شروط لا إله إلا الله

( 

) 

) 

بسم الله الرحمن الرحیم 

مقدمة . 

إن الحمد نحمده ونستعینھ ونستھدیھ ونستغفره،‏ ونعوذ 

با‏ من شرور أنفسنا ومن سیئات أعمالنا،‏ من یھده الله فلا مضل 

لھ،‏ ومن یُضلل فلا ھادي لھ . 

وأشھد أن لا إلھ إلا الله وحده لا شریك لھ،‏ وأشھد أن محمداً‏ 

( 

) 

( 

عبده ورسولھ . 

یا أیھا الذین آمنوا اتقوا الله حق تُقاتھ ولا تموتن َّ إلا وأنتم 

مسلمون آل عمران:‏‎102‎‏.‏ 

یا أیھا الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ‏ واحدةٍ‏ وخلق 

منھا زوجھا وبث َّ منھما رجالاً‏ كثیراً‏ ونساءً‏ واتقوا الله الذي 

تساءلون بھ والأرحام إن الله كان علیكم رقیباً‏ الننساء:‏‎1‎‏.‏ 

یا أیھا الذین آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً‏ سدیداً‏ . یُصلح لكم 

أعمالكم ویغفر لكم ذنوبكم ومن یُطع الله ورسولھ فقد فاز فوزاً‏ 

عظیماً‏ الأحزاب:‏‎71-70‎‏.‏ 

أما بعد:‏ فإن َّ أصدقَ‏ الحدیثِ‏ كتابُ‏ الله،‏ وخیرَ‏ الھدي ھديُ‏ 

محمدٍ‏ ρ، وشر الأمور مُحدثاتھا،‏ وكل محدثة بدعة،‏ وكل بدع ‏ٍة 

ضلالة،‏ وكل ضلالة في النار . 

وبعد:‏ فإن أشرف وأجل وأعظم كلمة أوحاھا الله تعالى على 

أنبیائھ ورسلھ من لدن آدم υ إلى نبینا محمد ρ ھي كلمة التوحید .. 

لا إلھ إلا الله . 

وأعظم كلمة نطق بھا الإنسان منذ أن خلق الله تعالى آدم υ 

وإلى یومنا ھذا،‏ وإلى أن تقوم الساعة ھي كلمة التوحید .. لا إلھ إلا 

الله . 

وأفضل الذكر .. لا إلھ إلا الله . 

لأجلھا خلق الله الخلق،‏ وأرسل الرسل،‏ وأنزل الكتب ..! 

5

!! 

ولأجلھا إزّی َّنت الجنان .. واحمرت واسود َّت النیران ..! 

ولأجلھا شرع الله تعالى الجھاد والقتل والقتال،‏ والسلم 

والحرب،‏ والولاء والبراء .. وفي سبیلھا تُسیر كتائب الجھاد 

والتحریر،‏ ویرخص كل غالٍ‏ ونفیس ..! 

ھي غایة الغایات .. لا توازیھا فضلاً‏ عن أن تعلوھا غایة 

أو مصلحة ..! 

كلمة تعصم دم صاحبھا في الدنیا وتقیل عنھ العثرات،‏ 

وترفع عنھ السیف عند ورود الشبھات ..! 

كلمة بھا وعلى أساسھا یدخل الناس الجنة أو النار .. فمن 

وفاھا حقھا بصدق وإخلاص دخل الجنة،‏ ومن أعرض عنھا ولم 

یوفھا حقھا،‏ وخالفھا دخل النار،‏ وحقت علیھ كلمة العذاب.‏ 

فھي كلمة تنفع صاحبھا مھما كان منھ من عمل طالح عدا 

الشرك،‏ ومن دونھا لا ینتفع المرء بشيء ولو كان عنده ملء 

السماوات والأرض من خیر وحسنات ..! 

وھي كلمة لو وزنت بالسماوات والأرض لرجحت علیھن،‏ 

ولقسمتھن لا إلھ إلا الله .. كما في وصیة نوحٍ‏ υ لما حضرتھ الوفاة 

‏ لابنھ:"‏ آمرك بلا إلھ إلا الله؛ فإن السماوات السبع والأرضین 

السبع لو وضعت في كفة،‏ ووضعت لا إلھ إلا الله في كفة لرجحت 

بھن َّ،‏ ولو أن السماوات السبع والأراضین السبع كن َّ حلقة مبھمةً‏ 

لقصمتھن َّ لا إلھ إلا الله .."(1). 

ومع ذلك لم تتعرض كلمة عبر التاریخ وإلى یومنا ھذا إلى 

التشویھ والتحریف والتأویل الفاسد كما تعرضت لھ كلمة التوحید .. 

لا إلھ إلا الله 

فقد تسلطت علیھا فِرَق الضلال والأھواء .. ابتداءً‏ من 

العلمانیین الكافرین،‏ مروراً‏ بالصوفیة المنحرفة،‏ إلى أھل الإرجاء 

والتجھم،‏ إلى بعض جیوب السلفیة المعاصرة الذین جندوا أنفسھم 

وعلمھم للذود عن الولاة والسلاطین المجرمین ..!! 

6

فقد أفرغوھا بكیدھم ومكرھم وتأویلاتھم الفاسدة الباطلة 

من دلالاتھا ومعانیھا ومقاصدھا .. وتعاملوا معھا مجرد أحرف تردد 

على الألسن،‏ مع طقطقة حبات المسبحة،‏ في زوایا المساجد .. من 

دون أن تلامس حرارة القلوب،‏ أو أن یكون لھا أثراً‏ فاعلاً‏ في واقع 

حیاة الناس وعملھم ..! 

لم یتعاملوا معھا كما أُرید لھا أن تكون .. منھج حیاة،‏ منھجاً‏ 

متكاملاً‏ في التغییر؛ تغییر المجتمعات من أوحال الشرك إلى نور 

التوحید،‏ ومن ظلم الجاھلیة إلى عدل الإسلام،‏ ومن العبودیة 

للمخلوق أیاً‏ كان ھذا المخلوق إلى عبادة الله تعالى وحده . 

أفرغوھا من حقیقتھا وحیویتھا ومن الغایة التي أنزلت 

لأجلھا .. وصوروھا للناس على أنھا مجرد أحرف باردة یتبرك بھا 

عند الذكر أو التلاوة،‏ 

 

(1) صحیح الأدب المفرد:‏ 

.426 

لا مساس لھا بواقعھم وحیاتھم وأعمالھم .. ولا ینبغي لھا أن تكون 

!! 

قلھا ولو باللسان مرة .. ولیكن منك بعدھا ما یكون من عمل 

.. والتكن بعدھا كالوحش الداشر المتمرد على الطاعة والعبودیة !! 

قلھا مرةً‏ .. تكن من أھل النجاة والإیمان في الدنیا والآخرة 

وإن لم تعمل بھا ولا بشيء من أركان الدین وواجباتھ ..!! 

قلھا مرةً‏ .. واعبد بعدھا ما تشاء من الآلھة،‏ والأصنام،‏ 

والطواغیت الآثمین ..!! 

وما دمت قد قلتھا ولو مرة في العمر فأنت في حصنٍ‏ منیع 

من التكفیر،‏ ومن دخول النار .. وأنت فوق أن یُشكك بك وبدینك 

وإیمانك مھما كان منك من عمل ..!! 

ھكذا قالوا ویقولون للناس،‏ فانعكس ذلك دماراً‏ وسلباً‏ على 

دینھم،‏ وعبادتھم،‏ وحیاتھم .. فالناس في وادٍ‏ وحقیقة ھذا الدین في 

واد آخر،‏ ومع ذلك فإن كثیراً‏ منھم بحكم تلبیس مرجئة العصر 

علیھم یحسبون أنھم یُحسنون صنعا .. ! 

7

فحظھم من الدین والتوحید أنھم یتلفظون مجرد تلفظ 

بشھادة التوحید في المناسبات وكلما طُلب منھم ذلك .. ومن دون أن 

یدروا شیئاً‏ عن معانیھا أو شروطھا ولوازمھا،‏ أو یُلزَموا في واقع 

حیاتھم وعملھم بشيءٍ‏ من ذلك ..!! 

ولما أصبح الأمر بھذه السھولة،‏ وبھذا التسیب والھزل 

واللامبالاة .. ھان على الجمیع التلفظ والتستر بھا،‏ والإتیان بھا كلما 

طُلبت منھم .. فطواغیت الحكم یتلفظون بھا .. والزنادقة الباطنیین 

یتلفظون بھا .. والعلمانیون یتلفظون بھا .. وأھل الشرك من عبدة 

الأوثان یتلفظون بھا .. حتى الشیوعیین الملحدین فإنھم یتلفظون 

بھا .. بل ما من كافر وفاجر إلا ووجدناه یتلفظ بھا ‏..وإذا تخاصم 

اثنان من أھل الفجور قال أحدھما للآخر على وجھ السب والإسكات 

وحد الله یا زلمة .. أي اسكت،‏ وكف َّ خصامك !! 

ھكذا یتعامل الناس إلا من رحم الله مع التوحید،‏ وھكذا 

تُذكر لا إلھ إلا الله ..!! 

وھؤلاء كلھم كما یصور لھم أھل الإرجاء والتجھم قاتلھم 

الله!‏ أنھم مسلمون مؤمنون،‏ ومن أھل الجنة ولا بد .. لا یجوز لأحدٍ‏ 

الخوض في صحة إیمانھم وإسلامھم،‏ أو رمي بعضھم بالكفر..‏ 

وأیما امرئٍ‏ یفعل فھو عندھم من الخوارج وغلاة التكفیریین ..!! 

معتمدین في ذلك على نصوص لا حجة لھم فیھا وھي 

علیھم لا لھم یضعونھا في غیر موضعھا،‏ ویُنزلونھا في غیر 

منزلھا الصحیح،‏ ویحملونھا من المعاني والتأویلات الفاسدة الباطلة 

ما یُخرجھا عن دلالتھا الشرعیة التي أرادھا الشارع منھا..!‏ 

من ھذه النصوص التي سلطوا أھواءھم وأفھامھم السقیمة 

علیھا،‏ قولھ :" ρ من قال لا إلھ إلا الله دخل الحنة " . فقالوا ھذا 

نص في المسألة یفید أن من أتى بالقول مجرد القول فھو من أھل 

الجنة .. ! 

واستدلوا كذلك بحدیث البطاقة الصحیح والذي جاء فیھ قولھ 

ρ:" إن الله سیخلص رجلاً‏ من أمتي على رؤوس الخلائق یوم 

Ι 

8

القیامة،‏ فینشر علیھ تسعةً‏ وتسعین سجلاً،‏ كل ٍ سجلّ‏ مثل مد البصر 

ثم یقول:‏ أتنكر من ھذا شیئاً‏ ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ یقول:‏ لا یا 

رب،‏ فیقول:‏ أفلك عذر ؟ فیقول:‏ لا یا رب،‏ فیقول:‏ بلى إن لك عندنا 

حسنة وإنھ لا ظلم علیك الیوم،‏ فیُخرج بطاقة فیھا أشھد أن لا إلھ إلا 

الله وأشھد أن محمداً‏ عبده ورسولھ،‏ فیقول:‏ احضر وزنك،‏ فیقول:‏ یا 

رب ما ھذه البطاقة،‏ وما ھذه السجلات ؟!‏ فقال:‏ فإنك لا تُظلم . قال:‏ 

فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت 

البطاقة،‏ ولا یثقل مع اسم الله شيء "(1). 

فقالوا أي مرجئة العصر : ھذا دلیل على صحة مذھبنا 

وقولنا .. وعلى فساد قول مخالفینا في المسألة ..!! 

أقول:‏ وھذا كلھ لیس لھم بھ حجة،‏ بل ھذه النصوص كما 

سیظھر للقارئ ھي حجة علیھم ولیست لھم ..! 

لذا من قبیل الرد على ھذه الشبھة وغیرھا من الشبھات التي 

ینثرھا المرجئة وغیرھم بین عوام الناس وجھلتھم .. وقبل أن 

نُشرع في بیان شروط لا إلھ إلا الله التي لا بد من استیفائھا وتحققھا 

.. لا بد أولاً‏ من ذكر بعض المقدمات الھامة الضروریة كتمھیدٍ‏ 

ضروري بین یدي ھذا البحث،‏ التي توضح كثیراً‏ من المعاني ذات 

العلاقة بموضوع البحث التي ینبغي للقارئ أن یعرفھا ویتنبھ لھا.‏ 

راجیاً‏ من الله تعالى السداد والتوفیق والقبول .. إنھ تعالى 

سمیع قریب مجیب . 

وصلى الله على سیدنا ونبینا محمد،‏ وعلى آلھ وصحبھ وسل َّم 

. 

 

(1) أخرجھ الترمذي،‏ وابن ماجة،‏ صحیح سنن الترمذي:‏ . 2127 

مقدمات ھامة وضروریة:‏ 

9

ٍ الملیئة 

[ 

المقدمة الأولى : أن صاحب التسع والتسعین سجلّ‏ 

بالخطایا والذنوب والآثام،‏ وكذلك النصوص التي تفید دخول الجنة 

من لم یعمل خیراً‏ قط،‏ وغیرھا من النصوص .. یجب أن تُحمل على 

أن ھذه السجلات،‏ أو ھذه الخطایا مھما عظمت أو كبرت فإنھا خالیة 

من الشرك أو الكفر الأكبر؛ لأن الشرك بمفرده یحبط العمل كلیاً‏ حتى 

لو كان صاحبھ عنده من الأعمال الحسنة ملء السماوات والأرض .. 

فكیف لو كان عنده السیئات الكثیرة كصاحب السجلات الوارد ذكره 

في الحدیث،‏ ولم یعمل خیراً‏ قط .. فمن باب أولى أن یحبط عملھ،‏ 

ویكون مصیره إلى الخلود في النار . 

قال تعالى:[‏ إن الله لا یغفر أن یُشرك بھ ویغفر ما دون ذلك 

لمن یشاء النساء:‏‎48‎‏.‏ 

وقال تعالى:[‏ إنھ من یُشرك با‏ فقد حرم الله علیھ الجنة 

المائدة:‏‎72‎‏.‏ 

وقال تعالى:[‏ لئن أشركت لیحبطن عملُك ولتكونن َّ من 

الخاسرین الزمر:‏‎65‎‏.‏ 

وقال تعالى:[‏ ولو أشركوا لحبط عنھم ما كانوا یعملون 

الأنعام:‏‎88‎‏.‏ 

وقال تعالى:[‏ وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ‏ فجعلناه ھباءً‏ 

منثوراً‏ الفرقان:‏‎23‎‏.‏ وغیرھا كثیرة ھي النصوص التي تفید انتفاء 

الفائدة أو الانتفاع من الحسنات المقرونة مع الشرك .. 

فكما أن التوحید الخالص ینفع صاحبھ مھما كان منھ من 

عمل طالح عدا الشرك،‏ كذلك الشرك فإنھ ینفي النفع عن صاحبھ 

مھما كان منھ من عمل صالح،‏ وھذه قاعدة سنیة مطردة دلت 

علیھا نصوص الكتاب والسنة 

لا تتخلف(‏‎1‎‏)‏ . 

قال رسول الله :" ρ قال الله تعالى:‏ یا ابن آدم ! مھما عبدتني 

ورجوتني ولم تُشرك بي شیئاً‏ غفرتُ‏ لك على ما كان منك أي من 

[ 

[ 

[ 

[ 

10

عمل وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطایا وذنوباً‏ استقبلتك 

بملئھن َّ من المغفرة،‏ وأغفر لك ولا أبالي "(2) . 

المھم أن یكون من أھل العبادة والتوحید،‏ ولم یُشرك با‏ 

تعالى شیئاً‏ .. 

وقال ρ:" ثِنتان موجبتان " قال رجل:‏ یا رسول الله ما 

الموجبتان ؟ قال:"‏ من مات لا یُشرك با‏ شیئاً‏ دخل الجنة،‏ ومن 

مات یُشرك با‏ شیئاً‏ دخل النار " مسلم . 

وعن عائشة رضي الله عنھا قالت:‏ قلت یا رسول الله:‏ ابن 

جدعان كان في الجاھلیة یصل الرحم،‏ ویُطعم المسكین،‏ فھل ذلك 

نافعھ ؟ قال:"‏ لا ینفعھ،‏ إنھ لم یقل یوماً:‏ ربِّ‏ اغفر لي خطیئتي یوم 

الدین " مسلم . 

قال النووي في شرحھ لصحیح مسلم 217/1: فلا یخلد في 

النار أحد مات على التوحید ولو عمل من المعاصي ما عمل،‏ كما أنھ 

لا یدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل،‏ 

ھذا مختصر جامع لمذھب أھل الحق في ھذه المسألة ‏.ا-ھ . 

 

(1) ھذا ھو التعبیر السني الصحیح،‏ أما القول:‏ لا یضر مع التوحید أو الإیمان 

ذنب .. ھو قول باطل لا یصح،‏ وھو من إطلاقات أھل الإرجاء ومصطلحاتھم .. 

فتنبھ . 

ومن أقوال السلفیة المرجئة المعاصرة:‏ لا یضر مع تصدیق القلب كفر ظاھر .. 

وھو أشنع بكثیر من مقولة المرجئة الأوائل !! 

(2) أخرجھ الطبراني،‏ صحیح الجامع الصغیر:‏‎4341‎‏.‏ 

المقدمة الثانیة:‏ فكما أن الكفر والإیمان لا یمكن أن یجتمعان 

في الظاھر أو أن یلتقیان على صراطٍ‏ واحد،‏ كذلك لا یمكن أن 

یجتمعان في الباطن في قلبٍ‏ واحدٍ؛ فإذا حل الكفر في القلب أخرج 

الإیمان منھ كلیاً،‏ وكذلك الإیمان لا یمكن أن یحل في القلب إلا بعد أن 

ینتفي منھ الكفر أو الشرك مطلقاً،‏ كما قال ρ:" لا یجتمعُ‏ الإیمان 

والكفر في قلب امرئٍ‏ "(1). 

11

ومنھ نعلم ونستفید كذب من یدعي الإیمان في قلبھ أو أنھ 

مؤمن،‏ بینما ھو متلبس بالشرك البواح في ظاھره ..!! 

فالظاھر مرآة الباطن ودلیل علیھ،‏ وكل منھما یؤثر ویتأثر 

بالآخر سلباً‏ وإیجاباً،‏ كما في الحدیث الصحیح:"‏ ألا وإن َّ في الجسد 

مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلھ،‏ وإذا فسدت فسد الجسد كلھ،‏ ألا 

وھي القلب " . 

وعلیھ فإننا نجزم أن من كان كافراً‏ في ظاھره كان كافراً‏ في 

باطنھ ولا بد،‏ ومن كان كافراً‏ في باطنھ كان كافراً‏ في ظاھره 

كذلك(‏‎2‎‏).‏ 

لكن یمكن أن یجتمع في القلب إیمان ومعصیة،‏ أو إیمان 

وكفر أصغر،‏ أو شرك أصغر .. والإیمان في ھذه الحالة ینفع 

صاحبھ،‏ وھذا ظاھر لا یحتاج إلى 

(1) السلسلة الصحیحة:‏ 

Ι 

.1050 

(2) حتى المنافق فإن كفره یظھر على جوارحھ ولا بد،‏ فإن خفاءه على الناس 

لا یعني ولا یستلزم غیر وجوده،‏ فالجھل بالشيء لیس دلیلاً‏ على انتفاء ھذا 

الشيء .. بدلیل أن ھذا المنافق لو اختلى بنفسھ أو بأخلائھ وخواصھ أظھر 

الكفر ظاھراً‏ وباطناً،‏ وأعرب عما في قلبھ من كفر من دون أدنى تردد . 

أما غیر المنافق الذي لا یعیش ظروف النفاق .. فإن كفره الباطن یظھر على 

جوارحھ لجمیع الناس،‏ لا خفاء فیھ . 

برھان أو استدلال . 

المقدمة الثالثة:اعلم أنھ لا یدخل الجنة إلا المؤمنون 

الموحدون .. فمھما قیل في وصف بعض العُصاة الذین یدخلون 

الجنة فمعاصیھم لا تخرجھم عن كونھم من المؤمنین الموحدین 

الذین استوفوا التوحید شروطھ .. والموحد لا یكون موحداً‏ إلا إذا 

انتفى عنھ مطلق الشرك الأكبر،‏ وأفرد ربھ وحده بالعبادة . 

كما في الحدیث المتفق علیھ:"‏ لا یدخل الجنة إلا نفس 

مسلمة " . 

وقال ρ:" یا ابن الخطاب ! اذھب فناد في الناس:‏ إنھ لا 

یدخل الجنة إلا المؤمنون " مسلم . وفي روایة عند أبي داود:"‏ یا 

12

ابن عوف ! اركب فرسك،‏ ثم نادِ:‏ إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن ‏"؛ أي 

إلا لموحد . 

وقال ρ:" أُعطیت الشفاعة وھي نائلة من لا یُشرك با‏ شیئاً‏ 

. (1)" 

وعلیھ فإن ورود الأحادیث الأخرى التي تفید دخول الجنة 

لمن كان في قلبھ مثقال ذرةٍ‏ من إیمان .. أو من لم یعمل خیراً‏ قط،‏ 

كما ھو ثابت في بعض الأحادیث الصحیحة عند البخاري وغیره،‏ 

ینبغي أن تُحمل على من كان في قلبھ مثقال ذرةٍ‏ من إیمان زائدة 

على أصل التوحید الذي لا ینجو صاحبھ إلا بھ،‏ وكذلك الذي لم یعمل 

خیراً‏ قط؛ أي لم یعمل خیراً‏ قط زائداً‏ عن أصل الإیمان والتوحید الذي 

لا بد منھ ومن استیفائھ . 

وفي قولھ ρ:" یقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبھ 

مثقال حبةٍ‏ من خردلٍ‏ من إیمان .." قال ابن حجر في الفتح 

والمراد بحبة الخردل ھنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحید،‏ 

لقولھ في الروایة الأخرى:"‏ أخرجوا من 

(1) أخرجھ ابن أبي عاصم في السنة،‏ وصححھ الألباني:‏‎803‎‏.‏ 

قال لا إلھ إلا الله وعمل من الخیر ما یزن ذرة " . انتھى . 

المقدمة الرابعة:‏ عند الحدیث عن المسائل الكلیة العامة كالتوحید،‏ 

والوعد والوعید،‏ وما یتعلق بذلك من مسائل الكفر والإیمان .. لا بد من 

:73/1 

مراعاة جمیع النصوص الشرعیة ذات العلاقة بالموضوع،‏ وإعمالھا بعضھا 

مع بعض وجنباً‏ إلى جنب من دون إھمال أو ترك شيءٍ‏ منھا،‏ فما یُطلقھ 

نص 

قد یخصصھ ویقیده نص آخر،‏ وما یُشكل معناه في نص قد یفسره 

نص آخر،‏ وما خفي معناه في نص قد یُجلیھ ویوضحھ نص آخر،‏ 

وما یُجیزه نص قد یُحرمھ وینسخھ نص آخر،‏ وما یُحرمھ نص قد 

یُجیزه نص آخر .. وھذا ما یقتضیھ الإنصاف والفقھ والعلم،‏ والبحث 

الجاد الھادف . 

أما إعمال نص أو نصوص دون النصوص الأخرى ذات 

العلاقة بالمسألة رھبة أو رغبة،‏ أو انتصاراً‏ لھوى أو مذھب ضال 

13

بدعي ھو من خلق اللصوص لصوص العلم والفقھ أصحاب 

الزیف والھوى،‏ الذین لا یؤتمنون على دینٍ‏ ولا دنیا ..! 

فلیس من الفقھ،‏ ولا الأمانة العلمیة أن نأخذ كما في مسألتنا 

ھذه حدیثاً‏ واحداً‏ عن لا إلھ إلا الله،‏ كقولھ :" ρ من قال لا إلھ إلا 

الله دخل الجنة "، ونقیم علیھ مسائل الإیمان والوعد والوعید من 

دون النظر إلى عشرات الأحادیث والنصوص الأخرى التي تتكلم عن 

لا إلھ إلا الله،‏ وعن شروطھا،‏ ولوازمھا،‏ ومتطلباتھا .. والتي تضفي 

معناً‏ ملزماً‏ آخر!!‏ 

المقدمة الخامسة:‏ من القواعد المتفق علیھا بین جمیع أھل 

العلم،‏ والتي دلت علیھا نصوص الشریعة:‏ رد المتشابھ من الدین 

إلى المحكم منھ،‏ وجعل المحكم منھ حكماً‏ یُرد إلیھ المتشابھ،‏ لیفسره 

ویُبین المراد منھ .. ولیس العكس !! 

وھذه القاعدة ینبغي إعمالھا في جمیع مسائل الدین وبخاصة 

منھا مسألتنا 

ھذه التي نحن في صدد بحثھا ومناقشتھا،‏ حیث قد وردت بعض 

النصوص فیھا تعتبر من المتشابھات المشكلة على الأفھام والتي لا 

یُعرف مراد الشارع منھا إلا بعد ردھا إلى النصوص المحكمة 

الأخرى التي تفسرھا وتبین مراد الشارع منھا . 

أما قلب القاعدة وإعمالھا بالعكس بحیث یُرد المحكم من 

الدین إلى المتشابھ منھ،‏ ویُجعل المتشابھ منھ ھو الأصل والحكَم 

الذي یُرجع إلیھ،‏ والذي یعلو المحكم ویفسره .. فھذا لا یجوز وھو 

من صنیع أھل الزیغ والضلال الذین یبتغون الفتنة والفرقة بین 

المؤمنین،‏ كما قال تعالى:[‏ ھو الذي أنزل علیك الكتاب منھ آیاتٌ‏ 

محكمات ھُن َّ أُم ُّ الكتاب وأُخرُ‏ مُتشابھات فأما الذین في قلوبھم زیغٌ‏ 

فیتبعون ما تشابھ منھ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأویلھ آل عمران:‏‎7‎‏.‏ 

أعاذنا الله من أھل الزیغ والضلال،‏ ومن طریقتھم 

[ 

ومنھجھم . 

14

Ι 

-1 

.. 

ھذه بعض المقدمات الضروریة التي تُعین القارئ على فھم 

ما یأتي الحدیث عنھ إن شاء الله من شروط لا إلھ إلا الله،‏ وما 

یتعلق بھا من مسائل وأحكام . 

وقبل أن ندخل في الحدیث عن شروط لا إلھ إلا الله .. نرى من 

اللازم أن نبین ابتداءً‏ معنى لا إلھ إلا الله،‏ ومعنى الشرط وتعریفھ 

عند أھل الأصول . 

معنى لا إلھ إلا الله . 

لا إلھ إلا الله تعني:‏ أن لا مألوه ولا معبود بحق في الوجود إلا 

الله تعالى .. فھي تقوم على ركنین أساسیین:‏ ركن یتضمن جانب 

النفي المطلق لوجود الآلھة التي تستحق أن تُعبد في شيء،‏ وھو 

المراد من الشطر الأول من الشھادة " لا إلھ .." . 

وركن آخر یتضمن جانب الإثبات؛ إثبات أن المعبود بحق ھو 

الله تعالى وحده،‏ وھو المراد من الشطر الثاني من الشھادة " إلا الله 

. ".. 

نفي أعقبھ استثناء " إلا .." یُفید غایة الحصر والقصر على 

أن المعبود بحق ھو الله تعالى وحده لا شریك لھ . 

وھذا التعریف نسجل علیھ الملاحظات والتعلیقات التالیة:‏ 

من أتى بجانب النفي من الشھادة دون جانب الإثبات لا 

یكون مؤمناً،‏ ومن أتى بجانب الإثبات دون جانب النفي لا یكون 

مؤمناً‏ كذلك،‏ ولا یكون المرء مؤمناً‏ حتى یأتي بالركنین معاً:‏ النفي 

والإثبات اعتقاداً،‏ وقولاً،‏ وعملاً‏ ظاھراً‏ وباطناً.‏ 

كما قال تعالى عن أصحاب الكھف:(‏ وإذ اعتزلتموھم وما 

یعبدون إلا الله فأووا إلى الكھف ..) الكھف:‏‎16‎‏.‏ فھم أتوا بالركنین 

معاً:‏ اعتزال المشركین وما یعبدون من طواغیت وآلھة مزیفة كاذبة 

إلا الله فھم لم یعتزلوا عبادتھ لأنھ الإلھ الأوحد المستحق للعبادة،‏ 

الذي یجب أن تُصرف لھ الطاعة والعبادة . 

15

وكذلك قال تعالى عن نبیھ إبراھیم υ:( وإذ قال إبراھیم لأبیھ 

وقومھ إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنھ سیھدین 

الزخرف:‏‎27-26‎‏.‏ وقال تعالى:(‏ أفرأیتم ما كنتم تعبدون . أنتم 

وآباؤكم الأقدمون . فإنھم عدو لي إلا رب العالمین الشعراء:‏‎75‎‏-‏ 

( 

( 

فھو υ 

.77 

یُعلن عداوتھ واعتزالھ لجمیع الآلھة التي تعبد إلا الله 

تعالى المعبود بحق فإنھ داخل في عبادتھ وموالاتھ وحده . 

وھذه الآیات وغیرھا تفید أن المشركین من قبل كانوا یعبدون 

الله تعالى 

ولكن كانوا یُشركونھ في العبادة مع آلھة أخرى .. لذا لو جاء البراء 

مطلقاً‏ مما یعبدون من دون استثناء الخالق المستحق للعبادة لعم 

البراء من جمیع ما یعبدون:‏ الله تعالى .. والآلھة الأخرى ! 

قولنا " بحق " لتخرج بھذا الضابط الھام الآلھة الكاذبة 

التي تُعبد من دون الله بغیر وجھ حق عن وصفھا وكونھا آلھة 

تستحق أن تُعبد .. فھي إذ تُعبد من دون الله تعالى؛ تُعبد كآلھة مزیفة 

لا تستحق أن یُصرف إلیھا شيء مما یدخل في معنى العبادة،‏ لأنھا لا 

تملك حقیقة الخصائص والصفات التي ترقى بھا إلى مستوى 

الألوھیة والتي لأجلھا یجوز أن تُصرف إلیھا العبادة من دون أو مع 

الله تعالى . 

وبالتالي فإن قیل:‏ یوجد في الوجود آلھة وطواغیت تُعبد من 

دون الله تعالى ‏..؟!‏ 

نقول لھم:‏ توجد آلھة لكنھا لا تملك خصائص وصفات الإلھیة 

.. وبالتالي ھي إذ تُعبد تُعبد بالباطل وبغیر حق،‏ وشھادة التوحید لا 

تنفي مطلق الآلھة من الوجود،‏ وإنما تنفي مطلق الآلھة التي 

تستحق وصف الإلھیة،‏ التي تستحق أن تُعبد من دون أو مع الله 

تعالى . 

فالشطر الأول من شھادة التوحید لا إلھ .. أي لا إلھ بحق إلا 

الله .. فھو الإلھ الحق الذي یملك خصائص وصفات الإلھیة،‏ والذي 

Ι 

16 

-2

-3 

یستحق أن یُعبد وحده لا شریك لھ،‏ والذي یجب على العباد أن 

تصرف إلیھ Ι جمیع ما یدخل في معنى العبادة الشرعیة . 

بھذا التعریف والتفسیر لشھادة التوحید ندرك فساد من 

ِ یُعرّف وما أكثرھم في زماننا شھادة التوحید ویُفسرھا بتوحید 

الربوبیة فقط؛ كقولھم معناھا:‏ لا خالق ولا ضار ولا نافع،‏ ولا رازق،‏ 

ولا ممیت،‏ ولا محیي،‏ ولا مالك إلا الله 

وھذا المعنى وإن كان حقاً‏ من جھة أن الله تعالى ھو المتصف 

بجمیع ما تقدم،‏ إلا أنھ لیس ھو المعنى المراد وحده من شھادة 

التوحید لا إلھ إلا الله ..! 

