12.02.2018 Views

00 من مجلة ادراك

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

1


2


3


حورس والمسيح<br />

توماس برنابا<br />

الواقع<br />

واألسطورة<br />

سأستعرض لكم كيف أن المعبود و اإلله المحبب والمفضل عند أهل مصر القديمة الفرعونية ( حورس(‏ لم يُنسى<br />

وتضمحل قصصه وعقائده <strong>من</strong> ذهن المصريين في كافة العصور؛ بل لقد تشكلت هذه العقائد في أشكال أخرى وأنزوى<br />

حورس متخفياً‏ في العقائد والطقوس الجديدة/‏ القديمة التى أعتنقها المصري القديم و<strong>من</strong>ها المسيحية التى سنرى أنها<br />

صورة معدلة <strong>من</strong> الديانة المصرية القديمة الخاصة بحورس ووالداه األلهة<br />

إيزيس وأوزوريس!!‏<br />

أوالً:‏ بخصوص جوهر وعقائد المسيحية:‏<br />

لم يختلف عن جوهر الديانة المصرية القديمة ولذلك دعونا نستعرض قصة<br />

هذا اإلله المصري القديم حورس بإختصار،‏ ثم نستعرض كيف أن قصة<br />

اإلله المسيحي يسوع المسيح هي صورة معدلة <strong>من</strong> اإلسطورة المحفورة في<br />

أذهان بل جينات المصريين على المستوى الشعوري والالشعوري في كافة<br />

العصور وهي الخاصة باإلله حورس!!!‏<br />

‏))تعتبر أسطورة أيزيس و أوزوريس <strong>من</strong> أشهر األساطير التى وصلت إلينا ،<br />

و لقد وصلت هذه القصه <strong>من</strong> عده مصادر مختلفه التفاصيل ولكنها متفقه<br />

المضمون ‏،وتتعلق هذه االسطوره باربع الهه هم ايزيس واوزوريس وست<br />

وحورس<br />

يعتقد في هذه األسطورة أن أوزوريس كان ملكاً‏ عادالً‏ محباً‏ للخير يحكم مصر <strong>من</strong> مقره بالوجه البحري ، وقد علم<br />

شعبه الزراعه وحب الوطن ونشر العدل في فتره حكمه لذلك كسب حب الشعب له،‏ ولقد اثار هذا الحب حقد اخوه ست<br />

عليه لذلك فكر في عمل موامره لقتله والتخلص <strong>من</strong>ه،‏ وكان أخوه ست يحسده ويريد عرش مصر فأعد وليمة كبيرة دعا<br />

إليها أخاه<br />

وكان قد قدم تابوت مرصع بالذهب والجواهر وذكر ان هذا التابوت سوف يكون <strong>من</strong> حق <strong>من</strong> يأتي علي مقاسه،‏ وكان<br />

هذا التابوت مصنوعا علي مقاس اوزوريس وكان ست قد أعده على مقاس أوزوريس ، و بدأ الجميع في التناوب علي<br />

التابوت حتي جاء دور اوزوريس . وعندما استلقى فيه أوزوريس أغلق ست وأعوانه التابوت عليه ورموه في النيل<br />

فمات أوزوريس غرقاً.‏<br />

ولكن ايزيس لم تقف مكتوفه االيدي وانما ضربت االرض سعيا وبحثا عن جثه زوجها حتي عثرت عليها في جبيل<br />

‏)بيبلوس(‏ ولكن ست أفلح في سرقة الجثة وقطعها إلى 14 جزءاً‏ ‏)وفي بعض الروايات 16 جزءاً(‏ ثم قام بتفريقها في<br />

أماكن مختلفة في مصر ولكن إيزيس و نفتيس تمكنتا <strong>من</strong> استعادة األشالء،‏ واستعانت بقواها االلهية إلعاده الروح اليه<br />

لفتره <strong>من</strong> الوقت وولدت أيزيس <strong>من</strong>ه ولداً‏ وهو حورس ‏)الجنسياً(‏ و قد كان <strong>من</strong> الصعب أن يحيا أوزوريس مثل حياته<br />

األولى فلزم عليه أن يحيا في مملكة الموتى ‏.و يكون ملكا فيها.‏<br />

4


و إختفت ايزيس عن اعين ست حتي وضعت طفلها حورس وقامت إيزيس بتربية حورس في أحراش الدلتا سراً‏ و<br />

تعاونت معها األلهه في تربيته حتي شب وصار رجال ، بعدها عادت ايزيس بحورس الي الوادي لتطالب ست بعرش<br />

اوزوريس والذي صار حاليا <strong>من</strong> حق ولده حورس ، وقد دارت العديد <strong>من</strong> المعارك بين حورس و ست وقفت فيها<br />

االلهه الي جوار حورس حتي انتصر في النهايه علي ست.‏<br />

وقد اقامت االلهه بعد ذلك محاكمه لست وقد ادانته االلهه علي ما فعل و<strong>من</strong>حت حكم البالد<br />

لحورس بينما اصبح ست حاكما للصحراء واعادت االلهه الحياه الوزوريس ولكنه رفض<br />

ان يكون ملكا علي االرض وفضل ان يكون حاكما للعالم السفلي بعيدا عن الشر.‏<br />

ويقال أن أصل أسطورة أوزوريس أنه شخصية حقيقة كان ملكاً‏ في عصر سحيق للغاية<br />

على أرض مصر كلها وكانت عاصمته شرق الدلتا ‏“بوزيريس”‏ ‏)أبو صير – بنها الحالية(‏<br />

وقد فسر موته غرقاً‏ على يد اإلله ست أنه مات في ثورة ضده كان مركزها مدينة ‏“أتبوس”‏<br />

التي أصبحت مقر عبادة اإلله ست ‏)مكان طوخ بمحافظة قنا((!!‏ )<br />

يالها <strong>من</strong> قصة شيقة ممتعة <strong>من</strong> الجانب القصصي ولكن ما بين السطور تقع عقيدة دينية لم<br />

تفلح العصور وتعاقبها في محوها <strong>من</strong> االذهان … بل قبعت في العقائد والطقوس والثقافات<br />

المتتالية على مصر ولكن تحورت في صور ( أديان(‏ أخرى و<strong>من</strong>ها أنتقلت لبلدان أخرى في<br />

العصور اليونانية الرومانية!!‏<br />

هناك كتاب صدر عام<br />

2<strong>00</strong>4 بعنوان:‏ ‏“المسيح الوثني،‏ إعادة الضوء المفقود ” The<br />

Paganوالكتاب Christ, Recovering the Lost Light <strong>من</strong> تأليف توم هاربور<br />

Tomوهو Harpur دراسة حول ثالثة مؤلفات،‏ لعلماء المصريات غودفري هيجينز (<br />

‎1834‎ 1771( وجيرالد ماسي ‏)‏‎1907‎ 1828( وألفين بويد ‏)‏‎1963‎ 1880(، وفيه يكشف الكاتب أوجه التشابه بين<br />

الميثولوجية المصرية،‏ والكتابات المسيحية التي يُفترض أنها تاريخية،‏ ويكشف أن اإلله حورس كان فعال،‏ صيغة و<br />

صورة مستنسخة قديمة للمسيح الوثني ( حورس(،‏ وفيما يلي ترجمة عربية ‏)بتصرف(‏ لملخص هذا الكتاب:‏<br />

مقارنة بعض النتائج بين سيرة حورس والمسيح:‏<br />

ولد حورس <strong>من</strong> عذراء ‏)هناك شكوك حول هذه المعلومة(،‏ كما ولد يسوع <strong>من</strong> عذراء<br />

حورس هو اإلبن الوحيد،‏ الذي أنجبه اإلله أوزيريس.‏ يسوع هو اإلبن الوحيد الذي أنجبه هللا ( بواسطة<br />

الروح القدس(‏<br />

األم التي حملت حورس هي ميريMeri ، مقابل مريم ‏)ماريا(‏ أم يسوع<br />

األب الذي تكفل برعاية حورس كان إسمه سب(‏Seb‏)‏ ، وليسوع كان يوسف(‏Seph (Jo-<br />

كالهما يعود ألصول ملكية ‏)يوسف النجار ينتمي لنسل الملك داوود(‏<br />

ولد حورس في مغارة ، كذلك يسوع في مغارة أو إسطبل<br />

تمت البشارة <strong>من</strong> خالل مالك أخبر األم إيزيس بوالدة حورس،‏ أيضا بواسطة مالك أخبر مريم بوالدة<br />

يسوع<br />

عالمات الوالدة لألول بواسطة نجمة الصباح،‏ وللثاني بواسطة نجم غير معروف دُعيّ:‏ الشرق<br />

.1<br />

.2<br />

.3<br />

.4<br />

.5<br />

.6<br />

.7<br />

.8<br />

5


21<br />

25<br />

12<br />

.9<br />

.10<br />

.11<br />

.12<br />

.13<br />

.14<br />

.15<br />

.16<br />

.17<br />

.18<br />

.19<br />

.20<br />

.21<br />

.22<br />

.23<br />

.24<br />

تاريخ الوالدة:‏ دأب المصريون القدماء،‏ وقت اإلنقالب الشتوي ديسمبر،‏ على عرض طفل ‏)يمثل<br />

حورس(‏ في مذود ‏)محمل(،‏ ثم يطوفون به في الشوارع ‏.يُحتفل يوم ديسمبر،‏ بميالد يسوع،‏ وتم إختيار<br />

التاريخ ليطابق ميالد ميثرا،‏ حيث إقتران الشمس مع ديونيسوس<br />

شهود الميالد:‏ في كال الحالتين كانوا <strong>من</strong> الرعاة<br />

شهود أتوا بعد الميالد:‏ ثالثة <strong>من</strong> آلهة الشمس في حالة حورس،‏ وثالثة <strong>من</strong> الحكماء ‏)المجوس(‏ في حالة<br />

يسوع<br />

هيروتHerut حاول قتل الطفل حورس.‏ هيرودس ‏)ملك اليهودية(‏ حاول قتل يسوع<br />

ردود الفعل على التهديدات:‏ اإلله تهات قال ألم حورس:‏ تعالي أيتها اإللهة إيزيس،‏ وإختبئي مع طفلك.‏<br />

المالك أخبر يوسف:‏ إنهض وخذ الطفل وأمه واهرب إلى مصر.‏<br />

في كال الحاليتن إنقطعت السيرة بين عمر و‎30‎ سنة<br />

مكان العماد:‏ في نهر إريدانوس Eridanusلحورس،‏ وفي نهر األردن ليسوع<br />

كان سنّ‏ العماد لكليهما ثالثين عاما<br />

إسم المُعمّد:‏ لألول كان أنوب،‏ وللثاني يوحنا المعمدان<br />

مصير المُعمّد:‏ كالهما قُطع رأسه<br />

تعرض حورس للغواية ‏)التجربة(‏ في صحراء أ<strong>من</strong>تا بواسطة خصمه اللدود ‏“ست ‏”وهو الصيغة القيمة ل<br />

Satanالشيطان العبري.‏ أيضا تمت تجربة يسوع على جبل في صحراء فلسطين،‏ بواسطة الشيطان<br />

كالهما إنتصر على غواية الشيطان<br />

عدد تالمذة حورس إثنا عشر ‏)هناك شكوك في المعلومة(‏ وهم نفس عدد تالمذة يسوع<br />

<strong>من</strong> معجزات حورس:المشي على الماء،‏ طرد األرواح الشريرة،‏ شفاء المرضى،‏ إعادة بصر العميان،‏<br />

وتهدأة هيجان البحر.‏ يسوع أيضا مشى على الماء وطرد األرواح النجسة،‏ وشفا المرضى وأعاد النور<br />

للعميان،‏ وأمر البحر:‏ سالما كن هادئا.‏<br />

حورس أقام أباه الميّت أوزيريس <strong>من</strong> القبر،‏ يسوع أقام عازر<br />

‏)اليعازر(‏ <strong>من</strong> القبر<br />

في مدينة ‏“حنو”‏ المصرية جرت الشعائر السنوية لموت<br />

ودفن وقيامة حورس ‏.العبرانيون أضافوا متعلقا لفظيا ‏“بيت”‏<br />

فأصبحت ‏“بيت حنو أو حنين”‏ كما في إنجيل يوحنا وهي<br />

إسم البلدة التي أقيم فيها لعازر <strong>من</strong> الموت.‏<br />

‏“لعازر”‏ هو تحوير إلسم اوزيريس أب حورس<br />

أهم مواعظ حورس ويسوع كانت:‏ موعظة الجبل<br />

كالهما مات مصلوبا<br />

كالهما صُلب بين إثنين <strong>من</strong> اللصوص<br />

كالهما أودع القبر<br />

حورس نهض وقام <strong>من</strong> الموت بعد ثالثة أيام،‏ وكذلك األمر<br />

فقد صُلب يسوع يوم الجمعة وقام يوم األحد ‏)بعد حوالي 38 ساعة <strong>من</strong> موته )<br />

11<br />

.25<br />

.26<br />

.27<br />

.28<br />

.29<br />

.30<br />

مطابقة الصفات بين حورس ويسوع:‏<br />

6


حورس:‏ نُظر إليه كشخصية ميثولوجية،‏ ومخلص للبشرية،‏ و)إنسان إله(‏ ، رعت طفولته إيزيس،‏ ولقبه كان<br />

‏“كرست”‏ ‏)المسيح(‏ ‏)االستخدام المسيحي لكلمة يسوع المسيح (Christ) مأخوذ <strong>من</strong> الكلمة الفرعونية (Karast)<br />

ومعناها عند الفراعنة ‏:الممسوح بالزيت،‏ وكان الموصوف بذلك حورس ) ، و<strong>من</strong> أسمائه:‏ الراعي،‏ خروف اإلله،‏ خبز<br />

الحياة،‏ إبن اإلنسان،‏ الكلمة،‏ صيّاد السمك،‏ الحارس،‏ وربط مع برج السمكة،‏ وأهم رموزه هي:‏ السمكة،‏ والعنب،‏<br />

وعصا الراعي!!!‏<br />

يسوع:‏ نُظر إليه كإنسان إله،‏ ومخلص للبشرية،‏ رعت طفولته العذراء مريم ‏.لقبه المسيح،‏ و<strong>من</strong> أسمائه:‏ الراعي،‏<br />

خروف اإلله،‏ خبز الحياة،‏ إبن اإلنسان،‏ الكلمة،‏ صيّاد السمك،‏ الحارس.‏ وأهم رموزه هي:‏ السمكة،‏ والعنب،‏ وعصا<br />

الراعي !!!<br />

عقيدتا حورس ويسوع:‏<br />

‎1‎ عن خصائص عقيدة حورس ، يوم الدينونة يقول حورس:‏ أنا أطعمت الجياع خبزا،‏ وسقيت العطاش ماءا وكسيّت<br />

العراة،‏ وأعطيت قاربا ل<strong>من</strong> تحطمت مراكبهم ‏.أنا حورس العظيم،‏ أنا سيد الضوء،‏ أنا ال<strong>من</strong>تصر،‏ أنا وراث األبدية،‏ أنا<br />

الذي يعرف مسالك السماء،‏ أنا أمير األبدية،‏ أنا حورس الذي المستمر إلى األبد ‏.واألبدية هي إسمي،‏ أنا مالك خبز<br />

‏“أنو”‏ وخبز السماء مع رع!!‏<br />

‎2‎ أما خصائص عقيدة يسوع فتقول ‏)الني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني ‏)مت : 25<br />

35( أنا نور العالم ‏)ما دمت في العالم فانا نور العالم ‏)يو 5(( أنا الطريق إلى الحقيقة والحياة ‏)قال له يسوع انا هو<br />

الطريق و الحق و الحياة ليس احد ياتي الى االب اال بي ‏)يو 6( (، قال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم قبل ان<br />

يكون ابراهيم انا كائن ‏)يو 58(، هو في األمس واليوم ودائما ‏)يسوع المسيح هو هو امسا و اليوم و الى االبد ‏)عب<br />

) (8 13، : أنا الخبز الحيّ‏ الذي نزل <strong>من</strong> السماء ‏)هذا هو الخبز الذي نزل <strong>من</strong> السماء ليس كما اكل اباؤكم ال<strong>من</strong> و<br />

ماتوا <strong>من</strong> ياكل هذا الخبز فانه يحيا الى االبد ‏)يو<br />

: 9<br />

: 14<br />

))58 : 6<br />

: 8<br />

ثانياً‏ بخصوص طقوس المسيحية<br />

:<br />

جدير بالذكر أن المسيحية بالشكل الحالي تم صياغتها عن طريق بولس ( الرسول ) صائغاً‏ أياها <strong>من</strong> عقائد المصريين<br />

( عن حورس ) وعقائد أخرى <strong>من</strong> الهند وبابل واليونان وغيرها <strong>من</strong> الديانات الشرقية والغربية…‏ وحينما أتت هذه<br />

الديانة المسيحية عن طريق الرومان قبلوها ألنها إستنساخ لعقيدتهم وأعتبروا المسيح تجسد لحورس معبودهم<br />

العزيز…‏ كما فعل الهندوس حينما بشروا بالمسيح قبلوه كتجسد جديد لإلله<br />

كريشنا!!!‏<br />

ولذلك لم يتدخل المصريين في صياغة دين المسيحية…‏ ولكنهم ساهموا<br />

بالكثير في العبادات الفرعية والطقوس المسيحية وقد البسوا ثوب وأقاصيص<br />

وأساطير معبودهم حورس على أحد جنود الرومان يدعى جرجس وعاملوه<br />

وكأنه ( معبود أدنى <strong>من</strong> المسيح أو قديس أو شفيع(‏ وأليكم قصته:‏<br />

7


‏))يتمتع القديس مارجرجس بمكانة مهمة في قلوب األقباط..‏ فهو ‏“أمير الشهداء ‏“و”أبو حربة الروماني”‏ و”سريع<br />

الندهة”‏ ويوجد في احتفاالت الكنيسة القبطية أكثر <strong>من</strong> عيد للشهيد مارجرجس،‏ فهناك عيد استشهاده ويقع في<br />

برمودة ‎1‎مايو،‏ وهناك عيد آخر يوم أبيب الموافق الموافق 23 يوليو تذكار نقل أعضاء مارجرجس إلي كنيسته<br />

األثرية بمصر القديمة،‏ وهناك هاتور الموافق نوفمبر تكريس أول كنيسة في العالم علي اسم الشهيد مارجرجس<br />

بؤونة الموافق يونيو تذكار بناء أول كنيسة علي اسمه في بلدة برما مركز طنطا محافظة الغربية..‏ وب<strong>من</strong>اسبة<br />

االحتفال بأعياده نلقي الضوء علي هذه الشخصية الفريدة.‏ أما عن سيرة مارجرجس نفسه فهو ولد في كبادوكيا قرب<br />

فلسطين الحالية <strong>من</strong> أب يدعي ‏“أنسطاسيوس ‏“وأم تدعي ‏“ثاؤبستا”،‏ واهتم الوالدان بتربيته تربية مسيحية حقيقية،‏ ولقد<br />

توفي والده عندما كان مارجرجس في سن 17 سنة وكان يعمل قائدا كبيرا في الجيش،‏ فطلب اإلمبراطور <strong>من</strong> ابنه<br />

جرجس أن يعين مكانه قائدا للجيش،‏ وعندما لمس بطولته وشجاعته عينه قائد مائة،‏ وعندما رأي األمبراطور<br />

دقلديانوس النمو المتزايد للمسيحية أصدر <strong>من</strong>شورا بخضوع جميع أفراد اإلمبراطورية لألمبراطور،‏ والسجود لآللهة<br />

أبولون وأرطاميس،‏ ثم قام بتعليق هذا ال<strong>من</strong>شور في الميادين الكبري،‏ فما كان <strong>من</strong> الفارس الشجاع مارجرجس إال أنه<br />

قام بتقطيع ال<strong>من</strong>شور أمام الجميع،‏ وعندما مثل جرجس أمام اإلمبراطور أصر علي إعالن إيمانه المسيحي أمامه فما<br />

كان <strong>من</strong> اإلمبراطور إال أن أن استشاط غضبا،‏ وأمر بتعذيبه حتي يرجع عن رأيه ويجحد مسيحيته ويسجد إللهة<br />

الرومان،‏ و<strong>من</strong> هنا مر جرجس بسلسلة طويلة <strong>من</strong> العذابات استمرت حوالي 7 سنوات وقيل إنه وصل في ثالث مرات<br />

إلي حافة الموت،‏ ولكن في كل مرة كان الرب ينجيه ويقيمه مرة أخري،‏ وخالل هذه السنوات السبع ذاق الشهيد جميع<br />

أنواع العذابات تحمل جميعها في صبر وشجاعة،‏ وأخيرا عندما يئس <strong>من</strong>ه األمبراطور <strong>من</strong> إرجاعه عن إيمانه المسيحي<br />

أمر بقطع رأسه،‏ وكان ذلك في عام ‎307‎م تقريبا.‏<br />

23<br />

16<br />

16<br />

7<br />

10<br />

13 ،.<br />

و<strong>من</strong> أشهر المؤرخين الذين كتبوا عن سيرة مارجرجس يوسابيوس القيصري ( 260 340 ‏-م ) والملقب بأبي التاريخ<br />

الكنسي وذلك في الفصل الخامس <strong>من</strong> الجزء الثا<strong>من</strong> <strong>من</strong> موسوعته الشهيرة ‏“تاريخ الكنيسة واالسم األصلي لجرجس<br />

هو ‏“جوارجيوس وهو مكون <strong>من</strong> مقطعين:‏ المقطع األول هو ‏“جي ومعناها األرض باللغة اليونانية و<strong>من</strong>ها جاء<br />

ومعناه ‏“عامل<br />

علم الجيولوجيا Geology ومعناه علم طبقات األرض،‏ المقطع الثاني هو<br />

باللغة اليونانية،‏ فيكون معني االسم مكتمال هو ‏“العامل باألرض أو ‏“الفالح و<strong>من</strong> مشتقات االسم ‏“جورجي<br />

و”كركي ‏“باللغة األر<strong>من</strong>ية،‏ و”جورج ‏“باللغة اإلنجليزية و<strong>من</strong>ها ‏“سان جورج “، وبالعربية يختصر األسم إلي<br />

‏“جرجس ومؤنث االسم هو ‏“جورجينا أما كلمة ‏“مار”‏ التي تسبق<br />

اسمه فهي كلمة سريانية ومعناها ‏“السيد ومؤنثها هو ‏“مارت”‏ ومعناها<br />

‏“سيدة((.”‏<br />

”<br />

”<br />

”<br />

‏“أرجيوس ” Ergios”<br />

”<br />

”<br />

”<br />

.“<br />

”<br />

”<br />

. ”<br />

هذه مجرد قصة <strong>من</strong> قصص الكنيسة القبطية بسيناريو يتطابق مع أغلب<br />

قصص القديسين األقباط !!! ولكن ما نحن بصدده هو إلصاق بعض ما<br />

يخص االله حورس بالقديس مارجرجس:‏<br />

‏))في الفلكلور القبطي صورة أو أيقونة ، وهي تمثل مارجرجس ممتطيا<br />

الحصان ويقتل التنين تحت أقدامه،‏ وفي طرف الصورة توجد فتاة صغيرة<br />

واقفة تصلي،‏ وتروي األسطورة عن هذه الصورة أنه كان يوجد تنين كبير<br />

يسكن أحد األنهار في مدينة ، وكان يطلب كل سنة عروسًا صغيرة تقدم له<br />

كأضحية،‏ وذات مرة طلب بنت السلطان وكانت ذات جمال خارق،‏ كما<br />

كانت لها شعبية كبيرة في المدينة كلها،‏ فوقع الملك في مأزق،‏ فهو ال<br />

يستطيع كسر طلب التنين،‏ كما أنه ال يستطيع التضحية بابنته الوحيدة،‏ وقبل أن يلقوا بالفتاة في النهر صرخت الفتاة<br />

والجموع معها مستغيثين بمارجرجس،‏ فظهر الفارس مارجرجس فجأة ودارت معركة كبري بين مارجرجس والتنين<br />

انتهت أخيرا بمقتل التنين ونجاة بنت الملك <strong>من</strong> الموت،‏ هذه هي قصة األسطورة،‏ وينظر االقباط إلي األيقونة بمعني<br />

رمزي،‏ فالتنين هنا هو الشيطان الذي يريد تضليل المؤ<strong>من</strong>ين،‏ والفتاة التي تقف بعيدا هي الكنيسة التي تنتظر جهاد<br />

أبنائها وانتصارهم علي الشيطان((‏<br />

8


ولكن هذه االيقونة كما يري بعض المؤرخين لها جذور في الفن المصري القديم حيث توجد لوحة حورس وهو يمتطي<br />

حصانه أيضاً‏ وهو يقتل بالرمح ‏“ست”‏ إله الشر ويرمز له علي شكل التمساح !! ويمكنك مشاهدة هذه الصورة<br />

ومقارنتها بصورة مارجرجس<br />

وقد تمكنت عقيدة حورس <strong>من</strong> اإلنسان القبطي لدرجة أنه أصبح يعامل القديسين كبشر مؤلهين و<strong>من</strong>هم القديس<br />

مارجرجس الروماني…‏ فهو شفيع أغلبية الشعب القبطي وأيضا األوربي … ينتظر أغلب الشعب القبطي مولد<br />

مارجرجس ليقدم العطايا والنذور لهذا القديس إبتغاءاً‏ <strong>من</strong>ه أن يتشفع لهم عند المسيح حتي ينجحوا في عمل او دراسة أو<br />

شفاء أو والدة مولود … وغالباً‏ ما تتحقق هذه الرغبات والصلوات ال إستجابة <strong>من</strong> هذا اإلنسان الميت الخرافي<br />

االسطوري ( جرجس(‏ ولكن بسبب التفكير التوقعي االيجابي االيحائي ألي إنسان ( ويا عزيزي القارئ لقد عالجت<br />

هذه القضية بالتفصيل في أول موضوع لي على الحوار المتمدن بعنوان ( كوانتم الشفاء(‏<br />

ولكن المالحظ في قريتي كمثال لقرى ومدن مصر؛ أن ثالث أرباع أقباط القرية يذهبون لألديرة المسماة على أسم<br />

