30.03.2021 Views

Num240

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

ا ل حد‏ ث 11

حول العامل

ماذا تعرف عن القارة املفقودة التي استغرق العثور عليها 375 عاما؟

يف عام 1642، كان املستكشف الهولندي،‏ أبيل

تاسان-‏ البحار ذو الشارب الجذاب واللحية

الصغرة املنمقة الذي كان مييل ملعاقبة أفراد

طاقمه بناء عى الحدس والتخمن-‏ واثقا من

وجود قارة مرامية األطراف يف النصف الجنويب

للكرة األرضية،‏ وعقد العزم عى العثور عليها.‏

ويف هذا الوقت،‏ مل يكن يخامر املستكشفن

األوروبين شك يف وجود كتلة أرضية شاسعة يف

هذا الجزء من العامل،‏ الذي كانت تحيط به

آنذاك سحابة من الغموض.‏ وبادروا إىل تسميتها

‏»ترا أوسراليس«‏ اعتقادا منهم أنها تحافظ عى

توازن قارتهم يف الشال.‏ وقد تعود جذور هذا

االهتام بالعثور عى قارة يف هذه املنطقة إىل

عرص اإلمراطورية الرومانية.‏

ويف أغسطس/آب من ذلك العام أبحر تاسان من

جاكرتا،‏ بإندونيسيا،‏ حيث مقر رشكته،‏ مع طاقم

البحارة عى من سفينتن واتجه غربا ثم جنوبا

ثم رشقا وانتهى به املطاف يف جزيرة نيوزيلندا.‏

ومل متر املواجهة األوىل مع شعب املاوري بسالم.‏

ففي اليوم الثاين،‏ ارتطم أحد قوارب املاوري

بقارب صغر كان ينقل الرسائل بن السفينتن،‏

وقتل أربعة أوروبين،‏ ثم أطلق األوروبيون

املدافع عى قوارب املاوري.‏

وما لبث أن أنهى تاسان مهمته دون أن تطأ

قدمه أرض الجزيرة،‏ التي أطلق عليها ‏»خليج

القتلة«‏ وعاد أدراجه إىل هولندا بعد عدة

أسابيع،‏ وكان يظن أنه اكتشف القارة الجنوبية

الكرى،‏ رغم أنها مل تكن املركز التجاري املثايل

الذي كان يتصوره.‏

ومل يكن تاسان يعي حينها أنه كان عى حق

طوال الوقت وأن هناك حقا قارة مفقودة.‏ ويف

عام 2017 تصدر فريق من علاء الجيولوجيا

عناوين األخبار عندما أعلنوا عن اكتشاف قارة

زيالنديا،‏ التي تبلغ مساحتها 4.9 مليون كيلومر

مربع،‏ أي أكر من مساحة مدغشقر بنحو ستة

أضعاف.‏

وقد أثبت هؤالء العلاء باكتشاف القارة الثامنة

أن املوسوعات والخرائط ومحركات البحث،‏ التي

تؤكد أن هناك سبعة قارات فقط،‏ كانت مخطئة.‏

وتعد القارة املكتشفة أخرا أصغر قارات العامل

وأقلها سمكا وأحدثها عهدا.‏

غر أن 94 يف املئة من هذه القارة غارق تحت

املاء،‏ وال يظهر منها سوى بضع جزر فوق سطح

املاء،‏ منها نيوزيلندا.‏

ويقول أندي تولوش،‏ عامل بيولوجيا مبعهد

أبحاث ‏»جي إن إس ساينس«‏ التابع للحكومة

النيوزيلندية،‏ وكان عضوا يف الفريق الذي اكتشف

قارة زيالنديا:‏ ‏»استغرق اكتشاف هذه القارة وقتا

طويال مع أنها كانت واضحة طوال الوقت«.‏

لكن هذه القارة،‏ التي تقبع عى عمق كيلومرين

تحت سطح املاء،‏ ال تزال يكتنفها الغموض.‏ فال

يعرف العلاء بعد كيف تشكلت هذه القارة وال

طبيعة الكائنات التي كانت تعيش عى ظهرها،‏

أو حتى منذ متى غرقت هذه القارة؟

اكتشاف مضن

وبعد أكر من قرن من اكتشاف تاسان،‏ أُرسل

جيمس كوك،‏ واضع الخرائط الريطاين،‏ يف بعثة

علمية إىل النصف الجنويب للكرة األرضية.‏ وكان

كوك مكلفا مبراقبة مرور كوكب الزهرة بن

األرض والشمس،‏ بغرض احتساب املسافة بن

األرض وبن الشمس.‏

لكن كوك حمل أيضا رسالة تتضمن تعليات

مهمة رسية أخرى،‏ وهي اكتشاف القارة

الجنوبية.‏

وقد جمع األدلة األوىل التي تثبت وجود زيالنديا

عامل الطبيعة األسكتلندي جيمس هيكتور أثناء

بعثة استكشافية لسر أغوار سلسلة من الجزر

مبحاذاة الساحل الجنويب لنيوزيلندا عام 1895.

