دائمً
%E2%80%8F%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3-
%E2%80%8F%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%B3-
- No tags were found...
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
1<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة<br />
القافلة..<br />
تاريخ،<br />
معرفة<br />
وعراقة!<br />
فصليّة تصدر عن مشروع أصدقاء القراءة | العدد السادس | نوفمبر 2016<br />
أ. سعدية<br />
مفرح:<br />
ذاكرتي<br />
كتاب،<br />
وكتابي<br />
ذاكرة.. عشت<br />
هكذا <strong>دائمً</strong> ا،<br />
وال أتذكرني<br />
بال كتاب!<br />
magazine.rfriends.net<br />
وصايا قارئ عتيق:<br />
الكلمة الجميلة الخالية من المعنى<br />
هي جسد جميل ال حياة فيه!
3 2<br />
فريق اإلعداد<br />
هشام العبيلي<br />
هند الصبار<br />
زهرة الصالح<br />
هي مجلة فصلية<br />
تصدر عن<br />
»مشروع أصدقاء<br />
القراءة« كل ثالثة<br />
أشهر، حتتوي على<br />
مقاالت ولقاءات<br />
تهمّ كلّ قارئ.<br />
فريق المراجعة<br />
والتدقيق<br />
بدور الفصام<br />
عبد الرحمن الغنيم<br />
يف أقل من دقيقة،<br />
مشاركتك يف تقييم<br />
املجلة ستساعدنا<br />
يف تطويرها.<br />
تتطلع املجلة للمساهمة<br />
يف ترسيخ ثقافة القراءة<br />
وتعزيزها يف املجتمع، وأن<br />
تكون أداة فعالة لتوظيف<br />
املقروء الذي يخدم<br />
املجتمع معرفيًا وثقافيًا.<br />
رئيس التحرير<br />
فاطمة أبوسعدة<br />
فريق العالقات العامة<br />
غيداء الرويشد<br />
شمس اجلطيلي<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
تسعى املجلة لبناء<br />
املجتمع القارئ<br />
الواعي وذلك من<br />
خالل حتفيز أفراده<br />
ليكونوا عنصرًا<br />
مساهمًا يف التحول<br />
ملجتمع معريف.<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
المحتويات<br />
كلمة التحرير<br />
اخلطوة الثانية كيف ثم كم!<br />
قصة كتاب<br />
العمى ومكعبات ماجي<br />
مقابلة األستاذة سعدية مفرح<br />
مسابقة أفضل مراجعة على كتاب »عبقرية عمر« للعقّ اد<br />
نحو كتابات فريدة<br />
يف معنى أن أكتب<br />
ملخص كتاب مذكرات قارئ<br />
جيش األفكار<br />
أدب املقالة<br />
مجلة القافلة خزانة املعرفة<br />
تعريف بخمسة كتب عربية<br />
إعارة الكتب<br />
املزهدون يف القراءة<br />
وصايا قارئ عتيق<br />
إنهم أصحابي فأروني ماذا فعل بكم صحبكم<br />
من حيث ال أدري افترقنا<br />
بيبلومانيا<br />
الذوق األدبي<br />
البحث عن ثقافة مفقودة<br />
4<br />
6<br />
9<br />
12<br />
14<br />
22<br />
27<br />
28<br />
30<br />
35<br />
38<br />
43<br />
49<br />
54<br />
57<br />
59<br />
62<br />
65<br />
67<br />
71<br />
73<br />
فريق التصميم<br />
Brandin» You
5 4<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
كلمة<br />
التحرير<br />
احلمد هلل رب العاملن، والصالة<br />
والسالم على نبينا محمد، وعلى<br />
آله وصحبه أجمعن، أما بعد:<br />
ثمانية عشر شهرًا بتمامها<br />
استغرقت رحلة قوارئ بدءًا من<br />
انطالقتها األولى، أسْ فَرَت عن ستة<br />
أعداد فريدة من مجلتكم األثيرة،<br />
وقد كانت مع كل إصدار جديد<br />
تسعى للتجديد يف موضوعاتها<br />
والتنوع يف طرحها، مع احملافظة<br />
على الهيكل العام، والهدف الرئيس<br />
الذي انطلقت من أجل حتقيقه، وها<br />
هي تواصل رحلة اإلبداع واإلمتاع<br />
خالل مسيرة عامها الثاني، والذي<br />
تزداد فيه إيناعً ا وإيراقًا يومًا إثر<br />
يوم. ونحمد اهلل تعالى أن يسّ ر<br />
لنا بلوغ العدد السادس، والذي<br />
جاء بعد توفيق اهلل، بتضافر<br />
جهود فريقٍ متكامل، وأيدي عاملة<br />
متفانية مخلصة، استفرغت وسعها<br />
وأنفقت من وقتها لتكون عند حسن<br />
ظنّ قرّائها وأصدقائها األوفياء،<br />
ثم بفضل اجلمهور القارئ الذي<br />
سَ عدنا بتلقي مشاركاته القيّمة<br />
وآرائه الوجيهة وأفكاره النيّرة،<br />
والتي أسهمت إسهامًا كبيرًا يف<br />
تطور املجلة وإثرائها.<br />
أبلغ الشكر للفريق الذي يشعر<br />
بأن قوارئ قطعة من روحه،<br />
وللكتّاب والضيوف األكارم الذين<br />
ظللونا بسحائب أفكارهم ونفائس<br />
أقالمهم، وللمشاركن الرائعن<br />
الذين تسابقوا يف نشر أعمالهم،<br />
وللقرّاء الشغوفن الذين يرتقبون<br />
موعدنا معهم كل ثالثة أشهر،<br />
وللمتفضلن بالدعوة إلى تناول<br />
مجلتنا، ونشرها، والنقل عنها،<br />
ودعمها. ولألحبة الذين لم يتوانوا<br />
عن محاولة الكتابة، وال زالوا<br />
ميتلكون إصرارًا وعزمًا يف صقل<br />
أقالمهم وتنمية مواهبهم والتي<br />
نثق بأنها ستشق طريقها عما<br />
قريب لتجد مكانها يف إحدى زوايا<br />
أعدادنا املقبلة بإذن اهلل.<br />
وأسرة التحرير تدعو املتخصصن<br />
واألكادميين واملثقفن والقرّاء إلى<br />
املشاركة يف تطوير املجلة، والرفع<br />
من مستواها من جميع اجلوانب<br />
املوضوعية والشكلية، من خالل<br />
إحتافها بآرائهم ومقترحاتهم،<br />
وتزويدها مبلحوظاتهم وتنبيهاتهم،<br />
وتؤكد أن ذلك سيكون محل عناية<br />
وتقدير لتحقيق مزيدًا من الريادة<br />
والتميّز.<br />
واهلل املسؤول أن يجعل عملنا<br />
خالصً ا لوجهه الكرمي، وأن يوفقنا<br />
إلى ما يحبه ويرضاه، إنه قريب<br />
مجيب.
7 6<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
الخطوة الثانية:<br />
كيف ثم كم!<br />
غالبًا، يضع القارئ خطة سنوية له مطلع العام اجلديد وذلك<br />
لتحديد هدفه القرائي والذي سيحققه بنهاية ذلك العام إن بذل<br />
جهده لذلك، غالبًا -أيضً ا- يُركز القراء يف خططهم القرائية<br />
على »كم كتابًا سيقرؤون؟« ال »ما هي الكتب التي سيقرؤونها؟«،<br />
مما يجعل عددًا كبيرًا من املنضمن إلى مجتمع القراءة يصرفون<br />
اهتمامًا على الكم -والذي هو ال يهم كثيرًا- أكثر منه على الكيف<br />
-والذي هو من يُشكل الفارق يف عالم القراءة-.<br />
حينما نتحدث عن الكم فنحن نتحدث عن عدد الكتب التي<br />
قرأتها بغض النظر عن ماهيتها، فسواء قرأت كتبًا يف شتى<br />
املجاالت أو قرأت كتبًا يف مجالٍ واحد فأنت قرأت 50 كتابًا،<br />
وأنت هنا تتعادل مع أي قارئ قرأ 50 كتابًا أيضً ا بغض النظر<br />
عن ماهية الكتب التي قرأها وعن عدد صفحاتها وعن مستواها<br />
اللغوي، ولكن حينما نتحدث عن الكيف فنحن نتحدث عن ماهية<br />
الكتب التي قرأتها والفائدة التي خرجت منها، فقد تكون قد<br />
قرأت موسوعة أو اثنتن فيكون مجموع ما متلكه من معلومات<br />
يُعادل ما ميلكه قارئ قرأ 1500 كتاب، نعم.. الكم يُظهر أننا<br />
أجنزنا لكن الكيف يُظهر إلى أي حد اقتربنا من هدفنا من كل<br />
قراءاتنا.<br />
إن كنت قارئًا مبتدئًا نحن نقول لك: اخلطوة الثانية يف القراءة<br />
-والتي تلي اخلطوة األولى التي حتدثنا عنها يف العدد اخلامس<br />
من قوارئ- هي أن حتُ دد هدفك القرائي بناءً على ماذا ستقرأ<br />
أو يف أي مجال ستتعمق ال كم كتابًا ستقرأ، أو على أقل تقدير أن<br />
تخلط بينهما بحيث حتُ دد هدفك القرائي برقم ثم تُفصّ ل ذلك<br />
الرقم ليكون هدفك أوضح وأدق.<br />
نعلم إنه سيكون األمر مُحبطً ا بعض الشيء<br />
أو مُحبطً ا جدًا جدًا أن ينتهي العام وقد<br />
قرأت 10 كتب خالل 12 شهرًا يف حن يكون<br />
أصدقاؤك قد قرؤوا أضعاف ما قرأت، ولكن<br />
تذكر إن كنت تود أن تبقى لفترة طويلة يف حزب<br />
الذين يقرؤون فال تهتم بالعدد ألن ما سيُشكل<br />
ثقافتك العامة التي تكتسبها من القراءة وما<br />
سيُؤثر على طريقة تفكيرك وأسلوب حياتك لن<br />
يكون عدد الكتب التي قرأتها وال حجم املكتبة<br />
التي متلكها بل محتوى الكتب ذاتها.<br />
أن تقرأ عددًا محددًا من الكتب سنويًا ليس<br />
باألمر الصعب، فالقراءة السريعة والقراءة<br />
املسحية -التي ال ننصحك أن تتخذهما أسلوبًا<br />
لك يف الوقت الراهن-، والكتب ذات الصفحات<br />
القليلة، والكتب التي تُطبع بحجم صفحات<br />
صغير، وطريقة إخراج الكتاب التي جتعل<br />
معظمه فارغًا، جميعها وغيرها.. أمور تُساعدك<br />
على حتقيق هدفك القرائي الكمي لهذا العام،<br />
لكن ال شيء مما سبق ميكن أن يحقق الهدف<br />
الكيفي من القراءة، قد تقرأ 244 كتابًا خالل<br />
عامٍ واحد مبُعدل كتاب كل نصف يوم، قد تُبهر<br />
الكثير، وقد تفوز بتحدي القراءة، لكن ال شيء<br />
من هذا سيضمن لك أن تكون قد استفدت<br />
حقًا مما قرأت أو أن تكون اختياراتك مؤثرة<br />
على مستواك الشخصي فتنقلك نقلة نوعية<br />
ملستوى قرائي جديد أو مستوى فكري أعلى.<br />
نحن ال نقول ال تهتم بالكم لكننا نقول<br />
اصرف قليالً من اهتمامك فيه ألنه سيُظهر<br />
لك ولغيرك ما أجنزت بصورة قابلة للقياس،<br />
ولكن مع ذلك اهتم أكثر بالكيف واصرف وقتًا<br />
لتحديد الكتب التي ستقرأها لتصل بك إلى<br />
الهدف األساسي من القراءة والذي ال ميكنك<br />
قياسه بالطرق الرياضية ولكنك ستلحظه بشكل<br />
جلي يف شتى جوانبك الشخصية، وسيلحظه<br />
اآلخرون وسيُبهرون به - حتى وإن لم يخبروك<br />
بذلك-.<br />
كُ تب بواسطة - @mnaynabda
9 8<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
قصة كتاب:<br />
اإلسالم والحضارة<br />
العربية<br />
دُعيت إلى مؤمتر املستشرقن يف ليدن من بالد القاع يف<br />
صيف سنة 1931 وسألت رصفائي أعضاء املجمع العلمي العربي<br />
عن املوضوع الذي يرون أن أخوض فيه هناك، وقلت لهم إن<br />
كل عضو ال يسمح له الكالم أكثر من عشرين دقيقة، على ما<br />
رأيت يف مؤمتر املستشرقن يف أكسفورد سنة 1928، وقد تكلمت<br />
فيه على نهضة العربية األخيرة، وتعاون العرب واملستعربن<br />
على النهوض بها، وعلى نشر دفائنها املخطوطة. فقال أحد<br />
األعضاء صديقي الدكتور أسعد احلكيم: قل لهم إن اإلسالم<br />
أصبح معروفًا عند األمم مبا نقل إلى لغاتهم من كتبه، فليس<br />
من الالئق بعد اآلن ببعض املؤلفن أن يطلقوا ألسنتهم فيه مبا ال<br />
يليق، وال أن يطعن باملسلمن والعرب الطعن الذي لم ينشأ إال عن<br />
أحقاد قدمية وتعصبات رديئة. فقال األعضاء: هذا هو املوضوع.<br />
وقلت لهم: ليتني كنت قيّدت أشياء عرضت لي ولها صلة مبا<br />
نريد فقالوا: تكلم بقدر ما عندك من املادة وال يطلب منك<br />
الزيادة. فأخذت بدرس املوضوع درسً ا خفيفًا ألكتب فيه سبع<br />
صفحات. وملا أزمعت الرحيل حددت احلكومة لي مدة الرحلة<br />
أربعن يومًا فاستقللتها، وعدلت من تلقاء نفسي عن السفر،<br />
وفرح رئيس الوزراء ألنه كان يود أن يذهب إلى باريز وكذلك<br />
وزير املالية، فأبت املفوضية أن جنيبهما إلى رغبتها إذ ال غاية<br />
ترجى من سياحتها. وملا عدلت عن الذهاب إلى ليدن انصرفت<br />
إلى درس املوضوع الذي اقترح عليَّ أن أعرض له يف جلسات<br />
املؤمتر، واتفق أن تركت الوزارة بعد حن فسيطرت على وقتي<br />
كما أشتهي، وما زال األفق يتسع وميتد، وأنا حتدثني نفسي<br />
أني سآخذ مما كتبت محاضرات للمجمع العلمي حتى كتبت<br />
أكثر من تسعمائة صفحة، كان منها »كتاب اإلسالم واحلضارة<br />
العربية« طبع يف مجلدين يف مطبعة دار الكتب املصرية بالقاهرة،<br />
على نفقة جلنة التأليف والترجمة والنشر، وقد سلخت يف تأليفه
11 10<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
ثالث سنن لم أنقطع فيها يومًا واحدًا عن<br />
التأليف، ومدة اشتغالي كل يوم ثماني ساعات<br />
فأكثر. وشاهدت تيسيرًا يف التقاط مادته ما<br />
وقع لي يف تأليف كتاب غيره. فكنت أذكر ما<br />
تلوته من ثالثن أو أربعن سنة يف هذا املبحث<br />
أو املباحث فأسقط يف احلال على ما أتوخى،<br />
وقرأت ورجعت إلى أكثر من خمسمائة مصنف<br />
باللغات الثالث، وقال بعض العارفن إنه أجود<br />
كتبي تأليفًا؛ وذلك ألن موضوعه عام جذاب<br />
يحتاج إلى الرجوع إليه املوافق واملخالف،<br />
والكبير والصغير، والعربي واإلفرجني ، ومما<br />
كتب إليَّ األمير شكيب أرسالن فيه: »أنا معتقد<br />
أنك وفقت فيه توفيقًا كبيرًا وأنه خير ما كتبت<br />
بل من خير ما أخرج من الكتب يف هذا العصر،<br />
ولعمري إن هذا املوضوع كان يُعْوِزه كتاب جامع<br />
محيط بأطرافه كهذا الكتاب سدّ هذا العوز،<br />
وكفى الناس مؤونة نشدان األدلة من هنا ومن<br />
هنالك ومن هناك. إلى أن قال: ولذلك مسّ ت<br />
احلاجة إلى وضع كتاب يضيق معه مجال<br />
املغالطة يف فضل العرب، ويأخذ على املكابرين<br />
أو املتجاهلن أفواه الطرق، فكان هذا الكتاب<br />
الذي أرجو أن ينقل إلى لغة مشهورة من اللغات<br />
األوربية فاتنًا، نحن يف حاجة إلى أن يعلموا هم<br />
عنا أكثر مما نحن يف حاجة إلى أن نعلم نحن<br />
عن أنفسنا«.<br />
وكتاب »اإلسالم واحلضارة العربية« صورة<br />
من حالة العرب قبل اإلسالم وحالتهم بعده،<br />
وفيه إشارات إلى تأثيرات اإلسالم ولغته يف<br />
األقطار املغلوبة، ومناقشة من نالوا من اإلسالم<br />
والعرب وكتبوا فيهما بالهوى، واالستدالل على<br />
نقض أقوالهم بكالم علماء منهم تكلموا نازعن<br />
ربقة التعصب الديني. وقد رددت فيه أمهات<br />
الشبه التي أوردها الشعوبيون أعداء العرب<br />
واإلسالم، وعرضت ملا أثر اإلسالم يف أوروبا<br />
من طريق األندلس وصقلية، وما كان من اخلير<br />
لهاتن اجلزيرتن وما واالهما من حضارة<br />
العرب، وعرضت ما كان من تخريب التتار<br />
من الشرق والبربر والصليبين من الغرب يف<br />
كيان العرب واإلسالم، وما كان من غارات<br />
املستعمرين على ديار اإلسالم والشرق عامة،<br />
وما أخذه اإلفرجن من علوم العرب، وما أخذه<br />
هؤالء عن األمم احلديثة ملا حاولوا النهوض<br />
يف العصر املاضي، وذكرت ما أتى به اإلسالم<br />
من علوم خاصة به، وما عبث به العابثون يف<br />
هذا الشأن يف العصور التالية مما كان فيه<br />
تدلي أهله. وأفضت يف سياسة األمة العربية<br />
واألمم التي خلفتها كالترك والبربر والشراكسة<br />
واألكراد والفرس والهنود. وتوسعت يف إدارة<br />
احلكومات التي توالت على أرض املسلمن من<br />
عهد صاحب الشريعة عليه الصالة والسالم<br />
إلى يوم الناس هذا. فكان من هذين الفصلن<br />
األخيرين موجز من تاريخنا فيه زبدة ما يجب<br />
حفظه من تاريخ اإلسالم والعرب.<br />
محمد كرد علي، املذكرات، 3/316-318.