القديس جرجس حاملين معهم التقدمات والنذور <strong>من</strong> نقود وبقر وخرفان وماعز!!‏ أما الربع المتبقي <strong>من</strong> القرية ال يذهب<br />

ال لعدم رغبة في ذلك ولكن لضيق ذات اليد فال يمكن لقبطي أن يزور مارجرجس دون حمل العطايا لديره خاصة في<br />

المولد المخصص له …. وهذا <strong>من</strong> حسن حظ ودهاء الكهنة األرثوذكس مما يجعلهم يستميتون في الدفاع على الموالد<br />

وعقيدة الشفاعة في المسيحية لما تُدري عليهم <strong>من</strong> أرباح وثراء فاحش … بالضبط كما كان يحدث في مصر الفرعونية<br />

القديمة … فهذا إمتداد لذاك!‏<br />

و<strong>من</strong> المالحظ أيضاً‏ أن الشعب القبطي يفضل القديس مارجرجس بدرجة تتفوق على أغلب القديسين في مصر وال<br />

يتفوق عليه في التشفع سوى العذراء مريم … و<strong>من</strong> بين الموالد جميعها…‏ يبرز إحتفاالن تتضائل بجانبهما أي مولد أو<br />

إحتفال ألي قديس أخر وهما صيام العذراء والذي يليه مباشرة مولد مارجرجس في كافة االديرة المسماة بإسمه …<br />

وبال<strong>من</strong>اسبة ستجد حوالي نصف كنائس مصر مسماة بإسم هذا القديس حيث ال توجد <strong>من</strong>طقة في مصر وإال ستجد كنيسة<br />

بإسم مارجرجس!‏<br />

وتتوالى وتتواتر قصص الشفاء والمعجزات للقديس مارجرجس إمتداداً‏ لمثيالتها في القديم ال<strong>من</strong>سوبة لإلله حورس<br />

حبيب القدماء المصريين ! فلقد تمكن حورس <strong>من</strong> عقل المصريين لدرجة أن حتى حينما أُجبروا على عبادة غيره ؛<br />

ظلت صفاته وأقاصيصه في األذهان ثم أُلصقت بشخوص أخرى مثل الجندي الروماني جرجس ! هذا بعد ما وجدوا<br />

أيضا أن العبادة الجديدة التي أُجبروا على إعتناقها هي صورة طبق االصل <strong>من</strong> ديانتهم ومعبودهم حورس!‏<br />

9


10<br />

ةقرس<br />

رجحلا<br />

دوسلأا<br />

يمار<br />

ىيحي<br />

رهشلأا“<br />

”مرحلا<br />

هّمه<br />

4<br />

..روهش<br />

برعلا<br />

اومرح<br />

برحلا<br />

،مهيف<br />

اهنلإ<br />

تناك<br />

تقو<br />

مساوم<br />

ةراجتلا<br />

،جحلاو<br />

ملاسلإاو<br />

رقأ<br />

عوضوم<br />

رهشلأا<br />

مرحلا<br />

هد<br />

ددشو<br />

ىلع<br />

ةينامرح<br />

لاتقلا<br />

للاخ<br />

4لا<br />

روهش<br />

لود<br />

وذ“<br />

،ةجحلا<br />

وذ<br />

،ةدعقلا<br />

،مرحم<br />

..”بجر<br />

ةيمهلأو<br />

عوضوملا<br />

هد<br />

لزن<br />

مهيف<br />

.نآرق<br />

دجسملا<br />

مارحلا<br />

ىقب<br />

شوهلام<br />

ةقلاع<br />

ةلأسمب<br />

رهشلأا<br />

،يد<br />

ناكملاف<br />

هسفن<br />

مارح<br />

هيف<br />

لوط لاتقلا<br />

،تقولا<br />

ءاوس<br />

تناك<br />

رهشأ<br />

مرح<br />

وأ<br />

رهشأ<br />

شم<br />

..مرح<br />

لضفي<br />

وه<br />

يف<br />

دح<br />

هتاذ<br />

”.مرحلا“<br />

ةنس<br />

ه317<br />

تررق<br />

ةقرف<br />

نم<br />

،نيملسملا<br />

مهمسا<br />

،”ةطمارقلا“<br />

اومجاهي<br />

جاّجحلا<br />

مهولتقيو<br />

ه ّوج<br />

مرحلا<br />

مهوقرسيو<br />

اومجهتيو<br />

ىلع<br />

..ةبعكلا<br />

؟هيل<br />

؟يازإو<br />

هيإو<br />

..؟ليصافتلا<br />

لاي<br />

انيب<br />

دخان<br />

ةلوج<br />

يف<br />

خيرات<br />

ةلودلا<br />

،ةيملاسلإا<br />

ةرملاو<br />

يد<br />

يف<br />

رصع<br />

.نييسابعلا<br />

مكاح<br />

ةلودلا<br />

ةيملاسلإا<br />

قلطيب<br />

هيلع<br />

بقل<br />

،”ةفيلخ“<br />

ردصمو<br />

بقللا<br />

وه<br />

نأ<br />

سلاجلا<br />

ىلع<br />

شرع<br />

ةلودلا<br />

يد<br />

وه<br />

ةفيلخ“<br />

،”الله لوسر<br />

اعبطو<br />

يف<br />

ةلودلا<br />

ةيملاسلإا<br />

شيفم<br />

مهأ<br />

نم<br />

نيدلا<br />

يللا<br />

مكحيب<br />

لك<br />

ليصافت<br />

ةلودلا<br />

يللا<br />

ةلامع<br />

عسوتت<br />

فدهب“<br />

رشن<br />

،”ملاسلإا<br />

نمو<br />

يعيبطلا<br />

نأ<br />

مسوم<br />

جحلا<br />

وه<br />

مهأ<br />

مساوم<br />

،ةنسلا<br />

هناشعو<br />

ناك<br />

نييشرقلا<br />

لبق-<br />

-ملاسلإا<br />

نينّمأم<br />

لك<br />

قرطلا<br />

ةيدؤملا<br />

.ةكمل<br />

سب<br />

يللا<br />

لصح<br />

يف<br />

عقاولا<br />

نأ<br />

نم<br />

دعب<br />

لتقم<br />

نامثع<br />

نب<br />

نافع<br />

مت<br />

لقن<br />

ةمصاعلا<br />

نم<br />

زاجحلا<br />

،لماكلاب<br />

دعبو<br />

ةرتف<br />

ةفلاخلا<br />

ةريصقلا<br />

الله دبعل<br />

نب<br />

،ريبزلا<br />

مت<br />

شيمهت<br />

ةقطنملا<br />

لكشب<br />

ريبك<br />

حبصأو<br />

ماشلا<br />

وه<br />

ةرانم<br />

ةلودلا<br />

..ةيملاسلإا<br />

يف<br />

نيح<br />

كرت<br />

،نيمرحلا<br />

يكملا<br />

،يوبنلاو<br />

لاب<br />

يأ<br />

نيمأت<br />

،مرتحي<br />

متو<br />

لامهإ<br />

قرطلا<br />

ةيدؤملا<br />

..هيلإ<br />

اًيجيردتو<br />

تفقوت<br />

ةلودلا<br />

نع<br />

نيمأت<br />

جاوفأ<br />

،جيجحلا<br />

بلغأف<br />

تاوقلا<br />

تناك<br />

ةلغشنم<br />

تاعارصلاب<br />

ةيلخادلا<br />

ىلع<br />

ةطلسلا<br />

وأ<br />

ىلع<br />

عيسوت<br />

ةعقر<br />

ةلودلا<br />

رتكأ<br />

..رتكأو<br />

رشنو<br />

ملاسلإا<br />

رتكأ<br />

.رتكأو<br />

يف<br />

دهع<br />

ةفيلخلا<br />

ردتقملا<br />

،للهاب<br />

رفعج<br />

نب<br />

دمحأ<br />

،دضتعملا<br />

داز<br />

ذوفن<br />

ةطمارقلا<br />

يف<br />

ةقطنم<br />

،نيرحبلا<br />

اولصوو<br />

،ةفوكلل<br />

بسنت<br />

ةطمارقلا<br />

ىلإ<br />

اهسسؤم<br />

نادمح<br />

نب<br />

،ثعشلأا<br />

بقلملا<br />

،”طمرق”ب<br />

ةفيلخلا<br />

يسابعلا<br />

شناكام<br />

يضاف<br />

زكري<br />

يف<br />

ليصافتلا<br />

يد<br />

..اهلك<br />

هنلإ<br />

شم<br />

سب<br />

هدنع<br />

تاقانخ<br />

ريتك<br />

ع<br />

..ةطلسلا<br />

ا<strong>من</strong>إ<br />

وه<br />

اًساسأ<br />

هدنع<br />

13<br />

ةنس<br />

،اهتقو<br />

انبرف<br />

نوكي<br />

يف<br />

نوع<br />

.ةيعرلا<br />

ناشع<br />

شلحستنام<br />

يف<br />

ليصافت<br />

ةيدئاقع<br />

شانلام<br />

،اهيف<br />

انيلخ<br />

شخن<br />

لوط ىلع<br />

ىلع<br />

ةلحرم<br />

عطق<br />

ةطمارقلا<br />

قرطلا<br />

ىلع<br />

لفاوق<br />

:جيجحلا<br />

نم<br />

ةنس<br />

،ه294<br />

ينعي<br />

لبق<br />

لفطلا<br />

يسابعلا<br />

هد<br />

ام<br />

كسمي<br />

مكحلا<br />

ةنسب<br />

،ةدحاو<br />

تأدب<br />

قرف<br />

ةيركسع<br />

نم<br />

ةطمارقلا<br />

مجاهت<br />

لفاوق<br />

..جيجحلا<br />

اوناكو<br />

مهوقبسيب<br />

اومدريو<br />

رابلآا<br />

يللا<br />

يف<br />

قيرطلا<br />

اومريو<br />

اهيف<br />

تاناويح<br />

،ةتيم<br />

املف<br />

اومجاهي<br />

ةلفاقلا<br />

نوكي<br />

يللا<br />

اهيف<br />

نيقهرم<br />

،نيناشطعو<br />

ىكحُيو<br />

نع<br />

دحاو<br />

نم<br />

مهتادايق<br />

همسا<br />

رهاط وبأ<br />

ناميلس<br />

نب<br />

يبأ<br />

ديعس<br />

،يبانجلا<br />

هنإ<br />

مجاه<br />

ةلفاق<br />

جاّجح<br />

لتقف<br />

لاجرلا<br />

ىبسو<br />

ءاسنلا<br />

لافطلأاو<br />

ىلوتساو<br />

ىلع<br />

مهتاقلعتم<br />

باسو<br />

نييقابلا<br />

يف<br />

ءارحصلا<br />

،يشمو<br />

تامف<br />

مهبلغأ<br />

نم<br />

رحلا<br />

،شطعلاو<br />

مدعو<br />

ضرعت<br />

شيج<br />

نييسابعلا<br />

ةطمارقلل<br />

يف<br />

ييأر<br />

شوهلام<br />

ريغ<br />

ببس<br />

نم<br />

:نينتا<br />

مدع1-<br />

مامتها<br />

ةلودلا<br />

عوضوملاب<br />

.هد


11<br />

مازتلا2-<br />

شيج<br />

نييسابعلا<br />

مدعب<br />

لاتقلا<br />

يف<br />

رهشلا<br />

.مارحلا<br />

ج ّوت<br />

ةطمارقلا<br />

مهتاءادتعا<br />

ىلع<br />

جاّجحلا<br />

ةنس<br />

317<br />

،ه<br />

امل<br />

اومجاه<br />

ةكم<br />

اهسفن<br />

للاخ<br />

مسوم<br />

،جحلا<br />

سفن<br />

،دئاقلا<br />

رهاط وبأ<br />

،يطمرقلا<br />

وه<br />

يللا<br />

ىلوت<br />

ةدايق<br />

شيج<br />

ةطمارقلا<br />

هجوتلاو<br />

ةكمل<br />

للاخ<br />

مسوم<br />

،جحلا<br />

فلحو<br />

فارشلأ<br />

ةكم<br />

اهخياشمو<br />

ظلغأ<br />

ناميلأا<br />

مهنإ<br />

نيياج<br />

اوّجحي<br />

يز<br />

يقاب<br />

نيملسملا<br />

اولكتيو<br />

الله ىلع<br />

يف<br />

،ملاس<br />

مهقّدصف<br />

سانلا<br />

متو<br />

حامسلا<br />

مهيل<br />

لوخدب<br />

ةنيدملا<br />

ناشع<br />

،اوجحي<br />

ةأجفو<br />

ر ّود<br />

نيملسملا“<br />

”ةطمارقلا<br />

لتقلا<br />

يف<br />

نيملسملا<br />

يللا“<br />

شم<br />

”ةطمارق<br />

ه ّوج<br />

دجسملا<br />

،مارحلا<br />

ةجردل<br />

نأ<br />

ضعب<br />

يللا“<br />

شم<br />

”ةطمارق<br />

لتقتا<br />

وهو<br />

قلعتم<br />

ةوسكب<br />

،ةبعكلا<br />

يز<br />

ام<br />

لصح<br />

نامز<br />

عم<br />

نبا“<br />

،”لطخلأا<br />

يللا<br />

نيملسملا<br />

هولتق<br />

موي<br />

حتف<br />

ةكم<br />

ءانب<br />

ىلع<br />

رمأ<br />

.يبنلا<br />

متو<br />

بلس<br />

بهنو<br />

لك<br />

جيجحلا<br />

بهنو<br />

دجسملا<br />

مارحلا<br />

،هسفن<br />

اودخأ<br />

باب<br />

ةبعكلا<br />

ناشع<br />

ناك<br />

حيافص هيلع<br />

بهد<br />

اودخو<br />

ةوسك<br />

ةبعكلا<br />

اوكفو<br />

رجحلا<br />

،دوسلأا<br />

وه<br />

رخار<br />

اًعبط ،هودخ<br />

شيفم<br />

يأ<br />

ماقرأ<br />

ةقيقد<br />

اياحض نع<br />

ةحبدملا<br />

،يد<br />

اًعبط ريغ<br />

نأ<br />

يللا<br />

اوفرع<br />

اوعلخي<br />

اوتام<br />

نم<br />

عوجلا<br />

شطعلاو<br />

،رحلاو<br />

اًعبطو<br />

هضرب<br />

شيفم<br />

يأ<br />

ماقرأ<br />

ةقيقد<br />

نع<br />

ىرسلأا<br />

يللا<br />

اولوحتيب<br />

كيتاموتوأ<br />

ديبعل<br />

يراوجو<br />

،ناملغو<br />

امأ<br />

نع<br />

ثثج<br />

ىلتقلا<br />

اهمرفف<br />

”ةطمارقلا“<br />

يف<br />

رابآ<br />

،ةّيملا<br />

يللا<br />

يز<br />

ريب<br />

مزمز<br />

.هدك<br />

”يدوعسملا“<br />

ركذ<br />

نأ<br />

ةحبدملا<br />

يد<br />

ترمتسا<br />

8<br />

،مايأ<br />

لضف<br />

”ةطمارقلا“<br />

مهيف<br />

نيرصاحم<br />

،ةكم<br />

لكو<br />

موي<br />

نم<br />

حبصلا<br />

اولزني<br />

اولتقي<br />

اوقرسيو<br />

اوبهنيو<br />

اوح ّوريو<br />

رخآ<br />

راهنلا<br />

،اوحاتري<br />

شيفمو<br />

يأ<br />

ددم<br />

ركذُي<br />

هنإ<br />

لصو<br />

وأ<br />

ىتح<br />

كرحت<br />

نم<br />

ةمصاعلا<br />

يف<br />

ماشلا<br />

ةدجنل<br />

زكرم<br />

ةلودلا<br />

ةيملاسلإا<br />

ةلبقو<br />

،نيملسملا<br />

لضفو<br />

رجحلا<br />

دوسلأا<br />

يف<br />

ةزايح<br />

رتكلأ ”ةطمارقلا“<br />

نم<br />

نيرشع<br />

..ةنس<br />

شيفمو<br />

دح<br />

فرع<br />

لمعي<br />

مهاعم<br />

،ةجاح<br />

لاو<br />

ردق<br />

يأ<br />

دح<br />

هدرتسي<br />

مهنم<br />

لا<br />

برحلاب<br />

لاو<br />

..ضوافتلاب<br />

ركذيو<br />

نأ<br />

ددع<br />

نم<br />

ءارمأ<br />

نيملسملا<br />

اولواح<br />

اودتفي<br />

رجحلا<br />

دوسلأا<br />

لاملاب<br />

نكل<br />

شوردقام<br />

اولصوي<br />

عم<br />

”ةطمارقلا“<br />

لحل<br />

يلأ لاو<br />

،قافتا<br />

ةياغل<br />

ام<br />

هوعجر<br />

مهيدحول<br />

ةنس<br />

ه339<br />

:اولاقو<br />

هانذخأ“<br />

..رمأب<br />

هاندعأو<br />

”.رمأب<br />

ركذو<br />

نبا“<br />

”ريبج<br />

يف<br />

هتلحر<br />

نأ<br />

رجحلا<br />

دوسلأا<br />

عطقتا<br />

اذك<br />

،ةتح<br />

”يزيرقملا”و<br />

لاق<br />

نإ<br />

اقوقش“<br />

تثدح<br />

دعب<br />

”.هعلاقنا<br />

يدو<br />

تناك<br />

ةقلح<br />

نم<br />

تاقلح<br />

ةلسلس<br />

ءادتعا<br />

نيملسملا<br />

ىلع<br />

مهتاسدقم<br />

..ةيملاسلإا<br />

يللاو<br />

هسل<br />

هنم<br />

تاقلح<br />

ةينات<br />

فرعنه<br />

اهيف<br />

اوس<br />

ليصافت<br />

.ريتك<br />

سب<br />

لك<br />

هد<br />

شم<br />

مزلا<br />

انيلخي<br />

ةظحل<br />

ةدحاو<br />

ىسنن<br />

نأ<br />

”ناريت“<br />

”ريفانص”و<br />

..ةيرصم<br />

نأو<br />

لله دمحلا<br />

كلام<br />

يلداع<br />

جرخ<br />

ةملاسلاب<br />

سب<br />

هسل<br />

اندنع<br />

تارشع<br />

نيسوبحملا<br />

ايطايتحا<br />

يف<br />

اياضق<br />

..ةيسايس<br />

اًعبطو<br />

نأ<br />

روتسدلا<br />

ريغ<br />

..لعفم<br />

نأو<br />

رارقلا<br />

444<br />

مزلا<br />

..لدعتي<br />

مهلأاو<br />

ةبسنلاب<br />

يل<br />

نأ<br />

كلام<br />

يلداع<br />

رُح<br />

نأو<br />

نييبونلا<br />

مزلا<br />

اوعجري<br />

..مهيضارأ<br />

نأو<br />

TE.Data<br />

أوسأ<br />

ةكرش<br />

تنرتنإ<br />

يف<br />

.بكوكلا


المدنية الدولة مفهوم حول<br />

حسام الحداد<br />

ظهرت فكرة الدولة المدنية عبر محاوالت فالسفة التنوير تهيئة األرض<br />

فكريا لنشأة دولة حديثة تقوم على مبادئ المساواة وترعى الحقوق،‏<br />

وتنطلق <strong>من</strong> قيم أخالقية فى الحكم والسيادة..‏ ولقد تبلورت فكرة الدولة<br />

المدنية عبر إسهامات الحقة ومتعددة <strong>من</strong> مصادر مختلفة فى العلوم<br />

االجتماعية.‏<br />

ولكى يبلور المفكرون طبيعة الدولة الجديدة لجأوا إلى تصوير حالة الطبيعة التى تقوم على الفوضى وعلى طغيان<br />

األقوى.‏ فهذه الحالة تحكمها مشاعر القوة والغضب والسيطرة ؛ فتفقد الروح المدنية التى تتسم بالتسامح والتساند<br />

والتعاون <strong>من</strong> أجل العيش المشترك.‏ إن تأسيس الدولة المدنية هو الكفيل بسيادة هذه الروح التى ت<strong>من</strong>ع الناس <strong>من</strong> االعتداء<br />

على بعضهم البعض <strong>من</strong> خالل تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية،‏<br />

تستطيع أن تنظم الحياة العامة وتحمى الملكية الخاصة،‏ وتنظم شئون التعاقد،‏ وأن تطبق القانون على جميع الناس<br />

بصرف النظر عن مكاناتهم وانتماءاتهم.‏<br />

وتمثل الدولة إرادة المجتمع.‏<br />

يعنى ذلك أن فكرة الدولة المدنية تنبع <strong>من</strong> إجماع األمة و<strong>من</strong> إرادتها المشتركة.‏<br />

وإذ تتأسس الدولة المدنية على هذا النحو فإنها تصبح دولة توصف بأوصاف كثيرة <strong>من</strong> أولها أنها دولة قانون.‏<br />

فالدولة المدنية تعرف على أنها اتحاد <strong>من</strong> أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام <strong>من</strong> القوانين،‏ مع وجود قضاء يطبق<br />

هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل ‏.ف<strong>من</strong> الشروط األساسية فى قيام الدولة المدنية أال يخضع أى فرد فيها النتهاك حقوقه<br />

<strong>من</strong> قبل فرد آخر أو طرف آخر.‏ فثمة دائما سلطة عليا هى سلطة الدولة يلجأ إليها األفراد عندما تنتهك حقوقهم أو<br />

تهدد باالنتهاك.‏<br />

هذه السلطة هى التى تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل األطراف،‏ وت<strong>من</strong>ع األطراف <strong>من</strong> أن يطبقوا أشكال العقاب<br />

بأنفسهم.‏ و<strong>من</strong> ثم فإنها تجعل <strong>من</strong> القانون أداة تقف فوق األفراد جميعا.‏<br />

و<strong>من</strong> خصائص الدولة المدنية أنها تتأسس على نظام مدنى <strong>من</strong> العالقات التى تقوم على السالم والتسامح وقبول اآلخر<br />

والمساواة فى الحقوق والواجبات،‏ والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة.‏ إن هذه القيم هى التى تشكل ما يطلق<br />

عليه الثقافة المدنية،‏ وهى ثقافة تتأسس على مبدأ االتفاق؛ أى وجود حد أدنى <strong>من</strong> القواعد التى تشكل خطوطا حمراء ال<br />

يجب تجاوزها،‏ على رأسها احترام القانون ‏)وهو يشكل القواعد المكتوبة(.‏ وتأتى بعده قواعد عرفية عديدة غير<br />

مكتوبة تشكل بنية الحياة اليومية للناس،‏ تحدد لهم صور التبادل القائم على النظام ال الفوضى،‏ وعلى السالم ال العنف،‏<br />

وعلى العيش المشترك ال العيش الفردى ‏،وعلى القيم اإلنسانية العامة ال على القيم الفردية أو النزعات المتطرفة.‏<br />

12


و<strong>من</strong> ثم فإن الدولة المدنية ال تستقيم أال بشرط ثالث هو المواطنة.‏ ويتعلق هذا الشرط بتعريف الفرد الذى يعيش على<br />

أرض هذه الدولة.‏ فهذا الفرد ال يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته,‏ وإنما يُعرف تعريفا قانونيا<br />

اجتماعيا بأنه مواطن،‏ أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات ‏.وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.‏ فإذا<br />

كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل،‏ وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فيها قيمة السالم االجتماعى،‏ فإن<br />

المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة.‏<br />

فالمواطنون يتساوون أمام القانون ولكل <strong>من</strong>هم حقوق وعليه التزامات تجاه المجتمع الذى يعيشون فيه.‏<br />

والمواطنون هنا ال يجب أن يعيشوا كمواطنين ال مبالين،‏ بل يجب أن يكون جلهم <strong>من</strong> المواطنين النشطاء الذين يعرفون<br />

حقوقهم وواجباتهم جيدا،‏ ويشاركون مشاركة فعالة فى تحسين أحوال مجتمعهم بحيث يرقون بمدنيتهم على نحو دائم،‏<br />

ويخلصون إخالصا كبيرا لكل ما هو ‏»عام«:‏ الصالح العام،‏ والملكية العامة،‏ والمبادئ العامة.‏ فهم يحرصون دائما<br />

على كل ما يتصل بالخير العام.‏<br />

و<strong>من</strong> ثم،‏ فإن الدولة المدنية لها خصيصة رابعة مهمة وهى الديمقراطية ‏.فالديمقراطية هى التى ت<strong>من</strong>ع <strong>من</strong> أن تؤخذ<br />

الدولة غصبا <strong>من</strong> خالل فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.‏ إن الديمقراطية هى وسيلة الدولة<br />

المدنية لتحقيق االتفاق العام والصالح العام للمجتمع كما أنها وسيلتها للحكم العقالنى الرشيد وتفويض السلطة وانتقالها.‏<br />

إن الديمقراطية تتيح الفرصة للتنافس الحر الخالق بين األفكار السياسية المختلفة،‏ وما ينبثق عنها <strong>من</strong> برامج<br />

وسياسات.‏ ويكون الهدف النهائى للتنافس تحقيق المصلحة العليا للمجتمع ‏)إدارة المجتمع والسياسات العامة بأقصى<br />

درجات الدقة واإلحكام والشفافية واألداء اإلدارى المتميز النزيه(‏ والحكم النهائى فى هذا التنافس هو الشعب الذى<br />

يشارك فى انتخابات عامة الختيار القيادات ونواب الشعب،‏ ال بصفتهم الشخصية وإنما بحكم ما يطرحونه <strong>من</strong> برامج<br />

وسياسات.‏<br />

إن الديمقراطية هى الوسيلة التى تلتئم <strong>من</strong> خاللها األفكار المختلفة والتوجهات السياسية المختلفة،‏ لالرتقاء الدائم<br />

بالمجتمع وتحسين ظروف المعيشة فيه،‏ وكذلك االرتقاء بنوعية الثقافة الحاكمة لعالقات األفراد وتفاعالتهم.‏<br />

بمعنى مختصر إنها الطريق نحو التقدم الدائم.‏<br />

وال تتحقق الديمقراطية أال بقدرة الدولة المدنية على تطوير مجال عام أو ميدان عام،‏ وهو مصطلح يطلق على مجال<br />

النقاش والتداول العام الذى يحقق التواصل االجتماعى بين الجماعات المختلفة واآلراء المختلفة.‏ ويضم المجال العام<br />