وبعد دراسة الخصائص الجيولوجية للجزر،‏ خلص

هيكتور إىل أن نيوزيلندا هي ‏»بقايا سلسلة جبلية

تشكلت عى منطقة قارية ضخمة متتد جنوبا

ورشقا لكنها اآلن تغمرها املياه«.‏

ويف الستينيات من القرن املايض،‏ عرّف علاء

الجيولوجيا القارة بأنها منطقة جغرافية مرتفعة

نسبيا تتضمن مجموعة كبرة من الصخور وقرشة

أرضية سميكة،‏ وينبغي أن تحتل مساحة كبرة.‏

ووفر هذا التعريف القاعدة التي ميكن أن يثبت

علاء الجيولوجيا بناء عليها،‏ يف حالة العثور عى

األدلة الكافية،‏ أن القارة الثامنة حقيقية.‏

لكن جهود اكتشاف زيالنديا تعرت،‏ فعملية

اكتشاف قارة يف نهاية األمر صعبة ومكلفة.‏ ويف

عام 1995، وصف بروس لوينديك،‏ عامل الفيزياء

الجيولوجية األمريي،‏ الكتلة األرضية بأنها قارة

واقرح تسميتها زيالنديا.‏

وتزامنا مع ذلك،‏ دخلت معاهدة األمم املتحدة

لقانون البحار حيز التنفيذ،‏ وحفزت جهود

اكتشاف القارة.‏ وتنص املعاهدة عى أنه يحق

للدول متديد حدود جرفها القاري ملسافة تتجاوز

املنطقة االقتصادية الخاصة التي تصل إىل مسافة

200 ميل بحري من خطوط سواحلها،‏ مع

ما يصاحب ذلك من حقوق الصيد والروات

املعدنية والنفط.‏

ومبوجب هذا النص يحق لنيوزيلندا زيادة

مساحة أراضيها ستة أضعاف،‏ يف حال أثبتت أنها

جزء من قارة أكر.‏ ولهذا زاد اإلنفاق فجأة عى

رحالت املسح البحري،‏ وزادت األدلة تدريجيا.‏

وحصل العلاء عى األدلة الدامغة من بيانات

القمر الصناعي،‏ التي تستخدم لتتبع التغرات

الطفيفة يف الجاذبية األرضية يف مختلف أجزاء

القرشة األرضية لرسم خرائط قاع البحر.‏ وبفضل

هذه التقنية بدت زيالنديا واضحة يف صورة كتلة

غر متناسقة تغطي مساحة تكاد تعادل مساحة

أسراليا.‏

وبفضل هذا االكتشاف،‏ نجحت نيوزيلندا يف مد

حدودها البحرية.‏ ويقول نيك مورتيمور،‏ عامل

جيولوجيا مبعهد ‏»جي إن إس ساينس«،‏ وقائد

فريق علاء الجيولوجيا يف عام 2017: ‏»إن كل

قارة يف العامل تتضمن دوال مختلفة،‏ لكن زيالنديا

تضم أراض تابعة لثالث دول فقط«.‏

فبخالف نيوزيلندا،‏ تتضمن القارة جزيرة

كاليدونيا الجديدة،‏ املستعمرة الفرنسية،‏ وجزيرة

لورد هاوي وهرم بولز األسرالين.‏ وقد وصف

أحد املستكشفن يف القرن الثامن عرش هرم بولز

بأنه ال يتجاوز مساحة قارب.‏ امتداد غامض

كانت زيالنديا قدميا جزءا من قارة غوندوانا

العظمى،‏ التي تشكلت منذ نحو 550 مليون

عام وكانت تضم نصف الكرة األرضية الجنويب

بأكمله.‏ ويقول تولوش:‏ ‏»ومنذ نحو 105 مليون

