26.12.2014 Views

july-august-2014

july-august-2014

july-august-2014

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

July / August <strong>2014</strong><br />

تصدر في دولة الكويت منذ عام 1986 عن<br />

بذور عالج<br />

العددان /316 315 السعر:‏ 1.500 دينار كويتي<br />

التاريخ الروحي السري حلساب التكامل<br />

التكلفة احلقيقية<br />

للوقود األحفوري<br />

اآللة اخلتامية لألشعة السينية<br />

الصخور األقدم على الكرة األرضية<br />

حترير اجلهاز املناعي من مكابح اخلاليا السرطانية عليه<br />

قضية الكلمات املسروقة


املجلد 30 العددان (<strong>2014</strong>) 8/7<br />

316/315<br />

الهيئة االستشارية<br />

شارك في هذا العدد<br />

خضر األحمد<br />

سعيد األسعد<br />

جمال أصفهاني<br />

محمد حتاحت<br />

عدنان احلموي<br />

إبراهيم خميس<br />

محمد دبس<br />

زياد درويش<br />

فوزي دنان<br />

سليم الذكي<br />

أبوبكر سعدالله<br />

نضال شمعون<br />

إبراهيم صقر<br />

فؤاد العجل<br />

صادق فرعون<br />

قاسم سارة<br />

أحمد الكفراوي<br />

خالد مصطفى<br />

حامت النجدي<br />

مراسالت التحرير توجه إلى:‏ رئيس حترير<br />

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي<br />

شارع أحمد اجلابر،‏ الشرق - الكويت<br />

ص.ب : 20856 الصفاة،‏ الكويت 13069<br />

عنوان البريد اإللكتروني:‏ - oloom@kfas.org.kw موقع الوِ‏ ب:‏ www.oloommagazine.com<br />

هاتف:‏ )+965(22428186 - فاكس : )+965(22403895<br />

اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة.‏<br />

سعر العدد<br />

األردن<br />

اإلمارات<br />

البحرين<br />

تونس<br />

اجلزائر<br />

جيبوتي<br />

السعودية<br />

Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to<br />

SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111<br />

Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895<br />

دينار<br />

درهم<br />

دينار<br />

دينار<br />

دينار<br />

فرنك<br />

ريال<br />

السودان<br />

سوريا<br />

الصومال<br />

العراق<br />

عُمان<br />

فلسطني<br />

قطر<br />

للطلبة وللعاملني في سلك<br />

التدريس و/أو البحث العلمي<br />

لألفراد<br />

للمؤسسات<br />

45<br />

56<br />

112<br />

12<br />

16<br />

32<br />

بزيارة موقع املجلة www.oloommagazine.com ميكن االطالع على مقاالت اإلصدارات املختلفة اعتبارا من العدد 1995/1.<br />

كما ميكن االطالع على قاموس مصطلحات باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع.‏<br />

ميكن تزويد املشتركني في بنسخة مجانية من قرص CD يتضمن خالصات مقاالت هذه املجلة منذ نشأتها<br />

عام 1986 والكلمات الدالة عليها.‏ ولتشغيل هذا القرص في جهاز مُدعم بالعربية،‏ يرجى اتباع اخلطوات التالية:‏<br />

-1 اختر Settings من start ثم اختر Control Panel<br />

-2 اختر Regional and Language Options<br />

جنيه<br />

ليرة<br />

شلن<br />

دينار<br />

ريال<br />

-3 اختر Arabic من قائمة Standards and Formats ثم اضغط OK<br />

الكويت<br />

لبنان<br />

ليبيا<br />

مصر<br />

املغرب<br />

موريتانيا<br />

اليمن<br />

Britain<br />

Cyprus<br />

France<br />

Greece<br />

Italy<br />

U.S.A.<br />

Germany<br />

U.S $<br />

ريال<br />

دينار<br />

ليرة<br />

دينار<br />

جنيه<br />

درهم<br />

أوقية<br />

ريال<br />

₤<br />

CI<br />

€<br />

€<br />

€<br />

$<br />

€<br />

4<br />

2.5<br />

6<br />

6<br />

6<br />

6<br />

6<br />

1.500<br />

2765<br />

1.7<br />

7<br />

30<br />

889<br />

250<br />

5.4<br />

100<br />

1497<br />

1964<br />

2<br />

1.25<br />

20<br />

1.800<br />

20<br />

1.800<br />

2.5<br />

105<br />

206<br />

20<br />

عدنان اأحمد ‏شهاب الدين<br />

رئيس الهيئة<br />

عبداللطيف البدر<br />

نائب رئيس الهيئة<br />

عدنان احلموي<br />

عضو الهيئة رئيس التحرير<br />

> مراكز توزيع في األقطار العربية ‏]انظر الصفحة 70[.<br />

االشتراكات<br />

ترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة.‏<br />

بالدينار الكويتي<br />

بالدوالر األمريكي<br />

مالحظة:‏ حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت.‏<br />

حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي،‏ ويسمح باستعمال ما يرد في<br />

شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة.‏


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

&<br />

التحرير<br />

طاقة<br />

التكلفة احلقيقية للوقود األحفوري<br />

‏<br />

إبراهيم خميس <br />

إبراهيم صقر<br />

4<br />

إن كمية الطاقة الالزمة الستخراج النفط آخذة في االزدياد.‏<br />

فكيف لنا أن نحافظ على دوران عجلة االقتصاد بشكل فعال؟<br />

&<br />

طب<br />

بذور عالج<br />

‏<br />

قاسم سارة خالد مصطفى<br />

التحرير<br />

8<br />

2013<br />

تبعث الدراسات السريرية لألدوية العشبية آماال واعدة<br />

باحلصول على أدوية جديدة مضادة للمالريا وألمراض أخرى.‏<br />

معلوماتية<br />

طوفان من البيانات<br />

.S> أبيتبول>‏ - .P> سينيالرت>‏<br />

أبوبكر سعدالله<br />

<br />

عدنان احلموي<br />

15<br />

في العديد من احلقول العلمية وغيرها تتراكم البيانات بكثافة.‏ ويعتبر<br />

تسييرها واستغاللها حتديا مطروحا على معلوماتية ‏»البيانات الضخمة«.‏<br />

علم األرض<br />

الصخور األقدم على الكرة األرضية<br />

‏<br />

فؤاد العجل<br />

جمال أصفهاني<br />

19<br />

في منطقة نوڤواگيتاك Nuvvuagittuq الهادئة تستعر معركة علمية حول<br />

صخور مُتكشّ‏ فة عرّتها اجلليديات.‏<br />

تغير مناخي<br />

أمل خادع<br />

.M> .E مان>‏<br />

خضر األحمد سعيد األسعد<br />

التحرير<br />

&<br />

رمبا يكون معدل ارتفاع درجات احلرارة العاملية قد وصل إلى درجة مستقرة نسبيا،‏<br />

لكن أزمة مناخ ال تزال تلوح في األفق.‏ وفي أحسن احلاالت،‏ تؤمن ‏»الوقفة«‏ the pause<br />

للعالم بضع سنوات إضافية أخرى لتخفيض انبعاثات الكربون.‏<br />

26<br />

طب<br />

حترير اجلهاز املناعي<br />

من مكابح اخلاليا السرطانية عليه<br />

&<br />

.J> .D ولكوك>‏<br />

أحمد الكفراوي صادق فرعون<br />

التحرير<br />

0 1875<br />

1900 1925 1950 1975 2000 2013 2<br />

32<br />

يعمل الباحثون على تطوير جيل جديد من عالجات أكثر قوة ضد األمراض اخلبيثة<br />

وذلك بتحرير املكابح التي تضعها اخلاليا السرطانية على اجلهاز املناعي.‏


‏»مجلة العلوم«‏ تصدر شهريًا في الكويت منذ عام 1986 عن ‏»مؤسسة الكويت للتقدم العلمي«‏ وهي مؤسسة أهلية ذات نفع عام،‏ يرأس مجلس إدارتها صاحب السمو أمير دولة الكويت،‏ وقد أنشئت عام<br />

1976 بهدف املعاونة في التطور العلمي واحلضاري في دولة الكويت والوطن العربي،‏ وذلك من خالل دعم األنشطة العلمية واالجتماعية والثقافية.‏ و»مجلة العلوم«‏ هي في ثلثي محتوياتها ترجمة ل»ساينتفيك<br />

أمريكان«‏ التي تعتبر من أهم املجالت العلمية في عالم اليوم.‏ وتسعى هذه املجلة منذ نشأتها عام 1845 إلى متكني القارىء غير املتخصص من متابعة تطورات معارف عصره العلمية والتقانية،‏ وتوفير معرفة<br />

شمولية للقارىء املتخصص حول موضوع تخصصه.‏ تصدر ‏»ساينتفيك أمريكان«‏ بثماني عشرة لغة عاملية،‏ وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها القيّم للصور والرسوم امللونة واجلداول.‏<br />

رياضيات<br />

التاريخ الروحي السري حلساب التكامل<br />

عدنان احلموي خضر األحمد<br />

‏<br />

38<br />

تُظهر السجالت األرشيفية تعارضا بني العلم والدين في التاريخ املبكر حلساب التكامل.‏<br />

&<br />

أرصاد جوية<br />

االستمطار<br />

‏<br />

سليم الذكي أبوبكر سعدالله<br />

التحرير<br />

42<br />

تُنفق احلكومات واملزارعون في العالم ماليني الدوالرات سنويا محاولني التحكم في<br />

الطقس.‏ وتشير بيانات حديثة إلى أنهم على وشك حتقيق بعض ما يسعون إليه.‏<br />

طب<br />

الفصل الثاني من العالج اجليني<br />

‏<br />

زياد درويش<br />

محمد حسن حتاحت<br />

52<br />

بعد العديد من الزالت،‏ يتأهب األطباء لنقل هذه املقاربة الواعدة إلى املستشفيات.‏<br />

تقانة املعلومات<br />

قضية الكلمات املسروقة<br />

>H. ‏»سكيپ«‏ گارنر بيره>‏ - .P> .H بكسباوم>‏<br />

حامت النجدي نضال شمعون<br />

62<br />

برنامج بائد من احلرب الباردة إلسقاط الصواريخ يولد اآلن أشكاال غريبة من املادة.‏


التكلفة احلقيقية<br />

)(<br />

للوقود األحفوري<br />

مع ارتفاع أسعار النفط،‏ يصبح من األهمية<br />

مبكان حتديد املجال األمثل الستثمار الطاقة<br />

للحصول على طاقة أخرى.‏<br />

‏<br />

متتد مشاريع النفط الرملي tar sands في كندا مساحةحَ‏<br />

600 كيلومتر مربع في شمال شرق مقاطعة ألبرتا.‏ وقد<br />

وصف رئيس الوزراء الكندي ‏ اجلهودحَ‏ الصناعية<br />

الستخراج النفط من الترسبات ب ‏»مشروع ذي أبعاد<br />

أسطورية،‏ وهو في هذا مشابه لبناء األهرامات أو سور<br />

الصني العظيم،‏ بل هو أضخم.«‏<br />

مع تزايد صعوبة العثور على مزيد من احتياطيات النفط<br />

والغاز الطبيعي التقليدية وازدياد الطلب على الوقود،‏ تتحول<br />

شركات الطاقة نحو املصادر غير التقليدية كالنفط الرملي،‏<br />

التي يكون إنتاجها أصعب واحلصول عليها أكثر تكلفة،‏ فعلى<br />

سبيل املثال,‏ تضاعف إنتاج البترول من النفط الرملي ثالث<br />

مرات خالل العقد املاضي ليصل إلى 1.6 مليون برميل يوميا<br />

في عام 2011.<br />

وباعتبار أن ثمة حاجة إلى املصادر غير التقليدية،‏ فأي<br />

منها سوف يكون من املنطقي محاولة استخراجه؟ لكن<br />

الوصول إليها يتطلب كمية كبيرة من الطاقة - سواء أكان<br />

ذلك من النفط الرملي أو من الغاز الطبيعي املستخرج من<br />

شق الصخور هيدروليكيا،‏ أو من ترسبات النفط القدمية التي<br />

ميكن غمرها بالبخار الستخراج كميات إضافية من النفط<br />

املتبقي فيها.‏ وللمساعدة على القيام مبقارنة مصادر الوقود<br />

باستخدام مقياس متري مشترك،‏ أنشأ عالم البيئة .Ch> هول>‏<br />

‏]من كلية علوم البيئة والغابات ](S.U.N.Y) مقياسا يسمى<br />

‏»العائد على االستثمار في الطاقة«‏ (EROI) )1( . وهذا املقياس<br />

يشير إلى كمية الطاقة املنتجة من الوقود مقابل الوحدة من<br />

الطاقة التي استهلكت إلنتاج تلك الكمية - نسبة من طاقة<br />

مت احلصول عليها.‏ وهكذا،‏ فإن ارتفاع املؤشر EROI يعني<br />

إتاحة املزيد من الطاقة لالستهالك.‏ وعلى تلك الصفحة املقابلة<br />

والتي تليها،‏ سأتفحص مدخالت ومخرجات مختلف مصادر<br />

الوقود لتوضيح املؤشرات EROIs العائدة إليها.‏<br />

وحسب قول ‏‏ عن النفط والغاز:‏ ‏»إلى أي مكان تنظر؛<br />

املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

املؤلف<br />

Mason Inman<br />

‏‏ صحفي مستقل في أوكالند بوالية كاليفورنيا.‏ يكتب اآلن<br />

السيرة الذاتية للجيولوجي الشهير ‏ الذي غالبا ما<br />

يكنى ب ‏»أبي ذروة النفط.«‏<br />

سوف جتد أن املؤشر EROI آخذ في االنخفاض،«‏ إذ تُشير<br />

منذجته إلى أن االقتصاد احلديث يتطلب وقودا سائال ذا مؤشر<br />

EROI ال يقل عن خمسة،‏ ومع تناقص املؤشر ،EROI فإن املجتمع<br />

يضطر إلى أن يُنفق الكثير من املال على إنتاج الطاقة،‏ بحيث إن<br />

تكاليفها باتت تلتهم متويل مشاريع أخرى كان باإلمكان تنفيذها<br />

سواء في التعليم أو الرعاية الصحية أو الترفيه.‏<br />

ووفق هذا املقياس،‏ فإن عددا قليال من اخليارات املتاحة في<br />

قطاع النقل جذاب ‏]انظر الشكل العلوي في الصفحتني 6 و 7[.<br />

ومع ذلك،‏ فإن احلاجة إلى وقود منخفض املؤشر EROI تتزايد<br />

ملختلف أنواع الوقود لتلبية ارتفاع الطلب على الطاقة،‏ والذي<br />

وصل وفقا لوكالة الطاقة الدولية (IEA) )2( إلى مستوى أعلى من<br />

أي وقت مضى.‏ وبالفعل،‏ فقد حذرت الوكالة IEA من أن أسعار<br />

النفط قد بلغت ‏»منطقة اخلطر«‏ مهددة بذلك النمو االقتصادي.‏ في<br />

حني تتمتع صناعة الطاقة الكهربائية مبؤشرات EROIs أفضل<br />

‏]انظر الشكل السفلي في الصفحتني 6 و 7[ بسبب سهولة<br />

الوصول إلى موارد أكثر وفرة.‏<br />

هذا ومن غير املمكن استخدام املؤشر EROI في تقييم<br />

جميع مزايا الوقود وعيوبه؛ خاصة أن هذا املؤشر ال يُدخِ‏ ل<br />

في اعتباره التكلفة البيئية النبعاثات غازات االحتباس<br />

احلراري )3( أو صعوبات تأمني الطاقة بشكل مستمر،‏ كما في<br />

حال انقطاع طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية.‏ ومع ذلك،‏ فإن<br />

املؤشر EROI يبني مقدار الطاقة التي ميكن توقعها من مصدر<br />

معني.‏ وكذلك ميكن استخدامه لتسليط الضوء على اجلهود<br />

الرامية إلى خفض معدالت التلوث،‏ كما في حالة احتباس<br />

ثنائي أكسيد الكربون من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم<br />

احلجري - وكيف أن هذه اجلهود قد تتسبب إلى حد بعيد في<br />

عدم القدرة على حتمل تكاليف هذا النوع من الوقود.‏ وبقياس<br />

الطاقة املدخلة مقابل الطاقة املنتجة،‏ ميكن توجيه االستثمارات<br />

إلى املصادر األكثر فعالية في ضمان استمرار دوران عجلة<br />

االقتصاد في البحث عن مصادر جديدة للطاقة بشكل فعال،‏<br />

وعلى املساعدة أيضا في بناء مستقبل مستدام.‏<br />

THE TRUE COST OF FOSSIL FUELS ()<br />

energy return on investment )1(<br />

the International Energy Agency )2(<br />

greenhouse gases )3(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

4


قشاطات<br />

قطع األشجار<br />

إعادة تأهيل<br />

التربة<br />

شاحنات نقل املخلفات<br />

أدوات الفصل<br />

أدوات<br />

التفجير<br />

كسارات<br />

النفط الرملي<br />

إسكان<br />

التعدين<br />

السطحي<br />

برك النفايات<br />

مُحسِّ‏ نة<br />

اجلودة<br />

نقل التربة<br />

تعليم<br />

رأس املال<br />

صهاريج اخلزانات<br />

مولدات البخار<br />

مصافٍ‏<br />

عمل<br />

حفارات<br />

إنتاج من<br />

جوف األرض<br />

خطوط أنابيب<br />

تنقية )1(<br />

بيئة<br />

قطع األشجار<br />

إعادة<br />

التشجير<br />

طرق<br />

طعام للعاملني<br />

تكاليف خفية<br />

)(<br />

الطاقة الضائعة من املنجم إلى السيارة<br />

Energy Lost from Mine to Car ()<br />

)1( أو:‏ تكرير.‏<br />

تقدم اخلطوات املتبعة في استخراج النفط الرملي ومعاجلته إلنتاج<br />

البترول في كندا مثاال على سبب بقاء الوقود غير التقليدي أقل جاذبية من<br />

الوقود التقليدي،‏ وذلك مقارنة بكمية الطاقة التي ميكن أن ينتجها الوقود<br />

غير التقليدي والتي ميكن استثمارها في إنتاجه بدءاً‏ من قطع األشجار<br />

الكثيفة ومرورا بعمليات احلفر والنقل ثم الطحن والغسل وجتفيف املنتج<br />

اخلام احململ بالرمل،‏ من أجل فصل القار املشابه للقطران ‏)انظر احللقة<br />

الداخلية(،‏ وتقوم مصفاة عادة ما تكون موجودة في املوقع بغليه وتسمى<br />

مُحسِّ‏ نة اجلودة upgrader بغرض حتويله إلى نفط خام عادي يجب نقله<br />

في نهاية املطاف عبر أنابيب أو بواسطة ناقالت.‏ وهناك طريقة أخرى<br />

الستخراج النفط الرملي،‏ حتتاج إلى طاقة إلنتاج البخار املستخدم في<br />

إذابة القار حتت األرض.‏ وبطبيعة احلال،‏ فإن كافة املراحل التي سبق ذكرها<br />

تتطلب أيادي عاملة ‏)انظر احللقة الثانية(.‏ وتستهلك املصافي البعيدة<br />

مزيدا من الطاقة من أجل حتويل النفط اخلام إلى البنزين أو األنواع<br />

األخرى من الوقود.‏ كذلك تتطلب عمليات التنظيف الالحقة مثل تنقية<br />

املياه واستصالح األراضي مزيدا من الطاقة.‏ ولهذا،‏ فإن استثمار الطاقة<br />

في عمليات احلفر التقليدية،‏ مبا في ذلك استخراج النفط اخلام التقليدي<br />

وتكريره،‏ أقل بكثير مما هو عليه في إنتاج الوقود غير التقليدي.‏<br />

5 (<strong>2014</strong>) 8/7


املؤشر EROI<br />

16<br />

9<br />

5.5<br />

5<br />

رابحون وخاسرون<br />

)(<br />

تراجع الطاقة الرخيصة<br />

يقول كثير من اخلبراء إن الوقود األحفوري العالي<br />

اجلودة والقليل التكلفة في استخراجه قد تضاءل بشكل<br />

ملحوظ؛ مما اضطر العالم إلى اللجوء إلى مصادر طاقة<br />

أكثر تكلفة تزداد تكلفة إنتاجها أكثر فأكثر.‏ وقد كشف<br />

عن هذه احلالة من خالل املؤشر - EROI الذي يعبر عن<br />

الطاقة التي يتم احلصول عليها مقابل وحدة الطاقة<br />

التي يتم استهالكها للحصول على الطاقة املنتجة.‏<br />

ويتمتع النفط التقليدي بقيم أكثر تفضيال للمؤشر<br />

EROI على ما هي عليه احلال في مصادر الوقود<br />

السائل ‏)الرسم البياني في أعلى اليسار(؛ لكن رصيده<br />

هذا يتناقص باطّ‏ راد ‏)الرسم البياني أدناه(‏ وذلك ألن<br />

املصادر التقليدية لتوليد الكهرباء تتمتع هي األخرى<br />

بقيم عالية للمؤشرات EROIs ‏)الرسم البياني في<br />

أسفل اليسار(‏ ميكن أن تؤتي ثمارها بشكل رائع لدى<br />

استخدامها في مجال النقل ‏)الرسم البياني في أقصى<br />

الصفحة املقابلة(.‏ ‏»هذا وإن عصر الطاقة الرخيصة قد<br />

انتهى إلى غير رجعة،«‏ على حد قول ‏ في عام<br />

2011، عندما كان املدير التنفيذي للوكالة .IEA<br />

احلد األدنى<br />

للمؤشر EROI الالزم<br />

لوظائف املجتمع<br />

الصناعي األساسية.‏<br />

النسبة املئوية<br />

للطاقة املستهلكة<br />

The Decline of Cheap Energy ()<br />

4<br />

1.4<br />

9–5<br />

انخفاض مواصفات النفط<br />

يتطلب االقتصاد احلديث وقودا ذا قيم عالية<br />

للمؤشر EROI ال تقل عن خمسة.‏ ولعقود من<br />

الزمن،‏ استطاع النفط املستخرج من الترسبات<br />

التقليدية أن يحافظ على قيم أعلى من هذه العتبة،‏<br />

لكنها آخذة في االنخفاض اآلن.‏ أما املصادر<br />

البديلة،‏ كالنفط الثقيل مثال ‏)وهو نفط أكثر كثافة<br />

ويتألف من جزيئات هيدروكربونية أطول(،‏ فتعتبر<br />

أكثر استهالكا للطاقة في إنتاجها،‏ أي إنها ذات<br />

مؤشرات EROIs منخفضة.‏ ولكن هناك أنواعا<br />

أخرى من الوقود البديلة واعدة أكثر،‏ كالديزل<br />

املستخرج من فول الصويا مثال.‏<br />

18<br />

40+<br />

20<br />

18<br />

7<br />

6<br />

5<br />

غازولني من<br />

نفط تقليدي<br />

‏)عامليا(‏<br />

غازولني من<br />

نفط تقليدي<br />

‏)الواليات املتحدة(‏<br />

وقود ديزل حيوي<br />

مستخرج من<br />

فول الصويا<br />

غازولني من<br />

نفط ثقيل<br />

‏)كاليفورنيا(‏<br />

16<br />

14<br />

12<br />

10<br />

9<br />

8<br />

6<br />

5<br />

4<br />

2<br />

0<br />

1950 2000<br />

سنة<br />

املؤشر EROI<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

6


3,600<br />

وقود سائل:‏ يوفر النفط اخلام اليوم أفضل عائد للطاقة<br />

يجب استخراج املواد اخلام جميعها اليوم - سواء كان ذلك من آبار النفط أو من النباتات - على أن يتم تكريرها<br />

للحصول على البنزين أو األنواع األخرى من الوقود،‏ وفي كل خطوة ينخفض املؤشر .EROI والقيم التالية،‏ هي<br />

متوسط القيم الصادرة عن الصناعة احلالية أو تلك التي مت احلصول عليها من منشآت منوذجية.‏<br />

طاقة مستهلكة خالل خطوات اإلنتاج<br />

تنقية ضخ حفر<br />

تخمير<br />

تقطير<br />

تنقية<br />

سحق فول الصويا<br />

إنتاج قصب السكر/‏ وسائل نقل<br />

قصب التنظيف والسحق<br />

بخار تدفئة<br />

زراعة<br />

تعدين<br />

69<br />

0.4<br />

0.1<br />

اإلنتاج العاملي،‏ 2011 نوع الوقود<br />

‏)مليون برميل<br />

يوميا(‏<br />

نفط تقليدي<br />

إيثانول من قصب السكر<br />

وقود ديزل حيوي من<br />

فول الصويا<br />

عائد استثمار املسافة )2( :<br />

فوز الكهرباء<br />

لم تتكون على قدم املساواة جميع أنواع الوقود<br />

املستخدمة في عملية النقل.‏ إذ تقطع السيارة<br />

مسافة أبعد إذا ما استعملت الطاقة املستثمرة في<br />

توليد الكهرباء،‏ ويليها في ذلك البنزين التقليدي<br />

ثم اإليثانول املصنوع من قصب السكر.‏ وتعتمد<br />

األميال املقطوعة على الطاقة الالزمة لتكرير كل<br />

نوع من أنواع الوقود،‏ وكذلك على كثافة الوقود<br />

الطاقية ‏)فعلى على سبيل املثال،‏ تبلغ كثافة<br />

اإليثانول الطاقية نحو 67 في املئة من قيمة<br />

البنزين(.‏ وبالنسبة إلى السيارات الكهربائية،‏<br />

تتضمن هذه القيمة طاقة نقل الكهرباء فقط و ليس<br />

تصنيع البطاريات.‏<br />

املسافة املقطوعة في واحد جيگاجول gigajoule<br />

من الطاقة التي استُثمرت في إنتاج الوقود ‏)ميل(‏<br />

بنزين من نفط تقليدي<br />

2,000<br />

1.6<br />

تنقية<br />

ضخ<br />

بخار تدفئة<br />

نفط رملي<br />

إيثانول من قصب السكر<br />

1,400<br />

0.3<br />

زراعة<br />

نفط ثقيل من كاليفورنيا<br />

وقود ديزل حيوي من فول الصويا<br />

تنقية<br />

تسميد<br />

1,100<br />

إيثانول من الذرة<br />

بنزين من نفط رملي<br />

1.0<br />

900<br />

300<br />

6,500<br />

إسمنت<br />

قاعدة إسمنتية<br />

تعدين<br />

اإلنتاج العاملي،‏ عام 2010<br />

‏)بيتا واط-ساعة(‏<br />

3.5<br />

0.3<br />

8.7<br />

مصدر الطاقة<br />

كهرومائية<br />

رياح<br />

فحم<br />

بنزين من نفط ثقيل<br />

إيثانول من الذرة<br />

سيارة كهربائية تعمل على شبكة<br />

كهرباء في الواليات املتحدة<br />

Mileage Return on Investment: Electricity Wins ()<br />

turbines )1(<br />

)2( أو:‏ عدد األميال املقطوعة.‏<br />

بناء عنفات )1(<br />

بناء قلب برج فوالذي<br />

احملركات<br />

حرارة ضائعة<br />

نقل<br />

طاقة كهربائية:‏ تتنافس الطاقات املتجددة مع الوقود األحفوري<br />

حديد<br />

تغطي مصادر توليد الكهرباء مجموعة واسعة من قيم املؤشر .EROI والقيم التالية هي متوسط القيم التي تصدر عن<br />

الصناعة احلالية أو التي مت احلصول عليها من منشآت منوذجية.‏ وال تشمل مصادر الطاقة املتجددة عملية تخزين الطاقة.‏<br />

حرارة ضائعة<br />

حفر<br />

مراجع لالستزادة<br />

Revisiting the Limits to Growth after Peak Oil. Charles A.<br />

S. Hall and John W. Day in American Scientist, Vol. 97, No. 3,<br />

pages 230–237; May-June 2009.<br />

New Studies in EROI (Energy Return on Investment). Edited<br />

by Doug Hansen and Charles A. S. Hall. Special issue of<br />

Sustainability, Vol. 3 ; 2011. www.mdpi.com/journal/sustainability/<br />

special_issues/New_Studies_EROI<br />

Energy and the Wealth of Nations. Charles A. S. Hall and Kent<br />

A. Klitgaard. Springer, 2012.<br />

غاز طبيعي<br />

طاقة شمسية ‏)ضوئية(‏<br />

4.8<br />

0.03<br />

بناء محول<br />

كهربائي<br />

مخازن نفايات<br />

بناء خاليا شمسية<br />

تخصيب يورانيوم<br />

منو بلورات سيليكون<br />

تعدين<br />

نووي<br />

2.8<br />

Scientific American, April 2013<br />

7 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

)(<br />

بذور عالج<br />

بعد اليأس من تطوير أدوية جديدة ملعاجلة املالريا وأمراض<br />

أخرى،‏ يعكف بعض الباحثني على إجراء جتارب سريرية باستخدام<br />

عقاقير عشبية.‏ وفي هذا الشأن يحققون إجنازات واعدة.‏<br />

‏<br />

حتاملت السيدة الفارعة الطول من القبيلة Fulani على<br />

نفسها للذهاب إلى كوخ أحد املعاجلني الشعبيني،‏ بِطلْعة<br />

أميرية.‏ شأنها في ذلك شأن كثير من أفراد قبيلتها<br />

التي تعيش حياة بدوية وتربي األبقار جنوب مالي،‏<br />

وكانت هذه السيدة ترتدي ثيابا زرقاء فضفاضة<br />

وطويلة،‏ وقد صبغت شفتيها باألزرق النيلي<br />

واحلناء،‏ وزيَّنت شحمتي أذنيها بهاللني<br />

ذهبيني رائعني.‏ وما إن دخلت الكوخ حتى<br />

الحظ املعالج العجوز وقارها الذاويحَ‏<br />

بسبب الوهن من والدة حديثة،‏ والحظ<br />

راحتي يديها الشاحبتني بسبب فقر الدم،‏<br />

وجبينها الساخن عند اللمس.‏ لقد بدت<br />

في غاية اإلرهاق حتى أنها استلقت<br />

مباشرة وراحت تعدد أوجاعها:‏ إنها<br />

السومايا )1( ‏)»املالريا«‏ باللغة احمللية(‏<br />

كما شحَ‏ خَّ‏ ص املعالج.‏<br />

وبعد أن أصبح هذا التشخيص<br />

الشعبي في متناول اليد،‏ شرع طبيبان<br />

غربيان في العمل،‏ وهما ‏ ‏]من<br />

جامعة لوزان في سويسرا[‏ و‏<br />

‏]من جامعة أكسفورد[‏ اللذان كانا يرقبان زيارة<br />

تلك السيدة.‏ فقد وقَّعت املريضة على ورقة املوافقة<br />

املستنيرة )2( ، وأدلت مبعلومات عن سيرتها املرضية،‏<br />

وسمحت للباحثني بأخذ كمية قليلة من دمها لتعداد الطفيليات<br />

وإجراء حتاليل إضافية.‏ إذ ستكون هذه السيدة جزءا من<br />

دراسة مهمة لقياس نسبة الشفاء بعد تناول مغلي عشبي<br />

يُحضر من أوراق اخلشخاش الكناري األصفر )3( .<br />

وقد اتضح من متابعة حالتها أنها حتسنت<br />

بعد ثالثة أيام ومتاثلت للشفاء.‏<br />

ومع أن كثيراً‏ من األدوية التي حازت<br />

على موافقة إدارة الغذاء والدواء<br />

األمريكية يعود مصدرها إلى الطبيعة،‏<br />

فإن إجراء دراسات سريرية على<br />

عقار طبي عشبي يقع خارج إطار<br />

املمارسة املألوفة؛ إذ تنطوي املقاربة<br />

التقليدية املتبعة في ابتكار عقار<br />

طبيعي على عزل موادَّ‏ نقيةٍ‏<br />

من النباتات والفطريات<br />

والبكتيريا،‏ ثم فرز املواد<br />

التي تعطي نتائج مبشرة<br />

وحتسينها في املختبرات،‏ ثم تقييم مدى<br />

سالمتها حصرا على احليوانات أوال،‏ ثم<br />

بعد ذلك على البشر.‏ إال أن بعض املهتمني<br />

SEEDS OF A CURE )(<br />

Soumaya )1(<br />

informed-consent form )2(<br />

canary yellow poppy )3(<br />

إن الطرق التقليدية الكتشاف األدوية،‏ والتي تشتمل على<br />

إجراء اختبارات على مُركَّبات في املختبرات ثم على احليوانات قبل<br />

إجراء اختبارات لها على البشر،‏ قد أثمرت في العقود األخيرة عن<br />

عدد قليل من األدوية املتاحة جتاريا.‏<br />

باختصار<br />

وقد حدا ذلك ببعض الباحثني إلى اتباع أسلوب آخر مختلف<br />

جذريا،‏ يعتمد على دراسة املرضى الذين يخضعون للعالج بأدوية<br />

عشبية شعبية،‏ ثم بعد ذلك،‏ حتليل أكثر تلك املنتجات الطبيعية إحياء<br />

لآلمال في املختبر.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

8


املؤلف<br />

Brendan Borrell<br />

‏‏ يعيش في مدينة نيويورك،‏ ويكتب بكثرة في<br />

ساينتفيك أمريكان،‏ ويعد التقارير حول العقاقير العشبية<br />

من موقعه كزميل ملؤسسة .Alicia Patterson<br />

قد يعترض على هذه املقاربة التقليدية،‏<br />

حيث إن نسبة 95 في املئة من العقاقير<br />

التجريبية تفشل سريريا.‏ وجرّاء كثير من<br />

اإلخفاقات،‏ أعرضت كثير من الشركات<br />

الدوائية عن املنتجات الطبيعية إلى حد<br />

كبير.‏ إال أن األسلوب البديل،‏ وهو إجراء<br />

اختبارات على عدد هائل من املواد<br />

التركيبية - مكتبة من املركبات املخزنة<br />

في قوارير صغيرة )1( - لم يحقق هو<br />

اآلخر نتائج أفضل.‏<br />

وملواجهة جوانب القصور تلك،‏ يحاول<br />

‏‏ و‏ قلب النموذج<br />

املعياري )2( الكتشاف األدوية العشبية رأسا على عقب،‏ بأن<br />

يبدؤوا أوال بالدراسات على البشر،‏ ثم تأخير عزل املركبات<br />

الفعالة إلى مرحلة الحقة،‏ حيث يسجل الباحثان مالحظاتهم<br />

بعناية حول املرضى الذين استخدموا مجموعة متنوعة من<br />

العالجات العشبية الشعبية للتعرف على أكثر تلك األعشاب<br />

بعثا لآلمال،‏ ثم يقومون بدراسة سريرية حول ذلك العالج.‏<br />

وفي نهاية املطاف يُحددان املركب الفعال،‏ لتكون نقطة البدء<br />

في ابتكار الدواء.‏ وقد استوحيت هذه املقاربة،‏ والتي سميت<br />

بِ‏ ‏»علم األدوية العكسي«‏ )3( ، من اجلهود التي بذلها علماء<br />

هنود في بحثهم عن أدوية جديدة وفقا ألساليب الطب<br />

الهندي القدمي ‏)اآليورڤيدا(‏ )4( . ويكمن اجلانب اجلميل في<br />

هذا األسلوب في أنه حتى ولو تعذّر احلصول على دواء<br />

اصطناعي،‏ فإنه بإمكان الباحثني تقدمي املشورة للمعاجلني<br />

الشعبيني وللمجتمعات التي يطببونها حول أي األعشاب<br />

ستنجح وأيها ستفشل في العالج.‏ كما ميكن للباحثني<br />

إجراء هذا البحث مبيزانية تتناسب مع ميزانيات بلدان<br />

العالم النامي،‏ إذ ال تتطلب املراحل املبكرة إال ما يزيد قليال<br />

على ورقة وقلم.‏ وما دراساتهم حول أحد أمناط اخلشخاش<br />

في مالي إال دليل قاطع على مدى النجاح الذي ميكن أن<br />

طفل يُعالج في مستشفى بسبب إصابته باملالريا،‏ وهو واحد من بني 200<br />

مليون شخص يصابون كل عام بالعدوى بطفيلي املالريا،‏ ويعيش معظمهم<br />

في إفريقيا،‏ حيث تكون املعاجلة التي حتقق املعايير الذهبية الباهظة الثمن<br />

في غالب األحيان إلى مستوى يقلل من إمكانية احلصول عليها.‏<br />

حتققه هذه املقاربة،‏ كما أنها كانت مصدر إلهام ألطراف<br />

غير متوقعة ومؤثرة في منظمة الصحة العاملية إلعادة النظر<br />

في استخدام العقاقير العشبية.‏<br />

)(<br />

إرث من الفشل<br />

ثمة عدد من األدوية الذائعة الصيت،‏ كاألسبرين والكودئني )5( ،<br />

طُ‏ ورت من خالل دراسة النباتات التي يستخدمها اإلنسان،‏<br />

أو ما يعرف ب ‏»عالقة اإلنسان بالنبات«‏ )6( ، إال أن قصص<br />

النجاح تلك آخذة بالتضاؤل حتى أصبحت نادرة.‏ وتكمن<br />

املشكلة في أنه لم يكن هناك قط منهج واضح لتقييم اإلمكانية<br />

التي تتمتع بها النباتات قبل إنفاق ماليني الدوالرات على<br />

ابتكار دواء ما.‏ أما ما يتعلق بعالقة اإلنسان بالنبات،‏ فقد<br />

كانت على الدوام عالقة وصفية أكثر منها حتليلية.‏ وقد<br />

LEGACY OF FAILURE )(<br />

libraries of synthetic compounds in tiny vials )1(<br />

paradigm )2(<br />

reverse pharmacology )3(<br />

Ayurvedic medicine (Ayurveda) )4(<br />

codeine )5(<br />

ethnobotany )6(<br />

9 (<strong>2014</strong>) 8/7


ميضي متخصصون في دراسة اجلنس<br />

)2(<br />

البشري )1( وقتا طويال مع أحد العرافني<br />

في غابات األمازون لتوثيق ما يستخدمه<br />

من أساليب ونباتات،‏ إال أنهم نادرا ما<br />

ميكثون طويال في احلقل لتقييم مدى<br />

كفاءة تلك اخللطات )3( .<br />

كما أن مجرد جمع كل نوع وحتليله<br />

تقع عليه العني لم يحقق جناحا هو اآلخر.‏<br />

فليس كل مادة كيميائية مستخلصة<br />

حتقق نتائج مبشرة على الفئران أو في<br />

أطباق پتري )4( ستكون بالضرورة آمنة<br />

أو فعالة لدى البشر،‏ والعكس صحيح<br />

أيضا؛ إذ ميكن لبعض املركبات النباتية<br />

أن تتمتع بآليات عمل مجهولة متاما،‏<br />

ولكن تعجز االختبارات املألوفة )5( عن<br />

حتديدها.‏ ومن أحد أشهر محاوالت<br />

‏»التنقيب احليوي«‏ )6( تلك،‏ هو ما قامت<br />

به الشركة Merck التي عقدت شراكة<br />

مع املعهد الوطني للتنوع البيولوجي في<br />

كوستاريكا )7( في التسعينات للقيام بعملية<br />

جرد )8( لكل شجرة نخل أو حشرة سوس<br />

في احلدائق الوطنية في كوستاريكا،‏<br />

وتقييم خصائصها الصيدالنية،‏ ولكن<br />

أُهمل العمل في هذا املشروع منذ ست<br />

سنوات دون أن يحظى بأي رواج.‏ وفي<br />

حقيقة األمر،‏ لقد فضل كيميائيو شركات دوائية كبيرة<br />

العملحَ‏ على مركبات ميكن أن يصنعوها هم بأنفسهم،‏ وبذلك<br />

يحَسْ‏ هُل على محامي تلك الشركات تسجيل براءات اختراع<br />

لتلك املركبات.‏ وتقوم اليوم تلك الشركات بتقييم املاليني من<br />

املركبات بحثا عن بوادر فعالية حيوية بوساطة عملية آلية<br />

تسمى التحري )9( العالي اإلنتاجية )10( .<br />

وبالطبع،‏ فإن حتديد مركب ذي فعالية حيوية ال ميثل سوى<br />

اخلطوة األولى فقط على طريق طويل العتماد الدواء.‏ ففي الواليات<br />

املتحدة مثال،‏ فإن رحلة الدواء ما بني اكتشاف املركب الفعال إلى<br />

حني اعتماده طبقا للوائح التنظيمية،‏ تستغرق نحو اثني عشر عاما<br />

وبتكلفة قد تصل إلى 800 مليون دوالر أمريكي.‏ وثمة إخفاقات<br />

معروفة حدثت في املراحل األخيرة فقط من جتارب سريرية باهظة<br />

التكاليف،‏ مثل فشل الدواء آكومپليا )11( الذي طورته الشركة<br />

Sanofi-Aventis إلنقاص الوزن،‏ والدواء تورسيتراپيب )12( الذي<br />

طورته الشركة Pfizer خلفض مستوى الكوليستيرول؛ مما يثبت<br />

طفل مصاب باملالريا يتلقى مغليا محضرا من<br />

اخلشخاش الشوكي في إطار دراسة أجريت على<br />

هذا العشب في مالي ‏)الصورة العليا(،‏ حيث<br />

استخدم معاجلون شعبيون هذا النبات لفترة<br />

طويلة ملعاجلة ذلك املرض ‏)الصورة السفلى(.‏<br />

أن هذا النموذج فاشل في العالم املتطور.‏<br />

ولهذا النموذج أيضا عواقب أكثر سوءا في<br />

العالم النامي عندما يتعلق األمر باألمراض<br />

المُهمحَلة،‏ حيث ال يستطيع معظم السكان<br />

حتمُل تكاليف األدوية التي يُصنع معظمها<br />

في اخلارج.‏<br />

إن عدم توفر أدوية جديدة فعالة<br />

وارتفاع تكاليف املوجودة منها يعتبر أمرا<br />

مقلقا عندما يتعلق األمر باملالريا )13( . ففي<br />

كل عام يصيب هذا املرض،‏ الذي يسببه<br />

طفيلي تنتقل العدوى به بواسطة البعوض،‏<br />

200 مليون شخص في البلدان املدارية،‏<br />

وتقتل ما يقارب نصف مليون منهم.‏ كما<br />

طورت املالريا مقاومة ضد كل شيء<br />

تقريبا استخدمه الباحثون الستئصالها.‏<br />

وفي إفريقيا،‏ حيث يعيش ما يقارب 85<br />

في املئة من حاالت املالريا في العالم،‏<br />

أصبحت األدوية ذات املعيار الذهبي<br />

للمعاجلة،‏ وهي توليفات دوائية حتتوي<br />

على األرتيميسينني (ACTs) )14( ، مدعومة<br />

ماليا ومتوفرة نظريا في جميع العيادات<br />

احلكومية واحلوانيت القروية.‏ إالّ‏ أن<br />

احلالة املزرية للطرق وتوفر أدوية أخرى<br />

دون املستوى املطلوب،‏ جتعل فعالية تلك<br />

التوليفات تبدو على الورق أفضل مما هي<br />

عليه على أرض الواقع.‏ وقد أشارت دراسة مسْ‏ حية أجريت<br />

حديثا في مالي،‏ إلى أن 87 في املئة من األطفال الذين يراجعون<br />

اخلدمات الصحية إلصابتهم باملالريا،‏ كانوا قد تلقوا معاجلات<br />

مبدئية في املنزل،‏ وأن رُبع عددهم قد تلقى عقاقير عشبية<br />

شعبية فقط.‏ وعند أخذ هذه العوامل في االعتبار،‏ فإن بعض<br />

الباحثني يعتقد أن املمارسات التقليدية تستحق متحيصا عن<br />

كثب.‏ ولكن الوقت ميضي بسرعة.‏ فالطب الشعبي في إفريقيا<br />

anthropologists )1(<br />

shaman )2(<br />

concoctions )3(<br />

petri dishes )4(<br />

)5( أو:‏ املعيارية<br />

bioprospecting )6(<br />

Costa Rica’s National Biodiversity Institute )7(<br />

take stock )8(<br />

)9( أو:‏ الفرز<br />

high-throughput screening )10(<br />

Acomplia )11(<br />

Torcetrapib )12(<br />

)13( أو:‏ البرداء<br />

artemisinin-combination therapies )14(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

10


ومناطق أخرى من العالم،‏ يتعرض لتهديدات احلداثة واملنافسة<br />

الشرسة مع الشركات التي تُصنِّع األعشاب الصينية،‏ والتي<br />

أصبحت لها فروع حتى في القرى النائية.‏ ويقول ‏‏ بهذا<br />

اخلصوص:‏ ‏»إذا لم ندرس الطب الشعبي اآلن،‏ فإنه من احملتمل<br />

جدا أن يتالشى من أجزاء واسعة من العالم في غضون جيل<br />

واحد فقط.«‏<br />

)(<br />

قوة زهرة<br />

)1(<br />

تطورت فكرة علم األدوية العكسي<br />

تدريجيا،‏ بأسلوب التجربة<br />

واخلطأ،‏ كما عكف على ذلك<br />

‏‏ و‏ وشرعا في<br />

إجراء اختبارات على اخلشخاش<br />

السحري في مالي.‏ ويُعتبر<br />

‏‏ أحد امللتزمني املدافعني<br />

عن الدراسات الرصدية )1( ،<br />

التي يحَستخلص منها الباحثون<br />

استنتاجاتهم حول تأثير عالج ما<br />

من خالل املالحظة )2( . ويُعد هذا<br />

)3(<br />

النمط من الدراسات مغايرا للدراسات السريرية المُعَشاة<br />

التي يجري فيها تعيني عشوائي للمرضى ضمن مجموعة<br />

معاجلة ومجموعة شواهد.‏ ويقر ‏‏ بأن الدراسات<br />

املُعَشاة ذات الشواهد )4( هي الطريقة الوحيدة للحكم بأن دواءً‏<br />

ما ناجع فعال،‏ علما بأن هذه التجارب غالبا ما تُنجز حتت<br />

ظروف غير واقعية وتقتصر على عينة صغيرة من املرضى.‏<br />

ومع أن الدراسات الرصدية ليست جتارب باملعنى احلرفي<br />

للكلمة،‏ من حيث التوثيق وحتليل نتائج املرضى في العيادات،‏<br />

إال أنها تعطي الباحثني فكرة أفضل عما ميكن أن يكون فعاال<br />

على أرض الواقع.‏<br />

ولعل هذا املأخذ غير املتوقع هو ما حدا ب ‏‏ إلى<br />

الذهاب إلى مالي في الشهر 2002/12 حيث خطط إلجراء<br />

منط من الدراسات الرصدية التي استنبطها،‏ تسمى دراسة<br />

رجوعية )5( بالتعاون مع ‏ ‏]مدير قسم الطب الشعبي<br />

في املعهد الوطني لبحوث الصحة العامة في مالي )6( ] وعلى<br />

مدى عدة شهور،‏ زار فريق الباحثني بعض العائالت التي<br />

أصيب أحد أفرادها حديثا باملالريا،‏ حيث دحَوَّن ‏‏ قائمة<br />

من 66 نباتاً‏ استخدمتها هذه العائالت ملعاجلة املرض،‏ إما<br />

منفردة أو كخلطات عشبية،‏ ولكن نسبة الفشل كانت عالية<br />

كما يقول ‏.‏ ومع ذلك،‏ فقد الحت في البيانات بقعة<br />

ضوء مشرقة.‏ فمن أصل 952 مريضاً‏ متت متابعتهم،‏ تبني<br />

منذ مئات السنني والكينني quinine الذي يتم احلصول عليه من<br />

حلاء شجرة الكينا cinchona tree يُستَعمل ملعاجلة املالريا.‏<br />

أن 30 منهم قد شُ‏ فوا متاما بعد أن استخدموا مغليا أعدوه<br />

من أوراق اخلشخاش الشوكي ‏)األرگيمون املكسيكي(‏ )7( ،<br />

وهو خشخاش موطنه األصلي املكسيك ووصل إلى إفريقيا<br />

في القرن التاسع عشر.‏ وقد اعتُبرت هذه الدراسة من قبيل<br />

التحري العالي اإلنتاجية،‏ ولكن على البشر،‏ األمر الذي جعله<br />

اكتشافا واعدا ذا أهمية تتفوق على<br />

كل ما سبق.‏<br />

فقد اتصل ‏‏ بزميله<br />

‏‏ ليبشره باخلبر.‏ وسبق<br />

لألخير أن أجرى دراسات سريرية<br />

على أعشاب مضادة للمالريا<br />

وحصل على نتائج متضاربة.‏<br />

وكان ‏‏ و‏ قد<br />

اتفقا على أنه إذا جنح ‏‏<br />

في تعرف نبات بدا أنه يُحقق<br />

جناحا في دراسة رجوعية،‏ فإن<br />

‏‏ سيشرع في إجراء<br />

دراسة خالل فترة معينة على<br />

مجموعة من املرضى متماثلة في<br />

السن )8( ، ويحدوهما األمل في ذلك بإجراء دراسة سريرية<br />

الحقا.‏ ولكن،‏ عندما زار ‏‏ مقهى إنترنت في مدينة<br />

سيكاسو،‏ في جنوب شرق مالي،‏ جلمع معلومات أولية عن<br />

اخلشخاش،‏ اكتشف أمرا مثيرا للقلق،‏ وهو عثوره على<br />

مقالة منشورة بعنوان ‏»التسمم باخلشخاش الشوكي:‏ نتائج<br />

تشريحية في حالتني.«‏ )9( ففي عام 1998 مرض أكثر من 3000<br />

شخص في مدينة دلهي بالهند،‏ ومات 65 مريضاً‏ منهم بسبب<br />

تورم أجسادهم الناجم عن تراكم اللمف .lymph وكانوا جميعا<br />

قد تناولوا زيت بذور اخلردل املغشوشة ببذور اخلشخاش<br />

الشوكي،‏ وهي حتتوي على سمّ‏ السانگوينارين )10( .<br />

اعترى ‏‏ و‏ القلق حول ما إذا كان<br />

لدوائهما الطبيعي الواعد لعالج املالريا أن يقتل املرضى<br />

بدال من أن يشفيهم؛ علما بأن الكثير من األدوية احلقيقية<br />

FLOWER POWER )(<br />

observational studies )1(<br />

)2( أو:‏ الرصد<br />

randomized clinical trials )3(<br />

randomized controlled trials )4(<br />

)5( study Retrospective؛ Treatment Outcome أو:‏ دراسة استعادية،‏ وهي دراسة<br />

نتائج معاجلات ماضية.‏<br />

Mali’s National Institute of Research in Public Health )6(<br />

Argemone mexicana )7(<br />

)8( ويطلق على هذه الدراسة اسم دراسة أتراب مقابل ،cohort study حيث أتراب جمع<br />

