13.12.2019 Views

index

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الكتاب اإللكتروني

صالة سلّ‏ وت األثرية


موضوعات الكتاب الرقمي

.1

.2

.3

.4

.5

.6

.7

.8

.9

التاريخ الحضاري واملالحي لسلطنة عُ‏ مان

املوقع الجغرافي لسلطنة عُ‏ مان

أرض األحقاف التاريخية

النقوش والكتابات الصخرية في عُ‏ مان

النحاس

األفالج في عُ‏ مان

املالحة البحرية في العصور الحجرية

املالحة البحرية في العصر البرونزي

امللكة شمسه

10. سلّ‏ وت

11. أرض اللبان

12. شجرة اللبان

13. املالحة البحرية في العصر الحديدي

14. صناعة السفن وأنواعها في عُ‏ مان

15. املالحة البحرية خالل الفترة املبكرة من العصور الوسطى

16. عُ‏ مان وطريق الحرير البحري

17. األسطول العُ‏ ماني واملالحة البحرية خالل عهد اليعاربة والبوسعيديين

18. أشهر املالحين والبحارة العُ‏ مانيين

19. املالحة البحرية العُ‏ مانية في عصر النهضة املباركة ‎1970‎م

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


1. التاريخ الحضاري واملالحي لسلطنة عمان

ساهمت عُ‏ مان بدور تاريخي في النشاط التجاري البحري في منطقة الشرق األدنى القديم،‏

ملا يمثله موقعها الجغرافي والطبيعي من أهمية كمنطقة تماس حضاري،‏ ولعبت دوراً‏ ً بارزا مع

الشعوب واألمم األخرى في صياغة األحداث التاريخية الهامة في هذه املنطقة،‏ وشكل موقعها

الجغرافي والطبيعي أهمية بالغة في التواصل مع الحضارات القديمة،‏ وكانت املالحة العُ‏ مانية تتميز

عن غيرها في املنطقة بكثرة سفنها ونوعيتها،‏ وبنشاطها التجاري البحري الواسع وتوثيق الصالت

بين املوانئ ومراكز الحضارات القديمة.‏

كان العمانيون من الرواد األوائل في املالحة البحرية واالبحار الكتشاف العالم من حولهم،‏

حيث بدأت العالقة بين االنسان العُ‏ ماني والبحر والتي الزالت تروى،‏ حينما قام االنسان العُ‏ ماني

بمحاوالته األولى لركوب البحر باستخدام قوارب مصنوعة من القصب،‏ وتوغل إلى مسافات

شاسعة عبر مناطق تعتبر في ذلك الوقت مجهولة ومحفوفة باملخاطر،‏ وأدرك املخاطر واملكاسب

من جراء تسخير البحر لطاعته،‏ لذا شهدت عُ‏ مان مهد املالحة البحرية،‏ بفضل الرواد العُ‏ مانيين

الذين وطدوا الصالت التجارية القديمة واملنتظمة بين عدد من الحضارات املتباعدة فغدت

مسالك البحر بمثابة شريان لنشر التواصل بين األمم،‏ وتؤكد املصادر التاريخية واألدلة األثرية

األهمية التي تميزت بها املالحة البحرية ونشاطها التجاري قديما،‏ وأصبحت عُ‏ مان جسرا

ً للتواصل

الحضاري وعرفت بأرض النحاس ‏)مجان(‏ وأرض اللبان،‏ كما عرفت في الفترة الكالسيكية بأمة

رواد البحار.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


2. املوقع الجغرافي لسلطنة عمان

تقع سلطنة عُ‏ مان في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية بين دائرتي عرض 16,39 شمال

خط االستواء،‏ و‎26,30‎ درجة في أقص ى شمالها،‏ كما تقع شرق خط جرينتش بين خطي طول

52.00 درجة،‏ وخط الطول 50.59 درجة.‏ هذا املوقع الفلكي يضع عُ‏ مان في املنطقة املدارية،‏ كما

أن هذا االمتداد الفلكي يفسح املجال لوجود تباين واضح بين مناطق ومحافظات السلطنة من

حيث التضاريس واملناخ والبيئة.‏

حظيت عُ‏ مان بموقع جغرافي متميز،‏ فموقعها في الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة

العربية أعطى لها ميزة استراتيجية،‏ حيث تطل على مسطحات مائية واسعة لها أثر عميق على

مسيرتها التاريخية والحضارية كاملحيط الهندي وبحر العرب،‏ وبحر عُ‏ مان،‏ والخليج،‏ تلك

املسطحات تتوافر بها املرافئ الطبيعية التي مهدت لقيام حركة مالحية بحرية واسعة،‏ إضافة إلى

ذلك تتحكم عُ‏ مان بمدخل مضيق هرمز الذي يشكل ً شريانا ً مائيا ً هاما منذ أقدم األزمنة يربط

بين املحيط الهندي والخليج،‏ ويشكل حلقة وصل بين أعرق حضارات العالم القديم،‏ كحضارة

بالد الرافدين،‏ والسند،‏ وفارس،‏ وجزيرة العرب،‏ وصوال إلى مناطق البحر األحمر عبر مضيق باب

املندب والبحر األبيض املتوسط،‏ ومناطق سواحل افريقيا،‏ وكان اإلطار الجغرافي لعُ‏ مان في

العصور القديمة يتجاوز حدودها اليوم حيث كانت تمتد من رأس فرتك وحتى رأس مسندم

شماالً،‏ ومن رأس الحد شرقاً‏ وحتى البحرين ‏)دملون(‏ وصحراء الربع الخالي ً غربا ، وسُ‏ مّ‏ ي هذا

اإلقليم الجغرافي عُ‏ مان التاريخية.‏

ساهم املوقع االستراتيجي لعُ‏ مان في جعلها بوابة ألعرق حضارات الشرق األدنى القديم،‏

وجعل من العُ‏ مانيين تجار ووسطاء تجاريين،‏ فكانوا يصدرون ما لديهم من سلع عبر شبكة من

الخطوط املالحية البحرية والبرية،‏ ويستوردون ما يحتاجونه ويحتاجه غيرهم من سلع لها رواج

آنذاك،‏ ولم يكتف العُ‏ مانيون بهذا الدور بل ساهموا بشكل فعّ‏ ال في حركة املالحة بسفنهم والتي

جاء ذكرها في النصوص والكتابات والنقوش واملصادر التاريخية،‏ كما كانت لخبرتهم املالحية

ومعرفتهم بعلم األنواء ممهدا لظهور املالحة العاملية في عصور الحقة.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


3. أرض األحقاف التاريخية

عُ‏ مان جزء ال يتجزأ من بالد العرب،‏ فسكانها هم من أصول العرب العاربة وما تالها،‏

وتذكر املصادر التاريخية أن من أقدم األقوام التي سكنت عُ‏ مان هم قوم عاد الذين سكنوا في

َ ‏"و اذْ‏ كُ‏ رْ‏ أَ‏ خَ‏ ا عَ‏ ادٍ‏ إِ‏ ذْ‏ أَ‏ نْ‏ ذَ‏ رَ‏ قَ‏ وْ‏ مَ‏ هُ‏

أرض األحقاف التي تقع أجزاء كبيرة منها في أرض عُ‏ مان،‏ قال تعالى :

ا ا َ إِ‏ نّ‏ ِ ي أ خَ‏ افُ‏ عَ‏ َ

َ أال تَ‏ عْ‏ بُ‏ ا ُ دوا إِ‏ ال ‏َّللا

‏ْنِ‏ يَ‏ َ د يْ‏ هِ‏ َ و مِ‏ ن ْ فِ‏ هِ‏

ْ ‏َحْ‏ َ ق افِ‏ و َ تِ‏ الن ُ رُ‏ مِ‏ ْ ن بَ‏ ي

‏ٍم

لَ‏ يْ‏ ُ ك مْ‏ َ ع َ ذا ‏َب يَ‏ وْ‏

بِ‏ األ

عَ‏ ظِ‏ يمٍ‏ "، ويذكر ابن كثير أن االحقاف هي جمع حقف وهو الجبل من الرمال وهي أرض عاد،‏ وأن

ْ َ خل

َ َ ق ْ د َ خل ُّ ذ

مسكنهم بأرض مطلة على الشحر وأن اسم واديهم مغيث يقع بين عُ‏ مان وحضرموت،‏ وأن الشحر

هي أحد أسماء ظفار القديمة،‏ وقال ابن خلدون أن الشحر يُ‏ ضاف إلى عُ‏ مان وهو

‏َحْ‏ قَ‏ افُ‏

واأل

مالصق لحضرموت،‏ وفي هذه البالد يوجد اللبان وفي ساحله العنبر الشحري،‏ كما يقول ‏)ياقوت

الحموي(:‏ ‏"جمع حقف من الرمل،‏ والعرب تسمّ‏ ي الرمل املعوجّ‏ حقافا وأحقافا،‏ قال ابن إسحاق:‏

األحقاف رمل فيما بين عُ‏ مان إلى حضرموت،‏ ويقول البغدادي:‏ " فسكن بنو عاد الشحر"،‏ أي

مان،‏ وهذه األقوال كلها ال تختلف في املضمون.‏

ّ شحر عُ‏

تسببت الريح التي سلطها هللا سبحانه وتعالى على قوم عاد بسبب كفرهم بربهم ورسالة

نبيهم في دمار معالم وآثار قوم عاد في أرض األحقاف ، قال تعالى:‏ ‏"وَ‏ أَ‏ ا ما ع ْ لِ‏ ُ ك وا بِ‏ رِيحٍ‏ صَ‏ رْصَ‏ رٍ‏

‏ٍل

هُ‏ مْ‏ أ ُ نَ‏ خْ‏

ا

عَ‏ اتِ‏ يَ‏ ةٍ‏ )6( سَ‏ ا خ رَهَ‏ ا ع َ يْ‏ هِ‏ مْ‏ سَ‏ بْ‏ عَ‏ َ ل يَ‏ الٍ‏ وَ‏ َ ث مَ‏ انِ‏ يَ‏ َ ة َ أ ا ي امٍ‏ حُ‏ سُ‏ ومً‏ ا َ فت ‏َرَ‏ ى الْ‏ َ ق وْ‏ مَ‏ فِ‏ يهَ‏ ا صَ‏ َ رْعى ك

َ ْ بَ‏ اقِ‏ يَ‏ ةٍ‏ (

خَ‏ اوِيَ‏ ) فَ‏ هَ‏ لْ‏ َ ت رَى ل هُ‏ مْ‏ مِ‏ ن 8("، أما النبي هود فقد نجاه هللا ومن معه من املؤمنين،‏ حيث

قال تعالى:‏ ‏)وَ‏ ملا جَ‏ اءَ‏ َ أ مْ‏ َ رُنا َ ن ا ج يْ‏ َ نا ُ ه ً ودا وَ‏ ا ال ذِ‏ َ ين آمَ‏ ُ ن وا مَ‏ عَ‏ ُ ه بِ‏ رَحْ‏ مَ‏ ةٍ‏ مِ‏ ا نا وَ‏ َ ن ا ج يْ‏ َ ن ُ اه مْ‏ مِ‏ ْ ن َ ع َ ذ ابٍ‏ َ غ لِ‏ يظٍ‏ (،

َ ْ ع َ جاز

َ ٌ اد َ ف ُ أه

َ َ أن

َ ل

َ ا

ةٍ‏ )7

وبعد هالك قوم عاد أقام النبي هود عليه السالم ومن آمن معه من املؤمنين على ساحل البحر

مما يلي أرض عاد أي أنهم انتشروا في عُ‏ مان من شمالها إلى جنوبها،‏ كما تؤكد املسوحات األثرية

للعصر الحجري القديم انتشار العديد من املواقع األثرية من ظفار ووصوالً‏ إلى شمال ُ عمان تظهر

ازدهارا وتفرداً‏ ً ثقافيا ، وتشير املصادر التاريخية أن ضريح النبي هود بن عابر عليه السالم يقع في

الكثيب األحمر شرقي حضرموت في منطقة الشحر في بالد االحقاف بوادي مغيث وبالقرب من

مجموعة من عيون املاء،‏ وفي جبال ظفار التي كانت تُ‏ عرف ببالد الشحر وشحر ع ُ مان والتي تقع

أيضاً‏ في أرض االحقاف وتسمى بأرض عاد،‏ يوجد ضريح النبي هود بن عابر عليه السالم بين

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


َ ث

هضاب وأودية وعيون ماء تسمى بعين جيريه وعين عفيليه وعين إثام،‏ وجميعها تقع على الوادي

الذي يتصل في نهايته بالضريح،‏ كما توجد بعض آثار القوم الذين سكنوا أرض األحقاف وهم قوم

ِ ن ا م سَ‏ اكِ‏ نِ‏ هِ‏ مْ‏ "، ومن اآلثار الباقية األحجار

لَ‏ كُ‏ م مّ‏

عاد،‏ لقوله تعالى : ‏""و ً ا و َ مُ‏ َ ود َ و قَ‏ د ا ت بَ‏ ا ي نَ‏

َ َ عاد

الثالثية،‏ وهي مجموعة أحجار مثبتة في األرض بشكل محكم يوجد في أعالها فتحة يوضع فيها

