قدرات النياندرتاليني العقلية
nov-dec-2015
nov-dec-2015
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
ackground.<br />
cale<br />
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
reyscale version of the logotype is<br />
mended for use in newspapers and<br />
ations where only a single color is available<br />
high fidelity half-tone can be reproduced<br />
November / December 2015<br />
KFAS_LOGOTYPE_D_CMYK<br />
تصدر في دولة الكويت منذ عام 1986 عن<br />
color<br />
ngle color black and white versions should be<br />
here the full color version cannot be used for<br />
ical reasons, or where the legibility of the full<br />
version against a background is problematic.<br />
<strong>قدرات</strong><br />
<strong>النياندرتاليني</strong><br />
<strong>العقلية</strong><br />
Black KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_BLACK<br />
White KF<br />
Filename – K<br />
صيد البحر إلطعام باليني البشر<br />
Foundation for the Advancement of Sciences<br />
العددان /332 331 السعر: 1.500 دينار كويتي<br />
والدة صاروخ<br />
من ذئب إلى كلب<br />
كشّ اف موضوعات<br />
2015 تقرير خاص : مستقبل الطب 2015<br />
حرب اإليبوال
جائزة الكويت لعام 2016<br />
دعوة للترشيح<br />
متشيا مع أهداف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وحتقيقا ألغراضها في تدعيم اإلنتاج العلمي وتشجيع العلماء<br />
والباحثين العرب، تقوم املؤسسة بتخصيص جوائز في مجاالت العلوم واآلداب والفنون، وذلك وفق برامجها السنوية.<br />
وتسجل املؤسسة من خالل هذه اجلوائز اعترافها باإلجنازات الفكرية املتميزة التي تخدم التقدم العلمي وتفتح الطريق<br />
أمام اجلهود املبذولة لرفع املستوى احلضاري في مختلف امليادين.<br />
وموضوعات جائزة الكويت لعام 2016 هي في املجاالت األربعة اآلتية:<br />
: الفيزياء<br />
- 1 العلوم األساسية : الغذاء والزراعة<br />
- 2 العلوم التطبيقية - 3 العلوم االقتصادية واالجتماعية : العلوم املالية واملصرفية<br />
: دراسات في الفنون التشكيلية<br />
واملسرحية واملوسيقية<br />
- 4 الفنون واآلداب<br />
تقدم املؤسسة سنويا في كل مجال من هذه املجاالت جائزة مقدارها 40 000 د.ك )أربعون ألف دينار كويتي( إلى واحد<br />
أو أكثر من أبناء دولة الكويت والبالد العربية األخرى، كما تقدم املؤسسة مع اجلائزة النقدية ميدالية ذهبية ودرع املؤسسة<br />
وشهادة تقديرية، علما بأن مواضيع مجاالت اجلائزة تتغير من عام إلى آخر.<br />
ويتم منح جائزة الكويت وفق الشروط اآلتية :<br />
)1( أن يكون املتقدم عربي اجلنسية ولديه ما يثبت منشأه العربي، من خالل شهادة ميالد في بلد عربي أو جواز سفر عربي صالح، ويرفق<br />
مع طلب التقدم ما يثبت ذلك.<br />
)2( أن يكون اإلنتاج مبتكرا وذا أهمية بالغة بالنسبة إلى احلقل املقدم فيه ومنشورا خالل السنوات العشرين املاضية. ويشمل اإلنتاج العلمي<br />
ما يلي : أبحاثا منشورة أو مقبولة للنشر في مجالت علمية محكمة وكتبا مؤلفة أو مترجمة أو محققة أو فصال منشورا في كتاب<br />
على أن يتمتع الكتاب بترقيم دولي معتمد ،(ISSN) وال تدخل أبحاث رسائل املاجستير والدكتوراه في تقييم اإلنتاج العلمي للمرشح.<br />
)3( تَقبل املؤسسة ترشيحات اجلامعات والهيئات العلمية، كما يحق لألفراد احلاصلن على هذه اجلائزة ترشيح من يرونه مؤهال لنيلها، وال<br />
تُقبَل ترشيحات الهيئات السياسية.<br />
)4( تقبل املؤسسة طلبات املتقدمن من تلقاء أنفسهم على أن يكون تقدميهم مشفوعا بقائمة تضم أربع شخصيات أكادميية أو بحثية<br />
ومؤسسة علمية, وستخاطب املؤسسة ثالثا من هذه القائمة لتقدمي خطابات تزكية للمتقدم.<br />
)5( قرارات مجلس إدارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي نهائية وال يجوز االعتراض عليها.<br />
)6( تعبئة طلب التقدم للجائزة، ويُرسل مع جميع أعمال املتقدم إلكترونيا، وميكن احلصول على طلب التقدم من خالل املوقع اإللكتروني<br />
للمؤسسة .www.kfas.org<br />
)7( يرسل الطلب مع األعمال وفق ملفات ،PDF إما بواسطة وسيلة التخزين ،Flash Memory على العنوان اآلتي:<br />
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي - الشرق شارع أحمد اجلابر - التليفون املباشر: 0096522270465 ؛ أو بواسطة مواقع خدمات التخزين<br />
السحابية مثل OneDrive) (Google drive - Dropbox - وترسل عبر البريد اإللكتروني إلى مكتب اجلوائز .prize@kfas.org.kw<br />
)8( تقبل الترشيحات حتى 2016/3/31.<br />
لالستفسار بشأن اجلائزة يرجى االتصال بالرقم اآلتي: 22270465 فاكس: 22270462<br />
أو البريد اإللكتروني ملكتب اجلوائز : prize@kfas.org.kw<br />
Full color KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_RGB<br />
KFAS_LOGOTYPE_D_CMYK<br />
Physics<br />
Food and Agriculture<br />
Banking and Finance<br />
Studies in the Fine and Performing<br />
Arts and Music<br />
Black KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_BLACK<br />
Greyscale KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_GREYSCALE<br />
White KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_WHITE<br />
Contents
the logotype is<br />
newspapers and<br />
a single color is available<br />
ne can be reproduced<br />
املجلد 31 العددان (2015) 12/11<br />
332/331<br />
تصدر في دولة الكويت منذ عام 1986 عن<br />
شارك في هذا العدد<br />
يوسف بركات<br />
عدنان احلموي<br />
حسن خاروف<br />
محمد دبس<br />
فوزي دنان<br />
زياد درويش<br />
عبدالقادر رحمو<br />
أبوبكر سعدالله<br />
مختار الظواهري<br />
عمار العاني<br />
نزار العاني<br />
فؤاد العجل<br />
زهير عمرو<br />
محمد الفحام<br />
خالد مصطفى<br />
حامت النجدي<br />
مراسالت التحرير توجه إلى: رئيس حترير<br />
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي<br />
شارع أحمد اجلابر، الشرق - الكويت<br />
ص.ب : 20856 الصفاة، الكويت 13069<br />
بريد إلكتروني: - oloom@kfas.org.kw موقع الوِ ب: www.oloommagazine.com<br />
هاتف: )+965(22428186 - فاكس: )+965(22403895<br />
اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة.<br />
سعر العدد<br />
األردن<br />
اإلمارات<br />
البحرين<br />
تونس<br />
اجلزائر<br />
جيبوتي<br />
السعودية<br />
> للطلبة وللعاملن في سلك<br />
التدريس و/أو البحث العلمي<br />
> لألفراد<br />
> للمؤسسات<br />
Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed to<br />
SCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111<br />
Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895<br />
دينار<br />
درهم<br />
دينار<br />
دينار<br />
دينار<br />
فرنك<br />
ريال<br />
السودان<br />
سوريا<br />
الصومال<br />
العراق<br />
عُمان<br />
فلسطن<br />
قطر<br />
45<br />
56<br />
112<br />
12<br />
16<br />
32<br />
جنيه<br />
ليرة<br />
شلن<br />
دينار<br />
ريال<br />
الكويت<br />
لبنان<br />
ليبيا<br />
مصر<br />
املغرب<br />
موريتانيا<br />
اليمن<br />
Britain<br />
ement of Sciences<br />
Cyprus<br />
France<br />
Greece<br />
Italy<br />
U.S.A.<br />
Germany<br />
U.S $<br />
ريال<br />
دينار<br />
ليرة<br />
دينار<br />
جنيه<br />
درهم<br />
أوقية<br />
ريال<br />
₤<br />
CI<br />
€<br />
€<br />
€<br />
$<br />
€<br />
4<br />
2.5<br />
6<br />
6<br />
6<br />
6<br />
6<br />
1.500<br />
2765<br />
1.7<br />
7<br />
30<br />
889<br />
250<br />
5.4<br />
100<br />
1497<br />
1964<br />
2<br />
1.25<br />
20<br />
1.800<br />
20<br />
1.800<br />
2.5<br />
105<br />
206<br />
20<br />
رئيس التحرير<br />
عدنان احلموي<br />
االشتراكات<br />
ترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة.<br />
بالدينار الكويتي<br />
بالدوالر األمريكي<br />
مالحظة: حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت.<br />
d white versions should be<br />
r version cannot be used for<br />
ere the legibility of the full<br />
ackground is problematic.<br />
Black KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_BLACK<br />
White KFAS logotype<br />
Filename – KFAS_LOGOTYPE_D_WH<br />
بزيارة موقع املجلة www.oloommagazine.com ميكن االطالع على مختلف<br />
اعتبارا من العدد 1995/1، كما ميكن االطالع على قاموس<br />
إصدارات منذ نشأتها باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع.<br />
مصطلحات ميكن تزويد املشتركن في بنسخة مجانية من قرص CD يتضمن خالصات مقاالت<br />
هذه املجلة منذ نشأتها عام 1986 والكلمات الدالة عليها إلى عام 2005. ولتشغيل هذا<br />
القرص في جهاز مُدعم بالعربية، يرجى اتباع اخلطوات التالية:<br />
-1 اختر Settings من start ثم اختر Control Panel<br />
-2 اختر Regional and Language Options<br />
-3 اختر Arabic من قائمة Standards and Formats ثم اضغط OK<br />
مراكز توزيع<br />
في األقطار العربية<br />
بوساطة : المجموعة اإلعالمية العالمية - دولة الكويت<br />
< البحرين:<br />
< اإلمارات: شركة أبوظبي لإلعالم - أبوظبي < تونس: الشركة التونسية<br />
مؤسسة األيام للنشر - املنامة < السعودية: الشركة الوطنية املوحدة<br />
للصحافة - تونس < سوريا: املؤسسة العربية السورية<br />
للتوزيع - الرياض < عُ مان: مؤسسة العطاء - مسقط<br />
لتوزيع املطبوعات - دمشق < قطر:<br />
< فلسطني: شركة رام الله للتوزيع والنشر - رام الله < الكويت: املجموعة اإلعالمية العاملية -<br />
شركة دار الثقافة - الدوحة < لبنان: مؤسسة نعنوع الصحفية للتوزيع -<br />
الشويخ، املنطقة احلرة < املغرب: الشركة<br />
< مصر: األهرام للتوزيع - القاهرة بيروت < اليمن: القائد للنشر والتوزيع - صنعاء.<br />
العربية اإلفريقية - الرباط حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ويسمح باستعمال ما يرد في<br />
شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة.
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
&<br />
استدامة<br />
صيد البحر إلطعام باليني البشر<br />
<br />
خالد مصطفى مختار الظواهري<br />
التحرير<br />
4<br />
علماء جسورون يحاولون إنقاذ محيطات كوكبنا، وذلك بإعادة تنظيم الزراعة املائية في الصن.<br />
تقرير خاص<br />
مستقبل الطب 2015<br />
عدنان احلموي يوسف بركات<br />
عجائب صغيرة<br />
طب النانو nanomedicine يُشفي الناس اآلن ويَعد بالكثير في املستقبل.<br />
أدوية السرطان تضع بصماتها<br />
.D> .F مارون><br />
تُوصل ناقالتٌ vehicles فائقة الدقة املزيدَ من األدوية إلى األورام<br />
وتنقص آثاراً جانبية بغيضة.<br />
أيضا: اجلسيمات الكروية التي تكشف الدنا DNA اخلطر.<br />
ضماد أذكى<br />
<br />
مواد جديدة ستغطي اجلروح وتنبه األطباء وتوزع األدوية.<br />
أيضا: غرسات تراقب القلب.<br />
إطالق اإلنساالت النانوية !Nanobots<br />
<br />
عالج دوائي قادم مضبوط آلياً.<br />
12<br />
14<br />
17<br />
20<br />
تقانة<br />
والدة صاروخ<br />
.H.D> فريدمان><br />
محمد دبس حامت النجدي<br />
22<br />
يرى البعض أن منظومة اإلطالق الفضائية، التابعة لوكالة الطيران والفضاء<br />
األمريكية، متثل جزءا ضخما من أموال الكونگرس السياسية. وميكن لها أن<br />
تكون أيضا أفضل فرصة لنا إلرسال إنسان إلى املريخ.
»مجلة العلوم« تصدر شهريًا في الكويت منذ عام 1986 عن »مؤسسة الكويت للتقدم العلمي« وهي مؤسسة أهلية ذات نفع عام، يرأس مجلس إدارتها صاحب السمو أمير دولة الكويت، وقد أنشئت عام<br />
1976 بهدف املعاونة في التطور العلمي واحلضاري في دولة الكويت والوطن العربي، وذلك من خالل دعم األنشطة العلمية واالجتماعية والثقافية. و»مجلة العلوم« هي في ثلثي محتوياتها ترجمة ل»ساينتفيك<br />
أمريكان« التي تعتبر من أهم املجالت العلمية في عالم اليوم. وتسعى هذه املجلة منذ نشأتها عام 1845 إلى متكن القارىء غير املتخصص من متابعة تطورات معارف عصره العلمية والتقانية، وتوفير معرفة<br />
شمولية للقارىء املتخصص حول موضوع تخصصه. تصدر »ساينتفيك أمريكان« بثماني عشرة لغة عاملية، وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها القيّم للصور والرسوم امللونة واجلداول.<br />
&<br />
تطور<br />
من ذئب إلى كلب<br />
<br />
زهير عمرو حسن خاروف<br />
التحرير<br />
32<br />
نقاش جديد عاصف حول كيف أصبحت الكالب حيوانات أليفة.<br />
&<br />
رياضيات<br />
السجل الكامل للتناظرات في الكون<br />
<br />
أبوبكر سعدالله فوزي دنان<br />
التحرير<br />
42<br />
ثمة برهان رياضياتي لنظرية متَ يز بتغطيته جلميع األشياء, وبتعقيداته حتى أنه<br />
لم يُفهم فهما سليما سوى من قبل عدد قليل من علماء الرياضيات املسنّن.<br />
وكانوا يسابقون الزمن لنقل أسرارهم إلى اجليل اجلديد.<br />
صحة عامة<br />
حرب اإليبوال<br />
<br />
زياد درويش نزار العاني<br />
50<br />
كيف دفعت أكبرُ فاشية مَرضية مسجلة عمليةَ تطوير لقاحن جتريبين وعالجن واعدين.<br />
تطور البشر<br />
<strong>قدرات</strong> <strong>النياندرتاليني</strong> <strong>العقلية</strong><br />
<br />
عبدالقادر رحمو<br />
فؤاد العجل <br />
58<br />
على األغلب، كان أبناءُ عمومتنا النياندرتاليون أكثرَ ذكاء مما كُنّا نعتقد.<br />
تقانة<br />
بايتات صوتية<br />
<br />
محمد الفحّ ام عمار العاني<br />
67<br />
األذن كاشفة رائعة لألمناط حتى إن العلماء يستخدمون البيانات الصوتية<br />
للكشف عن اخلاليا السرطانية وعن جسيمات من الفضاء.<br />
كشّ اف موضوعات<br />
2015<br />
72
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
صيد البحر إلطعام باليني البشر<br />
كيف حتاول مجموعة من املتنبئني )1( إطعام<br />
الصني واحلفاظ على محيطات العالم.<br />
)(<br />
<br />
يقسم التشبيك )2( بحيرة ليانگزي إلى مناطق مزروعة من قبل<br />
شركتني. وثمة حاجة إلى زيادة إنتاجية املزارع السمكية في<br />
املياه العذبة لتخفيف اإلفراط في صيد أسماك البحر.<br />
في الشهر 2007/1، كان يجهز قاربه الصغير ملا بدا<br />
أنه يوم آخر من أيام صيد األخطبوط )3( قبالة سواحل ڤيتنام.<br />
وسرعان ما توجه إلى البحر، وإذ بعدة قوارب صينية تلوح في<br />
األفق. وعلى الفور فكّر
أيضا ترسيخ وجودها العسكري في بعض املناطق ذات املياه<br />
الضحلة والتي بدأت جتوبها اآلن قوارب الصيد الصينية قبالة<br />
شواطئها، حيث تزعم الصن أن بحر الصن اجلنوبي هو جزء<br />
من حدودها اإلقليمية منذ مئات السنن.<br />
ثمة حقيقة غير قابلة للنقاش وهي أن الصن جائعة<br />
لألسماك. ومبا أن مستوى املعيشة في البالد قد ارتفع، فقد<br />
ازداد الطلب على املأكوالت البحرية بشكل ملحوظ. ويستهلك<br />
الفرد الصيني من السمك ما يزيد على 50 في املئة عن الفرد<br />
األمريكي. كما أن الصن بعدد سكانها البليون و400 مليون<br />
نسمة تستهلك من السمك ما يفوق استهالك البلدان العشرة<br />
الكبرى التي تليها مجتمعة.<br />
ولتلبية الطلب املتزايد على األسماك، أنتجت الصن عام<br />
2012 من السمك ما يقارب 57 طنا من مزارع سمكية طبيعية<br />
أو صناعية، وهو ما يعادل ثلث اإلنتاج العاملي، طبقا ملنظمة<br />
األمم املتحدة للزراعة واألغذية )1( )الفاو(. ولدى الصن حاليا<br />
700 ألف سفينة صيد جتوب املياه حول العالم وتدلي بأقفاص<br />
ضخمة إلى قاع احمليط ساحبة شباك صيد ضخمة بحجم<br />
ملعب كرة قدم. وهناك دول أخرى تستخدم تقنيات مشابهة،<br />
ولكن الصن تتفوق حتى على اليابان والواليات املتحدة وتُعتبر<br />
مسؤولة عن استنزاف مسامك العالم )احمليطات(.<br />
ونتيجة لذلك، فإن كثيراً من احليوانات البحرية املستخدمة<br />
في أطباق شائعة، كخيار البحر )2( ، وسمك القرش وأذن<br />
البحر )3( ، آخذة بالتضاؤل في مختلف أنحاء العالم. وباستثناء<br />
إجراءات رمزية كحظر استخدام احلساء احملضر من زعانف<br />
سمك القرش في املراكز احلكومية، فإن احلكومة الصينية<br />
ال تزال حتى اآلن مترددة في االعتراف بهذه املشكلة.<br />
ولكن بعض رجال األعمال والعلماء الصينين، القلقن من<br />
أن الطرق احلديثة لصيد السمك تستنزف أسماك احمليطات<br />
بوقت أسرع من توالدها، قد بدؤوا للتو باالهتمام باملشكلة.<br />
وحتاول ثلة من هؤالء الطموحن قلب املوازين من خالل<br />
إعادة تنظيم الزراعة السمكية الصينية بدءا من آالف املزارع<br />
الصغيرة في املياه العذبة، والتي ال تزال تستخدم الطرق<br />
القدمية في الصيد، إلى مزارع صناعية ضخمة في احمليط.<br />
إن الهدف من ذلك هو حتويل العمليات القدمية امللوثة وقليلة<br />
املردود إلى منوذج صيني فريد في إنتاج الطعام البحري<br />
بطريقة مستدامة، وفي الوقت نفسه مساعدة مربي مزارع<br />
األسماك الصغيرة والكبيرة على االزدهار. كما يطمحون<br />
إلى تلبية رغبات املستهلكن الصينين بتقدمي أسماك نظيفة<br />
وصحية لألكل من خالل تقدمي مزارعهم السمكية على أنها<br />
مزارع متطورة بديلة عن املزارع التقليدية القدمية. وإذا<br />
استطاع هؤالء الباحثون ورجال األعمال إيجاد طرق مستدامة<br />
لتلبية الطلب على األنواع السمكية املفضلة تراثيا، كشبوط<br />
املياه العذبة )الكارب )4( (، فإنهم سيقطعون شوطا طويال نحو<br />
إنقاذ مسامك العالم من االستنزاف.<br />
)(<br />
إدارة احمليط كمزرعة<br />
تتميز مياه املزرعة السمكية حول جزيرة زانگزي )5( قرب كوريا<br />
بالبرودة. ويقال إن هذه املياه الباردة تنتج أجود املأكوالت<br />
البحرية في العالم. ويعتبر اخلليج الصغير الذي أُجهِّز نفسي<br />
للدخول إليه مشهورا، ألنه في عام 1972 وقع االختيار على<br />
سمك أذن البحر لتحضير مأدبة تكرمي الرئيس األمريكي<br />
آنذاك أثناء زيارته التاريخية التي آذنت بفتح<br />
العالقات التجارية مع الصن.<br />
إن دفء الهواء اليوم يجعل سترة الغطس التي أرتديها<br />
بسماكة سبعة ميليمترات خانقة في الدقائق القليلة التي<br />
تسبق غطسي في املاء مع مرشدَين ومصور، كما لو كنا<br />
أكياس بطاطا من مطاط صناعي .neoprene وكان رفاقي<br />
صيادي أسماك لدى مجموعة زانگزيداو ،Zhangzidao التي<br />
كانت سابقا شركة استزراع سمك تقليدية، ولكنها اليوم<br />
تعكف على اختبار فكرة جديدة. إنهم لطفاء للغاية، ولكنهم<br />
مرتابون قليال؛ ألننا أول صحفين أجانب نزور املوقع.<br />
كلما تعمقنا أكثر في الغطس في املاء املظلم، كنا نرى ما<br />
)6(<br />
يشبه نظاما بيئيا ساحليا شائعا: أعشاب وطحالب بحرية<br />
وامتدادات رملية عريضة. بعد ذلك، شاهدت خيار البحر<br />
وثنائيات الصدفة )7( وقنافذ البحر )8( متناثرة في قاع احمليط<br />
تتجول مكشوفة وليست مخفية في شقوق أو جحور، كما قد<br />
MANAGING THE OCEAN LIKE A FARM ()<br />
the United Nations Food and Agriculture Organization )1(<br />
sea cucumber )2(<br />
abalone )3(<br />
(carp) freshwater )4(<br />
Zhangzi Island )5(<br />
kelp )6(<br />
bivalves )7(<br />
urchins )8(<br />
املؤلف<br />
Erik Vance<br />
كاتب في الشؤون العلمية يعيش في مدينة مكسيكو، ويتمحور اهتمامه حول<br />
علوم البحار وعلم الدماغ. إنه تواق إلى اليوم الذي يستطيع فيه تناول طعام بحري<br />
دون شعور بالذنب.<br />
5 (2015) 12/11
يخطر على البال. وقد بدأ الصيادون مباشرة بالتقاط تلك<br />
املخلوقات البحرية يدويا كما يلتقط األطفال بيوض الشوكوال<br />
في عيد الفصح.<br />
وتستخدم هذه املزرعة السمكية - إن جازت تسميتها كذلك -<br />
مقاربة جديدة حتاكي النظام الطبيعي على نطاق واسع. فمن<br />
ورائنا، وعلى امتداد هذا اخلليج وخلجان أخرى مجاورة، هناك<br />
صفوف الحصر لها من األقفاص اململوءة بصغار أصداف<br />
األسقلوب )1( التي سترمى إلى املاء وتبقى إلى أن تكبر مبا فيه<br />
الكفاية ليصار إلى جنيها من قبل هؤالء السابحن بجانبي.<br />
وخالفا لذلك، التوجد هناك أقفاص أو حظائر مُسيّجة. كذلك<br />
التوجد مُخصِّ بات )2( أو تغذية صناعية أو مضادات حيوية.<br />
ويقول ]املسؤول العلمي في الشركة[: »إننا<br />
نستخدم نظاما مائيا غذائيا متكامال يطلق عليه (IMTA) )3( ،<br />
حيث تكون مخلفات أحد األنواع غذاء لنوع آخر.«<br />
ويعتبر هذا النظام IMTA للمزارع السمكية مفهوما واسع<br />
االنتشار ظهر بأشكال مختلفة في بعض البلدان مثل كندا<br />
واسكتلندا والواليات املتحدة والنرويج. وتقوم فكرته على تربية<br />
أنواع متعددة يتغذى بعضها مبخلفات بعضٍ ؛ مما يخفف من<br />
تلوث املاء. وأكثر أمناط هذا النظام شيوعا هي وجود سلسلة<br />
من األقفاص املتجاورة حيث تتغذى كائنات أحد األقفاص<br />
مبخلفات )4( القفص اآلخر. وأشهر هذه األنظمة، على سبيل<br />
املثال، مشروع خليج فاندي )5( في كندا الذي يستخدم أقفاصا<br />
منسقة بطريقة تسمح مبرور الغذاء )6( مع تيار املاء من سمك<br />
سليمان إلى ثنائيات الصدفة ثم إلى أعشاب بحرية.<br />
لكن شركة زانگزيداو تنتهج مسلكا آخر مختلفا متاما. وفي<br />
احلقيقة، متثل جزيرة زانگزي وجزر أخرى كثيرة حولها ما يشبه<br />
القفص بحكم موقعها اجلغرافي. ولهذا، درس فريق <br />
بعناية حركة املغذيات )املخلفات( على طول الشواطئ، وقاموا<br />
أحيانا ببناء حيود )7( بحرية صناعية لتوجيه التيارات املائية<br />
التي تنقل املغذيات. وبعد ذلك، قاموا بزراعة املناطق احمليطة<br />
باجلزر والغنية باملغذيات بأصداف األسقلوب الصغيرة التي<br />
متت تربيتها كي تنمو وتزدهر بعد أن تتم إزالة مفترساتها.<br />
وهكذا تصبح املياه غنية بشكل طبيعي ببعض األنواع<br />
املختارة. وتراقب الشركة بعض املؤشرات الرئيسية كدرجة<br />
احلرارة، ولكن في غالب األحيان تُترك احليوانات وشأنها -<br />
حتمي نفسها بنفسها - إلى أن يقوم غواصون بجمعها<br />
بانتظام. ليس هناك صيد عشوائي )8( - أي صيد أنواع غير<br />
مرغوب فيها كما هي احلال في الصيد البري، كما أن التلوث<br />
قليل أيضا. وتقوم الشركة بإعادة تصنيع الصدف على شكل<br />
كتل خرسانية لتكوين شعاب جديدة مستقبال.<br />
إن أهم ما مييز هذا املشروع حقا هو حجمه. ويقول<br />
]املختص بعلم األحياء من جامعة برونزويك<br />
اجلديدة، ويعمل في مشروع خليج فاندي[: »عندما قرروا<br />
إنشاء زراعة مائية في خليج صغير، جتاوزوه إلى أبعد من<br />
ذلك بكثير، وهو ما قد يكون مستحيال في العالم الغربي. إن<br />
األمر مختلف متاما.«<br />
ففي الوقت الذي يغطي فيه مشروع فاندي بضعة هكتارات<br />
فقط ويضم تسعة أطواف لتربية بلح البحر )9( ، والذي يقوم<br />
بترشيح املخلفات السائلة، فإن مساحة مزرعة جزيرة زانگزي<br />
تعادل أربعة أضعاف مساحة شيكاغو. كما أن خليج فاندي<br />
ينتج سنويا نحو 200 طن من عشب البحر و300 إلى 400 طن<br />
من بلح البحر، بينما تنتج مزرعة جزيرة زانگزي 60 ألف طن<br />
من عشب البحر كمنتج ثانوي في غالب األحيان، وهو يُسوّق<br />
محليا. ولكن الربح احلقيقي يأتي من إنتاج 200 طن من قنفذ<br />
)11(<br />
البحر و300 طن من احملار )10( ، و700 طن من القواقع البحرية<br />
و2200 طن من أذن البحر وكمية ضخمة من األسقلوب املربى،<br />
scallop )1(<br />
)2( أو: أسمدة.<br />
Integrated Multitrophic Aquaculture )3(<br />
)4( أو: مغذيات.<br />
Bay of Fundy )5(<br />
)6( أو: املخلفات.<br />
reefs )7(<br />
bycatch )8(<br />
mussel rafts )9(<br />
oyster )10(<br />
sea snails )11(<br />
(2015) 12/11<br />
6
تعتمد مزرعة زانگزيداو<br />
على حركة التيارات<br />
البحرية لتوزيع املغذيات<br />
على مختلف األنواع.<br />
ويقوم املزارعون بفرز محار<br />
األسقلوب قبل وضعها في<br />
املاء )إلى اليسار(، وغطس<br />
)إلى اليمني( ملراقبة منو<br />
خيار البحر )في األعلى<br />
إلى اليسار(، وحتضير كتل<br />
كبيرة مصنعة من أصداف<br />
محار األسقلوب )في األعلى<br />
إلى اليمني( الستخدامها في<br />
توجيه التيارات املائية.<br />
تبلغ 50 ألف طن في العام. وتعتبر هذه العملية منتجة للغاية،<br />
األمر الذي جعل شركة زانگزيداو تنشئ مؤخرا صناعة<br />
سياحية لصيد األسماك التي تتجول في اخللجان وتتغذى<br />
بالالفقاريات املزدهرة هناك.<br />
ويقول : »إن هذا النمط من الزراعة املائية ال ينجح إال<br />
إذا أنشئ على نطاق واسع. ولكي يكون مجديا اقتصاديا، يحتاج<br />
إلى مساحة ال تقل عن مئة كيلو متر مربع، أي ما يعادل مساحة<br />
مدينة صغيرة. كما أن إنشاء مزرعة من هذا القبيل، يحتاج إلى<br />
كثير من البحوث العلمية عن حركية مياه احمليطات.«<br />
يدير شاشة حاسوبه لعرض خريطة مفصلة للجزر<br />
مبينة أين تتركز املغذيات وأين يكون املردود في ذروته. وتعتمد<br />
معظم هذه العوامل، تركيز املغذيات وحجم املردود، على حركة<br />
التيارات املائية في احمليط، والتي ميكن ل التحكم فيها<br />
إلى حد ما من خالل إلقاء بعض الكتل اخلرسانية في املاء،<br />
والتي تضاهي بأحجامها أحجام الثالجات، لتشكيل شعاب<br />
صناعية. وقد ألقى إلى اآلن نحو 20 ألف كتلة من هذه<br />
الكتل في مياه البحر.<br />
ويقول بعض الغربين إن مزرعة زانگزيداو ال تستخدم حقا<br />
النظام ،IMTA نظرا ألنها ال تزرع أو جتني أسماكا زعنفية<br />
ميكن ملخلفاتها، من حيث املبدأ، أن تغذي الالفقاريات. ولكنهم<br />
يفضلون مصطلحا آخر أقل تقنية، مثل مزرعة بحرية )1( . وفي<br />
كلتا احلالتن، فإن مزرعة زانگزيداو تثير الدهشة من حيث<br />
احلجم والكفاءة. ومع ذلك، فهي ليست بأي حال من األحوال<br />
خالية من العيوب. فعلى سبيل املثال، وطبقا ألحد مندوبي<br />
املزرعة، فإن أكثر من نصف مساحتها عميق جدا بحيث ال<br />
ميكن الصيد فيها يدويا، ولذلك ال يزال الصيادون يستخدمون<br />
شباك صيد ثقيلة وصلبة، بعرض خمسة أمتار لكل شبكة،<br />
ويتم سحبها على طول قاع احمليط، األمر الذي يتسبب غالبا<br />
في إيذاء القاع. كما أن منتجات مزرعة زانگزيداو باهظة<br />
الثمن. ويباع خيار البحر في الصن، وهو كائن صغير خشن<br />
املظهر شبيه باحللزون عدمي القوقعة وقريب من جنم البحر،<br />
مبا يعادل 250 دوالراً للقطعة الواحدة. وهكذا، فإن الطعام<br />
البحري املستدام في الصن يبدو محصورا باألثرياء في<br />
املقام األول، كما هي احلال في الواليات املتحدة وأوروبا.<br />
)(<br />
االهتمام بجميع املستهلكني<br />
بيد أن احلجم غير املسبوق للمشروع يلوّح إلى إمكانية إيجاد<br />
حل للطلب الصيني الضخم على املأكوالت البحرية. وتكمن<br />
الفكرة في إتاحة املأكوالت البحرية املستدامة للمستهلكن<br />
بجميع مستويات دخولهم. وفي هذا الصدد يقول <br />
]رئيس مجموعة زانگزيداو[: »إن تسويق املنتجات املستدامة<br />
في الصن هو حتدٍ كبير، على األقل في الوقت الراهن«،<br />
مضيفا أن »املستهلكن ستكون لهم الكلمة الفصل من خالل<br />
التساؤل التالي: ما الفائدة التي أجنيها من ذلك؟«<br />
BRINGING CONSUMERS ALONG ()<br />
ocean ranch )1(<br />
7 (2015) 12/11
ولكن، ليس لدى املستهلكن الصينين أي اكتراث بالبيئة<br />
حتى اآلن وال يرغبون في إنفاق الكثير للمساهمة في احلفاظ<br />
عليها، نظرا لوجود اهتمام أكبر في مخيلتهم. ويقول <br />
]من املكتب االستشاري للوكالة البحرية في آسيا واحمليط<br />
الهادي[: »إن احلكومة واملستهلكن الصينين يبحثون حقا<br />
عن منتجات غذائية سليمة حقاً.«<br />
إن بعض املخاوف الصحية السابقة، املرتبطة بالتسمم<br />
بالرصاص واحلليب املمزوج بامليالمين، جعلت الصينين<br />
يشعرون بالقلق إزاء مصدر غذائهم. ولكن يبرر بالقول<br />
إن التغييرات في عملية اإلنتاج الهادفة إلى حتسين سلالمة<br />
الغذاء تفتح الباب نحو احلفاظ على هذا اإلنتاج. وعندما بدأت<br />
مزرعة زانگزيداو بتجربتها، كانت تُصدِّر معظم إنتاجها من<br />
األسقلوب إلى مشترين من ذوي الوعي البيئي في الواليات<br />
املتحدة وأستراليا وأوروبا. ولكن جميع إنتاجها حاليا من<br />
املأكوالت البحرية يبقى في الصن ويسوّق على أنه صحي<br />
أكثر من كونه صديقاً للبيئة.<br />
وصدى هذا اخلطاب التجاري يتردد في سوق قرب مدينة<br />
داليان )1( ، حيث الرغبة للمنتج جلية. وقد مشيت بن ممرات<br />
السوق املرصوفة بخيار البحر وسرطان البحر واحملار<br />
والقواقع، وكانت تتجاذبني أصوات الباعة بالصينية »ما هو<br />
طلبك؟!« وقد نفث محارٌ طازج املاءَ على سروالي بينما كانت<br />
العجائز تغترف القريدس باملجارف حتت الفتات مزركشة<br />
برّاقة تظهر عليها رسوم سمك فكاهية.<br />
وكانت تقريبا كل بسطة )2( في سوق السمك تدعي بأن<br />
مصدر أسماكها هو مسمكة زانگزي، وهو أمر مستبعد<br />
ألن شركة زانگزيداو غالبا ما تبيع أسماكها إلى جتار<br />
جتزئة كبار ومطاعم راقية. ولكن هذه االدعاءات تبن أن<br />
اسم العالمة التجارية »زانگزي« قد أضحى مَطمَعا. ويقول<br />
]صاحب أحد األكشاك الذي يبيع منتجات<br />
اجلزيرة مقابل 20 في املئة إضافية[: »إن لديهم شعابا<br />
مرجانية صناعية، وهو أمر صحي جدا لألسماك«. ويضيف<br />
بائع آخر، عمره 35 سنة واسمه : »إن املاء<br />
هناك أنظف أيضا.«<br />
ال أحد من جتار السمك يذكر املخاطر البيئية، وعندما<br />
نسألهم عن ذلك، يقولون إن احلفاظ على احلياة البرية ليس<br />
بتلك األهمية لزبائنهم. وللعلم ثمة مناطق أخرى تقوم اآلن<br />
بتجريب النظام .IMTA وهناك، على طول الشواطئ القريبة من<br />
مدينة داليان وباجتاه اجلنوب نحو خليج سانگو )3( ، مساحات<br />
شاسعة من مزارع أعشاب البحر تستخدم بعض عناصر هذه<br />
التقنية على مستويات مترامية األطراف ومتجانسة، ولكنها<br />
مزارعون في بحيرة لوهو يغذون أسماك املاندرين )4( التي يربونها بعد أن<br />
ضاقوا ذرعا بأسماك الشبوط التي تلوث املاء.<br />
بالتأكيد، أقل تنوعا حيويا. ولتلبية املطالب الهائلة في الصن<br />
اجلائعة، ال بد من أن يقوم أصحاب املزارع املائية البحرية<br />
بتوسيع مثل هذه النماذج إلى أبعد من ذلك بكثير.<br />
)(<br />
بحيرات وبرك أنظف<br />
قد تهيمن مئات اآلالف من قوارب املالحة البحرية في الصن<br />
على السوق العاملية، ولكن، ليس جميع املأكوالت البحرية<br />
تهيمن على السوق االستهالكية احمللية في البالد. إذ ال يزال<br />
أكثر من 70 في املئة من األسماك املستهلكة في الصن هو<br />
البحيرات واألنهار. وثمة مخاوف حديثة عن تلوث املياه العذبة<br />
جعلت أصحاب بعض املطاعم يشعرون بالقلق جتاه األسماك<br />
التقليدية. ومن ثم، فإن أي محاولة لكبح تأثير الصن في<br />
البحر سيتطلب إعادة الثقة مبزارع أسماك املياه العذبة.<br />
وهناك اآلن شبكة من العلماء يحاولون حتقيق ذلك على طول<br />
البالد وعرضها في أهم مناطق تربية األسماك بالصن.<br />
وتتضح أهمية تربية األحياء املائية في الصن حول نهر<br />
يانگتزي )5( مبجرد الهبوط إلى منطقة ووهان )6( ، على بعد 500<br />
كيلو متر من شنگهاي باجتاه منبع النهر. وهي مركز أكبر منطقة<br />
لتربية األسماك في الصن، كأكبر بلد مربٍ لألسماك في العالم.<br />
فقد مت حفر كل سنتيمتر مربع من األراضي غير املستخدمة<br />
حول املطار وحتت اجلسور ومبحاذاة الطرق السريعة وعلى<br />
مدى النظر؛ ليصار إلى ملئه باملاء وزرعه باألسماك.<br />
يقول .Sh> إكسي> ]وهو باحث من األكادميية الصينية للعلوم[:<br />
»انظروا إلى اليسار،« حيث تقع عيوننا على ما يبدو على خطوط ال<br />
CLEANER LAKES AND PONDS ()<br />
Dalian )1(<br />
)2( أو: كشك.<br />
Sanggou Bay )3(<br />
the mandarin fish )4(<br />
the Yangtze River )5(<br />
Wuhan )6(<br />
(2015) 12/11<br />
8
)1(<br />
متناهية من البرك، »هذا هو سبب تسميتنا ملقاطعة هوبي<br />
بأرض األلف بركة«.<br />
إن نحو 18 400 كيلومتراً مربعاً من مساحة الصن،<br />
أي ما يعادل تقريبا مساحة نيوجرسي، هي برك سمكية.<br />
ومع أنه قد يكون من الصعب تصوّر ذلك بالنسبة إلى<br />
األمريكين، إالّ أن اخلبراء الصينين يقولون إن خُ مس<br />
حاجة العالم إلى البروتن احليواني تأتي من أسماك<br />
املياه العذبة، نصفها من هنا، في قلب الصن على طول<br />
نهر يانگتزي.<br />
ولكن عناوين أخبار هذه األيام حول التلوث<br />
املستشري في املياه واألغذية قد زعزعت ثقة املستهلك<br />
بأطعمة البرك التقليدية كسمك الهر )2( والشبوط )3( .<br />
ويقول : »إن هذا مثار سخرية، إننا نتتبع<br />
األسماك )في البرك( خالل جميع مراحل حياتها، بينما<br />
في حال األسماك البرية فال أحد يقتفي أثرها أو يعرف<br />
ما هي امللوثات التي تصادفها.«<br />
ومع ذلك، ليست مزارع املياه العذبة التقليدية<br />
مستدامة متاما. وتعود زراعة األحياء املائية في الصن<br />
إلى الفيلسوف الصيني الذي عاش في القرن<br />
اخلامس قبل امليالد، وكان سياسيا ومستشارا للملك<br />
القوي الشكيمة. فبعد حياة مهنية عسكرية<br />
ناجحة، تقاعد في بلدة ووكسي )4( في اجلانب<br />
احملاذي للبحيرة، وهناك كتب أول دليل عاملي لتربية<br />
األحياء املائية. ويتضمن كتيبه املؤلف من 400 كلمة<br />
صينية تفاصيل حول عدد أسماك الشبوط التي ميكن<br />
البدء بها، وأنسب الفصول للزراعة وتوصية لتربية<br />
)5(<br />
السالحف لدرء خطر »تنن الفيضان.«<br />
لقد استثمرت املمارسات القدمية آلالف السنن<br />
في العمل على برك صغيرة جنبا إلى جنب مع مزارع<br />
أرضية حافظت على مياه نظيفة وأسماك صحية. ولكن<br />
بدءا من ثمانينات القرن العشرين أخذت هذه الصناعة<br />
بالتحول إلى برك صناعية كبيرة مترامية األطراف.<br />
ومع النمو الكبير لصناعات أخرى، سَ بَّب هذا التحول تلوثا<br />
شديدا. وفي عام 2007، تطور الوضع إلى حالة كارثية مع<br />
النمو الهائل للطحالب في بحيرة تاي هو )6( ، وهي املوطن<br />
األسطوري ل. ويقول : »نظرا ألن مصدر معظم<br />
مياه الصنابير في منطقة ووكسي هو بحيرة ، فإن<br />
املواطنن لم يستطيعوا شربها ألنها أصبحت سوداء، وعند<br />
االستحمام بها تفوح منها رائحة سيئة للغاية.«<br />
وفي عام 2007 كانت حركة األمواج السوداء مبثابة ناقوس<br />
)7(<br />
الئحة الصدارة<br />
)(<br />
أكبر منتجي األسماك في العالم<br />
تعتبر الصني إلى حد بعيد أكبر منتج لألسماك والقشريات والرخويات<br />
في العالم كمأكوالت بحرية تستخرج من احمليطات والبحيرات واألنهار.<br />
ففي عام 2012 )أحدث البيانات املتوفرة(، أنتجت الصني 17.7 في املئة من<br />
املأكوالت البحرية التي مت صيدها على احلالة البرية )العمود األيسر،<br />
أدناه(، أي ما يعادل تقريبا ثالثة أضعاف الكمية املنتجة من قبل البلد<br />
الذي يليها في القائمة )إندونيسيا(. واألكثر دهشة هو أنها أنتجت 61.7<br />
في املئة من األسماك من مزارع مائية عذبة وماحلة )العمود األمين(. وإذا<br />
ما أريد للمصايد الطبيعية أن تدوم، وهي في طور االنقراض اآلن، فإنه<br />
يتعني على الدول وعلى رأسها الصني تربية املزيد من األسماك.<br />
Seafood Production, Saltwater and Freshwater (2012)<br />
%61.7<br />
)41 مليون طن(<br />
%21.4<br />
)14.2 مليون طن(<br />
%16.9<br />
)11.3 مليون طن(<br />
إنتاج املأكوالت البحرية في املياه العذبة واملاحلة (2012)<br />
تربية في مزارع (%42)<br />
67 مليون طن<br />
صيد في احلالة البرية (%58)<br />
91 مليون طن<br />
اخلطر إليقاظ الصن. ومنذئذ لم يعد مبقدور الناس الثقة<br />
باملاء الذي يشربونه أو السمك الذي يأكلونه. ومع أن مشكلة<br />
الطحالب لم تنجم بالدرجة األولى عن مزارع السمك، إال أن<br />
تلك احلادثة أسهمت في دفع أصحاب املزارع املائية في<br />
الصين إلى التركيز على اإلنتاجية العالية التي حتافظ على<br />
The Biggest Fishmonger ()<br />
catfish )2( Hubei )1(<br />
Wuxi )4( carp )3(<br />
Tai Hu )6( the “flood dragon” )5(<br />
)7( أو: قائمة التصنيف.<br />
الصني %17.7<br />
)16.2 مليون طن(<br />
إندونيسيا %6.4<br />
الواليات املتحدة %5.6<br />
الهند %5.3<br />
البيرو %5.3<br />
روسيا االحتادية %4.7<br />
اليابان %4.0<br />
بورما %3.9<br />
ڤيتنام %2.9<br />
بنغالديش %1.7<br />
املجموع %39.8<br />
)36.4 مليون طن(<br />
بقية دول العالم %42.5<br />
)38.8 مليون طن(<br />
9 (2015) 12/11
زوج وزوجته يقومان بتسميد البركة التي يديرانها قرب ووهان. ويحاول العلماء مساعدة آالف العائالت على<br />
إدارة أحواضهم السمكية بطريقة أكثر استدامة، وهو أمر حيوي لتلبية الطلب املتزايد على األسماك في الصني.<br />
(2015) 12/11<br />
البيئة. ويعمل اآلن بعض الناس، مثل ، على احلفاظ<br />
على ماء نظيف مع زيادة املردود في الوقت نفسه.<br />
10<br />
)(<br />
عملية توازن<br />
إن جميع األنظمة البيئية في املياه العذبة تكون في حالة تذبذب<br />
مستمر بن كميات وافرة ونادرة من املغذيات. ففي البحيرات<br />
الكبرى، على سبيل املثال، تنمو أنواع حية غازية تستنزف<br />
املدخرات الغذائية وجتعل املاء صافيا غنيا باألكسجن<br />
ولكن ال حياة فيه. وباملقابل، هناك الكثير من املغذيات في<br />
بحيرة يانگتزي، كالنيتروجن والفوسفور، والقليل جدا من<br />
األكسجن، ونتيجة ذلك هي مياه خضراء داكنة مأهولة فقط<br />
بالكائنات القادرة على النمو في بيئة فقيرة باألكسجن أال<br />
وهي الطحالب )1( .<br />
لقد كانت املغذيات اخلارجة والداخلة إلى كثير من<br />
املزارع السمكية في حالة توازن طبيعي لقرون خلت. ولكن<br />
في السنوات األخيرة بدأ ذلك التوازن باالختالل. ويعود جزء<br />
من هذه املشكلة إلى التلوث، ولكن السبب اآلخر هو الزراعة<br />
املائية نفسها. ويعتبر سمك الشبوط أحد أكثر األسماك شعبية<br />
في الصن، وهو أحد العوائل السمكية التي تنمو وتزدهر<br />
بسرعة بالتغذية بكل شيء تقريبا، من الطحالب إلى مخلفات<br />
مياه الصرف الصحي. وتطرح أسماك الشبوط مخلفات غنية<br />
بالنتروجن تستقر في التربة، ويعتبر هذا النوع من املخلفات،<br />
إضافة إلى أسمدة الزراعة السمكية، غذاء جيدا للطحالب التي<br />
تنمو بكثافة حاجبة ضوء الشمس عن النباتات التي ميكن أن<br />
تنتج األكسجن. وتستمر هذه الدورة إلى أن يصبح القليل<br />
جدا من األنواع احلية في البحيرة قادرا على النمو باستثناء<br />
أسماك الشبوط والطحالب. وقد زادت كمية الطحالب في<br />
إحدى بحيرات مقاطعة هوبي مبقدار 20 ضعفا وانخفضت<br />
فيها الرؤية مبقدار النصف خالل عقد من النمو السريع.<br />
لقد كنت أتأمل ذلك وأنا أجتول في قارب سباق صغير على<br />
ضفاف بحيرة ليانگزي )2( التي كانت صامتة بشكل مخيف،<br />
ولم أستطع التمييز ما إذا كانت الطبقة التي تعلونا هي غطاء<br />
غيمي منخفض أو ضباب دخاني. وكان املاء ساكنا متاما<br />
ومُخضرّا كما لو أنه بساط ضخم من حساء بازالء هَشٍّ .<br />
ومنذ عشر سنوات مضت، كانت هناك العشرات من<br />
األقفاص )أو احلظائر )3( السمكية(، كل منها مليء بأسماك<br />
الشبوط التي تكدست على طول الشاطئ وكانت مخلفاتها<br />
تقتل كل شيء في البحيرة. وقد طلبت احلكومة احمللية إلى<br />
جامعة ووهان املساعدة على إعادة هيكلة الزراعة املائية في<br />
البحيرة، وهي أكبر ثاني مزرعة في املقاطعة. وقد أدرك<br />
، زميل في األكادميية الصينية للعلوم، أن<br />
تركيز املخلفات في البحيرة كان يغذي منو الطحالب فيها.<br />
أما اليوم، فقد اختفت جميع تلك األقفاص ويقوم مربو<br />
األسماك بإدارة البحيرة بالكامل كما لو أنها نوع واحد فقط<br />
من األقفاص، تاركن الغريزة )4( تقود األسماك. كما اختفت<br />
أيضا معظم أسماك الكارب. ويتركز اهتمام املزارعن<br />
واخلبراء على تربية األسماك ذات اجلودة العالية كسرطان<br />
البحر واملاندرين )5( ، والتي تلوث أقل ولكنها تقلل أيضا عدد<br />
األسماك في البحيرة. وقد زرعوا شاطئ البحيرة ببعض<br />
النباتات التي تعيد األكسجن إلى املاء.<br />
ويقوم املزارعون مرة واحدة في السنة بتجميع األسماك<br />
في إحدى زوايا البحيرة الصطيادها بالكامل. وكما هي احلال<br />
في داليان، ليست هناك حاجة إلى مخصبات أو أعالف مكلفة<br />
من شأنها أن تزيد أعباء التغذية. ومع وجود مساحة أكبر<br />
