index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109
index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109
index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
الصندوق السعودي:330 مشروعً ا<br />
في 44 دولة ب 32 مليارًا يف إفريقيا<br />
روسيا تراقب إفريقيا بشبكة<br />
»كوندو« وإسقاط الديون المالية<br />
المحافظون الجدد: ترامب كارثة ..<br />
والتنافس بين مرشحين أقل شعبية<br />
العدد 109<br />
يوليو - 2016<br />
ملف العدد:<br />
الخليجية مع إفريقيا جنوب الصحراء: الفرص والتحديات العالقات<br />
▀ 4 مجاالت لالستثمارات العربية يف قارة تضم نصف خامات معادن العالم<br />
▀ اإلرهاب وإسرائيل وإيران .. ثالوث الخطر القادم على العرب من إفريقيا<br />
▀ %6.5 متوسط النمو يف إفريقيا و7 دول مرشحة ضمن االقتصادات األسرع نموًا<br />
▀ %11 من المياه العذبة في إفريقيا والصحراء الكبرى تضم أكبر مستودع للمياه في العالم<br />
▀ إفريقيا تضم 21 دولة منتجة للنفط بينهم 4 أعضاء أوبك والثقل يف غرب إفريقيا<br />
▀ 1000 مدرسة و69 معهدًا و16 ملحقية عسكرية صينية و35 مليارًا إلفريقيا<br />
▀ إسرائيل فككت الكتلة التصويتية للدول اإلفريقية وتستثمر الفقر بإغراء المساعدات<br />
▀ ثالث قوى عالمية تتصارع في غرب إفريقيا.. والدور الخليجي تحكمه المصالح والسياسة<br />
اإلمارات المستثمر العربي األول ب %21 والسعودية الثاني ب %19 في إفريقيا<br />
▀
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 1
4<br />
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
افتتاحية العدد<br />
الخليج وإفريقيا: الفرص والتحديات<br />
د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />
109<br />
2016<br />
2<br />
6<br />
12<br />
25<br />
31<br />
مجلة شهرية تصدر عن<br />
مركز اخلليج لألبحاث<br />
تعنى بالشؤون اخلليجية<br />
رئيس التحرير<br />
د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />
sager@grc.net<br />
مدير التحرير<br />
جمال أمني همام<br />
jamal@araa.sa<br />
سكرتيرالتحرير<br />
أحمد صالح<br />
salah@grc.net<br />
التصميم الفني<br />
منى فيصل<br />
mona@grc.net<br />
الهيئة االستشارية<br />
د. خالد اجلابر<br />
أ. د. عبد اخلالق عبد اهلل<br />
أ. د. عبد اهلل خليفة الشايجي<br />
د. عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج<br />
أ.د. صالح بن عبد الرحمن املانع<br />
د. محمد عبد الغفار عبد اهلل<br />
الطباعة<br />
متت الطباعة يف مؤسسة<br />
املدينة للصحافة والطباعة والنشر<br />
متابعات خليجية<br />
الصندوق السعودي للتنمية: تمويل )330( مشروعًا يف )44(<br />
دولة إفريقية ب 23 مليار ًا<br />
د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي<br />
دراسة العدد<br />
مشكلة المياه يف إفريقيا: أزمة إدارة ال ندرة<br />
د. محمد سالمان طايع<br />
رؤية وتحليل<br />
الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية يف إفريقيا: الصين<br />
نموذجًا<br />
د. فؤاد فرحاوي<br />
قضية العدد<br />
العالقات الخليجية اإلفريقية.. بين التكامل أو التنافس<br />
أمينة العريمي<br />
اإلعالنات واملراسالت<br />
1٠٠ دوالرًا<br />
11٠ دوالرًا<br />
1٢٠ دوالرًا<br />
لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي:<br />
البريد االلكتروني: info@araa.sa<br />
توجه جميع املراسالت إلى مجلة »آراء حول اخلليج« على العنوان التالي:<br />
1٩ شارع راية االحتاد<br />
ص.ب. 1٠٥٠1 جدة ٢1٤٤٣ اململكة العربية السعودية<br />
هاتف:٦٥11٩٩٩ +٩٦٦ 1٢<br />
فاكس: +٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥<br />
البريد اإللكتروني: info@araa.sa<br />
ثمن النسخة<br />
اململكة العربية السعودية: ٣٥ رياالً<br />
اإلمارات العربية املتحدة: ٣٥ درهمً ا<br />
مملكة البحرين:<br />
دولة قطر:<br />
دولة الكويت:<br />
سلطنة عمان:<br />
األردن:<br />
االشتراك السنوي<br />
الدول العربية:<br />
الدول األوروبية:<br />
بقية دول العالم:<br />
يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة<br />
مع حوالة مصرفية أو شيك بقيمة<br />
االشتراك باسم مركز اخلليج لألبحاث<br />
٣٫٥ دينارًا<br />
٣٥ رياالً<br />
٣٫٥ دينارًا<br />
٣٫٥ رياالً<br />
٤٫٥ دينارًا
ملف العدد<br />
د. ظافر محمد العجمي<br />
د. طالل صالح بنّان<br />
د. عيل الدين هالل<br />
د. نادر نور الدين محمد<br />
د. عباس محمد شراقي<br />
د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب<br />
د. سايل محمد فريد<br />
د. هويدا عبد العظيم عبد الهادي<br />
د. خالد يايموت<br />
د. خالد شيات<br />
د. نورهان الشيخ<br />
اللواء محمد إبراهيم<br />
د. أيمن السيد شبانة<br />
متابعات دولية<br />
سباق الرئاسة األمريكي األول في التاريخ بمرشحين أقل<br />
شعبية<br />
د. أمل مدليل<br />
هذا العدد من مجلة )آراء حول الخليج( العدد والذي يحمل رقم 109 من أعداد<br />
هذه المجلة التي تصدر عن مركز الخليج لألبحاث يتضمن ملفً ا رئيسً ا عن العالقات<br />
الخليجية اإلفريقية بعنوان )العالقات الخليجية اإلفريقية: الفرص والتحديات(<br />
ويتناول هذا الملف دراسات ومقاالت عميقة حول العالقات الخليجية مع إفريقيا<br />
جنوب الصحراء وكيف يمكن تفعيلها وتطويرها لتناسب المستجدات اإلقليمية<br />
والدولية واحتياجات شعوب ودول الجانبين وبما يخدم المصالح و األهداف المشتركة<br />
عى ضوء اإلمكانيات المتاحة لدى الجانبين.<br />
تؤكد الدراسات التي يطرحها هذا العدد أن الظروف والمعطيات تهيئ للتكامل<br />
وليس للتنافس بين دول الخليج ودول إفريقيا جنوب الصحراء، انطالقًا من عالقات<br />
تاريخية متميزة، وقرب جغرايف وتشابه يف التحديات واألهداف، إضافة إىل القواسم<br />
المشتركة ومنها الدين واإلرث الحضاري خاصة يف مناطق شرق إفريقيا.<br />
كما أن الموارد الطبيعية المتوفرة لدى الجانبين تتيح فرص التكامل الذي<br />
يعتمد عى المنافع المتبادلة، حيث تتوفر يف إفريقيا جنوب الصحراء األراضي<br />
الزراعية والمياه العذبة والفرص المواتية إلنتاج المحاصيل الزراعية التي تحتاجها<br />
دول مجلس التعاون، إضافة إىل الثروة المعدنية والمواد األولية الالزمة للصناعة،<br />
كما أن هناك ثروة نفطية مهمة يف إفريقيا ودخلت األسواق العالمية.<br />
وتعد مواجهة اإلرهاب من التحديات المشتركة التي تواجه الجانبين وتتطلب<br />
تعاون مشترك لحصار هذه اآلفة خاصة موجات اإلرهاب العابرة للحدود التي تنفذها<br />
التنظيمات المرتبطة بقيادات وتنظيمات إقليمية ودولية ال سيما تنظيمات<br />
داعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات التي تسللت إىل القارة السمراء<br />
وأخذت تهدد استقرار هذه المنطقة التي تعاني أصالً من مشاكل أخرى تصب يف<br />
قناة التوتر جراء الصراعات الموجودة يف دول القارة.<br />
يظل تأمين باب المندب والبحر األحمر من الضرورات األمنية الخليجية والعربية<br />
واإلفريقية وهذا يتطلب تعاون خليجي إفريقي، خاصة يف ظل التنافس الدويل<br />
واإلقليمي عى التواجد يف منطقة القرن اإلفريقي خاصة التواجد العسكري.<br />
109<br />
2016 39 www.araa.sa<br />
يوليو 3<br />
43<br />
50<br />
54<br />
59<br />
64<br />
69<br />
75<br />
80<br />
87<br />
91<br />
95<br />
99<br />
105<br />
هذا العدد<br />
إصدارات<br />
علم االجتماع السياسي المعاصر تطبيقات عى المجتمع<br />
العربي<br />
وقفة<br />
الغياب العربي في إفريقيا<br />
جمال أمين هّ مام<br />
اإلسهامات<br />
محاور العدد المقبل<br />
العالقات الخليجية أمريكا الالتينية: الواقع والمأمول<br />
ويتناول الملف الرئيسي لهذا العدد المحاور التالية:<br />
تأثير تراجع اليسار يف أمريكا الالتينية عى العالقات مع دول الخليج العربية.<br />
تعاون الجنوب الجنوب يف توجهات السياسة الخارجية الالتينية.<br />
االستثمارات الخليجية يف أمريكا الالتينية: المتاح والممكن.<br />
التعاون االقتصادي: االستفادة من المزايا النسبية للطرفين.<br />
مستقبل الطاقة يف العالقات الخليجية الالتينية.<br />
فرص االستثمار الزراعي الخليجي يف أمريكا الالتينية.<br />
التعاون العسكري الخليجي الالتيني: الحدود والقدرات والمنافع المتبادلة.<br />
األهمية االستراتيجية للعالقات الخليجية الالتينية عى المسرح الدويل<br />
واإلقليمي.<br />
التصور الخليجي للتعاون بين الجانبين لمواجهة اإلرهاب.<br />
مواقف دول أمريكا الالتينية من القضايا العربية وتأثيرها عى<br />
العالقات بين الجانبين.<br />
تأثير األدب الالتيني والقوة الناعمة عى العالقات بين دول الخليج<br />
وأمريكا الالتينية.<br />
تأثير األوضاع السياسية يف البرازيل عى أمريكا الالتينية وانعكاسها<br />
عى العالقات الخليجية.<br />
الرياضة كأداة من أدوات القوى النعامة الالتينية..واقعها ..أهميتها..<br />
مستقبلها.<br />
111<br />
112<br />
٭ ترحب مجلة »آراء حول اخلليج« بإسهامات الكتاب والباحثني يف الشؤون اخلليجية يف<br />
املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والدفاعية واألمنية.<br />
٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر.<br />
٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ٢٠٠8.<br />
٭ ال يسمح بإعادة نشر المواد المنشورة في المجلة دون الحصول على إذن خطي مسبق من<br />
مركز الخليج لألبحاث.<br />
٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء.
www.araa.sa<br />
حول الخليج<br />
العدد<br />
يوليو<br />
افتتاحية العدد<br />
109<br />
2016<br />
4<br />
الخليج وإفريقيا: الفرص والتحديات<br />
د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />
اهتمام دول مجلس التعاون اخلليجي بإفريقيا جنوب الصحراء<br />
ليس جديدًا، حيث هناك العديد من الروابط التاريخية، اجلغرافية،<br />
الدينية، والثقافية وغيرها من األواصر التي جتمع بني الطرفني منذ<br />
القدم والتي توثقت بعد اإلسام، ثم زادت قوتها يف التاريخ احلديث<br />
واملعاصر، كون إفريقيا جاره لدول مجلس التعاون اخلليجي وللدول<br />
العربية عامة، إضافة إلى كونها ثاني أكبر قارة يف العالم من حيث<br />
املساحة، وتضم 53 دولة ويقطنها ما يقترب من 100 مليون نسمة،<br />
وتعد سوقًا استهاكيًا واسعة، وتضم بني جنباتها الكثير من الفرص<br />
االستثمارية املتاحة واملمكنة، وأيضً ا لثقلها السياسي على املسرح<br />
الدولي، إضافة إلى االهتمام الدولي واإلقليمي الذي يزداد بهذه<br />
القارة الغنية باملوارد الطبيعية املهمة، وذات األهمية االستراتيجية<br />
واجليوسياسية.<br />
ولعل دعم دول اخلليج ويف مقدمتها السعودية حلركات التحرر<br />
اإلفريقية منذ ستينيات القرن العشرين يعد أحد وجوه هذا<br />
االهتمام الذي سرعان ما حتول إلى الدعم املادي واالقتصادي<br />
وتطوير اخلدمات واملرافق مبا يخدم التنمية يف إفريقيا عند بداية<br />
الطفرة النفطية يف منتصف سبعينيات القرن العشرين حيث أسست<br />
الدول اخلليجية الصناديق التنموية بغرض تقدمي املساعدات<br />
واملنح والقروض للعديد من الدول النامية ويف مقدمتها الدول<br />
اإلفريقية بشقيها العربي وجنوب الصحراء، وعلى سبيل املثال<br />
قام الصندوق السعودي للتنمية منذ عام 1975م، ومازال بتمويل<br />
الكثير من املشروعات يف 44 دولة إفريقية مببالغ اقتربت من 23<br />
مليار دوالر، وقدمت الصناديق التنموية يف دولة اإلمارات العربية<br />
املتحدة والكويت بدعم مماثل، إضافة إلى الدور املتميز الذي يقوم<br />
به البنك اإلسامي للتنمية يف تقدمي القروض واملنح غير املستردة<br />
للدول اإلفريقية، وكذلك جهود هيأة اإلغاثة اإلسامية العاملية،<br />
واجلمعيات اخليرية.<br />
وأولى مركز اخلليج لألبحاث أهمية كبيرة للعاقات اخلليجية<br />
مع إفريقيا جنوب الصحراء وخصص برنامجً ا لهذه العاقات أثمر<br />
عن عقد مؤمترين األول يف كيب تاون بجنوب إفريقيا يف فبراير<br />
2009م، حتت عنوان )اخلليج وإفريقيا: استراتيجية جديدة(،<br />
والثاني بالرياض يف ديسمبر 2010م، حتت عنوان )االستثمار<br />
sager@grc.net 4<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
5<br />
يوليو<br />
اخلليجي اإلفريقي : تعزيز العاقات االقتصادية( وشارك فيه<br />
4 رؤساء دول إفريقية و40 مسؤوالً رفيعي املستوى من مختلف<br />
دول جنوب الصحراء، ومتخض عن هذا املؤمتر العديد من<br />
املقترحات والتوصيات املهمة التي تؤسس لشراكة على كافة<br />
اجلوانب االقتصادية مبا يعزز االستثمارات املشتركة ويزيد من<br />
حجم وقيمة التبادل التجاري بني اجلانبني.<br />
وعلى املستوى الرسمي، شهدت العاقات اخلليجية اإلفريقية<br />
اهتمامًا كبيرًا منذ مطلع العام املاضي حيث استقبل خادم<br />
احلرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز حفظه اهلل <br />
20 رئيسً ا إفريقيًا زاروا اململكة، كما شهدت الفترة ذاتها توقيع<br />
العديد من االتفاقيات مع الدول اإلفريقية، إضافة إلى مشاركة<br />
10 دول إفريقية يف املناورة العسكرية الكبرى )رعد الشمال( التي<br />
استضافتها اململكة العربية السعودية العام احلالي ومت تنفيذها<br />
يف حفر الباطن مبشاركة 20 دولة إسامية أي نصف الدول التي<br />
شاركت يف املناورة كانت إفريقية، كما أن ثاث دول إفريقية<br />
شاركت يف عاصفة احلزم ووافقت دولة رابعة على املشاركة<br />
وهي السنغال، وهذا يؤكد أن التحديات واألهداف مشتركة، وأن<br />
التعاون والتاحم بني اململكة ودول اخلليج من ناحية، ودول القارة<br />
اإلفريقية من جهة أخرى مطلب للطرفني.<br />
ونعتقد أن هذا التعاون املهم ميثل بداية مشجعة للتكامل<br />
اخلليجي اإلفريقي يجب البناء عليه وتطويره نظرًا للعديد من<br />
االعتبارات واملنافع املتبادلة للجانبني اخلليجي واإلفريقي معًا،<br />
فعلى صعيد التعاون االقتصادي: تشرع القارة السمراء أبوابها<br />
لاستثمارات اخلارجية خاصة االستثمار الزراعي والصناعات<br />
الغذائية والتعدين واستكشاف واستخراج النفط والغاز، إضافة<br />
إلى كونها سوقًا واسعة للتسويق واالستهاك، يف حني دول<br />
مجلس التعاون اخلليجي تبحث عن مثل هذه الفرص خاصة<br />
لتوفير احتياجاتها من الغذاء واحملاصيل الزراعية، كما لديها<br />
خبرات متراكمة يف صناعة النفط، وكذلك لديها قدرات كبيرة<br />
يف إعادة التصدير إلى القارة السمراء.<br />
والبعد األمني يف العاقة اخلليجية اإلفريقية غاية يف األهمية<br />
أيضً ا خاصة بعد زيادة رقعة اإلرهاب وانتشاره يف العديد من<br />
الدول اإلفريقية ال سيما التنظيمات اإلرهابية اخلطيرة العابرة<br />
للحدود واملرتبطة بقيادات وفروع دولية. لذلك يجب تكثيف<br />
التعاون األمني واالستخباراتي ملواجهة هذه الظاهرة التي أخذت<br />
تتنامى جنوب الصحراء اإلفريقية وشمالها.<br />
العاقات العسكرية بني الطرفني ال تقل أهمية عن التعاون<br />
األمني خاصة أن هناك جتارب ناجحة بني بعض دول اخلليج<br />
والدول اإلفريقية يف مجال التصنيع العسكري ومنها جتربة<br />
اململكة العربية السعودية مع جنوب إفريقيا التي جاءت يف وقت<br />
تسعى فيه دول مجلس التعاون إلى توطني الصناعات العسكرية،<br />
إضافة إلى ضرورة العمل املشترك لتأمني مضيق باب املندب<br />
ومدخل البحر األحمر وخليج عدن حيث توجد جهود دولية<br />
محمومة للتواجد العسكري خاصة يف شرق إفريقيا هذه املنطقة<br />
التي تعد من أهم حلقات األمن اخلليجي والعربي.<br />
ويأتي ذلك يف ظل توجه دول مجلس التعاون اخلليجي إلى<br />
تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة االقتصادية واالستعداد<br />
ملرحلة ما بعد النفط، وهو ما ترجمته رؤية 2030 التي طرحتها<br />
اململكة العربية السعودية وتعمل بجدية على تنفيذها حيث تعتمد<br />
على التوسع يف االستثمارات الداخلية واخلارجية وحتقيق زيادة<br />
معدالت النمو، واالستمرار يف حتقيق الرفاهية دون االعتماد على<br />
النفط كسلعة وحيدة أو رئيسية يف الدخل الوطني.<br />
ولتفعيل الشراكة مع إفريقيا جنوب الصحراء من الضروري<br />
وضع أسس لهذه الشراكة بني احلكومات عبر اتفاقيات بعيدة<br />
املدى تؤطر ملنع االزدواج الضريبي، والتحكيم، وانتقال رؤوس<br />
األموال، والسلع، والعمالة، وتفعيل دور القطاع اخلاص وحتفيزه<br />
لاستثمار يف إفريقيا على ضوء استراتيجية واضحة املعالم<br />
وليس مجرد اجتهادات فقط من بعض شركات القطاع اخلاص.<br />
ومن الضروري أن تقوم جامعة الدول العربية ومجلس التعاون<br />
اخلليجي برفع مستوى التنسيق مع االحتاد اإلفريقي لتعزيز<br />
التعاون العربي واخلليجي اجلماعي وفقًا لرؤية تخدم األمن<br />
اجلماعي ال سيما أن هناك تواجد دولي وإقليمي متعدد األوجه<br />
واألبعاد واألهداف لتحقيق غايات دينية، وطائفية، وعرقية عاوة<br />
على املصالح السياسية واالقتصادية يف إفريقيا جنوب الصحراء<br />
وهذا يؤثر بشكل مباشر على األمن العربي واخلليجي واألمن<br />
اإلقليمي برمته نظرًا حلساسية وأهمية املوقع اجلغرايف للقارة<br />
اإلفريقية وقربها من املمرات املاحية الدولية وبذلك ال بد أن<br />
تكون إفريقيا يف صلب التخطيط االستراتيجي اخلليجي نظرًا<br />
ألهمية املنافع وخطورة التحديات.<br />
ويف بعدها االستراتيجي، فإن تطوير العاقات اخلليجية -<br />
االفريقية يهدف إلى احتواء التمدد اإليراني يف القارة السمراء،<br />
حيث عملت طهران خال العقدين املاضيني على توسيع دائرة<br />
نفوها السياسي، والثقايف، وركزت بشكل خاص على النشاطات<br />
التبشيرية ذات الصبغة الطائفية.<br />
*رئيس مركز الخليج للأبحاث
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
خليجية متابعات<br />
109<br />
2016<br />
6<br />
ساهم في التنمية المستدامة وتوفير الخدمات<br />
الصندوق السعودي للتنمية: تمويل )330(<br />
مشروعًا يف )44( دولة إفريقية ب 23 مليار ًا<br />
سعت اململكة العربية السعودية منذ سبعينات القرن املاضي على استخدام املساعدات اإلمنائية كأحد أدوات السياسة<br />
الناعمة يف تعزيز عاقاتها مع مختلف الدول النامية ومنها الدول اإلفريقية، ولتوفير البنية املؤسسية التي تعنى<br />
بعملية تقدمي املساعدات واملعونات اإلمنائية فقد مت إنشاء الصندوق السعودي للتنمية يف العام 1974م، والذي بدء<br />
أعماله يف العام 1975م، يف متويل املشاريع اإلمنائية يف الدول النامية من خال منح القروض بتسهيات كبيرة بقصد<br />
دعم الدول األقل منوًا بتوفير ما يلزمها من األموال، وفق احتياجاتها التنموية.<br />
د. نوزاد عبد الرحمن الهيتي<br />
وسوف نتناول يف هذا املقال بيان الدور الذي قام به الصندوق<br />
السعودي للتنمية يف دعم جهود الدول اإلفريقية لتحقيق التنمية<br />
املستدامة بأبعادها االقتصادية واالجتماعية والبيئية، ويف إجناز<br />
األهداف اإلمنائية لأللفية فيها.<br />
أوالً-التوزيع الجغرايف إلجمايل مشاريع الصندوق:<br />
بلغ عدد اتفاقيات القروض التي وقعها الصندوق منذ بداية<br />
نشاطه يف عام 1975م، وحتى نهاية عام 2014 نحو )511(<br />
اتفاقية قرض خصصت لتمويل )537( مشروعًا إمنائيًا وبرنامجً ا<br />
اقتصاديًا مببلغ قدره )44156.59( مليون ريال. وقد استفاد من<br />
هذه املساعدات )81( دولة نامية يف مناطق مختلفة من العالم<br />
منها )44( دولة يف إفريقيا و)29( دولة يف آسيا و)8( دول يف<br />
مناطق أخرى.<br />
وياحظ بأن الدول اإلفريقية قد حظيت بالنصيب األوفر من<br />
قروض الصندوق التراكمية، إذ ساهم يف متويل )330( مشروعًا<br />
يف )44( دولة إفريقية مببلغ إجمالي قدره )22868.73( مليون<br />
ريال، وهو يشكل ما نسبته )%51( من إجمالي القروض املقدمة<br />
من الصندوق.<br />
واستحوذت البلدان العربية اإلفريقية على اجلزء األكبر من<br />
املشاريع والبرامج )129( مشروعًا أي بنسبة )%30( ومببلغ<br />
)14082.74( مليون ريال وهو ما يشكل )%61.58( من القيمة<br />
اإلجمالية لقروض الصندوق التراكمية للدول اإلفريقية.<br />
ثانيًا-التوزيع القطاعي إلجمايل مشاريع الصندوق:<br />
لقد ساهم الصندوق السعودي للتنمية منذ بدء نشاطه وحتى<br />
نهاية عام 2014م، يف متويل )330( مشروعًا وبرنامجً ا تنمويًا<br />
يف مختلف قطاعات البنية التحتية احملددة ضمن إطار نشاطه<br />
التنموي يف إفريقيا، شملت قطاعات النقل واالتصاالت والزراعة<br />
والطاقة والبنية االجتماعية )املياه والصرف الصحي، التعليم،<br />
الصحة، واإلسكان والتنمية احلضرية( الصناعة والتعدين<br />
والقطاعات األخرى.<br />
وياحظ على مدار الفترة )2014-1975م( بأن التوزيع القطاعي<br />
لقروض الصندوق السعودي قد شهد تغيرات عديدة، ففي الوقت<br />
الذي كان النصيب األكبر من القروض املقدمة للدول اإلفريقية<br />
خال عقد السبعينيات لتمويل مشروعات النقل واالتصاالت<br />
والطاقة انسجامًا مع احتياجات الدول املستفيدة خال تلك<br />
الفترة، جند بأن عقد الثمانينات شهد اهتمامًا أكبر بقطاع<br />
الزراعة والتنمية الريفية إلى جانب قطاع النقل واالتصاالت. وقد<br />
جاء التركيز على القطاع الزراعي نظرًا ألهميته يف التنمية يف<br />
العديد من الدول اإلفريقية، كما شهد هذا العقد بدء التوجه<br />
نحو دعم برامج اإلصاح االقتصادي والتصحيح الهيكلي التي<br />
تقوم بها بعض الدول بهدف املساعدة يف توفير االستقرار ودفع<br />
النمو االقتصادي. أما عقد التسعينات، فقد متيز باالهتمام<br />
بالقطاعات االجتماعية، حيث وجه القسم األكبر من القروض<br />
واملساعدات إلى قطاعي البنية االجتماعية والطاقة.
خليجية متابعات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 7<br />
جدول )1( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية يف إفريقيا خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٤ م( مليون ريال<br />
املبلغ<br />
عدد املشروعات والبرامج<br />
القطاع<br />
112<br />
91<br />
26<br />
67<br />
12<br />
22<br />
494<br />
النقل واالتصاالت<br />
البنية االجتماعية<br />
الطاقة<br />
الزراعة<br />
الصناعة والتعدين<br />
القطاعات األخرى<br />
اإلجمالي<br />
املصدر: الصندوق السعودي للتنمية، التقرير السنوي لعام 2014، الرياض 2015، ص 43.<br />
شكل )1( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية خالل الفترة -٢٠1٤ 1٩٧٥<br />
6588.68<br />
5955.59<br />
3362.23<br />
5087.18<br />
1277.21<br />
627.84<br />
22868.73<br />
املصدر: الصندوق السعودي للتنمية، التقرير السنوي للصندوق لعام 2011، الرياض، 2012، ص42<br />
ويف العقد األول من القرن احلادي والعشرين بقي قطاع البنية<br />
االجتماعية وخصوصً ا التعليم والصحة يستحوذ على نصيب<br />
وافر من القروض إلى جانب قطاع النقل واالتصاالت الذي<br />
يحتل املرتبة األولى طيلة الفترة )2014-1975م( واجلدول)1(<br />
يوضح التوزيع القطاعي لقروض الصندوق على القطاعات<br />
التنموية التالية: النقل واالتصاالت، الزراعة، الطاقة، البنية<br />
االجتماعية، الصناعة والتعدين، والقطاعات األخرى.<br />
يتبني من اجلدول أعاه بأن قطاع النقل واالتصاالت<br />
قد حظي باحلصة األكبر من املشاريع التي مولها الصندوق<br />
السعودي سواء من حيث العدد أو املبلغ اإلجمالي، فقد مول<br />
الصندوق)112( مشروعًا من مشاريع النقل واالتصاالت مببلغ<br />
إجمالي قدره )6558.68( مليون ريال أي بنسبة )%28.67( من<br />
إجمالي متويل الصندوق خال الفترة)2014-1975م(.<br />
وكان لقطاع النقل)108( مشروعات موزعة بواقع )78(<br />
مشروعًا للطرق، و)8( مشروعات للسكك احلديدية، و)11(<br />
مشروعًا للموانئ البحرية، و)11( مشروعًا للمطارات. أما قطاع<br />
االتصاالت فحظي بأربعة مشروعات فقط نفذت يف كل من<br />
زميبابوي والسودان ومصر. إن ارتفاع عدد القروض املقدمة<br />
لقطاع النقل واالتصاالت يبني مدى حاجة الدول النامية يف<br />
إفريقيا التي ليست لها منافذ بحرية لتطوير هذا القطاع املهم،<br />
إذ أن مراكز إنتاج املواد األولية يف بعض هذه الدول باتت بعيدة<br />
عن املوانئ، ولهذه األسباب قدم الصندوق مساعدته بهدف<br />
استحوذت البلدان العربية اإلفريقية عى )129( مشروعاً<br />
ب )14082.74( مليون ريال بنسبة )%61.58( من القروض األفريقية
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
خليجية متابعات<br />
109<br />
2016<br />
8<br />
صيانة الطرق واملوانئ واملطارات وسكك احلديد وشراء املعدات<br />
وتدريب العاملني يف قطاع النقل واالتصاالت.<br />
وجاء باملرتبة الثانية قطاع البنية االجتماعية، حيث مول الصندوق<br />
)91( مشروعًا من مشاريع البنية االجتماعية مببلغ<br />
إجمالي قدره )5955.59( مليون ريال أي ما يساوي )%26(<br />
من إجمالي متويل الصندوق خال الفترة )2014-1975(، وكان<br />
لقطاع الصحة والتعليم منها)55( مشروعًا، و)24( مشروعًا للمياه<br />
والصرف الصحي و )12( مشروعًا لإلسكان والتنمية احلضرية.<br />
وتعكس النسبة العالية ملشروعات البنية االجتماعية مدى<br />
اهتمام الصندوق السعودي للتنمية بالقطاعات ذات الصلة<br />
املباشرة بالتنمية البشرية، ومساعدة الدول اإلفريقية خصوصً ا<br />
الفقيرة منها يف حتقيق أجندة التنمية الدولية.<br />
وجاء قطاع الزراعة والتنمية الريفية باملرتبة الثالثة، حيث بلغ<br />
عدد املشروعات املرتبطة بالزراعة )67( مشروعًا بلغت مساهمة<br />
الصندوق فيها )5675.79( مليون ريال شكلت نسبة )%24.81(<br />
من إجمالي ما قدمه الصندوق. وتركزت هذه املشروعات يف<br />
مجال تطوير أساليب الري واستصاح األراضي وشراء األسمدة<br />
شكل )٢( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية خالل الفترة -٢٠1٤ 1٩٧٥<br />
واملعدات لتطوير وميكنة القطاع الزراعي ومتويل برامج التنمية<br />
الريفية املتكاملة، وتطوير السدود.<br />
واحتل قطاع الطاقة املرتبة الرابعة، حيث مول الصندوق<br />
)26( مشروعًا لنقل الطاقة وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية<br />
مببلغ قدره )3362.23( مليون ريال وهو ما يشكل )%14.7( من<br />
إجمالي التمويل املقدم من الصندوق خال الفترة )2014-1975(.<br />
ويلي قطاع الطاقة قطاع الصناعة والتعدين، حيث<br />
بلغت مساهمات الصندوق السعودي للتنمية يف هذا القطاع<br />
)1277.21( مليون ريال لتمويل )12( مشروعًا صناعيًا وقد<br />
شكل متويل قطاع الصناعة والتعدين ما نسبته )%5.58( من<br />
إجمالي متويل كافة القطاعات. وتركزت املشروعات املمولة يف<br />
دعم الصناعات األساسية يف بعض الدول مثل إنتاج السكر<br />
وإقامة مجمعات صناعية، وتطوير محالج األقطان، واستكشاف<br />
وإنتاج بعض اخلامات، ودعم القطاع الصناعي. أما القطاعات<br />
األخرى، فقد مول الصندوق )22( مشروعًا بقيمة )627.84(<br />
مليون ريال، وهو ما يشكل )%2.74( من مجمل متويل الصندوق<br />
خال الفترة )2014-1975( والشكل البياني التالي يوضح ذلك.<br />
املصدر: الصندوق السعودي للتنمية، التقرير السنوي للصندوق لعام 2011، الرياض، 2012، ص42<br />
ثالثاً-المساعدات السعودية ودعم تحقيق األهداف اإلنمائية<br />
يف الدول اإلفريقية:<br />
حرصت اململكة العربية السعودية على تبني سياسة يف مجال<br />
املساعدات اإلمنائية تقوم على توجيه املنح واملعونات والقروض<br />
نحو القطاعات ذات الصلة بتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية<br />
يف الدول النامية، وللتعرف على جهود اململكة يف هذا املجال<br />
سوف نستعرض املشروعات التي قام الصندوق السعودي للتنمية<br />
بتنفيذها لتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية يف الدول النامية، يف<br />
مجاالت التعليم والصحة واملياه.<br />
1- المساعدات المخصصة يف مجايل التعليم والصحة:<br />
ساهم الصندوق السعودي للتنمية يف تعزيز سياسة اململكة<br />
العربية السعودية يف دعم جهود الدول النامية الشقيقة<br />
والصديقة للمساعدة يف رفع مستوى تلك الشعوب يف مجالي<br />
الصحة والتعليم ومبا يساعدها يف بلوغ األهداف اإلمنائية<br />
لأللفية املرتبطة بنشر التعليم، وخفض معدالت وفيات<br />
األطفال، وحتسني صحة األمهات، ومكافحة فيروس نقص<br />
املناعة البشرية/ اإليدز، واملاريا، حيث أسهم الصندوق منذ<br />
مباشرة نشاطه عام 1975م، حتى نهاية 2010م، يف متويل )53(
خليجية متابعات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 9<br />
مشروعًا يف قطاع التعليم و)32( مشروعًا يف قطاع الصحة، وبلغ<br />
مجموع مساهماته يف القطاعني )4885.98( مليون ريال سعودي<br />
أي ما يعادل )1302.93( مليون دوالر أمريكي، منها )2871.42(<br />
مليون ريال سعودي يف قطاع التعليم و)2014.56( مليون ريال<br />
يف قطاع الصحة.<br />
إن الدور الذي يقوم به الصندوق يف دعم القطاعني ال<br />
يقتصر على التدخل املباشر يف متويل املشاريع اخلاصة بهما،<br />
بل يتخطاه إلى املساهمة يف متويل مشاريع يف قطاعات أخرى<br />
لها تأثيرات إيجابية على األوضاع التعليمية والصحية للسكان<br />
من خال ما ينجم عنها من آثار يف القضاء على الفقر. ومن<br />
أهم النشاطات التي يقوم بها الصندوق لدعم القطاع الصحي<br />
مساهمته يف برامج مكافحة األمراض املستوطنة يف إفريقيا<br />
بوجه خاص كبرنامج مكافحة العمى النهري ومرض نقص املناعة<br />
املكتسبة)اإليدز( وأمراض السل والكوليرا.<br />
ويسعى الصندوق من خال متويله ملشاريع هذين القطاعني<br />
إلى حتقيق أولويات احلكومات املستفيدة وذلك مبا يتوافق<br />
مع خططها وبرامجها التنموية ومبا يضمن للدول املستفيدة<br />
منوًا متوازنًا وتنمية مستدامة. أن التمعن يف مشهد مساهمات<br />
الصندوق يف قطاعي التعليم والصحة منذ بواكير إنشائه وحلد<br />
اآلن ترينا املسائل اآلتية:<br />
- تزايد اهتمام الصندوق بالقطاعني خال األعوام القليلة<br />
املنصرمة، فنجد أن حصة القطاعني من مجمل املبالغ التي<br />
قدمت خال الفترة )2010-1975م( بلغت )4885.98( مليون<br />
ريال مت تخصيصها إلى )85( مشروعًا يف أكثر من )25( بلدًا.<br />
- يوجه الصندوق جزءًا هامًا من مساهماته يف القطاعني للدول<br />
ذات الدخل املنخفض التي ال يتخطى نصيب الفرد فيها من الناجت<br />
احمللي اإلجمالي السنوي )745( دوالراً وفق معايير املؤسسات<br />
الدولية، وقد خصص الصندوق لهذه الدول ما مجموعه)717.93(<br />
مليون ريال سعودي، أي ما نسبته )%26.6( من إجمالي املساعدات<br />
املخصصة للقطاعني، وذلك بقصد متويل )19( مشروعً ا يف )13(<br />
جدول )٢( مساهمة الصندوق يف دعم قطاعي التعليم والصحة يف إفريقيا خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٠( مليون ريال<br />
مشروعات قطاع الصحة<br />
مشروعات قطاع التعليم<br />
الدولة<br />
أوغندا<br />
بنني<br />
تونس<br />
اجلابون<br />
اجلزائر<br />
جزر الراس األخضر<br />
جيبوتي<br />
رواندا<br />
كوت دي فوار<br />
السنغال<br />
السودان<br />
سيراليون<br />
الصومال<br />
غانا<br />
غينيا<br />
كينيا<br />
مصر<br />
املغرب<br />
النيجر<br />
اإلجمالي<br />
...<br />
40.00<br />
40.00<br />
....<br />
60.00<br />
...<br />
...<br />
109.27<br />
....<br />
82.99<br />
....<br />
4.33<br />
....<br />
83.67<br />
49.00<br />
24.00<br />
85.00<br />
....<br />
....<br />
578.26<br />
45.00<br />
43.00<br />
51.15<br />
99.76<br />
241.00<br />
37.50<br />
26.25<br />
....<br />
37.50<br />
26.89<br />
4.23<br />
....<br />
35.30<br />
11.39<br />
69.00<br />
....<br />
100.00<br />
440.00<br />
81.16<br />
1349.13<br />
املصدر: الصندوق السعودي للتنمية، نشاط الصندوق السعودي للتنمية يف دعم قطاعي التعليم والصحة، الرياض،2012 ص 9-8.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
خليجية متابعات<br />
109<br />
2016<br />
10<br />
دولة ذات دخل منخفض منها )14( مشروعً ا يف )7( دول إفريقية.<br />
- أولى الصندوق اهتمامًا خاصً ا لتوفير اخلدمات الطبية لسكان<br />
الدول النامية املقيمني خارج املدن الكبرى، حيث أن )9( مشاريع من<br />
أصل )15( مشروعًا، خصصت لها قروض بلغ إجمالها )216.9( مليون<br />
ريال سعودي وذلك إلنشاء مراكز طبية إقليمية وريفية تقوم بالدرجة<br />
األساسية توفير الرعاية الصحية األولية ألكبر عدد من املواطنني<br />
من ذوي الدخل املنخفض خاصة املقيمني منهم يف املناطق النائية.<br />
- ركز الصندوق نشاطه يف قطاع التعليم على نوعية التعليم الفني<br />
والتقني بكافة مراحله، نظراً للدور الهام الذي متارسه يف تكوين<br />
املهارات املهنية، حيث عانى هذا القطاع يف الدول النامية من<br />
عوامل عدة تتمثل يف عدم كفاية التمويل ورداءة التصميم وضعف<br />
الصلة بأسواق العمل. كما أن الصندوق استجاب لاهتمام املتزايد<br />
جدول )٣( مشاريع قطاع املياه يف الدول اإلفريقية خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٠( مليون ريال<br />
بوركينافاسو<br />
بوروندي<br />
توجو<br />
تونس<br />
اجلزائر<br />
جيبوتي<br />
السنغال<br />
السودان<br />
غانا<br />
غينيا<br />
الكاميرون<br />
كينيا<br />
ليسوتو<br />
مالي<br />
مدغشقر<br />
مصر<br />
املغرب<br />
موريتانيا<br />
النيجر<br />
اإلجمالي<br />
الدولة<br />
عدد املشاريع<br />
5<br />
1<br />
1<br />
10<br />
5<br />
1<br />
8<br />
6<br />
1<br />
4<br />
1<br />
3<br />
1<br />
6<br />
1<br />
1<br />
10<br />
4<br />
1<br />
املبلغ<br />
184.87<br />
8.70<br />
17.00<br />
828.27<br />
437.00<br />
15.00<br />
480.04<br />
1182.80<br />
114.70<br />
181.00<br />
109.90<br />
126.94<br />
37.50<br />
367.43<br />
42.40<br />
81.66<br />
848.00<br />
428.10<br />
75.00<br />
٥٥٦٢٫٣1<br />
٧٠<br />
67 مشروعًا يف قطاع الزراعة والتنمية الريفية بمساهمة<br />
)5675.79( مليون ريال نسبة )%24.81( من إجمايل ما قدمه الصندوق<br />
الذي يوليه النشاط التنموي املبذول على الصعيد العاملي للتعليم<br />
األساسي والثانوي بوصفهما عنصرين بالغي األهمية يف تنمية<br />
املوارد البشرية وحتقيق التنمية املستدامة من خال االهتمام<br />
بتمويل منشآت التعليم العام يف املراحل ما قبل اجلامعة.<br />
- جاءت األهداف اإلمنائية لأللفية التي وضعتها األمم املتحدة<br />
املتوافقة مع مسار الصندوق يف دعم هذين القطاعني بصورة<br />
أساسية، فالتعليم والصحة يُعدان من الوسائل القوية للحد من<br />
الفقر وانعدام املساواة وزيادة الرفاهية االجتماعية.<br />
وقد بلغت قيمة مساهمة الصندوق السعودي للتنمية يف متويل<br />
)41( مشروعًا يف قطاعي التعليم والصحة يف القارة اإلفريقية<br />
حوالي )1.9( مليار ريال سعودي خال الفترة )2010-1975(<br />
واجلدول )٢) يوضح ذلك.<br />
املصدر: الصندوق السعودي للتنمية، دور الصندوق السعودي للتنمية يف دعم مشاريع املياه يف الدول النامية، الرياض،2012 ص3
خليجية متابعات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 11<br />
بلغت قيمة مساهمة الصندوق السعودي للتنمية يف تمويل<br />
)41( مشروعا يف قطاعي التعليم والصحة ب )1.9( مليار ريال سعودي<br />
2- المساعدات المخصصة يف مجال المياه:<br />
انطاقًا من الرؤية احلكيمة للقيادة الرشيدة خلادم احلرمني»<br />
حفظه اهلل « يف دعم اجلهود الهادفة إلى توفير املياه الصاحلة<br />
للشرب وتأمني صرف مناسب للسكان الفقراء يف الدول النامية،<br />
عاوة على توفير املياه لتحقيق التنمية الريفية، وهو ما أشار<br />
إليه الهدف السابع من أهداف األلفية « ضمان االستدامة<br />
البيئية«، فقد قام الصندوق السعودي للتنمية يف متويل )102(<br />
مشروعًا يف قطاع املياه، متثلت يف إنشاء سدود ومشاريع ري<br />
وجلب مياه للشرب وإنشاء محطات لتحلية املياه مببلغ إجمالي<br />
قدره )8052.21( مليون ريال سعودي، أي ما يعادل حوالي<br />
)2147.30( مليون دوالر أمريكي وهذا يشكل نسبة )%25( من<br />
إجمالي املبالغ املقدمة. كما تولى الصندوق إدارة منح مقدمة من<br />
حكومة اململكة العربية السعودية مببلغ)230( مليون دوالر أمريكي<br />
حلفر اآلبار والتنمية الريفية يف العديد من الدول اإلفريقية.<br />
وبلغ عدد املشاريع التي قامت اململكة العربية السعودية<br />
يف متويلها يف قطاع املياه يف الدول اإلفريقية )70( مشروعًا يف<br />
)19( دولة مببلغ قدره )5562.31( مليون ريال، وكانت تونس<br />
واملغرب يف مقدمة الدول اإلفريقية استفادة، حيث مت تنفيذ )10(<br />
مشروعات يف كل منها، تليها السنغال ب)8( مشروعات، فالسودان<br />
ومالي)6( مشروعات لكل بلد، واجلزائر وبوركينا فاسو )5(<br />
مشروعات لكل بلد، و)4( مشروعات يف كل من موريتانيا وغينيا<br />
لكل بلد. واجلدول )3( وضح ذلك.<br />
واستجابة لنداء الدول اإلفريقية التي عانت من اجلفاف املزمن يف<br />
نهاية سبعينات ومطلع ثمانينات القرن املاضي، أعلنت اململكة العربية<br />
السعودية عن برنامجها اخلاص مبساعدة دول الساحل اإلفريقي خال<br />
مؤمتر القمة اإلسامي الذي أنعقد مبكة املكرمة يف يناير 1981م،<br />
بأن خصصت منحة قدرها )100( مليون دوالر أمريكي بدأ تنفيذها<br />
يف عام 1982، ومت استام أول بئر من تلك املرحلة يف عام 1988م.<br />
ونظرًا لتعاقب سنوات اجلفاف يف معظم الدول اإلفريقية<br />
واستجابة لنداء مماثل خال مؤمتر القمة اإلسامي الرابع<br />
الذي انعقد بالدار البيضاء يف يناير 1984، خصصت اململكة<br />
العربية السعودية مبلغ )30( مليون دوالر أمريكي لتنفيذ<br />
مرحلة ثانية من البرنامج اكتمل تنفيذها عام 1991م.<br />
وبالرغم من جناح البرنامج يف املرحلتني األولى والثانية، والذي مت<br />
خالهما توفير املياه الصاحلة للشرب ملئات اآلالف من سكان األرياف،<br />
غير أن احلاجة مازالت لبذل املزيد من الدعم يف هذا املجال، خاصة<br />
مع استمرار اجلفاف يف املنطقة بصورة لم تشهدها يف أي فترة سابقة<br />
من تاريخها. لذا فقد أعلنت اململكة العربية السعودية استمرار العمل<br />
ببرنامجها اخلاص بتزويد دول الساحل اإلفريقي باملياه بأن خصصت<br />
مبلغ )50( مليون دوالر أمريكي وذلك لتنفيذ املرحلة الثالثة منه.<br />
واستمراراً ملواصلة العمل بهذا البرنامج اخلاص، فقد خصصت<br />
اململكة مبلغ )50( مليون دوالر أمريكي لتمويل مرحلة رابعة منه. ويأتي<br />
هذا امتدادًا ملا توليه حكومة اململكة من أهمية لهذا البرنامج الذي أثبت<br />
جناحه وساهم بصورة كبيرة يف حتسني إمدادات املياه يف املناطق التي<br />
وصل إليها، عاوة على حتسني املستوى الصحي لسكان تلك املناطق.<br />
واستمرارًا إلشراف الصندوق السعودي للتنمية على تنفيذ أعمال<br />
املراحل الثاث األولى، فقد أشرف على تنفيذ املرحلة الرابعة التي<br />
انطلقت أعمالها يف عام 2006م وانتهت مع نهاية العام 2011م،<br />
وشملت هذه املرحلة اثنتا عشر دولة إفريقية ذات الدخل الفردي<br />
المنخفض وهي: بنني، بوركينافاسو، تشاد، توجو، غامبيا، جيبوتي،<br />
غينيا، غينيا بيساو، مالي، موريتانيا والنيجر.<br />
وغني عن البيان فقد جرى اختيار املشاريع يف املراحل<br />
األربعة كافة طبقًا ملعايير محددة ساهمت بصورة كبيرة يف إجناح<br />
هذا البرنامج، ومتثلت هذه املعايير بالتالي:<br />
1- ضمان استفادة أكبر عدد ممكن من السكان من املشاريع املعتمدة.<br />
٢- توفير مياه نظيفة وصاحلة لاستخدام البشري.<br />
٣- اعتماد أساليب فنية حديثة للتنفيذ مع توخي االقتصاد يف التكاليف.<br />
٤-إنشاء جتهيزات سهلة التشغيل والصيانة.<br />
٥-العمل على استغال املوارد احمللية البشرية واملادية.<br />
وجدير بالذكر فقد اهتم البرنامج منذ املرحلة األولى مبشاركة<br />
املستفيدين من مشاريعه يف األنشطة املختلفة وعلى وجه اخلصوص<br />
يف مجاالت التشغيل والصيانة واحملافظة على البيئة، عن طريق توعية<br />
السكان وحتملهم ملسؤولياتهم املستقبلية يف اإلشراف واحملافظة على<br />
نقاط املياه وتشكيل جلان من األهالي يناط بها بعد امتام املشروع<br />
القيام مبهام التسيير اإلداري واملالي والبيئي لإلنشاءات التي تسلمتها<br />
الدوائر احلكومية املختصة والتي تعيد تسليمها للسكان املستفيدين.<br />
ويف الواقع، فقد ساهمت هذه املشاريع يف مساعدة بعض الدول<br />
اإلفريقية على حتقيق اجنازات فيما يتعلق بهدف االستدامة<br />
البيئية وحتديداً يف حتقيق الغاية الثانية واملتمثلة بخفض نسبة<br />
السكان العاجزين عن التأمني املستدام ملياه الشرب اآلمنة<br />
االستعمال والسكان غير املتمتعني بخدمات الصرف الصحي<br />
املستدام إلى النصف بحلول عام 2015م.<br />
*أكادميي متخصص بالشؤون الاقتصادية
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
12<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
اإلنتاج الغذائي الخليجي في الخارج أفضل من االستيراد املباشر<br />
مشكلة المياه في إفريقيا:<br />
أزمة إدارة ال ندرة<br />
»الناس شركاء يف ثاث: النار والكأل واملاء«. صدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.<br />
»احلصول على املياه املأمونة حاجة إنسانية ضرورية وحق إنساني أساسي«. كويف عنان، اليوم العاملي للمياه، 22<br />
مارس 2001م. »من ضمن العديد من األشياء التي تعلمتها من عملي رئيسً ا هو كون املياه يف محور األمور االجتماعية<br />
والسياسية واالقتصادية للبلد والقارة والعالم”. نيلسون مانديا، مؤمتر القمة العاملي للتنمية املستدامة 2002م.<br />
د. محمد ساملان طايع<br />
إن احلصول على املياه العذبة هو موضع اهتمام عاملي،<br />
فاملياه العذبة هي التي تدمي الصحة واإلنتاج الغذائي والتنمية<br />
االقتصادية. ولذلك، فإن احلديثَ عن أهمية »املياه« أمرٌ ال يحتاج<br />
إلى تدليل. فقد أخذ متغير«املياه« يكتسب أهمية استثنائية خال<br />
العقود األربعة األخيرة، حينما لفت مؤمتر األمم املتحدة للمياه -<br />
الذي عقد يف »ماردل باتا« باألرجنتني، مارس 1977م، األنظار<br />
إلى أهمية النظر إلى املياه بوصفها موردًا استراتيجيًا ال يقل<br />
أهمية عن النفط والغاز، بل رمبا يزيد.<br />
وباإلضافة إلى كونه عنصرًا أساسيًا الزمًا حلياة جميع<br />
الكائنات، فإنه أحد أهم املدخات الرئيسية للتنمية، وال ميكن<br />
احلديث عن تنمية دومنا توافر املياه؛ حيث تعد املياه النظيفة<br />
والصرف الصحي من بني أقوى العوامل احملركة للتنمية البشرية،<br />
فمع وجودهما تزيد فرص احلياة، ولذلك، أخذت أدبيات التنمية<br />
-خال العقود الثاثة األخيرة - تربط بني »املياه املتاحة« -كمًا<br />
وكيفًا- وبني التنمية املستدامة.<br />
أصبح املتغير املائي واحدًا من عناصر قوة الدولة وأمنها<br />
القومي، والسيما يف ضوء ارتباط »األمن الغذائي« »باألمن<br />
املائي«، انطاقًا من مقولة: »ال أمن عسكري ألمة من األمم خارج<br />
أمنها االقتصادي، وذروة األمن االقتصادي هو الغذاء، وجوهر<br />
األمن الغذائي ومنتجه هو املاء«.<br />
يف هذا السياق، تزايد دورُ املتغير املائي يف السياسة الدولية<br />
املعاصرة، حيث صار يُنظر إلى املياه العذبة باعتبارها إحدى<br />
املتغيرات املؤثرة يف التفاعات بني الدول، بوصفها إحدى<br />
العوامل التي ميكن أن تهدد عاقات حسن اجلوار والتعاون بني<br />
الدول املشاطئة ألحواض األنهار. كما أضحت »املياه« إحدى<br />
املتغيرات التي تهدد »األمن القومي« للدول، على الصعيدين:<br />
األمن الداخلي واألمن اخلارجي، استنادًا إلى الدور املتزايد<br />
ملتغير املياه يف منظومة األمن القومي ألية دولة.<br />
ولذلك، يسود االعتقاد عامليًا بأن »املورد املائي« يعتبر موردًا<br />
عامليًا)resources )global أو باألحرى »سلعة عاملية« global(<br />
)public good ومن ثم، فهو يقع ضمن اإلرث العاملي املشترك<br />
kind( common(الذي heritage of human يستلزم<br />
تضافرًا للجهود العاملية إلدارة هذا املورد إدارة علمية تقوم على<br />
املنهج التكاملي management( )comprehensive water<br />
لتعظيم االنتفاع املنصف مبياه األنهار الدولية.<br />
يف هذا السياق، يرى البعض أن أزمة املياه هي يف جوهرها<br />
أزمة إدارة، وتتعدد أسباب تلك األخيرة فتشمل: عدم كفاية<br />
املؤسسات املعنية باملياه، وتفكك الهياكل املؤسسية، وغياب<br />
التنسيق بني هياكل صنع القرار، والصراعات املائية الناجمة عن<br />
تعارض مصالح البلدان الواقعة عند أعالي األنهار وتلك الواقعة<br />
على مجرى األنهار فيما يتعلق بحقوقها ووصولها إلى املياه.<br />
ولقد تسببت مواطن الضعف يف نظم اإلدارة املائية يف<br />
كثير من الدول يف إعاقة حتقيق تنمية مستدامة، واملوازنة بني<br />
االحتياجات االقتصادية واالجتماعية واالستدامة األيكولوجية.
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 13<br />
العدد ملف<br />
أزمة المياه العذبة يف العالم:<br />
املاء أحد أهم املوارد الطبيعية املتجددة على كوكب األرض،<br />
وأهم ما مييزه كمركب كيميائي هو ثباته، فالكميات املوجودة منه<br />
على ظهر األرض هي نفسها منذ مئات السنني. ويقدر احلجم الكلى<br />
للمياه بحوالي 1360 مليون كم3 غير أن ٪97 من مياهه موجود يف<br />
البحار واحمليطات، وال تشكل املياه العذبة سوى ٪3 من مياه األرض.<br />
والتي تقدر بنحو 37 مليون كم3، واجلزء األكبر من النسبة املتبقية<br />
)%75 منها( محتجز يف األغطية اجلليدية بقارة أنتاركتيكا ويف<br />
األنهار اجلليدية وجبال اجلليد وليست متاحة لاستعمال البشري.<br />
كما أن هناك 8 مايني كم3 من املياه العذبة مخزنة يف جوف األرض،<br />
وتبقى نسبة تقل عن٪1 من املياه العذبة )200 ألف كم3( يف شكل<br />
بحيرات وأنهار ميكن الوصول إليها بسهولة لاستخدام البشري.<br />
ومتتاز هذه الكمية من املياه العذبة بالثبات، بفعل دورة املياه<br />
العذبة يف الطبيعة. وتعتبر الكمية املتبقية من املياه العذبة كافية<br />
لسكان العالم احلاليني فيما لو وزعت بعدالة على مختلف األقاليم<br />
، بل ميكنها مقابلة الطلب العاملي املتزايد على املياه مستقباً. بيد<br />
أن توزيع املياه العذبة غير متوازن بني هذه األقاليم من جهة، وبني<br />
دول اإلقليم الواحد من جهة ثانية.<br />
قرابة ربع املعروض عاملياً من إمدادات املياه العذبة يقع يف<br />
بحيرة بيكال يف سيبيريا التي تتسم بندرة السكان، وحتظى أمريكا<br />
الاتينية ب ٪31 من موارد املياه العذبة يف العالم، ونسبة سكانها<br />
إلجمالي سكان العالم عن ٪6 ويقدر نصيب الفرد فيها مبقدار<br />
12 ضعفاً مقارنةً بنصيب الفرد يف جنوب آسيا، وتستحوذ قارة<br />
إفريقيا على ٪11 من املياه العذبة العاملية وميثل األفارقة ٪13<br />
من سكان العالم. كما يوجد داخل األقاليم ذاتها خلل بني املوارد<br />
املائية والسكان، فإقليم إفريقيا جنوب الصحراء، يحظى بقدر<br />
مناسب من املياه، فإذ قمنا بالتوزيع على أساس مجموعة من<br />
العوامل، تغيرت الصورة، فجمهورية الكونغو الدميقراطية حتظى<br />
بأكثر من ربع املوارد املائية يف اإلقليم ويبلغ نصيب املواطن فيها<br />
أكثر من 20.000م3، بينما بلداناً مثل كينيا وماالوي وجنوب<br />
إفريقيا يقعون بالفعل حتت حد اإلجهاد املائي.<br />
يتضح من اخلريطة عدم التوازن والتوزيع غير العادل<br />
للموارد املائية العذبة يف قارة إفريقيا، حيث تنعم بعض الدول<br />
-وخصوصاً الكونغو الدميقراطية-بوفرة مائية كبيرة، وهناك<br />
دول بها وفرة متوسطة، وأخرى تعاني من الندرة؛ والسيما كينيا<br />
والصومال ودول شمال إفريقيا وبعض دول غرب القارة.<br />
وقد يؤدي التوزيع اإلقليمي غير العادل للمياه العذبة إلى<br />
تزايد احتماالت الصراع املائي. فلقد كانت املياه -تاريخياً، ومنذ<br />
عهود ما قبل املياد-سببًا رئيسيًا لنشوب العديد من الصراعات<br />
يف العالم.<br />
خريطة )1(: توزيع املوارد املائية يف أفريقيا<br />
املصدر: http://iprogroup.weebly.com/africa-water-crisis.html<br />
ويبدو التناقض بني البلدان الغنية والفقيرة صارخاً، فمع<br />
وجود احلرمان بنسب متفاوتة، إال أن حقائق أزمة املياه العاملية<br />
تتحدث عن نفسها. فهناك ما يقرب من 1.1 مليار شخص يف<br />
البلدان النامية ال يستطيعون احلصول على احلد األدنى من<br />
املياه النظيفة، وتبلغ التغطية أدنى معدالتها يف إفريقيا جنوب<br />
الصحراء، حيث يأتي ثُلثُ هذا الرقم، إذ يعيش ما يقرب من<br />
315 مليون بجنوب الصحراء محرومًا من املياه احملسنة.<br />
أما احلرمان من الصرف الصحي فهو أكثر انتشارًا، فنحو 2.6<br />
مليار شخص -نصف سكان بلدان العالم النامي تقريبًا-ال تتوفر<br />
لديهم مرافق الصرف الصحي األساسية، و يعاني قرابة 440<br />
مليون إفريقي جنوب الصحراء من عوز إمدادات الصرف الصحي.<br />
إن تعبير »عدم احلصول« على املياه والصرف الصحي هو<br />
نوع من اللباقة لإلشارة إلى شكل من أشكال احلرمان يهدد<br />
احلياة وميتهن الكرامة اإلنسانية. فعندما ال يستطيع اإلنسان<br />
احلصول على املياه فإن ذلك يعني جلوءه إلى املصارف واألنهار<br />
والبحيرات امللوثة، وال يقتصر األمر على ذلك، بل يصل إلى<br />
عدم توفر املياه الازمة للوفاء بأكثر احتياجات اإلنسان ضرورةً.<br />
وبإمعان النظر يف أزمة املياه العاملية حاليًا، جند أن التاريخ<br />
االفتراضي لتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية )MDGs(<br />
هو عام 2015م، وهي األهداف التي حددها املجتمع الدولي،<br />
ووضع لها إطارًا زمنيًا للحد من الفقر واجلوع، وخفض معدل<br />
وفيات األطفال، وتوفير فرص التعليم، والتغلب على التفاوتات<br />
بني اجلنسني. وسيكون التقدم يف أيٍ من هذه اجلوانب مرهونًا<br />
بكيفية استجابة احلكومات ألزمة املياه.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
14<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
متثل األهداف اإلمنائية لأللفية نقطة مرجعية لقياس<br />
مدى ما حتقق من تقدم للحصول على املياه املأمونة، لذا، فإن<br />
»خفض عدد سكان العالم الذين ليس لديهم مصدر مستدام<br />
للحصول على مياه الشرب املأمونة والصرف الصحي األساسي<br />
إلى النصف يف عام 2015« )الهدف السابع الغاية العاشرة(، يعد<br />
هدفًا رئيسً ا. على أن حتقيق هذا الهدف يعد أمرًا ضروريً<br />
البلوغ أهداف أخرى، فتوفر املياه النظيفة والصرف الصحي<br />
سوف ينقذ حياة أعداد ال حتُ صى من األطفال، وسوف يدعم<br />
التقدم يف عملية التعليم، كما أنه سوف يحرر الكثير من البشر<br />
من حالة املرض الفقر الذي يعيشون فيه.<br />
ويشير »بيتر جليك« Gleick( .P(، إلى أن أحد القضايا<br />
الرئيسية يف القرن الواحد والعشرين هي: »كيف سنوفى<br />
احتياجات عشرة أو اثني عشر أو خمسة عشر بليوناً من<br />
األشخاص فيما يحتاجونه من مياه للشرب وللزراعة يف الوقت<br />
الذي فشلنا فيه يف تلبية تلك االحتياجات لعالم يتألف من<br />
خمسة بايني من األشخاص؟«.<br />
ويف الوقت الراهن، يعيش حوالي 700 مليون شخص<br />
يف 43 بلدًا على مستوى العالم حتت حد اإلجهاد املائي.<br />
وبقياس األوضاع يف كل بلد، لن يتمكن 234 مليون شخص من<br />
الوصول إلى الهدف املتعلق باملياه بحلول عام 2015، وذلك يف<br />
ضوء تأخر 55 بلدًا عن اخلطة املوضوعة، ولن يتمكن 430 مليون<br />
شخص من حتقيق هدف الصرف الصحي، حيث إن هناك 74<br />
بلدًا متأخرًا. ولكي تتمكن إفريقيا جنوب الصحراء من العودة<br />
إلى الطريق املرسوم لتحقيق الهدف املتعلق باملياه، يتعني عليها<br />
أن تزيد من معدالت توصيل املياه إلى االستخدام من عشرة<br />
مايني توصيلة يف العام يف العقد املاضي إلى 23 مليون توصيلة<br />
خال العقد القادم، كما يجب أن يزيد معدل توفير الصرف<br />
الصحي يف جنوب آسيا ليزيد من تتوفر لهم هذه اخلدمة من<br />
25 مليون فرد يف العام إلى 43 مليون فرد.<br />
الوضع المائي يف إفريقيا:<br />
أجزاء كبيرة من القارة اإلفريقية تقع ضمن اإلقليم االستوائي<br />
وارتفاع معدالت الهطول املطري عليها معظم أوقات السنة.<br />
وتضم إفريقيا عددًا كبيرًا من األحواض املائية الدولية ألنهار<br />
وبحيرات كبرى، وتتشارك دولٌ كثيرة يف القارة يف تلك األنهار<br />
الدولية. وحسبما يتضح من اخلريطة واجلدول التالي.<br />
أحواض إفريقيا الجنوبية<br />
تشمل أنهار: أوراجن-ليمبوبو-زامبيزي-أوكافانغو. ومن املرجح<br />
حدوث منازعات بني دول هذه األحواض مع ازدياد الطلب على<br />
املياه. ينظم العاقة بني هذه الدول بروتوكول أنظمة املجاري املائية<br />
املشتركة، والذي أبرمته دول مجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية عام<br />
1995م. ويؤكد احترام مبدأ القانون الدولي اخلاص باالنتفاع املنصف،<br />
كما يؤكد على أن تسوية املنازعات بني الدول املتشاطئة يف احلوض<br />
يتم من قبل هيأة حتكيم تابعة ملجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية.<br />
احلوض<br />
عدد<br />
الدول<br />
مساحة احلوض<br />
بآالف كم٢<br />
دول احلوض<br />
2960<br />
النيل 11<br />
مصر، السودان، جنوب السودان إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، رواندا،<br />
بوروندي، جمهورية الكونغو الدميقراطية، اريتريا.<br />
3820<br />
الكونغو 9<br />
جمهورية الكونغو الدميقراطية، جمهورية إفريقيا الوسطى، أنغوال، جمهورية<br />
الكونغو، زامبيا، تنزانيا، الكاميرون، بوروندي، رواندا.<br />
180<br />
النيجر 9<br />
النيجر، نيجريا، مالي، غينيا، بوركينا فاسو، كوت ديفوار، بنن، الكاميرون،<br />
تشاد<br />
1420<br />
زامبيزي 8<br />
زامبيا، أنغوال، ماوي، زمبابوي، مززامبيق، بوتسوانا، تنزانيا، ناميبيا<br />
380<br />
الفولتا 6<br />
غانا، بوركينا فاسو، كوت ديفوار، توغو، بنن، مالي<br />
950<br />
أوراجن 4<br />
جنوب إفريقيا، ناميبيا، بوتسوانا، ليستو<br />
340<br />
السنغال 4<br />
السنغال، موريتانيا، مالى، غينيا<br />
385<br />
ليمبوبو 4<br />
جنوب إفريقيا، بوتسوانا، موزامبيق، زمبابوي
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 15<br />
العدد ملف<br />
خريطة )٢(: توزيع املوارد املائية يف أفريقيا<br />
ومنها تتجلى اإلمكانات الهائلة التي حتويها القارة من املوارد<br />
املائية اجلوفية أو ما يعرف باملياه السوداء.<br />
خريطة )٣(: حوض نهر السنغال يف أفريقيا<br />
Source: http://www.riverbasin.org/aeimages//Image/Senegal_basin<br />
_map.gif<br />
خريطة )٤(: خريطة املياه اجلوفية يف أفريقيا<br />
Source:http://www.whymap.org/whymap/EN/Downloads/<br />
Continental_maps/gwrm_africa_g.html<br />
Source: http://www.tothevictoriafalls.com/vfpages/zambezi.html<br />
حوض نهر الفولتا<br />
- يضم 6 دول هي: غانا، بوركينافاسو، كوت ديفوار، توجو،<br />
بنني، مالي، غانا وبوركينافاسو هما الدولتان الرئيستان صاحبتا<br />
املصلحة احلقيقية فيه، تسيطر على ٪4505 ٪42 من احلوض<br />
على التوالي.<br />
- عاشر أكبر حوض يف إفريقيا من حيث املساحة 380 ألف كم2.<br />
وثاني أكبر حوض يف إفريقيا من حيث التصريف 390 مليار كم2.<br />
- ليس هناك معاهدات وال منظمة حلوض نهر الفولتا.<br />
- هناك تعاون غير رسمي بني دول احلوض، ولكن عدم كفاية<br />
وكفاءة السياسات واملؤسسات والتشريعات يقيد كثيرًا فعالية<br />
إدارة حوض النهر.<br />
حوض نهر السنغال<br />
- يضم 4 دول وهي بالترتيب غينيا، مالي، السنغال، موريتانيا.<br />
- تعد موريتانيا والسنغال األكثر اعتمادًا على مياه النهر، وأتاح<br />
لهما إمكانية الزراعة، واملراعي التي منت على ضفاف النهر.<br />
- توجد درجة من التعاون بني دول النهر، وقد مت تشييد سدين<br />
كبيرين الستغال مياه النهر هما: سدا دياما وماننتالي.<br />
ويف الواقع، إفريقيا ليست فقيرة من حيث املوارد املائية، على<br />
الرغم من أن الصحراء الكبرى هي األكبر يف العالم إال أن تلك<br />
الصحراء حتوي يف أعماقها أكبر مستودع مياه وأكثرها صاحية<br />
لاستخدام يف العالم. ومع ذلك، توصف غالبية البلدان املوجودة<br />
جنوب الصحراء من بني أشد البلدان فقرًا يف العالم؛ والتي ال<br />
يسمح وضعها االقتصادي باستخراج املياه إلى السطح. وجدير<br />
بالذكر أن قارة إفريقيا تضم ثاثة عشر خزانًا جوفيًا كبيرًا من<br />
بني اخلزانات السبعة وثاثني األكبر يف العالم.<br />
وملا كانت إفريقيا جنوب الصحراء متتاز بوفرة الهطول<br />
املطري خال فترات ممتدة من العام، فإن كميات كبيرة من تلك<br />
األمطار تسهم يف تكوين كميات هائلة من املياه اجلوفية. وتوضح<br />
اخلريطة التالية توزيع خزانات املياه اجلوفية الكبرى يف إفريقيا.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
16<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
ربع إمدادات المياه العذبة في بحيرة بيكال في سيبيريا<br />
وتحظى أمريكا الالتينية ب %31 من مياه العالم<br />
مشكالت المياه يف إفريقيا:<br />
إذا نظرنا إلى إقليم إفريقيا جنوب الصحراء، سنجد أنه<br />
يضم أكبر عدد من البلدان املجهدة مائيًا، فنحو ربع سكان<br />
إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون يف بلدان مجهدة مائيًا والنسبة<br />
آخذة يف االرتفاع.<br />
وتبدو سرعة الهبوط واضحة إذا ما تخيلنا استمرار املعدالت<br />
احلالية يف املستقبل. فبحلول عام 2025م سيكون هناك ما يزيد<br />
عن 3 بليون فرد يعيشون يف بلدان مجهدة مائيًا، وستهبط 14<br />
بلدًا من وضع اإلجهاد املائي إلى الندرة املائية.<br />
ومن املتوقع زيادة حدة األزمة املائية عامليًا مع استمرار تزايد<br />
النمو السكاني. وإذا وضعنا يف االعتبار أن معظم الباد املجهدة<br />
مائيًا تشهد معدالت منو سكاني مرتفعة للغاية، عرفنا أن نصيب<br />
الفرد من املياه يتناقص مبعدل سريع، وإذا أخذنا عام 1950م،<br />
كنقطة مرجعية، وجدنا أن توزيع منو سكان العالم أعاد صياغة<br />
نصيب الفرد من املياه بشكل كبير. فمع استقرار معدالت توفر<br />
املياه يف البلدان الغنية يف عقد السبعينيات املاضي، استمر هبوط<br />
تلك النسب يف البلدان النامية، سيما يف البلدان النامية القاحلة.<br />
لقد أظهرت آخر سيناريوهات استخدام املياه والتي أعدها املعهد<br />
توقعات الندرة املائية لعام ٢٠٢٥ يف ظل الزيادة السكانية مقارنة بعام 1٩٩٥<br />
الدولي لبحوث سياسات األغذية واملعهد الدولي إلدارة املياه<br />
ومنظمة األغذية والزراعة وقائع مختلفة بعض الشيء، لكنها<br />
تدور حول موضوعات مشتركة، ومن بني السمات اجلوهرية<br />
للسيناريو املطروح للعقود األربعة القادمة استمرار النمو<br />
السكاني والتحضر السريع، فمن املتوقع أن يزداد تعداد السكان<br />
بنحو 80 مليون نسمة يف العام على مدار العقود الثاثة القادمة،<br />
ليصل إلى 9 بايني نسمة عام 2025م، وسوف تكون هذه الزيادة<br />
بأكملها تقريبًا يف البلدان النامية. كما سيتواكب النمو السكاني<br />
مع التحضر السريع. ففي عام 1960م، كان ثلثا سكان العالم<br />
يعيشون يف مناطق ريفية، وانخفضت هذه النسبة إلى النصف،<br />
وبحلول عام 2025م، سيعيش ثلثا سكان العالم يف املدن. وبذلك<br />
فإن توفير إمدادات الغذاء سوف يتطلب حتقيق مكاسب كبيرة<br />
يف اإلنتاجية لضمان متكني القلة القليلة من املنتجني الريفيني<br />
بالوفاء مبتطلبات التعداد السكاني املتزايد لسكان احلضر.<br />
وتوضح اخلريطة مقارنة بني معدالت السحب من املياه العذبة<br />
املتاحة يف عام 1995م، بتلك التي ستكون متاحة عام 2025م يف مختلف<br />
أرجاء العالم. ومنها يتضح أن معدالت السحب من املياه العذبة<br />
املتاحة يف إفريقيا جنوب الصحراء سوف تزداد بحلول عام 2025م.<br />
Source: http://www.unep.org/dewa/vitalwater/article141.html on: 7 June 2016.
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 17<br />
العدد ملف<br />
وتشير حتليات أزمة املياه العذبة يف العالم إلى أن االستهاك<br />
خال القرن العشرين زاد عشر مرات. حيث توضح اإلحصاءات<br />
الكمية انخفاض نصيب الفرد من املياه من حوالي 12900م3<br />
سنوياً عام 1970م، إلى 7600م3 سنوياً عام 1996م، أي أن نصيب<br />
الفرد تناقص مبعدالت وصلت إلى ٪40 خال ربع قرن. ومن<br />
ناحية أخرى، زادت االستخدامات املائية على مستوى العالم خال<br />
القرن العشرين مبقدار أربعة أمثال ما كانت عليه من قبل، ومن<br />
املتوقع أن تزيد معدالت تناقص نصيب الفرد من املياه العذبة يف<br />
القرن احلادي والعشرين لسببني: األول، الزيادة الكبيرة يف عدد<br />
السكان، والثاني، ارتفاع مستوى املعيشة.<br />
ومن الواضح أن الزيادة السكانية وزيادة معدالت التحضر<br />
ستنعكس بالسلب على املوارد املائية األفريقية، حيث ستزداد<br />
السحوبات لتلبية األغراض التنموية واالستخدامات املنزلية.<br />
ولقد أعد املعهد الدولي إلدارة املياه )IWMI( تقريرًا حول<br />
التوقع بسيناريو »ندرة املياه يف مختلف أقاليم العالم«، وانتهى<br />
إلى أن معظم األقاليم ستشهد أزمة مائية بدرجات متفاوتة من<br />
إقليم آلخر. بيد أن إقليم العالم العربي والشرق األوسط سيكون<br />
من بني أكثر األقاليم تعرضاً لهذه املشكلة. وأكد التقرير أنه<br />
بحلول عام 2025م، ستكون كل الدول العربية والشرق أوسطية<br />
أخذت تعاني من ندرة مائية حسب املعيار الكمي للفقر املائي<br />
Scarcity( .)Physical Water ولكن الدول اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء لن تعاني - فيما عدا دولة جنوب إفريقيا-من ندرة<br />
مائية وفق املؤشر الكمي للفقر املائي. وذلك على النحو املوضح<br />
باخلريطة التالية.<br />
يتضح من اخلريطة أن معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء لن تعاني<br />
من محدودية املوارد املائية حسب املعيار الكمي بحلول عام 2025م.<br />
بيد أن األمر الافت للنظر من تأمل اخلريطة الفائتة، أن كل الدول<br />
العربية -اإلفريقية وغير اإلفريقية-سوف تصنف بحلول عام 2025<br />
م، ضمن فئة البلدان املجهدة مائيًا، والتي يقل فيها نصيب الفرد<br />
املائي عن 500م3/السنة.<br />
ويف السياق ذاته، أصدرت مفوضية األمم املتحدة االقتصادية<br />
لشؤون إفريقيا )UNECA( دراسة عام 2000م، تناولت حتلياً<br />
للوضع املائي يف الشرق األوسط وإفريقيا. ووضعت سيناريو<br />
لألمن املائي يف تلك األقاليم وفق املعيار الكمي ملدى توفُّر<br />
املياه العذبة، وانتهى التقرير إلى تقسيم بلدان الشرق األوسط<br />
وإفريقيا إلى فئتني. فئة ستعاني من الضغط املائي بحلول عام<br />
2025م، وهي تلك الدول التي سيتراوح نصيب الفرد من املياه<br />
العذبة فيها سنويًا ما بني 1000 و1700م3 بحلول عام 2025م.<br />
ويقع يف هذه الفئة عددٌ من بلدان القارة اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء. كما يبني من اخلريطة.<br />
خريطة )٥(: الضغط املائي المتوقع مستقبالً في أفريقيا<br />
والشرق األوسط<br />
وتذهب تقديرات مفوضية األمم املتحدة االقتصادية<br />
)UNECA( إلى أنه بحلول عام 2025م، فإن جميع البلدان<br />
الواقعة يف شمال أفريقيا؛ فضاً عن دولة جنوب أفريقيا؛<br />
ستكون قابعة حتت خط الفقر املائي )1000م3/للفرد/السنة(.<br />
ويف دراسة عن مستقبل املياه وندرتها يف العالم؛<br />
وحتديدًا يف املنطقة العربية توقعت املنظمة العربية للتربية<br />
والثقافة والعلوم واملركز العربي لدراسات املناطق اجلافة<br />
واألراضي القاحلة، ظهور عجز مائي شديد يف دول شمال<br />
إفريقيا العربية بحلول عام 2030م، بينما لم تتوقع الدراسة<br />
املذكورة عجزًا مائيًا يف دول إفريقيا جنوب الصحراء.<br />
يتبني من اخلريطة السابقة أن ٪ 62 من سكان العالم<br />
)أي حوالي ثلثي البشر( سيعانون من مشكات ندرة املياه<br />
العذبة بحلول عام 2030م، على الرغم من كل اجلهود الدولية<br />
املبذولة لتحقيق الهدف السابع من أهداف األلفية التنموية<br />
،)MDGs( والذي يستهدف تخفيض نسبة الذين يعانون من<br />
عدم احلصول على إمدادات مياه شرب نقية وصرف صحي<br />
محسن إلى النصف بحلول عام 2015م. كما يتضح أن دول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء ستكون بعيدة عن حزام الندرة املائية،<br />
بل ستكون آمنة مائيًا وفق املؤشر الكمي لألمن املائي بحلول<br />
عام 2030م.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
18<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
خريطة )٦(: توقعات محدودية املياه العذبة يف أفريقيا والعالم<br />
عام ٢٠٣٠م<br />
بايني شخص.<br />
- يفتقد أكثر من 300 مليون شخص يف إفريقيا احلصول على<br />
املياه النقية ووسائل حفظ الصحة العامة.<br />
- تعد إفريقيا أقل القارات يف إمكانية وصول خدمة شبكاتها<br />
لتقدمي مياه نقية.<br />
- يعاني نصف سكان إفريقيا من األمراض املتصلة باملياه غير النقية.<br />
- 40 دولة يف العالم ضمن قائمة الدول التي تعاني من أزمة<br />
املياه نصفها إفريقية.<br />
- تضم القائمة اخلاصة ب 13 دولة األكثر معاناة بني أزمة<br />
املياه يف 9 دول إفريقية هي: جامبيا، جيبوتي، الصومال، مالي،<br />
موزمبيق، أوغندا، تنزانيا، أثيوبيا، وإريتريا.<br />
شكل )٢(: الوضع املائي يف بعض بلدان أفريقيا عامي 1٩٩٠ و٢٠٢٥م<br />
Source: http://www.cropscience.org.au/icsc2004/plenary/1/<br />
1994_rijsbermanf.htm<br />
وذهبت تقديرات صادرة عن »منظمة األغذية والزراعة« إلى<br />
أن عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء الذين يعانون من ندرة<br />
مائية؛ قد تضاعف مرتني خال الفترة )2005-1990م(، وأن هذه<br />
اإلحصائيات ليست يف سبيلها إلى التحسن يف املستقبل املنظور<br />
حتى عام 2050م، بل يُنتظر أن يبلغ عدد سكان البلدان املجهدة<br />
مائيًا يف إفريقيا جنوب الصحراء إلى ما يزيد عن 1.5 مليار<br />
نسمة بحلول عام 2050م. وذلك حسبما يتضح من الشكل التالي:<br />
شكل )1(: اإلجهاد املائي يف أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة<br />
ببعض املناطق )1٩٩٠-٢٠٥٠(<br />
Source:http://www.internationalwaterlaw.org/blog/wpcontent/uploads/2012/05/Africa_Water_Avaiability_Per_<br />
Capita1.jpg<br />
إفريقيا: بين وضع مائي حرج .. ومستقبل محفوف بالمخاطر:<br />
يف مارس 2007م، صدر تقريرٌ عن برنامج األمم املتحدة<br />
للمياه وحفظ الصحة العامة مبناسبة اليوم العاملي للمياه، حذر<br />
من كارثة إنسانية تنتظر القارة السمراء وتهدد باندالع املزيد من<br />
احلروب من أجل احلصول على قطرة املياه، حيث أشار التقرير<br />
إلى احلقائق التالية:<br />
- يعاني حوالي 700 مليون شخص يف 43 بلدًا من ندرة املياه،<br />
وبحلول عام 2025م، قد يصل هذا الرقم إلى ما يربو عن 3<br />
- تعاني 31 دولة، غالبيتها يف أفريقيا والشرق األوسط حاليًا من<br />
ضغط أو قلة املياه، وسيصل العدد -كما تشير التوقعات - إلى<br />
48 دولة مع حلول عام 2025م، أي أن 2 من 3 أشخاص سيواجهون<br />
مشكلة ندرة املياه عام 2025؛ حيث ستكفي املياه الستهاك ٪35<br />
فقط من سكان األرض.