تِرب وهو املماثل في السن.‏<br />

‟Argemone mexicana Poisoning :Autopsy Findings in Two Cases” )9(<br />

sanguinarine )10(<br />

11 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

ميكن أن تكون مميتة إذا أخذت بجرعات خاطئة،‏ ولكن هذا<br />

األمر لم يحدث في مالي على ما يبدو.‏ فقد حاول الباحثان<br />

التعرف على اجلرعة املميتة من مغلي اخلشخاش الشوكي<br />

من خالل تعريض بعض الفئران لكميات متزايدة منه،‏<br />

إال أنه لم يظهر أي عرضٍ‏ مرضي على الفئران.‏ وهذا ما<br />

دعا الباحثني في نهاية املطاف إلى االستنتاج بأن التسمم<br />

بالسانگوينارين يحدث فقط عند تناول بذور اخلشخاش<br />

وليس أوراقه التي تستخدم في حتضير املغلي العشبي<br />

الذي يعده املعاجلون الشعبيون.‏<br />

وبذلك أصبح اآلن مبقدور الباحثني الشروع في دراساتهم<br />

على بيّنة من األمر.‏ وفي الشهر 2004/9 وصل ‏‏ إلى<br />

قرية ميسيدوگو في مالي حيث شعر الزعيم ‏‏<br />

بالسعادة،‏ وهو معالج شعبي علَّمه جده كيفية استخدام<br />

اخلشخاش الشوكي،‏ ملشاركته في دراسة فعالية هذا النبات.‏<br />

وعلى النقيض من الدراسة الرجوعية التي قام بها ‏،‏<br />

والتي تعتمد على دراسة املاضي،‏ فإن دراسة ‏‏<br />

هي دراسة مستقبلية تعتمد على متابعة مجموعة من املرضى<br />

مستقبال،‏ األمر الذي سيسمح بتسجيل مالحظات وإجراء<br />

اختبارات مخبرية أكثر دقة.‏<br />

لقد نحَصحَ‏ بحَ‏ ‏‏ على أحد البيوت التي يشغلها<br />

املعالج الشعبي،‏ وهو بيت بنيت جدرانه من القرميد الطيني<br />

وسقفه من القش،‏ لوحةً‏ شمسية المعة وبطارية سيارة تكفي<br />

لتشغيل امليكروسكوبات )1( واملنبذات )2( وجهاز تخطيط كهربية<br />

القلب.‏ وقد نبه ‏‏ الزعيم ‏‏ إلى ضرورة<br />

التخلص من بذور اخلشخاش قبل إعداد املغلي،‏ وسمح له<br />

فيما عدا ذلك باتباع الوصفة التي كان يستخدمها سابقا<br />

وهي:‏ غلي األوراق ملدة ثالث ساعات في مرجل )3( على نار<br />

من احلطب.‏ وعلى الرغم من أنها كانت ذروة موسم األمطار،‏<br />

فقد جتمع نحو 100 مريض في صخب كلٌّ‏ يريد أن يُفححَ‏ ص<br />

منذ اليوم األول.‏<br />

وفي بداية األمر،‏ كان ‏‏ يصف جرعة وحيدة من<br />

املغلي العشبي ملدة ثالثة أيام،‏ إال أن ‏‏ لم ير أي<br />

نتيجة ملحوظة عن الشفاء.‏ وعندما سأل ‏‏ عما إذا<br />

كان ذلك طبيعيا،‏ أجاب ‏‏ أنه يعتقد أن اجلرعة كانت<br />

أكثر ‏»علمية«.‏ وبدافع من احليرة والقلق،‏ سأل ‏‏ عن<br />

مقدار اجلرعة املعتادة،‏ ولكن لم يكن لدى ‏‏ جواب،‏<br />

فهو عادة ما يعطي املرضى نباتات مجففة ويطلب إليهم أن<br />

يشربوا منها أكبر قدر ممكن على مدى أسبوع.‏ ولكن عند<br />

تطبيق جرعات أعلى بدأ ‏‏ برؤية نتائج ملموسة،‏<br />

حيث انخفض تعداد الطفيليات إلى أقل من 2000 طفيلي في<br />

ميكرولتر microliter من الدم بعد أن كان ما يقرب من 30<br />

ألف طفيلي في امليكرولتر.‏ وبعد مضي أسبوعني،‏ شفي من<br />

احلمى نحو 89 في املئة من املرضى البالغني.‏ وهكذا،‏ بدا أن<br />

اخلشخاش قد أتى مفعوله.‏<br />

وللتأكد من أن النبات فعحَالٌ‏ حقا ضد املالريا،‏ كان على<br />

‏‏ و ‏‏ إمتام دائرة متكاملة من اإلجراءات غير<br />

التقليدية الكتشاف الدواء من خالل إجراء دراسة مُعحَشاة<br />

ذات شواهد.‏ ولذلك عاد الباحثان إلى مدينة ميسيدوگو<br />

إلدراج 301 مريض مصاب باملالريا في الدراسة.‏ وقد عيَّنوا<br />

املرضى على نحو عشوائي في مجموعة تتلقى املعاجلة<br />

باجلرعة املعيارية من اخلشخاش الشوكي ومجموعة أخرى<br />

تتلقى املعاجلة بخلطة دوائية تتضمن األرتيميسينني ،ACT مع<br />

متابعة حالة املرضى ملدة 28 يوماً.‏ وقد أظهرت الدراسة،‏ التي<br />

نشرت في 2010، أن 89 في املئة من املرضى الذين تناولوا<br />

مغلي اخلشخاش الشوكي متاثلوا للشفاء،‏ مقارنة ب‎95‎ في<br />

املئة من املرضى الذين تلقوا عالجا باخللطة الدوائية احملتوية<br />

على األرتيميسينني .ACT وقد بلغت التكلفة الكلية لدراسة<br />

اخلشخاش الشوكي نصف مليون دوالر،‏ مولتها الوكالة<br />

السويسرية للتنمية والتعاون )4( ، إال أن ‏‏ و‏<br />

يعتقدان أن استخدام األدوية العشبية ميكن أن يوفر 75 في<br />

املئة من تكاليف استخدام املعاجلة باخللطة الدوائية احملتوية<br />

على األرتيميسينني .ACT<br />

إن البرهان الذي ميكن استخالصه من هذا الطور<br />

املبكر نسبيا من الدراسة مقنع للغاية إلى درجة أن ‏‏<br />

و‏ ينصحان بزراعة اخلشخاش الشوكي في<br />

مالي وفي مناطق نائية أخرى الستخدام مغلي أوراقه في<br />

معاجلة البالغني املصابني باملالريا غير املميتة )5( . وميكن<br />

لهذه املقاربة أن تساعد على الوقاية من ظهور مالريا مقاوِ‏ مة<br />

لألدوية احلديثة مع احملافظة على األدوية النادرة ملعاجلة<br />

حاالت املالريا األكثر خطورة،‏ والتي ميكن أن تؤدي إلى أذية<br />

دماغية أو املوت.‏<br />

إن علم األدوية العكسي يتقاطع في املرحلة التالية من<br />

عملية اكتشاف األدوية مع األسلوب التقليدي،‏ وذلك من حيث<br />

عزل املادة الفعالة من اخلشخاش الشوكي وحتسني ما تتسم<br />

به تلك املادة من خصائص كيميائية،‏ ثم إجراء االختبارات<br />

على هذه املستحضرات الدوائية لدى القوارض والبشر ضمن<br />

microscopes )1(<br />

)2( centrifuges؛ أو:‏ أجهزة الطرد املركزي.‏<br />

)3( أو:‏ قِدْر،‏ غالية<br />

the Swiss Agency for Development and Cooperation )4(<br />

)5( التي ال متثل تهديدا للحياة.‏<br />

12


دراسات سريرية ميكن االعتراف بها.‏ إال أنه على النقيض<br />

من النموذج التقليدي في اكتشاف األدوية،‏ والذي تستخدم<br />

فيه مركبات كيميائية كثيرة قد تُستبعد مبا فيها املركبات<br />

املفيدة عند ظهور أولى عالمات اضطراب،‏ فإن علم األدوية<br />

العكسي يتيح الفرصة الكتشاف املواد الفعالة فقط والتي<br />

تثبت فعاليتها وسالمتها بنسبة عالية.‏ وفي حقيقة األمر،‏ لو مت<br />

تطبيق النموذج التقليدي الكتشاف األدوية على اخلشخاش<br />

الشوكي،‏ لتحَمَّ‏ استبعاده منذ زمن ألن املركب األكثر فعالية<br />

في اخلشخاش،‏ وهو البربرين )1( ، قد أثبت فعاليته القصوى<br />

ضد طفيلي املالريا في املختبر،‏ وليس على الفئران أو البشر.‏<br />

وال يزال سبب كون النبات بكامله يبدي فعالية عالية مضادة<br />

للمالريا لغزا محيرا يأمل ‏‏ و ‏‏ بحلِّه بإجراء<br />

املزيد من الدراسات.‏<br />

)(<br />

أمل وخطر<br />

تعتبر مقاربة علم األدوية العكسي مناسبة جدا للعثور على<br />

أدوية جديدة ملعاجلة األمراض احلادة التي تحَسهل مراقبتها،‏<br />

كاملالريا،‏ ولكن ال يقتصر األمر على ذلك فقط.‏ ففي الهند،‏<br />

على سبيل املثال،‏ ومنذ عقد من الزمن،‏ مت تشكيل احتاد يضم<br />

جامعات ومعاهد بحث وشركات أدوية الستخدام هذه املقاربة<br />

لتطوير عقاقير لعالج التهاب املفاصل وداء السكري والتهاب<br />

الكبد،‏ استنادا إلى تقاليد الطب الهندي القدمي.‏ وعقب إجراء<br />

دراسة مسحية شملت معاجلي الطب الهندي القدمي على<br />

مستوى البالد،‏ توصل ‏ وزمالؤه في مركز معاجلة<br />

أمراض املفاصل )2( مبدينة بوني في الهند،‏ إلى حتديد قائمة<br />

قصيرة من األعشاب الواعدة في معاجلة التهاب املفاصل،‏<br />

وباشروا بإجراء دراسات رصدية في العيادات الطبية تزامنا<br />

مع إجراء دراسات دوائية على احليوانات.‏ وفي الشهر<br />

)3(<br />

2013/8، نشروا نتائج دراستهم في مجلة علم املفاصل<br />

على عينة عشوائية مزدوجة التعمية ذات شواهد شملت<br />

440 مريضاً،‏ وبينت تلك النتائج أن استخدام خلطة مكونة<br />

من أربعة مستخلصات عشبية قد ضاهى استخدام دواء<br />

السيليكوكسيب )4( ‏)»سيليبريكس )5( » املطور من قبل الشركة<br />

)Pfizer في تخفيف آالم الركب وحتسني أداء وظائفها.‏<br />

وفي غضون ذلك،‏ عمل ‏‏ و ‏‏ على ترويج<br />

مفهوم املقاربة العكسية )6( الكتشاف الدواء،‏ وعلى تدريب<br />

كثير من الباحثني األفارقة،‏ في أكثر من بلد،‏ من أولئك الذين<br />

يرغبون في دراسة تأثير األعشاب في إدرار احلليب عند<br />

النساء أو التخفيف من أعراض اإلصابة بڤيروس عوز املناعة<br />

البشري )7( .(HIV) وفي محاولة إليجاد عقاقير شعبية فعالة<br />

ملعاجلة داء السكري وارتفاع ضغط الدم،‏ سافر ‏‏ في<br />

الشهر 2013/12 إلى جزر باالو في احمليط الهادي،‏ التي حتتل<br />

املركز السابع كأكثر الشعوب بدانة في العالم.‏ وقد أظهرت<br />

نتائج دراسته الرجوعية حول معاجلات سابقة باستخدام 30<br />

نباتا أن نبات النوني )8( - وهو شجرة تنتمي إلى عائلة نبات<br />

القهوة - قد أسهم في خفض الوزن،‏ وأن نبات الفيالريا<br />

نيسيدي )9( قد أسهم في خفض مستوى سكر الگلوكوز في<br />

الدم.‏ وهناك اآلن دراسة سريرية قيد اإلجناز حول فعالية<br />

نبات الفيالريا.‏ وميكن أن يؤدي أي جناح في معاجلة داء<br />

السكري،‏ والذي يصيب عشرات املاليني من الناس في بلدان<br />

العالم املتطور،‏ إلى إنعاش عمليات البحث عن منتجات طبيعية<br />

من قبل شركات األدوية.‏<br />

ليس هناك اقتناع لدى جميع الناس بأن الطريقة اجلديدة<br />

البتكار األدوية هي طريقة مالئمة.‏ لنأخذ،‏ على سبيل<br />

املثال،‏ ‏ الذي يعمل اآلن في أكسفورد،‏ والذي يأتي<br />

في طليعة العارفني بأهمية األدوية الشعبية.‏ ففي عام 1979<br />

عثر على مقال غامض في مجلة صينية حول عشب يدعى<br />

كوينگهو )10( ، أو عشبة الشيح احلولي )11( ، التي كانت تستخدم<br />

منذ ما يزيد على 2200 عام في عالج املالريا.‏ وبحكم عمله<br />

في املختبرات،‏ استطاع التعرف على املركب الفعال وهو<br />

األرتيميسينني،‏ وأخضعه الختبارات األمان املعيارية قبل إجراء<br />

دراسات سريرية ناجحة على البشر في التسعينات.‏ وقد كان<br />

ذلك النجاح جناحا طبقا للنموذج التقليدي الكتشاف األدوية،‏<br />

وهو ما يجعله يتحفظ على جدوى علم األدوية العكسي،‏ قائال:‏<br />

‏»إن األمر يبدو بسيطا نوعا ما.«‏ فاملالحظات املدونة من قبل<br />

املعاجلني الشعبيني شيء،‏ وإجراء دراسة سريرية باستخدام<br />

األساليب التقليدية شيء آخر قد يتنافى مع قواعد السلوك<br />

املهنية،‏ مضيفا:‏ ‏»هل من الصواب معاجلة شخص مصاب<br />

مبرض معدٍ‏ خطير كاملالريا بلحاء شجرة أو ضفدع؟«‏<br />

إال أن ‏‏ و ‏‏ معتادان على سماع مثل<br />

هذه االعتراضات.‏ فخالل إحدى احملاضرات التي أعطاها<br />

‏‏ في اجتماع عقدته الرابطة امللكية للطب املداري<br />

PROMISE AND PERIL)(<br />

berberine )1(<br />

)2( أو:‏ الروماتيزم.‏<br />

Rheumatology )3(<br />

celecoxib )4(<br />

Celebrex )5(<br />

reverse )6(<br />

)7( أو:‏ اإليدز.‏<br />

Morinda citrifolia )8(<br />

Phaleria nisidai )9(<br />

quinghao )10(<br />

Artemisia annua )11(<br />

13 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

والصحة )1( في ليڤربول،‏ أشار أحد احلضور من أعضاء<br />

الرابطة إلى أن دراستهم قد ال حتظى بالقبول طبقا للقواعد<br />

اإلرشادية املتبعة في مجالس مراجعة األخالقيات الطبية<br />

البريطانية،‏ والتي تستوجب على األطباء الغربيني اتباع معيار<br />

غربي للرعاية.‏ واقترح آخرون أنه كان ينبغي أن تُخصص<br />

جميع األموال واجلهود التي تبذل على البحوث لصالح<br />

استخدام املعاجلات التقليدية.‏ وهنا تساءل ‏:‏<br />

‏»إن تلك األموال كانت ستنفق خالل عامني ولكن ماذا بعد<br />

يا ترى؟«‏ وقد كان أحد األسباب التي دفعت ‏‏ إلى<br />

إرساء التعاون في هذا املجال وتوسيع نطاق قائمة األعشاب<br />

وتدعيم البيِّنات حولها،‏ هو أن مالي لديها اآلن نظام للموافقة<br />

على ‏»األعشاب الطبية احملُ‏ حَسَّ‏ نة«،‏ إذ وافق مجلس مراجعة<br />

األخالقيات في مالي على الدراسة،‏ في الوقت الذي يواصل<br />

فيه املعهد الوطني لبحوث الصحة العامة جهوده لتحضير<br />

شراب معياري من اخلشخاش الشوكي حيث ميكن تصنيعه<br />

وتوزيعه محليا.‏<br />

لقد عثر ‏‏ و ‏‏ أيضا على حليف لم<br />

يكن متوقعا،‏ وهو مشروع األدوية املضادة للمالريا )2( الذي<br />

يتخذ من جنيف مقرا له.‏ ويعترف املوظف العلمي الرئيسي<br />

‏ قائال:‏ ‏»لقد كانت مغامرة ممتعة،‏ فهي املنظمة<br />

الوحيدة التي رحَكزت على العالج بدال من التركيز على الوقاية<br />

‏)البحث عن عالج بدال من اللقاحات(،‏ واملوظفون فيها هم<br />

من أصحاب اخلبرة الذين عملوا في شركات التصنيع<br />

الدوائي،‏ وهي متول مشاريع تتبع النموذج التقليدي في<br />

تطوير األدوية.«‏ ومنذ عدة سنوات،‏ دفعت املنظمة أمواال<br />

للشركتني:‏ Novartis و ،GlaxoSmithKline وغيرهما من<br />

شركات األدوية الختبار الفعالية املضادة للمالريا ملا يزيد<br />

على ستة ماليني مركب مسجل حصريا في مكتباتها،‏<br />

وكانت النتيجة أن عثروا على 25 ألف مركب واعد.‏ وقد<br />

أدت الدراسة إلى رفع سوية املعيار الذي ينبغي أن يحققه<br />

مركب ما حتى يخضع إلى مزيد من االستقصاءات،‏ إال<br />

أن ذلك ال يعني بالضرورة أن يكون الباحثون على وشك<br />

اكتشاف مركب جديد مضاد للمالريا.‏<br />

وعندما شاهد ‏‏ البيانات التي صدرت عن الدراسة<br />

السريرية على اخلشخاش الشوكي،‏ شعر باإلرباك قائال:‏<br />

‏»إن جودة اخلشخاش الشوكي ترقى إلى جودة املعاجلة<br />

بالتوليفات الدوائية التي تتضمن األرتيميسينني ،»ACT معلال<br />

ذلك بأنه:‏ ‏»لم يحظحَ‏ بأي حتسني«.‏ بينما مشتقات األرتيميسينني،‏<br />

على سبيل املثال،‏ كانت قد طورت بحيث تكون أكثر قابلية<br />

للذوبان،‏ فإن األدوية املشتقة من الكينني واملستخدمة حاليا<br />

قد خضعت حملاوالت متكررة لتحسني كفاءتها.‏ ولتوجيه<br />

األمور في هذا االجتاه،‏ يعكف اآلن مشروع األدوية املضادة<br />

للمالريا على متويل املرحلة الثانية من البحث على اخلشخاش<br />

الشوكي لتحديد املركبات الفعالة فيه وقياس معدل استقالبها<br />

في اجلسم.‏ وقد مولت هذه املنظمة مشروع بحث آخر حول<br />

املركبات الفعالة في عشب آخر مضاد للمالريا،‏ وأثبت ذلك<br />

العشب نتائج مرجوة في دراسة سريرية أجريت في جمهورية<br />

الكونگو الدميوقراطية.‏<br />

)(<br />

عبور حدود<br />

في الشهر 2013/1 سافر ‏‏ إلى ميسيدوگو لتعزية<br />

أسرة املعالج الشعبي ‏‏ الذي توفي العام<br />

املنصرم.‏ وتزامن ذلك مع الوقت الذي بدأ فيه اجليش<br />

الفرنسي ضرباته اجلوية على اجلماعات املسلحة شمال<br />

مالي،‏ وقد أكدت هذه االضطرابات على أهمية أن تكون لدى<br />

األفارقة مصادر محلية لألدوية.‏ وفي عام 2010، واستنادا<br />

إلى تهم بالفساد،‏ أوقف الصندوق العاملي ملكافحة اإليدز<br />

والسل واملالريا )3( منحا مببلغ 18 مليون دوالر أمريكي<br />

كانت مخصصة ملكافحة املالريا.‏ وفي عام 2012 أعلن هذا<br />

الصندوق عن إغالق منشأة تأمني األدوية التي كانت تقدم<br />

مساعدات مالية ملستوردي األدوية املوثوقة بغية بيعها في<br />

الدكاكني القروية بأسعار رخيصة.‏<br />

وكانت في جعبة ‏‏ و ‏‏ خطط لقياس تأثير<br />

توصياتهم حول استخدام اخلشخاش الشوكي في الصحة<br />

العامة،‏ إال أن الوضع السياسي املتأزم حال دون ذلك،‏ ولم<br />

يجرؤ ‏‏ على البقاء في البالد ملدة تزيد على أسبوع<br />

واحد.‏ وذات صباح،‏ بينما هو في سيارة،‏ نظر من نافذتها<br />

ورأى ورودا صفراء تصدر حفيفا في أرض بوار ثم قال:‏ ‏»إنها<br />

سياسة تأمني شبيهة بسياسة سد الثغرات )4( «، مبعنى،‏ ‏»إيجاد<br />

شيء ما ميكنك االعتماد عليه عندما ال يتوفر بديل آخر.«‏ ><br />

CROSSING BORDERS)(<br />

the Royal Society of Tropical Medicine and Hygiene )1(<br />

Geneva-based Medicines for Malaria Venture )2(<br />

the Global Fund to Fight AIDS, Tuberculosis and Malaria )3(<br />

)4( stopgap؛ أو:‏ سياسة تأمني مؤقتة أو طارئة.‏<br />

مراجع لالستزادة<br />

Argemone mexicana Decoction versus Artesunate-Amodiaquine for the Management of<br />

Malaria in Mali: Policy and Public-Health Implications. Bertrand Graz et al. in Transactions of<br />

the Royal Society of Tropical Medicine and Hygiene, Vol. 104, No. 1, pages 33–41; January 2010.<br />

Improved Traditional Medicines in Mali. Merlin Wilcox et al. in Journal of Alternative and<br />

Complementary Medicine, Vol. 18, No. 3, pages 212–220; March 2012.<br />

Scientific American, June <strong>2014</strong><br />

14


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

)(<br />

طوفان من البيانات<br />

في العديد من احلقول العلمية وغيرها تتراكم البيانات بكثافة.‏ ويعتبر<br />

تسييرها واستغاللها حتديا مطروحا على معلوماتية ‏»البيانات الضخمة«‏ )1( .<br />

.S> أبيتبول>‏ - .P> سينيالرت>‏<br />

في املركز األوروبي لألبحاث النووية (CERN) الواقع قرب<br />

مدينة جينيف جُ‏ هِّز املصادم الهادروني الكبير (LHC) )1( بكواشف<br />

ضخمة قادرة على تسجيل آثار عشرات،‏ بل مئات ماليني<br />

التصادمات پروتون-پروتون في الثانية.‏ لنقدّر بصفة تقريبية<br />

حجم البيانات التي ميثلها ذلك اعتمادا على أقل الفرضيات.‏<br />

فاملعلومة املتعلقة بنتائج كل تصادم متُ‏ حَثَّل ب‎4.3‎ بليون إمكانية )3( ،<br />

وأما املسرّع،‏ فيشتغل عشر ساعات يوميا،‏ وهناك 100 مليون<br />

تصادم يجري تسجيلها كل ثانية.‏ ومن ثمَّ‏ يتضح بسهولة أن<br />

املصادم LHC ينتج خالل عام واحد 5×10 15 ثُمانيّ‏ ، ‏)أي خمسة<br />

پيتاثُماني(‏ معلومة.‏ ويتطلب تخزين مثل هذا الكمّ‏ الهائل من<br />

البيانات خمسة آالف قرص صلب من األقراص التجارية.‏<br />

ومع ذلك،‏ فأبرز الصعوبات ال تظهر في التخزين بل في<br />

االستغالل:‏ استخراج املعلومات - املعارف - املفيدة من هذا<br />

الكمّ‏ الهائل من البيانات يتجاوز كثيرا القدرات البشرية.‏<br />

وحتى نرفع التحديات من هذا القبيل ظهر علم جديد،‏ هو<br />

علم البيانات.‏ وهو يتعلق باستخراج مضامني مفيدة انطالقا<br />

من كميات بيانات ضخمة ومتغيرة وغير متجانسة وغير<br />

أكيدة،‏ على أن يتم ذلك من خالل خوارزميات فعّالة.‏ وتهدف<br />

هذه املقالة إلى وصف الرهانات الرئيسة لعلم البيانات هذا،‏<br />

وتوضيح الصعوبات التي يواجهها.‏<br />

ويعتبر مثال املصادم LHC الذي أشرنا إليه في بداية حديثنا<br />

حالةً‏ استثنائية فيما يتعلق بكمّ‏ الثُمانيات،‏ غير أن هناك العديد<br />

من احلقول العلمية والصناعية التي عليها مواجهة سيْل مماثل<br />

من البيانات.‏ فعلى سبيل املثال،‏ جند في البحث الطبي أن إحدى<br />

املشكالت التي ظلت مطروحة خالل فترة طويلة كانت النقص<br />

في كمية املعلومات املتوفرة.‏ أما اليوم،‏ فقد انعكس الوضع،‏<br />

حيث يواجه الباحثون صعوبات جمّة في استخالص معارف<br />

مفيدة اعتمادا على عدد ال حصر له من البيانات املتراكمة نتيجة<br />

مختلف االختبارات السريرية وما يتوفر لدى املستشفيات،‏<br />

وغيرها.‏ لنُشرْ‏ إلى قاعدة بيانات ‏»الرصد الذكي املتعدد<br />

الوسيطات في العناية املركزة«‏ (MIMIC-II) )4( التي كوّنها<br />

في الواليات املتحدة فريق باحثني من معهد ماساتشوستس<br />

للتقانة (M.I.T.) وفيليپس Philips ومركز بيث إسرائيل ديكونيس<br />

الطبي )5( . وجتحَ‏ مع هذه القاعدة بيانات طبية تخص 32 ألف مريض<br />

في وحدات العناية املركزة،‏ أي أكثر من 40 ألف إقامة في تلك<br />

الوحدات.‏ والواقع أن حجم البيانات متواضع جدا مقارنة بذلك<br />

الذي ينتجه املصادم ،LHC غير أن حتليل هذا احلجم يتطلب<br />

عددا من الكفاءات اخلاصة واخلوارزميات املعقدة يضاهي ما<br />

تستدعيه حالة املصادم .LHC<br />

إن أمثلة احلقول العلمية التي تتطلب جتميع البيانات<br />

وإدارتها بأحجام هائلة،‏ ليست قليلة على اإلطالق.‏ وميكننا<br />

اإلشارة إلى بعض هذه احلقول:‏ علم اجلينوم )6( ‏)أو:‏<br />

اجلينوميات(‏ ،genomics واملدوَّنات الفلكية،‏ وإحصاء مجمل<br />

النباتات واحليوانات،‏ والبحث في مجال الصيدلة،‏ والدراسات<br />

الدميوغرافية...‏ إلخ.‏<br />

ونحن ندرك هذا الوضع،‏ فخوارزميات حتليل البيانات<br />

الضخمة أمر ضروري للبحث العلمي اليوم.‏ ولكننا في حاجة<br />

أيضا إلى خوارزميات تفيدنا أكثر في التطبيقات اليومية.‏<br />

وإليكم مثاال على ذلك.‏<br />

فعندما ترغبون في اختيار فيلم لسهرتكم،‏ فقد تلجؤون إلى<br />

موقع على شبكة اإلنترنت يعرض بالتفصيل وتتصفحون موقعا<br />

يعرض تفاصيل احلاالت املمكنة.‏ وهكذا يعرض عليكم نظامه<br />

)( هذه ترجمة للمقالة بعنوان:‏ Un déluge de données وقد صدرت في عدد الشهر 2013/4<br />

من مجلة Pour la Science الفرنسية،‏ وهي إحدى أخوات السبع عشرة التي<br />

تترجم مجلة .Scientific American<br />

)1( Data L’informatique؛ du Big وتعني مجموعات كبيرة من البيانات حجمها ال يسمح<br />

بالتعامل معها بالوسائل التقليدية،‏ وتسمى عند البعض بالفرنسية .datamasse<br />

Large Hadron Collider )2(<br />

)3( أربعة ثُمحَانيات octets ‏)أي 2) ( 8 4 = 256 4 بليون إمكانية(.‏<br />

Multiparameter Intelligent Monitoring in Intensive Care )4(<br />

centre medical Beth Israel Deaconess )5(<br />

)6( فرع من علم األحياء احلديث يُعنى بدراسة األعضاء بالتركيز على اجلينوم<br />

genome بدال من التركيز على اجلني gene كل واحد على حدة.‏<br />

15 (<strong>2014</strong>) 8/7


اقتراحات وتوصيات.‏ وميكنه أن يقوم بذلك<br />

بشكل بسيط،‏ كأن يقترح عليكم أحدث فيلم<br />

هو األكثر مشاهدة خالل األسبوع،‏ أو ذلك<br />

الذي كان موضع أفضل اآلراء النقدية.‏ بينما<br />

ميكن أن تكون التوصية منبثقة من خوارزمية<br />

معقدة تراعي األفالم التي حتبونها ومزاجكم،‏<br />

ورمبا أيضا ذوق الشخص الذي سيشارككم<br />

السهرة.‏ فحتى تساعدكم اخلوارزمية على<br />

اإلجابة عن السؤال البسيط:‏ ‏»أي فيلم ميكنني<br />

مشاهدته؟«‏ فهي قد تأخذ باحلسبان بحرا<br />

من البيانات:‏ آراء مئات ماليني األشخاص<br />

حول آالف األفالم.‏<br />

بيد أن البرامج التي تسمح بإجناز<br />

التحاليل اإلحصائية - حتى البسيطة منها -<br />

حول مثل هذا الكم الهائل من البيانات،‏ هي<br />

برامج بالغة التعقيد.‏ ففي هذا اخلضم<br />

سيحدد البرنامج الذي سيرشدكم أفالمحَ‏<br />

أشخاصٍ‏ يتمتعون بأذواق قريبة من ذوقكم،‏<br />

)1(<br />

وسيكشف عن تقاربات بني مستخدمي الشبكة العنكبوتية<br />

ال تعرفونهم.‏ وسيتمكن من اكتشاف ذوقكم في مجال السينما<br />

وسيقترح عليكم في أقل من ثانية بعض األفالم!‏<br />

وفي هذه الساحة املليئة بالقنوات التلفزيونية التي يتزايد<br />

عددها يوما بعد يوم،‏ وهذه الڤيديوهات ‏»حتت الطلب«‏ ،VoD<br />

وتلك ‏»باالشتراك«‏ ،SVoD وهذه األفالم املتعددة املتوفرة<br />

بصفة قانونية أو غير قانونية على الشبكة العنكبوتية،‏ جند<br />

املستخدِ‏ م تائها؛ مع أن الهدف من األنظمة املرشدة هو<br />

توجيهه إلى ضالته.‏<br />

والعنصر األساسي الذي يغذي تلك األنظمة يتكوّن بطبيعة<br />

احلال من املعطيات الرقمية التي حتتل أكثر فأكثر مكانة مهمة<br />

في عالم اليوم.‏ فمنذ الستينات من القرن املاضي،‏ فحَرضت<br />

برامجُ‏ قواعد البيانات نفسها ليجري تقاسم تلك البيانات ضمن<br />

مؤسسة أو منظمة معينة.‏ وكانت هذه البيانات معزولة في مراكز<br />

حساب،‏ وبعد ذلك أصبحت متوفرة في كل مكان في العالم<br />

بظهور شبكة اإلنترنت ‏)شبكة شبكات اآلالت(،‏ ثم في الشبكة<br />

العنكبوتية العاملية ‏)شبكة احملتويات(،‏ وأخيرا،‏ في الشبكة<br />

العنكبوتية ،Web 2.0 بإسهام جميع شبكات تواصل األفراد.‏<br />

وال يتعلق األمر بالبيانات املخزنة فحسب،‏ بل أيضا<br />

بالبيانات املتبادلة.‏ فنحن محاطون بباليني الكائنات املتواصلة<br />

فيما بينها.‏ ففي عام 2008، كانت الشبكة العنكبوتية تضم<br />

أكثر من ألف بليون صفحة يقوم فيها مستخدمو الشبكة<br />

حتليل البيانات:‏<br />

املهام املعهودة<br />

في كل شهر بعشرات باليني من عمليات<br />

البحث.‏ وتظهر التقديرات أن العالم الرقمي<br />

يتضاعف حجمه كل 18 شهرا،‏ وأن<br />

التصفح على اإلنترنت يفوق اآلن سنويا<br />

كل ما ميكن تخزينه في كافة األقراص<br />

واألوعية األخرى املتوفرة.‏<br />

)(<br />

حتليل البيانات بهدف تثمينها<br />

تشكل مجموعة البيانات املتوفرة على<br />

الشبكة العاملية منجما ضخما من املعارف<br />

ينبغي اكتشافها وتثمينها.‏ لقد كان حتليل<br />

البيانات حقال بالغ النشاط منذ بدايات<br />

املعلوماتية تقريبا،‏ وعُرِ‏ ف بأسماء مختلفة<br />

كالتنقيب عن البيانات أو معلوماتية األعمال<br />

.business intelligence ونظرا لتزايد قدرات<br />

األقراص والذاكرة احلاسوبية،‏ وكذا تزايد<br />

القدرة على إجراء احلسابات باستخدام<br />

عناقيد من احلواسيب بإمكانها وصل<br />

آالف اآلالت فيما بينها،‏ ونظرا أيضا للتزايد املنقطع النظير<br />

حلجم البيانات املتوفرة،‏ أصبح حتليل هذه البيانات - بهدف<br />

استخالص معلومات ذات شأن - صناعةً‏ مزدهرة.‏ واليوم<br />

تتطور هذه الصناعة حتت اسم ‏»بيانات ضخمة«.‏<br />

ونقطة االنطالق لهذه الصناعة هي تثمني واستغالل<br />

الكمّ‏ الهائل من البيانات.‏ وتشمل البيانات الضخمة عموما<br />

جانبني.‏ فمن جهة،‏ تتضمن فكرةُ‏ دمج ومقارنة بيانات مهيكلة<br />

بإحكام،‏ مثل مقارنة تلك املتعلقة مبؤسسة لديها حجوم كبيرة<br />

من البيانات على الشبكة العنكبوتية،‏ أقلَّ‏ هيكلة ودقة.‏ ومن<br />

جهة أخرى،‏ فهي تتطلب وضع آليات للقيام بحسابات مكثفة<br />

بالتوازي وذلك باستخدام تقنيات برمجية،‏ مثل تقنيات هادوپ<br />

،Hadoop املنبثقة من محركات البحث املستخدمة في الشبكة<br />

العنكبوتية ‏]انظر اإلطار في الصفحة املقابلة[.‏<br />

)(<br />

صعوبات مضاعفة<br />

والهدف هو إبراز معارف جديدة انطالقا من بيانات ومهام<br />

كانت معروفة من قبل في حتليل البيانات:‏ من اكتساب البيانات<br />

إلى استغاللها ‏]انظر اإلطار في هذه الصفحة[.‏ فالصعوبات<br />

متعددة وتتمحور حول أربع نواحٍ‏ تعتمد عليها البيانات<br />

ANALYSE DES DONNÉES: LES TÂCHES CLASSIQUES )(<br />

Analyser les données pour les valoriser )(<br />

Des difficultés multiples )(<br />

netsurfers )1(<br />

)(<br />

> البحث عن البيانات واكتسابها.‏<br />

> جعل البيانات العديدة املصادر<br />

متجانسة.‏<br />

> الكشف عن التكرارات واألخطاء<br />

وإزالتها.‏<br />

> التفاعل مع الناس للحصول على<br />

املزيد من البيانات،‏ والتغلب على<br />

التناقضات وسد الفراغات ‏)»التعهيد<br />

اجلماعي«‏ .)»crowdsourcing«<br />

> تسهيل عمل محللي البيانات<br />

بتزويدهم بوسائل تعينهم على النظر.‏<br />

> إجناز حتاليل إحصائية آلية<br />

للبيانات.‏<br />

> تطوير تطبيقات وخدمات جديدة.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

16


الضخمة،‏ وهي:‏ أوال،‏ حجم البيانات ‏)يُعحَدُّ‏ بالتيراثُمانيات أو<br />

الپيتاثُمانيات،‏ أي 10 12 أو 10 15 ثُماني(.‏ ثانياً،‏ تنوعها أو عدم<br />

جتانسها ‏)على مستوى البنية واللغة والشكل...‏ إلخ(.‏ ثالثاً،‏<br />

سرعتها ‏)أي وتيرة التعديالت التي تُدْخل عليها(.‏ رابعا،‏<br />

صحتها ‏)أخطاء،‏ نقصان،‏ ثقة،‏ مصدر،‏ حداثة...‏ إلخ(.‏<br />

وهناك صعوبات أخرى مصدرها توزّع البيانات في<br />

الفضاء،‏ واحلمايات احملتملة ‏)حقوق الولوج،‏ قيود على<br />

املستخدِ‏ م(...‏ إلخ.‏ ومن جهة أخرى،‏ تكتسي طبيعة املعاجلة<br />

التي تخضع لها هذه البيانات أهمية بالغة.‏ مثال ذلك:‏ إذا<br />

كانت املدة الالزمة لتنفيذ خوارزمية متناسبة مع مكعب عدد<br />

البيانات،‏ فإنها تكون غير صاحلة لالستعمال في قاعدة تشمل<br />

بليون تسجيل،‏ حتى باستخدام آالف احلواسيب خالل مئات<br />

الساعات.‏ أما برامج هادوپ التي طُ‏ ورت خصيصا ملعاجلة<br />

كميات البيانات الضخمة،‏ فالتزال حديثة العهد نسبيا ومعقدة<br />

االستعمال ويرجع ذلك بالدرجة األولى إلى كونها تشغّل معًا<br />

عددا كبيرا من احلواسيب.‏<br />

ويُستخدم حتليل األحجام الضخمة للمعطيات )1( في<br />

عديد املجاالت وذلك للحصول على توقعات تكون دقيقة أكثر<br />

فأكثر والستباق األوبئة ولتحسني فهمنا لتطور املناخ ولتقدمي<br />

يد املساعدة في عالج السرطان...‏ إلخ.‏ أما على مستوى<br />

اجلمهور العريض،‏ فما يظهر للعيان في الوقت الراهن من<br />

البيانات الضخمة هو استخدام البيانات الشخصية من قبل<br />

مؤسسات جتارية كبرى بغية استهداف هؤالء باإلشهار<br />

التجاري.‏ تلك حال گوگل Google الذي يحلل طلبات<br />

مستخدمي اإلنترنت وبريدهم اإللكتروني ليحسّ‏ ن توجيه<br />

إشهاراته،‏ وكذا حال أمازون Amazon الذي يقترح على<br />

املستخدمني كتبا لشرائها.‏<br />

)(<br />

أسلحة جديدة في أيدي الدكتاتوريات...‏ واملواطنني<br />

منذ فترة قريبة،‏ ال سيما في قضية ‏ )2( بالواليات<br />

املتحدة،‏ أشارت وسائل اإلعالم إلى أن هناك بعض احلكومات<br />

تستخدم حتليل البيانات اخلاصة على مستويات مدهشة.‏<br />

وكان السبب الرئيس الذي يتذرع به هؤالء في هذا النوع<br />

من االستخدامات هو مكافحة اإلرهاب.‏ بيد أن نظام ‏»بريزم«‏<br />

PRISM لوكالة األمن القومي األمريكي (NSA) واألنظمة املماثلة<br />

في الدول األخرى تُستخدم أيضا للتجسس،‏ ال سيما في<br />

املجال الصناعي.‏ وميكن أيضا استغاللها ملراقبة املعارضني<br />

السياسيني لتلك الدول.‏ وهكذا،‏ فمراقبة البيانات وحتليلها<br />

صارت متثل من دون شك األسلحةحَ‏ اجلديدة املقلقة في أيدي<br />

الدكتاتوريات واحلكومات الشمولية.‏<br />

والعكس بالعكس،‏ فتعميم البيانات املفتوحة open<br />

data ‏)أي النفوذ احلر إلى بيانات القطاع العام(‏ في<br />

الدول الدميوقراطية ينبغي أن يسمح ‏»للصحفيني طالبي<br />

البيانات«،‏ وكذا للمواطنني املعنيني مبراقبة أعمال حُ‏ كّامهم<br />

وأعمال املؤسسات الكبرى.‏ ذلك أن التقانات نفسها تتيح<br />

للدولة مراقبة األشخاص كما تتيح لألشخاص مراقبة<br />

Des armes nouvelles aux mains des dictatures... et des citoyens )(<br />

Hadoop pour gérer les données massives )(<br />

L'analyse de grands volumes de données )1(<br />

Edward Snowden )2(<br />

املؤلفان<br />

Serge ABITEBOUL<br />

مدير أبحاث باملعهد القومي للبحث واملعلوماتية واآللية INRIA في ساكلي<br />

Saclay ‏)فرنسا(‏ وفي كلية املعلمني العليا بكاشان Cachan ‏)في باريس(.‏<br />

هادوپ Hadoop صُ‏ مِّم<br />

)(<br />

من أجل تسيير البيانات املكثفة<br />

صُ‏ مّم هادوپ،‏ البرنامج احلر ملؤسسة أپاش ،Apache عام 2004<br />

من قبل األمريكي .‏ وهو موجّ‏ ه إلى حتليل الكميات<br />

الضخمة للبيانات،‏ ويعتمد على التقنية املسماة ‏»ماپ-ريديوس«‏<br />

MapReduce التي استخدمها گوگل في محرك بحثه.‏<br />

وعند القيام بحسابات باستخدام ماپ-ريديوس نبدأ بتقسيم<br />

املسألة إلى مسائل فرعية مستقلة ‏)املرحلة ‏»ماپ«(‏ تتوالها<br />

حواسيب مختلفة.‏ وحتلّ‏ هذه اآلالت املسائل الفرعية وترسل<br />

نتائجها إلى حواسيب أخرى مهمتها دمج تلك النتائج ‏)املرحلة<br />

‏»ريديوس«(.‏ والهدف هو التمكن من العمل على أحجام كبيرة من<br />

البيانات،‏ وذلك بجعل عناقيد من احلواسيب تعمل بالتوازي.‏ وال<br />

يسمح برنامج ماپ-ريديوس إال مبعاجلة مسائل نستطيع جتزئتها<br />

إلى مهام متعددة متوازية.‏<br />

والبرنامج األكثر شعبية التابع ل ماپ-ريديوس هو هادوپ<br />

الذي تعتمد عليه مراكز البيانات العمالقة في الشبكة العنكبوتية،‏<br />

مثل أمازون وفيسبوك.‏ كما جنده أكثر فأكثر في عروض Cloud«<br />

.»computing وعلى الرغم من مآثر هادوپ الكثيرة،‏ فإنه اليزال<br />

حديث العهد وفيه بعض النقائص:‏ إنه ال يستعمل مثال لغة معيارية،‏<br />

ولذا فتسييره معقد إلى حد ما وال ينجز معاجلة بيانات بشكل آني<br />

بل تظهر نتائجها متأخرة.‏<br />

Pierre SENELLART<br />

أستاذ محاضر في املعلوماتية في تيلكوم باريس-تيك .Télécom ParisTech<br />

17 (<strong>2014</strong>) 8/7


الدولة.‏ واملالحظ أن حكومات بعض الدول،‏ مثل الواليات<br />

املتحدة األمريكية أو بريطانيا،‏ وأيضا فرنسا في الفترة<br />

األخيرة،‏ قد مضت قدما في حركة فتح البيانات.‏ وهذا ما<br />

يفتح الباب خلدمات جديدة من شأنها أن تسمح بتحسني<br />

مراقبة أعمال احلكومات واملؤسسات الكبرى.‏ ومن حقنا<br />

أن نأمل بأن يؤدي ذلك إلى تدعيم مسؤولية املواطن وإعادة<br />

تأسيس الدميوقراطية.‏<br />

ويبدو أن هناك تكيّفًا كبيرا للبيانات الضخمة مع<br />

موضوع توقعات األزمات الصحية،‏ ومشكالت احمليط،‏<br />

والكوارث الطبيعية والتفاعل معها.‏ وينبغي أن تساعد تلك<br />

البيانات على حل مشكالت الصحة والنقل والبيئة وعلى<br />

مكافحة الفقر.‏ ففي كثير من احلاالت يستدعي األمر دمج<br />

حتاليل كميات ضخمة من البيانات املخزنة في حتاليل<br />

على اخلط )1( مبنية على تدفق بيانات محصل عليها في<br />

تلك اللحظات.‏ وهكذا،‏ جند هذا النوع من الدمج،‏ مثال في<br />

املتابعة املُشحَ‏ خْ‏ صنة ألفراد يواجهون صعوبات جمة،‏ أو أفراد<br />

مُسنِّني أو تالميذ يعانون فشال مدرسيا أو ... إلخ.‏ وال بد<br />

أن نكون قادرين على حتليل التطورات التي حتدث خالل<br />

فترات طويلة،‏ والتنبؤ باملشكالت قدر املستطاع،‏ واألهم من<br />

ذلك معرفة كيف نتذكر األمور املستعجلة والتفاعل معها في<br />

الوقت املناسب عند حدوث أزمات.‏<br />

لنأخذ مثال الصحة.‏ إن البيانات ذات<br />

الصلة بصحة الفرد تتزايد بصورة دائمة.‏<br />

ونواتها مكوّنة من معلومات كالفحوصات<br />

الطبية وتشخيصات األمراض والعالجات<br />

وكيفية تناول األدوية.‏ لكننا نالحظ أيضا<br />

تنامي البيانات ذات الصلة بعلم اجلينوم -<br />

وهكذا تقترح شركة كاليفورنيا للتقانة<br />

)3(<br />

احليوية )2( 23andMe على األفراد سَ‏ لْسَ‏ لة<br />

قسم مهم من جينومهم مقابل 99 دوالرا -<br />

وينبغي أيضا األخذ في االعتبار البيانات ذات<br />

الصلة باحلياة اليومية للفرد وتغذيته ونشاطه<br />

البدني وتعرضه لتلوثات معينة...‏ إلخ.‏ وقد<br />

أصبحت تلك املعلومات متوفرة أكثر فأكثر<br />

عبر جتهيزات من نوع الهاتف الذكي أو عبر<br />

شبكات التواصل االجتماعي.‏<br />

وباملوازاة مع ذلك،‏ فإن الباحثني في<br />

املجال الطبي يستخدمون حتليل البيانات<br />

بشكل متزايد.‏ فهم على سبيل املثال،‏<br />

يطمحون إلى اكتشاف روابط بني تناول بعض<br />

مراجع لالستزادة<br />

األدوية مجتمعةً‏ وبني حاالت محَرحَضِ‏ ية معينة.‏ وميكن أن يستفيد<br />

املرضى من هذه الروابط بشكل خاص.‏ وفي البداية،‏ ينبغي<br />

شحَ‏ خْ‏ صحَ‏ نة العالجات بتكييف األدوية حسب حالة كل مريض<br />

وذلك مبراقبة الكميات التي يتناولها.‏ ونستطيع تصوّر إجراء<br />

العمل بصورة وقائية وذلك باقتراح منط حياة صحي لكل<br />

شخص يتناسب مع املخاطر التي يتعرض لها،‏ مع متابعة<br />

غذائه ونشاطاته البدنية وحياته اليومية.‏ إال أننا نستطيع<br />

كذلك تعرف أزماته ومساعدته على جتاوزها،‏ بتنظيم جرعات<br />

أدويته،‏ على سبيل املثال.‏<br />

)(<br />

مشكلة:‏ الولوج إلى البيانات الشخصية<br />

عندما تتوفر جميع البيانات املتعلقة بشخص يُفتح الباب<br />

أمام كافة االحتماالت.‏ فذلك يطرح مسألة الولوج إلى<br />

البيانات الشخصية لألفراد.‏ فهل ينبغي أن يكون لشركة<br />

التأمني أو هيئة التوظيف احلقُّ‏ في الوصول إلى مجمل أو<br />

جزء من املعلومات التي تشكلت من البيانات الطبية للزبون<br />

أو من جينومه،‏ أو هل ميكن الوصول إلى بياناته الضريبية<br />

ومشترياته وموقعه اجلغرافي وبريده ومبادالته عبر شبكات<br />

التواصل االجتماعي؟<br />

إن األمر يتعلق هنا بالبيانات اخلاصة بالزبون.‏ فهي<br />

من هذا املنطلق،‏ ملكه اخلاص،‏ وعليه يجب<br />

أن يكون هو املتصرف الوحيد فيها وهو<br />

الذي يبتّ‏ فيمن له احلق في الوصول إليها<br />

وكيفية استغاللها.‏ غير أن األمر ليس بهذه<br />

البساطة.‏ فعلى سبيل املثال،‏ لكي يتقدم<br />

الطب ال بد أن نتمكن من إجراء حتاليل<br />

للبيانات الطبية لكل األفراد.‏ ومن هذا<br />

املنظور يبدو من املعقول أن تكون نتائج<br />

هذه اإلحصائيات متاحة للجميع.‏ إال أنه<br />

من الواضح أيضا أن البيانات في شكلها<br />

اخلام،‏ كالبيانات الصادرة عن املستشفيات،‏<br />

ال ينبغي أن تكون من بني البيانات املفتوحة،‏<br />

حتى ولو أُغفلت أسماء أصحابها،‏ إذ إنه<br />

من املستحيل ضمان سريتها.‏ وهكذا نرى<br />

أن الطريق اليزال طويال للتوفيق بني هذه<br />

االختالفات في الرؤى.‏ ><br />

Un probléme: l’accés aux données personnelles )(<br />

analyses en ligne )1(<br />

la société californienne de biotechnologie 23andMe )2(<br />

propose ainsi<br />

le séquencage )3(<br />

Pour la Science, November 2013<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