مجاالت فرعية للنقاش والحوار،‏ تبدأ <strong>من</strong> الصالونات الفكرية وتتدرج عبر الجمعيات األهلية وال<strong>من</strong>تديات والمؤتمرات<br />

العامة وصوال إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات المهنية وجماعات الضغط والحركات االجتماعية واألحزاب<br />

السياسية.‏ وهذا الميدان العام يحافظ على استقالله،‏ بحيث يكون قادرا على طرح أفكاره على نحو موضوعى ومحايد.‏<br />

فالمجال العام هو الذى يلهم المجتمع األساليب القويمة فى التفكير والتدبر العام والتواصل الجمعى.‏ إنه يحول<br />

ال<strong>من</strong>اقشات المتفرقة إلى <strong>من</strong>اقشات تصب فى هدف عام،‏ وتتم وفق قواعد وأصول عقلية بحيث ال يتحول النقاش إلى<br />

فوضى،‏ طالما أنه يقوم على العقل والبصيرة والتدبر والقدرة على التفاوض وتقديم الحلول والمرونة فى االستجابة<br />

ألفكار األطراف األخرى.‏<br />

ويتأسس المجال العام بجانب عملية التدبر العقلى والتفاوض على ما يطلق عليه الفعل التواصلى أو االتصالى.‏ إنه<br />

الفعل الذى يقوم على احترام أفعال اآلخرين وأفكارهم،‏ واالستجابة إليها على نحو عقالنى بحيث يتجه النقاش صوب<br />

المصلحة العامة دون إحداث صخب أو ضوضاء أو عنف أو تنافر أو تنابذ أو رفض.‏<br />

وأخيرا،‏ فإن الدولة المدنية ال تتأسس بخلط الدين بالسياسة.‏ إن الدين يظل فى الدولة المدنية عامال أساسيا فى بناء<br />

األخالق وفى خلق الطاقة للعمل واإلنجاز والتقدم.‏ هذه وظيفة للدين أصيلة فى كل المجتمعات الحديثة الحرة ‏..و<strong>من</strong> ثم<br />

13


فليس صحيحا أن الدولة المدنية تعادى الدين أو ترفضه.‏ فالدين جزء ال يتجزأ <strong>من</strong> <strong>من</strong>ظومة الحياة وهو الباعث على<br />

األخالق واالستقامة وااللتزام،‏ بل إنه عند البعض الباعث على العمل واإلنجاز والنجاح فى الحياة.‏ ينطبق ذلك على<br />

اإلنسان فى حياته اليومية كما ينطبق على رجال السياسة بنفس القدر.‏<br />

إن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية,‏ فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه<br />

الدولة المدنية،‏ فضال عن أنه وربما يكون هذا هو أهم هذه العوامل يحول الدين إلى موضوع خالفى وجدلى وإلى<br />

تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.‏ <strong>من</strong> ثم فإن الدين فى الدولة المدنية<br />

ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح،‏ ولكنه يظل فى حياة الناس الخاصة طاقة وجودية وإيمانية ت<strong>من</strong>ح األفراد فى حياتهم<br />

مبادئ األخالق وحب العمل وحب الوطن وااللتزام األخالقى العام.‏<br />

14


أبي حكيمة..‏<br />

والشعر الجنس<br />

في الدولة<br />

العباسية<br />

هو راشد بن إسحاق بن راشد الكاتب.‏ أغلب الظنّ‏ أنه <strong>من</strong> أصل غير عربي.‏ ولد في<br />

الكوفة،‏ وشهد فتنة األمين والمأمون في بغداد،‏ كما شهد نكبة الفضل بن مروان عام<br />

ه.‏ كان كاتب عبدهللا بن الطاهر في مصر.‏ توفي عام ه في طريقه إلى<br />

الحج.‏ له ديوان ضاع أكثر <strong>من</strong> نصفه،‏ حقّقه محمد حسين األعرجي،‏ والطريف في<br />

هذا الديوان أن صاحبه وقف معظمه على رثاء ذَكَره بعدما أُصيب بالعنّة،‏ وعُرفت<br />

أشعاره عند العرب ب ‏”أيريّات أبي حكيمة.”‏<br />

240<br />

221<br />

كان أبو حكيمة ذا مكانة مميّزة لدى الخلفاء،‏ وفي مجالس األمراء،‏ وكان شعره<br />

محبّباً‏ إلى مسامعهم،‏ حتى ضاق به صدر أبي تمّام لذيوع صيته.‏ فلم يكن الخليفة<br />

يالقي حرجاً‏ أو إثماً‏ في سماع شعره بمجالسه الخاصة لما يشيعه <strong>من</strong> ظرف وحبور.‏<br />

بالطبع ليس ‏“سهالً”‏ على رجل عاش في العصر العباسي،‏ أن يصاب بضعف<br />

جنسي يجعل مَتاعه ال ينتصب،‏ في ز<strong>من</strong> عبق بالجواري ومجالس اللهو والخمر<br />

وبحرّ‏ ية أجازت للرجل ممارسة كلّ‏ شيء،‏ خصوصاً‏ إذا كان هذا الرجل م<strong>من</strong> أولع<br />

بالنساء وبالخمر…‏ وقد انتهى األمر بأبي حكيمة إلى الطلب <strong>من</strong> أمير المؤ<strong>من</strong>ين أن<br />

ي<strong>من</strong>حه جاريةً‏ تحيي ذَكَره:‏<br />

‏“يكفّن الناس موتاهم إذا هلكوا<br />

وبين رِ‏ جلَيَّ‏ مَيْتٌ‏ ما له كفنُ‏<br />

هذا الخليفة فاستوهبه جاريةً‏<br />

حوراء تضحك في أعطافها الفتنُ‏<br />

لعلّ‏ أيرك يحيى إن ألمّ‏ به<br />

وجه مليحٌ،‏ وخلق ناعم حسنُ.”‏<br />

هذا الخليفة هو المأمون نفسه الذي عيّن قاضياً‏ لوطياً‏ ‏)يحيى بن أكثم(،‏ وفيه قال أبو حكيمة شعراً‏ ذاع صيته:‏<br />

‏“وكنّا نرجّي أن نرى العدل ظاهراً‏<br />

فأعقَبَنا بعد الرجاء قنوطُ‏<br />

15


ٍ<br />

متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها<br />

وقاضي قضاة المسلمين يلوطُ؟.”‏<br />

و<strong>من</strong> نافل القول إن أبا حكيمة لم يكن بعيداً‏ عن جو الغلمان إال أنه كان شديد الميل نحو النساء،‏ وما رثاؤه لذكره إال <strong>من</strong><br />

باب التأسّف والتفجّع على ‏“عدّة الجنس”‏ التي خذلته في كبره.‏ لم يبكِ‏ أبو حكيمة على األطالل كما تفعل العرب عادة،‏<br />

بل احتقر هذه العادة كشريكه أبي نؤاس،‏ ترك<br />

أطالل الحجر ليرثي أطالل الذَّكَر:‏<br />

‏“ال يوحشنّك فقدُ‏ الحيّ‏ إن رحلوا<br />

دعْهم لكلّ‏ فقيدٍ‏ <strong>من</strong>همُ‏ بَدَلُ‏<br />

وال تقف بين أطاللٍ‏ تسائلها<br />

فلن يردّ‏ جواب السائل الطللُ‏<br />

ولتبكِ‏ عينك أيراً‏ ال حراك به<br />

ال اللمس يُنشطه يوماً‏ وال القُبَلُ.”‏<br />

“<br />

و<strong>من</strong> ‏“غيره”‏ يستحقّ‏ الرثاء،‏ بعد الذلّ‏ الذي<br />

سبّبه كسله وقعوده:‏<br />

أذللتني بعد عزّ‏<br />

ويلي عليك وعَوْ‏ لي<br />

قد كنتَ‏ حربة نيكٍ‏<br />

فصرت ميزاب بولِ‏<br />

جلَّت عيوبُك عندي<br />

عن كلّ‏ وصفٍ‏ وقولِ.”‏<br />

16


ويقول أيضاً:‏<br />

‏“أبكي على لهوي ولذّاتي<br />

بعبرة تشفي حراراتي<br />

أبكي على أيرٍ‏ ضعيف القوى<br />

يخونني في وقت حاجاتي<br />

ينام عما يستلذّ‏ الفتى<br />

ونومه إحدى المصيباتِ.”‏<br />

لم يستطع أبو حكيمة تحمّل خسارة ‏“رجولته”،‏ فعمد إلى المجاهرة بما أصابه،‏ علّ‏ هذا اإلشهار يخفّف عن نفسه<br />

ويروّ‏ ح عن جميع المبتلين بهذه الحال،‏ مستذكراً‏ ز<strong>من</strong> ‏“معاركه”‏ و”غزواته”‏ المشهورة بين النساء:‏<br />

‏“أال أيها األير الذي ليس ينفعُ‏<br />

أعندك في تحريك رأسك مطمعُ‏<br />

إلى كم وقد نُبّهتَ‏ <strong>من</strong> سكرة الكرى<br />

توسّدُ‏ إحدى بيضتيك وتهجعُ‏<br />

عدمتكَ‏ <strong>من</strong> أيرٍ‏ قليل غناؤه<br />

خلت <strong>من</strong>ه أسباب ال<strong>من</strong>افع أجمعُ‏<br />

تغيّرتَ‏ حتى ما تُرى فيك شيمةٌ‏<br />

<strong>من</strong> األير إال أنّ‏ رأسك أصلعُ.”‏<br />

لم يكن رثاء أبي حكيمة رثاء حزيناً‏ فقط،‏ بل حمل شعره اللوم والتقريع،‏ مع مسحة الصابر المضطرّ‏ في صبره:‏<br />

‏“أال أيها األير الذي قلّ‏ نفعه<br />

أما فيك خيرٌ‏ كم تذمّ‏ وكم تُشكى<br />

17


رأيتك في حال الفسوق مشمّ‏ ‏ِراً‏<br />

ففيمَ‏ هداك هللا لي تكتم النسكا<br />

بكيتكَ‏ لما لم تقم عند حاجة<br />

وحُقَّ‏ أليرٍ‏ ال يقوم بأن يُبكى.”‏<br />

وهكذا ظلّ‏ الحنين يداعب مخيّلة شاعرنا،‏ يوصله باأليام الخوالي،‏ ليقيم موازنةً‏ بين حاضره وماضيه،‏ <strong>من</strong> دون أن<br />

ينسى تقريع عضوه المستكين:‏<br />

‏“تنّبه أيها األير المدلّى<br />

لشأنك إنّ‏ طول النوم عارُ‏<br />

توقَّرُ‏ عن مالعبة الغواني<br />

وشرُّ‏ خالئق األير الوقارُ‏<br />

تقلّصُ‏ إن أصابك برد ليلٍ‏<br />

وتسترخي إذا حميَ‏ النهارُ‏<br />

وفي ما بين ذلك أنت ملقى<br />

على الخصيين ليس بكَ‏ انتشارُ‏<br />

تولّي الغانيات قفا لئيمٍ‏<br />

تليق به الهزيمة والفرارُ‏<br />

تحنّ‏ على البعاد إلى سليمى<br />

وتهجرها إذا قَرُ‏ ب المزارُ‏<br />

وتُعرضُ‏ حين تلقي الثوب عنها<br />

وتسجد كلما خُلع اإلزارُ‏ .”<br />

18


غلّف أبو حكيمة رثاءه بنكهة الطرافة والتفكهة،‏ فكأنه يريد أن يطبّق القول المأثور ‏“شرّ‏ البلية ما يضحك:”‏<br />

‏“يا ربّ‏ صائحةٍ‏ بالويل حين رأت<br />

ما بين فخذيّ‏ <strong>من</strong> خزيٍ‏ و<strong>من</strong> عِبرِ‏<br />

أيرٌ‏ تعقّفَ‏ واسترخت مفاصله<br />

مثل العجوز حناها شدّة الكبرِ‏<br />

كأنه حالفٌ‏ باهلل مجتهدٌ‏<br />

أال يقوم على أنثى وال ذكرِ‏<br />

”.<br />

والحقّ‏ أن بناء صورة المتاع في عجزه لدى أبي حكيمة مما يأسر بجماله وابتكاره:‏<br />

‏“ينام على كفّ‏ الفتاة وتارةً‏<br />

له حركاتٌ‏ مما تُحسُّ‏ بها الكفُّ‏<br />

كما يرفع الفرخُ‏ ابن يومَيْن رأسَه<br />

إلى أبويه ثمّ‏ يدركه الضعفُ‏ .”<br />

كذلك فلنقرأ هذه الرسم الكاريكاتوري الذي يرسمه<br />

لنفسه وقد غدا <strong>من</strong> دونه:‏<br />

تقول سُليمى ما أليركَ‏ ال يُرى<br />

أطار به <strong>من</strong> فوق خُصييك طائرُ‏<br />

فقلت لها:‏ أيري مقيم مكانه<br />

ولكنه رخو المفاصل ضامرُ‏<br />

فهل أبصرت عيناكِ‏ قبلي وقبله<br />

فتى غاب عنه أيره وهو حاضرُ‏ ؟.”!‏<br />

19


النصارى العرب ودورهم الثقافي في الجاهلية<br />

لألب سمير خليل اليسوعي<br />

مؤسس ومدير مركز التراث العربي المسيحي في لبنان<br />

اعداد وتنسيق االب انطونيوس مقار ابراهيم<br />

راعي االقباط الكاثوليك في لبنان<br />

إن الفكر العربي المسيحيّ‏ فكرٌ‏ عريقٌ‏ سبق ظهور االسالم بقرون ، ولم يزل حيّاً‏ حتّى اليوم . ولكن قدّ‏<br />

ُُ يخطُرُ‏ على بالِنَا قبلَ‏ كلِّ‏ شيْءٍ‏ هذا السُّؤال؛ متَى بدأَ‏ التُّراثُ‏ المسيحيُّ‏ العربيُّ‏ ؟ ، هلْ‏ يا تُرى هو نتيجةَ‏ الفتحِ‏ ّ العربيِ‏<br />

ّ اإلسالميِ‏ ، أَمْ‏ هو سابقٌ‏ لهذا الفتحِ؟ لألجابة على هذه التسأوالت البدَّ‏ لنا <strong>من</strong> العودة إلى الكتاب المقدس ‏.فإذًا عُدْنا إلى<br />

الكتابِ‏ المقدَّسِ‏ ، والسيما إلى أَعمالِ‏ الرُّ‏ سلِ‏ ؛ نرى العربَ‏ حاضرينَ‏ في أُورشليمَ‏ في القُدْسِ‏ الشَّريفِ‏ يوم العنصرةِ‏ .<br />

فَدُهِشُوا وتَعجَّبُوا وقَالُوا : أَليسَ‏ هؤالءُ‏ المتكلِّمُونَ‏ جَلِيلِيِّينَ‏ بأَجمعِهِمْ‏ ؟ ، فكيف يسمَعُهُمْ‏ كُلٌّ‏ مِنَّا بِلُغَةِ‏ بَلدِ‏ ‏ِه<br />

، بين فرثيين)؟(‏ وميديِّينَ‏ وعَيْالمِيِّينَ‏ وسكانِ‏ الجزيرةِ‏ بين النَّهرَ‏ يْنِ‏ واليهوديةِ‏ قبدوقيةَ‏ وبُنْطُسَ‏ وآسْيَةَ‏ وفَرِ‏ يجِ‏ يَّةَ‏ وبمفيلية<br />

ومصر ونواحي ليبية المتاخمَةِ‏ لِقِيريِنَ‏ ورومانِيِّينَ‏ نزالَءَ‏ هَهُنَا <strong>من</strong> يهودٍ‏ ودُخَالَءَ‏ وكريتيِّينَ‏ وعَربَ‏ ؟ فإنَّنَا نسمعُهُ‏ ‏ْم<br />

يُحْدِثُونَ‏ بعجائِبِ‏ هللاِ‏ بلُغَّاتِنَا.‏ »<br />

يقولُ‏ الكتابُ‏ : «<br />

فكانَ‏ العربُ‏ إذًا ، حاضرينَ‏ يومَ‏ العنصرةِ‏ ، وال شكَّ‏ أَنَّ‏ بعضًا <strong>من</strong>هم اعتنَقُوا المسيحيَّةَ‏ وانتشَرَ‏ تِ‏ المسيحيَّةُ‏ في الجزيرةِ‏<br />

وهذا ما سنرَ‏ اهُ‏ اآلنَ‏ <strong>من</strong> خاللِ‏ النُّصوصِ‏ التَّاريخيَّةِ‏ فقد سبقَ‏ إذًا الفِكرَ‏ العربيَّ‏ المسيحيَّ‏ ظهورُ‏ اإلسالمِ‏ بقرو ‏ٍن<br />

، ولم يزَ‏ لْ‏ حَيًّا حتَّى اليومَ‏ ؛ فهو فِكْرٌ‏ عريقٌ‏ ، وسأَكتفِي هنا بذكرِ‏ بعضِ‏ مظاهرِ‏ هذا الفِكرِ‏ في الجاهليَّةِ‏ <strong>من</strong>وهًا إلى<br />

عالقتِهِ‏ بالحضارةِ‏ اإلسالميَّةِ.‏<br />

العربيَّةِ‏ .<br />

‏(‏‎1‎دَوْ‏ رُ‏ النَّصارى في نشْرِ‏ الكِتَابَةِ‏ العربيَّةِ‏<br />

<strong>من</strong> المعلومِ‏ أَنَّ‏ الكتاباتِ‏ العربيَّةَ‏ الشَّماليَّةَ‏ أَيِ‏ العربيَّةَ‏ الَّتي نتحدَّثُ‏ بها ، المتميِّزةَ‏ عن عربيَّةِ‏ الجنوبِ‏ ‏)الْيَمَنِ(‏ الَّتي<br />

وصلَتْ‏ إلينا ، كُتِبَتْ‏ في بيئةٍ‏ مسيحيَّةٍ‏ ؛ وإنَّها تنحدِرُ‏ <strong>من</strong> الخطِّ‏ ّ النُّبطِيِ‏ حسبَ‏ الرَّ‏ أْيِ‏ السَّائدِ‏ ، حتَّى أَمدٍ‏ قريبٍ‏ أَوْ‏ <strong>من</strong> الخطِّ‏<br />

السُّريا ّ نيِ‏ . وال يشكُّ‏ باحثٌ‏ في األَصلِ‏ ّ المسيحيِ‏ للخطّ‏ العربيّ)‏‎3‎ ‏.(وهذا ما تؤكِّدُهُ‏ مثالً‏ دائرةُ‏ المعارفِ‏ اإلسالميَّةِ‏<br />

إنَّ‏ أَقدمَ‏ النُّصوصِ‏ الَّتي وصلَتْ‏ إلينا بالْلُّغةِ‏ العربيَّةِ‏ ، نصوصٌ‏ تأْتِي <strong>من</strong> بيئةٍ‏ مسيحيَّة » . وبالفعلِ‏<br />

إنَّ‏ أَقدمَ‏ الكتاباتِ‏ العربيَّةِ‏ الشَّماليَّةِ‏ ، وُ‏ جِ‏ دَتْ‏ على أَبوابِ‏ الكنائسِ‏ <strong>من</strong>ها : كتابةُ‏ خرائِبِ‏ زَ‏ بْدِ‏ في جنوبِ‏ شرقِيِ‏<br />

المكتوبةُ‏ بثالثِ‏ لُغَّاتٍ‏ : اليونانيَّةُ‏ والسُّريانيَّةُ‏ والعربيَّةُ‏ ؛ كُتبتْ‏ سنةَ‏ . 512 و<strong>من</strong>ها نقش)؟(‏ حَرَّ‏ انَ‏ بالْلُّغَتَيْنِ‏ اليونانيَّ‏ ‏ِة<br />

والعربيَّةِ‏ ال<strong>من</strong>قوشِ‏ سنة‎568‎م)‏‎4‎‏.(‏<br />

ّ حلَبَ‏<br />

الشَّهيرةِ‏ ، إذ تقولُ‏ : «<br />

20


ّ<br />

» ، وهي<br />

ّ الشَّماليِ‏<br />

يقولُ‏ األُستاذُ‏ « جوادُ‏ عليٍ‏ » صاحبُ‏ الموسوعةِ‏ المشهورةِ‏ « المفصَّلُ‏ في تاريخِ‏ العربِ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ‏<br />

موسوعةٌ‏ وُ‏ ضِ‏ عَتْ‏ في عشَرَ‏ ةِ‏ أَجزَ‏ اءٍ‏ ضخمةٍ‏ ، ما نَصَّهُ‏ : « ويالحَظُ‏ أَنَّ‏ الَّذينَ‏ كتبُوا بالقلَمِ‏ العربيِ‏ ّ الَّذي أُخِ‏ ذَ‏ <strong>من</strong>ه<br />

قلَمَ‏ مكَّةَ‏ ، هم <strong>من</strong> العربِ‏ النَّصارى في الغالبِ‏ . فأَهْلُ‏ األَنبارِ‏ والْحِ‏ يرةِ‏ وعَينِ‏ شمسٍ‏ ودومةِ‏ الجندلِ‏ وبالَدِ‏ الشَّامِ‏ كانُوا م ‏َن<br />

النَّصارى ؛ فال أَستبعدُ‏ ، يقولُ‏ األُستاذُ‏ جَوَ‏ ادُ‏ ّ عَليٍ‏ ، احتمالَ‏ استعمالِ‏ رجالِ‏ الدِّينِ‏ للقلمِ‏ ّ السُّريانيِ‏ المتأَخِّرِ‏ الَّ‏ ‏ِذي كونُ‏ القل ‏ِم<br />

ّ النَّبطيِ‏ في الكتابةِ‏ العربيَّةِ‏ لحاجتِهِمْ‏ إلى الكتابةِ‏ في تعليمِ‏ أَوالدِ‏ النَّصارى الكتابةَ‏ وتثقيفِهِمْ‏ ثقافةً‏ دينيَّةً‏ ؛ فكانُوا يعلِّمونَهَا<br />

في المدارسِ‏ الْمُلحَقَةِ‏ بالكنائسِ‏ ، وربَّمَا نشرُ‏ وهَا في البحرَ‏ يْنِ‏ أَيْ‏ في سواحلِ‏ الخليجِ‏ ، حيث كانت هنالِكَ‏ جاليا ‏ٌت<br />

نصرانيَّةٌ‏ ، وفي األَماكِنِ‏ األُخرى <strong>من</strong> جزيرةِ‏ العربِ‏ الَّتي كانت النَّصرانيَّةُ‏ قد وَ‏ جَدَتْ‏ سبيالً‏ لها بينها ‏.وال أَستبعدُ‏<br />

احتمالَ‏ عثُورِ‏ الْمُنَقِّبِينَ‏ في المستقبلِ‏ على كتاباتٍ‏ مطمُورةٍ‏ كُتبتْ‏ بهذا القلم<br />

)» .5(“<br />

وقد كان للنَّصرانيَّةِ‏ ، أَثرٌ‏ مهمٌّ‏ في نشرِ‏ الكتابةِ‏ العربيَّةِ‏ المأْخوذَةِ‏ عن األَراميَّةِ‏ بين الجاهليين ؛ الكتابةُ‏<br />

الَّتي تَولَّدَ‏ <strong>من</strong>ها قلَمُنَا الَّذي نكتبُ‏ به في الوقتِ‏ الحاضرِ‏ . وقد وجَدَ‏ المسلمُونَ‏ في فَتْحِ‏ هِمْ‏ للعراقِ‏ ، مدارسَ‏ عديدةً‏ لتعلي ‏ِم<br />

األَطفالِ‏ القراءَةَ‏ والكتابَةَ‏ . كما أَنَّ‏ تجَّارَ‏ مَكَّةَ‏ ويَثْرِ‏ بَ‏ الَّذِينَ‏ كانُوا يقصِ‏ دُونَ‏ الشَّامَ‏ والعراقَ‏ ، وجَدُوا الضَّرورةَ‏ تُحَتِّمُ‏ عليهم<br />

تَعَلُّمَ‏ هذا الخطِّ‏ فتعَلَّمُوهُ‏ » . ويستَرْ‏ سِلُ‏ األُستاذُ‏ جَوادُ‏ علِيٍ‏ ولما نَزَ‏ لَ‏ الوَ‏ حْيُ‏ ( يريدُ‏ على مُحمَّدٍ‏ ) كُتِبَ‏ كتابَهُ‏ به<br />

ّ يقولُ‏ : «<br />

وقال أَيضًا : «<br />

فصارَ‏ قلمَ‏ المسلمين )6. » )<br />

‏(‏‎2‎الشِّعرُ‏ واألَدبُ‏ العربيُّ‏ المسيحِ‏ يُّ‏ في الجاهليَّةِ‏<br />

قد رأَيْنَا ، أَنَّ‏ الخطَّ‏ العربيَّ‏ أَصلُهُ‏ مسيحيٌّ‏ ؛ أَمَّا فيما يَخُصُّ‏ المؤلَّفَاتِ‏ المسيحيَّةِ‏ ، فسبيلُهَا سبيلُ‏ جميعِ‏ مؤلَّفَاتِ‏ الجاهليَّةِ‏ ،<br />

إذ لم تصِ‏ لْ‏ إلينا إالَّ‏ المؤلَّفَاتِ‏ الشِّعريَّةِ‏ والحكميَّةِ‏ . ذلك ألَنَّ‏ التُّراثَ‏ العربيَّ‏ الجاهليَّ‏ تراثٌ‏ شفهِيٌّ‏ ، لم يُدَوَّ‏ نْ‏ إالَّ‏ بعدَ‏<br />

اإلسالمِ‏ . فلم تصِ‏ لْ‏ إلينا إالَّ‏ تلك المؤلَّفاتِ‏ الَّتي يسهُلُ‏ حفظُهَا مثلَ‏ : الشِّعرِ‏ والحكَمِ‏ والخُطَ‏ ‏ِب.‏<br />

و<strong>من</strong> أَشهرِ‏ شعرَ‏ اءِ‏ النَّصرانيَّةِ:‏<br />

عديّ‏ بن زيد )7(( الْمُتوفَّى نحو سنة<br />

وكان واعظُ‏ القومِ‏ في سوق عُكاظ)‏‎8‎‏.(‏<br />

587<br />

؛ وأَشهرُ‏ خطِّيبٍ‏ ّ جاهليٍ‏ قسُ‏ بْنُ‏ ساعدَةَ‏ ّ المسيحيِ‏ الْمُتوفَّى نحو سنة<br />