العمود،‏ وهذه العماد تتسلسل بشكل طولي تقام عليها مساكن كبيوت الشعر والخيام،‏ وهي

مركبة على خط مستقيم كل عمود منها يبعد عن اآلخر بمقدار خطوة ونصف،‏ وفي بعض املواضع

كانت الثالثيات مغطاة بطبقة من الحص ى البيضاوي الشكل،‏ وكان عدد كل مجموعة من تلك

الثالثيات يتراوح بين خمس كتل وسبع وتسع،‏ وكذلك إحدى عشرة وأربع عشرة كتلة،‏ وبمحاذاة

كل مجموعة منها وعلى بعد ثالث خطوات تقريبا تقوم سلسلة أخرى من األعمدة الصخرية

املخروطية الشكل تشبه ذلك النوع الذي تم اكتشافه في مواقع أخرى وكانت تستخدم كمضابي

لشوي اللحوم،‏ كما أثبتت األبحاث األثرية أن األحجار الصوّ‏ انية التي تم العثور عليها في مناطق

مختلفة من أرض األحقاف كانت تستخدم كأدوات للصيد،‏ كما كانت تستخدم في نحت األخشاب

وصنع األعمدة الخشبية،‏ ومن الدالئل األثرية لقوم عاد النقوش والرسومات الصخرية املنتشرة

في مناطق مختلفة من عُ‏ مان.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


4. النقوش والكتابات الصخرية في عمان

اكتشف في عمان في مناطق مختلفة،‏ في الكهوف والجبال واالودية عدد من الكتابات

النقشية املصاحبة للرسومات الصخرية،‏ معظمها في كهوف وجبال ظفار ووادي السحتن ،

وسلّ‏ وت ومناطق عدية من عمان،‏ ويعتقد أن هذه الكتابات املكتشفة في ُ عمان ما هي إال البدايات

األولى للغة العربية القديمة،‏ والتي يمكن أن يطلق عليها ‏)املسند العُ‏ ماني(‏ بعد ان يتم فك رموزها،‏

وتعود هذه النقوش الى فترات وعصور تاريخية عديدة يعود بعضها الى أكثر من ‎4000‎عام.‏

كتبت تلك النقوش بأنماط واشكال تصويرية وتعبيرية تشابه الحياة في تلك العصور القديمة،‏

منها البشرية والحيوانية ونقوش كتابية بإسلوب النقر أو الخط املستقيم،‏ واختلفت هذه

األبجدية عن الخط

املسند العربي الجنوبي،‏ لعدم وجود فواصل بين كلماتها وكتب الحرف

الواحد بأكثر من شكل وباتجاهات متعددة،‏ ويغلب على اتجاه كتابة النص من اليمين إلى اليسار

أو بشكل عمودي من األعلى إلى األسفل،‏ كما تقترن بعض الكتابات بوجود رسومات صخرية لبشر

وحيوانات،‏ وتنوعت هذه النقوش بين رسومات ملحاربين وفرسان وطقوس اعتقادية وحيوانات

كالجمال والوعول واألغنام واالبقار والخيول وحيوانات مفترسة ، وملحاربين مع اسلحتهم

وأشخاص يتسلقون أشجار.‏

كما ان النقوش الكتابية على الصخور في خصائص أبجديتها تتشابه إلى حدٍ‏ كبير مع

بعضها في جميع مناطق عمان وتقترب جميعها من األبجدية العربية الجنوبية املعروفة بخط

املسند العربي الجنوبي الذي عثر على نصوص كتابية منه منقوشة على الحجر في مناطق عدة

ُ

من عمان .

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


5. النحاس

تشير الدالئل األثرية الى أن اكتشاف واستخدام خام النحاس بدأ منذ العصر الحجري

الحديث في األلفين السابع والسادس قبل امليالد،‏ وأن عُ‏ مان قد عرفت هذا املعدن واستخداماته

منذ تلك الفترة مع مثيالتها من الحضارات األخرى،‏ وتطورت صناعة النحاس في عُ‏ مان حتى

أصبحت أبرز السلع التجارية الهامّ‏ ة التي تاجر بها العُ‏ مانيون في الداخل بين املجتمعات السكانية

وساعد ذلك على تطور املستوطنات البشرية على طول السواحل العُ‏ مانية،‏ وقد أدى انتاج

النحاس بكميات وفيرة للتفكير في وضع نوع من التنظيم اإلداري،‏ وصنع سفن مالحية تستطيع

أن تبحر إلى مسافات طويلة لتصدير النحاس وأحجار الجابرو والديورايت إلى الحضارات الناشئة

في العالم القديم.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


6. األفالج في عمان

اثبتت الدراسات واملسوحات والحفريات األثرية أن العُ‏ مانيين طوروا مهاراتهم وحفروا

األفالج وتمكنوا من إيصال املياه إلى أماكن بعيدة منذ العصر الحجري الحديث بما يُ‏ عرف باألفالج

الغيلية،‏ وأصبحت األفالج أحد أبرز أنظمة الري التاريخية في العالم،‏ وهو نظام توزيع املياه حسب

حاجة االنسان والحيوان والنبات،‏ كما ذكرت األساطير أن النبي سليمان عليه السالم أمر الرياح

أن تحمله إلى ما وراء الصحراء التي ال حدود لها خلف جبال الحجر العُ‏ مانية العالية في قلب

عُ‏ مان،‏ وتوقف عند حصن ّ سلوت الذي لم يكن ً مأهوال بالسكان حينها،‏ وكان النسر هو املخلوق

الوحيد املوجود،‏ وملا رأى الجدب املحيط باملكان أمر الجن بأن يحفروا قنوات من الجبال تنساب

منها املياه،‏ وهكذا انتشرت املراعي حول سلّ‏ وت،‏ ُ وع رفت تلك القنوات باألفالج الداؤودية

والحقيقة ان العمانيون هم من حفروا االفالج وقاموا بإنشاء نظام للري عرف بنظام االفالج في

عمان .

خالل فترة العصر البرونزي كان لألفالج دوراً‏ ً هاما في االستيطان البشري وقيام الواحات

الزراعية العُ‏ مانية وكان رافداً‏ ً حضاريا تعتمد عليها املستوطنات والواحات ومناجم التعدين

القديمة،‏ كما شهدت فترة األلفية الثانية قبل امليالد تطوراً‏ ً واضحا في نظام األفالج،‏ وتعددت

أنواعه حسب مصادرها كاألفالج الغيلية والعينية والداؤودية ‏)العدّ‏ ية(،‏ حيث أتقن العُ‏ مانيون

هندسة بنائها،‏ وإدارتها وطرق توزيع مياهها التي تستند إلى حسابات رياضية دقيقة يدخل فيها علم

الفلك ومسارات النجوم وأوقات شروق وغروب الشمس،‏ ووضعت األسس الكفيلة للحفاظ على

هذا النظام واستمراره باعتباره مصدراً‏ للحياة ً وموردا ً مهما في تنظيم العالقات االجتماعية

واإلنسانية في عُ‏ مان،‏ واستمر استخدام نظام األفالج في ُ عمان إلى يومنا هذا،‏ واعترف العالم

بالقيمة االستثنائية العاملية واصالة وسالمة نظام األفالج العُ‏ مانية كتراث ثقافي وطبيعي عاملي

لإلنسانية،‏ وتم إدراج خمسة أفالج من مناطق مختلفة من عُ‏ مان في قائمة التراث العاملي الثقافي

والطبيعي ملنظمة اليونسكو عام ‎2006‎م تحت مسمى " نظام األفالج في عُ‏ مان".‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


7. املالحة البحرية في العصور الحجرية

خالل فترة العصر الحجري القديم كانت عُ‏ مان بيئة خصبة ملصادر الغذاء،‏ ويعد اكتشاف

أدوات حجرية تعود إلى )60,000 سنة قبل امليالد(‏ في موقع أنقيطات في سمهرم بمحافظة ظفار

دليالً‏ ً واضحا على بدايات التوجه نحو املناطق الساحلية في فترة العصر الحجري القديم،‏ وأمّ‏ نت

األخوار والبحيرات املنتشرة على طول الساحل العُ‏ ماني حاجة التجمعات البشرية الغذائية من

األسماك والرخويات،‏ وتوافرت لهذه املستوطنات املياه العذبة القادمة من مصبات األودية

املنحدرة باتجاه الساحل.‏

ظهرت مستوطنات ساحلية بحلول العصر الحجري الحديث مثل الوطية في شمال عُ‏ مان

وكهوف ناطف في جنوب عمان تعود إلى األلفية العاشرة قبل امليالد،‏ وقد تم الكشف عن أكثر

من مائة موقع أثري على السواحل العُ‏ مانية تعود إلى فترة العصر الحجري الحديث،‏ ويدل وجود

مواقع تعود إلى فترة األلفين الخامس والرابع قبل امليالد في جزيرة مصيرة على أن بوادر اإلبحار في

عُ‏ مان بدأت منذ العصر الحجري الحديث،‏ مما ساهم في ظهور نظام للمالحة البحرية ربطت

شمال عُ‏ مان بجنوبها.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

8. املالحة البحرية في العصر البرونزي

تطورت صناعة وبناء السفن العُ‏ مانية التي تستطيع أن تبحر إلى مسافات طويلة للوصول

الى حضارات العالم القديم خالل فترة العصر البرونزي )1300-3000 سنة قبل امليالد(،‏ وأدى

هذا االزدهار إلى قيام كيان إداري باشر بإنشاء مراكز رئيسية لتصنيع سفن شحن مالحية وأخرى

ثانوية رافدة لهذه املراكز،‏ واستطاع إنتاج واستخراج كميات وفيرة من النحاس بشكل تجاري

للمالحة البحرية،‏ ومركزاً‏ من

ً نظرا لوفرة خام النحاس في جبال عُ‏ مان،‏ وغدت عُ‏ مان ممراً‏ تجارياً‏

أهم مراكز العبور التجاري في العالم القديم،‏ وعُ‏ رفت باسم مجان وهو مركب من كلمتين:‏ ‏)ما(‏

وتعني سفينة،‏ و)جان(‏ ويعني هيكل،‏ أي هيكل السفينة،‏ وأطلق على الخليج اسم ‏)بحر مجان(‏ ،

فبرزت فئة التجار املتمرسين في املالحة والتجارة البحرية،‏ واندمجت عُ‏ مان مع الحضارات

املجاورة،‏ وفرضت التجارة البحرية الحاجة لوجود األختام واألوزان والعقود املوثقة،‏ فاستخدام

األختام كان شائعاً‏ في حضارات الشرق القديم،‏ وتعد األختام من العالمات املميزة للنظم التجارية

خالل هذه الفترة،‏ وعثر على أنواع وأشكال مختلفة من هذه األختام واألوزان منها في سلّ‏ وت

واملُيسّ‏ ر وسمد الشأن ورأس الجنز وكانت توثق التبادالت التجارية،‏ ويحتوي بعضها على نقوش

كتابية تعد أقدم دليل على وجود كتابة في عُ‏ مان منذ األلف الثالث قبل امليالد.‏

توثق املصادر مكانة مجان كحليف تجاري قوي مع حضارات العالم القديم،‏ فاالتصاالت

التجارية بينهما كانت منتظمة ومزدهرة في فترة العصر البرونزي،‏ وتحدثت الوثائق عن طبيعة

صادراتها ووارداتها من مجان،‏ وسفن مجان التي كانت تصل إلى مدن سومر وأكاد محملة بكميات

كبيرة من البضائع املختلفة القادمة من وادي االندوس بما في ذلك الذهب،‏ والفضة،‏ والعاج؛

إضافة إلى أن موانئ مجان إلى جانب تصديرها للسلع املحلية،‏ كانت بمثابة مراكز تجارية لتجميع

السلع الشرقية القادمة من وادي االندوس لتقوم بإعادة توزيعها،‏ وتسويقها في األسواق

اإلقليمية،‏ أو األسواق البعيدة،‏ وصول الرحالت البحرية الفرعونية إلى موانئها.‏

حاول خلفاء امللك سرجون بسط نفوذهم على خطوط التجارة البحرية،‏ ومن بينهم امللك

األكادي مانشتوسو )Manishtusu( )2292-2306 سنة قبل امليالد(،‏ ونارام سين Sin( )Naram

الذي شن حملة بحرية على مجان )2200 سنة قبل امليالد(،‏ وذكر جوديا )2124-2144 سنة

قبل امليالد(‏ ملك لجش مجان كإحدى الدول التي تعامل معها تجاريا.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

2095 – 2112(

2094(

تتضح أهمية العالقات الوثيقة بين مجان وأور خالل فترة حكم أور-‏ نمو

سنة قبل امليالد(‏ بإعادة خطوط التجارة من مجان إلى سابق عهدها"،‏ وكان امللك شولكي

– 2047 سنة قبل امليالد(‏ على صلة بملك مجان ووصول بضائع من الذهب من لوجال مجان؛

أي من ملك مجان،‏ وتعد العالقات بين أور ومجان خالل هذه الفترة بداية العالقات الدبلوماسية

2038 سنة قبل امليالد(‏

بين ملوك حضارات العالم القديم،‏ كما وثّ‏ ق

وصول املنتجات الزراعية من مجان كالشعير دون عليه اسم ‏)لو – د مجان كي

،)ki كما عثر على نقش يعود تاريخه إلى السنة الرابعة من حكمه يتحدث عن حاكم من مجان

) أرسل مبعوثاً‏ دبلوماسيا اسمهُ‏ ‏)ويدوم(‏ إلى مدينة أور للمشاركة

يدعى ‏)نادو-‏ بيلي

في مهرجان بذر البذور ‏)أكيتو(‏ خالل شهر البذار،‏ وتذكر املصادر التاريخية أن ملكة حكمت

) وكانت تُ‏ دعى

مجان في نفس الفترة من األلف الثالث قبل امليالد أسمها امللكة

بملكة القطعان ، خالل الفترة )2029-2037 سنة قبل امليالد(‏ ترك امللك شوسين بعضاً‏ من

النقوش التي تشير إلى استمرار عالقته التجارية بمجان وبملوكها،‏ وفي نقش آخر للملك شوسين

يعدد املناطق املحيطة بأور : ‏"بالد سوبور على شواطئ البحر األعلى،‏ ومجان مع كل مقاطعاتها ...