18


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

)(<br />

الصخور األقدم على الكرة األرضية<br />

يرى فريق من العلماء أنّ‏ الصخور القدمية املكتشفة في<br />

شمال كندا تزودنا بنافذة على مرحلة الكرة األرضية املبكرة<br />

وعلى منشأ احلياة ذاتها،‏ بينما إلى حدٍ‏ ما،‏ ال يرى ذلك فريق آخر.‏<br />

‏<br />

ال يبدو حزام صخور نوڤواگيتاك )1( اخلُ‏ ضُ‏ ر<br />

على أنه ساحة معركة.‏<br />

يقع حزام صخور نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر في منطقة هادئة<br />

منعزلة عن العالم وميتد إلى طول احلافة الشمالية الشرقية من<br />

خليج هدسون في كندا،‏ ويبعد نحو 20 ميال عن إنوكجواك )2( ،<br />

املستوطنة البشرية األقرب.‏ وبدءا من الشاطئ،‏ ترتفع األرض<br />

على شكل تالل منخفضة،‏ بعضها مغطى باألشنيات<br />

،lichens وسطوح بعضها اآلخر كانت قد تعرضت للتعرية<br />

بفعل جليديات العصر اجلليدي.‏ وتتمتّع الصخور املتكشفة<br />

بجمال امتدادها وببناها املطوية املعقدة.‏ فلون بعضها رمادي<br />

وأسود،‏ تخترقه عروق فاحتة اللون وبعضها اآلخر وردي<br />

اللون،‏ يتألأل بأحجارالعقيق.‏ وفي معظم أيام السنة تزور هذه<br />

املنطقة الوعولُ‏ والبعوض فقط.‏<br />

لكن هذا املوقع الهادئ هو في الواقع ساحة معركة -<br />

ساحة معركة علمية.‏ فعلى مدار عشر سنوات تقريبا زارت فرقٌ‏<br />

متنافسة من اجليولوجيني مستوطنة إنوكجواك واستخدمت<br />

الزوارق لتحميل معدات التخييم وجتهيزات املختبرات وشقت<br />

طريقها ببطء على طول ساحل اخلليج إلى حزام الصخور<br />

اخلُضُ‏ ر.‏ وكان هدف هذه الفرق:‏ البرهان فقط على عمر هذه<br />

الصخور.‏ وفريق من هذه الفرق،‏ يترأسه ‏<br />

‏]اجليولوجي من جامعة كولورادو[‏ وهو واثق من أن عمر هذه<br />

الصخور يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.‏ وهذا عمر قدمي<br />

جدا،‏ ومع ذلك لم يتم التحقق منه.‏<br />

في حني يعتقد ‏ الذي يقود الفريق املنافس في<br />

جامعة أوتاوا،‏ أنّ‏ صخور نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر تشكلت قبل 4.4<br />

بليون سنة.‏ وهذا ما يجعلها الصخور األقدم على اإلطالق على<br />

الكرة األرضية.‏ وهذا ليس بأقل األشياء،‏ فالصخور القدمية<br />

ستخبرنا أيضا كيف تشكل سطح الكوكب في مراحله األولى<br />

العنيفة وكيف ظهرت احلياة فيها سريعا بعد ذلك - وهو<br />

الفصل اجلوهري لسيرة احلياة على الكرة األرضية التي<br />

بقيت حتى اآلن بعيدة املنال.‏<br />

لقد كان النصف بليون سنة األول من تاريخ تشكُّل الكرة<br />

األرضية - أي ما قبل 4.568 بليون سنة إلى أربعة باليني<br />

سنة - هو الزمن الذي سقطت خالله مياه األمطار لتشكيل<br />

احمليطات،‏ وارتفعت اليابسة األولى فوق سطح البحر<br />

لتشكيل القارات.‏ وكان أيضا الزمن الذي سقطت وحتطمت<br />

THE OLDEST ROCKS ON EARTH ()<br />

Nuvvuagittuq )1(<br />

Inukjuak )2(<br />

)3( أو:‏ حتديد عُمر.‏<br />

ميكن أن تكون الصخورُ‏ املكتشفة حديثا على طول احلافة<br />

الشمالية الشرقية خلليج هدسون في كندا،‏ هي الصخور األقدم<br />

املوجودة على سطح الكرة األرضية.‏ ومع ذلك،‏ يجادل العلماء فيما<br />

إذا كانت أعمار هذه الصخور تعود إلى ما قبل 3.8 بليون أو إلى ما<br />

قبل 4.4 بليون سنة.‏ وسيضع العمرُ‏ األقدم الصخورحَ‏ على مقربة من<br />

زمن تشكل الكرة األرضية.‏<br />

باختصار<br />

وحل هذا اجلدل يعتمد على حتسني طرائق تأريخ )3( الذرات في<br />

عينات صخرية صغيرة تشكلت على الكرة األرضية البدائية.‏<br />

فإذا كان عمر الصخور يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة،‏<br />

فإنها قد تُوفّر بذلك أدلة قوية حول كيف أخذ سطح الكرة األرضية<br />

شكله عند نشوء احمليطات وكيف بدأت احلياة بصورة مبكرة بعد<br />

تلك األحداث.‏<br />

19 (<strong>2014</strong>) 8/7


املؤلف<br />

Carl Zimmer<br />

‏‏ كاتب عمود في صحيفة نيويورك تاميز ومؤلف لثالثة عشر كتابا،‏<br />

تتضمن ‏»التطور:‏ عمل معنى للحياة«‏ .Evolution: Making Sense of Life وكان مقاله<br />

األخير في مجلة ساينتفيك أمريكان حول انهيار الشبكات الغذائية.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

خالله املذنبات والكويكبات على الكرة األرضية،‏ وهو أيضا<br />

الزمن الذي اصطدم فيه كوكب جانح بحجم املريخ بكوكبنا،‏<br />

لتشكيل القمر من احلطام.‏ وبحوزة علماء اجليولوجيا عدد<br />

قليل جدا من األدلة حول توقيت )1( هذه األحداث،‏ كالعدد<br />

القليل من بقع من املعادن التي قد تشير إلى أنّ‏ احمليطات<br />

كانت قد تشكلت قبل تشكل القمر.‏ إنهم يجدون أنفسهم في<br />

الوضعية نفسها كحَكُتّاب سير فالسفة يونان قدماء،‏ يحاولون<br />

احلصول على أكبر قدر من الدالالت meanings من قراءة<br />

نُتف ورحَق وقصص من الشماع.‏<br />

وإذا كان ‏‏ محقا وأنّ‏ عمر صخور نوڤواگيتاك<br />

اخلُضُ‏ ر هو بالفعل يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة،‏ فلن<br />

تُقرأ هذه الدالالت مثل قراءة النتف وإمنا مثل قراءة كتب<br />

بأكملها.‏ وتنتظر اآلالف من فدادين acres املعادن الدراسةحَ‏<br />

والتي رمبا حتمل إجابات عن أسرار طال أمدها.‏ فهل يا<br />

ترى بدأت حركات الصفائح التكتونية plate tectonics<br />

فعلها في وقت مبكر،‏ أم أنّ‏ الكرة األرضية تطورت إلى<br />

حالة متقدمة منذ مئات املاليني من السنني قبل أن تبدأ<br />

قشرة crust القارات واحمليطات بالتحرك والتجوال؟ كيف<br />

كانت كيميائية احمليطات احلديثة التشكل وكيميائية الغالف<br />

اجلوي؟ وكم من الزمن انقضى قبل ظهور احلياة بعد تحَشكل<br />

الكرة األرضية؟<br />

وأمّا إذا كان رأي ‏‏ هو الصائب،‏ فسيبقى<br />

الفصل املبكر من تاريخ الكرة األرضية مبهما في الوقت<br />

الراهن.‏ وإذا كان رأي ‏‏ هو الصحيح،‏ فستكون صخور<br />

نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر من أغنى الكنوز النفيسة في اجليولوجيا.‏<br />

20<br />

)(<br />

محبوسة في الصخر<br />

عموما،‏ فقد نشأت صخور نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر،‏ مثل<br />

الصخور التي تشكل جزءا كبيرا من قشرة الكرة األرضية،‏<br />

وفق إحدى طريقتني اثنتني.‏ ففي بعض احلاالت،‏ ترسبت<br />

اجلسيمات الدقيقة في قاع احمليطات،‏ وانضغطت تدريجيا<br />

إلى طبقات من الصخور الرسوبية.‏ وفي حاالت أخرى،‏<br />

صعدت الصهارة )2( magma املنصهرة من وشاح mantle<br />

األرض وتبردت وتبلورت إلى صخور نارية أثناء صعودها<br />

إلى السطح.‏<br />

وبقيت أجزاء صغيرة فقط من قشرة األرض القدمية في<br />

أمكنتها سليمة:‏ مثل صخور نوڤواگيتاك،‏ في حني اختفت<br />

البقية األخرى.‏ فقد تآكلت بعض الصخور ببطء بفعل األمطار<br />

والرياح وعادت مرة أخرى إلى احمليطات لتترسب من جديد.‏<br />

كما انتقل الكثير من الصخور وانغرز حتت قشرة األرض<br />

بفعل حركة الصفائح التكتونية في وشاح األرض الساخن،‏<br />

حيث كانت الصخور تنصهر،‏ مزيلة بذلك كيانها األصلي<br />

شأنها في ذلك شأن مكعبات الثلج عندما تقذف في بركة من<br />

املياه الدافئة،‏ لتختلط ذراتها في الصهارة وترتفع مرة أخرى<br />

IMPRISONED IN STONE ()<br />

)1( أو:‏ تأريخ.‏<br />

)2( أو:‏ املگما.‏


كصخر جديد حديث التشكل.‏<br />

لقد أزيلت صخور الكرة األرضية املبكرة أيضا بفعل<br />

سقوط الكويكبات العمالقة التي اجتاحت األرض وصهرت<br />

أجزاء كبيرة من قشرتها.‏ فقد حدث قبل نحو 4.4 بليون سنة<br />

تصادم - سُ‏ مِّي ‏»التصادم العمالق«‏ – The Giant Impact<br />

الذي قذف كمية كبيرة من املواد إلى مدار حول األرض،‏<br />

الذي أصبح القمر.‏ وحسب قول ‏ ‏]من<br />

معهد كارنيگي للعلوم[:‏ ‏»رمبا أدى التصادم العمالق إلى<br />

حالة فوضى حقيقية على الكرة األرضية«.‏ ويضيف:‏ ‏»رمبّ‏ ا<br />

كنتحَ‏ تتمنى لو لم تكن على الكرة األرضية وإمنّ‏ ا كنت ترغب<br />

مبشاهدة ذلك من كوكب الزهرة.«‏<br />

ونظرا ألنّ‏ الكثير من الصخور القدمية مت تدميرها بطريقة<br />

أو بأخرى،‏ فليس من املستغرب أن تكون عيّنات هذه الصخور<br />

نادرة.‏ وهذا ما يفسر أهمية مكتشفات صخور نوڤواگيتاك<br />

اخلُضُ‏ ر وأنها حتظى بتقدير كبير - وبخالف شديد أيضا،‏<br />

فقد وفّرت مواقع أخرى قليلة حول العالم عيناتٍ‏ يعود عمرها<br />

إلى ما قبل 3.8 بليون سنة،‏ وكان أقدمها عمرا من تندرا<br />

tundra نورث وست تيريتوريز )1( ، التي يعود عمرها إلى ما قبل<br />

3.92 بليون سنة.‏<br />

وقد دفعت ندرة الصخور املبكرة اجليولوجيني إلى البحث<br />

عن أدلة أخرى على ما كانت عليه الكرة األرضية في بضع<br />

مئات من ماليني السنني األولى من عمرها.‏ فبعض هذه األدلة<br />

يتأتى من بلورات صغيرة تدعى الزركون .zircons وفي بعض<br />

)2(<br />

األحيان تتشكل هذه املعادن القاسية املؤلفة من الزركونيوم<br />

أثناء تبرد الصهارة.‏ وعندما تتآكل الصخور الناجتة منها في<br />

وقت الحق،‏ فإنّ‏ بعض بلورات الزركون قد تبقى سليمة،‏ حتى<br />

عند ترسبها بعد انتقالها واستقرارها ثانية على قاع احمليط<br />

واندماجها في صخور رسوبية أحدث منها عمرا.‏<br />

وميكن للروابط الكيميائية التي تشكل بلورات الزركون<br />

أن حتبس ذرات مشعة مثل اليورانيوم.‏ ويعمل تالشي تلك<br />

الذرات كموقِّت )3( ميكن أن يستخدمه اجليولوجيون لقياس<br />

عمر بلورات الزركون.‏ كما حتبس هذه البلورات أيضا مواد<br />

كيميائية أخرى ميكنها أن توفّر بعض األدلة على ما كانت عليه<br />

الكرة األرضية أثناء تشكلها.‏ وبحسب قول ‏:‏<br />

‏»فإنّ‏ بلورات الزركون هي بلورات مدهشة ألنها متثل وسيلة<br />

لتحديد الزمن )4( .«<br />

وفي املناطق النائية بأستراليا عثر اجليولوجيون على<br />

صخور رسوبية تنتثر فيها بكثرة بلورات الزركون بالغة<br />

العمر.‏ ويرجع عمر بعض بلورات الزركون ‏)ولكن،‏ ليس<br />

الصخور احمليطة بها(‏ إلى ما قبل 4.4 بليون سنة،‏ األمر الذي<br />

يجعلها أقدم اآلثار على اإلطالق للتاريخ اجليولوجي.‏ ومنذ<br />

اكتشافها في عام 2001 استخلص العلماء معلومات رائعة<br />

من هذه األحجار الكرمية الصغيرة.‏ وتشير بنيتها إلى أن<br />

الصخور التي تشكلت في األصل تصلبت على عمق أربعة<br />

أميال حتت سطح األرض.‏ وقد وجد ‏‏ وزمالؤه<br />

بصمات كيميائية أيضا تدل على وجود املياه في بعض بلورات<br />

الزركون األسترالية.‏<br />

واملعلومات التي ميكن أن يستخلصها العلماء من بلورات<br />

الزركون الرسوبية هي أفضل بكثير من ال شيء،‏ ولكنها أقل<br />

بكثير مما ميكن أن يستخلصوه من الصخور األصلية التي<br />

تشكلت فيها بلورات الزركون.‏ وحتتوي هذه الصخور على<br />

العديد من املعادن األخرى إلى جانب بلورات الزركون التي<br />

ميكنها أن تكشف مجتمعة الكثيرحَ‏ ممّا كانت عليه الكرة األرضية<br />

عند تشكلها.‏ ويقول ‏ ‏]من جامعة ألبرتا[:‏ ‏»ما لم<br />

تكن لديك هذه الصخور،‏ فلن يكون لديك التاريخ الكامل«،‏<br />

وهذا ما يقودنا إلى العودة مرة أخرى إلى صخور نوڤواگيتاك<br />

اخلُضُ‏ ر.‏<br />

)(<br />

حظ مَحْ‏ ض<br />

في أواخر التسعينات من القرن املاضي أطلقت حكومة<br />

إقليم كيبيك الكندي حملة جيولوجية واسعة النطاق لوضع<br />

أولى خرائط تفصيلية للمناطق الشمالية من اإلقليم.‏ وتتميّز<br />

هذه املناطق بجيولوجية متطبقة مثل طبقات البصل مؤلفة<br />

من نوى من قشرة قارية قدمية العمر حتيط بها طبقات من<br />

صخور أحدث عمرا.‏ لقد متّ‏ البرهان على أن الكثير من هذه<br />

الصخور يعود عمرها إلى ما قبل 2.8 بليون سنة.‏ ولكن<br />

،‏ الذي كان يُحضِّ‏ ر الدكتوراه حينئذ في جامعة<br />

ساميون فريزر في كولومبيا البريطانية،‏ جلب عينة يعود<br />

عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.‏ ومبصادفة سعيدة،‏ كان<br />

قد أُرسل إلى حزام صخور نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر.‏ ‏»يشبه<br />

اكتشاف هذه الصخور سقوط جوهرة في حضني,«‏ هذا<br />

ما صرّح به ‏ زميل ‏‏ إلى اإلذاعة BBC<br />

في عام 2002 بعد أن نشرا نتائج دراساتهما.‏<br />

لقد بدأ جيولوجيون آخرون بالقيام برحلة طويلة إلى<br />

صخور نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر.‏ وكان من بني هؤالء اجليولوجيني<br />

‏،‏ الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة ماكگيل،‏ فقد<br />

SHEER LUCK ()<br />

)1( األقاليم الشمالية الغربية.‏<br />

zirconium )2(<br />

)3( clock أو:‏ ساعة.‏<br />

time capsules )4(<br />

21 (<strong>2014</strong>) 8/7


حجر اخلالف:‏ يصرّ‏ ‏ ‏)إلى اليمني(‏ على أنّ‏ عمر الصخور يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة.‏ بينما يقول ‏ أنّ‏ عمرها يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

أبهره التشابه الكيميائي بني صخور نوڤواگيتاك والصخور<br />

التي يعود عمرها إلى 3.8 بليون سنة في گرينالند،‏ وخمّن<br />

أنهما ينتميان إلى الكتلة األرضية القدمية نفسها.‏<br />

ولسبر كيميائية الصخور،‏ فقد تعاون ‏‏ مع<br />

‏‏ ‏]من معهد كارنيگي[،‏ وهو خبير بالقياسات<br />

الدقيقة للصخور القدمية.‏ والطريقة الوحيدة الواضحة<br />

لتحديد فيما إذا كانت صخرة معينة من صخور نوڤواگيتاك<br />

هي قدمية أم ال هي تأريخها )1( . ومن أجل ذلك،‏ يقوم العلماء<br />

بتعداد وحتديد مستويات النظائر املشعة احملبوسة داخل<br />

الصخر.‏ فالنظائر املشعة هي عبارة عن اختالفات للذرات<br />

التي كانت جزءا من السحابة الغبارية التي منها تشكّل نظامنا<br />

الشمسي.‏ فقد أصبحت هذه النظائر مندمجة في صخور<br />

الكواكب والنيازك املتصلبة،‏ وعندما تبلورت الصخور على<br />

الكرة األرضية،‏ أصبحت تلك النظائر محبوسة في داخلها.‏<br />

ومع مرور الزمن تتالشى النظائر تدريجيا بسرعة زمنية<br />

منتظمة.‏ ومن ثمّ‏ يكشف قياس املستويات املتبقية في الصخر<br />

في الوقت احلاضر عن عمره.‏<br />

ففي مختبر معهد كارنيگي،‏ حدّد ‏‏ و‏<br />

تراكيز النظائر املختلفة،‏ عندما أدركا أنّ‏ شيئا ما كان غريبا<br />

جدا في عينات صخور نوڤواگيتاك.‏ وكان من بني هذه النظائر<br />

ما يعرف باسم النيودمييوم )2( 142 . فهو يتشكل من تالشي<br />

السماريوم )3( 146 . وال يوجد سماريوم 146 طبيعي على<br />

الكرة األرضية،‏ ألن عمر النصف )4( لهذا النظير قصير،‏<br />

فهو 68 مليون سنة فقط وذلك وفق بعض التقديرات.‏ ويقول<br />

‏:‏ ‏»لقد اختفى منذ فترة طويلة،‏ فقد كان السماريوم<br />

146 موجودا عندما تشكلت الكرة األرضية حيث مت حقنه<br />

بالمُستعِ‏ ر األعظم supernova الذي ابتدأ النظام الشمسي.‏<br />

ولكنه تالشى بعد ذلك متحلال خالل 500 مليون سنة.«‏<br />

فقد وجد ‏‏ وزمالؤه أن صخور نوڤواگيتاك<br />

املختلفة فيها نسب مختلفة من النيودمييوم 142 ونظائر<br />

نيودمييوم أخرى.‏ وميكن لهذا االختالف أن يتحقق إذا<br />

تشكلت الصخور فقط في وقت كان ال يزال هناك سماريوم<br />

146 على الكرة األرضية.‏ فقد قارن ‏‏ و‏<br />

وزمالؤهما هذه النسب لتقدير عدد السنوات املاضية التي<br />

انقضت منذ أن تشكلت هذه الصخور.‏ لقد كان هذا العدد<br />

هو:‏ 4.28 بليون سنة وهو لم يكن من بني أعداد السنني التي<br />

كانوا يتوقعونها.‏ وهذا ما أدهشهم،‏ فقد اكتشفوا الصخور<br />

األقدم على الكرة األرضية.‏<br />

ويقول ‏: ‏»في الواقع,‏ لم نكن قط نتوقع اكتشاف هذا<br />

العدد«‏ وقد أعلن هو وزمالؤه اكتشافهم في عام 2008. ومنذ<br />

ذلك احلني قاموا بتحليل عينات أخرى وقدروا اآلن أن صخور<br />

نوڤواگيتاك اخلُضُ‏ ر هي أقدم مما قبل 4.4 بليون سنة.‏<br />

)1( أو:‏ حتديد عمر تشكلها.‏<br />

neodymium 142 )2(<br />

samarium 146 )3(<br />

half-life )4(<br />

22


كيف نؤرخ عمر<br />

صخرة من الصخور<br />

عُ‏ مر التمييز<br />

)(<br />

ميكن لقياس مستويات الذرات في صخرة<br />

أن يكشف عن عمرها.‏ فعندما تتصلب<br />

الصخور ألول مرة من مواد صهارية،‏ فهي<br />

بذلك حتبس داخل بنيتها أشكاال مختلفة،‏<br />

أو نظائر،‏ من ذرات مشعة.‏ وتتالشى<br />

النظائر املشعة ببطء على مدى ماليني<br />

السنني مبعدل زمني ثابت تنفرد به متحولة<br />

إلى نظائر أخرى.‏ فعلى سبيل املثال،‏<br />

يتالشى السماريوم 147 ‏)»النظير األم«(‏ إلى<br />

النيودمييوم 143 ‏)»النظير الوليد«(.‏ ولذلك<br />

يقل عدد ذرات النظير األم تدريجيا،‏ ويزداد<br />

عدد ذرات النظير الوليد.‏<br />

وكذلك تنحبس أيضا بعض الذرات<br />

املستقرة املرتبطة بالذرات الوليدة:‏ مثل<br />

النيودمييوم 144. وال تتالشى الذرات<br />

املستقرة،‏ وبالتالي تبقى وفرتها على<br />

حالها مع مرور الزمن.‏ ويؤدي رسم نسبة<br />

ذرات األم إلى الذرات املستقرة ورسم نسبة<br />

الذرات الوليدة إلى الذرات املستقرة ملعادن<br />

مختلفة في الصخر إلى احلصول على خط<br />

بياني ‏)في األعلى إلى اليسار(.‏ ويعطي<br />

عينة<br />

معدنية 3<br />

مرتفعة<br />

الزمن<br />

عينة<br />

معدنية 2<br />

انحدار هذا اخلط عمر الصخور:‏ فكلما كان<br />

اخلط أكثر انحدارا،‏ كان التالشي أسرع،‏<br />

وبالتالي كان عمر الصخر أقدم.‏<br />

وقد استخدم الباحثون العديد من مثل<br />

هذه الطرائق لتأريخ صخور حزام صخور<br />

نوڤواگيتاك اخلُ‏ ضُ‏ ر في كندا.‏ وبالطبع<br />

فهناك دوما هامش قليل من اخلطأ،‏<br />

وبالتالي قاموا بتقييم نتائج طريقة أكثر<br />

تعقيدا تقارن بني مُوقّتني:‏ نسبة اليورانيوم<br />

يعطي انحدار اخلط عمر الصخر في الوقت احلاضر<br />

عينة<br />

معدنية 1<br />

نسبة السماريوم 147 إلى نسبة النيودمييوم 144<br />

النسبة في الزمن<br />

الذي تشكل فيه الصخر<br />

منخفضة<br />

مرتفعة<br />

منخفضة<br />

نسبة النيودمييوم 143 إلى النيودمييوم 144<br />

238 إلى نسبة الرصاص 206 ونسبة<br />

اليورانيوم 235 إلى نسبة الرصاص 207.<br />

وغالبا ما يستخدم علماء اآلثار طريقة<br />

‏»التأريخ بالكربون املشع«‏ )1( الشهيرة التي<br />

تعمل على مبدأ مشابه،‏ ولكن بسبب تالشي<br />

نظير الكربون 14 بسرعة نسبيا،‏ فإنه يشير<br />

إلى عمر ما قبل نحو 60 000 سنة فقط.‏<br />

محررو ساينتفيك أمريكان<br />

)(<br />

صخور قدمية أو أنها األقدم على اإلطالق؟<br />

أعلن ‏‏ وزمالؤه ألول مرة عن نتائجهم في املؤمتر<br />

اجليولوجي الذي عقد في ڤانكوفر.‏ فما زال ‏‏<br />

يتذكر الصدمة التي شعر بها عند سماعه األخبار:‏ ‏»لقد<br />

أصبتُ‏ بدهشة عارمة عندما نظرتُ‏ ححَ‏ وْلي ورأيت الناس<br />

مذهولني.‏ أعتقد،‏ أنّ‏ هذا أمر مستغرب.«‏<br />

كان لدى ‏‏ سبب معني لدهشته.‏ فقد كان من<br />

بني اجليولوجيني القالئل الذين سافروا إلى حزام صخور<br />

نوڤواگيتاك ملتابعة بحث ‏.‏ لقد حدّد ‏‏<br />

وزمالؤه عرقا من الصخور النارية كانت قد اخترقت عبر<br />

قشرة األرض بعد تشكلها.‏ فقد تبنيّ‏ لهم أن هذا العرق<br />

يحتوي على بلورات الزركون.‏ وعند عودة ‏‏<br />

إلى بيته في والية كولورادو،‏ حدّد هو وزمالؤه عمر بلورات<br />

الزركون على أنه يعود إلى ما قبل 3.75 بليون سنة - وتتطابق<br />

هذه النتيجة بشكل جيد مع تقديرات ‏‏ األصلية وهي<br />

3.8 بليون سنة.‏<br />

ويجابه ‏‏ اآلن ‏‏ وبقية املجتمع العلمي<br />

معلنا أنّ‏ عمر صخور نوڤواگيتاك هو أقدم بنصف بليون سنة.‏<br />

لقد طلب ‏ ‏]مساعد ‏‏ من املدرسة<br />

العليا لألساتذة في ليون بفرنسا[‏ بعض عينات ‏‏ وأعاد<br />

اختبارها مرة أخرى.‏ وكانت قياسات النيودمييوم صحيحة.‏<br />

ومع ذلك،‏ ‏»ال يزال األمر ال يعنيني،«‏ كما يقول ‏.‏<br />

وهكذا،‏ عاد ‏‏ في عام 2011 مع طالبه إلى<br />

منطقة صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر ملزيد من دراسة املوقع.‏<br />

فقد قاموا بوضع خريطة لألراضي وطبقات الصخور التي<br />

أخذت منها عينات ‏‏ التي مت تأريخها.‏ لقد رأوا في هذه<br />

الصخور التي سبق وأعلن أنّ‏ عمرها يعود إلى ما قبل 4.4<br />

بليون سنة،‏ عروقا من الكوارتزيت بلون أخضر فاحت.‏ وقد قرر<br />

‏‏ أن تلك العروق وفرت وسيلة الختبار ما إذا كانت<br />

صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر هي األقدم على هذا الكوكب.‏<br />

لقد رأى اجليولوجيون ترتيبات مماثلة في تكوينات صخرية<br />

أحدث عمرا بكثير.‏ وتلك التكوينات حتدث عندما تنشر البراكني<br />

حتت املاء صخورا منصهرة على قاع احمليطات.‏ وأحيانا<br />

How to Date a Rock ()<br />

OLD—OR OLDEST EVER ()<br />

radiocarbondating )1(<br />

23 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

تخمد البراكني وتترسب الرواسب الواردة من اليابسة فوق<br />

الصخور النارية.‏ وبعد ذلك تثور البراكني من جديد،‏ وتدفن<br />

الصخور الرسوبية حتت طبقة طازجة من الصخور النارية.‏<br />

وإذا كان األمر كذلك في صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر،‏<br />

فقد جاءت عروق الكوارتزيت من رواسب كتل اليابسة<br />

القدمية خالل واحدة من فترات اخلمود البركاني.‏ وإذا كان<br />

الكوارتزيت يحوي بلورات الزركون،‏ فسيكون لهذه البلورات<br />

عمر أقدم بكثير من عمر الصخور البركانية احمليطة ألن لهذه<br />

البلورات تاريخا أطول.‏<br />

‏»لقد زحفنا على أيدينا وركبنا على العديد من التكشفات<br />

الصخرية,«‏ حسب قول ‏.‏ وبعد أيام من العمل<br />

املضني،‏ وجدوا بقعتني من بقع الكوارتزيت مع بلورات<br />

الزركون - أعطت إحداها آالفا من املعادن الصغيرة.‏ وعندما<br />

أحضروا تلك البلورات من الزركون إلى كولورادو،‏ وجد<br />

‏‏ أنّ‏ عمرها يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.‏<br />

وهذا ما كانوا ال يتوقعون وجوده في صخور يعود عمرها<br />

إلى ما قبل 4.4 بليون سنة.‏<br />

لقد عالج فريق ‏‏ أيضا مسألة عمر صخور<br />

نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر من نواحٍ‏ علمية أخرى.‏ فقد استخدموا<br />

مُوقّتا clock آخر لتأريخ الصخور يعتمد،‏ على سبيل املثال،‏<br />

على تالشي اللوتيثيوم lutetium إلى الهافنيوم .hafnium<br />

ومرة أخرى،‏ جاءت النتائج مطابقة لِ‏ 3.8 بليون سنة.‏<br />

لقد قادت جميع هذه األدلة ‏‏ إلى وصف جديد<br />

لصخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر.‏ فمنذ نحو ما قبل 4.4 بليون<br />

سنة،‏ صعدت بعض الصخور املنصهرة نحو سطح األرض<br />

وأصبحت صلبة.‏ وعند تبلورها،‏ حبست بعض السماريوم 146<br />

املشع القصير العمر الذي كان ال يزال موجودا في صخور<br />

الكرة األرضية املبكرة.‏ ولكن عادت،‏ بعد ذلك،‏ قشرة األرض<br />

القدمية وانغرزت في وشاح األرض.‏ األمر الذي أدّى إلى رفع<br />

درجة حرارة هذه املواد إلى نقطة لم تعد فيها على شكل<br />

صخور،‏ إال أنها لم تختلط كليا بوشاح األرض احمليط بها.‏<br />

فقد بقي القليل منها على شكل بقع متميزة مبستويات غريبة<br />

خاصة بها من النيودمييوم.‏ وأخيرا،‏ وبعد 600 مليون سنة،‏<br />

دفع نشاط بركاني هذه املواد مرة أخرى إلى سطح األرض،‏<br />

لتشكل صخورا تتضمّن بعض البقع القدمية،‏ ومنها تلك التي<br />

حتمل بصمة يعود عمرها إلى ما قبل 4.4 بليون سنة مضت.‏<br />

‏»وميكن لتلك الصخور املنصهرة نفسها أن تكون لها<br />

ذاكرة لوجود سابق،«‏ بحسب قول ‏.‏ وكنتيجة<br />

لذلك،‏ ميكن للصخور التي عمرها فقط ما قبل 3.8 بليون سنة<br />

أن تُبدي بصمة يعود عمرها إلى ما قبل 4.4 بليون سنة.‏<br />

)(<br />

مت توضيح غموض بلورات الزركون<br />

قدّم ‏‏ وزمالؤه تلك النتائج في املؤمترات<br />

اجليولوجية،‏ وأحيانا في اجللسات نفسها التي كان فيها<br />

‏‏ يقدم وجهة نظره املعارضة – بأنّ‏ الصخور تشكلت<br />

ما قبل 4.4 بليون سنة،‏ وأنها بقيت هناك ببساطة منذ ذلك<br />

احلني في قشرة الكرة األرضية.‏ فقد عاد فريق ‏‏<br />

إلى منطقة صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر لدعم مجموعته من<br />

الصخور القدمية بنحو 10 إلى 50 عينة.‏ ولم تتعارض أي من<br />

البيانات اجلديدة مع التقدير األصلي لعمر صخور املوقع.‏<br />

لقد رفض ‏‏ أيضا أدلة ‏‏ وزمالئه التي<br />

استخدموها لدعم أنّ‏ عمر صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر يعود<br />

فقط إلى ما قبل 3.8 بليون سنة فقط.‏ ويضيف ‏:‏ ‏»لدينا<br />

خالفات قوية حول جيولوجيا املنطقة.«‏<br />

لنأخذ طبقة الكوارتزيت حيث وجد ‏‏ بلوراته<br />

من الزركون.‏ ففي التكوينات القدمية قِدحَم صخور نوڤواگيتاك<br />

اخلضُ‏ ر،‏ فليس من السهل حتديد أي نوع من الصخور يشكل<br />

تكوينا من التكوينات،‏ بسبب شدة تشوهه على مدى باليني<br />

السنني.‏ في حني ال يعتقد ‏‏ أنّ‏ نطاق الكوارتزيت هو<br />

كوارتزيت على اإلطالق.‏ فهو يؤكّد،‏ بدال من ذلك،‏ على أنه<br />

عرق من عروق الصهارة اندفع في الصخور القدمية التي<br />

يعود عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.‏ ومن ثم ال يدل<br />

عمر بلوراتها من الزركون على عمر الصخور احمليطة بها.‏<br />

ويقول ‏:‏ ‏»ال يوجد شيء مستغرب أو غير عادي«‏ حول<br />

صخوره،‏ ويضيف:‏ ‏»إنها بالفعل قدمية.«‏<br />

أما ‏‏ نفسه اخلبير في الصخور القدمية،‏ فيعتقد<br />

أنّ‏ ‏‏ وزمالءه قاموا بعمل جيد.‏ وأضاف ‏»أعتقد أنّ‏<br />

أدلتهم كانت مقنعة،‏ لقد بذلوا اجلهد الكافي للقيام بهذا<br />

العمل.«‏ ومع ذلك يعتقد ‏‏ أيضا أن الغموض سيستمر<br />

حتى يتمكن العلماء من إيجاد وسيلة أخرى لتأريخ الصخور.‏<br />

فمن املمكن أن يكون عدد قليل من املعادن قد انحبس في<br />

صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر املتنازع عليها والتي حتتوي على<br />

اليورانيوم والرصاص.‏ إنّ‏ هذه التركيبة هي الوسيلة األكثر<br />

موثوقية لتخبرنا عن الزمن القدمي،‏ ألن العلماء لديهم اخلبرة<br />

الواسعة بهذه التركيبة وأضاف:‏ ‏»إذا استطاع شخص ما<br />

الذهابحَ‏ إلى هناك والعثور على املواد الصحيحة ومن ثم<br />

حصل على عمرها القدمي،‏ فرمبا تكون األوساط العلمية عندئذ<br />

أكثر قبوال لفكرة وجود بعض قليل من قشرة األرض القدمية<br />

قد تكشَّ‏ ف هناك.«‏<br />

ZIRCON MYSTERY EXPLAINED ()<br />

24


)(<br />

متى تشكلت احلياة<br />

إذا كان عمر صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر هو في الواقع<br />

4.4 بليون سنة،‏ فإن ‏‏ يعتقد أنّ‏ لهذه الصخور<br />

القدرةحَ‏ على فتح نافذة واسعة على الكرة األرضية املبكرة<br />

لكونها قد تشكلت بعد التصادم العمالق Giant Impact<br />

بوقت قصير.‏ لقد تشكلت بلورات الزركون األسترالية أيضا<br />

في ذلك الزمن على أعماق عدة أميال في وشاح األرض.‏<br />

ولكن ‏‏ يحاجّ‏ في أنّ‏ صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر<br />

تشكلت على السطح.‏ ويضيف بقوله:‏ ‏»تشبه جيوكيمياء هذه<br />

الصخور قاع احمليط.«‏<br />

وإذا كان ذلك صحيحا،‏ فهذا يؤكد أن الكرة األرضية<br />

ضحَ‏ مّت احمليطات بعد وقت ليس بالطويل من حدوث التصادم<br />

العمالق.‏ فقد وجد ‏‏ أيضا أن كيمياء هذه الصخور<br />

تبدو مشابهة إلى حد بعيد لكيمياء صخور قاع البحر التي<br />

تشكلت في زمن أحدث بكثير.‏ وهذا ما يوحي إلى أنّه عندما<br />

نشأت احمليطات األولى في العالم لم تكن مختلفة اختالفا<br />

جذريا عما هي عليه في الوقت احلاضر.‏ حتى أنّ‏ ‏‏<br />

يعتقد أنّ‏ الصخور تُظهر عالمات عن حدوث حركات للصفائح<br />

التكتونية،‏ وهذا ما يشير إلى أنّ‏ هذه العملية بدأت بصورة<br />

مبكرة جدا من تاريخ الكرة األرضية.‏<br />

وهناك وجهة نظر أكثر إثارة فيما لو تشكلت صخور<br />

نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر على قاع احمليط منذ ما قبل 4.4 بليون<br />

سنة:‏ إذ ميكنها بذلك أن تسلط الضوء على أصل احلياة.‏<br />

فاقتفاء أثر األحافير fossils في الوقت احلاضر يصبح عقيما<br />

فيما قبل 3.5 بليون سنة.‏ أمّا في الصخور األحدث من ذلك،‏<br />

فقد وجد العلماء بكتيريا محفوظة بينما لم يجدوا شيئا في<br />

الصخور األقدم.‏<br />

ومع ذلك,‏ فإنّ‏ األحافير ليست هي اآلثار الوحيدة التي<br />

ميكن أن تتركها احلياة وراءها.‏ وعلى اعتبار أنّ‏ البكتيريا<br />

تتغذى بالكربون،‏ فيمكنها أن تُغيّر في توازن نظائر<br />

الكربون في بيئتها،‏ وميكن لهذا االختالل )1( أن يُحفظ في<br />

الصخور التي تشكلت في ذلك الوقت.‏ وقد ادعى بعض<br />

الباحثني أن الصخور التي يعود عمرها إلى ما قبل 3.8<br />

بليون سنة في گرينالند حتفظ هذا االختالل،‏ الذي هو<br />

بصمة من بصمات احلياة.‏<br />

ولم يترك هذا االختالل أي دليل على احلياة خالل فترة<br />

ال 700 مليون سنة األولى من وجود الكرة األرضية.‏ ولذلك<br />

ال ميكن للعلماء القول ما إذا كانت احلياة قد بدأت بداية<br />

سريعة على كوكب األرض بعد فترة وجيزة من تشكله أم<br />

تأجّ‏ ل ظهورها لعدة مئات املاليني من السنني.‏ لقد كان على<br />

العلماء أن يعرفوا أيضا أين بدأت احلياة على هذا الكوكب.‏<br />

فقد اقترح بعض الباحثني أنّ‏ ظهور اجلزيئات البيولوجية<br />

قد مت في الصحاري أو في برك املد واجلزر.‏ وفي حني<br />

اعتبر آخرون أن ظهور هذه اجلزيئات البيولوجية كان في<br />

االنبثاقات احلرارية املائية )2( vents hydrothermal في أعماق<br />

البحار التي كانت تشكل حضاناتها األصلية.‏<br />

وإذا كانت صخور نوڤواگيتاك اخلضُ‏ ر قد تشكلت على<br />

قاع احمليط منذ ما قبل 4.4 بليون سنة،‏ فهي تشكل املادة<br />

املثالية ملعاجلة هذه األسئلة الكبيرة.‏ ويأمل ‏‏ بالتعاون<br />

مع باحثني مبعرفة ما إذا كانت الصخور قد تشكلت في<br />

االنبثاقات احلرارية املائية.‏ ويضيف بقوله:‏ ‏»ال ميكننا جتاهل<br />

هذه الصخور.‏ إنها املكان املثالي لتشكل احلياة.«‏<br />

إنّ‏ العثور على أقدم آثار للحياة هو هاجس بالنسبة إلى<br />

‏أيضا،‏ لكنه سوف لن يبحث عنها في صخور<br />

نوڤواگيتاك.‏ وهو يضيف بقوله:‏ ‏»سوف أقضي بقية حياتي<br />

املهنية في متابعة هذا الهراء.«‏<br />

ومع ذلك،‏ ال يرى ‏‏ أي فائدة مهمة تنشأ<br />

عن خالفه مع ‏‏ والباحثني اآلخرين.‏ فعندما كانوا<br />

يتجادلون،‏ كانوا عموما يطورون طرائق أفضل لتأريخ<br />

الصخور القدمية.‏ ‏»إنها حقا مناقشة رائعة«،‏ بحسب قول<br />

‏.‏ وفي النهاية،‏ ستكون أجيال املستقبل من<br />

اجليولوجيني الذين يغامرون في مناطق نائية من العالم<br />

بحثا عن عينات غامضة قادرة على استخدام تلك األساليب<br />

لكشف أسرار الكرة األرضية املبكرة.‏ ويتوافق حول هذه<br />

النقطة على األقل كل من ‏‏ و.‏ ويقول<br />

)3(<br />

‏:‏ ‏»رمبا تكون جميع هذه احملتبسات الصغيرة<br />

من الصخور القدمية موجودة في كل مكان«،‏ ويضيف:‏ ‏»إنها<br />

تغيب بالفعل بسهولة عن األنظار.«‏ ><br />

WHEN LIFE FORMED ()<br />

)1( imbalance؛ أو:‏ التغيير في التوازن.‏<br />

)2( أو:‏ احلرمائية.‏<br />

small enclaves )3(<br />

مراجع لالستزادة<br />

The Story of Earth. Robert Hazen. Viking, 2012.<br />

Half a Billion Years of Reworking of Hadean Mafic Crust to Produce the Nuvvuagittuq<br />

Eoarchean Felsic Crust. Jonathan O’Neil et al. in Earth and Planet ary Science Letters, Vol.<br />

379, pages 13–25; 2013.<br />

Reduced, Reused and Recycled: Detrital Zircons Define a Maximum Age for the Eoarchean<br />

(ca. 3750–3780 Ma) Nuvvuagittuq Supracrustal Belt, Quebec (Canada). Nicole L. Cates et<br />

al. in Earth and Planetary Science Letters, Vol. 362,<br />

pages 283–293; 2013.<br />

Scientific American, March <strong>2014</strong><br />

25 (<strong>2014</strong>) 8/7


توازن حساسية<br />

املناخ (ECS) 4.5<br />

املستوى احلالي من الهباء<br />

اجلوي مستقر<br />

مستوى الهباء اجلوي منخفض<br />

توازن حساسية املناخ 3.0<br />

)(<br />

منطقة اخلطر في 22 عاما<br />

يقول العلماء إنه في حال ارتفاع درجات حرارة سطح الكرة الشمالي إلى أكثر<br />

من درجتني سيلزيتني فوق مستويات ما قبل الصناعة،‏ فإن احلضارة البشرية<br />

ستعاني ضررا جسيما.‏ لكن متى سيحدث هذا لو أن العالم استمر بإحراق الوقود<br />

األحفوري باملعدالت احلالية؟ اجلواب يأتي من إدخال تقديرات خاصة بتوازن<br />

حساسية املناخ )ECS( )1( - مدى حساسية الغالف اجلوي لتأثير التسخني املنبعث<br />

عن غازات االحتباس احلراري ‏)خمسة منحنيات ثابتة(‏ - فيما يسمى توازن طاقة<br />

النماذج املناخية )2( . والتقدير الذي يتفق مع البيانات املسجلة التي تعكس حساسية<br />

مناخ األرض ‏)اللون األبيض(‏ يشير إلى أن العالم سوف يعبر عتبة الدرجتني<br />

السيلزيتني في عام 2036، أي بعد 22 عاما فقط من اآلن ‏)اللون البرتقالي(.‏<br />

وفي حال أن التقارير احلالية املعلنة بشأن بطء ارتفاع معدل درجة احلرارة،‏<br />

الذي يسمى أحيانا ‏»الوقفة«‏ - the pause وهي تسمية غير موفقة -<br />

أثبتت أنها جزء من منوذج أكثر ثباتا،‏ فإن تقديرا مختلفا عندئذ<br />

‏)اللون الذهبي(‏ سيناسب اخلمس عشرة سنة املاضية أو نحوها،‏<br />

وسيمنح العالم وقتا حتى عام 2046 الجتياز خط اخلطر.‏<br />

2013 2036 2046<br />

توازن حساسية املناخ 2.5<br />

توازن حساسية املناخ 2.0<br />

مستوى ثنائي أكسيد الكربون 450<br />

جزءا في املليون )3.0 )ECS<br />

توازن حساسية املناخ 1.5<br />

اإلبقاء على مستوى ثنائي أكسيد<br />

الكربون عند 405 أجزاء في املليون<br />

عتبة اخلطر:‏ درجتان سيلزيتان<br />

مستوى ثنائي أكسيد الكربون 450 جزءا في املليون )2.5 )ECS<br />

)(<br />

أين متسك الزمام<br />

غالبا ما يقول العلماء وصُ‏ نّاع السياسة إن على العالم أن يُبقي على مستويات ثنائي<br />

أكسيد الكربون دون 450 جزءا في املليون لتفادي درجتني سيلزيتني من االحترار العاملي<br />

‏)املستوى المس 400 جزء في املليون عام 2013(. بيد أنه في حال أن كانت حساسية مناخ<br />

الغالف اجلوي ثالث درجات سيلزية ‏)اللون البرتقالي(،‏ ميكن أن يقتصر االحترار على<br />

ذلك املقدار فقط إذا أبقينا على إطالق ملوثات الهباء اجلوي ‏)ذرات في الغالف اجلوي<br />

حتجب حرارة الشمس(‏ باملعدالت احلالية ‏)اللون البرتقالي املتقطع(.‏ ومن املفارقات أن<br />

خفض إحراق الفحم الالزم خلفض انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون يُخفِّضُ‏ أيضا الهباء<br />

اجلوي؛ مما يرسل بدرجات احلرارة عبر خط اخلطر ‏)اللون البرتقالي املنقط(.‏ وينطبق<br />

الشيء نفسه على ما إذا كانت احلساسية 2.5 درجة سيلزية ‏)اللون الذهبي(.‏ لهذا،‏ تشير<br />

هذه البيانات إلى أنه موثوق به لدرجتني سيلزيتني من االحترار،‏ ويتعني اإلبقاء على<br />

مستويات ثنائي أكسيد الكربون دون 405 أجزاء في املليون ‏)اللون األزرق(‏ - بالكاد فوق<br />

مستويات ال 393 إلى 400 جزءٍ‏ في املليون التي لوحظت في السنة املاضية.‏<br />

وقفة<br />

2000 2013 2025 2050<br />

2075 2100<br />

Where to Hold the Line ()<br />

Danger Zone in 22 Years ()<br />

energy balance model of climate )2( Equilibrium Climate Sensitivity )1(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

26


5<br />

املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

)(<br />

أمل خادع<br />

4<br />

رمبا يكون معدل ارتفاع درجات احلرارة العاملية قد وصل إلى درجة<br />

مستقرة نسبيا،‏ لكن ال تزال أزمة مناخ تبدو وشيكة في املستقبل القريب.‏<br />

.M> .E مان>‏<br />

3<br />

2<br />

تقول مجلة وول ستريت جورنال إن<br />

درجات احلرارة ظلت على حالها طيلة<br />

اخلمس عشرة سنة املاضية - ورمبا ليس<br />

ثمة من يستطيع تفسير ذلك.‏ وتقول صحيفة<br />

ديلي ميل:‏ ‏»إن توقف االحترار العاملي )1( قد<br />

يبقى ملدة 20 سنة أخرى،‏ وإن جليد البحر<br />

القطبي قد بدأ بالفعل يستعيد وضعه<br />

الطبيعي.«‏ ومثل هذه املزاعم املطمئنة حول<br />

املناخ تكثر في وسائل اإلعالم الشعبية،‏<br />

إال أنها في أحسن األحوال مضللة،‏ ذلك أن<br />

ارتفاع حرارة الكرة األرضية مازال مستمرا<br />

بوتيرة واحدة،‏ ومازال ميثل مشكلة ملحة<br />

تتطلب عمال عاجال.‏<br />

وينبع سوء الفهم في هذا الصدد من<br />

البيانات التي تظهر بأنه خالل العقد املاضي<br />

كان هناك تباطؤ في زيادة معدل درجات حرارة<br />

سطح األرض.‏ وخالل العقد املاضي كان يشار<br />

إلى ذلك احلدث عادة ب ‏»الوقفة«‏ .the pause ولكن<br />

هذا خطأ في التسمية.‏ فدرجات احلرارة ال<br />

تزال في ارتفاع،‏ وإن لم يكن بالسرعة نفسها<br />

التي كانت عليها في العقد السابق.‏ والسؤال<br />

املهم هو:‏ كيف ميكن للتباطؤ القصير األمد<br />

أن ينبئ بالكيفية التي ميكن أن تزداد فيها<br />

حرارة العالم في املستقبل؟<br />

FALSE HOPE ()<br />

Global warming )1(<br />

درجة حرارة ما قبل الصناعة<br />

املتوسط احلسابي التاريخي لدرجات احلرارة السنوية ‏)باللون األبيض(‏<br />

تغير درجة حرارة السطح ‏)درجة سيلزية(‏<br />

1<br />

0<br />

1850 1875<br />

1900 1925 1950 1975<br />

27<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7


إن الهيئة احلكومية الدولية املعنية بتغير املناخ (IPCC) )1( التابعة لألمم املتحدة هي املكلفة<br />

باإلجابة عن مثل هذه األسئلة.‏ وقد ردت الهيئة IPCC على تلك البيانات بأن خفضت في تقريرها<br />

الصادر في الشهر 2013/9 جانبا واحدا من توقعاتها بشأن االحترار املستقبلي.‏ ونظرا ألن تنبؤاتها<br />

التي تُصدِ‏ رها كل خمس أو سبع سنوات هي التي تُسيِّر السياسات املناخية في العالم،‏ فإنه حتى<br />

أصغر تغيرٍ‏ يُثير نقاشات حول السرعة التي تزداد فيها حرارة الكرة األرضية،‏ وحول املدة املتبقية<br />