، 6<strong>00</strong><br />

وقد جمعَ‏ األَبُ‏ لويسُ‏ شيْخُو اليسوعيُّ‏ دَواوينَ‏ الشُّعراءِ‏ المسيحيِّينَ‏ في كتابِهِ‏ الضَّخ ‏ِم « شعراءُ‏ النَّصرانيَّةِ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ‏<br />

» (9)، كما أَنَّهُ‏ جمعَ‏ المعلوماتِ‏ عنِ‏ النَّصارى العربِ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ‏ في كتابٍ‏ آخَرٍ‏ ، سَمَّاهُ‏ : « النَّصْرَ‏ انِيَّةُ‏ وآدَابُهَا بين<br />

عربِ‏ الجاهليَّةِ)‏‎10‎‏.‏ » )<br />

وهذان الكتابانِ‏ يقَعَانِ‏ في 15<strong>00</strong> صفحَةٍ‏ <strong>من</strong> القِطَعِ‏ الكبيرِ‏ ، إالَّ‏ أَنَّهما يُقرآنِ‏ بشيْءٍ‏ <strong>من</strong> الْحِ‏ رصِ‏ ، إذ كان األَبُ‏ شيخُو<br />

يَنْسِبُ‏ كثيرً‏ ا <strong>من</strong> هذهِ‏ األَشعارِ‏ إلى شعراءِ‏ النَّصرانيَّةِ‏ ، دون أَنْ‏ يتأَكَّدَ‏ تمامًا <strong>من</strong> نصرانيَّتِهِمْ.‏<br />

وعلى الباحثِ‏ ، أَنْ‏ يقابلَ‏ ما قالَهُ‏ األَبُ‏ شيْخُو بما كَتَبَهُ‏ األَبُ‏ كميلٌ‏ حشيمَةٌ‏ في نقدِهِ‏ لكتابِ‏ شيْخُو)‏‎11‎‏(‏ باللُّغةِ‏ الفرنسيَّةِ‏ « :<br />

ولما كان الشِّعرُ‏ مشهورً‏ ا جدًّا لدى الجميعِ‏ ، لم أَرَ‏ <strong>من</strong> ّ الضَّروريِ‏ أَنْ‏ أَستشهِدَ‏ بأَبيَاتٍ‏ <strong>من</strong>ه وقد قدَّمَ‏ أَيضًا الدُّكتورُ‏<br />

جَوادُ‏ ّ عَلِيٍ‏ ، لوحةً‏ كاملةً‏ ع نِ‏ النَّصارَ‏ ى العربِ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ‏ في مَوْ‏ سوعتِهِ‏ الشهيرة)‏‎12‎‏((‏<br />

أَمَّا عنِ‏ المسيحيَّةِ‏ في ديارِ‏ العربِ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ‏ فلديْنَا مرجعٌ‏ مهمٌّ‏ للمُسْتَشْرِ‏ قِ‏ الدُّكتورُ‏<br />

‏»تريننكن.‏ »(TRIMINGHAM)(13)<br />

. »<br />

21


ّ<br />

ّ<br />

ت (<br />

‏)‏‎3‎‏(األَطبَّاءُ‏ النَّصارَ‏ ى العربُ‏ قبلَ‏ اإلسالمِ:‏<br />

635<br />

إنَّ‏ أَشْهَرَ‏ أَطبَّاءُ‏ العربِ‏ في الجاهليَّةِ‏ : الحارثَ‏ بْنِ‏ كِلْدَا الثَّقَفِيَّ‏ المعروفَ‏ بطبيبِ‏ العربِ‏ توفِّي نحو سنةَ‏ 13 ه أَيْ‏ سنةَ‏<br />

، أَصلُهُ‏ <strong>من</strong> ثقيفٍ‏ <strong>من</strong> أَهلِ‏ الطَّائفِ‏ ، رحلَ‏ إلى أَرضِ‏ فارسَ‏ ، وأَخذَ‏ الطِّبَّ‏ <strong>من</strong> نصارَ‏ ى جِ‏ نْدِ‏ صَابُورَ‏ ، وطَبَّبَ‏ في<br />

بالدِ‏ فارسَ‏ وعالَجَ‏ بعضَ‏ أَجالَّئِهِمْ‏ فبَرَ‏ أُوا . وحصلَ‏ لهُ‏ بذلكَ‏ مالٌ‏ كثيرٌ‏ ، ثُمَّ‏ عادَ‏ إلى بلدِهِ‏ الطَّائفِ‏ وكان صاحبُ‏ حسٍ‏ ّ<br />

مرهفٍ‏ ، وموسيقًا ، يضرِ‏ بُ‏ العودَ‏ إذْ‏ تعلَّمَ‏ ذلك بفارِ‏ سَ‏ واليمَنَ‏ ؛ وذَكَرَ‏ لهُ‏ ابْنُ‏ عبدِ‏ ربِّهِ‏ شِعرً‏ ا في كتابِ‏ العِقْدُ‏ الفريدُ‏ »<br />

، كما ذكرَ‏ هُ‏ أَبُو العالَءُ‏ الْمَعرِّ‏ ي في « رسالةُ‏ الغفرانِ‏<br />

«<br />

» .<br />

940<br />

ثُمَّ‏ أَدركَ‏ اإلسالمَ‏ ، واتَّخَذَهُ‏ النبي محمَّدٌ‏ طبيبًا )14( ، وفي بعضِ‏ الرِّ‏ واياتِ‏ ، قيلَ‏ إنَّهُ‏ أَسلمَ‏ . ولكنَّ‏ إسالمَهُ‏ لم يصِ‏ حَّ‏ على<br />

ما ذَكَرَ‏ هُ‏ القِفْطِيُّ‏ ‏)‏‎15‎‏(؛ وقدِ‏ اتَّسعَ‏ في ترجمتِهِ‏ ، وذكرَ‏ مآثرَ‏ هُ‏ الطِّبيَّةَ‏ كثيرونَ‏ <strong>من</strong> كَتَبَةِ‏ العربِ‏ : كابنِ‏ كُتَيْبَةَ‏ )16( المتوفَّى<br />

) ، وابنِ‏ عبدِ‏ ربِّهِ‏ المتوفَّى سنةَ‏ ( ) )17(، وابنِ‏ جُلْجُلَ‏ ‏)ت 994( )18( ، وصاعدَ‏ بنِ‏ أَحمدَ‏ األَندلسيَّ‏<br />

‏)ت‎1070‎م()‏‎19‎ ((، وابنِ‏ عبدِ‏ البرِّ‏ ‏)ت‎1071‎م()‏‎20‎ (، وجمالِ‏ الدِّين بنِ‏ القفطيِ‏<br />

سنةَ‏ )889<br />

‎1248‎م()‏‎21‎‏(،‏ وأَبي الفرجِ‏ بنِ‏ العبري ‏)ت‎1286‎م()‏‎22‎‏(،‏ وابنِ‏ أَبي أَصيبعة ‏)ت‎1296‎م()‏‎23‎‏(‏ ، وابنِ‏ حجرَ‏<br />

العسقالني ‏)ت‎1449‎م()‏‎24‎ ) وغيرهم <strong>من</strong> مؤرِّ‏ خِ‏ ي الفكرِ‏ العربيِ.‏<br />

وقد نَسبُوا إلى الحارثِ‏ كتابَ‏ «<br />

ومحتوياتِهِ‏ وحجمِهِ.‏<br />

المحاورةُ‏ في ّ الطِّبِ‏ » بينه وبين كسرا أُنوشْروان )25( دون اإلشارةِ‏ إلى مضمونِهِ‏<br />

وتبعَ‏ الحارثُ‏ ابنَهُ‏ النَّضِ‏ رَ‏ بنَ‏ الحارثِ‏ بنِ‏ كلْدا وهو ابنُ‏ خالةِ‏ محمَّدٍ‏ ؛ قال عنه ابنُ‏ أَبي أصيبعة في كتابهِ‏ الشَّهيرِ‏ «<br />

عيونُ‏ األَنباءِ‏ في طبقاتِ‏ األَطبَّاءِ‏ وكان النَّضرُ‏ قد سافرَ‏ البالدَ‏ أَيضًا كأَبيهِ‏ ، واجتمعَ‏ مع األَفاضلِ‏ والعلما ‏ِء<br />

بمكَّةَ‏ وغيرها . وعاشَرَ‏ األَحبارَ‏ والكهنةَ‏ ، واشتغَلَ‏ وحَصَّلَ‏ <strong>من</strong> العلومِ‏ القديمةِ‏ أَشياءَ‏ جليلةَ‏ القدرِ‏ ، واطَّلَعَ‏ على علو ‏ِم<br />

إنَّ‏ النَّضرَ‏ كان<br />

الفلسفةِ‏ وأَجزاءِ‏ الحكمةِ‏ ، وتعلَّمَ‏ <strong>من</strong> أَبيهِ‏ أَيضًا ما كان يعلمُهُ‏ <strong>من</strong> الطِّبِ‏<br />

يُعادي النَّبِيَّ‏ ويَحِ‏ طُّ‏ <strong>من</strong> قدْرِ‏ هِ‏ عند أَهلِ‏ مكَّةَ‏ . فلمَّا كانت وقعةُ‏ بدرٍ‏ ، انتصرَ‏ محمدٌ‏ وأَنصارُ‏ ه على أَعدائِهِم ؛ وكان النَّض ‏ُر<br />

على رأسِ‏ األَعداءِ‏ فوقع أَسيرً‏ ا . فأَمرَ‏ محمدٌ‏ بقتلِهِ‏ بالصَّفراءِ‏ سنةَ‏ 624.<br />

فرثَتْه ليلى ابنتُهُ‏ وقيلَ‏<br />

ّ وغيرِ‏ هِ‏ )26(. ويقول التَّاريخُ‏ : «<br />

» ، قال : «<br />

«<br />

قتيلةٌ‏ أُختُهُ‏ » بأَبياتٍ‏ . فلمَّا سمعَهَا محمدٌ‏ قال : « لو سمعتُ‏ هذا قبلَ‏ أَنْ‏ أَقتلَهُ‏ ، ما قتلتُهُ‏ «)27. )<br />

هذانِ‏ الْمَثاالنِ‏ ، يؤَكِّدانِ‏ دورَ‏ المسيحيِّينَ‏ في الجاهليَّةِ‏ ، وفي صدرِ‏ اإلسالمِ‏ في العلومِ‏ ، ال سيَّما في الطِّبِ‏<br />

بعدُ‏ ، أَهميَّةَ‏ دورِ‏ المسيحيِّينَ‏ في خلقِ‏ الطِّبِ‏ ّ الَّذي اشتهَرَ‏ عالميًّا في العصورِ‏ الوسطى<br />

ّ . وسنرى فيما<br />

.<br />

ّ العربيِ‏<br />

) ‎4‎القصَصُ‏ الدِّينيُّ‏ عند نصارى الجاهليَّة:‏<br />

وردَ‏ اسمُ‏ رجلٍ‏ أَدخلَ‏ للمسلمينَ‏ القِصصَ‏ الدِّينيَّ‏ ، هو تميمٌ‏ بنُ‏ أُوسَ‏ بنِ‏ خارجةَ‏ الدَّاريَّ‏ ، ذُكِرَ‏ أَنَّه أَسلمَ‏ سنةَ‏ 9 ه ، وأَنَّه<br />

كان نصرانيًّا وأَنَّه لقيَ‏ النَّبيَّ‏ فقصَّ‏ عليهِ‏ قصَّةَ‏ ‏“الجسَّاسُ‏ والدَّجَّالُ”‏ . هكذا يقول األُستاذُ‏ جوادُ‏ عليٍ‏ وذُكِرَ‏<br />

أَنَّه كان يترهَّبُ‏ ويسلِكُ‏ مسلَكَ‏ رجالِ‏ الرَّ‏ هبانيَّةِ‏ حتَّى بعدَ‏ إسالمِهِ‏ وأَنَّه ستأْذنَ‏ الخليفةَ‏ عمرَ‏ أَو الخليفةَ‏ عثمانَ‏ في أَن يذك ‏َر<br />

النَّاسَ‏ في يومِ‏ الجمعةِ‏ فأَذِنَ‏ له . فكان يقِصُّ‏ في مسجدِ‏ الرَّ‏ سولِ‏ وكان بذلك أَوَّ‏ لُ‏ مَنْ‏ قصَّ‏ في اإلسالمِ”‏ . يقول أَيضًا:‏<br />

ورُ‏ ويَ‏ أَنَّهُ‏ أَوَّ‏ لُ‏ مَنْ‏ أَسرجَ‏ السِّراجَ‏ في المسجدِ‏ ، وكان قد قدِمَ‏ مع أَخيهِ‏ نعيمَ‏ الدَّاريَّ‏ في وفدِ‏ الدَّاريِّينَ‏ على الرَّ‏ سولِ‏ ،<br />

وكان مقامُه في الشَّامِ‏ ، وربَّمَا وضعَ‏ القصَصَ‏ على اسمهِ‏ )28(، ولكنَّنا ال نستبعدُ‏ أَنْ‏ يكونَ‏ قد خلطَ‏ بين القصَصِ‏<br />

ّ النَّصرانيِ‏ وبين األَساطيرِ‏ العربيَّ‏ ‏ِة . فقد كان نصرانيًّا يسمعُ‏ أَقوالَ‏ وعاظِ‏ الكنائسِ‏ فتعلَّمَ‏ <strong>من</strong>هم وطبَّقَ‏ ما تعلَّمَه في<br />

”<br />

22<br />

ّ ويسترسلُ:‏ ”


ّ<br />

ا ،<br />

23<br />

اإلسالمِ‏ )29<br />

) وكذلك ذكرَ‏ اإلخباريُّونَ‏ أَنَّ‏ األُسودَ‏ بنَ‏ سريعٍ‏ بنِ‏ حِ‏ مْيَرَ‏ بنِ‏ عُبادةَ‏ بنِ‏ النَّزَّ‏ الِ‏ التَّميميِ‏ ّ كان قاصًّ‏<br />

كما أَنَّه كان شاعرً‏ ا مشهورً‏ ا . قال الدُّكتورُ‏ جوادُ‏ عليٍ“‏ ‏:وهو <strong>من</strong> الصَّحابةِ‏ ، وكان أَوَّ‏ لُ‏ <strong>من</strong> قصَّ‏ في مسجدِ‏ البصرةِ‏ ،<br />

قيل إنَّه ماتَ‏ سنةَ‏ . 42 ولعلَّه كان <strong>من</strong> النَّصارى كذلك )30( ” . فنرى إذًا أَنَّ‏ أَوَّ‏ لَ‏ <strong>من</strong> قصَّ‏ في مسجدِ‏ بَصرةَ‏ كانا<br />

كالهُما <strong>من</strong>َ‏ النَّصارى.‏<br />

‏(‏‎5‎‏)ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية قبل اإلسالم:‏<br />

ّ السَّعديِ‏<br />

يجولُ‏ في أَذهانِنا سُّؤالُ‏ وهو،‏ هل وصلتْ‏ إلينا ترجمةُ‏ الكتابِ‏ المقدَّسِ‏ إلى اللُّغةِ‏ العربيَّةِ‏ فيما قبلَ‏ اإلسالمِ‏ ؟ هل تُرجم<br />

اإلنجيل ‏)الكتاب المقدس عمومًاً‏ ) قبل اإلسالم ؟ هذا موضوع شائك ، وقد تضاربت اآلراء فيه . ومعلوم انّه لم تصل<br />

إلينا أيُّ‏ ترجمةٍ‏ عربّية سابقة لإلسالم ، وإال انّ‏ هذا الواقع ليس دليالً‏ على عدم ترجمة الكتاب في الجاهلية ‏.ذلكألنه لم<br />

يصل إلينا أيُّ‏ نصٍ‏ كاملٍ‏ <strong>من</strong> الجاهلية لذا فقد قلت لكم تضاربت اآلراء وإليك عرضٌ‏ سريع ألبرز اآلراء.‏<br />

أمّا األب لويس شيخو ، فقد دافع عن وجود ترجمة في الجاهلية ، مؤيداً‏ رأيه بأدلة عديدة ‏)‏‎31‎‏(.تاريخية ولغوية وأثرية<br />

وشعرية إلى آخره وذلك في مطلع القرن العشرين وتبعه كثيرٌ‏ <strong>من</strong> المفكرين في الشرق االوسط السيما عبد المسيح<br />

المقدسي ، في مقالٍ‏ قيمٍّ‏ ظهر في <strong>مجلة</strong> ‏“المشرق “)32((. ثم أخذ المستشرق أنطون باومشتارك<br />

‏(‏BAUMSTARK‏)ينشر العديد <strong>من</strong> المقاالت ، ابتداءً‏ <strong>من</strong> سنة 1929 حتىّ‏ سنة ، إلثبات الرأي نفسه إنطالقاً‏<br />

<strong>من</strong> الترجمات القديمة)‏‎33‎‏.‏ )<br />

1938<br />

”<br />

امّا جورج غراف (GRAF) فقد أثبت أن الترجمات العربيّة التي وصلت إلينا ال ترجع إلى أيّام الجاهليّة . ولكنه في<br />

نفس الوقت يفترض وجود ترجمة عربيّة للكتاب المقدس ( أو ألجزاءٍ‏ <strong>من</strong>ه(‏ قبل اإلسالم)‏‎34‎‏(‏ ‏.ثمّ‏ ذكر ألفريد جليوم<br />

‏(‏GUILLAUME‏)نصاً‏ <strong>من</strong> السيرة النبوية ” إلبن اسحاق ، يستدلُّ‏ به على وجود ترجمة عربيّة إلنجيل يوحنا في<br />

بداية القرن السابع الميالدي )35.(<br />

وعالج آرثر فوبس (VOOBUS) الموضوع باختصار ، فتوصَّل إلى النتيجة ذاتها التي كان قد توصَّل إليها جورج<br />

غراف (36) ‏(‏GRAF‏)وكذلك فعل رابينٌ‏ ‏(‏RABIN‏)في مقالة عن اللغة العربيّة التي كتبها لدائرة المعارف<br />

اإلسالمية الجديدة ‏.فأكّد أنّ‏ بعض أجزاء الكتاب المقدس كانت متداولةً‏ في الجاهلية ، وأن واضعيها <strong>من</strong> النصارى ال<br />

<strong>من</strong> اليهود )37.(<br />

”<br />

”<br />

وأخر <strong>من</strong> درس هذا الموضوع بتعمق هو االستاذ عرفان شهيد أستاذ اللغة العربية في جامعة جورج تاون في واشنطن<br />

ويستدت بأدلةٍ‏ تاريخية على وجود ترجمةٍ‏ عربيةٍ‏ لإلنجيل قبل اإلسالم.‏<br />

وإليك بعض األدلة التي تدلنا على وجود ترجمةٍ‏ لإلنجيل:‏<br />

525<br />

معلومٌ‏ أن الديانة المسيحية على إختالف مذاهبها ونحَلِها ، إبتدأت تنتشر بين العرب مِنْ‏ يوم أن ظهرت ، كما يُأخذ ذلك<br />

<strong>من</strong> شهادة أعمال الرسل والرسالة إلى أهل غالطية ومصادر أخرى معلومة وقد كان بدء إنتشارها بين عرب فلسطين<br />

ثمّ‏ إنتقلت إلى سوريا وما بين النهرين وأخيراً‏ إلى جزيرة العرب حيث رسخ قَدَمُها ، وإتخذت صورةً‏ معلومةً‏ ومراك ‏َز<br />

ذكرها المؤرخون <strong>من</strong> عرب وغيرهم <strong>من</strong>ذ أواسط القرن الرابع للميالد . والذي يظهر <strong>من</strong> أقوال المؤرخين<br />

واإلصطالحات الدينية والكنائسية التي دخلت لغتنا <strong>من</strong>ذ هذا الوقت ، أن المسيحية دخلت إلى الجزيرة العربية <strong>من</strong><br />

طرفين ، أي <strong>من</strong> الجنوب على يد الحبش الذين إحتلوها ألول مرةٍ‏ في أواسط القرن الرابع وفي أوائل السادس للمرة<br />

الثانية سنة . و<strong>من</strong> الشمال عن طريق سوريا وما بين النهرين على يد الدعاة السوريين . أضف إلى ذلك رحالت<br />

العرب التجارية إلى سوريا وفلسطين وما بين النهرين ، وإختالطهم بأخوانهم ال<strong>من</strong>تصرين هناك ، وتأثير األديرة التي<br />

كانوا ينزلون عندها ، وترددهم على الحوانيت التي كان أكثرها في أيدي النصارى أيضاً‏ ، تدرك سرعة إنتشار


520<br />

المسيحية بين العرب ، وال سيما بين عرب الشمال والقبائل النازلة فيما بين النهرين . وهذا ما جوّ‏ ز ألحد الشيوخ<br />

المستشرقين ‏“يوهنس فيل هوزن”‏ أن يقول:‏ ‏“إنه لو لم يظهر اإلسالم ، لعمّت النصرانية بعد قليل <strong>من</strong> الز<strong>من</strong> ، شمال<br />

الجزيرة كله <strong>من</strong> البحر األحمر إلى البحر الفارسي . ‏”يكفي لترجيح هذا الفكر ، أن نذكر القارئ بأن النصرانية عمّت<br />

أو كادت تعمّ‏ في ذلك الوقت جميع قبائل قضاعة وأكثر قبائل ربيعة وتميم والطيّ‏ وغيرها <strong>من</strong> قبائل الشمال وأواسط<br />

الجزيرة ، ناهيك عن قبائل الجنوب والجنوب الشرقيّ‏ . وهذا ما حمل رؤساء الدين بين هذه القبائل أن يبنوا لها بيعاً‏<br />

وأديرةً‏ وصوامعَ‏ إلقامة الصالة وسائر شعائر الدين فيها . وإذا إعتبرنا ذلك ، وعرفنا أن <strong>من</strong> أهمّ‏ شعائر الدين في<br />

كنائس الشرق وأحبها إلى الشعب أن تُقرأ كل يوم مساءً‏ وصباحاً‏ قِطَعٌ‏ <strong>من</strong> الكتب المقدسة ، وأن هذه العادة كانت قديمة<br />

عندهم ورثوها كما يظهر عن اليهود كما ورثوا عنهم أموراً‏ أخرى ، جاز لنا أن نفترض أنَ‏ الحاجة الكنائسية<br />

إضطرت زعماء الدين المسيحي في البالد العربية إلى نقل ، ولو هذه القطع فقط ، إلى لغة الشعب <strong>من</strong> يوم أصبح<br />

للعرب بيعٌ‏ يقيمون فيها صالوتهم وطقوسهم الدينية.‏<br />

ثم إننا نعلم عن وجود حلقة <strong>من</strong> الحنيفيين في مكة ، أشار إليها القرآن مراراً‏ . وقد ذكر صاحب األغاني عن ورقة بن<br />

نوفل أحد هؤالء الحنفيين ، وهو إبن عم خديجة زوج محمد األولى : ‏“أنه كان إمرءاً‏ تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب<br />

الكتابة العبرانية ، فيكتب بالعبرانية <strong>من</strong> اإلنجيل ما شاء أن يكتب . ‏”وقال المسعودي صاحب مروج الذهب:‏ ‏“وكان<br />

ورقة قرأ الكتب ورغب عن عبادة األوثان”‏ . ويبدو أن هذه األقوال تأتي <strong>من</strong> صحيح البخاري ومُسلم ، فقال البخاري<br />

بالحرف الواحد:‏ ‏“وكان ورقة إمرءاً‏ تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتابة العربية ويكتب <strong>من</strong> اإلنجيل بالعربية ، ما<br />

شاء أن يكتب”‏ . فيتضح <strong>من</strong> ذلك أنَّ‏ كتاب األغاني حرّ‏ ف نص الصحيحين ، ووضع كلمة عبرانيّ‏ مكان عربيّ‏ . ويدل<br />

ذلك على أن ورقة بن نوفل كان يكتب الكتاب أي اإلنجيل العربيّ‏ وكُتُبْ‏ أخرى ‏،وال يخفى على أحدٍ‏ دور ورقة بن<br />

نوفل على كتابة القرآن وعلى صاحب الرسالة المحمدية.‏<br />

فإذا صحَّ‏ هذا اإلفتراض ، جاز لنا أن نستنتج <strong>من</strong>ه أن األناجيل أو قسماً‏ <strong>من</strong>ها نقلت إلى العربية قبل اإلسالم ، إذ يصعب<br />

علينا أن نسلم بأن نصارى الحيرة وسوريا والي<strong>من</strong> وشبه جزيرة سيناء وفلسطين ، كانوا يقرأون في بيعهم األناجيل<br />

والمزامير وغيرها <strong>من</strong> كتب العهدين بلغات غير مفهومة أو ظلوا يقرأونها في هذه اللغات ز<strong>من</strong>اً‏ طويالً‏ . وبعد أن<br />

شاعت بينهم األحرف العربية الحاضرة التي صاروا يدوّ‏ نون فيها تاريخ بيعهم وأهم حوادثهم المدنية والكنائسية<br />

وكتاباتهم على أبواب أديرتهم وضرائحهم وهلمّ‏ جراً‏ . زد على ذلك ما ذكره أحد المؤرخين ، <strong>من</strong> أن ملك الحبشة<br />

وإسمه ‏“أال إسبيبا”‏ أرسل سنة إلى أمبراطور بيزنطيا قسماً‏ <strong>من</strong> إنجيل لنصارى نجران نجىّ‏ <strong>من</strong> الحريق وإن<br />

صاحب هذا الخبر لم يذكر لغة اإلنجيل هذا على أننا إستناداً‏ إلى ما قد<strong>من</strong>ا <strong>من</strong> اإلعتبارات نرجح أنها كانت العربية.‏<br />

ثم إننا نجد في القرآن آيات تذكرنا بالكتاب المقدس ، بل تكون أحياناً‏ مأخوذة <strong>من</strong>ها بالحرف الواحد . كقوله في ‏)سورة<br />

األنبياء الجملة ولقد كتبنا في الزبور <strong>من</strong> بعد الذكر أن األرض يرثها عبادي الصالحون وهي تقابل عبارة<br />