بل ھذا المعنى كان المشركون من قبل یقرون بھ،‏ ولا 

یُخالفون علیھ الأنبیاء،‏ وإنما خالفوھم في الإلھ المستحق للعبادة،‏ 

حیث صرفوا العبادة لآلھتھم وطواغیتھم وأصنامھم من دون الله 

تعالى مع علمھم وإقرارھم أن الخالق والمالك والضار والنافع ھو 

الله وحده ..! 

لأجل ذلك كانوا كفاراً‏ ومشركین،‏ استحقوا الجھاد والقتال من 

قِبل الأنبیاء والمرسلین صلوات الله وسلامھ علیھم . 

كما قال تعالى:[‏ ولئن سألتھم من خلق السماوات والأرض 

لیقولن َّ الله لقمان:‏‎25‎‏.‏ وقال تعالى:[‏ قل لمن الأرض ومن فیھا إن 

كنتم تعلمون سیقولون قل أفلا تذكرون المؤمنون:‏‎85-84‎ 

ومع ذلك كانوا مشركین من جھة صرف العبادة لغیر الله تعالى.‏ 

وعلیھ من أتى بشھادة التوحید وأراد منھا ھذا الجانب فقط لا 

یكون قد شھد شھادة التوحید بحق كما أمر الله ورسولھ ρ 

تنفعھ یوم القیامة .. وھو لا شك من المشركین . 

4- شھادة التوحید لا إلھ إلا الله تتضمن أنواع التوحید 

الثلاثة:‏ توحید الألوھیة،‏ وتوحید الربوبیة،‏ وتوحید الأسماء 

والصفات (1) . 

 

. 

، والتي 

[ 

!.. 

Ι 

[ 

17

(1) زعم المشاغبون من أھل الإرجاء أن دعاة التوحید في ھذا الزمان قد أتوا 

بقسم رابع = 

 

= للتوحید ما سبقھم إلیھ أحد،‏ وأسموه توحید الحاكمیة ..!! 

أقول:‏ ھذا افتراء وظلم لھ ما بعده .. أرد علیھ من أوجھ:‏ 

منھا:‏ أن ھذا النوع من التوحید المسمى بتوحید الحاكمیة حق لا یصح 

إیمان ودین المرء إلا بھ،‏ ومعناه إفراد الله تعالى وحده في الحكم والتشریع؛ 

فلھ تعالى الحكم القدري والشرعي لا یُشركھ في ذلك أحد من خلقھ،‏ فكما أن 

الخلق والتدبیر كلھ ، كذلك فإن الحكم والأمر كلھ تعالى .. وھذا المعنى قد 

دلت علیھ كثیر من نصوص الشریعة،‏ كقولھ تعالى:(‏ إن الحكم إلا أمر ألا 

تعبدوا إلا إیاه ذلك الدین القیم ولكن أكثر الناس لا یعلمون . وقال تعالى:(‏ 

ولا یُشرك في حكمھ أحداً‏ . وقال تعالى:(‏ والله یحكم لا معقب لحكمھ وقال 

تعالى:(‏ أفحكم الجاھلیة یبغون ومن أحسن من الله حكماً◌ً‏ لقومٍ‏ یوقنون 

وقال تعالى:(‏ إن الله یحكم ما یرید . وقال تعالى:(‏ وما اختلفتم فیھ من شيءٍ‏ 

فحكمھ إلى الله . وقال تعالى:(‏ وإن أطعتموھم إنكم لمشركون 

تعالى:(‏ فلا وربك لا یؤمنون حتى یُحكموك فیما شجر بینھم ثم لا یجدوا في 

أنفسھم حرجاً‏ مما قضیت ویسلموا تسلیماً‏ 

. ( 

. ( 

( . وقال 

( 

. ( 

( 

( 

( 

وفي الحدیث فقد صح عن النبي ρ أنھ قال:"‏ إن الله ھو الحكَمُ،‏ وإلیھ 

الحكم ". وغیرھا كثیر من النصوص الشرعیة التي تدل على ھذا النوع من 

التوحید .. فمن رده رد الإیمان كلھ،‏ ولزمھ أن یرد جمیع ھذه النصوص 

المتقدمة الذكر وغیرھا . 

ومنھا:‏ أن ما تقدم لا یعني ولا یستلزم اعتبار توحید الحاكمیة قسم 

رابع إضافة إلى أقسام التوحید الثلاثة المعروفة،‏ ولا أحد یقول بھذا .. وإنما 

الجمیع یُدرجونھ في توحید الإلھیة،‏ ومنھ ما یدخل في توحید الربوبیة،‏ ومنھ 

ما یدخل في توحید الأسماء والصفات .. 

ولكن لما كثر الشرك في الأمة من جھة حكمھا بغیر ما أنزل الله،‏ 

واحتكامھا إلى شرائع الطاغوت .. تعین تنبیھ العباد إلى ھذا النوع من التوحید 

وتخصیصھ بالذكر . 

وھو كقول القائل للناس علیكم بتوحید الطلب والدعاء،‏ أو توحید 

المحبة والطاعة،‏ أو توحید التذلل والخضوع Υ وغیر ذلك .. عندما یجد 

الناس قد وقعوا في = 

 

18

= الشرك والتفریط من جھة ھذه الأشیاء . 

فھذا قول حق،‏ وكتب أھل العلم ملیئة بمثل ھذه الاطلاقات والتعابیر .. 

ولكن لا أحد یقول:‏ قد أتوا بتوحید رابع أو خامس أو سادس .. فأقوالھم لا 

تخرج عن كونھا مستمدة من أقسام التوحید الثلاثة المعروفة،‏ والذي حملھم 

على ھذا التفصیل والتخصیص في الذكر ھو لبیان الأھمیة،‏ ولحاجة الناس إلى 

ذلك،‏ ومثل ھذا لا ضیر فیھ إن شاء الله . 

كثیر من الناس في ھذا الزمان لو قلت لھم:‏ علیكم بتوحید الألوھیة لا 

یعرفون ما تعني وما ترید منھم .. مما یحملك أن تفصل لھم وتقول:‏ علیكم 

بتوحید الدعاء والطلب والقصد .. علیكم بتوحید المحبة .. فالمحبوب لذاتھ ھو 

الله تعالى وحده لا سواه .. علیكم بتوحید الطاعة .. وھكذا كذلك توحید 

الحاكمیة،‏ وجعل الحكم وحده عندما تجد الناس قد انصرفوا عن الحكم 

بشرع الله تعالى إلى الحكم بشرائع الكفر والطاغوت ..! 

ومنھا:‏ إذا عرفت ما تقدم عرفت أنھ لا مبرر لذلك الشغب الكبیر الذي 

یثیره أھل الإرجاء في ھذا العصر .. سوى أنھم یریدون أن یُقللوا من أھمیة 

ھذا النوع من التوحید والإیمان،‏ لیصرفوا الناس عنھ ! 

وھم یریدون أن یقولوا للناس كذلك:‏ أن ھذا الإجرام الذي یمارسھ 

طواغیت الحكم من جھة حكمھم بغیر ما أنزل الله،‏ واستبدالھم لشرع الله تعالى 

بشرائع الكفر .. لا یُناقض التوحید،‏ ولا دخل لھ في العقیدة لأنھ لا یندرج تحت 

أي قسم من أقسام التوحید الثلاثة المعروفة،‏ كما أنھ لا یوجد شيء اسمھ 

توحید الحاكمیة .. وبالتالي لا یجوز أن نرمیھم بالكفر أو الخروج عن الدین !! 

فھم لا یریدون من وراء ھذه الإثارة الجدال العلمي أو معرفة الحق .. 

وإنما أرادوا بذلك أن یجادلوا عن الطواغیت،‏ ویقللوا من إجرامھم،‏ ویُزینوا 

حالھم وحكمھم الباطل في أعین الناس .. وبخاصة أن أكثر ھؤلاء الذین 

یثیرون الشغب حول ھذه المسائل تجدھم إن فقدتھم جالسین على عتبات 

الطواغیت ینتظرون الفتات والعظام أن تُرمى لھم ..! 

ومما یُذكر في ھذا المجال أنني ابتلیت مرة بمجالسة أحد ھؤلاء .. 

وكان مما قلت = 

 

= وحذرت منھ:‏ شرك القصور .. فما كان من جلیسنا إلا أن انبرى معترضاً‏ 

وقائلاً:‏ من أین أتیت بھذا الشرك .. شرك القصور .. وما الدلیل علیھ .. نحن 

نعرف فقط شرك القبور .. لم نسمع من مشایخنا من حدثنا عن شرك القصور 

‏..؟!‏ 

19

-5 

= 

فقلت لھ:‏ ومن أین لك الدلیل على شرك القبور ‏..؟!‏ 

فقال:‏ لما عبد الناس القبور من جھة الدعاء والتبرك والاستغاثة .. 

وھذا شرك .. فتعین تنبیھ الناس من شرك القبور . 

فقلت لھ:‏ قولك حق .. ولكن قل في القصور ما قلتھ في القبور ..! 

قال:‏ ومن أین تُعبد القصور حتى نقول فیھا ما قلناه في القبور ‏..؟ 

فقلت لھ:‏ القصور تُعبد من دون الله من جھة احتكام العباد إلى ما 

یصدر عنھا وعن ساكنیھا من الطواغیت من أحكام وتشریعات تضاھي وتضاد 

شرع الله تعالى ..! 

وھي تعبد كذلك من جھة طاعة ساكنیھا من الطواغیت لذواتھم في كل 

ما یصدر عنھم من أوامر وتعلیمات .. بغض النظر عن مدى موافقتھا للحق أو 

مخالفتھا لھ . 

وھي تُعبد كذلك من جھة موالاتھا وموالاة ساكنیھا من الطواغیت 

والذود عنھم وعن سیاساتھم وأنظمتھم الباطلة حتى الممات ..! 

فتأمل ھذه الكلمات والعبارات التي ألفنا سماعھا من القوم ومن 

وسائل إعلامھم:‏ حراس القصر .. جنود القصر .. خدام القصر .. تقدیم الطاعة 

والولاء للقصر .. سیاسة القصر .. ھذا ما صدر عن القصر .. أمن وسلامة 

القصر .. میزانیة القصر .. وغیرھا من العبارات التي لو دققت فیھا لوجدت 

الشرك یفوح من كل كلمة من كلماتھا بل وكل حرف من أحرفھا ! 

وھي تُعبد كذلك من جھة الخوف والخشیة منھا ومن ساكنیھا من 

الطواغیت .. فكثیر من الناس یخشون القصور أكثر مما یخشون القبور !! 

وھي تعبد كذلك عندما تتعلق بھا القلوب المریضة .. تستشرف 

وتنتظر ما یُرمى إلیھا من عطاء أو فُتات .. !! 

مما یُلفت النظر في ھذا الزمان .. أن كثیراً‏ من الناس 

ومنھم بعض الطواغیت قد حفظوا التعریف السابق لشھادة 

التوحید،‏ حتى ما إن تسأل أحدھم عن معنى شھادة التوحید إلا 

ویجیبك بسرعة ومن دون أدنى تلكؤ أو تردد:‏ لا معبود بحق إلا الله 

!!.. 

یأتون بھذا التعریف الصحیح من دون أن یعرفوا دلالاتھ 

ومعانیھ،‏ وما یترتب علیھ من التزامات وتبعات ..!! 

20

- 

یأتون بھذا التعریف .. وھم بنفس الوقت یعبدون ویوالون 

آلھة أخرى مع الله تعالى !! 

یأتون بھذا التعریف .. وھم أنفسھم یكونون آلھة مع الله أو 

من دونھ !! 

یأتون بھذا التعریف باللفظ فقط .. لیسلموا من مؤاخذة 

الآخرین لھم،‏ وحتى لا یصفوھم بالجھل وعدم علمھم بالتوحید !! 

وھؤلاء مثلھم مثل من یأتي بشھادة التوحید وھو لا یعلم 

معناھا .. أو من یأتي بھا وھو لا یلتزم بشيء من لوازمھا 

ومتطلباتھا !! 

وھؤلاء لا ینتفعون بشيءٍ‏ من شھادة التوحید ولا من حفظھم 

لتعریفھا،‏ وھم لا یسلمون من المؤاخذة والمساءلة في الدنیا ولا في 

الآخرة ..! 

معنى الشرط . 

الشرط:‏ عرف الأصولیون الشرط بأنھ ھو ما یتوقف وجود 

الشيء 

= فھذه وجمیع ما تقدم ھو من العبادة،‏ وھو من الشرك عندما یُصرف لغیر 

الله تعالى .. فبھت المرجئ وما نطق !! 

على وجوده،‏ ولا یلزم من وجوده وجود الشيء،‏ لكن یلزم من عدمھ 

عدم ذلك 

الشيء . 

فشھادة التوحید من شروطھا مثلاً:‏ النطق والإقرار؛ لا 

تتحقق ولا تصح لا إلھ إلا الله إلا بھ،‏ ولا یلزم من وجوده منفرداً‏ 

من دون بقیة الشروط والأركان وجود وتحقق لا إلھ إلا الله،‏ ولكن 

عدم وجود ھذا الشرط وغیابھ یستلزم غیاب وانتفاء لا إلھ إلا الله 

كلیاً‏ . 

وھكذا بقیة شروط لا إلھ إلا الله التي سنأتي على ذكرھا 

بالتفصیل إن شاء الله فوجودھا شرط لصحة التوحید،‏ وشرط 

21

لوجوده إذا انتفى واحد منھا انتفت معھ لا إلھ إلا الله مباشرة،‏ وانتفى 

الانتفاع بھا،‏ ولكن وجود ھذا الشرط منفرداً‏ لا یستلزم ولا یُفید 

تحقق ووجود لا إلھ إلا الله .. ولتحققھا وتحقق الانتفاع بھا لا بد من 

استیفاء جمیع شروطھا وأركانھا من دون انتقاص شيءٍ‏ منھا . 

وإلیك الآن الحدیث مفصلاً‏ عن شروط لا إلھ إلا الله .. وھو ما 

دعوناك لأجلھ في ھذا المبحث الھام . 

شروط لا إلھ إلا الله . 

لا إلھ إلا الله لھا شروط عدة،‏ لا یصح إیمان صاحبھا إلا بھا 

وھي:‏ 

الشرط الأول:‏ النطق والإقرار . 

حیث لا بد للمرء ابتداءً‏ إن أراد الدخول في الإسلام،‏ وأن 

یُجرى علیھ حكمھ ووصفھ .. من أن یقر لفظاً‏ بشھادة التوحید،‏ 

وصیغتھا " أشھد أن لا إلھ إلا الله وأشھد أن محمداً‏ رسول الله " . 

ومن أبى مع القدرة أن یقر بالشھادة لا یكون مسلماً‏ 

معصوم الدم بالإسلام،‏ كما في الحدیث عن سعید بن المسیب،‏ عن 

أبیھ قال:‏ لما حضرَت أبا طالب الوفاةُ،‏ جاءه رسولُ‏ الله ρ فوجد 

عنده أبا جھل،‏ وعبد الله بن أبي أمیة بن المغیرة،‏ فقال رسول الله 

ρ:" یا عم قُل لا إلھ إلا الله،‏ كلمة أشھدُ‏ لك بھا عند الله،‏ فقال أبو 

جھل وعبد الله بن أبي أُمیة:‏ یا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب 

؟!‏ فلم یزل رسول الله ρ یَعرضھا علیھ ویُعید لھ تلك المقالة،‏ حتى 

قال أبو طالب آخر ما كلمھم:‏ ھو على ملة عبد المطلب وأبى أن 

یقول:‏ لا إلھ إلا الله،‏ فقال رسول الله ρ:" أما والله لأستغفرن َّ لك ما 

لم أُنھَ‏ عنك " فأنزل الله Υ:( ما كان للنبي والذین آمنوا أن 

یستغفروا للمشركین ولو كانوا أُولي قُربى من بعد ما تبین لھم أنھم 

أصحاب الجحیم )، وأنزل الله تعالى في أبي طالب قولھ لرسول الله 

إنك لا تھدي مَن أحببتَ‏ ولكن اللهَ‏ یھدي من یشاء وھو أعلمُ‏ 

بالمھتدین 

22 

( . متفق علیھ . 

):ρ

ومن حدیث أبي ھریرة قال:‏ قال رسول الله ρ لعمھ:"‏ قل لا 

إلھ إلا الله أشھدُ‏ لك بھا یوم القیامة " قال:‏ لولا أن تعیرني قریش 

یقولون إنما حملھ على ذلك الجزع لأقررت بھا عینك !! فأنزل الله:(‏ 

إنك لا تھدي من أحببت ولكن َّ الله یھدي من یشاء 

. (1) ( 

 

(1) أخرجھ مسلم . أقول:‏ عدم إیمان أبي طالب عم النبي .. ρ فیھ آیة عظیمة 

من آیات الله تعالى لمن تدبرھا وعقلھا،‏ وذلك أن القائم على دعوة أبي طالب 

إلى الإسلام كان شخص النبي ρ ذاتھ .. فرغم ما أوتي ρ من علم وحكمة 

وخلق عظیم،‏ ورغم إلحاحھ الشدید على عمھ أن یقبل منھ الھدایة .. إلا أنھ لم 

یتمكن من تحقیق ذلك،‏ ویأبى الله تعالى إلا أن یُمیت أبا طالب على الكفر وملة 

= 

الشرك .. !! 

وقال ρ:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى یشھدوا أن لا إلھ إلا 

الله وأن محمداً‏ رسول الله،‏ ویُقیموا الصلاة،‏ ویؤتوا الزكاة،‏ فإذا 

فعلوا ذلك عصموا مني دماءَھم وأموالھم إلا بحقِّ‏ الإسلام وحسابھم 

على الله " متفق علیھ . 

قال النووي في الشرح فیھ أن الإیمان شرطھ 

الإقرار بالشھادتین مع اعتقادھما واعتقاد جمیع ما أتى بھ رسول الله 

:212/1 

. ρ ا-ھ . 

وقال ابن تیمیة في الفتاوى 609/7: الشھادتان إذا لم یتكلم 

بھما مع القدرة فھو كافر باتفاق المسلمین،‏ وھو كافر باطناً‏ وظاھراً‏ 

عند سلف الأمة وأئمتھا وجماھیره علمائھا . ا-ھ . 

قولھ " مع القدرة " لیخرج بھذا القید العاجز كالأبكم الذي لا 

یقدر على الكلام .. لأن العجز الذي لا یمكن دفعھ یرفع التكلیف عن 

صاحبھ باتفاق جمیع أھل العلم . 

قلت:‏ من لوازم ھذا الشرط التكفیر بالقول .. فكما أن الإیمان 

یكون بالقول وغیره كذلك الكفر یكون بالقول وغیره.‏ 

ولم یُخالف في ھذا الشرط إلا جھم الضال وأتباعھ الذي 

حصروا الإیمان في التصدیق القلبي ولم یشترطوا لصحتھ النطق،‏ 

مما حملھم ذلك على 

23

( 

= وذلك لیعلم الجمیع أن الأمر كلھ بید الله تعالى وحده لا یُشركھ فیھ أحد،‏ فھو 

وحده سبحانھ یھدي من یشاء،‏ ویُضل من یشاء .. وھذا لیس لأحدٍ‏ سواه،‏ 

حتى نبینا ρ على ما أوتي من فضل وعلم لا یملك أن یھدي أحداً‏ إلا أن 

یشاء الله لھ الھدایة،‏ كما قال تعالى:(‏ لیس لك من الأمر شيء أو یتوب علیھم 

أو یعذبھم آل عمران:‏‎128‎ لیس لھ إلا ھدایة البیان والإرشاد،‏ أما 

ھدایة التوفیق فھي تعالى وحده . 

. فنبینا ρ 

القول الآخر المعاكس وھو أن الكفر كذلك یكون محصوراً‏ بالتكذیب 

القلبي وحسب،‏ فأخرجوا بذلك إمكانیة أن یكون الكفر بالقول فضلاً‏ 

عن أن یكون بالعمل ..!! 

وھذا القول رغم فساده وبطلانھ ومخالفتھ للنصوص 

الشرعیة الظاھرة المتواترة،‏ ولما علیھ عقیدة أھل السنة والجماعة 

فقد تأثر بھ عدد كبیر من طلاب العلم المعاصرین ممن ینسبون أنفس 

زوراً‏ وبھتاناً‏ للعقیدة السلفیة أو المنھج السلفي والسلفیة منھم 

براء وغیرھم ممن تأثر بالمدرسة الإرجائیة التي تؤصل لعقیدة 

الإرجاء في الإیمان والوعد والوعید،‏ كما ھو حال كثیر من المدارس 

والجامعات العلمیة المعاصرة والموجودة في أمصار المسلمین (1) 

!.. 

وبشيءٍ‏ من المتابعة والتدقیق یجد المرء أن حقیقة ھؤلاء 

لیسوا جھمیین في مسائل الكفر والإیمان سواء،‏ بل ھم إذا طرحت 

علیھم مسائل الكفر .. متى یكون المرء كافراً‏ ومتى لا یكون،‏ تراھم 

یجنحون ویمیلون إلى عقیدة جھم في الإیمان والتي مفادھا أن من 

یأتي بالتصدیق القلبي فھو مؤمن مھما كان منھ من عمل .. أو تلفظ 

بالكفر !! 

فإذا قیل لھم ھذا كافر لتصریحھ بالكفر،‏ ولشتمھ الله ورسولھ ρ 

والدین .. یقولون لك:‏ ھل استحل ھذا الكفر في قلبھ،‏ المھم عندنا 

سلامة الاعتقاد والتصدیق،‏ فھذا كفر في ظاھره لا في باطنھ .. 

ونحن لا سبیل لنا إلى باطنھ واعتقاده .. لذا لا مناص من الحكم علیھ 

بالإیمان؛ فھو مؤمن لا یجوز تكفیره 

24

(1) قد بحثنا فساد ھذا القول مفصلاً‏ بالأدلة الشرعیة في كتابنا " الانتصار 

لأھل التوحید .." ، وكذلك كتاب " تھذیب شرح العقیدة الطحاویة .." انظرھما 

إن شئت . 

مھما أتى بالاطلاقات والكلمات المكفرة ‏..ما لم تكن ھذه العبارات 

والاطلاقات تعبیراً‏ صریحاً‏ یدل على الكفر أو التكذیب القلبي .. !! 

وإذا نوقشت معھم مسائل الإیمان،‏ ومتى یكون المرء مؤمناً‏ 

ومتى لا یكون .. تراھم یجنحون ویمیلون إلى عقیدة مرجئة 

الكرامیة؛ والتي مفادھا أن من أتى بالإقرار فھو مؤمن وإن كان في 

باطنھ منافقاً‏ كافراً‏ لم یأتِ‏ بالتصدیق والاعتقاد (1) ..!! 

 

(1) عرفنا ذلك منھم من كتاباتھم التي كثرت في الآونة الأخیرة .. وكذلك من 

خلال مناقشاتنا لھم،‏ واحتكاكنا بھم وبمن تأثر بقولھم الباطل . 

ومما یُذكر في ھذا المقام ما نقلھ الشیخ محمد قطب حفظھ الله في كتابھ 

القیم " لا إلھ إلا الله عقیدة وشریعة ومنھاج حیاة " ص‎158‎‏،‏ عن أحد ھؤلاء 

حیث یقول:‏ وإن كنت ما زلت أعجب لرجل طیب مفرط في الطیبة رحمھ الله 

قال ذات یوم وھو في موضع قیادي من العمل الإسلامي:‏ لا نكفر أحداً‏ قال لا 

إلھ إلا الله ولو كان شیوعیاً!‏ رحم الله القائل وغفر لھ !! ا-ھ . 

فتأمل،‏ فإذا كان ھذا في موقع القیادة للعمل الإسلامي یقول مثل ھذا القول 

الذي ھو عین مذھب مرجئة الكرامیة ‏..فكیف بالأتباع والرعاع ممن یقلدونھ 

من غیر بصیرة أو دلیل ‏..؟!!‏ 

وإن كان لنا عتب فعتبنا على الشیخ حفظھ الله كیف یكرر ھذا الترحم 

الذي یُستفاد منھ التھوین من خطأ وجرم ذاك المدعو والمعروف بأنھ رجل 

قیادي في العمل الإسلامي الذي لا یكفر الملحد الشیوعي لكونھ یُظھر ولو 

لمرة واحدة في العمر شھادة التوحید ‏..؟!!‏ 

وكان ینبغي للشیخ في أقل الأحوال أن یذكر مقولة الرجل الشنیعة لكن لا 

بمدح لھ ولا ذم،‏ ولا دعاء لھ ولا دعاء علیھ ..!! 

= 

فإذا قیل لھم ھذا شیوعي ملحد یعتقد الكفر والإلحاد وھو 

كافر حتى على أصول شیخكم الأول جھم بن صفوان الضال .. قالوا 

لك:‏ إنھ یشھد أن لا إلھ إلا الله .. كیف نكفر من قال لا إلھ إلا الله .. 

وكیف تریدنا أن نحكم علیھ بالكفر،‏ وظاھره یدل على الإیمان .. 

25

فنحن أُمرنا أن نحكم على الظاھر والله یتولى السرائر .. ولم نؤمر 

بشق البطون والتنقیب عما فیھا..!!‏ 

وإذا قیل لھم عن طاغوت من الطواغیت أنھ یُظھر الكفر 

البواح .. اعترضوا علیك بعقیدة جھم .. وإذا قیل لھم عن طاغوت 

من الطواغیت ھاقد أتاكم بالتكذیب والاستحلال القلبي للكفر .. 

اعترضوا علیك بعقیدة مرجئة الكرامیة الضلال !! 

فھم باطنیون جھمیون إذا أتاھم من كان ظاھره الكفر البواح،‏ 

ظاھریون كر َّامیون إذا أتاھم من كان باطنھ الكفر والإلحاد لكنھ 

یُظھر الشھادة ویُجریھا على لسانھ لو طُلبت منھ ..!!! 

وھؤلاء من أشر وأخبث ما ابتلیت بھم الأمة والدعوة 

الإسلامیة في قرنھا المعاصر .. بحكم ما أتوا من قدرة على التلبیس 

والتضلیل،‏ وكثیراً‏ منھ ما یكون أحیاناً‏ باسم السلفیة،‏ أو باسم أھل 

السنة والجماعة لتروج أفكارھم على عوام الناس وجھلتھم .. 

والسلفیة الحق َّة،‏ وأھل السنة والجماعة منھم ومن أقوالھم براء 

كبراءة الذئب من دم 

548/7: الكرامیة 

یوسف !! υ 

 

= قال ابن تیمیة في مرجئة الكرامیة كما في الفتاوى 

أصحاب محمد بن كرام یزعمون أن الإیمان ھو الإقرار والتصدیق باللسان 

دون القلب ا-ھ . وقد عدھم من فرق المرجئة ! 

مسألة:‏ ھل یُجزئ عن شھادة التوحید شيء ‏..؟ 

الراجح أن المرء لا یُجزئھ شيء عن التلفظ بشھادة التوحید 

إلا الصلاة،‏ فمن رؤي یُصلي ولم یُعلم عنھ من قبل التلفظ بشھادة 

التوحید،‏ یُحكم علیھ بالإسلام،‏ وتُجرى علیھ أحكامھ ومتعلقاتھ من 

حقوق وواجبات،‏ لورود النص في ذلك.‏ 

قال ρ:" من صلى صلاتنا،‏ واستقبل قبلتنا،‏ وأكل ذبیحتنا،‏ 

فذلك المسلم لھ ذمة الله وذمة رسولھ " البخاري . 

قال القرطبي في كتابھ الجامع 207/8: الإیمان لا یكون إلا بلا 

إلھ إلا الله دون غیره من الأقوال والأفعال إلا في الصلاة،‏ قال إسحاق 

26

بن راھویھ:‏ ولقد أجمعوا في الصلاة على شيءٍ‏ لم یجمعوا علیھ في 

سائر الشرائع،‏ لأنھم بأجمعھم قالوا:‏ مَن عُرف بالكفر ثم رأوه یُصلي 

الصلاة في وقتھا حتى صلى صلوات كثیرة ولم یعلموا منھ إقراراً‏ 

باللسان أنھ یحكم لھ بالإیمان،‏ ولم یحكموا لھ في الصوم والزكاة 

بمثل ذلك ا-ھ . 

فإن قیل:‏ قد أنكر النبي ρ على خالد بن الولید لما قتل 

أولئك الذین قالوا صبأنا،‏ أرادوا الإسلام ولكن أخطأوا التعبیر فبدلاً‏ 

من أن یقولوا أسلمنا قالوا صبأنا .. فاعتبر ذلك عاصماً‏ لدمھم فكیف 

نوفق بین ذلك وبین ما تقدم من أن المرء لا یدخل الإسلام إلا 

بالشھادة أو الصلاة ‏..؟ 

أقول:‏ یوجد فرق بین الصیغة أو الشيء الذي یُدخل صاحبھ 

الإسلام،‏ وبین الصیغة أو الشيء الذي یرفع عن صاحبھ السیف عند 

شروع القتال،‏ وورود الظن . 

فالذي یُدخل صاحبھ الإسلام ھو ما تقدم ذكره وبیانھ،‏ أما 

الذي یرفع عن صاحبھ السیف ھو كل قرینة أو تعبیر ینم على أن 

صاحبھ یرید الإسلام،‏ أو أنھ مسلم لكن لم یُحسن التعبیر عن ذلك،‏ 

كقولھ السلام علیكم ورحمة الله،‏ لقولھ تعالى:(‏ یا أیھا الذین آمنوا 

إذا ضربتم في سبیل الله فتبینوا ولا تقولوا لمن ألقى إلیكم السلام 

لست مؤمناً‏ تبتغون عرض الحیاة الدنیا النساء:‏‎94‎ . أي تبتغون 

من وراء قتلھ سلبھ والغنیمة،‏ فلا یحملنكم ذلك على قتلھ قبل أن 

تتبینوا وتتثبتوا منھ ومن إسلامھ أو رغبتھ في دخول الإسلام فعند 

الله مغانم كثیرةٌ‏ كذلك كنتم من قبل فمن َّ الله علیكم فتبینوا أي 

فتثبتوا .. وھذا التكرار في آیة واحدة لكلمة " فتبینوا " ھو للتوكید 

ولبیان أھمیة الأمر.‏ 

فھذا التعبیر ونحوه یرفع عنھ السیف إلى حین التثبت،‏ لكن 

لیس ھو التعبیر الصحیح الذي یُدخلھ الإسلام .. فتنبھ لذلك . 

كما أن ھذا التعبیر ونحوه إن ألقي على المسلمین في دیار 

الكفر من رجل معین فھو مدعاة لتحسین الظن بھ وعدم التسرع في 

) 

( 

τ 

( 

27

إطلاق حكم الكفر علیھ،‏ فالتكفیر كالقتل،‏ كما في الحدیث:"‏ تكفیر 

المسلم كقتلھ " . وقال ρ:" إذا قال الرجل لأخیھ:‏ یا كافر فھو كقتلھ 

" متفق علیھ.‏ و"‏ قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنیا " (1). 

لذا فإن الذي یتسرع في إطلاق حكم الكفر علیھ قبل أن یتبین 

أو یتثبت من حالھ ومدى صدقھ،‏ كالذي یتسرع في قتلھ وسفك دمھ 

من قبل أن یتبین أو یتثبت،‏ لما یتبع التكفیر من تبعات وآثار خطیرة 

لا تُحمد عواقبھا،‏ ولا 

 

(1) أخرجھ النسائي وغیره،‏ صحیح الجامع:‏‎4361‎‏.‏ 

تقل خطورة عن وزر سفك دمھ بالحرام . 

