31.05.2016 Views

-17

  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

ِ<br />

المتحف األثري الصغير<br />

بإمكانيات مادية متواضعة،‏ وعزمية كبيرة افتتح يوم<br />

اخلميس املاضي مبتحف السراي احلمراء،‏ نافذة جديدة تُ‏ ضاف<br />

إلى املتحف الكبير وهي عبارة عن ‏)املتحف األثري الصغير(‏ والذي<br />

سيكون « منبرا من منابر ثقافة الطفل وجسر تواصل ألطفالنا<br />

مع ماضيهم املجيد .. سعيا خللق جيل يحترم ماضيه لينطلق<br />

بخطى ثابتة نحو مستقبل زاهر .. فمن ال ماضي له ال حاضر وال<br />

مستقبل له ‏..فاملجتمعات املتحضرة تقاس باحترامها ملاضيها«‏<br />

حسب القائمني على املشروع،‏ كان احلضور ممتنّا لهذه البادرة مما<br />

انعكس ايجابيا على إدارة املتحف الصغير،‏ غامرين إياهم بحب<br />

وحتية لهذا العرس الثقايف الرائع،‏ ويضاف إلى اجلهود املتواصلة<br />

لتنمية ثقافة النشء احلديث يف ليبيا اجلديدة حلفظ التراث<br />

والتاريخ لهذا البلد العريق.‏<br />

حُبُّ‏ الوَط ‏َنِ‏ غَريزةٌ‏ في كلِّ‏ إنسان<br />

7<br />

العدد:‏ <strong>17</strong><br />

األحد<br />

15 شعبان ‎1437‎ه<br />

22 مايو ‎2016‎م<br />

فإنَّ‏ اهللَ‏ عَزَّ‏ وجلَّ‏ عندما خَلق آدمَ‏ عليه السَّالمُ‏ خلقَ‏ معه حواءَ‏ ألجل أنْ‏ تكتمل دائرة الحياة ، وجاءتِ‏ الذُّرِّيَّةُ‏<br />

بعد ذلك بحسب الغريزة البشريَّة ، فجعل اهلل تعاىل هذه الذُّرِّيَّةَ‏ تَعيش يف مُبتدأ األَمر يف مُحيطٍ‏ واحدٍ‏ ، ويف<br />

مُجتَمعٍ‏ واحدٍ‏ ، وبقي الحال على ما هو عليه إىل حنيٍ‏ أراده اهلل سُبحانه ، ودارتِ‏ األَيَّامُ‏ والشُّهورُ‏ والسَّنواتُ‏ ،<br />

فازدادتِ‏ الذُّرِّيَّة ، وكَبُرَتْ‏ مساحة املُحيط الَّذي كانوا يَعيشون فيه ، إىل أنِ‏ اتَّسَعَتِ‏ البُقعة الَّتي كانوا يَعيشون<br />

عليها جدًّا ، وتباعَدَتِ‏ الدِّيارُ‏ ، ونشأتِ‏ القُرى فاملُدُنُ‏ ، إىل أنْ‏ أَصبحت دُويالت ، وقارَّات .<br />

كتب / صالح سالم عمر املصراتي<br />

وبعد كلِّ‏ هذه الظُّ‏ روف املُحيطة باإلنسان<br />

؛ والَّ‏ تي دَعَ‏ تْ‏ إلى هذا التَّ‏ باعُ‏ د ؛ ودعت إلى بروز<br />

هذه التَّ‏ قسيماتِ‏ ، يظهر يف احلياة البَشريَّ‏ ة<br />

عامل االنتماء إلى القبائل ، واالنتماءِ‏ إلى<br />

الوَطن بصورة تِ‏ لقائيَّ‏ ة ، ألنَّ‏ لكلِّ‏ إنسان مِ‏ نَّ‏ ا<br />

بقعة على األرض تُ‏ ؤويه وينتمي إليها ، فيها<br />

أهلُه ، وفيها أبنائهُ‏ ، وبها مَ‏ سكنه ، وفيها عمله<br />

، فصار اإلنسان تِ‏ ً لقائيّ‏ ا يعودُ‏ إلى هذا الوطن ،<br />

ومع ظهور عامل االنتماء إلى األوطان ؛ تأتي<br />

الشَّ‏ ريعة اإلسالميَّ‏ ة باألصول الثَّ‏ ابتة الَّ‏ تي تَدعو<br />

إلى التَّ‏ آلف والتَّ‏ قارب بني كلِّ‏ هذه االنتماءات ،<br />

ويف ذلك املعنى يقول احلَ‏ قُّ‏ سبحانه يف سورة [<br />

احلُ‏ جُ‏ رات : 13 ] )) يَآأَيُّ‏ هَا النَّ‏ اسُ‏ إِ‏ نَّ‏ ا خَ‏ لَقْ‏ نَاكُ‏ م<br />