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 19<br />
العدد ملف<br />
- يعيش الفرد من سكان الدول اإلفريقية على أقل من<br />
10 لترات ماء )أي 2.6 جالون( يوميًا، وهي ظروف يائسة<br />
جدًا، مقارنة بسكان بقية الدول املتضررة من األزمة التي<br />
كان متوسط نصيب الفرد اليومي قد بلغ 30 لترًا )أي 8<br />
جالونات(. ويف املقابل تقدر احتياجات الفرد العادي من املياه<br />
يوميًا ب 50 لترًا )أي 13.2 جالونا( تشمل 5 لترات للشرب،<br />
و20 لترًا لاستخدامات الصحية، و15 لترًا لاستحمام، و10<br />
لترات للطهي.<br />
المؤشر االقتصادي ألزمة المياه يف إفريقيا .. الحاضر<br />
وا لمستقبل :<br />
:)Economic Water Scarcity(<br />
ينصرف مفهوم »محدودية املوارد املائية« وفق املؤشر<br />
االقتصادي إلى احلالة التي يكون فيها وفرة يف كميات املياه<br />
املتاحة يف فترة زمنية معينة، وبنوعية جيدة، بيد أنه ال توجد<br />
اإلمكانات املادية التي تسمح بإنشاء البنية األساسية الازمة<br />
لتوصيل إمدادات مياه للشرب والري والصرف. ففي هذه<br />
احلالة، فإن عدم وجود املنشآت املائية الازمة إليصال املياه إلى<br />
املستخدمني، فضاً عن عدم توافر إمدادات الصرف الصحي<br />
نتيجة للفقر الشديد، يترتب عليه عدم قدرة املستخدمني على<br />
االنتفاع باملياه، وهي نفس النتيجة املترتبة عن عدم وجود املياه<br />
كلية أو وجوده بكميات قليلة.<br />
إن الغالبية العظمى من السكان احملرومني من إمدادات<br />
مياه الشرب النقية والصرف الصحي احملسن يعيشون يف<br />
قارتي آسيا وإفريقيا -وهما القارتان اللتان يوجد بهما كل<br />
الدول العربية-مقارنة بالقارات األخرى. كما يتضح من هذه<br />
اخلريطة أن معظم الدول اإلفريقية –وخصوصً ا دول إفريقيا<br />
جنوب الصحراء-تعاني من محدودية يف مواردها املائية.<br />
ووفقًا لدراسة نشرها برنامج األمم املتحدة للبيئة، فإن كميات<br />
املياه املتوفرة للفرد الواحد يف إفريقيا آخذة يف االنخفاض،<br />
وهناك فقط 26 بلدًا من أصل 53 يف القارة على مسار حتقيق<br />
هدف تخفيض عدد األشخاص الذين ال يستطيعون الوصول<br />
ملياه الشرب النظيفة بحلول عام 2015م.<br />
وذكرت الدراسة املعنونة »أطلس مياه أفريقيا« والتي<br />
أطلقت خال أسبوع املياه اإلفريقي يف أديس أبابا، أن من<br />
املتوقع أن حتقق خمسة بلدان فقط يف إفريقيا هدف تخفيض<br />
عدد السكان الذين يفتقرون لوسائل الصرف الصحي األساسي<br />
بحلول عام 2015م، وهو املوعد الذي اتفقت عليه جميع بلدان<br />
العالم ومؤسسات التنمية القيادية لألهداف اإلمنائية لأللفية<br />
بهدف تلبية احتياجات فقراء العالم.<br />
شكل )٣(: الوقت املتوقع لبلوغ الهدف املتعلق باملياه يف إفريقيا<br />
وباقي األقاليم<br />
Source: United Nations, UNDP, “Beyond scarcity: Power,<br />
poverty and the global water crisis”, Human Development<br />
Report 2006, New York, UNDP, 2006.<br />
ووفقًا لاجتاهات احلالية، سوف تبلغ إفريقيا جنوب<br />
الصحراء الهدف املتعلق باملياه يف عام 2040م، والهدف املتعلق<br />
بالصرف الصحي يف عام 2076م.<br />
إن املستوى املتدني من توفر مصادر املياه والصرف الصحي<br />
يف املناطق الريفية يف البلدان األقل منوًا معروف بشكل موثق<br />
جيدًا، وليست األمور بأفضل حاالً يف البلدان اإلفريقية الفقيرة،<br />
فنسبة ٪40 تقريبًا من دول إفريقيا جنوب الصحراء لم يتوفر<br />
لها احلصول على املياه النظيفة بني 1990 و1996م، كما لم تكن<br />
لدى ما يزيد عن ٪50 تقريبًا من سكان املنطقة -خال الفترة<br />
ذاتها-مرافق للصرف الصحي.<br />
وتكشف اإلحصاءات المتعلقة بالمؤشر االقتصادي<br />
للمياه )حالة المياه والصرف الصحي( في تقارير<br />
التنمية البشرية الصادرة عن األمم المتحدة بشأن القارة<br />
اإلفريقية، أن هناك تأخرًا يف جهود إمتام منشآت »البنية<br />
التحتية المائية« Infrastructure( )Water والخاصة<br />
بإمدادات مياه الشرب النقية، وإمدادات الصرف<br />
الصحي المُحسَّ ن.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
20<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
خريطة )٧(: توافر خدمات مياه الشرب والصرف الصحي احملسن<br />
يف أفريقا<br />
خريطة )8(: خدمات مياه الشرب والصرف الصحي احملسن يف<br />
الريف واحلضر األفريقي<br />
وإذا كانت معظم أقاليم قارة إفريقيا عامة؛ وإفريقيا جنوب<br />
الصحراء خاصة؛ تعاني من فقر مائي متمثل يف غياب إمدادات<br />
مياه الشرب النقية؛ والصرف الصحي احملسن، فإن هذه<br />
اإلشكالية تزداد وضوحً ا يف األقاليم الريفية يف إفريقيا مقارنة<br />
باملناطق احلضرية، حيث تبدو األزمة أكثر وضوحً ا وحدة يف<br />
كل الريف اإلفريقي، ورمبا ال يُستثنى من ذلك إال مصر وليبيا.<br />
وذلك كما يتضح من خريطة )8(.<br />
مع أن مشكلة عدم توفر البنية التحتية املائية من خدمات<br />
مياه الشرب والصرف الصحي احملسن؛ ليست يف سبيلها<br />
للحل، بل مستمرة، ورمبا آخذة يف التزايد. فقد بينت دراسة<br />
صادرة عن املعهد الدولي إلدارة املياه )IWMI( أنه بحلول علم<br />
2025م فإن إفريقيا جنوب الصحراء سوف لن تعاني من مشكلة<br />
مائية كمية، بيد أن املشكلة األساسية ستتمثل يف الفقر املائي<br />
االقتصادي الناجم عن العوز يف توافر البنية التحتية املائية من<br />
إمدادات الصرف الصحي ومياه الشرب النقية. وذلك على النحو<br />
املبني يف خريطة )9(.<br />
خريطة )٩(: توقعات الندرة الكمية واالقتصادية للمياه العذبة يف<br />
إفريقيا والعالم عام ٢٠٢٥م<br />
Source:http://sites.google.com/a/bluedemons.org/water-supply-and-sanitation-in-africa/graphs-1
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 21<br />
العدد ملف<br />
بيد أن املعدالت السابق اإلشارة إليها فيما يتعلق بتوافر<br />
»احلق اإلنساني للمياه« يف إفريقيا جنوب الصحراء -حسب<br />
املؤشر االقتصادي الذي يُحسب بتوافر البنية التحتية املائية<br />
يف مجالي املياه والصرف الصحي- تعتبر أعلى من املعدالت<br />
املناظرة لها عامليًا، خاصة عند مقارنة أعداد األشخاص الذين<br />
ال يتوافر لهم احلصول على مصدر مياه محسن، وكذا الذين<br />
ال يتوافر لهم احلصول على مرافق الصرف الصحي يف جنوب<br />
الصحراء، بنظرائهم يف كلٍ من جنوب وشرق آسيا ومنطقة<br />
احمليط الهادي.<br />
المياه والجفاف يف إفريقيا:<br />
يعتبر اجلفاف أهم املشكات التي تواجهها إفريقيا، خاصة<br />
منطقة الصحراء الكبرى بشكل روتيني، حيث تعاني القارة من<br />
جفاف قاتل مرة أو مرتني سنويًا، ما يتسبب يف وفاة عددٍ كبيرٍ<br />
من البشر ونفوق مئات اآلالف من احليوانات. ناهيك عن وفيات<br />
حروب القبائل للحصول على املوارد املائية.<br />
وباإلضافة إلى ذلك، يلقى عشرات اآلالف من سكان القارة<br />
حتفهم جراء نقص املياه النظيفة وما يسببه ذلك من أمراض<br />
كاإلسهال والعمى والبلهارسيا وسوء التغذية، ما يؤدي إلى الوفاة.<br />
المياه والمجاعة يف إفريقيا:<br />
إن حروب املياه القادمة لها أبعاد أكثر خطورة، متتد إلى<br />
وقوع مجاعة حقيقية نتيجة لندرة املياه املستخدمة يف الزراعة،<br />
ألنها متثل الركيزة األساسية التي تعتمد عليها برامج التنمية<br />
االقتصادية واالجتماعية والبيئية.<br />
وإذا نظرنا إلى كمية املياه التي حتتاجها الزراعة، فقد أكدت<br />
إحصائيات األمم املتحدة عام 2003 أن الزراعة تستحوذ على ٪80<br />
من مخزون املياه؛ حيث يُستهلك 1000 طن من املياه إلنتاج كل<br />
طن من احلبوب. وترتفع نسبة االستهاك يف إفريقيا وآسيا،<br />
نظرًا الرتفاع درجات احلرارة، ولتخلف اإلمكانات الزراعية وتأخر<br />
التقنيات املستخدمة.<br />
أما عن كمية املياه املطلوبة إلنتاج مقدار االستيراد السنوي حلبوب<br />
الشرق األوسط وشمال إفريقيا فإنها تعادل مجرى نهر النيل السنوي،<br />
كما أن حجم املياه املطلوب يف عام 2025م، سيزيد مبقدار٪50 بسبب<br />
العدد السكاني املتزايد والبحث الدائم عن مستوى زراعي أفضل.<br />
وتشير التقديرات إلى نقطة أكثر خطورة، إذ أنها تؤكد أن<br />
الندرة الفائقة يف املياه ستؤدي إلى تقليل طعام العالم بنسبة ٪10<br />
ويؤدي ذلك إلى ارتفاع يف أسعار احملاصيل والذي قد يشكل<br />
مشكلة حقيقية ملا يزيد عن 110 مليون شخص ميثل دخلُهم<br />
دوالرًا واحدًا أو أقل يوميًا.<br />
خريطة )1٠(: مستقبل نصيب الفرد من املياه يف إفريقيا والعالم<br />
)٢٠٢٥م(<br />
حروب المياه يف إفريقيا:<br />
إذا نظرنا إلى مصادر املياه يف إفريقيا والتي تتمثل يف<br />
مجموعة من األنهار والبحيرات أهمها أنهار النيل، والنيجر،<br />
الفولتا، وزامبيزى، جندها مشتركة بني مجموعة دول، ومقسمة<br />
بينها بحسب عدد السكان، الذي يتزايد، ويف املقابل ترتفع معه<br />
حاجة السكان إلى املياه، مما يفتح الباب إلى نشوب الصراعات<br />
واحلروب بني الدول.<br />
فنهر النيل يضم بخاف مصر والسودان تسع دول إفريقية<br />
أخرى، وباتت العاقات الهيدروبوليتيكية فيه تهدد بارتفاع املنحى<br />
الصراعي بني دوله، والسيما بني مصر وإثيوبيا.<br />
أما نهر الكيتو، والذي مير يف بوتسوانا، ناميبيا وأجنوال يعتبر<br />
مصدر توتر يف العاقات بني اجليران.<br />
ويف وسط وغرب إفريقيا، يعتمد ما يزيد على 20 مليون<br />
شخص يف ست دول على بحيرة تشاد فقط، والتي قلت مياهها<br />
مبقدار %95 خال ال 43 عامًا املاضية؛ مما قد يهدد بأزمة<br />
سياسية أخرى.<br />
ويف املقابل تعاني 13 دولة يف إفريقيا من ندرة أو ضغط املياه،<br />
وستنضم إليهم 12 دولة أخرى بحلول عام 2025م.<br />
الصراع الدويل حول المياه يف حوض النيل:<br />
توضح املستجدات الراهنة يف خريطة التفاعات<br />
الهيدروبوليتيكية )املائية-السياسية( يف حوض النيل، أن ثمة<br />
تطورات صراعية هيمنت على العاقات النيلية -النيلية، والسيما<br />
بعد اإلخفاق يف عملية التفاوض حول االتفاقية اإلطارية، والتوقيع<br />
عليها بشكل منفرد من جانب ست من دول املنابع. وبالتوازي،<br />
جاءت التطورات السلبية على ملف مياه النيل من خال التحرك<br />
اإلثيوبي املكثف إلنشاء عدد من السدود اجلديدة على منابع النيل.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
22<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
وبالنظر إلى النظام اإلقليمي املائي حلوض نهر النيل،<br />
يتبني أنه يشهد منطني من التفاعات الهيدروبوليتيكية:<br />
بعضها تعاوني، واآلخر صراعي. وتتمثل مجاالت الصراع املائي<br />
التي تؤثر يف احلوض منذ ستينيات القرن العشرين يف ثاثة<br />
مجاالت رئيسية:<br />
أولها: الصراع حول »مشروعية« االتفاقيات السابقة التي وقعت يف<br />
نهايات القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن العشرين، ومدى<br />
مرجعيتها كإطار قانوني ينظم املسائل اإلجرائية املتعلقة بالنهر.<br />
وثانيها: الصراع حول تقاسم املياه املشتركة يف حوض النيل،<br />
والدعوة إلى إعادة توزيع احلصص واألنصبة املائية بني دوله.<br />
وثالثها: الصراع حول »لزومية« شرط اإلخطار املسبق عند<br />
القيام مبشروعات مائية قطرية من قبل دول منابع النهر.<br />
كانت هذه املجاالت الثاثة -باإلضافة إلى مجاالت أخرى-<br />
محاور أساسية للتفاوض املائي بني دول حوض النيل منذ عام<br />
2001م، للتوصل إلى اتفاقية إطارية تنظم إدارة املوارد املائية يف<br />
احلوض من مختلف األوجه.<br />
ودار التفاوض حول هذه املجاالت الثاثة يف صورة<br />
»مناظرات« فكرية وسياسية وقانونية واقتصادية وهيدروليكية،<br />
ما بني دول منابع حوض النيل، وبني دولتي املصب واملجرى<br />
)مصر والسودان(.<br />
خريطة )11(: حوض نهر النيل<br />
تقدير الموقف بشأن »االتفاقية اإلطارية«:<br />
لقد تعثرت املفاوضات املائية السياسية التي بدأتها دول<br />
حوض النيل مع مطلع األلفية اجلديدة، ووقفت مجموعة من<br />
العقبات السياسية والفنية حائاً دون التوصل إلى اتفاق حول<br />
الصياغة النهائية لاتفاقية اإلطارية التي كانت من املفترض أن<br />
تقنن وتنظم إدارة عملية االنتفاع مبوارد النهر.<br />
ويكشف تأمل املشهد السياسي قبل وأثناء وبعد جوالت<br />
التفاوض حول االتفاقية اإلطارية حلوض النيل؛ والتي بدأت بلجانٍ<br />
تفاوضية؛ ثم اجتماعات وزراء مياه النيل بدءًا من اجتماع أديس<br />
أبابا يف يناير 2006م؛ وانتهاءً باجتماع شرم الشيخ يف أبريل 2010؛<br />
والذي كان مبثابة اإلعان عن فشل مفاوضات االتفاقية اإلطارية<br />
حلوض النيل، والتي استمرت زهاء اخلمس سنوات )2006-<br />
2010م(، يكشف تأمل أحداث ذلك املشهد السياسي عن قدرٍ<br />
كبيرٍ من حتول مواقف دول املنابع، وتبنيها مواقف أكثر تشددًا.<br />
ومن ثم، تصاعد وتيرة التفاعات الصراعية يف حوض النيل.<br />
فقد أقدمت خمس دول من دول املنابع النيلية يف 14 مايو<br />
2010م، بالتوقيع بشكل منفرد على االتفاقية اإلطارية »عنتيبي«<br />
لتأسيس مفوضية حوض النيل، دون األخذ يف االعتبار اعتراض<br />
دولتي املصب واملجرى )مصر والسودان(. ثم بادرت بوروندي<br />
-باتخاذ خطوة تصعيدية- بالتوقيع على االتفاقية يف فبراير<br />
2011م، ليكتمل النصاب القانوني ببلوغ الدول املوقعة ست دول<br />
من مجموع الدول النيلية.<br />
وازداد املوقف تأزميًا بعد انفصال جنوب السودان يف 9<br />
يوليو 2011م، ذلك احلدث الذي ألقى بظال سلبية على<br />
تطورات املعادلة الهيدروبوليتيكية )املائية-السياسية( يف حوض<br />
النيل، وضاعف من حالة االحتقان السياسي؛ والسيما يف ضوء<br />
التصريحات التي خرجت من »جوبا« يف 22 مارس 2013م، لتنادي<br />
بالتبرؤ من اتفاقية االنتفاع الكامل مبياه النيل عام 1959م،<br />
والتلويح باالنضمام إلى اتفاقية »عنتيبي«. ومن ثم، مزيد من<br />
التطويق السياسي واجليوستراتيجي ملصر.<br />
إن التحليل السياسي للسلوك التفاوضي حول املسائل النيلية،<br />
يُوضح أن ثمة قضايا خافية حالت دون التقاء وجهات نظر دول<br />
املنابع مع دولتي املصب )مصر والسودان(، وظلت تلك القضايا<br />
تشغل حيزًا بني الشد واجلذب، بني القبول والرفض، بني التقابل<br />
والتنافر. كما يكشف حتليل املواقف التفاوضية لطريف املعادلة<br />
النيلية )املصب-املنابع( أنها تنطلق من مسلمات تاريخية متثل<br />
بالنسبة لهذه الدول ثوابت سياسية يصعب التحرك خارجها، أو<br />
التنازل عنها. األمر الذي قد يجعل من تلك املفاوضات كما لو<br />
أنها مباراة صفرية العائد game( .)zero sum<br />
لقد بدا واضحً ا أن مفاوضات االتفاقية اإلطارية حلوض
النيل يعوزها النجاح لألسباب اآلتية:<br />
)1( عدم اكتمال االتفاق )عدم التوصل إلى توافق يف اآلراء(.<br />
)٢( غياب نص خاص بحقوق مصر املكتسبة على نهر النيل.<br />
)٣( غياب نص يعالج اإلخطار املسبق.<br />
)٤( عدم وجود نص يحكم العاقة بني مبدأ التوزيع العادل<br />
ومبدأ عدم األضرار.<br />
وبالفعل، متحورت املواد اخلافية يف االتفاقية املذكورة يف ثاث<br />
مواد باألساس وهي:<br />
1- املادة الثامنة-فقرة )ب( املتعلقة بتبادل املعلومات ذات الصلة<br />
بشرط اإلخطار املسبق Measures( .)Planned<br />
٢- املادة 14 -فقرة )ب( املتعلقة مبا سمي يف االتفاقية باألمن<br />
املائي، حيث اشترط املفاوض املصري -والسوداني-ضرورة<br />
تضمني االتفاقية بندًا يحمي »األمن املائي واالستخدامات<br />
واحلقوق احلالية ألي دولة يف احلوض«. كما أكدت مصر ضرورة<br />
تضمني هذا البند ما يفيد االلتزام باحترام االتفاقيات القائمة.<br />
وهو ما لم يلقَ القبول من جانب دول املنابع.<br />
٣- املادة 34 -فقرة)ب( و)ج( املتعلقة بطريقة اتخاذ القرارات<br />
ذات الصلة بحوض النيل، حيث نصت املادة على أن يكون<br />
توافق اآلراء باألغلبية )Consensus( هو اآللية املعمول بها يف<br />
اتخاذ القرارات. وهنا اشترطت مصر والسودان تفسير مفهوم<br />
»التوافق« إما بأن يكون بإجماع اآلراء، أو باألغلبية املشروطة<br />
التي تتضمن كاً من مصر والسودان بوصفهما دولتي املصب.<br />
وهكذا، وقفت تلك املواد اخلافية حائاً دون التوصل إلى<br />
قبول عام يُرضي جميع دول احلوض. وكان القرار مصر والسودان<br />
االمتناع عن توقيع االتفاقية بشكلها احلالي. بيد أن هذا القرار<br />
لم مينع دول املنابع الست املذكورة سابقًا من التوقيع على<br />
االتفاقية بوضعها احلالي من جانب أحادي، كنوعٍ من الضغط<br />
واالبتزاز السياسي على كلٍ من مصر والسودان الشمالي.<br />
تقدير الموقف بشأن »سد النهضة اإلثيوبي«:<br />
إن التطور األعقد واألهم يف وتيرة التفاعات الهيدروبوليتيكية<br />
يف حوض النيل، هو استغال إثيوبيا حالة االرتباك الداخلي<br />
الشديد يف مصر إبان ثورة 25 يناير 2011م، وقامت باإلعان<br />
-بشكل أحادي اجلانب-يف فبراير 2011م، عن مشروع »سد<br />
النهضة اإلثيوبي العظيم«، واإلعان عن اعتزامها بناء ذلك<br />
السد مبواصفات فنية من شأنها تهديد األمن املائي املصري.<br />
العدد دراسة<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 23<br />
الصحراء الكبرى تضم أكبر مستودع مياه يف العالم وإفريقيا<br />
تضم 13 خزانًا جوفيًا من بين الخزانات ال 37 األكبر يف العالم<br />
العدد ملف<br />
وبالفعل، شرعت إثيوبيا بوضع حجر أساس »سد النهضة« يف 2<br />
أبريل 2011م، لتبدأ حلقة جديدة من حلقات الصراع املائي بني<br />
مصر وإثيوبيا.<br />
والسيما أن »سد النهضة اإلثيوبي« أصبح يثير إشكاليات<br />
سياسية وقانونية تتعلق بعدم التزام إثيوبيا بشرط اإلخطار<br />
املسبق عند قيامها بتنفيذ املشروعات املائية، وعدم مراعاتها<br />
لواحدة من أهم وأبرز قواعد القانون الدولي العرفية رواجً ا<br />
وقبوالً يف الساحة الدولية، وهو مبدأ »عدم التسبب يف ضرر«.<br />
ولقد كانت اجلوالت اخلتامية للتفاوض حول االتفاقية<br />
املذكورة كاشفة وفاضحة حلجم الهوة واخلاف بني طريف<br />
التفاوض من ناحية، وكاشفة لألخطاء التفاوضية التي وقع فيها<br />
املفاوض املصري طوال السنوات السالفة. بعد أن وصل األمر<br />
إلى طريق مسدود، بسبب استنفاد الوقت واجلهد واملوارد املالية<br />
يف مفاوضات ذات معادلة صفرية نتيجتها إما you( I win -<br />
.)I lose - you win( أو )lose<br />
فقد كان واضحً ا منذ الوهلة األولى للتفاوض بشأن سد<br />
النهضة؛ حينما تشكلت »اللجنة الفنية لتقييم آثار سد النهضة«،<br />
والتي ضمت يف عضويتها عشرة من اخلبراء الفنيني )اثنني من<br />
مصر ومثلهما من كل من السودان وإثيوبيا، فضاً عن أربعة<br />
خبراء دوليني(، كان واضحً ا أن املفاوض املصري يتم استدراجه<br />
من اجلانب اإلثيوبي إلطالة أمد التفاوض يف سياق »استراتيجية<br />
إثيوبية للتفاوض« تقوم على كسب الوقت واملماطلة والتعنت الا<br />
مبرر. لقد كانت كل املؤشرات خال محادثات ومفاوضات تلك<br />
اللجنة تشير إلى سياسة »االستدراج املمنهج من اجلانب اإلثيوبي«.<br />
وصفوة القول فيما خصَّ تأثير سد النهضة على العاقات<br />
الهيدروبوليتيكية يف حوض النيل، فإن املشروعات املائية -احلالية<br />
واملزمعة يف املستقبل- يف إثيوبيا أو غيرها من دول حوض النيل،<br />
ميكن أن تكون وسيلة للتقارب بني دول احلوض، وذلك إذا ما<br />
مت التعامل معها من منظور الربح للجميع Win( Win –<br />
،)Approach بحيث يتم التوافق والتراضي بني مختلف دول<br />
احلوض على املشروعات التنموية التي تولد الطاقة لدول املنابع،<br />
مبا ال يؤثر بالسلب أو يضر باملصالح املائية لدول احلوض؛ ومبا<br />
ال يخل باحلصة املائية املصرية والسودانية، ومبا يحقق املصالح<br />
اجلماعية لكل شعوب حوض النيل. بيد أن ذلك املنهج التعاوني<br />
يظل مرهون بقبول دول املنابع لشرط اإلخطار املسبق قبل<br />
املضي يف تنفيذ أية مشروعات مائية.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
24<br />
العدد ملف<br />
العدد دراسة<br />
ومبنطق املخالفة، فإن إحجام إثيوبيا عن تبني شرط اإلخطار<br />
املسبق، والتذرع بالسيادة اإلقليمية املطلقة على جزء النهر<br />
الواقع يف أقاليمها، قد يفتح الباب على مصراعيه لتسارع وتزايد<br />
وتيرة التفاعات الهيدروبوليتيكية الصراعية يف حوض النيل.<br />
دول الخليج واالستفادة من اإلمكانات المائية اإلفريقية:<br />
الزراعة خارج احلدود لتفعيل »املياه االفتراضية«<br />
تسعى كل الدول إلى حل معضلة األمن املائي واألمن الغذائي،<br />
من خال توفير املتطلبات الغذائية دون حتميل ميزانها املائي<br />
مزيداً من التبعات.<br />
ويوضح الطلب على املياه العذبة يف اخلليج،<br />
أن النمو السكاني يزيد عادة الطلب على املياه<br />
يف جميع القطاعات االقتصادية: الزراعية<br />
والصناعية واملنزلية. بيد أن الزراعة تستهلك<br />
األغلبية العظمى من املياه. فزهاء ٪80 يف<br />
املتوسط من املياه املستخدمة يف املنطقة هي<br />
لاستخدام الزراعي، والنسبة املتبقية موزعة<br />
بني القطاعني الصناعي واملنزلي. ويف الفترة<br />
بني 1965 و1997م، تضاعفت تقريباً املساحة<br />
اإلجمالية املروية يف املنطقة، ويعود ذلك جزئياً<br />
إلى أن النمو السكاني زاد من الطلب على الغذاء.<br />
ويزداد الطلب على املياه يف قطاعي الصناعة واخلدمات<br />
مع توسعهما لتلبية طلب أعداد متزايدة من السكان. فالصناعة<br />
حتتاج للمياه للصناعات التحويلية والتبريد وكذلك إلزالة النفايات.<br />
يف حني الطلب على املياه ازداد بسرعة يف جميع القطاعات<br />
باملنطقة، فإنه ازداد بأكبر سرعة يف االستخدامات املنزلية، فحصة<br />
القطاع املنزلي من املياه هي اآلن أعلى بكثير من حصة قطاع<br />
الصناعة يف بعض الدول اخلليجية؛ إذ ميثل االستخدام املنزلي<br />
٪25 أو أكثر من مجموع استخدام املياه يف البحرين والكويت.<br />
كما أن ارتفاع مستويات املعيشة والنزعة االستهاكية يؤديان<br />
إلى ارتفاع الطلب على املياه يف قطاعات أخرى. فارتفاع الدخل،<br />
مثاً، يؤدي إلى زيادة استهاك اللحوم. ويحتاج إنتاج اللحوم إلى<br />
مدخات إضافية كبيرة من املياه واحلبوب التي هي محاصيل<br />
تتطلب كميات كبيرة من املياه. وتعتمد احلكومات اخلليجية<br />
-بشكل متزايد-على األغذية املستوردة.<br />
يف هذا السياق، وللتعامل مع »معضلة املاء-الغذاء«، تبنت دول<br />
اخلليج سياسة استيراد الغذاء من الدول الغنية باملياه واملصدِّرة<br />
للسلع الغذائية، وذلك يف صورة »مياه افتراضية« Virtual(<br />
،)Water ويقصد بهذا املفهوم »املياه املستخدمة يف أماكن أخرى<br />
إلنتاج األغذية التي يتم تصديرها إلى مناطق الشح املائي«.<br />
%1 من المياه<br />
العذبة فقط في<br />
بحيرات وأنهار<br />
لال ستخدام<br />
البشري عى األرض<br />
إن »املياه االفتراضية« مفهوم حديث نسبياً، ظهر يف منتصف<br />
التسعينيات، ويعتبر »توني آلن« Allan( )Tony -أستاذ اجلغرافيا<br />
السياسية بكلية الدراسات الشرقية واإلفريقية بجامعة لندن- أول<br />
من دشن هذا املفهوم. وطرح Allan هذا املفهوم بهدف حل<br />
مشكلة محدودية املوارد املائية يف املناطق اجلافة عموماً، ويف<br />
منطقة الشرق األوسط خصوصً ا؛ إذ يرى أنه: »مبا أن املياه من<br />
املتغيرات املهمة يف إنتاج احملاصيل، لذا يتعني على مختلف البلدان<br />
حتديد كمية املياه الازمة إلنتاج األغذية التي هي بحاجة إليها،<br />
وعندما يستورد بلد ما طناً من القمح والذرة، إمنا يستورد فعلياً<br />
أيضاً مياهاً افتراضياً أي املياه الازمة إلنتاج تلك احملاصيل«.<br />
ويؤكد Allan أن »نظرية املياه االفتراضية« التي<br />
طرحها، ميكن أن تسهم يف حل مشكلة الندرة<br />
املائية يف الشرق األوسط، حيث ميكن للدول<br />
التي تعاني من شح مائي أن تستعيض عن زراعة<br />
احملاصيل الكثيفة يف استخدام املياه، باستيرادها<br />
من الدول ذات الوفرة املائية. وبهذه الطريقة، حتقق<br />
البلدان املستوردة وفورات من خال جتارة »املياه<br />
االفتراضية«. وجدير بالذكر أن الدراسات احلديثة<br />
قد توصلت حلسابات دقيقة حول املياه االفتراضية<br />
املوجودة يف كل أنواع السلع الغذائية من حلوم<br />
وفواكه وخضروات. وعلى الرغم من أن نظرية »املياه االفتراضية«<br />
قد تبدو منطقية من الناحية االقتصادية، بيد أن هناك اعتبارات<br />
سياسية واستراتيجية حتول دون اعتماد دول املنطقة اعتمادًا<br />
شديدًا على استيراد احلبوب من اخلارج، حيث إن هذه البلدان<br />
كثيرًا ما تشعر أن إنتاج حبوبها بنفسها مسألة مهمة استراتيجيًا.<br />
يف هذا اإلطار، تبدو »استراتيجية الزراعة خارج احلدود«<br />
ذات وجاهة وفعالية يف ضوء تفعيل مقولة املياه االفتراضية.<br />
وذلك بأن تقوم الدول اخلليجية بشراء أراضٍ زراعية أو قابلة<br />
للزراعة يف املناطق الغنية باملوارد املائية بعيدًا عن املناطق<br />
القاحلة والفقيرة مائيًا، إما بعقد متلك أو عقود انتفاع طويلة<br />
األجل، ويتم زراعة تلك األراضي باالستفادة من الوفورات املائية<br />
املتاحة يف تلك املناطق. وتتبدى اجلدوى السياسية واالقتصادية<br />
لتلك االستراتيجية بشكل أعمق إذا ما طُ بِّقت يف القارة اإلفريقية<br />
الغنية مبواردها املائية وأراضيها القابلة للزراعة. واعتمادًا على<br />
»استراتيجية الزراعة خارج احلدود«، ميكن للدول اخلليجية إحال<br />
سياسية »اإلنتاج يف اخلارج« محل سياسة »االستيراد من اخلارج«.<br />
*أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة عضو املجلس<br />
املصري للشؤون اخلارجية
وتحليل رؤية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 25<br />
العدد ملف<br />
تفعيل الشراكة الخليجية الصينية في القارة السمراء ضرورة استراتيجية<br />
الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية<br />
يف إفريقيا: الصين نموذجًا<br />
بدأت منذ ثمانينيات القرن املاضي تظهر مؤشرات سعي الصني إلى أن تتحول لاعب أساسي يف مناطق أوسع من<br />
العالم، وبانتهاء احلرب الباردة دفعت االحتياجات االقتصادية والتطلعات االستراتيجية للصني إلى االهتمام املكثف<br />
واملنظم بالقارة اإلفريقية، جعلها محط أنظار قوى آسيوية أخرى، كمجموعة اآلسيان واليابان ودول اخلليج العربي.<br />
د. فؤاد فرحاوي<br />
العالقات الصينية بإفريقيا جنوب الصحراء: المجاالت واآلليات<br />
العالقات االقتصادية الصينية اإلفريقية وأهم مجاالتها<br />
التطور االقتصادي للصني خال العقدين األخيرين جعلها<br />
يف حاجة أكبر إلى موارد الطاقة واملعادن، وفرض عليها تركيز<br />
استثماراتها يف هذا املجال بالدول الغنية باملوارد الطبيعية يف<br />
إفريقيا، خاصة اجلزائر، أنغوال، الكونغو الدميوقراطية، زامبيا،<br />
غينيا، نيجيريا، والغابون، حيث استحوذت فيها بكني على نسبة<br />
مهمة من االستثمارات األجنبية املباشرة. ولتسهيل تصدير املواد<br />
األولية والطاقة، أنشأت الصني عددًا من مشاريع البنية التحتية<br />
بإفريقيا، مبا فيها تهيئة املوانئ وخطوط السكك احلديدية.<br />
وأعطت أهمية خاصة لهذه املشاريع يف كينيا، تانزانيا، وإثيوبيا،<br />
لكونها تربط سياستها يف شرق إفريقيا باستراتيجياتها يف<br />
احمليط الهندي األهم لتجارتها الدولية. وأنشأت الصني يف أنغوال<br />
ونيجيريا مشاريع يف مجال البنية املرتبطة بالطاقة، مبا فيها<br />
مصفات تكرير النفط والطاقة الكهربائية.<br />
واملاحظ، أن الشركات الصينية التابعة للدولة هي التي تقود<br />
االستثمارات بإفريقيا يف قطاعات الزراعة والطاقة واملعادن والبنية<br />
التحتية، بينما الشركات اخلاصة تركز على التصنيع واخلدمات<br />
)اجلدول رقم: 1(. وعمومًا، مشاريع البنية التحتية التي أجنزتها<br />
الصني بإفريقيا، بقدر ما أسهمت يف التطور االقتصادي داخل<br />
دولها، أعطت دفعة الندماج أكبر بني دول القارة. وبغية حتقيق<br />
اندماج اقتصادي أوسع مع إفريقيا، اعتمدت الصني أيضا على<br />
آلية إنشاء »املناطق االقتصادية احلرة«، كتلك التي أقامتها يف<br />
مصر، اجلزائر، إثيوبيا، موريتيوس، نيجيريا، وزامبيا.<br />
اجلدول رقم 1: الدول العشر األوائل التي تستثمر فيها الشركات<br />
اخلاصة والعامة الصينية يف إفريقيا إلى غاية ٢٠1٢ م<br />
Source: Juan Zhang, William X., “Stratigic Entry and Determinants of Chinese<br />
Private Enterprices Into Africa”, Journal of African Business, Vol. 14, N.2,<br />
2013, p:100.<br />
القطاع الزراعي<br />
بدأت الصني تهتم بالقطاع الزراعي مع إفريقيا يف سياق سياسة<br />
»تصدير الثورة اخلضراء«، تعززت مع توجس الصني من ارتفاع<br />
أسعار املواد الغذائية ملا ميكن أن يسبب لها من توترات اجتماعية<br />
إذا لم تتمكن من سد احتياجاتها املتزايدة، لذلك ركزت أيضً ا على<br />
االستثمارات الزراعية يف إفريقيا، ونتج عنها ظاهرة شراء األراضي<br />
يف عدد من دول القارة، مثل بنني ومدغشقر وسيراليون. وتنافست<br />
الصني يف هذا املجال عدد من الدول اآلسيوية األخرى، كماليزيا،<br />
كوريا اجلنوبية، سنغافورة، وفيتنام. وعمومًا، استثمر يف القطاع<br />
الزراعي بإفريقيا حتى 2011م، 2372 شركة صينية، أغلبها يف<br />
زامبيا، نيجيريا وإثيوبيا، تنزانيا، جنوب إفريقيا، أنغوال، ومصر.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
26<br />
العدد ملف<br />
وتحليل رؤية<br />
رفعت البنوك الصينية المساعدات للمشاريع االقتصادية<br />
والتنموية في إفريقيا إىل 35 مليار دوالر عام 2012<br />
وتعزز بكني التعاون يف مجال التدريب الزراعي مع عدد<br />
من املؤسسات يف إفريقيا. وخال يونيو 2010م، مت تأسيس إطار<br />
تعاون صيني إفريقي لتشجيع املزيد من االستثمارات يف القطاع<br />
الزراعي بإفريقيا، مببادرة كل من »مجموعة تنمية التعاون الفاحي<br />
الوطني الصيني« )CNADC( التابعة للدولة و«بنك التنمية<br />
الصيني اإلفريقي« ومجموعة من الشركات التجارية الفاحية.<br />
دور البنوك الصينية يف العالقات االقتصادية اإلفريقية<br />
تأسس »بنك االستيراد والتصدير الصيني« عام 1994م، لتشجيع<br />
االستثمار والتجارة اخلارجية، عبر القروض امليسرة التي يقدمها،<br />
ويف ظرف وجيز أصبح ضمن أكبر املؤسسات البنكية يف العالم التي<br />
تقدم القروض على هذا املستوى، مبا فيها املقدمة لاستثمارات<br />
الصينية املباشرة يف إفريقيا، خاصة يف مجال البنى التحتية واملعادن.<br />
ويعتبر أيضً ا »البنك الصيني للتنمية« أحد أذرع بكني لدعم مشاريع<br />
التنمية يف إفريقيا، كما أنه املؤسسة املالية الرئيسة يف تنفيذ أجندة<br />
»املنتدى االقتصادي الصيني اإلفريقي للتعاون«، وذلك بالتنسيق<br />
مع عدد من املؤسسات األخرى، أهمها وزارة التجارة الصينية.<br />
وتطور دور البنوك الصينية يف إفريقيا بتأسيس بكني<br />
ل«الصندوق اإلفريقي الصيني للتنمية« يف يوينيو 2007م، برأسمال<br />
أولي قدره 5 مليارات دوالر، مخصصة لتشجيع االستثمارات،<br />
ومنذ 2009م، صار له ممثلية ب«جوهانسبورغ« يف جمهورية جنوب<br />
إفريقيا. وقد أجنز »الصندوق« عددًا من املشاريع يف قطاعات<br />
مختلفة، منها تخصيص 22.6 مليون دوالر لزراعة القطن يف<br />
ماالوي، املوزمبيق، وزامبيا، و16.4 مليون دوالر حملطة كهربائية<br />
ومشاريع أخرى يف إثيوبيا واملناطق الصناعية احلرة يف نيجيريا<br />
ومصر. وعمومًا، فقد ساعدت هذه البنوك على رفع املساعدات<br />
واملشاريع االقتصادية والتنموية إلفريقيا، إذ انتقلت من 1.2<br />
مليار دوالر عام 2000م، إلى 35 مليار دوالر عام 2012م.<br />
االعتناء الصيني بالموارد البشرية اإلفريقية<br />
التعاون العلمي والثقايف الصيني اإلفريقي<br />
اهتمت الصني مبكرًا بالتعاون العلمي والثقايف مع إفريقيا،<br />
خاصة منذ الثمانينيات عندما بدأت الصني باالندماج مع<br />
إفريقيا، كنتيجة لسياسة االنفتاح على اخلارج خال هذه
وتحليل رؤية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 27<br />
العدد ملف<br />
املرحلة. وأثناء التسعينيات رفعت بكني أعداد األساتذة املبتعثني<br />
إلى إفريقيا، فضا عن زيادة عدد الطاب األفارقة الوافدين<br />
إليها، إذ انتقل عددهم من طالبني عام 1989م، إلى 1580<br />
طالب عام 1999م وبتأسيس »املنتدى اإلفريقي الصيني للتعاون«<br />
ستتطور العاقات الثقافية والعلمية بشكل أكبر، خاصة بعد<br />
إنشاء »معهد كونفوشيوس« عام 2003م، لتعليم اللغة الصينية<br />
عبر العالم. ويتوفر بإفريقيا عدد من هذه املعاهد، فضاً عن<br />
أقسام تابعة لها افتتحت يف بعض جامعات القارة، حيث بلغت 69<br />
قسمًا ومعهدًا، يف الوقت الذي يصل عددها إلى 701 يف أمريكا،<br />
و426 يف أوروبا، و200 يف آسيا.<br />
ومببادرة من »الرابطة العاملية البارزة للتجار<br />
الصينيني« و«مؤسسة الشباب الصيني للتنمية«<br />
و«مجموعة جتانيو هابيناس القابضة«، تخطط<br />
الصني منذ 2010م، لبناء 1000 مدرسة ابتدائية<br />
كهدية إلفريقيا، سميت ب«مشروع األمل إفريقيا<br />
-الصني«. وقد مت بناء عدد منها يف إثيوبيا،<br />
وكينيا، وناميبيا، ورواندا، وبوروندي، وتنزانيا.<br />
ويرافق بناء املدارس، توثيق عاقات التعاون<br />
بني اجلامعات، فضا عن تشبيك العاقات بني<br />
املراكز البحثية الصينية واإلفريقية. وعمومًا،<br />
ياحظ أن الصني تؤسس بنية من العاقات يف مجال التعليم<br />
لتهيئة النخب اإلفريقية التي ستكون اجلسر األساس لضمان<br />
الوجود الصيني واستمراره املستقبلي بالقارة.<br />
التعاون اإلعامي الصيني - اإلفريقي<br />
بدأت بكني يف توسيع نشاطها اإلعامي بإفريقيا بعد قمة<br />
»املنتدى اإلفريقي الصيني للتعاون« 2006م، عبر القروض<br />
والدورات التدريبية وبرامج التبادل مع األفارقة يف هذا املجال.<br />
وخال عام 2012م، مت فتح قناة Africa« »CCTV يف نيروبي<br />
بكينيا، شغلت فيها صحفيني كينيني وصينيني لتغطية األحداث<br />
يف مختلف مناطق القارة. وافتتحت يف كينيا أيضً ا إذاعة ناطقة<br />
باللغتني اإلجنليزية والسواحلية، فضا عن إصدار جريدة باسم<br />
Daily« .»China ومنحت بكني قرضً ا لزميبابوي عام 2012م،<br />
قيمته 5 مايني دوالر لتوفير سيارات البث اإلذاعي لفائدة قناة<br />
،»ZBC« كما قدمت قرضً ا بقيمة 30.6 مليون دوالر لوالية<br />
كادونا يف شمال نيجيريا لتطوير املؤسسات اإلعامية، فضا<br />
عن 4 مايني دوالر لتحديث اإلعام الليبيري. وخصصت قروضاً<br />
أخرى ومساعدات تقنية يف مجال اإلعام لناميبيا، ليسوتو،<br />
موريشيوس، جنوب إفريقيا، موزامبيق، وماالوي، وسيشيل،<br />
وجيبوتي، الغابون، وجزر القمر وغيرها.<br />
1000 مدرسة<br />
ابتدائية و 69 قسمً ا<br />
ومعهدًا علمياً<br />
بجامعات القارة السمراء<br />
لنشر الثقافة الصينية<br />
التعاون الصحي الصيني اإلفريقي<br />
ركزت الصني منذ ستينيات القرن املاضي على املساعدات<br />
الطبية يف عاقاتها مع الدول اإلفريقية، من خال إرسال<br />
فرق طبية إلى عدد من دول القارة، كانت أوالها عام 1963م.<br />
وخال الثمانينيات توسع دور وزارة الصحة يف املساعدات الطبية<br />
اخلارجية، كما انخرطت بكني يف عدد من برامج األمم املتحدة<br />
للصحة. وتنوعت أشكال التعاون مع إفريقيا بني إرسال الفرق الطبية<br />
والقروض والبرامج املشتركة واإلعانات املجانية )أنظر اجلدول: رقم2(.<br />
وبعد إنشاء »املنتدى الصيني اإلفريقي للتعاون« تتطور دور<br />
البرامج الصحية بصورة أكبر يف ديبلوماسية التنمية للصني<br />
يف إفريقيا. واحتلت بكني الرتبة التاسعة ضمن<br />
أكبر الدول املساهمة يف اإلعانات الدولية املوجهة<br />
لقطاع الصحة بالقارة مابني 2000 و2010م، بلغت<br />
قيمتها 3 مليارات وما يقارب 30 مليون دوالر.<br />
وتعتبر كل من الكاميرون، التشاد، كينيا، السودان،<br />
زميبابوي وأنغوال وموريشيوس، كوديفوار، زامبيا،<br />
والنيجر، ضمن أكبر الدول اإلفريقية املستفيدة من<br />
االعانات الصينية يف املجال الصحي. ويشكل بناء<br />
املستشفيات وجتهيزها، النسبة األكبر يف اإلعانات<br />
الصحية إلفريقيا، تليها محاربة مرض املاريا،<br />
ثم البعثات الطبية ومشاريع الصرف الصحي وغيرها. وعندما<br />
ظهر مرض اإليبوال يف غرب إفريقيا عام 2014م، أرسلت الصني<br />
مساعدات إلى سيراليون، و200 طبيب إلى »مستشفي الصداقة<br />
الصيني السيراليوني« للعمل على محاصرة املرض.<br />
اجلدول رقم ٢: املساعدات الطبية الصينية إلفريقيا خالل<br />
الثمانينيات من القرن العشرين<br />
Source: Huang Yanzhong, “Domestic Politics and China’s Health aid to<br />
Africa”,China: An International Journal, Vol. 12, N.3, December, 2014,<br />
p:182.<br />
ولكن املاحظ أن اإلعانات الصحية الصينية مرتبطة<br />
بظاهرتني، األولى أنها تقدم لنفس الدول التي لها فيها
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
28<br />
العدد ملف<br />
وتحليل رؤية<br />
استثمارات، خاصة يف مشاريع البنية التحتية واملوارد الطبيعية<br />
التي توظف عمال صينيني. أما الظاهرة الثانية فهي أن الفرق<br />
الطبية التي ترسلها بكني إلى دول بعينها يف إفريقيا تنتمي إلى<br />
احملافظات الصينية التي لها عاقات اقتصادية مع تلك الدول،<br />
سواء من حيث املبادالت التجارية أو االستثمارات. ويجب اإلشارة<br />
أيضً ا أن اإلعانات الصينية الطبية إلفريقيا ال تخلو من أبعاد<br />
جتارية لشركاتها اخلاصة يف القطاع الصيدالني.<br />
التعاون األمني والعسكري الصيني بإفريقيا جنوب الصحراء<br />
املشاركة الصينية يف قوات حفظ السام بإفريقيا<br />
إن تزايد األهمية االقتصادية إلفريقيا يف السياسة اخلارجية<br />
يوازيها تنامي احلضور األمني والعسكري، عبر املشاركة يف قوات<br />
حفظ السام الدولية. وتشارك بكني يف سبع بعثات أممية من<br />
أصل ثمانية يف إفريقيا بقوات عددها 1500 شخص، أي ما<br />
يعادل %75 من مجموع قوات الصني املشاركة يف بعثات السام<br />
األممية نحو العالم. ولعبت الصني دورًا بارزًا يف بعثات السام<br />
نحو السودان وجنوب السودان ودارفور، فضاً عن دورها يف<br />
القوات األممية بليبيريا وساحل العاج والصحراء املغربية<br />
وبوروندي واملوزامبيق وناميبيا وسيراليون وإثيوبيا وإريتريا.<br />
وخال عام 2013م، حصل حتول نوعي يف مشاركة الصني<br />
ضمن بعثات األمم املتحدة، إذ ألول مرة ترسل قوات قتالية يف<br />
إطار عمليات األمم املتحدة يف مالي. وتتوسع األدوار األمنية<br />
الصينية يف إفريقيا بشكل تدريجي، ففي قمة »املنتدى اإلفريقي<br />
الصيني للتعاون« عام 2012م، طرحت الصني »مبادرة التعاون<br />
الصيني اإلفريقي املشترك من أجل السام واألمن«، حددت<br />
ضمن أهدافها متويل بعثات حفظ السام التابعة لاحتاد<br />
اإلفريقي وتدريب قواتها. ويتوقع أن تلعب الصني دورًا أكبر خال<br />
السنوات القادمة يف القضايا األمنية بإفريقيا، عبر »أجندة األمم<br />
املتحدة لعام 2030م« باعتبارها أحد الداعمني واملشاركني يف<br />
صياغة تلك األجندة، التي تطرقت إلى التحديات األمنية يف<br />
شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وكينيا.<br />
العاقات العسكرية الثنائية الصينية اإلفريقية<br />
حترص الصني على تطوير عاقاتها العسكرية مع الدول<br />
اإلفريقية على الصعيد الثنائي، سواء عن طريق فتح ملحقيات<br />
عسكرية يف سفاراتها بإفريقيا، أو تبادل الزيارات بني البعثات<br />
العسكرية، أو عبر برامج بيع األسلحة الصينية. ومتتلك الصني<br />
16 ملحقية عسكرية تغطي 30 بلدًا إفريقيًا، يف مقابل 28 ملحقية<br />
عسكرية للدول اإلفريقية يف بكني. وحسب تقرير 2016م، ل«املعهد<br />
الدولي للدراسات االستراتيجية«، فإن %68 من الدول اإلفريقية<br />
أصبحت تستورد األسلحة الصينية، وما بني 2005 أضيفت 10<br />
دول مستهلكة للساح الصيني، هي اجلزائر وأنغوال والرأس<br />
األخضر ونيجيريا والتشاد وجيبوتي وغينيا االستوائية والغابون<br />
وأوغاندا وغانا )أنظر اخلريطة(.<br />
واستراتيجية الصني تنظر إلى شرق إفريقيا كأولية<br />
استراتيجية. وعندما قام األسطول الصيني بأول رحلة حول<br />
العالم عام 2000م، كانت تنزانيا أول محطة ينزل فيها هذا<br />
األسطول. ومنذ عام 2008م، بدأت تستدعي الصني البحرية<br />
املصرية واجلنوب اإلفريقية كماحظني يف املناورات البحرية<br />
التي جتريها يف مياهها اإلقليمية، وخال نفس السنة شاركت<br />
الصني يف العمليات البحرية الدولية باخلليج لتأمني املاحة ضد<br />
القرصنة قبالة السواحل الصومالية.<br />
وبعد أن أنشأت بكني قاعدة عسكرية لها يف جيبوتي عام<br />
2015م، يرتقب أن تنشط العاقات العسكرية مع دول شرق<br />
إفريقيا بصورة أكبر، دلت عليها مثا زيارة وفد عسكري كيني<br />
يف دجنبر 2015م، للقوات الصينية املشاركة يف بعثة السام<br />
األممية بجنوب السودان. وأثناء زيارة رئيس موزامبيق »فيليب<br />
جاكينتو« إلى الصني يف 15 مايو 2016م، مت التوقيع على اتفاقية<br />
الشراكة االستراتيجية بني البلدين، تتضمن تعزيز قدرات القوات<br />
الدفاعية املوزامبيقية. ولتقوية حضورها البحري يف شرق<br />
إفريقيا، بدأت البحرية الصينية أيضا يف مايو 2016م، بزيارة<br />
ملصر وجنوب إفريقيا.<br />
خريطة الدول اإلفريقية التي تستورد األسلحة من الصني ما بني<br />
٢٠٠٥ و ٢٠1٥ م<br />
Source: The International Institute for Strategic Studies )IISS(, Military Balance<br />
Report, 2016, P: 21.