على الجانب اآلخر من البحر"،‏ وخالل فترة امللك أبي – سين آخر ملوك أسرة أور الثالثة عثر على

عدد من النقوش التي تذكر حجم التداول التجاري والبضاعة التي كانت تنقل بين مجان وبالد

الرافدين.‏

lu – d ma-gan

نيندوال Nindulla(

أمار – سين 2046( –

ً له

Na-du-be-

لعبت سلع مجان دوراً‏ ً كبيرا في التجارة البحرية مع بالد الرافدين التي استمرت بين الطرفين

حتى أواخر األلف الثاني قبل امليالد،‏ وخالل هذه الفترة تظهر مجان كحليف تجاري قوي لبالد

الرافدين باستثناء فترات الحمالت العسكرية في العصر األكادي التي لم تتمكن من فرض

سيطرتها على مجان.‏

سجلت املصادر التاريخية الطلب املتزايد من الحضارات القديمة على مادة اللبان،‏ الذي

استخدم على نطاق واسع في الطقوس الدينية،‏ وقد توصل إليه الفراعنة من خالل رحالتهم إلى

أرض اللبان ‏)ظفار(‏ التي تقع في جنوب عُ‏ مان للحصول على هذه السلعة املقدسة.‏

وثقت النصوص والكتابات القديمة في مصر الفرعونية العالقات الحضارية والتجارية بين

عُ‏ مان ومصر القديمة من خالل الرحالت البحريّ‏ ة املقدسة إلى أرض اللبان التي تعرف لديهم ب

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

ً

‏)أرض اإلله(‏ ، وتشير املصادر في عهد امللك ‏)خوفو(‏ من األسرة الفرعونية الرابعة )2750-2900

سنة قبل امليالد(‏ على القيام برحلة إلى أرض اآللهة ‏)أرض اللبان(،‏ تلتها رحلة املستشار الفرعوني

‏)بي بي نخت(‏ خالل الفترة ما بين )2475-2625 سنة قبل امليالد(،‏ كما قام كبير وزراء الفراعنة

‏)حنو(‏ في عهد األسرة الفرعونية الحادية عشر )1787-2160 سنة قبل امليالد(‏ برحلة أخرى،‏

وتشير النقوش والجداريات املصورة املوجودة في معبد الدير البحري في مصر القديمة إلى حملة

امللكة الفرعونية حتشبسوت خالل الفترة )1500 سنة قبل امليالد(،‏ التي تكونت من خمس سفن

أرسلت إلى ‏)أرض اللبان(،‏ لجلب أشجار اللبان وسبائك الذهب والكحل األسود وقطع من خشب

األبنوس و اللبان،‏ عقب ذلك بثالثة قرون،‏ أرسل الفرعون رمسيس الثالث ‏)‏‎1167-1198‎سنة

قبل امليالد(‏ أسطوالً‏ من سفن كبيرة أبحرت إلى ‏)أرض اللبان(.‏

كما ارتبطت عُ‏ مان ‏)مجان(‏ مع حضارة وادي االندوس بعالقات تجارية وثيقة منذ فترة

العصر الحجري الحديث،‏ وخالل فترة العصر البرونزي )1900-2600 سنة قبل امليالد(‏ تعززت

تلك الصالت،‏ فساهمت السفن العُ‏ مانية آنذاك في الوساطة البحرية التجارية بين مراس ي الخليج

ومراس ي وادي االندوس،‏ وعثرت البعثات األثرية في العديد من املواقع األثرية العُ‏ مانية على أدلة

من خرز العقيق و الفخار املستورد من وادي االندوس،‏ وقد تراوحت هذه التأثيرات بين األلوان

واألشكال واألحجام،‏ والزخرفة،‏ وتقنية الصناعة وغيرها،‏ وفي وادي االندوس عثر على عدد من

اآلثار العُ‏ مانية كاألصداف البحرية وأواني الحجر الصابوني.‏

تشير املصادر التاريخية إلى عالقة مجان مع بالد فارس حيث وصل فخار مجان إلى عدد من

مواقع الهضبة اإليرانية املجاورة مثل تبة يحي،‏ شهري سوختا،‏ وبامبور،‏ وتعتبر املواد الفخارية

والحجرية املتبادلة هي أكثر املواد شيوعا خالل هذه الحقبة التاريخية.‏ وقد عثر في مستوطنات

الهضبة اإليرانية على فخار مزخرف بنفس الزخارف املكتشفة في مستوطنات مجان في العصر

البرونزي فضال عن وجود نماذج فخارية قريبة الشبه بأواني شهري سخطة عثر عليها في وادي

عندام.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


9. امللكة شمسه

تذكر املصادر أن امللكة شمسه ‏)ملكة عُ‏ مان(‏ وقّ‏ عت اتفاقية تجارية مع امللك سرجون

األكادي عام )2334 قبل امليالد(،‏ وتوّ‏ جت بلقب الفارس العظيم،‏ وصورت النقوش األكادية

الرحالت التجارية التي انطلقت من مجان إلى بالد الرافدين بقيادة امللكة شمسه،‏ وتؤكد النقوش

حجم الرحالت التجارية التي بلغت 34 رحلة بمشاركة 5400 فرداً‏ ، مما يدل على أهمية الكيان

السياس ي والتجاري في مجان.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

ً

ً

ً

10. سلّ‏ وت

تتميز سلّ‏ وت بثراء تراثها الثقافي الذي يعود لعصور مبكرة من الحضارة اإلنسانية،‏ ذكرت

املصادر التاريخية سلّ‏ وت كرمز للقدم في البناء والصالبة والبقاء،‏ فقد أورد كتاب االنساب البي

منذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري ان سلّ‏ وت شهدت أحداث معركة عظيمة إنتصر فيها

العُ‏ مانيين بقيادة مالك بن فهم األزدي على البارثيين ‏)الفرس(،‏ كما تروي االساطير ان النبي

سليمان بن داوود عليه السالم،‏ أمر الرياح أن تحمله الى ما وراء الصحراء،‏ عند حدود الجبال

العالية،‏ موصّ‏ لة الي بقايا عمارة لحصن في وسط قلب عمان في سلّ‏ وت،‏ وكان النسر املخلوق

الوحيد الذي الزال يعيش في هذه األرض،‏ فمكث النبي سليمان عدة أيام في سلّ‏ وت وأمر الجن

بحفر قنوات ينساب املاء فيها من الجبال،‏ وهكذا انتشرت املراعي حول سلّ‏ وت،‏ ولكن الحقيقة

ان العمانيون هم الذين قاموا بحفر قنوات الري وببناء نظام االفالج في عمان منذ القدم.‏

كانت سلّ‏ وت والزالت محورا أساسيا وامتدادا متواصال من التراث الثقافي املادي املتعدد في

أشكالها املعمارية،‏ وأبراجها الدائرية الضخمة وآبارها العميقة املحفورة في فضائها،‏ ومدافنها

األرضية في السفح املحيط بالحصن،‏ ومدافنها البرجية ‏)املعروفة بخاليا النحل(‏ في مستويات

متعددة من املرتفعات املواجهة للحصن،‏ ونقوشها الصخرية،‏ ومنشآت األعمدة الفريدة،‏

وموادها األثرية املتنوعة وما تحمله من رموز ذات أبعاد طقوسية،‏ وجرارها اململؤة بقوالب

النحاس،‏ وأختامها املتنوعة التي تؤكد على وجود نظام إداري وحكم مركزي ثقافي وتجاري في

شبكة واسعة من العالقات الخارجية مع مراكز حضارات العالم القديم.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


11. أرض اللبان

أرض اللبان ( ظفار ) تميزت بنشاطها التجاري البحري والبري عبر العصور املختلفة كسائر

املناطق العُ‏ مانية التاريخية القديمة،‏ ووردت في النقوش بخط املسند العربي الجنوبي الذي عثر

عليه في سمهرم بمسمى ‏"أرض سكلهن"‏ أي ‏)أرض غذاء إله القمر ‏"سين"‏ ) وتعني أرض اللبان،‏

وذكرت املصادر التاريخية أرض اللبان بمسميات أخرى ألرض اللبان منها : أرض األحقاف،‏ و أرض

عاد،‏ و سفار،‏ وسكلن،‏ وسكاليت،‏ ووبار،‏ كما عرفت أيضا ببالد الشحر،‏ وشحر عُ‏ مان وزفار،‏

ذكر القران الكريم األحقاف بأنها أرض عاد،‏ وأرض عاد في املصادر التاريخية مطلة على البحر

تقع بين عُ‏ مان وحضرموت،‏ وعرفها فراعنة مصر بأرض اآللهة وجلبوا منها اللبان املقدس.‏

دللت االكتشافات األثرية على أهمية ظفار وآثارها التاريخية التي تعود إلى بدايات

استقرار اإلنسان في هذه املنطقة من عُ‏ مان وارتباطه بتجارة اللبان من خالل الطرق التجارية

القديمة البرية والبحرية،‏ وأصبحت أرض اللبان ‏)ظفار(خالل تلك الفترة التاريخية ملتقى حركة

التبادل التجاري البري والبحري وموقعاً‏ هاما ً في شبكة التجارة في العالم القديم التصالها باملراكز

التجارية املنتشرة عبر الجزيرة العربية والخليج وموانئ املحيط الهندي في افريقيا وآسيا والصين

ومناطق البحر األبيض املتوسط،‏ وارتبطت تجارة اللبان والبخور بين الشرق والغرب باألهمية

االقتصادية البارزة لعصور تاريخية مختلفة عبر خطوط تجارة اللبان البحرية من املوانئ

العُ‏ مانية القديمة في أرض اللبان وقوافل تجارة اللبان البرية عبر صحراء الربع الخالي إلى شمال

الجزيرة العربية وبالد الرافدين والشام ومصر.‏ واعترافاً‏ من منظمة اليونسكو بأهمية أرض اللبان

للتراث االنساني العاملي تم تسجيلها في قائمة التراث العاملي الثقافي والطبيعي وهي ‏)منتزه البليد

األثري،‏ ومنتزه سمهرم األثري،‏ وموقع وبار األثري،‏ ومحمية أشجار اللبان بوادي دوكة(.‏

خالل فترة العصر البرونزي سجلت املصادر التاريخية طلب الحضارات القديمة ملادة

للبان العماني،‏ وذلك لصفاته املميزة في االستخدامات الطقوسية والطبية،‏ وتشير املصادر

املكتوبة بأن اللبان قد استورد إلى بالد الرافدين منذ األلفية الثالثة قبل امليالد،‏ وان تجارة اللبان

مع بالد السند تعود إلى فترة النصف الثاني من االلفية الثالثة قبل امليالد،‏ كانت خطوط تجارة

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


اللبان خالل فترة العصر البرونزي والفترات الالحقة التي تلتها تسلك طرقاً‏ ً بحرية باتجاه حضارات

العالم القديم،‏ الى بالد السند،‏ وبالد الرافدين،‏ وبالد وادي النيل،‏ وطرقاً‏ ً برية من مناطق انتاج

اللبان في جنوب عمان في ‏)ارض اللبان(،‏ تقطعها قوافل الجمال التجارية متجهة إلى شمال عُ‏ مان

اوعبر مسالك صحراء الربع الخالي متجهة الى بالد الرافدين وبالد الشام،‏ أما تجارة اللبان املتجه

