Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
ر ارتقاء
١٤٤٠/٣/٢٣
تاريخ لم يكن كأيّ تاريخ!!
ولكن لماذا؟ وما السبب!
في هذا اليوم تحديدا حصل الحدث الأكبر
والإنجاز الأعظم بالنسبة لي!
اليوم المنتظر من سنوات، يوما كان مليئا
بالدموع والتوتر والفرح..
أذكر أني لم أستطع النوم بعد رجوعي من
المدرسة وأنا لم أعتد على ذلك ، فقد كانت
سعادتي قد سابقت النوم وفاضت من
عيناي.
الساعة الثالثة عصرا ، لبِ ست ثم ذهبت لدار
التحفيظ وكانت كل الأبصار ترمقني! أرى
الجميع ينظر إليّ بابتسامات فخرٍ وسرور،
اسمي انتشر في كل زوايا التحفيظ والجميع
قد عرف أن اليوم ختمتي.
من أكثر المواقف تأثيرا في نفسي، اجتماع
الطالبات الصغيرات وفرحتهن ومباركتهن لي
وفي أعينهن نظرات الفخر والشوق لهذه
اللحظة.
بدأت الكراسي تصطف وبدأ الناس بالخروج
من حلقاتهم، ليشاهدوا الحدث الأعظم لذلك
اليوم...
دقت أجراس الرابعة، ودقات قلبي تزداد
بدأ الحفل ..وبعد دقائق حان دوري، تقدمت
إلى الأمام وجلست على الكرسي، أرى أمامي
الكثير من الناس وكلهم ينتظرون لحظة قراءتي,
بدأت بالقراءة وحين وصولي لأواخر البقرة
قوله تعالى:
(آمن الرسول...)
لم أستطع تمالك نفسي حينها، وبكيت دموع
الحبور بعينٍ قريرة وقلب راضٍ وهانئ، وإن لم
تسبقني دموعي هذا اليوم فمتى!؟ أكملت
القراءة ثم سجدت سجدةً لم أجد في حياتي لذة
تساويها، كأنما لم أذق في حياتي قبلها هناء ولا
سروراً .
سجدة شكر وامتنان لرب السموات والأرض،
فهو الذي أعانني ووفقني وسددني لأصل إلى
هذه اللحظة..
والل ّٰ ه ليس بجهدي ولا بعملي ولكنه توفيق الل ّٰ ه
وإعانته فالحمد لل ّٰ ه من قبل ومن بعد.
إنها بالفعل لحظة ختمي لكتاب الل ّٰ ه العزيز الذي
لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل
من حكيم حميد.
منذ ذلك الوقت وانا أرى الخيرات والفتوحات تَ تْ را
علي بفضل الل ّٰ ه، صحيح أن رحلة الحِ فظ لم تكن رحلة
مليئة بالورود، كانت تتداخلها الكثير من الأشواك ،
لكن هذا كلّ ه ليرى الل ّٰ ه صدقي في الإقبال على
كتابه..
بدأت حفظ كتاب الل ّٰ ه وأنا في سن السادسة
تقريباً، دخلت حينها التحفيظ ، وبدأت بقصار السور
حتى توصلت إلى الإسراء في سن التاسعة ، كان
من الفترض أن أتمَ الختم بعد سنتين تقريباً ولكن
بسبب إعادة الحفظ والإختبار الذي لم أجتزه ختمت
بعد عدة سنوات ...
والدايّ كان لهما الفضل بعد الله في إتمامي
لهذه المسيرة، كانا يشجعاني ويمسكان بيدي
نحو هذا الطريق.
لا حرمني اللّٰ ه منهم ولا من تحفيزهم
المستمر..
وأيضاً لا أنسى معلمتي التي ختمت معها، فقد
تعبت معي كثيرا، أسأل الل ّٰ ه سبحانه أن لا يضيع
تعبها وأن يكتب لها بكل حرف قرأته أضعافاً من
الحسنات..
ولها مني ولجميع معلماتي الشكر والعرفان
على ما بذلوه..
حقاً معلميّ القرآن لا ندري كيف نجازيهم!
ولكن لا نملك سوى الدعوات الصادقة لهم.
أكثر وصية سمعتها في ذلك اليوم وبعده
(عليك بمعاهدة كتاب اللّٰ ه فإنه شديد التفلت،
لا تتركي مراجعته مهما أستلزم الأمر)
وأنا منذ تلك اللحظه أحاول جاهدة أن أنفِ ذ وصية
أحبابي.
وأمنيتي التي طالما تمنيتُ ها: أن يفتح الل ّٰ ه عليّ
وأسرد كتابه كاملاً بلا خطأ واحد.
وهذه الأمنية تتطلب وقتاً وجهداً بعد معونة الل ّٰ ه
لتتحقق، فلا تُ نال المعالي على طبقٍ من ذهب!
الإنسان لولا المشقة والعثرات التي تواجهه، لما
وجد لذة الوصول حينها..
أكثر شيء ندمت عليه، أنني لم أهتم بالمراجعة
كثيراً، بل كان جُ لّ اهتمامي أن أختم كتاب الل ّٰ ه
في أقرب وقت.
لم أدرك حينها فائدة وأثر المراجعة المستمرة،
وهذا أثرعلي الآن، فأنا أراجع بعض السور وكأني
أحفظُ ها من جديد..
