1452901579
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الرشيد 9<br />
AL-rasheed<br />
تتمات<br />
السنة الثالثة العدد )71( السبت /2016 /1 16<br />
قصة )عيزرا ناجي زلخا(.. الجاسوس اليهودي الذي قتل طيارا عراقيا لرفضه التعامل مع اسرائيل..!<br />
وما أشبه اليوم بالبارحة<br />
اليهود العراقيين يصلون الى أسرائيل<br />
فبوشا التاجر املتوسط الحال، وقع<br />
منذ زمن يف رشك الجاسوسية، وانضم<br />
إلحدى الخاليا الرسية التي تعمل لصالح<br />
إرسائيل. وكانت مهمته جمع املعلومات<br />
عن فقراء اليهود يف األحياء الشعبية،<br />
ظروفهم املعيشية، وأعدادهم، وتعليمهم،<br />
وحرفهم، واتجاهات الرأي عندهم يف<br />
مسألة الهجرة. فكان لذلك يكثف من<br />
زياراته لألحياء اليهودية ليكتب تقاريره<br />
عنهم. ويرتدد عىل القبور لتصيد األخبار<br />
من أفواه املكلومني، دون أن تعلم ابنته<br />
بنشاطه التجسيس، أو يحاول هو جرها<br />
اىل العمل معه.. ذهب عيزرا مطمئناً<br />
اىل صديقه الجديد بوشا الذي استقبله<br />
برتحاب كبري، وصارحه بأنه مغتبط<br />
لوفائه العظيم لزوجته الراحلة مثله.<br />
ويقع عزرا يف حب )روان( ابنة بوشا، لكن<br />
مهر روان كان كبريا جدا عىل مدخول<br />
عزرا.. لكن بوشا وافق أن يكتب له عزرا<br />
صكا بثمانية آالف دينار عراقي عىل<br />
رشط.!!.. سأله عيزرا عن رشطه األخري،<br />
فعرض عليه مساعدته يف إقناع من<br />
يعرفهم من اليهود للهجرة اىل إرسائيل،<br />
فإن تحديد موعد زواجهما مرهون<br />
بمدى ما يبذله من جهد يف هذا املجال..<br />
وافق عيزرا عىل الفور طاملا أزيلت عثرة<br />
املهر، أما مسألة هجرة اليهود فذاك أمر<br />
واجب وال يعد تضحية يف نظره. فالدولة<br />
اليهودية كانت عرب إذاعتها العربية، تبث<br />
دعايتها ليل نهار بأحقية يهود العالم<br />
يف أرض امليعاد. وهو كيهودي تمنى أن<br />
يسافر إلرسائيل لرياها فقط قبل أن يقرر.<br />
فالدعاية املضادة يف اإلعالم العربي، كانت<br />
تصف إرسائيل أنها دولة اإلرهاب واملذابح،<br />
وتصور الحياة بها كأنها الجحيم، وتنرش<br />
الكثري من الحوادث املؤسفة، تفضح<br />
إدعاءات إرسائيل التي واجهت كل ذلك<br />
بالرفض واالستنكار، متهمة اإلعالم<br />
العربي بأنه يكذب، ويدعي، ويتحايل،<br />
لخداع اليهود، والكذب عليهم ليحجموا<br />
عن الهجرة.<br />
كانت الحرب الدعائية دائماً يف حالة غليان<br />
ال يتوقف. وكان إيمان عيزرا ناجي زلخا<br />
بقضية الوطن – إرسائيل – مزعزعاً.<br />
فهو ما عرف سوى العرق وطناً.. آمناً،<br />
يضم عرشات اآلالف من اليهود عىل<br />
أرضه، وينعمون جميعاً بالحرية واألمن.<br />
وتساءل: ملا ال تكون إرسائيل صادقة<br />
فيما تدعيه؟ أن اليهود عاشوا عىل أرض<br />