للسباحة، فإن األسماك قلّما تتعرض لألمراض. واملدهش هو<br />
أن احلجم الصغير ال يؤثر في الناجت النهائي.<br />
BALANCING ACT ()<br />
)1( Algae؛ أو حشائش البحر.<br />
Liangzi )2(<br />
Pens )3(<br />
)4( أو: الطبيعة.<br />
mandarin )5(
ويقول ]مدير إحدى الشركتن اللتن تديران<br />
البحيرة[: »إن الربح هنا أفضل مما ميكن احلصول عليه من<br />
تربية األسماك في برك. إنه عمل بسيط للغاية، ألن كل ما نقوم به<br />
هو حراسة البحيرة فقط وضمان أال يسرق أحد السمكَ منها.«<br />
وعلى أية حال، فالكميات القليلة من األسماك لن تلبي<br />
الطلب املتزايد عليها. وإن البحيرة ليست نقية بل عكرة، وال<br />
يزال فيها الكثير من الطحالب. ولكن نوعية املاء قد حتسنت<br />
وارتفع فيها مستوى األكسجن وانخفض مستوى النتروجن،<br />
كما أن النباتات املائية بدأت بالتكاثر على طول الشاطئ<br />
والرؤية تتحسن تدريجيا.<br />
وثمة مشاريع مشابهة إلصالح بحيرات أخرى كبيرة<br />
وطبيعية في املنطقة، ولكنها ال تزال قاصرة بسبب وجود<br />
آالف البرك الصغيرة، كل منها بحجم ملعب كرة قدم، غامرة<br />
الريف احمليط بها. وتنتج هذه البرك العائلية كمية كبيرة من<br />
الطعام في الهكتار الواحد وتسهم فعليا في تغذية الناس. إال<br />
أن احلفاظ على مياه نظيفة وأسماك صحية من خالل هذه<br />
اإلجراءات احمللية يعتبر حتديا كبيرا. ولذا يعكف اخلبراء<br />
على ابتكار طرق منخفضة التقنية لتأمن منتج صحي أكثر<br />
وأكثر استدامة، إضافة إلى االهتمام مبشاريع أكبر.<br />
كان )ال صلة له ب( ]األستاذ من<br />
اجلامعة الزراعية في هيواز هوجن )1( ] في طور جتريب ما يسمى<br />
باجلزر الطافية )2( لتنقية املاء. وفي وقت مبكر من صباح أحد<br />
)3(<br />
األيام، قادني إلى إحدى برك تلك التجربة قرب بلدة گونگان<br />
الصغيرة، حيث كانت توجد على سطح املاء ستة إطارات<br />
بالستيكية بيضاء مليئة بسبانخ املاء. وكانت اإلطارات تبدو،<br />
إلى حد ما، كأصوص )4( عمالقة طافية. وقد أمضى <br />
عدة سنوات في دراسة الكيفية التي تتفاعل بها النباتات املائية<br />
مع محيطها، واستقر رأيه في نهاية املطاف على استخدام هذا<br />
النوع )سبانخ املاء( ألنه ينمو بسرعة مكونا شبكة عريضة من<br />
اجلذور ومستهلكا كميات كبيرة من املغذيات. ويقول <br />
إنه باستخدام بضعة مغارس )5( طافية فقط خالل األشهر<br />
الثالثة املاضية، انخفضت مستويات األمونيا في املاء بنسبة<br />
الثلث. )الكثير من األمونيا يقتل السمك.(<br />
ويقول ]أحد مربي األسماك الذين يعملون في<br />
البرك[: »لقد حتسنت نوعية املاء وأصبح أنقى، ولم يعد هناك<br />
الكثير من األسماك النافقة كما في العام املاضي.«<br />
وقد اصطحبنا جنل في قارب خشبي نحو األقفاص<br />
السمكية واقتلع بيده بضع قبضات من السبانخ. وقد<br />
بدت اإلطارات البالستيكية التي يبلغ حجم أحدها تقريبا<br />
ضعفين أو ثالثة أضعاف حجم حوض استحمام من طرف<br />
إلى طرف، طافيةً على السطح وليست راسية )6( . وتبلغ تكلفة<br />
إنشاء هذه األقفاص نحو 150 دوالرا، ولكن يتم تعويض<br />
هذه التكلفة خالل سنة واحدة فقط إذا استطاع املزارع بيع<br />
محصول السبانخ كمحصول عضوي. وفي مطعم قريب، كان<br />
أحد الطباخن يطهو أوراق السبانخ على البخار كنوع من<br />
املقبالت )7( املاحلة، مضيفا إليها بعض املكسرات ليقدمها مع<br />
الكثير من األطباق احملضرة من أسماك املياه العذبة املتنوعة.<br />
ولم أكن معتادا على مذاق أسماك الشبوط أو عظامها الصغيرة،<br />
ولكن السبانخ كانت لذيذة والتهمتُها بسرعة.<br />
يقول : »إن هذا اخلليط من املنتجات هو أمر<br />
أساسي.« إذ ينبغي أن تنعكس فوائد اإلصالحات على<br />
البيئة واملزارع معا، وعلى اخلبراء العمل بشكل وثيق مع<br />
السكان احمللين. وقد حققت صناديق زراعة السبانخ هنا<br />
كال املعيارين. ويقول مزارعون محليون إنهم يخططون لتغطية<br />
5 في املئة على األقل من البرك بهذه الصناديق. وهناك اآلن<br />
عمال منهمكون على إنشاء املزيد منها على طول الشواطئ.<br />
لقد أصبحت النباتات واحليوانات املائية قضية مركزية<br />
في جهود الصن لتنقية مياهها. فبعد طفرة الطحالب )8( في<br />
ووكسي عام 2007، كثّف اخلبراء جهودهم الستثمار األراضي<br />
املشبعة باملاء )9( مبزارع سمكية. وقد بدأت األكادميية الصينية<br />
بتمويل عدة مشاريع على طول نهر يانگتزي لتربية قواقع املياه<br />
العذبة، واللوتس املائي )10( وعشرات النباتات واحليوانات<br />
املائية األخرى ملكافحة التلوث في املياه.<br />
وعلى سبيل املثال، فإن بحيرة جي هو )11( خالية اليوم من<br />
أي قفص سمكي، وهي مغطاة بزنابق مائية مزروعة على<br />
مساحة 2.6 كيلومتر مربع ملكافحة التلوث. وبالقرب منها،<br />
هناك مزرعة ويو گينگ )12( للزراعة املائية، وهي مجمع مترامي<br />
األطراف من البرك الصناعية، منها 30 في املئة مخصص<br />
لنمط مشابه لترشيح )13( األراضي الرطبة.<br />
)14(<br />
وهناك سلسلة أخرى من البرك امللحقة ببحيرة لوهيو<br />
Huazhong )1(<br />
floating islands )2(<br />
Gong’an )3(<br />
)4( box :Window وعاء تزرع فيه نباتات ويوضع عادة على عتبة النافذة أو في املنازل<br />
)املفرد أصيص، واجلمع أصوص(.<br />
planters )5(<br />
)6( أو: مربوطة.<br />
dressing )7(<br />
)8( النمو السريع لها.<br />
)9( :wetlands أراضٍ رطبة أو مشبعة باملاء.<br />
)10( :lotus نبات مائي مزهر.<br />
Ge Hu )11(<br />
Wu Jing )12(<br />
)13( أو: تنقية.<br />
Luhu lake )14(<br />
التتمة في الصفحة 41<br />
11 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
عجائب<br />
صغيرة<br />
)(<br />
مستقبل<br />
الطب<br />
يخترع طب النانو طرقاً جديدة حملاربة السرطان<br />
وشفاء اجلروح وتوجيه األدوية إلى داخل اخلاليا.<br />
2015<br />
.J> فيشمان < )1(<br />
SMALL WONDERS ()<br />
)1( Fischman Jush من كبار محرري مجلة ساينتفيك أمريكان.<br />
tiny molecular motors )2(<br />
يبلغ قطر جزيء الدنا ،DNA الذي يحمل<br />
مخططاً تفصيلياً blueprint لعمل اخلاليا مدى<br />
احلياة، نحو 9- (10)2.5 م. والعلماء اآلن قادرون<br />
على ضغط جزيئات بهذا احلجم وفكّها وبنائها،<br />
فضال عن تكوين األدوات التي تستكشفها بدقة<br />
لم يسبق لها مثيل. وتقود هذه املهارات، التي<br />
متَ َّ اكتسابها من خالل العمل اجلاد في العقد<br />
املاضي، إلى أدوية جديدة وطرق حديثة لتشخيص<br />
األمراض. وفي هذا التقرير اخلاص، تستكشف<br />
مجلة ساينتفيك أمريكان ما الذي يقدمه لنا اآلن<br />
طب النانو nanomedicine وما سيأتي قريبا؛ وما<br />
الذي ميكن أن يحمله املستقبل.<br />
وبؤرة التركيز الرئيسة اآلن هي العالج<br />
الكيميائي، واألدوية التي ميكن أن تنزلق<br />
إلى داخل األورام بسبب بنائها الدقيق<br />
تُبدي جناحا في احلاالت التي تفشل فيها<br />
األدوية األخرى مع املرضى ]انظر: »أدوية<br />
السرطان تضع بصماتها،« في الصفحة 14[.<br />
واالختبارات التشخيصية تستغل احلجوم<br />
الصغيرة أيضا من خالل استخدام مسابر<br />
من جزيئات دنا ذات شكل غير اعتيادي<br />
ميكنها )املسابر( اكتشاف السرطان بدقة<br />
كبيرة. ومن ثم، سيكون املرضى في املستقبل<br />
القريب قادرين على استخدام الضمادات<br />
الذكية املصنوعة من جزيئات نانوية احلجم<br />
التي تعزز شفاء اجلروح الوخيمة أو تُشعر<br />
األطباء باألماكن التي لم يحدث فيها الشفاء<br />
بعد ]انظر: »ضمادٌ أذكى،« في الصفحة 17[.<br />
وأكثر من ذلك، يأمل الباحثون بأن يتمكنوا،<br />
مع مرور الوقت، من ربط مُحرِّكات جزيئية<br />
فائقة الدقة )2( باألدوية لتقودها وتوجهها حتى<br />
تصل عبر مجرى الدم إلى أهدافها ]انظر:<br />
»إطالق اإلنساالت النانوية!« في الصفحة 20[.<br />
وهذه هي مفاخر الهندسة النانوية التي ال تُرى<br />
بالعن املجردة، ومع ذلك قد يكون لها تأثير<br />
كبير في الصحة.<br />
(2015) 12/11<br />
12
13 (2015) 12/11
يلعب السرطان لعبةَ القط والفأر املميتة في اجلسم،<br />
واألدوية املرسلة ملعاجلته غالبا ما تكون اخلاسرة، وكذلك<br />
حال مريض السرطان. فهذه األدوية تعاني مشكلة التمييز<br />
بن اخلاليا الورمية والسليمة، وقد تُسقط حمولتها على<br />
اخلاليا السوية لتسبب تأثيرات جانبية بغيضة وتترك<br />
خاليا السرطان القريبة من دون تأثير. واخلباثات قد تتلقى<br />
أيضا املساعدة من سالح دفاع اجلسم اخلاص، اجلهاز<br />
املناعي، الذي غالبا ما يخطئ في التمييز بن األدوية<br />
املضادة للسرطان والبكتيريا الضارة أو غيرها من الغزاة<br />
الغريبن عن اجلسم فيقوض هذه األدوية ويبطل مفعولها،<br />
حيث حتال القطع احملطمة إلى أواني نفايات اجلسم في<br />
الكبد والكلى والطحال قبل أن تصل إلى هدفها املقصود<br />
)اخلاليا السرطانية(. وحتى عندما تستطيع األدوية<br />
الوصول إلى الورم، فالعديد منها يقع في شَ رَك الكتلة<br />
اخلبيثة الكثيفة ضعيفة النمو؛ فيفقد قدرته على اختراق<br />
الورم بالكامل.<br />
وتسمح التطورات احلديثة في طب النانو اآلن لألدوية<br />
باجتيازٍ أفضلَ لهذا الشرك وضرب األورام حيث تعيش.<br />
واملفتاح هو ناقل األدوية التصنيعي الفريد ملفوفا بغالف<br />
خارجي حِ مائي، الذي ينقل أدوية العلالج الكيميائي عبر<br />
اجلسم. وضبطٌ فائق الدقة للمكونات التي تبنى منها هذه<br />
النواقل، التي ميكن أن يكون قطرها فقط بضعة أجزاء من<br />
البليون من املتر، سمح للعلماء بتكوين بنى متخصصة ميكنها،<br />
من بن األمور األخرى، أن تُفلت من إنذارات اجلهاز املناعي.<br />
وقد قام باحثون مثل وزملالؤه ]من جامعة<br />
طوكيو[ بإقحام أدوية العالج الكيميائي الفعالة ضمن أغماد<br />
بحجم ڤيروس التهاب الكبد C، وهي أصغر بنحو 200 مرة من<br />
كرية الدم احلمراء. وعلى املستوى اجلزيئي، تبدو تلك األدوية<br />
مشابهة كثيرا ألشياء يُكوّنها اجلسم. ولهذه املركبات ميزة<br />
إضافية تتمثل بقدرتها على االنزالق إلى األورام وخالياها<br />
مُتجنبة اخلاليا السوية.<br />
قَدَّم فريق عدة صيغٍ من ناقالت األدوية<br />
النانوية بدأت تَشق اآلن طريقها عبر املراحل النهائية<br />
للتجارب الطبية في آسيا، ويختص كلٌ منها بحمل نوعٍ<br />
مختلفٍ من األدوية واستهدافِ نوعٍ مختلفٍ من األورام.<br />
وقد قادت األدوية في هذه النواقل اجلديدة إلى إبطاء<br />
تقدم املرض أو عكسه عند املصابن بسرطان الثدي أو<br />
البنكرياس. وما زال جسيم نانوي nanoparticle آخر في<br />
املرحلة الثانية من التجارب الطبية في الواليات املتحدة.<br />
ويقول : »مع علمٍ كهذا، تستغرق املراحل األولية<br />
وقتا، لكنني أعتقد أن اآلمال بدأت بالظهور في هذا املجال«،<br />
ويتابع: »ستكون سرعة التطوير أسرع كثيرا في السنوات<br />
اخلمس القادمة.«<br />
CANCER DRUGS HIT THEIR MARK ()<br />
مستقبل<br />
الطب<br />
2015<br />
طب النانو اآلن<br />
أدوية السرطان<br />
تضع بصماتها<br />
ناقالتٌ فائقة الدقة توصل املزيدَ<br />
من األدوية إلى األورام وتُقلل<br />
اآلثار اجلانبية.<br />
املؤلفة<br />
Dina Fine Maron<br />
محررة مشاركة في مجلة ساينتفيك أمريكان.<br />
)(<br />
.D> .F مارون><br />
من مشكالت أدوية العالج الكيميائي وصولها إلى<br />
اخلاليا املستهدفة. فاجلسم يهاجمها، وال تخترق جيدا األورام،<br />
فضال عن أنها غالبا ما تهاجم اخلاليا السليمة بدال من اخلاليا<br />
السرطانية.<br />
ومن خالل تصنيعهم قذائف دوائية drug shells ذات حجم<br />
نانوي ،nanoscale ابتكرَ العلماء أدويةً تتفادى هذه املشكالت.<br />
باختصار<br />
وضبط فائق الدقة ملكونات هذه القذائف ميُ كِّن الباحثن من ابتكار<br />
أدوية تتسلل من إنذارات اجلهاز املناعي لتستقر في خباثات.<br />
وقد وصلت هذه األشكال من املداواة إلى املراحل األخيرة<br />
من التجارب الطبية. وقيد التطوير أيضا جسيمات نانوية<br />
،nanoparticles ال لتكون مكوكات ناقلة فحسب، بل لتتمكن أيضا<br />
من إيقاف ذاتي جلينات مسببة للسرطان بنفسها.<br />
(2015) 12/11<br />
14
الدواء النانوي، بتصميمه وغطائه<br />
احلِ مائي، أكثر قابلية للوصول إلى<br />
األورام دون تخريبه من قبل اجلسم.<br />
)(<br />
أدوية مُ وِّ هة<br />
ليس استخدام التقانة النانوية مع أدوية العالج الكيميائي<br />
فكرة جديدة. فأدوية مثل األبراكسان Abraxane لنقائل<br />
سرطان الثدي )1( وإيليگارد Eligard لسرطان البروستات<br />
املتقدم، واملوجودة اآلن في األسواق، هي أدوية نانوية<br />
.nanodrugs لكن هذه املواد الصيدالنية تهاجم بعض األورام<br />
فقط، وبالتالي فاملزيد من العالجات مطلوبٌ . والتطورات<br />
الالحقة في الهندسة سمحت للعلماء بتكوين بنية النواقل<br />
النانوية، بحيث تعمل بدقة أكبر ضد عرض أوسع من أمراض<br />
السرطان. ويبدو أن العالجات النانوية the nanotherapies<br />
اخلاضعة للتجريب اآلن - عبر حقنها وريديا - أكثر فاعلية<br />
في إزالة األورام.<br />
وأغلب هذه العالجات النانوية األحدث يُغلف لبا يحتوي<br />
على الدواء ضمن غمد ناعم مرصع بالگليكول عديد اإليثيلني<br />
،polyethylene glycol وهي مادة صناعية تقوم بدور عاملٍ<br />
حاجب. وهذا احلاجب هو غطاءٌ من جزيئات ماء جتذبها مادة<br />
الغمد the sheath material فتحيطه بسائل اجلسم املشترك.<br />
ويساعد املاء على إحصار الشحنات الكهربية للجزيئة والتي<br />
تنذر اجلهاز املناعي، وإال فإنها ستنذره بوجود مادة غريبة.<br />
وتغطي الدارئة the buffer السائلة أيضا حواف<br />
اجلسيمات النانوية ،the nanoparticles فتجعلها ملساء<br />
جدا لتؤمن جناتها من أي من احلراس التابعين للجهاز<br />
املناعي كاألضداد. ويساعد حجم اجلسيمات النانوية أيضا،<br />
وهو أكبر إلى حد ما من أدوية العلالج الكيميائي التقليدية،<br />
على ضمان عدم حتطيمها سريعا من قبل إنزميات اجلسم.<br />
ومقاومة التقويض )2( هذه متنح الدواء وقتا أكبر للوصول إلى<br />
الورم والقيام بعمله. فعلى سبيل املثال، إن أول دواء مرخص<br />
للمعاجلة النانوية nanotherapy للسرطان، واسمه دوكسيل<br />
،Doxil له عمر-النصف )3( half-life في مجرى الدم يسمح<br />
له بالبقاء ملدة أطول كثيرا من نظيره املستخدم في العالج<br />
الكيميائي التقليدي، وهو الدوكسوروبيسني doxorubicin<br />
)كالهما يُستعمالن في معاجلة سرطان املبيض(. وبتصميمه<br />
وغطائه الوقائي، فإن الشكل ذا احلجم النانوي ميتلك الفرصة<br />
األفضل للوصول إلى األورام من دون أن يُحطّ مه اجلسم.<br />
والقوام املرن األملس لألدوية األحدث من منط القذائف النانوية<br />
يسمح لها أيضا بتخطي إحدى العقبات النهائية: النظام البيئي<br />
الشاذ الكثيف للنسيج اخلبيث الذي ميكن أن تعلق فيه األشياء<br />
األكثر قساوة.<br />
ويقبع السلالح النهائي للجسيمات النانوية اجلديدة في<br />
أعماقها الداخلية. فاللب احملتوي على الدواء ميكن أن يتحطم<br />
باحلمض، ولذا فهو سيتحلل بسهولة ويحرر شحنة األدوية التي<br />
يحملها فقط عندما يترك البيئة املعتدلة للدم ويصل إلى مقصده<br />
الورمي الذي يحتوي على مستويات حمضية أعلى بكثير.<br />
ولتوجيه أفضل للنواقل النانوية نحو السرطان وبعيدا<br />
عن اخلاليا السوية، يحاول علماء آخرون إضافة بقع إلى<br />
سطوحها اخلارجية حتمل جزيئات مختارة من األضداد التي<br />
تنجذب إلى بروتينات تكون عادة غزيرة على خاليا السرطان.<br />
وبروتنٌ مثل مستقبل عامل النمو البشروي EGFR هو مثال<br />
على هذه البروتينات، وقد قام ]املهندس البيولوجي<br />
من جامعة كاليفورنيا في لوس أجنلوس[ بتجارب متهيدية<br />
نشرت عام 2013 في مجلة ،Advanced Materials وأظهرت<br />
هذه التجارب إمكانية تغليف اجلسيمات النانوية باألضداد<br />
DRUGS IN DISGUISE ()<br />
metastatic breast cancer )1(<br />
degradation )2(<br />
)3( الزمن الذي يستغرقه نصف كمية مادة مشعة ممتصة من نسيج حيّ أو من كائن حي<br />
كي تضمحل هذه املادة بشكل طبيعي هو ما يسمى عمر- النصف البيولوجي.<br />
15 (2015) 12/11
التي ترتبط بتلك البروتينات.<br />
وميكن أيضا بناء اجلسيمات النانوية للعمل كأدوية فعلية،<br />
وليس كمجرد ناقالت إليصال الدواء. وقد قام علماء في جامعة<br />
نورث ويسترن بابتكار جسيمات نانوية مصنوعة من وهدات<br />
من الذهب مرتبطة مبادة جينية - رنا - RNA منتقاة لقدرتها<br />
على كبت التعبير عن اجلينات املسببة للسرطان. وبسبب<br />
صغر حجم اجلزيئات، وعوامل أخرى بانتظار حتديدها،<br />
ميكن للجسيمات النانوية الذهبية املرصعة بالرنا اختراق<br />
أحد األماكن املعروفة بصعوبة وصول األدوية أال وهو الدماغ.<br />
فقد ذكر الباحثون في الشهر 2013/10 أنه ميكن للجسيمات<br />
النانوية أن تعبر احلاجز الدموي الدماغي في احليوانات، وهو<br />
شبكة دقيقة من األوعية الدموية الصغيرة، للمساعدة على<br />
قتال األورام الدماغية. وقد أحدثت هذه الطريقة انكماشا في<br />
احلجم اإلجمالي للورم عند القوارض، ولكنها ال تزال متوت<br />
من السرطان، كما يقول الباحث ]من جامعة نورث<br />
ويسترن[ ويضيف: »ما زالت قيدَ االستكشاف اآلليةُ الدقيقة<br />
لضبط هذه التقنية جلهة عبور احلاجز الدموي الدماغي. ومن<br />
احملتمل أن بنية اجلسيمات ترتبط بجزيئات مستقبلة على<br />
سطوح خاليا األوعية الدموية، فتساعد هذه املستقبالت على<br />
سحبها إلى الداخل.«<br />
وال تزال أنواع أخرى من اجلسيمات النانوية املصنوعة<br />
من احلموض النووية قيد الدراسة كمسابر ميكنها اكتشاف<br />
خاليا السرطان التي جتول في دم اإلنسان ]انظر اإلطار في<br />
ميين هذه الصفحة[. ويقود .Ch> A. مِ ركِ ن> ]الكيميائي من<br />
جامعة نورث ويسترن[ هذا املشروع، ويقول إن البحث قد<br />
يؤدي إلى جسيمات نانوية حتمل مواد كيميائية للتشخيص<br />
وأدوية للعلالج - رزمة هائلة قد تتمكن من إزالة خاليا<br />
سرطانية يصعب الوصول إليها قبل أن تنتشر إلى أماكن<br />
جديدة في اجلسم. ولن يكون ابتكار هذا النوع من القوة<br />
فائقة الدقة باألمر الهنِّ .<br />
A Flare for Cancer ()<br />
مستقبل<br />
الطب<br />
تَتَبُّع املرض<br />
)(<br />
تعليمة للسرطان<br />
جسيمات كروية تشخيصية من دنا DNA<br />
تبحث عن اخلاليا اخلبيثة وتعلمها.<br />
.J> .A كريش><br />
السرطان يسافر! فاألورام الكبيرة تنفصل عنها خاليا<br />
تتحرك عبر اجلسم لتبذر خباثات جديدة. ويحاول العلماء<br />
اآلن حتسين القياس النانوي لبناء جسيمات كروية غير<br />
اعتيادية مصنوعة من دنا - DNA جزيء مشهور بشكله<br />
اآلخر، احللز املضاعف - ميكنها إيجاد هذه اخلاليا<br />
الورمية وتعليمها وقتلها فعال.<br />
وتشبه هذه اجلسيمات الكروية قليال املسواكَ العالق<br />
في كرة صغيرة من الستايروفوم )البوليسترين القابل<br />
للتمدد( Styrofoam؛ واملسواك هو فعليا حشدٌ كثيفٌ من<br />
سالسل مفردة من الدنا تبرز من اللب املركزي. ويتم اختيار<br />
سالسل الدنا هذه بناءً على قدرتها على االرتباط بدنا مُتمم<br />
في خاليا السرطان. وعندما تتشكل الرابطة، فهي تزيح<br />
جزيئات دقيقة مصدرة للضوء ملتصقة بنهايات الدنا ضمن<br />
اجلسيم الكروي، فترسل بشكل أساسي تعليمة flare<br />
ضوئية تشير إلى وجود سرطان. وتتناسب شدة الضوء مع<br />
نسبة الدنا السرطاني، كما يقول .Ch> A. مِركِن> ]الكيميائي<br />
ومدير املعهد الدولي للتقانة النانوية من جامعة نورث<br />
ويسترن[ الذي قاد البحث.<br />
وحتدث هذه اللقاءات في عينة دم مريض. وعندما تدخل<br />
هذه اجلسيمات إلى اخللية، تتحرك خالل مسامات في<br />
غشاء اخللية إلى داخلها. وألن اجلسيمات الكروية ذات<br />
مساحة سطحية أكبر من األشكال األخرى، فإن فرصة الدنا<br />
التي تشكل احلافة اخلارجية في مصادفة دنا السرطان<br />
واالرتباط به أكبر كثيرا من فرصة السالسل املعزولة.<br />
»وترتبط احلموض النووية الكروية باحلموض النووية<br />
األخرى بقوة أكبر بنحو 100 مرة،« حسب قول .<br />
ويجري اآلن استخدام جسيمات الكروية<br />
،Mirkin’s spheres التي تدعى أيضا التعليمات النانوية<br />
،Nanoflares في مستشفيات للتشخيص السريع للسرطان.<br />
وتصطاد أنظمةٌ أخرى خاليا الورم امليتة استنادا إلى<br />
بروتينات على سطوحها اخلارجية، ولكن، وألن هذه<br />
اجلسيمات الكروية متُ يز اخلاليا احلية، وفق ،<br />
فعلى العلماء اختبار طريقة استجابة اخلاليا ملختلف<br />
األدوية وتصميم معاجلات شخصية استنادا إلى النتائج.<br />
Joshua .A Krisch كاتب علمي من مدينة نيويورك.<br />
مراجع لالستزادة<br />
Nanoparticle PEGylation for Imaging and Therapy. Jesse V. Jokerst et al. in<br />
Nanomedicine, Vol. 6, No. 4, pages 715–728; June 2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/<br />
articles/PMC3217316<br />
Nanomedicine: Towards Development of Patient-Friendly Drug-Delivery Systems for<br />
Oncological Applications. R. Ranganathan et al. in International Journal of<br />
Nanomedicine, Vol. 7, pages 1043–1060. Published online February 23, 2012. www.ncbi.<br />
nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3292417<br />
Progress of Drug-Loaded Polymeric Micelles into Clinical Studies. Horacio Cabral and<br />
Kazunori Kataoka in Journal of Controlled Release, Vol. 190, pages 465–476;<br />
September 28, 2014.<br />
2015<br />
(2015) 12/11<br />
16
طب النانو قريبا<br />
ضمادٌ أذكى<br />
)(<br />
لن تكون املواد اجلديدة مجرد غطاء بسيط<br />
للجروح، إنها ستنذر األطباء باملشكالت<br />
فيها وتوصل األدوية إليها.<br />
<br />
A SMARTER BANDAGE ()<br />
COMING UP FOR AIR ()<br />
(1) Evans :Coron الكيميائي من كلية هارڤارد الطبية ومركز ويلمان للطب الضوئي<br />
photomedicine في مستشفى ماساتشوستس العام.<br />
لقد عولج جيدا اجلنود املصابون بعد عودتهم من القتال<br />
في أفغانستان؛ ففي مركز سان أنطونيو الطبي العسكري<br />
بتكساس، قام اجلراحون بتطعيم نسيج سليم بعناية فائقة<br />
على حروقهم وجروحهم باستخدام جراحة مجهرية<br />
microsurgery لوصل أوعيتهم الدموية باجللد اجلديد. لكن<br />
املرضى ما زالوا يواجهون عدم يقينية التحسن، فاألوعية قد<br />
ال تزود األكسجن مبا يكفي لنجاح الطعوم.<br />
وعندما زار )1( سان أنطونيو في عام 2010<br />
ورأى هؤالء اجلنود، أدرك أن التقنيات التقليدية ملراقبة<br />
مستويات األكسجن لم تعمل بشكل جيد جدا، وأنها غالبا<br />
ما أخفقت في إعطاء حتذير كاف عند فشل الطعم. ويقول<br />
: »ما فعله هؤالء األطباء مذهلٌ حقا، لكن املشعرات<br />
التي ميتلكونها ليست قاطعة.«<br />
ولذلك صمم ضمادا أفضل، فقد بدأ مع زمالئه<br />
بصباغات تتفاعل مع املستويات املختلفة من األكسجن،<br />
وأضافوا جزيئات نانوية احلجم تضبط فاعلية الصباغ،<br />
واستخدموها لتكوين ضماد سائل يشير إلى صحة اجلرح<br />
الذي يغطيه. وفي هذا الصدد، يقول : »إن الضماد<br />
يتغير لونه، كضوء عابر، من األخضر عبر األصفر والبرتقالي<br />
إلى األحمر وذلك حسب كمية األكسجن املزود.« وبعد جناح<br />
التجارب على الضماد السائل اجلديد على حيوانات املختبر<br />
في عام 2014، تقرر بدء التجارب على البشر في هذا العام.<br />
وباستغالل اإلمكانات املكتشفة حديثا على معاجلة مواد<br />
يصل صغر حجمها إلى بضعة أجزاء من البليون من املتر،<br />
ال يستطيع علماء مثل حتسن التقييمات الصحية<br />
السريعة فحسب، بل ميكنهم أيضا حتويل ضمادات اجلروح<br />
إلى أنظمة دقيقة إليتاء األدوية. وتقول ]الكيميائية<br />
من املعهد :]MIT »تؤدي التقانة النانوية دورا كبيرا من خالل<br />
قدرتها على ضبط الكميات املتحررة وكذلك مدى جودة<br />
الصياغات املطلوب وصولها إلى منطقة اجلرح.« ولهذه الدقة<br />
ميزةٌ كبيرة مقارنةً مبجرد طالء أجزاء من اجلسم بأدوية لن<br />
يصل إال القليل منها إلى هدفه.<br />
)(<br />
خروج إلى الهواء<br />
يعاني أكثر من ستة مالين شخص في الواليات املتحدة سنويا<br />
سوءَ اندمال اجلروح، مع تكاليف طبية تقدر بنحو 25 بليون<br />
دوالر. منوذجيا يقوم األطباء بلصق إلكترودات إبرية needle<br />
oxygenation بالنسيج املصاب لقياس مدى أكسجة electrodes<br />
هذا النسيج، لكن اإلبر قد تكون مؤملة وتُعطي قراءات من نقطة<br />
واحدة فقط من جرح كبير. أما ضماد ، فيمكن أن<br />
يُعطي خريطة فورية لألكسجن في اجلرح بكامله.<br />
ويعتمد ضماد على صباغين ممزوجن في<br />
ضماد سائل سريع اجلفاف ميكن فرشه على اجلروح. وأي<br />
هبّةٍ قصيرة للضوء األزرق تُنشِّ ط الصِ باغن فيومضان: يعطي<br />
الصباغ األول توهجات حمراء ناصعة، واآلخر توهجات<br />
ميكن حتويل ضمادات اجلروح إلى أنظمة دقيقة إليتاء<br />
األدوية مبعاجلة مواد بحجم بضعة أجزاء من البليون من املتر<br />
)نانومترات .)nanometers<br />
ومتكِّن التقانة النانوية الباحثن من وضع األدوية في<br />
»شطائر« بن طبقتن من الضماد، وضبط مدى إطالقها.<br />
باختصار<br />
وميكن للضمادات احلساسة كشف حاالت اجلروح اخلطيرة.<br />
وميكنها أيضا إطالق جزيئات تعيق بروتينات مسببة ملشكالت.<br />
وميكن وضع أدوات صغيرة ذات طبقات في شراين<br />
القلب، وتؤدي إذابة طبقات إلى إطالق دنا DNA لبروتن يساعد<br />
على إعادة بناء األوعية الدموية املتضررة.<br />
17 (2015) 12/11
مستقبل<br />
الطب<br />
سيظهر الضماد باللون<br />
األخضر إذا كان نسيج<br />
اجلرح مغمورا باألكسجني<br />
وصحيّا. أما إذا حرمت<br />
مناطق من اجلرح من<br />
األكسجني، فستلمع من خالل<br />
الضماد بقعٌ باللون األصفر<br />
والبرتقالي، ومن ثم باللون<br />
األحمر املنذر باخلطر.<br />
DRUG-DELIVERY DRESSING ()<br />
a dendrimer, a treelike molecule )1(<br />
)2( شبكة صغيرة من التغصنات.<br />
small interfering RNAs )3(<br />
)4( أو: محارات.<br />
)5( أو: مكثور.<br />
layer-by-layer )6(<br />
2015<br />
املؤلف<br />
Mark Peplow<br />
صحافي علمي من كامبريدج بإنكلترا.<br />
خضراء. وتعمل جزيئات األكسجن على إطفاء ومضان الصباغ<br />
األحمر، ولذا سيبدو الضماد أخضر اللون إذا كان النسيج<br />
املجاور مغمورا باألكسجن وصحيا. أما إذا حُ رِ مت مناطق من<br />
اجلرح من األكسجن، فستلمع من خالل الضماد بقعٌ باللون<br />
األصفر فالبرتقالي، ومن ثم األحمر املنذر باخلطورة.<br />
ومفتاح اإلنذار هو إضافة نانوية احلجم إلى جزيئات<br />
الصباغ األحمر. وقد قَرَنَ كالًّ من هذه اجلزيئات<br />
بجزيء تغصني شبيه بالشجرة )1( له بنية متفرعة متتد نحو<br />
2 نانومتر. ومتنع هذه األجمةُ)2( thicket اجلزيئيةُ اجلزيئاتِ<br />
املتجاورة من التداخل وإخماد إحداها<br />
للومضان الفسفوري لآلخر. كما متنع<br />
هذه اجلزيئات بعض جزيئات األكسجن،<br />
وليس كلها، من الوصول إلى الصباغ؛<br />
وابتداء من املستويات األدنى جتعل أي<br />
تغيير أكثر وضوحا.<br />
وفي املستشفى، يفترض أن يُنذر<br />
اللونُ األحمر التحذيري املمرضةَ لتصوير<br />
الضماد، واألطباءَ حملاولة حتسن توزع<br />
الدم واألكسجن في مواضع االضطراب.<br />
ومن حيث املبدأ، ميكن أن يُعمَل الضماد<br />
في املنزل، يقول : »ميكن للمرضى أن يأخذوا لقطات<br />
من ضماداتهم اخلاصة ويرسلوها إلى الطبيب للتقييم.«<br />
لقد ابتكر فريق صباغات بديلة أيضا أكثر<br />
كفاءة في حتويل الضوء األزرق إلى أحمر. ويقول :<br />
»ضمادنا اجلديد المعٌ جدا بحيث متكن رؤيته بتحميل صباغي<br />
منخفض جدا، في غرفة مضاءة بضوء الشمس«. ويضيف:<br />
»في املستقبل، ميكن هندسة الضماد ليقوم حتى بتوزيع أدوية<br />
عالجية على اجلروح.«<br />
)(<br />
ضماد إيصال األدوية<br />
وفي مختبر ، قام الباحثون فعال بتحميل الضمادات<br />
مبواد عالجية مهندسة نانويا. وقد طوروا طالءات تطلق ببطء<br />
جزيئاتٍ من رنا RNA أو بروتينات ميكنها إيقاف نشاطات<br />
خلوية معينة قد تعيق شفاء اجلروح. وميكن لبعض جزيئات<br />
رنا، وتسمى جزيئات الرنا التدخلية الصغيرة )3( ، أن تعيق،<br />
على سبيل املثال، مقدرة جينات تؤدي إلى بروتينات مسببة<br />
لبعض املشكالت.<br />
لقد غلف فريق بعض جزيئات رنا هذه ضمن<br />
»قذائف« )4( من فوسفات الكالسيوم يبلغ عرض كل منها نحو<br />
200 نانومتر، ثم حصروا هذه القذائف، كشطيرة، بن طبقتن<br />
من پوليمر )5( polymer مشحون إيجابيا ومصنوع من جزيئات<br />
حيوية، ومن ثم دهنوا أحد جانبي هذه الشطائر بصلصال<br />
مشحون سلبيا. )تؤدي الشحنات املتعاكسة إلى التصاق<br />
الطبقات فيما بينها.( وتكديس حتى 25 من هذه الشطائر<br />
شَ كَّل غطاء تصل سماكته نحو نصف ميكرون، وضعه مختبر<br />
على ضماد نايلون تقليدي.<br />
وألن اإلنزميات الطبيعية في اجلسم حتطّ م الطبقات، تُفرغ<br />
الضمادةُ جزيئاتِ الرنا إلى اجلرح على مدى أسبوع. واإلطالق<br />
الثابت البطيء ميكن أن يُخفّض التأثيرات اجلانبية التي قد<br />
تسببها اجلرعة املفردة الكبيرة من الدواء<br />
التقليدي؛ كما ميكن أن تضمن هذه الطريقة<br />
في اإلطالق معاجلةً ثابتة للجروح.<br />
استعملت أيضا ما يسمى<br />
تغطية طبقة - طبقة )6( لتزويد بروتن<br />
عالجي يساعد على شفاء اجلرح في<br />
الفئران املصابة بداء السكري. إن هذا<br />
البروتن متوفر أصال على شكل مرهم،<br />
لكنها تقول إن صياغته ليست فعالة<br />
جدا - فبعد إيتائه دفعة أولية ضخمة<br />
من البروتين، يبهت نشاطه خالل 24<br />
ساعة. باملقابل، فضماد يسمح باستدامة تدفق<br />
ثابت على مدى خمسة إلى سبعة أيام لصيانة اجلرعة املثلى<br />
من البروتن.<br />
وميكن الستراتيجية طبقة - طبقة أن حتسن املعاجلات<br />
ملرض آخر: مرض الشريان التاجي )اإلكليلي( الذي يسببه<br />
تراكم لويحة في األوعية الدموية التي حتمل الدم خالل عضلة<br />
القلب. وتتضمن املعاجلة عادة توسيع الشريان ببالون قابل<br />
للنفخ وإبقائه مفتوحا بإدخال إنبوب صغير من شبكة من<br />
الفوالذ املقاوم للصدأ يعرف بالدعامة .stent وتأتي بعض<br />
الدعامات محملةً بجزيئات عالجية ملنع الشريان من التضيق<br />
ثانية، لكن املرضى حينها يجب أن يأخذوا أدوية أكثر خلفض<br />
(2015) 12/11<br />
18
Gentle on the Heart ()<br />
)1( implants؛ أو: زروعات.<br />
soft electronics )2(<br />
االختطارات املرتبطة بهذه العملية، أيْ خثرات الدم blood<br />
clots التي ميكن أن تتحرّر من املنطقة.<br />
ومعاجلة الشريان بجرعات من دنا يتم إيصالها بعناية<br />
بوساطة أدوات ذات طلالءات نانوية القياس nanoscale<br />
ميكن أن توفر حالًّ أفضل وفق ما يقول ]الكيميائي<br />
من جامعة ويسكونسن-ماديسون[. ففي داخل اجلسم،<br />
ميكن أن يجعل الدنا اخلاليا تنتج بروتينا يساعد على ثباتية<br />
جدران األوعية الدموية وإعادة بنائها. وإليصال مثل هذه<br />
املعاجلات اجلينية في الزمان واملكان املطلوبن بالضبط، قام<br />
بطالء الدعامات stents بطبقات متعاقبة من دنا وپوليمر<br />
)مكثور( قابل للتدرك احليوي ،biodegradable وتبلغ سماكة<br />
كل من هذه الطبقات عدة نانومترات. وبتغيير عدد الطبقات،<br />
ميكن أن يضبط الباحثون كمية الدنا املنطلقة إلى جدران<br />
األوعية الدموية. وقد أظهرت التجارب على اخلنازير أن الدنا<br />
اخترق تدريجيا النسيج احمليط في أثناء األيام التالية بعد<br />
زرع الدعامة. وتُظهِ ر اختبارات أخرى أن الضبط الدقيق<br />
لتصميم الطالء ميكن أن يغير معدل اإلطالق؛ يقول :<br />
»لدينا اآلن ضبط معقول يسمح لنا بتحديد مدة اإلطالق من<br />
ثوان إلى شهور، وذلك من خالل تعديل بنية الپوليمر أو<br />
طريقة جتميع الفيلم«.<br />
وميكن تكييف الهندسة النانوية األساسية وراء هذه<br />
االختراعات لتناسب تشكيلة واسعة من التطبيقات األخرى.<br />
ويستعمل طالءات پوليمرية إليصال جزيئات حيوية<br />
تُسمى پپتيدات peptides تُقاطع »احملادثات الكيميائية«<br />
بن اجلراثيم. وبفصلها عن بعضها، ال تستطيع اجلراثيم<br />
االنضمام لتشكيل الطبقات احليوية القاسية التي تقاوم فصلها<br />
باملضادات احليوية. ويستخدم ، من جهته، صباغاته<br />
الفسفورية في عينات األنسجة لتمييز اخلاليا الورمية قليلة<br />
األكسجن، والتي ميكن أن تكون خصوصا مقاومة للعالج<br />
الكيميائي، ويخطط الختبار التقنية على احليوانات<br />
في وقت الحق من عام 2015. وميكن أن تستخدم مقاربة<br />
الصباغات أيضا لكشف وجود البكتيريا املعدية في نسيج<br />
اجلرح أو كشف أنواع أخرى من اجلزيئات. »حقا، اكتشافات<br />
بال حدود،« على حد قول .<br />
مراجع لالستزادة<br />
Polyelectrolyte Multilayers Promote Stent-Mediated Delivery of DNA to Vascular Tissue.<br />
Eric M. Saurer et al. in Biomacromolecules, Vol. 14, No. 5, pages 1696–1704; May 13, 2013.<br />
Nanolayered siRNA Dressing for Sustained Localized Knockdown. Steven Castleberry in<br />
ACS Nano, Vol. 7, No. 6, pages 5251–5261; June 25, 2013.<br />
Surface Coatings That Promote Rapid Release of Peptide-Based AgrC Inhibitors for<br />
Attenuation of Quorum Sensing in Staphylococcus aureus. Adam H. Broderick et al. in<br />
Advanced Healthcare Materials, Vol. 3, No. 1, pages 97–105; January 2014.<br />
Click-Assembled, Oxygen-Sensing Nanoconjugates for Depth-Resolved, Near-Infrared<br />
Imaging in a 3 D Cancer Model. Alexander J. Nichols in Angewandte Chemie<br />
International Edition, Vol. 53, No. 14, pages 3671–3674; April 1, 2014.<br />
Non-Invasive Transdermal Two-Dimensional Mapping of Cutaneous Oxygenation with a<br />
Rapid-Drying Liquid Bandage. Zongxi Li in Biomedical Optics Express, Vol. 5, No. 11,<br />
pages 3748–3764; November 1, 2014.<br />
غرسات )1( حاسوبية<br />
)(<br />
لطيفٌ على القلب<br />
دارات كهربية ناعمة ال متزق<br />
اللحم وتغلف األعضاء احليوية وتراقبها.<br />
كانت مالءمة األجهزة في عالم اإللكترونيات للحم<br />
البشر الطري ضعيفة، فالدارات الصلبة ليست قابلة<br />
لالنثناء مبا يناسب أعضاء اجلسم املرنة، وحوافها<br />
القاسية متزق األنسجة الرخوة. وهذه املشكلة حدّت كثيرا<br />
من اجلهود املبذولة لتحسين أدوات مثل قثاطر catheters<br />
تنقية الشراين عبر إضافة آليات الضبط والدقة. وقد يدعم<br />
السيليكون صناعة احلواسيب بالكامل، لكنه هشٌّ جدا.<br />
ومع ذلك، فحتى أكثر املواد قساوة تصبح مرنة إذا<br />
جعلتها رقيقة مبا فيه الكفاية، حسب قول ]أحد<br />
علماء املواد من جامعة إيلينويز في أوربانا-شامبن[. إنه<br />
يبني وريقات إلكترونية قابلة للتمدد بسماكة 10 نانومترات<br />
فقط، ألدوات ميكن أن توضع ضمن أعضاء كالقلب أو<br />
حولها، وتقوم بوظائفها من دون أن تسبب أي أذى.<br />
ويدعوها »إلكترونيات ناعمة )2( .«<br />
ويجب أن تستخدم الدارات التي يصممها <br />
موصالت عالية الدقة مثل السيليكون ونتريدات الگاليوم<br />
gallium؛ nitride ألنها يجب أن تؤمن النقل التناوبي إلشارات<br />
احلاسوب من دون خلل. ولاللتفاف على ميل السيليكون<br />
إلى االنكسار عند ثنيه، استخدم الهندسة<br />
النانوية لترقيق املادة مع احلفاظ على قدرتها التوصيلية.<br />
فمع تنعيمه إلى نحو 10 نانومترات، يصبح السيليكون<br />
كرباط مطاطي أكثر من كونه شبيها بالزجاج.<br />
لقد جنح في اختبار فعلي على احليوانات<br />
لغشاء مرن مُضمَّن باإللكترونيات وميكنه أن يلتف حول<br />
القلب النابض ملراقبة النظميات rhythms الشاذة. وإذا<br />
واصلت االختبارات إظهار جناحات، فإنه يتصور إضافة<br />
مراقبات إلكترونية إلى أدوات فتح الشراين، كقثطارات<br />
بالونية ،balloon catheters بحيث ميكنها حتسس األجزاء<br />
املتضيقة من األوعية الدموية. ويقول : »أدوات<br />
ميكانيكية صماء ميكن أن تصبح هذه األدوات أدوات<br />
جراحية متطورة.«<br />
.J> .A كريش><br />
19 (2015) 12/11
مستقبل<br />
الطب<br />
الطب النانوي في العقود القادمة<br />
إطالق اإلنساالت<br />
النانوية!<br />
املؤلف<br />
Larry Greenemeier<br />
محرر مشارك في مجلة ساينتفيك أمريكان.<br />
من مواد متوافقة مع احلياة أو من معادن مغنطيسية أو حتى<br />
من خييطات filaments من دنا: وقد اختيرت هذه املواد كلها<br />
بعناية استنادا إلى خصائصها املفيدة في مقاساتها الذرية،<br />
إضافة إلى قدرتها على اجتياز دفاعات اجلسم من دون<br />
تخريبها ومن دون إثارة أي أذى خلوي.<br />
ومع أن احتمال أن يحتاج إجناز هذه الرؤية إلى عقدٍ أو<br />
اثنين من الزمن، بدأ الباحثون في الطب بالتصدي لبعض<br />
املشكالت التقنية. وأحد التحديات األكبر هو التأكد من أن<br />
هذه األدوات النانوية the nanodevices ستصل إلى هدفها<br />
في اجلسم.<br />
)1(<br />
)(<br />
قد يأخذ التغلب على التحديات التقنية<br />
كلها 20 عاما أو أكثر، لكن اخلطوات األولى<br />
نحو الطب املضبوط عن بعد قد بدأت.<br />
<br />
2015<br />
(2015) 12/11<br />
يتضمن املستقبل بعيد املدى، كما يتصوره باحثو الطب<br />
النانوي، عوامل عالجية مذهلة فائقة الدقة تبحر بذكاء بقوتها<br />
اخلاصة إلى هدف معن، وفقط إلى ذاك الهدف في أي مكان من<br />
اجلسم. وعند وصولها، قد تعمل هذه املكنات ذاتية التوجيه<br />
self-guided وفق أي عدد من الطرق - ابتداء بإيصال حمولتها<br />
الدوائية الطبية وصوال إلى إعطاء فكرة آنية عن كل جديد<br />
يطرأ على حالة عملية مكافحة املرض التي تقوم بها. ومن<br />
ثم، وبعد إجناز مهمتها، ستتدرّك حيويّا biodegrade بأمان<br />
ليكون األثر الذي تتركه وراءها زهيدا أو معدوما. وسيجري<br />
تكوين هذه األدوات، التي تسمى إنساالت نانوية ،nanobots<br />
)(<br />
قوة موجية<br />
إن معظم األدوية املوجودة في األسواق اليوم تعوم بسهولة<br />
عبر اجلسم ضمن مجرى الدم، سواء بعد حقنها مباشرة<br />
إلى الدم، أم بعد امتصاصها إلى مجرى الدم من السبيل<br />
املَعِ دي املعوي the gastrointestinal في حالة حبوب األدوية.<br />
لكن هذه األدوية ال تسير إلى حيث احلاجة إليها فحسب،<br />
بل أيضا إلى أماكن من اجلسم قد تسبب مضاعفات غير<br />
مرغوب فيها. وباملقابل، فاألدوية النانوية املتطورة ستكون<br />
مصممة لكي تُوجّ ه إلى ورم ما أو إلى موقع مشكلة آخر،<br />
حيث تطلق حمولتها الدوائية؛ مما يخفض فرص حدوث<br />
آثار جانبية.<br />
إن احلقول املغنطيسية واملوجات فوق الصوتية هي أبرز<br />
الطرق املرشحة لتوجيه األدوية النانوية على املدى القريب،<br />
حسبما يقول ]رئيس قسم الهندسة النانوية<br />
وأستاذ متميز من جامعة كاليفورنيا في سان دييگو[. ففي<br />
املقاربة املغنطيسية، يقوم الباحثون بتضمن جسيمات نانوية<br />
من أكسيد احلديد أو النيكل، على سبيل املثال، ضمن دواء<br />
معن. وبعد ذلك يستعملون مصفوفة من مغنطيسات دائمة<br />
موضوعة خارج فأر أو غيره ليدفعوا أو يسحبوا الدواء<br />
)2(<br />
املعدني عبر اجلسم إلى املوقع املختار، من خالل دولبة<br />
حقول مغنطيسية مختلفة. أما في حالة املوجات فوق الصوتية،<br />
فقد وجه الباحثون موجات صوتية إلى فقاعات نانوية حاوية<br />
LAUNCH THE NANOBOTS! ()<br />
WAVE POWER ()<br />
)1( إنساالت جمع إنسالة، وهي نحت من إنسان-آلة.<br />
manipulating )2(<br />
20<br />
باختصار<br />
في يوم من األيام سيسافر أسطول من األدوية واألدوات<br />
النانوية إلى أي مكان يحتاج إلى أن تصل إليه داخل اجلسم<br />
بقوتها الذاتية، مستخدمة محركات وأنواع وقود متوافقة<br />
بيولوجيا للوصول إلى ضالتها.<br />
بيد أن الباحثين يجب أن يتعلموا، قبل أن يأتي ذلك<br />
اليوم، كيف سيصممون هذه املركَّبات بحيث تتحرك دون أذية<br />
ألي من الوظائف احليوية السوية أو تدخل فيها.<br />
وعلى املدى القريب، يقوم العلماء بتوليد حقول مغنطيسية<br />
وموجات فوق صوتية لدفع اجلسيمات النانوية إلى املناطق املستهدفة.<br />
ولكن مثل هذه الطرق ال تستطيع النفاذ عميقا في اجلسم.<br />
اإلنساالت النانوية املصنوعة من الدنا DNA هي بديلٌ<br />
آخر. وبعض هذه املركّبات مصممة لتعمل كصناديق تفتح وتطلق<br />
شحنتها في ظروف نوعية فقط.