المسألة الثانیة:‏ فیمن كان كفره من غیر جھة 

الامتناع عن النطق بشھادة التوحید،‏ أینفعھ النطق 

بشھادة التوحید 

‏..؟ 

الجواب:‏ من كان كفره من غیر جھة الامتناع عن النطق 

بالشھادة،‏ كأن یكون مثلاً‏ جاحداً‏ لأمرٍ‏ معلوم من الدین بالضرورة،‏ 

فشھادة التوحید والتلفظ بھا لا تنفعھ إلا بعد أن یقلع عما كان سبباً‏ 

في كفره أو خروجھ من الإسلام.‏ 

فلو قال مثلاً‏ صوم رمضان غیر واجب،‏ أو لم یُشرع صومھ 

.. فھو یكفر بذلك،‏ ولا ینفعھ لو تلفظ بشھادة التوحید قبل أن یقلع 

عن جحوده لفرضیة صوم رمضان؛ لأن كفره لم یكن من جھة 

امتناعھ عن التلفظ بالشھادة،‏ فھو كان یتلفظ بالشھادة قبل جحوده 

لرمضان وبعده .. 

وكذلك الطاغوت المستبدل لشرع الله تعالى،‏ المحارب 

لأولیائھ ودینھ .. فھو كافر بذلك،‏ ولو أتى بالشھادة على وجھ العادة 

على مدار الساعة لا تنفعھ؛ لأنھ لا یزال متلبس في الناقضة التي 

كانت سبباً‏ في خروجھ من الإسلام،‏ وھذا وأمثالھ لكي تقبل توبتھم،‏ 

ویدخلوا في دین الإسلام من جدید لا بد مع التلفظ بالشھادة من 

28

الإقلاع والتوبة وإعلان البراءة من السبب الذي أدى بھم إلى الكفر 

والخروج من دائرة الإسلام . 

وھذا مثل تقیس علیھ جمیع الحالات الأخرى التي تكون سبباً‏ 

في كفر صاحبھا وخروجھ من دائرة الإسلام . 

فإن أبا بكرٍ‏ ومعھ جمیع الصحابة رضي الله عنھم قاتلوا 

جاحدي الزكاة 

على أنھم مرتدون مع أنھم كانوا یقولون لا إلھ إلا الله،‏ ویشھدون أن 

محمداً‏ رسول الله .. 

قال الشیخ الكشمیري في كتابھ إكفار الملحدین:‏ من كان كفره 

بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلاً،‏ أنھ لا بد من تبرئھ مما كان 

یعتقده،‏ لأنھ كان یقر بالشھادتین معھ،‏ فلا بد من تبرئھ منھ،‏ كما 

صرح بھ الشافعیة،‏ وھو ظاھر " رد المحتار " من الارتداد،‏ وفي 

جامع الفصولین،‏ ثم لو أتى بكلمة الشھادة على وجھ العادة لم ینفعھ 

ما لم یرجع عما قال،‏ إذ لا یرتفع بھا كفره.‏ انتھى.‏ 

وقال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ فمن عبد الله لیلاً‏ ونھاراً‏ 

ثم دعا نبیاً‏ أو ولیاً‏ عند قبره فقد اتخذ إلھین اثنین ولم یشھد أن لا 

إلھ إلا الله؛ لأن الإلھ ھو المدعو .. ومن رفع رجلاً‏ في رتبة النبي 

كفر وحل دمھ ولم تنفعھ الشھادتان ولا الصلاة (1) ا-ھ . 

مراده أن الشھادتان لا تنفعھ ولا تمنع عنھ حكم الكفر والردة 

حتى یُقلع عن السبب الذي أدى بھ للخروج من دائرة الإسلام.‏ 

ρ 

الشرط الثاني:‏ الكفر بالطاغوت . 

من شروط صحة التوحید الكفر بالطاغوت،‏ إذ لا إیمان إلا بعد 

الكفر بالطاغوت ظاھراً‏ وباطناً،‏ وإلیك الدلیل على صحة ھذا الشرط:‏ 

قال تعالى:(‏ فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن با‏ فقد استمسك 

بالعروة الوثقى لا انفصام لھا والله سمیع علیم البقرة:‏‎256‎ 

والعروة الوثقى ھنا كما 

. 

( 

(1) الرسائل الشخصیة:‏ ص‎166‎‏،‏ ومجموعة التوحید:ص‎82‎ 

. 

29

( 

ρ 

) 

( جواب الشرط .. ا-ھ . 

( 

نص على ذلك أھل العلم والتفسیر ھي:‏ شھادة أن لا إلھ إلا الله؛ أي 

من أتى بالكفر بالطاغوت ثم أتبعھ إیماناً‏ با‏ تعالى فھو الذي یكون 

قد استمسك بالعروة الوثقى " لا إلھ إلا الله ". 

أما من لم یكفر بالطاغوت وإن آمن با‏ تعالى لا یكون قد 

استمسك بالعروة الوثقى،‏ ولا ممن وفوھا حقھا وشروطھا.‏ 

قال ابن كثیر في التفسیر:‏ أي من خلع الأنداد والأوثان وما 

یدعو إلیھ الشیطان من عبادة كل ما یُعبد من دون الله،‏ ووحد الله 

فعبده وحده وشھد أن لا إلھ إلا ھو فقد استمسك بالعروة الوثقى 

أي فقد ثبت في أمره واستقام على الطریقة المثلى والصراط 

المستقیم .. فقد استمسك من الدین بأقوى سبب،‏ وشُبھ بالعروة 

الوثقى التي لا تنفصم في نفسھا محكمة مبرمة قویة،‏ وربطھا قوي 

شدید . 

قال مجاھد:‏ العروة الوثقى یعني الإیمان . 

وقال سعید بن جبیر والضحاك:‏ یعني لا إلھ إلا الله .. ا-ھ . 

ولا تنافي بین ھذه الأقوال و‏ الحمد . 

وقال القرطبي في التفسیر:‏ قولھ تعالى:(‏ فمن یكفر 

بالطاغوت ویؤمن با‏ ( جزم بالشرط .. وقولھ تعالى:(‏ فقد استمسك 

بالعروة الوثقى 

وقال تعالى:(‏ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً‏ أن اعبدوا الله 

واجتنبوا الطاغوت النحل:‏‎36‎‏.‏ فھذه ھي مھمة الأنبیاء والرسل 

على مدار الزمن،‏ ومھمة وغایة كل من سار على نھجھم وطریقھم 

من الدعاة إلى الله تعالى . 

وفي الحدیث،‏ فقد صح عن النبي أنھ قال:"‏ من قال لا إلھ 

إلا الله 

وكفر بما یُعبد من دون الله حرم مالھ ودمھ وحسابھ على الله ". 

فقولھ ρ:" وكفر بما یُعبد من دون الله " ھو الكفر بالطاغوت 

.. 

30

فإن قیل:‏ شھادة لا إلھ إلا الله یتضمن شطرھا الأول المتضمن 

للنفي " لا إلھ .." جانب الكفر بالطاغوت،‏ فعلام خص ثانیة بالذكر 

كما ورد في الحدیث الآنف الذكر ‏..؟ 

أقول:‏ ذلك لتوكید الأمر وبیان أھمیتھ،‏ كما قال الشیخ محمد 

بن عبد الوھاب رحمھ الله:‏ فقولھ " وكفر بما یعبد من دون الله تأكید 

للنفي،‏ فلا یكون معصوم الدم والمال إلا بذلك،‏ فلو شك أو تردد لم 

یعصم دمھ ومالھ .. واعلم أن الإنسان ما یصیر مؤمناً‏ إلا بالكفر 

بالطاغوت،‏ والدلیل قولھ تعالى:(‏ فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن با‏ 

فقد استمسك بالعروة الوثقى 

وكونھ غیر معصوم المال والدم لھو دلیل صریح على عدم 

إیمان من لم یكفر بالطاغوت وإن كان یقول لا إلھ إلا الله،‏ ویكرر 

ذكرھا على لسانھ على مدار الساعة،‏ فھو في ذلك مثلھ مثل من 

یقول بالشيء وضده في آنٍ‏ معاً،‏ یقول لا إلھ إلا الله وفي نفس الوقت 

یعبد آلھة أخرى مع أو من دون الله تعالى . 

وقد تقدم أن الإیمان والكفر،‏ والتوحید والشرك لا یمكن أن 

یجتمعان في قلب امرئٍ‏ واحد كما ورد في الحدیث:"‏ لا یجتمع 

الإیمان والكفر في قلب امرئٍ‏ " وقد تقدم . 

فإن قیل علام قُدم جانب النفي على جانب الإثبات في شھادة 

التوحید وغیرھا من النصوص التي تفسر شھادة التوحید،‏ وما 

الحكمة من ذلك ‏..؟ 

 

. (1)( 

(1) مجموعة التوحید:‏‎10‎‏-‏ . 35 

أقول:‏ ھذا التقدیم لجانب النفي على جانب الإثبات في شھادة 

التوحید وغیرھا من النصوص التي تناولت تفسیر الشھادة لھ فوائد 

وحكم عدیدة ھامة ومرادة لذاتھا شرعاً:‏ 

منھا:‏ أن من لا یأتي بھذا التقدیم ویُراعھ في نفسھ ودینھ 

یلزمھ أن یأتي بالشرك والتوحید معاً،‏ یأتي بعبادة الطاغوت وعبادة 

الله تعالى في آنٍ‏ واحد .. وھذا دین أھل الشرك الذین جمعوا بین 

31

( 

عبادة الله تعالى وبین عبادة الطاغوت .. فھم آمنوا با‏ وھم 

مشركون،‏ كما قال تعالى عنھم:(‏ وما یؤمن أكثرھم با‏ إلا وھم 

مشركون یوسف:‏‎160‎‏.‏ 

ومنھا:‏ أن عدم مراعاة ھذا التقدیم من لوازمھ ولا بد 

حبوط العبادة وجمیع الطاعات التي یقدمھا المرء تعالى؛ فھو إذ 

دخل في عبادة الله تعالى دخل في العبادة والطاعة قبل أن یتبرأ من 

الشرك وعبادة الطاغوت وینخلع منھ .. وقد تقدم أن الشرك یحبط 

العمل كلیاً،‏ ویحرم صاحبھ من الانتفاع بھ،‏ وھو كالسد المنیع الذي 

یحیل بین العمل وقبولھ وصعوده إلى السماء ..! 

وعلیھ من دخل في عبادة الصلاة أو الصوم أو الحج أو 

الزكاة أو غیرھا من العبادات قبل أن یأتي بالكفر بالطاغوت والبراء 

منھ ومن عبادتھ وحزبھ .. لا تنفعھ عبادتھ تلك في شيء،‏ ولا تُقبل 

منھ،‏ وھو نصَب یرتد علیھ بالخسران والندم ولات حین مندم . 

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ فمن عبد الله لیلاً‏ ونھاراً،‏ 

ثم دعا نبیاً‏ أو ولیاً‏ عند قبره،‏ فقد اتخذ إلھین اثنین ولم یشھد أن لا 

إلھ إلا الله؛ لأن الإلھ ھو المدعو،‏ كما یفعل المشركون عند قبر 

الزبیر أو عبد القادر أو غیرھم .. 

ومن ذبح ألف ضحیةٍ‏ ثم ذبح لنبي أو غیره فقد جعل إلھین 

اثنین:(‏ 

قل إن صلاتي ونسكي ومحیاي ومماتي رب العالمین لا شریك لھ 

.(1) ( 

معنى الطاغوت . 

بعد أن عرفنا الدلیل على صحة شرط الكفر بالطاغوت كشرط 

لصحة الإیمان،‏ لا بد أن نعرف معنى الطاغوت لنعرف من یدخل فیھ 

ومن لا یدخل،‏ وأن نعرف كذلك صفة الكفر بالطاغوت لنعرف صفة 

الكافر بالطاغوت من غیره . 

فأقول في معنى الطاغوت:‏ ھو كل ما عبد من دون الله ولو 

في وجھ من أوجھ العبادة،‏ وھو راضٍ‏ بذلك(‏‎2‎‏)‏ . 

32

(1) 

فمن عُبد من دون الله من جھة الركوع والسجود،‏ وصرف الن ُّسك .. 

فھو طاغوت .. 

ومن عُبد من دون الله من جھة الدعاء والطلب .. فھو 

طاغوت .. 

ومن عُبد من دون الله من جھة الخوف والرجاء .. فھو 

طاغوت .. 

ومن عُبد من دون الله من جھة الطاعة والتحاكم .. فھو 

طاغوت .. 

ومن عُبد من دون الله من جھة المحبة،‏ والولاء والبراء .. 

فھو طاغوت . 

 

الرسائل الشخصیة:‏‎166‎‏.‏ 

(2) قید الرضى لا بد منھ لنخرج بذلك الملائكة والأنبیاء،‏ والصالحین الذین 

یُعبدون من دون الله من وصف وحكم الطاغوت،‏ لكرھھم الشدید لذلك 

ونھیھم عنھ،‏ ولعدم رضاھم في أن یُعبدوا في شيءٍ‏ من دون أو مع الله 

وفي مثل ھذه الحالة یقتصر البراء والكفر بالعابدین وبعبادتھم الشركیة فقط 

من دون أن یطال ذلك المعبودین الذین یستحقون منا التوقیر والموالاة في الله 

من غیر جنوح إلى إفراطٍ‏ أو تفریط . 

.. Ι 

Ι 

!.. 

فكل مطاعٍ‏ لذاتھ من دون الله تعالى فھو طاغوت .. ویدخل 

في ذلك حكام الكفر والجور،‏ والأحبار والرھبان،‏ والشیوخ،‏ ورؤساء 

الأحزاب والجماعات وغیرھم .. والمطیع لھم لذواتھم عابد 

للطاغوت من دون الله علم بذلك أم لم یعلم ..! 

وكل محبوب لذاتھ من دون الله تعالى فھو طاغوت .. 

والمحبوب لذاتھ ھو الذي یُعقد الولاء والبراء فیھ ولذاتھ ولیس في 

الله ولذاتھ بغض النظر عن موافقتھ أو متابعتھ للحق أو الباطل 

33

كثیر ھم الذین یحسبون أنفسھم على شيءٍ‏ وأنھم أحرار 

یعیشون في زمن العالم الحر!‏ وھم في حقیقة أمرھم عبید 

للطواغیت .. عبید لعبید ھم أحط منھم قدراً‏ وشأنا ..! 

قال ابن تیمیة رحمھ الله في الفتاوى 200/28: فالمعبود من 

دون الله إذا لم یكن كارھاً‏ لذلك طاغوت،‏ ولھذا سمى النبي 

الأصنام طواغیت في الحدیث الصحیح لما قال:"‏ ویتبع من یعبد 

الطواغیت الطواغیت "، والمطاع في معصیة الله،‏ والمطاع في 

التباع غیر الھدى ودین الحق سواء كان مقبولاً‏ خبره المخالف 

لكتاب الله أو مطاعاً‏ أمره المخالف لأمر الله ھو طاغوت،‏ ولھذا سُمي 

من تحوكم إلیھ ممن حاكم بغیر كتاب الله طاغوت،‏ وسمى الله فرعون 

وعاداً‏ طغاة ا-ھ . 

وقال ابن القیم رحمھ الله:‏ الطاغوت كل ما تجاوز بھ العبد 

حده من معبود أو متبوع أو مطاع،‏ فطاغوت كل قوم من یتحاكمون 

ρ 

إلیھ غیر الله ورسولھ،‏ أو یعبدونھ من دون الله،‏ أو یتبعوه على غیر 

بصیرة من الله،‏ أو یطیعونھ فیما لا یعلمون أنھ طاعة ، فھذه 

طواغیت العالم إذا تأملتھا وتأملت أحوال الناس معھا رأیت أكثرھم 

عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت،‏ وعن التحاكم إلى الله وإلى 

الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت،‏ وعن طاعتھ ومتابعة رسولھ إلى 

طاعة الطاغوت ومتابعتھ ا-ھ . 

قلت:‏ إذا كان ھذا حال الناس في زمن ابن القیم رحمھ الله 

فكیف الحال في زماننا وقد تكاثرت الطواغیت واستشرفت وتنوعت 

.. وقد دلت السنة أن ما من عام إلا والذي بعده أشر منھ،‏ نسأل الله 

تعالى السلامة وحسن الختام ؟!‏ 

وقال الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله:‏ الطاغوت عام 

في كل ما عُبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع 

أو مطاع في غیر طاعة الله ورسولھ فھو طاغوت ا-ھ . 

وقال سید رحمھ الله في الظلال عند تفسیره لقولھ تعالى(‏ 

وجعل منھم القردة والخنازیر وعبد الطاغوت ): إن الطاغوت ھو كل 

34

سلطان لا یستمد من سلطان الله،‏ وكل حكم لا یقوم على شریعة الله،‏ 

وكل عدوان یتجاوز الحق،‏ والعدوان على سلطان الله وألوھیتھ 

وحاكمیتھ ھو أشنع العدوان وأشده طغیاناً،‏ وأدخلھ في معنى 

الطاغوت لفظاً‏ ومعنى .. 

وأھل الكتاب لم یعبدوا الأحبار والرھبان،‏ ولكن اتبعوا 

شرعھم وتركوا شریعة الله،‏ فسماھم الله عباداً‏ لھم وسماھم مشركین 

. فھم عبدوا الطاغوت أي السلطة الطاغیة المتجاوزة لحقھا،‏ وھم لم 

یعبدوھا بمعنى السجود والركوع،‏ ولكنھم عبدوھا بمعنى الاتباع 

والطاعة،‏ وھي عبادة تُخرج صاحبھا من عبادة الله ومن دین الله ا-‏ 

ھ . 

فاحذر یا عبد الله أن تكون من عبدة الطاغوت،‏ ومن أنصاره 

وجنده وأنت تدري أو لا تدري فیحبط عملك،‏ وتبوء بإثمك،‏ 

فتخسر دنیاك وآخرتك ..! 

صفة الكفر بالطاغوت . 

بعد أن عرفنا الطاغوت وما یدخل في معناه وحكمھ،‏ لا بد أن 

نعرف صفة الكفر بالطاغوت،‏ وكیف یكون الكفر بھ .. لیعلم كل واح ‏ٍد 

منا ھل ھو ممن یكفرون بالطاغوت حقیقةً،‏ أم أنھ یكفر بالطاغوت 

زعماً‏ باللسان فقط ..! 

أقول:‏ الكفر بالطاغوت لیس بالتمني ولا بزعم اللسان من 

غیر برھان أو عمل .. وصفتھ أن یُكفر بھ اعتقاداً‏ وباطناً،‏ وقولاً‏ 

وعملاً‏ . 

-1 

صفة الكفر الاعتقادي بالطاغوت:‏ أن یُضمر لھ العداوة 

والبغضاء والكره في القلب،‏ ویعتقد كفره وكفر من یدخل في عبادتھ 

من دون الله تعالى . 

وھذا الحد من الكفر بالطاغوت لا یُعذر أحد بتركھ لأنھ أمر 

مقدور علیھ یستطیع كل امرئٍ‏ أن یأتي بھ من دون أدنى ضرر أو 

حرج،‏ لا سلطان لبشر یمكنھ من الحیلولة بینھ وبین اعتقاده ھذا،‏ 

وبالتالي لا یُعذر أحد بالإكراه فیما یضمر أو یعتقد لو اعتقد أو أضمر 

35

الكفر والرضى بالطاغوت،‏ لأن الإكراه سلطانھ على الجوارح 

الظاھرة لا الجوارح الباطنة . 

فھو أمر لا بد منھ لأن خلافھ یقتضي الرضى بالكفر .. 

الرضى القلبي بالطاغوت وإجرامھ وكفره .. والرضى بالكفر كفر بلا 

خلاف . 

-2 

صفة الكفر القولي بالطاغوت:‏ یكون ذلك بإظھار كفره 

وتكفیره باللسان،‏ وإظھار البراءة منھ ومن دینھ وأتباعھ وعبیده،‏ 

وبیان ما ھم علیھ من باطل وشعوذة وكفر . 

كما قال تعالى:(‏ قل یا أیھا الكافرون ..) حیث لا بد من 

مواجھتھم بھذه الكلمة الساطعة والواضحة الدلالة والمعاني من 

غیر التواء أو تلجلج أو ضعف التي تصف حقیقة حالھم وما ھم 

علیھ:‏ یا أیھا الكافرون .. یا أیھا 

المشركون المجرمون ! 

( 

υ 

وقال تعالى:(‏ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم والذین 

معھ إذ قالوا لقومھم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا 

بكم وبدا بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً‏ حتى تؤمنوا با‏ وحده 

الممتحنة:‏‎4‎‏.‏ 

فإبراھیم ومن آمن معھ من المؤمنین أسوة حسنة لنا،‏ في 

ماذا ‏..؟ في قولھم للمشركین ولطواغیتھم الذین یعبدونھم من دون 

الله:‏ إنا برآء منكم ومن دینكم،‏ ومن طواغیتكم .. كفرنا بكم وبما 

تعبدون من دون الله ..! 

قد بدا بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً‏ .. وھو تعبیر یفید 

غایة الظھور والوضوح والإستعلان .. فھي عداوة مستمرة أبداً‏ 

عداوة وبغضاء الجوارح الظاھرة والباطنة التي لا یمكن أن تھدأ،‏ 

أو یخفت نارھا إلا بشرط واحد:‏ ھو أن تنخلعوا كلیاً‏ من عبادة 

الطواغیت وتدخلوا في سلم العبودیة تعالى وحده . 

وقال تعالى:(‏ وإذ قال إبراھیم لأبیھ وقومھ إنني براء مما 

تعبدون . إلا الذي فطرني فإنھ سیھدین الزخرف:‏‎27-26‎‏.‏ 

( 

36

ھذه ملة إبراھیم υ لا بد لكل من یرتضي ملتھ الحنیفیة من 

أن یأتي بھذا القول والإعلان والبراء .. ولا یرغب عن ملتھ 

والاقتداء بھ إلا السفیھ الذي لا عقل لھ،‏ كما قال تعالى:(‏ ومن یرغب 

عن ملة إبراھیم إلا من سفھ نفسھ البقرة:‏‎130‎‏.‏ 

وفي الحدیث عن معاویة بن حیدة قال:‏ قلت یا نبي الله،‏ بما 

بعثك ربك إلینا ؟ قال:"‏ بالإسلام " قال:‏ قلت وما آیات الإسلام ؟ 

قال:"‏ أن تقول:‏ أسلمت وجھي إلى الله عز وجل وتخلّیت،‏ وتُقیم 

الصلاة وتؤتي الزكاة،‏ كل مسلم على مسلم محرم،‏ أخوان نصیران،‏ 

لا یقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً،‏ أو یُفارق 

المشركین إلى المسلمین "(1). 

فقولھ " ρ وتخلیت ‏"؛ أي تخلیت وأقلعت عن الشرك وعبادة 

الطواغیت من دون أو مع الله تعالى . 

فمن الإمارات والعلامات الدالة على صدق إسلامك أن تقول 

بكل وضوح وثبات ومن دون أدنى تلجلجٍ‏ أو تردد لجمیع الطواغیت 

في الأرض:‏ قد تخلیت عنكم،‏ وعن عبادتكم ..! 

قال ابن تیمیة رحمھ الله:‏ فلا یكون المرء موحداً‏ إلا بنفي 

الشرك والبراءة منھ وتكفیر من فعلھ . ا-ھ . 

3- صفة الكفر بالطاغوت عملاً:‏ یكون ذلك باعتزالھ واجتنابھ 

وجھاده،‏ وجھاد أتباعھ وجنوده،‏ وقتالھم إن أبوا إلا القتال،‏ وعدم 

اتخاذھم أعواناً‏ وأولیاء،‏ كما قال تعالى:(‏ والذین اجتنبوا الطاغوت 

أن یعبدوھا وأنابوا إلى الله لھم البشرى فبشر عباد الزمر:‏‎16‎‏.‏ 

وقال تعالى:(‏ فقاتلوا أئمة الكفر إنھم لا أیمان لھم 

التوبة:‏‎12‎‏.‏ وأئمة الكفر ھم الطواغیت . 

وقال تعالى:(‏ ولیجدوا فیكم غلظة التوبة:‏‎123‎ 

وقال تعالى:(‏ یا أیھا الذین آمنوا لا تتخذوا الكافرین أولیاء 

النساء:‏‎144‎‏.‏ 

وقال تعالى:(‏ ومن یتولھم منكم فإنھ منھم المائدة:‏‎51‎ 

 

( 

( 

. 

. 

( 

( 

( 

( 

37

(1) صحیح سنن النسائي:‏ 

.2408 

( 

وقال تعالى:(‏ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولیاء تلقون إلیھم 

بالمودة الممتحنة:‏‎1‎‏.‏ 

وغیرھا كثیر من النصوص التي توضح معالم وصفات الكفر 

بالطاغوت قولاً‏ وعملاً‏ . 

وبعد،‏ ھذه صفة الكفر بالطاغوت فمن أتى بھا كاملاً‏ غیر 

منقوصة فھو الذي یكون قد كفر بالطاغوت وقد وفى الشرط حقھ .. 

ومن لم یأت بھذه الصفة المتقدم ذكرھا لا یكون قد كفر بالطاغوت 

وإن زعم بلسانھ ألف مرة أنھ كافر بالطاغوت !! 

وإن كنت أعجب فأعجب لأناس یزعمون بألسنتھم الكفر 

بالطاغوت،‏ ویستھجنون أن یكونوا من عبید الطواغیت .. وفي نفس 

الوقت في لسان الحال والعمل وربما في لسان القال كذلك تراھم 

یوالون الطواغیت،‏ ویُكثرون الجدال عنھم،‏ ویذودون عنھم،‏ 

ویدخلون في خدمتھم ونصرتھم،‏ وجیوشھم،‏ والتحاكم إلیھم .. 

ومنھم من یعادي الموحدین لأجلھم !! 

فھؤلاء لم یحققوا شرط الكفر بالطاغوت مھما زعموا 

بلسانھم خلاف ذلك .. فواقعھم ولسان حالھم یكذبھم ویرد علیھم 

زعمھم وادعاءھم . 

مسألة:‏ ھل یصح إطلاق كلمة الطاغوت على المسلم،‏ أم 

أن ھذه الكلمة لا یجوز أن تُطلق إلا على الكافر الذي لھ صفة 

الطاغوت كما تقدم ‏..؟!‏ 

أقول:‏ الطاغوت على صیغة فعلوت؛ وھو من البغي والعدوان 

ومجاوزة الحد .. فمن كان بغیھ وعدوانھ وظلمھ دون الكفر یُطلق 

علیھ وصف الطاغوت على اعتبار معناه ودلالاتھ اللغویة وھي 

البغي والعدوان ومجاوزة الحد .. كما أطلق بعض السلف على 

الحجاج وغیره وصف الطاغوت أو الطاغیة .. وأرادوا 

من ذلك المعنى اللغوي الآنف الذكر،‏ ولم یریدوا أنھ طاغوت بمعنى 

أنھ كافر ویُعبد من دون الله . 

38

. 

( 

أما إن كان ھذا البغي والظلم والعدوان .. بلغ بصاحبھ درجة 

الكفر با‏ Υ، فإن وصف الطاغوت یُحمل علیھ بمعناه الاصطلاحي 

وھو المعبود من دون الله،‏ وبمعناه اللغوي وھو العدوان ومجاوزة 

الحد . 

وللتمیز بین الطاغوتین عند قراءة كتب أھل العلم والاستماع 

إلیھم لا بد من النظر إلى مجموع سیاق الكلام،‏ والقرائن الواردة فیھ 

التي تُعینك على تحدید نوع الطاغوت المراد من كلامھم . 

إلا أنني قد تتبعت كلمة الطاغوت في القرآن الكریم وفي 

السنة .. فكلھا جاءت بمعنى الطاغوت الكافر الذي یُعبد من دون الله 

تعالى .. والله تعالى أعلم . 

الشرط الثالث:‏ العلم . 

العلم بالتوحید شرط لصحتھ؛ لأن جاھل التوحید كفاقده،‏ وفاقد 

التوحید لا یعتقده،‏ ومن لا یعتقد التوحید لا یكون مؤمناً‏ ولا مسلماً،‏ 

وھو كافر بلا خلاف . 

والدلیل على صحة ھذا الشرط قولھ تعالى:(‏ فاعلم أنھ لا إلھ 

إلا الله محمد:‏‎19‎ 

وفي الحدیث فقد صح عن النبي أنھ قال:"‏ من مات وھو 

یعلم أنھ لا إلھ إلا الله دخل الجنة " مسلم . 

مفھوم الحدیث أن من مات وھو لا یعلم التوحید لا یدخل 

الجنة،‏ ومن لا یدخل الجنة لا یكون مسلماً؛ لأن المسلم یدخل الجنة،‏ 

كما مر معنا في الحدیث المتفق علیھ:"‏ لا یدخل الجنة إلا نفس 

مسلمة ". 

وتأتي أھمیة ھذا الشرط كذلك من جھة كونھ یتقدم العمل 

بالتوحید،‏ وھو لازم لھ؛ لأن التوحید لا یمكن العمل بھ إلا إذا تقدمھ 

العلم .. فالعلم یتقدم العمل في كل شيءٍ،‏ ولا یصح العكس في ذلك . 

ρ 

39

ومن عكس القاعدة فقدم العمل على العلم عبد الله عن جھل 

وغیر بصیرة .. وھذا مؤداه ولا بد إلى الانحراف والضلال 

والإحداث في الدین والعیاذ با‏ . 

وعلیھ من حُرم العلم بالتوحید لزمھ تباعاً‏ أن یُحرم العمل بھ 

ولا بد،‏ لذا كان الصحابة رضي الله عنھم یعنون تعلم التوحید الأھمیة 

والأولویة قبل أي علم آخر . 

كما في الحدیث عن جندب بن عبد الله قال:‏ كنا مع النبي 

ونحن فتیان،‏ فتعلمنا الإیمان أي التوحید قبل أن نتعلم القرآن،‏ ثم 

تعلمنا القرآن فازددنا بھ 

وكان النبي إذا أرسل أحداً‏ من أصحابھ إلى أي بلدٍ‏ من 

البلدان یأمره بأن یدعوا أھلھا أولاً‏ إلى التوحید قبل أن یدعوھم إلى 

أي شيءٍ‏ آخر،‏ كما في الحدیث المتفق علیھ أن رسول الله ρ لما بعث 

معاذاً‏ إلى الیمن قال:"‏ إنك تقدم على قومٍ‏ أھل كتاب،‏ فلیكن أول ما 

تدعوھم إلیھ عبادة الله وفي روایة لا إلھ 

ρ 

إیماناً‏ (1). 

ρ 

(1) صحیح سنن ابن ماجة:‏‎52‎ 

. 

إلا الله فإذا عرفوا الله،‏ فأخبرھم أن الله فرض علیھم خمس صلواتٍ‏ 

في یومھم ولیلتھم .." . 

وقولھ ρ ‏"فإذا عرفوا الله ‏"؛ أي عرفوا الله بأسمائھ وصفاتھ 

وخصائصھ حقھ علیھم من التوحید وإفراده في العبادة،‏ 

وأطاعوك في ذلك .. فبعدھا أخبرھم أن الله تعالى فرض علیھم خمس 

صلواتٍ‏ في یومھم ولیلتھم إلى آخر ما جاء في الحدیث . 

وھذا بخلاف ما علیھ كثیر من الدعاة المتأخرین،‏ حیث تراھم 

أول ما یبتدئون بھ الناس دعوتھم إلى الصلاة والصوم والزكاة قبل 

أن یدعوھم إلى التوحید الخالص،‏ ویُعرفھم على معناه .. بل ومن 

دون أن یدعوھم إلى التوحید،‏ أو یعنوه اھتمامھم !! 