لنا لكي نحَعمل على وحَقْفِ‏ ذلك.‏ إن الهيئة IPCC لم تُدْلِ‏ حتى اآلن بدلوها بشأن آثار االحترار أو<br />

الكيفية التي ميكن من خاللها تخفيف تلك اآلثار - وهو ما سنفعله في تقارير كانت متوقعة في<br />

شهري 3 و 4 من هذا العام.‏ ومع هذا،‏ فقد أحَجريتُ‏ بعض احلسابات التي أعتقد أنها كفيلة باإلجابة<br />

اآلن عن تلك األسئلة:‏ إذا استمر العالم بإحراق الوقود األحفوري fossil fuel باملعدل احلالي,‏ فإنه<br />

سيصبح على أعتاب دمار بيئي بحلول عام 2036. وبإمكان التقليل من انبعاثات غاز االحتباس<br />

احلراري greenhouse gas أن مينح العالم بضع سنوات إضافية بعد ذلك التاريخ قبل اجتياز تلك<br />

العتبة - وأؤكد أن ذلك سيكون ملجرد بضع سنوات فقط.‏<br />

)(<br />

جدل حساس<br />

في عام 2001 حظيت الطبيعة املثيرة لالحترار العاملي<br />

باهتمام العالحَم عندما نشرت الهيئة IPCC رسما بيانيا<br />

وضعتُه مع زمالئي املؤلفني املشاركني،‏ وصار يُعرف ب ‏»عصا<br />

الهوكي.«‏ )2( فقد كان عمود العصا،‏ األفقي واملنحدر تدريجيا<br />

من اليسار إلى اليمني،‏ يشير إلى تغيرات بسيطة فقط في<br />

درجات حرارة نصف الكرة الشمالي على مدى نحو 1000<br />

سنة - بقدر ما رجعت إليه بياناتنا.‏<br />

أظهر اجلزء املسطح املقلوب من العصا،‏ من جهة اليمني،‏<br />

ارتفاعا مفاجئا وغير مسبوق منذ منتصف القرن التاسع<br />

عشر.‏ وأصبح الرسم البياني كأنه مانعة صواعق Lightning<br />

rod في النقاش الدائر حول تغير املناخ،‏ وأصبحتُ‏ جحَ‏ رّاء<br />

باختصار<br />

إن املعدل الذي كانت ترتفع به درجة حرارة األرض،‏ قد تحَباطأ<br />

قليال في العقد املاضي،‏ لكن درجة احلرارة مازالت في ارتفاع،‏<br />

وإن تسمية التباطؤ ب ‏»الوقفة«‏ هي تسمية مضللة.‏<br />

وتُبني حسابات جديدة للمؤلف أن العالحَم إذا استمر بإحراق<br />

الوقود األحفوري باملعدل احلالي،‏ فسيرتفع االحترار العاملي إلى<br />

درجتني سيلزيتني بحلول عام ‎2036‎؛ مما ينذر باجتياز عتبة إحلاق<br />

الضرر باحلضارة البشرية.‏<br />

ولتفادي اجتياز هذه العتبة،‏ يتعني على الشعوب أن تُبقي على<br />

مستويات ثنائي أكسيد الكربون دون 405 أجزاء في املليون.‏<br />

ذلك شخصية عامة - على الرغم مِ‏ نّي.‏ وفي تقريرها الذي<br />

أصدرته في الشهر 2013/9، أعادت الهيئة IPCC بيانات<br />

العصا إلى اخللف مدة أبعد،‏ مستخلصة أنه من احملتمل<br />

أن يكون االحترار احلالي لم يسبق له مثيل منذ 1400 عام<br />

على األقل.‏<br />

ومع أن األرض شهدت احترارا استثنائيا خالل القرن<br />

املاضي،‏ فلتقدير كم احترارا استثنائيا سوف يحدث،‏<br />

سنحتاج إلى معرفة الكيفية التي تستجيب بها درجات<br />

احلرارة للزيادة املستمرة في كمية غازات االحتباس<br />

احلراري التي نطلقها إلى الغالف اجلوي،‏ وباألخص<br />

ثنائي أكسيد الكربون ) 2 .(CO ويدعو العلماء هذه<br />

االستجابة توازن حساسية املناخ (ECS) )3( . فهو يعتبر<br />

مقياسا عاما لتأثير التسخني الذي تتسبب به غازات<br />

االحتباس احلراري.‏ وهو ميثل االحترار عند سطح األرض<br />

املتوقع بعد أن يتضاعف تركيز ثنائي أكسيد الكربون في<br />

الغالف اجلوي ويصل املناخ إلى االستقرار في وقت الحق<br />

‏)الوصول إلى التوازن(.‏<br />

فقد كان مستوى ثنائي أكسيد الكربون فيما قبل<br />

مرحلة الصناعة نحو 280 جزءا في املليون (ppm) )4( ،<br />

A SENSITIVE DEBATE ()<br />

the Intergovernmental Panel on Climate Change )1(<br />

)2( stick :the hockey هي تسمية للرسم البياني الذي وضعه ‏‏ ومشاركوه<br />

والذي تندرج فيه أرقام البيانات data بشكل مسلسل،‏ ولكنها تنتهي أمام نتوء<br />

ضخم يسد طريق املتابعة.‏ وميكن االستزادة باالطالع على املوضوع للمؤلف<br />

نفسه في ، العددان )2012(، 10/9 ص 71.<br />

Equilibrium Climate Sensitivity )3(<br />

parts per million )4(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

28


أي إنَّ‏ الضعف سيكون 560. وتوقع العلماء حدوث هذه<br />

املضاعفة في وقت الحق من هذا القرن إذا ما واصلت<br />

الدول إحراق الوقود األحفوري كما تفعل اآلن - سيناريو<br />

‏»النشاطات املعتادة«‏ )1( - بدال من تخفيض استخدام<br />

الوقود األحفوري.‏ وكلما ازدادت حساسية الغالف اجلوي<br />

لالرتفاع في نسبة ثنائي أكسيد الكربون،‏ ازداد التوازن ECS<br />

وازدادت سرعة ارتفاع درجات احلرارة.‏ إن التوازن ECS<br />

هو اختزال لكمية االحترار املتوقع،‏ بوجود سيناريو معني<br />

النبعاثات وقود أحفوري.‏<br />

إن من الصعب حتديد قيمة دقيقة للتوازن ECS؛ ألن<br />

االحترار يتأثر بآليات التغذية الراجعة feedback مبا في<br />

ذلك الناجمة عن السُّ‏ حُ‏ ب واجلليد وعوامل أخرى.‏ وقد<br />

توصلت مجموعات منذجة مختلفة إلى نتائج متباينة حول<br />

ما ميكن أن تكون عليه التأثيرات الدقيقة لهذه التغذيات<br />

الراجعة،‏ وميكن أن تكون السحب أكثرها أهمية.‏ فقد<br />

تكون لها تأثيرات مُبرِّدة من خالل حجب أشعة الشمس<br />

القادمة،‏ وتأثيرات مُسخِّ‏ نة من خالل امتصاص بعض<br />

الطاقة احلرارية التي تطلقها األرض باجتاه الفضاء.‏<br />

وتعتمد هيمنة أي من هذين التأثيرين على نوع السحب<br />

وتوزعها وارتفاعها،‏ وهو أمر يصعب على النماذج املناخية<br />

التنبؤ به.‏ وترتبط عوامل تغذية راجعة أخرى بكمية بخار<br />

املاء التي ستكون موجودة في الغالف اجلوي األكثر<br />

حرارة ومدى السرعة التي ستذوب بها صفائح اجلليد<br />

البحرية والقارية.‏<br />

ونظرا ألن طبيعة عوامل التغذية الراجعة هذه غير مؤكدة،‏<br />

فإن الهيئة IPCC توفر للتوازن ECS مدى معينا - وليس<br />

عددا واحدا.‏ وفي التقييم الرئيسي اخلامس ‏)الذي أوردته<br />

الهيئة IPCC في تقرير الشهر 9( استقرت الهيئة على مدى<br />

قدره 1.5 إلى 4.5 درجة سيلزية ‏)نحو 3 إلى 8 درجات<br />

فهرنهايتية(.‏ وكانت الهيئة IPCC قد خفضت النهاية السفلية<br />

للمدى إلى ما دون الدرجتني السيلزيتني اللتني أحَوردحَتْهُما في<br />

تقرير التقييم الرابع الصادر في عام 2007. ووضعت الهيئة<br />

IPCC احلد السفلي على خط ضيق واحد من األدلة:‏ تباطؤ<br />

ارتفاع درجة حرارة السطح خالل العقد املاضي - نعم،‏<br />

التوقف الوهمي.‏<br />

كثير من علماء املناخ – مبن فيهم املؤلف - يعتقدون<br />

أن عقدا واحدا من الزمن هو فترة وجيزة جدا لقياس<br />

االحترار العاملي بدقة،‏ وأن الهيئة IPCC قد تأثرت بال<br />

مبرر بهذا الرقم الوحيد القصير األمد.‏ إضافة إلى<br />

ذلك،‏ فإن تفسيرات أخرى لهذا التخبط السريع ارتفاعا<br />

املؤلف<br />

Michael E.Mann<br />

‏‏ أستاذ متميز في علم األرصاد اجلوية بجامعة والية بنسلفانيا،‏ وأسهم<br />

في أعمال اللجنة االستشارية احلكومية اخلاصة بالتغيرات املناخية التي<br />

حصلت على جائزة نوبل للسالم عام 2007. وكتابه:‏ ‏»عصا الهوكي وحروب<br />

املناخ:‏ برقيات من اخلطوط األمامية«‏ ‏)مطبعة جامعة كولومبيا،‏ 2012( )2( متوفر<br />

بغالف ورقي مع مقدمة كتبها .‏<br />

وانخفاضا ال يتعارض مع أرجحية األدلة التي تشير<br />

إلى أن درجات احلرارة ستواصل االرتفاع.‏ فعلى سبيل<br />

املثال،‏ قد يكون للتأثيرات املتراكمة للثورات البركانية<br />

خالل العقد املنصرم - مبا في ذلك البركان اآليسلندي<br />

- Eyjafjallajökull تأثير تبريد أكبر على سطح األرض<br />

كما تحَبنيَّ‏ في معظم مناذج احملاكاة املناخية.‏ كذلك كان<br />

هناك انخفاض طفيف،‏ ولكن قابل للزيادة في الناجت<br />

الشمسي الذي لم يؤخذ باحلسبان في مناذج احملاكاة<br />

التي وضعتها الهيئة .IPCC<br />

والتغير الطبيعي في كمية احلرارة التي متتصها<br />

احمليطات رمبا أدى دورا في ذلك.‏ ففي النصف األخير من<br />

العقد،‏ استمرت ظروف النينيا )3( في شرق احمليط الهادي<br />

االستوائي ووسطه،‏ مبقيةً‏ درجات احلرارة السطحية العاملية<br />

أبرد من املعدل بنحو 0.1 درجة سيلزية،‏ وهو تأثير صغير<br />

مقارنة بظاهرة االحترار العاملي الطويلة األمد،‏ ولكنه مهم ألنه<br />

على مدى عقد من الزمن.‏ وأخيرا،‏ تشير إحدى الدراسات<br />

احلديثة إلى أن أخذ عينات غير مكتملة من درجات احلرارة<br />

في القطب الشمالي أدى إلى االستخفاف مبدى االحترار<br />

العاملي الفعلي.‏<br />

إن أيا من هذه التفسيرات املعقولة ظاهريا ال تشير إلى<br />

أن املناخ أقل حساسية لغازات االحتباس احلراري.‏ كما<br />

أن قياسات أخرى ال تؤيد التقييم املعدل للهيئة IPCC التي<br />

حددت احلد األدنى ب 1.5 درجة سيلزية.‏ وعندما يتم ضمّ‏<br />

جميع أشكال األدلة إلى بعضها البعض،‏ فإنها تشير في<br />

األغلب إلى قيمة للتوازن ECS تصل إلى نحو ثالث درجات<br />

“business as usual” scenario )1(<br />

The Hockey Stick and the Climate Wars: Dispatches from the Front Lines )2(<br />

(Columbia University Press, 2012)<br />

)3( Nina :La ظاهرة تتصل باحمليطات والغالف اجلوي.‏<br />

29 (<strong>2014</strong>) 8/7


0 1 2 3<br />

4 5 6 7 8 9 10<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

سيلزية.‏ وكما يتبني،‏ فإن مناذج املناخ التي استخدمتها<br />

فعال الهيئة IPCC في تقريرها تنطوي حتى على قيمة أعلى<br />

مقدارها 3.2 درجة سيلزية.‏ وبعبارة أخرى،‏ فإن احلد األدنى<br />

للتوازن ECS الذي أشارت إليه الهيئة IPCC رمبا ال تكون له<br />

أهمية كبيرة بالنسبة إلى مناخ العالم في املستقبل - وكذلك<br />

الوقفة الكاذبة.‏<br />

وعلى سبيل املناقشة،‏ لنأخذ الوقفة بالقيمة االسمية )1( .<br />

ماذا سيعني لو أن التوازن احلقيقي ECS كان أقل بنصف<br />

درجة مما كان يعتقد سابقا؟ هل أن هذا سيغير املخاطر<br />

املاثلة جرّاء اإلحراق املعتاد للوقود األحفوري؟ وما مدى<br />

السرعة التي ستعْبر بها األرضُ‏ العتبةحَ‏ احلرجة؟<br />

30<br />

موعد مع القدر:‏ )( 2036<br />

معظم العلماء يتفقون على أن ارتفاع درجات احلرارة بدرجتني<br />

سيلزيتني فوق املعتاد خالل فترة ما قبل عصر الصناعة كان<br />

سيضرّ‏ بجميع قطاعات احلضارة - الطعام واملياه والصحة<br />

واألراضي واألمن القومي والطاقة واالزدهار االقتصادي.‏<br />

ويعتبر التوازن ECS دليلنا على متى سيحدث ذلك إذا ما<br />

واصلنا إطالق ثنائي أكسيد الكربون في نشاطاتنا بالوتيرة<br />

املعتادة حاليا.‏<br />

مؤخرا،‏ أجريتُ‏ حسابات افتراضية لدرجات احلرارة<br />

املستقبلية عن طريق توصيل قيم مختلفة من التوازن ECS<br />

فيما يسمى منوذج توازن الطاقة )2( الذي يستخدمه العلماء<br />

لدراسة السيناريوهات املناخية احملتملة.‏ ويحدد منوذج<br />

جهاز احلاسوب كيفية استجابة متوسط درجة حرارة سطح<br />

األرض لعوامل طبيعية متغيرة مثل البراكني والشمس،‏<br />

والعوامل البشرية - غازات االحتباس احلراري،‏ وملوثات<br />

الهباء اجلوي ،aerosol pollutants وهلم جرا.‏ ‏)ومع أن<br />

النماذج املناخية لها ناقدوها،‏ فإنها تعكس أفضل قدراتنا<br />

على وصف الكيفية التي يعمل بها النظام املناخي،‏ اعتمادا<br />

على الفيزياء والكيمياء وعلم األحياء.‏ وفي هذه التخصصات<br />

الثالثة،‏ سجل حافل مؤكد:‏ على سبيل املثال،‏ فإن االحترار<br />

في السنوات األخيرة،‏ كان قد مت التنبؤ به من قِبل النماذج<br />

قبل عقود.(‏<br />

بعدئذٍ‏ وحَجّ‏ هُت النموذج للمضي قدما بافتراض أن انبعاثات<br />

غازات االحتباس احلراري هي كاملعتاد.‏ وأجريتُ‏ حسابات<br />

منذجة املرة تلو املرة على قيم التوازن ECS التي قدرتها<br />

الهيئة IPCC بني 1.5 درجة سيلزية ‏)كحد أدنى(‏ و 4.5 درجة<br />

سيلزية ‏)كحد أعلى(.‏ وقد الءمت منحنياتُ‏ التوازن ECS<br />

مبقدار 2.5 درجة و‎3‎ درجات سيلزية قراءاتِ‏ األدوات إلى حد<br />

بعيد،‏ أما منحنيات توازن حساسية املناخ األقل فعليا )1.5<br />

درجة سيلزية(‏ واألعلى فعليا )4.5 درجة سيلزية(،‏ فلم تالئم<br />

السجل اآللي instrumental record قطُّ‏ ؛ مما عزز اإليحاء بأن<br />

تلك املنحنيات لم تكن واقعية.‏<br />

ومما أثار دهشتي أنني وجدتُ‏ أن ثالث درجات سيلزية<br />

من التوازن ECS كفيلة بأن جتعل كوكبنا يعبر عتبة االحترار<br />

احملفوف باملخاطر في عام 2036، فقط بعد 22 عاما من<br />

اآلن.‏ أما عند اعتبار القيمة الدنيا للتوازن ECS وقدرها 2.5<br />

A DATE WITH DESTINY: 2036 ()<br />

A Solid Line of Evidence ()<br />

at face value )1(<br />

energy balance model )2(<br />

التنبؤ باملستقبل<br />

دليل متماسك<br />

)(<br />

إن حتديد موعد اجتياز الغالف اجلوي للكوكب لعتبة االحترار<br />

اخلطرة واملقدّرة بدرجتني سيلزيتني ‏]انظر الرسومات البيانية<br />

في الصفحتني 26 و 27[، يعتمد على مدى حساسية الغالف<br />

اجلوي ملستويات ثنائي أكسيد الكربون املتصاعدة.‏ أما القيمة<br />

األكثر احتماال للتوازن ECS هذا ‏)احملور األفقي(,‏ فهي فقط ما<br />

دون ثالث درجات سيلزية.‏ ملاذا؟ ألن كثيرا من احلسابات املستقلة<br />

لدرجات احلرارة في املاضي البعيد،‏ وكذلك مناذج مناخية عديدة<br />

تضع الرقم قريبا من هذه القيمة ‏)شرائط األلوان املختلفة(.‏ وتظهر<br />

جميع خطوط األدلة في األسفل ‏)الشريط الرمادي(.‏<br />

القياسات الفعلية منذ<br />

عام 1850 حتى اآلن<br />

القيم املتطرفة اإلحصائية املناخ اآلن<br />

‏)خطوط متقطعة(‏<br />

مناذج دوران عامة<br />

تقديرات األلفية السابقة<br />

ثورات بركانية<br />

البيانات اجلليدية والرسوبية القصوى األخيرة<br />

النماذج اجلليدية القصوى األخيرة<br />

البيانات الرسوبية للمليون سنة األخيرة<br />

تقديرات من اخلبراء<br />

توليفة من جميع األدلة أعاله<br />

محتمل جدا<br />

توازن حساسية املناخ ‏)درجة سيلزية(‏<br />

قيمة محتملة<br />

األكثر احتماال


درجة سيلزية،‏ فإن العالم سيجتاز تلك العتبة في عام 2046،<br />

أي بعد التاريخ السابق ذِ‏ كْرُه بعشر سنوات ‏]انظر الرسم<br />

البياني في الصفحتني 26 و‎27‎‏[.‏<br />

لذلك،‏ وحتى لو قبلنا بقيمة أدنى للتوازن ،ECS فإنها<br />

بالكاد تكون مؤشرا على انتهاء االحترار العاملي أو حتى<br />

‏»وقفه«.‏ وعوضا عن ذلك،‏ فهي متنحنا فقط قليال من الوقت –<br />

ورمبا هو وقت ثمني – للحيلولة دون عبور عاملنا العتبة.‏<br />

)(<br />

تفاؤل حذر<br />

ترسل هذه النتائج إشارات إلى ما يجب علينا جميعا<br />

عمله للحيلولة دون وقوع الكارثة.‏ فثالث درجات سيلزية<br />

من التوازن ECS تعني أننا إذا ارتأينا أن نحدَّ‏ من ظاهرة<br />

االحترار العاملي إلى أقل من درجتني سيلزيتني إلى<br />

األبد،‏ فإن علينا أن نحافظ على تركيزات ثنائي أكسيد<br />

الكربون على نحو أقل بكثير من ضعفي مستويات ما قبل<br />

عصر الصناعة - أي ما يقارب 450 جزءا في املليون.‏<br />

ومن املفارقات أن العالم إذا أحرق كميات أقل من الفحم<br />

بصورة جوهرية،‏ فإن هذا من شأنه أن يقلل من انبعاثات<br />

ثنائي أكسيد الكربون ولكنه يقلل أيضا من الهباء في<br />

الغالف اجلوي الذي يحجب ضوء الشمس ‏)مثل جسيمات<br />

الكبريتات ،)sulfate particulates لذلك سيكون علينا احلد<br />

من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون إلى أقل من 405 أجزاء<br />

في املليون تقريبا.‏<br />

ونحن في طريقنا كما ينبغي لتخطي هذه احلدود.‏<br />

ففي عام 2013 بلغ ثنائي أكسيد الكربون املوجود في<br />

الغالف اجلوي لفترة وجيزة 400 جزءٍ‏ في املليون للمرة<br />

األولى في التاريخ املسجل – ولرمبا للمرة األولى في<br />

ماليني السنني،‏ وفقا ألدلة جيولوجية.‏ ولتفادي اإلخالل<br />

بعتبة ال 405 أجزاء في املليون،‏ املنشودة،‏ يتعني الكف<br />

بصورة جوهرية وعلى الفور عن إحراق الوقود األحفوري.‏<br />

ولتحاشي عتبة ال 450 جزءا في املليون،‏ ميكن السماح<br />

النبعاثات الكربون العاملية باالرتفاع لبضع سنوات أخرى<br />

فقط - ومن ثم يصار إلى تخفيضها بنسب مئوية متفاوتة<br />

كل عام.‏ وهذه مهمة طويلة.‏ وإذا كان التوازن ECS هو<br />

بالفعل 2.5 درجة سيلزية،‏ فإن ذلك سيجعل حتقيق هذا<br />

الهدف أسهل قليال.‏<br />

وحتى لو كان األمر كذلك،‏ فهناك سبب كبير للقلق.‏<br />

فاالستنتاج القائل:‏ إن إبقاء ثنائي أكسيد الكربون دون<br />

ال 450 جزءا في املليون سيحول دون االحترار إلى أكثر من<br />

درجتني سيلزيتني إمنا يستند إلى تعريف متحفظ حلساسية<br />

املناخ ال يأخذ بعني االعتبار سوى ما يسمى التغذيات<br />

الراجعة السريعة في النظام املناخي )1( - كالتغيرات في<br />

الغيوم،‏ وبخار املاء،‏ وذوبان اجلليد البحري.‏ ويقول بعض<br />

علماء املناخ،‏ مبا فيهم ‏ ‏]الرئيس السابق<br />

ملعهد گودارد للدراسات الفضائية في ناسا[‏ أنه يجب<br />

علينا أن ننظر أيضا في إبقاء تغذيات راجعة أكثر بطئا،‏<br />

مثل التغيرات في الصفائح اجلليدية القارية.‏ وعندما يُؤخذ<br />

ذلك في احلسبان،‏ يؤكد ‏‏ وآخرون بأننا بحاجة إلى<br />

التراجع إلى املستوى األقل من ثنائي أكسيد الكربون الذي<br />

كان موجودا في منتصف القرن العشرين،‏ واملقدر بنحو 350<br />

جزءا في املليون.‏ وهذا يتطلب نشر تقانة ‏»التقاط الهواء«‏<br />

“air capture” technology على نطاق واسع،‏ وهي عالية<br />

التكلفة وقادرة على أن تزيل بفاعلية ثنائي أكسيد الكربون<br />

من اجلو.‏<br />

إضافة إلى ذلك،‏ فإن فكرة تسخني ما مقدارهُ‏ درجتان<br />

سيلزيتان هو تسخني ‏»آمن«،‏ هي فكرة وهمية.‏ إذ إنها مبنية<br />

على الزمن الذي يتعرض فيه معظم الكرة األرضية لتغيرات<br />

مناخية محتملة ال رجعة فيها.‏ لكن تغيرا مدمرا قد وصل<br />

بالفعل إلى بعض املناطق.‏ ففي القطب الشمالي أدى انحساره<br />

في جليد البحر والذوبان في اجلمد السرمدي إلى اإلضرار<br />

بالسكان األصليني والنظم البيئية.‏ وفي اجلزر املنخفضة<br />

تختفي األراضي واملياه العذبة بسبب ارتفاع مستويات البحر<br />

والتحات .erosion وبالنسبة إلى هذه املناطق،‏ فإن االحترار<br />

احلالي واالحترار الالحق ‏)ال يقل عن 0.5 درجة سيلزية(‏<br />

اللذين يضمنهما ثنائي أكسيد الكربون املنبعث بالفعل،‏<br />

يشكالن تغيرا مناخيا مدمرا في يومنا هذا.‏<br />

إذن،‏ فلنأمل بأن تكون حساسية مناخ أقل قدرة ب 2.5<br />

درجة سيلزية أمرا حقيقيا.‏ وإذا كان األمر كذلك،‏ فإنه يوفر<br />

تفاؤال حذرا.‏ كما أنه يزودنا بالتشجيع لنتمكن من درء ضرر<br />

ال ميكن إصالحه عن كوكبنا.‏ وهذا هو،‏ إذا - وفقط إذا - قبلنا<br />

بالضرورة امللحة بالتخلي عن اعتمادنا على الوقود األحفوري<br />

لتوليد الطاقة.‏ ><br />

CAUTIOUS OPTIMISM ()<br />

fast feedbacks in the climate system )1(<br />

مراجع لالستزادة<br />

Defining Dangerous Anthropogenic Interference. Michael E. Mann in Proceedings of the<br />

National Academy of Sciences USA, Vol. 106, No. 11, pages 4065–4066; March 17, 2009.<br />

Separating Forced from Chaotic Climate Variability over the Past Millennium. Andrew P.<br />

Schurer et al. in Journal of Climate, Vol. 26, No. 18, pages 6954–6973; September 2013.<br />

Scientific American, April <strong>2014</strong><br />

31 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

حترير اجلهاز املناعي<br />

من مكابح اخلاليا<br />

السرطانية عليه<br />

)(<br />

يعمل الباحثون على تطوير جيل جديد من عالجات أكثر قوة ضد األمراض<br />

اخلبيثة وذلك بتحرير املكابح )1( التي تضعها اخلاليا السرطانية على جهاز املناعة.‏<br />

.J> .D ولكوك>‏<br />

CANCER’S OFF SWITCH ()<br />

brakes (1)<br />

computed tomographic (2)<br />

)3( أو:‏ الفحص النسيجي.‏<br />

metastatic melanoma (4)<br />

immune system (5)<br />

randomized trial (6)<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

في الشهر 2004/6 طُ‏ لب إليّ‏ أن أفحص امرأة عمرها<br />

اثنتان وعشرون سنة وقد تخرجت حديثا من الكليّة ومخطوبة<br />

وتستعد للزواج.‏ وأثناء الشهور التي سبقت تخرجها،‏ ابتليت<br />

‏‏ ‏)ليس هذا اسمها احلقيقي(‏ بسعالٍ‏ معنّد.‏ وقد أظهر<br />

املسح الشعاعي احملوسب (CT) )2( العديدحَ‏ من الكتل داخل<br />

الرئتني وحولهما.‏ وبينت اخلزعة )3( biopsy ورما ميالنيا<br />

نقيليا )4( انتشر من سرطان في اجللد ولم تكن ‏‏ تعلم<br />

بأنها مصابة به.‏ وبدأت على الفور بتلقي معاجلات كيميائية<br />

مت توقيتها تبعا ملوعد الزفاف الذي أعيد جدولته.‏<br />

لسوء احلظ،‏ فإن دورتني من املعاجلات الكيميائية<br />

واإلشعاعية لدماغها على امتداد السنتني التاليتني قد أبطأتا،‏<br />

دون أن توقفا،‏ انتشار الورم.‏ وبدأت خيارات ‏‏<br />

بالنضوب.‏ وقد أبلغتُها عن دراسة جديدة قيد االختبار<br />

)5(<br />

يُستخدم فيها دواءٌ‏ مبتكر صُ‏ مم لشحن اجلملة املناعية<br />

للمريض ضد السرطان بصورة فائقة.‏<br />

لقد كانت دراسة عشوائية )6( ، مبعنى أنه لم يكن مسموحا<br />

لكل مريض بتلقي الدواء اجلديد،‏ الذي كان معروفا آنذاك<br />

باسم ،MDX-010 غير أن ‏‏ وافقت على املشاركة<br />

في اختبار هذا الدواء.‏ وبعد أربع دورات عالجية،‏ أظهرت<br />

مجموعة جديدة من صور املسح CT أن كل أثر للورم املالني<br />

قد اختفى.‏ وحتى هذا اليوم,‏ فإن ‏‏ في حالة شفاء<br />

تام،‏ ولها طفالن جميالن صحيحان،‏ وبحسب كلماتها فإنها<br />

32


‏»استعادت حياتها مرة أخرى.«‏<br />

بالنسبة إليّ‏ , كمتخصص وباحث في السرطان,‏ فإن رؤيتي<br />

حلالة ‏‏ وهي تتغير قد أيدت مشروعية السنوات الطويلة من<br />

األمل في أن يتمكن العلماء من تطوير عالجات قوية ضد السرطان<br />

تعمل من خالل إطالق اجلملة املناعية الذاتية ضد اخلباثات )1( .<br />

وقد تنامى التفاؤل في املجتمع الطبي كله في العام املاضي<br />

(2013) عندما علمنا بنجاحات مماثلة لهذا العالج املناعي ولغيره<br />

من املعاجلات املناعية في املرضى املصابني بحاالت ابيضاض<br />

الدم )2( املتقدم وسرطانات الكلية والرئة.‏ ومع أن املعاجلة املناعية<br />

ليست عالجا شامال جلميع األمراض،‏ فإن التقدم احلديث رمبا<br />

ميكننا من إحراز تقدم ملموس ضد املراحل املتقدمة من السرطان<br />

أكثر مما أحرزناه بالفعل في العقود األخيرة.‏<br />

)(<br />

دفاعات متعددة الطبقات<br />

وفكرة أن اجلهاز املناعي بإمكانه السيطرة على السرطان<br />

ليست فكرة جديدة.‏ فاحملاوالت لتسخير دفاعات العائل host<br />

ضد اخلباثات تعود إلى أكثر من 100 عام عندما جرّب<br />

‏ ‏]جراح في مستشفى نيويورك للسرطان[‏ استخدام<br />

البكتيريا املقتولة بالتسخني )3( لهذا الغرض.‏ فبعد مالحظته<br />

أن بعض املرضى كانوا يعيشون على ما يبدو ملدة أطول إذا<br />

ما أصيبوا بالعدوى بعد تعرضهم جلراحة للسرطان،‏ وضع<br />

‏‏ نظرية بأن جهاز الدفاع الداخلي الذي استُنفر ضد<br />

المُمرِ‏ ضات pathogens رمبا أثّر أيضا في األورام.‏<br />

وخالل العقود التالية،‏ فإن العلماء األساسيني كشفوا<br />

اللثام عن الكثير من اخلاليا التي تشكل اجلهاز الدفاعي<br />

)5(<br />

فضال عن الناقالت الكيميائية )4( والعواكس اجلزيئية<br />

التي تتحكم فيها بدقة.‏ وفي ذلك الوقت،‏ فإنهم تعلموا كيف<br />

أن اجلملة املناعية سرعان ما تتحرك للكشف عن ممُ‏ رِ‏ ضات<br />

خطيرة محتملة مثل البكتيريا والڤيروسات.‏ وبالقدر نفسه من<br />

األهمية،‏ فقد بنيّ‏ العلماء بالتفصيل نقاط التحكم والتوازنات<br />

التي تعطي اإلشارة إلى اجلملة املناعية للحد من استجابتها،‏<br />

بحيث ال ينتهي بها األمر إلى تدمير أكثر مما ينبغي من النسج<br />

السليمة خالل تلك السيرورة.‏ وكل ما ميكن أن يُقال هو أنهم<br />

توصلوا إلى بصيرة نافذة للكيفية التي تتفاعل بها اجلملة<br />

املناعية مع السرطان،‏ وتتأثر به.‏<br />

إن أول طبقة للدفاع ضد المُمرضات تتألف من استجابة<br />

عامة ضد البكتيريا والڤيروسات التي تنسقها خاليا الدم<br />

البيضاء املعروفة باسم العَدِ‏ الت neutrophils والوحيدات<br />

.monocytes وتنتمي هذه اخلاليا إلى ما يسمّى اجلملة<br />

املناعية الفطرية )6( ، ووظيفتها أن تتعرف املظاهر العامة من<br />

التشريح اجلزيئي املشتركة جلميع البكتيريا والڤيروسات -<br />

مثل أجزاء من غالفها اخلارجي والشذوذات في تركيب<br />

جزيئات الدنا DNA والرنا RNA التي تختلف عما هو موجود<br />

في املتعضيات األعلى .higher organisms ومع أن هذه اخلاليا<br />

البيضاء ال تستهدف أصنافا نوعية أو بروتينات للهجوم عليها،‏<br />

فإنها مع ذلك تنجح في تدمير الكثير من األحياء امليكروية<br />

المُغِ‏ يرة )7( ، ونتيجة لذلك تولّد شدفا جزيئية )8( يشار إليها<br />

باملستضدات antigens مييزها الالعبون اآلخرون في اجلملة<br />

MULTILAYERED DEFENSES ()<br />

malignacies (1)<br />

leukemia (2)<br />

heat-killed bacteria (3)<br />

the chemical mediators (4)<br />

the molecular switches (5)<br />

the innate immune system (6)<br />

the microbiological invaders (7)<br />

molecular fragments (8)<br />

املؤلف<br />

Jedd D. Wolchok<br />

‏‏ هو رئيس خدمات األورام املالنية والعالجات املناعية في مركز سلون<br />

كيترينگ التذكاري للسرطان مبدينة نيويورك.‏ وهو مستشار لشركات األدوية:‏<br />

،EMD Serono ،MedImmune ،Merck ،Bristol-Myers Squibb ويؤكد املؤلف أن<br />

ليس له أي مصلحة مادية نتيجة جناح األدوية املذكورة في هذه املقالة.‏<br />

مع أن عالجات السرطان التقليدية تهاجم األورام السرطانية<br />

مباشرة،‏ فإن العالج املناعي يحاول حشد دفاعات اجلسم نفسه<br />

ضد النموات اخلبيثة.‏<br />

وحتى اآلن،‏ فإن معظم العالجات املناعية حتاول قيادة<br />

االستجابة املضادة للسرطان بالطريقة نفسها التي يزيد بها السائق<br />

سرعة سيارته بزيادة الضغط على دواسة البنزين.‏<br />

باختصار<br />

وحتاول املقاربة اجلديدة حملاوالت العالج املناعي حترير<br />

املكابح brakes التي عادة ما تكبح االستجابة املناعية التي تكون<br />

قوية على خالف ذلك.‏<br />

وقد أظهر عدد قليل من التجارب السريرية نتائج الفتة طويلة<br />

األمد في سرطانات متنوعة مثل الورم املالني النقيلي وسرطان<br />

الكلى والرئة املتقدم.‏<br />

33 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

املناعية باعتبارها دخيلة )1( .<br />

هذا وإن خاليا الطبقة الثانية من الدفاعات،‏ وتسمى<br />

اجلملة املناعية التكيفية )2( ، تأخذ تلك املستضدات كنقطة<br />

انطالق الستجابة استهدافية أكثر دقة،‏ والتي إن جنحت،‏<br />

فإنها ستكوِّن ذاكرة حية للمغيرات امليكروبية )3( بحيث<br />

ميكنها أن تدحرها بسهولة أكثر في املستقبل.‏ هذا ويوجد<br />

نوعان مختلفان من اخلاليا - خاليا تائية T-cells وخاليا<br />

بائية - B-cells في صميم هذه االستجابة االستهدافية.‏<br />

وهناك أنواع مختلفة من اخلاليا التائية،‏ ولكنها جميعا تنحدر<br />

من سالئف precursors تنشأ في الغدة الصعترية thymus<br />

,gland وهي عضو صغير يقع أعلى القلب في وسط الصدر.‏<br />

واخلاليا البائية بدورها مستمدة أصال من نقي العظم وتنشأ<br />

عنها جزيئات األضداد .antibodies وثمة أضداد وجزيئات<br />

معينة على اخلاليا التائية تهاجم مستضدات نوعية،‏ وبذلك<br />

تسمح للجملة املناعية باستهداف وتدمير بكتيريا وخاليا<br />

مخموجة infected تُظهِ‏ ر تلك املستضدات على سطوحها.‏<br />

وعندما تعمل اجلملة املناعية بطريقة مثالية،‏ فإن فرعيها<br />

العام والتكيفي يتعاونان على تعرّف وتخليص اجلسم من<br />

المُمرضات اخلطرة.‏ وفضال عن ذلك،‏ فإن فرعا من اخلاليا<br />

التائية يحتفظ بذاكرة جزيئية طويلة األمد ضد اخلطر األصلي<br />

بحيث ميكن حتييده بسرعة أكبر في زمن مستقبلي إذا ما<br />

قابلت ذلك املُمرِ‏ ض مرة أخرى.‏<br />

وبالطبع،‏ فالسرطانات ليست عدوى.‏ إنها تحَظهر عندما<br />

تتعرض خاليا اجلسم ذاته لتغيرات جينية نوعية وغيرها من<br />

التغيّرات.‏ ومع ذلك،‏ فاجلملة املناعية ينبغي عليها أن تتعرف<br />

اخلاليا اخلبيثة ألنها تعرض شُ‏ دفا جزيئية غير طبيعية ينبغي<br />

أن تظهر على أنها غريبة بالنسبة إلى اخلاليا التائية والبائية.‏<br />

غير أنه،‏ وألسباب متباينة،‏ عادة ما تفشل اجلملة املناعية في<br />

مكافحة السرطان بكفاءة.‏ وعبر السنني،‏ فإن اجلهود لتحفيز<br />

االستجابة قد قوبلت بنتائج مختلطة.‏ أما املقاربات احلديثة<br />

واألكثر ثباتا في النجاح،‏ فإنها أخذت منحىً‏ مختلفا.‏ فقد تبني<br />

أن السرطانات أحيانا ما تشارك في عملية قفل مفاتيح التشغيل<br />

للجملة املناعية وفي تثبيط فاعلية االستجاباتِ‏ املناعية ضد<br />

اخلباثات.‏ وحتاول املقاربات اجلديدة أن تعطل تلك املكابح.‏<br />

34<br />

)(<br />

مكابح وتوازنات<br />

إن العقار التجريبي الذي أنقذ حياة ‏‏ يندرج حتت<br />

النموذج اجلديد،‏ فقد نتج من أبحاث تتضمن بروتينا يسمى<br />

،CTLA-4 ويوجد في أنواع كثيرة من اخلاليا التائية ولكنه<br />

ال يقفز إلى حيّز التشغيل إال عندما تتعرف اخلاليا التائية<br />

أهدافها وتتلقى إشارة ‏»االنطالق«‏ من جزيئات أخرى.‏ وعندما<br />

يجري التفعيل،‏ فإن البروتني CTLA-4 وعدداً‏ من البروتينات<br />

األخرى تعمل كسلسلة من املكابح أو نقاط التفتيش التي متنع<br />

اجلملة املناعية من أن تفرط في التدمير.‏<br />

إن ضرورة وجود نقاط التفتيش تلك ميكن رؤيتها في<br />

احليوانات التي تفتقر إليها.‏ فالفئران التي عوجلت بالهندسة<br />

اجلينية بحيث تفتقر إلى البروتني CTLA-4 متوت خالل ثالثة<br />

إلى أربعة أسابيع من العمر.‏ ومن دون أي شيء مينع تصاعد<br />

االستجابة املناعية،‏ فإن اخلاليا التائية املفعّلة تتخلل األعضاء<br />

املختلفة في اجلسم مسببة تدميرها بالكامل.‏ وهذا الكشف،‏<br />

الذي نُشر في عام 1995، أظهر أن النقص الدائم في هذه<br />

اإلشارة اجلزيئية ميكنه أن يسبب تفاعالً‏ مناعيا ذاتيا مُخربا.‏<br />

وفي السنة نفسها،‏ فإن ،‏ الذي كان يعمل<br />

آنذاك في جامعة كاليفورنيا ببيركلي،‏ افترض بأنه إذا ما مت<br />

تعطيل جزيء البروتني CTLA-4 الكابح مؤقتاً،‏ فإن اجلملة<br />

املناعية قد تكون قادرة على شن هجوم أكثر ضراوة على<br />

خاليا السرطان،‏ مسببة انكماش األورام.‏ وأعد ‏‏<br />

وزمالؤه الختبار فرضيتهم على الفئران بتوصيل ضدٍ‏ مُخلّق<br />

صُ‏ نعيا يعيق فاعلية البروتني .CTLA-4<br />

وبالتأكيد،‏ فإن إعاقة البروتني CTLA-4 تسببت في تراجع<br />

العديد من األورام - مبا في ذلك سرطان القولون والغرن<br />

- sarcoma التي غرست في احليوانات املخبرية.‏ وفي جتارب<br />

أخرى،‏ انكمشت األورام املالنية بقدر كبير عندما عوجلت<br />

الفئران بضد البروتني CTLA-4 الكابح مع لقاح جتريبي<br />

مصنوع من خاليا مالنية معدّلة صُ‏ ممت لتحرّض على هجوم<br />

مناعي ضد هذا السرطان على وجه التحديد.‏<br />

وكانت اخلطوة التالية أن جتُ‏ رّب هذه املقاربة،‏ التي يشار<br />

إليها تقنيا بإعاقة نقطة التفتيش املناعية )4( ، على البشر.‏ واجته<br />

‏‏ إلى شركة التقانة البيولوجية Medarex التي أنتجت<br />

نسخة بشرية بالكامل من ضد البروتني CTLA-4 الكابح ‏)سُ‏ مّي<br />

أصال MDX-010 ويُعرف اآلن باسم إپيليموماب ،)ipilimumab<br />

وبدأت جتاربه السريرية على املرضى الذين كانت لديهم<br />

سرطانات متقدمة جدا لم تكن تستجيب للعالجات األخرى.‏ فقد<br />

قامت الشركة Bristol-Myers Squibb بشراء الشركة ،Medarex<br />

وقامت بتطوير العقار وفازت مبوافقة إجرائية في عام 2011.<br />

وبدءًا بأول جتربة واستمرارا بالتجارب التالية،‏ فإن بعض<br />

املرضى شعروا بتراجعات ملموسة للورم.‏ ولكن قبل أن<br />

CHECKS AND BALANCES ()<br />

)1( أو:‏ غريبة.‏<br />

the adaptive immune system (2)<br />

the microbial invaders (3)<br />

immunologic checkpoint blockade (4)


عالجات مناعية<br />

)(<br />

)1(<br />

ملاذا حتتاج البنية الطبيعية إلى تعزيز<br />

في الظروف الطبيعية،‏ فإننا من دونها نتوقع أن تدمر اجلملةُ‏<br />

املناعية األورامَ،‏ غير أن نُظُ‏ م اجلسم ذاته للمراجعة الداخلية<br />

واملوازنات قد تعيق قدرة اجلملة على مهاجمة النموات<br />

اخلبيثة.‏ وفضال عن ذلك،‏ فإن بعض السرطانات تتدخل بطريقة<br />

إيجابية لتعيق االستجابة املناعية.‏ وهنا نوضح كيف ميكن<br />

توجيه اللكمات املتعاقبة<br />

إن األبحاث األساسية في كيفية - وأحيانا ما تفشل - محاولة<br />

اجلملة املناعية أن تكافح السرطان ‏)املسار باللون الرمادي في<br />

أسفل الشرح(‏ حفزت الباحثني على تطوير مقاربتني جديدتني<br />

‏)ملونة باللون األزرق(‏ للمساعدة على الشحن التوربيني<br />

لدفاعات اجلسم ذاته ضد الورم.‏<br />

•<br />

•<br />

•<br />

للجملة املناعية أن تتعرف ورما 1 ثم تكبت نفسها ، 2 فضال<br />

عن إحدى الطرق 3 التي يستطيع بها النمو اخلبيث أن يخدع<br />

اخلاليا املناعية بحيث تتركه وشأنه.‏<br />

•<br />

1 تهضم إحدى<br />

اخلاليا<br />

املناعية،‏<br />

تعرف باخللية<br />

املتغصّ‏ نة<br />

dendritic<br />

،cell جزيئات<br />

معينة موجودة<br />

على سطح<br />

الورم.‏<br />

تداخل:‏<br />

)2(<br />

منع انتحار اخللية<br />

إن إعاقة بروتني PD-1 على<br />

سطح اخللية التائية مينع اخللية<br />

السرطانية من حتفيز تسلسل<br />

التدمير الذاتي للخلية التائية.‏<br />

اجلزيء PD-1<br />

ورم<br />

أضداد مانعة<br />

اجلزيء PD-1<br />

•<br />

خلية متغصّ‏ نة<br />

مُحفّز<br />

انتحار<br />

خلية تائية<br />

3 ومنطيا،‏ فإن اخللية التائية<br />

المُفعّ‏ لة تصوب نفسها نحو<br />

خلية سرطانية لتدمرها.‏ ولكن<br />

عندما تُنتج اخلليةُ‏ الورمية<br />

بروتينا يرتبط باجلزيء PD-1<br />

على سطح اخللية املناعية،‏<br />

فإن اخللية التائية تدمر<br />

نفسها عوضا عن ذلك.‏<br />

نضوج خلية<br />

مناعية<br />

مُسرّع<br />

•<br />

2 تعرض اخلليةُ‏ املتغصّ‏ نة<br />

الشدفَ‏ الورمية خللية<br />

تائية.‏ وفقط إذا ما صار<br />

بروتني مسرّع فعّ‏ اال في<br />

الوقت نفسه،‏ فإن اخللية<br />

التائية تتكاثر وتنضج.‏<br />

ومع ذلك،‏ فبعد برهة،‏ فإن<br />

جزيئا متداخال،‏ يعرف باسم<br />

،CTLA-4 يتعثر وتتوقف<br />

االستجابة املناعية.‏<br />

تداخل:‏<br />

عطل املكابح<br />

)3(<br />

إن إعاقة جزيء البروتني CTLA-4 يسمح<br />

للخلية التائية بالتكاثر.‏ ومبجرد أن<br />

تتفعّ‏ ل،‏ فإن اخللية التائية سوف تتوجه<br />

إلى أي خلية حتمل شدفة الورم الواشية.‏<br />

البروتني CTLA-4<br />

البروتني CTLA-4<br />

خلية متغصّ‏ نة<br />

مِ‏ كبح<br />

خلية تائية<br />

غير ناضجة<br />

أضداد مانعة<br />

تكاثر<br />

Delivering a One-Two Punch ()<br />

Why Nature Needs a Boost (1)<br />

Prevent Cell Suicide (2)<br />

Disable the Brakes (3)<br />

35 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

يشعروا بذلك،‏ فإن االختبارات املبكرة عما إذا كانت املعاجلة<br />

تعمل أم ال،‏ أعطت نتائج غريبة.‏ وسرعان ما تعلم الباحثون أنه<br />

فيما يتعلق باملعاجلات املناعية،‏ فإن الطرق املعتادة لتقييم ما<br />

إذا كانت معاجلة السرطان فعالة أم ال،‏ قد تكون مضللة.‏<br />

36<br />

)(<br />

معدالت النجاح<br />

يستطيع اختصاصي األورام عادة أن يقول بسرعة ملحوظة<br />

ما إذا كان املريض يستجيب للعالجات التقليدية املضادة<br />

للسرطان.‏ إننا نستخدم تقانات تصوير متباينة - املسح ،CT<br />

التصوير املقطعي باإلصدار البوزيتروني )1( ، أو التصوير<br />

بالرنني املغنطيسي )2( لقياس حجم الورم قبل بدء املعاجلة<br />

مباشرة ثم بعد نحو ستة أسابيع.‏ وإذا ما كان النمو اخلبيث<br />

أصغر بقدر ملحوظ،‏ يكون بإمكاننا أن نقرر استمرار العالج<br />

ألننا نعلم أن له تأثيراً،‏ أو أن نضع في االعتبار مقاربة أخرى<br />

أو أن نوقف العالج كلية.‏<br />

إن اتخاذ مثل هذه القرارات بالنسبة إلى املعاجلة املناعية<br />

ليس متاما بهذه الصورة البسيطة.‏ وللذين بدؤوا العالج،‏ ينبغي<br />

أن نتيح وقتا أطول للجملة املناعية لكي يتم تفعيلها،‏ لذلك فنحن<br />

ال نصّ‏ ور الورم مرة ثانية ملعرفة حجمه إال بعد اثني عشر أسبوعا<br />

من بدء العالج.‏ ومع ذلك،‏ فإننا نضع في االعتبار إمكانية<br />

االنتظار ستة أسابيع إضافية من املالحظة مع العالج مهما<br />

كانت نتائج جتارب البروتني CTLA-4 الكابحة مُربكة.‏ فبعض<br />

املرضى كانت لديهم صور من الواضح أنها أفضل،‏ بينما أظهر<br />

اآلخرون تضخما في األورام التي كانت موجودة من قبل،‏ بل<br />

وحتى ظهور منوات جديدة.‏ ومع ذلك،‏ فإن بعض املرضى الذين<br />

كانت لديهم أورام أكبر شعروا بأنهم أفضل بالفعل.‏<br />

إننا نرى اآلن تفسيرين معقولني لكيفية منو األورام بعد<br />

املعاجلة املناعية:‏ املعاجلة ال تعمل،‏ أو أن عددا كبيرا من<br />

اخلاليا التائية وغيرها من اخلاليا املناعية قد بدأت بغمر النمو<br />

اخلبيث.‏ وبعبارة أخرى،‏ فإن األورام األكبر قد تعني،‏ بصورة<br />

توهم بالتناقض،‏ أن املعاجلة تعمل،‏ وعلينا فقط االنتظار لوقت<br />

أطول قليال لكي ينكمش النمو.‏ وعلما مبقدار صعوبة قياس<br />

التقدم أثناء املعاجلة املناعية،‏ فإن الباحثني الذين يختبرون<br />

العقار إپيليموماب اآلن يستخدمون الطريقة البسيطة واألكثر<br />

أهمية وهي تقييم البقيا بصورة عامة ‏)مدة بقاء املرضى على<br />

قيد احلياة(‏ باعتبارها نقطة النهاية األمثل لعمل تقييماتهم.‏<br />

وقد بينت نتائج أحدث الدراسات السريرية أن أكثر من<br />

%20 من املرضى املصابني بالورم املالني النقيلي والذين<br />

عوجلوا باستخدام العقار إپيليموماب أبدوا سيطرة طويلة<br />

األمد على مرضهم،‏ وبقوا أحياءً‏ ألكثر من ثالث سنوات منذ<br />

بداية العالج.‏ وهذه حقيقة مهمة لنشير إليها ألنه قبل تطوير<br />

األدوية احلديثة مثل إپيليموماب،‏ فإن متوسط العمر املتوقع<br />

ملرضى الورم املالني النقيلي كان سبعة إلى ثمانية أشهر.‏<br />

وبالفعل،‏ فإن البعض من أوائل املتلقني ‏)مثل ‏(‏ ما<br />

زالوا أحياءً‏ ملددٍ‏ تزيد على خمس سنوات بعد املعاجلة.‏<br />

وفي هذه األثناء تقدم الباحثون الذين يعملون على جُ‏ زيء<br />

ثانٍ‏ كابح للجملة املناعية يسمى ،PD-1 الذي ينقّط سطح<br />

العديد من اخلاليا التائية.‏ وعندما يرتبط بجزيئات أخرى<br />

محددة,‏ فإن اجلزيء PD-1 يجبر اخلاليا التي يوجد عليها<br />

على تدمير نفسها - سيرورة طبيعية تساعد متاما،‏ كما في<br />

البروتني الشديد القرابة ،CTLA-4 على الوصول باستجابة<br />

مناعية مستمرة على التوقف بأمان.‏ وبعض خاليا الورم،‏ مع<br />

ذلك،‏ قد تطورت بحيث تدافع عن نفسها بتغطية سطوحها<br />

بجزيئات تخدع بروتينات PD-1 على اخلاليا التائية لكي تبدأ<br />

تسلسل التدمير الذاتي في أقرب فرصة.‏ ونتيجة لذلك،‏ فإن<br />

أي خلية تائية تهاجم خلية سرطانية تتلقى إشارة لكي تدمر<br />

نفسها عوضا عن ذلك.‏ وهذا املثال الصادم هو واحد من<br />

العديد من الطرق التي يستطيع الورم بها أن يجعل اجلملة<br />

املناعية غير فعالة.‏<br />

لقد طورت الشركات الست )3( أضداداً‏ تُعطل األورام املختلفة<br />

من أن حتُ‏ دث انتحارا في اخلاليا التائية بوساطة اجلزيء .PD-1<br />

وفي جتارب حديثة،‏ فإن هذه املركبات التجريبية قد أظهرت<br />

فترات طويلة من الهدوء،‏ استمر بعضها لسنوات في أكثر من<br />

%30 من املرضى املصابني بالورم املالني املتقدم.‏ والعديد من<br />

زمالئي في مركز سلون كيترينگ التذكاري ومن املتعاونني في<br />

العديد من املراكز األخرى قد جربوا هذه العناصر التي تكبح<br />

اجلزيء PD-1 في مرضى نوع من سرطان الرئة.‏ وقد ظهر<br />

لدى أكثر من %20 من املشاركني تراجع دائم.‏<br />

لقد أثبتت نتائج سرطان الرئة،‏ التي أُبلِغت في الشهر<br />

2012/6، أنها نقطة حتول في مجال املعاجلة املناعية.‏ ولم يعد<br />

بإمكان األطباء املتشككني نفي املقاربة باعتبارها تصلح فقط<br />

لعدد نوعي قليل من األورام،‏ مثل الورم املالني وسرطان<br />

الكلية،‏ والتي سبق أن تبني من قبل أنها حساسة بصفة خاصة<br />

للعالجات املناعية.‏ ويبدو اآلن أن املعاجلة املناعية تعمل أيضا<br />

على طيف واسع من السرطانات،‏ واالحتماالت أن هذه املقاربة<br />

سرعان ما ستلحق باملعاجلة الكيميائية واإلشعاعية كعالجات<br />

عيارية للعديد من أنواع األورام.‏<br />

SUCCESS RATES ()<br />

positron-emission tomography (1)<br />

magnetic resonance imaging (2)<br />

Bristol-Myers Squibb, CureTech, EMD Serono, Genentech, Merck, MedImmune (3)


