19.03.2020 Views

هل السلطان شرط لصحة صلاة الجمعة

دراسة حول المذهب الحنفي وما يمكن أن يفتى به في زماننا

دراسة حول المذهب الحنفي وما يمكن أن يفتى به في زماننا

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

هل السلطان شرط لصحة صالة اجلمعة؟؟

دراسة أتصيلية حول املذهب احلنفي

صنفها الفقري إىل هللا تعاىل

حامد بن نور احلق آل عطية احلنفي

عامله هللا ابللطف اخلفي


بسم هللا الرمحن الرحيم

احلمد هلل الذي أنعم على اخلالئق خبري النبيني،‏ ومجع كلمة احملمديني على إمام املرسلني،‏ أمحده وأستعني

به على كل أمر من أمور الدنيا والدين،‏ والصالة والسالم على النيب املبعوث رمحة للعاملني،‏ وعلى آله

وصحبه أمجعني،‏ وبعد...‏

فقد نزلت ابملسلمني انزلة ألغى السلطان من ورائها اجلمعة واجلماعات،‏ فأفىت لنا سيدي الوالد ‏-أطال

هللا يف عمره السنني،‏ ونفع بعلمه املسلمني-‏ بعدم صحة التجميع وأن الصالة قد استحالت إىل الظهر،‏

وهذا ظاهر مذهب احلنفية،‏ وحز يف قليب الركون إىل هذا،‏ فوجب علي البحث والنظر يف هذا القول

اقتداء أبمر رسول هللا ﷺ لوابصة بن معبد:‏ ‏"استفت قلبك واستفت نفسك ثالث مرات،‏ الرب ما

اطمأنت إليه النفس،‏ واإلمث ما حاك يف النفس وتردد يف الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك"‏ رواه أمحد

وحسنه النووي واملنذري..‏ ويف رواية عن أيب ثعلبة اخلشين بنحوه وفيها:‏ ‏"وإن أفتاك املفتون"‏ رواه أمحد

وقال املنذري:‏ إسناده جيد.‏ هذا وينبغي أن جيد املرء ميزان قسط مييز به ما حاك يف الصدر وما سوله

الشيطان،‏ فلهذا لن أحيد يف رساليت هذه ‏-إبذن هللا-‏ عن ما قاله العلماء الرابنيون املشهود هلم ابخلري

واالستقامة،‏ وهللا أسأل أن يلهمين الصواب ويرزقين السداد.‏

دليل من اشرتط السلطان من النصوص:‏ وهو حديث طويل رواه ابن ماجه وفيه:‏ ‏"واعلموا أن هللا قد

افرتض عليكم اجلمعة يف مقامي هذا يف يومي هذا يف شهري هذا من عامي هذا إىل يوم القيامة فمن

تركها يف حيايت أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا هبا أو جحودا هلا فال مجع هللا له مشله وال

ابرك له يف أمره أال وال صالة له وال زكاة له وال حج له وال صوم له وال بر له حىت يتوب فمن اتب اتب

هللا عليه"‏ وموضع االستدالل:‏ ‏"فمن تركها...‏ وله إمام عادل أو جائر".‏

أتمالت يف الدليل:‏ املفهوم الظاهر من هذا احلديث وجوب اجلمعة على من كان له سلطان عادال كان

أو جائرا،‏ ويقاس عليه من أانبه السلطان ألن حكم املوكَّل كحكم املوك ‏ِّل،‏ ولكن كيف ‏ُيح كم بسقوط

اجلمعة عند غياب السلطان أو إذنه؟ يقال يف جواب هذا إنه استدالل مبفهوم املخالفة،‏ فاملنطوق هو:‏


من ترك اجلمعة وله إمام،‏ ومفهوم املخالفة:‏ من مل يرتك اجلمعة وليس له إمام،‏ أي من أقام اجلمعة وليس

له إمام.‏ فهذا استدالل واضح ال غبار عليه،‏ لكن!!‏ هذا استدالل خمالف لقواعد املذهب،‏ إذ احلنفية ال

يعملون مبفهوم املخالفة على ما هو مشهور من مذهبهم،‏ يقول اإلمام اجلصاص:‏ ‏"ومذهب أصحابنا يف

ذلك أن املخصوص ابلذكر حكمه مقصور عليه،‏ وال داللة فيه على أن حكم ما عداه خبالفه."‏ انتهى

من الفصول يف األصول أليب بكر اجلصاص.‏

الدليل املقاصدي على اشرتاط السلطان عند من اشرتطه:‏ قال املرغيناين:‏ ‏"وال جيوز إقامتها إال

للسلطان أو ملن أمره السلطان ألهنا تقام جبمع عظيم وقد تقع املنازعة يف التقدم والتقدمي وقد تقع يف غريه

فال بد منه تتميما ألمرها."‏ انتهى من اهلداية.‏ فنجد أنه علل اشرتاط السلطان أبنه درء للمنازعة،‏ وهنا

