03.11.2014 Views

Untitled

Untitled

Untitled

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

1<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

<


2<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


3<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

على أن إعطاء صفة التاريخ لهذا العمل لا ينطبق عليه تماماً‏ فهو بالمقياس المنهجي التاريخي لا<br />

يستحق أن يحمل هذه الصفة،‏ أو في أحسن الحالات،‏ يمكن أن يحمل قدراً‏ متواضعاً‏ جداً‏ منها.‏ فالكتاب<br />

بمقياس الكتابة التاريخية يفتقر إلى التوثيق والتسلسل في تناول الأحداث،‏ ويخلو من التعرض إلى<br />

الأسماء ذات العلاقة سلبياً‏ أو إيجابياً‏ بتجربته عدا أسماء بعض شهدائه.‏ ويرجع ذلك إلى صعوبات<br />

ناشئة عن رغبة البعض في عدم ذآر أسمائهم،‏ ومن ناحية أخرى،‏ تجنب التعرض لأشخاص واجههم<br />

التيار حتى لا يحمل ذلك تجنياً‏ لا سيما في نقل أفكارهم.‏ وإذا آان ما تقدم يترك فراغات آثيرة بحاجة<br />

إلى أن تملا من قبل المؤرخ الذي يهمه الدخول في الأزقة والدهاليز ومختلف التفاصيل،‏ إلا أنه سجل<br />

تاريخه الفكري والنظري والسياسي من جهة،‏ آما سجل من جهة أخرى،‏ أفكار عدد من التيارات<br />

ومواقفها وشعاراتها وما دار من صراعات فكرية وسياسية في ذلك الحين.‏ ومن هنا،‏ وعلى الرغم<br />

مما يحمله العمل من نواقص ستشغل بال المؤرخ الذي يهمه تسلسل الأحداث والتفاصيل والأفراد<br />

الذين لعبوا دوراً‏ في تلك المرحلة،‏ غلا أنه سيظل ذا فائدة لمن سيكتب عن تجربة الثورة الفلسطينية<br />

في أثناء الحرب الأهلية في لبنان.‏<br />

أما عن الصراعات التي دارت داخل فتح والساحة الفلسطينية والعربية خلال السبعينات والثمانينات،‏<br />

فإن من يقرأ هذا الكتاب وما سجله حول مرحلة تمتد من 1988 قد يتصور أن تيار أبي<br />

حسن،‏ وحمدي،‏ وإخوانهما قد آان محور الأحداث أو أنه لعب الدور الرئيسي فيها.‏ وهو تصور<br />

يجافي الحقيقة طبعاً،‏ ويؤدي إلى المبالغة في تقويم ذلك الدور.‏<br />

1973 إلى<br />

وهو ما يحدث عادة عندما يقرأ المرء مذآرات إنسان عاصر مراحل تاريخية معينة وشارك بشكل أو<br />

بآخر في أحداثها.‏ فطبيعة آتابة المذآرات الخاصة لفرد أو لحزب أو تيار تقود إلى التصور،‏ إن<br />

المعني،‏ حتى لو لم يقصد ذلك قطعاً،‏ آان ذا دور عظيم وآان مرآز الأحداث ولهذا يرجى التنبيه إلى<br />

أن هذا الكتاب لا يريد الوصول بقارئه إلى هذه المبالغة وإن آان يريد أن يرفع عن تيار أبي حسن<br />

وحمدي وإخوانهما،‏ ما ناله من ظلم وتجاهل وإنكار وعقوق.‏<br />

هذا ويعترف مؤلف هذا الكتاب أنه يحمل سمة المذآرات.‏ لأنه سجل متابعته لمسيرة هذا التيار،‏ وإن<br />

آان قصّر أآثر ما قصر في مجال سجله العلمي بسبب غياب آثير من التفاصيل عنه أو عدم مواآبته<br />

لها.‏ ولكنه نال شرف المساهمة في أغلب النقاشات التي خاضها أبناء هذا التيار وقد أسهم في آتابة<br />

محصلة عدد من النقاشات التي أصدرها بكتب ومقالات ودراسات،‏ آما حدث على سبيل المثال<br />

بالنسبة إلى النقاشات التي دارت حول قضية المرأة،‏ وقد أصدرها بكراسة حملت اسم ‏"حول نضال<br />

المرأة".‏ ولعل ما يكنه من حب خاص وتقدير آبير لأبي حسن وحمدي وسعد وعلي أبي طوق وأبي<br />

خالد جورج وأبي محمود ومروان والحاج حسن وأبي يعقوب،‏ وعدد آخر من إخوانهم الشهداء ممن<br />

عرفهم جيداً،‏ يسمح بإبعاد عمله هذا عن صفة الموضوعية بمعناها البحثي اللامبالي والبارد،‏ فهي<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


4<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

آتابة منحازة ومجرحّة بحبها وصداقتها ووفائها،‏ ولهذا يجب أن يؤخذ الكتاب على هذا المستوى عند<br />

قراءته وتقويمه.‏<br />

تساءل بعض الذين حاول المؤلف الاستعانة بهم،‏ ممن عاصروا التجربة في مختلف مراحلها العملية<br />

عن الفائدة من آتابة هذا النص أو بالأحرى ما الفائدة منه ولمن هو موجه؟ الإجابة هنا تفرض العودة<br />

إلى إعطائه سمة تاريخية،‏ ‏(ولو بحدود)،‏ للخاصة ممن يهمهم أن يعرفوا شيئاً‏ من دور أبي حسن<br />

وحمدي ومروان،‏ وسمير وإخوانهم،‏ في تلك المرحلة لا سيما وأن عدداً‏ من شهداء هذا التيار أصبحوا<br />

رموزاً‏ على مستوى الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني واللبناني والعربي،‏ بل أآثر من ذلك،‏<br />

أصبحوا جزءاً‏ من المشروع الإسلامي والصحوة الإسلامية.‏<br />

أم من جهة أخرى،‏ فإن في هذه التجربة آثيراً‏ من العِبر التي قد تفيد على صُعد متعددة،‏ لا سيما إذا ما<br />

فهمت بروحيتها ومنهجيتها وعقليتها،‏ ولم تفهم بحرفيتها،‏ وتقلد تقليداً‏ بليدًا.‏ بل يمكن القول أن أهمية<br />

تيار أبي حسن وحمدي وإخوانهما،‏ لا تكمن فيما أدوه من دور فحسب،‏ وإنما أيضاً‏ في آونه مدرسة<br />

آذلك،‏ وهذا ما قد يسمح لمن يريد أن يتعلم منهم،‏ ويواصل طريقهم ونهجهم،‏ بأن يحيط جيداً‏<br />

بتجربتهم،‏ ويتعرف أآثر إلى روحيتهم ومنهجيتهم وعقليتهم،‏ ويكون قصده المواصلة بإبداع لا بتقليد،‏<br />

فيمسك بالجوهر لا بالشكل،‏ والأهم أن يدرك خطورة أن يحمل المرء راية هذا النهج بلا مبدئية<br />

وصدقية وتضحية،‏ لأن ترآها أفضل من تلطيخها بالمطامع الشخصية والجشع أو الوهن والجبن أو<br />

العجز والكسل،‏ أو التراجع والانكفاء،‏ فهذه الراية آانت شديدة في تمسكها بالثوابت والمبادئ وحازمة<br />

في سلوك طريق التحرر والتغيير والنهوض والبحث عن الحقيقة.‏<br />

وإذا آان هنالك من عبروا في أآثر من مناسبة عن أنهم سيكونون ورثة هذا الخط،‏ فإن عليهم أن<br />

يثبتوا ذلك بالأفعال ومكارم الأخلاق وحسن المقال وصحة السياسة والمواقف وعدم الخوف من<br />

الصعوبات والتضحيات،‏ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.‏<br />

آلمة أخيرة،‏ وهي اعتذار مرة أخرى،‏ للثغرات التي حملها هذا الكتاب وقد حدث بعضها عن وعي<br />

وقصد،‏ وبعضها عن قلة حيلة وعجز،‏ وبعضها عن نقص في المعلومات والإحاطة.‏ ولعل ما يمكن<br />

أن يكون قد تضمنه من إيجابيات وفوائد يشفع لبعض تلك الثغرات.‏ أما الاعتذار الحقيقي فهو لأبي<br />

حسن وحمدي وإخوانهما،‏ لما يكون قد قصّر به هذا الكتيب بحقهم لا سيما في مجال الممارسة وذآر<br />

ما سطروه من مآثر وبطولات،‏ أو في مجال إبراز بعض المجالات الفكرية والنظرية المنهجية التي<br />

سَهَا عنها،‏ آما لا بد من الاعتذار للشهداء،‏ وذويهم ممن لم يحضره ذآرهم،‏ أو لم يعطوا حقهم آما<br />

يجب،‏ فمؤلف هذا الكتاب يعترف أنه تابع الصراعات الفكرية متابعة دقيقة،‏ بينما آان بعيداً‏ عن آثير<br />

من التفاصيل في الممارسة العملية،‏ والتي لا يستطيع أن يكتب عنها إلا من عايشوها في الواقع يومًا<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


5<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

بعد يوم،‏ فثمة تاريخ تفصيلي يجب أن يُسجل للسرية الطلابية وآتيبة الجرمق،‏ وثمة تاريخ تفصيلي<br />

يجب أن يُكتب عن أبي حسن وحمدي في عملهما في الأرض المحتلة،‏ سواء أآان في مرحلة لجنة<br />

77 أم في مرحلة سرايا الجهاد الإسلامي،‏ وأن من سيقوم بذلك يُكمل هذا الكتاب ويَسد نواقِصه أو<br />

يُصبح أصلاً،‏ ويُصبح هذا الكتاب مُكملا له.‏<br />

ورحمة االله على أبي حسن،‏ وحمدي،‏ وسمير،‏ ومروان،‏ وإخوانهم من شهداء هذا التيار،‏ ورحمة االله<br />

على آل الشهداء،‏ وأسكنهم فسيح جنانه.‏<br />

١٩٩٤ │١٤١٤ <br />

<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


6<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


7<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

لعل أبرز ما يذآره الكثيرون عن أبي حسن وحمدي وسعد والشهداء الآخرين هو ذلك الجانب العملي<br />

في حياتهم أي انكبابهم على الممارسة واتسامهم بالشجاع والنشاطية وإخضاع حياتهم الخاصة للعمل<br />

والقضية.‏ وهذه مزايا ليست بالهينة أو البسيطة فهي ذات قيمة آبيرة بالنسبة إلى القائد والقدوة وهو<br />

يشق طرقاً‏ جديدة.‏ ولهذا،‏ فالذين يبرزون هذه الجوانب ليسوا مخطئين لا في إبرازها في هؤلاء<br />

الشهداء العظام ولا في إعطائها أهمية معيارية عالية.‏<br />

بيد أن تلك المزايا لا تقع بالنسبة إليهم في المقام الأول من بين مزاياهم الأخرى.‏ فالبعض إما عن قلة<br />

معرفة،‏ وإما عن قصد مدغول،‏ يبرز تلك المزايا،‏ على أهميتها وخطورتها،‏ في الشهداء دون أن<br />

يتوقف آما ينبغي له أمام مزايا أخرى هي في المقام الأول بالنسبة إلى شخصياتهم أو بالنسبة إلى<br />

الخط الذي آانوا يجسدون.‏ بل أن المزايا العملية المتعلقة بالنشاطية والممارسة آانت نتاجاً‏ لتلك<br />

الصفات الأخرى التي لم تشتهر آما يجب في أولئك الشهداء،‏ فالذين لا يرون في أبي حسن وحمدي<br />

ومروان وأبي محمود وسعد مروان وأبو خالد وغالبية الشهداء الآخرين مفكرين ومنظرين وصاحبي<br />

منهج،‏ ولا يرون أن ثمة خطاً‏ سياسياً‏ وأيديولوجياً‏ آان يهدي ممارستهم ونشاطيتهم وآانوا هم في<br />

مقدمة واضعيه لا يكونون قد عرفوا الشهداء.‏ فالمسألة من هنا تبدأ وبهذا تنتهي.‏ وهي تمر بسيرتهم<br />

العملية فلو أخذنا على سبيل المثال ما آان يتسم به هذا التيار من اهتمام في المسائل الفكرية والنظرية<br />

لوجدنا ذلك غير مقتصر على المسائل الفكرية والنظرية التي آانت تعني الثورة الفلسطينية خلال<br />

السبعينات فحسب،‏ وإنما آان الاهتمام يمتد أيضاً‏ إلى المسائل الفكرية والنظرية التي آانت تعني<br />

الوضع العربي آله بل العالم.‏ فقد آان النقاش مع التيارات الفكرية والنظرية والسياسية العالمية<br />

والعربية والفلسطينية يتم بأعلى درجات الجدية والاهتمام،‏ ويعطى من الوقت ما لا يعطيه له المثقفون<br />

المحترفون.‏ وإلا آيف آان لهذا التيار أن يصوغ آل ذلك التراث الفكري والنظري والسياسي الذي<br />

اتسم به خلال السبعينات والثمانينات.‏ أما نوعيته فمسألة ستظل خلافية،‏ ولكنها في آل الأحوال آانت<br />

تتسم بالجدية والمبدئية والتجديد ومحاولة التعمق والإحاطة والاقتراب من الصواب قدر الإمكان.‏ ولو<br />

لم يكن الأمر آذلك لما تطور هذا التيار بأغلبيته من مرحلة فكرية ونظرية إلى أخرى وصولاً‏ إلى<br />

الوقوف على أرض الإسلام.‏ فهذه العملية ما آانت لتحدث لو لم يكن أبو حسن وحمدي وزملاؤهما<br />

على درجة عالية من الاهتمام بالمسائل الفكرية والنظرية والعقدية،‏ ولو لم تكن التجربة العملية التي<br />

مارسوها،‏ أو التي آانت تجري من حولهم فلسطينياً‏ وعربياً‏ وإسلامياً‏ وعالمياً‏ محط تقويم نظري<br />

وفكري وسياسي مستمر حتى آان بالإمكان الاقتراب أآثر فأآثر من فهم الواقع المحلي والإقليمي<br />

والعالمي،‏ آما الاقتراب أآثر فأآثر من الإمساك بالحقائق الكونية والكلية.‏<br />

بكلمة أخرى،‏ ما آانت الممارسة بالنسبة إلى أبي حسن وحمدي ومعهما مروان والآخرون غاية بحد<br />

ذاتها،‏ ولم تكن انجرافاً‏ مع تيار الثورة،‏ وإنما آانت وسيلة لتحقيق غايات وأهداف أآبر منها بكثير.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


8<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


9<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الإستراتيجية بعيدة المدى،‏ إذ أثبت المسار الذي خُطّ‏ منذ قرار المجلس الوطني بتبني برنامج النقاط<br />

العشر أن نهايته آانت اتفاق أوسلو ولعل المستقبل يخبئ ما هو أسوأ،‏ أي بقاء الاحتلال عملياً‏ وتحويل<br />

الدفة الفلسطينية نحو حكم ذاتي أو شبه دويلة ستكون ‏"بندوستانا"‏ فلسطينياً‏ إن لم تكن رأس جسر<br />

لعبور المشروع الصهيوني عليه إلى البلاد العربية والإسلامية.‏ بينما لو حافظت فتح على أهدافها<br />

ومبادئها ومنطلقاتها آما آان يرى أبو حسن وحمدي وسعد ومروان وإخوانهم لما آان من حل ممكن<br />

للضفة الغربية وقطاع غزة ولا سيما القدس أمام الدول العربية والمجتمع الدولي غير الانسحاب<br />

الإسرائيلي آما هو الشأن بالنسبة إلى سيناء والجولان،‏ أو آان بقاء الكرة بالنسبة إلى قرار<br />

الملعب الإسرائيلي والأمريكي والروسي والأوروبي ومجلس الأمن،‏ ومن ثم آانت الثورة الفلسطينية<br />

والشعب الفلسطيني في الحالتين في الموقع الأقوى والأسلم.‏ أما إبراز الشخصية الفلسطينية آما آان<br />

يفهمه أبو حسن وحمدي وإخوانهما فقد آان الهدف منه مواجهة الاغتصاب الصهيوني من خلال<br />

استخدامه عنواناًلعدالة القضية وآان حجم هذه الشخصية ‏(م.ت.ف.)‏ في هذه الحالة بحجم القضية أي<br />

أآبر بكثير من أية دولة قطرية.‏ أما أنا أريد من ذلك البحث عن دويلة،‏ أو آيانية قطرية،‏ فسيعني ذلك<br />

مساراً‏ آخر غير المسار الذي عبرت عنه فتح في منطلقاتها أو م.‏ ت.‏ ف في ميثاقها.‏ فالكيانية في<br />

الحالة الفلسطينية.‏ أي ضمن معادلات الوضع فشي فلسطين والوضع العربي والعالم لا ب لها من أن<br />

تخرج،‏ في أحسن حالاتها،‏ أآثر اهتراء من أية دول قطرية عربية هزيلة.‏<br />

242 في<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


10<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />


11<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وإن آان هو نفسه من بينهم.‏ المهم أن تحقق الوحدة أية وحدة وبعد ذلك يكافح من أجل التغيير<br />

تصحيحاً‏ للمعوج وإنقاذاً.‏ من خطر العودة إلى التجزئة.‏<br />

لقد آان هذا الموقف من العروبة والوحدة في أساسات نشأة التيار الذي لم يكن ليفهم منطلقات فتح أو<br />

يقدمها لم إلا منسجمة وهذا الموقف ومعززة له.‏<br />

أما انتقال التيار،‏ فيما بعد،‏ إلى الموقع الإسلامي فقد جعله يرى في الإسلام شرطاً‏ في فهمه للعروبة<br />

والوحدة العربية آما رأى فيه ضمانة لمواصلة الطريق الفلسطيني دون انكفاء إلى الإقليمية الضيقة<br />

ودون تراجع عن الثوابت والأساسيات فقد أصبحت القضية الفلسطينية وفي مقدمتها تحرير القدس<br />

جزءاً‏ من العقيدة وأصبح الجهاد لتحرير فلسطين وإعلاء المقاومة ضد الاحتلال واجباً‏ وفرضاً.‏ وهذا<br />

آله طريق يسهم في العملية الكبرى الشاملة لتحرير شعوب الأمة واستقلالها ونهضتها ووحدتها<br />

وتحقيق العدالة.‏<br />

íèâ^Û¢]æ


12<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وهنا يمكن أن يلحظ أن الشعارات المعتدلة والمواقف المرنة التي تبناها التيار في آثير من المواقف<br />

السياسية اليومية فلسطينياً‏ ولبنانياً‏ وعربياً‏ آانت تقوم على أساس متين من الالتزام الشعبي الجماهيري<br />

الثوري.‏ فالمرونة لم تنبع من ميوعة،‏ والاعتدال لا ينبع من انتهازية،‏ والنظرة التي تجمح بين<br />

المتناقضين لا تصدر من تلفيقية،‏ والترآيز على أولوية ما لا يعني بيع ما عداها.‏ فقد آان انتماء<br />

أصيلاً‏ وحازماً‏ للجماهير العريضة وللثورة والتغيير<br />


13<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

على أن تمرير برنامج النقاط العشر لم يتم بصورة أساسية بسبب المهارة والمناورة والتلاعب<br />

بالشروط المقيدة وإنما بسبب التقاء بين تيارين أساسيين في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية:‏<br />

التيار الذي يراعي الموقف المصري أو الموقف العربي الرسمي عموما والتيار الذي يعبر عن موقف<br />

الاتحاد السوفياتي الذي أخذ يمد بنفوذه إلى الساحة الفلسطينية.‏ فقد تزعمت آل من مصر والاتحاد<br />

السوفياتي في ذلك الوقت حملة التغيير المطلوب في برنامج م.‏ ت.‏ ف.‏ وقد التقيا على ذلك على<br />

الرغم من الصراع الذي أخذ يتعاظم بينهما في ذلك الوقت.‏ أي آان التقاء بين هذين التوجهين<br />

المصري والسوفياتي وإن من موقفين وهدفين مختلفين.‏ فمصر بعد حرب تشرين آانت تريد الاندفاع<br />

بطريق التسوية الأمريكية،‏ ولهذا ضغطت باتجاه التغيير المذآور،‏ ولم يكن انعقاد المجلس الوطني<br />

الذي أقر النقاط العشر في القاهرة خالياً‏ من المغزى.‏ أما الاتحاد السوفياتي فكان يرى بهذا التغيير<br />

إزالة عقبة آبيرة آانت تقف بينه وبين بسط نفوذه على الساحة الفلسطينية أو ممارسة التأثير فيها.‏ لأن<br />

ذلك شرط الانسجام مع اعترافه بالدولة الإسرائيلية وحقها بالوجود وتبنيه لقرار آما أنه<br />

سيضيف من خلال ذلك قوة رئيسية إلى موقفه في عملية الصراع ضد الانفراد الأمريكي بالتسوية بل<br />

في مواجهة خط السادات نفسه.‏<br />

.<br />

242<br />

إن الالتقاء بين هذين الاتجاهين الأآثر تأثيراً‏ في المعادلة الفلسطينية في ذلك الوقت هو الذي سمح،‏<br />

مع عملية التجميل والتعمية الضرورية للبرنامج،‏ أن يشق طريقه وسط معارضة آبيرة بل أآبر من<br />

المؤيدة،‏ داخل الساحة الفلسطينية،‏ ووسط تحفظ،‏ أو معارضة،‏ من قبل عدد من الدول العربية آانت<br />

متصارعة فيما بينها.‏<br />

لقد شُنت حملة واسعة في ذلك الوقت ضد رفض برنامج النقاط العشر عموماً‏ وضد التيار الذي جسده<br />

الشهداء أبو حسن وحمدي ومروان رحمهم االله،‏ ولاسيما داخل فتح،‏ وعلى الخصوص من قبل<br />

الاتجاهات الداعية إلى التحالف مع السوفيات آما من قبل قيادة فتح المتقاطعة أآثر مع الموقف<br />

المصري.‏ وقد ارتكزت الحملة على اعتبار الاستمساك بالمنطلقات الأساسية لفتح ورفض<br />

الموضوعات المتعلقة بالمرحلية الموهومة بأنه عدمية سياسية،‏ أو لا واقعية تتجاهل حقائق موازين<br />

القوى العالمية.‏<br />

وجاء رد أبي حسن وحمدي وسعد وعلي أبي طوق ومروان الكيالي وأبي خالد جورج عسل والحاج<br />

نقولا عبود وإخوانهم على هذه الموضوعات أولا بملاحظة أن أنصار السوفيات بحماستهم المنقطعة<br />

النظير لتغيير برنامج فتح وم.ت.ف.‏ عموماً‏ من شعار التحرير الكامل إلى شعار السلطة الوطنية إنما<br />

يراد منه إزالة عقبة آبيرة تقف أمام احتواء الاتحاد السوفياتي لمنظمة التحرير الفلسطينية.‏ فالاتحاد<br />

السوفياتي آان حاسماً‏ وثابت باعترافه بالكيان الإسرائيلي وحصره التناقض وإياه ظاهراً.‏<br />

242، ولكن<br />

242<br />

حول ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن حقيقة بسبب تواطؤ الحكومة الإسرائيلية<br />

والولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة.‏ المهم آان التعديل في الشعار لا يمثل واقعية مرحلية<br />

إذ لم يكن هنالك في الأفق أي تطبيق لقرار على الأرض الفلسطينية،‏ وإنما آان المطلوب إيجاد<br />

شرط انحياز م.ت.ف.‏ إلى المعسكر السوفياتي إن لم يكن رسمياً‏ فعمليًا.‏ ومن هنا آان الصراع قد<br />

احتد في مواجهة أنصار التحالف والاتحاد السوفياتي لا على أساس واقعية برنامج النقاط العشر أو<br />

عدم واقعيته.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


14<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

-<br />

أما ثانيا،‏ فقد لاحظوا أن تمرير البرنامج سيصب في نهاية المطاف في الخط الساداتي.‏ لأن ما في<br />

جعبة السوفيات هو ‏"اللاسلم واللاحرب"‏ ولهذا لا بد للجدية في البحث عن سلطة وآيانية من أن تقود<br />

إلى جعبة مصر ضمن تسوية أمريكية.‏ ومن هنا آان للصراع الذي خاضه ذلك التيار،‏ أو تعرض له،‏<br />

رأسان أحدهما موجه للخط السوفياتي والآخر للخط الساداتي.‏ وإن غلبت في الظاهر معرآته مع<br />

التيار الذي آان يدعو للتحالف والسوفيات.‏ ويرجع ذلك لتصديه الأشد شراسة وعلنية وهجومية ضد<br />

تيار أبي حسن وإخوانه بينما آانت الأطراف الأخرى تنهج سياسة ‏"ترك الفُخّار يكسر بعضه"،‏ ولكن<br />

ضمن تحالف مع التيار الأول وضرب تحت الحزام ضد تيار أبي حسن وإخوانه دون أن يصل إلى<br />

حد التصفية حتى يظل الفُخّار يكسر بعضه.‏ لأن قيادة فتح آانت تشعر دائماً‏ بمخاوف من سيطرة<br />

التيار الأول السوفياتي ومن دفعه إياها لمعاداة مصر ودول الخليج لكنها ما آانت تواجهه مباشرة.‏<br />

ولعل ذلك آان واحداً‏ من الأسباب التي حالت دون تصفية تيار أبي حسن وحمدي وإخوانهما منذ<br />

وقوفهم الحازم والعلني ضد برنامج النقاط العشر وسياساته.‏<br />

أما وجهة نظر أبي حسن وحمدي ومروان وإخوانهم في مناقشة موضوع برنامج النقاط العشر من<br />

زاوية الواقعية أو اللاواقعية،‏ فقد استند إلى اعتبار أن الانحياز إلى الاتحاد السوفياتي سيعني من<br />

ناحية واقعية تجميد الوضع وليس تحقيق حل مرحلي لأن الإستراتيجية الحقيقية للاتحاد السوفياتي<br />

آانت في تلك المرحلة هي ‏"اللاسلم واللاحرب"‏ في المنطقة ومن ثم فان التغيير لا يشكل خطوة<br />

باتجاه تحقيق برنامج مرحلي.‏ وإنما سيشكل انتكاسة،‏ فقط في إستراتيجية فتح و م.ت.ف.‏ من<br />

إستراتيجية الحرب إلى إستراتيجية ‏"لاسلم ولاحرب".‏<br />

وقد آان الأخوة واضحين هنا في التقاط خطر هذا التحول،‏ آما لاحظوا من جهة أخرى أن هذا<br />

التحول إذا تم،‏ وإذا ما وجدت م.ت.ف.‏ نفسها غارقة في حالة ‏"لا سلم لا حرب"‏ بينما أصبحت شهيتها<br />

مفتوحة.‏ إلى السلطة والكيانية!‏ فقد تجد طريقها مع مصر تدريجاً‏ إلى فتح الأبواب لأمريكا والعدو<br />

الإسرائيلي اللذين بيدهما الخروج من حالة ‏"لاسلم لاحرب"‏ باتجاه تسوية سياسية تعطي شيئا إن آان<br />

لها أصلاً‏ أن تعطي شيئاً‏ للفلسطينيين وقد أثبتت تجربة السادات هذه المقولة.‏ فإسقاط إستراتيجية<br />

الحرب والانتقال إلى إستراتيجية اللاسلم واللاحرب ‏(السوفياتية أساساً)‏ سيؤدي إلى اختناق يدفع إلى<br />

البحث عن تسوية أمريكية إسرائيلية.‏ وهو مصير آان ينتظر م.ت.ف.‏ وقد راحت تسعى إليه،‏<br />

بصورة حثيثة،‏ بعد الخروج من لبنان في خريف فالذي يجري الآن من اقتراب متواصل<br />

نحو الحل الأمريكي - الإسرائيلي لم يكن نتاج حرب الخليج أو انهيار الاتحاد السوفياتي فحسب،‏<br />

وإنما آان أيضا قد مهد له مع تقرير البرنامج المرحلي،‏ لا سيما منذ توقف سفينة ياسر عرفات<br />

الخارجة من طرابلس ‏(لبنان)،‏ في بورسعيد والتقائه القيادة المصرية،‏ وهو في طريقه إلى تونس.‏<br />

وآان في ذلك قد خرق المقاطعة العربية للقاهرة بسبب المعاهدة المصرية - الإسرائيلية عام<br />

وآان الخروج إلى تونس يعني موضوعياً‏ التحرر من العوائق التي آانت تمنع من السير على نهج<br />

القاهرة،‏ أي العائق السوفياتي والسوري والمحلي اللبناني والفلسطيني.‏ أي اتخذت الواقعية التي حملها<br />

برنامج النقاط العشر مسارها الطبيعي في القفز من حالة اللاسلم واللاحرب إلى حالة البحث عن السلم<br />

المصري،‏ ومن خلاله السلم الأمريكي<br />

، 1979<br />

.<br />

1983<br />

- الإسرائيلي.‏<br />

هذا دون الحديث عن أن الواقعية الثانية أي واقعية البرنامج المتوافق والإستراتيجية الأمريكية في<br />

المنطقة ومن ثم الإستراتيجية الإسرائيلية،‏ بالضرورة،‏ سواء أآان بوعي أم بلا وعي،‏ لا يشكل<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


15<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

برنامجاً‏ مرحلياً‏ بمعنى تحرير الضفة والقطاع أولاً‏ أو أي جزء ينسحب منه العدو،‏ ثم نأتي إلى<br />

برنامج المرحلة الثانية لتحرير اللد والرملة،‏ ثم برنامج المرحلة الثالثة تحرير يافا وحيفا.‏ فهذه<br />

المرحلية:‏ وآما أظهرت التجربة المريرة والقاسية،‏ غير واقعية إلا بقدر.‏ ما هي واقعية للتخلي عن<br />

نفسها في مصلحة واقعية أخرى تعتبر غزة وأريحا مرحلة أولى تليها في أحسن الحالات مرحلة تمس<br />

بعض أجزاء الضفة الغربية في ظل سيطرة أمنية إسرائيلية على الوضع آله أو بقاء الاحتلال عملياً‏<br />

حتى على الضفة وغزة.‏ ناهيك عن أن لسان الواقعيين لم يعد الآن،‏ يستطيع التحدث،‏ ولو همساً،‏ عن<br />

تحقيق أهداف فتح وم.ت.ف.‏ ومنطقاتهما أي التحرير الكامل مرحلة بعد مرحلة.‏<br />

أما السلطة المقاتلة فأصبحت السلطة المجردة من السلاح والباحثة عن قوات دولية حفاظاُ‏ على أمنها<br />

من المستوطنين،‏ أو عن ضمانات إسرائيلية مع مراقبين دوليين،‏ عدا قوات شرطة لضبط الأمن<br />

الداخلي ومنع الصدام بالعدو.‏<br />

تكمن الإشكالية هنا في أن نظرية المرحلية لا علاقة لها منذ طرح برنامج النقاط العشر في أواخر<br />

وأوائل بمرحلية تحرير آامل فلسطين بحدودها قبل فنظرية المرحلية<br />

استخدمت غطاء نظرياً‏ للرد على المستمسكين بالمنطلقات الأساسية ليس إلا.‏ وهذا الأمر يتكرر الآن<br />

مع نظرية غزة وأريحا أولاً‏ والتي توحي آأن ثانياً‏ سيعني الانسحاب الإسرائيلي من آل الأراضي<br />

المحتلة عام بما في ذلك القدس الشرقية،‏ والتي يشملها القرار 242، آما سيعني إقامة دولة<br />

فلسطينية مستقلة على أنقاض ذلك الانسحاب.‏ فأولاً‏ هنا لا علاقة لها في واقع الحال بكل ذلك حتى لو<br />

حصرناه في الأراضي المحتلة بعد وإنما له علاقة بترتيبات شبيهة بما يجري الآن بالنسبة<br />

إلى غزة وأريحا قد تشمل بعض المدن والقرى عدا القدس ومنطقتها،‏ وعدا الطرق والنقاط<br />

الإستراتيجية،‏ وعدا مسؤولية الأمن على الحدود وعلى الوضع عموماً،‏ أما إقامة دولة فلسطينية<br />

مستقلة ذات سيادة على الأرض والحدود فهذا غير الكيان الذي سيقوم باسم الحكم الذاتي حتى لو سمي<br />

الأخير،‏ في المستقبل،‏ اختراقاً‏ وتجاوزاً‏ ‏"دولة".‏<br />

.<br />

1947<br />

.1967<br />

1974<br />

1967<br />

1973<br />

بكلمة،‏ إن مشروع النقاط العشر،‏ آما أآدت السنوات العشرين الماضية،‏ لا علاقة له بالتحرير<br />

المرحلي لفلسطين ولا بالواقعية السياسية أو الثورية.‏ وهذا ما لاحظه الشهيدان وإخوانهما في حينه<br />

وآان واحداً‏ من الأسس التي قام عليه رفضهم لها بل اعتبروا أن الواقعية الحقيقية المرحلية إذا شئت،‏<br />

هي احتفاظ فتح وم.ت.ف.‏ بالبرناج الأساسي،‏ أي بالمنطلقات والثوابت والميثاق،‏ وترك موضوع<br />

التسوية والصراعات العربية والدولية حولها شأناً‏ من شؤون مؤتمرات القمم العربية والدول العربية،‏<br />

بينما الفلسطينيون يبقون حالة مقاومة،‏ ويبقون مستمسكين بالحقوق الأساسية في فلسطين،‏ ويستمرون<br />

شاهداً‏ حياً‏ على جريمة الاغتصاب الصهيوني لفلسطين.‏ فهم بهذه الواقعية يكونون قد استعادوا للشعب<br />

الفلسطيني شخصيته وآيانيته المعنوية والشاملة لكل الفلسطينيين،‏ من خلال شخصية الشعب المقاتل<br />

من أجل التحرير،‏ والممثل لجانب العدالة في الصراع،‏ هذا فضلاً‏ عن أدائه لدور الحافز على التغيير<br />

العربي،‏ والصارخ في وجه التخاذل والتفريط،‏ والناقد لعدم وضع آل الجهود في خدمة القضية<br />

المرآزية أو القضية المقدسة الأولى للعرب والمسلمين.‏ أما من جهة أخرى فإن هذه الواقعية تجنب<br />

فتح وم.ت.ف.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


16<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الصراع مع الأردن حول الضفة الغربية أو التمثيل.‏ وهو الذي آان يسميه أبا حسن رحمه االله لماذا<br />

نتقاتل على جلد الدب قبل أن نصيده.‏ وقد آان يرى هو وحمدي المنغمسان في العمل في مهمات<br />

المقاومة في الداخل أن تأزيم الأجواء مع الأردن والدخول في حرب داخلية لا يخدم تصعيد المقاومة<br />

السياسية والعسكرية ضد العدو.‏ وآانا يستشهدان بالخسارة،‏ أو بالنكسة التي مني بها الكفاح المسلح،‏<br />

ولاسيما،‏ في قطاع غزة،‏ بعد أحداث أيلول والخروج من الأردن.‏ فقد آانت الإستراتيجية الصحيحة<br />

تقتضي الترآيز على مقاومة الاحتلال وإعطائه الأولوية وإخضاع علاقات م.ت.ف.‏ بالدول العربية،‏<br />

وخصوصاً‏ بالأردن لهذه الأولوية.‏<br />

وآانا يريان أن التشديد المبالغ فيه على موضوع السلطة الوطنية،‏ والتمثيل الفلسطيني،‏ ومن ثم السعي<br />

للدخول في اللعبة السياسية الدولية،‏ يؤدي إلى تعكير العلاقات الفلسطينية - اللبنانية آما الفلسطينية<br />

السورية.‏ فإستراتيجية المبادئ والمنطلقات لفتح وم.ت.ف.‏ آانت تقضي بأن يكون لبنان ‏"قاعدة<br />

وممراً‏ للمقاومة بينما رأينا إستراتيجية النقاط العشر قد اتجهت إلى السيطرة على ما أمكن من لبنان<br />

واتخاذ ذلك ورقة للوجود على خريطة الشرق الأوسط آما ذآر جهاراً،‏ فقد راجت مقولة معبرة وذات<br />

مغزى،‏ بعد الخروج من لبنان،‏ وهي:‏ ‏"أن لبنان آان رهينة بأيدينا نفاوض عليه،‏ والآن فقدنا هذه<br />

الورقة".‏ ولا يخفى أن هذه الإستراتيجية آلفت الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني الكثير الكثير،‏ وإن<br />

آان من غير السليم تحميلها آل المسؤولية إذ أن هنالك إستراتيجيات أخرى آانت تعمل في لبنان<br />

وأدت بدورها إلى ما حدث في لبنان لكل من الشعبين الشقيقين.‏ ويفسر هذا،‏ الفجيعة التي أصيب بها<br />

آثير من اللبنانيين بعد إعلان اتفاق أوسلو إذ أحسوا أنهم خدعوا بشعارات الثورة الفلسطينية التي<br />

جعلتهم يبذلون الكثير تحت راياتها باعتبارها راية تحرير آل فلسطين أو هي صاعق التغيير العربي،‏<br />

وليس باعتبارها مشروعاً‏ في هذه القامة التي ما آانت تستحق آل ما قدم من تضحيات لبنانية<br />

وفلسطينية في لبنان.‏<br />

-<br />

-<br />

أما على جبهة العلاقات الفلسطينية السورية فقد آان برنامج النقاط العشر أحد العوامل الهامة<br />

لتدهور تلك العلاقات،‏ وما زال النهج الذي خطه ذلك البرنامج وما أدى إليه عاملاً‏ هاماً‏ في دهورة<br />

تلك العلاقات.‏ وإن آان من الخطأ أن تلقى في ذلك آل المسؤولية عليه.‏<br />

لأن السير في برنامج التسوية آان يقضي بالانشداد المستمر إلى السياسة المصرية،‏ ولاسيما بعد<br />

توقيع المعاهدة المصرية - الإسرائيلية،‏ ومن خلال ذلك البحث عن طريق فلسطيني ‏"منفرد"‏ لا محالة<br />

في مخاطبة أمريكا والكيان الإسرائيلي..‏ وهي عوامل آانت تعني الصدام بسوريا إلى جانب عامل<br />

محاولة السيطرة على الشطر اللبناني غير الماروني.‏<br />

ولهذا آان الاستمساك الحاسم بسياسة مقاومة الاحتلال دون الدخول في زحمة التسوية السياسية<br />

والبحث عن موقع على الخريطة - حكم ذاتي أو أقل من ذلك،‏ آان سيقلل الكثير من<br />

الصراعات الفلسطينية - الأردنية والفلسطينية - السورية،‏ والفلسطينية - اللبنانية،‏ وحتى الفلسطينية<br />

المصرية ‏(لأن برنامج النقاط العشر في مرحلته الأولى،‏ أو واقعيته الأولى،‏ أو الاحتمال الأقوى<br />

لمساره،‏ آان باتجاه الانحياز للسوفيات موضوعياً.‏ في وقت آانت فيه مصر تخفف من علاقاتها<br />

السوفياتية وتقترب باتجاه التفاهم والولايات المتحدة الأمريكية).‏<br />

-<br />

- دولة - آيان<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


17<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وبالمناسبة احتار بعض الذين ردوا بالتشهير ضد هذا التيار فيما يصفونه،‏ أو على من يحسبونه،‏ فتارة<br />

اتهم بالعمالة للأردن وآان رد أبي حسن ‏"إذن آانت فتح عميلة للأردن من إلى<br />

وتارة أتهم بالعمالة لسورية،‏ وأخرى بالعمالة لمصر.‏ وآان الرد ‏"ألم يكن هذا موقفكم دائماً‏ قبل طرح<br />

برنامج النقاط العشر"!!،‏ آان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد وجد حلاً‏ مثالياً‏ للثورة الفلسطينية<br />

في مرحلة المنطلقات والمبادئ وذلك حين أعلن موافقته على مشروع روجرز إذ قال من حق<br />

الفلسطينيين أن يرفضوا مشروع روجرز،‏ وقرار مجلس الأمن 242، ولكن ليس من حقهم أن<br />

يحاربوا مصر بسبب ذلك.‏ فالإستراتيجية الأحكم هنا آانت تقضي بأن تتمسك الثورة الفلسطينية<br />

بمنطلقاتها وأهدافها وبمواصلة مقاومة الاحتلال إلى جانب تمسكها بحقها في رفض مشاريع التسوية<br />

لأن ما من مشروع منها يحقق الحد الأدنى من الحقوق الأساسية الثابتة في فلسطين.‏ ولكن مع ترك<br />

الدول العربية تسعى إلى ‏"إزالة آثار العدوان"،‏ أو استعادة الأراضي المحتلة في<br />

مقدمتها القدس.‏ وبهذا يكون خطها عدم الدخول في صراعات المحاور العربية،‏ ولا في زحمة<br />

صراعات الحرب الباردة.‏<br />

"..1974<br />

1967، وفي<br />

1965<br />

طبعاً‏ هذا لا يعني أنها آانت ستنجو من الضغوط العربية الرامية إلى فرض الانحياز عليها<br />

واستخدامها في صراعات المحاور،‏ آما أن التحريض لضربها،‏ وعدم السماح لها بالتحرك من<br />

الحدود العربية آانت سياسة أمريكية - إسرائيلية ثابتة.‏ وآانت هنالك استعدادات عربية للاستجابة<br />

لذلك.‏ ولكن آان ما سيقع أقل آثيراً‏ من الذي وقع بسبب برنامج النقاط العشر والتمثيل الأوحد للشعب<br />

الفلسطيني والدخول في لعبة التسوية أو محاولة إيجاد مكان في المعادلة العربية والدولية.‏<br />

وتتمثل أهمية هذه الإستراتيجية في أن الثورة ستكون في الموقع الأقوى في آل تلك الصراعات حين<br />

يكون دافعها من الطرف العربي هو الاستجابة لضغوط خارجية أو لإخراج الثورة من حياديتها<br />

واستقلاليتها بالنسبة إلى الصراعات المحورية العربية أما في الحالة الأولى أي محاولة<br />

التحول إلى نظام عربي ومحاولة استخدام الأوراق المختلفة،‏ والتحالفات والمناورات السياسية من<br />

أجل الاشتراك في التسوية من خلال التقرب من السوفيات أولاً‏ ثم أمريكا فإسرائيل ثانياً،‏ آان يزيد<br />

على ما ذآر من عوامل للصراع في الحالة الثانية عوامل المنافسة المباشرة حول التمثيل والضفة<br />

الغربية،‏ والمنافسة المباشرة لسوريا في لبنان،‏ وفي الانحياز إلى مصر.‏<br />

- العربية.‏<br />

بكلمة،‏ لا يمكن أن يوصف موقف الشهداء أبي حسن وحمدي ومروان وإخوانهم من إشكالية برنامج<br />

النقاط العشر بالعدمي أو باللاوقعي،‏ فهو بالإضافة إلى أساساته المبدئية،‏ نبع من إدراك أعمق للواقع<br />

العربي والدولي ولاتجاه مسارات التسوية.‏ ومن ثم آان يرفض رفضاً‏ قاطعاً‏ ألا يكون هو الأآثر<br />

واقعية وعملية والأفضل نتائج على أرض الواقع.‏<br />

تبقى إشكالية واحدة هنا آانت تجابه هذا التيار وهي ماذا سيحدث لو تحققت تسوية واستعادت الدول<br />

العربية المعنية،‏ مصر وسوريا والأردن،‏ ما آان بحوزتها من أرض قبل حزيران ‎1967‎؟<br />

هنا آان يحضر منذ ذلك الوقت جوابان،‏ الأول هو أن الأولوية يجب أن تعطى لاستعادة الأراضي<br />

ولاسيما القدس.‏ ومن ثم فتحقيق ذلك سيكون نصراً‏ حتى لو خرجت م.ت.ف.‏ من المولِد بلا حمّص<br />

آما يقول المثل أو آما آان يخاف البعض من حدوثه.‏ وقد أثبتت الوقائع أن دون ذلك خرط القتاد<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


18<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وليس بالأمر الذي آان على أجندة التنفيذ الواقعي.‏ وإذا ما قورن بما نشهده اليوم من شروط للتسوية<br />

راحت توافق عليها م.ت.ف.‏ آان سيكون،‏ وبلا جدال،‏ خياراً‏ أفضل.‏<br />

وإذا آانت مصر لا تظهر مشكلة في الحالتين بسبب حرصها على عدم الوجود العسكري المباشر في<br />

القطاع.‏ وإن آانت حريصة علي أن يبقى القطاع موالياً‏ لها،‏ فإن الإشكال يبقى بالنسبة إلى السؤال<br />

يتعلق بالعلاقات الفلسطينية - الأردنية في الضفة الغربية.‏ وهنا آانت ثمة عدة خيارات مطروحة<br />

ويمكن أن يتفق عليها مسبقاً‏ من أجل الذين يحرصون على عدم الخروج من ‏"المولد بلا حمص".‏<br />

وهي خيارات تراوحت بين المملكة المتحدة إلى الكونفدرالية.‏ وهي خيارات،‏ على الرغم من الممثل<br />

الشرعي والوحيد وشعارات الدولة الفلسطينية المستقلة بقيت جزءاً‏ من برنامج الطرح الفلسطيني<br />

الذي لم يستطع من الناحية النظرية والعملية والسياسية القفز عليها.‏ لأن الخيار المقابل الذي أفرزه<br />

مسار التسوية آان حكماً‏ ذاتياً‏ ضمن السيادة الأمنية الإسرائيلية أو آونفدرالية فلسطينية - إسرائيلية أو<br />

آونفدرالية فلسطينية - إسرائيلية وهذه جميعاً‏ أسوأ الخيارات،‏ وأسوأ حتى من إذابة الشعب<br />

الفلسطيني وفقدانه لأية هوية سياسية رسمية فلسطينية.‏<br />

- أردنية<br />

أما الجواب الثاني،‏ فكان يرى أن أية تسوية يمكن أن تعقدها الدول العربية،‏ ولو من وراء ظهر<br />

م.ت.ف.،‏ لم تعد تستطيع عدم استرضاء الفلسطينيين حتى دون أن يسعوا من جانبهم إلى ذلك.‏ لان<br />

مجرد الوقوف الصامت والمتأني من قبل م.ت.ف.‏ والشعب الفلسطيني تارآين لعملية التسوية أن تأخذ<br />

مجراها فيما بين الدول أمر لا تستطيعه المعادلة العربية أو الدولية أو الإسرائيلية،‏ ذلك بأن من<br />

شروط العملية الحصول على موافقة فلسطينية وهو أمر ضروري للأطراف العربية أولاً‏ بسبب ما<br />

يمكن أن تحمله التسوية من تنازلات.‏ فالورقة الفلسطينية الصامتة هنا أقوى ألف مرة،‏ من ناحية<br />

عملية،‏ من برنامج النقاط العشر وما تبعه من برامج وصولاً‏ إلى اتفاق أوسلو.‏ لأنك في الحالة الأولى<br />

تكون مطلوباً‏ ومسترضى وفي الحالة الثانية تكون طالباً‏ بل متوس ‏ًلا.‏ وتكون:‏ آل أوراقك في الحالة<br />

الأولى بيديك بينما تكون في الحالة الثانية أغلب أوراقك إن لم تكن آلها قد فقدت من يديك،‏ أو<br />

أصبحت مكشوفة.‏<br />

آما أن القبول الفلسطيني أو الاسترضاء على الرغم مما آان يظهر على السطح سيكون مطلوباً‏<br />

أمريكياً‏ وأوروبياً‏ وإسرائيلياً‏ لا لتغطية الموقف العربي والمشاريع القادمة فحسب وإنما أيضاً‏ لنزع<br />

الفتيل الفلسطيني أو اللغم الفلسطيني المتفجر تحت أية تسوية تدوسه تحت أقدامها.‏<br />

المهم أن البقاء في مواقع المنطلقات والمبادئ من الناحية النظرية والأيديولوجية والسياسية والبقاء في<br />

مواقع المقاومة والثورة من الناحية العملية والأخلاقية والقيمية وإبقاء الأولوية لدحر الاحتلال آانا<br />

الخيار الأفضل وآان مردودهما أقل خسائر وتضحيات بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني وأآثر فائدة<br />

ونفعاً‏ لمستقبل التغيير العربي وللمستقبل الفلسطيني وللوضع العربي الرسمي عموماً.‏ بل حتى للهوية<br />

الفلسطينية ونوع الكيانية ولكن ذلك آله آان بحاجة إلى خيال وحساب معادلة مرآبة وإلى صبر<br />

جميل.‏<br />

هذا الإدراك المعمق والشمولي الذي حمله أبو حسن وحمدي وأبو محمود وسعد ومروان وأبو خالد<br />

جورج وإخوانهم الذي ينم عن رؤية نظرية ومبدئية وسياسية عملية الذي ميزهم عن أغلب القوى<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


19<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الفلسطينية والعربية الرافضة في ذلك الوقت،‏ وهو الذي يفسر السبب الذي جعلهم وإخوانهم يثبتون<br />

عليه طوال المراحل اللاحقة بينما شهدت فصائل م.ت.ف.‏ التي رفضت مشروع النقاط العشر تراجعاً‏<br />

تلو الآخر أولاً‏ باتجاه السلطة الوطنية ثم باتجاه الموافقة على الانخراط في هذا أو ذاك من مشاريع<br />

التسوية.‏ ولهذا آان الشهيد القائد أبو حسن يردد المثل الفلسطيني ‏"دجاجة حفرت على رأسها عفرت"‏<br />

مدللاً‏ علي أن التخبط في هذا الطريق الذي شقه مشروع برنامج النقاط العشر هو سير على طريق<br />

خراب البيت الفلسطيني والعربي.‏ وهو ما آان يلحظه مع تلاحق المراحل التي مرت بها م.ت.ف.‏ منذ<br />

1974، بصورة خاصة،‏ حتى يوم استشهاده بصحبة حمدي ومروان في 14 شباط<br />

‏(فبراير 1988).<br />

1974<br />

وإذا آان من الصحيح أن يرى قرار القمة العربية في الرباط عام باعتبار م.‏ ت.‏ ف.‏ الممثل<br />

الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مكملاً‏ أو متكاملاً‏ مع البرنامج المحلي،‏ فقد حاول أبو حسن<br />

وحمدي وإخوانهما أن يعطوه،‏ مع تحفظهم عليه أساسا،‏ بعداَ‏ نضاليا يشدد على الشخصية الفلسطينية<br />

المقاتلة وعلى ضرورة احترام قرار الشعب الفلسطيني باختيار طريق الكفاح المسلح لتحرير<br />

