14.07.2016 Views

index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109

index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109

index.php?option=com_html5flippingbook&task=getpdf&id=31&filename=magazine109

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الصندوق السعودي:‏‎330‎ مشروعً‏ ا<br />

في 44 دولة ب 32 مليارًا يف إفريقيا<br />

روسيا تراقب إفريقيا بشبكة<br />

‏»كوندو«‏ وإسقاط الديون المالية<br />

المحافظون الجدد:‏ ترامب كارثة ..<br />

والتنافس بين مرشحين أقل شعبية<br />

العدد 109<br />

يوليو - 2016<br />

ملف العدد:‏<br />

الخليجية مع إفريقيا جنوب الصحراء:‏ الفرص والتحديات العالقات<br />

▀ 4 مجاالت لالستثمارات العربية يف قارة تضم نصف خامات معادن العالم<br />

▀ اإلرهاب وإسرائيل وإيران .. ثالوث الخطر القادم على العرب من إفريقيا<br />

▀ %6.5 متوسط النمو يف إفريقيا و‎7‎ دول مرشحة ضمن االقتصادات األسرع نموًا<br />

▀ %11 من المياه العذبة في إفريقيا والصحراء الكبرى تضم أكبر مستودع للمياه في العالم<br />

▀ إفريقيا تضم 21 دولة منتجة للنفط بينهم 4 أعضاء أوبك والثقل يف غرب إفريقيا<br />

▀ 1000 مدرسة و‎69‎ معهدًا و‎16‎ ملحقية عسكرية صينية و‎35‎ مليارًا إلفريقيا<br />

▀ إسرائيل فككت الكتلة التصويتية للدول اإلفريقية وتستثمر الفقر بإغراء المساعدات<br />

▀ ثالث قوى عالمية تتصارع في غرب إفريقيا..‏ والدور الخليجي تحكمه المصالح والسياسة<br />

اإلمارات المستثمر العربي األول ب %21 والسعودية الثاني ب %19 في إفريقيا<br />


العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 1


4<br />

www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

افتتاحية العدد<br />

الخليج وإفريقيا:‏ الفرص والتحديات<br />

د.‏ عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />

109<br />

2016<br />

2<br />

6<br />

12<br />

25<br />

31<br />

مجلة شهرية تصدر عن<br />

مركز اخلليج لألبحاث<br />

تعنى بالشؤون اخلليجية<br />

رئيس التحرير<br />

د.‏ عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />

sager@grc.net<br />

مدير التحرير<br />

جمال أمني همام<br />

jamal@araa.sa<br />

سكرتيرالتحرير<br />

أحمد صالح<br />

salah@grc.net<br />

التصميم الفني<br />

منى فيصل<br />

mona@grc.net<br />

الهيئة االستشارية<br />

د.‏ خالد اجلابر<br />

أ.‏ د.‏ عبد اخلالق عبد اهلل<br />

أ.‏ د.‏ عبد اهلل خليفة الشايجي<br />

د.‏ عبد اهلل بن علي عبد الرزاق باحجاج<br />

أ.د.‏ صالح بن عبد الرحمن املانع<br />

د.‏ محمد عبد الغفار عبد اهلل<br />

الطباعة<br />

متت الطباعة يف مؤسسة<br />

املدينة للصحافة والطباعة والنشر<br />

متابعات خليجية<br />

الصندوق السعودي للتنمية:‏ تمويل )330( مشروعًا يف )44(<br />

دولة إفريقية ب 23 مليار ‏ًا<br />

د.‏ نوزاد عبد الرحمن الهيتي<br />

دراسة العدد<br />

مشكلة المياه يف إفريقيا:‏ أزمة إدارة ال ندرة<br />

د.‏ محمد سالمان طايع<br />

رؤية وتحليل<br />

الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية يف إفريقيا:‏ الصين<br />

نموذجًا<br />

د.‏ فؤاد فرحاوي<br />

قضية العدد<br />

العالقات الخليجية اإلفريقية..‏ بين التكامل أو التنافس<br />

أمينة العريمي<br />

اإلعالنات واملراسالت<br />

1٠٠ دوالرًا<br />

11٠ دوالرًا<br />

1٢٠ دوالرًا<br />

لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي:‏<br />

البريد االلكتروني:‏ info@araa.sa<br />

توجه جميع املراسالت إلى مجلة ‏»آراء حول اخلليج«‏ على العنوان التالي:‏<br />

1٩ شارع راية االحتاد<br />

ص.ب.‏ 1٠٥٠1 جدة ٢1٤٤٣ اململكة العربية السعودية<br />

هاتف:‏‎٦٥11٩٩٩‎ +٩٦٦ 1٢<br />

فاكس:‏ +٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥<br />

البريد اإللكتروني:‏ info@araa.sa<br />

ثمن النسخة<br />

اململكة العربية السعودية:‏ ٣٥ رياالً‏<br />

اإلمارات العربية املتحدة:‏ ٣٥ درهمً‏ ا<br />

مملكة البحرين:‏<br />

دولة قطر:‏<br />

دولة الكويت:‏<br />

سلطنة عمان:‏<br />

األردن:‏<br />

االشتراك السنوي<br />

الدول العربية:‏<br />

الدول األوروبية:‏<br />

بقية دول العالم:‏<br />

يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة<br />

مع حوالة مصرفية أو شيك بقيمة<br />

االشتراك باسم مركز اخلليج لألبحاث<br />

٣٫٥ دينارًا<br />

٣٥ رياالً‏<br />

٣٫٥ دينارًا<br />

٣٫٥ رياالً‏<br />

٤٫٥ دينارًا


ملف العدد<br />

د.‏ ظافر محمد العجمي<br />

د.‏ طالل صالح بنّان<br />

د.‏ عيل الدين هالل<br />

د.‏ نادر نور الدين محمد<br />

د.‏ عباس محمد شراقي<br />

د.‏ عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب<br />

د.‏ سايل محمد فريد<br />

د.‏ هويدا عبد العظيم عبد الهادي<br />

د.‏ خالد يايموت<br />

د.‏ خالد شيات<br />

د.‏ نورهان الشيخ<br />

اللواء محمد إبراهيم<br />

د.‏ أيمن السيد شبانة<br />

متابعات دولية<br />

سباق الرئاسة األمريكي األول في التاريخ بمرشحين أقل<br />

شعبية<br />

د.‏ أمل مدليل<br />

هذا العدد من مجلة ‏)آراء حول الخليج(‏ العدد والذي يحمل رقم 109 من أعداد<br />

هذه المجلة التي تصدر عن مركز الخليج لألبحاث يتضمن ملفً‏ ا رئيسً‏ ا عن العالقات<br />

الخليجية اإلفريقية بعنوان ‏)العالقات الخليجية اإلفريقية:‏ الفرص والتحديات(‏<br />

ويتناول هذا الملف دراسات ومقاالت عميقة حول العالقات الخليجية مع إفريقيا<br />

جنوب الصحراء وكيف يمكن تفعيلها وتطويرها لتناسب المستجدات اإلقليمية<br />

والدولية واحتياجات شعوب ودول الجانبين وبما يخدم المصالح و األهداف المشتركة<br />

عى ضوء اإلمكانيات المتاحة لدى الجانبين.‏<br />

تؤكد الدراسات التي يطرحها هذا العدد أن الظروف والمعطيات تهيئ للتكامل<br />

وليس للتنافس بين دول الخليج ودول إفريقيا جنوب الصحراء،‏ انطالقًا من عالقات<br />

تاريخية متميزة،‏ وقرب جغرايف وتشابه يف التحديات واألهداف،‏ إضافة إىل القواسم<br />

المشتركة ومنها الدين واإلرث الحضاري خاصة يف مناطق شرق إفريقيا.‏<br />

كما أن الموارد الطبيعية المتوفرة لدى الجانبين تتيح فرص التكامل الذي<br />

يعتمد عى المنافع المتبادلة،‏ حيث تتوفر يف إفريقيا جنوب الصحراء األراضي<br />

الزراعية والمياه العذبة والفرص المواتية إلنتاج المحاصيل الزراعية التي تحتاجها<br />

دول مجلس التعاون،‏ إضافة إىل الثروة المعدنية والمواد األولية الالزمة للصناعة،‏<br />

كما أن هناك ثروة نفطية مهمة يف إفريقيا ودخلت األسواق العالمية.‏<br />

وتعد مواجهة اإلرهاب من التحديات المشتركة التي تواجه الجانبين وتتطلب<br />

تعاون مشترك لحصار هذه اآلفة خاصة موجات اإلرهاب العابرة للحدود التي تنفذها<br />

التنظيمات المرتبطة بقيادات وتنظيمات إقليمية ودولية ال سيما تنظيمات<br />

داعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات التي تسللت إىل القارة السمراء<br />

وأخذت تهدد استقرار هذه المنطقة التي تعاني أصالً‏ من مشاكل أخرى تصب يف<br />

قناة التوتر جراء الصراعات الموجودة يف دول القارة.‏<br />

يظل تأمين باب المندب والبحر األحمر من الضرورات األمنية الخليجية والعربية<br />

واإلفريقية وهذا يتطلب تعاون خليجي إفريقي،‏ خاصة يف ظل التنافس الدويل<br />

واإلقليمي عى التواجد يف منطقة القرن اإلفريقي خاصة التواجد العسكري.‏<br />

109<br />

2016 39 www.araa.sa<br />

يوليو 3<br />

43<br />

50<br />

54<br />

59<br />

64<br />

69<br />

75<br />

80<br />

87<br />

91<br />

95<br />

99<br />

105<br />

هذا العدد<br />

إصدارات<br />

علم االجتماع السياسي المعاصر تطبيقات عى المجتمع<br />

العربي<br />

وقفة<br />

الغياب العربي في إفريقيا<br />

جمال أمين هّ‏ مام<br />

اإلسهامات<br />

محاور العدد المقبل<br />

العالقات الخليجية أمريكا الالتينية:‏ الواقع والمأمول<br />

ويتناول الملف الرئيسي لهذا العدد المحاور التالية:‏<br />

تأثير تراجع اليسار يف أمريكا الالتينية عى العالقات مع دول الخليج العربية.‏<br />

تعاون الجنوب الجنوب يف توجهات السياسة الخارجية الالتينية.‏<br />

االستثمارات الخليجية يف أمريكا الالتينية:‏ المتاح والممكن.‏<br />

التعاون االقتصادي:‏ االستفادة من المزايا النسبية للطرفين.‏<br />

مستقبل الطاقة يف العالقات الخليجية الالتينية.‏<br />

فرص االستثمار الزراعي الخليجي يف أمريكا الالتينية.‏<br />

التعاون العسكري الخليجي الالتيني:‏ الحدود والقدرات والمنافع المتبادلة.‏<br />

األهمية االستراتيجية للعالقات الخليجية الالتينية عى المسرح الدويل<br />

واإلقليمي.‏<br />

التصور الخليجي للتعاون بين الجانبين لمواجهة اإلرهاب.‏<br />

مواقف دول أمريكا الالتينية من القضايا العربية وتأثيرها عى<br />

العالقات بين الجانبين.‏<br />

تأثير األدب الالتيني والقوة الناعمة عى العالقات بين دول الخليج<br />

وأمريكا الالتينية.‏<br />

تأثير األوضاع السياسية يف البرازيل عى أمريكا الالتينية وانعكاسها<br />

عى العالقات الخليجية.‏<br />

الرياضة كأداة من أدوات القوى النعامة الالتينية..واقعها ‏..أهميتها..‏<br />

مستقبلها.‏<br />

111<br />

112<br />

٭ ترحب مجلة ‏»آراء حول اخلليج«‏ بإسهامات الكتاب والباحثني يف الشؤون اخلليجية يف<br />

املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والدفاعية واألمنية.‏<br />

٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر.‏<br />

٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ٢٠٠8.<br />

٭ ال يسمح بإعادة نشر المواد المنشورة في المجلة دون الحصول على إذن خطي مسبق من<br />

مركز الخليج لألبحاث.‏<br />

٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء.‏


www.araa.sa<br />

حول الخليج<br />

العدد<br />

يوليو<br />

افتتاحية العدد<br />

109<br />

2016<br />

4<br />

الخليج وإفريقيا:‏ الفرص والتحديات<br />

د.‏ عبد العزيز بن عثمان بن صقر<br />

اهتمام دول مجلس التعاون اخلليجي بإفريقيا جنوب الصحراء<br />

ليس جديدًا،‏ حيث هناك العديد من الروابط التاريخية،‏ اجلغرافية،‏<br />

الدينية،‏ والثقافية وغيرها من األواصر التي جتمع بني الطرفني منذ<br />

القدم والتي توثقت بعد اإلسام،‏ ثم زادت قوتها يف التاريخ احلديث<br />

واملعاصر،‏ كون إفريقيا جاره لدول مجلس التعاون اخلليجي وللدول<br />

العربية عامة،‏ إضافة إلى كونها ثاني أكبر قارة يف العالم من حيث<br />

املساحة،‏ وتضم 53 دولة ويقطنها ما يقترب من 100 مليون نسمة،‏<br />

وتعد سوقًا استهاكيًا واسعة،‏ وتضم بني جنباتها الكثير من الفرص<br />

االستثمارية املتاحة واملمكنة،‏ وأيضً‏ ا لثقلها السياسي على املسرح<br />

الدولي،‏ إضافة إلى االهتمام الدولي واإلقليمي الذي يزداد بهذه<br />

القارة الغنية باملوارد الطبيعية املهمة،‏ وذات األهمية االستراتيجية<br />

واجليوسياسية.‏<br />

ولعل دعم دول اخلليج ويف مقدمتها السعودية حلركات التحرر<br />

اإلفريقية منذ ستينيات القرن العشرين يعد أحد وجوه هذا<br />

االهتمام الذي سرعان ما حتول إلى الدعم املادي واالقتصادي<br />

وتطوير اخلدمات واملرافق مبا يخدم التنمية يف إفريقيا عند بداية<br />

الطفرة النفطية يف منتصف سبعينيات القرن العشرين حيث أسست<br />

الدول اخلليجية الصناديق التنموية بغرض تقدمي املساعدات<br />

واملنح والقروض للعديد من الدول النامية ويف مقدمتها الدول<br />

اإلفريقية بشقيها العربي وجنوب الصحراء،‏ وعلى سبيل املثال<br />

قام الصندوق السعودي للتنمية منذ عام ‎1975‎م،‏ ومازال بتمويل<br />

الكثير من املشروعات يف 44 دولة إفريقية مببالغ اقتربت من 23<br />

مليار دوالر،‏ وقدمت الصناديق التنموية يف دولة اإلمارات العربية<br />

املتحدة والكويت بدعم مماثل،‏ إضافة إلى الدور املتميز الذي يقوم<br />

به البنك اإلسامي للتنمية يف تقدمي القروض واملنح غير املستردة<br />

للدول اإلفريقية،‏ وكذلك جهود هيأة اإلغاثة اإلسامية العاملية،‏<br />

واجلمعيات اخليرية.‏<br />

وأولى مركز اخلليج لألبحاث أهمية كبيرة للعاقات اخلليجية<br />

مع إفريقيا جنوب الصحراء وخصص برنامجً‏ ا لهذه العاقات أثمر<br />

عن عقد مؤمترين األول يف كيب تاون بجنوب إفريقيا يف فبراير<br />

‎2009‎م،‏ حتت عنوان ‏)اخلليج وإفريقيا:‏ استراتيجية جديدة(،‏<br />

والثاني بالرياض يف ديسمبر ‎2010‎م،‏ حتت عنوان ‏)االستثمار<br />

sager@grc.net 4<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016


العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

5<br />

يوليو<br />

اخلليجي اإلفريقي : تعزيز العاقات االقتصادية(‏ وشارك فيه<br />

4 رؤساء دول إفريقية و‎40‎ مسؤوالً‏ رفيعي املستوى من مختلف<br />

دول جنوب الصحراء،‏ ومتخض عن هذا املؤمتر العديد من<br />

املقترحات والتوصيات املهمة التي تؤسس لشراكة على كافة<br />

اجلوانب االقتصادية مبا يعزز االستثمارات املشتركة ويزيد من<br />

حجم وقيمة التبادل التجاري بني اجلانبني.‏<br />

وعلى املستوى الرسمي،‏ شهدت العاقات اخلليجية اإلفريقية<br />

اهتمامًا كبيرًا منذ مطلع العام املاضي حيث استقبل خادم<br />

احلرمني الشريفني امللك سلمان بن عبد العزيز حفظه اهلل <br />

20 رئيسً‏ ا إفريقيًا زاروا اململكة،‏ كما شهدت الفترة ذاتها توقيع<br />

العديد من االتفاقيات مع الدول اإلفريقية،‏ إضافة إلى مشاركة<br />

10 دول إفريقية يف املناورة العسكرية الكبرى ‏)رعد الشمال(‏ التي<br />

استضافتها اململكة العربية السعودية العام احلالي ومت تنفيذها<br />

يف حفر الباطن مبشاركة 20 دولة إسامية أي نصف الدول التي<br />

شاركت يف املناورة كانت إفريقية،‏ كما أن ثاث دول إفريقية<br />

شاركت يف عاصفة احلزم ووافقت دولة رابعة على املشاركة<br />

وهي السنغال،‏ وهذا يؤكد أن التحديات واألهداف مشتركة،‏ وأن<br />

التعاون والتاحم بني اململكة ودول اخلليج من ناحية،‏ ودول القارة<br />

اإلفريقية من جهة أخرى مطلب للطرفني.‏<br />

ونعتقد أن هذا التعاون املهم ميثل بداية مشجعة للتكامل<br />

اخلليجي اإلفريقي يجب البناء عليه وتطويره نظرًا للعديد من<br />

االعتبارات واملنافع املتبادلة للجانبني اخلليجي واإلفريقي معًا،‏<br />

فعلى صعيد التعاون االقتصادي:‏ تشرع القارة السمراء أبوابها<br />

لاستثمارات اخلارجية خاصة االستثمار الزراعي والصناعات<br />

الغذائية والتعدين واستكشاف واستخراج النفط والغاز،‏ إضافة<br />

إلى كونها سوقًا واسعة للتسويق واالستهاك،‏ يف حني دول<br />

مجلس التعاون اخلليجي تبحث عن مثل هذه الفرص خاصة<br />

لتوفير احتياجاتها من الغذاء واحملاصيل الزراعية،‏ كما لديها<br />

خبرات متراكمة يف صناعة النفط،‏ وكذلك لديها قدرات كبيرة<br />

يف إعادة التصدير إلى القارة السمراء.‏<br />

والبعد األمني يف العاقة اخلليجية اإلفريقية غاية يف األهمية<br />

أيضً‏ ا خاصة بعد زيادة رقعة اإلرهاب وانتشاره يف العديد من<br />

الدول اإلفريقية ال سيما التنظيمات اإلرهابية اخلطيرة العابرة<br />

للحدود واملرتبطة بقيادات وفروع دولية.‏ لذلك يجب تكثيف<br />

التعاون األمني واالستخباراتي ملواجهة هذه الظاهرة التي أخذت<br />

تتنامى جنوب الصحراء اإلفريقية وشمالها.‏<br />

العاقات العسكرية بني الطرفني ال تقل أهمية عن التعاون<br />

األمني خاصة أن هناك جتارب ناجحة بني بعض دول اخلليج<br />

والدول اإلفريقية يف مجال التصنيع العسكري ومنها جتربة<br />

اململكة العربية السعودية مع جنوب إفريقيا التي جاءت يف وقت<br />

تسعى فيه دول مجلس التعاون إلى توطني الصناعات العسكرية،‏<br />

إضافة إلى ضرورة العمل املشترك لتأمني مضيق باب املندب<br />

ومدخل البحر األحمر وخليج عدن حيث توجد جهود دولية<br />

محمومة للتواجد العسكري خاصة يف شرق إفريقيا هذه املنطقة<br />

التي تعد من أهم حلقات األمن اخلليجي والعربي.‏<br />

ويأتي ذلك يف ظل توجه دول مجلس التعاون اخلليجي إلى<br />

تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة االقتصادية واالستعداد<br />

ملرحلة ما بعد النفط،‏ وهو ما ترجمته رؤية 2030 التي طرحتها<br />

اململكة العربية السعودية وتعمل بجدية على تنفيذها حيث تعتمد<br />

على التوسع يف االستثمارات الداخلية واخلارجية وحتقيق زيادة<br />

معدالت النمو،‏ واالستمرار يف حتقيق الرفاهية دون االعتماد على<br />

النفط كسلعة وحيدة أو رئيسية يف الدخل الوطني.‏<br />

ولتفعيل الشراكة مع إفريقيا جنوب الصحراء من الضروري<br />

وضع أسس لهذه الشراكة بني احلكومات عبر اتفاقيات بعيدة<br />

املدى تؤطر ملنع االزدواج الضريبي،‏ والتحكيم،‏ وانتقال رؤوس<br />

األموال،‏ والسلع،‏ والعمالة،‏ وتفعيل دور القطاع اخلاص وحتفيزه<br />

لاستثمار يف إفريقيا على ضوء استراتيجية واضحة املعالم<br />

وليس مجرد اجتهادات فقط من بعض شركات القطاع اخلاص.‏<br />

ومن الضروري أن تقوم جامعة الدول العربية ومجلس التعاون<br />

اخلليجي برفع مستوى التنسيق مع االحتاد اإلفريقي لتعزيز<br />

التعاون العربي واخلليجي اجلماعي وفقًا لرؤية تخدم األمن<br />

اجلماعي ال سيما أن هناك تواجد دولي وإقليمي متعدد األوجه<br />

واألبعاد واألهداف لتحقيق غايات دينية،‏ وطائفية،‏ وعرقية عاوة<br />

على املصالح السياسية واالقتصادية يف إفريقيا جنوب الصحراء<br />

وهذا يؤثر بشكل مباشر على األمن العربي واخلليجي واألمن<br />

اإلقليمي برمته نظرًا حلساسية وأهمية املوقع اجلغرايف للقارة<br />

اإلفريقية وقربها من املمرات املاحية الدولية وبذلك ال بد أن<br />

تكون إفريقيا يف صلب التخطيط االستراتيجي اخلليجي نظرًا<br />

ألهمية املنافع وخطورة التحديات.‏<br />

ويف بعدها االستراتيجي،‏ فإن تطوير العاقات اخلليجية -<br />

االفريقية يهدف إلى احتواء التمدد اإليراني يف القارة السمراء،‏<br />

حيث عملت طهران خال العقدين املاضيني على توسيع دائرة<br />

نفوها السياسي،‏ والثقايف،‏ وركزت بشكل خاص على النشاطات<br />

التبشيرية ذات الصبغة الطائفية.‏<br />

‏*رئيس مركز الخليج للأبحاث


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

خليجية متابعات<br />

109<br />

2016<br />

6<br />

ساهم في التنمية المستدامة وتوفير الخدمات<br />

الصندوق السعودي للتنمية:‏ تمويل )330(<br />

مشروعًا يف )44( دولة إفريقية ب 23 مليار ‏ًا<br />

سعت اململكة العربية السعودية منذ سبعينات القرن املاضي على استخدام املساعدات اإلمنائية كأحد أدوات السياسة<br />

الناعمة يف تعزيز عاقاتها مع مختلف الدول النامية ومنها الدول اإلفريقية،‏ ولتوفير البنية املؤسسية التي تعنى<br />

بعملية تقدمي املساعدات واملعونات اإلمنائية فقد مت إنشاء الصندوق السعودي للتنمية يف العام ‎1974‎م،‏ والذي بدء<br />

أعماله يف العام ‎1975‎م،‏ يف متويل املشاريع اإلمنائية يف الدول النامية من خال منح القروض بتسهيات كبيرة بقصد<br />

دعم الدول األقل منوًا بتوفير ما يلزمها من األموال،‏ وفق احتياجاتها التنموية.‏<br />

د.‏ نوزاد عبد الرحمن الهيتي<br />

وسوف نتناول يف هذا املقال بيان الدور الذي قام به الصندوق<br />

السعودي للتنمية يف دعم جهود الدول اإلفريقية لتحقيق التنمية<br />

املستدامة بأبعادها االقتصادية واالجتماعية والبيئية،‏ ويف إجناز<br />

األهداف اإلمنائية لأللفية فيها.‏<br />

أوالً-التوزيع الجغرايف إلجمايل مشاريع الصندوق:‏<br />

بلغ عدد اتفاقيات القروض التي وقعها الصندوق منذ بداية<br />

نشاطه يف عام ‎1975‎م،‏ وحتى نهاية عام 2014 نحو )511(<br />

اتفاقية قرض خصصت لتمويل )537( مشروعًا إمنائيًا وبرنامجً‏ ا<br />

اقتصاديًا مببلغ قدره )44156.59( مليون ريال.‏ وقد استفاد من<br />

هذه املساعدات )81( دولة نامية يف مناطق مختلفة من العالم<br />

منها )44( دولة يف إفريقيا و)‏‎29‎‏(‏ دولة يف آسيا و)‏‎8‎‏(‏ دول يف<br />

مناطق أخرى.‏<br />

وياحظ بأن الدول اإلفريقية قد حظيت بالنصيب األوفر من<br />

قروض الصندوق التراكمية،‏ إذ ساهم يف متويل )330( مشروعًا<br />

يف )44( دولة إفريقية مببلغ إجمالي قدره )22868.73( مليون<br />

ريال،‏ وهو يشكل ما نسبته )%51( من إجمالي القروض املقدمة<br />

من الصندوق.‏<br />

واستحوذت البلدان العربية اإلفريقية على اجلزء األكبر من<br />

املشاريع والبرامج )129( مشروعًا أي بنسبة )%30( ومببلغ<br />

)14082.74( مليون ريال وهو ما يشكل )%61.58( من القيمة<br />

اإلجمالية لقروض الصندوق التراكمية للدول اإلفريقية.‏<br />

ثانيًا-التوزيع القطاعي إلجمايل مشاريع الصندوق:‏<br />

لقد ساهم الصندوق السعودي للتنمية منذ بدء نشاطه وحتى<br />

نهاية عام ‎2014‎م،‏ يف متويل )330( مشروعًا وبرنامجً‏ ا تنمويًا<br />

يف مختلف قطاعات البنية التحتية احملددة ضمن إطار نشاطه<br />

التنموي يف إفريقيا،‏ شملت قطاعات النقل واالتصاالت والزراعة<br />

والطاقة والبنية االجتماعية ‏)املياه والصرف الصحي،‏ التعليم،‏<br />

الصحة،‏ واإلسكان والتنمية احلضرية(‏ الصناعة والتعدين<br />

والقطاعات األخرى.‏<br />

وياحظ على مدار الفترة ‏)‏‎2014-1975‎م(‏ بأن التوزيع القطاعي<br />

لقروض الصندوق السعودي قد شهد تغيرات عديدة،‏ ففي الوقت<br />

الذي كان النصيب األكبر من القروض املقدمة للدول اإلفريقية<br />

خال عقد السبعينيات لتمويل مشروعات النقل واالتصاالت<br />

والطاقة انسجامًا مع احتياجات الدول املستفيدة خال تلك<br />

الفترة،‏ جند بأن عقد الثمانينات شهد اهتمامًا أكبر بقطاع<br />

الزراعة والتنمية الريفية إلى جانب قطاع النقل واالتصاالت.‏ وقد<br />

جاء التركيز على القطاع الزراعي نظرًا ألهميته يف التنمية يف<br />

العديد من الدول اإلفريقية،‏ كما شهد هذا العقد بدء التوجه<br />

نحو دعم برامج اإلصاح االقتصادي والتصحيح الهيكلي التي<br />

تقوم بها بعض الدول بهدف املساعدة يف توفير االستقرار ودفع<br />

النمو االقتصادي.‏ أما عقد التسعينات،‏ فقد متيز باالهتمام<br />

بالقطاعات االجتماعية،‏ حيث وجه القسم األكبر من القروض<br />

واملساعدات إلى قطاعي البنية االجتماعية والطاقة.‏


خليجية متابعات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 7<br />

جدول )1( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية يف إفريقيا خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٤ م(‏ مليون ريال<br />

املبلغ<br />

عدد املشروعات والبرامج<br />

القطاع<br />

112<br />

91<br />

26<br />

67<br />

12<br />

22<br />

494<br />

النقل واالتصاالت<br />

البنية االجتماعية<br />

الطاقة<br />

الزراعة<br />

الصناعة والتعدين<br />

القطاعات األخرى<br />

اإلجمالي<br />

املصدر:‏ الصندوق السعودي للتنمية،‏ التقرير السنوي لعام 2014، الرياض 2015، ص 43.<br />

شكل )1( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية خالل الفترة -٢٠1٤ 1٩٧٥<br />

6588.68<br />

5955.59<br />

3362.23<br />

5087.18<br />

1277.21<br />

627.84<br />

22868.73<br />

املصدر:‏ الصندوق السعودي للتنمية،‏ التقرير السنوي للصندوق لعام 2011، الرياض،‏ 2012، ص‎42‎<br />

ويف العقد األول من القرن احلادي والعشرين بقي قطاع البنية<br />

االجتماعية وخصوصً‏ ا التعليم والصحة يستحوذ على نصيب<br />

وافر من القروض إلى جانب قطاع النقل واالتصاالت الذي<br />

يحتل املرتبة األولى طيلة الفترة ‏)‏‎2014-1975‎م(‏ واجلدول)‏‎1‎‏(‏<br />

يوضح التوزيع القطاعي لقروض الصندوق على القطاعات<br />

التنموية التالية:‏ النقل واالتصاالت،‏ الزراعة،‏ الطاقة،‏ البنية<br />

االجتماعية،‏ الصناعة والتعدين،‏ والقطاعات األخرى.‏<br />

يتبني من اجلدول أعاه بأن قطاع النقل واالتصاالت<br />

قد حظي باحلصة األكبر من املشاريع التي مولها الصندوق<br />

السعودي سواء من حيث العدد أو املبلغ اإلجمالي،‏ فقد مول<br />

الصندوق)‏‎112‎‏(‏ مشروعًا من مشاريع النقل واالتصاالت مببلغ<br />

إجمالي قدره )6558.68( مليون ريال أي بنسبة )%28.67( من<br />

إجمالي متويل الصندوق خال الفترة)‏‎2014-1975‎م(.‏<br />

وكان لقطاع النقل)‏‎108‎‏(‏ مشروعات موزعة بواقع )78(<br />

مشروعًا للطرق،‏ و)‏‎8‎‏(‏ مشروعات للسكك احلديدية،‏ و)‏‎11‎‏(‏<br />

مشروعًا للموانئ البحرية،‏ و)‏‎11‎‏(‏ مشروعًا للمطارات.‏ أما قطاع<br />

االتصاالت فحظي بأربعة مشروعات فقط نفذت يف كل من<br />

زميبابوي والسودان ومصر.‏ إن ارتفاع عدد القروض املقدمة<br />

لقطاع النقل واالتصاالت يبني مدى حاجة الدول النامية يف<br />

إفريقيا التي ليست لها منافذ بحرية لتطوير هذا القطاع املهم،‏<br />

إذ أن مراكز إنتاج املواد األولية يف بعض هذه الدول باتت بعيدة<br />

عن املوانئ،‏ ولهذه األسباب قدم الصندوق مساعدته بهدف<br />

استحوذت البلدان العربية اإلفريقية عى )129( مشروعاً‏<br />

ب )14082.74( مليون ريال بنسبة )%61.58( من القروض األفريقية


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

خليجية متابعات<br />

109<br />

2016<br />

8<br />

صيانة الطرق واملوانئ واملطارات وسكك احلديد وشراء املعدات<br />

وتدريب العاملني يف قطاع النقل واالتصاالت.‏<br />

وجاء باملرتبة الثانية قطاع البنية االجتماعية،‏ حيث مول الصندوق<br />

)91( مشروعًا من مشاريع البنية االجتماعية مببلغ<br />

إجمالي قدره )5955.59( مليون ريال أي ما يساوي )%26(<br />

من إجمالي متويل الصندوق خال الفترة )2014-1975(، وكان<br />

لقطاع الصحة والتعليم منها)‏‎55‎‏(‏ مشروعًا،‏ و)‏‎24‎‏(‏ مشروعًا للمياه<br />

والصرف الصحي و )12( مشروعًا لإلسكان والتنمية احلضرية.‏<br />

وتعكس النسبة العالية ملشروعات البنية االجتماعية مدى<br />

اهتمام الصندوق السعودي للتنمية بالقطاعات ذات الصلة<br />

املباشرة بالتنمية البشرية،‏ ومساعدة الدول اإلفريقية خصوصً‏ ا<br />

الفقيرة منها يف حتقيق أجندة التنمية الدولية.‏<br />

وجاء قطاع الزراعة والتنمية الريفية باملرتبة الثالثة،‏ حيث بلغ<br />

عدد املشروعات املرتبطة بالزراعة )67( مشروعًا بلغت مساهمة<br />

الصندوق فيها )5675.79( مليون ريال شكلت نسبة )%24.81(<br />

من إجمالي ما قدمه الصندوق.‏ وتركزت هذه املشروعات يف<br />

مجال تطوير أساليب الري واستصاح األراضي وشراء األسمدة<br />

شكل )٢( التوزيع القطاعي لقروض الصندوق السعودي للتنمية خالل الفترة -٢٠1٤ 1٩٧٥<br />

واملعدات لتطوير وميكنة القطاع الزراعي ومتويل برامج التنمية<br />

الريفية املتكاملة،‏ وتطوير السدود.‏<br />

واحتل قطاع الطاقة املرتبة الرابعة،‏ حيث مول الصندوق<br />

)26( مشروعًا لنقل الطاقة وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية<br />

مببلغ قدره )3362.23( مليون ريال وهو ما يشكل )%14.7( من<br />

إجمالي التمويل املقدم من الصندوق خال الفترة )2014-1975(.<br />

ويلي قطاع الطاقة قطاع الصناعة والتعدين،‏ حيث<br />

بلغت مساهمات الصندوق السعودي للتنمية يف هذا القطاع<br />

)1277.21( مليون ريال لتمويل )12( مشروعًا صناعيًا وقد<br />

شكل متويل قطاع الصناعة والتعدين ما نسبته )%5.58( من<br />

إجمالي متويل كافة القطاعات.‏ وتركزت املشروعات املمولة يف<br />

دعم الصناعات األساسية يف بعض الدول مثل إنتاج السكر<br />

وإقامة مجمعات صناعية،‏ وتطوير محالج األقطان،‏ واستكشاف<br />

وإنتاج بعض اخلامات،‏ ودعم القطاع الصناعي.‏ أما القطاعات<br />

األخرى،‏ فقد مول الصندوق )22( مشروعًا بقيمة )627.84(<br />

مليون ريال،‏ وهو ما يشكل )%2.74( من مجمل متويل الصندوق<br />

خال الفترة )2014-1975( والشكل البياني التالي يوضح ذلك.‏<br />

املصدر:‏ الصندوق السعودي للتنمية،‏ التقرير السنوي للصندوق لعام 2011، الرياض،‏ 2012، ص‎42‎<br />

ثالثاً-المساعدات السعودية ودعم تحقيق األهداف اإلنمائية<br />

يف الدول اإلفريقية:‏<br />

حرصت اململكة العربية السعودية على تبني سياسة يف مجال<br />

املساعدات اإلمنائية تقوم على توجيه املنح واملعونات والقروض<br />

نحو القطاعات ذات الصلة بتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية<br />

يف الدول النامية،‏ وللتعرف على جهود اململكة يف هذا املجال<br />

سوف نستعرض املشروعات التي قام الصندوق السعودي للتنمية<br />

بتنفيذها لتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية يف الدول النامية،‏ يف<br />

مجاالت التعليم والصحة واملياه.‏<br />

1- المساعدات المخصصة يف مجايل التعليم والصحة:‏<br />

ساهم الصندوق السعودي للتنمية يف تعزيز سياسة اململكة<br />

العربية السعودية يف دعم جهود الدول النامية الشقيقة<br />

والصديقة للمساعدة يف رفع مستوى تلك الشعوب يف مجالي<br />

الصحة والتعليم ومبا يساعدها يف بلوغ األهداف اإلمنائية<br />

لأللفية املرتبطة بنشر التعليم،‏ وخفض معدالت وفيات<br />

األطفال،‏ وحتسني صحة األمهات،‏ ومكافحة فيروس نقص<br />

املناعة البشرية/‏ اإليدز،‏ واملاريا،‏ حيث أسهم الصندوق منذ<br />

مباشرة نشاطه عام ‎1975‎م،‏ حتى نهاية ‎2010‎م،‏ يف متويل )53(


خليجية متابعات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 9<br />

مشروعًا يف قطاع التعليم و)‏‎32‎‏(‏ مشروعًا يف قطاع الصحة،‏ وبلغ<br />

مجموع مساهماته يف القطاعني )4885.98( مليون ريال سعودي<br />

أي ما يعادل )1302.93( مليون دوالر أمريكي،‏ منها )2871.42(<br />

مليون ريال سعودي يف قطاع التعليم و)‏‎2014.56‎‏(‏ مليون ريال<br />

يف قطاع الصحة.‏<br />

إن الدور الذي يقوم به الصندوق يف دعم القطاعني ال<br />

يقتصر على التدخل املباشر يف متويل املشاريع اخلاصة بهما،‏<br />

بل يتخطاه إلى املساهمة يف متويل مشاريع يف قطاعات أخرى<br />

لها تأثيرات إيجابية على األوضاع التعليمية والصحية للسكان<br />

من خال ما ينجم عنها من آثار يف القضاء على الفقر.‏ ومن<br />

أهم النشاطات التي يقوم بها الصندوق لدعم القطاع الصحي<br />

مساهمته يف برامج مكافحة األمراض املستوطنة يف إفريقيا<br />

بوجه خاص كبرنامج مكافحة العمى النهري ومرض نقص املناعة<br />

املكتسبة)اإليدز(‏ وأمراض السل والكوليرا.‏<br />

ويسعى الصندوق من خال متويله ملشاريع هذين القطاعني<br />

إلى حتقيق أولويات احلكومات املستفيدة وذلك مبا يتوافق<br />

مع خططها وبرامجها التنموية ومبا يضمن للدول املستفيدة<br />

منوًا متوازنًا وتنمية مستدامة.‏ أن التمعن يف مشهد مساهمات<br />

الصندوق يف قطاعي التعليم والصحة منذ بواكير إنشائه وحلد<br />

اآلن ترينا املسائل اآلتية:‏<br />

- تزايد اهتمام الصندوق بالقطاعني خال األعوام القليلة<br />

املنصرمة،‏ فنجد أن حصة القطاعني من مجمل املبالغ التي<br />

قدمت خال الفترة ‏)‏‎2010-1975‎م(‏ بلغت )4885.98( مليون<br />

ريال مت تخصيصها إلى )85( مشروعًا يف أكثر من )25( بلدًا.‏<br />

- يوجه الصندوق جزءًا هامًا من مساهماته يف القطاعني للدول<br />

ذات الدخل املنخفض التي ال يتخطى نصيب الفرد فيها من الناجت<br />

احمللي اإلجمالي السنوي )745( دوالراً‏ وفق معايير املؤسسات<br />

الدولية،‏ وقد خصص الصندوق لهذه الدول ما مجموعه)‏‎717.93‎‏(‏<br />

مليون ريال سعودي،‏ أي ما نسبته )%26.6( من إجمالي املساعدات<br />

املخصصة للقطاعني،‏ وذلك بقصد متويل )19( مشروعً‏ ا يف )13(<br />

جدول )٢( مساهمة الصندوق يف دعم قطاعي التعليم والصحة يف إفريقيا خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٠( مليون ريال<br />

مشروعات قطاع الصحة<br />

مشروعات قطاع التعليم<br />

الدولة<br />

أوغندا<br />

بنني<br />

تونس<br />

اجلابون<br />

اجلزائر<br />

جزر الراس األخضر<br />

جيبوتي<br />

رواندا<br />

كوت دي فوار<br />

السنغال<br />

السودان<br />

سيراليون<br />

الصومال<br />

غانا<br />

غينيا<br />

كينيا<br />

مصر<br />

املغرب<br />

النيجر<br />

اإلجمالي<br />

...<br />

40.00<br />

40.00<br />

....<br />

60.00<br />

...<br />

...<br />

109.27<br />

....<br />

82.99<br />

....<br />

4.33<br />

....<br />

83.67<br />

49.00<br />

24.00<br />

85.00<br />

....<br />

....<br />

578.26<br />

45.00<br />

43.00<br />

51.15<br />

99.76<br />

241.00<br />

37.50<br />

26.25<br />

....<br />

37.50<br />

26.89<br />

4.23<br />

....<br />

35.30<br />

11.39<br />

69.00<br />

....<br />

100.00<br />

440.00<br />

81.16<br />

1349.13<br />

املصدر:‏ الصندوق السعودي للتنمية،‏ نشاط الصندوق السعودي للتنمية يف دعم قطاعي التعليم والصحة،‏ الرياض،‏‎2012‎ ص 9-8.