AUTONOMOUS NANOMEDS ()<br />
مراجع لالستزادة<br />
Motion Control at the Nanoscale. Joseph Wang and Kalayil Manian Manesh in Small, Vol. 6,<br />
No. 3, pages 338–345; February 5, 2010.<br />
Designer Nucleic Acids to Probe and Program the Cell. Yamuna Krishnan and Mark Bathe<br />
in Trends in Cell Biology, Vol. 22, No. 12, pages 624–633; December 2012.<br />
Remotely Activated Mechanotransduction via Magnetic Nanoparticles Promotes<br />
Mineralization Synergistically with Bone Morphogenetic Protein 2: Applications for<br />
Injectable Cell Therapy. James R. Henstock et al. in Stem Cells Translational Medicine,<br />
Vol. 3, No. 11, pages 1363–1374; November 2014.<br />
Scientific American, April 2015<br />
للدواء، مما تسبب بتفجيرها بقوة كافية تسمح حلمولة الفقاعة<br />
بالنفاذ عميقا ضمن النسيج أو الورم املستهدف.<br />
لقد أضاف باحثون طبيّون من جامعتي Keele<br />
و Nottingham بإنكلترا، إلى مقاربتهم املغنطيسية في العمل<br />
الذي استهدف شفاء عظام مكسورة. فقد ربطوا جسيمات<br />
أكسيد احلديد النانوية بخاليا جذعية فردية ثم حقنوا<br />
املستحضر في بيئتن جتريبيتن مختلفتن: عظم فخذ دجاج<br />
جنيني ودعامة عظمية صنعية من هالمات الكوالجن املائية<br />
املهندسة نسيجيا. ومبجرد وصول اخلاليا اجلذعية إلى<br />
الكسر، استخدم الباحثون حقال مغنطيسيا خارجيا مذبذبا<br />
لتحريك اإلجهاد امليكانيكي سريعا على اجلسيمات النانوية<br />
التي تنقل بدورها القوة إلى اخلاليا اجلذعية. وقد ساعد هذا<br />
النوع من اإلجهاد امليكانيكي احليوي اخلاليا اجلذعية على<br />
التمايز بفاعلية أكبر إلى نسيج عظمي. وقد حدث منو عظمي<br />
جديد في كلتا احلالتن على الرغم من أن الشفاء اإلجمالي<br />
كان متفاوتا. ويأمل الباحثون في النهاية بأن إضافة عوامل<br />
النمو املختلفة إلى اخلاليا اجلذعية املرصعة بأكسيد احلديد،<br />
ستجعل عملية التصليح أيسر، كما يقول <br />
]الباحث املشارك بعد الدكتوراه في الطب من معهد كيلي<br />
للعلوم والتقانة[.<br />
)(<br />
أدوية نانوية مستقلة ذاتيا<br />
وتتمثل العوائق األساسية للمقاربات املغنطيسية والصوتية<br />
باحلاجة إلى توجيه خارجي - وهو مرهق - وفي حقيقة<br />
محدودية نفاذ احلقول املغنطيسية واملوجات فوق الصوتية في<br />
اجلسم؛ ميكن التغلب على هذه املشكالت بتطوير »مُحرِّكات<br />
دقيقة مستقلة ذاتيا« إليصال احلمولة العالجية.<br />
وستعتمد مثل هذه احملركات الدقيقة على التفاعالت<br />
الكيميائية للدفع، لكن السُّ مّيّة toxicity قضية مطروحة. فعلى<br />
سبيل املثال، ستولد أكسدة الگلوكوز، جزيء السكر املوجود<br />
في الدم، بيروكسيد الهدروجن الذي ميكن استخدامه كوقود.<br />
لكن الباحثن يعرفون من قبل أن هذه املقاربة اخلاصة لن<br />
تعمل على املدى الطويل؛ فبيروكسيد الهدروجن يتلف النسيج<br />
احلي، والگلوكوز في اجلسم ال يُنتِج من بيروكسيد الهدروجن<br />
ما يكفي لتشغيل احملركات الدقيقة. وتعتمد اجلهود الواعدة<br />
أكثر على استخدام مواد أخرى موجودة بشكل طبيعي، مثل<br />
حمض املعدة )للتطبيقات في املعدة( أو املاء )الوفير في الدم<br />
واألنسجة(، كمصادر تشغيلية.<br />
بيد أن املالحة املضبوطة بهذه األدوات ذاتية الدفع قد<br />
تكون عقبة أكبر. فمجرد أن تتمكن اجلسيمات النانوية من<br />
احلركة في أي مكان<br />
ال يعني أنها سترحل<br />
بالضرورة إلى حيث<br />
يريد الباحثون بالضبط.<br />
فالتسيير املستقل ذاتيا<br />
ليس خيارا بعد، لكن قد<br />
يكمن احلل في التأكد<br />
من أن األدوية النانوية<br />
تصبح فاعلة فقط عندما<br />
جتد نفسها في البيئة<br />
الصحيحة.<br />
وإلجناز هذه احليلة، بدأ باحثون بابتكار آالت نانوية<br />
nanomachines غير األشكال التخليقية للدنا. فبتطبيق<br />
وحيدات اجلزيء بطريقة جتعل شحناتها الكهربية جتبرها<br />
على التطوي في هيئة خاصة، ميكن للعلماء هندسة البنى<br />
ألداء املهام املختلفة. فعلى سبيل املثال، ميكن لبعض شدف<br />
الدنا أن تطوي ذاتها ضمن حاويات ستفتح وتطلق محتواها<br />
فقط عندما تصادف الرزمة بروتينا مهما في عملية املرض أو<br />
تصادف الظروف احلمضية داخل الورم، حسبما تقول<br />
]أستاذة الكيمياء من جامعة شيكاغو[.<br />
تتصور وزمالؤها كيانات أكثر تقدما من وحدات<br />
بنائية مصنوعة من الدنا الذي ميكن برمجته للمهام املختلفة<br />
كالتصوير أو حتى جتميع إنساالت نانوية أخرى. ولكن الدنا<br />
التخليقي عالي التكلفة حتى اآلن، إذ تصل تكلفته إلى نحو 100<br />
ضعف من تكلفة املواد التقليدية األكثر استعماال في إيصال<br />
األدوية؛ ولذا، فسعره مينع شركات األدوية حتى اآلن من<br />
االستثمار فيه كمرشح للمعاجلات، حسب قول .<br />
وقد يكون هذا كله بعيدا كل البعد عن بناء أسطول<br />
الغواصات الذكية التي تُذكّرنا بغواصة پروتيوس Proteus في<br />
فيلم Fantastic Voyage في عام 1966. ومع ذلك، فاإلنساالت<br />
النانوية تتحرك أخيرا في ذلك االجتاه. ><br />
21 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
)(<br />
والدة صاروخ<br />
هل منظومة اإلطالق الفضائية، التابعة لوكالة الطيران<br />
والفضاء األمريكية، هي جزء طائر من أموال الكونگرس السياسية،<br />
أم إنها أفضل فرصة لنا إلرسال إنسان إلى الفضاء السحيق؟<br />
.D> .H فريدمان><br />
(2015) 12/11<br />
في أعماق داخل منشأة عمالقة، ولكنها شبه مغمورة<br />
تابعة لوكالة الطيران والفضاء األمريكية )ناسا ،)NASA<br />
تقوم فرق عمل منذ سنوات عدة بتنفيذ مهام فضائية<br />
حتاكي مهام حقيقية إلى حد بعيد. وهذه ليست نظرية<br />
مؤامرة، بل هي احلكاية البائسة ملنشأة ميتشود<br />
للتجميع )1( التابعة لوكالة ناسا، وهي مجمع صناعي يقع<br />
في نيو أورليانز حيث بَنَت وكالة الفضاء أكبر صواريخها<br />
طوال العقود السابقة.<br />
وبعد آخر حتليق ملكوك الفضاء في عام 2011، أُجِّ رَت<br />
مرافق ميتشود الضخمة الشبيهة بالعنابر إلى استوديوهات<br />
)2(<br />
هوليوود، وذلك بغية إيواء بعض أعمال إنتاج فيلم لعبة إندر<br />
وغيره من أفالم اخليال العلمي.<br />
إال أن عددا كبيرا من مهندسي ناسا وغيرهم من<br />
العاملين انخرطوا في اآلونة األخيرة في إنتاج مهم جديد<br />
هنا يتمثل مبتابعة أعظم أيام الوكالة اخلاصة بتحليق<br />
فضائي بشري. وعادت منشأة ميتشود إلى صناعة<br />
الصواريخ، لتكون مصنعا ألكبر املركبات الفضائية التي<br />
يجري بناؤها وأكثرها طموحا على اإلطلالق: منظومة<br />
اإلطالق الفضائية (SLS) )3( .<br />
واملنظومة SLS هي صاروخ تأمل ناسا بأن يحمل طاقما<br />
من رواد الفضاء من القاعدة Cape Canaveral بفلوريدا إلى<br />
سطح املريخ في رحلة تدوم سنة تقريبا، مع شحنة من<br />
مهاجع اإلقامة والعربات واإلمدادات التي سوف يحتاجون<br />
إليها للبقاء بضعة أسابيع على األقل متنقلن عبر األتربة<br />
الصدئة هناك. وما زالت تلك املهمة بعيدة عن موعدها بنحو<br />
25 سنة، لكن من حن إلى آخر، ميكن للمنظومة SLS أن<br />
حتمل أشخاصا إلى قمر األرض وإلى أحد الكويكبات<br />
،asteroid وأن ترسل مسبارا probe للبحث عن حياة, مثال<br />
على يوروپا ،Europa أحد أقمار املشتري. إنه مشروع غير<br />
مسبوق للترحال بن الكواكب، وهو أكثر املشاريع التي<br />
أخذتها ناسا على عاتقها جرأة.<br />
فلماذا يبدو أن كثيرا من الناس يكرهون هذا<br />
املشروع؟<br />
BIRTH OF A ROCKET ()<br />
Michoud Assembly Facility )1(<br />
Ender’s Game )2(<br />
the Space Launch System )3(<br />
”rocket to nowhere” )4(<br />
22<br />
باختصار<br />
بعد إلغاء برنامج كنستِ ليشن الذي كان خلفا ملكوك<br />
الفضاء لدى ناسا، قررت الواليات املتحدة االعتماد على متعاقدين<br />
من القطاع اخلاص للوصول إلى مدار منخفض حول األرض،<br />
وأخذت على عاتقها بناء صاروخ خاص بها، أي منظومة<br />
اإلطالق الفضائية (SLS) )3( من أجل إرسال طاقم وحمولة إلى<br />
الفضاء البعيد.<br />
ونظرا العتماد املنظومة SLS على مكونات املكوك،<br />
وبسبب دعمها بحماس شديد من قبل سياسين من واليات ميكن<br />
أن تستفيد من املشروع، سُ مِّيت »صاروخا بال وجهة )4( «،<br />
أي إنها مجرد مشروع وظائف يدعمه الكونگرس من دون هدف،<br />
مع احتمال ضعيف للتحليق الفعلي.<br />
إال أن العمل في املنظومة SLS يسير وفق اخلطة وامليزانية<br />
املوضوعة. وخطة املهام هي قيد اإلعداد، وأول حتليق مبرمج<br />
سوف يكون في عام 2018. وعلى غرار أي مشروع يدوم عدة<br />
عقود من السنن، يعتمد استمرار املنظومة SLS على السياسة<br />
املستقبلية؛ فهل ميكن لهذا اجلزء من املال السياسي الطائر أن<br />
يكون أفضل فرصة لنا للذهاب إلى املريخ؟
استعملت احملركات ،RS-25 التي صنعتها الشركة ،Aerojet Rocketdyne في دفع مكوك الفضاء،<br />
وسوف تُستعمل قريبا لدفع مركبة ناسا التالية في استكشاف الفضاء البعيد، أيْ املنظومة .SLS<br />
)(<br />
استبدال املكوك<br />
بعد النصر املذهل الذي حققه برنامج أپولو Apollo<br />
الستكشاف القمر في ستينات وأوائل سبعينات القرن<br />
العشرين، كان من املفترض أن يجعل املكوكُ الوصولَ إلى<br />
مدار حول األرض أمرا رخيصا وعاديا نسبيا. إال أن<br />
متوسط تكلفته بلغت أكثر من بليون دوالر للرحلة، ولم يحلق<br />
إال بضع مرات في السنة، ومُني بكارثتن. وفي عام 2004،<br />
أي بعد سنة من حتطم املكوك كولومبيا )1( Columbia<br />
أثناء عودته إلى جو األرض ومقتل سبعة أشخاص في<br />
ذلك احلادث، أمر الرئيس وكالة ناسا<br />
باالستعاضة عن برنامج املكوك ببرنامج مماثل لبرنامج<br />
أپولو، يعود بنا إلى القمر ومن ثم إلى املريخ. وقادت<br />
املساعي الناجتة، واملسماة كنْستليشن )2( ، إلى تصميم<br />
صاروخي أريس Ares جديدين، وعربة إطالق للطاقم،<br />
وصاروخ عمالق شبيه بصاروخ الشحن ساتورن )3( V .<br />
لكنه بحلول عام 2011، وبعد إنفاق نحو 9 بالين دوالر،<br />
)4(<br />
كان كل ما أنتجته كانستِليشن هو كبسولة طاقم أوريون<br />
Orion التي صنعتها الشركة لوكهيد مارتن )5( ، وصاروخ<br />
أطلق مرة واحدة لالختبار. بعد ذلك ألغى الرئيس البرنامج ووجه ناسا إلى تركيز طاقتها في مهمة<br />
REPLACING THE SHUTTLE ()<br />
)1( هو أول مكوك فضائي في أسطول ناسا الفضائي، وقد أطلق ألول مرة في مهمة<br />
فضائية في 1981/4/2، وبقي في اخلدمة أكثر من 22 سنة، قام خاللها ب 27 مهمة،<br />
وحتطم أثناء عودته من مهمته الثامنة والعشرين في 2003/2/1 أثناء دخوله جو<br />
األرض.<br />
Constellation )2(<br />
)3( V :Saturn هو صاروخ معدٌّ حلمل البشر إلى الفضاء مرة واحدة، وقد استعملته<br />
ناسا بن عامي 1966 و 1973.<br />
)4( هي مركبة فضائية معدة حلمل طاقم مؤلف من أربعة رواد فضاء إلى مدار<br />
منخفض حول األرض أو ما بعده، ويجري تطويرها في إطار املنظومة .SLS<br />
Lockheed Martin )5(<br />
23 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
إلى أحد الكويكبات. وكان على الوكالة االلتفات إلى<br />
القطاع اخلاص للحصول على خدمة مواصالت مدارية<br />
لنقل احلمولة والطاقم إلى محطة الفضاء الدولية.<br />
ومع ذلك، فقد دفع كثيرون في الكونگرس بقوة باجتاه<br />
متابعة البحث عن صاروخ شحن ثقيل جديد قادر على<br />
إيصال أشخاص إلى القمر واملريخ. وكان احلل الوسط<br />
الناجت هو املنظومة ،SLS أي صاروخ وحيد كبير لكل من<br />
الطاقم والشحن ميكن أن يستغني عن كثير من التقانات<br />
اجلديدة املخططة للصاروخ أريس، ويعتمد بدال منها على<br />
محركات مكوك الفضاء ومعززات دفعه )1( وخزاناته معظم<br />
مدة انطالقه. أي إن املنظومة SLS هو صاروخ أريس<br />
منخفض التكلفة.<br />
ومن البداية، كانت ثمة إصرار على املنظومة ،SLS<br />
وذلك نتيجة إلدراك أن الكونگرس قد طبخها من أجل<br />
حماية الوظائف لدى ناسا واملتعاقدين الرئيسين معها.<br />
فكتب محررو صحيفة اإليكونوميست في الشهر 2014/12:<br />
»تتميز هذه املركبة بأنها أول صاروخ صممته جلنة من<br />
السياسين بدال من العلماء واملهندسين.« وسخِ ر بعض<br />
املنتقدين من املنظومة SLS معتبرين إياها »صاروخ<br />
مال سياسي« أو »منظومة إطالق ملجلس الشيوخ«. وكان<br />
أعضاء الكونگرس اجلنوبيون، الذين متثل والياتهم مقرات<br />
للمنشآت الكبيرة التابعة لناسا وللمتعاقدين معها، الداعمن<br />
األعلى صوتا للمنظومة SLS في الكونگرس. فمن املؤيدين<br />
لها، على سبيل املثال، السيناتور ]من أالباما[<br />
حيث يعمل نحو 6000 شخص في مركز مارشال للتحليق<br />
الفضائي التابع لناسا في Huntsville بأالباما، مقر إدارة<br />
املنظومة ،SLS والسيناتور ]من لويزيانا[ مقر<br />
منشآت ميتشود التابعة لناسا حيث تنشر شركة بوينگ<br />
،Boeing وهي املتعاقد الرئيسي للمرحلة األساسية من<br />
املنظومة ،SLS عددا كبيرا من األشخاص البالغ عددهم<br />
1500 شخص يعملون في املشروع فعال.<br />
إنه برنامج - وصاروخ - كبير فعال. ففي البداية سوف<br />
تكون للمنظومة SLS مرحلة نواة سفلية تدفعها أربعة<br />
محركات RS-25 من محركات مكوك الفضاء التي تستعمل<br />
الوقود املعتاد من الهدروجن واألكسجن السائلن.<br />
وسوف يلحق بكل جانب من مرحلة النواة صاروخ معزز<br />
يعمل بالوقود الصلب يوفر الدفع اإلضافي الالزم لوضع<br />
الصاروخ الثقيل في اجلو ]انظر الشكل في الصفحة 26[.<br />
وثمة مرحلة ثانية فوق األولى حتل محلها عند ارتفاع 50<br />
كيلومترا تقريبا، وذلك بغية دفع الصاروخ إلى املدار.<br />
وتتوضع كبسولة الطاقم أوريون فوق املرحلة الثانية.<br />
وسوف يكون الصاروخ، الذي يبلغ طوله 98 مترا، أقصر<br />
قليلال وأقوى من الصاروخ ساتورن V الذي حمل جميع<br />
املهمات املأهولة إلى القمر، وسوف يحمل شحنة تساوي<br />
ثالثة أمثال الشحنة التي يحملها املكوك. ولم يصمم أي<br />
من مكوناته ليكون قابال إلعادة االستعمال. وعلى مدى<br />
العقد القادم، سوف تتضمن حتديثات المنظومة SLS<br />
محركات ومعززات دفع أقوى. وميكن للمنظومة SLS<br />
النهائية القادرة على الوصول إلى املريخ أن حتصل على<br />
طاقة أكبر في مرحلتها العليا تعطيها ضعف الدفع املتوفر<br />
في النموذج األول.<br />
ويوجه املنتقدون تهمة مفادها أنه بتحديد أن تعتمد<br />
املنظومة SLS على مكونات املكوك، يكون الكونگرس قد<br />
ضمن الربح ملتعاقدي املكوك الكبار من الصناعات اجلوية<br />
الفضائية. ويقول ]احمللل الرئيسي لبحوث<br />
الدفاع لدى الشركة :]RAND »مرة أخرى، تعمل شركة بوينگ<br />
كاللصوص،« ويزعم آخرون أن طريقة تدوير مواد املكوك<br />
سوف جتعل املنظومة SLS مثل صاروخ فرانكن املضطرب<br />
مع أجزاء مرقعة من برنامج ميّت. وقد أدى استعمال معززات<br />
دفع املكوك فعال إلى مشكلة تتمثل بفجوات العزل احلراري،<br />
على سبيل املثال.<br />
وتتباين تقديرات تكاليف املنظومة SLS النهائية كثيرا. فقد<br />
تنبأت ناسا علنا بأنه سوف تكون ثمة حاجة إلى 18 بليون دوالر<br />
للوصول بها إلى أول إطالق، منها 10 بالين دوالر للصاروخ<br />
نفسه، و6 بالين دوالر لكبسولة طاقم أوريون، وبليوني دوالر<br />
لتجهيز قاعدة Cape Canaveral من أجل التعامل مع قواذف<br />
إطالق املنظومة SLS )باملناسبة، يعتبر السيناتور <br />
]من فلوريدا[ مؤيدا قويا آخر للمنظومة ).SLS إال أن دراسة<br />
داخلية مُسرَّبة خرجت بتكلفة تزيد على 60 بليون دوالر على<br />
مدى العشر سنوات القادمة. وتنبأ آخرون بأن إرسال طاقم<br />
)1( booster = مُعزِّز الدفع: هو محرك إضافي يُشغَّل إلعطاء الصاروخ أو اجلسم<br />
الطائر قوة دفع إضافية لزيادة سرعته.<br />
David H. Freedman<br />
محرر مساهم في مجلة ذي أتالنتيك، ومؤلف خمسة كتب أحدثها<br />
هو »اخلطأ« Wrong الذي يدور حول مشكالت االكتشافات املنشورة لعلماء<br />
الطب وغيرهم من اخلبراء.<br />
24<br />
املؤلف
في وقت مبكر من السنة القادمة، سوف يقوم املهندسون لدى مركز<br />
ستنس الفضائي التابع لناسا في ميسيسيبي بإطالق اختباري<br />
ملرحلة نواة املنظومة SLS التي يبلغ طولها 212 قدما )64.6176 متر(.<br />
إلى املريخ سوف يكلف ما يصل إلى تريليون دوالر. ومع<br />
أن هدف ناسا املعلن هو 500 مليون دوالر لكل إطالق، لكن<br />
آخرين قدروا تلك التكلفة مبا يصل إلى 14 بليون دوالر حن<br />
تؤخذ جميع تكاليف البرنامج باحلسبان.<br />
ويصر املنتقدون على أن احلكومة واجلمهور لن يؤيدا البتة<br />
حماسة ناسا الستكشاف الفضاء بكثير من مئات بالين الدوالرات<br />
التي سوف تتطلبها مهمات املنظومة SLS الكبرى. وطرحت عدة<br />
حتليالت في هذا الصدد، ومن ضمنها دراسة داخلية أجرتها ناسا،<br />
أنه ميكننا الذهاب إلى املريخ والفضاء البعيد من دون صاروخ دفع<br />
ثقيل. فقد يكون من األرخص، وفقا لرأي البعض، االعتماد على<br />
صواريخ أصغر مثل الصاروخ دلتا )1( IV الذي استعمل<br />
طوال نحو عقد من السنن إلطالق أقمار اصطناعية، ولشحن<br />
وقود ومكونات ومواد أخرى إلى مدار منخفض بالنسبة إلى<br />
األرض من أجل بناء مركبات للفضاء البعيد، ومن ثم بناء<br />
املركبة الكبيرة هناك. ويقول كثيرون إنه إذا تبن أننا بحاجة<br />
إلى صاروخ عمالق، فلماذا ال نُحوّل املهمة إلى ما يسمى<br />
الفضاء اجلديد )2( ؟ فالشركة SpaceX مثال، التي أسسها ]رمز وادي السليكون[ أبرمت فعال مع ناسا عقود<br />
نقل إلى املدار باستعمال صواريخها احلسنة السمعة مثل<br />
فالكون )3( 9 . ويقول .J> پورا> ]رئيس مؤسسة Space Frontier<br />
،Foundation وهي مؤسسة دفاع مكرسة لتشجيع استكشاف<br />
الفضاء[: »إن املنظومة SLS ال تضيف سوى حتسينات ضئيلة<br />
إلى التقانة التي طورت قبل أربعن سنة، وعلى ناسا أن تُعلِم<br />
القطاع الصناعي اخلاص بنوع الشحنات التي تريد إرسالها<br />
إلى الفضاء البعيد، وأن توفر مقدارا محددا من املال لتلك<br />
املهمة وتترك أمر بنائها لشركات مثل الشركة ».SpaceX وتقوم<br />
هذه الشركة بتطوير صاروخ دفع ثقيل من فئة املنظومة SLS<br />
مزود ب 27 محركا، وتعمل على محركات جديدة أقوى ميكنها،<br />
the Delta IV )1(<br />
)2( space :new فلسفة أو توجه في الواليات املتحدة نحو التحليق الفضائي الذي<br />
يقوم به القطاع اخلاص.<br />
Falcon 9 )3(<br />
25 (2015) 12/11
جدول زمني<br />
)(<br />
مركبة فضاء دائمة<br />
خالل العقود التي تلت آخر إطالق لصاروخ<br />
ساتورن V في عام 1973، اختارت ناسا بناء<br />
مركبات صغيرة خفيفة غير قادرة على حمل<br />
بشر إلى الفضاء البعيد. أما اآلن، وبعد أن<br />
أصبح املريخ حتت أنظارها، تقوم ببناء<br />
منظومة إطالق فضائية )باللون األصفر(، وهي<br />
سلسلة صواريخ مؤهلة حلمل البشر وتتصف<br />
بدفع أقوى حتى من دفع الصاروخ ساتورن V.<br />
ساتورن V<br />
أول حتليق: 1967<br />
مكوك الفضاء<br />
أول حتليق: 1981<br />
دلتا IV الثقيل<br />
أول حتليق: 2004<br />
فالكون الثقيل<br />
قيد التطوير<br />
املنظومة SLS<br />
بوزن 70 طنا<br />
)تشكيلة طاقم(<br />
قيد التطوير<br />
املنظومة SLS<br />
بوزن 130 طنا<br />
)تشكيلة طاقم(<br />
قيد التطوير<br />
أريس 1 أريس V<br />
ألغيت في 2010<br />
(2015) 12/11<br />
إذا جنحت، أن تسمح لذلك الصاروخ بأن يتجاوز حتى أكبر<br />
منظومة SLS منظورة. وتقوم الشركة SpaceX بتصميم جميع<br />
مكوناتها الرئيسية بحيث ميكن إعادة استعمالها؛ في حن ال<br />
تستعمل املنظومة SLS إال مرة واحدة فقط.<br />
وعلى الرغم من هذه االعتراضات، ما زال التخطيط ملهام<br />
املنظومة SLS قائما. ففي أول حتليق في عام 2018، سوف<br />
يُرسل الصاروخ SLS وكبسولة أوريون من دون طاقم إلى<br />
مسافة أبعد من القمر. وفي حتليق آخر لم يبرمج رسميا<br />
بعد، سوف يكرر األمر ذاته، لكن رمبا بعد بضع سنوات،<br />
إلرسال طاقم إلى مسافة من األرض أبعد من كل ما سبق.<br />
وما سوف يحصل بعد ذلك يعتمد في النهاية على قرار<br />
الكونگرس والرئيس اجلديدين؛ أما اآلن، فيجري التخطيط<br />
لرحلة مأهولة إلى أحد الكويكبات في منتصف عشرينات هذا<br />
القرن، تتبعها مهمة مأهولة إلى املريخ في الثالثينات منه.<br />
)(<br />
مَصنَع الصاروخ<br />
)1(<br />
وتختبر ناسا أكبر صواريخها في مركز ستنس الفضائي<br />
الذي يقع ضمن شبكة من البحيرات واألنهار والروافد<br />
والقنوات بالقرب من أبعد رأس لنهر امليسيسيبي جنوبا.<br />
ولدى جتهيز أنفسنا بقبعات صلبة وقمصان أمان، أخبرني<br />
، الذي بقي نائبا ملدير ناسا هنا حتى تقاعده في<br />
الشهر 2015/1، أن ثمة ثالثة أسباب لقرب املركز من املاء:<br />
فاألعمال فيه تتطلب الوصول إلى عَبّارات بحرية كبيرة<br />
وإلى خبرات في البناء البحري وكذلك إلى طريقة جاهزة<br />
لتبريد ألواح ضخمة من املعدن تتعرض لدرجات حرارة<br />
تصل إلى تلك التي توجد على سطح الشمس.<br />
Once and Future Spacecraft ()<br />
THE ROCKET FACTORY ()<br />
Stennis Space Center )1(<br />
26
مقاطع أسطوانية تُ مع وتُلحم<br />
معا لتكوين أسطوانة طويلة سوف<br />
تعمل كقوقعة ملرحلة نواة املنظومة<br />
.SLS ويوجد داخل تلك القوقعة<br />
خزانان للهدروجني واألكسجني<br />
السائلني اللذين ميثالن وقود<br />
الصاروخ. وحاليا يقوم املهندسون<br />
لدى منشأة ميتشود للتجميع<br />
التابعة لناسا بإنتاج براميل<br />
»موثوقة« الختبار متانة املكونات.<br />
وتتألف كل منصة<br />
اختبار هنا من لوحة ضخمة<br />
من املعدن واإلسمنت املسلح<br />
تبدو كبالطة عرضانية<br />
مأخوذة من منتصف باخرة<br />
شحن عمالقة. لقد تسلقنا<br />
عبر إحدى املنصات، فرأيت<br />
في طريقي غرفةَ حتَ كم لم<br />
تكن لتبدو في غير مكانها لو كانت في محطة توليد كهرباء<br />
سوڤييتية قدمية في خمسينات القرن املاضي، ألن معظمها<br />
يتكون من مقاييس ضغط بخارية وأقراص دائرية مدرجة<br />
ثقيلة. وعندما سألت عن سبب عدم حتديثها بلوحات رقمية،<br />
كان اجلواب واحدا وسوف يُبرهن على أنه نوع من التعويذة<br />
التي حتمي البرنامج :SLS فقد استغرق تشغيل هذه األشياء<br />
على نحو جيد عقودا على الرغم من املشكالت املستعصية<br />
والعوائق التي ال حتصى، فلم العبث بها؟<br />
إال أنني استطعت أن أرى من أعلى املنصة أن مركز<br />
ستنس ممتلئ بالتحديثات. فالقنوات والشوارع عدلت<br />
للتعامل مع أحمال كبيرة، ومنصات االختبار نفسها<br />
جددت ودعمت ألن املنظومة SLS سوف تعرضها<br />
إلجهادات أكبر مما سببه أي صاروخ سابق، ويشرح<br />
قائال: »إن القوى التي تنشأ هنا أشد من تلك التي<br />
تظهر أثناء اإلطالق الفعلي، ألن الصاروخ على منصة<br />
االختبار ال يستطيع اإلفالت من سحابة دخانه.« وخالل<br />
إشعال اختباري يدوم تسع دقائق تقريبا، تطلق آالف<br />
الفوهات نفثات ماء عالية الضغط على جدران املنصة،<br />
ليس للتبريد، بل لتخميد االهتزازات الشديدة التي لوال<br />
ذلك لعملت على متزيق املنصة. وحتى قبل املنظومة ،SLS<br />
لم يسمح ببناء منشآت للقطاع اخلاص ضمن حدود 13<br />
كيلومترا من املنصات، ألن موجات الصوت الصادرة<br />
عن االختبار وحدها ميكن أن تصدعها. وسوف تولد<br />
محركات املنظومة SLS أقوى دفع صاروخي ظهر على<br />
األرض على اإلطالق.<br />
وعلى الطرف اآلخر مباشرة من احلدود بن ميسيسيبي<br />
ولويزيانا، على بعد بضع ساعات عبر القناة )أو 45 دقيقة<br />
بالسيارة في حالتي(، تقع منشآت ميتشود التي زرتها في<br />
اليوم التالي. وخالفا لعزلة ستنس، تقع ميتشود في وسط<br />
منطقة صناعية على مشارف نيو أورليانز. ومن بعض<br />
النواحي، يعتبر موقع ميتشود مصنعا كغيره من املصانع،<br />
فهو يحتوي على محطات حلام ورافعات شوكية ورافعات<br />
برجية وصناديق قطع تبديل. فكل شيء فيه جاهز، ولكن<br />
على نطاق أوسع كثيرا.<br />
وفي الداخل، تتألأل ميتشود. فإذا جتولت في هذا<br />
املجمع تراه زاخرا بكل أجزائه بعُدد وآليات جديدة:<br />
أذرع إنسالة )1( برجية تستطيع أن تتحرك بسرعة خاطفة،<br />
ومنصات على دواليب ووسائل مناولة كالرافعات البرجية<br />
تنقل برشاقة مكونات تزن عشرات األطنان من محطة<br />
إلى أخرى، ومنظومات ترتيب للقطع تضمن عدم انتهاء<br />
احملرك، الذي يتألف من مئات آالف القطع، بقطعة زائدة<br />
أو ناقصة. فعندما تبني آلة قوية كمحرك الصاروخ ،SLS<br />
يجب أن يكون التفاوت قليال جدا مع انحرافات التجميع.<br />
ويقول ]أحد مديري ناسا في ميتشود[: »إذا<br />
أعلمتنا منظومة تتبع القطع أن واحدة من تلك احللقات<br />
الصغيرة جدا قد بقيت من دون جتميع، أوقفنا العمل<br />
.robotic = وإنسالة، نحت من إنسان-آلي، ومنها نشتق: إنسالية robot؛ arms )1(<br />
27 (2015) 12/11
برمته إلى أن جند السبب.«<br />
إن كثيرا من املكونات التي سوف<br />
تركب في الصاروخ الذي يُصنع هنا،<br />
كانت قد صُ نعت ملركبات أخرى. ويقول<br />
]معاون مدير ناسا<br />
الذي يقود جهودها البشرية الستكشاف<br />
الفضاء[: »لن تكون لدينا مكونات<br />
مخصصة للمنظومة SLS فقط.« ويضيف<br />
أن جتهيزات وطرائق التصنيع<br />
اجلديدة يجب أن جتعل صنع تلك املكونات<br />
أقل تكلفة بكثير مما كانت عليه في<br />
املاضي. وتتضمن التحديثات آلة حلام<br />
باالحتكاك الدوراني )1( بحجم خزان ماء<br />
البلدية البرجي. وميكن إدخال قطعتن<br />
من الصاروخ من خالئط األلومنيوم<br />
الضخمة في هذه اآللة الضخمة لتقوم<br />
املثاقب بجمعهما معا. إنها أكبر آلة من<br />
نوعها في العالم.<br />
إن املنظومة SLS تتجاوز أيضا تقانة<br />
املكوك من نواح عدة أخرى. فلتحليل<br />
اإلجهادات الناجمة فيها عن االرجتاجات<br />
اجلانبية وغيرها من أوجه عدم االستقرار<br />
اإليرودينامي )2( أثناء الصعود في اجلو،<br />
استخدمت ناسا آخر ما مت التوصل إليه<br />
من برمجيات ديناميك السوائل. فمن<br />
دونها، كان على املهندسن إعادة تصميم<br />
الصاروخ لتوفير مزيد من مقاومة اإلجهاد<br />
وحتقيق هامش أخطاء أكبر بكثير.<br />
ويضاف إلى ذلك أن إلكترونيات الطيران<br />
ووسائل التحكم الرقمي اجلديدة، اللتن<br />
تعتمدان على شيپات حاسوبية )3( أحدث<br />
بعدة أجيال من تلك املستعملة في مكوك الفضاء، سوف<br />
متكنان من حتليق مُؤمتت )4( وحتكم في احملركات يجعلها<br />
تستجيب بسرعة تزيد مبرات كثيرة للتغيرات املفاجئة<br />
والظروف اخلطرة.<br />
وسوف حتلق املنظومة SLS مبحركات متبقية من املكوك في<br />
التحليقات األربعة األولى، إال أنه سوف تكون ثمة حاجة إلى<br />
صنع مناذج جديدة بدءا من عشرينات هذا القرن. ولتوفير تلك<br />
النماذج، تستعمل ناسا آالت سوف تنتج اآلالف من شفرات<br />
العنفات )5( التي ال يتعدى حجمها حجم القطعة النقدية،<br />
ضمن خلية اختبار هيدروستاتية في ميتشود، يضخ املهندسون املاءَ في خزان األكسجني السائل لفحص<br />
التسرب. وفي الصاروخ الكامل التجميع، سوف يتوضع خزان األكسجني السائل فوق خزان أكبر منه<br />
للهدروجني السائل، ويفصل بني اخلزانني مقطع يدعى »ما بن اخلزانن« )6( .<br />
وذلك باللحام الليزري ملسحوق معدني كي يأخذ األشكال<br />
الصحيحة، بدال من تشغيلها إفراديا، وهذا ما يقلص مدة<br />
إنتاج الشفرات التي يحتاج إليها احملرك من سنة إلى شهر<br />
واحد. ويقول : »إننا نستعمل حتكما حاسوبيا<br />
)1( welding :friction-stir عملية حلام في احلالة الصلبة )من دون صهر للمعدن(<br />
تستعمل فيها أداة دوارة ضاغطة على قطعتي املعدن اللتن يجري حلامهما، وتتولد<br />
حرارة في القطعتن نتيجة لالحتكاك فتطريهما، فتلتئمان حتت الضغط.<br />
aerodynamic )2(<br />
computer chips )3(<br />
automated flight )4(<br />
turbine blades )5(<br />
“intertank” )6(<br />
(2015) 12/11<br />
28
في كل مكان لتقليص تكاليف اليد العاملة وحتسن الدقة.«<br />
)(<br />
املنظومة SLS تستحق البناء<br />
عندما يصل برنامج املنظومة SLS إلى أوجِ هِ، سوف يكون<br />
الهدف إنتاج صاروخن في السنة على األقل، وقد يصل<br />
ذلك العدد إلى أربعة، وهذا إنتاج كمي في عالم الصواريخ.<br />
إال أن ذلك سوف يتعذر إذا لم تستطع ناسا إقناع اجلمهور<br />
األمريكي بأن املنظومة SLS تستحق البناء.<br />
وميكن التعامل مع االعتراضن<br />
الكبيرين، وهما أن مبلغ 18 بليون<br />
دوالر هو مبلغ كبير جدا ليصرف<br />
على صاروخ، وأننا ينبغي أن نصب<br />
اهتمامنا على إرسال مسابير probes<br />
وإنساالت robots إلى الفضاء إلجراء<br />
بحث علمي بدال من البشر، على أنهما<br />
وجهتا نظر. فمبلغ 18 بليون دوالر ليس<br />
كبيرا جدا على وسائل إلرسال بشر<br />
إلى كوكب آخر وإعادتهم إلى األرض،<br />
فتكلفة حتسين تدفق احلركة املرورية<br />
في بوسطن من خلالل »احلفريات<br />
الكبرى )1( » تفوق ذلك املبلغ مبقدار<br />
الثلث. وإنه ملن السهل االدعاء بأن ثمة طريقة أخرى<br />
لفعل ذلك، إال أن جناحات ناسا وسجالت األمان لديها<br />
قد رفعت من سقف الشروط، ومن غير احملتمل للجمهور<br />
األمريكي أن يقبل باحتماالت أعلى إلخفاقات كارثية<br />
من أجل تقليص ما يساوي بضعة أجزاء من األلف من<br />
امليزانية االحتادية.<br />
وفيما يخص االكتفاء املسابير واإلنساالت عوضا عن<br />
البشر، غالبا ما تطرح مسألة أن الكسب العلمي من املهمات<br />
الفضائية املأهولة بالبشر سوف يكون على األرجح أكبر مما<br />
ميكن ملسبار أو إنسالة أن حتققه. غير أن املسوغ احلقيقي<br />
للرحالت الفضائية املأهولة هو اتخاذ إجراءات توسع األرضية<br />
التي ميشي عليها اجلنس البشري.<br />
إن للمنظومة SLS كثيراً من املعجبن بها فعال، ومنهم<br />
قيادة وكالة ناسا احلالية والعاملن فيها؛ وعدداً من خبراء<br />
الفضاء، وشريحة متنامية من اجلمهور األمريكي الذي<br />
أعجب كثير منه، في الشهر 2014/12، بالتحليق املداري<br />
اخلالي من األخطاء لكبسولة طاقم أوريون التي سوف<br />
توضع فوق الصاروخ SLS عندما تتوجه إلى الفضاء<br />
البعيد. وباستطاعة اخلبراء منهم أن يدحضوا بسهولة<br />
عندما يتعلق األمر<br />
بإرسال طاقم من<br />
األبطال إلى الفضاء<br />
البعيد على أجنحة<br />
انفجار يجري التحكم<br />
فيه بشق األنفس، فإن<br />
قدرا معينا من النزعة<br />
احملافظة ليس شيئا<br />
سيِّئا بالضرورة.<br />
دعاوَى املنتقدين، واحدة تلو أخرى.<br />
هل نستعمل صواريخ أصغر إلرسال مكونات ووقود إلى<br />
الفضاء لتجميعها في املدار؟ ووفقا حلسابات ،<br />
سوف تكون ثمة حاجة إلى نحو 500 طن من املواد لتنفيذ<br />
مهمة مأهولة إلى املريخ، وذلك إجناز ميكن للمنظومة SLS<br />
حتقيقه بأربعة إطالقات، في حن أنه يحتاج إلى دستن<br />
من إطالقات صاروخ دلتا IV الذي بلغ أقصى ما يستطيع<br />
حتقيقه. ويؤكد أن كالًّ من تلك اإلطالقات<br />
يزيد من مخاطر البرنامج قليال، ألن<br />
أسوأ األمور حتصل على األرجح في<br />
الدقائق األولى من أي مهمة. وإطالقات<br />
صاروخ دلتا عُرضة أيضا للتأخير<br />
الذي يتراكم من إطالق إلى آخر. وكما<br />
يقول : »لقد استعملنا نهج<br />
اإلطالقات املتعددة مع مكوك الفضاء<br />
لبناء محطة الفضاء، وكانت النتيجة أنه<br />
استغرق عقودا.«<br />
إال أن أهم عيب محتمل لنهج اإلطالق<br />
على دفعات صغيرة برأي <br />
هو املقدار الهائل من أعمال البناء<br />
الالزمة في املدار، ومنها بناء أماكن<br />
اإلقامة ومركبات التنقل بن الكواكب وخزانات الوقود.<br />
وتلك مهمة شاقة في ضوء خبرتنا احملدودة بالعمل الشديد<br />
التعقيد للتجميع في الفضاء. ويقول : »سوف<br />
يكون لديك عدد هائل من عمليات االلتحام؛ وسوف تقوم<br />
بالصناعة في الفضاء. وبالتأكيد، لن تعمل بعض القطع<br />
على نحو صحيح، وسوف يكون من الصعب إصالحها<br />
هناك. إنها تضيف قدرا هائال من التعقيد واخلطورة.«<br />
وسوف ميُ كِّن احلجمُ الكبير للمنظومة SLS من حتميلها<br />
أحماال عشوائية كبيرة تصل أبعادها إلى 10 أمتار، مثل<br />
لوحات الطاقة الشمسية وصفائف الهوائيات، التي لوال<br />
ذلك لوجب أن تطوى على نحو معقد، ومن ثم تكون أكثر<br />
عرضة لألذى والتعطل.<br />
وثمة مزية كبيرة أخرى لطريقة الرفع الثقيل، وهي أن<br />
بعض الدفع اإلضافي للصاروخ الكبير احلجم ميكن أن<br />
يحول إلى سرعات أعلى جتعل املركبة الفضائية تصل<br />
إلى وجهاتها بسرعة أكبر. وذلك واحد من االعتبارات<br />
THE SLS IS WORTH BUILDING ()<br />
)1( Dig” :the “Big االسم غير الرسمي ملشروع بناء نفق مروري في بوسطن<br />
بالواليات املتحدة.<br />
29 (2015) 12/11
املهمة بالنسبة إلى املهمات املأهولة<br />
إلى املريخ، حيث يفرض التعرض<br />
لإلشعاع ومتطلبات اإلمداد حدودا<br />
عليا صارمة على مدة املهمة. وتستفيد<br />
املهمات اإلنسالية البعيدة املدى من<br />
ذلك أيضا، ألن التخطيط ملهمات<br />
املتابعة يجب أن ينتظر وصول بيانات<br />
من املهمات السابقة بغية تعظيم<br />
العائدات العلمية. وهذا ينطوي على<br />
تأخير كبير في حالة تعدد اإلطالقات<br />
اخلفيفة. ونظرا ألن طاقة املنظومة<br />
SLS كبيرة، فإنها تستطيع إرسال<br />
مهمات إلى الفضاء البعيد باستعمال<br />
وقودها اخلاص بها، واالستغناء عن<br />
القذف القائم على جاذبية الكواكب<br />
الذي اتبع في مهمات ڤويجر Voyager<br />
وگاليليو .Galileo<br />
ويقول ]األستاذ<br />
االستشاري للطيران والتحليق<br />
الفضائي من جامعة ستانفورد[:<br />
»إن املنظومة SLS سوف تقلص<br />
املدة الالزمة لزيارة قمر املشتري<br />
يوروپا من ست سنوات ونيّف إلى<br />
سنتن ونصف. وسوف تشكل عامال<br />
متكينيا ملهمات علمية مهمة جدا.«<br />
أضف مدد االنتقال القصيرة تلك<br />
إلى كتل الشحنات الكبيرة وإلى<br />
مرونة التحميل، فتجد بين يديك<br />
مبررا قويا لصاروخ رفع ثقيل. وهذا يساعد على تفسير<br />
السبب الذي يدفع الصن وروسيا إلى العمل على تصاميم<br />
من منط .SLS<br />
وينطبق الشيء نفسه على الشركة .SpaceX لكن<br />
القطاع الصناعي اخلاص ليس مصدرا طبيعيا لصواريخ<br />
الفضاء البعيد كما هو بالنسبة إلى صواريخ النقل بن<br />
األرض ومحطة الفضاء الدولية. فليس ثمة من سوق قائمة<br />
أو منظورة الستكشاف الفضاء البعيد غير بضع املهام<br />
التي خططتها ناسا مبدئيا للمنظومة .SLS وهذا يلغي<br />
فرصة الشركة SpaceX لتحميل تكاليف تطوير صاروخ<br />
دفع ثقيل إلى عدد من الزبائن التجارين، على غرار ما<br />
حصل مع صواريخها الصغيرة. وكما يقول رائد فضاء<br />
يستعمل عمال ميتشود آلة حلقية مؤلفة من عدة مقاطع )أعلى اليمني( لصنع حلقات تربط فيما بني القبب واألسطوانات.<br />
وميكن ل »علبة اجلعة« )أعلى اليسار( أن تُبقي املقاطع األسطوانية في مكانها الختبارها. ويرفع العمال لوحة<br />
ألومنيوم فوق اآللة التي تمع غطاء مرحلة النواة الذي يأخذ شكل القبة )أسفل اليسار(. وفي أسفل اليمني، توجد<br />
آلة تصنع قشرة من ألياف الكربون للكبسولة أوريون التي سوف حتملها املنظومة SLS إلى الفضاء.<br />
ناسا السابق الذي يتمتع بخبرات خمس<br />
مهمات للمكوك واملوجود حاليا لدى جامعة أريزونا<br />
احلكومية: »بتجريد الشركة SpaceX من املزايا، فإنها لن<br />
تكون في موقع أفضل من موقع بوينگ ولوكهيد مارتن<br />
ومتعهدي صناعة الطيران والفضاء اآلخرين املعهودين.<br />
إنهم متعهدون قادرون جدا، ولست أرى الشركة SpaceX<br />
مختلفة كثيرا.«<br />
ميكن للتمسك مبا هو مُجرَّب ومُختَبر، بدال من<br />
االبتكار، أن يكون مدعاة إلى اإلخفاق في مجال صناعة<br />
السيارات والهاتف اخللوي والبرمجيات، لكن عندما<br />
يأتي األمر إلى إرسال طاقم من األبطال إلى الفضاء<br />
البعيد على جناحي انفجار يجري التحكم فيه بشق<br />
(2015) 12/11<br />
30
األنفس، فإن قدرا معينا من نزعة احملافظة ليس شيئا<br />
سيِّئا بالضرورة. لقد عانت الشركة SpaceX عدةَ حوادث<br />
انفجارات وفقدان للتحكم في صواريخها األولى، وهذا<br />
أمر طبيعي ومتوقع في تطوير التصاميم اجلديدة. ففي<br />
الشهر 2014/10 قُتل أحد أفراد طاقم مركبة عندما<br />
حتطمت أثناء حتليق اختباري، وهذه املركبة كانت قد<br />
بنتها الشركة Virgin Galactic لنقل سياح إلى فضاء دون<br />
مداري، وذلك بعد ثالثة أيام فقط من انفجار صاروخ<br />
غير مأهول، بنته الشركة ،Orbital Sciences كان متوجها<br />
إلى محطة الفضاء الدولية.<br />
وتذكر تلك احلوادث أن العمل بالصواريخ أمر صعب<br />
على الرغم من اخلبرة املكتسبة على مدى عقود عديدة.<br />
فهو ينطوي على مخاطر كبيرة لكوارث حقيقية. وهذا هو<br />
أحد األسباب الذي جعل املسؤولن في مؤسسة املريخ<br />
لإلبداع )1( ، وهي منظمة ذات متويل خاص حتاول تسيير<br />
مهمة إلى املريخ، أن يكونوا من بن أولئك الذين اصطفوا<br />
وراء املنظومة SLS بعد تردد أوليّ . وهناك خبراء آخرون<br />
بشؤون املريخ يوافقون على ذلك. ويقول : »لقد<br />
تعرضت املنظومة SLS لالنتقاد منذ اليوم األول باعتبارها<br />
صاروخا ال هدف له. إال أن لها اآلن مهمات واضحة<br />
ميكن الدفاع عنها، وقد آن األوان للجميع ليقفوا وراءها<br />
ويفكروا في كيف ميكن أن نكون متيقنن من أن كل شيء<br />
سوف يكون محط إجماع.«<br />
)(<br />
سرعة االنفالت<br />
وعلى مدى 500 ثانية في ليلة باردة من الشهر 2015/1،<br />
أشعلت اختبارات محرك ضخم في مركز ستنس الفضائي<br />
كرةً من النار. لقد كان أول اختبار حملرك مكوك 25-R<br />
منذ عام 2009، وسارت األمور على نحو مثالي. وإذا<br />
استمرت االختبارات الناجحة بالتتالي، فإن الزمن قد<br />
يكون حليفا للصاروخ .SLS وكلما طالت مدة البرنامج،<br />
إذا بقي ضمن املوازنة واخلطة الزمنية، كان ذلك أقوى<br />
للداللة على أنه برهان على املبدأ. ففي السنوات الثالث<br />
األولى، حقق البرنامج تقدما سلسا وسريعا، حيث مَرّ<br />
عبر مراجعات للتصميم ودخل خطوات التصنيع األولى.<br />
وذاك إجناز سريع جدا لصاروخ رئيسي جديد سوف<br />
يحمل البشر. ولم تظهر في البرنامج سوى أعطال قليلة،<br />
وكانت فجواتُ العزل أسوأها تقريبا، وقد جرى إصالحها<br />
بسرعة بطبقة من مادة الصقة.<br />
تقول ]األستاذة املتخصصة<br />
بالفضاء من الكلية احلربية البحرية األمريكية[: »ميكن<br />
ألي شيء أن يحصل في السنوات القادمة بوجود رئيس<br />
وكونگرس جديدين. ورمبا يحدث إجماع ضمن احلكومة<br />
على أننا يجب أن نتخلى عن املريخ حاليا ونركز االهتمام<br />
على إقامة قاعدة أقرب قليال إلى األرض.« وتضيف قائلة:<br />
»لدى البعض في واشنطن توق غير معقول تقريبا إلى<br />
القمر«. ويرى آخرون أن على ناسا أن تنسى كالًّ من<br />
القمر واملريخ في الوقت احلاضر وتركز اهتمامها على<br />
الكويكبات، ال ألنها ميكن أن تعطي أجوبة عن أسئلة مهمة<br />
عن أصول املنظومة الشمسية، بل ألننا ميكن أن نتعلم<br />
أيضا كيف نغير مسارها أو ندمر أيا منها ميكن أن يكون<br />
متوجها نحو األرض.<br />
إال أن سحر املريخ يبقى طاغيا. وقد تنامى ذلك السحر<br />
مؤخرا مع إدراك مزيد من الناس ألول مرة أننا ميكن<br />
أن نصل إلى ذلك الكوكب األحمر أثناء حياتهم. ويقول<br />
: »إننا جميعا نُحب أن نرى أنفسنا هناك،<br />
أما املهمات األخرى فيمكن أن تكون مضيعة للوقت.« وقد<br />
عبّر عن قلقه إزاء املنظومة ،SLS ال ألنه يرى أنها طريقة<br />
سيئة للذهاب إلى املريخ، بل ألنه يخشى من أن نتخلى<br />
عنها قبل الذهاب إليه ألن تكاليفها كبيرة وال يبدو حتقيقها<br />
ماثال في األفق.<br />
حاليا ليست ثمة عوائق منظورة أمام املنظومة .SLS وذلك<br />
االدعاء وحده الذي ال ميكن أن يُطلق على أي مقترح لصاروخ<br />
آخر للذهاب إلى املريخ، ميكن أن يضمن أن املشروع سوف<br />
يصمد. فمن املؤكد أن املنظومة SLS بُنيت بتفويض من<br />
الكونگرس. ومع أنها تفتقر إلى احلماس الذي ميكن أن ينجم<br />
عن خطط منافسة، إال أن ثمة مؤشرات قليلة إلى أن العمل<br />
فيها سوف يجري وفقا للخطة، إضافة إلى أنه قد جرى<br />