صاحب الزبور ‏)المزمور أما الودعاء فيرثون األرض . ” و<strong>من</strong>ها ما أخذ معناه فقط كقوله:‏ فأتاهم هللا<br />

ثواب الدنيا وحُسْنَ‏ ثواب اآلخرة تذكرنا برسالة بولس األولى إلى أهل طيموثاوس )4 وأما التقوى فتنفع<br />

في كل شيء ولها موعد الحياة الحاضرة والمستقبلة و<strong>من</strong> طالع أشعار شعراء الجاهلية مثل إمرء القيس وأميّة بن<br />

أبي السلط والنابغة الذبياني ولبيد وغيرهم . وطالع القرآن بإمعان و بعض األناجيل المزورة ال يلبث أن يندهش <strong>من</strong><br />

كثرة ما يراه هناك <strong>من</strong> اإلصطالحات الدينية والكنائسية واألخالقية و قدرتها على تأدية أدق المعاني التي لها مساس<br />

بهذه المواضيع . وهذا <strong>من</strong> أقوى األدلة على أن العرب عالجوا هذه المواضيع <strong>من</strong>ذ أمدٍ‏ بعيد ، وأن هذه اإلصطالحات<br />

والتعبيرات ليست حديثة العهد وال هي وضعت أو أُخذت في سنة أو بضع سنوات . لكنها دخلت العربية <strong>من</strong> يوم<br />

شاعت النصرانية بين العرب ، وإضطر المسيحيون <strong>من</strong>هم الى إستعمالها في بيعهم وبيوتهم ومجتمعاتهم وكتبهم . ولوال<br />

ذلك لما كان لهذه األلفاظ تلك المرونة وتلك السالسة اللتان ال تكتسبان إال مع الز<strong>من</strong> ، وبعد إعمار الفكر طويالً.‏<br />

”<br />

. ”<br />

” :)8 ،<br />

. ”<br />

” :)11، 37<br />

. ”<br />

” :)105<br />

24


ولقد أشرنا في الحلقة السابقة ، إلى اإلصطالحات القرآنية التي أخذت بال شك <strong>من</strong> أصل مسيحي ، حسب تعليل علماء<br />

القرآن وتعليل المستشرقين . وإذا أمعنا النظر في هذه المصطلحات القرآنية لوجدنا أن العنصر السريانيّ‏ األّراميّ‏ على<br />

إختالف لهجاته بين فلسطينية وسورية وعراقية هو الغالب عليها . أما اإلصطالحات المسيحية التي دخلت عن طريق<br />

الفارسية أو الالتينية أو اليونانية أو الحبشية فقليلة.‏<br />

وقدّم يوسف هننجر ‏(‏HENNINGER‏)نظرة سريعة عن بعض االراء وأّيد أخيراً‏ رأي جورج<br />

غراف ‏(‏GRAF)(38‎‏)ثَّم جاء يوشع بالو (BLAU) ، فأنكر وجود ترجمة عربية للكتاب المقدس سابقة لإلسالم ،<br />

اعتماداً‏ على أدلةٍ‏ لغويَّةٍ‏ ، ورداً‏ على رأي انطون باومشتارك.‏ (BAUMSTARK)(39)<br />

بعد هذا العرض ألبرزّ‏ االراء ، البد لنا <strong>من</strong> أن نختمه بتقديم رأي الدكتور جوَّ‏ اد عليّ‏ ، إلحاطته بموضوع الجاهلية .<br />

‏“ويظهر <strong>من</strong> بعض روايات األخبارين أن أهل الجاهليّة كانوا قد اطلّعوا على التوارة و اإلنجيل ، وأنّهم وقفوا على<br />

ترجمات عربيّة للكتابين . وأن هذا الفريق كان قد عرّ‏ ب بنفسه الكتابين كالًّ‏ أو بعضاً‏ ، ووقف على ما كان عند أهل<br />

الكتاب <strong>من</strong> كتبٍ‏ في الدين . فذكروا مثالً‏ ‏)ورقة بن نَوفَل(‏ كان يكتب الكتاب بالعبراني ، ويكتب <strong>من</strong> اإلنجيل<br />

بالعبرانية ما شاء هللا أن يكتب . وقالوا : وكان امرؤ تنصَّر في الجاهليّة ، وكان يكتب الكتاب بالعربي ، ويكتب <strong>من</strong><br />

اإلنجيل بالعربيّة ما شاء هللا أن يكتب وذكروا مثل ذلك عن ‏)أميّة بن أبي الصَّلت(،‏ فقالوا إنّه كان قد قرأ الكتب<br />

المقدسة وقالوا مثل ذلك عن عددٍ‏ <strong>من</strong> األحناف”)‏‎40‎‏.‏ )<br />

”<br />

”<br />

. ”<br />

وبعد ذكر هذه االمثلة ، أبدى المؤلف رأيه ، وقال:‏<br />

‏”وال يستبعد وجود ترجماتٍ‏ للكتاب المقدس في الحيرة . لما عُرف عنها <strong>من</strong> تقدُّمٍ‏ في الثقافة ووفي التعليم ، ولوجود<br />

النصارى المتعّلمين فيها بكثرة . وقد وجد المسلمون فيها حينما دخلوها عدداً‏ <strong>من</strong> األطفال يتعلمون القراءة والكتابة<br />

وتدوين األناجيل ؛ وقد برز نفر <strong>من</strong>هم ، وظهروا في علوم الالهوت . وتولَّوا <strong>من</strong>اصب عالية في سلك الكهنوت وفي<br />

مواضع أخرى <strong>من</strong> العراق . فال غراية اذا ما قام هؤالء بتفسير األناجيل وشرحها للناس للوقوف عليها.‏ وقد ال يُستبعد<br />

تدوينهم لتفاسيرها أو لترجمتها . لتكونَ‏ في متناول األيدي ، والسيمَّا بالنسبة وإلى طالبّ‏ العلم المبتدئين . وقد ال<br />

يُستبعد أيضاً‏ توزيع بعض هذه الترجمات والتفاسير إلى مواضع أخرى ، لقراءتها على الوثنيين وعلى النصارى<br />

للتبشير .41(“ )<br />

أخيراً‏ ، الكتب القانونية التي نرجح أنها نقلت إلى العربية قبل اإلسالم إستناداً‏ إلى مقارنات ببعض آيات القرآن<br />

وأساليب نقلية أخرى فهي اآلتية ‏:كتاب التكوين ، والخروج ، واألحبار ، والعدد ، وتثنية اإلشتراع ، ثم كتاب الزبور ،<br />

وأخيراً‏ إنجيل متى . وهذا ماسنراه في في إطار حديثنا عن بعض النماذج على أقدم ترجمات األناجيل ال سيما<br />

الترجمات المسجعة.‏<br />

‏(‏‎6‎‏)المؤلَّفاتُ‏ الالَّهوتيَّةُ:‏<br />

نكتفي هنا بإيرادِ‏ رأْيِ‏ الدُّكتورِ‏ جوادِ‏ ّ عليٍ‏ في هذا المضمارِ‏ إِذ قال:‏ ولم يتركْ‏ رجالَ‏ الدِّينِ‏ <strong>من</strong> النَّصارى العربِ‏ لنا<br />

أَثرً‏ ا كتابيًّا يُنبئُ‏ عن مدى اشتغالِهِم في علمِ‏ الالَّهوتِ‏ وفي العلومِ‏ األُ‏ خرى . غيرَ‏ أَنَّ‏ هذا ال يعني أَنَّ‏ النَّصارى العربَ‏ لَ‏ ‏ْم<br />

يخرجُوا علماءَ‏ دينٍٍُ‏ <strong>من</strong>هم ولَمْ‏ يُعطوا النَّصرانيَّةَ‏ رجالً‏ <strong>من</strong>هم يخدمُها ويقفُ‏ حياتَه الرُّ‏ وحيَّةَ‏ عليها . ففي قوائمِ‏ أَسماءِ‏ <strong>من</strong><br />

حضروا المجامعَ‏ الدِّينيَّةَ‏ الَّتي عُقدتْ‏ للنَّظرِ‏ في األُمورِ‏ الْجَدليَّةِ‏ والسيّما في القضايا الَّتي تخُصُّ‏ مبادئَ‏ الدِّينِ‏ ، أَسما ‏ُء<br />

رجالٍ‏ تنبئُ‏ أَنَّهم كانوا عربًا . وقد ّ دوِ‏ نتْ‏ في محاضرِ‏ تلكَ‏ المجالسِ‏ أَسماءُ‏ المواضعِ‏ الَّتي مثَّلُوها <strong>من</strong> بالدِ‏ العربِ‏ . كما<br />

أَنَّ‏ بينَ‏ رجالِ‏ الدِّينِ‏ الكبارِ‏ الَّذينَ‏ نبغُوا في العراقِ‏ مَنْ‏ كان أَصلُه <strong>من</strong> الْحَيرةِ‏ . وإذْ‏ كانت غالبيَّةُ‏ سكانِ‏ هذه المدينةِ‏ <strong>من</strong><br />

العربِ‏ فال يُستبعدُ‏ أَنْ‏ يكونَ‏ <strong>من</strong> بين هؤالءِ‏ العلماءِ‏ النَّصارى الْحَيريِّينَ‏ مَنْ‏ كان <strong>من</strong> أَصلٍ‏ ّ عربيٍ”‏ )42.(،<br />

25<br />


ّ<br />

ما هو دورُ‏ النَّصارى في الحضارةِ‏ العربيَّةِ‏ ؟<br />

” :ّ<br />

نذكرُ‏ مرَّ‏ ةً‏ أَخيرةً‏ ما ذكرَ‏ هُ‏ الدُّكتورُ‏ جوادُ‏ عليٍ‏ لقد كانت النَّصرانيَّةُ‏ عامالً‏ مُهمًّا بالطَّبعِ‏ في إدخالِ‏ اآلراءِ‏ اإلغريقيَّةِ‏<br />

والسُّريانيَّةِ‏ إلى نصارى العربِ‏ . فقد كانتِ‏ الكنيسةُ‏ مضطرَّ‏ ةً‏ إلى دراسةِ‏ اإلغريقيَّةِ‏ ولغةِ‏ بني إرْ‏ مَ‏ لِمَا للُّغتَيْنِ‏ <strong>من</strong> قدسيَّ‏ ‏ٍة<br />

خاصَّةٍ‏ نشأَتْ‏ <strong>من</strong> صالتِهِما باألَناجِ‏ يلِ‏ وقد كان أَثرُ‏ اإلرْ‏ ميةَ‏ أَهمُّ‏ في الكنيسةِ‏ الشَّرقيَّةِ‏ <strong>من</strong> اإلغريقيَّةِ‏ . بكونِها لغةُ‏ الثَّقاف ‏ِة<br />

في الهاللِ‏ الخصيبِ‏ في ذلك العهدِ‏ . ولهذا وجدْنَا معظمَ‏ التَّعابيرِ‏ والمصطلحَاتِ‏ الدِّينيَّةِ‏ عند نصارى الشَّرقِ‏ هي <strong>من</strong> هذه<br />

اللُّغةِ‏ و<strong>من</strong>ها أَخذَها النَّصارى العربُ‏ فصارتْ‏ عربيَّةً‏ )43 (. و<strong>من</strong> أَقوى األَدلَّةِ‏ على تأْثيرِ‏ النَّصارى الدِّينيِ‏<br />

على عربِ‏ الجاهليَّةِ‏ وعلى اإلسالمِ‏ الناشئِ‏ ، تلكَ‏ األَلفاظُ‏ القُرآنيَّةُ‏ الَّتي اعتبرَ‏ ها اللُّغويُّونَ‏ دخِ‏ يلَةً‏ ، وقد اعتمدنا على<br />

مرجع موثوق فيه لألستاذ آرثر جفري ‏(‏JEFFER)(44‎‏)<strong>من</strong>ها أَلفاظٌ‏ دينيَّةٌ‏ و<strong>من</strong>ها أَلفاظٌ‏ حضاريَّةٌ‏ . أَمَّا األَلفاظُ‏ الدِّينيَّةُ‏<br />

الَّتي وردَتْ‏ في القُرآنِ‏ <strong>من</strong> أَصلٍ‏ ّ مسيحيٍ‏ أمّا األلفاظ الدينيّة التي وردت في القرآن الكريم وهي <strong>من</strong> اصل مسيحيّ‏ ،<br />

فمثل إبليس)‏‎47-48‎‏(‏ ، إنجيل ‏)‏‎71-72‎‏(وبيعة)‏‎86-87‎‏(‏ وجهنّم )105-106( وحَوَ‏ اريَّون ‏(‏‎115-116‎‏)ورُ‏ جز)‏‎139‎‏(‏<br />

وزبور)‏‎148-149‎‏(‏ وسلطان )176-177( وشيطان )190-187 ‏(وصِ‏ بغة ‏)‏‎192‎‏(وصَلَوات )197-<br />

‎198‎‏(وصوامع)‏‎2<strong>00</strong>-201‎‏(‏ وصوم)‏‎201-202‎‏(‏ وطُوبَى)‏‎206‎ ‏(وطُور)‏‎206-207‎‏(‏ وفِردَوس )223-<br />

‎224‎‏(وفُرقان)‏‎225-229‎‏(‏ وقُدُس)‏‎232‎‏(‏ وقِسط<br />

ّ والحضاريِ‏<br />

‏(‏‎237238‎‏)وقسيسّون )239-240( ومَثَل )258( ومسيح )265-<br />

266( ومِلّة )269-268 ‏(ومِنَّ‏ ‏)‏‎271-272‎‏(ونصارى )280-281( ويحيى )291-290(<br />

أما األلفاظ الحضاريَّة ، فمثل : تابوت )88-89( وخمر)‏‎125-126‎‏(‏ ودِرهَم ‏(‏‎129-130‎‏)ودينار)‏‎133-135‎‏(‏ وسِراج<br />

‏)‏‎167-166‎‏(وكأس )245-246( وكوب )252 ‏(ومِقالد )267-268( ، واأللفاظ المرتبطة بالكتابة ، مثل : رَ‏ قّ‏<br />

‏)‏‎143‎‏(وسِجِ‏ ل ‏(‏‎163-164‎‏)وسَطَر)‏‎169-170‎‏(‏ وسِفر )170-171( وقُرآن )2347-233 ‏(وقِرطاس)‏‎236-235‎‏.‏ )<br />

وقد ذكر األب لويس شيخو مفردات أخرى عديدة انتشرت بين عرب الجاهلية تحت تأثير النصارى )45(. ولم أذكرها<br />

هنا ، بما أنّ‏ البحث كان محصوراً‏ على األلفاظ التي وردت في القرآن.‏<br />

يتّضح <strong>من</strong> هذا العرض السريع أنّ‏ الجزيرة العربيّة ، وإن كانت صحراء جدباء ، إالّ‏ أنها كانت فكرياً‏ خصباء . وقد<br />

لعب النصارى دوراً‏ بارزاً‏ في بناء هذا الفكر العربي ، وهّيأوا الطريق في قلوب العرب لقبول الدعوة المحمَّديَّة.‏<br />

إلى اللقاء في الجزء الثالث وتحت عنوان<br />

ابونا انطونيوس<br />

”<br />

تأثير االسالم على األدب الديني المسيحي”‏<br />

(3) CF. C. RABIN ,at . Arabiyya , in Encyclopédie de l’ Islam, 2 ed., I (Leyde et Paris<br />

1960) “ Le caractère chrétien des inscriptions datées laisse à penser que l’alphabet arabe<br />

fut inventé par des missionnaires chrétiens , comme tant d’ alphabets orientaux . Abbott<br />

localise cette invention , avec beaucoup de vraisemblance, à Hira ou à Anbar . Et puis<br />

Lion Wellhausen suggère , avec toute apparence de raison, que l’arabe classique fut<br />

répandu par les Chrétiens de Hira . La tradition musulmane nomme, parmi pemières<br />

personnes qui écrivirent en arabe , Zayd , b . Hamad (vers 5<strong>00</strong> de J.C .) et son fils le<br />

poète Adi , tous deux poètes de Hira “ (P.583a) .<br />

26


”<br />

”<br />

”<br />

)1972 ص . ‎12-22‎لويس شيخو : ”<br />

)1913( 16 ص 72-67<br />

)1923 ص 462-461 157-152<br />

درسات في تاريخ الخط العربي ، <strong>من</strong>ذ بدايته إلى نهاية العصر األموي<br />

‏(‏‎4‎‏)راجع مثالً‏ صالح الدين ال<strong>من</strong>جد\‏ القسم<br />

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ‏)بيروت ، دار الكتاب الجديد ،<br />

‏)+لوحتان(‏ ؛ ثمّ‏ في طبعته على صورة كتاب<br />

الثاني ، الفصل االول ، في <strong>مجلة</strong> ‏“المشرق”‏<br />

و<br />

‏)بيروت<br />

” ‏(‏‎5‎‏)جوّ‏ اد عليّ‏<br />

‏(‏‎6‎‏)نفس المرجع السابق ، ج‎6‎<br />

المفصل في تاريخ اإلسالم”‏ بيروت ، دار العلم للماليين ، ط‎2‎ ج<br />

179-178/8<br />

، ص 689<br />

) ‏(‏‎7‎‏)عن هذا الشاعر توجد عشرات <strong>من</strong> األبحاث ، نذكر أهمَّها:‏<br />

أ-‏ لويس شيخو :<br />

”<br />

ب-‏ عبد المتعالي الصعيدي :<br />

شعراء النصرانية قبل اإلسالم<br />

‏)بيرت ”<br />

= 1890 )1967 ص‎474-439‎<br />

”<br />

ج-‏ نذير العظمة : ” عدي بن زيد ، شخصيته وشعره<br />

زعامة الشعر الجاهلي بين امرئ القيس وعدي بن زيد<br />

)1943 القاهرة ” (<br />

”<br />

‏)بيروت‎1960‎‏(‏<br />

د-‏‎178‎‏.‏ - Fuat SEZGIN, Geschihte des arabischen Sehrifttums II .(Leiden , Brill ,1975).P<br />

‎179‎حيث يجد القارئ أهمّ‏ المراجع<br />

‏(‏‎8‎‏)عن قس بن ساعدة ، راجع:‏<br />

أ - Louis CHEIKHO ,Les poètes arabes chrétiens . Poètes anteislamiques . Qouss évêque<br />

de Najran , in Etudes 1888,p. 592-611. Article reproduit dans Relation d’ Orient . janvier<br />

1892 , p.21-29<br />

ب-‏ لويس شيخو : ” شعراء النصرانية قبل اإلسالم<br />

”<br />

ج-‏ لويس شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية<br />

( أنظر أيضاً‏ ص<br />

بيروت<br />

‏)بيروت<br />

1967-1890( ص‎218-211‎‏.‏<br />

” ، ” في المشرق ) 18(1920 ” ص‎380-379‎ = طبعة<br />

426 ،4<strong>00</strong> ، 391 ، 379 ، 244 ، 192 ،169 ، 162، 161 ،64<br />

1923 ص‎328-327‎<br />

) .<br />

د-‏ جوّ‏ اد عليّ‏ : المفَّصل في تاريخ اإلسالم ط‎2‎<br />

ص‎225‎ ، ج‎4‎ ص‎671‎ ، ج‎5‎ ص‎273‎<br />

ص‎251،340‎<br />

، ج‎6‎ ص<br />

وانظر أيضاً‏ ج‎1‎ ص-‏<br />

، ج‎6‎ ص‎225‎<br />

، 42 ج‎2‎<br />

. 469-462 1978<br />

”<br />

505، ، 819، 453، 648 ، 628، 509، ، ج‎8‎<br />

، 362 735-734 ، 427 ، 368، 776-777،785-787 ،766 ، ، 792 ، ج‎9‎ .388<br />

27


ه‎180-182‎ . p – SEZGIN , GAS , II (1975) ,<br />

و - J. Spencer TRIMINGHAM , Christianity among the Arab “ , in Pre- Islamic Arab<br />

Background Series<br />

( Longman , London and New York , Librairie du Liban , 1979) , p. 177-178<br />

– ‏(‏‎9‎‏)لويس شيخو شعراء النصرانية قبل االسالم 392 صفحة <strong>من</strong> القطع الكبير ، وعن كتابه هذا راجع ما كتبه<br />

بالعربيّة كلَّ‏ <strong>من</strong>:‏<br />

أ-‏ أنستاس ماري الكرملي : ” شعراء النصرانية في الجاهلية<br />

”<br />

في <strong>مجلة</strong> المقتبس<br />

2 ”<br />

‏)دمشق‎1907‎‏(‏ ص<br />

69-61<br />

.143-132<br />

ب-‏ أنستاس ماري الكرملي :<br />

ج-‏<br />

”<br />

اكن السموأل نصرانياً‏ ؟<br />

‏)بغداد 7 لسان العرب ” في <strong>مجلة</strong> ”<br />

و<br />

1929( ص‎866-860‎‏.‏<br />

”<br />

كتاب شعراء النصرانية وعنترة العبسي الوثني<br />

” في <strong>مجلة</strong> ”<br />

د-‏ إبراهيم اليازجي : انتقادات متفرقة على بعض كتب األب شيخو<br />

ص‎214-213‎ و ‎276-275‎و‎373-368‎ ؛ ‏(‏‎3(19<strong>00</strong>-1901‎ص<br />

687. وهذه االنتقادات خاصّة بكتابي ” علم األدب و<br />

‏)بيروت 2 الكوثر”‏<br />

)1911-1910 ص .70-65<br />

”<br />

151-150<br />

” شعراء النصرانية.‏ ”<br />

”<br />

في <strong>مجلة</strong> الضياء ‏)القاهرة(‏<br />

و‎212-209‎ و‎628-627‎ و<br />

)1899-19<strong>00</strong>( 2<br />

-684<br />

”<br />

‏(‏‎10‎‏)لويس شيخو في <strong>مجلة</strong> المشرق ابتداء <strong>من</strong> سنة . ثمّ‏ في كتابٍ‏ واحد ، سنة في بيروت ، ويقع<br />

في 526 صفحة . راجع أيضاً‏ التقاريظ اإلحدى عشر المذكورة في ثبت مؤلّفات األب شيخو ‏)ص<br />

األرقام<br />

1923<br />

1910 ” ”<br />

178-163( تحت<br />

-4 ،101، ، 239 ، 233 ، 220، 210 ،206 ، 185 ،143 . ‎241‎أنظر , HECHIME Camille<br />

Bibliographie analytique du Père Louis Cheikho , coll. Recherches de l’ I.L .O., t.B6 (<br />

Beyrouth , 1979<br />

– ‏(‏‎11‎‏)أ<br />

.322-297<br />

كميل حُشيمة :<br />

”<br />

األب لويس شيخو وشعراء النصرانية في الجاهلية<br />

” ، في ”<br />

المشرق<br />

” 64 )1970( ص<br />

ب ,Camille HECHIME,Louis Cheikho et son Livre “le chrisianisme et la littérature –<br />

chrétienne en Arabie avant L’ Islam , coll . Recherhes de I’I .L.O. , t. 38 (Beyrouth ,<br />

1967) , 22+211 pages ,<br />

82—79<br />

328 -372 ‏“النصارى”‏ )<br />

690-582<br />

) ‏(‏‎12‎‏)راجع جوّ‏ اد عليّ‏ ج‎6‎ ‏)=الفصول ) . باالضافة إلى عشرات الصفحات المتفّرقة<br />

المذكورة في فهارس المجلّد العاشر : ص ‏)مادّة و‎510-509‎<br />

وبعض األعالم أمثال الحارث ‏)ص‎80-76‎‏(‏ وعبد المسيح ‏)ص‎148‎‏(‏ وعيسى ‏)ص‎167‎‏(‏ والغساسنة وآل غسان ‏)ص<br />

‏(‏‎302-303‎وبنو لخم ‏)ص‎316‎‏.‏ )<br />

( مادّة ” النصرانيّة”‏ ) ،<br />

) ‏(‏‎13‎‏)راجع حاشية ‎8‎و ‏)وأنظر ما كتبه األب حنا فييهFIEY Jean – M . عن هذا الكتاب ، في <strong>مجلة</strong> كلية الالهوت<br />

للشرق األدني ‏)بيروت<br />

)1979 ص ) Review (Theological 45-49<br />

2/2 ”<br />

28


وراجع أيضاً‏ J. Spencer TRIMINGHAN , Ma wiyya the first Christian Arab Queen , in<br />

Theological Review :<br />

) ‏(‏‎14‎‏)راجع : أ-‏<br />

ب-‏ جواد عليّ‏ ج‎8‎<br />

ج<br />

األب شيخو ص<br />

.365-364<br />

383-381<br />

–<br />

.330-328<br />

محمود شكري اآللوسي البغدادي :<br />

”<br />

؛ وأنظر المراجع األخرى المذكورة في الفهرس ‎79/10‎أ.‏<br />

بلوغ اآلدب في معرفة أحوال العرب<br />

‏)ط‎2‎ ”<br />

، القاهرة )1942/1342 /3<br />

‏(‏‎15‎‏)راجع ابن القفطي 16-15/163<br />

29<br />

” :<br />

” .<br />

وقال أبو عمر : ومات الحارث بن كلدة في أوّ‏ ل اإلسالم ، ولم يصحَّ‏ إسالمُه<br />

( ‏(‏‎16‎‏)راجع ابن قتيبة الدينوري : ط كتاب المعارف ط ( القاهرة ، 1934-1353( ص<br />

‏(‏‎17‎‏)راجع ابن عبد ربّه : ط العقد الفريد ط ( القاهرة<br />

.98<br />

‎1372-1359‎ه )<br />

‎114/3‎و‎373/3‎‏.‏<br />

‏(‏‎18‎‏)راجع أبا داود سليمان … ابن جلجل : ” طبقات األطبّاء والحكماء ” طبعة فؤاد سيّد ( القاهرة<br />