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

خليجية متابعات<br />

109<br />

2016<br />

10<br />

دولة ذات دخل منخفض منها )14( مشروعً‏ ا يف )7( دول إفريقية.‏<br />

- أولى الصندوق اهتمامًا خاصً‏ ا لتوفير اخلدمات الطبية لسكان<br />

الدول النامية املقيمني خارج املدن الكبرى،‏ حيث أن )9( مشاريع من<br />

أصل )15( مشروعًا،‏ خصصت لها قروض بلغ إجمالها )216.9( مليون<br />

ريال سعودي وذلك إلنشاء مراكز طبية إقليمية وريفية تقوم بالدرجة<br />

األساسية توفير الرعاية الصحية األولية ألكبر عدد من املواطنني<br />

من ذوي الدخل املنخفض خاصة املقيمني منهم يف املناطق النائية.‏<br />

- ركز الصندوق نشاطه يف قطاع التعليم على نوعية التعليم الفني<br />

والتقني بكافة مراحله،‏ نظراً‏ للدور الهام الذي متارسه يف تكوين<br />

املهارات املهنية،‏ حيث عانى هذا القطاع يف الدول النامية من<br />

عوامل عدة تتمثل يف عدم كفاية التمويل ورداءة التصميم وضعف<br />

الصلة بأسواق العمل.‏ كما أن الصندوق استجاب لاهتمام املتزايد<br />

جدول )٣( مشاريع قطاع املياه يف الدول اإلفريقية خالل الفترة )1٩٧٥-٢٠1٠( مليون ريال<br />

بوركينافاسو<br />

بوروندي<br />

توجو<br />

تونس<br />

اجلزائر<br />

جيبوتي<br />

السنغال<br />

السودان<br />

غانا<br />

غينيا<br />

الكاميرون<br />

كينيا<br />

ليسوتو<br />

مالي<br />

مدغشقر<br />

مصر<br />

املغرب<br />

موريتانيا<br />

النيجر<br />

اإلجمالي<br />

الدولة<br />

عدد املشاريع<br />

5<br />

1<br />

1<br />

10<br />

5<br />

1<br />

8<br />

6<br />

1<br />

4<br />

1<br />

3<br />

1<br />

6<br />

1<br />

1<br />

10<br />

4<br />

1<br />

املبلغ<br />

184.87<br />

8.70<br />

17.00<br />

828.27<br />

437.00<br />

15.00<br />

480.04<br />

1182.80<br />

114.70<br />

181.00<br />

109.90<br />

126.94<br />

37.50<br />

367.43<br />

42.40<br />

81.66<br />

848.00<br />

428.10<br />

75.00<br />

٥٥٦٢٫٣1<br />

٧٠<br />

67 مشروعًا يف قطاع الزراعة والتنمية الريفية بمساهمة<br />

)5675.79( مليون ريال نسبة )%24.81( من إجمايل ما قدمه الصندوق<br />

الذي يوليه النشاط التنموي املبذول على الصعيد العاملي للتعليم<br />

األساسي والثانوي بوصفهما عنصرين بالغي األهمية يف تنمية<br />

املوارد البشرية وحتقيق التنمية املستدامة من خال االهتمام<br />

بتمويل منشآت التعليم العام يف املراحل ما قبل اجلامعة.‏<br />

- جاءت األهداف اإلمنائية لأللفية التي وضعتها األمم املتحدة<br />

املتوافقة مع مسار الصندوق يف دعم هذين القطاعني بصورة<br />

أساسية،‏ فالتعليم والصحة يُعدان من الوسائل القوية للحد من<br />

الفقر وانعدام املساواة وزيادة الرفاهية االجتماعية.‏<br />

وقد بلغت قيمة مساهمة الصندوق السعودي للتنمية يف متويل<br />

)41( مشروعًا يف قطاعي التعليم والصحة يف القارة اإلفريقية<br />

حوالي )1.9( مليار ريال سعودي خال الفترة )2010-1975(<br />

واجلدول )٢) يوضح ذلك.‏<br />

املصدر:‏ الصندوق السعودي للتنمية،‏ دور الصندوق السعودي للتنمية يف دعم مشاريع املياه يف الدول النامية،‏ الرياض،‏‎2012‎ ص‎3‎


خليجية متابعات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 11<br />

بلغت قيمة مساهمة الصندوق السعودي للتنمية يف تمويل<br />

)41( مشروعا يف قطاعي التعليم والصحة ب )1.9( مليار ريال سعودي<br />

2- المساعدات المخصصة يف مجال المياه:‏<br />

انطاقًا من الرؤية احلكيمة للقيادة الرشيدة خلادم احلرمني»‏<br />

حفظه اهلل « يف دعم اجلهود الهادفة إلى توفير املياه الصاحلة<br />

للشرب وتأمني صرف مناسب للسكان الفقراء يف الدول النامية،‏<br />

عاوة على توفير املياه لتحقيق التنمية الريفية،‏ وهو ما أشار<br />

إليه الهدف السابع من أهداف األلفية « ضمان االستدامة<br />

البيئية«،‏ فقد قام الصندوق السعودي للتنمية يف متويل )102(<br />

مشروعًا يف قطاع املياه،‏ متثلت يف إنشاء سدود ومشاريع ري<br />

وجلب مياه للشرب وإنشاء محطات لتحلية املياه مببلغ إجمالي<br />

قدره )8052.21( مليون ريال سعودي،‏ أي ما يعادل حوالي<br />

)2147.30( مليون دوالر أمريكي وهذا يشكل نسبة )%25( من<br />

إجمالي املبالغ املقدمة.‏ كما تولى الصندوق إدارة منح مقدمة من<br />

حكومة اململكة العربية السعودية مببلغ)‏‎230‎‏(‏ مليون دوالر أمريكي<br />

حلفر اآلبار والتنمية الريفية يف العديد من الدول اإلفريقية.‏<br />

وبلغ عدد املشاريع التي قامت اململكة العربية السعودية<br />

يف متويلها يف قطاع املياه يف الدول اإلفريقية )70( مشروعًا يف<br />

)19( دولة مببلغ قدره )5562.31( مليون ريال،‏ وكانت تونس<br />

واملغرب يف مقدمة الدول اإلفريقية استفادة،‏ حيث مت تنفيذ )10(<br />

مشروعات يف كل منها،‏ تليها السنغال ب)‏‎8‎‏(‏ مشروعات،‏ فالسودان<br />

ومالي)‏‎6‎‏(‏ مشروعات لكل بلد،‏ واجلزائر وبوركينا فاسو )5(<br />

مشروعات لكل بلد،‏ و)‏‎4‎‏(‏ مشروعات يف كل من موريتانيا وغينيا<br />

لكل بلد.‏ واجلدول )3( وضح ذلك.‏<br />

واستجابة لنداء الدول اإلفريقية التي عانت من اجلفاف املزمن يف<br />

نهاية سبعينات ومطلع ثمانينات القرن املاضي،‏ أعلنت اململكة العربية<br />

السعودية عن برنامجها اخلاص مبساعدة دول الساحل اإلفريقي خال<br />

مؤمتر القمة اإلسامي الذي أنعقد مبكة املكرمة يف يناير ‎1981‎م،‏<br />

بأن خصصت منحة قدرها )100( مليون دوالر أمريكي بدأ تنفيذها<br />

يف عام 1982، ومت استام أول بئر من تلك املرحلة يف عام ‎1988‎م.‏<br />

ونظرًا لتعاقب سنوات اجلفاف يف معظم الدول اإلفريقية<br />

واستجابة لنداء مماثل خال مؤمتر القمة اإلسامي الرابع<br />

الذي انعقد بالدار البيضاء يف يناير 1984، خصصت اململكة<br />

العربية السعودية مبلغ )30( مليون دوالر أمريكي لتنفيذ<br />

مرحلة ثانية من البرنامج اكتمل تنفيذها عام ‎1991‎م.‏<br />

وبالرغم من جناح البرنامج يف املرحلتني األولى والثانية،‏ والذي مت<br />

خالهما توفير املياه الصاحلة للشرب ملئات اآلالف من سكان األرياف،‏<br />

غير أن احلاجة مازالت لبذل املزيد من الدعم يف هذا املجال،‏ خاصة<br />

مع استمرار اجلفاف يف املنطقة بصورة لم تشهدها يف أي فترة سابقة<br />

من تاريخها.‏ لذا فقد أعلنت اململكة العربية السعودية استمرار العمل<br />

ببرنامجها اخلاص بتزويد دول الساحل اإلفريقي باملياه بأن خصصت<br />

مبلغ )50( مليون دوالر أمريكي وذلك لتنفيذ املرحلة الثالثة منه.‏<br />

واستمراراً‏ ملواصلة العمل بهذا البرنامج اخلاص،‏ فقد خصصت<br />

اململكة مبلغ )50( مليون دوالر أمريكي لتمويل مرحلة رابعة منه.‏ ويأتي<br />

هذا امتدادًا ملا توليه حكومة اململكة من أهمية لهذا البرنامج الذي أثبت<br />

جناحه وساهم بصورة كبيرة يف حتسني إمدادات املياه يف املناطق التي<br />

وصل إليها،‏ عاوة على حتسني املستوى الصحي لسكان تلك املناطق.‏<br />

واستمرارًا إلشراف الصندوق السعودي للتنمية على تنفيذ أعمال<br />

املراحل الثاث األولى،‏ فقد أشرف على تنفيذ املرحلة الرابعة التي<br />

انطلقت أعمالها يف عام ‎2006‎م وانتهت مع نهاية العام ‎2011‎م،‏<br />

وشملت هذه املرحلة اثنتا عشر دولة إفريقية ذات الدخل الفردي<br />

المنخفض وهي:‏ بنني،‏ بوركينافاسو،‏ تشاد،‏ توجو،‏ غامبيا،‏ جيبوتي،‏<br />

غينيا،‏ غينيا بيساو،‏ مالي،‏ موريتانيا والنيجر.‏<br />

وغني عن البيان فقد جرى اختيار املشاريع يف املراحل<br />

األربعة كافة طبقًا ملعايير محددة ساهمت بصورة كبيرة يف إجناح<br />

هذا البرنامج،‏ ومتثلت هذه املعايير بالتالي:‏<br />

1- ضمان استفادة أكبر عدد ممكن من السكان من املشاريع املعتمدة.‏<br />

٢- توفير مياه نظيفة وصاحلة لاستخدام البشري.‏<br />

٣- اعتماد أساليب فنية حديثة للتنفيذ مع توخي االقتصاد يف التكاليف.‏<br />

‎٤‎‏-إنشاء جتهيزات سهلة التشغيل والصيانة.‏<br />

‎٥‎‏-العمل على استغال املوارد احمللية البشرية واملادية.‏<br />

وجدير بالذكر فقد اهتم البرنامج منذ املرحلة األولى مبشاركة<br />

املستفيدين من مشاريعه يف األنشطة املختلفة وعلى وجه اخلصوص<br />

يف مجاالت التشغيل والصيانة واحملافظة على البيئة،‏ عن طريق توعية<br />

السكان وحتملهم ملسؤولياتهم املستقبلية يف اإلشراف واحملافظة على<br />

نقاط املياه وتشكيل جلان من األهالي يناط بها بعد امتام املشروع<br />

القيام مبهام التسيير اإلداري واملالي والبيئي لإلنشاءات التي تسلمتها<br />

الدوائر احلكومية املختصة والتي تعيد تسليمها للسكان املستفيدين.‏<br />

ويف الواقع،‏ فقد ساهمت هذه املشاريع يف مساعدة بعض الدول<br />

اإلفريقية على حتقيق اجنازات فيما يتعلق بهدف االستدامة<br />

البيئية وحتديداً‏ يف حتقيق الغاية الثانية واملتمثلة بخفض نسبة<br />

السكان العاجزين عن التأمني املستدام ملياه الشرب اآلمنة<br />

االستعمال والسكان غير املتمتعني بخدمات الصرف الصحي<br />

املستدام إلى النصف بحلول عام ‎2015‎م.‏<br />

‏*أكادميي متخصص بالشؤون الاقتصادية


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

12<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

اإلنتاج الغذائي الخليجي في الخارج أفضل من االستيراد املباشر<br />

مشكلة المياه في إفريقيا:‏<br />

أزمة إدارة ال ندرة<br />

‏»الناس شركاء يف ثاث:‏ النار والكأل واملاء«.‏ صدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.‏<br />

‏»احلصول على املياه املأمونة حاجة إنسانية ضرورية وحق إنساني أساسي«.‏ كويف عنان،‏ اليوم العاملي للمياه،‏ 22<br />

مارس ‎2001‎م.‏ ‏»من ضمن العديد من األشياء التي تعلمتها من عملي رئيسً‏ ا هو كون املياه يف محور األمور االجتماعية<br />

والسياسية واالقتصادية للبلد والقارة والعالم”.‏ نيلسون مانديا،‏ مؤمتر القمة العاملي للتنمية املستدامة ‎2002‎م.‏<br />

د.‏ محمد ساملان طايع<br />

إن احلصول على املياه العذبة هو موضع اهتمام عاملي،‏<br />

فاملياه العذبة هي التي تدمي الصحة واإلنتاج الغذائي والتنمية<br />

االقتصادية.‏ ولذلك،‏ فإن احلديثَ‏ عن أهمية ‏»املياه«‏ أمرٌ‏ ال يحتاج<br />

إلى تدليل.‏ فقد أخذ متغير«املياه«‏ يكتسب أهمية استثنائية خال<br />

العقود األربعة األخيرة،‏ حينما لفت مؤمتر األمم املتحدة للمياه -<br />

الذي عقد يف ‏»ماردل باتا«‏ باألرجنتني،‏ مارس ‎1977‎م،‏ األنظار<br />

إلى أهمية النظر إلى املياه بوصفها موردًا استراتيجيًا ال يقل<br />

أهمية عن النفط والغاز،‏ بل رمبا يزيد.‏<br />

وباإلضافة إلى كونه عنصرًا أساسيًا الزمًا حلياة جميع<br />

الكائنات،‏ فإنه أحد أهم املدخات الرئيسية للتنمية،‏ وال ميكن<br />

احلديث عن تنمية دومنا توافر املياه؛ حيث تعد املياه النظيفة<br />

والصرف الصحي من بني أقوى العوامل احملركة للتنمية البشرية،‏<br />

فمع وجودهما تزيد فرص احلياة،‏ ولذلك،‏ أخذت أدبيات التنمية<br />

‏-خال العقود الثاثة األخيرة - تربط بني ‏»املياه املتاحة«‏ ‏-كمًا<br />

وكيفًا-‏ وبني التنمية املستدامة.‏<br />

أصبح املتغير املائي واحدًا من عناصر قوة الدولة وأمنها<br />

القومي،‏ والسيما يف ضوء ارتباط ‏»األمن الغذائي«‏ ‏»باألمن<br />

املائي«،‏ انطاقًا من مقولة:‏ ‏»ال أمن عسكري ألمة من األمم خارج<br />

أمنها االقتصادي،‏ وذروة األمن االقتصادي هو الغذاء،‏ وجوهر<br />

األمن الغذائي ومنتجه هو املاء«.‏<br />

يف هذا السياق،‏ تزايد دورُ‏ املتغير املائي يف السياسة الدولية<br />

املعاصرة،‏ حيث صار يُنظر إلى املياه العذبة باعتبارها إحدى<br />

املتغيرات املؤثرة يف التفاعات بني الدول،‏ بوصفها إحدى<br />

العوامل التي ميكن أن تهدد عاقات حسن اجلوار والتعاون بني<br />

الدول املشاطئة ألحواض األنهار.‏ كما أضحت ‏»املياه«‏ إحدى<br />

املتغيرات التي تهدد ‏»األمن القومي«‏ للدول،‏ على الصعيدين:‏<br />

األمن الداخلي واألمن اخلارجي،‏ استنادًا إلى الدور املتزايد<br />

ملتغير املياه يف منظومة األمن القومي ألية دولة.‏<br />

ولذلك،‏ يسود االعتقاد عامليًا بأن ‏»املورد املائي«‏ يعتبر موردًا<br />

عامليًا)‏resources )global أو باألحرى ‏»سلعة عاملية«‏ global(<br />

)public good ومن ثم،‏ فهو يقع ضمن اإلرث العاملي املشترك<br />

kind( common‏(الذي heritage of human يستلزم<br />

تضافرًا للجهود العاملية إلدارة هذا املورد إدارة علمية تقوم على<br />

املنهج التكاملي management( )comprehensive water<br />

لتعظيم االنتفاع املنصف مبياه األنهار الدولية.‏<br />

يف هذا السياق،‏ يرى البعض أن أزمة املياه هي يف جوهرها<br />

أزمة إدارة،‏ وتتعدد أسباب تلك األخيرة فتشمل:‏ عدم كفاية<br />

املؤسسات املعنية باملياه،‏ وتفكك الهياكل املؤسسية،‏ وغياب<br />

التنسيق بني هياكل صنع القرار،‏ والصراعات املائية الناجمة عن<br />

تعارض مصالح البلدان الواقعة عند أعالي األنهار وتلك الواقعة<br />

على مجرى األنهار فيما يتعلق بحقوقها ووصولها إلى املياه.‏<br />

ولقد تسببت مواطن الضعف يف نظم اإلدارة املائية يف<br />

كثير من الدول يف إعاقة حتقيق تنمية مستدامة،‏ واملوازنة بني<br />

االحتياجات االقتصادية واالجتماعية واالستدامة األيكولوجية.‏


العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 13<br />

العدد ملف<br />

أزمة المياه العذبة يف العالم:‏<br />

املاء أحد أهم املوارد الطبيعية املتجددة على كوكب األرض،‏<br />

وأهم ما مييزه كمركب كيميائي هو ثباته،‏ فالكميات املوجودة منه<br />

على ظهر األرض هي نفسها منذ مئات السنني.‏ ويقدر احلجم الكلى<br />

للمياه بحوالي 1360 مليون كم‎3‎ غير أن ٪97 من مياهه موجود يف<br />

البحار واحمليطات،‏ وال تشكل املياه العذبة سوى ٪3 من مياه األرض.‏<br />

والتي تقدر بنحو 37 مليون كم‎3‎‏،‏ واجلزء األكبر من النسبة املتبقية<br />

)%75 منها(‏ محتجز يف األغطية اجلليدية بقارة أنتاركتيكا ويف<br />

األنهار اجلليدية وجبال اجلليد وليست متاحة لاستعمال البشري.‏<br />

كما أن هناك 8 مايني كم‎3‎ من املياه العذبة مخزنة يف جوف األرض،‏<br />

وتبقى نسبة تقل عن‎٪1‎ من املياه العذبة )200 ألف كم‎3‎‏(‏ يف شكل<br />

بحيرات وأنهار ميكن الوصول إليها بسهولة لاستخدام البشري.‏<br />

ومتتاز هذه الكمية من املياه العذبة بالثبات،‏ بفعل دورة املياه<br />

العذبة يف الطبيعة.‏ وتعتبر الكمية املتبقية من املياه العذبة كافية<br />

لسكان العالم احلاليني فيما لو وزعت بعدالة على مختلف األقاليم<br />

، بل ميكنها مقابلة الطلب العاملي املتزايد على املياه مستقباً.‏ بيد<br />

أن توزيع املياه العذبة غير متوازن بني هذه األقاليم من جهة،‏ وبني<br />

دول اإلقليم الواحد من جهة ثانية.‏<br />

قرابة ربع املعروض عاملياً‏ من إمدادات املياه العذبة يقع يف<br />

بحيرة بيكال يف سيبيريا التي تتسم بندرة السكان،‏ وحتظى أمريكا<br />

الاتينية ب ٪31 من موارد املياه العذبة يف العالم،‏ ونسبة سكانها<br />

إلجمالي سكان العالم عن ٪6 ويقدر نصيب الفرد فيها مبقدار<br />

12 ضعفاً‏ مقارنةً‏ بنصيب الفرد يف جنوب آسيا،‏ وتستحوذ قارة<br />

إفريقيا على ٪11 من املياه العذبة العاملية وميثل األفارقة ٪13<br />

من سكان العالم.‏ كما يوجد داخل األقاليم ذاتها خلل بني املوارد<br />

املائية والسكان،‏ فإقليم إفريقيا جنوب الصحراء،‏ يحظى بقدر<br />

مناسب من املياه،‏ فإذ قمنا بالتوزيع على أساس مجموعة من<br />

العوامل،‏ تغيرت الصورة،‏ فجمهورية الكونغو الدميقراطية حتظى<br />

بأكثر من ربع املوارد املائية يف اإلقليم ويبلغ نصيب املواطن فيها<br />

أكثر من ‎20.000‎م‎3‎‏،‏ بينما بلداناً‏ مثل كينيا وماالوي وجنوب<br />

إفريقيا يقعون بالفعل حتت حد اإلجهاد املائي.‏<br />

يتضح من اخلريطة عدم التوازن والتوزيع غير العادل<br />

للموارد املائية العذبة يف قارة إفريقيا،‏ حيث تنعم بعض الدول<br />

‏-وخصوصاً‏ الكونغو الدميقراطية-بوفرة مائية كبيرة،‏ وهناك<br />

دول بها وفرة متوسطة،‏ وأخرى تعاني من الندرة؛ والسيما كينيا<br />

والصومال ودول شمال إفريقيا وبعض دول غرب القارة.‏<br />

وقد يؤدي التوزيع اإلقليمي غير العادل للمياه العذبة إلى<br />

تزايد احتماالت الصراع املائي.‏ فلقد كانت املياه ‏-تاريخياً،‏ ومنذ<br />

عهود ما قبل املياد-سببًا رئيسيًا لنشوب العديد من الصراعات<br />

يف العالم.‏<br />

خريطة )1(: توزيع املوارد املائية يف أفريقيا<br />

املصدر:‏ http://iprogroup.weebly.com/africa-water-crisis.html<br />

ويبدو التناقض بني البلدان الغنية والفقيرة صارخاً،‏ فمع<br />

وجود احلرمان بنسب متفاوتة،‏ إال أن حقائق أزمة املياه العاملية<br />

تتحدث عن نفسها.‏ فهناك ما يقرب من 1.1 مليار شخص يف<br />

البلدان النامية ال يستطيعون احلصول على احلد األدنى من<br />

املياه النظيفة،‏ وتبلغ التغطية أدنى معدالتها يف إفريقيا جنوب<br />

الصحراء،‏ حيث يأتي ثُلثُ‏ هذا الرقم،‏ إذ يعيش ما يقرب من<br />

315 مليون بجنوب الصحراء محرومًا من املياه احملسنة.‏<br />

أما احلرمان من الصرف الصحي فهو أكثر انتشارًا،‏ فنحو 2.6<br />

مليار شخص ‏-نصف سكان بلدان العالم النامي تقريبًا-ال تتوفر<br />

لديهم مرافق الصرف الصحي األساسية،‏ و يعاني قرابة 440<br />

مليون إفريقي جنوب الصحراء من عوز إمدادات الصرف الصحي.‏<br />

إن تعبير ‏»عدم احلصول«‏ على املياه والصرف الصحي هو<br />

نوع من اللباقة لإلشارة إلى شكل من أشكال احلرمان يهدد<br />

احلياة وميتهن الكرامة اإلنسانية.‏ فعندما ال يستطيع اإلنسان<br />

احلصول على املياه فإن ذلك يعني جلوءه إلى املصارف واألنهار<br />

والبحيرات امللوثة،‏ وال يقتصر األمر على ذلك،‏ بل يصل إلى<br />

عدم توفر املياه الازمة للوفاء بأكثر احتياجات اإلنسان ضرورةً.‏<br />

وبإمعان النظر يف أزمة املياه العاملية حاليًا،‏ جند أن التاريخ<br />

االفتراضي لتحقيق األهداف اإلمنائية لأللفية )MDGs(<br />

هو عام ‎2015‎م،‏ وهي األهداف التي حددها املجتمع الدولي،‏<br />

ووضع لها إطارًا زمنيًا للحد من الفقر واجلوع،‏ وخفض معدل<br />

وفيات األطفال،‏ وتوفير فرص التعليم،‏ والتغلب على التفاوتات<br />

بني اجلنسني.‏ وسيكون التقدم يف أيٍ‏ من هذه اجلوانب مرهونًا<br />

بكيفية استجابة احلكومات ألزمة املياه.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

14<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

متثل األهداف اإلمنائية لأللفية نقطة مرجعية لقياس<br />

مدى ما حتقق من تقدم للحصول على املياه املأمونة،‏ لذا،‏ فإن<br />

‏»خفض عدد سكان العالم الذين ليس لديهم مصدر مستدام<br />

للحصول على مياه الشرب املأمونة والصرف الصحي األساسي<br />

إلى النصف يف عام 2015« ‏)الهدف السابع الغاية العاشرة(،‏ يعد<br />

هدفًا رئيسً‏ ا.‏ على أن حتقيق هذا الهدف يعد أمرًا ضروريً‏<br />

البلوغ أهداف أخرى،‏ فتوفر املياه النظيفة والصرف الصحي<br />

سوف ينقذ حياة أعداد ال حتُ‏ صى من األطفال،‏ وسوف يدعم<br />

التقدم يف عملية التعليم،‏ كما أنه سوف يحرر الكثير من البشر<br />

من حالة املرض الفقر الذي يعيشون فيه.‏<br />

ويشير ‏»بيتر جليك«‏ Gleick( .P(، إلى أن أحد القضايا<br />

الرئيسية يف القرن الواحد والعشرين هي:‏ ‏»كيف سنوفى<br />

احتياجات عشرة أو اثني عشر أو خمسة عشر بليوناً‏ من<br />

األشخاص فيما يحتاجونه من مياه للشرب وللزراعة يف الوقت<br />

الذي فشلنا فيه يف تلبية تلك االحتياجات لعالم يتألف من<br />

خمسة بايني من األشخاص؟«.‏<br />

ويف الوقت الراهن،‏ يعيش حوالي 700 مليون شخص<br />

يف 43 بلدًا على مستوى العالم حتت حد اإلجهاد املائي.‏<br />

وبقياس األوضاع يف كل بلد،‏ لن يتمكن 234 مليون شخص من<br />

الوصول إلى الهدف املتعلق باملياه بحلول عام 2015، وذلك يف<br />

ضوء تأخر 55 بلدًا عن اخلطة املوضوعة،‏ ولن يتمكن 430 مليون<br />

شخص من حتقيق هدف الصرف الصحي،‏ حيث إن هناك 74<br />

بلدًا متأخرًا.‏ ولكي تتمكن إفريقيا جنوب الصحراء من العودة<br />

إلى الطريق املرسوم لتحقيق الهدف املتعلق باملياه،‏ يتعني عليها<br />

أن تزيد من معدالت توصيل املياه إلى االستخدام من عشرة<br />

مايني توصيلة يف العام يف العقد املاضي إلى 23 مليون توصيلة<br />

خال العقد القادم،‏ كما يجب أن يزيد معدل توفير الصرف<br />

الصحي يف جنوب آسيا ليزيد من تتوفر لهم هذه اخلدمة من<br />

25 مليون فرد يف العام إلى 43 مليون فرد.‏<br />

الوضع المائي يف إفريقيا:‏<br />

أجزاء كبيرة من القارة اإلفريقية تقع ضمن اإلقليم االستوائي<br />

وارتفاع معدالت الهطول املطري عليها معظم أوقات السنة.‏<br />

وتضم إفريقيا عددًا كبيرًا من األحواض املائية الدولية ألنهار<br />

وبحيرات كبرى،‏ وتتشارك دولٌ‏ كثيرة يف القارة يف تلك األنهار<br />

الدولية.‏ وحسبما يتضح من اخلريطة واجلدول التالي.‏<br />

أحواض إفريقيا الجنوبية<br />

تشمل أنهار:‏ أوراجن-ليمبوبو-زامبيزي-أوكافانغو.‏ ومن املرجح<br />

حدوث منازعات بني دول هذه األحواض مع ازدياد الطلب على<br />

املياه.‏ ينظم العاقة بني هذه الدول بروتوكول أنظمة املجاري املائية<br />

املشتركة،‏ والذي أبرمته دول مجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية عام<br />

‎1995‎م.‏ ويؤكد احترام مبدأ القانون الدولي اخلاص باالنتفاع املنصف،‏<br />

كما يؤكد على أن تسوية املنازعات بني الدول املتشاطئة يف احلوض<br />

يتم من قبل هيأة حتكيم تابعة ملجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية.‏<br />

احلوض<br />

عدد<br />

الدول<br />

مساحة احلوض<br />

بآالف كم‎٢‎<br />

دول احلوض<br />

2960<br />

النيل 11<br />

مصر،‏ السودان،‏ جنوب السودان إثيوبيا،‏ أوغندا،‏ كينيا،‏ تنزانيا،‏ رواندا،‏<br />

بوروندي،‏ جمهورية الكونغو الدميقراطية،‏ اريتريا.‏<br />

3820<br />

الكونغو 9<br />

جمهورية الكونغو الدميقراطية،‏ جمهورية إفريقيا الوسطى،‏ أنغوال،‏ جمهورية<br />

الكونغو،‏ زامبيا،‏ تنزانيا،‏ الكاميرون،‏ بوروندي،‏ رواندا.‏<br />

180<br />

النيجر 9<br />

النيجر،‏ نيجريا،‏ مالي،‏ غينيا،‏ بوركينا فاسو،‏ كوت ديفوار،‏ بنن،‏ الكاميرون،‏<br />

تشاد<br />

1420<br />

زامبيزي 8<br />

زامبيا،‏ أنغوال،‏ ماوي،‏ زمبابوي،‏ مززامبيق،‏ بوتسوانا،‏ تنزانيا،‏ ناميبيا<br />

380<br />

الفولتا 6<br />

غانا،‏ بوركينا فاسو،‏ كوت ديفوار،‏ توغو،‏ بنن،‏ مالي<br />

950<br />

أوراجن 4<br />

جنوب إفريقيا،‏ ناميبيا،‏ بوتسوانا،‏ ليستو<br />

340<br />

السنغال 4<br />

السنغال،‏ موريتانيا،‏ مالى،‏ غينيا<br />

385<br />

ليمبوبو 4<br />

جنوب إفريقيا،‏ بوتسوانا،‏ موزامبيق،‏ زمبابوي


العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 15<br />

العدد ملف<br />

خريطة )٢(: توزيع املوارد املائية يف أفريقيا<br />

ومنها تتجلى اإلمكانات الهائلة التي حتويها القارة من املوارد<br />

املائية اجلوفية أو ما يعرف باملياه السوداء.‏<br />

خريطة )٣(: حوض نهر السنغال يف أفريقيا<br />

Source: http://www.riverbasin.org/aeimages//Image/Senegal_basin<br />

_map.gif<br />

خريطة )٤(: خريطة املياه اجلوفية يف أفريقيا<br />

Source:http://www.whymap.org/whymap/EN/Downloads/<br />

Continental_maps/gwrm_africa_g.html<br />

Source: http://www.tothevictoriafalls.com/vfpages/zambezi.html<br />

حوض نهر الفولتا<br />

- يضم 6 دول هي:‏ غانا،‏ بوركينافاسو،‏ كوت ديفوار،‏ توجو،‏<br />

بنني،‏ مالي،‏ غانا وبوركينافاسو هما الدولتان الرئيستان صاحبتا<br />

املصلحة احلقيقية فيه،‏ تسيطر على ٪4505 ٪42 من احلوض<br />

على التوالي.‏<br />

- عاشر أكبر حوض يف إفريقيا من حيث املساحة 380 ألف كم‎2‎‏.‏<br />

وثاني أكبر حوض يف إفريقيا من حيث التصريف 390 مليار كم‎2‎‏.‏<br />

- ليس هناك معاهدات وال منظمة حلوض نهر الفولتا.‏<br />

- هناك تعاون غير رسمي بني دول احلوض،‏ ولكن عدم كفاية<br />

وكفاءة السياسات واملؤسسات والتشريعات يقيد كثيرًا فعالية<br />

إدارة حوض النهر.‏<br />

حوض نهر السنغال<br />

- يضم 4 دول وهي بالترتيب غينيا،‏ مالي،‏ السنغال،‏ موريتانيا.‏<br />

- تعد موريتانيا والسنغال األكثر اعتمادًا على مياه النهر،‏ وأتاح<br />

لهما إمكانية الزراعة،‏ واملراعي التي منت على ضفاف النهر.‏<br />

- توجد درجة من التعاون بني دول النهر،‏ وقد مت تشييد سدين<br />

كبيرين الستغال مياه النهر هما:‏ سدا دياما وماننتالي.‏<br />

ويف الواقع،‏ إفريقيا ليست فقيرة من حيث املوارد املائية،‏ على<br />

الرغم من أن الصحراء الكبرى هي األكبر يف العالم إال أن تلك<br />

الصحراء حتوي يف أعماقها أكبر مستودع مياه وأكثرها صاحية<br />

لاستخدام يف العالم.‏ ومع ذلك،‏ توصف غالبية البلدان املوجودة<br />

جنوب الصحراء من بني أشد البلدان فقرًا يف العالم؛ والتي ال<br />

يسمح وضعها االقتصادي باستخراج املياه إلى السطح.‏ وجدير<br />

بالذكر أن قارة إفريقيا تضم ثاثة عشر خزانًا جوفيًا كبيرًا من<br />

بني اخلزانات السبعة وثاثني األكبر يف العالم.‏<br />

وملا كانت إفريقيا جنوب الصحراء متتاز بوفرة الهطول<br />

املطري خال فترات ممتدة من العام،‏ فإن كميات كبيرة من تلك<br />

األمطار تسهم يف تكوين كميات هائلة من املياه اجلوفية.‏ وتوضح<br />

اخلريطة التالية توزيع خزانات املياه اجلوفية الكبرى يف إفريقيا.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

16<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

ربع إمدادات المياه العذبة في بحيرة بيكال في سيبيريا<br />

وتحظى أمريكا الالتينية ب %31 من مياه العالم<br />

مشكالت المياه يف إفريقيا:‏<br />

إذا نظرنا إلى إقليم إفريقيا جنوب الصحراء،‏ سنجد أنه<br />

يضم أكبر عدد من البلدان املجهدة مائيًا،‏ فنحو ربع سكان<br />

إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون يف بلدان مجهدة مائيًا والنسبة<br />

آخذة يف االرتفاع.‏<br />

وتبدو سرعة الهبوط واضحة إذا ما تخيلنا استمرار املعدالت<br />

احلالية يف املستقبل.‏ فبحلول عام ‎2025‎م سيكون هناك ما يزيد<br />

عن 3 بليون فرد يعيشون يف بلدان مجهدة مائيًا،‏ وستهبط 14<br />

بلدًا من وضع اإلجهاد املائي إلى الندرة املائية.‏<br />

ومن املتوقع زيادة حدة األزمة املائية عامليًا مع استمرار تزايد<br />

النمو السكاني.‏ وإذا وضعنا يف االعتبار أن معظم الباد املجهدة<br />

مائيًا تشهد معدالت منو سكاني مرتفعة للغاية،‏ عرفنا أن نصيب<br />

الفرد من املياه يتناقص مبعدل سريع،‏ وإذا أخذنا عام ‎1950‎م،‏<br />

كنقطة مرجعية،‏ وجدنا أن توزيع منو سكان العالم أعاد صياغة<br />

نصيب الفرد من املياه بشكل كبير.‏ فمع استقرار معدالت توفر<br />

املياه يف البلدان الغنية يف عقد السبعينيات املاضي،‏ استمر هبوط<br />

تلك النسب يف البلدان النامية،‏ سيما يف البلدان النامية القاحلة.‏<br />

لقد أظهرت آخر سيناريوهات استخدام املياه والتي أعدها املعهد<br />

توقعات الندرة املائية لعام ٢٠٢٥ يف ظل الزيادة السكانية مقارنة بعام 1٩٩٥<br />

الدولي لبحوث سياسات األغذية واملعهد الدولي إلدارة املياه<br />

ومنظمة األغذية والزراعة وقائع مختلفة بعض الشيء،‏ لكنها<br />

تدور حول موضوعات مشتركة،‏ ومن بني السمات اجلوهرية<br />

للسيناريو املطروح للعقود األربعة القادمة استمرار النمو<br />

السكاني والتحضر السريع،‏ فمن املتوقع أن يزداد تعداد السكان<br />

بنحو 80 مليون نسمة يف العام على مدار العقود الثاثة القادمة،‏<br />

ليصل إلى 9 بايني نسمة عام ‎2025‎م،‏ وسوف تكون هذه الزيادة<br />

بأكملها تقريبًا يف البلدان النامية.‏ كما سيتواكب النمو السكاني<br />

مع التحضر السريع.‏ ففي عام ‎1960‎م،‏ كان ثلثا سكان العالم<br />

يعيشون يف مناطق ريفية،‏ وانخفضت هذه النسبة إلى النصف،‏<br />

وبحلول عام ‎2025‎م،‏ سيعيش ثلثا سكان العالم يف املدن.‏ وبذلك<br />

فإن توفير إمدادات الغذاء سوف يتطلب حتقيق مكاسب كبيرة<br />

يف اإلنتاجية لضمان متكني القلة القليلة من املنتجني الريفيني<br />

بالوفاء مبتطلبات التعداد السكاني املتزايد لسكان احلضر.‏<br />

وتوضح اخلريطة مقارنة بني معدالت السحب من املياه العذبة<br />

املتاحة يف عام ‎1995‎م،‏ بتلك التي ستكون متاحة عام ‎2025‎م يف مختلف<br />

أرجاء العالم.‏ ومنها يتضح أن معدالت السحب من املياه العذبة<br />

املتاحة يف إفريقيا جنوب الصحراء سوف تزداد بحلول عام ‎2025‎م.‏<br />

Source: http://www.unep.org/dewa/vitalwater/article141.html on: 7 June 2016.


العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 17<br />

العدد ملف<br />

وتشير حتليات أزمة املياه العذبة يف العالم إلى أن االستهاك<br />

خال القرن العشرين زاد عشر مرات.‏ حيث توضح اإلحصاءات<br />

الكمية انخفاض نصيب الفرد من املياه من حوالي ‎12900‎م‎3‎<br />

سنوياً‏ عام ‎1970‎م،‏ إلى ‎7600‎م‎3‎ سنوياً‏ عام ‎1996‎م،‏ أي أن نصيب<br />

الفرد تناقص مبعدالت وصلت إلى ٪40 خال ربع قرن.‏ ومن<br />

ناحية أخرى،‏ زادت االستخدامات املائية على مستوى العالم خال<br />

القرن العشرين مبقدار أربعة أمثال ما كانت عليه من قبل،‏ ومن<br />

املتوقع أن تزيد معدالت تناقص نصيب الفرد من املياه العذبة يف<br />

القرن احلادي والعشرين لسببني:‏ األول،‏ الزيادة الكبيرة يف عدد<br />

السكان،‏ والثاني،‏ ارتفاع مستوى املعيشة.‏<br />

ومن الواضح أن الزيادة السكانية وزيادة معدالت التحضر<br />

ستنعكس بالسلب على املوارد املائية األفريقية،‏ حيث ستزداد<br />

السحوبات لتلبية األغراض التنموية واالستخدامات املنزلية.‏<br />

ولقد أعد املعهد الدولي إلدارة املياه )IWMI( تقريرًا حول<br />

التوقع بسيناريو ‏»ندرة املياه يف مختلف أقاليم العالم«،‏ وانتهى<br />

إلى أن معظم األقاليم ستشهد أزمة مائية بدرجات متفاوتة من<br />

إقليم آلخر.‏ بيد أن إقليم العالم العربي والشرق األوسط سيكون<br />

من بني أكثر األقاليم تعرضاً‏ لهذه املشكلة.‏ وأكد التقرير أنه<br />

بحلول عام ‎2025‎م،‏ ستكون كل الدول العربية والشرق أوسطية<br />

أخذت تعاني من ندرة مائية حسب املعيار الكمي للفقر املائي<br />

Scarcity( .)Physical Water ولكن الدول اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء لن تعاني - فيما عدا دولة جنوب إفريقيا-من ندرة<br />

مائية وفق املؤشر الكمي للفقر املائي.‏ وذلك على النحو املوضح<br />

باخلريطة التالية.‏<br />

يتضح من اخلريطة أن معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء لن تعاني<br />

من محدودية املوارد املائية حسب املعيار الكمي بحلول عام ‎2025‎م.‏<br />

بيد أن األمر الافت للنظر من تأمل اخلريطة الفائتة،‏ أن كل الدول<br />

العربية ‏-اإلفريقية وغير اإلفريقية-سوف تصنف بحلول عام 2025<br />

م،‏ ضمن فئة البلدان املجهدة مائيًا،‏ والتي يقل فيها نصيب الفرد<br />

املائي عن ‎500‎م‎3‎‏/السنة.‏<br />

ويف السياق ذاته،‏ أصدرت مفوضية األمم املتحدة االقتصادية<br />

لشؤون إفريقيا )UNECA( دراسة عام ‎2000‎م،‏ تناولت حتلياً‏<br />

للوضع املائي يف الشرق األوسط وإفريقيا.‏ ووضعت سيناريو<br />

لألمن املائي يف تلك األقاليم وفق املعيار الكمي ملدى توفُّر<br />

املياه العذبة،‏ وانتهى التقرير إلى تقسيم بلدان الشرق األوسط<br />

وإفريقيا إلى فئتني.‏ فئة ستعاني من الضغط املائي بحلول عام<br />

‎2025‎م،‏ وهي تلك الدول التي سيتراوح نصيب الفرد من املياه<br />

العذبة فيها سنويًا ما بني 1000 و‎1700‎م‎3‎ بحلول عام ‎2025‎م.‏<br />

ويقع يف هذه الفئة عددٌ‏ من بلدان القارة اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء.‏ كما يبني من اخلريطة.‏<br />

خريطة )٥(: الضغط املائي المتوقع مستقبالً‏ في أفريقيا<br />

والشرق األوسط<br />

وتذهب تقديرات مفوضية األمم املتحدة االقتصادية<br />

)UNECA( إلى أنه بحلول عام ‎2025‎م،‏ فإن جميع البلدان<br />

الواقعة يف شمال أفريقيا؛ فضاً‏ عن دولة جنوب أفريقيا؛<br />

ستكون قابعة حتت خط الفقر املائي ‏)‏‎1000‎م‎3‎‏/للفرد/السنة(.‏<br />

ويف دراسة عن مستقبل املياه وندرتها يف العالم؛<br />

وحتديدًا يف املنطقة العربية توقعت املنظمة العربية للتربية<br />

والثقافة والعلوم واملركز العربي لدراسات املناطق اجلافة<br />

واألراضي القاحلة،‏ ظهور عجز مائي شديد يف دول شمال<br />

إفريقيا العربية بحلول عام ‎2030‎م،‏ بينما لم تتوقع الدراسة<br />

املذكورة عجزًا مائيًا يف دول إفريقيا جنوب الصحراء.‏<br />

يتبني من اخلريطة السابقة أن ٪ 62 من سكان العالم<br />

‏)أي حوالي ثلثي البشر(‏ سيعانون من مشكات ندرة املياه<br />

العذبة بحلول عام ‎2030‎م،‏ على الرغم من كل اجلهود الدولية<br />

املبذولة لتحقيق الهدف السابع من أهداف األلفية التنموية<br />

،)MDGs( والذي يستهدف تخفيض نسبة الذين يعانون من<br />

عدم احلصول على إمدادات مياه شرب نقية وصرف صحي<br />

محسن إلى النصف بحلول عام ‎2015‎م.‏ كما يتضح أن دول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء ستكون بعيدة عن حزام الندرة املائية،‏<br />

بل ستكون آمنة مائيًا وفق املؤشر الكمي لألمن املائي بحلول<br />

عام ‎2030‎م.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

18<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

خريطة )٦(: توقعات محدودية املياه العذبة يف أفريقيا والعالم<br />

عام ‎٢٠٣٠‎م<br />

بايني شخص.‏<br />

- يفتقد أكثر من 300 مليون شخص يف إفريقيا احلصول على<br />

املياه النقية ووسائل حفظ الصحة العامة.‏<br />

- تعد إفريقيا أقل القارات يف إمكانية وصول خدمة شبكاتها<br />

لتقدمي مياه نقية.‏<br />

- يعاني نصف سكان إفريقيا من األمراض املتصلة باملياه غير النقية.‏<br />

- 40 دولة يف العالم ضمن قائمة الدول التي تعاني من أزمة<br />

املياه نصفها إفريقية.‏<br />

- تضم القائمة اخلاصة ب 13 دولة األكثر معاناة بني أزمة<br />

املياه يف 9 دول إفريقية هي:‏ جامبيا،‏ جيبوتي،‏ الصومال،‏ مالي،‏<br />

موزمبيق،‏ أوغندا،‏ تنزانيا،‏ أثيوبيا،‏ وإريتريا.‏<br />

شكل )٢(: الوضع املائي يف بعض بلدان أفريقيا عامي 1٩٩٠ و‎٢٠٢٥‎م<br />

Source: http://www.cropscience.org.au/icsc2004/plenary/1/<br />

1994_rijsbermanf.htm<br />

وذهبت تقديرات صادرة عن ‏»منظمة األغذية والزراعة«‏ إلى<br />

أن عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء الذين يعانون من ندرة<br />

مائية؛ قد تضاعف مرتني خال الفترة ‏)‏‎2005-1990‎م(،‏ وأن هذه<br />

اإلحصائيات ليست يف سبيلها إلى التحسن يف املستقبل املنظور<br />

حتى عام ‎2050‎م،‏ بل يُنتظر أن يبلغ عدد سكان البلدان املجهدة<br />

مائيًا يف إفريقيا جنوب الصحراء إلى ما يزيد عن 1.5 مليار<br />

نسمة بحلول عام ‎2050‎م.‏ وذلك حسبما يتضح من الشكل التالي:‏<br />

شكل )1(: اإلجهاد املائي يف أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة<br />

ببعض املناطق )1٩٩٠-٢٠٥٠(<br />

Source:http://www.internationalwaterlaw.org/blog/wpcontent/uploads/2012/05/Africa_Water_Avaiability_Per_<br />