فلسطين،‏ وأن يستخدم ضد أي تفريط عربي بالحقوق الثابتة في فلسطين.‏ وقد أثبتت الوقائع أن قرار<br />

التمثيل الوحيد غير المشروط آان يخفي من بعض القيادات العربية في قمة الرباط خبثاً‏ تكاد تزول<br />

منه الجبال.‏ وهو إيجاد المسوغ لإلغاء المسؤولية العربية والإسلامية إزاء قضية فلسطين،‏ أو حتى<br />

بالنسبة إلى استعادة آل الأراضي المحتلة عام وفي مقدمتها القدس.‏ ومن ثم تدفع م.ت.ف إلى<br />

تقديم التنازلات المطلوبة أمريكياً‏ وإسرائيلياً‏ بعد استنزافها وتدويخها بالحصار والضغوط المختلفة،‏<br />

ليصبح شعار الدول العربية ‏"نرضى بما يرضى به الفلسطينيون".‏ وبهذا ‏"يتحررون"‏ من عبء<br />

‏"قضية العرب المرآزية"‏ أو ‏"قضية العرب والمسلمين الأولى"‏ فتصبح القضية قضية الشعب<br />

الفلسطيني فقط،‏ والذي يعبر عنه في ذلك م.‏ ت.‏ ف الممثل الشرعي والوحيد.‏<br />

1967<br />

أما من جهة أخرى فقد أثبتت والوقائع صحة آل تلك المعارضة لهذين التوجهين:‏ ‏"البرنامج المرحلي<br />

وإشكالية الممثل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية"‏ فهذان التوجهان أديا،‏ في نهاية المطاف إلى أن<br />

يصبح البحث في الكيان الفلسطيني والتمثيل الفلسطيني مقدمين على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من<br />

الضفة والقطاع والقدس وتفكيك المستوطنات لا سيما من القدس الشرقية وما حولها.‏ ويؤدي هذا،‏<br />

بدوره إلى الالتفاف على شعار الأرض مقابل السلام ليصبح الحكم الذاتي بقيادة الممثل الشرعي<br />

والوحيد مقابل السلام.‏ وهو ما عبرت عنه اتفاقية أوسلو،‏ والتي حملت اسم ‏"غزة أريحا أولا"‏ أي<br />

الحكم الذاتي أولا،‏ ولو على جزء،‏ ولو تحت أية شروط.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


20<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />


21<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

هنا يجب أن تدرك حقيقة أساسية،‏ وهي أن مرحلة الثمانينات التي شهدت ولادة سرايا الجهاد<br />

الإسلامي في فلسطين آان لأبي حسن وحمدي الدور المميز فيها،‏ علماً‏ أنهما آانا يهربان من<br />

الأضواء آما من المديح والإطراء،‏ ويقدمان دائماً‏ الآخرين تشجيعاً‏ لهم.‏ وان الإشارة إلى هذا الدور لا<br />

يقلل ولا بشكل من الأشكال من الأدوار التي قامت به عدة جماعات وشخصيات إسلامية،‏ جنباً‏ إلى<br />

جنب،‏ وبالتعاون مع الشهيدين،‏ لإنجاح المشروع.‏<br />

وبالمناسبة حاول الشهيدان أبو حسن وحمدي أن يعطيا لعملية الدبويا العسكرية الشهيرة أسماً‏ إسلاميًا<br />

آرمز لوحدة العمل الإسلامي والوطني الفلسطيني في ذلك الوقت من عام وهي المرحلة التي<br />

آانت الثورة الفلسطينية تواجه فيها مفترق طرق.‏ وآانت إحداها تدل على بداية صحوة إسلامية<br />

آبيرة،‏ آما آانت إحداها تدل على دوران في المكان إن لم يكن الخروج من لبنان،‏ وأخرى على<br />

تراجعات باتجاه التسوية وأخرى تشير إلى متغيرات إقليمية وعالمية آبيرة.‏ فقد رأى الشهيدان في تلك<br />

المرحلة ضرورة إحداث انعطافة في سياسات الثورة الفلسطينية من خلال العودة إلى المنطلقات،‏<br />

والتحالف والصحوة الإسلامية والاستناد إلى المرجعية الإسلامية بدلاً‏ من التقاذف في مهب الرياح.‏<br />

وبدلاً‏ من التآآل الداخلي.‏ ولكن ما آان ذلك مجرد اقتراحات إذا تبلت آان به وان لم تقبل تبقى الأمور<br />

على حالها.‏ أي دون أي اختيار من جانبهما للطريق الذي اقترحاه واعتبراه ضرورة لإنقاذ الثورة من<br />

طمع الطامعين إقليمياً‏ ودولياً.‏ آما ضرورة لإنقاذها من نفسها بعد أن أخذت علائم الترهل تظهر هنا<br />

وهناك.‏ وتهدد بالتفشي والتفاقم لا من الناحية السياسية والمبدئية فحسب وإنما أيضاً،‏ من ناحية القيم<br />

والمناقب الثورية والأخلاقية.‏<br />

1980<br />

على أن توصلهما وأغلبية ممن شارآهم البحث والمداولة إلى الوقوف على أرض الإسلام لم يأت<br />

لأسباب عملية بقصد تجديد شباب الثورة الفلسطينية من علائم الترهل ومخاطر التخلي عن المنطلقات<br />

والمبادئ والأهداف.‏ فهذا الأمر جاء نتاجاً‏ لاحقاً‏ ولم يكن سبباً‏ ودافعاً‏ فقد اقتضت عملية الوصول إلى<br />

تلك النتيجة سلسلة طويلة من المناقشات والجدل والمقارنات ومحاولات استقاء العبر من التجارب<br />

المحلية والإقليمية والعالمية في تقويم طرق العلمنة لاسيما طريق المارآسية الليفينية حتى في وجهها<br />

الأآثر جاذبية بالنسبة إلى الثورة في بلدان العالم الثالث أي ما عرف باسم أفكار ماوتسي تونغ.‏ وإلى<br />

حد أبسط أفكار موتشي منه ومنهجيته في التعامل والقضايا الجزئية للتجربة.‏<br />

بكلمة،‏ آان الانتقال أو بالأصح التطور أو التقدم باتجاه المرجعية الإسلامية قد تم عبر عملية تاريخية<br />

صاحبت تلك التجربة وأفكارها وتنظيراتها ما يقارب العقد من السنين.‏ وإذا آان البعض قد نظر إلى<br />

هذا التحول بعين ساخطة،‏ وتجنى عليه باتهامه بالتقلب في المواقف أو بالتنقل الهوائي أو العشوائي،‏<br />

فقد أخطأ في ذلك.‏ لأن ما حدث آان مسار.‏ متماسكاً‏ باتجاه اآتشاف الحقيقة لا الحقيقة الكونية فحسب<br />

وإنما أيضاً‏ الحقائق التاريخية والاجتماعية والأيديولوجية والمفهومية.‏ فقد اتسم التيار الذي وقف في<br />

مقدمته أبو حسن وحمدي بالتوتر القلق الدائم في البحث عن الحقيقة والموقف السياسي والأيديولوجي<br />

الصحيح.‏ وآان هذا يقضي إبقاء العيون مفتحة على آل ما اعتبر من المسلمات،‏ وإبقاءها متوقدة في<br />

تقويم نتائج آل تجربة أو فكرة أو نظرية،‏ فالتعامل والمارآسية الليفينية لم يبدأ في هذه التجربة<br />

بالطريقة الجامدة المدرسية التي آان عليها أن تبتلع نتاج النظرية بكلمته وتفصيلاته،‏ وغالباً‏ بشكل<br />

شديد التبسيطية،‏ وإنما بالتعامل وإياها من خلال نقد صارم للتجربة السوفياتية،‏ ولتجارب الأحزاب<br />

الشيوعية واليسارية إقليمياً‏ وعالمياً،‏ والأهم بدأت بنقد صارم للمرآزية الأوروبية في بنية النظرية<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


22<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المارآسية الليفينية،‏ ومن هنا آان التعامل والنظرية منذ اللحظة الأولى تعاملاً‏ نقدياً،‏ مع محاولة دائمة<br />

لوضعها على محك التاريخ العربي،‏ والواقع العربي،‏ مما آان يدفع باستمرار إلى الخروج<br />

بموضوعات ذات أصالة نسبياً‏ ومختلفة جوهرياً‏ عن آثير من الموضوعات التي تبنتها الحرآات<br />

اليسارية الفلسطينية والعربية والأوروبية،‏ لاسيما في التفسير الطبقي التبسيطي للتاريخ،‏ والواقع<br />

العربي القائم أو التفسير الطبقي الساذج للظاهرة الصهيونية في فلسطين والعالم.‏<br />

ولعل مراجعة للرسالة التي نشرت باسم الشهيدين تحت عنوان ‏"رسالة من وراء القضبان"،‏ والملحقة<br />

بهذا الكتيب،‏ لتكشف من جهة عن جوانب من البعد الفكري.‏ - النظري لدى الشهيدين مما<br />

يدحض حصرهما في الجانب الجزئي التطبيقي العملي،‏ ولتكشف من جهة أخرى عن نهجهما وما<br />

وجهاه من النقد للمارآسية الليفينية وتجاربها.‏<br />

- الثقافي<br />

1976<br />

في الواقع لم يكد عام يشرف على الانتهاء حتى آان الشهيدان ومعهما عدد هام من المنتسبين<br />

لهذا التيار قد أخذوا يصفّون الحساب مع المارآسية الليفينية تماماً،‏ وآانت الشعرة التي قصمت ظهر<br />

البعير سقوط تجربة الثورة الثقافية في الصين.‏ وإن آان النقد الأساسي الذي وجهاه لها غير النقد الذي<br />

وجه لها رسمياً‏ من قبل القيادة الصينية اللاحقة.‏ فقد اعتمد نقدهما على الروحية الأوروبية التخريبية<br />

التي حكمت جانباً‏ هاماً‏ من الطرح النظري للثورة الثقافية لاسيما اعتماد الموضوعة النظرية الواردة<br />

في البيان الشيوعي لمارآس وانجلز،‏ والقائلة بضرورة القطع التام مع الماضي بكل أوجهه وليس فقط<br />

مع البرجوازية.‏ فقد لاحظ الشهيدان ومعهما أغلب إخوانهما روحاً‏ تخريبية عالية في طرح نظرية<br />

الثورة الثقافية وممارستها بالرغم من شعبويتها ونفسها الجماهيري ومعارضتها للبيروقراطية وتسلط<br />

الحزب والدولة على الشعب،‏ والتي اتهمت بالغلو واللاتوازن بسبب سياسات القادة الأربعة للثورة<br />

الثقافية ‏("عصابة الأربعة"‏ وفقاً‏ لنعت قيادة الحزب الشيوعي الصيني اللاحقة).‏<br />

لقد آانت هذه التجربة مناسبة للتعمق أآثر فأآثر في عدد من المواضيع النظرية مثل موضوعة خط<br />

الجماهير،‏ وموضوعة الاستقلالية،‏ والأصالة في فهم خصوصية الثورة والتغيير في آل بلد،‏ آما<br />

صحب ذلك سقوط تام لهالة المارآسية الأوروبية ابتداء من مارآس وانجلز ولينين وصولاً‏ إلى<br />

مراجعة صارمة للفلسفة المادية والمنهج الديالكتيكي والمادية التاريخية والاشتراآية العلمية،‏ وأصبح<br />

التيار المذآور مطالباً‏ بطرح مشروع مواز في آل تلك المجالات وإزاء مختلف تلك المواضيع.‏ وهنا<br />

تطلب الأمر القيام بدراسات حول التجربة الإسلامية الواقعية والتي بدأت بقيادة الرسول صلى االله<br />

عليه وسلم وما تلاها من تجارب إسلامية شروط ضرورية لبناء نظري وأيديولوجي أصيل.‏ لقد آانت<br />

هذه الدراسات وإلى جانبها حوار مفتوح متعدد الأطراف والمشارآين حول هذه الإشكاليات محاولة<br />

لاآتشاف القوانين التي تحكمت في التاريخ العربي قديمه وحديثه ولاآتشاف القوانين المتعلقة بالمنهج،‏<br />

وأخيراً‏ إجراء قراءة أآثر تعمقاً‏ للواقع العربي الراهن وصولاً‏ لاآتشاف سمات الثورة في بلادنا..‏<br />

سمات التغيير الذي يخرج الأمة من حالة التجزئة والتبعية والوجود الصهيوني في فلسطين ويسمح<br />

لها بالوصول إلى الوحدة والعدالة الاجتماعية والنهوض الحضاري والثقافي والنمو الاقتصادي<br />

والعلمي والتقني.‏<br />

آانت هذه البداية السليمة نسبياً‏ وهي التحرر المبكر جداً،‏ بل منذ ولادة التيار،‏ من المارآسية<br />

السوفياتية،‏ آما من اليسراوية الأوروبية والتي ترعرعت في النصف الثاني من الستينات بصورة<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


23<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

خاصة،‏ قد حصنته من جهة ضد سلسلة من الشعارات المخطئة لا سيما المغامرة والطفولية ودفعته<br />

إلى الأصالة والاعتماد على الذات من جهة ثانية.‏ وهذا ما جعله يدخل الصراع لا مع التيارات<br />

السوفياتية فحسب وإنما أيضا مع التيارات اليسراوية الأوروبية،‏ والتروتسكية،‏ أو الماوية،‏ أو الثورية<br />

المسلحة،‏ وغيرها وامتداداتها في الساحتين الفلسطينية والعربية.‏ بكلمة لقد آانت لها إطلالتها المستقلة<br />

والأصيلة على المارآسية،‏ بما في ذلك أفكار ماوتسي تونغ والتجربة الفيتنامية.‏ وقد انسحب هذا حتى<br />

على المسائل الصغيرة وذات الطابع الشكلي فمنذ البداية على سبيل المثال لم يستخدم لقب ‏"رفيق"‏<br />

مطلقاً‏ وإنما نداء الأخ والأخت.‏ فهذا على بساطته آان يعتبر شذوذاً‏ في مختلف المدارس المارآسية<br />

وبإجماع.‏<br />

هنا بدأت العقول والأبواب تفتح على مصراعيها لدراسة الإسلام والتجربة الإسلامية التاريخية وقد<br />

صحب ذلك تدفق الجماهير إلى الشوارع في إيران وهي ترفع راية ‏"االله أآبر"‏ و"لا اله إلا االله"،‏<br />

وتمضي إلى غايتها بحزم وتصميم لا مثيل لهما.‏ ولكن أآثر ما أثر في الإسراع بالتقاط الإشكالية<br />

المتعلقة بالإسلام ودوره في المعرآة ضد السيطرة الامبريالية العالمية وفي مواجهة الطغاة والعملاء<br />

وفي إلهام الشعب في مساره للتغير والنهوض آان رد الفعل الذي استقبلت به الجماهير الفلسطينية<br />

والعربية نداء ‏"االله أآبر"‏ المتصاعد من طهران.‏ فقد تبين من خلال نظرة ثاقبة أن هذا النداء يسكن<br />

أعماق جماهير الأمة العربية،‏ ومن ثم فإن آل بحث عن خط الجماهير،‏ أو خصوصية سمات الثورة<br />

في بلادنا لن يصيب آبد الحقيقة أبداً‏ ما لم يدرك الحقيقة الإسلامية المزروعة في أساسات التكوين<br />

العربي الراهن.‏ وبهذا بدأت الأمور تتداعى باتجاه فهم أعمق لا لدور الإسلام وأهميته في عملية<br />

التحرير والانعتاق والنهوض في بلادنا أي الجانب الحضاري السياسي<br />

فحسب وإنما أيضاً‏ لفهم الإسلام نفسه وإدراك بنيته الداخلية أقرب ما يكون لما جاء عليه في القرآن<br />

والسنة.‏ وآان هذا يقضي بعدم الاقتصار على إدراك النظريات الإسلامية في التاريخ والاجتماع<br />

والاقتصاد ومعالجة قضايا الإنسان أو الإمساك بالمنهج الإسلامي الذي يتسم،‏ فيما يتسم به،‏ بقانون<br />

التوازن والعدل وإنما التوقف أمام مسألة العقيدة ودورها المحوري في بنية الإسلام آله،‏ إذ أن آل<br />

الجوانب المتعلقة بالإشكاليات الحضارية والثقافية والمنهجية والتغيير تنبعث من محور العقيدة ولا بد<br />

من أن تظل مشدودة إلى ذلك المحور.‏<br />

- التحريضي<br />

- الثقافي -<br />

هنا دخلت العملية مرحلة أخرى منطقية بالنسبة إلى ما تقدم آان لا بد من الوصول إليها،‏ آما آان<br />

الحال فيما حدث من تتابع منطقي للموضوعات السابقة.‏ وتأتي هذه المنطقية في سياق متماسك<br />

صاحب منهجية الشهيدين وإخوانهما من أول يوم بدأ يتشكل به هذا التيار.‏ ويمكن أن يشار هنا إلى<br />

جانب هام وهي أن هذا التيار لم يحول نفسه منذ البداية إلى تنظيم مرآزي تخضع فيه الأقلية للأغلبية<br />

والمستويات الدنيا للمستويات العليا،‏ ولم يتشكل على أساس وجود رئيس وأمين عام ومكتب سياسي<br />

ولجنة مرآزية.‏ لأنه لو آان آذلك لما تمكن من انتهاج ذلك النهج النقدي - والقلق في<br />

البحث عن الحقيقة والصواب.‏ فما آان أسهل من أن يكبت أي رأي نقدي أو فكرة جديدة،‏ أو محاولة<br />

نظرية،‏ من خلال التصويت أو من خلال نظرية الأغلبية والأقلية.‏ فعلى العكس،‏ آان إبقاء الأبواب<br />

مفتوحة على مصاريعها للنقد وللتجديد والتنظير سمح دائماً‏ بإخصاب الفكر والتجربة وإغنائهما وهو<br />

الذي سمح أن يتحول ما آان وليداً‏ في صدور قلة قليلة إلى آثرة آاثرة مع الزمن والنقاش الأخوي<br />

الودي الصبور.‏ ودون أن يؤثر ذلك في مسار الجانب العملي التطبيقي الذي آان موضوعه ثابت أي<br />

- التطوري<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


24<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

مواجهة العدو الصهيوني سواء أآان في النشاط على الحدود من جنوبي لبنان أم آان من خلال دور<br />

الشهيدين في القطاع الغربي والعمل في الداخل.‏<br />

فالتيار في حقيقته قام على أساس نواة متفاهمة متحابة متماسكة تحكمها ثقة متبادلة عميقة،‏ ولم تكن<br />

نواة مغلقة وإنما آانت نقاشاتها مفتوحة،‏ ولم تكن ذات هيكل تنظيمي،‏ أو نظام داخلي..‏ ففي آل ما<br />

يتعلق بالمسائل الفكرية والنظرية والعقدية والسياسية والمواقف آان خطها مفتوحاً‏ على العشرات<br />

والمئات بل على آل مشارك حتى لو آان يحمل وجهات نظر مناقضة،‏ أو يمثل تياراً‏ آخر.‏ وما آانت<br />

لتحصر في مكان بعينه ومناسبة بعينها وإنما آانت تجري حيثما وجد اثنان أو أآثر.‏ ومن ثم آان<br />

النتاج النظري والسياسي محصلة لجملة واسعة من النقاشات في آل المواقع.‏ أما الممارسة العملية<br />

فكانت تتم وفق للقناعة الفردية.‏ وقد ترك قرار المشارآة ومستواها لضمير آل فرد وقناعته دون أن<br />

يترتب على عدم المشارآة أية إجراءات تأخذ شكل العقاب والمحاسبة،‏ أو التشهير وإنما آان عدم<br />

المشارآة يعني فقدان الدور،‏ تلقائيا وبلا قرار،‏ في مجال التطبيق،‏ وهو دور آان يمكن أن يستعاد،‏<br />

في المقابل،‏ بمجرد العودة إلى الممارسة وقد يصار إلى تخطيه إذا ما قامت ممارسة تستحق ذلك.‏ أي<br />

آان النهج المتبع يسمح بتبادل تلقائي لمواقع ‏"القيادة"‏ أو بالأصح أهمية الدور،‏ وفقاً‏ للدور العملي،‏<br />

وليس وفقاً‏ القرار من فوق!‏ ولعل السبب الذي جعل مثل هذا النهج ناجحاً‏ يعود إلى مجموعة من<br />

الأسباب آما إلى طبيعة المخاطر القصوى التي آان يتضمنها الدور العملي..‏ ولهذا ليس من السهل<br />

استخدامه في ظروف أخرى بالطريقة نفسها.‏ أو بكلمة أخرى يجب ألا يعتبر هذا النهج قانوناً‏ عاماً،‏<br />

أو هو الأصح دائما،‏ وبصورة مطلقة،‏ لأن إشكاليات التنظيم وألوانه أو إشكالية العلاقات داخل تيار<br />

معين يجب أن تخضع لظروف آل حالة وما يناسبها.‏<br />

وآان الشهيدان حريصين على محاربة الاتجاهات التي آانت تحاول المساس بمن يتخلف عن<br />

الممارسة أو الإساءة إليه،‏ وذلك لإبقاء روح العلاقة أخوية بلا حزازات شخصية،‏ ولإبقاء الأخ<br />

مشدوداً‏ للتيار عموماً‏ وفي حالة احترام بداخله،‏ ومن ثم إبقاء الباب مفتوحاً‏ أمامه لمراجعة موقفه<br />

وامتلاك القناعة الذاتية بضرورة المشارآة العملية والتجرؤ على التضحية.‏ فالقتال آره للإنسان وفيه<br />

الكثير مما يناقض الحرص على الحياة والمصالح وصون الأمل والولد،‏ والأمر آذلك بالنسبة إلى<br />

السجن والتشريد.‏<br />

وآان الشهيدان حريصين على أن يبقيا خط التواصل ممدوداً‏ مع جميع الأخوة الذين استمسكوا<br />

بالوضع السابق ورفضوا تقبل الإسلام عقيدة ومرجعية،‏ فمن جهة حافظوا على روح الأخوة واللقاء<br />

الودود والحوار الودي،‏ وإن أمكن إبقاء التعاون في الممارسة.‏ فالعقول الفردية والتجارب الذاتية<br />

ليست سواء بين الناس.‏ ومن ثم يحتاج البعض إلى وقت أطول وتجارب أآثر حتى يصل ما وصل<br />

إليه السابقون.‏ آما أن هنالك إشكالات في مواقع الحرآة الإسلامية نفسها ليست مشجعة دائماً‏ لمن هو<br />

خارجها لولوجها،‏ آما أن ثمة ضغوطاً‏ هائلة معادية لا تشجع آذلك.‏ ولهذا لا بد من طول النفس في<br />

معالجة الكثير من الحالات.‏ بل أن من لا يقتنع سيظل مشدوداً‏ إليك بهذا القدر أو ذاك إذا ما حافظت<br />

على التواصل والإخاء والود والرفق.‏<br />

وجاءت التجربة العملية لتؤآد أن هذا النهج أتى في الحالتين أآلاً‏ طيباً،‏ فكثيرون تخلفوا عن القتال<br />

والعمل في هذه المناسبة أو ذاك،‏ أو لهذا السبب أو ذاك،‏ ولكنهم عادوا بعد حين أشد مضاء،‏ وأآثر<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


25<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

استعدادا للتضحية.‏ وآثيرون تأخروا عن تقبل الإسلام،‏ ولأسباب مختلفة،‏ عادوا إلى رحابه وأصبح<br />

حالهم أفضل من بعض ممن سبقهم تُقىً‏ وثباتاً‏ واستقامةً‏ وعم ‏ًلا.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


26<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

xjÊ


27<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


28<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

آان أبو حسن قد فقد ثقته تماماً‏ بقيادة فتح منذ الخروج من الأردن في تموز ‏(يوليو)‏ وبدأ 1971.<br />

يبحث عن بدائل أخرى من داخل التيارات التي أخذت تتنامى داخل فتح نتيجة لمراجعة تجربة<br />

الأردن.‏ وقد انتقل إلى بغداد حيث مكث فيها حوالي السنتين وآانت تعج بالنقاشات والبحث عن مخرج<br />

من الأزمة بعد الرحيل من الأردن.‏ ومن هناك انتقل أبو حسن إلى بيروت حيث أصبحت مرآز الثقل<br />

في فتح.‏ وقد راح يخوض في حوارات مطولة مع مختلف الكوادر والقيادات في بيروت حول البحث<br />

عن مخرج من الأزمة.‏<br />

آان الوضع في بيروت يعج بآراء لا حصر لها،‏ وآان المشارآون في النقاشات من داخل فتح ألواناً‏<br />

وألواناً،‏ بعضهم آان في أعلى مستويات المسؤولية في اللجنة المرآزية وأآثرهم من المجلس الثوري<br />

في حينه ومن الكوادر الأخرى في الصف الثاني والثالث.‏ وآانت الحرآة الطلابية بدورها تتأجج<br />

نشاطاً‏ وهي تبحث عن مخرج من الأزمة آذلك.‏<br />

فالبعض راح يطرح تشكيل تنظيم مارآسي لينيني على النمط اليسراوي،‏ وآخرون سعوا لتشكيل تكتل<br />

تقدمي باتجاه التحالف مع الاتحاد السوفياتى والجبهة التقدمية العربية والبعض راح يطرح تكتلاً‏ أو<br />

تنظيماً‏ فتحاوياً‏ حديدياً‏ من أجل تكريس نظام داخلي مرآزي ديمقراطي ينقذ التنظيم مما آان يسمى<br />

بالعقلية الفردية والعشائرية.‏<br />

وآان ثمة إرهاصات متواضعة لتفكير آخر أخذ منذ البداية موقفاً‏ نقدياً،‏ من آل هذه التيارات<br />

باعتبارها إجابات مخطئة على لإشكالية فتح وما يواجهها من أزمة.‏ فإن تشكيل تنظيم مارآسي<br />

لينيني على النمط اليسراوي لا يمكنه أن ينقذ الوضع وإنما قد يزيد الوضع الداخلي تأزماً.‏ فالإشكالية<br />

في جوهرها ليست تنظيمية أو متعلقة بالنظرية الثورية،‏ الأمر الذي يجعل هذا التناول مرتجلاً‏ وليس<br />

له أرآان.‏ آما أن تيار التحالف مع الاتحاد السوفياتي والقوى التقدمية ينحرف بفتح عن منطلقاتها<br />

ومنهجها وسياساتها.‏ ويكفي أن يحكم عليه بدراسة تجربة ما يسمى بالقوى التقدمية المتحالفة مع<br />

السوفيات وما أفرزته على أرض الواقع.‏ فتبنّي مثل هذا الخط رسمياً‏ يدمر فتح قطعاً،‏ وبهذا يكون<br />

الحل آالهارب من الدلف إلى المزراب.‏ والأخطر أنه يتضمن الاتجاه مستقبلاً‏ للتوافق وقرار مجلس<br />

الأمن 242 لأن التحالف والاتحاد السوفياتي لا يستقيم وهدف تحرير فلسطين.‏<br />

-<br />

آما أنه رد على التكتلات الرامية إلى الخروج من الأزمة من خلال وضع نظام داخلي لفتح وهو ما<br />

تم وفقاً‏ لتصور المعنيين في المؤتمر الثالث أواخر وقد التقت في هذا المؤتمر التوجهات<br />

اليسراوية والسوفياتية والإصلاحية آافة فقرر مبدأ ‏"المرآزية الديمقراطية"‏ ووضع نظاماً‏ داخلياً‏<br />

استعير من المبادئ العامة للأنظمة الداخلية في الأحزاب الشيوعية.‏ فكان حلاً‏ لا علاقة له بالحالة<br />

الفتحاوية المشكلة تاريخياً‏ على صورة محددة.‏ ولم يكن من الصعب أن يلحظ أن أغلب الداعين إلى<br />

إصلاح فتح وإعادة بنائها على أساس تنظيم ثوري وحديدي إن هو إلا وهم غير قابل للتنفيذ إلا إذا<br />

استبدل ناسها من القمة إلى القاعدة بغير ناسها الحاليين.‏ فإن الدعوة إلى الإصلاح على الرغم من أنها<br />

تلقى هوى وصدى لدى غالبية أبناء فتح إلا أنها آانت غير واقعية ولا تؤدي إلا إلى تأجيج<br />

الصراعات الداخلية.‏ وقد أراد البعض استخدامها لتحسين وضعه الداخلي.‏ فكانت تجمد في أغلب<br />

الحالات،‏ بعد الوصول إلى المواقع المطلوبة لتعود الأمور داخل فتح سيرتها الأولى وربما أسوأ.‏<br />

.1971<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


29<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وفي الواقع أثبتت التجربة العملية أن آل تلك التيارات ما آانت تستطيع مجتمعة أو منفردة أن تخرج<br />

فتح من جلدها أو تغير طبيعة ترآيبتها الداخلية،‏ أو العقلية السائدة فيها في إدارة وضعها الداخلي.‏<br />

فالمحاولات التي أرادت بناء التنظيم الثوري المارآسي سرعان ما تطايرت في اتجاهات شتى بعضها<br />

انضم إلى انشقاق وبعضها بصم بالعشرة لقيادة ياسر عرفات في تونس.‏ ولكنها في الحالتين<br />

تخلت عن مشروعها التي قامت عليه وأصبحت مقولاتها السابقة في خبر آان.‏ أما التيار السوفياتي<br />

فقد تعاظم نفوذه داخل فتح ومجلسها الثوري لاسيما في سنوات الحرب الأهلية.‏ وذلك لما امتلك من<br />

دعم دولي وعربي ومساندة من القوى التقدمية اللبنانية التي تعاظم نفوذها في أثناء الحرب الأهلية<br />

اللبنانية وإن آان ذلك،‏ بداية،‏ بالاتكاء على فتح وفصائل م.ت.ف..‏ فقد آانت قيادة فتح تجد في تلك<br />

الجبهة غطاء لنفوذها وسلطتها المتنامية في لبنان بعد انفجار الحرب الأهلية في نيسان ‏(ابريل)‏<br />

وآان الثمن الذي دفع هو تعظيم دور تلك القوى لاسيما منظمة العمل الشيوعي والحزب<br />

الشيوعي اللبناني على حساب الإسلام السياسي السني التقليدي وبعض الناصريين والحرآة الإسلامية<br />

السنّية في بيروت وصيدا وطرابلس،‏ وعلى حساب القيادة الشيعية السياسية التقليدية وحرآة<br />

المحرومين ثم حرآة أمل الشعبية في المناطق الشيعية من لبنان،‏ لاسيما الجنوب.‏ ولكن هذا الاستقواء<br />

الذي امتلكته جبهة القوى والأحزاب التقدمية عاد بدوره فمارس تأثيره في توازنات فتح الداخلية<br />

وراح يرجّح من دفة القوى الأآثر اتجاهاً‏ نحو السوفيات ومعسكرهم عالمياً‏ وجبهة القوى التقدمية<br />

عربياً‏ وتقدمياً.‏ أما الدخول السوري إلى لبنان والمعارضة المغالية التى ووجه بها من قبل جبهة القوى<br />

والأحزاب التقدمية اللبنانية والفلسطينية،‏ بما فيها تلك التي في فتح فقد سمح بإضعاف قوة التيار<br />

‏"التقدمية"‏ داخل فتح نفسها لاسيما بعد هزيمته العسكرية في الجبل في منطقة عينطورة أمام القصف<br />

السوري.‏ وآانت تعتبر القاعدة المحررة وسميت بالجيب الأحمر.‏<br />

،<br />

1983<br />

.1975<br />

على آل حال انتهى تيار القوى التقدمية بألوانه المختلفة في فتح بعد الانشقاق الذي حدث عام 1983<br />

لا سيما بعد انتقال قيادة فتح إلى تونس.‏ ولكن يجب أن يسجل له أنه آان ماضياً‏ آالصاروخ في<br />

السيطرة على فتح في ظروف المنتصف الثاني من السبعينات على مستوى معادلة الحرب الباردة<br />

والوضع اللبناني والصراعات العربية لاسيما مع انتهاج القاهرة سياسة عزلة عربية ولبنانية منذ فك<br />

الاشتباآين الأول والثاني وصولاً‏ إلى المعاهدة المصرية فالانشقاق أثبت أنه استطاع أن<br />

يحشد حوله قوى آثيرة وإن لم تكن آلها من الاتجاه نفسه.‏ بيد أنه أثبت من جهة أخرى عدم قدرة على<br />

التحول إلى بديل بل عدم قدرة على المحافظة على قواه التي بدأ منها الانشقاق.‏ أما من الجهة الأهم<br />

فإن التجربة أثبتت أن نقطة الانطلاق التي تشكلت على أساسها تلك التوجهات أي تحت دعوى<br />

إصلاح فتح وإعادة بنائها على أساس تنظيم ثوري لم تكن واقعية أو جادة من هذه الزاوية،‏ وهذا ما<br />

جعلها تتحول الى مسار آخر مع أولى خطواتها.‏<br />

- الإسرائيلية.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


30<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />


31<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

."<br />

"<br />

آكل.‏ آما قد يؤدي إلى اقتراح مبادرات إنقاذية على جبهة الصراع ضد العدو يمكن تنفيذها من قبل<br />

ثلة من المناضلين دون أن يكون بمقدرة أحد معارضتها أو منعها.‏<br />

ومن هنا آانت بدايات تيار أبي حسن وإخوانه متحررة من إغراءات الشعارات الكبرى المتعلقة<br />

بالنظرية الثورية والحزب الثوري أو التنظيم الحديدي الثوري،‏ وآانت تحمل إرهاصاً‏ إيجابياً‏ في<br />

مواجهة الأزمة المستعصية على الحل والتي ستتواصل إلى أمد طويل قادم.‏ هذا وآان في جعبتهاً‏<br />

عشرات الأمثلة لتجارب عالمية توفرت لها تلك الشروط ولم تدخل أزمة خانقة فحسب وإنما أيضاً‏<br />

اجتثت من جذورها.‏ فلم تكن آل التجارب هي فيتنام أو الصين أو ثورة أآتوبر.‏ فتجارب الفشل أآثر<br />

عشرات المرات ابتداء من آومونة باريس إلى انتفاضات برلين ووارسو وشنغهاي إلى الحروب<br />

الأهلية في اليونان والملايو والفلبين وإلى الثورات في أمريكا اللاتينية وغيرها،‏ ومن ثم يجب عدم<br />

الوقوع بإغراء الشعارات الكبرى التي تجتذب حديثي العهد بالمارآسية والآتين من عالم الفتحاوية<br />

التبسيطية أو القومية الطوباوية.‏<br />

هذا النقد الذي وجه إلى تلك التيارات ارتكز من ناحية إيجابية على البدء ببلورة مشروع مقابل انطلق<br />

من أن فتح غير قابلة للإصلاح بمعنى إعادة بناء تنظيمها على الأسس التي يتحدث عنها المصلحون<br />

ولطالما آان أبو حسن يردد فالج لا تعالج فما من حرآة يمكن أن تغيّر إلا من خلال قيادتها أو<br />

إزاحة قيادة وإحلال قيادة أخرى.‏ وآان هذان الخياران غير واردين لا من ناحية واقعية أو نظرية ولا<br />

من ناحية الظروف العربية والدولية.‏ آما أن بقاء القيادة آان يعني بقاء منهجها وعقليتها لا محالة.‏<br />

وهذا ما أثبتت صحته التجربة على الرغم مما يبدو عليه من مظهر قسوة وتشاؤم.‏ والأخطر،‏ أنه آان<br />

يعني إما القبول بواقع فتح من حيث الأساس وواقع قيادتها،‏ وإما البحث عن بديل خارجها.‏ ولكن<br />

محاولة تغيير الظاهرة بما يناقض تكوينها الأساسي نشأةً‏ وقيادةً‏ وترآيباً،‏ سيؤدي إلى تعمق أزمتها<br />

الداخلية إن لم يؤد إلى التمزيق والانشقاق أو زيادة الشلل.‏ آما أن عدم ملاحظة العلاقة بين فتح<br />

والوضع العربي في محصلته تمنع من رؤية علاقة مستقبل أي مشروع فلسطيني بالوضع العربي<br />

والمعادلة العربية والدولية.‏ ومن ثم فإن الواقع الموضوعي والذاتي فلسطينياً‏ وعربياً،‏ وإلى أمد بعيد،‏<br />

سيبقي فتح على حالها من حيث الجوهر.‏ وإذا آان هنالك من إمكان لتغيير هذا الوضع فمستقبله<br />

المنظور سيتوقف على مدى تعاظم النفوذ السوفياتي دولياً‏ وعربياً‏ وتمكنه من فتح.‏ وهو الخيار الذي<br />

آان خيار إبقاء القيادة وفتح على حالهما،‏ وعلى ما بهما،‏ أفضل منه بالنسبة إلى الصراع ضد العدو،‏<br />

آما بالنسبة إلى تنامي حرآة التغيير العربي،‏ والحفاظ على منطلقات فتح ومبادئها.‏<br />

<


32<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ثم يمكن القول بينما آانت التيارات التي راحت تتشكل في تلك المرحلة تقدر الوضع من زاوية جزئية<br />

أحادية الجانب آان يتنامى تيار.....‏<br />

وبدأ هنا أبو حسن يقتنع به ويتقدم صفوفه يسعى لتقويم الوضع تقويماً‏ شمولياً‏ يلحظ الايجابيات آما<br />

يلحظ السلبيات.‏ ويميل إلى ترجيح الايجابيات على السلبيات.‏ ففتح ومن خلال قرارات قيادتها صنعت<br />

انطلاقة الثورة الفلسطينية،‏ وهي التي أعادت المبادرة للكفاح المسلح والمقاومة بعد حرب حزيران<br />

‏(يونيو)‏ ، وهي التي أخذت قرار الصمود والمواجهة في الكرامة،‏ وهي التي حمت استمرارية<br />

البنادق وخط الكفاح المسلح حتى حينه،‏ وهي التي وقفت في مقدمة الصدامات والعدو الصهيوني،‏<br />

وهي التي جمعت في صفوفها الحشد الأآبر من الكفاءات والقدرات الثورية،‏ وهي التي قدمت أآبر<br />

التضحيات في الأرض المحتلة آما على خطوط التماس في الأردن ولبنان،‏ فكيف ينسى آل ذلك ولا<br />

يحسب في رصيد قيادتها وتكوينها بمجموعه مقابل ما يوجه من النقد للعشائرية التنظيمية وللنيات<br />

الدفينة،‏ وحماية بعض الفاسدين،‏ وعدد لا يستهان به من نواقص هنا وهناك.‏ وآان الحكم في نهاية<br />

التحليل أعلاه يؤدي إلى موقف إيجابي من وضع فتح إذا أخذ بكليته وشموليته.‏ وهنا نشأت مقولة<br />

حملها أبو حسن وسعد وأبو محمود وحمدي وعلي أبو طوق ومروان وأبو خالد جورج والحاج حسن<br />

ومحمد علي وغيرهم،‏ وقد أخذت تتحول إلى تيار،‏ تقول:‏ أن فتح تتقدم،‏ منذ عام<br />

الكرامة،‏ على الأقل،‏ وفقاً‏ لقانون ‏"المحصلة"‏ ‏"أي خروج محصلة عامة من خلال تصارع عدة قوى<br />

واتجاهات داخلها،‏ ومثلها مؤثرة من الخارج فيها.‏ فهي لا تعمل ضمن خط صارم ينتظم الجميع بلا<br />

استثناء آما هو الحال في الأحزاب الشيوعية أو أحزاب البعث التي تحرص على وحدة الموقف من<br />

القمة إلى القاعدة ووحدة المسلك ووحدة المظهر ووحدة الممارسة.‏ ففتح تتقدم على أساس نظام<br />

محصلة القوى.‏ ففي داخلها اجتهادات متعددة وأحياناً‏ متضاربة في الأيديولوجية والسياسة والممارسة<br />

وثمة تنوع مشهود من جهة الأصول التي جاءت منها قياداتها وآوادرها وقواعدها.‏ فقد آانت أحياناً‏<br />

تعكس في داخلها الوضع العربي آله رسمياً‏ وشعبياً‏ والوضع الفلسطيني بمختلف تياراته،‏ فهي حالة<br />

معقدة مرآبة.‏ وآان الحكم عليها أولها يتجه دائماً‏ إلى أحادية الجانب أي الترآيز على جانب أو<br />

جوانب دون سواها.‏ فعلى سبيل المثال آان تيار أبي حسن يرد على الذين يشيرون إلى بعض<br />

الفاسدين أو النفعيين داخل فتح بالقول لماذا لا ترون في داخلها ذلك الحشد الهائل من المستقيمين<br />

والصادقين والمناضلين.‏ واذا آنتم تتهكمون على قانون ‏"المحبة"‏ في معالجة عدد من الإشكاليات<br />

الداخلية باعتباره قانوناً‏ عشائرياً،‏ فإنه قانون صحيح ويجب ألا يخلو منه تنظيم محترم،‏ بل هو من<br />

إيجابيات فتح وإبداعاتها فلا تنظروا إلى بعض سلبياته حين يتسامح هو حالات فاسدة فقط،‏ وإنما<br />

انظروا إلى شمول ايجابيته على المستوى العام.‏ بكلمة إنه أفضل من قاعدة المرآزية الديمقراطية في<br />

الأحزاب الشيوعية(ا).‏<br />

، بعد<br />

1968<br />

1967<br />

وهكذا أخذ التيار المذآور يتكون على أساس تلك النظرة إلى فتح وراح يجدد القناعة التامة بصحة<br />

المنطلقات والأهداف وبصحة الإستراتيجية والتكتيك للوصول إلى تلك الأهداف.‏ وإذا آان التطبيق<br />

العملي خلال السنوات السابقة قد أثبت إيجابيات آثيرة لفتح وإدارتها للصراع واتخاذها للقرارات<br />

المناسبة في الأوقات المناسبة عموماً‏ من حتى وإذا آانت بنيتها تعكس حالة شعبية<br />

معقدة ومرآبة وآانت ذات طابع شعبي وآانت الأقرب إلى خط الجماهير،‏ وإذا آان الوضع الذاتي<br />

والموضوعي فلسطينيناً‏ وعربياً‏ ودولياً‏ غير مهيأ لولادة بديل أفضل فإن الحكمة والموقف الصحيح<br />

.1973<br />

1965<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


33<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

يفرضان البقاء في هذا الموقع الثوري الذي يعمل بمحصلته.‏ وإن محصلته حتى الآن ‏(ما بين -<br />

تسير بالاتجاه الصحيح ويتوقع لها الاستمرار على هذا المنوال حتى الأمد المنظور في الأقل.‏<br />

72<br />

(73<br />

بيد أن هذا الفهم لوضع فتح وما يحيطها من معادلات آان يفترض انتهاج خط داخلها يأتي،‏ بصورة<br />

واعية،‏ باتجاه المحصلة الصحيحة.‏ ومن ثم فإن المطلوب إتباع سياسات وممارسات تدفع المحصلة<br />

العامة إلى أمام.‏ فإذا آان من غير الممكن تغيير واقع فتح ومن غير الممكن إصلاحها بالجملة من<br />

قاعدتها حتى قمتها فإن من الممكن،‏ وهو ما تسمح به ترآيبة فتح،‏ أن ينمو فيها تيار يدفع باتجاه<br />

العوامل الايجابية ويخفف موضوعياً‏ من تأثير العوامل السلبية.‏ فإذا آان التشكّي يمس إشكالية<br />

الاستمرار في القتال أو الحزم فيه ضد العدو فلينشأ تيار يدفع بهذا الاتجاه وينميه ويمارسه،‏ ولا<br />

يعامله مجرد اقتراح وعلى الآخرين تنفيذه،‏ أو يعارض تحت رايته ‏"وآفى االله المؤمنين القتال".‏ وإذا<br />

آان التشكّي من تدهور في القيم الثورية والأخلاق فلينشأ تيار يتحلى بأعلى القيم الثورية ويستمسك<br />

بالأخلاق الحميدة.‏ وإذا آان التشكّي من سوء العلاقة بالجماهير وبضرورة الالتصاق بها وحفزها<br />

للمشارآة.‏ فلينبر المعنيون إلى تنفيذ ذلك وتطبيقه عملياً‏ بدلاً‏ من استخدامه شعاراً‏ لمعارضة القيادة،‏ أو<br />

بعضها دون أن يقدم المثل الحي على ذلك.‏<br />

هنا بدأ الخط يتبلور ضمن معادلة فتح نفسها وبما يتناسب وإياها واقعياً،‏ وبما يتيح له الاندماج فيها<br />

أآثر،‏ وبما يكون في خيرها وخير القضية والشعب الفلسطيني والأمة العربية.‏ بينما راحت أغلب<br />

التيارات الأخرى تجنح إلى التعامل والوضع من خلال تشكيل نوع من المعارضة الداخلية الشبيهة<br />

بالمعارضة البرلمانية،‏ وهي في ظروف ثورة والثورة لا تناسبها مثل هذه المعارضة،‏ آما لا يجدي<br />

تآمر انقلابي يتجه إلى السيطرة على الوضع أو الانشقاق في ظروف شتات فلسطيني لا ينفع معه<br />

انقلاب ولا ينقذه الانشقاق،‏ فكل انشقاق يحتاج بالضرورة إلى حاضن عربي وآان ذلك يكفي ليفقد<br />

الكثير من مصداقيته،‏ والأهم يفرض عليه تحولاً‏ غير الذي آان يريده في البدء.‏<br />

وحدث في تلك المرحلة أن أخذ العدو يعد لانتخابات بلدية.‏ وخشيت قيادة فتح من شبح القيادة البديلة.‏<br />

وهنا تحرك الشهيد آمال عدوان وآان عضواً‏ في اللجنة المرآزية.‏ وأصبح مسؤولاً‏ عن القطاع<br />

الغربي في فتح.‏ وآان رحمه االله قائداً‏ فذاً‏ وذآياً‏ جداً،‏ وحيوياً،‏ وقد أحس بالحاجة إلى ارسال عدة<br />

مجموعات مقاتلة إلى داخل الارض المحتلة من جنوبي لبنان.‏ وذلك ليؤآد على قوة فتح ووجودها<br />

أمام الشائعات التي آانت تدعي انتهاءها بعد الخروج من الأردن وانحسار العمل المسلح.‏ ومن ثم<br />

توجيه انذار غير مباشر لكل من قد ينقاد وراء ‏"مؤامرة القيادة البديلة".‏ وفوجئ الشهيد آمال عدوان<br />

بعد تجواله في القواعد في جنوبي لبنان بقلة عدد المستعدين للتطوع في هذه المهمة،‏ فالمعنويات آانت<br />

مهتزة وفوجىء بتضاؤل عدد الأدلاء الذين يعرفون الحدود ومناطق الجليل معرفة جيدة.‏ وعندما شاع<br />

خبر هذه الجولة ونتيجتها آثرت ملاحظات تلك التيارات في إبراز فشل القيادة،‏ وسوء عملها الذي<br />

أدى إلى آل ذلك.‏ ولكن السؤال الذي طرح في المقابل:‏ إذا آان الأمر آذلك لماذا لا يتقدم أصحاب<br />

نظرية التنظيم الثوري الحديدي أو الحزب الثوري والنظرية الثورية،‏ وتدعيم خط القتال فيتولون هم<br />

تشكيل مجموعات أو مجموعة أو اثنتان،‏ على الأقل،‏ بقيادة بعضهم لتنفيذ المهمة فيؤآدون على أرض<br />

الواقع صحة دعواهم ومصداقيتها.‏ ويثبتون جدارة نقدهم للقيادة وواقعيته؟<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


34<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

أثار السؤال حنق أغلب تلك الاتجاهات وآان الجواب أن المسألة بحاجة إلى إمكانات وإعداد،‏ أو<br />

بكلمة أخرى بحاجة،‏ إلى أن يكونوا مكان القيادة حتى يمكن تنفيذ ذلك.‏ ولكن مثل هذا السؤال ضرب<br />

عند أبي حسن على وتر حساس،‏ لما آان يتسم به نظر ثاقب وعزيمة عملية استثنائية.‏ فقد التقطه<br />

لينشىئ خطاً‏ آاملاً‏ على ضوئه وليزيد من الفراق بينه وبين مثل تلك المدارس في معالجة الأزمة في<br />

فتح.‏ هنا أصبح منهج أبي حسن وسعد وأبي خالد جورج والحاج حسن يتجه نحو القول ولماذا لا نضع<br />

نحن آل ثقلنا لسد هذه الثغرة أو تلك في عمل فتح والثورة ما دمنا مقتنعين بصحة ذلك بدلاً‏ من البقاء<br />

في مواقع المعارضة في المكاتب واللقاءات الليلية هنا وهناك؟ من هنا بدأ يتبلور ذلك التيار أو الخط<br />

المتميز.‏ وآان لا بد من أن يجتذب العناصر الأآثر رغبة في الممارسة والقتال وميلاً‏ إلى ذلك.‏ بل<br />

استطاع أن يستعيد عدداً‏ من الكوادر إلى العمل من جديد في صفوف فتح بعد أن غادرتها،‏ أو آانت<br />

في الطريق إلى ذلك،‏ بسبب النقمة على الأوضاع أو القيادة.‏<br />

فما دامت فتح تسمح بالمبادرات على اختلافها وأحيانا تشجعها فلماذا لا يجد مثل هذا الخط مكاناً‏ له<br />

وذلك من خلال فرض نفسه وممارسته على الواقع.‏ وإذا آان لا بد من الانفصال بسبب اجتهاده<br />

وسياساته وعمله فليأت القرار من قيادة فتح لا منه.‏ وآما آان يقول أبو حسن:‏ ‏"نحن نعلن ما نراه<br />

صحيحاً‏ في السياسة والمواقف ونمارس ما نراه صحيحاً‏ ولا نبالي أوجد ذلك قبولاً‏ من القيادة أو لم<br />

يجد،‏ ولنترك لهم أن يقرروا بقاءنا في فتح وتحمل هذا الخط المتميز أو عدم بقائنا.‏ وإذا آنا راغبين<br />

في البقاء ونراه الخيار الأفضل فإننا لا نخشى من إلقائنا خارجًا".‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


35<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


36<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المثال،‏ آيف تطور عسكري براغماتي مثل منغستو هايلي مريام من مغامر إلى حليف للسوفيات<br />

وحول أثيوبيا إلى قاعدة سوفياتية ثم مع إنهيار الاتحاد السوفياتي راح يبحث عن سيد أمريكي أو<br />

غربي أو إسرائيلي وآان مستعداً‏ أن يتحول إلى أي شيء ويطبق أي خط،‏ فإنه لا يعرف آيف يجب<br />