متويلها على املدى املنظور. وذاك يجب أن يكون جيدا بقدر<br />
كاف جلعلها الصاروخ الذي يأخذنا إلى املريخ. وإذا حصل<br />
ذلك، فإن االنتقاد سوف يُنسى سريعا. ><br />
ESCAPE VELOCITY ()<br />
the Inspiration Mars Foundation )1(<br />
مراجع لالستزادة<br />
Pale Blue Dot: A Vision of the Human Future in Space. Carl Sagan and Ann Druyan.<br />
Random House, 1994.<br />
NASA’s Human Path to Mars. William Gerstenmaier. NASA, 2014. www.nasa.gov/sites/<br />
default/files/files/20140429-Gerstenmaier-Human-Path-Mars.pdf<br />
NASA Strategic Plan 2014. NASA, 2014. www.nasa.gov/sites/default/files/files/FY2014_<br />
NASA_SP_508c.pdf<br />
Scientific American, June 2015<br />
31 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
)(<br />
من ذئب إلى كلب<br />
يتسابق العلماء إلى حلّ لغز دام طويالً عن كيفية<br />
تطور آكل اللحوم الضخم اخلطر ليصبح أفضل صديق لنا.<br />
<br />
عندما كنتَ تعتني بالكالب والذئاب البرية منذ أن كانت<br />
صغيرة ال تتجاوز أعمارها األسبوع وأرضعتها برضاعة<br />
احلليب ورعيتها ليال ونهارا، كنتَ تعي متاما االختالفات بينها.<br />
ومنذ عام 2008، قامت عاملة السلوك ]من مركز علوم<br />
الذئب في النمسا[ وزمالؤها بتربية النوعن كليهما من أجل<br />
التوصل إلى اإلجابة عن السؤال »ما الذي يجعل الكلب كلبا<br />
والذئب ذئبا؟« وفي هذا املركز، يراقب ويدرس الباحثون أربع<br />
مجموعات من الذئاب وأربع مجموعات من الكالب، تتكون كل<br />
مجموعة منها بن حيوانن إلى ستة حيوانات. وقام الباحثون<br />
بتدريب الذئاب والكالب لتطيع أوامر أساسية لتمشي وهي<br />
حتمل طوقا في رقبتها وتستعمل أنفها لتنقر شاشة احلاسوب<br />
كي تتأهل لفحوص اإلدراك. ومع أن هذه الذئاب عاشت مع<br />
الباحثن وتعاملت معهم سبع سنوات، إال أنها احتفظت بعقلية<br />
وسلوك مستقلن مبا ال يشبه الكالب.<br />
تقول : »اترك قطعة من اللحم على الطاولة<br />
وقل لواحد من كالبك كلمة ال! إنه لن يأخذها.« لكن الذئاب<br />
تتجاهلك. إنها تنظر إلى عينيك وتنتزع قطعة اللحم. فهذه<br />
جتربة مربكة جازمة مرت بها في أكثر من مناسبة.<br />
وعندما حدث ذلك، تساءلت مرة أخرى كيف أصبح الذئب<br />
كلبا مستأنسا.<br />
وتستطرد قائلة: »ال ميكنك أن تقتني حيوانا<br />
الحما كبيرا ليعيش معك ويتصرف بهذا الشكل، فأنت حتتاج<br />
إلى حيوان مطيع مثل الكلب يتقبل كلمة ‘ال’.«<br />
لقد اكتشف باحثو املركز أنه من املمكن أن يكون فهم<br />
الكلب لكلمة »ال« باملطلق مرتبطا بتركيبة مجموعته ،pack<br />
وليس كما هو مبفهوم املساواة عند الذئاب الذي هو مفهوم<br />
استبدادي أمري. والحظت أنه من املمكن أن تتناول<br />
الذئاب طعامها مع بعض، وأن الذئاب التابعة واألقل مرتبة<br />
subordinate )ذئاب املرتبة الثانية والثالثة... إلخ( ال تبتعد عن<br />
الطعام حتى ولو كشَّ ر ذئب مُهيمِ ن dominant وكشف عن<br />
أنيابه وأصدر هديرا أو دمدمة على الذئاب األقل منزلة. إن<br />
هذا السلوك ليس صحيحا بن جماعات الكالب، لكنني الحظت<br />
أن الكالب املرؤوسة نادرا ما تأكل في الوقت نفسه مع الكلب<br />
املهيمن وحتى أنها ال حتاول ذلك. وتشير دراساتهم أيضا إلى<br />
أنه بدال من أن تتوقع املشاركة في نشاطات ومهام مع البشر،<br />
فإن الكالب تريد، بكل بساطة، أن يقال لها ما يجب فعله.<br />
كيف حتول الذئب املستقل ذهنيا إلى كلب مطيع ينتظر<br />
األوامر؟ وما الدور الذي أدّاه اإلنسان القدمي لتحقيق هذا<br />
العمل الفذ الذي حيّر التي تقول: »أحاول أن أتصور<br />
كيف فعلوا ذلك، إنني حقيقةً غيرُ قادرة على ذلك.«<br />
ليست الوحيدة في حيرتها. ومع أن الباحثن<br />
جنحوا في حتديد زمان ومكان وأسلالف معظم األنواع<br />
املستأنسة من خراف وماشية إلى الدجاج، وحتى خنازير<br />
غينيا، إال أنهم ال يزالون في جدال حول أحسن صديق وفيّ<br />
FROM WOLF TO DOG ()<br />
كان الكلب النوع األول الذي استأنسه اإلنسان. وعلى الرغم<br />
من سنوات عديدة من البحث العلمي، ال يزال العلماء في صراع<br />
ملعرفة أين حدث ذلك ومتى وكيف.<br />
ألقت دراسات حديثة حول الدنا DNA الضوء على أسالف<br />
باختصار<br />
الكلب الذئبي، وكذلك هناك مشروع طموح في الطريق من أجل<br />
التوصل إلى التوقيت واملكان الذي حصل فيه استئناس الكلب.<br />
وأمثال هذه الرؤى ستكمل األدلة حول كيفية حتوّل العالقة<br />
بن اإلنسان والكلب عبر اآلالف السنن الالحقة.<br />
(2015) 12/11<br />
32
لنا وهو الكلب املستأنس .Canis familiaris ويدرك العلماء<br />
أيضا ملاذا طوّر البشر تلك احليوانات املستأنسة – من أجل<br />
احلصول على مصدر طعام ليكون في متناول اليد - إال أنهم<br />
مازالوا ال يعرفون ما الذي ألهمنا للسماح آلكل حلم كبير<br />
ليصبح عضوا في األسرة. ومع ذلك كانت الكالب أول األنواع<br />
املستأنسة، لكنه ال يزال هناك غموض حول لغز أصلها.<br />
ومن أجل حلّ الغموض الذي يلف هذا اللغز، يقوم العلماء<br />
بربط األمور بعضها ببعض. لقد توصل العلماء، خالل<br />
السنوات القليلة املاضية، إلى اكتشافات عديدة، وميكنهم<br />
القول اآلن بثقة، بعكس األقوال املتناقلة، إن الكالب لم تنحدر<br />
من نوع الذئب الرمادي الذي ال يزال يعيش في معظم أنحاء<br />
النصف الشمالي للكرة األرضية، من أالسكا وسيبيريا ليصل<br />
إلى اململكة العربية السعودية، إمنا تنحدر من ذئب منقرض<br />
غير معروف. كذلك فإنهم متأكدون من أن هذا االستئناس<br />
حدث عندما كان اإلنسان ال يزال صيادا- جامعا )1( وليس بعد<br />
أن اعتمد على الزراعة، كما اقترح بعض الدارسن.<br />
وفي أي زمان وفي أي مكان أصبحت الذئاب كالبا؟ وما<br />
إذا كان قد حدث ذلك مرة واحدة فقط؟ إنها مجموعة من<br />
األسئلة قام فريق كبير من الباحثن مكوّن من علماء متنافسن<br />
بصياغتها وبدؤوا مبعاجلتها. ويقوم هؤالء الباحثون اآلن<br />
بزيارة املتاحف واجلامعات واملعاهد في جميع أنحاء العالم<br />
لدراسة ما حتويه من مستحاثات الكلبيات )2( وعظامها،<br />
ويطلعوا على العينات اجلينية للكالب والذئاب القدمية<br />
واحلديثة للقيام بأوسع دراسة مقارنة شاملة حتى اآلن. وعند<br />
االنتهاء من هذه الدراسات، سيصبح العلماء قريبن جدا<br />
من معرفة متى وأين بدأت الذئاب طريقها لتصبح مرافقتنا<br />
املؤمتَنة، حتى ولو لم يعرفوا بالضبط كيف. وستتم اإلجابات<br />
عن هذه األسئلة بسبب الكم املتنامي ملا سنعرفه عن كيف<br />
يتآثر البشر والكالب، بعد أن صيغت وتوطدت هذه العالقة.<br />
MIXED SIGNALS ()<br />
hunter-gatherers )1(<br />
canine fossils )2(<br />
mammoths )3(<br />
)(<br />
إشارات مختلطة<br />
عندما وصل اإلنسانُ احلديث إلى قارة أوروبا، رمبا قبل<br />
نحو 45 000 سنة، واجه الذئبَ الرمادي وأمناطا أخرى من<br />
الذئاب، مبا في ذلك الذئبَ الضخم الذي طارد حيوانات<br />
الصيد الكبيرة مثل املاموث )3( . وفي ذلك الزمان كانت الذئاب<br />
قد أثبتت أنها من األنواع األكثر جناحا وتأقلما في فصيلة<br />
الكلبيات ،the canid حيث انتشرت عبر أوراسيا إلى اليابان<br />
33 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
والشرق األوسط وشمال إفريقيا. وهي لم تتقيد بالعيش<br />
في منط بيئي واحد، بل ازدهرت في التوندرا والسهوب<br />
والصحاري والغابات واملناطق الساحلية واملناطق املرتفعة<br />
في هضبة التيبت. وقد تنافست مع البشر الذين وصلوا<br />
حديثا من أجل الفريسة نفسها - املاموث والغزال والثور<br />
البري ووحيد القرن الصوفي والظباء واخليل. وعلى الرغم<br />
من هذا التنافس، كان يبدو أن هناك نوعاً من الذئاب، رمبا<br />
نسل الذئب الضخم، بدأ بالعيش قرب املجتمعات البشرية.<br />
واتفق العلماء، لسنوات عديدة، بناءً على أجزاء صغيرة من<br />
اجلينوم )املادة الوراثية( ،genome على أن هذا النوع كان<br />
الذئب الرمادي احلديث Canis lupus وأن هذا »الكلبي«<br />
canid وحده هو الذي تطور وأعطى الكالب.<br />
إال أن علماء الوراثة اكتشفوا في الشهر 2015/1 أن هذه<br />
»احلقيقة« التي صمدت لفترة طويلة خاطئةٌ. فقد نتجت من<br />
التهجين املتكرر بن الذئاب الرمادية والكالب التي تتشارك<br />
بنحو %99.9 من دناهم ،their DNA إشارات مضللة للدراسات<br />
األولى. وال يزال مثل هذا التزاوج بن النوعن مستمرا إلى<br />
يومنا هذا: كانت الذئاب ذات الفرو األسود تستقبل جينات هذا<br />
اللون من الكالب كما كانت كالب الراعي في جبال جورجيا<br />
القوقازية تتزاوج بالذئاب احمللية التي كانت أسلالفها الهجينة<br />
موجودة في جماعات النوعن، وأن %3-2 من مناذج احليوانات<br />
املدروسة كانت تشكل أولى اجلماعات الهجينة من اجليل<br />
األول. )زيادة في موضوع االمتزاج الوراثي، نشر الباحثون<br />
في عدد الشهر 6 من مجلة علم احلياة املعاصرة Current<br />
Biology مقاالً حول تسلسل الدنا DNA ملستحاثة )2( ذئب يبلغ<br />
عمرها 35 000 سنة مت احلصول عليها من سيبريا، يبدو »في<br />
املقال« أن هذا النوع قد أسهم في دنا الكالب التي تعيش<br />
في خطوط العرض املرتفعة مثل كالب اإلسكيمو عبر التزاوج<br />
البالغ في القدم.(<br />
لقد بَنَّ حتليل جميع جينومات genomes الكالب والذئاب<br />
احلية الذي نشر في الشهر 2015/1، بأن فصيلة كالب الفيدو<br />
Fido ليست من ساللة الذئب الرمادي احلديث. وعوضا عن<br />
ذلك يصنف النوعن في مجموعتين قريبتن من بعضهما،<br />
وقد انحدرا من سلف غير معروف يفترض أنه منقرض.<br />
ويقول ]عالم وراثة التطور من جامعة كاليفورنيا<br />
في لوس أجنلوس[: »كانت وجهة نظر استمرت فترة طويلة<br />
بأن الذئب الرمادي الذي نعرفه اآلن كان موجودا منذ مئات<br />
آالف السنن، وأن الكلب انحدر منه«. ويستطرد قوله:<br />
»نحن مندهشون من أن ذلك غير صحيح«. وقد ترأس <br />
أول دراسة جينية اقترحت وجود عالقة األسالف-األنسال<br />
بين النوعن، وحديثا كان واحدا من بن 30 مؤلفا نشروا<br />
آخر دراسة في مجلة املكتبة العامة للعلوم - جينيات PLOS<br />
Genetics تزيل زيف هذه الفكرة.<br />
ومن املمكن أن تظهر مفاجآت أكثر نتيجة للجهود املتكررة<br />
من أجل حسم قضية زمان استئناس الكالب ومكانه. لقد<br />
تركت الدراسات السابقة آثارا مشوشة. وركز أول حتليل<br />
أُجري في عام 1997 على الفروق اجلينية بن الكالب والذئاب<br />
الرمادية، واستنتج من هذه الدراسة أن الكالب قد استؤنست<br />
قبل 135 000 سنة. وأشارت دراسة نشرت فيما بعد، اشترك<br />
فيها بعض الباحثن من املجموعة نفسها، إلى أن الكالب<br />
قد نشأت في الشرق األوسط. لكن حتليال آخر نشر عن<br />
نتائج دراسة 1500 عينة من دنا الكالب احلديثة في عام<br />
2009، حاول الباحثون في هذه الدراسة أن يبرهنوا على أن<br />
أول استئناس للكالب حدث في جنوب الصن قبل أقل من<br />
16 300 سنة. بعد ذلك قارن فريق من العلماء في سنة 2013<br />
املادة الوراثية امليتوكوندرية )3( للكالب األوروبية القدمية<br />
والكالب األمريكية والذئاب مبا لدى نظيراتها اجلديدة.<br />
واستنتجت الدراسة أن الكالب نشأت في أوروبا قبل ما بن<br />
32 000 و000 19 عام.<br />
ويقول عالم التطور ]من جامعة أكسفورد[<br />
الذي ساهم حديثا في إطالق برنامج متعدد املعارف حول<br />
استئناس الكالب، إن الدراسات السابقة، على الرغم من<br />
أهميتها إال أنها ال تزال قاصرة عن إعطاء إجابة واضحة.<br />
وقد بنّ أخطاء دراسات عام 1997 و 2009 بسبب<br />
اعتمادها بشكل خاص فقط على دنا الكالب احلديثة وعلى<br />
عدد محدود من العينات من مواقع جغرافية محدودة. ويقول<br />
: »ال نستطيع حل هذه املشكلة باستخدام احليوانات<br />
احلديثة فقط كنافذة للنظر إلى املاضي«. ويتابع <br />
قوله: »إن الدراسات املعتمدة على دنا كلب حديث غير كافية<br />
Animal Wise )1(<br />
fossil )2(<br />
the mitochondrial genomes )3(<br />
Virginia Morell<br />
كاتبة علوم من والية أوريون. وتقوم بتغطية مواضيع التطور<br />
وسلوك احليوان في مجلتي العلوم Science واجلغرافي الوطني National<br />
Geographic إضافة إلى مؤلفات أخرى. وآخر مؤلفاتها هو كتاب »حكمة احليوان« )1(<br />
الذي نشرته دار التاج Crown للنشر عام 2013.<br />
34<br />
املؤلفة
ألن الناس كانوا يتنقلون ويهجنون الكالب مرات عديدة في<br />
معظم أنحاء العالم؛ مما نتج منه تلطيخ أو تغيير في موروثها<br />
اجليني )1( .« إن أي إشارات إقليمية من املمكن أن تساعد على<br />
تعرف مكان االستئناس الذي فُقِد منذ زمن بعيد.<br />
ولكي تصبح الصورة أكثر ضبابية، يشرح قائال:<br />
»تنتشر الذئاب بشكل واسع في أنحاء العالم«. وباملقابل، يشير<br />
هذا العالِم إلى أن مدى انتشار أسالف معظم األنواع األخرى<br />
املستأنسة مثل اخلراف والدجاج هو أقل، وبذلك يكون تعقب<br />
أصولها أكثر سهولة.<br />
ويظن أن جماعات<br />
مختلفة جغرافيّا من أسلالف<br />
نوع الذئب ساهمت في تكوين<br />
الكلب احلديث. وهذا احلدث<br />
ليس الوحيد من نوعه، حيث<br />
بنّ أن اخلنازير قد<br />
استؤنست مرتن، مرة في الشرق<br />
األدنى ومرة في أوروبا. وبشكل<br />
مثير لالهتمام، تلمح أحافير<br />
مُحيّرة من بلجيكا وجمهورية<br />
التشيك وجنوب غرب سيبيريا<br />
تعود إلى 36 000 و 33 000 سنة<br />
خلت، إلى مالمح خليط ذئب<br />
وكلب، إلى إمكانية حصول ثالثة<br />
أحداث مستقلة حملاوالت استئناس من ذئب سلف. إالّ أن<br />
اخلصائص التشريحية لهذه األحافير وحدها ال تستطيع<br />
اإلجابة عن السؤال »من أين أتى الكلب؟«<br />
ومن أجل حل لغز استئناس الكلب يستخدم <br />
ومشاركوه طريقتن أساسيتن في دراسة اخلنازير: إنهم<br />
يقومون بتحليل شامل آلالف العينات من دنا الكالب<br />
والذئاب احلديثة والقدمية من أفراد من جميع أنحاء العالم،<br />
ويستخدمون أيضا طريقة جديدة لقياس العظام تدعى<br />
املقاسات الشكلية الهندسية )2( . وتساعد هذه الطريقة<br />
العلماء على تقييم صفات معينة، مثل انحناءات اجلمجمة،<br />
وبذلك تكون أفضل ملقارنة عظام األفراد. واعتمد الباحثون<br />
سابقا باملقام األول على طول خطم snout الكلبيات وحجم<br />
األنياب من األسنان من أجل متييز الكالب عن الذئاب.<br />
وبشكل عام تكون خطوم الكالب أقصر وأنيابها أصغر<br />
وأسنانها أكثر ازدحاما من الذئاب. ويجب أن تشير هذه<br />
الطريقة اجلديدة إلى فروق أكثر. كما يجب أن تعطي هذه<br />
الطرق معا تفاصيل أكثر دقة حول استئناس الكلب أكثر من<br />
أي طريقة أخرى حتى اآلن.<br />
اجلس وابق: كلب في مركز علم الذئب خارج مدينة ڤيينا في<br />
النمسا ينتظر اإلذن كي يأكل. وتفتقر الذئاب، حتى التي ربّاها<br />
البشر، إلى احترام سلطة اإلنسان.<br />
)(<br />
مقاربات أقرب<br />
مع أن األسئلة حول أين ومتى مت استئناس الكالب ال تزال<br />
مفتوحة، توجد لدى العلماء اآلن فكرة عامة عن طبيعة املجتمع<br />
البشري الذي كان قد أقام أول عالقة وثيقة بالكالب. ورمبا<br />
ليس من املدهش أيضا أن هذا التساؤل قد أثار جدالً عبر<br />
السنن. ويحاول بعض الدارسن قبول أن املجتمعات الزراعية<br />
املستقرة كانت لها األولوية.<br />
وعلى كل حال دخلت أنواع<br />
أخرى من احليوانات املستأنسة<br />
عالم اإلنسان بعد أن بدأ يعتمد<br />
على الزراعة واالستقرار. إال أن<br />
باحثن آخرين نسبوا ذلك إلى<br />
مجتمعات صيادين- جامعين<br />
آخرين نظرا القتنائهم الكالب<br />
أوال. ويقول إن أحدث<br />
دراسة قام بها فريقه حول الدنا<br />
قد أنهت هذا اجلزء من النقاش.<br />
وهو يؤكد أن »استئناس الكلب<br />
حدث قبل الثورة الزراعية«،<br />
ويؤكد كذلك أن ذلك قد حدث<br />
عندما كان البشر ال يزالون<br />
صيادين- جامعن«، قبل منذ نحو 32 000 إلى 18 000 سنة.<br />
)يعتقد أن الزراعة قد بدأت بشكل واسع في الشرق األوسط<br />
قبل 12 000 سنة تقريبا.(<br />
ويعيدنا هذا االكتشاف إلى األسئلة التي طرحتها<br />
ومعظم األشخاص الذين يقتنون كالباً ويحبونها.<br />
كيف فعل ذلك هؤالء الصيادون- اجلامعون ذلك؟ وهل فعلوا؟<br />
وإذا ما كانت الكالب األولى - التي من املهم أن نتذكر أنها<br />
قد تبدو أكثر قربا إلى الذئاب منها إلى الكالب - قد أصبحت<br />
كما هي عليه اآلن؟<br />
ويعود اجلنس Canis إلى ما يقارب 7 مالين سنة، ومع<br />
أن بعض أفراد تلك املجموعة مثل ابن آوى والذئب اإلثيوبي<br />
عاشت في إفريقيا التي تُعد مهد ميالد اإلنسان، إال أنه ال<br />
يوجد أي دليل على أن البشر األوائل قد حاولوا استئناس أي<br />
منها. ولم تنشأ العالقة الثالثية بن اإلنسان والكلب والذئب<br />
إال بعد أن انتشر اإلنسان احلديث من إفريقيا إلى أوروبا<br />
CLOSE ENCOUNTERS ()<br />
genetic heritage )1(<br />
geometric morphometrics )2(<br />
35 (2015) 12/11
قبل 45 000 سنة.<br />
وجاءت تلميحات حول تطور<br />
العالقة بين الكلبيات واإلنسان<br />
احلديث من سجالت أحفورية<br />
وآثارية. لنأخذ مثلال بقايا الكلبيات<br />
التي اكتشفت بن عامي 1894 و1930<br />
في منطقة پردموستي ،Předmostí<br />
وهي مستوطنة عمرها 27 000 سنة<br />
تقريبا تقع في وادي بِكاڤا Bečva<br />
وهي اآلن جزء من جمهورية التشيك.<br />
ويُطلق على هؤالء الناس القدماء الذين<br />
عاشوا وماتوا في هذه املنطقة اسم<br />
الگرافتيني the Gravettians نسبة إلى<br />
موقع شبيه من ناحية اآلثار الثقافية<br />
في الگراڤِت La Gravette بفرنسا.<br />
وكان الگرافتيون التشيك صيادين<br />
للماموث ،mammoth حيث قتلوا<br />
أكثر من ألف من هذه احليوانات<br />
الضخمة في هذا املوقع وحده.<br />
وكانوا يقتاتون بلحم هذا احليوان<br />
الضخم ويستخدمون عظام أكتافها<br />
لتغطية بقايا بشرية ويزينون أنيابها<br />
بالنقوش. كذلك كانوا يقتلون الذئاب.<br />
ومتثل الكلبيات أكثر أنواع الثدييات<br />
في هذا املوقع بعد املاموث، وتتضمن<br />
بقاياها سبع جماجم كاملة.<br />
إال أن هناك بعض اجلماجم<br />
لهذه الكلبيات ال تشبه متاما جماجم<br />
الذئاب. وتقول ]عاملة<br />
األحافير من املعهد البلجيكي امللكي<br />
للعلوم الطبيعية في بروكسل[: »إن<br />
هناك ثالث جماجم مختلفة بشكل<br />
ملفت. ولدى مقارنتها بجماجم الذئاب<br />
التي عثر عليها في موقع پريدموستي،<br />
تبن أن هذه اجلماجم الثلالث غير اعتيادية من حيث إن لها<br />
خطماً snout أقصر ووعاء دماغ أوسع وأسناناً متراصة.«<br />
وتقول وآخرون إن هذه التغيرات التشريحية<br />
هي أولى عالمات االستئناس. لقد وجدت تغيرات مشابهة<br />
في جماجم الثعالب الفضية )1( التي كانت محور جتربة<br />
مشهورة طويلة األمد في جامعة نوڤوسيبرسك بروسيا؛<br />
2,300–2,900<br />
1,800–2,100<br />
4,700–6,100<br />
21,600–30,700<br />
9,800–13,000<br />
حيث قام الباحثون منذ عام 1959 باختيار الثعالب لترويضها<br />
وإكثارها. وعبر األجيال تغير فراؤها ليصبح منقطا وآذانها<br />
مرنة وأذنابها معقوصة وخطومها أقصر وأعرض. ومع ذلك<br />
كان العلماء يقومون بدراسات حول السلوك فقط. وشوهدت<br />
A Complex History ()<br />
the silver foxes )1(<br />
18,700–20,100<br />
400<br />
300<br />
200<br />
100<br />
20<br />
15<br />
10<br />
5<br />
0<br />
مكتشفات<br />
آالف السنني جدّ مشترك تاريخ معقد )(<br />
من أجل إعادة بناء تطور الكلب قام وزمالؤه ]من جامعة كاليفورنيا في لوس أجنلوس[<br />
بدراسة تسلسل اجلينومات )املادة الوراثية( genomes لساللتني من الكالب البدائية )ساللتي<br />
املاضية<br />
ابن آوى<br />
الذهبي<br />
الذئب<br />
الكرواتي<br />
44 200 - 45 800<br />
)جماعة(<br />
دليل على التدفق اجليني<br />
الباسينجي basenji والدنگو )dingo<br />
وثالثة أشكال محلية من الذئب<br />
الرمادي وابن آوى الذهبي وفرد<br />
آخر من فصيلة الكلبيات. وبعد<br />
ذلك قاموا مبقارنة تلك اجلينومات<br />
بجينومات سلاللة الكالب املالكمة<br />
boxer breed التي طوّ رت حديثا.<br />
لقد اعتقد الباحثون، لفترة طويلة،<br />
أن الذئب الرمادي احلديث كان جد<br />
الكلب. لكن نتائج التحليل اجلديد<br />
التي نشرت في الشهر 2014/1 في<br />
مجلة املكتبة العامة للعلوم - اجلينيات<br />
PLOS Genetics قلبت تلك الفرضية<br />
واقترحت أن هناك منطا منقرضا<br />
من الذئب أدى إلى ظهور الكلب<br />
قبل بدء الثورة الزراعية قبل نحو<br />
12 000 سنة. إضافة إلى ذلك، بيّنت<br />
الدراسة حدوث تدفق جيني هائل<br />
نتيجة التهجني املتبادل بني هذه<br />
املجموعات بعد أن تباعدت وتفرعت.<br />
وإن هذا اخللط دحض احملاوالت<br />
األولى لبيان أصل الكلب.<br />
الباسينجي<br />
الدنگو الذئب الذئب الصيني<br />
اإلسرائيلي لم يكن باملستطاع تقدير حجم جماعة الكلب املالكم )البوكسر( استناداً إلى البيانات املتاحة.<br />
لم يتم احتسابها <br />
الكلب<br />
املالكم<br />
)البوكسر(<br />
(2015) 12/11<br />
36
تغيرات مشابهة في أنواع مستأنسة<br />
أخرى مثل اجلرذان واملينك .mink<br />
كذلك، ال يزال على عاتق الباحثن<br />
أن يفسروا ملاذا تتغير هذه<br />
احليوانات املنصاعة بشكل مستمر<br />
وبهذه الطرق. ويعلم الباحثون أن<br />
الثعالب الفضية املروضة لها غدد<br />
فوق كلوية صغيرة وسويات من<br />
هرمون األدرينالين أقل بكثير من<br />
نظرائها من احليوانات البرية.<br />
وفي عام 2014، توصل العلماء<br />
إلى فرضية معقولة: قد متتلك<br />
احليوانات املروَّضة عددا أقل<br />
من خاليا العرف العصبي )1( أو<br />
املشوهة منها. وتؤدي هذه اخلاليا<br />
اجلنينية )2( دورا مهماً في تنامي<br />
األسنان والفكوك واآلذان واخلاليا<br />
املفرزة للصبغات - إضافة إلى<br />
دورها في اجلهاز العصبي، مبا<br />
في ذلك منعكس حارب أو اهرب )3( . وإذا كان هؤالء العلماء<br />
صائبن، فإن جميع الصفات املستأنسة اجلذابة، مثل الفراء<br />
املنقط واألذناب املعقوصة واآلذان املرنة، ما هي إال آثار<br />
جانبية لالستئناس.<br />
وتعتقد أن االستئناس الذي حصل في<br />
پردموستي ما هو إال حدث انتهى بطريق مسدود، وتشكك في<br />
أن هذه احليوانات ذات صلة بكالب الوقت احلاضر. ومع ذلك،<br />
تقول : »هي كالب - كالب العصر احلجري«،<br />
وتستطرد وتقول إن هذه الكالب القدمية يحتمل أنها كانت تشبه<br />
كالب اإلسكيمو احلالية، إال أنها قد تكون أكبر حجما، يقارب<br />
حجم الواحد منها كلب الراعي األملاني. وتطلق <br />
على مناذج پردموستي اسم »كالب« ألنها تصورت وجود<br />
بعض العالقة بن الكلبيات والگراڤتين. وعلى سبيل املثال،<br />
مت، وفقا للمذكرات األصلية للحفار املكتشف، العثور على الفك<br />
السفلي لكلب بالقرب من هيكل عظمي لطفل.<br />
وكانت الكالب تدخل ضمن طقوس بطرق ال متارسها<br />
أنواع أخرى. وفي حالة واحدة، قام الگراڤتيون بدسّ ما هو<br />
على األرجح قطعة من عظام املاموث بن األسنان األمامية<br />
جلمجمة أحد الكالب بعد موت احليوان ورتبوا فكيه بحيث<br />
مت تثبيتهما معا على العظمة. وتظن بأن صائد<br />
ماموث قدمياً قام بوضع العظمة كجزء من طقوس لها عالقة<br />
حياة الكلب: كالب يبلغ عمرها تقريبا 27 000 سنة من<br />
موقع پردموستي في جمهورية التشيك، يبدو أنه جرت<br />
تربيتها من أجل األضحية )اجلمجمة في األعلى(، وكالب قام<br />
شعب التشيريبايا في البيرو بتربيتها منذ 1000 سنة بُجِّ لت<br />
ككالب رعي )املومياء في األسفل(.<br />
بالصيد، أو كتبجيل من الصياد أو<br />
من أجل متكن الكلب في احلياة<br />
اآلخرة. وهي تقول: »ميكن أن<br />
تشاهد مثل هذه املمارسات في<br />
سجالت الرسومات اإلثنولوجية«،<br />
مستشهدة مبثال عن مراسم قبائل<br />
الشوكشي Chukchi في سيبيريا<br />
المرأة توفيت في بداية القرن<br />
العشرين، متت التضحية بوعل<br />
الرِّنّة ووُضعت معدته في فم رأس<br />
كلب ميت، ووضع بشكل ما من أجل<br />
أن يحمي املرأة في رحلة موتها.<br />
ويتصور كثير من الباحثن أن<br />
هؤالء األوائل قرروا جعل الذئب<br />
كلبا ملساعدتهم على صيد الطرائد<br />
)4(<br />
الكبيرة. وفي كتابها »الغزاة«<br />
الذي نشرته مطبعة جامعة هارڤارد<br />
في بداية هذه السنة، ترى عاملة علم<br />
اإلنسان أن الكالب<br />
األولى )أو الكالب الذئبية، كما يطلق عليها( كانت مثل التقانة<br />
احلديثة املتناهية القوة وساعدت اإلنسان احلديث صياد<br />
املاموث على أن ينافس رجل الكهوف القدمي النياندرتال<br />
.the Neandertal إال أنها و و وآخرين يظنون<br />
أن الذئاب قد انضمت إلى البشر من تلقاء نفسها، ونتج<br />
من ذلك أن النابي ،canny وهو من الكلبيات املتأقلمة الذي<br />
تعرف على البشر على أنهم موئل بيئي ecological niche<br />
جديد يستطيعون استغالله. أما السيناريو البديل، مع أنه<br />
فكرة خطرة، فهو أن اإلنسان أغار، وبدون أي اعتبار، على<br />
أوكار الذئب لسرقة اجلراء الصغيرة التي ميكنه ترويضها. إذ<br />
إن تربية الذئاب في املخيمات مع األطفال الصغار قد تُشكل<br />
مخاطر كبيرة.<br />
ويلخص األمر بقوله: »نحن لم نستأنِس في<br />
البداية عن قصد«. وهو يعتقد أنه يبدو أن الذئاب، على األرجح،<br />
بدأت تالحق البشر للسبب نفسه الذي يجعل النمل يدخل إلى<br />
مطابخنا من أجل الوصول إلى املصادر الغذائية املوجودة في<br />
املخلفات البشرية. ومع الوقت أصبحت بعض الذئاب املرابطة<br />
في املخيمات بالتدريج ال تخاف من البشر، والعكس صحيح،<br />
neural crest cells )1(<br />
embryonic cells )2(<br />
fight-or-flight response )3(<br />
The Invaders )4(<br />
37 (2015) 12/11
برية بالفطرة: كيف بدأت بالضبط<br />
رحلة حتول سلف الكلب الذئب ليصبح<br />
رفيقنا املؤمتن قد تبقى لغزا.<br />
(2015) 12/11<br />
حيث تطورت عالقة تبادل للمنفعة بن اإلنسان والذئاب. سوف<br />
تشم الكالبُ الذئبية الفريسةَ لنا، ونحن بدورنا سوف نتقاسم<br />
اللحوم الناجتة معها. )هناك دليل ظرفي لهذا السيناريو أتى<br />
من جتربة الثعلب الفضي. لدى اختيار الثعالب األقل خوفا<br />
من البشر، طوّر العلماء في نوڤوسيبيرسك في النهاية ثعلبا<br />
فضيا يركض ليحيّي الناس. إن معظم الثعالب الفضية في<br />
األسر تختبئ في النهاية اخللفية من أقفاصها.(<br />
وهناك مشكلة واحدة فقط في هذا احلدث التخيلي، على<br />
األقل في پردموستي: إن كالب األولى لم تكن<br />
تأكل حلم املاموث مع أنه كان طعام اإلنسان األساسي، حيث<br />
بينت حتاليل النظائر املشعة لعظام كالب العصر احلجري<br />
القدمي أنها كانت تتغذى بوعل الرِّنّة الذي لم يكن ضمن الطعام<br />
املفضل لدى الناس الذين عاشوا في ذلك املكان. وكذلك كانت<br />
أسنان كالب پردموستي مكسرة، وهناك عالمات أذيات<br />
شديدة على الوجه التأم الكثير منها. وتستطرد <br />
قائلة: »قد تكون هذه اجلراح إشارة إلى قتال مع كالب أخرى،<br />
أو أنها قد ضربت بعصيّ «. إنها تتصور أن االرتباط بن<br />
اإلنسان والكالب كان من خالل أحد طقوس صيد الكلبيات<br />
للماموث. وفي هذا السيناريو، يحضر الصيادون- اجلامعون<br />
جراء الذئاب إلى مخيمهم، رمبا بعد قتل الذئاب البالغة، متاما<br />
مثلما كان اإلنسان الرحال احلديث يجلب احليوانات اليافعة<br />
وحديثي الوالدة إلى مخيماتهم. هذا وال تظهر على عظام<br />
املاموث في پردموستي أية آثار قضم من الكلبيات، األمر الذي<br />
يشير إلى أن هذه الكلبيات لم تكن حرة في التجول والبحث<br />
عن بقايا طعام الناس. وبدال من ذلك، يبدو أن هؤالء الناس<br />
رمبا كانوا قد قيّدوا هذه الكلبيات وأطعموها مبا يعتبر طعامَ<br />
درجة ثانية ال يأكله الناس، حتى إنهم قاموا بإكثارها لضمان<br />
سد حاجتهم من األضحيات إلقامة شعائرهم التضحوية.<br />
إن إكثار الذئاب في األسر قد يؤدي إلى تغيرات تشريحية<br />
قامت بتوثيقها في كالب پردموستي، وقد يؤدي<br />
ذلك إلى إنتاج حيوان مستقل وأقل خوفا من الناس كما هي<br />
احلال في ثعالب نوڤوسيبيرسك الفضية.<br />
إن حصر كالب پردموستي وضربها وتغذيتها بطعام<br />
محدد، رمبا فهمته على أنها تعني »ال«. وال يوجد أي دليل<br />
في پردموستي أو في أي أماكن قدمية مشابهة عثر فيها<br />
على بقايا كالب يُبنِّ ، بناء على مالحظات ، أن<br />
اإلنسان الصياد-اجلامع هناك قد اتخذ الكلبيات صديقا أو<br />
صاحبا أو مرافقا في الصيد. ويبدو أن هذه العالقة جاءت<br />
فيما بعد.<br />
38
)(<br />
زحزحة فرص<br />
إذا كانت على حق، فإن فكرة استئناس الكالب<br />
الذي كان قد بدأ في وقت مبكر جدا في ظروف لم تكن مواتية<br />
للكالب ليست مناسبة. وفكرة أن كالب هي<br />
كالب بالفعل هي فكرة ال يوافق عليها كل عالم. وعلى الرغم<br />
من ذلك يفضّ ل البعض فكرة الذئب - الكلب، أو ببساطة<br />
»الذئب«، ألن موقعها التصنيفي غير واضح من ناحية الشكل<br />
أو اجلينية. )ويتوقع حسم هذه املسألة من خالل<br />
مشروعه الضخم.(<br />
وأقدم تسجيل لعيّنة كلب تعود إلى 14 000 سنة خلت،<br />
عثر عليها في املوقع Bonn-Oberkassel بأملانيا، يروي بصورة<br />
ال تقبل اجلدل، قصة مختلفة حول استئناس الكالب، تثبت<br />
بوضوح وجود رابطة دقيقة وكبيرة بن البشر والكلبيات.<br />
ففي مطلع أعوام القرن التاسع عشر، عثر علماء اآلثار أثناء<br />
عمليات التنقيب في هذا املوقع، على هيكل عظمي لكلب<br />
مدفون في مقبرة تضم رفات رجل يبلغ عمره نحو 50 عاما<br />
وامرأة عمرها بن 20 و 25 سنة. وعندما رأى الباحثون هذا<br />
االرتباط، عرفوا أنهم ينظرون إلى حيوان مستأنس متاما -<br />
حيوان عزيز ومقدر بشكل كبير بحيث يدفن على أساس أنه<br />
فرد من عائلة اإلنسان.<br />
إن كلب Bonn-Oberkassel ليس بالكلب القدمي الوحيد<br />
الذي نال مثل هذا الشرف. وفي فلسطن، وفي منطقة عن<br />
املالّحة حتديدا، وهو موقع للصيادين- اجلامعن يعود تاريخه<br />
إلى 12 000 سنة مضت في أعالي وادي األردن، اكتشف<br />
علماء اآلثار ما قد يكون أشهر مقبرة دفن فيها اإلنسان<br />
والكالب. وعثر في هذا املوقع على هيكل رجل كبير في السن<br />
مائل على جانبه األمين، وذراعه اليسرى ممتدة حتت رأسه،<br />
فيما وضعت يده بلطف على جرو، يبلغ عمره نحو أربعة إلى<br />
خمسة أشهر. ويعتقد علماء اآلثار أن هذا الكلب كان رفيقا<br />
للمتوفَّى. وعلى النقيض من كالب پردموستي، لم يبدُ أن هذا<br />
اجلرو قد عُذّب أو ضرب، بل رتبت بقاياه بلطف وحنان مع<br />
شخص يُعتقد أنه كان يهتم بأمره.<br />
وعلى الرغم من ندرة مثل هذه املشاهد املؤثرة بن<br />
اإلنسان والكالب في تلك الفترة، إال أن حاالت دفن<br />
الكالب وحدها لم تكن كذلك. فمنذ نحو 10 000 سنة مضت<br />
ازدادت ممارسة دفن الكالب في قبور. وال يوجد نوع آخر<br />
من احليوانات مدرج في طقوس اإلنسان اجلنائزية مثل<br />
الكالب. لقد أصبح الناس ينظرون إلى الكلب برؤية مختلفة،<br />
وكان لهذا التحول في التوجه تأثير عميق في تطور الكالب.<br />
ورمبا اكتسبت الكالب خالل هذه الفترة مهارتها االجتماعية<br />
نحو اإلنسان، وكذلك القدرة على قراءة تعابير وجهه وفهم<br />
اإلمياءات والتحديق في عيونه )التي تزيد مستوى هرمون<br />
األوكسيتوسني oxytocin الذي يدعى بهرمون احلب لدى<br />
اإلنسان والكلب(.<br />
تقول ]وهي عاملة آثار احليوان ومختصة بطرق<br />
الدفن من معهد ماكس بالنك لعلم تطور اإلنسان مبدينة<br />
ليبزگ في أملانيا[: »بدأت ممارسات دفن الكالب بعد أن انتقل<br />
الصيد من السهول املفتوحة إلى الغابات الكثيفة؛« وتقول:<br />
»قد تساعدك الكالب في البيئات املفتوحة على نقل حلوم<br />
حيوانات املاموث املصطادة، إال أنها ال تساعد بالضرورة على<br />
اصطيادها«. وتتابع قائلة: »إال أن الكالب ممتازة في<br />
صيد الطرائد الصغيرة مثل الغزالن واخلنازير البرية التي<br />
تعيش في الغابات.« وجتدر اإلشارة هنا إلى أن صيادي<br />
الفيلة ال يستخدمون الكالب.<br />
تقول إنه منذ 15 000 سنة مضت، ورمبا قبل ذلك،<br />
بدأ الصيادون- اجلامعون في أوروبا وأسيا واألمريكتن<br />
باالعتماد على مهارات الصيد عند كالبهم من أجل<br />
)1(<br />
البقاء. ولم يتمكن الباحثون من تتبع خط جيني مباشر<br />
من تلك احليوانات إلى كالبنا املدللة، ومع ذلك كانت تلك<br />
احليوانات بدون أدنى شك كالبا. وتستطرد ، التي<br />
انضمت إلى الصيادين التقليدين مع كالبهم في اليابان<br />
والواليات املتحدة، في احلديث وتقول: »تستطيع كالب<br />
الصيد اجليدة أن تعرف آثاراً جديدة وتوجه الصيادين إلى<br />
الفريسة واإلمساك بها عن طريق النباح، وعندما بدأ الناس<br />
باستخدام الكالب للصيد أصبح يشاهد حتول نظرة الناس<br />
إلى الكالب، وميكنك البدء بالعثور على مدافن للكالب في<br />
جميع أنحاء العالم«. وتؤكد أن هذه املدافن ليست<br />
طقوسا أو لتقدمي األضحيات، إمنا هي للتعبير عن التقدير<br />
واإلعجاب، حيث يتم دفن الكالب مع مَغْرَةٍ )صبغات حمراء<br />
صفراء(، وشواهد حجرية وأدوات حادة، وجميعها أدوات<br />
يستخدمها الصيادون.<br />
أتى أحد طقوس دفن الكالب بصورة أكثر تفصيال<br />
من ستوكهولم في السويد ويعود تاريخه إلى نحو 7000<br />
سنة. لقد مت العثور على عديد من كالب دفنت مع عشرات<br />
من البشر في املنطقة نفسها. وكان أحد هذه القبور قد<br />
تلقّى احتفاء وعناية مميزة املدفونن، اإلنسان والكلب.<br />
وتقول : »لقد مُدِّد الكلب إلى جانبه، ونثرت حول<br />
SHIFTING FORTUNES ()<br />
direct genetic line )1(<br />
39 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
خصره رقائق من الصوان، ووضعت معه قرون الغزالن<br />
احلمر ومطرقة حجرية منحوتة ورش جسم احليوان مبغرة<br />
حمراء.« هذا وال يوجد هناك ما يشير إلى سبب تبجيل هذا<br />
الكلب إلى هذا احلد، إال أن تشتبه بأن هذا الكلب<br />
كان صيادا ممتازا وأن صاحبه كان ينعى موته. وتستطرد<br />
قائلة: »ميكن أن ترى هذه العالقة بن الصيادين<br />
وكالبهم في الوقت احلاضر وفي سجالت العروق البشرية<br />
اإلثنوغرافية«. وتستشهد بقول الصيادين- اجلامعن<br />
التسمانين في أواخر القرن التاسع عشر »إن كالبنا أهم<br />
من أطفالنا، بدونها ال نستطيع الصيد ولن نتمكن من البقاء<br />
على قيد احلياة.«<br />
وقدمت الكالب القدمية أيضا خدمات مهمة. ويرجع تاريخ<br />
احملاولة األولى املعروفة لالنتقاء املتعمد )1( الذي أدى إلى<br />
تطور الكلب املستأنس .C familiaris إلى ما قبل 8000 سنة،<br />
وجاء من موقع في الدمنارك. لقد امتلك الصيادون- اجلامعون<br />
ثالثة حجوم مختلفة من الكالب رمبا مت تهجينها ملهام معينة.<br />
وتقول : »لم أتوقع أن أرى ما يشبه الكالب املهجنة،<br />
كانوا يقتنون كالبا كبيرة ومتوسطة وصغيرة احلجم«. ليس<br />
من الواضح ألي غرض استخدموا الكالب الصغيرة، إال<br />
أن الكالب متوسطة احلجم كانت لها بنية كالب الصيد،<br />
بينما استخدمت الكالب األكبر حجما التي يبلغ حجمها<br />
حجم كالب الزالجات في گرينالند )تزن نحو 70 رطال( لنقل<br />
البضائع وجرها. وعن طريق نباحها التحذيري تعتبر الكالب<br />
حارسة للمخيم.<br />
لقد تراجعت مكانة الكلب عندما طوّر البشر الزراعة،<br />
حيث كان دفن الكلب حدثا نادرا في املستوطنات الزراعية.<br />
وتقول : »الفرق كبير جدا، عندما كان الناس<br />
صيادين- جامعين، كان هناك الكثير من مدافن الكالب،« إال<br />
أن دفن الكالب توقف بعد أن انتشرت الزراعة. وتستطرد<br />
وتقول: »أصبحت الكالب عدمية الفائدة«. ومع ذلك<br />
لم يؤد تراجع هذا االمتياز إلى انقراض الكالب. وفي أماكن<br />
كثيرة من العالم أصبحت الكالب طَبقا يقدم على مائدة<br />
الطعام، ما يوفر سببا جديدا إلبقائها.<br />
ولم تعرض جميع املجتمعات الزراعية كلب الفيدو على<br />
قائمة طعامهم. وقد اهتمت املجموعات التي تقوم بتربية<br />
املاشية بإكثار الكالب من أجل الرعي. وميكن أن تكون<br />
بعض الكالب التي أثبتت جدارتها قد كوفئت من أجل حياة<br />
اآلخرة بدفنها. وفي عام 2006، عثر علماء اآلثار على 80<br />
كلبا محنطا مدفوناً بالقرب من مالكيها من البشر في مقبرة<br />
يبلغ عمرها 1000 سنة قرب مدينة ليما في الپيرو. لقد حمت<br />
الكالب حيوان الالما llama لشعب التشيريبايا ،Chiribaya<br />
وفي مقابل خدماتها، كانت تُعامل معاملة حسنة في حياتها<br />
وعند موتها. وكان هناك ما يقارب من 30 كلبا ملفوفا بغطاء<br />
منسوج بصوف الالما الناعم، وكانت عظام الالما واألسماك<br />
موضوعة بالقرب من أفواهها. لقد حنط مناخ املنطقة اجلاف<br />
هذه الكالب وحفظ فراءها ونسجها. ولدى إزالة الغطاء،<br />
ظهرت هذه الكالب احملنطة مثل كالب الشارع الصغيرة<br />
التي جتول في مدينة ليما اآلن، والتي تنتظر أن يأخذها<br />
إنسان ويقول لها ماذا يجب عمله وماذا ال يجب. )ومع ذلك<br />
الشبه، فإن كالب رعي التشيريبايا ال صلة لها بكالب ليما<br />
احلديثة املهجنة. كما أنه ال يوجد أي دليل يدعم املزاعم التي<br />
تربط أي هجين قدمي في أي مكان في العالم بالسلالالت<br />
احلديثة املعيارية لنادي تربية الكالب األمريكي.(<br />
ومع أن كالب التشيريبايا والكالب املدفونة األخرى في<br />
األمريكتن جاءت من املكان والزمان اخلاطئن لتمثل مراحل<br />
االستئناس املبكرة، فإن وزمالءه يقيسون بسرور<br />
عظامها ويأخذون منها عينات دنا، وذلك ألن كالب أمريكا<br />
الشمالية األولى انحدرت من كالب أوروبية أو آسيوية<br />
قدمية، وستساعد عظامها وجيناتها العلماء على حتديد<br />
عدد عمليات استئناس الكالب التي حدثت وأين حدثت.<br />
حتى اآلن وفي محاولة لدراسة العديد من الكلبيات القدمية<br />
بقدر اإلمكان، حلل الباحثون عينات من 3000 ذئب وكلب<br />
وعينات أخرى ال عالقة لها بكليهما. ويقوم أكثر من 50 عاملاً<br />
في جميع أنحاء العالم باملساعدة على هذا املجهود، وهم<br />
يتوقعون أن تتوفر ورقة علمية جاهزة حول نتائجهم األولية<br />
خالل هذا الصيف.<br />
وبعد كل هذا، هل سنعرف في نهاية املطاف، أين ومتى أصبح<br />
الكلب مستأنسا؟ يقول : »أتوقع أن نكون قريبن جدا<br />
من اإلجابة عن هذا السؤال، إال أننا لن نعرف بالضبط كيف<br />
استطاع نوع مفقود منذ زمن بعيد من الذئاب أن يصبح كائنا<br />
يحترم كلمة ‘ال’.« ><br />
intentional selection )1(<br />
مراجع لالستزادة<br />
Palaeolithic Dog Skulls at the Gravettian Předmostí Site, the Czech Republic. Mietje<br />
Germonpré et al. in Journal of Archaeological Science, Vol. 39, No. 1, pages 184–202;<br />
January 2012.<br />
Rethinking Dog Domestication by Integrating Genetics, Archeology, and Biogeography.<br />
Greger Larson et al. in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 109,<br />
No. 23, pages 8878–8883; June 5, 2012. <br />
Genome Sequencing Highlights the Dynamic Early History of Dogs. Adam H. Freedman<br />
et al. in PLOS Genetics, Vol. 10, No. 1, Article e1004016; January 16, 2014.<br />
Scientific American, July 2015<br />
40
في مقاطعة ووهان أنتجت في املاضي أسماك شبوط<br />
شديدة التلويث في مزرعتها التعاونية. وبإنتاج مكثف بلغ<br />
12 طناً سنويا من األسماك بالهكتار الواحد، كان بإمكان<br />
املزارعين جني آالف الدوالرات لو أن األمور سارت على<br />
ما يرام. ولكن نادرا ما جتري الرياح مبا تشتهي السَّ فن.<br />
فمع تلك الكثافة السمكية العالية، تفشت األمراض والتلوث<br />
معا. ففي عام 2008، ومبساعدة األكادميية الصينية للعلوم،<br />
أحلقت املزرعة بعض األراضي الرطبة مبنطقة التصريف<br />
املتصلة باجلزء الرئيسي من البحيرة. وفي ذات الوقت،<br />
حتول املزارعون من الزراعة املكثفة لسمك الشبوط إلى<br />
زراعة أسماك املاندرين، األقل كثافة بعشر مرات وأقل<br />
ضررا على البيئة وأكثر ربحية.<br />
يقول وهو مربي أسماك عمره 50 سنة ويعمل<br />
هنا منذ عقود: »هناك جتربة كل عام، وسندخل 50 أو 100<br />