الصعود الصيني يف إفريقيا والتشبيك المتوازن للخليج العربي<br />
شرق إفريقيا بين »الحزام البحري الصيني« و »الحزام<br />
الخليجي اآلمن«<br />
إن النمو االقتصادي الذي شهدته الصني وحاجتها إلى<br />
التدفق اآلمن للطاقة، جعلها تركز على تطوير عاقاتها مع دول<br />
غرب احمليط الهندي، خاصة وأن نسبة كبيرة من احتياجاتها<br />
تتدفق عبر مضيق هرمز باخلليج العربي، فضاً عن أهمية<br />
التجارة الصينية عبر مضيق باب املندب وقناة السويس نحو<br />
أوروبا. ونتيجة تزايد مكانة املاحة البحرية يف التجارة الدولية<br />
مبنطقة آسيا وارتباطها باخلليج وإفريقيا، أعلنت الصني عام<br />
2013 م، عن مشروع »طريق احلرير البحري«.<br />
ولكن قبل إعانها عن »طريق احلرير البحري« أنشأت<br />
الصني شبكة من البنية التحتية يف الدول املطلة على احمليط<br />
الهندي، مبا فيها املوانئ وطرق املواصات البرية املؤدية إليها،<br />
مثل »ميناء كوادير« االستراتيجي يف باكستان القريب من مضيق<br />
هرمز. وأقامت الصني أيضً ا عددًا من البنى يف ميناء مومباسا<br />
بكينيا وربطت شبكة املواصات الداخلية به، فضا عن بنى<br />
أخرى أنشأتها يف تنزانيا. وقد أصبحت منطقة اخلليج العربي<br />
ذات أهمية أكبر يف مشروع »طريق احلرير البحري«، نظرًا لتزايد<br />
ترابط املصالح الصينية بشرق إفريقيا والبحر املتوسطي، السيما<br />
بعد شراء شركة »كوسكو« الصينية ل %67 من »ميناء بيراووس«<br />
يف أبريل 2016، وإنشائها ملنطقة اقتصادية خاصة جديدة يف<br />
أديس ابابا يف ماي 2015م، لتكون إحدى املراكز الصناعية<br />
الكبيرة للصني يف شرق إفريقيا.<br />
الحاجة إىل »حزام بحري خليجي آمن«<br />
يوضح »طريق احلزام البحري الصيني« ومساره واملناطق<br />
اجلغرافية التي تشملها، مبا فيها شرق إفريقيا، أن منطقة<br />
اخلليج العربي ستحتفظ مبركزيتها على الصعيد االستراتيجي<br />
املستقبلي. وبالرغم من التراخي األمريكي يف االهتمام بهذه<br />
املنطقة، إال أن السياسة الصينية التي أصبحت تربط بني شرق<br />
آسيا وشرق إفريقيا والبحر املتوسطي، يجعل اخلليج العربي<br />
يف قلب التنافس األمريكي الصيني يف العالم. وهذا يعني أن<br />
الدول اخلليجية متتلك فرصة لتجديد مكانتها االستراتيجية يف<br />
العاقات الدولية، حتى مع افتراض تراجع أهمية الطاقة يف<br />
السياسة األمريكية نحو اخلليج العربي.<br />
وتحليل رؤية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 29<br />
الخليج العربي يف قلب التنافس األمريكي الصيني ما يتيح للدول<br />
الخليجية الفرصة لتجديد مكانتها االستراتيجية يف العالقات الدولية<br />
العدد ملف<br />
إن اجلغرافية السياسية للخليج العربي يف ظل التطورات<br />
املتسارعة يف محيطه، يقتضي التفكير يف إنشاء »حزام<br />
خليجي آمن« مكون من مثلث »شرق املتوسط -شرق إفريقيا-<br />
شرق آسيا«، وهو حزام بقدر ما يسعى إلى االستفادة من<br />
التناقضات املوجودة يف محيطه االستراتيجي، فإنه يف نفس<br />
الوقت يضع أسسً ا وبنيات جتعل من الصعب جتاوز دور<br />
اخلليج يف التفاعات اإلقليمية والدولية املستقبلية. ويدخل<br />
يف هذا اإلطار السعي إلى االستفادة القصوى والذكية<br />
للديناميات التي خلقتها الصني يف محيط اخلليج، على<br />
األصعدة االقتصادية واالستراتيجية واألمنية. ويشكل إعان<br />
السعودية عن »رؤية 2030« فرصة لاندماج االقتصادي مع<br />
دول شرق إفريقيا، خاصة إثيوبيا وكينيا التي أصبحت توصف<br />
»بالنمور االقتصادية إلفريقيا«. فالبنيات التحتية التي أنشأتها<br />
الصني يف هذه الباد تخلق دينامية اقتصادية يف غرب احمليط<br />
الهندي، ميكن االستفادة منها يف عدة مجاالت، مثل مشاريع<br />
توسيع املوانئ، ومشاريع النقل البحري واجلوي، واالستثمار يف<br />
قطاع البيتروكيماويات وغيرها.<br />
إن »الشراكة الصينية السعودية« املعلن عنها يف يناير<br />
2016م »ورؤية 2030 السعودية« تستطيع أن تكون أيضً ا<br />
أرضية ملشاريع صينية خليجية مشتركة يف شرق إفريقيا،<br />
مثل املشاريع الزراعية مع ربطها بأبعاد األمن الغذائي<br />
اخلليجي، فضاً عن االستفادة من املناطق االقتصادية احلرة<br />
التي أنشأتها الصني بني إثيوبيا وموزامبيق. ويوفر االندماج<br />
اخلليجي يف اقتصاديات شرق إفريقيا ميزة التعاون مع الدول<br />
اآلسيوية األخرى التي أصبحت تهتم أكثر بإفريقيا، خاصة<br />
اليابان، أي أن اخلليج العربي ينبغي أن يستفيد من ميزة<br />
القرب اجلغرايف ليتحول إلى محطة أو حلقة يف العاقات<br />
اليابانية اإلفريقية، خاصة بعدما أنشأت طوكيو قاعدة<br />
عسكرية يف جيبوتي. ويستطيع اخلليج العربي أيضً ا أن يكون<br />
حلقة وصل بني مجموعة اآلسيان وشرق إفريقيا عبر قطاع<br />
اللوجستيك والنقل واالستثمار املشترك. ولكن يجب اإلشارة أن<br />
استفادة اخلليج العربي من امليزات االقتصادية واالستراتيجية<br />
لشرق إفريقيا ال تكتمل إال بوضع موريتيوس وسيشيل وجزر<br />
القمر ومدغشقر يف دائرة االهتمام، فحولها تتقاطع مجموعة<br />
من االستراتيجيات يف احمليط الهندي، مبا فيها الدول الغربية<br />
والصني والهند وإيران.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
30<br />
العدد ملف<br />
وتحليل رؤية<br />
غرب إفريقيا الجار البعيد للخليج العربي<br />
نحو التداخل مع النخب االقتصادية<br />
إن البعد اجلغرايف ملنطقة غرب إفريقيا عن املشرق العربي ال<br />
يعني أنها ليست لها أهمية بالنسبة للخليج العربي، فهذه املنطقة<br />
تستقطب العديد من االستثمارات األجنبية، مبا فيها االستثمارات<br />
اآلسيوية. وقد استطاعت الصني أن تنشئ شبكة من املشاريع<br />
يف البنيات التحتية والفاحية والطاقة والتعليم ميكن أن تفتح<br />
آفاقا للخليج العربي. ويشكل العنصر البشري املتداخل مع<br />
املصالح الصينية مفتاحً ا مهما لذلك، فقبيلة اليوروبا يف نيجيريا<br />
واملوريديني يف السنيغال يلعبون دورًا كبيرًا يف العاقات االقتصادية<br />
مع الصني، بسبب شبكة العاقات االجتماعية<br />
التي ميتد تأثيرها نحو أوروبا وأمريكا، كما<br />
يعدون الفئة التجارية األساسية الوافدة على<br />
منطقة »ييو« يف شرق الصني التي تعتبر إحدى<br />
املراكز الدولية الكبرى للتجارة يف الصني.<br />
اهتمت بعض الدول اخلليجة باالستثمار<br />
يف غرب إفريقيا يف عدد من القطاعات، من<br />
بينها االستثمارات القطرية واإلماراتية يف قطاع<br />
البنوك، وهو ما يفتح املجال للعب دور الوسيط<br />
املالي بني النخب االقتصادية يف هذه املنطقة<br />
والصني، خاصة بعد أن أعلنت نيجيريا يف عام 2015م، عن نيتها<br />
إنشاء مدينة جديدة باسم »إيكو أتانتيك »لتصبح املركز املالي<br />
يف نيجيريا وغرب إفريقيا. ونظرًا لضعف الوجود اخلليجي يف<br />
غرب إفريقيا، فإنها يف حاجة إلى التعاون والشراكة مع دول<br />
أخرى لها خبرة يف التعامل مع غرب إفريقيا، وبحكم الشراكة<br />
االستراتيجية املغربية اخلليجية فإن بإمكان املغرب أن يكون<br />
إحدى البوابات لتوسيع املصالح اخلليجية االقتصادية يف هذه<br />
املنطقة، خاصة وأن املغرب يعد من أهم املستثمرين فيها. وبعد<br />
أن وقع املغرب اتفاقية الشراكة االستراتيجية مع الصني خال<br />
مايو2016م، فإنه ميكن أيضً ا احلديث عن تعاون اقتصادي ثاثي<br />
»مغربي صيني خليجي« يف غرب إفريقيا يف عدد من القطاعات،<br />
أهمها االستثمار فيما يصطلح عليه ب«االقتصاد األزرق«، أي<br />
استغال اإلمكانات االقتصادية للبحار، مثل االستثمار يف مجال<br />
تربية األسماك باألحواض البحرية يف بعض دول غرب إفريقيا،<br />
كالسنغال، خاصة أن لدى املغرب خبرة يف هذا املجال عبر آليات<br />
تطبيق اتفاقية الصيد البحري مع االحتاد األوروبي.<br />
التدرج من التنسيق إىل التعاون االستراتيجي<br />
احلضور اخلليجي يف إفريقيا جنوب الصحراء ال ميكن<br />
أن يتحقق إال بوضع أسس للتعاون األمني والعسكري مع غرب<br />
محاربة اإلرهاب<br />
في إفريقيا يتطلب<br />
رؤية يتداخل فيها<br />
األمني باالقتصادي<br />
ومحاربة الفقر<br />
إفريقيا. ومبا أن السعودية أنشأت »التحالف اإلسامي ضد<br />
اإلرهاب«، فإن مجال اهتمامه يجب أن يشمل أيضا دعم البنيات<br />
التي تعمل على محاصرة ظاهرة اإلرهاب يف إفريقيا، خاصة<br />
بعد تدويل األعمال اإلجرامية ل«حركة بوكو حرام« واحلديث<br />
عن عاقاتها ب«حركة الشباب الصومالية« يف شرق إفريقيا.<br />
وستكتسب دول اخلليج شرعية دولية إذا متكنت من اإلسهام يف<br />
محاصرة اإلرهاب يف هذه املنطقة، خاصة لدى القوى اآلسيوية<br />
التي تتعاظم مصاحلها يف غرب إفريقيا.<br />
ولكن اإلسهام اخلليجي يف محاربة ظاهرة اإلرهاب بإفريقيا،<br />
يحتاج إلى رؤية شمولية يتداخل فيها األمني باالقتصادي<br />
والتنموي، ف«حركة بوكو حرام« مثا بدأ نشاطها يف<br />
»بورنو« بأقصى الشمال الشرقي التي تعد من بني<br />
أكثر املناطق فقرًا يف نيجيريا. ويقتضي هذا الواقع<br />
وضع مشاريع تنموية للرقي باملناطق الشمالية،<br />
خاصة يف التعليم من املستويات األولية إلى<br />
اجلامعة ومراكز التكوين املهني، كما تفعل الصني<br />
ودول أخرى. ولكن هذه املشاريع حتتاج إلى جهود<br />
إقليمية مشتركة، كالتعاون مع اجلامعة العربية<br />
واملنظمة اإلسامية للتربية والعلوم والثقافة،<br />
وكذلك مع دول عربية إفريقية كمصر واملغرب.<br />
تعاني دول غرب إفريقيا أيضا من إشكالية النزاعات العرقية،<br />
ما جعلها حتتضن عددًا من بعثات األمم املتحدة للسام، كليبيريا<br />
والكوديفوار وغيرها. واملاحظ أنه بالتوازي مع تزايد املصالح<br />
االقتصادية لبعض البلدان اآلسيوية يف إفريقيا، كالصني واليابان<br />
وإندونيسيا، فإنها أصبحت تشارك بصورة أكبر يف بعثات األمم<br />
املتحدة هناك. ويقتضي ذلك أن يكون للخليج أيضً ا اهتمامًا أوسع<br />
بعمليات حفظ السام، وقد يكون من األجدى إنشاء مؤسسة<br />
خاصة لتدريب القوات اإلفريقية املعنية بعمليات السام ودعمها<br />
لوجيستيا. ولكن هذا الدور يحتم أوالً توسيع االتفاقيات األمنية<br />
والعسكرية اخلليجية مع الدول اإلفريقية، ولعل مشاركة بعضها يف<br />
»مناورات رعد الشمال« يف فبراير 2016م، مقدمة ملأسسة احلضور<br />
اخلليجي بشكل أوسع على الصعيدين األمني والعسكري بإفريقيا.<br />
بكلمة، إن حتول القارة اإلفريقية إلى ساحة للتنافس الدولي<br />
وبروز القوى اآلسيوية كفاعل مهم يف القارة، يفتح اآلفاق لتنسيق<br />
عاقات دول اخلليج العربي بهذه القوى على الصعيد اإلفريقي.<br />
وتشكل األدوات الثقافية والتعليمية واالقتصادية واألمنية<br />
والعسكرية التي تعتمدها الصني فرصة لاستفادة من جتاربها<br />
واعتماد مثلها من قبل الدول اخلليجية، مع التعاون مع حلفائها<br />
االستراتيجيني لتحقيق أكبر املكاسب املمكنة.<br />
* أستاذ مبؤسسة البحوث االستراتيجية الدولية )أوسك( أنقرة تركيا
العدد قضية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 31<br />
العدد ملف<br />
النفط اإلفريقي يهدد الثروة اإلحفورية الخليجية.. والصراع الدولي يحتدم<br />
العالقات الخليجية اإلفريقية..<br />
بين التكامل أو التنافس<br />
أدركت القوى الدولية أهمية أفريقيا »جنوب الصحراء« يف أول مؤمتر استعماري )مؤمتر برلني أو مؤمتر الكونغو 1884-<br />
1885م( عقد بني الدول األوروبية إلقرار الوضع القائم يف إفريقيا وتنظيم التجارة، يف حوض الكونغو، وإقرار حرية<br />
املاحة يف النيجر، ووضع مبادئ عامة ملنع اصطدام القوى االستعمارية بعضها ببعض حتى مت استعمار إفريقيا يف القرن<br />
1<br />
التاسع عشر.<br />
أمينة العريمي<br />
تضم إفريقيا »جنوب الصحراء« ثلث أراضي العالم املُتاحة<br />
لاستثمار إلى جانب الطاقة الكهرومائية، إضافة إلى موارد بحرية<br />
ومعدنية، واحتياطيات من النفط والغاز رشحت الدول اإلفريقية أن<br />
حتل محل دول اخلليج العربي يف تصدير النفط، فثمة اكتشافات<br />
نفطية تطرح القارة اإلفريقية ضمن مناطق االهتمام األمريكي.<br />
ويقدر مؤمتر األمم املتحدة للتجارة والتنمية )األونكتاد(<br />
مجمل االحتياطي النفطي إلفريقيا ب 80 مليار برميل، أي<br />
ما نسبته %8 من االحتياطي العاملي اخلام، ومن هنا ميكن أن<br />
نفسر كثافة التواجد العسكري األمريكي يف أفريقيا، بل والتدخل<br />
إذا لزم األمر) كليبيريا مثاً(، والشك أن أهمية وجود قوات<br />
أمريكية يف الساحل الغربي إلفريقيا يكمن يف تأمني أنابيب النفط<br />
»تشاد-الكاميرون« إلى خليج غينيا، باإلضافة إلى أن النفط<br />
اإلفريقي يتفوق على النفط اخلليجي مبيزات مثل قربه اجلغرايف<br />
من السواحل الشرقية األمريكية وأوروبا، وانخفاض نسبة الكبريت<br />
فيه مما يقلل من عملية التكرير، وكذلك عدم قدرة الدول اإلفريقية<br />
على تبني سياسة نفطية مُوحدة جتاه الغرب وأمريكا«.<br />
لذلك البد أن تعمل دول مجلس التعاون اخلليجي بشكل جماعي<br />
على االهتمام مبلف العاقات اخلليجية اإلفريقية ولن تستطيع دولة<br />
خليجية أن تعمل مبفردها يف تلك الساحة التي تشهد تنافس دولي.<br />
إفريقيا كما ينبغي أن نراها »رؤية خليجية«<br />
تعددت الروايات حول أصل كلمة إفريقيا، فهناك من<br />
يقول معناها »الكهف« يف إشارة إلى أن األفارقة كانوا يسكنون<br />
الكهوف، وهناك من يقول إن االسم يعود إلى ملك من ملوك<br />
التبابعة »إفريقيس بن املنار«، أما املصريني القدامى فإفريقيا<br />
عندهم تعني أرض املياد، يف حني يرى اليهود أن إفريقيا تعود<br />
إلى »الفير« أحد أحفاد إبراهيم يف العهد القدمي، أما اليونانيني<br />
فيقولون أن إفريقيا تعني« أرض البرودة والرعب«.<br />
تعتبر إفريقيا أقدم املناطق املأهولة بالسكان على وجه األرض،<br />
وسكنتها مجموعة من الصيادين يطلق عليهم »اخلويسان« إحدى<br />
الساالت اإلفريقية القدمية لإلنسان احلديث وأكد العلماء أن<br />
تلك السالة متمايزة جينيًا مع جميع األفارقة ألنها لم تختلط<br />
مع أي اثنية إفريقية منذ ما يزيد عن 150عامًا، والخويسان<br />
هو اصطاح يطلقه علماء األنثروبولوجيا على جتمع قبيلتي<br />
الخوي )هوتنيتوت( والسان )بوشمن( فاشتق األسم من<br />
الخوي والسان ليصبح« اخلويسان«، فبعد انتهاء العصر<br />
اجلليدي عاد األفارقة إلى املرتفعات الداخلية بعد أن حتولت<br />
صحراء إلى ربوع خضراء إال أن املناخ اجلاف الذي ساد عموم<br />
إفريقيا منذ 5000 سنة قبل املياد دفع األفارقة إلى وادي النيل<br />
وأسسوا ممالك عظيمة مثل النوبية واملروية والفرعونية.<br />
وجنح الغرب يف إيجاد االنقسامات التي تضمن له استمرارية جتارة<br />
الرق بل ونشأ الرق الداخلي لصالح الفئة التي كانت تخدم مصالح<br />
االستعمار، وجنح الغرب بعد ذلك يف ابتكار الوسائل والسياسات<br />
التي يحافظ من خالها على إفريقيا يف موقع التابع بعدما جنح
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
32<br />
العدد ملف<br />
العدد قضية<br />
يف أن يجعل من االستقال استقاالً شكليًا، بل وما زال هناك 14<br />
بلدًا إفريقيّا يضع %85 من احتياطاته األجنبية يف البنك املركزي<br />
الفرنسي كضريبة لفوائد االستعمار، ويُسمح لتلك الدول بالوصول<br />
إلى %15 فقط وإذا احتاجت تلك البلدان ملبالغ إضافية فعليهما من<br />
ال %65 من أموالهم اخلاصة يف اخلزانة الفرنسية وبأسعار جتارية.<br />
أما واشنطن، فبعد بروز القوى اإلسامية يف القرن األفريقي،<br />
فقد طرحت ما يسمى بالقرن األفريقي الكبير، وتأسيس املجلس<br />
االستشاري اإلفريقي، وإنشاء أفريكوم، تا ذلك إصدار African(<br />
)Oil Policy Initiative Group كتابًا أبيض ينص على ضرورة<br />
استبدال النفط اخلليجي بالنفط اإلفريقي خاصة بعد صدور تقارير<br />
اقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020م، ستحصد الواليات<br />
املتحدة ربع نفطها من إفريقيا، أضف الى ذلك أن النفط اإلفريقي له<br />
ميزات يتفوق بها على النفط اخلليجي مثل، انخفاض نسبة الكبريت<br />
مما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل اإلفريقية من الساحل<br />
الشرقي ألمريكا وهذا ما أعطى النفط اإلفريقي ميزة القرب<br />
اجلغرايف التي ينافس النفط اخلليجي، كما أن الدول اإلفريقية<br />
متمايزة عرقيًا وثقافيًا ال يضمها رابط ثقايف تاريخي مشترك مما<br />
يعيق تبنيها سياسة نفطية موحدة جتاه واشنطن والغرب، ومن هنا<br />
ميكن أن نفهم حرص واشنطن على تمديد قانون النمو والفرص<br />
يف إفريقيا ملدة عشر سنوات مما سيوفر الضمانات الازمة<br />
لاستثمارات األمريكية طويلة األجل، أما الصني فأسست ما<br />
يسمى بمنتدى التعاون الصيني اإلفريقي- فوكاك- وبلغت قيمة<br />
االستثمارات الصينية يف إفريقيا 26 مليار دوالر أمريكي.<br />
إفريقيا: رؤية خليجية<br />
بما أن دول الخليج تهدف إلى تهيئة اقتصادها<br />
للتنافسية واالنفتاح، فيمكن االستفادة من الساحة<br />
اإلفريقية، فنظراً حلاجة إفريقيا لنحو 93 مليار دوالر سنويًا<br />
لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة اإلفريقية حتى عام<br />
2020م، فإن قطاع البنية التحتية أهم القطاعات التي ميكن<br />
التعاون فيها بني مجتمعي األعمال اخلليجي واإلفريقي.<br />
من جانب آخر، تظل إفريقيا هي القارة األهم يف مجال<br />
اإلنتاج الزراعي والغذائي، حيث ميثل قطاع الزراعة أحد أهم<br />
القطاعات التي ميكن لدول اخلليج النظر إليها لتوفير األمن<br />
الغذائي، كما ميكن استثمار املوقع اجلغرايف اخلليجي كجسر<br />
بني إفريقيا والصني وذلك يتطلب تفعيل الهياكل املؤسسية<br />
وإقناع الشركات االقتصادية اإلفريقية بإنشاء مراكز لها يف<br />
دول اخلليج حيث ستجد الكثير من املزايا اإليجابية من ناحية<br />
التكلفة مبا يف ذلك عدم وجود ضريبة على الشركات والدخل<br />
والطاقة الرخيصة، ومن املُفيد للشركات اخلليجية أن تنظر إلى<br />
اخلصائص االستثمارية يف األسواق اإلفريقية كل على حدة.<br />
معوقات العالقات الخليجية اإلفريقية<br />
بلغ متوسط النمو يف الدول اإلفريقية قرابة %6.5 ، ومن املتوقع<br />
أن تشهد القارة منوًا بنسبة تزيد عن %، 8 كما يُتوقع أن تكون سبع<br />
دول إفريقية من بينها إثيوبيا، وموزمبيق، ونيجيريا، من بني اقتصادات<br />
دول العالم العشر األسرع منوًا يف السنوات اخلمس القادمة، ووفقًا
العدد قضية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 33<br />
العدد ملف<br />
ل ايرنست ويونغ فإن عدد مشاريع االستثمارات األجنبية املباشرة<br />
يف إفريقيا ارتفعت بنسبة %27، ووفقًا ملفوضية األمم املتحدة للتجارة<br />
والتنمية )األونكتاد(، و تدفقات االستثمار األجنبي املباشر إلى دول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء ارتفعت إلى أكثر من 36.9 مليار دوالر ، كما<br />
ارتفع االستثمار فيما بني هذه الدول بنسبة %17.<br />
ورغم ذلك فاحلضور السياسي اخلليجي يف إفريقيا ما<br />
زال متواضعًا وانحصر على حصول بعض دول مجلس التعاون<br />
على عضوية يف املنظمة الفرانكفونية واالحتاد اإلفريقي<br />
بصفة مراقب، والدليل على ضعف احلضور اخلليجي<br />
يف إفريقيا كان يف القمة األمنية األخيرة التي عُقدت يف<br />
أبوجا 2016/5/21م، فلم تشهد مشاركة<br />
أي وفد خليجي ميثل املصالح اخلليجية يف<br />
نيجيريا، رغم احتضان نيجيريا الستثمارات<br />
خليجية يف قطاع االتصاالت والبنى التحتية،<br />
وصندوق تنمية غرب إفريقيا وهو صندوق<br />
سعودي يمارس نشاطه يف غرب إفريقيا،<br />
كما أنّ دول الخليج من الفاعلين يف<br />
مكافحة القرصنة بخليج غينيا، ولعل<br />
من األسباب الرئيسية التي ساهمت<br />
يف ضعف الحضور الخليجي يف إفريقيا<br />
هو الحضور األمريكي املتصاعد واملهتم بالنفط اإلفريقي<br />
األقل تسيسً ا من نفط الشرق األوسط وهو ما يمكن أن<br />
يحول العاقة بني إفريقيا واخلليج العربي من التعاون إلى<br />
تنافس، كما أن ضعف التمثيل الدبلوماسي اخلليجي يف<br />
هذه الدول يعتبر أهم معوق لتطور العاقات السياسية<br />
ويرجع ذلك إلى عدم االستقرار السياسي لبعض الدول<br />
اإلفريقية، ووجود صورة سلبية يف الذهنية اخلليجية عن دول<br />
إفريقيا، إال أن احلضور االقتصادي اخلليجي يف إفريقيا يتفوق<br />
على احلضور السياسي، فدول اخلليج جنحت يف تدشني بعض<br />
املشاريع االستثمارية يف بعض هذه الدول، إال أنها لم توظف<br />
هذه االستثمارات مبا يخدم مصاحلها السياسية فعلى سبيل<br />
املثال توجد استثمارات خليجية يف أريتيريا وأثيوبيا جتاوزت<br />
13 مليار دوالر إال أن هذه الدول لم تدعم عاصفة احلزم، بل<br />
لم تكتف باحلياد أمام ما يجري يف اليمن بل حتولت أريتيريا<br />
لقاعدة حتتضن ما يسمى باحلرس الثوري اإلفريقي التابع<br />
للحرس الثوري اإليراني والذي كان يساند مليشيات احلوثي،<br />
أما أديس أبابا فهي ال ترغب بوجود عربي فاعل قريب من<br />
دول القرن اإلفريقي نكاية يف مصر من جانب ويف الصومال من<br />
جانب آخر، فالقاهرة حتظى بدعم مجلس التعاون باعتبارها<br />
حليف استراتيجي، أما الصومال فهو يطالب بإقليم أوجادين<br />
%6.5 متوسط النمو<br />
في إفريقيا و سبع<br />
دول أفريقية مرشحة<br />
ضمن االقتصادات<br />
العشرة األسرع نمواً<br />
املغتصب من أثيوبيا ،إضافة إلى افتقار أديس أبابا ملسطحات<br />
مائية جعلها تدعم االقتتال وانفصال الصومال املركزي عن<br />
إقليمي بونتاند وصوماالند واستغال موانئ تلك األقاليم<br />
الصومالية إلنعاش صادراتها ووارداتها.<br />
أرى أنه البد أن يكون هناك حتليل منطقي للوضع يف<br />
إفريقيا جنوب الصحراء ألن الصورة ما زالت سلبية يف اخلليج<br />
عن هذه الدول، فرغم أهميتها وأصبح أغلبها أعضاء يف تكتات<br />
اقتصادية قوية مثل البريكس واإليكواس والكوميسا إال أن دول<br />
مجلس التعاون تكاد تكون غير حاضرة »سياسيًا» يف تلك الساحة.<br />
الدول اإلفريقية المؤهلة لتعزيز التواجد الخليجي<br />
أوالً: مدغشقر<br />
تنبع أهمية مدغشقر كونها مصدر ألحد أثمن<br />
التوابل يف العالم -زراعة الفانيا-وعضو يف رابطة<br />
دول احمليط الهندي للتعاون اإلقليمي، وعضو يف<br />
منظمات الكوميسا والساداك ومنظمة التجارة<br />
العاملية واألونكتاد وأحد االقتصادات الناشئة يف<br />
إفريقيا هذا باإلضافة إلى سعيها إلقامة ممر<br />
ماحي من نهر النيل إلى مدغشقر وهي ميناء<br />
رئيسي لدول شرق إفريقيا كونها رابع أكبر جزيرة<br />
يف العالم مبوقعها االستراتيجي على احمليط الهندي، ووضعتها<br />
الوكالة األمريكية ملعلومات الطاقة يف قائمة دول إنتاج البترول<br />
املستقبلية يف إفريقيا ويقدر االحتياطي بنحو 1.7 مليار برميل.<br />
تشهد جزيرة الفانيا اليوم تنافساً دولياً ال تخطئه العني<br />
فالواليات املتحدة رفعت كل القيود عن املساعدات املباشرة<br />
ملدغشقر، كما قامت بتوجيه دعوة لرئيس مدغشقر حلضور<br />
القمة األمريكية-اإلفريقية، وقدمت واشنطن لها برامج لألمن<br />
الغذائي والصحة وتعهد البنك الدولي بتقدمي دعمًا ماليًا لها<br />
بقيمة 400 مليون دوالر، أما فرنسا، فقد قامت شركة النفط<br />
الفرنسية توتال بشراء حصة تبلغ %60 يف حقل بيموالجنا من<br />
شركة مدغشقر أويل وحصلت على ترخيص احلقل، وقدمت<br />
منحة قيمتها 3,8 مليون يورو ملدغشقر لضمان االستثمار<br />
واخلروج من األزمة االقتصادية، ومن جانب آخر نرى أن<br />
الصني كونها أكبر شريك جتاري إلفريقيا، فقد أسست معهد<br />
كونفوشيوس بجامعة أنتاناناريفو لتأهيل الطلبة املدغشقريني<br />
لدراسة اللغة الصينية ونظمت جائزة أطلق عليها جائزة اإلسهام<br />
البارز يف نشر ثقافة الصني لعام 2015م، من جانب آخر انعقدت<br />
القمة اآلسيوية اإلفريقية األخيرة يف جاكراتا ابريل 2015م،<br />
برئاسة مشتركة بني إيران ومدغشقر وكانت بعنوان تعزيز تعاون<br />
اجلنوب-اجلنوب لتعزيز السام والرفاهية العاملية، وميكن فهم
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
34<br />
العدد ملف<br />
العدد قضية<br />
ذلك كمؤشر على ما يتم تداوله يف الصحافة اإلسرائيلية بأن<br />
مدغشقر إحدى الساحات احملتملة للتنافس اإليراني اإلسرائيلي.<br />
طهران كما جنحت يف تنسيق سياسات اقتصادية يف نيجيريا<br />
والسنغال ومالي أضرت باملصالح اخلليجية والعربية هناك<br />
فإنها ستسعى للنجاح يف شرق إفريقيا وجناحها يعني توقف<br />
املفاوضات التي وصفت باملتقدمة بني دول اخلليج ومدغشقر<br />
إلدارة أحد املوانئ فضاً عن ميناءين جاري توقيع عقود<br />
إداراتهما، وإضعاف االستثمارات اخلليجية والعربية الهادفة إلى<br />
التركيز على قطاع الغاز الطبيعي املُسال كونه أهم القطاعات<br />
التي تدعم توسعها املستقبلي خاصة يف ظل الدراسات املستقبلية<br />
التي تتوقع تضاعف حجم سوق الغاز الطبيعي املُسال بحلول<br />
2020م، كما ميكن إليران أن تلعب دورًا يف مدغشقر مثل التأثير<br />
على النظام السياسي بدعم مرشحني للرئاسة متامًا كما حدث<br />
يف جزر القمر عندما دعمت الرئيسني أحمد سامبي وخليفته<br />
إكليل ظنني خاصة أن هناك جالية شيعية يف مدغشقر ومراكز<br />
جعفرية مثل مركز الزهراء يف مدينتي نوسيبي وانبيلوبي.<br />
الشراكة الخليجية المدغشقرية<br />
وقعت دول مجلس التعاون اتفاقية مع حكومة مدغشقر<br />
لرصف وتطوير طريق سوينرانا افوجنو مانانارا ذي املسارين<br />
بطول 117 كم، وتشييد جسور جديدة لربط املناطق الريفية<br />
بالعاصمة انتاناناريفو، ومتويل مشروع توليد الطاقة الكهرومائية<br />
يف مدغشقر ويقدم املشروع اليوم نحو 58 ميغاوات من الكهرباء،<br />
إال أن الدور اخلليجي يف جزيرة مدغشقر ما زال ضعيفاً، وميكن<br />
لدول اخلليج تعزيز دورها بدعم الشراكة ومضاعفة اجلهود يف<br />
التعاون اإلقليمي، واالستفادة من الفرص املتاحة واملمكنة كتعزيز<br />
دور موانئ دبي العاملية يف إفريقيا خاصة أن التعاون البحري<br />
سيصبح أحد أعمدة االستراتيجية اإلفريقية اآلسيوية ومن<br />
املفيد لدول اخلليج أن تبرز دورها يف احتاد التعاون اإلقليمي<br />
القادم الذي سيقام يف اكتوبر 2016م، بالشراكة مع أحد الدول<br />
اإلفريقية املرشحة لقيادة إفريقيا يف املرحلة القادمة كنيجيريا<br />
مثاً، كما ميكن تعزيز ومضاعفة االستثمارات يف املوانئ اإلفريقية<br />
مثل ميناء جيبوتي، وميناء بربره يف الصومال، ميناء تاماتاف<br />
يف مدغشقر، ومحطة بونتايوروبا البحرية يف غينيا االستوائية،<br />
ومحطة حاويات ميناء مابوتو يف موزمبيق مبحطة موانئ دبي<br />
العاملية – دكار يف السنغال أكبر محطة بحرية يف غرب إفريقيا،<br />
من جانب آخر جزيرة الفانيا غنية باملياه حيث يبلغ احلجم<br />
الكلي للموارد املائية لتلبية االحتياجات املتنوعة للسكان يف<br />
مدغشقر حسب ما أصدره صندوق التنمية اإلفريقي لعام 2015<br />
)449( مليار م3 سنويًا مبا يعني أن املوارد املائية تفوق حاجات<br />
السكان، كما متتلك مدغشقر إمكانيات مائية من املوارد اجلوفية<br />
والسطحية إال أن ضعف البنية التحتية والتوزيع اجلغرايف املتفاوت<br />
للموارد حالت دون حصول الكثير من السكان على هذا املورد<br />
احليوي األساسي فأقل من %50 من سكان مدغشقر يحصلون<br />
على مياه الشرب، وبالتالي ميكن لدول اخلليج االستفادة من تلك<br />
املياه لزيادة استثماراتها الزراعية يف مدغشقر خصوصً ا بعد أن<br />
أطلقت احلكومة هناك برنامجً ا مدته أربع سنوات من 2015-<br />
2019م، لتحقيق ارتفاع يناهز النصف مقارنة بالوضع احلالي<br />
إضافة إلى الترفيع يف معدل احلصول على البنية التحتية<br />
للصرف الصحي والنظافة من %50 إلى%67 بحلول 2019م،<br />
ويحتاج لتنفيذه 163 مليون دوالر، فالبرنامج يهدف إلى إعادة<br />
3<br />
التوازن لتلك املقاربة التي تؤكد أن سرعة تدفق املياه تبلغ 10م<br />
يف الثانية ما يعني إمكانية االستفادة من تلك املياه وتصديرها<br />
واستخدام اإليرادات لتمويل أشغال اإلمدادات، غير أن مدغشقر<br />
ال تستعمل تلك األموال التي كان مبقدورها احلصول عليها، ومبا<br />
أن التعاون البحري سيصبح أحد أعمدة االستراتيجية اإلفريقية<br />
اآلسيوية اجلديدة خاصة أن الدول اإلفريقية اليوم تتجه نحو<br />
تعزيز التجارة واالستثمار كمحرك للنمو وإعادة الزخم للقضايا<br />
اجلوهرية اخلاصة بحركة دول اجلنوب- اجلنوب وبشكل خاص<br />
القضايا اخلاصة بالرخاء واالستقرار للبلدان اإلفريقية واآلسيوية<br />
فبالتالي ميكن إيجاد أرضية مشتركة والتعاون مع الدول<br />
اإلفريقية، كما ميكن تعزيز دور األزهر الشريف يف مدغشقر.<br />
ثانيًا: الصومال<br />
الصومال، مملكة النبط وأرض الرمح واألبل، أرض العطور<br />
ومركز اإلشعاع الفكري لشرق إفريقيا منذ أكثر من أربعة آالف<br />
سنه قبل املياد، أرض الزعيم اخلالد )أحمد جري( الذي يرجع<br />
الفضل إليه يف نشر اإلسام من الصومال حتى باد النوبة يف<br />
القرن السادس عشر امليادي. قصدت الصومال عام 2011م،<br />
يف رحلة علمية بدأت من أبيدجان يف ساحل العاج وانتهت إلى<br />
مقديشو، وما بني العاصمتني وجدت أن مفهوم السلم ظل مفهومًا<br />
مُحيرًا طوال تاريخ أفريقيا بعد احلقبة االستعمارية، وثبت أن<br />
السلم والتنمية أصعب وأعقد يف حتقيقهما مما تنبأ به املتفائلون<br />
األفارقة يف احلقبة التي تلت االستقال مباشرة وذلك لعدد من<br />
العوامل، فبعد االستقال خرجت الصومال بصراعات اختلط فيها<br />
السياسي بالقبلي باالقتصادي وإدارات إقليمية انفصالية يضعف<br />
ارتباطها باحلكومة االحتادية وال تسيطر باملطلق على األراضي<br />
التي يدعون متثيلهم لها إال أن املوقع االستراتيجي لهذه األقاليم<br />
واحتوائها على مخزون نفطي مع ظهور قوى إسامية جهادية دفع<br />
القوى الدولية واإلقليمية على إذكاء الصراع يف الصومال ، حتى
جاء ما يسمى ب ( احتاد احملاكم اإلسامية( وعرفت الصومال<br />
فيه نوع من االستقرار بعد أن جنح يف بسط سيطرته على<br />
األراضي الصومالية ملدة ستة أشهر إال أن احملاوالت اإلقليمية<br />
والدولية جنحت يف إنهاء حكم احملاكم اإلسامية بحجة محاربة<br />
اإلرهاب، ثم جاءت حركة )الشباب املجاهدين( التي كانت الذراع<br />
العسكري الحتاد احملاكم اإلسامية لتبدأ الصومال فصاً جديدًا<br />
من غياب السياسة مبفهومها التوافقي مقابل إعاء املصالح<br />
اخلاصة والفئوية فانتشر الفساد والفقر ولغة الساح.<br />
بدأت القوى الدولية تتصارع يف الصومال بعد أن أعلن<br />
البنك الدولي أنها مرشحة يف ريادة إنتاج النفط، لذلك حرصت<br />
بريطانيا على تولى زمام املبادرة ملقاربة يف مؤمتري لندن فبراير<br />
2012 إلى مايو 2013م، ودخول تركيا بقافلة استثمارات قُدرت<br />
باملليارات لبلد لن يستطيع سداد ما يضخُ فيه من أموال، وكانت<br />
قد أصدرت سلطة احلماية البريطانية تقريرها األول الذي خرج<br />
بنتيجة أن االحتياطات املتوقعة يف الصومال بلغت مائة مليار<br />
برميل نفط وبذلك تكون الصومال قد تساوت مع الكويت من<br />
حيث احتياطاتها، ومنذ ذلك الوقت تشهد صراعاً دولياً يرقى<br />
ملستوى احلرب الباردة بني جميع األطراف.<br />
التنافس الدويل يف الصومال<br />
أبرمت شركة RESOURCES( )JACKA االسترالية اتفاقًا<br />
مع LIMITED( )PETROLEUM على أن حتصل على نسبة<br />
)%50( من امتياز النفط يف أرض الصومال وأكدت الشركة<br />
االسترالية أن منطقة )هبرقرحجس( شبيهة جيولوجيًا ألحواض<br />
أوغندا واليمن التي أكتشف فيها احتياطيات من النفط والغاز<br />
الطبيعي، من جانب آخر بدأت شركة QUEST( PETRO<br />
LIBERTY( التابعة لشركة االستكشاف األمريكية )AFRICA<br />
)PETROLEUM بعقد للحصول على قطاع من حكومة أرض<br />
الصومال )غاملودوغ( ويبدو أن امتياز شركة ليبرتي تتداخل مع<br />
قطاع تزعم شركة )SHELL( الهولندية البريطانية أنها صاحبة<br />
االمتياز فيه يف رسالة حصرية وجهتها شركة شل بتاريخ 4-24-<br />
2013م، تطالب فيه من السلطات الصومالية أن تؤمن حقوقها<br />
احلصرية يف هذا القطاع، وأعلن حتالف شركات HORN(<br />
RED EMPEROR( و )AFRICA OIL و)CORP )OIL<br />
)COMPANY بأعمال حفر لبئرين بتروليني يف منطقة )نوغال(<br />
و)طرور( يف اإلقليم الشمال الشرقي للصومال، كما مت اإلعان<br />
العدد قضية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 35<br />
%70 من المخزون النفطي في غرب إفريقيا والقارة<br />
السمراء تنتج %25 من نفط العالم 2020<br />
العدد ملف<br />
عن تقاسم أمريكي كندي يف إنتاج النفط يف ذات اإلقليم بني<br />
شركتي )CANMEX) و RESOURCES( RANGE(،كما<br />
أعدت شركة االستشارات األمنية البريطانية )أسابي( للمخاطر<br />
مخطط وحدة حماية النفط يف أرض الصومال )OPU( عام<br />
2013م، والتي تتعاقد معها جميع شركات النفط العاملة يف أرض<br />
الصومال وتتراوح تكلفتها من 20 إلى 25 مليون دوالر سنويًا، إال<br />
أن ما يواجه هذه الوحدة غياب قانون ينظم نشاطها مما يؤهلها<br />
لتكون قوة شبه عسكرية فأي خدمات أمنيه جديدة خارج إطار<br />
أجهزة الشرطة واجليش واالحتجاز يجب أن يقرها البرملان.<br />
النشاط االستثماري الخليجي يف الصومال<br />
خليجيًا، وقعت شركة )P&O( Peninsular and(<br />
)Oriental Steam Navigation Company اململوكة إلمارة<br />
دبي مذكرات تفاهم لتطوير ميناء بربرة الدولي يف مارس<br />
2015م، كما قادت دولة اإلمارات مبادرة املصاحلة بني األطراف<br />
الصومالية التي متثلت ب )ميثاق دبي( للمصاحلة الصومالية<br />
الذي جاء تأكيدًا حملادثات لندن وإسطنبول لتعزيز املصاحلة،<br />
ويعد هذا امليثاق االتفاق األول من نوعه بني احلكومة الصومالية<br />
وحكومة أرض الصومال منذ أكثر من 21 عامًا.<br />
جنحت شركة غاز رأس اخليمة، و)DNO( النرويجية<br />
اإلماراتية يف احلصول على عقد بدء العمل يف الصومال،<br />
كما قدرت االستثمارات السعودية يف الصومال بحوالي 40<br />
مليون ريال ساهمت اململكة بوجه خاص يف ارتفاع الصادرات<br />
الصومالية على مدى السنوات الست املاضية، يف أعقاب خطوة<br />
لرفع حظر دام تسع سنوات على استيراد املاشية من الصومال<br />
درءًا النتشار حمى الوادي املتصدع، وتشكل الثروة احليوانية<br />
الدعامة األساسية لاقتصاد الصومالي، إذ تساهم بنحو % 40 من<br />
الناجت احمللي اإلجمالي، أما االستثمارات الكويتية يف الصومال<br />
فاقتصرت على محطة الكهرباء يف مقديشو، أما دولة قطر فقد<br />
أبرمت اتفاقية مع جمهورية الصومال لتنظيم استقدام العمالة<br />
الصومالية، إضافة إلى وجود جلنة قطرية صومالية مت تشكيلها<br />
مؤخرًا لدعم الصحة والتعليم يف الصومال، وبالرغم من أن هناك<br />
سبع دول عربية أعادت فتح سفاراتها يف الصومال على مدى<br />
السنوات املاضية وجميعها يعمل يف مقرات مؤقتة باستثناء سفارة<br />
دولة اإلمارات التي بنت مقر لها مبقديشو، ورغم ذلك ما زال<br />
الدور العربي لم يرق بعد إلى مستوى تطلعات الصوماليني.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
36<br />
العدد ملف<br />
العدد قضية<br />
ولتعزيز دور خليجي يف الصومال البد من التفريق بني املوقف<br />
السياسي اخلليجي الداعم لوحدة األراضي الصومالية وبني املصالح<br />
اخلليجية املتواجدة يف األقاليم شبه املستقلة فابد من مضاعفة<br />
الفرص االستثمارية اخلليجية يف األقاليم الصومالية خاصة أنها<br />
تشهد أمنًا واستقرارًا، واالبتعاد عن إشكالية السياسي واإلنساني.<br />
ثالثًا: جيبوتي<br />
تأتي أهمية جيبوتي بحكم موقعها االستراتيجي الهام يف العالم<br />
بني احمليط الهندي وقناة السويس، كما تؤمن موانئ جيبوتي<br />
خطوط املواصات مع أثيوبيا التي ال تطل على أي مسطحات<br />
مائية، وتطمح جيبوتي إلى تغطية كامل القارة، وتأكد ذلك من<br />
خال رؤية جيبوتي املستقبلية ملوانئ األقاليم الصومالية الشبه<br />
مستقلة مثل )صوماالند و بونتاند( التي ترى فيها جيبوتي منافس<br />
حقيقي لها، ومع قيام حكومة أرض الصومال بتصدير املواشي<br />
الى دول اخلليج عبر ميناء بربرة تقدمت جيبوتي باقتراح أن يتم<br />
التصدير عبر أراضيها كونها دولة مستقلة معترف بها دوليًا على<br />
عكس إقليم أرض الصومال أو إقليم بونتاند.<br />
جيبوتي ودول الخليج العربي: برزت أهمية جيبوتي بالنسبة<br />
لدول مجلس التعاون عندما أعلنت رسميًا فتح مجالها اجلوي<br />
لتحالف عاصفة احلزم، أما اقتصادياً جنحت جيبوتي يف فرض<br />
نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بني آسيا وإفريقيا وحصلت<br />
شركة موانئ دبي العاملية على حقوق االمتياز إلدارة وتشغيل<br />
ميناء جيبوتي ملدة 20 عامًا واستثمرت اإلمارات مليار دوالر<br />
يف جيبوتي لبناء فنادق وتشييد منطقة حره إلى جانب توفير<br />
اخلدمات اجلمركية، إال أن صفو االستثمارات اإلماراتية تعكرت<br />
يف جيبوتي بسبب النزاع القضائي الذي رفعته احلكومة اجليبوتية<br />
ضد شركة موانئ دبي العاملية بشأن امتياز ميناء جيبوتي، ولم<br />
يثار موضوع إلغاء االمتياز إال يف عام 2014م، وهو العام التالي<br />
الذي أعلن فيه عزم الصني بناء قاعدة عسكرية دائمة ملكافحة<br />
القرصنة وستعمل قبل نهاية 2017م، لضمان أمن السفن الصينية<br />
التي متر عبر مضيق باب املندب، والبحرية الصينية قامت بأكثر<br />
من عشرين مهمة قتالية يف سواحل خليج عدن والسواحل<br />
الصومالية، وحتاول الترويج لفكرة أن قاعدة جيبوتي ال تهدف<br />
للتوسع يف منطقة القرن اإلفريقي، ولكن منح الصني ستني<br />
مليار دوالر لدول إفريقيا جنوب الصحراء على شكل قروض<br />
وتأسيسها للمنتدى الصيني - اإلفريقي )فوكاك(،يؤكد أن الصني<br />
ماضية يف طريقها نحو التوسع بدون توقف، أما السعودية فكان<br />
هناك مقترح بفتح خط بحري ماحي بني جازان وجيبوتي ألن<br />
املشاريع التي يتم العمل عليها بني اجلانبني تتطلب ضرورة توفر<br />
خطوط ماحة خللق توأمة بني موانئ البلدين، وقدمت الرياض<br />
مبلغ 50 مليون دوالر كمنحة لدعم برنامج االستثمار الوطني<br />
اجليبوتي لعام 2015 م، وذلك يف إطار مساعدات دول مجلس<br />
التعاون جليبوتي والتي تقدر ب 200 مليون دوالر أمريكي، أما<br />
قطر فساهمت يف تطوير مشروع طاقة الرياح.
العدد قضية<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 37<br />
العدد ملف<br />
رابعًا: الغابون<br />
الغابون أو غاباو كما أطلق عليها البرتغاليون ذلك االسم عندما<br />
زاروها ألول مره يف القرن اخلامس عشر وتعني كلمة ( غاباو(<br />
املعطف بأكمام وقلنسوة الرأس، ومصب نهر كومو يف الغابون<br />
يشبه ذلك املعطف، ولم تكن للغابون يف ذلك الوقت أية عاصمة<br />
فظهرت فرنسا مبظهر احلامي للباد وقامت بتوقيع معاهدة<br />
مع أمراء السواحل الغابونيني بني عامي 1841-1839م ويف عام<br />
1849م استولى الفرنسيون على سفينة مُحملة بالرقيق وأطلقوا<br />
سراحهم عند مصب نهر كومو فأطلق الرقيق على تلك األرض<br />
)ليبرفيل( ومعناها ( املدينة احلرة( التي أصبحت منذ الوقت إلى<br />
يومنا هذا هي عاصمة جمهورية الغابون، عندما<br />
استقلت الغابون عن فرنسا 1960م، كانت املصالح<br />
الفرنسية عنصراً حاسماً يف حتديد مستقبل<br />
الزعامة يف الغابون بعد االستقال فتدفقت<br />
األموال الفرنسية على احلملة االنتخابية التي<br />
ناصرت عامل اجلمارك اجلابوني املنفي واملُدان<br />
بجرمية قتل ومؤسس »احلركة املختلطة الغابونية«<br />
التي حتولت بعد ذلك إلى »التكتل الدميوقراطي<br />
الغابوني« املُرتبطة بالتجمع الدميوقراطي اإلفريقي<br />
السيد ( ليون إمبا( الذي أصبح أول رئيس للغابون<br />
بعد االستقال وعرفت الغابون يف عصره القمع ومت تغيير الدستور<br />
وأصبح نظام ( ليون إمبا (، تولى احلكم بعد ذلك )ألبرت بيرنارد<br />
بوجنو( عام 1967م، الذي اعتنق اإلسام 1973م، وغير اسمه إلى<br />
)عمر بونغو أوندميبا( وعرفت الغابون يف عهده التعددية احلزبية<br />
وطوال فترة حكمه املمتدة 43 عاما 2009-1967م، كانت الباد<br />
مستقرة واستفادت الغابون من الثروة النفطية، بعد وفاته تولى<br />
احلكم ابنه علي بونغو اوندميبا وهو رئيس الغابون احلالي .<br />
أهمية الغابون دوليًا: تأتي أهمية الغابون كونها أحد أهم<br />
الدول املطلة على خليج غينيا )أهم مناطق التنافس الدولي(<br />
اليوم حيث يتركز %70 من مخزون إفريقيا النفطي يف الساحل<br />
اإلفريقي الغربي، ويُتوقع أن يتخطى الناجتُ النفطي العام لدول<br />
غرب إفريقيا املطلة على خليج غينيا ومنها )اجلابون( الناجت<br />
النفطي لدول اخلليج العربي بحلول عام 2020م، مبعدل %25<br />
مقابل %22 لدول اخلليج العربي، وهذا ما يدعم أن تتحول دول<br />
غرب إفريقيا إلى مورد أساسي لاقتصاد العاملي، وحتصل<br />
الواليات املتحدة األمريكية حاليًا على نسبة %15 من وارداتها<br />
النفطية من منطقة خليج غينيا وميكن أن ترتفع النسبة حلدود<br />
%25 يف السنوات القليلة القادمة، كما أكد صندوق النقد الدولي<br />
أن تشهد دول غرب إفريقيا منواً بواقع %5.8 أواخر عام 2015م،<br />
وبنسبة % 5.1 لعام 2016م، وتضم تلك املنطقة ثلث أراضي<br />
أمريكا تحصل<br />
عى %15 من وارداتها<br />
النفطية من خليج<br />
غينيا وترتفع النسبة<br />
إلى %25 قريبًا<br />
العالم املتاحة لاستثمار إلى جانب الطاقة الكهرومائية، وبلغت<br />
نسبة األراضي الصاحلة للزراعة والغير مستغلة ما بني %50-20.<br />
تعتبر الغابون ضمن دول إفريقيا العشر الرئيسية املصدرة<br />
للبترول وهذا ما جعل دخل الفرد فيها أعلى بأربع مرات من<br />
متوسط منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وهي خامس أكبر<br />
منتج للنفط يف إفريقيا جنوب الصحراء إذ تنتج نحو 250<br />
ألف برميل يوميًا والذي ميثل نحو % 80 من صادراتها ومن<br />
املقرر اكتمال بناء مصفاة نفط ثانية لتكرير 50 ألف برميل<br />
يوميًا وحتويل جزء من نفط الباد إلى منتجات عام 2016م.<br />
الغابون اليوم عضو يف جتمع ( السيماك ) »االحتاد<br />
االقتصادي والنقدي لوسط إفريقيا« )CEMAC(<br />
والذي يهدف إلى تعزيز عملية التكامل االقتصادي<br />
باإلضافة إلى استخدام عملة موحدة قابلة للتحويل<br />
وهى الفرنك اإلفريقي، هذا التجمع االقتصادي<br />
اإلقليمي ميثل سوقاً ل 30 مليون مستهلك<br />
،وتفتخر الغابون بامتاكها شبكة اتصاالت قوية.<br />
العالقات الغابونية الخليجية: وقعت اإلمارات<br />
يف أغسطس 2015م، اتفاقية األجواء املفتوحة مع<br />
الغابون، وبناء على ذلك ستكون شركات الطيران<br />
لكا الطرفني احلق يف أداء اخلدمات اجلوية<br />
املنتظمة بني البلدين، ويف ملتقى االستثمار السنوي الذي أقيم<br />
يف اإلمارات حضر وزير التجارة والشركات الصغيرة واملتوسطة<br />
جلمهورية الغابون )غابرييل تشانغو( الذي دعا شركة االتصاالت<br />
اإلماراتية لاستثمار يف شركة ( موبيل ) لاتصاالت الغابونية،<br />
كما شاركت دولة اإلمارات يف أعمال منتدى نيويورك - إفريقيا<br />
الذى انطلقت أعماله بالعاصمة الغابونية ليبرفيل عام 2014م،<br />
أما السعودية فقد أبرمت مع الغابون يف سبتمبر 2015م، اتفاقية<br />
جتنب االزدواج ومنع التهرب الضريبي، فيما ترتبط الكويت<br />
مبعاهدة للتعاون االقتصادي مع الغابون منذ عام 1975م، وقدم<br />
الصندوق الكويتي للتنمية قرضاً بقيمة )7.5( مليون دينار كويتي<br />
لتحسني املطارات احمللية و حتسني الطريق يف الغابون.<br />
خامسً ا: الكونغو كينشاسا<br />
الكونغو هي األغنى عامليًا باملوارد الطبيعية وهذا ما سبب<br />
لها ما يُعرف بلعنة املوارد الطبيعية التي كانت سببًا يف الصراعات<br />
املتواصلة بني القوى الدولية، فهي متلك احتياطات هائلة من<br />
املعادن املُختلفة باإلضافة إلى معادن نادرة مثل )الكولتان( وحتتوي<br />
أراضيها على ثاني احتياطي عاملي من النحاس، ومتتلك %50 من<br />
الغابات اإلفريقية ومجموعة من األنهار التي ميكن أن تستخدم<br />
إلنتاج الطاقة الكهرومائية للقارة اإلفريقية بأكملها وفقًا لتقرير
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
38<br />
العدد ملف<br />
العدد قضية<br />
األمم املتحدة حول أهمية الباد، إضافة إلى امتاكها حوض<br />
الكونغو )مركز االهتمام العاملي(، فأهم ما مييز نهر الكونغو هو<br />
عدم وجود دلتا له ولديه قوة هائلة يف دفع املاء إلى البحر وهذا<br />
يعني أنه أغزر من نهر النيل وهذا ما أدركته القاهرة وجعلها<br />
تطرح ما يسمى مبشروع )ربط نهر الكونغو بنهر النيل( الرامي<br />
إلى التحكم باملوارد املائية وهذا املشروع من املرجح أن يحقق<br />
االكتفاء الذاتي من الكهرباء ملصر والكونغو والسودان.<br />
حتاول الكونغو حترير اقتصادها إال أن الوضع االقتصادي<br />
ال يزال ضعيفًا بسبب سياسات نادي باريس وسياسات التكيف<br />
الهيكلي، كما أن الكونغو ما زالت تعيش يف دوامة من االستغال<br />
للثروات الطبيعية، فكثير من املوارد الطبيعية يتم تهريبها من<br />
املناطق احلدودية، وازدهر هذا االنتهاك للثروات الطبيعية والذي<br />
يتم بصورة مخططة ومنهجية بسبب الهياكل املعدة سابقًا والتي<br />
متت تنميتها أثناء حروب متمردي قوات التحالف الدميوقراطي<br />
لتحرير الكونغو والذين كان يطلق عليها )AFDL( بقيادة<br />
لوارنس كابيا، باإلضافة إلى وجود شبكات غير قانونية شاركت<br />
فيها دول اجلوار يف فترات سابقه مثل روندا، انغوال، اوغندا،<br />
وبوروندي، ومن اجلدير بالذكر أن دولة بوروندي والتي ال تنتج<br />
الذهب واملاس والرصاص والكوبالت قامت بتصدير هذه املعادن<br />
بالتزامن مع وجود قواتها يف األجزاء الغربية جلمهورية الكونغو<br />
الدميوقراطية التي كانت غارقة بقوات عسكرية من الدول<br />
املجاورة، إضافة إلى دور الشركات األمنية اخلاصة التي متارس<br />
نوع جديد من املهام نيابة عن احلكومات وتقوم بأعمال ذات<br />
طابع عسكري وأمني وتقوم مبهام اجليوش النظامية مثل التدريب<br />
العسكري واالستخبارات والدعم اللوجستي والعمل األمني<br />
والقتالي يف مناطق النزاعات ولقد أكد االحتاد الدولي للتحقيق<br />
الصحفي OF( INTERNATIONAL CONSORTIUM<br />
)INVESTIGATIVE JOURNALISTS أن معظم تلك<br />
الشركات األمنية ضالعة يف جتارة عاملية لصناعة احلرب تبلغ<br />
عائداتها مئات املايني من الدوالرات ومبراجعة العقود التي<br />
أبرمتها الواليات املتحدة مع 12 شركة أمنية من أصل 24 شركة<br />
أمنية أمريكية املنشأ واملقر تبني أن هذه العقود بلغت 300 بليون<br />
دوالر أمريكي، وقامت تلك الشركات بالعديد من األنشطة يف دول<br />
أفريقية عديدة مثل الكونغو الدميوقراطية، زامبيا، سيراليون،<br />
اجنوال، روندا، بوروندي حلماية مواقع انتاج النفط واملعادن<br />
الطبيعية مما جعل لها نفوذًا كبيرًا يف إفريقيا جنوب الصحراء.<br />
االستثمار الخليجي يف الكونغو - كينشاسا<br />
قامت مجموعة أبو ظبي االستثمارية اإلماراتية بتنفيذ<br />
العديد من املشاريع يف مجاالت االتصاالت يف الكونغو بتكلفة 318<br />
مليون دوالر، ويف ملتقى االستثمار السنوي باإلمارات قال رئيس<br />
غرفة جتارة الكونغو أن باده جنحت يف استقطاب االستثمارات<br />
اإلماراتية مشيرًا إلى جناحها يف مجاالت الفندقية واملعارض<br />
واملجمعات التجارية يف كينشاسا، كما تولت دولة الكويت من خال<br />
Group( )Rakomesko ٢٨ للتجارة العامة واملقاوالت مجموعة<br />
من املشاريع الزراعية وافتتحت فرعًا لها يف كينشاسا، وتعاونت<br />
شركة قطر للبترول مع توتال الفرنسية يف مشروع )نورث أويل(<br />
البالغ إنتاجه 100 ألف برميل نفطي يوميًا يف الكونغو، وتوقعت<br />
وكالة« موديز« للتصنيف االئتماني أن ينمو اقتصاد الكونغو بنحو<br />
%10.2 على مدى العامني املقبلني بفضل ضخ استثمارات أجنبية<br />
كبيرة يف قطاع التعدين واالستهاك.<br />
معوقات االستثمار الخليجي يف الكونغو-كينشاسا<br />
-ارتفاع األنشطة االقتصادية غير القانونية والتي ال تُذكر يف إحصائيات<br />
الناجت احمللي اإلجمالي وهذا ما دفع احلكومة مؤخراً إلى إنشاء مناطق<br />
اقتصادية خاصة والتي ركزت على الصناعات الزراعية، والتعدينية.<br />
-االختال بني العرض والطلب والذي تسبب يف انتشار القطاعات<br />
االقتصادية غير الرسمية، كما أن الشركات الصغيرة واملتوسطة<br />
تشكو من إطار تنظيمي غير مُائم.<br />
-افتقار الكونغو لشبكات طرق حديثة بسبب سوء البنية التحتية.<br />
-سوء إدارة االقتصاد والصراع الداخلي أدى إلى انعدام الرغبة<br />
اجلادة يف االستثمار.<br />
-الكونغو الدميوقراطية ما زالت منجم للثروات الطبيعية إال أنها<br />
ترزح حتت وطأة حكومات حتافظ على املصالح الغربية وخلق ما<br />
يسمى مبصلحة )win-win( املربحة جلميع األطراف ما عدا<br />
األطراف الوطنية.<br />
وبناء على ما سبق ميكن لدول مجلس التعاون اخلليجي حتقيق<br />
تواجد حقيقي يف دول إفريقيا جنوب الصحراء من خال اآلتي:<br />
·دعم شركة موانئ دبي العاملية العاملة يف الدول املطلة على<br />
خليج غينيا وتعزيز مؤمترات مكافحة القرصنة.<br />
·مشاركة دول اخلليج يف املؤمترات اإلفريقية املختلفة.<br />
·املشاركة يف دورات مبادرة Climate« ،»South The التي<br />
تهدف إلى حتديد دور دول اجلنوب العاملي يف التصدي لتغير<br />
املناخ وصياغة حلول قابلة للتنفيذ.<br />
·تعزيز العاقات الثنائية بني دول مجلس التعاون اخلليجي ودول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء وتفعيل آليات العمل اإلسامي املشترك.<br />
·دعم سياسة األجواء املفتوحة بني دول اخلليج ودول إفريقيا<br />
جنوب الصحراء.<br />
*باحثة إماراتية في الشأن اإلفريقي
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 39<br />
العدد ملف<br />
القوى الناعمة العربية أكثر تأثيرًا في مواجهة املد اإليراني جنوب الصحراء<br />
التعاون األمني والعسكري الخليجي اإلفريقي:<br />
ضرورة لمواجهة اإلرهاب واستقرار المنطقة<br />
يف مناورات تاريخية المتصاص صدمة املتغيرات اإلقليمية والدولية، طفقت دول اخلليج تقيم شراكات استراتيجية<br />
شرقًا وغربًا. ومن بينها محاوالت تعزيز التعاون والشراكة بني اخلليج والدول اإلفريقية جنوب الصحراء كخيار<br />
استراتيجي. فإفريقيا مسرح مناسب لتنافس كثير من القوى اإلقليمية والدولية الصاعدة؛ ملوقعها الهام وتوسطها<br />
املمرات املاحية بني القارات اخلمس، وألنّ عبقرية املكان ستتضاعف يف القرن احلادي والعشرين، مما جعلها مهمة<br />
لدول اخلليج ليس لكون األمن العاملي مترابط، فحسب، بل لكون دول جنوب الصحراء تعاني من ضعف يف املوارد<br />
املالية جعلها غير قادرة على السيطرة على قرارها وعلى حدودها. فمن أشكال التنافس على دول جنوب الصحراء<br />
االستنزاف املغلف مبحاربة اإلرهاب والقرصنة كدخول الواليات املتحدة وفرنسا والصني والهند وإسرائيل وإيران<br />
وتركيا. ويف األسطر القادمة سوف نحاول تتبع إمكانية تفعيل التعاون األمني والعسكري بني دول اخلليج والدول<br />
اإلفريقية جنوب الصحراء بالتعرف على التحديات التي تواجهها الدول اإلفريقية وارتباط هذه التحديات بأمن<br />
اخلليج، كما سنحاول بحث املقاربات اخلليجية لتعاون ناجح مع هذه الدول.<br />
د. ظافر محمد العجمي<br />
تحديات تمس الخليج يف دول جنوب الصحراء<br />
للطابع الشمولي لتأثيرات العوملة، تداخلت املنظومة املصطلحية<br />
اخلليجية رغم تعدد صورها، مع مصالح الدول اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء الكبرى. وتضمن ذلك االنغماس املشترك يف الصراعات<br />
والنزاعات اإلقليمية لكن أشدها وضوحً ا هو التعامل مع اإلرهاب<br />
بوصفه تهديدًا عابرًا للحدود ثم التحدي اإليراني لدول اخلليج<br />
منطلقًا من إفريقيا بكافة صوره.<br />
اإلرهاب ومثلث الرجال والسالح والمال<br />
دفعت اخليارات الصعبة جراء الظلم وغياب العدل والدميقراطية<br />
وتفشي البطالة، الشباب اإلفريقي إلى االنضمام للجماعات<br />
اجلهادية كبديل لقوارب املوت والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا،<br />
وشكَّلت منطقتا الساحل والقرن اإلفريقي فضاء لإلعداد والتدريب<br />
والتزود لإلرهاب، كما كانتا املكان املناسب لإلنبات واإلعداد<br />
لهجمات مسلَّحة يف القارَّة وخارجها، والحقًا أتاح الربيع العربي<br />
إمكانيات وفيرة للتمكني واإلعداد للتنظيمات الإلرهابية أما<br />
الساح، فقد أدى سقوط نظام القذايف وانهيار املؤسسات األمنية<br />
يف ليبيا إلى حتويل هذا إلى مستودع أسلحة لإلرهاب يضم<br />
الساح الفردي والصواريخ املضادة للدروع وللطائرات. ويف غياب<br />
استراتيجية ملواجهة تنظيمات اإلرهاب يف دول جنوب الصحراء<br />
أسهم التمويل الذاتي الوافر لتمدد اإلرهاب عبر عمليات خطف<br />
وطلب الفدية مقابل إطاق سراح الرهائن وتوفير احلماية لعمليات<br />
تهريب السلع واملخدرات واألسلحة. ويتواجد تنظيم القاعدة يف 6<br />
دول إفريقية هي اجلزائر مالي النيجر موريتانيا ليبيا والصومال.<br />
وحتى ظهور تنظيم الدولة »داعش »يف إفريقيا عبر البوابة الليبية<br />
عام 2014م، كان يتبع لتنظيم القاعدة جماعات جهادية عدة<br />
كتنظيم »جماعة أهل السنَّة للدعوة واجلهاد« يف نيجيريا، املعروف<br />
باسم »بوكو حرام«. والقاعدة بباد املغرب اإلسامي. وأنصار<br />
الشريعة يف ليبيا وتونس، وشباب املجاهدين يف الصومال، جماعة<br />
»املرابطون« بشمال مالي وجنوب ليبيا. والعاقة شائكة بني تنظيم<br />
القاعدة وبني تنظيم الدولة وهي عاقة يلفها الكثير من الغموض<br />
مثل حتول »بوكو حرام« ملبايعة تنظيم الدولة اإلسامية وقبول
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
40<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
داعش البيعة يف 12 مارس 2015م، وكانت تتبع القاعدة وأقامت<br />
سمعتها الدموية على دعم القاعدة حيث قتلت أكثر من 20 ألف<br />
شخص وأجبرت أكثر من 2,6 مليون آخرين على الفرار. ويوجد<br />
تنظيم داعش يف أكثر من 10 بلدان إفريقية، فالتنظيم يف 7 دول<br />
إفريقية على شكل مجموعات مسلحة يف مصر، ليبيا، اجلزائر،<br />
تونس، نيجيريا، مالي، والنيجر، بينما يوجد يف شكل خايا نائمة<br />
ال تقل عن 3 وهي املغرب وموريتانيا والسودان. فهناك داعش يف<br />
نيجيريا وميثِّله تنظيم بوكو حرام. وهناك داعش يف مالي عبر<br />
تنظيم »امللثمون« املنشق عن تنظيم »املرابطون« التابع للقاعدة.<br />
وداعش يف الصومال وهم الشباب املجاهدون التي نفذت العديد<br />
من العمليات املسلحة يف كينيا. وهناك داعش يف<br />
السودان يف إقليم دارفور. كما أن هناك جيش<br />
حترير أوغندا املسلم وقد بايع »داعش« يف<br />
خريف 2015م.كما أن هناك جماعات داعشية<br />
صغيرة ومنتشرة بجنوب إفريقيا وموريتانيا<br />
وبوركينا فاسو.<br />
إيران ونوافذ إفريقيا عى جزيرة العرب<br />
متدثرة مببادئ اإلمام اخلميني لنجدة قارة<br />
املستضعفني، تسربت إيران بصمت يف مفاصل<br />
إفريقية عدة، ثم شرعت لها نوافذ مطلة على اجلزيرة العربية<br />
مدخلة منها الساح للحوثيني والتدخل يف شؤون صنعاء والرياض<br />
وشكلت تهديدًا جادًا لألمن القومي لدول مجلس التعاون اخلليجي.<br />
فاالختراقات التي حققتها إيران يف إفريقيا شكلت مشروعًا<br />
واستراتيجية عبر محاور سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واضحة.<br />
- جناح إسرائيل يف إفريقيا وإبعادها عن الصراع العربي اإلسرائيلي،<br />
أغرى إيران لتكون قاعدة إفريقيا خلفية لسياستها وحساباتها<br />
اإلقليمية والدولية. فبدت إفريقيا حاضرة وبقوة يف االستراتيجية<br />
اإليرانية ففي احملور السياسي وعبر أكثر من ثاثني سفارة، متكنت<br />
طهران من احلصول على عضو مراقب يف االحتاد اإلفريقي. وقد<br />
ساهم تواجد جالية لبنانية كبيرة تتبعها طائفيا من تسهيل تغلغلها<br />
يف بلدان إفريقية عدة، فحظيت من دول غرب إفريقيا بدعم يف<br />
احملافل الدولية وصل تأييد حقها يف امتاك برنامج نووي سلمي.<br />
- ويف املجال االقتصادي بلغ عدد البعثات ومكاتب التمثيل التجاري<br />
اإليراني حوالي 26 بعثة ومكتب. فحققت يف أفريقيا مكاسب<br />
اقتصادية ضخمة، فأصبحت املصدر األول للنفط جلنوب إفريقيا،<br />
ووقعت مع أوغندا العديد من االتفاقيات التجارية، وأقامت<br />
عاقات قوية مع السنغال، كما عرضت على كينيا املساعدة يف<br />
إقامة مشروعات للطاقة، وهو الباب الذي استخدمته بتوسع كبناء<br />
مشاريع البنية التحتية للطاقة، ومصايف النفط، ومحطات توليد<br />
تسربت إيران إىل<br />
مفاصل إفريقيا<br />
وفتحت نوافذ ها<br />
لتهديد األمن الخليجي<br />
عبر الحوثيين<br />
الكهرباء، بل وتكنولوجيا االستخدام السلمي للطاقة النووية. يسند<br />
ذلك التوسع خط جوي منتظم ملعظم إفريقيا ،عاوةً على تأسيس<br />
خطوط بحرية منها )ممباسا- بندر عباس( يسنده توقيع مذكرة<br />
تفاهم حول سبل تعزيز التعاون اإليراني الكيني.<br />
- أعطت إيران أهمية قصوى للحضور البحري األمني على البحر<br />
األحمر، وأهم مكان لتواجدها هو ميناء عصب الإلريتري، كما<br />
كان لها وجود يف جمهورية جزر القمر وجيبوتي. ويرجع اهتمامها<br />
بالتواجد العسكري يف دول جنوب الصحراء ألسباب عدة منها:<br />
- ميكّنها تواجدها بالقرن اإلفريقي بالتواصل مع احلوثة يف اليمن<br />
ودعمهم باألسلحة، وما يترتب عليه من ضغط على دول مجلس التعاون<br />
اخلليجي وبشكل خاص اململكة العربية السعودية.<br />
- يتيح تواجدها فرصة املساومة مع القوى<br />
املنافسة كالواليات املتحدة وإسرائيل. كما يعطيها<br />
نقطة ارتكاز متكنها من القيام مبهام قتالية ضد<br />
القوى الغربية، ولعل سعي إيران لتطوير عاقاتها<br />
مع كينيا وتنزانيا وجزر القمر يؤكد هذا املنحى<br />
االستراتيجي يف االختراق اإليراني إلفريقيا.<br />
- كشف تقرير ملركز بحوث تسليح الصراع<br />
عن أنه من بني 14 حالة كشف فيها عن وجود<br />
أسلحة إيرانية، هناك فقط 4 حاالت كانت مع<br />
احلكومات والعشر الباقية مع جماعات غير نظامية، قد دعمت<br />
االنفصاليني يف السنغال، ومتمردي ساحل العاج، وغامبيا، وحركة<br />
الزكزاكي يف نيجيريا.<br />
-التعاون بالقوة الناعمة الإليرانية يظهر يف إفريقيا بأشكال<br />
عدة، فقد عززت وجودها بشرق إفريقيا بإنشاء فرع لرابطة<br />
الثقافة والعاقات اإلسامية اإليرانية، ودعمت إنشاء عدد من<br />
املدارس واملساجد واملستوصفات الصحية بعدد من املدن بشرق<br />
إفريقيا، وتقوم برعاية األُسر الفقيرة، وتأسيس جمعيات خيرية،<br />
وتعطي منحاً للطاب للدراسة يف إيران. ولكون الغالبية العظمى<br />
من املسلمني السنة يف دول إفريقيا جنوب الصحراء، تتبع املنهج<br />
الصويف الذي يكره التطرف، فقد تشكلت موجة حتول بني<br />
األفارقة من سنة إلى شيعة. وأشار تقرير إلى أن عدد املتحولني<br />
للمذهب الشيعي، يف نيجيريا وهي األكبر من حيث عدد السكان<br />
بلغ %12 من سكانها املسلمني، البالغ عددهم 90 مليونًا، وكانت<br />
نسبتهم صفر تقريبًا يف عام 1980م. وتبلغ نسبة الشيعة يف تشاد<br />
%21، من إجمالي عدد املسلمني، و%20 يف تنزانيا، و%8 يف غانا.<br />
الشراكات الخليجية مع دول جنوب الصحراء<br />
يف األدبيات السياسية العربية اعتبر ولوقت طويل أن صغر املساحة<br />
وقلة عدد السكان للدولة ماذًا آمنًا لانكفاء على نفسها، وجتنب
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 41<br />
العدد ملف<br />
تضحيات أن تكون مؤثرة يف محيطها اإلقليمي. لكن دول اخلليج<br />
قلبت تلك املعادلة وصارت صوتًا مسموعًا ليس يف الشرق األوسط<br />
فحسب بل ويف اجلوار اآلسيوي واإلفريقي. ولدول مجلس التعاون<br />
اخلليجي 30 بعثة دبلوماسية أو قنصلية بالدول اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء، فيما ال يوجد أي متثيل دبلوماسي لدول مجلس التعاون يف<br />
26 دولة إفريقية. رمبا لكون دول اخلليج تسعى إلى إيجاد عاقات<br />
مع عواصم أكثر استقراراً لتضييق اخلناق على التمدد اإليراني.<br />
- فبهدف إحداث توازن استراتيجي يف املنطقة ضد إيران حتركت<br />
السعودية نحو إريتريا، وتوصلت معها إلى اتفاق تعاون عسكري<br />
وأمني واقتصادي حملاربة اإلرهاب والتجارة غير املشروعة<br />
والقرصنة يف مياه البحر األحمر، وعدم السماح ألي تدخات<br />
أجنبية يف الشأن اليمني. ويف الوقت نفسه جنحت الرياض بتعزيز<br />
العاقات مع اثيوبيا وتطويرها. كما شكّلت عمليات »عاصفة<br />
احلزم« نقطة حتول يف العاقة بني دول اخلليج واخلرطوم، فبعد<br />
أن كانت موانئ اخلرطوم مفتوحة على مصراعيها للسفن اإليرانية،<br />
شاركت السودان رسمياً مع التحالف العربي يف حرب اليمن ضد<br />
حلفاء طهران من احلوثة. كما قدم صندوق التنمية السعودية،<br />
خال عام 2014،13 م، قرضً ا ميسَّ رًا إلى الدول اإلفريقية من<br />
إجمالي 20 قرضً ا قدمها خال ذلك العام. كما سعت السعودية<br />
إلى بناء قاعدة عسكرية يف جيبوتي، املطلة على مضيق باب<br />
املندب، ومنحتها 5 زوارق بحرية سريعة ومتطورة، فساهمت<br />
جيبوتي بنجاح يف حترير جزيرة ميون اليمنية من سيطرة احلوثة،<br />
فاستعادوا السيطرة على مضيق باب املندب، واستلمته قوات<br />
اجليش الوطني اليمني الذي وصل هناك عبر جيبوتي.<br />
- نشطت دولة قطر بالقوة الناعمة وحققت جناحات كبيرة يف<br />
دول جنوب الصحراء، فكان لها دور سياسي ركزت من خاله على<br />
التوسط حلل النزاعات وإقامة الشراكات، أبرزها الوساطة بني<br />
احلكومة السودانية وحركة العدل واملساواة يف دارفور 2013م، كما<br />
توسطت بني إريتريا وجيبوتي يف عام 2010م. والصومال وإثيوبيا،<br />
وقضية الصحراء الغربية. أما الدور التنموي فتعد دولة قطر إحدى<br />
أكبر الدول الداعمة مالياً ملؤمترات املانحني يف أفريقيا، فساهمت<br />
يف تشكيل األساس لتعاون خليجي إفريقي. كما حدث يف النيجر<br />
والصومال. كما أن هناك مد إعامي متثل يف قيام قناة اجلزيرة<br />
بتغطية مناطق جنوب وشرق إفريقيا وكسر احتكار إذاعة »بي بي<br />
سي« لتلك املنطقة، باإلضافة إلى دورها اإلغاثي يف القارة من<br />
خال الهال األحمر القطري وجمعيات ومنظمات أهلية وخيرية،<br />
لبناء املساجد، ودعم املدارس اإلسامية، واملراكز الصحية مبواقع<br />
الصراعات املسلحة اخلطرة. ومن جهة أخرى ساهمت القوات<br />
املسلحة القطرية بلعب دور بارز باإلسهام يف قوات حفظ السام<br />
التي شكلتها األمم املتحدة يف العديد من مناطق العالم، فكانت يف<br />
ليبيا ثم تواجدت قوة الواجب القطرية ملراقبة احلدود اجليبوتية<br />
اإلريترية حلني توصل البلدين التفاق سام نهائي حدودي.<br />
- أشادت مصادر أممية باملؤسسات اإلماراتية اإلنسانية العاملة<br />
يف مجال اإلغاثة يف القرن اإلفريقي. كما جنحت استثمارات<br />
جتارية إماراتية عدة يف دول جنوب الصحراء. ولم تفشل دولة<br />
اإلمارات العربية املتحدة يف ترجمة املبلغ الضخم الذي مبوجبه<br />
أصبحت ثالث أكبر مستورد لألسلحة يف العالم يف 2009م. بل<br />
أصبحت قوة عسكرية فعالة مقارنة بالقوى العسكرية األخرى<br />
بجوارها اإلقليمي، حيث حققت معادلة جيش صغير وفعال،<br />
وسجلت العسكرية اإلماراتية أكبر حضور عربي يف ساحات القتال<br />
االقليمية والدولية خال العقدين املاضيني. ويف 1993م، شاركت<br />
يف عملية إعادة األمل بالصومال. وشاركت مع قطر وحلف شمال<br />
األطلسي يف إسقاط الطاغية معمر القذايف 2011م، كما دعمت<br />
›عملية القط املتوحش‹ يف مالي 2013م.<br />
- وتستند الكويت يف تواجدها يف دول جنوب الصحراء على إرث<br />
تاريخي حمله الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية،<br />
وجدده رجل بقامة إنسانية عالية هو الدكتور عبد الرحمن<br />
السميط عبر منظمة العون املباشر. ففي أقل من 30 عامًا، قامت<br />
هذه املنظمة ببناء أكثر من 800 مدرسة، و200 عيادة طبية، وأكثر<br />
من 200 مركز لتدريب النساء. كما حفرت اآلالف من آبار املياه،<br />
وساعدت ببناء العديد من املشاريع الزراعية والري ووزعت آالف<br />
األطنان من املواد الغذائية واإلمدادات الطبية يف املناطق املنكوبة.<br />
أما يف املجال العسكري فشاركت القوة البرية الكويتية عام 1992م،<br />
يف قوة حفظ السام يف الصومال.<br />
المسارات الخليجية المطلوبة<br />
المسارات األمنية الخشنة<br />
يف التقرير الصادر عن موقع »جلوبال فاير باور 2015«<br />
املتخصص يف تنظيم القوة العسكرية للدول ألقوى جيوش العالم،<br />
جاء ترتيب دول جنوب الصحراء اإلفريقية بجيش دولة جنوب<br />
إفريقيا كأكثرها تأهياً ،ثم اجليش النيجيري، واجليش اإلثيوبي،<br />
وجيش دولة كينيا، وجيش أجنوال، وجيش النيجر، وجيش أوغندا،<br />
و جيش تشاد، وجيش زميبابوي، وجيش ساحل العاج، و جيش<br />
جمهورية الكونغو الدميقراطية، وجيش غانا، وجيش جمهورية<br />
إفريقيا الوسطي، وجيش ناميبيا، وجيش مدغشقر، وجيش<br />
جمهورية الكونغو، وجيش اجلابون، وجيش الكاميرون، وجيش<br />
تنزانيا، وجيش جنوب السودان ، وجيش زامبيا، وجيش مالي،<br />
وجيش موزمبيق. وما يقلق أن التحديات التي تواجه دول اخلليج<br />
وحتديدًا اإلرهاب، والتغلغل اإليراني جندها يف أقوى هذه الدول<br />
وأضعفها على حد سواء، كنيجيريا يف رأس القائمة ومالي يف أسفلها.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
42<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
إيران تقود موجة تشيع بين األفارقة وعدد المتشيعين و%12<br />
يف نيجيريا و%21 يف تشاد و%20 يف تنزانيا و%8 يف غانا<br />
- املقاربة األمنية اخلليجية عبر الهياكل األممية: كالقوات األممية<br />
ممثّلة يف بعثة األمم املتحدة املتكاملة لتحقيق االستقرار يف إفريقيا<br />
الوسطى »مينوسكا«، والتي تشكّلت مطلع 2014م، وقوامها أكثر من<br />
10 آالف رجل، ملراقبة حدود إفريقيا الوسطى مع الكاميرون وتشاد.<br />
-املقاربة األمنية اخلليجية عبر الهياكل الغربية: حيث ظلت<br />
االستراتيجية املتبعة من قبل دول الغرب تنصبُّ على املقاربة<br />
األمنية، وبشكل خاص من قبل فرنسا والواليات املتحدة كالتالي:<br />
- حددت املصالح الفرنسية السياسة التي قامت بتنفيذها فرنسا<br />
يف القارة اإلفريقية، يف مجاالت ثاثة هي املصالح االقتصادية،<br />
واملصالح االستراتيجية بالسيطرة على املواقع الهامة، فوصلت<br />
قواعدها العسكرية بالستينيات ل 100 قاعدة عسكرية، وكانت<br />
أكبرها جيبوتي وداكار يف السنغال، وليبرفيل يف اجلابون وجنامينا<br />
يف تشاد، وقاعدة يوريون يف ساحل العاج، وتتمركز فيها قوات<br />
للمشاة والبحرية وقوات جوية. وقد شاركت دول اخلليج يف عمليات<br />
القوات الفرنسية يف عملية القط املتوحش« املسماة عملية سيرفال«<br />
2013م، وجنحت يف استعادة معظم شمال ووسط مالي من<br />
اجلماعات املسلحة. ثم عملية »سانغاريس« 2013. لتتسلّم الواجب<br />
بعدها عملية« برخان« ملطاردة املجموعات اإلرهابية الناشطة يف<br />
الساحل اإلفريقي 2014. وهي عمليات ناجحة ميكن املشاركة فيها<br />
لوال محاذير منها بعض التعاطف هناك جراء االدعاء أن القاعدة<br />
وبوكوحرام حركة حترر من الهيمنة التاريخية الفرنسية.<br />
- الركائز األربع االستراتيجية األميركية جتاه البلدان اإلفريقية<br />
جنوب الصحراء الكبرى كما قال الرئيس أوباما هي: لتقوية<br />
املؤسسات الدميقراطية، ولتحفيز النمو االقتصادي، والتجارة،<br />
واالستثمار، ثم لدفع السام واألمن قُدمًا، و أخيرًا تعزيز الفرص<br />
والتنمية،بالعمل مع األمم املتحدة وغيرها من اجلهات الفاعلة.<br />
ويف أعقاب هجمات 11 سبتمبر دشَّ نت الواليات املتحدة ما سُ مِّي<br />
بشراكة مكافحة اإلرهاب عبر الصحراء واستهدفت مساعدة<br />
حكومات موريتانيا، ومالي، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر،<br />
ونيجيريا، والسنغال واالستعانة باالحتاد اإلفريقي كمنظمة إقليمية.<br />