فلسطني منذ آالف السنني، ولهم حق<br />
تاريخي يف فلسطني. فلماذا يحاربهم<br />
العرب؟.. ثم ماذا سيخرس ليكسب<br />
روان..؟.. إن مجرد “إقناع” بعض اليهود<br />
بالهجرة ليس باألمر الصعب. فالفقراء<br />
الذين سيتكلم معهم، يحسون بالضيق<br />
لسوء أحوالهم املعيشية، وقد يروا يف<br />
الهجرة مخرجاً لهم من أزمتهم. إذن..<br />
ماذا سيخرس؟.<br />
هكذا استطاع بوشا اصطياد عميل<br />
جديد للموساد، يعمل “مجاناً” عن<br />
قناعة.. واثقاً من إخالصه للعمل، لكي<br />
يفوز بابنته الرائعة بعد ذلك..!!.. يف تلك<br />
الفرتة التي تأهب فيها عيزرا للعمل..<br />
حدث انقالب كبري عىل الساحة العربية.<br />
إذ وقع العدوان الثالثي عىل مرص عام<br />
1956، واحتلت إرسائيل شبه جزيرة<br />
سيناء، وبتدخل الواليات املتحدة انسحبت<br />
الجيوش املعتدية.. كان احتالل سيناء<br />
أمراً مدهشاً لليهود العرب، فقد ارتابوا<br />
كثرياً من قبل يف قدرة الجيش االرسائييل<br />
عىل مواجهة الجيوش العربية، وتراجعوا<br />
عن فكرة الهجرة، ثقة يف القوة الرادعة<br />
العربية. أما وقد حدث العدوان واحتالل<br />
سيناء ثم االنسحاب – فقد اهتزت<br />
الصور.. واعتقد أكثر اليهود فهماً ألمور<br />
السياسة، أن العرب فوجئوا بالقوة<br />
العسكرية اإلرسائيلية.. وهم بال شك<br />
يستعدون، ويتحينون الفرصة املناسبة<br />
لرضب إرسائيل والقضاء عليها بعدما<br />
أضحت خطراً عىل املنطقة كلها.. هذا<br />
الرأي انترش كانتشار النار يف الهشيم<br />
بني اليهود العرب يف سائر األقطار. وبدالً<br />
من الثقة يف القدرة اليهودية، انعكس<br />
األمر، وتحول احتالل سيناء اىل نكسة<br />
مدمرة السرتاتيجية إرسائيل السياسية<br />
والعسكرية.. فرتاجع أكثر اليهود عن<br />
رأيهم، وبالتايل.. أخفقت محاوالت كثرية<br />
للتأثري عىل اليهود وحثهم عىل الهجرة..<br />
لهذا تعمدت املخابرات االرسائيلية إذاعة<br />
حديث إبراهام دار بطل عملية “توشيا”<br />
وهي أجرأ عملية قام بها بتهريب 65<br />
يهودياً من بورسعيد إبان العدوان الثالثي<br />
– وكان املقصود بإذاعة حديثه عرب<br />
الراديو لعدة أيام مغزى مخابراتي.<br />
واكب ذلك مقتل تاجر يهودي عراقي بيد<br />
لصني اقتحما داره.. وأشاع عمالء املوساد<br />
أن العملية مدبرة لبث الرعب يف قلوب<br />
اليهود.. انتهز بوشا حادث مقتل اليهودي<br />
إلثارة حمية عيزرا.. وتهيئة املناخ النفيس<br />
إليقاظ حماسته. فانفعل عيزرا بغريزته<br />
كيهودي حامل لفريوس الخيانة، وأخلص<br />
كثرياً يف عمله.. وإن هي إال شهور قليلة<br />
حتى كان رصيده اثنتي عرشة أرسة<br />
يهودية، تمكن من إقناعها بالهرب اىل<br />
إيران.. ومنها اىل إرسائيل، ورحلة الهرب<br />
كثرياً ما كانت تبدأ من الشمال<br />