عينة من نوع معن من أسماك املياه العذبة، ثم 100 عينة من<br />
نوع آخر وهكذا. لم أخسر ماالً قطّ على أي بركة، ولكن أحيانا<br />
يكون الربح أقل.«<br />
وثمة حلول أخرى تتطلب أعماال حرفية أكثر عبقرية. فعلى<br />
سبيل املثال، طور باحثون في معهد بحوث آالت وأدوات السماكة<br />
التابع لألكادميية الصينية لعلوم األسماك في شنگهاي، آلة<br />
إلصالح مشكلة شائعة في البرك السمكية الصغيرة، وهي<br />
ضعف عملية التمثيل الضوئي في النباتات التي ميكنها تنقية<br />
املغذيات. ويقول ]مدير املعهد[ مشيرا إلى مجمع<br />
ضخم من البرك املائية ذات اللون البازالئي األخضر: »إن<br />
نقص الفوسفور في املياه يحدّ من عملية التمثيل الضوئي<br />
عندما تكون الشمس مشرقة، علما بأن هناك كميات وافرة من<br />
الفوسفور في الرواسب القاعية«. لهذا، فقد طور املهندسون<br />
في املعهد آلة تعمل على الطاقة الشمسية إلثارة الطن على<br />
امتداد قاع البركة. وهكذا عندما تكون الشمس ساطعة، تبدأ<br />
اآللة بالعمل لتزويد النباتات بالفوسفور، ولكن عند وجود غيوم<br />
حتجب أشعة الشمس تتوقف اآللة عن العمل.<br />
)(<br />
ثمة حاجة ماسة إلى النجاح<br />
أثار االنتعاش األخير للثروة في الصن شهية، رمبا لم يسبق<br />
لها مثيل في تاريخ البشرية، للبروتن احليواني. لذا يجب أن<br />
تكون اجلهود املبذولة متناسبة بضخامتها للحفاظ على البيئة<br />
في املياه العذبة واملاحلة على حد سواء. وتعمل األكادميية<br />
الصينية للعلوم اآلن على 30 ألف هكتار من البرك املائية على<br />
طول وعرض حوض نهر يانگتزي. وتعتبر مزرعة زانگزيداو<br />
أكبر مزرعة بحرية من نوعها في العالم، وهي مع مزرعة<br />
األعشاب البحرية القريبة منها جتعالن أي مشروع غذائي<br />
بحري متكامل في العالم يبدو قزما أمامهما.<br />
ويقتبس العمل هنا كثيرا من األفكار من الواليات املتحدة<br />
وأوروبا، ولكن قد يكون املرء ساذجا إن اعتقد أن هذه املزارع<br />
قد تشبه مثيالتها في الغرب. ففي الواليات املتحدة وأوروبا<br />
هناك تفضيل ألسماك املياه الباردة كسمك سليمان )1( وسمك<br />
سليمان املرقط )2( ، والتي تتطلب مياهاً غنية باألكسجن، بينما<br />
تفضل الصن أسماك القط والشبوط التي تتطلب مياها قليلة<br />
األكسجن. كما أن األفكار الصينية حول سالمة النظام البيئي<br />
مختلفة جدا. وبهذا الصدد يقول ]اخلبير في<br />
العلوم السمكية من اجلامعة النرويجية لعلوم احلياة قرب<br />
أوسلو[: »ما قد نعتبره بحيرة ملوثة في الغرب يعتبر نظاما<br />
فعاال إلنتاج الغذاء في الصن، ولكن بحيرة شديدة التلوث<br />
ستكون كارثة. وما يثير إعجابي هو السعي أو التخطيط<br />
للحفاظ على هذا التوازن اجليد.«<br />
وقد تشاور كثيرا مع األكادميية الصينية<br />
للعلوم السمكية، وسافر إلى مختلف أنحاء الصن وكان<br />
مندهشا من الكيفية التي يستنسخ فيها العلماء النظام<br />
)3(<br />
الطبيعي بشكل متناسق، مستخدمن العواشب واللواحم<br />
واملتغذيات بالترشيح )4( . ولدى ثقة بأن الصن<br />
قد شرعت للتو في فتح فصل جديد بعد آالف السنن من<br />
تطوير وصياغة عالقتها باملأكوالت البحرية. ويضيف قائال:<br />
»إنه شيء مختلف متاما عما نقوم به في الغرب. إنهم يتقنون<br />
مواجهة هذه التحديات، ليس بشكل تام على أية حال، ولكن<br />
أفضل بكثير من أي مكان آخر.« ><br />
A NEED TO SUCCEED ()<br />
salmon )1(<br />
trout )2(<br />
)3( predators؛ أو: املفترسات.<br />
)4( feeders :filter كائنات مائية تتغذى باملواد السابحة في املاء )وكأنها تُرشح أو<br />
تنقي املاء منها(.<br />
مراجع لالستزادة<br />
Sustainable Seafood and Integrated Fish Farming in China. Online video.<br />
World Wide Fund for Nature International. September 2, 2012. www.youtube.com/<br />
watch?v=18xyR8KWrgE#t=220<br />
Rich Countries Pay Zombie Fishing Boats $5 Billion a Year to Plunder the Seas. Gwynn<br />
Guilford in Quartz. Published online June 25, 2014. http://qz.com/225432/rich-countries-payzombie-fishing-boats-5-billion-a-year-to-plunder-the-seas<br />
Freshwater Aquaculture in PR China: Trends and Prospects. Qidong Wang et al. in<br />
Reviews in Aquaculture. Published online October 25, 2014.<br />
Draft Intertek Fisheries Certification report on Zhangzidao scallop fishery: www.msc.org/tracka-fishery/fisheries-in-the-program/in-assessment/pacific/zhangzidao-scallop/assessmentdownloads-½0141103_PCDR_SCA326.pdf<br />
Scientific American, April 2015<br />
تتمة الصفحة 11 )صيد البحر إلطعام باليني البشر(<br />
41 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
السجل الكامل للتناظرات في الكون<br />
قبل وفاتهم، يسارع رياضياتيون مسنّون إلى إنقاذ برهان النظرية<br />
العمالقة )1( ، بجميع صفحاته البالغ عددها 15 ألف صفحة، فهذا<br />
البرهان يصنف الوجود )عالَم التناظرات( في أربعة أصناف.<br />
)(<br />
<br />
مأدبة عشاء فاخرة أقيمت بالشهر 2011/9 في منزل عالم<br />
الرياضيات بوالية إلينوي األمريكية، كان نحو<br />
نصف عدد املدعوين الستن من كبار علماء الرياضيات.<br />
وهذه املأدبة الكبيرة، كانت حدثا عاديا إحياءً لذكرى<br />
إجناز رياضياتي ضخم، كان أربعة رياضياتين )2( في حفل<br />
العشاء هذا قد نشروا للتو كتابا يضم حصيلة أعمال ظهرت<br />
على امتداد أكثر من 180 عاما، مستعرضا أبرز مسألة في<br />
التصنيف عرفها تاريخ الرياضيات.<br />
لم يَظهر كتاب هؤالء العلماء في أية قائمة من الكتب<br />
األكثر مبيعا. وكان هذا أمرا طبيعيا نظرا لعنوانه: تصنيف<br />
الزُّمر املنتهية البسيطة )3( . لكن علماء اجلبر يعتبرون هذا<br />
املجلد الواقع في 350 صفحة مَعْلما في حقل اختصاصه. إنه<br />
مختصر لسلسلة دراسات تخص هذا التصنيف العاملي )4( .<br />
لقد بلغ عدد صفحات البرهان الكامل على النظرية قرابة 15<br />
ألف صفحة - البعض يقول إنه أقرب إلى 10 آالف صفحة -<br />
متناثرة على صفحات مئات املقاالت الصادرة عن مجالت<br />
كُتِبت من قبل أكثر من مئة مؤلف. أما مضمون النظرية،<br />
فهو اسم على مسمى، إذ يعرف ب »النظرية العمالقة )1( «.<br />
)النظرية في حد ذاتها بسيطة جدا. لكن برهانها هو البالغ<br />
الطول بشكل منقطع النظير.( وتبدو الوفرة في منزل <br />
طريقة مناسبة لتكرمي هذا العمل اجلبار. وهذا البرهان يعتبر<br />
أطول برهان في تاريخ الرياضيات.<br />
أما اآلن، فإن هذا البرهان في خطر؛ ذلك أن العمل الصادر<br />
في عام 2011 لم يرسم سوى خطوطه العريضة. فالضخامة<br />
الفائقة للوثائق التي تعرض هذا البرهان جتعله فوق طاقة<br />
اإلنسان. ويقول ، البالغ من العمر 66 سنة، والذي<br />
انكب على دراسة البرهان على مدى حياته املهنية )علما بأنه<br />
تقاعد في جامعة والية أوهايو األمريكية قبل عامن.(: »أنا<br />
ال أعرف أنَّ شخصا ما قد اطلع على كل شيء في هذا<br />
البرهان«. فمن احملتمل أن يكون والرياضياتيون<br />
الثالثة اآلخرون املكرَّمون في احلفل األشخاصَ الوحيدين<br />
األحياء اليوم الذين فهموا هذا البرهان. ولذا، فإن تقدمهم<br />
في السن يُشعر اجلميع بالقلق؛ فسن 67 سنة،<br />
و 71 سنة، و 70 سنة. وفي هذا السياق،<br />
يوضح : »نحن جميعا نتقدم في العُمر اآلن، ونريد<br />
تدوين هذه األفكار قبل فوات األوان،« ويقول مسترسال: »نحن<br />
قد نرحل، أو نتقاعد، أو ننسى.«<br />
ولو حدث هذا التخلي، لكانت اخلسارة جسيمة. وبعبارة<br />
مختصرة، فهذا العمل يُعنى بنظرية الزُّمر ،group theory<br />
وهي الدراسة الرياضياتية للتناظر )5( . والبحث في التناظر<br />
،symmetry بدوره، أمر بالغ األهمية في املجاالت العلمية، مثل<br />
THE WHOLE UNIVERSE CATALOG ()<br />
the Enormous Theorem )1(<br />
R. Solomon, R. Lyons, M. Aschbacher, S. D. Smith )2(<br />
The Classification of Finite Simple Groups )3(<br />
universal classification )4(<br />
the mathematical study of symmetry )5(<br />
باختصار<br />
إن أطول برهان في الرياضيات هو قضية مفادها بأن<br />
التناظر symmetry في الكون ميكن تصنيفه إلى أربعة أصناف.<br />
وتقدم صفحاته، البالغ عددها 15 ألف صفحة، احلجة الدامغة<br />
على ما يسمى النظرية العمالقة )1( .<br />
هناك عدد قليل من األشخاص الذين فهموا البرهان،<br />
وقد تقدموا، وهم يخشون وفاتهم قبل أن يتولى جيل من<br />
الشباب مقاليد األمور.<br />
لقد أطلق علماء الرياضيات مشروعا يهدف إلى<br />
إنقاذ البرهان والعناية بتبسيطه وتدوينه الستمرار معرفته.<br />
(2015) 12/11<br />
42
الفيزياء احلديثة للجسيمات )1( . والنموذج املعياري )2( - وهو<br />
النظرية التي تعتبر أساس حتديد جميع اجلسيمات املعروفة<br />
في الكون، منها ما وجد، ومنها ما ينتظر ذلك - يعتمد على<br />
أدوات التناظر التي تقدمها نظرية الزمر. وقد ساعدت األفكارُ<br />
النيرة حول التناظر في أصغر املقاييس علماءَ الفيزياء على فهم<br />
املعادالت املستخدمة في التجارب التي قد تكشف عن اجلسيمات<br />
األساسية الغريبة، مثل الكواركات )3( التي تندمج فتكون ما يعرف<br />
لدى اجلميع بالبروتونات )4( protons والنترونات )5( .neutrons<br />
ولقد قادت نظرية الزمر أيضا علماء الفيزياء إلى فكرة<br />
مقلقة مفادها بأن الكتلة ذاتها - أي كمية املادة في جسم،<br />
مثل هذه املجلة، أو أنت، أو أي شيء ميكن أن متسكه أو<br />
تراه - قد تشكلت بسبب انكسار تناظر )6( أثناء مرحلة أساسية<br />
معينة. إضافة إلى ذلك، فقد أوضحت هذه الفكرة طريقة<br />
اكتشاف اجلسيم األكثر شهرة خالل السنوات األخيرة، أال<br />
وهو بوزون هيگز the Higgs boson الذي يستحيل وجوده<br />
ما لم يتعثر التناظر على املستوى الكمومي )7( . ولم يجد<br />
مفهوم هيگز مكانه في نظرية الزمر خالل الستينات من القرن<br />
املاضي، ولم يتم اكتشافه إال عام 2012 بعد عدة جتارب<br />
في مصادم الهادرونات الكبير )8( باملركز األوروبي للبحث<br />
النووي (CERN) قرب جنيف.<br />
أما التناظر، فهو مفهوم يعني أنه ميكن أن يخضع شيء<br />
ما لسلسلة من التحوالت - اللف، الطي، االنعكاس، احلركة<br />
عبر الزمن - وفي نهاية جميع تلك التحوالت، يبدو ذلك الشيء<br />
من دون تغيير. إنه يتوارى في الكون بكل مكان: من ترتيب<br />
الكواركات إلى ترتيب املجرات في الكون.<br />
وتبين النظرية العمالقة بدقة رياضياتية أن أي نوع من<br />
التناظر ميكن تفكيكه وتصنيفه في واحدة من عائالت أربع،<br />
بناء على مميزات مشتركة. وتعتبر هذه النظرية في أعن علماء<br />
الرياضيات املتخصصن في الدراسة الدقيقة للتناظر وفي<br />
أعن منظري مفهوم الزمر، إجنازا يضاهي في أهميته وعمقه<br />
اجلدول الدوري للعناصر )9( لدى الكيميائين. وفي املستقبل،<br />
ميكن أن تؤدي النظرية العمالقة إلى اكتشافات عميقة أخرى<br />
حول النسيج الكوني )10( وطبيعة الواقع امللموس.<br />
غير أن هناك، بطبيعة احلال، وضعا فوضويا ضمن هذا<br />
البرهان: املعادالت، والنتائج واملخمنات التابعة للبرهان مشتتة<br />
وسط أكثر من 500 مقالة منشورة في مجالت. كما أن بعضها<br />
مغمور في مجلدات سميكة، مليئة مبزيج يجمع بن اليونانية<br />
والالتينية ورموز أخرى تستعمل في لغة الرياضيات الكثيفة.<br />
وتضاف إلى هذه الفوضى خصوصيات املساهمن في هذا<br />
البرهان، حيث كان كل منهم يكتب بأسلوبه املتميز.<br />
وما من شك في أن تلك الفوضى تطرح مشكلة ألن عدم<br />
توفر جميع أجزاء البرهان املعروض سيلحق الضرر بكماله.<br />
وللمقارنة، تصور الهرم األكبر في اجليزة، وحجارته التي<br />
تزيد على مليوني حَ جر؛ تصورْ هذه احلجارة متناثرة بشكل<br />
عشوائي في الصحراء، مع وجود عدد قليل من الناس يعرف<br />
كيف ميكن ترتيبها ترتيبا مناسبا. نالحظ أنه من دون وجود<br />
برهان في متناول اليد على النظرية العمالقة، فإن علماء<br />
الرياضيات في املستقبل سيواجهون خيارين خطيرين: إما<br />
بكل بساطة تصديق البرهان، من دون معرفة املزيد عن كيفية<br />
تسلسله، أو محاولة إعادة بناء البرهان. )من املؤكد أنه ال<br />
ميكن ألي رياضياتي أن يرضى باخليار األول؛ أما اخليار<br />
الثاني، فسيكون شبه مستحيل.(<br />
كان املختصر )11( الذي وضع في عام 2011 من قبل<br />
و و و جزءا من خطة<br />
طموحة من شأنها أن جتعل النظرية في متناول اجليل القادم<br />
من الرياضياتين. ويقول متحسرا: »نالحظ أن معظم<br />
الناس، في هذه األيام، يتعاملون مع النظرية العمالقة كما لو<br />
modern particle physics )1(<br />
the Standard Model )2(<br />
the quarks )3(<br />
)4( ج: بروتون.<br />
)5( ج: نترون.<br />
symmetry broke down )6(<br />
the quantum scale )7(<br />
Large Hadron Collider )8(<br />
the periodic table )9(<br />
the fabric of the universe )10(<br />
outline )11(<br />
43 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
كانت صندوقا أسود.« ويدعو القسم األكبر من تلك اخلطة إلى<br />
برهان وجيز يجمع كل القطع املشتتة لهذه النظرية. وقد صممت<br />
هذه اخلطة منذ أكثر من ثالثن عاما، ومت اآلن إجناز نصفها.<br />
وعندما تكون هناك نظرية مهمة، فإن برهانها يكون<br />
أكثر أهمية. ذلك أن البرهان يؤكد صدق النظرية، ويسمح<br />
للرياضياتي بإقناع اآلخرين بصحة النظرية - حتى ولو باعدت<br />
بينهما القارات أو القرون. وتلك النصوص تولد تخمينات<br />
وبراهن جديدة؛ مما يجعل التعاون في حقل الرياضيات<br />
يتواصل عبر آالف السنن.<br />
وتعتبر ]من جامعة Warwick بإنكلترا[<br />
واحدة من الباحثن الشباب القالئل الذين خاضوا غمار هذه<br />
النظرية. وعندما بلغ عمرها 44 سنة، وهي ذات الصوت الناعم<br />
املليء بالثقة، ملع جنمها عندما شرحت أهمية الفهم احلقيقي<br />
لطريقة عمل النظرية العمالقة. فقد تتساءل <br />
قائلة: »ماذا يعني التصنيف؟ ماذا يعني أن أسلّمك قائمة؟«<br />
وتردف قائلة: »هل نعرف ما هو كل عنصر في هذه القائمة؟<br />
إذا لم يكن ذلك فالقائمة هي مجرد كتلة من الرموز.«<br />
44<br />
)(<br />
أعمق أسرار الواقع<br />
بدأ الرياضياتيون يحلمون بهذا البرهان، على األقل منذ<br />
بدايات عام 1890، وذلك عندما تأسس حقل جديد يسمى<br />
نظرية الزمر ]انظر اإلطار في الصفحة 46[. وتشير كلمة<br />
»زمرة« في الرياضيات إلى مجموعة من األشياء املرتبطة فيما<br />
بينها من خالل عملية رياضياتية معينة. وإذا قمت بتطبيق<br />
هذه العملية على أي عنصر من عناصر الزمرة؛ فستحصل<br />
على عنصر آخر من الزمرة نفسها.<br />
وتتماشى التناظرات، أو احلركات التي ال تغير هيئة<br />
الشيء، مع هذه املواصفات. لنفرض على سبيل املثال، أن<br />
لديك مكعبا، كل وجه منه لوّن باللون نفسه. أدر املكعب ب 90<br />
درجة - أو 180 أو 270 درجة - فسوف يبدو املكعب متاما<br />
كما كان في البداية. أقلبه، رأسا على عقب، فسيظهر مجددا<br />
من دون تغيير. غادر القاعة واترك صديقا يدير أو يقلب<br />
املكعب - أو ميزج بن الدوران والقلب - وعند العودة، فأنت<br />
لن تعرف ما الذي قام به صديقك. وفي جميع األحوال، ثمة<br />
24 دورانا مختلفا يترك املكعب يظهر من دون تغيير. وتلك<br />
الدوارات ال 24 تكون زمرة منتهية.<br />
والزمر املنتهية البسيطة )1( تشبه الذرات التي تشكل<br />
الوحدات األساسية لبناء وحدات أخرى، أكبر حجما. ومتتزج<br />
الزمر املنتهية البسيطة لتشكل زمرا أكبر وأعقد. وتقوم النظرية<br />
العمالقة بتنظيم هذه الزمر على طريقة تنظيم اجلدول الدوري<br />
للعناصر الكيميائية. وتنص النظرية على أن كل زمرة منتهية<br />
بسيطة تنتمي إلى عائلة من ثالث عائالت - أو إلى عائلة رابعة<br />
تضم زمرا خارقة ومنعزلة. وأكبر تلك الزمر الشريرة تسمى<br />
»الوحش« )2( ، وهي تتكون من أكثر من 10 53 عنصرا موجودا<br />
في 196 883 بعدا. )بل إن هناك حقال كامال من البحوث يسمى<br />
»توحشية« monsterology ينقب فيه الباحثون عن عالمات<br />
»وحش« في مجاالت أخرى من الرياضيات والعلوم.( وقد مت<br />
حتديد أولى الزمر املنتهية البسيطة نحو عام 1830. وخالل<br />
األعوام 1900-1890 حقق الرياضياتيون جناحات جديدة،<br />
حيث عثروا على املزيد من تلك الزمر األساسية. وبدأ العلماء<br />
باالعتقاد أنه ميكن وضع جميع الزمر بقائمة طويلة.<br />
لقد وضع علماء الرياضيات أساس النظرية العمالقة في<br />
مطلع القرن العشرين، غير أن متطلبات البرهان لم تتوفر إال في<br />
منتصف القرن. وكانت الفترة املمتدة ما بن عامي 1950 و - 1980<br />
وهي املرحلة التي سمّاها الرياضياتي ]من<br />
جامعة روجترز[ »حرب الثالثن عاما« - قد أعطت دفعا قويا<br />
حلقل نظرية الزمر لم تعرفه من ذي قبل، حيث مت إيجاد زمر<br />
منتهية بسيطة، وجتميعها ضمن عائلالت. وعالج هؤالء العلماء<br />
مخطوطات من 200 صفحة كمن يقوم بإزالة األعشاب الضارة<br />
من كل مكان للكشف عن أعمق أسس التناظر. وبهذا الصدد،<br />
يشير ]من معهد الدراسات املتقدمة في پرينستون<br />
بنيوجيرسي في الواليات املتحدة[ إلى هجمة هدفها اكتشاف<br />
زمر جميلة وغريبة كما لو تعلق األمر ب »حديقة حيوانات<br />
رائعة.«<br />
وكانت تلك األوقات تثير النشوة واحلماس: كان <br />
طالبا في الدراسات العليا بجامعة كامبريدج، واآلن يشغل<br />
منصب أستاذ في جامعة ڤيرمونت. وعندما كان طالبا<br />
جلس ذات مرة في مكتب شديد الرطوبة، وشاهد<br />
عاملين نظريين ذائعي الصيت، هما ]من<br />
REALITY’S DEEPEST SECRETS ()<br />
the simple finite groups )1(<br />
the Monster )2(<br />
املؤلف<br />
Stephen Ornes<br />
، يتناول في كتاباته مواضيع متتد من الرياضيات إلى األبحاث حول<br />
السرطان. وقد نشر سيرة ذاتية لعاملة الرياضيات موجهة إلى الشباب<br />
عام 2008، ويقيم في ناشڤيل بالواليات املتحدة.
90° 90°<br />
180°<br />
90°<br />
90° 180°<br />
90°<br />
90°<br />
180°<br />
Turn, Turn, Turn ()<br />
cube symmetry )1(<br />
)1(<br />
تناظر املكعب<br />
)(<br />
أدر، أدر، أدر<br />
لفهم نظرية الزمر - وكيف أن التناظر يعتبر<br />
جزءا منها - نعود إلى املكعب. فللمكعب ستة<br />
وجوه، وميكنك أن تدير أي واحد منها فيظل<br />
املكعب باملنظر نفسه - طاملا لم تلون تلك<br />
الوجوه - عند االنتهاء من التدوير. ثمة 24<br />
دورانا مكنا يحافظ على تناظر املكعب. فمن<br />
الناحية الرياضياتية، العدد املنتهي 24 يجعل<br />
من هذا التناظر زمرة منتهية. فلكي ترى ملاذا<br />
هناك 24 دورانا، اتبع اخلطوات املبينة في هذا<br />
املخطط. وإلظهار الدورانات، وضعنا محورا<br />
وهميا بني كل زوج من العناصر املتقابلة، أو<br />
املتناظرة من املكعب: وجوه وأحرف وزوايا.<br />
الحظ احلالة االبتدائية، )أي الوضعية رقم 1(،<br />
أن الوجه املستهدف هو األقرب إليك. بعد ذلك<br />
يدور املكعب حول كل محور )كما هو مبني بظل<br />
وسهم داخل املكعب( لتوضيح كل وضعية<br />
جديدة حتافظ على التناظر في املكعب. فهناك<br />
23 حركة دوران من مثل هذه الدورانات التي<br />
ينبغي إضافتها إلى الوضعية رقم 1.<br />
وضعية<br />
ابتدائية<br />
محور الدوران<br />
الوجه املستهدف )امللون(<br />
وجوه<br />
ثمة ثالثة أزواج من<br />
الوجوه املتقابلة.<br />
لكل محور رابط بني<br />
وجهني، هناك ثالثة<br />
دورانات محتملة:<br />
90° في اتاه، و 90°<br />
في االتاه اآلخر، ثم<br />
دورة ب 180°. يعطي<br />
ذلك مجموع تسعة<br />
دورانات متناظرة.<br />
أحرف<br />
ملا كان للمكعب 12<br />
حرفا، فإن هناك ستة<br />
أزواج من األحرف<br />
املتقابلة. واحملور<br />
الذي يربط كل زوج<br />
من تلك األزواج ميكن<br />
أن يدور ب 180° مع<br />
احلفاظ على التناظر.<br />
ومن ثم نحصل على<br />
مجموع 6 دورانات.<br />
180°<br />
180°<br />
180°<br />
180°<br />
180°<br />
180°<br />
زوايا<br />
للمكعب 8 زوايا،<br />
وعليه هناك 4 أزواج<br />
متقابلة. لكل محور<br />
رابط )بني زاويتني(<br />
دورانان مكنان<br />
يحافظان على تناظر<br />
املكعب: 120° في اتاه<br />
أو 120° في االتاه<br />
اآلخر. وهذا يعني 8<br />
دورانات تضاف إلى<br />
ما سبق ذكره.<br />
120° 120°<br />
120°<br />
120°<br />
120° 120°<br />
120°<br />
120°<br />
45 (2015) 12/11
جامعة فلوريدا[ و ]من<br />
جامعة پرينستون[. شاهدهما يفتتان<br />
تفاصيل زمرة خاصة صعبة املنال.<br />
يقول : »كان األمر مدهشا،<br />
كانا عمالقن يصل بين دماغيهما<br />
سنا البرق )6( ،« مضيفا: »لم يظهرا قطّ<br />
في حيرة من أمرهما، ولم يساورهما<br />
الشعور باحلاجة إلى بعض التقنيات<br />
املتقدمة من أجل مواصلة عملهما.<br />
كان مشهدا مثيرا ومشوقا.«<br />
وقد حدث خلالل تلك<br />
العقود أنه تم احلصول على<br />
اثنتن من أبرز مراحل البرهان.<br />
وفي عام 1963 قدَّم الرياضياتيان<br />
و طريقة<br />
تسمح بإيجاد املزيد من الزمر املنتهية<br />
البسيطة. وبعد هذا النجاح الباهر، وضع<br />
في عام 1972 خطة من 16<br />
خطوة إلثبات النظرية العمالقة - وهي<br />
نظرية من شأنها أن تضع بصفة نهائية<br />
كل زمرة من الزمر املنتهية البسيطة في<br />
مكانها املناسب. ويتطلب األمر جتميع<br />
جميع الزمر املنتهية البسيطة املعروفة،<br />
والعثور على املفقودة منها، ثم فرز جميع<br />
تلك القطع وتصنيفها في فئات مناسبة،<br />
وإثبات أنه يستحيل وجود غيرها. وكان<br />
املبتغى كبيرا وطموحا وجامحا، بل كان<br />
البعض يراه مستحيال.<br />
)(<br />
الرجل مع اخلطة<br />
إضافة إلى ذلك، كان <br />
عاملاً في اجلبر وذا شخصية جذابة،<br />
وقد حفزت رؤيته للموضوع مجموعة<br />
جديدة من الرياضياتيين - ذوي<br />
طموحات كبيرة وليست بسيطة -<br />
Four Enormous Families ()<br />
THE MAN WITH THE PLAN ()<br />
Cyclic groups )1(<br />
Alternating groups )2(<br />
Lie-type groups )3(<br />
infinite lie groups )4(<br />
Sporadic groups )5(<br />
lightning )6(<br />
أنواع التناظر<br />
)(<br />
أربع عائالت عمالقة<br />
ميكن تفكيك التناظرات إلى قطع أساسية. وتسمى تلك القطع زمرا منتهية بسيطة،<br />
دورها أشبه بدور العناصر الدورية الكيميائية. وعندما تضم إلى بعضها البعض<br />
ضمن صيغ مختلفة فهي تكوّن تناظرات أوسع وأكثر تعقيدا.<br />
تصنف النظرية العمالقة هذه الزمر إلى أربع عائالت. وعلى الرغم من طول برهان<br />
هذه النظرية فإن نَصَّ ها يقع في جملة واحدة تصنف تلك العائالت األربع، فتقول: »كل<br />
زمرة منتهية بسيطة تكون إما زمرة دورية رتبتها أولية أو زمرة متناوبة أو زمرة منتهية<br />
بسيطة من منط Lie أو واحدة من بن الزمر املنتهية البسيطة املشتتة sporadic<br />
البالغ عددها 26 زمرة.«<br />
نقدم فيما يلي نبذة عن هذه العائالت:<br />
زُمر دورية )1( : كانت من بن اللبنات األولى التي مت تصنيفها. أدر شكال خماسيا<br />
منتظما مبا يعادل خمس دائرة، أي ب 72 درجة، وستالحظ أن الشكل اخلماسي ظل<br />
كما كان في البداية. أدره اآلن خمس مرات وستعود إلى وضعية البداية. فالزمر<br />
الدورية تعيد نفسها. لكل زمرة منتهية بسيطة دورية عدد من العناصر يساوي عددا<br />
أوليا. والزمر الدورية املؤلفة من أكثر من عنصرين ميكن تفكيكها مجددا إن كان عدد<br />
عناصرها زوجيا، ومن ثم، فهي ليست بسيطة.<br />
زمر متناوبة )2( : تأتي من إجراء تبديل في عناصر مجموعة. حتتوي زمرة كاملة<br />
من التناظرات على كافة التبديالت the permutations أو املناقالت .the switches لكن<br />
الزمرة املتناوبة ال حتتوي إال على نصف تلك التبديالت – التبديالت التي لديها عدد<br />
زوجي من املناقالت. وعلى سبيل املثال، نفرض أن لديك مجموعة من ثالثة أعداد:<br />
2 ،1 و .3 فهناك 6 طرق مختلفة لكتابة هذه املجموعة: ،1) ،(3 ،2 ،1) ،(2 ،3 ،2) ،(3 ،1<br />
(3، 1)، 2، (3، 2) 1، و (3، 1) 2، وحتتوي الزمرة املتناوبة على ثالثة من هذه الترتيبات.<br />
ومن حيث التناظر، فجميع هذه الترتيبات ميكن أن توافقها متتالية من التناظرات )وهي<br />
إدارة املكعب نحو األعلى، ثم على جانبه، وهلم جرا.(<br />
زمر من منط )3( : سميت باسم ، عالم الرياضيات الذي عاش في القرن<br />
التاسع عشر، وهي أكثر تعقيدا. إنها تتعلق مبا يسمى زمر الالمنتهية )4( .<br />
وتشمل الزمر الالمنتهية دورانات فضاء ال تغير احلجم. فعلى سبيل املثال، هناك عدد<br />
غير منته من طرق إدارة كعكة بدون إحداث تغيير فيها. والزمر من منط هي<br />
املثيلالت املنتهية لهذه الزمر غير املنتهية - بعبارة أخرى، الكعكة في زمرة من منط<br />
ال تسمح إال بعدد منته من الدورانات. وتقع معظم الزمر املنتهية البسيطة ضمن<br />
هذه العائلة. ونالحظ أن زمر الالمنتهية والزمر من منط ال تقتصر على<br />
مثالنا في الفضاء ثالثي األبعاد البسيط. هل أنت جاهز إذن للحديث عن التناظرات<br />
التي تظهر في فضاء ذي 15 بعدا؟ إذن، انظر إلى الزمر التالية.<br />
زمر مشتتة )5( : إنها تشكل عائلة من العناصر »احملتالة«. وهي تشمل 26 ناشزا،<br />
سلوكها ال يسمح لها باالنتساب إلى أية عائلة من العائالت السابقة. )تخيل أن جلدول<br />
العناصر الدورية الكيميائية عمودا خاصا بالعناصر »املارقة«.( ويسمى أكبر هذه الزمر<br />
املشتتة »الوحش«، ولها أكثر من 10 53 عنصرا، وميكن أن منثلها بأمانة في فضاء ذي<br />
196 883 بعدا. إنه ألمر محير وغريب، وال أحد يعرف حقا ما يعني ذلك، لكنه مدعاة<br />
إلى التفكير. فقد كتب الفيزيائي عام 1983: »لديّ أمل خفي، أمل ال تدعمه<br />
أية وقائع أو أدلة... أمل بأن يلقي الفيزيائيون القبض يوما ما خالل القرن احلادي<br />
والعشرين على زمرة »الوحش«، التي شُ يدت بطريقة لم تكن متوقعة في بنية الكون.«<br />
(2015) 12/11<br />
46
كانوا تواقين إلى ترك بصماتهم.<br />
ويقول ]من جامعة روجترز[<br />
واصفا : »كانت حياته<br />
أعظم من احلياة الشخصية العادية...<br />
كان عدوانيا بشكل كبير في طريقة<br />
تصوره للمشكالت وتصور احللول.<br />
لقد كان رائعا في إقناع اآلخرين<br />
مبساعدته.«<br />
يصف لقاءه األول بنظرية<br />
الزمر ب »احلب من النظرة األولى«<br />
حيث التقى ب عام 1970.<br />
حينها كانت املؤسسة القومية للعلوم<br />
األمريكية (NSF) )1( تستضيف مدرسة<br />
صيفية حول نظرية الزمر في كلية<br />
،Bowdoin وكان مشاهير الرياضياتين<br />
يدعون إلى املؤسسة كل أسبوع<br />
إللقاء احملاضرات. وفي ذلك الوقت كان طالبا في<br />
الدراسات العليا، وهو يتذكر جيدا زيارة . وكان<br />
هذا الرياضياتي الشهير - الذي قَدِ م للتو من منزله الصيفي<br />
بالواليات املتحدة - مثيرا في مظهره وخطابه.<br />
يتذكر ما لفت انتباهه: »أنا لم أرَ قطُّ عالم<br />
رياضيات يرتدي بنطلونا ورديا فاحتا.«<br />
ويقول : »في عام 1972، كان معظم علماء<br />
الرياضيات يعتقدون أن البرهان لن يرى النور قبل نهاية<br />
القرن العشرين. غير أن نهاية هذا البرهان كانت بادية في<br />
األفق في غضون األربع سنوات املوالية. ويعود الفضل الكبير<br />
في بلوغ تلك النهاية بهذه السرعة إلى من خالل<br />
إيحاءاته اخلالقة في الطرائق املؤدية إلى البرهان، وكذا إلى<br />
- الذي كان أستاذا في معهد كاليفورنيا للتقانة -<br />
لتسريعه إنهاء البرهان.«<br />
وكان أحد أسباب ضخامة البرهان أنه ينص على أن<br />
قائمة الزُّمر املنتهية البسيطة قد أصبحت مكتملة. وهذا يعني<br />
أن القائمة حتتوي على جميع لبنات البناء )الزمر األساسية<br />
الالزمة(، وأنه ال وجود لغيرها. ففي كثير من األحيان، يكون<br />
إثبات عدم وجود شيء - مثل البرهان على عدم وجود املزيد من<br />
الزمر - يتطلب جهدا أكبر مما يتطلبه إثبات وجوده.<br />
وفي عام 1981، أعلن أن النسخة األولية<br />
للبرهان جاهزة، غير أن االحتفال بهذا اإلجناز مازال مبكرا.<br />
فقد ظهرت مشكلة شائكة في مقطع يقع في 800 صفحة،<br />
واستغرق اخلوض فيه بعض الوقت قبل أن يتم البت فيه<br />
فريق اإلنقاذ )من اليسار(: علماء الرياضيات ، ، ، ؛ كانوا<br />
يخشون أن يكونوا آخر من فهم العناصر األولية للنظرية العمالقة ما لم تتم صياغة نسخة مبسطة لهذا البرهان.<br />
بنجاح. وكان بعض الرياضياتين يزعمون من حن إلى آخر<br />
أنهم عثروا على عيوب أخرى في البرهان أو أنهم وجدوا زمرا<br />
جديدة تخرج عن نطاق القواعد املتبعة. لكن حتى هذا التاريخ،<br />
فشلت جميع تلك االدعاءات التي كانت ستطيح بالبرهان. ويقول<br />
إنه واثق متاما من أن هذا البرهان سيصمد.<br />
لقد عكف على النظر في وثائق النظرية<br />
املشتتة واملتداخلة بشكل غير منظم. وقد وصل الوضع<br />
إلى هذه احلال جرّاء التطور العشوائي للبحوث. وهكذا<br />
أقنع الرياضياتي - وفي عام 1982<br />
نصب االثنان كمينا ل لالنضمام إليهما - وذلك<br />
للمساعدة على القيام باملراجعة والتنقيح بهدف تقدمي<br />
عرض للبرهان أكثر وضوحا وتنظيما، حيث سيصبح<br />
هذا العمل ما سيسمى الحقا النسخة الثانية )أو اجليل<br />
الثاني( للبرهان. ويقول موضحا: »كان هدفنا<br />
عرض منطق وخطوات البرهان، ومن ثم إعفاء األجيال<br />
القادمة من احلاجة إلى إعادة اكتشاف احلجج واألدلة على<br />
صحته. وفضال عن ذلك، كان اجلهد يرمي إلى تقليص عدد<br />
صفحات البرهان البالغ 15 ألف صفحة إلى نحو 3000 أو<br />
4000 صفحة.«<br />
فكر في إصدار سلسلة من الكتب تُعنى<br />
بجمع كل املقاطع املشتتة في البرهان وتبسيط املنطق الصعب<br />
في بعض املقاطع، وإزالة التكرارات. وخالل الثمانينات من<br />
القرن العشرين، لم يكن البرهان في متناول اجلميع بل كان في<br />
the National Science Foundation )1(<br />
47 (2015) 12/11
نظرية الزُّمر<br />
)(<br />
رياضيات عمل روابط<br />
ترتبط نشأة نظرية الزمر ارتباطا وثيقا مبأساة. لقد ظهرت<br />
في القرن التاسع عشر مع ، الثوري العجول الفرنسي<br />
الذي كان سعيه إلى اإلطاحة بالنظام امللكي في بالده يعادل<br />
حبه لدفع الرياضيات إلى األمام قدر املستطاع. وخالل سنوات<br />
املراهقة، اكتشف طرقا مبتكرة حلل بعض املعادالت،<br />
فتمكن من إيجاد جسور بن مجاالت متباعدة في الرياضيات.<br />
كان عبقريا ولكنه لم يكن محظوظا حيث توفي<br />
وعمره 20 عاما وذلك عام 1832؛ إذ كان ضحية لرصاصة<br />
أصابت معدته خالل مبارزة من أجل فتاة كان مولعا بها.<br />
وقد تكهن املؤرخون بأن املبارزة رمبا كانت محاولة اغتيال،<br />
أو انتحاراً مبيتاً، أو مثاال مأساويا ملخاطر عشق غير متبادل.<br />
وأشارت دراسات حديثة إلى احتمال وجود مسدس واحد حمل<br />
بالرصاص، لكنه لم يكن املسدس الذي كان بحوزة الشاب<br />
املوهوب. وكان قد كتب في رسالة ليلة مبارزة: »سأموت<br />
ضحية ملدللة سيئة السمعة وملخدوعيها.« وفي رسالة أخرى<br />
خطها في تلك الليلة، وضع العديد من أفكاره حول الزمر.<br />
وخالل قرن ونصف بعد وفاته ازدهرت نظرية الزمر انطالقا من<br />
هذه الكلمات األخيرة التي تركها رجل يحتضر. ولم متضِ عقود<br />
حتى صارت الزمر حقال قائما بذاته.<br />
الزمرة، في الرياضيات، هي مجموعة من األشياء غير احملددة<br />
واملرتبطة فيما بينها بعملية معينة. وعلى سبيل املثال، فاألعداد<br />
الصحيحة تشكل زمرة عند تزويدها بعملية اجلمع. كما أن<br />
الدورانات لشكل هندسي التي حتافظ على مظهر ذلك الشكل<br />
متثل زمرة ]انظر املقال الرئيسي[. وتستخدم الكيمياء نظرية الزمر<br />
لوصف تناظرات البلور أو البنية اجلزيئية، وهذا أمر مهم يعتبر<br />
مبثابة مفتاح فهم اخلصائص الفيزيائية للمادة. كما أن بعض<br />
املفاهيم الرياضياتية املستخدمة في تصميم الكودات - codes<br />
وفكها - كاملفتاح العام للتشفير )1( ، تعتمد على نظرية الزمر.<br />
وبعد وفاة ، تسابق علماء الرياضيات لبناء الزمر<br />
وتفكيكها ودراستها. وفي البداية، كان البحث فيها يبدو بحثا<br />
مجردا، ولكن عاملة الرياضيات األملانية وجدت في مطلع<br />
القرن العشرين صلة بن التناظر - أي نظرية الزمر - وقوانن<br />
االنحفاظ الفيزيائية. )على سبيل املثال، ال ميكن تدمير الطاقة أو<br />
خلقها(. لقد مهد عملها املتميز الطريق لعلماء الفيزياء النظرين<br />
الستخدام نظرية الزمر من أجل فهم جيد للتناظر الكامن وراء<br />
اجلسيمات األساسية )2( - وكذا التنبؤ بوجود عدد كبير منها لم<br />
يكن قد اكتشف بعد. وهكذا تطورت نظرية الزمر حتى جتاوزت<br />
حدودها وأصبحت أداة قوية إلدراك نسيج الواقع.<br />
متناول نخبة من اخلبراء املتمرسين دون غيرهم. لقد اشتغل<br />
علماء الرياضيات في هذا البرهان منذ عقود وكانوا يرغبون<br />
في أن يكونوا قادرين على مشاطرة األجيال القادمة في هذا<br />
اإلجناز. ومن شأن النسخة الثانية من البرهان أن تزيل بعض<br />
مخاوف من أن تضيع سدى تلك اجلهود التي<br />
بذلوها بن الكتب الضخمة في املكتبات املغبرة.<br />
لم يعش طويال حتى يشهد آخر قطعة من<br />
البرهان تأخذ مكانها، كما أنه لم يحضر االحتفال في منزل<br />
و . فقد توفي في عام 1992 إثر إصابته<br />
بسرطان الرئة. ويتذكر أن »لم يتوقف<br />
عن العمل قط.« ويستطرد: »كانت لدينا ثالث محادثات قبل يوم<br />
من وفاته، كانت كلها تدور حول البرهان. ولم تكن هناك عبارات<br />
وداع أو حديث في أمور أخرى، ال كالم إال عن البرهان.«<br />
)(<br />
إعادة البرهان من جديد<br />
صدر املجلد األول للنسخة الثانية من البرهان عام 1994. وكان<br />
النص استعراضياً أكثر من النص الرياضياتي املألوف ولم<br />
يشمل سوى قسمن من بن الثالثن قسما املقترحة التي من<br />
املفترض أن تغطي متاما برهان النظرية العمالقة. ونشر املجلد<br />
الثاني عام 1996، وتواصل صدور املجلدات الواحد تلو اآلخر<br />
حتى نشر املجلد السادس عام 2005.<br />
يقول إن مقاطع النسخة الثانية من البرهان أكثر<br />
انسجاما من املقاطع األصلية. ويوضح ذلك بالقول: »األجزاء<br />
التي نشرت كانت مكتوبة بشكل أكثر اتساقا وأفضل تنظيما،«<br />
مضيفا: »من الناحية التاريخية، فإنه من املهم أن يكون البرهان<br />
بأكمله في مكان واحد. وإال أصبح نوعا من الفولكلور، مبعنى<br />
ما. وحتى لو كنت تعتقد أن البرهان قد أُجنز متاما، فإنه<br />
يصبح من املستحيل التحقق من ذلك.«<br />
لقد أنهى و املجلد السابع هذا الصيف،<br />
وهناك مجموعة صغيرة من الرياضياتين الذين حققوا تقدما<br />
في املجلدين الثامن والتاسع. ويقدر أن البرهان<br />
املختصر سوف يتطلب في نهاية املطاف 10 أو 11 مجلدا، وهو<br />
ما يعني أنه لم ينشر من البرهان المُنقَّح سوى نصفه.<br />
The Math of Making Connections ()<br />
PROVING IT AGAIN ()<br />
cryptography )1(<br />
fundamental particles )2(<br />
(2015) 12/11<br />
48
ويالحظ أن ال10 أو 11 مجلدا لن تغطي<br />
متاما النسخة الثانية من البرهان. وحتى النسخة اجلديدة<br />
املختصرة، فإنها تشمل إحاالت إلى مجلدات إضافية وإلى<br />
نظريات سابقة مت البرهان عليها في أماكن أخرى. وهكذا،<br />
فبشكل من األشكال، يرى البعض أن األمر يتعلق بالطبيعة<br />
التراكمية للرياضيات؛ فكل برهان ال ميكن أن يكون نتاج<br />
زمانه فحسب بل نتاج أفكار ظهرت على مَرّ آالف السنن<br />
سبقت ذلك.<br />
وفي عام 2005، نشر الرياضياتي ]من<br />
جامعة كينگ كوليج بلندن[ مقاال في املجلة Notices التي<br />
تصدرها جمعية الرياضيات األمريكية (AMS) )1( جاء فيه:<br />
»إن البرهان لم يكتب قطُّ بأكمله، وال يستطيع أن يكون كذلك<br />
قطّ ، وبالطريقة املتوخاة في الوقت احلاضر، لن يكون البرهان<br />
مفهوما ألي شخص مبفرده.« وقد أثار هذا املقال فكرة<br />
مقلقة مفادها بأن بعض األعمال الرياضياتية قد تكون بالغة<br />
التعقيد، لدرجة أن اإلنسان يعجز عن فهمها. فقد أدت كلمات<br />
ب، وبشركائه الثالثة في تأليف الكتاب،<br />
إلى وضع املؤلف املوجز نسبيا الذي مت االحتفال بصدوره<br />
في لقاء عام 2011.<br />
قد يتجاوز برهان النظرية العمالقة نطاق كفاءة معظم<br />
الرياضياتين - ناهيك عن الهواة الفضولين - إال أن مبدأ<br />
تنظيمه يوفر أداة قيمة مفيدة للمستقبل. فمن املعلوم أن لعلماء<br />
الرياضيات تقليدا ممتدا عبر العصور يتمثل بإثبات حقائق<br />
مجردة قبل عقود، بل قبل قرون من أن تصبح تلك احلقائق<br />
مفيدة خارج احلقل الذي بُرهنت في إطاره.<br />
ويالحظ في هذا السياق: »إن الشيء الوحيد الذي<br />
يجعل املستقبل مثيرا هو أنه من الصعب تنبؤه.« ويضيف:<br />
»العباقرة يأتون بأفكار لم تخطر على بال أحد من جيلنا. وثمة<br />
افتتان ورغبة وحلم بأن هناك فهما أعمق ال يزال في املتناول<br />
في قادم األيام.«<br />
وهذا ليس غريبا ألن هؤالء الرياضياتين الذين عايشوا<br />
الظروف املثيرة املرتبطة بنهاية النسخة األولى من البرهان،<br />
حريصون على احلفاظ على أفكار البرهان. وبناء على ذلك،<br />
جنَّد و رياضياتين آخرين للمساعدة على<br />
استكمال الصيغة اجلديدة للبرهان واحلفاظ عليها جليل<br />
املستقبل. ولم يكن هذا األمر يسيرا، ذلك أن العديد من<br />
الرياضياتين الشباب كانوا يرون هذا البرهان كعمل قد مت<br />
إجنازه، وهم متعطشون إلى شيء غيره.<br />
وفضلال عن ذلك، فإن العمل على إعادة كتابة برهان مت<br />
إجنازه لنظرية الزمر ال يبعث على احلماس. وكان <br />
قد وجد معجبة وفيّة لهذه النظرية تتمثل بشخص ،<br />
وهي واحدة من عدد قليل من الرياضياتين الشباب الذين حملوا<br />
املشعل وراحوا يستكملون النسخة الثانية من البرهان. فقد<br />
أصبحت تعشق نظرية الزمر بعد أن تابعت محاضرات سلمون.<br />
وتقول : »أمر غريب، أذكر أنني كنت أقرأ<br />
وأحل التمارين، وواثقة بأنني كنت أحب ذلك. إنها كانت<br />
جميلة.« لقد انكبت على العمل في موضوع النسخة الثانية<br />
للبرهان بعد أن طلب إليها املساعدة على حتديد<br />
بعض املقاطع الناقصة التي من شأنها أن تُضم إلى املجلد<br />
السادس. وتشير إلى أن التسلسل املنطقي<br />
للبرهان يجعل الرياضياتين يبحثون عن مقاربات للمسائل<br />
العويصة أكثر وضوحا.<br />
وتوضح األدوار في اجلهود الرامية إلى<br />
صقل املسودة: كان و و <br />
قد وضعوا اخلطة الواجب اتباعها. أما وظيفتها هي وعدد<br />
قليل من الشباب، فتقول إنها كانت تتمثل بالتأكد من أن<br />
جميع املقاطع قد وضعت في أماكنها الصحيحة: »لدينا<br />
خريطة طريق، وإذا اتبعناها، فالبد في نهاية املطاف من أن<br />
ينجلي البرهان.« ><br />
THE NEXT GENERATION ()<br />
the American Mathematical Society )1(<br />
)(<br />
اجليل القادم<br />
وهذه العقود من التفكير العميق لم تدفع البرهان إلى األمام<br />
فحسب بل كانت وراء تشكيل مجموعة، بل مجتمع، من<br />
املختصن. وتقول - التي تكونت كرياضياتية -<br />
لقد شكل علماء نظرية الزمر مجموعة اجتماعية على نحو<br />
غير مألوف، مالحظةً أن »الناس في نظرية الزمر غالبا ما<br />
يكونون أصدقاء مدى احلياة«، ومشيرة إلى أنك »تراهم في<br />
اللقاءات واألسفار معا، وهم يذهبون إلى احلفالت معا، حقا<br />
إنها مجموعة رائعة.«<br />
مراجع لالستزادة<br />
The Classification of the Finite Simple Groups: A Personal Journey: The Early Years.<br />
Daniel Gorenstein in A Century of Mathematics in America, Part I. Edited by Peter Duren,<br />
with the assistance of Richard A. Askey and Uta C. Merzbach. American Mathematical<br />
Society, 1998. www.ams.org/samplings/math-history/hmath1-gorenstein33.pdf<br />
A Brief History of the Classification of the Finite Simple Groups. Ronald Solomon in<br />
Bulletin of the American Mathematical Society, Vol. 38, No. 3, pages 315–352; 2001. www.<br />
ams.org/journals/bull/2001-38-03/S0273-0979-01-00909-0<br />
The Equation That Couldn’t Be Solved: How Mathematical Genius Discovered the<br />
Language of Symmetry. Mario Livio. Simon & Schuster, 2005.<br />