ويف 2008م، أقامت واشنطن »أفريكوم« كقيادة عسكرية موحَّ دة<br />
للقارة، ونقلت إليها مسؤوليات مبادرة مكافحة اإلرهاب. ثم خال<br />
-2012م، 2011 وضعت أمريكا اعتمادات بلغت 95 مليون دوالر<br />
لفائدة مبادرة التعاون األمني مع دول غرب إفريقيا. ومن املرجح<br />
أن تكون واشنطن أنشأت خال السنوات األخيرة ما ال يقل عن 12<br />
قاعدة عسكرية »سرية« صغيرة يف العديد من البلدان اإلفريقية،<br />
بدليل أن األمريكان نفّذوا ما بني 10 إلى 14 غارة بطائرات دون<br />
طيار، وما بني 8 إلى 11 عملية سرية يف الصومال منذ عام<br />
2011م. واملساندة اخلليجية ميكن أن تتم على أشكال عدة أهما:<br />
-مساندة ميدانية مباشرة: من خال قوات واجب خليجية بعضها<br />
سبق له التمركز على األرض يف املناطق املعنية أو يف محيطها،<br />
واألخرى تضطلع مبهام الرصد والدعم اللوجستي للقوات<br />
اإلفريقية نفسها، فساح النقل اجلوي اخلليجي فاعل ومتطور<br />
وله خبرة كبيرة يف إفريقيا نتيجة عمليات اإلغاثة.<br />
- املساندة االستخبارية: فالدول اخلليجية عانت من العمليات<br />
اإلرهابية، ولديها قاعدة بيانات كبيرة عن اإلرهابيني، وقد واكتسبت<br />
خبرة يف تتبعهم، ولها جناحات مشهودة بالتبادل املعلوماتي، والتي<br />
أعاقت عمليات إرهابية عدة خارج حدودها.<br />
-املسار التنموي والتوغل الثقايف.<br />
يجزم البعض بالدور اإليجابي ل »التحالف اإلسامي العسكري«،<br />
بقيادة الرياض، يف التصدّي لإلرهاب يف القارة اإلفريقية، إالّ أنّ<br />
هناك من يرى أنّ هذا اإلئتاف الذي يضم 34 دولة، سيواجه<br />
ذات »العقبة احملورية« التي طرحت على »القوة اإلفريقية املشتركة«<br />
للتصدّي ل »بوكو حرام« يف حوض بحيرة تشاد. وهي »التعثّر<br />
وغياب التنسيق. وعليه ميكن إحلاق الهزمية باإلرهاب ليس<br />
باحلل العسكري، بل عبر حترك تنموي بهدف اجتثاث األسباب<br />
التي أوجدته، وتوفير فرص عمل للشباب اإلفريقي، بالضبط كما<br />
جنحت الرياض يف سبعينيات القرن املاضي من انتشال اندونيسيا<br />
من السقوط يف براثن الشيوعية بتوفير فرص عمل لشبابها.<br />
ولكون إفريقيا مرتكز للتحوالت الكبرى ، ميكن مساعدة<br />
شعوبها باليقظة اإلسامية الشعبية بإرسال رجال الدين املسلمني<br />
من إفريقيا واخلليج، ومن خارجها بطريقة تطوّعية ملعاضدة<br />
جهود اجليوش النظامية، وشرح اإلسام احلقيقي، فعدم االهتمام<br />
بالعاقات الثقافية، واالقتصار على اجلوانب االستثمارية غير<br />
مبرر، كما أن القنوات الثقافية للجانب العربي ستكون أكثر تأثيرًا<br />
أمام التوغل اإليراني الطائفي، فالعاقة الثقافية والتنموية بني<br />
الدول العربية وإفريقيا عميقة اجلذور، وهي أكثر دميومة من<br />
التواصل العسكري، فكما ان الدول العُظمى ال حتتضر على<br />
الفراش بل حتتضر يف أماكن قوتها ، فالدول الصاعدة الطموحة<br />
قد تضيع يف أدغال إفريقيا.<br />
* املدير التنفيذي ملجموعة مراقبة اخلليج
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 43<br />
العدد ملف<br />
العرب وإفريقيا: امتداد جغرافي.. صالت تاريخية.. عمق استراتيجي<br />
اإلرهاب وإسرائيل وإيران ..<br />
ثالوث الخطر القادم عى العرب من إفريقيا<br />
يف إفريقيا عشر دول عربية من اثنني وعشرين دولة عربية )مصر، السودان، ليبيا، تونس، اجلزائر، املغرب، موريتانيا،<br />
الصومال، جيبوتي، وجزر القُمُر(. يعيش يف هذه الدول العربية اإلفريقية، %70 من عدد سكان العالم العربي )390<br />
مليون نسمة(.. يقطنون يف مساحة تقدر ب %60 من مساحة العالم العربي البالغة: 13.333 مليون كم مربع، تساهم<br />
هذه الدول العربية اإلفريقية مبا مقداره %38 من الناجت اإلجمالي للعالم العربي البالغ: 2.75 ترليون دوالر )إحصاءات<br />
2015م(. إذن: يف. أفريقيا، عدد أقل نسبيًا، من الدول العربية، وإن كان بها ما يزيد عن ثلثي العرب، يف مساحة من<br />
األرض تزيد مرة ونصف عن تلك التي يقطنها أشقاؤهم يف املشرق )اآلسيوي(، وإن كان عرب املشرق يساهمون يف<br />
الناجت اإلجمالي للعالم العربي مبا يصل إلى ثاثة أضعاف نصيب أشقائهم من عرب املغرب العربي )اإلفريقي(.<br />
د. طالل صالح بنّان<br />
هذه األرقام، رغم تفاوتها، إال أنها تعكس تعددية ثقافية وحضارية<br />
لشعوب العالم العربي، أكثر منها مجرد اختافات جهوية، قد<br />
تفرضها تضاريس اجلغرافيا ورحابة املساحة، وال نَقُل بعد املسافة.<br />
كما أن تلك التعددية الثقافية واحلضارية -يف حقيقة األمر -تعكس<br />
صات تاريخية وامتداد جغرايف، بل وعمق استراتيجي، يف مساحة<br />
أوسع وعدد أكبر من البشر، يربط عرب املشرق واملغرب معًا، بالقارة<br />
السوداء )أفريقيا(، حيث موطن اإلنسان األول. ليس هناك بني شعوب<br />
األرض ما ميكن للمرء أن يرصد ويسجل تقاربًا، من الناحية الثقافية<br />
والتاريخية والعرقية، عابر للقارات، مثل ذلك الذي يربط العرب،<br />
يف مشرق العالم العربي ومغربه، بإفريقيا، خصوصً ا شرق وغرب<br />
إفريقيا، وحتى جنوب الصحراء الكبرى. فمنطقة الصحراء الكبرى،<br />
متثل خطً ا عريضً ا، غني بالثقافة واحلضارة والدين، وحتى اللغة،<br />
يشكل امتدادًا جغرافيًا وصلة تاريخية، بل وحتى عمقًا استراتيجيًا<br />
للعرب، يف نصف الكرة اجلنوبي، مبا ال يتوفر للعالم العربي، على<br />
تخومه الشرقية واجلنوبية الشرقية، وال حتى الشمالية، لو أستثنينا،<br />
إلى حدٍ ما تركيا.<br />
اإلسالم: بداية التاريخ<br />
لم تقبل اإلسام بخلفيته الثقافية )العروبية( مناطق<br />
جغرافية أو جماعات سكانية، كما رحبت به إفريقيا وشعوبها.<br />
أكثر من ضعفي العرب يقطنون إفريقيا، وأكثر من مرة ونصف<br />
من مساحة العالم العربي تقع يف إفريقيا... حقيقة جغرافية،<br />
بجوانبها التضاريسية واإلنسانية، ال جند لها محاكاة، يف املناطق<br />
التي فتحها املسلمون العرب من شبه اجلزيرة العربية، على<br />
تخوم العالم العربي الشرقية واجلنوبية الشرقية والشمالية.<br />
لقد قبلت إفريقيا، سكانها، خاصة يف شمال إفريقيا، وأيضً ا<br />
مناطق شاسعة يف الصحراء الكبرى، وعلى الساحل الشرقي<br />
والغربي إلفريقيا، االثنني معًا: اإلسام واللغة )العربية(، التي<br />
أُنزِ ل بها القرآن.<br />
وإن كانت هذه احلقيقة الثقافية واإلنسانية ظاهرة يف دول<br />
الشمال اإلفريقي العربية، إال أنها أيضً ا، حاضرة يف شعوب<br />
منطقة الصحراء الكبرى، ويف مناطق شاسعة يف دول شرق وغرب<br />
إفريقيا، مثل: السنغال والنيجر ونيجيريا وتشاد وأثيوبيا وأريتريا<br />
وكينيا وتنزانيا. ما جعل العربية تنحسر، رسمياً، يف مجتمعات<br />
تلك الدول، النزعة القومية التي غذًاها االستعمار وتبنتها<br />
األقليات غير املسلمة، منذ بداية القرن املاضي. بالرغم من<br />
ذلك جند اللغة العربية منتشرة يف تلك املجتمعات، ولو بصورة<br />
غير رسمية، تطبيقاً ملبدأ قبول اإلسام والعربية، معًا، الذي جاء<br />
مع الفاحتني العرب األوائل، ووجدوا أرضً ا خصبة بفطرة أهلها<br />
السليمة لنشر اإلسام وتعلم لغة القرآن.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
44<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
عى العرب االلتفات لمكامن الخطر واستشعار التحدي<br />
القادم من العمق االستراتيجي اإلفريقي<br />
اإلسام، وإن كان تاريخيًا، جديدًا على إفريقيا وأهلها، كما<br />
هو على العرب يف شبه اجلزيرة، إال أن العربية كانت متواجدة<br />
على تخوم العالم العربي الغربية )اإلفريقية(، امتدادًا من الضفة<br />
الشرقية لدلتا النيل، وحتى جنوب السودان، على طول الساحل<br />
اإلفريقي للبحر األحمر، وحتى جنوب الصومال، على الساحل<br />
الغربي للمحيط الهندي، بعمق الهضبة األثيوبية. لم يكن لعمرو<br />
بن العاص، مبا لديه من جند ال يتجاوزون بضعة آالف مقاتل من<br />
فتح مصر، لوال القبائل العربية املتواجدة يف سيناء والشرقية،<br />
وعلى حواف ضفة النيل الشرقية، وحتى صعيد مصر. هذه<br />
القبائل العربية لم تقدم جليش املسلمني الفاحت املدد والعتاد<br />
الازم، من باب احلمية العربية إذ لم يدخلوا بعد يف اإلسام،<br />
فحسب... بل قدموا، أيضاً: خدمات »لوجستية« ومعلومات<br />
»استخباراتية« مهمة لها عاقة مباشرة بحاميات ومواقع<br />
اإلمبراطورية الرومانية، التي كانت حتتل مصر، وحتكم شعبها<br />
باحلديد والنار. عمرو بن العاص، استعان أيضاً بهذه القبائل<br />
العربية، التي كانت تتقن اللغة املصرية، يف إدارة حكمه ملصر،<br />
ولم يكونوا بعد قد دخلوا اإلسام.<br />
لقد أخذ من العرب املسلمني أربعة قرون لتصبح مصر والية<br />
عربية خالصة للخافة اإلسامية، حتى أن اخلافة اإلسامية<br />
انتقلت إلى القاهرة لفترة قصيرة بعد سقوط اخلافة العباسية<br />
يف بغداد )10 فبراير 1258م(. لم يأخذ املصريون اإلسام، فقط،<br />
لكنهم أخذوا لغة القرآن )العربية(، أيضاً. حتّى أقباط مصر،<br />
الذين لم يُكْرهوا على ترك دينهم، لم يُحال بينهم وبني كنائسهم<br />
وأديرتهم وصلبانهم ورهبانهم، من قبل احلكم اإلسامي، أقبلوا<br />
على اللغة العربية... وما أن جاء القرن العاشر امليادي إال وكان<br />
معظم أقباط مصر قد دخلوا اإلسام وانصهروا مع أخوتهم<br />
العرب املسلمني.. وما بقي منهم على دينه، ترك لغته القبطية<br />
وجعل اللغة العربية لسانه... حتى شعائر الصاة يف كنائس<br />
أقباط مصر كانت تؤدى باللغة العربية... واستمر هذا األمر إلى<br />
يومنا هذا، حيث أصبحت مصر عربية %100 ومسلمة مبا يزيد<br />
عن %95 من سكانها العرب.<br />
ما تطور يف مصر، من انتشار لإلسام ولغة الضاد، انتشر على<br />
طوال ساحل البحر املتوسط اجلنوبي يف الشمال اإلفريقي، وجزء<br />
كبير من ساحل األطلسي الشرقي من الغرب اإلفريقي. حتى كانت<br />
مدينة ( متبوكتو( وسط النيجر، إلى القرن التاسع عشر، منارة<br />
لنشر اإلسام وحاضرة لتعلم اللغة العربية، يشع نورها منطقة<br />
الصحراء الكبرى، على طول احلافة الشمالية للمنطقة االستوائية<br />
يف وسط إفريقيا. اآلن كل دول الصحراء الكبرى وجنوبها دوالً<br />
إسامية، حترص يف مناهجها التعليمية على دراسة اللغة العربية<br />
وعلوم الدين احلنيف.. وكان لألزهر الشريف يف مصر، وكذا<br />
املعاهد العلمية وجامعات اململكة العربية السعودية، خاصة اجلامعة<br />
اإلسامية يف املدينة املنورة، دورٌ مشهودٌ يف نشر تعلم اللغة العربية<br />
والدراسات اإلسامية يف الدول اإلفريقية، حتى جنوب الصحراء<br />
الكبرى... بل أن األزهر واملعاهد العلمية الدينية باململكة أمتد<br />
برنامجهم للبعوث اإلسامية إلى ما وراء ذلك، خارج إفريقيا، يف<br />
دول جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، ودول آسيا الصغرى<br />
وحتى، الصني وكوريا واليابان، يف جتسيد قوي ملا تتمتع به كلٌ من<br />
مصر واململكة العربية السعودية من قوة ناعمة مؤثرة، جتمع موارد<br />
العرب وإرثهم الثقايف واحلضاري، مشرق العالم العربي )اآلسيوي(<br />
ومغربه )اإلفريقي(، على امتداد العاملني العربي واإلسامي.<br />
المد القومي.. ونشأة الدولة الحديثة<br />
بداية القرن املاضي، كانت حقائق اجلغرافيا، بتضاريسها<br />
وبعدها اإلنساني، يفرضان مبنطقهما، سلوك العرب، يف مشرق<br />
العالم العربي )اآلسيوي( ومغربه )اإلفريقي(، معًا. كان حلم وحدة<br />
الشعوب واألرض حاضراً، لدى النخب السياسية على ضفتي<br />
العالم العربي اآلسيوية واإلفريقية، متجذراً يف ضمير الشعوب<br />
العربية، من اخلليج للمحيط. كانت البداية، يف أوج معمعة احلرب<br />
الكونية األولى )1919-1914م(، بطموحات شريف مكة احلسني<br />
ابن علي، إلنشاء دولة عربية واحدة يف مشرق العالم العربي.<br />
من أهم مسببات فشل هذا املشروع، أن طموحات شريف مكة<br />
كانت محدودة، إذ اقتصرت على مشرق العالم العربي )اآلسيوي(<br />
ولم متتد إلى مغرب العالم العربي )اإلفريقي(، بحاضرته العربية<br />
الكبرى )مصر(.. وكذا اعتماد شريف مكة على قوة كبرى )بريطانيا<br />
العظمى(، لها حساباتها االستعمارية، التي لم يفطِ ن إليها، أو أنه<br />
بالغ يف تقديره الهتمام وحاجة اإلجنليز إليه. كانت النتيجة أن<br />
احلسني بن علي لم يحقق طموحاته، بل وخسر إمارته، ذات<br />
املكانة التاريخية واالستراتيجية العظمى، بالنسبة للعاملني العربي<br />
واإلسامي، لصالح عدوه اللدود ابن سعود )امللك عبد العزيز بن<br />
عبد الرحمن آل سعود(، الذي كان أكثر ذكاء وحنكة.. وتواضعا يف<br />
طموحاته.. ودراية بتوازن القوى العاملي، يف فترة ما بعد احلرب<br />
األولى، ومعرفة بحركة التاريخ من شريف مكة احلسني بن علي.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 45<br />
العدد ملف<br />
أخذ من العرب ربع قرن، دارت خالها حرب عاملية ثانية<br />
ضروس )احلرب الكونية الثانية 1945-1936م(، ليعي العرب القيمة<br />
االستراتيجية العظمى، لربط شرق العالم العربي )اآلسيوي( بغربه<br />
)األفريقي(، فكان مشروع اجلامعة العربية الذي بادرت بالدعوة<br />
إليه والدفع باجتاهه مصر. وإن جاء مشروع اجلامعة العربية كتوجه<br />
فطري، بضرورة إنشاء كيان إقليمي مشترك بني شرق العالم العربي<br />
اآلسيوي، وغربه اإلفريقي اتساقاً، مع حقائق اجلغرافيا، ببعديها<br />
التضاريسي واإلنساني.. وصات التاريخ، مبتغيراتها الثقافية<br />
والدينية واللغوية والعرقية، إال أنه ال ميكن جتاوز البعد االستراتيجي<br />
األمني ملشروع اجلامعة العربية. لقد ظهر للعرب جلياً، استحالة<br />
إقامة وحدة سياسية عربية -أو على األقل كيان<br />
تكاملي إقليمي -متني يجمع الدول العربية، حتى<br />
بني تلك الدول املؤسسة للجامعة العربية، وذلك<br />
بسبب منطق وواقع منوذج الدولة القومية احلديثة<br />
السائد، حينها، بني تلك الدول املؤسسة للجامعة<br />
العربية، أو أي دولة عربية تنال استقالها، ومن ثَمّ<br />
تطلب االنضمام للجامعة العربية.<br />
مع ذلك كان على العرب، من الناحية<br />
االستراتيجية، مواجهة حتدي احتمال وجود<br />
إسرائيل يف قلب العالم العربي، الذي من الناحية<br />
اجلغرافية ميكن أن يشكل عازالً جغرافياً بني شق العالم الشرقي<br />
)اآلسيوي(، وشقه الغربي )اإلفريقي(، الذي حتقق فعاً، بعد<br />
احلرب العربية اإلسرائيلية األولى سنة 1948م، عندما استولت<br />
إسرائيل على قرية أم الرشراش املصرية، وأصبح لها منذ ذلك<br />
احلني منفذاً على خليج العقبة، الذي كان من قبل قيام إسرائيل<br />
واحتال مدينة أم الرشراش املصرية، التي أقيمت علها مدينة<br />
إيات، بحيرة عربية بالكامل، ليصبح مدخله اجلنوبي على<br />
البحر األحمر )مضيق تيران( ممرًا دوليًا. تأكد ذلك، بصورة<br />
فعلية، بنتيجة حربي 1967م. 1956، وبعد ذلك بصفة رسمية<br />
مبعاهدة السام املصرية اإلسرائيلية يف: 26 مارس 1979م.<br />
قيام اجلامعة العربية )22 مارس 1945م( يعكس أول جهد<br />
إقليمي عربي، يف العصر احلديث، لربط مشرق العالم العربي يف<br />
آسيا مبغربه يف إفريقيا، وذلك قبل إعان قيام إسرائيل يف 15<br />
مايو 1948م، ليتواصل شقي العالم العربي اآلسيوي واإلفريقي،<br />
ولو على املستوى السياسي، رغماً عن التحدي االستراتيجي<br />
احملتمل لوجود إسرائيل على أرض فلسطني، وبعد ذلك إطالة<br />
الدولة العبرية على خليج العقبة. إال أن هذا احلاجز اجلغرايف،<br />
الذي تطور بقيام إسرائيل على أرض فلسطني وتوسعها الحقاً بخلق<br />
إطالة لها على خليج العقبة، قد تسبب تضاريسياً يف فصل شرق<br />
العالم العربي اآلسيوي، عن غرب العالم العربي اإلفريقي، لكنه<br />
استقلت العشرات من<br />
الدول األفريقية بنضال<br />
شعوبها ودعم دولتين<br />
عربيتين أساسيتين<br />
هما مصر والسعودية<br />
لم ينجح )استراتيجياً( يف جانبه اجلغرايف اإلنساني وال )ثقافياً(<br />
يف قطع صات العالم العربي التاريخية بني شقه اآلسيوي، وشقه<br />
اآلخر اإلفريقي. حتى عندما متكنت إسرائيل، بعد حرب األيام<br />
الستة 1967م، من توسيع الشَّ ق باحتال كامل فلسطني، مع كامل<br />
شبه جزيرة سيناء املصرية، ظل منطق االستراتيجية.. ووشائج<br />
اجلغرافية اإلنسانية، وصات التاريخ احلميمة تربط شطري<br />
العالم العربي، األفريقي واآلسيوي. بل أن وجود إسرائيل نفسه،<br />
حتى مع توسعها على حساب األراضي الفلسطينية ووصولها إلى<br />
قناة السويس، بعد حرب يونيو 1967م، أحيت العمق االستراتيجي<br />
اإلفريقي للعالم العربي، خارج حدود العالم العربي يف أفريقيا،<br />
ليمتد إلى أفريقيا، بأسرها.<br />
بعد عدوان السادس من يونيو1967م، لم تبق<br />
دولة إفريقية كانت تربطها عاقات مع إسرائيل<br />
قبل تلك احلرب، إال وقطعتها، مع تل أبيب،<br />
حتى عقدت مصر اتفاقية السام مع إسرائيل<br />
)26 مارس 1979م(، لتعود إسرائيل للتغلغل<br />
من جديد يف إفريقيا، حتى أنها طالت أطراف<br />
العالم العربي اإلفريقية يف أقصى الغرب، عندما<br />
اعترفت موريتانيا بإسرائيل وأقامت معها عاقات<br />
دبلوماسية كاملة يف: 28 أكتوبر 1999م. إال أن القفز<br />
على اجلغرافيا، تضاريسياً، يظل بعيداً عن إحلاق الضرر بالبعد<br />
اإلنساني للجغرافيا، وكذا منطق االستراتيجية األمني. الزالت<br />
دول االحتاد اإلفريقي، بالرغم من عاقات بعضها القوية مع<br />
إسرائيل، تناصر قضايا العالم العربي، يف صراعه مع إسرائيل،<br />
بصفة خاصة القضية الفلسطينية، وإن كان األمر لم يعد بنفس<br />
احلماس الذي كان عليه احلال يف اخلمسينيات والستينيات، وحتى<br />
نهاية السبعينيات، عندما أقدمت أكبر دولة عربية أفريقية بتوقيع<br />
معاهدة سام منفرد مع إسرائيل.<br />
رمبا يكون البعد االستراتيجي للعمق اإلفريقي قويًا وصامدًا،<br />
يف مواجهة حتديات نظرية التوسع اإلسرائيلية، من ذلك الذي<br />
يتجلى -على املستوى الرسمي -يف حالة السام البارد السائدة<br />
بني إسرائيل وبعض دول املواجهة املباشرة، يف مشرق العالم<br />
العربي اآلسيوي، ومغربه اإلفريقي. ما بدا وكأنه سام بني<br />
إسرائيل وموريتانيا، لم ميكث أكثر من عشر سنوات، لتقوم<br />
موريتانيا بقطع عاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وطرد السفير<br />
اإلسرائيلي من نواكشوط، يف: 6 مارس 2009م، احتجاجً ا على<br />
العدوان اإلسرائيلي على غزة: فبراير 2009م، لتعلن رسمياً إنهاء<br />
كافة أشكال العاقة بني البلدين يف: 21 مارس 2010م. يتسق<br />
هذا السلوك املوريتاني جتاه إسرائيل، الذي تطور يف مغرب<br />
العالم العربي )اإلفريقي( مع فشل محاوالت إسرائيل ملد أذرعًا
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
46<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
لها، على أطراف العالم العربي اآلسيوي، شرقًا، يف محاولة<br />
حلصار العالم العربي من أطرافه، اآلسيوية واإلفريقية، معًا،<br />
بعد أن جنحت يف حلحلة احلصار عليها على مستوى اجلبهة<br />
املباشرة معها، باتفاقيتي السام مع مصر واألردن. باإلضافة إلى<br />
إنهاء موريتانيا، يف أقصى تخوم العالم العربي اإلفريقية غربًا،<br />
لكل أشكال العاقة مع إسرائيل، تزامن ذلك مع إنهاء كل مشاريع<br />
االتصال الهشة مع إسرائيل يف مشرق العالم اآلسيوي، خاصة<br />
مع بعض دول اخلليج العربي، حيث جمدت أو علقت، أو قطعت،<br />
بصورة رسمية، جميع أشكال االتصال مع إسرائيل، رسميًا.<br />
تزامُن يف سلوك عربي سلبي، جتاه إسرائيل، وإن كان يبدو<br />
عفوياً، أكثر منه مخططاً، إال أنه يأتي يف إطار االستشعار<br />
القوي جتاه اخلطر االستراتيجي من وجود إسرائيل، على أمن<br />
العرب ومصاحلهم، شرقاً وغرباً، الذي يستحيل االطمئنان إلى<br />
سامتهما، مع وجود إسرائيل على مفصل االلتقاء اجلغرايف بني<br />
مشرق العرب )اآلسيوي(، ومغربه )اإلفريقي(.<br />
حركات التحرر الوطني يف العالم العربي<br />
عند إعان قيام اجلامعة العربية )22 مارس 1945م(<br />
كانت هناك سبع دول عربية هي املؤسسة للجامعة العربية،<br />
ست منها يف مشرق العالم العربي، وواحدة فقط يف<br />
مغربه اإلفريقي )مصر(. بينما يف ذلك التاريخ لم يكن يف<br />
إفريقيا كلها سوى ثاث دول مستقلة منها واحدة عربية )احتاد جنوب<br />
أفريقيا 31 مايو 1910، مصر: 28 فبراير 1922م، وأثيوبيا: ديسمبر<br />
1944م(. اليوم هناك: 22 دولة عضو باجلامعة العربية و 52 دولة<br />
عضو يف االحتاد اإلفريقي. يف فترة والستينات استقلت العشرات<br />
من الدول العربية واإلفريقية، وما كان ذلك ليتم، بعد نضال شعوب<br />
تلك الدول العربية واإلفريقية لنيل استقالها، لوال مساعدة دولتني<br />
أساسيتني من مؤسسي اجلامعة العربية، وقد ال تكون مصادفة أن<br />
تكون هاتان الدولتان تقعان على جانبي العالم العربي اآلسيوي<br />
واألفريقي، ونعني بهما: اململكة العربية السعودية، ومصر.<br />
يف امللحقني اخلاصني بفلسطني والتعاون مع الدول العربية غير<br />
األعضاء التي يحول واقع االحتال األجنبي عليها، من انضمامها<br />
بصورة كاملة لعضوية جامعة الدول العربية، اللذان يعتبران جزءًا<br />
ال يتجزأ من ميثاق جامعة الدول العربية، نص يقول: تعتبر الدول<br />
األعضاء املؤسسة جلامعة الدول العربية تلك الدول التي حتول<br />
بينها وبني العضوية الكاملة يف اجلامعة، بسبب ظروف قاهرة، دوال<br />
عربية، لها حق املشاركة يف فعاليات اجلامعة، كما يلتزم أعضاء<br />
اجلامعة مبساعدة تلك الدول، بكافة الوسائل السياسية وغيرها،<br />
حتى تنال استقالها وتتمكن من العضوية الكاملة يف جامعة الدول<br />
العربية. )ملحق رقم: 2 1، من ميثاق جامعة الدول العربية(<br />
طبعاً: لم يكن سوى للفعاليات املهمة والنافذة يف النظام العربي<br />
الرسمي، يف ذلك احلني الذي متثله جامعة الدول العربية، واملعني<br />
بها هنا، على وجه التحديد، مصر واململكة العربية السعودية، إال<br />
أن يقوما باجلهد األكبر للوفاء بذلك االلتزام القومي، حتى مت<br />
خال ثاثني سنة من قيام اجلامعة العربية استقال 15 دولة<br />
عربية، منها ست يف مشرق العالم العربي )الكويت 1960، اليمن
اجلنوبي 1967، اإلمارات العربية املتحدة قطر عُمان البحرين<br />
1971م(. وعشر دول عربية إفريقية )ليبيا: 1953.. السودان،<br />
املغرب: 1956.. تونس: 1958.. موريتانيا، الصومال: 1960..<br />
اجلزائر: 1962.. جيبوتي: 1971.. جزر القُمُر: 1975م(.<br />
لعل أكبر ملحمتني خاضها أقوى ذراعي العالم العربي، يف مشرقه<br />
اآلسيوي ومغربه اإلفريقي )اململكة العربية السعودية ومصر(، هما<br />
معركتي استقال اجلزائر، بداية اخلمسينيات، واستقال البحرين،<br />
بداية سبعينيات القرن املاضي. قد ال تكون مصادفة أن ذراعي األمة<br />
العربية القويني والنافذين يف جانبي العالم العربي املشرقي )اآلسيوي(<br />
واملغربي )اإلفريقي(، يشتركان سويًا يف معركتني فاصلتني، مشرق<br />
العالم العربي ومغربه، دفاعًا عن الهوية العربية ألرض العرب على<br />
قارتي آسيا وإفريقيا، ذوداً عن األمن القومي العربي، املمتد إلى<br />
العمق االستراتيجي للعرب، يف آسيا وإفريقيا.<br />
يف اجلزائر كانت فرنسا، متُ ارس أبشع أشكال االستعمار<br />
االستيطاني، القتطاع اجلزائر من النسيج العربي يف الثوب<br />
اإلفريقي، لدرجة االدعاء أن اجلزائر جزء من فرنسا، اللذان<br />
يفصلهما البحر املتوسط، بزعم: أن اجلزائر »جولوجياً« يف<br />
إفريقيا، امتدادا للبر الفرنسي يف أوربا! كما أن فرنسا، طوال<br />
130 سنة من استعمارها اجلزائر حاولت أن تطمس الهوية<br />
العربية اإلسامية للشعب اجلزائري العربي املسلم، وتلبسه ثقافة<br />
»فرانكوفونية« غريبة عنه، ومستهجنة منه. االستعمار الفرنسي<br />
للجزائر طال بعدي جغرافية اجلزائر التضاريسية واإلنسانية،<br />
يف مخطط استعماري جهنمي امتد 130 سنة، يف سابقة نادرًا<br />
ما تكررت يف أشكال االستعمار األخرى، مبا فيها االستعمار<br />
الفرنسي، نفسه، يف مواقع أخرى من العالم.<br />
لقد تصدت كلٌ من مصر واململكة العربية السعودية،<br />
وضختا الكثير من مواردهما الوطنية، لدعم شعب اجلزائر ضد<br />
املستعمر الفرنسي. لقد بذل الشعب اجلزائري العربي املسلم<br />
مليون شهيد لنيل استقاله من املستعمر الفرنسي. إال أن ذراعي<br />
األمة العربية، يف مشرق العالم العربي ومغربه، لم يبخا على<br />
شعب اجلزائر، ال بالدعم املادي بتزويده بالساح والعتاد واملؤن،<br />
وال بالدعم السياسي يف احملافل الدولية لدعم قضية شعب<br />
اجلزائر. بل ال نبالغ، إذا قلنا: أن هاتني الدولتني العربيتني، كانتا<br />
تراهن على استقال شعب اجلزائر، حتى بأمنهما واستقالهما.<br />
العدوان الثاثي، على مصر 1956م، لم تكن قضية تأميم قناة<br />
السويس، إال واجهة سياسية بولغ إعامياً يف تضخيمها، لتخفي<br />
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 47<br />
أكبر ملحمتين خاضها أقوى ذراعي العالم العربي مصر<br />
والسعودية هما معركتي استقالل الجزائر والبحرين<br />
العدد ملف<br />
فرنسا ومعها بريطانيا وإسرائيل األسباب الرئيسية للعدوان على<br />
مصر. يف واقع األمر كان السبب الرئيس لذلك العدوان على<br />
مصر، هو: معاقبة مصر على دعمها لشعب اجلزائر وتبنيها<br />
للمد القومي، الذي أخذ يهدد املصالح االستعمارية لفرنسا يف<br />
مغرب العالم العربي وأفريقيا ومصالح بريطانيا يف مشرق العالم<br />
العربي، وبالذات أمن إسرائيل.<br />
يف املقابل، لم تكن مصر بإمكاناتها الدفاعية املتواضعة،<br />
ذلك الوقت، قادرة لوحدها مواجهة العدوان الثاثي لوال الدعم<br />
اللوجستي واملادي والسياسي، التي وفرته اململكة العربية<br />
السعودية من أجل انتصار مصر والعرب يف تلك املواجهة غير<br />
املتكافئة مع أطراف العدوان الثاثي. لقد قدمت اململكة عمقاً<br />
استراتيجياً ملصر بإيواء ساح الطيران املصري ومن ثم حمايته<br />
من املواجهة غير املتكافئة مع طيران أطراف العدوان الثاثي.<br />
وقد ال يعرف الكثيرون أن اململكة العربية السعودية، استخدمت<br />
ساح النفط ألول مرة يف تلك احلرب العدوانية على مصر،<br />
وقطعت إمدادات النفط عن بريطانيا وفرنسا وكل الدول الغربية،<br />
التي دعمت العدوان الثاثي على مصر. سلوك تكرر من اململكة<br />
العربية السعودية يف حروب العرب الاحقة مع إسرائيل 1967،<br />
1973م. اململكة العربية السعودية يف قيامها بالتزاماتها القومية<br />
تلك كانت تخاطر بأمنها وثروتها، بل حتى احتماالت غزوها...<br />
ومع ذلك كانت تقدر عالياً التزاماتها القومية بقناعة استراتيجية<br />
ماضية، بضرورة احلفاظ على كيان األمة العربية اجلغرايف،<br />
ببعديه التضاريسي واإلنساني، يف قارتي آسيا وإفريقيا، وإال فإن<br />
البديل اآلخر ال ميكن تصور تبعاته السياسية واألمنية، الذي قد<br />
يطال احتماالت االستمرار والبقاء.<br />
املعركة األخرى التي خاضاها معاً ذراعا األمة العربية<br />
)اململكة العربية السعودية ومصر( املمتد عبر فاصل اجلغرافيا<br />
بني مشرق العام العربي اآلسيوي، ومغربه اإلفريقي، وقعت هذه<br />
املرة على حدود العالم العربي الشرقية املطلة على اخلليج<br />
العربي، عندما حاولت إيران عرقلة استقال البحرين، بدايات<br />
سبعينيات القرن املاضي، بالتهديد باحتال البحرين، حال<br />
انسحاب بريطانيا، يف احتمال تكرار خطير لسيناريو إعان قيام<br />
إسرائيل، عقب إعان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطني. لوال<br />
الوقفة العروبية الشجاعة واحلاسمة، لكلٍ من امللك فيصل بن<br />
عبد العَزِ يْز والرئيس جمال عبد الناصر، باتخاذ كافة الوسائل<br />
املتاحة واحملتملة للدفاع عن عروبة البحرين، لكان تكرر سيناريو
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
48<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
احتال إسرائيل لفلسطني باحتال إيران للبحرين. نفس<br />
احلجج )التوسعية( التي ساقتها فرنسا لتبرير عدم خروجها من<br />
اجلزائر، ساقها شاه إيران لتبرير خطط استيائه على البحرين.<br />
كانت معركة استقال البحرين واحلفاظ على عروبتها مبثابة<br />
جناح عربي منقطع النظير حققه النظام العربي، رغم تواضع<br />
إمكاناته، عندما تتوفر اإلرادة السياسية احلاسمة والقيادة<br />
التاريخية احلازمة، لتتسقا مع مسيرة حركة التاريخ.<br />
حركات التحرر الوطني يف إفريقيا<br />
كما سبق ذكره، عند إنشاء العرب جلامعتهم العجوز، كانت<br />
هناك ثاث دول إفريقية مستقلة، منها دولة عربية واحدة )مصر(.<br />
ال ميكن ألحد أن يتجاهل دور مصر، سواء مبفردها أو من خال<br />
جامعة الدول العربية ومساندة اململكة العربية السعودية بالذات،<br />
يف حتقيق استقال الكثير من الدول اإلفريقية، مبا فيها جميع<br />
الدول العربية اإلفريقية العشر، التي نالت استقالها، يف الثاثني<br />
سنة، التي أعقبت قيام جامعة الدول العربية. لقد دعمت مصر،<br />
الكثير من حركات التحرر الوطني يف إفريقيا، خال خمسينيات<br />
وستينيات القرن املاضي. لم يتوقف دعم مصر حلركات التحرر<br />
الوطني يف إفريقيا، عند حدود الدعم السياسي، بل كانت مصر<br />
فاعلة، بصورة حاسمة على جبهة النضال اإلفريقية، بالساح<br />
وأحياناً، بالتدخل العسكري املباشر، كما حدث يف الكونغو،<br />
ومصر لتوها خارجة من معركة عسكرية خاسرة مع إسرائيل<br />
يونيو 1967م، لم يكن ذلك اتساقاً مع اخلط الثوري الذي<br />
اتخذته مصر عقب ثورة 23 يوليو 1952م، فحسب لكنه -يف<br />
حقيقة األمر- كان اتساقاً مع متطلبات األمن القومي العربي،<br />
استشعاراً بالعمق االستراتيجي إلفريقيا، يف صراع العرب ضد<br />
قوى االستعمار وأعوانه يف املنطقة، بالذات إسرائيل.<br />
على مستوى التكامل اإلقليمي يف إفريقيا، الذي يعتبر يف الفكر<br />
القومي رافداً من روافد العمق االستراتيجي للعرب يف القارة السوداء،<br />
كانت مصر الداعية وأحد األعضاء املؤسسني، ملنظمة الوحدة<br />
اإلفريقية، التي أعلن عن إنشائها يف أديسا أبابا يف: 25 مايو 1963م،<br />
وكان عدد األعضاء حينها 30 دولة، لتصل إلى 53 دولة عند حتول<br />
مسماها إلى االحتاد اإلفريقي، يف: 9 يوليو 2002م. أيضاً، اتساقاً مع<br />
التوجه القومي، وكأحد متطلبات الصراع مع إسرائيل، تزعمت مصر<br />
اجلهود العربية واإلفريقية ملقاومة النظام العنصري يف جنوب إفريقيا،<br />
والتأكيد على عاقته وتطابقه، مع ممارسات إسرائيل العنصرية ضد<br />
الفلسطينيني، مبحاولة ربط التجربة العنصرية الصهيونية يف فلسطني،<br />
بتلك التي ميارسها نظام الفصل العنصري للبيض )األبارتايد(، يف<br />
جنوب إفريقيا. وقد تواصل الدعم العربي واإلفريقي، مع دول عدم<br />
االنحياز، حتى مت التخلص من نظام الفصل العنصري يف جنوب<br />
إفريقيا، وإعان قيام جمهورية جنوب إفريقيا، يف: مايو 1994م.<br />
البعد عن االستقطاب العالمي وتوسيع العمق االستراتيجي<br />
كما أن العالم العربي، بزعامة قوته الفاعلة والنافذة، يف<br />
مشرق العالم العربي اآلسيوي ومغربه اإلفريقي )اململكة العربية<br />
السعودية ومصر(، لم تعما فقط على دعم عمق العالم العربي<br />
االستراتيجي، يف إفريقيا، فحسب، بل امتد ذلك، إلى ما وراء<br />
العالم العربي، بعمقه اإلفريقي، إلى عمق آسيا، بل وحتى أوربا<br />
وأمريكا الاتينية. يف: 18 أبريل 1955م، عقد مؤمتر باندوج وشهد<br />
العالم يف ختام فعالياته مولد منظمة أممية جديدة متثل اخليار<br />
اآلخر لنظام القطبية الثنائية، الذي كان سائداً منذ نهاية احلرب<br />
الكونية الثانية، والذي أحكم سيطرته على العالم، وزج به يف أتون<br />
نظام غير مستقر عرف بنظام احلرب الباردة، كان يهدد وجود<br />
البشرية بفناء شامل، يف أي حلظة، حتى ولو عن طريق اخلطأ.<br />
جاءت املبادرة إلنشاء هذه املنظمة األممية اجلديدة من ثاثة<br />
زعماء كبار ميثلون ثاث قارات )جمال عبد الناصر، مصر..<br />
جواهر الل نهرو، الهند.. جوزف بروز تيتو، يوغسافيا(. تأسست<br />
حركة عدم االنحياز من ثاثني دولة، حضرت مؤمتر باندونغ، وبلغ<br />
عدد الدولة املشتركة يف احلركة 118 دولة يف آخر مؤمتر عقد يف<br />
طهران يف: أغسطس 2012م.<br />
كان من أهم أهداف احلركة اإلفات من سيطرة معسكري نظام<br />
احلرب الباردة، مبحاولة البعد عن استقطابها، خدمة الستقال<br />
الدول األعضاء، وصوناً لسام العالم وأمنه. كما أن حياد هذه<br />
املجموعة لم يكن سلبياً، بل إيجابياً، مما يوفر للمجموعة<br />
وأعضائها حرية احلركة للبعد عن نفوذ معسكري احلرب الباردة،<br />
وربط عاقات أعضاء املجموعة بالقوتني العظمتني )الواليات<br />
املتحدة، واالحتاد السوفيتي( على أسس ندية مصلحية، وليس<br />
على أسس تبعية أيدلوجية. ومن أهم أهداف املجموعة مقاومة<br />
استراتيجيات قطبي نظام احلرب الباردة يف التوسع واالحتواء،<br />
خارج مناطق حدودهما التقليدية يف أوروبا.<br />
كان أبرز عائد للعالم العربي من قيام مجموعة عدم االنحياز،<br />
مقاومة التوسع األمريكي يف منطقة الشرق األوسط، بإفشال مبدأ<br />
السبب الحقيقي للعدوان الثالثي هو معاقبة مصر عى دعمها<br />
الستقالل الجزائر وتهديدها لمصالح االستعمار
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 49<br />
العدد ملف<br />
الرئيس أيزنهاور باالحتواء، عن طريق بناء ساتر حديدي يُبقي<br />
الدب الروسي داخل عرينه، يف عمق اجلليد الروسي املتجمد،<br />
حتى ال ميتد إلى املناطق الدافئة يف منطقة الشرق األوسط،<br />
بالذات املنطقة العربية. بجهود ثنائية بني ذراعي العالم العربي<br />
)مصر واململكة العربية السعودية( مت إفشال مشروعي حلف بغداد<br />
)24 فبراير 1955م( واحللف املركزي، بعد انسحاب العراق من<br />
حلف بغداد، بسبب قيام ثورة 14 متوز 1958م، وكان نتيجة ذلك<br />
إبعاد تخوم العالم العربي الشرقية من النفوذ األمريكي، مبوجب<br />
استراتيجية االحتواء تلك، وبعدت بالتبعية، املنطقة العربية من<br />
مرمى نيران أي حرب نووية محتملة قد تندلع، لو بطريق اخلطأ،<br />
بني قطبي نظام احلرب الباردة.<br />
كما أن من أهم إجنازات حركة عدم االنحياز<br />
إدخال مارد نووي كبير إلى حماها )الصني(.<br />
الصني وجدت يف احلركة مخرجاً من العزلة<br />
املفروضة عليها من قبل قطبي احلرب الباردة..<br />
ومجموعة عدم االنحياز وجدوا يف الصني رادعاً<br />
غير تقليديٍ، يُؤمن مسيرة املجموعة ويدعم<br />
جهودها الدولية يف االنعتاق من ابتزاز قطبي<br />
نظام احلرب الباردة، ونفوذهما.<br />
الخطر من قِبَلِ عمق العرب االستراتيجي يف إفريقيا!<br />
وجود 22 دولة عربية على جانبي حدود أكبر قارتني يف العالم،<br />
يحدد مصير العرب واألفارقة املشترك، يف السام واألمن والتنمية،<br />
مبا ال ميكن أن يتوفر يف أي جتمع إقليمي، بهذا التوسع واالمتداد<br />
والغنى بالتاريخ والثقافة وصات الدم ووشائج اجلغرافيا، ببعديها<br />
التضاريسي واإلنساني. شاهدنا، على مستوى حركة مسيرة النظام<br />
العربي، مدى تشابه التحديات األمنية واالستراتيجية، التي عصفت<br />
بالعالم العربي، طوال السبعة عقود املاضية.. وكيف أن إفريقيا، كانت<br />
توفر العمق االستراتيجي الرحب لألمن القومي العربي، بالرغم من<br />
محاوالت أعداء العرب، إسرائيل على وجه اخلصوص، النيل من<br />
صمود عمق العرب االستراتيجي يف إفريقيا. العرب، من جانبهم، لم<br />
يبخلوا على دول وشعوب إفريقيا، بكل عون ومساعدة باستطاعتهم<br />
تقدميها. لقد كان أكبر إجناز للعرب، يف هذا املجال تبنيهم لقضايا<br />
الشعوب اإلفريقية العادلة يف االستقال واحلريّة. العرب لم يناضلوا<br />
من أجل نيل الكثير من الدول األفريقية استقالها، فحسب... بل<br />
قدموا الكثير من املساعدات االقتصادية والفنية لبناء مؤسسات<br />
الدولة ومجتمعات تلك الدول، حيث لم تبخل الدول العربية الرائدة<br />
يف النظام العربي، بتقدميها العون لشعوب ودول القارة السوداء.<br />
حتى تستمر هذه العاقة االستراتيجية الوطيدة بني العرب<br />
وإفريقيا، على العرب أن يقتربوا أكثر من إفريقيا، وأن يعيدوا<br />
الستمرار العالقة<br />
االستراتيجية العربية <br />
اإلفريقية: إعادة أمجاد<br />
إنجازات الخمسينيات<br />
و الستينيات<br />
أمجاد إجنازات اخلمسينات والستينات، وحتى نهاية سبعينيات<br />
القرن املاضي يف إفريقيا. لقد رجعت إسرائيل بقوة إلى إفريقيا،<br />
بعد أن حرّمها عليها العرب، حتى نهاية سبعينيات القرن املاضي.<br />
اآلن بعض الدول األفريقية تخدم أجندات أعداء العرب اإلقليمني،<br />
مبساعدة قوىً عظمى لم تخف يومًا عدائها للعرب. أثيوبيا،<br />
اليوم تبني سد النهضة، دون اعتبار ملصلحة دولتني عربيتني<br />
أفريقيتني جارتني، عضوتني يف االحتاد األوربي، تتمتعان بحقوق<br />
تاريخية يف مياه النيل. يكفي النظر يف الدول املمولة لبناء السد<br />
التي توفر ألثيوبيا املشورة واملعونة الفنية واالستشارية واملالية،<br />
لنعرف السبب الرئيس من بناء سد النهضة األثيوبي. إيران،<br />
اخلصم اإلقليمي الرئيس على تخوم العالم العربي<br />
الشرقية، لم تكتفِ بالتعبير عن عدائها الفارسي<br />
الثأري املستحكم للعرب، لدرجة التدخل العسكري<br />
السافر كما هو حادث يف العراق وسوريا.. أو<br />
عن طريق استخدام احلقد الطائفي لتهديد أمن<br />
اململكة العربية السعودية، على احلدود اجلنوبية<br />
مع اليمن... إيران، هذه، جندها تغزو أفريقيا،<br />
وتبث سموم الطائفية بالعمل الدؤوب لنشر املذهب<br />
الشيعي، يف مجتمعات أفريقية عربية وغير عربية،<br />
لم تعرف أبداً ولم تعتنق طوال تاريخها، منذ الفتح<br />
اإلسامي، سوى مذاهب أهل السنة واجلماعة.<br />
إذا أهمل العرب إفريقيا، ولم يعودا ينظرون إليها النظرة<br />
االستراتيجية، التي واكبت ظهور نظامهم اإلقليمي احلديث،<br />
وعولوا فقط على ما بقي من صات قربى ودم وجغرافيا<br />
وثقافة، دون أن يراعوا حق تلك الصات االستراتيجي املوضوعي<br />
املصلحي، فإن ضرراً استراتيجياً جسيماً سيصيب األمن القومي<br />
العربي. لعل ما يحدث اليوم على جبهة العالم العربي املشرقية، يف<br />
سوريا والعراق واليمن، وقبل ذلك على بعض مواقع جبهة العرب<br />
اإلفريقية يف الصومال.. وما يحدث اليوم يف دول الصحراء الكبرى<br />
من متدد جلماعات اإلرهاب.. وما يحدث من متدد إيراني يف دول<br />
شرق وغرب إفريقيا.. باإلضافة إلى ما يحدث عند مدخل البحر<br />
األحمر، بسبب الوجود اإلسرائيلي املكثف يف أريتريا وأثيوبيا ودول<br />
حوض النيل، لهو إشارة لنذر شر مستطير مقدم عليه العالم<br />
العربي، من داخل عمقهم االستراتيجي اإلفريقي.<br />
على العرب أن يلتفتوا، مرة أخيرة، وبعني فاحصة، تدرك<br />
مكامن اخلطر االستراتيجي على أمنهم، بل ومصير بقائهم<br />
وتستشعر نذره املستطيرة، القادم عليهم من داخل عمقهم<br />
االستراتيجي التاريخي واجلغرايف )إفريقيا(.<br />
*أستاذ العلوم السياسية جامعة امللك عبد العزيز جدة
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
50<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
تتجاوز المساعدات االقتصادية.. واآلفاق واسعة<br />
العالقات الخليجية اإلفريقية:<br />
رؤية مستقبلية<br />
شهدت السنوات 2015-2012م، عدة أحداث تشير إلى ازدياد أهمية قضية العاقات اخلليجية اإلفريقية كان منها<br />
استضافة دولة الكويت ملؤمتر قمة التعاون العربي اإلفريقي يف 2013م، والسياسة السعودية النشطة يف عدد من<br />
الدول اإلفريقية، والتي كان من مظاهرها يف 2016م، اجلوالت التي قام بها وزير اخلارجية السعودي يف إفريقيا<br />
واستقبال الرياض لعدد من رؤساء الدول اإلفريقية، واهتمام سلطنة عمان بالبحث والتوثيق يف عاقاتها التاريخية<br />
مبنطقة شرق إفريقيا والتي تبلورت يف عقد مؤمتر عن هذا املوضوع نظمه مركز الدراسات العمانية بجامعة<br />
السلطان قابوس يف مسقط يف 2012م، وآخر عن عاقات السلطنة التاريخية بجزر القمُر يف ديسمبر 2015م، وهو<br />
املؤمتر اخلامس الذي نظمته هيأة الوثائق واحملفوظات الوطنية بالسلطنة لدراسة جذور عاقات عُمان بدول القرن<br />
اإلفريقي، والتي شملت عاقاتها بأثيوبيا ومدغشقر وموريشيوس وجيبوتي والصومال.<br />
د. عليّ الدين هالل<br />
واحلقيقة، أن التحليل العلمي ملوضوع العاقات اخلليجية<br />
اإلفريقية ينبغي أن يتم يف إطار ثاث سياقات: أولها، خبرة<br />
العاقات العربية اإلفريقية والدروس املستفادة منها حتى ال<br />
تتكرر األخطاء ونعيد فتح اجلراح، وثانيها، سمات املشهد<br />
اإلفريقي الراهن واخلصائص العامة للدول اإلفريقية التي سوف<br />
يتم التعاون معها، وكذلك القوى الدولية األخرى الفاعلة يف<br />
القارة ومدى قبولها أو ترحيبها بدور خليجي أكبر، وثالثها آفاق<br />
العاقات اخلليجية اإلفريقية.<br />
أوالً: خبرة العالقات العربية اإلفريقية<br />
متتد العاقات العربية اإلفريقية يف أعماق التاريخ، فمن<br />
املؤكد أنه قد حدثت هجرات إفريقية عبر البحر األحمر إلى<br />
شبه اجلزيرة العربية قبل اإلسام، وكانت احلبشة معروفة<br />
لدى القبائل العربية يف ذلك الوقت وإليها كانت الهجرة األولى<br />
للمسلمني. ويف القرون التالية، انتشر اإلسام يف مختلف أرجاء<br />
إفريقيا، فانتقل من شرق القارة إلى منطقة البحيرات اإلستوائية<br />
وصوالً إلى الغرب، وظهرت مراكز ثقافية كبيرة يف مدن زجنبار<br />
وكلوة وممُ باسا. هذا باإلضافة إلى نشر اإلسام والعروبة يف دول<br />
الشمال اإلفريقي من مصر إلى موريتانيا. ويف مرحلة االستعمار<br />
األوروبي، استمر الوجود العربي اإلسامي، وحدثت مواجهات<br />
بني الطرفني لعل أبرزها املواجهة العسكرية بني سلطنة عمان<br />
والبرتغال يف زجنبار والتي انتهت بطرد البرتغاليني منها،<br />
والسيطرة العمانية عليها من 1856 وحتى 1964م.<br />
لقد كان هدف هذا العرض املوجز هو تبيان العمق التاريخي<br />
للعاقات العربية )مبا فيها اخلليجية( اإلفريقية. ولكن التأسيس<br />
احلديث لهذه العاقات حدث يف حقبة اخلمسينيات من القرن<br />
العشرين، وازدهر يف السنوات التالية حتى بلغ أوجه عام 1973م،<br />
ثم بدأت مرحلة األفول يف الثمانينيات وما بعدها.<br />
يعود هذا التأسيس إلى الدور الذي قامت به مصر بقيادة<br />
الرئيس جمال عبد الناصر يف مرحلة اخلمسينيات يف دعم<br />
حركات التحرر الوطني اإلفريقية ضد االستعمار وإنهاء االحتال<br />
األجنبي للقارة. لقد أدرك الرئيس عبد الناصر مبكرًا أهمية<br />
البعد اإلفريقي ملصر وللمصالح العربية، وأشار إلى »الدائرة<br />
اإلفريقية« يف كتابه بعنوان »فلسفة الثورة« كأحد مجاالت
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 51<br />
العدد ملف<br />
االهتمام اخلارجي املصري والذي ضم أيضً ا »الدائرة العربية«،<br />
و«الدائرة اإلسامية«. ووفقًا لهذه النظرة، قامت مصر بتوفير<br />
الدعم السياسي واملالي والعسكري حلركات التحرر اإلفريقية،<br />
واستضافت قادة هذه احلركات، وأنشأت مجموعة من اإلذاعات<br />
املوجهة إلى الشعوب اإلفريقية الناطقة بلغاتها، ودافعت عن<br />
قضاياها يف األمم املتحدة وحركة عدم االنحياز ومنظمة الشعوب<br />
اآلسيوية اإلفريقية. وكان من شأن هذه اجلهود – مع االحتاد<br />
السوفيتي والهند ويوغوسافيا - صدور قرار اجلمعية العامة<br />
لألمم املتحدة عام 1960م، اخلاص بإقرار حق تقرير املصير ومنح<br />
االستقال للشعوب املستعمرة. ويف بداية الستينيات، شارك كل من<br />
اجلزائر واملغرب يف مد بساط عاقات التعاون<br />
العربية اإلفريقية بعد حصولهما على االستقال.<br />
حفظ اجليل األول من القيادات اإلفريقية<br />
هذا الدور العربي، فرفضوا الدعاوى االستعمارية<br />
الغربية بالفصل بني شمال القارة وجنوبها، والذي<br />
يعني الفصل بني »العرب« الذين يعيشون يف الشمال<br />
و«األفارقة« الذين يعيشون يف جنوب الصحراء،<br />
وأكدوا على وحدة القارة بإنشاء منظمة الوحدة<br />
اإلفريقية يف 1964م، وكان الرئيس عبد الناصر<br />
وامللك محمد اخلامس من اآلباء املؤسسني لها.<br />
يف هذا املناخ، ساندت الدول اإلفريقية القضايا العربية يف<br />
احملافل الدولية وخصوصً ا القضية الفلسطينية، والتي اعتبرتها<br />
منظمة الوحدة اإلفريقية »قضية عربية –إفريقية«، وضمن هذا<br />
للعرب كتلة تصويتية مؤيدة يف األمم املتحدة تقرب من 50 صوتًا.<br />
ويف املقابل، دعمت الدول العربية قضية إفريقيا األساسية وهي إنهاء<br />
نظام الفصل العنصري يف جنوب إفريقيا وروديسيا، واعتبرتها جامعة<br />
الدول العربية »قضية إفريقية – عربية«.<br />
ويف أعقاب هزمية يونيو 1967م، تضامنت الدول اإلفريقية<br />
مع مصر، وقامت الواحدة تلو األخرى بقطع العاقات الدبلوماسية<br />
مع إسرائيل باعتبارها قوة احتال جلزء من إقليم الدولة املصرية.<br />
وتواصل هذا الدعم يف حرب أكتوبر 1973م، مما أدى إلى إصدار<br />
مؤمتر القمة العربية املنعقد يف اجلزائر يف العام نفسه قراراً يشيد<br />
فيه مبوقف الدول اإلفريقية، ومت إنشاء الصندوق العربي للمعونة<br />
الفنية اإلفريقية واملصرف العربي للتنمية االقتصادية يف إفريقيا،<br />
وإن كانت بعض الدول اإلفريقية قد أعربت عن تضررها من ارتفاع<br />
أسعار النفط الذي فرض أعباء مالية إضافية عليها، ومت تشكيل جلنة<br />
مشتركة بني جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة اإلفريقية لبحث<br />
آثار ارتفاع أسعار النفط على الدول اإلفريقية وكيفية التخفيف منها.<br />
استمر زخم العاقات العربية اإلفريقية، فأيدت املجموعة<br />
اإلفريقية يف اجلمعية العامة لألمم املتحدة قرار اعتبار الصهيونية<br />
تضررت الدول<br />
األفريقية من تصدير<br />
العرب خالفاتهم للقارة<br />
السمراء بعد كامب ديفيد<br />
وخالف البوليساريو<br />
شكاً من أشكال العنصرية يف 1975م، وانعقد مؤمتر قمة التعاون<br />
العربي اإلفريقي األول يف القاهرة يف مارس 1977م، والذي أصدر<br />
مجموعة من الوثائق اخلاصة مببادئ التعاون بني الطرفني يف<br />
املجاالت املختلفة، وأنشئ مجموعة من املؤسسات لتنظيم هذه<br />
العاقات. أكدت هذه الوثائق على أن التعاون بني الطرفني يقوم على<br />
مبادئ التحرر الوطني، والتعاون االقتصادي، والتفاهم بني الشعوب.<br />
وشملت املؤسسات التي أقرها املؤمتر: مؤمتر القمة واملجلس الوزاري<br />
واللجنة الدائمة واللجان املتخصصة.<br />
ومن نهاية السبعينيات وما تاها من سنوات، تعرضت العاقات<br />
العربية اإلفريقية لسلسلة من األزمات واحملن، وميكن تلخيص أهم<br />
الدروس املستفادة منها فيما يلي:<br />
1- تضرر الدول اإلفريقية من قيام الدول العربية<br />
بتصدير خالفاتهم وصراعاتهم إلىها مما أوجد<br />
عاماً انقساميًا بينها، من ذلك نقل اخلاف<br />
العربي حول اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمتهما<br />
مصر يف 1978م، إلى الساحة اإلفريقية والدعوة<br />
لتجميد عضوية مصر يف منظمة الوحدة اإلفريقية،<br />
ومنها اخلاف بني اجلزائر واملغرب بشأن منظمة<br />
البوليساريو ومستقبل الصحراء، وهو األمر الذي<br />
انتهى إلى مقاطعة املغرب ألنشطة املنظمة بعد تبني<br />
األغلبية اإلفريقية لوجهة النظر اجلزائرية.<br />
أضف إلى ذلك شكوى األفارقة من التنافسات العربية العربية<br />
على النفوذ يف القارة، وخصوصً ا السياسات التي مارستها ليبيا يف<br />
عهد العقيد معمر القذايف، وهو األمر الذي أدى مبنظمة الوحدة<br />
اإلفريقية إلى إصدار قرار يف 1978م، يطلب فيه عدم تدخل الدول<br />
العربية يف قضية القرن اإلفريقي، وعدم تدخل السياسات العربية<br />
يف شؤون القارة اإلفريقية. وارتبط بذلك –خصوصً ا يف حقبة<br />
الثمانينيات وبعد عودة العاقات الدبلوماسية اإلفريقية مع إسرائيل–<br />
طلب األفارقة عدم ربط التعاون العربي اإلفريقي بضرورة تبني<br />
الدول اإلفريقية مواقف معادية إلسرائيل.<br />
2- المفارقة بين طموح الشعارات وقصور التنفيذ، إذ تبرز<br />
الفجوة الهائلة بني األهداف واإلجناز يف مجال التعاون العربي-<br />
اإلفريقي. وعلى سبيل املثال، انعقد مؤمتر القمة األول يف<br />
1977م، والذي اعتبر مبثابة املؤمتر التأسيسي لقواعد التعاون<br />
ومؤسساته، ونص املؤمتر يف مقرراته على اجتماع اللجنة الدائمة<br />
للتعاون العربي اإلفريقي والتي تضم 24 دولة )12 من كل طرف(<br />
كل 6 شهور، واجتماع املجلس الوزاري املشترك كل 18 شهرًا،<br />
واجتماع القمة كل 3 سنوات، ولم يتحقق ذلك. وتكفي اإلشارة<br />
إلى أن مؤمتر القمة الثاني والذي كان من املقرر عقده يف<br />
1980م، انعقد بعد 33 سنة يف 2010م، يف مدينة سرت الليبية،
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
52<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
ولكنه لم يحقق جناحً ا يذكر، وظهر ذلك جليًا يف مستوى التمثيل<br />
اإلفريقي املتدني يف املؤمتر، ومن األرجح أن ذلك هو ما دفع إلى<br />
عقد املؤمتر الثالث يف الكويت يف 2013م.<br />
ومن مظاهر هذه املفارقة بني القول والفعل القرار الذي اتخذته قمة<br />
سرت بدعوة مندوب من االحتاد اإلفريقي حلضور جميع اجتماعات<br />
جامعة الدول العربية والعكس، وهو ما لم يتحقق أيضاً.<br />
3- انتقال أفكار التطرف الديني النابعة من البالد العربية إىل عدد<br />
من الدول اإلفريقية، وخصوصً ا بعد استفحال خطر املنظمات<br />
اإلرهابية التي تستخدم العنف مببررات أو تفسيرات دينية.<br />
تبقى احلقيقة أنه من أصل 22 دولة عربية، فإن عشرة منها<br />
تقع جغرافيًا يف إفريقيا، ويبلغ عدد شعوبها ثلثي العرب. لذلك، ورغم<br />
تراجع العاقات العربية اإلفريقية بشكل عام، فقد استمرت اجلهود<br />
للحفاظ عليها، وخصوصً ا يف إطار األمم املتحدة التي شهدت يف<br />
2012م، اجتماعًا على مستوى الوزراء بني الدول األعضاء يف مجلس<br />
السلم واألمن العربي، والدول األعضاء يف مجلس السلم واألمن<br />
اإلفريقي، وذلك على هامش اجتماعات اجلمعية العامة.<br />
ثانيًا: سمات المشهد اإلفريقي الراهن<br />
إذا كان السياق األول اخلاص بخبرة العاقات العربية اإلفريقية<br />
يشير إلى دروس املاضي، فإن السياق الثاني بسمات املشهد اإلفريقي<br />
يشير إلى احلاضر، فمن املهم إدراك طبيعة الواقع الذي سوف يتم<br />
التعامل معه. وكلما كان اإلدراك صحيحً ا فإن السياسات املتبعة<br />
سوف تتمتع بحظ أكبر من النجاح. ويف سياق أنه من الصعوبة<br />
مبكان إصدار تعميمات على ما يزيد عن خمسني دولة، فإن هناك<br />
خصائص عامة ميكن اإلشارة إليها.<br />
أول هذه اخلصائص هو الطابع الديمقراطي ألشكال نظم<br />
الحكم، فقد حتولت كل دول القارة اإلفريقية من نظم احلزب الواحد<br />
إلى نظم تعدد األحزاب، واالنتخابات الرئاسية والنيابية الدورية. لم<br />
يكن هذا التطور تلقائيًا أو طوعيًا، وإمنا كاستجابة ورد فعل لضغوط<br />
املشروطية السياسية واالقتصادية التي مارستها الواليات املتحدة ودول<br />
االحتاد األوروبي فيما عُرف باسم »سياسة دعم الدميقراطية«. وكان<br />
من شأن اتباع هذا النظام انتقال سلطة رئاسة الدولة من شخص إلى<br />
آخر. وإن كان هذا التطور ال يعني اختفاء صور التسلطية السياسية<br />
التي تستتر خلف هذا املظهر أو الشكل الدميقراطي يف بعض الدول.<br />
ولكن التطور املهم هو أن الدميقراطية مبعنى تولي احلكم من<br />
خال االنتخابات العامة أصبحت قيمة سياسية مقننة يف ميثاق<br />
االحتاد اإلفريقي الذي ينص على جتميد عضوية أي دولة يحدث<br />
فيها تغيير سياسي بالقوة أو عن غير طريق االنتخاب كاالنقابات<br />
العسكرية. وارتبط بذلك توطيد أركان االحتاد اإلفريقي كمنظمة<br />
إقليمية وفرت إطارًا مؤسسيًا جماعيًا حلماية األمن والسلم دون<br />
احلاجة لتدخل الدول الكبرى بشكل مباشر يف الشؤون اإلفريقية،<br />
ومن ذلك الدور العسكري لاحتاد يف الصومال ودولة جنوب<br />
السودان، ودورها السياسي يف حل املنازعات بني الدول األعضاء.<br />
وثانيها، أن الدول اإلفريقة انتهجت سياسات التحرر االقتصادي،<br />
وسعت إلى بناء اقتصادات مفتوحة ومتكاملة مع االقتصاد العاملي<br />
مما أدى إلى ازدياد تدفق االستثمارات األجنبية، وازدياد الناجت<br />
احمللي اإلجمالي خال الفترة من – 2004 2008م، مبعدل %4.9<br />
سنويًا، وهو ضعف معدل الزيادة يف العقدين السابقني. ويف 2008م،<br />
بلغ حجم الناجت احمللي اإلجمالي 1.6 تريليون دوالر وهو ما يضع<br />
إجمالي االقتصاد اإلفريقي يف مصاف القوى االقتصادية الكبرى.<br />
وثالثها، أنه ال ينفي هذا النمو االقتصادي وجود مشكالت<br />
هيكلية تعاني منها أغلب االقتصادات اإلفريقية مثل ضعف البنية<br />
األساسية، وارتفاع العجز املالي، وانخفاض مستوى املعيشة، وضعف<br />
نسبة منو القطاع الصناعي التي بلغت %2 يف 2014م، والتداعيات<br />
السلبية الناجتة عن أنشطة اجلماعات اإلرهابية مثل بوكو حرام<br />
والشباب الصومالي وجيش الرب األوغندي.<br />
ورابعها، تعدد الفواعل الدولية التي أقامت عالقات وثيقة<br />
مع الدول اإلفريقية وسعت إلى االستفادة من مواردها الطبيعية<br />
ومن الترويج لصادراتها يف أسواقها، إضافة بالطبع إلى إيجاد مواقع<br />
للنفوذ السياسي والعسكري.<br />
وتعتبر الواليات املتحدة الاعب الرئيسي يف القارة بسبب<br />
مصاحلها السياسية واالقتصادية التي تتمثل يف قواعدها<br />
العسكرية يف عدد من الدول اإلفريقية، ويف طرحها عدد من<br />
املبادرات يف مجال مكافحة اإلرهاب مثل مبادرة الشراكة<br />
اإلفريقية املنبثقة من قوات األفريكوم التي أنشأت عام 2006م،<br />
وإطاق إدارة أوباما »استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء«<br />
يف 2012م، وارتفاع الصادرات واالستثمارات األمريكية خال<br />
الفترة من 2009 -2013م، بنسب %45 و%37.5 على التوالي.<br />
وإلى جانب الواليات املتحدة تتزايد أدوار الصني والهند وتركيا<br />
وإيران وإسرائيل. وعلى سبيل املثال فقد أنشأت الصني املنتدى<br />
الصيني اإلفريقي عام 2000م، وبلغ حجم االستثمارات الصينية<br />
املباشرة مبلغ 550 مليار دوالر عام 2009م، ولديها حسب تقارير<br />
%4.9 نسبة النمو يف إفريقيا سنويًا وحجم الناتج اإلجمايل<br />
1.6 تريليون دوالر بالقارة السمراء
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 53<br />
العدد ملف<br />
االونكتاد لعام 2014م، ما يقرب من 2200 شركة تعمل يف دول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء، وارتفعت التبادالت التجارية بني<br />
الطرفني بحيث بلغت التجارة مع الصني نسبة %25 من إجمالي<br />
التجارة اإلفريقية. وساعد الصني على ذلك استثماراتها يف مجال<br />
البنية التحتية والطاقة وتطوير عدد من املوانئ لتسهيل عمليات<br />
النقل والتبادل التجاري مثل تطوير ميناء المو الكيني.<br />
وقامت تركيا باستضافة القمة التركية اإلفريقية يف 2008،<br />
والتي تاها إنشاء مكاتب جتارية لها يف 22 دولة إفريقية. أما<br />
إيران، فقد ركزت على منطقة شرق إفريقيا من خال إنشاء فرع<br />
لرابطة الثقافة والعاقات اإلسامية اإليرانية بها، وقامت بتسيير<br />
خط بحري منتظم بني ميناء بندر عباس اإليراني وميناء ممباسا<br />
الكيني. كما أنشأت منتدى التجارة اإليراني اإلفريقي، ودعت<br />
إلى إنشاء سوق جتارية إفريقية آسيوية تكون هي مركزها. من<br />
جانب أخر نشطت إسرائيل لتطوير عاقاتها ونفوذها مستغلة<br />
يف ذلك ظروف جمود العاقات العربية اإلفريقية واألزمات التي<br />
تعرضت لها. فركزت على املعونات الفنية والتعليم التكنولوجي،<br />
وأولت اهتمامًا خاصً ا لتدريب الكوادر العسكرية واالستخباراتية.<br />
ثالثًا: آفاق العالقات الخليجية اإلفريقية<br />
ال تبدأ العاقات اخلليجية اإلفريقية من فراغ، فباإلضافة إلى<br />
الصات التاريخية التي مت اإلشارة، فإن بعض الدول اخلليجية<br />
كالسعودية متارس سياسة إفريقية نشطة، ومن الضروري<br />
تطويرها وتنشيطها يف إطار خليجي. ويف هذا السياق، ميكن<br />
التأكيد على العناصر التالية:<br />
1- تحديد اإلطار السياسي واألخالقي للتعاون، فطرح مؤمتر الكويت<br />
عدة مفاهيم ميكن البناء عليها كمفهوم الشراكة االستراتيجية بني<br />
الطرفني، وشركاء يف التنمية واالستثمار، فأي تعاون يف الوقت الراهن<br />
له أسسه ومبرراته وال ميكن اختزاله يف املساعدات االقتصادية.<br />
وعلى سبيل املثال، فإن جتارب التعاون الدولي اليوم تتأسس على<br />
أن هدفها هو املشاركة يف بناء مستقبل أفضل لكل األطراف. وهذا<br />
املستقبل يتضمن بالطبع التنمية االقتصادية واالرتفاع مبستويات<br />
النمو واملعيشة، ويتضمن أيضً ا العدالة يف توزيع عوائد التنمية،<br />
واحترام حقوق اإلنسان، وتأكيد قيم املواطنة واملساواة، وتعزيز الثقة<br />
والتفاهم بني الشعوب، وأنه يقوم على املصالح املشتركة واملنافع<br />
املتبادلة بني األطراف دون ربطها باتخاذ مواقف مع أو ضد أطراف<br />
أخرى، ويف إطار من الندية والتكافؤ.<br />
كما أن التعاون الدولي اليوم ال تقتصر أطرافه على احلكومات<br />
والهيآت الرسمية، وإمنا يشمل أطراف أخرى كاجلامعات ومراكز<br />
البحوث والغرف التجارية واجلمعيات األهلية. وهكذا، فإنه<br />
يهدف إلى تنمية رأس املال االجتماعي الذي يعتمد على قدرات<br />
البشر وتعليمهم وخبراتهم. وأخيرًا، فبفعل التداخل بني الداخل<br />
واخلارج، فإن التعاون الدولي يرتبط ارتباطً ا وثيقًا بخطط التنمية<br />
االقتصادية واالجتماعية واإلنسانية يف الدول أطراف التعاون.<br />
2- إيجاد اإلطار المؤسسي للعالقات، فمن األهمية مبكان أن تنتظم<br />
هذه العاقات يف أطر مؤسسية، وذلك من خال إقامة جلان للتعاون<br />
املشترك لتنظيم العاقات مع عدد من الدول الرئيسية اإلفريقية، وإن<br />
كان يعيب هذا التصور غياب إطار جماعي للعاقات مثل املؤمترات<br />
التي تنظمها الواليات املتحدة وفرنسا والصني والهند وتركيا، والتي<br />
توجه الدعوة فيها إلى جميع الدول اإلفريقية.<br />
وقد يكون من املتصور يف هذا الشأن إما أن يتم التعاون<br />
يف إطار جماعي يتم تنظيم العاقات فيه بني مجلس التعاون<br />
اخلليجي من ناحية، واالحتاد اإلفريقي من ناحية أخرى، أو أن<br />
تقوم اململكة العربية السعودية بالدعوة إلى مثل هذا اللقاء أسوة<br />
بالدول التي مت اإلشارة إليها على أن يكون انعقاد هذا املؤمتر<br />
بصفة دورية، وأن تُدعى للمشاركة يف مداوالته بقية الدول<br />
أعضاء مجلس التعاون اخلليجي.<br />
وقد يكون املنتدى السعودي – الشرق إفريقي الذي انعقد<br />
يف أديس أبابا يف نوفمبر 2009م، أو منتدى االستثمار اخلليجي<br />
اإلفريقي الذي دعت إليه الرياض يف 2010م، وشارك فيه رؤساء<br />
كل من السنغال وبنني وأجنوال وتنزانيا وكينيا وموزمبيق والكونغو<br />
بادرة ميكن البناء عليها.<br />
ويف كل احلاالت، فإن تطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية، ينبغي<br />
أال يبدو منافسً ا للعاقات العربية اإلفريقية، وإمنا متمم ومكمل لها.<br />
3- واقعية األهداف، فقد أوضحت اخلبرات السابقة أن التركيز<br />
على موضوع املساعدات املالية هو اجتاه قصير النظر، ويجعل<br />
الدول األخرى تنظر إلى الطرف اخلليجي كمصدر للمال<br />
وحسب. وتزداد أهمية هذه النقطة يف ظروف انخفاض أسعار<br />
النفط وتأثيرها على املوازنات العامة يف دول اخلليج.<br />
هناك آفاق واسعة لتطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية:<br />
اقتصاديًا يف مجال الزراعة وإنتاج الغذاء أو الصناعة وتطوير<br />
البنية التحتية يف هذه الدول، وسياسيًا ضد األنشطة اإلرهابية<br />
والقرصنة البحرية والهجرة غير املشروعة. ولكن هذه اآلفاق<br />
ليست بدون حواجز أو عوائق منها: االجتاهات السياسية غير<br />
الصديقة جتاه الدول العربية من جانب بعض النخب اإلفريقية،<br />
وغياب اإلطار القانوني حلماية االستثمارات يف بعض الدول<br />
اإلفريقية، وغياب البنية التحتية بالنقل ومنافذ التصدير،<br />
ومواقف القوى املنافسة التي من األرجح أن يعمل بعضها ضد<br />
تطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية.<br />
* أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
54<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
الحلول املثلى تكمن في التصنيع الزراعي محليًا ونقل املنتج إلى دول الخليج<br />
االستثمار الزراعي الخليجي يف إفريقيا:<br />
المتاح والممكن وتعظيم االستفادة<br />
تقع املنطقة العربية يف واحدة من أشد مناطق العالم حرارة ويتراوح مناخها بني شديد احلرارة واحلار وبني شديد<br />
اجلفاف واجلاف. يؤدي ارتفاع درجات احلرارة إلى زيادة استهاك الزروع للماء وكذا زيادة معدالت البخر من املوارد<br />
املائية وسطح التربة وبالتالي فإنتاج الغذاء يف املنطقة العربية يستهلك من املياه ضعف ما يستهلكه إنتاج الغذاء يف<br />
املناطق الباردة واملطيرة، مبا يؤدي إلى تراجع العائد من وحدة املياه يف القطاع الزراعي.<br />
د. نادر نور الدين محمد<br />
املاء هو العامل احملدد للزراعة – وليس التربة – وما<br />
يزرع من الترب الزراعية مرهون مبا هو متاح من املياه، وتتسم<br />
املنطقة العربية بكونها ليست من مناطق الوفرة املائية وبالتالي<br />
فهي ليست من مناطق الوفرة الزراعية. وهناك عدد من األمور<br />
املهمة حول ندرة املياه يف البلدان العربية نوجزها على النحو<br />
التالي )املرجع: تغيرات املناخ ومستقبل األمن الغذائي العربي<br />
لكاتب املقال: 2010 كتاب اخلليج دولة اإلمارات العربية املتحدة(:<br />
متثل مساحة الدول العربية %10.2 من مساحة العالم إال أنها<br />
تستقبل % 2.1 فقط من األمطار العاملية.<br />
ال متتلك الدول العربية أكثر من % 0.3 فقط من املوارد<br />
املائية العاملية املتجددة سنويا لعدد سكان ميثل %5 من سكان<br />
العالم )370 مليون نسمة يف تعداد 2014م(.<br />
هناك 12 دولة عربية يقل فيها نصيب الفرد من املياه عن 500<br />
متر مكعب سنويًا واملتوسط يف دول اخلليج 169 متر مكعب/سنة.<br />
تتسم املنطقة العربية بتسجيلها أعلى نسبة تزايد سكاني<br />
يف العالم مبتوسط يتراوح بني 1.7 إلى %2.3 مبا ميثل ضعف<br />
متوسط نسبة الزيادة السكانية العاملية )%1.1( بل أن هذه<br />
النسبة تتجاوز %3.5 يف بعض الدول العربية.<br />
تعتمد جميع البلدان العربية على توفير مياهها اإلقليمية<br />
من أحواض سطحية أو جوفية مشتركة مبا ال يوفر لها األمن<br />
املائي املستقر ويتطلب منها متابعة يقظة لكل ما يدور يف هذه<br />
األحواض املائية مثل أحواض نهر النيل والفرات ودجلة والعاصي<br />
واألردن واليرموك وتهامة وجوبا، وجميعها أحواض عابرة للحدود<br />
وتأتي من دول غير عربية. وباملثل أيضً ا أحواض املياه اجلوفية<br />
املشتركة مثل احلوض الرملي النوبي ملصر وليبيا والسودان<br />
وتشاد، وحوض شمال الصحراء الكبرى لدول اجلزائر وتونس<br />
وليبيا، واخلزانات اجلوفية لشبه اجلزيرة العربية لدول اململكة<br />
العربية السعودية واألردن واإلمارات والبحرين والكويت وقطر<br />
واليمن والعراق ثم أخيرًا األحواض اجلوفية الكلسية التي متتد<br />
عبر لبنان وسوريا واألردن.<br />
وعلى الرغم من أن القطاع الزراعي هو املستهلك األعظم<br />
للمياه يف الدول العربية حيث يستحوذ وحدة على %82 من<br />
إجمالي املوارد املائية املتاحة ومع ذلك فهو ال يساهم يف<br />
اقتصاديات الدول العربية إال بقدر يتراوح بني 13 إلى %20<br />
فقط مبا ال يتناسب مع حجم استنزافه للمياه وال يزيد عائد<br />
املتر املكعب يف قطاع الزراعة يف املنطقة العربية عن نصف إلى<br />
دوالر فقط بينما يصل يف القطاع الصناعي إلى – 5 8 دوالرات<br />
ويف القطاع الفندقي والسياحي إلى – 50 60 دوالرا، وعلى ذلك<br />
فإن أولوية استخدامات املياه اجلوفية كمورد ثمني ونادر يف<br />
املنطقة العربية يف القطاع الصناعي أوال ولو أرتبط األمر باألمن<br />
الغذائي فا بد من تكامل الزراعة مع التصنيع الزراعي. ويف هذا<br />
الصدد ميكن القول إن – 60 %80 من مبيعات السوبر ماركت<br />
أصبحت عبارة عن سلعًا غذائية مجمدة أو مبردة أو محفوظة<br />
أو سابقة التجهيز أو مجففة )بصل وثوم...( بسبب تنامي عمل
الزوج والزوجة سواء دوليًا أو عربيًا وبالتالي تبرز أهمية التصنيع<br />
الزراعي وحفظ املنتجات الزراعية وتقليل الفاقد وزيادة القيمة<br />
املضافة للعائد من وحدة املياه يف القطاع الزراعي. ومع زيادة<br />
طلب قطاعي االستخدام الصناعي واحملليات )منزلي ومدارس<br />
وجامعات ومستشفيات ومباني حكومية وحدائق عامة( سيزيد<br />
طلبهم على املياه العذبة نتيجة للتقدم احلضري واحلضاري<br />
املستمر وسيكون ذلك خصمًا من مياه القطاع الزراعي املستنزف<br />
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 55<br />
إفريقيا المكان المناسب لالستثمارات الخليجية النظيفة<br />
لتحقيق األمن الغذائي وليس استنزاف الموارد مثل الغرب<br />
نصيب الفرد من املياه يف الدول العربية أقل من حد الندرة )1٠٠٠ م٣/سنة(<br />
العدد ملف<br />
األكبر للموارد املائية، إال أن الدالئل املستقبلية تشير إلى حاجة<br />
الدول العربية إلى املزيد من املياه يف القطاع الزراعي ملواجهة<br />
األخطار املستقبلية الناجمة عن زيادة الطلب على الغذاء<br />
وتضاعف عدد السكان واستمرار ندرة املياه باإلضافة إلى<br />
االحترار العاملي ورمبا تراجع املوارد املائية العربية مبا سيؤدي<br />
إلى اتساع الفجوة الغذائية يف العالم العربي والذي يستورد نحو<br />
%60 من غذائه من اخلارج.<br />
نصيب الفرد من املياه يف املنطقة العربية يف سبيله للتحول إلى الفقر املائي املدقع<br />
املصدر: البنك الدولي 2009: حتسني األمن الغذائي يف البلدان العربية
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
56<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
املنطقة العربية هي املستورد األول للحبوب يف العالم<br />
نفس املصدر السابق للبنك الدولي<br />
تقدر املساحة املنزرعة يف املنطقة العربية بنحو 72.1 مليون<br />
هكتار )مساحة الهكتار عشرة آالف متر مربع( وهو ما يعادل<br />
%5.4 فقط من املساحة اإلجمالية للوطن العربي )املنظمة<br />
العربية للتنمية الزراعية: تقرير أوضاع األمن الغذائي العربي<br />
2014م(. يزرع من هذه املساحة نحو %13.3 بالزراعات<br />
املستدمية )بساتني فاكهة وقصب السكر وبعض أنواع املراعي(،<br />
ونحو %70.2 باحملاصيل االقتصادية، ومازال هناك نحو<br />
%16.5 متروكة بدون زراعة.<br />
ويف اجلانب اآلخر تبلغ املوارد املياه املتاحة يف الوطن العربي<br />
نحو 257.5 مليار متر مكعب سنويًا، وال يتجاوز متوسط نصيب<br />
الفرد من املياه إلى 663 م3 سنويًا أي حتت خط الفقر املائي<br />
احملدد بألف متر مكعب للفرد يف السنة، ويف الطريق إلى الفقر<br />
املزمن واملدقع عندما يقل نصيب الفرد عن 500 م3/سنة )نفس<br />
املصدر السابق(. ويف املقابل تبلغ موارد املياه العذبة يف العالم<br />
حاليًا نحو 4500 مليار متر مكعب سنويًا يستخدم منها حاليًا<br />
نحو 3500 مليار متر مكعب سنويًا )إحصائيات الفاو املائية(.<br />
ندرة املياه يف املنطقة العربية قادتنا إلى فجوة غذائية عميقة<br />
حيث ال نحقق االكتفاء الذاتي سوى يف اخلضروات الطازجة<br />
والفاكهة والبطاطس واألسماك ونقترب من االكتفاء الذاتي من<br />
البيض )%97(. يتربع السكر املكرر على قمة الفجوة الغذائية<br />
العربية بنسبة اكتفاء ذاتي ال تتجاوز %32.7 وتليه الزيوت النباتية<br />
للطعام بنسبة اكتفاء 34.4 ثم مجموعة احلبوب بنسبة %51.5<br />
)قمح وشعير وأرز وذرة(، ثم تأتي البقوليات بنسبة اكتفاء ذاتي<br />
%65.5، والدواجن %71، ثم األلبان ومنتجاتها %83، واللحوم<br />
احلمراء %80. وعلى الرغم من هذه الفجوة الغذائية العميقة<br />
والتي تتطلب من اجلميع احلفاظ على املنتج الغذائي النادر إال<br />
أن نسبة الفاقد من اإلنتاج الزراعي يف املنطقة العربية يزيد من<br />