Capita1.jpg<br />

إفريقيا:‏ بين وضع مائي حرج .. ومستقبل محفوف بالمخاطر:‏<br />

يف مارس ‎2007‎م،‏ صدر تقريرٌ‏ عن برنامج األمم املتحدة<br />

للمياه وحفظ الصحة العامة مبناسبة اليوم العاملي للمياه،‏ حذر<br />

من كارثة إنسانية تنتظر القارة السمراء وتهدد باندالع املزيد من<br />

احلروب من أجل احلصول على قطرة املياه،‏ حيث أشار التقرير<br />

إلى احلقائق التالية:‏<br />

- يعاني حوالي 700 مليون شخص يف 43 بلدًا من ندرة املياه،‏<br />

وبحلول عام ‎2025‎م،‏ قد يصل هذا الرقم إلى ما يربو عن 3<br />

- تعاني 31 دولة،‏ غالبيتها يف أفريقيا والشرق األوسط حاليًا من<br />

ضغط أو قلة املياه،‏ وسيصل العدد ‏-كما تشير التوقعات - إلى<br />

48 دولة مع حلول عام ‎2025‎م،‏ أي أن 2 من 3 أشخاص سيواجهون<br />

مشكلة ندرة املياه عام ‎2025‎؛ حيث ستكفي املياه الستهاك ٪35<br />

فقط من سكان األرض.‏


العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 19<br />

العدد ملف<br />

- يعيش الفرد من سكان الدول اإلفريقية على أقل من<br />

10 لترات ماء ‏)أي 2.6 جالون(‏ يوميًا،‏ وهي ظروف يائسة<br />

جدًا،‏ مقارنة بسكان بقية الدول املتضررة من األزمة التي<br />

كان متوسط نصيب الفرد اليومي قد بلغ 30 لترًا ‏)أي 8<br />

جالونات(.‏ ويف املقابل تقدر احتياجات الفرد العادي من املياه<br />

يوميًا ب 50 لترًا ‏)أي 13.2 جالونا(‏ تشمل 5 لترات للشرب،‏<br />

و‎20‎ لترًا لاستخدامات الصحية،‏ و‎15‎ لترًا لاستحمام،‏ و‎10‎<br />

لترات للطهي.‏<br />

المؤشر االقتصادي ألزمة المياه يف إفريقيا .. الحاضر<br />

وا لمستقبل :<br />

:)Economic Water Scarcity(<br />

ينصرف مفهوم ‏»محدودية املوارد املائية«‏ وفق املؤشر<br />

االقتصادي إلى احلالة التي يكون فيها وفرة يف كميات املياه<br />

املتاحة يف فترة زمنية معينة،‏ وبنوعية جيدة،‏ بيد أنه ال توجد<br />

اإلمكانات املادية التي تسمح بإنشاء البنية األساسية الازمة<br />

لتوصيل إمدادات مياه للشرب والري والصرف.‏ ففي هذه<br />

احلالة،‏ فإن عدم وجود املنشآت املائية الازمة إليصال املياه إلى<br />

املستخدمني،‏ فضاً‏ عن عدم توافر إمدادات الصرف الصحي<br />

نتيجة للفقر الشديد،‏ يترتب عليه عدم قدرة املستخدمني على<br />

االنتفاع باملياه،‏ وهي نفس النتيجة املترتبة عن عدم وجود املياه<br />

كلية أو وجوده بكميات قليلة.‏<br />

إن الغالبية العظمى من السكان احملرومني من إمدادات<br />

مياه الشرب النقية والصرف الصحي احملسن يعيشون يف<br />

قارتي آسيا وإفريقيا ‏-وهما القارتان اللتان يوجد بهما كل<br />

الدول العربية-مقارنة بالقارات األخرى.‏ كما يتضح من هذه<br />

اخلريطة أن معظم الدول اإلفريقية ‏–وخصوصً‏ ا دول إفريقيا<br />

جنوب الصحراء-تعاني من محدودية يف مواردها املائية.‏<br />

ووفقًا لدراسة نشرها برنامج األمم املتحدة للبيئة،‏ فإن كميات<br />

املياه املتوفرة للفرد الواحد يف إفريقيا آخذة يف االنخفاض،‏<br />

وهناك فقط 26 بلدًا من أصل 53 يف القارة على مسار حتقيق<br />

هدف تخفيض عدد األشخاص الذين ال يستطيعون الوصول<br />

ملياه الشرب النظيفة بحلول عام ‎2015‎م.‏<br />

وذكرت الدراسة املعنونة ‏»أطلس مياه أفريقيا«‏ والتي<br />

أطلقت خال أسبوع املياه اإلفريقي يف أديس أبابا،‏ أن من<br />

املتوقع أن حتقق خمسة بلدان فقط يف إفريقيا هدف تخفيض<br />

عدد السكان الذين يفتقرون لوسائل الصرف الصحي األساسي<br />

بحلول عام ‎2015‎م،‏ وهو املوعد الذي اتفقت عليه جميع بلدان<br />

العالم ومؤسسات التنمية القيادية لألهداف اإلمنائية لأللفية<br />

بهدف تلبية احتياجات فقراء العالم.‏<br />

شكل )٣(: الوقت املتوقع لبلوغ الهدف املتعلق باملياه يف إفريقيا<br />

وباقي األقاليم<br />

Source: United Nations, UNDP, “Beyond scarcity: Power,<br />

poverty and the global water crisis”, Human Development<br />

Report 2006, New York, UNDP, 2006.<br />

ووفقًا لاجتاهات احلالية،‏ سوف تبلغ إفريقيا جنوب<br />

الصحراء الهدف املتعلق باملياه يف عام ‎2040‎م،‏ والهدف املتعلق<br />

بالصرف الصحي يف عام ‎2076‎م.‏<br />

إن املستوى املتدني من توفر مصادر املياه والصرف الصحي<br />

يف املناطق الريفية يف البلدان األقل منوًا معروف بشكل موثق<br />

جيدًا،‏ وليست األمور بأفضل حاالً‏ يف البلدان اإلفريقية الفقيرة،‏<br />

فنسبة ٪40 تقريبًا من دول إفريقيا جنوب الصحراء لم يتوفر<br />

لها احلصول على املياه النظيفة بني 1990 و‎1996‎م،‏ كما لم تكن<br />

لدى ما يزيد عن ٪50 تقريبًا من سكان املنطقة ‏-خال الفترة<br />

ذاتها-مرافق للصرف الصحي.‏<br />

وتكشف اإلحصاءات المتعلقة بالمؤشر االقتصادي<br />

للمياه ‏)حالة المياه والصرف الصحي(‏ في تقارير<br />

التنمية البشرية الصادرة عن األمم المتحدة بشأن القارة<br />

اإلفريقية،‏ أن هناك تأخرًا يف جهود إمتام منشآت ‏»البنية<br />

التحتية المائية«‏ Infrastructure( )Water والخاصة<br />

بإمدادات مياه الشرب النقية،‏ وإمدادات الصرف<br />

الصحي المُحسَّ‏ ن.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

20<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

خريطة )٧(: توافر خدمات مياه الشرب والصرف الصحي احملسن<br />

يف أفريقا<br />

خريطة )8(: خدمات مياه الشرب والصرف الصحي احملسن يف<br />

الريف واحلضر األفريقي<br />

وإذا كانت معظم أقاليم قارة إفريقيا عامة؛ وإفريقيا جنوب<br />

الصحراء خاصة؛ تعاني من فقر مائي متمثل يف غياب إمدادات<br />

مياه الشرب النقية؛ والصرف الصحي احملسن،‏ فإن هذه<br />

اإلشكالية تزداد وضوحً‏ ا يف األقاليم الريفية يف إفريقيا مقارنة<br />

باملناطق احلضرية،‏ حيث تبدو األزمة أكثر وضوحً‏ ا وحدة يف<br />

كل الريف اإلفريقي،‏ ورمبا ال يُستثنى من ذلك إال مصر وليبيا.‏<br />

وذلك كما يتضح من خريطة )8(.<br />

مع أن مشكلة عدم توفر البنية التحتية املائية من خدمات<br />

مياه الشرب والصرف الصحي احملسن؛ ليست يف سبيلها<br />

للحل،‏ بل مستمرة،‏ ورمبا آخذة يف التزايد.‏ فقد بينت دراسة<br />

صادرة عن املعهد الدولي إلدارة املياه )IWMI( أنه بحلول علم<br />

‎2025‎م فإن إفريقيا جنوب الصحراء سوف لن تعاني من مشكلة<br />

مائية كمية،‏ بيد أن املشكلة األساسية ستتمثل يف الفقر املائي<br />

االقتصادي الناجم عن العوز يف توافر البنية التحتية املائية من<br />

إمدادات الصرف الصحي ومياه الشرب النقية.‏ وذلك على النحو<br />

املبني يف خريطة )9(.<br />

خريطة )٩(: توقعات الندرة الكمية واالقتصادية للمياه العذبة يف<br />

إفريقيا والعالم عام ‎٢٠٢٥‎م<br />

Source:http://sites.google.com/a/bluedemons.org/water-supply-and-sanitation-in-africa/graphs-1


العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 21<br />

العدد ملف<br />

بيد أن املعدالت السابق اإلشارة إليها فيما يتعلق بتوافر<br />

‏»احلق اإلنساني للمياه«‏ يف إفريقيا جنوب الصحراء ‏-حسب<br />

املؤشر االقتصادي الذي يُحسب بتوافر البنية التحتية املائية<br />

يف مجالي املياه والصرف الصحي-‏ تعتبر أعلى من املعدالت<br />

املناظرة لها عامليًا،‏ خاصة عند مقارنة أعداد األشخاص الذين<br />

ال يتوافر لهم احلصول على مصدر مياه محسن،‏ وكذا الذين<br />

ال يتوافر لهم احلصول على مرافق الصرف الصحي يف جنوب<br />

الصحراء،‏ بنظرائهم يف كلٍ‏ من جنوب وشرق آسيا ومنطقة<br />

احمليط الهادي.‏<br />

المياه والجفاف يف إفريقيا:‏<br />

يعتبر اجلفاف أهم املشكات التي تواجهها إفريقيا،‏ خاصة<br />

منطقة الصحراء الكبرى بشكل روتيني،‏ حيث تعاني القارة من<br />

جفاف قاتل مرة أو مرتني سنويًا،‏ ما يتسبب يف وفاة عددٍ‏ كبيرٍ‏<br />

من البشر ونفوق مئات اآلالف من احليوانات.‏ ناهيك عن وفيات<br />

حروب القبائل للحصول على املوارد املائية.‏<br />

وباإلضافة إلى ذلك،‏ يلقى عشرات اآلالف من سكان القارة<br />

حتفهم جراء نقص املياه النظيفة وما يسببه ذلك من أمراض<br />

كاإلسهال والعمى والبلهارسيا وسوء التغذية،‏ ما يؤدي إلى الوفاة.‏<br />

المياه والمجاعة يف إفريقيا:‏<br />

إن حروب املياه القادمة لها أبعاد أكثر خطورة،‏ متتد إلى<br />

وقوع مجاعة حقيقية نتيجة لندرة املياه املستخدمة يف الزراعة،‏<br />

ألنها متثل الركيزة األساسية التي تعتمد عليها برامج التنمية<br />

االقتصادية واالجتماعية والبيئية.‏<br />

وإذا نظرنا إلى كمية املياه التي حتتاجها الزراعة،‏ فقد أكدت<br />

إحصائيات األمم املتحدة عام 2003 أن الزراعة تستحوذ على ٪80<br />

من مخزون املياه؛ حيث يُستهلك 1000 طن من املياه إلنتاج كل<br />

طن من احلبوب.‏ وترتفع نسبة االستهاك يف إفريقيا وآسيا،‏<br />

نظرًا الرتفاع درجات احلرارة،‏ ولتخلف اإلمكانات الزراعية وتأخر<br />

التقنيات املستخدمة.‏<br />

أما عن كمية املياه املطلوبة إلنتاج مقدار االستيراد السنوي حلبوب<br />

الشرق األوسط وشمال إفريقيا فإنها تعادل مجرى نهر النيل السنوي،‏<br />

كما أن حجم املياه املطلوب يف عام ‎2025‎م،‏ سيزيد مبقدار‎٪50‎ بسبب<br />

العدد السكاني املتزايد والبحث الدائم عن مستوى زراعي أفضل.‏<br />

وتشير التقديرات إلى نقطة أكثر خطورة،‏ إذ أنها تؤكد أن<br />

الندرة الفائقة يف املياه ستؤدي إلى تقليل طعام العالم بنسبة ٪10<br />

ويؤدي ذلك إلى ارتفاع يف أسعار احملاصيل والذي قد يشكل<br />

مشكلة حقيقية ملا يزيد عن 110 مليون شخص ميثل دخلُهم<br />

دوالرًا واحدًا أو أقل يوميًا.‏<br />

خريطة )1٠(: مستقبل نصيب الفرد من املياه يف إفريقيا والعالم<br />

‏)‏‎٢٠٢٥‎م(‏<br />

حروب المياه يف إفريقيا:‏<br />

إذا نظرنا إلى مصادر املياه يف إفريقيا والتي تتمثل يف<br />

مجموعة من األنهار والبحيرات أهمها أنهار النيل،‏ والنيجر،‏<br />

الفولتا،‏ وزامبيزى،‏ جندها مشتركة بني مجموعة دول،‏ ومقسمة<br />

بينها بحسب عدد السكان،‏ الذي يتزايد،‏ ويف املقابل ترتفع معه<br />

حاجة السكان إلى املياه،‏ مما يفتح الباب إلى نشوب الصراعات<br />

واحلروب بني الدول.‏<br />

فنهر النيل يضم بخاف مصر والسودان تسع دول إفريقية<br />

أخرى،‏ وباتت العاقات الهيدروبوليتيكية فيه تهدد بارتفاع املنحى<br />

الصراعي بني دوله،‏ والسيما بني مصر وإثيوبيا.‏<br />

أما نهر الكيتو،‏ والذي مير يف بوتسوانا،‏ ناميبيا وأجنوال يعتبر<br />

مصدر توتر يف العاقات بني اجليران.‏<br />

ويف وسط وغرب إفريقيا،‏ يعتمد ما يزيد على 20 مليون<br />

شخص يف ست دول على بحيرة تشاد فقط،‏ والتي قلت مياهها<br />

مبقدار %95 خال ال 43 عامًا املاضية؛ مما قد يهدد بأزمة<br />

سياسية أخرى.‏<br />

ويف املقابل تعاني 13 دولة يف إفريقيا من ندرة أو ضغط املياه،‏<br />

وستنضم إليهم 12 دولة أخرى بحلول عام ‎2025‎م.‏<br />

الصراع الدويل حول المياه يف حوض النيل:‏<br />

توضح املستجدات الراهنة يف خريطة التفاعات<br />

الهيدروبوليتيكية ‏)املائية-السياسية(‏ يف حوض النيل،‏ أن ثمة<br />

تطورات صراعية هيمنت على العاقات النيلية ‏-النيلية،‏ والسيما<br />

بعد اإلخفاق يف عملية التفاوض حول االتفاقية اإلطارية،‏ والتوقيع<br />

عليها بشكل منفرد من جانب ست من دول املنابع.‏ وبالتوازي،‏<br />

جاءت التطورات السلبية على ملف مياه النيل من خال التحرك<br />

اإلثيوبي املكثف إلنشاء عدد من السدود اجلديدة على منابع النيل.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

22<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

وبالنظر إلى النظام اإلقليمي املائي حلوض نهر النيل،‏<br />

يتبني أنه يشهد منطني من التفاعات الهيدروبوليتيكية:‏<br />

بعضها تعاوني،‏ واآلخر صراعي.‏ وتتمثل مجاالت الصراع املائي<br />

التي تؤثر يف احلوض منذ ستينيات القرن العشرين يف ثاثة<br />

مجاالت رئيسية:‏<br />

أولها:‏ الصراع حول ‏»مشروعية«‏ االتفاقيات السابقة التي وقعت يف<br />

نهايات القرن التاسع عشر والنصف األول من القرن العشرين،‏ ومدى<br />

مرجعيتها كإطار قانوني ينظم املسائل اإلجرائية املتعلقة بالنهر.‏<br />

وثانيها:‏ الصراع حول تقاسم املياه املشتركة يف حوض النيل،‏<br />

والدعوة إلى إعادة توزيع احلصص واألنصبة املائية بني دوله.‏<br />

وثالثها:‏ الصراع حول ‏»لزومية«‏ شرط اإلخطار املسبق عند<br />

القيام مبشروعات مائية قطرية من قبل دول منابع النهر.‏<br />

كانت هذه املجاالت الثاثة ‏-باإلضافة إلى مجاالت أخرى-‏<br />

محاور أساسية للتفاوض املائي بني دول حوض النيل منذ عام<br />

‎2001‎م،‏ للتوصل إلى اتفاقية إطارية تنظم إدارة املوارد املائية يف<br />

احلوض من مختلف األوجه.‏<br />

ودار التفاوض حول هذه املجاالت الثاثة يف صورة<br />

‏»مناظرات«‏ فكرية وسياسية وقانونية واقتصادية وهيدروليكية،‏<br />

ما بني دول منابع حوض النيل،‏ وبني دولتي املصب واملجرى<br />

‏)مصر والسودان(.‏<br />

خريطة )11(: حوض نهر النيل<br />

تقدير الموقف بشأن ‏»االتفاقية اإلطارية«:‏<br />

لقد تعثرت املفاوضات املائية السياسية التي بدأتها دول<br />

حوض النيل مع مطلع األلفية اجلديدة،‏ ووقفت مجموعة من<br />

العقبات السياسية والفنية حائاً‏ دون التوصل إلى اتفاق حول<br />

الصياغة النهائية لاتفاقية اإلطارية التي كانت من املفترض أن<br />

تقنن وتنظم إدارة عملية االنتفاع مبوارد النهر.‏<br />

ويكشف تأمل املشهد السياسي قبل وأثناء وبعد جوالت<br />

التفاوض حول االتفاقية اإلطارية حلوض النيل؛ والتي بدأت بلجانٍ‏<br />

تفاوضية؛ ثم اجتماعات وزراء مياه النيل بدءًا من اجتماع أديس<br />

أبابا يف يناير ‎2006‎م؛ وانتهاءً‏ باجتماع شرم الشيخ يف أبريل ‎2010‎؛<br />

والذي كان مبثابة اإلعان عن فشل مفاوضات االتفاقية اإلطارية<br />

حلوض النيل،‏ والتي استمرت زهاء اخلمس سنوات )2006-<br />

‎2010‎م(،‏ يكشف تأمل أحداث ذلك املشهد السياسي عن قدرٍ‏<br />

كبيرٍ‏ من حتول مواقف دول املنابع،‏ وتبنيها مواقف أكثر تشددًا.‏<br />

ومن ثم،‏ تصاعد وتيرة التفاعات الصراعية يف حوض النيل.‏<br />

فقد أقدمت خمس دول من دول املنابع النيلية يف 14 مايو<br />

‎2010‎م،‏ بالتوقيع بشكل منفرد على االتفاقية اإلطارية ‏»عنتيبي«‏<br />

لتأسيس مفوضية حوض النيل،‏ دون األخذ يف االعتبار اعتراض<br />

دولتي املصب واملجرى ‏)مصر والسودان(.‏ ثم بادرت بوروندي<br />

‏-باتخاذ خطوة تصعيدية-‏ بالتوقيع على االتفاقية يف فبراير<br />

‎2011‎م،‏ ليكتمل النصاب القانوني ببلوغ الدول املوقعة ست دول<br />

من مجموع الدول النيلية.‏<br />

وازداد املوقف تأزميًا بعد انفصال جنوب السودان يف 9<br />

يوليو ‎2011‎م،‏ ذلك احلدث الذي ألقى بظال سلبية على<br />

تطورات املعادلة الهيدروبوليتيكية ‏)املائية-السياسية(‏ يف حوض<br />

النيل،‏ وضاعف من حالة االحتقان السياسي؛ والسيما يف ضوء<br />

التصريحات التي خرجت من ‏»جوبا«‏ يف 22 مارس ‎2013‎م،‏ لتنادي<br />

بالتبرؤ من اتفاقية االنتفاع الكامل مبياه النيل عام ‎1959‎م،‏<br />

والتلويح باالنضمام إلى اتفاقية ‏»عنتيبي«.‏ ومن ثم،‏ مزيد من<br />

التطويق السياسي واجليوستراتيجي ملصر.‏<br />

إن التحليل السياسي للسلوك التفاوضي حول املسائل النيلية،‏<br />

يُوضح أن ثمة قضايا خافية حالت دون التقاء وجهات نظر دول<br />

املنابع مع دولتي املصب ‏)مصر والسودان(،‏ وظلت تلك القضايا<br />

تشغل حيزًا بني الشد واجلذب،‏ بني القبول والرفض،‏ بني التقابل<br />

والتنافر.‏ كما يكشف حتليل املواقف التفاوضية لطريف املعادلة<br />

النيلية ‏)املصب-املنابع(‏ أنها تنطلق من مسلمات تاريخية متثل<br />

بالنسبة لهذه الدول ثوابت سياسية يصعب التحرك خارجها،‏ أو<br />

التنازل عنها.‏ األمر الذي قد يجعل من تلك املفاوضات كما لو<br />

أنها مباراة صفرية العائد game( .)zero sum<br />

لقد بدا واضحً‏ ا أن مفاوضات االتفاقية اإلطارية حلوض


النيل يعوزها النجاح لألسباب اآلتية:‏<br />

)1( عدم اكتمال االتفاق ‏)عدم التوصل إلى توافق يف اآلراء(.‏<br />

)٢( غياب نص خاص بحقوق مصر املكتسبة على نهر النيل.‏<br />

)٣( غياب نص يعالج اإلخطار املسبق.‏<br />

)٤( عدم وجود نص يحكم العاقة بني مبدأ التوزيع العادل<br />

ومبدأ عدم األضرار.‏<br />

وبالفعل،‏ متحورت املواد اخلافية يف االتفاقية املذكورة يف ثاث<br />

مواد باألساس وهي:‏<br />

1- املادة الثامنة-فقرة ‏)ب(‏ املتعلقة بتبادل املعلومات ذات الصلة<br />

بشرط اإلخطار املسبق Measures( .)Planned<br />

٢- املادة 14 ‏-فقرة ‏)ب(‏ املتعلقة مبا سمي يف االتفاقية باألمن<br />

املائي،‏ حيث اشترط املفاوض املصري ‏-والسوداني-ضرورة<br />

تضمني االتفاقية بندًا يحمي ‏»األمن املائي واالستخدامات<br />

واحلقوق احلالية ألي دولة يف احلوض«.‏ كما أكدت مصر ضرورة<br />

تضمني هذا البند ما يفيد االلتزام باحترام االتفاقيات القائمة.‏<br />

وهو ما لم يلقَ‏ القبول من جانب دول املنابع.‏<br />

٣- املادة 34 ‏-فقرة)ب(‏ و)ج(‏ املتعلقة بطريقة اتخاذ القرارات<br />

ذات الصلة بحوض النيل،‏ حيث نصت املادة على أن يكون<br />

توافق اآلراء باألغلبية )Consensus( هو اآللية املعمول بها يف<br />

اتخاذ القرارات.‏ وهنا اشترطت مصر والسودان تفسير مفهوم<br />

‏»التوافق«‏ إما بأن يكون بإجماع اآلراء،‏ أو باألغلبية املشروطة<br />

التي تتضمن كاً‏ من مصر والسودان بوصفهما دولتي املصب.‏<br />

وهكذا،‏ وقفت تلك املواد اخلافية حائاً‏ دون التوصل إلى<br />

قبول عام يُرضي جميع دول احلوض.‏ وكان القرار مصر والسودان<br />

االمتناع عن توقيع االتفاقية بشكلها احلالي.‏ بيد أن هذا القرار<br />

لم مينع دول املنابع الست املذكورة سابقًا من التوقيع على<br />

االتفاقية بوضعها احلالي من جانب أحادي،‏ كنوعٍ‏ من الضغط<br />

واالبتزاز السياسي على كلٍ‏ من مصر والسودان الشمالي.‏<br />

تقدير الموقف بشأن ‏»سد النهضة اإلثيوبي«:‏<br />

إن التطور األعقد واألهم يف وتيرة التفاعات الهيدروبوليتيكية<br />

يف حوض النيل،‏ هو استغال إثيوبيا حالة االرتباك الداخلي<br />

الشديد يف مصر إبان ثورة 25 يناير ‎2011‎م،‏ وقامت باإلعان<br />

‏-بشكل أحادي اجلانب-يف فبراير ‎2011‎م،‏ عن مشروع ‏»سد<br />

النهضة اإلثيوبي العظيم«،‏ واإلعان عن اعتزامها بناء ذلك<br />

السد مبواصفات فنية من شأنها تهديد األمن املائي املصري.‏<br />

العدد دراسة<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 23<br />

الصحراء الكبرى تضم أكبر مستودع مياه يف العالم وإفريقيا<br />

تضم 13 خزانًا جوفيًا من بين الخزانات ال 37 األكبر يف العالم<br />

العدد ملف<br />

وبالفعل،‏ شرعت إثيوبيا بوضع حجر أساس ‏»سد النهضة«‏ يف 2<br />

أبريل ‎2011‎م،‏ لتبدأ حلقة جديدة من حلقات الصراع املائي بني<br />

مصر وإثيوبيا.‏<br />

والسيما أن ‏»سد النهضة اإلثيوبي«‏ أصبح يثير إشكاليات<br />

سياسية وقانونية تتعلق بعدم التزام إثيوبيا بشرط اإلخطار<br />

املسبق عند قيامها بتنفيذ املشروعات املائية،‏ وعدم مراعاتها<br />

لواحدة من أهم وأبرز قواعد القانون الدولي العرفية رواجً‏ ا<br />

وقبوالً‏ يف الساحة الدولية،‏ وهو مبدأ ‏»عدم التسبب يف ضرر«.‏<br />

ولقد كانت اجلوالت اخلتامية للتفاوض حول االتفاقية<br />

املذكورة كاشفة وفاضحة حلجم الهوة واخلاف بني طريف<br />

التفاوض من ناحية،‏ وكاشفة لألخطاء التفاوضية التي وقع فيها<br />

املفاوض املصري طوال السنوات السالفة.‏ بعد أن وصل األمر<br />

إلى طريق مسدود،‏ بسبب استنفاد الوقت واجلهد واملوارد املالية<br />

يف مفاوضات ذات معادلة صفرية نتيجتها إما you( I win -<br />

.)I lose - you win( أو )lose<br />

فقد كان واضحً‏ ا منذ الوهلة األولى للتفاوض بشأن سد<br />

النهضة؛ حينما تشكلت ‏»اللجنة الفنية لتقييم آثار سد النهضة«،‏<br />

والتي ضمت يف عضويتها عشرة من اخلبراء الفنيني ‏)اثنني من<br />

مصر ومثلهما من كل من السودان وإثيوبيا،‏ فضاً‏ عن أربعة<br />

خبراء دوليني(،‏ كان واضحً‏ ا أن املفاوض املصري يتم استدراجه<br />

من اجلانب اإلثيوبي إلطالة أمد التفاوض يف سياق ‏»استراتيجية<br />

إثيوبية للتفاوض«‏ تقوم على كسب الوقت واملماطلة والتعنت الا<br />

مبرر.‏ لقد كانت كل املؤشرات خال محادثات ومفاوضات تلك<br />

اللجنة تشير إلى سياسة ‏»االستدراج املمنهج من اجلانب اإلثيوبي«.‏<br />

وصفوة القول فيما خصَّ‏ تأثير سد النهضة على العاقات<br />

الهيدروبوليتيكية يف حوض النيل،‏ فإن املشروعات املائية ‏-احلالية<br />

واملزمعة يف املستقبل-‏ يف إثيوبيا أو غيرها من دول حوض النيل،‏<br />

ميكن أن تكون وسيلة للتقارب بني دول احلوض،‏ وذلك إذا ما<br />

مت التعامل معها من منظور الربح للجميع Win( Win –<br />

،)Approach بحيث يتم التوافق والتراضي بني مختلف دول<br />

احلوض على املشروعات التنموية التي تولد الطاقة لدول املنابع،‏<br />

مبا ال يؤثر بالسلب أو يضر باملصالح املائية لدول احلوض؛ ومبا<br />

ال يخل باحلصة املائية املصرية والسودانية،‏ ومبا يحقق املصالح<br />

اجلماعية لكل شعوب حوض النيل.‏ بيد أن ذلك املنهج التعاوني<br />

يظل مرهون بقبول دول املنابع لشرط اإلخطار املسبق قبل<br />

املضي يف تنفيذ أية مشروعات مائية.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

24<br />

العدد ملف<br />

العدد دراسة<br />

ومبنطق املخالفة،‏ فإن إحجام إثيوبيا عن تبني شرط اإلخطار<br />

املسبق،‏ والتذرع بالسيادة اإلقليمية املطلقة على جزء النهر<br />

الواقع يف أقاليمها،‏ قد يفتح الباب على مصراعيه لتسارع وتزايد<br />

وتيرة التفاعات الهيدروبوليتيكية الصراعية يف حوض النيل.‏<br />

دول الخليج واالستفادة من اإلمكانات المائية اإلفريقية:‏<br />

الزراعة خارج احلدود لتفعيل ‏»املياه االفتراضية«‏<br />

تسعى كل الدول إلى حل معضلة األمن املائي واألمن الغذائي،‏<br />

من خال توفير املتطلبات الغذائية دون حتميل ميزانها املائي<br />

مزيداً‏ من التبعات.‏<br />

ويوضح الطلب على املياه العذبة يف اخلليج،‏<br />

أن النمو السكاني يزيد عادة الطلب على املياه<br />

يف جميع القطاعات االقتصادية:‏ الزراعية<br />

والصناعية واملنزلية.‏ بيد أن الزراعة تستهلك<br />

األغلبية العظمى من املياه.‏ فزهاء ٪80 يف<br />

املتوسط من املياه املستخدمة يف املنطقة هي<br />

لاستخدام الزراعي،‏ والنسبة املتبقية موزعة<br />

بني القطاعني الصناعي واملنزلي.‏ ويف الفترة<br />

بني 1965 و‎1997‎م،‏ تضاعفت تقريباً‏ املساحة<br />

اإلجمالية املروية يف املنطقة،‏ ويعود ذلك جزئياً‏<br />

إلى أن النمو السكاني زاد من الطلب على الغذاء.‏<br />

ويزداد الطلب على املياه يف قطاعي الصناعة واخلدمات<br />

مع توسعهما لتلبية طلب أعداد متزايدة من السكان.‏ فالصناعة<br />

حتتاج للمياه للصناعات التحويلية والتبريد وكذلك إلزالة النفايات.‏<br />

يف حني الطلب على املياه ازداد بسرعة يف جميع القطاعات<br />

باملنطقة،‏ فإنه ازداد بأكبر سرعة يف االستخدامات املنزلية،‏ فحصة<br />

القطاع املنزلي من املياه هي اآلن أعلى بكثير من حصة قطاع<br />

الصناعة يف بعض الدول اخلليجية؛ إذ ميثل االستخدام املنزلي<br />

٪25 أو أكثر من مجموع استخدام املياه يف البحرين والكويت.‏<br />

كما أن ارتفاع مستويات املعيشة والنزعة االستهاكية يؤديان<br />

إلى ارتفاع الطلب على املياه يف قطاعات أخرى.‏ فارتفاع الدخل،‏<br />

مثاً،‏ يؤدي إلى زيادة استهاك اللحوم.‏ ويحتاج إنتاج اللحوم إلى<br />

مدخات إضافية كبيرة من املياه واحلبوب التي هي محاصيل<br />

تتطلب كميات كبيرة من املياه.‏ وتعتمد احلكومات اخلليجية<br />

‏-بشكل متزايد-على األغذية املستوردة.‏<br />

يف هذا السياق،‏ وللتعامل مع ‏»معضلة املاء-الغذاء«،‏ تبنت دول<br />

اخلليج سياسة استيراد الغذاء من الدول الغنية باملياه واملصدِّرة<br />

للسلع الغذائية،‏ وذلك يف صورة ‏»مياه افتراضية«‏ Virtual(<br />

،)Water ويقصد بهذا املفهوم ‏»املياه املستخدمة يف أماكن أخرى<br />

إلنتاج األغذية التي يتم تصديرها إلى مناطق الشح املائي«.‏<br />

%1 من المياه<br />

العذبة فقط في<br />

بحيرات وأنهار<br />

لال ستخدام<br />

البشري عى األرض<br />

إن ‏»املياه االفتراضية«‏ مفهوم حديث نسبياً،‏ ظهر يف منتصف<br />

التسعينيات،‏ ويعتبر ‏»توني آلن«‏ Allan( )Tony ‏-أستاذ اجلغرافيا<br />

السياسية بكلية الدراسات الشرقية واإلفريقية بجامعة لندن-‏ أول<br />

من دشن هذا املفهوم.‏ وطرح Allan هذا املفهوم بهدف حل<br />

مشكلة محدودية املوارد املائية يف املناطق اجلافة عموماً،‏ ويف<br />

منطقة الشرق األوسط خصوصً‏ ا؛ إذ يرى أنه:‏ ‏»مبا أن املياه من<br />

املتغيرات املهمة يف إنتاج احملاصيل،‏ لذا يتعني على مختلف البلدان<br />

حتديد كمية املياه الازمة إلنتاج األغذية التي هي بحاجة إليها،‏<br />

وعندما يستورد بلد ما طناً‏ من القمح والذرة،‏ إمنا يستورد فعلياً‏<br />

أيضاً‏ مياهاً‏ افتراضياً‏ أي املياه الازمة إلنتاج تلك احملاصيل«.‏<br />

ويؤكد Allan أن ‏»نظرية املياه االفتراضية«‏ التي<br />

طرحها،‏ ميكن أن تسهم يف حل مشكلة الندرة<br />

املائية يف الشرق األوسط،‏ حيث ميكن للدول<br />

التي تعاني من شح مائي أن تستعيض عن زراعة<br />

احملاصيل الكثيفة يف استخدام املياه،‏ باستيرادها<br />

من الدول ذات الوفرة املائية.‏ وبهذه الطريقة،‏ حتقق<br />

البلدان املستوردة وفورات من خال جتارة ‏»املياه<br />

االفتراضية«.‏ وجدير بالذكر أن الدراسات احلديثة<br />

قد توصلت حلسابات دقيقة حول املياه االفتراضية<br />

املوجودة يف كل أنواع السلع الغذائية من حلوم<br />

وفواكه وخضروات.‏ وعلى الرغم من أن نظرية ‏»املياه االفتراضية«‏<br />

قد تبدو منطقية من الناحية االقتصادية،‏ بيد أن هناك اعتبارات<br />

سياسية واستراتيجية حتول دون اعتماد دول املنطقة اعتمادًا<br />

شديدًا على استيراد احلبوب من اخلارج،‏ حيث إن هذه البلدان<br />

كثيرًا ما تشعر أن إنتاج حبوبها بنفسها مسألة مهمة استراتيجيًا.‏<br />

يف هذا اإلطار،‏ تبدو ‏»استراتيجية الزراعة خارج احلدود«‏<br />

ذات وجاهة وفعالية يف ضوء تفعيل مقولة املياه االفتراضية.‏<br />

وذلك بأن تقوم الدول اخلليجية بشراء أراضٍ‏ زراعية أو قابلة<br />

للزراعة يف املناطق الغنية باملوارد املائية بعيدًا عن املناطق<br />

القاحلة والفقيرة مائيًا،‏ إما بعقد متلك أو عقود انتفاع طويلة<br />

األجل،‏ ويتم زراعة تلك األراضي باالستفادة من الوفورات املائية<br />

املتاحة يف تلك املناطق.‏ وتتبدى اجلدوى السياسية واالقتصادية<br />

لتلك االستراتيجية بشكل أعمق إذا ما طُ‏ بِّقت يف القارة اإلفريقية<br />

الغنية مبواردها املائية وأراضيها القابلة للزراعة.‏ واعتمادًا على<br />

‏»استراتيجية الزراعة خارج احلدود«،‏ ميكن للدول اخلليجية إحال<br />

سياسية ‏»اإلنتاج يف اخلارج«‏ محل سياسة ‏»االستيراد من اخلارج«.‏<br />

‏*أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة عضو املجلس<br />

املصري للشؤون اخلارجية


وتحليل رؤية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 25<br />

العدد ملف<br />

تفعيل الشراكة الخليجية الصينية في القارة السمراء ضرورة استراتيجية<br />

الخليج العربي وجاذبية القوى اآلسيوية<br />

يف إفريقيا:‏ الصين نموذجًا<br />

بدأت منذ ثمانينيات القرن املاضي تظهر مؤشرات سعي الصني إلى أن تتحول لاعب أساسي يف مناطق أوسع من<br />

العالم،‏ وبانتهاء احلرب الباردة دفعت االحتياجات االقتصادية والتطلعات االستراتيجية للصني إلى االهتمام املكثف<br />

واملنظم بالقارة اإلفريقية،‏ جعلها محط أنظار قوى آسيوية أخرى،‏ كمجموعة اآلسيان واليابان ودول اخلليج العربي.‏<br />

د.‏ فؤاد فرحاوي<br />

العالقات الصينية بإفريقيا جنوب الصحراء:‏ المجاالت واآلليات<br />

العالقات االقتصادية الصينية اإلفريقية وأهم مجاالتها<br />

التطور االقتصادي للصني خال العقدين األخيرين جعلها<br />

يف حاجة أكبر إلى موارد الطاقة واملعادن،‏ وفرض عليها تركيز<br />

استثماراتها يف هذا املجال بالدول الغنية باملوارد الطبيعية يف<br />

إفريقيا،‏ خاصة اجلزائر،‏ أنغوال،‏ الكونغو الدميوقراطية،‏ زامبيا،‏<br />

غينيا،‏ نيجيريا،‏ والغابون،‏ حيث استحوذت فيها بكني على نسبة<br />

مهمة من االستثمارات األجنبية املباشرة.‏ ولتسهيل تصدير املواد<br />

األولية والطاقة،‏ أنشأت الصني عددًا من مشاريع البنية التحتية<br />

بإفريقيا،‏ مبا فيها تهيئة املوانئ وخطوط السكك احلديدية.‏<br />

وأعطت أهمية خاصة لهذه املشاريع يف كينيا،‏ تانزانيا،‏ وإثيوبيا،‏<br />

لكونها تربط سياستها يف شرق إفريقيا باستراتيجياتها يف<br />

احمليط الهندي األهم لتجارتها الدولية.‏ وأنشأت الصني يف أنغوال<br />

ونيجيريا مشاريع يف مجال البنية املرتبطة بالطاقة،‏ مبا فيها<br />

مصفات تكرير النفط والطاقة الكهربائية.‏<br />

واملاحظ،‏ أن الشركات الصينية التابعة للدولة هي التي تقود<br />

االستثمارات بإفريقيا يف قطاعات الزراعة والطاقة واملعادن والبنية<br />

التحتية،‏ بينما الشركات اخلاصة تركز على التصنيع واخلدمات<br />

‏)اجلدول رقم:‏ 1(. وعمومًا،‏ مشاريع البنية التحتية التي أجنزتها<br />

الصني بإفريقيا،‏ بقدر ما أسهمت يف التطور االقتصادي داخل<br />

دولها،‏ أعطت دفعة الندماج أكبر بني دول القارة.‏ وبغية حتقيق<br />

اندماج اقتصادي أوسع مع إفريقيا،‏ اعتمدت الصني أيضا على<br />

آلية إنشاء ‏»املناطق االقتصادية احلرة«،‏ كتلك التي أقامتها يف<br />

مصر،‏ اجلزائر،‏ إثيوبيا،‏ موريتيوس،‏ نيجيريا،‏ وزامبيا.‏<br />

اجلدول رقم 1: الدول العشر األوائل التي تستثمر فيها الشركات<br />

اخلاصة والعامة الصينية يف إفريقيا إلى غاية ٢٠1٢ م<br />

Source: Juan Zhang, William X., “Stratigic Entry and Determinants of Chinese<br />

Private Enterprices Into Africa”, Journal of African Business, Vol. 14, N.2,<br />

2013, p:100.<br />

القطاع الزراعي<br />

بدأت الصني تهتم بالقطاع الزراعي مع إفريقيا يف سياق سياسة<br />

‏»تصدير الثورة اخلضراء«،‏ تعززت مع توجس الصني من ارتفاع<br />

أسعار املواد الغذائية ملا ميكن أن يسبب لها من توترات اجتماعية<br />

إذا لم تتمكن من سد احتياجاتها املتزايدة،‏ لذلك ركزت أيضً‏ ا على<br />

االستثمارات الزراعية يف إفريقيا،‏ ونتج عنها ظاهرة شراء األراضي<br />

يف عدد من دول القارة،‏ مثل بنني ومدغشقر وسيراليون.‏ وتنافست<br />

الصني يف هذا املجال عدد من الدول اآلسيوية األخرى،‏ كماليزيا،‏<br />

كوريا اجلنوبية،‏ سنغافورة،‏ وفيتنام.‏ وعمومًا،‏ استثمر يف القطاع<br />

الزراعي بإفريقيا حتى ‎2011‎م،‏ 2372 شركة صينية،‏ أغلبها يف<br />

زامبيا،‏ نيجيريا وإثيوبيا،‏ تنزانيا،‏ جنوب إفريقيا،‏ أنغوال،‏ ومصر.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