إلى الحضارة الفرعونية فغالباً‏ ما كانت تسلك طريقاً‏ ً تجاريا ً بحريا من املوانئ التجارية في جنوب

عُ‏ مان إلى البحر األحمر ثم إلى مصر القديمة،‏ إال أن هناك ً طريقا ً بريا يمتد من ُ عمان إلى الشمال

عبر الجزيرة العربية إلى صحراء سيناء أو صحراء مصر الشرقية،‏ ويعتبر هذا الطريق أول شبكة

ُ

للتجارة البرية من جنوب عمان عرفها العالم القديم،‏ كما شكل اللبان سلعة رئيسية هامة في

خطوط التجارة البحرية مع الشرق االدنى القديم عززتها االتصاالت التجارية البحرية املتبادلة

بين الصين وعُ‏ مان لفترات تاريخية طويلة،‏ ووثقتها املصادر العمانية،‏ والصينية.‏

أحيطت تجارة اللبان ومنتجاتها بأسرار وأساطير،‏ وكان الهدف املحافظة على هذه السلعة

الثمينة واملربحة،‏ نظراً‏ للقداسة التي تتمتع بها شجرة اللبان عند األمم القديمة،‏ وكان اللبان

يستخدم في الطقوس الدينية في املعابد والكنائس،‏ واثناء تقديم القرابين،‏ ويعتقد فراعنة مصر

وكهنتها أن اللبان هو عرق اآللهة ودموعها املتساقط من السماء إلى األرض،‏ وكان امللوك واألباطرة

يعتبرون اللبان هدية قيمة لها شأنها ويتباهون ويفتخرون بامتالكها واستخدامها،‏ وقد قُ‏ دم

اللبان كهديه من ملكة سبأ إلى النبي سليمان عليه السالم،‏ ومن الحكماء الثالثة كهدية إلى املسيح

املولود عليه السالم عربوناً‏ ً وتقربا ، وذكر إنه في عهد اإلمبراطور ‏"نيرو"‏ في روما أحرق في مراسم

وفاة زوجته ‏"بوبيا"‏ استيراد موسم كامل من اللبان تكريماً‏ لها،‏ وكان االسكندر املقدوني يتفاخر

باستخدام اللبان،‏ وتمنى السيطرة على مناطق إنتاجه.‏ واشار ‏"استرابو"‏ املؤرخ الروماني ‏)منتصف

القرن االول قبل امليالد(‏ إلى الحملة الرومانية للسيطرة على مناطق إنتاج اللبان والتي لم تحقق

أهدافها.‏

ذكر ‏"هيرودوتس"‏ االغريقي ‏)منتصف األلف االول قبل امليالد(‏ ان بالد العرب في ارض اللبان

هي املوطن الوحيد إلنتاج اللبان واملر ومنها تفوح رائحة الطيب وان شجرة اللبان لها قدسية

وطقوس خاصه لالقتراب منها ألنها محمية بأنواع من الجان على شكل ثعابين طائرة مجنحه

تهاجم من يقترب منها،‏ وذكر ‏"استرابو"‏ املؤرخ الروماني منتصف األلف االول قبل امليالد،‏ ان

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


اللبان من أغلي السلع وأفضل العطور ويوجد على الساحل الجنوبي لشبة الجزيرة العربية في

ارض اللبان،‏ ووصف ملوك أرض اللبان بأنهم اثرياء يعيشون حياة ترف نتيجة إلدارتهم وتحكمهم

في تجارة اللبان،‏ وذكر كتاب الطواف حول البحر األرتيري ‏)بيربلوس(‏ في الفترة ما بين القرن ‏)االول

قبل امليالد والقرن االول امليالدي(‏ " ان بالد اللبان والبخور أرضها تقع عند البحر وتمتد في خليج

عميق ملسافة بعيده وتسمى ‏)ساكاليتس(‏ وان جبالها وعره تلفها سحائب وضباب وان أشجار

اللبان تنتج البخور،‏ وان ميناء موشكا ‏)سمهرم(‏ هو ميناء تجاري يستقبل اللبان من مواقع إنتاجه

من داخل أرض اللبان وتتردد عليه السفن بانتظام وهو من اهم املوانئ لتصدير اللبان الذي

يوضع فوق بعضه بكميات كبيرة على طول الساحل دون حراسه وال يمكن شحنه إال بإذن امللك

وال تستطيع السفن مغادرة امليناء اذا ما اخذت حبة من اللبان دون إذن ألن املكان تحميه اآللهة".‏

أصبح اللبان عبر العصور عطر للملوك وبخوراً‏ في دور

العبادة وأستمر االعتقاد بأنه يطرد

األرواح الشريرة وله استخدامات كثيرة وفوائد عالجيه مثل التأثير في تنشيط الجهاز املناعي

للجسم كما يستخدم كدواء يعالج الكثير من األمراض،‏ واعتبره علماء العرب ومنهم ابن سيناء انه

يداوي جميع األمراض كما استخدمه قدماء املصريين واالغريق والرومان والهنود والفرس

والصينيين في تحنيط املوتى وعند تقديم القرابين.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


12. شجرة اللبان

تتميز أرض اللبان ‏)ظفار(‏ بوجود شجرة اللبان والتي تنتج أفضل واجود انواع اللبان املعروفة

علمياً‏ باسم ‏“باسويالسكرا"،‏ وتتمتع شجرة اللبان بمكانة وقدسية خاصة لدى األمم والحضارات

القديمة،‏ ونظر اليها العالم القديم بإعجاب يكتنفه الخيال واألساطير امتزجت بأخبار أمم هذه

األرض،‏ وتشير الشواهد الجيولوجية واملناخية القديمة للجزيرة العربية،‏ والبحوث،‏ والدراسات،‏

واملسوحات األثرية،‏ واملصادر التاريخية،‏ بأن العُ‏ مانيون منذ العصر الحجري الحديث شاركوا في

شبكة التجارة التي ربطت مناطق الربع الخالي وشرق الجزيرة العربية،‏ وامتد نشاطهم التجاري

البري والبحري الى فترات وعصور عديدة مع حضارات العالم القديم.‏

تنتمي شجرة اللبان لفصيلة البخوريات،‏ والتي تفرز العصارة الصمغية وتختلف شجرة

اللبان من حيث حجمها وشكلها واللبان املستخرج منها بحكم اختالف الظروف املناخية والبيئية

لكل منطقة،‏ وتحتاج الشجرة إلى بيئة مناخيه تمتاز بارتفاع معدل الرطوبة النسبية وارتفاع درجة

الحرارة،‏ ومناطق ذات تربة حجرية كلسية ونموها يكون جيد في التربة الحصوية خاصة في سفوح

الجبال وقيعان األودية،‏ وترتبط جودة اإلنتاج بالنطاقات الجغرافية والعوامل املناخية،‏ وكذلك

خبرة املشتغل على جني هذا املحصول،‏ وكذلك فترات ومواقيت الحصاد،‏ وتنمو شجرة اللبان

بسرعة عندما تكون بعيدة عن مناطق تساقط األمطار املوسمية،‏ وأوراق الشجرة خضراء داكنة

وارتفاعها ما بين ثالثة إلى خمسة أمتار،‏ وهي ذات جذع واحد أو متفرع عند القاعدة وتحتوي على

عدد من الغدد اللبنية تفرز مادة الراتنج الصمغية ‏)مادة اللبان(،‏ وتنمو في مجموعات صغيرة

وتتم عملية انفصال اللحاء على شكل قشور،‏ وأفرع الشجرة قصيرة وكثيفة ووترية وتتجمع

األوراق عند األطراف في األفرع وأوراقها مركبة وأزهارها تتشكل في هيئة عناقيد تتجمع في اطراف

الفروع،‏ وتتكاثر الشجرة من الحبوب الجافه التي تتحول من اللون األخضر إلى األسود بعد فترة

من التزهير ثم تتساقط ويمكن تكاثرها عن طريق زراعة األفرع،‏ وتنتشر شجرة اللبان في أربع

مناطق جغرافية على امتداد سلسلة جبال ظفار،‏ تبعاً‏ للظروف الطبيعية املتمثلة في املناخ

الرطب والتربة الكلسية فتتواجد الشجرة في جبال سمحان في الشرق والهضبة النجدية في

الوسط وبين منطقة نجد ومنطقة سقوط األمطار املوسمية في الغرب وفي شعاب السهول

الساحلية،‏ يقوم إنتاج اللبان على قواعد وأعراف تُ‏ نظم بدقه من قبل سكان وجماعات ممن تقع

هذه االشجار في أراضيهم أو قريبة من مساكنهم،‏ ويتم تقسيم مناطق اإلنتاج إلى منازل وهي

املساحة املحددة من األرض املخصصة لجماعه معينة قد تكبر أو تصغر هذه املنزلة،‏ وكذلك

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


عدد أشجار اللبان فيها تبعاً‏ لهذه التقاليد،‏ وتميز املنزلة عالمات تحدد أصحابها،‏ ويمكن لصاحب

املنزلة تأجيرها لجماعه أخرى ترغب في استغاللها،‏ إما باقتسام اإلنتاج أو استغالله كامالً‏ مقابل

عقد يتم االتفاق عليه.‏

تكون شجرة اللبان منتجة عندما تكون قادرة على تحمل ضربات عملية اإلنتاج ويكون عمرها

بين ثماني إلى عشر سنوات،‏ ففي بداية شهر ابريل عندما تبدأ الحرارة في االرتفاع يبدأ املشتغلون

بجمع اللبان بجرح الشجرة في عدة مواضع طبقا لحجم الشجرة وذلك عن طريق أداة لها يد

خشبية ورأس حديدي حاد تسمى ‏)املنقف(،‏ الضربة األولى وتسمى ( التوقيع ) وهي عبارة عن

كشط القشرة الخارجية ألفرع الشجرة وجذعها فيخرج سائل لزج حليبي اللون يترك على الشجرة

ملدة تتراوح من أسبوعين إلى ثالثة أسابيع ثم يجمع اللبان من الشجرة بعد ذلك ‏)ونوعية اللبان في

هذه املرة ال تكون جيدة باإلضافة إلى كميته غير تجارية (، وتبدأ عملية الجرح الثانية للشجرة بعد

أسبوعين أو ثالثة من التوقيع وتسمى ‏)بالسعف 1( ويكون اللبان املستخرج ذو نوعية جيدة

وبكميات تجارية ولونه مائال لالصفرار وال يلبث أن يبدأ في التجمد إما على الشجرة نفسها أو

يسقط على األرض إذا كانت الشجرة غزيرة اإلنتاج،‏ وتبدأ بعدها ال سعف‎2‎ بنفس خطوات

السعف 1.

إنتاج اللبان عملية فنية تحتاج إلى مران وخبرة ألن الخطأ فيها يؤدي إلى إلحاق األذى

بالشجرة،‏ ومتوسط ما تنتجه الشجرة كاملة النمو من اللبان ‏)عشرة كيلوجرامات(‏ خالل املوسم

الواحد،‏ ويسمى نهاية املوسم ‏)الكشم(،‏ وكلما كانت الشجرة بعيدة عن منطقة سقوط األمطار

املوسمية كان إنتاجها أفضل كماً‏ ً ونوعا ، ومقياس الجودة هو اللون والنقاء فاللبان ذو اللون

األبيض املشوب بزرقة والخالي من الشوائب هو أجود أنواع اللبان وتقل الجودة كلما مال لون

اللبان إلى اإلحمرار أو كان مختلطا بشوائب أخرى.‏

أنواع

اللبان :

اللبان الحوجري:‏ تنمو أشجاره في الجهة الشرقية من جبال ظفار في وادي حوجر شمال

حاسك،‏ وهو أجود األنواع .