اإلحساس بالفجوة ويتجاوز أغلب املعدالت العاملية حيث تبلغ<br />
أقصاها يف اخلضروات بنسبة %36 يليه الفاقد يف احلبوب<br />
بنسبة %22.5 ثم الفاكهة بنسبة %22، مع نسب فقد محسوسة<br />
أخرى يف األلبان ومنتجاتها والبطاطس وباقي الصنوف الغذائية.<br />
وتساهم أربع دول عربية من إجمالي 22 دولة عربية وهي اململكة<br />
العربية السعودية ومصر ودولة اإلمارات العربية املتحدة ودولة<br />
الكويت بنحو %64.5 من إجمال الفجوة الغذائية العربية منها<br />
%20 للمملكة وحدها ونحو %19 ملصر )تقرير املنظمة العربية<br />
للتنمية الزراعية 2014م(.<br />
لم يكد العالم يلتقط أنفاسه من أزمة الغذاء العاملية<br />
2008/2007م، والتي أرتفع فيها سعر القمح إلى الرقم<br />
القياسي العاملي 480 دوالرًا للطن وبرميل النفط إلى 148 دوالرًا<br />
مع زيادة كبيرة خاصة يف أسعار زيوت الطعام وذرة األعاف
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 57<br />
العدد ملف<br />
والسكر والزبدة واأللبان ومنتجاتها، حتى عادت األزمة بعنف<br />
مرة أخرى عام 2010م، مبا أيقظ الوعي العام لدى احلكومات<br />
بخطورة موقف األمن الغذائي للمنطقة العربية حيث أستنفذ<br />
ارتفاع أسعار الغذاء وحده )وليس ثمن الغذاء( أكثر من %1 من<br />
الناجت احمللي للدول العربية. تكرار نوبتني الرتفاع أسعار الغذاء<br />
خال عامني فقط لفتت االنتباه بشدة إلى أهمية األمن الغذائي<br />
وتوفير متطلبات الدول من غذائها بعيدًا عن مضاربات املجرمني<br />
يف بورصات الغذاء العاملية وسيطرة البعض على أسعار الغذاء<br />
بسبب االحتكارات وتعمد تعطيش األسواق ألن األمر قد يصل<br />
بنا إلى أن يكون النفط مقابل الغذاء، بل أن بعض الدول رفعت<br />
شعار أن مياه اليوم هي بترول الغد وهي أيضً ا ذهب وباتني<br />
بعد الغد. ثم يأتي دخول تغير املناخ يف احلسابات وأضافته<br />
ألهمية مضاعفة لألمن الغذائي مع التوقعات بنقص محصول<br />
احلاصات االستراتيجية بنسب تتراوح بني 10 إلى %20 خاصة<br />
يف املنطقة العربية مع احتماالت يقينية بتحرك األمطار شماالً<br />
وتراجعها على أغلب الدول العربية.<br />
نتيجة لكل ما سبق اجتهت األنظار عامليًا وعربيًا إلى دول<br />
الوفرة الزراعية لكل من املياه والترب الزراعية خاصة يف الدول<br />
منخفضة الكثافة السكانية سواء يف دول جنوب آسيا أو شرق أوروبا<br />
أو بعض دول األمريكيتني ثم أخيرًا القارة البكر إفريقيا حيث أقل<br />
النسب الستغال املتاح من املياه ومن الترب الزراعية والبحث<br />
عن جذب استثمارات خارجية تنهض مبستوى املعيشة للفقراء<br />
من السكان حيث تعتبر القارة السمراء هي األكثر يف عدد الدول<br />
التي تعاني من الفقر واجلوع بينما متثل القارة اآلسيوية الكثافة<br />
األكبر لعدد الفقراء يف العالم. بدأ الرصد العاملي للزراعة يف<br />
اخلارج والدول التي تعرض أراضيها لاستثمارات الزراعية وهي<br />
منتشرة يف قارات الدنيا اخلمس بدءًا من األمريكيتني ثم شرق<br />
أوروبا وروسيا وبلدان البحر األسود وصوال إلى آسيا وإفريقيا.<br />
ففي أمريكا اجلنوبية كانت األرجنتني األكثر جذبًا لاستثمارات<br />
الزراعية ثم كندا يف أمريكا الشمالية، ثم يف القارة اآلسيوية<br />
كانت كمبوديا وإندونيسيا والوس وميامنار، ثم يف القارة اإلفريقية<br />
التي تصنف باملارد النائم أو سلة غذا العالم يف املستقبل كانت<br />
االستثمارات الزراعية وفيرة يف موزمبيق ومدغشقر وإثيوبيا<br />
وتنزانيا والسودان وجوب السودان والسنغال ومالي والكاميرون<br />
والكونغو وكينيا وغانا.<br />
القارة السمراء كانت األكثر جذبًا لاستثمارات العاملية<br />
بسبب وفرة األراضي واملياه مبختلف أنواعها سواء األمطار أو<br />
املياه اجلوفية القريبة أو األنهار والبحيرات العذبة، باإلضافة<br />
إلى وفرة األراضي الزراعية غير املستغلة وانخفاض أسعارها<br />
أو طرحها باملجان يف بعض األحيان بسبب ما تعانيه هذه الدول<br />
من الندرة التقنية واالقتصادية أي غياب أصحاب التخصصات<br />
املختلفة يف الزراعة والري واستخدامات املياه وأيضً ا غياب<br />
رأس املال واالعتمادات املالية الازمة لزراعة األراضي الوفيرة<br />
وأيضً ا لتوفير البنية األساسية الزراعية.<br />
تصنف موزمبيق على أنها الدولة األكثر جذبًا لاستثمارات<br />
الزراعية األجنبية بنحو 14 مليون هكتار ويسيطر على أغلب<br />
االستثمارات الزراعية بها اليابان والبرازيل، ثم تأتي مدغشقر<br />
ثانيًا باستثمارات زراعية جتاوزت 1.4 مليون هكتار أغلبها<br />
استثمارات يف زراعات الذرة وزيت النخيل وأغلبها استثمارات<br />
كورية باإلضافة إلى سيطرة االستثمارات األوروبية حديثًا<br />
بنسبة %70 مقابل %19 آسيوية وفقط %11 شرق أوسطية<br />
)دراسة جلامعة أكسفورد عام 2015م، عن االستغال الزراعي<br />
ألراضي إفريقيا(. تأتي إثيوبيا بعد ذلك بسبب مشروعاتها<br />
للتوسع يف إقامة السدود على أنهارها العديدة وجتذب حتى<br />
اآلن استثمارات لنحو 1.5 مليون هكتار ومثلها يف قوائم<br />
االنتظار وأغلبها استثمارات صينية وهندية وتنافسها من بعد<br />
االستثمارات اخلليجية. ثم تأتي السودان ومعها أيضً ا جنوب<br />
السودان واللتان أصبحتا من الدول اجلاذبة لاستثمارات<br />
خاصة الكورية )صاحب أكبر مصنع إلنتاج اإليثانول يف<br />
أفريقيا واملقام يف اخلرطوم( والهندية والصينية ثم اخلليجية،<br />
وميكن جلنوب السودان أن تكون من أكثر مناطق القارة جذبًا<br />
لاستثمارات يف مجال الثروة احليوانية لوفرة أراضي املروج<br />
والغابات واملستنقعات وتليها مناطق األراضي السودانية ثم<br />
اإلثيوبية وإن كان يعيب األخيرة عدم وجود نظام رعاية بيطرية<br />
أو تطعيمات وأمصال لضمان سامة الثروة احليوانية وسامة<br />
الغذاء باإلضافة إلى تكرار تعرض العديد من مناطقها للجفاف<br />
والقحط كما هو حادث حاليا ولتسع سنوات متصلة واالعتماد<br />
على الزراعة املطرية بنسبة تتراوح بني – 85 %90 وبالتالي<br />
فهي تتطلب استثمارات مالية كبيرة للتحول للزراعة املروية<br />
األقل مخاطرة وأيضا الوفيرة احملصول.<br />
وبسبب قرب شرق القارة األفريقية من السواحل واملوانئ<br />
اخلليجية فإنها تستأثر مبعظم االستثمارات اخلليجية للمملكة<br />
جنوب السودان األكثر جذبًا لالستثمار يف الثروة الحيوانية لوفرة<br />
األراضي والغابات والمستنقعات وتليها السودان
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
58<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
العربية السعودية والكويت واإلمارات وقطر والبحرين بينما كانت<br />
مالي والنيجر وتشاد األكثر استحواذًا على االستثمارات الزراعية<br />
الليبية قبل أن تصل ليبيا إلى وضعها احلالي. وميكن لاستثمارات<br />
اخلليجية الزراعية االستثمار يف حاصات الفجوة الغذائية العربية<br />
خاصة يف احلاصات التي جتود يف دول شرق ووسط إفريقيا<br />
وهي أيضً ا احلاصات ذات االحتياجات املائية الكبيرة وأهمها<br />
قصب السكر واألرز وزيوت النخيل والذرة مبختلف أنواعها خاصة<br />
الذرة الصفراء لألعاف ثم الشعير وبنسب أقل االستثمارات<br />
يف زراعات القمح نظرا للمناخ اإلفريقي احلار ثم تأتي الثروة<br />
احليوانية واللحوم احلمراء والتي تنمو على املراعي الطبيعية<br />
والسفانا ومعها أيضً ا االستثمار يف أخشاب الغابات وصناعات<br />
الورق كما يف غابات الكونغو )تبلغ 220 مليون فدان وتعتبر ثاني<br />
أكبر مساحة غابات يف العالم بعد غابات األمازون( والتي تستأثر<br />
بها الصني وحدها حتى اآلن دون منافسة كما حتاول الصني أن<br />
تستأثر بأغلب االستثمارات الزراعية يف إثيوبيا وتنزانيا ومعها<br />
الهند وإسرائيل وكوريا اجلنوبية بل نستطيع أن نقول أن الصني<br />
واقعة متاما يف غرام إثيوبيا، حيث تقيم الصني والهند ملتقيات<br />
سنوية حتت مسمى »الصني وإفريقيا« و »الهند وإفريقيا« على<br />
الرغم من إدانة تقارير األمم املتحدة الستنزاف الصني والهند<br />
ومعهما كوريا اجلنوبية للثروات الطبيعية للدول اإلفريقية سواء يف<br />
زراعات الوقود احليوي إلنتاج بدائل للبنزين والسوالر أو الستغال<br />
الغابات خشبيا وإقامة مصانع للورق ولتصنيع األثاث مع االبتعاد<br />
عن إقامة مشروعات إلنتاج الغذاء مبا وصفته األمم املتحدة بأنه<br />
احتال لألراضي حتت مسمى االستثمار الزراعي أو هو استغال<br />
إلمكانيات املارد األفريقي دون عائد يذكر على سكانه الفقراء<br />
ودون املساهمة يف تقليص الفجوة الغذائية ونسب الفقر واجلوع<br />
،Land Grabbing in Africa وعلى ذلك فإن القارة اإلفريقية<br />
التي حتقق ميزان جتاري يف صاحلها لعاقتها التجارية مع الصني<br />
بسبب استنزاف الصني للموارد الطبيعية يف القارة اإلفريقية.<br />
العالقات التجارية بني الصني وإفريقيا<br />
ببناء مصنع السكر، وباملثل فإن االستثمارات يف الثروة احليوانية<br />
يف األبقار والضأن واجلمال يتطلب إنشاء وحدات بيطرية حديثة<br />
لرعاية املواشي وتطعيماتها ثم مسالخ ومصانع تعبئة وتبريد<br />
لنقل اللحوم الطازجة واملبردة إلى دول اخلليج مبا ميثل قيمة<br />
مضافة كبيرة وتتحول إلى استثمارات نظيفة وصديقة للبيئة.<br />
االستثمار األمثل للموارد الزراعية الوفيرة وحتقيق قيمة مضافة<br />
من االستثمارات اخلليجية يف دول القارة اإلفريقية يتطلب حتمية<br />
إدخال التصنيع الزراعي يف هذه الدول ونقل املنتج النهائي فقط<br />
إلى دول اخلليج، فإقامة مشروعات لزراعات قصب السكر على<br />
األمطار املجانية بجدواه االقتصادية العالية يكتمل يضاف إلى<br />
ذلك أيضً ا مصانع األلبان للمواشي التي تعيش على املوارد<br />
الطبيعية وبالتالي إنتاج األلبان األورجانيك وجميع منتجاتها<br />
باإلضافة إلى اللحوم نفسها كمنتج عضوي خالص ناجت من مراع<br />
ومروج طبيعية ال يضاف إليها ال مبيدات وال أسمدة وبالتالي<br />
تكون قادرة على غزو دول االحتاد األوروبي واملنطقة العربية<br />
وتباع بأسعار تتراوح بني – 3 10 أضعاف املنتجات التقليدية<br />
غير العضوية باإلضافة إلى تأثيراتها اإليجابية على الصحة<br />
العامة بسبب خلوها من الكيماويات. وباملثل أيضً ا اخلضروات<br />
والطماطم والتي تكتمل مبصانع مركزات الطماطم )الصلصة(<br />
واخلضروات املبردة واملجمدة واحملفوظة وسابقة التحضير بدون<br />
مواد حافظة، ونفس األمر يف فاكهة العصير من املاجنو واملوالح<br />
واألناناس واخلوخ وغيرها والتي تكتمل بالتصنيع الزراعي<br />
ومصانع العصائر ومركزات الفاكهة.<br />
قارة بكر مع رؤوس أموال خليجية واستثمارات نظيفة تساهم<br />
يف أمن الغذاء يف دول القارة األفريقية ومعها املنطقة العربية<br />
ميكن أن تكون استثمارًا نظيفًا وليس استغال واستنزاف للموارد<br />
كما تفعل الدول الغريبة عن املنطقة، فما أصعب أن ننتزع الغذاء<br />
من أياد جائعة.<br />
*األستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 59<br />
العدد ملف<br />
أربعة مجاالت مهيأة لالستثمارات العربية بالقارة السمراء<br />
الموارد الطبيعية يف إفريقيا:<br />
الفرص واإلمكانيات ومصالح دول الخليج<br />
القارة اإلفريقية هي ثاني أكبر قارة يف العالم من حيث املساحة، وتشكل %21 من مساحة الكتلة األرضية )30,3 مليون<br />
كم2(، ويسكن بها نحو 1,2 بليون نسمة عام 2016م )%16 من سكان العالم(، كما تزخر بالكثير من املوارد الطبيعية،<br />
مثل النفط والغاز الطبيعي واملعادن واألخشاب واألراضي الصاحلة للزراعة، والثروة احليوانية، واملياه العذبة من<br />
أمطار وأنهار وبحيرات ومياه جوفية، وطاقة شمسية، وطاقة رياح، عاوة على املوقع االستراتيجي اجلغرايف، والتى<br />
ال تزال فى معظمها غير مستغلة بسبب ضعف البنية التحتية، وعدم االستقرار السياسي واألمني، وانتشار اجلهل<br />
واملرض والفقر والفساد، ونقص االستثمارات.<br />
د. عباس محمد شراقي<br />
رغم أن الكثير من املوارد الطبيعية فى إفريقيا مازالت حتت<br />
االستكشاف، إال أنها تشكل حجر األساس لاقتصاد اإلفريقي،<br />
حيث تعتمد معظم الدول اإلفريقية عليها فى التصدير. لعبت<br />
املوارد الطبيعية فى القرنني املاضيني دوراً رئيسياً فى جلب<br />
االستعمار الى القارة اإلفريقية بغية االستفادة منها فى منوه<br />
االقتصادي، وتركها فى ستينات القرن املاضي تواجه مصيرًا<br />
صعبًا فى مواجهة التحديات االقتصادية حيث أن بها حاليًا 35<br />
دولة من مجموع 50 دولة هي األفقر عامليًا طبقًا لتقرير البنك<br />
الدولي لعام 2015 م.<br />
عاد التنافس الدولي على القارة اإلفريقية مرة أخرى خاصة<br />
يف العقدين األخيرين بني األقطاب الرئيسة للنظام الدولي<br />
الواليات املتحدة األمريكية، وأوروبا، والصني، ولكن بشكل جديد<br />
يتفق مع طبيعة النظام الدولى احلديث، وازداد مؤخرًا ظهور دول<br />
اخلليج العربي وتركيا والهند وإيران ومن قبلهم اسرائيل على<br />
الساحة اإلفريقية بهدف االستفادة من ثروات القارة ومواردها<br />
الطبيعية عن طريق االستثمار والتعاون املشترك.<br />
أوالً -الموارد المعدنية:<br />
حتتوي القارة اإلفريقية على أكثر من %30 من مجموع احتياطي<br />
املوارد املعدنية للكرة األرضية، مركزة فى وسط وجنوب القارة<br />
)شكل 1(، منها ما يشكل أكثر من %90 من االحتياطي العاملي<br />
مثل الباتني والكروم، ومنها ما هو أكثر من %40 مثل الذهب<br />
واملاس والكوبالت واملنجنيز والفوسفات )شكل 2(،<br />
شكل )1(: التوزيع اجلغرايف ألهم املعادن اإلستراتيجية فى<br />
أفريقيا عام ٢٠1٥م.<br />
شكل )٢(: نسبة اإلنتاج واالحتياطي العاملي للمعادن يف إفريقيا<br />
عام ٢٠1٥م.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
60<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
إفريقيا تضم %30 من احتياطي الموارد المعدنية يف العالم<br />
تتركز في وسط وجنوب القارة السمراء<br />
أهم الدول اإلفريقية في مجال التعدين هي: جنوب إفريقيا،<br />
غانا، زميبابوي، تنزانيا، زامبيا، وجمهورية الكونغو الدميقراطية. وتعد<br />
جمهورية جنوب إفريقيا واحدة من أكبر دول العالم يف مجال التعدين<br />
من حيث التنوع املعدني وكمية اإلنتاج واالحتياطي، فهي حتتوي<br />
على أكبر احتياطي عاملي من الكروم والذهب والفانديوم واملنجنيز<br />
والباتني، كما أنها تعتبر رائدة القارة فى اإلنتاج واالحتياطي ملعظم<br />
املعادن باستثناء املاس )بتسوانا وجمهورية الكونغو الدميقراطية(<br />
واليورانيوم )النيجر( والنحاس )زامبيا وجمهورية الكونغو الدميقراطية(<br />
والفوسفات يف املغرب.<br />
ثانيًا-النفط والغاز الطبيعي يف إفريقيا:<br />
متلك إفريقيا إمكانات نفطية كبيرة رغم تواضع النشاط<br />
االستكشايف بها، وخاصة فى خليج غينيا ودول شمال وشرق إفريقيا<br />
حيث األحواض الرسوبية والتراكيب اجليولوجية املناسبة.<br />
تقوم حوالي 16 دولة إفريقية بتصدير النفط هى: نيجيريا، أجنوال،<br />
ليبيا، اجلزائر، السودان، جنوب السودان، غينيا االستوائية، الكونغو<br />
برازافيل، اجلابون، تشاد، مصر، تونس، الكاميرون، كوت ديفوار،<br />
جمهورية الكونغو الدميقراطية، وموريتانيا. تنتج القارة اإلفريقية أكثر<br />
من %11 من إنتاج النفط العاملي على مدار العقد املاضى، ولكن ال<br />
يزال عائد النفط ضعيف جدًا، وفى املقابل استهاك النفط فى<br />
معظم الدول اإلفريقية منخفض للغاية.<br />
حتتل إفريقيا املرتبة الثالثة عامليًا )%10( فى احتياطي، ووفقًا لتقارير<br />
BP اإلحصائية للطاقة، فإن احتياطى النفط املؤكد فى إفريقيا ازداد<br />
مبقدار %150 عنه عام 1980م، حيث ازداد من 53 بليون برميل إلى 130<br />
بليون برميل يف نهاية عام 2013م، ومن املتوقع أن يستمر فى هذه الزيادة،<br />
ويقدر احتياطي النفط عبر مياه البحار بحوالي 100 بليون برميل.<br />
أهم الدول التي يصدر إليها النفط اإلفريقى هى الواليات<br />
املتحدة األمريكية )%23(، الصني )%14(، إيطاليا )%8(، والهند )%8(.<br />
على الرغم من املوارد النفطية الكبيرة يف إفريقيا، إال أن طاقة<br />
التكرير محدودة للغاية، نتيجة لذلك فإن دوالً مصدرة خلام النفط<br />
مثل أجنوال ونيجيريا تستورده مرة أخرى كمشتقات بترولية بتكلفة<br />
إضافية. ويعوق صناعة تكرير البترول فى إفريقيا عدة مشاكل منها<br />
الفساد، وسوء الصيانة، والسرقة.<br />
يشكل احتياطي الغاز الطبيعي يف إفريقيا حوالي %7,6 من<br />
االحتياطي العاملي عام 2014م، ازداد هذا االحتياطي من 210 ترليون<br />
قدم مكعب يف عام 1980م، إلى 500 ترليون قدم مكعب عام 2013م،<br />
محققًا منوًا قدره %138. ويشكل إنتاج الغاز الطبيعي يف إفريقيا<br />
حوالي %5,8 من اإلنتاج العاملي عام 2014م، وأهم الدول املنتجة هي<br />
اجلزائر )%41( ومصر )%24( ونيجيريا )%19( وليبيا )%6(.<br />
ثالثًا-األراضي الصالحة للزراعة:<br />
إفريقيا لديها إمكانات كبيرة فى املجال الزراعي، حيث تتوفر<br />
التربة الزراعية التي هي مورد طبيعي غير متجدد وضروري<br />
لتحقيق األمن الغذائي، وتبلغ مساحة األراضي الصاحلة للزراعة<br />
يف إفريقيا حوالي 630 مليون هكتار )%21 من مساحة القارة(،<br />
ويعتمد %50 من سكان إفريقيا على النشاط الزراعي الذي<br />
يشكل %30 من الناجت احمللى اإلجمالي .)GDP(<br />
حتتوى القارة اإلفريقية على %25 من إجمالي األرضي<br />
الصاحلة للزراعة فى العالم، إال أنها تنتج حوالي %10 فقط من<br />
اإلنتاج الزراعي العاملي، ولذا فهي تعتمد بشكل كبير على استيراد<br />
الغذاء وكذلك على املعونات اخلارجية الغذائية ألسباب عديدة<br />
منها عدم استغال كثير من األراضي القابلة للزراعة، وانخفاض<br />
إنتاجية األراضي الزراعية لعدم تطبيق أساليب الزراعة احلديثة،<br />
وعدم استخدام نظم الري، حيث تعتمد إفريقيا بنسبة %4 فقط<br />
على الزراعة املروية والباقي زراعة مطرية، ومن املعروف أن الري<br />
ميكن أن يزيد اإلنتاج الزراعي بنسب تتراوح بني %400-100،<br />
تدهور األراضي بسبب التعرية الشديدة وزيادة التملح، ضعف<br />
البنية التحتية خاصة الطرق والطاقة ووسائل تخزين احملاصيل<br />
حيث تفقد إفريقيا حوالي %50 من هذه احملاصيل نتيجة التخزين<br />
السيئ وضعف التسويق واالتصاالت، وانتشار األمراض مثل اإليدز<br />
واملاريا واحلمى الصفراء وغيرها.<br />
رابعًا-الموارد المائية يف إفريقيا:<br />
حتظى القارة اإلفريقية بأكثر من 61 حوض نهري مشترك
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 61<br />
العدد ملف<br />
تغطي %64 من مساحة القارة، وحتتوي على %93 من املوارد<br />
املائية املتجددة السنوية، أهمها خمسة أحواض نهرية كبرى هى:<br />
الكونغو )3,7 مليون كم2(، النيل )3 مليون كم2(، النيجر )2,1<br />
مليون كم2(، والزمبيزي )1,4 مليون كم2(، األوراجن )890 ألف<br />
كم2(، كما حتتوي على 40 خزان جويف مشترك.<br />
يبلغ متوسط كمية املياه السطحية املتجددة سنويًا يف إفريقيا<br />
حوالي 4050 بليون م3 وهي متثل %9 عامليًا، بالرغم من أن إفريقيا<br />
تشكل %16 من سكان العالم، ونحو %20,3 من مساحة القارات، كما<br />
يبلغ نصيب الفرد السنوى من املياه يف إفريقيا حوالي 3681 م3/<br />
سنة يف 2015م، وهي متثل تقريبًا نصف نصيب الفرد العاملي 6305<br />
م3/سنة.<br />
حتظى جمهورية الكونغو الدميقراطية<br />
مبفردها على حوالي 5714 بليون م3 مياه أمطار<br />
يجري منها على السطح 1300 بليون م3 )%32<br />
من املياه السطحية اإلفريقية( هي حصيلة<br />
التصرف السنوي لنهر الكونغو على مدار العام،<br />
وهي تعادل 15 ضِ عْف مايأتي به نهر النيل<br />
سنويًا عند أسوان، تصرف جميعها يف احمليط<br />
األطلنطى لعدم حاجة الكونغو لها بسب األمطار<br />
الدائمة طوال العام.<br />
تعاني أغلب املناطق العربية من ندرة املياه نظرًا للموقع<br />
اجلغرايف الكائن يف املنطقة اجلافة وشبه اجلافة من الكرة<br />
األرضية حيث قلة األمطار، وارتفاع درجة احلرارة وزيادة<br />
معدالت البخر. انخفض نصيب الفرد السنوي من املياه املتجددة<br />
خاصة فى دول اخلليج العربي إلى أقل من 100 م3/سنه )شكل<br />
3( نتيجة زيادة النمو السكاني والعمراني السريع، وتزايد النشاط<br />
الصناعي والزراعي، وتزايد استهاك الفرد.<br />
شكل )٣(: نصيب الفرد العربي من املياه املتجددة عام ٢٠1٥<br />
واملتوقع عام ٢٠٢٥م.<br />
تحظى إفريقيا<br />
ب 61 حوض نهري<br />
مشترك تغطي %64 من<br />
مساحتها وتضم %93<br />
من الموارد المائية<br />
خامسً ا-الطاقة الكهرومائية:<br />
توفير الطاقة هو التحدي االقتصادي الرئيسي الذي يواجه<br />
القارة اإلفريقية وكثير من الدول العربية، تتمتع القارة اإلفريقية<br />
بإمكانات طاقة كهرومائية ضخمة تكفي لتلبية احتياجات القارة<br />
من الكهرباء والتصدير خارج القارة. أكبر التصرفات املائية<br />
تأتي من نهر الكونغو ثم الزمبيزي والنيجر والنيل. تتميز الطاقة<br />
املائية بأنها نظيفة ومتجددة، ورخيصة التكلفة حيث يتراوح<br />
سعر الكيلو وات ساعة بني – 0,03 0,10 دوالر أمريكي. تنتج<br />
إفريقيا حوالي %3 فقط من إنتاج الطاقة املائية يف العالم، وهذا<br />
يشكل أقل من %15 من إمكاناتها الكهرومائية، ويرجع ذلك الى<br />
التحديات التقنية واملالية والبيئية الرئيسية التي<br />
يجب التغلب عليها لتطوير هذه املوارد. وتشهد<br />
إفريقيا تقدمًا كبيرًا يف استغال الطاقة املائية<br />
يف السنوات األخيرة، ويوجد حتت اإلنشاء حاليًا<br />
مشروعات إلنتاج حوالي 17 ألف ميجاوات.<br />
إمكانات إنتاج الكهرباء من األنهار اإلفريقية<br />
يزيد على 200 ألف ميجاوات، تصل إمكانات نهر<br />
الكونغو فقط الى حوالي 100 ألف ميجاوات، منها<br />
أكثر من 40 ألف ميجاوات من مشروع سد اجنا<br />
العظيم Inga( ،)Grand سوف يعتبر أكبر مشروع<br />
مائى النتاج الكهرباء فى العالم، والذى يحتاج إلى حوالى 100<br />
بليون دوالر أمريكي، ولذا فهو يعتبر مشروع اقليمي وليس قومى<br />
يحتاج إلى تكاتف اجلهود الدولية، حيث أن جمهورية الكونغو<br />
الدميقراطية من أفقر 10 دول فى العالم فهي التستطيع تنفيذ<br />
هذا املشروع مبفردها، ويصل جملة من تنتجه من كهرباء حوالي<br />
2,410 ميجاوات من 17 مشروع مائي منها أجنا األول )351<br />
ميجاوات(، أجنا الثاني )1424 ميجاوات(، وحتت اإلنشاء أجنا<br />
الثالث )4320 ميجاوات ليبدأ العمل 2013م، من إجمالي محتمل<br />
7800 ميجاوات(.<br />
إمكانات إثيوبيا من الطاقة املائية تصل إلى حوالي 40<br />
ألف ميجاوات، ينتج منها حتى نهاية عام 2015م حوالي 3000<br />
ميجاوات من مشروعات مائية أهمها جيبى 1 عام 2004م )184<br />
ميجاوات(، تاكيزى عام 2009م )300 ميجاوات(، جيبى 2 عام<br />
2010م )420 ميجاوات(، تانا-بليس عام 2010م )460 ميجاوات(،<br />
سد جيبى 3 عام )1870 2015 ميجاوات(، وحتت اإلنشاء حاليًا<br />
سد النهضة الذي سوف ينتج حوالي 6 آالف ميجاوات بنهاية<br />
عام 2017م.<br />
يصل إجمالي الطاقة املائية اإلفريقية يف نهاية عام 2014م<br />
إلى 28 ألف ميجاوات، %90 منها يتركز يف ثمانية دول هي:<br />
جمهورية الكونغو الدميقراطية وإثيوبيا، مصر، اجلابون، نيجيريا،
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
62<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
زامبيا، مدغشقر، وموزامبيق. وميكن االستفادة من الطاقة املائية<br />
اإلفريقية يف اخلليج العربي عن طريق الربط الكهربائي.<br />
سادسً ا-الطاقة الشمسية وطاقة الرياح:<br />
تعرف إفريقيا بأنها قارة الشمس حيث التأثير األعظم على<br />
مستوى العالم من حيث كثرة ساعات السطوع الشمسي على<br />
مدار العام، كما تتميز إفريقيا بسمائها الصافية عدا املنطقة<br />
االستوائية األكثر انتشارًا للسحب.<br />
تسجل منطقة شرقي الصحراء الكبرى/ شمالي شرق<br />
إفريقيا بشكل خاص أرقامًا فريدة لعدد ساعات سطوع أشعة<br />
الشمس )4,300 ساعة/سنة( بنسبة %97، كما تسجل أيضا احلد<br />
األقصى لشدة السطوع الشمسي السنوي )أكثر من 220 كيلو<br />
سعر / سم2(.<br />
إمكانات طاقة الرياح يف إفريقيا عالية وهي تختلف من مكان<br />
إلى آخر، وتشمل املناطق ذات سرعات الرياح العالية شمال وجنوب<br />
إفريقيا، النيجر يف غرب إفريقيا؛ تشاد يف وسط إفريقيا؛ جيبوتي،<br />
إثيوبيا، كينيا، السودان، الصومال، وأوغندا؛ وليسوتو وماوي وجنوب<br />
إفريقيا وتنزانيا وزامبيا.<br />
تنتج إفريقيا حوالي 2462 ميجاوات من الرياح بنهاية عام 2014م،<br />
أهم الدول املنتجة لطاقة الرياح هي: املغرب )787 ميجاوات(، مصر<br />
)610 ميجاوات(، تونس )255 ميجاوات(، إثيوبيا )171 ميجاوات(.<br />
املشكلة الرئيسية يف استخدام طاقة الرياح أو الطاقة<br />
الشمسية يف إفريقيا هي التكلفة العالية التي تتراوح بني 0,13<br />
– 0,26 دوالر أمريكي/كيلو وات ساعة للطاقة الشمسية، ولطاقة<br />
الرياح بني – 0,05 0,2 دوالر أمريكي/كيلو وات ساعة، ألن معظم<br />
املعدات واخلايا املطلوبة يتم استيرادها من أوروبا والصني، ولو<br />
أمكن للدول العربية توفير هذه الصناعة داخل األراضي العربية<br />
أو اإلفريقية النخفضت هذه التكاليف إلى مايقرب من النصف.<br />
سابعًا-املوارد احليوانية واملراعي يف إفريقيا:<br />
حتتوي إفريقيا على منطقتني متميزتني يف احلياة احليوانية:<br />
املنطقة الشمالية والشمالية الغربية، مبا يف ذلك الصحراء<br />
الكبرى، واملنطقة األثيوبية، وجميع إفريقيا جنوب الصحراء.<br />
وتتميز املنطقة الشمالية والشمالية الغربية بانتشار األغنام<br />
واملاعز واخليول واجلمال. املنطقة األثيوبية تشتهر مبجموعة<br />
مميزة كبيرة ومتنوعة للحيوانات والطيور.<br />
تنتشر احليوانات املستأنسة يف مناطق املراعي التي تلعب دورًا<br />
هامًا يف إمداد اإلنسان باملنتجات احليوانية يف جميع أنحاء العالم،<br />
وتستخدم أساسً ا إلنتاج اللحوم واأللبان والبيض. الفئات الرئيسية<br />
من املاشية احمللية يف إفريقيا االستوائية املجترات الكبيرة )األبقار<br />
واإلبل(، املجترات الصغيرة )األغنام واملاعز(، وغير املجترة رعي<br />
احليوانات )احلمير والبغال واخليول واخلنازير والدجاج(.<br />
حتتوي إفريقيا على %29 من املاعز يف العالم )أكثر من 500<br />
مليون(، %16 من األبقار )240 مليون(، %8 دواجن )1,5 بليون(، %3<br />
خنزير )25 مليون(.<br />
تعاني الثروة احليوانية يف إفريقيا من كثير من املشاكل منها<br />
ضعف البنية التحتية من كهرباء وطرق وعدم توفر مجازر حديثة<br />
وثاجات تخزين، ومصانع لإلنتاج احليواني، وقلة االستثمارات<br />
وضعف الرعاية البيطرية والتسويق.<br />
االهتمام العربى بإفريقيا<br />
مما سبق يتضح أن إفريقيا متتلك مقومات االستثمار يف<br />
شتى املجاالت، خاصة التعدينية والزراعية، عاوة على مواردها<br />
البشرية وموقعها االستراتيجى مما أشعل التنافس بني القوى<br />
العظمى على مواردها، واليوم تشهد نشاطً ا اقتصاديًا واسعًا<br />
وتدفقًا الستثمارات كبيرة من بعض دول اخلليج العربي، فقد<br />
ارتفع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا من 15 مليار دوالر يف<br />
2002م، إلى 57 مليار دوالر يف 2013 م، وتوقعات كبيرة يف زيادة<br />
االستثمارات األجنبية يف إفريقيا.<br />
ومما يزيد من أهمية إفريقيا كمصدر للموارد أنها أصبحت<br />
سوقًا واعدًا لتصريف املنتجات خاصة الصناعية نتيجة اهتمام<br />
الدول اإلفريقية مبجاالت التنمية، وحتسن مستوى املعيشة للمجتمع<br />
اإلفريقي مما ساعد على حتوله إلى مجتمع استهاكي ملختلف<br />
املنتجات مبا فيها السلع الثمينة، وتزايد استخدام التكنولوجيا. ولقد<br />
بلغت عملية التنمية فيها أعلى معدل إذ يتراوح منوها %10-5 مبعدل<br />
%6,5 يف 2014، بينما النمو االقتصاد العاملي ال يتجاوز %3,6، مما يجعل<br />
إفريقيا أكثر القارات منوا يف العالم، وتشهد بعض الدول الفقيرة منوًا<br />
اقتصاديًا غير مسبوق يف عام 2016م مثل أثيوبيا )%10,5(، جمهورية<br />
الكونغو الدميقراطية )%8,5(، كوت ديفوار )%7,7(.<br />
فرص التعاون بين دول الخليج العربي وإفريقيا:<br />
إفريقيا بالنسبة لدول اخلليج هي مصدر للموارد الطبيعية<br />
والغذائية، وسوق لتصريف املنتجات الصناعية املستقبلية، ومكان<br />
لاستثمار العربي، مما يزيد من عاقات الشراكة واملنفعة<br />
املتبادلة بني العرب واألفارقة.<br />
1-مجال املوارد املعدنية:<br />
يتوفر يف إفريقيا خامات استراتيجية هامة مثل الذهب،<br />
النحاس، واأللومنيوم، احلديد، املاس، وحتتاج إفريقيا ملزيد<br />
من االستكشافات باستخدام التكنولوجيا احلديثة، ومن<br />
املتوقع أن حتتوي إفريقيا على مايقرب من نصف خامات<br />
العالم املعدنية، وميكن للشركات العربية بالتعاون مع مثياتها<br />
األجنبية يف العمل داخل القارة اإلفريقية فى مجاالت التعدين.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 63<br />
العدد ملف<br />
كما ميكن استيراد املواد اخلام اإلفريقية وتصنيعها على<br />
األراضى العربية، وهناك بعض الدول أصبح لها باع كبير<br />
فى صناعات ال تتوفر خاماتها يف أرضيها مثل إسرائيل التي<br />
تستخدم املاس اإلفريقي وتعده كحُ لى إلى أن أصبحت من أشهر<br />
دول العالم فى صناعة املاس.<br />
إفريقيا واعدة أيضً ا يف مجال النفط والغاز الطبيعي،<br />
وللشركات العربية خبرة كبيرة يف هذا املجال، وهناك كثير<br />
من الدول اإلفريقية لم يحظ بهذه الثروة ويحتاج إلى مشتقات<br />
البترول وخاصة البنزين والسوالر، والغاز املسال.<br />
٢-مجال الزراعة:<br />
متتلك إفريقيا %60 من األراضي غير املزروعة يف العالم، وحتى<br />
اآلن لم يستغل منها إال %6 فقط، ولذا فإنها حتتاج إلى تطوير<br />
هذا القطاع وتغيير أساليب اإلنتاجية باالعتماد على التكنولوجيا<br />
املتطورة، والتركيز على تصنيع مواردها الزراعية اخلام ومن ثم<br />
تصديرها، بدالً من االعتماد على تصديرها كموارد أولية فحسب،<br />
وهذا التصنيع يزيد من القيمة املضافة للموارد، ويف نفس الوقت<br />
حتتاج دول اخلليج العربي )غير املؤهلة للزراعة( إلى هذه املنتجات<br />
الزراعية ومشتقاتها نظرًا لندرة املياه بها، كما يوفر االستثمار<br />
العربي يف هذا املجال مياه الدول العربية احملدودة لاستفادة بها<br />
يف مشروعات أخرى خاصة الصناعية، و يوفر أيضً ا فرص عمل<br />
ملايني األفارقة يف املستقبل، السعودية على سبيل املثال تستثمر<br />
حوالي 2 مليون هكتار يف عدد من الدول اإلفريقية.<br />
كما حتظى إفريقيا أيضً ا بثروة حيوانية هائلة حتتاج إلى<br />
رعاية طبية، وأدوية، ومجازر حديثة وثاجات حفظ ، وصناعة<br />
حلوم وألبان، وكلها منتجات حتتاجها جميع الدول العربية.<br />
٣-االستثمار يف مجال تطوير البنية التحتية اإلفريقية:<br />
تتجه جميع الدول اإلفريقية إلى تهيئة وتطوير البنية التحتية<br />
من أجل حتقيق التنمية االقتصادية، خاصة إنشاء الطرق<br />
واجلسور وبناء محطات إنتاج كهرباء ومدارس ومستشفيات<br />
ومناطق سكانية، وإنشاء شبكات اتصال وهذا يشكل استثمار<br />
جيد للشركات العربية يف إفريقيا.<br />
٤-االستثمار يف مجال الطاقة املتجددة:<br />
القارة اإلفريقية مؤهلة إلنتاج الكهرباء من املصادر املتجددة<br />
مثل الطاقة املائية، وهي اآلن تنتج أقل من %15 من امكاناتها<br />
التي تصل إلى أكثر من 200 ألف ميجاوات، وهذا مجال واعد<br />
فى إفريقيا وتستطيع الدول العربية احلصول على احتياجاتها<br />
الكهربائية من الطاقة املائية اإلفريقية وتوفير النفط الستغاله<br />
يف إنتاج مشتقات ال ميكن احلصول عليها من أى مصدر آخر.<br />
وكذلك يف مجال الطاقة الشمسية وما أكثرها يف القارة<br />
اإلفريقية، وحتتاج الدول العربية غزو هذه الصناعة عن طريق<br />
إنشاء املصانع التي تنتج املعدات الازمة بدالً من استيرادها<br />
من أوروبا أو الصني، وبالتالي تساهم يف خفض تكلفة اإلنتاج<br />
وتشجيع جميع الدول العربية واإلفريقية على استخدام الطاقة<br />
الشمسية أو طاقة الرياح.<br />
* رئيس قسم املوارد الطبيعية. معهد البحوث والدراسات<br />
اإلفريقية. جامعة القاهرة
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
64<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
تغلغل إيران في القارة السمراء من أخطر مهددات األمن العربي<br />
حراك سعودي خليجي لمحاصرة النفوذ<br />
النفوذ اإليراني يف إفريقيا<br />
هناك جناح محدود يف مفاوضات التجارة متعددة األطراف، بل غموض يحيط مبفاوضات الدوحة، إذ تتسع قاعدة<br />
املنتقدين لوهم القرية الدولية والتي تتسع يومًا بعد يوم، لكن يعتبرها البعض بنية أساسية إلقامة تكتات اقتصادية<br />
أخرى، مثل احلفاظ على القدرة التفاوضية داخل منظمة التجارة، مت التوصل إلى اتفاق على قواعد املنشأ للبلدان<br />
األقل منوًا، من بينها نص يؤكد على أن منتجات الدول النامية يجب أن تصنع بنسبة ثاثة أرباع، على األقل، داخل<br />
الدولة النامية، كي تتمتع باملزايا التي تقدمها لها منظمة التجارة، بجانب االتفاق يف احلفاظ على شروط املنافسة<br />
التصديرية بني الدول األعضاء، وهو اتفاق مت اعتباره حلظة تاريخية، ولم تتوصل الدول األعضاء سوى توسيع نطاق<br />
االتفاق املتعدد األطراف بشأن حترير منتجات تقنية املعلومات التي متثل 10 يف املائة من التجارة العاملية، إذ يعتبر<br />
هذا االتفاق الواسع النطاق أول مبادرة متعددة األطراف على إزالة التعريفات اجلمركية التي أكملت عامها العشرين<br />
من املفاوضات بنهاية عام 2015م، التي عقدت يف نيروبي.<br />
د. عبد احلفيظ عبد الرحيم محبوب<br />
يف املقابل تنشط التكتات األخرى وبشكل خاص حترص<br />
الواليات املتحدة على حتقيق اتفاقية التجارة عبر األطلسي<br />
بعدما حققت اتفاقية التجارة عبر احمليط الهادئ، حيث يهدف<br />
االحتاد األوربي والواليات املتحدة إلى وضع املعايير العليا يف<br />
توسيع التجارة الدولية بدال من تقييدها ووضع آلية لتسوية<br />
املنازعات بني املستثمر والدولة، وتشمل املفاوضات اثنني من<br />
املواضيع املثيرة للجدل، التي تنتقده الشركات األوربية التي<br />
ترى أن محكمة االستثمار التي اقترحها االحتاد األوربي ال يعالج<br />
معظم مشاكل وآليات االنتصاف خارج نطاق القضاء، بجانب<br />
التعامات التجارية الضخمة خاصة يف مجال التعاون التنظيمي<br />
وال سيما يف الصناعات واخلدمات.<br />
ويف مجموعة العشرين التي عقدت يف أنطاليا يف تركيا<br />
يف نوفمبر 2015م، وكانت السعودية البلد العربي الوحيد الذي<br />
شارك يف هذه املجموعة، والذي تعهد قادة العشرين مبعاجلة<br />
التباين يف النمو العاملي.<br />
السعودية وبقية دول اخلليج يتجهون إلى تكامل خليجي<br />
برؤية سعودية ميتد يف العمق االستراتيجي يف إفريقيا الضفة<br />
الغربية والتي ال يفصلها عنها سوى البحر األحمر والقرن<br />
األفريقي، خصوصا وأن إفريقيا ومنطقة القرن اإلفريقي تعد<br />
امتدادًا طبيعيًا لألمن القومي العربي اخلليجي، وهي أقرب<br />
املناطق إليها وأكثرها خطورة إذ بإمكان أي قوة يف العالم أن<br />
حتكم سيطرتها على منطقة اخلليج والتحكم يف بقية الدول<br />
العربية وخصوصً ا مصر والسودان، وبالفعل نلحظ هناك اهتمامًا<br />
دوليًا وإقليميًا غير مسبوق بهذه املنطقة، وهو ما يظهر يف كم<br />
القواعد العسكرية التي أقامتها قوى دولية وإقليمية فيها بعيدًا<br />
عن االهتمام اخلليجي العربي، من الواليات املتحدة وفرنسا<br />
وأخيرًا الصني التي أدركت مؤخرًا األهمية االستراتيجية للمنطقة<br />
يف احلفاظ على مصاحلها االقتصادية، لكن إيران تهدف إلى<br />
محاصرة وتطويق دول اخلليج والسعودية بشكل خاص ونشر<br />
مشروعها الفارسي عبر مذهب آل البيت.<br />
تتأرجح العاقات اإليرانية اإلفريقية بني االهتمام والفتور<br />
والعداء منذ أن وثق الشاة عاقات إيران بإفريقيا لصالح<br />
الواليات املتحدة، لكن األمر تغير بعد الثورة اخلمينية بسبب<br />
رؤية إيران للقارة اإلفريقية بأنها قارة مستضعفة وعليها
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 65<br />
العدد ملف<br />
رفسنجاني استبدل تصدير الثورة بالتجارة .. وإيران أسست<br />
30 سفارة وحصلت عى صفة مراقب يف االتحاد األفريقي<br />
مساعدتها وحمايتها لكن قوبل تصدير الثورة بتخوف إفريقي<br />
وفتور يف العاقة، لكن يف عهد الرئيس علي أكبر رفسنجاني<br />
الذي استبدل أيديولوجية تصدير الثورة ببلورة مشروع االهتمام<br />
بالتجارة والترويج إلنشاء تكتل وسوق جتاري بني الدول اإلفريقية<br />
واآلسيوية تكون إيران طرفًا فيه حتى متكنت إيران من تأسيس<br />
30 سفارة إيرانية يف القارة األمر الذي منحتها إفريقا بصفة<br />
العضو املراقب يف االحتاد اإلفريقي.<br />
لكن اكتشفت الدول اإلفريقية أن إيران تتعامل كقوة استعمارية<br />
توظف االضطرابات لصاحلها، وتنتهج يف تأجيج الصراعات من<br />
خال فتح قنوات غير رسمية مع حركات غير نظامية معارضة<br />
لضمان والئها، فعلى سبيل املثال تدعم إيران االنفصاليني يف<br />
السنغال، ومتمردي ساحل العاج، وجامبيا، ونيجيريا، ويبرهن<br />
على تورط إيران يف تأجيج الصراعات الداخلية اكتشاف شحنة<br />
أسلحة قادمة من إيران باجتاه جامبيا بهدف تزويد متمردي<br />
اجلنوب السنغالي بالساح، كما رصدت السلطات النيجيرية نقل<br />
أسلحة قادمة من إيران يف طريقها إلى جامبيا، وهو التدخل<br />
الذي رفضته الدول اإلفريقية، متثل يف وقف تعاون نيجيري <br />
إيراني يف مجال التكنولوجيا النووية عام 2008م، وهو نفس ما<br />
قامت به جنوب إفريقيا من وقف للواردات النفطية اإليرانية عام<br />
2012م، استجابة للعقوبات الدولية على إيران.<br />
متدد إيران ووضع قدم لها يف الساحة اإلفريقية أتى نتيجة<br />
غياب خليجي عربي الذي استطاعت إيران بهذا التواجد إلى<br />
حضور 40 دولة إفريقية يف إحدى القمم يف العاصمة اإليرانية<br />
طهران، وانتشار التشيع يف غرب إفريقيا، وثلث إفريقيا دول<br />
عربية وهي أقرب إلى دول اخلليج من إيران.<br />
كان الوجود اخلليجي يف إفريقيا يفتقد إلى استراتيجية<br />
اإلرادة، خصوصً ا أن ملنطقة القرن اإلفريقي أهمية خطيرة حيث<br />
يكتسب القرن اإلفريقي الذي يضم الصومال واريتريا وجيبوتي
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
66<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
بجانب أثيوبيا رغم أنها ال تطل على احمليط لكن إلى جانب تلك<br />
الدول لها أهمية استراتيجية كبرى بسبب أنها تطل على احمليط<br />
الهندي من ناحية، وتتحكم يف املدخل اجلنوبي للبحر األحمر،<br />
حيث مضيق باب املندب من ناحية ثانية، ومن ثم فإن دوله<br />
تتحكم يف طريق التجارة العاملي، خاصة جتارة النفط القادمة<br />
من دول اخلليج، واملتوجهة إلى أوربا والواليات املتحدة، كما أنها<br />
ممرًا مهمًا ألي حتركات عسكرية قادمة من أنحاء العالم يف<br />
اجتاه دول اخلليج والعكس.<br />
وال تقتصر أهمية دول القرن اإلفريقي على اعتبارات املوقع<br />
ووجود اجلزر الكثيرة ذات األهمية االستراتيجية بل تتعداها<br />
إلى أهميتها يف امتاك موارد طبيعية كالنفط<br />
والذهب والغاز الطبيعي وامتاكه احتياطيات<br />
كبيرة من املعادن التي تستخدم يف الصناعات<br />
الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم.<br />
إلى جانب تلك الدول هناك دول منطقة<br />
البحيرات أوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي<br />
وهي نقاط متاس عربية إفريقية، وهناك<br />
تداخل إقليمي يفرض على دول اخلليج إدراج<br />
منطقة القرن اإلفريقي كجزء من أمن اخلليج<br />
العربي، حيث فكرة تطويق منطقة اخلليج<br />
العربي فكرة قدمية منذ زمن االحتاد السوفيتي التي أرادت<br />
أن تلتف حول املنطقة، وهي ما حتاول إيران محاكاة االحتاد<br />
السوفيتي التي تعتبر دول اخلليج وخاصة السعودية عدوها<br />
األول بعدما استطاعت أن جتد لها نفوذًا يف كل من لبنان<br />
وسوريا والعراق واليمن والتواجد يف منطقة القرن اإلفريقي<br />
آخر املناطق التي يتم تطويق منطقة اخلليج، والذي يلقي<br />
بظاله ليس فقط على أمن منطقة اخلليج العربي بل وعلى<br />
األمن العربي برمته.<br />
وتشير األرقام إلى أن إيران تقوم بتهريب األسلحة إلى<br />
احلوثيني املتمردين يف اليمن والصومال بل وتدريب احلوثيني<br />
مبعسكر دنقللو اإلريتري باإلضافة إلى تواجدها يف تلك السواحل<br />
بحجة محاربة القرصنة بجوار قاعدتها العسكرية التي أنشأتها<br />
يف ميناء عصب األريتري، وهي حروب مكملة ملا يجري يف العراق<br />
وسوريا وفرض نفسها على املنطقة خصوصً ا وأن هناك معلومات<br />
تناقلتها وسائل اإلعام عن تزويد إيران إرتيريا مبئات من<br />
عناصر فيلق القدس وضباط البحرية واخلبراء العسكريني من<br />
احلرس الثوري الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة<br />
على طول الساحل اإلرتيري لتعزيز تواجدها يف البحر األحمر<br />
وخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية ملرافقة سفنها وحمايتها<br />
من القرصنة.<br />
إيران تحاكي االتحاد<br />
السوفيتي وتعتبر<br />
دول الخليج عدوها<br />
األول ورسخت نفوذها<br />
في القرن األفريقي<br />
لكن تزامنت عاصفة احلزم التي قادتها السعودية يف اليمن<br />
ضد االنقابيني املدعومني من إيران بدعم حتالف عربي<br />
حتركات سعودية ملواجهة النفوذ اإليراني يف القرن اإلفريقي<br />
حيث أصبحت السعودية ثاني مستثمر يف أثيوبيا ب 294<br />
مشروعا بقيمة 3 مليارات دوالر، ووقعت السعودية مع جيبوتي<br />
اتفاقا امنيا يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية، حيث يأتي هذا<br />
التحول يف العاقات اخلليجية بدول القرن اإلفريقي بعد أن<br />
أدركت السعودية أهمية ملء الفراغ األمني عسكريًا من خال<br />
احلضور والتواجد يف منطقة القرن اإلفريقي خصوصً ا بعد<br />
انسحاب حاملة الطائرات األمريكية ثيودور روزفلت التي كانت<br />
يف مياه اخلليج العربي منذ عام 2007م.<br />
التواجد السعودي املكثف يف منطقة القرن<br />
اإلفريقي من أجل أن يتحول إلى موقع انطاق<br />
متقدم يضيف مميزات قتالية عالية املستوى<br />
للقوات السعودية، يسهم يف إيجاد حالة من<br />
التكامل الدفاعي عن السعودية من الشرق والغرب<br />
ويف نفس الوقت يخدم عملياتها وقوات التحالف<br />
العربي يف اليمن بصورة أساسية، بجانب خلق<br />
حالة من التوازن الدفاعي والهجومي التي ميكن<br />
أن يتعرض لها األمن السعودي العربي خصوصً ا<br />
يف منطقة البحر األحمر التي جتري فيها العمليات ألي تهديد.<br />
التحول الذي حدث يف العاقة السعودية اإليرانية هي<br />
وفق املعاملة باملثل وهي قاعدة أساسية احلاكمة بني الدول،<br />
بسبب بحث إيران عن مصاحلها على حساب حقوق دول اخلليج<br />
وبقية الدول األخرى، وحتقيق طموحات تاريخية عبر اختراق<br />
املناطق الرخوة والضعيفة، واستثمرت احتال أمريكا العراق،<br />
وضرب الباد العربية ثورات مفاجئة، خصوصً ا وأنها استطاعت<br />
يف الفترة املاضية ارتباطها بقوى اجتماعية وفاعلني من غير<br />
الدول لكنهم ديناميكو التحرك وميتلكون كافة الوسائل واألدوات<br />
يتبعون والية الفقيه التي وجدتها فرصة يف دعمها بالساح<br />
لانقاب على دولهم عندما حتني الفرصة التي ترسمها لهم<br />
إيران وتعطيهم الضوء األخضر للتحرك، دون احترام حلقوق<br />
اجلار والقانون الدولي.<br />
خلقت واقعًا مرتبكًا تهيمن من خاله بل يوفر لها طمأنينة<br />
نتيجة التركيبة الطائفية والعرقية واملذهبية بسبب أن الدول<br />
العربية لم تتمكن قبل ثورات الربيع العربي من تعزيز أطر<br />
الدولة بني املكونات داخل الدولة، خصوصً ا يف ظل إعام عربي<br />
مضطرب، أو إعام موجه وطائفي يخدم أجندة والية الفقيه.<br />
احلراك السعودي يف مواجهة النفوذ اإليراني يف إفريقيا، وما<br />
جنده مؤخرًا نتيجة التحرك السعودي أن سعت دول إفريقية
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 67<br />
العدد ملف<br />
لاستعانة بالسعودية ملساعدتها يف احلد من املد اإليراني حتت<br />
غطاء املد الشيعي، وهو ما ظهر جليًا يف مواقف تلك الدول<br />
وزياراتها األخيرة للعاصمة الرياض، وكرست السعودية جهودها<br />
الدبلوماسية للوقوف إلى جوار العديد من الدول اإلفريقية<br />
ملقاومة مخاطر املد الشيعي التي تستخدم نفس استراتيجية<br />
التنصير يف استغال الفقر وعبر أنشطة ثقافية وخدمية بنشر<br />
التشيع بطريقة غير مباشرة، تستغل إيران حب الشعوب لدينهم<br />
وآلل البيت، واستطاعت جتنيد عدد من التجار يف غرب إفريقيا.<br />
لكن قطع السعودية عاقاتها مع إيران بعد الهجوم على<br />
سفارتها وقنصليتها يف إيران تبعت السعودية العديد من الدول<br />
اإلفريقية يف طرد سفراء إيران من دولهم، وجدتها تلك الدول<br />
فرصة بعد املعاناة من التمدد والنفوذ اإليراني يف مناطقهم،<br />
وكانت يف املقدمة دولة السودان، وأصبحت عاقات السعودية<br />
متينة مع أثيوبيا وجيبوتي وحتى أرتيريا التي أعلنت عن إقامة<br />
حتالف جديد يهدف للحد من انتشار التشيع يف القارة السمراء<br />
وفق املخطط الفارسي.<br />
بل تخفت حتركات إيران يف موريتانيا وراء ستار التصوف<br />
ما جعل السعودية توقف مساعداتها وقروضها املالية ملوريتانيا<br />
عام 2008م، التي أوقفت انتشار التشيع، كما أعلنت املخابرات<br />
الصومالية عن القبض على شخصيات إيرانية وصومالية املذهب<br />
الشيعي واعتبرته يهدد أمن الصومال وعقيدة مواطنيه.<br />
استطاع التحرك السعودي أن يحاصر ويحرر دول القرن<br />
ال‘فريقي من النفوذ اإليراني، لكن جاء إعان السودان عن قطع<br />
عاقاته مع إيران بذلك يكتمل الطوق الذي يحيط بالسعودية<br />
بعيدًا عن النفوذ اإليراني، خصوصً ا بعدما أوصدت السودان<br />
الباب على العاقات السودانية اإليرانية بالكامل، وأكدت عن<br />
تضامنها مع السعودية ودول اخلليج.<br />
يعكس هذا القرار مامح املرحلة القادمة خصوصً ا بعد<br />
انضمام السودان إلى عاصفة احلزم وإرسالها جنود سودانيني<br />
يف صفوف التحالف العربي يف اليمن ما يعني التماهي الكامل<br />
مع النظام العربي اجلديد بقيادة السعودية، بعدما أصبحت<br />
الصناديق السيادية شريان احلياة يف السودان التي تساعد<br />
االقتصاد السوداني على االنتعاش، والتي أصبحت حتتل املرتبة<br />
األولى عربيًا ب 590 مشروعًا سعوديًا يف السودان تصل تلك<br />
االستثمارات إلى 11 مليار دوالر أغلبها يف قطاع الزراعة، وتعهدت<br />
السعودية بضخ مزيد من االستثمارات، وتستحوذ السعودية على<br />
% 30 من مصنع سكر كنانة كأكبر وأقدم مصنع يف الوطن العربي<br />
حيث يقدر إنتاجه 450 ألف طن سنويا وفقا للسودان تريبيون.<br />
كما تعهدت السعودية ببذل مجهود جتاه رفع العقوبات على<br />
السودان، حيث ميثل التحول نحو السعودية مسارًا جديدًا يسلكه<br />
الرئيس السوداني عمر البشير بعد 25 عامًا يف بلد مضطرب من<br />
خال التنقل بني حتالفات مختلفة حيث عانت السودان بعدما<br />
لبست ثوبها اإلسامي بني مطرقة السعودية وسندان إيران.<br />
عانت السودان من فتنة النموذج واإلعجاب الشديد بالثورة<br />
اخلمينية خصوصً ا من قبل حسن الترابي بعدما أوصل بجماعته<br />
إلى احلكم عقب االنقاب العسكري عام 1989م، لكن البعض<br />
يرى أن حسن الترابي براغماتي ولم يكن معجبًا بنظام الدولة<br />
القائم على والية الفقيه، وحلسن الترابي آراء واضحة على هذا<br />
الصعيد، رغم ذلك استطاعت إيران أن تشيد مصنعا إلنتاج<br />
األسلحة يف اخلرطوم وفق االتفاقية بني اجلانبني يف عام 2008م،<br />
وأن تقيم إيران قاعدة عسكرية اعتبرت إيران السودان التي ال<br />
تبعد عن السعودية سوى بضع مئات من الكيلومترات من ساحل<br />
البحر األحمر.<br />
ساعد إيران على إبراز نفوذها يف إفريقيا باعتبار السودان<br />
مدخاً رئيسيًا لتصدير الساح اإليراني داخل القارة السمراء،<br />
وتغلغل املذهب الشيعي يف عمق القارة اإلفريقية عبر بوابة<br />
السودان، ومرور شحنات األسلحة سرًا إلى حماس وسيناء<br />
عبر أراضيه، مما اضطر املجتمع الدولي إلى وضع السودان<br />
على الئحة اإلرهاب وفرض عليه عقوبات، نتيجة ذلك تعرض<br />
السودان إلى تدمير مصنع ذخيرة يف انفجار غامض عام 2012م.<br />
لكن يذهب حيدر طه إلى أن إيران خلقت عاقات وثيقة<br />
مع قادة تنظيمات اإلخوان املسلمني يف السودان وحتى يف مصر،<br />
أي أن السودان ركب موجة الصحوة اإلسامية يف الفترة املاضية<br />
يف جتربة خائبة، يبدو أن قيام السعودية يف القيام بدور احلسم<br />
يف مواجهة النفوذ اإليراني بنفس السبل التي تتبعها إيران<br />
السترداد احلق العربي والدفاع عن األمن العربي مكنها من<br />
انتشال السودان من احلضن اإليراني، وقفلت هذه البوابة جتاه<br />
العمق اإلفريقي، وأفقدت السعودية إيران قبضتها على بوابتها<br />
إلى إفريقيا، واستفادت السعودية من أن السودان وإيران ليسا<br />
حليفني استراتيجيني، وعلى اثر قرار قطع السودان العاقة مع<br />
إيران، تلقى البنك املركزي السوداني وديعة سعودية مبليار دوالر.<br />
كذلك لم تتوان السعودية وخصوصً ا دولة اإلمارات يف دعم<br />
الغياب الخليجي/ العربي أدى إلى تمدد إيران في القارة السمراء<br />
وانتشار التشيع في غرب أفريقيا
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
68<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
مصر حجر الزاوية في األمن العربي والحفاظ على الهوية<br />
والدفاع عن وحدة الدول ووقف النفوذ اإليراني<br />
مصر منذ قيام ثورة الثاثني من يونيو 2013م، خصوصً ا املوقف<br />
اخلليجي الداعم للدولة املصرية يف املؤمتر االقتصادي الذي<br />
عقد يف شرم الشيخ حيث قدمت كل من السعودية واإلمارات<br />
والكويت وسلطنة عمان مساعدات تقدر ب 12.5 مليار دوالر إلى<br />
مصر يف صورة ودائع واستثمارات، كما تعد زيارة امللك سلمان<br />
للقاهرة داللة على أن مصر متثل حجر الزاوية يف حتقيق األمن<br />
القومي العربي واحلفاظ على الهوية والدفاع عن وحدة الدول<br />
العربية ضد ما يتهددها من مخاطر التقسيم والتفتيت ووقف<br />
النفوذ اإليراني الذي استباح املنطقة.<br />
لذلك لم تكتف مصر يف تأييد التحالف العربي يف اليمن<br />
بل شاركت بقوات جوية وبحرية حيث شاركت 16 طائرة مصرية<br />
بجانب حترك قطع بحرية إلى مضيق باب املندب لتأمينه ملواجهة<br />
أية احتماالت حيث تنطلق القيادة املصرية من رؤية سياسية دائمًا<br />
بأن األمن القومي املصري ميتد من أمن اخلليج العربي، حيث<br />
تعمل إيران على تطويق السعودية من اجلنوب من خال السيطرة<br />
على اليمن وهي متثل عمقًا استراتيجيًا للجزيرة واخلليج مما<br />
يجعل من اليمن عاما مهما ألمن واستقرار املنطقة.<br />
وقع البلدان على مجموعة اتفاقيات من تطوير التعاون<br />
العسكري، وتعزيز التعاون املشترك يف مجاالت الطاقة والربط<br />
الكهربائي والنقل، وحتقيق التكامل االقتصادي بني البلدين<br />
والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا يف حركة التجارة العاملية<br />
أهمها كان إنشاء جسر امللك سلمان الذي يساهم يف تعزيز<br />
الربط بني دول اخلليج وإفريقيا خصوصً ا بعدما افتتحت مصر<br />
القناة الثانية لزيادة حركة التجارة.<br />
السعودية ومصر ترسمان مامح مستقبل النظام اإلقليمي<br />
العربي ومواجهة كل التحديات التي تعوق تقدمه، وعلى رأسها<br />
التحديات اإلرهابية واملذهبية التي وجدت يف غياب األمن<br />
واالستقرار فرصة للتوسع والتي تغذيها إيران وأذرعها يف املنطقة.<br />
وال يزال مشروع القوة العربية املشتركة حاضر، رغم أن<br />
السعودية اجتهت إلى تشكيل حتالف إسامي عسكري ملواجهة<br />
التحديات التي تواجه املنطقة، ووقف النفوذ اإليراني بسبب أن<br />
هناك عدد من الدول العربية ال زالت تعارض مواجهة التدخل<br />
اإليراني مثل العراق بسبب الهيمنة اإليرانية على القرار<br />
السياسي، وكذلك لبنان واجلزائر، رغم أن إيران فشلت يف ضرب<br />
العاقات السعودية اجلزائرية، خصصوا بعدما شرعت اجلزائر<br />
يف تفكيك ألغام عاقتها مع السعودية وذلك بإيفاد وزير الدولة<br />
املستشار اخلاص لرئيس اجلمهورية الطيب بلقيز إلى اململكة<br />
حاما رسالة من الرئيس ونقلها للمك سلمان.<br />
واجلزائر والسعودية عازمتان على جتاوز سوء تفاهمهما<br />
يف بعض القضايا وجتلت هذه الرغبة من خال إعادة الرياض<br />
لسفيرها السابق باجلزائر سامي العبد اهلل حيث تتفق اجلزائر<br />
مع منتجي النفط والغاز وبضغط من روسيا على ضرورة إعادة<br />
التوازن للسوق عن طريق خفض اإلنتاج مثلما حدث من قبل ولكن<br />
السعودية تتمسك بحصص اإلنتاج وتريد ترك األسعار للسوق.<br />
أصبح الدور السعودي فاعا دوليا وإقليميا يف قيادة أسواق<br />
النفط، بل جند أن روسيا بدأت تغازل السعودية من أجل التوصل<br />
إلى تنسيق حول استقرار أسواق النفط الذي أثر على تراجع<br />
اقتصادها الذي يعتمد على النفط بنحو %، 50 فيما تعتمد<br />
اجلزائر على مداخيل النفط بنسبة % 85 وكذلك دول اخلليج،<br />
لكن االستراتيجية اجلديدة التي تراها السعودية هي التمسك<br />
بحصص اإلنتاج حتى ال تذهب احلصص إلى دول منتجة من<br />
خارج أوبك، وتكون أوبك قد خسرت احلصص وكذلك األسعار،<br />
وهي تدافع عن مصالح دول أوبك وليس عن مصالح الدول<br />
املنتجة من خارج أوبك التي تنتج البترول بتكاليف عالية مثل<br />
البترول الصخري والبترول املوجود يف سيبيريا أو يف املياه<br />
العميقة، وهي تدرك أن بترول أوبك األقدر على املنافسة.<br />
العاقات السعودية املصرية تتشابه بينهما التوجهات، وتكتمل<br />
حتقيقا لآلمال العربية واإلسامية، وهي الطريق إلى الوحدة،<br />
خصوصً ا بعد افتتاح القناة اجلديدة التي سيصاحبها مشروعات<br />
تنموية عماقة، وستضع مصر على خارطة االستثمار العاملي<br />
إلرساء دعائم عصر جديد للنهضة، خصوصً ا وأن مصر على<br />
أعتاب تخطي أزمة الطاقة بعد اكتشافات غازية جديدة أعلنتها<br />
شركة ايني اإليطالية، وكانت تقديراتها نحو 30 تريليون قدم مكعبة<br />
يف املياه اإلقليمية املصرية يف البحر املتوسط سيساعد على تلبية<br />
احتياجات مصر من الغاز لعقود مقبلة تعادل نحو 5.5 مليار برميل<br />
من املكافئ النفطي، ويغطي مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع،<br />
تعرضت إسرائيل لضربة قوية بعد تلقيها نبأ الكشف، بسبب أنها<br />
تريد أن تصبح قوة عاملية يف تصدير الغاز الطبيعي.<br />
* أستاذ بجامعة أم القرى مكة املكرمة
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 69<br />
العدد ملف<br />
نموذجان ملستقبل العالقات السعودية - اإلفريقية<br />
إفريقيا: األكثر جذبًا لتحقيق<br />
االستثمارات والمصالح الخليجية<br />
حققت دول إفريقيا جنوب الصحراء يف السنوات األخيرة أقوى معدالت النمو وأدنى معدالت التضخم املسجلة منذ<br />
ثاثني عامًا، وكثير من البلدان اإلفريقية جتاوزت املرحلة احلرجة، وأنها يف سبيلها لتحقيق معدالت منو اقتصادية<br />
أشدّ ثباتًا وأكثر سرعة، وهي معدالت ضرورية لتخفيض مستويات الفقر املرتفع«، فقد سجلت إفريقيا معدل منو<br />
متوسط بلغ %5,4 على مدى العقد املاضي.<br />
د. سالي محمد فريد<br />
اهتمت الدول اإلفريقية بتهيئة بيئاتها االستثمارية، وخاصة دول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء التي ظلت تعاني أوضاعًا سياسية غير<br />
مستقرة، إضافة إلى ضعف معدالت النمو، وعدم ماءمة كثير<br />
من السياسات االقتصادية املطبقة فيها؛ لذلك سارعت احلكومات<br />
اإلفريقية من خال أجهزتها املعنية إلى إيجاد بيئة استثمارية مناسبة،<br />
فقامت مبراجعة سياساتها االقتصادية، وسنَّت العديد من التشريعات<br />
والقوانني واألنظمة واللوائح اجلديدة التي تشجع االستثمار وتدعمه،<br />
واستحدثت الهيآت واملؤسسات التي تخطط له وتنظمه. ووضعت<br />
امتيازات كثيرة، منها: تيسير شروط االستثمار وتخفيف القيود على<br />
تدفقاته، واحلد من املخاطر التي ميكن أن تتعرض لها االستثمارات،<br />
والشفافية يف توفير املعلومات الضرورية للمستثمر وكسب ثقته،<br />
وتبسيط اإلجراءات، وتقدمي ضمانات متعلقة بنقل األموال إلى<br />
اخلارج، واإلعفاءات من الرسوم اجلمركية. ويف ظل هذه التوجهات<br />
اجلادة للحكومات، وحرصها على جذب االستثمارات اخلارجية<br />
وتشجيعها، تسابقت الدول والشركات واملؤسسات نحو إفريقيا.<br />
تهدف هذه الورقة إلى التعرف على تطور حجم االستثمار<br />
يف إفريقيا والفرص االستثمارية األكثر جذبًا والتحديات التي تواجه<br />
االستثمار يف إفريقيا، وتقدمي مناذج لاستثمارات اخلليجية والسعودية<br />
يف إفريقيا، وأخيرًا عرض عدد من السيناريوهات املستقبلية للعاقات<br />
السعودية اإلفريقية، وذلك من خال النقاط التالية:<br />
أوالً : الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا.<br />
ثانيًا: التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها.<br />
ثالثًا: نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا.<br />
رابعًا: نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا.<br />
خامسا: السيناريوهات المستقبلية للعالقات السعودية اإلفريقية.<br />
أوالً : الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا<br />
يُشير تقريرُ االستثمار الصادر عن مؤمتر األمم املتحدة<br />
للتجارة والتنمية UNCTAD عام 2014م، إلى التنامي الواضح<br />
يف مستويات االستثمارات املوجهة للقارة اإلفريقية رغم تواصل<br />
املعوقات السياسية واألمنية التي يفترض أن تعوق تدفق<br />
االستثمارات إليها. وحسب التقرير، تضاعف حجم استثمارات<br />
القطاع اخلاص يف القارة خمس مرات خال العقد املاضي، من<br />
14 مليار دوالر عام 2002 إلى 67 مليار دوالر عام 2012م، بينما<br />
ارتفع حجم املعونات احلكومية من 18 مليار دوالر إلى 43 مليار<br />
دوالر خال الفترة نفسها. وبلغت قيمة االستثمارات الواردة إلى<br />
القارة اإلفريقية 57 مليار دوالر عام 2013م، وشهد العام نفسه<br />
زيادةً يف صفقات الدمج واالستحواذ لتسجل ألف صفقة، بقيمة<br />
إجمالية 30 مليار دوالر. وتبرز يف هذا اإلطار دول البريكس<br />
)البرازيل، وروسيا، والهند، والصني، وجنوب إفريقيا( التي تشكل<br />
مصدراً ألكثر من ربع االستثمارات يف القارة.<br />
وقد حدث حتول تدريجي من التركيز على قطاعات الصناعات<br />
»االستخراجية« واملتعلقة مبصادر الطاقة واملوارد الطبيعية، إلى<br />
قطاعات الصناعات االستهاكية. جاء هذا التحول مدفوعًا
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
70<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
بنتائج التنمية االقتصادية يف الدول اإلفريقية، وزيادة الكثافة<br />
السكانية، واتساع نطاق الطبقة الوسطى، مما ساهم يف رفع<br />
مستويات املعيشة، وأحدث حتوال يف أمناط االستهاك. فتنامت<br />
قطاعات الصناعة االستهاكية مبقدار %30 خال العقد املاضي،<br />
لتصل إلى قاعدة تشمل 120 مليون مستهلك. ساهم ذلك يف<br />
تدفق االستثمارات إلى قطاعات الزراعة، وتصنيع املواد الغذائية،<br />
وتكنولوجيا املعلومات، والسياحة، واخلدمات املالية، وجتارة<br />
التجزئة. وانعكست هذه التحوالت على االستثمارات املوجهة إلى<br />
مشروعات البنية التحتية. فياحظ زيادة االستثمارات بالقطاعات<br />
اخلدمية )التشييد، والنقل، والتخزين، واالتصاالت، وخدمات<br />
األعمال، وإمدادات املياه والكهرباء والغاز( إلى 8,1 مليار دوالر<br />
عام 2013م، مقارنة ب 3,2 مليار دوالر عام 2012م. كما ازدادت<br />
االستثمارات املوجهة إلى القطاعات التصنيعية إلى 7,6 مليار<br />
دوالر مقارنة ب 4 مليار دوالر عام 2012م. لكن االستثمارات يف<br />
الصناعات القائمة على املوارد الطبيعية مثل الصناعات البترولية،<br />
تراجعت بنسبة %70، لصالح زيادة االستثمارات يف قطاعات<br />
صناعية أخرى، أبرزها النسيج، وصناعة السيارات.<br />
ويعرض الشكل البياني التالي تدفق االستثمار األجنبي املباشر<br />
إلفريقيا وفقا للقطاعات عام 2014م، ويتضح من الشكل أن قطاع<br />
اخلدمات يحتل املرتبة األولى حيث ميثل %48 من إجمالي االستثمار<br />
األجنبي املباشر يف إفريقيا عام 2014م، يليه قطاع التصنيع ميثل<br />
%31، ثم قطاع السلع األساسية %21، والقطاعات األخرى %1.<br />
شكل رقم )1( االستثمار األجنبي املباشر وفقا للقطاعات يف<br />
إفريقيا عام ٢٠1٤م<br />
United Nations Development Program, African Economic Outlook<br />
2015, Regional Development and Spatial Inclusion, )New York,<br />
UNDP, 2015(.<br />
وتتمثل الفرص االستثمارية األكثر جذبا يف إفريقيا يف قطاع<br />
االتصاالت ويرجع ذلك إلى انخفاض املخاطر يف هذا القطاع<br />
مقارنة بغيره من قطاعات البنية التحتية. هذا باإلضافة إلى<br />
قطاع النقل حيث تستقطب املوانئ اهتمام الشركات يتبعها<br />
قطاع الطيران وبدرجة أقل بناء املطارات والطرق. ولعل أبرز<br />
املشروعات يف هذا القطاع، إدارة موانئ دبي العاملية حملطة<br />
حاويات دوراليه عام 2000م، حيث استثمرت موانئ دبي العاملية<br />
1,5 مليار دوالر مما جعل جيبوتي التي تعتبر البوابة البحرية<br />
ألثيوبيا، ثالث أكبر ميناء للحاويات يف إفريقيا، وجعلها تساهم<br />
بحوالي ربع الناجت احمللي اإلجمالي يف جيبوتي. كما تابعت موانئ<br />
دبي العاملية االستثمار يف املوانئ يف اجلزائر ومصر والسنغال<br />
وموزمبيق، مما منحها تغطية واسعة يف جميع أنحاء القارة وعزز<br />
من تكامل االقتصادات اإلفريقية ضمن منظومة التجارة العاملية.<br />
كما أن إمكانات قطاع البنية التحتية تبعث على التفاؤل، فا<br />
تزال هناك فجوة متويلية تتمثل يف احلاجة لنحو 93 مليار دوالر<br />
سنويًا لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة اإلفريقية حتى عام<br />
2020م، يف حني أن نصف هذا الرقم متوفر حاليًا، وفقا لبنك<br />
التنمية اإلفريقي.<br />
ويعتبر سوق الصكوك يف إفريقيا سوقًا ناشئًا متواضعًا،<br />
حيث يشكل %0.6 فقط من إجمالي إصدارات الصكوك العاملية<br />
القائمة. ومع ذلك، فقد توقع العديد من املؤسسات، مبا يف<br />
ذلك وكالة »ستاندرد آند بورز«، واملركز املاليزي املالي العاملي أن<br />
تسجل سوق الصكوك يف إفريقيا منوًا محتماً .<br />
إن البلدان اإلفريقية متتلك موارد كبيرة يف جميع املجاالت<br />
مثل: املوارد املعدنية والنفطية، واملوارد الزراعية، واملوارد السمكية،<br />
وموارد الغابات، إن هذه املوارد متثل مجاالت استثمارية قوية،<br />
بجانب فرص أخرى متاحة يف مجال بناء املنشآت األساسية<br />
والبنية التحتية، كبناء الطرق والسكك احلديدية واملطارات<br />
واملوانئ، وتوليد الكهرباء والسدود واخلزانات وإمداد املاء.<br />
وتعد املوارد البشرية من أهم مجاالت االستثمار التي<br />
تقاس بها ثروة األمم، وقد أصبح العنصر البشري ودرجة<br />
كفاءته هو العامل احلاسم لتحقيق التقدم، وإفريقيا التي يبلغ<br />
عدد سكانها قرابة 1,17 مليار نسمة، ال يزال االستثمار فيها<br />
محدودًا يف مجال التنمية البشرية، برغم اهتمام بعض اجلهات<br />
املستثمرة بالتنمية احلضارية للمجتمع، والبيئة والصحة، وزيادة<br />
معرفة الفرد، واالرتقاء بدرجة وعيه وقدراته عن طرق التعليم<br />
والتدريب. وبالنسبة للموارد األخرى غير البشرية، فإن إفريقيا<br />
التي تتميز مبوقعها اجلغرايف، ومبساحة إجمالية تبلغ 30,190<br />
مليون كم2، ومتتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات واملعادن<br />
االستيراتيجية، فمن بني 50 معدنًا هامًّا يف العالم يوجد 17<br />
معدنًا منها يف إفريقيا باحتياطيات ضخمة. فهي متتلك<br />
النسبة األكبر من احتياطي »البوكسيت، والفروكروم، والكوبلت،<br />
واملاس، والذهب، واملنجنيز، والفوسفات، واملعادن الباتينية،<br />
والتيتانيوم، والفاناديوم«.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 71<br />
العدد ملف<br />
كما أنها تتمتع بإمكانيات هائلة يف مجال الزراعة، تؤهلها ألن<br />
تكون سلة الغذاء العاملي كما يرى كثير من اخلبراء؛ فهي تشتهر<br />
مبواردها املائية حيث يجري فيها 13 نهرًا ، هي: )زامبيزي،<br />
شيري، بوجنوال، لوجنوا، أوجوي، نهر ساند، ليبمبوبو، روفيجي،<br />
أوكافاجنو، مارا، فكتوريا، النيل، أوليفانتس(، وأطولها نهر<br />
النيل الذي يبلغ طوله 6695 كم(، إضافة إلى ارتفاع معدالت<br />
سقوط األمطار يف بعض مناطقها املناخية املتنوعة، ومخزونها<br />
الضخم من املياه اجلوفية، وتقدّر الطاقة الكامنة للريّ يف القارة<br />
اإلفريقية بأكثر من 42,5 مليون هكتار، مع مراعاة الطاقة<br />
الكامنة للريّ لكلّ من األحواض واملوارد املائية املتجددة. ونظرًا<br />
التساع رقعة إفريقيا اجلغرافية فإنها تتميز بتنوع<br />
أقاليمها املناخية، ومبستويات ونوعيات مختلفة<br />
من التربة الغنية، ومبواسم زراعية متنوعة،<br />
وهو ما يجعل منها « بيئة مائمة لزراعة وإنتاج<br />
جميع احملاصيل واحلبوب واخلضروات. وتقدر<br />
نسبة مساحة األراضي الصاحلة للزراعة فيها<br />
بحوالي %35 من إجمالي مساحة القارة، يستغل<br />
منها %7 فقط يف الزراعة بشتى أنواعها، وال<br />
تزيد مساحة الزراعة املروية يف اجلزء الواقع<br />
جنوب الصحراء من إفريقيا عن 50 ألف كم2<br />
من إجمالي 23 مليون كم2. فإن االستثمار يف املجال الزراعي<br />
يعد من أفضل اخليارات التي تقدمها إفريقيا للمستثمرين<br />
لإلسهام يف حتقيق النمو االقتصادي واألمن الغذائي يف إفريقيا.<br />
ويف مجاالت الطاقة ومصادرها، فرغم ضخامة الطاقة<br />
الكهرومائية الكامنة يف إفريقيا، والتي تناهز 1750 تيراواط<br />
ساعة، ورغم إمكانية ضمان أمن الطاقة من خال توليد الطاقة<br />
الكهرومائية، إال أنه لم يُستغلّ سوى %5 من هذه الطاقة الكامنة.<br />
أما بالنسبة للنفط والغاز فيقدر اخلبراء حجم النفط اإلفريقي<br />
ما بني – 7 %9 من إجمالي االحتياطي العاملي، أي ما يوازي<br />
-100 80 مليار برميل خام، حيث تنتشر حقول النفط داخل<br />
القارة يف كثير من دولها وعلى شواطئها الغربية، وهو األسهل<br />
واألسرع يف استخراجه، بحيث تصبح مشتقاته جاهزة للتحميل<br />
والتصدير مباشرة، وهو ما يحقق وفرًا اقتصاديًا، ويعد النفط<br />
اخلام املستخرج من إقليم خليج غينيا من النوعية املمتازة.<br />
حترص إفريقيا يف مجال الصناعة على تعميق وتطوير<br />
شراكات استثمارية، وقد جاء مؤمتر القمة اإلفريقية العاشر<br />
حتت شعار »التنمية الصناعية يف إفريقيا«، تأكيدًا ألهمية التوجه<br />
نحو تطوير قطاع الصناعة الذي ال يزال االستثمار فيه ضعيفًا؛<br />
حيث إن »مخرجات القطاع الصناعي بالقارة ال تتعدى %2 من<br />
اإلنتاج العاملي، وصادراتها الصناعية تبلغ %1 فقط من إجمالي<br />
57 مليار دوالر<br />
استثمارات خارجية يف<br />
إفريقيا عام 2013 و دول<br />
البريكس تمتلك ربع<br />
االستثمارات يف القارة<br />
الصادرات العاملية«، فالقطاع الصناعي يف إفريقيا أكثر القطاعات<br />
حاجة إلى اإلمكانات الفنية واملالية، واملعلومات واخلبرات حول<br />
تنفيذ البرامج اخلاصة بالتنمية الصناعية.<br />
وعن توزيع االستثمارات على مستوى األقاليم الفرعية يف القارة،<br />
ياحظ تراجع معدالت جذب االستثمار يف أقاليم شمال وغرب<br />
ووسط إفريقيا، ألسباب تتعلق إما بالقاقل السياسية واألمنية،<br />
أو غموض اإلجراءات والتشريعات االقتصادية، مقابل تناميها<br />
يف أقاليم جنوب وشرق إفريقيا. فقد تراجعت االستثمارات يف<br />
إقليم شمال إفريقيا بنسبة %7، ولكن هناك مؤشرات على عودة<br />
مرتقبة وقوية لاستثمارات. كما تراجعت االستثمارات يف غرب<br />