26<br />

العدد ملف<br />

وتحليل رؤية<br />

رفعت البنوك الصينية المساعدات للمشاريع االقتصادية<br />

والتنموية في إفريقيا إىل 35 مليار دوالر عام 2012<br />

وتعزز بكني التعاون يف مجال التدريب الزراعي مع عدد<br />

من املؤسسات يف إفريقيا.‏ وخال يونيو ‎2010‎م،‏ مت تأسيس إطار<br />

تعاون صيني إفريقي لتشجيع املزيد من االستثمارات يف القطاع<br />

الزراعي بإفريقيا،‏ مببادرة كل من ‏»مجموعة تنمية التعاون الفاحي<br />

الوطني الصيني«‏ )CNADC( التابعة للدولة و«بنك التنمية<br />

الصيني اإلفريقي«‏ ومجموعة من الشركات التجارية الفاحية.‏<br />

دور البنوك الصينية يف العالقات االقتصادية اإلفريقية<br />

تأسس ‏»بنك االستيراد والتصدير الصيني«‏ عام ‎1994‎م،‏ لتشجيع<br />

االستثمار والتجارة اخلارجية،‏ عبر القروض امليسرة التي يقدمها،‏<br />

ويف ظرف وجيز أصبح ضمن أكبر املؤسسات البنكية يف العالم التي<br />

تقدم القروض على هذا املستوى،‏ مبا فيها املقدمة لاستثمارات<br />

الصينية املباشرة يف إفريقيا،‏ خاصة يف مجال البنى التحتية واملعادن.‏<br />

ويعتبر أيضً‏ ا ‏»البنك الصيني للتنمية«‏ أحد أذرع بكني لدعم مشاريع<br />

التنمية يف إفريقيا،‏ كما أنه املؤسسة املالية الرئيسة يف تنفيذ أجندة<br />

‏»املنتدى االقتصادي الصيني اإلفريقي للتعاون«،‏ وذلك بالتنسيق<br />

مع عدد من املؤسسات األخرى،‏ أهمها وزارة التجارة الصينية.‏<br />

وتطور دور البنوك الصينية يف إفريقيا بتأسيس بكني<br />

ل«الصندوق اإلفريقي الصيني للتنمية«‏ يف يوينيو ‎2007‎م،‏ برأسمال<br />

أولي قدره 5 مليارات دوالر،‏ مخصصة لتشجيع االستثمارات،‏<br />

ومنذ ‎2009‎م،‏ صار له ممثلية ب«جوهانسبورغ«‏ يف جمهورية جنوب<br />

إفريقيا.‏ وقد أجنز ‏»الصندوق«‏ عددًا من املشاريع يف قطاعات<br />

مختلفة،‏ منها تخصيص 22.6 مليون دوالر لزراعة القطن يف<br />

ماالوي،‏ املوزمبيق،‏ وزامبيا،‏ و‎16.4‎ مليون دوالر حملطة كهربائية<br />

ومشاريع أخرى يف إثيوبيا واملناطق الصناعية احلرة يف نيجيريا<br />

ومصر.‏ وعمومًا،‏ فقد ساعدت هذه البنوك على رفع املساعدات<br />

واملشاريع االقتصادية والتنموية إلفريقيا،‏ إذ انتقلت من 1.2<br />

مليار دوالر عام ‎2000‎م،‏ إلى 35 مليار دوالر عام ‎2012‎م.‏<br />

االعتناء الصيني بالموارد البشرية اإلفريقية<br />

التعاون العلمي والثقايف الصيني اإلفريقي<br />

اهتمت الصني مبكرًا بالتعاون العلمي والثقايف مع إفريقيا،‏<br />

خاصة منذ الثمانينيات عندما بدأت الصني باالندماج مع<br />

إفريقيا،‏ كنتيجة لسياسة االنفتاح على اخلارج خال هذه


وتحليل رؤية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 27<br />

العدد ملف<br />

املرحلة.‏ وأثناء التسعينيات رفعت بكني أعداد األساتذة املبتعثني<br />

إلى إفريقيا،‏ فضا عن زيادة عدد الطاب األفارقة الوافدين<br />

إليها،‏ إذ انتقل عددهم من طالبني عام ‎1989‎م،‏ إلى 1580<br />

طالب عام ‎1999‎م وبتأسيس ‏»املنتدى اإلفريقي الصيني للتعاون«‏<br />

ستتطور العاقات الثقافية والعلمية بشكل أكبر،‏ خاصة بعد<br />

إنشاء ‏»معهد كونفوشيوس«‏ عام ‎2003‎م،‏ لتعليم اللغة الصينية<br />

عبر العالم.‏ ويتوفر بإفريقيا عدد من هذه املعاهد،‏ فضاً‏ عن<br />

أقسام تابعة لها افتتحت يف بعض جامعات القارة،‏ حيث بلغت 69<br />

قسمًا ومعهدًا،‏ يف الوقت الذي يصل عددها إلى 701 يف أمريكا،‏<br />

و‎426‎ يف أوروبا،‏ و‎200‎ يف آسيا.‏<br />

ومببادرة من ‏»الرابطة العاملية البارزة للتجار<br />

الصينيني«‏ و«مؤسسة الشباب الصيني للتنمية«‏<br />

و«مجموعة جتانيو هابيناس القابضة«،‏ تخطط<br />

الصني منذ ‎2010‎م،‏ لبناء 1000 مدرسة ابتدائية<br />

كهدية إلفريقيا،‏ سميت ب«مشروع األمل إفريقيا<br />

‏-الصني«.‏ وقد مت بناء عدد منها يف إثيوبيا،‏<br />

وكينيا،‏ وناميبيا،‏ ورواندا،‏ وبوروندي،‏ وتنزانيا.‏<br />

ويرافق بناء املدارس،‏ توثيق عاقات التعاون<br />

بني اجلامعات،‏ فضا عن تشبيك العاقات بني<br />

املراكز البحثية الصينية واإلفريقية.‏ وعمومًا،‏<br />

ياحظ أن الصني تؤسس بنية من العاقات يف مجال التعليم<br />

لتهيئة النخب اإلفريقية التي ستكون اجلسر األساس لضمان<br />

الوجود الصيني واستمراره املستقبلي بالقارة.‏<br />

التعاون اإلعامي الصيني - اإلفريقي<br />

بدأت بكني يف توسيع نشاطها اإلعامي بإفريقيا بعد قمة<br />

‏»املنتدى اإلفريقي الصيني للتعاون«‏ ‎2006‎م،‏ عبر القروض<br />

والدورات التدريبية وبرامج التبادل مع األفارقة يف هذا املجال.‏<br />

وخال عام ‎2012‎م،‏ مت فتح قناة Africa« »CCTV يف نيروبي<br />

بكينيا،‏ شغلت فيها صحفيني كينيني وصينيني لتغطية األحداث<br />

يف مختلف مناطق القارة.‏ وافتتحت يف كينيا أيضً‏ ا إذاعة ناطقة<br />

باللغتني اإلجنليزية والسواحلية،‏ فضا عن إصدار جريدة باسم<br />

Daily« .»China ومنحت بكني قرضً‏ ا لزميبابوي عام ‎2012‎م،‏<br />

قيمته 5 مايني دوالر لتوفير سيارات البث اإلذاعي لفائدة قناة<br />

،»ZBC« كما قدمت قرضً‏ ا بقيمة 30.6 مليون دوالر لوالية<br />

كادونا يف شمال نيجيريا لتطوير املؤسسات اإلعامية،‏ فضا<br />

عن 4 مايني دوالر لتحديث اإلعام الليبيري.‏ وخصصت قروضاً‏<br />

أخرى ومساعدات تقنية يف مجال اإلعام لناميبيا،‏ ليسوتو،‏<br />

موريشيوس،‏ جنوب إفريقيا،‏ موزامبيق،‏ وماالوي،‏ وسيشيل،‏<br />

وجيبوتي،‏ الغابون،‏ وجزر القمر وغيرها.‏<br />

1000 مدرسة<br />

ابتدائية و 69 قسمً‏ ا<br />

ومعهدًا علمياً‏<br />

بجامعات القارة السمراء<br />

لنشر الثقافة الصينية<br />

التعاون الصحي الصيني اإلفريقي<br />

ركزت الصني منذ ستينيات القرن املاضي على املساعدات<br />

الطبية يف عاقاتها مع الدول اإلفريقية،‏ من خال إرسال<br />

فرق طبية إلى عدد من دول القارة،‏ كانت أوالها عام ‎1963‎م.‏<br />

وخال الثمانينيات توسع دور وزارة الصحة يف املساعدات الطبية<br />

اخلارجية،‏ كما انخرطت بكني يف عدد من برامج األمم املتحدة<br />

للصحة.‏ وتنوعت أشكال التعاون مع إفريقيا بني إرسال الفرق الطبية<br />

والقروض والبرامج املشتركة واإلعانات املجانية ‏)أنظر اجلدول:‏ رقم‎2‎‏(.‏<br />

وبعد إنشاء ‏»املنتدى الصيني اإلفريقي للتعاون«‏ تتطور دور<br />

البرامج الصحية بصورة أكبر يف ديبلوماسية التنمية للصني<br />

يف إفريقيا.‏ واحتلت بكني الرتبة التاسعة ضمن<br />

أكبر الدول املساهمة يف اإلعانات الدولية املوجهة<br />

لقطاع الصحة بالقارة مابني 2000 و‎2010‎م،‏ بلغت<br />

قيمتها 3 مليارات وما يقارب 30 مليون دوالر.‏<br />

وتعتبر كل من الكاميرون،‏ التشاد،‏ كينيا،‏ السودان،‏<br />

زميبابوي وأنغوال وموريشيوس،‏ كوديفوار،‏ زامبيا،‏<br />

والنيجر،‏ ضمن أكبر الدول اإلفريقية املستفيدة من<br />

االعانات الصينية يف املجال الصحي.‏ ويشكل بناء<br />

املستشفيات وجتهيزها،‏ النسبة األكبر يف اإلعانات<br />

الصحية إلفريقيا،‏ تليها محاربة مرض املاريا،‏<br />

ثم البعثات الطبية ومشاريع الصرف الصحي وغيرها.‏ وعندما<br />

ظهر مرض اإليبوال يف غرب إفريقيا عام ‎2014‎م،‏ أرسلت الصني<br />

مساعدات إلى سيراليون،‏ و‎200‎ طبيب إلى ‏»مستشفي الصداقة<br />

الصيني السيراليوني«‏ للعمل على محاصرة املرض.‏<br />

اجلدول رقم ٢: املساعدات الطبية الصينية إلفريقيا خالل<br />

الثمانينيات من القرن العشرين<br />

Source: Huang Yanzhong, “Domestic Politics and China’s Health aid to<br />

Africa”,China: An International Journal, Vol. 12, N.3, December, 2014,<br />

p:182.<br />

ولكن املاحظ أن اإلعانات الصحية الصينية مرتبطة<br />

بظاهرتني،‏ األولى أنها تقدم لنفس الدول التي لها فيها


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

28<br />

العدد ملف<br />

وتحليل رؤية<br />

استثمارات،‏ خاصة يف مشاريع البنية التحتية واملوارد الطبيعية<br />

التي توظف عمال صينيني.‏ أما الظاهرة الثانية فهي أن الفرق<br />

الطبية التي ترسلها بكني إلى دول بعينها يف إفريقيا تنتمي إلى<br />

احملافظات الصينية التي لها عاقات اقتصادية مع تلك الدول،‏<br />

سواء من حيث املبادالت التجارية أو االستثمارات.‏ ويجب اإلشارة<br />

أيضً‏ ا أن اإلعانات الصينية الطبية إلفريقيا ال تخلو من أبعاد<br />

جتارية لشركاتها اخلاصة يف القطاع الصيدالني.‏<br />

التعاون األمني والعسكري الصيني بإفريقيا جنوب الصحراء<br />

املشاركة الصينية يف قوات حفظ السام بإفريقيا<br />

إن تزايد األهمية االقتصادية إلفريقيا يف السياسة اخلارجية<br />

يوازيها تنامي احلضور األمني والعسكري،‏ عبر املشاركة يف قوات<br />

حفظ السام الدولية.‏ وتشارك بكني يف سبع بعثات أممية من<br />

أصل ثمانية يف إفريقيا بقوات عددها 1500 شخص،‏ أي ما<br />

يعادل %75 من مجموع قوات الصني املشاركة يف بعثات السام<br />

األممية نحو العالم.‏ ولعبت الصني دورًا بارزًا يف بعثات السام<br />

نحو السودان وجنوب السودان ودارفور،‏ فضاً‏ عن دورها يف<br />

القوات األممية بليبيريا وساحل العاج والصحراء املغربية<br />

وبوروندي واملوزامبيق وناميبيا وسيراليون وإثيوبيا وإريتريا.‏<br />

وخال عام ‎2013‎م،‏ حصل حتول نوعي يف مشاركة الصني<br />

ضمن بعثات األمم املتحدة،‏ إذ ألول مرة ترسل قوات قتالية يف<br />

إطار عمليات األمم املتحدة يف مالي.‏ وتتوسع األدوار األمنية<br />

الصينية يف إفريقيا بشكل تدريجي،‏ ففي قمة ‏»املنتدى اإلفريقي<br />

الصيني للتعاون«‏ عام ‎2012‎م،‏ طرحت الصني ‏»مبادرة التعاون<br />

الصيني اإلفريقي املشترك من أجل السام واألمن«،‏ حددت<br />

ضمن أهدافها متويل بعثات حفظ السام التابعة لاحتاد<br />

اإلفريقي وتدريب قواتها.‏ ويتوقع أن تلعب الصني دورًا أكبر خال<br />

السنوات القادمة يف القضايا األمنية بإفريقيا،‏ عبر ‏»أجندة األمم<br />

املتحدة لعام ‎2030‎م«‏ باعتبارها أحد الداعمني واملشاركني يف<br />

صياغة تلك األجندة،‏ التي تطرقت إلى التحديات األمنية يف<br />

شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وكينيا.‏<br />

العاقات العسكرية الثنائية الصينية اإلفريقية<br />

حترص الصني على تطوير عاقاتها العسكرية مع الدول<br />

اإلفريقية على الصعيد الثنائي،‏ سواء عن طريق فتح ملحقيات<br />

عسكرية يف سفاراتها بإفريقيا،‏ أو تبادل الزيارات بني البعثات<br />

العسكرية،‏ أو عبر برامج بيع األسلحة الصينية.‏ ومتتلك الصني<br />

16 ملحقية عسكرية تغطي 30 بلدًا إفريقيًا،‏ يف مقابل 28 ملحقية<br />

عسكرية للدول اإلفريقية يف بكني.‏ وحسب تقرير ‎2016‎م،‏ ل«املعهد<br />

الدولي للدراسات االستراتيجية«،‏ فإن %68 من الدول اإلفريقية<br />

أصبحت تستورد األسلحة الصينية،‏ وما بني 2005 أضيفت 10<br />

دول مستهلكة للساح الصيني،‏ هي اجلزائر وأنغوال والرأس<br />

األخضر ونيجيريا والتشاد وجيبوتي وغينيا االستوائية والغابون<br />

وأوغاندا وغانا ‏)أنظر اخلريطة(.‏<br />

واستراتيجية الصني تنظر إلى شرق إفريقيا كأولية<br />

استراتيجية.‏ وعندما قام األسطول الصيني بأول رحلة حول<br />

العالم عام ‎2000‎م،‏ كانت تنزانيا أول محطة ينزل فيها هذا<br />

األسطول.‏ ومنذ عام ‎2008‎م،‏ بدأت تستدعي الصني البحرية<br />

املصرية واجلنوب اإلفريقية كماحظني يف املناورات البحرية<br />

التي جتريها يف مياهها اإلقليمية،‏ وخال نفس السنة شاركت<br />

الصني يف العمليات البحرية الدولية باخلليج لتأمني املاحة ضد<br />

القرصنة قبالة السواحل الصومالية.‏<br />

وبعد أن أنشأت بكني قاعدة عسكرية لها يف جيبوتي عام<br />

‎2015‎م،‏ يرتقب أن تنشط العاقات العسكرية مع دول شرق<br />

إفريقيا بصورة أكبر،‏ دلت عليها مثا زيارة وفد عسكري كيني<br />

يف دجنبر ‎2015‎م،‏ للقوات الصينية املشاركة يف بعثة السام<br />

األممية بجنوب السودان.‏ وأثناء زيارة رئيس موزامبيق ‏»فيليب<br />

جاكينتو«‏ إلى الصني يف 15 مايو ‎2016‎م،‏ مت التوقيع على اتفاقية<br />

الشراكة االستراتيجية بني البلدين،‏ تتضمن تعزيز قدرات القوات<br />

الدفاعية املوزامبيقية.‏ ولتقوية حضورها البحري يف شرق<br />

إفريقيا،‏ بدأت البحرية الصينية أيضا يف مايو ‎2016‎م،‏ بزيارة<br />

ملصر وجنوب إفريقيا.‏<br />

خريطة الدول اإلفريقية التي تستورد األسلحة من الصني ما بني<br />

٢٠٠٥ و ٢٠1٥ م<br />

Source: The International Institute for Strategic Studies )IISS(, Military Balance<br />

Report, 2016, P: 21.


الصعود الصيني يف إفريقيا والتشبيك المتوازن للخليج العربي<br />

شرق إفريقيا بين ‏»الحزام البحري الصيني«‏ و ‏»الحزام<br />

الخليجي اآلمن«‏<br />

إن النمو االقتصادي الذي شهدته الصني وحاجتها إلى<br />

التدفق اآلمن للطاقة،‏ جعلها تركز على تطوير عاقاتها مع دول<br />

غرب احمليط الهندي،‏ خاصة وأن نسبة كبيرة من احتياجاتها<br />

تتدفق عبر مضيق هرمز باخلليج العربي،‏ فضاً‏ عن أهمية<br />

التجارة الصينية عبر مضيق باب املندب وقناة السويس نحو<br />

أوروبا.‏ ونتيجة تزايد مكانة املاحة البحرية يف التجارة الدولية<br />

مبنطقة آسيا وارتباطها باخلليج وإفريقيا،‏ أعلنت الصني عام<br />

2013 م،‏ عن مشروع ‏»طريق احلرير البحري«.‏<br />

ولكن قبل إعانها عن ‏»طريق احلرير البحري«‏ أنشأت<br />

الصني شبكة من البنية التحتية يف الدول املطلة على احمليط<br />

الهندي،‏ مبا فيها املوانئ وطرق املواصات البرية املؤدية إليها،‏<br />

مثل ‏»ميناء كوادير«‏ االستراتيجي يف باكستان القريب من مضيق<br />

هرمز.‏ وأقامت الصني أيضً‏ ا عددًا من البنى يف ميناء مومباسا<br />

بكينيا وربطت شبكة املواصات الداخلية به،‏ فضا عن بنى<br />

أخرى أنشأتها يف تنزانيا.‏ وقد أصبحت منطقة اخلليج العربي<br />

ذات أهمية أكبر يف مشروع ‏»طريق احلرير البحري«،‏ نظرًا لتزايد<br />

ترابط املصالح الصينية بشرق إفريقيا والبحر املتوسطي،‏ السيما<br />

بعد شراء شركة ‏»كوسكو«‏ الصينية ل %67 من ‏»ميناء بيراووس«‏<br />

يف أبريل 2016، وإنشائها ملنطقة اقتصادية خاصة جديدة يف<br />

أديس ابابا يف ماي ‎2015‎م،‏ لتكون إحدى املراكز الصناعية<br />

الكبيرة للصني يف شرق إفريقيا.‏<br />

الحاجة إىل ‏»حزام بحري خليجي آمن«‏<br />

يوضح ‏»طريق احلزام البحري الصيني«‏ ومساره واملناطق<br />

اجلغرافية التي تشملها،‏ مبا فيها شرق إفريقيا،‏ أن منطقة<br />

اخلليج العربي ستحتفظ مبركزيتها على الصعيد االستراتيجي<br />

املستقبلي.‏ وبالرغم من التراخي األمريكي يف االهتمام بهذه<br />

املنطقة،‏ إال أن السياسة الصينية التي أصبحت تربط بني شرق<br />

آسيا وشرق إفريقيا والبحر املتوسطي،‏ يجعل اخلليج العربي<br />

يف قلب التنافس األمريكي الصيني يف العالم.‏ وهذا يعني أن<br />

الدول اخلليجية متتلك فرصة لتجديد مكانتها االستراتيجية يف<br />

العاقات الدولية،‏ حتى مع افتراض تراجع أهمية الطاقة يف<br />

السياسة األمريكية نحو اخلليج العربي.‏<br />

وتحليل رؤية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 29<br />

الخليج العربي يف قلب التنافس األمريكي الصيني ما يتيح للدول<br />

الخليجية الفرصة لتجديد مكانتها االستراتيجية يف العالقات الدولية<br />

العدد ملف<br />

إن اجلغرافية السياسية للخليج العربي يف ظل التطورات<br />

املتسارعة يف محيطه،‏ يقتضي التفكير يف إنشاء ‏»حزام<br />

خليجي آمن«‏ مكون من مثلث ‏»شرق املتوسط ‏-شرق إفريقيا-‏<br />

شرق آسيا«،‏ وهو حزام بقدر ما يسعى إلى االستفادة من<br />

التناقضات املوجودة يف محيطه االستراتيجي،‏ فإنه يف نفس<br />

الوقت يضع أسسً‏ ا وبنيات جتعل من الصعب جتاوز دور<br />

اخلليج يف التفاعات اإلقليمية والدولية املستقبلية.‏ ويدخل<br />

يف هذا اإلطار السعي إلى االستفادة القصوى والذكية<br />

للديناميات التي خلقتها الصني يف محيط اخلليج،‏ على<br />

األصعدة االقتصادية واالستراتيجية واألمنية.‏ ويشكل إعان<br />

السعودية عن ‏»رؤية 2030« فرصة لاندماج االقتصادي مع<br />

دول شرق إفريقيا،‏ خاصة إثيوبيا وكينيا التي أصبحت توصف<br />

‏»بالنمور االقتصادية إلفريقيا«.‏ فالبنيات التحتية التي أنشأتها<br />

الصني يف هذه الباد تخلق دينامية اقتصادية يف غرب احمليط<br />

الهندي،‏ ميكن االستفادة منها يف عدة مجاالت،‏ مثل مشاريع<br />

توسيع املوانئ،‏ ومشاريع النقل البحري واجلوي،‏ واالستثمار يف<br />

قطاع البيتروكيماويات وغيرها.‏<br />

إن ‏»الشراكة الصينية السعودية«‏ املعلن عنها يف يناير<br />

‎2016‎م ‏»ورؤية 2030 السعودية«‏ تستطيع أن تكون أيضً‏ ا<br />

أرضية ملشاريع صينية خليجية مشتركة يف شرق إفريقيا،‏<br />

مثل املشاريع الزراعية مع ربطها بأبعاد األمن الغذائي<br />

اخلليجي،‏ فضاً‏ عن االستفادة من املناطق االقتصادية احلرة<br />

التي أنشأتها الصني بني إثيوبيا وموزامبيق.‏ ويوفر االندماج<br />

اخلليجي يف اقتصاديات شرق إفريقيا ميزة التعاون مع الدول<br />

اآلسيوية األخرى التي أصبحت تهتم أكثر بإفريقيا،‏ خاصة<br />

اليابان،‏ أي أن اخلليج العربي ينبغي أن يستفيد من ميزة<br />

القرب اجلغرايف ليتحول إلى محطة أو حلقة يف العاقات<br />

اليابانية اإلفريقية،‏ خاصة بعدما أنشأت طوكيو قاعدة<br />

عسكرية يف جيبوتي.‏ ويستطيع اخلليج العربي أيضً‏ ا أن يكون<br />

حلقة وصل بني مجموعة اآلسيان وشرق إفريقيا عبر قطاع<br />

اللوجستيك والنقل واالستثمار املشترك.‏ ولكن يجب اإلشارة أن<br />

استفادة اخلليج العربي من امليزات االقتصادية واالستراتيجية<br />

لشرق إفريقيا ال تكتمل إال بوضع موريتيوس وسيشيل وجزر<br />

القمر ومدغشقر يف دائرة االهتمام،‏ فحولها تتقاطع مجموعة<br />

من االستراتيجيات يف احمليط الهندي،‏ مبا فيها الدول الغربية<br />

والصني والهند وإيران.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

30<br />

العدد ملف<br />

وتحليل رؤية<br />

غرب إفريقيا الجار البعيد للخليج العربي<br />

نحو التداخل مع النخب االقتصادية<br />

إن البعد اجلغرايف ملنطقة غرب إفريقيا عن املشرق العربي ال<br />

يعني أنها ليست لها أهمية بالنسبة للخليج العربي،‏ فهذه املنطقة<br />

تستقطب العديد من االستثمارات األجنبية،‏ مبا فيها االستثمارات<br />

اآلسيوية.‏ وقد استطاعت الصني أن تنشئ شبكة من املشاريع<br />

يف البنيات التحتية والفاحية والطاقة والتعليم ميكن أن تفتح<br />

آفاقا للخليج العربي.‏ ويشكل العنصر البشري املتداخل مع<br />

املصالح الصينية مفتاحً‏ ا مهما لذلك،‏ فقبيلة اليوروبا يف نيجيريا<br />

واملوريديني يف السنيغال يلعبون دورًا كبيرًا يف العاقات االقتصادية<br />

مع الصني،‏ بسبب شبكة العاقات االجتماعية<br />

التي ميتد تأثيرها نحو أوروبا وأمريكا،‏ كما<br />

يعدون الفئة التجارية األساسية الوافدة على<br />

منطقة ‏»ييو«‏ يف شرق الصني التي تعتبر إحدى<br />

املراكز الدولية الكبرى للتجارة يف الصني.‏<br />

اهتمت بعض الدول اخلليجة باالستثمار<br />

يف غرب إفريقيا يف عدد من القطاعات،‏ من<br />

بينها االستثمارات القطرية واإلماراتية يف قطاع<br />

البنوك،‏ وهو ما يفتح املجال للعب دور الوسيط<br />

املالي بني النخب االقتصادية يف هذه املنطقة<br />

والصني،‏ خاصة بعد أن أعلنت نيجيريا يف عام ‎2015‎م،‏ عن نيتها<br />

إنشاء مدينة جديدة باسم ‏»إيكو أتانتيك ‏»لتصبح املركز املالي<br />

يف نيجيريا وغرب إفريقيا.‏ ونظرًا لضعف الوجود اخلليجي يف<br />

غرب إفريقيا،‏ فإنها يف حاجة إلى التعاون والشراكة مع دول<br />

أخرى لها خبرة يف التعامل مع غرب إفريقيا،‏ وبحكم الشراكة<br />

االستراتيجية املغربية اخلليجية فإن بإمكان املغرب أن يكون<br />

إحدى البوابات لتوسيع املصالح اخلليجية االقتصادية يف هذه<br />

املنطقة،‏ خاصة وأن املغرب يعد من أهم املستثمرين فيها.‏ وبعد<br />

أن وقع املغرب اتفاقية الشراكة االستراتيجية مع الصني خال<br />

مايو‎2016‎م،‏ فإنه ميكن أيضً‏ ا احلديث عن تعاون اقتصادي ثاثي<br />

‏»مغربي صيني خليجي«‏ يف غرب إفريقيا يف عدد من القطاعات،‏<br />

أهمها االستثمار فيما يصطلح عليه ب«االقتصاد األزرق«،‏ أي<br />

استغال اإلمكانات االقتصادية للبحار،‏ مثل االستثمار يف مجال<br />

تربية األسماك باألحواض البحرية يف بعض دول غرب إفريقيا،‏<br />

كالسنغال،‏ خاصة أن لدى املغرب خبرة يف هذا املجال عبر آليات<br />

تطبيق اتفاقية الصيد البحري مع االحتاد األوروبي.‏<br />

التدرج من التنسيق إىل التعاون االستراتيجي<br />

احلضور اخلليجي يف إفريقيا جنوب الصحراء ال ميكن<br />

أن يتحقق إال بوضع أسس للتعاون األمني والعسكري مع غرب<br />

محاربة اإلرهاب<br />

في إفريقيا يتطلب<br />

رؤية يتداخل فيها<br />

األمني باالقتصادي<br />

ومحاربة الفقر<br />

إفريقيا.‏ ومبا أن السعودية أنشأت ‏»التحالف اإلسامي ضد<br />

اإلرهاب«،‏ فإن مجال اهتمامه يجب أن يشمل أيضا دعم البنيات<br />

التي تعمل على محاصرة ظاهرة اإلرهاب يف إفريقيا،‏ خاصة<br />

بعد تدويل األعمال اإلجرامية ل«حركة بوكو حرام«‏ واحلديث<br />

عن عاقاتها ب«حركة الشباب الصومالية«‏ يف شرق إفريقيا.‏<br />

وستكتسب دول اخلليج شرعية دولية إذا متكنت من اإلسهام يف<br />

محاصرة اإلرهاب يف هذه املنطقة،‏ خاصة لدى القوى اآلسيوية<br />

التي تتعاظم مصاحلها يف غرب إفريقيا.‏<br />

ولكن اإلسهام اخلليجي يف محاربة ظاهرة اإلرهاب بإفريقيا،‏<br />

يحتاج إلى رؤية شمولية يتداخل فيها األمني باالقتصادي<br />

والتنموي،‏ ف«حركة بوكو حرام«‏ مثا بدأ نشاطها يف<br />

‏»بورنو«‏ بأقصى الشمال الشرقي التي تعد من بني<br />

أكثر املناطق فقرًا يف نيجيريا.‏ ويقتضي هذا الواقع<br />

وضع مشاريع تنموية للرقي باملناطق الشمالية،‏<br />

خاصة يف التعليم من املستويات األولية إلى<br />

اجلامعة ومراكز التكوين املهني،‏ كما تفعل الصني<br />

ودول أخرى.‏ ولكن هذه املشاريع حتتاج إلى جهود<br />

إقليمية مشتركة،‏ كالتعاون مع اجلامعة العربية<br />

واملنظمة اإلسامية للتربية والعلوم والثقافة،‏<br />

وكذلك مع دول عربية إفريقية كمصر واملغرب.‏<br />

تعاني دول غرب إفريقيا أيضا من إشكالية النزاعات العرقية،‏<br />

ما جعلها حتتضن عددًا من بعثات األمم املتحدة للسام،‏ كليبيريا<br />

والكوديفوار وغيرها.‏ واملاحظ أنه بالتوازي مع تزايد املصالح<br />

االقتصادية لبعض البلدان اآلسيوية يف إفريقيا،‏ كالصني واليابان<br />

وإندونيسيا،‏ فإنها أصبحت تشارك بصورة أكبر يف بعثات األمم<br />

املتحدة هناك.‏ ويقتضي ذلك أن يكون للخليج أيضً‏ ا اهتمامًا أوسع<br />

بعمليات حفظ السام،‏ وقد يكون من األجدى إنشاء مؤسسة<br />

خاصة لتدريب القوات اإلفريقية املعنية بعمليات السام ودعمها<br />

لوجيستيا.‏ ولكن هذا الدور يحتم أوالً‏ توسيع االتفاقيات األمنية<br />

والعسكرية اخلليجية مع الدول اإلفريقية،‏ ولعل مشاركة بعضها يف<br />

‏»مناورات رعد الشمال«‏ يف فبراير ‎2016‎م،‏ مقدمة ملأسسة احلضور<br />

اخلليجي بشكل أوسع على الصعيدين األمني والعسكري بإفريقيا.‏<br />

بكلمة،‏ إن حتول القارة اإلفريقية إلى ساحة للتنافس الدولي<br />

وبروز القوى اآلسيوية كفاعل مهم يف القارة،‏ يفتح اآلفاق لتنسيق<br />

عاقات دول اخلليج العربي بهذه القوى على الصعيد اإلفريقي.‏<br />

وتشكل األدوات الثقافية والتعليمية واالقتصادية واألمنية<br />

والعسكرية التي تعتمدها الصني فرصة لاستفادة من جتاربها<br />

واعتماد مثلها من قبل الدول اخلليجية،‏ مع التعاون مع حلفائها<br />

االستراتيجيني لتحقيق أكبر املكاسب املمكنة.‏<br />

* أستاذ مبؤسسة البحوث االستراتيجية الدولية ‏)أوسك(‏ أنقرة تركيا


العدد قضية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 31<br />

العدد ملف<br />

النفط اإلفريقي يهدد الثروة اإلحفورية الخليجية..‏ والصراع الدولي يحتدم<br />

العالقات الخليجية اإلفريقية..‏<br />

بين التكامل أو التنافس<br />

أدركت القوى الدولية أهمية أفريقيا ‏»جنوب الصحراء«‏ يف أول مؤمتر استعماري ‏)مؤمتر برلني أو مؤمتر الكونغو 1884-<br />

‎1885‎م(‏ عقد بني الدول األوروبية إلقرار الوضع القائم يف إفريقيا وتنظيم التجارة،‏ يف حوض الكونغو،‏ وإقرار حرية<br />

املاحة يف النيجر،‏ ووضع مبادئ عامة ملنع اصطدام القوى االستعمارية بعضها ببعض حتى مت استعمار إفريقيا يف القرن<br />

1<br />

التاسع عشر.‏<br />

أمينة العريمي<br />

تضم إفريقيا ‏»جنوب الصحراء«‏ ثلث أراضي العالم املُتاحة<br />

لاستثمار إلى جانب الطاقة الكهرومائية،‏ إضافة إلى موارد بحرية<br />

ومعدنية،‏ واحتياطيات من النفط والغاز رشحت الدول اإلفريقية أن<br />

حتل محل دول اخلليج العربي يف تصدير النفط،‏ فثمة اكتشافات<br />

نفطية تطرح القارة اإلفريقية ضمن مناطق االهتمام األمريكي.‏<br />

ويقدر مؤمتر األمم املتحدة للتجارة والتنمية ‏)األونكتاد(‏<br />

مجمل االحتياطي النفطي إلفريقيا ب 80 مليار برميل،‏ أي<br />

ما نسبته %8 من االحتياطي العاملي اخلام،‏ ومن هنا ميكن أن<br />

نفسر كثافة التواجد العسكري األمريكي يف أفريقيا،‏ بل والتدخل<br />

إذا لزم األمر)‏ كليبيريا مثاً(،‏ والشك أن أهمية وجود قوات<br />

أمريكية يف الساحل الغربي إلفريقيا يكمن يف تأمني أنابيب النفط<br />

‏»تشاد-الكاميرون«‏ إلى خليج غينيا،‏ باإلضافة إلى أن النفط<br />

اإلفريقي يتفوق على النفط اخلليجي مبيزات مثل قربه اجلغرايف<br />

من السواحل الشرقية األمريكية وأوروبا،‏ وانخفاض نسبة الكبريت<br />

فيه مما يقلل من عملية التكرير،‏ وكذلك عدم قدرة الدول اإلفريقية<br />

على تبني سياسة نفطية مُوحدة جتاه الغرب وأمريكا«.‏<br />

لذلك البد أن تعمل دول مجلس التعاون اخلليجي بشكل جماعي<br />

على االهتمام مبلف العاقات اخلليجية اإلفريقية ولن تستطيع دولة<br />

خليجية أن تعمل مبفردها يف تلك الساحة التي تشهد تنافس دولي.‏<br />

إفريقيا كما ينبغي أن نراها ‏»رؤية خليجية«‏<br />

تعددت الروايات حول أصل كلمة إفريقيا،‏ فهناك من<br />

يقول معناها ‏»الكهف«‏ يف إشارة إلى أن األفارقة كانوا يسكنون<br />

الكهوف،‏ وهناك من يقول إن االسم يعود إلى ملك من ملوك<br />

التبابعة ‏»إفريقيس بن املنار«،‏ أما املصريني القدامى فإفريقيا<br />

عندهم تعني أرض املياد،‏ يف حني يرى اليهود أن إفريقيا تعود<br />

إلى ‏»الفير«‏ أحد أحفاد إبراهيم يف العهد القدمي،‏ أما اليونانيني<br />

فيقولون أن إفريقيا تعني«‏ أرض البرودة والرعب«.‏<br />

تعتبر إفريقيا أقدم املناطق املأهولة بالسكان على وجه األرض،‏<br />

وسكنتها مجموعة من الصيادين يطلق عليهم ‏»اخلويسان«‏ إحدى<br />

الساالت اإلفريقية القدمية لإلنسان احلديث وأكد العلماء أن<br />

تلك السالة متمايزة جينيًا مع جميع األفارقة ألنها لم تختلط<br />

مع أي اثنية إفريقية منذ ما يزيد عن ‎150‎عامًا،‏ والخويسان<br />

هو اصطاح يطلقه علماء األنثروبولوجيا على جتمع قبيلتي<br />

الخوي ‏)هوتنيتوت(‏ والسان ‏)بوشمن(‏ فاشتق األسم من<br />

الخوي والسان ليصبح«‏ اخلويسان«،‏ فبعد انتهاء العصر<br />

اجلليدي عاد األفارقة إلى املرتفعات الداخلية بعد أن حتولت<br />

صحراء إلى ربوع خضراء إال أن املناخ اجلاف الذي ساد عموم<br />

إفريقيا منذ 5000 سنة قبل املياد دفع األفارقة إلى وادي النيل<br />

وأسسوا ممالك عظيمة مثل النوبية واملروية والفرعونية.‏<br />

وجنح الغرب يف إيجاد االنقسامات التي تضمن له استمرارية جتارة<br />

الرق بل ونشأ الرق الداخلي لصالح الفئة التي كانت تخدم مصالح<br />

االستعمار،‏ وجنح الغرب بعد ذلك يف ابتكار الوسائل والسياسات<br />

التي يحافظ من خالها على إفريقيا يف موقع التابع بعدما جنح


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

32<br />

العدد ملف<br />

العدد قضية<br />

يف أن يجعل من االستقال استقاالً‏ شكليًا،‏ بل وما زال هناك 14<br />

بلدًا إفريقيّا يضع %85 من احتياطاته األجنبية يف البنك املركزي<br />

الفرنسي كضريبة لفوائد االستعمار،‏ ويُسمح لتلك الدول بالوصول<br />

إلى %15 فقط وإذا احتاجت تلك البلدان ملبالغ إضافية فعليهما من<br />

ال %65 من أموالهم اخلاصة يف اخلزانة الفرنسية وبأسعار جتارية.‏<br />

أما واشنطن،‏ فبعد بروز القوى اإلسامية يف القرن األفريقي،‏<br />

فقد طرحت ما يسمى بالقرن األفريقي الكبير،‏ وتأسيس املجلس<br />

االستشاري اإلفريقي،‏ وإنشاء أفريكوم،‏ تا ذلك إصدار African(<br />

)Oil Policy Initiative Group كتابًا أبيض ينص على ضرورة<br />

استبدال النفط اخلليجي بالنفط اإلفريقي خاصة بعد صدور تقارير<br />

اقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام ‎2020‎م،‏ ستحصد الواليات<br />

املتحدة ربع نفطها من إفريقيا،‏ أضف الى ذلك أن النفط اإلفريقي له<br />

ميزات يتفوق بها على النفط اخلليجي مثل،‏ انخفاض نسبة الكبريت<br />

مما يقلل عملية التكرير،‏ وقرب السواحل اإلفريقية من الساحل<br />

الشرقي ألمريكا وهذا ما أعطى النفط اإلفريقي ميزة القرب<br />

اجلغرايف التي ينافس النفط اخلليجي،‏ كما أن الدول اإلفريقية<br />

متمايزة عرقيًا وثقافيًا ال يضمها رابط ثقايف تاريخي مشترك مما<br />

يعيق تبنيها سياسة نفطية موحدة جتاه واشنطن والغرب،‏ ومن هنا<br />

ميكن أن نفهم حرص واشنطن على تمديد قانون النمو والفرص<br />

يف إفريقيا ملدة عشر سنوات مما سيوفر الضمانات الازمة<br />

لاستثمارات األمريكية طويلة األجل،‏ أما الصني فأسست ما<br />

يسمى بمنتدى التعاون الصيني اإلفريقي-‏ فوكاك-‏ وبلغت قيمة<br />

االستثمارات الصينية يف إفريقيا 26 مليار دوالر أمريكي.‏<br />

إفريقيا:‏ رؤية خليجية<br />

بما أن دول الخليج تهدف إلى تهيئة اقتصادها<br />

للتنافسية واالنفتاح،‏ فيمكن االستفادة من الساحة<br />

اإلفريقية،‏ فنظراً‏ حلاجة إفريقيا لنحو 93 مليار دوالر سنويًا<br />

لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة اإلفريقية حتى عام<br />

‎2020‎م،‏ فإن قطاع البنية التحتية أهم القطاعات التي ميكن<br />

التعاون فيها بني مجتمعي األعمال اخلليجي واإلفريقي.‏<br />

من جانب آخر،‏ تظل إفريقيا هي القارة األهم يف مجال<br />

اإلنتاج الزراعي والغذائي،‏ حيث ميثل قطاع الزراعة أحد أهم<br />

القطاعات التي ميكن لدول اخلليج النظر إليها لتوفير األمن<br />

الغذائي،‏ كما ميكن استثمار املوقع اجلغرايف اخلليجي كجسر<br />

بني إفريقيا والصني وذلك يتطلب تفعيل الهياكل املؤسسية<br />

وإقناع الشركات االقتصادية اإلفريقية بإنشاء مراكز لها يف<br />

دول اخلليج حيث ستجد الكثير من املزايا اإليجابية من ناحية<br />

التكلفة مبا يف ذلك عدم وجود ضريبة على الشركات والدخل<br />

والطاقة الرخيصة،‏ ومن املُفيد للشركات اخلليجية أن تنظر إلى<br />

اخلصائص االستثمارية يف األسواق اإلفريقية كل على حدة.‏<br />

معوقات العالقات الخليجية اإلفريقية<br />

بلغ متوسط النمو يف الدول اإلفريقية قرابة %6.5 ، ومن املتوقع<br />

أن تشهد القارة منوًا بنسبة تزيد عن %، 8 كما يُتوقع أن تكون سبع<br />

دول إفريقية من بينها إثيوبيا،‏ وموزمبيق،‏ ونيجيريا،‏ من بني اقتصادات<br />

دول العالم العشر األسرع منوًا يف السنوات اخلمس القادمة،‏ ووفقًا


العدد قضية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 33<br />

العدد ملف<br />

ل ايرنست ويونغ فإن عدد مشاريع االستثمارات األجنبية املباشرة<br />

يف إفريقيا ارتفعت بنسبة %27، ووفقًا ملفوضية األمم املتحدة للتجارة<br />

والتنمية ‏)األونكتاد(،‏ و تدفقات االستثمار األجنبي املباشر إلى دول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء ارتفعت إلى أكثر من 36.9 مليار دوالر ، كما<br />