أن تفهم مثل هذه الحالات.‏<br />

والسؤال هل آان من الحكمة،‏ على سبيل المثال،‏ أن يعامل منغستو هايلي مريام في أواخر السبعينات<br />

باعتباره عميلاً‏ أمريكياً‏ أو إسرائيلياً‏ أي باعتبار ما سيؤول إليه لا باعتباره آما آان عليه في حينه؟<br />

وبالمناسبة ألا نرى في هذا الزمن عشرات الظواهر عربياً‏ ودولياً‏ وعالمياً‏ آانت في ظروف معينة<br />

وضمن موازين قوى معينة في مقدمة القيادات المعادية للامبريالية والحاملة لواء الثورية والتقدمية<br />

وهي الآن تنقلب إلى التعلق بذيول الامبريالية الأمريكية وتطأطئ،‏ رأسهاً‏ أمام الصهيونية والعنصرية<br />

الإسرائيلية لتمثل أحط ألوان الاستسلام والعداء للأمة.‏<br />

فالمنهجية التي جسدها أبو حسن وإخوانه منذ عام 1973 آانت تستند إلى التعامل وظاهرة القيادة<br />

الفلسطينية باعتبارها وطنية ومخلصة دون أن يمنع ذلك توقع انعطافات خطيرة من قبل بعضها وفقًا<br />

لتطورات ميزان القوى.‏ فالتوقع الوحيد لم يكن،‏ على أية حال،‏ هو ما آلت إليه الآن لأن تغيراً‏ باتجاه<br />

الإنحياز الشديد نحو السوفيات آان الأآثر احتمالاً‏ في حينه،‏ وذلك إذا ما حسبت معادلة ميزان القوى<br />

الدولي والمعادلة العربية،‏ وهذا ما حدث فعلاً.‏ وآان من الممكن أن يقع التغيير بهذا الاتجاه أآثر لو<br />

جاءت تطورات الوضع الدولي والعربي على هذه الصورة،‏ ولم يكن بلا مغزاً‏ حين أشاع بعض<br />

اليساريين التقدميين في فتح،‏ فيما بعد،‏ أنه يتوقع من ياسر عرفات أن يكرر تجربة هايلي مريم أو<br />

تجربة آاسترو في الثورة الفلسطينية.‏<br />

لقد آان وراء هذه المنهجية في تقويم وضع القيادة الفلسطينية تلك الدروس القاسية التي تلقتها<br />

الأحزاب الشيوعية وعدداً‏ من الأحزاب القومية حين آانت تخطيء في تقويم ظاهرة القيادات<br />

الوطنية،‏ والتي آان يحلو لها أن تسميها القيادات البرجوازية الوطنية.‏ وذلك حين قام التقويم لعبد<br />

الناصر في العام و باعتباره دآتاتوراً‏ وعميلاً‏ لأمريكا ثم انقلب بعد صفقة الأسلحة<br />

التشيكية وتأميم قناة السويس إلى قائد القومية العربية العظيم،‏ والمعادي الأول للأحلاف العسكرية<br />

والامبريالية الأمريكية.‏ ولكن ما أن دخل عام وتأزمت علاقاته بعراق عبدالكريم قاسم<br />

والاتحاد السوفياتي وبدأ تقارباً‏ وأمريكا،‏ حتى أصبحت تهمته الانتقال إلى أحضانها وإلقاء أعلام<br />

القومية والتقدمية ومعاداة الإمبريالية بعيداً‏ في البحر وتكرر الانقلاب في التقويم مع زيارة<br />

خروتشوف وبولغانين لمصر وافتتاح السد العالي عام - 1963 1964.<br />

1959<br />

1954<br />

1953<br />

وإذا به يتعدى أن يكون قائداً‏ وطنياً‏ وقومياً‏ آبيراً‏ معادياً‏ للامبريالية إلى أن يصبح قائداً‏ تقدمياً‏ اشتراآياً‏<br />

ثم عادوا وعدلوا هذا التقويم بعد سقوط خروتشوف.‏<br />

المهم هنا أن التقويم آان في آل مرة يستند إلى الوجه السائد في سياسة عبد الناصر دون أن تلحظ أن<br />

موازين القوى تحمل في طياتها تأثيراً‏ مباشراً‏ في الاتجاهات التي تأخذها السياسة البراغماتية.‏ أما في<br />

المقابل فكان هنالك من حكموا على ظاهرة عبد الناصر منذ اليوم الأول بأنه عميل لأمريكا وبقوا على<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


37<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

1970<br />

ذلك،‏ وانتهوا بعد موافقته على مشروع روجرز إلى التأآيد بأنهم آانوا دائماً‏ على صواب.‏<br />

ولكنهم لم يلحظوا أن السياسة حين تعامل على هذه الصورة لا تستطيع أن تفسر آل الحالات التي تمر<br />

بها الظاهرة.‏ ولا تسمح بمعالجة آل حالة،‏ فتترك صاحبها بلا فعل يومي ايجابي مع الأحداث فإما<br />

تدفعه إلى الجمود والعزلة العملية وإما إلى المغامرة والتطرف والبعد عن الجماهير.‏ فإذا آانت<br />

القيادات الاجتماعية أو السياسية التي تنقلب من حال إلى حال،‏ سلباً‏ أو إيجاباً،‏ بسبب اجتماع<br />

البراغماتية فيها وتغيرات موازين القوى هي آثيرة ومتكررة،‏ فإن من الخطأ تثبيت حكم واحد عليها<br />

لا يتغير،‏ أو الحكم عليها بأنها آيلة إلى مآل بعينه بغض النظر عن تغيرات موازين القوى والتي تحمل<br />

في الغالب،‏ أآثر من احتمال لتغيرها،‏ إلا إذا آان قد رأى على بعد عشرين سنة مسبقاً‏ ما ستؤول إليه<br />

الأوضاع وموازين القوى محلياً‏ وإقليمياً‏ ودولياً‏ وأخذ بحتمية تاريخية فجة.‏<br />

ثم هناك الإشكالية الأخرى التي تبرز في هذا الصدد آذلك ألا وهي منهجية التعامل وظاهرة مرآبة<br />

ومعقدة بسبب تشكلها من عدة أوجه وجوانب أو تكونها من عدة عناصر.‏ فثمة منهجية الحكم عليها<br />

حكماً‏ أحادي الجانب استناداً‏ إلى جانب أو أآثر،‏ أو عنصر أو أآثر فيها ومن ثم تجاهل،‏ أو عدم<br />

إدخال،‏ الجوانب والأوجه والعناصر الأخرى في الحساب أو في الحكم.‏ بينما منهجية التعامل وإياها<br />

من خلال الاجتهاد بتوزين مختلف أوجهها وجوانبها وعناصرها المكونة وإقامة حكم عام يرجح<br />

الإيجابيات على السلبيات أو العكس وذلك من أجل أن يكون بمقدوره تدعيم الايجابيات ومقاومة<br />

السلبيات.‏ ولكن مع ذلك ستظل ثمة صعوبة آبرى في التعامل السياسي اليومي في أن يقبل منك<br />

الآخرون هذه المنهجية أو في عدم اتهامك بتأييد ما هو سلبي في الظاهرة أو إلصاقك به،‏ وأنت حاول<br />

تأييد ما هو إيجابي فقط وتعارض ما هو سلبي.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


38<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

V


39<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وهكذا آان حساب أغلب قيادة فتح في محصلته دائماً‏ في مصلحة بقاء هذا التيار داخل صفوفها<br />

بالرغم من امتعاضها الدائم منه وسعيها لتقليمه وتحجيمه وحتى تصفيته إن أمكن.‏ بينما آان حساب<br />

أبي حسن وحمدي وإخوانهم،‏ في المقابل،‏ هو البقاء ما دامت فتح في مواقع المواجهة وآانت<br />

محصلتها العامة باتجاه فلسطين.‏ وما دام البقاء فيها لا يؤثر من قريب أو بعيد في استقلالية الموقف<br />

الفكري والسياسي والعملي بما في ذلك محافظته على الاستقلالية في نسج العلاقات الشعبية خارجها.‏<br />

أما من جهة أخرى آان البقاء في الداخل يخدم أبا حسن وحمدي من موقعهما في القطاع الغربي من<br />

حيث تغطية مالية حاجة العمل في الداخل المحتل حتى لو آانت تلك التغطية شحيحة وإن حجبت<br />

تماماً‏ أحياناً.‏ فقد آان هنالك حذر دائم من أن يؤدي الخروج من فتح إلى الوقوع تحت رحمة المحاور<br />

العربية أو رحمة البحث عن تغطية للعاملين وللعمل في الأرض المحتلة.‏ ولهذا آان ثمة حرص على<br />

عدم طلب الخروج من فتح،‏ أو الدفع باتجاهه،‏ وإن لم يكن ثمة خوف منه.‏ بل آان هنالك استعداد دائم<br />

لاستقباله،‏ لاسيماً‏ بعد أن طرح مشروع الجهاد.‏ وأصبح الوضع يختلف عما آان عليه في السبعينات<br />

اختلافاً‏ جوهرياً،‏ خصوصاً،‏ وأن التنازل عن منطلقات فتح ومبادئها من جانب المجالس الوطنية<br />

وقراراتها أصبح متسارعاً‏ فلم تعد المنطلقات والمبادئ هي الجامع للفتحاويين وقد راح يحل محلها<br />

العصبوية الفتحاوية والطموح المشترك للوصول إلى السلطة في الأرض المحتلة،‏ واقتسام بعض<br />

الغنائم،‏ وضمان المستقبل الفردي والعائلي ضمن برنامج سياسي جديد يختلف بمستوى درجة<br />

عن برنامج فتح الأول الجامع.‏<br />

180<br />

في الواقع أخذت قيادة فتح بحجب الموازنة التي آانت مخصصة للجنة التنظيم في القطاع الغربي،‏<br />

والتي آان يشرف عليها أبى حسن وحمدي حجباً‏ صارماً‏ منذ أواخر العام مما يعني تجميد<br />

وضعهما في الحرآة دون قرار بالفصل.‏ ولكن ذلك لم يمنعهما من مواصلة نشاطهما العملي دون أن<br />

يلتفتا إلى ما حدث،‏ أو يترك فيهما أثراً‏ مثبطاً‏ أو سيئاً‏ أو يدفعهما إلى العودة الصاغرة للقيادة.‏ واستمر<br />

هذا الوضع حوالي الثلاث أو الأربع سنوات.‏ وقد لجأ الشهيدان للتعويض الجزئي عن ذلك إلى<br />

التعاون مع عدد من الأفراد والشخصيات الذين يحترمونهما ويقدرون جهدهما وخطهما وراحوا<br />

يقدمون لهما ما يستطيعون،‏ على شحه،‏ وقد أسهم ذلك إسهاماً‏ آبيراً‏ في بقائهماً‏ في الميدان.‏ ويكفي أن<br />

يذآر أن عملية البراق وعملية عطاف عليان وعملية الشجاعية تمت في تلك المرحلة الضيقة من<br />

الناحية المادية،‏ والفسيحة من ناحية الإيمان والعطاء والروح الجهادية.‏<br />

.1984<br />

لقد حاول الشهيد أبو جهاد،‏ بعد اندلاع الانتفاضة،‏ وبسببها،‏ آما بسبب تصاعد العمليات الجهادية<br />

ورسوخها في الأرض،‏ والبداية القوية لبروز حماس،‏ وربما مع تفاقم خلافه مع ياسر عرفات.‏ فضلاً‏<br />

عن الإدراك بأن حجب الموازنة عن أبي حسن وحمدي لم يجد شيئاً،‏ أن يلطف الجو معهما.‏ وقد<br />

طرح أن تعود المياه إلى مجاريها من حيث التعاون في مجال الانتفاضة والمقاومة ضد العدو إلا أن<br />

ذلك لم يتم فقد قتل الشهداء الثلاثة بعد ذلك بأسبوعين واستشهد أبو جهاد بعدهما ببضعة أسابيع.‏<br />

فكان ذلك آأنه المحاولة اليائسة لاستعادة مرحلة آانت قد آذنت على الانتهاء بالنسبة إلى ما مثله<br />

الشهيد القائد أبو جهاد وما مثله أبو حسن وحمدي من جهة ثانية،‏ لتبدأ في المقابل،‏ مرحلة الانتفاضة<br />

وحماس من ناحية ومرحلة فتح مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن واتفاق أوسلو من ناحية ثانية.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


40<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

آانت منطلقات فتح ومبادئها بالنسبة إلى أبي حسن وحمدي وإخوانهما مرجعية أساسية في الإطلالة<br />

على الوضع الفلسطيني واللبناني والعربي.‏ فكان لهم اجتهادهم المتميز بالنسبة إلى عدد من القضايا<br />

التي أصبحت محط صراع فكري وسياسي داخل فتح والساحة الفلسطينية والعربية.‏ وآثيراً‏ ما آان<br />

اجتهادهم يأتي متعارضاً‏ والموقف الرسمي الذي تعلنه قيادة فتح،‏ فكانوا يعتبرون أنفسهم في هذه<br />

الحالة هم الذين يعبرون عن الموقف الفتحاوي الأصيل والصحيح.‏ وآانوا يخوضون من هذا الموقع،‏<br />

وعن قناعة تامة،‏ مختلف الصراعات المتولدة عنه.‏ وقد احتد هذا الأمر،‏ بصورة خاصة،‏ في أثناء<br />

الحرب الأهلية اللبنانية،‏ وقبلها بالنسبة إلى الموقف من التضامن العربي في حرب تشرين وما تلاها<br />

من مواقف مست الحظر النفطي الذي قادته السعودية.‏ ولعل الدخول في التفصيل والتحديد حول ما<br />

خاضه هذا التيار من صراعات سياسية وفكرية ليعطي صورة واضحة عن خط حافظ على روح<br />

المنطلقات والمبادئ في آل مناسبة،‏ وآان،‏ من وجهة نظره،‏ الأآثر دقة في التعبير السياسي والفكري<br />

عن الموقف الصحيح لفتح والثورة الفلسطينية ومصلحتهما.‏ وذلك على الرغم من موقف قيادة فتح<br />

الذي آان آثيراً‏ ما يحمل تأويلاً‏ آخر.‏ ومن ثم يتهم أبا حسن وحمدي وإخوانهما بالخروج على فتح.‏<br />

فالبعض آان يعتبر فتح هي ما تعبر عنه القيادة ويتعامل وإياها من خلال القيادة.‏ أما أبو حسن<br />

وحمدي وإخوانهما فكانوا يجتهدون ويأخذون المواقف آأنهم هم قادة فتح والمسؤولون عنها.‏ ومن هنا<br />

لم يتشكل منهجهم في المعارضة من خلال المزايدة أو طرح الشعارات الأآثر تطرفاً‏ وإنما من خلال<br />

أن تضع نفسك مكان القيادة وتتصرف بهذا المستوى من المسؤولية،‏ وبعد ذلك تقترح ما تراه مناسبًا.‏<br />

وهو ما آان يجعل خط أبي حسن وحمدي وإخوانهم يبدو في آثير من الأحيان آأنه يقف على ‏"يمين<br />

القيادة"،‏ آما آان يبدو للنظرة السطحية بل آان أآثر مرونة منها في التعاطي والأزمة اللبنانية أو<br />

الصراعات العربية ولنقف عند بعض الأمثلة على ما تقدم.‏<br />

- العربية.‏<br />

وخلاصة،‏ لم يكن تحليل وضع القيادة والعلاقة بفتح يقوم على إصدار حكم نهائي وإن انطلق من<br />

اعتبارها قيادة وطنية وثورية.‏ ولكن دون اعتباره شهادة دائمة وأبدية.‏ وبلا مراعاة لاحتمالات<br />

تطورات ميزان القوى والمعادلات.‏ فالتقدير الذي قام على أساس معاملتها باعتبارها قيادة وطنية<br />

استند إلى تاريخها وحاضرها أما التوقع بالنسبة إلى المستقبل المنظور - لنقل عشر سنوات<br />

يرى استمرار التقدير نفسه.‏ أما الدافع للتوقف طويلاً‏ أمام هذه المسألة،‏ فكان بسبب الصراعات التي<br />

دارت داخل الاتجاهات الإصلاحية،‏ لاسيما أآثرها تطرفاً‏ يسارياً‏ وتقدمياً،‏ وهي الاتجاهات التي قامت<br />

موضوعاتها على التشكيك إلى حد التخوين.‏ وقد رفض أبو حسن وإخوانه في ذلك الوقت المساومة<br />

بأن يميز بين ما يعلن وما يقال ‏"داخلياً"‏ إذ أصروا أن يكون الموقف واحداً.‏ فإذا آان من غير<br />

الضروري أن يقول الإنسان آل ما عنده إلا أن من الخطأ أن يقول شيئاً‏ يخالف أو يناقض ما احتفظ به<br />

ولم يقله.‏ وقد اعتبروا هذه مسألة منهجية من الدرجة الأولى،‏ آما أنها مسألة أخلاقية ومسلكية.‏ أما<br />

الاتجاه الداعي للتحالف والسوفيات فكان مزدوجاً‏ في حكمه على قيادة ياسر عرفات.‏ فأحياناً‏ يميل إلى<br />

التشكيك الشديد،‏ ويشجع الأطراف اليسارية على الضغط بهذا الاتجاه،‏ وأحياناً‏ يتملقها آلمً‏ آان يريد<br />

موقعاً‏ جديداً.أو مواقف محدودة.‏<br />

- فكان<br />

في الواقع آان موقف أبي حسن وحمدي وإخوانهم من هذه المسألة واضحاً‏ حتى بدا آأنه يدافع عن<br />

القيادة آلما دخل في حوار حاد مع الاتجاهات المشككة.‏ وما آان له أن يماشيها بتحليلها،‏ لا ظاهراً‏ ولا<br />

باطناً،‏ لأنه آان حريصاً‏ دائماً،‏ علي أن يكون متماسكاً‏ ومنطقياً‏ في موقفه ويبتعد عن لعبة النفاق أو<br />

الموقف المزدوج الذي يناقض ظاهره أو باطنه أو تناقض ممارسة نظريته.‏ فلو قبل هؤلاء الأخوة<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


41<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ذلك التحليل لما قبلوا لأنفسهم أن يبقوا يوماً‏ واحداً‏ في فتح،‏ لأنهم لا يقبلون أن يكون موقفهم النظري<br />

والعملي ذا وجهين في اللحظة الواحدة.‏<br />

أما بالنسبة إلى ما يمكن أن يحمله المستقبل من تطورات في وضع القيادة وموقفها وتحالفاتها<br />

وسياساتها فأمر يقرر في حينه على ضوء الوقائع الملموسة.‏ وليس على ضوء التكهنات،‏ أو المظنة<br />

والشكوك لأن إقامة التحريض السياسي على التكهنات والمظنة والشكوك واعتبار ما سيكون ولو<br />

بعد عشرين سنة يضعف الموقف في أعين الجماهير التي تحكم على ضوء التجربة التاريخية على<br />

الراهن،‏ بل تتأخر في تغيير هذا الحكم حتى تتراآم وقائع متتالية وملموسة.‏<br />

)<br />

íé×}]‚Ö]


42<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

لقد حلل أبو حسن وسعد وحمدي وإخوانهم الوضع في داخل فتح تحليلاً‏ دقيقاً‏ منذ البداية.‏ وهذا ما<br />

سمح لهم أن يستمروا آل تلك الفترة وذلك على الرغم من خروجهم على واحد من الخطوط الحمراء<br />

ألا وهو الإفلات من سيطرة هذا القائد أو ذاك عليهم وانتهاجهم خطاً‏ مستقلاً‏ تماماً‏ عن القيادة.‏<br />

فقد آان التقليد في التيارات القاعدية داخل فتح أن تجد لها حماية أو رعاية من أحد من القيادات الأآثر<br />

نفوذاً،‏ آما جرى التقليد أن يتشكل التيار الكادري والقاعدي نزولاً‏ من أعلى إلى أسفل أي من قبل أحد<br />

القيادات الأآثر نفوذاً.‏ ولكن من جهة أخرى فإن استقلالية التيار وعدم اتصاله بأي من المحاور<br />

والدول خارج فتح،‏ وعدم تلقيه أية مساعدات مالية من هذه الدولة أو تلك خفف من ذلك الخروج على<br />

ذلك الخط الأحمر.‏ آما أن منهجه في عدم التعرض للقيادة،‏ بل عدم رده في آثير من الأحيان على<br />

قيادات تطاولت عليه من وراء ظهره بالشتائم والاتهامات الظالمة آان يخفف ذلك من الاحتكاك،‏ ثم<br />

تأتي مواقفه السياسية والعملية ذات الاستقلالية العالية لتمنحه الحماية الأآبر بصورة مباشرة،‏ وغير<br />

مباشرة.‏<br />

ويمكن أن يلحظ هنا أن تلك السمة الخاصة بأخلاقيات القيادة في التعامل مع بعضها بعضاً،‏ أو<br />

صراعات التيارات الأخرى الداخلية ضد هذا القائد أو ذاك آانا يؤججان تناقضات داخلية فيما بينها<br />

حادة جداً‏ أين منها التناقض مع تيار أبي حسن وإخوانه.‏ ويجب أن يضاف إلى هذا العامل تتابع<br />

الأزمات التي آانت تواجههاً‏ فتح.‏ الأمر الذي آان يستبقي حاجة إلى هذا التيار لا سيما في لحظات<br />

المواجهات العسكرية.‏<br />

وبالمناسبة لم تستطع الأطراف المعارضة عربياً‏ لقيادة فتح أو التيارات الداخلية أن تبني علاقات<br />

ايجابية مع هذا التيار بالرغم من التقائه وإياها في آثير من المواقف السياسية أو بالرغم من معاداة<br />

القيادة له وإساءاتها المتكررة بحقه.‏ فالإشكالية هنا،‏ في الحقيقة،‏ لم تنبع من رفض ذلك التيار التعاون<br />

وأياً‏ من تلك الأطراف.‏ بل آان مستعداً‏ حتى للتعاون والمنشقين عام 1983 ضد الاحتلال الإسرائيلي<br />

في لبنان،‏ وآان من الممكن أن تبنى معهم جسور التنسيق.‏ ولكن الإشكالية آانت في سياسة التعاون<br />

والتنسيق،‏ فتيار أبي حسن وإخوانه ما آان ليدخل في مواجهات أو تعاون أو تحالفات إلا في مجال<br />

مواجهة العدو الصهيوني.‏ أي المحافظة على اتجاه البوصلة مؤشراً‏ نحو فلسطين وضد العدو<br />

الصهيوني،‏ بينما آانت الأطراف الأخرى تريد جبهات وتحالفات ضد القيادة أو ضد هذا الطرف أو<br />

ذاك من أطراف القيادة،‏ وهو ما آان مرفوضًا.‏ ولو تحلى بعضها بالخيال،‏ أو الحسابات المرآبة التي<br />

امتازت بها قيادة فتح،‏ وقبل بمد خيوط التعاون،‏ ولو محصوراً‏ في دعم الصمود الداخلي تحت<br />

الاحتلال وفي مقاومة العدو الصهيوني،‏ وهو أمر ما آان تيار أبي حسن وحمدي ليرفضه،‏ وإلا<br />

ناقض نفسه واختل موقفه المتوازن،‏ لأدى ذلك إلى تعميق الشكوك من قبل القيادة بنيات أبي حسن<br />

وإخوانه،‏ ولرعرعت أوهاما حول طبيعة تلك العلاقات.‏ الأمر الذي آان سيدفعها إلى تعجل الخلاص<br />

منه.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


43<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

<


44<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

-<br />


45<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وأخذ يطالب بالفرز العربي على أساس تقدمي ورجعي بدلاً‏ من الموقف الأصلي لفتح الذي يفرز على<br />

أساس من مع فلسطين ومن ضدها،‏ من يدعم الثورة عسكرياً‏ أو مادياً‏ أو سياسياً‏ أو معنوياً‏ ومن<br />

ضدها.‏<br />

وراح موقف التيار التقدمي داخل فتح لبنانياً‏ يشن هجوماً‏ شديداً‏ على الإمام موسى الصدر رحمه االله<br />

والقيادة السياسية السنية التقليدية من رؤوساء الوزراء السابقين مروراً‏ بالجماعة الإسلامية والعلماء<br />

وبعض الناصريين والشخصيات وانتهاءً‏ بدار الإفتاء وبعض الممثلين السياسيين للشيعة.‏ ولم ينج من<br />

الهجوم السيد محمد حسين فضل االله وعدد هام من العلماء النشطين لا سيما قيادة المجلس الإسلامي<br />

الشيعي الأعلى.‏<br />

ووصلت الحملة إلى داخل فتح إذ ترآزت على من آانوا يتهمون ‏"باليمينية"‏ أو ‏"بجماعة الخليج"‏ أو<br />

الفتحاويين ‏"المتخلفين".‏ وقد وجهت ضربة مبكرة لتنظيم فتح في لبنان،‏ والذي آان مرآز قوة ضمن<br />

حدود المنطلقات والمبادئ.‏<br />

أما على أرض الصراع فقد أصبح التيار الفتحاوي العريض الذي يريد أن يحافظ على المنطلقات<br />

والمبادئ الأساسية في الإطلالة على الوضع الدولي والعربي واللبناني والفلسطيني في حالة انحسار<br />

وارتباك وتراجع أمام ضخامة الهجمة التي أخذ يشنها ‏"اليساريون والتقدميون"‏ داخل فتح وخارجها.‏<br />

أما التيار السائد في القيادة أو الذي تراوح في مواقفه بين الموقفين فكان يتعرض بدوره إلى ضغوط<br />

متعاظمة للتخلي عن التيار الفتحاوي المسمى ‏"باليميني"‏ والتسليم للتيار التقدمي.‏ فقد آان،‏ وبسبب<br />

البراغماتية العالية،‏ آثيراً‏ ما ينحني أمام الضغط حتى لو آان ضده شخصياً،‏ وآثيراً‏ ما آان في<br />

المواقف المعلنة وعدد آبير من المواقف العملية يميل إلى تبني خطاب التيار"‏ التقدمي"‏ ومواقفه إلا<br />

أنه آان غير راض،‏ عملياً،‏ أن يصبح أسيراً‏ أو مطوقاً،‏ ولا يكون صاحب الكلمة المقررة.‏ وآان<br />

يشعر بخطورة أن تضرب علاقاته بمصر أو بدول الخليج أو المغرب فكان يلجاأ إلى السياسة<br />

المزدوجة والمواقف المزدوجة.‏ آما آان هذا حاله بالنسبة إلى الداخل اللبناني حيث آان يتسلل سراً‏<br />

لإبقاء بعض العلاقات بالاتجاهات اللبنانية المختلفة التي آانت جبهة الأحزاب والقوى التقدمية تريد<br />

استخدام فتح لتهميشها وضربها،‏ وقد نجحت في ذلك،‏ مؤقتاً‏ طبعاً،‏ إلى حد بعيد لاسيما بين<br />

-1975<br />

.1982<br />

آانت منطلقات فتح ومبادئها وخطها الاستقلالي الضحايا الفعلية،‏ الأولى والأخيرة،‏ في قلب هذا<br />

الخضم.‏ فقد ضاعت تماماً‏ أمام ضجيج الشعارات ‏"التقدمية"‏ و"اليسارية"‏ وتحت ضربات ‏"فلسطين<br />

الثورة"‏ ومنشورات الإعلام التابع لفتح وضاعت أآثر من خلال مواقف القيادة البراغماتية التي ما<br />

آانت لتقيم وزناً‏ آبيراً‏ لما يقال أو يطرح.‏ لأن المهم بالنسبة إليها آان الإمساك بمفاتيح القوة<br />

و"التكتكة"‏ السياسية والبقاء على الواجهة في آل المناسبات.‏ أما الاتجاهات الفتحاوية التي آانت<br />

تحسب على ‏"اليمينية أو الرجعية أو التخلف"‏ وهي العبارات التي آانت الستار في الحقيقة للهجوم<br />

على المنطلقات والمبادئ الأساسية،‏ فقد آانت في أغلبها مكبلة اليدين،‏ أو مبعدة،‏ أو مدافعة علناً‏ دفاعًا<br />

خجولاً،‏ وإن آانت وراء الكواليس أآثر صراحة وهجومية.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


46<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

2<br />

هنا يمكن القول أن أبا حسن وحمدي وإخوانهما حملوا عبئاً‏ غير قليل في الاستمساك بالمنطلقات<br />

والمبادئ وخط الاستقلالية من الناحيتين النظرية والسياسية في مواجهة تلك الهجمة القوية والمتنفذة<br />

والحازمة وذات الصوت العالي،‏ والجريئة على الاتهام بلا حساب.‏ وآانوا في المقدمة مع من<br />

اصطلوا بنارها،‏ وتعرضوا للقمع على يديها بصورة مباشرة أو غير مباشرة،‏ ونالهم الكثير من<br />

التشهير والتهميش.‏<br />

فعلى المستوى الدولي آان خط أبي حسن وحمدي وإخوانهما يمتلك مناعة مضاعفة من السقوط في<br />

فخ التيار السوفياتي إذ لم يكن موقفهم من الاتحاد السوفياتي،‏ والنابع أساساً‏ من الموقف الأصلي لفتح،‏<br />

قد اقتصر على نقد الموقف السوفياتي من القضية الفلسطينية فحسب وإنما أيضاً‏ لفت انتباههم بوقت<br />

مبكر ما آانت توجهه الحرآة الماوية من اتهام للاتحاد السوفياتي بالامبريالية.‏ وقد اقتنعوا فعلاً‏ بهذه<br />

الحقيقة لأنه آان من المهم أن يفسر ما الذي آان وراء الموقف السوفياتي في دعم قيام الدولة<br />

الإسرائيلية وتسليحها،‏ ولماذا تحول إلى موقف مبدئي لا يتزحزح.‏ وقد بدأت موضوعة الامبريالية<br />

السوفياتية تعطي تفسيراً‏ لهذا الموقف.‏ آما آان هذا الموقف،‏ بدوره،‏ يشير إليها بإصبع الاتهام أي لم<br />

ينبع ذلك من مجرد خطأ أو خلل في تقدير يحمل آل النيات الثورية النقية!‏<br />

ثم تحصّن هذا الفهم لطبيعة الدولة السوفياتية أآثر مع مراجعة الموقف الروسي من الجمهوريات<br />

الإسلامية ودول أوروبا الشرقية حيث بدأت تفوح رائحة بطرس الأآبر في مشروع الدولة السوفياتية<br />

نفسه،‏ وفي معسكر حلف وارسو.‏<br />

ولكن مع ذلك آان أبو حسن وحمدي وإخوانهم،‏ ‏(وعلى الضد من اتهام ‏"تقدميي فتح"‏ لهم بالعداء<br />

للاتحاد السوفياتي وبوضع الاتحاد السوفياتي وأمريكا على قدم المساواة،‏ وبأنهم مجرد صدى للموقف<br />

الماوي)،‏ جريصين على اعتبار رأيهم حول طبيعة الدولة السوفياتية مسألة لا علاقة لفتح فيها،‏ وما<br />

ينبغي لفتح أن تتبناها مطلقاً،‏ آما أنهم بدورهم،‏ ومن موقعهم في فتح والساحة الفلسطينية والعربية لا<br />

يطالبون،‏ أو يقترحون،‏ أن يعامل الاتحاد السوفياتي عدواً،‏ أو وضعه في سلة واحدة وأمريكا.‏<br />

فالموقف الذي صيغ استناداً‏ إلى المنطلقات والمبادئ والى تقدير الموقف المعطى فلسطينياً‏ ودوليًا<br />

وعربياً،‏ وإلى حسن ترتيب الأولويات والتمييز فيما بين التناقضات،‏ آان يقتضي من فتح أن تعتبر<br />

الاتحاد السوفياتي صديقاً‏ ولكن ليس حليفاً‏ استراتيجياً،‏ وإقامة علاقات تقوم على الاستقلالية والتوازن<br />

وإياه وتكون نقاط الاتفاق والاختلاف واضحة فيما يتعلق بالسياسات الفلسطينية والعربية والدولية.‏<br />

هذا مع التشديد على عدم تبني مواقفه في الساحة الدولية أو العربية أو في صراعه مع الصين لأن<br />

الصين يجب أن تبقى تعامل صديقاً‏ آذلك.‏ ويكون الموقف فيما يتعلق بصراعهما هو الحياد وعدم<br />

الانحياز لأي من الطرفين ضد الآخر.‏ أما على مستوى أمريكا فكان لا بد من التمييز بينهما بقدر ما<br />

هي مميزة علاقة آل منهما بالعدو الصهيوني أو بالشعب الفلسطيني.‏ وهذا ما يضع أمريكا في موقع<br />

العدو رقم بعد العدو الصهيوني ‏(إسرائيل والحرآة الصهيونية العالمية)‏ ولا ينبغي لها أن تساوى<br />

ضمن المعادلة السابقة والاتحاد السوفياتي،‏ بل يجب أن نميز بينها وبين أوروبا عموماً‏ في هذه<br />

المرحلة التاريخية آذلك.‏ أما موضوع الامبريالية السوفياتية فقد آان في مجال الفهم النظري لطبيعة<br />

الدولة السوفياتية،‏ مع إبقائه في موقع القناعة الخاصة،‏ والمعلنة إذا ما اقتضى الأمر،‏ والتي لا مكان<br />

لها في الأدبيات أو في الشعارات المطلوب تبنيها من قبل الثورة ولم يكن برأيهم من المناسب أن<br />

تتبنى فتح مثل هذه المقولة تماماً‏ آما لا يجوز أن تتبنى مقولة الحليف الاستراتيجي.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


47<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

◄<br />

على آل حال إن مثل هذا الموقف من الاتحاد السوفياتي آان يكلف في ذلك الوقت،‏ غالياً‏ في الساحة<br />

الفلسطينية واللبنانية.‏ وآان لا يقوى عليه إلا من يضع دمه على آفه ويكون شديد المبدئية وغير مبال<br />

بمصالحه الضيقة.‏<br />

وبالمناسبة،‏ يجدر أن يلحظ هنا أصالة الموقف من هذا الموضوع وتمييزه عن الموقف الماوي الذي<br />

آان يعتبر الاتحاد السوفياتي عدواً‏ رقم 1 للشعوب،‏ أو في أحسن الحالات آان يضعه في مرتبة واحدة<br />

والامبريالية الأمريكية.‏<br />

لعل التأمل في موقف أبي حسن وحمدي وإخوانهم من إشكالية الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت<br />

وضمن تلك الظروف من موازين القوى يستطيع أن يدرك عمق الاستقلالية في خطهم من جهة،‏ وهي<br />

التي أخذت تصبح غريبة في فتح،‏ وشدة الحساسية في خطهم للجهر بالحقيقة والموقف السياسي<br />

والفكري الصحيح الذي فيه مصلحة فتح والثورة والشعب والأمة العربية ‏(وفقاً‏ لمصطلحات تلك<br />

المرحلة).‏ ولو آان ثمن ذلك وقوفاً‏ في وجه التيار والتعرض للمخاسر والمخاطر.‏<br />

وفي المقابل،‏ آانت أعصاب تقدميي فتح مستثارة ومستفزة إلى أقصى حد بسبب هذا الخط الذي<br />

يواجهها جهاراً.‏ وينشر أفكاره بكتب معلنة واسعة الانتشار.‏ وقد راحت تشن حرباً‏ شعواء لتجريد<br />

أصحاب هذا التيار من آل موقع في فتح وللدفع باتجاه إخراجهم منها والتضييق عليهم بكل سبيل.‏ أما<br />

قوة أهل هذا الخط فقد نبعت في ذلك الوقت من سمات ذاتية آانوا قد تحلوا بها ومن مستوى<br />

التضحيات التي آانوا يقدمونها في المعارك والمواجهات.‏ آما ساعدهم على البقاء الرضا الداخلي<br />

الذي آان يستشعره عدد من قيادة فتح وهم يشاهدون الاشتباك الحامي الوطيس بين الطرفين،‏ ولعل<br />

البعض آان شعاره دعهم ‏"فخار يكسر بعضه"،‏ وقد أآسبه هذا بعض الحماية بصورة غير مباشرة.‏<br />

أو في الأقل جعل تيار ‏"تقدميي فتح"‏ يحسب أنه محمي داخلياً‏ فينتقل للهجوم على من يظنهم يحمونه.‏<br />

وما آان ليقتنع أنه لا حماية له داخلياً‏ بالرغم من هجوم القيادة المتواصل عليه.‏ فكان متصور دائماً‏ أن<br />

للقيادة موقفاً‏ مزدوجاً.‏ وهو بالفعل آان آذلك.‏ ولكن لو وصل الأمر إلى بسط الحماية لاآتشف أن<br />

القيادة ما آانت تمنحه حماية أو دعماً،‏ بل آانت مواظبة على معاداته وتقليمه.‏ ولعل تجنب تيار أبي<br />

حسن وحمدي وإخوانهم الدخول في جوقة التهجم على القيادة بالرغم من إساءاتها المباشرة لهم،‏ قد<br />

ساعد علي أن يعمى تيار ‏"تقدمي فتح"‏ عن التقدير الصحيح للوضع.‏ لقد آان أبو حسن رحمه االله<br />

يقول : ‏"دعهم يتوهموا بوجود هذه الحماية،‏ فهذا يخيفهم ويخفف عنا دون أن يكلفنا شيئأً".‏ ومن ثم<br />

آانت تغذية هذا الوهم وعدم إزالته مفيدة عملياً،‏ وذلك بالرغم من بعض الضرر السياسي الذي آان<br />

ينجم عن ذلك إذ وقع بالوهم نفسه آخرون ما آان يجب أن يقعوا فيه.‏<br />

êe†ÃÖ]


48<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

مصر وإلى حد أقل نسبياً‏ ضد سوريا حتى أن حرب تشرين هوجمت ولم ينظر إليها نظرة ايجابية،‏<br />

وذلك على الرغم من مشارآة فتح و م.ت.ف فيها أيضاً.‏ طبعاً‏ خلفية الموقف آان عدم رضا الاتحاد<br />

السوفياتي عنها وعن السادات،‏ وقد أعطى السادات لهم فيما بعد آل الأسلحة الضرورية للهجوم عليه<br />

والطعن بحرب تشرين التي وقف أبو حسن وحمدي وإخوانهم إلى جانبها بكل قوة واعتبروها إنجازًا<br />

هاماً‏ جداً.‏ لأنها حققت إنجازاً‏ عسكرياً‏ لا يستهان به ضد جيش العدو.‏ بل أذل جيش العدو،‏ لأول مرة،‏<br />

في الميدان من قبل جيشين عربيين ‏(مصر وسوريا)‏ ولم ينقذه إلا التدخل الأمريكي عبر الجسر<br />

الجوي والضغط السياسي والتهديد.‏ ولأن قرارها آان مستقلاً‏ عن السوفيات والأمريكان وحمل تجرؤاً‏<br />

على القتال في ظروف عسكرية ودولية غير مؤاتية.‏ ولكن سياسات السادات التي اتسمت بالتراجع<br />

تلو التراجع في الموقف من أمريكا وفي عملية التسوية مع الكيان الإسرائيلي بما في ذلك تخريب<br />

التضامن العربي وإنجازاته في تشرين وفي معرآة حظر النفط،‏ وتهديمه للتحالف المصري<br />

السوري آانت آفيلة بتشويه صورة حرب تشرين.‏ وهكذا آان خط أبي حسن وحمدي وسعد والحاج<br />

حسن ومحمد علي ‏(أبو يعقوب)‏ وإخوانهم مع التضامن العربي<br />

-<br />

الذي تجلى في حرب تشرين،‏ وفي حظر النفط،‏ ومع خط المواجهة والقتال آما شجبوا آل سياسة<br />

تخريبية لهذا التضامن أو متراجعة أمام العدو الصهيوني أو متواطئة مع أي من الدول الكبرى على<br />

حساب خط الاستقلال وعدم الانحياز.‏ وبهذا آان الموقف دائماً‏ متوازناً‏ ومتماسكاً.‏ ويقوم على معايير<br />

ثابتة هي في أساسها منطلقات فتح،‏ وعلى حسن تقدير الموقف في حينه.‏<br />

آما راح التيار ‏"التقدمي"‏ في فتح وعل الساحة اللبنانية يعمق في التناقض الذي نشاً‏ بين سورياً‏ وفتح<br />

في لبنان لا سيما في العام ويدعو إلى شن حرب لا هوادة فيها ضد دمشق وحتى إلى إسقاط<br />

النظام وآان يسقى ليدفع فتح بهذا الاتجاه.‏<br />

1976<br />

هنا أيضاً‏ أخذ أبو حسن وحمدي وسعد وأبو محمود وأبو خالد جورج ومروان آيالي والحاج نقولا<br />

عبود ونسيم سعيد وشوقي الظنط وعبدالوهاب الحسن ‏(أبو طارق)،‏ ووجدي العنداري وفؤاد تلمسان.‏<br />

وإخوانهم موقف معلناً‏ وشجاعاً‏ في معارضة هذا الخط المدمر.‏ وطالبوا بموقف دفاعي محدود في<br />

المجال العسكري مع بذل المساعي لرأب الصدع وعودة التضامن ووقف التدمير الذاتي للقوى التي<br />

يفترض بها أن تكون في جبهة واحدة ضد العدو الصهيوني ولإنقاذ وحدة لبنان وأنهم الآن جميعاً‏ في<br />

ذمة االله،‏ رحمهم وأوسع لهم في رحمته.‏<br />

فكان هذا الموقف النابع من منطلقات فتح ومن المصالح العليا لفتح والشعب الفلسطيني والثورة آما<br />

سوريا ولبنان والموقف العربي آله محط لهجوم شديد حتى وصل الأمر باتهام الخط بالتبعية لسوريا،‏<br />

آما اتهم من قبل بالساداتية.‏ وتندر البعض على أبي حسن في تمرآزه مع السرية الطلابية إلى جانب<br />

القوات الأخرى في بحمدون بأنه ذهب لا ليدافع وإنما ليستقبل الدبابات السورية بالورود.‏<br />

1976<br />

إنه مجرد الجهر،‏ في ذلك الوقت من عام ، بأن سوريا ليست عدواً‏ وأن الحرب معها يجب أن<br />

توقف،‏ وأن العلاقات يجب أن تصحح،‏ وفقاً‏ لشعار ‏"آل البنادق نحو العدو الصهيوني"،‏ آان يحتاج<br />

إلى درجة عالية من الفدائية والاستشهادية أمام آل تلك المغالاة التي آانت سائدة في صفوف القوى<br />

التقدمية اللبنانية والفلسطينية ضد سوريا.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


49<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

< <<br />

وتواصلت حلقات هذه المواقف والمواقف المضادة عند تقويم قرار حظر النفط الذي تزعمه الملك<br />

فيصل رحمه االله،‏ إذ ووجه بحملة شعواء من قبل التيارات التقدمية دون أن يدرك مغزاه وأبعاده<br />

الحقيقية.‏ ثم يدرك بعمق أآبر شعار التضامن العربي باعتباره ضرورة في المواجهة ضد العدو<br />

الصهيوني وفي الدفاع،‏ على الأقل،‏ عن الحد الأدنى من الحقوق والمصالح العربية.‏ وقد وصل الأمر<br />

بإطلاق تسمية تهكمية على أبي حسن وحمدي وإخوانهم وهي ‏"جماعة التضامن العربي".‏ فيا لها من<br />

تهمة!‏ ولكن مع ذلك آانت تهمة حقيقية وخطيرة حين توجه ضد أحد في تلك الظروف وتلك الأيام.‏<br />

ولكن آان جواب أبي حسن وحمدي وإخوانهم،‏ نعم نحن مع التضامن العربي،‏ ومع عقد القمم العربية.‏<br />

لأن هذه القمم تقوم على أساس الحد الأدنى المشترك فيما بين الدول العربية المختلفة من يسار إلى<br />

يمين ولهذا آانت المحصلة في ذلك الوقت إيجابية بالضرورة.‏ فهي بالضرورة لا تخرج أمريكية أو<br />

سوفياتية.‏ ومن ثم تأتي أقرب إلى الاستقلالية.‏ فكل دولة عربية وحدها لها حساباتها وظروفها<br />

وارتباطاتها ونقاط ضعفها تجاه الضغوط الخارجية وينطبق هذا،‏ إلى حد ما،‏ على المحاور آذلك.‏<br />

بينما حين آانت تجتمع المعادلة العربية في تلك الظروف آانت تخرج المحصلة بمجموعها أفضل<br />

نسبياً‏ لأن الموقف الجماعي وإن عبّر عن نقاط الضعف المشترآة إلا أنه يعبر عن نقاط إيجابية نابعة<br />

من طبيعة التجمع.‏ وإذا آانت التجربة قد أثبتت أن التضامن لم يحرر فلسطين.‏ ولم يزل آثار العدوان<br />

إلا أن عكسه لم يفعل آذلك.‏ ولكن التضامن حقق شيئاً‏ ولو جزئياً‏ في آل مرة.‏ ويكفي أن نلحظ أن<br />

التضامن العربي حتى في ظروف ما بعد حرب الخليج الثانية وانهيار الاتحاد السوفياتي وهي أسوأ<br />

من الظروف السابقة بالنسبة إلى معادلة الدول العربية،‏ ما زال،‏ مع ذلك،‏ مقاوماً‏ من قبل أمريكا<br />

والصهيونية.‏ وما زال أفضل من أن تترك آل دولة وحدها ليستفرد بها.‏<br />

المهم،‏ أن يلحظ أن خط التضامن العربي آان هو الذي يمثل منطلقات فتح ومبادئها آما آان يجسد<br />

السياسة التقليدية الصحيحة لفتح في تلك الظروف والمعادلات.‏ لكن مع ذلك آان الصوت الأعلى<br />

داخل فتح وم.ت.ف ضده،‏ ودون أن يتورع بإدانة آل من دعا له،‏ أو حتى لم يشجبه لأنه آان يعتبر<br />

خط السادات والسعودية والأردن والمغرب.‏<br />

وبالمناسبة،‏ يجب أن يعاد التأآيد هنا أن أبا حسن وحمدي ومحمد علي وإخوانهم لم يكونوا وحدهم في<br />

آل ما مرّ‏ من مواقف فقد تصدى في ذلك الوقت من داخل فتح عدد من القيادات والكوادر لكل هذه<br />

القضايا.‏ وما آان موقفهم أقل فدائية وشجاعة،‏ وما آان معرضاً‏ أقل للهجمات والحملات الظالمة.‏ فقد<br />

آانت الساحة على الرغم من سيطرة التيار التقدمي في ذلك الوقت وشدة غلوائه في محاربة خصومه،‏<br />

تعج بمثل تلك المواقف ولعل عذر آاتب هذه السطور في عدم ذآر الأسماء يستند من جهة إلى<br />

الترآيز على الشهداء أبي حسن وحمدي ومروان وإخوانهم والحاجة إلى تبيان مواقفهم،‏ آما يستند من<br />

جهة أخرى إلى ترك حق ذآر الأسماء لأصحابها وقد انطبق هذا عند الحديث عن مختلف التيارات.‏<br />

وذلك حتى لا يكون في الإشارة تعريضاً‏ شخصياً‏ بأحد عند النقد،‏ أو إحراجاً‏ شخصياً‏ لأحد عند<br />

التقريظ والإشادة،‏ أو إساءة في دقة نقل الموقف حين يشار إلى شخص بعينه.‏<br />

ومن هنا،‏ يتوجب التنويه،‏ مرة أخرى،‏ إلى أن هذا الكتيب يغطي جزءاً‏ متواضعاً‏ من صورة تلك<br />

المرحلة الغنية المترامية الأطراف،‏ واللامتناهية في تعددها وتلاوينها.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


50<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

1975<br />

<


51<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وقد حدث ذلك فعلاً‏ في مناسبتين،‏ على الأقل،‏ حيث أبدى الطرف الماروني استعداداً‏ للاتفاق،‏ ولكن<br />

قرار العزل آان يدين حتى أي اتصال أو مفاوضة.‏ أي آان قراراً‏ مكبلاً‏ ليدي جنبلاط وعرفات من<br />

جني أية مكاسب أو الخروج من الأزمة وإعادة اللحمة للوضع على أساس اتفاق جديد.‏ ولعل من<br />

تداعيات هذا القرار آان التدخل السوري والأزمة بين سوريا والقوات اللبنانية الفلسطينية<br />

المشترآة،‏ وصولاً‏ إلى حرب حزيران ، 1982 طبعاً‏ لا تفسر آل هذه التداعيات بسبب القرار لأن لها<br />

بدورها ظروفها وعواملها العربية والدولية،‏ لكنه آان ممهداً‏ لها ومساعداً‏ عليها،‏ ويجب أن يحسب<br />

حسابه عند تقويم مختلف أوجه الحرب الأهلية في لبنان.‏<br />

-<br />

آان الوقوف ضد قرار العزل وانتقاده يبدو ضرباً‏ من الجنون في ظروف جريمة مجزرة عين<br />

الرمانة.‏ وما صحبها من قعقعة للسلاح وانتشار للميليشيات وانتقال الحزب الشيوعي اللبناني الداعي<br />

دائماً‏ إلى الطريق السلمي إلى ‏"حربجي"‏ من الدرجة الأولى،‏ وانتقال منظمة العمل الشيوعي صاحبة<br />

التحليل الطبقي للبنان و"دولة إلى الحديث عن الانعزالية المارونية والدولة الطائفية.‏ هذا دون<br />

الحديث عن المقاومة الفلسطينية التي وجدت نفسها فجأة في موقع المسيطر على الشارع اللبناني<br />

السني وقد راحت بكل فصائلها تجند الميليشيات وتوزع السلاح.‏ وقد وصف البعض هذا<br />

التطور للأحداث أن لبنان يتجه ليكون بمثابة فيتنام الشمالية التي شكت قاعدة تحرير فيتنام الجنوبية!!.‏<br />

"% 4<br />

)<br />

- الشيعي.‏<br />

هذا دون الحديث عن غليان الشارع السني والشيعي والدرزي بذآريات الامتيازات التي تمتع بها<br />

الموارنة والحرمان في المناطق الشعبية لا سيما الشيعية.‏<br />

من هنا آانت المجاهرة بموقف سياسي حازم ضد قرار العزل واعتباره خطا مبدئياً‏ وسياسياً،‏<br />

والدعوة إلى أن يكون هدف آل مواجهة دفاعياً‏ وفتح الباب للمفاوضة بل السعي لإعادة اللحمة ووقف<br />

الانقسام ومنع انهيار الدولة والوصول إلى درجة أعلى من العدالة والتفاهم اللبناني - اللبناني الداخلي<br />