Symmetry and the Monster: One of the Greatest Quests in Mathematics. Mark Ronan.<br />
Oxford University Press, 2006.<br />
Scientific American, July 2015<br />
49 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
)(<br />
حرب اإليبوال<br />
كيف دفعت أكبر فاشية مرضية مسجلة عملية تطوير لقاحن جتريبين وعالجن واعدين.<br />
<br />
غالبا ما يتحدث الباحثون عن سباق بين ڤيروس اإليبوال<br />
والناس الذين يصابون به. ويفوز املريض في السباق فقط إذا<br />
متكن جهازه املناعي من التغلب على الڤيروس قبل أن يدمر<br />
معظم أعضائه. وتفوز اجلماعات في السباق إذا استطاعت عزل<br />
اإلصابات األولى قبل انتشار املرض. وستفوز البشرية في هذا<br />
السباق إذا طورت العالجات، في احملصلة، لقاحا قبل أن يجد<br />
الڤيروس موطئ قدم دائم في مدن املعمورة.<br />
لسنوات عدة، امتلك اإليبوال ميزة طبيعية. فعدد املصابن<br />
في الفاشيات املرضية كان محدودا )أقل من مئة شخص<br />
في العادة( وكانت قصيرة األمد )أقل من خمسة أشهر(؛<br />
مما حرم الباحثين فرص جتربة العالجات احملتملة. ففي<br />
الوقت الالزم لهم لتهيئة التجارب السريرية، يكون التهديد قد<br />
زال. وقد وجدت شركات األدوية ومجموعات البحث أنه من<br />
الصعب تبرير التمويل املالي ملواجهة مرض - على الرغم من<br />
فظاعته - احتاج إلى أربعن عاما قبل أن يُوقع 1600 ضحية.<br />
فهناك أمراض أخرى تبدو أكثر إثارة للقلق: كاملالريا والسل<br />
وڤيروس عوز املناعة املكتسب ،(HIV) التي قتلت أكثر من<br />
ثالثة مالين شخص في عام 2013.<br />
وهذه احلسابات التي كانت تفرض نفسها بقوة تغيرت<br />
متاما خالل جائحة اإليبوال احلالية في غرب إفريقيا، فهي<br />
األوسع واألطول مدة على اإلطالق. ففي منتصف الشهر 1<br />
أصيب 21 000 شخص على األقل في سيراليون وليبيريا<br />
وغينيا، وعزيت أكثر من 8500 حالة وفاة إلى هذا املرض.<br />
وقد أدرك قادة الصحة العاملية أن أي تراخٍ إضافي قد ميُ كِّن<br />
الڤيروس من االنتشار إلى مناطق أبعد بكثير من منطقة<br />
اجلائحة؛ مما استدعى استجابة عاملية كبيرة لتحديد وعزل<br />
أولئك الذين قد يحملون معهم اإليبوال إلى بلدانهم، إضافة إلى<br />
تأسيس العشرات من مراكز املعاجلة اإلسعافية وتزويدها<br />
بالعناصر الالزمة للعناية باملرضى، وجتنيد ما يكفي من<br />
الفرق للدفن والتخلص من اجلثث.<br />
وللمرة األولى على اإلطلالق، حصل العلماء على جائحة<br />
إيبوال واسعة ومستمرة مبا يكفي إلجراء جتارب سريرية<br />
مكثفة تهدف إلى اكتشاف عالجات أفضل، جائحة قد يكون<br />
من املستحيل كبحها بدون تطوير لقاحات وعقاقير جديدة.<br />
كما كسبوا، وللمرة األولى، قبوال واسع النطاق لتطبيق هذه<br />
العالجات التجريبية ميدانيا. وهذه اجلهود غير املسبوقة قد<br />
تكون مفيدة في التصدي جلائحة اإليبوال املقبلة أكثر من<br />
فائدتها في احلد من الوباء احلالي. لكن، إذا ما جنح الباحثون<br />
هذه املرة، فسيضمن ذلك أال تكون لإليبوال اليد العليا عندما<br />
يهاجم البشر مجددا، وهو حاصل ال محالة.<br />
)(<br />
قاتل ماكر<br />
من املثير للدهشة أنه على الرغم من العدد الهائل من حاالت<br />
اإلصابة على مدى األشهر اخلمسة عشر املاضية، فإن الكثير<br />
عن ڤيروس اإليبوال اليزال مجهوال - أين يقبع، كيف يتأتى له<br />
مهاجمة البشر من حن إلى آخر وملاذا اليصاب به الكثيرون<br />
EBOLA WAR ()<br />
CUNNING KILLER ()<br />
طاملا بقيت جائحات اإليبوال صغيرة ومتفرقة، فستكون<br />
حظوظ الباحثن ضعيفة لتجربة وتوزيع اللقاحات أو كشف<br />
عالجات أفضل.<br />
غيّرت اجلائحة احلالية في غرب إفريقيا جميع االحتماالت -<br />
باختصار<br />
وهي األوسع حتى اآلن - فقد ركزت االنتباه واملوارد في محاربة<br />
القاتل العنيد.<br />
يهرع الباحثون إلى جتربة بعض العالجات واللقاحات<br />
احملتملة، على أمل بإنقاذ آالف األرواح.<br />
(2015) 12/11<br />
50
درع واقية: يرتدي عمال املستشفى مالبس واقية قبل الدخول إلى جناح اإليبوال في منروڤيا بليبيريا.<br />
invasive )1(<br />
عندما يبدأ باالنتشار. )في املعدل، نقل كل مصاب، خالل<br />
هذه اجلائحة، الڤيروس إلى واحد أو اثنن آخرين، خالفا<br />
لألمراض شديدة العدوى كاحلصبة، حيث ينقل كل مصاب<br />
العدوى إلى 18 شخصا آخر.(<br />
ومع أن ڤيروس اإليبوال ليس أشد الڤيروسات إعدائية<br />
،contagious إال أنه قاتل فعال بشكل فريد للبشر والرئيسات.<br />
فحتى نهاية عام 2014، قدرت نسبة الوفاة ب%70 من املصابن<br />
باملرض في غرب إفريقيا، وهي وفاة حتدث خالل أيام، وغالبا<br />
بعيدا عن مرأى السلطات الصحية.<br />
وتعتمد السرعة والشدة اللتان يتغلب بهما الڤيروس<br />
على شخص ما على عاملن اثنين بأقل تقدير: كمية<br />
الڤيروسات املجتاحة وكيفية دخولها اجلسم في البداية.<br />
وبعد أن جتاوزت املجموعات األولى من الڤيروس حاجز<br />
األنواع - من خفافيش الفاكهة إلى البشر كما يعتقد - لم<br />
تكن بحاجة إلى الكثير لتستمر سلسلة االنتقال. فالعديد من<br />
ضحايا اإليبوال أصيبوا بالعدوى infected لدى حتضير<br />
جثث أقربائهم من ضحايا املرض للدفن. إن مسح القيء<br />
عن ذقن مريض أو تنظيف نوبة إسهال عند طفل مصاب<br />
تكفي أيضا لنقل الڤيروس الذي يتمكن من دخول اجلسم<br />
بعد أن يقوم أحد مقدمي الرعاية هؤالء بلمس عيونهم أو<br />
شفاههم أو أنوفهم أو أفواههم بأيديهم امللوثة. وإذا متكن<br />
قدر كاف من الڤيروسات من الولوج إلى مجرى الدم، كما<br />
هي احلال في وخزة خاطئة بإبرة ملوثة، فإنه: »ال ميكن<br />
أن ينقذك أي شيء على ما أعتقد، فقط مت اجتياحك،« كما<br />
يقول ]عالم األحياء الدقيقة من فرع الطب<br />
بگالڤستون في جامعة تكساس[.<br />
وتقدم تقارير التشريح والباثولوجيا أفضل الطرق لدراسة<br />
كيفية انتشار الڤيروسات داخل اجلسم، لكن القليل منها<br />
أجري على ضحايا اإليبوال؛ ملا في ذلك من مخاطر العدوى<br />
العارضة للعاملن على إجناز مثل هذه اإلجراءات الباضعة )1( .<br />
فقد أظهرت دراسة علمية حديثة أنه قد مت إجراء عمليات<br />
تشريح أو أخذ خزعات بعد الوفاة على 29 حالة بشرية فقط<br />
خالل تاريخ املرض الذي يبلغ قرابة األربعن عاما.<br />
ومع ذلك، تظهر الدراسات التي أجريت حتى اآلن على<br />
احليوانات وكذلك التحاليل الباثولوجية أن ڤيروسات اإليبوال<br />
تقوم بضربة أولى مدمرة للجهاز املناعي. فكما هي احلال<br />
مع غيره من الڤيروسات، يتحتم على اإليبوال استخدام آليات<br />
اخلاليا التي يخمجها لتصنيع نسخ إضافية عنه. ومن أهدافه<br />
األولية اخلاليا املسماة اخلاليا املتغصنة ،dendritic cells التي<br />
تؤدي عادة دور احلراسة العامة أثناء قيامها بدوريات مراقبة<br />
في أنسجة اجلسم املختلفة، وكذلك البالعِ م ،macrophages<br />
51 (2015) 12/11
)(<br />
عالجات جديدة<br />
التي تبتلع اخلاليا املتضررة. وبدال من أن تتحاشى ڤيروسات<br />
اإليبوال خطوط الدفاع األولى هذه، يبدو أنها تستهدفها بالذات<br />
وتبدأ بالتكاثر داخلها. ويحقق هذا الهجوم اجلريء هدفن:<br />
تعطل الڤيروسات القدرة الطبيعية لهذه اخلاليا على إطالق<br />
عمل باقي اجلهاز املناعي، كما حتصل على مطية مجانية،<br />
تسافر على متنها دون مضايقة إلى العقد اللمفية والكبد<br />
والطحال وأماكن أخرى في اجلسم.<br />
وكأن تكتيكات حرب العصابات guerilla tactics هذه ال<br />
تكفي؛ لذلك يلجأ ڤيروس اإليبوال إلى خدعة أخرى إلخفاء<br />
وجوده: فهو يعد طمعا إللهاء اجلهاز املناعي. ويجبر الڤيروس<br />
اخلاليا املخموجة على تصنيع كمية كبيرة من مركب يدعى<br />
البروتني السكري اإلفرازي ،secreted glycoprotein أو ،sGP<br />
يطلق في مجرى الدم، وهو مركب يشبه كثيرا جزيئا آخر<br />
يعرف ب ،GP وهو بروتن مميز يبرز من غلالف الڤيروس،<br />
وعادة ما يَستهدف نظام املناعة هذا البروتن بهدف القضاء<br />
على الڤيروس املرتبط به. ومن خالل خداع اجلهاز املناعي<br />
ودفعه إلى مهاجمة البروتن sGP أيضا، )والذي ال يرتبط<br />
بالڤيروس طبعا(، يقوض ڤيروس اإليبوال بشكل أكبر قدرة<br />
اجلسم على تشكيل دفاع فعال.<br />
خصم ڤيروسي: يحوّ ل اإليبوال<br />
العناية باملرضى واحلداد على<br />
املوتى إلى نشاط خطير.<br />
املؤلفة<br />
Helen Branswell<br />
مراسلة طبية لدى ،The Canadian Press وبدأ اهتمامها باألمراض الطارئة عند تغطيتها<br />
وباء SARS في عام 2003.<br />
علّمت جائحة اإليبوال احلالية األطباء والعاملن في مجال<br />
الصحة طرقا عملية للتغلب على الڤيروس. فقد كان معلوما<br />
لفترة طويلة أنه على الرغم من النكسات املبكرة، فإن اجلهاز<br />
املناعي يستطيع حشد قواه لهزمية الڤيروس إذا أعطي ما<br />
يكفي من الوقت. ويؤكد العاملون في مجال الرعاية الصحية<br />
الذين يواجهون الوباء احلالي أنهم يتمكنون من إعطاء اجلهاز<br />
املناعي بعض الوقت إذا بدؤوا بإعطاء مرضاهم السوائل<br />
الوريدية مباشرة لدى ظهور األعراض األولى. وأعطت منظمة<br />
الصحة العاملية موافقتها على معاجلة بعض املرضى على<br />
األقل باستخدام نقل دم من أشخاص متعافن يحتوي على<br />
الكثير من األضداد بطبيعة احلال، على الرغم من عدم اليقن<br />
من جدوى هذه املعاجلة.<br />
ويظهر القرار احملفوف باملخاطر والقاضي بدعم عالجات<br />
غير مختبرة مدى اليأس الذي وصل إليه الوضع في غرب<br />
إفريقيا. لكن املقاربة تتصف على األقل باملنطق، إذ سبق أن<br />
استخدمت مصول املتعافن بنجاح في مواجهة شلل األطفال<br />
بن العشرينات واخلمسينات من القرن املاضي، وكذلك<br />
جائحة اإلنفلونزا عام 1918. وبدأت املؤسسة Bill & Melinda<br />
Gates بتمويل التجارب السريرية للمصول املضادة لإليبوال<br />
في غينيا املتضررة بشدة من هذا املرض.<br />
طبعا، يستطيع العلماء اآلن إنتاج األضداد اصطناعيا<br />
وسبق أن فعلوا ذلك في مستحضر يدعى ،ZMapp وهو مكون<br />
من ثالثة أضداد وحيدة النسلية monoclonal antibodies<br />
تستهدف ڤيروس اإليبوال. فقد اكتسب املستحضر ZMapp<br />
مكانة شبه أسطورية في الصيف املاضي حن أصيب الطبيب<br />
التبشيري األمريكي باإليبوال في ليبيريا، وأصبح<br />
أول شخص يتلقى هذا العالج. وأشارت تقارير وسائل اإلعالم<br />
أن الذي كان شديد املرض قبل أن يتلقى أول جرعة<br />
من الدواء عن طريق الوريد، حتسن بسرعة واستيقظ في اليوم<br />
التالي ليستحم بنشاط. وحن تلقى العالج لم يكن<br />
قد توافر أكثر من دستة من األشواط العالجية )يتألف كل<br />
شوط من ثالث جرعات وريدية(، وخالل أسبوعن استنفدت<br />
هذه الكمية الضئيلة.<br />
وكانت عملية ZMapp في مراحل التطوير املبكرة التي<br />
تتضمن التجارب على احليوانات - ولم يكن قد بدأ إنتاجها<br />
على نطاق جتاري بعد عندما تفشت اجلائحة. ومنذ ذلك الوقت<br />
تصاعدت وتيرة التصنيع على أمل البدء بالتجارب السريرية<br />
NEW TREATMENTS ()<br />
(2015) 12/11<br />
52
clinical trials في غرب إفريقيا في الربع األول من 2015. لكن،<br />
حتى ولو ثبتت جناعة املستحضر ،ZMapp فمن غير احملتمل<br />
توافره لكل من يحتاج إليه في املستقبل القريب.<br />
ولم يكن من املمكن أن تتوفر جميع هذه البيانات ليعمل<br />
عليها األطباء لو لم تبدأ احلكومات بإنفاق األموال في محاولة<br />
لتطوير الترياقات antidotes خوفا من احتمال حتويل اإليبوال<br />
إلى سالح بيولوجي .bioweapon فقد بحث العلماء وطوروا<br />
مزيجا من األضداد في املختبر الوطني الكندي للميكروبولوجيا<br />
واملعهد الوطني األمريكي للحساسية واألمراض املعدية<br />
Mapp ومن ثم رخصوا منتجهم لصالح شركة )1( (NIAID)<br />
للصناعات الدوائية البيولوجية التي تعتمد بدورها على<br />
الشركة Kentucky BioProcessing إلنتاج األضداد في نباتات<br />
تبغ معدلة جينيا. وتستطيع الشركة Kentucky BioProcessing<br />
إنتاج أضداد تكفي ملا بن 17 و25 شوطا في كل دفعة )2( per<br />
،batch و يتطلب ذلك 12 أسبوعا لنمو النباتات وأسبوعن<br />
إضافين ملعاجلة املواد.<br />
وتتصاعد اجلهود على قدم وساق لتكثيف إنتاج<br />
املستحضر ZMapp بشكل ملموس. وتأخذ احلكومة األمريكية<br />
بعن االعتبار – من خالل هيئة طوارئ الصحة العامة اخلاصة<br />
بها- إمكانية االستعانة مبصنع آخر ومضاعفة اإلنتاج<br />
أربعة أو خمسة أضعاف. إضافة إلى ذلك، يُجري الباحثون<br />
دراسات على الرئيسات غير البشرية لتحديد إمكانية تقليل<br />
كمية العالج في كل جرعة أو عدد اجلرعات في كل شوط<br />
عالجي؛ مما يسمح باستخدام املخزون املتوافر لتغطية عدد<br />
أكبر من احلاالت.<br />
1<br />
2<br />
)(<br />
احلاجة إلى لقاحات<br />
في البداية ضاع وقت كثير قبل إدراك مدى اتساع انتشار<br />
اإليبوال في غرب إفريقيا؛ مما جزأ الوباء epidemic اآلن إلى<br />
دستات dozens من الفاشيات املرضية الصغيرة التي لكل<br />
منها خصائص وبائية مختلفة. ويبذل العاملون في الرعاية<br />
الصحية والعسكريون واملجتمعات احمللية جهودا بطولية<br />
إلنقاذ األرواح واحتواء املرض. ويشعر اخلبراء بالقلق، إذ<br />
كلما طال أمد الوباء، زاد خطر استمرار انتقال اإليبوال إلى<br />
جيوب في غرب إفريقيا. إضافة إلى ذلك، وبسبب الشلل الذي<br />
يسببه الڤيروس ألنظمة الرعاية الصحية في البلدن املنكوبة،<br />
تزداد فرص حدوث أزمات صحية أخرى، مثل فاشيات<br />
VACCINE NEEDED ()<br />
the U.S. National Institute of Allergy and Infectious Diseases )1(<br />
)2( أو: خبزة، عجينة.<br />
3<br />
إرادة احلياة: في ليبيريا يتم رش عامل باملطهرات بعد أن أخرج اجلثث من<br />
املنازل (1). رجل يستعد لتنظيف منزل أحد املرضى (2). عائلة تستقبل <br />
العائدة إلى كوخها بعد جناتها من عدوى اإليبوال (3).<br />
53 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
احلصبة أو حتى عودة ظهور شلل األطفال.<br />
إن أحد أفضل الطرق لتفادي هذا املستقبل القامت<br />
يكمن في تطوير و جتربة وتوزيع لقاح ناجع - وهو ما كان<br />
مستحيال خالل الفاشيات الصغيرة السابقة والقصيرة األمد.<br />
ومع تضخم عدد اإلصابات في غينيا و ليبيريا وسيراليون<br />
خلالل الصيف املنصرم، أكدت الوكاالت التي توجه جهود<br />
االستجابة الدولية أن لقاحا فعاال effective vaccine قد يكون<br />
احلل الوحيد لكبح جماح الوباء.<br />
ومع نهاية عام 2014، أجريت دراسات الختبار أمان لقاحن<br />
جتريبين رائدين يطلق عليهما cAD3-EBO و rVSV-ZEBOV<br />
على عدة مئات من املتطوعين في الواليات املتحدة و كندا<br />
وأوروبا وعدد من البلدان اإلفريقية غير املتضررة. كما ستنطلق<br />
مع بداية عام 2015 دراسات أوسع تضم اآلالف من األشخاص<br />
في ليبيريا وسيراليون، وستتبعها جتارب في غينيا.<br />
إن سرعة هذه العملية غير مسبوقة. فاملهمة التي يلزمها<br />
عادة من خمس إلى عشر سنوات - جتربة اللقاح وإنتاجه<br />
على مستوى واسع - حتدث في أقل من سنة. مع ذلك، ومع<br />
بدء انخفاض معدل اإلصابات اجلديدة في سيراليون في<br />
نهاية 2014، ظهرت عقبات أخرى: هل سيكون لدينا عدد كاف<br />
من املرضى لتحديد مدى جناعة اللقاحات؟<br />
ال أحد في فِرق االستجابة لإليبوال يرغب في رؤية<br />
املزيد من احلاالت. لكن الواقع في أبحاث اللقاحات ال<br />
يسمح لك بالتأكد من فعالية املستحضرات التجريبية<br />
إال في املناطق التي يتنشر فيها العامل املمرض. وإذا<br />
انخفضت معدالت اخلمج )1( كثيرا، فسيتحتم توسيع<br />
الدراسات السريرية املقرر أن تضم 27 ألف شخص في<br />
سيراليون؛ مما سيزيد من تكلفتها وتعقيداتها والوقت<br />
الالزم للوصول إلى إجابات وافية.<br />
واليزال املنظمون يأملون بتفادي ذلك، كما<br />
يقول .Ch> لينك> ]الرئيس التنفيذي للشركة NewLink<br />
،Genetics وهي شركة تقانات حيوية مركزها والية<br />
آيوا، تطور اللقاح rVSV-ZEBOV بالشراكة مع<br />
عمالق الصناعات الدوائية .]Merck وتركز اخلطة<br />
على أجزاء من ليبيريا حيث يرتفع معدل العدوى<br />
فوق املتوسط. وال شيء سهل فيما يتعلق مبشروع<br />
لقاحات اإليبوال، ويقول : »إن التعقيدات<br />
تفوق التوقعات.«<br />
فقد مت تصميم اللقاح NewLink من قبل علماء<br />
)2(<br />
بيولوجيا سفّاح<br />
)(<br />
كيف يزهق اإليبوال األرواح<br />
في املراحل املبكرة من اإلصابة، يسدد اإليبوال ضربة مزدوجة<br />
قاتلة تستهدف نواحي أساسية لكل من اجلهاز املناعي وجهاز<br />
الدوران. ويسمح الهجوم املدمر على دفاعات اجلسم للعامل<br />
املمرض بالتكاثر بأعداد كاسحة داخل اخلاليا في جميع أنحاء<br />
اجلسم، بينما يتيح وهن جهاز الدوران والفقد الالحق للدم فرصا<br />
جديدة له إلصابة أشخاص آخرين.<br />
ما هو اإليبوال؟<br />
هو عضو من فصيلة الڤيروسات اخليطية )وتدعى كذلك ألنها تأخذ<br />
)3(<br />
أشكاال خيطية متنوعة(. ويتكون اإليبوال من طاق واحد من الرنا<br />
RNA وبروتينات مرافقة مغلفة بغشاء دهني. وقد عزل العلماء اآلن<br />
عضويني من هذه الفصيلة - وهما ڤيروسي اإليبوال واملاربورگ<br />
Marburg ومتت زراعتهما في الستينات. كما مت سلسلة جينات<br />
عضو ثالث هو ڤيروس لوڤير ،Lioviu لكن لم يتم بعد توصيف<br />
ڤيروس اللوڤير بشكل كامل في املختبر. ومن بني ذراري اإليبوال<br />
اخلمس )املوضحة في األسفل( يبدو أن ڤيروس ريستون ،Reston<br />
هو الوحيد الذي ال يسبب املرض للمصابني به.<br />
بروتينات<br />
سكرية<br />
ڤيروس ماربورگ<br />
ڤيروس لوڤير<br />
ڤيروس اإليبوال )زائير(<br />
ڤيروس إيبوال بندبيوگيو<br />
ڤيروس إيبوال غابات تايالند<br />
ڤيروس إيبوال السودان<br />
ڤيروس إيبوال ريستون<br />
تشريح أساسي:<br />
تبرز مركبات تدعى<br />
بروتينات سكرية<br />
glycoproteins من الغشاء<br />
الدهني اخلارجي )في<br />
اليمني( تساعد الڤيروس على<br />
االرتباط باخلاليا املضيفة.<br />
رنا RNA<br />
How Ebola Destroys Lives ()<br />
)1( أو: العدوى.<br />
biology of a killer )2(<br />
)3( احلمض النووي الريبي.<br />
54
ملاذا يفتك اإليبوال إلى هذه الدرجة؟<br />
يبقى الكثير مجهوال عن حقيقة الطريقة التي يصيب<br />
بها اإليبوال اخلاليا. لكن األبحاث على رئيسات غير<br />
بشرية تشير إلى أن الڤيروس يستهدف خاليا اخلط<br />
الدفاعي األول للجهاز املناعي؛ ما يعطلها ومن ثم<br />
يشل عمل باقي اجلهاز. وفيما تتكاثر الڤيروسات<br />
وترتفع أعدادها، تهاجم األوعية في اجلسم<br />
وكذلك أعضاء أخرى متنوعة<br />
اخلاليا املناعية<br />
)غير مبينة بالرسم(.<br />
هي السبب<br />
أولى اخلاليا املناعية التي يصيبها<br />
ڤيروس اإليبوال هي اخلاليا املتغصنة dendritic cells<br />
التي تول في أنسجة اجلسم بحثا عن غزاة مجهريني،<br />
ويصيب كذلك البالعم التي تقوم بدق ناقوس اخلطر للتحذير من<br />
وجود عوامل مرضة وذلك عن طريق إنتاج جزيئات التهابية تدعى<br />
السيتوكينات .cytokines إضافة إلى إجراءات أخرى باستهدافه اخلاليا<br />
التي تتنقل في جميع أجزاء اجلسم، يتمكن ڤيروس اإليبوال من االنتشار<br />
سريعا والتكاثر في الكبد والطحال وأعضاء أخرى رئيسة. ويؤدي تعطيل<br />
هذه اخلطوط الدفاعية املبكر إلى تفاقم سريع للمشكالت في اجلهاز املناعي،<br />
وهو ما يستغله الڤيروس للنمو واالنقسام بسرعة.<br />
ألسباب معقدة، فاإلفراط<br />
في إنتاج السيتوكينات<br />
من بني أمور أخرى،<br />
يؤدي إلى اإلفراط في<br />
إنتاج عوامل التخثر<br />
clotting factors في<br />
الدم بشكل الكثير من<br />
اجللطات في بعض<br />
املناطق ويحدث النزيف<br />
في مناطق أخرى.<br />
سيتوكينات<br />
تفشل أوعية مُسَ رِّبة<br />
للدم )1( في تزويد<br />
األعضاء بالدم الكافي؛<br />
ما يتسبب بفشلها.<br />
كما ميكن أن تسمح<br />
األوعية الدموية<br />
املتضررة جلراثيم<br />
األمعاء بالتسلل إلى<br />
مجرى الدم؛ ما<br />
يسفر عن حالة تهدد<br />
احلياة تدعى إنتان<br />
الدم .sepsis<br />
الكبد وخاليا<br />
أخرى<br />
ويعبر ڤيروس اإليبوال<br />
حاجز اجللد من<br />
خالل اجلروح واإلبر<br />
امللوثة أو األغشية<br />
املخاطية للعني واألنف<br />
واحللق. وانطالقا من<br />
هذه النقطة يصبح<br />
من الصعب كبح<br />
الڤيروس.<br />
خلية متغصنة<br />
وفور اختراقه اخللية<br />
املضيفة؛ يتضاعف الرنا<br />
الڤيروسي مستخدما<br />
لذلك كالًّ من البروتينات<br />
الڤيروسية وأجهزة<br />
اخللية ذاتها. تنقل اخلاليا املناعية<br />
املصابة بالڤيروس إلى<br />
األوعية الدموية.<br />
تنقل اخلاليا املناعية<br />
املصابة الڤيروس إلى<br />
العقد اللمفية<br />
بلعم<br />
بلعم<br />
يتم إلهاء اخلاليا<br />
املناعية بأهداف<br />
وهمية.<br />
إطالق<br />
أهداف مضللة<br />
يجبر الڤيروس اخلاليا املصابة على<br />
تصنيع مواد تدعى البروتينات السكرية<br />
الذوابة )2( وهي تشبه البروتينات السكرية<br />
املوجودة على السطح اخلارجي للڤيروس والتي<br />
تضمن له اختراق اخلاليا املضيفة .host cells<br />
وتؤدي البروتينات الذوابة دور الطُ عم بهدف<br />
خداع اجلهاز املناعي ودفعه إلى إطالق<br />
أضداد ضدية للهدف اخلطأ، مقوضا<br />
بذلك <strong>قدرات</strong> اجلسم الدفاعية<br />
بدرجة أكبر.<br />
تعم الفوضى أرجاء<br />
اجلهاز املناعي،<br />
ويتنامى التكاثر<br />
الڤيروسي بشكل<br />
صارخ في خاليا<br />
الكبد وخاليا أخرى.<br />
يتسبب اإلنتاج<br />
املفرط للسيتوكينات<br />
في موت الكثير من<br />
اخلاليا املناعية<br />
األخرى، مبا فيها<br />
تلك التي تصنع<br />
األضداد التي كان<br />
من املمكن أن حتيّد<br />
neutralize ڤيروس<br />
اإليبوال.<br />
اختطاف اجلهاز املناعي<br />
إمكانات العالج<br />
أفضل خط دفاع حاليا هو منع العدوى )3( من احلدوث في املقام األول: يتحتم على<br />
األطباء ارتداء مالبس واقية تغطي كامل اجلسم، مبا فيه الوجه، وعلى العاملني<br />
في املجتمعات احمللية متييز وعزل - عند الضرورة - أي شخص اختلط بآخر<br />
مصاب بالعدوى قبل أن ينشر املرض إلى اآلخرين، كما يجب على فرق الدفن<br />
التخلص من اجلثث امللوثة بطرق آمنة - إعطاء السوائل الوردية في املراحل<br />
املبكرة من العدوى قد يساعد املرضى على البقاء على قيد احلياة. ويتم اآلن تطوير<br />
استراتيجيات ذات أهداف معنية منها حقن األضداد من الناجني، أو االضداد<br />
الصنعية مثل ZMapp )في اليسار( واألدوية املضادة للڤيروسات واللقاحات.<br />
تقويض جهاز الدوران<br />
ضد<br />
فشل أعضاء اجلسم<br />
إن احلقن املتكرر<br />
لألضداد إما عن طريق<br />
نقل الدم من الناجني<br />
أو حقن أضداد صنعية<br />
مثل ZMapp يحصر<br />
blocks البروتينات<br />
السكرية على سطح<br />
ڤيروس اإليبوال مانعا<br />
الڤيروس من أن يخمج<br />
)1( vessels soluble glycoproteins )2( leaky blood خاليا مضيفة.<br />
)3( أو: اخلمج.<br />
55 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
في وكالة الصحة العامة في كندا. ويتكون اللقاح من ڤيروس<br />
حقيقي معدَّل modified هو ڤيروس التهاب الفم احلويصلي<br />
،vesicular stomatitis virus أو ،VSV يضاف إليه جزء من<br />
البروتني األولي primary protein الذي يوجد على سطح<br />
ڤيروس اإليبوال. ويعد الڤيروس VSV ممُ رضا لبعض املاشية<br />
لكنه اليؤذي البشر، ويُحدث الڤيروس خمجا بسيطا يحث<br />
اجلهاز املناعي على ضخ أضداد في مواجهة بروتن اإليبوال.<br />
لكن اللقاح اليسبب املرض بحد ذاته.<br />
واللقاح اآلخر، ،cAd3-EBO كان قد طُ وِّر أصال من قبل<br />
علماء في املعهد .NIAID فقد حصلت الشركة GlaxoSmithKline<br />
على حقوقه، حينما اشترت شركة تطوير اللقاحات السويسرية<br />
Okairos عام 2013. إنه لقاح معطَّ ل )1( يستخدم ڤيروسا غدّانيا<br />
adenovirus للشمبانزي معدال جينيا كوسيلة لتقدمي بروتن<br />
سطح ڤيروس اإليبوال الرئيس إلى اجلهاز املناعي.<br />
ولكل من اللقاحن التجريبين مساوئ وحسنات. فقد<br />
انطلق لقاح الشركة GlaxoSmithKline مبزيد من التجارب<br />
املتقدمة على لقاح الشركة .Newlink ولكن تصنيع اللقاح<br />
VSV أسهل، وقد توفر عدد أكبر من جرعاته مع نهاية الشهر<br />
2014/12. وإن العدد املطلوب من اجلرعات لتوليد مستويات<br />
جيدة من األضداد يعتمد على ما تُظهره الدراسات األولية.<br />
وهناك مخاوف بأن لقاح الشركة GlaxoSmithKline قد<br />
يفشل في توفير احلماية من جرعة واحدة. وسيكون اعتماد<br />
نظام ثنائي اجلرعة أمراً بالغ الصعوبة - خاصة ذلك الذي<br />
يستخدم لقاحن مختلفن للتأسيس ومن ثم للدعم - وذلك<br />
بالنظر إلى حالة البنى التحتية للرعاية الصحية في البلدان<br />
املتضررة. فمن املتوقع أن يتطلب لقاح الشركة NewLink<br />
جرعة واحدة فقط، لكنه قد يُحدِ ث تأثيرات جانبية خفيفة<br />
)لكنها مربكة إلى حدٍ ما( مثل: احلمى البسيطة، والقشعريرة،<br />
واآلالم العضلية أو الصداع - وهذه بعبارة أخرى، هي بالذات<br />
مجموعة من األعراض التي تبنىء بوقوع اإلصابة باإليبوال.<br />
وفي عالم يستعن بهذه األعراض لكشف إصابات اإليبوال،<br />
سيصبح التمييز بن املرضى واألصحاء في مناطق اجلائحات<br />
أكثر صعوبة.<br />
لقد صممت التجربة في ليبيريا لتحتوي على ثالثة<br />
مسارات. وسيتلقى البعض لقاح الشركة ،GlaxoSmithKline<br />
والبعض اآلخر لقاح الشركة ،NewLink كما سيحصل<br />
آخرون على عالج غفل ،placebo وقد يكون لقاح اإلنفلونزا<br />
أو لقاح التهاب الكبد (B). وقد جادل عدد من العلماء<br />
البارزين على صفحات مجلة Lancet ومواقع أخرى في<br />
أن التجارب املراقبة بعالجات غفل في هذه احلالة هي ال<br />
أخالقية. إال أن إدارة الغذاء والدواء األمريكية (FDA) )2(<br />
التي يتعن عليها املواقفة على املستحضرات التي يستعملها<br />
اجليش األمريكي واملؤسسات الصحية؛ أحلّت على إجراء<br />
التجارب املراقبة بالدواء الغفل. ويقول ]املسؤول<br />
عن نتائج جتارب اإليبوال في اإلدارة :]FDA »نحن بحاجة<br />
إلى أن نعلم بشكل محدد وواضح ما هي املستحضرات<br />
املفيدة وتلك الضارة في أسرع وقت ممكن. إن ذلك أمر مهم<br />
للغاية بالنسبة إلى األجيال القادمة، وعلينا أن نحصل على<br />
ذلك في احلال.«<br />
و ]مدير املؤسسة اخليرية البريطانية Wellcome<br />
Trust التي متول عددا من جتارب العقاقير واللقاحات[ كان<br />
يأمل باستخدام مقاربات أكثر ابتكارا - اختبارات تستخدم<br />
ما يعرف باإلقحام التدريجي step-wedge أو تصاميم<br />
)1( أو: ميّت.<br />
the U.S. Food and Drug Administration )2(<br />
بينما يراقب العالم: متظاهرون في لندن يطالبون احلكومة البريطانية بفعل<br />
املزيد ملكافحة اإليبوال.<br />
56
املجموعات العشوائية - cluster-randomized designs تسمح<br />
للجميع باحلصول على لقاحات فعالة في نهاية املطاف. ومع<br />
ذلك، فهو يتقبل التجارب املراقبة بالدواء الغفل ويقول: »أنا<br />
لست مرتاحا لها متاما. لكن مقارنة بلقاح تعطيه إلى أشخاص<br />
أصحاء حن التعلم كم هو آمن وال تعرف فعاليته، فإنني أقبل<br />
بالتجارب املصممة عن طريقة اإلقحام التدريجي أو مجموعات<br />
العشوائية أو تلك التي تعتمد على املراقبة بالدواء الغفل.«<br />
وفي هذه األثناء، ستجرى جتربة<br />
بطريقة إقحام تدريجي في سيراليون.<br />
ويعتمد تصميم هذه التجربة على<br />
حقيقة فحواها أن من املستحيل تلقيح<br />
vaccinate اجلميع في الوقت نفسه<br />
لتشكيل مجموعات مراقبة؛ واملقارنة<br />
تتم بن معدل اإلصابات اجلديدة في<br />
مناطق سبق أن تلقت اللقاح مبعدلها<br />
في املناطق التي لم يتم طرحه فيها بعد.<br />
ومن حسنات هذه الطريقة أن اجلميع<br />
يحصل على اللقاح، أما مساوئها: قد<br />
يتطلب األمر وقتا أطول قبل التأكد من<br />
جناعة اللقاح.<br />
وستشهد غينيا أيضا بعض أشكال التجارب، لكنها<br />
ستكون على األرجح أقل طموحا. والبنية التحتية في هذا<br />
البلد هي األسوأ بن جيرانها؛ مما يجعل إجراء التجارب<br />
السريرية مهمة أكثر صعوبة. ويقول .P-M> كيني>، وهو<br />
الشخص املعني من قبل منظمة الصحة العاملية مبراقبة<br />
اجلهود الدولية لتطوير لقاحات وعقاقير لإليبوال، إن<br />
االختبارات في غينيا ستشمل تلقيح العاملن في مجال<br />
الرعاية الصحية ضمن دراسة مراقبة ال تتضمن مسار<br />
العالجات الغفل. إضافة إلى ما سبق، قد متول املؤسسة<br />
ring جتربة لبيان مدى فعالية تلقيح احللقة Gates<br />
،vaccination وهو تلقيح يتم في محيط حالة معروفة ملنع<br />
انتقال العدوى منها. )ويعود الفضل إلى تلقيح احللقة في<br />
القضاء على اجلدري في القرن العشرين.(<br />
وهناك عدد آخر من اللقاحات التجريبية التي ال تزال في<br />
مراحل مختلفة من التطوير. ويعتقد أن بعضها واعد بشكل<br />
يوازي على األقل منتجات الشركتين GlaxoSmithKline<br />
و .NewLink وأحدها تصنعه الشركة ،Johnson & Johnson<br />
وقد بدأت عليه جتارب األمان في مطلع الشهر 1. ولكن<br />
الشركات التي انضمت إلى السباق من أجل إنتاج لقاحات<br />
لإليبوال بعد الشركتن GlaxoSmithKline و NewLink تواجه<br />
في البداية ضاع وقت<br />
كثير قبل إدراك مدى<br />
اتساع انتشار اإليبوال<br />
في غرب إفريقيا؛ ما<br />
جَ زَّ أ الوباء epidemic<br />
اآلن إلى دستات من<br />
الفاشيات الصغيرة<br />
التي لكل منها خصائص<br />
وبائية مختلفة.<br />
واقعا اقتصاديا صعبا. فمن املرجح أالّ يؤخذ بعن االعتبار<br />
أصحاب الترتيبن الرابع واخلامس في هذا السباق. وستكون<br />
السوق املستقبلية للقاحات اإليبوال محدودة. حيث ستكدس<br />
منظمة الصحة العاملية أو (GAVI) )1( على األغلب مخزونا من<br />
املنتج الستخدامه في الفاشيات املستقبلية. كما ستشتري<br />
بعض الدول الغنية بالتأكيد بعض املؤن كدرع في مواجهة<br />
اإلرهاب البيولوجي .bioterrorism لكن السوق لن تكون على<br />
األغلب أكبر من ذلك بكثير. فما لم يتعثر<br />
أحد املتسابقن الذين هم في املقدمة،<br />
سيفلس من هم في اخللف. »سيحظى<br />
الذين يأتون وراء أول اثنن بفرصة فقط<br />
إذا فشل أول اثنن«، كما يقول .<br />
بالطبع، ال يغيب عن ذهن الباحثن<br />
والعاملن في الرعاية الصحية احتمال<br />
الفشل الكلي ملساعي لقاح اإليبوال.<br />
ومع أن الوباء لم يعد ينمو باطراد كما<br />
كان في الشهر 2014/9 املاضي، لكن<br />
اجلائحة ليست حتت السيطرة بعد. فقد<br />
انخفض عدد اإلصابات اجلديدة في<br />
)2(<br />
أجزاء واسعة من ليبيريا، لكن انتقال<br />
املرض اليزال كثيفا في املقاطعات الغربية والشمالية من<br />
سيراليون. وإلى أن يتراجع عدد اإلصابات اجلديدة إلى<br />
الصفر، فسيبقى احتمال ظهور املرض وانتشاره من جديد<br />
قائما وحقيقيا.<br />
لقد قضى اآلالف من الناس في عام 2014. وعلى الرغم<br />
من املساعي املتواصلة للعديد من العاملن في الرعاية<br />
الصحية وفرق الدفن واملتطوعن اآلخرين، سيقضي لألسف<br />
املزيد من املئات ورمبا اآلالف في عام 2015. لكن العالم<br />
سيدرك خالل األشهر القادمة بشكل أفضل بكثير املدى<br />
والسرعة التي يتحتم علينا أن نسير بها قبل أن نتغلب على<br />
هذا الڤيروس الغادر. ><br />
the Vaccine Alliance )1(<br />
)2( أو: سراية.<br />
مراجع لالستزادة<br />
Ebola: What You Need to Know. In-Depth Reports, ScientificAmerican.com; August 5, 2014.<br />
Camouflage and Misdirection: The Full-On Assault of Ebola Virus Disease. John Misasi and<br />
Nancy J. Sullivan in Cell, Vol. 159, No. 3, pages 477–486; October 23, 2014. www.cell.com/<br />
cell/pdf/S0092-8674(14)01293-8.pdf<br />
Ebola situation reports from the World Health Organization:<br />
http://who.int/csr/disease/ebola/situation-reports/en<br />
Scientific American, March 2015<br />
57 (2015) 12/11
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
<strong>قدرات</strong> <strong>النياندرتاليني</strong> <strong>العقلية</strong><br />
)(<br />
)1(<br />
أسفرت التحاليل التشريحية و حتاليل الدنا DNA والبقايا الثقافية عن أفكار<br />
محيّرة في احلياة <strong>العقلية</strong> )2( ألبناء عمومتنا املنقرضن الذين يصعب تعرفهم.<br />
<br />
في يوم صحوٍ في جبل طارق ميكنك أن ترى، وأنت<br />
تستكشف كهف كورهام، الساحلَ الشمالي املتعرج<br />
األرجواني لبالد املغرب العربي فوق سطح البحر الفيروزي.<br />
ويخيم الهدوء في داخل الكهف باستثناء ضربات األمواج<br />
على الساحل الصخري. ولكن بعيدا عن الساحل، يعمُّ<br />
النشاط في املضيق الذي يفصل هذا الطرف في أقصى<br />
جنوب شبه اجلزيرة اإليبيرية عن القارة اإلفريقية. فهناك<br />
متخر مراكب الصيد في البحر لصيد أسماك التونة<br />
واملارلين، والسفن السياحية التي تنقل السياح، وهم<br />
يشاهدون اجلدار الصخري الكلسي جلبل طارق، وناقالت<br />
النفط اخلام التي تبحر من البحر املتوسط إلى موانئ أوروبا<br />
الغربية. لقد جذبت، هذه املنطقة من خالل تياراتها السريعة<br />
الغنية بالغذاء ومناخها املعتدل وموقع بوابتها، البشرَ منذ<br />
آالف السنن.<br />
قطنت مجموعة من البشر مثيرة لإلعجاب في هذه<br />
املنطقة ملدة عشرات اآلالف من السنن وحتملت العيش<br />
في عصور جليدية متعددة. وخالل هذه األزمنة كشف<br />
انخفاض مستويات البحر عن سهل ساحلي واسع أمام<br />
الكهف، حيث ترعرعت مجموعة متنوعة من احليوانات<br />
والنباتات. وقد استطاع النياندرتاليون استغالل هذا الكَرَم<br />
احمللي بشكل ذكي؛ إذ كانوا يصطادون احليوانات الكبيرة<br />
كالوعول والفقمات واحليوانات الصغيرة مثل األرانب<br />
واحلمام، كما كانوا يصطادون سمك األبراميس ويجمعون<br />
احملار واحللزون )والبطلينوس( من الشواطئ البعيدة؛ كما<br />
كانوا يقومون بجمع أكواز الصنوبر من أشجار الصنوبر<br />
الدائمة اخلضرة. وأحيانا كانوا يتخذون من رياش الغربان<br />
والنسور زينة يتزينون بريشها األسود اجلميل. وإضافة<br />
إلى ذلك، كانوا ينقشون أرض كهفهم برموز ضاعت دالالتها<br />
مع مرور الزمن.<br />
وتصرف هؤالء الناس مثلما تصرف أسلالفنا من أفراد<br />
اإلنسان العاقل Homo sapiens الذين نشؤوا في إفريقيا<br />
بالبنية التشريحية نفسها التي لنا في الوقت احلاضر،<br />
والذين استعمروا فيما بعد كل بقعة من بقاع الكرة األرضية.<br />
ولكنهم لم يكونوا هؤالء البشر احلديثن تشريحيا؛ وإمنا<br />
كانوا من النياندرتالين أبناء عمومتنا من ذوي األجسام<br />
القصيرة والبدينة واحلواجب الثخينة واملعروف أنهم عاشوا<br />
في آسيا وأوروبا في احلقبة من 350 ألف سنة إلى 39 ألف<br />
NEANDERTAL MINDS ()<br />
)1( أو: رؤىً .<br />
)2( lives = inner lives = mental احلياة <strong>العقلية</strong>.<br />
)3( تعود تسمية البشر احلديثني تشريحيا anatomically modern humans أو اإلنسان<br />
العاقل احلديث تشريحيا anatomically modern Homo sapiens في علم اإلنسان<br />
القدمي إلى مظهر أفراد هؤالء البشر املتناسق مع أفراد »اإلنسان العاقل« احلديثن<br />
أو أفراد البشر احلديثن.<br />
)4( أو: اإلدراكية.<br />
)5( أو: بالدماغ.<br />
باختصار<br />
ظلّ الرأي السائد لفترة طويلة على أن النياندرتالين<br />
كانوا متخلفين عن اإلنسان العاقل احلديث تشريحيا )3( في<br />
<strong>قدرات</strong>هم <strong>العقلية</strong> )4( .<br />
وتشير الدراسات إلى أنهم كانوا يختلفون بالفعل عن<br />
اإلنسان العاقل في تشريح الدماغ والدنا ،DNA إال أن الداللة<br />
الوظيفية لهذه االختالفات لم تكن واضحة.<br />
توفر البقايا الثقافية أفكارا أكثر وضوحا عن <strong>قدرات</strong><br />
النياندرتاليين <strong>العقلية</strong> وتضيق الفجوة <strong>العقلية</strong> املفترضة<br />
بينهم وبيننا.<br />
وتشير نتائج البحوث إلى أن هناك عوامل ال عالقة لها<br />
بالذكاء )5( دفعت النياندرتالين إلى االنقراض وسمحت لإلنسان<br />
العاقل بأن يتطور.<br />
(2015) 12/11<br />
58
سنة خلت - أولئك هم النياندرتاليون<br />
ذاتهم الذي جاء اسمهم ليكون<br />
مترادفا مع الثقافة الشعبية املرافقة<br />
للذكاء املتدني والوحشية.<br />
إن األساس العلمي لهذا الرأي<br />
الشعبي املستهجن يعود إلى أسباب<br />
عميقة. فعند العودة إلى السنوات<br />
املبكرة من القرن التاسع عشر<br />
جند أن اكتشاف أول هيكل عظمي<br />
كامل إلنسان نياندرتال في موقع<br />
الشاپل-أوه-سانت )1( في فرنسا<br />
أدى إلى مشكلة في صورة هذه<br />
املجموعة: فالتشوهات في الهيكل<br />
املعروفة اآلن التي تعكس عمره<br />
القدمي كانت تعتبر عالمات انحطاط<br />
عقلي ومستوى دون البشر.<br />
ومنذ ذلك احلن تأرجحت آراء<br />
علماء اإلنسان القدمي بصورة<br />
متكررة بين الباحثن الذين<br />
يرون أن النياندرتاليين أدنى في<br />
<strong>قدرات</strong>هم <strong>العقلية</strong> من اإلنسان<br />
العاقل وبن أولئك الذين يرونهم<br />
كأنهم متساوون معنا ب<strong>قدرات</strong>نا<br />
<strong>العقلية</strong>. وفي الوقت احلاضر تثير<br />
اكتشافات حديثة هذا اجلدل. إذ<br />
بينت التحاليل احلديثة لبعض األحافير والدنا القدمي أن<br />
أدمغة النياندرتالين كانت مختلفة فعال - وأقل قدرة عقلية<br />
من أدمغة اإلنسان العاقل. ومع ذلك تشير أدلة أثرية<br />
archaeological إلى أن النياندرتاليين كانوا يتصرفون<br />
باألساليب نفسها التي كان يتصرف بها معاصروهم من<br />
البشر احلديثن تشريحيا.<br />
ومع تقدم العلماء في نطاق <strong>قدرات</strong> النياندرتالين <strong>العقلية</strong><br />
يزداد الغموض الذي يحوم حول أسباب انقراض أقرب<br />
أقربائنا من البشر وذلك على الرغم من سيادته ملئات<br />
اآلالف من السنن. وقد بدأ التنافس حول حل اللغز املتعلق<br />
باالنقراض، وإن مثل هذه الفكرة ستساعد على الكشف عما<br />
كان مييز نوعنا عن باقي أفراد فصيلة البشر - وستساعد<br />
أيضا على وضع أفراد البشر احلديثن تشريحيا على<br />
الطريق الذي سيصبح فيه نوعنا في الوقت احلاضر النوع<br />
األكثر جناحا.<br />
)(<br />
معارف عظميّة<br />
ملدة طويلة بحث علماء اإلنسان القدمي عن أدلة على <strong>قدرات</strong><br />
النياندرتاليين <strong>العقلية</strong> في جماجمهم التي تركوها خلفهم.<br />
ومن خالل دراسة القوالب الداخلية لقحف دماغهم، متكن<br />
الباحثون من إعادة بناء الشكل اخلارجي لدماغ اإلنسان<br />
املنقرض الذي يكشف عن حجمه اإلجمالي، وكذلك عن<br />
شكل بعض مناطقه. إال أن هذه التحليالت فشلت في إظهار<br />
اختالفات واضحة بن أدمغة النياندرتالين وأدمغة أفراد<br />
اإلنسان العاقل. )يعتقد بعض اخلبراء أن النياندرتالين ما<br />
هم إال مجرد مجموعة أخرى من اإلنسان العاقل. غير أن<br />
مقالنا هذا يعالج املجموعتين على أنهما نوعان مختلفان<br />
من البشر، حتى وإن كانت درجة قرابتهما وثيقة الصلة<br />
إلى أبعد احلدود.( لقد كانت تالفيف أدمغة النياندرتالين<br />
BONY INKLINGS ()<br />
La Chapelle-aux-Saints )1(<br />
59 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
أقل تعرجا من أدمغتنا ولكن حجمها كان كحجم أدمغتنا.<br />
وفي الواقع كانت أكبر حجما في كثير من احلاالت، بحسب<br />
تفسير املتخصص بعلم األعصاب القدمي )1( ]من<br />
جامعة كولومبيا[. كما أن فصوص الدماغ اجلبهية - التي<br />
تتحكم في حل املشكالت، من بن املهام األخرى - كانت<br />
مماثلة تقريبا لفصوص دماغ اإلنسان العاقل اجلبهية،<br />
وذلك انطالقا من االنطباعات التي تخلفت عنها داخل<br />
قحف الدماغ. ومع ذلك، فإن هذه االنطباعات ال تكشف<br />
االمتداد الداخلي أو بنية تلك املناطق الرئيسية في الدماغ.<br />
وهذه القوالب الداخلية endocasts تشكل أكثر األدلة<br />
املباشرة على تطور الدماغ، لكنها تكون محدودة للغاية<br />
من حيث إعطاء معلومات مؤكدة حول سلوك النياندرتالين<br />