13 12<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
العمى<br />
ومكعبات ماجي<br />
كُ تب بواسطة - غيداء اجلويسر @galjuwaiser<br />
قال ديفيد كورنويل الشهير ب: جون لو كاريه : »حتوّل كتابك إلى فيلم هو أشبه برؤية حتول بقرتك<br />
ملكعبات ماجي"نتخوّف دائمًا من تداول خبر إعادة إنتاج عمل كتابي لعمل فنّي، إميانا من جتارب عديدة<br />
بأنه ما من نسخة أخرى ميكن أن تتفوق على العمل األدبي الذي نال حيِّزًا يف قلوبنا. لكن خوزيه<br />
ساراماغو الروائي البرتغالي شاهد عمله النوبلي: العمى وهي تتحول لفيلم ومسرحية ومقطوعة موسيقية<br />
لألوبرا.<br />
نشر خوزيه روايته باللغة البرتغالية يف 1995،<br />
ومتت ترجمتها لإلجنليزية يف 1997. وحن سُ ئل<br />
يف 1998 عن والدة فكرة هذه الرواية أجاب: »كنتُ<br />
جالسً ا يف مطعمٍ ما، منتظرًا أن يُقدّم لي غذائي،<br />
ففكرت فجأة، ماذا لو كانوا كلهم عميانًا ؟ كما<br />
لو كنت أجاوب سؤال نفسي، لكننا نحن بالفعل<br />
عميان. كانت هذه بذرة الرواية«.<br />
كانت مصافحتي األولى يف أغسطس 2015 مع<br />
األعمال النوبلية ومع ساراماغو يف ذات الوقت، ال<br />
أريد أن أحرق هنا مضمون هذا العمل ملن لم يقرؤه<br />
أو أكرر سردها ملن قرأها، لكن ذكر أحداث الرواية<br />
باختصار البد منه حتى يتمكّن القارئ من قراءة<br />
هذه املقالة. الرواية تتحدث عن مرض يصيب<br />
شعبًا ما يف مدينة ما يف زمن ما، هذا املرض هو<br />
العمى، بالتحديد رؤية البياض التام. ينتقل هذا<br />
املرض كالعدوى من مجهول كان يقود سيارته يف<br />
الشارع إلى مدينة بأكملها. ولكن شاهدا واحدا<br />
يبقى بصيرا وهو زوجة طبيب العيون الذي أصيب<br />
بالعمى بعد كشفه على املصاب األول! هذه الزوجة<br />
التي جتوب ما بن املشفى الذي حتول حملجر<br />
صحي قُذِ فَ فيه كل املصابون بالعمى.<br />
أذكر أنني كنت أغلق عيني وأفتحهما عدّة<br />
مرّات حتّى وصلت ملنتصف الرواية ألتأكد بأنني<br />
لم أصب بالعمى! منذ املشهد األول الذي يصاب<br />
فيه السائق بالعمى يهاجمك ساراماغو ويتشبث بك<br />
كغريق ال يريد أن ينقذك بل يريدك أن تغرق معه<br />
كذلك. كمية هائلة من الفظاعة يحملها هذا العمل<br />
بن طياته، يكتب لك ساراماغو بأدق التفاصيل<br />
كيف يتحول البشر إلى حيوانات إذا ما فقدوا<br />
املأكل واملشرب، مشاهد بشعة ترهقك أثناء القراءة<br />
بجانب اإلجهاد الذهني والعاطفي اللذان يضنيانك<br />
وأنت تقرأ صفحات الرواية، لتجد أنك يف ذات<br />
الوقت ال تستطيع التوقف عن القراءة!<br />
حينما قررت مشاهدة الفيلم الذي بُنِيَ علي<br />
الرواية والذي شاهده ساراماغو بنفسه يف 2008<br />
ظننت أن خيبتي بعد طعام.. صالة.. حُ ب جلوليا<br />
روبرتس - املقتبس من سيرة ذاتية بنفس العنوان<br />
- ستتكرر، لكنّ العمل السينمائي وإن كان لم يصل<br />
لتصوير بشاعة األحداث يف الرواية - نال استحساني<br />
كثيرا، كما أنني سعدت حن رأيت خوزيه نفسه<br />
يبكي من سعادته بهذا العمل. يكفي الفيلم مشاهده<br />
يف أروقة املشفى الذي حتول حملجر صحي، للشوارع<br />
التي حتولت ملكب قمامة ضخم، وللبيت الذي<br />
أضيئت به الشموع لعميان إال واحدة! هذه املشاهد<br />
ترسّ خ يف ذهنك توليفة متجانسة مع الرواية لترسم<br />
صورة مكتملة عنهما معًا: قراءة ومشاهدة.<br />
العمى رواية ال تكفيها قراءة واحدة، طوفان<br />
من األسئلة يزورك منذ أول صفحة ويأخذ يف<br />
االزدياد حتى بعد أن تطوي آخر صفحة! كلّما<br />
تقرأ مراجعة لهذا العمل تكتشف بأنّك قد غَفِ لت<br />
عن مشهد ما، لم اختار زوجة الطبيب كأنثى<br />
لتشهد على كل شيء؟ لم اختار شخصيات الرواية<br />
األساسية مبراحلهم العمرية وظروفهم االجتماعية<br />
والنفسية؟ لم النظارة السوداء قبل العمى؟ كيف<br />
يكون التسامح حاضرًا أمام هيبة االحتضار؟<br />
وكيف يكون مشهد االنتقام شفاء لغيظك!<br />
والسؤال الذي ما زلت أطرحه على ساراماغو:<br />
ماذا تقصد بالعمى؟ رغم أن الرواية تقول: »ما<br />
أصعب أن يكون املرء مبصرًا يف مجتمع أعمى«<br />
فالعمى هو ظالم اجلهل والرؤية هي نور الوعي،<br />
إال أنني ما زلت أحمل تأويالت مختلفة!<br />
رغم أن خوزيه لم يحدد اسمًا للمكان الذي<br />
أخذت الرواية منه حيّزًا، إال أنني قرأتُ يف إحدى<br />
املراجعات بأنّ ساراماغو يقصد البرتغال؛ ألنّ بعض<br />
املشاهد يف الرواية تتطابق وصفًا مع بعض األمكنة<br />
فيها، قرأتُ كذلك بأنّ خوزيه كان هو زوجة<br />
الطبيب، مبعنى أنّه حتدّث على لسانها يف الرواية،<br />
تتعدد القراءات لكنّ األهم كيف تقرأ أنت العمى؟<br />
أختم هذه املراجعة املتواضعة مبا بدأت به عبر<br />
سؤال واحد: إذن يا ديفيد ما رأيك مبكعبات ماجي<br />
هذه املرة؟
15 14<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
لقاء أصدقاء القراءة<br />
سعدية مفرح<br />
شاعرة وكاتبة وناقدة وصحفية، اختارتها جريدة الغارديات<br />
البريطانية كممثلة للكويت في خريطة الشعر العالمي. كما<br />
تُ رجمت كثير من قصائدها وأعمالها إلى عدد من اللغات األجنبية.<br />
تُ درّ س تجربتها الشعرية في عدد من الجامعات المحلية والعربية.<br />
وصدر لها عدة مؤلفات منها: تغيب فأسرج خيل ظنوني، وجع<br />
الذاكرة، ويسهر الخلق، سين نحو سيرة ذاتية ناقصة، هذا الجناح<br />
جناحي.<br />
1.1ما بواكير القراءة والبدايات<br />
األولى في عالم القراءة والكتابة<br />
عند أ. سعدية؟<br />
ذاكرتي كتاب، وكتابي ذاكرة.. عشت هكذا<br />
دائمًا، وال أتذكرني بال كتاب، لكن من الطبيعي أن<br />
تكون البداية احلقيقية من املدرسة. ما زلت أتذكر<br />
قصة الفأرة البيضاء من سلسلة املكتبة اخلضراء<br />
التي كانت جائزة التفوق األولى بالنسبة لي من<br />
إدارة املدرسة يف الصف األول االبتدائي. ولعلي ال<br />
أبالغ إن قلت أنني قرأت تلك القصة مرات كثيرة<br />
جدًا لدرجة أنني حفظتها أثناء العطلة الصيفية.<br />
كانت أول كتاب أقرأه خارج املنهج وكتب الدراسة،<br />
حيث اكتشفت يف ذلك العمر املبكر أن حياة أخرى<br />
جتري أحداثها على الورق أجمل بكثير من احلياة<br />
التي كنت أعيشها فعال. وأن حياة الورق هذه<br />
ميكن أن تكون حياتي أنا بقليل من احلب. أحببت<br />
القصة والقراءة كلها.. وهكذا بقيت النافذة التي<br />
فتحتها لي الفأرة البيضاء مفتوحة دائما، وتقترح<br />
علي املزيد من االندهاشات واللذائذ واالكتشافات<br />
اخلارجة عن إطار توقعاتي. لطاملا عرّفتُ القراءة<br />
بأنها دهشة، والكتابة بأنها دهشة مضاعفة،<br />
وبينهما كنت أبحث عن ذاتي التي أزعم أنني لم<br />
أعرفها إال من خاللهما.<br />
يف الثانية عشرة من عمري كنت قد بدأت<br />
القراءة بشكل منهجي يف مكتبة املدرسة، حيث<br />
كانت كتب التراث هي مالذي اجلميل. أقرأ كنوع<br />
من التقمص مع الزمن البعيد.. أعيشه بتفاصيله<br />
الغريبة، وأكاد أندمج معها حيث ال فكاك وال أريد<br />
الفكاك. كل شيء متنحه القراءة لنا علينا تقبّله<br />
كهدية ال ترد، حتى لو رأينا أننا لسنا بحاجة<br />
لها اآلن. ستحتفظ بها الذاكرة حتى يحن وقت<br />
حاجتنا لها أو رمبا تتالشى يف خاليانا وتنتهي فينا،<br />
نتكون منها ونبقى منتح من بئرها السري العميق<br />
إلى األبد. نتكئ عليها لنكتب كتابتنا األولى ونبقى<br />
مدينن لها حتى الكتابة األخيرة.<br />
ما زلت أحتفظ ببطاقة »أصدقاء املكتبة« التي<br />
كانت تعطى ألكثر من يستعير الكتب من املكتبة<br />
ويقرأها.. كنت أعلق تلك البطاقة وعليها اسمي<br />
وصورتي على صدري كتعويذة ضد الفراغ والهراء،<br />
وأباهي بها زميالتي، ومن خاللها عرفت أن القراءة<br />
ميكن أن تكون وسيلة أيضً ا ال غاية وحسب! وأن<br />
الفأرة البيضاء التي قضمت لي فجوة من اجلدار<br />
الذي كان يعزلني عن العالم سترافقني دائمًا لتقوم<br />
باملهمة ذاتها..<br />
يف كل معرض من معارض الكتب التي أزورها<br />
أجدني أبحث عن سلسلة املكتبة اخلضراء، وأحيانا<br />
يحلو لي أن ألتقط الصور وأنا أمسك ببعض<br />
نسخها، وكأنني أحاول استرجاع تلك اللحظات<br />
البعيدة التي انغمست فيها ألول مرة يف عالم<br />
القراءة كسمكة تفقس يف النهر لتجد نفسها تعوم<br />
يف أعماقه تلقائيًا، وما زلت أعوم يف نهر احلبر<br />
منذ ذلك الوقت حيث كبرت مكتبتي وتلونت بكل<br />
األلوان؛ لكن لألخضر فيها دهشة البدء وأسراره،<br />
وللفأرة البيضاء تعويذة البقاء لألبد.<br />
2.2متى تضعين عناوين كتبك<br />
ومقاالتك وقصائدك، هل تكون<br />
لحظة اإللهام العنوان قبل أو<br />
أثناء أو بعد الكتابة؟<br />
كأسماء البشر تبدو للقراء عناوين الكتب. ورغم<br />
أنني أصدق فيروز وهي تصرح بأن »أسامينا هني<br />
عينينا«، إال أنني ال أصدق أن عناوين كتبنا هي عيون<br />
هذه الكتب دائما! وإن كانت كذلك فهي أعن جتيد<br />
التصنع واخلداع، وكم خدعنا بعنوان كتاب أفضى<br />
إلى ما ال يشير إليه عنوانه. لست أدعو بأن يفضح<br />
العنوان املوضوع الذي يتناوله الديوان الشعري أو<br />
الرواية أو أي كتاب أخر مباشرة، لكنني أستهجن<br />
فكرة العناوين اخلداعة التي حتاول أن تقود القارئ،<br />
وخصوصً ا غير احملترف إلى ما ال يريد.<br />
أحب العناوين الالفتة، أحبها لوحدها أحيانًا،<br />
ومبعزل عن فكرة الكتاب. لكنني أستهجنها كفكرة<br />
متكاملة إن كانت من تلك العناوين )أو لعلها<br />
العنوانات!( اخلداعة الكاذبة كذبًا مبينًا. لطاملا<br />
احتفظت ذاكرتي بعناوين آسرة بدت لي حلظة
17 16<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
اكتشافها كقصائد منفلتة من محيطها اللغوي<br />
والشعري، وأذكر على سبيل املثال، أنني عندما<br />
قرأت عنوان مجموعة شعرية قدمية للشاعر قاسم<br />
حداد كخبر عابر يف صحيفة ما يومها، أخذت<br />
متامًا باللحظة الشعرية احمليطة بالعنوان؛ »ميشي<br />
مخفورًا بالوعول«، ولم أعد أفكر إال بتلك املشية<br />
الفارهة التي اقتنصتها موهبة الشاعر لتكون عنوان<br />
ملجموعته الشعرية فتأخذني إلى حيث أريد أنا ال<br />
إلى حيث يريد الشاعر رمبا!<br />
كلما حانت حلظة اختيار عنوان لكتاب جديد<br />
لي، أو حتى قصيدة، أستعيد لذّتي القدمية يف<br />
حضرة الشاعر الذي كان ميشي مخفورًا بالوعول<br />
يف غابة الكلمات، لعلي أكتشف مشية أخرى يف<br />
غابة أخرى لم يكتشفها أحد قبلي!<br />
ال أدري إن كنت قد جنحت ولو جزئيًا أم ال، لكنني<br />
عمومًا ال أعتمد نهجً ا ثابتًا يف اختيار عناوين كتبي<br />
وقبلها قصائدي. أحيانًا أختار العنوان أثناء الكتابة<br />
وأحيانًا قبلها وأحيانا بعد االنتهاء منها، ورمبا اخترت<br />
عنوانًا لقصيدة أو مقالة أو كتاب قبل االنتهاء من<br />
العمل ثم غيرته الحقًا. مثالً؛ »تغيب فأسرج خيل<br />
ظنوني«، عبارة اخترتها عنوانا لقصيدة لم أكن قد<br />
كتبتها بعد، وبقي صدى العنوان يتردد يف داخلي إلى<br />
أن تشكلت القصيدة وبعدها بثالث أو أربع سنوات<br />
ظهرت تلك العبارة على غالف مجموعة شعرية!<br />
وعلى العكس من ذلك عنوان كتابي »هذا اجلناح<br />
جناحي« الذي لم أختره إال قبل أن أدفع مبسودة<br />
الكتاب إلى الناشر عبر اإلمييل بدقائق قليلة فقط..<br />
أتى هكذا بال تخطيط مسبق وال استشارة من أحد.<br />
قرأت مقدمة الكتاب مرة أخيرة وخرجت بالعنوان<br />
وكأنني أشير إلى جناح طائرة محلق يف السماء مندغم<br />
بجناح طائر.. كان جناحي أنا بالفعل.. وأصبح عنوان<br />
كتابي. أما يف كتاب »مجرد مرآم مستلقية«، فقد<br />
احترت بن ثالثة عناوين واستشرت أحد الزمالء<br />
الشعراء. استعرض هذا الزميل العبارات املقترحة<br />
وأضاف كلمة إلحداها.. وتكون العنوان.<br />
هل هذا هو اإللهام؟ أم أنه حلظة قرار واع؟ لعلها<br />
خليط بن هذا وذاك، على أنني أهتم بقراءة العناوين<br />
يف ما أقرأ وأعتبرها عتبات النصوص ومفاتيحها<br />
األولية. أنفر من العناوين املغرية حد االنكشاف<br />
والتي تأتي بأنساق جاهزة ومتوقعة، يف حن جتذبني<br />
العناوين التي حتيل إلى الكثير من األسئلة. على أية<br />
حال، القراءة كلها سؤال مفتوح<br />
3.3ما رأيك بالمراجعات واالنطباعات<br />
التي يدوّ نها الهواة على ال<br />
goodreads؟<br />
ال أعرف هذا املوقع كثيرا، ولذلك ال أستطيع<br />
احلكم عليه بعدالة وموضوعية. حثني بعض األصدقاء<br />
على التسجيل به قبل سنوات قليلة، فدخلته ألستكشفه<br />
من باب املعرفة؛ ولكنني لم أحبه. هناك مراجعات<br />
جيدة بالتأكيد، وهناك غيرها. لكني ال أدري ملاذا لم<br />
أنسجم مع محتواه رغم تكويني القرائي اجليد. عمومًا<br />
أنا لست ممن يكتب مالحظاته االنطباعية بعد أو أثناء<br />
قراءة أي كتاب، ورمبا ألنني دائما أحب اكتشاف الكتب<br />
بنفسي وبعيدًا عن آراء اآلخرين بها. وغالبًا أحتفظ<br />
بذلك للكتابة عما أقرأه من كتب الحقًا يف مراجعات<br />
ومقاالت نقدية. يقال إن هذا املوقع شجع على القراءة<br />
فعالً، ويقال أيضً ا أنه شجع على االدعاء. وأنا أصدق<br />
ما يقال يف احلالن، ولكنني أرى أن االدعاء هنا أيضً ا<br />
مفيد ألنه يساعد على الترويج للكتب، ويبقى احلكم<br />
ملستخدمي هذا التطبيق ومتصفحيه.<br />
4.4 كيف يكوّ ن القارئ الملكة والقدرة<br />
على كتابة مراجعة أو انطباع عن<br />
كتاب ما؟<br />
القارئ اجليد ال بد أنه سيخرج بانطباع عما<br />
قرأه، وهذا االنطباع يتحول إلى رأي إن أعمل الفكر<br />
والتحليل فيه، وإن كان يجيد الكتابه سيفرغ هذا<br />
الرأي يف مراجعة يحرص فيها على إطالع اآلخرين<br />
على محتويات الكتاب ورأيه فيه. كثيرون يحاولون<br />
االطالع على كل ما كتب عن الكتاب الذي يودون<br />
الكتابة عنه، وبعضهم يحاول االطالع على كل نتاجات<br />
الكاتب حتى إذا لم يرد الكتابة إال عن هذا الكتاب..<br />
وطبعا كلها طرق مقبولة ومفهومة لكتابة املراجعات.<br />
ال أعتبرها عادة بل هي جزء من تكويني العقلي<br />
والفكري والوظيفي أيضً ا. أقرأ يف كل األمور واملجاالت..<br />
وعملي حلسن احلظ يتطلب مني أن أكون على متاس<br />
مباشر ويومي مع القراءة. أفضل األوقات بالنسبة لي<br />
الليل حيث آوي إلى مملكتي اجلميلة؛ غرفتي التي<br />
حتتوي على مكتبتي ومكتبي وسرير نومي وقليل من<br />
احتياجاتي اليومية األخرى، فال أعود بحاجة لشيء<br />
مهم غير ما حتتويه. لكن هذا ال يعني أنني ال أقرأ<br />
يف أمكنة وأوقات أخرى. وجود اآليباد معي دائمًا يسّ ر<br />
األمور بالنسبة لي، وأنا حلسن احلظ أحب القراءة يف<br />
الكتاب الورقي كما أحبها يف الكتاب اإللكتروني.. ويف<br />
آيبادي الكثير من الكتب التي تسعفني عندما أكون<br />
بعيدة عن مكتبتي يف البيت ومكتبتي يف العمل.<br />
6.6 الكتابة وليدة القراءة، متى تتجلى<br />
أ. سعدية كاتبة أو ناظمة؟<br />
كتابة املقاالت الصحفية عمل منظم خاضع لدورة<br />
العمل اليومية، وغالبًا أكتب مقاالتي الصحفية بأوقات<br />
على صعيد آخر هناك رأي مثالً يقول إن<br />
املراجعات ينبغي أن تكون للكتب اجليدة فقط<br />
تشجيعًا على قراءتها وترويجً ا لها، أما السيئة فال<br />
ينبغي أن ننشغل بالكتابة عنها حتى وإن على سبيل<br />
االنتقاد والتحذير مثالً، وهناك رأي يقول إن علينا أن<br />
نكتب عن اجليد وعن السيىء من الكتب على حد<br />
سواء ونترك الفرصة للقارئ كي يحكم بنفسه على<br />
ما يقرأ. وهناك من يشجع على استعراض محتويات<br />
الكتاب من دون تسجيل رأيه اخلاص يف النهاية.<br />
يف مراجعاتي للكتب أحاول أن أوازن بن كل اآلراء<br />
عادة. لكنني يف السنوات األخيرة لم أعد أنشغل<br />
بالسيىء من الكتب، وال حتى أكمل قراءتها... ال<br />
أستطيع أصالً. وأشعر أن وقتي أثمن من أن أضيعه<br />
بقراءات سيئة! العمر ميضي سريعًا وعلينا أن نستغل<br />
كل ثانية فيه بجمال احلياة والكتب وحسب!<br />
5.5 هل تمارس أ. سعدية عادة القراءة<br />
يوميً ا، وما لحظة االستغراق<br />
اليومي في القراءة؟<br />
محددة مسبقًا يف إطار وظيفتي الصحفية. أما الكتابات<br />
اإلبداعية فهي تختار وقتها وظروفها وال أستطيع إال<br />
اخلضوع لذلك الوقت وتلك الظروف.<br />
7.7مجاالت القراءة مفازة ال تُ حَ دّ ، أين<br />
تجد أ. سعدية مفرح نفسها من<br />
أنواع الفنون أو العلوم؟<br />
القراءة مفازة ال حتُ د.. جميل هذا التعبير، رغم<br />
أن املفازات من طبعها األصيل أنها ال حتُ د، ورغم أن<br />
القراءة تفارق املفازة يف كونها سُ قيا دائمة وغيث مستمر.<br />
أقرأ يف كل املجاالت؛ لكنني أحب قراءة الكتب الفكرية<br />
والعلوم، وبالتأكيد الشعر وكنت أعشق قراءة الروايات؛<br />
لكنني تخففت من ذلك مؤخرًا، لصالح السيرة الذاتية.<br />
أتتبع فيها مصائر البشر وأحاول قراءة مالمحهم قبل<br />
قراءة كلماتهم. لكن أدب السيرة الذاتية باللغة العربية<br />
قليل جدًا قياسً ا إلى الروايات مثالً، وهو أدب مبتسر<br />
وناقص ألسباب كثيرة.
19 18<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
من املجاالت التي أجدني فيها كتب األطفال،<br />
أعني الكتب املوجهة لألطفال وليس عن األطفال،<br />
أقرأ قصصهم املصورة واملرسومة وأناشيدهم ذات<br />
النمط اإليقاعي، وأحاول أن أكتب شيئًا مغايرًا<br />
للمعتاد منها. لقصص األطفال ركن مهم يف مكتبتي<br />
أحنّ إليه، ويف أعقد مشكالتي احلياتية أجدني<br />
منساقة إلى هذا الرّف استمد منه شيئًا من<br />
الطاقة اخلالقة.<br />
كتب األديان واحلضارات القدمية من الكتب<br />
التي استهوتني يف فترة من فترات حياتي، وما زلت<br />
أبحث عن أي كتاب مميز فيها. عندما قرأة كتاب<br />
املوتى الفرعوني سحرني متامًا حتى أنني قرأته<br />
مرتن، وما زلت أحتفظ به كأحد أهم الكتب يف<br />
مكتبتي، وأحب أيضً ا أدب التصوف وسير املتصوفن<br />
العرب. كما أنني حاولت مرة معرفة سر اهتمام<br />
الشاعر محمود درويش بقراءة املعاجم اللغوية<br />
فانسقت وراءه يف سحر الكلمات ومعاني املفردات،<br />
لكنني لم أكمل على هذا الدرب املعجمي.. وتبقى<br />
االقتراحات القرائية مفتوحة أمامي.. ال أحب<br />
أن أبقى يف دائرة التصنيف فكل كتاب غير قابل<br />
للتصنيف يعتبر أحد كتبي املفضلة.<br />
8.8 هل المجال الصحفي معين<br />
في توليد المزيد من اإلبداع<br />
واإلضافة للقارئ؟ أم أنه ينقل<br />
القارئ إلى مجال ضيق ال<br />
يستطيع معه ممارسة اإلبداع<br />
ا لثقا في ؟<br />
وفقًا لتجربتي أرى أن املجال الصحفي معن<br />
على القراءة والكتابة وعلى جتويدهما أيضا. علمتني<br />
الصحافة الكثير من األشياء اجلميلة وساعدتني<br />
على تنظيم وقتي رغم فوضويتها. وفيها تعلمت<br />
قيمة الثواني يف حساب الزمن. أكتب بسرعة وأقرأ<br />
بسرعة ولكن باستمتاع. وأحاول متابعة األخبار<br />
واملقاالت واملوضوعات بنظرة شمولية. وضعتني<br />
الصحافة يف قلب العالم، وربتت على قلبي بكثير<br />
من الطمأنينة والصبر وأنا أتقلب بن مشاهد الدم<br />
وأخبار الدمار. كثيرًا ما هربت من أخبارها إلى<br />
الشعر ومن الشعر إلى أخبارها وهذا علمني أن<br />
احلياة عجلة تدور بال بداية وال نهاية، وعلينا أن<br />
نفهم هذا املنطق الدائري فيها ال لنستمر وحسب،<br />
ولكن أيضً ا لكي منشي وال نقع!<br />
9.9 هل تدونين يومياتك أو حتى<br />
ذكرياتك؟ إن كان اإلجابة باإليجاب،<br />
فما غرضك من ذلك؟<br />
أيام املراهقة كنت أمتلك كراسة أسجل<br />
فيها يومياتي كل مساء. كنت ال أستطيع النوم<br />
قبل االنتهاء من تسجيل ما مر بي من أحداث<br />
وشخصيات خالل النهار، وأحيانًا أرسم بعض<br />
تلك األحداث والشخصيات على هامش الورقة،<br />
كانت تلك الكراسة هي ملجئي ومالذي، وحافظة<br />
أسراري، والشاهدة احلاضرة األمينة على أحالمي<br />
وطموحاتي وأمنياتي، وحاضنة مواهبي األولى يف<br />
الكتابة والرسم. وخالل سنوات قليلة جتمعت لدي<br />
كراسات كثيرة كنت أخبئها بعيدًا عن أعن العائلة<br />