وشأنها في ذلك شأن معظم عالجات السرطان،‏ فإن هذه<br />

املعاجلات املناعية حتفّز بعض األعراض اجلانبية.‏ فاملرضى<br />

الذين يتلقون أدوية مضادة للبروتني ،CTLA-4 مثال،‏ قد يعانون<br />

تفاعالت التهابية في اجللد واألمعاء الغليظة يسببها حترير<br />

اخلاليا املناعية لكميات كبيرة من الوسائط الكيميائية املثيرة.‏<br />

والطفح اجللدي والنوبات املؤملة من التقلصات واإلسهال<br />

الناجتة من ذلك تتم السيطرة عليها منطيا بالستيرويدات<br />

املثبطة للمناعة )1( مثل پريدنيزون .prednisone واملرضى<br />

الذين يتلقون عالجات كابحة للجزيء PD-1 قد يعانون مثل<br />

هذه االندالعات - خصوصا في الكليتني والرئتني والكبد -<br />

ولكن معدل حدوثها أقل وبشدة أقل مقارنة بهؤالء الذين<br />

يتلقون تثبيطا للبروتني .CTLA-4 وحلسن احلظ،‏ فإن استخدام<br />

األدوية املضادة لاللتهابات ال يثبط املفعول العالجي ألي من<br />

الدواءين على األورام.‏<br />

وقد تؤدي االلتهابات إلى مشكالت أكبر.‏ فلفترة طويلة،‏<br />

كان الباحثون قلقني من أن تؤدي التسلسالت التحفيزية إلى<br />

الصورة الكاملة لتفاعالت املناعة للذات،‏ التي ال ميكن أن<br />

نوقف فيها اجلملة املناعية من استهداف كميات أكبر دائما<br />

من النسج الطبيعية للتدمير.‏ وبخالف املناعة احلقيقية للذات،‏<br />

فإنه حتى هذه التفاعالت اجلانبية يبدو أنها مؤقتة وال تظهر<br />

ثانية بعد أن تُعالج في البداية.‏<br />

وألن األضداد ضِ‏ دْ‏ اجلزيء PD-1 والبروتني CTLA-4 على<br />

ما يبدو تعزز االستجابة املناعية لألورام بطرق شتى،‏ فإنه من<br />

املعقول أن نتحرّى ما إذا كان العالج احلالي باألدوية سيكون<br />

آمنا وفعاال.‏ ففي عام 2007 أظهرت التجارب على احليوانات<br />

املخبرية املصابة بسرطان القولون والورم املالني أن التوليفة<br />

من كوابح البروتني CTLA-4 واجلزيء PD-1 كانت أكثر فاعلية<br />

من استخدام أيّ‏ منهما منفردا.‏ لذلك،‏ ففي عام 2010 قررت<br />

مجموعتي أن تعمل مع ‏ ‏]من جامعة ييل[‏ وأن<br />

تقوم بدراسة صغيرة ألمان العقار إپيليموماب والعقار الكابح<br />

للجزيء PD-1 ‏»نيڤولوماب«‏ nivolumab على 53 مريضا<br />

بالورم املالني النقيلي.‏<br />

لقد كانت النتائج،‏ التي أعلنا عنها في مؤمتر طبي عقد<br />

في العام املاضي (2013)، مبهرة.‏ فأكثر من %50 من املرضى<br />

الذين عوجلوا مبا اعتبرناه جرعات قياسية من األضداد ظهر<br />

لديهم انكماش في األورام بأكثر من نصف حجمها األصلي.‏<br />

وهذه االستجابات تبدو مختلفة بشكل كبير عن نتائج أي من<br />

العاملحَني منفردا.‏ كما كانت األعراض اجلانبية أكثر شيوعا<br />

من حدوثها مع أي من العاملني منفردا،‏ غير أنه كان باإلمكان<br />

السيطرة عليها،‏ كما في السابق،‏ باستخدام الستيرويدات<br />

إن واحدا من بني كل<br />

خمسة مرضى بالورم<br />

المِ‏ الني النقيلي ممن<br />

تلقّوا العقار إپيليموماب<br />

ipilimumab يبقى<br />

حيّاً‏ بعد ثالثة أعوام<br />

مقابل متوسط بقيا<br />

ملدة ثمانية أشهر ‏)من<br />

دون العقار(.‏<br />

القشرية )2( . ومن املهم<br />

أن نالحظ أن هذه هي<br />

نتائج مبكرة في دراسة<br />

ذات حجم متواضع،‏<br />

وقد ال تبدو بهذه املالءمة<br />

في جتربة أكبر أو لفترة<br />

أطول.‏ ونحن جنري حاليا<br />

دراسة أكثر اتساعا للكبح<br />

التآلفي باستخدام العقار<br />

إپيليموماب ونيڤولوماب<br />

على أكثر من 900 مريض<br />

بالورم املالني.‏<br />

ويتحرى باحثون آخرون هذه التوليفة من املعاجلة املناعية<br />

لعالج سرطان الرئة والكِ‏ لى وسرطان املعدة وسرطان الثدي<br />

وسرطان الرأس والرقبة وسرطان البنكرياس ‏)املعثكلة(‏ )3( .<br />

كما أنه من املعقول أنّ‏ مهاجمة الورم مباشرة - باملعاجلات<br />

الكيميائية واإلشعاعية - قد جتعل املعاجلة املناعية أكثر فاعلية<br />

إذا ماتت خاليا السرطان بطريقة تُطلق الفرع الفطري )4( من<br />

اجلملة املناعية.‏ وقد تكون النتيجة ‏»عاصفة«‏ عالجية مثالية من<br />

قتلٍ‏ خلاليا الورم والسماح للحطام بأن تتعرفه اجلملة املناعية<br />

بصورة أوثق.‏ وستسمح توليفة كهذه بتكوين خاليا ذاكرة<br />

تائية ستبقى يقظة متأهبة ضد أي منو سرطاني إضافي وملدة<br />

طويلة بعد توقف املعاجلة املناعية.‏ وسواء أمكن لهذا النوع<br />

من املعاجلة املناعية أو وجب ضمّه إلى أنواع أخرى منها قيد<br />

التطوير حاليا لضمان فاعلية أكبر - مثل لقاحات السرطان -<br />

فهذا أمر اليزال قيد النظر.‏<br />

وبشكل عام،‏ أعتقد أنه قد حان الوقت لنبدأ بالتفكير بواقعية<br />

في فترات طويلة من اخللو من املرض،‏ أو حتى في الشفاء،‏<br />

ألنه ميكننا اآلن أن نضم عالجات عيارية تستهدف الورم إلى<br />

عالجات مناعية تعزز دفاعات املريض نفسه.‏ ><br />

immunosuppressing steroids (1)<br />

corticosteroids (2)<br />

pancreatic cancer )3(<br />

)4( branch innate؛ أو:‏ اخلِ‏ لقي.‏<br />

مراجع لالستزادة<br />

Cancer Immunoediting: Integrating Immunity’s Roles in Cancer Suppression and<br />

Promotion. Robert D. Schreiber et al. in Science, Vol. 331, pages 1565–1570; March 25,<br />

2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/21436444<br />

Nivolumab plus Ipilimumab in Advanced Melanoma. Jedd D. Wolchok et al.<br />

in New England Journal of Medicine, Vol. 369, No. 2, pages 122–133; July 11, 2013. www.<br />

ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/23724867<br />

Scientific American, May <strong>2014</strong><br />

37 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

التاريخ الروحي<br />

السري حلساب<br />

)(<br />

التكامل<br />

نشأ حساب التكامل )1( في<br />

مناظرة جرت في القرن السابع<br />

عشر وكان لها طابع ديني<br />

بقدر ما كان لها طابع علمي.‏<br />

>A. ألكساندر


إن النقد،‏ الذي وجّ‏ هه ‏ إلى طريقة األشياء غير القسومة التي جاد بها<br />

،‏ محتوى في الكتاب الرابع من مؤلفه بعنوان De Centro Gravitatis ‏)الذي يسمى أيضا<br />

)Centrobaryca املنشور عام 1641. وكان ‏‏ يحاج في أن براهني ‏‏ ليست بناءة،‏<br />

وأنها من النوع الذي تستسيغه الرياضيات التقليدية فقط.‏ وكان هذا صحيحا دون ريب:‏ ففي الطريقة<br />

التي تسلكها الرياضيات اإلقليدية التقليدية،‏ كان إنشاء األشكال الهندسية يُجرى تدريجيا من البسيط<br />

إلى املركب،‏ باالستعانة مبسطرة وفرجار فقط لرسم املستقيمات والدوائر.‏ وكانت كل خطوة في برهانٍ‏<br />

ما تتطلب مثل هذا اإلنشاء،‏ الذي يعقبه استنتاج لالقتضاءات املنطقية للشكل احلاصل.‏<br />

بيد أن ‏‏ سلك طريقة عكسية،‏ إذ بدأ<br />

)2(<br />

باألشكال الهندسية اجلاهزة،‏ كالقطوع املكافئة )1( واللوالب<br />

وغيرهما.‏ وبعد ذلك قحَسّ‏ مها إلى عدد غير منته من األجزاء.‏<br />

وميكن أن يُنْعحَت هذا اإلجراء بأنه هَ‏ دْ‏ م ،deconstruction وهذا<br />

يناقض اإلنشاء ،construction الذي ال يسعى إلى رسم شكل<br />

هندسي مترابط منطقيا،‏ بل إلى حل شيفرة decipher البنية<br />

الداخلية لشكل هندسي موجود.‏<br />

بعد ذلك،‏ انتقل ‏‏ إلى األساس الذي بُنيت عليه<br />

طريقة ‏،‏ وهو فكرة أن املستوي مكوّن من عدد<br />

غير منته من املستقيمات،‏ أو أن اجلسم الثالثي األبعاد<br />

مكوّن من عدد غير منته من املستويات.‏ فقد أحَصرّ‏ ‏‏<br />

على أن هذه الفكرة كلها هراء؛ وعبّر عن ذلك بقوله:‏ ‏»ال وجود<br />

ملتخصص في علم الهندسة ميكن أن يوافق ‏‏<br />

على أن السطح هو جميع مستقيمات شكله،‏ ثم إنه ال ميكن<br />

أن يكون هذا الوصف للسطح قد صِ‏ يغ بلغة هندسية.«‏<br />

وبعبارة أخرى،‏ ملا كانت املستقيمات ال عرض لها،‏<br />

فإن وضع أي عدد منها جنبا إلى جنب لن يغطي حتى<br />

أصغر مستوٍ‏ . لذا،‏ فإن محاولة ‏‏ حساب<br />

مساحة شكل مستوٍ‏ انطالقا من أبعاد ‏»جميع مستقيماته«‏<br />

كانت عبثية.‏ وقد قاد ذلك ‏‏ إلى غايته النهائية،‏<br />

وهي أن طريقة ‏‏ كانت مؤسسة على إيجاد<br />

نسبة بني جميع مستقيمات شكلٍ‏ وجميع مستقيمات<br />

شكلٍ‏ آخر.‏ لكن ‏‏ كان يؤكد باستمرار أن كلتا<br />

مجموعتي املستقيمات غير منتهية.‏ وأن نسبة ال نهاية<br />

إلى ال نهاية أخرى ال معنى لها.‏ وبصرف النظر عن عدد<br />

مرات ضرب عدد غير منته من املقادير غير القسومة،‏<br />

فلن يتجاوز حاصل ضربها عددا ال نهائيا مختلفا من<br />

املقادير غير القسومة.‏<br />

وعموما،‏ كان نقد ‏‏ ألسلوب ‏‏<br />

يجسد املبادئ األساسية للرياضيات اجلزويتية Jesuit<br />

.mathematics فقد كان مؤسس الرياضيات اجلزويتية<br />

التقليدية ،‏ والذين أتوا من بعده،‏ يؤمنون بأن<br />

الرياضيات يجب أن تتطور بسلوك طريقة استنتاجية منهجية،‏<br />

تبدأ مبسلّمات postulates بسيطة،‏ ثم ترتقي إلى مبرهنات<br />

تتزايد تعقيدا،‏ لتصف عالقات عامة وشاملة بني األشكال.‏<br />

وكانت البراهني االستنتاجية جتسيدا دقيقا لهذه الفكرة.‏<br />

وقد ولّدت هذه الطريقة منطقا رياضياتيا هرميا صارما محَثّل<br />

للجزويتيني السبب الرئيسي لدفعهم إلى دراسة هذا احلقل:‏<br />

فقد بحَنيّ‏ كيف أن مبادئ مجردة،‏ لدى إخضاعها ألسلوب<br />

استنتاجي منهجي،‏ ميكنها بناء عالم منطقي وعقالني حقائقهُ‏<br />

شاملة وال سبيل إلى حتدي صحتها.‏ وقد أكد ‏‏<br />

أن الهندسة اإلقليدية،‏ لهذا السبب،‏ عِ‏ لم أقرب إلى املثاليات<br />

اجلزويتية املتعلقة باحلتمية،‏ والتسلسل الهرمي والنظام من<br />

أي علم آخر.‏ ويبني ذلك أن إصرار ‏‏ على البراهني<br />

االستنتاجية لم يكن حذلقة أو ضيقا في أفق التفكير،‏ كما<br />

كان يظن ‏‏ وأصدقاؤه،‏ بل كان تعبيرا عن إميان<br />

راسخ بنظامه.‏<br />

كان هذا نفسه صحيحا فيما يتعلق بنقد ‏‏<br />

لتقسيم املستويات واألشياء الثالثية األبعاد إلى جمع من<br />

املستقيمات )3( وجمع من املستويات )4( . فال يجب على<br />

الرياضيات أن تكون هرمية التسلسل واستنتاجية فقط،‏ بل<br />

أيضا عقالنية متاما وخالية من التناقض.‏ لكن األشياء غير<br />

القسومة التي أوردها ‏،‏ كانت من وجهة نظر<br />

‏،‏ غير متماسكة ومتنافرة في جوهرها ألن الفكرة،‏<br />

التي تذهب إلى أن املتصل continuum مكوّن من أشياء غير<br />

قسومة،‏ لم تصمد أمام ما يقبل به العقل.‏ وقد قال بصوت<br />

مُدوٍّ:‏ ‏»إن األشياء غير املوجودة،‏ والتي ال ميكن أن يكون<br />

لها وجود،‏ ال متكن مقارنة بعضها ببعض.‏ لذا،‏ فليس من<br />

الغريب أن تؤدي إلى تناقضات ومفارقات،‏ ويتبني في نهاية<br />

parabolas )1(<br />

spirals )2(<br />

all the lines )3(<br />

all the planes )4(<br />

39 (<strong>2014</strong>) 8/7


املطاف أنها خاطئة.«‏<br />

لقد كانت الرياضيات التي تستعمل طريقة األشياء<br />

غير القسومة أسوأ بكثير من عدم وجود رياضيات مطلقا.‏<br />

فالغرض من الرياضيات هو تقدمي نظام واستقرار متميزين<br />

إلى العالم،‏ في حني لم تُخحَ‏ لِّفْ‏ طريقة األشياء غير القسومة إال<br />

الفوضى والشواش .chaos فلو حاز هذا النظام الذي يعتريه<br />

اخللل على القبول،‏ فلن يتسنى للرياضيات أن تظل األساس<br />

لنظام عقالني أبدي.‏ وإلى ذلك،‏ فإن حِ‏ لم اجلزويتيني بعالم<br />

يسوده تسلسل هرمي ال ميكن حتديه كحقائق الهندسة،‏<br />

محكوم عليه باإلخفاق.‏<br />

هذا،‏ ولم يورد ‏‏ في كتاباته الدواعي الفلسفية<br />

األكثر عمقا لرفضه األشياء غير القسومة،‏ كما لم يفعل<br />

ذلك عاملا الرياضيات اجلزويتيان ‏ و ‏<br />

اللذان هاجما أيضا طريقة ‏.‏ وفي إحدى<br />

املراحل،‏ اقترب ‏‏ من اإلقرار بوجود مواضيع<br />

معرضة للخطر وهي أهم من املواضيع الرياضياتية<br />

الصرفة،‏ وكتب بطريقة مشفرة:‏ ‏»أنا ال أظن أن طريقة<br />

األشياء غير القسومة يجب رفضها ألسباب يجب كتمانها<br />

بصمت غير مناسب أبدا.«‏ لكنه لم يقدم تفسيرا ملا يعنيه<br />

بقوله ‏»ألسباب يجب كتمانها.«‏ وبوصفهم علماء رياضيات،‏<br />

كان لدى ثالثتهم مهمة التصدي لألشياء غير القسومة<br />

بناء على أسس رياضياتية،‏ ال فلسفية أو دينية.‏ والواقع<br />

أن صِ‏ دقيتهم الرياضياتية ستهتز إن هم أعلنوا أنهم كانوا<br />

مدفوعني باعتبارات الهوتية أو فلسفية.‏<br />

لقد كان املنخرطون في النزاع املتعلق باألشياء غير<br />

القسومة يعرفون بالطبع ما الذي كان معرضا للخطر<br />

حقا،‏ هذا ما أملح إليه ،‏ وهو عالم رياضيات<br />

جزويتي،‏ وذلك عندما كتب بروح فكهة أنه لم يكن يعرف<br />

‏»أي روح«‏ كانت حترك علماء الرياضيات اجلزويتيني.‏<br />

وباستثناءات قليلة جدا،‏ ظل اجلدل رياضياتيا،‏ وكان<br />

نقاشا بني مهنيني مدربني جيدا يدور حول اإلجراءات التي<br />

ميكن قبولها في الرياضيات.‏<br />

وعندما واجه ‏‏ انتقادات ‏‏ أول مرة<br />

عام 1642، بدأ العمل مباشرة بإعداد تفنيد مفصل لها.‏<br />

وكان ينوي في البداية الرد على ‏‏ بإجراء حوار بني<br />

صديقني،‏ وهذا أسلوب كان يحبذه معلمه ‏ )1( . بيد<br />

أنه عندما أطلع ‏ على نيته،‏ وهو صديق ومتخصص<br />

في الرياضيات،‏ عارض ‏‏ ذلك،‏ إذ رأى أن من األفضل<br />

البقاء بعيدا عن احلوار احلامي الوطيس،‏ الذي قد يثير سخط<br />

مناوئيه األقوياء،‏ وارتأى ‏‏ أن من األفضل كثيرا كتابة<br />

جواب مباشر يحَردّ‏ فيه على اتهامات ‏،‏ ويركز فيه بدقة<br />

على القضايا الرياضياتية،‏ بحيث ينأى بنفسه عن استفزاز<br />

‏.‏ وما لم يقله ‏‏ هو أن ‏‏ لم يورد<br />

في كتاباته جميعها أي تلميح إلى عبقرية ‏‏ بصفته<br />

كاتبا،‏ وال إلى قدرته على تقدمي املوضوعات املعقدة بأسلوب<br />

يتسم بالطرافة واملتعة.‏ ومن احملتمل أن يكون أفضل ما فعله<br />

‏‏ هو أنه عمل بنصيحة صديقه،‏ وهذا أغنانا عن<br />

‏»حوار«‏ مضجر ميكن وصفه بأنه نثر ثقيل يصعب فك مغالقه.‏<br />

وبدال من ذلك،‏ فقد كان جواب ‏‏ ل‏ مُتضمنّا<br />

في ‏»التمرين«‏ Exercise الثالث من كتابه األخير عن األشياء<br />

غير القسومة،‏ وهو ،Exercitationes Geometricae Sex الذي<br />

نشر عام 1647 وقد وُضِ‏ ع له عنوان بسيط هو In Guldinum<br />

‏)أي ضد ‏(.‏<br />

لم يبدُ‏ على ‏‏ انزعاج مفرط من نقد ‏.‏<br />

فقد أنكر أنه أكد أن املتصل مكون من عدد ال منته من<br />

أجزاء غير قسومة،‏ وحاج في أن طريقته لم تعتمد على<br />

هذا االفتراض.‏ فإذا آمنا بأن املتصل مؤلف من أجزاء<br />

غير قسومة،‏ فعندئذ نقبل بأن جميع املستقيمات معا يُجْ‏ محَعُ‏<br />

بعضها إلى بعض لتُكحَوِّن سطحا،‏ وأن جميع املستويات<br />

جتُ‏ مع لتكوّن حجما،‏ غير أنه إذا لم نقبل بأن املستقيمات<br />

تُؤلف سطحا،‏ فال ريب في وجود شيء ما هناك - إضافة<br />

إلى املستقيمات - لتشكيل السطح،‏ ووجود شيء ما إضافة<br />

إلى املستويات لتكوين حجم.‏ وقد أكد أن هذا كله ال صلة له<br />

بطريقة األشياء غير القسومة التي تقارن جميعحَ‏ مستقيمات<br />

أو جميعحَ‏ مستويات شكل بجميع مستقيمات أو بجميع<br />

مستويات شكل آخر،‏ بصرف النظر عما إذا كانت حقا<br />

تؤلف الشكل.‏<br />

رمبا كانت حجة ‏‏ هذه مقبولة تقنيا،‏ لكنها<br />

كانت مُخادِ‏ عة وماكِ‏ رة أيضا.‏ فكل من قحَرحَأ كتابه Geometria<br />

Galileo Galilei )1(<br />

املؤلف<br />

Amir Alexander<br />

‏‏ مؤرخ للرياضيات في جامعة كاليفورنيا،‏ ومؤلف كتاب:‏ ‟Geometrical<br />

Landscapes: The Voyages of Discovery and the Transformation of Mathematical<br />

‟Duel at Dawn: Heroes, Martyrs, وكتاب:‏ Practice” (Stanford University Press, 2002)<br />

and the Rise of Modern Mathematics” (Harvard University Press, 2010).<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

40


Indivisibilibus أو كتابه Exercitationes لن يشك البتة في<br />

أنهما كانا مبنينيّ‏ على احلدس األساسي بأن املتصل مكون<br />

من أشياء غير قسومة.‏ فقد كان ‏‏ مصيبا متاما عندما<br />

طلب استجواب ‏‏ فيما يتعلق بآرائه في املتصل<br />

ويبدو أن دفاع اجلزواتي Jesuat لم يكن سوى عذر واهٍ‏ .<br />

لم يكن رد ‏‏ على إحلاح ‏‏ بأنه ‏»ال يوجد<br />

للشيء الالمنتهي تناسبٌ‏ أو نسبةٌ‏ مع شيء<br />

ال منته آخر«‏ أكثر إقناعا.‏ فقد كان يفرق<br />

بني منطني من الالنهاية،‏ إذ رأى عدم وجود<br />

نسبة حقا بني ال نهاية مطلقة absolute<br />

infinity وال نهاية مطلقة أخرى،‏ لكن جميع<br />

املستقيمات وجميع املستويات ليس النهاية<br />

مطلقة بل النهاية نسبية .relative infinity<br />

ومن ثم حاجّ‏ في أن هذا النمط من الالنهاية<br />

ميكن أن تكون له،‏ بل له فعال،‏ نسبةٌ‏ إلى<br />

النهاية نسبية أخرى.‏ وكما في السابق،‏<br />

بدا أن ‏‏ يدافع عن طريقته على<br />

أسس تقنية مبهمة رمبا كانت مقبولة أو<br />

غير مقبولة ألنداده من علماء الرياضيات.‏<br />

ومهما يكن من أمر،‏ فإن حجته لم تكن لها<br />

عالقة باحملرّض احلقيقي للدفاع عن طريقة<br />

األشياء غير القسومة.‏<br />

وقد أصبح هذا الدافع معروفا من خالل إجابة ‏‏<br />

على اتهام ‏‏ بأنه لم ينشئ construct أشكاله بطريقة<br />

سليمة،‏ وهنا نفد صبر ‏.‏ وكان ‏‏ قد ادعى<br />

أن كل شكل وزاوية ومستقيم في برهان رياضياتي يجب أن<br />

يُنشأ بعناية من املبادئ األولى؛ لكن ‏‏ أنكر ذلك<br />

بشدة،‏ إذ كتب يقول:‏ ‏»كي يكون برهانٌ‏ صحيحا،‏ فليس من<br />

الضروري أن نقوم برسم هذه األشكال املتشابهة،‏ لكن يكفي<br />

االفتراض بأنه جرى رسمها ذهنيا.«‏<br />

وهنا يتجلى الفرق احلقيقي بني ‏‏ و،‏<br />

بني اجلزويتيني ومؤيدي األشياء غير القسومة.‏ وفيما<br />

يتعلق باجلزويتيني،‏ فإن الغرض الذي كان يسعى إليه<br />

علماء الرياضيات هو أن يبيّنوا أن العالم هو مكان ثابت<br />

غير متغير إلى األبد،‏ ونظامه وتسلسله الهرمي ال ميكن<br />

حتديهما مطلقا.‏ وهذا هو السبب في أن كل شيء في<br />

العالم يجب أن يكون قد أنشئ بدقة وعقالنية،‏ وفي أن أي<br />

تناقض أو مفارقة،‏ مهما كانت ضآلته،‏ لن يُسمح به إطالقا.‏<br />

وكانت رياضيات اجلزويتيني تبدأ باألفكار العامة ثم إلى<br />

تفصيالتها،‏ وكان الغرض منها إدخال العقالنية والنظام،‏<br />

يرى اجلزويتيون<br />

Jesuits أن الغرض<br />

من الرياضيات<br />

هو التوصل إلى<br />

بناء رياضياتي<br />

لعالَم ال يطرأ عليه<br />

أبدا أي تغيير.‏<br />

أما ‏‏<br />

اجلزواتي،‏ فكان يرى<br />

عكس ذلك.‏<br />

وإال لكان العالم شواشيا.‏<br />

وفيما يتعلق ب‏ ومؤيدي فكرة الالقسومية،‏<br />

فكان الوضع معاكسا متاما:‏ فالرياضيات عندهم تبدأ<br />

من تصور حدسي مادي للعالم - فاألشكال املستوية<br />

مكونة من مستقيمات،‏ واحلجوم من مستويات،‏ متاما<br />

مثلما يكون القماش محاكا من خيوط،‏ والكتاب مجمعا<br />

من صفحات،‏ ولم يكن اإلنسان في<br />

حاجة إلى إنشاء مثل هذه األشكال،‏ ألننا<br />

جميعا نعرف أنها موجودة في العالم.‏<br />

وكل ما نحن بحاجة إليه هو القبول<br />

بوجودها ثم دراسة بناها الداخلية.‏ فإذا<br />

واجهنا تناقضات أو مفارقات ظاهرية،‏<br />

فمن احملتم أن تكون سطحية،‏ وناجتة<br />

من فهمنا احملدود،‏ ومن املمكن إما تبيان<br />

عدم أهميتها،‏ أو استعمالها بوصفها<br />

أداة للبحث والدراسة.‏ بيد أنه ال يجب<br />

البتة أن توقف مسيرتنا الستيعاب البنية<br />

الداخلية لألشكال الهندسية والعالقات<br />

املستترة بينها.‏<br />

ويرى علماء الرياضيات الكالسيكيون<br />

من أمثال ‏،‏ أن الفكرة القائلة<br />

إن مبقدورك بناء رياضيات على حدس<br />

غامض ومتناقض،‏ هي فكرة سخيفة.‏ وقد طرح ‏‏<br />

على ‏‏ السؤال الساخر اآلتي:‏ ‏»من الذي<br />

سيبت في صحة إنشاء هندسي،‏ أ هو اليد أم العني أم<br />

العقل؟«‏ وكان ‏‏ يظن أن إصرار ‏‏ على<br />

حتاشي التناقضات هو حتذلق تافه،‏ إذ إن الكل يعرف<br />

أن األشكال كانت موجودة فعال وال معنى للجدل بأنها<br />

لم تكن كذلك.‏ وهذه العادة في اإلسفاف في تتبع أخطاء<br />

بسيطة لآلخرين )1( قد تكون لها،‏ كما يرى ‏،‏<br />

عواقب وخيمة.‏ فإذا فاز ‏،‏ فسيضيع أسلوب فعال،‏<br />

وسيضر ذلك بالرياضيات نفسها.‏ ><br />

nitpicking )1(<br />

مراجع لالستزادة<br />

The Discovery of Infinitesimal Calculus. H. W. Turnbull in Nature, Vol. 167, pages 1048 –1050;<br />

June 30, 1951.<br />

Exploration Mathematics: The Rhetoric of Discovery and the Rise of Infinitesimal Methods.<br />

Amir R. Alexander in Configurations, Vol. 9, No. 1, pages 1–36;Winter 2001.<br />

The Skeleton in the Closet: Should Historians of Science Care about the History of<br />

Mathematics Amir Alexander in Isis, Vol. 102, No. 3, pages 475–480; September 2011.<br />

Scientific American, April <strong>2014</strong><br />

41 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

)(<br />

االستمطار<br />

تنفق احلكومات واملزارعون في العالم ماليني الدوالرات سنويا محاولني التحكم<br />

في الطقس.‏ وتشير بيانات حديثة إلى أنهم على وشك حتقيق بعض ما يسعون إليه.‏<br />

‏<br />

حتتوي السحب املنتفخة على كمية كبيرة من املاء،‏ حتى<br />

إن سحابة صغيرة منها قد يصل حجمها إلى 750 كيلومترا<br />

مكعبا.‏ وإذا ما تصورت وجود نصف غرام من املاء في املتر<br />

املكعب من هذه السحابة،‏ فإن تلك الكرات البخارية في زغب<br />

الغالف اجلوي تظهر كأنها بحيرات سابحة في السماء.‏<br />

واآلن تصور أنك مُزارِ‏ ع تنظر إلى هذه السحابة،‏ وهي<br />

متر فوق احلقول الظمأى،‏ مُحمَّلة بكميات من املاء تفوق ما<br />

حتتاج إليه إلنقاذ محصولك وتخليصك من الديون،‏ ولكنها<br />

ال جتود إال بقطرات قليلة قبل أن تختفي وراء األفق.‏ إن<br />

هذا الوضع الذي يبعث على اجلنون هو الذي أدى بالناس<br />

في جميع أنحاء العالم إلى إنفاق ماليني الدوالرات كل عام<br />

حملاولة التحكم في األمطار.‏<br />

في الواليات املتحدة،‏ ازدادت الرغبة في انتزاع املزيد<br />

من الرطوبة من السماء خالل هذا العام الرابع على التوالي<br />

من القحط القاسي.‏ ففي الكثير من السهول الكبرى )1( وفي<br />

املناطق اجلنوبية الغربية كانت كميات مياه األمطار التي<br />

هطلت منذ عام 2010 أقل من املعتاد،‏ مبا يتراوح بني الثلث<br />

والثلثني.‏ وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الذرة واحلنطة<br />

وفول الصويا مبقدار الربع.‏ كما أن والية كاليفورنيا التي<br />

تزوّد البالد مبعظم كميات الفواكه واخلضار لم تخرج بعدُ‏ من<br />

محنة ثالث سنوات من اجلفاف الذي ترك خزانات املياه شبه<br />

فارغة،‏ وجعل كميات الثلوج املتساقطة سنويا تتضاءل بشكل<br />

خطير.‏ وفي الشهر <strong>2014</strong>/2 أعلنت مصلحة األرصاد اجلوية<br />

القومية )3( أن هناك فرصة تقدر بواحد من األلف للتعافي من<br />

هذا الوضع في وقت قريب،‏ ما جعل مزارعي اللوز يعكفون<br />

على جرف أشجارهم بسبب قلة الرطوبة،‏ حتى إنهم باتوا<br />

مهددين بفقدان مياه الشرب.‏<br />

وفي أنحاء متفرقة من العالم يعيش الناس في حالة<br />

جفاف قاسٍ‏ بلغت في 168 دولة حدّا تسبب في ظهور تصحر<br />

مبستويات متفاوتة.‏ وقد عانت أستراليا تسع سنوات من<br />

اجلفاف أسموه القحط الكبير .the big dry كما أن تركيا<br />

تعرضت ألسوأ جفاف خالل عقد من الزمن.‏ وعانت مؤخرا<br />

كل من البرازيل والصني ودول في الشرق األوسط وجنوب<br />

آسيا نقصا حادا في املياه.‏ ووفق تنبؤات املنظمة العاملية<br />

لألرصاد اجلوية التابعة لألمم املتحدة،‏ فإن التغير املناخي<br />

سيؤدي إلى تفاقم هذه األوضاع.‏ ولكن إذا حالفنا احلظ أو<br />

تصرفنا بذكاء ملعاجلتها،‏ فإن املياه التي ميكننا وضع اليد<br />

عليها هي املياه التي تسبح في اجلو على الدوام،‏ وهذه الكمية<br />

تقدر بنحو %0.04 من املياه العذبة في العالم.‏<br />

وهناك عدد قليل من أصحاب األفكار النيرة يجرون جتارب<br />

تقوم على أساس تزويد الغالف اجلوي بأيونات العتصار<br />

SUMMON THE RAIN ()<br />

the Great Plains )1(<br />

)2( satellite؛ أو:‏ قمر صنعي.‏<br />

the National Weather Service )3(<br />

زرع البذور في السحب صناعة كلفت عدة ماليني من<br />

الدوالرات،‏ لكن إجراء جتارب فاحصة للتأكد من فعاليتها كان أمرا<br />

شبه مستحيل منذ أمد بعيد.‏<br />

وقد أضفى ساتل )2( جديد،‏ وكذا البيانات الرادارية<br />

وأنواع احلواسيب الفائقة املزيد من املصداقية إلى عملية زرع يوديد<br />

باختصار<br />

الفضة في السحب.‏<br />

وفي غضون ذلك،‏ وفي الوقت الذي يتكيف فيه اإلنسان<br />

مع عالم يزداد دفئا،‏ يستمر استنباط سبل جديدة مازالت بالغة<br />

الغموض من شأنها التحكم في الطقس مثل تأيني ionization<br />

الغالف اجلوي.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

42


زارعو البذور في السحب من جمعية تعديل<br />

الطقس في غرب تكساس يطلقون ومضات من يوديد<br />

الفضة في محاولة لترطيب احلقول العطشى على األرض.‏<br />

مزيد من الرطوبة منه،‏ مع أن الطريقة األصلية لزيادة هطول<br />

األمطار ال تزال تلك التي تستخدم زرع مواد كيميائية في<br />

السحب.‏ فاحلكومة الصينية،‏ على سبيل املثال،‏ تنشر جيشا<br />

للطقس weather army مؤلفا من 48 ألف شخص وتزودهم<br />

ب 50 طائرة و 7 آالف راجمة صواريخ و 7 آالف مدفع من أجل<br />

انتزاع املزيد من األمطار من السماء بتلك الطريقة.‏<br />

واملبدأ في ذلك بسيط:‏ فالسحب التي تأتي منها األمطار<br />

حتتوي على قطيرات ماء بحجم امليكرون )1( ، حرارتها دون<br />

درجة التجمد،‏ ولكنها لم تتحول بعد إلى جليد ألنها تفتقر<br />

إلى نوى ضرورية لكي تتجمع حولها - لنقل إنها بحاجة إلى<br />

جسيمات غبارية باحلجم املناسب متاما.‏ وهذه القطيرات هي<br />

من اخلفة بحيث تبقيها التيارات الصاعدة عالقة في اجلو.‏<br />

وإذا جرى توفير نوى مناسبة،‏ فإن القطيرات تندمج وتأخذ<br />

شكل كريات صغيرة من اجلليد سرعان ما تتحول إلى<br />

غيث عندما تتساقط مخترقة اجلو الدافئ.‏ وقد اخترع<br />

هذه التقانة ‏ ‏]العالم في مجال الغالف اجلوي<br />

مبختبر البحوث التابع لشركة جنرال إلكتريك )2( بنيويورك[.‏<br />

وكان ذلك عام 1946 بعد وقت قصير من إطالق سراح أخيه<br />

األصغر ‏‏ من معتقل أملاني لسجناء احلرب،‏ وهو ما<br />

عمل الحقا على تخليد ذكراه في رواية « املسلخ رقم «)3( 5 .<br />

أما املادة الكيميائية التي استخدمها ‏‏ كبذور،‏<br />

فهي يوديد الفضة silver iodide والتي حتاكي بنيته اجلزيئية<br />

تلك املوجودة في بلورات اجلليد.‏ ففي سحابة باردة يعمل<br />

يوديد الفضة على جذب املاء لاللتصاق به.‏ ويقوم يوديد<br />

الفضة بهذه املهمة نظريا وحتى عمليا:‏ إذ صرح طيارون أن<br />

بإمكانهم مشاهدة السحب وهي تتغير عندما ترشق بهذه املواد<br />

الكيميائية.‏ ولكن السؤال الذي ما زال عالقا طيلة نصف قرن<br />

حول زرع البذور في السحب هو:‏ هل السحابة التي يتم زرع<br />

البذور فيها ستمطر في جميع األحوال؟ ليس هناك أي وسيلة<br />

إلجراء جتربة مثالية ومراقبة متاما في هذا املجال.‏ تلك هي<br />

السحب التي نتكلم عنها،‏ في حني ثمة لفيف من العلماء اليوم<br />

يُسمّون أنفسهم فيزيائيي السحب cloud physicists يرون<br />

)1( :micron جزء من األلف من امليليمتر.‏<br />

the General Electric )2(<br />

Slaughterhouse-Five )3(<br />

43 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

أن السحب clouds هي بالتعريف الدقيق ‏»سريعة الزوال«‏<br />

.ephemeral فكل سحابة هي فريدة من نوعها كحال ندفة ثلج،‏<br />

ومتقلبة كحال لهب.‏<br />

وما نعرفه عن السحب يقزمه ما ال نعرفه عنها.‏ ذلك أن<br />

التنبؤ مبا ستفعله السحب هو من الصعوبة مبكان.‏ أما اإلقرار<br />

بشكل مؤكد مبا كان ميكن أن تفعله في ظل ظروف مغايرة،‏<br />

فهو أمر مستحيل.‏ وحتى عام 2003، كانت هناك شكوك تشوب<br />

موقف املجلس القومي لألبحاث )2( . فقد جاء في ملخص أحد<br />

تقاريره:‏ ‏»ثمة ما يثبت بشكل واضح أن تزويد سحابة معينة<br />

ببذور عامل كيميائي...‏ ميكن أن يؤدي إلى حدوث حتول في<br />

تطورها وهطولها.‏ ومع ذلك،‏ فإن العلماء اليزالون غير قادرين<br />

حتى اآلن على تأكيد أن مثل هذه التعديالت احملدثة ستؤدي<br />

إلى تغييرات ميكن تكرارها والتحقق منها في هطول املطر<br />

وسقوط البرد وتساقط الثلوج على األرض.«‏<br />

ومع ذلك،‏ ففي العقد الذي تال صدور تقرير املجلس القومي<br />

لألبحاث،‏ فإن األسطول اجلديد من سواتل )3( satellites مراقبة<br />

الطقس الذي أطلقته الوكالة ناسا ،NASA والتقدم الذي حتقق<br />

في مجال الرادار،‏ والنمو املنقطع النظير في قوة احلوسبة،‏ كلها<br />

عوامل جعلت العلماء يصرحون بثقة كبيرة وألول مرة:‏ نعم،‏<br />

في الظروف املناسبة ووفق أساليب محددة،‏ فإن زرع املواد<br />

الكيميائية في السحب عملية قد تنجح.‏<br />

44<br />

)(<br />

تراكم األدلة<br />

وقد قال لي ‏ عندما زرته في مخبئه املتواضع<br />

التأثيث الكائن بأحد املباني احلديثة والبسيطة في املركز<br />

القومي ألبحاث الغالف اجلوي (NCAR) )4( : ‏»إن املاء شيء<br />

عاطفي،‏ والقحط يستنفر العاطفة.«‏ و‏ إنسان كيّس<br />

وأنيق،‏ عالم في مجال فيزياء السحب،‏ وأملاني املولد،‏ أمضى<br />

عقودا من الزمن في دراسة مسألة تعديل الطقس.‏ واآلن فقط<br />

بدأ يشعر بالثقة في فوائد هذه املسألة.‏ ‏»إن املزارعني ينظرون<br />

إلى األعلى فيشاهدون تلك املياه كلها متر فوق رؤوسهم،‏<br />

بينما الزرع في حقولهم ميوت،‏ وهم يريدون من احلكومة أن<br />

تأتيهم بتلك املياه.«‏<br />

إنه من الصعب التفكير في مسعى علمي آخر لم تتغير فيه<br />

التقانة األساسية طيلة 70 سنة.‏ فما زال العاملون في مجال<br />

تزويد السحب بالبذور يستخدمون يوديد الفضة بالذات.‏ أما<br />

الذي تغير،‏ والسيما خالل السنوات العشر األخيرة،‏ فهو<br />

التقانة املستخدمة في قياس الفعالية.‏ لقد استحدث إبان<br />

الثمانينات من القرن املاضي رادار دوپلر ،Doppler Radar<br />

وبخاصة الطراز 88D، الذي محَكَّنحَ‏ العلماء ألول مرة من رؤية<br />

تركيزات املياه ضمن إحدى السحب.‏ إنه اآللة التي تنشئ<br />

تلك البقع اخلضراء على خرائط الطقس التي نشاهدها على<br />

شاشة التلفاز.‏ ويقول ‏:‏ ‏»ولكن حتى هذا األمر<br />

ليس دقيقا،‏ إذ بإمكان عشر حبات من البحَرد أن تظهر أن<br />

هناك ما قد يصل إلى ألف قطرة مطر«.‏ وأضاف:‏ ‏»إن التقدم<br />

الكبير الذي أحرز منذ عام 2000 يتضمن الرادار الثنائي<br />

االستقطاب )5( الذي يصدر إشارات موجية على كل من<br />

محوري اإلحداثيات x و y مقطعا السحابة إلى شرائح بدقة<br />

مذهلة«.‏ وأوضح يقول:‏ ‏»إنه عندما تستخدم الرادار الثنائي<br />

االستقطاب يصبح بإمكانك أن تعرف ما إذا كانت السحابة<br />

حتتوي على بَرد hail أو مطر،‏ كما يصبح بإمكانك أن ترى<br />

حجم وشكل قطرات املطر...‏ إن ذلك أمر الفت ورائع حقا.«‏<br />

ومع حصولنا على بيانات أفضل،‏ ازدادت قوة احلواسيب<br />

وقدراتها على حتليل هذه البيانات.‏ واألهم من ذلك القدرة<br />

على إحداث مناذج افتراضية تصور ما الذي كانت السحابة<br />

ستفعله لو أنه لم يتم تزويدها بالبذور.‏ وفي الشهر 2012/10<br />

شحَ‏ غَّل املركز NCAR حاسوب يلوستون الفائق )6( ، وهو حاسوب<br />

عمالق قادر على إجراء 1.5 كادريليون )7( عملية حسابية في<br />

الثانية الواحدة – أي إنه أقوى 180 مرة من حاسوب بلوسكاي<br />

Bluesky الفائق الذي كشف هذا املركز عنه النقاب عام 2002.<br />

وقد مكّن حاسوب يلوستون الفائق العالم ‏‏<br />

وزمالءه من جتميع بيانات عاملية حقيقية حصلوا عليها من<br />

مصلحة األرصاد اجلوية القومية ومن أسطول جديد من<br />

السواتل لوكالة ناسا - وجميعها غير دقيقة - ثم إنشاء<br />

محاكاة عددية لسحابة رقيقة ممتدة على مساحة واسعة.‏<br />

وبإمكان هذا احلاسوب أن يقسم مساحة تصل إلى 15 ميال<br />

ACCUMULATING EVIDENCE ()<br />

Gun Guys : A Road Trip )1(<br />

the National Research Council )2(<br />

)3( أو:‏ األقمار الصنعية.‏<br />

the National Center for Atmospheric Research )4(<br />

dual-polarization radar )5(<br />

Yellowstone supercomputer )6(<br />

)7( الكادريليون:‏ هو رقم مؤلف من واحد وإلى ميينه 15 صفرا في الواليات املتحدة.‏<br />

املؤلف<br />

Dan Baum<br />

‏‏ من أحدث أعمال الكاتب كتاب ‏»أصدقاء السالح:‏ رحلة على<br />

الطريق«‏ )1( . وكان في السابق يكتب لصحيفة .New Yorker وقد كتب انطالقا<br />

من القارات اخلمس.‏


حقول قطن قاحلة تكثر في غرب تكساس حيث تدنى هطول األمطار إلى ثالث بوصات خالل املواسم األخيرة.‏<br />