بالطبع لم يكن من السهل عىل املوساد<br />
أن تسحب عيزرا بعدما اتقن عمله<br />
وأجاده بحرفية عظيمة.. فعملية سحب<br />
العمالء تخضع لحسابات معقدة أهمها<br />
أن تصل درجة ثقة العميل يف نفسه اىل<br />
حد الغرور.. مما قد يوقعه يف خطأ فادح<br />
يكشفه، نتيجة الثقة الزائدة يف قدراته،<br />
واالستخفاف بقدرات رجال األمن يف<br />
القطر الذي زرع فيه. لم يصل عيزرا اىل<br />
حد الخوف عليه بعد. فاملنتظر منه ال<br />
زال آتٍ بالطريق.. وال بد من استغالله و<br />
“استهالكه” قبل اإلذن له بالتوقف، أو<br />
السماح له باملغادرة.<br />
جاءه الرد كما كان متوقعاً.. فحزن<br />
كثرياً ألجل روان، وتملكه الزهو عندما<br />
أعلم بأنه منح رتبة عسكرية يف الجيش<br />
االرسائييل، تضمن له وألرسته معاشاً<br />
محرتماً عندما ينتهي من مهمته ويفر<br />
اىل إرسائيل. وأخضع لدورة تدريبية<br />
جديدة لتعلم كيفية استعمال الالسلكي<br />
يف اإلرسال بعدما سلموه جهازاً السلكياً<br />
متطوراً.. وال يمكن رصده بأجهزة تتبع<br />
الذبذبات التي لم تكن موجودة أصالً<br />
بالعراق.. بذلك وثق عيزرا يف أهمية دوره<br />
لخدمة مصالح إرسائيل يف العراق، فطور<br />
كثرياً من مهامه التجسسية لتشمل جمع<br />
التقارير املهمة التي يحصل عليها من<br />
عمله يف وزارة التجارة.. أيضاً نجح يف<br />
تنمية عالقاته ببعض املسؤولني، وطلب<br />
اإلذن بتجنيد ما يراه منهم فلم يأذنوا له.<br />
وبقدر ذهول مرؤوسيه يف املوساد ملهارته<br />
يف البث الالسلكي.. أذهلهم أكثر تغلغله<br />
داخل فئات املجتمع وإرسال تقارير<br />
غاية يف األهمية عن االقتصاد والزراعة..<br />
وأصبحت املعلومات التي يبثها اىل تل أبيب<br />
تقيم يف الفئة )أ( التي تستحق عن جدارة<br />
مكافآت مالية ضخمة اتخمت بها جيوبه<br />
وبدلت نظام حياته وإنفاقه.<br />
أشفق عيزرا عىل حال روان التي انزوت بني<br />
همومها بسبب حنينها اىل طفل. فعرض<br />
عليها من باب “التسلية” مشاركته..<br />
أيضاً.. طمعاً يف املزيد من أموال املوساد،<br />
وكان املطلوب منها أن تبدي بشاشة<br />
ملوظف بوزارة الخارجية صادقه أخرياً..<br />
بدت املهمة صعبة يف البداية، فهي لم<br />
تعرف بعد حدود تلك البشاشة، إذ ترك لها<br />
تقدير املوقف بنفسها.. وهذا يعد إذناً لها<br />
بأن تميش يف الطريق اىل نهايته.<br />
وبسهولة شديدة أوقعت )روان( املوظف<br />
املسيحي يف حبائلها.. فأوهمته بأنها<br />
تحبه، وبأنها أصبحت ال تفكر بالهرب<br />
اىل إرسائيل من أجل أن تظل اىل جانبه..<br />
انزعج “كامل” عند سماع اسم “إرسائيل”<br />
ولكي تذهب عقله وتشل تفكريه،<br />
أسلمت له نفسها.. فأعلنها )كامل(<br />
رصيحة بأنه معها يف أي مكان.. ولو يف<br />
إرسائيل.. وملا تأكدت من إتمام سيطرتها<br />