كأنها سر مقدس حتى أصبحت عبئًا أشعر بثقله<br />
كلما عنّ لي أن أعيد قراءة بعضها. لكنني يف فترة<br />
ما شعرت بالنزق جتاهها، ولم أعد أسجل شيئًا،<br />
بل إنني عمدت على ما توفر لدي منها فتخلصت<br />
منها.. واآلن لست متأكدة إن كنت نادمة على<br />
ذلك أم ال. أحيانًا أتذكرها وأحتسر على ما كنت<br />
أسجله فيها، وأقول لو أنها ما زالت معي حتى اآلن<br />
لساعدتني على األقل على معرفة حتوالتي املعرفية<br />
والفكرية والوجداني أيضً ا، ولسندت ذاكرتي يف أوان<br />
تعبها وإرهاقها، خاصة وأنني بدأت أنسى الكثير<br />
مما مر بي وكنت أظنني لن أنساه! لكنني أحيانًا<br />
أخرى أقول لنفسي حسنًا فعلت، ال أريد أن أبقى<br />
أسيرة أحداث مضت بها من األلم واحلزن أكثر<br />
مما بها من الراحة والفرح! وأن ذاكرتي االنتقائية<br />
تعمل بكفاءة وتشذب حلظويًا كل ما مير بها فال<br />
يبقى سوى ما ينبغي أن يبقى وحسب!<br />
1010ال يحظى بعض المثقفين<br />
بالشهرة أو الصيت مع ما لديهم<br />
من مخزون معرفي، ما األسباب<br />
في نظرك؟<br />
ال ينبغي أن ينشغل املثقف احلقيقي مبثل هذا<br />
السؤال، وال ينبغي أن تكون الشهرة بحد ذاتها<br />
هدفًا له. واملخزون املعريف ليس من شروط<br />
الشهرة أو الصيت! وال تهم الشهرة هنا إال سبيالً<br />
لتوزيع األفكار، واملساهمة بنشرها بن اآلخرين.<br />
كثيرون مشهورون بال ثقافة وال معرفة وال شيء<br />
على االطالق، ثم إن هناك نوعًا من الشهرة تعتبر<br />
وباالً على أصحابها، وخصوصً ا الشهرة الالمعة<br />
ذات الوهج املتالشي، والذي يتحول صاحبها إلى<br />
عبد لها.. يعمل باستمرار على أال تتالشى فيحاول<br />
أن يبقى يف دائرة الضوء بأساليب مشروعة وغير<br />
مشروعة ترهقه وتنتهك خصوصيته بال فائدة<br />
حقيقية سوى الفائدة املادية أحيانًا.<br />
1111من القدوات المؤثرة في حياة<br />
أ. سعدية؟<br />
أقتدي باألفكار والكتب والفنون والقصائد<br />
واملعاني اجلميلة يف احلياة ال باألشخاص،<br />
فاألشخاص متغيرون والقيم اجلميلة ثابتة.<br />
1212كم تستغرقين من الوقت بين<br />
التماعة الفكرة وظهورها في<br />
كتاب؟<br />
قد نستطيع التحكم بالوقت نسبيًا أثناء تنفيذ<br />
األفكار، لك األفكار نفسها ال تتقيد بوقت أو زمن<br />
معن. لألفكار أجنحة ال أدري متى حتلق بنا..<br />
لكل كتاب من كتبي ظروفه الزمنية. هناك كتاب<br />
شعري أجنزته كله تقريبًا خالل ليلة واحدة، وهناك<br />
كتب على بساطتها استغرقت مني أعوامًا. وبعضها ما<br />
زال يف االنتظار.. ال أفكر إال بتجويد ما أنا فيه خالل<br />
الكتابة، وال يهمني الزمن كثيرًا إال ألسباب تنظيمية
21 20<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
»طوبى لمن ال يخشون العزلة، لمن<br />
الحقة تعقب عملية الكتابة نفسها وال تكون جزءًا منها.<br />
1313كيف يجوّ د الكاتب قلمه وينمي<br />
ملكاته في اإلنشاء والتعبير؟<br />
النصيحة التقليدية القدمية ما زالت صاحلة<br />
حلسن احلظ؛ القراءة ثم القراءة ثم القراءة، بوعي<br />
وتركيز واهتمام وجدية. لكن علينا االنتباه أن هذه<br />
النصيحة تصلح ملن ميلك موهبة الكتابة فعالً،<br />
وبحاجة لتنميتها وجتويدها، أما من ال ميلك ذرة<br />
من املوهبة فال أظن أن القراءة وال أي شيء أخر<br />
قادر على خلقها من العدم.<br />
1414 كيف نتقن كتابة المقالة؟<br />
حلسن احلظ فإن كتابة املقالة مما ميكن<br />
تعلمه فعالً عن طريق التدريب واملمارسة. ولعلكم<br />
تعرفون أن لدي مشروعًا باسم »كيف تكتب مقالة«<br />
وهو عبارة عن دورات سريعة عن فنون الكتابة<br />
الصحفية بأنوعها املختلفة من مقالة وخبر وحتقيق<br />
واستطالع وتقرير. وقد بدأ هذا املشروع بحساب<br />
على اإلنترنت يف نفس االسم mqalah@ وعندما<br />
وجدت إقباالً كبيرًا على هذا احلساب خالل فترة<br />
وجيزة طورته إلى هذه الدورات املوجزة.<br />
1515كلمة تودين تسطيرها لمشروع<br />
أصدقاء القراءة، ومجلة قوارئ.<br />
أشيد بكل مشروع يشجع القراءة بن األجيال<br />
اجلديدة، ومشروعكم من أجمل املشروعات التي<br />
تعرّفت عليها مؤخرًا. شكرًا لكم على ما تقومون<br />
به، وأمتنى منكم االستمرار والدأب يف فتح نوافذ<br />
جديدة أمام القارئ والكاتب والكتاب.<br />
ال يخشون أن تكون نفسهم رفيقهم،<br />
لمن ال يبحثون بيأس، على الدوام،<br />
عن فعل شيء شيء يستمتعون به،<br />
شيء يحكمون عليه.<br />
مال لم تنفردوا بأنفسكم يومً ا، فلن<br />
تعرفوها«.<br />
باولو كويلو
23 22<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مسابقة<br />
أفضل مراجعة<br />
على كتاب<br />
»عبقرية عمر«<br />
للعقاد<br />
كتب بواسطة - مرمي حمد سعيد lazord.reem@gmail.com<br />
الشرقية/ الدمام<br />
مما ال يغيب عن ذاكرة األدب، أن ثمة أسماء ظلت خالدة.. كان<br />
العقاد أحد أبرز تلك األسماء التي ال تزال تصنع يف قلوبنا شيئًا،<br />
وتثري عقولنا بنفائس األفكار واملعاني لتسمو بنا وترقى..<br />
إن العقّاد لشخصية فريدة متفردة، أعماله كانت نتيجة خليط<br />
احلياة التي شغف بها وكافح فيها من أجل العلم، فبالرغم من<br />
مسيرة حياته الوظيفية والسياسية املرهقة وبالرغم من قصر<br />
مسيرته التعليمية؛ إذ لم يصل إلى أكثر من الشهادة االبتدائية،<br />
إال أن ذلك لم يثنه عن نهم القراءة شيئاً، فظل يستزيد يف كل<br />
ما طالته يداه من الكتب على صعيد األدب العربي والعاملي على<br />
حد سواء، حتى جعل من نفسه ذاك األديب والشاعر والفيلسوف<br />
والسياسي واملؤرخ والصحفي الذي شاع اسمه وبقي مطبوعًا على<br />
جبن التاريخ..<br />
وها نحن يف كتابه عبقرية عمر نصبّ قراءتنا على أحد مؤلفاته<br />
العظيمة، تطالعنا أفكاره ونخوض معه رحلة حول دراسة ألطوار<br />
عمر بن اخلطاب -رضي اهلل عنه- ذاك الصحابي الذي أُيّد اإلسالم<br />
بدخوله فيه وحتقق به دعاء النبي الكرمي صلى اهلل عليه وسلم<br />
عندما قال: "اللهم أيّد اإلسالم بأبي احلكم بن<br />
هشام أو بعمر بن اخلطاب"، ونسافر مع العقّاد<br />
يف دالئل وخصائص عظمته، مستفيدين من هذه<br />
اخلصائص يف علم النفس وعلم األخالق وحقائق<br />
احلياة، باإلضافة إلى أوصافه - رضي اهلل عنه-.<br />
وتتجلى أوصاف عمر بن اخلطاب -رضي اهلل<br />
عنه- كما نص عليها العقّاد يف كتابه باهرة تدعونا<br />
للتفكّر يف هذه الشخصية التي عرفها العالم<br />
اإلسالمي وكانت وسمًا لنبل األخالق وعظم الدين<br />
يف نفسه، إذ بها وضعت أسس الدولة اإلسالمية<br />
حديثة العهد وشمخت واتسعت رقعتها وعظمت يف<br />
نفوس أعدائها.<br />
يرسم لنا العقّاد هذه الشخصية العظيمة<br />
التي هي خليط رائع من الصفات التي تنسكب<br />
يف شخص واحد، فهي كما يقول: "شخصية عمر<br />
من أقرب الشخصيات العظيمة مفتاحً ا ملن يبحث<br />
عنه، فليس فيها باب معضل الفتح وإن اشتملت<br />
على أبواب ضخام"، وهو يف سرده لتفاصيل تلك<br />
الشخصية ال يكف عن االستدالل إلى ما يوضّ ح<br />
ويعزّز أقواله باألدلة واملواقف التي تواترت عبر<br />
نصوص الرواة عن عمر -رضي اهلل عنه- يف<br />
شكل مبوّب وبأسلوب واضح بسيط وبعيد عن<br />
التكلف والتعقيد مما يجعل القارئ شغوفًا<br />
مبعرفة املزيد دون ملل عن هذه الشخصية<br />
الفذة التي كانت أمنوذجً ا أخرجته الدنيا ليكون<br />
مؤسّ س عهد ومحوّل تاريخ.<br />
إن فكر العقّاد وثقافته الظاهرة يف التحليل<br />
والبحث يف أسرار شخصية اخلليفة عمر -رضي<br />
اهلل عنه- وما يأتي به من اإلشارات والدالئل التي<br />
دعّ م بها أقواله، تكاد جتزم على أنه كاتب حاذق<br />
يهمه املغزى ويُعنى باللفظ واملعنى؛ ليصل إلى<br />
القارئ بشكل مشرق ال غموض فيه وال لبس، كان<br />
ذلك لزامًا أن يدحض بها حجج املستشرقن الذين<br />
انتقصوا من تلك الشخصية وعبقريتها الفريدة<br />
وحطوا من شأنها مستنكرين تركيبتها التي جتتمع<br />
فيها فضائل األخالق، ويغلب فيها العدل والرحمة<br />
والغيرة والفطنة واإلميان..<br />
ومن خالل تلك املواقف التحليلية، استنتج<br />
العقّاد أن طبيعة اجلندي يف صفاتها املثلى هي<br />
أصدق مثال للشخصية العمرية.<br />
وال يزال العقّاد يتحدث بإسهاب عن هذه الطبيعة<br />
التي طغت على شخصية عمر من شتى اجلوانب،<br />
فهو صاحب الفراسة والفطنة وهو القوي باإلميان،<br />
والشجاع الذي ينتصر بدينه يف ميدان احلياة<br />
العادل الذي اليخشى يف احلق لومة الئم.. حتى<br />
لقّبه الرسول - صلى اهلل عليه وسلم- بالفاروق.<br />
وبهذا التسلسل الرائع يف سرد األفكار<br />
يسلّط الضوء على إسناد مسمى مؤسس الدولة<br />
اإلسالمية لعمر بن اخلطاب بالرغم من أن أبا<br />
بكر أول من تولى اخلالفة، موضحً ا أن السبب يف<br />
ذلك إمنا جيء به ملعنى آخر غير معنى السبق،<br />
فإلى جانب أن عمر يعد مؤسسً ا للدولة اإلسالمية،<br />
وهو واضع الدستور اإلسالمي وأول من سنّ النظم<br />
والدعائم والقوانن للدولة اإلسالمية من جميع<br />
النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية..<br />
بل هو أكبر فاحت يف صدر اإلسالم، كما أن يف<br />
تقدمي أبي بكر باخلالفة على عمر إمنا هو من<br />
باب املوازنة والشروع باألصح والصالح ألحوال<br />
الزمن ولكرامة الصحابة واملسلمن أجمعن،<br />
وليس تقليالً لكفاءة عمر.<br />
فهو كما قال الرسول الكرمي: "لو كان بعدي<br />
نبي لكان عمر بن اخلطاب" ، يخلص العقّاد بعد<br />
تلك االلتفاتات املفصّ لة عن تلك الشخصية بصورة<br />
مجملة وحملة عامة يختصر فيها ما تطرق إليه<br />
من مالمح عمر وصوالً لوفاته، حيث كانت نهاية<br />
عمر تنم عن رجل عظيم امتأل قلبه باهلل والتعلق<br />
به حتى صغرت الدنيا يف عينيه، وهو يف موضع<br />
احملتضر يعرض لنا العقّاد صورة عمر وهو ال يزال<br />
متمسكًا بأخالقه يف البدء باألهم حن الوصية<br />
وحن استأذن عائشة -رضي اهلل عنها- أن يدفن<br />
عند رفيقيه..<br />
وهكذا تويف عمر وبكى املسلمن فقده كأن لم<br />
تصبهم مصيبة إال يومئذ.
25 24<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
»وأحبّ الكتابة؛ ألن<br />
الحياة تستوقفني،<br />
تُ دهشني، تشغلني،<br />
تستوعبني، تُ ربكني<br />
وتخيفني وأنا مولعةٌ<br />
بها«.<br />
رضوى عاشور
27 26<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
نحو<br />
كتابات فريدة<br />
كُ تب بواسطة - رشا اليافعي @ralseyaiily<br />
استهالل!<br />
كم تختبئ خلف جُ دران احلروف من معانٍ !<br />
وكم جتُ لِّل الكلمات من مفاهيم، قد تختصر لنا السنن ببضع كلمات!<br />
في العمق..<br />
كثيرٌ منّا يُحسن الكتابة، لكن ال يُجيد صناعة الفكرة اجليدة، القيمة<br />
األدبية، احملتوى املفيد. وال غرابة فقد أصبحنا أمام سيلٍ من ركامِ<br />
حروفٍ مرصوفةٍ على قارعة برامج التواصل االجتماعي )تويتر أمنوذجً ا(،<br />
والعجيب من )يُصفّق لها( بتفضيلها تارة، وإعادة تدويرها أخرى، ال<br />
للمضمون؛ بل ألنه شيء من نوع جديد، قد ال يجيد فهمه، أو ألنه وجد<br />
الفكاهة فيها.<br />
عزيزي/تي الكاتب ينبغي حال الكتابة مراعاة الذائقة العامة لقُرّائك،<br />
ولكي أضمن لك خامة جيّدة من الكتابات، عليك بااللتزام بتعاليم الشرع<br />
يف فحوى كالمك، مع اختيار األسلوب املناسب واملوضوع اجلديد حينها<br />
سيكون محبّوك بشغف جلديدك، ودمت كاتبًا متميزًا!<br />
خالصة الفكرة:<br />
احرص على سالمة اللغة فيما تدوّنه.<br />
احذر من األلفاظ والتعبيرات املخلّة باآلداب واملخالفة لتعاليم<br />
اإلسالم.<br />
ج مّ ل تدويناتك بعالمات الترقيم.<br />
أكثر من القراءة يف كتب األدب ونحوها، ستتمتع بحصيلة لغوية<br />
جيدة!<br />
ق دّ م ما ينتفع الناس به؛ كي حتصد أجره!<br />
جِ د ة املوضوع مما يجذب الناس للقراءة فيه.
29 28<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
في معنى<br />
كُ تب بواسطة - أروى الزهراني<br />
ما كتبت شيئًا وال مرة<br />
دائمًا كنتُ أحتلل ألصبح مخلوقًا جديدًا أو<br />
ألفنى، أيًا كان الذي يفنى، أحيانًا شعور، وغالبًا<br />
تفوقت بجهد وحصلت على شهادة التميز<br />
إنني لم أنتمِ قط ملسألة الرسوب والنجاح<br />
كانت دائمًا مسألة هزمية أو نصر<br />
rorozahrani123@gmail.com<br />
أن أكتب<br />
كمشكاة تتأرجح على حائط الدنيا!<br />
أُقاوم بقائي، يفسرني هذا التأرجح<br />
وحده سقوطي حقيقي كاملوت، أما اعتدالي<br />
وثباتي يف حائط احلياة فهو مسألة مُنتهية بالنسبة<br />
لي وللحياة أيضً ا<br />
قبضتُ تفاصيلها مُبكرًا جدًا وعرفت بأن قضيتي<br />
ال تقبل االستئناف بعد<br />
أحيانًا يُخيل لي أن النص مبثابة مشيمة<br />
تتكور فيها حقيقة مُلحّ ة وآنيّة<br />
األمر الذي يجعلني إما جنينًا أو أُمًّا يف الكينونة<br />
والطريقة وليست يف الصنف فحسب.<br />
بالطبع لن أكون شيئًا آخر ألن احلَبكة هي أنا<br />
وما يف األنا، وعالقة ذلك بي.<br />
كل ما يحدث من مخاضات بعد ذلك تستوجب<br />
املتابعة. حتى أصل لسطر أخير لم أكن أدرِ عن<br />
مضمونه يصبح فيما بعد البُشرى واخلالص.<br />
بهذه الطريقة بالضبط هي نصوصي<br />
النص الواحد يكون مرة مخاضً ا، ومرة مُلفّعًا<br />
باألمان.. مرة بُشرى لوالدة شعور ومرة نعيًا آلخر<br />
لم تكتمل خلقته يف رحم النص، وهذا الذي يجعلني<br />
عصيّة على أن أتسمى على سبيل املباهاة "كاتبة"!<br />
ألنني لم أشعر لو ملرة أنني أكتب!<br />
ولم أستطع أن أؤدي الكتابة اليومية املتوالية قط<br />
.. األمر مختلف<br />
إنني أعيش حالة<br />
أتخلّق، يهزني مخاض الشعور وكل مرة أنازع<br />
بطريقة مختلفة عما قبلها<br />
أَلِد، أُجهِ ض، أتلوّى، أركل، أطفو، أندلِق<br />
فكيف أشعر بعد هذا كله أنني أكتب؟<br />
سِ مات<br />
ما متكنت وال مرة أن أحدد وجهة السفر،<br />
وأسافر فيها بكل رغبتي ومقاصدي<br />
كنتُ دائمًا مسافرة ملكانٍ وأجدني يف نقيضه<br />
أبدأ من القمة تأمالً يف القمة وأجد أنني يف<br />
القاع والغياهب من مشيمة شعورٍ بعِ ث ألسفل درك<br />
تتقن توفيره احلياة،<br />
ومن بذرة عقيم تتأكسد يف جويف عبثًا<br />
لشجرة يافعة تسر الناظرين<br />
فهل يُعقل أنني أكتب؟<br />
ما كنتُ ألقول هذا لوال أن يدي أحيانًا<br />
كانت مِ نجالً ويف ذات الوقت ماء<br />
يف هذه احلالة رمبا أُقارب الكتابة -كتابة يف<br />
الوقع وليس الطريقة- فاملِنجل يدي وهي تقصل<br />
الزهر يف روحي حن تُباهي بفرط اجلرح.<br />
واملاء يدي، يف حالة أخرى حن تكون وديعة جدًا<br />
وتُسقي اليباب يف أوراقي برقة ما ألِفناه وقلبي من<br />
التفاصيل والكلمات<br />
وأيضً ا ال أشعر متامًا يف هذه احلالة بأنني<br />
أكتب!<br />
أُزهِ ر نفسي وأئدُها، فهل يليق بي أن أكون<br />
كاتبة؟<br />
متُ سك الورقة بكل هدوء وثبات وتأمر قلمها<br />
باختيار املهذب من الكلمات!<br />
هي ثابتة وأنا من طور لطور أتشكل، أحتلل<br />
أشخُ ص ، أنصهر ، ألتحم ، أتخلّق<br />
هي متُ سك القلم وأنا أستمسك بعروة قلبي<br />
هي تنجح ألن عالقتها بالكتابة، عالقة تلميذ<br />
وكتاب<br />
غنيمة أو بتر<br />
مسألة معارك ونضال والنتيجة ال تُعطى<br />
هي املصير بحد ذاته<br />
فهل أجرؤ على تلبّس هذا اللقب والتجول بن<br />
كل املُلقبن به وأنا النقيض ' الضد ' وكثير من<br />
األحيان ال شيء!<br />
أمتنع عن التصنيف<br />
أنا حتى أتضوضأ من مسألة قراءتي<br />
لكثير من األوقات تُفزعني مسألة أن يقرأني<br />
أية أحد<br />
أتخيّر إخوتي يف الوعكات<br />
أقتنصُ كل مُتأرجح بريبة يف حائط احلياة<br />
مشكاة، ورقة، لوحة، صورة، نُدبة أو حتى نقطة<br />
سوداء يف حائط أو احلائط بذاته<br />
أقتنص هؤالء ألنني وحدي أكيدة من أنهم زُمرةٌ<br />
من أهلي<br />
أهل التحلل والوالدات املتكررة والتخلق<br />
أولئك الذي يُزهرون أنفسهم ذاتيًا بفعل أنفسهم<br />
ويذبلون أيضً ا بطريقة تخصهم وال يتدخل فيها<br />
أحد<br />
زُمرة مُبشرة ومُنذرة وممنوعة عن التصنيف<br />
وحن نقرأ بعضنا لن يحدث أن نقرأ نصً ا<br />
بل سنعيش حالة، ونشهد والدة، أو ننعى فقيدًا<br />
نتعشّ ب، نتفتت، نذبل، ننازع، نرعى تآلفًا،<br />
نهدهدِ تناسُ خً ا.<br />
لن يحدث أن نكتب أو نقرأ فحسب<br />
سنقرأ رمبا يف حال إن كانت النصوص ال تخصنا<br />
وال تُفسرنا كمرآة.كغريق ال يريد أن ينقذك بل<br />
يريدك أن تغرق معه كذلك. كمية هائلة
31 30<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
ملخص كتاب<br />
مذكرات قارئ<br />
كُ تب بواسطة - وراق @waraqcast<br />
بعد أن جتاوزت األربعن، غلبني إحساس شديد باحلاجة إلى الكتابة عن الكُ تب، وكيف ال أكتب؟؛ وقد<br />
قضيت معظم ما مر من سنوات وعيي قارئًا. بدأت فوجدت النصوص التي أذكر مواقعها، واألفكار التي مررت<br />
بها، والنتائج التي توصلت لها ماثلةً للعيان، تُنادي كل منها من زاوية قريبة أو بعيدة، كلها تطلب احلضور<br />
إلى عالم الوجود، هاربة من عالم النسيان، تُخيفها اللحظات القادمة، ويروعها أن تُهمل ذات يوم.<br />
)مُ تعة القراءة(<br />
1.1لماذا نقرأ؟<br />
يرى أحدهم بأنه: "يجدر بنا أن نقرأ لنكون أقوى؛ وألن الكتاب مصباحٌ يف اليد".<br />
املؤلف: د. محمد األحمري<br />
إن القُ رّ اء يأتون للكتب بحثً ا عن القوة، أو املعرفة، أو املتعة، أو العاج. غير أن الكتب التي تأتيها<br />
مختارً ا قد تبقى معها دون اختيار، فتسجنك با وعيّ بقيودها، وقد تسلبك القوة وأنت تتوهم أنها<br />
تُعطيك، فالكتب تسلب الكثير من خلق الفطرة ومواهبها، كالبراءة والتذكر واملاحظة املطلقة قبل<br />
ورود العلوم، وقد تهوي بك بعض املعرفة يف مغاور اجلهل، مبا تزعمه لك الكتب من علم قد ال يكون<br />
إال معرفة ناقصة، وقد تفتح لك الكتب بابًا للشقاء!<br />
ولطاملا سُ ئلت السؤال املعروف: متى بدأت القراءة؟ وملاذا أحببت القراءة؟ وأعترف أنني ال أمتلك<br />
إجابة دقيقة، غير أني أظن أن متكن الطالب من القراءة وتغلبه على عقدة الفهم يف األعوام األولى<br />
سوف تساعده على االستمرار يف القراءة. وأن<br />
النصوص الصعبة مانعة من القراءة، وحاجزة<br />
إذا تلقاها الطالب، وهي أعلى من عمره<br />
العقلي، أو كانت لغتها بعيدة املنال.<br />
إننا نقرأ للمتعة، وهذا قد يكون خير<br />
مدخل للقراءة، فالذي يقرأ ألنه مجبر قد ال<br />
يستفيد وال يستجيب لهدف النص، وال يُدرك<br />
هدف القراءة ودوافعها. فالقراءة من أجل<br />
املتعة والتلذذ باملغامرات واألفكار واملشكالت،<br />
والصور الفكرية والتاريخية واألدبية، جتعل<br />
من القراءة رغبة دائمة. وعيب هذه الرغبة<br />
أنها جترف القارئ ليقرأ فقط، وليستمتع<br />
ويخرج من متعة نص ملتعة نص آخر، وهكذا<br />
يسلمه كتاب لكتاب وكاتب لكاتب ويفقد هدف<br />
القراءة، هذا إن لم جترفه الكتب ليفقد هدف<br />
احلياة.<br />
2.2كيف نقرأ وماذا نقرأ؟<br />
يقول ألدوس هيكسلي: "كل من يعرف كيف<br />
يقرأ يستطيع توسيع قدراته وتنويع وجوه<br />
وجوده، ليجعل حياته مليئة ومهمة ومثيرة".<br />
وينصح أبو الوليد محمد بن رشد بتعلّم علم<br />
واحد يف وقتٍ واحد، وينهى عن تشتيت الذهن،<br />
وهي نصيحة قدمية متجددة. يقول: "فإن من<br />
رام أن يتعلم أشياء أكثر من واحد يف وقت<br />
واحد، لم ميكنه أن يتعلم وال واحدًا منها".<br />
إن اجلواب عن "ماذا أقرأ؟" عمره عمر<br />
السؤال، غير أني أقول لك إن جُ لّ من قرأت<br />
لهم من قومنا ومن غيرنا يقولون: عليك ب<br />
"املنابع العظمى"، عليك بالكتب األصيلة اجليدة،<br />
عليك بكتب "املؤسسن الكبار" للعلوم واألفكار.<br />
ودع عنك هذه الشروح والردود والتعليقات<br />
وامللخصات. وقد كان ابن باز يُنهي كتاباً من<br />
"كتب احلديث" ليعيد القراءة مرة أخرى،<br />
وال يتوسع يف "كتب الفروع"، بل ال يقرأ ما ال<br />
يتناسب مع شخصه وأدبه. فقد قال إنه بدأ<br />