اللبان النجدي:‏ نسبة إلى منطقة النجد الواقعة في الوسط شمال مرتفعات جبال ظفار،‏ ويأتي

في املرتبة الثانية.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


اللبان الشزري:‏ تنمو أشجاره في الجهة الغربية من جبال ظفار بين النجد ومنطقة سقوط

األمطار املوسمية،‏ ويأتي في املرتبة الثالثة.‏

اللبان الشعبي:‏ تنمو أشجاره في السهول والشعاب التي تتأثر باألمطار املوسمية وهو أقل أنواع

اللبان جودة.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


13. املالحة البحرية في العصر الحديدي

تميزت املالحة البحرية العمانية خالل فترة العصر الحديدي ‏)‏‎1300‎قبل امليالد-‏‎525‎

ميالدي(‏ بنشاط تجاري بارز مع حضارات العالم القديم،‏ نتيجةً‏ لوجود خطوط مالحية جديدة

مع مناطق البحر األبيض املتوسط عبر البحر األحمر وصوالً‏ إلى بحر العرب وبحر ُ عمان إضافة

إلى الخطوط املالحية عبر الخليج،‏ وذكر كتاب بليني ‏"التاريخ الطبيعي"،‏ وجغرافية بطليموس،‏

وكتاب ‏)الطواف حول البحر األرتيري(‏ معلومات عن املوانئ العُ‏ مانية وجغرافيتها،‏ وسكانها،‏

ونشاطها التجاري.‏

كما أكدت النصوص األشورية القديمة خالل هذه الفترة على النشاط املالحي الواسع بين

عُ‏ مان وبالد الرافدين،‏ وأن دولة مزدهرة كانت تسمى مملكة قاد،‏ ومعناها بالد الشرق وأنها مرادفة

ألسم عُ‏ مان القديم ‏)مجان(،‏ يعود تاريخها إلى منتصف األلفية األولى قبل امليالد القرن السابع

قبل امليالد )640 سنة قبل امليالد(،‏ تنشط على يديها األعمال البحرية واملالحة ولها صالت تجارية

واسعة مع مراكز الحضارات القديمة،‏ ويذكر امللك ‏)أشور بانيبال(‏ عن رحلة استغرقت ستة

أشهر قام بها امللك باد ملك أرض قاد املقيم في مدينة ازكي ‏)مدينة ازكي في محافظة الداخلية في

عُ‏ مان(‏ ً متوجها إلى العاصمة األشورية ‏)نينوى(‏ للقاء امللك أشور بانيبال إلعادة وتطوير العالقات

التجارية،‏ وذكر النقش : ‏"أنا باد ملك بالد قاد املقيم في مدينة ازكي التي لم يطأ أي ملك في تاريخها

حدود بالد األشوريين؛ بأمر أشور ونيني–‏ ليل سافر رسولهما للمحبة والسالم محمالً‏ باحترامهما

وثنائهما في رحلة استغرقت ستة أشهر"،‏ هذه التسمية ذكرها االغريق)بلينوس(،‏ ووردت في

النصوص الفارسية القديمة.‏

اطلق العديد من املؤرخين والرحالة مثل اإلسكندر املقدوني وياقوت الحموي واألزهري

والكتابات والخرائط اليونانية والرومانية اسم عُ‏ مان على اإلقليم الجنوبي الشرقي من شبه

الجزيرة العربية ووصفوا الحركة املالحية في موانئ عُ‏ مان خالل تلك الفترة،‏ ذكر بلينوس املوانئ

واملدن الساحلية العُ‏ مانية أنها من أشهر املدن التجارية الواقعة على الخليج والتي يتردد عليهما

التجار،‏ و أشار إلى االنتشار العُ‏ ماني في جنوب بالد الرافدين حيث قال:‏ ‏"إن األرض املمتدة من

البتراء إلى كراكس ميسان ‏)الكرخ حالياً‏ ) كان يسكنها العُ‏ مانيون"،‏ هذه املعطيات تبرهن على أن

الحركة التجارية البحرية في عُ‏ مان كانت معروفة لدى اليونان منذ القرن الرابع قبل امليالد،كما

عرفت عُ‏ مان باسم مزون ، وذكر ‏)كلوديوس بطليموس(‏ اسم مركز عُ‏ مان التجاري

(Omanum

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


emporium)

في جنوب عُ‏ مان في منطقة وبار،‏ كما عرفت ظفار في جنوب ُ عمان باسم ‏)أرض

سأكلهن(‏ أي أرض اللبان.‏

خالل فترة العصر الحديدي استمرت املوانئ العُ‏ مانية بنشاطها التجاري الرابط بين املراكز

التجارية في موانئ الشرق والغرب،‏ وكانت مصدراً‏ لتصدير السلع التجارية وأهمها اللبان الذي

أصبح أبرز املواد التجارية املطلوبة،‏ وذكرها اليونان والرومان وكتبوا عن جغرافيتها،‏ وسكانها،‏

ونشاطها التجاري.‏

يعد ميناء ماكا أحد املوانئ العُ‏ مانية في فترة العصر الحديدي املبكر،‏ وذكره تقرير لقائد

أسطول اإلسكندر املقدوني ‏)نيارخس(‏ عندما أبحر مقابل ساحل كرمانية وشاهد ً رأسا صخرياً‏

من البر يمتد من الشاطئ املقابل أطلق عليه ‏)ماكيتا ،)Maketa كما احتوى تقرير ‏)نيارخس(‏ على

معلومات عن شحن السفن لسلعة القرفة وغيرها من التوابل،‏ من ميناء ‏)ماكيتا(‏ إلى بالد أشور،‏

وكان االعتقاد أن ميناء ماكا هو رأس مسندم إال أن املعطيات الجغرافية تشير إلى أنه ميناء رأس

الحد.‏

حدد بطليموس في خريطته موقعاً‏ على الشريط الساحلي إلى الغرب من مدينة صاللة أطلق

عليه اسم ‏)أوسارا (، Ausara وقد رجح ‏)فون فيسمان ،)Von Wissman بأن ‏)أوسارا(‏ هو االسم

القديم لريسوت،‏ كان متداوال خالل فترة األلف األول قبل امليالد،‏ وكان امليناء يستقبل السفن

البحرية الكبيرة،‏ ومعروفاً‏ بتصدير اللبان وتجارته،‏ وكانت السفن تأتي إليه قادمة من الصين

محملة بمنسوجات الحرير،‏ والكافور،‏ واملسك،‏ والتوابل،‏ مستعينة بالرياح املوسمية الشمالية

الشرقية،‏ وتسلك في رحلة العودة طريق املجيء نفسه حتى ‏)كولم ملى(‏ في غرب الهند،‏ ومنها كان

ربابنة السفن يقصدون أوالً‏ ميناء ريسوت،‏ ثم يميلون ً شرقا على طول الساحل حتى يصلون بحر

عُ‏ مان،‏ اً‏ وأخير يلقون مراسيهم في ‏)سيراف(،‏ أو ‏)األبلة(،‏ وترحل السفن من ميناء ريسوت إلى

مسقط مستعينة بأول نسمة رقيقة من الرياح املوسمية الجنوبية الغربية في أبريل،‏ ومنه إلى

الخليج "، ‏"وهناك مجرى صغير برأس ريسوت يعد مرفأ جيداً‏ مع هبوب الرياح الجنوبية الغربية،‏

وبجواره بقايا مدينة قديمة كانت في وقت ما سوقاً‏ ً تجاريا ".

يتمتع ميناء سمهرم بموقع متميز يطل على املحيط الهندي،‏ واعتماداً‏ على ما ورد في كتب

اإلغريق والرومان ومنها كتاب الطواف حول البحر األريتيري أن ميناء سمهرم كان نشطاً‏ بالتجارة

وعرف بمسمى ‏)موشكا ليمن(‏ ، وهو احدى املحطات التجارية وأهمها تجارة اللبان الذي يجلب

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


إلى سمهرم ويُ‏ خزن ثم يُ‏ شحن ً بحرا إلى املوانئ القريبة من سمهرم أو مباشرة إلى الهند أو روما،‏ وتم

تحديد الفترة الزمنية للنشاط التجاري ما بين القرن الثالث قبل امليالد وحتى القرن الخامس

امليالدي كفترة متواصلة،‏ لقد كانت س مهرم ميناءً‏ عاملياً‏ يستدل على بعده العاملي إلرتباطه خالل

سنوات نشاطه مع كامل العالم املعروف آنذاك في ‏)شبه الجزيرة العربية وأكسوم والخليج وآسيا

ومناطق البحر املتوسط ومصر(،‏ وكانت أوثق العالقات التجارية منذ فجر تاريخ سمهرم مع مراكز

حضارية في جنوب الهند ‏)باتانام(‏ وسيرالنكا ‏)تيساماهاما(‏ أنورهابورا،‏ ومملكة كوشان ‏)باكتريا

)Bactrian القديمة خالل القرن األول امليالدي،‏ ومع ميناء برنيس في مصر.‏

وألهمية سمهرم ومدلوالتها لدى البحارة األغريق أشار إليها كتاب الطواف حول البحر

االريتيري ‏"يمكن للبان أن يظل في رصيف امليناء بدون حراسة بفضل قوة الرب التي تحميه،‏ فال

يمكن أن تُ‏ شحن حبة من اللبان الثمين في سفينة دون حق،‏ فإذا ما ُ ش حِ‏ نت إلى السفينة وهي

كذلك لن تتمكن السفينة من االبحار ألن ذلك ضد إرادة الرب"،‏ إن تطور التجارة واملالحة

البحرية مع شبه القارة الهندية ومصر مبرراً‏ ألهمية سمهرم في التجارة البحرية،‏ وأن التجارة

البحرية املزدهرة يفترض أنها قامت في فترة أقدم بكثير من القرن الثالث قبل امليالد؛ أي أكثر من

ثمانية قرون.‏

عثر في البليد على ألواح خشبية لسفن ومراكب قديمة تم استخدام أجزاءها الحقاً‏ في بناء

الجدران في منشئات البليد وخاصة حصن البليد وجامع البليد،‏ وقد تم التعرف على أنواع من

السفن التقليدية في الشرق األدنى من خالل وصف املؤرخ اليوناني هيرودوتس في منتصف األلف

األول من العصر الحديدي،‏ حيث كانت مصنوعة من ألواح الخشب املربوطة ببعضها البعض

بإحكام بواسطة حبال مصنوعة من ألياف جوز الهند والقطع الخشبية وبدون مسامير،‏ وصنفت

القطع الخشبية التي تم العثور عليها في البليد كأجزاء من بقايا سفن نظراً‏ لوجود الثقوب على

مسافات منتظمة من بعضها مع وجود حبال ألياف جوز الهند التي الزالت في محلها.‏

كما عثر على مجموعة من مراس ي السفن الكبيرة بعضها على شواطئ البليد وبعضها داخل

مياه البحر القريبة من الشاطئ،‏ وقد استخدمت أنواع هذه املراس ي منذ العصر البرونزي

والعصر الحديدي.‏

عام

أقدم إشارة لجزيرة مصيرة في املصادر التاريخية أوردها املالح اليوناني نيارخس )Nearchus(

325 قبل امليالد،‏ عندما أطلق على الجزيرة اسم ‏)أوجيرس ،)Ogyris وأطلق ‏)بليني(‏ على

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


Oragana

) تحريفاً‏ لالسم األصلي

الجزيرة االسم نفسه،‏ أما ‏)بطليموس(‏ فسماها ‏)أورجانا

‏)أورجيوس ،)Orgyris كما أطلق عليها ‏)كتاب الطواف حول البحر األرتيري

‏)سارابس ،)Sarapis وذكر أن الجزيرة تقوم بتصدير كميات كبيرة من صدف السالحف املمتاز،‏

وتتردد عليها بانتظام القوارب وسفن الشحن الخفيفة،‏ أو املقطورة ".

)The Periplus اسم

يعد ميناء قلهات )Acila( أحد املوانئ العُ‏ مانية النشطة خالل فترة العصر الحديدي،‏

حيث كانت السفن التجارية تبحر منه إلى الهند،‏ ويعد امليناء مركزا وسوقا تجاريا،‏ فميناء قلهات

ً استراتيجيا على طريق التجارة البحرية،‏ بين ُ عمان والخليج،‏ وكل من الهند وشرقي

يحتل موقعاً‏

أفريقيا والبحر األحمر،‏ إلى جانب األهمية اإلستراتيجية للموقع الجغرافي،‏ نجد أن التضاريس

أيضا قد وهبت امليناء حماية طبيعية من التيارات املائية والرياح بفضل الجبال مما جعل رسو

السفن في هذا امليناء متاحاً‏ طوال العام.‏

أورد بطليموس إشارة عن ميناء يقع على الساحل بعد سلسلة الحجر الوسطى العُ‏ مانية،‏

يطلق عليه لفظة كريبتوس ليمن limen( )Kryptos أي ‏)البندر الخفي(،‏ وقد رجح عدد من

الباحثين أن هذا الوصف أنه يتالءم وميناء مسقط،‏ فميناء مسقط كان امليناء الرئيس للعُ‏ مانيين

في سنة ‏)‏‎150‎م(،‏ وتكمن أهمية امليناء في صلته باملناطق الداخلية لعُ‏ مان.‏ أما ‏)بليني(‏ فقد أشار

إلى وجود ميناء على ساحل بحر عُ‏ مان سماه ‏)أميثوسكاتا ،)Amithoscata ورجحت الدراسات أن

املقصود ب ‏)أميثوسكاتا(‏ هو مسقط،‏ وأطلق اإلغريق القدماء اسم " امليناء الخفي " على ميناء

مسقط وهو من أشهر املوانئ العُ‏ مانية التي تصدر جوز الطيب لدرجة أن االسم الذي يطلق عليه

في أوروبا إلى اآلن هو:‏ )Muskatnus( ‏)مسقطنوس(‏ نسبة ملسقط.‏

كان ميناء صحار أحدى املوانئ العُ‏ مانية التي تربط بين موانئ الهند والصين وجنوب الجزيرة

العربية وشرق أفريقيا،‏ وقد أثبتت الدراسات أن خام النحاس كان يصهر ويصدر خالل فترة

العصر الحديدي،‏ كما عثر على قطع من الفخار الساساني الفارس ي ‏)البارثي(‏ األحمر املصقول