مِّ‏ ن ذَكَرٍ‏ وَأُنثَى وَجَ‏ عَلْنَاكُ‏ م شُ‏ عُ‏ وبً‏ ا وَقَبَآئِ‏ لَ‏ لِ‏ تَعَارَفُ‏ واْ‏<br />

إِ‏ نَّ‏ أَكْ‏ رَمَ‏ كُ‏ م عِ‏ ندَ‏ اهللِ‏ أَتْقَ‏ اكُ‏ م إِ‏ نَّ‏ اهللَ‏ عَ‏ لِ‏ يمٌ‏ خَ‏ بِ‏ يرٌ‏ (( .<br />

وبعد ظهور هذه األوطان على الكوكب<br />

الَّ‏ ذي نعيشُ‏ فيه ، وظهورِ‏ عامل االنتماء إلى<br />

تلكم األوطان ، ينشأ يف النَّ‏ فْ‏ سِ‏ البَشريَّ‏ ة عامل<br />

جديدٌ‏ يربط اإلنسانَ‏ بالوطن الَّ‏ ذي ينتمي إليه<br />

، هذا العامِ‏ لُ‏ هُ‏ و حُ‏ بُّ‏ الوطن ، فكلُّ‏ إنسان منَّ‏ ا<br />

له ما يَربطُ‏ ه بالوطن الَّ‏ ذي ينتمي إليه ، ففي<br />

ذالكم الوطن يُ‏ وجدُ‏ األَهلُ‏ واألقارب واألحبابُ‏<br />

والذِّ‏ كريات ، ويوجدُ‏ يف الوطنِ‏ أشياء أُخرى<br />

معنويَّ‏ ة ال يجدها اإلنسانُ‏ يف وطنٍ‏ آخر غير<br />

الَّ‏ ذي ينتمي إليه ، فينشأ يف اإلنسان عاملٌ‏<br />

يجعله يرتبط ويتعلَّق بالوطن الَّ‏ ذي ينتمي إليه<br />

، ولو أنَّ‏ أحدً‏ ا نازَعَ‏ إنسانً‏ ا يف وطنِ‏ هِ‏ الَّ‏ ذي ينتمي<br />

إليه ؛ أوْ‏ مَ‏ نَعَهُ‏ من وطنِ‏ هِ‏ ، فلرمبَّ‏ ا تَثورُ‏ ثائرته ،<br />

وينقلبُ‏ رأسً‏ ا على عَ‏ قِ‏ ب ، وليس يف ذلك مِ‏ نْ‏ عَ‏ يْ‏ بٍ‏<br />

أبدً‏ ا ، فهذه كتبُ‏ السُّ‏ نَّ‏ ةِ‏ تَرْ‏ وِ‏ ي لنا من حديثِ‏ عَ‏ بدِ‏<br />

اهللِ‏ بنِ‏ عَ‏ دِ‏ يِّ‏ رضي اهلل عنه أنَّ‏ ه قال : ( رَأَيتُ‏ رسولَ‏<br />

اهللِ‏ صلى اهلل عليه وسلم واقِ‏ فً‏ ا علَى احلَ‏ زْ‏ وَرَةِ‏ [<br />

وهُ‏ و مكان يف مَ‏ كَّ‏ ةَ‏ ] فقال : واهللِ‏ إِ‏ نَّكِ‏ خلَ‏ َ يْ‏ رُ‏ أَرضِ‏<br />

اهللِ‏ ، وأَحَ‏ بُّ‏ أَرضِ‏ اهللِ‏ إلَى اهللِ‏ ، ولَوالَ‏ أَنِّي أُخْ‏ رِ‏ جْ‏ تُ‏<br />