مربعا إلى شبكة من النقاط املتقاربة تبعد إحداها عن األخرى<br />

نحو 300 قدم.‏ كما يستطيع تقطيع شرائح زمنية مدتها ست<br />

ساعات من البيان إلى ‏»خطوات زمنية مدتها أقل من ثانية<br />

واحدة.«‏ ويعطي هذا املستوى من التشطير )1( granularity ما<br />

يصفه ‏ ‏]البلجيكي املولد وأستاذ علوم الغالف<br />

اجلوي في جامعة وايومينگ ]Wyoming بأنه ‏»أفضل متثيل<br />

للغالف اجلوي حصلنا عليه حتى اآلن.«‏ ويضيف ‏:‏<br />

‏»إن احلاسوب هو من القوة مبا يكفي لكي ميكن العلماء من<br />

تكوين صورة لسماء افتراضية،‏ فهناك العديد من احملاكاة<br />

احلاسوبية املثالية – وما يهمنا في ذلك هو أنك حتدث سحابة<br />

وتقوم بحقنها بنوى يوديد فضة افتراضية،‏ ثم تشاهد ما<br />

الذي سيحدث.«‏<br />

في العام املاضي فقط أصبح ‏‏ يرغب في<br />

التصريح عن عمله،‏ فقال:‏ ‏»إن الدليل قوي على أنه بإمكاننا،‏<br />

في ظل ظروف معينة،‏ الزيادة في هطول املطر بنسبة تتراوح<br />

ما بني %10 إلى %15.«<br />

)(<br />

متحمسون حقيقيون<br />

من بني املتحمسون احلقيقيني لعملية زرع البذور في السحب<br />

أهالي غرب تكساس،‏ وهذا ليس غريبا،‏ إذ عانوا القحطحَ‏<br />

سنوات وسنوات،‏ وعانوا حرائق هائلة اجتاحت مروجهم<br />

صيفا إثر صيف.‏ وقد عهد إلى جمعية تعديل الطقس في<br />

غرب تكساس )2( منذ إنشائها عام 1997 مبهمة زيادة هطول<br />

األمطار فوق أراضٍ‏ تبلغ مساحتها 6.4 مليون فدان )3( acre<br />

في جنوب غرب تكساس،‏ وهي أراض تقع في منطقة كان<br />

هطول املطر عليها في الصيف املاضي نصف معدله العادي.‏<br />

وهذه اجلمعية ال تقوم بأبحاث كالتي يقوم بها ‏‏<br />

و،‏ بل تتلقى األموال جللب املاء إلى األراضي.‏<br />

وتخصص مدينة San Angelo واملناطق التي تقنن املياه<br />

في سبع مقاطعات مبلغ 359 ألف دوالر سنويا لدعم جهود<br />

هذه اجلمعية التي تقوم على اإلميان بالقضية من جهة،‏ وعلى<br />

البيانات من جهة ثانية،‏ وذلك من أجل استخالص املزيد من<br />

الرطوبة من السماء املتمردة املترامية األطراف.‏ وبتعبير آخر،‏<br />

فإن هذا يكلف تكساس وهؤالء املزارعني ومربي املاشية 4.4<br />

سنت لكل فدان واحد في السنة لكي يراهنوا على احتمال<br />

تلقي حقولهم قسطاً‏ من الرطوبة يزيد قليال على املعتاد.‏ وفي<br />

الوقت الذي يرغب فيه مزارعو األراضي القاحلة في أن ينزل<br />

الغيث مباشرة فوق محاصيلهم الزراعية،‏ فإن املسؤولني عن<br />

الري والبلديات يريدون هذا املطر لسد النقص احلاصل في<br />

مياه الطبقات الصخرية املائية الواقعة حتت التربة الطينية<br />

الصلبة.‏ ويصرف ذلك املبلغ في دفع أجرة استخدام أربع<br />

طائرات وحيدة احملرك وأجور خدمات يقوم بها ستة طيارين<br />

عسكريني متقاعدين براتب 75 دوالرا/ساعة،‏ وتصرف أيضا<br />

في استئجار مكتب من غرفة واحدة في أحد أطراف مطار<br />

سان أجنلو املشمس.‏ وفضال عن ذلك،‏ يصرف قسم من املبلغ<br />

لدفع راتب ‏ للعمل بدوام كامل،‏ وهو شاب يبلغ<br />

من العمر 28 سنة،‏ قوي البنية ومختص في األرصاد اجلوية،‏<br />

حظي بوظيفة في الوقت الذي تتخرج من اجلامعات أعداد<br />

كبيرة من هؤالء املختصني.‏ وقد اجتمعتُ‏ معه في ذلك املكتب<br />

حيث كان يراقب شاشة حاسوب يزوده على مدار الساعة<br />

ببيانات يعرضها برنامج يبثه املركز NCAR بعنوان ‏»حتديد<br />

TRUE BELIEVERS ()<br />

)1( في نظام معني،‏ يحدد مفهوم التشطير حجم أصغر عنصر في النظام.‏<br />

the West Texas Weather Modification Association )2(<br />

)3( الفدان:‏ وحدة مساحة تساوي نحو 4000 متر مربع.‏<br />

45 (<strong>2014</strong>) 8/7


أساسيات<br />

)(<br />

كيف جنعل السماء متطر<br />

تنتج السحب املطر عندما تصطدم قطيرات ماء صغيرة جدا<br />

وفائقة البرودة بجسيمات من الغبار بحجم مناسب متاما،‏<br />

مُشكِّلة بذلك كريات جليدية صغيرة تذوب وهي تتساقط باجتاه<br />

سطح األرض.‏ وتقوم الطريقة األكثر استخداما لتوليد املطر<br />

على حقن السحب بجسيمات صغيرة من يوديد الفضة،‏ وهي<br />

‏»البذور«‏ التي تتشكل حولها جسيمات اجلليد.‏ وفضال عن ذلك،‏<br />

تظهر باستمرار أساليب جديدة لالستمطار غير أنها مثيرة<br />

لشكوك قوية.‏<br />

سحابة فائقة البرودة<br />

32 درجة<br />

فهرنهايتية<br />

يوفر يوديد الفضة نوى<br />

لتشكل اجلليد حولها<br />

<br />

جريان الهواء<br />

يوديد الفضة<br />

التيار<br />

الصاعد<br />

تتساقط بلورات اجلليد<br />

وتذوب فتتحول إلى مطر<br />

<br />

مطر<br />

<br />

مولد ليوديد<br />

الفضة<br />

على سطح<br />

األرض<br />

مدافع مضادة<br />

للطائرات<br />

ملقمة بطائرات<br />

حتتوي على<br />

يوديد الفضة<br />

طائرة منوذجية تطلق يوديد الفضة في<br />

التيار الصاعد من أنابيب مركبة على<br />

جناحيها.‏ وفضال عن ذلك،‏ فإن بعض البرامج<br />

تطلق يوديد الفضة من األرض انطالقا من<br />

مولدات أو بواسطة مدافع أو صواريخ.‏<br />

مقاربة أخرى:‏ توليد األيون<br />

ترسل أبراج مكهربة جسيمات مؤينة )1( باجتاه السماء لزرع البذور في<br />

قطيرات املاء.‏ ولم يظهر أي عالم سئل عن هذه الطريقة ثقة كبيرة فيها،‏<br />

ومع ذلك فإن برامج التأيني مستمرة في أبوظبي وأماكن أخرى.‏<br />

• جسيمات مشحونة مرفقة بنوى تكثيف<br />

تساعد على إحداث قطيرات ماء<br />

أبراج تولد جسيمات شحناتها سالبة<br />

أيونات شحناتها سالبة<br />

مطر<br />

صف من أبراج التأيني<br />

ionized particles )1( How to Make it Rain ()<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

46


وتتبع وحتليل العواصف الرعدية والتنبؤ بها«‏ (TITAN) )1( .<br />

وبالنسبة إليَّ‏ ، كانت السماء تبدو صافية متاما من الغيوم،‏<br />

إال أن ‏‏ كان يشعر باحلماس وهو ينظر إلى ظلني<br />

راداريني رماديني صغيرين فوق مقاطعة كروكيت )2( ألنهما ظهرا<br />

بالنسبة إليه واعدين.‏ وخارج باب املقر كانت تربض واحدة من<br />

)3(<br />

طائرات ‏،‏ وهي طائرة عادية من نوع پاپر كومنتش<br />

منخفضة اجلناح تتسع ألربعة أشخاص وتعتبر املفضلة<br />

لالستخدام في مجال زرع البذور في السحب ألن هيكلها قوي<br />

يتحمل الطيران في أجواء العواصف الرعدية.‏ وعلى أطراف<br />

جناحي الطائرة توجد أنابيب بيضاء مصبوغ أعالها باللون<br />

األحمر،‏ طول كل منها نحو قدم واحدة وقطره بوصة واحدة.‏<br />

يقول ،‏ ‏]من املركز :]NCAR<br />

‏»ثمة دليل قوي على أنه إذا توفرت ظروف<br />

معينة،‏ ميكننا عندها زيادة هطول األمطار<br />

بنسبة تتراوح ما بني %10 إلى %15.«<br />

وهذه األنابيب هي التي تطلق يوديد الفضة في السحب،‏ إذ إن<br />

كال منها مملوء مبادة اجليلسونايت )4( املخلوطة مبا زنته 5.2<br />

غرام من يوديد الفضة.‏ وعندما يطلق الطيار أحدها يشتعل<br />

مطلقا حرارة ونورا ساطعا ومتحوال إلى يودات )5( وتاركا وراءه<br />

عمودا من الدخان احملتوي على اليوديد.‏<br />

فقد كان يوما حارا وهادئا مع نسائم تهب بني احلني<br />

واآلخر مثيرة بعض الغبار على مهبط املطار.‏ وقد أبلغت<br />

‏‏ أنني أشعر مبا يشبه خيبة األمل،‏ إذ كنت أتوقع<br />

أن أرى مشهدا من قبيل معركة بريطانيا )6( خالل احلرب<br />

العاملية الثانية عندما كان الطيارون جالسني في غرفة مجهزة<br />

يحتسون القهوة بانتظار انطالق االشتباك في الوقت الذي<br />

تؤدي فيه سحب سوداء دور الطائرات األملانية املقنبلة.‏ فردّ‏<br />

‏‏ بقوله:‏ ‏»إنك لست بعيدا عن هذا التصور مع أننا<br />

لم نعد نبقي الطيارين يتسكعون حولنا.«‏<br />

وفي نحو الساعة السابعة من صباح كل يوم،‏ يبعث<br />

‏‏ برسائل إلكترونية إلى أفراد طاقمه والطيارين<br />

تتضمن نشرة التنبؤات باألحوال اجلوية مخمنا احتماالت<br />

القيام مبا يسميه ‏»عمليات«.‏ وبعدها يقوم ببعض املهام،‏ ثم<br />

يتوجه إلى قاعة الرياضة مستخدما جواله الذكي طول الوقت<br />

لالطالع على خرائط الطقس.‏ وفي الغالب،‏ يعرف ‏‏<br />

في حدود الساعة الثانية بعد الظهر ما إذا كان سيأمر بإجراء<br />

عمليات زرع للبذور في السحب واستدعاء الطيارين للقيام<br />

بذلك،‏ ويقول ‏:‏ ‏»عندما يحني الوقت للعملية،‏ فكل ما<br />

علينا عمله هو استدعاؤهم هاتفيا لالنطالق إلى اجلو خالل<br />

30 دقيقة.«‏<br />

وعندما يتم استدعاء الطيارين تتحرك األمور بشكل سريع<br />

فيما يقوم ‏‏ مبشاهدة حاسوبه والقيام باملهمة التي<br />

يؤديها مسؤول التوجيه في برج املراقبة باملطارات.‏ ويقول<br />

‏:‏ ‏»إن ما عليّ‏ عمله هو توجيههم إلى املنطقة األنسب<br />

من العاصفة,«‏ وهي منطقة ‏'التدفق'.‏ تلك املنطقة هي القناة التي<br />

يرتفع فيها الهواء الدافئ والرطب ضمن العاصفة،‏ ويؤدي<br />

هذا الهواء دور الوقود لها.‏ وأضاف يقول:‏ ‏»إن معظم طيارينا<br />

لديهم من اخلبرة ما يكفي لكي يعرفوا مكان التدفق.«‏ أحيانا،‏<br />

ميكن مشاهدة هذا املكان،‏ إذ هو عبارة عن<br />

حوالق شبحية )7( من الرطوبة مندفعة بسرعة<br />

نحو السماء.‏ ويستهدف الطيارون التدفق<br />

نظرا لكونهم ال يستطيعون الطيران داخل<br />

السحابة،‏ فبإمكان الرياح العنيفة داخلها<br />

متزيق الطائرة؛ كما أن قوانني إدارة الطيران<br />

االحتادية )8( متنع الطيران داخل الركامات<br />

الرعدية .thunderheads وفضال عن ذلك،‏ فإن هؤالء الطيارين<br />

لم يعودوا يحلقون بطائراتهم فوق السحب ألنهم اكتشفوا<br />

ثالثة عوائق حتول دون ذلك هي:‏ استهالك الكثير من الوقود<br />

عند التحليق بهذا العلو،‏ وعنف االضطراب الذي يحدث في<br />

ذلك العلو،‏ كما أن الكيميائيات ال ميكن إيصالها إلى املنطقة<br />

املستهدفة األكثر إيفاء بالغرض،‏ أي منطقة التدفق.‏<br />

وعوضا عن ذلك،‏ يدور الطيار حول النقطة املناسبة مطلقا<br />

من األنابيب عددا منها يعتقد أنه ضروري،‏ مستخدما التدفق<br />

في نقل الدخان احلامل ليوديد الفضة إلى داخل السحابة.‏<br />

وأحيانا تكفي طلقة واحدة لتحقيق الهدف،‏ وفي أحيان أخرى<br />

يتطلب األمر إطالق ما يصل إلى 50 طلقة.‏ أما املدة التي يتطلبها<br />

تزويد السحابة بخطوط الفضة،‏ فهي تتراوح بني 10 إلى 15<br />

دقيقة.‏ وقال ‏:‏ ‏»إن املياه الفائقة البرودة توجد على<br />

بعد 2000 قدم داخل السحابة،‏ والتدفق يحمل يوديد الفضة<br />

إلى املكان نفسه الذي ينبغي أن يصل إليه متسببا في تشكل<br />

أولى بلورات اجلليد.«‏ وأضاف يقول:‏ ‏»وعندما يتم إحداث هذا<br />

التفاعل تبدأ السحابة بصورة طبيعية بتكوين بلورات اجلليد<br />

Thunderstorm Identification Tracking Analysis and Nowcasting )1(<br />

Crockett Country )2(<br />

Piper Comanche )3(<br />

)4( :Gilsonite نوع من اإلسفلت القابل لالشتعال.‏<br />

)5( :iodate ملح احلامض اليودي.‏<br />

the Battle of Britain )6(<br />

)7( tendrils ghostly؛ احلوالق:‏ أجزاء لولبية تساعد على التعلق بسنادها.‏<br />

Federal Aviation Administration )8(<br />

47 (<strong>2014</strong>) 8/7


التي تنكسر عندما تتصادم فيما بينها.‏ وكلما انكسرت هذه<br />

البلورات يصبح بإمكانها التقاط مزيد من الرطوبة وحملها<br />

باجتاه سطح األرض.«‏<br />

يجري ‏‏ جتربة لنوع جديد من االنفجارات<br />

املتوهجة باستخدام كلوريد الكالسيوم - ملح - عوضا عن<br />

يوديد الفضة نظرا لكون امللح ال يثير مخاوف بيئية.‏ كما أنه<br />

أرخص ثمنا من يوديد الفضة ‏)الذي تعادل أسعاره مستوى<br />

أسعار فضة املناجم التي أصبحت اآلن باهظة(.‏ وفضال عن<br />

ذلك،‏ فإن امللح فعال في السحب األكثر دفئا واألقل رطوبة<br />

نسبيا.‏ وإن بعض السحب تستجيب بشكل أفضل،‏ على<br />

ما يبدو،‏ لكلوريد الكالسيوم حسب رأي ‏،‏ الذي<br />

الحظ أن الطيارين قاموا في حاالت قليلة بتزويد السحابة<br />

يقول >L. هيرمستاد


القرن التاسع عشر حني كان الناس يجربون كل شيء<br />

كإطالق نيران املدافع أو إشعال احلرائق في الغابات للتأثير<br />

في السحب كي متطر.‏ وفي عام 1894 جرب أهالٍ‏ من نبراسكا<br />

Nebraska وضع حد لقحط شنيع عن طريق تفجير عشرة<br />

براميل مليئة بالبارود وضعت على أرض معرض هاستينگز<br />

.Hastings وكمثال على الغموض العلمي،‏ نالحظ أن السماء<br />

أمطرت إثر ذلك رذاذا خفيفا لم تكن له أي فائدة،‏ ولكنه كان<br />

يكفي فقط لتشجيع الناس على االستمرار باحملاولة.‏<br />

كانت املؤسسات العلمية للحكومة االحتادية تؤمن بعملية<br />

)1(<br />

زرع البذور في السحب.‏ فقد محَوَّلت املؤسسة القومية للعلوم<br />

واإلدارة القومية للمحيطات والغالف اجلوي )2( بسخاء جتارب<br />

لتعديل الطقس طيلة 40 عاما على الرغم من النكسات التي<br />

تعرضت لها.‏ فعلى سبيل املثال،‏ أطلقت احلكومة عام 1962<br />

املشروع Stormfury لزرع البذور في األعاصير للتخفيف من<br />

شدتها.‏ وبعد ذلك بسنة قتل إعصار من الفئة الرابعة،‏ أطلق<br />

عليه اسم ،Flora آالف األشخاص في كوبا،‏ وقام ‏‏ الذي كان ال يزال يحكم كوبا،‏ باتهام الواليات<br />

املتحدة بالتالعب بالعاصفة؛ ولكن احلكومة األمريكية واصلت<br />

العمل في املشروع ملدة عقدين من الزمن قبل أن تعترف بأن<br />

زرع البذور ال يؤثر في العواصف.‏<br />

وفي الستينات من القرن املاضي ظهر دليل بسيط اعتبر<br />

آنذاك كافيا ليدعم االعتقاد بأن زرع البذور رمبا يؤدي إلى<br />

زيادة هطول األمطار،‏ حتى إن الواليات املتحدة استخدمته<br />

كسالح في احلرب الفيتنامية.‏ فمن عام 1967 إلى عام 1972<br />

قام سالح الطيران بزرع البذور في السحب فوق دولة الوس<br />

Laos أمال بإبطاء عمليات نقل األشخاص واملواد التي كانت<br />

تقوم بها فيتنام الشمالية عبر ممر هوشي منه )3( . وزعمت<br />

أمريكا في ذلك الوقت أنها متكنت من زيادة هطول األمطار<br />

بنسبة %30. ومع أنه لم يتضح قطُّ‏ ملاذا يعتبر توليد األمطار<br />

فوق رؤوس األعداء عمال حربيا هجوميا أكثر من قذفهم بقنابل<br />

النابالم أو القنابل الشديدة االنفجار،‏ فإن كشف النقاب عن<br />

العملية Operation Motorpool عام 1973 جاء مبثابة صدمة<br />

لألمة األمريكية وللعالم أجمع،‏ فبدأت عملية زرع البذور تأخذ<br />

معاني شريرة؛ مما اضطر الواليات املتحدة إلى توقيع معاهدة<br />

دولية حتظر تغيير الطقس ألهداف عسكرية.‏<br />

وقد ثبت مع ذلك أن عملية زرع البذور ظلت مستمرة بطرق<br />

أخرى.‏ فخالل جتربة مطولة لزرع البذور في السحب تسببت<br />

السيول اجلارفة بداكوتا اجلنوبية South Dakota بتاريخ<br />

1972/6/9 في قتل 256 شخصا فيCity ،(R.C) Rapid وتبعت<br />

ذلك إقامة دعوى قضائية ضد القائمني على التجربة؛ مما<br />

جعلهم في وضع صعب نتيجة جدل دار حول عملهم باعتباره<br />

غير مجدٍ‏ . وقد رفضت الدعوى بسبب أمور قانونية وذلك قبل<br />

أن تتمكن احملكمة من إصدار حكم حول الرابطة السببية<br />

بني زرع البذور وحدوث السيول.‏ وكان من املعروف،‏ قبل<br />

حدوث كارثة R.C ومنذ حدوثها،‏ أن املزارعني يشتكون من<br />

كون زرع البذور يتدخل في األمطار التي كانت ستتساقط<br />

على حقولهم لو أن السحب تركت على حالها.‏ وإضافة إلى<br />

ذلك،‏ جرى توجيه اللوم إلى زراعة البذور باعتبارها السبب<br />

في فيضانات أخرى أقل حدة،‏ إال أن جناعة زراعة البذور لم<br />

يصدر حولها أي حكم قضائي قطُّ‏ ، مع أن احلوادث املتكررة<br />

لطخت سمعتها.‏<br />

وبطبيعة احلال،‏ كان البد ملتولي زراعة البذور في السحب<br />

من مجادلة أولئك الذين يتهمونه بالتدخل في إرادة الله،‏<br />

ومجابهة اآلخرين الذين يعتقدون أن األمر يتعلق مبؤامرة<br />

رأسمالية ‏»خلصخصة«‏ الطقس،‏ وكذا مجادلة أولئك املقتنعني<br />

بأن زراعة البذور في السحب ورحَشِّ‏ احملاصيل باملواد<br />

الكيميائية - بل حتى ما تطلقه الطائرات النفاثة احمللقة على<br />

ارتفاعات شاهقة - جميع ذلك جزء من ‏»عمليات شيطانية«‏<br />

تديرها احلكومة بغية ‏»اإلبادة اجلماعية لألحياء«.‏ وبلغ األمر<br />

بأحد مواقع اإلنترنت،‏ وعنوانه ،Above Top Secret أن شرح<br />

‏»كيف أن زراعة البذور ستقتلنا جميعا.«‏<br />

ومبعث هذا اإلفراط في االرتياب يعود إلى كون يوديد<br />

الفضة - املادة الكيميائية التي تستعمل في تطهير الصورة<br />

الفوتوغرافية - مادة سامة فعال،‏ السيما بالنسبة إلى األسماك.‏<br />

وإن أصحاب نظرية املؤامرة ليسوا الوحيدين الذين ينزعجون<br />

من رمي املواد الكيميائية في الغالف اجلوي،‏ إذ إن مجموعات<br />

بارزة تعنى بالبيئة ارتابت منذ السبعينات من القرن املاضي<br />

في سالمة عملية زرع البذور في السحب،‏ وبوجه خاص في<br />

فعالية هذه العملية الغامضة.‏ فقد ظل ‏ ‏]وهو<br />

مزارع متخصص في علم األحياء[‏ يناهض زراعة البذور في<br />

السحب طيلة سنوات،‏ وأبلغ ‏،‏ الذي يعمل في ‏»غابة<br />

شاستا-ترينتي القومية«‏ )4( بوالية كاليفورنيا،‏ مراسال صحفيا<br />

عام 2010 ‏»أن يوديد الفضة هو سم قاتل للحشرات املائية،‏<br />

كما أنه لم يتحقق قطّ‏ إثبات أن زرع البذور في السحب يعمل<br />

على نحو يحقق املراد،‏ إذ إنه أخفق بنسبة %95 حتى اآلن،‏<br />

فضال عن كونه مادة سامة.‏ أال يكشف هذا كل شيء؟«‏<br />

ال،‏ ليس األمر كذلك متاما.‏ فعلى الرغم من سُ‏ مّية يوديد<br />

the National Science Foundation )1(<br />

the National Oceanic and Atmospheric Administration )2(<br />

the Ho Chi Minh )3(<br />

Shasta-Trinity National Forest )4(<br />

49 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

الفضة،‏ فإن ما يستخدم منه في عملية زرع البذور في السحب<br />

هو من الضآلة بحيث يستحيل قياسه في البيئة.‏ ذلك أن نوع<br />

السحب املناسبة لزرع البذور حتتوي الواحدة منها،‏ بصورة<br />

عامة،‏ على ما بني عشرة آالف كيلو طن وثالثني ألف كيلو<br />

طن من املياه.‏ ولذلك،‏ فإن 40 غراما من يوديد الفضة التي<br />

تستخدم في الزرع النموذجي في سحابة من هذا القبيل<br />

هي كمية صغيرة إلى أبعد احلدود.‏ وفضال عن ذلك،‏ فإن<br />

زرع البذور داخل السحب سنويا في جميع أنحاء العالم<br />

يشكل نحو عُشر في املئة من مجموع الفضة التي تضيفها<br />

النشاطات البشرية في الواليات املتحدة إلى الغالف احليوي.‏<br />

ومع ذلك،‏ فما زالت صناعة زرع البذور في السحب جتادل<br />

معارضيها بحجة أن ما تستخدمه من يوديد الفضة ال ميكن<br />

اكتشافه فوق املستويات العادية املعروفة سابقا سواء في<br />

التربة أو في املياه اجلوفية.‏ وعليه،‏ فإنه ال يشكل خطرا على<br />

اإلنسان أو األسماك،‏ ومع ذلك،‏ ليس باإلمكان توقع انتهاء<br />

اجلدل حول هذا املوضوع عما قريب.‏<br />

يعتقد العلماء أن اجلدل اخلالفي وعدم الثقة في النتائج<br />

أديا معا إلى انسحاب احلكومة االحتادية من بحث علمي<br />

حول تعديل الطقس أثناء الثمانينات من القرن املاضي.‏ أما<br />

‏ ‏]وهو متقاعد مختص في األرصاد اجلوية يعمل<br />

اآلن في هيئة حترير مجلة تعديل الطقس )1( [, فيذكرنا بانقطاع<br />

التمويل فجأة عن جتربة واعدة لزرع البذور في السحب كان<br />

يجريها مع زمالئه في فلوريدا خالل السبعينات من القرن<br />

املاضي،‏ مع أنه وزمالءه جنحوا في زيادة هطول األمطار<br />

بنسبة %15 على أرض مساحتها 13 ألف كيلومتر مربع،‏<br />

وكانوا يتوقعون نسبة أكبر.‏ وقال ‏:‏ ‏»هناك من صرح<br />

في وسائل اإلعالم ‏“إن هذه العملية كانت فاشلة”‏ لكننا حاولنا<br />

القول ‏‘ال’،‏ فقد تعلمنا الكثير من هذه التجربة وتقدمنا بطلب<br />

لتمويل مرحلة التأكد من وجاهة هذه التجربة,‏ إال أن اإلدارة<br />

القومية للمحيطات والغالف اجلوي (NOAA) قطعت التمويل،«‏<br />

وأضاف يقول:‏ ‏»كان الناس يقولون ما لم تكن النتائج واضحة<br />

وميكن إثباتها،‏ فلسنا في حاجة إلى مآسٍ‏ .«<br />

ويعتقد العلماء أن أي بيانات واعدة يشوبها الغموض من<br />

شأنها أن تفسح املجال أمام إثارة جدل يؤدي إلى إجراء<br />

حتقيق مُعمَّق لبيان احلقيقة.‏ فقد كرر ‏ ‏]وهو عالم<br />

أرصاد جوية آخر من املركز ]NCAR القول:‏ ‏»إن أي عالم<br />

رزين كان سيقول:‏ من الواضح أن عملية زرع البذور في<br />

السحب تنجح إذا توفرت ظروف معينة،‏ ولكن كم يتكرر<br />

توفر مثل هذه الظروف في منطقة ذات جدوى اقتصادية؟<br />

وكيف تستطيع أنت أن حتدد مقدار هذه اجلدوى على<br />

األرض؟«‏ ومع ذلك،‏ فإن البيانات املتضاربة كانت بالنسبة<br />

إلى املسؤولني احلكوميني الذين يتخذون قرارات التمويل<br />

في بيئة سياسية متأزمة هي املبرر لالنسحاب من مثل هذه<br />

املشاريع املثيرة للجدل.‏ ‏»وقد قالت احلكومة االحتادية ما<br />

معناه:‏ ‏'إلى جهنم هذا املشروع؛ إنه ال يستحق هذه العناية'،‏<br />

ثم قطعت متويل األبحاث برمته«‏ في مطلع ثمانينات القرن<br />

املاضي،‏ هذا ما صرح به ‏ الذي ترأس في وقت<br />

سابق برنامج تعديل الغالف اجلوي )2( املتوقف حاليا،‏ وهو<br />

يعمل حاليا في جمعية تعديل الطقس )3( التي مقرها في يوتا،‏<br />

وتضم هذه اجلمعية جتمعا ماليا يتألف من 18 مشروعا من<br />

غربي الواليات املتحدة لتمويل زرع البذور في السحب.‏ إن<br />

‏‏ رجل مرح في الستينات من العمر.‏ وعندما اجتمعنا<br />

به لتناول القهوة في بولدر بوالية كولورادو كان مستعدا<br />

للتحدث لساعات عن عدم فعالية مؤسسة األبحاث االحتادية،‏<br />

فقال:‏ ‏»إننا بحاجة إلى أن يكون لدينا مُحكم حيادي للبيانات،‏<br />

وهذا احملكم ينبغي أن يكون احلكومة االحتادية ذاتها.‏<br />

ولكن ال وجود لهذه احلكومة في مجال دعم تلك األبحاث<br />

ألنها مثيرة للجدل«.‏ ولذلك،‏ فالعلماء الذين يدرسون مسألة<br />

تعديل الطقس في الواليات املتحدة إمنا كانوا يعملون ذلك<br />

طيلة العشرين سنة املاضية من دون متويل من احلكومة<br />

االحتادية.‏<br />

وبإمكان أولئك الذين يسجلون قائمة باملجاالت التي يسبق<br />

فيها الصينيون األمريكيني أن يدرجوا في هذه القائمة الضغوط<br />

الشعبية من أجل ضم عملية زرع البذور في السحب.‏ ومن<br />

املعروف أن لدى جيش الطقس الصيني احلكومي هدفا يتمثل<br />

باعتصار مزيد من األمطار من السماء بنسبة تتراوح ما بني<br />

%3 إلى %5 خالل هذا العقد.‏ ويدعي الصينيون أنهم أحدثوا<br />

هطول نحو 500 بليون طن من املطر لم تكن ستهطل لوال تدخل<br />

هذا اجليش.‏ كما أن تايلند تعمل في مجال زرع البذور في<br />

السحب منذ الستينات من القرن املاضي مستخدمة طريقة<br />

سجلت براءة اختراعها باسم امللك بهميبول أدوليودج )4( تدعى<br />

الشطيرة الفائقة .super sandwich وتقوم هذه الطريقة على<br />

زرع البذور في وقت واحد في السحب الدافئة والسحب<br />

الباردة املوجودتني على ارتفاعات متفاوتة.‏ ‏)مع أنه من<br />

الصعوبة مبكان العثور على معلومات موثوقة بخصوص<br />

فعالية هذا البرنامج،‏ إذ إن قول أي شيء سلبي حول امللك<br />

في تايلند يعتبر جرمية.(‏<br />

the Journal of weather modification )1(<br />

NOAA Atmospheric Modification Program )2(<br />

Weather Modification Association )3(<br />

Bhumibol Adulyadej )4(<br />

50


ENHANCING THE RAIN ()<br />

Texas Tech University )1(<br />

كما أن ماليزيا قامت بزراعة البذور في السحب بشكل<br />

واسع هذا العام للحصول على األمطار التي يبدو أنها تساقطت<br />

أيضا على سنغافورة املجاورة.‏ أما إندونيسيا،‏ التي أجرت قبل<br />

عامني زرع البذور من أجل التقليل من السدمي الناجم عن حرائق<br />

الغابات،‏ فقد قامت هي األخرى بزرع البذور في السحب لكي<br />

حتول مسار السيول الناجمة عن األمطار بعيدا عن العاصمة<br />

جاكرتا.‏ ومن جهة أخرى،‏ فإن روسيا تؤمن إميانا قويا بهذه<br />

التقانة،‏ وقد طبقتها لغسل الهواء من اجلسيمات املشعة بعد<br />

حادث محطة تشرنوبل عام 1986. وباإلجمال،‏ نقول إن هناك<br />

50 دولة عملت في مجال زراعة البذور في السحب،‏ ومعظمها<br />

مبساعدة ‏‏ وزمالئه في املركز .NCAR<br />

)(<br />

استزادة األمطار<br />

إن الطائرات،‏ ناهيك عن قاذفات الصواريخ واملدافع املضادة<br />

للطائرات،‏ جميعها أدوات خشنة.‏ إنها مكلفة ماديا عند<br />

تشغيلها وصيانتها،‏ كما أنها تلوث البيئة وكل عملية زرع<br />

البذور في السحب تبدو كأنها من أساليب القرن العشرين<br />

اليائسة.‏ ولذلك،‏ ليس من املفاجئ أن يبحث اإلنسان عن<br />

أساليب أنظف وأكثر تقدما من أجل توليد املطر.‏ والبدعة<br />

اجلديدة في هذا السياق هي تأيني ionizing الغالف اجلوي.‏<br />

ففي املختبر يؤدي ملء الهواء بجسيمات مشحونة مبادة أخرى<br />

إلى جتمع الرطوبة وتساقطها.‏ ويجري تطبيق هذه الطريقة<br />

ضمن مشروع في حقول أبوظبي وقد أقيمت فيها هوائيات<br />

تبدو كأنها إطارات مظلة عمالقة.‏ ويزعم العلماء القائمون على<br />

املشروع أنه يعطي النتائج املطلوبة.‏ ويدعي ذلك أيضا علماء<br />

آخرون يديرون مشروعا مماثال في أُستراليا.‏ ومع ذلك،‏ ليس<br />

هناك من عالِم أجريت معه مقابلة صحفية أبدى ثقة سواء<br />

في طريقة تأيني الغالف اجلوي أو تطبيقاتها من أجل توليد<br />

األمطار.‏ حتى إن ‏‏ وصفها ب ‏»التزوير«.‏ كما أن<br />

أحد أوائل العلماء الذين جربوا هذه الطريقة واسمه ‏ لم يجد برهانا على أنها تنتج مطرا عندما أجرى<br />

جتربة في الريدو Laredo بوالية تكساس خالل سنوات األلفية<br />

الثالثة محاوال توليد املطر باستخدام هوائي تأييني بحجم<br />

خيمة سيرك.‏<br />

وكان ‏،‏ البالغ من العمر 61 عاما،‏ قد<br />

بدأ عمله في هذا املجال في كوبا قبل أن يسجن ويطرد<br />

من البالد في التسعينات من القرن املاضي ألسباب<br />

سياسية.‏ وهو يعمل اآلن محاضرا في جامعة تكساس<br />

للتقانة )1( ، ويعمل مع ‏‏ في مشروع لزرع البذور<br />

ب .San Angelo وكنت أحتدث مع ‏‏ في مكتبه عندما<br />

دخل علينا ‏‏ مندفعا وأبلغني جازما أنه على<br />

الرغم مما أكون قد سمعته من ‏،‏ فإن التجربة<br />

التأيينية لم تكن فاشلة وإمنا جاءت بنتائج مخالفة ملا كان<br />

متوقعا.‏ وقال:‏ ‏»لم نعثر على ما يشير إلى زيادة في كمية<br />

املطر - هذا صحيح - ولكن ما اكتشفناه فعال هو أن<br />

التأيني ينظف البيئة،‏ إذ إن الرياح الهابطة في البرج،‏ وكثافة<br />

الهباء اجلوي ‏]اجلسيمات املتطايرة في الهواء[‏ كانت أقل،‏<br />

ألن هذه اجلسيمات كانت تتجمع وتسقط على األرض«.‏<br />

أما بالنسبة إلى جتارب االستمطار في أبوظبي وأستراليا،‏<br />

فيقول ‏:‏ ‏»لديّ‏ شكوك كبيرة في النتائج.‏<br />

لكنني منفتح الذهن,‏ أروني البيانات.«‏<br />

ويشرح ‏‏ رأيه،‏ وبجواره ‏‏ الذي<br />

كان يومئ برأسه عالمة املوافقة،‏ موضحا أن ما جمعه ‏‏ من بيانات بالغة الدقة،‏ وعمله في مجال الرياضيات<br />

ومنذجة سلوك السحب يقيم الدليل على صحة عملية زرع<br />

البذور في السحب.‏ بعد ذلك،‏ قام الرجالن بتسليمي حتليال<br />

عن جهود استمرت عشر سنوات قامت بها منظمتهم األم،‏ وهي<br />

جمعية تهدف إلى تعديل الطقس تغطي نشاطاتها 35 دولة.‏<br />

ويظهر هذا التحليل أن 3100 سحابة كانت موضع دراسة<br />

منت إلى أحجام أكبر وعمرت مدة أطول من السحب خارج<br />

املنطقة املستهدفة التي لم يجرِ‏ زرع البذور فيها،‏ ومتخض عن<br />

ذلك أن تلك السحب أسقطت أمطارا تزيد بنحو %12 على ما<br />

أسقطته السحب التي لم يجر زرعها بالبذور.‏<br />

ويقول ‏‏ منبها:‏ ‏»رجاء،‏ عليك أن تدرك<br />

شيئا مهما،‏ وهو ما يسمى بيت القصيد:‏ إننا ال نستطيع أن<br />

‏'نصنع'‏ األمطار.‏ فإذا لم تكن هناك سحب أو سحب مناسبة،‏<br />

فلن يكون بإمكاننا أن نصنع شيئا من ال شيء.‏ فما ننجزه هو<br />

زيادة كميات األمطار.«‏<br />

ووافق ‏‏ على هذا الرأي قائال:‏ ‏»حقا.‏ تصور أنك<br />

تخرج قطعة إسفنج من سطل ماء،‏ سيكون بإمكانك أن ترفعها<br />

وتتركها تقطر املاء،‏ كما أنه بإمكانك أن تعصرها.‏ إن ما نفعله<br />

نحن هو عصر السحب.«‏ ><br />

مراجع لالستزادة<br />

Taming the Sky.Jane Qiu and Daniel Cressey in Nature, Vol. 453, pages 970–974; June 19, 2008.<br />

Fixing the Sky: The Checkered History of Weather and Climate Control. James Rodger<br />

Fleming. Columbia University Press, 2010.<br />

Scientific American, June <strong>2014</strong><br />

51 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

الفصل الثاني من العالج اجليني)(‏<br />

بعد عقد ونصف من الزمن قادت سلسلة النكسات املأساوية<br />

في املعاجلة اجلينية إلى إعادة تقييم حرج لهذه املعاجلة التي أصبحت<br />

اآلن - كما يقول العلماء - جاهزة للتطبيق في املستشفيات.‏<br />

‏<br />

أخيرا قد تكون املعاجلة اجلينية مقتربة من حتقيق ما عُقِد<br />

عليها من آمال في املاضي.‏ وخالل السنوات الست املاضية<br />

حققت التجارب الهادفة إلى وضع جينات سليمة،‏ حيثما<br />

تقتضي احلاجة إليها،‏ إعادة للقدرة البصرية لنحو %40 من<br />

األشخاص املصابني بأحد أنواع العمى الوراثي.‏ وقد حصل<br />

العلماء على نتائج غير مسبوقة لدى أكثر من 120 مريضا<br />

مصابا بأنواع مختلفة من سرطان الدم،‏ وبقي العديد منهم<br />

خالني من املرض بعد ثالث سنوات من املعاجلة.‏ كما استعمل<br />

الباحثون املعاجلة اجلينية لتمكني بعض األشخاص املصابني<br />

بالناعور - hemophilia وهو مرض يسبب النزف وقد يكون<br />

مميتا في بعض األحيان - من البقاء مدة أطول دون التعرض<br />

حلوادث خطرة أو دون احلاجة إلى جرعات عالية من األدوية<br />

املساعِ‏ دة على التخثر.‏<br />

إن هذه النتائج اإليجابية أكثر إثارة لإلعجاب إذا أخذنا<br />

بعني االعتبار أن موضوع املعاجلة اجلينية تحَوقَّف تدريجيا<br />

قبل خمسة عشر عاما إثر وفاة ‏ املبكرة،‏ وهو<br />

مراهق كان مصابا مبرض هضمي نادر.‏ فقد ارتكس )1( جهازه<br />

املناعي للمعاجلة اجلينية التي تلقاها وذلك بشن هجوم مضاد<br />

شديد الفوعة )2( غير مُفسَّ‏ ر أدى إلى وفاته.‏ ومن الثابت أن<br />

النجاحات األولية للمعاجلة اجلينية في التسعينات شجعت<br />

التوقعات غير املنطقية لدى األطباء والباحثني - ورمبا أيضا<br />

بعض التهور.‏<br />

أجبرت هذه النكسة وغيرها العلماءحَ‏ على إعادة النظر<br />

في بعض مقارباتهم،‏ وعلى أن يكونوا واقعيني فيما<br />

يخص املعاجلة اجلينية وكونها قابلة للتطبيق في معاجلة<br />

مختلف األمراض.‏ وقد كبح الباحثون آمالهم وعادوا إلى<br />

البحث في األساسيات.‏ ودرس العلماء موضوع التأثيرات<br />

اجلانبية املميتة التي يحتمل حدوثها كتلك التي أصيب بها<br />

‏‏ وعرفوا كيف ميكن جتنبها.‏ كما أبدوا مزيدا من<br />

االهتمام فيما يخص املخاطر التي يتعرض لها املتبرعون<br />

والفوائد التي قد يحصلون عليها وضرورة شرح هذه األمور<br />

للمتبرعني وعائالتهم.‏<br />

حدث املنعطف احلاسم في رأي كثير من املراقبني قبل<br />

ست سنوات،‏ عندما عالج األطباء ‏ البالغ من العمر<br />

ثماني سنوات بسبب إصابته مبرض تنكسي في العني أدى<br />

إلى تدهور قدرته البصرية.‏ وقد أتاحت املعاجلة اجلينية التي<br />

استخدموها لشبكية العني اليسرى املعيبة اصطناعحَ‏ بروتني<br />

لم يكن في قدرة اجلسم إنتاجه بطريقة أخرى.‏ وبعد أربعة<br />

أيام من املعاجلة قام املريض برحلة إلى حديقة احليوانات،‏<br />

وذهل وابتهج عندما وجد أن بإمكانه رؤية الشمس ومنطاد<br />

الهواء احلار.‏ وبعد ثالث سنوات خضع ملعاجلة مماثلة في<br />

العني اليمنى.‏ واآلن يستطيع ‏‏ الرؤية بشكل يسمح له<br />

GENE THERAPY'S SECOND ACT )(<br />

reacted )1(<br />

ferocity )2(<br />

باختصار<br />

في عام 1990 أدى التفاؤل واإلثارة التي أحدثتها التجارب<br />

اخلاصة باملعاجلة اجلينية،‏ إلى انطالق توقعات غير واقعية فيما<br />

يتعلق باحتماالت تطبيق هذه التقانة على اإلنسان.‏<br />

وبعد العديد من النكسات املأساوية,‏ أمضى الباحثون<br />

السنوات القليلة التالية في إدخال حتسينات على فهمهم لعلم<br />

األحياء األساسي والتقنيات التي يستخدمها.‏<br />

غير أن هناك معاجلات جديدة أكثر أمنا أصبحت اآلن<br />

جاهزة لالستخدام في املستشفيات.‏ وفي عام 2012 وافقت أوروبا<br />

على أول معاجلة جينية،‏ وقد تتبعها الواليات املتحدة عام 2016.<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

52


املؤلفة<br />

Ricki Lewis<br />

‏‏ كاتبة في الشؤون العلمية وحاصلة على<br />

الدكتوراه في علم اجلينات،‏ وقد نشرت عدة كتب وكثيرا<br />

من املقاالت وكتابا بعنوان ‏»مأزق املعاجلة اجلينية املستمر<br />

والطفل الذي أنقذها )1( .«<br />

باخلروج مع جده إلى صيد الديوك الرومية.‏<br />

على الرغم من أن املعاجلة اجلينية غير متوافرة<br />

حاليا في املستشفيات العامة واخلاصة،‏ إال أن<br />

ذلك سيتغير في العقد القادم.‏ ففي عام 2012<br />

وافقت أوروبا على أول نوع من املعاجلة اجلينية<br />

التي تستهدف مرضا نادرا شديد اإليالم يُدعى<br />

عوز ليپاز الليپوبروتني العائلي )2( . وفي نهاية<br />

عام 2013 أزال املعهد الوطني للصحة (NIH) )3( في<br />

الواليات املتحدة بعض العوائق التنظيمية التي<br />

يعتبرها غير ضرورية في الوقت احلاضر.‏ ويتنبأ<br />

مراقبو الصناعة الدوائية أن املوافقة األولى على<br />

املعاجلة اجلينية جتاريا قد تصدر عام 2016.<br />

وبعد عقد من الوقت الضائع,‏ بدأت املعاجلة<br />

اجلينية بتحقيق ما قُدِّر لها وهو إحداث ثورة في<br />

املعاجلة الطبية.‏<br />

)(<br />

أسى عميق<br />

تؤكد اإلخفاقات الباكرة للمعاجلة اجلينية مدى صعوبة<br />

إنشاء وسائط فعالة وآمنة لتوصيل اجلينات إلى األنسجة<br />

املستهدفة.‏ وفي معظم احلاالت لم تكن أكثر الطرق أمانا<br />

للتوصيل فعالة إلى حد بعيد،‏ كما أن بعض طرق التوصيل<br />

األكثر فاعلية ثبت أنها غير آمنة،‏ إذ إنها حتُ‏ دِ‏ ث ارتكاسا<br />

مناعيا ساحقا كما هو األمر في حالة ‏،‏ أو أنها<br />

تؤدي إلى نشوء ابيضاض الدم )4( ،leukemia كما حصل<br />

في حاالت أخرى.‏<br />

لكي نعرف ما الذي أطلق هذه التأثيرات اجلانبية ونكتشف<br />

كيفية تقليل خطر حدوثها؛ ركز العلماء اهتمامهم على طريقة<br />

التوصيل األكثر شيوعا في العالج اجليني:‏ ڤيروس يعمل على<br />

هيئة مسدس ميكروسكوبي حاقن )5( .<br />

في البدء،‏ يستأصل العلماء بعض جينات الڤيروس نفسه<br />

لتأمني مكان للجينات السليمة التي يراد توصيلها إلى املريض.‏<br />

‏)ولهذه اخلطوة فائدة أخرى وهي منع الڤيروس املعدل بعد<br />

دخوله اجلسم من التكاثر وإنتاج نسخ جديدة منه؛ األمر<br />

الذي يقلل من احتمال حدوث ارتكاس مناعي.(‏ عندئذ حتقن<br />

الڤيروسات املهيأة حسب الطلب في جسم املريض،‏ حيث<br />

تقوم بغرز )6( insert اجلينات اجلديدة في خاليا بعض أنسجة<br />

املريض التي تختلف باختالف منط الڤيروس املستخدم.‏<br />

() HEARTBREAK؛ أو:‏ حزن يقطع القلب.‏<br />

The Forever Fix: Gene Therapy and the Boy Who Saved it (St. Martin , s Press. 2012) )1(<br />

familial lipoprotein lipase deficiency )2(<br />

the National Institutes of Health )3(<br />

(4) أو:‏ سرطان الدم.‏<br />

microscopic injection gun )5(<br />

(6) أو:‏ إقحام.‏<br />

53 (<strong>2014</strong>) 8/7


في الوقت الذي تطوع فيه ‏‏<br />

للمشاركة في جتربة سريرية،‏ كان طريق<br />

التوصيل املفضل مكّونا من الڤيروسات<br />

الغدّيّة ‏)الغدانية(‏ adenoviruses التي<br />

باستطاعتها بشكلها الطبيعي إحداث<br />

خمج خفيف في الطرق التنفسية العلوية<br />

لإلنسان.‏ وقد قرر العلماء في جامعة<br />

پنسيلڤانيا أن أفضل فرصة للنجاح<br />

تكمن في حقن الڤيروسات في الكبد،‏<br />

حيث توجد اخلاليا التي تقوم في احلالة<br />

الطبيعية بإنتاج اإلنزمي الهضمي الذي<br />

يفتقر إليه ‏،‏ وقاموا بتعبئة<br />

نسخة من اجلني الذي يُرمّز ذلك اإلنزمي<br />

في الڤيروسات الغدية املعرّاة )1( ، وحقنوا بعد ذلك تريليوناً‏ من<br />

هذه الڤيروسات مع حمولتها املعتادة في كبد ‏.‏<br />

بعد أن دخلت الڤيروسات جسم ‏‏ اتخذ بعضها<br />

طريقا منحرفا مأساويا.‏ فقد دخلت إلى اخلاليا الكبدية كما<br />

كان مخططا لها،‏ إال أنها أخمجت في الوقت نفسه أعدادا<br />

هائلة من البالعم ،macrophages وهي خاليا ضخمة جوالة<br />

تقوم بحراسة اجلهاز املناعي،‏ وكذلك من اخلاليا املتغصنة<br />

dendritic cells التي تُبلِّغ عن وقوع الغزو.‏ ويستجيب اجلهاز<br />

املناعي بتدمير جميع اخلاليا املخموجة،‏ وهي عملية عنيفة<br />

خحَ‏ رّبت في النهاية جسم ‏‏ من الداخل إلى اخلارج.‏<br />

فاجأت االستجابة املناعية الضارية الباحثني.‏ ولم يبد أي<br />

واحد من املتطوعني السبعة عشر الذين سبق أن عوجلوا من<br />

املرض نفسه مثلحَ‏ هذه التأثيرات اجلانبية.‏ وكان الباحثون<br />

على علم بأن الڤيروسات الغدية باستطاعتها إثارة استجابة<br />

مناعية ،immune response لكنهم لم يدركوا إلى أي درجة<br />

ميكن أن تكون االستجابة عنيفة وذلك باستثناء حالة واحدة<br />

كان تصميم التجربة فيها مختلفا بعض الشيء،‏ وأدت<br />

إلى موت القرد الذي أجريت عليه التجربة.‏ ويقول<br />

‏ ‏]من جامعة پنسيلڤانيا[‏ الذي طور طريقة توصيل<br />

الڤيروسات املستخدمة في التجارب السريرية التي أسهم فيها<br />

‏:‏ ‏»إن أفراد اجلنس البشري مختلفون إلى حد أكبر<br />

بكثير من احليوانات التي تربى في املستعمرات،‏ فقد شاهدنا<br />

في هذه التجربة استجابة مناعية مفرطة عند واحدٍ‏ من أصل<br />

ثمانية عشر فردا أسهموا فيها«.‏ إن نظرة استرجاعية لهذه<br />

احلادثة تدعو إلى االعتقاد أنه كان من احلكمة حقن عدد أقل<br />

من الڤيروسات احلاملة للجينات – عدة باليني مثال بدال من<br />

تريليون واحد - في جسم املريض.‏ كما اُنتقِد الباحثون ألنهم<br />

ال يزال الطريق<br />

املؤدي إلى معاجلة<br />

جينية ناجحة بعيدا عن<br />

نهايته.‏ إال أن النجاحات<br />

احلديثة جعلت املقاربة<br />

التجريبية على وشك أن<br />

تصبح االجتاه السائد<br />

في معاجلة بعض<br />

األمراض.‏<br />

لم يخبروا ‏‏ وعائلته مبوت<br />

قرد في جتربة مماثلة حتى يتمكنوا من<br />

تكوين فكرة عما إذا كانت هناك عالقة<br />

ما بني موت القرد ووفاة ابنهم.‏<br />

لم يكن موت ‏‏ املأساة<br />

الوحيدة التي حدثت في سياق املعاجلة<br />

اجلينية،‏ فبعد تلك املأساة بوقت<br />

قصير أدت معاجلة مرض آخر يدعى<br />

severe combined immunodeficiency Xl<br />

أو - SCID-X1 إلى حدوث خمس<br />

حاالت من ابيضاض الدم عند األطفال<br />

من أصل عشرين طفال وانتهت إحداها<br />

بالوفاة.‏ وفي هذه احلالة أيضا تبني أن<br />

هناك خطأ في طريقة توصيل اجلينات.‏ ففي هذه احلالة،‏<br />

تكونت قذيفة مسدس ميكروسكوبي ،microscopic gun من<br />

الڤيروسات القهقرية ،retroviruses وهي نوع من الڤيروسات<br />

تغرز ما حتمله من اجلينات مباشرة في دنا DNA اخلاليا.‏<br />

إال أن متوضع اجلينات العالجية في اخلاليا يجري كيفما<br />

اتفق،‏ بحيث إن الڤيروسات القهقرية تغرز ما حتمله في بعض<br />

األحيان في جني ورمي )2( oncogene - أيْ‏ في جني يستطيع<br />

أن يحدث السرطان في بعض الظروف.‏<br />

)(<br />

إعادة التفكير في التقانة<br />

نظرا مليل الڤيروسات الغدية إلى إحداث ارتكاسات مناعية<br />

مميتة وميل الڤيروسات القهقرية إلى إحداث السرطان،‏ فقد<br />

بدأ الباحثون باالهتمام بالڤيروسات األخرى ملعرفة ما إذا<br />

كانت تعطي نتائج أفضل،‏ وركزوا اهتمامهم على نوعني من<br />

الڤيروسات األكثر مالءمة لتحقيق ذلك الهدف.‏<br />

استخدمت أولى طرق التوصيل اجلديدة الڤيروسات<br />

املرتبطة بالڤيروس الغدّيّ‏ (AAV) )3( وهي ڤيروسات<br />

ال متُ‏ رِ‏ ض اإلنسان ‏)على الرغم من أن معظم الناس سبق<br />

أن انخمجوا بهذا الڤيروس في وقت من األوقات(.‏ ونظرا<br />

لشيوع هذا الڤيروس،‏ فمن غير احملتمل أن يسبب ارتكاسا<br />

مناعيا شديدا.‏ كما أن له ميزة أخرى تساعد على التقليل<br />

من شأن التأثيرات اجلانبية:‏ ذلك أن له أنواعا متعددة أو<br />

أمناطا مصلية تفضل أنواعا معينة من اخلاليا أو األنسجة.‏<br />

مثال ذلك،‏ أن النمط AAV2 يعمل بشكل جيد في العني،‏<br />

RETHINKING THE TECHNOLOGY ()<br />

stripped-down adenoviruses )1(<br />

(2) أو:‏ جني مسرطن.‏<br />

adeno-associated viruses )3(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