ارتفع االستثمار فيما بني هذه الدول بنسبة %17.<br />

ورغم ذلك فاحلضور السياسي اخلليجي يف إفريقيا ما<br />

زال متواضعًا وانحصر على حصول بعض دول مجلس التعاون<br />

على عضوية يف املنظمة الفرانكفونية واالحتاد اإلفريقي<br />

بصفة مراقب،‏ والدليل على ضعف احلضور اخلليجي<br />

يف إفريقيا كان يف القمة األمنية األخيرة التي عُقدت يف<br />

أبوجا ‎2016/5/21‎م،‏ فلم تشهد مشاركة<br />

أي وفد خليجي ميثل املصالح اخلليجية يف<br />

نيجيريا،‏ رغم احتضان نيجيريا الستثمارات<br />

خليجية يف قطاع االتصاالت والبنى التحتية،‏<br />

وصندوق تنمية غرب إفريقيا وهو صندوق<br />

سعودي يمارس نشاطه يف غرب إفريقيا،‏<br />

كما أنّ‏ دول الخليج من الفاعلين يف<br />

مكافحة القرصنة بخليج غينيا،‏ ولعل<br />

من األسباب الرئيسية التي ساهمت<br />

يف ضعف الحضور الخليجي يف إفريقيا<br />

هو الحضور األمريكي املتصاعد واملهتم بالنفط اإلفريقي<br />

األقل تسيسً‏ ا من نفط الشرق األوسط وهو ما يمكن أن<br />

يحول العاقة بني إفريقيا واخلليج العربي من التعاون إلى<br />

تنافس،‏ كما أن ضعف التمثيل الدبلوماسي اخلليجي يف<br />

هذه الدول يعتبر أهم معوق لتطور العاقات السياسية<br />

ويرجع ذلك إلى عدم االستقرار السياسي لبعض الدول<br />

اإلفريقية،‏ ووجود صورة سلبية يف الذهنية اخلليجية عن دول<br />

إفريقيا،‏ إال أن احلضور االقتصادي اخلليجي يف إفريقيا يتفوق<br />

على احلضور السياسي،‏ فدول اخلليج جنحت يف تدشني بعض<br />

املشاريع االستثمارية يف بعض هذه الدول،‏ إال أنها لم توظف<br />

هذه االستثمارات مبا يخدم مصاحلها السياسية فعلى سبيل<br />

املثال توجد استثمارات خليجية يف أريتيريا وأثيوبيا جتاوزت<br />

13 مليار دوالر إال أن هذه الدول لم تدعم عاصفة احلزم،‏ بل<br />

لم تكتف باحلياد أمام ما يجري يف اليمن بل حتولت أريتيريا<br />

لقاعدة حتتضن ما يسمى باحلرس الثوري اإلفريقي التابع<br />

للحرس الثوري اإليراني والذي كان يساند مليشيات احلوثي،‏<br />

أما أديس أبابا فهي ال ترغب بوجود عربي فاعل قريب من<br />

دول القرن اإلفريقي نكاية يف مصر من جانب ويف الصومال من<br />

جانب آخر،‏ فالقاهرة حتظى بدعم مجلس التعاون باعتبارها<br />

حليف استراتيجي،‏ أما الصومال فهو يطالب بإقليم أوجادين<br />

%6.5 متوسط النمو<br />

في إفريقيا و سبع<br />

دول أفريقية مرشحة<br />

ضمن االقتصادات<br />

العشرة األسرع نمواً‏<br />

املغتصب من أثيوبيا ‏،إضافة إلى افتقار أديس أبابا ملسطحات<br />

مائية جعلها تدعم االقتتال وانفصال الصومال املركزي عن<br />

إقليمي بونتاند وصوماالند واستغال موانئ تلك األقاليم<br />

الصومالية إلنعاش صادراتها ووارداتها.‏<br />

أرى أنه البد أن يكون هناك حتليل منطقي للوضع يف<br />

إفريقيا جنوب الصحراء ألن الصورة ما زالت سلبية يف اخلليج<br />

عن هذه الدول،‏ فرغم أهميتها وأصبح أغلبها أعضاء يف تكتات<br />

اقتصادية قوية مثل البريكس واإليكواس والكوميسا إال أن دول<br />

مجلس التعاون تكاد تكون غير حاضرة ‏»سياسيًا»‏ يف تلك الساحة.‏<br />

الدول اإلفريقية المؤهلة لتعزيز التواجد الخليجي<br />

أوالً:‏ مدغشقر<br />

تنبع أهمية مدغشقر كونها مصدر ألحد أثمن<br />

التوابل يف العالم ‏-زراعة الفانيا-وعضو يف رابطة<br />

دول احمليط الهندي للتعاون اإلقليمي،‏ وعضو يف<br />

منظمات الكوميسا والساداك ومنظمة التجارة<br />

العاملية واألونكتاد وأحد االقتصادات الناشئة يف<br />

إفريقيا هذا باإلضافة إلى سعيها إلقامة ممر<br />

ماحي من نهر النيل إلى مدغشقر وهي ميناء<br />

رئيسي لدول شرق إفريقيا كونها رابع أكبر جزيرة<br />

يف العالم مبوقعها االستراتيجي على احمليط الهندي،‏ ووضعتها<br />

الوكالة األمريكية ملعلومات الطاقة يف قائمة دول إنتاج البترول<br />

املستقبلية يف إفريقيا ويقدر االحتياطي بنحو 1.7 مليار برميل.‏<br />

تشهد جزيرة الفانيا اليوم تنافساً‏ دولياً‏ ال تخطئه العني<br />

فالواليات املتحدة رفعت كل القيود عن املساعدات املباشرة<br />

ملدغشقر،‏ كما قامت بتوجيه دعوة لرئيس مدغشقر حلضور<br />

القمة األمريكية-اإلفريقية،‏ وقدمت واشنطن لها برامج لألمن<br />

الغذائي والصحة وتعهد البنك الدولي بتقدمي دعمًا ماليًا لها<br />

بقيمة 400 مليون دوالر،‏ أما فرنسا،‏ فقد قامت شركة النفط<br />

الفرنسية توتال بشراء حصة تبلغ %60 يف حقل بيموالجنا من<br />

شركة مدغشقر أويل وحصلت على ترخيص احلقل،‏ وقدمت<br />

منحة قيمتها 3,8 مليون يورو ملدغشقر لضمان االستثمار<br />

واخلروج من األزمة االقتصادية،‏ ومن جانب آخر نرى أن<br />

الصني كونها أكبر شريك جتاري إلفريقيا،‏ فقد أسست معهد<br />

كونفوشيوس بجامعة أنتاناناريفو لتأهيل الطلبة املدغشقريني<br />

لدراسة اللغة الصينية ونظمت جائزة أطلق عليها جائزة اإلسهام<br />

البارز يف نشر ثقافة الصني لعام ‎2015‎م،‏ من جانب آخر انعقدت<br />

القمة اآلسيوية اإلفريقية األخيرة يف جاكراتا ابريل ‎2015‎م،‏<br />

برئاسة مشتركة بني إيران ومدغشقر وكانت بعنوان تعزيز تعاون<br />

اجلنوب-اجلنوب لتعزيز السام والرفاهية العاملية،‏ وميكن فهم


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

34<br />

العدد ملف<br />

العدد قضية<br />

ذلك كمؤشر على ما يتم تداوله يف الصحافة اإلسرائيلية بأن<br />

مدغشقر إحدى الساحات احملتملة للتنافس اإليراني اإلسرائيلي.‏<br />

طهران كما جنحت يف تنسيق سياسات اقتصادية يف نيجيريا<br />

والسنغال ومالي أضرت باملصالح اخلليجية والعربية هناك<br />

فإنها ستسعى للنجاح يف شرق إفريقيا وجناحها يعني توقف<br />

املفاوضات التي وصفت باملتقدمة بني دول اخلليج ومدغشقر<br />

إلدارة أحد املوانئ فضاً‏ عن ميناءين جاري توقيع عقود<br />

إداراتهما،‏ وإضعاف االستثمارات اخلليجية والعربية الهادفة إلى<br />

التركيز على قطاع الغاز الطبيعي املُسال كونه أهم القطاعات<br />

التي تدعم توسعها املستقبلي خاصة يف ظل الدراسات املستقبلية<br />

التي تتوقع تضاعف حجم سوق الغاز الطبيعي املُسال بحلول<br />

‎2020‎م،‏ كما ميكن إليران أن تلعب دورًا يف مدغشقر مثل التأثير<br />

على النظام السياسي بدعم مرشحني للرئاسة متامًا كما حدث<br />

يف جزر القمر عندما دعمت الرئيسني أحمد سامبي وخليفته<br />

إكليل ظنني خاصة أن هناك جالية شيعية يف مدغشقر ومراكز<br />

جعفرية مثل مركز الزهراء يف مدينتي نوسيبي وانبيلوبي.‏<br />

الشراكة الخليجية المدغشقرية<br />

وقعت دول مجلس التعاون اتفاقية مع حكومة مدغشقر<br />

لرصف وتطوير طريق سوينرانا افوجنو مانانارا ذي املسارين<br />

بطول 117 كم،‏ وتشييد جسور جديدة لربط املناطق الريفية<br />

بالعاصمة انتاناناريفو،‏ ومتويل مشروع توليد الطاقة الكهرومائية<br />

يف مدغشقر ويقدم املشروع اليوم نحو 58 ميغاوات من الكهرباء،‏<br />

إال أن الدور اخلليجي يف جزيرة مدغشقر ما زال ضعيفاً،‏ وميكن<br />

لدول اخلليج تعزيز دورها بدعم الشراكة ومضاعفة اجلهود يف<br />

التعاون اإلقليمي،‏ واالستفادة من الفرص املتاحة واملمكنة كتعزيز<br />

دور موانئ دبي العاملية يف إفريقيا خاصة أن التعاون البحري<br />

سيصبح أحد أعمدة االستراتيجية اإلفريقية اآلسيوية ومن<br />

املفيد لدول اخلليج أن تبرز دورها يف احتاد التعاون اإلقليمي<br />

القادم الذي سيقام يف اكتوبر ‎2016‎م،‏ بالشراكة مع أحد الدول<br />

اإلفريقية املرشحة لقيادة إفريقيا يف املرحلة القادمة كنيجيريا<br />

مثاً،‏ كما ميكن تعزيز ومضاعفة االستثمارات يف املوانئ اإلفريقية<br />

مثل ميناء جيبوتي،‏ وميناء بربره يف الصومال،‏ ميناء تاماتاف<br />

يف مدغشقر،‏ ومحطة بونتايوروبا البحرية يف غينيا االستوائية،‏<br />

ومحطة حاويات ميناء مابوتو يف موزمبيق مبحطة موانئ دبي<br />

العاملية – دكار يف السنغال أكبر محطة بحرية يف غرب إفريقيا،‏<br />

من جانب آخر جزيرة الفانيا غنية باملياه حيث يبلغ احلجم<br />

الكلي للموارد املائية لتلبية االحتياجات املتنوعة للسكان يف<br />

مدغشقر حسب ما أصدره صندوق التنمية اإلفريقي لعام 2015<br />

)449( مليار م‎3‎ سنويًا مبا يعني أن املوارد املائية تفوق حاجات<br />

السكان،‏ كما متتلك مدغشقر إمكانيات مائية من املوارد اجلوفية<br />

والسطحية إال أن ضعف البنية التحتية والتوزيع اجلغرايف املتفاوت<br />

للموارد حالت دون حصول الكثير من السكان على هذا املورد<br />

احليوي األساسي فأقل من %50 من سكان مدغشقر يحصلون<br />

على مياه الشرب،‏ وبالتالي ميكن لدول اخلليج االستفادة من تلك<br />

املياه لزيادة استثماراتها الزراعية يف مدغشقر خصوصً‏ ا بعد أن<br />

أطلقت احلكومة هناك برنامجً‏ ا مدته أربع سنوات من 2015-<br />

‎2019‎م،‏ لتحقيق ارتفاع يناهز النصف مقارنة بالوضع احلالي<br />

إضافة إلى الترفيع يف معدل احلصول على البنية التحتية<br />

للصرف الصحي والنظافة من %50 إلى‎%67‎ بحلول ‎2019‎م،‏<br />

ويحتاج لتنفيذه 163 مليون دوالر،‏ فالبرنامج يهدف إلى إعادة<br />

3<br />

التوازن لتلك املقاربة التي تؤكد أن سرعة تدفق املياه تبلغ ‎10‎م<br />

يف الثانية ما يعني إمكانية االستفادة من تلك املياه وتصديرها<br />

واستخدام اإليرادات لتمويل أشغال اإلمدادات،‏ غير أن مدغشقر<br />

ال تستعمل تلك األموال التي كان مبقدورها احلصول عليها،‏ ومبا<br />

أن التعاون البحري سيصبح أحد أعمدة االستراتيجية اإلفريقية<br />

اآلسيوية اجلديدة خاصة أن الدول اإلفريقية اليوم تتجه نحو<br />

تعزيز التجارة واالستثمار كمحرك للنمو وإعادة الزخم للقضايا<br />

اجلوهرية اخلاصة بحركة دول اجلنوب-‏ اجلنوب وبشكل خاص<br />

القضايا اخلاصة بالرخاء واالستقرار للبلدان اإلفريقية واآلسيوية<br />

فبالتالي ميكن إيجاد أرضية مشتركة والتعاون مع الدول<br />

اإلفريقية،‏ كما ميكن تعزيز دور األزهر الشريف يف مدغشقر.‏<br />

ثانيًا:‏ الصومال<br />

الصومال،‏ مملكة النبط وأرض الرمح واألبل،‏ أرض العطور<br />

ومركز اإلشعاع الفكري لشرق إفريقيا منذ أكثر من أربعة آالف<br />

سنه قبل املياد،‏ أرض الزعيم اخلالد ‏)أحمد جري(‏ الذي يرجع<br />

الفضل إليه يف نشر اإلسام من الصومال حتى باد النوبة يف<br />

القرن السادس عشر امليادي.‏ قصدت الصومال عام ‎2011‎م،‏<br />

يف رحلة علمية بدأت من أبيدجان يف ساحل العاج وانتهت إلى<br />

مقديشو،‏ وما بني العاصمتني وجدت أن مفهوم السلم ظل مفهومًا<br />

مُحيرًا طوال تاريخ أفريقيا بعد احلقبة االستعمارية،‏ وثبت أن<br />

السلم والتنمية أصعب وأعقد يف حتقيقهما مما تنبأ به املتفائلون<br />

األفارقة يف احلقبة التي تلت االستقال مباشرة وذلك لعدد من<br />

العوامل،‏ فبعد االستقال خرجت الصومال بصراعات اختلط فيها<br />

السياسي بالقبلي باالقتصادي وإدارات إقليمية انفصالية يضعف<br />

ارتباطها باحلكومة االحتادية وال تسيطر باملطلق على األراضي<br />

التي يدعون متثيلهم لها إال أن املوقع االستراتيجي لهذه األقاليم<br />

واحتوائها على مخزون نفطي مع ظهور قوى إسامية جهادية دفع<br />

القوى الدولية واإلقليمية على إذكاء الصراع يف الصومال ، حتى


جاء ما يسمى ب ( احتاد احملاكم اإلسامية(‏ وعرفت الصومال<br />

فيه نوع من االستقرار بعد أن جنح يف بسط سيطرته على<br />

األراضي الصومالية ملدة ستة أشهر إال أن احملاوالت اإلقليمية<br />

والدولية جنحت يف إنهاء حكم احملاكم اإلسامية بحجة محاربة<br />

اإلرهاب،‏ ثم جاءت حركة ‏)الشباب املجاهدين(‏ التي كانت الذراع<br />

العسكري الحتاد احملاكم اإلسامية لتبدأ الصومال فصاً‏ جديدًا<br />

من غياب السياسة مبفهومها التوافقي مقابل إعاء املصالح<br />

اخلاصة والفئوية فانتشر الفساد والفقر ولغة الساح.‏<br />

بدأت القوى الدولية تتصارع يف الصومال بعد أن أعلن<br />

البنك الدولي أنها مرشحة يف ريادة إنتاج النفط،‏ لذلك حرصت<br />

بريطانيا على تولى زمام املبادرة ملقاربة يف مؤمتري لندن فبراير<br />

2012 إلى مايو ‎2013‎م،‏ ودخول تركيا بقافلة استثمارات قُدرت<br />

باملليارات لبلد لن يستطيع سداد ما يضخُ‏ فيه من أموال،‏ وكانت<br />

قد أصدرت سلطة احلماية البريطانية تقريرها األول الذي خرج<br />

بنتيجة أن االحتياطات املتوقعة يف الصومال بلغت مائة مليار<br />

برميل نفط وبذلك تكون الصومال قد تساوت مع الكويت من<br />

حيث احتياطاتها،‏ ومنذ ذلك الوقت تشهد صراعاً‏ دولياً‏ يرقى<br />

ملستوى احلرب الباردة بني جميع األطراف.‏<br />

التنافس الدويل يف الصومال<br />

أبرمت شركة RESOURCES( )JACKA االسترالية اتفاقًا<br />

مع LIMITED( )PETROLEUM على أن حتصل على نسبة<br />

)%50( من امتياز النفط يف أرض الصومال وأكدت الشركة<br />

االسترالية أن منطقة ‏)هبرقرحجس(‏ شبيهة جيولوجيًا ألحواض<br />

أوغندا واليمن التي أكتشف فيها احتياطيات من النفط والغاز<br />

الطبيعي،‏ من جانب آخر بدأت شركة QUEST( PETRO<br />

LIBERTY( التابعة لشركة االستكشاف األمريكية )AFRICA<br />

)PETROLEUM بعقد للحصول على قطاع من حكومة أرض<br />

الصومال ‏)غاملودوغ(‏ ويبدو أن امتياز شركة ليبرتي تتداخل مع<br />

قطاع تزعم شركة )SHELL( الهولندية البريطانية أنها صاحبة<br />

االمتياز فيه يف رسالة حصرية وجهتها شركة شل بتاريخ 4-24-<br />

‎2013‎م،‏ تطالب فيه من السلطات الصومالية أن تؤمن حقوقها<br />

احلصرية يف هذا القطاع،‏ وأعلن حتالف شركات HORN(<br />

RED EMPEROR( و )AFRICA OIL و)‏CORP )OIL<br />

)COMPANY بأعمال حفر لبئرين بتروليني يف منطقة ‏)نوغال(‏<br />

و)طرور(‏ يف اإلقليم الشمال الشرقي للصومال،‏ كما مت اإلعان<br />

العدد قضية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 35<br />

%70 من المخزون النفطي في غرب إفريقيا والقارة<br />

السمراء تنتج %25 من نفط العالم 2020<br />

العدد ملف<br />

عن تقاسم أمريكي كندي يف إنتاج النفط يف ذات اإلقليم بني<br />

شركتي )CANMEX) و RESOURCES( RANGE‏(،كما<br />

أعدت شركة االستشارات األمنية البريطانية ‏)أسابي(‏ للمخاطر<br />

مخطط وحدة حماية النفط يف أرض الصومال )OPU( عام<br />

‎2013‎م،‏ والتي تتعاقد معها جميع شركات النفط العاملة يف أرض<br />

الصومال وتتراوح تكلفتها من 20 إلى 25 مليون دوالر سنويًا،‏ إال<br />

أن ما يواجه هذه الوحدة غياب قانون ينظم نشاطها مما يؤهلها<br />

لتكون قوة شبه عسكرية فأي خدمات أمنيه جديدة خارج إطار<br />

أجهزة الشرطة واجليش واالحتجاز يجب أن يقرها البرملان.‏<br />

النشاط االستثماري الخليجي يف الصومال<br />

خليجيًا،‏ وقعت شركة )P&O( Peninsular and(<br />

)Oriental Steam Navigation Company اململوكة إلمارة<br />

دبي مذكرات تفاهم لتطوير ميناء بربرة الدولي يف مارس<br />

‎2015‎م،‏ كما قادت دولة اإلمارات مبادرة املصاحلة بني األطراف<br />

الصومالية التي متثلت ب ‏)ميثاق دبي(‏ للمصاحلة الصومالية<br />

الذي جاء تأكيدًا حملادثات لندن وإسطنبول لتعزيز املصاحلة،‏<br />

ويعد هذا امليثاق االتفاق األول من نوعه بني احلكومة الصومالية<br />

وحكومة أرض الصومال منذ أكثر من 21 عامًا.‏<br />

جنحت شركة غاز رأس اخليمة،‏ و)‏DNO‏(‏ النرويجية<br />

اإلماراتية يف احلصول على عقد بدء العمل يف الصومال،‏<br />

كما قدرت االستثمارات السعودية يف الصومال بحوالي 40<br />

مليون ريال ساهمت اململكة بوجه خاص يف ارتفاع الصادرات<br />

الصومالية على مدى السنوات الست املاضية،‏ يف أعقاب خطوة<br />

لرفع حظر دام تسع سنوات على استيراد املاشية من الصومال<br />

درءًا النتشار حمى الوادي املتصدع،‏ وتشكل الثروة احليوانية<br />

الدعامة األساسية لاقتصاد الصومالي،‏ إذ تساهم بنحو % 40 من<br />

الناجت احمللي اإلجمالي،‏ أما االستثمارات الكويتية يف الصومال<br />

فاقتصرت على محطة الكهرباء يف مقديشو،‏ أما دولة قطر فقد<br />

أبرمت اتفاقية مع جمهورية الصومال لتنظيم استقدام العمالة<br />

الصومالية،‏ إضافة إلى وجود جلنة قطرية صومالية مت تشكيلها<br />

مؤخرًا لدعم الصحة والتعليم يف الصومال،‏ وبالرغم من أن هناك<br />

سبع دول عربية أعادت فتح سفاراتها يف الصومال على مدى<br />

السنوات املاضية وجميعها يعمل يف مقرات مؤقتة باستثناء سفارة<br />

دولة اإلمارات التي بنت مقر لها مبقديشو،‏ ورغم ذلك ما زال<br />

الدور العربي لم يرق بعد إلى مستوى تطلعات الصوماليني.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

36<br />

العدد ملف<br />

العدد قضية<br />

ولتعزيز دور خليجي يف الصومال البد من التفريق بني املوقف<br />

السياسي اخلليجي الداعم لوحدة األراضي الصومالية وبني املصالح<br />

اخلليجية املتواجدة يف األقاليم شبه املستقلة فابد من مضاعفة<br />

الفرص االستثمارية اخلليجية يف األقاليم الصومالية خاصة أنها<br />

تشهد أمنًا واستقرارًا،‏ واالبتعاد عن إشكالية السياسي واإلنساني.‏<br />

ثالثًا:‏ جيبوتي<br />

تأتي أهمية جيبوتي بحكم موقعها االستراتيجي الهام يف العالم<br />

بني احمليط الهندي وقناة السويس،‏ كما تؤمن موانئ جيبوتي<br />

خطوط املواصات مع أثيوبيا التي ال تطل على أي مسطحات<br />

مائية،‏ وتطمح جيبوتي إلى تغطية كامل القارة،‏ وتأكد ذلك من<br />

خال رؤية جيبوتي املستقبلية ملوانئ األقاليم الصومالية الشبه<br />

مستقلة مثل ‏)صوماالند و بونتاند(‏ التي ترى فيها جيبوتي منافس<br />

حقيقي لها،‏ ومع قيام حكومة أرض الصومال بتصدير املواشي<br />

الى دول اخلليج عبر ميناء بربرة تقدمت جيبوتي باقتراح أن يتم<br />

التصدير عبر أراضيها كونها دولة مستقلة معترف بها دوليًا على<br />

عكس إقليم أرض الصومال أو إقليم بونتاند.‏<br />

جيبوتي ودول الخليج العربي:‏ برزت أهمية جيبوتي بالنسبة<br />

لدول مجلس التعاون عندما أعلنت رسميًا فتح مجالها اجلوي<br />

لتحالف عاصفة احلزم،‏ أما اقتصادياً‏ جنحت جيبوتي يف فرض<br />

نفسها كنقطة عبور اقتصادية مميزة بني آسيا وإفريقيا وحصلت<br />

شركة موانئ دبي العاملية على حقوق االمتياز إلدارة وتشغيل<br />

ميناء جيبوتي ملدة 20 عامًا واستثمرت اإلمارات مليار دوالر<br />

يف جيبوتي لبناء فنادق وتشييد منطقة حره إلى جانب توفير<br />

اخلدمات اجلمركية،‏ إال أن صفو االستثمارات اإلماراتية تعكرت<br />

يف جيبوتي بسبب النزاع القضائي الذي رفعته احلكومة اجليبوتية<br />

ضد شركة موانئ دبي العاملية بشأن امتياز ميناء جيبوتي،‏ ولم<br />

يثار موضوع إلغاء االمتياز إال يف عام ‎2014‎م،‏ وهو العام التالي<br />

الذي أعلن فيه عزم الصني بناء قاعدة عسكرية دائمة ملكافحة<br />

القرصنة وستعمل قبل نهاية ‎2017‎م،‏ لضمان أمن السفن الصينية<br />

التي متر عبر مضيق باب املندب،‏ والبحرية الصينية قامت بأكثر<br />

من عشرين مهمة قتالية يف سواحل خليج عدن والسواحل<br />

الصومالية،‏ وحتاول الترويج لفكرة أن قاعدة جيبوتي ال تهدف<br />

للتوسع يف منطقة القرن اإلفريقي،‏ ولكن منح الصني ستني<br />

مليار دوالر لدول إفريقيا جنوب الصحراء على شكل قروض<br />

وتأسيسها للمنتدى الصيني - اإلفريقي ‏)فوكاك(،يؤكد أن الصني<br />

ماضية يف طريقها نحو التوسع بدون توقف،‏ أما السعودية فكان<br />

هناك مقترح بفتح خط بحري ماحي بني جازان وجيبوتي ألن<br />

املشاريع التي يتم العمل عليها بني اجلانبني تتطلب ضرورة توفر<br />

خطوط ماحة خللق توأمة بني موانئ البلدين،‏ وقدمت الرياض<br />

مبلغ 50 مليون دوالر كمنحة لدعم برنامج االستثمار الوطني<br />

اجليبوتي لعام 2015 م،‏ وذلك يف إطار مساعدات دول مجلس<br />

التعاون جليبوتي والتي تقدر ب 200 مليون دوالر أمريكي،‏ أما<br />

قطر فساهمت يف تطوير مشروع طاقة الرياح.‏


العدد قضية<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 37<br />

العدد ملف<br />

رابعًا:‏ الغابون<br />

الغابون أو غاباو كما أطلق عليها البرتغاليون ذلك االسم عندما<br />

زاروها ألول مره يف القرن اخلامس عشر وتعني كلمة ( غاباو(‏<br />

املعطف بأكمام وقلنسوة الرأس،‏ ومصب نهر كومو يف الغابون<br />

يشبه ذلك املعطف،‏ ولم تكن للغابون يف ذلك الوقت أية عاصمة<br />

فظهرت فرنسا مبظهر احلامي للباد وقامت بتوقيع معاهدة<br />

مع أمراء السواحل الغابونيني بني عامي ‎1841-1839‎م ويف عام<br />

‎1849‎م استولى الفرنسيون على سفينة مُحملة بالرقيق وأطلقوا<br />

سراحهم عند مصب نهر كومو فأطلق الرقيق على تلك األرض<br />

‏)ليبرفيل(‏ ومعناها ( املدينة احلرة(‏ التي أصبحت منذ الوقت إلى<br />

يومنا هذا هي عاصمة جمهورية الغابون،‏ عندما<br />

استقلت الغابون عن فرنسا ‎1960‎م،‏ كانت املصالح<br />

الفرنسية عنصراً‏ حاسماً‏ يف حتديد مستقبل<br />

الزعامة يف الغابون بعد االستقال فتدفقت<br />

األموال الفرنسية على احلملة االنتخابية التي<br />

ناصرت عامل اجلمارك اجلابوني املنفي واملُدان<br />

بجرمية قتل ومؤسس ‏»احلركة املختلطة الغابونية«‏<br />

التي حتولت بعد ذلك إلى ‏»التكتل الدميوقراطي<br />

الغابوني«‏ املُرتبطة بالتجمع الدميوقراطي اإلفريقي<br />

السيد ( ليون إمبا(‏ الذي أصبح أول رئيس للغابون<br />

بعد االستقال وعرفت الغابون يف عصره القمع ومت تغيير الدستور<br />

وأصبح نظام ( ليون إمبا (، تولى احلكم بعد ذلك ‏)ألبرت بيرنارد<br />

بوجنو(‏ عام ‎1967‎م،‏ الذي اعتنق اإلسام ‎1973‎م،‏ وغير اسمه إلى<br />

‏)عمر بونغو أوندميبا(‏ وعرفت الغابون يف عهده التعددية احلزبية<br />

وطوال فترة حكمه املمتدة 43 عاما ‎2009-1967‎م،‏ كانت الباد<br />

مستقرة واستفادت الغابون من الثروة النفطية،‏ بعد وفاته تولى<br />

احلكم ابنه علي بونغو اوندميبا وهو رئيس الغابون احلالي .<br />

أهمية الغابون دوليًا:‏ تأتي أهمية الغابون كونها أحد أهم<br />

الدول املطلة على خليج غينيا ‏)أهم مناطق التنافس الدولي(‏<br />

اليوم حيث يتركز %70 من مخزون إفريقيا النفطي يف الساحل<br />

اإلفريقي الغربي،‏ ويُتوقع أن يتخطى الناجتُ‏ النفطي العام لدول<br />

غرب إفريقيا املطلة على خليج غينيا ومنها ‏)اجلابون(‏ الناجت<br />

النفطي لدول اخلليج العربي بحلول عام ‎2020‎م،‏ مبعدل %25<br />

مقابل %22 لدول اخلليج العربي،‏ وهذا ما يدعم أن تتحول دول<br />

غرب إفريقيا إلى مورد أساسي لاقتصاد العاملي،‏ وحتصل<br />

الواليات املتحدة األمريكية حاليًا على نسبة %15 من وارداتها<br />

النفطية من منطقة خليج غينيا وميكن أن ترتفع النسبة حلدود<br />

%25 يف السنوات القليلة القادمة،‏ كما أكد صندوق النقد الدولي<br />

أن تشهد دول غرب إفريقيا منواً‏ بواقع %5.8 أواخر عام ‎2015‎م،‏<br />

وبنسبة % 5.1 لعام ‎2016‎م،‏ وتضم تلك املنطقة ثلث أراضي<br />

أمريكا تحصل<br />

عى %15 من وارداتها<br />

النفطية من خليج<br />

غينيا وترتفع النسبة<br />

إلى %25 قريبًا<br />

العالم املتاحة لاستثمار إلى جانب الطاقة الكهرومائية،‏ وبلغت<br />

نسبة األراضي الصاحلة للزراعة والغير مستغلة ما بني %50-20.<br />

تعتبر الغابون ضمن دول إفريقيا العشر الرئيسية املصدرة<br />

للبترول وهذا ما جعل دخل الفرد فيها أعلى بأربع مرات من<br />

متوسط منطقة إفريقيا جنوب الصحراء،‏ وهي خامس أكبر<br />

منتج للنفط يف إفريقيا جنوب الصحراء إذ تنتج نحو 250<br />

ألف برميل يوميًا والذي ميثل نحو % 80 من صادراتها ومن<br />

املقرر اكتمال بناء مصفاة نفط ثانية لتكرير 50 ألف برميل<br />

يوميًا وحتويل جزء من نفط الباد إلى منتجات عام ‎2016‎م.‏<br />

الغابون اليوم عضو يف جتمع ( السيماك ) ‏»االحتاد<br />

االقتصادي والنقدي لوسط إفريقيا«‏ )CEMAC(<br />

والذي يهدف إلى تعزيز عملية التكامل االقتصادي<br />

باإلضافة إلى استخدام عملة موحدة قابلة للتحويل<br />

وهى الفرنك اإلفريقي،‏ هذا التجمع االقتصادي<br />

اإلقليمي ميثل سوقاً‏ ل 30 مليون مستهلك<br />

‏،وتفتخر الغابون بامتاكها شبكة اتصاالت قوية.‏<br />

العالقات الغابونية الخليجية:‏ وقعت اإلمارات<br />

يف أغسطس ‎2015‎م،‏ اتفاقية األجواء املفتوحة مع<br />

الغابون،‏ وبناء على ذلك ستكون شركات الطيران<br />

لكا الطرفني احلق يف أداء اخلدمات اجلوية<br />

املنتظمة بني البلدين،‏ ويف ملتقى االستثمار السنوي الذي أقيم<br />

يف اإلمارات حضر وزير التجارة والشركات الصغيرة واملتوسطة<br />

جلمهورية الغابون ‏)غابرييل تشانغو(‏ الذي دعا شركة االتصاالت<br />

اإلماراتية لاستثمار يف شركة ( موبيل ) لاتصاالت الغابونية،‏<br />

كما شاركت دولة اإلمارات يف أعمال منتدى نيويورك - إفريقيا<br />

الذى انطلقت أعماله بالعاصمة الغابونية ليبرفيل عام ‎2014‎م،‏<br />

أما السعودية فقد أبرمت مع الغابون يف سبتمبر ‎2015‎م،‏ اتفاقية<br />

جتنب االزدواج ومنع التهرب الضريبي،‏ فيما ترتبط الكويت<br />

مبعاهدة للتعاون االقتصادي مع الغابون منذ عام ‎1975‎م،‏ وقدم<br />

الصندوق الكويتي للتنمية قرضاً‏ بقيمة )7.5( مليون دينار كويتي<br />

لتحسني املطارات احمللية و حتسني الطريق يف الغابون.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ الكونغو كينشاسا<br />

الكونغو هي األغنى عامليًا باملوارد الطبيعية وهذا ما سبب<br />

لها ما يُعرف بلعنة املوارد الطبيعية التي كانت سببًا يف الصراعات<br />

املتواصلة بني القوى الدولية،‏ فهي متلك احتياطات هائلة من<br />

املعادن املُختلفة باإلضافة إلى معادن نادرة مثل ‏)الكولتان(‏ وحتتوي<br />

أراضيها على ثاني احتياطي عاملي من النحاس،‏ ومتتلك %50 من<br />

الغابات اإلفريقية ومجموعة من األنهار التي ميكن أن تستخدم<br />

إلنتاج الطاقة الكهرومائية للقارة اإلفريقية بأكملها وفقًا لتقرير


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

38<br />

العدد ملف<br />

العدد قضية<br />

األمم املتحدة حول أهمية الباد،‏ إضافة إلى امتاكها حوض<br />

الكونغو ‏)مركز االهتمام العاملي(،‏ فأهم ما مييز نهر الكونغو هو<br />

عدم وجود دلتا له ولديه قوة هائلة يف دفع املاء إلى البحر وهذا<br />

يعني أنه أغزر من نهر النيل وهذا ما أدركته القاهرة وجعلها<br />

تطرح ما يسمى مبشروع ‏)ربط نهر الكونغو بنهر النيل(‏ الرامي<br />

إلى التحكم باملوارد املائية وهذا املشروع من املرجح أن يحقق<br />

االكتفاء الذاتي من الكهرباء ملصر والكونغو والسودان.‏<br />

حتاول الكونغو حترير اقتصادها إال أن الوضع االقتصادي<br />

ال يزال ضعيفًا بسبب سياسات نادي باريس وسياسات التكيف<br />

الهيكلي،‏ كما أن الكونغو ما زالت تعيش يف دوامة من االستغال<br />

للثروات الطبيعية،‏ فكثير من املوارد الطبيعية يتم تهريبها من<br />

املناطق احلدودية،‏ وازدهر هذا االنتهاك للثروات الطبيعية والذي<br />

يتم بصورة مخططة ومنهجية بسبب الهياكل املعدة سابقًا والتي<br />

متت تنميتها أثناء حروب متمردي قوات التحالف الدميوقراطي<br />

لتحرير الكونغو والذين كان يطلق عليها )AFDL( بقيادة<br />

لوارنس كابيا،‏ باإلضافة إلى وجود شبكات غير قانونية شاركت<br />

فيها دول اجلوار يف فترات سابقه مثل روندا،‏ انغوال،‏ اوغندا،‏<br />

وبوروندي،‏ ومن اجلدير بالذكر أن دولة بوروندي والتي ال تنتج<br />

الذهب واملاس والرصاص والكوبالت قامت بتصدير هذه املعادن<br />

بالتزامن مع وجود قواتها يف األجزاء الغربية جلمهورية الكونغو<br />

الدميوقراطية التي كانت غارقة بقوات عسكرية من الدول<br />

املجاورة،‏ إضافة إلى دور الشركات األمنية اخلاصة التي متارس<br />

نوع جديد من املهام نيابة عن احلكومات وتقوم بأعمال ذات<br />

طابع عسكري وأمني وتقوم مبهام اجليوش النظامية مثل التدريب<br />

العسكري واالستخبارات والدعم اللوجستي والعمل األمني<br />

والقتالي يف مناطق النزاعات ولقد أكد االحتاد الدولي للتحقيق<br />

الصحفي OF( INTERNATIONAL CONSORTIUM<br />

)INVESTIGATIVE JOURNALISTS أن معظم تلك<br />

الشركات األمنية ضالعة يف جتارة عاملية لصناعة احلرب تبلغ<br />

عائداتها مئات املايني من الدوالرات ومبراجعة العقود التي<br />

أبرمتها الواليات املتحدة مع 12 شركة أمنية من أصل 24 شركة<br />

أمنية أمريكية املنشأ واملقر تبني أن هذه العقود بلغت 300 بليون<br />

دوالر أمريكي،‏ وقامت تلك الشركات بالعديد من األنشطة يف دول<br />

أفريقية عديدة مثل الكونغو الدميوقراطية،‏ زامبيا،‏ سيراليون،‏<br />

اجنوال،‏ روندا،‏ بوروندي حلماية مواقع انتاج النفط واملعادن<br />

الطبيعية مما جعل لها نفوذًا كبيرًا يف إفريقيا جنوب الصحراء.‏<br />

االستثمار الخليجي يف الكونغو - كينشاسا<br />

قامت مجموعة أبو ظبي االستثمارية اإلماراتية بتنفيذ<br />

العديد من املشاريع يف مجاالت االتصاالت يف الكونغو بتكلفة 318<br />

مليون دوالر،‏ ويف ملتقى االستثمار السنوي باإلمارات قال رئيس<br />

غرفة جتارة الكونغو أن باده جنحت يف استقطاب االستثمارات<br />

اإلماراتية مشيرًا إلى جناحها يف مجاالت الفندقية واملعارض<br />

واملجمعات التجارية يف كينشاسا،‏ كما تولت دولة الكويت من خال<br />

Group( )Rakomesko ٢٨ للتجارة العامة واملقاوالت مجموعة<br />

من املشاريع الزراعية وافتتحت فرعًا لها يف كينشاسا،‏ وتعاونت<br />

شركة قطر للبترول مع توتال الفرنسية يف مشروع ‏)نورث أويل(‏<br />

البالغ إنتاجه 100 ألف برميل نفطي يوميًا يف الكونغو،‏ وتوقعت<br />

وكالة«‏ موديز«‏ للتصنيف االئتماني أن ينمو اقتصاد الكونغو بنحو<br />

%10.2 على مدى العامني املقبلني بفضل ضخ استثمارات أجنبية<br />

كبيرة يف قطاع التعدين واالستهاك.‏<br />

معوقات االستثمار الخليجي يف الكونغو-كينشاسا<br />

‏-ارتفاع األنشطة االقتصادية غير القانونية والتي ال تُذكر يف إحصائيات<br />

الناجت احمللي اإلجمالي وهذا ما دفع احلكومة مؤخراً‏ إلى إنشاء مناطق<br />

اقتصادية خاصة والتي ركزت على الصناعات الزراعية،‏ والتعدينية.‏<br />

‏-االختال بني العرض والطلب والذي تسبب يف انتشار القطاعات<br />

االقتصادية غير الرسمية،‏ كما أن الشركات الصغيرة واملتوسطة<br />

تشكو من إطار تنظيمي غير مُائم.‏<br />

‏-افتقار الكونغو لشبكات طرق حديثة بسبب سوء البنية التحتية.‏<br />

‏-سوء إدارة االقتصاد والصراع الداخلي أدى إلى انعدام الرغبة<br />

اجلادة يف االستثمار.‏<br />

‏-الكونغو الدميوقراطية ما زالت منجم للثروات الطبيعية إال أنها<br />

ترزح حتت وطأة حكومات حتافظ على املصالح الغربية وخلق ما<br />

يسمى مبصلحة )win-win( املربحة جلميع األطراف ما عدا<br />

األطراف الوطنية.‏<br />

وبناء على ما سبق ميكن لدول مجلس التعاون اخلليجي حتقيق<br />

تواجد حقيقي يف دول إفريقيا جنوب الصحراء من خال اآلتي:‏<br />

‏·دعم شركة موانئ دبي العاملية العاملة يف الدول املطلة على<br />

خليج غينيا وتعزيز مؤمترات مكافحة القرصنة.‏<br />

‏·مشاركة دول اخلليج يف املؤمترات اإلفريقية املختلفة.‏<br />

‏·املشاركة يف دورات مبادرة Climate« ،»South The التي<br />

تهدف إلى حتديد دور دول اجلنوب العاملي يف التصدي لتغير<br />

املناخ وصياغة حلول قابلة للتنفيذ.‏<br />

‏·تعزيز العاقات الثنائية بني دول مجلس التعاون اخلليجي ودول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء وتفعيل آليات العمل اإلسامي املشترك.‏<br />

‏·دعم سياسة األجواء املفتوحة بني دول اخلليج ودول إفريقيا<br />

جنوب الصحراء.‏<br />

‏*باحثة إماراتية في الشأن اإلفريقي


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 39<br />

العدد ملف<br />

القوى الناعمة العربية أكثر تأثيرًا في مواجهة املد اإليراني جنوب الصحراء<br />

التعاون األمني والعسكري الخليجي اإلفريقي:‏<br />

ضرورة لمواجهة اإلرهاب واستقرار المنطقة<br />

يف مناورات تاريخية المتصاص صدمة املتغيرات اإلقليمية والدولية،‏ طفقت دول اخلليج تقيم شراكات استراتيجية<br />

شرقًا وغربًا.‏ ومن بينها محاوالت تعزيز التعاون والشراكة بني اخلليج والدول اإلفريقية جنوب الصحراء كخيار<br />

استراتيجي.‏ فإفريقيا مسرح مناسب لتنافس كثير من القوى اإلقليمية والدولية الصاعدة؛ ملوقعها الهام وتوسطها<br />

املمرات املاحية بني القارات اخلمس،‏ وألنّ‏ عبقرية املكان ستتضاعف يف القرن احلادي والعشرين،‏ مما جعلها مهمة<br />

لدول اخلليج ليس لكون األمن العاملي مترابط،‏ فحسب،‏ بل لكون دول جنوب الصحراء تعاني من ضعف يف املوارد<br />

املالية جعلها غير قادرة على السيطرة على قرارها وعلى حدودها.‏ فمن أشكال التنافس على دول جنوب الصحراء<br />

االستنزاف املغلف مبحاربة اإلرهاب والقرصنة كدخول الواليات املتحدة وفرنسا والصني والهند وإسرائيل وإيران<br />

وتركيا.‏ ويف األسطر القادمة سوف نحاول تتبع إمكانية تفعيل التعاون األمني والعسكري بني دول اخلليج والدول<br />

اإلفريقية جنوب الصحراء بالتعرف على التحديات التي تواجهها الدول اإلفريقية وارتباط هذه التحديات بأمن<br />

اخلليج،‏ كما سنحاول بحث املقاربات اخلليجية لتعاون ناجح مع هذه الدول.‏<br />

د.‏ ظافر محمد العجمي<br />

تحديات تمس الخليج يف دول جنوب الصحراء<br />

للطابع الشمولي لتأثيرات العوملة،‏ تداخلت املنظومة املصطلحية<br />

اخلليجية رغم تعدد صورها،‏ مع مصالح الدول اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء الكبرى.‏ وتضمن ذلك االنغماس املشترك يف الصراعات<br />

والنزاعات اإلقليمية لكن أشدها وضوحً‏ ا هو التعامل مع اإلرهاب<br />

بوصفه تهديدًا عابرًا للحدود ثم التحدي اإليراني لدول اخلليج<br />

منطلقًا من إفريقيا بكافة صوره.‏<br />

اإلرهاب ومثلث الرجال والسالح والمال<br />

دفعت اخليارات الصعبة جراء الظلم وغياب العدل والدميقراطية<br />

وتفشي البطالة،‏ الشباب اإلفريقي إلى االنضمام للجماعات<br />

اجلهادية كبديل لقوارب املوت والهجرة غير الشرعية إلى أوروبا،‏<br />

وشكَّلت منطقتا الساحل والقرن اإلفريقي فضاء لإلعداد والتدريب<br />

والتزود لإلرهاب،‏ كما كانتا املكان املناسب لإلنبات واإلعداد<br />

لهجمات مسلَّحة يف القارَّة وخارجها،‏ والحقًا أتاح الربيع العربي<br />

إمكانيات وفيرة للتمكني واإلعداد للتنظيمات الإلرهابية أما<br />

الساح،‏ فقد أدى سقوط نظام القذايف وانهيار املؤسسات األمنية<br />

يف ليبيا إلى حتويل هذا إلى مستودع أسلحة لإلرهاب يضم<br />

الساح الفردي والصواريخ املضادة للدروع وللطائرات.‏ ويف غياب<br />

استراتيجية ملواجهة تنظيمات اإلرهاب يف دول جنوب الصحراء<br />

أسهم التمويل الذاتي الوافر لتمدد اإلرهاب عبر عمليات خطف<br />

وطلب الفدية مقابل إطاق سراح الرهائن وتوفير احلماية لعمليات<br />

تهريب السلع واملخدرات واألسلحة.‏ ويتواجد تنظيم القاعدة يف 6<br />

دول إفريقية هي اجلزائر مالي النيجر موريتانيا ليبيا والصومال.‏<br />

وحتى ظهور تنظيم الدولة ‏»داعش ‏»يف إفريقيا عبر البوابة الليبية<br />

عام ‎2014‎م،‏ كان يتبع لتنظيم القاعدة جماعات جهادية عدة<br />

كتنظيم ‏»جماعة أهل السنَّة للدعوة واجلهاد«‏ يف نيجيريا،‏ املعروف<br />

باسم ‏»بوكو حرام«.‏ والقاعدة بباد املغرب اإلسامي.‏ وأنصار<br />

الشريعة يف ليبيا وتونس،‏ وشباب املجاهدين يف الصومال،‏ جماعة<br />

‏»املرابطون«‏ بشمال مالي وجنوب ليبيا.‏ والعاقة شائكة بني تنظيم<br />

القاعدة وبني تنظيم الدولة وهي عاقة يلفها الكثير من الغموض<br />

مثل حتول ‏»بوكو حرام«‏ ملبايعة تنظيم الدولة اإلسامية وقبول


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

40<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

داعش البيعة يف 12 مارس ‎2015‎م،‏ وكانت تتبع القاعدة وأقامت<br />

سمعتها الدموية على دعم القاعدة حيث قتلت أكثر من 20 ألف<br />

شخص وأجبرت أكثر من 2,6 مليون آخرين على الفرار.‏ ويوجد<br />

تنظيم داعش يف أكثر من 10 بلدان إفريقية،‏ فالتنظيم يف 7 دول<br />

إفريقية على شكل مجموعات مسلحة يف مصر،‏ ليبيا،‏ اجلزائر،‏<br />

تونس،‏ نيجيريا،‏ مالي،‏ والنيجر،‏ بينما يوجد يف شكل خايا نائمة<br />

ال تقل عن 3 وهي املغرب وموريتانيا والسودان.‏ فهناك داعش يف<br />

نيجيريا وميثِّله تنظيم بوكو حرام.‏ وهناك داعش يف مالي عبر<br />

تنظيم ‏»امللثمون«‏ املنشق عن تنظيم ‏»املرابطون«‏ التابع للقاعدة.‏<br />

وداعش يف الصومال وهم الشباب املجاهدون التي نفذت العديد<br />

من العمليات املسلحة يف كينيا.‏ وهناك داعش يف<br />

السودان يف إقليم دارفور.‏ كما أن هناك جيش<br />

حترير أوغندا املسلم وقد بايع ‏»داعش«‏ يف<br />

خريف ‎2015‎م.كما أن هناك جماعات داعشية<br />

صغيرة ومنتشرة بجنوب إفريقيا وموريتانيا<br />

وبوركينا فاسو.‏<br />

إيران ونوافذ إفريقيا عى جزيرة العرب<br />

متدثرة مببادئ اإلمام اخلميني لنجدة قارة<br />

املستضعفني،‏ تسربت إيران بصمت يف مفاصل<br />

إفريقية عدة،‏ ثم شرعت لها نوافذ مطلة على اجلزيرة العربية<br />

مدخلة منها الساح للحوثيني والتدخل يف شؤون صنعاء والرياض<br />

وشكلت تهديدًا جادًا لألمن القومي لدول مجلس التعاون اخلليجي.‏<br />

فاالختراقات التي حققتها إيران يف إفريقيا شكلت مشروعًا<br />

واستراتيجية عبر محاور سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية واضحة.‏<br />

- جناح إسرائيل يف إفريقيا وإبعادها عن الصراع العربي اإلسرائيلي،‏<br />

أغرى إيران لتكون قاعدة إفريقيا خلفية لسياستها وحساباتها<br />

اإلقليمية والدولية.‏ فبدت إفريقيا حاضرة وبقوة يف االستراتيجية<br />

اإليرانية ففي احملور السياسي وعبر أكثر من ثاثني سفارة،‏ متكنت<br />

طهران من احلصول على عضو مراقب يف االحتاد اإلفريقي.‏ وقد<br />

ساهم تواجد جالية لبنانية كبيرة تتبعها طائفيا من تسهيل تغلغلها<br />

يف بلدان إفريقية عدة،‏ فحظيت من دول غرب إفريقيا بدعم يف<br />

احملافل الدولية وصل تأييد حقها يف امتاك برنامج نووي سلمي.‏<br />

- ويف املجال االقتصادي بلغ عدد البعثات ومكاتب التمثيل التجاري<br />

اإليراني حوالي 26 بعثة ومكتب.‏ فحققت يف أفريقيا مكاسب<br />

اقتصادية ضخمة،‏ فأصبحت املصدر األول للنفط جلنوب إفريقيا،‏<br />

ووقعت مع أوغندا العديد من االتفاقيات التجارية،‏ وأقامت<br />

عاقات قوية مع السنغال،‏ كما عرضت على كينيا املساعدة يف<br />

إقامة مشروعات للطاقة،‏ وهو الباب الذي استخدمته بتوسع كبناء<br />

مشاريع البنية التحتية للطاقة،‏ ومصايف النفط،‏ ومحطات توليد<br />

تسربت إيران إىل<br />

مفاصل إفريقيا<br />

وفتحت نوافذ ها<br />

لتهديد األمن الخليجي<br />

عبر الحوثيين<br />

الكهرباء،‏ بل وتكنولوجيا االستخدام السلمي للطاقة النووية.‏ يسند<br />

ذلك التوسع خط جوي منتظم ملعظم إفريقيا ‏،عاوةً‏ على تأسيس<br />

خطوط بحرية منها ‏)ممباسا-‏ بندر عباس(‏ يسنده توقيع مذكرة<br />

تفاهم حول سبل تعزيز التعاون اإليراني الكيني.‏<br />

- أعطت إيران أهمية قصوى للحضور البحري األمني على البحر<br />

األحمر،‏ وأهم مكان لتواجدها هو ميناء عصب الإلريتري،‏ كما<br />

كان لها وجود يف جمهورية جزر القمر وجيبوتي.‏ ويرجع اهتمامها<br />

بالتواجد العسكري يف دول جنوب الصحراء ألسباب عدة منها:‏<br />

- ميكّنها تواجدها بالقرن اإلفريقي بالتواصل مع احلوثة يف اليمن<br />

ودعمهم باألسلحة،‏ وما يترتب عليه من ضغط على دول مجلس التعاون<br />

اخلليجي وبشكل خاص اململكة العربية السعودية.‏<br />

- يتيح تواجدها فرصة املساومة مع القوى<br />

املنافسة كالواليات املتحدة وإسرائيل.‏ كما يعطيها<br />

نقطة ارتكاز متكنها من القيام مبهام قتالية ضد<br />

القوى الغربية،‏ ولعل سعي إيران لتطوير عاقاتها<br />

مع كينيا وتنزانيا وجزر القمر يؤكد هذا املنحى<br />

االستراتيجي يف االختراق اإليراني إلفريقيا.‏<br />

- كشف تقرير ملركز بحوث تسليح الصراع<br />

عن أنه من بني 14 حالة كشف فيها عن وجود<br />

أسلحة إيرانية،‏ هناك فقط 4 حاالت كانت مع<br />

احلكومات والعشر الباقية مع جماعات غير نظامية،‏ قد دعمت<br />

االنفصاليني يف السنغال،‏ ومتمردي ساحل العاج،‏ وغامبيا،‏ وحركة<br />

الزكزاكي يف نيجيريا.‏<br />

‏-التعاون بالقوة الناعمة الإليرانية يظهر يف إفريقيا بأشكال<br />

عدة،‏ فقد عززت وجودها بشرق إفريقيا بإنشاء فرع لرابطة<br />

الثقافة والعاقات اإلسامية اإليرانية،‏ ودعمت إنشاء عدد من<br />

املدارس واملساجد واملستوصفات الصحية بعدد من املدن بشرق<br />

إفريقيا،‏ وتقوم برعاية األُسر الفقيرة،‏ وتأسيس جمعيات خيرية،‏<br />

وتعطي منحاً‏ للطاب للدراسة يف إيران.‏ ولكون الغالبية العظمى<br />

من املسلمني السنة يف دول إفريقيا جنوب الصحراء،‏ تتبع املنهج<br />

الصويف الذي يكره التطرف،‏ فقد تشكلت موجة حتول بني<br />

األفارقة من سنة إلى شيعة.‏ وأشار تقرير إلى أن عدد املتحولني<br />

للمذهب الشيعي،‏ يف نيجيريا وهي األكبر من حيث عدد السكان<br />

بلغ %12 من سكانها املسلمني،‏ البالغ عددهم 90 مليونًا،‏ وكانت<br />

نسبتهم صفر تقريبًا يف عام ‎1980‎م.‏ وتبلغ نسبة الشيعة يف تشاد<br />

%21، من إجمالي عدد املسلمني،‏ و‎%20‎ يف تنزانيا،‏ و‎%8‎ يف غانا.‏<br />

الشراكات الخليجية مع دول جنوب الصحراء<br />

يف األدبيات السياسية العربية اعتبر ولوقت طويل أن صغر املساحة<br />

وقلة عدد السكان للدولة ماذًا آمنًا لانكفاء على نفسها،‏ وجتنب


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 41<br />

العدد ملف<br />

تضحيات أن تكون مؤثرة يف محيطها اإلقليمي.‏ لكن دول اخلليج<br />

قلبت تلك املعادلة وصارت صوتًا مسموعًا ليس يف الشرق األوسط<br />

فحسب بل ويف اجلوار اآلسيوي واإلفريقي.‏ ولدول مجلس التعاون<br />

اخلليجي 30 بعثة دبلوماسية أو قنصلية بالدول اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء،‏ فيما ال يوجد أي متثيل دبلوماسي لدول مجلس التعاون يف<br />

