أهل الزعامة
Pages(108)final
Pages(108)final
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
عيون التراث العربي<br />
الحديثة المعروفة في العالم اآلن،<br />
مثل الساعات الدقيقة لضبط الزمن<br />
الذي تستغرقه عملية ما، واستخدم<br />
في ساعاته تقنية توصيل األجزاء<br />
بطريقة الفحل واألنثى، وكذلك ميزان<br />
الساعة والمسننات الدقيقة التي<br />
فتحت الطريق أمام صناعة الساعات<br />
في أوروبا في القرن الخامس عشر.<br />
ال نعرف الكثير عن تفاصيل حياة<br />
الجزري، وتكاد كتب التراجم تخلو<br />
من أي معلومات مهمة عن تاريخه<br />
العلمي واألسري، لكن المعلومات<br />
الذاتية التي أوردها في مقدمة<br />
كتابه الوحيد، الذي ألفه واحتوى<br />
على اختراعاته، تخبرنا أنه ولد في<br />
منطقة جزيرة ابن عمر بديار بكر،<br />
وهي جزء من الجمهورية التركية<br />
حاليً، وكان والده وأخوه يعمالن<br />
مهندسين لدى حكام ديار بكر بني<br />
أرتق، وواصل هو إرث العائلة في<br />
العمل في مجال الهندسة، حتى<br />
أصبح كبير مهندسي الميكانيكا<br />
في البالط لمدة خمس وعشرين<br />
سنة، وقد ألف كتابه بتكليف من<br />
الملك ناصر الدين محمود بن محمد<br />
بن قرا، أحد سالطين بني أرتق أيام<br />
الخليفة العباسي أبي العباس أحمد<br />
الناصر لدين اهلل )١١٨١م(، واستغرق<br />
منه تأليفه خمسً وعشرين سنة،<br />
ويذكر أنه درس الرياضيات وما توافر<br />
في عصره من معلومات فيزيائية<br />
وتطبيقات صناعية، كما اطلع على<br />
مؤلفات من سبقوه في ميدان<br />
الهندسة.<br />
أطلق الجزري على كتابه اسم<br />
»الجامع بين العلم والعمل النافع<br />
في صناعة الحيل«، وصنّف أبوابه في<br />
ست فئات حسب االستخدام، وجاء<br />
الكتاب مليئً بالرسومات والصور<br />
اإليضاحية الختراعاته، التي تؤكد أنه<br />
قرن النظرية بالتطبيق في حياته<br />
المهنية بصفته كبير مهندسي<br />
البالط الملكي، وأورد في كتابه<br />
ستين نموذجً الختراعاته، أهمها<br />
ساعة الفيل، وهي عبارة عن ساعة<br />
مائية على شكل فيل على ظهره<br />
شخصيات وأشكال مختلفة تصدر<br />
أصواتً كل نصف ساعة.<br />
كان الجزري يجمع بين العلم<br />
والعمل والحث عليه، لهذه عُ دّ ت<br />
ساعة الفيل تحفة من تحف الزمان<br />
ومن أبرع ما صنع اإلنسان، وقد<br />
انتقلت كثير من اختراعاته إلى أوروبا<br />
عندما تلقفت عائلة مديتشي في<br />
إيطاليا كتابه وطبقته في مدينة<br />
فلورنسا، ومنها انتقل إلى اللغات<br />
األوروبية األخرى، وهي العائلة نفسها<br />
التي كانت ترعى اختراعات المخترع<br />
اإليطالي ليوناردو دافنشي )١٤٥٢-<br />
١٥١٩م(، وتذكر الموسوعة البريطانية<br />
أن ليوناردو ربما يكون قد اطلع على<br />
كتاب الجزري وتأثر باختراعاته.<br />
إن عبقرية الجزري ال تتمثل فقط<br />
في اختراعاته الميكانيكية، التي<br />
شملت استعمال الماء كطاقة دافعة،<br />
واختراع آالت ميكانيكية مهدت لثورة<br />
علمية إنسانية شاملة، بل إنه كان<br />
يفكر في المستقبل أيضً، فقد صنع<br />
أول نسخة بدائية من األلعاب التي<br />
صممت بصورة إنسان وتعمل بصورة<br />
مبرمجة مسبقً تماثل تمامً مثيالتها<br />
العصرية المنتشرة اآلن، األمر الذي<br />
المراجع:<br />
- الجامع بين العلم والعمل<br />
النافع في صناعة الحيل، الجزري،<br />
نسخة .PDF<br />
- مواقع المعلومات في الشبكة<br />
العنكبوتية الدولية.<br />
يؤكد أن خياله العلمي كان بال حدود.<br />
كتاب الجزري توجد منه نسخ اآلن<br />
في عدة متاحف في العالم، وقد<br />
أصدره معهد التراث العلمي العربي<br />
في حلب بسوريا عام ١٩٧٩م، وحققه<br />
وراجعه الباحث أحمد يوسف الحسن،<br />
الذي بتحقيقه له أسدى خدمة جليلة<br />
للتراث العربي، وعرفنا على أكثر<br />
صفحاتنا العلمية إبداعً.<br />
وفي عام ١٩٧٦ كرّم مهرجان<br />
العالم اإلسالمي، الذي نظمته<br />
المملكة المتحدة، بديع الزمان<br />
الجزري، وعرض متحف لندن للعلوم<br />
نسخة أصلية من ساعته المائية<br />
الشهيرة، التي أثارت إعجاب الحضور<br />
بدقتها، وكانت ال تزال تعمل.<br />
مجلة الريّان / فبراير / 2017 العدد »108« 45<br />
44 مجلة الريّان / فبراير / 2017 العدد »108«