قراءة "احمللى" ثم الحظ سالطة لسان ابن حزم<br />
على العلماء فترك القراءة.<br />
وللفيلسوف مورتيمر إدلر نصيحة قرأتها<br />
يف مذكراته اجلميلة حقًا بجزأيها، وقد درّس<br />
"الكتب الكالسيكية" يف "جامعة كولومبيا"<br />
ثم انتقل إلى "جامعة شيكاغو" ونقل فكرته<br />
معه، وكان يُلزم طالب الدراسات العُليا بقراءة<br />
النصوص ودراستها، ثم االجتماع عليها يف<br />
الفصل ومناقشتها، ثم الكتابة عنها. فيُصبح<br />
الطالب دارسً ا وشارحً ا ومُعلقًا على املن<br />
األصلي. ومرة قال يف مقابلة معه عندما سأله<br />
املذيع: ماذا تقرأ إذا انتهيت من كتاب تراثي<br />
مهم؟ قال: أُعيد قراءة آخر. وهذه نصيحة<br />
املتقدمن واملتأخرين منا ومن غيرنا، فمالنا ال<br />
نُحب فعل ذلك؟!<br />
3.3هل نقرأ أي شيء؟<br />
كنت أُناصر هذه الفكرة يف غرارة الصبا،<br />
ونفذتها زمناً ولم أُبالِ ، وهرّبت من الكتب<br />
املمنوعة ما استطعت، وملا سمعت عن كتب<br />
عبد اهلل القصيمي بعد قراءة "الغربال" مليخائيل<br />
نعيمة، وحواره الساخر بالقصيمي قلت يف نفسي:<br />
لم ال تقرأ له؟ فحرصت على كتبه فلم أجدها<br />
عند أحد من معاريف، وال يف الدول العربية التي<br />
لي فيها أصدقاء. فلما سافرت للدراسة وجدت<br />
نفسي يف مكتبة "جامعة ميشجن" التي جمعت<br />
"كل الكتب". وهناك صرفت وقت الدراسة<br />
لقراءة ما اتسع له يومي، فأذهب لها كل يوم<br />
بعد الدوام. وكان مما تذكرت البحث عنه كتب<br />
القصيمي، فقرأت له، وعند حلظة معينة وهو<br />
يتكلم عن األنبياء شعرتُ باشمئزاز شديد من<br />
كتابته، ورأيته يسف إلى درجة غير معقولة<br />
يف شتم الرسل واألنبياء. وأحسست أن هذه<br />
النفسية املستخفة الساخطة تعاني من مرض<br />
وليس من ثقافة ومعرفة. رميت كتب هذا الثقيل<br />
املتخافف املغرور غير راغب. ولكني بدأت أشك<br />
يف القاعدة التي مشيت عليها.<br />
4.4نوجه الكتب أم توجهنا؟<br />
هل سألت نفسك ذات يوم عن العالقة بينك<br />
وبن الكتاب الذي بن يديك؟ هل قلت إنك
33 32<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
السر في<br />
املتصرف يف الكتاب رهينة يدك، أم هو الرائد<br />
الهادي أو املضل املؤثر على فكرتك وتوجهك؟ ال<br />
حرج عليك أن تعترف باحلقيقة التي تعلمها من<br />
نفسك، فإن كانت الصفحات التي مرت بك من<br />
كتاب ساقتك لقرار عملي سلمت به دون فكر،<br />
فإن كنت شاباً ويف بحر الثالثن فال حرج يف هذا<br />
كثيراً، وال لوم عليك أن تتبع الكتب، وتسلم بكثير<br />
مما فيها، أم إن كنت بعد األربعن من العمر وما<br />
زالت تسوقك الكتب، فأنت أسير للمؤلفن وقليل<br />
االنتفاع بالكتب. فبعد هذا العمر من عشق الكتب<br />
وصحبته، من املؤمل أن تكون غلبته ولو يف بعض<br />
األحيان، أو غالبته لتنتصر أحياناً عليه.<br />
الكتب القديمة:<br />
ال حتقرن الكتب القدمية، فقد جتد عليها<br />
تعليقاً من فذّ نبيه، لرمبا كان أقدر من املؤلف<br />
الشهير الذي عال جنمه بكتابه، فجمهور القُرّاء<br />
جنباء، ومنهم كثيرون خير من املؤلفن. يف مرحلة<br />
اجلامعة كنت أجلس يف مكتبة قدمية أُشتريت<br />
من ورثة األديب أحمد عبيد، وقد فهمت أنه<br />
من سوريا، من هوامش كتبه وأماكن شرائها،<br />
واستمتعت بتعليقاته، وكنت أفوت محاضرات<br />
غير مهمة وأنا أرافق القارئ الكبير. ويف أمريكا<br />
استمتعت بالكتب املستعملة، واستفدت منها<br />
كثيراً، وقد كنت أعاني من طول الكتب املطلوب<br />
قراءتها أسبوعياً، وهي كتب تاريخ واملؤلفون<br />
الغربيون يكثرون الكالم جداً، وقد تيسر ليّ أن<br />
اهتديت باملعاناة وحدها إلى الكتب التي يترك<br />
القُرّاء خطوطاً على املهم من أفكارها وقضاياها،<br />
ووجدت يف مجالت املراجعات التي تراجع الكتب<br />
مادة غنية مفيدة ورائعة، وهناك فهارس لهذه<br />
املراجعات وأين كتبت. فبعد زمن ليس بالطويل<br />
اهتديت إلى هذه الكنوز فأفادتني بأن أقدم فكرة<br />
الكتاب واضحة وملخصة ومنقودة، ولكنها أضرت<br />
بي؛ ألنها تبعدني عن الكتاب وقراءته كامالً أو<br />
أغلبه، وكم من مُراجع تخدع مراجعته، فيضع من<br />
اجليد ويُشيد بالرديء!<br />
5.5معايشة النمرة:<br />
قال همنجواي: "إن الكتابة قد تبدو سهلة،<br />
غير أنها يف الواقع أشق األعمال يف العالم".<br />
رمبا يكون هذا االقتباس مدخالً جيداً للحديث<br />
عن الكتابة، الكتابة كمغامرة روحية ومعرفية<br />
ولغوية. إن الكتابة تكشف إلنسان عن نفسه ما ال<br />
يكشفه التأمل والسكون؛ فأنت ترى نفسك هناك<br />
على السطور بكل محاسنك ومعايبك، فلماذا<br />
تصعد مسرح الكتابة وتكشف هذه العيوب؟ هل<br />
هو مرض الظهور؟ أو هل هو حب املعرفة ونشرها<br />
بن الناس؟ أو هي الرغبة يف نصر املوقف؟ أم<br />
انتصار على الذات؟<br />
والكتابة - قبل كل شيء - إحلاح على النفس<br />
قد ال يعرف الكاتب سببه، وخاصة يف البدء،<br />
وال يتصنعه غالباً. حن حتاول الكتابة أول مرة،<br />
ال تسأل نفسك: "ملاذا أكتب؟"، رمبا بعد وقتٍ<br />
طويل ستجد وقتًا لهذا السؤال: "ملاذا نكتب؟".<br />
6.6بيتٌ في مدينة األدب:<br />
سمعت من عطاء اهلل مهاجراني أن أحدهم<br />
قال للطيب صالح: ملاذا لم تكتب كتبًا جيدة يف<br />
مستوى "موسم الهجرة إلى الشمال"؟ قال: ما<br />
كان لي وال ميكنني كتابة كتاب آخر مثله، فقد<br />
كنت حريصاً على أن يكون لي بيت يف مدينة<br />
األدب، وهذا بيتي يف مدينة األدب بيتًا صغيرًا<br />
جدًا، ولكنه من األملاس! فال عيب أن يكون لك يف<br />
عمرك عمل واحد فقط، ولكنه عمل متميز.<br />
الكتابة<br />
»السر في الكتابة أيها الحبيب<br />
أن يكون عند الكاتب فكر يبديه<br />
هذا قبل كل شيء.<br />
ومن ثم فالقالب الذي يسكب<br />
فيه فكره يتوقف على دقة<br />
ذوقه في اختيار األلفاظ األكثر<br />
فعالية في تأدية المعنى،<br />
واأللطف وقعً ا على السمع.<br />
أما الفكر فال يولده إال الفكر،<br />
وأعني أنك إذا أحببت أن يكون<br />
لك أفكار تبديها فعليك أن تمرّ ن<br />
نفسك على التفكير. ومتى<br />
عرفتَ لذّ ة التفكير وجدت في<br />
كل خطوة تخطوها، وكل لقمة<br />
تزدرها، وكل قطرة ماء تشربها،<br />
وكل ذرة غبار أو نفحة عطر<br />
تتنشقها، وفي كل شيء تقع<br />
عليه عينك من حيّ وجماد،<br />
وفي كل عالقة بشريّ ة تشاهدها<br />
ما يدعو إلى التفكير. وحينئذ ال<br />
تعدم موضوعً ا تكتب فيه«.<br />
ميخائيل نعيمة
35 34<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
جيش<br />
األفكار<br />
كُ تب بواسطة - فاطمة أبو سعدة _0f9_@<br />
القراءة تشكّل عقولنا، تعيد صياغتنا من الداخل، جتعلنا<br />
نفهم أنفسنا والعالم من حولنا، والقارئ اجليّد هو الذي يعرف<br />
كيف يستفيد من محصّ لته القرائية، ودائمًا يُقال: ليس مهمًا<br />
كم كتابًا قرأت؛ ولكن املهم كيف قرأت؟ فاملسألة ليست بعدد<br />
الصفحات وال عدد الساعات؛ ألن القراءة املثمرة تركز على<br />
الفائدة واحملصلة النهائية التي نحصل عليها من خالل ما نقرأ.<br />
قد نلتقي أشخاصً ا يقرؤون من عشر سنوات ولكن شيئًا من<br />
محتويات هذه الكتب لم ينعكس عليهم، ويف املقابل قد نلتقي<br />
أشخاصً ا لم يقرؤوا عددًا كبيرًا من الكتب، ولكنهم يف تطور<br />
مستمر. واألول كمن يصطاد يف مياه ضحلة على الشاطئ فقد<br />
يجلس لفترات طويلة وال يصيد شيئًا، واآلخر كمن يغوص يف<br />
أعماق البحار ميكنه خالل فترة وجيزة أن يصطاد الكثير من<br />
اجلواهر.<br />
والقراءة التي تنعكس آثارها على القارئ تتطلب جهدًا ووقتًا<br />
وتركيزًا أثناء القراءة؛ ألنه لن يكون قارئًا فقط، بل قارئًا مفكرًا.<br />
وهذا النوع من القراءة هو ما يسمى بالقراءة التحليلة، والتي<br />
تعد أفضل أنواع القراءة وأكثرها انتشارًا، والكتب التي تُقرأ<br />
بهذه الطريقة والتي يرجو منها القارئ أن يرقى بتفكيره تكون<br />
عادةً أعلى قليالً من مستواه، وفيها يحاول القارئ جتويد أساليب<br />
قراءته للحصول على الفائدة من أقل شيء يقرؤه، فمن البدهيّ<br />
أن القراءة ليست عملية فيزيائية محضة نتلقى فيها املعلومات من<br />
الكتاب وندمجها يف عقولنا، وإذا كانت مهمّة الكاتب توليد األفكار<br />
واملعاني وبثّها يف ثنايا كتابه، فمهمّة القارئ أن يتحمل مسؤولية<br />
فهم املادة املقروءة واالستفادة منها واستخراج أفضل ما فيها،<br />
والقارئ هنا ال متر عليه املعلومة مرور الكرام، بل يتوقف عندها<br />
وميحصها، وتثير يف عقله الكثير من التساؤالت، فتصبح قراءته<br />
نوعًا من االكتشاف، والقارئ اجليد هو الذي يستطيع قطع املسافة
37 36<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
التي تكون بن الفكرة التي يعبّر عنها الكاتب<br />
وبن الكلمة التي استخدمها لتوصيلها، وذلك<br />
باستخدام قدراته وملكاته الذهنية من املالحظة<br />
الدقيقة، واخليال اخلصب، والذاكرة املهيأة حتى<br />
يلتقط الفوائد واألفكار. يقول رينيه ديسكارتيس:<br />
"إن قراءة الكتب اجليدة هي مبثابة التحاور مع<br />
أعظم العقول التي عاشت عبر العصور". وكم<br />
من أشخاص تغيّروا وانقلبت حياتهم رأسً ا على<br />
عقب، لعبارة استوقفتهم، أو حكمة انتفعوا بها،<br />
أو فائدة طبقوها يف حياتهم.<br />
ويرى كبار املفكرين بأن القراءة السريعة وحدها<br />
ال تصنع مفكرًا عظيمًا، بل ال بد من القراءة مع<br />
التفكير، يقول جون لوك: "إن القراءة ال متدّ العقل<br />
إال مبواد املعرفة؛ لكن التفكير هو الذي يجعل<br />
ما نقرؤه ملكًا لنا" لذا كان من املتّفق عليه بن<br />
املفكرين تخصيص وقت للقراءة ووقت للتفكير؛<br />
فإذا قرأنا ساعة على سبيل املثال، ميكن تخصيص<br />
ثلث ساعة منها للتفكير فيكون هذا الوقت مبثابة<br />
البرمجة ملا قرأناه.<br />
وحن يشرع اإلنسان يف القراءة الواعية<br />
فال تفوته قضية العناية بتقييد الفوائد، فهي<br />
من أهم املهمات وأجنع الطرق لتحقيق ثمرة<br />
القراءة، فإنّ األفكار واخلواطر إذا ومضت<br />
يف الذهن متر برفق كما متر نسمة الهواء<br />
السريعة، فتحتاج لرعاية وتثبيت وإال مرت<br />
وانتهت! ويف هذا يقول الشيخ علي الطنطاوي<br />
موصيًا حفيدته:"أيْ بنيَّة! إنَّ الفرص ال تعود؛<br />
فهي مثل الذبابة إن لم تقتنصيها فسوف تطير<br />
دومنا رجعة". وصدق رحمه اهلل. ويقول هنري<br />
هازلت: "اخلواطر سريعة الطيران، فال حتتقر<br />
حيلة متكنك من اقتناصها وإن هانت".<br />
وطرق التقييد يف زمننا عديدة، ممَّا ال يترك<br />
مسوغًا للتأخير. فيمكن للقارئ إذا أراد أن يقرأ<br />
كتابًا أن يصحب معه قلمًا، ويجعل له دفترًا<br />
خاصً ا ينتخب فيه الفوائد، ويدون األفكار التي<br />
يعثر عليها أو تخطر له حول موضوع معنّ . أو<br />
يدون على الصفحة الفارغة التي تلي صفحة<br />
الغالف فيجعلها كفهرس للفوائد واملعلومات<br />
املهمة التي قرأها، فيلخص فيها مثالً العناوين<br />
ورؤوس املسائل واألفكار والتعليقات، مع رقم<br />
الصفحة التي وردت فيها، وبعد االنتهاء من<br />
تقييد فوائد الكتاب ميكن نسخ جميع هذه<br />
الفوائد املوجودة يف الفهرس يف دفتر مستقل،<br />
ويستحسن أن يكون لكل فن من العلوم دفترًا<br />
مستقالً، حتى يسهل الرجوع للمعلومة يف<br />
مظانها، وميكن أيضً ا الكتابة على هوامش<br />
صفحات الكتاب، واستخدام القلم املظهر<br />
إلبراز اجلُمل املهمة، والبعض يضع بطاقات<br />
صغيرة على الصفحات املهمة، وميكن أيضً ا<br />
االعتماد على احلاسوب أو األجهزة الذكية<br />
لتسجيلها كمالحظات، كما ميكن رسم اخلرائط<br />
الذهنية لتلخيص الكتب وتنظيم األفكار، وهكذا<br />
فاألساليب كثيرة، واملهم دائمًا أن تعكس تلك<br />
اإلشارات ردود أفعال القارئ ودرجة عنايته مبا<br />
يقرأ.<br />
ومن الضروري أيضً ا مراجعة تلك األفكار التي<br />
نكتبها املرة تلو املرة، إليجاد روابط بينها والتمهيد<br />
لتصنيف منثورها بشكل جيّد.<br />
وفوائد التقييد كثيرة، منها مساعدة القارئ على<br />
تذكر ما قرأه، وقد قال الشافعي:<br />
العلمُ صيدٌ والكتابةُ قيدُهُ<br />
فمن احلماقةِ أن تصيد غزالةً<br />
قيّد صُ يودكَ باحلبالِ الواثِقة<br />
وتعيدها بن اخلالئقِ طالِقة<br />
كما أنه يساعد القارئ على إيجاد حلول<br />
لكثير من املسائل التي يتعرض لها، وقد كان<br />
الناس يف مصر يدهشون من العالمة أحمد زكي<br />
باشا وبديهته يف حل عويصات املسائل؛ فإن طُ رح<br />
عليه سؤاالً يف الصحف، يحمل اجلواب عليه من<br />
الغد، وكانت اجلزازات التي أتقن وَضْ عَها هي<br />
التي تُعينه على ذلك، يَرجعُ إليها يف احلال،<br />
فتلبيه وحتلّ إشكاالته وإشكاالت الناس.<br />
كما كان يعتمد يف مراجعاته على "جزازات"<br />
رتبها على احلروف، كالفهارس يف موضوعات<br />
مختلفة، دوّنها يف أثناء مطالعته للكتب القدمية<br />
واحلديثة.<br />
ومن فوائد التقييد: أنه يضمن للقارئ أكبر<br />
قدر ممكن من االستفادة من الكتاب، ويسهل عليه<br />
الرجوع إليه متى احتاج له، ويعينه على توظيف<br />
قراءاته لتنمية ذاته وسرعة تطويرها؛ ألنه بذلك<br />
يجني أفضل ما لدى العقول اجلبارة، فتصبح فكرة<br />
القارئ مبالقاتها فكرة أخرى مئاتٌ من األفكار يف<br />
القوة والعمق واالمتداد، كما قال العقاد.<br />
كما يحسّ ن من مستوى تفكيره، ويدرّبه على<br />
القراءة الناقدة، فيصبح لديه نوع من احلسّ<br />
الغريزي الذي ميكنه من وزن األفكار، وتقييم<br />
الكتب، وتثمينها، ومع تتابع القراءة والتدوين،<br />
سيكون قادرًا على التقاط أصعب الفوائد من<br />
أيسر القراءات، كما قال العقاد. وسيجتمع له<br />
حصيلة معرفيّة ثمينة مما جمع وقيّد، وسيجد<br />
نفسه مع األيام أمام كم هائل من املعلومات<br />
واألفكار التي قد تتحول إلى كتب جديدة، أو<br />
مشاريع ناجحة، أو اختراعات عظيمة، وكم من<br />
كتب وابتكارات وإبداعات نراها اليوم لم تكن<br />
سوى مجرد فكرة الحت؛ لكن أصحابها أحسنوا<br />
اصطيادها. فاملبدع إنسان ملّاح يجيد التقاط<br />
األفكار العابرة، واحلكم النادرة، وينتبه لألفكار<br />
الصغيرة، وال يغيب عن ذهنه بأن األفكار الصغيرة<br />
هي التي غيّرت مجرى العالم حتى وصلنا إلى<br />
ما نعيشه اآلن. وكما يقول فيكتور هوغو: "ليس<br />
هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها".<br />
ولو نظرنا إلى عظماء املفكرين على مر التاريخ<br />
سنجد أنهم كانوا دائمًا قرّاء عظماء، وما زال<br />
العلماء قدميًا وحديثًا يعتنون بالتقييد.<br />
قال النووي وهو يرشد الطالب إلى تعليق<br />
النفائس والغرائب مما يراه يف املطالعة أو يسمعه<br />
من شيخه: "وال يحتقرنّ فائدة يراها أو يسمعها يف<br />
أيّ فنٍّ كانت؛ بل يُبادِ ر إلى كتابتها، ثم يواظب على<br />
مطالعة ما كتبه".<br />
وقيل ألحمد بن حنبل: حتى متى مع احملبرة؟<br />
فقال: "مع احملبرة إلى املقبرة".<br />
والبخاري يستيقظ يف ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة<br />
ليُقيّد األشياء التي يستذكرها.<br />
والشافعي يحكي عنه صاحبه احلُمَيْديّ أنه كان<br />
يخرج يف بعض الليالي، فإذا مصباح منزله مُسْ رج،<br />
فيصعد إليه "فإذا قِ رطاس ودَوَاة، فأقول: مَهْ يا أبا<br />
عبد اهلل! فيقول: تفكّرت يف معنى حديث -أو يف<br />
مسألة- فخِ فْت أن يذهب عليّ ، فأمرت باملصباح<br />
وكتبته".<br />
ويقول علي الطنطاوي: "أكثر ما أكتب أكتبه<br />
عندما أضطجع يف الفراش وقد أرخى النعاس<br />
جسمي وأغلق أجفاني، هنالك يتيقّظ الفكر<br />
وينطلق، فأشعل النور ألدوّن فكرة عرضت<br />
لي، فإذا نفدَت أطفأته ومتدّدت ألنام، فتأتي<br />
فكرة أخرى فأعود إلى النور فأشعله. تأتيني<br />
األفكار مثلما تُقبِل األمواج على الشاطئ،<br />
موجة بعد موجة، وإذا توالت عليّ وتعاقبت<br />
طار النوم من عيني".<br />
وقد دوّن كثير من العلماء هذه الفوائد يف<br />
كتب مفردة، مثل: )الفنون( البن عقيل، و)صيد<br />
اخلاطر( البن اجلوزي، و)عيون الفوائد( البن<br />
النجار، و)بدائع الفوائد( البن القيم.<br />
وكثير من الكتّاب املعاصرين أخرجوا لنا كتبًا<br />
قيّمة بديعة لم تكن إال نتاجً ا لتقييد خواطرهم.<br />
فضم القليل إلى القليل مع املداومة واالستمرار،<br />
يتكون منه الكثير العجيب، ومعظم النار من<br />
مُسْ تَصْ غَرِ الشررِ. وحسمها بهاء الدين ابن النحاس<br />
احللبي بقوله:<br />
اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُهُ<br />
يُحَ صّ لُ املرءُ بها حِ كمةً<br />
مِ نْ نُخَ بِ العِ لمِ التي تُلتَقَطْ<br />
وإمنا السَّ يْلُ اجتماعُ النُّقَطْ
39 38<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
من أرشيف المجالت<br />
القديمة: أدب المقالة<br />
لألستاذ زكي نجيب محمود<br />
انتقاء فاطمة أبو سعدة _0f9_@<br />
إن معظم النار من مستصغر الشرر؛ ذلك<br />
ما قرأته يف الكتب وما تعلمته من جتربة<br />
احلياة، وهو ما أجرى القلم بهذه الكلمات،<br />
فليس بعيدًا أن ينبه هذا القلم املتواضع<br />
الذي ال يكاد صريره يبلغ سمع صاحبه، أديبًا<br />
واحدًا من أئمة األدب يف هذا البلد فيتجه<br />
وجهة جديدة يف كتابة املقالة األدبية.<br />
فاملقالة توشك أن تكون يف مصر القالب<br />
األوحد الذي يَصُ بّ فيه األديب خواطره<br />
ومشاعره، فأديبنا قصير النَّفَس، تكفيه<br />
املقالة الواحدة ليفرغ يف أنهرها القليلة كل<br />
ما يتأجج به صدره من عاطفة وما يختلج به<br />
رأسه من فكرة؛ فإن غضب أديبنا من نقص<br />
يلمحه يف بناء اجلماعة أو أخالق الفرد، فزع<br />
إلى املقالة يبث فيها ثورة غضبه؛ وإن افتن<br />
أديبنا بجمال الطبيعة اخلالب جلأ إلى املقالة<br />
يبث فيها ما أحس من عجب وإعجاب...أما<br />
األديب الذي يريد أن يعالج بؤس البائسن<br />
فينشر يف الناس القصة تلو القصة حتى يبلغ<br />
ما ينشره ألوف الصحائف كما فعل "دكنز" ؛<br />
أما األديب الذي يعطف على العمال فيكتب<br />
يف ذلك للمسرح الرواية يف إثر الرواية كما<br />
فعل "جولزورثي" . أما األديب الذي يتلقى<br />
خطابًا من قارئه تستفسره االشتراكية فيرد<br />
على الرسالة مبجلدين، كما فعل "برناردشو".<br />
أما األديب الذي يرى عالج اإلنسانية يف<br />
حكومة دولية متسك بزمام العالم كله فيكتب<br />
يف ذلك كتبًا تزيد على اخلمسن كما فعل<br />
"ولز" . مثل هذا وذلك من األدباء لم تشهده<br />
مصر، فبؤس البائسن عالجه مقالة، والعمال<br />
تكفي لنصرتهم مقالة، وحل املشكالت الدولية<br />
حسبه مقالة..<br />
فاملقالة إذًا هي عندنا مالذ األديب، الذي<br />
ليس له من دونها مالذ، وال بأس بهذا لو<br />
كانت املقالة األدبية يف مصر أدبًا تعترف به<br />
قواعد األدب الصحيح. ولكن األديب املصري<br />
يكتب املقالة التي لو قيست مبعيار النقد<br />
األدبي لطارت هباءً، وألغلقت دولة األدب من<br />
دونها األبواب، وإمنا قصدت مبعيار النقد ما<br />
يكاد يجمع عليه النقاد من أدباء اإلجنليز.<br />
فهم هنالك يقولون إن املقالة يجب أن<br />
تصدر عن قلق يحسه األديب مما يحيط به<br />
من صور احلياة وأوضاع املجتمع، على شرط<br />
أن يجيء السخط يف نقمة هادئة خفيفة، هي<br />
أقرب إلى األنن اخلافت منها إلى العويل<br />
الصارخ، أو قُل يجب أن يكون سخطً ا مما<br />
يعبر عنه الساخط بهزة يف كتفيه ومطٍ يف<br />
شفتيه، مصطبغًا بفكاهة لطيفة، ال أن يكون<br />
سخطً ا مما يدفع الساخط إلى حتطيم األثاث<br />
ومتزيق الثياب...هذا السخط على احلياة<br />
القائمة يف هدوء وفكاهة، هذا السخط الذي<br />
لم يبلغ أن يكون ثورة عنيفة، هو موضوع املقالة<br />
األدبية مبعناها الصحيح؛ فإن تضرمت يف نفس<br />
األديب ثورة كاسحة جامحة، فال يجيز له نَقَدَةُ<br />
األدب أن يتخذ املقالة متنفسً ا لثورته، وليسلك<br />
-إن أراد- سبيله إلى املنابر يلقي ثورته يف<br />