26 دولة إفريقية.‏ رمبا لكون دول اخلليج تسعى إلى إيجاد عاقات<br />

مع عواصم أكثر استقراراً‏ لتضييق اخلناق على التمدد اإليراني.‏<br />

- فبهدف إحداث توازن استراتيجي يف املنطقة ضد إيران حتركت<br />

السعودية نحو إريتريا،‏ وتوصلت معها إلى اتفاق تعاون عسكري<br />

وأمني واقتصادي حملاربة اإلرهاب والتجارة غير املشروعة<br />

والقرصنة يف مياه البحر األحمر،‏ وعدم السماح ألي تدخات<br />

أجنبية يف الشأن اليمني.‏ ويف الوقت نفسه جنحت الرياض بتعزيز<br />

العاقات مع اثيوبيا وتطويرها.‏ كما شكّلت عمليات ‏»عاصفة<br />

احلزم«‏ نقطة حتول يف العاقة بني دول اخلليج واخلرطوم،‏ فبعد<br />

أن كانت موانئ اخلرطوم مفتوحة على مصراعيها للسفن اإليرانية،‏<br />

شاركت السودان رسمياً‏ مع التحالف العربي يف حرب اليمن ضد<br />

حلفاء طهران من احلوثة.‏ كما قدم صندوق التنمية السعودية،‏<br />

خال عام 2014،13 م،‏ قرضً‏ ا ميسَّ‏ رًا إلى الدول اإلفريقية من<br />

إجمالي 20 قرضً‏ ا قدمها خال ذلك العام.‏ كما سعت السعودية<br />

إلى بناء قاعدة عسكرية يف جيبوتي،‏ املطلة على مضيق باب<br />

املندب،‏ ومنحتها 5 زوارق بحرية سريعة ومتطورة،‏ فساهمت<br />

جيبوتي بنجاح يف حترير جزيرة ميون اليمنية من سيطرة احلوثة،‏<br />

فاستعادوا السيطرة على مضيق باب املندب،‏ واستلمته قوات<br />

اجليش الوطني اليمني الذي وصل هناك عبر جيبوتي.‏<br />

- نشطت دولة قطر بالقوة الناعمة وحققت جناحات كبيرة يف<br />

دول جنوب الصحراء،‏ فكان لها دور سياسي ركزت من خاله على<br />

التوسط حلل النزاعات وإقامة الشراكات،‏ أبرزها الوساطة بني<br />

احلكومة السودانية وحركة العدل واملساواة يف دارفور ‎2013‎م،‏ كما<br />

توسطت بني إريتريا وجيبوتي يف عام ‎2010‎م.‏ والصومال وإثيوبيا،‏<br />

وقضية الصحراء الغربية.‏ أما الدور التنموي فتعد دولة قطر إحدى<br />

أكبر الدول الداعمة مالياً‏ ملؤمترات املانحني يف أفريقيا،‏ فساهمت<br />

يف تشكيل األساس لتعاون خليجي إفريقي.‏ كما حدث يف النيجر<br />

والصومال.‏ كما أن هناك مد إعامي متثل يف قيام قناة اجلزيرة<br />

بتغطية مناطق جنوب وشرق إفريقيا وكسر احتكار إذاعة ‏»بي بي<br />

سي«‏ لتلك املنطقة،‏ باإلضافة إلى دورها اإلغاثي يف القارة من<br />

خال الهال األحمر القطري وجمعيات ومنظمات أهلية وخيرية،‏<br />

لبناء املساجد،‏ ودعم املدارس اإلسامية،‏ واملراكز الصحية مبواقع<br />

الصراعات املسلحة اخلطرة.‏ ومن جهة أخرى ساهمت القوات<br />

املسلحة القطرية بلعب دور بارز باإلسهام يف قوات حفظ السام<br />

التي شكلتها األمم املتحدة يف العديد من مناطق العالم،‏ فكانت يف<br />

ليبيا ثم تواجدت قوة الواجب القطرية ملراقبة احلدود اجليبوتية<br />

اإلريترية حلني توصل البلدين التفاق سام نهائي حدودي.‏<br />

- أشادت مصادر أممية باملؤسسات اإلماراتية اإلنسانية العاملة<br />

يف مجال اإلغاثة يف القرن اإلفريقي.‏ كما جنحت استثمارات<br />

جتارية إماراتية عدة يف دول جنوب الصحراء.‏ ولم تفشل دولة<br />

اإلمارات العربية املتحدة يف ترجمة املبلغ الضخم الذي مبوجبه<br />

أصبحت ثالث أكبر مستورد لألسلحة يف العالم يف ‎2009‎م.‏ بل<br />

أصبحت قوة عسكرية فعالة مقارنة بالقوى العسكرية األخرى<br />

بجوارها اإلقليمي،‏ حيث حققت معادلة جيش صغير وفعال،‏<br />

وسجلت العسكرية اإلماراتية أكبر حضور عربي يف ساحات القتال<br />

االقليمية والدولية خال العقدين املاضيني.‏ ويف ‎1993‎م،‏ شاركت<br />

يف عملية إعادة األمل بالصومال.‏ وشاركت مع قطر وحلف شمال<br />

األطلسي يف إسقاط الطاغية معمر القذايف ‎2011‎م،‏ كما دعمت<br />

‏›عملية القط املتوحش‹‏ يف مالي ‎2013‎م.‏<br />

- وتستند الكويت يف تواجدها يف دول جنوب الصحراء على إرث<br />

تاريخي حمله الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية،‏<br />

وجدده رجل بقامة إنسانية عالية هو الدكتور عبد الرحمن<br />

السميط عبر منظمة العون املباشر.‏ ففي أقل من 30 عامًا،‏ قامت<br />

هذه املنظمة ببناء أكثر من 800 مدرسة،‏ و‎200‎ عيادة طبية،‏ وأكثر<br />

من 200 مركز لتدريب النساء.‏ كما حفرت اآلالف من آبار املياه،‏<br />

وساعدت ببناء العديد من املشاريع الزراعية والري ووزعت آالف<br />

األطنان من املواد الغذائية واإلمدادات الطبية يف املناطق املنكوبة.‏<br />

أما يف املجال العسكري فشاركت القوة البرية الكويتية عام ‎1992‎م،‏<br />

يف قوة حفظ السام يف الصومال.‏<br />

المسارات الخليجية المطلوبة<br />

المسارات األمنية الخشنة<br />

يف التقرير الصادر عن موقع ‏»جلوبال فاير باور 2015«<br />

املتخصص يف تنظيم القوة العسكرية للدول ألقوى جيوش العالم،‏<br />

جاء ترتيب دول جنوب الصحراء اإلفريقية بجيش دولة جنوب<br />

إفريقيا كأكثرها تأهياً‏ ‏،ثم اجليش النيجيري،‏ واجليش اإلثيوبي،‏<br />

وجيش دولة كينيا،‏ وجيش أجنوال،‏ وجيش النيجر،‏ وجيش أوغندا،‏<br />

و جيش تشاد،‏ وجيش زميبابوي،‏ وجيش ساحل العاج،‏ و جيش<br />

جمهورية الكونغو الدميقراطية،‏ وجيش غانا،‏ وجيش جمهورية<br />

إفريقيا الوسطي،‏ وجيش ناميبيا،‏ وجيش مدغشقر،‏ وجيش<br />

جمهورية الكونغو،‏ وجيش اجلابون،‏ وجيش الكاميرون،‏ وجيش<br />

تنزانيا،‏ وجيش جنوب السودان ، وجيش زامبيا،‏ وجيش مالي،‏<br />

وجيش موزمبيق.‏ وما يقلق أن التحديات التي تواجه دول اخلليج<br />

وحتديدًا اإلرهاب،‏ والتغلغل اإليراني جندها يف أقوى هذه الدول<br />

وأضعفها على حد سواء،‏ كنيجيريا يف رأس القائمة ومالي يف أسفلها.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

42<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

إيران تقود موجة تشيع بين األفارقة وعدد المتشيعين و‎%12‎<br />

يف نيجيريا و‎%21‎ يف تشاد و‎%20‎ يف تنزانيا و‎%8‎ يف غانا<br />

- املقاربة األمنية اخلليجية عبر الهياكل األممية:‏ كالقوات األممية<br />

ممثّلة يف بعثة األمم املتحدة املتكاملة لتحقيق االستقرار يف إفريقيا<br />

الوسطى ‏»مينوسكا«،‏ والتي تشكّلت مطلع ‎2014‎م،‏ وقوامها أكثر من<br />

10 آالف رجل،‏ ملراقبة حدود إفريقيا الوسطى مع الكاميرون وتشاد.‏<br />

‏-املقاربة األمنية اخلليجية عبر الهياكل الغربية:‏ حيث ظلت<br />

االستراتيجية املتبعة من قبل دول الغرب تنصبُّ‏ على املقاربة<br />

األمنية،‏ وبشكل خاص من قبل فرنسا والواليات املتحدة كالتالي:‏<br />

- حددت املصالح الفرنسية السياسة التي قامت بتنفيذها فرنسا<br />

يف القارة اإلفريقية،‏ يف مجاالت ثاثة هي املصالح االقتصادية،‏<br />

واملصالح االستراتيجية بالسيطرة على املواقع الهامة،‏ فوصلت<br />

قواعدها العسكرية بالستينيات ل 100 قاعدة عسكرية،‏ وكانت<br />

أكبرها جيبوتي وداكار يف السنغال،‏ وليبرفيل يف اجلابون وجنامينا<br />

يف تشاد،‏ وقاعدة يوريون يف ساحل العاج،‏ وتتمركز فيها قوات<br />

للمشاة والبحرية وقوات جوية.‏ وقد شاركت دول اخلليج يف عمليات<br />

القوات الفرنسية يف عملية القط املتوحش«‏ املسماة عملية سيرفال«‏<br />

‎2013‎م،‏ وجنحت يف استعادة معظم شمال ووسط مالي من<br />

اجلماعات املسلحة.‏ ثم عملية ‏»سانغاريس«‏ 2013. لتتسلّم الواجب<br />

بعدها عملية«‏ برخان«‏ ملطاردة املجموعات اإلرهابية الناشطة يف<br />

الساحل اإلفريقي 2014. وهي عمليات ناجحة ميكن املشاركة فيها<br />

لوال محاذير منها بعض التعاطف هناك جراء االدعاء أن القاعدة<br />

وبوكوحرام حركة حترر من الهيمنة التاريخية الفرنسية.‏<br />

- الركائز األربع االستراتيجية األميركية جتاه البلدان اإلفريقية<br />

جنوب الصحراء الكبرى كما قال الرئيس أوباما هي:‏ لتقوية<br />

املؤسسات الدميقراطية،‏ ولتحفيز النمو االقتصادي،‏ والتجارة،‏<br />

واالستثمار،‏ ثم لدفع السام واألمن قُدمًا،‏ و أخيرًا تعزيز الفرص<br />

والتنمية،بالعمل مع األمم املتحدة وغيرها من اجلهات الفاعلة.‏<br />

ويف أعقاب هجمات 11 سبتمبر دشَّ‏ نت الواليات املتحدة ما سُ‏ مِّي<br />

بشراكة مكافحة اإلرهاب عبر الصحراء واستهدفت مساعدة<br />

حكومات موريتانيا،‏ ومالي،‏ وتشاد،‏ وبوركينا فاسو،‏ والنيجر،‏<br />

ونيجيريا،‏ والسنغال واالستعانة باالحتاد اإلفريقي كمنظمة إقليمية.‏<br />

ويف ‎2008‎م،‏ أقامت واشنطن ‏»أفريكوم«‏ كقيادة عسكرية موحَّ‏ دة<br />

للقارة،‏ ونقلت إليها مسؤوليات مبادرة مكافحة اإلرهاب.‏ ثم خال<br />

‏-‏‎2012‎م،‏ 2011 وضعت أمريكا اعتمادات بلغت 95 مليون دوالر<br />

لفائدة مبادرة التعاون األمني مع دول غرب إفريقيا.‏ ومن املرجح<br />

أن تكون واشنطن أنشأت خال السنوات األخيرة ما ال يقل عن 12<br />

قاعدة عسكرية ‏»سرية«‏ صغيرة يف العديد من البلدان اإلفريقية،‏<br />

بدليل أن األمريكان نفّذوا ما بني 10 إلى 14 غارة بطائرات دون<br />

طيار،‏ وما بني 8 إلى 11 عملية سرية يف الصومال منذ عام<br />

‎2011‎م.‏ واملساندة اخلليجية ميكن أن تتم على أشكال عدة أهما:‏<br />

‏-مساندة ميدانية مباشرة:‏ من خال قوات واجب خليجية بعضها<br />

سبق له التمركز على األرض يف املناطق املعنية أو يف محيطها،‏<br />

واألخرى تضطلع مبهام الرصد والدعم اللوجستي للقوات<br />

اإلفريقية نفسها،‏ فساح النقل اجلوي اخلليجي فاعل ومتطور<br />

وله خبرة كبيرة يف إفريقيا نتيجة عمليات اإلغاثة.‏<br />

- املساندة االستخبارية:‏ فالدول اخلليجية عانت من العمليات<br />

اإلرهابية،‏ ولديها قاعدة بيانات كبيرة عن اإلرهابيني،‏ وقد واكتسبت<br />

خبرة يف تتبعهم،‏ ولها جناحات مشهودة بالتبادل املعلوماتي،‏ والتي<br />

أعاقت عمليات إرهابية عدة خارج حدودها.‏<br />

‏-املسار التنموي والتوغل الثقايف.‏<br />

يجزم البعض بالدور اإليجابي ل ‏»التحالف اإلسامي العسكري«،‏<br />

بقيادة الرياض،‏ يف التصدّي لإلرهاب يف القارة اإلفريقية،‏ إالّ‏ أنّ‏<br />

هناك من يرى أنّ‏ هذا اإلئتاف الذي يضم 34 دولة،‏ سيواجه<br />

ذات ‏»العقبة احملورية«‏ التي طرحت على ‏»القوة اإلفريقية املشتركة«‏<br />

للتصدّي ل ‏»بوكو حرام«‏ يف حوض بحيرة تشاد.‏ وهي ‏»التعثّر<br />

وغياب التنسيق.‏ وعليه ميكن إحلاق الهزمية باإلرهاب ليس<br />

باحلل العسكري،‏ بل عبر حترك تنموي بهدف اجتثاث األسباب<br />

التي أوجدته،‏ وتوفير فرص عمل للشباب اإلفريقي،‏ بالضبط كما<br />

جنحت الرياض يف سبعينيات القرن املاضي من انتشال اندونيسيا<br />

من السقوط يف براثن الشيوعية بتوفير فرص عمل لشبابها.‏<br />

ولكون إفريقيا مرتكز للتحوالت الكبرى ، ميكن مساعدة<br />

شعوبها باليقظة اإلسامية الشعبية بإرسال رجال الدين املسلمني<br />

من إفريقيا واخلليج،‏ ومن خارجها بطريقة تطوّعية ملعاضدة<br />

جهود اجليوش النظامية،‏ وشرح اإلسام احلقيقي،‏ فعدم االهتمام<br />

بالعاقات الثقافية،‏ واالقتصار على اجلوانب االستثمارية غير<br />

مبرر،‏ كما أن القنوات الثقافية للجانب العربي ستكون أكثر تأثيرًا<br />

أمام التوغل اإليراني الطائفي،‏ فالعاقة الثقافية والتنموية بني<br />

الدول العربية وإفريقيا عميقة اجلذور،‏ وهي أكثر دميومة من<br />

التواصل العسكري،‏ فكما ان الدول العُظمى ال حتتضر على<br />

الفراش بل حتتضر يف أماكن قوتها ، فالدول الصاعدة الطموحة<br />

قد تضيع يف أدغال إفريقيا.‏<br />

* املدير التنفيذي ملجموعة مراقبة اخلليج


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 43<br />

العدد ملف<br />

العرب وإفريقيا:‏ امتداد جغرافي..‏ صالت تاريخية..‏ عمق استراتيجي<br />

اإلرهاب وإسرائيل وإيران ..<br />

ثالوث الخطر القادم عى العرب من إفريقيا<br />

يف إفريقيا عشر دول عربية من اثنني وعشرين دولة عربية ‏)مصر،‏ السودان،‏ ليبيا،‏ تونس،‏ اجلزائر،‏ املغرب،‏ موريتانيا،‏<br />

الصومال،‏ جيبوتي،‏ وجزر القُمُر(.‏ يعيش يف هذه الدول العربية اإلفريقية،‏ %70 من عدد سكان العالم العربي )390<br />

مليون نسمة(..‏ يقطنون يف مساحة تقدر ب %60 من مساحة العالم العربي البالغة:‏ 13.333 مليون كم مربع،‏ تساهم<br />

هذه الدول العربية اإلفريقية مبا مقداره %38 من الناجت اإلجمالي للعالم العربي البالغ:‏ 2.75 ترليون دوالر ‏)إحصاءات<br />

‎2015‎م(.‏ إذن:‏ يف.‏ أفريقيا،‏ عدد أقل نسبيًا،‏ من الدول العربية،‏ وإن كان بها ما يزيد عن ثلثي العرب،‏ يف مساحة من<br />

األرض تزيد مرة ونصف عن تلك التي يقطنها أشقاؤهم يف املشرق ‏)اآلسيوي(،‏ وإن كان عرب املشرق يساهمون يف<br />

الناجت اإلجمالي للعالم العربي مبا يصل إلى ثاثة أضعاف نصيب أشقائهم من عرب املغرب العربي ‏)اإلفريقي(.‏<br />

د.‏ طالل صالح بنّان<br />

هذه األرقام،‏ رغم تفاوتها،‏ إال أنها تعكس تعددية ثقافية وحضارية<br />

لشعوب العالم العربي،‏ أكثر منها مجرد اختافات جهوية،‏ قد<br />

تفرضها تضاريس اجلغرافيا ورحابة املساحة،‏ وال نَقُل بعد املسافة.‏<br />

كما أن تلك التعددية الثقافية واحلضارية ‏-يف حقيقة األمر ‏-تعكس<br />

صات تاريخية وامتداد جغرايف،‏ بل وعمق استراتيجي،‏ يف مساحة<br />

أوسع وعدد أكبر من البشر،‏ يربط عرب املشرق واملغرب معًا،‏ بالقارة<br />

السوداء ‏)أفريقيا(،‏ حيث موطن اإلنسان األول.‏ ليس هناك بني شعوب<br />

األرض ما ميكن للمرء أن يرصد ويسجل تقاربًا،‏ من الناحية الثقافية<br />

والتاريخية والعرقية،‏ عابر للقارات،‏ مثل ذلك الذي يربط العرب،‏<br />

يف مشرق العالم العربي ومغربه،‏ بإفريقيا،‏ خصوصً‏ ا شرق وغرب<br />

إفريقيا،‏ وحتى جنوب الصحراء الكبرى.‏ فمنطقة الصحراء الكبرى،‏<br />

متثل خطً‏ ا عريضً‏ ا،‏ غني بالثقافة واحلضارة والدين،‏ وحتى اللغة،‏<br />

يشكل امتدادًا جغرافيًا وصلة تاريخية،‏ بل وحتى عمقًا استراتيجيًا<br />

للعرب،‏ يف نصف الكرة اجلنوبي،‏ مبا ال يتوفر للعالم العربي،‏ على<br />

تخومه الشرقية واجلنوبية الشرقية،‏ وال حتى الشمالية،‏ لو أستثنينا،‏<br />

إلى حدٍ‏ ما تركيا.‏<br />

اإلسالم:‏ بداية التاريخ<br />

لم تقبل اإلسام بخلفيته الثقافية ‏)العروبية(‏ مناطق<br />

جغرافية أو جماعات سكانية،‏ كما رحبت به إفريقيا وشعوبها.‏<br />

أكثر من ضعفي العرب يقطنون إفريقيا،‏ وأكثر من مرة ونصف<br />

من مساحة العالم العربي تقع يف إفريقيا...‏ حقيقة جغرافية،‏<br />

بجوانبها التضاريسية واإلنسانية،‏ ال جند لها محاكاة،‏ يف املناطق<br />

التي فتحها املسلمون العرب من شبه اجلزيرة العربية،‏ على<br />

تخوم العالم العربي الشرقية واجلنوبية الشرقية والشمالية.‏<br />

لقد قبلت إفريقيا،‏ سكانها،‏ خاصة يف شمال إفريقيا،‏ وأيضً‏ ا<br />

مناطق شاسعة يف الصحراء الكبرى،‏ وعلى الساحل الشرقي<br />

والغربي إلفريقيا،‏ االثنني معًا:‏ اإلسام واللغة ‏)العربية(،‏ التي<br />

أُنزِ‏ ل بها القرآن.‏<br />

وإن كانت هذه احلقيقة الثقافية واإلنسانية ظاهرة يف دول<br />

الشمال اإلفريقي العربية،‏ إال أنها أيضً‏ ا،‏ حاضرة يف شعوب<br />

منطقة الصحراء الكبرى،‏ ويف مناطق شاسعة يف دول شرق وغرب<br />

إفريقيا،‏ مثل:‏ السنغال والنيجر ونيجيريا وتشاد وأثيوبيا وأريتريا<br />

وكينيا وتنزانيا.‏ ما جعل العربية تنحسر،‏ رسمياً،‏ يف مجتمعات<br />

تلك الدول،‏ النزعة القومية التي غذًاها االستعمار وتبنتها<br />

األقليات غير املسلمة،‏ منذ بداية القرن املاضي.‏ بالرغم من<br />

ذلك جند اللغة العربية منتشرة يف تلك املجتمعات،‏ ولو بصورة<br />

غير رسمية،‏ تطبيقاً‏ ملبدأ قبول اإلسام والعربية،‏ معًا،‏ الذي جاء<br />

مع الفاحتني العرب األوائل،‏ ووجدوا أرضً‏ ا خصبة بفطرة أهلها<br />

السليمة لنشر اإلسام وتعلم لغة القرآن.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

44<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

عى العرب االلتفات لمكامن الخطر واستشعار التحدي<br />

القادم من العمق االستراتيجي اإلفريقي<br />

اإلسام،‏ وإن كان تاريخيًا،‏ جديدًا على إفريقيا وأهلها،‏ كما<br />

هو على العرب يف شبه اجلزيرة،‏ إال أن العربية كانت متواجدة<br />

على تخوم العالم العربي الغربية ‏)اإلفريقية(،‏ امتدادًا من الضفة<br />

الشرقية لدلتا النيل،‏ وحتى جنوب السودان،‏ على طول الساحل<br />

اإلفريقي للبحر األحمر،‏ وحتى جنوب الصومال،‏ على الساحل<br />

الغربي للمحيط الهندي،‏ بعمق الهضبة األثيوبية.‏ لم يكن لعمرو<br />

بن العاص،‏ مبا لديه من جند ال يتجاوزون بضعة آالف مقاتل من<br />

فتح مصر،‏ لوال القبائل العربية املتواجدة يف سيناء والشرقية،‏<br />

وعلى حواف ضفة النيل الشرقية،‏ وحتى صعيد مصر.‏ هذه<br />

القبائل العربية لم تقدم جليش املسلمني الفاحت املدد والعتاد<br />

الازم،‏ من باب احلمية العربية إذ لم يدخلوا بعد يف اإلسام،‏<br />

فحسب...‏ بل قدموا،‏ أيضاً:‏ خدمات ‏»لوجستية«‏ ومعلومات<br />

‏»استخباراتية«‏ مهمة لها عاقة مباشرة بحاميات ومواقع<br />

اإلمبراطورية الرومانية،‏ التي كانت حتتل مصر،‏ وحتكم شعبها<br />

باحلديد والنار.‏ عمرو بن العاص،‏ استعان أيضاً‏ بهذه القبائل<br />

العربية،‏ التي كانت تتقن اللغة املصرية،‏ يف إدارة حكمه ملصر،‏<br />

ولم يكونوا بعد قد دخلوا اإلسام.‏<br />

لقد أخذ من العرب املسلمني أربعة قرون لتصبح مصر والية<br />

عربية خالصة للخافة اإلسامية،‏ حتى أن اخلافة اإلسامية<br />

انتقلت إلى القاهرة لفترة قصيرة بعد سقوط اخلافة العباسية<br />

يف بغداد )10 فبراير ‎1258‎م(.‏ لم يأخذ املصريون اإلسام،‏ فقط،‏<br />

لكنهم أخذوا لغة القرآن ‏)العربية(،‏ أيضاً.‏ حتّى أقباط مصر،‏<br />

الذين لم يُكْرهوا على ترك دينهم،‏ لم يُحال بينهم وبني كنائسهم<br />

وأديرتهم وصلبانهم ورهبانهم،‏ من قبل احلكم اإلسامي،‏ أقبلوا<br />

على اللغة العربية...‏ وما أن جاء القرن العاشر امليادي إال وكان<br />

معظم أقباط مصر قد دخلوا اإلسام وانصهروا مع أخوتهم<br />

العرب املسلمني..‏ وما بقي منهم على دينه،‏ ترك لغته القبطية<br />

وجعل اللغة العربية لسانه...‏ حتى شعائر الصاة يف كنائس<br />

أقباط مصر كانت تؤدى باللغة العربية...‏ واستمر هذا األمر إلى<br />

يومنا هذا،‏ حيث أصبحت مصر عربية %100 ومسلمة مبا يزيد<br />

عن %95 من سكانها العرب.‏<br />

ما تطور يف مصر،‏ من انتشار لإلسام ولغة الضاد،‏ انتشر على<br />

طوال ساحل البحر املتوسط اجلنوبي يف الشمال اإلفريقي،‏ وجزء<br />

كبير من ساحل األطلسي الشرقي من الغرب اإلفريقي.‏ حتى كانت<br />

مدينة ( متبوكتو(‏ وسط النيجر،‏ إلى القرن التاسع عشر،‏ منارة<br />

لنشر اإلسام وحاضرة لتعلم اللغة العربية،‏ يشع نورها منطقة<br />

الصحراء الكبرى،‏ على طول احلافة الشمالية للمنطقة االستوائية<br />

يف وسط إفريقيا.‏ اآلن كل دول الصحراء الكبرى وجنوبها دوالً‏<br />

إسامية،‏ حترص يف مناهجها التعليمية على دراسة اللغة العربية<br />

وعلوم الدين احلنيف..‏ وكان لألزهر الشريف يف مصر،‏ وكذا<br />

املعاهد العلمية وجامعات اململكة العربية السعودية،‏ خاصة اجلامعة<br />

اإلسامية يف املدينة املنورة،‏ دورٌ‏ مشهودٌ‏ يف نشر تعلم اللغة العربية<br />

والدراسات اإلسامية يف الدول اإلفريقية،‏ حتى جنوب الصحراء<br />

الكبرى...‏ بل أن األزهر واملعاهد العلمية الدينية باململكة أمتد<br />

برنامجهم للبعوث اإلسامية إلى ما وراء ذلك،‏ خارج إفريقيا،‏ يف<br />

دول جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية،‏ ودول آسيا الصغرى<br />

وحتى،‏ الصني وكوريا واليابان،‏ يف جتسيد قوي ملا تتمتع به كلٌ‏ من<br />

مصر واململكة العربية السعودية من قوة ناعمة مؤثرة،‏ جتمع موارد<br />

العرب وإرثهم الثقايف واحلضاري،‏ مشرق العالم العربي ‏)اآلسيوي(‏<br />

ومغربه ‏)اإلفريقي(،‏ على امتداد العاملني العربي واإلسامي.‏<br />

المد القومي..‏ ونشأة الدولة الحديثة<br />

بداية القرن املاضي،‏ كانت حقائق اجلغرافيا،‏ بتضاريسها<br />

وبعدها اإلنساني،‏ يفرضان مبنطقهما،‏ سلوك العرب،‏ يف مشرق<br />

العالم العربي ‏)اآلسيوي(‏ ومغربه ‏)اإلفريقي(،‏ معًا.‏ كان حلم وحدة<br />

الشعوب واألرض حاضراً،‏ لدى النخب السياسية على ضفتي<br />

العالم العربي اآلسيوية واإلفريقية،‏ متجذراً‏ يف ضمير الشعوب<br />

العربية،‏ من اخلليج للمحيط.‏ كانت البداية،‏ يف أوج معمعة احلرب<br />

الكونية األولى ‏)‏‎1919-1914‎م(،‏ بطموحات شريف مكة احلسني<br />

ابن علي،‏ إلنشاء دولة عربية واحدة يف مشرق العالم العربي.‏<br />

من أهم مسببات فشل هذا املشروع،‏ أن طموحات شريف مكة<br />

كانت محدودة،‏ إذ اقتصرت على مشرق العالم العربي ‏)اآلسيوي(‏<br />

ولم متتد إلى مغرب العالم العربي ‏)اإلفريقي(،‏ بحاضرته العربية<br />

الكبرى ‏)مصر(..‏ وكذا اعتماد شريف مكة على قوة كبرى ‏)بريطانيا<br />

العظمى(،‏ لها حساباتها االستعمارية،‏ التي لم يفطِ‏ ن إليها،‏ أو أنه<br />

بالغ يف تقديره الهتمام وحاجة اإلجنليز إليه.‏ كانت النتيجة أن<br />

احلسني بن علي لم يحقق طموحاته،‏ بل وخسر إمارته،‏ ذات<br />

املكانة التاريخية واالستراتيجية العظمى،‏ بالنسبة للعاملني العربي<br />

واإلسامي،‏ لصالح عدوه اللدود ابن سعود ‏)امللك عبد العزيز بن<br />

عبد الرحمن آل سعود(،‏ الذي كان أكثر ذكاء وحنكة..‏ وتواضعا يف<br />

طموحاته..‏ ودراية بتوازن القوى العاملي،‏ يف فترة ما بعد احلرب<br />

األولى،‏ ومعرفة بحركة التاريخ من شريف مكة احلسني بن علي.‏


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 45<br />

العدد ملف<br />

أخذ من العرب ربع قرن،‏ دارت خالها حرب عاملية ثانية<br />

ضروس ‏)احلرب الكونية الثانية ‎1945-1936‎م(،‏ ليعي العرب القيمة<br />

االستراتيجية العظمى،‏ لربط شرق العالم العربي ‏)اآلسيوي(‏ بغربه<br />

‏)األفريقي(،‏ فكان مشروع اجلامعة العربية الذي بادرت بالدعوة<br />

إليه والدفع باجتاهه مصر.‏ وإن جاء مشروع اجلامعة العربية كتوجه<br />

فطري،‏ بضرورة إنشاء كيان إقليمي مشترك بني شرق العالم العربي<br />

اآلسيوي،‏ وغربه اإلفريقي اتساقاً،‏ مع حقائق اجلغرافيا،‏ ببعديها<br />

التضاريسي واإلنساني..‏ وصات التاريخ،‏ مبتغيراتها الثقافية<br />

والدينية واللغوية والعرقية،‏ إال أنه ال ميكن جتاوز البعد االستراتيجي<br />

األمني ملشروع اجلامعة العربية.‏ لقد ظهر للعرب جلياً،‏ استحالة<br />

إقامة وحدة سياسية عربية ‏-أو على األقل كيان<br />

تكاملي إقليمي ‏-متني يجمع الدول العربية،‏ حتى<br />

بني تلك الدول املؤسسة للجامعة العربية،‏ وذلك<br />

بسبب منطق وواقع منوذج الدولة القومية احلديثة<br />

السائد،‏ حينها،‏ بني تلك الدول املؤسسة للجامعة<br />

العربية،‏ أو أي دولة عربية تنال استقالها،‏ ومن ثَمّ‏<br />

تطلب االنضمام للجامعة العربية.‏<br />

مع ذلك كان على العرب،‏ من الناحية<br />

االستراتيجية،‏ مواجهة حتدي احتمال وجود<br />

إسرائيل يف قلب العالم العربي،‏ الذي من الناحية<br />

اجلغرافية ميكن أن يشكل عازالً‏ جغرافياً‏ بني شق العالم الشرقي<br />

‏)اآلسيوي(،‏ وشقه الغربي ‏)اإلفريقي(،‏ الذي حتقق فعاً،‏ بعد<br />

احلرب العربية اإلسرائيلية األولى سنة ‎1948‎م،‏ عندما استولت<br />

إسرائيل على قرية أم الرشراش املصرية،‏ وأصبح لها منذ ذلك<br />

احلني منفذاً‏ على خليج العقبة،‏ الذي كان من قبل قيام إسرائيل<br />

واحتال مدينة أم الرشراش املصرية،‏ التي أقيمت علها مدينة<br />

إيات،‏ بحيرة عربية بالكامل،‏ ليصبح مدخله اجلنوبي على<br />

البحر األحمر ‏)مضيق تيران(‏ ممرًا دوليًا.‏ تأكد ذلك،‏ بصورة<br />

فعلية،‏ بنتيجة حربي ‎1967‎م.‏ 1956، وبعد ذلك بصفة رسمية<br />

مبعاهدة السام املصرية اإلسرائيلية يف:‏ 26 مارس ‎1979‎م.‏<br />

قيام اجلامعة العربية )22 مارس ‎1945‎م(‏ يعكس أول جهد<br />

إقليمي عربي،‏ يف العصر احلديث،‏ لربط مشرق العالم العربي يف<br />

آسيا مبغربه يف إفريقيا،‏ وذلك قبل إعان قيام إسرائيل يف 15<br />

مايو ‎1948‎م،‏ ليتواصل شقي العالم العربي اآلسيوي واإلفريقي،‏<br />

ولو على املستوى السياسي،‏ رغماً‏ عن التحدي االستراتيجي<br />

احملتمل لوجود إسرائيل على أرض فلسطني،‏ وبعد ذلك إطالة<br />

الدولة العبرية على خليج العقبة.‏ إال أن هذا احلاجز اجلغرايف،‏<br />

الذي تطور بقيام إسرائيل على أرض فلسطني وتوسعها الحقاً‏ بخلق<br />

إطالة لها على خليج العقبة،‏ قد تسبب تضاريسياً‏ يف فصل شرق<br />

العالم العربي اآلسيوي،‏ عن غرب العالم العربي اإلفريقي،‏ لكنه<br />

استقلت العشرات من<br />

الدول األفريقية بنضال<br />

شعوبها ودعم دولتين<br />

عربيتين أساسيتين<br />

هما مصر والسعودية<br />

لم ينجح ‏)استراتيجياً(‏ يف جانبه اجلغرايف اإلنساني وال ‏)ثقافياً(‏<br />

يف قطع صات العالم العربي التاريخية بني شقه اآلسيوي،‏ وشقه<br />

اآلخر اإلفريقي.‏ حتى عندما متكنت إسرائيل،‏ بعد حرب األيام<br />

الستة ‎1967‎م،‏ من توسيع الشَّ‏ ق باحتال كامل فلسطني،‏ مع كامل<br />

شبه جزيرة سيناء املصرية،‏ ظل منطق االستراتيجية..‏ ووشائج<br />

اجلغرافية اإلنسانية،‏ وصات التاريخ احلميمة تربط شطري<br />

العالم العربي،‏ األفريقي واآلسيوي.‏ بل أن وجود إسرائيل نفسه،‏<br />

حتى مع توسعها على حساب األراضي الفلسطينية ووصولها إلى<br />

قناة السويس،‏ بعد حرب يونيو ‎1967‎م،‏ أحيت العمق االستراتيجي<br />

اإلفريقي للعالم العربي،‏ خارج حدود العالم العربي يف أفريقيا،‏<br />

ليمتد إلى أفريقيا،‏ بأسرها.‏<br />

بعد عدوان السادس من يونيو‎1967‎م،‏ لم تبق<br />

دولة إفريقية كانت تربطها عاقات مع إسرائيل<br />

قبل تلك احلرب،‏ إال وقطعتها،‏ مع تل أبيب،‏<br />

حتى عقدت مصر اتفاقية السام مع إسرائيل<br />

)26 مارس ‎1979‎م(،‏ لتعود إسرائيل للتغلغل<br />

من جديد يف إفريقيا،‏ حتى أنها طالت أطراف<br />

العالم العربي اإلفريقية يف أقصى الغرب،‏ عندما<br />

اعترفت موريتانيا بإسرائيل وأقامت معها عاقات<br />

دبلوماسية كاملة يف:‏ 28 أكتوبر ‎1999‎م.‏ إال أن القفز<br />

على اجلغرافيا،‏ تضاريسياً،‏ يظل بعيداً‏ عن إحلاق الضرر بالبعد<br />

اإلنساني للجغرافيا،‏ وكذا منطق االستراتيجية األمني.‏ الزالت<br />

دول االحتاد اإلفريقي،‏ بالرغم من عاقات بعضها القوية مع<br />

إسرائيل،‏ تناصر قضايا العالم العربي،‏ يف صراعه مع إسرائيل،‏<br />

بصفة خاصة القضية الفلسطينية،‏ وإن كان األمر لم يعد بنفس<br />

احلماس الذي كان عليه احلال يف اخلمسينيات والستينيات،‏ وحتى<br />

نهاية السبعينيات،‏ عندما أقدمت أكبر دولة عربية أفريقية بتوقيع<br />

معاهدة سام منفرد مع إسرائيل.‏<br />

رمبا يكون البعد االستراتيجي للعمق اإلفريقي قويًا وصامدًا،‏<br />

يف مواجهة حتديات نظرية التوسع اإلسرائيلية،‏ من ذلك الذي<br />

يتجلى ‏-على املستوى الرسمي ‏-يف حالة السام البارد السائدة<br />

بني إسرائيل وبعض دول املواجهة املباشرة،‏ يف مشرق العالم<br />

العربي اآلسيوي،‏ ومغربه اإلفريقي.‏ ما بدا وكأنه سام بني<br />

إسرائيل وموريتانيا،‏ لم ميكث أكثر من عشر سنوات،‏ لتقوم<br />

موريتانيا بقطع عاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل،‏ وطرد السفير<br />