1955( ص‎54‎‏-‏<br />

56<br />

‏(‏‎19‎‏)راجع صاعد بن أحمد األندلسي : ” طبقات األمم<br />

‏((‏‎20‎‏)راجع يوسف بن عبدهللا ابن عبد البّر :<br />

‏)حاشية<br />

”<br />

، طبعة األب لويس شيخو ( بيروت<br />

)1912 ص 47<br />

”<br />

االستيعاب في أسماء األصحاب<br />

”<br />

، طُبع في هامش<br />

” اإلصابة ”<br />

.288/1 )24<br />

‏((‏‎21‎‏)راجع ابن القفطي ‏)حاشية<br />

‏(‏‎22‎‏)راجع أبا الفرج ابن العبري :<br />

ص‎156‎<br />

”<br />

مختصر تاريخ الدول ” طبعة األب أنطوان صالحاني ‏)بيروت<br />

)1890<br />

)15 ص‎161‎ 162-<br />

157-<br />

‏(‏‎23‎‏)راجع ابن أبي أُصيبعة<br />

‏(‏‎24‎‏)راجع ابن حجر العسقالني :<br />

113-106/1<br />

”<br />

‏(‏‎25‎‏)راجع ابن أبي أُصيبعة‎111-110/1‎<br />

‏(‏‎26‎‏)المرجع نفسه<br />

اإلصابة في تمييز الصحابة<br />

” ، طبعة القاهرة )1939/1358( .288/1<br />

.113/1<br />

‏(‏‎27‎‏)راجع االب لويس شيخو ص‎365‎ ؛ وجوّ‏ اد عليّ‏<br />

أخرى عديدة للقدماء.‏<br />

‏(‏‎28‎‏)راجع جوّ‏ اد عليّ‏<br />

385-383 ، 377-376 ، 349-348/8<br />

244/4 وأنظر 378/8<br />

. وقد ذكره أيضاً‏ األب لويس شيخو ص<br />

.375<br />

، حيث توجد مراجع


”<br />

”<br />

.322-314 ، 306-304 ، 3<strong>00</strong>-295 ،<br />

”<br />

.379-378/8<br />

.379/8<br />

‏(‏‎29‎‏)جوّ‏ اد على<br />

‎30‎‏)المرجع نفسه<br />

‏(‏‎31‎‏)راجع األب لويس شيخو ص‎22-20‎<br />

”<br />

‏(‏‎32‎‏)راجع عبد المسيح المقدسي :<br />

نقل الكتب المقدّسة إلى العربية قبل اإلسالم<br />

، في <strong>مجلة</strong><br />

المشرق<br />

31)1933( ص‎12-1‎‏.‏<br />

(33) a)CF . Anton BAUMSTARK , Die sonntagliche Evangelienlesung im<br />

vorbyzantinischen Jerusalem , in : Byzantinische Zeitschrift 30 (1919-1930) , p. 350 -359<br />

b) IDEM, Das Problem eines vorislamischen christlich – Kirchlichen Schrifttums<br />

in arabischer Sprache , in :Islamica4(1931) p.562-575;<br />

C) IDEM, Eine altarabische Evangelienubersetzung aus dem Christlich –<br />

Palastinensischen , in Zeitschrift fur Semitistik 8 (1932),p.201-209 ;<br />

d) IDEM , Der alteste erhaltene griechisch- arabische Text von Psalm 110 (109) ,<br />

in Oriens Christianus31 (1934),<br />

.1<br />

.2<br />

.3<br />

p.55-66<br />

e) Arabiche Uebersetzung eines altsyrischen Evangelientextes und die Sure<br />

21,105 zitierte Psalmenubersetzung , in : Oriens Christianus 31 (1934 ) , p . 165-<br />

188 ;<br />

f) IDEM , Eine fruhislamische une eine vorislamische arabische<br />

Evangelienubersetung aus dem Syrischen , in : Atti del XIX Congresso<br />

Internazionale degli Orientalisti (Rome 1938 ) , p . 682-684 ;<br />

.1<br />

.2<br />

(34) (35 Georg GRAF , Geschichte der christlichen arabischen Literatur , ( coll. Studi e<br />

Testi 118, Citta del vaticano 1944 ) , 34-52 and 142-146 . [=GCAL]<br />

(35) Alfred GUILLAUME , The Version of the Gospels Used in Medina circa 7<strong>00</strong> A.D. ,<br />

in Al –Andalus 15 (1950) , p . 289-296 .<br />

30<br />

(36) Manuscript Studies , Stockholm 1954 , p . 274-276 . . Arthur VÖÖBUS , Early<br />

Version of the New Testament.<br />

(37) Cf .C . RABIN (voir note 3 ) , p . 582b-583a : “Il est probable que des traductions au<br />

moins partielles de la Bible en arabe existaient déjà avant l’Islam . On trouve dans le<br />

Kur’an des réminiscences stylistiques de l’Ancien et du Nouveau Testament 9…] . A .<br />

Baumstark attribuait une date pré-islamique au texte de certains manuscrits arabes de la<br />

Bible […] . Il y a également un fragment des Psaumes en caractères grecs […] .<br />

Wellhausen […] suggère , vec toute apparance de raison , que l’arabe classique fut


épandu par les Chrétiens de Hira . La tradition musulmane nomme , parmi les premières<br />

personnes qui écrivirent en arabe , Zayd b . Hamad (vers 5<strong>00</strong> de J. C . ) et son fils , le<br />

poète Adi , tous deux chrétiens de Hira “.<br />

(38) Joseph HENNINGER , Arabische Bibelubersetzungen vom Fruhmittelalter bis zum<br />

19 . Jahrhundert , in : Neue Zeitschrift fur Missionswissenschaft 17 ( 1961 ) , p . 201-223<br />

, see p . 206-210 : Vorislamische Bibelubersetungen ?<br />

(39) Joshua BLAU , Sind uns Reste arabischer Bibelubersetzungen aus vorislamischer<br />

Zeit erhalten geblieben ? , in : Le Muséon 86 (1973 ) , p . 67-72 .<br />

‏(‏‎40‎‏)جوّ‏ اد عليّ‏ 680/6<br />

681/6<br />

689/6<br />

689/6<br />

‏(‏‎41‎‏)المرجع نفسه<br />

‏(‏‎42‎‏)المرجع نفسه<br />

‏(‏‎43‎‏)المرجع نفسه<br />

(44) Arthur JEFFERY , The Foreign Vocabulary of the Qur ‘an (Baroda , Oriental<br />

Institute, 1938) XVI +311 pages . nous indiquons pour chaque mot Les pages ou il est<br />

etudie .<br />

‏(‏‎45‎‏)راجع األب لويس شيخو ص‎226-157‎<br />

31


إمرأة الفقهاء<br />

السيطرة أصول .. الحداثة وإمرأة<br />

الذكورية<br />

كريم شفيق<br />

ثمة دالالت كثيفة تؤطر تلك العالقة الملتبسة لواقع المرأة في المجتمعات العربية،‏<br />

وشعورها باإلنزواء وتعرضها لإلضطهاد وتعاملها كاألقليات،‏ و<strong>من</strong> ثم ارتباطها<br />

الهامشي بالرجل،‏ الذي يحتل مركزية العالم وبؤرة الفاعلية،‏ وهو ما يتماهي مع<br />

الصورة ال<strong>من</strong>تجة للفكر الديني،‏ وتأويالته،‏ الذي يري في المرأة مخلوق <strong>من</strong> ضلع رجل<br />

وتاليا تابع له.‏<br />

تعرج العالقة بين الرجل والمرأة عبر مجموعة <strong>من</strong> العوامل التي تؤسس التراتب<br />

الوجودي والماهوي بينهما،‏ وتعكس حالة المساواة أو التمييز،‏ وتحدد طبيعة الوظيفة<br />

والدور والمكانة التي يحتلها كال <strong>من</strong>هما.‏ وتتجلي تمظهراتها المتنوعة <strong>من</strong> خالل اللغة<br />

والخطاب العربي و<strong>من</strong>توجاته والثقافية والدينية،‏ وكذا،‏ البني المعرفية،‏ المؤسسة لماهية<br />

العالم،‏ ومكانة الموجودات فيه،‏ ووظائفها،‏ باإلضافة لجدلية العالقة بين المقدس<br />

والمدنس،‏ في صوره الوحيانية الميتافيزيقية أو الوضعانية.‏<br />

وكما ال يمكن تغييب تأثير النص ومركزيته في المجتمع العربي اإلسالمي،‏ وهو<br />

مايميزها،‏ مثلما فرق نصر حامد أبو زيد بين الحضارة المصرية القديمة كونها حضارة<br />

مابعد الموت،‏ والحضارة اليونانية بإعتبارها حضارة العقل،‏ فالحضارة العربية اإلسالمية هي حضارة النص،‏ وفي<br />

الوجهة المقابلة،‏ اليمكن إهدار فاعلية التأويل ودوره في إنتاج المعرفة واستخراج دالالت النص ومعناه.‏<br />

تتبدي مع ذلك تلك المساحة الوفيرة التي اشتبكت فيها الباحثة اللبنانية،‏ ريتا فرج،‏ في كتابها:‏ ‏“إمراة الفقهاء وإمرأة<br />

الحداثة”-‏ خطاب الالمساواة في المدونة الفقهية،‏ الصادر عن دار التنوير،‏ مع النص الديني،‏ وما تطرحه <strong>من</strong> تساؤالت<br />

في إطار <strong>من</strong>هجي دقيق،‏ بتفكيك الخطاب الديني الذي أنتجه الفقهاء والمؤسسة الالهوتية،‏ عبر التاريخ بما يكشف<br />

انحرافاتها وسلطويتها المرتبطة بتكريس الهي<strong>من</strong>ة الذكورية،‏ السياسية والطبقية واحتكارها للحقيقة والمعرفة الدينية،‏<br />

وردها للخطابات الضاغطة علي تشكلها،‏ وفض عالقات التناص المتداخلة في بنية النصوص الموازية.‏<br />

فيما تعمد إلي تعرية المجتمعات العربية/‏ اإلسالمية التي ترزح تحت تأثير الخطاب الفقهي التقليدي،‏ وسطوة تأثيراته<br />

الممتدة بسبب اإلنسداد التاريخي واإلنغالق المجتمعي وفشل عمليات التحديث،‏ التي حالت دون تخطي اإلرث القبلي<br />

الذي ساهم بقوة في إنتاج عنف فقهي في تعامله مع المرأة،‏ وتاليا القراءة الذكورية للنص القرآني والذي أدي إلي<br />

تأسيس نظرة تتمركز كلها حول التمتع بالجسد األنثوي ونفي أي فاعلية له في المجال الديني والنشاط المجتمعي<br />

والسياسي،‏ وهو ما يخالف المساواة التي <strong>من</strong>حها النص القرآني للرجال دون أن يؤسس ألي تمييز أنطولوجي بينهما.‏<br />

أصول السيطرة الذكورية<br />

تدشن المؤلفة فرضية أساسية ينطلق <strong>من</strong>ها الكتاب وهو تجذر إمرأة الفقهاء المقموعة بسبب الخالصات الفقهية التي أتي<br />

بها المتأخرون وحصر المرأة في باب الغواية والفتنة،‏ كما تناقش كل نموذج وفق األسس البنيوية التي أنتجتها،‏<br />

واإلحاالت اإلجتماعية والرمزية،‏ وآليات الصراع التي جعلت نموذج بعينه،‏ يسود وقائم وممتد بفاعلية في التاريخ،‏<br />

وآخر مهمش ومضمر.‏<br />

32


تنبش الكاتبة في مدونات العرب القديمة التي عبرت عن الخطاب الجنسي،‏ بغية إعادة اكتشاف االنثي الغائبة والمفتقدة<br />

في أحاسيس الرجل ومشاعره وواقعه داخل وعيه الذكوري،‏ فيتبدي تغييب صوت األنثي في العملية الجنسية وقمع<br />

شعورها والتعامل معه بدرجة <strong>من</strong> الحياء الشديد وفرض سلطة علي ذاتها ومشاعرها،‏ فينفرد الرجل/القضيبي رمز<br />

القبيلة ومصدر حمايتها بالمركزية والسلطة والحرية وتحتل المرأة مكانتها الضعيفة تابعة له وبعض متاعه.‏<br />

الجنسانية في مدونات العرب األدبية والفقهية<br />

تعود صاحبة ‏“العنف في اإلسالم”‏ إلي أول مدونة في تاريخ الجنسانية العربية اإلسالمية،‏ كما تتعاطي مع مختلف<br />

المصادر العربية <strong>من</strong> السيوطي وابن تيمية،‏ للوصول إلي معلومات كاشفه عن مفاهيم الخطاب الجنسي،‏ وآليات<br />

اإلحساس بين الذكر واألنثي،‏ وقمع هذا الخطاب عبر ثنائية اإلباحة والتحريم،‏ ومركزية الوعي الذكوري فيه.‏<br />

فإن الموروث القبلي في المجتمعات العربية كان هو الشرط الذي تولد عنه هذا المتخيل الجنسي،‏ والذي جعل شيخ<br />

اإلسالم ابن تيمية يفرق بين ختان المرأة علي أنه تعديل شهوتها ‏“فإنها إن كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة،‏ فإن<br />

القلفاء تتطلع إلي الرجال أكثر.”‏<br />

أما الرجل فالمقصود <strong>من</strong>ه تطهيره <strong>من</strong> النجاسة المختفية في القلفة.‏ وتعتبر المؤلفة استفاضة ال<strong>من</strong>ظومة الفقهية واألدبية<br />

في آداب النكاح جعلت المرأة وسيلة للتسري وإمتاع الرجل قط.‏<br />

نسوية محمد وذكورية عمر<br />

35<br />

تقف الباحثة مستشهدة بموقف الرسول واإلسالم المبكر مع المرأة والتعامل الودي مع نساءه وتتوقف بالتأمل عند سيرة<br />

كل <strong>من</strong> خديجة بنت خويلد،‏ وعائشة بنت أبي بكر الصديق،‏ وأم سلمة المخزومية،‏ وهذه األخيرة تصفها الباحثة في<br />

كتابها،‏ رائدة التيار النسوي المبكر والتي سألت الرسول يوما:‏ ‏“ما لنا النذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟”.‏ فنزلت<br />

اآلية رقم <strong>من</strong> سورة األحزاب واستجاب الوحي لها.‏ وتوضح موقف الرسول <strong>من</strong> عائشة أثناء الحيض حيث ‏“كان<br />

يتكئ في حجرها وهي حائض.”‏<br />

تصور حالة احتماء النبي بالسيدة خديجة في صورة جمالية <strong>من</strong>ذ بدايات الوحي،‏ تعكس فطرتها اإليمانية وقلقها<br />

الوجودي وتساؤالتها العقائدية ثم دعمها المعنوي لزوجها،‏ <strong>من</strong>ذ ذهبت به إلي ورقة بن نوفل تستوضح <strong>من</strong>ه ماظهر له<br />

في الغار الذي كان ينقطع فيه للعبادة،‏ فطمأنه أن <strong>من</strong> يتجلي لمحمد هو الناموس الذي أنزل علي موسي وليس شيطانا<br />

كما خشي.‏<br />

وبعد انقطاع المقدس تجلي أنموذج األنثي/‏ الحاضنة والتي كانت الملجأ والمالذ له،‏ وقد شاركته أنوار التوحيد فضال<br />

عن استعدادها الروحي/‏ التوحيدي،‏ الذي أقلقها مع زمرة <strong>من</strong> المكيين الذين عرفوا ب”بالحنفية”،‏ الباحثين عن عن نبي<br />

مرسل يحتل الفراغ الروحي في حياتهم يربطهم بأب التكوين ‏“إبراهيم.”‏<br />

وفي هذا الحيز،‏ باإلستناد إلي مرويات ثابته في السيرة واألثر،‏ تعقد الكاتبة مقارنة بين عنوانيين رئيسيين هما ‏“محمد<br />

كان نسويا”‏ و”عمر كان ذكوريا”،‏ فعلي خالف مرح الرسول مع نساءه،‏ واألخذ برأيهن ومشاورتهن بل ومخالفتهن<br />

له أو مراجعتهن إليه،‏ في الرأي،‏ تري أن ثمة تيار ذكوري نهض <strong>من</strong> الصحابة،‏ اليري في مشروع النبوة إال ذاك<br />

التغيير الذي يطاول الحياة الروحية والعامة،‏ أما الحياة الخاصة تبقي كما كانت في الجاهلية،‏ وفي مقدمته عمر،‏ الذي<br />

أنكر علي زوجته أن تراجعه في رأيه وعندما قالت له:‏ ‏“لما تنكر أن تراجعني فوهللا إن أزواج النبي ليراجعنه وإن<br />

إحداهن لتهجره اليوم حتي الليل”‏ فقال:‏ ‏“خابت <strong>من</strong> فعلت <strong>من</strong>هن بعظيم.”‏<br />

33


ولم يكتف بتعنيف زوجته وذهب إلي ابنته حفصة وكانت إحدي زوجات الرسول يسألها عما تقدم ولما لم تنفِ‏ ذلك قال<br />

لها:‏ ‏“أفتأ<strong>من</strong> أاليغضب هللا لغضب رسوله فتهلكن.”‏<br />

اتنتقدت الكاتبة بعض الحاالت اإلستشراقية التي تصف محمد بالشبق الجنسي وتصفه بالزعيم السياسي الذي كان يوطد<br />

عالقاته مع القبائل العربية في الجزيرة العربية.‏<br />

وتعرج في الحالة المسيحية عندما انتصر المسيح للمرأة في عصره وعفا عن المرأة الفاحشة في مساواة تتجلي في<br />

مقولته الشهيرة : ‏“<strong>من</strong> كان <strong>من</strong>كم بال خطيئة فليرمها بحجر”،‏ والذي يقابله بولس الرسول الذي ‏“لم يكن يحب يسمع<br />

صوت المرأة في الكنيسة”‏ في اسقاط مباشر علي موقف عمر في الحالة اإلسالمية.‏<br />

ويتضح <strong>من</strong> المفارقة التي تصنعها الكاتبة أن النبي العدناني فاجأ المجتمع والصحابة بمعاملته المرحة والمرنة للنساء،‏<br />

دون تضييق أو تهميش أو صنع أي تمايز وتراتب ماهوي بينهما،‏ وهو ما لم يقبل به كثيرون،‏ م<strong>من</strong> لم يتجاسروا مثله<br />

علي تطبيق هذا السلوك،‏ الذي مارس قطيعة مع الجاهلية في كل أبنيتها المعرفية واإلجتماعية والتشخيصية تجاه<br />

المرأة.‏<br />

كرست تلك الرؤية القبلية وضع الرجل الذي هو سيف القبيلة ورمحها وبالتالي مركزها والمرأة بعض متاع الرجل.‏<br />

وأمام هذه الزعامة الذكورية انعكاسا للفهم البدوي للحب والجنوسة ك<strong>من</strong>فعة للذكر/القضيبي سيطرت اللغة العنيفة في<br />

مدونات الفقهاء التي تصادر عقل المرأة ومشاعرها وتحيل جسدها لحقل جنسي.‏<br />

المرأة بين اإلسالم الفقهي واإلسالم القرآني<br />

تخلص الباحثة في الفصل الرابع المعنون ب”اإلسالم والبطريركية”،‏ إلي أن القرآن اليضهد النساء،‏ إنما القراءة<br />

الذكورية شوهت مقاصد النص المقدس،‏ وثمة تخريجات فقهية وضعت المرأة كمعطي جنسي،‏ وفضاء بارد ومحايد،‏<br />

الفاعل فيه هو الذكر،‏ المقرون بالقوة والصالبة والفحولة،‏ والذي يمثل ‏“قوة ردعية حيال األنثي”،‏ بحسب الباحثة<br />

اإلسالمية بجامعة كو<strong>من</strong>ولوث األمريكية آ<strong>من</strong>ة ودود.‏<br />

هذااإلرتباط الذي يمثله تلك الفجوة التي شكلتها سطوة الفقه التقليدي،‏ في الوقت الراهن،‏ وربط المرأة بالجسد وتبعاته<br />

السلطوية أدت إلي أدلجة الجسد،‏ وأضحي كال <strong>من</strong> الحجاب والنقاب،‏ رموزا ‏“ألصولية جنسانية”،‏ تدعي ‏“أسلمة<br />

الجسد”،‏ وأدوات قمع لتحجيب ووأد المرأة اإلجتماعي.‏<br />

أيدولوجيا الجسد<br />

وتشير الكاتبة إلي أن تلك الرموز الناشئة عن أسلمة الجسد وأدلجته الدينية يتم توظيفها السياسي في الصراع مع اآلخر<br />

أيا كان موقعه،‏ عبر تكريس التمايز الهوياتي الديني.‏ وفي هذا السياق تصك تعبيرا جديدا وحيويا تحيل فيه هذا المعني<br />

السياسي وراء طمس معالم الجسد وإخفاءه وتقليص أي فعالية له في المجال العام الديني واإلجتماعي ب ‏“العفة<br />

القهرية”،‏ لنفي أي إرادة حرة للمرأة واختيار فيها.‏<br />

الفقه اإلصالحي ومواقف مغايرة<br />

علي ضفاف التقليد التي حاولت فضح ممارساته ال<strong>من</strong>حرفة عن المساواة القرآنية التي <strong>من</strong>حها للمرأة،‏ ومخالفة مشروع<br />

المساواة النبوي والشراكة بين الذكر واألنثي،‏ انتخبت ريتا فرج في الفصل الخامس،‏ الشيخ فضل هللا السيد محمد<br />

34


حسين أحد اإلصالحيين،‏ وممثال للتيار التأويلي،‏ في فقه المرأة والتعاطي مع رؤيته المغايرة للفقه التقليدي،‏ الذي يكبل<br />

المرأة ويحجبها،‏ وجهده الفقهي في استنطاق النص بعقل مفتوح يري النص داخل حركته التاريخية.‏<br />

استعاد فضل هللا في فقهه الحركي التجديدي التوازن بين األنثي وجسدها وأحماله المعنوية والمادية،‏ وطاقاته<br />

اإلبداعية،‏ دون اختزال في معني جنسي يرفض تشويهه بلغة تأديبية،‏ بغية قمعه أو تأثيم متطلباته الشعورية وأعراضه<br />

البيولوجية،‏ مثل الحيض أو الشهوة.‏<br />

وتنقل الباحثة عن الشيخ فضل هللا دوره في تنقية كافة عوامل اإللتباس الديني واألسطوري والتاريخي،‏ واإلحالة التي<br />

ترويها علي قصة الخلق،‏ فيورد الطبري وغيره <strong>من</strong> كتب التفاسير اإلسالمية،‏ قصة غواية المرأة/الحية آلدم وتسببها<br />

في خروجه <strong>من</strong> الجنه وهو ما يتناقض مع القرآن الذي اليعتمد هذه الرواية مطلقا،‏ وهو ماعرف في علوم التفسير<br />

باإلسرائيليات،‏ م<strong>من</strong> مزجوا بين التراث اليهودي والعقيدة اإلسالمية،‏ مثل وهب بن <strong>من</strong>به أحد أحبار اليهود.‏<br />

فإن سيطرة التفكير الشعبي الذي يركن في الالوعي الجمعي لديه هذه القصة،‏ والتي مررها العقل الفقهي وأعاد انتاجها<br />

فسادت تفسيرات بناء علي ذلك،‏ مثل أن حيض المرأة وآالم الوالدة،‏ أحد أشكال العقاب اإلهي،‏ وكذا،‏ نقصان عقلها<br />

ودينها،‏ و<strong>من</strong> ثم بات تصنيف المرأة كوجه آخر للشيطان ومحل فتنة ينجذب ناحيته الرجل.‏<br />

تري الكاتبة أن حالة اإلنسداد المجتمعي والتاريخي عززت <strong>من</strong> تمكن الخطاب التقليدي <strong>من</strong> قمع المرأة وحصرها في<br />

المركزية الذكورية وإهدار أي قراءة مغايرة،‏ وتبرز أن المشترك بين الحركات اإلسالموية هو النظر لجسد المرأة<br />

علي اعتباره ‏“عورة”،‏ وتتقاطع هنا مع ما أحدثته الثورة اإليرانية عام 1979، <strong>من</strong> تحوالت جذرية أفضت إلي فرض<br />

الحجاب بقوة القانون وإلزام المرأة به وتهديدها في حال التخلي عنه وهو مايردنا إلي صورة المرأة السعودية المعزولة<br />

الذي لم يختلف عن نظيرتها في نسختها الشيعية.‏<br />

35


أدم”‏ ‏“أبي كتاب عرض البشر..‏ أبو ليس أدم<br />

<strong>من</strong>ة أبو الحديد<br />

أثار كتاب أبي آدم،‏ قصة الخليقة بين األسطورة والحقيقة للدكتور عبد الصبور<br />

شاهين <strong>من</strong>ذ صدوره في أواخر التسعينيات.‏ ومازال يثير جدال كبيرا،‏ خاصة في<br />

العالم االسالمي.‏ وقد رفع المتشددون دعوى قضائية لتكفيره.‏ الكتاب الذي أعيدت<br />

طباعته،‏ يرى فيه صاحبه أن آدم هو أبو اإلنسان وليس أبا البشر،‏ الذين هم خلق<br />

حيواني كانوا قبل اإلنسان،‏ فاصطفى هللا <strong>من</strong>هم آدم ليكون أبا اإلنسان ‏.وهو ما أشار<br />

إليه هللا في القرآن بالنفخ في الروح<br />

يقول عبد الصبور شاهين إن هللا أباد الجنس البشري فلم يبق <strong>من</strong>هم إال آدام.‏ فعدله<br />

هللا وسواه كما ينص القرآن في قوله ‏»الذي خلقك فسواك فعدلك«،‏ الكتاب المثير<br />

للجدل،‏ يستدل فيه عبد الصبور شاهين بآيات كثيرة على وجود البشر قبل<br />

اإلنسان،‏ ولكنهم كانوا خلقاغير معدلين بروح هللا،‏ وهو ما دعا المالئكة عندما<br />

أخبرهم هللا أنه سيخلق آدم ألن يقولوا ‏»أتجعل فيها <strong>من</strong> يفسد فيها ويسفك الدماء«‏<br />

ويرى شاهين أن هذا كان قبل أن يصطفي هللا آدام ويعدله ويسويه بأن ينفخ فيه <strong>من</strong><br />

روحه فيصبح عاقال ومتحضرا.‏ واستند في ذلك على قوله تعالى:»فإذا سويته<br />

ونفخت فيه <strong>من</strong> روحي فقفوا له ساجدين«‏ و<strong>من</strong> ثمة يرى صاحب الكتاب أن آدام ولد <strong>من</strong> أب وأم بشريتين تطور هو <strong>من</strong><br />