إفريقيا بنسبة %14 لتسجل 14,2 مليار دوالر عام<br />
2014م. وتعتبر األوضاع يف نيجيريا سببًا رئيسيًّا يف<br />
ذلك التراجع، بسبب عدم وضوح القواعد احلاكمة<br />
لقطاع الصناعات البترولية، باإلضافة إلى استمرار<br />
توتر األوضاع األمنية. وانخفضت االستثمارات<br />
األجنبية املباشرة يف وسط إفريقيا بنسبة %18<br />
لتسجل 8,2 مليار دوالر، بسبب استمرار القاقل<br />
السياسية والنزاعات املسلحة يف دول مثل جمهورية<br />
إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكوجنو الدميقراطية.<br />
يف املقابل، تزايدت االستثمارات بنسبة %15<br />
و%50 يف شرق وجنوب إفريقيا على التوالي. فقد ساهم صعود<br />
كلٍّ من كينيا وإثيوبيا يف شرق إفريقيا كمراكز جديدة لألعمال<br />
يف انتعاش االستثمارات التي بلغت 6,2 مليار دوالر. واجتهت<br />
االستثمارات يف كينيا إلى مجاالت الطاقة التقليدية، واملواصات،<br />
باإلضافة إلى القطاع الصناعي، وكانت االستثمارات الصينية هي<br />
األبرز يف إثيوبيا. ويف اإلقليم اجلنوبي توالى تدفق االستثمارات<br />
إلى جنوب إفريقيا وموزمبيق.<br />
ثانيًا: التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها<br />
تبرز قضية البنية التحتية الضعيفة يف معظم الدول اإلفريقية<br />
كأبرز التحديات، وبشكل خاص ما يتعلق بتدهور الطرق التي<br />
تربط باد القارة بعضها ببعض، ويف قطاع الطاقة يعتبر<br />
التحدي الرئيسي هو ضعف الطاقة الكهربائية املتاحة وارتفاع<br />
أسعارها. وميثل جتاوز هذه املعضلة يف إفريقيا، خاصةً فيما يتعلق<br />
مبشروعات البنية التحتية التي تشترك فيها أكثر من دولة، حتديًا<br />
كبيرًا نظرًا للتعددية الكبيرة التي تتميز بها القارة، والتي بها 34<br />
لغة رسمية، والعشرات من اللهجات احمللية، وأكثر من 40 عملة،<br />
باإلضافة إلى التفاوت الكبير يف القدرات املالية والبنية املؤسسية<br />
القائمة بني دولها، وكذلك غياب مؤسسات لها القدرة على تنفيذ<br />
االتفاقيات املشتركة يف مجال مشروعات البنية التحتية.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
72<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
من ناحية أخرى، فإن اعتماد القارة على تصدير املواد<br />
األولية يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات أسعار هذه املواد يف السوق<br />
العاملية، والذي يرتبط بعوامل خارج نطاق القارة نفسها. وتشير<br />
دراسة للبنك الدولي حول النمو االقتصادي يف إفريقيا إلى أنه<br />
إذا تراجع طلب الصني على املواد األولية، مثل النحاس الذي<br />
ميثل الطلب الصيني عليه %45 من إجمالي الطلب العاملي،<br />
بينما يستمر إنتاجه يف االرتفاع؛ فإن أسعار النحاس قد تتراجع<br />
بشكل حاد، مما يكون له آثار سلبية شديدة على الدول التي<br />
تعتمد على تصديره. ولهذا فإن حتقيق التنوع يف صادرات دول<br />
القارة، والبعد عن االعتماد على تصدير املواد األولية، خاصة<br />
البترول؛ يُعد من أهم التحديات التي يجب أن تواجهها ملواصلة<br />
منوها االقتصادي.<br />
تتسابق الدول نحو إفريقيا يف تنافس محموم، يف مقدَّمتها<br />
الواليات املتحدة األمريكية وفرنسا والصني وروسيا إضافة إلى<br />
إيران وتركيا وماليزيا والهند وكوريا وتايوان والبرازيل، جميعها<br />
تسعى للنفاذ إلى ثروات القارة، وخاصة مصادر النفط فيها.<br />
وقد سارعت الواليات املتحدة يف محاولتها لتعزيز السيطرة على<br />
النفط اإلفريقي من خال املجلس االستشاري إلفريقيا، وهو<br />
حتالف يضم شركات أمريكية عماقة، ويعد هذا املجلس شريكًا<br />
أصياً للحكومة األمريكية يف كل ما يخص إفريقيا، وهو وراء<br />
تضخم االستثمارات األمريكية يف قطاع النفط يف غرب إفريقيا<br />
حتى جتاوزت 7 مليار دوالر بعد أن كانت مليارًا واحدًا يف بداية<br />
التسعينيات. كما دعا أفارقة إلى إعداد إستراتيجية إقليمية<br />
وقارية للعاقة مع الصني لتجنب االختال يف عاقاتهما الثنائية<br />
مشيرين إلى أن »االستثمارات الصينية مرتبطة باالحتكارات<br />
الكبرى للدولة الصينية« وأنها تركز على قطاع املناجم واملسح<br />
اجليولوجي أو على البنية التحتية.<br />
سبل مواجهة التحديات<br />
إن حتقيق االستفادة القصوى من االستثمار اخلارجي يف<br />
تطوير االقتصاد وحتقيق ثباته واستقراره يف الدول اإلفريقية،<br />
يتطلب وضع إستراتيجية شاملة وسياسات راشدة توجه تدفقاته،<br />
ومن ذلك وضع محددات وشروط أساسية أهمها:<br />
• التعاون مع الدول اإلفريقية كمجموعة واحدة يتم التنسيق<br />
بينها من خال استراتيجية تنموية متوازنة ومتكاملة للقارة عبر<br />
مؤسساتها القارية كمفوضية االحتاد اإلفريقي وغيرها.<br />
• ربط االستثمارات اخلارجية بخطط التنمية احمللية لاستفادة<br />
منها بصفتها موارد متويلية، وحتقيق التوازن والتكامل بينها وبني<br />
اخلطط اإلستراتيجية للدول، وبينها وبني االستثمارات احمللية.<br />
• توظيف االستثمارات للمساهمة يف حتقيق التنمية الشاملة،<br />
وتنفيذ املشرعات االستراتيجية، وخاصة ما يتعلق باألمن الغذائي<br />
والبنية التحتية إلفريقيا.<br />
• املشاركة يف تنمية رأس املال البشري يف الدول اإلفريقية من<br />
حيث التخطيط والتنمية والتوظيف.<br />
• املساهمة يف حتقيق اجلانب األمني للمجتمعات اإلفريقية<br />
مبعاجلة املشكات املزمنة كالفقر، والبطالة، واملرض، وتوفير<br />
اخلدمات األساسية حلياة اإلنسان.<br />
• وضع املوازنة السليمة لتدفقات رؤوس األموال اخلارجية<br />
بالنسبة للناجت القومي اإلجمالي، جتنبًا لتعرض اقتصاديات الدول<br />
اإلفريقية لانهيار يف حال انسحاب هذه األموال عند ظهور أية<br />
بوادر لعدم االستقرار، مع التركيز على االستثمارات طويلة األجل.<br />
• إتاحة الفرص على نطاق واسع للشراكة مع القطاع اخلاص يف<br />
التخطيط والتنفيذ لتلك االستثمارات.<br />
ثالثًا: نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا<br />
لقد أدركت دول اخلليج العربي أنه لتحقيق األمن الغذائي فا<br />
بد أن تتجه إلى التنمية الزراعية، وهو ما جعل اخليار االستراتيجي<br />
للخليج هو حتقيق تنمية زراعية بشراء األراضي أو تأجيرها أو<br />
توجيه االستثمارات نحو دول حوض النيل. فبادرت اململكة العربية<br />
السعودية بإعان أنها على استعداد لشراء املياه من أية دولة بها<br />
فائض مائي، وتعدى هذا األمر إلى شراء األراضي أو تأجيرها،<br />
السيما يف القارة اإلفريقية، مع توجه السياسات اإلفريقية نحو<br />
االستقرار السياسي والتنمية االقتصادية.<br />
ولهذا رأت دول اخلليج أن تدفع مواطنيها وشركاتها لاستثمار<br />
الزراعي صوب دول حوض النيل، وعقد اتفاقيات شراكة مع<br />
عدد من التجمعات االقتصادية اإلفريقية، مثل الكوميسا التي<br />
تضم 19 دولة إفريقية يف شرق وجنوب القارة. وتداعت إلى عقد<br />
مؤمتر االستثمار اخلليجي اإلفريقي األول بالرياض، يف أبريل<br />
2010م، مبشاركة سبع دول إفريقية منها تنزانيا، وكينيا، والكونغو<br />
الدميقراطية. ونظمت غرفة جتارة وصناعة الشارقة، يف فبراير<br />
2009م، لقاءات يف كل من كينيا وإثيوبيا، بهدف تطوير العاقات<br />
الثنائية يف مختلف املجاالت، وأهمها املجاالت االقتصادية<br />
والتجارية واالستثمارية، والبدء يف مشاريع ومبادرات بني رجال<br />
األعمال والهيآت االقتصادية، وتشجيع التبادل التجاري على<br />
نطاق واسع، وكذا يف املجال الزراعي.<br />
وتستحوذ كل من اإلمارات والسعودية على أكثر من %40<br />
من التدفقات الواردة إلى إفريقيا من الدول العربية. وتصدرت<br />
اإلمارات مجموعة الدول العربية يف هذا املجال، بقيمة 10.5<br />
مليار دوالر، وبحصة بلغت %21,6، تليها السعودية يف املركز<br />
الثاني بقيمة 9,3 مليار دوالر، وبحصة بلغت %19,2.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 73<br />
العدد ملف<br />
األراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا %35 من مساحة القارة<br />
يستغل منها %7 واالستثمار الزراعي أفضل الخيارات<br />
تشهد االستثمارات اخلليجية يف مجال الغذاء يف دول إفريقيا<br />
تناميًا كبيرًا منذ عام 2008م، عقب االرتفاع الكبير يف أسعار<br />
الغذاء على أصداء األزمة املالية العاملية. وتبدو اإلستراتيجية<br />
التي وضعتها دول اخلليج التي تقوم على شراء أراضي يف بعض<br />
الدول اإلفريقية بحيث تستفيد هي كمستثمر وتفيد الدول التي<br />
تشتري فيها هذه األراضي، وتأتي أثيوبيا على رأس قائمة هذه<br />
الدول بسبب ارتفاع عدد سكانها الذين يقيمون يف مناطق ريفية<br />
ويعملون بالزراعة. وحظت السودان باهتمام خليجي كبير، حيث<br />
بادر عدد كبير من رجال األعمال اخلليجيني إلى شراء مساحات<br />
كبيرة من األراضي الزراعية موزعة على معظم واليات السودان.<br />
حيث ميتلك السودان حوالي %48 من جملة األراضي الزراعية<br />
يف الوطن العربي، أي نحو 90 مليون هكتار.<br />
وتُعد االستثمارات الزراعية اإلماراتية هي األكبر بني دول اخلليج<br />
العربي يف السودان، حيث تُقام على مساحة كبيرة تقارب املليون فدان<br />
يف عدة واليات، أهمها مشروع زايد اخلير على مساحة 40 ألف فدان<br />
يف والية اجلزيرة. كما أن شركة الروابي اإلماراتية تعمل أيضً ا يف<br />
شمال السودان بالتعاون مع الهيأة العربية لاستثمار الزراعي.<br />
كما قامت حكومة قطر بتأسيس مشروع مشترك مع احلكومة<br />
السودانية إلنتاج القمح والذرة واحلبوب الزيتية. وقد وقع<br />
مستثمرون كويتيون من القطاع اخلاص اتفاقًا مع حكومة السودان<br />
الستزراع نحو 40 ألف فدان يف والية النيل األبيض. ويف إثيوبيا<br />
يقوم عدد من رجال األعمال السعوديني باالستثمار يف األراضي<br />
الزراعية مبساحات كبيرة تقارب عشرة مايني فدان. ويف دلتا نهر<br />
تانا بكينيا، متكنت مؤسسة قطرية من احلصول على 140 ألف<br />
هكتار من األراضي الزراعية، من خال صفقة وُقعت عام 2008م،<br />
حيث تتمكن قطر مبوجبها من حق استغال هذه األراضي، بينما<br />
حتصل كينيا على متويل قطري الستكمال منشآت بحرية.<br />
رابعًا: نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا<br />
تسعى اململكة العربية السعودية يف الفترة الراهنة إلى تطوير<br />
حجم ومجاالت عاقاتها مع العديد من الدول اإلفريقية، لتحقيق<br />
جملة من األهداف السياسية واإلستراتيجية واالقتصادية منها:<br />
احلفاظ على أمن البحر األحمر وخليج عدن والقرن اإلفريقي،<br />
وهي مناطق حيوية لألمن القومي السعودي، خلق مناطق نفوذ<br />
ذات تأثير يف املنظمات اإلقليمية والدولية، حتقيق مصالح<br />
اقتصادية يتوفر من خالها األمن الغذائي السعودي.<br />
وتتمتع السعودية مبوارد مالية ضخمة، سواء االحتياطات<br />
املالية للدولة، أو الثروات اخلاصة لألفراد واملؤسسات، وتسعى<br />
إليجاد فرصً ا مناسبة لاستثمار يف اخلارج. ويعتبر خبراء اقتصاد<br />
أن السعودية متثل شريكًا مثاليًا لدول شرق إفريقيا، منها خمس<br />
دول هي: أثيوبيا، أوغندا، تنزانيا، كينيا، جيبوتي، وتعتبر الدول<br />
اإلفريقية اخلمس، سوقًا ضخمة تضم نحو 190 مليون مستهلك،<br />
وهي أسرع االقتصادات اإلفريقية منوًا، وهي يف حاجة ماسة<br />
إلى استثمارات ضخمة تساعدها على تفعيل طاقتها ومواردها،<br />
ومتكنها أيضً ا من خلق فرص عمل للمواطنني، نظرًا إلى كونها<br />
من أكثر الدول متتعًا باالستقرار السياسي واألمني.<br />
إن االستثمار السعودي يف السودان غطى جميع املجاالت،<br />
خاصة املجال الزراعي والصناعي واخلدمي، حيث تعد السعودية<br />
صاحبة أكبر االستثمارات الزراعية يف السودان، منها شركة سكر<br />
كنانة واستثمارات سليمان الراجحي يف الزراعة والصناعة، بجانب<br />
استثمارات صالح كامل. وتوجهت االستثمارات السعودية الزراعية يف<br />
السودان لنحو 250 ألف فدان يف والية نهر النيل، وشمال السودان.<br />
وقد متكنت مجموعة حائل للتنمية الزراعية السعودية من استغال<br />
نحو 10 آالف هكتار من األراضي الزراعية السودانية املطلة على نهر<br />
النيل. وعمومًا تعد السعودية شريكًا استراتيجيًا أصيا للسودان يف<br />
استثماراته، كما أن السودان مبا لديه من موارد طبيعية خاصة يف<br />
مجال الزراعة، هو األكثر تأهياً ليس فقط لسد فجوة العالم العربي<br />
الغذائي التي فاقت ال40 مليار دوالر، بل لسد جزء كبير من الفجوة<br />
الغذائية العاملية، وذلك بالتضامن مع رؤوس األموال العربية الشقيقة.<br />
إن السعودية تدعم عملية زراعة األعاف يف اخلارج ومن ثم<br />
جلبها إلى األسواق احمللية، مما يشجع املستثمرين للدخول يف هذا<br />
االستثمار. وتعتبر الدول اإلفريقية لها األفضلية لدى املستثمر<br />
السعودي، خاصة يف السودان وإثيوبيا وبعض الدول التي تتمتع<br />
مبزايا نسبية يف وفرة املياه ومائمة املناخ. كما التزمت السعودية<br />
بضخ 109 مليار دوالر لتطوير 41 جيجاواط من الطاقة الشمسية<br />
يف الشرق األوسط وإفريقيا كجزء من خطة واسعة النطاق لنشر<br />
54 جيجاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2032، ومن املتوقع<br />
منو استثمارات الطاقة املتجددة يف دول إفريقيا جنوب الصحراء<br />
وبخاصة جنوب إفريقيا وكينيا وإثيوبيا.<br />
يعد االستثمار السعودي يف أثيوبيا واحدًا من أكبر االستثمارات<br />
يف منطقة شرق إفريقيا، حيث تنتج أحد الشركات السعودية يف<br />
أثيوبيا ما يزيد على عشرة آالف طن من الن من مزارعها التي تبلغ
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
74<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
25 ألف هكتار يف جنوب إثيوبيا وتصدر %70 من اإلنتاج للخارج.<br />
وتستثمر السعودية بكثافة يف مجاالت البناء والزراعة والتعدين<br />
والفنادق واملستلزمات الطبية والصحية والتعليم يف إثيوبيا، ومن<br />
املجاالت التي تشهد منوًا إنتاج الشاي، ويتوقع أن تبلغ عائدات شركة<br />
»سعودي ستار« 60 مليون دوالر عام 2016م، بعد االنتهاء من إقامة<br />
نظام للري املتقدم يف هذه األراضي، وتصدير %60 من األرز املنتج<br />
إلى الدول العربية. وقد عقدت السعودية نحو 16 اتفاقية زرعت<br />
مبوجبها 1.713.357 هكتار خمس اتفاقيات منها يف إثيوبيا وحدها،<br />
باإلضافة إلى السودان والسنغال وجنوب السودان.<br />
خامسً ا: السيناريوهات المستقبلية للعالقات السعودية <br />
اإلفريقية<br />
من املتوقع أن تزداد كثافة العاقات السعودية اإلفريقية بشكل<br />
عام لتفعيل منظومة الشراكة مع الدول اإلفريقية، رغبة يف حتقيق<br />
مصاحلها اإلستراتيجية، التي تتمثل يف إيجاد سوق ملواد خام<br />
رخيصة، ومصدر لعمالة أقل أجرًا، وحتقيق هدفها يف مراقبة<br />
اإلنتاج النفطي عن قرب يف الدول اإلفريقية، وهناك سيناريوهان<br />
محتمان للعاقات املستقبلية بني السعودية والدول اإلفريقية.<br />
السيناريو األول: جناح التجربة السعودية يف تفعيل وتنويع<br />
عاقاتها بدول القارة اإلفريقية خاصة أنها متتلك الدور الديني،<br />
والقوة االقتصادية، والدور اإلقليمي، والثقل الدولي الذي يؤهلها<br />
للقيام بدور القائد للعاقات العربية اإلفريقية، وذلك من خال<br />
زيادة حجم التبادل التجاري والتركيز على الفرص االستثمارية<br />
األكثر جذبًا يف إفريقيا.<br />
السيناريو الثاني: تشكيل حتالف عربي يف القارة اإلفريقية<br />
يتكون من مصر-السعودية – اإلمارات، وهذا التحالف يحمل<br />
عناصر النجاح واالستمرارية لعدة أسباب منها غياب التعارض<br />
يف املصالح اإلستراتيجية واالقتصادية بني الدول الثاث، وهو<br />
األمر الذي يضمن التنسيق والفاعلية لتحركاتها مجتمعة،<br />
والدرجة العالية من التنسيق االستراتيجي بني الدول الثاث يف<br />
العديد من امللفات اإلقليمية.<br />
*مدرس اقتصاد، معهد البحوث والدراسات اإلفريقية <br />
جامعة القاهرة
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 75<br />
العدد ملف<br />
استراتيجية لتعزيز الشراكة العربية اإلفريقية لم تعد مجرد خيار<br />
التكتالت االقتصادية اإلفريقية:<br />
التبادل التجاري ضرورة تنموية<br />
متتد العاقات العربية اإلفريقية إلى زمن بعيد، حيث جمعتهم ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة، لكن<br />
على مستوى العاقات التجارية اتسمت بضعفها وبوهن التكامل االقتصادي، قد يكون ذلك العتماد كل منهما على<br />
استيراد الغذاء والتكنولوجيا، وقد يعزو البعض ضعف هذه العاقات النخفاض تدفقات األموال العربية إلى إفريقيا،<br />
فغالبا ما تكون هذه األموال إما يف صورة منح أو قروض فمعظمها يأتي من السعودية، اإلمارات، والكويت، ثم ليبيا.<br />
وأغلبها يف شكل ثنائي بني احلكومات لكن يقل ظهور القطاع اخلاص يف هذا املضمار. بينما ينشط دور مؤسسات<br />
التمويل العربية مثل البنك العربي للتنمية االقتصادية يف إفريقيا، ودار املال اإلسامي، والبنك اإلسامي للتنمية،<br />
والصندوق العربي للتنمية االقتصادية واالجتماعية.<br />
د. هويدا عبد العظيم عبد الهادي<br />
تنقسم هذه الورقة إلى جزأين رئيسني يتناول األول أهم<br />
التكتات االقتصادية اإلفريقية، والثاني يتضمن أوجه التعاون<br />
والتبادل التجاري العربي اإلفريقي.<br />
اوالً: التكتالت االقتصادية يف إفريقيا: هناك سبعة تجمعات<br />
إقليمية رئيسية يف إفريقيا<br />
1- االتحاد المغربي العربي: أنشئ سنة 1964م، بغرض تنشيط<br />
الروابط االقتصادية بني دول املنطقة، لكن لم يكتب له النجاح<br />
حتى 1988م، حيث مت االتفاق بني اجلزائر، املغرب، تونس، ليبيا،<br />
وموريتانيا على إقامة االحتاد املغربي العربي عن قيامه رسميًا<br />
مبقره يف الرباط 1989م، ثم أخذ شكل احتاد اقتصادي بغرض<br />
حرية التجارة كمنطقة حرة، لكنه أخذ يبطئ اخلطى منذ<br />
1995م. حيث واجه بعض الصعوبات التي عملت على جتمد<br />
وتعثر جهوده.<br />
ثم وقعت اتفاقية أغادير بين مصر، المغرب، تونس، واألردن<br />
يف 2004/2/22م، وقد دخل االتفاق حيز النفاذ يف 2006/7/6م.<br />
2- سوق الشرق والجنوب اإلفريقي )الكوميسا(: يضم 19 دولة يف<br />
شرق وجنوب إفريقيا، )بعد انسحاب تنزانيا 2000م، وانضمام<br />
ليبيا 2005( املقر )زامبيا( والدول األعضاء هي: بوروندي، القمر.<br />
الكنغو، جيبوتي، مصر، ارتريا، اثيوبيا، كينيا، ليبيا، سيشل،<br />
مدغشقر، ماالوي، موريشيوس، رواندا، السودان، سوازياندا،<br />
اوغندا، زامبيا، زميبابوي )19دولة(. نشأ 1980م، كمنطقة جتارة<br />
تفضيلية بغرض تقوية التجارة بني الدول األعضاء ثم حتول إلى<br />
السوق املشتركة يف 1994م. يف 2001م، أنشئت منطقة جتارة حرة<br />
وضمت وقتها 11 دولة ثم انضمت بورندي وروندا يف 2004م، ثم<br />
ليبيا يف 2006م، وجزر القمر وعملت معظم الدول على تكوين<br />
احتاد جمركي ليقوم األعضاء بتوحيد تعريفة جمركية على<br />
الواردات من خارج االحتاد ثم إقامة احتاد نقدي يتم على 4<br />
مراحل تنتهي يف 2025م.<br />
وإذا كانت اتفاقية الكوميسا نصت على إزالة كافة الرسوم<br />
اجلمركية بني األعضاء مع االلتزام بقواعد املنشأ التي حددتها،<br />
لذلك التزمت كل من مصر وكينيا ومدغشقر بتخفيض الرسوم<br />
بنسبة ٪90 وهناك بعض الدول)7( قامت بتخفيض الرسوم ب٪80<br />
وواحدة ب ٪60 أما بقية الدول )9( فلم تطبق أي تخفيضات. يف<br />
أبريل 2007م، مت االتفاق على أن يكون هناك تعريفة جمركية<br />
موحدة للكوميسا صفر على املواد اخلام والسلع الرأسمالية<br />
٪10 على املنتجات الوسيطة، ٪25 على املنتجات النهائية،<br />
ومتثلت الدول التي بدأت بتطبيق التعريفة اجلمركية املوحدة<br />
يف كينيا ومدغشقر وماالوي سوازالند واوغندا وزامبيا واثيوبيا<br />
والسودان ورواندا.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
76<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
تجمع الساحل والصحراء أكبر تجمع إفريقي يضم 28 دولة ونصف<br />
سكان القارة نشأ عام 1998م كتكتل سياسي بين المحيطين<br />
3-تجمع الساحل والصحراء: أكبر جتمع يف القارة يضم 28 دولة<br />
حاليًا يف غرب ووسط وشمال القارة، نشأ 1998م، بغرض تكوين<br />
تكتل سياسي ميتد بني احمليطني. فيه نصف سكان إفريقيا،<br />
بدأ بتشاد، النيجر، ليبيا، السودان، مالي، وبوركينافاسو. وكانت<br />
هناك دعوة ليبية إلى دمج االحتادات اإلقليمية الفرعية وتشكيل<br />
جماعة اقتصادية واحدة تضم االيكواس، واملغرب العربي حتت<br />
رئاسة واحدة، ومصرف وهوية واحدة، وذلك كما جاء يف بيان<br />
مؤمتر القمة 2006م، فتمت املوافقة على تشكيل جلنة لدراسة<br />
تنفيذ هذا القرار.<br />
4-االتحاد االقتصادي لدول وسط إفريقيا االيكاس )المقر<br />
ليبرفيل( الجابون يضم 11 دولة من وسط إفريقيا أجنوال،<br />
بورندي، الكاميرون، إفريقيا الوسطى، تشاد، الكنغو، غينيا<br />
االستوائية، اجلابون، ساوتومي، رواندا، وزائير. ونشأ عام<br />
1983م، بغرض دعم التعاون والتنمية بني األعضاء، ثم حتول يف<br />
1994م، إلى اجلماعة االقتصادية والنقدية )السيماك( وأهم ما<br />
مييز هذا التجمع أنه يتعامل بعملة واحدة »السيفا« ولديه بنك<br />
مركزي واحد يف ياوندي. أهم االقتصادات: الكاميرون، واجلابون<br />
وانقطعت االجتماعات من 98-92 بسبب عدم تسديد الدول<br />
االعضاء اشتراكات العضوية واستمرار احلروب يف بورندي<br />
وتشاد. كما اعلنت رواندا عن رغبتها يف ايقاف عضويتها نظرا<br />
لألعباء التي تتحملها نتيجة النضمامها ألكثر من جتمع. ويف<br />
1999 عقدت قمة االيكاس بغرض انشاء قوة حفظ السام يف<br />
املنطقة )الكوباكس( بهدف منع النزاعات القائمة ومت نقلها من<br />
ياوندي إلى إفريقيا الوسطى يف 2008م، لكنها لم حتقق املرحلة<br />
الثانية للتكامل بسبب كثرة احلروب األهلية واالنتماء ألكثر من<br />
جماعة. وقعت مصر اتفاق إطاري إلبرام منطقة جتارة حرة<br />
بني مصر وجماعة السيماك، كما تتمتع مصر بعاقات جتارية<br />
ثنائية مع الدول األعضاء يف جتمع السيماك، وتعد الكاميرون<br />
أكثر هذه الدول تعاماً مع مصر من حيث مستويات التبادل<br />
التجاري، حيث يجعلها ذلك أحد أكبر البوابات اإلفريقية<br />
للصادرات املصرية، ومن املستهدف إنشاء مخزن دائم للسلع<br />
املصرية لتكون نقطة انطاق إلى باقي دول التجمع. مت اعتماد<br />
مصر كدولة صديقة لدى التجمع االقتصادي لدول وسط<br />
إفريقيا .))ECCAS CEEAC<br />
5- ECOWAS نشأت الجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا<br />
يف )الجوس ) عام 1975 م، و يضم 15 دولة يف غرب إفريقيا،<br />
مبوجب اتفاقية الجوس، وقد مت تنقيح االتفاقية املنشأة عام<br />
1993م، حيث أعطت اهتماما أكبر بالتنمية الزراعية والصناعية<br />
وحترير التجارة، ثم انتقل املقر إلى ابوجا يف1995م. ويف 1999م،<br />
أعلن رئيس االيكواس عن قيام منطقة النقد الثانية وانفتاحها على<br />
منطقة النقد األولى )االميوا( ثم أقاموا احتادًا جمركيًا واقتصاديًا<br />
ونقديًا لغرب إفريقيا يناير 2000م، لتتعامل الدول بعملة واحدة<br />
السيفا، وانسحبت موريتانيا من التجمع وعزمت الدول الست غانا<br />
غينيا جامبيا نيجيريا ليبيريا، وسيراليون على الدخول يف يناير<br />
2003م، وذلك من أجل تسهيل عمليات تبادل الصفقات وانتقال<br />
األفراد .الدول األعضاء: بنني، بوركينا فاسو، كيب فير، جامبيا<br />
،غانا، غينيا، غينيا بيساو، ساحل العاج ، ليبيريا، مالي، النيجر ،<br />
نيجيريا ،السنغال ،سيراليون، توجو.<br />
ويتضح دور االيكواس يف تكوين قوات حفظ السام ايكوموج<br />
والتي متثل هدفها يف وقف إطاق النار وظهر ذلك واضحا يف<br />
ليبيريا مت توقيع اتفاق إطاري بني مصر ومفوضية االميوا متهيداً<br />
لتوقيع اتفاق التجارة احلرة )دول االميوا الثمانية أعضاء بتجمع<br />
االيكواس(. تعد هذه اخلطوة هامة على طريق تعزيز العاقات<br />
املصرية مع الدول اإلفريقية والتجمعات االقتصادية اإلقليمية يف<br />
القارة، خاصة يف ضوء مسعى مصر إلقامة منطقة جتارة حرة<br />
مع االيكواس.<br />
6-تجمع السادك: يشمل 15 دولة، مقره جابروني )بتسوانا(<br />
يغطى كل دول اجلنوب اإلفريقي، نشأ عام 1980م، بغرض تقليل<br />
االعتماد على جنوب إفريقيا لكن سرعان ما حتول الى اجلماعة<br />
االقتصادية االمنائية للجنوب اإلفريقي وزادت التجارة مع جنوب<br />
إفريقيا 3 أضعاف يف1994م، ثم حتول الى منطقة جتارة حرة<br />
يف 2008 بغرض إزالة احلواجز اجلمركية بني األعضاء حيث يتم<br />
حترير التجارة ب ٪85. وسعى إلى إقامة احتاد جمركي 2010م،<br />
ليفرض تعريفة جمركية موحدة. كذلك استهدف قيام سوق<br />
مشتركة حلرية دخول وخروج عناصر االنتاج 2015م، على أن<br />
يتم توحيد السياسة التجارية والنقدية يف2016م. وكذلك العملة<br />
املوحدة فتكون يف 2018م. الدول األعضاء )اجنوال، بتسوانا،<br />
ليسوتو، ماالوي، موزمبيق، سوازياند تنزانيا، زامبيا، زميبابوي.<br />
ناميبيا، جنوب إفريقيا، موريشيوس، الكنغو، مدغشقر، سيشل(<br />
ورفضت رواندا ألسباب اجرائية.<br />
7- سوق شرق إفريقيا: كان يضم كينيا وتنزانيا واوغندا لكنه<br />
تفكك 1977م، ( بسبب عوامل كثيرة من أهمها عدم التوزيع
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 77<br />
العدد ملف<br />
العادل بني الدول األعضاء واستئثار كينيا باملنافع عن الدول<br />
األخرى ) لكن أعادت الدول النظر يف إحيائه مرة أخرى 2000 ثم<br />
انضمت كل من بورندي ورواندا اليهم)املقر اروشا( تنزانيا سنة<br />
2008م، وبعد مباحثات ومفاوضات بني هذه املجموعة)االياك(<br />
و مجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية ( السادك( و الكوميسا،<br />
توصلت املجموعة التفاق بشأن توسيع وتضخيم سوق التجارة<br />
احلرة بني بلدان املنظمات الثاث. وتعتبر املجموعة من<br />
ركائز اجلماعة االقتصادية اإلفريقية.<br />
يف 2009م، وقعت كل من الكوميسا واالياك والسادك على<br />
مسودة اتفاقية إنشاء منطقة التجارة احلرة، ويف اخلامس من<br />
ديسمبر من العام نفسه ووقعت التجمعات<br />
الثاثة على اتفاقية ثاثية تعد األولى من<br />
نوعها يف إفريقيا لتطبيق نظام النقطة اجلمركية<br />
الواحدة One Stop Borde Point يف منطقة<br />
شيروندو على حدود زامبيا وزميبابوي، بهدف<br />
تيسير اإلجراءات اجلمركية وتوفير الوقت<br />
والتكاليف وحتسني القدرة التنافسية. ويقوم<br />
هذا النظام على أساس عدم االضطرار<br />
إلى اجراء املعامات اجلمركية على طريف<br />
احلدود وإمنا يكتفي بإجرائها مرة واحدة. يف<br />
25 اكتوبر2014م، مت اإلعان عن قيام منطقة التجارة احلرة<br />
بني التجمعات الثاثة السادك والكوميسا واالياك )سوق شرق<br />
إفريقيا( ليمتد من القاهرة إلى جنوب إفريقيا متضمنا 26 دولة،<br />
يقطنها 625 مليون نسمة، بناجت محلى إجمالي1.2 تريليون<br />
دوالر، ويشكل ٪ 60 من النشاط االقتصادي للقارة، ويعد النجاح<br />
يف هذا التجمع متواضعًا، على الرغم من تنوع الدول األعضاء ما<br />
بني غنية وفقيرة باملوارد الطبيعية، وساحلية وحبيسة فهناك15<br />
دولة حبيسة صغيرة وكبيرة. هذا إلى جانب اختاف اللغات<br />
ومجموعات عرقية مختلفة. ومن ثم تعد أكبر منطقة جتارة حرة<br />
يف إفريقيا.<br />
يؤخذ على التكتات االقتصادية اإلقليمية اإلفريقية أنها<br />
لم حتقق األهداف املرجوة منها سواء على مستوى التجارة<br />
الداخلية أو اخلارجية. قد يكون السبب راجع إلى: عدم التزام<br />
الدول األعضاء بتنفيذ االتفاقيات، وعدم قدرتها على حل<br />
الصراعات، نقص املشروعات املشتركة كما فشلت احلكومات<br />
يف ترجمة التزاماتها باالتفاقيات وعدم وجود جدول زمنى<br />
لتنفيذ التخفيض يف التعريفات، ضعف التمويل الذي يعد من<br />
املشاكل األساسية التي تواجه التجمعات اإلقليمية فاملساهمة<br />
الفعلية تنخفض مبرور الوقت وغالبًا ال تكفي ملقابلة االحتياجات<br />
وتكون النتيجة بيئة مالية غير صاحلة واملثال على ذلك ثاثة<br />
المغرب األولى في<br />
صناعة السيارات عى<br />
منطقة شمال إفريقيا<br />
والثانية عى مستوى<br />
القارة بعد جنوب إفريقيا<br />
جتمعات مثل) االياك والكوميسا والسادك( حيث جمعت أقل من<br />
نصف مساهمات الدول اإلعضاء خاصة يف السادك والكوميسا<br />
حيث جتاوزت االحتياجات مساهمات الدول األعضاء وأصبحت<br />
الفجوة كبيرة بني االحتياجات واملساهمات.<br />
ياحظ على اجلماعات االقتصادية اإلقليمية تقف عند<br />
املرحلة الثالثة وفقًا التفاقية ابوجا وهي املرحلة اخلاصة<br />
مبنطقة التجارة احلرة واالحتاد اجلمركي لكل جماعة إقليمية<br />
قائمة، وقد اتفق على أن تنتهي هذه املرحلة يف غضون عشر<br />
سنوات، إال أنه من املاحظ تفاوت يف اداء اجلماعات يف مجال<br />
تطبيق اتفاقيتها اخلاصة بتحرير التجارة البينية. ويف الوقت<br />
الذي جنحت فيه كل من الكوميسا والسادك لكن<br />
مازال هناك تباطؤ يف تنفيذ هذه املرحلة من قبل<br />
االيكواس وااليجاد.<br />
إجماالً ميكن القول بان أهم ما مييز التكتات<br />
االقتصادية اإلفريقية هو انخفاض قيمة التجارة<br />
البينية ووقوفها عند املرحلة الثالثة وهي منطقة<br />
التجارة احلرة وان كان بعضها دخل يف مرحلة<br />
االحتاد اجلمركي. اما التحدي االساسي لها هو<br />
نقص التمويل فقد يكون ذلك بسبب اعتمادها<br />
على تصدير املواد األولية واخلام املتمثلة يف<br />
املعادن واملواد الزراعية والنفط اخلام وخضوعها لتغيرات<br />
األسعار يف السوق العاملي.<br />
ثانيًا: أوجه التعاون والتبادل التجاري العربي اإلفريقي.<br />
تعتبر إفريقيا االمتداد اإلقليمي واجلغرايف واالستراتيجي<br />
للدول العربية سواء يف شمال إفريقيا أو يف منطقة اخلليج<br />
العربي، ولهذا فإن وضع استراتيجية عربية طموحة لتعزيز<br />
الشراكة العربية اإلفريقية لم تعد مجرد خيار، يف ظل التدافع<br />
العاملي واخلطط التي تعد للسيطرة على أسواق إفريقيا<br />
الواعدة ومواردها الطبيعية املتنوعة. فقد لوحظ تركز جتارة<br />
التكتات االقتصادية اإلفريقية مع شركاء بعينهم على رأسهم<br />
االحتاد األوروبي، والواليات املتحدة، والصني، بنسب كبيرة<br />
سواء يف الصادرات أو الواردات. وغالبًا ما يصدروا السلع<br />
األولية التي تتصدر قائمة الصادرات ملعظم التكتات خاصة<br />
السادك، يليها الصناعات الوسيطة والتي ترجع يف معظمها<br />
إلى وجود جنوب إفريقيا يف هذا التجمع )وهي صاحبة أكبر<br />
صناعة حتويلية يف هذه اجلماعة إلى جانب صناعة السيارات<br />
التي تتميز بها عن سائر دول املنطقة(، أو لوجود مصر يف<br />
جتمع الكوميسا، وكذلك لوجود املغرب يف اتفاقية أغادير<br />
وأيضً ا جتمع الساحل والصحراء التي يرتفع فيه صادراته
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
78<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
من السيارات. ثم يليها السلع الزراعية املتمثلة يف الفواكه<br />
واخلضروات واحلبوب.<br />
وأهم شريك جتاري لصادرات السادك هو االحتاد األوروبي<br />
ويستأثر بالنسبة األكبر من صادرات بتسوانا على سبيل املثال<br />
)٪75 من املاس(، ثم زامبيا تصدر ما يقرب من ٪94 من<br />
الفواكه إلى االحتاد األوروبي إلى جانب ٪90 من املنسوجات.<br />
ثم الواليات املتحدة، يليها الصني. أما بالنسبة للواردات فتظهر<br />
اآلالت واملعدات كأكبر نسبة يف فاتورة واردات السادك ثم السلع<br />
الوسيطة واألغذية املصنعة.<br />
سبق وأن أشرنا إلى تكوين منطقة التجارة احلرة اإلفريقية<br />
للتجمعات الثاثة وما وصلت إليه من مراحل التكامل<br />
اإلقليمي، يف املقابل كانت هناك منطقة جتارة حرة عربية<br />
قامت وفقًا التفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بني الدول<br />
العربية بغرض حترير التبادل التجاري بينها، والتي مت املوافقة<br />
عليها مبوجب قرار املجلس االقتصادي واالجتماعي بتاريخ<br />
1982/2/27م، متثلت رغبة الدول العربية يف تنفيذ ذلك من<br />
خال إقامة منطقة جتارة حرة عربية كبرى بعد إقرار املجلس<br />
االقتصادي واالجتماعي مبوجب قراره بتاريخ 1997/2/19م،<br />
وتضم هذه املنطقة حاليا 20 دولة عربية منها دول عربية<br />
إفريقية.<br />
الغرض من اإلشارة لوجود كل من املنطقة احلرة العربية<br />
وأخرى إفريقية يشير إلى إمكانية قيام سوق حرة كبيرة عربية<br />
إفريقية تتمتع بتخفيض وإزالة اجلمارك بني الدول األعضاء<br />
)20( أعضاء املنطقة العربية )26( أعضاء اإلفريقية؛ مما يعنى<br />
زيادة حجم الطلب نتيجة تزايد أعداد السكان وتنوع األذواق<br />
واتساع حجم السوق .<br />
وتتضح استفادة الدول األعضاء من التخفيضات اجلمركية<br />
حينما يقوم املنتِج املصري أو السعودي بالتصدير إلى السودان<br />
يف إطار اتفاقية تنمية وتيسير التبادل التجاري العربي سيحصل<br />
على نسبة من اإلعفاءات اجلمركية كبيرة وفقًا جلدول<br />
التخفيض التدريجي يف االتفاقية العربية وأيضً ا وفقًا لإلعفاءات<br />
املدرجة يف اتفاقية الكوميسا. واملثال اآلخر يظهر يف أن املغرب<br />
حتتل املرتبة األولى يف مجال صناعة السيارات على مستوى<br />
منطقة شمال إفريقيا )على حساب مصر التي كانت تتصدر<br />
املشهد سنة 2011م، حيث شهدت مبيعات السيارات ارتفاعًا<br />
بنسبة ٪3،58، بقيمة تصل إلى ثمانية مليارات درهم )963<br />
مليون يورو(. وكانت صادرات السيارات ومكوناتها قد قفزت<br />
يف عام 2014م، بنسبة ٪53 مقارنة بعام 2013م، لتصل إلى<br />
نحو ملياري دوالر( والثانية على صعيد القارة اإلفريقية بعد<br />
جنوب إفريقيا التي تتصدر قائمة الدول اإلفريقية املصنعة<br />
واملصدرة للسيارات. يف الوقت الذي تعد فيه السعودية أكبر<br />
مستورد للسيارات وقطع الغيار، وتعتمد السوق السعودية<br />
بشكل كبير على السيارات املشهورة عاملياً، ويف ظل عدم وجود<br />
مصانع سيارات يف اململكة، ووجود قيود على استيراد السيارات<br />
املستعملة. ويصل حجم استيراد املركبات يف اململكة السعودية<br />
إلى 77 بليون ريال، وهو ما يجعل السعودية أكبر سوق<br />
للسيارات يف الشرق األوسط. فبلغ استيرادها يف املتوسط نحو<br />
679 ألف مركبة سنوياً، ومبعدل منو سنوي قدره ٪. 9.5 بل<br />
أضحت السعودية حالياً مركز إعادة تصدير رئيسي للسيارات<br />
وقطع الغيار يف املنطقة. وبلغت قيمة إعادة التصدير للسيارات<br />
وقطع الغيار لعام واحد نحو ستة بايني ريال، ومبعدل منو<br />
سنوي قدره ٪13 ، وهو ما يشكل نواة لدخول منتجات صناعة<br />
السيارات السعودية لهذه األسواق.<br />
فإذا ما تكونت منطقة حرة عربية إفريقية تضم املنطقتني<br />
سويا لتمتع كل دولة عضو بإلغاء التعريفات بينها ولتصبح الدول<br />
العربية اإلفريقية معتمدة على بعضهم البعض وتصبح الدول<br />
العربية مثل السعودية واإلمارات والكويت على قائمة الصادرات<br />
اإلفريقية بدالً من االحتاد األوروبي أو الواليات املتحدة.<br />
واجلدير بالذكر هو توافر كميات كبيرة من الوقود احليوي<br />
إلفريقيا ومصادر للطاقة املتجددة التي تكون مبثابة بديل عن<br />
مصادر الطاقة القابلة للنفاذ يف باقي الدول النفطية، السيما<br />
وأن النفط مورد قابل للنفاد مما يستلزم البحث عن موارد<br />
أخرى بديلة وهي تتواجد بوفرة يف إفريقيا مثل الطاقة الكامنة<br />
والطاقة احلرارية. وتتمتع إفريقيا مبساحات واسعة من<br />
األراضي تسمح بزراعة الوقود احليوي واملنتجات الغذائية التي<br />
تستوردها كل من الدول العربية وبعض اإلفريقية، إلى جانب<br />
توافر مصادر املياه )التي تعاني من ندرتها الدول العربية ودول<br />
الشرق األوسط(. وإن كان األمر كذلك فإن إفريقيا يف حاجة<br />
ماسة إلى التمويل حتى تستطيع استغال إمكانياتها الزراعية<br />
واملعدنية الوفيرة وتسطيع الدول العربية القيام بالتمويل الازم<br />
بدال من االعتماد على مؤسسات التمويل الدولية التي تتطلب<br />
شروط وضمانات باهظة.<br />
حيث ميكن إلفريقيا أن تساعد العالم العربي يف حتقيق<br />
أمنه الغذائي، كما أنها ثاني منتج للقطن يف العالم، ولكن<br />
ما يصنّع من القطن يف إفريقيا ال يتجاوز ٪5 حاليًا، لذلك<br />
هناك حاجة ماسة لرفع نسبة التصنيع لتوفير فرص العمل<br />
لألفارقة والعرب، وذلك يف إطار برنامج إفريقي عربي لتصنيع<br />
٪25 من القطن املنتج يف إفريقيا مما يوفر 50 ألف وظيفة<br />
جديدة. ونتيجة لذلك أضحى من الضروري إعادة النظر يف<br />
تنظيم اإلنتاج، وتسويق املنتجات الزراعية واملصالح املساندة
للزراعة، باإلضافة إلى توفير املوارد املالية، وتقدر رؤوس<br />
األموال الضرورية لذلك بحوالي 18 مليار دوالر أمريكي<br />
سنوياً. كما يضمن تنظيم وإدارة هذه املوارد، الدخول<br />
لألسواق اخلارجية التي ال تزال أساسية بالنسبة لتسويق<br />
المنتجات اإلفريقية من القطن، والكاكاو، والن، والشاي<br />
واملنتجات األخرى.<br />
إجماال: إن الزراعة يف إفريقيا تتمتع بإمكانيات منو كبيرة<br />
لكنها تعاني من غياب استراتيجية فيما يخص املوارد املالية<br />
والوسائل الفنية. وميكن سد جزء من هذه الفجوة بالتعاون<br />
بني الدول العربية والدول اإلفريقية لصالح الطرفني وذلك<br />
عن طريق شراكة مفيدة للطرفني يفرضها وجود فرص كبيرة<br />
للتكامل بني املنطقتني: بتوفير املوارد املالية والوسائل الفنية<br />
من اجلانب العربي وتوفير املياه واألراضي واليد العاملة من<br />
اجلانب اإلفريقي .من أهم حتديات األمن الغذائي العربي قلة<br />
األراضي اخلصبة وشح املوارد املائية، إذ يلبي اإلنتاج الزراعي<br />
العربي ٪54 فقط من االستهاك، وتنخفض هذه النسبة<br />
إلى ٪25 فقط يف بعض البلدان .بينما تقارب نسبة استيراد<br />
بعض املواد مثل السكر، والزيت مثا ٪10. ويف نفس الوقت<br />
الذي يتوافر لدى الدول اإلفريقية مصادر كبيرة من املياه<br />
املتجددة سنوياً وهي حاصل املياه اجلارية يف كل بلد زائداً<br />
املياه القادمة من البلدان املجاورة. ويستغل حالياً من هذه<br />
املياه حوالي ٪5.5.<br />
التوصيات: أهم ما يوصى به هو دعوة احلكومات<br />
العربية واإلفريقية للحفاظ على القدرة احملدودة للموارد<br />
الزراعية واألراضي واملياه لتجديد خدماتها من خال تبني<br />
سياسات مناسبة لتحقيق األمن الغذائي القائم على استدامة<br />
الزراعة، ودعوة احلكومات وأصحاب املصلحة املعنني باتخاذ<br />
ما يلزم من سياسات واجراءات لوقف التصحر وتآكل التربة<br />
والعمل على حتسني كفاءة مياه الري وحتسني انتاجية املياه<br />
من خال استخدام طرق الري احلديثة واملمارسات الزراعية<br />
السليمة. أما على مستوى التبادل التجاري فابد من إزالة<br />
احلواجز اجلمركية التي تعوق تدفق التجارة سواء للسلع<br />
أو الخدمات وتكوين منطقة جتارة حرة عربية - إفريقية<br />
لتطوير التجارة واالستثمار والتركيز على دعم شبكة الطرق<br />
واملواصات التي تعمل على تقوية التجارة بني املنطقتني<br />
مع تبادل املعلومات واالهتمام باالقتصاد املعريف.<br />
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 79<br />
ما يصنّع من القطن يف أفريقيا ال يتجاوز %5 والشراكة العربية<br />
ترفعه إىل %25 وتوفّر 50 ألف وظيفة جديدة<br />
العدد ملف<br />
ومن أهم المجاالت ذات إمكانات لتنمية التبادالت االقتصادية<br />
تتمثل يف:<br />
- بالنسبة لبلدان جنوب الصحراء الكبرى: تصدير املنتجات<br />
التعدينية والزراعية والغذائية واستيراد السلع املصنعة مبا<br />
يف ذلك األنظمة امليكانيكية والكهربائية، املواد الكيميائية<br />
واملستحضرات الصيدالنية، املنسوجات، مواد البناء واملواد<br />
الغذائية.<br />
- بالنسبة للبلدان المغاربية: تصدير السلع املصنعة مبا يف ذلك<br />
األنظمة امليكانيكية والكهربائية، املواد الكيميائية واملستحضرات<br />
الصيدالنية، املنسوجات، مواد البناء واملواد الغذائية، واستيراد<br />
املنتجات التعدينية والزراعية والغذائية، االستثمار املباشر يف<br />
تنمية املوارد املائية والطاقة والتعدين مع تطوير اإلنتاج الزراعي<br />
والرعوي والصناعة التجهيزية ذات الصلة وتطوير اخلدمات<br />
اللوجستية يف ميدان النقل والتخزين واحلفظ وجتهيز املنتجات<br />
املصنعة أو املستوردة.<br />
يؤدي التكامل االقتصادي والتعاون اإلقليمي إلى زيادة<br />
اإلنتاج والتجارة بني الدول األعضاء. فالتجارة داخل اإلقليم<br />
تخلق فرصً ا لألعمال التجارية تتشارك يف فوائدها كافة الدول<br />
املشتركة يف التبادل. فالدول العربية والدول اإلفريقية تشكل<br />
سوقًا كبيرًا يضم حوالي 1200 مليون نسمة ٪17.5 من سكان<br />
العالم(. كما تتمتع هذه الدول بإمكانيات اقتصادية قوامها<br />
املوارد الطبيعية الغنية واحتياطيات النفط والغاز ورصيد<br />
هائل من القوى العاملة. لذا فإن من شأن استغال هذه<br />
املوارد التسريع يف التقدم االقتصادي واالجتماعي مبا يضمن<br />
التخفيف من حدة الفقر، وفض النزاعات السياسية، وحتسني<br />
مستويات املعيشة، واستدامة التنمية.<br />
مبعنى آخر فإن التعاون يف مضمار التجارة واالستثمار<br />
ميكن هذه الدول من تسوية خافتها السياسية وتقليل عدم<br />
االستقرار السياسي. لهذا فإن زيادة التجارة بني الدول<br />
العربية والدول اإلفريقية أضحى من ضرورات التنمية. إال أنه<br />
ينبغي على التجارة اإلقليمية أن تركز على االقتصادات بدال<br />
عن السياسة.<br />
*أستاذ االقتصاد مبعهد البحوث والدراسات اإلفريقية <br />
جامعة القاهرة
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
80<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
اتفاقيات الرباط مع 40 دولة جنوب الصحراء جسر للتواصل الخليجي<br />
الشراكة المغربية الخليجية بإفريقيا:<br />
حتمية استراتيجية تبحث عن المأسسة<br />
تناقش هذه الدراسة الشراكة اخلليجية املغربية بإفريقيا، ومستقبلها يف ظل الصراعات الدولية واإلقليمية. ولذلك<br />
سننطلق من سعي الدول اخلليجية لبناء حتالفات قادرة على التعامل مع الوضع الدولي اجلديد، وارتقائها بعاقاتها مع<br />
املغرب إلى شريك استراتيجي. ونربط هذا االختيار اخلليجي مبوقع اململكة املغربية اجليوستراتيجي الرابط بني أوروبا<br />
وإفريقيا، وإمكانية حتول املغرب لبوابة متر من خالها دول اخلليج للعب دور محوري يف إفريقيا جنوب الصحراء.<br />
د. خالد يايموت<br />
1- التعاون والشراكة االقتصادية الخليجية المغربية<br />
تبنى املغرب منذ 2007م، سياسة استراتيجية خارجية، تهدف<br />
لتنويع الشركاء الدوليني، واإلقليميني؛ وعول كثيرًا على نوعية<br />
التقارب اجلديد مع دول اخلليج، ليكرس دوره كقطب إقليمي<br />
متوسطي له امتدادات دولية خاصة بإفريقيا. ولذلك متاهى منذ<br />
البداية مع دعوته لانضمام ملجلس التعاون اخلليجي، واعتبرها<br />
فرصة للتحول إلى شريك استراتيجي للمجلس، واالستفادة من<br />
الثقل الدولي واملالي لدوله من جهة. ومن جهة ثانية، حتويل<br />
هذا التحالف بني الشريكني العربيني نحو العمق اإلفريقي، الذي<br />
يعتبره املغرب عمق أمنه القومي واالقتصادي.<br />
ومن جهة ثالثة، يرجع املغرب هذا »التحالف«، إلى طبيعة<br />
رؤية الطرفني، وقدرتهما على بناء مؤسسات مشتركة تخدم هذا<br />
»التحالف«. حيث أكد محمد السادس ملك املغرب يف اجتماع<br />
القمة املغربية اخلليجية األولى من نوعها، التي افتتحت يوم<br />
األربعاء /2016م، 04/20 بالرياض، »لقد متكنا من وضع األسس<br />
املتينة لشراكة استراتيجية، هي نتاج مسار مثمر من التعاون،<br />
على املستوى الثنائي، بفضل إرادتنا املشتركة. فالشراكة املغربية<br />
اخلليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية، أو حسابات عابرة. وإمنا<br />
تستمد قوتها من اإلميان الصادق بوحدة املصير، ومن تطابق<br />
وجهات النظر، بخصوص قضايانا املشتركة. لذا، جنتمع اليوم،<br />
إلعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، التي بلغت درجة من النضج،<br />
أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها املؤسسي، وآلياتها العملية”.<br />
ومن هنا ميكن فهم اتخاذ الشراكة االستراتيجية بعدها التضامني،<br />
والتنسيق الدائم عربيًا ودوليًا. كما مت تعزيز العمل املشترك املتعلق<br />
بالتهديد أو اخلطر اإلرهابي، واالنتقال إلى تبني الطرفني ملقاربة<br />
استباقية خاصة باحلق املشروع يف الدفاع عن النفس وعن املقومات<br />
والقواسم الدينية أمام األطراف اخلارجية والتطرف الديني.<br />
ويبدو أن املغرب حقق جزءًا من الهدف القريب املدى،<br />
املتمثل يف املساعدات املالية اخلليجية والتي بلغت حوالي 5<br />
مايني ونصف سنة 2012م. وحسب مؤشر “بلومبورغ” املختص<br />
يف املجال، فإن املغرب احتل املركز 21 بني الدول النامية التي<br />
حققت أكبر منو يف مجال االستثمارات األجنبية، سنة 2014م،<br />
متقدمًا على كل من روسيا )الرتبة 22(، والهند )املركز 24(.<br />
ويف هذا اإلطار تضاعف حجم التبادل التجاري بني املغرب<br />
ودول اخلليج ثاث مرات يف العشر سنوات األخيرة. وشكلت<br />
االستثمارات اخلليجية نسبة مهمة للغاية باملغرب سنة 2013م،<br />
حيث )بلغت 6.2 مليار درهم / نحو 710 مليون دوالر(، مبا<br />
نسبته %15.7 من إجمالي االستثمارات األجنبية.<br />
كما ارتفعت استثمارات دول مجلس التعاون اخلليجي باملغرب<br />
خال عام 2014 م وشكلت %28 من إجمالي االستثمارات األجنبية<br />
بالباد. ومتثل استثمارات اإلمارات نسبة %44، متبوعة بالسعودية<br />
%38 فيما تتوزع النسبة الباقية على دول اخلليج األخرى.<br />
ويتوقع احتاد غرف دول مجلس التعاون اخلليجي أن تتجاوز<br />
استثمارات دول مجلس التعاون اخلليجي باملغرب 120 مليار دوالر
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 81<br />
العدد ملف<br />
يف ال 10 سنوات املقبلة، وستهم الزراعة والطاقة، قطاع الصناعة<br />
والسياحة، ومجال الهيدروكاربورات واالتصاالت. وتشكل السياحة<br />
والعقار أحد أهم القطاعات املتصدرة الستثمارات الشركات<br />
اخلليجية؛ ومنها مجموعة عارف الكويتية لاستثمارات، وشركة<br />
القدرة القابضة اإلماراتية، والديار القطرية لاستثمار العقاري،<br />
وكذا الصندوق البحريني »بيت التمويل اخلليجي«. كما توسعت<br />
هذه االستثمارات املباشرة، لتشمل قطاعات جديدة خاصة الزراعة،<br />
والصحة والنقل اجلوي، حيث مت إحداث »الشركة العربية للطيران«،<br />
وهي شركة طيران مغربية خاصة تابعة ملجموعة بن صالح وفينانس<br />
كوم، واملجموعة اإلماراتية العربية للطيران.<br />
ويف نوفمبر 2014م، عقد امللتقى الرابع لاستثمار اخلليجي<br />
املغربي، حتت شعار »املغرب بوابة اخلليج نحو إفريقيا”، مبشاركة<br />
خمسمائة رجل أعمال مغربي وخليجي. خصص لبحث سبل تعزيز<br />
االستثمار والشراكة اخلليجية املغربية يف عدة مجاالت. ويف كلمته<br />
شجع رئيس احلكومة املغربية رجال األعمال اخلليجيني لاستثمار<br />
باملغرب، وتعهد مبعاجلة كل العوائق املعرقلة لذلك بقوله: “ميكن أن<br />
ننزع كل ما يُزعجكم ليكون املغرب مبثابة الرئة التي تتنفسون منها”.<br />
وقد اعتبر وزير االقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد<br />
بن جاسم آل ثاني، أن موقع املغرب »اجلغرايف والتاريخي يجعل<br />
منه خيارًا جاذبًا ملختلف دول العالم”. وهذا ما يدفع اخلليجيني<br />
»إلقامة عدد من االستثمارات التي تعود بالنفع على اجلانبني«،<br />
مشيرًا أن حجم التبادل التجاري بني دول مجلس التعاون<br />
اخلليجي واملغرب عرف منوًا ملحوظً ا بزيادة قدرها %235.<br />
حيث انتقل من 997 مليون دوالر سنة 2003 إلى 3.3 مليارات<br />
دوالر يف 2013م.<br />
جدول خاص باملبادالت التجارية واالستثمارات اخلليجية، ما بني<br />
سنة ٢٠٠٦م و٢٠11م. حسب قطاعات )من األعلى إلى األسفل(،<br />
السياحة، العقارات، الطاقة واملعادن، االتصاالت، الهولدينغ،<br />
النسيج، قطاعات أخرى، التجارة، واإلشغال الكبرى.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
82<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
أما تقرير املؤسسة الرسمية املغربية -”مكتب الصرف”-<br />
فقد أشار أن مواد الطاقة تشكل ما نسبته %65.5 من واردات<br />
املغرب من بلدان اخلليج، وأن صادراته نحوها لم تتجاوز 1.2<br />
مليار دوالر عام 2013م. فيما احتلت حتويات املغاربة املقيمني<br />
بدول اخلليج املرتبة الثانية، بعد املهاجرين بأوروبا، بنسبة بلغت<br />
نحو %15.<br />
عمومًا، رغم التقدم املهم الذي عرفته االستثمارات والتبادالت<br />
التجارية بني املغرب ودول مجلس التعاون اخلليجي، فإن مستواها<br />
الزال ضعيفًا، وال يعكس طبيعة العاقة السياسية. لذلك عمد<br />
الطرفان إلى استحداث »جلنة مشتركة« سنة 2014م سميت<br />
»الفريق املغربي اخلليجي« لتسهيل االستثمارات.<br />
ونشير أن هناك جملة من العوائق حتد من تطوير<br />
التجارة، خاصة تلك املتعلقة بالنقل البحري<br />
واجلوي والوسائل اللوجيستية املتعلقة بهما؛<br />
وكذا تأشيرة املرور اخلاصة برجال األعمال.<br />
ولتجاوز هذه الصعوبة اقترح الطرف اخلليجي،<br />
“تشجيع املشاركة يف املعارض وتنظيم تظاهرات<br />
للترويج، وإبرام االتفاقيات ومتويل الدراسات<br />
حول الفرص التجارية، وإلغاء التأشيرة بالنسبة<br />
لرجال األعمال”.<br />
ويف هذا السياق ولتذليل هذه الصعوبات وقع املغرب<br />
والسعودية يف 4 يونيو 2014م اتفاقية للتجارة احلرة ستلغي<br />
الرسوم اجلمركية بني البلدين، والضرائب على منتجاتهما.<br />
وجاء االتفاق كذلك “لتوفير ربط بحري مباشر بني البلدين عن<br />
طريق إحدى الشركات املتخصصة واملدعومة من قبل حكومة<br />
البلدين”؛ يتم من خالها خلق خط بحري مباشر يربط مينائي<br />
»جبل طارق« و«جدة اإلسامي”، خلدمة استثمارات بينية تقدر<br />
بحوالي 110 مليارات دوالر، مما يعتبر طفرة حقيقية على<br />
املستوى التجاري بني البلدين.<br />
ويف إطار الشراكة االستراتيجية بني املغرب ودول مجلس<br />
التعاون اخلليجي عقد املغرب وقطر يف 23 يوليو 2014م اتفاقية<br />
الدعم املالي؛ وقد خصصت مبوجبها قطر هبة مالية قدرها<br />
1.25 مليار دوالر لدعم مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية<br />
باملغرب. وكان ملك املغرب واألمير متيم بن حمد آل ثاني قد<br />
وقعا مذكرة تفاهم تهم املنح يف هذا املجال يف ديسمبر )كانون<br />
األول( 2013م.<br />
2- المجال العسكري، الشراكة بدل التعاون<br />
يف هذا اإلطار، وقع املغرب والسعودية يف 15 ديسمبر 2016م،<br />
اتفاقية شاملة للتعاون يف املجال العسكري والتقني بني القوات<br />
المغرب وقعت 550<br />
اتفاقية مع الدول<br />
اإلفريقية للتعاون<br />
االقتصادي منها 88<br />
اتفاقًا عام 2014<br />
املسلحة امللكية بني البلدين. وتشمل التدريب الذي وسع ليشمل<br />
الضباط واألفراد العسكريني يف كل التخصصات، كما يهم مجال<br />
»التكوين وصناعة الدفاع والدعم اللوجستيكي ونقل اخلبرة<br />
العسكرية واخلدمات الطبية العسكرية وتبادل الزيارات«. ونصت<br />
االتفاقية كذلك على إجراء متارين مشتركة، وتشجيع الصناعة<br />
العسكرية، ونقل التقنية العسكرية، وتبادل البحوث يف هذا<br />
املجال، مع إقامة مشاريع مشتركة لتجميع املنتجات العسكرية<br />
وكذا تصنيعها. وتشرف جلنة رسمية على تنفيذ هذا االتفاق<br />
سميت »اللجنة العسكرية املشتركة«.<br />
من جانب آخر، أشار الموقع المتخصص<br />
،“defenseindustrydaily” يف يناير 2016 أن<br />
السعودية قررت دعم تطوير الصناعة العسكرية<br />
باملغرب، ومت تخصيص مبلغ يقدر بحوالي 22<br />
مليار دوالر إلى غاية 2019م، قصد الشروع يف<br />
تأسيس اللبنات األولى لصناعة عسكرية مغربية.<br />
ويف مجال التعاون العسكري دائما، تسعى دول<br />
اخلليج إلى إشراك املغرب يف تكوين قوات<br />
مشتركة تابعة ملجلس التعاون اخلليجي. وتأهله<br />
إمكانياته البشرية والتسليحية، وخبرته للعب دور<br />
هام يف هذا اإلطار؛ فوفق تقارير معهد الدراسات<br />
االستراتيجية العسكرية البريطاني 2014م يحتل املغرب املرتبة<br />
الثانية عربيًا بعد القوات املسلحة املصرية من حيث عدد اجلنود<br />
والضباط؛ وتبوؤه قدراته التكنولوجية املرتبة الثالثة إفريقيًا بعد<br />
جنوب إفريقيا ومصر.<br />
ويعود التعاون املغربي اخلليجي لعقود ماضية، ساهمت<br />
فيها القوات املسلحة املغربية يف تكوين وتدريب اجليوش يف دول<br />
خليجية عديدة خاصة، السعودية واإلمارات، والبحرين، وسلطنة<br />
عمان. وتربط املغرب مع هذه الدول اخلليجية اتفاقيات تعاون،<br />
أمنية وعسكرية؛ مثل تلك التي وقعها املغرب سنة 2014م مع<br />
قطر، وأخرى مع السعودية سنة 2016م.<br />
وساهم طيارون مغاربة يف منتصف تسعينات القرن<br />
املاضي يف تدريب طيارين خليجيني واإلشراف على تكوين<br />
صقور وحدات القوات اجلوية لثاثة بلدان خليجية،<br />
»وما يزال عدد من الضباط السامني املغاربة يشرفون على<br />
التكوين يف كليات حربية خليجية، كما أن ضباطً ا وتقنيني من<br />
ساح اجلو املغربي أعيروا خال السنوات األخيرة لبعض بلدان<br />
اخلليج العربي يف إطار اتفاقيات تعاون عسكري وتبادل اخلبرات<br />
مع قيادة اجليش املغربي.«<br />
كما أرسل املغرب سنة 2014م، فريقًا عسكريًا يتكون من<br />
نخبة عسكرية متخصصة يف التدخل السريع وذا خبرة معترف
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 83<br />
العدد ملف<br />
بها دوليًا إلى اململكة العربية السعودية. وحسب تصريحات<br />
رسمية مغربية فالكومندو املغربي يضم حوالي 100 فرد لتدريب<br />
وحدات عسكرية سعودية على مواجهة خطر »داعش«؛ وكانت<br />
العربية السعودية قد استفادت من خدمات كومندو مغربي، بعد<br />
هجوم مليشيات احلوثيني عليها سنة 2009.<br />
ويف هذا اإلطار قرر املغرب إرسال وحدات عسكرية إلى<br />
اإلمارات العربية املتحدة من أجل دعمها يف مواجهة اإلرهاب.<br />
“وقال مصدر مغربي رسمي عالي املستوى ل »الشرق األوسط« إن<br />
املبادرة املغربية تدخل ضمن استراتيجية شمولية واستباقية ضد<br />
التهديدات العاملية واملباشرة املتكررة التي تستهدف املغرب علنا”.<br />
3- السياسة االقتصادية الجديدة للمغرب بإفريقيا<br />
متثل إفريقيا منطقة استراتيجية غنية باملوارد. ويبدو أن<br />
هذه االعتبارات عامل أساسي يف بناء الرؤية اجلديدة للسياسة<br />
اخلارجية املغربية جتاه القارة السمراء. وكان ملك املغرب قد<br />
دعا يف الدورة 25 للقمة العربية املنعقدة يف الكويت سنة 2014م،<br />
لتطوير العاقات مع إفريقيا. حيث أكد أنه »إذا كان العمل العربي<br />
قد ارتكز يف السابق على تعزيز العاقات السياسية بني دولنا،<br />
فقد تأكد اليوم أن اعتماد التعاون مع دول اجلنوب، على أساس<br />
الفعالية واملردودية واملصداقية، يعد من أجنع السبل لتحقيق ما<br />
نتطلع إليه من منو اقتصادي، وتنمية بشرية مستدامة، سواء يف<br />
بعدها اإلنساني، أو يف جانبها االستثماري واالقتصادي”.<br />
وأضاف امللك محمد السادس، »ندعو الستثمار الروابط<br />
التاريخية والروحية واإلنسانية، التي جتمع العالم العربي بالدول<br />
اإلفريقية جنوب الصحراء، من أجل عاقات التعاون االقتصادي<br />
مع تكتاتها اإلقليمية؛ مؤكدين حرص املغرب على وضع جتربته<br />
ورصيد عاقاته املتميزة مع هذه الدول، من أجل بلورة شراكات<br />
تضامنية فاعلة معها.”<br />
ويواصل املغرب تقدمه من حيث التبادل التجاري مع دول<br />
إفريقيا جنوب الصحراء، حيث انتقلت صادرات املغرب من 2,2<br />
سنة 2003 إلى 11,7 مليار درهم سنة 2013، مسجلة ارتفاعًا<br />
بنسبة %18 سنويًا. ومن الناحية اإلجمالية متثل هذه الصادرات<br />
من %6,3 سنة2013 م، وكانت متثل %2,7 سنة 2003م، ويستحوذ<br />
السينغال على حصة17%سنة 2013 م، تليه موريتانيا )10%(<br />
وساحل العاج % 8,1 وغينيا ( 8% ) ونيجيريا .%7,7<br />
ويف هذا السياق أخذ املغرب يطور عاقاته مع مجموعة من<br />
الدول املهمة بإفريقيا، كغانا، وأثيوبيا وأنغوال الغنية بالنفط، كما<br />
كثف من جهوده املراهنة على تطوير عاقاته مع نيجيريا، التي<br />
لها تأثير على وحدة املغرب الترابية داخل احملور الثاثي القائم<br />
حاليا، بني اجلزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا.<br />
وإلى حدود سنة 2016م، هناك أكثر من 550 اتفاقية موقعة<br />
بني املغرب والدول اإلفريقية، يف مجاالت التعاون االقتصادي،<br />
وتلعب االتفاقيات الثنائية دورًا بارزًا يف السياسة املغربية<br />
اجلديدة، حيث مت توقيع 88 اتفاقًا مع مالي وساحل العاج وغينيا<br />
والغابون، من طرف العاهل املغربي امللك محمد السادس يف آخر<br />
زيارة له إلفريقيا سنة 2014م.<br />
ويلعب املغرب دورًا هامًا يف جمع أطراف متعددة ملناقشة<br />
قضايا األمن العاملي. حيث استضاف بتاريخ 14 فبراير 2015م،<br />
املنتدى الدولي السادس لألمن بإفريقيا، شاركت فيه حوالي 80<br />
دولة، من إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا، وممثلون عن منظمات<br />
دولية، وخبراء أمنيون وعسكريون. كما احتضن املغرب بعض<br />
املنتديات واللقاءات ذات الطابع االقتصادي اإلفريقي، مثل<br />
املنتدى االقتصادي املغربي الغيني األول، لتعزيز جهوده ودوره يف<br />
قيادة مشاريع التنمية اإلفريقية وفرص لاستثمار.<br />
من جانب آخر، يتقدم املغرب بشكل كبير نحو التحول<br />
للعب دور مركٍ ز ماليّ إقليمي يف قارة إفريقيا، مستغا بذلك<br />
استقراره السياسي وموقعه اجلغرايف. وقد وقع من أجل ذلك<br />
عددًا من االتفاقات بني املؤسسات املالية العاملية، جللب مزيد<br />
من االستثمارات إلى املغرب. وهو ما بدأ يؤتي أكله، حيث<br />
شهدت السنوات األخيرة تركيز بعض القوى االقتصادية العاملية<br />
مثل االحتاد األوروبي والواليات املتحدة والصني واليابان وكندا<br />
جهودها يف مشاريع التنمية اإلفريقية بتنسيق مع املغرب.<br />
وحتدثت الدراسة التي أجنزتها وزارة املالية، أن املبادالت<br />
التجارية بني املغرب ودول شمال إفريقيا، وتشمل كا من،<br />
اجلزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، متثل نسبة % 60 من إجمالي<br />
حجم التبادل التجاري مع الدول اإلفريقية، ومتثل اجلزائر % 35<br />
من حجم هذا التبادل. بينما بلغت واردات املغرب الطاقية من<br />
اجلزائر، ما يفوق ال 10 مليار درهم، يف عام 2013م.<br />
وأشارت الدراسة املشار إليها، إلى أن قطاع البنوك وقطاع<br />
االتصاالت، يحتان صدارة االستثمارات المغربية بالدول<br />
اإلفريقية. كما يستثمر املغرب بإفريقيا يف قطاعات أخرى مثل<br />
السياحة، والعقار، والفاحة، الطاقة، الكهرباء واملوانئ.<br />
وجتدر اإلشارة أن هذا التطور، الذي انطلق مع تولي محمد<br />
السادس للحكم، راهن على االستثمارات املغربية بإفريقيا<br />
لدعم التنمية املستدامة. وقد كثف املغرب من مجهوداته<br />
االستثمارية، مما أدى لتفوق البنوك املغربية وانتزاعها الصدارة<br />
بالقارة ألول مرة من البنوك الفرنسية. ومتكنت من االنتشار<br />
يف 22 دولة منها: موريتانيا، السنغال، الغابون، الكوت ديفوار،<br />
مالي، غينيا بيساو، الطوغو، النيجر، الكونغو، الكاميرون،<br />
وبوركينافاسو. وهو أمر له داللته السياسية واالقتصادية؛
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
84<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
يتقدم المغرب للعب دور مركز ماليّ إقليمي في قارة إفريقيا<br />
مستغالً استقراره السياسي وموقعه الجغرافي<br />
وتؤكد استعداد املغرب لتوسيع حضوره القوي يف مجال تابع<br />
تقليديا للنفوذ الفرنسي.<br />
تاريخيًا، تعتبر دول غرب إفريقيا منطقة نفوذ مغربية، وتعد<br />
السينغال هي الوجهة األولى لاستثمارات املغربية يف إفريقيا.<br />
وتفيد اإلحصائيات الرسمية الوطنية لسنة 2015، أن املغرب يعد<br />
أول مستثمر يف الكوت ديفوار، هذا البلد اإلفريقي الذي حظي<br />
باهتمام املغرب سواء على الصعيد السياسي أو االقتصادي<br />
وأيضً ا الروحي؛ متجاوزا بذلك فرنسا على مستوى استثماراتها<br />
يف الكوت ديفوار، والتي احتكرت ولعقود طويلة السوق اإليفوارية.<br />
وياحظ أن حجم االستثمارات املغربية قد ارتفع يف ساحل<br />
العاج، يف السنوات القليلة املاضية، بحوالي % 50 ما بني سنة<br />
2013 و2015م؛ أي ما يقارب 10 مليارات درهم، همت مجاالت<br />
مختلفة مما عزز من فرص النمو االقتصادي اإليفواري، وخلق<br />
فرص الشغل ونقل اخلبرة والتقنية املغربية لهذا البلد.<br />
عمومًا ميكن التأكيد أن االستثمارات املغربية بإفريقيا ضعيفة<br />
ومتواضعة مقارنة بالفرص واإلمكانيات املتاحة يف هذا اإلطار.<br />
إذ »ال يتجاوز 400 مليون دوالر سنويًا، إضافة إلى 300 مليون<br />
دوالر يف إطار املساعدة العمومية للتنمية، أي مقدار % 10 من<br />
مستوى تبادله التجاري مع القارة ويبلغ حاليًا حجم التبادل<br />
البيني املغربي اإلفريقي حوالي 5 مليارات دوالر، وهو ما ميكن<br />
تطويره بشكل ملحوظ«. أما التبادل االقتصادي املغربي اإلفريقي<br />
فا يشكل سوى10 % من مجموع النشاط االقتصادي املغربي<br />
اخلارجي، ومن املنتظر أن تؤدي املجهودات البينية احلالية، إلى<br />
تبادل يصل إلى 41يف املائة سنة 2018م. خصوصً ا أمام إصرار<br />
املغرب على بناء سياسة مستقلة عن فرنسا، وازدياد اعتماده<br />
على رجال األعمال لتحقيق غرض توسيع االستثمار بإفريقيا؛<br />
إضافة أن بيانات االستثمارات اجلديدة املعلن عنها يف 2014م،<br />
تظهر« أن قطاعي التصنيع واخلدمات ميثان نحو 90 يف املائة<br />
من مجموع قيمة املشاريع يف كل من إفريقيا وأقل البلدان منوا«.<br />
ويف هذا السياق أخد املغرب يتفاوض منذ سنة 2015،<br />
بشأن اتفاقيات الشراكة االستراتيجية مع التكتات اإلفريقية.<br />
ويهم هذا التفاوض التأسيس التدريجي ملناطق التجارة احلرة مع<br />
املجموعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا ،CEDEAO(( وكذلك<br />
املجموعة االقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا )CEMA(؛ وهذا<br />
التوجه وإن كان يقوي من احلضور املغربي، ويوسع من دائرة<br />
شركائه االقتصاديني األفارقة، فإنه يف نفس الوقت يعني خلق<br />
مزيد من التنافس مع فرنسا يف مناطقها التقليدية يف القارة<br />
السمراء. وهو ما سيقوي من اعتماد املغرب على اإلمكانيات<br />
املالية لدول اخلليج إلجناح استراتيجيته االقتصادية اجلديدة.<br />
4- دول الخليج وإفريقيا جنوب الصحراء<br />
إن اعتبار إفريقيا مصدرًا عامليًا للمواد اخلام، شجع على<br />
تدفق، وارتفاع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا من 15 مليار<br />
دوالر يف 2002م، إلى حوالي 37 مليار يف 2006م، وإلى 46 مليار يف<br />
2012 مع ارتفاع بنسبة %4 سنة 2013م. ويتوقع خبراء اقتصاديون،<br />
أنه إذا استمر النمو احلالي للقارة، فسيضيف حوالي 12 تريليون<br />
دوالر للناجت احمللي – جلنوب الصحراء إفريقيا بحلول 2050.<br />
ولم تكن دول مجلس التعاون اخلليجي خارج هذا السياق<br />
الدولي احلادث على أراضي القارة السمراء. فاململكة العربية<br />
السعودية أجنزت استثمارات ضخمة بإثيوبيا همت زراعة<br />
القمح وإنتاج املاشية. وكانت اململكة العربية السعودية قد وقعت<br />
حوالي 16 اتفاقية تهم الزراعة، استغلت مبوجبها 1.713.357<br />
هكتار يف إثيوبيا وحدها. إضافة إلى مساحات أخرى، يف<br />
السنغال، السودان، جنوب السودان، مصر، مالي، موريتانيا،<br />
زامبيا والنيجر. بينما استثمرت اإلمارات العربية املتحدة حوالي<br />
1.882.739 هكتار يف كل من السودان واملغرب واجلزائر ومصر<br />
وناميبيا وتنزانيا. أما قطر فقد استثمرت يف السودان وغانا،<br />
ودول أخرى، حوالي 642.630 هكتار. ويف سنة2011م منحت<br />
إثيوبيا للسعودية 10.000 كيلومترًا مربعًا لزراعتها.<br />
وكانت غرفة جتارة وصناعة دبي قد أجنزت دراسة<br />
استكشافية حول إمكانيات إفريقيا واالستثمارات اخلليجية<br />
فيها. واستنتجت أن حجم االستثمار اخلليجي يف قطاع البنية<br />
التحتية بالقارة السمراء، بلغ 30 مليار دوالر، بينها 15 مليار<br />
دوالر كاستثمارات مباشرة، و15 مليار دوالر مساعدات وقروض<br />
ومنح، خال الفترة ما بني 2004 و2014م. واستحوذ شمال<br />
إفريقيا على %65. بينما تركزت النسبة املتبقية على دول<br />
إسامية أخرى، مثل اجليبوتي والسينغال والسودان؛ حيث<br />
وقع الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية، اتفاقًا<br />
منح مبوجبه 50 مليون دوالر للسودان لتطوير مشاريع صحية<br />
وتعليمية يف شرق جمهورية السودان.<br />
كما تشير نفس الغرفة يف دراسة جديدة لها، همت النصف<br />
األول من منتصف 2015، أن قيمة االستثمارات اخلليجية املباشرة
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 85<br />
العدد ملف<br />
يف دول إفريقيا جنوب الصحراء وصلت 2.7 مليار دوالر. غير أن<br />
هذه االستثمارات توجهت ألسواق دول بعينها؛ حيث متركزت يف<br />
جنوب إفريقيا ونيجيريا وأوغندا وكينيا، حيث استحوذت هذه<br />
الدول على ما بني 10 و25 شركة من إجمالي الشركات املستثمرة<br />
يف دول جنوب الصحراء.<br />
ويبدو أن هناك توجهًا من شركات خليجية جديدة لاستثمار يف<br />
شرق أفريقيا، ويتعلق األمر مبجموعتي “روتانا” و«جميرا”. “وتضم<br />
قائمة املستثمرين اخلليجيني يف هذا القطاع مجموعة »فنادق اخلليج«<br />
البحرينية، ومن السعودية مجموعتي »راني لاستثمار« و»اململكة<br />
القابضة«، والتي تتميز بأكبر محفظة يف إفريقيا، حيث تدير سبعة<br />
فنادق يف كينيا وغانا وسيشيل وموريشيوس. وتدير مجموعة »آي إف<br />
إي« للمنتجعات والفنادق الكويتية خمسة فنادق يف جنوب إفريقيا<br />
وزجنبار”. كما توجد عدة استثمارات إماراتية وسعودية وقطرية بعدة<br />
دول مثل جنوب إفريقيا، وجزر القمر ونيجيريا.<br />
5- بوادر الشراكة الخليجية المغربية بإفريقيا<br />
يعول املغرب كثيرًا على الرأسمال اخلليجي العتبارات متعددة<br />
ترتبط بشكل وثيق باستراتيجيته اجلديدة بإفريقيا. فهو يسعى<br />
للتحول ألكبر قطب مالي بالقارة من خال مؤسسة أنشأها<br />
مبدينة الدار البيضاء لهذا الغرض. كما يسعى الستثمار عاقاته<br />
الدينية التاريخية بإفريقيا ليكون بوابة اخلليج نحو القارة، مبا<br />
يضمن املصالح العليا للطرفني.<br />
بداية ميكن القول إن الشراكة املغربية اخلليجية بإفريقيا،<br />
لم تتحول بعد الستراتيجية محكمة، من حيث التصور ومن حيث<br />
املمارسة العملية. ويعود ذلك ألسباب عدة أهمها: أوال، حداثة<br />
اهتمام كل من دول اخلليج واملغرب بسوق االستثمارات اإلفريقية.<br />
ثانيًا ضعف اإلمكانيات املالية للمغرب، وهروب الرأسمال اخلليجي<br />
من مناطق التوتر واحلروب بإفريقيا جتنبًا للمخاطر.<br />
ورغم هذا التأخر امللحوظ، واملنافسة الشرسة دوليًا على<br />
أسواق إفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد كان االهتمام منصبًا على<br />
ميدان االتصاالت منذ عام 2005م، من بعض الشركات اخلليجية،<br />
خاصة زين الكويتية، و”اتصاالت” اإلماراتية. وقد سعت أمام<br />
طبيعة املنافسة، وحتوالت السوق اإلفريقية واتساعها، للبحث عن<br />
شركاء لهم دراية بالوضع اإلفريقي، كما فعلت “اتصاالت” يف<br />
صفقة املغرب، أو “االستفادة من خبرتها يف خدمات املشتركني<br />
من ذوي الدخل احملدود يف بلدانها، وال سيما اجلاليات اإلفريقية<br />
واآلسيوية الكبيرة يف منطقة اخلليج”.<br />
ففي منتصف 2014م، وقعت “اتصاالت املغرب”، عقدًا مع<br />
»اتصاالت« اإلماراتية بصفقة قدرت بحوالي، 650 مليون دوالر،<br />
مبوجبه مت شراء ستة فروع لها بإفريقيا بكل من دولة، البنني،<br />
الكوت ديفوار، الطوغو، الغابون، جمهورية إفريقيا الوسطى،<br />
