفيق والسداد.‏<br />

94 العدد 559 فبراير 2017


في صباح اليوم التالي،‏ استيقظ مبكرًا.‏<br />

لبس أفضل ثيابه،‏ وتعطّ‏ ر.‏ أخذ ملف<br />

مستنداته املنسيّ‏ في درج مكتبه.‏ أخذ<br />

من والده مبلغًا يكفي لركوب ليموزين بدالً‏<br />

من املواصالت العامة؛ حتى يحافظ على<br />

هندامه وأناقته،‏ ورائحة العطر.‏<br />

وصلَ‏ مبنى الشركة متوجهًا إلى إدارة<br />

املوارد البشرية.‏ قدَّم لهم ملف مستنداته<br />

ومعه خطاب قبوله بالوظيفة.‏ ألقى املسؤولُ‏<br />

نظرةً‏ على اخلطاب،‏ ثم قال:‏ ‏»رمزي!‏ نعتذر<br />

بشدة عن عدم قبولك بالوظيفة؛ فقد مت<br />

تعيني آخر«.‏<br />

رمزي:‏ كيف هذا؟!‏ أنتم مَنْ‏ أبلغني<br />

بالقبول،‏ وبضرورة إحضار مستنداتي<br />

الستالم العمل!‏<br />

املسؤول:‏ صحيح،‏ ولكنك لم تنتبه إلى<br />

أن خطابنا لك كان منذ حوالي ستة أشهر.‏<br />

95<br />

العدد 559 فبراير 2017


محطات قلم<br />

د.الوقيان..‏ شاعر القدس<br />

للكويت حضور مميز في احلراك<br />

الثقافي العربي منذ القدم وتعد إضافة<br />

كبيرة في اخلريطة الثقافية حيث<br />

يتنوع هذا احلضور من إبداعات أدبية<br />

بأقالم كويتية في مختلف املجاالت<br />

والفنون كالقصة القصيرة و الرواية<br />

و الشعر و املسرح والبحث األدبي<br />

وخالفه،‏ ولعل فوز قصيدة الشاعر<br />

فهد العسكر مبسابقة إذاعة لندن عام<br />

‎1944‎م مثال واضح على عراقة اإلبداع<br />

الكويتي املتجدد،‏ لنجد أن األدباء منذ<br />

مطلع القرن العشرين سطروا الشعر<br />

والنثر في خدمة القضايا العربية<br />

وليعبروا عن وجدان هذا الشعب<br />

العربي األصيل وتالحمه مع إخوانه<br />

العرب من احمليط إلى اخلليج.‏<br />

وقد وثق أديبنا الكبير د.خليفة<br />

الوقيان هذا اجلانب املضيء في<br />

كتابه ‏)القضية العربية في الشعر<br />

الكويتي(‏ وتتبع قصائد الشعراء<br />

الكويتيني بدقته املعهودة وأسلوبه<br />

البحثي الرائع ليعطي للقارئ العربي<br />

صفحات عظيمة من تاريخ الشعر<br />

الكويتي،‏ وقد صدر له في شهر مايو<br />

كتاب ‏)فلسطني في الشعر الكويتي(‏<br />

الذي أشرفت عليه رابطة األدباء<br />

وطبع بالتعاون مع املجلس الوطني<br />

للثقافة والفنون واآلداب ضمن<br />

منشورات الكويت عاصمة للثقافة<br />

اإلسالمية لعام ‎2016‎م وكان إضافة<br />

قيمة للمكتبة العربية.‏<br />

وقد فاز بكل جدارة واعتزاز<br />

شاعرنا د.الوقيان بجائزة القدس<br />

لعام ‎2016‎م والتي تعتبر أرفع جائزة<br />

مينحها االحتاد العام لألدباء العرب<br />

سنويا،‏ وجاء هذا الفوز نظراً‏ ملجمل<br />

أعماله األدبية لدعم ومناصرة القضية<br />

الفلسطينية،‏ وكلفني شخصيا لتمثيله<br />

في استالم جائزته في املؤمتر الذي<br />

سيعقد هذه األيام في اجلزائر.‏<br />

إن التعرف على قامات األدب<br />

الكويتي عن كثب يعطي املتلقي شعوراً‏<br />

عظيماً‏ ودافعاً‏ كبيرا للبذل والعطاء،‏<br />

فالقدوة احلسنة في املجتمعات أمر<br />

مهم ووجوبي لبناء أجيال واعية قادرة<br />

على مواجهة األفكار الهدامة،‏ ولي مع<br />

هذه القامة الثقافية معرفة أعتز بها<br />

منذ عام ‎2001‎م حيث أهديته كتابي<br />

بقلم:‏ طالل سعد الرميضي*‏<br />

األول ‏)أعالم الغوص عند العوازم<br />

خالل قرن(،‏ كما تشرفت بكتابته<br />

ملقدمة كتابي ‏)شخصيات من تاريخ<br />

الكويت(‏ وأسعدني وصفه لي ب ‏»باحث<br />

جاد وأمتلك حاسة التقاط املوضوعات<br />

التي لم تذللها جهود الباحثني ومبثل<br />

جهدي التفاتة نبيلة ووفاء جميال ملن<br />

اعطوا للوطن ورحلوا دون وداع،‏ وأن<br />

كتابي يسد ثغرة في املكتبة الكويتية«.‏<br />

إن احلديث عن األمور اجلميلة<br />

يدفع للفرح والبهجة والتفاؤل وكذلك<br />

احلال عند احلديث عن جمال اخللق<br />

والفكر واإلبداع لدى د.الوقيان حفظه<br />

الله ورعاه .<br />

* أمني عام رابطة األدباء الگويتيني - رئيس التحرير.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!