مِ‏ نكِ‏ ما خَ‏ رَجْ‏ تُ‏ ) واحلديث رواه اإلمام أحمد<br />

والتِّ‏ رْ‏ مِ‏ ذِ‏ ي وغيرهما .<br />

ويف روايةٍ‏ أنَّه عليه الصَّ‏ الةُ‏ والسَّ‏ الم قال :<br />

( ولَوْ‏ الَ‏ أَنَّ‏ قَومِ‏ ي أَخرَجُ‏ وني مِ‏ نكِ‏ , ما سَ‏ كَنْتُ‏<br />

غَ‏ يرَكِ‏ ) . فهذا رسولُ‏ اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم<br />

له تَعَلُّ‏ قٌ‏ بأرضهِ‏ وأرضِ‏ آبائهِ‏ وأجدادِ‏ هِ‏ ، ولَمْ‏ يَرْ‏ ضَ‏<br />

اخلُ‏ روج منها ، بل ولقد روَى البُ‏ خاري يف حديث<br />

بَدْ‏ ءِ‏ الوَحي أنَّ‏ ورقةَ‏ بن نَوفلٍ‏ عندما عرض عليه<br />

رسُ‏ ولُ‏ اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم ما كان رآهُ‏ يف<br />

غار حِ‏ راء ؛ وعرَفَ‏ ورقةُ‏ أنَّهُ‏ النَّ‏ بي املُرتَقب ، قال<br />

له ورقة : يا ليتني كنتُ‏ فيها جَ‏ دَ‏ عً‏ ا إذْ‏ يُ‏ خْ‏ رِ‏ جُ‏ كَ‏<br />

قَومُ‏ كَ‏ ، فقال رسولُ‏ اهلل صلى اهلل عليه وسلَّم :<br />

( أَوَ‏ مُ‏ خْ‏ رِ‏ جِ‏ يَّ‏ هُ‏ مْ‏ ) ؟؟!!‏ كاملُستَغِ‏ رب ألمْ‏ رِ‏ اخلُ‏ روجِ‏<br />

مِ‏ نْ‏ أَرضِ‏ هِ‏ وأهلِ‏ هِ‏ ، ويف هذا دليلٌ‏ على حُ‏ بِّ‏ الوطن ،<br />

وشِ‏ دَّ‏ ةِ‏ مُ‏ فارقته على النَّ‏ فْ‏ سِ‏ .<br />

إنَّ‏ الوطن إذا أدرك كلُّ‏ واحدٍ‏ مِ‏ نَّ‏ ا أهمِّ‏ يَّ‏ تَه يف<br />

النَّ‏ فْ‏ سِ‏ ويف املُجتمع وحتَّ‏ ى يف الدِّ‏ يانةِ‏ ، ملَ‏ ‏َا جتَ‏ َ رَأَ‏<br />