فنصيحتي لكم يا أحباب، عليكم بالمراجعة الدائمة
لأِ ني لا أود منكم تكرار الخطأ ذاته، عليكم بالسرد
فإنه يثبت المحفوظ ويرسخه، وأيضاً سماع
اللآيات من مقرئين متقنين..
لا يشعر أحد بقيمة المراجعة وفائدتها إلا الذي
شعر بأن حفظه متفلّ ت وبات يعاني من الحفظ..
احرصوا على الحفظ في وقت الصباح لإنه كما
قال رسولنا الكريم صلى اللّٰ ه عليه وسلم
(بورك لأمتي في بكورها).
خصصوا لكم ورد يومي لا تتركونه أبداً ، فإن ذلك
يساعد على الحفظ بإذن الل ّٰ ه ، واقرؤوه في صلاتكم
وفي قيام الليل.
واعلموا جيداً أنكم ستواجهون بعض العقبات
ولحظات الفتور، والشيطان يحرص كل الحرص على
إغوائكم فلا تدعوا له مجال، وأكملوا طريقكم في
الحفظ مستعينين بالل ّٰ ه ومتوكلين عليه.
واعلموا أن الل ّٰ ه يريد أن يختبركم ليرى صدقكم
فجاهدوا أنفسكم .. ضعوا في أذهانكم
حديث النبي صلى الله عليه وسلم
(يُ قالُ لصاحِ بِ القرآنِ اقرأ وارتَ قِ ورتَّ ل كما كنتَ
ترتَّ ل في الدُّ نيا فإنًّ منزلَ تكَ عندَ آخرّ آيةٍ تقرؤها)
يا لها من منزلة!
ولا يكون جلّ اهتمامكم سرعة الوصول، ولكن
احفظوا بتأنّ ي فإنكم ستصلون بإذن الل ّٰ ه ولو طال
الطريق، كم من طريق كان طويلاً ولكن .. عند
الوصول سيُنسى ذلك التّ عبَ ..
والأهم من ذلك هو العمل بما حفظتم، فما
فائدة الحفظ هكذا دون أي عمل وتطبيق؟ ما
فائدة أننا نحفظ سورة الهمزة ونغتاب الناس؟
ونحفظ سورة المطففين ونبخس الناس حقوقها
وأموالها؟
حقً ا لابد من الوقوف مع كل سورة والتأمل بها
لنرى مقاصد السورة ثم نطبقها في حياتنا ،
احرصوا على قراءة التفسير وتدبر أورادكم فإنها
من أعظم الأشياء التي تثبت محفوظكم.
واسألوا الل ّٰ ه دائماً الإعانة والتوفيق، وسلوه أيضاً
أن يرزقكم بالصحبة الصالحة ، فإنها من أهم
العوامل التي تعينك على الحفظ بعد الل ّٰ ه.
تمسّ كوا بهم فإنهم والل ّٰ ه خير صحبة، كيف لا وهي
صحبة كتاب الل ّٰ ه!
أي هدف وإنجاز تحققيه في هذه الحياة سيُ فرح
والديك ، ولكن إنجازك لحفظ القرآن بالنسبة لهم
فرحة لا تعادلها أي فرحة ، فأنتِ به بإذن الل ّٰ ه
ستلبسينهم تاج الوقار يوم القيامة وهذا والل ّٰ ه
من أعظم البر بهم ! ..
القرآن الكريم ليس حكراً في حفظهِ على الكبير أو
العالم، كم من صغار حفظوه ، وكم من ذوي همم
حفظوه ، وكم من أعاجم حفظوه ، ونحن في أتمّ
الصحة والعافية ما عذرنا ! وما الذي يقف في
طريقنا ؟!
حقّ اً لابد أن نعطي القرآن جُ ل اهتمامنا ونجعله
من أولوياتنا ، لنحظى بالبركة والسعادة والتوفيق
في الدنيا والآخرة .. استشعروا نعمة أن القرآن
نزل بلغتنا ،
قال تعالى:
(إِنَّ ا أنْ زَ لْ نَ اهُ قُ رْ آناً عَ رَ بِ يًّ ا لَ علَّ كُ مْ تعْ قِ لُ ونَ (
وأننا لا نواجه صعوبة بالغة في الحفظ كغير العرب،
بل والل ّٰ ه إن بعضهم يتقن حفظ القران كاملاً وهو
أعجمي لا يتكلم من العربية شيء ، فالقرآن ميسر
لمن أخلص وأجتهد ، فهنا ندرك أن الخلل يوجد في
العزيمة والنية فقط وليس بأي عائق آخر.
الإنسان إذا أراد فعل شيء سيُ سهل كل الطرق
المؤدية إلى حُ لمه وإلى الشيء الذي يريد الوصول
إليه، فيجب عليه أن يضع هدف حفظ القرآن أمام
عينيه وأن يكون جازماً ومتوكلاً على ربه ليحققه
بإذن الل ّٰ ه..
ابعدوا كل البعد عن سماع ومشاهدة الحرام ،
كم من أبواب وفتوحات أغلقت علينا بسبب ما
نشاهده ونسمعه ... وقد تكون ذنوب الخلوات
هي التي أبعدتنا عن القرآن وعن تدبره والعمل
به ، فكلما هممتم بذنب وكنتم بمعزل عن نظر
الناس تذكروا معنى الإحسان :
(أن تعبد اللّٰ ه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (
استشعروا أن اللّٰ ه يراكم في كل وقت وحين، ولا
تجعلوه أهون الناظرين إليكم!