موعظة، ألنها حتتمل من الواعظ أعنف ألوان<br />
التقريع، أو ليلتمس سبيالً إلى القصيدة -إن<br />
كان شاعرًا-ألن القصائد ال تتنافر بطبعها مع<br />
احلماس املشتمل.<br />
شرط املقالة األدبية أن يكون األديب ناقمًا،<br />
وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لون باهت<br />
من التفكه اجلميل؛ فإن التمست يف مقالة<br />
األديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم<br />
جتدها، وإن افتقدت يف مقالة األديب هذا اللون<br />
من الفكاهة احللوة املستساغة فلم تصبه، فاعلم<br />
أن املقالة ليست من األدب الرفيع يف كثير أو<br />
قليل، مهما تكن بارعة األسلوب رائعة الفكرة؛<br />
وإن شئت فاقرأ لرب املقالة اإلجنليزية "أدِ سُنْ"<br />
ما كتب، فلن جتده إال مازجً ا سخطه بفكاهته،<br />
فكان ذلك أفعل أدوات اإلصالح.<br />
نريد من كاتب املقالة األدبية أن يكون لقارئه<br />
محدثًا ال معلمًا؛ بحيث يجد القارئ نفسه إلى<br />
جانب صديق يسامره ال أمام معلم يعنفه؛ نريد<br />
من كاتب املقالة األدبية أن يكون لقارئه زميالً
41 40<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مخلصً ا يحدثه عن جتاربه ووجهة نظره، ال أن<br />
يقف منه موقف الواعظ فوق منبره مييل صلفًا<br />
وتيهًا بورعه وتقواه، أو موقف املؤدب يصطنع<br />
الوقار حن يصب يف أذن سامعه احلكمة صبًّا<br />
ثقيالً؛ نريد للقارئ أن يشعر وهو يقرأ املقالة<br />
األدبية أنه ضيف قد استقبله الكاتب يف حديقته<br />
ليمتعه بحلو احلديث، ال أن يحس كأمنا الكاتب<br />
دفعه دفعًا عنيفًا إلى مكتبته ليقرأ فصالً من<br />
كتاب!<br />
لهذا كله يشترط الناقد اإلجنليزي يف<br />
املقالة األدبية شرطً ا ال أحسب شيوخ األدب<br />
عندنا يقرونه عليه، يشترط أن تكون املقالة<br />
على غير نسق من املنطق، أن تكون أقرب إلى<br />
قطعة مشعثة من األحراش احلوشية منها إلى<br />
احلديقة املنسقة املنظمة؛ ويعرَّف "جونسون"<br />
-ومكانته من األدب اإلجنليزي يف الذروة العليا-<br />
يعرَّف املقالة فيقول: إنها نزوة عقلية ال ينبغي<br />
أن يكون لها ضابط من نظام، هي قطعة ال<br />
جتري على نسق معلوم ولم يتم هضمها من<br />
نفس كاتبها، وليس اإلنشاء املنظم من املقالة<br />
األدبية يف شيء.<br />
أين هذا من املقالة األدبية يف مصر؟ لقد<br />
سمعت أديبًا كبيرًا يسأل أديبًا كبيرًا مرة فيقول:<br />
هل قرأت مقالي يف هالل هذا الشهر؟ فأجابه:<br />
أن نعم، فسأله: وماذا ترى فيه؟ هل تراني أهملت<br />
نقطة من نقط املوضوع؟ فأجابه قائالً : العفو، وهل<br />
مثلك من يهمل يف مقالة يكتبها شاردة أو واردة؟!<br />
هذه هي املقالة عند قادة األدب: أن تكون موضوعًا<br />
إنشائيًا مدرسيًا كل فضله أنه جميل اللفظ واسع<br />
النظر، فالفرق بن مقالة األديب وموضوع التلميذ<br />
فرق يف الكم ال يف الكيف...فلله درك يا معلم<br />
اللغة العربية يف املدارس املصرية! إنك لتتعقب<br />
بتأثيرك شيوخ الكتاب بن كتبهم وأوراقهم، كأنى<br />
بك تضغط على أذن الكاتب بن إبهامك وسبابتك<br />
حن يحمل قلمه ليكتب، مذكرًا إياه: هل وفيت<br />
نقط املوضوع؟ أين نقط املوضوع؟! كال ليس<br />
للمقالة األدبية، وال ينبغي أن يكون لها نقطٌ وال<br />
تبويب وال تنظيم؛ فإن كانت كذلك، فال عجب<br />
أن ينفر القارئون -يا أيها األدباء- من قراءة ما<br />
تكتبون؛ ال تعجبوا يا قادة األدب املصري أال يقرأكم<br />
إال فئة من طبقة القارئن، ألنكم تصرون على<br />
أن يقف الكاتب منكم إزاء قارئه موقف املعلم ال<br />
الزميل، موقف الكاتب ال احملدث، موقف املؤدب ال<br />
الصديق، ويصطنع الوفاء فال يصل نفسه بنفسه؛<br />
وإال فحدثني بربك أي فرق يجده القارئ بن<br />
الصحيفة األدبية والكتاب املدرسي؟ أرأيت كيف<br />
يتحدث الصديق إلى صديقه عن حادثة شهدها<br />
يف عربة الترام وهو يف طريقه إليه؟ أرأيت كيف<br />
يالحظ الصديق لصديقه إذ هما يسيران مالحظة<br />
من هنا ومالحظة من هناك حول ما يقع عليه<br />
البصر؟ انقل هذا بيراعة األديب وبراعته يكن لك<br />
منه مقالة أدبية من الطراز األول؛ أما أن تعلم<br />
القارئ فصالً من عوامل سقوط الدولة األموية،<br />
أو يف أسباب انحالل املجتمع وما إلى ذلك من<br />
فصول، فذلك مفيد على أنه درس علمي، ونافع<br />
يف عرض اطالعك الواسع، ومثقف للقارئ كما<br />
يثقفه فصل من كتاب، ودافع إلى الفضيلة على<br />
أنه موعظة منبرية...ولكن ال تطمح أن تكون أديبًا<br />
مبا تكتب من أمثال هذه الفصول واألبواب، فلن<br />
تكون بأمثالها يف دولة األدب قزمًا وال عمالقًا...<br />
أنت بهذه الفصول عالم ولست بأديب - أنت بها<br />
قارئ ولست بكاتب، وفضلك أن نقلت إلى القراء<br />
ما قرأت...وإنه لفضل عظيم، ولكنه شيء واألدب<br />
اخلالص شيء آخر.<br />
فكاتب املقالة األدبية على أصح صورها، هو<br />
الذي تكفيه ظاهرة ضئيلة مما يعج به العالم<br />
من حوله، فيأخذها نقطة ابتداء، ثم يسلم<br />
نفسه إلى أحالم يأخذ بعضها برقاب بعض،<br />
دون أن يكون له أثر قوى يف استدعائها عن عمد<br />
وتدبير، حتى إذا ما تكاملت من هذه اخلواطر<br />
املتقاطرة صورة، عمد الكاتب إلى إثباتها يف<br />
رزانة ال تظهر فيها حدّ ة العاطفة، ويف رفق<br />
بالقارئ حتى ال ينفر منه نفور اجلواد اجلموح،<br />
ألن واجب األديب احلق أن يخدع القارئ كمن<br />
ميعن يف القراءة كأمنا هو يسرّي عن نفسه<br />
املكروبة عناء اليوم أو يزجي فراغه الثقيل، وهو<br />
كلما قرأ تسلل إلى نفسه ما شاع يف سطور<br />
املقالة من نكتة خفيفة وسخرية هادئة، دون<br />
شعور منه بأن الكاتب يعمد يف كتابته إلى النكتة<br />
والسخرية؛ فإذا بالقارئ آخر األمر يضحك أو<br />
يتأثر على أي صورة من الصور، بهذه الصورة<br />
اخليالية التي أثبتها الكاتب يف مقالته، وقد<br />
يعجب القارئ: كيف ميكن أن يكون يف النفوس<br />
البشرية مثل هذه اللفتات واللمحات؛ ولكنه لن<br />
يلبث حتى يتبن أن هذا الذي عجب منه إمنا<br />
هو جزء من نفسه أو نفوس أصدقائه، فيضجره<br />
أن يكون على هذا النحو السخيف، فيكون هذا<br />
الضجر منه أول خطوات اإلصالح املنشود.<br />
وما دمنا نشترط يف املقالة األدبية أن تكون<br />
أقرب إلى احلديث والسمر منها إلى التعليم<br />
والتلقن، وجب أن يكون أسلوبها عذبًا سلسً ا<br />
دفاقًا. أما إن أخذت تشذب أطراف اللفظ<br />
هنا وتزخرف تركيب العبارة هناك، كان ذلك<br />
متنافرًا مع طبيعة السمر احملبب إلى النفوس؛<br />
هذا من حيث الشكل. وأما من حيث املوضوع<br />
فال يجوز عند الناقد األدبي أن تبحث املقالة<br />
يف موضوع مجرد، كأن تبحث مثالً فضل<br />
النظام الدميقراطي أو معنى اجلمال أو قاعدة<br />
يف علم النفس والتربية؛ ألن ذلك يبعدها عن<br />
روح املقالة مبعناها الصحيح، إذ ال بد -كما<br />
ذكرنا- أن تعبر قبل كل شيء عن جتربة معينة<br />
مسّ ت نفس األديب فأراد أن ينقل األثر إلى<br />
نفوس قرائه..ومن هنا قيل إن املقالة األدبية<br />
قريبة جدًا من القصيدة الغنائية، ألن كلتيهما<br />
تغوص بالقارئ إلى أعمق أعماق نفس الكاتب<br />
أو الشاعر، وتتغلغل يف ثنايا روحه حتى تعثر<br />
على ضميره املكنون؛ وكل الفرق بن املقالة<br />
والقصيدة الغنائية هو فرق يف درجة احلرارة:<br />
تعلو وتتناغم فتكون قصيدة، أو تهبط وتتناثر<br />
فتكون مقالة أدبية.<br />
وملا كانت املقالة إمنا تتكئ على ظاهرة<br />
مطروقة معهودة يف احلياة اليومية لتنفذ خاللها<br />
إلى نقد احلياة القائمة نقدًا خفيًا يستره غطاء<br />
خفيف من السخرية، وملا كانت كذلك تسلك<br />
يف التعبير أسلوبًا سلسً ا مشرقًا، فقد يُظَ ن<br />
أحيانًا أنها ضرب هن من ضروب األدب ال<br />
يدنو من القصيدة أو القصة والرواية، والواقع<br />
على عكس ذلك، ألن أرفع الفن هو ما التقى<br />
فنه على النظرة العابرة، فما أكثر من ينجح<br />
يف كتابة القصة والقصيدة! وما أقل من يجيد<br />
كتابة املقالة! وشأن الذي يستخف مبا تطلبه<br />
املقالة من فن كشأن الذي يظن أن الشعر<br />
املرسل أيسر من القصيد املقفى؛ ولعل عسر<br />
املقالة ناشئ من أنها ليس لها حدود مرسومة<br />
يحفظها املبتدئ فينسج على منوالها كما يفعل<br />
يف القصة أو القصيدة.<br />
إن الذي أريد أن أؤكده مرة أخرى هو أن<br />
املقالة األدبية البد أن تكون نقدًا ساخرًا لصورة<br />
من صور احلياة أو األدب، وهدمًا لم يتشبث به<br />
الناس على أنه مثل أعلى، وما هو إال صنم<br />
تخلّف يف تراث األقدمن. أما إن كان الفصل<br />
املكتوب بحثًا رصينًا متسقًا فسمَّه ما شئت،<br />
فقد يكون علمًا، وقد يكون فصالً يف النقد<br />
األدبي، وقد يكون تاريخً ا أو وصفًا جغرافيًا<br />
كتبه قلم قدير، ولكنه ليس مقالة أدبية، كما<br />
أنه ليس بقصيدة وال قصة.<br />
مجلة الثقافة، العدد 1941(،115م(: 321-323.
43 42<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة القافلة ..<br />
خزانة المعرفة<br />
كُ تب بواسطة - بندر احلربي @bander295<br />
مع صدور عدد مجلة القافلة األخير لشهر يوليو 2016م، يكون عمر<br />
هذه املجلة ثالثةً وستن عامًا. ولدت من فكرة ثالثة مترجمن يف أحد<br />
مكاتب شركة "أرامكو" يف مدينة الظهران السعودية، عام 1951م.<br />
تُعد مجلة القافلة »مجلة عربية نادرة عند صدورها، ونادرة عندما<br />
بلغت نصف قرن بال انقطاع« كما يصفها املهندس علي بن إبراهيم<br />
النعيمي، وزير البترول السعودي السابق يف عام 2002م مبناسبة<br />
احتفال املجلة بعيدها الذهبي، وتواصل صدوره املدة خمسن عامًا.<br />
ولهذه الندرة حكاية تستحق أن تروى ملا تضمنه فصولها من تخطيط<br />
وتطوير وإجناز. هذه املجلة التي ارتبطت بها أجيال عدة من القراء<br />
ارتباطً ا ثقافيًا وعاطفيًا سنوات عديدة، وأدت دورًا رئيسً ا يف نشر الثقافة<br />
والتوعية يف محيطها احمللي، وعلى امتداد الوطن العربي، وأرجاء أخرى<br />
من العالم. كيف ظهرت؟ وكيف استمرت؟ سؤاالن نحاول أن جنيب<br />
عنهما، بعد أن ننظر سريعًا إلى تاريخ فن املجالت يف العالم.<br />
لطاملا أدت املطبوعة الورقية، والتي تسمى "املجلة" دورًا ثقافيًا<br />
وتوعويًا مهمًا يف أنحاء العالم منذ ابتكارها يف العام 1663م على يد<br />
كاتب أملاني هاوٍ للفلسفة. هذه املطبوعة التي تختلف عن الصحيفة<br />
بصغر احلجم، وجودة املضمون، مصممةً لالحتفاظ بها مدة أطول من<br />
الصحيفة، ولالستفادة منها بشكل أكبر، وأكثر فعالية.<br />
أما من أطلق اسم مجلة "Magazine" على هذه املطبوعة الورقية<br />
"املبتكرة" فهو إدوارد كيِّف محرر مجلة Maga The Gentleman's<br />
"zine يف عام 1731م، نسبة إلى الكلمة الفرنسية ،"Magasin" املأخوذة<br />
من كلمة "مخزن" يف اللغة العربية، وهو املكان الذي يحتوي البضائع<br />
املتنوعة.ومنذ تلك املرحلة التاريخية، بدأ العالم يهتم ويصدر هذا النوع<br />
من املطبوعات ابتداءً القرن السابع عشر وما تبعه.<br />
"<br />
ويُؤرخ تاريخ املجالت يف الوطن العربي من عام 1892م، مع<br />
صدور مجلة "الهالل" جلرجي زيدان، يف مصر، التي حلسن احلظ
45 44<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
ما زالت تصدر حتى يومنا هذا، بصحبة ما يزيد<br />
عن 500 مجلة متنوعة ومتخصصة أخرى يف<br />
امتداد الوطن العربي.<br />
ومع تغير الزمن ووسائل اإلعالم، وتوجهات القراء،<br />
ظلت املجالت يف العالم ويف الوطن العربي خصوصً ا<br />
تصارع من أجل البقاء، وبدأت تفقد قراءها، بلثمة<br />
من يقول إنها يف الطريق إلى االنقراض. فقد توقف<br />
الكثير من املجالت، مثل مجلة "الرسالة" ،و"أبولو"،<br />
و"أقالم"، و"آفاق عربية"، و"الكاتب" و"الطليعة" و"الفكر<br />
املعاصر"، و"دبي الثقافية" و"األديب" و"اآلداب"، ويومًا<br />
بعد يوم يتوقف الكثير من املجالت عن الصدور.<br />
ومع هذا ظلت مجلة »القافلة« التي تُعد مِ ن<br />
أقدم املجالت الثقافية والعلمية يف اململكة، تصدر<br />
كُل شهرين بطباعة فاخرة وإخراج مميز يف 102<br />
صفحة، عن شركة )أرامكو السعودية( متجاوزة<br />
حتديات التغيرات اإلعالمية والثقافية يف العالم<br />
العربي،كما اتسع دورها من أن تكون وسيلة تثقيف<br />
وتوعية ملوظفي الشركة الناطقن بالعربية، إلى<br />
مجلة متنوعة تتسم بالعمق واألصالة، تشمل أبوابًا<br />
يف الفكر واألدب، والعلم والثقافة، والفنون، والطاقة،<br />
والصحة، ومراجعات للكتب، وتقارير عن البرامج<br />
التدريبية وورش العمل، وعلى استطالعات صحفية،<br />
محايدة ومُبتعدة عن األمور املثيرة للخالف، وتوزع<br />
كل شهرين عن طريق طلب اشتراك مجاني داخل<br />
وخارج اململكة.<br />
وخالل سنوات صدورها، استضافت املجلة على<br />
صفحاتها أقالم كبار املفكرين العرب كالعقاد، ومحمد<br />
مندور، وأحمد أمن، واملازني، وجبران، واخلوري،<br />
وعبدالقدوس األنصاري، وعمر أبو ريشة، ووديع<br />
فلسطن، وكذلك ابن إدريس، وحسن قرشي، وأحمد<br />
رامي، وطاهر زمخشري، وبشارة اخلوري، وغازي<br />
القصيبي يف بداياته. وكانت تنقل مقاالت لطه حسن،<br />
والبارودي، واجلواهري، وجميل علوش، ويوسف نوفل<br />
وآخرين كُثر. كما كانت املجلة مرجعًا معتمدًا من وزارة<br />
املعارف السعودية يف نصوص املطالعة فيما مضى.<br />
بدأت حكاية هذه املجلة يف ربيع عام 1951م بعد<br />
أن اجتمع ثالثة مترجمن يف أحد مكاتب أرامكو يف<br />
الظهران، وقرروا رفع اقتراح يقضي بإصدار نشرة<br />
عربية باسم "الشمس العربية" على غرار النشرة<br />
اإلجنليزية التي كانت تصدرها الشركة آنذاك<br />
"الشمس والوهج" خاصةً وأن احلكومة السعودية<br />
قُبيل موافقتها على إصدار "الشمس والوهج"، كانت<br />
قد اشترطت على الشركة أن تعمل على إصدار<br />
نشرة عربية حتتوي صورًا ومواضيع تهم الناس.<br />
وهذا يتوافق معهد فالشركة آنذاك إليجاد وسيلة<br />
للتقارب معا ملجتمع احمللي يف أرض االمتياز التي<br />
تعمل فيها، إذ كانت حترص على تقوية العالقات<br />
مع املواطنن السعودين ومحيطها االجتماعي، لتنقل<br />
لهم الرسائل التنظيمية والتوعوية والتثقيفية. ويف<br />
نهاية ذلك العام صدر عدد جتريبي من صفحتن<br />
وحمل اسم "األحداث" طُ بع مِ نه ثالث أعداد فقط<br />
على اآللة الكاتبة.<br />
وهكذا رفعت الشركة طلبًا إلى احلكومة<br />
السعودية إلصدار النشرة التي حملت يف البداية اسم<br />
"األحداث"، نسبةً للشاب أو احلدث اجللل، وتضمن<br />
الطلب أن النشرة سوف تنشر أخبارًا مهمة ومقاالت<br />
وصور املناسبات الرسمية، وأنشطة املوظفن،<br />
وإعالنات الشركة، كما سيدعى القراء إلى اإلسهام<br />
يف تقدمي املقاالت وغيرها من شتى املوضوعات<br />
األدبية والفنية، وأنها ستطبع على اآللة الكاتبة.<br />
وكان االقتراح يف البداية أن تكون النشرة من صفحة<br />
واحدة حتتوي على أخبارً وصورًا، على أن يزيد عدد<br />
صفحاتها يف املستقبل.<br />
وبعد مداوالت ومخاطبات عديدة، تلقت أرامكو يف<br />
يونيو1952م موافقة جاللة امللك عبدالعزيز -طيب<br />
اهلل ثراه- على إصدار النشرة. ثم تركزت اجلهود<br />
على بلورة شخصية النشرة، واختيار رئيس التحرير،<br />
حيث رأت أرامكو أن رئيس التحرير ال بد أن يكون<br />
سعوديًا ولديه خبرة ومعرفة باللغة اإلجنليزية.<br />
أما عن شخصية النشرة، فقد اُتفق أن حتوي<br />
إرشادات توعوية ملوظفي الشركة، وال تُفرض على<br />
القارئ بل يُشجع القارئ على بذل اجلهد للحصول<br />
عليها. وأن تطبع مرة يف األسبوع، من صفحتن على<br />
األقل، وأن تخصص عمودًا عن تاريخ اململكة،وزوايا<br />
أخرى عن األنشطة الرياضية والصحة والسالمة،<br />
وأخبار املوظفن، وتاريخ اململكة، وأن تنشر القصص<br />
القصيرة، ومقتطفات من الشعر العربي الكالسيكي،<br />
وأن تقوم بإجراء استطالعات مصورة حول موضوعات<br />
محلية، وأن تستقي أخبار العالم من الصحف العربية<br />
واملذياع مع حتديد اجلهة صاحبة اخلبر، أما أخبار<br />
اململكة فتؤخذ من املذياع والصحف التي تصدر يف<br />
مكة واملدينة والرياض.<br />
ويف أثناء العمل على العدد التجريبي الثاني<br />
يف العام نفسه تغير العنوان من "األحداث" إلى<br />
"احلوادث" لوجود معانٍ ودالالت غير لطيفة يف<br />
االسم األول.<br />
ويف أكتوبر عام 1953م صدر العدد األول مِ ن<br />
النشرة التي أصبحت مجلة، وحملت اسم "قافلة<br />
الزيت" باللونن األبيض واألسود وبغالف ملون،<br />
مِ ن 16 صفحة مع الغالف يناألماميو اخللفي. هذا<br />
االسم الذي سيستمر معها ملدة 30 عام، تطبع شهريًا<br />
يف بيروت، وعُن حافظ البارودي، موظف الشركة<br />
منذ عام 1947م، وخريج جامعة "غوردون"أول رئيس<br />
حترير للمجلة.<br />
وبعد 6 سنوات من صدور العدد األول من<br />
املجلة، ظهرت نشرة "قافلة الزيت" األسبوعية يف<br />
نوفمبر 1959م، النشرة التي حررت وطبعت ونشرت<br />
بإشراف هيئة حترير مجلة "قافلة الزيت"، وأصبح<br />
لكل مطبوعة مسارها إال أنهما يلتقيان بالهدف، وهو<br />
إبراز أنشطة الشركة وأدوار موظفيها، ونشر الثقافة<br />
العربية. واستمرت بهذا االسم حتى عام 1983م،<br />
حيث تغير إلى مجلة "القافلة".<br />
وخالل هذه الفترة استمرت املجلة يف التطوير<br />
والتحديث على مستوى التحرير، واحملتوى واإلخراج،<br />
ففي أغسطس عام 1954م أصبحت املجلة تُطبع<br />
وألول مرة بالطريقة األوفست احلديثة وقتها، وزاد<br />
عدد صفحاتها إلى 28، وأصبح رئيس التحرير شكيب<br />
األموي، موظف الشركة من عام 1954، والكاتب<br />
الصحفي، ومؤلف العديد من القصص القصيرة.<br />
ويف يوليو 1956م زاد عدد صفحاتها إلى36 صفحة،<br />
ويف العام الذي يليه استخدمت الصورة امللونة بأربعة<br />
ألوان يف الغالف األمامي للمجلة. وتولى سيف<br />
الدين عاشور، أحد كبار موظفي الشركة رئاسة<br />
التحرير عام 1962م، ويف العام 1964م بدأت املجلة<br />
تُطبع محليًا يف الدمام، وتبنت من عام 1967م نشر<br />
استطالعات مصورة شاملة عن إحدى املدن يف<br />
اململكة. ثم عقد ونشر ندوات أدبية وعلمية بشترك<br />
فيها كبار املفكرين والعلماء واألدباء العرب، وكان<br />
منصور مدني رئيس التحرير . ثم تولى يف عام<br />
1978م رئاسة حتريرها عبداهلل الغامدي، الذي<br />
حمل شعار: "كتبوا لنقرأ ونكتب ليقرؤوا" يف إشارة<br />
إلى دعمه للكُتاب السعودين، ثم رأس حتريرها<br />
عبداهلل اخلالد عام 1989م الذي وسّ ع يف مادتها<br />
الثقافية والعلمية، تبعه عصام توفيق عام 1999م<br />
الذي أعاد صياغة هويتها، ومحمد طحالوي يف<br />
عام2001م الذي شجّ ع على استكتاب األعالم يف<br />
مختلف مجاالت املعرفة. ويف عام 2002 توقفت<br />
القافلة ملدة خمس أشهر، جرت خالل هذه الفترة<br />
دراسة شاملة لتطويرها، ثم عادت يف سبتمبر من<br />
العام نفسه بعدد خاص مبناسبة مرور 50عامًا على<br />
صدورها، ويف العام 2003م تولى محمد العصيمي<br />
رئاسة حتريرها، وزاد عدد صفحاتها إلى 102<br />
صفحة، ومت حتويلها مِ ن مجلة شهرية إلى مجلة<br />
تصدر كُل شهرين. ويف عام2009م رأسها صالح<br />
السبتي ملدة عام واحد. واليوم يرأس حتريرها<br />
الشاعر محمد الدميني، واصبحت تُقدم إلى قرائها<br />
من خالل منصات عدة، فباإلضافة إلى املطبوعة<br />
الورقية، صدرت نسخة إلكترونية على موقعها على<br />
اإلنترنت، وتطبيق للهواتف احملمولة، وحسابات يف<br />
مواقع التواصل االجتماعي.<br />
وبهذه املرونة يف التكيف واألصالة يف احملتوى،<br />
استمرت املجلة بوصفها رافدًا من روافد املعرفة،<br />
يطبع اليوم منها كل شهرين 40 ألف نسخة، وتصل<br />
مجانًا إلى قرائها داخل شركة أرامكو السعودية<br />
وداخل اململكة وخارجها، ويُتوقع أن عدد القراء<br />
الذين يطّ لعون على القافلة نحو 455 ألف قارئ،<br />
إذ يشترك 7 أشخاص يف قراءة النسخة الواحدة<br />
من كل عدد داخل اململكة وخارجها، وذلك حسب<br />
إحصائية جرت سابقًا.