لذا لا تفاجأ لو رأیت بعض ھؤلاء الدعاة یقعون في الشرك 

ویمارسونھ وھم یدرون أولا یدرون .. فالشرك لا یلفت انتباھھم ولا 

Ι، وعرفوا 

40

یثیر حفیظتھم لأنھم لا یعرفونھ،‏ كما أن التوحید لا یُعنى منھم 

الاھتمام والدراسة لجھلھم لفضلھ وقیمتھ . 

فكم من شرك یطرأ على الأمة یمرون علیھ مر الكرام،‏ وفي 

كثیر من الأحیان لا یلقى منھم إلا المباركة والتأیید؛ كالشركیات التي 

تأتي من جھة الدیمقراطیات الحدیثة التي تؤلھ المخلوق،‏ وتعبد 

العبید للعبید .. والتي تمارس في كثیر من أمصار المسلمین 

وغیرھا(‏‎1‎‏)‏ . 

 

(1) إن أردت أن تعرف الشركیات التي مصدرھا الدیمقراطیات الحدیثة،‏ ومن 

من المشایخ الذین باركوھا وأیدوھا وانتصروا لھا في كتاباتھم وندواتھم انظر 

كتابنا " حكم الإسلام في الدیمقراطیة والتعددیة الحزبیة " . 

وكالشركیات التي تأتي من جھة طغیان طواغیت الحكم،‏ ومن 

جھة قصورھم وتحكیم قوانینھم الوضعیة ..!! 

وكالشركیات التي تأتي من جھة فرق الضلال المحسوبة على 

الإسلام كالشیعة الروافض وغیرھم من فرق الباطنیة الغلاة ..!! 

كم ھم المشایخ الذین صفقوا للشیعة الروافض ولثورتھم 

الشیعیة،‏ وارتموا في أحضانھم یستجدون منھم العون والمدد من 

غیر فائدة تُذكر .. على ما عند الآخرین من شركیات وكفریات 

یعلمھا عنھم القاصي والداني .. وھذا كلھ بسبب جھلھم للتوحید !! 

وكذلك الشركیات التي تأتي من جھة فرق التصوف المنتشرة 

بدعم من الطواغیت في أمصار المسلمین ..!! 

فھذه الشركیات السائدة وغیرھا لا تكاد تلفت نظرھم فضلاً‏ 

عن أن یعملوا على تغییرھا وإنكارھا،‏ وھذا مرده كلھ إلى جھلھم 

بحقیقة التوحید،‏ وجھلھم لشروط ومتطلبات شھادة التوحید لا إلھ إلا 

.. وانشغالھم 

الله .. وفھمھا وتفسیرھا على غیر مراد الله ورسولھ ρ 

عنھا بالفروع وبالمباحات،‏ وبما ھو دونھا أھمیة من مسائل العلوم 

ρ 

الأخرى !! 

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله:‏ دین النبي 

التوحید؛ وھو معرفة لا إلھ إلا الله محمد رسول الله،‏ والعمل 

41

بمقتضاھا،‏ فإن قیل:‏ كل الناس یقولونھا:‏ قیل منھم من یقولھا 

ویحسب معناھا أنھ لا یخلق إلا الله ولا یرزق إلا الله وأشباه ذلك،‏ 

ومنھم لا یفھم معناھا،‏ ومنھم من لا یعمل بمقتضاھا،‏ ومنھم من لا 

یعقل حقیقتھا،‏ وأعجب من ذلك من عرفھا من وجھ وعاداھا وأھلھا 

من وجھ ! وأعجب منھ من أحبھا وانتسب إلى أھلھا ولم یفرق بین 

أولیائھا وأعدائھا 

.. یا سبحان الله العظیم أتكون طائفتان مختلفتین في دین واحد 

وكلھم على الحق ؟!!‏ كلا والله .. فماذا بعد الحق إلا الضلال . ا-ھ . 

قلت:‏ كم ھؤلاء الذین یدعون في زماننا وصل التوحید،‏ 

ویكثرون الحدیث عن العقیدة الصحیحة .. وھم في نفس الوقت 

یوالون أعداء التوحید،‏ ویجادلون عنھم ویوسعون لھم ساحة 

التأویل والأعذار .. بینما في المقابل یعادون أھل التوحید،‏ ویُسیئون 

بھم الظن،‏ ویرمونھم بأقذع الألقاب والعبارات،‏ ویُضیقون علیھم 

ساحة الأعذار أو التأویل ..!! 

من ھنا تأتي أھمیة بیان المراد من العلم الوارد ذكره في 

الشرط الآنف الذكر .. ھل ھو العلم المعرفي النظري الذي لا یلامس 

حرارة القلوب،‏ أم أنھ العلم الذي یحمل صاحبھ على الالتزام والعمل 

بالتوحید ومقتضیاتھ ‏..؟ 

أقول:‏ لا شك أن المراد من العلم ھو العلم الذي یزید صاحبھ 

إیماناً‏ ویقیناً،‏ ویحملھ على العمل والحركة من أجل إعلاء كلمة ھذا 

الدین .. 

العلم الذي یحمل صاحبھ على أن یوالي في الله ویُعادي في 

الله،‏ ویحب في الله ویبغض ویجافي في الله .. 

العلم الذي یحملھ على معاداة أعداء التوحید وأھلھ،‏ وموالاة 

أھل التوحید وجنده .. 

العلم الذي یؤدي بصاحبھ إلى الفھم الحقیقي لدلالات التوحید 

ومتطلباتھ .. 

العلم الذي یحملھ على العمل والالتزام .. 

42

العلم المستقى من الكتاب والسنة بعیداً‏ عن إسلوب أھل الكلام 

ومسائلھم وتعقیداتھم الكلامیة ..! 

أما المعرفة النظریة المجردة الباردة،‏ التي لا تلامس حرارة 

القلوب والیقین .. ولا تحمل صاحبھا على الالتزام والعمل فھي لا 

تغني عنھ شیئاً،‏ وھي لا تزیده إلا وزراً‏ وإثماً‏ ..! 

ھذه المعرفة كان یتصف بھا إبلیس علیھ لعائن الله،‏ وأحبار 

ورھبان أھل الكتاب ومع ذلك ما نفعتھم في شيء،‏ كما قال تعالى 

عنھم:(‏ الذین آتیناھم الكتاب یعرفونھ كما یعرفون أبناءھم 

‏)البقرة:‏‎146‎‏.‏ ومع ذلك لما لم یتبعوا ھذه المعرفة بالمتابعة والانقیاد 

لتعالیم وھدي الشریعة فلم تنفعھم معرفتھم شیئاً‏ . 

قال ابن كثیر في التفسیر:‏ یخبر تعالى أن علماء أھل الكتاب 

یعرفون صحة ما جاء بھ الرسول كما یعرف أحدھم ولده من بین 

أبناء الناس كلھم . ثم أخبر تعالى أنھم مع ھذا التحقیق والاتقان 

العلمي لیكتمون الناس ما في كتبھم من صفة النبي ρ وھم یعلمون 

) 

242/1: الكفر 

ρ 

( ا-ھ . 

وقال ابن تیمیة في درء تعارض العقل والنقل 

یكون بتكذیب الرسول فیما أخبر،‏ أو الامتناع عن المتابعة مع العلم 

بصدقھ،‏ مثل كفر فرعون والیھود ونحوھم ‏.ا-ھ.‏ 

فالمعرفة المجردة للتوحید شيء،‏ والعلم بالتوحید الذي یحمل 

صاحبھ على الالتزام والعمل والفھم الصحیح شيء آخر،‏ وھو 

المطلوب من حدیثنا عن شرط العلم المتقدم . 

فإن قیل وقد قیل قد عقدت الأمور یا أبا بصیر،‏ فدع الناس 

على إیمان العوام وعقیدة العجائز،‏ فإن بعض أھل العلم كالجویني 

وغیره قد أُثر عنھم قولھم:‏ أنھم ودوا أن یموتوا على إیمان وعقیدة 

عجائز نیسابور،‏ وعقیدة عوام الناس ..!! 

فكیف نوفق بین ذلك وبین ضرورة التفقھ بالتوحید كما قدمت 

‏..؟!!‏ 

أجیب على ھذا السؤال بما یلي:‏ 

43

أولاً:‏ أن شرط العلم بلا إلھ إلا الله وبمتطلباتھا وحقوقھا .. قد 

دلت علیھ نصوص الكتاب والسنة كما تقدم،‏ وھو لیس قولاً‏ لبشر 

یمكن رده وعدم الالتفات إلیھ . 

ثانیاً:‏ أن ھذه المقولة التي نقلت عن الجویني وغیره من أھل 

العلم إنما أرادوا منھا بیان سوء ما وصل بھم انشغالھم بعلم الكلام 

والفلسفة بعیداً‏ عن ھدي الكتاب والسنة وما أدى بھم ذلك إلى 

الحیرة والقلق والشك،‏ مما حملھم على التمني لو أنھم ماتوا على 

عقیدة عجائز نیسابور أو عقیدة عوام المسلمین الذین لم یتلوث 

إیمانھم بشبھات وأھواء أھل الكلام وما اشتغلوا بھذا النوع من 

العلم الساقط .. ولیس أن إیمان العجائز أو العوام غایة تُطلب أو أنھ 

خیر من إیمان علماء التوحید الذین أخذوا علومھم من الكتاب 

والسنة،‏ أو من إیمان من یتفقھ بالتوحید من الكتاب والسنة .. فھذا 

لیس مرادھم،‏ وإلیك بعض أقوالھم في ذلك لتدرك مرادھم وقصدھم 

من مقولتھم تلك،‏ التي استغلت أسوأ استغلال من بعض أصحاب 

ضعاف النفوس المریضة ! 

قال ابن أبي العز الحنفي في شرحھ للعقیدة الطحاویة:‏ انتھى 

أمر الغزالي رحمھ الله إلى الوقف والحیرة في المسائل الكلامیة،‏ 

ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحادیث الرسول فمات 

وصحیح البخاري على صدره . 

وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي،‏ قال في كتابھ الذي 

صنفھ في أقسام اللذات:‏ وأرواحنا في وحشةٍ‏ من جسومِنا وحاصل 

دُنیانا أذى ووبالُ‏ ولم نستفِد من بحثنا طولَ‏ عمرنا سوى أن جمعنا 

فیھ:‏ قیلَ‏ وقالوا !! 

ولقد تأملت الطرق الكلامیة،‏ والمناھج الفلسفیة فما رأیتھا 

تشفي علیلاً،‏ ولا تروي غلیلاً،‏ ورأیت أقرب الطرق طریقة القرآن؛ 

اقرأ في الإثبات:(‏ الرحمن على العرش استوى إلیھ یصعد 

الكلم الطیب فاطر:‏‎10‎‏.‏ واقرأ في النفي:(‏ لیس كمثلھ شيء 

الشورى:‏‎11‎‏.‏ ولا یحیطون بھ علماً‏ 

( 

ρ 

( طھ:‏‎5‎‏.‏ ) 

( طھ:‏‎110‎‏.‏ 

44 

( 

)

ثم قال:‏ ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي .. !! 

وكذلك قال الشیخ أبو عبد الله محمد بن عبد الكریم 

الشھرستاني:‏ إنھ لم یجد عند الفلاسفة والمتكلمین إلا الحیرة 

والندم،‏ حیث قال:‏ لعمري لقد طفت المعاھد كلھا وسی َّرت طرْ‏ في بین 

تلك المعالم فلم أرَ‏ إلا واضعاً‏ كف َّ حائرٍ‏ على ذقنٍ‏ أو قارعاً‏ سِن َّ نادِم 

!!.. 

وكذلك قال أبو المعالي الجویني:‏ یا أصحابنا لا تشتغلوا 

بالكلام،‏ فلو عرفتُ‏ أن الكلام یبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت بھ.‏ وقال 

عند موتھ:‏ لقد خضت البحر الخضم َّ،‏ وخلیتُ‏ أھل الإسلام وعلومَھم،‏ 

ودخلت في الذي نھوني عنھ،‏ والآن فإن لم یتداركني ربي برحمتھ 

فالویل لابن الجویني،‏ وھا أنا ذا أموت على عقیدة أمي،‏ أو قال:‏ 

على عقیدة عجائز نیسابور ..!! 

وكذلك قال شمس الدین الخسروشاھي لبعض الفضلاء:ما 

تعتقد؟ قال:ما یعتقده المسلمون،‏ فقال:‏ وأنت منشرح الصدر لذلك 

مستیقنٌ‏ بھ؟ فقال:‏ نعم،‏ فقال:‏ أشكرِ‏ الله على ھذه النعمة،‏ لكني والله 

ما أدري ما أعتقد،‏ والله ما أدري ما أعتقد .. وبكى حتى أخضلت 

لحیتھ !! 

قال ابن أبي العز معلقاً‏ على ما تقدم:‏ وتجدُ‏ أحد ھؤلاء عند 

الموت یرجع إلى مذھب العجائز،‏ فیكونون في نھایتھم إذا سلموا 

من العذاب بمنزلة 

أتباع أھل العلم من الصبیان والنساء والأعراب (1) !! 

قلت:‏ قد عرفت أیھا القارئ من خلال ما تقدم أن ھذه المقولة 

التي نقلت عن بعض أھل العلم إنما ھو لبیان سوء ما وصلوا إلیھ،‏ 

وبیان سوء طلب العلم وبخاصة منھ العقائد ومسائل التوحید على 

طریقة أھل الكلام والفلسفة،‏ وأن العلم الحق یُطلب من مظانھ 

المحصورة في الكتاب والسنة وحسب . 

45

وقد علمت كذلك أن ھذه المقولة لا متعلق صحیح بھا لدعاة 

الجھل بالتوحید .. كما أنھ لا یجوز أن تكون دلیلاً‏ أو سبباً‏ یبرر 

القعود عن التفقھ بالتوحید من مظانھ الشرعیة الصحیحة.‏ 

مسألة ھامة في بیان حال وحكم جاھل التوحید 

. 

اعلم أن ھذه المسألة من جملة المسائل التي أخطأ فیھا كثیر 

من الناس؛ حیث فریق منھم جنح ومال فیھا إلى الإفراط وفریق آخر 

جنح ومال إلى التفریط ..! 

كما أن ھذه المسألة لا یصح فیھا قول واحد معذور أو غیر 

معذور،‏ كافر أو غیر كافر من دون تفصیل یوضح وجھة الحق في 

المسألة،‏ والمنھج الوسطي الذي دلت علیھ النصوص الشرعیة،‏ 

والذي علیھ عقیدة أھل السنة والجماعة.‏ 

وعلیھ فأقول:‏ جاھل التوحید قسمان كافر أصلي،‏ ومسلم من 

أھل القبلة . 

 

(1) تھذیب شرح العقیدة الطحاویة:‏‎128‎‏.‏ 

والكافر الأصلي الجاھل للتوحید قسمین كذلك:‏ قسم معذور 

بالجھل،‏ وقسم غیر معذور بالجھل . 

الكافر الجاھل المعذور بالجھل:‏ ھو الكافر الذي لم تبلغھ 

نذارة الرسل بأي وجھ من الوجوه،‏ ولم یتمكن من الوقوف علیھا 

بنفسھ لظروف قاھرة تحیل بینھ وبین ذلك . 

فھذا الراجح فیھ أنھ لا یُجزم لھ بعذاب ولا جنة،‏ وأن لھ حكم 

أھل الأعذار الذین یعتذرون على الله تعالى یوم القیامة؛ كالأصم الذي 

لم یسمع شیئاً،‏ والأحمق الخرف،‏ وصاحب الفترة الذي مات في 

الفترة ولم تبلغھ نذارة الرسل كما ورد في شأنھم الحدیث المشھور 

الذي أخرجھ أحمد وغیره عن أبي ھریرة وغیره من الصحابة .. 

ولكن عدم الجزم بلحوق الوعید والعذاب بھ لا یمنع عنھ أن 

یُحكم علیھ في الدنیا بأنھ كافر یطالھ اسم الكفر ووصفھ(‏‎1‎‏).‏ 

46

-1 

-2 

أما القسم الآخر:‏ وھو الذي لا یعذر بالجھل وإن كان جاھلاً،‏ 

وحكم الكفر یطالھ في الدنیا والآخرة،‏ ویُجزم لھ بالعذاب لو مات 

على كفره وشركھ؛ وصفتھ أن تبلغھ الدعوة ولكن لا یرفع بھا رأساً‏ 

ولا یُحرك لأجلھا ساكناً،‏ فھو تراه یؤاثر الخمول والجھل على العلم 

والتعلم ..!! 

وكذلك الكافر الذي یقع في الجھل وھو قادر على دفعھ لو 

أراد لكنھ لا یفعل إیثاراً‏ للدنیا ومشاغلھا،‏ أو لأي سبب آخر ..! 

 

(1) مع الانتباه أن الكافر الذي لم تبلغھ نذارة الرسل لا تجوز مبادأتھ بالقتال 

قبل بلوغ الدعوة إلیھ،‏ بخلاف الكافر الذي بلغتھ الدعوة فقابلھا بالرد 

والإعراض .. فھذا تجوز مبادأتھ بالقتال من دون سابق إنذار . 

فھذا والذي قبلھ وإن كان جاھلاً‏ بحقیقة التوحید إلا أن جھلھ 

بعد بلوغ النذارة إلیھ لا یمنع عنھ لحوق الوعید في الآخرة،‏ 

وحكم الكفر یُحمل علیھ في الدنیا والآخرة .. فلیس كل جھل یكون 

عذراً‏ لصاحبھ،‏ كما أنھ لیس كل جھل لا یكون عذراً‏ لصاحبھ . 

أما المسلم الجاھل فھو كذلك أقسام:‏ 

قسم دخل الإسلام لكنھ یجھل بعض أصول التوحید أو 

بعض ما یدخل في معنى العبادة لعجزٍ‏ لا یمكن دفعھ؛ كالذي یكون 

حدیث عھدٍ‏ بالإسلام،‏ أو كالذي یسكن في منطقة نائیة عن العلم 

ومظانھ؛ لا العلم یصلھ،‏ ولا ھو یستطیع أن یصل العلم .. فھذا وإن 

وصف ما وقع فیھ من مخالفة بالكفر إلا أن حكم الكفر لا یطالھ بعینھ 

في الدنیا،‏ ولا تُجرى علیھ أحكامھ وتبعاتھ،‏ وكذلك حكم الوعید في 

الآخرة فإنھ لا یطالھ إلا بعد قیام الحجة الرسالیة علیھ،‏ وإزالة 

الموانع عنھ التي حالت بینھ وبین تعلم التوحید . 

قسم یجھل بعض أصول التوحید وشروطھ الضروریة 

التي لا یصح الإیمان إلا بھا عن غیر عجزٍ‏ ، أو عن عجز یمكن لھ 

دفعھ لو أراد،‏ لكنھ لا یفعل إیثاراً‏ للدعة أو الدنیا وملذاتھا .. فھذا 

وأمثالھ وإن كان كفره من جھة الجھل لما ھو ضروري من الدین 

والتوحید فإنھ لا یُعذر بالجھل،‏ وحكم الكفر یطالھ بعینھ في الدنیا،‏ 

47

ذلك . 

Ι 

-3 

-4 

وفي الآخرة لو مات علیھ،‏ ولا یُشترط لتكفیره قیام الحجة علیھ؛ لأن 

الحجة قائمة علیھ وھي معروضة علیھ صباح مساء لكنھ ھو الذي 

لا یأتیھا ولا یطلبھا .. !! 

قسم وقع في مخالفة بعض ما یدخل في فروع العقیدة 

والتوحید،‏ كالكلام على بعض مسائل الصفات كما ھو حال الأشاعرة 

وغیرھم .. فإنھم 

آثمون یطالھم وصف الضلال والإحداث في الدین دون وصف وحكم 

الكفر.‏ 

أما حكمھم في الآخرة .. فھم وغیرھم من العصاة من أھل 

القبلة لا یُشھد لھم على وجھ التعیین بعذاب ولا جنة،‏ وأمرھم إلى 

الله تعالى إن شاء عذبھم وإن شاء غفر لھم .. مع بقاء القول على 

العموم أن أصحاب ھذا القول أو أصحاب ھذه المعاصي یستحقون 

علیھا الوعید والعذاب یوم القیامة لورود النصوص العدیدة في 

أما من یقع في ھذا النوع من المخالفة عن تأویل أو 

اجتھاد معتبر،‏ أو جھل مُعذر فإنھ لا یطالھ بعینھ وصف الضلال 

والإحداث في الدین،‏ وإن كان الفعل ذاتھ ھو من الضلال والإحداث .. 

حتى تقوم علیھ الحجة الشرعیة،‏ التي تدفع عنھ العجز في إدراك 

مراد الشارع فیما قد خالف فیھ.‏ 

ھذا تقسیم وتفصیل ضروري لمن أراد أن یخوض في مثل 

ھذه المسائل،‏ أوردناه ھنا بإیجاز شدید،‏ فمن لم یقنع بھ وأراد 

التفصیل والأدلة على ما ذُكر فعلیھ بكتابنا " العذر بالجھل " وكذلك 

" قواعد في التكفیر " .. عسى أن یجد فیھما ما یبتغیھ ویریده . 

ضوابط 

-1 

قیام الحجة على الجاھل ؟ 

لقیام الحجة على الجاھل المخالف ضوابط،‏ منھا:‏ 

أن یكون الجاھل المخالف ممن یُعذرون بالجھل؛ وصفتھ 

أنھ یقع في المخالفة الشرعیة عن جھل معجز لا یمكن لھ دفعھ ..! 

48

-2 

-3 

-4 

أما إن كان جھلھ عن غیر عجزٍ‏ ، أو عن عجزٍ‏ یمكن لصاحبھ 

دفعھ لكنھ لا یفعل .. فھذا مما لا یُعذرون بالجھل،‏ ولا یُشترط لتكفیره 

لو وقع في الكفر البواح قیام الحجة؛ لأن الحجة معروضة علیھ،‏ 

وھو الذي لا یریدھا ولا یُحرك ساكناً‏ نحوھا ..! 

تقوم الحجة الشرعیة على الجاھل المخالف ببلوغ 

المعلومة الشرعیة الصحیحة التي تحسم مادة الجھل عنده فیما قد 

خالف فیھ . 

فلو كان كفره مثلاً‏ من جھة استحلالھ للخمر،‏ فبلغھ الخطاب 

الشرعي في حرمة الزنى،‏ والربى أو غیر ذلك .. فالحجة الشرعیة لا 

تكون قد قامت علیھ حتى یبلغھ الخطاب الشرعي الذي یفید حرمة 

الخمر؛ وسبب ذلك أن الخطاب الشرعي الذي یفید حرمة الزنى لا 

یدفع عنھ العجز في جھل حرمة الخمر .. 

یشترط في الحجة أن تصل الجاھل بلغة یفھمھا ویفھم 

المراد منھا،‏ ولا یُشترط أن یقتنع بھا،‏ ففھم الخطاب شيء وھو 

شرط،‏ والاقتناع المؤدي إلى الالتزام شيء آخر وھو لیس شرطاً‏ . 

المھم في قیام الحجة أن تصل الجاھل بلغة یفھم المراد 

منھا بغض النظر عن الوسیلة التي تنقل إلیھ ھذه المعلومة الشرعیة 

التي بھا یندفع جھلھ . 

فھذه الوسیلة الحاملة للحجة قد تكون كتاباً،‏ أو مجلة،‏ أو 

عن طریق المذیاع أو مواقع الإنترنت،‏ أو الدعاة إلى الله .. أو غیر 

ذلك . 

المھم في ھذه الوسیلة أن تملك المعلومة الشرعیة الصحیحة 

التي تدفع عنصر الجھل عند الجاھل وھذا شرط،‏ ولا یُشترط في 

الذي یقیم الحجة أن یكون عالماً‏ مجتھداً‏ أصولیاً‏ إلى آخر القائمة 

التي یفترضھا مرجئة العصر من بنات عقولھم وأھوائھم ..! 

لكن إن قیل یُشترط فیمن یُقیم الحجة أن یكون عالماً‏ بالمسألة 

التي یرید أن یُقیم بھا الحجة على الجاھل المخالف .. فھو قول حق؛ 

لأن جاھل الشيء 

49

-5 

كفاقده،‏ وفاقد الشيء لا یُمكن أن یعطیھ للآخرین . 

یكفي لقیام الحجة الشرعیة على الكافر الأصلي الذي لم 

تبلغھ من قبل نذارة الرسل أن یسمع العبارة التالیة،‏ وھي:‏ أن 

محمداً‏ رسول الله للعالمین،‏ یدعو إلى شھادة أن لا إلھ إلا الله .. فإن 

بلغتھ ھذه العبارة بلغة یفھمھا فقد قامت علیھ الحجة الشرعیة،‏ ولم 

یعد یُعذر بالجھل لو قابل ھذه الدعوة بالرد أو الإعراض أو الإھمال 

.. وھو كافر في الدنیا والآخرة،‏ یطالھ الوعید ویُشھد لھ بھ لو مات 

على كفره . 

والدلیل على ما تقدم قولھ ρ:" والذي نفس محمدٍ‏ بیده لا 

یسمعُ‏ بي أحدٌ‏ من ھذه الأمة،‏ یھودي،‏ ولا نصراني،‏ ثم یموت ولم 

یؤمن بالذي أُرسلت إلا كان من أصحاب النار " مسلم . 

فدل الحدیث أن من سمع بالنبي على نحو ما تقدم ولم 

یؤمن بھ إلا ھو من أھل النار الخالدین فیھا . 

أما الصیغة التي تُقام بھا الحجة على المسلم الجاھل فھي 

تختلف بحسب نوع المخالفة التي وقع فیھا؛ وبحسب ظروف الجاھل 

والشبھات المحیطة بھ فھناك مثلاً‏ مخالفة تُقام فیھا الحجة بعبارة 

واحدة أو أن یبلغھ فیھا حدیث أو آیة واحدة،‏ وھناك مخالفات قیام 

الحجة فیھا قد تحتاج إلى بیان وشرح وتفصیل،‏ وربما إلى مناظرات 

ومراجعات بحسب نوع الشبھات وحجمھا .. 

كما أن ھناك مخالفات حمالة أوجھ،‏ والكفر فیھا غیر صریح 

ولا بواح .. وفي مثل ھذه الحالات لا بد من مراعاة قصد صاحبھا،‏ 

والنظر ھل یُرید ویقصد منھا الوجھ المكفر أم لا،‏ وبخاصة إن 

صدرت ھذه المخالفات عمن عرف بالعلم والاجتھاد،‏ وسابقة جھاد 

وابتلاء في سبیل ھذا الدین .. فمثل ھؤلاء لا بد من توسیع دائرة 

التأویل في حقھم ومراعاة قصدھم والنظر ابتداءً‏ ما الذي حملھم 

على المخالفة .. قبل إصدار الأحكام المتسرعة بحقھم ! 

ومثل ھذه المراعاة للقصد لا یجوز أن تقال عند ورود الكفر 

البواح الصریح ووقوع المرء فیھ .. فتنبھ لذلك ! 

ρ 

50 

-6

الشرط الرابع:‏ الصدق والإخلاص . 

ρ:" ما 

( 

من شروط صحة التوحید الصدق والإخلاص،‏ لقولھ 

من أحدٍ‏ یشھد أن لا إلھ إلا الله،‏ وأن محمداً‏ رسول الله صدقاً‏ من قلبھ 

إلا حرمھ الله على النار " البخاري . 

وقال ρ:" أبشروا وبشروا من وراءكم أنھ من شھد أن لا إلھ 

إلا الله صادقاً‏ بھا دخل الجنة " البخاري.‏ 

مفھوم المخالفة أن من شھد أن لا إلھ إلا الله لكنھ كان غیر 

صادقٍ‏ بھا لا یدخل الجنة،‏ وھو من أھل النار . 

وقال تعالى:(‏ فمن كان یرجو لقاء ربھ فلیعمل عملاً‏ صالحاً‏ 

ولا یُشرك بعبادة ربھ أحداً‏ الكھف:‏‎110‎‏.‏ فمن شروط صحة العبادة 

الإخلاص؛ وھو المراد من قولھ تعالى:(‏ ولا یُشرك بعبادة ربھ أحداً‏ 

ومن أخص ما یدخل في معنى العبادة التوحید .. فمن أتى بھ على 

غیر وجھ 

الإخلاص كان منافقاً‏ ولا یُقبل منھ.‏ 

وفي قولھ تعالى:(‏ لیبلوكم أیكم أحسن عملاً)‏ الملك:‏‎2‎‏.‏ قال 

أھل العلم والتفسیر:‏ أي أصوبھ وأخلصھ . 

وقال تعالى:(‏ وما أُمروا إلا لیعبدوا اللهَ‏ مخلصین لھ الدین 

حنفاء البینة:‏‎5‎‏.‏ فا‏ تعالى أمر عباده أن یعبدوه ویوحدوه على 

وجھ الإخلاص والصدق،‏ ومن عبده ووحده لكن على غیر وجھ 

الإخلاص لا یُقبل منھ،‏ ولم یأتِ‏ بالتوحید الخالص ..! 

ومن الأدلة على صحة ھذا الشرط أن من لوازم انتفائھ 

تحقیق النفاق الأكبر الذي یجعل صاحبھ في الدرك الأسفل من النار 

كما قال تعالى:(‏ إن المنافقین في الدرك الأسفل من النار ولن تجد 

لھم نصیراً‏ ‏)النساء:‏‎145‎‏.‏ 

وقال تعالى:(‏ وعدَ‏ اللهُ‏ المنافقین والمنافقات والكفارَ‏ نار جھنم 

خالدین فیھا ھي حسبھم ولعنھم الله ولھم عذاب مقیم التوبة:‏‎68‎‏.‏ 

( 

( 

( 

51

ومما یُستفاد من ھذا الشرط بطلان مذھب مرجئة الكرامیة 

الذین قالوا:‏ من أقر بلا إلھ إلا الله لفظاً‏ ھو مؤمن وإن لم یأتِ‏ 

بالتصدیق أو الاعتقاد القلبي .. وقد تقدمت الإشارة إلیھم،‏ وإلى من 

یقول بقولھم من مرجئة العصر،‏ وإن لم یسم نفسھ باسمھم .. !! 

وھذا مذھب باطل كفري لأن مفاده أن المنافق الزندیق الذي 

یأتي بشھادة التوحید لفظاً‏ بینما ھو یضمر لھا في قلبھ التكذیب 

والعداوة ھو مؤمن ومن أھل الجنة .. وھذا فیھ ما فیھ من تكذیب 

صریح لنصوص الشریعة العدیدة التي تبین أن المنافقین لا یدخلون 

الجنة وھم في الدرك الأسفل من النار..!‏ 

ویُستفاد منھ كذلك أن ھؤلاء الذین یقولون لا إلھ إلا الله على 

وجھ الھزل واللعب والتمثیل،‏ أو الإسكات،‏ وعلى غیر وجھ الجد .. 

لیسوا بمؤمنین ولا مسلمین لأنھم لا یقولونھا صادقین مخلصین . 

وكذلك الذي یقولھا من الطواغیت من قبیل السیاسة 

والتضلیل للشعوب،‏ لیموھوا علیھم حقیقة كفرھم وطغیانھم،‏ وأنھم 

مسلمون تجب لھم 

الطاعة والموالاة .. معتمدین في ذلك التضلیل على بطانتھم السیئة 

من مشایخ الإرجاء الذین یقومون بالنیابة عنھم في إقناع الناس أن 

ھؤلاء الحكام مسلمون ماداموا یصرحون بشھادة التوحید ..!! 