54


مفاهيم وحتديات<br />

كيف نُعالج اجلني املعيب<br />

)(<br />

c<br />

b<br />

a<br />

جني عالجي<br />

معاجلة جينية<br />

حتدث خارج<br />

اجلسم<br />

خيارا التوصيل<br />

إضافة إلى حقن الڤيروسات مباشرة في جسم املريض،‏<br />

ميكن للباحثني أن ينزعوا remove اخلاليا من جسم<br />

املريض ويغرزوا insert فيها الڤيروسات احلاملة<br />

للجينات العالجية،‏ ‏)في األسفل واألمين(‏ ومن ثم<br />

يعيدوا حقن هذه اخلاليا املعدلة في جسم<br />

املريض.‏ وملا كانت املعلومة اجلينية<br />

املعدلة )1( مدمجة في دنا DNA<br />

اخلاليا،‏ فإن هذه التعديالت<br />

ستنتقل إلى اخلاليا البنات<br />

daughter cells التي<br />

ستُنْتَج بعد ذلك.‏<br />

حزمة ڤيروسية<br />

جزء معيب<br />

من اجلينوم<br />

‏)اللون األسود(‏<br />

حقن مباشر<br />

في اجلسم<br />

حتاول املعاجلة اجلينية إزالة األذية )2( التي تسببها اجلينات<br />

املعيبة أو احملطمة.‏ واملقاربة األكثر شيوعا ‏)في األسفل(‏ تتم<br />

بتعبئة package نسخة من اجلينات السليمة العاملة في الڤيروس<br />

• الذي أفرغ من معظم محتواه األصلي.‏ ويحقن هذا الڤيروس<br />

الهجني من حمولته العالجية في جسم املريض حيث يرتبط<br />

باملستقبالت • في اخلاليا املستهدفة.‏ ومتى استقرت النسخة<br />

املعدلة من اجلني داخل اخللية تبدأ بإعطاء التعليمات للخلية<br />

املباشرة بتصنيع البروتني • الذي لم يكن بإمكانها تصنيعه<br />

من قبل.‏ وقد حتصل تأثيرات جانبية غير مرغوب فيها إذا غرزت<br />

اجلينات صدفة في جينوم genome املتلقي بشكل يؤدي إلى<br />

إحداث السرطان،‏ أو إذا حاول اجلهاز املناعي للمريض الدفاع<br />

عن اجلسم بقوة ضد ما يعتقد أنه غزو خارجي.‏<br />

حزمة ڤيروسية<br />

مع جني عالجي<br />

•a<br />

خلية مريضة<br />

خلية مريضة b• مُستقِ‏ بل<br />

جزء معيب<br />

لدنا مريض<br />

نواة اخللية<br />

•c<br />

تعزيز األمان<br />

يقلل الباحثون من احتمال حدوث السرطان أو<br />

االرتكاس املناعي اخلطر عن طريق اختيار منط<br />

الڤيروسات املستخدمة بدقة؛ مما يؤدي إلى تقليل<br />

عددها واحلد من كمية األنسجة املعاجلَ‏ ة.‏<br />

بروتينات<br />

عالجية<br />

جينات ڤيروسية<br />

مدمجة جلني عالجي<br />

دنا<br />

مريض<br />

بينما يفضل النمط AAV8 الكبد،‏ في الوقت الذي يتسلل فيه<br />

النمط AAV9 إلى أنسجة القلب والدماغ.‏ ويستطيع الباحثون<br />

اختيار أفضل األمناط ملعاجلة أجزاء معينة من اجلسم؛ مما<br />

يسمح بإنقاص عدد الڤيروسات التي نحتاج إلى حقنها،‏<br />

وبذلك نخفف من احتمال حدوث ارتكاس مناعي كاسح أو<br />

غير ذلك من االرتكاسات.‏ إضافة إلى ذلك،‏ فإن الڤيروسات<br />

الغدية تضع حمولتها خارج الكروموسومات ‏)الصبغيات(‏<br />

;chromosomes ولذلك الميكنها أن تسبب السرطان بشكل<br />

طارئ بسبب عدم تداخلها مع اجلينات املسرطنة.‏<br />

في عام 1996 اُستخدِ‏ مت الڤيروسات AAV في جتربة<br />

سريرية ألول مرة في معاجلة التليف الكيسي .cystic fibrosis<br />

ومنذ ذلك احلني أمكن متييز أحد عشر منطا مَصْ‏ ليا serotype<br />

How to Fix a Defective Gene ()<br />

(1) أو:‏ المُصحَّ‏ حة.‏<br />

(2) أو:‏ الضرر.‏<br />

55 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

من هذا الڤيروس،‏ ومُزِ‏ جت أجزاؤها وحددت مقابالتُها متهيدا<br />

الستخدامها في تصميم مئات من أدوات التوصيل التي يبدو<br />

أنها آمنة ومنتقاة.‏ وحاليا جتري الدراسات لتقييم املعاجلة<br />

اجلينية احملمولة بالڤيروس AAV في عدة أمراض دماغية<br />

منها داء باركنسون وداء ألزهامير،‏ أو في معاجلة الناعور<br />

واحلثل العضلي dystrophy وقصور القلب )1( والعمى.‏<br />

أما الناقل الثاني للجينات واألكثر غرابة،‏ فهو النسخة<br />

املعّراة )2( من ڤيروس عوز املناعة البشري (HIV) )3( الذي<br />

يسبب داء اإليدز .AIDS وإذا نظرنا إلى الڤيروس HIV<br />

بصرف النظر عن شهرته كقاتل،‏ اتضحت لنا فوائده في<br />

املعاجلة اجلينية.‏ ولكون هذا الڤيروس من جنس الڤيروسات<br />

البطيئة lentivirus العائدة إلى فصيلة الڤيروسات القهقرية،‏<br />

فإنه يتهرب من اجلهاز املناعي – الصفة األساسية للڤيروسات<br />

القهقرية – وال يشوش اجلينات املسرطنة.‏<br />

يقول ‏ ‏]املسؤول العلمي والرئيس السابق في<br />

مؤسسة Oxford Biomedica بإنكلترا والذي يتابع تطور<br />

الطب اجليني املتعلق بأمراض العني[:‏ ‏»بعد إزالة اجلينات<br />

التي جتعل الڤيروس HIV قاتال؛ يحتفظ اجلزء الباقي منه<br />

بقدرات كبيرة.«‏ ويقول أيضا:‏ ‏»إنه خالفا للڤيروس AAV<br />

الصغير احلجم،‏ فإن حجم الڤيروس HIV الكبير ميكِّنه<br />

من استيعاب عدة جينات أو جينات كبيرة مكتنزة.«‏ فقد<br />

استخدمت الڤيروسات البطيئة املعّراة،‏ ولم حتدث عند<br />

استعمالها تأثيرات سامة أو ارتكاس مناعي غير مالئم.‏<br />

وتُستعمل الڤيروسات البطيئة املعراة حاليا في عدد من<br />

التجارب السريرية مبا فيها معاجلة حثل املادة البيضاء<br />

الكظري ،adrenoleukodystrophy وهو املرض الذي قدم إلى<br />

اجلمهور في فيلم ،lorenzo’s Oil عام 1992. وقد أصبح<br />

بعض األطفال الذين تلقوا هذه املعاجلة أصحاء لدرجة كافية<br />

سمحت لهم بالعودة إلى املدرسة.‏<br />

على الرغم من أن التجارب السريرية التي تستخدم<br />

الڤيروسني AAV و HIV هي في ازدياد،‏ فإن الباحثني أعادوا<br />

توجيه أو عدلوا طرق التوصيل الڤيروسية القدمية بحيث<br />

أصبح باإلمكان استخدامها في حاالت محددة.‏ مثال ذلك،‏<br />

الڤيروسات القهقرية التي ليست من فصيل الڤيروس HIV<br />

والتي تهيأ جينيا في الوقت احلاضر بحيث ميكنها إيقاف<br />

نشاطها ذاتيا قبل أن حتُ‏ ِ دث ابيضاض الدم.‏<br />

كما أن الڤيروس الغدي الذي كان السبب في وفاة<br />

‏‏ ال يزال يُستخدم في التجارب السريرية<br />

كناقل للمعاجلة اجلينية.‏ ويقصر الباحثون استخدامه<br />

على بعض أنحاء اجلسم،‏ حيث من غير احملتمل أن<br />

يسبب استجابة مناعية.‏ ومن التطبيقات الواعدة معاجلة<br />

‏»جفاف الفم«‏ dry mouth عند املرضى الذين تعرضوا<br />

لإلشعاعات أثناء معاجلتهم من سرطان الرأس والعنق،‏<br />

ألنها تتلف الغدد اللعابية التي تتموضع مباشرة حتت<br />

الوجه الباطني للخدين.‏<br />

يدير املعهد NIH جتربة سريرية صغيرة تتضمن إقحام<br />

جني ضمن الغدة اللعابية بغية إنشاء قنوات للماء فيها.‏ وملا<br />

كانت الغدة صغيرة ومحصورة وكان تصميم التجربة يحتاج<br />

إلى عدد من الڤيروسات يقل ألف مرة عن العدد الذي استخدم<br />

في حالة املريض ‏،‏ فإن احتمال حدوث ارتكاس<br />

مناعي مفرط قليل جدا.‏ يضاف إلى ذلك أن الڤيروسات التي<br />

ال تنجح في الوصول إلى اخلاليا املستهدفة تذهب إلى لعاب<br />

املريض الذي يبتلعه أو يبصقه دون أن تزعج اجلهاز املناعي.‏<br />

ومنذ عام 2006 أبدى ستة مرضى من أصل أحد عشر مريضا<br />

زيادة كبيرة في إفراز اللعاب.‏ فقد وصف ،‏ وهو طبيب<br />

أسنان مختص بالكيمياء احليوية قاد هذه التجربة قبل إحالته<br />

على التقاعد،‏ هذه النتائج بأنها ‏»مشجعة بتحفظ.«‏<br />

)(<br />

أهداف جديدة<br />

إن النجاحات التي حتققت شحَ‏ جَّ‏ عت الباحثني في مجال الطب<br />

على االنتقال من معاجلة األمراض الوراثية إلى محاولة عكس<br />

نتائج األذيات )4( اجلينية genetic damages التي حتدث على<br />

مِّر سني احلياة.‏<br />

فعلى سبيل املثال،‏ يستخدم العلماء في جامعة پنسيلڤانيا<br />

املعاجلة اجلينية ملعاجلة سرطان األطفال الشائع الذي يدعى<br />

االبيضاض اللمفاوي احلاد (ALL) )5( .<br />

ومع أن معظم األطفال املصابني باالبيضاض<br />

اللمفاوي ALL يستجيبون للمعاجلة االعتيادية standard<br />

،chemotherapy فإن عشرين في املئة منهم ال يستجيبون.‏<br />

ويتجه الباحثون حاليا إلى حتفيز اخلاليا املناعية عند<br />

هؤالء األطفال كي جتحَ‏ ِ دَّ‏ في البحث عن اخلاليا السرطانية<br />

املعندة )6( وإتالفها.‏<br />

إن املقاربة التجريبية معقدة جدا وتعتمد على ما يسمى<br />

تقانة مستقبالت املستضد اخليمرية )7( (CAR) )8( . وكما هي<br />

NEW TARGETS ()<br />

(1) failure heart؛ أو:‏ فشل القلب.‏<br />

(2) أو:‏ املفككة.‏<br />

Human Immunodeficiency Virus )3(<br />

(4) أو:‏ األضرار.‏<br />

acute lymphoblastic leukemia )5(<br />

(6) أو:‏ املقاوِ‏ مة.‏<br />

(7) أو:‏ املوهومة.‏<br />

chimeric antigen receptor )8(<br />

56


حال اخلَيمَر )1( chimera في األساطير اليونانية الذي يتألف<br />

من اجتماع أجزاء من حيوانات مختلفة،‏ فإن املستقبالت<br />

CAR تتألف من جزيئني من اجلهاز املناعي ال يلتقيان مع<br />

بعضهما في احلاالت الطبيعية.‏ وتتجهز بعض اخلاليا<br />

املناعية مثل اخلاليا التائية T cells باملستقبالت CAR؛<br />

مما يسمح لها باستهداف البروتينات التي توجد بعدد<br />

كبير على اخلاليا االبيضاضية.‏ وتقوم اخلاليا التائية<br />

املسلحة بهذا الشكل واملنتشرة بشكل واسع بتدمير<br />

اخلاليا السرطانية.‏ وكان أوائل األشخاص الذين خضعوا<br />

لهذه التجربة من الكهول املصابني بابيضاض الدم املزمن<br />

واستجابوا لهذه املعاجلة بشكل إيجابي.‏ أما احملاولة<br />

الثانية التي أجريت على أحد األطفال،‏ فقد جتاوزت في<br />

استجابتها أحالم الباحثني.‏<br />

كان عمر الطفلة ‏‏ خمس سنوات عام 2010 عندما<br />

شُ‏ خِّ‏ صت إصابتها بابيضاض الدم.‏ ولم تنجح جولتان من<br />

املعاجلة الكيميائية في حتسني حالتها.‏ وفي ربيع عام 2012<br />

أعطيت جرعة من العالج الكيميائي كان بإمكانها أن تقتل<br />

الشخص الكهل,‏ ومع ذلك لم تتراجع اآلفات املوجودة في<br />

الكبد والطحال والكليتني.‏ ويقول ‏ ‏]أحد األطباء<br />

املعاجلني لهذه الطفلة[:‏ ‏»لقد أصبحت ‏‏ على بُعد<br />

أيام من الوفاة.«‏<br />

أخذ األطباء عينة من دم الطفلة وعزلوا منها بعض اخلاليا<br />

التائية.‏ بعد ذلك حقنوا الطفلة بالعينة مع الڤيروسات البطيئة<br />

التي سبق أن جُ‏ هِّزت باجلينات املالئمة.‏ فقد استجابت الطفلة<br />

للمعاجلة،‏ وكانت البداية صعبة إال أن حالة املريضة حتسنت<br />

بسرعة بعد ذلك.‏ وبعد ثالثة أسابيع من املعاجلة أصبح ربع<br />

اخلاليا التائية في نقي العظام يحمل التعديالت اجلينية.‏<br />

وبدأت اخلاليا التائية بالتوجه إلى اخلاليا السرطانية التي<br />

تالشت بسرعة.‏<br />

على الرغم من أن خاليا ‏‏ املعدلة قد ال تدوم إلى<br />

األبد - وفي هذه احلالة يستطيع األطباء إعادة املعاجلة – فإن<br />

هذه الطفلة اجلميلة ذات الشعر البني األشعث بقيت خالية من<br />

السرطان مدة عامني.‏ وليست هي الوحيدة.‏ ففي أواخر عام<br />

2013 أعلنت عدة فرق من الباحثني أنها استعملت التقنية CAR<br />

فيما يزيد على مئة وعشرين مريضا مصابني بابيضاض الدم<br />

من النوع الذي أصيبت به ‏،‏ وفي ثالثة أنواع أخرى<br />

من سرطان الدم.‏ وقد هجع املرض عند خمسةٍ‏ من الكهول<br />

وعند 19 من أصل 22 من األطفال;‏ مما يعني أنهم خالون من<br />

السرطان في الوقت احلاضر.‏<br />

)(<br />

في املستشفى<br />

بعد توفر طرق توصيل الڤيروسات األكثر أمانا،‏ توجه مختصو<br />

العالج اجليني إلى معاجلة أكبر التحديات التي يواجهها كل<br />

دواء جديد وهي احلصول على موافقة إدارة الدواء والغذاء<br />

األمريكية (FDA) )2( . تتطلب هذه اخلطوة املخيفة ما يسمى<br />

املرحلة الثالثة من التجارب السريرية التي صممت لتقييم<br />

فاعلية الدواء عند مجموعة أكبر من املرضى املتطوعني،‏ والتي<br />

حتتاج عادة من سنة إلى خمس سنوات إلمتامها ‏)تختلف املدة<br />

الالزمة لذلك اختالفات واسعة(.‏ وفي نهاية عام 2013 وصلت<br />

إلى املرحلة الثالثة خمسة في املئة من التجارب السريرية<br />

اخلاصة بالعالج اجليني من أصل 2000 جتربة تقريبا،‏<br />

وتتناول إحدى هذه التجارب األكثر تقدما داء ليبر Leber أو<br />

الكُمْنَة اخللقية - congenital amaurosis وهو الداء الذي حرم<br />

‏‏ من حاسة البصر.‏ وتوجد حتى اآلن عدة دستات من<br />

املرضى الذين غرزت جينات معدلة في كلتا عينيهم وأصبحوا<br />

اآلن قادرين على رؤية العالم.‏<br />

كانت الصني أول دولة توافق على تطبيق العالج اجليني<br />

في معاجلة سرطانات الرأس والعنق وذلك في عام 2004.<br />

وفي عام 2012 وافقت الدول األوروبية على دواء يعتمد على<br />

العالج اجليني لعالج عوز ليپاز الليپوبروتني العائلي.‏ وتُهيأ<br />

نسخ من اجلينات الطافرة املغلفة بالڤيروسات AAV وحتقن<br />

في عضالت الساق.‏ وجتري الشركة UniQure ومقرها هولندا<br />

مباحثات مع اإلدارة FDA من أجل املوافقة على استعمال<br />

هذا الدواء في الواليات املتحدة.‏ ولكن إحدى العقبات التي<br />

تعيق استعمال هذا الدواء هي تكلفته العالية،‏ حيث يبلغ ثمن<br />

اجلرعة الشافية منه 6.1 مليون دوالر.‏<br />

وكما هي احلال في كثير من التقانات الطبية،‏ فإن الطريق<br />

الذي استغرق عدة عقود للوصول إلى معاجلة جينية ناجحة<br />

كان طريقا غير مباشر وبعيدا عن الكمال.‏ ومع تراكم املزيد<br />

من قصص جناحات العالج اجليني مثل قصة ‏‏<br />

و،‏ فإنه يقترب من أن يصبح السبيل السائد ملعاجلة<br />

بعض األمراض وخيارا واعدا جديدا لكثيرٍ‏ غيرها.‏ ><br />

INTO THE CLINIC ()<br />

(1) أو:‏ الكِ‏ ميّر.‏<br />

the U.S. Food and Drug Administration (2)<br />

مراجع لالستزادة<br />

Gene Therapy of Inherited Retinopathies: A Long and Successful Road from Viral Vectors<br />

to Patients. Pasqualina Colella and Alberto Auricchio in Human Gene Therapy, Vol. 8, No. 23,<br />

pages 796–807; August 2012. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/22734691<br />

National Institutes of Health’s gene therapy Web site: http://ghr.nlm.nih.gov/handbook/therapy<br />

Scientific American, March <strong>2014</strong><br />

57 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

قضية الكلمات املسروقة)(‏<br />

أراد املؤلف أن يُعِ‏ دَّ‏ برمجيات قادرة على اخلوض في بحور املصطلحات<br />

)1(<br />

الطبية.‏ وانتهى به املطاف إلى الكشف عن عمليات واسعة النطاق النتحال<br />

مؤلفات الغير وعمليات تزوير محتملة تقدر مبئات املاليني من الدوالرات.‏<br />

>H. ‏»سكيپ«‏ گارنر


الدكتوارة في دراسة تقنيات حتليل النصوص،‏ ومتكّنا معا من<br />

وضع برمجية تدعى eTBLAST ‏)أداة بحث أساسية محلية<br />

إلكترونية ملواءمة النصوص )1( (. وقد جرى استلهامها من<br />

أداة البرمجيات BLAST املستخدمة في البحث في قواعد<br />

بيانات الدنا وسالسل البروتينات.‏ وكان أي استفسار يوجه<br />

إلى أداة البرمجيات BLAST يتألف عادة من سلسلة من<br />

حروف الدنا تتراوح ما بني 100 إلى 400 حرف،‏ ويعيد<br />

سالسل أطول تتضمن تلك الكودات .codes أما االستفسار<br />

املوجه إلى البرمجية ،eTBLAST فكان يتألف من فقرة أو<br />

صفحة واحدة - تتكون في العادة من 100 كلمة أو أكثر.‏<br />

وكان تصميم نظام البحث هذا أشد صعوبة من تصميم<br />

برمجية الستطالع تسلسل من احلروف )2( ألن محرك البحث<br />

ال ميكن أن يعمل بصورة حرفية وحسب،‏ بل يجب عليه أيضا<br />

أن يتعرف على املترادفات واملختصرات واألفكار املتصلة<br />

ببعضها التي يتم التعبير عنها بكلمات مختلفة،‏ كما يجب<br />

عليه أن يراعي أيضا ترتيب الكلمات.‏ ولإلجابة عن استفسار<br />

جلزء من نص،‏ فإن البرمجية eTBLAST تظهر لنا قائمة مرتبة<br />

من النتائج التي جمعتها من قاعدة البيانات )3( التي يجري<br />

البحث فيها،‏ إلى جانب قياس للتشابه بني االستفسار وبني<br />

كل ملخص مت العثور عليه.‏<br />

وقاعدة البيانات التي من البديهي أن يتم البحث فيها<br />

هي قاعدة البيانات Medline ‏)التي يتيحها برنامج PubMed<br />

في املوقع ،)pubmed.org وتشكل املستودع الذي حتتفظ فيه<br />

املكتبة الوطنية للطب في املعاهد الوطنية للصحة بجميع<br />

البحوث البيولوجية ذات الصلة بالطب.‏ وهي حتتوي على<br />

عناوين وملخصات ملاليني األوراق البحثية التي استخرِ‏ جت<br />

من آالف املجالت احملكّمة.‏ وكان لدى قاعدة البيانات Medline<br />

محرك بحث يعمل على أساس الكلمات املفتاحية،‏ وعليه فإن<br />

استفسارا مؤلفا من بضع كلمات - على سبيل املثال،‏ ‏»جينات<br />

سرطان الثدي«‏ - يعطينا الكثير من النتائج التي غالبا ما<br />

تكون مزوّدة بطرائق الوصول إلى النصوص الكاملة للبحوث.‏<br />

وبوصفي باحثا حديثا في مجال الطب األحيائي،‏ فقد كنت<br />

أجهل حتى كيف أبدأ عمليّات البحث.‏<br />

وكانت اإلصدارات األولى للبرمجية eTBLAST تستغرق<br />

ساعات ملقارنة فقرة مؤلفة من بضع مئات من الكلمات مبا<br />

يقابلها في قاعدة البيانات .Medline لكن البرمجية جنحت<br />

في العمل،‏ ومتكنتُ‏ باستخدام البرمجية eTBLAST من شقّ‏<br />

طريقي عبر األوراق العلمية،‏ ومعرفة معانيها بإتقان فقرة تلو<br />

أخرى.‏ فكنت أمرّر فيها مُقتَرحا )4( ألطروحة خلريج جامعي<br />

وأهرع إلى التعجيل باحلصول على الكتابات الوثيقة الصلة<br />

باملوضوع.‏ حتى إنني قمت مع شركائي في البحث باالتصال<br />

بشركة ‏»گوگل«‏ بشأن الترويج لبرمجيتنا،‏ لكننا فوجئنا بأنها<br />

ال تتالءم مع منوذج العمل الذي تتبعه هذه الشركة.‏<br />

بعد ذلك أخذت األحداث تتخذ منعطفا غريبا.‏ فوجدت<br />

ملرات عديدة أن النص الوارد في مشاريع الطلبة كان مطابقا<br />

لنص وارد في مقاالت أخرى لم يتم ذكرها.‏ وكان الطلبة<br />

يتلقون تدريبا على أخالقيات التصحيح والعالج.‏ ومن ثم<br />

وجدت نفسي وجها لوجه أمام سؤال بحثي من شأنه أن<br />

يغير مساري املهني:‏ ما هي كمية الكتابات املتخصصة<br />

بالطب األحيائي التي تعرضت لالنتحال من قبل آخرين؟<br />

)(<br />

شُ‏ وهِ‏ د من قبل<br />

حني شرعت في البحث في هذا السؤال اجلديد،‏ كانت<br />

البحوث املتعلقة باالنتحال في مجال الطب األحيائي تتألف<br />

DÉJÀ VU ()<br />

electronic Text Basic Local Alignment Search Tool )1(<br />

a string of letters )2(<br />

the database )3(<br />

proposal )4(<br />

59 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

من دراسات استقصائية )1( . وفي أحدث هذه الدراسات،‏<br />

اعترف الباحثون بأنهم ميارسون االنتحال بنسبة 1.4 في<br />

املئة من الوقت.‏ إال أن دقة حتديد هذا الرقم تعتمد على<br />

مدى أمانة القائمني على الدراسة االستقصائية.‏ ومبساعدة<br />

البرمجية ،eTBLAST كان بإمكاننا معرفة ما إذا كان<br />

الدارسون صادقني أم ال.‏<br />

ومبجرد حصولنا على مساعدة كافية من الطلبة وعلى<br />

حاسوب قوي مبا فيه الكفاية،‏ قمنا بانتقاء امللخصات عشوائيا<br />

من قاعدة البيانات Medline واستخدمناها كاستفسارات في<br />

البرمجية .eTBLAST وعندئذ يُجري احلاسوب مقارنة بني<br />

نص االستفسار وبني محتويات قاعدة البيانات Medline<br />

بأكملها بحثا عن أوجه التشابه،‏ ثم يعيد قائمة من النتائج<br />

املزوّدة مبقدار درجة التشابه.‏ وكان االستفسار الذي يرد<br />

جوابه في أوّل القائمة يحقق تشابها تاما،‏ أي بنسبة %100.<br />

أما النتائج التالية،‏ فتصل درجة التشابه فيها إلى %30، ومع<br />

ذلك كنا جند بني احلني واآلخر أن النتيجة الثانية وأحيانا<br />

الثالثة تتسم بدرجات تشابه تقارب %100. وبعد إجراء بضعة<br />

آالف من االستفسارات،‏ بدأنا نلمس أن نحو خمسة في املئة<br />

من االستفسارات لديها درجات مرتفعة من التشابه بشكل<br />

مثير للريبة.‏ فاستعرضنا تلك امللخصات بالعني املجردة للتأكد<br />

من أن البرمجية تعثر على أشياء يعتبرها اإلنسان متشابهة.‏<br />

ومن ثم انطلقنا إلى مقارنة النصوص الكاملة للمقاالت التي<br />

تتشابه ملخصاتها بشكل مريب.‏<br />

وسرعان ما بدأنا نعثر على أمثلة صارخة على االنتحال -<br />

ليس في شكل عبارات أعيدت صياغتها فحسب،‏ بل في هيئة<br />

مقاالت برمتها؛ مما رفع الستار بأكمله عن كل ما هو مزيف.‏<br />

وكان األمر مخيّبا لآلمال ال بل مثيرا للذهول.‏ صحيح أن<br />

الدراسات االستقصائية تشير إلى أن 1.4 في املئة من<br />

الباحثني يعترفون مبمارسة االنتحال،‏ لكن األمر هنا بدا<br />

مختلفا متاما حني رأينا أمثلة على أوراق منتحلة مصفوفة<br />

جنبا إلى جنب.‏ وكانت القضية مثيرة بالنسبة إلى الطلبة<br />

بوجه خاص.‏ فقد أحسوا بأنهم يقومون مبحاربة اجلرمية،‏<br />

وهذا ما كانوا يفعلونه إلى حد ما.‏<br />

ومتثلت اخلطوة التي تلت ذلك بتوسيع نطاق احلوسبة<br />

والتحليل.‏ وحتقيقا للشمول،‏ أردنا القيام بعملية بحث عن<br />

التشابه في كل مدخل يتسم بطول كاف في قاعدة البيانات<br />

- Medline وفي ذلك الوقت كانت لدينا قرابة تسعة ماليني<br />

مدخل يحتوي كل منها على 300 كلمة في املتوسط،‏ مضروبة<br />

تقريبا في تسعة ماليني عملية مقارنة.‏ واستغرقت املهمة شهورا<br />

واستهلكت كمّا كبيرا من طاقة مختبراتنا احلاسوبية.‏ وعند<br />

ظهور النتائج،‏ أخضعناها للتحليل ووضعنا جميع النتائج<br />

الشديدة التشابه في قاعدة بيانات واحدة أطلقنا عليها اسم<br />

شُ‏ وِ‏ هد من قبل .Déjà Vu<br />

وسرعان ما أخذت قاعدة البيانات Déjà Vu متتلئ بأزواج<br />

من امللخصات املشابهة للغاية مللخصات قاعدة البيانات<br />

- Medline فكان هنالك نحو 80 000 زوج من النصوص التي<br />

أظهرت تشابها بنسبة 56 في املئة على األقل.‏ وكانت الغالبية<br />

العظمى من تلك األزواج متشابهة جدا ألسباب وجيهة للغاية -<br />

ذلك أنها كانت مجرد حتديثات ألوراق قدمية،‏ أو ملخصات<br />

الجتماعات،‏ على سبيل املثال.‏ أما أزواج النصوص األخرى،‏<br />

فكانت مثيرة للريبة.‏<br />

وقدمنا بحثا إلى مجلة Nature احتوى على بيانات تتعلق<br />

مبدى تكرار حاالت االنتحال وازدواج املنشورات ‏)ما يسمى<br />

أحيانا االنتحال الذاتي )2( (، وعلى بعض التفاصيل املتعلقة<br />

مبحتوى قاعدة البيانات ،Déjà Vu وبعض األمثلة األساسية<br />

‏)مجلة ساينتفيك أمريكان هي جزء من مجموعة Nature<br />

للنشر(.‏ فقد قحَبِل احملررون بذلك،‏ لكن احملامني مزقوا البحث<br />

ألننا أشرنا إلى بعض امللخصات بوصفها منتحلة.‏ وكانت<br />

وجهة نظرهم مقنعة جدا:‏ فاألشخاص الوحيدون الذين يفتون<br />

بشأن االنتحال هم احملررون وجلان استعراض الشؤون<br />

األخالقية.‏ ولم يكن بوسعنا إزاء ذلك سوى عرض احلقائق<br />

فحسب - أي كمية النصوص املتداخلة أو املتشابهة في<br />

قطعتني من الكتابات العلمية.‏ وهذا ما فعلناه في نهاية األمر<br />

بعد أن حظينا مبوافقة احملامني.‏<br />

وحني خرج تقرير مجلة Nature قامت الدنيا ولم تقعد.‏<br />

فقد أثار ذلك استياء احملررين ألنه ألقى على كاهلهم عمال<br />

إضافيا.‏ وتحَوخِّ‏ ياً‏ حلماية حقوق التأليف والنشر اخلاصة<br />

بهم،‏ أصرّ‏ محررو أوراق البحث األصلية على سحب أوراق<br />

)1( survey؛ أو:‏ مسحية.‏<br />

self-plagiarism )2(<br />

Harold “Skip” Garner<br />

‏‏ أستاذ علوم األحياء وعلوم احلاسوب والطب في معهد فرجينيا التقاني<br />

،Virginia Tech وصاحب أعمال وسلسلة من املشاريع.‏ وقد شارك في تأسيس<br />

الشركة ،Helio Text وهي شركة معنية بتحليل النصوص،‏ ويعمل في هيئة<br />

املستشارين ملجلة ساينتفيك أمريكان.‏<br />

60<br />

املؤلف


البحث التي متحَ‏ ّ انتحالها.‏ وال شك في أن الناشر الثاني شعر<br />

باإلحراج.‏ أما العلماء،‏ فقد انتابهم الغضب ألن النتائج التي<br />

توصلنا إليها أظهرت عيوبا في التحكيم.‏ بيد أن اجلميع<br />

اعترفوا على مضض بأن هذا املوضوع مهم وينطوي على<br />

مشكلة خطيرة.‏ فالعلماء واألطباء السريريون يتخذون قرارات<br />

حاسمة استنادا إلى الكتابات التي اطلعوا عليها.‏ فكيف<br />

تبدو الصورة إذا كانت تلك القرارات مستندة إلى دراسات<br />

يشوبها الغش؟<br />

وفي نهاية األمر توصلنا إلى أن 0.1 في املئة من<br />

املنشورات املتخصصة منتحل بشكل صارخ من أعمال<br />

اآلخرين.‏ ‏)وقد بحثنا فقط عن أوراق البحث التي كانت<br />

مطابقة لبعضها إلى حد كبير.‏ وعلى الرغم من وجود الكثير<br />

من األمثلة التي انتحلت فيها أجزاء صغيرة من األوراق،‏<br />

فإن برمجيتنا لم تتمكن من كشف هذه األمور ألنها لم<br />

تبحث إال في امللخصات.(‏ وكان هناك نحو واحد في املئة<br />

من األوراق متحَ‏ َّ انتحالها ذاتيا؛ حيث إنَّ‏ عمل أحد املؤلفني<br />

ظهر بشكل حرفي تقريبا في عدد من املجالت يصل إلى<br />

خمس مجالت.‏ وإذا بدت هذه النسب ضئيلة،‏ فإنه جتدر<br />

اإلشارة إلى أن نحو 600 000 ورقة بحث جديدة في مجال<br />

الطب األحيائي يتم نشرها سنويا.‏<br />

ومنذ مدة قصيرة الحظنا أن عملية النشر قد بدأت تشهد<br />

بعض التغير.‏ فقد بدأ محررو املجالت باستخدام البرمجية<br />

eTBLAST للتدقيق في األوراق املقدمة إليهم.‏ وإزاء هذا<br />

التغيير غيرت طريقتي أيضا وطورت نفسي مجددا مضيفا إلى<br />

اختصاصات عملي بندا اسمه ‏»باحث في األخالقيات«‏ )1( .<br />

)(<br />

حياتي كشرطي في مجال األخالقيات<br />

لم تكن الدراسة الضخمة األولى بشأن االنتحال سوى<br />

البداية.‏ ففهم أسباب االنتحال وما يترتب عليه من تبعات<br />

على العلوم يستدعي قدرا أكبر من العمل.‏ فمتى يكون<br />

النص املكرر مقبوال؟ وملاذا يقوم العلماء باالنتحال ومتى؟<br />

وما هي األنواع األخرى من السلوك غير األخالقي التي<br />

تستطيع حتليالت النصوص كشف النقاب عنها؟ وهكذا<br />

قمنا بتنقيح برمجياتنا وتوسيع قواعد البيانات اخلاصة بنا<br />

والشروع في دراسات جديدة.‏<br />

وكشفت بعض األعمال التي قمنا بها الحقا فروقات<br />

دقيقة غير متوقعة في اجلدل الدائر حول االنتحال.‏ وتبني<br />

لنا أن التشابه في النصوص ليس فقط مقبوال في بعض<br />

احلاالت،‏ بل إنه يحظى بالتفضيل.‏ ففي القسم املتعلق<br />

بالطرائق في ورقة بحثية،‏ على سبيل املثال،‏ حيث تُعطى<br />

األهمية القصوى إلعادة توليد النتائج،‏ تعمل العبارات غير<br />

األصلية على تلبية غرض مهم وهو اإلظهار بوضوح أن<br />

البروتوكول نفسه متاما قد اعتمد.‏<br />

كما أننا عثرنا على بعض الهفوات األخالقية املريعة<br />

بالفعل.‏ ففي دراسة نشرت في مجلة ،Science قمنا بجمع<br />

أكثر األمثلة الصارخة على االنتحال التي متكنا من العثور<br />

عليها - أزواج من أوراق البحث التي تتطابق فيها ورقتا<br />

بحث مبعدّل %86 - وأخضعناها للتحليل بشكل مستفيض.‏<br />

ومن ثم أرسلنا بالبريد اإللكتروني إلى املؤلفني واحملررين<br />

املعنيني نُسخا من هذه البحوث مزوّدة بهوامش ودراسات<br />

استقصائية سرّية،‏ وسألناهم عما إذا كانوا يعلمون بالتشابه،‏<br />

وما هو تفسيرهم لذلك،‏ وقد تلقينا الردود من تسعني في املئة<br />

منهم.‏<br />

فقد كشف بعض املؤلفني عن انتهاكات فاضحة لألخالقيات،‏<br />

بينما اعترف البعض بأنهم قاموا بنسخ أوراق البحث أثناء<br />

تقييمهم لها - وبأنهم أعطوا تقييما سيّئا لها من أجل عدم<br />

نشرها.‏ وألقى آخرون مسؤولية ارتكاب األخطاء على طلبة<br />

وهميني في مجال الطب.‏ وورد على لسان أحد املؤلفني أنه<br />

مارس االنتحال على سبيل الدعابة.‏ وصدف أن كان هذا<br />

الشخص هو نائب رئيس اللجنة الوطنية لألخالقيات في بلده.‏<br />

ومن غير املستغرب إزاء ذلك أن يكون قد جرى سحب معظم<br />

األوراق التي يشوبها الغش منذ ذلك احلني.‏<br />

ولم تكن حاالت االنتهاك هذه هي األخيرة التي عثرنا عليها.‏<br />

ففي مطلع عام 2012، شرعنا في البحث عن حاالت االنتفاع<br />

املزدوج من املنح والهبات - أي احلصول على املال من وكاالت<br />

حكومية متعددة لتنفيذ العمل نفسه.‏ فقمنا بتنزيل ملخصات<br />

لقرابة 860 000 منحة صادرة عن وكاالت حكومية أو خاصة،‏<br />

مبا في ذلك املعاهد الوطنية للصحة واملؤسسة الوطنية للعلوم<br />

ووزارة الدفاع ووزارة الطاقة ومؤسسة ‏‏<br />

من أجل العالج،‏ وأخضعناها ملعاجلة البرمجية .eTBLAST<br />

وتطلبت الدراسة عمليات مقارنة بلغ عددها 800 000 مضروبة<br />

في 800 000 ‏)أي 10 12 تقريبا(‏ وقدرة حاسوبية فائقة.‏<br />

وبعد استعراض ملخصات املنح األكثر تشابها والبالغ<br />

عددها 1600 ملخص،‏ تبني لنا أن نحو 170 زوجا من<br />

البحوث كانت لديها غايات أو أهداف أو فرضيات متطابقة.‏<br />

وخلصنا بالتالي إلى عدة أمور،‏ وهي:‏ أن االنتفاع املزدوج<br />

يحدث بشكل متسق منذ وقت طويل؛ وأنه يشمل أشهر<br />

اجلامعات األمريكية املرموقة،‏ وأن اخلسائر الناجمة عن<br />

MY LIFE AS AN ETHICS COP ()<br />

ethics researcher )1(<br />

التتمة في الصفحة 70<br />

61 (<strong>2014</strong>) 8/7


املجلد 30 العددان 8/7<br />

يوليو/‏ أغسطس <strong>2014</strong><br />

اآللة اخلتامية لألشعة السينية<br />

)(<br />

ما بحَدحَأ فكرةً‏ لسالح مضاد للصواريخ في ‏»حرب النجوم«‏ )1(<br />

في ثمانينات القرن العشرين يغدو اآلن ميكروسكوبا<br />

ذا قوة ال سابق لها،‏ يستطيع توليد أشكال غريبة من<br />

املادة غير موجودة في أي مكان آخر من الكون.‏<br />

.N> بيره>‏ - .P> .H بكسباوم>‏<br />

إذا وضعنا ذرة أو جزيئا أو حبيبة غبار في مِ‏ حرق أقوى<br />

ليزر لألشعة السينية )2( في العالم،‏ فإنه لن يكون أمامها أي<br />

فرصة للنجاة،‏ إذ تصل درجة حرارة تلك املادة املضاءة بالليزر<br />

إلى أعلى من مليون كلڤن ،kelvin كما في هالة الشمس )3( ،<br />

وذلك في غضون أقل من جزء واحد من تريليون جزء من<br />

الثانية.‏ وعلى سبيل املثال،‏ تفقد ذراتُ‏ النيون )4( اخلاضعة<br />

ملثل هذه الظروف االستثنائية جميعحَ‏ إلكتروناتها العشرة<br />

سريعا،‏ ومبجرد خسارتها لغالفها اإللكتروني الواقي تنفجر<br />

مبتعدة عن الذرات املجاورة.‏ وميثل مسار حطامها مشهدا<br />

فاتنا جدا للفيزيائيني.‏<br />

وما يجعل هذه العملية مدهشة هو أن ضوء الليزر يطرد<br />

إلكترونات الذرة من الداخل إلى اخلارج.‏ لكن اإللكترونات،‏<br />

التي حتيط بنواة الذرة على شكل طبقات مدارية شبيهة بطبقات<br />

بصلة،‏ ال تتفاعل جميعا بتجانس مع حزمة األشعة السينية،‏<br />

ألن الطبقات اخلارجية شفافة تقريبا لهذه األشعة،‏ ولذا فإن<br />

الطبقة الداخلية هي التي تقع حتت وطأة اإلشعاع،‏ متاما<br />

كما تُسخَّ‏ ن القهوة في الفنجان املوضوع في فرن موجات<br />

ميكروية قبل الفنجان مبدة طويلة.‏<br />

وينطلق اإللكترونان املوجودان في تلك<br />

الطبقة إلى اخلارج مخلفني وراءهما حيزا<br />

فارغا،‏ فتغدو الذرة جوفاء.‏ وخالل<br />

بضع فيمتوثوانٍ‏ femtoseconds ‏)الفيمتو<br />

femto يساوي 1 من كوادريليون(،‏ متتص<br />

إلكترونات أخرى إلى الداخل لتحل محل<br />

اإللكترونات املفقودة،‏ وتتكرر دورة تكوين<br />

التجويف الداخلي وملء الفراغ حتى ال<br />

يتبقى أي إلكترون حول الذرة.‏ وحتدث<br />

هذه العملية في اجلزيئات،‏ وفي املادة<br />

الصلبة أيضا.‏<br />

لكن تلك احلالة الغريبة ال تدوم إال بضع فيمتوثوانٍ‏ .<br />

THE ULTIMATE X-RAY MACHINE )(<br />

“Star Wars” )1(<br />

most powerful x-ray Laser )2(<br />

the solar corona )3(<br />

atoms of neon )4(<br />

the Linac Coherent Light Source )5(<br />

the SLAC National Accelerator Laboratory )6(<br />

باختصار<br />

ظلت ليزراتُ‏ األشعة السينية مدة طويلة مادةً‏ خصبة للخيال العلمي،‏ ولم يبدأ أول جهاز منها بالعمل لغرض علمي إال قبل أربع سنوات،‏<br />

وذلك في جامعة ستانفورد باعتبارها مرفقا تابعا ملكتب العلوم في وزارة الطاقة األمريكية.‏ ويستمد هذا اجلهاز،‏ املعروف باسم منبع الضوء<br />

املترابط للمسرع اخلطي (LCLS( )5( ، طاقته من أطول مسرع جسيمات خطي في العالم،‏ أي في مختبر املسرع الوطني )6( SLAC .<br />

وقد جرى بواسطته تكوين حاالت غريبة للمادة لم حتصل في أي مكان آخر من الكون،‏ وذلك بتعريض الذرات واجلزيئات<br />

واجلوامد لنبضات أشعة سينية ذات شدات عالية.‏<br />

وجَ‏ مَّد هذا الليزر،‏ من خالل عمله كمصباح ضوء ومضي،‏ صورةحَ‏ حركة الذرات،‏ والتقط صورا فائقة السرعة للبروتينات<br />

والڤيروسات،‏ مسجال التحوالت الفيزيائية والكيميائية التي تستغرق أقل من جزء من تريليون جزء من الثانية.‏<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

62


تضم حجرة اخلالء ‏)البنية األفقية املرصعة مبنافذ ذات أطر زرقاء(‏ مرايا صممت خصيصا<br />

لتبئير to focus أقوى حزم األشعة السينية في العالم في بقعة مقاسها كمقاس حبة غبار.‏<br />