47 46<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
»البشر ال يولدون دومً ا يوم تلدهم<br />
أمهاتهم, وإنما تجبرهم الحياة على<br />
والدة أنفسهم بأنفسهم ثانية،<br />
ولمراتٍ عديدة«.<br />
غابرييل غارسيا ماركيز
49 48<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
تعريف بخمسة<br />
كتب عربية<br />
كُ تب بواسطة - هشام العبيلي @hsaad78<br />
تأليف: محمود شاكر.<br />
يقع الكتاب يف 466 صفحة.<br />
الناشر: دار اخلاجني.<br />
يقول هنري ميللر يف )الكتب يف حياتي(:" هناك كتب ثورية<br />
حقًا؛ أي ملهَمة وملهِ مة - وهي نادرة طبعًا - واحملظوظ من<br />
يصادف حفنة منها يف حياته" . انتهى.<br />
هذه النوعية من الكتب امللهمة تنقلك من رتبة إلى أخرى ومن<br />
درجة إلى أعلى، حتدث يف نفسك وتفكيرك ما ال حتدثه عشرات<br />
الكتب لو قرأتها بشكل متواصل، ما إن تنتهي منها حتى حتس<br />
بصعوبة يف البدء بكتاب جديد، إذ أن هذا الكتاب املُلهم قد حلّق<br />
بك بعيداً، فرأيت من عُلْوٍ آفاقا جديدة لم تك لتبصرها لو قرأت<br />
ما هو أدنى منه. تريد أن تخبر اجلميع وبصوت مرتفع وصاخب:<br />
هذا كتاب رائع! وال ميكن أن أقرأ أحسن من هذا الكالم.<br />
أباطيل وأسمار<br />
الكتب امللهمة حتُ دث فارقاً يف تصوراتك وتفكيرك. ومن<br />
األكيد أن تنشأ يف نفسك الرغبة والقابلية إلعادة قراءة هذا<br />
الكتاب كَرة أخرى.<br />
من الكتب امللهمة )أباطيل وأسمار، تأليف محمود شاكر(وهو<br />
عبارة عن فصول نُشرت يف مجلة الرسالة، غَرض الكتاب األول<br />
الدفاع عن العربية، إال أن فيه من أصول البحث العلمي الصحيح<br />
املبني على السبر واالستقصاء واالنتقاء السليم، ما يجعله عالمة<br />
فارقة يف مسيرتك القرائية.<br />
هذا عوضاً عن الفوائد املبثوثة، تبحرُ مع الكتاب يف بحر<br />
خضم، فيجود عليك بأنْفس ما فيه.
51 50<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
"إن كتاب )اإلسالم بن الشرق والغرب(ليس كتاباً بسيطاً<br />
ميكن للقارئ أن يتناوله مسترخياً أو يقتحمه من أي موضع<br />
فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أنه قد فهم شيئاً<br />
. ال ... إنه موجه جلمهور من خاصة القراء يتمتعون بخلفية<br />
ثقافية عريضة وعميقة، ولهم قدمٌ راسخة يف تذوق اللغة<br />
واألدب . يف عقول هؤالء ميكن أن تتفاعل أفكار علي عزت<br />
وأن تثمر"انتهى من مقدمة املترجم .<br />
وصدق فيما قال، فالكتاب صعب جداً، قد يستحيل أن<br />
تهضمه من أول قراءة، فهو من الكتاب التي حتتاج إلى<br />
تكرار وإعادة .<br />
إال أن املرحوم عبدالوهاب املسيري قد ذلل لنا شيئاً من<br />
صعوبة الكتاب، إذ قد أتى على أفكار الكتاب وخلصها يف<br />
تقدميه، فجعلها كاملمهدة واملوطئة ملا ستقرأه من أفكار عميقة<br />
حتتاج إلى تأمل، وإلى أن حتملها على أحسن احملامل، وقد<br />
تخالف بعضها أحياناً أخرى .<br />
الكتاب فلسفي حتليلي، فيه من روح اإلسالم، وأقل من<br />
ذلك روحانية اإلسالم .<br />
اإلسالم بين<br />
الشرق والغرب<br />
تأليف: علي عزت بيقوفيتش<br />
ترجمة: محمد يوسف عدس<br />
يقع الكتاب يف 374 صفحة<br />
طبعة: دار الشروق.<br />
مذكرات قارئ<br />
تأليف:محمد حامد األحمري<br />
يقع الكتاب يف 474 صفحة<br />
الناشر: دار اخللود .<br />
ما هذا السِ فر الباذخ! خليقٌ به أن يُعاد ويكرر، مترعٌ بالفوائد<br />
والعِ بر، إنه ملءُ السمع والبصر. جَ مع األحمري بن جلدتي<br />
الكتاب تاريخاً طويالً من القراءة، بثَّ فيه أفكاراً وجتارب، حلوالً<br />
وتأمالت. عُمُر من القراءة جتده طوع يديك.<br />
لكم متنيتُ أن يُقدِ م قُراؤنا الكبار على مثل هذا النوع من<br />
الكتابة عن جتاربهم مع القراءة والكتاب، إذ هي من زكاة ما<br />
حصلوه من معارف، وفيها منار للسالكن من بعدهم . -حتدث<br />
املؤلف إجماالً عن القراءة والكتب والكتابة وشخصية القارئ<br />
ووصايات ومتفرقات.<br />
-حشد املؤلف كمّاً هائالً من املقروءات يف كتابه هذا، ووظفها<br />
توظيفا مناسباً، وساقها يف أثناء استشهاداته على ما يريد، وهذا<br />
النوع من الكتب أعني الذي يوظف املقروء من الكتب يف السياق<br />
نوعٌ من الكتب نادرٌ وعزيزٌ .<br />
-يف الكتاب تكرار لذيذ غيرُ ممل، يوحي بأن املولف كتبه على<br />
أوقات متفاوتة .<br />
-املؤلف فيه جترد عند احلكم على الكتب واألفكار. نعم توافقه<br />
وقد تخالفه لكنه جترد محمود ال يخضع ألي سلطة فكرية.<br />
-ذكر األحمري جملة من الكتب األجنبية املهمة التي لم تترجم<br />
إلى العربية حتى الساعة .<br />
يقع املؤلف يف أوهام قليلة جداً عند ذكر أسماء الكتب<br />
واملؤلفن، وهذا من طبيعة النقص البشري . -لو كان لي من املال<br />
شيء لوزعت الكتاب مجانًا على القراء، سيجدون فيه مرآة تعكس<br />
شيئا يشبههم.<br />
-ختم املؤلف كتابه بقائمة طويلة من الكتب التي يوصي بها،<br />
تقع يف 15صفحة.
53 52<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
فقه السيرة<br />
تأليف:محمد الغزالي<br />
يقع الكتاب يف 476 صفحة<br />
الناشر: دار القلم .<br />
تتنوع كتب السيرة النبوية يف أسلوبها، وروحها<br />
وطريقة عرضها، خذ مثالً )نور اليقن يف سيرة<br />
سيد املرسلن(حملمد اخلضري بك، يعتمد<br />
يف كتابه على السرد التاريخي . وأبو احلسن<br />
الندوي يف كتابه )السيرة النبوية(يعتمد األسلوب<br />
األدبي . ومحمد الغزالي يف )فقه السيرة(<br />
يرتكز يف عرضه على الروح العاطفية، ناهيك<br />
عن األسلوب األدبي الرشيق، والعرض املاتع<br />
اللذيذ، وهذا ما يحفز إلى قراءة ما كتبه هؤالء<br />
األعالم يف سيرة محمد عليه الصالة والسالم،<br />
فكل منهم يتناول مواقف السيرة وأحداثها -وإن<br />
تشابهت يف أصلها-بشكل مختلف، فتكتشف يف<br />
كل مرة شيئا جديدا يضيفه إليك هذا املؤلف أو<br />
ذاك بحسب ميوله وتوجهه .<br />
والغزالي يف كتابه هذا أشبعه عاطفة نضاحة،<br />
محركة للقلوب الركدة، واألنفس الهامدة نحو<br />
رجل عظيم جدُ عظيم . كونوا مع محمد صلى<br />
اهلل عليه وسلم يف داخلة قلوبكم، أحيوه يف<br />
نفوسكم.<br />
ومن امللفت اجلميل أن املؤلف بدأ بكتابة<br />
هذه السيرة يف املدينة املنورة، ويا له من شعور<br />
متدفق يبعث على الكتابة وهو ينعم باجلوار<br />
الطيب .<br />
ستقرؤون سيرة مختلفة ..<br />
حكاية على منط قدمي من الكتابة صعب<br />
التناول، دقيق العبارة، ملّاح اإلشارة، ال يكتب مثله<br />
إال أملعيٌ عبقري .<br />
احلكاية متثل ما بعد شهرزاد، وسكوتها عن<br />
الكالم املباح وخالص رقبتها من أن ينالها ظلم<br />
شهريار، وافتراض الكاتب أن شهريار تزوجها بعد.<br />
هذه احلكاية ستروق ملن يحبون حكايات اجلن<br />
والعفاريت، وكيف هم العبون عابثون ببني آدم، خذ<br />
مثالً صنعان اجلمالي، وجد شياطن اجلن عليه<br />
مدخالً من إميانه، ولوال سذاجة خالطت إميانه ملا<br />
استطاع شيطان اجلن أن يصيّره إلى احلال التي<br />
وصل إليها . املؤمن ويفٌّ مطيع مخلص أمن، ومن<br />
هنا دخل الشيطان على صنعان اجلمالي . ال تأمن<br />
شيطاناً أبداً، إنسياً كان أم جنياً، وإن زعم أن يف<br />
طاعتك إياه خالصك وجناتك، فهو غادر خائن .<br />
ستقرأ مزيجاً من عبارات التصوف الرقيق،<br />
وخياالً من قصة حب لم تكتمل، وقتالً محموماً ال<br />
لغاية وال هدف، وشيئاً من اإلغراب واخليال .<br />
يف لفتة ذات معنى، ابتدأ الكاتب احلكاية برحيل<br />
السندباد من البالد، واختتمها بعودته، وعقد لعودته<br />
فصالً ضمّن يف العِ بر واحلكم والتجارب أوردها<br />
على لسان السندباد. وكأنه يلخص ما استفدته من<br />
احلكاية على لسانك أنت أيها القارئ السندباد .<br />
ليالي ألف ليلة<br />
جنيب محفوظ<br />
تقع يف 298 صفحة<br />
الناشر:دار الشروق .
ّ<br />
55 54<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
إعارة الكتب<br />
كتب بواسطة - د. أشرف صالح محمد<br />
ashraf-salih@hotmail.com<br />
أحب املسلمون العلم وكرموا أهله، وبذلوا يف سبيله أموالهم وراحتهم، ورحلوا من أجله الرحالت<br />
الطويلة، وبلغوا به أعلى املراتب. وقد اهتم املسلمون بالكتاب اهتمامًا عظيمًا؛ تأليفًا ونسخً ا<br />
وجتليدًا وحفاظً ا، فكتب التراث حافلة بقصص ونوادر وحكايات عن شغف املسلمن وحبهم للكتب<br />
وبذل كل ما ميلكون يف سبيل احلصول عليها، وركوب الصعب يف الوصول إليها. وبناءً على هذا<br />
الشغف عرف املسلمون مسلك حضاري جميل وتعاملوا معه أال وهو "إعارة الكتب"، وال نعني هنا<br />
اإلعارة من املكتبات ودور العلم، أو من الكتب الوقف، إمنا نقصد إعارة الكتب من غير الدور<br />
املتخصصة يف هذا املجال مثل املكتبات اخلاصة، ودكاكن الوراقن.<br />
فكرة اإلعارة:<br />
لقد أقبل العرب على اقتناء الكتب إقباالً<br />
منقطع النظير، وأغلب الظن أن هذا ما دفع إلى<br />
ظهور فكرة إعارة الكتب إلتاحة فرصة القراءة<br />
ومطالعة الكتب لقطاع من طلبة العلم السيما<br />
الفقراء منهم ممَنْ ال يجدون سعة يف أموالهم<br />
ينفقون بها على اقتناء الكتب أو استنساخها،<br />
لذلك جند يف كتب التراث أبوابًا تُرغب يف ذلك،<br />
منها مثالً ما جاء يف كتاب "اجلامع ألخالق<br />
الراوي والسامع" ملؤلفه اخلطيب البغدادي،<br />
وكتاب "جامع بيان العلم وفضله" البن عبد البر<br />
القرطبي: باب الترغيب يف إعارة الكتب/ باب<br />
كراهة حبس الكتب املستعارة عن أصحابها وما<br />
جاء يف األمر بتعجيل ردها إلى أربابها/ باب<br />
شكر املستعير للمُعير.. وغيرها من األبواب<br />
الشيقة.<br />
وقد حبذ العلماء إعارة الكتب ودعوا إلى<br />
بذلها للمستفيدين حتى يتمكنوا من االطالع<br />
واالستزادة يف العلم، وكان القاضي وكيع يقول:<br />
"أول بركة العلم إعارة الكتب". وقال ابن شهاب<br />
)ت. 124ه( ليوسف بن زيد، إياك وغلول<br />
الكتب، قال: "وما غلول الكتب.. قال حبسها".<br />
ورُوي أنَ ّه أتى أبا العتاهية أحد إخوانه، فقال<br />
له: أعِ رْني دفتر كذا وكذا، فقال أبو العتاهية:<br />
إنِّي أكرهُ ذاك، فقال له املستعير: أمَا عَلِمْتَ أنَ<br />
املكارمَ موصولةٌ باملكاره؟! فدفع إليه الدَ<br />
آداب إعارة الكتب:<br />
ّ فتر.<br />
رأت جماعةٌ من أصحاب الكتب احللَ<br />
إسداء النُ ّصح إلى املستعيرين علَ ّه يَردُ ّهم إلى<br />
اجلادَ ّة فينالوا بُغيتَهم ويحفظوا حقوق املُعِ يرين،<br />
فأنشد احلسنُ بنُ علي لبعض أصحابه:<br />
ّ يف<br />
أيُ ّها املستعيرُ مِ نيِّ كتاب ً ا<br />
اِرْضَ لي منه ما لنفسك ترضى<br />
ال ترى ّ ردَ ما أَعَرْتُك نفْالً<br />
وترى ّ ردَ ما استعرْتُك فرضا<br />
وعلى حُ سن الرّدِّ ملا له من أثر حسن على<br />
دميومة تلك الفضيلة، قال أبو محمَ ّد بنُ نصرٍ<br />
السُ ويدي:<br />
فإنْ أعاروكَ فاردُدْها على عجلٍ<br />
حتَ ّى تُعارَ بال مَنْعٍ وال نصبِ<br />
وهذه من آداب إعارة الكتب، بأن يعيد املعار<br />
الكتب يف سرعة وعجل حتى ال يتضايق صاحبها<br />
ويضطر إلى حبسها إذا تأخروا يف إعارتها،<br />
فبسبب حبس الكتب املستعارة امتنع غير واحد<br />
من إعارتها.<br />
قال مُحَ مَ ّدَ بْنَ خَ لَفِ بْنِ املْ َرْزُبَانِ :<br />
أَعِ رِ الدَّ فْتَرَ لِلصَّ احِ بِ<br />
إِنَّهُ لَيْسَ قَبِيحً ا<br />
بِالرَّهْنِ الْوَثِيقِ<br />
أَخْ ذُ رَهْنٍ مِ نْ صَ دِ يقِ<br />
فهنا يطلب الشاعر املُعير أن يقبض رهنًا<br />
وهو يعلم بأنه أمر قبيح وال يقبله املجتمع من<br />
صديق، ولكنه يرى يف ذلك الضمان الوحيد<br />
إلعادة الكتاب.<br />
وياقوت احلموي )676ه( الذي أنفق من<br />
عمره ثالث أعوام يف مدينة "مرو"، يذكر أنه<br />
سر كل السرور يف اإلقامة بتلك البلدة ملا يف<br />
أهلها من الرغد ولن اجلانب، وحسن العشرة،<br />
وكثرة كتب األصول املتقنة بها. ويضيف ياقوت:<br />
"ولوال ورود التتار إلى تلك البالد وخرابها ملا<br />
فارقتها إلى املمات ملا فيها من خزائن الوقف،<br />
وكانت الكتب سهلة التناول ال يفارق منزلي<br />
منها مائتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها<br />
مائتي دينار".<br />
والسمات احلميدة املطلوبة يف الرجل أن<br />
يكون متسامحً ا يف إعارة كُتبه لطالب العلم،<br />
حتى أنهم أشاروا إلى ذلك عند ترجمتهم
57 56<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
لبعض األشخاص الذين عُرفوا بذلك، حيث<br />
كانوا يعيرون طالبهم ويعينونهم بالكتب النفيسة<br />
دون تفرقة بن جمهرة الطالب. ولعل وجوب رد<br />
الكتب واحملافظة عليها وإحسان ضيافتها بل<br />
إحسان استخدامها والشكر عند ردها، كانت<br />
من أبرز النصائح التي حرص الكثيرون على<br />
التنبيه إليها ويف باب شكر املستعير للمُعير<br />
جند أن بعض شيوخ السلف قالوا:<br />
قَدْ رَدَدْنَا إِلَيْكَ أَصْ لَحَ كَ ّ اهللَ ُ<br />
وَرَأَيْنَاكَ أَحْسَ نَ النَ ّاسِ صَ بْرًا<br />
مَعَ ّ الشُ كْرِ مَا اسْ تَعَرْنَاهُ مِ نْكَا<br />
وَاحْ تِمَاال ملِ َا حَ بَسْ نَاهُ عَنْكَا<br />
ويف احلقيقة؛ إن هذه الضوابط يف اإلعارة<br />
أو مبعنى أصح إجراءاتها إذا دلت على شيء،<br />
فإمنا تدل على مدى الرقي احلضاري يف ذلك<br />
الزمان.<br />
فوائد اإلعارة:<br />
من الطرائف أن القاضي أبا الوليد الكناني،<br />
إذا أعار كتابًا ألحد إمنا يتركه عنده بعدد<br />
ورقاته أيامًا ثم ال يسامحه بعد ذلك، ويقول<br />
هذه الغاية إن كنت أخذته للدرس والقراءة فلن<br />
يغلب أحد حفظ ورقة كل يوم، وإن أردته للنسخ<br />
فكذلك، وإن لم يكن هذا وال هذا فأنا أحوط<br />
بكتابي وأولى برفعه منك. ويكشف هذا املوقف<br />
على أمر مهم، وهو السماح بنسخ الكتب عند<br />
إعارتها، حيث يُسمح للمستعير أن ينسخ نسخة<br />
من الكتاب الذي استعاره، وهذا غاية الكرم<br />
يف بذل العلم ودون مطالبة املؤلفن بأي حقوق<br />
تأليف. فقد اقتضت ظروف العصر املتمثلة يف<br />
ضعف الوسائل املتاحة لنشر الكتب على نطاق<br />
واسع أن يتهافت طلبة العلم على الكتب النفيسة<br />
والنادرة، رغبة يف استنساخها، ومن الطريف أن<br />
أبا عبد اهلل بن أبي الفتح الصواف عبر عن<br />
هذا االجتاه يف بيتن من الشعر قال فيهما:<br />
يَا مُسْ تَعِ يرَ كِ تَابِي إِنَ ّهُ عَلِقٌ<br />
فأنتَ يف سعة إن كُنتَ تَنسخهُ<br />
مبِ ُهْجَتِي وكذاك الكُتبَ بِاملْ ُهَجِ<br />
وَأَنْتَ مِ نْ حَ بْسِ هِ يفِ ضْ يَقِ احلْ َرَجِ<br />
وجتدر اإلشارة أخيرًا إلى أن البعض رأى<br />
عدم استساغة استعارة الكتب مع التمكن من<br />
شرائها أو استئجارها، وهناك فريق من العلماء<br />
بخلوا بإعارة كتبهم ملكانتها عندهم، وخلوفهم<br />
من فقدها وضياعها أو تلفها. قال مسافرُ ابنُ<br />
محمَ ّد البَلْخي:<br />
أجودُ بِجُ لِّ مالي ال أُبالي<br />
وذلك أنَ ّني أفنيتُ فيه<br />
وأبخلُ عند مسألةِ الكتابِ<br />
عزيزَ العُمر أيَ ّامَ ّ الشَ بابِ<br />
وقد ذكرت املصادر أن القاضي الطارف<br />
)قاضي اجلامعة يف األندلس( ال يُعير كتابًا<br />
من كتبه البتة، وإذا سأله أحد ذلك وألح<br />
عليه، أعطاه للناسخ فنسخه، وقابله ودفع إلى<br />
املستعير. وأنشد األميرُ سعد منصور بن محمَ ّد<br />
العَاطِ يَ ، يقول:<br />
ال تَسْ تَعِ رْ شيئن مِ نِّي صاحِ<br />
أمَ ّا الكتابُ فإنَ ّه لي مُؤنسٌ<br />
وسِ واهُما فاطلُب تَفُزْ بنجاحِ<br />
وإعارةُ املركُوبِ فهْوَ جَ ناحي<br />
المزهدون<br />
في القراءة!<br />
كُ تب بواسطة - عبداهلل بن عمر @a_3mr<br />
من مفارقات عاملنا املثيرة للدهشة: أن ترى<br />
قومًا من املثقفن، يحقر أحدكم قراءته إلى<br />
قراءتهم، وثقافته إلى ثقافتهم، وتفكيره إلى<br />
تفكيرهم،فهم قومٌ قد أخذوا من الكتب بحظ<br />
وافر، ونهلوا من منابع املعرفة حتى تضلعوا،ثم<br />
بدا لهم مؤخرًا أن هذه القراءة جهد مهدور،<br />
وعمل غير صالح وال مبرور، وأخذوا يزهّ دون<br />
الناس يف القراءة قدر ما يستطيعون، وينظرون<br />
إليها باستخفاف، حيث يقول قائلهم: ال تقرؤوا،<br />
وال تعلقوا اآلمال العراض على القراءة؛ فقد<br />
قرأنا قبلكم، ووصلنا إلى نهاية السكة فوجدناها<br />
توصل إلى مفازة ال جدوى من السير نحوها!<br />
أعرف من هؤالء بضعة نفر، عقولهم غير<br />
عادية، ونتاجهم جميل، وأسلوبهم أدبي رشيق،<br />
وكلهم قراء -سابقًا- على احلقيقة ال املجاز،<br />
وكلهم ميتلك مكتبة عامرة أنفق فيها العزيز<br />
من املال، وسافر يف تكوينها إلى معارض الكتب،<br />
وبعضهم يؤلف، ويدرب، وينظّ ر، ويحلل!<br />
ومن احملتمل واملفهوم للغاية أن يأتي إنكار<br />
جدوى القراءة من لم يقرأ قط؛ فاملرء عدو ما<br />
جهل..<br />
ومن الطبيعي للغاية أيضً ا.. أن تضغط احلياة<br />
بارتباطاتها ومشاغلها على املرء فتختفي القراءة<br />
من جدوله اليومي، أو تتغير البيئة التي كانت<br />
حتفزه على املطالعة فيتخلى عن إلف الكتاب<br />
ومخادنة األسفار.. أو يجد يف وسائل أخرى<br />
أبوابًا للمعرفة أنسب له من القراءة، أو تعاف<br />
نفسه رائحة الكتب، فيتركها.<br />
لكن غير الطبيعي هو أن يناصب املرء الكتب<br />
العداء بعدما تخلى عن عاملها، وأن يزعم أنها<br />
غير مجدية وال نافعة؛ كأنه لم ينبت حلم أكتافه<br />
من خيرها، ولم يتذوق لذتها، ولم يجدها ذات يوم<br />
شيئًا يستحق أن يصرف فيه املال، وينصب ألجله<br />
البدن، ويطيب معه السمر والسهر، ولم تفتح له<br />
القراءة آفاقًا أرحب، يف تفكيره ومنطقه، وقلبه<br />
وروحه، وعالقاته وعاطفته، ووضعه االجتماعي،<br />
ورمبا رصيده البنكي!<br />
ال حرج على املرء أن يقرأ أو ال يقرأ، أو أن<br />
يعود أميُّا من جديد إن أراد، لكن ال يحسن<br />
باإلنسان أن يجحد فضل القراءة عليه حن<br />
يسوء ما بينه وبينها؛ فاملروءة تنكر ذلك.. كما<br />
أنه ال يحسن باملرء أن يجعل القراءة شيئا تافهًا<br />
يف عيون اآلخرين؛ فلآلخرين حقهم يف أن تكون<br />
لهم جتربتهم املختلفة، وهم يف غالب األحيان<br />
سيصلون إلى نتيجة مختلفة عما وصل إليه<br />
القراء السابقون.. املزهدون يف القراءة.