يحد من الامتيازات ومن الحرمان سواءً‏ بسواء،‏ آان ذلك قد قوبل بحملة شعواء.‏<br />

على أن هذا الطرح،‏ أمام آثرة معارضيه،‏ فرض فرزاً‏ جديداً.‏ ووضع تيار أبي حسن وسعد جرادات<br />

وأبي محمود ‏(هلال رسلان)‏ وأبي خالد ‏(جورج عسل)‏ وعلي أبي طوق ومروان آيالي،‏ ومعهم بضع<br />

عشرات في موقع متميز،‏ وخلصه من التداخل في المواقف الناجعة عن طبيعة العلاقات والصداقات<br />

المتشابكة داخل فتح.‏ ويمكن القول أن هذه المناسبة شكلت نقطة الانطلاق الحقيقية لذلك التيار،‏<br />

وسمحت له من الآن فصاعداً،‏ بأن يتحمل وحده مسؤولية مواقفه وما سيطبعه من سمات.‏<br />

لقد جاءت المبادرة في هذه المسالة أي في فرض التمايز والانطلاق على أسس جديدة)‏ من قبل عدد<br />

من الإخوة ممن أصبحوا يتحملون على مضض،‏ بسبب العلاقات المتداخلة،‏ توجهات الخط في<br />

منهجية العمل وفي موضوع التضامن العربي وحرب تشرين والموقف من الاتحاد السوفياتي.‏ وفي<br />

تقويم القيادة وفي غيرها من القضايا،‏ فوجدوا في معارضة قرار العزل موقفاً‏ غير صحيح وغير<br />

معقول.‏ ويثير على صاحبه الشبهة.‏ فانبروا لحسم العلاقة على أساس:‏ ‏"من مع قرار العزل ومن<br />

ضده".‏ ومن ثم آان على أبي حسن وإخوانه أن يبدؤوا مرحلة جديدة يبلورون فيها خطهم النظري<br />

والسياسي والعملي،‏ بلورة متماسكة مميزة غير متداخلة بتوجهات وخطوط أخرى ومنهجياتها<br />

وسياساتها.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


52<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

لقد حسب بعض المقربين أن مقاومة قرار العزل سينهي هذا التيار ويصفيه إذ آيف يعقل أن يرفع<br />

مثل هذا الشعار،‏ بل آيف يعقل أن يكون هنالك صمود في مثل تلك الظروف التي تهب رياحها في<br />

مصلحة قرار العزل؟ على أن الوقائع أثبتت العكس تماماً‏ فصحة الموقف والتحليل إزاء هذا<br />

الموضوع،‏ آما إزاء المواضيع الأخرى اللاحقة آانت حاسمة في مضاعفة قوى هذا الخط حتى<br />

ضمن تلك الظروف.‏ فقد أصبح التيار قطب جذب لقوى شابة،‏ أساساً،‏ طلابية،‏ فلسطينية ولبنانية تتسم<br />

بالذآاء والنضج والشجاعة والحيوية والاستعداد لدخول غمار القتال وعدم الخوف من التضحيات،‏<br />

ومهيأة للإمساك بهذا الخط إمساآا مبدئياً‏ عالياً‏ وخوض الصراع النظري والفكري والسياسي.‏ فالذي<br />

لم يلحظ،‏ في ذلك الوقت،‏ أن معارضة عزل الكتائب ما جاء عرضاً،‏ وإنما آان جزءاً‏ من منظومة<br />

متماسكة من المواقف والسياسات تبدأ من منطلقات فتح ومبادئها لتشمل مختلف القضايا من الوضع<br />

الدولي إلى الوضع العربي إلى الوضع اللبناني إلى الوضع الفلسطيني.‏ وتتناول آل الإشكاليات<br />

الفلسفية والفكرية والأيديولوجية والمنهجية والتجارب الثورية التي تواجه العمل والتغيير.‏<br />

ولهذا إذا آان لا بد من أن يؤرخ لليوم الذي خرج فيه هذا الخط من مرحلة الإرهاصات وتداخل<br />

الخطوط والاتجاهات والعلاقات المختلطة إلى مرحلة التبلور الذي أصبح معروفاً‏ عليه فسيكون يوم<br />

تبنيه لخط معارضة قرار العزل،‏ وما تلاه أساساً‏ من تداعيات أنهت المرحلة الأولى.‏ وهو اليوم الذي<br />

انتعلت فيه ثلة من الخيرة إلى مواقع القيادة والمسؤولية يقلّبون الأمور ويتخذون القرارات والمواقف<br />

وينفذون.‏<br />


53<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

- العربية.‏<br />

الصراعات العربية وآان ينظر إلى آل انحياز لهذا الطرف أو ذاك،‏ ومهما آان مسوغه،‏<br />

باعتباره خسارة في عملية التحشيد ولا يخدم القضية الفلسطينية في مرحلتها الراهنة آنذاك.‏<br />

طبعاً‏ تعرضت هذه المنطلقات إلى سلسلة طويلة من الانتقادات ومن مختلف الأطراف.‏ والكل يذآر<br />

الحملات التي شنت على شعار ‏"قضية فلسطين فوق الصراعات العربية - العربية"،‏ أو شعار ‏"عدم<br />

التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية"،‏ أو شعار ‏"آل البنادق نحو العدو الصهيوني"،‏ أو شعار<br />

‏"تكوين الجبهات لمساندة فتح والثورة الفلسطينية".‏ فكان رأي فتح الأصلي أنهاً‏ تطل على الثورة<br />

العربية والثورة العالمية أو على إشكالية التغيير العربي والنضال العالمي ضد الامبريالية من خلال<br />

ترآيزها على الصراع ضد العدو الصهيوني،‏ أي من فوق أرضها وليس من خلال الانتقال إلى<br />

خنادق أخرى،‏ والدخول في تكتلات وجبهات ذات غايات الأخرى.‏ لقد فهم شعار،‏ أو منطلق،‏ فلسطين<br />

طريق الوحدة العربية،‏ أو طريق التغيير العربي،‏ بأنه جزء لا يتجزأ من علاقة تبادلية وتكاملية بين<br />

فلسطين والوحدة والتغيير.‏ فما ينبغي للسعي لتحرير فلسطين أن يلغي،‏ أو يغيب السعي للوحدة أو<br />

التحرر أو التغيير العربي،‏ بل عليه أن يكون العامل المساعد على ذلك.‏ وهذا من أهم مسوغات العمل<br />

على الساحة الفلسطينية.‏ آذلك آان الحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية ينبع،‏ من وجهة<br />

نظر أبي حسن وحمدي وإخوانهما من حرص على إطلاق طاقات التغيير العربي بصورة مستقلة<br />

ومتوازنة ومتكاملة دون وصاية أو إلحاق من قبل الثورة الفلسطينية.‏ وفي المقابل أن الحرص على<br />

استمرارية الثورة الفلسطينية يتطب الحرص على استقلاليتها ورفض الاحتواء والإلحاق.‏ أي آان<br />

المطلوب طرح سياسات حكيمة وصحيحة لضبط العلاقة التبادلية التأثير بين التحرير والتغيير،‏ أو<br />

التحرير والوحدة العربية وآان الشعار ‏"أن على فتح ألا تترك خنادقها وتذهب إلى خنادق أخرى مهما<br />

تعاطفت وإياها".‏<br />

وآان أبو حسن وسعد وحمدي وإخوانهم يرون أن هذا الخط هو الأآثر ثورية والأآثر صحة من حيث<br />

نتائجه لا على مستوى مصلحة قضية فلسطين أو الثورة الفلسطينية وإنما على مستوى التغيير العربي<br />

وتحشيد الموقف العربي الرسمي من أجل قضية فلسطين،‏ آما على النضال العالمي من أجل تحرير<br />

الشعوب من الهيمنة الامبريالية والصهيونية العالمية.‏ ولهذا فإن آل موقف سياسي حمل خروجاً‏ على<br />

هذه المنطلقات آان يصطدم بالنقد ويواجه بسياسة بديلة من قبلهم حتى لو آان ذلك قد صدر،‏ عن قيادة<br />

فتح وم.ت.ف.‏<br />

وجدت هذه الإشكالية أشد حالاتها تأزماً‏ منذ 1973<br />

الحرب الأهلية.‏<br />

في لبنان لاسيما في السنتين الأوليين من اندلاع<br />

آان من الواضح أن ثمة ترآيزاً‏ من جانب التيار ‏"التقدمي"‏ ‏(بما في ذلك اليساري)‏ في داخل فتح<br />

والثورة الفلسطينية يرمي إلى تقديم مفهوم للجبهة والعلاقات داخل لبنان مناقضة لمنطلقات فتح<br />

ومفهومها الأساسي حول الموضوع أو مناقضة لما آان معمولاً‏ به في لبنان خلال المراحل الأولى<br />

من وجود فتح قبيل اتفاق القاهرة وبعده،‏ آما آان معمولاً‏ به،‏ بصورة مرآزة،‏ منذ<br />

بعد حزيران 1967 حتى أواسط السبعينات.‏<br />

، 1965 لاسيما<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


54<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

فبدلاً‏ من أن تفتح فتح ذراعيها وتتعاون وآل القوى اللبنانية المستعدة لدعمها والوقوف إلى جانب<br />

قضيتها،‏ وبغض النظر عن هويتها الطائفية أو السياسية أو الحزبية،‏ صار مطلوب أن تضم ذراعيها<br />

على القوى التقدمية واليسارية وبعض القوى القومية فقط،‏ وتغلق الباب في وجه الآخرين آلهم إن لم<br />

تسهم في إضعافهم.‏<br />

إن نظرة سريعة إلى حجم القوى الفعلي على الأرض والمطلوب نبذها أو تلك المطلوب التحالف<br />

وإياها من خلال ذلك النهج تدل على خلل آبير في السياسة والمنطق وعلى تفريط في المصلحة<br />

العليا،‏ واستخدام لفتح في غير مقاصدها.‏<br />

فإذا آان الخط التقليدي لفتح مفتوحاً‏ في السابق على الجميع في لبنان،‏ بما في ذلك الموارنة،‏ فإن الخط<br />

الجديد،‏ لاسيما،‏ في ظروف اندلاع الحرب الأهلية قام على عزل الكتائب والموارنة،‏ أولاً‏ ثم اتجه<br />

ثانياً،‏ وبقوة أآبر إلى عزل قيادات الشيعة بكل فئاتهم عدا قلة من الأفراد المنتمين للأحزاب اليسارية<br />

والتقدمية،‏ آما اتجه إلى عزل أغلب الأطراف السنية من القيادات السياسية التقليدية إلى الحرآات<br />

الشعبية الإسلامية إلى دار الإفتاء إلى الاتجاهات الناصرية عدا بعض فئاتها المنضمة إلى جبهة<br />

القوى والأحزاب التقدمية.‏<br />

وآانت حرآة المحرومين التي أطلقها الإمام موسى الصدر قد لقيت في المراحل الأولى بعض<br />

التجاوب من قيادة فتح ثم أخذت العلاقة بها بعد اندلاع الحرب الأهلية تتدهور وإن لم تنقطع بالسر من<br />

البعض لأن العلنية آانت تُعرض صاحبها إلى التشهير به من قبل تقدميي فتح وجبهة الأحزاب<br />

والقوى التقدمية اللبنانية.‏ وآانت هنالك قلة،‏ من بين آوادر فتح وقياداتها حافظت على علاقات حسنة<br />

بها،‏ ورفضت مقاطعتها أو التهجم عليها ورأت أن ذلك مخالف لمبادئ فتح ومخالف لمصلحتها لاسيما<br />

وجود قواتها في الجنوب.‏ وآان تيار أبو حسن وحمدي وسعد وإخوانهم حاسماً‏ في التحدي في هذا<br />

الموضوع ودخل في صراعات داخلية شديدة دفاعاً‏ عن موقفهم ونقداً‏ للموقف الآخر.‏ وقدموا جسور<br />

التعاون علنا،‏ وحرآة المحرومين.‏ والتي أصبحت ‏"أمل"‏ وآان الشهيد أبو حسن قد أرسل الشهيد<br />

مجاهد الضامن ليدرب بعض شباب حرآة المحرومين من أجل تدعيم المقاومة ضد العدو الصهيوني<br />

وقد انفجرت به قنبلة فاستشهد جنباً‏ إلى جنب مع أحد القيادات العسكرية لحرآة المحرومين.‏ وقد<br />

أعلنت حرآة ‏"أمل"‏ أثر تلك الحادثة وهو اختصار لاسم ‏"أفواج المقاومة اللبنانية".‏ ووصل الأمر أن<br />

أخذ القرار في قيادة فتح لتشكيل لجنة تحقيق مع بعض الكوادر القيادية ن فتح و م.‏ ت.‏ في بسبب<br />

علاقاتهم بحرآة أمل أو بالتيارات الإسلامية الأخرى التقليدية والشعبية.‏ وإذا آانت اللجنة قد تشكلت<br />

بضغط التيار التقدمي داخل فتح إلا إنها انفجرت على قاعدتها مع أول لحظات التحقيق لأنها ما آانت<br />

تستطيع أن تناقش من مواقع فتحاوية مثل هذه السياسة لأن موقفها آان ضعيفاً‏ من هذه الزاوية وليس<br />

لديه من سلاح غير الإرهاب الفكري والتشكيك وإلقاء الشُبه جزافاً.‏ ولكن ما آان أخطر،‏ فقد تمثل في<br />

الصراعات التي خاضها تيار أبي حسن وحمدي ومروان وعلي أبي طوق وإخوانهم في الجنوب،‏<br />

لاسيما،‏ بعد نزول السرية الطلابية التي أسسها وقادها الشهيد سعد وغادرها مبكرًا.‏ وقد تحولت إلى<br />

آتيبة الجرمق في الجنوب.‏ وآانت المرحلة التالية ل مرحلة هجوم شديد من قبل جبهة<br />

الأحزاب والقوى التقدمية للسيطرة على قرى الجنوب التي ليس لهم فيها من،‏ مرتكزات أو قواعد<br />

تذآر،‏ وآان يراد أن تستخدم قوات الثورة الفلسطينية ومعها القوات اللبنانية التقدمية لهذه الغاية.‏ فكان<br />

على آتيبة الجرمق إلى جانب مهمتها الأولى في مواجهة العدو الصهيوني على خط التماس،‏ أن تدافع<br />

1977<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


55<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

عن القرى الشيعية وحرآة أمل في الجنوب.‏ وقد وصل الأمر أحياناً‏ إلى أن يرتفع سلاح فتح في<br />

مواجهة بعضه بعضاً.‏ ولولا حكمة قيادة آتيبة الجرمق وحزمها لحدثت اشتباآات.‏ آما حدث حين<br />

تصدى مروان وعلي أبي طوق مع قوات من آتيبة الجرمق لوقف هجوم القوات المشترآة حين دآت<br />

الأخيرة بالمدفعية دير قانون عام لان الكتيبة آانت مصممة لا على طرح موقف سياسي<br />

مقابل فحسب وإنما أيضاً،‏ على تنفيذه،‏ وهي مقتنعة آل القناعة أن في خطها مصلحة عليا لفتح<br />

والثورة الفلسطينية آما لأهل الجنوب ولبنان آله في حين آان خط تسليط جبهة القوى والأحزاب<br />

التقدمية على قرى الجنوب يحمل تدميراً‏ لمعادلة الصراع داخل لبنان وتدميراً‏ لفتح نفسهاً‏ فيه.‏ ويجب<br />

أن يذآر هنا الشهيدان مروان الكيالي وعلي أبو طوق اللذان شكلا من خلال موقعهما القيادي في<br />

آتيبة الجرمق،‏ إلى جانب دفاعهما عن الخط الصحيح ضميراً‏ لفتح ومنطلقاتها في وقت آانت الرياح<br />

تهب في الاتجاه الآخر.‏<br />

.1978<br />

ولم يكن الوضع مختلفاً‏ بالنسبة إلى الدفاع عن علاقات فتح بالإسلام السني السياسي والشعبي لأن<br />

المناطق السنية في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع آانت أول ما استهدف من خلال سياسات العزل<br />

قبل أن تنتقل النار إلى الجنوب.‏ هنا أيضاً‏ آان الإصرار من جانب أبي حسن وسعد وحمدي وأبي<br />

خالد وإخوانهم على ترآيز العلاقات مع آل القوى الاجتماعية الأساسية التي يراد استبعادها،‏<br />

وأصبحت في حالة الاستضعاف وهي التي آانت قد شكلت سنداً‏ لفتح من إلى أواسط<br />

السبعينات.‏ ولشد ما آانت بعض القيادات العليا في فتح تلقى من هجمات عليها بمجرد محافظتها على<br />

علاقات خجولة بالقيادات السنية السياسية التقليدية مثل رؤساء الوزراء السابقين ودار الإفتاء أو<br />

الحرآات الشعبية مثل الجماعة الإسلامية وعدد من العلماء والتجمعات المحلية وبعض الناصريين<br />

والعروبيين،‏ أو بعلماء المجلس الشيعي الأعلى أو السيد حسين فضل االله،‏ وغيرهم وغيرهم،‏ فكانت<br />

تمارس تلك العلاقات بالسر قدر الإمكان،‏ وتعطي وعوداً‏ بلا أفعال،‏ بينما آان الموقف الرسمي<br />

والساعد الضاربة الفعلية أسيرين لجبهة القوى والأحزاب التقدمية.‏<br />

1968<br />

هنا آان خط أبي حسن وحمدي وسعد وإخوانهم قد بلور سياسة للجبهة المطلوب تشكيلها والعمل من<br />

خلالها لإخراج لبنان من أزمته تتألف من دار الإفتاء والمجلس الشيعي الأعلى ومن القيادات السنية<br />

والشيعية السياسية التقليدية ومن العلماء ومن القوى الشعبية الإسلامية والعروبية ومن جبهة القوى<br />

والأحزاب التقدمية والقومية ومن الشخصيات ورجال الدين المسيحيين ممن يمكن حشدهم من أجل<br />

الضغط باتجاه وقف الحرب الأهلية ومنع التقسيم وإعادة بناء المعادلة اللبنانية مع فتح باب الحوار مع<br />

البطريرآية المارونية وحزب الكتائب وحزب الأحرار والكسليك وآل من يقبل الحوار ولا يعزل غير<br />

المتواطئين مع العدو الصهيوني.‏ وذلك لتكون المحصلة في مصلحة إعادة اللحمة إلى الوضع اللبناني<br />

على شكل يحقق عدالة أآبر وتماسكاً‏ أشد فيما بين مختلف طوائفه وقواه السياسية،‏ هذا من جهة وأما<br />

من جهة أخرى فمن أجل تحقيق أآبر إجماع لبناني وراء وجود الثورة في لبنان ووراء القضية<br />

الفلسطينية.‏<br />

ويجدر أن يشار هنا إلى أن هذا التيار نتهج سياسة مشابهة بالنسبة إلى القوى السياسية العربية<br />

والإسلامية والأوروبية التي أخذت توصد في وجهها أبواب فتح بسبب صراعاتهاً‏ مع التيار<br />

السوفياتي.‏ إما من مواقع إسلامية أو قومية أو ماوية أو يسارية أوروبية.‏ فبالموازاة وبعض<br />

الفتحاويين،‏ بقيادة الشهيد أبي جهاد رحمه االله،‏ استمر هذا التيار من جانبه،‏ وباستقلالية،‏ يسعى لفتح<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


56<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الجبهة العريضة على مصراعيها عربياً‏ وإسلامياً‏ ودولياً،‏ وذلك بالرغم من السياسة الرسمية المعلنة<br />

التي راحت تحصر أو تحاصر في حدود التيارات التقدمية واليسارية ‏(لا سيما المؤيدة للسوفيات).‏<br />

آان هذا هو التوجه المعلن والمطبق،‏ رضي من رضي،‏ وغضب من غضب.‏ وهو الذي تحول إلى<br />

سمة مميزة لخط أبي حسن وحمدي ومروان وإخوانهم فلسطينيين ولبنانيين،‏ وآان اللبنانيون في هذا<br />

التيار يشكلون شطراً‏ مساوياً‏ للشطر الفلسطيني عدداً‏ ودوراً‏ وقيادياً‏ وعملاً‏ وتضحيات،‏ وآانوا من آل<br />

الطوائف والمناطق اللبنانية تقريباً،‏ وقد استطاعوا أن ينسجوا أمتن العلاقات،‏ في المناطق الإسلامية<br />

من لبنان،‏ بالقوى المقهورة التي تتخطفها ميليشيات القوات المشترآة الفلسطينية - اللبنانية التي آانت<br />

تحت سيطرة جبهة القوى والأحزاب التقدمية.‏<br />

قد يبدو أن تيار أبي حسن وسعد وحمدي وإخوانهم آان معادياً‏ لجبهة القوى والأحزاب التقدمية،‏ وآان<br />

يريد من فتح أن تعزلها،‏ ولكن هذا غير صحيح ولم يكن يوماً‏ آذلك.‏ فقد آانوا يحملون احتراماً‏ خاصاً‏<br />

للمرحوم آمال جنبلاط وآانوا ينظرون إليه بأنه الوحيد في تلك الجبهة الذي آان يمثل شطراً‏ حقيقياً‏<br />

في مكونات المعادلة اللبنانية،‏ وما آانوا يحملون بالنسبة إلى الأطراف الأخرى نيات عدائية أو<br />

سياسات اقصائية.‏ بل أن عدداً‏ مهماً‏ من الشباب اللبناني في قلب هذا التيار آان قد انحدر من منظمة<br />

العمل الشيوعي وقد حافظ على صداقاته وسعى دائماً‏ لاستمرار الحوار والتعاون.‏ وإن آان باب<br />

منظمة العمل هو الذي أوصد بعد الإنخراط في جبهة الأحزاب والقوى التقدمية.‏ فالموقف الفتحاوي<br />

آان يقتضي أن تكون الأذرع مفتوحة إلى جميع أولئك آذلك.‏ فالصراع آان ضد الخط السياسي<br />

والعملي الخاطئ الذي تبنته جبهة القوى والأحزاب التقدمية في إدارة الصراع في الأزمة اللبنانية.‏<br />

فموقف تيار أبي حسن آان متماسكًا،‏ مستنداً‏ إلى المنطلقات ومن تقدير للمصلحة العليا ولحسن إدارة<br />

الصراع ولم يكن وجهاً‏ آخر لعملة التيار التقدمي واليساري داخل فتح الذي آان أحادي الجانب<br />

ومتجهاً‏ لطرف واحد بعينه في لبنان وضارباً‏ عرض الحائط بالأطراف الأخرى جميعاً.‏ أي آان خط<br />

أبي حسن وحمدي وسعد وأبي خالد وأبي محمود ومحمود الحسنية وإخوانهم يريد من فتح أن تتعاون<br />

وجبهة الأحزاب والقوى التقدمية،‏ بما في ذلك الحزب الشيوعي،‏ ولكن ليس على حساب التعاون مع<br />

القوى الأخرى أو عزلها أو ضربها.‏<br />

1982<br />

1983<br />

ولعل من المآسي المبكيات أن فتح في حرب حزيران ومي تواجه الضغوط السياسية<br />

والعسكرية للخروج من لبنان،‏ آما من طرابلس عام ، لم تنل من جبهة الأحزاب والقوى<br />

التقدمية عشر معشار ما آانت تتوقعه منها أ.‏ والأنكى أن مؤتمر الكوادر الذي عقد في بنزرت في<br />

أثناه الحصار على طرابلس والتعرض للهجوم العسكري أرسل التحية للقوى والأحزاب التقدمية<br />

اللبنانية التي آانت في معظمها في الطرف المقابل،‏ بينما شق عليه أن يوجه إلى حرآة التوحيد<br />

الإسلامية مثل تلك التحية مع العلم أنها آانت حليفاً‏ لفتح في طرابلس.‏ إن هذه الواقعة تشير إلى أي<br />

مدى أخذت فيه الهوة تتسع بين فتح ومنطلقاتها.‏<br />


57<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

.<br />

8<br />

شارك في التيار آذلك عدد آخر من أخوة عرب لعب بعضهم دوراً‏ أساسياً،‏ هذا إلى جانب علاقات<br />

حوار وتعاون مع عدد من الأطراف العربية وغير العربية فكان ما يطرح من خط موضع اهتمام<br />

واسع،‏ بل آان نتاج حوار مستمر مع مختلف الأفراد والتجمعات المذآورة.‏<br />

على أن الميزة التي انفرد بها اللبنانيون في هذا التيار آونهم انخرطوا فيه لا من أجل دعم نشاطهم<br />

المحلي اللبناني،‏ أو من أجل تأمين الدعم له بين الجماهير اللبنانية،‏ آما آان حال أغلب المشارآات<br />

اللبنانية في ذلك الوقت،‏ وإنما من أجل أن يشارآوا في المشروع الفلسطيني نفسه،‏ باعتباره القضية<br />

الأولى للأمة آلها.‏ أي آانوا أقرب إلى الاهتداء بنموذج الشهيد عزالدين القسام ‏(السوري المنشأ)‏ أو<br />

المرحوم القاوقجي ‏(اللبناني الجنسية).‏ وإن آان هذا الخط قد واجه باستمرار من داخله اللبناني<br />

اتجاهات للتحول إلى حرآة لبنانية أو إلى النشاط اللبناني والإفادة من الحالة الفلسطينية في دعم<br />

متبادل.‏<br />

وقد عرفت التجربة هنا عدة محاولات في مجال إيجاد أطر لبنانية وآانت ناجحة نسبياً،‏ آما عرفت<br />

انخراطاً‏ آاملاً‏ من قبل الأخوة اللبنانيين في مشروع السرية الطلابية وآتيبة الجرمق وآان لهم دور<br />

في ذلك يكاد يفوق الدور الفلسطيني.‏ أما على مستوى تلك المحاولات أو التي لم تبعد آثيراً‏ عن هذا<br />

التوجه العام فقد عرفت النور قبل تجربة الجبهة الوطنية على مستوى الحرآة الطلابية في<br />

الجامعة اللبنانية،‏ وآان من روادها مروان الكيالي والمرحوم نذير الاوبرى،‏ وتجربة الثانويات التي<br />

آان من قادتها الشهيد علي أبو طوق،‏ ثم تشكلت تجارب اللجان الوطنية وتجربة حرآة لبنان العربي<br />

وآان على رأسها الشهيد الدآتور عصمت مراد<br />

1975<br />

وبالمناسبة واجه السياق اللبناني داخل هذا التيار تغيراً‏ أساسياً‏ بعد الانتقال إلى رض الإسلام.‏ فقد<br />

واجه بعد أن حسم هذا الموضوع إشكالية في استمراره بمعنى هل يستمر تياراً‏ داخل الساحة<br />

الإسلامية،‏ أم لا؟.‏<br />

- ‏"لا"‏<br />

وقد اتجه النقاش منذ ذلك الوقت إلى الإجابة حاسمة عن السؤال.‏ ومن ثم آان على أفراد هذا<br />

التيار أن يبحثوا آل حسب اجتهاده وضميره في الساحة الإسلامية عن علماء يأخذون عليهم دينهم<br />

وحرآات وجماعات ينخرطون فيها عملاً‏ وجهاداً.‏ ولكن آان ثمة إصرار على الاحتفاظ بما هو قائم<br />

على الساحة الفلسطينية بالنسبة إلى آتيبة الجرمق أو العمل في الأرض المحتلة.‏ لأن التخلي عن ذلك<br />

وحلّه قبل أن تتوفر بدائل،‏ وفي مستواه،‏ قد يشكل خطأً‏ آبيراً‏ يفيد منه العدو الصهيوني،‏ أو قد يجعل<br />

حال التيار ‏"جبارين في الجاهلية خوارين في الإسلام"‏ إذا ما تخلوا عن مواقع القتال على خط التماس<br />

أو الجهاد والمقاومة المسلحة في فلسطين.‏<br />

1982<br />

وقد أدى ذلك إلى توزع أغلب اللبنانيين،‏ لا سيما بعد ، على مواقع جديدة من خلال اجتهاد<br />

فردي مستقل،‏ وقد أصبحت لبعضهم خطوط مختلفة تماماً،‏ ولم تحافظ حتى على التشاور وتبادل<br />

(8)<br />

. <br />

. <br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


58<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الرأي.‏ لكن بقى،‏ في المقابل،‏ بعض اللبنانيين الذين أصروا على الانخراط في المشروع الفلسطيني<br />

الجهادي ضمن حالته الجديدة،‏ وضمن الرؤية السابقة نفسها حول علاقة القضية الفلسطينية والجهاد<br />

الفلسطيني بالتغيير والوحدة والنهوض في الأمة وآان في مقدمة هذا التوجه الشهيد سمير الشيخ<br />

فالتحول إلى الطريق الإسلامي لم يغير في جوهر المعادلة السابقة وإنما وسعها لتشمل الأمة العربية<br />

والإسلامية ولربما آانت هنالك ضرورة مستقب ‏ًلا لوقفة تقويمية بالنسبة إلى ما حدث بعد<br />

خصوصاً،‏ بعد بالنسبة إلى أفراد هذا التيار من لبنانيين وعرب عندما ترآوه ليخوضوا في<br />

الساحة الإسلامية تجارب أخرى من منطلقات ومواقع أخرى وضمن منهجية مختلفة،‏ فبعضها آان<br />

ناجحاً‏ وايجابياً‏ وبعضها آان سلبياً.‏<br />

.<br />

9<br />

.1980<br />

1982<br />

. (9)<br />

. <br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


59<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


60<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

آان أبو حسن وحمدي وإخوانهما استندوا إلى تقدير الموقف هذا فاعتبروا أن الخط الأسلم هو ترآيز<br />

آل الجهود على الأرض المحتلة.‏ وقرر أبو حسن وحمدي أن ينتقلا إلى عمّان علماً‏ أنهما في السابق<br />

آانا يتناوبان الوجود فيها،‏ ولو سراً،‏ بسبب ترآيزهما الدائم على الأرض المحتلة،‏ وإن آانا في<br />

المنتصف الثاني من السبعينات قد توزعا بين الأردن ولبنان.‏ أما آتيبة الجرمق فقد أعادت تنظيم<br />

قواتها في البقاع إثر حرب حزيران 1982ً من أجل تحويلها إلى قوات ضاربة خلف قوات العدو<br />

الصهيوني الذي آان يحتل أغلب لبنان،‏ لقد واجهت قيادة آتيبة الجرمق بعد أن وقع الانشقاق داخل<br />

فتح في ربيع أزمة وحرجاً‏ فعلى الرغم من خلافياتها السابقة مع أطرافه وأغلبهم آانوا من<br />

التيار التقدمي واليساري في فتح،‏ وعلى الرغم من رفضها للانشقاق من حيث المبدأ،‏ إلا أنها حاولت<br />

تحييد نفسها وتجنب الدخول في اقتتال وصراع عسكري ليبقى هدفها الوحيد من الوجود في البقاع هو<br />

مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.‏ ولكن قادة الانشقاق آان ينقصهم الخيال في التعامل وهذه الظاهرة.‏ وقد<br />

أصروا عليها أن تحدد موقفاً‏ وتنحاز،‏ وهذا ما فرض على آتيبة الجرمق الانسحاب إلى طرابلس،‏<br />

والدخول في صراع لا تريده حتى الخروج منها.‏<br />

1983<br />

لقد آان التوجه الأساسي للخط هو الترآيز الكلي على الأرض المحتلة بعد 1982، أما البقاء في لبنان<br />

فيجب أن يكون ثانوياً‏ مقتصراً‏ على مقاومة العدو الصهيوني.‏ ولكن ما آان لقيادة فتح أن تسلم<br />

بالحقائق والوقائع الجديدة،‏ والتي تقتضي منها أما أن تتفاهم مع وسوريا،‏ وأما أن تنسحب من لبنان<br />

وتتجنب الصراع مع سوريا.‏ ومن ثم ترآز على تصعيد المقاومة في الأرض المحتلة.‏ وآان هذان<br />

الخياران غير واردين في نهج أغلب قيادة فتح التي سيطر على عقلها حلم العودة إلى لبنان وراح<br />

يغذيه دخولها المحور العراقي – المصري في حرب الخليج الأولى.‏ وهي السياسة التي أصبحت<br />

رسمية وسائدة طوال الثمانينات.‏<br />

آان توجه الخط عند أبي حسن وحمدي أن يترك لبنان ولا يُعاد بناء آتيبة الجرمق فيه،‏ وأن ترآز آل<br />

الجهود على الأرض المحتلة،‏ وآان مشروع إطلاق الجهاد الإسلامي في فلسطين هو شغلهما الشاغل<br />

في هذه المرحلة.‏ أما من ناحية أخرى فقد اعتبر تحالف م.ت.ف مع العراق والدخول في معاداة إيران<br />

مخالفاً‏ للمنطلقات وخطأ أساسياً،‏ لأن بوصلة م.ت.ف يجب أن تبقى متجهة إلى فلسطين،‏ ودور فتح<br />

يجب أن يكون وسيط خير بين العراق وإيران،‏ واعتبر موقف م.ت.ف المؤيد للاحتلال السوفياتي<br />

لأفغانستان خطأ فادحاً‏ آذلك،‏ ولا يمكن تسويغه بأي شكل من الأشكال،‏ آما أن الإصرار على العودة<br />

إلى لبنان بكل سبيل والتأزيم مع سوريا يشكلان خطأين آخرين مهما قيل عن الموقف السوري لتسويغ<br />

ذلك.‏ ومن هنا يلحظ أن الهوة في الخلاف في الموقف السياسي والعملي ووضع الأولويات وفهم<br />

روحية منطلقات فتح قد راحت تتسع خلال الثمانينات.‏ ولكن بالرغم من آل ما تقدم فقد بقيت نقطتا<br />

تقاطع:‏ ‏-الأولى،‏ العمل في الأرض المحتلة وضرورة الإفادة من ذلك لإطلاق الجهاد الإسلامي،‏ ومن<br />

ثم تصعيد المقاومة عموماً.‏<br />

- الثانية،‏ بقاء مكان لإبداء الرأي الصحيح آاملاً‏ من داخل فتح بما في ذلك الجهر في نقد السياسات<br />

المذآورة،‏ وفي الإعلان عن الموقف الإسلامي،‏ بلا مواربة.‏<br />

ونما إلى جانب هذا الخط العام توجه داخله يدعو إلى العودة إلى لبنان بهدف مقاومة العدو الصهيوني<br />

في جنوبي لبنان وآان الشهيد علي أبو طوق ومروان آيالي وبعض إخوانهما في الكتيبة من<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


61<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المبادرين إلى العودة إلى لبنان من أجل هذه الغاية.‏ وهي غير الغاية الأخرى التي أرادتها قيادة فتح<br />

من العودة إلى لبنان وقد ارتكزوا على حسن علاقاتهم ومتانتها بحرآة أمل وحزب االله ومختلف<br />

القوى الشعبية في لبنان.‏ وبالفعل وجدوا من آل أولئك ترحيب فكانوا يميزون بينهم وبين سياسة<br />

القيادة وذلك انطلاقاً‏ من تجربة السبعينات.‏<br />

على أن خللاً‏ حدث في معادلة الوضع الجديد في لبنان مع أواخر عام 1984 وأوائل عام 1985 جعل<br />

قبضة إغلاق الأبواب في وجه فتح الرسمية تتراخى قصداً.‏ فبدأ مطار بيروت يستقبل الوافدين<br />

زرافات ووحداناً‏ وبدأ السلاح يباع أو يهرب لمخيمات بيروت.‏ ولم تمض بضعة أسابيع حتى بدا آما<br />

لو آانت المخيمات في بيروت ستعيد سيرتها الأولى.‏ وهنا سرعان ما عادت تلك المعادلة لتنقلب مرة<br />

أخرى فتفتح حرب المخيمات في أواسط 1985 وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع الجهنمي فيما بين<br />

من آان يفترض بهم أن يكونوا في جبهة واحدة.‏ وقد جاءت التطورات اللاحقة وما حل في المخيمات<br />

من آوارث لتؤآد صحة التحليل الأساسي الذي آان يدعو إلى تناول جديد للوضع في لبنان يختلف<br />

آلياً‏ عما آان عليه في السابق.‏<br />

لقد استشهد في حرب المخيمات علي أبو طوق شريك الشهداء سعد وأبي حسن ومروان في تشكل<br />

السرية الطلابية والقائد الميداني البارز في آتيبة الجرمق،‏ والذي لعب دوراً‏ ريادياً‏ آبيراً‏ في إطلاق<br />

أولى العمليات الموجعة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان،‏ انطلاقاً‏ من البقاع.‏ وجاء استشهاده في<br />

المكان الذي ما أحب أن يستشهد فيه وعلى أيدي من لم يعتبرهم يوماً‏ أعداءه.‏ واضطر إلى الدخول في<br />

حرب المخيمات اضطراراً.‏ فبينما توجه إلى لبنان ليسهم في المقاومة ضد العدو الصهيوني في جنوبه<br />

وجد نفسه واقعاً‏ في الشرك ولم يعد له من مسوغ في البقاء غير الدفاع عن الناس البسطاء في المخيم<br />

والعمل على وقف هذا الاقتتال فيما بين الأخوة.‏<br />

آان أبو حسن وحمدي وإخوانهم يرون إشكالية آبرى في آل ما يجري في الداخل اللبناني من<br />

صراعات ابتداء بالحرب الأهلية وانتهاء بحرب المخيمات.‏ فقد آانت أغلب تلك الحروب تشبه<br />

الحروب بالوآالة.‏ فلبنان منذ ترآبت معادلته الطائفية،‏ هذا دون الرجوع إلى تاريخ أطول،‏ آان ولم<br />

يزل شديد التأثر بالمعادلة العربية والدولية من حوله.‏ وهو تأثر يأخذ شكلاً‏ مباشراً‏ وسريعاً.‏ ولا يبالغ<br />

المرء إذا ربط آل تطور في ميزان قواه الداخلي بتطور موازٍ‏ في ميزان القوى من حوله.‏ لأن طبيعة<br />

المعادلة الحساسة فيما بين طوائفه تشكلت عبر معادلة عربية ودولية محددة.‏ وأخذت شكل اتفاق<br />

داخلي.‏ ولهذا ما آانت المعادلة من حوله تتغير حتى آان يواجه أزمة بحجم التغيير المطلوب منه أن<br />

يحدثه.‏ فعندما تراجع النفوذ الفرنسي الذي أشرف على معادلة وأخذ النفوذ البريطاني ومن<br />

خلال حلف الشرق الأوسط ثم حلف بغداد يتعاظم مع أوائل الخمسينات حتى حدثت أزمة آبرى<br />

أطاحت بالشيخ بشارة الخوري وجاءت بكميل شمعون حليف نوري السعيد إلى سدة الرئاسة.‏ ولكن ما<br />

أن بدأت معادلة النفوذ البريطاني تتراجع لحساب المد الناصري من جهة والنفوذ الأمريكي من جهة<br />

أخرى حتى واجه لبنان حرباً‏ أهلية عام أودت بكميل شمعون،‏ وجاءت بالشهابية.‏ وجاءت هذه<br />

الأخيرة لتعكس معادلة الوضع في المنطقة في أواخر الخمسينات لاسيما فيما بين مصر الناصرية<br />

والولايات المتحدة الأمريكية.‏ وما أن اهتزت المعادلة المذآورة اهتزازًا.‏ جوهرياً‏ بعد حرب<br />

حتى سقطت الشهابية لحساب الحلف الثلاثي.‏ وبدأت معادلة ميزان القوى داخل لبنان تتشكل على<br />

أساس المعادلة العربية-‏ الدولية الجديدة.‏ وهي المعادلة التي سمحت بدخول م.ت.ف.‏ إلى لبنان وعقد<br />

1967<br />

.1943<br />

1958<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


62<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

اتفاق القاهرة.‏ وفي المقابل آان النفوذ الأمريكي من جهة والخليجي والعراقي من جهة أخرى يتعاظم<br />

فيه،‏ على حساب مصر وسوريا.‏ ولكن ما أن اندلعت حرب تشرين وما تحقق فيها من إنجاز ازداد<br />

موقع آل من مصر وفتح وسورياً‏ في معادلة ميزان القوى،‏ آما أن الاتحاد السوفياتي،‏ راح يضغط<br />

لتعزيز موقعه أو قوته في المشرق العربي بعد أن أخذ موقعه يضعف في مصر.‏ الأمر الذي أدخل<br />

لبنان في حرب أهلية طويلة الأمد.‏ وآان السبب في طول أمدها أن التوازن الرجراج في معادلة<br />

ميزان القوى العربي والدولي ‏(والإسرائيلي طبعاً)‏ ما بين نيسان 1975 إلى اتفاق الطائف ما<br />

آان ليتيح أن تبنى ترآيبة داخلية جديدة لدولة لبنان وإنما آانت تدفع باتجاه استمرار الحروب الداخلية<br />

فيه.‏ فقد آانت تلك المعادلة تسمح لكل طرف رئيس أن يقول،‏ لا،‏ ويخرّب أي اتفاق لإعادة ترآيبه.‏<br />

وما آانت الأطراف الرئيسة أو بعضها في وضع القادر على فرض معادلة جديدة للدولة.‏ وهذا ما بدأ<br />

يتغير مع معادلة اتفاق الطائف ثم معادلة حرب الخليج الثانية ومن ثم هذا ما سمح ببناء دولة موحدة<br />

في لبنان وأقام معادلة جديدة.‏ وأن هذا القانون هو ما يجعل لبنان معرضاً‏ للاهتزاز مرة أخرى إذا ما<br />

اهتزت معادلة ميزان القوى المذآورة.‏<br />

1990<br />

بكلمة أخرى،‏ أن آل من يعمل في لبنان عليه أن يدرس الوضع من خلال معادلة الخارج،‏ إذ أن آل<br />

ما ينشأ في داخله،‏ من صراعات واشتباآات وحروب،‏ واغتيالات أو أزمات سياسية وتظاهرات<br />

وإضرابات،‏ أو سقوط حكومات أو تغيير للرئاسة،‏ يمر من خلال معادلة الخارج،‏ ومن ثم لا بد<br />

للمتعاطي والشأن اللبناني من أن يجتهد في التقاط الدوافع أو العوامل الخارجية الدافعة إلى ذلك.‏<br />

من هنا آان خط أبي حسن وسعد وحمدي وإخوانهم،‏ يميل باستمرار إلى أن يتجنب قدر الإمكان<br />

التورط في صراعات لا يكون هدفها محاربة العدو،‏ وإنما صراعات عربية عربية أو داخلية<br />

قطرية.‏ وآان هدفهم من أية مشارآة في الصراعات داخل اللبنان أن تكون بهدف التوجه إلى مقاتلة<br />

العدو،‏ أو التهيئة إلى ذلك أو رفع العقبات التي تحول دونه.‏ فقد شارآوا في الحرب الأهلية بعد حادثة<br />

عين الرمانة مكرهين.‏<br />

-<br />

وما آانوا يريدون المشارآة أآثر من أن تكون دفاعية ومؤقتة وسريعة وألا تصبح تورطاً‏ ومن ثم<br />

تضعف الترآيز على العدو الصهيوني.‏ وما آان من مسوغ يسمح بتلك المشارآة غير حماية الوضع<br />

الذي يسمح بإبقاء المواجهة والمقاومة ضد العدو الصهيوني،‏ وغير ردع التوجهات المستجيبة<br />

لضغوط أمريكا أو الجيش الإسرائيلي في ضرب المقاومة وتصفيتها.‏<br />

ويجب أن يلاحظ هنا أن سياسة عدم التورط في الصراعات اللبنانية - اللبنانية أو الصراعات العربية<br />

- العربية أو صراعات الحرب الباردة بين السوفيات والأمريكان آان يمثل خطاً‏ أساسياً‏ لأبي حسن<br />

وحمدي وسعد وأبي خالد وإخوانهم.‏ وآان التورط لهذا الحد أو ذاك محصوراً‏ بالدفاع عن وجود<br />

الثورة الفلسطينية.‏ وآان المسوغ لهذا التورط حيثما وقع هو استخدامه لاستمرار مقاومة العدو<br />

الصهيوني.‏ هذا إلى جانب الدفاع عن الجماهير الفلسطينية واللبنانية حيثماً‏ آانت تتعرض لهجمات<br />

الإبادة الطائفية،‏ أو الاعتداء عليها،‏ ولكن في آل الأحوال آان الهدف فلسطين وآان خط التعبئة هو<br />

باتجاه فلسطين.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


63<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

أماً‏ من جهة أخرى،‏ فقد آان الإدراك المعمق للوضع اللبناني يسمح لأبي حسن وحمدي ومروان<br />

وسعد وأبي خالد جورج وإخوانهم أن يمسكوا بالقوانين التي تحكم لعبة الصراع فيه.‏ ومن ثم أدرآوا<br />

سلفاً‏ أن آل شي ء يبنى هناك يبنى على رمال فهو يقوم في ظل ميزان قوى محدد خارجه.‏ ويذهب<br />

وفقاً‏ لميزان قوى محدد ترسم ملامحه الأساسية خارجه آذلك.‏<br />

ومن ثم فإن من الحكمة أن تدار السياسة في لبنان وفقاً‏ لميزان القوى الذي تتشكل من حوله،‏ فتحسب<br />

حساباً‏ دقيقاً‏ جدا،‏ والتي يجب ألا يقع خطأ فيها وإلا آان الثمن غال.‏ لأن الدم تسهل إراقته فيه،‏<br />

والرؤوس ‏"يطيب"‏ قطافها هناك.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


64<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

<


65<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<


66<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المساعد"‏ في المعادلات الكيمائية أي ألا نكون طرفاً‏ في المعادلة وإنما ‏"طرف"‏ في المساعدة لبناء<br />

معادلة ايجابية أو الحفز عليها.‏ أي العمل مع الأطراف المختلفة ذات النزعات أو السياسات التي تعتبر<br />

إيجابية من أجل تشجيعها ودفعها إلى أمام فتحاوياً‏ وفلسطينياً‏ ولبنانياً‏ أولاً،‏ وعربياً‏ ثانياً‏ وإقليمياً‏ ودولياً‏<br />

ثالثاً.‏ فالمطلوب أن يكون التيار داخل فتح عاملاً‏ مساعدًا.‏ على الوحدة،‏ وفي المحافظة على المنطلقات<br />

والمبادئ،‏ وفي دفع محصلة الكفاح ضد العدو،‏ وفي تشجيع الاستقلالية والقيم الفتحاوية الثورية<br />

والمناقبية الأخلاقية الحميدة.‏ وفي طرح سياسات بديلة حيثما آان ثمة خلل في السياسات الرسمية،‏ أي<br />

تقديم آل من يعمل بهذا أو ذاك من هذه الجوانب إلى أمام،‏ ولو على حساب الأخوة ومواقعهم<br />

ونضالهم وتضحياتهم.‏<br />

آانت هذه المنهجية فعّالة جداً‏ في تحشيد قوى آثيرة بالاتجاه الصحيح وآانت فعّالة في تحقيق ما<br />

يوضع من أهداف جزئية.‏ ولكنها آانت قليلة المردود على نفوذ التيار أو أفراده أو شهرته أو دوره<br />

الخاص لأن الذين آانوا يدفعون إلى أمام آثيراً‏ ما آان أغلبهم يجيّر المردود لنفسه أو جماعته.‏ وآان<br />

البعض بعد حين يدير ظهره،‏ إن لم ينقلب على الأخوة المعنيين في التيار.‏ لقد حدث هذا في الساحة<br />

اللبنانية والساحة الفلسطينية وفي ساحات أخرى.‏ وقد حدث خلال السبعينات آما حدث مع تجربة<br />

العمل مع بعض القوى الجهادية الإسلامية فيما بعد.‏<br />

آانت المقولات التي آانت تدعم هذه المنهجية تقول:‏ المهم المبادئ،‏ المهم الأهداف والثورة والشعب،‏<br />

المهم النتائج الإيجابية على الأرض في تحقق الأهداف وانجاز المهمات المحددة،‏ وليس مهماً‏ من<br />

يقطف ثمرات الثورة أو السمعة أو النفوذ،‏ أو المكاسب المادية.‏ وليكن ديدننا،‏ ‏"أن نكون الجنود<br />

المجهولين"،‏ وقد أصبحت هذه المقولات بعد الوقوف على أرض الإسلام ذات معنى عندما أصبح<br />

التيار يتأمل مفهوم ‏"العمل في سبيل االله"‏ أو ‏"العمل لوجه االله"‏ وأبعاده.‏ وقد أصبح هذا المفهوم يعطي<br />

راحة للأخوة من ذلك القلق الذي آان يساورهم في السابق من منهجية التمسك بالمثل والقيم والمبادئ<br />

ومفاهيم التجرد عن المصلحة الخاصة من أجل الثورة والشعب والأهداف.‏ ثم يرون غيرهم يقطفون<br />

الثمار بينما هم آانوا أآثر من أعطى وجاهد وتفانى في العمل ودفع الدم،‏ وبلا مردود على المستوى<br />

الذاتي.‏ أما الآن فقد أصبح هذا التفاني له الجزاء الأآبر عند رب العالمين ولو لم ينل صاحبه نصيباً‏<br />

من الدنيا.‏<br />

لقد أسهمت هذه المنهجية حين وجدت أرضها الخصبة في القرآن والسُنة دوراً‏ فعالاً‏ عند التعامل في<br />

الساحة الإسلامية من أجل إطلاق الجهاد الإسلامي في فلسطين،‏ فهي من جهة أشعرت الآخرين<br />

بالاطمئنان أن وراء أبي جسن وحمدي.‏ وإخوانهما مشروعاً‏ في سبيل االله فعلاً،‏ وليس مشروعاً‏ خاصاً‏<br />

بهم ليصبحوا طرفاً‏ أو تنظيماً‏ مقابلاً‏ ينافس على الزعامة والقيادة أو رآوب الموجة.‏ فقد آان يهمهم<br />

أن تُجمّع القوى والإمكانات.‏ وأن يتقدم آل من يستطيع أن يتقدم مدعوماً‏ مشجعاً.‏ وراحت التعبئة<br />

الفكرية تشدد على الابتعاد عن لعبة الفصائل الفلسطينية العلمانية التي وقعت بالفئوية الضيقة،‏<br />

واستخدمت العمليات المسلحة سلماً‏ لتقوية التنظيم والفئة.‏<br />

ولكن آان هنالك دائماً‏ في الساحة الإسلامية آما في الساحة الفتحاوية والقومية من ذاتيته أو فئويته،‏<br />

أو سعيه للمكاسب المادية الضيقة،‏ أو الثورة أو السلطة أو النفوذ،‏ هو المتغلب على الهدف والمبادئ،‏<br />