يرجع تاريخه إلى القرن األول قبل امليالد،‏ وكسر من الفخار األحمر Ware( )Red Polised مصدره

الهند يعود تاريخه إلى الفترة )100-300 قبل امليالد(،‏ مما يؤكد أن ميناء صحار كان نشطاً‏ خالل

تلك الفترة،‏ وعثر على عمالت رومانية تعود لعهد اإلمبراطور ‏)تيبيريوس(‏ ، فوجود عمالت رومانية

يعزز االعتقاد بالدور التجاري املتألق مليناء صحار خالل أواخر العصر الحديدي.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


أشار ‏)بليني(‏ في كتابه التاريخ الطبيعي إلى منطقة تسمى دبانجوريس )Dabanegoris( تقع

تبنى

أسفل جبال ،)Oras( حيث أشار إلى أن في كل من:‏

القوارب من األلياف وألواح الخشب،‏ فالضرائب الخاصة بميناء دبا كانت تسلم لحكام عُ‏ مان ،

ويقول ‏)ابن حبيب البغدادي(:‏ ‏"سوق دبا إحدى فرضتي العرب يأتيها التجار من السند والهند

والصين وأهل املشرق واملغرب،‏ فيقوم سوقها آخر يوم من رجب،‏ وكان بيعهم فيها املساومة،‏ وكان

الجلندى بن املستكبر يعشرهم فيها وفي سوق صحار،‏ ويفعل في ذلك فعل امللوك"،‏ وعثر على قطع

جرار فخارية ذات طابع بارثي،‏ ومواد زجاجية رومانية الصنع،‏ وعدد من الخرز،‏ باإلضافة إلى مواد

محلية الصنع،‏ هذه املواد الرومانية سلطت الضوء على فترة ‏)القرن الثاني قبل امليالد(،‏ وتؤكد

الدور الذي كان يقوم به امليناء،‏ والصالت الدولية التي ساهم فيها،‏ وأثبتت دراسة القطع األثرية

وجود تطابق مع املكتشفات األثرية من الساحل الغربي من وادي االندوس،‏ ومن روما،‏ وتلك

املعطيات تبرهن على أن دبا كان أحد املوانئ الرئيسية لدخول تلك السلع األجنبية،‏ فهو بمثابة

جسر تواصل تمر عبره سلع الشرق إلى الغرب والعكس.‏

وDabenogoris Batrasava ،Omana

يعتبر ميناء ‏)باتراسافافBatrasavae‏(‏ من املوانئ العُ‏ مانية الشهيرة في عهد بليني ‏)‏‎79-23‎م(‏

ورغم أنه لم يحدد املوقع الجغرافي للمدينة إال أنه أكد على عُ‏ مانية املدينة ومينائها بقوله

‏)باتراسافا مدينة العُ‏ مانيين(،‏ واعتبر بعض املؤرخين أنه يقصد ب ‏)بتراسافافا(‏ ميناء السيب

املنطقة الساحلية الواقعة شمال مسقط.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


14. صناعة السفن وأنواعها في عمان

كانت قوارب القصب املطلية بالقار معروفة لدى سكان سواحل عُ‏ مان منذ األلف الرابع

قبل امليالد )3400 قبل امليالد(،‏ واستمرت صناعة السفن في عُ‏ مان خالل فترة العصر البرونزي،‏

وقد عثر طبعات من أحزمة القصب وقطع القار التي تغطي بطن السفن في رأس الجنز،‏ وتعد

شواهد بناء أقدم السُ‏ فن العُ‏ مانية املعروفة بسفينة مجان باستخدام ألواح القار التي عرفها

العُ‏ مانيون لجلفطة السفن الكبيرة،‏ منها ما يقارب لوحاً‏ ً مطليا بالقار يعود تاريخها إلى

منتصف األلف الثالث قبل امليالد.‏

295

كان جسم املركب يضم حزماً‏ من مادة القصب املربوطة ً معا بحبا ‏ٍل مرنة سميكة مع

استخدام الحُ‏ صر والسعف واأللياف لتغطية الهيكل وتسد املنافذ بشكل محكم بمواد ممزوجة

من األلياف وشعر الحيوان والجلد والقار،‏ كما تبطن بها السفينة وتغطى من الخارج بالكامل

بمادة القار وتدخل األخشاب في بناء السفينة كاألعمدة ودعامات نظام التوجيه والدفه والصاري

ذو القائمتين والشراع.‏

كما عرفت عُ‏ مان العديد من أنواع السفن على مر العصور وكان لها استخدامات مختلفة

في العديد من األغراض التجارية والعسكرية ، وتباينت تصميماتها وفقاً‏ الستخداماتها،‏ فمثال

أن استخدام الشوعي كان منتشراً‏ في كل املناطق الساحلية،‏ بينما يقتصر استخدام البتيل

والزوارق على محافظة مسندم،‏ كما أن البقارة تستخدم بكثرة،‏ بينما يتواجد البدن بصورة أكبر

كلما اتجهنا جنوب الباطنة،‏ ونجد أن البدن الذي يستخدم غالباً‏ للشحن والتجارة أكثر منه في

الصيد،‏ بينما يوجد السمبوق املحبوك ‏)الكمباري(‏ في محافظة ظفار فقط.‏

ً نجد

ومن أشهر أنواع السفن قارب الشاشة وسفينة مجان والسفينة السلطانة وسفينة البوم

والسنبوق وسنبوق الكمباري وقارب الهوري ومركب البتيل الحربي وقارب بتيل الصيد وسفينة

البقارة وسفينة الغنجة وسفينة البغلة وبدن الصيد وبدن الشحن البحري وسفينة الزاروقة

ومركب الجالبوت وسفينة الشوعي.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ُ

15. املالحة البحرية خالل الفترة املبكرة من العصور الوسطى

تشير املصادر التاريخية إلى ازدهار النشاط التجاري واملالحة البحرية في عُمان خالل هذه

الفترة،‏ ونشطت املالحة البحرية خاصة بين عُ‏ مان وجنوب شرق آسيا،‏ وكانت السفن العُ‏ مانية

ترسو في موانئ الهند وساحل املليبار،‏ وسنغافورة،‏ وسرنديب ‏)سيريالنكا(‏ وجزر املالديف

واللكاديف وخليج البنغال إلى أرخبيل املاليو جزيرة سومطرة وجزيرة جاوة وجزر لنجبالوس وجزر

أندمان وجزيرة بورنيو،‏ وجزر الفليبين،‏ وقد امتد هذا النشاط البحري العُ‏ ماني حينما وصل

العُ‏ مانيون بمتاجرتهم إلى أقص ى شمال الصين،‏ حيث مدينة قانصوا وبالد الشيال التي يعتقد أنها

بالد كوريا واليابان اآلن.‏

بحلول القرن التاسع امليالدي نشطت املالحة البحرية بين عُ‏ مان والصين،‏ وبرز خالل هذه

الفترة العديد من البحارة العُ‏ مانيين مثل أبو عبيدة عبد هللا بن القاسم عام ‏)‏‎133‎ه/‏ ‎750‎م(‏

الذي وصل إلى ميناء قوانتشو ‏)خانفو=‏ كانتون الحالية(‏ في الصين،‏ وتذكر املصادر الصينية بأنها

أقدم رحلة للعُ‏ مانيين إلى الصين،‏ والشيخ عبدهللا العُ‏ ماني ‏)‏‎441‎ه ‏/‏‎1050‎م(‏ الذي لقبه

اإلمبراطور الصيني سون شين زون ‏"بجنرال األخالق الطيبة و،‏ تذكر املصادر التاريخية خالل

القرن العاشر امليالدي حجم التبادل التجاري بين الصين وعُ‏ مان بأنها وصلت إلى ذروتها وباألخص

تجارة البخور واللبان،‏ ويذكر اإلحصاء التجاري لسنة ‎1077‎م أن مدينة قوانتشو الصينية

وحدها استوردت من ظفار 348673 جيناً‏ من اللبان أي ما يُ‏ عادل )174,336.5 كيلو(،‏ وقد عرف

ساحل ظفار بشاطئ البخور واللبان،‏ كما زار قائد األسطول الصيني ‏)زنج هي(‏ في عام ‎1421‎م و

في عام ‎1431‎م مدينة البليد بصفته مبعوث االمبراطورية الصينية.‏

"

إن معرفة العُ‏ مانيين بمنطقة سواحل شرق أفريقيا وخبرتهم املالحية مكّ‏ نتهم من القيام

برحلتين منتظمتين سنوياً‏ إلى تلك السواحل،‏ في شهر نوفمبر وابريل من كل عام،‏ ونتيجة للنشاط

املالحي نشطت العديد من املراكز التجارية العُ‏ مانية على سواحل شرق أفريقيا،‏ و وعقب هجرة

سعيد وسليمان أبناء عباد بن عبد الجلندى أسس العُ‏ مانيون إمارة المو في أواخر القرن األول

الهجري حوالي عام )83 ه/‏ ‎702‎م(‏ ، لتكون أول إمارة عربية في شرق أفريقيا،‏ فامتدت مملكة بني

الجلندى من أرخبيل المو في الشمال وحتى سفالة في الجنوب،‏ وعند قدوم النباهنة حوالي

‏)‏‎599‎ه/‏ ‎1203‎م(‏ تأسست مملكة أخرى يحكمها العُ‏ مانيون انطلقت من باتي وامتدت من رأس

جَ‏ َ رْدفوي ً شماال إلى رأس دلجادو ً جنوبا .

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

ً

وفي عهد اإلمام املهنا بن جيفر الخروص ي عام )226

‏-‏‎237‎ه /840

ً

أسطوال

‏-‏‎851‎م(‏ تم تأسيس

بحريا كبيرا يتكون من ثالثمائة بارجة حربية مزوده بالسالح،‏ وفي عهد اإلمام الصلت بن

مالك عام )237

- ‎272‎ه 851/

- ‎886‎م(،‏ هاجم األحباش جزيرة سقطرى التي كانت تابعة لعُ‏ مان،‏

فجهز اإلمام أسطوالً‏ ضخما ً بلغ تعداده أكثر من مائة سفينة وحرر سقطرى.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ع.‏

ً

16 مان وطريق الحرير البحري

طرق برية وبحرية تبادل عبرها العالم الحرير والذي كان مصدره الصين،‏ وكان الحرير يعّ‏ د

من املنتوجات النفيسة جدا انفرد بالط اإلمبراطورية الصينية باستخدامه،‏ وعبر هذا الطريق

نُ‏ قلت أيضا الكثير من السلع،‏ وُ‏ تعتبر الطرق البحرية جزءا مهما من هذا الطريق،‏ ربطت بين

الشرق والغرب،‏ واسُ‏ تخدمت على األخص لتجارة التوابل،‏ بحيث بات اسمها الشائع"‏ طرق

التوابل"،‏ ولم تحمل هذه الشبكات الواسعة في طياتها السلع والبضائع الثمينة فحسب وإنما

أتاحت أيضا تناقل املعارف واألفكار والثقافات بفضل حركة الشعوب املستمرة واختالطهم

املتواصل،‏ مما أثر تأثيرا عميقا في تاريخ شعوب املنطقة األوروبية اآلسيوية وحضاراتهم،‏ وأصبح

التالقح الفكري والثقافي سائدا في املدن املحاذية لهذه الطرق،‏ حتى أن العديد من هذه املدن

تحّ‏ ولت إلى مراكز للثقافة والتعلم،‏ وشهدت املجتمعات القاطنة على امتداد هذه الطرق تبادال

وانتشار ا للعلوم والفنون واألدب والحرف اليدوية،‏ وُ‏ يعتبر مصطلح"‏ طريق الحرير ‏"حديث العهد

إذ لم تحمل هذه الطرُق القديمة طوال معظم تاريخها العريق اسما بعينه حتى أواسط القرن

التاسع عشر عندما أطلق العالم الجيولوجي األملاني البارون ‏)فرديناند فون ريشتهوفن(‏ اسم ‏"دي

سيدينستراس)‏ " أي طريق الحرير.‏

تتواصل هذه الطرق البحرية تاريخيا مع الطرق والعالقات التي قامت قبل آالف السنين بين

شبه الجزيرة العربية وبالد ما بين النهرين وحضارة وادي األندوس،‏ وتوّ‏ سعت هذه الشبكة في

مطلع القرون الوسطى عندما أبحرت السفن العُ‏ مانية منذ القرن الثامن امليالدي مكتشفة

مسالك تجارية جديدة عبر املحيط الهندي،‏ وارتبطت منذ ذلك الحين عُ‏ مان والصين بعالقات

تجارية بحرية نشطة حول املوانئ املحاذية لهذه الطريق في عُ‏ مان منها صحار ومسقط وصور

والبليد ومرباط وريسوت،‏ وأصبحت مراكز لتبادل السلع مع األسواق الكبرى وجموع التجار

والبحارة الذين كانوا يزورونها باستمرار،‏ ولعل اإلرث األكثر دواما الذي تركته طرق الحرير هو