النيجر. كما شمل العقد اقتناء شركة »بريستيج تيليكوم« التي<br />
تزود هذه الفروع بخدمات االتصال بالدول املشار إليها.<br />
كما استفادت هذه الشركة اإلماراتية-املغربية من فروعها
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
86<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
اإلفريقية. وهي: “غابون تليكوم” بالغابون، و”موريتل”<br />
مبوريتانيا، و«أوناتيل« ببوركينا فاسو، و”سوتيلما” بدولة مالي.<br />
وميكن القول رغم جنينية هذه الشراكة، أن “اتصاالت املغرب”،<br />
أصبحت واحدة من أجنح الشركات املغربية اخلليجية بالقارة<br />
السمراء. حيث أصبحت “اتصاالت املغرب” واحدة من أكبر<br />
الشركات الفاعلة يف مجال االتصاالت بإفريقيا، كما أن أرباحها<br />
يف الدول اجلديدة تفوق بكثير أرباحها باملغرب.<br />
وفيما يخص املؤسسات املالية، مت إجناز شراكات مغربية<br />
خليجية يف امليدان البنكي ألول مرة، مستفيدة من انطاق<br />
املؤسسات البنكية للتمويل اإلسامي باملغرب ابتداء من يونيو<br />
سنة 2016م. ومن املنتظر أن تتطور هذه الشراكة لتنتقل لبعض<br />
الدول اإلفريقية التي توجد بها البنوك املغربية التقليدية. فالبنك<br />
املغربي للتجارة اخلارجية دخل يف شراكة مع بنك البركة البحريني<br />
للتعامات املصرفية اإلسامية، وهو ما يؤهل اجلانبني لتوسيع<br />
استثماراتهما بدول إفريقيا جنوب الصحراء التي توجد بها فروع<br />
البنك املغربي للتجارة اخلارجية خاصة يف بلدان شرق إفريقيا.<br />
خريطة توضح انتشار اتصاالت المغرب بأفريقيا جنوب<br />
الصحراء.<br />
عمومًا ميكن القول، أن هناك عوامل قوة تؤهل كل من دول<br />
اخلليج واملغرب لتبني شراكة شاملة متعددة القطاعات بإفريقيا.<br />
فاملغرب يوفر للخليجني خبرة تاريخية وموقعًا استراتيجيًا يربط<br />
السوق اإلفريقية باألوروبية. كما أن نفوذه الواضح بغرب إفريقيا،<br />
وتنوع مجاالت استثماراته، وتعدد مجاالت اتفاقاته مع أكثر من<br />
40 دولة جنوب الصحراء، يفتح آفاقًا رحبة لهذا التعاون.<br />
من جانبها، تتوفر دول اخلليج على رأسمال كبير، وخبرة<br />
استثمارية يف كبريات األسواق العاملية، وبالتالي فإن نقل جزء<br />
من هذه اإلمكانيات املالية املهمة إلفريقيا، سيعزز من مكانة دول<br />
اخلليج واملغرب بالسوق الداخلية للقارة، خاصة وأن املغرب يتوفر<br />
على موارد بشرية، عملت يف القارة يف املجال الفاحي، والبنية<br />
التحتية والبنكية، والسياحة والعقار، وهذه املجاالت مفضلة من<br />
املستثمرين اخلليجني.<br />
أضف إلى ذلك اكتساب دول اخلليج خلبرة كبيرة يف مجال<br />
التنمية يف إفريقيا، من خال بعض املؤسسات مثل الصندوق<br />
السعودي للتنمية، ومؤسسة قطر-إفريقيا، الصندوق الكويتي<br />
للتنمية االقتصادية العربية، وصندوق أبو ظبي للتنمية.<br />
أما يف اجلانب الفاحي، فيمكن استغال اإلمكانيات الضخمة<br />
لبعض البلدان اإلفريقية التي تربطها عاقات جيدة مع كل من<br />
اخلليج واملغرب. ويف هذا اإلطار ميكن استثمار اخلبرة املغربية يف<br />
كل من السينغال، وتعاونه مع الكوت ديفوار، وبوركينافاسو، يف دولة<br />
السودان، لتكون »سلة غداء مضمونة«؛ حيث يقدم املغرب املوارد<br />
البشرية، ويتكلف مجلس التعاون اخلليجي باجلانب املالي، الستثمار<br />
اإلمكانيات الفاحية الضخمة بهذا البلد العربي اإلفريقي.<br />
وميكن كذلك تطوير العمل املشترك بني املغرب ودول مجلس<br />
التعاون اخلليجي بإفريقيا عن طريق تكثيف التواصل مع النخب<br />
السياسية، واالقتصادية الرسمية واملستقلة. مع التركيز على<br />
املجاالت ذات االهتمام املشترك بني املغرب ومجلس التعاون<br />
اخلليجي من جهة، والدول اإلفريقية من جهة ثانية. وهذا بدوره،<br />
يستوجب العمل على بناء مؤسسات مشتركة خليجية مغربية لرجال<br />
األعمال، وربطها مبؤسسات علمية مختصة بالشؤون اإلفريقية،<br />
متكن من استغال اخلبرة البحثية، وتوجيه العمل املشترك بإفريقيا.<br />
خاتمة<br />
يشكل التعاون والشراكة املغربية اخلليجية بإفريقيا حتديًا<br />
جديدًا للطرفني، وذلك راجع لألهمية االستراتيجية التي أخذت<br />
حتتلها القارة السمراء. ونظرًا ملا ميلكه الطرفان من إمكانيات<br />
هامة، فإنهما قادران على بناء عاقات عربية إفريقية، منافسة<br />
بشكل فعال للقوى الكبرى، ومجموعة »بريكس«، وإيران بالقارة.<br />
ولتحقيق ذلك فإن خيار تطوير ومأسسة الشراكة املغربية<br />
اخلليجية بإفريقيا، أصبح »حتمية« استراتيجية، للحفاظ على<br />
املصالح العليا للطرفني وتطويرها بشكل يبقيها قادرة على<br />
التنافس الدولي بدول جنوب الصحراء اإلفريقي.<br />
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد اخلامس<br />
الرباط املغرب
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 87<br />
العدد ملف<br />
استراتيجية تعتمد على قوة شمال إفريقيا وعودة الدور املصري<br />
ثالث قوى عالمية تتصارع يف غرب إفريقيا..<br />
والدور الخليجي تحكمه المصالح والسياسة<br />
يشمل غرب إفريقيا الدول العربية املشكلة لشمال القارة اإلفريقية، لكن العتبارات تتماشى مع أهداف التحليل يف<br />
هذا املوضوع فإن القصد هو منطقة جغرافية ال تشمل هذه الدول، وبذلك ميكن حتديدها يف مجال يعرف مبنطقة<br />
الساحل والصحراء، وذلك بناء على مرتكزات متعددة منها ثاثة أبعاد على األقل؛ البعد اجلغرايف الذي ينهل من<br />
املعاني اللفظية للكلمتني العربيتني الدالتني على املجال املمتد من الساحل والذي يطوق الصحراء اإلفريقية الكبرى،<br />
وهذا يشمل الكتل السياسية التي متتد من موريتانيا والسنغال غربًا إلى احلدود السودانية غربًا، وهذا البعد يفترض<br />
عدم ارتباط التنطيق باملجال السلطوي لهذه الكتل السياسية بل بالبعد اجلغرايف الذي يحددها مجاليًا، لكن ذلك ال<br />
يتناقض مع حتديد يقوم على الكتل السياسية أو الدول والذي يعتبر هذه املنطقة هي مجموعة الدول التي شكلت<br />
جلنة ما بني الدول ملكافحة اجلفاف التي أنشئت سنة 1971م، والتي كانت تضم كاً من السنغال وغامبيا وموريتانيا<br />
ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو ثم أضيفت كل من غينيا بيساو و الرأس األخضر ونظرًا لزحف الصحراء انضمت<br />
كل من السودان وأثيوبيا والصومال.<br />
د. خالد شيات<br />
موضوع من قبيل تفاعل السياسة واالقتصاد والتواجد<br />
األجنبي بغرب إفريقيا والعاقات العربية يثير إشكاال يتبع<br />
التنطيق السابق وسائل السياسات العربية وتفاعاتها مع املنطقة<br />
هو حدود ومآالت وإمكانية بناء رؤية استراتيجية حضارية يف<br />
ظل وجود تصورات واستراتيجيات قوى إقليمية ودولية مهيمنة<br />
على املنطقة؟ وكذا ماهية اإلمكانيات املتاحة لبناء نسق متناغم<br />
بني الدول العربية وأيضً ا إمكانيات تنزيل تصور خليجي بأبعاد<br />
تراعي احملددات والعراقيل السابقة؟<br />
أوالً : غرب إفريقيا وإشكال توحيد الرؤية االستراتيجية العربية<br />
يثير موضوع التعاون العربي عمومًا واخلليجي على وجه<br />
التحديد مع غرب إفريقيا مسألة تصنيف املدخل الذي يجمع<br />
األبعاد القارة يف التحليل مع األبعاد املتغيرة، وانسجام آلياته<br />
التي ميكن أن تؤسس لرؤية متكاملة بني كتلتني متحركتني وغير<br />
متناغمتني ال يف عاقتهما ببعض وال يف بناها الداخلية، والقصد<br />
هنا املجموعة العربية التي تنقسم إلى مجموعتني كبيرتني، هما<br />
دول شمال إفريقيا من جهة ودول اخلليج من جهة أخرى، والتي<br />
بدورها ال حتوز رؤية إستراتيجية موحدة، وكذا دول غرب إفريقيا<br />
التي ال توحدها يف غالب األحيان سوى اجلغرافيا. وهو ما يثير<br />
استشراف إمكانيات التعاون أو الشراكة اإلستراتيجية.<br />
ترتبط الدول العربية منذ زمن طويل بإفريقيا وغربها على<br />
وجه التحديد بالعديد من اآلليات لكن معظمها لم يعد يؤدي<br />
دورًا حاسمًا مع حتول املعطيات اجليوسياسية يف القارة بعد<br />
احلرب الباردة.<br />
1- المحددات اإلستراتيجية بين دول شمال إفريقيا العربية وفضاء<br />
غرب إفريقيا<br />
يعتبر اجلوار اجلغرايف محددًا مهمًا يف تصور الترابط بني<br />
الدول العربية لشمال إفريقيا وغربها، وبذلك كان االمتداد على<br />
مر عصور طويلة مرتبطً ا بالتحكم الفعلي يف األرض، حيث عرفت
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
88<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
تاقح حضارات جعلت من الفضاء، يف أغلبه وإلى اليوم، فضاءً<br />
حضاريًا إساميًا.<br />
وتلعب اجلغرافيا دورًا حاسمًا يف حتديد الرؤية اإلستراتيجية<br />
للدول العربية لشمال إفريقيا اجتاه غرب إفريقيا طبقا<br />
للمحددات العامة التالية:<br />
- التأثير والتأثر االجتماعي والثقايف، بحيث أن االنصهار القبلي<br />
جعل من التاقح بني األنساب والثقافات أمرًا واقعًا بالنظر إلى<br />
املعطيات القبلية، ومثال ذلك تأثير قضية الطوارق على كل من<br />
اجلزائر وليبيا، والهوية األفريقانية على موريتانيا، إضافة للمشاكل<br />
التي كانت تعرفها احلدود الليبية التشادية والتي ميكن أن تعرف<br />
جتددًا يف التأثير بعد تراجع نفوذ القوة املركزية<br />
يف طرابلس.<br />
- التأثير السياسي، الذي من خاله ترتبط<br />
بإشكاليات حقوق األقليات واإلدماج السياسي<br />
يف املنتظمات العربية يف شمال إفريقيا من جهة،<br />
وأيضا املواقف املتباينة من القضايا السياسية<br />
واالستراتيجية بني الدول العربية ودول غرب<br />
إفريقيا يف احملافل اجلهوية والدولية، وهو ما<br />
يؤثر على البناء االقتصادي الذي يرتهن للمواقف<br />
السياسية وال يستطيع جتاوزه نظرًا لطبيعة البنى<br />
السياسية غير الدميقراطية يف الغالب.<br />
- التأثير االقتصادي، حيث تعتبر املنطقة يف عاقتها مع شمال<br />
إفريقيا مجاالً لامتداد االقتصادي، لكن أيضا اإلشكاالت<br />
املرتبطة بكون الفضاء هو مجال جيوسياسي يخص قوى أخرى<br />
غير إقليمية، وما يجعل االرتباط ال يقوم على مفهوم االندماج.<br />
ففي هذا اإلطار التجاري واالقتصادي تتفاوت العاقات التي<br />
تربط بني الدول العربية لشمال إفريقيا وغرب إفريقيا؛ ففي<br />
حني يعتبر املغرب أول مستثمر إفريقي باملنطقة هناك دول ال<br />
ترتبط مع غرب إفريقيا إال بأسس ضعيفة. وسياسة املغرب مثا<br />
هي نتيجة اعتماد تصور يجمع بني ترسيخ العاقات الثنائية بعد<br />
انسحابه من منظمة الوحدة اإلفريقية سنة 1984م، وكذا سياسة<br />
التجمعات اإلقليمية؛ وهي على اخلصوص احتاد املغرب العربي،<br />
املجمد منذ حادث أطلس أسني مبراكش الذي عقبه فرض<br />
التأشيرة من طرف املغرب على الرعايا اجلزائريني، وجتمع دول<br />
الساحل والصحراء ،)CEN-SAD( واملجموعة االقتصادية لدول<br />
غرب إفريقيا ،)CEDEAO( واالحتاد االقتصادي والنقدي<br />
لغرب إفريقيا ،)UEMA( املجموعة االقتصادية والنقدية لدول<br />
وسط إفريقيا)CEMAC( ، والسوق املشتركة لشرق وجنوب<br />
إفريقيا ،)COMESA( ومجموعة تنمية دول إفريقيا اجلنوبية<br />
والهيأة احلكومية للتنمية)IGAD(. )SADEC(<br />
الدول العربية ال<br />
تمتلك رؤية موحدة<br />
تجاه غرب إفريقيا ومن<br />
الضروري استشراف<br />
إمكانيات التعاون<br />
لقد تراجعت أدوار ليبيا اإلفريقية بعد مرحلة القذايف التي<br />
كانت قائمة على ريع مالي بهدف جلب الوالء السياسي للقادة<br />
واملسؤولني األفارقة، وهو عكس نهج املغرب مثاً القائم على<br />
مفهوم التنمية واالستقرار السياسي لدول غرب إفريقيا، ومع<br />
االعتماد على الرأسمال اخلاص، وخاصة يف طاعات الفاحة<br />
والبنوك واملعادن والسكن. كما أن حضور تونس واجلزائر قائم<br />
على العاقات السياسية، ومستوى التبادل مع هذه الدول يرتبط<br />
بالطاقة ويقوم على فرض املجال االستراتيجي لتفادي انتقال<br />
املشاكل نظرًا للترابط االجتماعي والثقايف، وهو ما يفسر أحيانا<br />
التدخل لفرض رؤى سياسية من طرف اجلزائر مثا يف مالي<br />
على سبيل املثال.ونفس األمر ميكن أن يقال عن<br />
االستراتيجية املصرية خاصة بعد أزمة احلراك<br />
العربي ملا بعد 2011م، حيث تراجع الدور<br />
املصري بشدة يف القارة ويف غربها على وجه<br />
اخلصوص اعتبارا لكون شرق إفريقيا املجال<br />
احليوي الطبيعي ملصر.<br />
2- دول الخليج وغرب إفريقيا: األدوار االقتصادية<br />
المتجددة<br />
تعتبر إفريقيا واحة لتنمية االقتصاد اخلليجي،<br />
فهي قارة حتقق نسبة منو واعد يتجاوز عمومًا 5 باملائة، وتتميز<br />
مبوقعها اجلغرايف، ومتتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات واملعادن<br />
املهمة والنفيسة؛ فمن بني 50 معدنًا هامًا يف العالم يوجد 17 معدنًا<br />
منها يف إفريقيا باحتياطيات ضخمة. وهي متتلك النسبة األكبر<br />
من احتياطي “البوكسيت، والفروكروم، والكوبلت، واملاس، والذهب،<br />
واملنجنيز، والفوسفات، واملعادن الباتينية، والتيتانيوم، والفاناديوم”.<br />
وإلى غاية سنة 2008 م، كان حجم االستثمارات اخلليجية يف<br />
إفريقيا يصل حوالي 25 مليار دوالر، وبنسبة منو سنوية ال تقل عن<br />
10 باملائة بينما يف سنة 2000م، لم يتجاوز 7 مليارات دوالر. وإلى<br />
أواخر سنة 2014م، ارتفعت مساهمة الدول اخلليجية يف االستثمار<br />
يف البنية التحتية لوحدها يف إفريقيا إلى حوالي 30 مليار دوالر منها<br />
النصف يف شكل مساعدات وقروض ومنح. وقد زادت شركات دول<br />
اخلليج نصيبها من مشاريع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا<br />
سنة 2014م، إلى 9.1 باملائة وكانت اململكة العربية السعودية قد<br />
حازت على 11 مشروعًا بدل 3 حازتها يف السنة السابقة، ويف الوقت<br />
الذي أصبحت فيه اإلمارات رابع أكبر مصدر للمشاريع االستثمارية<br />
يف إفريقيا يف نفس السنة حائزة على مرتبة أول مشغل بهذه القارة.<br />
ويحقق الوجود االستثماري اخلليجي يف إفريقيا عمومًا غايات متعددة:<br />
- ميكن أن يجعل القارة، وخاصة يف غربها احتياطيًا غذائيًا لهذه<br />
الدول، وهو ما يضمن األمن الغذائي لها؛
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 89<br />
العدد ملف<br />
- يجعل التحكم يف الطرق البحرية التي تتحكم بدورها يف<br />
خطوط النقل البحرية التي تتضمن تصدير الطاقة والسيما<br />
البترول، املصدر األساسي للموازنات االقتصادية لدول اخلليج،<br />
أكثر أمانًا؛<br />
- يسهل تطبيق الرؤى االستراتيجية الكبرى لهذه الدول يف<br />
املجاالت االستراتيجية تبعًا للتحكم يف املستوى االقتصادي.<br />
وعلى الرغم من بداهة هذا الطرح إال أن دول اخلليج<br />
تعترضها صعوبات متعددة، منها ما يرتبط بذاتيها ومنها ما<br />
يرتبط بطبيعة االستثمار يف منطقة غرب إفريقيا:<br />
ففي المستوى األول هناك توقع النخفاض النمو يف دول<br />
املجلس إلى 2.2 مقابل 3.1 يف سنة 2015م، وذلك ال شك سيؤثر<br />
يف حجم احلضور االقتصادي اخلليجي يف القارة.<br />
أما المستوى الثاني فهو مرتبط بطبيعة الدول التي<br />
تعنى باالستراتيجية اخلليجية حيث ضعف التكوين وضعف<br />
البنى التحتية وسوء التدابير اإلدارية والبيروقراطية، وانعدام<br />
االستقرار السياسي.<br />
اجلانب املهم يف بنية االرتباط االقتصادي السابق يف<br />
ظل انعدام رؤية عربية شاملة، أو حتى خليجية، يبقى تنزيل<br />
االستراتيجية وفقًا لرؤى القوى الكبرى املهيمنة، فيستحيل أن<br />
تنجح املقاربة العربية واخلليجية دون األخذ بعني االعتبار مسألة<br />
التوافق مع تصور قوة من القوى الكبرى املهيمنة، وهي يف هذه<br />
احلالة الواليات املتحدة األمريكية والصني ودول االحتاد األوربي،<br />
خاصة أن منطقة غرب إفريقيا تستحوذ عليها الديانة اإلسامية<br />
التي تربط قهرًا مبسألة مكافحة اإلرهاب، وهو ما يجعل أي<br />
رؤية ترتبط باجلانب االستراتيجي العام الذي يقحم تصورًا أو<br />
تصورات القوى املهيمنة الكبرى السالفة الذكر.<br />
ثانيًا: غرب إفريقيا يف الرؤى استراتيجية للقوى الكبرى<br />
تتراوح هذه الرؤى بني الرؤية األمريكية، والرؤية الصينية،<br />
ورؤية دول اإلحتاد األوربي، وبذلك ميكن وضع التصور العربي<br />
واخلليجي باخلصوص يف نسق واحد من هذه الرؤى والتصورات،<br />
وحتديد جوانب التقارب والتمايز معها.<br />
رؤية الواليات المتحدة األمريكية: يعتبر تأمني مصادر الطاقة<br />
واملواد اخلام من أهم ركائز استراتيجية الواليات املتحدة األمريكية،<br />
فهي حتتاج جللب % 25 من استهاكها اليومي من البترول من<br />
إفريقيا بحلول 2020م، كبديل عن نفط الشرق األوسط بسبب<br />
ما تعتبره اإلدارة األمريكية واقعا يرتبط باالضطرابات األمنية<br />
هناك. ويتماشى ذلك مع التقرير الوطني حول السياسة الطاقية<br />
الذي صدر يف سنة 2001م، من البيت األبيض، الذي نوه بجودة<br />
وسهولة نقل املوارد الطاقية خلليج غينيا، وتوقع استيراد %25<br />
من بترول إفريقيا يف أفق 2025 م. كما تصدر نيجيريا أكثر من<br />
40% من إنتاجها النفطي نحو الواليات املتحدة األمريكية، وهو ما<br />
يشكل نسبة 10% من الواردات النفطية األميركية، وتسعى نيجيريا<br />
لارتقاء بدبلوماسيتها لتؤهلها ألن تكون الناطقة باسم إفريقيا.<br />
إن هذا التناقض بني التصور اخلليجي واألمريكي القائم حول<br />
الطاقة يوحي أن بناء أي تصور متجانس مع السياسة األمريكية<br />
يف غرب إفريقيا هو من قبيل التنسيق من أجل إنقاص الوجود<br />
اخلليجي باملنطقة، ذلك أن أصل التدخل األمريكي يف املنطقة<br />
قائم على التناقضات التي استنتجتها الواليات املتحدة األمريكية<br />
يف إطار عاقتها بدول اخلليج على مستوى إنتاج الطاقة التي<br />
تعد العمود الفقري لاقتصاد األمريكي، وبالتالي لن تسمح<br />
الواليات املتحدة لدول اخلليج بالتحكم أكثر يف مصادر الطاقة<br />
البديلة التي ترهن اقتصادها.<br />
الرؤية االستراتيجية الصينية: تقوم بدورها على مركزية<br />
الطاقة وعلى رأسها البترول، ولقد بلغت من جهة، سنة 2010م،<br />
حاجة الصني %55 من البترول، و%57 من احلديد، و70 % من<br />
النحاس و%80 من األملنيوم. كما ارتفع استهاك اخلشب من<br />
7.2 إلى 30.4 مليون م3بني 1996 و2005م.<br />
ومن جهة أخرى، ستنتقل الصني من استهاك 3.5 مليون<br />
برميل يوميًا من النفط عام 2006م، إلى 13.1 مليون برميل عام<br />
2030م، أي %80 من استهاكها. وتستورد الصني نصف حاجياتها<br />
من النفط من الشرق األوسط، وهو ما جعلها تبحث عن موارد<br />
جديدة، فإفريقيا التي تشكل 9%من االحتياطي العاملي ميكنها<br />
حسب الصني أن تكون مصدرًا جديدًا للطاقة.<br />
ال يظهر إذن، أنه بالنظر للتصورات املتطرفة القائمة على بنية<br />
الطاقة، أن دول اخلليج لها مكانة يف االستراتيجيتني األمريكية أو<br />
الصينية يف غرب إفريقيا.<br />
الرؤية االستراتيجية األوربية: تقوم االستراتيجية األوربية<br />
على مقاربة جتمع بني التنمية واألمن، ويعتبر ذلك طبيعيًا<br />
بحكم القرب والتأثير النسبي الذي متارسه هذه املنطقة على<br />
االزدهار االقتصادي واألمن االجتماعي بدول االحتاد. وتنسج<br />
االستراتيجية األوربية ثاثة محاور كبرى:<br />
- ربط املشاريع واملقترحات التنموية بالرؤى والسياسات<br />
التعاونية األمنية.<br />
- تنزيل رؤى قائمة على دعم التعاون اإلقليمي، وسعي االحتاد<br />
أحيانا لتفعيل االندماجات االقتصادية مبا يخدم التنمية التي<br />
تؤدي لاستقرار السياسي.<br />
- بقاء مداخل التحكم يف القدرات االقتصادية والثروات الطبيعية<br />
لهذه الدول ونسج سياسات قائمة على االستمرار يف هذا التحكم.<br />
وجتد دول االحتاد من جهة أخرى مجموعة من املشاكل يف
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
90<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
تنزيل السياسات األوربية مبنطقة غرب إفريقيا، ألنه من جهة<br />
يتضمن تناقضات كبيرة على مستوى تصور كل دولة من دوله<br />
على حدة، وألنه يجابه حتديات عملية تهم أساس:<br />
- مشاكل احلكامة وسبل التنمية وطرق حل النزاعات يف مجال<br />
مستعصي بني الدواعي السياسية والثقافية والدينية؛<br />
- أولوية املستوى األمني يؤدي إلى إشكاالت عملية يف تنسيق<br />
السياسات وتوحيد التصورات، نظرا لتباين املشاكل من دولة<br />
ألخرى وصعوبة توحيد الرؤية؛<br />
- النقص املهول يف بنيات األمن ونسيج دولة القانون القائمة على<br />
وجود مؤسسات قارة وانعدام اجلاهزية واالستقرار السياسي.<br />
- إشكال العنف األصولي والديني الذي تداخل مع أبعاد<br />
جيوستراتيجية تتحكم فيها قوى محلية ودولية.<br />
وتضع دول االحتاد األوربي إلى جانب ذلك سياسة قائمة<br />
على البعد التجاري واالقتصادي حققت تقدمًا أدى إلى ترابط<br />
كبير بني دول غرب إفريقيا ودول االحتاد، نظرًا للعامل التاريخي<br />
االستعماري والثقايف الذي يربط اجلانبني.<br />
خاصة ما سبق أن الدول العربية ودول اخلليج إذا كانت تتبنى<br />
رؤية تقوم على التعاون مع قوة دولية اقتصاديًا وسياسيًا فاألقرب<br />
لتنزيل رؤية متكاملة هو إطار االستراتيجية األوربية، نظرًا الرتباط<br />
الرؤية األمريكية والصينية باملقومات الطاقية ولنزعتها األحادية<br />
وغير التعاونية، لكن مع األخذ بعني االعتبار املعطيات التالية:<br />
- أن االستراتيجية األوربية غير متجانسة وغير موحدة إال<br />
يف اجلوانب االتفاقية التي حتاول بدورها أن حتوز الريادة<br />
االقتصادية مبنطقة غرب إفريقيا.<br />
- أن دوال بعينها كفرنسا مثا أكثر حضورًا من غيرها من دول االحتاد<br />
األوربي، وذلك راجع لعوامل تاريخية وثقافية واجتماعية ومصلحية.<br />
- أن البعد األمني يأخذ مكانًا أكبر يف رؤية الدول األوربية ملنطقة<br />
غرب إفريقيا.<br />
- أن أوربا، وفرنسا على وجه التحديد، جتد حرجا يف نسج<br />
سياسة تعاونية مع الدول األخرى، وتعتبر نفسها أولى بتنفيذ<br />
السياسات اإلقليمية، وأي تعاون يجب أن ينخرط خلدمة<br />
مصاحلها أوال.<br />
إذن هل ميكن للدول العربية أن تقيم سياسة خاصة ورؤية<br />
ذاتية حضارية مبنطقة غرب إفريقيا؟<br />
اجلواب إيجابي لعدة اعتبارات:<br />
- كون املغرب ميكن أن يكون قاعدة لوضع استراتيجيات ناجحة<br />
خلبرته وعاقاته مع دول املنطقة.<br />
- وجود عاقات دينية وروابط اجتماعية قوية بني املنطقتني.<br />
- نظرًا لإلمكانيات املادية املتاحة وكثرة املجاالت القابلة<br />
لاستثمار باملنطقة وهو ما يدخلها يف مقارنة بني االستراتيجية<br />
السلمية التنموية للدول العربية واالستراتيجيات االستغالية<br />
للدول والقوى الكبرى.<br />
ثالثًا: تهديدات إقليمية<br />
كل التصورات التي ميكن نسجها استراتيجيًا مبنطقة غرب<br />
إفريقيا يعترضها نوع آخر من التهديد قادم من التسابق الذي<br />
بدأته منذ فترة طويلة كل من إيران وإسرائيل.<br />
ترتكز السياستني اإلسرائيلية واإليرانية يف منطقة غرب<br />
إفريقيا على مقومات متشابهة، وعلى اختاف يف املنطلقات<br />
للتنزيل؛ ففي حني تلعب إسرائيل على وتر التنمية واالنسجام<br />
والتبعية االقتصادية، تضيف إيران لذلك البعد العقدي.<br />
تقوم الدولتان معًا بإيفاد رجال السياسة ورجال األعمال<br />
والتقنيني واملهندسني واألطباء قصد نسج عاقات ثقافية<br />
خاصة، وتقومان من جهة أخرى بإبرام عقود مرتبطة بقطاعات<br />
إنتاجية وتصدير الساح أيضً ا.<br />
وتتنامى العاقات التجارية بني إسرائيل وإيران من جهة ودول<br />
القارة من جهة أخرى يف اجتاه يضمن والءات خاصة لهاتني الدولتني<br />
من طرف دول القارة، ناهيك عن الصراع للتحكم يف الثروات<br />
الطبيعية التي تزخر بها القارة والسيما املعادن النادرة والنفسية.<br />
ومن جهة أخرى، ميكن التأكيد على ضرورة إياء اهتمام<br />
خاص ملدخل الصراع الديني بني اإليرانيني والدول العربية السنية<br />
وعلى رأسها دول اخلليج، حيث تستثمر إيران ما تسميه اجتاهات<br />
التطرف السني يف إفريقيا للتحول نحو املذهب الشيعي، ويجد<br />
ذلك صدى مقبوال حتى لدى بعض القوى الدولية.<br />
اخلاصة أن املدخل األساسي للتعاون بني الدول العربية عمومًا<br />
ودول اخلليج على وجه التحديد ودول غرب إفريقيا هو املدخل<br />
االقتصادي الذي يشمل تعزيز االستثمارات والتجارة اخلارجية<br />
وكافة أشكال التعاون، نظرًا لكون املنطقة األقرب لوضع رؤية<br />
محكمة تشمل أيضا التعاون يف املجاالت السياسية واألمنية األخرى<br />
وهو ما سيعود بالنفع الكبير على اقتصاديات الدول العربية،<br />
ويساهم يف تنويع مداخيلها املرتكزة بشكل كبير على النفط.<br />
كما أن االستراتيجية العامة ميكن أن تقوم على جناحني<br />
وقوتني؛ جناح غرب إفريقيا بالتركيز على مكامن قوة الدول<br />
العربية لشمال إفريقيا والسيما اململكة املغربية، وجناح شرق<br />
إفريقيا باستعادة الدور املصري التقليدي، لكن برؤى منطقية<br />
وقابلة للتحقيق وتنسيقية تأخذ بعني االعتبار احملددات التي<br />
تنجح االستراتيجية وتتجاوز العراقيل.<br />
*أستاذ العالقات الدولية، جامعة محمد األول، وجدة، اململكة<br />
املغربية.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 91<br />
العدد ملف<br />
حضور اقتصادي وأمني ملوسكو في القارة السمراء رغم التحديات<br />
إفريقيا في الحسابات الروسية:<br />
المصالح والتوقعات<br />
كانت زيارة الرئيس الروسي فادميير بوتني جلنوب إفريقيا يف سبتمبر 2006م، والتي كانت األولى لرئيس روسي إلى<br />
دولة إفريقية جنوب الصحراء، تدشيناً ملرحلة جديدة من التطور امللحوظ يف العاقات الروسية اإلفريقية بعد فترة<br />
من التدهور السريع خال عقد التسعينات.<br />
د. نورهان الشيخ<br />
وتعود العاقات الروسية مع إفريقيا جنوب الصحراء بجذورها<br />
إلى القرن التاسع عشر حني قامت روسيا القيصرية بإقامة<br />
عاقات دبلوماسية مع أثيوبيا وجنوب إفريقيا عام 1898م، إال أن<br />
الطفرة احلقيقية يف العاقة بني اجلانبني جاءت خال احلقبة<br />
السوفيتية حيث قفزت العاقات إلى مستويات استراتيجية غير<br />
مسبوقة يف إطار دعم االحتاد السوفيتي حلركات التحرر الوطني<br />
التي كانت متوج بها القارة اإلفريقية منذ خمسينيات القرن<br />
املاضي، وقيامه بتقدمي املساعدات العسكرية والتقنية للدول<br />
اإلفريقية حديثة االستقال. ويف الوقت الذي كانت واشنطن<br />
تعتبر نيلسون مانديا »إرهابي«، كان االحتاد السوفيتي يدعم<br />
املؤمتر الوطني اإلفريقي قائد النضال ضد التمييز العنصري،<br />
واحلزب احلاكم حاليًا. وأطلقت موسكو اسم، باتريس لومومبا،<br />
قائد حركة التحرر يف الكونغو الذي مت إعدامه بوحشيه عام<br />
1961م، على إحدى اجلامعات، وعلى مدى ثاثة عقود وحتى<br />
عام 1992م، كانت جامعة لومومبا من أكثر اجلامعات املرموقة<br />
يف روسيا وتخرج منها أجيال من القيادات األفارقة العاملة يف<br />
مجال السياسة اخلارجية.<br />
ولعب االحتاد السوفيتي دورًا بارزًا يف إعداد وتدريب القيادات<br />
اإلفريقية يف مختلف املجاالت، ومع انتهاء احلقبة السوفيتية بلغ<br />
إجمالي من تلقوا تعليمهم يف اجلامعات واملعاهد العسكرية<br />
السوفيتية 50 ألفًا من املدنيني والعسكريني، منهم رئيس جنوب<br />
إفريقيا )جاكوب زوما(، ورئيس أجنوال )خوسيه دوس سانتوس(،<br />
ورئيس موزمبيق السابق )أرماندو جويبوزا(، إلى جانب أكثر<br />
من 200 ألف من األفارقة مت تدريبهم يف بلدانهم على أيدي<br />
السوفييت. ويعطى هذا البعد التاريخي خصوصية لروسيا<br />
ويجعلها طرفًا دوليًا أكثر قبوالً لدى دول القارة. فروسيا لم تبدأ<br />
عاقاتها بإفريقيا السمراء من الصفر، كبعض القوى األخرى،<br />
وإمنا من رصيد ضخم موروث من احلقبة السوفيتية.<br />
وكان على روسيا بذل جهد إلنعاش الذاكرة اإلفريقية بهذا<br />
املاضي عقب حقبة التسعينات التي تراجعت خالها إفريقيا<br />
جنوب الصحراء يف األجندة الروسية، ومت غلق تسع سفارات<br />
وثاث قنصليات لروسيا يف إفريقيا منها تلك يف توجو وليسوتو<br />
وبوركينافاسو، كما مت إغاق معظم املكاتب التجارية، وثاثة<br />
عشر مركزًا ثقافيًا من إجمالي عشرين مركزاً يف إفريقيا،<br />
وجمدت برامج املساعدات التي بدأت يف العهد السوفيتي،<br />
وتوقفت وسائل اإلعام التي كانت متثل صوت روسيا يف القارة<br />
مثل »راديو موسكو« وغيره.<br />
وبدأت روسيا يف اتخاذ خطوات جادة الستعادة عاقاتها<br />
بالقارة ونصت عقيدة السياسة اخلارجية الروسية التي أقرها<br />
الرئيس بوتني يف 12 فبراير 2013م، والتي حلت محل عقيدة<br />
مديفيديف لعام 2008م، على أن »املتغيرات العاملية املتسارعة يف<br />
العقد األول من القرن احلادي والعشرين تتطلب اقترابات جديدة<br />
للتعاطي مع األوضاع سريعة التغير يف العالم، ورؤية جديدة<br />
ألولويات السياسة اخلارجية الروسية مع األخذ يف االعتبار<br />
املسؤولية املتعاظمة لروسيا يف حتديد األجندة الدولية وبلورة<br />
النظام الدولي«. وأن »روسيا سوف تدفع التفاعات متعددة
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
92<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
روسيا تعتمد على الدفع الثنائي ومتعدد األطراف والمساهمة<br />
في تسوية ومنع الصراعات<br />
األبعاد مع الدول األفريقية على أساس ثنائي ومتعدد األطراف،<br />
مع التركيز على تطوير احلوار السياسي، وتشجيع التجارة<br />
والتعاون االقتصادي املفيد للطرفني، واملساهمة يف تسوية ومنع<br />
الصراعات واألزمات اإلقليمية يف أفريقيا«، لتحدد بذلك ثاثة<br />
محاور أساسية لعاقة موسكو بدول جنوب الصحراء.<br />
أولها، احملور السياسي الذي يعتبر املظلة التي تنطلق يف<br />
إطارها مجاالت التعاون األخرى، حيث استأنفت موسكو عاقاتها<br />
الدبلوماسية مع عدد من الدول األفريقية، ولها حاليًا 40 سفارة<br />
بالقارة من بينها جنوب السودان، مقابل 35 دولة أفريقية لها<br />
سفارات يف موسكو. ولروسيا ممثل دائم لدى االحتاد اإلفريقي<br />
منذ عام 2006م، وهو املنصب الذي يشغله فاليري يتكني منذ<br />
عام 2010م. وقام الرئيس الروسي السابق، دميترى مديفيديف،<br />
بزيارة إلى القارة اإلفريقية عام 2009م، شملت نيجيريا وأجنوال<br />
وناميبيا، كما قام الرئيس بوتني بزيارته الثانية جلنوب إفريقيا<br />
يف مارس 2013م، حلضور قمة البريكس يف ديربان. وحترص<br />
روسيا على املشاركة املنتظمة ورفيعة املستوى يف القمة اإلفريقية،<br />
والتواصل مع القادة األفارقة على هامشها. كما استقبلت موسكو<br />
العديد من قادة إفريقيا جنوب الصحراء، ولعل أكثرهم ترددًا<br />
على موسكو رئيس جنوب إفريقيا وذلك يف إطار العاقات<br />
االستراتيجية بني اجلانبني.<br />
من ناحية أخرى، ميثل الثقل التصويتي للدول اإلفريقية ال<br />
)54( داخل األمم املتحدة أهمية خاصة بالنسبة لروسيا، وذلك<br />
يف وقت حتتدم فيه املواجهة مع الغرب، ويسعى األخير للنيل<br />
من موسكو يف احملافل الدولية. فعند التصويت إلدانة روسيا<br />
على خلفية األزمة األوكرانية امتنعت غالبية الدول اإلفريقية عن<br />
التصويت، وكان من بني الدول العشرة التي صوتت لصالح روسيا<br />
أثنتني من الدول اإلفريقية، األمر الذي عُد مؤشرًا على تنامى<br />
التأثير الروسي يف إفريقيا. ويف املقابل حتتاج الدول اإلفريقية<br />
أيضً ا إلى الفيتو الروسي ملواجهة الضغوطات الغربية، وعلى<br />
سبيل املثال استخدمت موسكو الفيتو على مشروع قرار يف<br />
مجلس األمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على زميبابوي<br />
عام 2008م، وكان ذلك عاماً يف دفع التعاون بني البلدين.<br />
ثانيها، محور التعاون التقني واالقتصادي، ويحتل هذا<br />
احملور األولوية لدى روسيا حيث تسعى إلى تعظيم استفادتها<br />
من الفرص املتاحة يف إفريقيا على أساس من املنفعة املتبادلة<br />
وليس االستغال لدول القارة، وقامت كخطوة أولية يف هذا<br />
اإلطار بإسقاط ديون بقيمة 20 بليون دوالر عن الدول اإلفريقية<br />
لتبدأ صفحة جديدة من التعاون بني الطرفني. ومن املعروف<br />
أن القارة األفريقية أصبحت من أسرع املناطق منوًا يف العالم،<br />
ويبلغ متوسط معدل النمو بها حوالي %5، ومن املتوقع خال<br />
السنوات اخلمس القادمة أن تصبح من 8 إلى 10 اقتصادات<br />
إفريقية ضمن األسرع منوًا يف العالم. كما متتلك إفريقيا % 30<br />
من إجمالي املوارد الطبيعية يف العالم، ورغم أن روسيا غنية<br />
باملوارد الطبيعية إال أن استيراد بعضها من إفريقيا أقل تكلفة<br />
من استخراجها من روسيا.<br />
ويف يونيو 2009م، قامت الغرفة الروسية للتجارة والصناعة<br />
بإنشاء جلنة لتنسيق التعاون االقتصادي مع إفريقيا جنوب<br />
الصحراء بهدف تشجيع رجال األعمال على العمل يف إفريقيا<br />
وتسهيل بدء األعمال لهم، عرفت ب ،AfroCom وتضم 90 جهة<br />
روسية منها وزارات معنية وأجهزة مختصة ومنظمات وشركات،<br />
وحتظى اللجنة بدعم واضح من احلكومة والبرملان والسلطات<br />
الروسية عامة. ويف 16 ديسمبر 2011م، مت عقد الدورة األولى<br />
من منتدى األعمال »روسيا -إفريقيا« يف العاصمة اإلثيوبية<br />
أديس أبابا وشارك فيه وزراء من تشاد ومالي والسودان<br />
وإثيوبيا وممثلني عن االحتاد اإلفريقي وكذلك ممثلو شركات<br />
روسية كبرى.<br />
وهناك أكثر من 30 شركة روسية تسهم يف تطوير استغال<br />
الدول اإلفريقية ملواردها الطبيعية يف مجال التعدين والطاقة،<br />
يعمل معظمها يف جنوب إفريقيا، وأجنوال، والكونغو الدميقراطية،<br />
ناميبيا، نيجيريا، وبتسوانا، كوت ديفوار، جانا، وتوجو.<br />
ويستحوذ قطاع التعدين على شق كبير من التعاون التقني<br />
بني روسيا وإفريقيا السمراء، ومن أبرز املشروعات يف هذا<br />
اخلصوص، عقد بقيمة 3 بليون دوالر مع زميبابوي لتطوير<br />
منجم باتينيوم، ومشاركة الشركات الروسية يف استخراج املاس<br />
واليورانيوم يف ناميبيا، ومن املعروف أن باألخيرة ثامن أكبر<br />
احتياطي عاملي من اليورانيوم. كذلك، االتفاق على قيام روسيا<br />
بتزويد جنوب إفريقيا بحوالي % 45 من إجمالي احتياجاتها من<br />
اليورانيوم خال الفترة من 2011م، وحتى 2017م، الستخدامه<br />
كوقود نووي للمحطة الكهروذرية بها، وبناء مفاعات نووية<br />
بجنوب إفريقيا، لتكون األخيرة بحلول 2023م، موطن أول محطة<br />
نووية تعتمد على التكنولوجيا الروسية يف القارة اإلفريقية.<br />
على صعيد آخر، وانطاقًا من كون روسيا عماقًا يف مجال
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 93<br />
العدد ملف<br />
الطاقة وهى أكبر منتج وثاني أكبر مصدر للنفط يف العالم حيث<br />
تستأثر بنحو %40 من إجمالي الصادرات العاملية من النفط،<br />
وهى األولى يف إنتاج وتصدير الغاز وبها %35 من االحتياطي<br />
العاملي من الغاز الطبيعي، فإنها تتبنى سياسة تقوم يف أحد<br />
أبعادها على الشراكة واالستثمارات املشتركة يف شبكات الطاقة<br />
التي متثل بدائل محتملة للطاقة الروسية بالنسبة ألسواقها<br />
خاصة يف أوروبا، والدفع باالستثمارات الروسية يف قطاع الطاقة<br />
خارج روسيا، وهناك إقبال شديد من جانب شركات النفط<br />
الروسية السيما تلك التابعة للدولة لاستثمار يف قطاع النفط<br />
والغاز يف الدول املنتجة له يف مختلف أنحاء العالم من خال<br />
املشاركة يف عمليات البحث والتنقيب وتطوير<br />
االنتاج. فروسيا متتلك التكنولوجيا واخلبرة<br />
الازمة يف مجال الكشف والتنقيب عن البترول<br />
واستخراجه، وكذلك يف مجال الصناعات<br />
البتروكيماوية، وتعتبر الشركات الروسية خاصة<br />
»لوك أويل« و«غاز بروم« حالياً من كبرى<br />
الشركات العاملية العاملة يف مجال الطاقة.<br />
ومتتد خريطة االستثمارات الروسية لتشمل<br />
القارة اإلفريقية، ومن أبرز املشروعات املشتركة<br />
يف هذا اإلطار توقيع اتفاقية تعاون بني شركة<br />
»غازبروم« وشركة النفط الوطنية النيجيرية إلنشاء خط أنابيب<br />
لنقل الغاز من نيجيريا عبر الصحراء الكبرى إلى اجلزائر، ثم<br />
عبر البحر املتوسط إلى أوروبا. وتوقيع عقد الستغال النفط يف<br />
أوغندا بقيمة 4 بليون دوالر يف فبراير 2015م، وتؤهل االكتشافات<br />
احلديثة للنفط يف أوغندا األخيرة لتصبح دولة مؤثرة يف القارة،<br />
وتفتح آفاقًا رحبة للتعاون مع روسيا يف هذا املجال.<br />
ثالثها، محور التعاون األمني واالستراتيجي، فالتنظيمات<br />
االرهابية متثل حلقة متصلة تغذي وتدعم بعضها البعض، وتبرز<br />
»داعش« كأخطر هذه التنظيمات يف ضوء التمدد الواضح لها<br />
يف العالم، األمر الذي جعل منها حزام نار انطلق من العراق<br />
وسوريا وأمتد يف أوربا وآسيا وإفريقيا ليطوق القارات الثاث.<br />
ويحتل القضاء على اإلرهاب قمة األولويات الروسية، وأصبح<br />
التوجه االستراتيجي الرئيسي احلاكم لسياسة موسكو خال<br />
املرحلة املقبلة، باعتباره التهديد األساسي لألمن القومي<br />
الروسي ولألمن واالستقرار العاملي. ويف إطار نهج روسيا ملواجهة<br />
اإلرهاب، والذي يقوم على بناء نظام أمني دولي تشارك فيه كل<br />
الدول املعنية التي يطولها لهيبه، تبرز أهمية التعاون مع الدول<br />
اإلفريقية خاصة تلك التي يعتصرها اإلرهاب مثل نيجيريا. وقد<br />
استطاعت روسيا تطوير تعاون أمني ومعلوماتي مع عدد من دول<br />
إفريقيا السمراء ويف مقدمتها جنوب إفريقيا، وأطلق اجلانبان<br />
40 سفارة روسية<br />
مقابل 35 سفارة<br />
إفريقية بموسكو<br />
ولروسيا ممثل<br />
باالتحاد األفريقي<br />
نظام األقمار الصناعية املعروف باسم مشروع كوندور، الذي<br />
يوفر املراقبة للقارة اإلفريقية بأسرها، ويخدم االستخبارات<br />
العسكرية الروسية ونظيرتها يف جنوب إفريقيا.<br />
كما تشارك روسيا يف قوات حفظ السام يف عدد من<br />
الدول اإلفريقية منها الكونغو الدميقراطية وكوت ديفوار وأثيوبيا<br />
وأريتريا والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية، ويفوق<br />
عدد القوات الروسية القوات الفرنسية والبريطانية واألمريكية<br />
مجتمعة. وقامت روسيا بتدريب 180 رجل شرطة من 18 دولة<br />
إفريقية على عمليات حفظ السام، وقدمت مساهمة قدرها 2<br />
مليون دوالر يف صندوق حفظ السام التابع لاحتاد اإلفريقي<br />
عام 2012م.<br />
يضاف إلى هذا، التعاون العسكري بني<br />
اجلانبني، ومتثل صادرات األسلحة الروسية إلى<br />
إفريقيا جنوب الصحراء حوالي %7 من إجمالي<br />
الصادرات الروسية من األسلحة. وتتعاون<br />
شركة »روس أوبورون إكسبورت« الروسية املعنية<br />
بصادرات الساح، مع 15 دولة إفريقية جنوب<br />
الصحراء. وتقبل البلدان اإلفريقية على الدبابات<br />
القدمية من نوع »تي- 55«، و«تي- 72« ومقاتات<br />
»سوخوي«، واملروحيات من نوع »أم آي 8« و »أل آي<br />
24«. وعلى سبيل املثال، وقعت أجنوال عقداً عام 2013، بقيمة<br />
تتجاوز املليار دوالر، للتزود مبعدات روسية، من بينها مقاتات<br />
سوخوي ومروحيات. كما أنه، وللمرة األولى منذ 15 عامًا،<br />
وقعت كل من روسيا وناميبيا عقدًا حتصل مبقتضاه األخيرة<br />
على مركبات وذخيرة وصواريخ مضادّة للدبابات وقذائف<br />
الهاون. وقامت روسيا بتزويد نيجيريا بالطائرات بعد رفض<br />
الواليات املتحدة تزويدها بطائرات »كوبرا« عام 2014. ووقعت<br />
موسكو عقداً مع غانا لتسليم األخيرة مروحيات بقيمة 66<br />
مليون دوالر. كما تبيع روسيا األسلحة اخلفيفة ملالي، ويتضمن<br />
ذلك البنادق واملدافع الرشاشة والذخائر، وذلك مبقتضى العقد<br />
املوقع بني اجلانبني يف سبتمبر 2012، بقيمة إجمالية 12 مليون<br />
دوالر، وحصلت أوغندا على مقاتات من طراز »سو - 30<br />
أم كا 2« الروسية. ويف ضوء اتساع الصفقات الروسية للقارة<br />
وقعت شركة »مروحيات روسيا« اتفاقية إلنشاء مركز لصيانة<br />
املروحيات الروسية يف جنوب إفريقيا مع شركة »ديفل أفييشن«<br />
اجلنوبية اإلفريقية، وافتتحت شركة »أورال فاجون زافود«<br />
لصناعة الدبابات مركز إقليمي لصيانة الدبابات من نوع »تي-<br />
72« يف إفريقيا.<br />
ويتزامن إحياء القوة الصلبة ببعديها االقتصادي والعسكري،<br />
اجتاه روسيا للقوة الناعمة لتصل قناة »RT« الروسية إلى
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
94<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
إفريقيا، ويتم استئناف البعثات ألبناء القارة، وكذلك نشر اللغة<br />
الروسية وإرسال األساتذة املتخصصني يف اللغة الروسية إلى إفريقيا.<br />
إن حترك روسيا يف إفريقيا جنوب الصحراء يحكمه املصالح<br />
الروسية بجناحيها االقتصادي واألمني، وهي تريد متييز نفسها<br />
عن القوى الغربية االستعمارية باعتبار أن روسيا ليس لها ماضٍ<br />
استعماري يف القارة بل على العكس، كان لها دور أساسي يف<br />
حترير دول القارة من االستعمار، وخال احلرب العاملية الثانية<br />
ساند االحتاد السوفيتي أثيوبيا ضد العدوان اإليطالي، وتوجه<br />
بعض الروس الى اثيوبيا للدفاع عنها. لذا وعلى خاف عقيدة<br />
2008 لم تشر عقيدة السياسة اخلارجية الروسية لعام 2013م،<br />
إلى التعاون مع القارة اإلفريقية من خال مجموعة الثمانية التي<br />
حتولت ملجموعة السبع الكبرى بعد استبعاد روسيا منها.<br />
وعلى العكس تعد مجموعة بريكس، التي تضم إلى جانب<br />
روسيا كل من الصني والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، قدمًا<br />
أساسية لتحرك روسيا يف إفريقيا جنوب الصحراء، وهي تتبع<br />
منظور تعاوني مع هذه الدول وليس تنافسي، وحتاول االستفادة<br />
مما حققته دول مثل الصني والهند يف القارة، حيث جاءت العودة<br />
الروسية إلفريقيا متأخرة عن اندفاع الدولتني نحو إفريقيا، كما<br />
تعتبر عضوية جنوب إفريقيا يف البريكس نافذة هامة لروسيا<br />
على إفريقيا السمراء.<br />
يضاف إلى ما تقدم، أن حجم التعامات الروسية مع<br />
القارة يظل محدودًا نسبياً وال ميكن اعتباره تنافسيًا مع<br />
القوى األخرى. وعلى سبيل املثال، يبلغ حجم التبادل التجاري<br />
بني روسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وفقًا لتقديرات الغرفة<br />
الروسية للتجارة والصناعة، حوالي 2,3 بليون دوالر مقارنة<br />
بحوالي 60 بليون دوالر للواليات املتحدة عام 2013م، و200<br />
بليون دوالر لاحتاد األوروبي، و200 بليون دوالر للصني.<br />
ومن املتوقع أن يزداد احلضور الروسي يف إفريقيا جنوب<br />
الصحراء اقتصاديًا واستراتيجيًا، يدعم هذا رصيد روسيا<br />
التاريخي يف إفريقيا، ومنظورها التعاوني وليس التنافسي<br />
مع القوى الكبرى األخرى يف االقتراب من القارة، إلى جانب<br />
انطاقها من مبادئ االحترام املتبادل والشراكة القائمة على<br />
املصالح واملنافع املتبادلة، وما تبديه موسكو من حرص على<br />
حتقيق االستقرار وتهدئة الصراعات والنزاعات الداخلية والبينية<br />
التي متوج بها القارة. إال أن هناك حتديات قد تبطئ من صعود<br />
روسيا كفاعل هام وشريك استراتيجي للدول اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء، أهمها الصعوبات التي يواجهها االقتصاد الروسي<br />
نتيجة انخفاض أسعار النفط، وانغماس روسيا يف املواجهة مع<br />
الغرب حول قضايا األمن األوروبي من ناحية، ويف األزمة السورية<br />
من ناحية أخرى، األمر الذي سيؤثر على تركيزها وتفعيل دورها<br />
يف القارة اإلفريقية وكثافة حركتها جنوب الصحراء.<br />
*أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 95<br />
العدد ملف<br />
استعادة الدور العربي في القارة السمراء رهن العالقات االقتصادية<br />
التواجد اإلسرائييل في أفريقيا جنوب<br />
الصحراء يتقدم.. والتأثير العربي يتراجع<br />
متثل القارة اإلفريقية أهمية استراتيجية كبيرة للعالم العربي يف ضوء ما تتمتع به من مقومات يف موقعها اجلغرايف<br />
املترامي األطراف وما متتلكه من ثروات بشرية ومعدنية متنوعة جتعلها بالطبع مسرحً ا للصراع اإلقليمي والدولي<br />
ومجاالً للتنافس بني القوى الكبرى يف محاولة كل منهم حتقيق مصاحله املختلفة والسيما مصاحله االقتصادية، وهو<br />
األمر الذي فطنت إليه إسرائيل بعد إعان قيامها مباشرة عام 1948م، وبلورت مبادئ وأهداف سياستها اخلارجية<br />
بحيث تكون لها قاعدة قوية وتواجد مؤثر على مستوى معظم دول القارة اإلفريقية.<br />
اللواء محمد إبراهيم<br />
وال شك أن التواجد اإلسرائيلي يف إفريقيا / جنوب الصحراء<br />
قد عكس تأثيراته السلبية على املصالح العربية ليس يف إفريقيا<br />
فقط، وإمنا أيضً ا على القضايا العربية املتعددة وبصفة خاصة<br />
القضية الفلسطينية التي كانت متثل عاماً رئيسيًا ومشتركًا يف<br />
االهتمامات الثنائية يف العاقات العربية / اإلفريقية بل وحتتل<br />
أولوية يف إطار هذه العاقات، وقد زاد من تعقيدات هذا األمر<br />
أن االهتمام العربي بالقارة اإلفريقية ومشاكلها لم يصل إلى<br />
احلد الذي كانت تأمله الدول اإلفريقية من جراء هذا التعاون<br />
ولم يحقق طموحاتها االقتصادية السيما وأنها اقتصاديات ناشئة<br />
حتتاج إلى دعم مادي كبير ، يف الوقت الذي كانت حترص فيه<br />
إسرائيل على أن تدعم نفوذها على املستوى اإلفريقي بشكل<br />
هادئ ومتدرج وفعال .<br />
وبدون الدخول يف تفصيات اإلطار التاريخي للعاقات<br />
العربية / اإلفريقية ميكننا القول أن هذه العاقات تستند إلى<br />
جذور تاريخية عميقة والسيما بعد ظهور اإلسام، والدور املميز<br />
الذي قام به العرب يف مجال نشر الدين اإلسامي يف القارة مما<br />
ساعد بشكل قوي على دعم التواجد العربي هناك منذ مئات<br />
السنني، بل وانتقلت طبيعة هذا التواجد من مرحلة االنتشار إلى<br />
مرحلة التأثير، أما يف العصر احلديث فيكفي أن نشير هنا إلى<br />
الدور احليوي الذي لعبته مصر منذ اخلمسينيات يف مساندة<br />
حركات التحرر اإلفريقي حتى مت حصول كافة الدول اإلفريقية<br />
على استقالها من االحتال واالستعمار والتفرقة العنصرية.<br />
وحتى تكتمل الصورة البد لنا أن نشير أيضً ا إلى احملاوالت<br />
العربية التي متت من أجل دعم العاقات مع الدول اإلفريقية<br />
سواء من خال جامعة الدول العربية ومحاوالت تعزيز عاقاتها<br />
مع منظمة الوحدة اإلفريقية التي مت تغيير اسمها بعد ذلك )عام<br />
2002م( إلى االحتاد اإلفريقي، وكذا عقد أكثر من قمة عربية<br />
/ إفريقية بهدف الوصول إلى أنسب األساليب لدعم املصالح<br />
املشتركة بني اجلانبني العربي واإلفريقي ومبا يحقق مكاسب<br />
لكا الطرفني، ونشير هنا إلى القمة العربية/ اإلفريقية الثالثة<br />
التي عقدت بالكويت يف نوفمبر عام 2013م، حتت شعار شركاء<br />
يف التنمية واالستثمار وشارك فيها أكثر من سبعني دولة ومنظمة<br />
عربية وإقليمية ودولية وكان من بني أهدافها بحث إمكانية إقامة<br />
سوق إفريقية عربية مشتركة تخدم حوالي مليار ونصف نسمة .<br />
ويف اجلانب املقابل حرصت الدول اإلفريقية على تأكيد مدى<br />
قناعتها بأهمية العاقة مع الدول العربية وأن اجلانب التاريخي<br />
يف العاقة وطبيعة املصالح املشتركة بني اجلانبني كفيلة بأن<br />
يكون هناك تناغمًا وتنسيقًا مستمرًا يف املواقف بينهما، األمر<br />
الذي دفع الدول اإلفريقية إلى قطع عاقاتها مع إسرائيل يف<br />
أعقاب حرب يونيو عام 1967م، وحرب أكتوبر عام 1973م،
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
96<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
فيما عدد قليل للغاية من هذه الدول، ومن املاحظ أن الدول<br />
اإلفريقية وهي تتخذ هذا القرار الهام اتخذته تأييدًا للمواقف<br />
العربية والفلسطينية يف مواجهة العدوان اإلسرائيلي على الدول<br />
العربية، ومن املهم هنا أن نشير إلى أن معظم الدول اإلفريقية<br />
كانت قد صوتت على قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة باعتبار<br />
الصهيونية تعد شكاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري<br />
فيما وذلك يف 15 نوفمبر عام 1975م، ( مت إلغاء هذا القرار يف<br />
تصويت مماثل يف األمم املتحدة يف ديسمبر 1991م، أي مباشرة<br />
بعد عقد مؤمتر مدريد للسام يف الشرق األوسط ) .<br />
ويف اإلطار نفسه كانت منظمة الوحدة اإلفريقية )االحتاد<br />
اإلفريقي فيما بعد( وكذا األغلبية العظمى من<br />
دول القارة تتبنى بصورة واضحة موقفًا موحدًا<br />
من االحتال اإلسرائيلي لألراضي الفلسطينية<br />
واعتبرت أن القضية الفلسطينية هي جوهر<br />
النزاع يف الشرق األوسط، وطالبت بتطبيق<br />
قرارات الشرعية الدولية وضرورة االنسحاب<br />
اإلسرائيلي إلى حدود ما قبل يونيو عام 1967م،<br />
ومنح الفلسطينيني حق تقرير املصير وإقامة<br />
دولتهم املستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مع<br />
حق إسرائيل يف العيش يف أمن وسام واستقرار<br />
يف املنطقة، كما مت تبادل الزيارات على مستويات سياسية عليا<br />
بني مسئولي العديد من الدول اإلفريقية واجلانب الفلسطيني<br />
وكذا فتح بعض السفارات اإلفريقية )يف رام اهلل( تأكيدًا العتراف<br />
هذه الدول اإلفريقية بدولة فلسطني .<br />
لم تكن القارة اإلفريقية غائبة عن التفكير اإلسرائيلي<br />
االستراتيجي يف أية مرحلة من مراحل الصراع العربي/<br />
اإلسرائيلي، ولم تتوان إسرائيل عن بذل كل اجلهود واحملاوالت<br />
ليكون لها موطئ قدم يف إفريقيا بالرغم من الوجود العربي<br />
واإلسامي السابق على الوجود اإلسرائيلي مبئات السنني وذلك<br />
استنادًا على السياسة اإلسرائيلية التي تعتمد على مبدأ النفس<br />
الطويل، وميكن هنا اإلشارة لبعض العوامل التي حددت سياسة<br />
إسرائيل يف إفريقيا )قدميًا وحديثًا( على النحو التالي:<br />
- مؤمتر بازل الذي عقد يف سويسرا عام 1897م، حدد بعض<br />
الدول اإلفريقية كبدائل إلقامة وطن قومي لليهود )أوغندا –<br />
كينيا( إذا ما تعثرت جهود إقامته يف فلسطني.<br />
- القارة اإلفريقية حتتل موقعًا استراتيجيًا هامًا وبالتالي كان لزامًا<br />
على إسرائيل أن يكون لها عاقة مع دول القارة لاستفادة من هذا<br />
املوقع يف تأمني مصاحلها، ويف نفس الوقت عدم ترك الساحة<br />
اإلفريقية أمام الدول العربية واإلسامية لتتحرك فيها بحرية مبا<br />
قد يؤدي إلى تضييق اخلناق على النفوذ اإلسرائيلي الطموح هناك.<br />
إسرائيل اعتمدت<br />
سياسة النفس الطويل<br />
يف إفريقيا ليكون لها<br />
موطئ قدم رغم الوجود<br />
العربي واإلسالمي<br />
- استثمار وجود جاليات يهودية يف بعض الدول اإلفريقية<br />
كمدخل مناسب يخدم املصالح اإلسرائيلية سواء لدعم التواجد<br />
اإلسرائيلي هناك، أو لتهجير بعض هذه اجلاليات إلى إسرائيل<br />
لاستفادة منها يف دعم اجلانب البشري الذي تعاني إسرائيل<br />
من نقص فيه )عمليات تهجير يهود الفاشا من أثيوبيا ابتداء<br />
من عام 1990م(.<br />
- استثمار حاجة الدول اإلفريقية حديثة االستقال والفقيرة<br />
اقتصاديًا يف تشجيعها على إقامة العاقات الثنائية معها يف<br />
مختلف املجاالت وتقدمي ما ميكن تقدميه من أوجه مساعدات<br />
ومبا يساهم يف تأسيس عاقات إسرائيلية / إفريقية مبنية على<br />
مصالح قوية ال ميكن االستغناء عنها، وجتدر<br />
اإلشارة هنا إلى أن مبيعات الساح اإلسرائيلي<br />
إلفريقيا قد جتاوزت أربعة مليارات دوالر مؤخرًا.<br />
- استغال العاقات اإلسرائيلية األمريكية<br />
واألوروبية املميزة يف نفاذ الشركات اإلسرائيلية<br />
إلى إفريقيا حتت ساتر شركات أجنبية غير<br />
إسرائيلية، وياحظ أن هذا األمر قد حدث<br />
يف البداية فقط ثم سرعان ما تغير وأصبحت<br />
الشركات اإلسرائيلية املختلفة تعمل يف إفريقيا<br />
بشكل واضح وعلني.<br />
- ألن إفريقيا متثل كتلة تصويتية مؤثرة يف األمم املتحدة، عملت<br />
إسرائيل على تفتيتها حتى ال تستمر يف مناصبة العداء لها، بل<br />
حتركت من أجل تغيير توجه هذه الكتلة والعمل على استثمارها<br />
لصالح دعم املوقف اإلسرائيلي عند احلاجة وخاصة يف بعض<br />
القرارات الدولية الصادرة عن اجلمعية العامة لألمم املتحدة.<br />
- استثمار تصاعد ظاهرة اإلرهاب يف العالم وبالطبع وجود<br />
جماعات إرهابية يف بعض الدول اإلفريقية من أجل تأسيس<br />
شراكة استراتيجية بينها وبني هذه الدول حتت شعار مواجهة<br />
اإلرهاب، وإظهار قدرة إسرائيل على تقدمي خبراتها للمساعدة<br />
على القضاء على هذه الظاهرة أو على األقل حتجيمها.<br />
وبالرغم من أن العاقات العربية / اإلفريقية اتسمت بأنها<br />
عاقات جيدة وطبيعية لفترات طويلة إال أن أهم املشكات التي<br />
واجهتها متثلت يف أنها لم تتطور بالصورة املأمولة إفريقيًا،<br />
وقد استثمرت إسرائيل هذا الوضع وانطلقت منذ منتصف<br />
اخلمسينيات وحتى منتصف الستينيات لتدعم عاقاتها اإلفريقية<br />
يف كافة املجاالت املتاحة )عسكريًا – أمنيًا – استخباراتيًا –<br />
علميًا - اقتصاديًا والسيما يف املجال الزراعي والتجاري( وقد<br />
شجعها على ذلك أمرين، األمر األول تضاؤل حجم الدعم<br />
العربي االقتصادي إلفريقيا مقارنة بالدعم الدولي الذي وصل<br />
يف السنوات األخيرة إلى ما يربو عن 200 مليار دوالر، واألمر
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 97<br />
العدد ملف<br />
الثاني هو أن القيادات اإلفريقية رحبت ترحيبًا كبيرًا بهذا الدعم<br />
اإلسرائيلي الذي مت تقدميه يف مراحل معينة دون مقابل مادي ،<br />
واستمر هذا الوضع حتى قيام حرب يونيو 1967م، والتي شهدت<br />
مرحلة جديدة يف العاقات اإلسرائيلية / اإلفريقية متثلت يف<br />
تبني الدول اإلفريقية للموقف العربي وقامت بقطع عاقاتها مع<br />
إسرائيل واستمر هذا الوضع حتى حرب أكتوبر 1973م، والتي<br />
شهدت أيضً ا عملية قطع شبه كامل للعاقات مع إسرائيل .<br />
يف أعقاب توقيع مصر معاهدة السام مع إسرائيل عام<br />
1979م، بدأت الدول اإلفريقية تراجع سياساتها جتاه إسرائيل<br />
ووصلت إلى قناعة مفادها أن بدء عملية سام مصرية أو عربية<br />
مع إسرائيل يعد متغيرًا جديدًا على الساحة الدولية يفترض إنهاء<br />
حالة العداء بني مصر وإسرائيل وبالتالي ال توجد أية مبررات أمام<br />
الدول اإلفريقية الستمرار حالة العداء مع إسرائيل، وبدأت الدول<br />
اإلفريقية تعيد عاقاتها الدبلوماسية املقطوعة مع إسرائيل وهو<br />
األمر الذي شجع األخيرة بالتالي على اإلسراع باستئناف كافة<br />
أوجه عاقاتها بالدول اإلفريقية بل وتطويرها يف بعض املجاالت<br />
التي حتتاجها هذه الدول )قيام العديد من املسؤولني اإلسرائيليني<br />
الرسميني وخاصة وزراء اخلارجية بزيارات وجوالت متعددة لبعض<br />
الدول اإلفريقية على فترات متقاربة( .<br />
جنحت إسرائيل يف أن يكون تعاملها مع الدول اإلفريقية من<br />
خال مؤسسات إسرائيلية قوية ومدعومة من الدولة وقادرة على<br />
تقدمي املساعدات التي حتتاجها هذه الدول، ويف هذا املجال مت يف<br />
اخلمسينيات من القرن املاضي تأسيس ما يطلق عليه املؤسسة<br />
الدولية للتعاون والتنمية MASHAV )املاشاف( وهي مؤسسة<br />
تابعة لوزارة اخلارجية اإلسرائيلية تتمثل مهمتها الرئيسية يف<br />
تقدمي املساعدات املطلوبة للدول اإلفريقية، وقامت املاشاف<br />
بجهد كبير وبنجاح واضح يف دعم التواجد اإلسرائيلي على<br />
مستوى القارة اإلفريقية والسيما يف املجال الزراعي والتعليمي<br />
والطبي بشقيه البشري والبيطري ومجال توفير مصادر املياه<br />
والكهرباء وكافة املجاالت التي حتظى باهتمام املواطن اإلفريقي.<br />
إذن لم تتحرك إسرائيل بصورة عشوائية وهي تتعامل مع<br />
القارة اإلفريقية بل حددت أسس وأهداف حتركها يف املناطق<br />
االستراتيجية الهامة يف القارة فعلى سبيل املثال وليس احلصر<br />
حرصت على أن يكون لها تواجد يف منطقة البحيرات العظمى<br />
وساهمت بشكل مباشر يف تأجيج حالة عدم االستقرار التي<br />
شهدتها األوضاع يف هذه املنطقة الهامة ( دعم بعض اجلماعات<br />
املتمردة (، كما حرصت بشكل واضح على دعم عاقاتها مع<br />
دول حوض نهر النيل والتواجد على األرض يف أهم دول املنبع<br />
وهو أمر يجد تفسيره يف أن إسرائيل تستهدف التأثير على دول<br />
املصب )مصر والسودان( فدولة عربية مؤثرة مثل مصر تعتمد<br />
يف أكثر من %95 من مصادرها املائية على مياه نهر النيل التي<br />
تنبع من أثيوبيا ذات العاقات القوية مع إسرائيل البد وأن تتأثر
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
98<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
إسرائيل تتعامل مع إفريقيا عبر مؤسسات قوية ومدعومة من<br />
الدولة وأسست )الماشاف( لهذا الهدف<br />
سلبًا بهذه العاقة التي لن تصب بالتأكيد يف صالح مصر التي<br />
دخلت يف ماراثون تفاوضي ودبلوماسي شاق من أجل أال يسبب<br />
سد النهضة التي تقوم إثيوبيا بإنشائه على األمن املصري املائي.<br />
وال يفوتنا هنا أن نشير إلى موقف الواليات املتحدة جتاه<br />
إفريقيا حتى تكون صورة التواجد الدولي املؤثر يف القارة أكثر<br />
وضوحً ا، فقد جاء القرار األمريكي بالتواجد يف القارة اإلفريقية<br />
مبثابة عامل مساعد أضيف يف جانب دعم العاقات اإلفريقية<br />
/ اإلسرائيلية يف مقابل ما مثله من بعض القيود على تطوير<br />
العاقات اإلفريقية / العربية، ويف هذا الشأن فقد أعلنت الواليات<br />
املتحدة عام 2002م، أن القارة اإلفريقية تعد منطقة استراتيجية<br />
وقامت بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية يف إفريقيا منذ عام 2006م،<br />
( أفريكوم ) باإلضافة إلى دعم عاقاتها مع العديد من الدول<br />
اإلفريقية والعمل على تشجيعها على إجناز ما تسميه واشنطن<br />
بالتحول الدميقراطي ودعم قضايا حقوق اإلنسان، مع االستمرار<br />
يف محاوالت مواجهة التواجد الروسي والصيني واإليراني خاصة<br />
وأن إفريقيا غنية بالعديد من الثروات التعدينية والسيما اليورانيوم<br />
باإلضافة إلى الفوسفات واملنجنيز والبوكسيت .<br />
ولعل ما يجدر أن نقف عنده كثيرًا هنا تلك التأثيرات الناجمة<br />
عن هذه العاقات حيث جند أن هناك بعض الدول اإلفريقية<br />
بدأت تصوت يف األمم املتحدة لصالح املوقف اإلسرائيلي ضد<br />
املوقف العربي يف بعض القرارات الهامة أو حتى متتنع عن<br />
التصويت ، وهو ما يعتبر متغيرًا حادًا يف شكل وطبيعة العاقات<br />
اإلسرائيلية / اإلفريقية / العربية ، ومن أمثلة ذلك تصويت<br />
بعض الدول اإلفريقية عام 2004م، لصالح بقاء اجلدار العازل<br />
العنصري الذي أقامته إسرائيل على حدود الضفة الغربية وهو<br />
األمر الذي لم يكن ليحدث يف فترات سابقة، وقد عكس ذلك<br />
ضرورة أن تعيد الدول العربية تقييمها لعاقاتها مع الدول<br />
اإلفريقية وكيف تركت هذه الدول مساحة كبيرة إلسرائيل ليس<br />
فقط لتتحرك يف القارة اإلفريقية ولكن لتؤثر وتوجه يف كل ما<br />
يتعلق مبحاوالت حصار التواجد العربي واإلسامي يف إفريقيا<br />
قدر املستطاع .<br />
ومن الضروري أن نقر بحقيقة واضحة تتمثل يف أن الدول<br />
العربية حرصت على دعم عاقاتها االقتصادية مع الدول<br />
اإلفريقية وزيادة حجم استثماراتها هناك من خال بعض<br />
املؤسسات اخلليجية املعروفة التي تنفذ مشروعات اقتصادية<br />
كبرى ( على سبيل املثال املصرف العربي للتنمية اإلفريقية –<br />
صناديق التنمية العربية يف إفريقيا(، وهنا نشير إلى أحدث<br />
التطورات يف هذه العاقة حيث استضافت مدينة شرم الشيخ يف<br />
يونيو 2015م، القمة الثالثة للتكتات االقتصادية الثاث الكبرى<br />
على مستوى القارة اإلفريقية ( الكوميسا – الساداك – جماعة<br />
دول شرق إفريقيا ) مبشاركة 26 دولة بهدف إحداث طفرة يف<br />
العاقات االقتصادية بني الدول اإلفريقية والدول العربية واتخاذ<br />
اإلجراءات الكفيلة بتحرير التجارة بني هذه الدول وإقامة سوق<br />
مشتركة بينها ( نشير إلى انخفاض معدل التبادل التجاري بني<br />
مصر وإفريقيا إلى حوالي ثمانية مليار دوالر يف العام الواحد (،<br />
إضافة إلى اجلهد الذي تقوم به اململكة العربية السعودية والذي<br />
وضح خال الفترة األخيرة من زيارات رئاسية من العديد من<br />
الدول اإلفريقية للمملكة تتويجً ا لرؤيتها بضرورة أن يتم تأسيس<br />
هذه العاقة على أسس ثقة متبادلة وقوية .<br />
ومن الواضح أن أية محاوالت الستعادة الدور العربي على<br />
املستوى اإلفريقي ومواجهة النفوذ اإلسرائيلي املتزايد هناك البد<br />
أن ترتبط أساسً ا باملوضوع االقتصادي ومدى انعكاس نتائجه على<br />
زيادة معدل النمو االقتصادي حيث أن الدول اإلفريقية الزالت<br />
يف مرحلة حديثة اقتصاديًا وهي يف حاجة لتلقي املساعدات<br />
واالستثمارات من أية دولة قادرة على تقدميها دون النظر إلى<br />
اجلانب املعنوي أو الديني أو العاطفي حيث أن اجلانب املصلحي<br />
هو الذي يحرك سياسات هذه الدول كما يحرك سياسات<br />
كافة دول العالم, ومن ثم فإن بقدر جناح الدول العربية يف<br />
دعم عاقاتها االقتصادية وزيادة استثماراتها إفريقيًا مبا يفوق<br />
معدالت الوضع احلالي ، فإن النتائج سوف تكون إيجابية لصالح<br />
الدور العربي على مستوى القارة اإلفريقية ولصالح الدعم<br />
اإلفريقي للحقوق الفلسطينية املشروعة يف مواجهة إسرائيل<br />
التي الزلت حتقق جناحات متتالية يف عاقاتها اإلفريقية ، ومن<br />
الضروري أن ننوه هنا إلى أن رئيس الوزراء اإلسرائيلي احلالي<br />
بنيامني نتانياهو قد قام بجولة إفريقية يف ديسمبر 2011م (<br />
أوغندا – أثيوبيا – كينيا – جنوب السودان ) وسوف يقوم بجولة<br />
أخرى قريبًا يف بعض الدول اإلفريقية من بينها أثيوبيا تأكيدًا<br />
لاهتمام اإلسرائيلي بأفريقيا .<br />
*باحث ورئيس قسم الدراسات اإلسرائيلية والفلسطينية<br />
باملجلس املصري للشؤون اخلارجية
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 99<br />
العدد ملف<br />
اململكة وثقت عالقاتها ب 43 بعثة دبلوماسية والصناعات العسكرية<br />
السياسة السعودية يف إفريقيا<br />
آفاق واعدة وفرص مواتية<br />
شهدت األعوام املاضية حتركًا سعوديًا نشطً ا صوب القارة اإلفريقية، وهو ما يعكس تصاعد أهمية الدائرة<br />
اإلفريقية بني دوائر حركة السياسة اخلارجية السعودية، ويكشف عن مشروع متكامل حملاصرة نفوذ القوى اإلقليمية<br />
املنافسة يف إفريقيا، وتنويع خارطة التحالفات اإلقليمية، وتقليل االعتماد على الغرب، ومواجهة التداعيات السلبية<br />
النخفاض أسعار النفط. وعلى ذلك يسعى هذا التقرير إلى رصد أهداف ودوائر التحرك السعودي يف القارة،<br />
وكذلك أدوات حتقيق املصالح الوطنية السعودية، والفرص والتحديات التي تواجه الدور السعودي املتنامي يف القارة.<br />
د. أمين السيد شبانة<br />
أوالً- موقع إفريقيا بين دوائر الحركة السياسية السعودية:<br />
تقوم السياسة اخلارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ<br />
وثوابت ومعطيات جغرافية، تاريخية، دينية، اقتصادية، أمنية،<br />
سياسية، على أساس: االنسجام مع مبادئ الشريعة اإلسامية<br />
باعتبارها دستوراً للمملكة، وحسن اجلوار وعدم التدخل يف الشؤون<br />
الداخلية للدول األخرى، والعمل ألجل السام والعدل الدوليني،<br />
ورفض اإلرهاب بكافة أشكاله وأساليبه، وااللتزام بقواعد القانون<br />
الدولي واملعاهدات واملواثيق الدولية والثنائية، والدفاع عن القضايا<br />
العربية واإلسامية يف احملافل الدولية، وتطبيق سياسة متوازنة يف<br />
مجال إنتاج وتسويق النفط، وانتهاج سياسة عدم االنحياز، ولعب<br />
دور فاعل يف إطار املنظمات اإلقليمية والدولية.<br />
وتدور حركة السياسة اخلارجية السعودية بني أربع دوائر<br />
أساسية هي: الدائرة اخلليجية، الدائرة العربية، الدائرة اإلسامية،<br />
والدائرة الدولية. وهنا حتتل القارة اإلفريقية موقعًا متميزًا، حيث<br />
إنها متثل قاسمًا مشتركًا بني الدوائر العربية واإلسامية والدولية.<br />
لذا حرصت اململكة على مد جسور التواصل مع دول إفريقيا جنوب<br />
الصحراء منذ ستينيات القرن املنصرم، بالتزامن مع حصول الدول<br />
اإلفريقية على استقالها، وانضمامها إلى عضوية األمم املتحدة.<br />
وتعتبر زيارة العاهل السعودي الراحل امللك فيصل بن عبد العزيز<br />
للسودان عام 1965م، وجولته يف إفريقيا عام 1972م، من العامات<br />
الفارقة يف تاريخ العاقات السعودية-اإلفريقية.<br />
تغطي العاقات السعودية كافة األقاليم اإلفريقية جنوب<br />
الصحراء با استثناء. لكن يظل إقليم القرن اإلفريقي يف مركز<br />
الصدارة، نظراً الرتباطه الوثيق بأمن اململكة واخلليج العربي،<br />
خاصة يف مواجهة التغلغل اإليراني واإلسرائيلي.<br />
ثانياً-المصالح واألهداف السعودية يف إفريقيا:<br />
1-مواجهة النفوذ اإليراني واإلسرائييل يف إفريقيا:<br />
تسعى السعودية إلى مواجهة النفوذ اإليراني واإلسرائيلي<br />
املتزايد يف إفريقيا، وتعتبره تهديدًا ألمنها الوطني بصفة<br />
خاصة، وخصمًا من قوة النظام اإلقليمي العربي عامة.<br />
وبالنسبة إليران فقد حققت وجودًا سياسيًا واقتصاديًا<br />
مؤثرًا يف القارة، مستفيدة من انحسار قوة العراق، وجنوح<br />
بعض اجلماعات السلفية إلى التطرف والعنف، وتراجع الدور<br />
العربي بوجه عام يف إفريقيا.<br />
وثقت إيران عاقاتها مع معظم دول القارة، خاصة السودان<br />
واريتريا، والسنغال ونيجيريا. كما دعمت املذهب الشيعي يف<br />
إفريقيا، بإنشاء أحزاب على منط حزب اهلل اللبناني، حتى يف<br />
دول األغلبية السنية الساحقة، مثل نيجيريا، التي تسلل إليها<br />
التشيع على يد إبراهيم الزكزكي منذ منتصف التسعينيات.<br />
باإلضافة إلى مشاركة سفنها يف جهود مكافحة القرصنة يف<br />
خليج عدن، ودعمها املالي والتسليحي للحوثيني يف اليمن.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
100<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
العالقات السعودية - اإلفريقية بدأت بدوافع دينية تبعها كيانات<br />
تنظيمية لخدمة األنشطة الدعوية والدفاع عن مصالح وقضايا األمة<br />
أما إسرائيل، فإن وجودها املتنامي يف القارة يقلق اململكة،<br />
خاصة مع دور إسرائيل يف تهديد األمن املائي املصري يف حوض<br />
النيل، واتباع سياسة الضربات االستباقية التي أضحت تركز<br />
عليها تل أبيب، حيث شنت هجمات صاروخية داخل العمق<br />
السوداني. ولعل ذلك هو ما دفع اململكة إلى تدعيم الدول<br />
اإلفريقية التخاذ مواقف مؤيدة للعرب يف القضايا املتعلقة<br />
بالصراع العربي اإلسرائيلي، ومنها جيبوتي والصومال والنيجر،<br />
مثلما فعلت من قبل عندما دعمت الدول اإلفريقية التي قطعت<br />
عاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973م.<br />
2-تنويع خارطة الحلفاء اإلقليميين:<br />
تسعى السعودية إلى االنفتاح على القارة اإلفريقية لتنويع خارطة<br />
حتالفاتها اإلقليمية، خاصة أن القارة حتتل املرتبة الثانية –بعد الكتلة<br />
اآلسيوية- بني الكتل التصويتية يف اجلمعية العامة لألمم املتحدة<br />
مبجموع )54 دولة(. وأنها حتتفظ بثاثة مقاعد غير دائمة يف مجلس<br />
األمن. فضاً عن عضوية الكثير من دولها يف مجموعة عدم االنحياز،<br />
ومجموعة السبع والسبعني ومنظمة التعاون اإلسامي وغيرها. ولعل<br />
دور األفارقة يف صدور قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة عام<br />
1975م، باعتبار الصهيونية إيديولوجية عنصرية ثم دورهم يف إلغاء<br />
هذا القرار عام 1991 م، يعكس الثقل اإلفريقي يف احملافل الدولية.<br />
يضاف إلى ذلك حرص اململكة على مواجهة تداعيات<br />
األحداث يف دول الربيع العربي، واحليلولة دون امتداد رياح<br />
التغيير، وكذلك التنسيق السياسي مع الدول اإلفريقية حيال<br />
بعض القضايا وأهمها القضية الفلسطينية، وامللف السوري،<br />
وإصاح األمم املتحدة، وتوسيع عضوية مجلس األمن الدولي،<br />
الذي ميثل بتشكيله احلالي عدم توازن القوى يف العالم.<br />
وجتلت أهمية القارة مؤخرًا مع عاصفة احلزم ضد<br />
احلوثيني، حيث أيدتها غالبية الدول اإلفريقية سياسياً.