والقيم،‏ أو على مبدأ ‏"العمل في سبيل االله أو لوجه االله".‏ الأمر الذي عرّض أبا حسن وحمدي<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


67<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وإخوانهما مرة،‏ فمرة،‏ إلى ما آابدوه دائماً‏ من إغماط لدورهم وانتهاباً‏ لجهدهم ‏(حتى بعد<br />

استشهادهما).‏ وهو ما آان يضعهم عند آل تجربة من هذا النوع أمام خيار إما الانكفاء عن هذا النهج<br />

الناجح من ناحية العمل وتحقيق الأهداف،‏ والفاشل من ناحية المكاسب الذاتية وإما الاستمرار فيه،‏<br />

وهو ما آان يحتاج إلى قوة روحية هائلة،‏ وبعد نظر ثاقب،‏ حتى يكون مستعداً‏ مرة أخرى لمصير<br />

مماثل:‏ اغماطاً‏ لدوره،‏ وانتهاباً.‏ لعمله.‏<br />

ولهذا عندما آانت ترتفع بعض الأصوات تجأر بالاحتجاج على هذا الجانب من جوانب الخط آان<br />

جواب أبي حسن وحمدي دائماً.‏ ‏:المهم ماذا تحقق على الأرض،‏ وفي الواقع،‏ فإذا آان الهدف<br />

المنشود،‏ على صغره أو آبره،‏ قد تحقق فذلكم هو المطوب،‏ أما ما عدا ذلك فهو حطام لا تعبأوا به،‏<br />

مهما آان مجحفاً.‏ فواصلوا العمل بهذه الروحية،‏ ولا تبحثوا عن مكاسب آما يبحث البعض.‏<br />

في الحقيقة آان هذا النهج يشكل جوهراً‏ في بنية ذلك التيار وعقليته،‏ وما آان من الممكن ان يتغير،‏<br />

مهما تكررت خيبات الأمل،‏ وعلا الاحتجاج ولو شمل الأغلبية.‏ لأن تغييره يعني القيام ببناء شيء<br />

آخر مختلف تماماً‏ له سماته المختلفة.‏<br />

وبالمناسبة تأثر التيار منذ بداياته بالنظرية الأولى التي آانت وراء تجربة المرابطين في المغرب،‏ أي<br />

فكرة سد الثغور.‏ فأينما وُجد ثغر معرض للهجوم أو السقوط من جانب العدو وآان ينقصه من يذهب<br />

للوقوف عليه أو لتدعيم الواقفين عليه،‏ يجب أن يصار إلى التوجه هناك.‏ لقد آانت الروح المثالية في<br />

بداية تشكل حرآة المرابطين في المغرب ونهجيتهم في الهجرة إلى الثغور قد أثرت تأثيراً‏ خاصاً‏ في<br />

التيار وطبعت جانباً‏ هاماً‏ من منهجيته.‏ وهو مثل آخر على المنهجية الأصيلة الاستقلالية التي تعاطى<br />

بها التيار والتاريخ العربي والنظرية المارآسية في ذلك الحين.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


68<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

>Ù^jÏÖ]


69<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

-8<br />

-9<br />

-12<br />

6- نقد النواقص والسلبيات والأخطاء ‏"ضرورة إنماء روحية تقويم العمل والتجارب والتشجيع على<br />

روح النقد بأخوية ونزاهة وحرية وتعميق البحث عن الحقيقة".‏<br />

7- التخلص من العادات السيئة:‏ ‏"محاربة الاتجاه الذي يعتبر أن عاداته يجب ألا تتغير ومن ثم علينا<br />

أن نسعى لامتلاك القدرة على الحساب العادات الأفضل في آل المجالات".‏<br />

لنقض على نزعة التذمر:‏ ‏"هنالك نزعة واسعة الانتشار تتسم بالتذمر المستمر من آل شيء<br />

‏،وهدم الرضا بما عندك أو بما أنت عليه،‏ وتجعلك تظهر التأفف من الشعب والناس البسطاء وإلى<br />

غير ذلك،‏ الأمر الذي يقضي بضرورة التخلص من نزعة التذمر فينا".‏ أو في الأصح ‏"وإما بنعمة<br />

ربك فحدث".‏<br />

نزعة الأستذة والوصاية:‏ ‏"أبعد عنه نزعة الأستذة والوصاية فيما بين صفوف الأخوة أو مع<br />

الآخرين،‏ فلا بد من التواضع مهما امتلكنا من معرفة وتفوق نظري أو فكري أو عملي".‏<br />

10- البحث عن الانسجام المزاجي:‏ ‏"هنالك أخوة يميزون فيما بينهم وفي علاقاتهم ببعضهم بعضاً‏ أو<br />

بالآخرين وفقاً‏ للمزاج،‏ بدلاً‏ من تغليب روح العمل والتعاون والانفتاح والصبر".‏<br />

11- لنقض على نزعة الانفلات والاستخفاف بالنظام والانضباط:"إن الخط الفكري الصحيح ينطلق<br />

من إعطاء الديمقراطية محتوى يقوم على أساس التمسك بالديمقراطية التي يجب أن تتحلى،‏ إلى<br />

جانب تحليها بحرية الفكر والنقد،‏ بقيم الاتحاد والانضباط والنظام والعمل الموحد".‏<br />

خطان في مواجهة المسؤولية:‏ ‏"خط يراه موقعاً‏ يعطي صاحبه سطوة ونفوذاً‏ ومنافع خاصة<br />

وامتيازات ومكاسب،‏ وآخر وهو الصحيح يعاملها باعتبارها موقعاً‏ يتيح للمرء أن يقدم خدمة أآبر<br />

ويضحي أآثر فلا يتسلط ولا يتجبر ولا يتكبر".‏<br />

13- التعلم من الأشياء البسيطة وممن هم دوننا في المسؤولية.‏<br />

.(<br />

14- الصدق والصراحة في التعامل فيما بين الأخوة ‏(المهم التطبيق والترجمة الصحيحة ولكن يجب<br />

أن يشحن الصدق والصراحة بالأخوة الدافئة والمحبة).‏<br />

15- رفع مستوى التحمل والصبر ومعالجة مشكلة تأخر البديل ‏(البديل المقصود هنا هو الذي يجيء<br />

ليقوم مقام مقاتل آخر في الموقع<br />

16- مراعاة الإصابة والمرض.‏ وقد آتبت هذه الموضوعة بحق الشهيدين حمدي وعلي أبي طوق<br />

اللذين غادرا الفراش قبل أن تشفى إصابتهما،‏ الأول في صدره والثاني في ساقه،‏ ليعودا إلى الموقع.‏ )<br />

فكان المطلوب محاربة نزعة الاستهتار بفترة العلاج الضرورية ولو آان الدافع هو العمل والعطاء).‏<br />

وبالمناسبة لم يتخلص الشهيدان حمدي وعلي أبو طوق وغيرهما،‏ من هذه النزعة،‏ على الرغم من<br />

تسليمهما بها.‏ الأمر الذي آان يتطلب تشديداً‏ أآبر عليها.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


70<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

17- نقل الحدث آما هو دون مبالغة ‏(وقد آتبت من أجل محاربة المبالغة في نقل الأخبار والأحداث<br />

من أجل تعلم الدقة المتنافية لكي يحسن اتخاذ القرارات<br />

.(<br />

)<br />

آتبت ضد نزعة التباهي،‏ في الشوارع أو أمام الأهل والأصحاب،‏ بحمل<br />

18- السلاح لقتال العدو في<br />

في لبنان،‏ آما سبق وسادت قبل أيلول السلاح وقد سادت هذه النزعة بعد نيسان الأردن).‏<br />

1970<br />

1975<br />

)<br />

-19<br />

المحافظة على ما في أيدينا آتبت ضد نزعة الاستهتار في استخدام ما هو أملاك عامة مثل<br />

السيارات أو الكتب والأثاث..والسعي الدائم للصيانة والرعاية).‏<br />

20- التغلب على الصعوبات.‏<br />

اقتحامها وتذليلها.‏<br />

أي التشرب بروحية مواجهة الصعوبات مهما آبرت،‏ وإذآاء روحية<br />

-21<br />

-22<br />

نذهب حيث المهمات أصعب:‏ ‏"إن الأعمال داخل الوضع الواحد متفاوتة من جهة سهولتها<br />

وصعوبتها،‏ فالموقف الأفضل هو أن تختار لنفسك الأصعب والأخطر بدلاً‏ من أن تختار ما هو أسهل<br />

وتترك لأخيك الأصعب أو الأخطر".‏<br />

نقتل ونتحرك بما هو في أيدينا ‏(آان الأخوة يعانون دائماً‏ من نقص بالأسلحة والآليات<br />

والإمكانات وآانت هنالك محاربة لهم إلى حد جعلهم يستخدمون،‏ في الغالب،‏ أنواعاً‏ قديمة أو تعبة.‏<br />

الأمر الذي آان يثير تذمراً‏ من قبل البعض،‏ وأحيانا يؤدي إلى انسحابهم بسبب ذلك،‏ ولهذا رفع شعار<br />

يجب علينا أن نستخدم ما هو متوفر في أيدينا على أحسن وجه،‏ وعدم اشتراط الأفضل لكي ننخرط<br />

في العمل أو نتقنه).‏<br />

23- مواجهة سقوط الشهداء آتبت أثر سقوط عدد من الشهداء الذين ساهموا في تأسيس الخط وقيادته<br />

وعلى فترات متقاربة مما ولّد إحساساً‏ عند البعض بالتشاؤم واقتراب نهايته،‏ بينما حثت الموضوعة<br />

على أن الموقف الصحيح لا يكون بالتشاؤم وإنما بأخذ مكانهم ومواصلة طريقهم.‏<br />

أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تناول المنهاج والسياسة مرآزاً‏ على<br />

:<br />

:<br />

-1<br />

الخط السياسي والتماسك:‏ أآد على أهمية الخط السياسي الصحيح المتماسك وأهمية التحليل<br />

الصحيح للوضع العام ولميزان القوى مع موقف مبدئي يحمل أآبر درجة من الثبات : ‏"إن المبادئ<br />

ليست شيئاً‏ مؤجلاً،‏ آما أن الإستراتيجية ليست مسألة بعيدة قائمة بذاتها لا علاقة لها بالتكتيك اليومي.‏<br />

فالمبادئ والإستراتيجية يجب أن تظلا حاضرتين في التكتيك دائماً‏ وفي آل المراحل وفي آل يوم<br />

‏"ويترجم هذا من خلال الخط السياسي الصحيح والخط الفكري الصحيح".‏<br />

2- ليس السلاح هو العامل الحاسم جاءت رداً‏ على الرأي الذي يعطي الأولوية لتوفر السلاح والمال<br />

لكسب الأنصار بينما الأولوية ‏"يجب أن تبقي،‏ على أهمية السلاح والإمكانات والعدد،‏ للخط السياسي<br />

الصحيح والخط الفكري الصحيح".‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


71<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

-<br />

-<br />

-4<br />

-5<br />

-7<br />

3- لا تستهتر بالعدو تكتيكياً:‏ ‏"إذا آان الانتصار سيكون في النهاية من نصيب الأمة فلا يجب اعتبار<br />

نفسك في حالة انتصار الآن فتستهتر بالعدو وقوته".‏<br />

ضد سياسة هجوم هجوم،‏ وتقدم تقدم:‏ وهي رد على نزعة مزايدة تقدس الهجوم والتقدم<br />

وتريدهما أن يبقيا مستمرين حتى حين تكون هناك ضرورة للتوقف والتقاط الأنفاس أو التخلي حتى<br />

عن بعض المواقع،‏ ‏"الهجوم والدفاع يشكلان وحدة الضدين اللذين يتحول الواحد منهما إلى الآخر".‏<br />

لتنطبق أفكارنا على الواقع:‏ ‏"وهي ضرورة أن نمسك بالحقيقة آما هي،‏ وندرك الواقع آما<br />

هو،ونجعل ممارستنا واقعية ‏،وخطنا السياسي منطبقاً‏ على إمكانات الواقع،‏ لاسيما،‏ في معالجة<br />

المعضلات والمشاآل والتحديات،‏ أي اآتشاف القوانين الأدق في ممارسة المواجهة والعمل".‏<br />

6- حول المساومة:‏ ‏"وهي موضوعة ترد على الاتجاه اليسراوي الذي يرفض سلفاً‏ آل مساومة مع<br />

القوى التقليدية أو على مستوى الأزمة اللبنانية،‏ بينما يفترض الخط الصحيح أن نعرف متى تُرفض<br />

المساومة ومتى يُقبل بها".‏<br />

آل صراع متعرج:‏ وهي موضوعة ترد على الذين لا يحتملون التراجعات أو الانتكاسات<br />

ويريدون التقدم دائماً‏ علماً‏ أن ما من تقدم يمكن أن يمضي إلا عبر خط متعرج يمر عبر النجاح<br />

والإخفاق،‏ مرة بعد مرة،‏ آما عبر الظروف المؤاتية والظروف غير المؤاتية.‏<br />

8- الظروف المؤاتية،‏ والظروف غير المؤاتية.‏<br />

تقديراً‏ صحيحاً‏ للموقف وحسن إدارة للصراع.‏<br />

إن آلاً‏ من الظروف المؤاتية وغير المؤاتية تتطلبان<br />

9- لكل عمل وجه رئيسي:‏ ‏"إذا آانت آل ظاهرة وآل عمل يتشكل من عدة أوجه وجوانب فإن من<br />

الخطأ معاملة الجوانب جميعاً‏ آأنها متساوية وعدم إدراك الرئيس والثانوي فيها وأن وضع آل<br />

الأوجه والعوامل على قدم المساواة أو محاولة إعطاء آل منها قدراً‏ مساوياً‏ للآخر في المعالجة،‏<br />

يشكل نظرة تسطيحية ويؤدي إلى ممارسة تبسيطية متخبطة".‏<br />

10- الحرب لها قوانينها والسياسة لها قوانينها:"ضرورة التعامل والحرب وفقاً‏ لقوانينها والسياسة<br />

ووفقاً‏ لقوانينها.‏ أما الخلط،‏ وإن تشابهت بعض القوانين بينهما،‏ فيؤدي إلى ارتكاب الأخطاء الفادحة".‏<br />

أما الفصل الثالث والأخير فيتناول أساليب العمل والتنظيم مرآزاً‏ على<br />

:<br />

1- العمل الأفقي والترآيز:‏ وهو دعوة للاهتمام المرآّز في العمق،‏ بالفرد وإعطائه الوقت الكافي<br />

وتجنب أسلوب التعبئة العامة السطحية،‏ وهذا ينطبق على عدة مجالات آذلك أي ضرورة الترآيز<br />

وعدم ‏"الشلفقة"؟ أو الألشقة.‏<br />

2- حول الاجتماع التنظيمي في فتح:‏ ‏"وهو ضد نزعة الرتابة والتعامل والموضوع بحرفية وشكلية<br />

أو آأنه غاية،‏ بينما الأصح أن يرآن في آل لقاء باعتباره الجسر الذي تعبر النظرية من خلاله إلى<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


72<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الممارسة ثم تعبر الممارسة من خلاله بعد تقويمها،‏ إلى النظرية.‏<br />

السياسة والنظرية والعمل.‏<br />

أي يجب أن يكون بحثاً‏ حياً‏ في<br />

3- المتابعة وعدم الإهمال:‏ ‏"إن المتابعة وعدم الإهمال هما جوهر آل عمل جاد ومنظم<br />

عدم التقليل من أهمية القيام بالأعمال الصغيرة والبسيطة".‏<br />

‏"وضرورة<br />

:<br />

:<br />

:<br />

:<br />

-7<br />

4- الرآض وراء الكسب السريع:‏ وهي موضوعة ضد الذين يسارعون للارتقاء أو الكسب السريع<br />

وجني الثمرات.‏ ‏"فالخط الفكري الصحيح يتطلب أن يحمله المقاتلون الحقيقيون الذين لا يدعون ولا<br />

يبالغون ولا يسعون إلى الكسب الرخيص وإنما يلتزمون بقول الصدق و الحقيقة ويزدادون تواضعاً‏<br />

آلما ازدادت مآثرهم ولايدخلون المنافسة مع خط الكذب والمبالغة أي بالترويج للنفس والمبالغة<br />

والادعاء،‏ وإنما عليهم أن يستمروا في العمل الحقيقي الجاد بكل تواضع ودون ضجيج،‏ وينتظروا في<br />

صبر انكشاف الحقيقة حتى ولو استغرق ذلك بعض الوقت،‏ ولو عضوا على الجرح طويلاً.‏ فهم على<br />

آل حال لا يرجون غير خدمة الشعب وانتصار ثورة الشعب.‏ الشعب الذي هو وحده البطل الحقيقي".‏<br />

5- لكل جواد آبوة هي موضوعة لتكريس المحبة بين الأخوة ومقاومة روح ‏"الاستشفاء"‏ أو روح<br />

الشماتة بالأخ الذي يضعف أو يرتكب خطأ أو يتقاعس.‏ فالمطلوب اعتبار ذلك مثل الكبوة واعتبار<br />

المخطئ،‏ مثل الجواد الذي يجب أن يساعد على النهوض من الكبوة.‏<br />

6- لنهتم بالدراسة تتناول هذه الموضوعة أن يبقى الاهتمام بالسياسة والدراسات النظرية والفكرية<br />

مستمراً‏ في ظل الفرق في الممارسة.‏ وعدم جعل الممارسة سبباً‏ لإهمال التعلم المستمر والدراسة<br />

والاطلاع.‏<br />

برامج التثقيف وهي موضوعة تتطلب أن ترتبط برامج التربية والتثقيف بحاجة الممارسة<br />

والمهمات التي يطلع بها الأخوة في آل مرحلة إلى جانب برامج التثقيف العامة.‏<br />

8- ضرورة إجراء التحقيقات:‏ أي ضرورة التعلم ألا يؤخذ شيء بلا تدقيق وتأآد،‏ سواء أجاء ذلك من<br />

خصوم أصدقاء،‏ أم من قبل من تحب وتحترم وتثق به.‏ آما يجب ألا يحكم على ظاهرة أو تعالج قبل<br />

جمع المعلومات وإجراء التحقيقات اللازمة من أجل الخروج بالرأي الصحيح لمعالجة صحيحة.‏<br />

9- آيف نجري التقويم إذا آان الجميع متفقاً‏ على موضوعة ضرورة إجراء التقويم فإن الإشكالية<br />

تبقى آيف يجري التقويم؟ وبأية منهجية نصل إلى تقويم صحيح.‏ أي ضرورة الدراسة الدقيقة للواقع<br />

والمعطيات أولاً‏ ثم يقوم العمل ثانياً.‏ فالتقويم بلا منهجية صحيحة ينتهي إلى نتائج مخطئة ومضرّة.‏<br />

10- توضيح المهمة : ‏"لقد تعلمنا من تجربتنا في هذه الحرب الأهلية إن من الخطأ تحريك المناضلين<br />

والمقاتلين بأسلوب الالتزام وإصدار الأوامر،‏ أو بأسلوب التخجيل والإحراج آذلك.‏ إنه من الخطأ<br />

تكليفهم بمهمة من المهمات دون أن تشرح لهم أهميتها من الناحيتين السياسية والعسكرية أو دون<br />

توضيح طبيعتها وما ينتظرهم في أثناء تنفيذها".‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


73<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

هذه خلاصة سريعة خاطفة لواحد من النتاج الفكري والنظري الذي أسهم أبو حسن وسعد وأبو خالد<br />

جورج وحمدي وأبو محمود وعلي أبو طوق ومروان نسيم أبو سعيد فايز وعشرات الشهداء في<br />

صياغتها ومعايشة أحداثها ومناقشاتها حرفاً‏ حرفاً‏ والإشراف على التعبئة وفقاً‏ لها.‏ ولعل من يتأمل في<br />

هذا النص وعلى الرغم مما في متنه الأصلي من منهجية طبقية مارآسية يستطيع أن يلمس عمق<br />

انغراس منطلقات فتح وتجربتها الثورية فيه آما عمّق انغراس قيم أخلاقية دينية فيه آذلك.‏ الأمر الذي<br />

يعطي تفسيراً‏ للمسار الذي آل بأهل هذا التيار في نهاية المطاف إلى التخلي عن المارآسية والوقوف<br />

على الأرض الإسلامية.‏ فالمنهجية المارآسية آانت هنا تحت تصرف التيار خاضعة للتجربة الواقعية<br />

ولروح الشعب والثورة والقيم الأخلاقية والسلوآيات الحميدة ومنهجية البحث الموضوعي العلمي ولم<br />

يكن خاضعاً‏ لها ناقلاً‏ لمسلماتها.‏ وآانت هنالك أسس من الثوابت القيمية والأخلاقية في هذا النص<br />

تلتقي وما يقول الإسلام في موضوعاتها وإن لم ترتكز إلى الإسلام عند آتابتها.‏ فكان هذا أيضاً‏ من<br />

العوامل التي جعلت الوقوف،‏ فيما بعد،‏ على الأرض الإسلامية سهلاً‏ ميسوراً‏ لا يحتاج إلى معاناة<br />

للتخلص من مسلكيات وأخلاقيات مرذولة حتى يكون بالإمكان التحلي بالأخلاقيات والمسلكيات<br />

الإسلامية.‏ فلم يكن هذا التيار غريباً‏ عن قيم الصدق والمبدئية والاستقامة والإخلاص للحقيقة،‏ والوفاء<br />

بالعهد،‏ والشجاعة في قول الحق،‏ وفي البحث عن الحقيقة.‏ فقد آان هذا التيار بعيداً‏ عن الانتهازية<br />

السياسية،‏ أو الرآض وراء المكاسب الشخصية،‏ أو تعاطي الخمر والزنا والميسر أو عدم البر<br />

بالوالدين،‏ أو احترام الأآبر سناً‏ أو رعاية الأهل،‏ أو التحلي بالتواضع والكرم وحب التعلم،‏ والغيرة<br />

على الشعب والأوطان.‏ أما الإشكال الحقيقي في تلك التجربة بالنسبة إلى المعيار الإسلامي فكان<br />

يتمثل بالجوانب العقدية والفلسفية والنظرية والفكرية وآل ما له علاقة بالمادية التاريخية والمادية<br />

الديالكتيكية،‏ والاشتراآية العلمية،‏ والنظرة إلى الغرب والثورة الصناعية وحرآات التحرر القومي،‏<br />

والثورة العالمية.‏ وهي ولا شك خطيرة،‏ ولا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.‏ وأن أمثالها تمنع<br />

الكثيرين حتى هذه اللحظة من الاقتراب من الإسلام.‏ ولكن سبق أن أشير إلى أهمية الجانب المنهجي<br />

عند أبي حسن وحمدي وإخوانهما ودوره في عملية هذا التحول الكبير.‏ فقد اتبع ومنذ البدء،‏ منهجاً‏<br />

وضع المارآسية على محك التجربة والمساءلة على مستوى التجربة العالمية والتاريخية،‏ لاسيما<br />

بالنسبة إلى بلدان أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية،‏ وخصوصاً‏ التجربة العربية التاريخية.‏ وهو الذي<br />

مهد الطريق إلى النقد وإلى التخلص خطوة فخطوة من مختلف مرتكزات النظرية المارآسية.‏ ولم يبدأ<br />

أبو حسن وحمدي وإخوانهما،‏ آما سبقت الإشارة إليه،‏ يطرقون باب الإسلام ليفتح لهم إلا بعد أن<br />

آانوا متحررين تماماً‏ أو يكادون من ذلك الإرث.‏ وآانوا في طريقهم إلى توليد مرتكزات نظرية<br />

وفكرية من اجتهادهم.‏<br />

< ìfl†¢]


74<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المناسب الذي تضع الحصوة فيه نفسها.‏ وهنا آانت إشكالية حسن تقدير الموقف وتحديد مرآز الثقل<br />

في المواجهة والتجرؤ على الوجود فيه يشكل الشرط الأساسي بالنسبة إلى نجاح هذا المنهاج وفعاليته.‏<br />

ولهذا فإن من يراجع سيرة هذا التيار فسيجده قد سعى دائماَ‏ إلى أن يكون حصوة في الموقع المناسب،‏<br />

ففي أيار‎1973‎ آان أبو حسن يقود في موقع الجامعة العربية أو ‏"دوار الكولا"‏ حيث تصدى هو<br />

وزميل أخر له ‏(غيفارا)‏ لأول دبابة تقدمت من دوار الكولا باتجاه الجامعة العربية وآان من ورائها<br />

رتل من الدبابات يتبعها.‏<br />

وقد أوقف الهجوم مع تحطمها.‏ فكانت تلك النقطة،‏ إلى جانب غيرها من الجهود في تلك الأزمة،‏<br />

حاسمة في إنهائها وفي المساهمة في حماية الثورة.‏ وآان موقع أبي حسن وسعد في البرجاوي في<br />

المنتصف الثاني من عام عاملاً‏ هاماً‏ إلى جانب مواقع أخرى في تماسك جبهة بيروت<br />

وصمودها،‏ لاسيما أمام شبح ما حدث في منطقة عين الرمانة وفي منطقة النبعة والكرنتينا.‏ وآان<br />

الصعود بعد ذلك إلى الجبل فصنين يهدف إلى حماية تل الزعتر من التصفية.‏ وهنا يجب أن تذآر<br />

دماء الشهداء سعد وأبي خالد ‏(جورج عسل)‏ وحسن ومحمود الحسنية ونسيم أبو سعيد وزهير<br />

العنداري ومحمد شبارو وطوني النمس وأحمد وجمال القرى وحماد حيدر وأيمن أبو عبداالله،‏<br />

وحسنين،‏ وحرب جمجوم الذين ما استشهدوا إلا بهدف وقف المجازر والتصفية والتطهير الطائفي<br />

للمناطق،‏ وآان الهدف فتح جبهة أو ممارسة الضغط لإنقاذ مخيم تل الزعتر من الإبادة آما حدث في<br />

الكارنتينا والنبعة ومخيم ضبية فكان هذا هو الهدف بالنسبة إلى موقف التيار من الوجود في الجبل<br />

وصنين وقد نجح هذا الضغط جزئياً‏ في تدعيم صمود تل الزعتر،‏ ولكن آان الأفق السياسي المكمل<br />

مسدوداً‏ أو محبطاً‏ بسبب قرار العزل والتأزيم غير المتوازن مع سوريا ويجدر أن يذآر هنا الدور<br />

الاستثنائي الذي لعبه أبو وجيه أمين العنداري في اختراق الحصار ليلياً‏ عبر طريق في الجبل<br />

والوادي من العبادية إلى تل الزعتر.،‏ آان يتسم بصعوبة ما آان لأحد أن يجتازها إلا تحت قيادته<br />

الفذة،‏ وقد استشهد بعد ذلك بسنتين في حرب في معرآة مارون الراس ببنت جبيل،‏ وقد أبلى<br />

بها خير بلاء.‏<br />

1978<br />

1975<br />

10<br />

وبالمناسبة لا بد من أن يشار هنا إلى واقعة آادت تحدث أزمة عميقة داخل فتح وذلك حين آان قائد<br />

المجموعة التي أفرزتها السرية الطلابية للمساهمة مع القوات الفلسطينية اللبنانية المشترآة لفتح<br />

طريق الدامور،‏ وذلك لأهميته الحاسمة في ربط بيروت بخطوط التماس في الجنوب.‏ وهو الشهيد أبو<br />

الراتب ‏(اسماعيل خضر)‏ الذي انسحب من القتال بمجموعته التي آانت من أوائل مقتحمي الخط<br />

الأمامي،‏ احتجاجاً‏ على قتل الأسرى،‏ بما في ذلك الأطفال والنساء،‏ وأبلغ القيادة الميدانية أنه<br />

سينسحب إذا لم تعط أوامر صارمة بوقف قتل الأسرى لا سيما من النساء والأطفال والمسنين والعزل<br />

من السلاح.‏ فعاد بمجموعته إلى بيروت على الرغم من تهديده بتقديمه ومجموعته لمحاآمة عسكرية<br />

ميدانية.‏ فاتخذ الشهيد سعد جرادات موقفاً‏ حاسماً‏ في دعمه،‏ وفي الاحتجاج على انتهاج سياسة شبيهة<br />

بسياسة القوات اللبنانية المارونية في التطهير وقتل المدنيين والأسرى.‏ وآان التيار في ذلك مستعداً‏<br />

للمضي في هذا الصراع الداخلي إلى أبعد مدى ومهما آلف الأمر.‏ ولكن الموضوع لفلف.‏ وعلق<br />

(10)<br />

<br />

.<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


75<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الشهيد أبو أياد لسعد<br />

ضمير فتح".‏<br />

‏"إنكم بالرغم من خلافي معكم وربما آرهي لكم أقول أنكم تعبرون بهذا عن<br />

آان أبو حسن ومروان آيالي وعلي أبو طوق وبقية شباب السرية من لبنانيين وفلسطينيين على<br />

مشارف عالية بعد أربعة أيام من القتال في منطقة بحمدون حين أعلن عن اتفاق الرياض بين سوريا<br />

ومنظمة التحرير الفلسطينية.‏ فما آان منهم إلا أن تنفسوا الصعداء خلاصاً‏ من ورطة هذا الصراع<br />

الجانبي الذي ألحق ابلغ الأضرار السياسية والمعنوية ناهيك عن المادية والبشرية،‏ بأطرافه آافة.‏ آما<br />

رحبوا أشد ترحيب منذ اللحظة الأولى بالاتفاق بينما تعالت أصوات تقدميي فتح ونظرائهم اللبنانيين<br />

بإدانته،‏ والبعض راح يهاجم مبادرة السرية الطلابية بالتحرك فوراً‏ بعد إعلان اتفاق الرياض،‏ نحو<br />

الجنوب.‏ وآان الجنوب في ذلك الوقت يتساقط أمام قوات لحد سعد حداد المدعوم من العدو<br />

الإسرائيلي.‏ وبالفعل لقد تحرآت السرية الطلابية حتى قبل أن يصار إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين<br />

السوريين والقوات الفلسطينية - اللبنانية باتجاه بنت جبيل التي آانت قد تلقت إنذاراً‏ باحتلالها من قبل<br />

قوات لحد - سعد حداد وقد أثار ذلك لغطاً‏ حول ترآهم للمواقع في تلك الفترة الحرجة بل اتهمهم<br />

البعض بأن ثمة مؤامرة على الشباب الجيد والثوري في السرية الطلابية لقتلهم ‏"بين مطرقة<br />

الإسرائيليين وسندان السوريين"‏ بالحرف الواحد.‏ ولكنهم آانوا بتقديرهم للموقف وحسابهم للمعادلة<br />

في تلك اللحظة الحرجة قد حسموا بأن تلك مرحلة انتهت وبدأت مرحلة المواجهة في الجنوب.‏ هذا<br />

فضلاً‏ عن أن خيار المواجهة في الجنوب أمام زحف القوات الإسرائيلية آان دائماً‏ صحيحاً‏ بل<br />

الأصح.‏<br />

-<br />

-<br />

ولكن تلك الزوبعة سرعان ما تبخرت من داخل فتح وخارجها ضد أبي حسن وإخوانه بعد أن ثبت<br />

فعلاً‏ أن تلك المرحلة من الحرب قد انتهت وبدأت مرحلة جديدة،‏ لاسيما بعد أن تكرست اتفاقات<br />

الرياض باتفاق القاهرة الذي جاء ضمن الخطوط نفسها.‏<br />

آان استقرار السرية في بنت جبيل وتلة شلعبون في ذلك الوقت قد لبى عدة حاجات.‏ الأول آان<br />

الوقوف في الموقع الصحيح والمنسجم مع الخط من أساساته.‏ والثاني،‏ الحاجة التي أصبحت ملحة إلى<br />

وقف زحف قوات لحد - سعد حداد.‏ والثالث تطور وضع السرية،‏ على الرغم من نزيفها المستمر،‏<br />

والذي أسقط درراً‏ من تاجها،‏ إلى آتيبة فكأنما آان االله يبارك لها ويزيدها قوة وعدداً،‏ والأهم رسخت<br />

في أرض الجنوب،‏ وأصبحت جزءاً‏ من تاريخه حتى حرب حزيران 1982.<br />

آان الوجود في ذلك الموقع المناسب والمستند إلى خط سياسي صحيح قد سمح للسرية الطلابية بأن<br />

تتحول إلى هيبة محترفة ضمت إلى قوات العاصفة،‏ وآانت في الواقع،‏ شأنها شأن تكوين هذا التيار<br />

من بداياته،‏ لبنانية فلسطينية في آوادرها القائدة وقواعدها.‏ هذا دون ذآر عشرات ومئات من<br />

المتطوعين العرب وغير العرب الذين آانوا قد شارآوا إخوانهم من خلالها شرف القتال ضد العدو<br />

الصهيوني.‏<br />

ويجب أن يسجل هنا أن هذا التيار أضاف إلى قوات العاصفة في الجنوب آتيبة انحدرت من الطلاب<br />

وخريجي الجامعات أساساً،‏ في الوقت الذي آانت تلك القوات تعاني من نزيف معاآس في ترك<br />

المواقع القتالية في الجنوب.‏ وبدلاً‏ من أن يرى هذا الخط إيجابياً‏ يعطي ولا يأخذ.‏ ويزيد من قوى فتح<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


76<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ولا ينقص منها أو يخذلها ظل ملاحقاً‏ بالتشكيك والتضييق عليه.‏ وآثيراً‏ ما واجهت آتيبة الجرمق<br />

تقتيراً‏ بالإمكانات المادية وأحياناً‏ حتى بالخبز والتموين.‏ ويجب أن يذآر بهذه المناسبة للشهيد جواد<br />

أبي الشعر الذي آان قائد الأوسط في الجنوب ثم آان قائد الميليشيا في بيروت أنه تعاطف والسرية<br />

الطلابية وهرب لها الكثير من قطع السلاح.‏ وقد آان يمثل بدوره اتجاهاً‏ فتحاوياً‏ آخر سليم الطوية<br />

فعالاً.‏<br />

ولعل أول مواجهة ثبتت أرآان الكتيبة في بنت جبيل آانت معرآة تلة شلعبون ضد قوات الجيب<br />

العميل ثم معرآة مارون الراس ضد العدو الصهيوني فقد سطرت في هاتين المعرآتين مآثر مشهوداً‏<br />

لها من أهل المنطقة ومن بعض تعليقات صحف العدو.‏ وأصبحت تلك ‏"الحصوة"‏ بعد هاتين<br />

المعرآتين مهابة سواء أآان ذلك من قوات الجيب العميل أم القوات الإسرائيلية.‏ ولعل السياسات<br />

والمسلكية التي مارستها الكتيبة مع الأهالي من حولها،‏ في بنت جبيل نفسها جعلتها تحاط بالحب<br />

والاحترام حتى من أوساط آانت دائماً‏ ناقمة على المقاومة الفلسطينية أو آانت متألمة منها.‏ فالكتيبة<br />

وهي تتبنى في نهجها خط احترام الجماهير،‏ والدفاع عنها ومساعدتها،‏ وعدم التحول إلى ثقل عليها،‏<br />

نمت في صفوفها روح احترام الصلاة والصيام في رمضان،‏ واحترام تقاليد الناس فيما يتعلق<br />

بالأخلاق والنظرة إلى المرأة والرجال المسنين.‏ ويكفي شهادة على ذلك أن البعض في الجنوب سمى<br />

آوادرها ‏"بالحسينيين"،‏ وآانت التسمية لافتة للنظر بالنسبة إلى فكر آان يتشرب من المارآسية<br />

والتجارب العالمية أآثر من التجربة الإسلامية التاريخية.‏ ولم تفهم هذه الشهادة بعمقها وأبعادها إلا<br />

فيما بعد،‏ وبأنها فعلاً‏ تستحق من آتيبة الجرمق أن تعتز بها.‏<br />

12<br />

آان التحرك السريع من الجبل وأخذ المواقع في منطقة بنت جبيل ‏(في أقل من ساعة)‏ قد أربك<br />

خطة سعد حداد وأوقف امتداد الشريط الحدودي،‏ لا سيما بعد أن تلقى هزيمة قاسية في معرآة تلة<br />

شلعبون.‏ الأمر الذي أبقى الجيب العميل مشطوراً‏ إلى قسمين رقعة مرجعيون من جهة وعين ابل<br />

ورميش من جهة ثانية.‏ وأدى لحاق قوات الثورة الفلسطينية بعد ذلك من الجبل وبيروت إلى الجنوب<br />

بعد اتفاق شتورة إلى نشوء وضع جديد تمثل بوجود رقعتين تحت سيطرة قوات سعد حداد ‏(الجيب<br />

العميل)‏ ويقابلها مناطق واسعة تموضعت فيها قوات الثورة الفلسطينية،‏ ‏(آانت هنالك مشارآة لبنانية<br />

بدأت تتسع بعد إغلاق ملف الجبل).‏<br />

:<br />

-<br />

وقد نشأ إلى جانب خطي المواجهة،‏ حالة رمادية تمثلت بوجود مجموعة من القرى الحدودية،‏ في<br />

وضع حيادي ‏"أرض حرام"‏ لا تتمرآز فيها قوات الثورة،‏ ولا قوات سعد حداد،‏ أو القوات<br />

الإسرائيلية وقد اشتهرت من بينها قرى مارون الراس وميس الجبل وحولا وعيترون وغيرها.‏<br />

لقد أصبحت هذه القرى الحدودية الحيادية ‏"الأرض الحرام"،‏ في تلك المرحلة،‏ نقطة الصراع<br />

المرآزية في محاولة آل طرف لاجتذاب أهلها إليه.‏ الأمر الذي ولد صراعاً‏ حاداً‏ بين خطين داخل<br />

الثورة الفلسطينية ‏(القوات.‏ المشترآة الفلسطينية اللبنانية).‏ إزاء التعامل وهذه الحالة الجديدة<br />

والمعقدة.‏<br />

-<br />

تجسد الخط الأول بالسياسات التي اتبعتها السرية الطلابية والتي أصبحت الآن آتيبة الجرمق.‏ وقد<br />

رمى إلى العمل على تعزيز وحدة الأهالي داخل هذه القرى - وحدة العائلات والقوى المتنفذة إلى<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


77<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

جانب الشباب المسيس،‏ ومن ثم التصدي لمحاولات سعد حداد لدخولها تصدياً‏ يعتمد على النضال<br />

الجماهيري الواسع المستند إلى إجماع داخلي.‏ وقد افترض هذا الخط أن تعمل قوات الثورة من<br />

الناحية السياسية والاجتماعية والتعبوية على تشجيع هذا التوجه ودعمه،‏ في حين يجب أن يكثف<br />

الاستعداد العسكري لمواجهة قوات سعد حداد أو قوات العدو الصهيوني إذا ما حاولت احتلالها بالقوة.‏<br />

وسيكون الموقف الجماهيري العام،‏ في هذه الحالة،‏ إلى جانب قوات الثورة ضد الطرف المعتدي<br />

الذي خرق حيادها وأمنها.‏ وقد شهدت بالفعل،‏ قرى الجنوب إشكالا هامة من المقاومة الشعبية<br />

اللاعنفية تمثل في اعتصام الأهالي بمنازلهم أو في مساجدهم وحسينياتهم حين آانت القوات<br />

الإسرائيلية أو قوات سعد حداد تدخل تلك القرى.‏ فتواجه برفض التعاون وإياها بل حتى رفض<br />

الحديث معهم.‏ وقد فقد العدو نتيجة ذلك ورقة هامة،‏ وهي الإفادة من تقسيم الصفوف الداخلية،‏ آما<br />

سمح لقوات الجرمق،‏ بفضل صحة الخط السياسي وحسن المسلك والتصرف بأن تحقق في منطقتها<br />

تفوقاً‏ سياسياً‏ ملموساً‏ عليه.‏ الأمر الذي اضطره في نهاية المطاف إلى احتلال مارون الراس عسكرياً،‏<br />

وهي قرية مرتفعة ذات موقع استراتيجي بالنسبة إلى آل من جنوبي لبنان وشمالي فلسطين،‏ وآان<br />

يشرف على بنت جبيل ويمسك بخناقها.‏<br />

وقد فوجئ العدو بتسلل وحدات من الجرمق وراء خطوطه في القرية مع بدء هجوم على عدة نقاط<br />

في الواجهة.‏ الأمر الذي أوقعه في ارتباك فمن جهة لم يتوقع الهجوم ومن جهة لم يتوقع التسلل الذي<br />

راح يشتبك من الداخل وراء الخط الأمامي،‏ فاضطر إلى الانسحاب وقد ترك وراءه أسلحة وآليات<br />

وجثثاً.‏ وازداد إرباآه حين اآتشف أن قوات الجرمق انسحبت من القرية فوراً‏ للمحافظة على حيادها<br />

آما آان يرغب أهلوها الذين أسدوا لها في تلك المعرآة عدة خدمات أساسية،‏ والبعض شارك آذلك.‏<br />

فقد آانت إعادة احتلالها من قبل قوات العدو تشكل إحراجاً‏ سياسياً‏ شديداً‏ وتبطل آل التعبئة التي آانت<br />

تنشر في الجنوب لتحريض الأهالي على قوات الثورة الفلسطينية،‏ أما الخط الثاني،‏ والذي حوصر<br />

سياسياً‏ من قبل آتيبة الجرمق في منطقة بنت جبيل والمنطقة الرمادية حولها،‏ فكان يتبع سياسات في<br />

تلك القرى ترمي إلى سيطرة الشباب الحزبي من جبهة الأحزاب والقوى التقدمية على القرى<br />

والاصطدام بالقيادات التقليدية والوجهاء والعلماء.‏ ولم يكن بعيداً‏ عن استخدام عضلاته في تحقيق ذلك<br />

من خلال التسلل بالسلاح إلى تلك القرى.‏ مما آان يولد استفزازاً‏ واحتكاآاً‏ داخلياً‏ باستثارة بعض<br />

الحزازات القديمة أو إلقاء التهم جزافاً‏ على هذا وذاك من الوجهاء،‏ وآانت هذه التصرفات غير<br />

حكيمة حتى لو آان في التهمة بعض الصحة.‏ لأن طرح خط صحيح يحرج حتى المتواطئين أما<br />

الاتهامات فقد تستفز عائلاتهم للدفاع عنهم.‏<br />

لقد آانت حجة هذا الخط تستند إلى ضرورة سيطرة القوات المشترآة عسكرياً‏ على تلك القرى وعدم<br />

ترآها لقمة سائغة للعدو.‏ وقد تصدت آتيبة الجرمق لهذا الخط واعتبرته فقيراً‏ أو سطحياً‏ في تقدير<br />

الموقف العسكري والسياسي وفي جس نبض الناس.‏ الأمر الذي يضع الحب في طاحونة العدو من<br />

حيث يظن أنه الأشد ثورية في مواجهته.‏<br />

أما من جهة أخرى فقد آان الخط السياسي والمسلكي الذي طبق بالنسبة إلى المناطق الرمادية جزءًا<br />

من خط أشمل طبقته آتيبة الجرمق في الجنوب عموماً،‏ فها هنا،‏ أيضا،‏ تدعّم المسلك الحسن مع<br />

الجماهير بالموقف السياسي الذي انحاز إلى جانب الأهالي والعلماء وحرآة أمل أمام محاولة سيطرة<br />

القوات اللبنانية - الفلسطينية المشترآة التقدمية على قرى الجنوب.‏ فكانت الكتيبة ملجأ ومصدر حماية<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


78<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

2<br />

ضد التسلط.‏ وآانت رادعاً،‏ إن لم تكن شاهداً‏ على سياسة مخطئة آان يراد لها أن تمرر بصمت.‏<br />

وهكذا،‏ تجمّع في الكتيبة أربع مزايا في آن واحد خط سياسي صحيح،‏ وقوة شكيمة وذآاء في القتال<br />

ضد العدو،‏ وحسن مسلك ومعاملة في العلاقة بالناس،‏ ووقوف شجاع ضد سياسة بعض الاتجاهات<br />

اللبنانية والفلسطينية التي حاولت السيطرة بالقوة على الجنوب دون سند شعبي.‏<br />

1978<br />

لقد اعتبرت معرآة مارون الراس في آذار ‏(مارس)‏ واحدة من الأسباب التي دفعت العدو<br />

لارتكاب مغامرة حرب 1978 لتلعب الكتيبة دوراً‏ ملموساً‏ امتد عبر تكتيك قتالي تراجعي من مارون<br />

الراس حتى نهر الليطاني.‏ وقد استطاعت أن تحافظ على مجموعات استمرت في القتال وراء صفوف<br />

العدو،‏ وتمكنت أن تعود وتلام صفوفها،‏ بسرعة،‏ لتأخذ موقعها في الجنوب هذه المرة في قلعة<br />

الشقيف وما حولها.‏ وإذا آانت قد قامت ما يزيد على أربعين شهيداً‏ ما بين خريف وخريف<br />

فلا بد من أن يذآر،‏ بصورة خاصة،‏ استشهاد أبي خالد الشحيمي وأبي وجيه العنداري في<br />

معارك تلة شلعبون ومارون الراس وذلك للدور الهام الذي لعباه.‏<br />

1976<br />

1978<br />

إذا آان التموضع في بنت جبيل ومحيطها مرآزاً‏ ونقطة ثقل في المواجهة ضد العدو والجيب العميل<br />

في المرحلة ما قبل اجتياح الجنوب من قبل جيش العدو عام ، فقد أصبحت النبطية ومحيطها<br />

مرآز ثقل هام بعد ذلك،‏ حتى معرآة الاجتياح الثاني في حزيران ، حيث دارت فيها معارك<br />

مشهورة آانت أخرها وأهمها معرآة الشقيف التي استشهد قائدها الشهيد راسم وزميله الشجاع عبد<br />

القادر ‏"اليمني"‏ وعدد آخر من الخيرة.‏ وبالمناسبة آان علي أبو طوق في الحقيقة هو بطل تحصين<br />

قلعة الشقيف وقد جعلها قادرة على استقبال حرب بكل تلك الجدارة.‏ فقد آان الشهيد على أبو<br />

طوق عالي الهمة في أمور التحصين والتدريب وآل ما له علاقة بالعمل الشاق والمضني،‏ فضلاً‏ عن<br />

علو همته في رعاية إخوانه وخدمتهم ليل نهار،‏ إلى جانب شجاعته الفائقة وذآائه الحاد وتصميمه<br />

الحازم في القتال.‏<br />

1978<br />

1982<br />

1982<br />

11<br />

لقد تجمع في آتيبة الجرمق ثلة من الكوادر السياسية والمتمكنة نظرياً‏ ومنهجياً،‏ وقد اآتسبت،‏ عبر<br />

القتال والدراسة وتقويم التجارب،‏ المهارة التكتيكية والقدرة على التحصين والتخطيط والتمويه<br />

وامتلاك روح المبادرة ومفاجأة العدو،‏ وقد أضافت آل ذلك إلى ما تحلت به من سمات الذآاء<br />

والشجاعة والمبدئية ونكران الذات وحب الجماهير.‏<br />

ويكفي أن ترى واحدة من ثمرات ذلك في معرآة الشقيف التي،‏ وبشهادة عدد من القيادات العسكرية<br />

في لواء الغولاني،‏ آانت من أقسى المواجهات التي مني بها المهاجمون بأآثر من محاولة فاشلة،‏<br />

وعل الرغم من قصفها بالطيران قصفاً‏ عنيفاً‏ يفقد الدفاع توازنه أو يزعزع وذلك بفضل ما بذل من<br />

جهد في التحصين والتمويه.‏ ولم يتحقق احتلالها إلا بعد خسائر جسيمة في مقدمتها مقتل قائد الهجوم<br />

نفسه الرائد غيورا هيرمك المشهور ‏(بغوني)‏ وقد اقتحمها بالمشاة من قوات الصاعقة المميزة من<br />

لواء غولاني بعد أن فشل اقتحامها بالآليات مرة فمرة<br />

.<br />

12<br />

(11) هو "" <br />

_ – ." " _ " " (12)<br />

.( ) .1993 - <br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


79<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

يلحظ،‏ مرة أخرى،‏ من آل هذا المسار أهمية الدور الذي لعبه هذا التيار حين طبق منهجية ‏"العامل<br />

المساعد"،‏ ‏"ونظرية"‏ الحصوة التي تسند الخابية تطبيقاً‏ سليماً‏ آان شرطه الأول،‏ بعد سمة نكران<br />

الذات،‏ القدرة على التحرك على هدي تقدير صحيح للموقف وفقاً‏ لكل وضع وحالة.‏<br />

<


80<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

أبو خلدون ‏(خالد صابر الديك)‏ بعد معرآة دامت عدة ساعات مع قوات العدو.‏ وقد أحدث ذلك،‏<br />

بدوره،‏ أثرا إيجابياً‏ في الوضع الفلسطيني العام.‏ وقد آان من الممكن لهاتين التجربتين أن تحدثا نقلة<br />

آبيرة أو تصبحا نهجاً‏ في العمل لولا أنهما جاءتا سباحة ضد التيار الذي أخذ يعتبر الداخل مرتبة ثانية<br />

بعد لبنان ويتعامل والمقاومة المسلحة باعتبارها مرتبة ثانية بعد الاهتمام بالعمل السياسي النقابي<br />

والعلني لخدمة برنامج النقاط العشر.‏ ولكن يجب أن يسجل أن باب العمل العسكري في الداخل آان<br />

مفتوحاً‏ ومشجعاً‏ لمن أراد.‏<br />

آان أبو حسن وحمدي حريصين على ترآيز الجهود خلال تلك المرحلة في نقطتين،‏ الأولى من خلال<br />

العمل داخل الأرض المحتلة والثانية من خلال جنوبي لبنان.‏ وبهذا يكون أهل هذا الخط الأآثر<br />

انسجاماً‏ مع منطلقات فتح وإستراتيجيتها الأساسية بعيداً‏ قدر الإمكان عن المعارك الجانبية.‏<br />

1982<br />

عندما شن الجيش الإسرائيلي حرب حزيران ‏(يونيو)‏ آان حمدي على رأس عدد من<br />

المجموعات من آتيبة الجرمق والشباب اللبناني يخوض قتالاً‏ متواصلاً‏ من الجبل حتى البقاع.‏<br />

وآانت لهذه المجموعات عدة إنجازات في عرقلة تقدم قوات العدو شأنها شأن سائر مجموعات آتيبة<br />

الجرمق التي قاتلت من موقع إلى موقع خلال تلك الحرب ابتداءً‏ من قلعة الشقيف وصولاً‏ إلى البقاع.‏<br />