أَحدٌ‏ أنْ‏ يَعْ‏ بَثَ‏ بوطَ‏ نهِ‏ ، أوْ‏ يَعبَثَ‏ مبُ‏ قدَّ‏ رات وطنهِ‏ ،<br />

وذلك ألنَّ‏ الوطنيَّ‏ ة عاملٌ‏ يَربطُ‏ اإلنسانَ‏ بأرضهِ‏<br />

، ويزيد مِ‏ ن تَعلُّ‏ قِ‏ هِ‏ مبوطنه ، وال يُ‏ قْ‏ بَلُ‏ مِ‏ ن عاقلٍ‏<br />

يَدَّ‏ عي حُ‏ بَّ‏ الوَطنِ‏ من جانبٍ‏ ؛ وهو يف الوقت<br />

نَفسهِ‏ يضربُ‏ مبِ‏ عْ‏ وَلٍ‏ من حديدٍ‏ يف سبيل تدمير<br />

الوطن الَّ‏ ذي يُ‏ ؤويه ويُ‏ ؤوي أهْ‏ لَهُ‏ وأحبابَهُ‏ ، فهذا<br />

ال يُ‏ قبل ، ألنَّ‏ حُ‏ بَّ‏ الوطن يُ‏ حَ‏ تِّ‏ مُ‏ على اإلنسان أن<br />

يَخدمَ‏ هذا الوطن الَّ‏ ذي ينتمي إليه ؛ ويف إطارِ‏<br />

ال يصطِ‏ دم مع الشَّ‏ ريعة الَّ‏ تي أَوجَ‏ دَ‏ ت فِ‏ ينا حُ‏ بَّ‏<br />

الوطن ، والبُ‏ دَّ‏ أنْ‏ تَظهرَ‏ آثارُ‏ حُ‏ بِّ‏ الوطن يف كُ‏ لِّ‏<br />

إنسانٍ‏ مُ‏ خْ‏ لِ‏ صٍ‏ يَدَّ‏ عي حُ‏ بَّ‏ الوَطن ، فهذا نَبِ‏ يُّ‏ اهلل<br />

يوسف عليه السَّ‏ الم ، مع أنَّه نَبِ‏ يٌّ‏ مُ‏ صْ‏ طَ‏ فً‏ ى مِ‏ ن<br />

عِ‏ ند اهلل تعالَى ، إذْ‏ به يَتعايشُ‏ مع حاكِ‏ م ليس<br />

مبُ‏ سلِ‏ مٍ‏ ، ويعيشُ‏ يف أرضٍ‏ ليست مبِ‏ ُ سلِ‏ مة آنذاك<br />

، ومع كُ‏ لِّ‏ ذلك يَقومُ‏ هذا النَّ‏ بيُّ‏ الكرمي بخِ‏ دمة<br />

أرض مِ‏ صر ، يقوم علَى خدمةِ‏ األرض الَّ‏ تي آوَتْهُ‏<br />

، ويقوم على أمرٍ‏ حافظ بهِ‏ علَى اقتصادِ‏ البلدِ‏<br />

الَّ‏ ذي يعيش فيه ، فزَرَعَ‏ أرضً‏ ا قاسيَةً‏ بالشَّ‏ عيرِ‏ ،<br />

وابتَنَى الصَّ‏ ومعات الكَبيرة للحِ‏ فاظِ‏ علَى الشَّ‏ عِ‏ ير<br />

يف سُ‏ نبُ‏ لِ‏ هِ‏ حتَّ‏ ى ال يَفسد ، مع سِ‏ ياسةٍ‏ حَ‏ كيمةٍ‏ يف<br />

اإلنفاقِ‏ طِ‏ يلَةِ‏ السَّ‏ بع سنوات العِ‏ جَ‏ اف ، إلى أنْ‏<br />

مَ‏ رَّ‏ تِ‏ األَزمَ‏ ةُ‏ الَّ‏ تي عَ‏ صَ‏ فَ‏ تْ‏ بالبِ‏ الدِ‏ ومبا جاوَرَها ،<br />

وما تَضَ‏ رَّ‏ رتْ‏ أرضُ‏ مِ‏ صْ‏ رَ‏ والَ‏ سُ‏ كَّ‏ انُ‏ ها آنذاك ، هذا<br />

األمرُ‏ يَغْ‏ رِ‏ سُ‏ فينا نحن حُ‏ بَّ‏ الوطنِ‏ ، الَّ‏ ذي تَظهرُ‏<br />

آثارُه عبر قَنوات خدمة التُّ‏ راب الَّ‏ ذي نعيش عليه<br />

ومنَ‏ وت فوقَهُ‏ ونُ‏ قْ‏ بَرُ‏ حتَ‏ تَه .<br />

إنَّ‏ اإلنسان إذا تعلَّق بوطنهِ‏ ، وأَحَ‏ بَّ‏ الوطن<br />

الَّ‏ ذي ينتمِ‏ ي إليه ؛ صار يتألَّ‏ مُ‏ إذا جُ‏ رِ‏ حَ‏ وطَ‏ نُ‏ هُ‏ ،<br />

ويَفرَحُ‏ إذا عَ‏ مَّ‏ الوَطَ‏ نَ‏ سُ‏ رُ‏ ورٌ‏ ، بلَ‏ إنَّ‏ اإلنسان الَّ‏ ذي<br />

صَ‏ دَقَ‏ يف وَطَ‏ نِ‏ يَّتِ‏ هِ‏ ، يَغضَ‏ بُ‏ إذا أُسْ‏ تُبْعِ‏ دَ‏ من وَطَ‏ نِ‏ هِ‏<br />