وفي اجلوامد،‏ تتفكك املادة إلى حالة متأينة،‏ أي إلى بالزما<br />

كثيفة وساخنة ال توجد عادة إال في ظروف استثنائية من<br />

مثل تفاعالت االندماج النووي )1( ، أو في مراكز الكواكب<br />

الضخمة.‏ وعلى كوكب األرض ال مثيل للحالة املتطرفة اخلاطفة<br />

التي تنشأ عند محرق حزمة ليزر األشعة السينية )2( .<br />

وال يقل ليزر األشعة السينية نفسه روعة عن الظاهرة<br />

الغريبة التي يكشف عنها.‏ فهذا الليزر،‏ املعروف مبنبع<br />

الضوء املترابط في املسرِّع اخلطي (LCLS) )3( املوجود في<br />

مركز مسرِّع ستانفورد اخلطي (SLAC) )4( ، يوقظ ذكريات<br />

منظومات ‏»حرب النجوم«‏ )5( املضادة للصواريخ التي اقترح<br />

مؤيدوها في حقبة ثمانينات القرن املنصرم استعمال ليزرات<br />

أشعة سينية قوية إلسقاط الصواريخ البالستية والسواتل<br />

.satellites إن ليزر األشعة السينية احلقيقي هذا مدين في<br />

نشأته كثيرا حملطِّ‏ مات الذرة atom smashers العظمى التي<br />

طُ‏ وِّرت في الوقت نفسه تقريبا.‏ وقد غيَّرت هذه اجلهيزة device<br />

مهمة أحد أقدم مُحطِّ‏ مات الذرة في الواليات املتحدة،‏ وهو<br />

املسرع اخلطي SLAC الذي تديره جامعة ستانفورد لصالح<br />

وزارة الطاقة األمريكية.‏ وقد حققت هذه اآللة machine العديد<br />

من االكتشافات وجوائز نوبل التي أبقت الواليات املتحدة في<br />

طليعة فيزياء اجلسيمات األولية طوال عقود من الزمن.‏ ومنذ<br />

إعادة إناطة مهام جديدة بها بصفتها آلة ليزر األشعة السينية<br />

في منبع الضوء املترابط LCLS في الشهر 2009/10، غدت<br />

بالنسبة إلى فيزياء الذرة والبالزما والكيمياء وفيزياء املادة<br />

nuclear fusion reactions )1(<br />

x-ray laser beam )2(<br />

the Linac Coherent Light Source )3(<br />

Stanford Linear Accelerator Center )4(<br />

“Star Wars” )5(<br />

63 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

الكثيفة وعلم األحياء،‏ ما ميثله املصادم الهادروني الكبير<br />

،CERN التابع للمنظمة األوروبية للبحوث النووية )1( (LHC)<br />

بالقرب من مدينة جنيف،‏ بالنسبة إلى فيزياء اجلسيمات<br />

األولية:‏ وسيلة لتحطيم لبنات بناء الطبيعة بواسطة مقادير<br />

هائلة من الطاقة،‏ وتكوين صيغ جديدة من املادة من مثل<br />

ذرات جوفاء ،hollow atoms أو ببساطة وسيلة تخترق العالم<br />

الكمومي )2( وكأنها ميكروسكوب قوي عالي السرعة.‏ وميكن<br />

لنبضات األشعة السينية ملنبع الضوء املترابط )3( LCLS<br />

أن تكون بالغة القصر ‏)بضع فيمتوثوانٍ‏ ) إلى حد أنها جتعل<br />

حركة الذرات تبدو جامدة،‏ وهذا ما ميُ‏ كِّن الفيزيائيني من رؤية<br />

التفاعالت الكيميائية أثناء حصولها.‏ وتلك النبضات شديدة<br />

السطوع أيضا،‏ ولذا تسمح بتصوير البروتينات واجلزيئات<br />

احليوية األخرى التي كانت دراستها شديدة الصعوبة<br />

باستخدام منابع أخرى لألشعة السينية.‏<br />

64<br />

)(<br />

ظالل الذرات<br />

يدمج ليزر األشعة السينية أداتني من األدوات الرئيسية<br />

التي يستعملها فيزيائيو اليوم التجريبيون:‏ منابع ضوء<br />

السنكروترونات ،synchrotrons والليزرات الفائقة السرعة<br />

.ultrafast lasers أما السنكروترونات،‏ فهي مسرعات<br />

جسيمات مضمارية الشكل )4( تدور إلكترونات ضمنها<br />

وتصدر أشعة سينية تلج أجهزة قياس متوضعة حول محيط<br />

اآللة على هيئة دوالب ذي قضبان منبثقة من مركزه.‏ وقد<br />

أمضت ‏‏ ‏)وهي أحد املؤلفني(‏ مدة من حياتها املهنية<br />

تستعمل أشعة سنكروترون سينية لدراسة أعماق الذرات<br />

واجلزيئات والنُّظم النانوية .nanosystems فضوء األشعة<br />

السينية مثالي لهذا الغرض،‏ ألن أطوال موجاته من مقاس<br />

الذرة,‏ ولذا تولد الذرات ظالال ضمن حزمة األشعة السينية.‏<br />

وإضافة إلى ذلك،‏ ميكن توليف األشعة السينية بحيث ترى<br />

أنواعا معينة من الذرات،‏ كذرات احلديد فقط مثال،‏ وتبني<br />

مكان متوضعها ضمن اجلسم الصلب أو ضمن جزيء كبير<br />

كجزيئات الهيموگلوبني )5( .hemoglobin ‏)احلديد هو املسؤول<br />

عن اللون األحمر للدم.(‏<br />

لكن ما تعجز عنه األشعة السينية هو اقتفاء أثر احلركة<br />

الذرية ضمن اجلزيء أو اجلسم الصلب.‏ فكل ما نراه حينئذ<br />

هو غشاوة باهتة،‏ ألن النبضات ليست قصيرة وال ساطعة<br />

بقدر كاف.‏ وال ميكن للسنكروترون تصوير اجلزيئات إال إذا<br />

كانت مصطفة على هيئة بلورات،‏ حيث تقوم قوى موضعية<br />

بإبقاء املاليني منها في صفوف منتظمة على غرار جنود<br />

متماثلني في حالة التأهب.‏<br />

وفيما يخص الليزرات،‏ فإن ضوءها أشد سطوعا بكثير من<br />

الضوء العادي ألنه ضوء مترابط:‏ إن احلقل الكهرمغنطيسي<br />

في الليزر ليس متموجا كسطح البحر الهائج،‏ بل يهتز بنعومة<br />

وانتظام متحكم فيهما.‏ ويعني الترابط أن الليزرات تستطيع<br />

تركيز طاقة هائلة ضمن بقعة صغيرة،‏ وأنه ميكن إشعالها<br />

وإطفاؤها في برهة قصيرة من رتبة الفيمتوثانية.‏ ويستعمل<br />

)6(<br />

أحدنا ‏)(‏ نبضات ليزر ضوئية فائقة السرعة<br />

كمصباح ضوء وامض من أجل دراسة حركة الذرات وخطوات<br />

التفاعالت الكيميائية.‏<br />

وتعمل الليزرات العادية عند أطوال موجات الضوء املرئي<br />

والضوء القريب منه،‏ وتلك أطوال أكبر بألف مرة من أطوال املوجات<br />

الضرورية لتمييز الذرات إفراديا.‏ وعلى غرار رادار الطقس<br />

الذي يستطيع رؤية عاصفة مطرية دون متييز قطرات املطر،‏ فإن<br />

الليزرات العادية تستطيع رؤية مجموعة متحركة من الذرات دون<br />

متييزها إفراديا.‏ فمن أجل تكوين ظل حاد للجسم املرصود،‏ يجب<br />

أن يكون طول موجة الضوء صغيرا ومن رتبة مقاس ذلك اجلسم<br />

على األقل.‏ ولذا،‏ نحتاج إلى ليزر أشعة سينية.‏<br />

وباختصار،‏ يتغلب ليزر األشعة السينية على الصعوبات<br />

والسلبيات التي متثلها األدوات الشائعة لتصوير املادة عند<br />

املقاسات الشديدة الضآلة.‏ لكن صنع جهيزة من هذا النوع<br />

ليس باملهمة السهلة.‏<br />

SHADOWS OF ATOMS )(<br />

the Large Hadron Collider )1(<br />

the quantum realm )2(<br />

the LCLSʼs x-ray pulses )3(<br />

racetrack particle accelerators )4(<br />

)5( أو:‏ خضاب الدم.‏<br />

ultrafast optical laser pulses )6(<br />

املؤلفان<br />

Nora Berrah<br />

‏‏ رئيسة قسم الفيزياء في جامعة كونكتيكت،‏ وهي تدير استقصاءات<br />

بحثية وأعماال لصنع أجهزة قياس متقدمة لليزر األشعة السينية اخلاص<br />

مبنبع الضوء املترابط LCLS في املسرع اخلطي .SLAC وهي اختصاصية<br />

في دراسة التأثيرات املتبادلة بني الفوتونات من جهة،‏ والذرات واجلزيئات<br />

والنظم النانوية من جهة أخرى.‏ فهي عضوة في اجلمعية األمريكية<br />

للفيزياء،‏ وقد حازت على جائزة ‏‏ لفيزياء السطوح لعام<br />

<strong>2014</strong>، وتلك جائزة من أرفع اجلوائز في مجال بحوثها.‏<br />

Philip H. Bucksbaum<br />

‏‏ أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ستانفورد وفي املسرع<br />

اخلطي ،SLAC حيث يدير معهد پلس PULSE املكرس للبحوث العلمية التي<br />

تستعمل ليزرات فائقة السرعة ومنبع الضوء املترابط .LCLS وهو زميل<br />

اجلمعية األمريكية للفيزياء،‏ وعضو األكادميية القومية للعلوم،‏ واألكادميية<br />

األمريكية للعلوم والفنون.‏


)(<br />

أشعة املوت<br />

بدت فكرة بناء ليزر أشعة سينية غريبة في<br />

وقت من األوقات،‏ باعتبار أن صنع أي ليزر<br />

أمر بالغ الصعوبة بحد ذاته.‏ فالليزرات العادية<br />

تنجح في عملها ألن الذرات تشبه البطاريات<br />

‏)املدخرات(‏ batteries الصغيرة:‏ فهي متتص<br />

مقادير طفيفة من الطاقة وتخزنها ثم تصدرها<br />

على شكل فوتونات ،photons أي جسيمات<br />

ضوء.‏ وهي حترر طاقتها تلقائيا عادة،‏ إال أن<br />

‏ كان قد اكتشف في بداية القرن<br />

العشرين طريقة لقدح حتريرها من خالل عملية<br />

تسمى اإلصدار احملُ‏ رَّض .stimulated emission<br />

وإذا جحَ‏ علْتحَ‏ الذرةحَ‏ متتص مقدارا معينا من<br />

الطاقة،‏ ثم قذفتها بفوتون ميتلك مقداراً‏ مماثال<br />

من الطاقة،‏ أصدرت الذرةُ‏ الطاقةحَ‏ املمتصة<br />

أصال،‏ مولدة نسخة من الفوتون.‏ وينطلق<br />

الفوتونان ‏)األصلي واملستنسخ(‏ ليقدحا حترير<br />

طاقة من زوج من الذرات األخرى،‏ ويتكرر ذلك<br />

مراكما جيشا مستنسخا في تفاعل متسلسل<br />

أُ‏ سّ‏ يّ‏ )1( . والنتيجة هي حزم ليزرية.‏<br />

لكن،‏ حتى عندما تكون الظروف مالئمة،‏ فإن<br />

الذرات ال تستنسخ فوتونات دائما.‏ فاحتمالُ‏<br />

إصدار ذرة معينة لفوتون عند قذفها بفوتونٍ‏<br />

آخر،‏ قليلٌ‏ إلى حد ما،‏ وثمة فرصة أكبر لها<br />

لتحرير طاقتها آنيا قبل حدوث ذلك.‏ وتتغلب<br />

الليزرات العادية على هذه احملدودية بضخّ‏<br />

طاقة متأل الذرات،‏ مع استعمال مرايا ترسل<br />

الضوء املستنسخ جيئة وذهابا ليلتقط فوتونات<br />

جديدة.‏ وفي ليزر الهليوم والنيون الشائع<br />

في قوارئ األسعار )2( في الدكاكني واملتاجر،‏<br />

يتصادم سيل مستمر من اإللكترونات بذرات الغاز،‏ ويكرر<br />

الضوء دورته 200 مرة عبر انعكاسه جيئة وذهابا بني املرايا.‏<br />

أما في ليزر األشعة السينية،‏ فيغدو حتقيق كل خطوة<br />

من هذه العملية أشد صعوبة بكثير.‏ ففوتون األشعة السينية<br />

ميكن أن ميتلك طاقة أكبر بألف مرة مما ميتلكه الفوتون<br />

املرئي،‏ لذا على كل ذرة أن متتص طاقة أكبر بألف مرة.‏<br />

وال حتتفظ الذرات بطاقاتها مدة طويلة،‏ إضافة إلى أنه من<br />

الصعب احلصول على مرايا عاكسة لألشعة السينية.‏ وعلى<br />

الرغم من أن هذه العوائق ليست جوهرية،‏ فإن ثمة حاجة إلى<br />

طاقة هائلة لتكوين الظروف الليزرية.‏<br />

حزمة ليزر أشعة سينية تُسقِ‏ ط أنبوبا يصل بني الردهتني التجريبيتني ملنبع الضوء املترابط .LCLS<br />

وفي الواقع،‏ استمد أول ليزر أشعة سينية طاقته من<br />

اختبار لقنبلة نووية حتت األرض.‏ فقد صُ‏ نِع ذلك الليزر من<br />

أجل مشروع سرِّيّ‏ اسمه إكسكاليبر ،Excalibur ونحَفَّذه مختبر<br />

لورنس ليڤرمور القومي )3( الواقع إلى الشرق من مدينة سان<br />

فرانسيسكو.‏ وال يزال املشروع سرّيّاً‏ حتى اآلن،‏ حتى وإن<br />

كانت بعض املعلومات عنه قد أعلنت للعموم.‏ وكانت اجلهيزة<br />

واحدة من مكونات مبادرة الدفاع االستراتيجي التي أطلقها<br />

DEATH RAYS )(<br />

exponential chain reaction )1(<br />

)2( scanners price؛ أو:‏ ماسحات األسعار.‏<br />

Lawrence Livermore National Laboratory )3(<br />

65 (<strong>2014</strong>) 8/7


ليزر جديد<br />

تشريح ليزر األشعة السينية<br />

)(<br />

يُعدُّ‏ منبع الضوء املترابط LCLS أقرب شيء تصنعه الكائنات البشرية ملدفع<br />

سفينة فضاء ليزري.‏ ويستمد هذا اجلهاز طاقته من مسرع جسيمات خطي،‏<br />

وهو نسخة مضخمة من املدفع اإللكتروني املستعمل في جهاز التلفزيون القدمي<br />

الذي يطلق إلكترونات بسرعات قريبة من سرعة الضوء.‏ واملموج هو قلب هذه<br />

ليزر التشغيل<br />

يولّد ليزرُ‏ التشغيل<br />

نبضاتِ‏ ضوء<br />

فوق بنفسجي<br />

تقتلع نبضات من<br />

اإللكترونات من<br />

املهبط.‏<br />

املسرِّع<br />

تُسرِّع احلقولُ‏ الكهربائية<br />

اإللكتروناتِ‏ لتصبح طاقتها<br />

12 بليون إلكترون ڤلط .volt<br />

ويستعمل في منبع الضوء<br />

املترابط LCLS هذا كيلو متر<br />

واحد من الطول اإلجمالي<br />

للمسرع ،SLAC أي ثلثه فقط.‏<br />

ضاغط احلزمة 1<br />

تدخل النبضات اإللكترونية ممرا<br />

منحنيا ذا شكل S مخفف يقوم<br />

بتسوية نسق اإللكترونات ذات<br />

الطاقات املتباينة.‏<br />

ضاغط احلزمة 2<br />

بعد جولة من التسارع،‏ تدخل<br />

النبضات ضاغطا آخر أطول<br />

من الضاغط األول؛ ألن طاقة<br />

اإللكترونات اآلن أكبر.‏<br />

ردهة النقل<br />

تقوم املغانط هنا بتبئير<br />

النبضات،‏ وتضمن<br />

جتهيزاتُ‏ املراقبة<br />

بقاءَ‏ اإللكترونات على<br />

مساراتها.‏<br />

إلكترونات<br />

القسم املتبقي من املسرع اخلطي SLAC الذي كان موجودا سابقا<br />

املسرع ومسار الضاغط<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

الرئيس األمريكي األسبق ‏‏ واملسماة حرب<br />

النجوم في ثمانينات القرن العشرين،‏ وكان الغرض منها أن<br />

تعمل شعاعحَ‏ موتٍ‏ إلسقاط الصواريخ والسواتل.‏<br />

وخالل العقد نفسه،‏ بنى مختبر لورنس ليڤرمور أيضا<br />

أول نسخة مخبرية النووية لليزر أشعة سينية يزود بالطاقة<br />

من ليزرات ضوء مرئي قوية صممت الختبار خواص األسلحة<br />

النووية.‏ إال أن تلك الليزرات لم تكن أدوات بحث عملية،‏ وبدت<br />

إمكانية استعمالها بانتظام للتطبيقات العلمية بعيدة املنال.‏<br />

66<br />

)(<br />

بال تهاون<br />

لقد حتقق اإلجناز الذي محَكَّنحَ‏ الباحثني من تطوير ليزرات<br />

أشعة سينية أخيرا في معهد آخر في منطقة خليج سان<br />

فرانسيسكو نفسها،‏ وذلك باستعمال جهيزة كانت معدة<br />

لغرض آخر متاما.‏ ففي ستينات القرن العشرين،‏ قامت<br />

جامعة ستانفورد ببناء أطول مُسرِّع إلكترونات في العالم،‏<br />

وهو بناء بطول ثالثة كيلومترات،‏ ويبدو من الفضاء كإبرة<br />

موجهة من اجلبال إلى قلب احلرم اجلامعي.‏ وتُسرِّعُ‏ هذه<br />

اآللة،‏ التي تسمى ،SLAC linac حزما كثيفة من اإللكترونات<br />

إلى سرعات قريبة جدا من سرعة الضوء ‏)ضمن حدود<br />

سنتيمتر واحد في الثانية(.‏ وأدت هذه اآللة إلى الفوز بثالث<br />

جوائز نوبل عن اكتشافات جتريبية في فيزياء اجلسيمات.‏<br />

إال أن تلك اآللة بلغت نهاية حياتها املفيدة،‏ ويقوم فيزيائيو<br />

اجلسيمات اليوم باستقصاءاتهم باستعمال املصادم .LHC<br />

لكن قبل عقد من الزمن،‏ قررت جامعة ستانفورد والهيئة<br />

الراعية للمسرع اخلطي ،SLAC أي مكتب العلوم في وزارة<br />

الطاقة األمريكية،‏ حتويل جزء من اآللة الهحَرِ‏ مة إلى ليزر أشعة<br />

Anatomy of the X-ray Laser )(<br />

NOT SLAC-ING OFF )(


البدعة،‏ فهو يجعل اإللكترونات تسلك مسارا متعرجا.‏ وكلما غيرت اإللكترونات<br />

اجتاهها فيه،‏ أصدرت إشعاعا يتألف في هذه احلالة من أشعة سينية.‏ ونظرا<br />

ألن اإللكترونات تتحرك بسرعة قريبة من سرعة األشعة السينية التي تصدرها،‏<br />

فإن هذه العملية تغذي نفسها وتنتج حزمة استثنائية بشدتها ونقائها.‏<br />

ردهة املموج<br />

تسبب مجموعة مغانط ذات قطبيات<br />

متناوبة حركة متعرجة لإللكترونات،‏<br />

محرضة إياها على توليد حزمة أشعة<br />

سينية ليزرية.‏<br />

استخالص احلزمة<br />

يسحب مغنطيس قوي اإللكتروناتِ‏<br />

ويدع األشعة السينية تُكمل<br />

طريقها.‏<br />

محطات منبع الضوء LCLS<br />

التجريبية<br />

تقوم األشعة السينية بعملها،‏ فتشوي<br />

املادة،‏ وتصور الفيروسات ‏)اليسار(‏<br />

أو تقوم بأي مهمة أخرى يوكلها إليها<br />

الفيزيائيون.‏<br />

رؤية ڤيروس العاثية )1( باألشعة السينية<br />

ردهة جتريبية قريبة<br />

ردهة جتريبية بعيدة<br />

مقطع ليزر أشعة سينية )790 مترا(‏<br />

سينية.‏ وجحَ‏ هَّز مركزُ‏ املسرّعُ‏ اخلطي SLAC املسرِّعحَ‏ باجلهيزة<br />

نفسها املستعملة لتوليد األشعة السينية في السنكروترونات<br />

احلديثة:‏ املُموِّ‏ ج .undulator<br />

ويتألف املموج من مجموعة مغانط magnets تولد<br />

حقوال مغنطيسية متناوبة.‏ وتتذبذب اإللكترونات املتحركة<br />

ضمن املموج مُصدِ‏ رةً‏ أشعة سينية.‏ وفي السنكروترونات،‏<br />

وهي حلقات مغلقة،‏ وفحَوْر مغادرة اإللكترونات املموجات،‏<br />

تنحني مساراتها لتغدو أقواسا.‏ وبتلك الطريقة،‏ تبتعد<br />

اجلسيمات عن طريق األشعة السينية التي متُ‏ رَّر إلى<br />

محطات جتريبية.‏ وتستمر اإللكترونات باجلريان حول<br />

املضمار مُصدِ‏ رحَةً‏ دفقة قوية من األشعة السينية في كل<br />

مرة مترّ‏ فيها عبر املموج.‏<br />

إال أن املسرع اخلطي SLAC ذو شكل مستقيم،‏ واملموج فيه<br />

طويل على نحو غير مألوف )130 مترا(.‏ وتتحرك اإللكترونات<br />

فيه على مسار الفوتونات نفسها،‏ وبالسرعة نفسها تقريبا.‏<br />

والنتيجة هي سباق مدمر جلسيمات دون ذرية.‏ وال تستطيع<br />

اإللكترونات فيه االبتعاد عن مسار فوتونات األشعة السينية<br />

التي أصدرتها،‏ ولذا تصدمها تلك الفوتونات جانبيا مرة تلو<br />

أخرى،‏ محرضة إياها على إصدار فوتونات أشعة سينية<br />

مستنسخة من خالل عملية اإلصدار احملرض.‏<br />

وال حاجة إلى مرايا عاكسة كي تتحرك الفوتونات جيئة<br />

وذهابا بني اإللكترونات،‏ وذلك ألنها تتحرك كلها معا.‏ وكل<br />

ما نحتاج إليه لتوليد الليزر هو حزمة كثيفة من اإللكترونات<br />

السريعة،‏ وحيز كبير بقدر يتسع ملموج طويل.‏ واملسرع<br />

اخلطي SLAC ميتلكهما.‏ وإذا جرى توضيع كل شيء بطريقة<br />

مثالية تقريبا،‏ كان األمر عظيما،‏ وحصلنا على حزمة أشعة<br />

سينية استثنائية السطوع.‏ وعند نهاية اخلط،‏ يُحوَّل مسار<br />

)1( :bacteriophage ڤيروس يتطفل على اجلراثيم.‏<br />

67 (<strong>2014</strong>) 8/7


اإللكترونات،‏ وتدخل الفوتوناتُ‏ احملطاتِ‏ التجريبية.‏<br />

وتعرف هذه املنظومة تقنيا بليزر اإللكترونات<br />

احلرة .free-electrons laser<br />

ومع أن منبع الضوء املترابط LCLS ليس مدفعا<br />

ل ‏»حرب النجوم,«‏ إال أنه يبقى جهيزة جبارة.‏ فشدة<br />

أشعته القصوى عند احملرق،‏ والبالغة 10 18 واطات<br />

في السنتيمتر املربع،‏ أكبر بباليني املرات من شدات<br />

ضوء املنابع السنكروترونية.‏ ويستطيع هذا الليزر<br />

أن يقطع الفوالذ،‏ وميكن حلقله الكهرمغنطيسي<br />

املهتز أن يكون أقوى بألف مرة من احلقول التي<br />

تربط فيما بني الذرات ضمن اجلزيئات.‏<br />

)(<br />

لُبّ‏ املسأَلة<br />

تستطيع الكواشف داخل حجرة اخلالء أن تقوم بالتقاط صور فائقة الدقة للبروتينات وللخاليا.‏<br />

إن احلاجة إلى ليزر األشعة السينية كبيرة جدا<br />

إلى درجة أنه ال يستطيع أن يلبي سوى أقل من ربع طلبات<br />

استعماله من قبل املشاريع البحثية.‏ والعلماء املقيمون في<br />

موقع هذا الليزر يعملون بدأب اثنتي عشرة ساعة يوميا،‏<br />

خمسة أيام في األسبوع،‏ مع فرق زائرة كبيرة من الطلبة<br />

والباحثني الرئيسيني وباحثي ما بعد الدكتوراه،‏ حيث لكل<br />

ميكروثانية microsecond أهميتها.‏<br />

إن البحوث التي جعلتها ليزرات األشعة السينية ممكنةً‏<br />

واسعةُ‏ الطيف.‏ وإلعطاء فكرة عما أضحى بواسطتها ممكنا،‏<br />

سوف نسلط الضوء على مسألتني علميتني على درجة عالية<br />

من األهمية،‏ هما:‏ كيف تتصرف املادة ضمن الظروف<br />

املتطرفة،‏ وماذا ميكن تعلمه من تصوير اجلزيئات الفائقة<br />

السرعة.‏ إن هاتني املسألتني على صلة وثيقة بالظواهر<br />

األساسية التي تدرسها الفيزياء الذرية واجلزيئية والبصرية<br />

التي متثل مجال خبرتنا.‏<br />

وعندما يُكوِّن منبعُ‏ الضوء املترابط LCLS ذراتٍ‏ جوفاء<br />

في اجلزيئات واجلوامد،‏ فإنه يستفيد من ميل إلكترونات<br />

الطبقات اخلارجية في الذرة إلى السقوط إلى الداخل لتحل<br />

محل تلك التي فقدت من الطبقات الداخلية.‏ وتستغرق هذه<br />

الظاهرة،‏ املعروفة باسترخاء أوگر ،Auger relaxation<br />

بضع فيمتوثوانٍ‏ . لذا،‏ إذا سلطنا نبضة أشعة سينية<br />

مدتها فيمتوثانية واحدة على املنظومة،‏ فإنه لن يتوفر وقت<br />

لإللكترونات اخلارجية للسقوط إلى مواقع الطبقات الداخلية<br />

اجلوفاء.‏ وضمن هذه الظروف،‏ سوف تكون الذرات اجلوفاء<br />

شفافة ألي فوتون أشعة سينية إضافية،‏ حتى ولو كانت فائقة<br />

الشدة.‏ وقد اكتشفنا هذه التجاويف الشفافة،‏ باستعمال<br />

منبع الضوء املترابط ،LCLS ليس في الذرات فحسب،‏ بل<br />

في اجلزيئات وعينات املادة التي هي أكبر أيضا.‏<br />

وتقول الدراسات النظرية إن درجات احلرارة داخل<br />

الكواكب الضخمة التي من مثل املشتري تصل إلى 20 000<br />

كلڤن،‏ أي إنها أسخن بأربع مرات من سطح الشمس.‏ ومن<br />

املفترض أن الهدروجني والهليوم،‏ وهما املكونان الرئيسيان<br />

للكوكب،‏ يتخذان أطوارا صلبة غريبة،‏ بكثافات وبنى متطرفة.‏<br />

إال أنه ليس معروفا من تلك التفاصيل إال القليل.‏ حتى إن<br />

مقاومة املادة،‏ أي انضغاطها استجابة للضغط عليها،‏ ليست<br />

سهلة القياس،‏ وليست مفهومة متاما انطالقا من املبادئ<br />

األساسية.‏ وقد اعتمدت البحوث العلمية حتى اآلن في هذا<br />

املجال كثيرا على مناذج نظرية،‏ وال تزال التجارب التي تختبر<br />

صحة هذه النماذج نادرة.‏<br />

وقد حاولت بعض أولى التجارب التي أجريت باستعمال<br />

منبع الضوء املترابط LCLS تكوين هذه الظروف القاسية.‏ إذ<br />

ميكن لشدة الليزر الهائلة أن تسخن املادة بسرعة مذهلة،‏<br />

منتجةً‏ مفاعيل effects غير مألوفة.‏ فعلى سبيل املثال،‏<br />

الحظنا أول مرة كيف أنه ميكن ألشعة سينية متعددة أن<br />

تتعامل جماعيا مع جزيئات مؤلفة من ذرات عديدة لكي حترر<br />

إلكترونات ذات ارتباط وثيق بالنوى الذرية،‏ وتلك عملية تسمى<br />

امتصاص الفوتونات املتعددة )1( . وميكن لكثافة الفوتونات<br />

العالية أيضا أن تنتزع عدة إلكترونات من ذرة واحدة،‏ أو من<br />

جزيئات أو جوامد،‏ جاعلة إياها جوفاء وفقا ملا وصفناه آنفا،‏<br />

وذلك في عملية تسمى االمتصاص التسلسلي )2( . وإضافة<br />

إلى ذلك،‏ تستطيع األشعة السينية الساطعة أن حتطم بسرعة<br />

THE HEART OF THE MATTER )(<br />

multiphoton absorption )1(<br />

sequential absorption )2(<br />

(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

68


جميع الروابط في اجلزيئات التي يتوقع<br />

وجودها داخل الكواكب العمالقة،‏ ومن<br />

بينها جزيئات املاء وامليثان والنشادر.‏<br />

وقد ساعدت قياسات املادة في الظروف<br />

املتطرفة تلك على حتديد معادلة احلالة<br />

،the equation of state أي الصيغة التي<br />

حتكم الكثافة ودرجة احلرارة والضغط،‏<br />

في مراكز الكواكب الضخمة،‏ وخالل<br />

التصادمات النيزكية.‏<br />

)(<br />

تفجير البروتينات<br />

أما احملور الثاني من البحث،‏ الذي<br />

يستغل الليزر بوصفه كاميرا أشعة<br />

سينية عالية السرعة تُصوِّر اجلزيئات وتسجل األفالم<br />

عن املتغيرات الفيزيائية والكيميائية واحليوية،‏ فيردم فجوة<br />

حقيقية في معارفنا،‏ ألن الباحثني ال يعرفون إال القليل<br />

عن بنى العديد من اجلزيئات احليوية،‏ وخاصة بروتينات<br />

األغشية واملعقدات اجلزيئية الكبيرة.‏ وتبدأ التقنية املعتمدة<br />

في التصوير،‏ أي تقنية تصوير البلورات ،crystallography<br />

بتنمية بلورة كبيرة بقدر كاف،‏ ومثالية بقدر كاف،‏ لكي<br />

تسبب انعراجا حلزمة أشعة السنكروترون السينية يكشف<br />

عن األمناط الناجتة من بنية اجلزيء.‏ لكن عيب هذه التقنية<br />

يكمن في أن األشعة السينية تتلف فورا اجلزيئات التي<br />

تسبرها.‏ ومن أجل درء ذلك،‏ على الباحثني حتضير بلورات<br />

كبيرة.‏ إال أن من الصعب جدا بلورة العديد من اجلزيئات<br />

موضوع االهتمام،‏ ومنها بروتينات األغشية )1( . وتقنية<br />

السنكروترون بطيئة أيضا،‏ ولذا كانت غير قادرة على<br />

رصد الظواهر الكيميائية العابرة التي حتدث خالل أزمنة<br />

من رتبة الفيمتوثانية.‏<br />

ويبدو ألول وهلة أيضا أن منبع الضوء املترابط LCLS<br />

أداة غير مالئمة لهذه املهمة.‏ فنظرا ألن شدته أكبر بباليني<br />

املرات من شدات ضوء املنابع السنكروترونية،‏ فإن املواد<br />

الهشة التي من قبيل البروتينات واملنظومات الالمتبلورة،‏ ال<br />

تستطيع النجاة حتى من نبضة واحدة من أشعته السينية قبل<br />

أن تنفجر وتتحول إلى خليط من البالزما الفائقة احلرارة )2( .<br />

لكن املدهش هو أن هذه الشدة التدميرية هي ما نحتاج إليه<br />

فعال.‏ فنظرا ألن النبضة قصيرة جدا وشديدة السطوع،‏ فإنها<br />

تستطيع التقاط صورة اجلزيء قبل أن تتمكن من تدميره.‏<br />

لذا،‏ ومع أن الليزر يُبيد العينة،‏ فإنه يلتقط صورة واضحة<br />

للجزيء متاما قبل فنائه.‏<br />

يعمل العلماء<br />

املقيمون في موقع<br />

الليزر مع فرق زائرة<br />

كبيرة بدأب اثنتي<br />

عشرة ساعة يوميا،‏<br />

خمسة أيام في<br />

األسبوع،‏ حيث لكل<br />

ميكروثانية أهميتها.‏<br />

وقد بدأ هذا املفهوم املسمى االنعراج<br />

قبل التدمير diffraction before destruction<br />

يؤتي ثماره.‏ فقد استعمل العلماء تقنية<br />

بلورات الفيمتوثانية من أجل تسجيل<br />

أمناط االنعراج في البلورات النانوية<br />

والبروتينات والڤيروسات ‏]انظر اإلطار<br />

في الصفحتني 66 و 67[. ووضعت بحوث<br />

أخيرة مخططات تفصيلية لبنى البروتينات<br />

املسببة ملرض النوم،‏ وهو مرض عضال<br />

تسببه طفيليات األوالي )3( .<br />

واآلن،‏ بعد أن احتل منبع الضوء<br />

املترابط LCLS موقع الريادة في هذه<br />

التقانة،‏ تقوم مختبرات أخرى في<br />

أوروبا وآسيا أيضا بتخطيط وبناء ليزرات أشعة سينية<br />

خاصة بها ذات إلكترونات حرة.‏ وسوف يكون هذا اجليل<br />

اجلديد من اآلالت أكثر استقرارا،‏ وسوف يوفر حتكما<br />

أفضل في حزمة األشعة السينية.‏ وأحد أهدافه املهمة،‏<br />

على وجه اخلصوص،‏ هو جعل نبضات األشعة السينية<br />

أقصر من ذي قبل.‏ فباستعمال نبضات قصيرة من رتبة<br />

0.1 فيمتوثانية ‏)أي 100 أتّوثانية ،attoseconds أو 100 جزء<br />

من كوينتيليون جزء من الثانية )4( (، ميكن أن نشرع في<br />

مشاهدة حركة الذرات،‏ وحركة اإللكترونات أيضا داخلها<br />

وداخل اجلزيئات.‏ وميكن للجهيزات اجلديدة أن تسمح لنا<br />

بالتحكم في هذه احلركة.‏ لقد غدا احللم بتصوير أفالم تُبنيِّ‏<br />

كيفية حتطم الروابط الكيميائية،‏ وكيفية تكون روابط جديدة،‏<br />

في متناول اليد.‏ ><br />

EXPLODING PROTEINS )(<br />

membrane proteins )1(<br />

very hot soup of plasma )2(<br />

)3( parasites :protozoan متعضيات مائية وحيدة اخللية حقيقية النوى.‏<br />

quintillionths of a second )4(<br />

مراجع لالستزادة<br />

Femtosecond Electronic Response of Atoms to Ultra-Intense X-rays. L. Young et al. in<br />

Nature, Vol. 466, pages 56–61; July 1, 2010.<br />

Femtosecond X-ray Protein Nanocrystallography. Henry N. Chapman et al.<br />

in Nature, Vol. 470, pages 73–77; February 3, 2011.<br />

Single Mimivirus Particles Intercepted and Imaged with an X-ray Laser.<br />

M. Marvin Seibert et al. in Nature, Vol. 470, pages 78–81; February 3, 2011.<br />

Double Core-Hole Spectroscopy for Chemical Analysis with an Intense X-ray Femtosecond<br />

Laser. N. Berrah et al. in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 108, No.<br />

41, pages 16,912–16,915; October 11, 2011.<br />

Creation and Diagnosis of a Solid-Density Plasma with an X-ray Free-Electron Laser. S. M.<br />

Vinko et al. in Nature, Vol. 482, pages 59–63; February 2, 2012.<br />

Natively Inhibited Trypanosoma brucei Cathepsin B Structure Determined by Using an<br />

X-ray Laser. Lars Redecke et al. in Science, Vol. 339, pages 227–230; January 11, 2013.<br />

Scientific American, January <strong>2014</strong><br />

69 (<strong>2014</strong>) 8/7


(<strong>2014</strong>) 8/7<br />

ذلك والتي حلقت ببحوث الطب األحيائي بلغت حجما كبيرا<br />

وصل إلى 200 مليون دوالر سنويا.‏<br />

70<br />

)(<br />

مستقبل النشر العلمي<br />

تقوم نسبة ضئيلة من الناس على الدوام بخرق املعايير<br />

املجتمعية،‏ والعلماء ال يختلفون عنهم في ذلك.‏ ففي األوقات<br />

العصيبة،‏ التي يصحبها انكماش في التمويل ومنافسة<br />

متزايدة الشدة على الوظائف األكادميية،‏ ينحو بعض<br />

العلماء إلى إساءة التصرف.‏ والواقع أن الفورة األخيرة<br />

للمجالت غير املوثوق بها أدت إلى حتويل النشر العلمي<br />

إلى ما يشبه عرضا غربيا متوحشا .Wild West show إذ<br />

أضحى من السهل أكثر من أي وقت مضى إيجادُ‏ مكان<br />

لنشر أي مادة حتى ولو مت انتحالها بشكل سافر.‏<br />

وتوفر حتليالت النصوص أداة جيدة للتحكم في<br />

التصرفات السيئة وضبطها.‏ لكنها قد تعمل في نهاية األمر<br />

على ما يتجاوز منع حدوث االنتحال؛ وهو تهيئة الفرصة لقيام<br />

طرائق جديدة كليا لتقاسم البحوث وتقدمي بحوث مشتركة.‏<br />

ومن األفكار احمليّرة تلك التي تتمثل باعتماد منوذج<br />

ويكيبيديا:‏ أي تكوين مدونة دينامية إلكترونية من العمل في<br />

موضوع يعمل العلماء باستمرار على تنقيحه وحتسينه.‏<br />

وكل ‏»منشور«‏ )1( جديد يشكل مساهمة في الكتلة املتنامية<br />

للمعرفة؛ وبالتالي تصبح األجزاء املتعلقة باألساليب املكررة<br />

عدمية اجلدوى.‏ وميثل منوذج ويكيبيديا خطوة إلى األمام<br />

باجتاه قاعدة بيانات مركزية جلميع املنشورات العلمية في<br />

االختصاصات كافة.‏ ففي استطاعة املؤلفني واحملررين التنقيب<br />

عن النصوص للتحقق من حداثة بحث جديد وتطوير املعايير<br />

املوثوق بها لألثر الناجم عن فكرة أو اكتشاف.‏ ومن الناحية<br />

املثالية،‏ فبدال من قياس تأثير ورقة بحث معينة عن طريق قياس<br />

عدد االستشهادات )2( التي حتظى بها،‏ ميكن القيام بقياس<br />

مدى تأثيرها في كامل معارفنا العلمية وحتى في املجتمع.‏<br />

وفي معهد فرجينيا التقاني )3( حيث انتقلتُ‏ إلى العمل منذ<br />

أربع سنوات،‏ كنا نناضل من أجل احلفاظ على عمل البرمجية<br />

eTBLAST التي ما زال لديها آالف املستخدمني.‏ وكنا في<br />

ذلك الوقت،‏ أنا وزوجتي وشريكتي في العمل ،‏<br />

نثق بأهمية حتليل النصوص وجدواه.‏ فنحن نعمل من أجل<br />

تطبيق البحث عن التشابه على أساس حجم الفقرة الذي<br />

أسفر عن الكشف عن حاالت كثيرة من االنتحال وسرقتها<br />

إلى أطراف أخرى،‏ مبا في ذلك إدارة املنح وبحوث السوق<br />

وبذل العناية الواجبة بشأن براءات االختراع.‏ فهل يعني هذا<br />

أننا قد أسّ‏ سنا ‏»گوگل«‏ التالي؟ من يعلم؟ لكنني أتكلم انطالقا<br />

من جتربتي حني أقول إن حتليل النصوص ميكن أن يكون<br />

كشّ‏ افا فعال.‏ وهنا تأكدت أن العلماء يرتكبون انتهاكات ملكية<br />

فكرية أو سرقات أدبية شأنهم في ذلك شأن اآلخرين منا.‏ ><br />

Scientific American, March <strong>2014</strong><br />

THE FUTURE OF SCIENTIFIC PUBLISHING ()<br />

publication )1(<br />

citations )2(<br />

Virginia Tech )3(<br />

مراجع لالستزادة<br />

A Tale of Two Citations. Mounir Errami and Harold Garner in Nature, Vol. 451, pages 397–399;<br />

January 24, 2008.<br />

Responding to Possible Plagiarism. Tara C. Long et al. in Science, Vol. 323, pages<br />

1293–1294; March 6, 2009.<br />

Systematic Characterizations of Text Similarity in Full Text Biomedical Publications.<br />

Zhaohui Sun et al. in PLOS ONE, Vol. 5, No. 9, Article No. e12704; September 15, 2010.<br />

Research Funding: Same Work, Twice the Money Harold R. Garner et al. in Nature, Vol. 493,<br />

pages 599–601; January 31, 2012.<br />

تتمة الصفحة 61 ‏)قضية الكلمات املسروقة(‏<br />

مراكز توزيع<br />

تعلن<br />

عن حاجتها إلى مدقق لغوي<br />

يجيد اللغة العربية ولديه:‏<br />

< خبرة عملية في التدقيق اللغوي<br />

< إملام جيد باللغة اإلنكليزية<br />

< خلفية علمية<br />

ترسل الطلبات إلى : مجلة العلوم<br />

ص.ب : 20856 الصفاة،‏ الكويت 13069<br />

فاكس:‏ (+965) 22403895<br />

العنوان اإللكتروني:‏ e-mail: oloom@kfas.org.kw<br />

في األقطار العربية<br />

بوساطة : املجموعة اإلعالمية العاملية - دولة الكويت<br />

< البحرين:‏<br />

< اإلمارات:‏ شركة أبوظبي لإلعالم - أبوظبي < تونس:‏ الشركة التونسية<br />

مؤسسة األيام للنشر - املنامة < السعودية:‏ الشركة الوطنية املوحدة<br />

للصحافة - تونس < سوريا:‏ املؤسسة العربية السورية<br />

للتوزيع - الرياض < عُ‏ مان:‏ مؤسسة العطاء - مسقط<br />

لتوزيع املطبوعات - دمشق < قطر:‏<br />

< فلسطني:‏ شركة رام الله للتوزيع والنشر - رام الله < الكويت:‏ املجموعة اإلعالمية العاملية -<br />

شركة دار الثقافة - الدوحة < لبنان:‏ مؤسسة نعنوع الصحفية للتوزيع -<br />

الشويخ،‏ املنطقة احلرة < املغرب:‏ الشركة<br />

< مصر:‏ األهرام للتوزيع - القاهرة بيروت < اليمن:‏ القائد للنشر والتوزيع - صنعاء.‏<br />

العربية اإلفريقية - الرباط


38<br />

42<br />

52<br />

MATHEMATICS<br />

The Secret Spiritual History of<br />

Calculus<br />

By Amir Alexander<br />

Archival records reveal a clash over<br />

science and religion in the early history of<br />

integral calculus.<br />

METEOROLOGY<br />

Summon the Rain<br />

By Dan Baum<br />

Governments and farmers worldwide<br />

spend millions every year trying to control<br />

the weather. Recent data suggest that<br />

they might be on to something.<br />

MEDICINE<br />

Gene Therapy’s Second Act<br />

By Ricki Lewis<br />

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina<br />

MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting<br />

CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam<br />

SEnIor writeR: Gary Stix<br />

EDITORS: Davide Castelvecchi,<br />

Graham P. Collins, Mark Fischetti,<br />

Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser,<br />

Christine Soares, Kate Wong<br />

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert,<br />

Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs,<br />

Marguerite Holloway, Christie Nicholson,<br />

Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer,<br />

Sarah Simpson<br />

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello,<br />

Larry Greenemeier<br />

news Reporter, ONLINE: John Matson<br />

ART DIRECTOR, online: Ryan Reid<br />

ART DIRECTOR: Edward Bell<br />

ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen<br />

PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley<br />

COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller<br />

58<br />

62<br />

After tragic missteps, doctors are poised<br />

to bring this promising approach to the<br />

clinic.<br />

INFORMATION TECHNOLOGY<br />

The Case of the Stolen Words<br />

By Harold “Skip” Garner<br />

A modest project to build software for<br />

navigating jargon-filled medical texts<br />

became an investigation into widespread<br />

plagiarism and hundreds of millions of<br />

dollars in potential fraud. <br />

QUANTUM PHYSICS<br />

The Ultimate X-ray Machine<br />

By Nora Berrah and Philip H. Bucksbaum<br />

A defunct cold war scheme for shooting<br />

down missiles is now creating exotic<br />

forms of matter.<br />

Editorial Administrator: Avonelle Wing<br />

SENIOR SECRETARY: Maya Harty<br />

COPY and PRODUCTION, nature publishing<br />

group:<br />

Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff<br />

COPY editor, npg: Michael Battaglia<br />

editorial assistant, npg: Ann Chin<br />

managing pRODUCTION EDITOR, npg:<br />

Richard Hunt<br />

senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright<br />

PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli<br />

ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:<br />

Carl Cherebin<br />

PREPRESS AND QUALITY MANAGER:<br />

Silvia De Santis<br />

CUSTOM PUBLISHING MANAGER:<br />

Madelyn Keyes-Milch<br />

pRESIDENT: Steven Inchcoombe<br />

VICE PRESIDENT, operations and<br />

Administration: Frances Newburg<br />

Vice president, finance and<br />

BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek<br />

BUSINESS MANAGER: Marie Maher<br />

Letters to the Editor<br />

Scientific American<br />

75 Varick Street, 9th Floor,<br />

New York, NY 10013-1917<br />

or editors@SciAm.com<br />

ADVISORY BOARD<br />

Adnan A. Shihab-Eldin<br />

Chairman<br />

Abdullatif A. Al-Bader<br />

Deputy<br />

Adnan Hamoui<br />

Member - Editor In Chief<br />

Letters may be edited for length and clarity. We<br />

regret that we cannot answer each one. Post a<br />

comment on any article instantly at<br />

www.ScientificAmerican.com/<br />

sciammag


July / August - <strong>2014</strong> Volume 30 Number 7/8<br />

4<br />

ENERGY<br />

The True Cost of Fossil Fuels<br />

By Mason Inman<br />

The energy expended to extract oil is on the rise. How will we<br />

keep the human enterprise humming<br />

8<br />

MEDICINE<br />

Seeds of a Cure<br />

By Brendan Borrell<br />

2013 2036 2046<br />

Clinical trials of herbal medicines are offering promising leads for<br />

novel drugs against malaria and other ailments.<br />

15<br />

INFORMATIQUE<br />

Un Déluge de Données<br />

By Serge Abiteboul et Pierre Senellart<br />

Dans de nombreux domaines, scientifiques ou non, les données<br />

s’accumulent en masse. Les gérer et les exploiter est le défi posé à<br />

l’informatique du Big Data.<br />

19<br />

EARTH SCIENCE<br />

The Oldest Rocks on Earth<br />

By Carl Zimmer<br />

In peaceful Nuvvuagittuq, a battle of science rages over an<br />

outcropping of glacier-cut rocks.<br />

26<br />

CLIMATE CHANGE<br />

False Hope<br />

By Michael E. Mann<br />

The rate at which global average temperature is rising has hit a<br />

plateau, but a climate crisis still looms in our future. At best, the<br />

“pause” buys the world a few extra years to cut carbon emissions.<br />

32<br />

MEDICINE<br />

1950 1975 2000 2013 2025 2050<br />

Cancer’s Off Switch<br />

By Jedd D. Wolchok<br />

2075 2100<br />

By releasing the brakes that tumor cells place on the immune<br />

system, researchers are developing a new generation of more<br />

powerful treatments against malignancy.


اجلزء الثاني من كتاب<br />

الكيمياء احليوية الطبية<br />

كتاب<br />

تطوير المنتجات<br />

باختصار نصف الزمن<br />

Developing products<br />

in half the Time<br />

المركز العربي للتعريب والترجمة<br />

والتأليف والنشر بدمشق )(<br />

صدر حديثا<br />

عن<br />

إدارة الثقافة العلمية<br />

المنظمة العربية للترجمة )(<br />

)(<br />

دليل النجوم والكواكب<br />

Guide to Stars and Planets<br />

إعداد<br />

أ.‏ د.‏ يوسف بركات<br />

وزمالؤه<br />

كلية الطب - جامعة دمشق<br />

يُتمم هذا اجلزء من الكتاب التفاصيلحَ‏<br />

األعمق في الكيمياء احليوية الطبية،‏ ويقع في<br />

خمسة أبواب:‏<br />

أولها:‏ يقدم ملفاهيم الطاقة واألكسدة<br />

في اجلسم احلي،‏ مع نظرة إجمالية<br />

لالستقالب تركز على اإلنسان.‏<br />

ثانيها إلى رابعها:‏ تعرض تفاصيل<br />

مختلف املصادر واملصائر والسبل<br />

االستقالبية التي تخضع لها املواد الغذائية<br />

الرئيسية،‏ وطرائق تنظيمها في الصحة وما<br />

يحدث لها من انحرافات في املرض.‏<br />

خامسها:‏ يختص بتقدمي مواضيع<br />

متخصصة ملستويات الدراسة األعلى؛<br />

فيشرح آليات االستقالب في مختلف<br />

حاالته.‏ ويعرض خصوصيات استقالب<br />

بعض األنسجة؛ ويناقش األساس الكيميائي<br />

احليوي واجلزيئي لبنية األنواع املختلفة<br />

لألنسجة العضلية.‏ ويُختتم هذا الباب بعرض<br />

مبسط ألحدث تقانات الوراثيات اجلزيئية.‏<br />

وفي ختام هذا اجلزء عرض ألهم املصطلحات<br />

الواردة في هذا الكتاب بجزأيه.‏<br />

والكتاب ميثل إسهامة جادة في تفكيك<br />

‏»عقد«‏ الكيمياء احليوية.‏<br />

تأليف : Moore Sir P.<br />

ترجمة : د.‏ خالد شقير<br />

مراجعة : د.‏ محمد سليمان<br />

هذه الطبعة اجلديدة للدليل تزود<br />

القارئ باملعلومات التي يحتاج إليها<br />

لدراسة سماء الليل،‏ كما تزوده بخرائط<br />

مفصلة للقمر والكويكبات النجمية،‏<br />

إضافة إلى مجموعة من التوصيات حول<br />

ما قد يحتاج إليه هذا القارىء في بحثه<br />

والوقت الذي يبحث فيه.‏<br />

كما حتتوي هذه الطبعة على مقدمة<br />

للتصوير الفلكي موضحة ببعض أفضل<br />

الصور التي التقطها الهواة.‏ وجدير<br />

بالذكر هنا أن هذا الدليل ميكن أن<br />

يُستخدم في أي مكان في العالحَم وفي أي<br />

وقت من أوقات السنة.‏<br />

‏)٭(‏ ص.ب:‏ 36252 الصفاة 31131 دولة الكويت<br />

بدالة املؤسسة:‏ )+569( 00187222<br />

فاكس:‏ )569+( 15187222<br />

البريد اإللكتروني:‏ wk.gro.safk@rohtua<br />

املوقع اإللكتروني:‏ gro.safk.www<br />

تأليف : Remertsen P.G. Smith & D.G<br />

ترجمة : د.‏ محمد سعيد الصفدي<br />

مراجعة : د.‏ عماد مصطفى<br />

تقدمي : د.‏ محمد مراياتي<br />

هذا الكتاب دليل عملي يحتاج إليه<br />

كل من يسعى،‏ من أجل تطوير منتجات<br />

مؤسسته،‏ إلى مواكبة توجه العالحَم نحو<br />

االقتصاد املبني على املعرفة التي غدت<br />

فعالً‏ من الدعائم األساسية لإلنتاجية<br />

والتنافسية .<br />

فالكتاب يعرض خبرات قيِّمة طويلة<br />

في العمل مع الشركات لتحديد<br />

املناهج والوسائل التي يجب اعتمادها<br />

وتلك التي يجب استبعادها في ذلك<br />

التطوير.‏ وبشكل عملي يشرح الكتاب<br />

كيف ميكن اختصار الوقت في تصميم<br />

املنتجات وتصنيعها.‏ وكل ذلك متّ‏<br />

عرضه في الكتاب بشكل عملي واضح<br />

يجعل االستفادة منه أمرا يسيرا.‏<br />

‏)٭(‏ ص.ب:‏ 311-6995 احلمراء،‏<br />

بيروت 09023011 لبنان<br />

هاتف:‏ )1169+( 130357<br />

فاكس:‏ )1169+( 230357<br />

البريد اإللكتروني:‏ bl.gro.toa@ofni<br />

املوقع اإللكتروني:‏ bl.gro.toa.www<br />

)( ص.ب:‏ 2573 دمشق ‏)سوريا(‏<br />

هاتف:‏ )369+( 678433311<br />

فاكس:‏ )369+( 899033311<br />

البريد اإللكتروني:‏ acatapalecso@gmail.com


Vision: to convert the center into a globally distinguished<br />

institution that cares for gifted and talented Kuwaitis,<br />

invests in their innovations for developmental purposes,<br />

and takes them to global levels.<br />

Mission: contributing to build a Kuwaiti society that<br />

fosters giftedness and creativity.<br />

الرؤية:‏ ان يصبح المركز مؤسسة متميزة عالميًا،‏ وتعنى<br />

برعاية الموهوبين والمبدعين من ابناء دولة الكويت،‏ واستثمار<br />

ابداعاتهم ألغراض التنمية،‏ والوصول بهم إلى العالمية.‏<br />

الرسالة:‏ المساهمة في بناء مجتمع كويتي يدعم ويرعى<br />

الموهوبين والمبدعين ويستثمر قدراتهم.‏<br />

sacgc_kw sacgc_kw Sackwt Sac.kwt<br />

Tel.: +965 22991100 (<strong>2014</strong>) www.sacgc.org 8/7<br />

info@sacgc.org<br />

74<br />

التواصل اإلجتماعي Social Media

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!