بعد هما ليصبح أبا اإلنسان المميز بالعقل المقيد بالشرائع.‏<br />

رأي مجمع البحوث اإلسالمية<br />

شكل مجمع البحوث اإلسالمية لجنة علمية للنظر في كتاب ‏»أبي أدام،‏ قصة الخليقة بين األسطورة والحقيقة«،‏ حيث<br />

أكد التقرير أن النصوص القرآنية في شأن خلق آدام – على كثرتها – ال تعالج التفاصيل التي تبين كيفية الخلق،‏ كما ال<br />

تحدد المسافات الز<strong>من</strong>ية التي أحاطت بمراحل ذلك الخلق،‏ لذلك ال يمكن لباحث قديم أو حديث أن يقطع فيه برأي حاسم<br />

تؤيده نصوص قطعية الداللة،‏ أو تؤيده شواهد علمية نظرية أو تجريبية تبلغ في داللتها مرتبة اليقين العلمي ‏.يقول<br />

التقرير الذي أعدته لجنة علمية لمجمع البحوث اإلسالمية أن البحث الذي قام به الدكتور عبد الصبور شاهين هو<br />

محاولة لفهم النصوص التي جاءت في القرآن الكريم،‏ وهي قطيعة تروي وقائع قصة الخلق وأيضا للتوفيق بين<br />

التصوير القرآني واالتجاه العلمي في تصوير الحياة البشرية على هذه األرض،‏ ويقول التقرير فال حرج علينا في هذا<br />

ما د<strong>من</strong>ا نرعى قداسة النصوص ال<strong>من</strong>زلة،‏ وما د<strong>من</strong>ا ال نخالف معلوما <strong>من</strong> الدين بالضرورة،‏ وما د<strong>من</strong>ا تقدم رؤية عقلية<br />

تحترم ال<strong>من</strong>طق،‏ وتستنطق اللغة <strong>من</strong> جديد وتدعم إيمان المؤ<strong>من</strong>ين بما ينطوي عليه كتاب هللا <strong>من</strong> أسرار قد تكون خفيت<br />

عن بصائر ذوي التمييز،‏ ثم أذن هللا سبحانه لبعض السر أن ينكشف وللرؤية أن تتجلى.‏<br />

وحسب تقرير مجمع البحوث اإلسالمي،‏ فإن ما انتهى إليه المؤلف في موضوعه يتلخص في كون الحياة على األرض<br />

قد سبقت خلق اإلنسان بآماد طويلة يصعب تحديدها،‏ وأن اإلنسان الذي كرمه هللا وأمر مالئكته بالسجود له امتداد<br />

36


لمخلوق واحد هو البشر،‏ وليس كما تقول نظرية النشوء واالرتقاء،‏ حلقة في سلسلة تطور كانت القردة فيها حلقة<br />

سابقة،‏ ثم تطورت إلى أن صارت اإلنسان الذي نعرفه.‏ وبخصوص أن هللا خلق البشر <strong>من</strong> طين،‏ ولكن ليس في آيات<br />

القرآن ما يقطع بأن آدام قد خلق مباشرة <strong>من</strong> ذلك الطين،‏ وأن االستعمال القرآني لكلمة بشر،‏ يدل على كائن سابق في<br />

الزمان وفي الكيف على اإلنسان.‏<br />

كما انه ال حاجة الى تحديد حقيقة وطبيعة الطين الذي خلق <strong>من</strong>ه البشر،‏ فالقرآن يعبر عنه تارة بالتراب.‏ وتارة بأنه طين<br />

الزب وثالثة اخرى بانه صلصال كالفخار،‏ او انه صلصال <strong>من</strong> حمأ مسنون.‏ وان هللا قد تنال البشر المخلوق <strong>من</strong> طين<br />

فسواه وصوره وان هذه التسوية ال يلزم ان تكون قد تمت على الفور في اعقاب الخلق،‏ بل ان الخلق والتصوير<br />

مرحلتان في عمر البشرية.‏ لعلهما استغرقتا بضعة ماليين <strong>من</strong> السنين.‏ والتصوير هنا يقابل التسوية في مواضيع<br />

أخرى،‏ مع مالحظة استعمال االداة ‏)ثم(‏ التي تفيد التراخي بين االمرين.‏ وشدد الكتاب على أن االنسان يخرج <strong>من</strong><br />

البشر،‏ وانه قبل التسوية لم يكن المخلوق البشري انسانا،‏ بل كان مشروع انسان في حيز القوة قبل ان يكون انسانا في<br />

حيز الفعل،‏ ويستند في ذلك الى العديد <strong>من</strong> اآليات القرآنية <strong>من</strong> ذلك ‏)ولقد خلقنا االنسان <strong>من</strong> ساللة <strong>من</strong> طين(،‏ اي ان<br />

االنسان خلق <strong>من</strong> ‏)ساللة(‏ نسلت <strong>من</strong> طين،‏ اي انه لم يخلق مباشرة <strong>من</strong><br />

الطين.‏ اما ابن الطين مباشرة،‏ فهو اول البشر،‏ وكان ذلك <strong>من</strong>ذ ماليين<br />

السنين.‏ ويشير المؤلف الى قوله تعالى في سورة السجدة ‏)الذي احسن<br />

كل شيء خلقه وبدأ خلق االنسان <strong>من</strong> طين،‏ ثم جعل نسله <strong>من</strong> ساللة <strong>من</strong><br />

ماء مهين.‏ ثم سواه ونفخ فيه <strong>من</strong> روحه.(‏<br />

ويجمع المؤلف رأيه كله ‏-كما يقول تقرير مجمع البحوث االسالمية-‏<br />

في قوله بأن خلق االنسان بدأ <strong>من</strong> طين،‏ اي في شكل مشروع بشري،‏ ثم<br />

استخرج هللا <strong>من</strong>ه نسال ‏)<strong>من</strong> ساللة <strong>من</strong> ماء مهين(‏ ثم كانت التسوية ونفخ<br />

الروح،‏ فكان االنسان هو الثمرة في نهاية المطاف عبر تلكم االطوار<br />

التاريخية السحيقة.‏<br />

وبخصوص مراحل التسوية،‏ استدل الدكتور عبد الصبور شاهين بقوله<br />

تعالى)‏ ثم سواه ونفخ فيه <strong>من</strong> روحه وجعل لكم السمع واالبصار<br />

واالفئدة(‏ وقوله ايضا ‏)وهللا اخرجكم <strong>من</strong> بطون امهاتكم ال تعلمون شيئا<br />

وجعل لكم السمع واالبصار واألفئدة(‏ ليقول ان هذا الجعل قد تم خالل<br />

مراحل التسوية،‏ وان هللا تعالى جعل للبشر هذه االدوات في مراحل<br />

التسوية المتعادلة حيث شاءت القدرة ان تزود هذا المخلوق البشري بما<br />

يحتاج اليه <strong>من</strong> أدوات الكمال.‏<br />

أما بخصوص آدم وعالقته بما كان قبله <strong>من</strong> المخلوقات فيقول صاحب الكتاب انه يستطيع ان يقرر مع علماء االنسان<br />

ان االرض عرفت هذا الخلق الذي ظهر على سطحها <strong>من</strong>ذ ماليين السنين.‏ وقد أطلق العلماء على هذا المخلوق خطأ او<br />

تجاوزا لفظ ‏»انسان«‏ فقالوا ‏»انسان بكين«،‏ او ‏»انسان جاوه«‏ او ‏»انسان كينيا ‏.«واستخدام انسان في وصف هؤالء<br />

ليس اال على سبيل التوسع،‏ واال فاللفظ الدقيق بلغة القرآن،‏ والذي ينبغي ان يستخدم في تسمية تلك المخلوقات العتيقة<br />

التي تدل عليها االحاديث هو البشر.‏<br />

37


اما االنسان فيرى عبد الصبور شاهين انه قد يطلق بمفهوم القرآن اال على ذلك المخلوق المكلف بالتوحيد والعبادة ال<br />

غير،‏ وهو الذي يبدأ بوجود ادم ‏.وادم هو ابو االنسان،‏ وليس ابا البشر،‏ وال عالقة بين آدم والبشر الذين بادوا قبله<br />

تمهيدا لظهور ذلك النسل االدمي الجديد،‏ اللهم اال تلك العالقة التذكارية،‏ باعتباره <strong>من</strong> نسلهم.‏<br />

مراحل خلق االنسان<br />

في اجتهاده،‏ يرى الدكتور شاهين ان خلق االنسان تم عبر ثالث مراحل هائلة<br />

هي الخلق،‏ التسوية،‏ النضج،‏ وأن مرحلة الخلق األول هي التي أحالت التراب أو الطين إلى مخلوق ظاهر ‏)بشر(‏<br />

يتحرك على األرض بالروح الحيواني،‏ كما تتحرك سائر الكائنات،‏ ثم تناولت القدرة ذلك المخلوق في المرحلة الثانية<br />

بالتسوية أو ما يمكن تشبيهه بهندسة البناء وتجميله،‏ وهي مرحلة التعديل المادي أو الظاهر،‏ وقد استغرقت ماليين<br />

السنين،‏ ثم جاءت المرحلة الثالثة،‏ وهي المتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا التي جوهرها<br />

العقل،‏ وبذلك اكتمل مشروع بناء االنسان،‏ فكان آدام هو أول االنسان وطليعة<br />

ساللة التكليف بتوحيد هللا وعبادته.‏<br />

اللجنة التي درست الكتاب،‏ ترى بعد الوقوف على مضامينه أن المؤلف حاول<br />

التوفيق بين العلم والدين بقدر ما ترى فيه اجتهادا <strong>من</strong>ه في فهم النص القرآني.‏<br />

وهو اجتهاد ال توافق اللجنة المؤلف على بعض أجزائه،‏ حيث ال يكفي ما ساقه<br />

في هذا التدليل ليقرر النتائج التي انتهى إليها،‏ وإذا كانت اللجنة قد حددت<br />

مهمتها بأنها بيان ما إذا كان المؤلف قد تجاوز الحد في تأويالته للنصوص<br />

القرآنية،‏ تجاوزا يخالف به ثوابت العقيدة أو يتناقض مع ما هو معلوم <strong>من</strong> الدين<br />

بالضرورة،‏ فإن الذي تنتهي إليه اللجنة أن المؤلف لم يقع في مثل هذه المخالفة<br />

.<br />

الخلق كما روته االسرائيليات<br />

يقول الدكتور عبد الصبور شاهين في تقديمه لهذا الكتاب.‏<br />

38


إن وجود الخليقة البشرية هو المشكلة الكبرى التي تواردت عليها الرؤى،‏ وتواترت االجتهادات،‏ بدءا <strong>من</strong> الرؤية<br />

االسرائيلية.‏ وقد كانت ذات حظ عظيم <strong>من</strong> حيث انتشارها،‏ و تفردها على الساحة الفكرية،‏ حتى وجدنا أكثر المفسرين<br />

للقرآن يرددون ما ذكرته االسرائيليات ترديدا حرفيا،‏ دون أدنى محاولة تعرض مضمونها على العقل وتغربل ما<br />

حفلت به <strong>من</strong> خرافات وأساطير،‏ وقدم المؤلف في هذا الباب قصة خلق آدم كما رواها صاحب قصص األنبياء المسمى<br />

بالعراش.‏ ‏«قال المفسرون بألفاظ مختلفة،‏ ومعان متفقة،‏ إن هللا تعالى لما أراد خلق آدم أوحى هللا إلى األرض،‏ إني<br />

خالق <strong>من</strong>ك خلقا،‏ <strong>من</strong>هم <strong>من</strong> يطيعني،‏ و<strong>من</strong>هم <strong>من</strong> يعصيني،‏ ف<strong>من</strong> أطاعني <strong>من</strong>هم أدخلته الجنة،‏ و<strong>من</strong> عصاني أدخلته النار،‏<br />

ثم بعث إليها جبريل عليه السالم ليأتيه بقبضة <strong>من</strong> ترابها،‏ فلما أتاها جبريل ليقبض <strong>من</strong>ها القبضة قالت له األرض،‏ إني<br />

أعوذ بعزة هللا الذي أرسلك أن ال تأخذ <strong>من</strong>ي شئيا يكون فيه غدا للنار نصيب،‏ فرجع جبريل إلى ربه ولم يأخذ <strong>من</strong>ها<br />

شيئا،‏ قال يارب،‏ استعاذت بك فكرهت أن أقدم عليها ‏.فأمر هللا ميكائيل،‏ فأتى األرض فاستعادت باهلل أن يأخذ <strong>من</strong>ها<br />

شيئا،‏ فرجع إلى ربه،‏ ولم يأخذ <strong>من</strong>ها شيئا.‏ فبعث هللا تعالى ملك الموت فأتى األرض،‏ فاستعاذت باهلل أن يأخذ <strong>من</strong>ها شيئا،‏<br />

فقال ملك الموت،‏ وإني أعوذ باهلل أن أعصي له أمرا،‏ فقبض قبضة <strong>من</strong> زواياها األربعة،‏ <strong>من</strong> أديمها األعلى،‏ و<strong>من</strong><br />

سبختها،‏ وطينها وأحمرها وأسودها وأبيضها وسهلها..‏ كان في ذرية آدم الطيب والخبيث والصالح والطالح<br />

والجميل والقبيح،‏ ولذلك اختلفت صورهم وألوانهم)«و<strong>من</strong> آيته خلق السماوات واألرض واختالف ألسنتكم وألوانكم إن<br />

في ذلك آليات للعالمين(.»‏ ثم صعد بها ملك الموت إلى هللا تعالى فأمره أن يجعلها طينا ويخمرها فعجنها بالماد المر<br />

والعذب والملح،‏ حتى جعلها طينا،‏ وخمرها،‏ فلذلك اختلفت أخالقهم،‏ ثم تركها أربعين سنة حتى صارت طينا الزبا<br />

لينا،‏ ثم تركها أربعين سنة حتى صارت صلصاال كالفخار،‏ وهو الطين اليابس،‏ الذي إذا ضربته يدك صلصل،‏ ثم جعله<br />

جسدا،‏ وألقاه على طريق المالئكة التي تهبط إلى السماء وتصعد <strong>من</strong>ه أربعين سنة،‏ فذلك قوله تعالى)هل أتى على<br />

اإلنسان حين <strong>من</strong> <strong>من</strong> الدهر لم يكن شيئا مذكورا»(‏ قال ابن عباس يضيف شاهين ‏)اإلنسان هو آدم والحين أربعون<br />

سنة،‏ كان آدم جسداً‏ ملقى على باب الجنة،‏ وفي صحيح الترمذي باإلسناد على رسول هللا ‏)ص(‏ في تفسير أول البقرة.‏<br />

أن هللا خلق آدم بيده <strong>من</strong> قبضة قبضها <strong>من</strong> جميع األرض،‏ ثم ألقاه على باب الجنة فكلما مَرّ‏ عليه مأل <strong>من</strong> المالئكة<br />

عجبوا <strong>من</strong> حسن صورته وطول قامته،‏ ولم يكونوا قبل رأوا شيئاً‏ يشبهه <strong>من</strong> الصور،‏ فمر إبليس فرآه<br />

، فكذلك<br />

فقال:‏ ألمر ما خلقتَ‏ ، ثم ضربه بيده فإذا به أجوف،‏ فدخل فيه وخرج <strong>من</strong> دبره،‏ وقال ألصحابه الذين معه <strong>من</strong> المالئكة،‏<br />

هذا خلق أجوف،‏ ال يثبت وال يتماسك.‏<br />

على هذا،‏ يقول عبد الصبور شاهين مضت كل كتب التفسير تقريباً،‏ وكأنها تنقل<br />

<strong>من</strong> مصدر واحد،‏ مع انطواء الرواية على كثير <strong>من</strong> صور السذاجة،‏ مثل أن يقال،‏<br />

إن خلق آدم تم في السماء،‏ وأن ملك الموت هو الذي استطاع أن يأخذ التراب <strong>من</strong><br />

األرض وأن يعجنه ويخمّره،‏ فلما خلقه هللا أو صوره ألقاه على باب الجنة.‏<br />

ويستمر الكالم في هيئة سيناريو،‏ يصف لنا ما جرى في ذلكم األزل اآلدمي،‏<br />

فيجعل التراب خليطاً‏ <strong>من</strong> ألوان األرض،‏ ليكون أبناء التراب على ألوانها<br />

المختلفة،‏ وخليطاً‏ <strong>من</strong> أنواع التراب إشارة إلى تنوع األخالق وهكذا..‏<br />

كل ذلك،‏ يقول المؤلف مضى في الغيب،‏ فكيف اطلع عليه هؤالء القصاص <strong>من</strong><br />

بني اسرائيل.‏ وكيف سلم العقل اإلنساني لحكاياتهم بهذه البساطة؟ حتى اختصرت<br />

المسافة بين هللا في ملكوته األعلى وبين خلقه <strong>من</strong> المالئكة والشيطان إلى أن جاء<br />

دور آدم؟<br />

إن كل ذلك يرى الدكتور شاهين،‏ صار يمثل أمام العقل الحديث مشكلة خطيرة،‏<br />

نتيجة التصادم بين معطيات القصة القديمة،‏ ومعطيات العصر الحديث،‏ وهو ما ظل يخامر عقل المؤلف طيلة ربع<br />

قرن <strong>من</strong> الزمان،‏ في محاولة لفهم النصوص التي جاءت في القرآن الكريم وهي قطيعة.‏ تروي وقائع قصة الخلق،‏<br />

واعترف شاهين أن هذه ليست المحاولة الوحيدة التي تناولت قصة الخلق.‏ فقد شغلت القصة عقول الفالسفة والعلماء<br />

39


في عصور مختلفة وبيئات مختلفة كذلك،‏ ويكفي يقول أن نشير هنا إلى رؤية ابن طفيل قديماً‏ قصته في قصته حي بن<br />

يقظان ونظرية داروين حديثاً‏ عن نشأة األنواع.‏<br />

فاألستاذ أحمد أمين،‏ يقول في حي بن يقظان عن ابن طفيل،‏ إنه لم يكن يعرف بالضرورة رأي داروين الذي يرى أن<br />

أنواع المخلوقات متصل بعضها ببعض،‏ وأن ليس اإلنسان إال حلقة <strong>من</strong> هذه السلسلة سبقته حلقات أخرى إلى أن انتهت<br />

باإلنسان.‏<br />

أما عند ابن طفيل،‏ فرأيان كل <strong>من</strong>هما يمكن أن يكون األول،‏ األول أنه نشأ في جزيرة <strong>من</strong> جزر الهند.‏ تحت خط<br />

االستواء،‏ تولّد فيها اإلنسان <strong>من</strong> غير أم وال أب،‏ ألن تلك الجزيرة أعدل بقاع األرض هواء وأتمها لشروق النور<br />

األعلى عليها استعداداً،‏ فتأثرت هذه الجزيرة بأشعة الشمس،‏ وتخمرت الطينة الصالحة على مر السنين واألعوام،‏<br />

وامتزجت القوى،‏ وتعددت وتكافأت،‏ وهذا ما ذهب إليه بعض الفالسفة <strong>من</strong> جواز التولد الذاتي الطبيعي.‏ ويرى ابن<br />

طفيل رأياً‏ آخر،‏ أن حي بن يقظان لم يتولد <strong>من</strong> غير أب وال أم،‏ وإنما ولد <strong>من</strong> أب وأم،‏ وكانت أمه هي أخت الملك،‏<br />

خافت <strong>من</strong> الملك فقذفته في اليم.‏ وجرفه المد إلى جزيرة أخرى،‏ حيث التقطته ظبية كانت فقدت ابنها،‏ فحنت عليه<br />

وألقمته حلمتها،‏ وأرضعته لبناً‏ سائغاً‏ حتى ترعرع،‏ فهذان الرأيان يمثالن،‏ يقول الدكتور شاهين رأي الفالسفة القدماء،‏<br />

فبعضهم يرى إمكان التولد الذاتي إذا اعتدلت الطبيعة،‏ وتم االستعداد <strong>من</strong> تخمر ونحوه،‏ وبعضهم يرى أن اإلنسان ال<br />

يمكن أن يتولد إال <strong>من</strong> إنسان.‏<br />

ويقول أحمد أمين،‏ ‏»«إنه حن على الظبية»،‏ ألنها أرضعته لبنها،‏ وعطف عليها كما يعطف على أمه،‏ ومازال مع<br />

الظباء على هذه الحال،‏ يحكي نغمتها بصوته،‏ ويحكي ما يسمع <strong>من</strong> أصوات الطير وأنواع سائر الحيوان.‏<br />

يحاكيها في االستئالف واالستدعاء واالستدفاع،‏ ولما قلدها في هذه األصوات المختلفة<br />

باختالف هذه األنواع ألفته وألفها،‏ وبذلك تعلم اإلنسان <strong>من</strong> تقليد الحيوانات والطيور.‏<br />

هذه الحكاية،‏ يقول فيها عبد الصبور شاهين،‏ استناداً‏ إلى األستاذ أحمد أمين،‏ أن ذلك مجرد خيال يعبر عن حيرة<br />

اإلنسان تجاه مشكلة الخلق،‏ في حين توجه المؤلف في عرض قصة الخليقة على استنطاق آيات القرآن،‏ باعتبارها<br />

المصدر األول واألوثق،‏ كما يرى الذي ينبغي اعتماده في هذا المجال،‏ حيث يقول إن هناك فصال بين آدم والبشر.‏<br />

فوجود آدم كان بعد انقراض البشر.‏ واستند أيضاً‏ على آراء األستاذ بشير التركي مؤلف كتاب آدم،‏ أحد علماء تونس،‏<br />

الذي ربط معالجته لقصة آدم … له في بلدة ‏»«المهدية»»‏ وهي مدينة على الشاطىء الشرقي التونسي،‏ وهي مركز<br />

سهل أرضي شاسع جداً.‏ فعمق البحر في شرقها ال يبلغ مئة متر.‏ وقد قدم المؤلف وصفاً‏ تفصيلياً‏ للمهدية يرشحها<br />

لتكون <strong>من</strong>شأ الحياة البشرية <strong>من</strong>ذ ماليين السنين.‏ يقول إنه بعد أن انقرض البشر،‏ خلق هللا آدم في الجنة،‏ ثم أنزله على<br />

األرض يحمل السبع المثاني،‏ وهو الرصيد الوراثي المادي،‏ وهو المقصود <strong>من</strong> قوله تعالى ‏«ولقد أتيناك سبعاً‏ <strong>من</strong><br />

المثاني والقرآن العظيم»،‏ إذ فصل بين آدم والبشر،‏ فوجود آدم كان بعد انقراض البشر،‏ كما ذكر أهم الموجات البشرية<br />

وهي أربع األولى <strong>من</strong> مليارات إلى مليار <strong>من</strong> السنين،‏ وهي فترة عاش خاللها بشر يسمى ‏)بشر الجنوب(‏<br />

‏«االسترالوبتيك»‏ ويمتاز بأنه أول <strong>من</strong> صنع اآلالت الحجرية،‏ حين استطاع أن يحرك إبهامه في مواجهة األصابع<br />

األربعة،‏ خالفاً‏ لغيره <strong>من</strong> الحيوانات.‏ فاستطاع القبض على األشياء.‏<br />

40<br />

4


150<br />

150<br />

والثانية <strong>من</strong> مليار إلى ألف سنة،‏ وعاش خاللها جيل البت كانيروب أو البشر القرد،‏ وكان <strong>من</strong>تصب القامة،‏ وهو<br />

البشر الواقف وهو الذي اهتدى إلى النار والثالثة <strong>من</strong> ألف سنة إلى ألف سنة،‏ ولقد عاش خاللها إنسان<br />

النياندرتال،‏ وهو بشر الشعور.‏ وفي نهاية عهده،‏ كان آدم الذي علمه هللا األسماء.‏ فهو يتصور األشياء،‏ ويرمز لها<br />

بالكالم.‏ وتلك هي البداية الثقافية التي غرز هللا مكوناتها في فطرته،‏ وجعلها في خالياه الوراثية،‏ والرابعة <strong>من</strong> ‎40‎ألف<br />

سنة حتى اآلن.‏ وقد عاش فيها اإلنسان ‏«الهوماسابيتر»‏ أو اإلنسان العارف وهو الذي اهتدى إلى الكتابة.‏<br />

40<br />

41


مسجد ومدرسة السلطان حسن<br />

حسام البحيري<br />

نشأه السلطان حسن بن الناصر محمد بن<br />

ه<br />

‎1362‎م(‏ ‏،في عصر دولة المماليك البحرية<br />

‏،ويوجد اآلن ب<strong>من</strong>طقة الخليفة جنوب القاهرة<br />

‏،كان يعرف موقع هذا قديمًا باسم سوق الخيل<br />

وقام األمير يلبغا اليحياوى ببناء قصر له في<br />

هذا الموقع في عهد الناصر محمد بن قالوون<br />

‏،ثم قام السلطان حسن بهد هذا القصر وبني<br />

محله هذه المدرسة ونظرً‏ ا لوقعها أمام قلعة<br />

الجبل اتخذها المماليك حصنًا لهم يدافعون به<br />

عن أنفسهم]‏‎1‎‏[‏ ‏،يعد المسجد أكثر آثار القاهرة<br />

تناسقا وانسجاما،‏ ويمثل مرحلة نضوج<br />

العمارة المملوكيّة.]‏‎2‎‏[‏ ‏،يتكون البناء <strong>من</strong> مسجد<br />

ومدرسة لكل مذهب <strong>من</strong> المذاهب األربعة<br />

‏)الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي(‏<br />

42<br />

– 764 ه / 1356 –<br />

قالوون )757<br />

السلطان حسن<br />

هو االبن الثا<strong>من</strong> <strong>من</strong> أبناء الناصر محمد بن قالوون،‏ تولى الحكم بعد أخيه المظفر زين الدين حاجي بن الناصر محمد،‏<br />

وتولى بعده الحكم أخيه الناصر بدر الدين للمرة الثانية.‏<br />

ولد السلطان حسن سنة ‏)‏‎735‎ه ‏=‏‎1335‎م(‏ ونشأ في بيت ملك وسلطان ؛ فأبوه السلطان الناصر محمد بن قالوون<br />

صاحب أزهى فترات الدولة المملوكية بلغت فيها الدولة ذروة قوتها ومجدها،‏ وشاء هللا أن يشهد الوليد الصغير ست<br />