اإلسرائيلي من نواكشوط،‏ يف:‏ 6 مارس ‎2009‎م،‏ احتجاجً‏ ا على<br />

العدوان اإلسرائيلي على غزة:‏ فبراير ‎2009‎م،‏ لتعلن رسمياً‏ إنهاء<br />

كافة أشكال العاقة بني البلدين يف:‏ 21 مارس ‎2010‎م.‏ يتسق<br />

هذا السلوك املوريتاني جتاه إسرائيل،‏ الذي تطور يف مغرب<br />

العالم العربي ‏)اإلفريقي(‏ مع فشل محاوالت إسرائيل ملد أذرعًا


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

46<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

لها،‏ على أطراف العالم العربي اآلسيوي،‏ شرقًا،‏ يف محاولة<br />

حلصار العالم العربي من أطرافه،‏ اآلسيوية واإلفريقية،‏ معًا،‏<br />

بعد أن جنحت يف حلحلة احلصار عليها على مستوى اجلبهة<br />

املباشرة معها،‏ باتفاقيتي السام مع مصر واألردن.‏ باإلضافة إلى<br />

إنهاء موريتانيا،‏ يف أقصى تخوم العالم العربي اإلفريقية غربًا،‏<br />

لكل أشكال العاقة مع إسرائيل،‏ تزامن ذلك مع إنهاء كل مشاريع<br />

االتصال الهشة مع إسرائيل يف مشرق العالم اآلسيوي،‏ خاصة<br />

مع بعض دول اخلليج العربي،‏ حيث جمدت أو علقت،‏ أو قطعت،‏<br />

بصورة رسمية،‏ جميع أشكال االتصال مع إسرائيل،‏ رسميًا.‏<br />

تزامُن يف سلوك عربي سلبي،‏ جتاه إسرائيل،‏ وإن كان يبدو<br />

عفوياً،‏ أكثر منه مخططاً،‏ إال أنه يأتي يف إطار االستشعار<br />

القوي جتاه اخلطر االستراتيجي من وجود إسرائيل،‏ على أمن<br />

العرب ومصاحلهم،‏ شرقاً‏ وغرباً،‏ الذي يستحيل االطمئنان إلى<br />

سامتهما،‏ مع وجود إسرائيل على مفصل االلتقاء اجلغرايف بني<br />

مشرق العرب ‏)اآلسيوي(،‏ ومغربه ‏)اإلفريقي(.‏<br />

حركات التحرر الوطني يف العالم العربي<br />

عند إعان قيام اجلامعة العربية )22 مارس ‎1945‎م(‏<br />

كانت هناك سبع دول عربية هي املؤسسة للجامعة العربية،‏<br />

ست منها يف مشرق العالم العربي،‏ وواحدة فقط يف<br />

مغربه اإلفريقي ‏)مصر(.‏ بينما يف ذلك التاريخ لم يكن يف<br />

إفريقيا كلها سوى ثاث دول مستقلة منها واحدة عربية ‏)احتاد جنوب<br />

أفريقيا 31 مايو 1910، مصر:‏ 28 فبراير ‎1922‎م،‏ وأثيوبيا:‏ ديسمبر<br />

‎1944‎م(.‏ اليوم هناك:‏ 22 دولة عضو باجلامعة العربية و 52 دولة<br />

عضو يف االحتاد اإلفريقي.‏ يف فترة والستينات استقلت العشرات<br />

من الدول العربية واإلفريقية،‏ وما كان ذلك ليتم،‏ بعد نضال شعوب<br />

تلك الدول العربية واإلفريقية لنيل استقالها،‏ لوال مساعدة دولتني<br />

أساسيتني من مؤسسي اجلامعة العربية،‏ وقد ال تكون مصادفة أن<br />

تكون هاتان الدولتان تقعان على جانبي العالم العربي اآلسيوي<br />

واألفريقي،‏ ونعني بهما:‏ اململكة العربية السعودية،‏ ومصر.‏<br />

يف امللحقني اخلاصني بفلسطني والتعاون مع الدول العربية غير<br />

األعضاء التي يحول واقع االحتال األجنبي عليها،‏ من انضمامها<br />

بصورة كاملة لعضوية جامعة الدول العربية،‏ اللذان يعتبران جزءًا<br />

ال يتجزأ من ميثاق جامعة الدول العربية،‏ نص يقول:‏ تعتبر الدول<br />

األعضاء املؤسسة جلامعة الدول العربية تلك الدول التي حتول<br />

بينها وبني العضوية الكاملة يف اجلامعة،‏ بسبب ظروف قاهرة،‏ دوال<br />

عربية،‏ لها حق املشاركة يف فعاليات اجلامعة،‏ كما يلتزم أعضاء<br />

اجلامعة مبساعدة تلك الدول،‏ بكافة الوسائل السياسية وغيرها،‏<br />

حتى تنال استقالها وتتمكن من العضوية الكاملة يف جامعة الدول<br />

العربية.‏ ‏)ملحق رقم:‏ 2 1، من ميثاق جامعة الدول العربية(‏<br />

طبعاً:‏ لم يكن سوى للفعاليات املهمة والنافذة يف النظام العربي<br />

الرسمي،‏ يف ذلك احلني الذي متثله جامعة الدول العربية،‏ واملعني<br />

بها هنا،‏ على وجه التحديد،‏ مصر واململكة العربية السعودية،‏ إال<br />

أن يقوما باجلهد األكبر للوفاء بذلك االلتزام القومي،‏ حتى مت<br />

خال ثاثني سنة من قيام اجلامعة العربية استقال 15 دولة<br />

عربية،‏ منها ست يف مشرق العالم العربي ‏)الكويت 1960، اليمن


اجلنوبي 1967، اإلمارات العربية املتحدة قطر عُمان البحرين<br />

‎1971‎م(.‏ وعشر دول عربية إفريقية ‏)ليبيا:‏ 1953.. السودان،‏<br />

املغرب:‏ 1956.. تونس:‏ 1958.. موريتانيا،‏ الصومال:‏ 1960..<br />

اجلزائر:‏ 1962.. جيبوتي:‏ 1971.. جزر القُمُر:‏ ‎1975‎م(.‏<br />

لعل أكبر ملحمتني خاضها أقوى ذراعي العالم العربي،‏ يف مشرقه<br />

اآلسيوي ومغربه اإلفريقي ‏)اململكة العربية السعودية ومصر(،‏ هما<br />

معركتي استقال اجلزائر،‏ بداية اخلمسينيات،‏ واستقال البحرين،‏<br />

بداية سبعينيات القرن املاضي.‏ قد ال تكون مصادفة أن ذراعي األمة<br />

العربية القويني والنافذين يف جانبي العالم العربي املشرقي ‏)اآلسيوي(‏<br />

واملغربي ‏)اإلفريقي(،‏ يشتركان سويًا يف معركتني فاصلتني،‏ مشرق<br />

العالم العربي ومغربه،‏ دفاعًا عن الهوية العربية ألرض العرب على<br />

قارتي آسيا وإفريقيا،‏ ذوداً‏ عن األمن القومي العربي،‏ املمتد إلى<br />

العمق االستراتيجي للعرب،‏ يف آسيا وإفريقيا.‏<br />

يف اجلزائر كانت فرنسا،‏ متُ‏ ارس أبشع أشكال االستعمار<br />

االستيطاني،‏ القتطاع اجلزائر من النسيج العربي يف الثوب<br />

اإلفريقي،‏ لدرجة االدعاء أن اجلزائر جزء من فرنسا،‏ اللذان<br />

يفصلهما البحر املتوسط،‏ بزعم:‏ أن اجلزائر ‏»جولوجياً«‏ يف<br />

إفريقيا،‏ امتدادا للبر الفرنسي يف أوربا!‏ كما أن فرنسا،‏ طوال<br />

130 سنة من استعمارها اجلزائر حاولت أن تطمس الهوية<br />

العربية اإلسامية للشعب اجلزائري العربي املسلم،‏ وتلبسه ثقافة<br />

‏»فرانكوفونية«‏ غريبة عنه،‏ ومستهجنة منه.‏ االستعمار الفرنسي<br />

للجزائر طال بعدي جغرافية اجلزائر التضاريسية واإلنسانية،‏<br />

يف مخطط استعماري جهنمي امتد 130 سنة،‏ يف سابقة نادرًا<br />

ما تكررت يف أشكال االستعمار األخرى،‏ مبا فيها االستعمار<br />

الفرنسي،‏ نفسه،‏ يف مواقع أخرى من العالم.‏<br />

لقد تصدت كلٌ‏ من مصر واململكة العربية السعودية،‏<br />

وضختا الكثير من مواردهما الوطنية،‏ لدعم شعب اجلزائر ضد<br />

املستعمر الفرنسي.‏ لقد بذل الشعب اجلزائري العربي املسلم<br />

مليون شهيد لنيل استقاله من املستعمر الفرنسي.‏ إال أن ذراعي<br />

األمة العربية،‏ يف مشرق العالم العربي ومغربه،‏ لم يبخا على<br />

شعب اجلزائر،‏ ال بالدعم املادي بتزويده بالساح والعتاد واملؤن،‏<br />

وال بالدعم السياسي يف احملافل الدولية لدعم قضية شعب<br />

اجلزائر.‏ بل ال نبالغ،‏ إذا قلنا:‏ أن هاتني الدولتني العربيتني،‏ كانتا<br />

تراهن على استقال شعب اجلزائر،‏ حتى بأمنهما واستقالهما.‏<br />

العدوان الثاثي،‏ على مصر ‎1956‎م،‏ لم تكن قضية تأميم قناة<br />

السويس،‏ إال واجهة سياسية بولغ إعامياً‏ يف تضخيمها،‏ لتخفي<br />

مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 47<br />

أكبر ملحمتين خاضها أقوى ذراعي العالم العربي مصر<br />

والسعودية هما معركتي استقالل الجزائر والبحرين<br />

العدد ملف<br />

فرنسا ومعها بريطانيا وإسرائيل األسباب الرئيسية للعدوان على<br />

مصر.‏ يف واقع األمر كان السبب الرئيس لذلك العدوان على<br />

مصر،‏ هو:‏ معاقبة مصر على دعمها لشعب اجلزائر وتبنيها<br />

للمد القومي،‏ الذي أخذ يهدد املصالح االستعمارية لفرنسا يف<br />

مغرب العالم العربي وأفريقيا ومصالح بريطانيا يف مشرق العالم<br />

العربي،‏ وبالذات أمن إسرائيل.‏<br />

يف املقابل،‏ لم تكن مصر بإمكاناتها الدفاعية املتواضعة،‏<br />

ذلك الوقت،‏ قادرة لوحدها مواجهة العدوان الثاثي لوال الدعم<br />

اللوجستي واملادي والسياسي،‏ التي وفرته اململكة العربية<br />

السعودية من أجل انتصار مصر والعرب يف تلك املواجهة غير<br />

املتكافئة مع أطراف العدوان الثاثي.‏ لقد قدمت اململكة عمقاً‏<br />

استراتيجياً‏ ملصر بإيواء ساح الطيران املصري ومن ثم حمايته<br />

من املواجهة غير املتكافئة مع طيران أطراف العدوان الثاثي.‏<br />

وقد ال يعرف الكثيرون أن اململكة العربية السعودية،‏ استخدمت<br />

ساح النفط ألول مرة يف تلك احلرب العدوانية على مصر،‏<br />

وقطعت إمدادات النفط عن بريطانيا وفرنسا وكل الدول الغربية،‏<br />

التي دعمت العدوان الثاثي على مصر.‏ سلوك تكرر من اململكة<br />

العربية السعودية يف حروب العرب الاحقة مع إسرائيل 1967،<br />

‎1973‎م.‏ اململكة العربية السعودية يف قيامها بالتزاماتها القومية<br />

تلك كانت تخاطر بأمنها وثروتها،‏ بل حتى احتماالت غزوها...‏<br />

ومع ذلك كانت تقدر عالياً‏ التزاماتها القومية بقناعة استراتيجية<br />

ماضية،‏ بضرورة احلفاظ على كيان األمة العربية اجلغرايف،‏<br />

ببعديه التضاريسي واإلنساني،‏ يف قارتي آسيا وإفريقيا،‏ وإال فإن<br />

البديل اآلخر ال ميكن تصور تبعاته السياسية واألمنية،‏ الذي قد<br />

يطال احتماالت االستمرار والبقاء.‏<br />

املعركة األخرى التي خاضاها معاً‏ ذراعا األمة العربية<br />

‏)اململكة العربية السعودية ومصر(‏ املمتد عبر فاصل اجلغرافيا<br />

بني مشرق العام العربي اآلسيوي،‏ ومغربه اإلفريقي،‏ وقعت هذه<br />

املرة على حدود العالم العربي الشرقية املطلة على اخلليج<br />

العربي،‏ عندما حاولت إيران عرقلة استقال البحرين،‏ بدايات<br />

سبعينيات القرن املاضي،‏ بالتهديد باحتال البحرين،‏ حال<br />

انسحاب بريطانيا،‏ يف احتمال تكرار خطير لسيناريو إعان قيام<br />

إسرائيل،‏ عقب إعان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطني.‏ لوال<br />

الوقفة العروبية الشجاعة واحلاسمة،‏ لكلٍ‏ من امللك فيصل بن<br />

عبد العَزِ‏ يْز والرئيس جمال عبد الناصر،‏ باتخاذ كافة الوسائل<br />

املتاحة واحملتملة للدفاع عن عروبة البحرين،‏ لكان تكرر سيناريو


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

48<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

احتال إسرائيل لفلسطني باحتال إيران للبحرين.‏ نفس<br />

احلجج ‏)التوسعية(‏ التي ساقتها فرنسا لتبرير عدم خروجها من<br />

اجلزائر،‏ ساقها شاه إيران لتبرير خطط استيائه على البحرين.‏<br />

كانت معركة استقال البحرين واحلفاظ على عروبتها مبثابة<br />

جناح عربي منقطع النظير حققه النظام العربي،‏ رغم تواضع<br />

إمكاناته،‏ عندما تتوفر اإلرادة السياسية احلاسمة والقيادة<br />

التاريخية احلازمة،‏ لتتسقا مع مسيرة حركة التاريخ.‏<br />

حركات التحرر الوطني يف إفريقيا<br />

كما سبق ذكره،‏ عند إنشاء العرب جلامعتهم العجوز،‏ كانت<br />

هناك ثاث دول إفريقية مستقلة،‏ منها دولة عربية واحدة ‏)مصر(.‏<br />

ال ميكن ألحد أن يتجاهل دور مصر،‏ سواء مبفردها أو من خال<br />

جامعة الدول العربية ومساندة اململكة العربية السعودية بالذات،‏<br />

يف حتقيق استقال الكثير من الدول اإلفريقية،‏ مبا فيها جميع<br />

الدول العربية اإلفريقية العشر،‏ التي نالت استقالها،‏ يف الثاثني<br />

سنة،‏ التي أعقبت قيام جامعة الدول العربية.‏ لقد دعمت مصر،‏<br />

الكثير من حركات التحرر الوطني يف إفريقيا،‏ خال خمسينيات<br />

وستينيات القرن املاضي.‏ لم يتوقف دعم مصر حلركات التحرر<br />

الوطني يف إفريقيا،‏ عند حدود الدعم السياسي،‏ بل كانت مصر<br />

فاعلة،‏ بصورة حاسمة على جبهة النضال اإلفريقية،‏ بالساح<br />

وأحياناً،‏ بالتدخل العسكري املباشر،‏ كما حدث يف الكونغو،‏<br />

ومصر لتوها خارجة من معركة عسكرية خاسرة مع إسرائيل<br />

يونيو ‎1967‎م،‏ لم يكن ذلك اتساقاً‏ مع اخلط الثوري الذي<br />

اتخذته مصر عقب ثورة 23 يوليو ‎1952‎م،‏ فحسب لكنه ‏-يف<br />

حقيقة األمر-‏ كان اتساقاً‏ مع متطلبات األمن القومي العربي،‏<br />

استشعاراً‏ بالعمق االستراتيجي إلفريقيا،‏ يف صراع العرب ضد<br />

قوى االستعمار وأعوانه يف املنطقة،‏ بالذات إسرائيل.‏<br />

على مستوى التكامل اإلقليمي يف إفريقيا،‏ الذي يعتبر يف الفكر<br />

القومي رافداً‏ من روافد العمق االستراتيجي للعرب يف القارة السوداء،‏<br />

كانت مصر الداعية وأحد األعضاء املؤسسني،‏ ملنظمة الوحدة<br />

اإلفريقية،‏ التي أعلن عن إنشائها يف أديسا أبابا يف:‏ 25 مايو ‎1963‎م،‏<br />

وكان عدد األعضاء حينها 30 دولة،‏ لتصل إلى 53 دولة عند حتول<br />

مسماها إلى االحتاد اإلفريقي،‏ يف:‏ 9 يوليو ‎2002‎م.‏ أيضاً،‏ اتساقاً‏ مع<br />

التوجه القومي،‏ وكأحد متطلبات الصراع مع إسرائيل،‏ تزعمت مصر<br />

اجلهود العربية واإلفريقية ملقاومة النظام العنصري يف جنوب إفريقيا،‏<br />

والتأكيد على عاقته وتطابقه،‏ مع ممارسات إسرائيل العنصرية ضد<br />

الفلسطينيني،‏ مبحاولة ربط التجربة العنصرية الصهيونية يف فلسطني،‏<br />

بتلك التي ميارسها نظام الفصل العنصري للبيض ‏)األبارتايد(،‏ يف<br />

جنوب إفريقيا.‏ وقد تواصل الدعم العربي واإلفريقي،‏ مع دول عدم<br />

االنحياز،‏ حتى مت التخلص من نظام الفصل العنصري يف جنوب<br />

إفريقيا،‏ وإعان قيام جمهورية جنوب إفريقيا،‏ يف:‏ مايو ‎1994‎م.‏<br />

البعد عن االستقطاب العالمي وتوسيع العمق االستراتيجي<br />

كما أن العالم العربي،‏ بزعامة قوته الفاعلة والنافذة،‏ يف<br />

مشرق العالم العربي اآلسيوي ومغربه اإلفريقي ‏)اململكة العربية<br />

السعودية ومصر(،‏ لم تعما فقط على دعم عمق العالم العربي<br />

االستراتيجي،‏ يف إفريقيا،‏ فحسب،‏ بل امتد ذلك،‏ إلى ما وراء<br />

العالم العربي،‏ بعمقه اإلفريقي،‏ إلى عمق آسيا،‏ بل وحتى أوربا<br />

وأمريكا الاتينية.‏ يف:‏ 18 أبريل ‎1955‎م،‏ عقد مؤمتر باندوج وشهد<br />

العالم يف ختام فعالياته مولد منظمة أممية جديدة متثل اخليار<br />

اآلخر لنظام القطبية الثنائية،‏ الذي كان سائداً‏ منذ نهاية احلرب<br />

الكونية الثانية،‏ والذي أحكم سيطرته على العالم،‏ وزج به يف أتون<br />

نظام غير مستقر عرف بنظام احلرب الباردة،‏ كان يهدد وجود<br />

البشرية بفناء شامل،‏ يف أي حلظة،‏ حتى ولو عن طريق اخلطأ.‏<br />

جاءت املبادرة إلنشاء هذه املنظمة األممية اجلديدة من ثاثة<br />

زعماء كبار ميثلون ثاث قارات ‏)جمال عبد الناصر،‏ مصر..‏<br />

جواهر الل نهرو،‏ الهند..‏ جوزف بروز تيتو،‏ يوغسافيا(.‏ تأسست<br />

حركة عدم االنحياز من ثاثني دولة،‏ حضرت مؤمتر باندونغ،‏ وبلغ<br />

عدد الدولة املشتركة يف احلركة 118 دولة يف آخر مؤمتر عقد يف<br />

طهران يف:‏ أغسطس ‎2012‎م.‏<br />

كان من أهم أهداف احلركة اإلفات من سيطرة معسكري نظام<br />

احلرب الباردة،‏ مبحاولة البعد عن استقطابها،‏ خدمة الستقال<br />

الدول األعضاء،‏ وصوناً‏ لسام العالم وأمنه.‏ كما أن حياد هذه<br />

املجموعة لم يكن سلبياً،‏ بل إيجابياً،‏ مما يوفر للمجموعة<br />

وأعضائها حرية احلركة للبعد عن نفوذ معسكري احلرب الباردة،‏<br />

وربط عاقات أعضاء املجموعة بالقوتني العظمتني ‏)الواليات<br />

املتحدة،‏ واالحتاد السوفيتي(‏ على أسس ندية مصلحية،‏ وليس<br />

على أسس تبعية أيدلوجية.‏ ومن أهم أهداف املجموعة مقاومة<br />

استراتيجيات قطبي نظام احلرب الباردة يف التوسع واالحتواء،‏<br />

خارج مناطق حدودهما التقليدية يف أوروبا.‏<br />

كان أبرز عائد للعالم العربي من قيام مجموعة عدم االنحياز،‏<br />

مقاومة التوسع األمريكي يف منطقة الشرق األوسط،‏ بإفشال مبدأ<br />

السبب الحقيقي للعدوان الثالثي هو معاقبة مصر عى دعمها<br />

الستقالل الجزائر وتهديدها لمصالح االستعمار


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 49<br />

العدد ملف<br />

الرئيس أيزنهاور باالحتواء،‏ عن طريق بناء ساتر حديدي يُبقي<br />

الدب الروسي داخل عرينه،‏ يف عمق اجلليد الروسي املتجمد،‏<br />

حتى ال ميتد إلى املناطق الدافئة يف منطقة الشرق األوسط،‏<br />

بالذات املنطقة العربية.‏ بجهود ثنائية بني ذراعي العالم العربي<br />

‏)مصر واململكة العربية السعودية(‏ مت إفشال مشروعي حلف بغداد<br />

)24 فبراير ‎1955‎م(‏ واحللف املركزي،‏ بعد انسحاب العراق من<br />

حلف بغداد،‏ بسبب قيام ثورة 14 متوز ‎1958‎م،‏ وكان نتيجة ذلك<br />

إبعاد تخوم العالم العربي الشرقية من النفوذ األمريكي،‏ مبوجب<br />

استراتيجية االحتواء تلك،‏ وبعدت بالتبعية،‏ املنطقة العربية من<br />

مرمى نيران أي حرب نووية محتملة قد تندلع،‏ لو بطريق اخلطأ،‏<br />

بني قطبي نظام احلرب الباردة.‏<br />

كما أن من أهم إجنازات حركة عدم االنحياز<br />

إدخال مارد نووي كبير إلى حماها ‏)الصني(.‏<br />

الصني وجدت يف احلركة مخرجاً‏ من العزلة<br />

املفروضة عليها من قبل قطبي احلرب الباردة..‏<br />

ومجموعة عدم االنحياز وجدوا يف الصني رادعاً‏<br />

غير تقليديٍ،‏ يُؤمن مسيرة املجموعة ويدعم<br />

جهودها الدولية يف االنعتاق من ابتزاز قطبي<br />

نظام احلرب الباردة،‏ ونفوذهما.‏<br />

الخطر من قِبَلِ‏ عمق العرب االستراتيجي يف إفريقيا!‏<br />

وجود 22 دولة عربية على جانبي حدود أكبر قارتني يف العالم،‏<br />

يحدد مصير العرب واألفارقة املشترك،‏ يف السام واألمن والتنمية،‏<br />

مبا ال ميكن أن يتوفر يف أي جتمع إقليمي،‏ بهذا التوسع واالمتداد<br />

والغنى بالتاريخ والثقافة وصات الدم ووشائج اجلغرافيا،‏ ببعديها<br />

التضاريسي واإلنساني.‏ شاهدنا،‏ على مستوى حركة مسيرة النظام<br />

العربي،‏ مدى تشابه التحديات األمنية واالستراتيجية،‏ التي عصفت<br />

بالعالم العربي،‏ طوال السبعة عقود املاضية..‏ وكيف أن إفريقيا،‏ كانت<br />

توفر العمق االستراتيجي الرحب لألمن القومي العربي،‏ بالرغم من<br />

محاوالت أعداء العرب،‏ إسرائيل على وجه اخلصوص،‏ النيل من<br />

صمود عمق العرب االستراتيجي يف إفريقيا.‏ العرب،‏ من جانبهم،‏ لم<br />

يبخلوا على دول وشعوب إفريقيا،‏ بكل عون ومساعدة باستطاعتهم<br />

تقدميها.‏ لقد كان أكبر إجناز للعرب،‏ يف هذا املجال تبنيهم لقضايا<br />

الشعوب اإلفريقية العادلة يف االستقال واحلريّة.‏ العرب لم يناضلوا<br />

من أجل نيل الكثير من الدول األفريقية استقالها،‏ فحسب...‏ بل<br />

قدموا الكثير من املساعدات االقتصادية والفنية لبناء مؤسسات<br />

الدولة ومجتمعات تلك الدول،‏ حيث لم تبخل الدول العربية الرائدة<br />

يف النظام العربي،‏ بتقدميها العون لشعوب ودول القارة السوداء.‏<br />

حتى تستمر هذه العاقة االستراتيجية الوطيدة بني العرب<br />

وإفريقيا،‏ على العرب أن يقتربوا أكثر من إفريقيا،‏ وأن يعيدوا<br />

الستمرار العالقة<br />

االستراتيجية العربية <br />

اإلفريقية:‏ إعادة أمجاد<br />

إنجازات الخمسينيات<br />

و الستينيات<br />

أمجاد إجنازات اخلمسينات والستينات،‏ وحتى نهاية سبعينيات<br />

القرن املاضي يف إفريقيا.‏ لقد رجعت إسرائيل بقوة إلى إفريقيا،‏<br />

بعد أن حرّمها عليها العرب،‏ حتى نهاية سبعينيات القرن املاضي.‏<br />

اآلن بعض الدول األفريقية تخدم أجندات أعداء العرب اإلقليمني،‏<br />

مبساعدة قوىً‏ عظمى لم تخف يومًا عدائها للعرب.‏ أثيوبيا،‏<br />

اليوم تبني سد النهضة،‏ دون اعتبار ملصلحة دولتني عربيتني<br />

أفريقيتني جارتني،‏ عضوتني يف االحتاد األوربي،‏ تتمتعان بحقوق<br />

تاريخية يف مياه النيل.‏ يكفي النظر يف الدول املمولة لبناء السد<br />

التي توفر ألثيوبيا املشورة واملعونة الفنية واالستشارية واملالية،‏<br />

لنعرف السبب الرئيس من بناء سد النهضة األثيوبي.‏ إيران،‏<br />

اخلصم اإلقليمي الرئيس على تخوم العالم العربي<br />

الشرقية،‏ لم تكتفِ‏ بالتعبير عن عدائها الفارسي<br />

الثأري املستحكم للعرب،‏ لدرجة التدخل العسكري<br />

السافر كما هو حادث يف العراق وسوريا..‏ أو<br />

عن طريق استخدام احلقد الطائفي لتهديد أمن<br />

اململكة العربية السعودية،‏ على احلدود اجلنوبية<br />

مع اليمن...‏ إيران،‏ هذه،‏ جندها تغزو أفريقيا،‏<br />

وتبث سموم الطائفية بالعمل الدؤوب لنشر املذهب<br />

الشيعي،‏ يف مجتمعات أفريقية عربية وغير عربية،‏<br />

لم تعرف أبداً‏ ولم تعتنق طوال تاريخها،‏ منذ الفتح<br />

اإلسامي،‏ سوى مذاهب أهل السنة واجلماعة.‏<br />

إذا أهمل العرب إفريقيا،‏ ولم يعودا ينظرون إليها النظرة<br />

االستراتيجية،‏ التي واكبت ظهور نظامهم اإلقليمي احلديث،‏<br />

وعولوا فقط على ما بقي من صات قربى ودم وجغرافيا<br />

وثقافة،‏ دون أن يراعوا حق تلك الصات االستراتيجي املوضوعي<br />

املصلحي،‏ فإن ضرراً‏ استراتيجياً‏ جسيماً‏ سيصيب األمن القومي<br />

العربي.‏ لعل ما يحدث اليوم على جبهة العالم العربي املشرقية،‏ يف<br />

سوريا والعراق واليمن،‏ وقبل ذلك على بعض مواقع جبهة العرب<br />

اإلفريقية يف الصومال..‏ وما يحدث اليوم يف دول الصحراء الكبرى<br />

من متدد جلماعات اإلرهاب..‏ وما يحدث من متدد إيراني يف دول<br />

شرق وغرب إفريقيا..‏ باإلضافة إلى ما يحدث عند مدخل البحر<br />

األحمر،‏ بسبب الوجود اإلسرائيلي املكثف يف أريتريا وأثيوبيا ودول<br />

حوض النيل،‏ لهو إشارة لنذر شر مستطير مقدم عليه العالم<br />

العربي،‏ من داخل عمقهم االستراتيجي اإلفريقي.‏<br />

على العرب أن يلتفتوا،‏ مرة أخيرة،‏ وبعني فاحصة،‏ تدرك<br />

مكامن اخلطر االستراتيجي على أمنهم،‏ بل ومصير بقائهم<br />

وتستشعر نذره املستطيرة،‏ القادم عليهم من داخل عمقهم<br />

االستراتيجي التاريخي واجلغرايف ‏)إفريقيا(.‏<br />

‏*أستاذ العلوم السياسية جامعة امللك عبد العزيز جدة


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

50<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

تتجاوز المساعدات االقتصادية..‏ واآلفاق واسعة<br />

العالقات الخليجية اإلفريقية:‏<br />

رؤية مستقبلية<br />

شهدت السنوات ‎2015-2012‎م،‏ عدة أحداث تشير إلى ازدياد أهمية قضية العاقات اخلليجية اإلفريقية كان منها<br />

استضافة دولة الكويت ملؤمتر قمة التعاون العربي اإلفريقي يف ‎2013‎م،‏ والسياسة السعودية النشطة يف عدد من<br />

الدول اإلفريقية،‏ والتي كان من مظاهرها يف ‎2016‎م،‏ اجلوالت التي قام بها وزير اخلارجية السعودي يف إفريقيا<br />

واستقبال الرياض لعدد من رؤساء الدول اإلفريقية،‏ واهتمام سلطنة عمان بالبحث والتوثيق يف عاقاتها التاريخية<br />

مبنطقة شرق إفريقيا والتي تبلورت يف عقد مؤمتر عن هذا املوضوع نظمه مركز الدراسات العمانية بجامعة<br />

السلطان قابوس يف مسقط يف ‎2012‎م،‏ وآخر عن عاقات السلطنة التاريخية بجزر القمُر يف ديسمبر ‎2015‎م،‏ وهو<br />

املؤمتر اخلامس الذي نظمته هيأة الوثائق واحملفوظات الوطنية بالسلطنة لدراسة جذور عاقات عُمان بدول القرن<br />

اإلفريقي،‏ والتي شملت عاقاتها بأثيوبيا ومدغشقر وموريشيوس وجيبوتي والصومال.‏<br />

د.‏ عليّ‏ الدين هالل<br />

واحلقيقة،‏ أن التحليل العلمي ملوضوع العاقات اخلليجية<br />

اإلفريقية ينبغي أن يتم يف إطار ثاث سياقات:‏ أولها،‏ خبرة<br />

العاقات العربية اإلفريقية والدروس املستفادة منها حتى ال<br />

تتكرر األخطاء ونعيد فتح اجلراح،‏ وثانيها،‏ سمات املشهد<br />

اإلفريقي الراهن واخلصائص العامة للدول اإلفريقية التي سوف<br />

يتم التعاون معها،‏ وكذلك القوى الدولية األخرى الفاعلة يف<br />

القارة ومدى قبولها أو ترحيبها بدور خليجي أكبر،‏ وثالثها آفاق<br />

العاقات اخلليجية اإلفريقية.‏<br />

أوالً:‏ خبرة العالقات العربية اإلفريقية<br />

متتد العاقات العربية اإلفريقية يف أعماق التاريخ،‏ فمن<br />

املؤكد أنه قد حدثت هجرات إفريقية عبر البحر األحمر إلى<br />

شبه اجلزيرة العربية قبل اإلسام،‏ وكانت احلبشة معروفة<br />

لدى القبائل العربية يف ذلك الوقت وإليها كانت الهجرة األولى<br />

للمسلمني.‏ ويف القرون التالية،‏ انتشر اإلسام يف مختلف أرجاء<br />

إفريقيا،‏ فانتقل من شرق القارة إلى منطقة البحيرات اإلستوائية<br />

وصوالً‏ إلى الغرب،‏ وظهرت مراكز ثقافية كبيرة يف مدن زجنبار<br />

وكلوة وممُ‏ باسا.‏ هذا باإلضافة إلى نشر اإلسام والعروبة يف دول<br />

الشمال اإلفريقي من مصر إلى موريتانيا.‏ ويف مرحلة االستعمار<br />

األوروبي،‏ استمر الوجود العربي اإلسامي،‏ وحدثت مواجهات<br />

بني الطرفني لعل أبرزها املواجهة العسكرية بني سلطنة عمان<br />

والبرتغال يف زجنبار والتي انتهت بطرد البرتغاليني منها،‏<br />

والسيطرة العمانية عليها من 1856 وحتى ‎1964‎م.‏<br />

لقد كان هدف هذا العرض املوجز هو تبيان العمق التاريخي<br />

للعاقات العربية ‏)مبا فيها اخلليجية(‏ اإلفريقية.‏ ولكن التأسيس<br />

احلديث لهذه العاقات حدث يف حقبة اخلمسينيات من القرن<br />

العشرين،‏ وازدهر يف السنوات التالية حتى بلغ أوجه عام ‎1973‎م،‏<br />

ثم بدأت مرحلة األفول يف الثمانينيات وما بعدها.‏<br />

يعود هذا التأسيس إلى الدور الذي قامت به مصر بقيادة<br />

الرئيس جمال عبد الناصر يف مرحلة اخلمسينيات يف دعم<br />

حركات التحرر الوطني اإلفريقية ضد االستعمار وإنهاء االحتال<br />

األجنبي للقارة.‏ لقد أدرك الرئيس عبد الناصر مبكرًا أهمية<br />

البعد اإلفريقي ملصر وللمصالح العربية،‏ وأشار إلى ‏»الدائرة<br />

اإلفريقية«‏ يف كتابه بعنوان ‏»فلسفة الثورة«‏ كأحد مجاالت


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 51<br />

العدد ملف<br />

االهتمام اخلارجي املصري والذي ضم أيضً‏ ا ‏»الدائرة العربية«،‏<br />

و«الدائرة اإلسامية«.‏ ووفقًا لهذه النظرة،‏ قامت مصر بتوفير<br />

الدعم السياسي واملالي والعسكري حلركات التحرر اإلفريقية،‏<br />

واستضافت قادة هذه احلركات،‏ وأنشأت مجموعة من اإلذاعات<br />

املوجهة إلى الشعوب اإلفريقية الناطقة بلغاتها،‏ ودافعت عن<br />

قضاياها يف األمم املتحدة وحركة عدم االنحياز ومنظمة الشعوب<br />

اآلسيوية اإلفريقية.‏ وكان من شأن هذه اجلهود – مع االحتاد<br />

السوفيتي والهند ويوغوسافيا - صدور قرار اجلمعية العامة<br />

لألمم املتحدة عام ‎1960‎م،‏ اخلاص بإقرار حق تقرير املصير ومنح<br />

االستقال للشعوب املستعمرة.‏ ويف بداية الستينيات،‏ شارك كل من<br />

اجلزائر واملغرب يف مد بساط عاقات التعاون<br />

العربية اإلفريقية بعد حصولهما على االستقال.‏<br />

حفظ اجليل األول من القيادات اإلفريقية<br />

هذا الدور العربي،‏ فرفضوا الدعاوى االستعمارية<br />

الغربية بالفصل بني شمال القارة وجنوبها،‏ والذي<br />

يعني الفصل بني ‏»العرب«‏ الذين يعيشون يف الشمال<br />

و«األفارقة«‏ الذين يعيشون يف جنوب الصحراء،‏<br />

وأكدوا على وحدة القارة بإنشاء منظمة الوحدة<br />

اإلفريقية يف ‎1964‎م،‏ وكان الرئيس عبد الناصر<br />

وامللك محمد اخلامس من اآلباء املؤسسني لها.‏<br />

يف هذا املناخ،‏ ساندت الدول اإلفريقية القضايا العربية يف<br />

احملافل الدولية وخصوصً‏ ا القضية الفلسطينية،‏ والتي اعتبرتها<br />

منظمة الوحدة اإلفريقية ‏»قضية عربية ‏–إفريقية«،‏ وضمن هذا<br />

للعرب كتلة تصويتية مؤيدة يف األمم املتحدة تقرب من 50 صوتًا.‏<br />

ويف املقابل،‏ دعمت الدول العربية قضية إفريقيا األساسية وهي إنهاء<br />

نظام الفصل العنصري يف جنوب إفريقيا وروديسيا،‏ واعتبرتها جامعة<br />

الدول العربية ‏»قضية إفريقية – عربية«.‏<br />

ويف أعقاب هزمية يونيو ‎1967‎م،‏ تضامنت الدول اإلفريقية<br />

مع مصر،‏ وقامت الواحدة تلو األخرى بقطع العاقات الدبلوماسية<br />

مع إسرائيل باعتبارها قوة احتال جلزء من إقليم الدولة املصرية.‏<br />

وتواصل هذا الدعم يف حرب أكتوبر ‎1973‎م،‏ مما أدى إلى إصدار<br />

مؤمتر القمة العربية املنعقد يف اجلزائر يف العام نفسه قراراً‏ يشيد<br />

فيه مبوقف الدول اإلفريقية،‏ ومت إنشاء الصندوق العربي للمعونة<br />

الفنية اإلفريقية واملصرف العربي للتنمية االقتصادية يف إفريقيا،‏<br />

وإن كانت بعض الدول اإلفريقية قد أعربت عن تضررها من ارتفاع<br />

أسعار النفط الذي فرض أعباء مالية إضافية عليها،‏ ومت تشكيل جلنة<br />

مشتركة بني جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة اإلفريقية لبحث<br />

آثار ارتفاع أسعار النفط على الدول اإلفريقية وكيفية التخفيف منها.‏<br />

استمر زخم العاقات العربية اإلفريقية،‏ فأيدت املجموعة<br />

اإلفريقية يف اجلمعية العامة لألمم املتحدة قرار اعتبار الصهيونية<br />

تضررت الدول<br />

األفريقية من تصدير<br />

العرب خالفاتهم للقارة<br />

السمراء بعد كامب ديفيد<br />

وخالف البوليساريو<br />

شكاً‏ من أشكال العنصرية يف ‎1975‎م،‏ وانعقد مؤمتر قمة التعاون<br />

العربي اإلفريقي األول يف القاهرة يف مارس ‎1977‎م،‏ والذي أصدر<br />

مجموعة من الوثائق اخلاصة مببادئ التعاون بني الطرفني يف<br />

املجاالت املختلفة،‏ وأنشئ مجموعة من املؤسسات لتنظيم هذه<br />

العاقات.‏ أكدت هذه الوثائق على أن التعاون بني الطرفني يقوم على<br />

مبادئ التحرر الوطني،‏ والتعاون االقتصادي،‏ والتفاهم بني الشعوب.‏<br />

وشملت املؤسسات التي أقرها املؤمتر:‏ مؤمتر القمة واملجلس الوزاري<br />

واللجنة الدائمة واللجان املتخصصة.‏<br />

ومن نهاية السبعينيات وما تاها من سنوات،‏ تعرضت العاقات<br />

العربية اإلفريقية لسلسلة من األزمات واحملن،‏ وميكن تلخيص أهم<br />

الدروس املستفادة منها فيما يلي:‏<br />

1- تضرر الدول اإلفريقية من قيام الدول العربية<br />

بتصدير خالفاتهم وصراعاتهم إلىها مما أوجد<br />

عاماً‏ انقساميًا بينها،‏ من ذلك نقل اخلاف<br />

العربي حول اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمتهما<br />

مصر يف ‎1978‎م،‏ إلى الساحة اإلفريقية والدعوة<br />

لتجميد عضوية مصر يف منظمة الوحدة اإلفريقية،‏<br />

ومنها اخلاف بني اجلزائر واملغرب بشأن منظمة<br />

البوليساريو ومستقبل الصحراء،‏ وهو األمر الذي<br />

انتهى إلى مقاطعة املغرب ألنشطة املنظمة بعد تبني<br />

األغلبية اإلفريقية لوجهة النظر اجلزائرية.‏<br />

أضف إلى ذلك شكوى األفارقة من التنافسات العربية العربية<br />

على النفوذ يف القارة،‏ وخصوصً‏ ا السياسات التي مارستها ليبيا يف<br />

عهد العقيد معمر القذايف،‏ وهو األمر الذي أدى مبنظمة الوحدة<br />

اإلفريقية إلى إصدار قرار يف ‎1978‎م،‏ يطلب فيه عدم تدخل الدول<br />

العربية يف قضية القرن اإلفريقي،‏ وعدم تدخل السياسات العربية<br />

يف شؤون القارة اإلفريقية.‏ وارتبط بذلك ‏–خصوصً‏ ا يف حقبة<br />

الثمانينيات وبعد عودة العاقات الدبلوماسية اإلفريقية مع إسرائيل–‏<br />

طلب األفارقة عدم ربط التعاون العربي اإلفريقي بضرورة تبني<br />

الدول اإلفريقية مواقف معادية إلسرائيل.‏<br />

2- المفارقة بين طموح الشعارات وقصور التنفيذ،‏ إذ تبرز<br />

الفجوة الهائلة بني األهداف واإلجناز يف مجال التعاون العربي-‏<br />

اإلفريقي.‏ وعلى سبيل املثال،‏ انعقد مؤمتر القمة األول يف<br />

‎1977‎م،‏ والذي اعتبر مبثابة املؤمتر التأسيسي لقواعد التعاون<br />

ومؤسساته،‏ ونص املؤمتر يف مقرراته على اجتماع اللجنة الدائمة<br />

للتعاون العربي اإلفريقي والتي تضم 24 دولة )12 من كل طرف(‏<br />

كل 6 شهور،‏ واجتماع املجلس الوزاري املشترك كل 18 شهرًا،‏<br />

واجتماع القمة كل 3 سنوات،‏ ولم يتحقق ذلك.‏ وتكفي اإلشارة<br />

إلى أن مؤمتر القمة الثاني والذي كان من املقرر عقده يف<br />

‎1980‎م،‏ انعقد بعد 33 سنة يف ‎2010‎م،‏ يف مدينة سرت الليبية،‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

52<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

ولكنه لم يحقق جناحً‏ ا يذكر،‏ وظهر ذلك جليًا يف مستوى التمثيل<br />

اإلفريقي املتدني يف املؤمتر،‏ ومن األرجح أن ذلك هو ما دفع إلى<br />

عقد املؤمتر الثالث يف الكويت يف ‎2013‎م.‏<br />

ومن مظاهر هذه املفارقة بني القول والفعل القرار الذي اتخذته قمة<br />

سرت بدعوة مندوب من االحتاد اإلفريقي حلضور جميع اجتماعات<br />

جامعة الدول العربية والعكس،‏ وهو ما لم يتحقق أيضاً.‏<br />

3- انتقال أفكار التطرف الديني النابعة من البالد العربية إىل عدد<br />

من الدول اإلفريقية،‏ وخصوصً‏ ا بعد استفحال خطر املنظمات<br />

اإلرهابية التي تستخدم العنف مببررات أو تفسيرات دينية.‏<br />

تبقى احلقيقة أنه من أصل 22 دولة عربية،‏ فإن عشرة منها<br />

تقع جغرافيًا يف إفريقيا،‏ ويبلغ عدد شعوبها ثلثي العرب.‏ لذلك،‏ ورغم<br />

تراجع العاقات العربية اإلفريقية بشكل عام،‏ فقد استمرت اجلهود<br />

للحفاظ عليها،‏ وخصوصً‏ ا يف إطار األمم املتحدة التي شهدت يف<br />

‎2012‎م،‏ اجتماعًا على مستوى الوزراء بني الدول األعضاء يف مجلس<br />

السلم واألمن العربي،‏ والدول األعضاء يف مجلس السلم واألمن<br />

اإلفريقي،‏ وذلك على هامش اجتماعات اجلمعية العامة.‏<br />

ثانيًا:‏ سمات المشهد اإلفريقي الراهن<br />

إذا كان السياق األول اخلاص بخبرة العاقات العربية اإلفريقية<br />

يشير إلى دروس املاضي،‏ فإن السياق الثاني بسمات املشهد اإلفريقي<br />

يشير إلى احلاضر،‏ فمن املهم إدراك طبيعة الواقع الذي سوف يتم<br />

التعامل معه.‏ وكلما كان اإلدراك صحيحً‏ ا فإن السياسات املتبعة<br />

سوف تتمتع بحظ أكبر من النجاح.‏ ويف سياق أنه من الصعوبة<br />

مبكان إصدار تعميمات على ما يزيد عن خمسني دولة،‏ فإن هناك<br />

خصائص عامة ميكن اإلشارة إليها.‏<br />

أول هذه اخلصائص هو الطابع الديمقراطي ألشكال نظم<br />

الحكم،‏ فقد حتولت كل دول القارة اإلفريقية من نظم احلزب الواحد<br />

إلى نظم تعدد األحزاب،‏ واالنتخابات الرئاسية والنيابية الدورية.‏ لم<br />

يكن هذا التطور تلقائيًا أو طوعيًا،‏ وإمنا كاستجابة ورد فعل لضغوط<br />

املشروطية السياسية واالقتصادية التي مارستها الواليات املتحدة ودول<br />

االحتاد األوروبي فيما عُرف باسم ‏»سياسة دعم الدميقراطية«.‏ وكان<br />

من شأن اتباع هذا النظام انتقال سلطة رئاسة الدولة من شخص إلى<br />

آخر.‏ وإن كان هذا التطور ال يعني اختفاء صور التسلطية السياسية<br />

التي تستتر خلف هذا املظهر أو الشكل الدميقراطي يف بعض الدول.‏<br />

ولكن التطور املهم هو أن الدميقراطية مبعنى تولي احلكم من<br />

خال االنتخابات العامة أصبحت قيمة سياسية مقننة يف ميثاق<br />

االحتاد اإلفريقي الذي ينص على جتميد عضوية أي دولة يحدث<br />

فيها تغيير سياسي بالقوة أو عن غير طريق االنتخاب كاالنقابات<br />

العسكرية.‏ وارتبط بذلك توطيد أركان االحتاد اإلفريقي كمنظمة<br />

إقليمية وفرت إطارًا مؤسسيًا جماعيًا حلماية األمن والسلم دون<br />

احلاجة لتدخل الدول الكبرى بشكل مباشر يف الشؤون اإلفريقية،‏<br />

ومن ذلك الدور العسكري لاحتاد يف الصومال ودولة جنوب<br />

السودان،‏ ودورها السياسي يف حل املنازعات بني الدول األعضاء.‏<br />

وثانيها،‏ أن الدول اإلفريقة انتهجت سياسات التحرر االقتصادي،‏<br />

وسعت إلى بناء اقتصادات مفتوحة ومتكاملة مع االقتصاد العاملي<br />

مما أدى إلى ازدياد تدفق االستثمارات األجنبية،‏ وازدياد الناجت<br />

احمللي اإلجمالي خال الفترة من – 2004 ‎2008‎م،‏ مبعدل %4.9<br />

سنويًا،‏ وهو ضعف معدل الزيادة يف العقدين السابقني.‏ ويف ‎2008‎م،‏<br />

بلغ حجم الناجت احمللي اإلجمالي 1.6 تريليون دوالر وهو ما يضع<br />

إجمالي االقتصاد اإلفريقي يف مصاف القوى االقتصادية الكبرى.‏<br />

وثالثها،‏ أنه ال ينفي هذا النمو االقتصادي وجود مشكالت<br />

هيكلية تعاني منها أغلب االقتصادات اإلفريقية مثل ضعف البنية<br />

األساسية،‏ وارتفاع العجز املالي،‏ وانخفاض مستوى املعيشة،‏ وضعف<br />

نسبة منو القطاع الصناعي التي بلغت %2 يف ‎2014‎م،‏ والتداعيات<br />

السلبية الناجتة عن أنشطة اجلماعات اإلرهابية مثل بوكو حرام<br />

والشباب الصومالي وجيش الرب األوغندي.‏<br />

ورابعها،‏ تعدد الفواعل الدولية التي أقامت عالقات وثيقة<br />

مع الدول اإلفريقية وسعت إلى االستفادة من مواردها الطبيعية<br />

ومن الترويج لصادراتها يف أسواقها،‏ إضافة بالطبع إلى إيجاد مواقع<br />

للنفوذ السياسي والعسكري.‏<br />

وتعتبر الواليات املتحدة الاعب الرئيسي يف القارة بسبب<br />

مصاحلها السياسية واالقتصادية التي تتمثل يف قواعدها<br />

العسكرية يف عدد من الدول اإلفريقية،‏ ويف طرحها عدد من<br />

املبادرات يف مجال مكافحة اإلرهاب مثل مبادرة الشراكة<br />

اإلفريقية املنبثقة من قوات األفريكوم التي أنشأت عام ‎2006‎م،‏<br />

وإطاق إدارة أوباما ‏»استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء«‏<br />

يف ‎2012‎م،‏ وارتفاع الصادرات واالستثمارات األمريكية خال<br />

الفترة من 2009 ‏-‏‎2013‎م،‏ بنسب %45 و‎%37.5‎ على التوالي.‏<br />

وإلى جانب الواليات املتحدة تتزايد أدوار الصني والهند وتركيا<br />

وإيران وإسرائيل.‏ وعلى سبيل املثال فقد أنشأت الصني املنتدى<br />

الصيني اإلفريقي عام ‎2000‎م،‏ وبلغ حجم االستثمارات الصينية<br />

املباشرة مبلغ 550 مليار دوالر عام ‎2009‎م،‏ ولديها حسب تقارير<br />

%4.9 نسبة النمو يف إفريقيا سنويًا وحجم الناتج اإلجمايل<br />

1.6 تريليون دوالر بالقارة السمراء


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 53<br />

العدد ملف<br />

االونكتاد لعام ‎2014‎م،‏ ما يقرب من 2200 شركة تعمل يف دول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء،‏ وارتفعت التبادالت التجارية بني<br />