أما أبو حسن فأصبح،‏ آعادته في الأزمات،‏ قائداً‏ ميدانياً‏ يقود واجهة المدينة الرياضية في أثناء هجوم<br />

الجيش الإسرائيلي على بيروت وحصارها.‏ وقد قصفها أآثر من ثلاثة وثمانين يوماً‏ قصفاً‏ تندك لهوله<br />

الجبال.‏<br />

لعل من الأهمية بمكان أن تجد مآثر آتيبة الجرمق ومن قبلها السرية الطلابية،‏ آما تجد إنجازات أبي<br />

الحسن وحمدي على مستوى العمليات العسكرية في الأرض المحتلة في مستوى حربي و<br />

في لبنان من يؤرخ لها تفصيلاً‏ ويسجل لكل شهيد من شهدائها بطولاته وإنجازاته.‏ وذلك من<br />

أجل سد النواقص التي حملها هذا الكتيب الذي غطى الاتجاه العام وقصر في وصف الوقائع<br />

وتفصيلها.‏<br />

1978<br />

1982<br />

وثمة عمليات نوعية عدة قام بها إخوان أبي حسن وحمدي ومروان إما مباشرة وإما بالتعاون مع<br />

مناضلين آخرين،‏ آانت بارزة في مدلولاتها وفي الروح المعنوية العالية التي اتصف بها هذا التيار.‏<br />

منها على سبيل المثال لا الحصر العملية البطولية في رويسة البلوط حيث تم أسر ثمانية من أفراد<br />

جيش العدو الإسرائيلي ونقلهم إلى الخطوط الخلفية وقد جرى تبادلهم بعد وقت بالإفراج عن المئات<br />

من المعتقلين في السجون الإسرائيلية.‏ وآذلك عمليات العاقبية وعالية وعرمون وعيناب ويتسامون<br />

والسمقانية وعين الحلزون وغيرها وقد استشهد خلالها عدد من أخوة أبي حسن وحمدي وأبي محمود<br />

هلال رسلان وأبي فايز محمود الحسينة.‏ ويمكن أن يذآر ممن آان لهم دور هام في التصدي لقوات<br />

الاحتلال الشهداء نبيل مكارم وأسعد فياض وغيرهما.‏ وأسهم الشباب اللبنانيون في الفرار الذي حصل<br />

في سجن أنصار في جنوب لبنان.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


81<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

1982<br />

على أن الانتهاء من حرب حزيران ‏(يونيو)‏ والخروج من لبنان بعد ذلك بحوالي ثلاثة أشهر<br />

جعل المسار يتواصل،‏ بأعلى درجات الزخم،‏ في الجهد الكثيف الذي بذله أبو حسن وحمدي،‏<br />

خصوصاً،‏ وإخوانهم عموماً،‏ لإطلاق شعلة الجهاد الإسلامي في فلسطين.‏<br />

1983<br />

.<br />

لقد آانت المرحلة الممتدة من أوائل عام حتى تاريخ استشهاد أبي حسن وحمدي ومروان<br />

الكيالي وإخوانهم هي مرحلة العمل الدؤوب لحشد القوى من أجل إطلاق الجهاد الإسلامي والتحضير<br />

لسلسلة من العمليات الكبيرة،‏ والتي أرادوها أن تكون مدوية حتى تليق بحمل اسم الجهاد.‏<br />

وعلى الرغم من النقص الفادح بالإمكانات المالية،‏ استطاعت أنوية سرايا الجهاد الإسلامي،‏ وبفضل<br />

الكثيرين ممن شارآوا فيها ‏(جماعات وأفرادًا)‏ أن تجد لنفسها موقعاً‏ مرموقاً‏ على الخريطة العسكرية<br />

في الأرض المحتلة ويمكن أن يذآر هنا،‏ بصورة خاصة.‏ عملية البراق الناجحة والكبيرة التي<br />

أثخنت بالجراح أآثر من سبعين جندياً‏ من قوات غولاني وآانت العملية التي أعلنت،‏ بمناسبتها،‏ سرايا<br />

الجهاد الإسلامي أول بيان حمل اسمها.‏ وآان أبو حسن وحمدي قد سهرا عليها سهراً‏ متواصلاً‏ حتى<br />

آتب لها ذلك النجاح المدوي واتبعاها بالتحضير لعملية استشهادية آبرى خطط لها أن تتوجه إلى<br />

مجمع رئاسة الوزراء الإسرائيلية وتنفذ من خلال سيارة حملت آميات آبيرة من المتفجرات تزيد<br />

على المائتي آيلو غرام وآانت المجاهدة عطاف عليان قد تهيأت للشهادة في سبيل االله.‏ فصممت على<br />

اقتحام الموقع وبنفسها حتى لا تترك فرصة للفشل.‏ وشاء القدر أن تكشف العملية قبل تنفيذها.‏ ولكن<br />

على الرغم من ذلك فقد ترآت أثراً‏ إيجابياً‏ آبيراً‏ حين عرفت أبعاد العملية وما حملته السيارة من<br />

متفجرات،‏ وشاع خبر الفتاة الاستشهادية.‏ ولكن الشهيد حمدي مر بعذاب نفسي شديد بسبب فشل<br />

العملية وراح يحمّل نفسه مسؤولية الخطأ إلى حد آاد يعتزل معه العمل القيادي الذي آان يقوم به.‏<br />

ولولا تاثير أبي حسن عليه وعزيمته على لأم الجراح والتعلم من الأخطاء،‏ وهو الذي آان يتألم مثل<br />

حمدي وآان بحاجة إلى حمدي وللسبب نفسه،‏ لما استطاع هذان الفارسان الفذان أن يعودا ليواصلا<br />

دورهما القيادي في سرايا الجهاد ويمدا شهداء عملية الشجاعية بالسلاح والدعم بعد أن فروا من<br />

السجن وقد جاء استشهادهم بعد معرآة بطولية تمهيداً‏ مبارآاً،‏ من بين عوامل أخرى،‏ لانطلاقة<br />

الانتفاضة.‏<br />

يجب أن يذآر هنا أن الانخراط في مشروع إطلاق الجهاد الإسلامي جاء استمراراً‏ لذلك الالتقاط<br />

الذآي والمناسب للموقع الذي يكون فيه أبو حسن وحمدي وإخوانهما،‏ أفضل ما يكون الالتقاط.‏ لقد<br />

تكثّف ترآيزهما على إطلاق الجهاد الإسلامي في فلسطين،‏ والذي أصبح يشكل،‏ موضوعياً،‏ مرآز<br />

الثقل في مرحلة الثمانينات.‏ وقد أتى أآله المرجوة على أفضل وجه،‏ وآان له إلى جانب عوامل<br />

أخرى إسهامه الملحوظ في اندلاعة الانتفاضة المبارآة.‏ وإذا آان أبو حسن وحمدي ومروان قد<br />

آحّلوا عيونهم برؤية هذه الانتفاضة في الأشهر الثلاثة الأولى من اندلاعتها،‏ ورأوا فيها الشكل<br />

الأرقى في مواجهة العدو وذلك بسبب طابعها الجماهيري الواسع،‏ واستقبلوا براحة آبرى انخراط<br />

حرآة حماس في الانتفاضة واندفاعها للتصدي لمهماتها ولعب دور قيادي رائد فيها.‏ وقد رأوا في<br />

ذلك انتصاراً‏ آبيراً‏ للأمام آما آان انتصاراً‏ للمقاومة بمجموعها ضد العدو.‏ فقد آانوا يرون ضرورة<br />

أن تفتح فتح ذراعيها لاستقبال الظاهرة الإسلامية المجاهدة في فلسطين بدلاً‏ من أن تتنامى فيها<br />

اتجاهات العداء للإخوان المسلمين ولفصائل الجهاد الإسلامي.‏ وقد ذآروا بعضاً‏ من آوادر فتح في<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


82<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

إحدى نقاشاتهم قبيل استشهادهم،‏ قائلين إذا آنتم قد وجهتم النقد للإسلاميين عموما.‏<br />

المسلمين<br />

وللإخوان<br />

خصوصاً‏ لأنهم لم ينخرطوا بالكفاح المسلح في فلسطين فأين منطقكم حين تزدادون نقداً‏ وتهجماً‏ حين<br />

ينخرطون في الجهاد والانتفاضة وينفخون روحاً‏ عظيمة في المقاومة ضد العدو الصهيوني؟<br />

في الحقيقة لو أراد المرء أن يتابع النهج الذي اختطه أبو حسن وحمدي قبل استشهادهما،‏ سواء أآان<br />

من حيث وضع الأولوية للهدف والمبدأ وللمواجهة ضد العدو،‏ أم آان من ناحية انتهاج منهجية لعب<br />

دور العامل المساعد أو الحصوة التي تسند الجرة،‏ أو الوقوف على الثغر الذي يحتاجك أآثر،‏ لكانا<br />

الآن في الخندق الأمامي إلى جانب حماس وقوات عز الدين القسام ولاعتبرا ذلك هو الترجمة<br />

المستمرة للوجود في الموقع الذي يكون فيه المرء أآثر فعالية وأآثر انسجاماً‏ مع المبادئ والأهداف<br />

والمقاومة وتحرير فلسطين وإنهاض الأمة.‏ بل لاعتبرا ذلكم هو التواصل وجهاد شعب فلسطين منذ<br />

العشرينات حتى اليوم مروراً‏ بانطلاقة<br />

.1965 / 1 / 1<br />

<


83<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

14<br />

.<br />

15<br />

13<br />

عالجت موضوع دور المرأة،‏ فأشرآها الإسلام،‏ بشكل أو بآخر،‏ في الجهاد وحثها على اعتناق<br />

الإسلام والدعوة له وقد نجح الإسلام في الارتقاء بدورها فنقلها من وضع إلى وضع أرقى.‏ أو ما<br />

عرف في تاريخنا بالانتقال من الجاهلية إلى الإسلام،‏ ولم تكن المرأة بعيدة عن المساهمة في عملية<br />

هذا الانتقال التاريخي العظيم"‏ ولوحظ أن مشارآة المرأة في تاريخنا تعاظمت في مرحلة الكفاح<br />

ضد التتار والصليبيين ثم ضد الاستعمار القديم الذي غزا بلادنا منذ أوائل القرن التاسع عشر فقد<br />

عرفت آل البلاد العربية مشارآة المرأة في النضال.‏ في آل الثورات والانتفاضات الشعبية منذ ذلك<br />

الوقت حتى الآن.‏ فالمرأة آانت تتصرف باعتبارها جزءاً‏ من الأمة وتتقدم إلى المواجهة.‏ فالنساء لم<br />

يحملن قضية خاصة بهن،‏ وإنما آن يحملن دائماً‏ قضية الشعب آله ومع الشعب آله.‏ فذلك هو الذي<br />

شغل بالهن وراح يدفعهن إلى النضال.‏ ولهذا فإن محاولة البعض إعطاء أولوية لقضية ما يسمى<br />

بتحرير المرأة أو مساواتها بالرجل،‏ لا ينسجم والمجرى التاريخي أو خط الجماهير،‏ والأهم يشكل<br />

محاولة لإعطاء أولوية،‏ عملياً‏ إن لم يكن نظرياً،‏ فوق أولوية القضية المرآزية.‏ ومن ثم فإنه<br />

يدفع"بالتناقضات الثانوية لتطغى على التناقض الرئيسي"‏ وتكون النتيجة الغرق في صراعات لا<br />

طائل من ورائها ولا مكان لها.‏ وتؤدي إلى العزلة عن الجماهير.‏ بل لا تشجع على مشارآة القسم<br />

الأعظم من نساء الشعب في العمل حين يراد لتلك المشارآة أن تتم تحت عنوان آبير هو ‏"الصراع<br />

ضد الرجل".‏<br />

وهنا طرح التيار خطا نقد من خلاله الاتجاهات المحافظة التي تعارض آل مشارآة للمرأة في الثورة<br />

الفلسطينية أو التغيير في الأمة من جهة.‏ آما وجه نقداً‏ أشد إلى شعارات اليسارية الطفولية،‏ بسبب<br />

آونها في ذلك الوقت الأعلى صوتاً،‏ وذلك لرفعها إشكالية المساواة،‏ بصورة تجريدية ومنفرة،‏ أو<br />

طرحها لقضية المرأة باعتبارها معرآة رئيسية ‏"ضد التقاليد أو ضد الدين أو ضد المؤمنين ومن<br />

يحملون هذه التقاليد.‏ أي ضد غالبية الشعب"‏ ‏.ومن ثم فالاتجاه الأخير يزيد على الاتجاه الأول في<br />

إقصائه لأوسع جماهير النساء عن المشارآة الفعلية،‏ وسلخت ‏"الطليعة النسائية والرجالية نفسها عن<br />

جماهير الشعب نساء ورجا ‏ًلا".‏ وذلك بضربها أسوأ مثل للجماهير في معالجة ‏"موضوع المرأة"‏ إذ<br />

حولت ‏"القضية عملياً‏ إلى صراع من اجل الحرية الفردية والانفلات من قيود الروابط العائلية واتهام<br />

نساء الشعب ورجاله بالتخلف والتأخر والعقل الرجعي.‏ فالبعض قلد الاتجاهات المنحرفة لدى اليسار<br />

الأوروبي والبعض قلد العصرية الأوروبية وغرق في الفسق والفجور والتهتك أو بالمظاهر السطحية<br />

لمدنية برجوازية استعمارية زائفة"‏<br />

يجب أن يلحظ هنا أيضاً‏ المنهجية الأصيلة التي تحلى بها تيار أبي حسن وحمدي ومروان وإخوانهم،‏<br />

والمرتكز إلى المارآسية في ذلك الوقت،‏ في معالجة موضوع المرأة لا سيما في تقويم الإسلام<br />

والتجربة الإسلامية من موضوع المرأة لحظنا أعلاه،‏ وهو منهج غريب تماماً‏ عن آل التيارات<br />

المارآسية المعروفة.‏ ولهذا لم يكن بلا مغزى أن يتهم من قبل الكثيرين من اليساريين ومنذ أولى<br />

" (13)<br />

. 1977 (62 ) - " " " <br />

. (14)<br />

. (15)<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


84<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

توجهاته ‏"بعدم العلاقة بالمارآسية".‏ وهي تهمة آانت تستفزه في ذلك الوقت وآان يرد عليها بأن<br />

موضوعاته هي المارآسية الحقيقية لأنها الأآثر قرباً‏ من الواقع الموضوعي والذاتي لبلادنا وشعبنا،‏<br />

والأآثر دفعاً‏ للعملية التغيرية الكبرى.‏<br />

وعودة إلى موضوع المرأة فقد شدد الخط في ذلك الوقت على ضرورة إشراك النساء في النشاط<br />

العملي مشارآة فعالة.‏ وذلك بربط تلك المشارآة بالقضية العامة تماماً‏ آما هو الحال بالنسبة إلى<br />

الرجال ‏(وهذا يتضمن برأيه أعلى درجات المساواة)،‏ وبجعل الهدف العملي،‏ بل مقياس النجاح،‏ هو<br />

إشراك أوسع جماهير النساء الشعبيات واللواتي يشكلن الغالبية الساحقة من نساء الأمة،‏ في الثورة<br />

وفي العمل السياسي عموماً.‏ وهذا يختلف عن منهج النساء اللواتي يعتبرن أنفسهن ‏"متقدمات"‏ في<br />

الوعي والعمل فيطرحن الإشكالية على مقاسهن ووفقاً‏ لحاجاتهن،‏ بدلاً‏ من أن يطرحنها على مقاس<br />

جماهير النساء الشعبيات وحاجاتهن.‏<br />

أما من جهة أخرى،‏ فيما يتعلق بالتقاليد والقيم والأفكار السائدة حول المرأة أو حول علاقة الرجل بها<br />

‏"فإن بعض تلك التقاليد والقيم والأفكار يحمل طابعاً‏ شديد السلبية في هو مواجهة عملية استنهاض<br />

جماهير النساء للمشارآة في نضال الشعب.‏ وقد جاء هذا البعض من عصور الانحطاط ومن الغزاة<br />

والمستعمرين آاحتقار المرأة ومعاملتها بمهانة وهو غريب عن التقاليد والقيم والأفكار التي طرحها<br />

الإسلام.‏ ولهذا يجب أن نفرق بين ما هو غريب مستورد وسلبي وبين ما هو إيجابي في تقاليدنا وقيمنا<br />

وأفكارنا.‏ آما أن احترام تقاليد الشعب وقيمه وأفكاره مسألة أساسية في النجاح بمهمة استنهاض<br />

جماهير النساء للنضال.‏ لأن من غير الممكن أن يفرض على الشعب شي ء أو أن يعامل الشعب بتحد<br />

وتعال،‏ فالشعب هو الذي إذا اقتنع غيّر،‏ لأنه هو الذي يصنع الثورة وهو الذي يحقق الانتصارات"‏<br />

وعلى الرغم من أن الإحاطة بكل الموضوعات التي طرحت في حينه لمعالجة قضية المرأة والإجابة<br />

عن مختلف التساؤلات يضيق بها هذا المكان.‏ فقد طرحت اثنتا عشرة نقطة في آيفية معالجة<br />

الموضوع ثم رآز بعد ذلك على ضرورة أن يرتكز التوجه لجماهير النساء من خلال القضية<br />

السياسية أي القضية أو القضايا التي تهم الأمة آلها.‏ ومن ثم نقد الاتجاهات التي تتصور أن المسائل<br />

السياسية الكبرى المطروحة على الشعب آله هي فوق مستوى استيعاب جماهير النساء وأن استيعابها<br />

يحتاج إلى مستوى من ‏"التعليم"‏ و"الثقافة"‏ عالٍ‏ مثل الذي يتمتع به أصحاب تلك الاتجاهات.‏ إنها<br />

نزعة الأستذة على الشعب والنظرة العليائية إلى جماهير الشعب.‏ إنها نظرة البرجوازية إلى الجماهير<br />

الكادحة فالتجارب التاريخية القديمة والمعاصرة أثبتت أن استنهاض جماهير النساء آان يرتبط<br />

بالقضايا الكبرى التي تحرك جماهير الشعب للقيام بالثورة والانتفاضات.‏<br />

.<br />

16<br />

وقد شن التيار حملة في الوقت نفسه ضد ظاهرة ‏"الطليعة"‏ النسائية ‏"المتحررة"‏ إذ راحت بعض<br />

الطليعيات وبتشجيع من زملائهن ‏"الطيعيين"‏ بتحرير أنفسهن آأفراد وتحقيق مساواتهن هن بالرجال.‏<br />

وذهبن بهذا السبيل إلى حد الاقتداء بكل ما يعمله زملاؤهن،‏ وبصورة خاصة،‏ العادات السيئة<br />

والسلبيات على أنواعها.‏ وبهذا تحولت قضية المرأة إلى قضية ضيقة خاصة جداً‏ تتعلق ببضع<br />

عشرات أو مئات من النساء أما الملايين فلا علاقة لهن بموضوع ‏"التحرر"‏<br />

.<br />

17<br />

. (16)<br />

. (17)<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


85<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

18<br />

وصاحب ذلك نقد اتجاهات الاهتمام بالمساواة الشكلية والمظاهر،‏ والاهتمام بالجزئيات لا بالجوهر<br />

مع رفض التقاليد وتحديها تحدياً‏ استفزازياً‏ للناس.‏<br />

أما من جهة أخرى فقد وجه تيار أبي حسن وحمدي نقداً‏ ضد النزعة الخدماتية والاقتصادية في<br />

التوجه لجماهير النساء وذلك حين لا يكون ذلك ضمن الاهتمام بالقضايا الكبرى والعمل السياسي،‏<br />

وإنما على حسابهما أو بتجاهلهما.‏ آما نقد نزعة رفض العمل المنزلي والتأفف من تربية الأطفال<br />

تحت حجة الاهتمام بالعمل العام بدلاً‏ من حسن التوفيق والموازنة بين هذين الجانبين الأساسيين.‏ ومن<br />

ثم آان هنالك تشديد خاص بالنسبة إلى فتيات التيار ونسائه لإعادة صياغة أفكارهن وممارستهن وفقاً‏<br />

لهذه الخطوط فيتخلصن مما هو مخطئ أو منحرف أو مضر من الأفكار والعادات والممارسات<br />

ويتحلين بأسمى القيم وأفضل السمات الثورية،‏ فلا تغريهن بهارج الحياة ولا تخيفهن التضحية،‏ ولا<br />

تقعدهن المشاق والصعوبات وبهذا ‏"يصبحن جديرات باسم الطليعة وبشعبهن ووطنهن ويصبحن<br />

جديرات بأن يكن حفيدات أم حبيب ونسيبة بنت حارث وأم سلمة وخولة الكندية"‏<br />

.<br />

19<br />


86<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

القليل من الرجال المجاهدين حملة المبدأ والرسالة وأصحاب الفكر وأمل العزيمة في العمل<br />

والممارسة.‏<br />

أما حمدي رحمه االله فقد آان،‏ أيضاً،‏ من الرجال المجاهدين حملة المبدأ والرسالة وأصحاب الفكر<br />

وأهل العزيمة في العمل وفي اللحظات التي تمتحن فيها معادن الرجال.‏ وقد أجهد أعصابه وأتعب<br />

جسده هو الآخر وقد راح يعمل ليل نهار من أجل القضية التي حملها وقد لاقى ربه وهو يتضور ألماً‏<br />

من مرض آان يفترض منه بأن يكون على فراش المستشفى بدلاً‏ من أن يكون في ليماسول.‏ وآان<br />

حاد الذآاء.‏ متعدد المواهب آثير الأصدقاء،‏ بما في ذلك خارج المحيط الذي عمل فيه يداً‏ بيد مع أبي<br />

حسن.‏ فقد تميز بقلب يشعر محدثه أنه يلفه بالود والحب والإخلاص.‏ ومن هنا آان شديد التأثير في<br />

الرجال مقنعاً‏ حتى لمخالفيه بالرأي،‏ وما أسرعه في أن يكسب احترام خصمه لو قدر للأخير أن<br />

يناقشه ويتحدث إليه.‏ بكلمة آان دافئاً‏ ودوداً‏ وهو متمسك برأيه وموقفه المبدئي دون أن يدلس،‏ أو<br />

ينافق،‏ أو يُمالئ.‏<br />

لقد آان اجتماع أبي حسن وحمدي آأنه قدر االله ليتكاملا في وحدة رائعة من المزايا الاستثنائية التي<br />

جعلتهما بجدارة يربيان جيلاً‏ من الرجال والنساء.‏ ويشقان طريقاً‏ سيظل في قلب الشعب الفلسطيني<br />

وذاآرته ما ذآرت ثورة فلسطين وما ذآرت المقاومة،‏ وما ذآر الجهاد في فلسطين.‏ وأحسب أن<br />

أثرهما،‏ بصورة مباشرة،‏ أو غير مباشرة،‏ سيتعدى حدود فلسطين ولبنان حين يدرس ما أسهما به من<br />

نتاج فكري ومنهجي،‏ وتجربة وطنية وعروبية وإسلامية فذة.‏<br />

إذا آان أبو حسن وحمدي ومروان وإخوانهم قد انتهجوا نهجاً‏ بعيداً.‏ عن الطموح بالتحول إلى تنظيم<br />

مستقل أو طرف يطمح إلى القيادة فقد زاد هذا التوجه عمقاً‏ بعد الوقوف على أرض الإسلام.‏ فقد<br />

ازداد،‏ هاهنا،‏ الاتجاه نحو لعب دور ‏"العامل المساعد"،‏ ودور الحصوة التي تسند الخابية ‏(الجرة)‏<br />

ودور الوقوف على الثغر المهجور أو الذي بحاجة إلى تدعيم وتعزيز.‏ وقد أصلح ذلك هو ترجمتهم<br />

لكيفية فهمهم العمل لوجه االله أو الجهاد في سبيل االله أي دون أن يكونوا مثقلين بالتصور أن العمل<br />

لوجهه أو في سبيله تبارك وتعالى يعني تعزيز ذاتهم أو جماعتهم أو لا يمر إلا من خلالهم.‏ هذا من<br />

جهة أما من الجهة الأخرى فما آان يحزنهم"أن يخرجوا من المولد بلا حمص"‏ أو آما آان يتندر<br />

البعض بالمثل"احرث وادري لبطرس".‏<br />

على أنهم إلى جانب هذه المنهجية،‏ أو العقلية في العمل رفضوا آما ذآر سابقاً‏ التعامل وقيادة الثورة<br />

من خلال النقد المستمر أو التحول إلى ما يشبه المعارضة البرلمانية،‏ وإنما آان منهجهم أمام أية<br />

مشكلة أو قضية أو سياسة تواجه الثورة بمجموعها يبدأ بسؤال أنفسهم لو آنا نحن القيادة،‏ أو لنتصور<br />

إننا في مكان القيادة،‏ فما هي السياسة أو الخط الأصح الذي يجب أن نتبناه على ضوء الظروف<br />

المعطاة وموازين القوى القائمة.‏ ولهذا آان الخط يبلور موافقة التكتيكية من موقع المشارآة<br />

بالمسؤولية.‏ والشعور بها حتى لو آانت القيادة تكيد له آيداً،‏ ولم يكن له موقع في صنع القرار أو<br />

المسؤولية ومن هنا تميز تاريخهم في معظمه بالوقوف ضد التيار،‏ آما لو آانوا طرفاً‏ يطرح نفسه<br />

لقيادة الوضع.‏ فقد راحوا يحملون السلّم بالعرض آما يقال في مواجهة أعباء القتال ضد العدو،‏ أو في<br />

الدفاع عن منطلقات فتح ومبادئها أو الدفاع عن الثورة،‏ أو الوقوف إلى جانب الجماهير الإسلامية<br />

المقهورة في لبنان وضد التقسيم والحرب الطائفية أو الحرب بالوآالة.‏ أو في الصمود إلى جانب الخط<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


87<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

السياسي والفكري الصحيح في مواجهة السوفيات وأنصارهم،‏ أو في مواجهة خط التخلي عن<br />

منطلقات فتح والسير على طريق التسوية والتنازلات،‏ أو في الترآيز على تدعيم الصحوة الإسلامية<br />

في مواجهة التغريب،‏ والحملات الظالمة،‏ أو تعزيز الجهاد والانتفاضة ومختلف أشكال المقاومة في<br />

فلسطين.‏ إنه تاريخ مميز حقاً،‏ فهو مؤثر فيما حدث من غير إعلان مدوّ،‏ وهو موجود وغير موجود،‏<br />

يعمل عمل الجندي المجهول،‏ ولا يعرف إلا حين يرتطم به التيار المسيطر ليضطهده أو يشهر به.‏<br />

أما من ناحية الجوهر فكان تاريخ هذا التيار سلسلة متواصلة من الوقوف إلى جانب الحرآات<br />

الجماهيرية والتغيير الأصيل والولاء للمبادئ والقيم والمثل العليا...‏ والبحث عن الحقيقة.‏ وآان في<br />

معارضة دائمة لاتجاهات الطفولية اليسارية،‏ والاتجاهات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف الخارجي أو<br />

الاغتيال الفردي أو الاعتماد على عضلات النخبة بدلاً‏ من العمل السياسي الصبور بين الجماهير<br />

والرأي العام.‏ وقد آان يميل دائماً‏ إلى الابتعاد عن الغلو والمغالاة.‏<br />

لقد لعب هذا النهج دوراً‏ مرموقاً،‏ وأحيانا مفصلياً،‏ في مرحلة السبعينات وقد زاده الإسلام رسوخًا<br />

وتبلوراً‏ ووضوحاً‏ وتألقاً‏ في مرحلة الثمانينات.‏ وآان من الممكن أن يكون العطاء آبيراً‏ آذلك في<br />

مرحلة التسعينات لو لم يشأ قدر االله تبارك وتعالى أن يُقتل الشهداء الثلاثة أبو حسن وحمدي ومروان<br />

قبل ست سنوات في ليماسول عبر قنبلة فجرها الموساد الإسرائيلي في السيارة التي آانت تقلهم ليختم<br />

بهذا تاريخ خمسة عشر عاماً.‏ وإننا لندعو االله تبارك وتعالى أن يحتسب لهم ولبقية الشهداء فيه<br />

استشهادهم وما فعلوه من خير وما آان في مرضاته ويغفر لهم ما آان في غير مرضاته.‏<br />

أما جنازة أبي حسن وحمدي في عمّان وجنازة مروان الكيالي في بيروت،‏ فقد جاءتا من حيث<br />

الحشود آماً‏ ونوعاً‏ خير ما يجازى به شهداء قتلوا ونيتهم وعملهم أن يكونا في سبيل االله،‏ وأمضوا<br />

حياتهم عملاً‏ وجهاداً‏ من أجل تحرير فلسطين وتوحيد أمة العرب والمسلمين.‏ فقد سار وراء نعوشهم<br />

وصورهم المكللة بالسواد آبار العلماء والقادة الإسلاميين وآبار المفكرين والصحفيين والشخصيات<br />

الوطنية والقومية واليسارية من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية.‏ وآان ذلك آله شهادة لخطهم<br />

وتاريخهم وما عبّروا عنه ومثلوه.‏ بل أن الوحدة الواسعة التي تحققت في تلك اللحظات وهم يوارون<br />

فيها التراب مثلت الجبهة التي آانوا يحلمون أن تتشكل من أجل فلسطين وفي الرد على التحديات التي<br />

تواجه الأمة.‏ رحمهم االله وأسكنهم فسيح جنانه،‏ وإنا الله وإنا إليه راجعون.‏<br />


88<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

قد تبتعد بنتائجها تماماً‏ عن النتائج المماثلة التي عبّر عنها فكر ماوتسي تونغ حين استخدم ذلك<br />

الأسلوب في اآتشاف الحقائق المتعلقة بطبيعة الثورة ونظريتها في الصين.‏ ولعل من الدوافع وراء<br />

الإعجاب بهذه المنهجية،‏ على الرغم مما قد تكشفه من حقائق،‏ وإن آانت غير صالحة لكشف آل<br />

الحقائق،‏ آان ما تعنيه من روح استقلالية ومن ابتعاد عن ابتلاع الشعارات والنظريات الجاهزة حول<br />

الثورة والآتية من موسكو،‏ أو العواصم الغربية أو من بكين أو هانوي أو بيونغ يانغ أو تيرانا.‏ فقد<br />

آانت مدخلاً‏ للتعاطي والواقع الفلسطيني والعربي بصورة متحررة من النظريات والشعارات الجاهزة<br />

والجامدة.‏ أي آانت مدخلاً‏ لإخضاع المارآسية لنتائج دراسة الواقع الفلسطيني والعربي لا إخضاع<br />

هذا الواقع لمقولات المارآسية اللينيينة..‏<br />

بكلمة أخرى عمقت فكرة،‏ أو نظرية،‏ خط الجماهير،‏ على تلك الصورة،‏ من روح الأصالة المتحررة<br />

من أي قيد نظري جاهز في البحث،‏ لا سيما في محاولة اآتشاف سمات الثورة في بلادنا،‏ أو نظرية<br />

الثورة وآيف يمكن أن تنجز.‏ هنا أصبحت ثمة مسؤولية لكسب معرفة أعمق وأدق بالنسبة إلى<br />

تاريخنا وإلى التجارب السابقة لشعوبنا وإلى التجارب الواقعية الراهنة لجماهير الأمة وأفكارها<br />

وتوجهاتها.‏ وقد راحت نتائج ذلك تبتعد أآثر فأآثر عن المنظومات السوفياتية أو الغربية المارآسية أو<br />

الصينية أو الفيتنامية حول الثورة ونظريتها في بلادنا أو حول فهم تاريخ الأمة العربية والإسلامية<br />

وتقويم تجاربها الثورية.‏ وهذا ما أسس التيار منذ بدايته على احترام تقاليد الجماهير وأخلاقها<br />

والتعامل وإياها بشفافية عالية،‏ بل تجنب إتباع أية أخلاق أو مسلكية تتصادم وتلك التقاليد والأخلاق.‏<br />

وآان هذا يعني منذ اليوم الأول التحلي بروح احترام الإسلام والدين عموماً،‏ وتقويم التجربة<br />

الإسلامية العربية تقويماً‏ إيجابياً.‏ فكان المطلوب الاقتراب أآثر فأآثر من نبض الجماهير وخطها.‏<br />

ولكن مع ذلك بقي التيار أسيرا لمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية ثم الثورة الاشتراآية،‏ فالمفهوم<br />

الأول لم يخضع،‏ بصورة مبكرة،‏ إلى المراجعة والتقويم،‏ فقد آان منسجماً‏ واعتبار فتح لنفسها حرآة<br />

تحرير وطني ورفعها لشعار الدولة الديمقراطية في فلسطين،‏ وارتبط الثاني بالخلفية العروبية القومية<br />

للتيار وبالمرجعية المارآسية.‏<br />

آان لاندلاع التظاهرات الشعبية العريضة في إيران،‏ آما ذآر سابقاً،‏ ورفعها لشعارات االله أآبر،‏ ولا<br />

إله إلا االله،‏ وتحولها إلى ثورة تغييرية أطاحت بالنظام الشاهنشاهي وإلى جانبها،‏ وربما بأهمية أآبر،‏<br />

آان للتجاوب الجماهيري الفلسطيني والعربي غير المعتاد مع تلك الشعارات،‏ أثرا مهماً‏ في تطبيق<br />

نظرية خط الجماهير تطبيقاً‏ خلاقاً.‏ هنا برز رأي داخل التيار يقول ‏"منذ سنوات ونحن نبحث عن خط<br />

الجماهير وهو أمام أعيننا ولكن ما آنا نراه.‏ أنظروا أليس الإسلام هو خط الجماهير في بلادنا؟ فبأي<br />

منطق نبحث عن سمات الثورة بالقول أنها وطنية ديمقراطية ‏(بمعنى برجوازية من النمط الغربي<br />

والمعدل ماوياً)‏ أو أنها اشتراآية بينما هي هنا إسلامية أردنا أو لم نرد.‏ فإن هذه الأحشاء التي ستلد<br />

الثورة في بلادنا..‏ أي هذه المجتمعات،‏ هي مجتمعات إسلامية تحمل المخزون التاريخي الإسلامي،‏<br />

وتحمل الأماني والتطلعات ذات الطبيعة الإسلامية.‏ وسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا يجب أن نقر بهذه<br />

الحقيقة إذا ما آنا نريد أن نمسك بخط الجماهير،‏ أو نكتشف سمة الثورة في بلادنا.‏<br />

وبالمناسبة آان لمارآس رأي يصف فيه الطيعة بأنها مثل القابلة القانونية التي تقوم بمساعدة الطبقة<br />

على الولادة أي ولادة الثورة.‏ فهي لا تخترع هذه الثورة ولا تأتي بها من عندها وإنما هي تقوم<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


89<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

بتوليدها لأن سمات الثورة تتشكل في أحشاء المجتمع المعطى والطبقة المعنية.‏ أي آان مارآس ينظر<br />

إلى الثورة باعتبارها مسألة موضوعية أساساً.‏<br />

أما الدور الذاتي فهو مساعد على الولادة وقد يعطي بعض التلاوين الخارجية لها.‏ ولكنها من حيث<br />

الجوهر مستقلة عنه.‏ هنا أيضا خرج رأي من داخل التيار يقول إذا آانت الطليعة مثل القابلة القانونية<br />

التي تساعد على إخراج الوليد ولكنها لا تستطيع أن تغير شيئاً‏ من سماته التكونية الأساسية.‏ فلماذا<br />

نجعل تطبيقنا مناقضاً؟ ولهذا فثورتكم ستحمل التكوين الإسلامي والمولود هنا سيخرج إلى الحياة وهو<br />

يقول لا إله ألا االله،‏ واالله أآبر..‏ فإذا لم يعجبكم ذلك فابحثوا عن المشارآة في عملية ولادة أخرى في<br />

غير هذه البلاد العربية والإسلامية.‏<br />

ففي البلاد العربية لن تخرج الثورة بشعر أشقر وعينين زرقاوين أو بوجه أصفر وعينين مشقوقتين<br />

فمن أراد الخيار الذي في عقله المارآسي فليذهب إلى السويد أو إلى الصين أو فيتنام.‏<br />

آانت الموضوعة على بساطتها الظاهرية،‏ ومن قبلها المقولة التي تعتبر أن خط الجماهير في بلادنا<br />

وآذلك طبيعة الثورة يتسمان بالإسلامية أولاً‏ وقبل آل شيء،‏ ثم بعد ذلك يمكن أن تعطي سمات أآثر<br />

خصوصية في آل حالة من حالات البلاد العربية والإسلامية قد سهلا الانفتاح على الموضوع<br />

الإسلامي والقبول به من الزاوية السياسية والحضارية والثقافية،‏ آما الانفتاح على تقويم أآثر إيجابية<br />

للإسلام والتجربة الإسلامية الأولى.‏<br />

في الواقع،‏ لقد ساعد رسوخ فكرة خط الجماهير وموضوعية الثورة لدى أآثرية أفراد هذا التيار،‏<br />

على عملية الانتقال سواء أآان بالتجرؤ على ارتياد أآثر تفتحاً‏ وتحرراً‏ وموضوعية للتاريخ العربي<br />

أم للواقع العربي.‏ ومن ثم على صياغة موضوعات نظرية حلت محل آثير من الموضوعات<br />

المارآسية النظرية السابقة والتي آان أآثر ما قد تم الانتهاء منه قبل ذلك.‏ ثم ساعد على تقبل<br />

موضوعة إسلامية خط الجماهير وإسلامية الثورة حتى لو آان المرء لا يعجبه ذلك بسبب استمرار<br />

التعارض والمنهجية ‏"العلمية"‏ أو ‏"الديالكتكية"،‏ أو بسبب التعارض وعدد من النظرات الراسخة لدى<br />

البعض حول حرية المرأة ومساواتها بالرجل أو حرية الفرد.‏ فقد آان عدد من المشارآين في<br />

النقاشات قد درسوا في الغرب وفتحت أعينهم على المارآسية في الغرب،‏ وآان عدد آخر قد انحدر<br />

من خلفيات دينية غير الإسلام وبعضهم آان راسخاً‏ في الإلحاد.‏ ومن ثم آان لدى هؤلاء عوائق فكرية<br />

ونفسية آثيرة إزاء قبول ما هو أآثر من التسليم من ناحية موضوعية بأن خط الجماهير في بلادنا<br />

إسلامي وآذلك طبيعة الثورة..‏ إلا أن هذا التسليم حتى ضمن هذه الحدود شكّل لدى البعض من أولئك<br />

خطوة إلى أمام باتجاه تجاوز تلك العوائق فيما بعد والاقتراب أآثر من المفاهيم الإسلامية بما في ذلك<br />

الجانب العقدي.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


90<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

Üè‚Ïi<br />

آتب هذا النص آرسالة أريد منها أن تجيب عن أسئلة أو تساؤلات آان قد أرسلها عدد من السجناء<br />

السياسيين في سجون العدو الصهيوني إلى الشهيدين محمد محمد بحيص ‏(أبو حسن قاسم)‏ ومحمد<br />

باسم سلطان ‏(حمدي).‏ وقد يعجب القارئ من المستوى النظري الذي طرحت فيه التساؤلات وآتبت<br />

فيه الرسالة،‏ ولا سيما حين يعلم أن التساؤلات صدرت عن فدائيين فلسطينيين قضوا في السجون<br />

بسبب قيامهم بعمليات عسكرية مدداً‏ تتراوح بين سنوات و 15 سنة،‏ أو حين يعلم أن الإجابة<br />

جاءت من قبل قائدين ميدانيين عرفا بانجازاتهما القتالية والميدانية والتنظيمية خصوصاً،‏ والعملية<br />

عموماً،‏ أي نحن أمام نص لم يصدر عن مثقفين محترفين.‏ آما أن التساؤلات لم تصدر عن مثقفين<br />

محترفين آذلك.‏<br />

10<br />

ويبقى جانب إيضاحي آخر لابد من الإحاطة به آخلفية آمنت وراء التساؤلات والإجابة؛ إلا وهو<br />

طبيعة العلاقة بين السائلين والمجيبين.‏ فقد آانت علاقة أخوة وزمالة وعمل ضمن خط واحد ردحاً‏<br />

طويلاً‏ من الزمان وآان الشهيدان يمثلان قيادة له.‏ وآان هذا الخط يستند في أساسه إلى منطلقات فتح<br />

في النظر إلى القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية وما نشأ عنهما،‏ ومن حولهما،‏ من مسائل وقضايا<br />

لها علاقة بالوضعين العربي والعالمي.‏ أما الخلفية النظرية فكانت تنتسب للمارآسية اللينينية ضمن<br />

مفهوم استقلالي عن المحاور الدولية أوالحزبية،‏ وفي ظل سعي دائب للوصول إلى فهم للخصوصية<br />

الفلسطينية والعربية.‏ فالعلاقة بالمارآسية آانت بالنسبة إلى هذا الخط،‏ ومنذ البداية،‏ ذات طابع مميز<br />

يختلف عن طابعها بالنسبة إلى مختلف الاتجاهات المارآسية ولعل أهم سمات ذلك الطابع<br />

آانت سمة إخضاع الموضوعات المارآسية،‏ باستمرار،‏ إلى حكم الواقع والوقائع والتاريخ،‏ على<br />

مستوى العالم عموماً،‏ وعلى المستوى العربي خصوصاً.‏<br />

- اللينينية.‏<br />

ومن هنا آانت تلك الموضوعات في"‏ قفص الاتهام"‏ باستمرار.‏ ويا ويل الموضوعة التي لا تقوى<br />

على إثبات مصداقيتها،‏ في مواجهة الواقع والتاريخ والوقائع.‏ فقد آانت تنفل من أساسها،‏ وبلا رحمة،‏<br />

وتحل محلها،‏ إن أمكن موضوعة أو موضوعات أخرى حتى لو آانت غريبة عن المارآسية،‏ وغير<br />

مقبولة من المارآسيين.‏ وهكذا اتسم مسار هذا الخط من الناحية النظرية بعملية صراع مستمرة بين ما<br />

يحمل من أفكار وموضوعات وبين الاحتكام إلى الوقائع،‏ أو هو صراع يحكمه البحث عن الحقيقة<br />

بحثاً‏ لا ينقذ ولا يكل أو بكلمة أخرى آانت مارآسية هذا الخط صراعاً‏ ضد المارآسية نفسها..‏ فما<br />

آانت هنالك من موضوعة واحدة في المارآسية غير قابلة للنقد،‏ أو آانت تعامل آحقيقة يمكن التسليم<br />

بها ولها تماماً.‏ وإنما آانت تعامل آموضوعة تبدو صحيحة حتى إشعار آخر.‏ فثمة شك مستمر في<br />

احتمال عدم صحتها في حقيقة الأمر.‏ ولهذا آانت المارآسية - اللينينية في حقيقتها وجوهرها وبنيتها<br />

الأساسية مهتزة غارقة بالنظرات المغالطة،‏ والموضوعات غير العملية،‏ والأفكار السطحية أحادية<br />

الجانب،‏ فقد راحت موضوعاتها تتهاوى الواحدة بعد الأخرى،‏ وعلى مدى عدة سنوات في نظر<br />

أصحاب ذلك الخط،‏ وفي مقدمتهم أبو حسن وحمدي.‏ وهذا ما جعل الهوة تتسع باستمرار بين<br />

الشهيدين وبين عدد من زملائهما،‏ ولا سيما أولئك الذين آانوا بعيدين عنهم وراء القضبان لا يواآبون<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


91<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ما يجري من نقاش يومي وتغيرات نظرية مستمرة،‏ أو آانوا يتسمون بالجمود والعصبية<br />

الإيديولوجية.‏ وبلغ الأمر مداه عندما انتهت مسيرة ذلك الخط،‏ بأغلبية إلى نقد المارآسية<br />

بل نقضها من أساسها النظري.‏ أي من المادية الديالكتيكية إلى المادية التاريخية إلى الاقتصاد<br />

السياسي والاشتراآية العملية،‏ وليس فقط نقد التجارب العملية للحرآات والدول التي قامت على ذلك<br />

الأساس.‏ وهو أمر أدى إلى مفاصلة مع عدد من الذين آانوا مستعدين للتخلي عن آثير من<br />

موضوعات المارآسية عدا المنهج على الأقل.‏ ثم تفاقم الوضع حين توجت تلك المسيرة من<br />

موضوعات بتبني الإسلام عقيدة ومنهاجاً‏ ونظاماً،‏ أو بعبارة أدق تبني الإسلام قرآناً‏ وسنة.‏<br />

- اللينينية،‏<br />

ويمكن بعد هذا الإيضاح للخلفية التي حكمت التساؤلات والإجابات أن يدخل القارئ إلى هذا النص<br />

دخولاً‏ مريحاً‏ أو في الأصح وهو ملم بالظروف التي أحاطت بكتابته.‏ أما من جهة أخرى فلابد من أر<br />

يدرك المتأمل في هذا النص،‏ ممن أعجب بالشهيدين محمد بحيص ‏(أبو حسن قاسم)‏ وباسم سلطان<br />

التميمي ‏(حمدي)‏ باعتبارهما قائدين فذين في الممارسة العملية،‏ إنه أمام مناضلين شديدي الاهتمام<br />

بالمسائل الفكرية والنظرية والسياسية.‏ ولهما باع في آل ذلك يسند باعهما في الممارسة العملية.‏ فقد<br />

آان اهتمام الشهيدين شديداً‏ بتلك المسائل إذ آانا يدرآان تماماً‏ أن الممارسة بلا عقيدة سليمة،‏ ومفاهيم<br />

نظرية صحيحة،‏ وخط فكري وسياسي سليم قد تضل ضلالاً‏ بعيداً،‏ تؤدي بصاحبها إلى ارتكاب<br />

الأخطاء الفادحة وربما إلى الانحراف والسقوط.‏ ومن هنا يخطئ من تعود أن يراهما غارقين في<br />

الممارسة العملية،‏ ليل نهار،‏ حين لا يلحظ ترآيزهما المكثف قبل ذلك،‏ وفي أثنائه وبعده على العقيدة<br />

والنظرية والمنهج والفكر والسياسة والقيم الأخلاقية ‏(ولا سيما القيم الأخلاقية التي يجب أن تتسم بها<br />

الممارسة عملاً‏ لا قولاً‏ فقط).‏<br />

وأخيراً‏ لا بد من أن يلحظ أن التطورات الراهنة على المستويين العالمي والعربي،‏ ولا سيما،‏ في<br />

المعسكر الاشتراآي جاءت تؤآد الموضوعات التي طرحها هذا النص الذي آتب عام ولعل<br />

الذين وجه إليهم في ذلك الوقت ولم يستوعبوا آل أبعاده،‏ يمكنهم اليوم أن يعودوا إلى قراءته بعقول<br />

أآثر تفتحاً‏ بعد أن فك أسر أغلبهم،‏ وبعد أن أجمعت جماهير آل البلدان التي حكمت بأنظمة اشتراآية<br />

على رفضها من أساسها ووصل الأمر ببعضها إلى المطالبة بتحريم الأحزاب التي حكمتها.‏ وما زال<br />

في جعبة المستقبل الكثير مما لم يقله بحق تلك الأنظمة التي هي ثمرات طبيعية ومحتومة للنظرية<br />

المارآسية والمنهج المارآسي ولا مهرب من ذلك،‏ لأنه من الهزل أن تعزى مسؤولية تلك الأنظمة<br />

والأحزاب إلى التطبيق لا إلى النظرية.‏ فالفشل في التطبيق حين يكون عاماً‏ وشاملاً،‏ بلا استثناء،‏<br />

يفرض أن تراجع النظرية التي اهتدى بها واتخذها دليلاً.‏ وهناً‏ أمامه خيارات لا مفر منها:‏ فإما أن<br />

تكون النظرية مستعصية على التطبيق وفوق عقول البشر وإمكاناتهم وقدراتهم،‏ وإذا آانت آذلك فما<br />

الحاجة إليها وما قيمتها،‏ وإما أن يكون الخلل قد جاء ابتداءً‏ من النظرية نفسها وهو الأمر المحتم بدليل<br />

أنهم يصرون على القول أن النظرية في جوهرها صحيحة ولكن الخطأ جاء من آل هؤلاء الذين<br />

تبنوها وحملوها إلى الواقع،‏ ومن ثم فهي بانتظار عباقرة من طراز استثنائي ليحسنوا إدراآها أو<br />

التقاطها وتطبيقها خيراً‏ مما فعل لينين وستالين وخروتشوف وبريجينف وغورباتشوف أو ماوتسي<br />

تونغ وشوان لاي وتينغ تشاو بينغ أو آاسترو وجيفكوف وهونيكر،‏ وانتهاءً‏ بذلك الحشد الذي لا ينتهي<br />

من الأمناء العامين في سائر بلدان العالم،‏ وبالمناسبة يمكن الإثبات أيضا أن مارآس وإنجلز غرقا في<br />

الأخطاء والفشل في ممارستها العملية آذلك.‏ ومن ثم لا يمكن أن يعزى ذلك إلى سوء التطبيق،‏ وعدم<br />

فهم جوهر النظرية المارآسية في عرف القائلين أن الخلل في الممارسة لا في النظرية.‏ وهنا لا بد من<br />

.1984<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


صحي<br />

92<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

أن يهنأ آل من يعجب بذآائه إلى حد يحسب معه لأنه قادر اليوم أن يخرج من النظرية المارآسية<br />

أفضل مما أخرج آل أولئك من الذين يمكن أن يوصفوا بالجهابذة من ناحية قدراتهم العقلية وعزائمهم<br />

ومثابرتهم.‏ وإن آان فيهم من نقض فهو فيما حملوا من عقيدة ونظرية ومنهج.‏ ولا يمكن أن تكون<br />

علتهم في الذآاء والقدرة على الفهم.‏ وذلك في الأقل من ناحية استيعابهم للنظرية ومهارتهم التطبيقية.‏<br />

فالمشكل في النظرية وفي ارتباطهم الحضاري ولعل إصرار أغلب المارآسيين،‏ لا سيما في بلادنا<br />

العربية على تبني المارآسية وعدم الاقتراب من الإسلام،‏ وبالرغم من آل العواصف التي هبت وهي<br />

تحمل البراهين على بطلان ذلك الإصرار وخلطه يشكل دليلاً‏ جديداً،‏ ولو بالمعاآسة،‏ على عظمة تلك<br />

السمات التي تحلى بها الشهيدان أبو حسن وحمدي في احترام عقليهما،‏ وفي احترام الحقيقة واحترام<br />