سنوات <strong>من</strong> سني حكم أبيه الزاهر،‏ فقد توفي سنة ‏)‏‎741‎ه = ‎1340‎م(،‏ وخلفه ستة <strong>من</strong> أبنائه ال يكاد يستقر أحدهم على<br />

الملك حتى يعزل أو يقتل ويتولى آخر حتى جاء الدور على الناصر حسن فتولى السلطنة في )14 <strong>من</strong> رمضان<br />

ه=‏ <strong>من</strong> ديسمبر ‎1347‎م ‏(صبيا غض اإلهاب ال يملك <strong>من</strong> األمر شيئا،‏ قليل الخبرة والتجارب،‏ فقيرً‏ ا في القدرة<br />

على مواجهة األمراء والكبار وتصريف األمور.‏<br />

748<br />

18<br />

الوالية<br />

وكان يدبر األمر األميران <strong>من</strong>جك وأخوه ‏“بيبغاأرس”،‏ وأصبح السلطان حسن كالمحجور عليه..‏ عاجزا عن التصرف،‏<br />

وشاءت األقدار أن تشهد السنة الثانية <strong>من</strong> حكمه ظهور الوباء الذي اشتد بمصر وفتك بمئات األلوف،‏ ويذكر


المؤرخون أنه كان يموت بمصر ما بين عشرة آالف إلى خمسة عشر ألفا في اليوم الواحد،‏ وحفرت الحفائر وألقيت<br />

فيها الموتى؛ فكانت الحفرة يدفن فيها ثالثون أو أربعون شخصا،‏ وعانى الناس <strong>من</strong> الضرائب واإلتاوات التي فرضها<br />

عليهم األميران الغاشمان؛ فاجتمع على الناس شدتان:‏ شدة الموت،‏ وشدة الجباية.‏<br />

وفي سنة )751 ه=‏ ‎1350‎م(‏ أعلن القضاة أن السلطان قد بلغ سن الرشد،‏ وأصبح أهال لممارسة شئون الحكم دون<br />

وصاية <strong>من</strong> أحد أو تدخل <strong>من</strong> أمير،‏ وما كاد يمسك بيده مقاليد األمور حتى قبض على األميرين وصادر أمالكهما،‏<br />

وكان هذا نذيرا لباقي األمراء،‏ فخشوا <strong>من</strong> ازدياد سلطانه واشتداد قبضته على الحكم،‏ فسارعوا إلى التخلص <strong>من</strong>ه قبل<br />

أن يتخلص هو <strong>من</strong>هم،‏ وكانوا أسرع <strong>من</strong>ه حركة فخلعوه عن العرش في )17 <strong>من</strong> جمادى اآلخرة ه=‏ <strong>من</strong><br />

أغسطس ‎1351‎م(،‏ وبايعوا أخاه الملك صالح الدين بن محمد بن قالوون وكان فتى لم يتجاوز الرابعة عشرة <strong>من</strong><br />

عمره.‏<br />

الوالية الثانية للسلطان حسن<br />

لم يكن حظ السلطان الجديد أسعد حاال <strong>من</strong><br />

أخيه السلطان حسن،‏ فكان مقيد التصرف ال<br />

يبرم أمرا أو يصدر حكما،‏ وتجمعت السلطة<br />

في يد األميرين صرغتمش وشيخون،‏ وحين<br />

حاول أحد األمراء االستعانة بالسلطان<br />

لخلعهما والقبض عليهما سارعا إلى القبض<br />

على السلطان وإعادة أخيه الناصر حسن إلى<br />

الحكم مرة أخرى في سنة ‏)‏‎755‎ه=‏ ‎1354‎م(‏<br />

ولما تولى الحكم ظل على حاله مغلوبا على<br />

أمره،‏ ال يملك <strong>من</strong> السلطنة إال اسمها،‏ ال<br />

يباشر الحكم وال يقدر على ممارسته في ظل<br />

طغيان األميرين صرغتمش وشيخون؛ فلما<br />

قتل ثانيهما سنة ‏)‏‎758‎ه = ‎1357‎م(‏ انفرد<br />

اآلخر بالحكم وعظم أمره واستطال في<br />

الدولة،‏ وازدادت ثروته وكثر مماليكه،‏ وغرّ‏ ه<br />

حاله فتطلع إلى السلطنة،‏ وعزم على انتزاعها<br />

<strong>من</strong> السلطان المغلوب على أمره،‏ فلما ترامت<br />

هذه األنباء إلى السلطان،‏ وكان قد صهرته<br />

43<br />

11<br />

752<br />

التجارب وقوت عريكته المحن،‏ فكان أسبق <strong>من</strong> غريمه،‏ ونجح في القبض عليه وسجنه،‏ وأصبح سلطانا بال <strong>من</strong>ازع،‏<br />

وصفا له الجو ألول مرة،‏ وتحررت قراراته <strong>من</strong> القيد والمراقبة،‏ وباشر شئون الدولة بنفسه دون تدخل <strong>من</strong> أحد.‏<br />

ولكن ذلك لم يدم طويلة؛ إذ نازعه األمر مملوكه األمير يلبغا العمري ثم نجح في القبض على السلطان وقتله في )9<br />

<strong>من</strong> جمادى األولى <strong>من</strong> مارس (1361، وكان عمره يوم قتل نيفا وثالثين سنة،‏ وكانت مدة ملكه في<br />

سلطنته الثانية ست سنين وسبعة أشهر.‏<br />

762 ه = 17<br />

في أحداث سنة ‎748‎ه ‏،يقول ابن إياس:‏


‏..»وهو التاسع عشر <strong>من</strong> ملوك الترك وأوالدهم بالديار المصرية،‏ وهو السابع م<strong>من</strong> ولى السلطنة <strong>من</strong> أوالد الملك<br />

الناصر محمد ابن الملك <strong>من</strong>صور قالوون.«..‏<br />

بويع بالسلطنة بعد قتل أخيه المظفر حاجى،‏ قيل إنه لما ولى الملك كان له <strong>من</strong> العمر نحو ثالث عشرة سنة،‏ فقط ثالث<br />

عشرة سنة،‏ وكم تولى الصبية كرسى السلطنة في العصر المملوكي،‏ حتى إنهم نصبوا طفال رضيعا بعد وفاة والده<br />

المؤيد،‏ وعندما دقت الطبول تحية له أصيب بصرعة وصاحبته طوال عمره،‏ وحدث له حول بعينيه نتيجة تلك<br />

الفزعة!‏<br />

وكالعادة يطالعنا مشهد تنصيب السلطان،‏ حيث يحضر الخليفة العباسي والقضاة وكبار األمراء،‏ بعد تكامل المجلس<br />

استدعوا الصبى <strong>من</strong> دور الحريم،‏ وعندما أرادوا أن يبايعوه بالسلطنة كان اسمه قمارى لكنه قال للخليفة والقضاة:‏<br />

‏“أنا ما اسمى قمارى،‏ إنما اسمى سيدى حسن”.‏ فقال الخليفة واألمراء:‏<br />

‏“على بركة هللا”‏<br />

بدأت المراسم،‏ باس األمراء األرض بين يديه،‏ وبدأ على الفور يمارس سلطاته،‏ وفى سنواته األولى شح ماء النيل،‏<br />

وحدث الطاعون الكبير،‏ كان الطاعون يعقب شح الفيضان عادة ولكن هذا الوباء بالذات كان فظيعاً،‏ وعرف في<br />

أوروبا بالموت األسود.‏<br />

يقول ابن إياس:‏<br />

‏“وفى شهر رمضان تزايد أمر الطاعون بالديار المصرية،‏<br />

وهجم جملة واحدة،‏ وعظم أمره جدا،‏ حتى صار يخرج <strong>من</strong><br />

القاهرة في كل يوم نحو عشرين ألف جنازة،‏ وقد ضبط في<br />

مدة شهرى شعبان ورمضان <strong>من</strong> مات في هذا الطاعون،‏<br />

فكان نحوا <strong>من</strong> تسعمائة ألف إنسان،‏ <strong>من</strong> رجال ونساء،‏ وكبار<br />

وصغار،‏ وجوار وعبيد،‏ ولم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما<br />

تقدم <strong>من</strong> الطواعين المشهورة في اإلسالم.”‏<br />

حقا،‏ لكم تعذب وطننا هذا،‏ ومر بفترات شديدة الحلوكة،‏ لذلك<br />

علمتنى قراءة التاريخ،‏ خاصة المملوكي والعثماني أن<br />

الشدائد تمر،‏ ويجئ الفرج،‏ دائماً‏ أقول لصحبى:‏ <strong>من</strong> يقرأ<br />

تاريخ مصر في القرن الثا<strong>من</strong> عشر يخيل إليه أن هذا الوطن<br />

لن تقوم له قائمة،‏ ولكن بعد أقل <strong>من</strong> قرن،‏ ولدت دولة عظمى<br />

في عصر محمد على باشا،‏ هددت مقر الخالفة التركية،‏<br />

وتحالفت ضدها القوى العظمى كافة في ذلك الوقت،‏ لقد تعلم<br />

الغرب الدرس،‏ فعندما تتماسك مصر ينطلق <strong>من</strong>ها مارد جبار<br />

يؤرق الجميع،‏ لذلك كانت المؤامرات،‏ واالعتداءات،‏<br />

والقيود،‏ واالتفاقيات،‏ ونشاط الجواسيس،‏ والكارهون و<strong>من</strong><br />

بقلوبهم مرض،‏ حتى ال تصبح مصر قوية،‏ مؤثرة،‏ تقض<br />

المضاجع.‏<br />

في سنة واحد وخمسين وسبعمائة،‏ أى بعد ثالث سنوات <strong>من</strong><br />

بداية حكمه،‏ يقول ابن إياس:‏<br />

44


‏»جمع السلطان األمراء،‏ وأحضر القضاة األربعة،‏ ورشد نفسه وثبت رشده في ذلك اليوم،‏ واستعذر األوصية <strong>من</strong><br />

األمراء،‏ فأعذروا له ذلك،‏ وسلموا إليه أمور المملكة«‏ ..<br />

فلما ثبت رشده،‏ قبض على جماعة <strong>من</strong> األمراء،‏ وقيدهم وأرسلهم إلى السجن بثغر اإلسكندرية،‏ ويعلق ابن إياس قائالً:‏<br />

‏»وهذا أول تصرفه في أمور المملكة«‏ ..<br />

سقوط السلطان<br />

بدأ الصبى يتصرف كسلطان حقيقى بعد أن أنهى الوصاية عليه،‏ وبلغ سن الرشد،‏ ولكن بعد شهور قليلة وقع المشهد<br />

الذي يتكرر كثيرا في الز<strong>من</strong> المملوكي،‏ إذ لبس األمراء آلة الحرب،‏ وأعلنوا الثورة،‏ وكان على رأس الفتنة األمير<br />

طاز ال<strong>من</strong>صورى،‏ حطموا باب القلعة،‏ وطلعوا إلى قاعة الدهيشة،‏ وقبضوا على السلطان حسن وأدخلوه إلى قاعة<br />

الحريم!‏<br />

ولكن الشعب لم يكن متفرجا على طول الخط،‏ إنما كثيرا ما كان يتدخل ويحسم الصراع بين األمراء،‏ وقد درست<br />

األستاذة الكويتية حياة ناصر الحجى المتخصصة في تاريخ مصر المملوكية تلك الظاهرة في دراسة فريدة بعنوان<br />

‏»أحوال العامة في حكم المماليك«‏ صدرت <strong>من</strong>ذ سنوات.‏<br />

المهم أن األمراء عزلوا السلطان حسن بعد ثالث سنوات وتسعة شهور قضاها في الحكم،‏ ولوا <strong>من</strong> بعده شقيقه صالح<br />

وتلقب بالملك الصالح صالح الدين صالح وبعد ثالث سنوات وثالثة أشهر وأربعة عشر يوما،‏ لبس األمراء آلة الحرب<br />

مرة أخرى،‏ ثاروا عليه،‏ خلعوه،‏ وضربوا مشورة في<strong>من</strong> يلى السلطنة،‏ وقرروا عودة السلطان حسن إلى الحكم،‏<br />

أخرجوه <strong>من</strong> دور الحريم ونصبوه سلطاناً‏ للمرة الثانية.‏<br />

للمرة الثانية يتم استدعاء الخليفة الذي كان جاهزً‏ ا لتلبية الطلب،‏ عاد السلطان قويا،‏ لقد أصبح شابا،‏ عنده خبرة بأمور<br />

الصراع في تلك السن المبكرة.‏<br />

قال الشيخ شهاب الدين ابن حجلة عنه:‏<br />

‏»غاب كالبدر في سحابة،‏ وعاد إلى السلطنة كالسيف المسلول <strong>من</strong> قرابه«‏ ..<br />

كان <strong>من</strong> رجال الدولة األقوياء وقتئذ األمير شيخوا العمرى،‏ بدأ سنة ٧٥٧ في بناء المسجد والخانقاه المتواجهين حتى<br />

اآلن بشارع الصليبة قرب ميدان القلعة،‏ لم يكن السلطان قد شرع في بناء مسجده.‏<br />

تجاه القلعة كان يقام سوق الخيل،‏ وكان أيضا بيت يلبغا اليحياوى نائب الشام،‏ استولى السلطان على البيت الذي كان<br />

<strong>من</strong> أجمل وأشهر بيوت القاهرة وهدمه،‏ وأمر ببدء بناء مسجد السلطان حسن.‏ أنشأ المسجد السلطان حسن بن الناصر<br />

ميالدية واكتمل بعدها بسبع سنوات في 1363. قتل السلطان قبل أنتهاء<br />

محمد بن قالوون.‏ بدأ البناء في سنة البناء ولم يعثر على جثمانه،‏ ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا بل دفن فيه ولداه فيما بعد الشهاب<br />

هجرية ‎1356-1363‎‏)م(.‏ أنشأ هذا المسجد العظيم<br />

أحمد وإسماعيل.‏ مسجد ومدرسة السلطان حسن هجرية ‏)‏‎1347‎م(‏ بعد أخيه الملك المظفر حاجى وعمره<br />

السلطان حسن بن الناصر محمد قالوون ولى الحكم سنة ثالث عشرة سنة ولم يكن له في أمر الملك شيئا لصغر سنه بل كان األمر بيد أمرائه وما لبث أن بلغ رشده فصفت له<br />

هجرية ‏)‏‎1351‎م(‏ وظل في معتقله مشتغال بالعلم حتى أعيد إلى السلطنة<br />

الدنيا واستبد بالملك إلى أن اعتقل سنة هجرية ‏)‏‎1361‎م.(‏<br />

هجرية ‏)‏‎1354‎م(‏ وظل متربعا في دست الحكم إلى أن قتل سنة مرة أخرى في سنة 45<br />

762<br />

764-757<br />

748<br />

1356<br />

752<br />

755


–<br />

757<br />

وكان البدء في بناء هذا المسجد سنة هجرية ‏)‏‎1356‎م(‏ واستمر العمل فيه ثالث سنوات بغير انقطاع ومات<br />

السلطان قبل أن يتم بناءه فأكمله <strong>من</strong> بعده أحد أمرائه بشير الجمدار-‏ سنة هجرية ‏)‏‎1363‎م.(‏<br />

764<br />

يعتبر هذا المسجد بحق أعظم المساجد المملوكية وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء وجالل الهندسة،‏ وتوفرت فيه<br />

دقة الصناعة وتنوع الزخرف،‏ كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف<br />

المدخل ومقرنصاته العجيبة.‏<br />

وبراعة صناعة الرخام ممثلة في وزرتى القبة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين وال<strong>من</strong>بر ودكة المبلغ وكسوة مداخل<br />

المدارس األربعة المشرفة على الصحن ومزررات أعتاب أبوابها كما نشاهد دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها<br />

مجسمة في سورة الكرسى الموجود بالقبة.‏<br />

أما باب المسجد النحاسى المركب اآلن على باب جامع المؤيد فيعتبر مثال رائعا ألجمل األبواب المكسوة بالنحاس<br />

المشغول على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة.‏ وما يقال عن هذا الباب<br />

يقال عن باب ال<strong>من</strong>بر.‏<br />

وهناك على أحد مدخلى القبة بقى باب مصفح بالنحاس كفتت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية<br />

جميلة جديرة بإقناعنا بعظيم ما يحويه هذا المسجد <strong>من</strong> روائع الفن وما أنفق في سبيله <strong>من</strong> أموال طائلة.‏<br />

وقد ازدحمت روائع الفن في هذا المسجد فاشتملت على كل ما فيه ال فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات<br />

الزجاجية وقد احتفظت دار اآلثار العربية بالقاهرة بالكثير <strong>من</strong> هذه التحف النادرة وهى تعتبر <strong>من</strong> أدق وأجمل ما صنع<br />

في هذا العصر.‏<br />

وما ذكره الرحالة العياشي الذي زار<br />

المسجد سنة ‎757‎ه/‏‎1356‎م فيقول :<br />

‏“وهو مسجد ال ثاني له في مصر وال في<br />

غيرها <strong>من</strong> البالد في فخامة البناء<br />

وارتفاعه وإحكامه واتساع حناياه ‏)أي<br />

إيواناته(‏ , وطول أعمدته الرخامية وسعة<br />

أبوابه كأنه جبال <strong>من</strong>حوتة تصفر فيها<br />

الرياح”‏<br />

المسجد<br />

46<br />

أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس<br />

ذات التخطيط المتعامد إذ يستطرق<br />

اإلنسان <strong>من</strong> المدخل الرئيس إلى دركاة ثم<br />

ينثنى يسارا إلى طرقة توصل إلى صحن<br />

مكشوف مساحته في متر.‏<br />

تشرف عليه أربع إيوانات متقابلة<br />

ومعقودة أكبرها وأهمها إيوان القبلة<br />

34.60<br />

32


تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب األربعة اإلسالمية كتب على كل <strong>من</strong> أبوابها أنه أمر بإنشائها السلطان الشهيد<br />

المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قالوون في شهور سنة هجرية ويتكون كل <strong>من</strong>ها <strong>من</strong><br />

صحن مكشوف وإيوان القبلة ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكونة <strong>من</strong> عدة طبقات بارتفاع المسجد.‏<br />

764<br />

766<br />

ويتوسط صحن المسجد قبة معقودة على مكان الوضوء تحملها ثمانية أعمدة رخامية كتب بدائرها آيات قرآنية في<br />

نهايتها تاريخ إنشائها هجرية وتحيط بدائر إيوان القبلة وزرة رخامية يتوسطها المحراب وعلى يمينه ال<strong>من</strong>بر<br />

الرخامى الذي يعد <strong>من</strong> ال<strong>من</strong>ابر الرخامية القليلة التي نشاهدها في بعض المساجد،‏ ويعلو الوزرة الرخامية طراز <strong>من</strong><br />

الجص محفور به سورة الفتح بالخط الكوفى المزخرف بلغ الذروة في الجمال واإلتقان.‏<br />

وتقوم القبة خلف جدار المحراب<br />

المسجد ألول مرة.‏<br />

48<br />

–<br />

21<br />

21<br />

764<br />

بعد أن كانت تشغل أحد األركان في المساجد األخرى وهذا الوضع ظهر في هذا<br />

ويتوصل إليها <strong>من</strong> بابين على يمين ويسار المحراب بقى األي<strong>من</strong> <strong>من</strong>ها بمصراعيه النحاسيين المكفتين بالذهب والفضة<br />

بينما فقد مصراعا األيسر.‏<br />

وتبلغ مساحة القبة في مترا وارتفاعها مترا،‏ ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر حيث حلت محل<br />

القبة القديمة،‏ وبأركانها مقرنصات ضخمة <strong>من</strong> الخشب نقش أحدهما ليمثل ما كانت عليه باقى األركان،‏ وتكسو جدران<br />

القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية يعلوها طراز خشبى كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ <strong>من</strong> بناء القبة<br />

القديمة سنة هجرية.‏<br />

150<br />

ولهذا المسجد وجهتان هامتان أوالهما الوجهة العمومية وطولها مترا تحليها صفف مستطيلة تنتهى بمقرنصات<br />

ومفتوح فيها شبابيك لمساكن الطلبة وتنتهى <strong>من</strong> أعلى كما تنتهى الوجهة الشرقية والمدخل بكرنيش ضخم <strong>من</strong><br />

المقرنص المتعدد الحطات والذي يبلغ بروزة حوالي متر وكان يعلوه شرفات مورقة أزيلت عن الواجهة<br />

العمومية والمدخل في السنين األخيرة للتخفيف عنه.‏<br />

1.50<br />

وبالطرف الغربي لهذه الوجهة يقوم المدخل العظيم الذي يبلغ ارتفاعه 38 مترا والذي يمتاز بضخامه وزخارفه<br />

المتنوعة المحفورة في الحجر أو الملبسة بالرخام وبمقرنصاته الخالبة التي تغطى حجر الباب.‏<br />

أما الواجهة الثانية فهى المشرفة على ميدان صالح الدين وتتوسطها القبة تقوم على يمينها ال<strong>من</strong>ارة الكبيرة التي يبلغ<br />

ارتفاعها مترا تقريبا وعلى يسارها <strong>من</strong>ارة صغيرة أقل <strong>من</strong> األولى ارتفاعا.‏ ويرجع تاريخ إنشائها إلى سنة<br />

م.‏<br />

1070<br />

84<br />

هجرية = 1659 60 /<br />

47


حاليا<br />

3<strong>00</strong><br />

4<br />

وكان مخططا للمدرسة مآذن لوال أن الثالثة قد سقطت وهلك تحتها نحو نفس فاكتفى السلطان حسن بالمئذنتين<br />

في الجانب الجنوبي الشرقي يبلغ ارتفاع الجنوبية <strong>من</strong>ها متر وهي <strong>من</strong> أعلى المآذن أما واجهة المدرسة الرئيسية<br />

في الطرف الشمالي فتمتاز بعلوها وفخامتها وبها المدخل الذي يبلغ ارتفاعه مترا وفي أعاله المقرصنات غاية<br />

في الروعة والجمال ويحيط بالباب حنيتان برأسيهما مقرصنات لبست بالرخام األخضر بأشكال هندسية وكتب بأعالها<br />

بالخط الكوفي المزخرف وزخارف الباب ال يوجد لها مثيل في العمائر المصرية أو السلجوقية وقد قام السلطان المؤيد<br />

شيخ بنقل مصراعي الباب وأحد األثريات إلى مسجده مقابل دينار اما الباب الموجود حاليا يعود إلى التجديدات<br />

التي أمر بها في عهد السلطان برسباي سنة ‎825‎ه وجميع جدران المسجد مكسوة بالرخام إلى ارتفاعه ثمانية أمتار<br />

ويفرق الرخام إفريز <strong>من</strong> الكتابات النثرية ارتفاعه ثالثة أمتار ومما يدل على فخامة هذه المدرسة وعظمة بنائها أنها<br />

كانت تتخذ كحصن في مواجهة القلعة يحتمي به عند االضطرابات والفتن كما حدث في عهد المماليك سنة<br />

‎791‎ه/‏‎1389‎<br />

37.7<br />

5<strong>00</strong><br />

81.6<br />

حاليا يعتبر مسجد السلطان حسن <strong>من</strong> أهم األماكن السياحية التي يتوافد عليها السياح بمختلف ثقافاتهم،‏ ويحتوي المسجد<br />

حاليا على مدرسة صغيرة لألطفال لتدارس القرآن الكريم ويقام به أيضا العديد <strong>من</strong> الحلقات والندوات الثقافية.‏<br />

48


بدون مواعيد<br />

الشاعرة:‏ ندى <strong>من</strong>صور _ المغرب<br />

وجدتُني ال أستطيع<br />

صَدَّ‏ اشتياقي<br />

بسرعة ركضت<br />

أسرعت في طريقي<br />

ذهبت إلى ذاك المقهى<br />

حيث كنا نلتقي<br />

جلست في مقعده<br />

حيث كان يجلس قبالتي<br />

لو كان هنا<br />

لقال مشاغبا:‏<br />

قومي <strong>من</strong> مقعدي<br />

طلبتُ‏ نفس طلبه<br />

قهوتهُ‏ المفضلة<br />

و أنا أزيح<br />

قطع السكر..‏<br />

تذكَّرته حين<br />

49


كان يستغفلني<br />

و يضعها كلها<br />

في فنجاني<br />

مرددا بابتسامة<br />

ماكرة إنسي<br />

حِ‏ ميتك رشيقتي<br />

نظرت للمقعد<br />

الفارغ أمامي<br />

سالت دمعتي<br />

هنا كان يمسك يدي<br />

هنا كان يحكي لي<br />

تفاصيل يومه<br />

يردد على مسمعي<br />

آخر قصائده<br />

اعتصر قلبي<br />

ألم شديد<br />

تساءلت لماذا<br />

أنا هنا وحدي بدونه ؟<br />

ارتشفت <strong>من</strong> فنجاني<br />

رشفة <strong>من</strong><br />

القهوة المُرة<br />

50


فجأة أحسست<br />

بدفيء كف<br />

على كتفي<br />

للحظةٍ‏ ‏…خفتُ‏<br />

اضطربت…‏<br />

و قبل أن ألتفتَ‏<br />

جاء صوتٌ‏<br />

قال : <strong>من</strong> فضلك<br />

قومي <strong>من</strong> مقعدي<br />

كاد يتوقف<br />

نبضُ‏ قلبي<br />

هل أحلم … أم أتوهم ؟!‏<br />

لم أستطع الرَّ‏ د<br />

جلس في المقعد<br />

اآلخر<br />

أخذ فنجاني<br />

قال لي مشاكسا<br />

شكرا طلبت قهوتي<br />

و أنا ما زلت تحت<br />

تأثير صدمتي<br />

51


لم أُجبه…‏<br />

أمسَك يدي<br />

رفع ذقني<br />

بسَبابته<br />

قال : تأخرتِ‏ حبيبتي<br />

أنا هنا أنتظرك <strong>من</strong>ذ<br />

قررتِ‏ فراقي<br />

حينها لم أستطع<br />

دمعتي <strong>من</strong>عَ‏<br />

مسح الدمع<br />

عن خَدي..‏<br />

بادر لعناقي<br />

احتضنته..‏<br />

بكل قوتي<br />

همستُ‏ في أذنه<br />

اليوم غليني اشتياقي<br />

52


53


54

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!