عليه طلبت منه الثمن. . ثمن دخولهما<br />
إرسائيل.. فتدفقت الوثائق والتقارير من<br />
أرشيف الوزارة الرسي.. وكلما سلمها<br />
عرشات الوثائق الخطرية ادعت بسخرية<br />
تفاهتها.. ومرت بهما األيام وقل حديثها<br />
عن الحب والهرب.. إذ شغل الحديث عن<br />
مغامراته لجلب الوثائق كل املساحة<br />
بينهما.. لقد أدرك كامل بأنه وقع ألذنيه<br />
يف برئ الخيانة.. فانغمس غصباً عنه ال<br />
يستطيع الرتاجع أو الخالص.. واستلذت<br />
روان اللعبة واملغامرة، والقتل بسالح<br />
أنوثتها، إنها لعبة مثرية تريض غرورها..<br />
وتبعدها عن التفكري يف اإلنجاب.<br />
فانساقت يف الطريق وقد استهواها العمل<br />
واستغرقها.<br />
أما عيزرا فلم يضيع وقتاً طويالً يف الثناء<br />
عىل رشيكته الجديدة. إذ كلفها باصطياد<br />
مالزم أول مطار بغداد مغرور ببزته<br />
الرسمية وبالسيارة الحكومية التي تذهب<br />
به وتجيئه كل يوم.. وألنه يسكن باملنزل<br />
املواجه.. كان األمر هيناً جداً.. عندما<br />
أشهرت روان أسلحتها األنوثية الفتاكة يف<br />
وجهه، فاستسلم.. وتقرب اىل عيزرا الذي<br />
هيأ له املناخ الصحي للسقوط.. فسقط<br />
الشاب الصغري بال تفكري.. وتدفقت<br />
من خالله املعلومات األكثر رسية عن<br />
املطار، وطائرات الشحن املحملة باملعدات<br />
العسكرية، التي تفرغها بداخل حظائر<br />
خاصة تخضع إلجراءات أمنية صعبة،<br />
وكذا، وأعداد الخرباء السوفييت والتشيك<br />
الذين يتوافدون ويغادرون، والرحالت<br />
الرسية لطائرة الرئاسة.<br />
معلومات أشد سخونة كان يبثها عيزرا<br />
فتثري شهية اإلرسائيليني.. وتدهشهم<br />
جرأة عميلهم الذي امتلك قلباً من فوالذ..<br />
ال يقهره خوف.. أو يرتجف رعباً إذا ما قرأ<br />
بالصحف العراقية عن سقوط جواسيس<br />
للموساد أو إعدامهم. كانت التحذيرات<br />
تجيئه آمرة إياه بأال يقرأ تلك األخبار<br />
“الكاذبة” التي يروجها العراقيون. لكنه<br />
لم يكن يأبه لتلك املخاوف، بل كان يقرأ<br />
ليستفيد من األخطاء التي أدت لسقوط<br />
الجواسيس، فيتجنبها، وتتضاعف بذلك<br />
خرباته.. وثروته.. بفضل حسه األمني..<br />
وباملعلومات الثمينة التي يحصل عليها<br />
بفضل جسد زوجته. خاصة وقد أخربهم<br />
بأمر انضمامها اىل العمل.. وقدراتها<br />
الفائقة عىل السيطرة وتجنيد عمالء<br />
جدد. فكان ردهم بأنهم يقدرون ذلك..<br />
وأن روان قد تم منحها هي األخرى رتبة<br />
مالزم أول يف جيش الدفاع اإلرسائييل..<br />
تقديراً لتعاونها املرشف..!!<br />
وألسبابا أمنية بحتة.. اشرتى عيزرا منزالً<br />
جديداً من طابق واحد يف حي الكاظمية..<br />
كان باملنزل حديقة خلفية ذات أشجار<br />
كثيفة.. وباب يؤدي اىل منطقة مهجورة<br />
مليئة باألحراش.. وبواسطة تلسكوب<br />