، ويتألَّ‏ م ً جدّ‏ ا إذَا طُ‏ رِ‏ دَ‏ منهُ‏ ، ولذلك كان التَّ‏ غريبُ‏<br />

يف اإلسالمِ‏ عُ‏ قوبة من العُ‏ قوباتِ‏ ، وقدْ‏ عُ‏ رِ‏ فَ‏ مُ‏ نذُ‏<br />

القِ‏ دَ‏ أنَّ‏ من أشدِّ‏ العُ‏ قوبات على اإلنسانِ‏ أنْ‏<br />

يُ‏ بْعَدَ‏ عن مَ‏ وطِ‏ نه الَّ‏ ذي ترعرع فيه ، ولنا يف « كتاب<br />

اهلل تعالَى « الدُّ‏ روس والعِ‏ بر ، ففي سُ‏ ورة [ األعراف<br />

: 88 ] يَذْ‏ كُ‏ ر لنا ربُّ‏ نا سُ‏ بحانه قِ‏ صَّ‏ ة نَبِ‏ يِّ‏ هِ‏ شُ‏ عيب<br />

عليه السَّ‏ الم ، عندما أرسلَهُ‏ إلى قَومهِ‏ ، ودعاهُ‏ م<br />

شعيبٌ‏ إلى إرضاء الرَّ‏ حمنِ‏ ، رفض القَ‏ ومُ‏ دعوتَه ،<br />

وأرادوا أن يُ‏ عاقِ‏ بوه علَى ذلك ، فما وجدوا سَ‏ بيالً‏<br />

أفضل يف نَظرهِ‏ م من إبعادهِ‏ عنِ‏ األرض الَّ‏ تي نَشأَ‏<br />

فيها ، واسمعوا إلى ما قال اهلل تعالى ، )) قَالَ‏ املْ‏ ‏َلَ‏ ُ<br />

الَّذِ‏ ينَ‏ اسْ‏ تَكْبَرُوا مِ‏ نْ‏ قَوْمِ‏ هِ‏ لَنُخْ‏ رِ‏ جَ‏ نَّكَ‏ يَا شُ‏ عَيْبُ‏<br />

وَالَّ‏ ذِ‏ ينَ‏ ءَامَ‏ نُ‏ واْ‏ مَ‏ عَكَ‏ مِ‏ نْ‏ قَرْ‏ يَتِ‏ نَا أَوْ‏ لَتَعُ‏ ودُ‏ نَّ‏ يفِ‏<br />

مِ‏ لَّتِ‏ نَا قَالَ‏ أَوَلَوْ‏ كُ‏ نَّ‏ ا كَارِ‏ هِ‏ نيَ‏ (( فمُ‏ فارقة الوطن<br />

والتَّ‏ غَرُّ‏ بُ‏ والسَّ‏ فر إمنَّ‏ ا هيَ‏ مَ‏ شَ‏ اقٌّ‏ ال يستطيع<br />

اإلنسان حتمُّ‏ لها بسهولة ويُ‏ سْ‏ رٍ‏ ، وذلك ملِ‏ ‏َا عُ‏ رِ‏ فَ‏<br />

عند جميع العُ‏ قالء بأنَّ‏ مُ‏ فارقَةَ‏ الوطنِ‏ والنِّعْ‏ مَ‏ ة<br />

املألوفة من أصعبِ‏ األمور على النَّ‏ فْ‏ سِ‏ ، ولذلك<br />

املعنى ساوموه على أن يترُ‏ كَ‏ الدِّ‏ يانة ؛ أوْ‏ يُ‏ طْ‏ رد<br />

من مَ‏ وطِ‏ نهِ‏ ، وكِ‏ الَ‏ األَمْ‏ رَين تَكْ‏ رَهه النَّ‏ فْ‏ سُ‏ .<br />

إنَّ‏ عقوبة اإلبعادِ‏ عن الوطن والتَّ‏ هجيرِ‏ منه ،<br />

قدِ‏ اتَّخذَ‏ ها أَيضً‏ ا قومُ‏ لُ‏ وطٍ‏ مع نَبِ‏ يِّ‏ هم الَّ‏ ذي أُرسلَه<br />

اهلل إليهم ، فعندما دعاهم لوطٌ‏ إلى ما كُ‏ لِّفَ‏ بهِ‏ ،<br />

عارضه قَومُ‏ هُ‏ ورفضوا دعوته ، وقرَّ‏ روا إبعادَهُ‏ عنِ‏<br />

الوطن الَّ‏ ذي ترعرع فيه ، واسمعوا ماذا قال ربُّ‏ نا<br />

سُ‏ بحانه يف سُ‏ ورة [ النَّ‏ مل : 56 ] )) وَمَ‏ ا كَانَ‏ جَ‏ وَابَ‏<br />

قَومِ‏ هِ‏ إِآلَّ‏ أَن قَالُواْ‏ أَخْ‏ رِ‏ جُ‏ واْ‏ ءَالَ‏ لُوطٍ‏ مِ‏ ن قَرْيَتِ‏ كُ‏ م<br />