أقول:‏ ھؤلاء الطواغیت الذین ینطقون بالشھادة على وجھ 

السیاسة والتكتیك فإنھا لا تنفعھم في شيء؛ لأنھم لا یقولونھا على 

وجھ التصدیق والإخلاص . 

وكذلك الذي ینطق بشھادة التوحید من أصحاب الدعوات 

العلمانیة وغیرھم من زنادقة العصر .. فإنھم لا ینتفعون بھا في 

شيء لإضمارھم الكفر والنفاق الذي یُضادھا وینفیھا.‏ 

الشرط الخامس:‏ انتفاء الشك وحصول الیقین . 

من شروط شھادة التوحید انتفاء الشك،‏ وحصول الیقین بھا 

وبمتطلباتھا وشروطھا،‏ كما قال تعالى:(‏ وقالوا إنا كفرنا بما أُرسلتم 

52

( 

بھ وإنا لفي ٍ شكّ‏ مما تدعوننا إلیھ مریب . قالت رسلُھم أفي الله شك ٌّ 

فاطِرِ‏ السماوات والأرض إبراھیم:‏‎10-9‎‏.‏ 

فھم كفروا لأنھم شكوا في صحة دعوة الرسل لھم؛ ودعوة 

الرسل لھم على ممر الأزمان ھي التوحید،‏ والدعوة إلى شھادة أن لا 

إلھ إلا الله .. كما قال تعالى:(‏ وما أرسلنا من رسولٍ‏ إلا نوحي إلیھ 

أنھ لا إلھ إلا أنا فاعبدون ‏)الأنبیاء:‏‎25‎‏.‏ وما من رسول إلا قال 

لقومھ:(‏ اعبدوا الله مالكم من إلھ غیره الأعراف:‏‎59‎‏.‏ وكما قال 

تعالى:(‏ ولقد بعثنا في كل أمة رسولٍ‏ أن اعبدوا الله واجتنبوا 

الطاغوت النحل:‏‎36‎‏.‏ 

وھم لما شك ُّوا بالتوحید لزمھم الشك بذات الله تعالى الذي 

خلقھم وفطرھم فأحسن خلقھم،‏ كما قال تعالى:(‏ أفي الله شك ٌّ فاطرِ‏ 

السماوات والأرض ؛ فھم لم یشكوا بوجود الله تعالى وإنما شكوا 

بتوحیده فلزمھم أن یشكوا بھ تعالى أنھ المألوه المستحق للعبادة . 

وعلیھ فمن یشك بالتوحید أو بأي أمر معلوم من الدین 

بالضرورة فھو في حقیقة أمره یشك با‏ تعالى،‏ وبصدق أنبیائھ 

ورسلھ الذین بلغوا عنھ ما أوحاه إلیھم من الدین ..! 

وفي الحدیث فقد صح عن النبي أنھ قال:"‏ أشھد أن لا إلھ 

إلا الله وأني رسول الله،‏ لا یلقى الله بھما عبد غیر شاك فیھما إلا 

دخل الجنة " مسلم . 

مفھوم الحدیث أن من لقي الله تعالى بشھادتي التوحید شاكاً‏ 

فیھما أو بشيءٍ‏ من لوازمھما ومقتضیاتھما لا یدخل الجنة ولا یكون 

من أھلھا،‏ ولا ممن یشھدون شھادة الحق بحق . 

وقال ρ:" من یشھد أن لا إلھ إلا الله مستیقناً‏ بھا قلبھ فبشره 

بالجنة " مسلم.‏ 

مفھوم الحدیث أن من یشھد أن لا إلھ إلا الله وھو غیر 

مستیقن قلبھ بھا وبمتطلباتھا لا تبشره بالجنة،‏ ومن یُحرم الجنة لا 

مسكن لھ إلا نار جھنم أعاذنا الله منھا . 

( 

ρ 

53 

Ι 

( 

( 

Ι

والیقین بالتوحید:‏ ھو العلم الجازم الذي ینتفي عنھ أدنى 

ٍ شكّ‏ أو ریب بأن الله تعالى واحد أحد في خصائصھ وإلھیتھ 

وربوبیتھ،‏ وأسمائھ وصفاتھ،‏ لا شریك لھ في شيءٍ‏ من ذلك،‏ وأنھ 

تعالى وحده المستحق للعبادة . 

الشرط السادس:‏ العمل بھا . 

ومن شروط صحة شھادة التوحید العمل بھا وبمتطلباتھا 

ظاھراً‏ وباطناً،‏ وھو الغایة منھا ومن نزولھا على الأنبیاء والرسل،‏ 

كما قال تعالى:(‏ وما أُمروا إلا لیعبدوا الله مخلصین لھ الدین حنفاء 

ویُقیموا الصلاة ویؤتوا الزكاة وذلك دین القیمة البینة:‏‎5‎‏.‏ وقال 

تعالى:(‏ وما خلقت الجن والأنس إلا لیعبدون الذاریات:‏‎56‎‏.‏ أي 

( 

( 

لیوحدون .. 

فمن أبطل العمل بالتوحید كشرط لصحتھ أبطل الدین وأمات 

روحھ،‏ وأبطل حق الله على العبید،‏ والغایة التي لأجلھا خلق الله 

الخلق وأنزل الكتب،‏ وأرسل الرسل،‏ كما قال تعالى:(‏ وما أرسلنا من 

قبلك من رسولٍ‏ إلا نوحي إلیھ أنھ لا إلھ إلا أنا فاعبدون 

الأنبیاء:‏‎25‎‏.‏ وقال تعالى:(‏ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً‏ أن اعبدوا 

الله واجتنبوا الطاغوت النحل:‏‎36‎‏.‏ 

ھذه الآیات وغیرھا تفید حصر مھام وغایة الرسل جمیعاً‏ في 

تحقیق التوحید حق الله تعالى على العبید،‏ وكأنھم لیس لھم مھمة 

سوى تحقیق ذلك،‏ كما قال الصحابي ربعي بن عامر لطاغوت 

فارس عندما استجوبھ عن الغایة من انبعاثھم وغزوھم لدیاره:‏ لقد 

ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،‏ ومن 

جور الأدیان إلى عدل الإسلام،‏ ومن سجن الدنیا إلى سعة الدنیا 

والآخرة ! 

وفي الحدیث الصحیح الذي أخرجھ البخاري وغیره عن معاذ 

بن جبل قال:‏ كنت ردیف النبي على حمار فقال لي:‏ یا معاذ 

( 

τ 

ρ 

54 

( 

τ

τ 

ρ 

منھا . 

ρ 

أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟ قلت:‏ الله 

ورسولھ أعلم،‏ قال:"‏ حق الله على العباد أن یعبدوه ولا یُشركوا بھ 

شیئاً،‏ وحق العباد على الله أن لا یُعذب من لا یُشرك بھ شیئاً‏ " قلت:‏ 

یا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال:"‏ لا تبشرھم فیتكلوا " متفق 

علیھ.‏ 

فحق الله على العبید أن یعبدوه ظاھراً‏ وباطناً‏ ولا یُشركوا بھ 

شیئاً‏ ظاھراً‏ وباطناً،‏ وھو المراد من شھادة أن لا إلھ إلا الله؛ یوضح 

ذلك الروایة الأخرى عن أنس بن مالك ومعاذ ردیفھ على الرحل،‏ 

قال یا معاذ:‏ ما من أحدٍ‏ یشھد أن لا إلھ إلا الله وأن محمداً‏ رسول الله 

صدقاً‏ من قلبھ إلا حرمھ الله على النار،‏ قال:‏ یا رسول الله،‏ أفلا أخبر 

الناس فیستبشروا ؟ قال:"‏ إذاً‏ یتكلوا " متفق علیھ.‏ 

ھذا الحدیث قد فسره الحدیث الذي قبلھ وبین المراد من 

التشھد بالشھادة؛ فقولھ ρ:" ما من أحدٍ‏ یشھد أن لا إلھ إلا الله وأن 

محمداً‏ رسول الله صدقاً‏ من قلبھ إلا حرمھ الله على النار "، فسره ρ 

في قولھ الآخر:"‏ حق الله على العباد أن یعبدوه ولا یُشركوا بھ شیئاً‏ 

". لأن في كلا الحدیثین ینھى النبي فیھما معاذاً‏ أن یخبر الناس 

بما قالھ لھ حتى لا یتكلوا ویتركوا العمل الزائد عن التوحید .. 

مما دل أن المراد من الحدیث الآخر :" ما من أحدٍ‏ یشھد أن 

لا إلھ إلا الله .." لیس المراد مجرد التلفظ بالشھادة من دون تحقیق 

التوحید حق الله على العبید عملاً،‏ وظاھراً‏ وباطناً‏ .. فالأحادیث تفسر 

بعضھا البعض،‏ والإنصاف یقتضي إعمالھا جمیعاً‏ جنباً‏ إلى جنبٍ‏ من 

دون إھمال أو ترك شيءٍ‏ 

ولو كان الأمر ینتھي عند حد القول دون العمل لما امتنع 

كفار قریش عن إجابة النبي إلى دعوتھ،‏ ولأعطوه " لا إلھ إلا الله 

" لفظاً‏ مع بقائھم على شركھم وعاداتھم الوثنیة،‏ ولاستراحوا 

وأراحوا،‏ ولما بذلوا أرواحھم وكل ما 

یملكون مقابل دفع كلمة التوحید وعدم الاستجابة لھا ..! 

55

Ι 

ولكن لما علموا أن من لوازم الإقرار بشھادة التوحید العمل 

بھا وبمضمونھا .. 

من لوازمھ تكسیر الأصنام والأوثان واعتزال عبادتھا .. 

والانخلاع كلیاً‏ من الشرك وعبادة الأنداد .. 

من لوازمھ تغییر العادات الوثنیة الجاھلیة المنافیة لروح 

وتعالیم لا إلھ إلا الله .. 

من لوازمھ أن تتحول الآلھة المزیفة إلى عبید یتساوون في 

العبودیة تعالى مع عبیدھم وممالیكھم .. 

من لوازمھ ذوبان جمیع الفوارق بین الناس ‏..لا فرق بین 

الشریف والوضیع،‏ ولا بین السید والمسود .. إلا على أساس التقوى 

والالتزام بأخلاق وتعالیم ھذا الدین الحنیف .. 

من لوازمھ أن ینخلعوا كلیاً‏ من أھوائھم وشھواتھم،‏ 

ومكاسبھم التي كانوا یجنونھا من وراء تعبید العبید للعبید .. 

ویبرؤوا من ذلك كلھ رب العالمین . 

لما كان الإقرار بالتوحید من لوازمھ حصول جمیع ما تقدم 

ولن یرضى الشارع بأقل من ذلك قابلوھا بھذا الحرب وبھذا 

العناد والإعراض الذي لم یعرف التاریخ مثیلاً‏ لھ ..!! 

ولأجل ذلك كلھ كذلك بذلوا للنبي كل غالٍ‏ ونفیس من مالٍ‏ 

وملكٍ‏ وریاسة،‏ وعرضوا علیھ كل ما تستشرفھ النفوس وتتمناه 

مقابل أن یعفیھم من الإقرار والانصیاع لشھادة التوحید لا إلھ إلا الله 

.. فأبى النبي إلا أن یُجیبوه أولاً‏ إلى لا إلھ إلى الله،‏ إلى التوحید 

الخالص وخلع الأنداد والأوثان،‏ راداً‏ علیھم جمیع عروضھم وما 

بذلوه من ترغیب(‏‎1‎‏)‏ ..!! 

أبى النبي أن یقبل منھم شیئاً‏ إلا بعد أن یجیبوه أولاً‏ إلى التوحید 

بشمولیتھ:‏ اعتقاداً‏ وقولاً‏ وعملاً،‏ ظاھراً‏ وباطناً‏ ..! 

ρ 

ρ 

ρ 

مسألة . 

56

مما یدخل في الأعمال التي تُعتبر من شروط صحة التوحید 

والإیمان الصلاة،‏ حیث لا یصح إیمان المرء إلا بھا،‏ فمن تركھا فقد 

نقض التوحید وخرج من الملة،‏ ووقع في الكفر والشرك،‏ كما في 

الحدیث الصحیح:"‏ بین الرجل وبین الشرك والكفر ترك الصلاة 

فإذا تركھا فقد كفر "، وفي روایةٍ:"‏ فإذا تركھا فقد أشرك "، 

وغیرھا كثیر من النصوص التي تفید كفر تارك الصلاة وخروجھ من 

الملة،‏ مع انتفاء النصوص أو القرائن الشرعیة الأخرى التي تصرف 

ھذا 

.. 

(1) في ھذا تنبیھ وتذكیر لأولئك الذین یترامون على عتبات الطواغیت 

یستجدون منھم الفتات والعظام المجردة عن لحومھا وشحومھا باسم الدین،‏ 

وباسم تحصیل المصالح للدعوة على حساب أعلى وأجل المصالح ألا وھي 

مصلحة تحقیق التوحید ..!! 

فیھ تنبیھ لأولئك الذین أخروا لا إلھ إلا الله من أولویاتھم وبرامجھم الحزبیة 

أو الدعویة،‏ وقدموا علیھا رھبة أو رغبة الاشتغال بالمندوبات والمباحات،‏ 

والقیل والقال .. ثم بعد ذلك یحسبون أنفسھم أنھم یُحسنون صنعاً،‏ أو أنھم 

یسیرون على طریقة ونھج النبي ρ في الدعوة إلى الله تعالى !! 

فیھ تنبیھ لأولئك الذین یقولون للطاغوت كل شيءٍ‏ ، إلا أنھم لا یجرؤون أن 

یأمروه بالتوحید،‏ ولا أن یذكروه لھ،‏ فضلاً‏ عن أن یُطالبوه بتحكیمھ والانصیاع 

لھ ..!! 

الحكم عن ظاھره إلى الكفر الأصغر،‏ أو الكفر دون كفر(‏‎1‎‏)‏ . 

مسألة ثانیة . 

اعلم أن الإنسان یصیر كافراً‏ من جھة ترك الأعمال في 

حالتین:‏ 

الحالة الأولى:‏ أن یترك جنس العمل والطاعة،‏ فلا یصلي،‏ ولا 

یصوم،‏ ولا یحج،‏ ولا یزكي مالھ،‏ ولا یفعل شیئاً‏ من الطاعات .. فھذا 

كافر خارج من الإسلام مھما زعم بلسانھ أنھ مسلم أو من المؤمنین 

. 

57

قال ابن تیمیة في الفتاوى 209/7: قال حنبل:‏ حدثنا الحمیدي 

قال:‏ وأخبرت أن ناساً‏ یقولون:‏ من أقر بالصلاة والزكاة والصوم 

والحج ولم یفعل من ذلك شیئاً‏ حتى یموت،‏ ویصلي مستدبر القبلة 

حتى یموت(‏‎2‎‏)،‏ فھو مؤمن ما لم یكن جاحداً‏ . إذا علم أن تركھ ذلك 

فیھ إیمانھ إذا كان مقراً‏ بالفرائض واستقبال القبلة،‏ فقلت:‏ ھذا الكفر 

الصراح،‏ وخلاف كتاب الله وسنة رسولھ وعلماء المسلمین،‏ قال 

تعالى:(‏ وما أمروا إلا لیعبدوا الله مخلصین لھ الدین ( . 

وقال حنبل سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل یقول:‏ من قال 

ھذا فقد كفر با‏ ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء بھ عن 

الله(‏‎3‎‏)‏ ا-ھ.‏ 

وقال الإمام الآجري رحمھ الله في كتابھ أخلاق العلماء:‏ 

فالأعمال 

(1) على تفصیل ذكرناه في كتابنا " حكم تارك الصلاة "، وقد رددنا فیھ على 

شبھات وأدلة المخالفین دلیلاً‏ دلیلاً،‏ وشبھة شبھة .. فلینظره من لم یقنع بما 

تقدم . 

(2) وھو أفضل ممن لا یصلي قط ..! 

(3) من قال ھذا فقد كفر با‏ ورد على رسولھ أمره،‏ فكیف بالذي لا یفعل ھذا،‏ 

وینتفي عنھ جنس العمل والطاعة .. لا شك أنھ أولى بالكفر والمروق من 

الدین . 

بالجوارح تصدیق عن الإیمان بالقلب واللسان،‏ فمن لم یصدق 

الإیمان بعملھ؛ مثل الطھارة والصلاة والزكاة والصیام والحج 

والجھاد وأشباه لھذه،‏ ورضي لنفسھ بالمعرفة والقول دون العمل 

لم یكن مؤمناً،‏ ولم تنفعھ المعرفة والقول،‏ وكان تركھ للعمل تكذیباً‏ 

منھ لإیمانھ،‏ وكان العمل بما ذكرنا تصدیقاً‏ منھ لإیمانھ،‏ فاعلم ذلك . 

ھذا مذھب علماء المسلمین قدیماً‏ وحدیثاً،‏ فمن قال غیر ھذا 

فھو مرجئ خبیث،‏ احذره على دینك،‏ والدلیل على ھذا قول الله Υ:( 

وما أمروا إلا لیعبدوا الله مخلصین لھ الدین حنفاء ویقیموا الصلاة 

ویؤتوا الزكاة وذلك دین القیمة 

. (1) ( 

58

ρ 

وقال ابن تیمیة في الفتاوى 287/7: لو قُدر أن قوماً‏ قالوا 

للنبي : نحن نؤمن بما جئتنا بھ بقلوبنا من غیر شكّ‏ 

بالشھادتین،‏ إلا أنا لا نطیعك في شيءٍ‏ مما أمرت بھ ونھیت عنھ،‏ فلا 

نصلي ولا نصوم،‏ ولا نحج،‏ ولا نصدُق الحدیث،‏ ولا نؤدي الأمانة،‏ 

ولا نفي بالعھد،‏ ولا نصل الرحم،‏ ولا نفعل شیئاً‏ من الخیر الذي 

أمرت بھ،‏ ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاھر،‏ ونقتل 

من قدرنا علیھ من أصحابك وأمتك،‏ ونأخذ أموالھم بل نقتلك أیضاً،‏ 

ونقاتلك مع أعدائك،‏ ھل كان النبي یقول لھم:‏ أنتم مؤمنون كاملو 

الإیمان،‏ وأنتم من أھل شفاعتي یوم القیامة ویُرجى لكم أن لا یدخل 

أحد منك النار،‏ بل كل مسلم یعلم بالاضطرار أنھ یقول لھم:‏ أنتم أكفر 

الناس بما جئت بھ ویضرب رقابھم إن لم یتوبوا من ذلك 

ٍ ونقر 

ا-ھ . 

ρ 

 

(1) عن كتاب ظاھرة الإرجاء للشیخ سفر الحوالي:‏‎647/2‎‏.‏ 

فلیحذر مرجئة العصر بأي نار ھم یلعبون؛ وبأي باطل ھم 

یمیدون،‏ وأي قول ھم یقولون عندما یخرجون جنس العمل كشرط 

لصحة الإیمان ..!! 

ورحم الله الشافعي إذ یقول:‏ لأن أتكلم في علم یُقال لي فیھ 

أخطأت أحب إلي من أتكلم في علم یُقال لي فیھ كفرت ا-ھ . 

ولیحذروا أن یُحمل علیھم قول النبي ρ:" صنفان من أمتي لا 

یردان علي الحوض:‏ القدریة،‏ والمرجئة "(1). أعاذنا الله من الكفر 

والخسران ..! 

الحالة الثانیة:‏ أن یأتي بجنس العمل ولا یُحرم مطلق 

الطاعات العملیة،‏ لكنھ یترك العمل بالتوحید .. فأیضاً‏ ھذا كافر خارج 

من الإسلام،‏ لا ینتفع بشيءٍ‏ من الأعمال والطاعات الأخرى التي قام 

بھا كما تقدم . 

قال الشیخ محمد بن عبد الوھاب:‏ لا خلاف أن التوحید لا بد 

أن یكون بالقلب واللسان والعمل،‏ فإن اختلف شيء من ھذا لم یكن 

59

الرجل مسلماً،‏ فإن عرف التوحید ولم یعمل بھ فھو 

كفرعون وإبلیس وأمثالھما 

كافر معاند 

ا-ھ . 

. 

 

Ι 

Ι 

الشرط السابع:‏ المحبة المنافیة للكره والبغض 

من شروط صحة شھادة التوحید محبتھا ومحبة أھلھا،‏ 

وبغض أعدائھا وما یضادھا من الشرك والتندید؛ وصفة ھذه المحبة 

أن یكون الله تعالى ورسولھ ρ أحب إلیھ مما سواھما،‏ وأن یكون الله 

تعالى وحده ھو المحبوب لذاتھ،‏ وما سواه 

(2) أخرجھ الطبراني في التھذیب،‏ وابن أبي عاصم في السنة وغیرھما،‏ 

السلسلة الصحیحة:‏ 2748. 

فھو محبوب لھ وفیھ ، لا یُحب مع الله أحد وإنما یُحب فیھ ولأجلھ 

.. وإن أحب المرء شیئاً‏ لا یُحب ما یكرھھ الله Ι، وإن كره شیئاً‏ لا 

یكره ما یُحبھ وبخاصة التوحید حق الله تعالى على العبید . 

فإن وقع المرء في محبة الأنداد والشركاء،‏ وكره ما أنزل الله 

تعالى على أنبیائھ ورسلھ من التوحید والدین .. وقع في الشرك 

والكفر،‏ وخرج من دائرة الإسلام والإیمان،‏ ولا ینفعھ ما قدم من 

طاعات وأعمال . 

والدلیل على ما تقدم،‏ قولھ تعالى:(‏ ومن الناس من یتخذ من 

دون الله أنداداً‏ یحبونھم كحب الله والذین آمنوا أشد حباً‏ 

البقرة:‏‎165‎‏.‏ 

فمن أحب مخلوقاً‏ لذاتھ بحیث یوالي فیھ ویعادي فیھ،‏ ویوالي 

من یوالیھ ویعادي من یُعادیھ بغض النظر عن موافقتھم للحق أو 

مخالفتھ فقد اتخذوا ھذا المخلوق نداً‏ تعالى،‏ ودخلوا في عبادتھ 

من دون الله تعالى؛ لأن المحبوب لذاتھ ھو الله تعالى وحده وما سواه 

یُحب لھ وفیھ .. 

( 

قال ابن تیمیة رحمھ الله في الفتاوى 267/10: لا یجوز أن 

یُحب شيء من الموجودات لذاتھ إلا ھو سبحانھ وبحمده،‏ فكل 

60

محبوب في العالَم إنما یجوز أن یُحب لغیره لا لذاتھ،‏ والرب تعالى 

ھو الذي یجب أن یُحب لنفسھ،‏ وھذا من معاني إلھیتھ ولو كان 

فیھما آلھة إلا الله لفسدتا )، فإن محبة الشيء لذاتھ شرك فلا یُحب 

لذاتھ إلا الله،‏ فإن ذلك من خصائص إلھیتھ فلا یستحق ذلك إلا الله 

وحده،‏ وكل محبوب سواه لم یُحب لأجلھ فمحبتھ فاسدة ا-ھ . 

وقال ابن القیم رحمھ الله في المدارج 99/1: فا‏ تعالى إنما 

خلق الخلق لعبادتھ الجامعة لكمال محبتھ،‏ مع الخضوع لھ والانقیاد 

لأمره . 

فأصل العبادة:‏ محبة الله،‏ بل إفراده بالمحبة،‏ وأن یكون الحب 

كلھ ، فلا 

یُحب معھ سواه،‏ وإنما یُحب لأجلھ وفیھ،‏ كما یحب أنبیاءه ورسلھ 

وملائكتھ وأولیاءه،‏ فمحبتنا لھم من تمام محبتھ،‏ ولیست محبة معھ 

كمحبة من یتخذ من دون الله أنداداً‏ یحبونھم كحبھ ا-ھ . 

وقال تعالى:(‏ قالوا وھم فیھا یختصمون . تا‏ إن كنا لفي 

ضلالٍ‏ مبین . إذ نسویكم برب العالمین الشعراء:‏‎98-96‎ 

فھم إذ كانوا یسوون الأنداد والطواغیت برب العالمین لم 

یكونوا یسوونھم بھ في خاصیة القدرة على الخلق أو التصرف في 

الكون أو الخلق إیجاداً‏ وضراً‏ ونفعاً،‏ فھم أعجز من ذلك بكثیر .. 

وإنما كانوا یسوونھم با‏ من جھة الطاعة والمحبة فیحبونھم كحب 

الله تعالى وأشد،‏ ویقدمون أمرھم وطاعتھم على أمره وطاعتھ 

فحصلت بذلك تلك المساواة الشركیة.‏ 

قال ابن القیم رحمھ الله:‏ ومعلوم أنھم ما سووھم بھ سبحانھ 

في الخلق والرزق،‏ والإماتة والإحیاء،‏ والملك والقدرة،‏ وإنما 

سووھم بھ في الحب والتألھ والخضوع لھم والتذلل،‏ وھذا غایة 

الجھل والظلم،‏ فكیف یسوى التراب برب الأرباب ؟!‏ وكیف یسوى 

العبید بمالك الرقاب ؟!‏ 

،Ι 

) 

. 

( 

Ι 

61

. 

وقال:‏ ھذه التسویة لم تكن منھم في الأفعال والصفات بحیث 

اعتقدوا أنھا مساویة سبحانھ في أفعالھ وصفاتھ وإنما كانت 

تسویة منھم بین الله وبینھا في المحبة والعبودیة والتعظیم .. 

ولم تكن تسویتھم لھم با‏ في كونھم خلقوا السماوات 

والأرض أو خلقوھم أوخلقوا آباءھم،‏ وإنما سووھم برب العالمین 

في الحب لھم كما یُحب الله فإن حقیقة العبادة ھي الحب والذل .. ا-ھ 

ρ 

ρ 

وفي الحدیث فقد صح عن النبي أنھ قال:"‏ من أحب ، 

وأبغض ، 

وأعطى ، ومنع فقد استكمل الإیمان "(1). أي من كان ھذا 

دیدنھ وشأنھ في جمیع شؤونھ وتعاملھ مع الآخرین فقد استكمل 

التوحید والإیمان .. فالناس یتفاوتون في الإیمان والتوحید تبعاً‏ 

لتفاوتھم في الحب في الله،‏ والبغض في الله وغیر ذلك من الطاعات . 

أما من انتفى عنھ مطلق الحب في الله،‏ والبغض في الله .. فقد 

انتفى عنھ مطلق التوحید،‏ ومطلق العبودیة تعالى.‏ 

وقال ρ:" أوثق عرى الإیمان:‏ الموالاة في الله،‏ والمعاداة في 

الله،‏ والحب في الله،‏ والبغض في الله "(2). Υ 

قلت:‏ إذا كان أوثق عرى الإیمان والتوحید:‏ الموالاة في الله،‏ 

والمعاداة في الله،‏ والحب في الله،‏ والبغض في الله .. فإن مفھوم 

المخالفة یقتضي أن یكون أوثق عرى الكفر والشرك:‏ الموالاة في 

المخلوق،‏ والمعاداة في المخلوق،‏ والحب في المخلوق،‏ والبغض في 

المخلوق .. أی َّاً‏ كان ھذا المخلوق،‏ وكانت صفتھ . 

وقال :" لا یؤمن عبد حتى أكون أحب َّ إلیھ من أھلھ ومالھ 

والناس أجمعین "، وفي روایة:"‏ لا یؤمن أحدكم حتى أكون أحب 

إلیھ من ولده ووالده والناس أجمعین " مسلم . 

والإیمان لا ینتفي إلا لنوع شرك وعبادة تصرف لغیر الله 

تعالى،‏ ونوع الشرك ھنا یكمن في تقدیم محبة وطاعة الآخرین على 

62

محبة الرسول ρ وطاعتھ الذي أمر الله تعالى بمحبتھ وطاعتھ 

في كل ما یصدر عنھ؛ كما قال 

. 

لطاعتھ Υ 

(1) أخرجھ أبو داود وغیره،‏ السلسلة الصحیحة:‏‎380‎ 

(2) أخرجھ أحمد وغیره،‏ صحیح الجامع الصغیر:‏‎2539‎ 

( 

. 

ρ 

. 

( 

ρ 

. 

):ρ 

تعالى عنھ وما ینطق عن الھوى إن ھو إلا وحي یوحى وھذه 

لیست لأحدٍ‏ بعده ρ 

وقد صح عنھ أنھ قال:"‏ من أطاعني فقد أطاع الله،‏ ومن 

عصاني فقد عصى الله " مسلم.‏ وذلك أن النبي لا یأمر إلا بما فیھ 

طاعة Υ، ولا ینھى إلا عما فیھ معصیة Υ 

قال أبو سلیمان الخطابي في شرحھ لحدیث " لا یؤمن أحدكم 

حتى أكون أحب إلیھ من ولد ه ووالده والناس أجمعین ": معناه لا 

تصدق في حبي حتى تفنى في طاعتي نفسك،‏ وتؤثر رضاي على 

ھواك وإن كان فیھ ھلاكك ا-ھ . 

ومن الأدلة كذلك على صحة شرط المحبة للتوحید،‏ أن انتفاء 

المحبة من لوازمھ حصول ضدھا من البغض والكراھیة للتوحید .. 

وكره أو بغض التوحید كفر أكبر مخرج لصاحبھ من الملة،‏ كما قال 

تعالى:(‏ والذین كفروا فتعساً‏ لھم وأضل أعمالھم . ذلك بأنھم كرھوا 

ما أنزل الله فأحبط أعمالھم محمد:‏‎9-8‎‏.‏ 

فعلل كفرھم وحبوط أعمالھم ولا یُحبط العمل إلا الكفر 

والشرك بأنھم كرھوا ما أنزل الله على أنبیائھ ورسلھ من الدین؛ 

وأعظم ما أنزل الله تعالى على أنبیائھ شھادة التوحید:‏ لا إلھ إلا الله .. 

وقال تعالى عن الكافرین وھم یستغیثون في جھنم ولا 

مغیث:(‏ ونادَوا یا مالك لیقضِ‏ علینا ربك قال إنكم ماكثون . لقد 

جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارھون الزخرف:‏‎78-77‎ 

فعلل سبب مكثھم في جھنم أنھم كانوا للحق الذي جاءھم من 

عند ربھم كارھون؛ وأعظم ما جاءھم من الحق شھادة التوحید لا إلھ 

إلا الله .. فكانوا لھا كارھین،‏ فاستحقوا بذلك العذاب والخلود في نار 

جھنم . 

. 

( 

63

وقال تعالى:(‏ إن الذین ارتدوا على أدبارھم من بعد ما تبین 

لھم الھدى الشیطان سول لھم وأملى لھم ذلك بأنھم قالوا للذین 

كرھوا ما نزل الله سنطیعكم في بعض الأمر محمد:‏‎26-25‎‏.‏ 

( 

ρ 

فھؤلاء ارتدوا وكفروا بعد أن ظھر لھم الإیمان ودخلوا فیھ 

بسبب أنھم قالوا للذین كرھوا ما نزل الله سنطیعكم في بعض الأمر 

مما فیھ مُضاھاةٍ‏ وتكذیبٍ‏ لشرع الله تعالى وتوحیده .. فكفروا 

وارتدوا بسبب مقولتھم ھذه ..!! 

فكیف بمن یقول لھم كحال طواغیت العصر الذین قالوا 

للیھود والنصارى سنطیعكم في كل الأمر .. ؟!‏ 

فكیف بالذین یدخلون في طاعة طواغیت الحكم وموالاتھم 

كحال المتزلفین الذین ھان علیھم دینھم ویقولون لھم سنطیعكم في 

كل الأمر،‏ وفي كل ما یصدر عنكم من تعلیمات وأوامر وقوانین 

تضاھي شرع الله تعالى ‏..؟!‏ 

فكیف بالذین كرھوا ما نزل الله تعالى ذاتھم .. ؟!‏ 

لا شك أنھم أولى بالكفر والارتداد ممن قال للذین كرھوا ما 

نزل الله سنطیعكم في بعض الأمر ولیس كلھ ..! 