دورها في تالقي الثقافات والشعوب وتيسير املبادالت بينها والتبادل الفكري والثقافي التي كانت

عامرة في املدن املمتدة على طول هذه الطرق،‏ وكان التجار والبحارة يواجهون تحديات متعددة

أثناء رحالتهم الطويلة،‏ إلى أن عّ‏ زز تطور تقنية املالحة وال سيما املعارف املتعلقة ببناء السفن من

سالمة الرحالت البحرية خالل تلك الفترة.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


17. األسطول العماني واملالحة البحرية خالل عهد اليعاربة والبوسعيديين

ظهرت األطماع االوروبية في السيطرة على تجارة الشرق،‏ فأتى البرتغاليون إلى منطقة الخليج

واملحيط الهندي ومعهم مشروع استعماري اقتصادي الحتكار التجارة الدولية في املنطقة،‏

فسيطروا على املمرات املالحية وسواحل الخليج واملحيط الهندي وشرق افريقيا.‏ حاول املماليك

والعثمانيون وغيرهم من املتضررين من األسطول البرتغالي في مياه املحيط الهندي والبحر األحمر

والخليج مواجهة النفوذ البرتغالي،‏ بعدة حمالت لكن جميعها باءت بالفشل،‏ وتم تغيير مسار

التجارة الدولية،‏ وتحول مسارها من الخليج والبحر األحمر إلى رأس الرجاء الصالح.‏

ظهر الوجود البريطاني منذ عام ‏)‏‎1600‎م(‏ وظهر الوجود الهولندي عام ‏)‏‎1602‎م(‏ في منطقة

املحيط الهندي ليقوم التنافس بين تلك القوى لفرض السيطرة على طرق املالحة البحرية في

املحيط الهندي والخليج،‏ ومع تضاعف االطماع األوروبية تكاتف العُ‏ مانيون لتخليص بالدهم

واملنطقة من نفوذ هذه القوى تحت لواء االمام ناصر بن مرشد اليعربي عام )1034 ه / ‎1624‎م(‏

فسعوا إلى تكوين أسطول بحري قوي يتناسب مع القوى البحرية األوروبية التي غزت املنطقة وقد

تمكن العُ‏ مانيون من تطوير أسطولهم البحري العسكري نتيجة خبرتهم املالحية العريقة،‏ الى أن

تم اخراجهم من آخر معاقلهم على الساحل العُ‏ ماني في مطرح ومسقط عام ‏)‏‎1650‎م(‏

األساطيل العُ‏ مانية مالحقتهم في املحيط الهندي على سواحل الهند وشرق أفريقيا.‏

، وواصلت

لعبت القوات العُ‏ مانية دوراً‏ في أجالء البرتغاليين من السواحل الهندية حيث قاموا بشن عدة

حمالت على املراكز البرتغالية على الساحل الغربي للهند،‏ ولقد وصف هاميلتون حمالت

العُ‏ مانيين على البرتغاليين في السواحل الهندية بقوله:‏ ‏)لقد كان عرب عُ‏ مان يشنون غاراتهم ضد

البرتغاليين على الساحل الهندي ويدمرون املدن والقرى ولكنهم لم يهاجموا الكنائس ولم يقتلوا

أ عزالً‏ وال ً طفال وكانوا يعاملون أسراهم معاملة كريمة بخالف البرتغاليين الذين كانوا يعاملون

أسراهم معاملة وحشية(.‏

تمكن العُ‏ مانيون عام ‏)‏‎1660‎م(‏ من تحرير فازا على سواحل شرق أفريقيا،‏ وفي شهر مارس

من عام ‏)‏‎1107‎ه/‏ ‎1696‎م(‏ توجه أسطوالً‏ ُ عماني كبير لتحرير ممباسا من البرتغاليين فحاصروا

قلعة يسوع،‏ وفي عام ‏)‏‎1109‎ه/‏ ‎1698‎م(‏ تمكن العُ‏ مانيون من السيطرة على القلعة وطرد

البرتغاليين،‏ و اجالء القوى البرتغالية نهائياً‏ من بمبا وكلوه وباتا وزنجبار.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


كما تمكن العُ‏ مانيون من تحرير البحرين من االحتالل الفارس ي ونجحوا في ضرب حصار

بحري على السفن الفارسية وأخضعت قواتهم حصون جزيرة قشم والرك وبعض املدن الفارسية

الهامة مثل لنجه وبندر عباس وسيطروا على موانئ جنوب فارس ومنعوا السفن الفارسية من

املالحة في الخليج مما أحدث قلقاً‏ شديدا الدوائر األوروبية وخصوصاً‏ بعد أن أتخذ

العُ‏ مانيون من هرمز قاعدة لنشاطاتهم البحرية.‏

ً لدى

يعترف املؤرخ االنجليزي كوبالند أن البحرية العُ‏ مانية في بداية القرن الثامن عشر قد

اصبحت تفوق أية قوة بحرية أخرى لدرجة أن االساطيل البريطانية والهولندية كانت تخش ى

مواجهة العُ‏ مانيين،‏ وتمكنت من مد نفوذها على سواحل شبة الجزيرة العربية وسواحل شرق

أفريقيا إلى سواحل وادي االندوس ، ونتيجة لذلك فقد ازدهرت عُ‏ مان،‏ وخاصة مسقط فأصبحت

واحدة من املوانئ الرئيسية في املحيط الهندي لتصبح مركز التوزيع التجاري الرئيس ي ملنطقة

الخليج.‏

واصلت عُ‏ مان في عهد اإلمام أحمد بن سعيد ‏)‏‎1157‎ه/‏‎1744‎م(‏ ترسيخ مكانتها وهيبتها األمر

الذي جعل السلطات الهولندية واإلنجليزية تعترفان بالسيادة العُ‏ مانية على كثير من شواطئ

الخليج واملحيط الهندي.‏ في عام )1189 ه - 1775 م(‏ قام الفرس بحصار البصرة ونصبوا سلسلة

حديدية على مدخل امليناء ملنع السفن من الدخول إليه،‏ واستنجد أهلها باإلمام أحمد بن سعيد

الذي قام بتجهيز أسطول بحري يتقدمه سفينة اإلمام الحربية ‏)الرحماني(‏ بقيادة ابنه هالل الذي

استطاع قطع السالسل الحديدية وتم فك الحصار،‏ وقد كافأ العثمانيين عُ‏ مان بمكافأة سنوية

تدفع من خراج البصرة.‏

خالل النصف األول من القرن التاسع عشر أصبح األسطول العُ‏ ماني ثاني أكبر أسطول

بحري في املحيط الهندي،‏ ويأتي في املرتبة الثانية بعد األسطول البريطاني،‏ وسّ‏ ع السلطان سعيد

‏-‏‎1856‎م(‏ من خالله نفوذ وسلطة بالده ليك ‏ّون امبراطورية

بن سلطان

واسعه،‏ تشمل كافة املناطق الواقعة على الساحل الشمالي الشرقي للخليج إلى السواحل الشرقية

ألفريقيا ‏)من بندر عباس إلى زنجبار(،‏ هذا باإلضافة إلى العديد من الجزر املحاذية لهذه السواحل

والواقعة في بحر العرب واملحيط الهندي بما فيها أرخبيل جزر القمر وطور مواردها االقتصادية.‏

وكان لهذا األسطول الضخم قواعد رئيسية على الساحل الشرقي للخليج في موانئ بندر عباس

وجزر قشم وهرمز والرك،‏ باإلضافة إلى الساحل العُ‏ ماني الذي كانت موانئه عامرة بسفن

1219( – ‎1273‎ه/‏ 1804

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


312

األسطول،‏ أما على الساحل األفريقي فكان لعُ‏ مان قواعد بحرية في ممباسا والمو وكلوة ومركه

ومقديشو وزنجبار.‏

تم بناء سفن األسطول العُ‏ ماني في أحواض بناء عُ‏ مانية في مطرح ومسقط وصور وشناص،‏

وفي املوانئ الهندية مثل بومباي وسورات،‏ وكان من أشهر السفن التي يتكون منها األسطول

العُ‏ ماني في عهد السلطان سعيد:‏ السفينة السلطانة والتي زودت بأربعة عشر مدفعاً‏ حمولتها

طناً‏ ، وتما شياً‏ مع العالقات الودية التي تربط ُ عمان بالواليات املتحدة األمريكية،‏ أرسل

السلطان سعيد هذه السفينة في رحلة دبلوماسية وتجارية إلى ميناء نيويورك األمريكي حيث

وصلت إلى امليناء في الثالثين من إبريل عام م حاملة السفير العماني أحمد بن النُ‏ عُ‏ مان

الكعبي ليكون ممثالً‏ ُ له في الواليات املتحدة األمريكية.‏

1840

وتوطيداً‏ للعالقات ّ الودية بين ُ عمان وبريطانيا تم ارسال السفينة السلطانة في رحلة ثانية

إلى لندن في عام ‎1842‎م وعليها السفير علي بن ناصر البوسعيدي،‏ وقدم هدايا السلطان سعيد

بن سلطان إلى امللكة فكتوريا بمناسبة تتويجها.‏

تعد سفينة ليفربول أكبر سفن السلطان سعيد ونتيجة الرتباط عُ‏ مان وبريطانيا بعالقات

سياسية واقتصادية أرسل السلطان سعيد السفينة ليفربول هدية مللك بريطانيا وليام الرابع،‏

وتم تغيير اسمها إلى ‏)اإلمام(،‏ وال يزال متحف البحرية البريطانية في جرينتش يحتفظ بتلك

السفينة كإرث تاريخي،‏ وباملقابل أهدى ملك بريطانيا امللك وليام الرابع عام ‎1837‎م السلطان

سعيد سفينة ‏)األمير الوص ي(‏ أو املعروفة بسفينة برينس ريجنت كهديةٍ‏ منه.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


.18

أشهر املالحين والبحارة العمانيين

كان العُ‏ مانيون رواداً‏ في علوم البحار ومسالكها وكانت املالحة والتجارة البحرية في أوج

ازدهارها في عُ‏ مان خالل فترات وعصور مختلفة من التاريخ،‏ ولعل أبرز الشخصيات التاريخية

التي اقترن اسمها بتاريخ املالحة وعلم البحار هو املالح العُ‏ ماني أحمد بن ماجد بن محمد

السعدي،‏ كان عاملاً‏ بفنون املالحة وعلم الفلك،‏ وهو من أرس ى قواعد املالحة البحرية في تلك

الفترة،‏ من مؤلفاته كتاب)الفوائد في أصول علم البحر والقواعد(،‏ يعتبر ابن ماجد مؤسس علم

الجغرافيا البحرية وفي عام ‎1475‎م.‏ اخترع احمد بن ماجد أول ابرة مغناطيسية لحركة البوصلة،‏

كما اكتشف الطريق البحري الذي يربط الساحل الشرقي للقارة األفريقية بالهند وسيالن وجاوه،‏

و وضع مخزوناً‏ من الخبرات العملية في فن املالحة وعلوم البحار،‏ وعلم الفلك واألرصاد الفلكية

واملسالك البحرية وأدوات املالحة واملرشدات البحرية وتوجيه السفن وقيادتها واملرافئ والجزر،‏

فترك كثيراً‏ من املصنفات التي أفاد منها املالحون والبحارة والجغرافيون،‏ يبلغ عدد املوجود من

آثار ابن ماجد أربعين مخطوطاَ‏ .