الوقائع والدافع والتاريخ والنظرة العملية،‏ آما في امتلاك الصدق مع النفس والناس،‏ وأخيراً‏ لا آخراً،‏<br />

في امتلاك الشجاعة في الخروج من الظلمات إلى النور.‏ من المارآسية إلى الإسلام فسلام عليهما.‏<br />

. <br />

DÐv×ÚE<br />


93<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

(74<br />

فلو آان الأمر عند حدود هذا السؤال آما يفهم من ظاهر آلماته فلا خلاف بيننا،‏ دون أن نكون قد<br />

ترآنا موقعنا من فوق أرض الإسلام أو نكون قد تراجعنا عن تبنينا للإسلام ومنهجه.‏ وآذلك إذا قلتم<br />

أن ‏"مشروعية المنهج"،‏ ولعلكم تقصدون صحته،‏ تتقرر من مدى استجابته لاحتياجات المرحلة<br />

المعاصرة ومتطلبات الواقع،‏ فسوف نتفق أيضاً‏ على حدود هذا السياق دون أن نكون قد ترآنا موقعنا<br />

من فوق أرض الإسلام.‏ أو نكون قد تراجعنا عن تبنينا للإسلام ومنهجه،‏ لأن الإسلام أو منهجه برأينا<br />

يجيبان أيضاً‏ عن احتياجات المرحلة المعاصرة ومتطلباتها وهذا ما يمكن أن نثبته وندافع عنه،‏ آما<br />

ويمكننا أن نثبت عدم صلاحية المنهج المارآسي عموماً،‏ أو بالنسبة إلى الإجابة عن احتياجات<br />

المرحلة المعاصرة ومتطلباتها،‏ أما الجزء الأخير من تساؤلكم فلا خلاف حين تقولون ‏"إذا آان<br />

الإسلام قد امتزج بتاريخنا وتراثنا آعرب فليس له من موقع في التراث الفكري لشعوب أمريكا<br />

اللاتينية آما أنه لا يشكل جزءاً‏ من تراثها ووعيها".‏ ولكن هل يفهم من هذا استبعاد موضوع الإسلام<br />

بالنسبة إلينا ما دام ليس جزءاً‏ من التراث الفكري لشعوب أمريكا اللاتينية؟ وهذا ينطبق على تراث<br />

الكثير من الشعوب بما يوحي بالقمل،‏ آما يريد التساؤلى ان تراث آل شعب من الشعوب يجب<br />

استبعاده لأنه لا يحمل سمة عامة مشترآة لكل الشعوب،‏ ومن ثم يجب إتباع طريق عالمي يتخطى<br />

خصوصيات الشعوب،‏ أو منهج يحلق فوق الخصوصيات وهي نظرة مارآسية آوزموبوليتيكية ‏(لا<br />

وطنية)‏ وتتنكر لخصوصيات الوطنية،‏ ويبدو من روحية هذه التساؤلات أنكم فهمتم من طرحنا<br />

لموضوع الإسلام،‏ أو طرحنا لموضوع علاقتنا بتاريخنا وتراثنا وحضارتنا،‏ إن حجتنا الوحيدة أو<br />

الرئيسية في الصراع تستند إلى مجرد نظرة تراثية،‏ أو نظرة تعتبر أن ما هو تراث هو صحيح،‏ وهو<br />

المناسب ومن ثم دارت أسئلتكم حول هذه النقطة لإثبات خطئها أو سطحيتها أو عدم حيويتها،‏ وهو<br />

أمر نوافقكم عليه لو آانت حجتنا تقوم على هذا الأساس،‏ أو آان بعض حجتنا يقوم عليه وتذآروا أن<br />

القرآن الكريم يقطع بفساد حجة الذين احتجوا بآبائهم وأجدادهم لإثبات صحة طريقهم ومنهجهم بقوله<br />

تعالى:‏ ‏"إنا وجدنا آبائنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون"‏ ‏(الزخرف 23). ‏"وقالوا حسبنا ما وجدنا<br />

عليه آباؤنا"(المائدة ‏"قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا"(يونس 78). ‏"قالوا بل وجدنا<br />

آباءنا آذلك يفعلون"(الشعراء ومن هنا نتفق أيضاً‏ على أنه ليس آل ما جاء عن الآباء والأجداد<br />

أو آان من التراث هو صحيح ومناسب تلقائياً‏ والأهم أننا نتفق على أنها ليست الحجة المنطقية التي<br />

يرد بها على حجة أخرى.‏ ولكن ليتنا نتفق أيضاً‏ أنه ليس آل ما يورثه الآباء مرفوض ولا يحمل حجة<br />

أو يجب أن يترك باعتباره قديم ورجعي وسلفي.‏ لأن السؤال من هم آباؤك وما آانوا يفعلون؟.‏ فعلى<br />

الأقل يجب أن نتذآر أن ما من علم أو فكرة أو رأي أو نظرية تولد اليوم إلا وتصبح ويجب أن ننهج<br />

على نهجه.‏<br />

،(104<br />

1- ليس آل ما هو تراث علم وصحيح ويجب أن ننهج على نهجه.‏<br />

2- ليس آل ما هو تراث مرفوض باعتباره ماضياً‏ وسلفياً.‏<br />

3- دائماً‏ هنالك ما هو صحيح عقيدة ومنهجاً‏ ونظرية بينما هو في الوقت نفسه تراث وقد حمله الآباء<br />

والأجداد.‏ وهذا لا ينطبق على آل الحالات بالنسبة لكل الشعوب،‏ ولا ينطبق على الشعب المحدد<br />

بالنسبة إلى آل ما توارثه وإنما بالنسبة إلى بعض ما توارثه.‏ وفي هذا الصدد نرى أن الإسلام بالنسبة<br />

إلينا يشكل تراثنا الرئيسي وتاريخنا،‏ ويحدد السمات الخاصة بشعبنا وحضارتنا.‏ هذه حقيقة بعضكم<br />

غير موافق عليها للأسف.‏ وهو في الوقت نفسه صحيح أصلاً‏ عقيدة وشريعة ومنهاجاً‏ سواء أآان<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


94<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

21<br />

تراثاً‏ لنا أو لم يكن،‏ وهو آذلك بالنسبة إلى من ليس تراثاً‏ لهم.‏ أما من جهة شعبنا فثمة تطابق بين<br />

الأمرين في حالتنا الخاصة،‏ أما إذا أريد الخوض في الحجج التي نستند إليها في إثبات هذه الصحة<br />

فهو ما سنتناوله لاحقاً‏ عند تناولنا موضوع المنهج الذي آما يبدو تضعون له أهمية خاصة.‏<br />


95<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

.<br />

23<br />

22<br />

الإسلام،‏ بنظرنا،‏ هو مجرد الخطوة الأولى الضرورية للاتجاه الصحيح،‏ ولكن بعد ذلك ثمة<br />

معضلات ومشكلات آثيرة.‏ وانتكاسات وتعرجات وصعوبات،‏ ودموع ودماء،‏ وفشل ونجاح،‏ وربما<br />

إخفاقات متتالية،‏ بل يمكن القول أن الانتقال إلى أرض الإسلام بالنسبة إلينا ليس انتقالاً‏ إلى الموقع<br />

الأسهل أو الطريق الأسهل،‏ أو الشعبية السريعة الرخيصة،‏ بل بالعكس انه انتقال إلى الموقع<br />

الأصعب،‏ والجهاد الأآثر تضحيات،‏ والشعبية الأآثر تعقيداً،‏ والأبعد منالاً.‏<br />

أما بالنسبة إلى اليمن الديمقراطي فيمكن أن يقال آل شيء في تلك التجربة عدا النجاح،‏ سواء من<br />

الناحية الشعبية للحكم أو من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الاستقلالية،‏ فيا لقسوة تلك التقديرات<br />

التي تقول أن حوالي ثلثي سكان اليمن الجنوبي هاجروا شمالاً‏ وانتشروا في الخارج،‏ أما الباقون فلا<br />

أظن أن أحداً‏ عاد يتحدث بحماسة عن الثورة ومنجزاتها بعد إعدام سالمين ونفي عبد الفتاح<br />

إسماعيل آما لا أحد يتحدث عن انجازات اقتصادية فالشعب أصبح يأآل أقل آثيراً،‏ ولم يعد يسمع<br />

بالسمك إلا نادراً،‏ أما الاستقلالية فاليمن أصبحت آأنها في وضع المحمية السوفياتية،‏ وانتظروا سماع<br />

أزمات فالأزمات هناك بلا نهاية إلا بانتهاء النظام فمن أين جاء تصورآم حول نجاح اليمن الجنوبي<br />

فهذا تصور لا علاقة له بالواقع<br />


96<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

وتنظيم الاقتصاد والمجتمع.‏ أي لو قدر لها أن تتلافى ما تسجلونه عليها من أخطاء وتحظى على تأييد<br />

الجماهير وتقودها في معرآة التحرير والاستقلال،‏ فإنها سرعان ما تتحول إلى دولة بيروقراطية<br />

طاغية معزولة،‏ هي والحزب الطليعي،‏ عن الناس.‏ بل ستصبح قمعية،‏ مصادرة لأدنى أشكال<br />

الحريات الفكرية،‏ والسياسية،‏ ويصبح عليها حراسة حدودها لئلا تفرغ بلادها من شعبها الذي<br />

سيسعى للهرب زرافات ووحدانا،‏ لأن المشكلة تكمن في فهمها الخاطئ للتاريخ والإنسان ولمفهوم<br />

العدالة وللملكية وللدولة،‏ فضلاً‏ عن فساد فلسفتها ومنهجها،‏ إنه لا يكفي أن تنال شهادة النجاح حين<br />

نثبت الوجه البشع للرأسمالية واستغلالها وموبقاتها.‏ لأن عليها أن تقدم بديلاً،‏ لا يأتي وجهاً‏ آخر للعملة<br />

نفسها.‏ وهذا ما خدع الكثيرين حين قامت على نقد الرأسمالية وهي أسوأ منها.‏ فهي بدلاً‏ من معالجة<br />

الموضوع المذآور انطلاقاً‏ من نظرة ومنهجية متوازنة تشكل بديلاً‏ حقاً‏ نقلت الملكية الفردية<br />

الرأسمالية الطاغية إلى ملكية الدولة البيروقراطية،‏ أو نقلت الطغيان السياسي للسياسيين الفاسدين<br />

الرأسماليين إلى طغيان قلة في قيادة الحزب الذين لا يسمحون بنقد أو مناقشة،‏ وتجري آل أمورهم<br />

وصراعاتهم في غرف مغلقة وراء الكواليس،‏ فترى أهم تطور يحرزه بلد اشتراآي يكمن في تطور<br />

الجيش وأجهزة القمع والأسلحة والدولة،‏ أما الشعب فتتبخر من أمامه تدريجياً‏ أحلام ‏"الاشتراآية"‏<br />

والعدالة والحياة الأفضل،‏ ‏"والديمقراطية الأفضل من ديمقراطية الرأسمالية"‏ ‏(لأنها،‏ آما ادعوا<br />

تصبح ديمقراطية اقتصادية واجتماعية).‏ وهكذا يبدأ الشعب يفقد حماسه،‏ خصوصاً‏ جماهير الفلاحين<br />

والعمال والبسطاء،‏ إن حدث وآانت هناك حماسة،‏ وبهذا تدخل البلاد في دورة جهنمية تصل في آثير<br />

من الأحيان بالناس إلى أن يتمنوا العودة إلى العهود السابقة أو إلى الرأسمالية،‏ فأمريكا مكروهة في<br />

آل مكان إلا في أوروبا الشرقية والشعب الذي قاتل الأمريكيين بقيادة الحزب الشيوعي في فيتنام،‏<br />

بكل بسالة،‏ أصبح في وضع سيء جداً‏ الآن بعد عشر سنوات من نجاح الثورة،‏ فدعك مما يجري<br />

وجرى من انتهاآات آانت لمبادئ ‏"الاخوة"‏ في العدوان على آمبوديا ولاوس،‏ فالشعب في فيتنام<br />

نفسها أصبح يهرب بالآلاف ولا يردعه إلا رصاص حرس الحدود أو الأمواج العالية التي التهمت<br />

وتلتهم العشرات من الذين يهربون بقوارب من صنع أيديهم،‏ وهؤلاء ليسوا الرأسماليين أو<br />

البرجوازية الصغيرة لأن الأخوين لهم وسائلهم الأخرى في الهرب.‏ ثم الدور السوفياتي في أرتيريا<br />

وأفغانستان الآن،‏ وقبل ذلك الكثير في الماضي آي يشكل فضيحة آبرى للمارآسية ولا يجعل المسألة<br />

مجرد أخطاء أو نزوات طاغية اسمه ‏"ستالين"‏ أو خروتشوف أو بريجينيف فالحكومات المارآسية<br />

صادرت آل الحقوق الخاصة بالإنسان والشعب تحت دعوى أنها ممثلة الشعب وتقرر له ما هي<br />

مصلحته وقامت إمبراطوريات ظالمة تحت شعار ‏"الأممية"‏ ولهذا نرى أن البديل الحقيقي<br />

للمارآسية،‏ في المقابل ليس الرأسمالية أو العكس.‏ وإنما منظومة عقدية منهجية نظرية تجمع بين<br />

الجوانب الروحية والأخلاقية والتوازن والالتزام بالمثل العليا وهي تعالج الجوانب المتعلقة بالحياة<br />

المادية وعمليات الإنتاج،‏ والصراع السياسي.‏ ولا بد من الجمع بين الملكية الفردية المحدودة<br />

والملكيات الاجتماعية ‏"جمعيات ومؤسسات شعبية،‏ بلديات،‏ ملكيات عائلية وجهوية وأرض مشاع<br />

‏"على مستوى القرية مع عدم اللجوء إلى ملكية الدولة إلا في الحالات التي لا يمكن أن تقوم بها إلا<br />

الدولة،‏ وذلك من أجل بناء المجتمع قوياً‏ في مواجهة الدولة ليمنع طغيانها،‏ وإبقاء الدولة ناصراً‏ للعدل<br />

ومتدخلة ضد الطغيان إذا وقع في المجتمع.‏<br />

أما إذا أصبحت الدولة آل شيء تصبح هي الخصم والحكم.‏ ثم هنالك المسألة التي يجب عدم<br />

الاستهتار بها وهي المتعلقة بحقوق الناس وآرامتهم.‏ بما في ذلك حق المعارضة السياسية المنظمة<br />

والعلنية،‏ وحق التنافس الشريف في انتخابات حرة،‏ وسائر حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمعتقد وحرية<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


97<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الرأي وعدم تعريض الناس وآراماتهم لعسف رجال المخابرات والشرطة أو التعرض للتعذيب،‏ أو<br />

مصادرة حرياتهم بدعوى الشبهة وهكذا،‏ وإننا نرى أن آل هذه يضمنها الإسلام ويمكن أن تؤسس<br />

على أرضه وهي نابعة من جوهر نظريته التي لا تضع المسألة إما ملكية فردية أو ملكية الدولة وإما<br />

ليبرالية رأسمالية أو دآتاتورية دولة البروليتاريا،‏ أما التخلي عن الحياة المادية وإما الولوغ فيها بلا<br />

رادع أو وازع.‏ وآذلك لا تفسر التاريخ من وجهة نظر أحادية الجانب قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج<br />

أو صراع الطبقات أو حصر التاريخ بالمراحل الخمسة،‏ فالظواهر التاريخية يجب أن ترى بصورة<br />

شمولية تجمع فيها مختلف الجوانب والعوامل.‏ ولا يوجد عامل يلعب العامل الحاسم في آل الحالات<br />

والمراحل فأنت لا تستطيع أن تفسر مثلاً‏ ثورة الإسلام الأولى وبناءه المعنوي،‏ الفكري،‏ الاقتصادي،‏<br />

في البحث عن أدوات الإنتاج وترى الإنتاج وعلاقات الإنتاج،‏ وما حدث فيها من تطور في الجزيرة<br />

العربية،‏ حتى الذين يضعون أهمية لتحول طريق التجارة إلى الحجاز يكونون قد ادخلوا عاملاً‏ غير<br />

عامل أدوات الإنتاج وقوى الإنتاج.‏ ولا يدخل ضمن نظرية صراع الطبقات النابعة من الموقع في<br />

العملية الإنتاجية القاعدية.‏ إذا آان الإسلام وتجربته انعكاساً‏ لواقع المجتمع المكي والقبلي المتخلف،‏<br />

فكيف يكونان على هذا المستوى من العمق والشمول إلى حد يبز أرقى الأفكار والنظريات التي مادتها<br />

الحضارة المعاصرة.‏ ولو عدتم إلى منطوق النظرية المارآسية بالنسبة إليها لوجدتم أن هذه الأفكار<br />

مجرد انعكاس لوضع معين،‏ وتعبر عن أفكار طبقة التجار.‏ ومن ثم لم تعد في سجل التاريخ إلا شيئاً‏<br />

من الماضي.‏ وإذا آانت لها من استمرارية فهي استمرارية قوة التقاليد بالمعنى السلبي للكلمة.‏ ولكن<br />

هل الأمر آذلك أم فوق ذلك بكثير؟ في الواقع إن تطبيق المنهج المارآسي في تفسير التاريخ يؤدي<br />

إلى الاضطراب والأخطاء في آل المجالات تقريباً،‏ فالمارآسيون آم تخبطوا خبط الشعراء وهم<br />

يفسرون تاريخ المسلمين،‏ أو هم يفسرون تاريخ آسيا وإفريقيا بل أوروبا نفسها.‏ مما يدل على أن<br />

المنهج المذآور ليس تلك العصا السحرية التي تمسك بناصية التاريخ وقوانينه.‏ بل أثبتت من مظاهر<br />

الضعف أآثر بكثير ما أثبتت من مظاهر القوة.‏ وآم سنكون سعداء لو دلنا أحد على آتاب تاريخ<br />

لمارآسي واحد عاش خمس سنوات صامداً‏ حتى في نظر المارآسيين أنفسهم.‏ تصورا أن تاريخ<br />

الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي تعاد آتابته مع آل موت لأمين عام بما في ذلك الأحداث التي<br />

وقعت سنة مثلاً.‏ أظن آن الأوان لنتخلص من ذلك الوهم الكبير ‏(الإرهاب الفكري)‏ بأن<br />

المارآسية هي ‏"المنهجية العلمية الموضوعية وبيدها أسرار الحقيقة والمعرفة".‏ فهذا ادعاء لم يثبته<br />

الواقع لا من خلال المارآسيين الفلسطينيين والعرب الذين تعرفون مدى علميتهم وموضوعيتهم<br />

من خلال غيرهم،‏ انظروا إلى اتهامات السوفييت للصينيين و الشيوعيين الإيطاليين واليوغسلاف<br />

وانظروا الاتهامات الموجهة للسوفييت من مارآسيين آثيرين..‏ تجدوا أن آل طرف يؤآد أن الآخر<br />

أحادي الجانب ومتافيزيقي،‏ وغير علمي،‏ وغير موضوعي هذا دون التعرض للاتهامات المتعلقة<br />

باتهامه بالبرجوازي والبرجوازية الصغيرة أو الشوفينية أو التوسعية والاستبداد والفساد..‏ الخ.‏ أظن<br />

أن هذه الظواهر ليس لها تفسير في النظرية وإنما لها تبريرات،‏ بينما ترون في الإسلام تفسيراً‏ لكل<br />

حالة انحراف تحدث من قبل المسلمين،‏ ولا مجال لتبرير جرائم أو قتل بلا حق أو مفاسد أو مظالم.‏<br />

فنصوص القرآن والسنة هي التي تشكل المعيار الفاصل بين الحلال والحرام،‏ والهدى والضلال،‏<br />

والعدل والظلم،‏ وهي التي تكشف حقيقة عن أهم سنن االله في الناس والآفاق.‏<br />

- ولا<br />

-<br />

1902<br />

لا تنسوا أيها الإخوة أننا واجهنا آل هذه المسائل في الماضي بالتبريرات مثلكم اليوم.‏ وآنا نظن أن<br />

المشكلة في الأفراد وفي سوء التطبيق.‏ ولكن عندما تكون الأخطاء هي الظاهرة العامة لكل الحالات<br />

ومع آل الأفراد أفلا يحق أن نبحث عن الخلل في جوهر النظرية والفكر.‏ وإلى متى يبقى هنالك ذلك<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


98<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

المارآسي المغرور الذي يتصور أنه الوحيد الذي يفهم،‏ أو سيفهم،‏ جوهر المارآسية وتطبيقها بينما<br />

الجميع قد أساؤوا فهمها وتطبيقها ابتداءً‏ من ستالين وخروتشرف ومروراً‏ بماوتسي تونغ وآيم ايل<br />

سونغ وآاسترو وانتهاءً‏ ببرجينف.‏ بكلمة أخرى على المارآسيين أن يقروا بأن هذه هي المارآسية<br />

وهذه تجلياتها وثمارها،‏ ولن يخرج منها أفضل ما خرج منها،‏ هذا إذا لم يكن المسار التقهقري أآثر<br />

فأآثر وهو آذلك على آل حال،‏ فرجالها المعاصرون الآن ‏"أقزام"‏ بالمقارنة لمن سبقهم والآتون<br />

سيكونون أصغر،‏ لأن المارآسية دخلت منذ زمن طويل الطريق المسدود حتى بمقاييسها الكلاسيكية،‏<br />

ولا بد لها من رصاصة الرحمة.‏<br />

<br />

ì…^–£]


99<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

(2<br />

(3<br />

خذوا مثلاً،‏ إن الذي يدقق بأصول القانون الروماني الذي هو أساس التشريع في الحضارة الغربية<br />

تراه يختلف في الجوهر عن أصول التشريع الإسلامي.‏ والتشريع يعني البناء القانوني والحقوقي،‏<br />

يعني تكوين اجتماعي مختلف حين يختلف مع نظيره.‏<br />

الحديث عن أنماط حضارية مختلفة لا يعني وضع مفرزات آل حضارة في سلة واحدة،‏ فالتفريق<br />

فيما بينها ضروري وأساسي حين يتعلق الأمر بدراسة التفاصيل ولكن في الوقت نفسه من أصول<br />

العلم أن ترى الأصول المشترآة إن آانت هناك أصول مشترآة - فمارآس لم يخجل من أن يعتبر<br />

المارآسية ابنة الفلسفة الألمانية الاشتراآية الفرنسية والاقتصاد السياسي الانجليزي.‏ وهل يمكن لأحد<br />

أن يفهم مارآس دون الرجوع إلى الفلسفة الإغريقية حتى هرقليطس.‏ ولكن لن تروا في طريقكم وأنتم<br />

تتبعونه أية صلة بمحمد صلى االله عليه وسلم ولا حتى بابن رشد وابن سينا وابن خلدون،‏ فهؤلاء<br />

أصلاً‏ ليسوا في قاموسه،‏ ناهيك عن علاقته بالأصول الحضارية الأخرى.‏ إن عدم رؤية الطابع<br />

الأوروبي لمارآس وأنجلز ولينين بما في ذلك تأثرهم باليهودية والمسيحية بإطارهما الأوروبي،‏<br />

يظلمهم ويبسط الأمور آثيرًا.‏ ففي علم الأحياء يبدأ العالم بتقسيمها إلى الأجناس ثم الآرومات وفصال<br />

حتى تصل إلى التفريق بين آل فرد،‏ ولكن إذا أخطأت في التقسيم الأول سيظل الخطأً‏ وراءك وأنت<br />

تدخل في الأآثر تحديداً‏ وتفصيلاً.‏ فمن يخطيء في التمييز بين الحضارات في عمومها،‏ يخطيء وهو<br />

ينتقل إلى الأآثر تفصيلاً‏ وتحديداً.‏ أما إذا آان هذا التقسيم الواسع قد يقود البعض إلى نتائج مضللة،‏<br />

آالفشل في التمييز بين الحالات المختلفة المتناقضة فهذا ذنب ذلك البعض وليس ذنب التقيد الصارم<br />

بحقائق الواقع والتاريخ والعلم.‏ وبالمناسبة وفي آل الحالات يجب الانتباه دائماً‏ عند معالجة حالات،‏ أو<br />

إيديولوجيات مختلفة ومتناقضة،‏ التمييز بين التناقض الناشئ بين طبيعة مختلفة والتناقض الناجم عن<br />

اختلاف بين وجهي عملة واحدة.‏<br />

إن طمس حقيقة تعدد الأنماط الحضارية ومحاولة اعتبار مسار النمط الحضاري الأوروبي<br />

باعتباره القانون العالمي أدى بمارآس إلى القول:"إن أمام بريطانيا مهمة تاريخية مزدوجة تؤديها في<br />

الهند،‏ الأولى تحطيم البنى القديمة،‏ والثانية زرع الحضارة الأوروبية".‏ ولو قبلنا بحسن النيات التي<br />

آانت تتصور أن تحطيم البنية الحضارية الثقافية والنمط الاجتماعي التقليدي للشعوب الأخرى<br />

وإحلال الحضارة الأوروبية مكانها يعني التقدم وولادة الرأسمالية،‏ قد أثبتت الوقائع أن نتائج هذه<br />

العملية آانت تعني،‏ وأدت بالفعل إلى خلق الأنماط المتغربة التابعة للمرآز الرأسمالي والإمبريالي،‏<br />

ولم تؤد لا إلى نهضة برجوازية ولا إلى استقلال حقيقي.‏ إن تحطيم البنى الحضارية والثقافية<br />

الاجتماعية التقليدية للشعوب الأخرى آان الشرط لتحطيم استقلالها وهذا خلق حالة التبعية الدائمة<br />

التي استمرت بعد الاستقلال بل زادت بعد الاستقلال،‏ والى جانبها حالة تبعية البلدان التي سارت على<br />

‏"الطريق اللا رأسمالي-‏ للاتحاد السوفياتي - بغض النظر عن التبعية التي تعاني منها غالبية بلدان<br />

العالم الثالث.‏ ومن ثم،‏ إن ارتباط الاستقلال الحقيقي بمسائل الهوية والنمط الثقافي والحضاري أصبح<br />

الآن حقيقة يعترف بها حتى آثير من المارآسيين،‏ وما الندوة التي نشرتها مجلة الحرية لعلماء<br />

سوفيات تحت عنوان ‏"الهوية والنمط الثقافي والحضاري"‏ إلا اتجاهاً‏ محرجاً‏ للمارآسية<br />

والمارآسيين.‏ أنهم راحوا يعترفون الآن بحقيقة آثيراً‏ ما لفوا وداروا حولها وعملوا على تجاهلها<br />

ولكنها أصبحت اليوم تصدمهم في عقر دارهم،‏ فضلاً‏ عن تجلياتها في البلاد الإسلامية والهند<br />

والصين وإفريقيا.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


100<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

-4<br />

لهذا فإن ملاحظتكم حول الموضوع الحضاري تحتاج إلى إعادة تدقيق من جانبكم وإلا فاتكم القطار<br />

حتى غلاة المارآسيين الذين يسعون الآن الخروج من مآزقهم النظري الخطير.‏ خصوصاً‏ بعد الضوء<br />

الأخضر الذي أطلقته لهم الندوة المذآورة ‏"من حيث الاهتمام بالتقليدي ومحاولة المزاوجة بينه وبين<br />

المعاصر"،‏ طبعاً‏ سيزيدون تخبطاً‏ لأنهم ما زالوا يدورون في الفلك نفسه.‏<br />

إن محاولة فرض النمط الحضاري الأوروبي بوجهه الرأسمالي أو الاشتراآي على الشعوب<br />

الأخرى من الخارج،‏ أو من خلال النخبة المتسلطة في الدولة،‏ أثبت فشله في التجربتين الرأسمالية<br />

والاشتراآية لأن التغير ‏(التطور أو الثورة)‏ إذا لم يكن ناتجاً‏ من الأعماق وتتمسك به الجماهير،‏<br />

سينتهي إلى التبعية والفشل والقمع وأبشع أشكال الدآتاتورية.‏ وبالمناسبة في مرحلة من مراحل<br />

تفكيرنا ونحن نناقش هذه المسائل آنا نستند إلى مقولة مارآسية تقول ‏"أن النظام الجديد<br />

يخرج من أحشاء الطبقة المجتمع المعني"‏ فالعملية تتكون هناك وتنضج هناك لأنها مسألة<br />

موضوعية"‏ ومن هنا آنا نسأل:‏ أي نوع من الثورة تحملها أحشاء الأمة العربية أي نظام جديد،‏ أي<br />

تغيير؟ وما هي سماتها بغض النظر عن رغباتنا وأفكارنا ولهذا منذ البدء لم يكن في منهجنا اختراع<br />

ثورة من الكتب المارآسية أو من عقولنا،‏ لأنها ستكون محاولة فرض رغباتنا وتصوراتنا على الواقع<br />

وتسميتها ثورة.‏ إن هذه المسألة عمل بعكسها في الفكر المارآسي من مارآس وإنجلز ولينين حتى<br />

ماوتسي تونغ واستبدلت بوضع برامج للثورة غير نابعة من أعماق الأمة،‏ أما المجالات التي نجح بها<br />

بعض المارآسيين،‏ آماوتسي تونغ وهوتشي منه،‏ بتوليد ثورة فقد واجهوا آثيراً‏ من العنت وهم<br />

يحاولون تطبيع أفكارهم المارآسية مع تراثهم وتاريخهم وحضارتهم وروح شعبهم.‏ وقد أثبت الواقع<br />

عبث هذه المحاولات في ظل تبني المارآسية.‏ ومع ذلك لعلكم ترددون عبارة ‏"التطبيق الخلاق على<br />

الظروف الخاصة".‏ اذهبوا حتى النهاية في فهم هذه الظروف الخاصة،‏ واذهبوا حتى النهاية في<br />

مسألة التطبيق الخلّاق،‏ تجدوا أنفسكم،‏ في ظروف بلادآم الإسلامية في مواجهة مع الإسلام فيكف<br />

يمكن أن يكون هناك تطبيق خلاق وأنتم تحملون المارآسية المتصادمة مع الإسلام.‏<br />

- الثورة<br />

.<br />

-<br />

بكلمة أخرى،‏ إذا بحثنا في سمات الثورة في بلادنا سنجد أنها سمات إسلامية فلا نظاماً‏ جديداً‏ في<br />

أحشاء مجتمعنا غير النظام الإسلامي.‏ هذه حقيقة توصلنا إليها ونحن غير راغبين فيها،‏ في البداية،‏<br />

ولم تكن تلتقي مع رغباتنا وهوانا وأفكارنا ونظرياتنا،‏ فكان علينا أن نبذل الجهد لدراسة الإسلام.‏<br />

وآان علينا أن نضحي بكثير مما بنيناه في المجال الفكري والسياسي من أجل مواصلة التقدم في<br />

اآتشاف الحقيقة،‏ فاغلبنا اقتنع بهذه الحقيقة دون أن يكون قد اقتنع بالثورة الإسلامية،‏ أو آان متعاطفا<br />

مع الجانب السياسي،‏ والحضاري في الإسلام فقط.‏ والبعض وجد أنه غير مستعد للمساعدة على ولادة<br />

ثورة تنزل من أحشاء المجتمع،‏ وهي تهتف ‏"االله اآبر"،‏ فآثر الابتعاد والاهتمام بأموره الخاصة بعد<br />

أن اقتنع بعدم وجود ثورة أخرى في تلك الأحشاء.‏ ومن هنا بدأت المسيرة الجديدة عبر حوار طويل<br />

حتى انتهت بعدد لا بأس به من الإخوة إلى الاقتناع الضميري الذاتي بالعقيدة أيضًا.‏ فأصبح الموضوع<br />

بالنسبة إليهم يقوم على أسس غير المقولات آنفة الذآر حول الحضارة والتغريب وفشل التجارب<br />

المارآسية في البلدان الإسلامية على وجه الخصوص وحول الثورة وسماتها الخاص،‏ لذلك يمكن<br />

القول أن البعض يقف على أرض الإسلام وقوفاً‏ خالصاً‏ إيماناً‏ بعقيدته وانطلاقاً‏ من قناعة بصحته.‏<br />

وبغض النظر عن سائر الاعتبارات.‏ ولا يبالي هذا البعض،‏ ونحن منهم،‏ بكل تلك الحجج التي<br />

أوردناها،‏ وهناك بعض آخر حسم قناعته بأن ‏"لا ثورة في بلادنا إلا ثورة إسلامية"‏ وهو يتعامل مع<br />

الموضوع تعاملاً‏ سياسياً‏ وحضارياً‏ فقط.‏ وهنالك بعض ما زالوا يناقشون ويجادلون ويطرحون<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


101<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

التساؤلات الشبيهة بتساؤلاتكم.‏ وآل ذلك أمر طبيعي وصحي،‏ ما دام العمل الجهادي ضد العدو<br />

الصهيوني مستمراً‏ والرجال الأشداء في الميدان ليسوا فقط عضلات قوية،‏ وإنما هم أيضاً‏ عقول<br />

متفتحة تفكر وتناقش وتتسائل وتتعذب في البحث عن الحقيقة.‏<br />

-<br />

إن الخط الصحيح في معالجة هذا الوضع يقضي أولاً:‏ مواصلة النضال وعدم الخوف من<br />

التضحيات وتصعيد العمل والجهود،‏ ثانياً:‏ المحافظة على روح الأخوة والوحدة والتعاون والثقة فيما<br />

بيننا لمواصلة الكفاح،‏ والجهاد على أحسن وجه،‏ ولخوض الحوار الجاد على أحسن وجه،‏ ثالثًا:‏ فتح<br />

النوافذ والأبواب في عقولنا ونفوسنا ونحن نناقش أفكارنا من حولنا،‏ وتجاربنا وتجارب من حولنا<br />

ونحن نختلف ونتفق،‏ وبهذا الصدد علينا ألا نخاف من الاختلاف،‏ وإنما من الجمود،‏ وألا نخاف من<br />

تعدد الآراء وإنما من مصادرة الآراء وآبتها،‏ علينا أن نتعلم بناء وحدة ضمن التعدد والاختلاف<br />

والصراع لا وحدة الطوب الذي يصنع على قالب واحد ويكدس فوق بعضه بالإسمنت والحديد<br />

ويصبح بيتاً‏ قابلاً‏ لأن يكون خمارة أو إسطبلاً‏ أو يكون مدرسة أو مستشفى،‏ على ضوء ما يرى ذلك<br />

من بيده المفاتيح.‏ وفي هذه الحالة لا تعجبكم قوة الجدران وإنما انظروا إلى ما أصبحت تخدمه.‏ أو<br />

الأهداف التي تسعى إليها وفي المقابل،‏ المطلوب بنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً،‏ ولكنه ليس من<br />

طوب وإنما من بشر أخوة مؤمنين مسلمين يتكافلون ويتعاونون ويجتهدون ويختلفون.‏ فلا يجب أن<br />

يسمح للوحدة أن تصادر الفكر ولا يجب أن يسمح لحرية الفكر أن تصادر الوحدة.‏<br />

†}`jÖ]æ


102<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ويجب ألا يفهم منها أن استمرار الطريق الإسلامي آان سيبقي الأمور حيث بقيت منذ مائة سنة،‏ فقد<br />

آان من الممكن أن تحدث عدة تطورات.‏ مثلاً‏ آان من الممكن أن تقوم أنظمة استبدادية تحاول<br />

التلاعب بالشرع لتعطي صيغة احتيالية للربا وللاستغلال الفاحش أو الملكيات الكبيرة.‏ وقد جرت مثل<br />

هذه المحاولات في السابق ولكن آانت تواجه ولو بعد حين بمقاومة للعودة إلى الشرع وآان هذا دائمًا<br />

خط آبار العلماء والثورة وخط الجماهير المسحوقة فيما آان خط الطغاة والاستغلاليين والعساآر<br />

والجباة إقطاعي ضمن قانون الإرث الإسلامي.‏ ومن هنا آان يجب تعطيل الشرع حتى يقوم مثل هذا<br />

النظام ويستقر وتتوارث،‏ ولم يكن من الممكن أن يقام حتى نظام إقطاعي جبائي،‏ لا ملكية إقطاعية في<br />

أسوأ الحالات،‏ دون تغيير في الشرع.‏ ولكن من آان يجرؤ قبل السيطرة الاستعمارية على الجهر<br />

بتعطيل الشرع أو التخلي عنه؟ لذلك آان الشرع قادراً‏ دائماً‏ على استعادة صفائه آلما طغى عليه<br />

بعض الرآام.‏ وقد أثبت التاريخ الطويل للأمة الإسلامية،‏ أن ثمة دورة لكل حوالي مائة عام تشهد<br />

ثورة شعبية للعودة إلى تطبيق الشرع والإطاحة بالظلم والترف الفاسق والاستغلال وقد جاء في<br />

الحديث الصحيح عن رسول االله صلى االله عليه وسلم ‏"أن االله يبعث آل مائة عام لأمتي من يجدد<br />

دينها".‏ ولاحظ هذا الأمر حتى ‏"انجلز"‏ في معرض تعقبيه على ثورة المهدي في السودان وسماه<br />

المودة إلى الشرع من قبل الفقراء آل مائة عام.‏<br />

ومن ثم نرى أن مسار التطور التاريخي عند الضرورة ما آان سيأخذ المسار الذي اتخذته أوروبا.‏<br />

وقد أثبت الواقع الحديث أن فرض الحضارة الأوروبية جاء من الخارج وبالعنف أساساً‏ فالاستعمار لا<br />

يؤدي إلى قيام مراآز عالية موازية وذات سيطرة وإنما يؤدي إلى تكريس التبعية لمراآزه هو.‏ وفي<br />

المقابل يترك للمستعمرات التبعية الحضارية في ذل مقيم للغرب.‏<br />

ولهذا لابد من مشروع عالمي ثوري وجذري يتضمن فعلاً‏ عملية انفلات من هذه المراآز الرأسمالية<br />

الاحتكارية ‏(أمريكا والغرب)،‏ ورأسمالية الدولة الاحتكارية ودآاتورية الحزب الواحد ‏(الاتحاد<br />

السوفياتي).‏ وهنا يصبح موضوع إعادة الصياغة النظرية لتاريخ العالم بعيداً‏ عن التفسيرات الغربية<br />

الليبرالية والمارآسية أمراً‏ ملحاً،‏ بحيث تنزع النظارات الغربية عن الأعين ليرى التاريخ الموضعي<br />

الحقيقي للشعوب،‏ ولرؤية مسارات التغير وتحقيق الاستقلال للشعوب المقهورة.‏ هنا ستقولون ولكن<br />

آيف تضعان المدرستين المارآسية والليبرالية في سلة واحدة بالرغم مما بينهما من اختلاف.‏<br />

جوابنا إن آلاً‏ من المدرستين،‏ بالرغم مما بينهما من خلاف،‏ وتناقض تتسمان بالمرآزية الأوروبية<br />

‏(أي النظرة المضخمة للذات الأوروبية والمتمحورة حولها).‏ ولهما جذور مشترآة،‏ على الأقل في<br />

رؤية آل منهما لنموذجه الأوروبي والتاريخ الأوروبي باعتباره المعيار والنموذج للقياس العالمي،‏<br />

ولكن إذ نسأل هل يمكن أن يوضع في سلة واحدة طماطم وبصل وتفاح وفجل أم لا؟ ونقول فع ‏ًلا<br />

تستطيعون أن تضعوها آلها على بسطة خضار واحدة ويمكنكم أن تضعوا قواطع بينها ولكن من على<br />

تلك البسطة ‏(الحضارة نفسها)‏ فكل بسطة حضارية فيها هذا النوع المتناقض مع بقاء التفريق بين<br />

البصل والفجل والتفاح،‏ وبهذه المناسبة ثمة قواسم مشترآة آثيرة فيما بين الحضارات المختلفة ولكنها<br />

ليست تلك التي ترسمها المارآسية بصورة سطحية رأسمالية وعمال أو قطاع وفلاحين.‏ أو فكر<br />

برجوازي وفكر بروليتاري.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


103<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

فمثلاً‏ مسألة الفطرة وتعبيراتها المختلفة في آل الحضارات،‏ ومسألة الانحراف عن الفطرة وتعبيراتها<br />

المختلفة،‏ ولو جئنا للتطبيق العملي،‏ تنطلق المارآسية في تقويم الاستغلال واستعباد الإنسان للإنسان<br />

من نظرية اقتصادية مرتبطة بتطور قوى الإنتاج،‏ فالنظام العبودي تراه تقدمياً‏ ومشروعاً‏ في مرحلة<br />

تاريخية وتسوغ ما ارتكبه من جرائم جماعية حتى يمكن وضع النير في رقاب العبيد ويقول<br />

‏"أنجلز""‏ ‏"آان لابد من أساليب وحشية للخلاص من الوحشية"،‏ وآذلك بالنظرة إلى الاستغلال<br />

الإقطاعي والرأسمالي والاستعماري فثمة مرحلة تقدمية مع آل عهد ثم يصبح رجعياً‏ ويجب الخلاص<br />

منه.‏ وهذا ما يسمح الآن آما سمح في السابق،‏ أن تداس إرادة الشعوب الإسلامية وغيرها،‏ لتقع تحت<br />

نير الحكم السوفياتي.‏ وإلا آيف يفسر ما يجري في أفغانستان ويسوغونه؟ أما النظرة الإسلامية فهي<br />

ترى الاستغلال والاستعباد والإقطاع والاستعمار وآل ظلم مناقضاً‏ للفطرة الأصلية للإنسان،‏<br />

وترفضه من حيث المبدأ والأساس وإن آان المنهج الإسلامي قد عالج بعض تلك الانحرافات بطريق<br />

تدرجي مثل الخلاص من حالة الاسترقاق والعبيد بعد أن آانت قد استفحلت قبل مجيئه،‏ آما يرى<br />

الإسلام على سبيل المثال أن عدم إقامة توازن بين مختلف حاجات الإنسان الروحية والمادية<br />

والغريزية وترك الحبل على الغارب للرآض وراء الشهوات المادية ومنازع الهوى والأنانيات يشكل<br />

انحرافاً‏ عن النظرة الإنسانية.‏ مما يسمح للإنسان أن يخاطب أبناء الحضارات الأخرى بلغة إقامة<br />

نظام التوازن في حياة الفرد والمجتمع والشعوب،‏ وعدم الانسياق وراء النظرة المادية،أو إطلاق<br />

الغرائز.‏ والانغماس بالملذات،‏ وجعلها غاية.‏ وتكفي نظرة إلى ما يجري من انسياق وراء هذه<br />

الجوانب في الحضارة الغربية والجرائم والانحرافات والشذوذ والعري والإباحة،‏ وتفكك أواصر<br />

العائلة والعلاقات الإنسانية،‏ وما ينجم عن ذلك من قلق وخوف،‏ والشعور بالوحدة والعزلة.وانقطاع<br />

التواصل الإنساني ‏(بالمناسبة ثمة آتابات أخذت تظهر تشير إلى بروز آيات لهذه الظواهر في<br />

المجتمع السوفياتي وقد لمحت إلى ذلك حتى البرافدا)‏ ولكن الأخطر في الاتحاد السوفياتي نفسه في<br />

انتشار السكر والتسكع والانحلال العائلي فضلاً‏ عن المظالم الاجتماعية وفقدان حرية الفكر واستعباد<br />

الشعوب.‏ ومن هنا آان لدى الإسلام ما يواجه به تلك الشعوب وآان لديه مشروعه للإسهام في صلاح<br />

آثير من الأوضاع وهذا يفسر بعض الظواهر المذهلة في الغرب من<br />

----------<br />

اندفاع عدد من آبار المثقفين نحو اعتناق الإسلام إلى جانب أعداد ملفتة للنظر من تحول الشاب نحو<br />

الإسلام،‏ بهذا فنكون قد اقتربنا من إعطاء جواب أآثر تحديداً‏ حول السؤال.‏ لا يرى الإسلام،‏ آما تفعل<br />

المارآسية طريق التطور والتقدم والرقي محكوماً‏ بتطور أدوات الإنتاج وقوى الإنتاج.‏ ومن ثم لا<br />

يرى أن هذه الأخيرة هي التي تحكم سائر الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وآأنها<br />

الخيول التي تجر العربة،‏ وهي خيول تتحكم أيضاً‏ بسائسها الذيعليه أن يوجه رأسه بالاتجاه الذي<br />

ترآض نحوه.‏ طبعاً‏ إن تقدم أدوات الإنتاج وقوى الإنتاج والعلوم والتكنولوجيا لها دور رئيسي في<br />

تطور الحياة المادية للإنسان آوسائل حصوله على حاجاته معاشه أو تأمين مواصلاته أو مواجهة<br />

الأمراض والمصاعب الطبيعية ولكنها ليست معيار العدل والظلم ولا ما هو حلال وما هو حرام،‏ ولا<br />

يحق لها أن تتحكم بمختلف جوانب الحياة الأخرى.‏<br />

بل إن الانسياق من ورائها آما حدث في الرأسمالية والاشتراآية دون ضوابط أخرى أدى إلى انتكاسة<br />

الوضع العام للإنسان من النواحي الإنسانية والعدالية والإسلامية والروحية والأخلاقية والنفسية،‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


104<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

فضلاً‏ عن استفحال المظالم تجاه الشعوب الضعيفة واستفحال التنافس على السيطرة العالمية في ظل<br />

إطلاق العنان للجشع والنوازع القومية والأنانية وسباق التسلح مما أصبح يهدد العالم بالدمار الشامل.‏<br />

إن الإسلام يهتم بالإنسان ويجعله معياراً‏ للتقدم والتأخر،‏ وهو أمر يختلف جوهرياً‏ عن اعتبار الإنسان<br />

تابعاً‏ لتطور القوى المادية للإنتاج.‏ فهذا القانون الإسلامي ينطلق من القانون الذي يحدد الثوابت<br />

والمتغيرات في الإنسان والثوابت هذه لا تعترف بها المارآسية،‏ وإن أقرت بها،‏ لا تعطيها ما تستحق<br />

من أهمية،‏ هذه الثوابت هي ثوابت الفطرة والغرائز والنوازع الطبيعية الأساسية،‏ وهي ما يصحب<br />

الإنسان طوال وجوده التاريخي إلى أبد الدهر وهي مشترآة في آل بنى الإنسان بغض النظر عن<br />

ألسنتهم وانحدارهم الحضاري.‏ وإن آانت تتجلى بإشكال ونسب مختلفة من وضع إلى وضع ومن<br />

نمط عقدي حضاري إلى نمط عقدي حضاري.وهي موجودة في آل مستويات تطور أدوات الإنتاج<br />

وقوى الإنتاج والأنظمة والعمل.‏ أما المتغيرات فهي تلك التجليات المختلفة التي تتخذها وهي تنجم<br />

عن أسباب آثيرة من بينها التطورات المادية والعلمية،‏ أو ما يمكن أن يحل من نمط سياسي ثقافي،‏ أو<br />

ينشأ من صراعات على أسس العصبيات الإقليمية أو الطبقات،‏ أو الكوارث أو الاآتشافات الجغرافية<br />

وغيرها.‏<br />

ومن هنا وضع الإسلام منهجاً‏ لتنظيم هذه الثوابت وضبطها على أفضل وجه،‏ آخذاً‏ بعين الاعتبار ما<br />

يحدث من تغيرات ورقي في حياة الإنسان وتجربته على مختلف المستويات المادية والسياسية<br />

والفكرية والاجتماعية.‏ وفي هذا يكون الإنسان نقطة البداية وغاية المعالجة ووسيلتها وهو القادر على<br />

التحكم والضبط وإحداث التوازن وفق التصور الصحيح،‏ آما هو قابل إلى أن ينساق وراء الهوى<br />

والنوازع بسبب المطامع وحب السيطرة انسياقاً‏ بلا عقل أو ضبط ليحيل العالم إلى غابة من الوحوش<br />

بالرغم مما يكون قد فعله من رقي مذهل في مضمار العلوم والتقنيات آما يشهد عالمنا اليوم.‏ ومن هنا<br />

آان المعيار الأول للتقدم والرقي يعتمد على النظرة الشاملة إليه،‏ فينطلق من وضع الإنسان في<br />

موضوع التقدم.‏ وهذا يتحقق بمقياس ذلك التوازن العادل الذي يجب أن يسود بين مختلف الجوانب،‏<br />

فإذا حوصرت النوازع السلبية آالجشع والطمع والتراآض على الشهوات..‏ الخ.‏ وإذا أشبعت الغرائز<br />

الطبيعية،‏ والحاجات الأساسية بصورة سليمة ودقيقة،‏ ولم يسمح لها بالفجور والتحكم بالجوانب<br />

الأخرى،‏ وإذا قام نظام العدل بين الناس وفيما بين الشعوب،‏ بما ينسجم مع الفطرة وخير الناس آافة<br />

وإذا دارت حرآة العمل والنشاط لتطور الحياة المادية والعلوم ووسائل الإنتاج ضمن إطار المنفعة<br />

الإنسانية والارتفاع بالإنسان والرقي بوضعه الكلي فإننا نكون حيال تقدم ورقي حقيقيين وفق<br />

المنظور الإسلامي.‏ وهو أمر ينطبق على آل الحالات الإنسانية إن آان الإنسان في الصحراء أو في<br />

سيبيريا أو وهو وراء المحراث أو التراآتور أو المصنع الالكتروني وهو يحمل الخنجر والسيف أو<br />

وهو يحمل الار.‏ بي.‏ جي.‏ أو عندما آان يرآب الحمار والجمل وأصبح يرآب الصاروخ والنفاثة<br />

والغواصة والقطار.‏ إن آل هذه الحالات يحمل الإنسان فيها نظرته التي فطره االله عليها،‏ ويحمل<br />

طبيعته المتعددة النوازع والحاجات والغرائز والشهوات والتي وضعها االله في تكوينه ويحمل فيها<br />

عقلاً‏ الذي وهبه االله وحاجاته الروحية والنفسية آما أنه في آل الحالات ضعيف ‏"خلق الإنسان<br />

ضعيفا"،‏ أشد ما يكون الضعف،‏ وقوي ‏(وهبه االله آل أسباب امتلاك القوة)‏ أشد ما تكون القوة..‏ الخ.‏<br />

تشكل هذه الثوابت وعلاقتها بالمتغيرات أساساً‏ لفهم الإنسان والتاريخ واآتشاف المنهج السليم<br />

الصحيح في معالجتها ومواجهتها واقتراح الحلول لها.‏ أما حصر التاريخ في متابعة المتغيرات،‏ أو<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


105<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

67<br />

حصر التاريخ في رؤية تغير واحد ‏(الاقتصاد مثلاً)‏ وتجاهل تلك الثوابت الأساسية وعدم الربط بين<br />