وعلیھ فمن یأتي بشھادة التوحید وھو لھا ولأھلھا كاره 

مبغض فھو كافر مرتد،‏ مع المنافقین في الدرك الأسفل من النار .. لا 

ینفعھ شيء مما قدم من أعمال وطاعات . 

علامات المحبة الصادقة . 

سھل على كل أحد وھو متكئ على أریكتھ أن یدعي حب الله 

تعالى وحب رسولھ ، وحب التوحید وأھلھ .. ولكن ھل لھذا 

الإدعاء من برھان یصدقھ أو یكذبھ ؟ 

أقول نعم لكل ادعاء علامات وبراھین تصدقھ أو تكذبھ،‏ 

وللمحبة الصادقة تعالى ولرسولھ ρ علامات أھمھا:‏ 

ρ 

. 

1- حصول المتابعة للنبي ρ 

فمن أصدق علامات المحبة المتابعة لھدي النبي وسنتھ؛ 

حیث كلما كملت المتابعة كلما قویت المحبة تعالى،‏ وكلما نقصت 

64

المتابعة للنبي ρ وللشریعة التي جاء بھا من عند ربھ كلما ضعفت 

المحبة،‏ فعلى قدر الاتباع والمتابعة تكون المحبة ارتفاعاً‏ وانخفاضاً،‏ 

ومن زعم المحبة من غیر اتباع للنبي فھو كذاب أشر مھما زعم 

بلسانھ أنھ یحب الله ورسولَھ . 

قال تعالى:(‏ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني یحببكم الله آل 

عمران:‏‎31‎‏.‏ 

قال ابن كثیر في التفسیر:‏ ھذه الآیة حاكمة على كل من ادعى 

محبة الله ولیس ھو على الطریقة المحمدیة فإنھ كاذب في دعواه في 

نفس الأمر حتى یتبع الشرع المحمدي والدین النبوي في جمیع 

أقوالھ وأفعالھ ا-ھ . 

وقال ابن تیمیة في الفتاوى 360/8: فكل من ادعى أنھ یحب 

الله ولم یتبع الرسول فقد كذب،‏ ولیست محبتھ وحده،‏ بل إن كان 

یحبھ فھي محبة شرك،‏ فإنما یتبع ما یھواه،‏ كدعوى الیھود 

والنصارى محبة الله،‏ فإنھم لو أخلصوا لھ المحبة لم یحبوا إلا ما 

أحب فكانوا یتبعون الرسول،‏ فلما أحبوا ما أبغض الله مع دعواھم 

حبھ كانت محبتھم من جنس محبة المشركین ا-ھ . 

وقال تلمیذه ابن القیم في المدارج 99/1: وإذا كانت المحبة 

لھ ھي حقیقة عبودیتھ وسرھا،‏ فھي إنما تتحقق باتباع أمره 

واجتناب نھیھ،‏ فعند اتباع الأمر واجتناب النھي تتبین حقیقة 

العبودیة والمحبة،‏ ولھذا جعل اتباع رسولھ علَماً‏ علیھا،‏ وشاھداً‏ 

لمن ادعاھا،‏ فقال تعالى:(‏ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني یحببكم 

الله )، فجعل اتباع رسولھ مشروطاً‏ بمحبتھم ، وشرطاً‏ لمحبة الله 

لھم،‏ ووجود المشروط ممتنع بدون وجود شرطھ وتحققھ بتحققھ،‏ 

فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة،‏ فانتفاء المتابعة ملزوم 

لانتفاء محبة الله لھم،‏ فیستحیل إذاً‏ ثبوت محبتھم ، وثبوت محبة 

الله لھم بدون المتابعة لرسولھ .. ρ ا-ھ . 

( 

ρ 

65

-2 

ومن دلالات الآیة الكریمة أن من ینتفي عنھ مطلق المتابعة 

الظاھرة لا یكون مؤمناً‏ ولا محباً‏ Υ .. فھي دلیل آخر على كفر 

من ینتفي عنھ جنس العمل بالشریعة وإن أتى بالإقرار والتصدیق ! 

إیثار الله ورسولھ في حال حصول الاختیار . 

من العلامات الدالة على المحبة الصادقة إیثار جانب الله 

تعالى ورسولھ في حال حصل لھ الاختیار بین طاعة الله ورسولھ 

وبین طاعة ما سواھما من الخلق وكل ما یتجاذبھ من فتنة الحیاة 

الدنیا .. فإن آثر جانب طاعة الله ورسولھ وحبھما على كل ما 

یتجاذبھ من زینة الحیاة الدنیا وفتنتھا فقد صدق في دعواه للمحبة،‏ 

وإن آثر الطرف الآخر بكل زینتھ وفتنتھ على الله ورسولھ وقدم 

طاعتھ على طاعتھما،‏ فقد كذب في دعواه المحبة وكان من 

المشركین . 

قال تعالى:(‏ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم 

وعشیرتكم وأموال اقترفتموھا وتجارة تخشون كسادھا ومساكن 

ترضونھا أحب إلیكم من الله ورسولھ وجھادٍ‏ في سبیلھ فتربصوا 

حتى یأتي الله بأمره والله لا یھدي القوم الفاسقین التوبة:‏‎24‎‏.‏ 

فھذه الأشیاء من زینة الحیاة الدنیا لو جمعت كلھا في جانب 

وھذا ما یقتضیھ حرف العطف الوارد في الآیة الكریمة فقدمت على 

طاعة الله ورسولھ 

وعلى حبھما لكان من المشركین الفاسقین الذین خسروا الدنیا 

( 

ρ 

والآخرة . 

قال ابن القیم في المدارج 100/1: دل على أن متابعة 

الرسول ھي حب الله ورسولھ وطاعة أمره،‏ ولا یكفي ذلك في 

العبودیة حتى یكون الله ورسولھ أحب إلى العبد مما سواھما؛ فلا 

یكون عنده شيء أحب إلیھ من الله ورسولھ،‏ ومتى كان عنده شيء 

أحب إلیھ منھما فھذا ھو الشرك الذي لا یغفره الله لصاحبھ ألبتة،‏ ولا 

یھدیھ الله،‏ قال الله تعالى:(‏ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم 

وأزواجكم وعشیرتكم وأموال اقترفتموھا وتجارة تخشون كسادھا 

66

ومساكن ترضونھا أحب إلیكم من الله ورسولھ وجھادٍ‏ في سبیلھ 

فتربصوا حتى یأتي الله بأمره والله لا یھدي القوم الفاسقین 

من قدم طاعة أحد من ھؤلاء على طاعة الله ورسولھ،‏ أو قول أحد 

منھم على قول الله ورسولھ،‏ أو مرضاة أحد منھم على مرضاة الله 

ورسولھ،‏ أو خوف أحد منھم ورجاءه والتوكل علیھ على خوف الله 

ورجائھ والتوكل علیھ،‏ أو معاملة أحدھم على معاملة الله،‏ فھو ممن 

لیس الله ورسولھ أحب إلیھ مما سواھما وإن قالھ بلسانھ فھو كذب 

منھ،‏ وإخبار بخلاف ما ھو علیھ،‏ وكذلك من قدم حكم أحدٍ‏ على حكم 

الله ورسولھ،‏ فذلك المقد َّم عنده أحب إلیھ من الله ورسولھ ρ 

البلاء والصبر علیھ . 

فمن علامات الإیمان وصدق المحبة البلاء والصبر علیھ كما 

قال تعالى:(‏ أحسب الناس أن یُتركوا أن یقولوا آمنا وھم لا یُفتنون 

العنكبوت:‏‎2‎‏.‏ أي أحسب الناس أن یدعوا المحبة وأنھم من أھل 

التوحید والعبودیة الخالصة تعالى ثم ھم لا یُفتنون ولا یُبتلون في 

دینھم وفي سبیل نصرة ھذه الدعوة .. لیمیز منھم الصابر المجاھد 

الصادق في دعواه أنھ من المؤمنین من غیره ممن ینقلب على 

عقبیھ من أول فتنة تنزل في ساحتھ ! 

كما قال تعالى:(‏ ولنبلونكم حتى نعلم المجاھدین منكم 

والصابرین ونبلوَ‏ ا أخبارَكم محمد:‏‎31‎‏.‏ فصبرھم على البلاء ھو 

علامة صادقة على صدق المحبة والعبودیة،وصدق الجھاد في سبیل 

. فكل 

( 

( 

ا-ھ . 

( 

-3 

الله .. 

أما أولئك الذین یزعمون الإیمان والتوحید ثم ھم ینقلبون 

على أعقابھم لأدنى فتنة تصیبھم،‏ أو تنزل في ساحتھم قال تعالى 

عنھم:(‏ فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله 

العنكبوت:‏‎10‎‏.‏ وقال تعالى:(‏ وإن أصابتھ مصیبة انقلب على عقبیھ 

خسر الدنیا والآخرة الحج:‏‎11‎‏.‏ 

فالمرء یُبتلى على قدر دینھ وإیمانھ وتوحیده،‏ وصدق محبتھ 

فإن قوي إیمانھ وصدق في توحیده وحبھ لھ Ι، اشتد علیھ 

( 

Υ 

67 

(

." 

البلاء وصب َّره علیھ،‏ كما في الحدیث:"‏ یبتلى الرجل على حسب دینھ 

فإن كان في دینھ صلباً‏ اشتد بلاؤه،‏ وإن كان في دینھ رقة ابتلي على 

قدر دینھ،‏ فما یبرح البلاء بالعبد حتى یتركھ یمشي على الأرض وما 

علیھ خطیئة ". 

وقال ρ:" إن الصالحین یُشدد علیھم ..". 

وقال ρ:" كما یُضاعف لنا الأجر كذلك یُضاعف علینا البلاء 

لذلك فإن الأنبیاء لكمال إیمانھم وصدق عبودیتھم Υ 

فإنھم أشد الناس بلاءً‏ في الله وصبراً‏ على البلاء،‏ كما في الحدیث:"‏ 

أشد الناس بلاءً‏ الأنبیاء ثم الأمثل فالأمثل "، وقال ρ:" ما أوذي 

أحد ما أوذیت في الله " Υ . 

وعن أبي سعید الخدري أنھ دخل على رسول الله وھو 

موعوك،‏ وعلیھ قطیفة فوضع یده علیھ،‏ فوجد حرارتھا فوق 

القطیفة،‏ فقال أبو سعید:‏ ما أشد ُّ حُم َّاك یا رسول الله ! قال:"‏ إنا 

كذلك یشتد علینا البلاء ویُضاعف لنا الأجر ". فقال یا رسول الله أي 

الناس أشد بلاءً‏ ؟ قال:"‏ الأنبیاء ثم الصالحون ..". 

وجاء رجل إلى النبي فقال:‏ والله یا رسول الله إني أحبك،‏ 

فقال رسول الله ρ:" إن البلایا أسرع إلى من یحبني من السیل إلى 

منتھاه "(1). أي توقع البلاء إن كنت صادقاً‏ فیما تقول .. فعلامة 

حبك لي،‏ أن تُبتلى في الله وتصبر على البلاء ..! 

وبعد،‏ ھذه علامات ودلالات المحبة الصادقة تعالى 

ولرسولھ ρ: الاتباع .. والإیثار .. والبلاء .. فمن عدمھا عدم صدق 

المحبة وصدق التوحید والعبودیة Υ 

وإن زعم بلسانھ خلاف ذلك،‏ وتشبع بما لم یُعط،‏ وأظھر أنھ 

من المؤمنین ومن الموحدین الذین یحبون الله تعالى ورسولھ فواقع 

حالھ ولسان عملھ یحكم علیھ بكل وضوح وصراحة:‏ أنھ من 

الكاذبین .. وأنھ من المنافقین الكافرین ! 

 

68 

ρ 

وحده . 

ρ

ρ 

(1) أخرجھ ابن حبان،‏ السلسلة الصحیحة:‏‎1586‎‏.‏ 

قلت:‏ وجمیع ما تقدم من أحادیث عن البلاء ھي صحیحة و‏ الحمد . ومن 

ھذه الأحادیث وغیرھا نستفید أن المبتلى في الله تعالى وبخاصة منھم الذین 

یشتد علیھم البلاء في الله یجب أن توسع في حقھم ساحات التأویل والأعذار 

في حال وقوعھم في الزلات والأمور المتشابھات .. وأن یُقدم في حقھم 

تحسین الظن على إساءة الظن بھم .. وھذا خلق سني نبوي شریف حیث كان 

النبي إذا وقع أحد من أصحابھ في زلة وشبھة مریبة .. أقال عثرتھ وتأول 

لھ،‏ وتذكر لھ الساحات التي ابتلي فیھا في الله .. Υ لا یا عمر،‏ إنھ من أھل بدر 

.. بینما من لم یُعرف عنھ بلاء في الله كانت تضیق في حقھ ساحة التأویل 

والأعذار .. وھذه قاعدة جلیلة ینبغي التنبھ لھا عند الخوض في المسائل 

الكبار كمسائل الكفر والإیمان . 

لھا.‏ 

الشرط الثامن:‏ الرضى بھا،‏ والانقیاد والتسلیم 

لا یكفي العمل بالتوحید حتى ینضاف إلیھ الرضى،‏ والانقیاد 

والتسلیم الباطن منھ والظاھر الذي ینافي مطلق التعقیب أو 

الاعتراض .. 

قال تعالى:(‏ فلا وربك لا یؤمنون حتى یحكموك فیما شجر 

بینھم ثم لا یجدوا في أنفسھم حرجاً‏ مما قضیت ویُسلموا تسلیماً‏ 

النساء:‏‎65‎‏.‏ 

لا یكفي لتحقیق الإیمان أن تحتكم إلى التوحید الذي جاء بھ 

النبي من عند ربھ إلا إذا أضفت إلیھ انتفاء الحرج وحصول 

الرضى ثم لا یجدوا في أنفسھم حرجاً‏ مما قضیت )، ثم لا یكفي 

ذلك كذلك إلا إذا أضفت إلیھ التسلیم المطلق ظاھراً‏ وباطناً‏ الذي 

یتنافى معھ أدنى اعتراض أو تعقیب ویُسلموا تسلیماً‏ 

قال ابن كثیر في التفسیر:‏ یُقسم تعالى بنفسھ الكریمة 

المقدسة أنھ لا یؤمن أحد حتى یُحكم الرسول في جمیع الأمور،‏ 

فیسلمون لذلك تسلیماً‏ كلیاً‏ من غیر ممانعة ولا مدافعة ولا مناعة ا-‏ 

ھ . 

( 

.( 

ρ 

) 

69 

ρ 

)

وقال ابن تیمیة في تفسیر الآیة في كتابھ الفتاوى 471/28: 

فكل من خرج عن سنة رسول الله وشریعتھ،‏ فقد أقسم الله بنفسھ 

المقدسة أنھ لا یؤمن حتى یرضى بحكم رسول الله في جمیع ما 

یشجر بینھم من أمور الدین والدنیا،‏ وحتى لا یبقى في قلوبھم حرج 

من حكمھ،‏ ودلائل القرآن على ھذا الأصل كثیرة ا-ھ . 

وقال ابن القیم في التبیان 270: أقسم سبحانھ بنفسھ 

المقدسة قسماً‏ مؤكداً‏ بالنفي قبلھ على عدم إیمان الخلق حتى یحكموا 

رسولھ في كل ما شجر بینھم من الأصول والفروع وأحكام الشرع،‏ 

وأحكام المعاد وسائر الصفات وغیرھا،‏ ولم یثبت لھم الإیمان بمجرد 

ھذا التحكیم حتى ینتفي عنھم الحرج وھو ضیق الصدر،‏ وتنشرح 

صدورھم لحكمھ كل الانشراح وتنفسح لھ كل الانفساح وتقبلھ كل 

القبول،‏ ولم یثبت لھم الإیمان بذلك أیضاً‏ حتى ینضاف إلیھ مقابلة 

حكمھ بالرضى والتسلیم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة 

والاعتراض ا-ھ . 

ویقول سید في الظلال:(‏ فلا وربك لا یؤمنون ..) 

أخرى نجدنا أمام شرط الإیمان وحد الإسلام،‏ یقرره الله سبحانھ 

بنفسھ ویُقسم علیھ بذاتھ،‏ فلا یبقى بعد ذلك قول لقائل في تحدید 

شرط الإیمان وحد الإسلام ولا تأویل لمؤول،‏ اللھم إلا مماحكة لا 

تستحق الاحترام،‏ وإذا كان یكفي لإثبات الإسلام أن یتحاكم الناس 

إلى شریعة الله وحكم رسولھ .. فإنھ لا یكفي في الإیمان ھذا ما لم 

یصحبھ الرضى النفسي،‏ والقبول القلبي،‏ وإسلام القلب والجنان .. ا-‏ 

، ومرة 

ρ 

ρ 

ھ . 

وقال تعالى:(‏ ویقولون آمنا با‏ وبالرسول وأطعنا ثم یتولى 

فریق منھم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنین . وإذا دعوا إلى الله 

ورسولھ لیحكم بینھم إذا فریق منھم معرضون النور:‏‎48-47‎‏.‏ 

فھؤلاء أتوا بالقول،‏ ولئن سألتھم لیقولن أمنا با‏ وبالرسول 

وأطعنا .. ولكن في واقع العمل یكذبون ھذا الادعاء وھذا القول؛ 

وذلك إذا دعوا إلى الطاعة عملاً‏ وإلى الاحتكام إلى الله والرسول 

( 

70

أعرضوا وأدبروا وولوا .. وكأن الأمر لا یعنیھم في شيء،‏ وھؤلاء 

بنص التنزیل:(‏ وما أولئك بمؤمنین 

قال الطبري في التفسیر‎156/18‎‏:(‏ وما أولئك بالمؤمنین ‏)؛ 

ولیس قائلوا ھذه المقالة،‏ یعني قولھ(‏ آمنا با‏ وبالرسول وأطعنا 

بالمؤمنین لتركھم الاحتكام إلى رسول الله وإعراضھم عنھ إذا 

دعوا إلیھ ا-ھ . 

وإذا كان الحكم بغیر ما أنزل الله تعالى منھ ما یكون كفراً‏ 

أكبر،‏ ومنھ ما یكون كفراً‏ أصغر دون ذلك بحسب صفة الحكم 

والقرائن المحیطة ٍ بكلّ‏ منھما .. على تفصیل معروف عند أھل العلم،‏ 

إلا أن الحكم بغیر ما أنزل الله في التوحید لیس لھ إلا وجھ واحد:‏ 

وھو الكفر الأكبر المخرج من الملة والعیاذ با‏ . 

قال الشیخ سلیمان آل الشیخ رحمھما الله تعالى:‏ تحقیق معنى 

الآیة أن الحكم بغیر ما أنزل الله إن كان في الأصل من التوحید وترك 

الشرك،‏ أو كان في الفروع ولم یقر اللسان وینقد القلب فھو كفر 

حقیقي لا إیمان معھ ‏..ا-ھ . 

وقال تعالى:(‏ یا أیھا الذین آمنوا لا تقدموا بین یدي الله 

ورسولھ واتقوا الله إن الله سمیع علیم . یا أیھا الذین آمنوا لا ترفعوا 

أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجھروا لھ بالقول كجھر بعضكم 

لبعضٍ‏ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون الحجرات:‏‎2-1‎‏.‏ 

إنھ الاستسلام المنافي لأدنى تقدیم بفھم أو رأي أو قول بین 

یدي حكم الله تعالى وحكم رسولھ .. فمن الله تعالى الرسالة،‏ وعلى 

رسولھ البلاغ،‏ ومنا القبول والرضى والاستسلام من غیر 

اعتراض ولا تقدیم أو تعقیب . 

وإذا كان رفع الصوت مجرد الصوت فوق صوت النبي 

یُخشى على صاحبھ أن یحبط عملھ،‏ ولا یُحبط العمل إلا الشرك 

والكفر .. فكیف بمن یرفع حكمھ وقولھ وقانونھ كما ھو شأن 

المشرعین في مجالسھم النیابیة التشریعیة على حكم وقول وقانون 

( 

ρ 

ρ 

( 

.( 

ρ 

71

النبي ρ، ویقدمھ علیھ .. لا شك أنھ أولى بالكفر والشرك،‏ وأن یحبط 

عملھ ! 

قال ابن القیم رحمھ الله في الأعلام 51/1: فإذا كان رفع 

أصواتھم فوق صوتھ سبباً‏ لحبوط أعمالھم فكیف تقدیم آرائھم 

وعقولھم وأذواقھم وسیاستھم ومعارفھم على ما جاء بھ ورفعھا 

علیھ،‏ ألیس ھذا أولى أن یكون مُحبطاً‏ لأعمالھم ا-ھ . 

وقال تعالى:(‏ وما كان لمؤمنٍ‏ ولا مؤمنةٍ‏ إذا قضى الله 

ورسولھ أمراً‏ أن یكون لھم الخیرة من أمرھم الأحزاب:‏‎36‎‏.‏ 

فمن لوازم الإیمان وشروطھ انتفاء الاختیار على حكم الله 

تعالى ورسولھ .. فإذا نزل حكم الله تعالى لیس لھم أن یختاروا غیره 

ثم یزعموا أنھم مسلمون إلا في حال آثروا الكفر على الإیمان،‏ 

وارتضوا لأنفسھم حكم واسم الكافرین المشركین.‏ 

قال تعالى:(‏ فلیحذر الذین یُخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة 

أو یُصیبھم عذاب ألیم النور:‏‎63‎‏.‏ والفتنة ھنا یُراد منھا الشرك 

( 

( 

( 

والكفر .. 

ρ 

قال الإمام أحمد:‏ نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول 

في ثلاثة وثلاثین موضعاً،‏ ثم جعل یتلو:(‏ فلیحذر الذین یُخالفون 

عن أمره أن تصیبھم فتنة وجعل یكررھا،‏ ویقول:‏ وما الفتنة ؟ 

الشرك،‏ لعلھ إذا ر َّد بعض قولھ أن یقع في قلبھ شيء من الزیغ 

فیزیغ قلبھ فیھلكھ . 

وقیل لھ:‏ إن قوماً‏ یدَعون الحدیث،‏ ویذھبون إلى رأي سفیان 

وغیره ! فقال:‏ أعجب لقوم سمعوا الحدیث وعرفوا الإسناد وصِ‏ حتھ 

یدعونھ ویذھبون إلى رأي سفیان وغیره ! قال الله تعالى:(‏ فلیحذر 

الذین یُخالفون عن أمره أن تصیبھم فتنة وتدري ما الفتنة ؟ 

الكفر.قال الله تعالى:(‏ والفتنة أكبر من القتل )، فیدعون الحدیث عن 

رسول الله ρ وتغلبھم أھواؤھم إلى الرأي..!(‏‎1‎‏).‏ 

 

(1) عن الصارم المسلول لابن تیمیة:‏ 56. 

( 

72

ρ 

( 

( 

قلت:‏ ھذا حكم الإمام أحمد فیمن یدع قول النبي إلى قول 

سفیان أو غیره من أھل العلم .. فكیف بمن یدع قول النبي ρ وحكمھ 

إلى قول وحكم الأحبار والرھبان من المشرعین في المجالس النیابیة 

التشریعیة وغیرھا .. لا شك أنھ أولى بالفتنة وفي الوقوع في الزیغ 

والكفر..!‏ 

الشرط التاسع:‏ الموافاة علیھا . 

ثم بعد كل ذلك لا بد لھ من أن یموت علیھا لكي ینتفع بھا،‏ 

فإن مات على ضدھا من الشرك والكفر لم تنفعھ مجموع الشروط 

السابقة،‏ أو الطاعات الأخرى .. وذلك أن العبرة بالموافاة وبما یُختم 

بھ على المرء؛ فإن ختم لھ بالتوحید فھو من أھل الجنة والنجاة 

مھما كان منھ من عمل طالح قبل ذلك،‏ وإن ختم لھ بالشرك والكفر 

ومات علیھ ھلك وھو من أھل النار مھما كان منھ من عمل صالح 

قبل ذلك . 

قال تعالى:(‏ ومن یرتدد منكم عن دینھ فیمت وھو كافر 

فأولئك حبطت أعمالھم في الدنیا والآخرة وأولئك أصحاب النار ھم 

فیھا خالدون البقرة:‏‎217‎‏.‏ 

وقال تعالى:(‏ إن الذین كفروا وماتوا وھم كفار أولئك علیھم 

لعنة الله والملائكة والناس أجمعین،‏ خالدین فیھا لا یُخفف عنھم 

العذاب ولا ھم یُنظرون البقرة:‏‎162-161‎‏.‏ فعلق Ι عذابھم في النار 

وخلودھم فیھا بالموت على الكفر المناقض للتوحید .. 

وفي الحدیث،‏ فقد صح عن النبي ρ أنھ قال:"‏ ما من عبد قال 

لا إلھ إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " مسلم.‏ فعلق دخول 

الجنة بالموت على 

التوحید .. 

وقال ρ:" فوالذي نفسي بیده إن َّ أحدكم لیعمل بعمل أھل 

الجنة حتى ما یكون بینھ وبینھا إلا ذراع،‏ فیسبق علیھ الكتاب،‏ 

73

فیعمل بعمل أھل النار فیدخلھا . وإن َّ أحدكم لیعمل بعمل أھل النار 

حتى ما یكون بینھ وبینھا إلا ذراع،‏ فیسبق علیھ الكتاب فیعمل بعمل 

أھل الجنة فیدخلھا " متفق علیھ . 

وقال ρ:" لا تعجبوا بعمل أحدٍ‏ حتى تنظروا بما یُختم لھ،‏ فإن 

العامل یعمل زماناً‏ من دھره أو برھة من دھره بعمل صالح لو مات 

علیھ دخل الجنة،‏ ثم یتحول فیعمل عملاً‏ سیئاً،‏ وإن العبد لیعمل زماناً‏ 

من دھره بعمل سيء لو مات علیھ دخل النار،‏ ثم یتحول فیعمل عملاً‏ 

صالحاً‏ وإذا أراد الله بعبدٍ‏ خیراً‏ استعملھ قبل موتھ فوفقھ لعمل صالح،‏ 

ثم یُقبض علیھ "(1). 

قال النووي رحمھ الله:‏ فلا یخلد في النار أحد مات على 

التوحید ولو عمل من المعاصي ما عمل،‏ كما أنھ لا یدخل الجنة أحد 

مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل،‏ ھذا مختصر جامع 

لمذھب أھل الحق في ھذه المسألة ا-ھ . 

نسأل الله تعالى الثبات،‏ وأن یثبت قلوبنا على دینھ وتوحیده،‏ 

وأن یُحسن خاتمتنا بأحب الأعمال إلیھ .. إنھ تعالى سمیع قریب 

مجیب . 

وبعد،‏ فھذه ھي شروط صحة التوحید،‏ فمن وفاھا كاملة 

غیر منقوصة نفعتھ شھادة التوحید،‏ ومن أنقص منھا شیئاً‏ لم تنفعھ 

شھادة التوحید في شيء . 

ومبدأ التوفیق والأخذ بمجموع النصوص ذات العلاقة 

بالموضوع یلزمنا 

(1) أخرجھ أحمد وغیره،‏ السلسلة الصحیحة:‏‎1334‎‏.‏ 

بأن نقول:‏ من قال لا إلھ إلا الله وكفر بما یُعبد من دون الله،‏ وكان 

عالماً‏ بشھادة التوحید ومتطلباتھا،‏ وصادقاً‏ مخلصاً‏ بھا،‏ مستیقناً‏ 

غیر شاك فیھا،‏ ومحباً‏ لھا ولأھلھا،‏ وعاملاً‏ بھا وبمقتضیاتھا،‏ منقاداً‏ 

لھا ولحكمھا،‏ ثم بعد كل ذلك مات علیھا .. إلا أدخلھ الله الجنة . 

ھذا ما یقتضیھ مبدأ النظر والأخذ بمجموع النصوص ذات 

العلاقة بشھادة التوحید لا إلھ إلا الله . 

74

تنبیھات ھامة وضروریة . 

تتمة للفائدة،‏ وتوضیحاً‏ لما قد یُشكل على القارئ فھمھ،‏ 

نشیر إلى التنبیھات الضروریة التالیة:‏ 

التنبیھ الأول:‏ أن ما تقدم من شروط لشھادة التوحید لا 

إلھ إلا الله،‏ ھي شروط لا بد من استیفائھا وتحققھا لانتفاع صاحبھا 

منھا في الآخرة،‏ وحتى یكون من أھل الجنة والنجاة من العذاب یوم 

القیامة،‏ أما في الحیاة الدنیا لكي تُجرى على المرء أحكام الإسلام 

ویُعامل معاملة المسلمین .. یكفي لھ أن یقر بشھادة التوحید لفظاً،‏ 

وأن لا یأتي بما یضادھا من الأقوال والأعمال الظاھرة الكفریة 

والشركیة . 

فإن وف َّى بھذین الشرطین فقط عومل معاملة المسلمین،‏ 

وجرت علیھ أحكامھم وحقوقھم وواجباتھم . 

وھذا لا یستلزم أن یكون مؤمناً‏ على الحقیقة لاحتمال وجود 

النفاق .. فلیس كل مسلم ھو مؤمن على الحقیقة،‏ ولكن كل مؤم ‏ٍن 

على الحقیقة ھو مسلم،‏ وھذه قاعدة سنیة معروفة دلت علیھا 

نصوص الشریعة،‏ وتناولھا أھل 

العلم بالشرح والتفصیل.‏ 

التنبیھ الثاني:‏ ما تقدم یحملنا على أن نشیر إلى الفارق 

بین ما یدخل بھ المرء الإسلام،‏ وبین الوصف الذي بھ یستمر لھ 

حكم الإسلام . 

أما ما یدخل بھ الإسلام ھو إقراره بشھادة التوحید على 

تفصیل قد تقدم،‏ أما الوصف الذي یجب أن یستمر علیھ لكي یبقى في 

دائرة الإسلام ھو أن لا یأتي بالأعمال والأقوال الظاھرة التي تؤدي 

بھ إلى الخروج من دائرة الإسلام،‏ فإن فعل وأتى بما یناقض الإسلام 

ینتقل وصفھ وحكمھ إلى وصف وحكم المرتد عن الدین حیث تُجرى 

علیھ أحكامھ وتبعاتھ . 

75

ρ:" عمل 

ρ 

ρ 

τ 

ρ 

ρ 

ρ 

فإن قیل:‏ رجل دخل الإسلام بشھادة التوحید،‏ ثم مات قبل أن 

یتمكن من فعل أي شيء مما یُعتبر شرطاً‏ لصحة التوحید .. فھل 

شھادة أن لا إلھ إلا الله تنفعھ یوم القیامة بمفردھا ؟ 

أقول:‏ قد دلت السنة و‏ الحمد أن من كان ھذا وصفھ،‏ 

فإنھ ینتفع بشھادة التوحید،‏ وإن لم تتح لھ الفرصة على أن یعمل 

شیئاً‏ من شروط صحة التوحید،‏ كما في الحدیث الذي أخرجھ مسلم 

في صحیحھ أن رجلاً‏ من الأنصار جاء فقال:‏ أشھد أن لا إلھ إلا الله،‏ 

وأنك عبده ورسولھ،‏ ثم تقدم فقاتل حتى قُتل،‏ فقال النبي 

یسیراً‏ وأجر كثیراً‏ " . 