بحسب .<br />
ففي دراسة متت في عام 2013 ونشرت على نطاق<br />
واسع، ادعت وزمالؤها ]من جامعة أكسفورد[<br />
أنها جتاوزت بعض نواقص القوالب الداخلية وقدمت<br />
وسيلة لتقدير حجم املناطق الداخلية من الدماغ. فقد<br />
استخدم فريقها حجم تويف احلجاج )العني(<br />
eyesocket كبديل عن حجم القشرة البصرية التي هي<br />
منطقة في الدماغ وتعالج اإلشارات البصرية. فقد وجدوا<br />
أن جماجم النياندرتالين التي مت إجراء القياسات عليها<br />
كان حجم التجويف احلجاجي أكبر كثيرا من التجويف<br />
احلجاجي ألفراد البشر احلديثين – وهذا كان أفضل<br />
للتلالؤم مع مستويات الضوء املنخفضة املتاحة، وفق<br />
إحدى الفرضيات، في مساكنهم الواقعة في مناطق خطوط<br />
العرض العليا - ومن ثم، فإن حجم القشرة البصرية<br />
كانت أكبر. ومع املزيد من احلاالت الواقعية املكرسة<br />
إلى معاجلة املعلومات البصرية، يجادل الباحثون في أنه<br />
رمبا كانت للنياندرتالين أنسجة عصبية أقل في مناطق<br />
الدماغ األخرى، مبا في ذلك تلك املناطق التي تساعدنا<br />
على احلفاظ على تواصل اجتماعي واسع، والتي ميكن أن<br />
تكون مبثابة املخزن ملواجهة األوقات الصعبة.<br />
لم يقتنع بهذا الطرح إذ يشير عمله اخلاص<br />
بالقوالب الداخلية إلى عدم وجود أية وسيلة لتحديد وقياس<br />
القشرة البصرية. إضافة إلى ذلك، فإن وجوه النياندرتالين<br />
كانت أكبر من وجوه البشر احلديثن تشريحيا؛ مما قد<br />
يفسر احلجم األكبر لتجويف احلجاج )العن(؛ كما الحظ<br />
أن البشر احلالين كانوا يختلفون كثيرا بأبعاد<br />
قشرتهم البصرية مقارنة مبناطق الدماغ األخرى، وهذا<br />
االختالف التشريحي ال يبدو أنه يتوافق مع االختالفات<br />
في السلوك.<br />
وقد وفرت حتاليل األحافير )2( األخرى دالئل غامضة<br />
مشابهة على <strong>قدرات</strong> النياندرتالين <strong>العقلية</strong>. ودراسات عدم<br />
تناظر األطراف وعالمات االهتراء على األسنان واألدوات<br />
)من استخدامها في التقاط األشياء مثل جلود احليوانات<br />
خالل معاجلتها( أشارت إلى أن النياندرتالين كانوا<br />
يفضلون استخدام اليد اليمنى كما نفعل نحن البشر<br />
احلديثون. ويعتبر االجتاه القوي نحو تفضيل اليد اليمنى<br />
إحدى السمات التي متيز اإلنسان احلديث عن أفراد<br />
الشمبانزي وتنسجم مع حاالت الالتناظر في الدماغ التي<br />
يعتقد أن لها صلة باللغة - وهي مكون رئيسي في سلوك<br />
اإلنسان احلديث. ومع ذلك، فإن الدراسات اخلاصة بشكل<br />
جمجمة النياندرتالين في العينات التي تناولت مجموعة من<br />
مراحل النمو، تشير إلى أن النياندرتالين اكتسبوا احلجم<br />
الكبير للدماغ من خالل مسلك للنمو يختلف عن مسلك<br />
اإلنسان العاقل. ومع أن <strong>قدرات</strong> النياندرتالين <strong>العقلية</strong> بدأت<br />
بالنمو بطريقة مشابهة لدى اإلنسان احلديث في أرحام<br />
أمهاتهم، إال أنها اختلفت عن منط النمو احلديث بعد الوالدة<br />
خالل الفترة املهمة من النمو املعرفي.<br />
وقد تكون لهذه االختالفات في النمو جذور تطورية عميقة.<br />
إنّ حتليل نحو 17 جمجمة يعود عمرها إلى ما قبل 430 ألف<br />
سنة من موقع األحافير سيما دو لوس هويسوس )3( في جبال<br />
أتابويركا شمالي إسبانيا، بنّ أن أفرادا من السكان هناك،<br />
كانوا يعتقدون أنهم أسالف النياندرتالين الذين كانت لديهم<br />
أدمغة أصغر من أدمغة أفراد السلاللة الذين أتوا بعدهم.<br />
وهذا الكشف يدل على أن النياندرتالين لم يرثوا حجم<br />
دماغهم الكبير من السلف األخير املشترك من النياندرتالين<br />
واإلنسان احلديث، وإمنا تعرَّض هذان النوعان لزيادة في<br />
حجم الدماغ بصورة متوازية خالل عملية تطورهما الالحق.<br />
paleoneurologist )1(<br />
)2( fossils؛ أو: املستحاثات.<br />
Sima de los Huesos )3(<br />
Kate Wong<br />
محررة رئيسة في مجلة ساينتفيك أمريكان.<br />
60<br />
املؤلفة
وعلى الرغم من أن حجم أدمغة النياندرتالين وصل تقريبا<br />
إلى حجم أدمغتنا، فإن تطورها املستقل ترك إمكانيات<br />
كثيرة لظهور اختالفات في الدماغ مستقلة عن حجمه، كتلك<br />
االختالفات التي تؤثر في االتصال بن مناطقه.<br />
)(<br />
إشارات جينية<br />
وقد تأتي تلميحات من بعض تلك االختالفات من حتليل<br />
الدنا .DNA فمنذ أن نشر مشروع جلينوم genome<br />
النياندرتالين في عام 2010، بحث علماء الوراثة في الدنا<br />
الستنتاج طريقة ملقارنة النياندتالين باإلنسان العاقل. ومن<br />
املثير لالهتمام أن يتضح أن النياندرتالين كانوا يحملون<br />
متغيراً جلن يشبه كثيرا ما نحمله نحن البشر يدعى املتغير<br />
FOXP2 الذي كان يعتقد أنه يؤدي دورا في عملية التكلم<br />
واللغة. إال أن أجزاء أخرى في جينوم النياندرتالين تبدو<br />
أنها تتباين مع جينوماتنا بشكل ملحوظ. إذ يبدو، من جهة،<br />
أن النياندرتاليين كانوا يحملون صيغا مختلفة جلينات<br />
أخرى مرتبطة باللغة تشمل الصيغة .CNTNAP2 ومن جهة<br />
ثانية، فإن من بن 87 جيناً لدى أفراد اإلنسان احلديث التي<br />
تختلف عن نظرائها عند النياندرتالين وعند مجموعة بشرية<br />
قدمية أخرى من الهومينني )أشباه البشر( ،hominin<br />
الدينيسوڤانيني )1( Denisovans ،the هناك عدة جينات كانت<br />
تؤثر في منو الدماغ وعمله الوظيفي.<br />
ومع ذلك، فإن االختالفات في الكودات اجلينية the<br />
genetic codes بين النياندرتالين والبشر احلديثن ال متثل<br />
كامل القصة؛ إذ إن تشغيل وإلغاء تأثير عمل اجلينات ميكن<br />
أن يؤدي إلى متييز البشر احلديثن عن النياندرتالين، أيضا،<br />
وهكذا فإن املجموعتن كانتا تختلفان في الطريقة والظروف<br />
اللتان كانتا تنتجان بها املواد املكودة بجيناتهما. وبالفعل،<br />
يبدو أن املتغير FOXP2 ذاته كان يُعبر بصورة مختلفة لدى<br />
النياندرتالين عنه لدى أفراد اإلنسان العاقل مع أن البروتن<br />
املصنوع منه هو ذاته. وقد بدأ العلماء بدراسة تعديل اجلينات<br />
لدى النياندرتالين ولدى مجموعات بشرية أخرى منقرضة من<br />
خالل دراسة أمناط من العالمات الكيميائية املعروفة بعالمات<br />
مجموعات املثيل methyl groups لدى اجلينومات القدمية.<br />
واملعروف أن هذه العالمات تؤثر في النشاط اجليني.<br />
إال أن السؤال الكبير يكمن فيما إذا كانت االختالفات<br />
في تسلسلالت الدنا وفعالية اجلينات تترجم اختالفات في<br />
اإلدراك واملعرفة. وحتقيقا لهذه الغاية، ظهرت أدلة مثيرة<br />
من دراسة األفراد احلالين الذين يحملون نسبة مئوية<br />
صغيرة من دنا النياندرتالين أنها كانت نتيجة للتزاوج<br />
)(<br />
تركة <strong>النياندرتاليني</strong><br />
كشف حتليل الدنا املأخوذ من أحافير <strong>النياندرتاليني</strong>، أن<br />
<strong>النياندرتاليني</strong> كانوا يتزاوجون بأفراد اإلنسان العاقل بعد أن<br />
ترك نوعنا إفريقيا. ونتيجة لهذا التزاوج الطويل األمد يوجد<br />
الدنا النياندرتالي في كثير من البشر احلاليني.<br />
إن نسبة<br />
%2.1 - %1.5<br />
من الدنا الالإفريقي لدى البشر<br />
احلديثني تأتي من دنا <strong>النياندرتاليني</strong>.<br />
إن أي شخص حالي ال ميتلك إال كمية قليلة من الدنا النياندرتالي.<br />
ولكن ليس كل شخص يحمل األجزاء نفسها. ففي الواقع، إن ضم<br />
أجزاء الدنا النياندرتالي من عينة كبيرة من البشر احلديثني، مكّن<br />
العلماء من إعادة بناء نسبة - 35 %70 من جينوم <strong>النياندرتاليني</strong>.<br />
يستمر وجود نسبة<br />
%70 - %35<br />
من جينوم <strong>النياندرتاليني</strong> في مجمع جينات<br />
gene pool الناس اليوم.<br />
الطويل األمد بن النياندرتالين وأفراد اإلنسان العاقل.<br />
لقد قام عالم الوراثة ]من معهد البحوث<br />
الطبية احليوية في تكساس[ بإجراء دراسة ملدة طويلة على<br />
عائالت كبيرة في منطقة سان أنطونيو بهدف العثور على<br />
اجلينات املسؤولة عن أمراض معقدة مثل داء السكري.<br />
وفي السنوات القليلة املاضية بدأ بدراسة<br />
بنية الدماغ ووظيفته لدى عينات األفراد املشاركن في<br />
الدراسة. فقد بدأ ، وهو أحد علماء علم األحياء<br />
GENETIC HINTS ()<br />
Neandertal Legacy ()<br />
)1( إنسان دينيسوڤا: هو نوع من األنواع املنقرضة من البشر من جنس هومو. وقد<br />
اكتُشف في الشهر 2010/3 في كهف دينيسوڤا Denisova بالقرب من جبال التاي<br />
بسيبيريا وعاش نحو ما قبل 41 000 سنة خلت.<br />
61 (2015) 12/11
املختص بعلم اإلنسان، بالتساؤل عن الطريقة التي متكنه<br />
من استخدام البشر لإلجابة عن أسئلة مثل السؤال عن<br />
ال<strong>قدرات</strong> املعرفية التي كانت لدى النياندرتالين.<br />
وبدأت اخلطة بالتبلور. فقد حصل وفريقه،<br />
خالل بحثهم عن األمراض على تسلسالت كاملة للجينوم<br />
إضافة إلى صور مسوح التصوير بالرنني املغنطيسي<br />
(MRI) ألدمغة مئات املرضى. وقاموا بتطوير طريقة<br />
إحصائية لقياس تأثيرات بعض املتغيرات اجلينية<br />
املرتبطة باملرض في السمات التي ميكن مالحظتها.<br />
لقد أدرك وفريقه أن بطريقتهم اإلحصائية<br />
ميكنهم استخدام جينومات النياندرتاليين والبيانات<br />
اجلينية والتصوير MRI ملجموعته من البشر األحياء<br />
لتقدير تأثيرات مجموعة املتغيرات اجلينية الكاملة<br />
للنياندرتاليين - املعروفة بالنمط اجليني املتعدد<br />
- polygenotype في السمات املرتبطة باإلدراك املعرفي.<br />
وتشير النتائج التي حصلوا عليها إلى أن عدة مناطق<br />
رئيسية من الدماغ كانت أصغر لدى النياندرتالين عما هي<br />
عليه لدى أفراد اإلنسان احلديث، ويشمل ذلك: منطقة املادة<br />
الرمادية السطحية التي تساعد على معاجلة املعلومات في<br />
الدماغ، ومنطقة البروكا Broca التي تبدو معنية في <strong>قدرات</strong><br />
اللغة، ومنطقة اللوزة الدماغية )1( amygdala the التي تتحكم<br />
في العواطف والدوافع. وتشير هذه النتائج أيضا إلى أن<br />
النياندرتاليين كانت لديهم كمية أقل من املادة البيضاء،<br />
وهذا ما يفسر انخفاض عمليات اتصال اخلاليا العصبية<br />
فيما بينها في أدمغتهم. وهناك سمات أخرى ستؤثر في<br />
قدرتهم على التعلم وتذكر الكلمات. ويؤكد في<br />
عرضه الكتشافاته في االجتماع السنوي جلمعية علماء<br />
اإلنسان الفيزيائين األمريكين في كالكاري في الشهر<br />
2014/4 »أن النياندرتالين كانوا بالتأكيد أقل مهارة معرفيا،<br />
وأنا مستعد للمراهنة على ذلك.«<br />
وبالطبع, فإن عدم وجود نياندرتالين أحياء اآلن يعني<br />
عجز عن تقدير إمكانياتهم املعرفية ومن ثم تأكيد<br />
أو نفي استنتاجاته، إال أن هناك، نظريا، أسلوباً آخر الختبار<br />
حدسه، إذ سيكون من املمكن استخدام التقانة احلالية في<br />
دراسة الوظائف اخللوية الدماغية للنياندرتالين من خالل<br />
التعديل اجليني خلاليا أفراد البشر احلديثن لتحوز على<br />
تسلسالت احلمض النووي النياندرتالي وبرمجتها لتصبح<br />
خاليا عصبية )2( ثم مراقبة هذه اخلاليا النياندرتالية في<br />
أطباق پتري .petri dishes وعند ذلك ميكن للعلماء أن يدرسوا<br />
)3(<br />
<strong>قدرات</strong> اخلاليا العصبية على نقل النبضات الكهربائية<br />
وانتقالها إلى مناطق مختلفة من الدماغ وإنتاج استطاالت<br />
عصبية neurites تساعد اخلاليا على االتصال فيما بينها،<br />
على سبيل املثال. ويشير إلى أنه على الرغم من<br />
وجود قضايا أخالقية عالقة عندما يتعلق األمر بخلق خاليا<br />
نياندرتالية، إال أن هذا العمل ميكن أن يساعد الباحثن<br />
بالفعل على حتديد اجلينات املسؤولة عن اضطرابات دماغ<br />
اإلنسان احلديث إذا كانت التغيرات اجلينية تخرب وظائف<br />
اخلاليا العصبية. وميكن لهذه النتائج في املقابل أن تقود<br />
إلى اكتشاف أهداف ألدوية جديدة.<br />
ولكن اجلميع ليسوا مستعدين الستخالص استنتاجات<br />
حول عقل النياندرتال من الدنا. فقد الحظ <br />
]من جامعة ويسكونسن-ماديسون[ أنه من املمكن أن<br />
النياندرتالين كانوا يحملون متغيرات جينية كانت تؤثر<br />
في وظيفة الدماغ، ولكن لم تكن لتلك املتغيرات مقابالت<br />
لدى البشر احلاليين ملقارنتها بهم. كما بين أنه إذا كان<br />
على املرء أن يتنبأ بلون بشرة النياندرتالين استنادا إلى<br />
اجلينات التي يتشاركون فيها مع أفراد البشر احلديثن،<br />
فإنه سيستنتج أن لون بشرتهم كان قامتا. ومع ذلك يعرف<br />
العلماء حاليا أن املعلومات عن بعض اجلينات التي كانت<br />
لدى النياندرتالين لم تعد متداولة ومن احملتمل أنها كانت<br />
تخفف من لون بشرتهم. ولكن املشكلة األكبر في محاولة<br />
التحقق في طريقة عمل أدمغة النياندرتالين استنادا إلى<br />
جيناتهم، وفق قول ، هي في عجز القسم األكبر<br />
من الباحثن عن معرفة طريقة تأثير اجلينات في التفكير في<br />
نوعنا البشري. ويؤكد قائال: »نحن نكاد ال نعرف<br />
شيئا في علم اجلينات )4( genetics عن إدراك النياندرتالين<br />
بسبب أننا ال نعرف تقريبا أي شيء في علم اجلينات عن<br />
إدراك البشر احلديثن.«<br />
)(<br />
معارف من اللقى األثرية<br />
ونظرا حملدودية املعلومات التشريحية التي ميكن أن توفرها<br />
دراسة األحافير وحقيقة أن بحوث الدنا القدمي ما زالت<br />
في مهدها، يعتقد الكثير من الباحثن أن النافذة احلقيقية<br />
ARCHAEOLOGICAL INSIGHTS ()<br />
)1( اللوزة الدماغية )أو اللوزة العصبية أو اجلسم اللوزي(: هي جزء من الدماغ يقع<br />
داخل الفص الصدغي من املخ أمام احلصن، وهي تشارك في اإلدراك وتقييم<br />
العواطف واملدارك احلسية واالستجابات السلوكية املرتبطة باخلوف والقلق، وهي<br />
تراقب باستمرار ورود أي إشارة خطر من حواس اإلنسان.<br />
)2( neurons؛ أو: عصبونات.<br />
electrical impulses )3(<br />
)4( أو: علم الوراثة.<br />
(2015) 12/11<br />
62
O B ITI<br />
)(<br />
Qui C onei Quam C ulla bo Aliqu as<br />
In estia volum fugita dis aut aut am, volorio. Nequi alignim odisqui<br />
stisci cust lab is doluptatum, quibus, venderro conse nonsequi velique<br />
volor solores sant et unt andia natiorentur? Q ui cone quam,<br />
cullabo. Ob itiasperit aliquas pistend ipition enis erfere voluptam<br />
velendi atatum, quibus, venderro conse nonseqs pistend ipition<br />
enis erfere voluptam velendi atatum, quibus, venderro conse nonseqs<br />
pistend ipition enis erfere voluptam velendi atatum, quibus,<br />
venderro conse nonsequi velique volor solores sant et unt andia<br />
natiorentur? Q ui cone quam, cullabo. Ob itiasperit aliquas pistend<br />
A S P E R I T<br />
سيطر النياندرتاليون على أوراسيا ملئات اآلالف من السنني إلى<br />
أن اجتاح اإلنسان العاقل احلديث تشريحيا القادم من إفريقيا عقر<br />
دارهم. وحني ذلك انقرض النياندرتاليون. لقد فسر بعض العلماء<br />
أن خسارة <strong>النياندرتاليني</strong> لصالح أفراد اإلنسان احلديث كانت<br />
بسبب افتقارهم إلى املهارات اللغوية واالجتماعية واإلبداع التقني<br />
ومقدرتهم على جمع الطعام، وهي مهارات كان يحوزها القادمون<br />
اجلدد. وكانت تعزى أية إشارة عن تطور للنياندرتاليني في مراحلهم<br />
املتأخرة في مواقعهم األثارية إلى اإلنسان العاقل. إذ يشير املجهود<br />
األخير لتحديد زمن انقراض <strong>النياندرتاليني</strong> من خالل إعادة حتديد<br />
ipition enis erfere voluptam velendi Ob itiasperit aliquas pistend<br />
ipition enis erfere voluptam velendi atatum, quibus, venderro<br />
conse nonsequi veliqueitiasperit aliquas pistend ipition enis erfere<br />
voluptam velendi atatum, quibus, venderro conse nonsequi velique<br />
volor solores sant et unt andia natiorentur? Q ui cone quam,<br />
cullabo. Ob itiasperit aliquas pistend ipition enis erfere voluptam<br />
velendi atatum, quibus, venderro conse nonsequi velique volor<br />
solores sant et unt andia natiorentur? Q ui cone quam, cullabo.<br />
Ob itiasperit aliquas pistend ipition enis erfere voluptam velendi<br />
النتائج<br />
تأثير االنسان العاقل<br />
عمر عدد من املواقع في أوروبا إلى أن <strong>النياندرتاليني</strong> كانوا يتعايشون<br />
مع أفراد اإلنسان احلديث آلالف السنني في بعض املناطق - وهو زمن<br />
كاف للنياندرتاليني كي يتعلموا طرق الغزاة اجلدد. إال أنه على مدى<br />
السنوات القليلة املاضية برزت سلسلة من االكتشافات احلديثة التي<br />
تشهد على تطور <strong>النياندرتاليني</strong> - من عناصر رمزية وأدوات متطورة<br />
إلى مجموعة واسعة من بقايا املواد الغذائية – من مواقع التي تسبق<br />
بوضوح وصول اإلنسان العاقل. ويبقى التساؤل الذي يواجهه العلماء<br />
اآلن هو معرفة ما إذا كان القادمون اجلدد أفضل بالفعل في هذه األمور<br />
أم أن هناك عوامل أخرى أدت إلى انقراض <strong>النياندرتاليني</strong>.<br />
مناطق <strong>النياندرتاليني</strong><br />
مناطق اإلنسان العاقل املبكر<br />
مواقع لقى <strong>النياندرتاليني</strong> النموذجية الدالة على سلوكية متطورة<br />
8<br />
1<br />
5<br />
4 2 9<br />
3<br />
7 6<br />
احلقبة من<br />
250 000 إلى 45 000 سنة خلت<br />
االمتداد األكبر ملناطق<br />
<strong>النياندرتاليني</strong> ومواقعهم مع<br />
األدلة التي تشير إلى سلوكيتهم<br />
املتطورة التي تكون قد سبقت<br />
قدوم البشر احلديثني تشريحيا.<br />
هولندا<br />
صبغ سائل<br />
(1) موقع ماستريخت-<br />
بلڤيدير في احلقبة من<br />
250 000 إلى 200 000 سنة<br />
فرنسا<br />
خيوط ومجموعة بقايا<br />
نباتات وحيوانات<br />
واحتمالية أسلحة قذف<br />
(2) موقع آبري دو ماراس<br />
ما قبل 90 000 سنة<br />
مخالب النسور<br />
(3) موقع كومب كرونال<br />
ما قبل 90 000 سنة<br />
(4) موقع ليه فيو في احلقبة من<br />
60 000 إلى 40 000 سنة خلت<br />
القبور<br />
(5) موقع الشاپل-أوه-سانت<br />
ما قبل 60 000 سنة<br />
أدوات ملعاجلة اجللود<br />
(6) موقع پيك-دو-الزى في احلقبة<br />
من 53 000 إلى 49 400 سنة خلت<br />
(7) موقع آبري پيروني في احلقبة<br />
من 47 000 إلى 41 000 سنة<br />
أوروبا<br />
إسبانيا<br />
أصداف بحرية ملطخة باألصبغة<br />
(8) موقع كويڤا دو لوس<br />
أڤيونيس ما قبل 50 000 سنة<br />
إيطاليا<br />
أصداف مصبوغة وانتزاع الريش<br />
(9) موقع غروتا دي فوماني ما<br />
قبل 47 600 سنة<br />
آسيا<br />
إفريقيا<br />
10<br />
11<br />
12<br />
احلقبة من<br />
45 000 إلى 39 000 سنة خلت<br />
تعايش النياندرتاليون<br />
والبشر احلديثون في بعض<br />
املناطق ملدة 5400 سنة،<br />
وهذا يعني أن بعض البقايا<br />
الثقافية للنياندرتاليني<br />
املتأخرين ميكن أن تكون من<br />
نتاج تأثير البشر احلديثني.<br />
سيبيريا<br />
فرنسا<br />
حلي وعظام مطورة<br />
وأدوات حجرية<br />
(10) أرسي-سور-كور في احلقبة<br />
من 44 500 إلى 40 000 سنة<br />
(11) موقع سان سيزار في احلقبة<br />
من 42 000 إلى 40 500 سنة<br />
(12) موقع ال كوينا في احلقبة<br />
من 43 300 إلى 41 600 سنة<br />
إسبانيا<br />
أصداف بحرية<br />
ملطخة باألصبغة<br />
(13) موقع كويڤا أنتون في احلقبة<br />
من 43 500 إلى 37 400 سنة خلت<br />
جبل طارق<br />
نقش الصخور<br />
انتزاع الريش<br />
(14) موقع مغارة غورهام كيڤ ما<br />
قبل أكثر من 39 000 سنة خلت<br />
أوروبا<br />
14<br />
13<br />
آسيا<br />
انتشار اإلنسان العاقل<br />
املبكر خارج إفريقيا<br />
إفريقيا<br />
The Homo sapiens Effect ()<br />
63 (2015) 12/11<br />
38 SCIENTIFIC Scientific AMERICAN American, ONLINE February Viduntvendelibea 2015 volorit omnissiminres at<br />
quaesci
يختلف شكل دماغ إنسان نياندرتال )في<br />
اليمني( يختلف عن شكل دماغ اإلنسان احلديث<br />
)في أقصى اليمني(، إال أن الكيفية التي كان يؤثر<br />
هذا االختالف في القدرة التفكيرية غير معروفة.<br />
(2015) 12/11<br />
واألوضح على عقل النياندرتالين تكمن في السجل الثقافي<br />
الذي تركه وراءهم هؤالء البشر املنقرضون. ولفترة طويلة من<br />
الزمن لم يرسم هذا السجل صورة واضحة ألبناء عمومتنا<br />
املنقرضن. فقد ترك األوروبيون احلديثون املبكرون فنوناً<br />
راقية وأدوات معقدة وبقايا طعام تدل على قدرتهم على<br />
استغالل الكثير من أنواع احليوانات والنباتات؛ مما سمح<br />
لهم بالتكيف مع البيئات اجلديدة والتقلبات املناخية. أما<br />
النياندرتاليون، باملقابل، فيبدو أنهم لم يتركوا وراءهم<br />
فنونا وبقايا رمزية، كما أن أدواتهم كانت بسيطة نسبيا.<br />
ويبدو أنهم كانوا يستخدمون أيضا استراتيجية البحث<br />
عن الطعام تتمركز بصورة محدودة على الطرائد الكبيرة.<br />
لقد كان النياندرتاليون يتعثرون في أساليبهم، ومن ثم لم<br />
يتمكنوا من التكيف مع تدهور الظروف املناخية واملنافسة<br />
مع الغزاة أفراد البشر احلديثن.<br />
ومع ذلك، عثر علماء اآلثار في التسعينات من القرن<br />
املاضي على أدلة تناقض هذا السيناريو، وهي عدد محدود من<br />
العناصر الزخرفية وأدوات مطورة نُسبت إلى النياندرتالين.<br />
ومنذ ذلك احلن اختلف الباحثون حول ما إذا كانت هذه<br />
العناصر من عمل النياندرتالين كما ادعوا؛ شكوك برزت ألن<br />
عمر العناصر يعود إلى نهاية حقبة النياندرتالين، الزمن الذي<br />
كان فيه اإلنسان العاقل موجودا أيضا في ذات املنطقة. )يبدو<br />
أن أفراد اإلنسان احلديث تشريحيا قد وصلوا إلى أوروبا<br />
نحو 44 000 إلى 41 500 سنة خلت، أي بعد مئات اآلالف من<br />
السنوات من استقرار النياندرتالين في هذه املناطق(. ويعتقد<br />
بعض املشككن أن اإلنسان العاقل هو الذي صنع هذه األعمال<br />
الفنية املتطورة التي اختلطت الحقا ببقايا النياندرتالين، أو<br />
يقترحون احتماالً آخر، هو أن يكون النياندرتاليون قد قاموا<br />
بنسخ مواهب البشر احلديثن أو بسرقة حاجياتهم.<br />
إال أنه أصبح من الصعب دعم هذا املوقف في مواجهة<br />
مجموعة من االكتشافات خالل السنوات القليلة املاضية<br />
التي برهنت على حدة ذكاء النياندرتالين قبل انتشار<br />
اإلنسان احلديث تشريحيا في<br />
جميع أنحاء أوروبا. »لقد كان<br />
هناك حتول كبير من التغيرات<br />
الواقعية، فكل شهر يأتي لنا<br />
بجديد ومفاجئ صنعه النياندرتاليون،« بحسب مالحظة<br />
]من جامعة كنساس[ »والدالئل اجلديدة<br />
تشير دائما إلى أن النياندرتالين كانوا أكثر تطورا ولم<br />
يكونوا سذجا.«<br />
وتكشف بعض االكتشافات األكثر إثارة للدهشة عن<br />
جماليات فنية وفكر مجرد في ثقافات النياندرتالين التي<br />
سبقت وصول اإلنسان العاقل. وتشمل اللقى نقوشا ورموزا<br />
تدل على استخدام الريش الذي وجد في كهف كورهام. وفي<br />
الواقع مت العثور على هذه اللقى من هذا النوع في مواقع<br />
أثرية في جميع أنحاء أوروبا. إذ عثر علماء اآلثار في كهف<br />
كروتا دي فومان في منطقة فينيتو بإيطاليا على ما يدل على<br />
استخدام الريش إضافة إلى قواقع حلزون أحفورية جمعت<br />
من مسافة 100 كيلو متر على األقل، وكانت ملطخة باألحمر<br />
ومضمومة بخيط الرتدائها كقالدة منذ ما قبل 47 ألف سنة<br />
ماضية على األقل. لقد أعطى كهفا كويڤا دي لوس أڤيونيس<br />
وكويڤا أنطون في جنوب شرق إسبانيا أيضا أصدافا بحرية<br />
حتمل آثار األصباغ. ويبدو أن بعضها استخدم ككؤوس<br />
خللط وحفظ أصباغ حمراء وصفراء وسوداء المعة قد تكون<br />
ألغراض جتميلية، واألصداف األخرى حتمل ثقوبا؛ مما يدل<br />
على أنها كانت تستخدم كَحُ ليّ . ويعود عمر األصداف احملورة<br />
)املثقوبة وامللونة( إلى ما قبل خمسن ألف سنة خلت.<br />
وتدل بقايا أخرى للنياندرتالين على أن رغبتهم في<br />
التزيين تعود إلى أزمنة بعيدة، إذ توثق مواقع في فرنسا<br />
وإيطاليا تقليدا يتمثل بجمع مخالب النسور يعود عمرها من<br />
احلقبة 90 000 إلى 40 000 سنة خلت. وتبن آثار عمليات<br />
القطع على العظام أن النياندرتالين كانوا يركزون جهودهم<br />
على جمع املخالب عوضا عن اللحم. وهذا ما دفع الباحثن<br />
إلى االستنتاج أن النياندرتالين كانوا يستغلون هذه النسور<br />
ألغراض رمزية - رمبا لتزين أنفسهم باملخالب امللفتة<br />
للنظر - وليس حلاجات غذائية.<br />
وهناك مؤشرات أقدم للنواحي اجلمالية املرتبطة<br />
64
كهوف جبل طارق )في األعلى( وفرت مأوى لألفراد املتطورة من <strong>النياندرتاليني</strong>.<br />
وأضاف أحد النقوش )في اليمني( الذي وجد في أحد الكهوف دليال على تفكير<br />
<strong>النياندرتاليني</strong> الرمزي.<br />
بالنياندرتالين أتت من موقع ماستريخت بلڤيدير في هولندا،<br />
حيث وجد علماء اآلثار بقعا صغيرة من املغرة احلمراء أو<br />
من أكسيد احلديد في ترسبات تعود إلى احلقبة من 250<br />
ألف إلى 200 ألف سنة ماضية على األقل. والصبغ القرمزي<br />
كان يُطحن طحنا دقيقا ويخلط بسائل ويرمى على األرض.<br />
ولم يستطع العلماء حتديد غاية النياندرتالين من استخدام<br />
السائل األحمر إال أن استخدامه في رسم اللوحات هو أحد<br />
االحتماالت الواضحة، وفي الواقع عندما وجد الباحثون<br />
املغرة احلمراء في املواقع املنسوبة إلى اإلنسان احلديث<br />
املبكر افترضوا أن استخدامها كان ألغراض الزينة.<br />
وتوفر هذه االكتشافات اجلديدة، إضافة إلى تقدمي صورة<br />
أكثر إشراقا للكثير من أبناء عمومتنا القساة، دالالت حاسمة<br />
على عقل النياندرتالين. لقد اعتبر علماء اآلثار، منذ زمن بعيد،<br />
الفنون مبا في ذلك زخرفة اجلسم، لتكون مؤشرا رئيسيا<br />
ل<strong>قدرات</strong> البشر احلديثن املعرفية ألنها تعني أن الفنانن قادرون<br />
على تصور األشياء املجردة ونقل هذه املعلومات إلى رموز. إن<br />
التفكير الرمزي ميثل قدرتنا على التواصل من خالل اللغة، وهي<br />
إحدى الصفات املميزة لإلنسان احلديث التي ينظر إليها على<br />
أنها حاسمة لنجاحنا كنوع. وفي حال استطاع النياندرتاليون<br />
التفكير من خالل رموز كما يبدو أنهم فعلوا ذلك، يكون من<br />
املتوقع أنهم كانوا ميتلكون القدرة اللغوية أيضا. وفي الواقع<br />
ميكن أن يكون ظهور التفكير املجرد في السلاللة البشرية قد<br />
سبق آخر سلف مشترك للنياندرتالين واإلنسان العاقل: ففي<br />
الشهر 12 كشف الباحثون عن صدفة محار من إندونيسيا<br />
زعموا أنها نُقشت بأشكال هندسية من قبل السلف األكثر<br />
بدائية وهو اإلنسان املنتصب Homo erectus الذي يعود عمره<br />
إلى نحو ما قبل 500 ألف سنة خلت.<br />
ومع ذلك، كان يعتقد أن التفكير الرمزي لم يكن املكوّن<br />
الوحيد للسلوك الذي ساعد اإلنسان العاقل على التقدم، إذ<br />
يعد تصنيع األدوات الستخدامات متخصصة عنصرا آخر<br />
للتقدم وهو العنصر الذي يبدو أن النياندرتالين قد اتقنوا<br />
صناعته أيضا. ففي عام 2013 أعلنت إضافة<br />
إلى معاوينيها ]من جامعة اليدن في هولندا[ اكتشاف أدوات<br />
عظمية عرفت بأدوات التنعيم والتلميع - lissoirs وهي<br />
أدوات يستخدمها حرفيو اجللود اليوم جلعل جلود احليوانات<br />
كتيمة وأكثر مرونة وملعانا - وذلك في موقعن للنياندرتالين<br />
مبنطقة الدوردونيون في فرنسا التي يعود عمرها إلى احلقبة<br />
من 53 000 إلى000 41 سنة خلت. واعتمادا على آثار االهتراء<br />
على القطع األثرية، كان النياندرتاليون يستخدمونها للغرض<br />
ذاته. فقد صنع النياندرتاليون أدوات التنعيم والتلميع من<br />
عظام أضالع القفص الصدري في الغزالن ونحتوا نهاية<br />
الضلع التي تربطه بعظم القص لتشكيل نهاية مدورة. ومن<br />
أجل استخدام هذه األداة كانوا يقومون بضغط طرفها على<br />
جلد جاف في مكان محدد منه و بدفعه عبر سطح اجللد<br />
بصورة متكررة لتنعيمه وتليينه.<br />
وعُثر أيضا على أدلة جديدة ل<strong>قدرات</strong> النياندرتالين<br />
اإلبداعية في موقع يسمى آبري دو ماراس )1( جنوب فرنسا<br />
سكنه النياندرتاليون نحو ما قبل 90 000 سنة خلت. لقد كشفت<br />
التحاليل املجهرية ألدوات هذا املوقع احلجرية التي أجراها<br />
وزمالؤه ]من معهد كينيوم[ آثاراً جلميع أشكال<br />
النشاطات التي ظن فيما مضى أنها بعيدة عن معارف هذا<br />
النوع من البشر. وعلى سبيل املثال، عثر الفريق على بقايا<br />
ألياف نباتية ملتفة قد يكون قد استخدمت في صنع احلبال<br />
أو اخليوط، ميكن أن تكون بعد ذلك األساس لتصنيع الشباك<br />
والفخاخ واألكياس. وهناك بقايا من اخلشب عثر عليها أيضا<br />
تدل على أن النياندرتالين قاموا بتصنيع أدوات من تلك املواد.<br />
Abri du Maras )1(<br />
65 (2015) 12/11
وبينت حتاليل البقايا أيضا خطأ االعتقاد أن النياندرتالين<br />
كانوا انتقائين جدا في طعامهم. إذ بينت دراسات التركيب<br />
الكيميائي ألسنانهم إضافة إلى حتاليل بقايا احليوانات في<br />
موقع النياندرتالين أنهم كانوا يعتمدون اعتمادا كبيرا على<br />
اصطياد فرائس كبيرة وخطيرة مثل املاموت والبيزون أكثر من<br />
اعتمادهم على مجموعة من احليوانات وفقا لتوافرها, كما كان<br />
يعتمد أفراد البشر احلديثن تشريحيا. ويبدو أن النياندرتالين<br />
في موقع آبري دو ماراس كانوا يستثمرون مجموعة متنوعة<br />
من املخلوقات شملت حيوانات صغيرة وسريعة كاألرانب<br />
واألسماك - وهي أنواع كان يظن سابقا أنها بعيدة عن متناول<br />
النياندرتالين مبا كانت لديهم من معدات تقنية متدنية.<br />
ويجادل بعض العلماء في أن إمكانية العيش جزئيا<br />
على األغذية النباتية هي التي أعطت أفراد اإلنسان العاقل<br />
ميزة تفوقهم على النياندرتالين، إذ سمح ذلك لهم باملزيد<br />
من القوت )1( من املنطقة ذاتها من األرض. )إن العيش على<br />
النباتات فقط أصعب ألفراد البشر من الرئيسيات primates<br />
األخرى، ألن أدمغة البشر الكبيرة تتطلب الكثير من السعرات<br />
احلرارية )2( calories وألن أمعاءنا الدقيقة غير مناسبة لهضم<br />
كميات كبيرة من ألياف النباتات ،roughage وهو تركيب<br />
يتطلب معرفة جيدة باألغذية النباتية وطريقة حتضيرها.( إال<br />
أن النياندرتاليين في موقع آبري دو ماراس كانوا يجمعون<br />
النباتات الصاحلة لألكل مبا في ذلك اجلزر األبيض parsnip<br />
األرقطيون ،burdock إضافة إلى الفطور الصاحلة لألكل<br />
وهذه النباتات لم تكن كل ما كانوا يجمعونه.<br />
ووفقا لدراسات أجرتها ]من معهد ماكس<br />
بالنك لعلم اإلنسان التطوري في اليبزيگ بأملانيا[ تبن لها<br />
أن النياندرتالين كانوا في رقعة واسعة من أوراسيا - من<br />
العراق حتى بلجيكا - يأكلون نباتات متنوعة. ولدى فحصها<br />
قلح أسنان )3( النياندرتالين والفضالت املتبقية على األدوات<br />
احلجرية أكدت أن النياندرتالين كانوا يستهلكون أنواعا<br />
تنتمي - إلى حد بعيد - إلى أنواع القمح والشعير احلالين،<br />
بعد طبخها لكي تصبح لذيذة املذاق. وقد وجدت أيضا بقايا<br />
من نشاء البطاطا ومركبات تدل على أشجار نخيل. لقد كانت<br />
أوجه التشابه بن هذه النتائج ونتائج مواقع اإلنسان احلديث<br />
املبكر مدهشة. »وعلى أية حال، لقد وضعنا حدً ّا لهذه البيانات،<br />
إذ ال يبدو هناك اختالفات ذات أهمية بن املجموعتن،« بحسب<br />
تصريح . وتضيف: »إن األدلة التي لدينا اآلن تشير<br />
إلى أن البشر احلديثن األولن في أوراسيا كانوا يحصلون<br />
بصورة أفضل على األطعمة النباتية.«<br />
)(<br />
فراق منذ عهد بعيد<br />
إذا كان النياندرتاليون يتصرفون بالفعل بأساليب كان يعتقد<br />
أنها متيز أفراد البشر احلديثن تشريحيا وتشجع وصولهم<br />
إلى الهيمنة على العالم، فإن هذا التشابه يجعل انحدارهم<br />
وانقراضهم نهائيا أكثر غموضا. ملاذا انقرضوا في حن بقي<br />
اإلنسان العاقل على قيد احلياة؟ تشير إحدى الفرضيات إلى<br />
أن البشر احلديثن كانت لديهم مجموعة أكبر من األدوات<br />
ميكن أن تكون قد دعمت عائداتهم من جمع الطعام. وتشرح<br />
أن البشر احلديثن كانوا يتطورون في إفريقيا، حيث<br />
كان عدد جماعاتهم أكبر من جماعة النياندرتالين. ومع املزيد<br />
من األفراد الواجب إطعامها، فإن املوارد املفضلة تناقصت،<br />
كنقصان عدد الطرائد سهلة الصيد مثال، وكان على البشر<br />
احلديثين أن يطوروا أدوات جديدة للحصول على أنواع<br />
أخرى، من املواد الغذائية. وعندما أحضروا هذه التقانات<br />
املطورة معهم من إفريقيا إلى أوراسيا متكنوا من استغالل تلك<br />
البيئة بطريقة أكثر فعالية من النياندرتالين املقيمن. وبعبارة<br />
أخرى، كان البشر احلديثون يحسنون مهاراتهم للبقاء على<br />
قيد احلياة في ظل ظروف أكثر منافسة من الظروف التي<br />
واجهها النياندرتاليون، وهكذا دخلوا مناطق النياندرتالين<br />
مع ميزات أفضل لم تكن متوفرة لدى النياندرتالين.<br />
لم يحرض العدد الكبير جلماعة اإلنسان العاقل على اإلبداع<br />
فقط، وإمنا كان يساعد أيضا على إبقاء التقاليد اجلديدة<br />
A LONG FAREWELL ()<br />
)1( أو: الطعام.<br />
)2( أو: احلريرات.<br />
teeth )3(<br />
أداة عظمية ملعاجلة اجللود تبدو هنا في أربعة أشكال وهي من بني األدوات<br />
املتطورة التي كان النياندرتاليون يصنعونها.<br />
التتمة في الصفحة 71<br />
(2015) 12/11<br />
66
)(<br />
)1(<br />
بايتات<br />
املجلد 31 العددان 12/11<br />
نوڤمبر/ ديسمبر 2015<br />
صوتية<br />
األذن كاشفة رائعة لألمناط حتى إن العلماء يستخدمون البيانات<br />
الصوتية للكشف عن اخلاليا السرطانية وعن جسيمات من الفضاء.<br />
<br />
منذ ثالث سنوات تقريبا كان امللحّ ن <br />
يجلس أمام حاسوبه احملمول، وهو يستمع إلى ملف صوتي<br />
يكفي لدفع معظم الناس إلى النوم: كان صوت رفرفة خافتاً،<br />
كصوت عَلم بعيد يلوح في نسيم قاسٍ ، يتكرر مرارا وتكرارا،<br />
يعلو أحيانا، وأحيانا يصبح أكثر هدوءا.<br />
ولكن رجل صبور؛ فبعد خمس وأربعن دقيقة<br />
من جلسة استماعه توقفت الرفرفة، وحل محلها صوت أزيز<br />
يشبه زئير رياح عبر غابة. وكان الصوت »األصل املطلق<br />
لألزيز،« كما يتذكر.<br />
وفي الواقع كان الصوت ميثل شيئا قريبا لصوت الرياح:<br />
الرياح الشمسية، اندفاع هائج عبر الفضاء جلسيمات مشحونة<br />
مقذوفة من الشمس مبعدل مليون طن في الثانية الواحدة. وفي<br />
عام 2008 قامت املركبة الفضائية Wind التابعة لوكالة الفضاء<br />
األمريكية ناسا (NASA) بقياس املجال املغنطيسي الذي تولده<br />
هذه اجلسيمات عند اقترابها من األرض. فاملجال صامت<br />
متاما، لكنه يتذبذب في القوة واالجتاه. ويعمل ،<br />
وهو أيضا طالب دراسات عليا في جامعة ميتشگان على<br />
البيانات الشمسية، حيث قام بتطبيق خوارزميته اخلاصة<br />
لتحويل هذه التباينات إلى أصوات مسموعة.<br />
وهذه الترجمة لتلك البيانات أكثر من مجرد هواية، ففي<br />
سن الثالثن كان جزءاً من كادر متنام من الباحثن<br />
املكرسين لعلم الصوتنة :sonification أي حتويل البيانات<br />
التي تُعرض عادة بصريا أو رقميا إلى صوت. واألذن، وغالبا<br />
أكثر من العن، لديها قدرة استثنائية على التقاط فروقات<br />
طفيفة في أي منط، وهو أمر مفيد في اكتشاف ظواهر ليست<br />
واضحة في العرض البصري. وهي اآلن تساعد على اكتشاف<br />
أوجه نشاط فلكية مخفية وعلى متييز اخلاليا السرطانية من<br />
اخلاليا الطبيعية.<br />
ويقول عالم األعصاب > A . كينگ> ]من جامعة أكسفورد[<br />
إن آذاننا »ميكنها الكشف عن التغييرات التي حتدث في<br />
الصوت خلالل بضعة أجزاء من األلف من الثانية.« وعلى<br />
سبيل املقارنة، فإن قدرة العن على كشف خفقان ضوئي<br />
من 50 إلى 60 مرة في الثانية تقريبا. وإضافة إلى النشاط<br />
الشمسي والسرطان، استخدمت الصوتنة لدراسة ثوران<br />
البراكين ولتمييز أمناط التغيرات في جسيمات ترتبط<br />
باخللفية الكونية من املوجات امليكروية )2( ، وهي األشعة<br />
املتبقية من االنفجار الكبير .the big bang ومع ذلك، فالعديد<br />
من الباحثن ال يدركون فعالية هذه الطريقة. »أرى أنها أداة<br />
تنتظر استغاللها،« كما يقول عالم الفضاء ]من<br />
مركز ناسا گودارد لرحالت الفضاء[.<br />
)(<br />
استمع إلى البيانات<br />
وحتويل البيانات إلى صوت ليس فكرة جديدة. وعَ داد<br />
گيگر )3( ، الذي اختُرع في عام 1908، يُصدر نقرات في وجود<br />
جسيمات مشحونة نشطة. وفي الثمانينات من القرن املاضي<br />
جذب الفيزيائي ]من جامعة ]IOWA انتباه<br />
SOUND BYTES ()<br />
LISTEN TO THE DATA ()<br />
)1( bytes = ج: byte بايت وهو وحدة معلومات حاسوبية تتألف، في غالب األحيان،<br />
من 8 بتات bits؛ والبتة bit كما هو معلوم أصغر وحدة يعاجلها احلاسوب.<br />
فالبايت ميثل مجموعة بالغة الصغر؛ ولهذا تقاس ذاكرة احلاسوب بالكيلو بايت<br />
)1024 بايت( وامليكابايت )1024 كيلو بايت(، وهكذا... وعلى ما يبدو، فقد استُخدم<br />
املصطلح بايتات في عنوان املقال ترجمة ل »بيانات صوتية بالغة الصغر.«<br />
the microwaves )2(<br />
)3( counter the Geiger )التحرير(<br />
ترتبط األذنان مبوصالت دماغية سريعة جدا؛ مما يجعلها<br />
مستشعرة ممتازة لألمناط في البيانات.<br />
مت اكتشاف تواقيع الرياح الشمسية، وكذلك النجوم البعيدة<br />
باختصار<br />
بفضل عملية الصوتنة sonification هذه.<br />
وميكن أيضا أن يتم التشخيص السريع للخاليا السرطانية<br />
من خالل حتويل بصماتها اجلزيئية إلى أصوات.<br />
67 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
اجلماهير بتسجيالت لعاصفة من البرد قرب كوكب زحل، حيث<br />
حول بيانات مرسلة من مركبة ڤويجر 1 و 2 إلى صوت »بينگ!<br />
بينگ!«، ناجت من اصطدام فُتات )1( bits مادة ثلجية باملسابر<br />
probes الفضائية خالل سيرها عبر حلقات الكوكب.<br />
ويعتقد عالم األعصاب ]من مركز زوريخ لعلم<br />
األعصاب[ أن األذن تستطيع التقاط أمناط دقيقة؛ ألن نظام<br />
السمع لدى الثدييات ينقل اإلشارات العصبية أسرع من<br />
معظم أجزاء الدماغ األخرى. وميتلك هذا النظام أكبر موصل<br />
معروف بن العصبونات ،neurons وهو مشبك عمالق يدعى<br />
كأس هيلد .the calyx of Held وهذا املوصل، الذي هو على<br />
شكل كأس زهرة، يحوِّل املوجات الصوتية إلى طفرات في<br />
نشاط اخلاليا العصبية. وللقيام بذلك، تطلق الكأس نواقل<br />
عصبية )2( - وهي رُسل الدماغ - 800 مرة في الثانية. وفي<br />
املقابل، ليس للمسار البصري مثل هذا االتصال العصبي<br />
السريع، ويذكر : »في احملصلة، هذه االختالفات<br />
في آلية العمل تعني أن احملفزات اخلفية عن العن، ميكن أن<br />
تلتقطها األذن بسهولة.«<br />
لتوليد الصوت من البيانات الصامتة، ميكن أن يعتمد<br />
العلماء على التقلبات في األشعة السينية وعلى أشعة گاما<br />
،gamma أو أي إشارة أخرى غير مرئية للعن، وأن يخصصوا<br />
صوتا مختلفا لكل تردد أو تغيير في شدته؛ ما يضع هذه<br />
التقلبات ضمن نطاق السمع البشري.<br />
وتكمن اخلدعة في معرفة املعنى وراء أي تغيير يسمعه<br />
العلماء. فلما سمع صوت »األزيز« في ذلك اليوم<br />
من عام 2012، لم تكن لديه فكرة في الواقع عما قد يعنيه ذلك<br />
الصوت. ومثله عالم فيزياء الفضاء ]باحث من مركز<br />
گودارد[ الذي كان قد قدَّم البيانات اخلام إلى .<br />
ولكن، عندما بدأ بالتدقيق في القياسات التي<br />
سجلتها أجهزة أخرى على منت املركبة الفضائية Wind خالل<br />
الفترة الزمنية نفسها، الحظ وجود عالقة غريبة بتسجيل<br />
. ففي كل مرة تقريبا يصدر ملف <br />
صوت »أزيز«، وجد نشاطا ملحوظا في كثافة<br />
جسيمات مشحونة معينة - أيونات الهليوم )3( - في الرياح<br />
الشمسية. وأحد االحتماالت هو أن تدفق األيونات، التي<br />
تلتف حول خطوط املجال املغنطيسي، تعيد بعضا من طاقتها<br />
إلى املجال املغنطيسي، فتتسبب<br />
في تذبذبه.<br />
ويكشف التفاعل طريقة النتقال<br />
الطاقة ذهابا وإيابا بن املجال<br />