عام،‏ ألسباب ال نفهمها بعد،‏ انفصلت عنها

زيالنديا«.‏

ويبلغ سمك قرشة القارة عادة 40 كيلومرا،‏

وهي أكر سمكا من القرشة املحيطية التي يبلغ

سمكها يف الغالب 10 كيلومرات.‏ لكن زيالنديا

متددت بسبب الضغوط عليها وأصبح سمك

قرشتها 20 كيلومرا فقط،‏ ما أدى إىل هبوطها

لألسفل لكن ليس إىل مستوى القرشة املحيطية،‏

واختفت تحت مياه البحر.‏

ومع ذلك،‏ يصنف علاء الجيولوجيا زيالنديا بأنها

قارة بسبب أنواع الصخور التي عر عليها هناك.‏

فالقرشة القارية تتكون عادة من صخور نارية

ورسوبية ومتحولة،‏ كالغرانيت وصخور الشيست

والحجر الجري.‏ أما قاع املحيط فيتكون عادة

من صخور نارية مثل البازلت.‏

لكن مثة تساؤالت ال تزال تحر العلاء،‏ منها

مثال،‏ كيف متكنت زيالنديا من التاسك رغم

رقة قرشتها األرضية؟ وملاذا مل تتفكك إىل قارات

صغرة؟

وال يعرف العلاء أيضا متى انتهى املطاف

بزيالنديا تحت املاء-‏ إذا صح االفراض بأنها

كانت قارة جافة قبل أن تغرق.‏ ويرى العلاء

أن األجزاء البارزة فوق مستوى سطح املياه هي

تالل وسالسل جبال نشأت عن تصادم صفيحتن

تكتونيتن،‏ الصفيحة األسرالية وصفيحة املحيط

الهادئ.‏ وال يعرف تولوش بعد ما إن كانت

زيالنديا قارة مغمورة منذ األزل،‏ باستثناء بعض

الجزر التي تظهر منها،‏ أم أنها كانت يوما ما

أرضا جافة.‏

وهذا يثر تساؤالت عن الكائنات التي كانت

تعيش عى ظهرها.‏ فغوندوانا نفسها،‏ التي

تتمتع بطقس معتدل ومتتد عى مساحة 101

مليون كيلومر مربع،‏ كانت تؤوي تنوعا واسعا

من األنواع النباتية والفصائل الحيوانية،‏ منها أوىل

الحيوانات التي متي عى أربعة أرجل،‏ ثم فيا

بعد التيتانوصور،‏ أضخم الكائنات الحية التي

عاشت عى وجه األرض.‏

جدل حول الديناصورات

نادرا ما يعر عى حفريات لحيوانات أرضية

يف النصف الجنويب من الكرة األرضية،‏ باستثناء

نيوزيلندا،‏ التي عر فيها عى الكثر من بقايا

الحيوانات يف التسعينيات من القرن املايض،‏ مثل

عظام الصوروبود،‏ وهو ديناصور ضخم طويل

الرقبة والذيل،‏ والهيبسيلوفوندونت،‏ وهو ديناصور

آكل للعشب،‏ واألنكيلوصور،‏ وهو ديناصور مدرع.‏

ويف عام 2006، عر يف جزيرة تشاتام عى عظام

قدم حيوان ضخم آكل للحوم،‏ يرجح أنها تعود

لنوع من األلوصور.‏ وتعود كل هذه الحفريات

إىل ما بعد انفصال زيالنديا عن غوندوانا.‏

لكن رمبا كانت هذه الديناصورات تعيش عى

الجزر البارزة من زيالنديا بينا كان سائر أجزائها

آنذاك مغمورا،‏ كا هو الحال اليوم.‏