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 101<br />
العدد ملف<br />
وشاركت فيها عسكرياً كل مصر والسودان واملغرب فعلياً، ورمبا<br />
السنغال الحقاً.<br />
3-التعاون يف مجال مكافحة اإلرهاب:<br />
تعتبر مكافحة اإلرهاب أحد أهم دوافع التحرك السعودي<br />
يف إفريقيا، خاصة مع تعرض اململكة للعديد من احلوادث<br />
اإلرهابية، ما دفعها إلى تبني إنشاء مركز ملكافحة اإلرهاب تابع<br />
لألمم املتحدة، حيث أطلق امللك الراحل عبد اهلل بن عبد العزيز<br />
هذه الفكرة إلى أن مت إنشاء املركز عام 2011م.<br />
ولعل إعان اململكة جماعة اإلخوان املسلمني كجماعة<br />
إرهابية يف 7 مارس 2014م، يعتبر من أقوى<br />
املمارسات يف هذا الشأن، حيث أصدرت اململكة<br />
بيانًا أضافت فيه اإلخوان املسلمني إلى الئحة<br />
التنظيمات اإلرهابية. ودفع ذلك دوالً أخرى إلى<br />
االقتداء باململكة، ومنها اإلمارات التي أعلنت<br />
اإلخوان كتنظيم إرهابي يف نوفمبر2014م.<br />
كما كان ملف مكافحة اإلرهاب وحركات<br />
التطرف الديني أحد أبرز امللفات محل االهتمام<br />
يف العاقات السعودية-اإلفريقية، خاصة مع<br />
الدول التي تعاني من وجود احلركات التكفيرية<br />
املتطرفة مثل: نيجيريا )بوكو حرام( والصومال )الشباب<br />
املجاهدين( ومصر وليبيا وتونس )أنصار الشريعة(، وموريتانيا<br />
)التوحيد واجلهاد(، ومالي )أنصار الدين(.<br />
كما حترص اململكة حاليًا على توقيع االتفاقات مع<br />
الدول اإلفريقية يف مجال محاربة اإلرهاب، وتبادل املعلومات<br />
االستخباراتية، وتسليم املجرمني، ومحاربة التجارة غير<br />
املشروعة. ومن ذلك االتفاق السعودي-االريتري يف أبريل 2016م.<br />
4-التعاون االقتصادي والتقني مع الدول اإلفريقية:<br />
توفر القارة اإلفريقية فرصً ا اقتصادية سانحة أمام السعودية،<br />
سواء ملا متلكه من ثروات معدنية وطبيعية، أو من حيث حجم<br />
السوق اإلفريقية. إذ تزخر القارة بنحو %30 من احتياطي الثروات<br />
املعدنية يف العالم. وتعتبر من أهم منتجي العالم من املاس<br />
والذهب والباتني واليورانيوم، واألخشاب والكاكاو والن والشاي<br />
..الخ. كما يتسم السوق اإلفريقي باالتساع )مليار ومائة وخمسني<br />
مليون نسمة(، فضاً عن القرب اجلغرايف من اململكة، والتنوع. لذا<br />
سعت اململكة إلى تعزيز التبادل التجاري مع دول القارة.<br />
كما تضم القارة اإلفريقية أكثر من 21 دولة منتجة للنفط،<br />
منهم أربع دول تنتمي ألوبك هي: نيجيريا، أجنوال، ليبيا،<br />
واجلزائر. كما تشير األرقام إلى أن أكثر من نصف االكتشافات<br />
إيران تواجدت في<br />
إفريقيا مستفيدة من<br />
التراجع العربي وتطرف<br />
جماعات سلفية<br />
وانحسار قوة العراق<br />
النفطية التي حدثت يف األعوام العشر األخيرة كانت يف دول<br />
غرب أفريقيا، خاصة منطقة خليج غينيا.<br />
لذلك حترص اململكة على تدعيم التعاون مع الدول<br />
النفطية يف القارة، خاصة نيجيريا وأجنوال، اللتان حتتان حالياً<br />
املركزين األول والثاني يف إنتاج النفط يف إفريقيا. ولعل هذا<br />
هو ما يفسر حرص الرياض على إقامة عاقات دبلوماسية مع<br />
أجنوال عام 2009م، بعد انضمام األخيرة إلى أوبك عام 2007.<br />
كما يفسر استقبال اململكة للرئيس النيجيري محمد بخاري يف<br />
فبراير 2016م، بهدف ضبط أسعار النفط، وكذا توثيق العاقات<br />
السعودية مع غينيا االستوائية.<br />
من جهة أخرى، حترص الرياض على االستفادة<br />
من اإلمكانيات التقنية لدى بعض دول القارة، مثل<br />
جنوب أفريقيا، التي تشترك مع السعودية يف<br />
عضوية مجموعة العشرين، والتي متلك رصيداً<br />
وافراً من اخلبرة يف التصنيع املدني، والطاقة<br />
املتجددة، واالتصاالت، واألقمار الصناعية، والثروة<br />
السمكية، والهندسة والطب، ومكافحة اجلرمية<br />
املنظمة. يضاف إلى ذلك خبرة جنوب أفريقيا يف<br />
التصنيع العسكري، حيث تسعى اململكة إلى تقليل<br />
واردات الساح من الغرب، وتطوير صناعتها<br />
العسكرية يف مجال الدفاع اجلوي، يف مواجهة التقدم اإليراني<br />
الذي حققته إيران يف تكنولوجيا الصواريخ بعيدة املدى.<br />
ثالثاً-أدوات التحرك السعودي يف إفريقيا:<br />
استطاعت السعودية أن تكسب مزيداً من النفوذ يف القارة<br />
اإلفريقية، مستفيدة يف ذلك ثاثة عوامل هي:<br />
الرمزية الدينية للمملكة التي تساعدها يف النفاذ إلى القارة ذات<br />
األغلبية املسلمة، حيث تعتبر إفريقيا هي القارة األولى يف العالم من حيث<br />
نسبة املسلمني إلى إجمالي عدد السكان )%52 من األفارقة مسلمون(.<br />
االنكسارات التي تعرضت لها إيران يف إفريقيا منذ عام<br />
2010م، عندما قطعت نيجيريا والسنغال وجامبيا عاقاتهما<br />
الدبلوماسية بإيران، وأوقفت جنوب إفريقيا وإدارتها النفطية<br />
منها، التزاماً بالعقوبات الدولية.<br />
اإلمكانيات االقتصادية للمملكة، يف مقابل عدم وفاء إيران<br />
بتعهداتها التجارية واالستثمارية ومساعدتها لدول القارة. وقد<br />
كان ذلك من أهم األسباب التي دفعت السودان وجيبوتي وجزر<br />
القمر إلى قطع عاقاتها الدبلوماسية مع إيران يف يناير2016م.<br />
وجنحت السعودية يف توظيف مختلف أدوات السياسة<br />
اخلارجية على التوازي يف سبيل حتقيق وتعظيم مصاحلها<br />
الوطنية يف القارة، ومن أهم هذه األدوات ما يلي:
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
102<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
1-األداة الدبلوماسية والزيارات المتبادلة:<br />
وثقت السعودية عاقاتها بدول القارة السمراء عبر<br />
تشكيل اللجان العليا املشتركة، ومنها اللجنة السعودية– املصرية،<br />
برئاسة وزيري اخلارجية يف الدولتني، وجلنة التشاور السعودي-<br />
السوداني، وغيرهما.<br />
كما حترص اململكة على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع<br />
الدول اإلفريقية، حيث بلغ عدد البعثات الدبلوماسية السعودية<br />
يف إفريقيا 43 بعثة حتى أبريل 2016م، متفوقة بذلك على إيران<br />
التي كانت ترتبط بعاقات دبلوماسية مع 30 دولة إفريقية قبل<br />
األزمة الدبلوماسية بني طهران والرياض يف يناير2016م، والتي<br />
دفعت بعض دول القارة إلى قطع عاقاتها الدبلوماسية مع إيران.<br />
وحترص اململكة أيضً ا على املشاركة يف الفعاليات اإلفريقية،<br />
ومنها القمة السادسة والعشرين لاحتاد اإلفريقي بأديس أبابا<br />
يف يناير2016م، التي شارك فيها وفد برئاسة وزير اخلارجية<br />
عادل اجلبير. باإلضافة إلى الزيارات املتبادلة التي أصبحت<br />
تتم بوتيرة متسارعة وبوفود كبيرة العدد، ومتنوعة التخصصات<br />
واخلبرات. وهنا جتدر اإلشارة إلى ماحظتني هما:<br />
شهد عام 2016م، 2015/ استقبال اململكة لرئيس الوزراء<br />
اإلثيوبي، ورؤساء اريتريا، وجيبوتي، والصومال، ملواجهة تداعيات<br />
الصراع اليمني، وكذا استقبال رؤساء مصر والسودان والسنغال<br />
وموريتانيا، لبحث تداعيات عاصفة احلزم. واستقبال الرئيس<br />
النيجيري محمد بخاري لضبط أسعار النفط، واستقبال جاكوب<br />
زوما رئيس جنوب إفريقيا يف مارس 2016م، لبحث تطوير التصنيع<br />
العسكري. بل إن بعض هؤالء الرؤساء زار اململكة ثاث مرات<br />
خال أقل من عام مثل رؤساء إريتريا والسودان وموريتانيا.<br />
يف الوقت الذي حرص فيه رؤساء دول القارة على زيارة<br />
السعودية، ظلت اململكة تعتمد حتى اآلن على وزير خارجيتها يف<br />
زيارة الدول اإلفريقية، حيث زار وزير اخلارجية كل من جنوب<br />
إفريقيا والسودان وزامبيا، وكينيا وتنزانيا خال العام األخير.<br />
ويتوقع الكثيرون أن زيارة العاهل السعودي امللك سلمان بن عبد<br />
العزيز إلفريقيا جنوب الصحراء، سوف متثل قوة دفع هائلة<br />
لدور اململكة يف القارة اإلفريقية.<br />
2-االستثمار والتبادل التجاري:<br />
السعودية أكبر مستثمر خليجي يف معظم دول القارة اإلفريقية<br />
مثل مصر والسودان وجنوب إفريقيا والسنغال وإثيوبيا، حيث بلغ<br />
عدد املشروعات السعودية يف إثيوبيا على سبيل املثال 294 مشروعًا،<br />
بقيمة 3 مليار دوالر، منها 141 مشروعًا يف اإلنتاج احليواني<br />
والزراعي، و64 مشروعًا صناعيًا، ومشروعات أخرى متنوعة.<br />
ويف إطار حرص اململكة على دفع العاقات االقتصادية بينها<br />
وبني القارة اإلفريقية، جرى تنظيم العديد من االجتماعات بني<br />
مجلس الغرف السعودية وسفراء الدول اإلفريقية باململكة. كما<br />
استضافت الرياض يف ديسمبر2010م، مؤمتر االستثمار اخلليجي<br />
اإلفريقي، بهدف تعزيز العاقات التجارية واالستثمارية بني<br />
اجلانبني يف قطاعات املصارف، والتجارة واالستثمار الزراعي،<br />
والبنية التحتية، واالتصاالت، والتعدين، والطاقة والنفط.<br />
وجتدر اإلشارة إلى ارتفاع نصيب السنغال من استثمارات<br />
الصندوق السعودي للتنمية يف غرب إفريقيا، بنسبة تصل إلى<br />
%40، وهو ما يفسر بأمرين هما: حرص السعودية على مد<br />
نفوذها الديني إلى السنغال، التي تبلغ نسبة املسلمني بها %96<br />
من السكان، ودعم السنغال القوي لعملية عاصفة احلزم.<br />
لكن االستثمارات السعودية يف إفريقيا ال تزال دون املستوى<br />
املأمول، فهي ال تتجاوز %2 من إجمالي االستثمارات السعودية<br />
يف العالم. ورمبا ميكن تفسير ذلك بارتباط بيئة االستثمار<br />
يف إفريقيا جنوب الصحراء بكثير من املشكات التي جتعلها<br />
بيئة غير آمنة نسبيًا، ومن ذلك الصراعات واحلروب األهلية،<br />
والفساد السياسي، والقصور التشريعي.<br />
وبالنسبة للتبادل التجاري، فقد بلغ حجم التجارة بني<br />
السعودية والدول اإلفريقية بنهاية العام 2015 نحو68.6 مليار<br />
ريال، منها 55.9 مليار للصادرات السعودية إلى إفريقيا، و12.7<br />
مليار لواردات اململكة. وتضم قائمة الصادرات السعودية النفط<br />
ومشتقاته. بينما تشمل الواردات: اللحوم، والفحم واملعادن.<br />
وهنا تبرز مصر وجنوب إفريقيا كأهم شركاء التجارة مع<br />
السعودية. كما يتوقع أيضً ا أن يزداد حجم التجارة السعودية<br />
اإلفريقية مع توجه اململكة إلى إقامة خطوط بحرية وبرية<br />
مباشرة مع دول القارة، مثل إقامة خطوط ماحية بني موانئ<br />
جيبوتي وجدة وجازان. كما يعتبر مشروع جسر امللك سلمان<br />
على خليج العقبة، والذي مت تدشينه لدى زيارة امللك سلمان بن<br />
عبد العزيز ملصر يف أبريل 2016م، أحد أبرز اخلطوات على<br />
طريق تعزيز التعاون بني السعودية والقارة اإلفريقية.<br />
يضاف إلى ما سبق العمالة اإلفريقية التي تنتشر يف<br />
اململكة، وهو ما مينح اململكة نفوذًا قويًا لدى دول القارة، التي<br />
السعودية تواجه النفوذ اإليراني واإلسرائييل يف أفريقيا وتعتبره<br />
تهديداً ألمنها الوطني وخصماً من قوة النظام العربي
ال ميكنها حتمل األعباء االقتصادية واالجتماعية لاستغناء عن<br />
هذه العمالة.<br />
3-المساعدات اإلنسانية والتنموية:<br />
تعد السعودية الدولة األولى يف العالم من حيث ما تقدمه من<br />
مساعدات خارجية إلى إجمالي الناجت القومي، واألولى بني دول أوبك،<br />
والثانية من حيث ما تقدمه كقيمة مطلقة بعد الواليات املتحدة.<br />
إذ أوصت األمم املتحدة الدول املانحة للمساعدات بأال تقل<br />
نسبة ما تقدمه من مساعدات عن % 0.7 من دخلها الوطني.<br />
لكن اململكة ظلت لعقود طويلة تقدم ما ال يقل عن %4 من<br />
ناجتها احمللي اإلجمالي. وكانت الدول اإلفريقية يف مقدمة<br />
املستفيدين من هذه املساعدات، حيث استفادت منها 41 دولة<br />
إفريقية، مقابل 23 دولة آسيوية، و9 دول أخرى.<br />
كما تتقدم السعودية الدول املانحة لعمليات اإلغاثة اإلنسانية،<br />
ومكافحة الفقر، وتسهم يف موازنات نحو 18 مؤسسة للتمويل<br />
الدولي، فضاً عن دعمها ملبادرة تخفيف الديون لدى صندوق النقد<br />
الدولي. ويعتبر الصندوق السعودي للتنمية مبثابة اجلهاز األساسي<br />
املعني بتقدمي املساعدات اإلنسانية والتنموية للدول اإلفريقية، فمن<br />
خاله قدمت اململكة الدعم الغذائي لدول القارة. ودعمت الاجئني<br />
والنازحني بها، حيث حترص اململكة على تأكيد أن هذه املساعدات<br />
غير مشروطة وال متيز بني البشر على أي أساس ديني أو عرقي.<br />
مقال<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 103<br />
إفريقيا تضم 21 دولة منتجة للنفط منهم 4 دول أعضاء<br />
أوبك ونصف االكتشافات النفطية الحديثة في غرب أفريقيا<br />
العدد ملف<br />
3- التصنيع العسكري: ومثال ذلك افتتاح مجمع عسكري<br />
بالسعودية إلنتاج قذائف الهاون وقنابل الطائرات، بترخيص من<br />
شركة )راينميتال دينيل( للذخيرة اجلنوب إفريقية، وبتكلفة بلغت<br />
حوالي 240 مليون دوالر.<br />
4- المساعدات العسكرية: تقدم اململكة دعمًا عسكريًا للعديد من<br />
الدول احلليفة، ومنها جيبوتي، التي حصلت على صفقة من<br />
الزوارق احلربية ملراقبة السواحل، وكذا السودان التي منحتها<br />
اململكة صفقة عسكرية كانت يف طريقها إلى لبنان، بعد مواقف<br />
حزب اهلل السلبية جتاه اململكة.<br />
ولعل ذلك هو ما دفع وزير الدفاع السوداني إلى القول بأن<br />
السودان متثل « أمني ظهر السعودية يف إفريقيا«. وقد بلغ األمر<br />
حد تصريح وزير اخلارجية السوداني إبراهيم غندور بإمكانية<br />
مشاركة السودان يف العمليات العسكرية البرية يف سوريا، قبل أن<br />
يؤكد أن األمر سابق ألوانه.<br />
5- المناورات المشتركة: ومن أهمها مناورات « رعد الشمال«، التي<br />
نظمتها السعودية يف حفر الباطن مبشاركة عشرين دولة، منها<br />
مصر والسودان، وتشاد، وجزر القمر، وموريشيوس، وجيبوتي،<br />
والسنغال، وتونس، واملغرب، وموريتانيا.<br />
6- اتفاقات التعاون العسكري: ومنها االتفاق بني السعودية<br />
واريتريا يف أبريل 2015م، يف مجال محاربة اإلرهاب والتجارة<br />
غير املشروعة والقرصنة يف البحر األحمر.<br />
4-التعاون العسكري:<br />
تعتبر السعودية واحدة من أكبر دول العالم من حيث اإلنفاق<br />
العسكري. إذ قدر إنفاقها الدفاعي خال العام 2015م، بنحو<br />
52 مليار دوالر. ويف إطار سعيها لتدعيم مصاحلها األمنية يف<br />
إفريقيا استخدمت اململكة آليات عديدة أهمها:<br />
1- إقامة القواعد العسكرية: إذ أعلن سفير جيبوتي لدى الرياض<br />
يف مارس 2016م، أنه جرى الترتيب إلنشاء قاعدة عسكرية<br />
سعودية يف جيبوتي، خال زيارة الرئيس اجليبوتي إسماعيل<br />
عمر جيله للسعودية. وهي خطوة ميكن تفسيرها برغبة اململكة<br />
يف مواجهة مساعي إيران الستئجار جزر لاستخدام العسكري<br />
على اجلانب اإلفريقي من البحر األحمر، وكذا رغبتها يف مراقبة<br />
النشاط اإلسرائيلي يف البحر األحمر والقرن اإلفريقي.<br />
2- تشكيل اللجان العسكرية المشتركة: ومنها اللجنة املشتركة بني<br />
السعودية وجيبوتي، والتي تشكلت بعد انطاق عاصفة احلزم.<br />
5-الدعوة الدينية والدفاع عن قضايا المسلمين:<br />
كان النفوذ السعودي يف أفريقيا يف بدايته بدوافع دينية أكثر منها<br />
سياسية أو اقتصادية، فقد انصب اهتمام اململكة أوال على اجلوانب<br />
الدعوية والتربوية. ومن أهم اآلليات التي تعتمد عليها اململكة يف هذا<br />
الشأن اجلمعيات اخليرية وأهمها: جلنة مسلمي إفريقيا، ومؤسسة<br />
احلرمني اخليرية، والندوة العاملية للشباب اإلسامي، وهيأة اإلغاثة<br />
العاملية، وإدارة املساجد واملشروعات اخليرية.<br />
إذ نشطت هذه الهيآت يف نشر اإلسام عبر إنشاء املدارس<br />
ودور حتفيظ القرآن، واملراكز اإلسامية الشاملة، التي تقدم<br />
اخلدمات الدينية والتعليمية والصحية، ومن ذلك املركز اإلسامي<br />
يف السنغال، والذي جاء ثمرة لزيارة امللك فيصل سنة 1972م.<br />
كما حرصت اململكة على إقامة كيانات تنظيمية خلدمة األنشطة<br />
الدعوية، والدفاع عن مصالح وقضايا الدول اإلسامية. ومن ذلك<br />
رابطة العالم اإلسامي، ومنظمة التعاون اإلسامي ومقرها جدة.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
109<br />
2016<br />
104<br />
العدد ملف<br />
مقال<br />
إفريقيا تحتل المرتبة الثانية بين الكتل التصويتية يف األمم المتحدة<br />
)54 دولة( وتحتفظ بثالثة مقاعد في مجلس األمن<br />
كن تظل اجلامعة اإلسامية باملدينة املنورة، وجامعة أم القرى<br />
وغيرهما من اجلامعات السعودية التي تستقبل الطاب األفارقة<br />
هي أكثر اآلليات بروزاً. بل إنها متثل أهم أدوات القوة الناعمة<br />
السعودية يف القارة اإلفريقية، حيث تخرج سنويًا اآلالف من أبناء<br />
القارة، يف مجاالت العلوم الشرعية والتطبيقية، وغالبًا ما يتقلد<br />
خريجو هذه اجلامعة مسؤوليات ومناصب عليا يف بلدانهم، األمر<br />
الذي ينعكس إيجاباً على املصالح السعودية يف القارة.<br />
رابعاً-التحديات التي تواجه السياسة السعودية يف إفريقيا:<br />
هناك بعض التحديات التي تواجه السياسة السعودية يف<br />
إفريقيا وأهمها:<br />
1-الدعاية السلبية المضادة:<br />
هناك العديد من األطراف التي تتخوف من الدور السعودي<br />
املتنامي يف القارة اإلفريقية. لذا فهي حترص على عرقلة هذا<br />
التقدم عبر بث دعاية مضادة لسياسة اململكة، تدور حول الدور<br />
العربي يف جتارة الرقيق واستغال موارد الشعوب اإلفريقية،<br />
ومزاعم حول سعى السعودية لنشر املذهب السلفي يف القارة.<br />
2-الطرق الصوفية يف إفريقيا:<br />
إن الطابع الصويف الطاغي على مسلمي إفريقيا يجعل املد احلضور<br />
السعودي السلفية ال يجد األرضية املائمة يف األوساط اإلفريقية.<br />
3-القضايا الخالفية بين المملكة وبعض األطراف اإلفريقية:<br />
ومن أهم هذه القضايا املوقف من إيران واألزمة السورية،<br />
وتباين وجهات النظر بني اململكة وبعض الدول اإلفريقية حيال<br />
األزمة السورية.<br />
وختاماً، فإن هذه التحديات لم تفلح يف عرقلة التقدم السعودي<br />
يف إفريقيا، بل إن اململكة استطاعت أن حتقق عبر سياستها يف<br />
القارة نتائج مثمرة وسريعة، سواء على صعيد تشكيل التحالف<br />
اإلسامي العسكري ملكافحة اإلرهاب، والذي تلعب الدول<br />
اإلفريقية دورًا مهمًا فيه، أو بالنسبة لقطع العاقات مع إيران<br />
وحتجيمها، أو تعزيز املصالح االقتصادية، والتنسيق السياسي،<br />
وهو ما عكسته أرقام التجارة واالستثمار، وتأييد معظم األفارقة<br />
إليجاد حل سياسي لألزمة اليمنية، على أن يكون )مينى– مينى(<br />
وفق قرار مجلس األمن 2216.<br />
ويف تقديري فإن طرح املبادرات السعودية لتسوية الصراعات<br />
يف إفريقيا، خاصة يف حوض النيل والقرن اإلفريقي، وتنظيم قمة<br />
دورية للعاقات السعودية اإلفريقية سوف يكون له عظيم األثر<br />
يف دفع العاقات بني اجلانبني إلى آفاق غير مسبوقة، بالقياس<br />
إلى احلجم الكبير للمصالح املتبادلة بينهما، والثقل اإلقليمي<br />
والدولي الذي متثله اململكة.<br />
*مدرس العلوم السياسية معهد البحوث والدراسات اإلفريقية<br />
- جامعة القاهرة
األمريكية االنتخابات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 105<br />
(آراء حول الخليج) تتابع تحليل االنتخابات األمريكية (5) 2016<br />
سباق الرئاسة األمريكي األول يف التاريخ<br />
بمرشحين أقل شعبية<br />
أيام قليلة تفصل الواليات املتحدة، ومؤمتر احلزب اجلمهوري من املقرر عقده يف الفترة من 18 إلى 21 من يوليو<br />
اجلاري فى مدينة كليفاند بوالية أوهايو. وبعده بأيام معدودة يُعقد مؤمتر احلزب الدميقراطي الشهر املقبل، يف مدينة<br />
فيادلفيا بوالية بنسلفانيا يف الفترة من – 25 28 يوليو اجلاري أيضً ا. وبهذا تكون االنتخابات الرئاسية قد دخلت مرحلة<br />
االنتخابات العامة، لكن الطريق إلى الرئاسة ال يزال مبهمًا مثلما كان خال املرحلة السابقة.<br />
د. أمل مدللي<br />
على اجلانب اجلمهوري ثمة مرشح مفترض، تبغضه<br />
قيادة احلزب بينما يتمتع يف الوقت نفسه بدعم ناخبيه الذين<br />
قاموا بالتصويت لصاحله، والذين يشكلون على األقل غالبية<br />
اجلمهوريني ممن أدلوا بأصواتهم. وعلى الرغم من هزميته<br />
لبقية املرشحني املنافسني له داخل احلزب، إال أنه ال يزال - من<br />
وجهة نظر قادة احلزب - يفتقر إلى »سمات الرئاسة« وال ميكنه<br />
إقناعهم بقدرته على التصرف مبا يليق ومنصب الرئاسة.<br />
وعلى اجلانب الدميقراطي لديك مرشح مفترض، حتتضنه<br />
قيادة احلزب واملؤسسة احلزبية، بينما قام عدد كبير من جمهور<br />
الناخبني بالتصويت لصالح مرشح آخر غيره. وهو املرشح املناوئ<br />
للمؤسسة احلزبية، والذي ال يزال رافضً ا للتنحي جانبًا واخلروج<br />
من السباق الرئاسي. فقد خسر برني ساندرز فرصته يف الترشح<br />
للرئاسة عن احلزب الدميقراطي لصالح هياري كلينتون، وبفارق<br />
شاسع كذلك، إال أنه ال يزال يقاوم اخلروج من السباق الرئاسي<br />
وإتاحة الفرصة للحزب بان يوحد جناحيه الرئيسي والليبرالي<br />
خلف كلينتون. بل لم يقم إلى اآلن بالتضامن معها أو إيقاف<br />
حملته، بينما صرح مستشاروه بأنه لن يقدم على ذلك قبل انعقاد<br />
املؤمتر االنتخابي. إن االختيار الذى سيقدم عليه مساندو ساندرز<br />
بتقرير من سيقومون بالتصويت لصاحله خال االنتخابات العامة<br />
سيكون من شأنه كتابة مصير طموحات كلينتون يف الرئاسة.<br />
وإلى اآلن لم يوجه لهم ساندرز الكلمات املنشودة، واألدهى من<br />
ذلك أنه ال يزال يصارع فوق منصة احلزب الدميقراطي. ويبدو<br />
أن صبر كبار زعماء احلزب الدميقراطي جتاهه على وشك أن<br />
ينفد، فهم يرون أنه قد آن له أن يتنحى تاركًا املجال لتوحيد<br />
الصفوف خلف من اختاره احلزب كمرشح رئاسي.<br />
إنه سباق نحو الرئاسة لم يشهد التاريخ مثله من قبل، بل ولم<br />
يكن ألحد أن يتصوره قط. فلديك مرشحني هما األقل شعبية<br />
طبقًا آلخر ثاثة انتخابات رئاسية شهدتها الباد. فقد أظهر<br />
استطاع للرأي أجرته هيأة اإلذاعة الوطنية ( NBC (، تدني<br />
شعبية كا من املرشح الدميقراطي املفترض هياري كلينتون<br />
و املرشح اجلمهوري املفترض دونالد ترامب لدى الناخبني،<br />
وكذلك تصاعد االجتاهات السلبية نحوهما مع وصول السباق<br />
الرئاسي إلى مرحلة االنتخابات العامة. وأظهر االستطاع أن<br />
%54 من املشاركني فيه ال يؤيدون كلينتون، يف حني أعرب %34<br />
من املشاركني عن تأييدهم لها. وعلى اجلانب اجلمهوري، قال<br />
%58 من املشاركني بأنهم ال يؤيدون ترامب، يف حني أعرب % 29<br />
من املشاركني عن تأييدهم له.<br />
ووفقا لصحيفة بوليتيكو ،)Politico( فإن ترامب ليس يف<br />
وضع سيء فقط، بل إنه « املرشح األكثر خطورة على مدار<br />
التاريخ«. ويشكل أنصاره نحو الثاثني باملائة، بينما تصل نسب<br />
املناوئني له إلى نحو اخلمسني باملائة. وطبقًا ملجلة »اون الين «<br />
فإن كلينتون ليست بحال أفضل منه، إذ تبلغ نسبة املناصرين لها<br />
%41 بينما تصل نسبة غير املؤيدين إلى %54.<br />
ويشعر العديد من األمريكيني بأنهم ال ميلكون خيارًا حقيقيًا<br />
بني كا املرشحني، إلى احلد الذي حتول معه األمر إلى مشهدًا<br />
من مشاهد الكوميديا. فثمة روايات صحفية عن سيدة مسنة من
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
األمريكية االنتخابات<br />
109<br />
2016<br />
106<br />
%54 من األمريكيين ال يؤيدون كلينتون و%58 ال يؤيدون<br />
ترامب في أحدث استطالعات الرأي األمريكية<br />
والية فرجينيا كانت تبلغ من العمر 68 عامًا، وكيف أنها قد فضلت<br />
املوت على أن تضطر إلى التصويت لصالح أي منهما. وجاء يف<br />
نعيها: »عند مواجهتها الحتمال القيام بالتصويت لصالح أيا من<br />
ترامب أو هياري كلينتون، فضً لت مارى آن نوالند من مدينة<br />
ريتشموند، عوضً ا عن ذلك، االلتجاء إلى حب اهلل األبدي.«<br />
لكن االختيار شديد الوضوح أمام قطاع عريض من األمريكيني.<br />
فهم يرون اخليار محسومًا بني كا املرشحني: فأمامهم رؤيتني<br />
مغايرتني للعالم، أمريكتني مختلفتني حيث ال حدود لاختافات.<br />
كلينتون: المرشح المفترض<br />
يرى الناخبون األمريكيون فى كلينتون خيارًا أكثر إقناعًا<br />
بخبراتها وشخصيتها وإدارتها الواثقة لشؤون السياسية<br />
الداخلية واخلارجية.<br />
وقد أضحت كلينتون بحصولها على ترشيح احلزب أول<br />
امرأة فى تاريخ الواليات املتحدة األمريكية تفوز بالترشيح<br />
من قبل أحد األحزاب الرئيسية األمريكية. فضا عن ذلك<br />
فهي تتقدم على ترامب بني غالبية الطوائف العرقية: %88<br />
وسط األمريكيني األفارقة، و68 % بني األمريكيني ذوى األصول<br />
الاتينية، و %51 بني النساء. وقد اُعتبرت كلينتون االختيار<br />
األفضل من قبل املشاركني يف االستفتاءات على معظم القضايا<br />
تقريبًا. ووفقًا للتقرير الذى أورده املوقع اإلخباري Business«<br />
»Insider فهى تتقدم على ترامب يف جُ ل القضايا بدءًا من<br />
قضية الهجرة )وهو األمر الباعث على الدهشة لكونه »سيد<br />
قضايا الهجرة« طوال احلملة(، مرورًا بتعيينات احملكمة<br />
العليا، وبوصفها رئيسا ممتازا لألركان، وكذلك شؤون الطبقة<br />
الوسطى، والسياسة اخلارجية، وتوحيد األمة وقضايا املرأة .<br />
وقد تقدم عليها ترامب بني الرجال من الناخبني، إال أنها قد<br />
فازت بالثقة حتى بني أولئك الذين ال مييلون إليها، فهي توحي<br />
مبزيد من الثقة يف قدراتها على القيام مبهام الرئيس أكثر<br />
من ترامب.
األمريكية االنتخابات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 107<br />
أما القضية الوحيدة التي رفعت من شأن ترامب فهي<br />
االقتصاد، إذ يرى الناخبون أنه األصلح فيما يتعلق بالشؤون<br />
االقتصادية. األمر الذى ال يعد يف صالح كلينتون، إذ أظهر<br />
االستطاع األخير تربع النمو االقتصادي على القضايا ذات<br />
األهمية خال احلملة والتي يطالب الناخبون احلكومة مبعاجلتها،<br />
حيث جاء األمن القومي فى املرتبة الثانية بعد شؤون االقتصاد:<br />
إنها قوة كلينتون جنبًا إلى جنب مع املقدرة على الزعامة.<br />
وكان طريق كلينتون نحو الرئاسة طوياً ومضنيًا، منذ بدأت<br />
بكونها السيدة األولى، ثم شغلت منصب سيناتور، ثم تبوأت<br />
منصب وزيرة اخلارجية األمريكية، إلى أن انتهى بها املطاف<br />
ألن تصبح أول سيدة فى تاريخ أمريكا تفوز<br />
بالترشيح من أحد األحزاب الرئيسية. وقد<br />
أعلنتها واضحة فى خضم احتفالها بفوزها فى<br />
بروكلني بعد فوزها بكاليفورنيا ونيو جيرسي<br />
ونيوميكسيكو، أن انتصارها هذا لهو انتصار<br />
للمرأة. وقد أعربت كلينتون عن سعادتها قائلة:<br />
« إن الليلة هي تتويج لرحلة رائعة. رحلة طويلة.<br />
إننا جميعًا مدينون بالكثير ألولئك الذين سبقونا<br />
بالكفاح. هذه الليلة هي ملك لكم جميعًا.«<br />
هذا وقد حصلت املرأة فى أمريكا على حق<br />
التصويت يف عام 1920م، عندما مت التصديق على التعديل التاسع<br />
عشر للدستور.<br />
وقد بدت عليها سمات الرئاسة خال اخلطاب، وجتنبت<br />
الهجوم الشخصي على ترامب، وهو األمر الذي طاملا استعانت<br />
به خال احلملة االنتخابية. إال أن ترامب لم يكن يف مزاج يدعو<br />
للمصاحلة، فقد هاجمها متهما إياها « بتحويل وزارة اخلارجية<br />
إلى أحد صناديق التحوط اخلاصة بها«. وكذلك حاول أن<br />
يستميل أنصار ساندرز إلى جانبه قائا إنهم « قد تركوا فى<br />
العراء وحدهم بفعل نظام مُزور.« وأضاف قائا « بأننا ال<br />
ميكننا حل مشاكلنا باللجوء إلى السياسيني الذين تسببوا فيها.<br />
لقد استغل آل كلينتون بكل براعة سياسات الثراء الشخصي<br />
مبا يصب يف مصلحتهم.« وكان من الواضح أن خطة ترامب<br />
متثلت يف الهجوم على )بيل وهياري( كلينتون كليهما. إال أن<br />
ذلك لم يكن ليرهب هياري. وأشارت إلى والدتها قائلة « لطاملا<br />
نصحتني أمي بأال أتراجع أبدا أمام املتنمرين، وقد اتضح أنها<br />
كانت نصيحة جيدة.«<br />
ونشبت بعد ذلك بينهما حرب على صفحات تويتر إذ استاء<br />
ترامب من تضامن الرئيس أوباما مع كلينتون وعلق قائا: « إنه<br />
يرغب فى أربعة أعوام أخرى من حكم أوباما، لكن ال أحد غيره<br />
يريد ذلك.« وقد ردت عليه كلينتون قائلة :« قم بإلغاء حسابك«.<br />
سيدة مسنة من<br />
والية فرجينيا فضلت<br />
الموت عى أن تضطر<br />
إلى التصويت لصالح<br />
هيالري أو ترامب<br />
وترتكز حملة كلينتون على ما تُطلِق عليه »عدم أهلية « ترامب<br />
ملنصب الرئيس وافتقاره إلى اخلبرة. وعلى هذا فليس من<br />
املستغرب أن حتى هؤالء الذين يؤيدون كلينتون، أحيانا ما<br />
يصرحون بأنهم يفعلون ذلك ألنها ليست ترامب، ومن بينهم<br />
بعض الشخصيات البارزة فى احلزب اجلمهوري أو مؤسسات<br />
األمن والسياسة اخلارجية.<br />
وتنظر النخبة املتشددة ممن ينتمون إلى قطاع السياسة<br />
اخلارجية، مبا يف ذلك احملافظون اجلدد، إلى ترامب بوصفه<br />
»كارثة« قد حلت على السياسة اخلارجية األمريكية. وتعهدوا<br />
بأال يقدموا له أى دعم مطلقا. بل إن بعضهم صرح أنهم سوف<br />
« يصوتون لصالح كلينتون«. فقال اليوت كوهني،<br />
املسؤول السابق فى وزارة اخلارجية « هياري<br />
تعتبر أقل الضررين، وبفارق شاسع« وأضاف « إن<br />
انتخاب ترامب رئيسا سيكون مبثابة كارثة تامة<br />
بكل املقاييس على السياسة اخلارجية األمريكية<br />
التي احلق بها بالفعل ضررًا بالغًا.«<br />
وصرح ماكس بوت، أحد األعمدة الفكرية<br />
للحركة احملافظة، بأنه سوف يصوت لصالح<br />
كلينتون وقال « إنني حقًا ال أمتكن من النوم بسبب<br />
ترامب! إنها ستكون أفضل بكثير من ترامب«.<br />
وقام احملافظون بالتوقيع على خطاب فى الربيع قائلني بأنهم<br />
« ال ميكنهم دعم بطاقة حزبية يتصدرها السيد ترامب ».<br />
وفى منتصف مايو صرح ريتشارد أرميتاج بأنه سوف يصوت<br />
لصالح هياري كلينتون، وهو يعد أحد الشخصيات البارزة يف<br />
قطاع األمن القومي وينتمي كذلك للحزب اجلمهوري، كما كان<br />
يشغل منصب نائب وزير اخلارجية أثناء والية جورج بوش. وقد<br />
ورد يف صحيفة بوليتيكو تعليقًا على ذلك « إن ذلك يعد إشارة<br />
إلى رفض نخبة األمن القومي من احلزب اجلمهوري املرشح<br />
املفترض حلزبهم.« وفى تصريح ألرميتاج إلى مجلة بوليتيكو<br />
قال: « سوف أصوت لصالح هياري كلينتون يف حال أصبح<br />
ترامب مرشح احلزب. انه ال يبدو جمهوريا، وال يبدو يريد أن<br />
يحيط علمًا بالعديد من القضايا، لذا سوف أعطي صوتي<br />
للسيدة هياري كلينتون.«<br />
لكن التحدي الذي تواجهه كلينتون يف هذه املرحلة ال يقتصر على<br />
أعداد اجلمهوريني الذين ميكن لها استقطابهم إلى جانبها، والذي<br />
يعد وال شك ميزة سياسية كبيرة، لكن النقطة األهم هي كيف ميكن<br />
لها أن توحد احلزب بجناحيه الليبرالي واملؤسسي، وكيف ميكنها<br />
استقطاب أنصار بيرني، خاصة الشباب واحملبطني من النظام.<br />
فضاً إلى ذلك فأمامها قضايا اجلدارة بالثقة التي يجب<br />
عليها مواجهتها حلرمان ترامب من فرصة اخلوض باحلديث
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
األمريكية االنتخابات<br />
109<br />
2016<br />
108<br />
مرارًا يف ذلك األمر.<br />
وقد أثبتت كلينتون أنها مرشح قوي. ومتكنت من اجتياز<br />
حملة انتخابية طويلة ومحفوفة باملصاعب ضد مرشح « شعبي«<br />
وضد احلركة الشعبية. وأحيانًا ما كانت تبدو وكأنها يف خطر<br />
يف مرحلة ما من مراحل االنتخابات األولية، إال أنها متكنت من<br />
الصمود واجتياز املرحلة األخيرة من موسم االنتخابات التمهيدية.<br />
و كما أشارت صحيفة بوليتيكو فقد متكنت من مواجهة املوجة<br />
الشعبية برغم كونها من النخبة. ولكن كيف لها أن تعيد ناخبي<br />
ساندرز إلى اخليمة الدميقراطية الكبرى دون املساس بشكل كبير<br />
مبواقفها الدميقراطية املعتدلة؟ ودون االنحراف أكثر مما ينبغي<br />
نحو اليسار؟ األمر الذى إن فعلته فسوف يؤدي بها إلى خسارة<br />
الطريق الوسطي وتنفير أعضاء حركة »ال لترامب«، الذين من<br />
املمكن استمالتهم جلانبها ملنع ترامب من الفوز بالبيت األبيض؟<br />
ومتتلك كلينتون ميزة كبيرة، أال وهي دعم الرئيس أوباما الذي<br />
يحظى بتأييد %84 بني الليبراليني و%56 بني املعتدلني. واألمر<br />
متروك لها وللرئيس أوباما اآلن لتوحيد احلزب خلفها وضم<br />
جميع عناصره ملساندتها من الليبراليني واملعتدلني واملستقلني<br />
والشعبيني، باإلضافة إلى اجلمهوريني الذين يشعرون بأنهم قد<br />
أصبحوا با مأوى فى مواجهة حزب مرشحه هو دونالد ترامب.<br />
ويجد الرئيس أوباما فى كلينتون األمل فى احلفاظ على إرثه<br />
واالجنازات التى متكنت إدارته من حتقيقها سواء على صعيد<br />
الرعاية الصحية أو غيرها من القضايا االجتماعية واالقتصادية.<br />
وإذا ما مت لهما النجاح فى جذب أعداد كبيرة من اجلمهوريني<br />
ممن يفضلون فوز الدميقراطيني بالبيت األبيض على أن يفوز به<br />
ترامب، فلسوف يعد ذلك ، كما يراه احملللون السياسيون، أكبر<br />
عملية حتول فى السياسات احلزبية األمريكية منذ سنوات عدة.<br />
وقد اجتمعت كلينتون مع ساندرز، وال تزال املباحثات جارية<br />
بينهما إلقناعه بالقيام بالتضامن معها والدعاية لها بسؤال<br />
أنصاره بأن يقوموا بالتصويت لصاحلها، وإغراءه بطائفة من<br />
الوعود مثل إلقائه كلمة فى املؤمتر االنتخابي، وبعض التنازالت<br />
السياسية األخرى مبا ميكن أن يقنعه بأن التغيير الذى دعا إليه<br />
سيحدث على األقل داخل احلزب.<br />
ترامب: المرشح المفترض )هل هو حقًا؟(<br />
لم تكن بداية يونيو مبشرة لترامب. فقد التصقت به<br />
تهمة عدم أهليته ملنصب الرئيس، وتعرضت حملته النتقادات<br />
واسعة الفتقارها إلى التنظيم ونقص فريق العمل والتمويل وأي<br />
شيء آخر إال ترامب وحسابه على تويتر! واتضح ذلك فى<br />
استطاعات الرأي التى جتلى فيها تدني شعبيته. وكما ورد<br />
يف صحيفة بوليتيكو، أظهرت االستطاعات التي مت إجراؤها<br />
يف منتصف يونيو أن نسبة تأييده بلغت %30، بينما تخطت<br />
نسبة املعارضني له %50. واألسوأ من ذلك أنه كان يخسر أمام<br />
كلينتون فى استطاعات الرأي القومية. فوفقًا الستطاع<br />
للرأي أجرته وكالة فوكس لألخبار فإن كلينتون تتقدم على<br />
ترامب بنسبة %3 بني الناخبني على مستوى الدولة ، بواقع<br />
% 42 لكلينتون و39 % لترامب . وهكذا تكون نسبة دعمه<br />
قد انخفضت من %45 إلى %39. ولكنه يواجه خبرًا أسوأ،<br />
وهو انخفاض نسبة تأييده بني املستقلني بواقع %11 مقارنة<br />
باستطاع سابق لوكالة فوكس.<br />
وهذا هو ما دفع بدان ماك الفلني من مجلة ناشونال ريفيو<br />
Review( )National بأن يقول:« ال ميكن النظر إلى نتائج<br />
ترامب فى استطاعات الرأي القومية دون رؤية احلقيقة القامتة<br />
لكونها فى انحسار لم يشهده من قبل أى مرشح لانتخابات<br />
العامة خال االنتخابات الثاث األخيرة«. وأضاف قائا« إن<br />
األعداد فى انحدار مستمر، بل إنها وصلت كذلك إلى أدنى<br />
مستوى قد شهده أى مرشح سواء جمهوري أو دميقراطي فى<br />
الدورات االنتخابية الثاث املاضية.«<br />
وثمة واقعتني هما من أوصلتا ترامب إلى ذلك املنعطف:<br />
متثلت الواقعة األولى فى إدعائه أن القاضي كونزالو كيوريل،<br />
وهو مواطن أمريكي من والية أنديانا ذو أصول مكسيكية، لم<br />
يكن عادال فى حكمه فى قضية ضد جامعة ترامب، وذلك بسببٍ<br />
من أصوله وإرثه الاتينى. أما الواقعة الثانية فتمثلت فى رد<br />
فعله على احلادث اإلرهابي فى أورالندو من إطاق للنار على<br />
حانة للمثليني والذي حصد أرواح 49 شخصً ا وجرح . 53<br />
ففي حالة القاضي كيوريل، ادعى ترامب أن القاضي خاض<br />
»صراعًا مستميتا« لترأس دعوى قضائية تتهم جامعة<br />
ترامب بالتزوير.<br />
وقد زادت هذه الواقعة من العاقة املضطربة بالفعل بني<br />
ترامب وقيادة احلزب اجلمهوري. إذ اعتبرها رئيس مجلس<br />
النواب ،بول ريان، أسوأ من أن يُغض الطرف عنها .وكان قد قام<br />
لتوه بالتضامن مع ترامب بعد عملية طويلة ومضنية بسبب لسانه<br />
املنفلت وخطبه املثيرة للبلبلة واالنقسامات. وقال ريان« إن إدعاء<br />
أن شخصً ا ما ال ميكنه القيام بعمله بسبب أصوله العرقية أشبه<br />
بتعريف التعليق العنصري املوجود فى كتبنا املرجعية« ومتنى أن<br />
يتعلم ترامب مما حدث.<br />
لكن ريان لم يكن الوحيد، فقد ترددت أصداء تلك الواقعة<br />
بعينها وسط العديد من الزعماء اجلمهوريني، إذ أنها تضرب فى<br />
صميم ما يعنيه أن تكون أمريكيا، حيث جاء اجلميع من بلدان<br />
أخرى. فاحلكم على عدم أهلية الناس بسببٍ من أصولهم كان<br />
أمرًا عرف قادة احلزب أنه سيكلفهم ثمنًا سياسيًا غاليًا فى
األمريكية االنتخابات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 109<br />
هذه السنة االنتخابية. إنه ببساطة يخاطر بخسارة اجلمهوريني<br />
لكافة األصوات الاتينية.<br />
وقال ميتش ماكونيل، زعيم األغلبية يف مجلس الشيوخ « إنني<br />
منزعج من ذلك األمر. فأمريكا تتغير. وعندما مت انتخاب رونالد<br />
ريجان كان البيض ميثلون %84 من جمهور الناخبني، أما اآلن<br />
فهم سيمثلون %70 من الناخبني. وإنه خلطأ عظيم من جانب<br />
حزبنا أن يقوم بشطب األمريكان ذوي األصول الاتينية، فهم جزء<br />
مهم من بادنا، وقريبًا سوف يشكلون أكبر األقليات يف الباد«.<br />
وبالتأكيد ال يريد اجلمهوريون تكرار تأثير »بارى جولد ووتر«<br />
على األمريكان األفارقة والسياسة األمريكية. وكان جولد ووتر<br />
هو املرشح اجلمهوري عام 1964م، وقد تسبب يف استعداء<br />
الناخبني األمريكيني ذوي األصول اإلفريقية مبعارضته لقانون<br />
احلقوق املدنية، مما تسبب فى خسارة احلزب اجلمهوري<br />
لدعمهم لعقود خلت، جاعا أصوات األمريكان األفارقة حكرًا<br />
على الدميقراطيني إلى يومنا هذا.<br />
وأضحى تصريح ترامب محل نقد من كافة اجلمهوريني<br />
خاصة اجلهات املانحة. وقد علق ترامب الحقًا أنه قد أُسيئ<br />
فهم تصريحه، ولكن ليس قبل أن يقول إن « القاضي املسلم<br />
سيكون متحيزا أيضاً«.<br />
ثم حدثت واقعة أورالندو املأساوية وأقنع رد فعل ترامب<br />
احلزب اجلمهوري بأنهم حقًا يواجهون مشكلة كبيرة، وأن ترامب<br />
سيظل دومًا ترامب، وأنه لن يتغير وينتقل من حالة االنتخابات<br />
التمهيدية إلى االنتخابات العامة ليسلك املسلك الائق برئيس<br />
الدولة. وهكذا صدر احلكم عليه من حزبه ومن اإلعام<br />
األمريكي بأنه قد أخفق فى االختبار. وكان قد كتب على تويتر<br />
تغريدة صدمت الكثيرين نظرًا للظروف التى جاءت فيها، إذ<br />
كان يهنئ فيها نفسه قائا « أقدر التهاني التي تزف إلي ألنه<br />
اتضح أخيرًا أني كنت على حق بخصوص اإلرهاب اإلسامي<br />
املتطرف. أنا ال أرغب فى التهاني، بل أريد الصابة وتوخي<br />
احلذر. يجب أن نكون أذكياء.« ثم كتب تغريدة أخرى « ورد فى<br />
التقارير أن إرهابي أورالندو كان يصيح « اهلل أكبر!« بينما يقوم<br />
بقتل مرتادي احلانة.«<br />
لقد أظهرت خطاباته ولقاءاته بأنه، وعلى النقيض من<br />
كلينتون، لم يكن مستعدا »لساعة الذروة«، وهو تعبير يستخدمه<br />
األمريكان لإليحاء بأن شخصً ا ما غير مؤهل للمهمة املنوطة<br />
به. وفى كلمة ألقاها يف كلية سانت أنسيلم Anselm( )ST.<br />
وصف التطرف اإلسامي بأنه »خطر استشرى على مستوى<br />
العالم واخترق الواليات املتحدة عبر أبواب الهجرة غير املقننة«.
www.araa.sa<br />
العدد<br />
يوليو<br />
األمريكية االنتخابات<br />
109<br />
2016<br />
110<br />
المحافظون الجدد يعتبرون ترامب »كارثة« وتعهدوا بعدم<br />
دعمه وسوف يصوتون لصالح كلينتون<br />
ووصفت صحيفة نيويورك تاميز أسلوبه بأنه أقرب للقوميني<br />
األوروبيني منه إلى عموم اجلمهوريني، وأن اخلطاب »كان يعج<br />
باملغالطات واملبالغات التي طاملا وُسِ مت حملته بها.« لقد تاعب<br />
مبخاوف األمريكان مدعيًا أن داعش حتاول انتزاع أوالدهم،<br />
ومتهما األمريكان املسلمني بالفشل يف »تسليم من يعلمون بأنهم<br />
سيئون.« كما أراد فرض حظر على دخول املسلمني القادمني من<br />
أى دولة لديها تاريخ إرهابي«.<br />
إال أنه أحتفظ بأشد كلماته للرئيس أوباما مدعيًا انه يُكِ ن<br />
تعاطفا لإلرهابيني، وقال « إننا يحكمنا رجل إما أنه ليس قويا<br />
أو ذكيا، أو أنه يضمر شيئا آخر فى نفسه، هناك خطب ما« .<br />
وقد هاجم الرئيس ألنه ال يستخدم مصطلح اإلرهاب اإلسامي.<br />
ورد عليه الرئيس مهاجما بقوله « إن ترديد مصطلح اإلسام<br />
املتطرف ال ميكن أن يعد استراتيجية«.<br />
وذكرت صحيفة التاميز أن « اجلمهوريون يرون أن إصرار<br />
ترامب على التمسك مبواقفه املتشددة يقوض من موقفه كمرشح<br />
فى االنتخابات العامة«.<br />
غير أن اجلمهوريني قد خلصوا إلى انه من غير املجدي<br />
محاولة كبح جماح ترامب. وقد كتب مايك مورفى، املستشار<br />
األول السابق جليب فورمر، فى صحيفة التاميز « يقول اجلميع<br />
»انظروا ، إنه حقًا متحضر. إنه يأكل بالشوكة والسكني. وبعد أن<br />
متر ساعة جنده يأخذ الشوكة ليطعن بها شخصً ا ما فى عينه!«<br />
وقد بعثت هاتني الواقعتني احلياة فى حركة « ال لترامب«،<br />
بل إنه ثمة حركة تدعى« أى واحد إال ترامب«. وقد وردت<br />
تقارير بقيام ميت رومني، مرشح احلزب اجلمهوري عام<br />
2012م، باستضافة جتمع ملئات احملافظني اجلمهوريني<br />
فى بارك سيتى بوالية يوتا، بهدف الهجوم على ترامب.<br />
فاجلمهوريون يشكون من أن ترامب ال يوجد لديه حملة حتى<br />
اآلن، فهو لم يقم بعد باختيار نائب الرئيس، وال يوجد لديه<br />
فريق عمل يعتد به يف مواجهة حملة االنتخابات العامة. فضا<br />
عن افتقاره إلى التمويل. وكتبت صحيفة نيويورك تاميز أن<br />
ترامب »يواجه أسوأ عيب مالي يف التاريخ الرئاسي احلديث<br />
: فلديه 1.3 مليون دوالر مقابل 42 مليون دوالر لدى كلينتون.<br />
وكتبت الصحيفة ترامب يشرع يف الدخول يف حملة االنتخابات<br />
العامة وهو يرزح حتت وطأة أسوأ عيب مالي وتنظيمي يشهده<br />
أى مرشح عن حزب رئيسي فى التاريخ احلديث، مُعرضاً ترشحه<br />
وحزبه على السواء خلطر محقق«.<br />
ويف تلك األجواء جاءت األخبار الهامة من حملة ترامب<br />
بعزله مدير حملته املتعثر، كوري يفاندوفسكي. وقد أثنى ترامب<br />
على مدير حملته السابق قائا إنه قد أحسن القيام بعمله، غير<br />
أننا يتعني علينا السير يف طريق مختلف«.<br />
ورأت وسائل اإلعام فى تلك اخلطوة املفاجئة محاولة<br />
»لتهدئة احللفاء واجلهات املانحة واملسؤولني اجلمهوريني«،<br />
املعنيني بفرص احلزب فى نوفمبر القادم، وقد أوردت صحيفة<br />
واشنطون بوست أن حركة »أوقفوا ترامب« قد جمعت دعما<br />
للمؤمتر العام للحزب اجلمهوري ما يقرب من 400 مندوبًا، يف<br />
إشارة لكونها فى الطريق الن تصبح قوة »من املمكن لها أن تعرقل<br />
حملة قومية«. وتتمثل خطة هذه املجموعة فى حترير املندوبني<br />
خال املؤمتر احلزبي ليقوموا بالتصويت لصالح من يريدون أيًا<br />
كان، دون التقيد بنتائج االنتخابات األولية واللجان احلزبية.<br />
ويرى البعض أن ذلك من شأنه خلق انقسامات وحالة من<br />
الفوضى داخل احلزب، وهم يقرون أيضا أن ذلك سوف يخلق<br />
مشاكل داخلية باحلزب، ولكن يف نهاية األمر سيتم إنقاذ<br />
احلزب والفوز باالنتخابات. فهم يؤمنون بأن ترامب ال ميكن له،<br />
وال يجب له أن يفوز يف نوفمبر. أو كما خلص املوقف عنوان<br />
افتتاحية صحيفة واشنطون بوست لفريد هيات : « األمل األخير<br />
للجمهوريني: إعان فوز دونالد ترامب يف مؤمتر كليفاند الشهر<br />
املقبل، ثم إقناعه بالذهاب إلى بيته«.<br />
ويبدو من التحرك األخير من جانب حملة ترامب بتغيير<br />
توجهها من خال عزل مدير احلملة، إن من سيتولى شؤون<br />
احلملة اآلن هم عائلته وأبناؤه وصهره. رمبا يتمكنون من إقناعه<br />
بإظهار شيئًا من التهذيب وأن يحاول انتهاج »املسلك الرئاسي«،<br />
وقد تردد بأن ابنته إيفانكا ترامب قد نصحته بذلك.<br />
وعلى اجلانب اآلخر فإن األعضاء الكبار باحلزب يعارضون<br />
وقوع نزاع داخل املؤمتر. فهم يرون أن ترامب قد فاز بالفعل<br />
فى مرحلة االنتخابات التمهيدية، وعلى هذا فيجب احترام<br />
إرادة الشعب، وأن يتم االحتاد خلف ترامب، هذا إذا ما أعطاهم<br />
الفرصة ألن يفعلوا ذلك. ولكن إذا ما استمرت حملته فى<br />
السير على نفس املنهاج، وظل ترامب..ترامب، فقد يحمل يوليو<br />
مفاجئات ملؤمتر احلزب اجلمهوري. إنه التحدي الذي سيواجهه<br />
فريق حملته اجلديد، وسيواجهه معه احلزب اجلمهوري.<br />
*خبرية في العلاقات الدولية واشنطن
إصدارات<br />
العدد<br />
109<br />
2016 www.araa.sa<br />
يوليو 111<br />
التطورات املعاصرة وتطبيقات على االحتجاج والثورة في املجتمع العربي<br />
علم االجتماع السياسي المعاصر<br />
صدر مؤخرًا كتابًا للدكتور خالد كاظم أبو دوح األكادميي بقسم االجتماع كلية العلوم االجتماعية واإلدارية<br />
جامعة نايف العربية للعلوم االجتماعية بعنوان " علم االجتماع السياسي املعاصر التطورات املعاصرة<br />
وتطبيقات على االحتجاج والثورة يف املجتمع العربي". تضمن الكتاب ثمانية فصول، وبدأ بالتأصيل التاريخي<br />
لعلم االجتماع السياسي وعاقته بعلمي االجتماع والسياسة وجاء هذا الفصل حتت عنوان )علم االجتماع<br />
السياسي: ميدان متنازع عليه(، وأخذ املؤلف يؤسس لنظرية إعادة علم االجتماع السياسي كأحد فروع علم<br />
االجتماع وليس السياسة انطاقًا من مفهوم )السلوك السياسي، والفعل السياسي مقارنة مبفهوم الدولة<br />
والنظم السياسية(، ثم جاء الفصل الثاني حتت عنوان )علم االجتماع السياسي: املفاهيم واالجتاهات النظرية<br />
املعاصرة( وتطرق هذا الفصل إلى مفاهيم العوملة، رأس املال السياسي، رأس املال االجتماعي، واالجتاهات<br />
النظرية يف علم االجتماع السياسي، وركز على نظريتي التبادل والتحليل السياسي، والتفاعلية الرمزية.<br />
آراء حول اخلليج: جدة<br />
وتناول الفصل الثالث )الدميقراطية والعوملة( وناقش<br />
الدميقراطية كنظام للحكم، وكأسلوب للحياة، والدميقراطية بني<br />
الليبرالية واملاركسية، والدميقراطية يف ظل التحوالت العاملية اجلديدة.<br />
وجاء الفصل السادس من هذا الكتاب حتت عنوان<br />
)االحتجاج االجتماعي يف الواقع املصري بنيته وأمناطه( وتناول<br />
طبيعة االحتجاج االجتماعي على مرجعية التحوالت االقتصادية،<br />
والسياسية، واالجتماعية وثقافة االحتجاج االجتماعي، ثم تطرق<br />
إلى طبيعة االحتجاج االجتماعي يف املجتمع املصري وأمناطه<br />
وهما االحتجاج اإلصاحي، واالحتجاج الثوري، ثم شرح قابلية<br />
الشخصية املصرية النمطية لاحتجاج االجتماعي، وهنا تناول<br />
الشخصية املصرية على خلفية التراث النظري، ومن هو املصري<br />
الذي يحتج. واختتم هذا الفصل بقوله: ميكن التأكيد على أن<br />
كل املصريني بسماتهم املختلفة ميارسون فعل االحتجاج، فهناك<br />
انتشار لثقافة االحتجاج رأسيًا، وأفقيًا، وظيفيًا، وجغرافيًا.<br />
وجاء الفصل السابع حتت عنوان )ثورة 25 يناير يف بر مصر..<br />
محاولة للفهم السوسيولوجي(، وتناول يف هذا الفصل مقدمة<br />
عن أحوال البنية االجتماعية يف مصر، رسم من خالها خريطة<br />
لألوضاع املصرية وما أدت إليه إرهاصات هذه اخلريطة، ثم<br />
انتقل إلى ما أسماه "الثورة يف بر مصر" وتطرق إلى االحتجاجات<br />
املختلفة التي شهدتها مصر، ثم "حصاد الثورة وسيناريوهات<br />
املستقبل" واختتم هذا الفصل بأنه) بالرغم من حالة القلق التي<br />
تسيطر على املجتمع املصري فيما بعد الثورة ، إال أنه من املؤكد<br />
أن هذه الثورة دليل على شباب املجتمع املصري، ولهذا البد من<br />
أن نثق يف قدرتنا ونبدأ البناء وتأسيس نظام اجتماعي يحقق<br />
طموحاتنا وأهدافنا ونحن نعايش األلفية الثالثة(.<br />
وجاء الفصل الثامن واألخير من هذا الكتاب حتت عنوان<br />
)سوسيولوجيا الثورات العربية( وتناول مفهوم الثورة، واجتاهات<br />
التنظير االجتماعي، وملاذا يحتج ثم يثور اإلنسان العربي.<br />
وبدا املؤلف يف النهاية، مدافع عن العلوم االجتماعية يف الوطن<br />
العربي وعن دورها، وقال " ميكن للعلوم االجتماعية، ومن خال<br />
إعادة إنتاج ذاتها أن تقدم العلم االجتماعي باعتباره علمًا مفيدًا<br />
للمجتمع ويساعد على حتقيق الرفاهية لإلنسان العربي وجتويد<br />
شروط وجوده االجتماعي".<br />
ويعتقد الدكتور خالد أبو دوح يف النهاية أنه أصبح من الضروري<br />
أن يركز علم االجتماع السياسي بصفة خاصة على اإلنسان أو الذات<br />
البشرية، وال يركز فقط على اخلطابات أو الفضاءات واألبنية.
112<br />
العدد<br />
يوليو<br />
www.araa.sa<br />
109<br />
2016<br />
الغي اب العرب ي ف ي إفريقي ا<br />
جمال أمني همام*<br />
jamal@araa.sa<br />
وقفة<br />
العاقات العربية اإلفريقية قدمية ومنقوشة على اآلثار املوجودة<br />
منذ فجر التاريخ حيث امتدت هذه العاقات من أقصى شرق إفريقيا<br />
إلى مصر وشمال القارة ثم جزيرة العرب وباد الشام، ويف العصر<br />
احلديث بلغت هذه العاقات قوتها مع بداية النصف الثاني من<br />
القرن العشرين وجتلى ذلك يف دعم الدول العربية حلركات التحرر<br />
اإلفريقية، وهذا ما جسدته قمة أكرا عام 1965م، ثم القمة اإلفريقية<br />
عام 1967م، حيث مت إرساء قواعد صلبة للعمل العربي اإلفريقي<br />
املشترك، ودعم القضية الفلسطينية، والتصدي حملاوالت إسرائيل<br />
الختراق القارة السمراء، وبعد ذلك جاءت القمة العربية اإلفريقية<br />
األولى عام 1977م، يف لومي وأكدت على اخلطوط العريضة للتعاون<br />
بني الطرفني و تبلورت يف »التطلع نحو حتقيق التعاون يف املجاالت<br />
السياسية، االقتصادية، واالجتماعية، وترسيخ التحرر والتنمية وتطبيق<br />
مبدأ التعايش السلمي املشترك لكل شعوب القارة«.<br />
التاحم العربي اإلفريقي بلغ ذروته يف سبعينيات القرن العشرين<br />
ثم اجته يف نهاية ذلك العقد نحو االنحدار لعدة عوامل متزامنة منها:<br />
استكمال استقال الدول اإلفريقية، تغير املوقف العربي جتاه إسرائيل<br />
بعد معاهدة كامب ديفيد، تأييد الشارع العربي للثورة اإليرانية،<br />
االنكفاء العربي على القضايا الداخلية، والصراعات اجلانبية بني<br />
أعضاء النظام العربي، بل شهدت القارة تنافس عربي/ عربي على<br />
النفوذ ومن ثم فقدت العاقات العربية اإلفريقية وهجها وتراجعت<br />
لتدخل القارة السمراء يف محاوالت إغراء من دول أخرى منها إسرائيل،<br />
إيران، الصني، وتركيا، إضافة إلى االستعمار الغربي القدمي. ولذلك لم<br />
تعقد القمة العربية اإلفريقية الثانية إال بعد مرور 33 سنة أي يف عام<br />
2010 يف سرت، ثم قمة الكويت 2013م.<br />
ويف غمرة التنافس الدولي املصحوب بدعم اقتصادي للدول<br />
اإلفريقية، وتطوير مشروعات خدمية ومرافق وإنشاء قواعد عسكرية<br />
من قوى دولية وإقليمية، نشبت ثورات الربيع العربي التي ألقت بظال<br />
سلبية على العاقات العربية اإلفريقية، حيث خشيت دول القارة<br />
السمراء من انتقال عدوى هذه الثورات، بل دعت أوروبا إلى انتشار<br />
مثل هذه الثورات يف إفريقيا جنوب الصحراء، ودعا الكردينال بيتر<br />
تركسون رئيس املجلس البابوي للفاتيكان بضرورة انتقال الثورات<br />
العربية إلى جنوب الصحراء لتحقيق العدالة االجتماعية.<br />
كما أن بروز دور تنظيمات اإلسام السياسي ووصولها للسلطة يف بعض<br />
الدول العربية، وتنامي موجات اإلرهاب العابرة للحدود والتي أصبح لها<br />
امتداد يف جنوب الصحراء كتنظيم داعش، القاعدة، وبوكو حرام وغيرها،<br />
أقلقت دول جنوب الصحراء وجعلتها تتحسس عاقاتها مع اجلانب العربي.<br />
واألمر ال يقتصر على تراجع العاقات بني الطرفني فقط، بل<br />
بلغت حد التوتر كما حدث بني أثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من<br />
جهة أخرى بسبب مياه النيل، وانسحاب املغرب من االحتاد اإلفريقي<br />
بسبب قضية الصحراء املغربية، يف حني اقتربت الدول اإلفريقية من<br />
إسرائيل وأصبحت مساندة لها يف األمم املتحدة ناهيك عن التبادل<br />
التجاري والعاقات الدبلوماسية إضافة إلى تغلغل إسرائيل يف إفريقيا<br />
وتأثيرها على صناعة القرار يف كثير من دول القارة.<br />
على املستوى االقتصادي، فرغم أهمية دول جنوب الصحراء، تظل<br />
قيمة التبادل التجاري العربي يف حدود %3 فقط، وال متثل صادرات الدول<br />
اإلفريقية للدول العربية سوى %2.5 من جملة الواردات العربية، فيما تبلغ<br />
الصادرات العربية لهذه الدول %5.7 من إجمالي واردات الدول اإلفريقية،<br />
بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بني تركيا وهذه الدول 6 مليارات دوالر.<br />
هذا التهافت الدولي على إفريقيا، والتراجع العربي يهدد األمن<br />
القومي العربي برمته، حيث تتواجد دول إقليمية لها أجنداتها<br />
املتعارضة مع الدول العربية وتتبع نظرية شد األطراف التي أطلقها<br />
رئيس وزراء إسرائيل األسبق بن جورين والتي تعني حصار العرب من<br />
اخلارج إلضعافهم وفتح ثغرات إقليمية متثل مهددات لهم.<br />
كل ذلك يضع إفريقيا جنوب الصحراء على أولوية قائمة السياسة<br />
اخلارجية العربية سواء حتت مظلة جامعة الدول العربية أو مجلس<br />
التعاون اخلليجي، أو بشكل فردي الستعادة دفء وقوة هذه العاقات<br />
التي تأتي يف صلب األمن القومي العربي، والبناء على أسس العاقات<br />
التاريخية، وكذلك االستفادة مما تقوم به اجلهات اخليرية والدعوية<br />
العربية يف إفريقيا، إضافة إلى دعم الصناديق السيادية اخلليجية،<br />
وكذلك البنك اإلسامي للتنمية، من أجل مواجهة املد الدولي<br />
واإلقليمي الذي يهدد املصالح العربية.<br />
لكن يظل تفعيل هذه العاقة مرهون بإرادة سياسية عربية،<br />
وترتيب األولويات جتاه إفريقيا، وإدراك مخاطر الغياب عن<br />
القارة السمراء، مع ضرورة أن يسبق ذلك تهيئة العاقات<br />
العربية العربية لترسيخ العمل اجلماعي العربي وتكامل السياسة<br />
اخلارجية إلعاء املصلحة العليا لألمة يف ظل الصراع اإلقليمي<br />
والدولي احملموم على دول اجلوار والعمق االستراتيجي العربي.<br />
*مدير التحرير