ومن أهم العلماء العُ‏ مانيون الذين برز فهذا املجال أ يضاً‏ املالح ناصر بن علي بن ناصر بن

مسعود الخضوري مؤلف كتاب معدن األسرار في علم البحار،‏ وهو من أهم املخطوطات العاملية

في علم البحار واملرشدات البحرية،‏ وقد تم ادراج هذه الوثيقة في ‏"سجل ذاكرة العالم"‏ لدى

منظمة األمم املتحدة للتربية والعلم والثقافة ‏)اليونسكو(‏ في نوفمبر عام ‎2017‎م.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ُ

19. املالحة البحرية العمانية في عصر النهضة املباركة ‎1970‎م

عام

منذ بداية عصر النهضة املباركة وبتولي جاللة السلطان قابوس بن سعيد املعظم الحكم

ً بالغاً‏

1970

م شهدت املالحة البحرية العُ‏ مانية اهتماما

في كافة قطاعتها نظراً‏ إلمتداد

السواحل العُ‏ مانية التي يبلغ طولها 3165 كم وهي منفتحة على طرق التجارة البحرية العاملية،‏

لقد شغل التراث الثقافي بأشكاله وأنواعه املختلفة حيزاً‏ ً رحبا في الفكر السامي لحضرة صاحب

الجاللة السلطان قابوس بن سعيد املعظم حفظه هللا ورعاه في االهتمام به واملحافظة عليه

واحياءه،‏ وتحقيق االستفادة من مفرداته وخاصة التراث البحري.‏

‏"لقد أسهمت عمان على امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة

اإلنسانية،‏ وكان البناءها جهد غير منكور في خدمة هذه الحضارة،‏ فاملوقع

املتميز لهذا البلد الطيب والروح النضالية التي حملت العمانيين إلى أقاص ي

األرض يجوبون البحار ويمتطون األخطار،‏ فيلمسون بأيديهم ويشاهدون

بأعينهم ويخالطون بقلوبهم وعقولهم صنوفاً‏ من الحضارات وضروب اً‏ من

الثقافات واشكاالً‏ متباينة من التقاليد والعادات...‏ كل ذلك كان له وال شك

اثراً‏ ً بارزا في البناء الحضاري الذي شاده األباء واألجداد وصاغته األجيال

املتعاقبة تراثاً‏ ً حيا ً خالدا يجسد مالمح التاريخ ومالحمه،‏ ويعبر بصدق عن

التراث الباذخ للتجربة العمانية الضاربة في أعماق الزمن".‏

تشرف السلطنة على أهم املمرات املائية في العالم مثل ‏)مضيق هرمز(‏ و،‏ شهدت القوات

البحرية العُ‏ مانية تطوراً‏ م ستمراً‏ ، وحظيت بنصيب وافر من االهتمام والتطوير من حيث التوسع

والكفاءة،‏ وأنشئت القواعد البحرية على طول السواحل العُ‏ مانية أهمها قاعدة سعيد بن سلطان

البحرية،‏ وتم انشاء املؤسسات األكاديمية لرفد هذا الجانب وأبرزها أكاديمية السلطان قابوس

البحرية،‏ وتقوم بحرية سلطان عُ‏ مان بحماية الشواطئ واملياه اإلقليمية العُ‏ مانية وتأمين املالحة

البحرية في واحد من أهم املمرات البحرية في العالم،‏ كما سعت السلطنة من جانب آخر إلى إنشاء

وتطوير العديد من املوانئ التجارية والصناعية واملرافئ البحرية لتلعب دورا في التنمية

االقتصادية للسلطنة،‏ ومن أهم املوانئ الرئيسية الحديثة ‏)ميناء السلطان قابوس وميناء صاللة

وميناء صحار وميناء الدقم،‏ وميناء خصب وميناء قلهات للغاز الطبيعي املسال(،‏ إضافة إلى

ً مهاماً‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ً

ً

العديد من موانئ الصيد،‏ وانشاء مراكز وورش صناعة السفن التقليدية في مناطق عديدة وأهمها

مدينة صور ومسقط وصالله.‏

تعد السفينة صحار،‏ وهي نسخة عن السفينة الشراعية التي أبحر بها أبو عبيدة عبدهللا

بن القاسم إلى الصين في القرن الثامن للميالد وعُ‏ رفت برحلة السندباد،‏ وقد أبحرت في رحلة

شاقّ‏ ة إلى الصين عام ‎1980‎م وقطعت أكثر من ستة آالف ميل بحري في ثمانية أشهر وبُ‏ نيت في

عُ‏ مان،‏ إحياءً‏ للمسار البحري القديم ً وتوثيقا للعالقات العُ‏ مانية الصينية.‏

احتفاءً‏ بتاريخ عُ‏ مان البحري العريق أعلنت حكومة السلطنة وسنغافورة في عام ‎2008‎م عن

تعاونهما في مشروع ألحياء هذا االرث الحضاري عقب االستكشاف الذي عُ‏ ثر عليه في ساحل جزيرة

بليتنج بأندونيسيا عام ‎1998‎م لبقايا سفينة عُ‏ مانية تعود إلى القرن الثالث الهجري التاسع

امليالدي،‏ وتم وضع الخطط لتصميم وتشييد سفينة تشبه السفن العُ‏ مانية في القرن التاسع،‏

وفي فبراير ‎2010‎م وبعد سبعة أشهر،‏ بدأت سفينة جوهرة مسقط رحلتها التاريخية باتباع طرق

التجارة القديمة من مسقط إلى سنغافورة لتصل يوما إلى سنغافورة،‏ كهدية لشعب

سنغافورة من جاللة السلطان قابوس بن سعيد املعظم،‏ باعتبارها شاهدا على إحياء الطرق

التجارية القديمة التي كانت تربط آسيا بالشرق األوسط وكرمز للصداقة بين عُ‏ مان وسنغافورة.‏

بعد 138

كما تم إعادة بناء سفينة السنبوق الذئب في صالله كنموذج لصناعة السفن التقليدية في

محافظة ظفار حيث ترسو حالياً‏ في منتزه سمهرم األثري،‏ كما تعرض القاعة البحرية في متحف

أرض اللبان بمنتزه البليد األثري جميع نماذج السفن العُ‏ مانية التقليدية.‏

للبعد الحضاري أهمية خاصة لدى جاللة السلطان قابوس،‏ ومن ذلك ما أمر به جاللة

السلطان املعظم بتخصيص اليخت السلطاني فلك السالمة كي يقوم برحلة تاريخية نظمتها

اليونسكو تحت عنوان ‏"دروب الحوار بين الحضارات"‏ بدأت في األول من أكتوبر ‎1990‎م وحتى

مارس ‎1991‎م،‏ وقطعت هذه الرحلة ما يربو على 27000 كم بدءاً‏ من مدينة البندقية في إيطاليا

وصوالً‏ إلى مدينة أوساكا في اليابان،‏ وزارت 27 ميناءً‏ تاريخياً‏ على امتداد طريق الحرير البحرية،‏

يحمل على متنه نحو ۱۰۰ عالم و‎45‎ صحفياً‏ من ۳4 بلداً‏ للمشاركة في هذه الرحلة العلمية.‏ كما

قامت فلك السالمة برحلة بحرية إلى بعض دول شرق أفريقيا؛ حيث انطلق في 5 أكتوبر ‎2017‎م

من ميناء السلطان قابوس لزيارة موانئ كل من زنجبار ودار السالم وممباسا،‏ بهدف تعزيز أواصر

الصداقة واملحبة التي تربط السلطنة بتلك الدول.‏

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


تتمتع البحرية السلطانية العُ‏ مانية بحضور فعال في املحافل الدولية فقد حصدت العديد

من الجوائز،‏ منها مشاركة سفينتي " قاهر األمواج والنجاح " في الفترة من 20-15 فبراير من عام

‎2001‎م في االستعراض البحري الهندي ‏"بومباي 2001" بمناسبة احتفاالت جمهورية الهند

الصديقة بالذكرى الخمسين الستقاللها،‏ كما قامت السفينة ‏"نصر البحر"‏ منذ التحاقها

بالخدمة عام ‎1984‎م بعدة زيارات خارجية تستهدف تعريف العالم بالوجه الحضاري املشرق

للسلطنة،‏ فزارت جزيرة بينانج بماليزيا وكولومبو،‏ وبوكيت،‏ وجاوا،‏ وكراتش ي،‏ وشاركت سفينتي

‏"املؤزر"‏ و"شباب عُ‏ مان"‏ في االستعراض البحري امللكي بمدينة بورتسموث باململكة املتحدة

بمناسبة إحياء الذكرى املئوية الثانية ملعركة الطرف األغر وذلك عام ‎2005‎م.‏

شاركت السفينة ‏"شباب عُ‏ مان األولى"‏ في العديد من فعاليات التدريب على اإلبحار الشراعي

الدولي،‏ وفازت بكأس الصداقة الدولية ألفضل سفينة تقوم بتوطيد عالقات الصداقة ألكثر من

تسع مرات،‏ وتُ‏ منح هذه الكأس املرموقة بعد إجراء تصويت فيما بين قباطنة كافة السفن

الشراعية املشاركة في فعاليات التدريب على اإلبحار الشراعي،‏ وقد أبحرت هذه السفينة عبر

محيطات العالم،‏ ولعبت دوراً‏ ً حيويا في أداء مهمتها البحرية املتمثلة في تعزيز عالقات الود

والصداقة مع العديد من الدول،‏ حيث زارت أكثر من 140 ميناء وقطعت ما يزيد عن 250,000

ميل بحري.‏ أبحرت سفينة ‏)شباب عُ‏ مان(‏ في مارس ‎1986‎م في أولى رحالتها الدولية إلى الواليات

املتحدة األمريكية،‏ والتي استغرقت سبعة أشهر ونصف الشهر للمشاركة في العرض البحري

الدولي بمدينة نيويورك بمناسبة الذكرى املئوية لوضع تمثال الحرية،‏ حيث قطعت سفينة شباب

عُ‏ مان في هذه الرحلة 22,256 ألف ميل بحري.‏ زارت السفينة ‏"شباب عُ‏ مان"‏ العديد من الدول

منها دول مجلس التعاون والهند وباكستان واليونان وإسبانيا واململكة املتحدة وفرنسا وأملانيا

وبلجيكا والنرويج والدنمارك وروسيا والواليات املتحدة األمريكية واليابان وهونج كونج وأستراليا،‏

وكانت آخر مشاركاتها في عام ‎2013‎م في مدينة سكتشن بجمهورية بولندا والتي أعلن فيها وللمرة

العاشرة فوز السفينة بكأس الصداقة الدولية.‏

تم التوقيع على عقد مشروع ‏"األوركيد"‏ لبناء سفينة ‏"شباب عُ‏ مان"‏ الثانية لتحل محل

سفينة ‏"شباب عُ‏ مان االولى"‏ وتمتاز السفينة الجديدة بمواصفات حديثة ومتطورة لتكمل املسيرة

في بث روح املحبة والصداقة والسالم بين شعوب العالم حيث تم تدشينها رسمياً‏ يوم ابريل

8

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية


ا

‎2014‎م في هولندا،‏ و تنفيذاً‏ لألوامر السامية لحضرة صاحب الجاللة فقد انطلقت السفينة من

مرس ى قاعدة سعيد بن سلطان البحرية متجهة إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في

رحلتها الدولية األولى ‏)شراع التعاون 2015( وذلك في 19 أكتوبر ‎2015‎م.‏ قامت سفينةُ‏ شباب

عُ‏ مان الثانية برحلةٍ‏ حافلةٍ‏ ق ْ ها في عددٍ‏ من املوانِ‏ ئ َ ح وْ‏ ل العالم؛ ْ زارت فيها ق 14 مرفأ بحريًّ‏ ا،‏

ا استمرت رحلةُ‏ السفينة نحو أشهر،‏ وقطعتْ‏ خالل رحلتها ما يزيد على ألف ميل بحري،‏

ومَ‏ خَ‏ رَت السفينة ُ عباب بِ‏ َ حار ومُ‏ حيطات انطالقا من قاعدة سعيد بن سلطان البحرية،‏ وحتى آخر

محطاتها في أوروبا بمدينة لوهافر الفرنسية،‏ وشاركتْ‏ في العديدِ‏ من املهرجانات البحرية الدولية،‏

وسباقات السفن الشراعية الطويلة وحصلتْ‏ على العديد من الجوائز،‏ واسهمت بنَ‏ ش رسالة

‏ِمات سياحية واقتصادية

عمان للعالم ا ‏)املحبة والسالم(،‏ وعرَفت بالسلطنة وما ا تتميز به من مُ‏ قوّ‏

عديدة،‏ وبتاريخ عُ‏ مان البحري عبر العصور وواقعَ‏ نهضتها املعاصرة.‏

ْ ر

ُ رَابة

11

َ َ ضت

6

إن َ سفينة شباب عُ‏ مان الثانية تؤكّ‏ ِ د دَ‏ وْ‏ مً‏ ا ا أنها سفيرٌ‏ ٌ مميز للسلطنة في الخارج،‏ وحلقة وَ‏ صْ‏ ل

ا

بين الشعب العُ‏ ماني وغيره من شعوب األرض،‏ كما أنها حاملة للواء السالم ا واملحبة ا والصداقة،‏

وهي قيمٌ‏ تَ‏ سْ‏ َ عى السلطنة لترسيخها في عالقاتها مع ا شتى الدول؛ إيماناً‏ منها ا بأنها السبيلُ‏ إلى تحقيق

مصالح الشعو ب وتطلعاتهم في غدٍ‏ أكثر إشراقا.‏

السفينة السلطانية ‏)زينة البحار(‏ سفينة شراعية من نوع ‏)البغلة(‏ يبلغ طولها 50 متر تم

بناؤها في مدينة صاللة ودُ‏ شنت للمرة األولى في مارس ‎1988‎م،‏ وقد قامت السفينة السلطانية

‏)زينة البحار(‏ بزيارة العديد من املوانئ العربية واآلسيوية واألوروبية باإلضافة إلى مشاركتها في

مجموعة من املحافل الدولية لتعزيز أواصر الصداقة واملحبة التي تربط سلطنة عُ‏ مان بتلك

الدول وتجسيداً‏ لدور تاريخ ُ عمان البحري الذي لعب خالله الرواد العُ‏ مانيون دورا ً في تواصل

الحضارات والثقافات بين الشعوب.‏

ً مهما

مكتب مستشار جاللة السلطان للشؤون الثقافية

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!