59 58<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
وصايا<br />
قارئ عتيق<br />
كُ تب بواسطة - أحمد عبداهلل الغزي @ahmed_alghizzi<br />
القراءةُ ال حتتاجُ إلى تقدميٍ أو تزويق، أو تبيانٍ ألهميتها وقدرها.<br />
فمهما حبّرنا األوراق ألجلها فلن نزيدها رفعةً، ولن نضيفَ لها فضالً .<br />
فقد أخذت ما يكفي وزيادة حن افتتحَ اهلل - سبحانه - بها معجزتهُ<br />
الكبرى ( القرآن الكرمي (. وحن كانت أول ما ألقى األمنُ " جبريل "<br />
على صدرِ سيد البشر محمد عليه الصالة والسالم. قال لهُ ( اقرأ(<br />
، لتكون مرتبة القراءة بعدها ال تعدلُها مرتبة، وال ميُ اثلُها شرف.<br />
اقرأ .. فالقراءةُ مفتاحُ العلم. ( الذي علّم بالقلم * علّم االنسان<br />
ما لم يعلم )<br />
وعليه، فلن نتطرقَ لهذا اجلانب يف قادمِ احلديث، بل سيكونُ بوحً ا<br />
خالصً ا من قارئٍ عتيق للطارئنَ يف هذا املجال. تتمازجُ فيه عُصارةُ<br />
اخلبرة مع قليلٍ من وجهاتِ النظر. هي وصايا ملن أراد االستفادة<br />
منها، وملن رأى أن فيها ما يُفيد، أُقدّمُها لكم على ثالثة محاور:<br />
ماذا نقرأ؟ .. وكيف نقرأ؟ .. وأين نقرأ؟<br />
فلنبدأ، وعلى اهلل االتكال.<br />
- ماذا نقرأ؟<br />
نوّع قراءتك، واسلُك يف القراءةِ سُ بُالً فجاجً ا، وال تلزم جانبًا واحدًا<br />
وتُكثر القراءة فيه زاعمًا أنك ستُحققُ ما تصبو إليه من القراءة. كُن حُ رًا،<br />
مُنطلقًا، وال تُقيّد نفسك بقيودٍ صنعتها ذائقتك التي لم تربو بعد. وتذّكر أنك<br />
تقرأُ لتُنيرَ عقلك، وتُزيح بعضً ا من رُكام اجلهلِ الذي يُطبقُ على تفكيرك،<br />
ولتُنمي معرفتك، فالكلمة التي تقرأُها تظلُ تدُقُ بإزميلها لتحفر لها مكانًا يف<br />
رأسك؛ لتزيد علمًا، أو لتسُ ّ دَ نقصً ا، أو لتُقّوم خلالً ، أو تُزيح جهالً.<br />
األدبُ سبعةُ أبحر، والكلمات قطراتُها، واملعاني صيد، والقراءةُ<br />
صنارتُكَ التي عليك أن حتُ سنَ أين ترميها. وإياكَ وركوب السهل،<br />
فالنفائسُ ال تكونُ إال يف عرضِ البحرِ ، أو يف األعماق، دونها خرطُ<br />
القتاد. اركب الصعب، وانطلق لها تاركًا ما على الساحل للمتقاعسن
61 60<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
العاجزين واملكتفن بتجميع األصدافِ والقواقع من<br />
املياه الضحلة.<br />
األدبُ كينونة، والكلمةُ جسد، واملعنى روح، والتوازنُ<br />
مطلب، فالكلمةُ اجلميلة اخلاليةُ من املعنى هي جسدٌ<br />
جميل ال حياةَ فيه. واملعنى العميق الذي ال تُبرزهُ ألفاظٌ<br />
جميلة، هو روحٌ راقية يف هيئةٍ قبيحة!<br />
انتقِ من تقرأ لهُ بدقة، واحذر من الكتّاب<br />
املُستَنسخن، هؤالء املتشابهن أسلوبًا، وتوجهًا،<br />
وأفكارًا . ابتعد عنهم، ثم ابحث عن الكاتب املتفرد<br />
بنفسه، املتميز بأسلوبه، املختلف عن غيره، ذاك<br />
الذي يُدخلُك يف أفالكٍ من األلفاظ لم تعهدها،<br />
وينيرُ لكَ دياجيرَ املعاني التي لم تكُ تعيها أو<br />
تُدركُ كنهها. أنتَ لست بحاجةٍ أن تقرأَ لعشرةٍ<br />
منهم يتحدثون عن ( احلُبِّ ) مثالً بذات الطريقة،<br />
وبنفس األسلوب، ومن الزاوية عينها. يكفيكَ منهم<br />
واحدُ، ثم ابحث عن آخرَ يُنبئُكَ أن احلب والكراهية<br />
وجهانِ لعملةٍ واحدة، وثالثٍ يتوقُ إلقناعكَ بأن<br />
احلب مفتاحٌ للرذيلة، ورابعٍ يهُزكَ بعُنفٍ لتستيقظَ<br />
وتُدركَ أن احلبَ مضيعةٌ للوقت ليس إال!<br />
أعجبُ ممن يسأمون من الطعامِ الواحد،<br />
والشرابِ الواحد، واللباسِ الواحد، وال ميّلون من<br />
العباراتِ واألساليبِ واألفكارِ واملعاني الواحدة!<br />
للعقلِ ذائقةٌ أيضً ا متلُّ وتسأم، وترنو للجديد<br />
املختلف، ولو كان أقلَ جودةٍ أحيانًا، فاالختالفُ قد<br />
يصنعُ لذته، ويُضفي عليهِ نكهةً مميزة.<br />
- كيف نقرأ؟<br />
مشكلة القراءة أنها بذاتها عصيّة، جامحةٌ كاملُهرة<br />
التي لم تُعسف بعد، كلما أقبلتَ عليها جتدُها قد<br />
فرت منك، وكلما بدأت فيها جتدُ نفسكَ قد مللت،<br />
أو لم جتد تلك املتعة التي يتغنى بها اجلميع عندك.<br />
هل يبالغون؟ .. وهل القراءةُ ممتعةٌ حقًا؟ ..<br />
وأين هذه املتعة ال أجدُها؟<br />
هل أتخذُ القراءةَ " واجبًا " يوميًا، أم أجلأُ إليها<br />
كمُتنفس من أعباءِ احلياة؟<br />
وإن كانت مُتنفسً ا، فلمَ ال أجدُها كذلك؟ .. هل<br />
العيبُ يفَّ أم فيها؟!<br />
احلقُ أنه ال هذا وال ذاك. كُلُّ ما يف األمر أن<br />
البدايات عسيرةٌ دومًا، وكلُّ أمرٍ يف أولهِ شاقٌ،<br />
يلزمُكَ الصبر، فعلى قدرِ املشقة يكون الظفر،<br />
واالنتصارات الكبرى ال تتأتى إال بالكدِّ والتحمل.<br />
هذا يف البدايةِ فقط، ثم سُ رعان ما يتغير احلال<br />
حن تبدأُ يف " تعلم " القراءة، فهي " مهارةٌ " قبل أن<br />
تكونَ هواية، ولها قواعدُ وآداب يجبُ احترامها كي<br />
تصل بها ومعها إلى وفاق.<br />
وهي كالسباحة، كلما تعلمها املرءُ يف سنٍ أصغر<br />
كانت عليهِ أسهل، وباتت مالزمةً لهُ طوال حياته،<br />
وكلما طالت مالزمتهُ لها انتقلت إلى مستوىً أعلى<br />
فأصبحت " عادة " ميارسُ ها املرء تلقائيًا، ويف أي<br />
مكان، وعلى أية كيفية، وبدونِ قيود أو شروط، وبال<br />
مللٍ وال سأم، بل يشعرُ عند عدم ممارستها كأن<br />
هناك أمرًا ناقصً ا، ويصبح مُرتابًا منزعجً ا كالذي<br />
نسيَ شيئًا خلفهُ لكنهُ ال يعرف ما هو.<br />
عندما تصلُ إلى أن تعتادَ القراءةَ فأنت من<br />
احملظوظن، فكلُ أبوابِ املعرفةِ قد أُشرعت أمامك، وما<br />
عليك إال أن تعبَّ من كنوزها حتى متتلئ جيوب عقلك.<br />
القراءةُ قد يبدأها فيك " الفضول " أو " التقليد<br />
"، لكن ال يهم، املهم أن بذرتها قد أوجِ دَتْ يف<br />
أعطافك، يبقى عليك أن تنميها، حتى تصل بها<br />
أن تصبح جزءًا ال يتجزأُ من شخصيتك، وفرضً ا ال<br />
يُهملُ من فروض يومك.<br />
واحرص عند البدء أن ال تظلمَ نفسك بقراءةِ ما<br />
ال تفهم، أو ما ال حتُ ب، فأنت هكذا تُضيفُ حلملكَ<br />
حمالً آخر، وتُصّ عبَ األمر عليك أكثر، فعظمُكَ يف<br />
القراءةِ ال زال طريًا، وعودُكَ لم يشتدَّ بعد. وبالعودة<br />
لتشبيه القراءة بالسباحةِ الذي ذكرناهُ سابقًا نقولُ:<br />
بأن تعليم السباحةِ ال يكونُ بإلقاءِ املتعلمِ يف البحرِ<br />
فجأةً، بل يُدربُ قبالً يف املياهِ التي ال تُغرق، وحن<br />
تقوى ساعداه، وتزدادُ ثقتهُ بنفسه، ويعرفُ كيف<br />
يُالعب املاء ويسايره، يتعمقُ رويدًا يف أعطافِ البحر.<br />
لذا فمن األحوطِ أن تبدأ بالقراءةِ مبا تهوى وحتُ ب،<br />
لكي يكون التشويق واإلثارة دافعن إضافين يذهبانِ<br />
بكَ قُدمًا. وملّا جتتاز هذه اخلطوة، وتصعدُ الدرجة<br />
األولى يف سُ لمِ القراءة، وتزولُ رهبة البدايات، وتضعُ<br />
قدمًا ثابتةً يف هذا الطريق، عندها، وعندها فقط<br />
جتاوز بنفسك لقراءةِ ما ال تهوى، وما ال تشتهي من<br />
املوضوعاتِ واألفكار، عطفًا على أن القراءة ليست<br />
للمتعةِ بالدرجةِ األولى، بل الفائدةُ أولى، وأصلُ<br />
الفائدةِ يأتي من قراءةِ ما جتنبتهُ سابقًا من علومٍ<br />
ومعارف، أو ما لم تتطرق له بالكلية. وحن توطنُ<br />
نفسك على القراءةِ يف املجال الذي ال تهواه، وحن<br />
تُفرّقُ بن القراءةِ ( كوسيلة ) وبن ما يُقرأ ( كهدف(،<br />
وحن تستمتعُ بالوسيلة لذاتها حتى ولو ارتبطت<br />
بهدفٍ ال يروقُ لك كثيرًا؛ فمبروك، لقد أصبحت<br />
قارئًا محترفًا.<br />
- أين نقرأ ؟<br />
- حن أوشكَ " جُ بران " على املوتِ يف منفاه،<br />
أوصى من حولهُ أن يدفنوه يف مكتبتهِ<br />
بلبنان. مكتبتهُ التي اعتزلَ الناسَ طويالً وجلأ<br />
إليها. ليقرأ ويكتُب، ويتأمل، وليخلو بنفسهِ<br />
وعقلهِ بعيدًا عن ضجيجِ البشر. وقد كان،<br />
فوضِ عَ جسدهُ بن كُنبه، لتصبح بعدها تلك<br />
( املكتبة الصومعة ) من أهم مزارات لبنان<br />
السياحية -<br />
مكتبتُكَ هي مُستقرُكَ ومستودعك، وهي<br />
صومعتُك. قد أقمتها بنفسك، وبنيتها مبالك،<br />
وصنعتها على عينك. جمعتَ فيها عقول صفوة<br />
البشر، وبعض مشاعرهم وصففتها جنبًا إلى جنبٍ<br />
على رفوفٍ متساوية.<br />
املكتبة واحةُ نخيلُها الكتب. املكتبةُ كونٌ، والكتبُ<br />
أفالكٌ وكواكب.<br />
املكتبةُ صرحُ والكتبُ طوب. املكتبةُ كُلٌّ ، والكتبُ<br />
أجزاء.<br />
املكتبةُ جنةٌ، أنت ساكنُها الوحيد، والكتبُ زخرف.<br />
عامل مكتبتك وكأنها أحد أبنائك، راعِ ها وتعهدها،<br />
وال تبخل عليها. واجعلها تنمو أمام ناظريك، تكبرُ<br />
وتكبرُ فرحتُك بها، تنمو وتنمو آمالُكَ فيها.<br />
احذر أن تُعاملَ الكتب فيها ك ( مجموعةِ أوراقٍ<br />
جُ مِ عتْ مع بعضها ثم غُلِفتْ (، الكتابُ وديعةٌ من<br />
كاتبهِ قد وضعها عندك، والودائعُ حقيقٌ بها أن<br />
حتُ فظ. وهو بعضٌ من مؤلفه، من أفكاره، ومشاعره،<br />
وجتاربه، وخبراته. وكلُّ هذا ال يليقُ بهِ إال أن يُصان<br />
يف أكثر زوايا بيتك قُدسيةً، وأكثرُها قيمة.<br />
لكن تذكر دائمًا أن العبرةَ هنا بالكيف ال بالكم،<br />
فالكتبُ تُقاسُ مبا فيها ال بحجمها أو بعددها ( إال<br />
يف عن من اقتناها تفاخُ رًا ، أو ليلتقط صورًا معها،<br />
فالعددُ مهمٌ هُنا(<br />
لذا ال تقتني مائة كتابٍ حتملُ نفسَ األفكارِ<br />
واملوضوعاتِ ، ثم تقولُ يف نفسك:<br />
لي مكتبةٌ غنية! .. بل هي فقيرة، ضئيلة، ولو<br />
كانت أرففهاتنوءُ مبا عليها من كتب. وتذكر أن<br />
الطعامَ الواحدَ ال يُغذي جسمك ولو أكثرتَ منهُ<br />
حتى سَ مِ نتْ !<br />
القراءةُ غذاءٌ للعقل، فنّوع طعام عقلكَ لتُغذيه،<br />
ولتُنميه، ولتتفتح مداركهُ، وليكونَ بصحة جيدة،<br />
وكما حتُ ب.<br />
وإياكَ و) ثقافة القطيع ) عامةً ويف األدب خاصة،<br />
فأنت حن تقتني كتابًا ألن جميعَ من حولك قد<br />
اقتنوه فتلك مصيبة. وإن اقتنيتَ كتابًا بدافعٍ من<br />
شُ هرةِ كاتبه وعدد متابعيه يف مواقع التواصل فتلك<br />
كارثة. وإن اقتنيتَ كتابًا بأعنٍُ مغمضة، وبدون أن<br />
تُكّلفَ نفسك عناءَ فتحهِ وتقليبَ صفحاته واالطالع<br />
على محتواه فهذهِ مأساة!<br />
سر بعيدًا عن هذا القطيع، واسبح عكس التيار<br />
الذي قد يقودكَ للمنحدر، وكن أنت وال تكن صورةً<br />
لغيرك. وإن شئت؛ فقّلد من شئتَ يف اللباسِ وطريقةِ<br />
املشي والكالم وغيرهم، لكن احذر أن تُقّلدَ أحدًا يف<br />
قراءاتك، كي ال يكون عقلُكَ نُسخةً مُشوهةً عن عقله.
63 62<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
إنهم أصحابي<br />
فأروني ماذا فعل<br />
بكم صحبكم<br />
كُ تب بواسطة - سمية علي _B221_@<br />
وكأني أود لو أكون العاشق الوحيد والويفّ لها.<br />
كيف ملتكبرٍ على أحزانه مثلي أن ينكب<br />
على وجهه يف خَلوة ليالء؟! خُذ بأصابع الضوء<br />
النحيلة مني وهيّا لنغير صيغة التساؤل، ملا هو<br />
أهل له: من أنا لوال الكتب؟<br />
نعم، أنا وبكامل تلك العنجهية أصيح مثل<br />
فتى مخبول مسرفًا يف نحيبي بأنني ال شيء<br />
يُذكر لوال صفحات يفوح منها عبير العبرات،<br />
وحلو األفكار، ناهيك عن تلكم األصوات التي<br />
تندمج مع قلبي دقة إثر دقّة، وأنا أقلب بن<br />
الفكرة والفن، وهذا اجلمال املسدول بن<br />
صُ فيحات ودُول من الكراكيب القيمة جدًا،<br />
واملُلهمة جدًا والقاسية نادرًا.<br />
أعني بتلك القسوة التي تأخذ مني ثأرها<br />
وهي مصفوفة أرقبها وأمنّي نفسي بأن ال<br />
أغادر هذه احلياة وقلبي لم يستشفها بعد<br />
وتلك التي عهدت أن أقرأها مرارًا منهول<br />
جمالها ولم أُعاودها، تلك القسوة التي لطاملا<br />
تُشعرني بحزن مُترف يجعلني أنام وأنا أضم<br />
كتابي اجلديد وعيناي قد انغلقت على األخرى<br />
وهي تعاتبني مبا عهدتها.<br />
إنهم أصحابي وشأني بهم شأن ذلك السامع<br />
الطروب التي تطربه نغماتهم وتسحره أخرى، آه<br />
ما أعذب رائحتها! وما ألذّ طعمها! وال أُخفيكم<br />
غبطتي وغيرتي حال اندثار الكتّاب غزالً بها<br />
خُ ذ ما شاكست به املمثلة العظيمة "ليف<br />
أوملان" يف أحد مذكراتها تقول: "لطاملا اعتبرت<br />
الكتب كائنات حيّة بعد أن صادفت مؤلفن<br />
بارعن غيروا حياتي قليالً ، فبينما أمرّ بفترة<br />
ارتباك ما أبحث عن شيء ال أستطيع حتديده،<br />
إذا بكتاب معن يظهر ويتقدم مني كما يفعل<br />
الصديق، يحمل بن دفتيه األسئلة واألجوبة<br />
التي أبحث عنها".<br />
إننا نحن معشر املُتيّمن، نقاتل ألجلها<br />
قتاالً على احلبّة والنسمة والذرّة والهبوة، وهي<br />
تفتدي بنفسها دومنا أن تسأل.<br />
ما أحناها بقلبي وقلبك! أما عزمت أن تعقد<br />
نكاحها؟ وتتوسد صفحاتها وتنهال على خيراتها<br />
وتُصافح محاسنها ؟! أما استفهمت استنجاد<br />
الشعراء بها وانسالخ أبي الطيب من نرجسيته<br />
وهو يحنو ويهتف ويهمس: "وخير جليس يف<br />
الزمان كتاب"!!<br />
ذلك العشق املفرط ما كان حقبة زمنية<br />
سُ لطت عليها أضواء اإلعالم أو تشعبطت عليها<br />
أقالم الصحافة، بل إنه ترابط أزلي وكل قلب<br />
قد عاش معها سيعلم متامًا مقصودي من تلك<br />
القداسة.<br />
ال أنسى أبدً ا لقائي األول بها حيث عقدت<br />
العزم متامًا على أال أنفك عنها وإن عزفت<br />
أطوارًا وكأنها ألبستني متائم تعيذني من أن<br />
أرتفع بحب غيرها حيث أن كل حب سواها رهن<br />
السقوط.<br />
كانت أولى رحالتي مع الكتب يف الصف<br />
اخلامس كنت حينها قد استعرت من املكتبة<br />
املدرسية كتابًا من النوع القصصي، لم أكن<br />
أشعر بالقراءة مقابل شعوري وكأنه يتحدث<br />
إليّ ، ذلك اللقاء األول، جرني يف بحر املعاني<br />
وأصبحت تطربني الكلمات وأحلو بتذوق<br />
العبارات على الرغم أنه لم يكن مستواي<br />
الدراسي يف األدب والنصوص جيّدا، حيث كنت<br />
أجد صعوبة يف احلصول على العالمة الكاملة،<br />
رمبا كان السبب أن الوقت يذهب وأنا أسائل<br />
نفسي يف فهم النصوص أكثر من حفظها، فكان<br />
يهمني جدًا الوصول لشعور الكاتب حاملا كتب<br />
هذا النص وما هو نوع احلزن الذي اعتصره<br />
أكثر من أنني أحفظ ملجرد اإلجابة على:<br />
)أكملي القصيدة ..(.<br />
كان أكثر ما يواجهني ويستصعب علي هو<br />
كيف لي أن أشرح جمال الكتب ملن ال يعرفها،<br />
كنت أشعر بضيق ميتطيني ويثقل علي وكأنني<br />
مسؤولة عن هذا األمر وواجب أدبيّ يف هذه<br />
احلياة التي تعجّ كثيرًا بأشياء أخذت قيمتها<br />
أكثر مما يُستحق وتركت هذا النور.<br />
أنا ال أعلم ماهيّة املشاعر التي جتتاحك<br />
وأنت تقرأ هذه املقالة، أهي حماسة تطير بك<br />
ألقرب مكتبة؟ أو رحتَ تركض مفتشً ا إن كنت<br />
متلك شيئًا من هذا الكنز؟ وإن كنت قد عزمت<br />
على ذلك حقًا فأنا راجيةً منك رجوى صغيرة<br />
يا صديقي:<br />
»حذار من أن ترغم نفسك على قراءة ما<br />
ال تُطيق وحتب ومتيل، فما تقرأه يشعر مبا<br />
تُرسله إليه وسيُقابلك بالنفور وستشعر حينها<br />
أن القراءة مملة، اختر من الكتب ما جتد بأن<br />
الكثير من داخلها يلتقي بالكثير من داخلك،<br />
فاألمر جتاذُب والتفاف وشغف أكثر من كونه<br />
قراءة فحسب«.