واجلسيمات. وهذه النتيجة، في<br />
املقابل، قد تقدم أدلة جديدة عن<br />
واحد من أعمق أسرار الشمس:<br />
ملاذا غالفها اجلوي اخلارجي<br />
أكثر سخونة مئات املرات من<br />
سطحها املتهيج؟<br />
يقول إن ملف الصوت<br />
»كان وحيا )4( «، ويعزى الفضل في<br />
ذلك جزئيا إلى قدرة الصوت على ضغط املعلومات. واملركبة<br />
الفضائية Wind تقيس املجال املغنطيسي الذي حتمله الرياح<br />
الشمسية نحو 11 مرة في الثانية؛ بينما يبلغ معدل أخذ عينات<br />
الصوت، وفقا جلودة القرص املدمج، 44 100 قياسٍ في كل<br />
ثانية صوت ضمن نطاق السمع البشري. وإن ما يعادل سنة<br />
من القياسات امليدانية التي من شأنها أن تستغرق شهورا<br />
للتحليل بالعن، تصبح هكذا ساعتن فقط من الصوت.<br />
لقد نبهت هذه التغييرات الدقيقة العلماءَ إلى متايزات<br />
مهمة في الرياح الشمسية. وقبل عامن، أنتج <br />
ملفا صوتيا من قياسات لتيار اجلسيمات املغنطيسي<br />
للشمس جمعها مستكشف التركيب املتقدم )5( ، وهو<br />
ساتل satellite آخر لوكالة ناسا. وقام بتحويل اإلشارات<br />
التي تُظهر الوفرة النسبية لنوعن من أيونات الكربون في<br />
الرياح الشمسية إلى أصوات مسموعة - تلك التي انتزع<br />
منها أربعة من إلكتروناتها الستة، وأخرى جردت متاما<br />
من كامل اإللكترونات الستة. وأثناء االستماع إلى امللف،<br />
استشف همهمة على تردد 137.5 دورة في<br />
الثانية، وهو صوت قريب من النوتة املوسيقية C احلادة<br />
حتت C الوسطى.<br />
وأن تكون هناك همهمة أصال يعني أن املقادير النسبية<br />
لهذين النوعن من أيونات الكربون تقلبت على مرّ الزمن.<br />
وكانت األصوات املخصصة لأليونات املختلفة يتداخل<br />
بعضها ببعض بن احلن واآلخر. وبتعبير موسيقيّ أكثر،<br />
كانت األصوات تخلق تناغما.<br />
ويقول : »لقد بحثت في البيانات عن طريق<br />
االستماع إلى ما بين 20 إلى 30 من الباراميترات )6( ،<br />
وأدركتُ عندما وصلت إلى الكربون، وجود تناغم قوي جدا،<br />
ففكرت، إذا سمعتُ الكربون، ولم يلحظه أحد، رمبا هو أمر<br />
)1( وفي احلاسوب: بتات .bits<br />
neurotransmitters )2(<br />
helium ions )3(<br />
revelation )4(<br />
the Advanced Composition Explorer )5(<br />
)6( parameters؛ أو: مَعْلَمات.<br />
Ron Cowen<br />
كاتب عن العلوم ويقيم في سيلڤر سبرينگ بوالية ماريالند.<br />
68<br />
املؤلف
يستحق التدقيق.«<br />
وطرح تردد الهمهمة دليال آخر: إذ إنه توافق مع فاصل<br />
زمني في البيانات األصلية للمركبة الفضائية يقارب 27<br />
يوما، وهو الزمن الذي تستغرقه الشمس لتدور حول<br />
محورها مرة واحدة.<br />
وعرض اكتشافه هذا على ]عالم<br />
فيزياء الفضاء من جامعة ميتشگان[ الذي أدرك أن نسبة<br />
نوعي أيونات الكربون تغيرت تزامنا مع نوعي الرياح<br />
الشمسية )التي تنتجهما الشمس(. فالنوع األول هو رياح<br />
سريعة احلركة، تأتي من مناطق مظلمة وأكثر برودة في<br />
الغالف اجلوي اخلارجي للشمس )أو الهالة( وتعرف بثقوب<br />
الهالة .coronal holes وليست خطوط املجال املغنطيسي<br />
في هذه الرياح، معبأة معا بكثافة، لذلك تسمح للجسيمات<br />
باإلفالت بسرعة أكبر. والرياح البطيئة، من ناحية أخرى،<br />
تأتي من مناطق أكثر سخونة حتتوي على مجاالت مغنطيسية<br />
أكثر كثافة.<br />
وهذه املناطق ذات درجات احلرارة املرتفعة، وبسبب<br />
املزيد من الطاقة التي متتلكها، جتُ رِّد ذرات الكربون من<br />
جميع إلكتروناتها بنسبة أكبر مما تستطيع املناطق الباردة.<br />
وفي عام 2012، نشر و وزمالؤهما ورقة<br />
علمية في مجلة الفيزياء الفلكية the Astrophysical Journal<br />
جتادل في أن االختالفات في أيونات الكربون كانت أفضل<br />
طريقة للتمييز بن نوعي الرياح الشمسية. واقترحوا ضرورة<br />
أن حتل هذه الطريقة محل ما كان أداة التشخيص القياسية،<br />
وهي نسبة أيونات األكسجن. والتحذير املبكر لنوع الرياح<br />
املتجهة نحو األرض ميكن أن يكون مهماً، ألن كل نوع<br />
يفضي إلى صنف مختلف من الطقس الفضائي، وميكن<br />
خلصائصها املغنطيسية تعطيل االتصاالت عبر السواتل<br />
بطرق مختلفة.<br />
ويقول : »فقط من خالل االستماع إلى البيانات،<br />
ميكنك حتديد طور اإلشارة بدقة أعلى من أي طريقة<br />
رياضياتية أخرى«. وقد ألهمته هذه البصيرة استكشاف<br />
ميزات الشمس األخرى عبر الصوت. ومع أنه من املعروف<br />
أن دورة نشاط الشمس تشتد وتتراجع كل 11 سنة، مبا في<br />
ذلك عدد البقع الشمسية ،sunspots التأججات الشمسية<br />
،solar flares واندفاعات أخرى، فقد اقترح بعض العلماء<br />
أن الدورة متتد أحيانا فترات أطول، من 19 إلى 20 عاما.<br />
ويقول : »نود تطبيق التحليل السمعي لدراسة الدورة<br />
الشمسية األطول وعالقتها بالدورة الشمسية القياسية<br />
املستمرة 11 عاما.«<br />
ضجيج غير صحيّ<br />
وهناك العديد من املزايا األكثر تواضعا ميكن احلصول عليها<br />
بتحويل البيانات إلى صوت. وقد بدأ الباحثون في إنكلترا<br />
بتطبيق الصوتنة على عينات اخلاليا السرطانية لتمييزها<br />
من اخلاليا السليمة أثناء فحص اختصاصي علم األمراض<br />
خزعاتٍ تخص املريض الذي يحتاج إلى جواب عاجل.<br />
ويقول ]موسيقار وتقاني اإلعالم الرقمي من<br />
جامعة برمنگهام سيتي[: »في النظام الصحي باململكة املتحدة،<br />
تكون فترة االنتظار طويلة جدا بين أخذ اخلزعة من املريض<br />
وإرسالها إلى املختبر، وبعد ذلك حتليلها وإعادتها مرة أخرى«.<br />
وفي أثناء التشاور مع زميل له، وهو اختصاصي الكيمياء<br />
التحليلية ]من جامعة ]Central Lancashire خطرت<br />
على فكرة حتويل التقنية البصرية لتحديد اخلاليا<br />
السرطانية إلى نظام صوتي.<br />
ويقول : »لقد أردنا تعجيل هذه العملية، بحيث<br />
يكون هناك شخص ما في غرفة املريض أو عيادة الطبيب<br />
العام وتُعرض أمام اجلميع البياناتُ التي حتدد ما إذا كانت<br />
اخلاليا سرطانية أو سليمة.«<br />
وفي اإلجراء املعتاد، واملعروف ب رامان حتليل طيفي )1( ،<br />
يقوم اختصاصي علم األمراض بتسليط أشعة الليزر حتت<br />
احلمراء على خاليا موضوعة على شريحة؛ فتقوم طاقة الضوء<br />
بتحفيز اجلزيئات في اخلاليا لتهتز. واجلزيئات املختلفة تهتز<br />
بطرق مختلفة؛ واالهتزازات تغير تردد الفوتونات املنتثرة من<br />
العينة. وطيف األلوان في الضوء املنتثر العائد من اجلزيئات<br />
هو بصمة حتدد خصائصها. وبعض اجلزيئات، وهي جزء<br />
من بروتينات غير طبيعية في حاالت السرطان، لها بصمات<br />
مختلفة عن البروتينات العادية. لكن هذه االختالفات البصرية<br />
طفيفة، ولذلك، فإنها حتتاج إلى الوقت واخلبرة لتحديد ما إذا<br />
كانت اخلاليا سليمة أم ال.<br />
والدقة هي اختصاص السمع بالتأكيد. »فاألذن البشرية<br />
مدربة بشكل طبيعي على اكتشاف األمناط واالطراد، وهي<br />
أفضل بكثير من العن في التعرف عليها«، هذا ما يقوله معاون<br />
]فيزيائي وموسيقار من DANTE<br />
وهو ائتالف أوروبي في كامبريدج بإنكلترا يقوم ببناء وإدارة<br />
شبكات عالية السرعة للبحوث والتعليم[. ويقول :<br />
»العن، على سبيل املثال، ال ميكنها أن متيز بن الضوء الذي<br />
يومض 30 أو 60 مرة في الثانية، ولكن األذن تستطيع أن متيز<br />
مصدرا للصوت يهتز 30 أو 60 مرة في الثانية.«<br />
لقد تعاون مع لتحويل البيانات<br />
AN UNHEALTHY NOISE ()<br />
Raman spectroscopy )1(<br />
)(<br />
69 (2015) 12/11
(2015) 12/11<br />
إلى صوت، مع التركيز على تلك األجزاء من الطيف املرئي<br />
التي تبين االختالفات بن اخلاليا السرطانية والسليمة<br />
وحتويلها إلى أصوات مميزة. ويقول إنه لم<br />
يتفاجأ بإمكانية وجود اختالفات بن الطيف الصوتي للخاليا<br />
السليمة والسرطانية، لكنه صَ رَّح: »فوجئت كيف ميكننا أن<br />
نصنف هذه االختالفات بشكل جيد.«<br />
وخالل التجارب، قدم 300 ملف صوتي إلى نحو 150 طبيباً،<br />
وميثل كل منها عينة لنسيج مختلف. ووفقا ل ،<br />
متكن األطباء من متييز الفروق بن العينات في نحو 90 في<br />
املئة من الوقت بشكل صحيح. وقد قدم هو وزمالؤه تقريرا<br />
بذلك في الشهر 2014/6 خلالل املؤمتر الدولي العشرين<br />
للعرض السمعي في مدينة نيويورك، ويؤكد أنه<br />
في غضون عام يتوقع الفريق البدء باختبار األطياف السمعية<br />
في عيادات األطباء.<br />
ويعتقد أيضا أن هذا األسلوب ميكن أن يجد<br />
)1(<br />
طريقه إلى غرفة العمليات، ليعطي األطباء تغذية راجعة<br />
feedback سريعة أثناء اجلراحة حول ما إذا كانوا قد<br />
استأصلوا جميع اخلاليا السرطانية أو ما إذا كان بعضها<br />
ال يزال موجودا. ولنجاح ذلك، ينبغي القيام بالتحليل الطيفي<br />
بسرعة، ثم صوتنته وبثه في غرفة العمليات. وذلك يعني أن<br />
وزمالءه ليس عليهم فقط اختيار نغمات، طبقات<br />
وطابع الصوت للحفاظ على خاصية الطيف األصلي فحسب،<br />
وإمنا أيضا توليد األصوات التي تكون مستساغة.<br />
ويضيف : »إذا كنت جتُ ري نوعا من العمليات<br />
اجلراحية عالية الدقة، فإنك ال تريد حدوث هذا الرنن املشتت<br />
واملستمر في أذنيك. ومن الصعب جدا احلصول على توازن<br />
بن جعل اإلشارة غير مُشتتة ومع ذلك احلفاظ على جودة<br />
البيانات ذات الداللة الفعلية في متييز االختالفات بن نوعن من<br />
األنسجة أو اخلاليا.« لكن االختبارات التي أجراها مع األطباء<br />
تشير إلى أن املصوتنات sonifiers أصابت توازنا معقوال.<br />
70<br />
)(<br />
صوت مقابل بصر<br />
مع أن للصوتنة مزايا على العرض البصري، يواجه<br />
، وآخرون متخصصون بالصوتيات<br />
عقبةً رئيسة: وهي ببساطة تتمثل بحثِّ الباحثن على جتربة هذه<br />
الطريقة اجلديدة في استكشاف البيانات. ويقول :<br />
»بدءا من املدرسة االبتدائية وما يليها، نحن محاطون بتمثيالت<br />
بصرية مثل املخططات البيانية والرسوم البيانية الدائرية«.<br />
ويضيف: »وما أن يصبح شخص ما عاملا، تكون لديه معرفة<br />
ببنية اجلمل ،syntex ولديه فهم عن كيفية عمل هذه الرسوم<br />
البيانية ونوعا من املنطق الداخلي؛ في حن أنه عندما تضغط<br />
على زر “تشغيل” لتصغي إلى البيانات ألول مرة، فإنه ليست<br />
لديك مفردات، ولذا فليس هناك أساس للمقارنة.«<br />
لكن شيوع بعض هذه البحوث مؤخرا ميكن أن يساعد<br />
على تسليط الضوء على قيمة املقاربة الصوتية. وعلى سبيل<br />
املثال، مت حتويل تسجيالت األشعة السينية للسلوك العنيف<br />
لزوج من النجوم الدوارة إلى ألبوم موسيقيّ يضم إيقاعات<br />
آفرو-كوبية ،Afro-Cuban وهو متوفر على .iTunes<br />
ويتكون زوج النجوم ،EX Hydrae من قزم أبيض جنم<br />
هرم فائق الصغر، مرتبط بجاذبية محكمة مع جنم عادي<br />
ضخم. وبينما يحوم النجمان حول بعضهما البعض، يقوم<br />
القزم األبيض بانتزاع املادة من شريكه، ويلفظها في الفضاء<br />
على هيئة أشعة سينية جرى تسجيلها من قبل مرصد األشعة<br />
السينية Chandra التابع لوكالة ناسا. وقد استخدمت عاملة<br />
الفيزياء الفلكية ، وهي كفيفة، برنامجاً حاسوبياً<br />
مفتوح املصدر xSonify لتحويل التذبذبات في طاقة األشعة<br />
السينية إلى صوت. وقد رأى بعض الزملالء الذين مييلون<br />
إلى املوسيقى بعض هذه البيانات املطبوعة على هيئة عالمات<br />
موسيقية. وكانت العالمات كثيرة الشبه بنمط إيقاعي يدعى<br />
العصا clave يوجد في املوسيقى اآلفرو-كوبية والبوسَّ ا نوڤا<br />
.bossa nova وأخذ املؤلف املوسيقي األملاني ،<br />
وهو ابن عم أحد هؤالء العلماء، هذه الفكرة وتابع بها، وكتب<br />
من األشعة السينية موسيقى بوسا نوڤا فوگ، ڤالس، مؤلف<br />
بلوز ،blues أغاني جاز والعديد من القطع األخرى اعتمادا<br />
على سالسل مختلفة من النغمات املستمدة من األشعة<br />
السينية. ويطلق على األلبوم الذي يضم بيانو، باصاً bass<br />
وطبوالً: »أشعة إكس هيدرا« .X-ray Hydra<br />
وأصبحت لهذه املؤلفات شعبية واسعة في املجتمع الفلكي<br />
وبن علماء آخرين، وتلك املوسيقى هي بالنسبة إلى أُذنيْ<br />
: »جزء من التحدي وهو مجرد طرح البيانات على<br />
املأل، ودفع املزيد من الناس إلى االستماع.« إنه يعتقد أن<br />
االستماع سيؤدي إلى اكتشافات جديدة. »هذا النوع من<br />
الصوت مليء بنغمات قصيرة وناعمة«. ويقول ،<br />
»وكل واحدة هي لغز فيزيائي ينتظر احلل.« ><br />
Scientific American, March 2015<br />
SOUND VS. SIGHT ()<br />
)1( أو: مرتدة، عكسية.<br />
مراجع لالستزادة<br />
Assisted Differentiated Stem Cell Classification in Infrared Spectroscopy Using<br />
Auditory Feedback. Domenico Vicinanza et al. Presented at the 2014 International<br />
Conference on Auditory Display, June 23, 2014.<br />
The Bird’s Ear View of Space Physics: Audification as a Tool for the Spectral<br />
Analysis of Time Series Data. Robert L. Alexander et al. in Journal of Geophysical<br />
Research: Space Physics, Vol. 119, No. 7, pages 5259–5271; July 2014.
وعدم انقراضها مع انقراض آخر فرد من أفراد مجموعة<br />
صغيرة معزولة. فجماعة اإلنسان العاقل األكبر عددا واألكثر<br />
تواصال وفرت، بحسب ]من متحف التاريخ<br />
الطبيعي في لندن[، املزيد من التقدم الفعال لبناء املعرفة<br />
واحلفاظ عليها، مقارنة مبا لدى أفراد البشر املبكرين، مبن<br />
فيهم النياندرتالين. وعلى الرغم من ذلك، فإن وصول أفراد<br />
البشر احلديثن لم يوضح انقراض النياندرتالين السريع.<br />
واحملاولة األخيرة لتعقب تناقص أعداد النياندرتالين التي<br />
أجراها .Th> هيكهام> وزمالؤه ]من جامعة أكسفورد[ طبقت<br />
طرقا لتحديد أعمار محسنة وذلك لتحديد أعمار العشرات من<br />
مواقع النياندرتالين وأفراد اإلنسان احلديث األوروبي امتدت<br />
من إسبانيا إلى روسيا. فقد بينت النتائج أن املجموعتن<br />
تشاركتا القارة ملدة 2600 إلى 5400 سنة تقريبا، وذلك قبل<br />
اختفاء النياندرتالين نهائيا نحو ما قبل 39 000 سنة خلت.<br />
وهذا التشارك الطويل األمد في القارة رمبا ترك الكثير من<br />
الوقت للتزاوج بن املجموعتن. إذ بينت حتاليل الدنا أن أفراد<br />
البشر احلالين الذين يعيشون خارج إفريقيا يحملون وسطيا<br />
ما ال يقل عن نسبة - 1.5 2.1 في املئة من الدنا النياندرتالي -<br />
وهي تركة االتصاالت اجلنسية بين النياندرتالين وأفراد<br />
البشر احلديثن تشريحيا لعشرات األلوف من السنن بعد<br />
أن بدأت املجموعة األخيرة باالنتشار خارج إفريقيا.<br />
ويقترح بعض املختصين أن االختلالط بين جماعة<br />
النياندرتالين األصغر عددا وجماعة البشر احلديثن األكبر<br />
عددا ميكن أن يكون قد أدى إلى انقراض النياندرتالين،<br />
في نهاية املطاف، بالهيمنة على مجمع جيناتهم )1( . ويعتقد<br />
»أن النياندرتالين لم يكونوا بأعداد كبيرة جدا، فقد<br />
كان هناك أناس قَدِ موا من مناطق أخرى واختلطوا بهم مما<br />
أدى إلى انقراضهم. فتاريخ جميع الكائنات احلية ينتهي<br />
بانقراضها«، ويضيف »وهذا ال يشير بالضرورة إلى أنهم<br />
كانوا أغبياء أو عاجزين ثقافيا أو غير قادرين على التكيف<br />
وإمنا يشير فقط إلى ما كان يحدث.« ><br />
)1( مجمع اجلينات = gene pool العدد الكلي جلينات الفرد في نوع من األنواع.<br />
مراجع لالستزادة<br />
ص<br />
البرنامج اإلقليمي<br />
»لوريال واليونسكو«<br />
من أجل »املرأة يف العلم«<br />
لزمالة املشرق العربي ومصر<br />
تُطلقه »مؤسسة لوريال« )( للعام الثالث على التوالي، بهدف<br />
تعزيز وتشجيع دور املرأة العربية في علوم احلياة والعلوم<br />
الفيزيائية، وستُمنح خمس زماالت جديدة )قيمة كل واحدة<br />
منها عشرة آالف يورو( خلمس عالمِ ات عربيات مميزات من:<br />
مصر، العراق، األردن، لبنان، سوريا ودولة فلسطن.<br />
إن هذا البرنامج العربي اإلقليمي هو من أهم البرامج<br />
التي تهدف إلى تكرمي املرأة العربية في مجال العلوم، وهو<br />
فصل جديد من برنامج لوريال-اليونسكو الدولي »من أجل<br />
املرأة في العلم« الذي تأسس في عام 1998 للكفاح من أجل<br />
وجود متثيل أفضل للمرأة في مجال العلوم، وهو مجال<br />
اليزال يهيمن عليه الرجال.<br />
وعن هذا البرنامج، يقول مدير عام شركة لوريال املشرق<br />
العربي: »إن احلاصالت على املنح في العامن املنصرمن<br />
ميثلن عالِمات الغد، فهنّ يتمتعن بالبحث اإلبداعي إضافة<br />
إلى الطموح واملثابرة من أجل مستقبل مهني ناجح في<br />
املجال العلمي.«<br />
لتقدمي الطلبات واحلصول على مزيد من املعلومات حول<br />
هذا البرنامج يرجى االتصال بِ<br />
www.fwis.fr<br />
آخر موعد لتقدمي الطلبات: .2016 / 4 / 18<br />
تتمة الصفحة 66 )<strong>قدرات</strong> <strong>النياندرتاليني</strong> <strong>العقلية</strong>(<br />
)( Foundation :The L'Oreal جتسد هذه املؤسسة استعداد مجموعة لوريال<br />
بأن تلزم نفسها على الدوام بالقضايا االجتماعية القائمة على حقلن من<br />
اخلبرات العلمية واجلمالية.<br />
Brain Development after Birth Differs between Neanderthals and Modern Humans.<br />
Phillip Gunz et al. in Current Biology, Vol. 20, No. 21, pages R921–R922; November 9, 2010.<br />
Impossible Neanderthals? Making String, Throwing Projectiles and Catching Small<br />
Game during Marine Isotope Stage 4 (Abri du Maras, France). Bruce L. Hardy et al. in<br />
Quaternary Science Reviews, Vol. 82, pages 23–40; December 15, 2013.<br />
A Rock Engraving Made by Neanderthals in Gibraltar. Joaquín Rodríguez-Vidal et al. in<br />
Proceedings of the National Academy of the Sciences USA, Vol. 111, No. 37,<br />
pages 13,301–13,306; September 16, 2014.<br />
Scientific American, February 2015<br />
71 (2015) 12/11
نورد في هذا الكشاف املقاالتِ التي نشرت في عام 2015 )املجلد 31(، ونضع إلى يسار عنوان كل مقالة )رقم العدد - رقم الصفحة(.<br />
وقد متَ َّ ترتيب هذه املقاالت ألفبائيا ضمن تخصصاتها املعروضة في اإلطار أدناه مرتبة ألفبائيا أيضا بعد إهمال “أل” التعريف وكلمة “عِ لْم” و“علوم.”<br />
استدامة<br />
استكشاف<br />
علم األحافير<br />
األمن<br />
أنثروبولوجيا<br />
بيئة<br />
بيولوجيا<br />
تربة فكرية<br />
تطور<br />
تطور البشر<br />
تغير مناخي<br />
تقانة<br />
تقرير خاص حول التعليم<br />
تقرير خاص عن مستقبل الطب 2015<br />
كَشّ اف موضوعات مجلة العلوم<br />
2015<br />
علم احلاسوب<br />
حوسبة<br />
علم احلياة<br />
رياضيات<br />
زراعة<br />
علم سلوك احليوان<br />
الصحة<br />
صحة عامة<br />
طب<br />
علم الطيران<br />
العلم واملجتمع<br />
علوم عصبية<br />
غبار نووي<br />
فلك<br />
فيزياء<br />
علم الكون<br />
مناعة<br />
علم النفس<br />
هندسة ميكانيكية<br />
علم الوبائيات<br />
(10/9 - 62)<br />
< مساعدة الطفل املتوحِّ د (6/5 - 51)<br />
< معاجلة االكتئاب في املنبع استدامة<br />
< صيد البحر إلطعام باليني البشر )12/11 - 4(<br />
استكشاف<br />
< بحثا عن كنز غارق )6/5 - 10(<br />
علم األحافير<br />
< منشأ الديناصورات الشرسة )التيرانوصورات(<br />
)26 - 8/7(<br />
األمن<br />
< كيف تنجو من حرب إلكترونية )8/7 - 50(<br />
أنثروبولوجيا<br />
(6/5 - 20)<br />
< أهال بكم في العائلة 2/1) - (63<br />
< قوى الثنني < مازلنا نتطور )بعد كل هذه السنني( (10/9 - 46)<br />
بيئة<br />
< مشكلة محيّرة لكوكب األرض (8/7 - 72)<br />
< هل احترار الكرة األرضية أسرع من املتوقع؟<br />
بيولوجيا<br />
(4 - 4/3)<br />
4/3) - (30<br />
< حتوالت املصير 4/3) - (38<br />
< احلياة حتت العدسة 8/7) - (44<br />
< الساعات في داخلنا (2/1 - 54)<br />
< نوع جديد من الوراثة تربة فكرية<br />
< سواقة صلبة لكوكب األرض (10/9 - 4)<br />
تطور<br />
2/1) - (46<br />
< صدمات مناخية (12/11 - 32)<br />
< من ذئب إلى كلب تطور البشر<br />
< <strong>قدرات</strong> <strong>النياندرتاليني</strong> <strong>العقلية</strong> 12/11( - )58<br />
تغير مناخي<br />
< جزيرة اخليال 10/9( - )52<br />
تقانة<br />
< والدة صاروخ 12/11( - )22<br />
تقرير خاص عن مستقبل الطب 2015<br />
< أدوية السرطان تضع بصماتها )12/11 - 14(<br />
< إطالق اإلنساالت النانوية! 12/11( - )20<br />
< ضماد أذكى 12/11( - )17<br />
< عجائب صغيرة 12/11( - )12<br />
تقرير خاص حول التعليم<br />
< بيانات هائلة تذهب إلى املدرسة )2/1 - 4(<br />
< تربة جريئة للتعلم، واآلمال املعقودة عليها<br />
)6 - 2/1(<br />
< التعلم باآللة 2/1( - )18<br />
< »كانت مفاجأة سارة لي« )2/1 - 29(<br />
< ملاذا نحتاج إلى شبكة إنترنت سريعة في املدارس<br />
علم احلاسوب<br />
)25 - 2/1(<br />
< فقط أضف ذاكرة 6/5) - (4<br />
حوسبة<br />
< البحث عن حاسوب جديد (8/7 - 4)<br />
علم احلياة<br />
< تطور استثنائي مذهل 6/5) - (64<br />
< احلياة امليكروية حتت املجهر (10/9 - 28)<br />
رياضيات<br />
< السجل الكامل للتناظرات في الكون (12/11 - 42)<br />
< دع األلعاب )الرياضياتية( تستمر (4/3 - 24)<br />
زراعة<br />
< إنقاذ القهوة 4/3( - )10<br />
الصحة<br />
< مرض في القطب الشمالي (4/3 - 58)<br />
صحة عامة<br />
< حرب اإليبوال 12/11) - (50<br />
طب<br />
< نقطة ضعف في حصن اجلراثيم )4/3 - 42(<br />
علم الطيران<br />
< طيران مستحيل 6/5) - (70<br />
العلم واملجتمع<br />
< مستقبلنا الشفاف 6/5) - (58<br />
علوم عصبية<br />
4/3) - (76<br />
< اجلغرافيا اجلينية للدماغ 10/9) - (8<br />
< دماغُ املراهقِ املدهشُ 10/9) - (14<br />
< عبقري باملصادفة 4/3) - (50<br />
< عقل املتأمل غبار نووي<br />
< طيور سنونو فوكوشيما 6/5) - (42<br />
فلك<br />
10/9) - (20<br />
< أفضل من األرض 6/5) - (34<br />
< بزوغ السماوات القصيّة < تقصي املستحاثات في درب التبانة (2/1 - 32)<br />
فيزياء<br />
< التناظر الفائق واألزمة في الفيزياء )2/1 - 68(<br />
)10/9 - 34(<br />
< حلقات حرق من نار 6/5( - )26<br />
< احلياة الداخلية للكواركات < الغِ راء الذي يربط مكوناتنا معا )8/7 - 36(<br />
علم الكون )كوسمولوجيا(<br />
< مِ شعَل مُرشِ د من االنفجار األعظم )4/3 - 66(<br />
مناعة<br />
< انخداع املناعة 2/1( - )38<br />
علم النفس<br />
< تغلّب على نفسك، تكسب العالَم )10/9 - 40(<br />
هندسة ميكانيكية<br />
< العالَم القابِ ل للبرمجة (4/3 - 84)<br />
علم الوبائيات<br />
< صيّاد اجلراثيم 4/3) - (16<br />
< األلم املزمن 8/7( - )18<br />
< انقشاع لعنة داء ألزهامير )8/7 - 12(<br />
< طب بالصدمة )الكهربائية( 8/7( - )54<br />
< عالج السرطان بالڤيروسات 2/1) - (76<br />
12/11( - )67<br />
< بايتات صوتية 8/7( - )64<br />
< عالَم من احلركة 72
)قسيمة اشتراك / تجديد اشتراك في )<br />
أرجو تسجيل / تديد اشتراكي في ملدة ( ) سنة<br />
اعتبارا من الشهر ......................... عام ...........................<br />
االسم : ..................................................................................................................................................................................<br />
الوظيفة/ املهنة )اختياري( : ......................................................................................................................................<br />
العنوان البريدي : ..............................................................................................................................................................<br />
...................................................................................................................................... فاكس : ...........................................<br />
العنوان اإللكتروني : .....................................................................................................................................................<br />
هاتف : نقال .............................................. عمل .............................................. منزل ..............................................<br />
مرفق القيمة وقدرها ).............................................................................................................................................(<br />
شيك/ حوالة رقم )................................................................................( بتاريخ ....................................................<br />
مسحوب على ..............................................................................................................................................................<br />
التوقيع ....................................................<br />
بالدوالر األمريكي<br />
45<br />
56<br />
112<br />
للطلبة وللعاملين في سلك<br />
التدريس و/أو البحث العلمي<br />
لألفراد<br />
للمؤسسات<br />
بالدينار الكويتي<br />
12<br />
16<br />
32<br />
االشتراكات<br />
ترسل طلبات االشتراكات إلى المجلة مرفقة بشيك أو حوالة باسم »شركة التقدم العلمي للنشر والتوزيع«<br />
مسحوبين على أحد البنوك الكويتية التالية.<br />
National Bank of Kuwait<br />
The Commercialk Bank of Kuwait<br />
Al Ahli Bank of Kuwait<br />
The Gulf Bank<br />
Burgan Bank<br />
Ahli United Bank<br />
Kuwait Finance House<br />
بنك الكويت الوطني<br />
البنك التجاري الكويتي<br />
البنك األهلي الكويتي<br />
بنك الخليج<br />
بنك برقان<br />
البنك األهلي المتحد<br />
بيت التمويل الكويتي<br />
73 (2015) 12/11
)قسيمة إهداء اشتراك في )<br />
لقريب أو صديق أو مؤسسة<br />
أرجو تسجيل اشتراك في كإهداء ملدة ( ) سنة<br />
اعتبارا من الشهر ......................... عام ...........................<br />
اسم املُهْدى إليه : Name:............................................................................................................................................<br />
الوظيفة/ املهنة )اختياري( : ......................................................................................................................................<br />
العنوان البريدي : .................................................................................................................. Address: Mailing<br />
................................................................................................................................ فاكس : ..................................................<br />
العنوان اإللكتروني : ................................................................................................................................... e-mail:<br />
هاتف : نقال .............................................. عمل .............................................. منزل ..............................................<br />
مرفق القيمة وقدرها )....................................................................................................................................................(<br />
شيك/ حوالة رقم ).........................................................................................( بتاريخ...................................................<br />
مسحوب على ....................................................................................................................................................................<br />
اسم مقدم اإلهداء : ..........................................................................................................................................................<br />
العنوان : ..............................................................................................................................................................................<br />
................................................................................................................................. فاكس : ................................................<br />
هاتف : نقال .............................................. عمل ........................................... منزل .....................................................<br />
التاريخ .........................................................<br />
التوقيع .............................................................<br />
شارع أحمد الجابر، الشرق - الكويت<br />
ص.ب : 20856 الصفاة، الكويت 13069<br />
العنوان اإللكتروني: e-mail: oloom@kfas.org.kw<br />
هاتف: (+965) 22428186 - فاكس: (+965) 22403895<br />
(2015) 12/11<br />
74
42<br />
50<br />
MATHEMATICS<br />
The Whole Universe Catalog<br />
By Stephen Ornes<br />
There exists a mathematical proof<br />
of a theorem so all-embracing and<br />
complex that only a handful of aging<br />
mathematicians actually understand it.<br />
They are racing the clock to pass along<br />
their secrets to a new generation.<br />
PUBLIC HEALTH<br />
Ebola War<br />
By Helen Branswell<br />
Africa’s crisis has jump-started efforts to<br />
develop critically needed vaccines and<br />
treatments.<br />
EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina<br />
MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting<br />
CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam<br />
SEnIor writeR: Gary Stix<br />
EDITORS: Davide Castelvecchi,<br />
Graham P. Collins, Mark Fischetti,<br />
Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser,<br />
Christine Soares, Kate Wong<br />
CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert,<br />
Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs,<br />
Marguerite Holloway, Christie Nicholson,<br />
Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer,<br />
Sarah Simpson<br />
ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello,<br />
Larry Greenemeier<br />
news Reporter, ONLINE: John Matson<br />
ART DIRECTOR, online: Ryan Reid<br />
ART DIRECTOR: Edward Bell<br />
ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen<br />
PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley<br />
58<br />
HUMAN EVOLUTION<br />
Neandertal Minds<br />
By Kate Wong<br />
COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller<br />
Editorial Administrator: Avonelle Wing<br />
SENIOR SECRETARY: Maya Harty<br />
Our Neandertal cousins were much more<br />
intelligent than you probably think.<br />
COPY and PRODUCTION, nature publishing<br />
group:<br />
Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff<br />
COPY editor, npg: Michael Battaglia<br />
editorial assistant, npg: Ann Chin<br />
managing pRODUCTION EDITOR, npg:<br />
Richard Hunt<br />
senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright<br />
67<br />
TECHNOLOGY<br />
Sound Bytes<br />
By Ron Cowen<br />
Ears are such terrific pattern finders that<br />
scientists are using them to find cancer<br />
cells and particles from space.<br />
72 Subject Index<br />
2015<br />
Editor In Chief<br />
Adnan Hamoui<br />
PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli<br />
ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:<br />
Carl Cherebin<br />
PREPRESS AND QUALITY MANAGER:<br />
Silvia De Santis<br />
CUSTOM PUBLISHING MANAGER:<br />
Madelyn Keyes-Milch<br />
pRESIDENT: Steven Inchcoombe<br />
VICE PRESIDENT, operations and<br />
Administration: Frances Newburg<br />
Vice president, finance and<br />
BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek<br />
BUSINESS MANAGER: Marie Maher<br />
Letters to the Editor<br />
Scientific American<br />
75 Varick Street, 9th Floor,<br />
New York, NY 10013-1917<br />
or editors@SciAm.com<br />
Letters may be edited for length and clarity. We<br />
regret that we cannot answer each one. Post a<br />
comment on any article instantly at<br />
www.ScientificAmerican.com/<br />
sciammag
November / December - 2015 Volume 31 Number 11/12<br />
4<br />
SUSTAINABILITY<br />
Fishing for Billions<br />
By Erik Vance<br />
Bold scientists are trying to save the planet’s oceans by<br />
reinventing Chinese aquaculture.<br />
12<br />
14<br />
17<br />
20<br />
SPECIAL REPORT<br />
FUTURE OF MEDICINE 2015<br />
Small Wonders<br />
Nanomedicine is healing people now and promises more in the future.<br />
Cancer Drugs Hit Their Mark<br />
By Dina Fine Maron<br />
Tiny vehicles deliver more medication to tumors and reduce nasty<br />
side effects. <br />
Also: Spheres that detect dangerous DNA<br />
A Smarter Bandage<br />
By Mark Peplow<br />
New materials will cover wounds, alert doctors and dispense drugs.<br />
Also: Implants that monitor the heart<br />
Launch the Nanobots!<br />
By Larry Greenemeier<br />
Remote-controlled drug therapy is coming. <br />
22<br />
TECHNOLOGY<br />
Birth of a Rocket<br />
By David H. Freedman<br />
To some, nasa’s Space Launch System is a gigantic piece<br />
of congressional pork. It may also be our best shot at<br />
getting humans to Mars.<br />
32<br />
EVOLUTION<br />
From Wolf to Dog<br />
By Virginia Morell<br />
New controversy swirls around the question of how<br />
dogs became our pets.
الدكتور المهندس نبيل علي<br />
رائد المعلوماتية العربية<br />
بخالص العزاء وعظيم املواساة تنعى فقيد أمتنا الدكتور املهندس نبيل علي، الذي يُعدُّ<br />
بحق »األب الروحي للمعلوماتية العربية.«<br />
أمتَّ املرحوم دراسته العليا في هندسة الطيران بجامعة القاهرة. وبرع - رحمه الله - في<br />
املعلوماتية؛ فنجح في تصميم أول نظام حجز آلي لشركات الطيران في املنطقة العربية.<br />
وتطور حسّ اإلبداع لديه فعمل في مجال الهندسة اللغوية, وحتديدا في املعاجلة اآللية للغة العربية.<br />
فقد جنح في تطويع حروف العربية إلى احلاسوب، كما جنح في معاجلة مسائل النحو والصرف<br />
هندسيا. وكان أول من صممَ:<br />
مُحرِّكا بحثيا للغة العربية على أساس صرفي.<br />
قاعدة بيانات معجمية للغة العربية.<br />
قاعدة معارف الشعر العربي.<br />
برنامجاً حاسوبياً للقرآن الكرمي.<br />
منوذجَ املختبر اللغوي املتقدم لتعليم العربية وتعلُّمها.<br />
ومن اجلوائز التي تلقاها املرحوم:<br />
جائزة أحسن كتاب في مجال »الدراسات املستقبلية«، الهيئة العامة<br />
للكتاب، 1994.<br />
جائزة أفضل كتاب ثقافي في مجال »حتديات عصر املعلومات«،<br />
الهيئة العامة للكتاب، 2003.<br />
جائزة »اإلبداع في تقنية املعلومات«، مؤسسة الفكر العربي، 2007.<br />
جائزة »امللك فيصل العاملية« - مناصفة - في مجال »املعاجلة<br />
احلاسوبية للغة العربية«، 2012.<br />
ومن مؤلفات املرحوم:<br />
في ذمة الله<br />
2016 - 1938<br />
دعوة للمشاركة في<br />
دورة صيفية حول:<br />
»العلم والدبلوماسية«<br />
تنظمها<br />
اجلمعية األمريكية<br />
لتقدم العلم (AAAS)<br />
و<br />
أكادميية العالم للعلوم<br />
في الدول النامية (TWAS)<br />
اللغة العربية واحلاسوب )دراسة بحثية(، دار تعريب، 1988.<br />
العرب وعصر املعلومات، سلسلة عالم املعرفة، العدد 1994. 184،<br />
التقانة العربية وعصر املعلومات )رؤية ملستقبل اخلطاب الثقافي<br />
العربي(، سلسلة عالم املعرفة، العدد 2001. 265،<br />
الفجوة الرقمية )رؤية عربية ملجتمع املعرفة( باالشتراك مع د. نادية<br />
حجازي، سلسلة عالم املعرفة، العدد 2005. 318،<br />
العقل العربي ومجتمع املعرفة )مظاهر األزمة واقتراحات باحللول(:<br />
اجلزء األول، سلسلة عالم املعرفة، العدد 2009. 369,<br />
اجلزء الثاني، سلسلة عالم املعرفة، العدد 2009. 370،<br />
ومن أقواله: »نواجه عصرا جديدا بعقلية غاية في القدم، هذا<br />
هو املأزق الذي جند فيه أنفسنا كعرب ونحن نواجه متطلبات العصر<br />
احلديث. ثمة فجوة معرفية تزداد هُوَّتها كل يوم وتهدد بعزلنا على<br />
اجلانب اآلخر من التاريخ. لنبدأ اخلطوة األولى لسد هذه الفجوة<br />
املعرفية؛ لنبدأ بالترجمة.«<br />
وفي تقدميه لكتابه »العرب وعصر املعلومات« يتوجه إلى العلماء<br />
واملهندسن والفنين العرب املتخصصن في مجال احلاسوب واملعلوماتية<br />
مبينا أن: »الكتاب هو مبثابة دعوة إليهم لتجاوز حدود اجلوانب الفنية؛<br />
فلم يعد يكفينا حديثٌ عن اإلمكانيات الهائلة لتقانة املعلومات وإجنازاتها<br />
الباهرة وبالين العمليات احلسابية في الثانية الواحدة، وسرعة النانو ثانية<br />
وذاكرة احلاسوب ذات سعة امليگابايت، وعبقرية نظم البرامج، ومعجزات<br />
الذكاء الصنعي، واالحتماالت البعيدة واملرتَقبة لهندسة املعرفة. فاألهم<br />
في رأيي هو إبراز مغزى كل هذه األمور واحلقائق والتوقعات القتصادنا<br />
وإعالمنا وتعليمنا وثقافتنا ولغتنا، وما أثرها في عالقاتنا وصراعتنا مع<br />
أنفسنا ومع غيرنا، وفي فكرنا وتراثنا، وما انعكاساتها على واقعنا: على<br />
مصانعنا ومدارسنا ومكاتبنا وحقولنا ومنازلنا وخيامنا، وعلى مدننا وقُرانا<br />
وساحاتنا، وماذا تعنيه هذه التقانة الساحقة بالنسبة إلى رجالنا ونسائنا وأطفالنا، وأجيالنا احلالية<br />
وأجيالنا القادمة.«<br />
رحم الله الفقيد وألهم أهله الصبر والسلوان<br />
Call for<br />
participation in the<br />
AAAS-TWAS<br />
Summer Course<br />
on<br />
“Science and Diplomacy”<br />
The course is organized by<br />
the American Association for<br />
the Advancement of Science<br />
(AAAS) and The World<br />
Academy of Science for the<br />
advancement of science in the<br />
developing countries (TWAS).<br />
This course aims to expose<br />
participants to some key<br />
concepts on the interactions<br />
between the scientific and<br />
policy-making communities.<br />
The course will also explore<br />
contemporary international<br />
policy issues relating to:<br />
science, technology,<br />
environment and health.<br />
The AAAS-TWAS Course<br />
on Science and Diplomacy<br />
will be held:<br />
from 11 to 16 July 2016<br />
in Trieste, Italy.<br />
Application deadline is:<br />
4 March 2016<br />
Successful candidates<br />
will be contacted before<br />
the end of March.<br />
For more information and<br />
to download the application<br />
form, please visit:<br />
http://twas.org/node/11557<br />
For any queries, please<br />
contact:<br />
sciencediplomacy@twas.org