وفي روایة عند البخاري:‏ أتى النبي رجل مقنع بالحدید،‏ 

فقال:‏ یا رسول الله أقاتل أو أُسلم ؟ قال:"‏ أسلم ثم قاتل "، فأسلم ثم 

قاتل،‏ فقال رسول الله ρ:" عمل قلیلاً‏ وأجر كثیراً‏ ". 

وفي صحیح البخاري عن أنس أن غلاماً‏ یھودیاً‏ كان یضع 

للنبي وضوءه،‏ ویُناولھ نعلیھ،‏ فمرض،‏ فأتاه النبي فدخل علیھ 

وأبوه قاعد عند رأسھ فقال لھ النبي ρ:" یا فلان قل لا إلھ إلا الله ". 

فنظر إلى أبیھ،‏ فسكت أبوه،‏ فأعاد علیھ النبي ρ، فنظر إلى أبیھ،‏ 

فقال أبوه:‏ أطع أبا القاسم . فقال الغلام:‏ أشھد أن لا إلھ إلا الله وأنك 

رسول الله،‏ فخرج النبي وھو یقول:"‏ الحمد الذي أخرجھ بي 

من النار ". 

وفي حدیث تلقین النبي شھادة التوحید لعمھ أبي طالب 

وھو یحتضر،‏ لكي یتشفع لھ بھا یوم القیامة،‏ كما جاء في الحدیث 

الصحیح:"‏ كلمة أُحاج لك بھا عند الله .. Υ " ، ھو كذلك مما یُستدل 

بھ في المسألة . 

قال ابن جریر الطبري في الجامع 345/3: لا خلاف بین 

جمیع الحجة في أن كافراً‏ لو أسلم قبل خروج نفسھ بطرفة عین أن 

حكمھ حكم المسلمین في الصلاة علیھ والموارثة وسائر الأحكام 

غیرھما،‏ فكان معلوماً‏ بذلك أن توبتھ في تلك الحال لو كانت غیر 

مقبولة لم ینتقل حكمھ من حكم الكفار إلى حكم أھل الإسلام ا-ھ . 

76

قلت:‏ ھذه الطرفة عین التي ذكرھا الطبري رحمھ الله یجب أن 

تُحمل على أنھا قبل الغرغرة والمعاینة؛ لأن التوبة عند الغرغرة لا 

تنفع صاحبھا في شيء،‏ لقولھ ρ:" إن الله تعالى یقبل توبة العبد ما 

لم یغرغر "(1) . وفي روایة:"‏ من تاب إلى الله قبل أن یغرغرَ،‏ قبل 

الله منھ "(2). 

التنبیھ الثالث:‏ لیس من شروط صحة التوحید حفظ 

شروط صحة التوحید الآنفة الذكر،‏ أو حفظ الأدلة علیھا .. فھذا من 

وجھ لم یُشرع 

(1) أخرجھ أحمد والترمذي،‏ وابن ماجھ وغیرھم،‏ صحیح الجامع:‏‎1903‎‏.‏ 

(2) أخرجھ الحاكم وغیره،‏ صحیح الجامع:‏‎6132‎‏.‏ 

وإنما شُرع خلافھ،‏ ومن وجھ آخر فیھ تكلیف لعموم العباد ما ھو 

فوق الطاقة والمقدور . 

أخرج مسلم في صحیحھ عن معاویة بن الحكم قال:‏ كانت 

لي جاریة ترعى غنماً‏ لي قِبل أحدٍ‏ والجوانیھ،‏ فاطلعت ذات یومٍ‏ ، فإذا 

الذئب قد ذھب بشاة من غنمھا،‏ وأنا رجل آسف كما یأسفون،‏ لكني 

صككتھا صكةً،‏ فأتیت رسول الله فعظ َّم ذلك علي،‏ فقلت:‏ یا رسول 

الله أفلا أعتقھا ؟ قال:"‏ ائتني بھا " فأتیتھ بھا،‏ فقال لھا:"‏ أین الله ؟ 

" قالت:‏ في السماء،‏ قال:"‏ من أنا ؟ ". قالت أنت رسول الله . قال 

:" أعتقھا فإنھا مؤمنة ". 

فحكم لھا بالإیمان بھذا القدر من الأسئلة من دون أن 

یخوض معھا في مسائل الأصول وتفریعاتھ،‏ ویطالبھا بالاستدلال 

على ذلك..!‏ 

وفي سنن أبي داود عن عبد الله ابن أبي أوفى،‏ قال:‏ جاء 

رجل إلى النبي فقال:‏ إني لا أستطیع أن آخذ من القرآن شیئاً،‏ 

فعلمني ما یُجزئني منھ،‏ قال:"‏ قل سبحان الله،‏ والحمد ، ولا إلھ 

إلا الله،‏ والله أكبر،‏ ولا حول ولا قوة إلا با‏ " . قال:‏ یا رسول الله 

ھذا عز وجل فما لي ؟ قال:"‏ قل اللھم ارحمني وارزقني وعافني 

τ 

ρ 

ρ 

ρ 

77

واھدني " فلما قام،‏ قال ھكذا بیده،‏ فقال رسول الله ρ:" أما ھذا فقد 

ملأ یدَه من الخیر "(3). 

فھذا الصحابي لم یتمكن من حفظ شيءٍ‏ من القرآن؛ حتى 

الفاتحة التي لا تصح الصلاة إلا بھا فإنھ لم یحفظھا،‏ لكن لعجزه 

وعدم استطاعتھ في أن یحفظ شیئاً‏ عذره النبي ودلھ على البدیل 

الأسھل علیھ،‏ ولم یقل لھ لا بد من أن 

(3) صحیح سنن أبي داود:‏ 

ρ 

.742 

تحفظ الفاتحة .. فضلاً‏ عن أن یطالبھ بحفظ الأصول والأدلة علیھا !! 

بل نجد أن النبي ρ قد أنكر على خالد استعجالھ في قتل أولئك 

النفر الذین لم یُحسنوا أن یقولوا أسلمنا،‏ فقالوا بدلاً‏ من ذلك 

صبأنا،‏ كما في صحیح البخاري عن سالم عن أبیھ قال:‏ بعث النبي ρ 

خالد بن الولید إلى بني حذیفة،‏ فلم یُحسنوا أن یقولوا أسلمنا،‏ 

فقالوا:‏ صبأنا .. صبأنا،‏ فجعل خالد یقتل ویأسر،‏ ودفع إلى كل رجل 

منا أسیره،‏ فأمر كل رجل منا أن یقتل أسیره!‏ فقلت:‏ والله لا أقتل 

أسیري،‏ ولا یقتل رجل من أصحابي أسیره ! فذكرنا ذلك إلى النبي ρ 

فقال:‏ اللھم إني أبرأ إلیك مما صنع خالد بن الولید .. اللھم إني أبرأ 

إلیك مما صنع خالد بن الولید .. مرتین "! 

وفي ذلك تنبیھ لخطأ الغلاة المكفرة الذین یحملون الآخرین 

على أن یذكروا أصولھم وتقریراتھم وشذوذاتھم بأدلتھا .. ومن لم 

یجبھم إلى ذلك فھو عندھم لیس بمؤمنٍ،‏ وحكم الكفر یلحق بھ 

مباشرة ..!! 

فالمرء عندھم لیس بمؤمنٍ‏ حتى یجیبھم أولاً‏ على أكثر من 

مائة سؤال:‏ ماذا تقول في كذا .. وما حكم كذا .. وما معنى كذا .. وما 

ھي شروط كذا .. إلى آخر القائمة التي قد یعجز عن الإجابة علیھا 

بأدلتھا أھل العلم والفقھ !! 

قال ابن حجر في الفتح 439/13، نقلاً‏ عن الغزالي رحمھ 

الله:‏ أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمین،‏ وزعموا أن من لم یعرّ‏ 

العقائد الشرعیة بالأدلة التي حرروھا فھو كافر،‏ فضیقوا رحمة الله 

ِ ف 

78

Υ 

الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة یسیرة من المتكلمین !! ا-‏ 

ھ . 

ρ 

وقال ابن حزم رحمھ الله في المحلى 61/1: لم یزل رسول الله 

مذ بعثھ الله إلى أن قبضھ یقاتل الناس حتى یقروا بالإسلام 

ویلتزموه،‏ ولم یكلفھم استدلالاً،‏ ولا سألھم ھل استدلوا أم لا،‏ وعلى 

ھذا جرى جمیع الإسلام إلى الیوم ا-ھ . 

التنبیھ الرابع:‏ إن قیل إذا كان لا یجب علیھ حفظ شروط 

التوحید،‏ ولا تقریره بھا .. كیف یُعرف أنھ قد وف َّى حق َّ لا إلھ إلا الله 

وأتى بشروطھا،‏ وكیف تكون صفة إحیائھ لتلك الشروط التي لا 

یصح الإیمان إلا بھا ‏..؟!‏ 

أقول:‏ أولاً‏ لا یلزم ولا یشترط أن یعرف عنھ العباد التزامھ 

بتلك الشروط،‏ ومدى التزامھ بھا،‏ وھل حققھا في نفسھ على الوجھ 

المطلوب أم لا ‏..فھذا بینھ وبین ربھ Ι، لا دخل للعباد فیھ،‏ ولیس من 

حقھم أن یستجوبوه أو یحققوا معھ في ذلك . 

لكن إن أظھر لھم من الأقوال أو الأعمال ما یدل على 

مناقضتھ لشروط التوحید أو بعضھا .. حینئذٍ‏ یكون قد عرف عن 

نفسھ بنفسھ بأنھ لم یأتِ‏ بالتوحید المطلوب،‏ أو أنھ جاھل بھ .. 

وبذلك یكون قد جعل للآخرین علیھ سلطاناً‏ في أن یأمروه بالمعروف 

وینھوه عن المنكر .. ویزجروه بالقوة إن أمكن إن لم ینزجر 

بالنصح والتي ھي أحسن . 

أما صفة التزامھ بتلك الشروط كیف تكون .. ؟ 

أقول:‏ یكفیھ أن یلتزم بھا في واقع حیاتھ،‏ وأن لا یأتي بضدھا 

من الكفر والشرك .. فھو یبغض الطواغیت ویعادیھم في الله،‏ 

ویقاتلھم .. ولكن قد لا یحسن أن یقول لك من شروط صحة التوحید 

الكفر بالطاغوت،‏ وصفة الكفر بالطاغوت تكون بالاعتقاد والقول 

والعمل وبحسب التفصیل المتقدم ..! 

وھو كذلك یحب في الله ویبغض في الله .. ویتوجھ في العبادة 

وحده 

79

.. یفعل ذلك كلھ من دون أن یحسن التعبیر عنھا،‏ ویذكرھا كشروط 

وبالتسلسل كما ذكرناھا من قبل .. ! 

وربما لو ذكرت بعض شروط التوحید أمامھ على وجھ 

التفصیل .. لقال لك:‏ ھكذا أنا .. كأنك تتكلم عما في نفسي .. لكني لا 

أحسن دندنتك،‏ ولا سردك وصفك للكلام(‏‎1‎‏)‏ ! 

التنبیھ الخامس:‏ قد یُقال إن من أھل العلم من ع َّد 

للتوحید شروطاً‏ ثمانیة،‏ ومنھم من حصرھا في سبعة شروط .. 

فكیف عددتھا تسعة شروط ؟!‏ 

أقول:‏ لا تنافي بین تلك الأقوال و‏ الحمد،‏ وبیان ذلك:‏ أن 

من عدھا سبعة شروط أو ثمانیة .. فھو یضمن شرطین في شر ‏ٍط 

واحدٍ؛ كقول أحدھم:‏ العمل بالتوحید شرط لصحتھ،‏ ولم یذكر شرط 

الكفر بالطاغوت منفرداً‏ لدخولھ في العمل بالتوحید .. فكل من عمل 

بالتوحید لزمھ الكفر بالطاغوت،‏ ولیس كل من كفر بالطاغوت لزمھ 

العمل بمطلق التوحید . 

وبعضھم كالشیخ محمد بن عبد الوھاب وأبناءه رحمھم الله 

ذكروه كشرط مستقل،‏ لدلالة النصوص علیھ،‏ ولبیان أھمیتھ .. كما 

یُذكر خاص من عام لبیان أھمیتھ،‏ وللضرورة التي تقتضي مثل ھذا 

التفصیل . 

 

(1) ذُكر لي أن رجلاً‏ من عوام المسلمین یمتھن صناعة الأحذیة،‏ وكان ماھراً‏ 

جداً‏ في مھنتھ،‏ وكان یحب النبي ρ كثیراً،‏ ویكثر من الصلاة علیھ .. ومرة أخذ 

یتنھد ویتحسر لو أنھ قد رأى النبي .. فقیل لھ:‏ ماذا كنت فاعلاً‏ .. ؟ قال 

ببراءة العامي البسیط:‏ كنت سأصنع للنبي ρ أجمل حذاءٍ‏ في العالم ..!! 

ھذا ھو أسلوبھ .. وھذه ھي بیئتھ .. وكل لھ طریقتھ في التعبیر عن حبھ 

ρ 

للرسول !!.. ρ 

كذلك شرط انتفاء الشك وحصول الیقین .. أحیاناً‏ یُذكر على 

أنھ شرطان:‏ انتفاء الشك شرط .. وحصول الیقین شرط ثانٍ،‏ ولا 

تنافي بین الحالتین و‏ الحمد لتضمنھما نفس المعنى والدلالة .. 

وإن اختلفا في العدد،‏ فھذا الاختلاف لا یؤثر ولا قیمة لھ . 

80

ρ 

إلا أن شرط الموافاة على التوحید لم أقف على قول عالم 

ذكره ضمن شروط صحة التوحید .. لكنھم جمیعھم ومن دون 

مخالف ذكروه مستقلاً،‏ وأنھ شرط للنجاة وصحة التوحید النافع 

یوم القیامة .. لدلالة النصوص العدیدة على ذلك،‏ وقد تقدم ذكر 

بعضھا . 

لأجل ذلك ذكرناه من ضمن شروط صحة التوحید الآنفة الذكر 

!.. 

ھذا وجھ من أوجھ الجواب،‏ ووجھ آخر أن الشرط یُعرف 

بدلالة النصوص الشرعیة علیھ فإذا وردت النصوص الدالة علیھ 

تعی َّن القول بھ ولا بد،‏ وإن غفل عن ذكره بعض أھل العلم ولم یعدوه 

من ضمن الشروط التي ذكروھا .. فالحجة تقوم بالدلیل الشرعي لا 

فیما قد غفل عن ذكره أھل العلم،‏ والله تعالى أعلم . 

التنبیھ السادس:‏ یوجد فرق بین شروط صحة آحاد 

الأعمال الشرعیة،‏ وبین شروط صحة مجموع الأعمال والدین . 

فما تقدم ذكره عن شروط لا إلھ إلا الله .. ھي شروط لصحة 

مجموع الدین والأعمال،‏ أما شروط صحة آحاد الأعمال التعبدیة 

فھي تنحصر في شرطین:‏ أحدھما المتابعة والموافقة لھدي وسنة 

النبي فیما یتعبد بھ .. فإذا جاءت العبادة بخلاف المشروع 

والمسنون لا تُقبل،‏ وھي رد على صاحبھا،‏ كما في الحدیث 

الصحیح:"‏ من أحدث في أمرنا ھذا ما لیس فیھ فھو رد"‏ متفق 

علیھ.‏ 

وقال ρ:" كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " . وقال 

ρ:" صلوا كما رأیتموني أصلي " . وقال ρ:" خذوا مناسككم عني 

" وغیرھا من الأدلة التي تفید وجوب الاتباع وحرمة وبطلان 

الابتداع . 

ولأن العبادة الأصل فیھا الحظر والمنع ما لم یرد فیھا نص 

یُفید الإباحة والجواز،‏ أو الوجوب . 

81

الثاني:‏ أن یكون العمل خالصاً‏ لوجھ الله تعالى،‏ لا یشوبھ 

الشرك أو المراءاة،‏ فإن جاء العمل موافقاً‏ للسنة لكنھ ابتغي بھ غیر 

وجھ الله تعالى،‏ أو أحداً‏ آخر مع الله .. رُد َّ العمل ولم یُقبل،‏ كما في 

الحدیث قال رسول الله ρ:" قال الله تبارك وتعالى:‏ أنا أغنى الشركاء 

عن الشرك،‏ من عمل عملاً‏ أشرك فیھ معي غیري تركتُھ وشركھ " 

مسلم . 

وفي روایة:"‏ فأنا منھ بريء وھو للذي أشرك " . 

ومن الأدلة الجامعة للشرطین قولھ تعالى:(‏ فمن كان یرجو 

لقاء ربھ فلیعمل عملاً‏ صالحاً‏ ولا یُشرك بعبادة ربھ أحداً‏ 

الكھف:‏‎110‎‏.‏ 

قال أھل العلم والتفسیر:‏ العمل الصالح ھو ما وافق السنة .. 

ولا یُشرك بعبادة ربھ أحداً‏ ھو إخلاص العبادة Υ 

( 

. 

( 

) 

التنبیھ السابع:‏ قد یتوھم البعض أن شھادة أن لا إلھ إلا 

الله ترفع السیف عن قائلھا أیاً‏ كان قائلھا،‏ وكانت صفتھ وحالتھ،‏ 

معتمدین في ذلك على قصة أسامة بن زید لما قتل رجلاً‏ بعد أن 

قال لا إلھ إلا الله،‏ وإنكار النبي ρ الشدید علیھ . 

كما في صحیح مسلم عن أسامة بن زید قال:‏ بعثنا رسول الله 

في سریة فصبحنا الحرقات من جھینة فأدركت رجلاً‏ فقال:‏ لا إلھ 

إلا الله فطعنتھ فوقع في نفسي من ذلك،‏ فذكرت للنبي فقال رسول 

الله ρ:" أقال لا إلھ إلا الله وقتلتھ ؟!!‏ "، قال:‏ قلت یا رسول الله إنما 

قالھا خوفاً‏ من السلاح،‏ قال:"‏ أفلا شققت عن قلبھ حتى تعلم أقالھا 

أم لا ؟!"‏ فما زال یكررھا علي حتى تمنیت أني أسلمت یومئذٍ‏ . 

وفي الصحیح كذلك،‏ عن المقداد بن الأسود أنھ قال:‏ یا رسول 

الله أرأیت إن لقیت رجلاً‏ من الكفار فقاتلني فضرب إحدى ید َّي 

بالسیف فقطعھا ثم لاذ مني بشجرة فقال:‏ أسلمت ، أفأقتلھ یا 

رسول الله بعد أن قالھا؟ قال رسول الله ρ: لا تقتلھ،‏ قال:‏ فقلت یا 

رسول الله إنھ قد قطع یدي ثم قال ذلك بعد أن قطعھا أفأقتلھ ؟ قال 

ρ 

τ 

82 

ρ

رسول الله ρ: لا تقتلھ فإن قتلتھ فإنھ بمنزلتك قبل أن تقتلھ،‏ وإنك 

بمنزلتھ قبل أن یقول كلمتھ التي قال ". 

فقولھ ρ" فإن قتلتھ فإنھ بمنزلتك قبل أن تقتلھ،‏ وإنك بمنزلتھ 

قبل أن یقول كلمتھ التي قال " أي إنھ یصیر بقولھ للشھادة معصوم 

الدم مثلك قبل أن تقتلھ،‏ وأنت تصبح مباح الدم مثلھ قبل أن یقول 

كلمة التوحید لوجوب القصاص علیك . ولا یُفھم من قولھ ρ:" وإنك 

بمنزلتھ .." أي تصیر بمنزلتھ في الكفر كما فھم ذلك بعض الغلاة،‏ 

فھذا بعید ولا یصح.‏ 

فإن قیل علام لم یقتل النبي أسامة بذاك الرجل الذي قتلھ 

بعد أن قال لا إلھ إلا الله..؟!‏ 

أقول:‏ لأن أسامة كان متأولاً‏ وجاھلاً‏ للحكم فأقال ذلك عثرتھ،‏ 

ρ 

ρ 

بینما المقداد بعد أن سأل النبي وأجابھ النبي على سؤالھ ‏..لم 

یعد یُعذر بالجھل أو التأویل،‏ لذلك قال لھ في المرة الثانیة وبعد أن 

أجابھ على سؤالھ:"‏ إنك إن فعلت بمنزلتھ قبل أن یقول كلمتھ " . 

ھذه النصوص وغیرھا تفید أن الكافر المحارب لو قال لا إلھ 

إلا الله في أجواء القتال أو غیرھا .. رُفع عنھ السیف وعصم دمھ 

ومالھ . 

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ ولا خلاف بین المسلمین أن 

الحربي إذا أسلم عند رؤیة السیف وھو مطلق أو مقید یصح إسلامھ 

وتقبل توبتھ من الكفر،‏ وإن 

كانت دلالة الحال تقتضي أن باطنھ خلاف ظاھره ا-ھ . 

لكن ما تقدم ھل یلزم منھ أن كلمة التوحید ترفع عن قائلھا 

السیف،‏ أیاً‏ كان قائلھا وكانت صفتھ،‏ وكان ذنبھ ‏..؟!‏ 

ρ 

أقول:‏ لا یلزم ذلك .. ولبیان ذلك یتعین علینا ذكر الحالات 

التي لا یُرفع فیھا السیف عمن یقول لا إلھ إلا الله . 

الحالة الأولى:‏ المرتد ردة مغلظة . 

وھو الذي یتبع ردتھ حرباً‏ ولرسولھ وللمؤمنین،‏ فیزداد 

بذلك كفراً‏ على كفر .. فمثل ھذا لا تقبل توبتھ بعد القدرة علیھ،‏ ولا 

83

یُستتاب،‏ ولو تاب وجھر بلا إلھ إلا الله لا یُقبل منھ ولا یرتفع عنھ 

السیف وحد القتل . 

قال تعالى:(‏ إن الذین كفروا بعد إیمانھم ثم ازدادوا كفراً‏ لن 

تُقبل توبتھم وأولئك ھم الضالون آل عمران:‏‎90‎‏.‏ 

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ أخبر سبحانھ أن من ازداد كفراً‏ 

بعد إیمانھ لن تقبل توبتھ،‏ وفرق بین الكفر المزید كفراً‏ والكفر 

المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الأول،‏ فمن زعم أن كل كفر 

بعد الإیمان تقبل منھ التوبة فقد خالف القرآن ا-ھ . 

وفي صحیح البخاري عن أنس بن مالك أن رھطاً‏ من عُكل 

ثمانیة قدموا على النبي ρ، فاجتووا المدینة،‏ فقالوا:‏ یا رسول الله 

أبغنا رِ‏ سْلاً،‏ قال:‏ ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود،‏ فانطلقوا فشربوا 

من أبوالھا وألبانھا حتى صحوا وسمنوا،‏ وقتلوا الراعي واستاقوا 

الذود،‏ وكفروا بعد إسلامھم . فأتى الصریخ النب َّي ρ، فبعث الطلب،‏ 

فما ترجل النھار حتى أُتي بھم فقطع أیدیھم وأرجلھم ثم أمر 

بمسامیر فأحمیت فكحلھم بھا وطرحھم بالحرة یستسقون فما یُسقون 

حتى ماتوا ". 

فعل بھم ذلك لأنھم أتبعوا ردتھم القتل،‏ والنھب للأموال 

العامة للمسلمین .. فازدادوا بذلك كفراً‏ . 

وعند البخاري كذلك عن أنس بن مالك أن رسول الله 

دخل عام الفتح وعلى رأسھ المغفر،‏ فلما نزعھ جاء رجل فقال:‏ ابن 

خطل متعلق بأستار الكعبة،‏ فقال:"‏ اقتلوه ". 

وقولھ " متعلق بأستار الكعبة " أي تائباً‏ یطلب الأمان .. 

ومع ذلك لم یُستتب ولم ینفعھ ذلك في شيء،‏ ولم ینفعھ الأمان العام 

الذي أعطاه النبي لأھل مكة،‏ وبخاصة منھم من دخل المسجد 

الحرام .. بسبب أنھ ارتد عن الإسلام،‏ وضم إلى ردتھ القتل والشتم 

للرسول ρ، والتحاقھ بالمشركین ..! 

وكذلك فُعل بمقیس بن ضبابة،‏ وابن سرح وغیرھم لما ضموا 

إلى ردتھم الحرب على وعلى رسولھ والمؤمنین . 

ρ 

τ 

τ 

( 

84 

ρ

قال ابن تیمیة في الفتاوى 103/20: یُفرق في المرتد بین 

الردة المجردة فیقتل إلا أن یتوب وبین الردة المغلظة فیقتل بلا 

استتابة ا-ھ . 

أما إن تاب قبل القدرة علیھ،‏ وجاء تائباً‏ مستسلماً‏ من تلقاء 

نفسھ فالراجح أن توبتھ تقبل لقولھ تعالى:(‏ إنما جزاء الذین 

یُحاربون الله ورسولھ ویسعون في الأرض فساداً‏ أن یُقتلوا أو 

یُصلبوا أو تُقطع أیدیھم وأرجلھم من خلاف أو یُنفوا من الأرض ذلك 

لھم خزي في الدنیا ولھم في الآخرة عذاب ألیم . إلا الذین تابوا من 

قبل أن تقدروا علیھم فاعلموا أن الله غفور رحیم المائدة:‏‎34-33‎‏.‏ 

فاستثنى الله تعالى مما تقدم التائب قبل القدرة علیھ .. 

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ إن الله سبحانھ فرق بین التوبة 

قبل القدرة 

وبعدھا،‏ لأن الحدود إذا رُفعت إلى السلطان وجبت ولم یكن العفو 

عنھا ولا الشفاعة،‏ بخلاف ماقبل الرفع،‏ ولأن التوبة قبل القدرة 

علیھ توبة اختیار،‏ والتوبة بعد القدرة توبة إكراه واضطرار،‏ بمنزلة 

توبة فرعون حین أدركھ الغرق،‏ وتوبة الأمم المكذبة لما جاءھا 

البأس،‏ وتوبة من حضر الموت،‏ فقال:‏ إني تبت الآن فلم یُعلم 

صحتھا حتى یسقط الحد الواجب،‏ ولأن قبول التوبة بعد القدرة لو 

أسقط الحد لتعطلت الحدود وانبثق سدّ‏ الفساد ا-ھ . 

فإن قیل:‏ التوبة قبل القدرة تُسقط حق الله وحق العباد معاً،‏ أم 

أنھ یوجد تفصیل وتفریق ؟ 

أقول:‏ الراجح من مجموع الأقوال الموافق لأدلة الشریعة أن 

المحارب إذا كان محارباً‏ على وجھ الردة،‏ فتوبتھ قبل القدرة علیھ 

تسقط حقوق الله وحقوق الآدمیین معاً؛ وھذا ما جرت علیھ سنة أبي 

بكر ومن معھ من الصحابة مع أھل الردة الذین أعلنوا توبتھم 

وإیابھم إلى الحق والسمع والطاعة،‏ وعندما أراد أبو بكر أن یأخذ 

منھم الفدیة عن قتلى المسلمین،‏ قال لھ عمر τ: إنھم أي قتلى 

( 

τ 

85

( 

المسلمین قاتلوا في سبیل الله وأجرھم على الله .. فامتنع أن یأخذ 

منھم الفدیة،‏ وعلى ھذا جرى العمل بین الصحابة . 

أما إذا كان المحارب مسلماً‏ لكنھ یقوم بعمل الحرابة 

والسطو وقطع الطریق ثم تاب قبل القدرة علیھ،‏ فتوبتھ تسقط عنھ 

حق الله وھو حد الحرابة 

دون حقوق الآدمیین،‏ فإن علیھ القصاص وأداء الحقوق إلى 

أصحابھا؛ فإن قتل یُقتل،‏ وإن سلب المال أعاده إلى أصحابھ إلا أن 

یعفوا عنھ .. ھذه إجابة مختصرة وتفصیلھا لھ موضع آخر إن شاء 

الله . 

الحالة الثانیة:‏ الزندیق . 

الزندیق:‏ ھو المنافق الذي یُظھر كفره،‏ فإن قامت علیھ البینة 

القاطعة واستتیب أنكر وجحد . 

والراجح في الزندیق أنھ یُقتل من غیر استتابة مھما تظاھر 

بالإسلام وقال لا إلھ إلا الله لأن الاستتابة تكون من شيء،‏ والزندیق 

لا یعترف بشيء فمما یُستتاب ‏..؟!‏ 

قال تعالى:(‏ قل ھل تربصون بنا إلا إحدى الحسنیین ونحن 

نتربص بكم أن یصیبكم الله بعذابٍ‏ من عنده أو بأیدینا فتربصوا إنا 

معكم متربصون التوبة:‏‎52‎‏.‏ 

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ قال أھل التفسیر أو بأیدینا 

بالقتل إن أظھرتم ما في قلوبكم قتلناكم،‏ وھو كما قالوا؛ لأن العذاب 

على ما یبطنونھ من النفاق بأیدینا لا یكون إلا القتل لكفرھم،‏ ولو 

كان المنافق یجب قبول ما یُظھر من التوبة بعدما ظھر نفاقھ 

وزندقتھ لم یمكن أن یُتربص بھم أن یُصیبھم الله تعالى بعذابٍ‏ من 

عنده بأیدینا؛ لأنا كلما أردنا أن نعذبھم على ما أظھروه أظھروا 

التوبة ..! 

ولأنھ لو قبلت علانیتھم دائماً‏ مع ثبوت ضدھا لم یمكن إلى 

الجھاد على النفاق سبیل،‏ فإن المنافق إذا ثبت عنھ أنھ أظھر الكفر 

فلو كان إظھار الإسلام حینئذٍ‏ ینفعھ لم یمكن جھاده ا-ھ . 

( 

) 

86

وقال ابن القیم في زاد المعاد:‏ وھا ھنا قاعدة یجب التنبھ 

علیھا لعموم الحاجة إلیھا وھي أن الشارع إنما قبل توبة الكافر 

الأصلي من كفره بالإسلام لأنھ ظاھر لم یُعارضھ ما ھو أقوى منھ 

فیجب العمل بھ لأنھ مقتضى لحقن الدم والمعارض منتفٍ‏ ، فأما 

الزندیق فإنھ قد أظھر ما یبیح دمھ،‏ فإظھاره بعد القدرة علیھ 

للتوبة والإسلام لا یدل على زوال ذلك الكفر المبیح لدمھ دلالة قطعیة 

ولا ظنیة .. 

ویا العجب!‏ كیف یُقاوم دلیل إظھاره للإسلام بلسانھ بعد 

القدرة علیھ أدلة زندقتھ وتكررھا منھ مرة بعد مرة،‏ وإظھاره كل 

وقت للاستھانة بالإسلام والقدح في الدین والطعن فیھ في كل مجمع،‏ 

مع استھانتھ بحرمات الله واستخفافھ بالفرائض وغیر ذلك من الأدلة 

؟!‏ 

ولا ینبغي لعالم قط أن یتوقف في قتل مثل ھذا،‏ ولا تُترك 

الأدلة القطعیة لظاھرٍ‏ قد تبین عدم دلالتھ وبطلانھ . 

وقال:‏ ومما یدل على أن توبة الزندیق بعد القدرة لا تعصم 

دمھ،‏ قولھ تعالى:(‏ قل ھل تربصون بنا إلا إحدى الحسنیین ونحن 

نتربص بكم أن یصیبكم الله بعذابٍ‏ من عنده أو بأیدینا قال السلف 

في الآیة:‏ أو بأیدینا؛ أي بالقتل إن أظھرتم ما في قلوبكم،‏ وھو كما 

قالوا؛ لأن العذاب على ما یبطنون من الكفر بأیدي المؤمنین لا یكون 

إلا بالقتل،‏ فلو قبلت توبتھم بعدما ظھرت زندقتھم لم یكن المؤمنین 

أن یتربصوا بالزنادقة أن یُصیبھم الله بأیدیھم،‏ لأنھم كلما أرادوا أن 

یُعذبوھم على ذلك أظھروا الإسلام فلم یُصابوا بأیدیھم قط ا-ھ . 