إِ‏ نَّهُ‏ م أُنَاسٌ‏ يَتَطَ‏ هَّ‏ رُ‏ ونَ‏ (( .<br />

فالطَّ‏ رْ‏ دُ‏ واإلبعادُ‏ عن الوطن سياسةٌ‏ قاسيةٌ‏<br />

علَى القُ‏ لوبِ‏ ، واإلنسان العاقلُ‏ والسَّ‏ وِ‏ يُّ‏ يستشعرُ‏<br />

شدَّ‏ ة هذه العُ‏ قوبة ، ألنَّ‏ الفِ‏ طامَ‏ عن املألوف شديدٌ‏<br />

؛ والفِ‏ راقَ‏ عن األوطان شاقٌ‏ ، ولذلك املَعنى صحَّ‏<br />

عن رسولِ‏ الهُ‏ دَ‏ ى صلَّى اهلل عليه وسلَّم أنَّ‏ هُ‏ قالَ‏ :<br />

( السَّ‏ فَ‏ رُ‏ قِ‏ طْ‏ عَةٌ‏ مِ‏ نَ‏ العذابِ‏ ، ميَ‏ ْ نَعُ‏ أحدَ‏ كُ‏ م طعامَ‏ هُ‏<br />

وشرابَهُ‏ ونَومَ‏ هُ‏ ، فإذَا قَضَ‏ ى أحَ‏ دُ‏ كم نَهْ‏ مَ‏ تَهُ‏ مِ‏ نْ‏<br />

سَ‏ فَ‏ رِ‏ هِ‏ [ أَيْ‏ : مقصوده ] ، فَلْيُ‏ عَجِّ‏ ل إِ‏ لَى أهْ‏ لهِ‏ ) <br />

واحلديث رواه مالكٌ‏ والبخاري ومُ‏ سلم .<br />

الوطنُ‏ هو مَ‏ كَانُ‏ اإلنسان ومَ‏ ستقرُّ‏ إقامته ،<br />

ولهذا املعنَى قالوا بأنَّ‏ اإلخراجَ‏ من الوطن يكون<br />

أصعب من القتل أحيانً‏ ا ، وذلك لدوام تَعَبِ‏<br />

التَّ‏ هجِ‏ يرِ‏ واإلِ‏ بعادِ‏ ، ولِ‏ دَ‏ وامِ‏ تألُّ‏ مِ‏ النَّ‏ فْ‏ سِ‏ بذلك<br />

يف هذه احلَ‏ ياة ، بخالفِ‏ املوت الَّ‏ ذي ينتهي أمرُ‏ هُ‏<br />

يف حلَ‏ ظاتٍ‏ يسيرة ، واستدلُّ‏ وا علَى ذلك بقول<br />

اهلل تعالى يف سورة [ البقرة : 191 ] (( وَالفِ‏ تْ‏ نَةُ‏<br />

أَشَ‏ دُّ‏ مِ‏ نَ‏ القَ‏ تْ‏ لِ‏ (( أَيِ‏ أنَّ‏ املِحَ‏ نَ‏ الَّ‏ تي يُ‏ فتن بها<br />

اإلنسان ؛ كاإلِ‏ خراج من الوطن ، تكون أَصعب من<br />

القتل لدوام تَعبِ‏ ها وتألُّ‏ مِ‏ النَّ‏ فْ‏ سِ‏ بها ، وألجْ‏ ل<br />

ذلك قال اهلل تعالَى يف سورة [ النِّسآء : 66 ] ))<br />

وَلَوْ‏ أَنَّ‏ ا كَتَبْنَا عَ‏ لَيهِ‏ م أَنِ‏ اقْ‏ تُ‏ لُ‏ واْ‏ أَنفُ‏ سَ‏ كُ‏ م أَوِ‏ اخْ‏ رُ‏ جُ‏ واْ‏<br />