الثوابت والتغيرات ورؤية قوانين العلاقة بينهما،‏ سيؤدي إلى نظريات خاطئة فلسفياً‏ وعملياً‏ وسياسياً‏<br />

وفكرياً.....الخ.‏<br />

لنضرب مثلاً:‏ يعتبر مارآس أن إزالة الملكية الفردية يزيل نوازع الاستغلال على مستوى الأمة<br />

الواحدة وعل مستوى الأمم ‏(راجع البيان الشيوعي)‏ ويزيل البغضاء والصراعات والعداوات،‏ ويكون<br />

أساساً‏ لعالم جديد.‏ عندما أزيلت الملكية الفردية في الاتحاد السوفياتي بقيت آل ظواهر الجشع والطمع<br />

والبحث عن السطوة والقوة والنفوذ والاستغلال آما لم تزل عن الدولة في علاقتها مع الأمم الأخرى<br />

نوازع السيطرة والتحكم والنهب.‏ فكان لابد من تبرير،‏ فقيل أن إزالة الملكية ما زال في أول العهد،‏ ثم<br />

هناك ما زالت ملكية الكولخوزات.‏ ولكن تفاقم الوضع مع مجيء الجيل الثاني الذي ولد في العهد<br />

الجديد.‏ وتفاقم أآثر مع مجيء الجيل الثالث والرابع.‏ مما جعل تلك الموضوعة حول اعتبار الملكية<br />

الفردية والطبقات أو التخلف الإنتاجي أساس آل الشرور،‏ موضوعة تبسيطية مسطحة لا أساس لها<br />

من العلم والحقيقة،‏ وثقوا أن محاولة الرآض وراء الشهوات والطمع والجشع وظواهر الحسد<br />

والبغضاء والتنافس والصراعات فيما بين البشر لن تزول حتى أبد الدهر لأن منابعها في الإنسان<br />

نفسه في ثوابت خلقه ووجوده.‏ وآل من يتجاهلها أو يعزيها لعوامل خارجية يجانب الحقيقة<br />

الموضوعية،‏ آذلك يجب أن نلاحظ أن تفوق الإنسان وتطلعه إلى التوحيد والعدل والحق وضبط تلك<br />

النوازع وتطلعه للحرية والإخاء والمقومات الإنسانية السليمة،‏ هي أيضاً‏ ثوابت في فطرة الإنسان<br />

ومن ثم هو في صراع ونزال مع تلك الثوابت المقابلة.‏ وهذه معرآة الصراع الأبدية أو الحرب<br />

الأبدية.‏<br />

لهذا جاء الإسلام ليقدم منهجاً‏ يدل الإنسان على الموقف الصحيح في هذه المعرآة،‏ ويعطيه أسلحة<br />

إدارة الصراع وطرق خوضه،‏ فقدر له بداية على أن يقف إلى جانب الفطرة،‏ ويقيم التوازن السليم<br />

والعادل ويشن الحرب الضروس ضد مظاهر الظلم والاستغلال والجوع..‏ الخ.‏ ولم يقل له أنك إن<br />

دخلت الإسلام آفرد أصبحت في مأمن من نوازع الشهوات والانحراف وإنما عليك أن تواصل جهاد<br />

نفسك وتنقيتها بالإيمان واتباع مرضاة االله ولم يقل له أنك ستصبح السوبرمان.‏ بل قال له خلقت على<br />

عجل ووهن وضعف.‏<br />

ولهذا لابد من الانتباه المستمر والصراع الدائم لبلوغ الحالة الإنسانية الحقة التي يعبر عنها الإسلام.‏<br />

وهذا ينطبق أيضاً‏ على إقامة النظام الإسلامي والحكم الإسلامي حيث تظل في المجتمع الإسلامي آل<br />

نوازع الخروج على العدل والحق والتوحيد وسيظل السعي لإعادة سيطرة العصبيات والطبقات<br />

الظالمة الاستغلالية والمنافع التي تتبع هواها وشهواتها وتعبد القوة والسيطرة والثروة والشهوة،‏ ولهذا<br />

لابد من الانتباه لخوض الصراع المستمر..‏ وهكذا فهي معرآة لا تنتهي إلى أبد الدهر.‏<br />

انظروا يا إخوتنا الفرق بين النظرة العلمية الواقعية إلى الإنسان والمجتمع والتاريخ والتي تؤآدها آل<br />

الوقائع وتلك النظرات التي بنيت على نظرية أحادية الجانب وقد قادها فسادها إلى استنتاج خيالي،‏ أو<br />

وعد آاذب بإقامة المدينة الفاضلة أو العالم الفاضل.‏ حيث تنتهي الشرور حين تنتهي الملكية وتنتهي<br />

الطبقات ‏(بالمناسبة الاتحاد السوفياتي بعد سنة عاد يشجع الملكية الفردية في إدارة المصانع<br />

والمزارع ويدعو إلى عودة التنافس في السوق أو إعادة تشجيع المنافع الفردية على مستوى المنتجين.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


106<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

أما في البلدان الاشتراآية الأخرى فإن ذلك الصراع أخذ شكل إرساء تنظيمات اقتصادية جديدة<br />

راحت تقترب أآثر فأآثر من المسوق شبه الحرة والتوسع بالإنتاج القائم على الملكية الفردية<br />

والمنافسة بين الأفراد وغير ذلك)،‏ انظروا أنهم يحاولون أن يتوازنوا بين ما هو عام وما هو خاص،‏<br />

وبين الملكية العامة والمنافع الخاصة،‏ والفردية والتنافس والجوائز..‏ الخ.‏ وذلك بعد الفشل الذريع<br />

الذي منيت به الزراعة والمرافق الصناعية بسبب انتزاع الدولة للملكية واحتكارها.‏ بينما راعى<br />

الإسلام نوازع الفرد نحو الملكية والعمل بنفسه ولمنفعته وتحقيق مطامعه الخاصة فلم يقل بإلغاء<br />

الملكية الفردية من حيث أتى.‏ وإنما أبقاها وعمل على ضبطها وتنظيمها،‏ وآذلك راعى ضرورة إقامة<br />

ملكيات عامة،‏ ولكن لم يسمح للدولة باحتكارها والتحكم بها فترك بعضها شائعاً‏ للناس وترك بعضها<br />

ملكيات على مستوى مجموعات من المنتجين ‏(عائلات،‏ قرى،‏ جمعيات،‏ مؤسسات)‏ وترك بعضها<br />

أوقافاً‏ وترك بعضها للدولة،‏ آما لم يلغ السوق والتجارة الحرة وإنما أقام لكل ذلك ضوابط وروادع<br />

وأصولاً،‏ وباعتقادنا أن آل تباهي المارآسيين في علم الاقتصاد،‏ أثبتت الوقائع أن الإسلام تفوق<br />

عليهم ولم يستطيعوا اللحاق بذيوله.‏ ولعل من أسباب ذلك،‏ جهلهم أولاً‏ وقبل آل شيء،‏ بالإنسان وخلقه<br />

ومكوناته ومن يجهل هذا يسحب جهله إلى عالم الاقتصاد.‏<br />

إن لفت الانتباه لأهمية فهم الإسلام في معالجة الإنسان وموضوع الثوابت والمتغيرات يساعد على<br />

تلافي السلبيات التي يمكن أن تنجم عن رقي العلوم والتقيات وتطور الإنتاج والمواصلات،‏ أفسح<br />

المجال رحباً‏ لرقي التجربة الإنسانية في مجال التنظيم الاجتماعي والسياسي..‏ الخ.‏ فالإسلام قدم<br />

مبادئ عامة ولم يدخل في التفصيلات تارآاً‏ للاجتهاد أن يجيب على ما يستجد من متغيرات،‏ ويرقى<br />

بتنظيم حياة الناس ضمن ما يبلغه الإنسان من رقي وتطور مادي،‏ فعلى سبيل المثال أقر الإسلام مبدأ<br />

الشورى ولكنه لم يضع نظاماً‏ ثابتاً‏ في آيفية تحديد أهل الشورى أو آيفية إجرائها.‏ فأهل الحل والعقد<br />

يمكن أن يكونوا على الشكل الذي طبق زمن الرسول صلى االله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي<br />

االله عنهم،‏ ويمكن أن يشكلوا من خلال انتخابات ومجلس شورى أو من خلال شكل يجمع بين<br />

الانتخابات وبين أهل العلم والاجتهاد والخبرة والاختصاص..‏ الخ.‏ أو مثلاً‏ وضع الإسلام مبدأ مراعاة<br />

المنفعة العامة أو دفع الضرر وهذه أيضاً‏ ترك تحديدها وتطبيقها للمتغيرات ومراعاة ظروف الزمان<br />

والمكان وآذلك موضوع تنظيم الملكية في المجتمع وإدارة الإنتاج ومراقبة السوق وتحقيق التكافل<br />

الاجتماعي،‏ فقد وضع المبادئ والمنهج وترك التفصيلات للمتغيرات واجتهاد أهل الإسلام.‏<br />

ومن هنا أيها الأخوة حين يعود الإسلام بعد ذلك الانقطاع سينشئ مجتمعاً‏ أو مجتمعات إسلامية ليست<br />

صورة طبق الأصل وتفصيلية من المجتمعات الإسلامية الأولى بل ستكون هنالك متغيرات آثيرة.‏<br />

ولكن سيبقى الجوهر واحداً‏ فإن آانت إسلامية حقاً‏ فلا بد من أن تجدوا فيها عدل أبي بكر وعمر<br />

وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي االله عنهم،‏ وستجدون فيها الإنسان المسلم المتوازن على<br />

المنهج الذي آان يزن عليه الرسول صلى االله عليه وسلم وأصحابه،‏ ولكن ستجدون أيضاً‏ مؤسسات<br />

وجمعيات شعبية لإدارة الإنتاج،‏ والسياسة،‏ والتعليم وأجهزة تختلف عما آان يجري في الزمن السابق<br />

من إشكال اجتماعية في إدارة الإنتاج والسياسة والتعليم،‏ وستجدون دوراً‏ للجامع يربط بين العبادة<br />

والسياسة وإقامة العدل والتنمية والدفاع عن الحق والإسلام..‏ ربما من طراز جديد أيضاً،‏ يشكل<br />

استمراراً‏ وتعميقاً‏ وتطويراً‏ لدوره الذي عرفه التاريخ الإسلامي السابق،‏ وبالمناسبة أنه لمن البديهي<br />

القول أو المسلم به من أغلب المفكرين الإسلاميين أن أمام الإسلام اليوم عشرات المستجدات<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


107<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

والقضايا التي يجب على الفقهاء والعلماء والقادة أن يقولوا آلمتهم فيها بما يناسب العصر وما طرأ<br />

من متغيرات.‏<br />

فالذي يجب أن تدرآوه أن الانتقال إلى أرض الإسلام في معالجة قضايا الأمة لا يشكل غير الخطوة<br />

الأولى الصحيحة والضرورية التي تضعنا ضمن الاتجاه الصحيح،‏ ولكن لا يعني ذلك أن أمامنا<br />

حلولاً‏ جاهزة لمختلف القضايا والمعضلات ولا يعني أن تقديم تلك الحلول بصورة سليمة مسألة<br />

مضمونة من قبل من في يدهم أمر الفتوى والاجتهاد،‏ فالعملية أعقد من ذلك بكثير،‏ ولا يجب أن<br />

يحمل المرء أوهاماً‏ بامتلاك مفتاح سحري..‏ فلو آان الأمر آذلك لكان الأمر محلولاً،‏ فهذه ليست<br />

التجربة الأولى في محاولة اعتماد الإسلام لمواجهة التحديات المعاصرة فثمة قبلها عشرات<br />

المحاولات بعضها حقق نجاحاً‏ جزئياً،‏ وبعضها غلب على أمره،‏ وبعضنا لم يوفق بما ذهب إليه.‏ ولا<br />

تنسوا أن ما يمكن اقتراحه هو محاولة لتطبيق منهج الإسلام من خلال البشر،‏ والبشر خطاؤون.‏ ولا<br />

عصمة لأي من القادة والمجتهدين،‏ ولهذا إن ما بين أيديكم محاولة لوضع الأمر على أول السكة<br />

الصحيحة ليس أآثر،‏ ثم بعد ذلك لابد من البحث والعمل والتعلم والمحاولة.‏ ولكن في آل الأحوال<br />

احتمال النجاح من خلال الإسلام أآيد في النهاية،‏ أما المناهج والطرق الأخرى ففشلها أآيد من البداية<br />

إلى النهاية.‏<br />

لنعد مرة أخرى إلى مواصلة التأآيد على صحة المنهج الإسلامي الشمولي في معالجة الثوابت<br />

والمتغيرات ولنضع ذلك ضمن قاعدته الأساسية وهي مسألة الإيمان باالله وبالعقيدة وأهمية الضوابط<br />

والروادع الإيمانية والأخلاقية في إنجاح المعالجة الشمولية للإنسان.‏ إن الشمولية الإسلامية في<br />

معالجتها لقضية الإنسان والحياة والمجتمع والإنسانية تتمرآز حول محور الإيمان باالله إذ بدون هذا<br />

المحور تفقد تماسكها وحياتها الداخلية وقوتها المحرآة،‏ فالإيمان بوحدانية االله وبأن االله تعالى أآبر من<br />

آل خلق،‏ تعطي الإنسان قوة في مواجهة نفسه وهواه وضعفه بل في مواجهة آل ما من شأنه أن<br />

يتحول إلى معبود يعبده الإنسان أو يخضع له أو يصبح عبداً‏ له سواء أآان ذلك بشراً‏ قائداً،‏ أو حاآماً‏<br />

أو آان طبقة أو حزباً‏ أو آان مالاً،‏ أو بنين،‏ أو فساداً،‏ أو شهوات،‏ أو هوى،‏ فالعبودية الله وحده تسمح<br />

بإسقاط،‏ أو تقضي في جوهرها بإسقاط،‏ أية عبودية أخرى،‏ والإيمان بأن لا اله إلا االله لا تسمح بتسلط<br />

بشر على بشر،‏ أو بعبادة بشر لبشر،‏ أو أن يقيم أحد نفسه ‏"إله"‏ على الناس إذ أن هذا الإيمان باالله<br />

الواحد الأحد ورفض أي شرك بهذا الإيمان أو بديل له هو الذي يسمح بإقامة نظام العدل والتوازن<br />

فيما بين مختلف الجوانب التي تتعلق بحياة الإنسان،‏ وهو الذي يسمح بألا يطغي جانب على الجوانب<br />

الأخرى.‏ فالتوحيد هو الذي يضبط وينظم الثوابت في الإنسان ويقيم التوازن فيما بين مختلف<br />

المتغيرات.‏ فهذا التوحيد وما يصحبه من إيمان باليوم الأخر والتزام بمرضاة االله،‏ واتباع أوامره<br />

ونواهيه يشكل الشروط الضرورية للتحرك في الحياة على صراط مستقيم،‏ فلا يترك عقل الإنسان<br />

ليبرر هواه أو ليسوغ الأنظمة الطاغوتية والوحشية آما نشهد في عصر العقل الأوروبي.‏ بينما يطلق<br />

العقل إلى أقصى مداه بعد أن يقوده التوحيد والإيمان والالتزام بمرضاة االله فيمتلك البوصلة التي تحدد<br />

له الاتجاه الذي يجعله يبدع ويخترع وينظم بعيداً‏ عن الهوى والأنانية والشهوات.‏ وهذا عماده الفطرة<br />

وعززه الوحي الذي وصل خاتمته بنزول القرآن وتمام رسالة محمد وسنته صلى االله عليه وسلم،‏ أما<br />

هذا المحور،‏ أي الإيمان باالله وما أنزل من آتب وبعث من رسل وأنبياء والإيمان باليوم الآخر آل<br />

ذلك يسمح بتنظيم هذا الشمول ويجعد له معنى ومغزى فيصبح سير الإنسان بمنهج التوازن والعدل<br />

ليس مجرد قناعة بمنهجية علمية فحسب،‏ ولا يصبح مجرد خيار أفضل من بين المناهج أحادية<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


108<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

الجانب فحسب وإنما أيضاً‏ يكون خضوعاً‏ الله فلا يكفي ألا تعتدي على غيرك حتى تكون مقتنعاً‏<br />

بضرر ذلك من ناحية إنسانية وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون أمراً‏ إلهياً‏ لا خيار لك فيه حتى<br />

لا تترك الحبل على الغارب للمعتدين أو حتى عندما يحدث اعتداء تكون الأبواب مغلقة في وجهه،‏<br />

على الأقل،‏ من الناحية النظرية والفكرية ولهذا آان من أصعب الأمور على الظالمين والفاسقين<br />

والمعتدين في التاريخ الإسلامي أن يجعلوا ما يفعلونه قانوناً.‏ فالإقطاعي أو السيد أو الرأسمالي أو<br />

الدولة الاشتراآية،‏ جعل هو وضعه شرعياً‏ دستورياً‏ قانونياً.‏ وأصبح آل خروج عليه هو خروج على<br />

القانون،‏ أما في التاريخ الإسلامي لم يستطع الذين خرجوا على الشرع من خلفاء وسلاطين وحولوا<br />

الحكم إلى ملك عضوض،‏ أن يبطلوا الشرع أو يعطوا الشرعية لقانونهم.‏ فكان بإمكانهم أن يحكموا<br />

بالغلبة والسيف،‏ وان يكبتوا الأنفاس،‏ ويرهبوا العلماء والناس،‏ ولكنهم لم يستطيعوا أن يكرسوا ذلك<br />

بالدستور والقانون.‏ لأن الشرع آان لهم بالمرصاد.‏ وآان بقاؤهم يتعلق بميزان القوى حتى يأتي من<br />

يعلن اعتبارهم خارجين على الشرع،‏ أي هم الذين خرجوا على قانون االله،‏ وبهذا آانت الثورة تحمل<br />

شرعيتها دون استئذان.‏<br />

ثم ما الذي يقنعك ألا تطغى،‏ أو لا تترك لشهواتك العنان إذا لم يكن لك مرجع يحرم الطغيان واتباع<br />

الشهوات.‏ ولهذا تراهم الآن في الغرب ضعيفي الحجة أمام الذين يطالبون بجعل اللواط قانونياً.‏ إن<br />

الاستناد إلى المصلحة العامة،‏ أو الإنسانية تظل مسألة خلافية بالرغم من أهميتها،‏ ولا قدرة لها إن لم<br />

تكن هنالك قوة تسندها.‏ تذآرون أن المراحل الأولى في حياة الاشتراآيين والشيوعيين والثوريين<br />

والعلمانيين حملت قناعات عندهم بأخلاق إنسانية ومثل إنسانية ‏(أو بروليتارية)‏ واسماها البعض<br />

الأخلاق الثورية،‏ فبدلاً‏ من أن يكون الصدق بمنزلة الأمر الإلهي،‏ حولوه إلى مبدأ ثوري،‏ ولكن<br />

سرعان ما تبخرت هذه المبادئ لأنها فقدت مرتكزاتها.‏ وأصبح من يتمسك بها يسمى"شاعراً‏<br />

وخيالياً"،‏ وحل محلها فن النفعية وما يحقق المصالح السياسية والحزبية أو الفردية ولم يعد من<br />

ضوابط العلاقات بين المرأة والرجل إلا ما يضعه آل لنفسه من ضوابط،‏ عدا الحالات التي تنجم<br />

عنها فضائح،‏ فتقاوم لا لذاتها وإنما لما تلحقه من أضرار بسبب الفضائح.‏<br />

لاحظوا أيها الإخوة قوله تعالى:‏ ‏"إن الإنسان ليطغى"‏ وهذا ينطبق حتى على الذين يؤمنون باالله وما<br />

أنزل على محمد صلى االله عليه وسلم،‏ فالمنع من الطغيان يحتاج إلى إيمان ولا يترك الأمر للاجتهاد.‏<br />

ويحتاج إلى روادع أخرى آالخوف من جهنم والخوف من إقامة الحد،‏ ويحتاج إلى وضع القوانين<br />

الرادعة والمانعة فإذا آان الإيمان لا يكفي لوحده لضبط المجتمع والأفراد فكيف بدونه؟ إن معالجة<br />

الإنسان آما يلحظ المنهج الإسلامي مسألة على غاية من التعقيد وبحاجة إلى تناول آل مشكلة من عدة<br />

زوايا حتى يتوفر إمكان لضبطها،‏ لا نهائياً‏ ولا آلياً،‏ وإنما نسبياً،‏ الإيمان أولاً‏ والخوف من جهنم<br />

ثانياً،‏ ثم الحدود والقوانين ثم توفير الشروط الإيجابية لإقامة العدل العام والتوسع بتأسيس الحاجات<br />

الضرورية للإنسان..‏ الخ.‏ آل ذلك يحقق من النتائج لخير الإنسان والإنسانية أفضل من أي منهج آخر<br />

يقتصر على معالجة لهذه المشكلة أو تلك من زاوية أو زاويتين فقط آالودع القانوني أو الإغراء<br />

المادي أو تأمين شروط اقتصادية أفضل.‏<br />

أيها الإخوة،‏ إن آل هذه الملحوظات تستحق منكم أن تتأملوها وتحاولوا فهمها من آل جوانبها قبل أن<br />

تردوا عليها،‏ ولا بد أن تلحظوا أنكم،‏ آما آنا نحن إلى حين،‏ تحملون أفكاراً‏ مسبقة ومفاهيم تظنونها<br />

من العلم اليقين.‏ ومن ثم تسرعون إلى محاآمة الإسلام على ضوئها.‏ ولكن ثقوا أنها قابلة للهز هزاً‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


109<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

قوياً‏ لأنها ليست من العلم اليقين،‏ وتذآروا أن أجيالنا منذ سبعين عاماً‏ في الأقل،‏ لا تتعلم في مدارسنا<br />

ولا تقرأ أو تسمع أو تشاهد في إعلامنا،‏ ولا تسمع ممن في يدهم السلطة،‏ غير أفكار الحضارة الغربية<br />

المسيطرة علينا.‏ ولا تظنوا أن معرآتنا مع الغرب الاستعماري آانت فقط معرآة عسكرية،‏ أو أن<br />

الاستعمار هو فقط نهب الثروات والاحتكار وتقسيم العالم ‏(أو إذا شئتم السمات الخمسة التي وضعها<br />

لينين للاستعمار)‏ إنه أآثر من ذلك،‏ أنه أيضاً‏ سحق للشخصية والهوية والثقافة والحضارة المقابلة<br />

الأخرى،‏ ليفرض حضارته على الشعوب حتى تجعله قبلتها في آل شيء.‏ ومن ثم يصبح عليها،‏ حتى<br />

وهي تعارضه،‏ أن تختار أدوات المعارضة من بعض بضاعته،‏ طبعاً‏ قد تقولون أن الغرب ليس فقط<br />

الاستعمار والرأسمالية وإنما الغرب هم البروليتارية أيضاً.‏ ولكن ألم يحن الوقت الذي تنتهي فيه هذه<br />

الأآذوبة لكي ترى البروليتارية شريكاً‏ وجزءاً‏ من عملية الاستعمار.‏ وإلا لما آان من الممكن أن<br />

يتحقق الاستعمار،‏ أو يبقى حتى اليوم وبالمناسبة لاحظوا أن النظرة المارآسية الماوية تقول:‏ ‏"أن<br />

مرآز الثورة العالمية انتقل إلى العالم الثالث"‏ تمثل اعترافاً‏ بصورة غير مباشرة بانهيار مقولة<br />

البروليتارية في البلدان الرأسمالية المتقدمة.‏<br />

حقاً‏ هنالك صراعات بين الطبقات والاتجاهات السياسية الإيديولوجية في الغرب ‏(نستثني الاتجاهات<br />

النابعة من دوافع الفطرة،‏ والتي لا يعبر عنها الآن إلا تعبيراً‏ ضعيفاً‏ جدا.).‏ فنقابات العمال والأحزاب<br />

المختلفة تتصارع في الداخل لاقتسام المكاسب ولكنها في شراآة بالنسبة إلى العالم الثالث الآخر،‏<br />

ولنجعل من قضية فلسطين مثلاً‏ آشافاً،‏ أفلا تلحظون أن جميع تلك القوى الرأسمالية والبروليتارية في<br />

الغرب والشرق والسوفياتي،‏ متفقة على بناء دولة إسرائيل وشارآوا في إقامتها ولو بنسب متفاوتة،‏<br />

وما زالوا شرآاء في رفض آل تصفية لها.‏ ثم هم يختلفون بعد ذلك حول الحدود التي يمكن أن تكون<br />

عليه دولتها،‏ ويختلفون حول حقوق الشعب الفلسطيني.‏ ويختلفون في السياسة،‏ لمن تتبع إسرائيل.‏<br />

انظروا وتأملوا جيداً‏ في المواقف بالنسبة إلى هذه القضية تستطيعوا أن ترفعوا الغشاوة عن بعض<br />

العيون فترون لماذا يجب أن نضع أولئك الجميع في سلة واحدة ونحن نفرق بين تفاصيل مواقفهم.‏<br />

وقد نفيد تكتيكاً،‏ بعض الشيء من هذا التفريق.‏ ولكن لا يمكن أن تكون جزءاً‏ من إحدى الجبهتين<br />

هناك،‏ وإنما نبحن طرف ثالث بكل ما تحمل الكلمة من معنى،‏ إذا آان مثال فلسطين أآثر وضوحاً‏<br />

بالنسبة إلينا لكي نفهم الوضع فيمكن أن نجد هذا الأمر نفسه يطبق على الموقف من الإسلام..‏ وعلى<br />

الموقف من المعرآة الحضارية،.‏ أليسوا متفقين علي أن حضارتنا يجب أن تحطم..‏ أليسوا متفقين<br />

على أننا يجب أن نتبع المرآز العالمي للحضارة الذي هو هم،‏ أم علينا أن نخدع حيث يختلفون أشد<br />

الاختلاف على من يأآلنا منهم،‏ وعلى من يتبعنا إليه.‏ إن مثل هذا الاختلاف يجعلكم تقولون لا<br />

تضعوهم في سلة واحدة،‏ فهذا آله مفهوم ويمكن ملاحظته جيداً.‏<br />

أيها الأخوة فسروا لنا هذا الموقف الإجماعي من ‏"إسرائيل"‏ وقبل،ذلك فسروا لنا لماذا مصطفى<br />

أتاتورك ورضا بهلوي والد شاه إيران السابق اللذان افتتحا المعرآة ضد الإسلام واندفعا نحو<br />

العصرية الغربية،‏ أيدا من قبل لينين آما مجدا من الفكر الغربي الليبرالي والمارآسي إجمالاً؟ وفي<br />

الوقت نفسه لماذا تحمس مارآس للمهمة المزدوجة للاستعمار البريطاني في الهند لتحطيم المجتمع<br />

التقليدي الأسيوي وزرع الحضارة الأوروبية،‏ وهو تعبيره المباشر بينما آان ‏"بالمرستون"‏ ينفذ ذلك<br />

بحد السيف،‏ ويوغل بدماء المسلمين الهنود؟ وبالمناسبة هل تعلمون ما هو التفسير المارآسي لشراآة<br />

البروليتاريا رأسمالييها بالنسبة إلى العالم الثالث،‏ يقولون أن الرأسماليين رشوا فئاتها العليا،‏ ثم قالوا<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


110<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

بل الرشوة آانت أشمل من خلال ما تم التنازل عنه للبروليتاريا الغربية من ضمانات ومكاسب،‏ ولكن<br />

الذي يقبل بالرشوة القليلة فهل سيعف عن أآل الحصة الأخرى حين تتاح له،‏ أي القيام بالنهب المباشر<br />

هو نفسه حين يصبح بالسلطة ‏(الاشتراآية).‏<br />

ومن هنا فإن التأمل العميق في الموضوعات أعلاه المتعلقة بانطلاق الإسلام من الإنسان وما يتسم به<br />

من ثوابت وتغيرات،‏ وما قدمه من منهجية شمولية في معالجة مختلف الجوانب وإقامة التوازن على<br />

أساس العدل والمساواة فيما بينها،‏ ندرك جوهر عالمية النظرة القرآنية،‏ وهي عالمية لا تقوم على<br />

أساس ظرف تاريخي محدد آالعالمية الرأسمالية أو البروليتارية مث ‏ًلا.‏ لأنها عالمية تتعامل مع الإنسان<br />

في جوهره لا مع جانب من جوانب المتغيرات في تاريخه،‏ وإن آانت قادرة على احتواء المتغيرات<br />

وضبطها ضمن العالمية الإسلامية.‏ ويجب أن نتذآر هنا أن الإسلام قدم نموذجاً‏ على مستوى تطبيقي<br />

ناجح من خلال ثورته الأولى ودولته الأولى بقيادة الرسول العظيم صلى االله عليه وسلم.‏ ونماذج<br />

الحكم التي قدمها عهد الخلفاء الراشدين وعدد من الحالات المشابهة التي آانت ثمرات ثورات بقيادة<br />

علماء أو فقهاء أو نماذج للمقاومة المستمرة طوال الأربعة عشر قرناً‏ الماضية آان بمثابة قطب<br />

الجذب والمنارة العالمية للإسلام،‏ حيث آان النموذج مصدر جذب عالمي.‏ وما الفتوحات الإسلامية<br />

التي انطلقت من ذلك النموذج أو على هديه آانت تحريراً‏ للشعوب التي افتتحت أراضيها آما جاءت<br />

تجاوباً‏ مع فطرتها عندما أقيم حكم الإسلام.‏ وهذا يفسر لماذا أسلمت وعربت آل هذه المناطق التي<br />

تغطي الآن البلاد العربية ولماذا انتشر الإسلام وانغرس في إيران وترآيا ومناطق آسيا وأعماق<br />

إفريقيا.‏<br />

لقد ذهبت قوة الفاتحين وبقي الإسلام في آل تلك البلاد ليس آدين عبادة فحسب وإنما آنموذج للعدل<br />

الاجتماعي وللعالمية والإنسانية ولمعالجة قضايا الإنسان،‏ ولهذا ترى اليوم مئات من الشعوب<br />

الإسلامية تتحرك في صحوة عارمة من أجل خلع أنظمة التغريب عنها وإقامة نظام الإسلام والدعوة<br />

إلى الأخوة الإسلامية والوحدة الإسلامية والعالمية الإسلامية.‏ ولكن يجب الوقوف هنا لتأمل تجربة<br />

الفتح.‏ فالإسلام يقدم نموذجاً‏ للعالمية الإسلامية فيما بين شعوب منتشرة في آسيا وإفريقيا وأوروبا لم<br />

تنشأ بعدها أية عالمية تضاهيها أو تقارن بها منذ أربعة عشر قرناً.‏ وذلك بالرغم مما بلغته الإنسانية<br />

اليوم من تقدم في العلوم والتقنيات ووسائل المواصلات والإنتاج،‏ فهذا يفرض التفكير جيداً‏ بهذه<br />

الحقيقة من جهة،‏ آما يجعل من المشروع القول أن العالم الذي يرآض إلى دماره اليوم وبأيدي مراآز<br />

الحضارة الغربية هو أشد ما يكون حاجة إلى إعادة إحياء العالمية الإسلامية،‏ بداية عن طريق استعادة<br />

الإسلام لنموذجه فوق الديار الإسلامية.‏ ثانياً‏ من خلال الإسهام المباشر مع جميع مستضعفي العالم<br />

لوقف الدمار المسمى بالحضارة الغربية المعاصرة إنها أسباب تلف الإنسان روحياً،‏ وجسدياً،‏<br />

وعلاقات دولية،‏ دون الحديث عما تحمله من مظالم أو فساد.ومن هنا فثمة مسؤولية أمام العلماء<br />

والمفكرين والقادة الإسلاميين لمواجهة مسؤولية إعادة صياغة شروط الحياة المعاصرة المطبوعة<br />

بالرؤيا الحربية وذلك من خلال إعادة بناء النموذج الإسلامي في الديار الإسلامية،‏ آما بالنسبة إلى<br />

سمات توليد العالمية الإسلامية الجديدة.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


111<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

<br />

< <<br />


112<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

ابن خلدون العلمية نراها مشحونة بصورة صراع العصبيات بينما نرى نهج مارآس مشحون بصورة<br />

طبقات العبيد والأسياد في أثينا وروما وإقطاع أوروبا وأقنانها وبرجوازيتها وعمالها.‏ إن المنهج الذي<br />

لا فكرة لديه عن صراع العصبيات القبلية في مرحلة من تاريخنا مثلاً‏ أو صراع البادية والمدينة أو<br />

صراع الجهويات والقبائل الإسلامية في إسبانيا حيث عمت تجربة حضارية عالمية في ظروف<br />

انعزل فيها الفاتحون المسلمون عن بقية جسم الدولة الإسلامية منذ العباسي.‏ لكن مع ذلك استطاعت<br />

أن تتعايش فع السكان الأصليين وأن تنغرس في الأرض الإسبانية وتولد حضارة أثارها مشهودة حتى<br />

اليوم.‏<br />

وبالمناسبة لم تهزم الدولة الإسلامية في إسبانيا بعد مئات السنين إلا في ظروف انحلال الحكام<br />

وانقسامهم إلى دويلات ثم اشتداد الدعم الخارجي لفئة صغيرة من الإسبان.‏ لكن الأهم من ذلك فإن<br />

الإسلام انتزع عبر عمليات الإبادة والاجتثاث من الجذور التي أصابت مئات الألوف من المسلمين<br />

العرب والإسبان،‏ ولولا ذلك لبقي الإسلام منغرساً‏ في الأرض حتى بعد أن فقد سلطته السياسية<br />

وقدرته العسكرية.‏<br />

ثم إذا أخذنا بعين الاعتبار خطورة تلك التأثيرات السلبية على العالمية الإسلامية،‏ والمتمثلة ببعض<br />

القيود الظالمة والمظاهر الفاسدة في ظل الحكومات التي تلت العهد الراشدي،‏ فسوف ندرك أهمية<br />

النموذج الإسلامي الراشدي الأصلي،‏ وأهمية العمل الإسلامي القاعدي الذي يمارسه العلماء<br />

والمجاهدون والأتقياء دون اعتماد على سلطة الدولة لكي يكرسوا العالمية الإسلامية،‏ بينما لا تستطيع<br />

العالمية المعاصرة أن تبقى إلا من خلال سلطة الدولة،‏ فماذا سيحدث للاشتراآية لو رفعت سلطة<br />

الدولة وعلى التحديد سلطة الجيش؟ فهل ستبقى تلك المجتمعات متمسكة بالنمط الاجتماعي السائد،‏<br />

إزاء المارآسية الرسمية السائدة أم سينتهي أمر هذا النموذج بسبب تناقضه مع الإنسان،‏ مع فطرته<br />

وجوهره.‏ ومن ثم مع العديد من جوانب حياته الروحية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.‏<br />

هذا آله يؤآد لا علمية المنهج المارآسي وعدم قدرته على الديمومة والبقاء عشر معشار بقاء<br />

الإسلام.‏ ومن هنا لم تحسنوا التقاط موضوعات آتاب ‏"الإسلام في معرآة الحضارة"‏ ولهذا لا يجوز<br />

بالاستناد إلى لا علمية المارآسية ولا عالميتها من جهة ولا عالمية المارآسية،‏ أو الليبرالية الأوروبية<br />

من جهة أخرى،‏ بسبب محدوديتهما وخصوصيتهما التاريخية إلى نقل تهمتها نفسها إلى تلك<br />

الموضوعات بالقول ‏"أنها تعتبر العلمية تنبع من الخصوصية الحضارية وشهادة المنشأ".‏ إن الجواب<br />

آان سيكون مقبولاً‏ لو دحضتم تلك الموضوعات من خلال إثبات عالمية المارآسية وعلميتها.‏ فتلك<br />

الموضوعات أثبتت أحادية النظرة في المنهج المارآسي والمناهج الأوروبية الأخرى بسبب قيامها<br />

على أساس التجربة الخاصة التاريخية لحضارة واحدة محددة،‏ هي الحضارة الأوروبية،‏ وإنها لم<br />

تشق من دراسة التجربة التاريخية للعالم أو أغلبيته،‏ هذا ويمكن البرهنة أن معلومات تلك المناهج<br />

حول الحضارات الأخرى وتجاربها التاريخية وبنائها الفكري ومعلومات إما خاطئة أو مجاملة أو<br />

سطحية فمارآس وإنجلز،‏ مثلا،‏ حيث يعتبران الثورة الإسلامية الأولى،‏ ردة فعل بدوية،‏ لا يكونان<br />

يعبران عن نظرة علمية وإنما ينطلقان من نظرة المرآزية الأوروبية الضيقة.‏ وهذا في أحسن حالات<br />

التفسير لسبب مثل هذه الأحكام التي هي من منهجهما المسمى العلمي والعالمي والذي يدعي أنه فوق<br />

الحدود الحضارية أو التاريخية المحددة لقارة معينة.‏ ولهذا فإن إغناء الحوار بيننا يحتاج من جانبكم<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


نوأ<br />

113<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

إلى التدقيق في تلك الموضوعات الواردة في آتاب ‏"الإسلام في معرآة الحضارة"‏<br />

نختلف أو نتفق على ما جاء فيها فعلاً‏ لا على ما لم يكن فيها.‏<br />

ثم مناقشتها حتى<br />

-1<br />

ح-‏ إن مشروعية المنهج الموضوعي أو علميته يجب أن تأتي من قدرته على أن يكون تقييماً‏ حقيقياً‏<br />

صحيحاً‏ للتجربة التاريخية العالمية للإنسانية أو على الأقل لحضاراتها الرئيسية،‏ وليس أن يقيم تجربة<br />

جزئية محدودة ‏(التجربة الأوروبية)‏ ويعتبرها قانوناً‏ عاماً.‏ أما مشروعية المنهج الإسلامي وعلميته<br />

فقد وصلنا في البداية لهما من خلال الأسس نفسها التي تعاملون بها المنهج المارآسي ولكن الإسلام<br />

جاء في أصوله عن طريق ألوحي،‏ من هنا تأتي مشروعيته وعلميته بالنسبة لمن امن باالله،‏<br />

محمداً‏ رسوله صلى االله عليه وسلم ونحن اليوم من هؤلاء المؤمنين والحمد الله.‏ أما بالنسبة لمن لا<br />

يستند إلى هذا البرهان فنحن يمكن أن نقنعه آما اقتنعنا نحن بادئ ذي بدء من خلال إثبات صحة<br />

النظرة الإسلامية والمنهجية الإسلامية وعالميتها،‏ وقد حاولنا إثبات ذلك أعلاه،‏ بل آان ذلك هو<br />

طريقنا إلى الإيمان والعقيدة،‏ فعندما ثبت لنا بالبرهان صحة الإسلام ومنهجه وعالميته تساءلنا:آيف<br />

يكون الإسلام على هذا القدر من الصحة والعالمية ويكون قادراً‏ على مواجهة الفكر الأوروبي<br />

المعاصر.‏ ويكون في الوقت نفسه من صنع بشر أبناء تجربة تاريخية محدودة ومتواضعة آما آان<br />

الحال في القرن الثامن في الجزيرة العربية.‏ أي لابد من أن يكون مصدر هذه الصحة والمنهجية<br />

العلمية والعالمية وحي يتعدى الزمان والمكان المحدودين.‏<br />

د-‏ الآن سنأتي إلى موضوعة التراث والتاريخ والحضارة وتأثيرها آقانون عام على الشعوب آافة<br />

ويمكن هنا،‏ أن نلاحظ ما يلي.‏<br />

القسم الأعظم من بلدان العالم الثالث إن لم يكن جميعها زادت تبعية بعد الاستقلال من ناحية<br />

الاعتماد على الخارج حتى في مجال القمح والغذاء وهناك اليوم إجماع على أن مشاريع التنمية لم<br />

تحقق الأهداف المرجوة وقد زادت الديون حتى بلغت حداً‏ أشرفت الدول على رهن نفسها،‏ أو إعلان<br />

الإفلاس.‏<br />

2- أثبتت التجربة أيضاً‏ أن البلدان التي تبنت الاشتراآية أو سارت على ما يسميه السوفييت ‏"الطريق<br />

اللا رأسمالي"،‏ واجهت المصير نفسه ولم تحقق التنمية الموعودة وتدهورت أآثر من غيرها من<br />

ناحية الغذاء والزراعة والصناعة والتجارة الداخلية والخدمات والديون الخارجية.‏<br />

3- أجمع أغلب الذين عالجوا هذه الظاهرة على القول أن السبب يرجع إلى عزلة مشاريع التنمية عن<br />

الجماهير،‏ خصوصاً‏ جماهير الفلاحين والعمال المسحوقين وقد أقرت لجنة العلماء السوفييت في<br />

ندوتها المشار إليها أعلاه بهذه الحقيقية أيضاً‏ وفسرتها بأن النخبة الطليعية سرعان ما تجد نفسها في<br />

عزلة وتناقض مع ‏"التقليدي"‏ فالتقدم يأخذ شكل النزول من الأعلى إلى الأسفل.‏ أي من النخبة والدولة<br />

من فوق بينما لا تكون ‏"القاعدة التقليدية"‏ مهيأة له،‏ وهذا ما حداهم إلى التأآيد بعد فوات الأوان طبعاً‏<br />

على ضرورة الانتباه إلى المواءمة بين العصرنة و"التقليدي".‏ وهي المعضلة التي لم يجد العلمانيون<br />

حلاً‏ لها في البلدان التي استطاعت فيها الأحزاب ألمارآسية أن تقود الشعب ‏(التقليدي)‏ في معرآة<br />

التحرير الوطني آالصين وفيتنام وآمبوديا،‏ وإن آانت هذه التجارب أفضل نسبياً‏ من هذه الناحية.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


114<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

4- إن الحقيقة العلمية التي أصبحت الآن مقبولة حتى من قبل بعض آبار المارآسيين والليبراليين<br />

تقول أن تكريس الاستقلال بعد آسب معرآته ضد المستعمر وتحقيق تنمية حقيقية مستقلة ‏(ناهيك عن<br />

العدل والحرية والديمقراطية)‏ لا يمكن أن يتم بمعزل عن تبني الجماهير لهما.‏ وهذا غير ممكن ضمن<br />

البرامج العلمانية المتغربة التي أثبتت أنها بالضرورة متعادية مع الجماهير ولا تخدم غير فئة النخبة<br />

من آبار الاحتكاريين من قادة الحزب والدولة في البلدان التي توسعت في التأميم.‏ ولنذآرها هنا،‏ أن<br />

الجماهير المستعاض عنها بعبارة ‏"التقليدي"‏ في ندوة العلماء السوفييت هي التي تختزن التاريخ<br />

والتراث والتقاليد للأمة،‏ ومن ثم إذا لم تنبع مشاريع التنمية من قلب هذا الخزان ولم تلمس عقيدة<br />

الجماهير وقناعتها وقلوبها فعبثاً‏ يصار إلى دفعها لتجعل من قضية الاستقلال والتقدم والتنمية<br />

قضيتها.‏ أما إذا آانت قضية الاستقلال والتقدم والتنمية قضية ذات محتوى تغريبي علماني ‏(ليبرالي<br />

أو اشتراآي)‏ فالجماهير ستنظر إليها بحذر وستفقد حماسها رويداً‏ رويدا،‏ حتى يقع الانفصال النهائي.‏<br />

وهذا ما حدث حتى بالنسبة إلى القيادات التي آانت في المعارك الوطنية ضد الاستعمار تحظى على<br />

تأييد الجماهير ودعمها.‏ وإذا بها تفقد ذلك التأييد وتتحول إلى معادية للناس بعد الوصول إلى الحكم<br />

وتطبيق برنامجها العلماني.‏<br />

5- من هنا يمكن أن تفهم المسالة الحضارية باعتبارها قضية مرآزية يتوقف على فهمها ومعالجتها<br />

مستقبل الثورات في العالم الثالث،‏ عموماً‏ وأن من يستطيع أن يفهمها في بلادنا فهماً‏ عميقاً،‏ ويلحظ<br />

مرآزية العقيدة الإسلامية بالنسبة إلى حضارتنا فيمتلك النهج الذي يستطيع أن يجيب على قضايا<br />

العصر وحاجاته،‏ قضايا استقلال الشعوب وتقدمها وتنميتها وخلاصها من التبعية،‏ قضية تحطيم<br />

مراآز السيطرة العالمية تفرض هيمنتها على الشعوب وتريدها أن تبقى في نير العبودية،‏ والتي تهدد<br />

العالم بالدمار إذا ما تحرآت أزرارها النووية.‏ لذا آان شرط البرنامج القادر على تحقيق الاستقلال<br />

والتنمية والحرية أن يكون قادراً‏ على مس شغاف قلوب الأمة حتى تتبناه لتنهض من أجل تحقيقه،‏<br />

وإذا آان هذا الشرط لا يتحقق في بلادنا إلا من خلال الإسلام،‏ فهل يكون تجاهل هذين الشرطين<br />

موقفاً‏ علمياً‏ أو منهجاً‏ علمياً‏ وعالمياً،‏ أم يكون عكس ذلك تماماً،‏ فالنهج العلمي الحقيقي هو الذي يوفي<br />

هذين الشرطين.‏ ومن ثم إن تناول هذا الموضوع لا علاقة له بكسب الشعبية ولا بالضرب على الوتر<br />

العاطفي للجماهير.‏ وإنما يجب أن يتعامل معه بصورة أآثر جدية باعتباره حقيقة قائمة بذاتها بغض<br />

النظر عما يسمى بكسب الجماهير أو عدم آسبها.‏ المسألة هنا ليست مسألة نجاح في انتخابات،‏ وإنما<br />

هي مسألة نجاح الأمة في تحقيق نهضتها في آل المجالات.‏ إنها مسالة تقرر نجاح أمتنا في الحفاظ<br />

على استقلالها وتحقيق وحدتها وإنزال الهزيمة بعدوها الصهيوني وتحقيق نهضتها الحضارية<br />

والتنموية والثقافية إنها المسألة التي تقرر قيام نظام عادل شوري يصون حقوق العباد وحرياتهم<br />

ويطلق طاقاتهم الخيرة،‏ ويكرس آرامتهم الإنسانية ويحقق التوازن في حياتهم ويسمح لهم بمواجهة<br />

العالم بمشروع حضاري متميز حقاً.‏<br />

6- إذا آانت هذه الموضوعات تنطبق بصورة صارخة على الشعوب الإسلامية فهي تنطبق آذلك<br />

على بقية الشعوب بما في ذلك شعوب أمريكا اللاتينية،‏ أما إذا آان الإسلام غير مطروح بالنسبة إليها<br />

فإن من المؤآد أن مشاريع التغريب لم تلق عندما الحماسة المطلوبة ولهذا آان لابد من إيجاد برنامج<br />

هناك يراعي تراثها وتقاليدها وحضارتها.‏ هذه قاعدة عامة صحيحة بالنسبة إلى أغلب الحالات ولعل<br />

من أبرز أمثلتها الناجحة التجربة اليابانية التي صنعت آل تقدمها ضمن المحافظة على تراثها وضمن<br />

المحافظة على الكثير من جوانبه الأساسية،‏ ولهذا ما يجري من علاقة بين العمال في المصانع في<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء


115<br />

ومسيرة<br />

شهداء<br />

اليابان أو فيما بينهم وبين الرأسمالية يختلف اختلافاً‏ نوعياً‏ عن نظيره في أوروبا أو أمريكا.‏ أما<br />

التجربة الثانية فهي نجاح الثورة الإسلامية في إيران ببلوغ الاآتفاء الذاتي،‏ آما أعلن في القمح<br />

والكثير من المواد الغذائية منذ سنواتها الخمس الأولى،‏ بينما آانت في زمن شاه إيران تستورد حاجة<br />

عشرة أشهر في السنة من القمح والكثير من المواد الغذائية.‏ وآان المسجد في القرية هو الذي قاد<br />

عملية إحياء الإنتاج.‏<br />

7- أما القول:‏ لاحظوا تعاظم دور رجال الدين الكاثوليك في ثورات أمريكا اللاتينية أو بولندا أو عدد<br />

من بلدان آسيا وإفريقيا وإذا آان الأمر آذلك،‏ فكيف يحق لكم ألا تلحظوا دور الإسلامي في الثورة<br />

عندنا؟ وآيف يحق لكم الاستنتاج بالمقابل أن موضوع الإسلام ليس وارداً‏ بالنسبة إلى أمتنا ما دام<br />

ليس بوارد بالنسبة لكاثوليك أمريكا اللاتينية.‏ طبعاً‏ إن هذا لا يتناقض مع طموح الإسلام بأن يطرح<br />

رسالته على الناس آافة ولهم أن يقبلوا أو يرفضوها،‏ وآل سيجني ثمار ما زرعت يداه.‏<br />

8- وبهذا ترون أن من حق الشعوب الأخرى آما هو من حق أمتنا أن ترفض انسحاق شخصيتها<br />

وهويتها أمام الحضارة الغربية ومن حقها رفض التغريب ومن حقها أن ينبثق برنامجها من تراثها<br />

وتاريخها وظرفها الخاصة بل يمكن القول أنها إذا لم تفعل ذلك لن تكسب معرآة الاستقلال والحرية<br />

والتنمية أما من جهة أخرى،‏ إن فعلت ذلك،‏ خصوصاً،‏ إذا نقبت عن ومضات الفطرة في تاريخها<br />

وحضارتها،‏ فسوف يصبح الحوار بينها وبين الإسلام في العمق على مستوى أرقى من التعاون بين<br />

الشعوب المظلومة ضد الاستكبار الدولي فقط.‏<br />

وأخيراً‏ أيها الإخوة اسمحوا لنا بكلمة أخيرة وهي أن لا تنسوا وحدتكم ضد عدوآم وأنتم تناقشون هذه<br />

القضايا أي وأنتم تتفقون وتختلفون حولها.‏ ولا تنسوا المحافظة على روح الأخوة والتحلي بالحلم<br />

والحكمة والصبر بينما آل هنا يناقش من يخالفه الرأي.‏ ولا تنسوا أن الإنسان يموت وهو يتعلم،‏<br />

وعليه أن لا يكل في تحصيل العلم والبحث عن الحقيقة وألا يخشى أن يغير رأيه حين يبين له خطأه،‏<br />

ولو آان قبل حين مستعداً‏ للموت في سبيل ما آان يعتقده صحيحاً‏ أو في الدفاع عنه.‏<br />

وفقكم االله إلى ما يرضيه وأبقاآم لشعبنا رمزاً‏ في الصمود والتضحية والنقاء.‏ وآخر دعوانا أن الحمد<br />

الله رب العالمين.‏<br />

منير شفيق│‏ نيسان ١٩٩٤<br />

مؤسسة الوفاء

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!