الحالة الثالثة:‏ شاتم الرسول ρ 

( 

. 

من كانت ردتھ من جھة شتم النبي فإنھ یُقتل كفراً‏ وحداً‏ 

ومن دون 

أن یُستتاب؛ فإن تاب من الكفر وصدق في توبتھ بقي علیھ حد 

الشتم،‏ وحد الأنبیاء القتل ولا بد؛ إذ لا یحق لأحدٍ‏ أن یتشفع في حق 

ھو لیس لھ،‏ وإنما ھو خاص بالنبي . ρ 

ρ 

87

ρ 

ρ 

قال ابن تیمیة في الصارم:‏ المرتد یستتاب من الردة،‏ ورسول 

الله وأصحابھ قتلوا الساب ولم یستتیبوه،‏ فعُلم أن كفره أغلظ،‏ 

فیكون تعیین قتلھ أولى .. 

إن قتل ساب النبي ρ، وإن كان قتل كافراً،‏ فھو حد من 

الحدود لیس قتلاً‏ على مجرد الكفر والحراب،‏ لما تقدم من الأحادیث 

الدالة على أنھ جنایة زائدة على مجرد الكفر والمحاربة ومن أن 

النبي وأصحابھ أمروا فیھ بالقتل عیناً‏ .. وقد ثبت أن حده القتل 

بالسنة والإجماع ا-ھ.‏ 

ھذا مختصر مفید فمن لم یقنع بھ وأراد التفصیل مع ذكر 

الأدلة مفصلة فلیراجع كتابنا " تنبیھ الغافلین إلى حكم شاتم الله 

والدین "، فإن لم یقنع بھ وأراد المزید فعلیھ بالكتاب العظیم " 

الصارم المسلول على شاتم الرسول " لشیخ الإسلام ابن تیمیة،‏ فقد 

أفاد وأجاد رحمھ الله . 

الحالة الرابعة:‏ فیمن یجب علیھ حد القتل . 

فمن وجب علیھ القتل لوقوعھ في جریمة القتل بغیر حق 

ونحو ذلك .. فإنھ یُقتل حداً‏ من حدود الله إلا أن یعفوا أولیاء 

المقتول،‏ وشاھدنا ھنا:‏ أن الجاني لو قال لا إلھ إلا الله قبل أن یُقتل 

فإنھا لا ترفع عنھ حكم القتل ولا السیف . 

وبعد،‏ ھذه بعض الحالات التي لا یرفع فیھا السیف عن 

صاحبھا وإن أتى بشھادة التوحید:‏ لا إلھ إلا الله قبل القتل .. أردنا 

الإشارة إلیھا على وجھ الإیجاز لكي لا یلتبس الأمر على القارئ،‏ 

فیحمل حدیث أسامة بن زید الآنف الذكر على جمیع الحالات 

والأشخاص فیضل .. والله تعالى من وراء القصد وھو الھادي إلى 

سواء السبیل.‏ 

مثل شھادة التوحید في القرآن الكریم . 

88

. 

قبل أن نودع القارئ الكریم .. نعود بھ ثانیةً‏ إلى الحدیث عن 

لا إلھ إلا الله .. وعن فضلھا .. وعن مثَلھا كما جاء في القرآن الكریم 

قال تعالى:(‏ ألم ترَ‏ كیف ضرب اللهُ‏ مثلاً‏ كلمةً‏ طیبةً‏ كشجرة 

طیبةٍ‏ أصلھا ثابتٌ‏ وفرعُھا في السماء تؤتي أُكلھا كُل َّ حینٍ‏ بإذن ربھا 

ویضربُ‏ الله الأمثالَ‏ للناسِ‏ لعل َّھم یتذكرون إبراھیم:‏‎24‎‏.‏ 

وھو مثل ضربھ الله تعالى للعباد لیستمعوه،‏ ویفقھوه،‏ 

ویتأملوه،‏ ویعملوا بدلالاتھ ومرامیھ .. ومن الدلالات الذي أفاده ھذا 

المثل العظیم الذي ضربھ الله تعالى للعباد عن شھادة التوحید:‏ 

طیب العطاء .. فكما أن ھذه الشجرة الطیبة لا تعطي إلا 

طیباً‏ .. فھي طیبة في ثمارھا .. طیبة في ظلھا وأوراقھا .. طیبة في 

رونقھا وما تضفیھ من جمالٍ‏ بدیع على الطبیعة والكون .. كذلك 

الكلمة الطیبة .. كلمة التوحید فھي لا تعطي ولا تجني على صاحبھا 

وعلى الوجود كلھ إلا طیباً‏ وخیراً‏ .. خیر الدنیا والآخرة . 

بل ھي التي تعطي للحیاة معنى وقیمة .. فالدنیا من دون لا 

إلھ إلا الله لا قیمة لھا ولا غایة شریفة .. وھي قاحلة مظلمة جدباء 

وإن بدت للعیان المغشي علیھا غیر ذلك ! 

وكما أن ھذه الشجرة ثابتة ضاربة الجذور في الأرض 

وفي التاریخ 

لا یؤثر فیھا الریح ولا العواصف .. ولا الزمن ولا الأیام .. بل الأیام 

لا تزیدھا إلا ثباتاً‏ ورسوخاً‏ وعمقاً‏ وشموخا .. كذلك كلمة التوحید 

فھي ضاربة الجذور في قلب المؤمن الموحد .. أما من حیث الزمن 

والتاریخ فھي موجودة قبل الوجود .. یُغذي زرعھا في الأرض 

الأنبیاء والرسل والمجاھدون بالعرق والدم والجھاد،‏ وبكل غالٍ‏ 

( 

-1 

-2 

ونفیس . 

-3 

على قدر الثبات وعمق الجذور یكون العطاء ویكون 

الشموخ في السماء .. فكلما امتدت جذور الشجرة الطیبة في الأرض 

وتمكنت من شعابھا وشروخھا كلما كانت أقدر على امتصاص الغذاء 

89

-4 

والماء .. وكلما كان عطاؤھا أوفر وأطیب وأجمل وأظھر شموخاً‏ 

وارتفاعاً‏ .. فطیب الثمر الذي یظھر للعیان،‏ وكذلك ھذا الشموخ 

للفروع والغصون ھو من طیب الغذاء والتربة والماء ..! 

كذلك شھادة التوحید .. فعلى قدر ثباتھا وعمق جذورھا في 

قلب المؤمن تظھر آثارھا وفروعھا على جوارحھ ویكون العطاء .. 

تظھر في صورة انقیاد البدن كلھ إلى الطاعة والعبادة وامتثال تعالیم 

الشریعة الغراء . 

فكلما تمكنت شھادة التوحید من قلب المؤمن وتشعبت 

جذورھا في قلبھ إلى أن تستحوذ علیھ من كل جوانبھ وأطرافھ .. 

كلما كان العطاء أكمل على فروع البدن والجوارح . 

وكذلك عندما یضعف التوحید في القلب،‏ ویصعب علیھ التمدد 

في جمیع أنحاء القلب وتشعباتھ بسبب المعاصي والذنوب یكون 

عطاؤه على الجوارح ضعیفاً‏ .. إلى أن یبلغ بأحدھم لضعف التوحید 

في القلب أن لا یعمل من الخیر إلا ما یزن ذرة أو نحوھا،‏ كما جاء 

ذلك في الحدیث . 

فالعطاء وانقیاد الجوارح یزید وینقص،‏ یقوى ویضعف 

بحسب قوة 

وضعف التوحید في القلب ..! 

من ھذا الدلیل وغیره نص أھل العلم على أن الإیمان یزید 

وینقص،‏ یقوى ویضعف .. بحسب ما تمده من الأعمال،‏ فإن غذیتھ 

ومددتھ بالطاعات قوي الإیمان وازداد،‏ وإن غذیتھ بالمعاصي 

والذنوب ضعف الإیمان وذبل بحسب ما تمده بھ ..! 

فكما أن ثمار وفروع الشجرة تتأثر سلباً‏ وإیجاباً‏ بعمق 

وثبات الجذور في الأرض،‏ كذلك الجذور الضاربة في الأرض فھي 

تتأثر بما یطرأ على الفروع والغصون وبما تمدھا بھ .. فلو حُبست 

الشمس عن الغصون والأوراق،‏ وكذلك لو حُبس عنھا الماء أو 

الھواء .. نرى أن الجذور في الأرض تتأثر مباشرة بما قد طرأ على 

قسمھا الظاھر منھا،‏ فتضعف وتذبل . 

90

ثم تأمل لو أن ھذه الشجرة غُذیت بمیاه المجاري وبالمیاه 

الملوثة كیف أن طعم ثمارھا یتغیر ویسيء .. والعكس كذلك لو 

غذیت بالمیاه النظیفة والأغذیة النافعة .. ولم یُمنع عنھا الماء 

والھواء .. ترى كیف أن طعم ثمارھا یتغیر إلى الأطیب والأفضل .. 

وكیف أن جذورھا تزداد قوة وعافیة وثباتا . 

كذلك التوحید والإیمان في القلب فإنھ یؤثر ویتأثر،‏ یؤثر 

بالجوارح الظاھرة بحسب قوتھ وضعفھ كما تقدم،‏ كذلك فإنھ یتأثر 

من ھذه الجوارح بحسب ما تمده بھ من أعمال .. فإن أمدتھ 

بالطاعات والأعمال الحسنة قوي الإیمان والتوحید في القلب،‏ وإن 

أمدتھ بالمعاصي والذنوب ضعف الإیمان وذبل بحسب ما تمده بھ 

الجوارح .. فھو یؤثر بالجوارح ویتأثر منھا . 

وھو المراد من القاعدة الس ُّنیة التي دلت علیھا نصوص 

الشریعة التي تشیر إلى علاقة الظاھر بالباطن وتأثر كل منھما 

بالآخر . 

كما في قولھ ρ:" ألا وإن َّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح 

الجسد كلھ،‏ وإذا فسدت فسد الجسدُ‏ كلھ،‏ ألا وھي القلب " البخاري.‏ 

وقال ρ:" إن العبد إذا أخطأ خطیئة وفي روایة:‏ إذا أذنب 

ذنباً‏ نُكتت في قلبھ نُكتةٌ‏ سوداء،‏ فإذا نزَعَ‏ واستغفر وتاب سُقِلَ‏ قلبھ،‏ 

وإن عاد زیدَ‏ فیھا حتى تعلو قلبَھ،‏ وھو الران الذي ذكر الله كلا َّ بل 

ران على قلوبھم ما كانوا یكسبون 

وقال ρ:" تُعرض الفتنُ‏ على القلوب كالحصیر عوداً‏ عوداً،‏ 

فأي قلبٍ‏ أشربھا نُكتت فیھ نكتةٌ‏ سوداء،‏ وأي قلبٍ‏ أنكرھا نُكتت فیھ 

نكتة بیضاء .." مسلم . 

فتأمل كیف أن القلب یؤثر بالجوارح كما في حدیث البخاري 

المتقدم،‏ وكیف أنھ یتأثر بأي ذنبٍ‏ ترتكبھ الجوارح الظاھرة كما في 

الحدیثین الآخرین . 

وھذا یدل على فساد عقیدة أھل التجھم والإرجاء حیث 

یتصورون إمكانیة أن تسیر الجوارح الظاھرة في اتجاه .. والقلب 

) 

.(1)( 

91

في اتجاه آخر .. الجوارح تمارس الكفر البواح .. والباطن مطمئن 

بالإیمان .. ظاھر كافر وباطن مؤمن ..! 

لذا فإن الكفر عندھم ھو شيء واحد ھو كفر القلب وتكذیبھ 

أو ما یدل دلالة صریحة كالتعبیر بالقول على كفره وتكذیبھ ..! 

وھذا قول خبیث باطل مردود علیھ بصریح المنقول والمعقول 

.. ولأھل العلم كلام غلیظ على ھذا المذھب الضال وعلى أھلھ 

وأنصاره،‏ ذكرناه في مواضع أخرى من أبحاثنا . 

 

(1) صحیح سنن الترمذي:‏‎2654‎ . 

. ( 

) 

-5 

كذلك من خصائص ھذه الشجرة الطیبة المباركة التي 

ضُربت مثلاً‏ للتوحید .. أنھا دائمة العطاء على مدار الساعة والزمن 

.. فھي لیست كبقیة الأشجار موسمیة العطاء تُعطي في فصل 

ویتوقف عطاؤھا في بقیة الفصول .. بل عطاؤھا مستمر على مدار 

الفصول،‏ والأیام والساعات .. تؤتي أُكلھا كل حینٍ‏ بإذن ربھا .. 

وھكذا شھادة التوحید لا إلھ إلا الله .. فھي دائمة العطاء 

والخیر لصاحبھا على مدار الوقت .. فھي لیست كبقیة العبادات 

كالصلاة أو الصوم،‏ أو الحج،‏ أو الزكاة عطاؤھا محصور في وقت 

معین،‏ وزمن محدد .. لا ! 

بل ھي معھ في الحل والترحال .. معھ في السلم والحرب .. 

في الولاء والبراء .. في العزلة والخلطة .. وھو في عملھ أو بیتھ أو 

أي مكان آخر .. توجھھ وترشده إلى صواب القول والمواقف .. فھو 

حركاتھ وسكناتھ كلھا مضبوطة وموجھة بموجھ شھادة التوحید .. 

لا إلھ إلا الله ! 

یُحسن ما تُحسنھ لا إلھ إلا الله .. ویُقبح ما تُقبحھ لا إلھ إلا الله 

.. یوالي فیھا ویُعادي علیھا .. فھي بذلك تكون كما وصف ربنا Ψ:( 

تؤتي أكلھا كل َّ حینٍ‏ بإذن ربھا ..) ولیس في حین دون حین ! 

92

.( 

جمیع ھذه المعاني ینبغي أن نتذكرھا ونتدبرھا كلما مررنا 

على تلاوة ھذه الآیة الكریمة .. ووقفنا على ھذا المثل العظیم الذي 

ضُرب لشھادة التوحید،‏ وھو المراد من قولھ تعالى:(‏ ویضرب الله 

الأمثال للناس لعل َّھم یتذكرون 

* * * * * 

خاتمة . 

قبل أن نختم ھذا البحث الھام فقد آثرنا أن نودع القارئ 

بكلمات كتبت عن لا إلھ إلا الله بمداد من العرق والدم،‏ علقت 

صاحبھا على أعواد مشانق الطواغیت،‏ للشیخ الشھید نحسبھ كذلك 

ولا نزكیھ على الله سید قطب رحمھ الله،‏ اقتبسناھا من كتابھ القیم 

النافع " الظلال " وغیره .. عسى الله أن یھدي بھا من ضل سواء 

السبیل ممن یحسبون أنھم على شيء أو یُحسنون صنعاً،‏ إنھ تعالى 

على ما یشاء قدیر.‏ 

قال رحمھ الله:كل من ینطق بالشھادتین:‏ شھادة أن لا إلھ إلا 

الله وأن محمداً‏ رسول الله،‏ لا یُقال لھ إنھ شھد إلا أن یؤدي مدلول 

ھذه الشھادة ومقتضاھا ومدلولھا ھو ألا یتخذ إلا الله إلھاً،‏ ومن ثمّ‏ لا 

یتلقى الشریعة إلا من الله..‏ 

ولن یكون الإسلام إذن ھو النطق بالشھادتین دون أن یتبع 

شھادة أن لا إلھ إلا الله معناھا وحقیقتھا؛ وھي توحید الألوھیة 

وتوحید القوامة،‏ ثم توحید العبودیة وتوحید الاتجاه .. ھذا ھو 

الإسلام كما یریده الله،‏ ولا عبرة بالإسلام كما تریده أھواء البشریة 

في جیل منكود من أجیال الناس،‏ ولا كما تصوره رغائب أعدائھ 

المتربصین بھ وعملائھم ھنا وھناك ومن یبتغ غیر الإسلام دیناً‏ 

فلن یُقبل منھ وھو في الآخرة من الخاسرین 

. ( 

) 

93

( 

) 

وأي تعدیل في ھذا المنھج ودعك من العدول عنھ ھو 

إنكار لھذا المعلوم من الدین بالضرورة،‏ یُخرج صاحبھ من ھذا 

الدین،‏ ولو قال باللسان ألف مرة:‏ أنھ من المسلمین ..! 

والإسلام منھج للحیاة كلھا من اتبعھ فھو مؤمن وفي دین 

الله،‏ ومن اتبع غیره ولو في حكم واحد فقد رفض الإیمان واعتدى 

على ألوھیة الله،‏ وخرج من دین الله مھما أعلن أنھ یحترم العقیدة 

وأنھ مسلم،‏ فاتباعھ شریعة غیر شریعة الله یكذب زعمھ ویدفعھ 

بالخروج من دین الله ..! 

وإن أطعتموھم إنكم لمشركون .. إن من أطاع بشراً‏ في 

شریعة من عند نفسھ ولو في جزئیة صغیرة فإنما ھو مشرك،‏ وإن 

كان في الأصل مسلماً‏ ثم فعلھا فإنما خرج بھا من الإسلام إلى الشرك 

أیضاً،‏ مھما بقي بعد ذلك یقول:‏ أشھد أن لا إلھ إلا الله بلسانھ،‏ بینما 

ھو یتلقى من غیر الله ویطیع غیر الله ..! 

المشقة الكبرى التي تواجھ حركات الإسلام الحقیقیة الیوم،‏ 

إنھا تتمثل في وجود أقوامٍ‏ من الناس من سلالات المسلمین في 

أوطانٍ‏ كانت في یومٍ‏ من الأیام داراً‏ للإسلام،‏ یسیطر علیھا دین الله،‏ 

وتحكم بشریعتھ ثم إذا ھذه الأرض وھذه الأقوام تھجر الإسلام حقیقةً‏ 

وتعلنھ اسماً،‏ وإذ ھي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقاداً‏ وواقعاً،‏ وإن 

ظنت أنھا تدین بالإسلام اعتقاداً،‏ فالإسلام شھادة أن لا إلھ إلا الله .. 

وشھادة أن لا إلھ إلا الله تتمثل في الاعتقاد بأن الله وحده ھو خالق 

ھذا الكون المتصرف فیھ،‏ وأن الله وحده ھو الذي یتقدم إلیھ العباد 

بالشعائر التعبدیة ونشاط الحیاة كلھ،‏ وأن الله وحده ھو الذي یتلقى 

منھ العباد الشرائع ویخضعون لحكمھ في شأن حیاتھم كلھ .. وأیما 

فرد لم یشھد أن لا إلھ إلا الله بھذا المدلول،‏ فإنھ لم یشھد ولم یدخل 

في الإسلام بعد(‏‎1‎‏)‏ كائناً‏ ما كان اسمھ ولقبھ ونسبھ،‏ وأیما 

 

(1) لعل مراده أن یقول:‏ ھو یدخل بھا الإسلام،‏ لكنھ لم یدخل الإسلام على 

الحقیقة التي تنفعھ والتي یریدھا الشارع منھ .. وھو یدخل بھا الإسلام لكن لا 

94

یستمر لھ وصفھ وحكمھ إن لم یأت بمدلولھا ومقتضاھا الآنف الذكر،‏ والله 

تعالى أعلم . 

أرض لم تتحقق فیھا شھادة أن لا إلھ إلا الله بھذا المدلول فھي أرض 

لم تدن بدبین الله ولم تدخل في الإسلام بعد . 

وفي الأرض الیوم أقوام من الناس أسماؤھم أسماء 

المسلمین وھم من سلالات المسلمین،‏ وفیھا أوطان كانت في یوم 

من الأیام داراً‏ للإسلام .. ولكن لا الأقوام الیوم تشھد أن لا إلھ إلا الله 

بذلك المدلول،‏ ولا الأوطان الیوم تدین بمقتضى ھذا المدلول ..! 

إننا نجد في القرآن أن الله سبحانھ لا یُعلم المسلمین العبادات 

والشعائر فحسب،‏ ولا یُعلمھم الآداب والأخلاق فحسب كما یتصور 

الناس الدین ذلك التصور المسكین إنما ھو یأخذ حیاتھم كلھا 

جملة،‏ ویعرض كل ما تتعرض لھ حیاة الناس من ملابسات واقعیة،‏ 

ولا یقبل من الفرد المسلم،‏ ولا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون 

حیاتھ بجملتھ من صنع ھذا المنھج وفق تصرفھ وتوجیھھ،‏ وعلى 

وجھ التحدید لا یقبل من الفرد المسلم ولا من المجتمع المسلم أن 

یجعل لحیاتھ مناھج متعددة المصادر:‏ منھجاً‏ للحیاة الشخصیة 

وللشعائر والعبادات والأخلاق والآداب مستمداً‏ من كتاب الله،‏ 

ومنھجاً‏ للمعاملات الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والدولیة 

مستمداً‏ من كتاب أحدٍ‏ آخر،‏ أو من أي تفكیر بشري على الإطلاق .. 

وإلا فلا إیمان أصلاً‏ ولا إسلام،‏ ولا إیمان ابتداءً‏ ولا إسلام لأن الذین 

یفعلون ذلك لم یدخلوا بعد الإیمان ولم یعترفوا بعد بأركان الإسلام 

وفي أولھا شھادة أن لا إلھ إلا الله التي ینشأ منھا أن لا حاكم إلا الله 

ولا مشرع إلا الله .. 

نجد كثیرین في كل زمان یقولون:‏ إنھم یؤمنون با،‏ ولكنھم 

یشركون معھ في غیره في الألوھیة حین یتحاكمون إلى شریعة من 

صنع غیره،‏ وحین یطیعون من لا یتبع رسولھ وكتابھ،‏ وحین یتلقون 

التصورات والقیم والموازین والأخلاق والآداب من غیره،‏ فھذه كلھا 

تناقض القول بأنھم یؤمنون با‏ .. ولا یستقیم 

سبحانھ بأنھ لا إلھ إلا ھو .. 

95 

مع شھادة الله

) 

!.. 

وأعجب العجب أن ناساً‏ من الناس یزعمون أنھم مسلمون ثم 

یأخذون في منھج الحیاة البشریة عن فلان وفلان من الذین یقول 

عنھم سبحانھ إنھم عمي،‏ ثم یظلون یزعمون بعد ذلك أنھم مسلمون 

ولیس لأحد من عباده أن یقول إنني أرفض شریعة الله،‏ أو 

أنني أبصر بمصلحة الخلق من الله،‏ فإن قالھا بلسانٍ‏ أو فعل فقد 

خرج من نطاق الإیمان .. 

فما یمكن أن یجتمع الإیمان وعدم تحكیم شریعة الله،‏ أو عدم 

الرضى بحكم ھذه الشریعة .. والذین یزعمون لأنفسھم أو لغیرھم 

أنھم مؤمنون،‏ ثم ھم لا یحكمون شریعة الله في حیاتھم،‏ أو لا 

یرضون حكمھا إذا طبق علیھم،‏ إنما یدعون دعوى كاذبة،‏ وإنما 

یصطدمون بھذا النص القاطع وما أولئك بالمؤمنین 

لن یكون الإنسان مؤمناً‏ بھذا الدین حتى یجعل مقوماتھ 

وموازینھ ھي الحاكمة في كل أمر وفي كل حال . ولن یكون مؤمناً‏ 

بھذا الدین وھو یرى أن ھناك تصوراً‏ آخر،‏ أو میزاناً‏ آخر،‏ من وضع 

البشر واصطلاحھم،‏ یجوز أن یتحاكم ھو إلیھ مع جاء بھ ھذا الدین 

فضلاً‏ عن أن یتحاكم إلیھ ھذا الدین ! 

ومن باب أولى لن یجد المسلم نفسھ لحظة واحدة في موقف 

المعتذر عن حكم من أحكام دینھ أو مقوم من مقومات تصوره .. لن 

یجد نفسھ بدینھ 

في موقف الدفاع ! 

إن دینھ ھو الأصل،‏ ھو الدین الذي لا یقبل الله من الناس 

غیره،‏ ھو المیزان الذي لیس معھ میزان .. وھو حین یعتذر لحكم 

من أحكام دینھ،‏ أو حین یقف بدینھ موقف الدفاع،‏ إنما یفترض أن 

ھناك میزاناً‏ آخر غیر المیزان الذي یقیمھ دینھ یجوز الاعتراف بھ 

بل یقبل أن یحاكم دینھ إلیھ ..! 

. ( 

96

– 

– 

– 

– 

والأمر ھنا یتعلق مباشرة بالعقیدة .. یتعلق بھا وجوداً‏ وعدماً‏ 

.. وھو من ثم مزلق خطر یستحق الانتباه .. إن دینھ ھو الذي یقرر؛ 

لأن ما یقرره دینھ ھو ما یقرره الله دون سواه .. 

إن ھناك في جمیع أنحاء الأرض،‏ في جمیع الأزمنة 

والأعصار قاعدتین اثنتین لنظام الحیاة لأن ھناك في جمیع أنحاء 

الأرض في جمیع الأزمنة والأعصار،‏ قاعدتین اثنتین لتصور الحیاة:‏ 

قاعدة تفرد الله سبحانھ بالألوھیة والربوبیة والقوامة والسلطان .. 

ومن ثم یقوم علیھا نظام للحیاة یتجرد فیھ البشر من خصائص 

الألوھیة والربوبیة والقوامة والسلطان ، ویعترفون بھا وحده 

فیتلقون منھ التصور الاعتقادي،‏ والقیم الإنسانیة والاجتماعیة 

والأخلاقیة والمناھج الأساسیة للحیاة الواقعیة ، والشرائع والقوانین 

التي تحكم ھذه الحیاة،‏ ولا یتلقونھا من أحد سواه .. وبذلك یشھدون 

أن لا إلھ إلا الله .. 

وقاعدة ترفض ألوھیة الله سبحانھ وربوبیتھ وقوامتھ 

وسلطانھ .. إما في الوجود كلھ بإنكاره وجوده وإما في شئون 

الأرض وفي حیاة الناس،‏ وفي نظام المجتمع وفي شرائعھ وقوانینھ،‏ 

فتدعي أن لأحد من البشر : فرداً‏ أو جماعة،‏ ھیئة أو طبقة،‏ أن 

یزاول من دون الله أو مع الله خصائص الألوھیة والربوبیة 

والقوامة والسلطان في حیاة الناس .. وبذلك لا یكون الناس الذین 

تقوم حیاتھم على ھذه القاعدة قد شھدوا أن لا إلھ إلا الله .. 

ھذه قاعدة . وتلك قاعدة .. وھما لا تلتقیان ، لأن إحداھما ھي 

" الجاھلیة " والأخرى ھي " الإسلام "، بغض النظر عن الأشكال 

المختلفة،‏ والأوضاع المتعددة والأسماء المتنوعة التي یطلقھا 

الناس على جاھلیتھم .. یسمونھا حكم الفرد أو حكم الشعب .. 

یسمونھا شیوعیة أو رأسمالیة .. یسمونھا دیمقراطیة أو دیكتاتوریة 

.. یسمونھا أوثقراطیة أو ثیوقراطیة .. لا عبرة بھذه التسمیات ولا 

بتلك الأشكال؛ لأنھا جمیعھا تلتقي في القاعدة الأساسیة قاعدة عبادة 

97

البشر للبشر،‏ ورفض ألوھیة الله سبحانھ وربوبیتھ وقوامتھ 

وسلطانھ متفرداً‏ في حیاة البشر . انتھى . 

وبعد،‏ ھذا ما أردت تسطیره في ھذا البحث الھام،‏ راجیاً‏ من 

الله تعالى القبول،‏ وأن ینفع بھ العباد والبلاد،‏ وأن یجعل أعمالنا كلھا 

خالصة لوجھھ الكریم لا نبتغي منھا سمعة ولا شھرة،‏ ولا ریاءً‏ .. 

إنھ تعالى سمیع قریب مجیب . 

وصلى الله على سیدنا ونبینا محمد،‏ وعلى آلھ وصحبھ وسل َّم 

. 

وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمین . 

عبد المنعم مصطفى حلیمة 

أبو بصیر 

1421/7/20 ھ . 

2000/10/18 م . 

الموضوع 

الفھرس 

- المقدمة ......................................... 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

مقدمات ضروریة وھامة ........................ 

المقدمة الأولى .................................. 

المقدمة الثانیة .................................. 

المقدمة الثالثة .................................. 

المقدمة الرابعة .................................. 

المقدمة الخامسة .................................. 

معنى لا إلھ إلا الله ................................ 

توحید الحاكمیة من أي أقسام التوحید ھو ....... 

الصفحة 

5 

11 

11 

13 

14 

15 

15 

16 

19 

98

- 

معنى الشرط ..................................... 

- شروط لا إلھ إلا الله .............................. 

الشرط الأول:‏ النطق والإقرار ..................... 

ھل یُجزئ عن شھادة التوحید شيء ............... 

فیمن كان كفره من غیر جھة الامتناع عن النطق 

بشھادة التوحید .................................... 

الشرط الثاني:‏ الكفر بالطاغوت ................... 

معنى الطاغوت .................................. 

- صفة الكفر بالطاغوت ........................... 

ھل یجوز إطلاق لفظة الطاغوت على المسلم........‏ 

الصفحة 


الشرط الثالث:‏ العلم ..................... 

الرد على شبھة أن من أھل العلم من نشد إیمان 

23 

24 

24 

30 

32 

33 

37 

40 

43 

44 

- 

- 

49 

العجائز ....................................... 52 

- 

55 

58 

- 

60 

- 

62 

- 

- 

65 

التوحید ....................................... 66 

- 

68 

- 

73 

74 ................... 

75 

-2 

76 

-3 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

مسألة ھامة في بیان حال وحكم جاھل التوحید 

- ضوابط قیام الحجة على الجاھل .............. 

الشرط الرابع:‏ الصدق والإخلاص ......... 

الشرط الخامس:‏ انتفاء الشك وحصول الیقین 

الشرط السادس:‏ العمل بھا .................. 

الصلاة من الأعمال التي تُعتبر شرطاً‏ لصحة 

متى یصیر الإنسان كافراً‏ من جھة ترك الأعمال 

الشرط السابع:‏ المحبة المنافیة للكره والبغض..‏ 

- علامات المحبة الصادقة ....................... 

1- حصول المتابعة للنبي ρ 

إیثار الله ورسولھ على ما سواھما...........‏ 

البلاء والصبر علیھ ....................... 

الشرط الثامن:‏ الرضى بھا،‏ والانقیاد والتسلیم 

99

78 

83 

85 

الصفحة 

85 

86 

87 

90 

91 

92 

93 

95 

95 

98 

99 

100 

101 

106 

112 

لھا .......................................... 

- 

- 

الشرط التاسع:‏ الموافاة علیھا .............. 

تنبیھات ھامة وضروریة ................... 


التنبیھ الأول ............................. 

التنبیھ الثاني .............................. 

التنبیھ الثالث ............................. 

التنبیھ الرابع ............................. 

التنبیھ الخامس ........................... 

التنبیھ السادس .......................... 

التنبیھ السابع ........................... 

- حالات لا یُرفع فیھا السیف عمن یقول 

لا إلھ إلا الله ................................. 

1- المرتد ردة مغلظة ........................ 

-2 الزندیق ................................ 

-3 شاتم الرسول ....................... ρ 

-4 

- 

- خاتمة ................................... 

- الفھرس ................................ 

من یجب علیھ حد القتل ............... 

مثل شھادة التوحید في القرآن الكریم ...... 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

- 

100

شروط لا إلھ إلا الله 

تألیف 

عبد المنعم مصطفى حلیمة 

أبو بصیر 

101

شروط لا إله إلا الله

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

Delete template?

Save as template?