مِ‏ ن دِ‏ يَارِ‏ كم ّ مَ‏ ا فَعَلُوهُ‏ إِ‏ الَّ‏ قَلِ‏ يلٌ‏ مِّ‏ نْهُ‏ م (( ، فاستبان<br />

بذلك معنى التَّ‏ هجيرِ‏ واخلُ‏ روج من الوطن .<br />

روى البخاريُّ‏ وغيرُ‏ ه من حديثِ‏ أنَسٍ‏ رضي<br />

اهلل عنه قال : كان رسولُ‏ اهللِ‏ صلى اهلل عليه وسلم<br />

إذَا قَدِ‏ مَ‏ مِ‏ ن سَ‏ فَ‏ رٍ‏ فأَبصَ‏ رَ‏ جُ‏ درَانَ‏ املدينةِ‏ أَوْ‏ ضَ‏ عَ‏<br />

نَاقَتَهُ‏ [ أَيْ‏ حَ‏ ثَّ‏ ها علَى السَّ‏ يْ‏ رِ‏ ] ، وإنْ‏ كانتْ‏ دَابَّ‏ ةً‏<br />

حَ‏ رَّ‏ كَها مِ‏ نْ‏ حُ‏ بِّها . [ أي : مِ‏ ن حُ‏ بِّ‏ املدينة الَّ‏ تي<br />

انتمَ‏ ى إليها ] .<br />

قال احلافظ ابنُ‏ حَ‏ جَ‏ رٍ‏ يف شرح هذا احلديث<br />

: فيه دَاللةٌ‏ على فضل املدينة وعلى مشروعية<br />

حُ‏ بِّ‏ الوطن واحلَ‏ ننيِ‏ إليه أ.ه.‏<br />

فَحُ‏ بُّ‏ الوطنِ‏ أَمْ‏ رٌ‏ غَ‏ رِ‏ يزِ‏ يٌّ‏ ومطلوبٌ‏ ، وأمَّ‏ ا<br />

حديث ( حُ‏ بِّ‏ الوطن من اإلميان ) فهو حديثٌ‏<br />

ال يصحُّ‏ ؛ وقد قال السَّ‏ خَ‏ اوِ‏ ي : لَمْ‏ أَقِ‏ فْ‏ عليه<br />

ومَ‏ عناهُ‏ صَ‏ حِ‏ يحٌ‏ . وقد تأوَّ‏ ل بعض أهل العِ‏ لْمِ‏<br />

معنى احلديث علَى أنَّ‏ هُ‏ ينبغي لكامل اإلميان أنْ‏<br />

يَعمر وطَ‏ نَه بالعمل الصَّ‏ الح واإلحسان ، ولذلك<br />

اسْ‏ تَحسنَ‏ بعضُ‏ هم معنى احلديثِ‏ .<br />

))) خامتة ((( ؛ اإلِ‏ بلُ‏ حتَ‏ ِ نُّ‏ إلى أوطانها وإن<br />

كان عهدُ‏ ها بها بعيدً‏ ا ، والطَّ‏ ير حتَ‏ ِ نُّ‏ إلى أوكارِ‏ ها <br />

وإنْ‏ كان موضعها مُ‏ جْ‏ دَ‏ بً‏ ا ، وكذلك اإلنسان يَحِ‏ نُّ‏<br />

إلى وطنِ‏ هِ‏ وإنْ‏ كان غيرُ‏ هُ‏ رُمبَّ‏ ا أنفع له يف وَقتٍ‏ ما<br />

، ويَحِ‏ نُّ‏ كذلك إلى وطَ‏ نِ‏ هِ‏ وإنْ‏ كان مُ‏ بْعَدً‏ ا فيه عن<br />

ممارسةِ‏ ما يُ‏ تقِ‏ نه ، ولقد صَ‏ دق القائلُ‏ :<br />

بالدي وإنْ‏ جارَتْ‏ عَ‏ لَيَّ‏ عَ‏ زِ‏ يزَةٌ‏ *** وأَهْ‏ لِ‏ ي<br />

وإِ‏ نْ‏ ضَ‏ نُّ‏ وْ‏ ا عَ‏ لَيَّ‏ كِ‏ رَامُ‏ . والسَّ‏ الم عليكم .

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!