مكرب كان “يمسح” املنطقة املحيطة<br />
املؤدية اىل منزله قبل خروجه.. أو قبل<br />
زيارة عميل مهم.. هذا املنزل تحول<br />
اىل غرفة عمليات خطرية.. وتتم فيه<br />
عملية السيطرة عىل من يراد تجنيدهم..<br />
وخالل ثالث سنوات من انخراط روان يف<br />
الجاسوسية.. استطاعت وحدها تجنيد<br />
ثالثة عرش موظفاً عاماً يف مواقع مهمة.<br />
أربعة منهم ضباط برتب مختلفة يف<br />
الجيش العراقي.. وضابط بأمن املطار..<br />
وستة آخرين يشغلون مناصب إدارية<br />
بالوزارات املختلفة. جميعهم سقطوا يف<br />
قبضة روان بفضل لغة الجسد واإلثارة.<br />
وتدفقت بواسطتهم أرسار العراق أوالً<br />
بأول اىل إرسائيل..<br />
وحدث أن نصبت روان شباكها حول<br />
طبيب بالجيش يحمل رتبة نقيب.. وكانت<br />
خطة استدراجه بواسطة أحد العمالء<br />
لتوقيع الكشف عىل زوجها. وملا جاء<br />
الطبيب األعزب تسمر مكانه.. ولم يصدق<br />
النقيب الطبيب )حسني عيل عبد الله( أنه<br />
بني أحضان جاسوسة محرتفة، يف وكر<br />
للجواسيس، فانتفض وقام فزعاً يرتدي<br />
مالبسه ويتوعدها بمصري مظلم. هددته<br />
بتسجيالته الجنسية معها فرد عليها بأنه<br />
رجل وال عار عليه فهي تؤكد رجولته.<br />
هددته ثانية بما تفوه به يف السياسة<br />
والعسكرية وأن مستقبله بيدها. فبصق<br />
عليها قائالً إنهم سيكافئوه بالرتقية<br />
ألنه سلمهم جاسوسة إرسائيلية.<br />
وهجم عليها محاوالً تكبيلها واقتيادها<br />
للسلطات، لكنه فوجئ بعيزرا أمامه<br />
يشهر مسدسه.. أحس بخطئه الكبري<br />
كرجل عسكري، فقد كان يجب عليه<br />
مسايرتها حتى يخرج من بيت األفاعي.<br />
لكنه “كان يعتقد” أنهما بمفردهما..<br />
لم يرتك له عيزرا فرصة للتعامل معه. بل<br />
انطلقت الرصاصات اىل رأسه، وتناثرت<br />
شظايا عظام جمجمته عىل جدران<br />
الغرفة.. وظال طوال الليل يحفران قربه<br />
يف الحديقة الخلفية.. ثم أهاال الرتاب فوق<br />
الجثة.. وانكمشت روان يفتك بها الهلع..<br />
فهي تنام بني أحضان قاتل.. وعىل بعد<br />
خطوة من فراشها.. يرقد قتيل.<br />
حلت الكآبة بالحية تفتت عقلها.. لكن<br />
الثعبان السام لم يكن ليستسلم.. فاملجد<br />
ينتظره يف إرسائيل.. وهو اآلن يصنع<br />
تاريخه.. ومىض الجاسوس الداهية يف<br />
طريقه قدماً تحفه الثقة ويملؤه الغرور.<br />
تسع سنوات كان ال يكل وال يخاف..<br />
وأعوانه منترشون يف كل مؤسسات<br />
العراق الحيوية.. يمدونه بما يذهل<br />
اإلرسائيليني من معلومات عن أحشاء<br />
العراق، ورشايني الحياة املختلفة به..<br />
ويف رسالة التكليف التي تلقاها بواسطة<br />
الراديو.. كان األمر مختلفاً عليه. فقد<br />
كان املطلوب تجنيد طيار عسكري عراقي<br />
– وبأي ثمن – يقبل الفرار بطائرته<br />
الحربية ميج 21 اىل إرسائيل. بدأ عيزرا<br />