ويرى العلاء أن انقسام غوندوانا استغرق

130 مليون سنة،‏ وتفرقت أجزاؤها يف أنحاء

الكرة األرضية لتشكل أمريكا الجنوبية وأفريقيا

ومدغشقر والقارة القطبية الجنوبية ‏»أنتارتيكا«‏

وأسراليا وشبه الجزيرة العربية وشبه القارة

الهندية وزيالنديا.‏

وهذا يدل عى أن جزءا عى األقل من زيالنديا

املغمورة اآلن كان فوق سطح املاء كل هذا

الوقت.‏ ويرى بعض العلاء أن القارة بأكملها،‏

مبا فيها نيوزيلندا،‏ غرقت تحت املاء لفرة من

الوقت،‏ ثم استوطنتها الحيوانات فيا بعد.‏

ويف عام 2017، أجرى الفريق عمليات حفر لعمق

يتجاوز أربعة آالف قدم يف قاع البحر يف ستة

مواقع يف زيالنديا،‏ وكانت العينات التي جمعت

من جوف األرض تتضمن حبوب لقاح من نباتات

أرضية،‏ وأبواغ وأصداف كائنات كانت تعيش يف

املياه الدافئة والضحلة.‏

ويقول ساذرالند:‏ ‏»إذا كانت املياه ال يتجاوز

عمقها 10 أمتار أو نحو ذلك،‏ فثمة احتاالت أن

تكون هذه املياه محاطة بأراض«،‏ مشرا إىل أن

حبوب اللقاح واألبواغ تؤكد أيضا احتاالت أن

زيالنديا مل تكن مغمورة كا كنا نعتقد.‏

انحناء الصخور

وأثارت تضاريس زيالنديا نفسها اهتام العلاء.‏

ويقول ساذرالند:‏ ‏»إذا نظرت إىل خريطة نيوزيلندا

الجيولوجية،‏ سيبدو صدع جبال األلب،‏ الحد

الخارجي ألحد الصفائح التكتونية الذي مير

مبحاذاة الجزيرة الجنوبية،‏ الفتا،‏ وقد تراه من

الفضاء«.‏

والالفت أيضا أن نيوزيلندا يفصلها عن القارة

خطا أفقيا،‏ هو نقطة التقاء الصفيحة األسرالية

وصفيحة املحيط الهادئ التكتونيتن،‏ ويف هذه

النقطة تحديدا،‏ يبدو النصف السفي معوّجا.‏

ويفرس العلاء ذلك بأن تحرك الصفائح التكتونية

أدى إىل اعوجاج طبقات الصخور،‏ لكن أحدا ال

يعلم الزمن الذي وقع فيه هذا التغر،‏ أو كيفية

حدوثه.‏

ويرى ساذرالند أن كشف أرسار هذه القارة

سيستغرق وقتا طويال.‏ وذلك ألن االكتشافات

تتطلب جهودا مضنية يف هذه القارة التي تقع

عى عمق كيلومرين تحت سطح املاء،‏ وتقع

الطبقات التي ينبغي الحصول عى العينات منها

عى عمق 500 مر تحت قاع البحر.‏

ويقول ساذرالند:‏ ‏»إن انطالق السفن لالستكشاف

واملسح البحري يحتاج للكثر من املال والوقت

واملجهود«.‏

ومن الواضح أنه بعد 400 عام من رحلة

تاسان،‏ ال يزال هناك الكثر من األرسار التي مل

تكتشف بعد عن هذه القارة الثامنة.‏

Journal Alhadath-LInternational Num 240,26 mars 2021

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!