65 64<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
من حيث<br />
ال أدري .. افترقنا<br />
كُ تب بواسطة - ندى عصام احلميدان<br />
@Nadalhumaidan<br />
نهارٌ بارد، رغم الشمس الدافئة.<br />
مستلقٍ على األرض يف شُ رفتنا املتواضعة،<br />
تارةً أتأمل غيوم السماءِ.. وأخرى أتأملها<br />
وهي جالسةٌ على مكتبها تتصفح مجلةً ما.<br />
تركتْ عرشها إلعداد الغداء، تساورني فكرةٌ<br />
ما!<br />
بودّي لو أعلم ماذا تتصفح طيلةَ هذه األيام،<br />
زادت هذه العادة يف األيام األخيرة.<br />
أأسترُق النظر؟ قليالً ، لن يضر!<br />
أجلس على املكتب، أشعر بهيبَة املكان..<br />
أبتسم.<br />
تصفحتُ سريعًا بعض املجالتِ واألوراق..<br />
ال مُلفت فيها سوى أنها أدبيّة!<br />
وهذا جانبٌ لم أعرفه عنها مطلقًا، تفاجأت!<br />
كنت أعتقد بأن الفتيات ممن لديهن ميلٌ<br />
لألدبِ يؤثر ذلك تلقائيًا على روتينهن يف احلياة،<br />
تفكيرهن، ذوقهن يف ارتداء املالبس.<br />
لذلك كانت هي بعيدةٌ متامًا عن هذا التصور!<br />
لديها أسلوبها اخلاص يف احلياة، مزعجة<br />
حتب األلوان الصارخة، ويبدو أن هذا الوصف<br />
يكفي، فبرغم ما هي عليه إال أنّي أحببتها.<br />
حسنًا.. قُبِض علي باجلرم املشهود:<br />
-ما الذي تفعله؟ أليست هذه الزاوية ضمن<br />
اخلطوط احلمراء يف هذا املنزل!<br />
-نعم أعلم، -يهمس-إضافةً للمطبخ.<br />
-ما الذي قلته؟<br />
-آه ال شيء، فقط. أتساءل: لمَ يكمن هذا<br />
املكان ضمن خطوطك احلمراء؟<br />
-ماذا!! ألن حتترم خصوصيتي يف هذا<br />
املنزل! نعم صحيح .. نتشارك يف حياتنا ولكن<br />
ليس لهذه الدرجة!<br />
-هوّني عليكِ ! ما الذي يدعو لكل هذا<br />
ا لغضب ؟<br />
-أنت تعلم.. يبدو بأنّ أمرًا ما لفت انتباهك<br />
هنا.<br />
-اجلانب األدبيّ منكِ ؟ باهللِ عليك أمتزحن؟<br />
-أيّ مزاح؟ املوضوع جدي. لم كل هذا<br />
االستغراب!<br />
-لم أعلم بأنكِ متيلن لهذا اجلانب، أخْ فيتهِ<br />
جيدًا..<br />
باإلضافة أنه لستُ أنا املالم هنا!
67 66<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
-من إذًا! أنا؟ ألنني أخفيته!<br />
-رمبا، أنتِ تعلمن أنني مهتم يف هذا املجال..<br />
فلم أخفيته؟<br />
-إخفاؤه ليس باألمر اجللل، معتقداتك هي<br />
املشكلة.<br />
-أيّة معتقدات؟<br />
-ههه تضحكني! هل تعتقد بأن ثالث سنوات<br />
قضيتها معك ستذهب هباءً منثورًا؟ أعرف طريقة<br />
تفكيرك وإن حاولت حَ جبها. ومبا أنّك مهتمٌ باألدبِ<br />
قد يكون هذا من األسباب التي جعلتك أنيقًا يف<br />
مظهرك، تأخذ التفاصيل الصغيرة يف عن االعتبار،<br />
وعممّت بدورك هذه القاعدة على اجلميع.<br />
-أنتِ مخطئة، العديد من الفتيات كنّ..<br />
تقاطعه:<br />
-ال تتباهى بتجاربك أمامي! احذر، فلستَ أهالً<br />
لتكون حَ كمًا تقارن بيننا!<br />
-آسف.<br />
تكن لتحمل مشاعر احلب جتاهي، لتُكلِلَها بالزواج،<br />
لم عندما وصل األمر عند األدب. قررت الفصل<br />
بيني وبينه؟ سؤال يستحق اإلجابة، صحيح؟<br />
طلبت اإلذن للخروج من املنزل، وتُركت أنا<br />
لوحدي أمللم ما بعثرته يفّ إثر هجومها غير املتوقع.<br />
بعد ساعةٍ ونصف من الهدوء الذي باغت املكان،<br />
رنّ جرسُ املنزل وإذا بعاملٍ للتوصيل خلفه.<br />
استلمتُ الطرد وفتحته وإذا به طبقٌ من احللوى<br />
كُتب عليه:<br />
مباركٌ تألقك يف ذكرى إصدارك األول.<br />
باإلضافةِ إلى مجموعة مستندات التي ما إن<br />
تصفحتها ندِ مت ومتنيتُ بأنني أستطيع إصالح ما<br />
ارتكبت!<br />
كانت حتتوي على نُسخٍ من رسائل ونصوصٍ<br />
أدبيّةٍ قد أُرسلت إلي طوال ثالث سنوات.. كنتُ<br />
أتلهّف الستالم الرسالة أو النص القادم، فقد اعتاد<br />
صاحبها أن يرسلها إليّ بانتظام كل أُسبوع، تعجّ بت<br />
حينها من إتقانه فيما يكتب.<br />
بيبلومانيا!<br />
-ثمّ ما عالقتي بهنّ! ألم أكن دومًا مختلفة؟<br />
شاذة عن القاعدة؟!<br />
-أنتِ على حق أغفلتُ هذا اجلانب..<br />
-ال.. لم تُغفله، بل تتجاهله.<br />
-من قال ذلك؟<br />
-أنا يا سيّد! هل من اعتراض؟ حتُ بني نعم،<br />
ولكنك دائمًا ما تراني غير الئقة ألقف بجانبك يف<br />
حفل توقيع كتابٍ أصدرته، أو أمسيةٍ شعريةٍ دُعيت<br />
إليها، وأيضً ا.. هل سبق وأن كتبت نصً ا يخصني؟ أو<br />
عبارةً تُهديها إليّ ؟ أنت تتفنّ فيما تكتبه ملعجباتك<br />
لكن حن يصل األمر لي، غير مهم!لم جعلت األدبَ<br />
حكرًا على الفتياتِ األنيقات اجلميالت، وغيرهن<br />
سلَبت هذا األمر منهن؟ ليس األمر أنني أرى نفسي<br />
غير جميلة أو غير ذلك! أعلم بأنه باستطاعتي<br />
أن أبدو كذلك.. ولكنني غير مهتمة! هل هو أمر<br />
خاطئ! يف املقام األوّل إن لم أكن جميلةً بعينك، لم<br />
واآلن بعد كل هذه الفترة، اتضّ ح بأنها هي من<br />
تقِ ف خلف هذه الكلمات واملشاعر العذِ بة.<br />
كانت تخطط كشف السرّ الذي طاملا خبأتْه يف<br />
صدرها، بطريقةٍ خالبةٍ قد أستبعدُ أن تكون منها.<br />
مرّت األيام بصخبها الذي اعتاد أن تكون عليه،<br />
والذي اختلف هذه املرة أنها لم تكُن أمام ناظريه.<br />
استلم بعد مدةٍ إصدار من مجلة أدبيّة، أعتقد<br />
أنها من باب الترويج والنشر، ولكن لفتَ نظره نصٌ<br />
ما خُ تمَ بِ:<br />
"وعلى عكسِ ك ستجد كلماتي طريقها دائمًا<br />
إليكَ بالنهاية، مهما اعترانا من برود مهما افترقنا،<br />
الكتابة لغيرك أو ملجرد الكتابة هي موتٌ يحدّق بي.<br />
وأنت احلياة التي تُنقذني عندما أكتب إليك"<br />
إنهَا هي وإن كانت الكلمات غير كافية ألميزها،<br />
فتوقيعها يف نهاية النص يثبت ذلك.<br />
كتب بواسطة - زهرة الصالح @meeladfajr<br />
أخذت تتجول والدهشة ترسم على مالمحها<br />
اتساعًا يزداد كُلما جالت بعينيها الواسعتن على<br />
أرفف الكتب املمتدة، منذ مدة طويلة وهي حتاول<br />
منع نفسها من زيارة هذه املكتبة العظيمة التي متتاز<br />
مبنظر فاتن للكتب املصفوفة بعناية، واملرتبة بدقة<br />
متناهية، لكنها لم تقوَ على التمنع أكثر، فنفسها<br />
تاقت للكتب.<br />
قلبت بصرها يف أرجاء املكتبة التي تنتشر فيها<br />
أشعة شمس الصباح، ولفت انتباهها لوحة تتوسط<br />
املمر وقد كُتب عليها بخط الثلث العربي وبشكل<br />
الفت )الكتب القدمية واملخطوطات( مشيرة إلى<br />
جهة اليسار، لم تقاوم تلك الرغبة التي داهمتها يف<br />
تقليب تلك الكتب وشم رائحة ورقها األصفر الباهت،<br />
تقدمت واللهفة حتيط بها إلى نهاية املمر وعرجت<br />
ناحية اليسار مغمضة العينن وقلبها يخفق بشدة<br />
وهي تتخيل املنظر الذي ينتظرها، حاملًا وصلت<br />
فتحت عيناها على اتساعهما وهي ترى الكتب ذات<br />
املجلدات السوداء والبنية واخلطوط الذهبية وقد<br />
اصطفت أمامها بكل جمال ودالل، وكأنها حتثها على<br />
معانقتها وتقليبها.<br />
تقدمت أكثر وبدأت تتلمس الكتب برفق وتودد<br />
وكأنها عاشق أرهقه الفراق!<br />
جترأت وبدأت تقلب الكتب بن يديها، هالها<br />
منظر الصفرة احمليطة بالورق وملمس الورق اخلشن<br />
جعلها تغمر رأسها بن دفتي الكتاب وكأنها حتاول<br />
العودة إلى زمن هذا الكتاب، أكملت تقليب الكتب<br />
وهي تتنشق رائحتها العتيقة التي أضفت على<br />
املكان عبقًا مختلفًا، راودتها تلك الفكرة السيئة التي<br />
جتعلها تهرب دومًا من زيارة املكتبات، وحترجها مع
بائع الكتب.<br />
69 68<br />
لكنها لم تستطع املقاومة أكثر، بدأت تتلفت مينة<br />
ويسرة بشكل مريب، وهي حتاول أن تدس الكتاب<br />
داخل حقيبتها اجللدية وباحترافية عالية انتهت من<br />
املهمة، وعادت لتقليب الكتب وكأنها لم تفعل شيئًا!<br />
أخذت متشي بال هدف داخل املكتبة وجتاوزت<br />
عدد من املمرات حتى وصلت إلى ممر الرواية<br />
والقصة، توقفت أمامه، وبدأت متر على عناوين<br />
الكتب بال تركيز، لقد تشتت تركيزها وهي حتاول<br />
أن تكون أكثر هدوءًا وطبيعية حتى ال تثير االنتباه؛<br />
لكن يدها املتشبثة بحقيبتها تخونها كثيرًا!<br />
مر بجانبها أحد البائعن وقال لها:<br />
- هل حتتاجن إلى مساعدة؟<br />
فاجأها صوت البائع وأربكها وقالت له وهي تهز<br />
رأسها تأكيدًا:<br />
- ال .. ال!<br />
قال لها وهو ميرر يده على الكتب:<br />
- أحد القراء الذين يترددون على مكتبتنا قال<br />
لي يومًا أن الكتب كائنات حساسة حتتاج صديقًا<br />
مخلصً ا ال يخونها!<br />
ال تدري ملا قال لها هي بالذات ذلك، بقيت واقفة<br />
أمام الرف وهي تفكر بكالم البائع وذلك القارئ.<br />
أحست أنه يقصدها وتأكدت حن التفت ووجدته<br />
الزال جانبها وبن يديه أحد الكتب، نظرت إليه<br />
بتوجس؛ لكنه بادلها النظرة مع ابتسامة أزالت شيء<br />
من توترها كما توهمت!<br />
أرادت اخلروج من هذا املمر؛ لكنه قال لها:<br />
- يف مكتبتنا للكتب قدسيتها، ومن يتعدى عليها<br />
يتعرض ألشد العقوبات!<br />
ازدادت نبضات قلبها ويداها تعرقت وهي تشدّ<br />
على حقيبتها، حاولت جتاهل كالمه وهي تكمل<br />
مشيها؛ لكنه أكمل حديثه:<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
- حسنًا.. الكتاب الذي داخل حقيبتك ميثل<br />
للمكتبة كنزًا عظيمًا وال يجوز التفريط فيه!<br />
وقف أمامها مباشرة وأكمل:<br />
- وفقدانه املفاجئ يعرضني للمسائلة وقد أفقد<br />
وظيفتي بسببك.<br />
أغمضت عينيها وهي حتاول أن تستوعب كالمه<br />
وبعد عدة دقائق أخرجت الكتاب بيدها املرتعشة<br />
بكل هدوء ووضعته يف يده املفتوحة أمامها، وقالت<br />
بكل أسف:<br />
- أعتذر لك وللكتاب وللمكتبة وللقارئ، لكنها<br />
عادة سيئة ترافقني منذ أن كنت طفلة.<br />
ابتسم وهو يقول لها بسخرية:<br />
- إذن كم كتابًا فقدت املكتبات بسببك!!<br />
صفعها سؤاله بكل قسوة وذكرها بعدد املرات<br />
التي أخذت فيها كتب من أرففها دون وجه حق،<br />
إن هذه العادة تصيبها باإلحباط وبسببها هي تعنف<br />
نفسها كثيرًا، لكنها عجزت عن التخلص منها، إذ<br />
أن شيئًا ما داخلها يرغمها على فعلتها تلك حينما<br />
ترى الكتب أمامها.. إنها ضعيفة جدًا أمام منظر<br />
الكتب اآلسر، يجعلها تشعر أنها يجب أن متتلك ذلك<br />
الكتاب وبتلك الطريقة؛ ألنها كما تبرر لنفسها ال<br />
تستطيع دائمًا شراء الكتب، لذا حينما جلأت لتلك<br />
الطريقة وهي يف التاسعة من عمرها ولم يلحظها<br />
أحد، وجدت أنها فرصة عظيمة وحيلة مريحة كلما<br />
رغبت بامتالك كتاب ليس لديها ثمنه!<br />
عادت وقالت له: لدي رف كتب يف مكتبتي املنزلية<br />
عليه كتب كثيرة مختلفة، وضعت عليه الفتة كتبت<br />
عليها: "أتت إلى هنا دون إرادتها !"<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
»في العزلة كفاءةُ<br />
المُ ؤْ تَ مَ ن على نفسه،<br />
يكتب العبارة وينظر إلى<br />
السقف، ثم يضيف: أن<br />
تكون وحيدً ا أن تكون<br />
قادرً ا على أن تكون<br />
وحيدً ا هو تربية ذاتيَّ ة«.<br />
محمود درويش
71 70<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
الذوق<br />
األدبي<br />
كُ تب بواسطة - هند الصبار @hind_alsbbar<br />
كنت أتساءل ما الذي جعل يوليسيس أو دون كيخوته أعماالً<br />
أدبية ناجحة؟ وما الذي جعل قصائد شكسبير ال تتقادم؟ ما<br />
الذي يجعل عمالً أدبيًا ما عمالً جيدًا أو عمالً رديئًا؟ اجلواب<br />
املوضوعي أن هناك معايير معينة تخضع لها كل األنواع األدبية<br />
منها، اجلدة واالبتكار، الطرح اجليد، التماسك، الوحدة الشكلية،<br />
اإلبداع الفني وغيرها، مع أن ملختلف الثقافات معايير متباينة<br />
لتقرير ما األدب اجليد وما األدب الرديء، إال أننا نكتشف دائمًا<br />
أن األعمال الرفيعة هي التي اتفق القرّاء أغلبهم على جودتها.<br />
ووجود ضوابط معينة متثل حدًا أدنى العتبار العمل األدبي<br />
ناجحً ا، وعابرًا حلدود زمانه ومكانه، ال يعني أن كل جوانب النجاح<br />
يف العمل مت ضبطها ومعرفتها؛ ألنه يف كل مرة يُقرأ فيها العمل<br />
األدبي قد يُظهر شيئًا جديدًا كان سببًا لبقاء وجناح العمل؛<br />
لكننا قد جند بشكل عام أن تلك األعمال التي توصف باألدب<br />
الرفيع أو اجليد والتي حتصل على اتفاق بجودتها يف الغالب<br />
هي ما تناولت مالمح التجربة اإلنسانية التي تتصف بالدوام،<br />
والتي ال تتغير والتتبدل، تلك املوضوعات العابرة للزمان واحلدود<br />
اجلغرافية، يف الفرح واملعاناة واأللم واملوت والعاطفة، أو التي<br />
تناولت أسئلة كبرى منها الفلسفي والفكري. بينما األعمال التي<br />
كانت موضوعاتها محلية أو وقتية أو ماجرياتية؛ فإنها تنسى،<br />
جودتها من عدمها مؤقتة. لذلك جند القصائد العربية التي<br />
يكون موضوعها املدح والهجاء املتعلق بشخصية معينة مثالً ال<br />
تلقى من االهتمام ما يلقاه الشعر الذي كان موضوعه إنسانيًا<br />
بحتًا، بخالف غيره من الشعر الذي كان غرضه الغزل أو الرثاء<br />
أو فلسفة الشاعر عن حياته. فالتجربة الشعورية لشاعر مثل<br />
املعري هي أول ما يتوارد إلى أذهاننا عن شعره وما كتب وال<br />
نتذكر وقتها وال نتساءل ما إذا كان املعري قد كتب يف فترة من
73 72<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
فترات حياته شيئًا مختلفًا، مع ذلك ال ميكن أن<br />
يكون هذا املعيار مطلقًا، فليس كل من كتب يف<br />
هذه املوضوعات مت لعمله النجاح والبقاء.<br />
قد يكون أيضً ا من املعايير التي ترد على<br />
ذهن أي متسائل هو مدى تعقيد العمل وامتناعه،<br />
وفرضية مثل فرضية أن األدب اجليد يصعب<br />
فهمه تَرِ د يف ذهن بعض القرّاء، إال أننا ال ميكن<br />
أن نستعمل هذا املعيار دائمًا؛ ألن األعمال<br />
اجليدة ال تقاس بتعقيدها، فالغرائبي واخليالي<br />
والسريالي والرمزي املركب غالبًا ما تكون<br />
أعماالً نخبوية على هامش التأثير والوصول، ال<br />
ميكن جتاوز بساطة الصياغة مع عمق الفكرة<br />
يف أنها ميزة ترفع بالعمل األدبي إلى مرتبة<br />
األدب الرفيع أكثر من التعقيد والتركيب الذي<br />
يجعل قراءة العمل بالنسبة للقارئ جهدًا شاقًا.<br />
واللغة واخلاصية اللغوية للعمل حتتل مكانتها<br />
أيضً ا؛ لكن هل ترفع بالعمل وتهوي به مبفردها؟<br />
ال شك بأنها ركيزة مهمة ألي عمل؛ فاللغة هي<br />
مادة األديب والكاتب كلما كان أكثر قدرة على<br />
توفيرها ملصنعه وورشته الكتابية وكان قادرًا على<br />
تشكيلها جيدًا كلما ارتقى بعمله، ولنا يف فن<br />
املقامات العربية مثال، فالذي مييز هذا النوع<br />
من األدب هو التعقيد اللغوي واالنتقاء اللفظي،<br />
واالعتماد عليهما يف رفع العمل كبير. بيد أن<br />
هناك أعماالً أدبية جيدة لم تستخدم اللغة<br />
باحترافية، ولم يكتب أصحابها بأسلوب لغوي<br />
متفرّد، بل كان االعتماد فيها على توظيف كالم<br />
بسيط وواضح، فلغة جورج أورويل يف رواياته<br />
مثالً ليست باللغة الفخمة التي جتدها مثالً يف<br />
كتابات جاين أوسن. إال أنه بال شك ينبغي أن<br />
تكتب األعمال األدبية كتابة جيدة، تتفاوت تلك<br />
اجلودة ومكانتها يف الرفع بالعمل بحسب تكامل<br />
اخلصائص األخرى يف العمل األدبي.<br />
ومع كل املعايير والضوابط والتقييمات<br />
واجلوائز التي تصنف األعمال األدبية وترفع<br />
بعضها وتقصي اآلخر، إال أن املساحة تتسع<br />
لكل قارئ، فيبقى له أن يحدد بنفسه ما اجليد<br />
الذي يراه يف عملٍ أدبيٍّ ما والسيىء بدون أن<br />
يخجل أو يستنقص من رأيه وأدواته؛ ألن ميزة<br />
األدب األولى هي مرونة العمل وتقبله لكل<br />
قراءة وخضوعه لكل رأي تساوى يف ذلك الناقد<br />
الكبير والقارئ البسيط.<br />
البحث عن<br />
ثقافة مفقودة<br />
كُ تب بواسطة - هشام العبيلي @hsaad78<br />
ّ ثُلَ<br />
أنتج الغرب من هول مأسأة احلرب العاملية الثانية، وكردة فعل حائرة<br />
ومصدومة، مسرحَ الالمعقول أو مسرح العبث، هادفن إلى تصحيحٍ أو شفاء. يف<br />
املقابل -ومع جميع نكبات العرب املتأخرة-، لم يُنْتِج العرب أي لون ثقايف مميز<br />
يليق بهذه املصائب<br />
وما هو أشد مرارةً من عدم ردة الفعل الثقافية ، هو ردة الفعل محاكاة<br />
وتشبّهاً باآلخرين، بل واقتباساً ملسرحياتهم وثقافتهم كما هي، كردة فعل على<br />
مصائبنا، أوَليس لنا عقول مبدعة، وأفكار منتجة ، فما احلاجة بنا إلى سلوك<br />
سَ نَ اآلخرين حذو القذة بالقذة!<br />
ولكنَ ّة متيقظة أخذت تتفهم املشكلة قبل أن تبحث عن احلل العملي<br />
املناسب، يف مقابل آخرين -سيطويهم الزمن- ما زالوا يعكِّرون صفوَ هؤالء<br />
الباحثن عن مخرج، بل ويحاولون تضليلهم، لكن هل رأيت ذباباً أوقَف إعصاراً ؟<br />
ال زال بعضنا صرعى ألفكارٍ وإيديولوجيات غربية، أنتجها الغرب وفقاً<br />
ملرجعياته هو -إن وجدت هذه املرجعيات-، لكنها ال تتوائم وتنسجم مع<br />
مرجعيتنا النهائية كمسلمن، لكن البعض ما زال يحاول إلباسنا ثوباً بدون<br />
أكمام وال حاشية، بل ومرقعاً، ويُصِ رُّ علينا إال ارتداءه، ويخلع عنا ثوب فطرتنا.<br />
أصبح عاملنا العربي و اإلسالمي أكثر األماكن التي تتركز فيها احلروب<br />
الكونية، وأصبحت طرق القتل والتفن فيها مما لم تعهد أمتنا مثله، وكلما زاد<br />
طرف يف طرق القتل وفنونه، ازداد الطرف اآلخر ، وأظن أن بعضهم سيفني<br />
بعضاً كما قال صلى اهلل عليه وسلم.<br />
واخلالصة: أننا ال بد وأن جند ردة الفعل الثقافية املناسبة، والتي ستساهم<br />
بشكل كبير وفعّال يف استعادة األمة العربية واإلسالمية عافيتها، وإنّا لنُحس<br />
جميعاً بأمل يحدوه باعث حثيث، بأن نهضتنا القرائية ستكون سُ لَّماً موصِ الً ملا<br />
نأمله يف أمتنا اخليّرة.
75 74<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
يسرّنا أن تساهموا<br />
معنا في نشر<br />
مجلة قوارئ<br />
ودعوة أصدقائكم<br />
للكتابة والمشاركة<br />
فيها<br />
ينصب تخصص املجلة يف الكتابة<br />
حول القراءة وفلسفتها وطرقها<br />
ومدارجها. ويف كلّ ما يتعلق بالشأن<br />
الثقايف عمومًا، كالكتب والكتابة،<br />
واملكتبات والتعلم، واألدب والفنون<br />
والعلم.<br />
مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
شروط النشر في مجلة قوارئ<br />
أن يخدم موضوع املشاركة رؤية املجلة ورسالتها وأهدافها.<br />
أن يكون النّص املُرسل جيدًا جدًا ولم يسبق نشره.<br />
أال يزيد حجم النص عن ١٢٠٠ كلمة بحدّ أقصى.<br />
تخضع األعمال املعروضة للنشر ملوافقة هيئة التحرير.<br />
النصوص التي تُنشر يف املجلة تعبّر عن آراء كُتابها، وال تعبر<br />
بالضرورة عن رأي املجلة.<br />
مجلة قوارئ ال متانع يف النقل أو االقتباس شريطة ذكر<br />
املصدر.<br />
تُرسل املشاركات بصيغة ملف وورد فقط.<br />
يف أقل من دقيقة، مشاركتك<br />
يف تقييم املجلة ستساعدنا يف<br />
تطو ير ها .<br />
نأمل إرفاق بيانات التواصل:<br />
| البريد اإللكتروني | رقم اجلوال | حساب تويتر |<br />
Qawaree1@gmail.com
76 مجلة قوارئ | العدد السادس<br />
@Qawaree_<br />
Magazine.RFriends.net