رحلة البحث عن طيار خائن.. ومن خالل<br />
الخونة العسكريني أعضاء شبكته، تعرف<br />
عيزرا – بشكل يبدو عفوياً – بالنقيب<br />
طيار )شاكر محمود يوسف(، املولود يف<br />
“محلة حسن جديد باشا” عام 1936،<br />
وسبق له أن التحق بدورات تدريبية يف<br />
موسكو ولندن لزيادة كفاءته كطيار<br />
للميج 21 القتالية االعرتاضية التي ترعب<br />
إرسائيل.. التقى به عيزرا وزوجته يف<br />
إحدى الحفالت.. وحاولت روان بأسلحتها<br />
األنثوية الطاغية أن تلفت انتباهه لكنه<br />
تجاهلها.. لكن عيزرا فاجأها ذات مساء<br />
حينما جاء وبرفقته شاكر، وأخربها بأن<br />
الطيار الشاب تجاهلها يف الحفل لوجود<br />
زوجته معه، وأن “الوسيط” استدرج<br />
شاكر ورأى منه الرغبة يف التعرف اليها..<br />
فتظاهر بمصاحبته وبدأت االتصاالت<br />
بينهما.<br />
وما كادت روان تسرتجع من جديد<br />
ثقتها يف جاذبيتها وسحرها.. وتوشك أن<br />
تسيطر عىل أعصاب الطيار الولهان، حتى<br />
سافر فجأة اىل أمريكا للحصول عىل دورة<br />
يف “قيادة التشكيل” يف تكساس.. هناك<br />
تولت املخابرات املركزية أمره.. فدفعت<br />
بحية أخرى يف طريقه.. جيء بها خصيصاً<br />
عىل وجه الرسعة من النمسا حيث تعمل<br />
كممرضة باملستشفى األمريكي بفيينا..<br />
إنها “كروثر هلكر”.. فاتنة الحسن<br />
طاغية الجمال.. عملت كمرشفة يف نادي<br />
الطيارين الرشقيني يف قاعدة التدريب<br />
الجوية بتكساس.. ونصبت شباكها حول<br />
شاكر يوسف فوقع يف حبائلها ال حول<br />
له وال قوة. كان يريدها عشيقة مؤقتة<br />
بأمريكا، بينما كانت تريده زوجاً لتكتمل<br />
الخطة..<br />
رفض رغبتها بالطبع ألنه متزوج ويحب<br />
زوجته!!.. لكنها لم تيأس.. وظلت<br />
تحاول.. مرات ومرات اىل أن فشلت..<br />
ووضح جيداً جهل املوساد و اليس اي<br />
اي ، فالعسكريون العرب محظور<br />
عليهم الزواج بأجنبيات.. لكن تملكت<br />
االرسائيليني واألمريكان رغبة عارمة يف<br />
السيطرة عليه وتجنيده.. ليهديهم رس<br />
أرسار الطائرة السوفييتية اللغز.. وملا<br />
عاد اىل بغداد دون أن يحقق حلمهم..<br />
طارت كروثر خلفه ونزلت بفندق بغداد<br />
الدويل واتصلت به.. وألنها حرضت ألجله<br />
– تحرج كرشقي – واستأجر لها شقة<br />
مفروشة بمنطقة الكرادة الرشقية تطل<br />
عىل نهر دجلة. وأخذ يرتدد عليها خفية،<br />
محاوالً إقناعها بالعودة ألنه متزوج<br />
ويعول طفالً فلم تنصت اليه.. وعندما<br />
حدثته عن “منظمة السالم العاملي”<br />
املهتمة بنرش السالم حول العالم، رصخ<br />
فيها وهددها بأن تسافر فوراً خارج<br />
العراق، وإال فهو مضطر إلبالغ السلطات<br />
بسعيها لتجنيده لصالح جهات أجنبية.<br />
عند ذلك وألنها تحمل ترصيحاً بالقتل،<br />