نتأمل:‏ هل درء املنازعة علة اشرتاط السلطان أم حكمته؟ احتمال،‏ فإن كان العلة انتفى الشرط قطعا مع

انتفاء املنازعة،‏ وأما إن كان احلكمة فال ينتفي الشرط مع انتفاء املنازعة.‏

تفريع:‏ إذا قلنا أن السلطان علة صحة اجلمعة،‏ هل يقطع هذا بسقوط اجلمعة يف غياب السلطان أو

إذنه؟ يقول الطحطاوي:‏ ‏"ثبوت احلكم ابلنص أمر مقطوع به،‏ و يف ثبوته ابلعلة احتمال."‏ انتهى من

حاشية الطحطاوي على الدر املختار.‏ فثبوت اجلمعة على كل مسلم أمر مقطوع به ابلنصوص ، أما

اشرتاط السلطان له فعِّ‏ لة ذات احتمال.‏

خالصة التأصيل السابق:‏ مما سبق من أتصيل للمسألة ظهر يل أن االسلطان ليس شرط صحة للجمعة،‏

وإمنا اشرتطوه أو إذنه ألن إقامتها حق السلطان،‏ فإقامتها بغري إذنه منازعة له يف حقه،‏ كما أن إقامتها

بغري إذنه مفضية إىل االختالف والفتنة،‏ فمىت انتفت املنازعة والفتنة جاز اجتماع الناس على إمام يصلي

هبم اجلمعة،‏ خاصة وأن سالطني زماننا ال يعبأون إبقامتها ابلناس وال ابإلذن إبقامتها.‏

هل ابتدعنا هذا الرأي،‏ أم هو مما قاله فقهاء احلنفية؟ معاذ هللا أن نبتدع رأاي مل يره أئمة املسلمني،‏ بل

ومل أجتهد يف املسألة،‏ فإن فقهاء احلنفية وفتاواهم نصت على هذا احلكم صراحة أو إشارة،‏ وهذه

نصوص من كتب الفتوى عند احلنفية:‏


جاء يف التااترخانية : ‏"ولو اجتمعت العامة على أن يقدموا رجال مع قيام هؤالء الذين ذكران ‏-أي خليفة

األمري امليت أو صاحب الشرطة أو القاضي-‏ من غري أمره ‏-أي السلطان-‏ مل جيز إال إذا مل يكن مثة

قاض وال خليفة امليت،‏ فحينئذ جاز للضرورة،‏ أال ترى أن عليا رضي هللا عنه صلى ابلناس يوم اجلمعة

وعثمان رضي هللا عنه حمصور

ألن الناس اجتمعوا على علي رضي هللا عنه."‏ انتهى،‏ الفتاوى التااترخانية.‏

فنجد أنه ربط عدم جواز اجلمعة بوجود أصحاب حق إقامتها،‏ فإذا فحقدوا جاز للعامة تقدمي أحد يقيمها

من غري أمر السلطان،‏

ويف اهلندية:‏ ‏"فإن مل يكن مثة واحد منهم

واجتمع الناس على رجل منهم

- يأ

ويف زماننا ال ‏ُيضر أحد من أصحاب حق إقامتها يف مجحم عنا.‏

خليفة الوايل امليت

أو صاحب الشرطة أو القاضي-‏

فصلى هبم جاز كذا يف السراجية،‏ ولو تعذر االستئذان من اإلمام فاجتمع

الناس على رجل يصلي هبم اجلمعة جاز كذا يف التهذيب."‏ انتهى،‏ الفتاوى اهلندي.‏ واالستئذان من

اإلمام من أجل اجلمعة متعذر يف زماننا.‏

ويف

حاشية احلصكفي:‏ ‏"ونصب العامة م اخلطيب غري معترب مع وجود من ذحكر ‏-وهم أصحاب األولوية-‏

أما مع عدمهم فيجوز".‏

انتهى،‏ الدر املختار،‏ وعلق عليه ابن عابدين:‏ ‏"ومثله ما لو منع السلطان أهل

مصر أن جيمعوا إضرارا وتعنتا فلهم أن جيمعوا على رجل يصلي هبم اجلمعة."‏ انتهى،‏ رد احملتار.‏

خامتة:‏ إضافة إىل ما استدللنا به،‏ نستأنس مبا ذهب إليه الشافعي يف األم من عدم اشرتاط السلطان يف

اجلمعة قياسا له على سائر الفروض.‏ فالذي أراه أن االحتياط إقامة اجلمعة إذا تعذر وجود السلطان أو

إذنه أو منع إقامتها بغري سبب معترب،‏ فرتك اجلمعة إساءة،‏ وإن زاد أحد يف احلتياط فصلى بعد اجلمعة

أربعا فذلك خري ومعتربكما أفىت بعض الفقهاء،‏ وهللا تعاىل أعلم،‏ وصلى هللا وسلم على سيدان حممد

وآله وصحبه أمجعني،‏ واحلمد هلل رب العاملني.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!