رأت أنه ال بد من تصفيته يف أرسع وقت<br />
خشية افتضاح األمر. وتنكشف بذلك<br />
نوايا األمريكيني واإلرسائيليني، فيمنع<br />
الطيارون الذين أوفدوا يف بعثات للخارج<br />
من قيادة امليج 21، وصدرت األوامر<br />
لعيزرا ناجي زلخا بالتخلص من النقيب<br />
الطيار شاكر يوسف.<br />
وهنا قد يتساءل البعض.. ما عالقة<br />
عيزرا جاسوس املوساد بكروثر هلكر<br />
جاسوسة ال C.I.A.؟ اإلجابة بسيطة<br />
جداً.. فاملوساد وال .C.I.A ترتبطان<br />
معاً بعالقات وثيقة ترسمها املصالح<br />
والنوايا املشرتكة. وسواء جند طيار<br />
عربي بواسطة املوساد أو بواسطة ال .C<br />
.I.A فسوف يهرب بطائرته اىل إرسائيل،<br />
ليفحصها األمريكان.. من هنا.. لجأت ال<br />
.C.I.A ملعاونة املوساد يف تصفية شاكر<br />
بواسطة عمالئها ببغداد. وبثت املوساد<br />
امراً عاجالً لعيزرا باالتصال بكروثر<br />
التي تجيد العربية، وتم االتفاق بينهما<br />
عىل الخطة.. وأثناء زيارة النقيب شاكر<br />
األخرية لهلكر بالشقة املفروشة، عمد<br />
كما يف املرات السابقة اىل ترك سيارته عىل<br />
بعد شارعني تحسباً ألي طارئ، واحتدم<br />
النقاش بينهما فهددته بأفالم وصور<br />
جنسية أخذت لهما يف أمريكا فلم يهتم..<br />
ويف آخر محاولة إلبقائه حياً، عرض<br />
عليه مليون دوالر ثمناً لطائرة امليج 1<br />
يفر بها إلرسائيل، فلطمها عىل وجهه<br />
لطمة قوية انبثق لها الدم من فمها.<br />
وقبل أن يخرج من الحجرة ثائراً إلبال<br />
السلطات، فاجأه عيزرا بطلقات مسدس<br />
الكاتم للصوت، وسقط شاكر يف الحا<br />
قبلما يتمكن من استعمال مسدسه.<br />
وبينما هلكر تعد حقيبتها للحا<br />
بالطائرة املتجهة اىل لندن، انشغل عيزر<br />
بإزالة اآلثار والبصمات، وجر جثة الطيا<br />
ألسفل الرسير ملفوفة ببطانية، ثم فت<br />
أجهزة التكييف.. وغادر الشقة.. اكتشف<br />
الجثة يف 6 يوليو 1965 بعد وقوع الجريم<br />
باسبوع. كان عيزرا يف ذلك الوقت يم<br />
أسوأ أيام حياته عىل اإلطالق. إذ نرش<br />
الصحف العراقية نبأ مقتل كروثر هلك<br />
بأحد فنادق لندن يف ظروف غامضة<br />
بعد يومني من مغادرتها لبغداد، ورص<br />
مسؤول أمني أن الجثة وجدت ممزقة<br />
وبها ثالثون طعنة بعدد سنني عمرها<br />
هكذا تخلصت ال .C.I.A من كروث<br />
إلخفاء معالم الجريمة اىل األبد. فماذا عن<br />
هو؟.. دارت الدنيا بعيزرا وضاقت به ع<br />
وسعها. وصور له خياله أن املوساد سو<br />
تقتله أيضاً الخفاء للجريمة.. وما كا<br />
يعلم أن أسلوب قتل العمالء بعد انتها<br />
مهامهم تستخدمه ال .C.I.A فقط. أم<br />
املوساد فالجواسيس لديها بمثابة أبطا<br />
عظماء تفخر بهم وتخلدهم. لم يكن يعل<br />
ذلك عندما عطّ ل جهاز الالسلكي. واختب<br />
بإحدى الشقق ال يخرج هو أو روان إال<br />
للرضورة.. وبعد احتفاالت رأس السنة..<br />
وما إن هلت أيام يناير 1966 األوىل، حتى<br />
انكشف أمر شبكته ضمن الشبكا<br />
التسع.. وجرى البحث عنه وتعقب آثار<br />
يف كل العراق.<br />
كان يجهل أمر البحث عنه من قبل جها<br />
املخابرات – املكتب الثاني – فعالقت<br />
بأعوانه كانت منقطعة طوال تلك الشهو<br />
الخمسة.. وألن املجرم دائماً يحوم حو<br />
مرسح جريمته، تصادف أن توجه وروا<br />
ملنزل الكاظمية حيث يخبئ أجهز<br />
التجسس. فاطمأن عىل وجودها، و<br />
املساء قاد سيارته وحده اىل منزل بوش<br />
القديم، فنام مرهقاً حتى الفجر، وأرس<br />
بالعودة اىل روان مرة أخرى وما كان يدر<br />
بما ينتظره.. ففي غبش الفجر اقتحم<br />
املنزل قوات األمن، وكانت روان بمفرده<br />
كالشبح.. متكورة كجنني ببطن أمه.. فل<br />
تبد أية دهشة أوتصعق للمفاجأة.<br />
سألوها عن عيزرا قالت بهدوء: “ل<br />
يتأخر”.. واعرتفت من تلقاء نفسها بأنه<br />
جاسوسة إرسائيلية، استطاعت أن تجن<br />
جيش من اليهود العراقيني وسائر املل<br />
بالغواية والجنس. وأرشدت عن مقرب<br />
الضابط الطبيب بالحديقة الخلفية<br />
وقادتهم اىل مخبأ رسي بداخله جها<br />
الالسلكي املعطل وكتاب الشفرة وعد<br />
كامريات رسية، وأفالم ووثائق لم تبع<br />
بعد للموساد.. كانت سيارات األمن ق<br />
اختفت من املكان الذي بدا طبيعياً. واختب<br />
عدة ضباط بداخل املنزل ينتظرون الثعبا<br />
الكبري. وما أن جاء وخطا خطوات قليل<br />
اىل الداخل حتى هوجم وكبل يف الحال.<br />
واقتيد اىل مكان رسي لالستجواب<br />
فاعرتف اعرتافات تفصيلية بنشاط<br />
ملدة عرش سنوات لصالح املوساد، وسد<br />
اعرتافاته ثغرات عديدة كانت تحول دو<br />
الوصول لبقية الشبكات.<br />
وبينما هو بالقفص، بانتظار سما<br />
الحكم بإعدامه وروان شنقاً مع تس<br />
آخرين، وبالرصاص خمسة عسكريني<br />
نظرت اليه روان وقد أكلها الهزال وبرز<br />
عظام وجهها، وقالت له إنها تشع<br />
باألسف عىل كل يشء.. لكنها سعيد<br />
جداً لعدم إنجابهما أطفال يتعذبون م<br />
بعدهما طوال حياتهم.. حيث سيصي<br />
الناس يف كل شوارع بغداد: هؤالء أبنا<br />
الثعبان والحية.. !<br />
وبانكشاف أمر عيزرا وأعوانه، توا<br />
سقوط شبكات املوساد يف العراق نتيج<br />
الخطأ الجسيم يف نظام االتصال ب<br />
الشبكات.. ذلك الخطأ الذي أفاد العراقي<br />
ومكنهم بسهولة من كشف تسع شبكا<br />
دفعة واحدة وأنتهى أمر عمالء املوساد<br />
العراق واليوم عادوا للمساهمة يف تفتي<br />
العراق وتقسيمه والتخلص من ك<br />
الكفاءات العراقية التي كانت تقلق وجد<br />
إرسائيل وتحقق لهم ماتمنوه لعقو<br />
طويله .. فتباً لكن من ساهم يف تدم<br />
العراق وأحتالله سواء كان من السابق<br />
أو الحاليني .