الطرفني بحيث بلغت التجارة مع الصني نسبة %25 من إجمالي<br />

التجارة اإلفريقية.‏ وساعد الصني على ذلك استثماراتها يف مجال<br />

البنية التحتية والطاقة وتطوير عدد من املوانئ لتسهيل عمليات<br />

النقل والتبادل التجاري مثل تطوير ميناء المو الكيني.‏<br />

وقامت تركيا باستضافة القمة التركية اإلفريقية يف 2008،<br />

والتي تاها إنشاء مكاتب جتارية لها يف 22 دولة إفريقية.‏ أما<br />

إيران،‏ فقد ركزت على منطقة شرق إفريقيا من خال إنشاء فرع<br />

لرابطة الثقافة والعاقات اإلسامية اإليرانية بها،‏ وقامت بتسيير<br />

خط بحري منتظم بني ميناء بندر عباس اإليراني وميناء ممباسا<br />

الكيني.‏ كما أنشأت منتدى التجارة اإليراني اإلفريقي،‏ ودعت<br />

إلى إنشاء سوق جتارية إفريقية آسيوية تكون هي مركزها.‏ من<br />

جانب أخر نشطت إسرائيل لتطوير عاقاتها ونفوذها مستغلة<br />

يف ذلك ظروف جمود العاقات العربية اإلفريقية واألزمات التي<br />

تعرضت لها.‏ فركزت على املعونات الفنية والتعليم التكنولوجي،‏<br />

وأولت اهتمامًا خاصً‏ ا لتدريب الكوادر العسكرية واالستخباراتية.‏<br />

ثالثًا:‏ آفاق العالقات الخليجية اإلفريقية<br />

ال تبدأ العاقات اخلليجية اإلفريقية من فراغ،‏ فباإلضافة إلى<br />

الصات التاريخية التي مت اإلشارة،‏ فإن بعض الدول اخلليجية<br />

كالسعودية متارس سياسة إفريقية نشطة،‏ ومن الضروري<br />

تطويرها وتنشيطها يف إطار خليجي.‏ ويف هذا السياق،‏ ميكن<br />

التأكيد على العناصر التالية:‏<br />

1- تحديد اإلطار السياسي واألخالقي للتعاون،‏ فطرح مؤمتر الكويت<br />

عدة مفاهيم ميكن البناء عليها كمفهوم الشراكة االستراتيجية بني<br />

الطرفني،‏ وشركاء يف التنمية واالستثمار،‏ فأي تعاون يف الوقت الراهن<br />

له أسسه ومبرراته وال ميكن اختزاله يف املساعدات االقتصادية.‏<br />

وعلى سبيل املثال،‏ فإن جتارب التعاون الدولي اليوم تتأسس على<br />

أن هدفها هو املشاركة يف بناء مستقبل أفضل لكل األطراف.‏ وهذا<br />

املستقبل يتضمن بالطبع التنمية االقتصادية واالرتفاع مبستويات<br />

النمو واملعيشة،‏ ويتضمن أيضً‏ ا العدالة يف توزيع عوائد التنمية،‏<br />

واحترام حقوق اإلنسان،‏ وتأكيد قيم املواطنة واملساواة،‏ وتعزيز الثقة<br />

والتفاهم بني الشعوب،‏ وأنه يقوم على املصالح املشتركة واملنافع<br />

املتبادلة بني األطراف دون ربطها باتخاذ مواقف مع أو ضد أطراف<br />

أخرى،‏ ويف إطار من الندية والتكافؤ.‏<br />

كما أن التعاون الدولي اليوم ال تقتصر أطرافه على احلكومات<br />

والهيآت الرسمية،‏ وإمنا يشمل أطراف أخرى كاجلامعات ومراكز<br />

البحوث والغرف التجارية واجلمعيات األهلية.‏ وهكذا،‏ فإنه<br />

يهدف إلى تنمية رأس املال االجتماعي الذي يعتمد على قدرات<br />

البشر وتعليمهم وخبراتهم.‏ وأخيرًا،‏ فبفعل التداخل بني الداخل<br />

واخلارج،‏ فإن التعاون الدولي يرتبط ارتباطً‏ ا وثيقًا بخطط التنمية<br />

االقتصادية واالجتماعية واإلنسانية يف الدول أطراف التعاون.‏<br />

2- إيجاد اإلطار المؤسسي للعالقات،‏ فمن األهمية مبكان أن تنتظم<br />

هذه العاقات يف أطر مؤسسية،‏ وذلك من خال إقامة جلان للتعاون<br />

املشترك لتنظيم العاقات مع عدد من الدول الرئيسية اإلفريقية،‏ وإن<br />

كان يعيب هذا التصور غياب إطار جماعي للعاقات مثل املؤمترات<br />

التي تنظمها الواليات املتحدة وفرنسا والصني والهند وتركيا،‏ والتي<br />

توجه الدعوة فيها إلى جميع الدول اإلفريقية.‏<br />

وقد يكون من املتصور يف هذا الشأن إما أن يتم التعاون<br />

يف إطار جماعي يتم تنظيم العاقات فيه بني مجلس التعاون<br />

اخلليجي من ناحية،‏ واالحتاد اإلفريقي من ناحية أخرى،‏ أو أن<br />

تقوم اململكة العربية السعودية بالدعوة إلى مثل هذا اللقاء أسوة<br />

بالدول التي مت اإلشارة إليها على أن يكون انعقاد هذا املؤمتر<br />

بصفة دورية،‏ وأن تُدعى للمشاركة يف مداوالته بقية الدول<br />

أعضاء مجلس التعاون اخلليجي.‏<br />

وقد يكون املنتدى السعودي – الشرق إفريقي الذي انعقد<br />

يف أديس أبابا يف نوفمبر ‎2009‎م،‏ أو منتدى االستثمار اخلليجي<br />

اإلفريقي الذي دعت إليه الرياض يف ‎2010‎م،‏ وشارك فيه رؤساء<br />

كل من السنغال وبنني وأجنوال وتنزانيا وكينيا وموزمبيق والكونغو<br />

بادرة ميكن البناء عليها.‏<br />

ويف كل احلاالت،‏ فإن تطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية،‏ ينبغي<br />

أال يبدو منافسً‏ ا للعاقات العربية اإلفريقية،‏ وإمنا متمم ومكمل لها.‏<br />

3- واقعية األهداف،‏ فقد أوضحت اخلبرات السابقة أن التركيز<br />

على موضوع املساعدات املالية هو اجتاه قصير النظر،‏ ويجعل<br />

الدول األخرى تنظر إلى الطرف اخلليجي كمصدر للمال<br />

وحسب.‏ وتزداد أهمية هذه النقطة يف ظروف انخفاض أسعار<br />

النفط وتأثيرها على املوازنات العامة يف دول اخلليج.‏<br />

هناك آفاق واسعة لتطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية:‏<br />

اقتصاديًا يف مجال الزراعة وإنتاج الغذاء أو الصناعة وتطوير<br />

البنية التحتية يف هذه الدول،‏ وسياسيًا ضد األنشطة اإلرهابية<br />

والقرصنة البحرية والهجرة غير املشروعة.‏ ولكن هذه اآلفاق<br />

ليست بدون حواجز أو عوائق منها:‏ االجتاهات السياسية غير<br />

الصديقة جتاه الدول العربية من جانب بعض النخب اإلفريقية،‏<br />

وغياب اإلطار القانوني حلماية االستثمارات يف بعض الدول<br />

اإلفريقية،‏ وغياب البنية التحتية بالنقل ومنافذ التصدير،‏<br />

ومواقف القوى املنافسة التي من األرجح أن يعمل بعضها ضد<br />

تطوير العاقات اخلليجية اإلفريقية.‏<br />

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

54<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

الحلول املثلى تكمن في التصنيع الزراعي محليًا ونقل املنتج إلى دول الخليج<br />

االستثمار الزراعي الخليجي يف إفريقيا:‏<br />

المتاح والممكن وتعظيم االستفادة<br />

تقع املنطقة العربية يف واحدة من أشد مناطق العالم حرارة ويتراوح مناخها بني شديد احلرارة واحلار وبني شديد<br />

اجلفاف واجلاف.‏ يؤدي ارتفاع درجات احلرارة إلى زيادة استهاك الزروع للماء وكذا زيادة معدالت البخر من املوارد<br />

املائية وسطح التربة وبالتالي فإنتاج الغذاء يف املنطقة العربية يستهلك من املياه ضعف ما يستهلكه إنتاج الغذاء يف<br />

املناطق الباردة واملطيرة،‏ مبا يؤدي إلى تراجع العائد من وحدة املياه يف القطاع الزراعي.‏<br />

د.‏ نادر نور الدين محمد<br />

املاء هو العامل احملدد للزراعة – وليس التربة – وما<br />

يزرع من الترب الزراعية مرهون مبا هو متاح من املياه،‏ وتتسم<br />

املنطقة العربية بكونها ليست من مناطق الوفرة املائية وبالتالي<br />

فهي ليست من مناطق الوفرة الزراعية.‏ وهناك عدد من األمور<br />

املهمة حول ندرة املياه يف البلدان العربية نوجزها على النحو<br />

التالي ‏)املرجع:‏ تغيرات املناخ ومستقبل األمن الغذائي العربي<br />

لكاتب املقال:‏ 2010 كتاب اخلليج دولة اإلمارات العربية املتحدة(:‏<br />

متثل مساحة الدول العربية %10.2 من مساحة العالم إال أنها<br />

تستقبل % 2.1 فقط من األمطار العاملية.‏<br />

ال متتلك الدول العربية أكثر من % 0.3 فقط من املوارد<br />

املائية العاملية املتجددة سنويا لعدد سكان ميثل %5 من سكان<br />

العالم )370 مليون نسمة يف تعداد ‎2014‎م(.‏<br />

هناك 12 دولة عربية يقل فيها نصيب الفرد من املياه عن 500<br />

متر مكعب سنويًا واملتوسط يف دول اخلليج 169 متر مكعب/سنة.‏<br />

تتسم املنطقة العربية بتسجيلها أعلى نسبة تزايد سكاني<br />

يف العالم مبتوسط يتراوح بني 1.7 إلى %2.3 مبا ميثل ضعف<br />

متوسط نسبة الزيادة السكانية العاملية )%1.1( بل أن هذه<br />

النسبة تتجاوز %3.5 يف بعض الدول العربية.‏<br />

تعتمد جميع البلدان العربية على توفير مياهها اإلقليمية<br />

من أحواض سطحية أو جوفية مشتركة مبا ال يوفر لها األمن<br />

املائي املستقر ويتطلب منها متابعة يقظة لكل ما يدور يف هذه<br />

األحواض املائية مثل أحواض نهر النيل والفرات ودجلة والعاصي<br />

واألردن واليرموك وتهامة وجوبا،‏ وجميعها أحواض عابرة للحدود<br />

وتأتي من دول غير عربية.‏ وباملثل أيضً‏ ا أحواض املياه اجلوفية<br />

املشتركة مثل احلوض الرملي النوبي ملصر وليبيا والسودان<br />

وتشاد،‏ وحوض شمال الصحراء الكبرى لدول اجلزائر وتونس<br />

وليبيا،‏ واخلزانات اجلوفية لشبه اجلزيرة العربية لدول اململكة<br />

العربية السعودية واألردن واإلمارات والبحرين والكويت وقطر<br />

واليمن والعراق ثم أخيرًا األحواض اجلوفية الكلسية التي متتد<br />

عبر لبنان وسوريا واألردن.‏<br />

وعلى الرغم من أن القطاع الزراعي هو املستهلك األعظم<br />

للمياه يف الدول العربية حيث يستحوذ وحدة على %82 من<br />

إجمالي املوارد املائية املتاحة ومع ذلك فهو ال يساهم يف<br />

اقتصاديات الدول العربية إال بقدر يتراوح بني 13 إلى %20<br />

فقط مبا ال يتناسب مع حجم استنزافه للمياه وال يزيد عائد<br />

املتر املكعب يف قطاع الزراعة يف املنطقة العربية عن نصف إلى<br />

دوالر فقط بينما يصل يف القطاع الصناعي إلى – 5 8 دوالرات<br />

ويف القطاع الفندقي والسياحي إلى – 50 60 دوالرا،‏ وعلى ذلك<br />

فإن أولوية استخدامات املياه اجلوفية كمورد ثمني ونادر يف<br />

املنطقة العربية يف القطاع الصناعي أوال ولو أرتبط األمر باألمن<br />

الغذائي فا بد من تكامل الزراعة مع التصنيع الزراعي.‏ ويف هذا<br />

الصدد ميكن القول إن – 60 %80 من مبيعات السوبر ماركت<br />

أصبحت عبارة عن سلعًا غذائية مجمدة أو مبردة أو محفوظة<br />

أو سابقة التجهيز أو مجففة ‏)بصل وثوم...(‏ بسبب تنامي عمل


الزوج والزوجة سواء دوليًا أو عربيًا وبالتالي تبرز أهمية التصنيع<br />

الزراعي وحفظ املنتجات الزراعية وتقليل الفاقد وزيادة القيمة<br />

املضافة للعائد من وحدة املياه يف القطاع الزراعي.‏ ومع زيادة<br />

طلب قطاعي االستخدام الصناعي واحملليات ‏)منزلي ومدارس<br />

وجامعات ومستشفيات ومباني حكومية وحدائق عامة(‏ سيزيد<br />

طلبهم على املياه العذبة نتيجة للتقدم احلضري واحلضاري<br />

املستمر وسيكون ذلك خصمًا من مياه القطاع الزراعي املستنزف<br />

مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 55<br />

إفريقيا المكان المناسب لالستثمارات الخليجية النظيفة<br />

لتحقيق األمن الغذائي وليس استنزاف الموارد مثل الغرب<br />

نصيب الفرد من املياه يف الدول العربية أقل من حد الندرة )1٠٠٠ م‎٣‎‏/سنة(‏<br />

العدد ملف<br />

األكبر للموارد املائية،‏ إال أن الدالئل املستقبلية تشير إلى حاجة<br />

الدول العربية إلى املزيد من املياه يف القطاع الزراعي ملواجهة<br />

األخطار املستقبلية الناجمة عن زيادة الطلب على الغذاء<br />

وتضاعف عدد السكان واستمرار ندرة املياه باإلضافة إلى<br />

االحترار العاملي ورمبا تراجع املوارد املائية العربية مبا سيؤدي<br />

إلى اتساع الفجوة الغذائية يف العالم العربي والذي يستورد نحو<br />

%60 من غذائه من اخلارج.‏<br />

نصيب الفرد من املياه يف املنطقة العربية يف سبيله للتحول إلى الفقر املائي املدقع<br />

املصدر:‏ البنك الدولي 2009: حتسني األمن الغذائي يف البلدان العربية


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

56<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

املنطقة العربية هي املستورد األول للحبوب يف العالم<br />

نفس املصدر السابق للبنك الدولي<br />

تقدر املساحة املنزرعة يف املنطقة العربية بنحو 72.1 مليون<br />

هكتار ‏)مساحة الهكتار عشرة آالف متر مربع(‏ وهو ما يعادل<br />

%5.4 فقط من املساحة اإلجمالية للوطن العربي ‏)املنظمة<br />

العربية للتنمية الزراعية:‏ تقرير أوضاع األمن الغذائي العربي<br />

‎2014‎م(.‏ يزرع من هذه املساحة نحو %13.3 بالزراعات<br />

املستدمية ‏)بساتني فاكهة وقصب السكر وبعض أنواع املراعي(،‏<br />

ونحو %70.2 باحملاصيل االقتصادية،‏ ومازال هناك نحو<br />

%16.5 متروكة بدون زراعة.‏<br />

ويف اجلانب اآلخر تبلغ املوارد املياه املتاحة يف الوطن العربي<br />

نحو 257.5 مليار متر مكعب سنويًا،‏ وال يتجاوز متوسط نصيب<br />

الفرد من املياه إلى 663 م‎3‎ سنويًا أي حتت خط الفقر املائي<br />

احملدد بألف متر مكعب للفرد يف السنة،‏ ويف الطريق إلى الفقر<br />

املزمن واملدقع عندما يقل نصيب الفرد عن 500 م‎3‎‏/سنة ‏)نفس<br />

املصدر السابق(.‏ ويف املقابل تبلغ موارد املياه العذبة يف العالم<br />

حاليًا نحو 4500 مليار متر مكعب سنويًا يستخدم منها حاليًا<br />

نحو 3500 مليار متر مكعب سنويًا ‏)إحصائيات الفاو املائية(.‏<br />

ندرة املياه يف املنطقة العربية قادتنا إلى فجوة غذائية عميقة<br />

حيث ال نحقق االكتفاء الذاتي سوى يف اخلضروات الطازجة<br />

والفاكهة والبطاطس واألسماك ونقترب من االكتفاء الذاتي من<br />

البيض )%97(. يتربع السكر املكرر على قمة الفجوة الغذائية<br />

العربية بنسبة اكتفاء ذاتي ال تتجاوز %32.7 وتليه الزيوت النباتية<br />

للطعام بنسبة اكتفاء 34.4 ثم مجموعة احلبوب بنسبة %51.5<br />

‏)قمح وشعير وأرز وذرة(،‏ ثم تأتي البقوليات بنسبة اكتفاء ذاتي<br />

%65.5، والدواجن %71، ثم األلبان ومنتجاتها %83، واللحوم<br />

احلمراء %80. وعلى الرغم من هذه الفجوة الغذائية العميقة<br />

والتي تتطلب من اجلميع احلفاظ على املنتج الغذائي النادر إال<br />

أن نسبة الفاقد من اإلنتاج الزراعي يف املنطقة العربية يزيد من<br />

اإلحساس بالفجوة ويتجاوز أغلب املعدالت العاملية حيث تبلغ<br />

أقصاها يف اخلضروات بنسبة %36 يليه الفاقد يف احلبوب<br />

بنسبة %22.5 ثم الفاكهة بنسبة %22، مع نسب فقد محسوسة<br />

أخرى يف األلبان ومنتجاتها والبطاطس وباقي الصنوف الغذائية.‏<br />

وتساهم أربع دول عربية من إجمالي 22 دولة عربية وهي اململكة<br />

العربية السعودية ومصر ودولة اإلمارات العربية املتحدة ودولة<br />

الكويت بنحو %64.5 من إجمال الفجوة الغذائية العربية منها<br />

%20 للمملكة وحدها ونحو %19 ملصر ‏)تقرير املنظمة العربية<br />

للتنمية الزراعية ‎2014‎م(.‏<br />

لم يكد العالم يلتقط أنفاسه من أزمة الغذاء العاملية<br />

‎2008/2007‎م،‏ والتي أرتفع فيها سعر القمح إلى الرقم<br />

القياسي العاملي 480 دوالرًا للطن وبرميل النفط إلى 148 دوالرًا<br />

مع زيادة كبيرة خاصة يف أسعار زيوت الطعام وذرة األعاف


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 57<br />

العدد ملف<br />

والسكر والزبدة واأللبان ومنتجاتها،‏ حتى عادت األزمة بعنف<br />

مرة أخرى عام ‎2010‎م،‏ مبا أيقظ الوعي العام لدى احلكومات<br />

بخطورة موقف األمن الغذائي للمنطقة العربية حيث أستنفذ<br />

ارتفاع أسعار الغذاء وحده ‏)وليس ثمن الغذاء(‏ أكثر من %1 من<br />

الناجت احمللي للدول العربية.‏ تكرار نوبتني الرتفاع أسعار الغذاء<br />

خال عامني فقط لفتت االنتباه بشدة إلى أهمية األمن الغذائي<br />

وتوفير متطلبات الدول من غذائها بعيدًا عن مضاربات املجرمني<br />

يف بورصات الغذاء العاملية وسيطرة البعض على أسعار الغذاء<br />

بسبب االحتكارات وتعمد تعطيش األسواق ألن األمر قد يصل<br />

بنا إلى أن يكون النفط مقابل الغذاء،‏ بل أن بعض الدول رفعت<br />

شعار أن مياه اليوم هي بترول الغد وهي أيضً‏ ا ذهب وباتني<br />

بعد الغد.‏ ثم يأتي دخول تغير املناخ يف احلسابات وأضافته<br />

ألهمية مضاعفة لألمن الغذائي مع التوقعات بنقص محصول<br />

احلاصات االستراتيجية بنسب تتراوح بني 10 إلى %20 خاصة<br />

يف املنطقة العربية مع احتماالت يقينية بتحرك األمطار شماالً‏<br />

وتراجعها على أغلب الدول العربية.‏<br />

نتيجة لكل ما سبق اجتهت األنظار عامليًا وعربيًا إلى دول<br />

الوفرة الزراعية لكل من املياه والترب الزراعية خاصة يف الدول<br />

منخفضة الكثافة السكانية سواء يف دول جنوب آسيا أو شرق أوروبا<br />

أو بعض دول األمريكيتني ثم أخيرًا القارة البكر إفريقيا حيث أقل<br />

النسب الستغال املتاح من املياه ومن الترب الزراعية والبحث<br />

عن جذب استثمارات خارجية تنهض مبستوى املعيشة للفقراء<br />

من السكان حيث تعتبر القارة السمراء هي األكثر يف عدد الدول<br />

التي تعاني من الفقر واجلوع بينما متثل القارة اآلسيوية الكثافة<br />

األكبر لعدد الفقراء يف العالم.‏ بدأ الرصد العاملي للزراعة يف<br />

اخلارج والدول التي تعرض أراضيها لاستثمارات الزراعية وهي<br />

منتشرة يف قارات الدنيا اخلمس بدءًا من األمريكيتني ثم شرق<br />

أوروبا وروسيا وبلدان البحر األسود وصوال إلى آسيا وإفريقيا.‏<br />

ففي أمريكا اجلنوبية كانت األرجنتني األكثر جذبًا لاستثمارات<br />

الزراعية ثم كندا يف أمريكا الشمالية،‏ ثم يف القارة اآلسيوية<br />

كانت كمبوديا وإندونيسيا والوس وميامنار،‏ ثم يف القارة اإلفريقية<br />

التي تصنف باملارد النائم أو سلة غذا العالم يف املستقبل كانت<br />

االستثمارات الزراعية وفيرة يف موزمبيق ومدغشقر وإثيوبيا<br />

وتنزانيا والسودان وجوب السودان والسنغال ومالي والكاميرون<br />

والكونغو وكينيا وغانا.‏<br />

القارة السمراء كانت األكثر جذبًا لاستثمارات العاملية<br />

بسبب وفرة األراضي واملياه مبختلف أنواعها سواء األمطار أو<br />

املياه اجلوفية القريبة أو األنهار والبحيرات العذبة،‏ باإلضافة<br />

إلى وفرة األراضي الزراعية غير املستغلة وانخفاض أسعارها<br />

أو طرحها باملجان يف بعض األحيان بسبب ما تعانيه هذه الدول<br />

من الندرة التقنية واالقتصادية أي غياب أصحاب التخصصات<br />

املختلفة يف الزراعة والري واستخدامات املياه وأيضً‏ ا غياب<br />

رأس املال واالعتمادات املالية الازمة لزراعة األراضي الوفيرة<br />

وأيضً‏ ا لتوفير البنية األساسية الزراعية.‏<br />

تصنف موزمبيق على أنها الدولة األكثر جذبًا لاستثمارات<br />

الزراعية األجنبية بنحو 14 مليون هكتار ويسيطر على أغلب<br />

االستثمارات الزراعية بها اليابان والبرازيل،‏ ثم تأتي مدغشقر<br />

ثانيًا باستثمارات زراعية جتاوزت 1.4 مليون هكتار أغلبها<br />

استثمارات يف زراعات الذرة وزيت النخيل وأغلبها استثمارات<br />

كورية باإلضافة إلى سيطرة االستثمارات األوروبية حديثًا<br />

بنسبة %70 مقابل %19 آسيوية وفقط %11 شرق أوسطية<br />

‏)دراسة جلامعة أكسفورد عام ‎2015‎م،‏ عن االستغال الزراعي<br />

ألراضي إفريقيا(.‏ تأتي إثيوبيا بعد ذلك بسبب مشروعاتها<br />

للتوسع يف إقامة السدود على أنهارها العديدة وجتذب حتى<br />

اآلن استثمارات لنحو 1.5 مليون هكتار ومثلها يف قوائم<br />

االنتظار وأغلبها استثمارات صينية وهندية وتنافسها من بعد<br />

االستثمارات اخلليجية.‏ ثم تأتي السودان ومعها أيضً‏ ا جنوب<br />

السودان واللتان أصبحتا من الدول اجلاذبة لاستثمارات<br />

خاصة الكورية ‏)صاحب أكبر مصنع إلنتاج اإليثانول يف<br />

أفريقيا واملقام يف اخلرطوم(‏ والهندية والصينية ثم اخلليجية،‏<br />

وميكن جلنوب السودان أن تكون من أكثر مناطق القارة جذبًا<br />

لاستثمارات يف مجال الثروة احليوانية لوفرة أراضي املروج<br />

والغابات واملستنقعات وتليها مناطق األراضي السودانية ثم<br />

اإلثيوبية وإن كان يعيب األخيرة عدم وجود نظام رعاية بيطرية<br />

أو تطعيمات وأمصال لضمان سامة الثروة احليوانية وسامة<br />

الغذاء باإلضافة إلى تكرار تعرض العديد من مناطقها للجفاف<br />

والقحط كما هو حادث حاليا ولتسع سنوات متصلة واالعتماد<br />

على الزراعة املطرية بنسبة تتراوح بني – 85 %90 وبالتالي<br />

فهي تتطلب استثمارات مالية كبيرة للتحول للزراعة املروية<br />

األقل مخاطرة وأيضا الوفيرة احملصول.‏<br />

وبسبب قرب شرق القارة األفريقية من السواحل واملوانئ<br />

اخلليجية فإنها تستأثر مبعظم االستثمارات اخلليجية للمملكة<br />

جنوب السودان األكثر جذبًا لالستثمار يف الثروة الحيوانية لوفرة<br />

األراضي والغابات والمستنقعات وتليها السودان


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

58<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

العربية السعودية والكويت واإلمارات وقطر والبحرين بينما كانت<br />

مالي والنيجر وتشاد األكثر استحواذًا على االستثمارات الزراعية<br />

الليبية قبل أن تصل ليبيا إلى وضعها احلالي.‏ وميكن لاستثمارات<br />

اخلليجية الزراعية االستثمار يف حاصات الفجوة الغذائية العربية<br />

خاصة يف احلاصات التي جتود يف دول شرق ووسط إفريقيا<br />

وهي أيضً‏ ا احلاصات ذات االحتياجات املائية الكبيرة وأهمها<br />

قصب السكر واألرز وزيوت النخيل والذرة مبختلف أنواعها خاصة<br />

الذرة الصفراء لألعاف ثم الشعير وبنسب أقل االستثمارات<br />

يف زراعات القمح نظرا للمناخ اإلفريقي احلار ثم تأتي الثروة<br />

احليوانية واللحوم احلمراء والتي تنمو على املراعي الطبيعية<br />

والسفانا ومعها أيضً‏ ا االستثمار يف أخشاب الغابات وصناعات<br />

الورق كما يف غابات الكونغو ‏)تبلغ 220 مليون فدان وتعتبر ثاني<br />

أكبر مساحة غابات يف العالم بعد غابات األمازون(‏ والتي تستأثر<br />

بها الصني وحدها حتى اآلن دون منافسة كما حتاول الصني أن<br />

تستأثر بأغلب االستثمارات الزراعية يف إثيوبيا وتنزانيا ومعها<br />

الهند وإسرائيل وكوريا اجلنوبية بل نستطيع أن نقول أن الصني<br />

واقعة متاما يف غرام إثيوبيا،‏ حيث تقيم الصني والهند ملتقيات<br />

سنوية حتت مسمى ‏»الصني وإفريقيا«‏ و ‏»الهند وإفريقيا«‏ على<br />

الرغم من إدانة تقارير األمم املتحدة الستنزاف الصني والهند<br />

ومعهما كوريا اجلنوبية للثروات الطبيعية للدول اإلفريقية سواء يف<br />

زراعات الوقود احليوي إلنتاج بدائل للبنزين والسوالر أو الستغال<br />

الغابات خشبيا وإقامة مصانع للورق ولتصنيع األثاث مع االبتعاد<br />

عن إقامة مشروعات إلنتاج الغذاء مبا وصفته األمم املتحدة بأنه<br />

احتال لألراضي حتت مسمى االستثمار الزراعي أو هو استغال<br />

إلمكانيات املارد األفريقي دون عائد يذكر على سكانه الفقراء<br />

ودون املساهمة يف تقليص الفجوة الغذائية ونسب الفقر واجلوع<br />

،Land Grabbing in Africa وعلى ذلك فإن القارة اإلفريقية<br />

التي حتقق ميزان جتاري يف صاحلها لعاقتها التجارية مع الصني<br />

بسبب استنزاف الصني للموارد الطبيعية يف القارة اإلفريقية.‏<br />

العالقات التجارية بني الصني وإفريقيا<br />

ببناء مصنع السكر،‏ وباملثل فإن االستثمارات يف الثروة احليوانية<br />

يف األبقار والضأن واجلمال يتطلب إنشاء وحدات بيطرية حديثة<br />

لرعاية املواشي وتطعيماتها ثم مسالخ ومصانع تعبئة وتبريد<br />

لنقل اللحوم الطازجة واملبردة إلى دول اخلليج مبا ميثل قيمة<br />

مضافة كبيرة وتتحول إلى استثمارات نظيفة وصديقة للبيئة.‏<br />

االستثمار األمثل للموارد الزراعية الوفيرة وحتقيق قيمة مضافة<br />

من االستثمارات اخلليجية يف دول القارة اإلفريقية يتطلب حتمية<br />

إدخال التصنيع الزراعي يف هذه الدول ونقل املنتج النهائي فقط<br />

إلى دول اخلليج،‏ فإقامة مشروعات لزراعات قصب السكر على<br />

األمطار املجانية بجدواه االقتصادية العالية يكتمل يضاف إلى<br />

ذلك أيضً‏ ا مصانع األلبان للمواشي التي تعيش على املوارد<br />

الطبيعية وبالتالي إنتاج األلبان األورجانيك وجميع منتجاتها<br />

باإلضافة إلى اللحوم نفسها كمنتج عضوي خالص ناجت من مراع<br />

ومروج طبيعية ال يضاف إليها ال مبيدات وال أسمدة وبالتالي<br />

تكون قادرة على غزو دول االحتاد األوروبي واملنطقة العربية<br />

وتباع بأسعار تتراوح بني – 3 10 أضعاف املنتجات التقليدية<br />

غير العضوية باإلضافة إلى تأثيراتها اإليجابية على الصحة<br />

العامة بسبب خلوها من الكيماويات.‏ وباملثل أيضً‏ ا اخلضروات<br />

والطماطم والتي تكتمل مبصانع مركزات الطماطم ‏)الصلصة(‏<br />

واخلضروات املبردة واملجمدة واحملفوظة وسابقة التحضير بدون<br />

مواد حافظة،‏ ونفس األمر يف فاكهة العصير من املاجنو واملوالح<br />

واألناناس واخلوخ وغيرها والتي تكتمل بالتصنيع الزراعي<br />

ومصانع العصائر ومركزات الفاكهة.‏<br />

قارة بكر مع رؤوس أموال خليجية واستثمارات نظيفة تساهم<br />

يف أمن الغذاء يف دول القارة األفريقية ومعها املنطقة العربية<br />

ميكن أن تكون استثمارًا نظيفًا وليس استغال واستنزاف للموارد<br />

كما تفعل الدول الغريبة عن املنطقة،‏ فما أصعب أن ننتزع الغذاء<br />

من أياد جائعة.‏<br />

‏*األستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 59<br />

العدد ملف<br />

أربعة مجاالت مهيأة لالستثمارات العربية بالقارة السمراء<br />

الموارد الطبيعية يف إفريقيا:‏<br />

الفرص واإلمكانيات ومصالح دول الخليج<br />

القارة اإلفريقية هي ثاني أكبر قارة يف العالم من حيث املساحة،‏ وتشكل %21 من مساحة الكتلة األرضية )30,3 مليون<br />

كم‎2‎‏(،‏ ويسكن بها نحو 1,2 بليون نسمة عام ‎2016‎م )%16 من سكان العالم(،‏ كما تزخر بالكثير من املوارد الطبيعية،‏<br />

مثل النفط والغاز الطبيعي واملعادن واألخشاب واألراضي الصاحلة للزراعة،‏ والثروة احليوانية،‏ واملياه العذبة من<br />

أمطار وأنهار وبحيرات ومياه جوفية،‏ وطاقة شمسية،‏ وطاقة رياح،‏ عاوة على املوقع االستراتيجي اجلغرايف،‏ والتى<br />

ال تزال فى معظمها غير مستغلة بسبب ضعف البنية التحتية،‏ وعدم االستقرار السياسي واألمني،‏ وانتشار اجلهل<br />

واملرض والفقر والفساد،‏ ونقص االستثمارات.‏<br />

د.‏ عباس محمد شراقي<br />

رغم أن الكثير من املوارد الطبيعية فى إفريقيا مازالت حتت<br />

االستكشاف،‏ إال أنها تشكل حجر األساس لاقتصاد اإلفريقي،‏<br />

حيث تعتمد معظم الدول اإلفريقية عليها فى التصدير.‏ لعبت<br />

املوارد الطبيعية فى القرنني املاضيني دوراً‏ رئيسياً‏ فى جلب<br />

االستعمار الى القارة اإلفريقية بغية االستفادة منها فى منوه<br />

االقتصادي،‏ وتركها فى ستينات القرن املاضي تواجه مصيرًا<br />

صعبًا فى مواجهة التحديات االقتصادية حيث أن بها حاليًا 35<br />

دولة من مجموع 50 دولة هي األفقر عامليًا طبقًا لتقرير البنك<br />

الدولي لعام 2015 م.‏<br />

عاد التنافس الدولي على القارة اإلفريقية مرة أخرى خاصة<br />

يف العقدين األخيرين بني األقطاب الرئيسة للنظام الدولي<br />

الواليات املتحدة األمريكية،‏ وأوروبا،‏ والصني،‏ ولكن بشكل جديد<br />

يتفق مع طبيعة النظام الدولى احلديث،‏ وازداد مؤخرًا ظهور دول<br />

اخلليج العربي وتركيا والهند وإيران ومن قبلهم اسرائيل على<br />

الساحة اإلفريقية بهدف االستفادة من ثروات القارة ومواردها<br />

الطبيعية عن طريق االستثمار والتعاون املشترك.‏<br />

أوالً‏ ‏-الموارد المعدنية:‏<br />

حتتوي القارة اإلفريقية على أكثر من %30 من مجموع احتياطي<br />

املوارد املعدنية للكرة األرضية،‏ مركزة فى وسط وجنوب القارة<br />

‏)شكل 1(، منها ما يشكل أكثر من %90 من االحتياطي العاملي<br />

مثل الباتني والكروم،‏ ومنها ما هو أكثر من %40 مثل الذهب<br />

واملاس والكوبالت واملنجنيز والفوسفات ‏)شكل 2(،<br />

شكل )1(: التوزيع اجلغرايف ألهم املعادن اإلستراتيجية فى<br />

أفريقيا عام ‎٢٠1٥‎م.‏<br />

شكل )٢(: نسبة اإلنتاج واالحتياطي العاملي للمعادن يف إفريقيا<br />

عام ‎٢٠1٥‎م.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

60<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

إفريقيا تضم %30 من احتياطي الموارد المعدنية يف العالم<br />

تتركز في وسط وجنوب القارة السمراء<br />

أهم الدول اإلفريقية في مجال التعدين هي:‏ جنوب إفريقيا،‏<br />

غانا،‏ زميبابوي،‏ تنزانيا،‏ زامبيا،‏ وجمهورية الكونغو الدميقراطية.‏ وتعد<br />

جمهورية جنوب إفريقيا واحدة من أكبر دول العالم يف مجال التعدين<br />

من حيث التنوع املعدني وكمية اإلنتاج واالحتياطي،‏ فهي حتتوي<br />

على أكبر احتياطي عاملي من الكروم والذهب والفانديوم واملنجنيز<br />

والباتني،‏ كما أنها تعتبر رائدة القارة فى اإلنتاج واالحتياطي ملعظم<br />

املعادن باستثناء املاس ‏)بتسوانا وجمهورية الكونغو الدميقراطية(‏<br />

واليورانيوم ‏)النيجر(‏ والنحاس ‏)زامبيا وجمهورية الكونغو الدميقراطية(‏<br />

والفوسفات يف املغرب.‏<br />

ثانيًا-النفط والغاز الطبيعي يف إفريقيا:‏<br />

متلك إفريقيا إمكانات نفطية كبيرة رغم تواضع النشاط<br />

االستكشايف بها،‏ وخاصة فى خليج غينيا ودول شمال وشرق إفريقيا<br />

حيث األحواض الرسوبية والتراكيب اجليولوجية املناسبة.‏<br />

تقوم حوالي 16 دولة إفريقية بتصدير النفط هى:‏ نيجيريا،‏ أجنوال،‏<br />

ليبيا،‏ اجلزائر،‏ السودان،‏ جنوب السودان،‏ غينيا االستوائية،‏ الكونغو<br />

برازافيل،‏ اجلابون،‏ تشاد،‏ مصر،‏ تونس،‏ الكاميرون،‏ كوت ديفوار،‏<br />

جمهورية الكونغو الدميقراطية،‏ وموريتانيا.‏ تنتج القارة اإلفريقية أكثر<br />

من %11 من إنتاج النفط العاملي على مدار العقد املاضى،‏ ولكن ال<br />

يزال عائد النفط ضعيف جدًا،‏ وفى املقابل استهاك النفط فى<br />

معظم الدول اإلفريقية منخفض للغاية.‏<br />

حتتل إفريقيا املرتبة الثالثة عامليًا )%10( فى احتياطي،‏ ووفقًا لتقارير<br />

BP اإلحصائية للطاقة،‏ فإن احتياطى النفط املؤكد فى إفريقيا ازداد<br />

مبقدار %150 عنه عام ‎1980‎م،‏ حيث ازداد من 53 بليون برميل إلى 130<br />

بليون برميل يف نهاية عام ‎2013‎م،‏ ومن املتوقع أن يستمر فى هذه الزيادة،‏<br />

ويقدر احتياطي النفط عبر مياه البحار بحوالي 100 بليون برميل.‏<br />

أهم الدول التي يصدر إليها النفط اإلفريقى هى الواليات<br />

املتحدة األمريكية )%23(، الصني )%14(، إيطاليا )%8(، والهند )%8(.<br />

على الرغم من املوارد النفطية الكبيرة يف إفريقيا،‏ إال أن طاقة<br />

التكرير محدودة للغاية،‏ نتيجة لذلك فإن دوالً‏ مصدرة خلام النفط<br />

مثل أجنوال ونيجيريا تستورده مرة أخرى كمشتقات بترولية بتكلفة<br />

إضافية.‏ ويعوق صناعة تكرير البترول فى إفريقيا عدة مشاكل منها<br />

الفساد،‏ وسوء الصيانة،‏ والسرقة.‏<br />

يشكل احتياطي الغاز الطبيعي يف إفريقيا حوالي %7,6 من<br />

االحتياطي العاملي عام ‎2014‎م،‏ ازداد هذا االحتياطي من 210 ترليون<br />

قدم مكعب يف عام ‎1980‎م،‏ إلى 500 ترليون قدم مكعب عام ‎2013‎م،‏<br />

محققًا منوًا قدره %138. ويشكل إنتاج الغاز الطبيعي يف إفريقيا<br />

حوالي %5,8 من اإلنتاج العاملي عام ‎2014‎م،‏ وأهم الدول املنتجة هي<br />

اجلزائر )%41( ومصر )%24( ونيجيريا )%19( وليبيا )%6(.<br />

ثالثًا-األراضي الصالحة للزراعة:‏<br />

إفريقيا لديها إمكانات كبيرة فى املجال الزراعي،‏ حيث تتوفر<br />

التربة الزراعية التي هي مورد طبيعي غير متجدد وضروري<br />

لتحقيق األمن الغذائي،‏ وتبلغ مساحة األراضي الصاحلة للزراعة<br />

يف إفريقيا حوالي 630 مليون هكتار )%21 من مساحة القارة(،‏<br />

ويعتمد %50 من سكان إفريقيا على النشاط الزراعي الذي<br />

يشكل %30 من الناجت احمللى اإلجمالي .)GDP(<br />

حتتوى القارة اإلفريقية على %25 من إجمالي األرضي<br />

الصاحلة للزراعة فى العالم،‏ إال أنها تنتج حوالي %10 فقط من<br />

اإلنتاج الزراعي العاملي،‏ ولذا فهي تعتمد بشكل كبير على استيراد<br />

الغذاء وكذلك على املعونات اخلارجية الغذائية ألسباب عديدة<br />

منها عدم استغال كثير من األراضي القابلة للزراعة،‏ وانخفاض<br />

إنتاجية األراضي الزراعية لعدم تطبيق أساليب الزراعة احلديثة،‏<br />

وعدم استخدام نظم الري،‏ حيث تعتمد إفريقيا بنسبة %4 فقط<br />

على الزراعة املروية والباقي زراعة مطرية،‏ ومن املعروف أن الري<br />

ميكن أن يزيد اإلنتاج الزراعي بنسب تتراوح بني %400-100،<br />

تدهور األراضي بسبب التعرية الشديدة وزيادة التملح،‏ ضعف<br />

البنية التحتية خاصة الطرق والطاقة ووسائل تخزين احملاصيل<br />

حيث تفقد إفريقيا حوالي %50 من هذه احملاصيل نتيجة التخزين<br />

السيئ وضعف التسويق واالتصاالت،‏ وانتشار األمراض مثل اإليدز<br />

واملاريا واحلمى الصفراء وغيرها.‏<br />

رابعًا-الموارد المائية يف إفريقيا:‏<br />

حتظى القارة اإلفريقية بأكثر من 61 حوض نهري مشترك


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 61<br />

العدد ملف<br />

تغطي %64 من مساحة القارة،‏ وحتتوي على %93 من املوارد<br />

املائية املتجددة السنوية،‏ أهمها خمسة أحواض نهرية كبرى هى:‏<br />

الكونغو )3,7 مليون كم‎2‎‏(،‏ النيل )3 مليون كم‎2‎‏(،‏ النيجر )2,1<br />

مليون كم‎2‎‏(،‏ والزمبيزي )1,4 مليون كم‎2‎‏(،‏ األوراجن )890 ألف<br />

كم‎2‎‏(،‏ كما حتتوي على 40 خزان جويف مشترك.‏<br />

يبلغ متوسط كمية املياه السطحية املتجددة سنويًا يف إفريقيا<br />

حوالي 4050 بليون م‎3‎ وهي متثل %9 عامليًا،‏ بالرغم من أن إفريقيا<br />

تشكل %16 من سكان العالم،‏ ونحو %20,3 من مساحة القارات،‏ كما<br />

يبلغ نصيب الفرد السنوى من املياه يف إفريقيا حوالي 3681 م‎3‎‏/‏<br />

سنة يف ‎2015‎م،‏ وهي متثل تقريبًا نصف نصيب الفرد العاملي 6305<br />

م‎3‎‏/سنة.‏<br />

حتظى جمهورية الكونغو الدميقراطية<br />

مبفردها على حوالي 5714 بليون م‎3‎ مياه أمطار<br />

يجري منها على السطح 1300 بليون م‎3‎ )%32<br />

من املياه السطحية اإلفريقية(‏ هي حصيلة<br />

التصرف السنوي لنهر الكونغو على مدار العام،‏<br />

وهي تعادل 15 ضِ‏ عْف مايأتي به نهر النيل<br />

سنويًا عند أسوان،‏ تصرف جميعها يف احمليط<br />

األطلنطى لعدم حاجة الكونغو لها بسب األمطار<br />

الدائمة طوال العام.‏<br />

تعاني أغلب املناطق العربية من ندرة املياه نظرًا للموقع<br />

اجلغرايف الكائن يف املنطقة اجلافة وشبه اجلافة من الكرة<br />

األرضية حيث قلة األمطار،‏ وارتفاع درجة احلرارة وزيادة<br />

معدالت البخر.‏ انخفض نصيب الفرد السنوي من املياه املتجددة<br />

خاصة فى دول اخلليج العربي إلى أقل من 100 م‎3‎‏/سنه ‏)شكل<br />

3( نتيجة زيادة النمو السكاني والعمراني السريع،‏ وتزايد النشاط<br />

الصناعي والزراعي،‏ وتزايد استهاك الفرد.‏<br />

شكل )٣(: نصيب الفرد العربي من املياه املتجددة عام ٢٠1٥<br />

واملتوقع عام ‎٢٠٢٥‎م.‏<br />

تحظى إفريقيا<br />

ب 61 حوض نهري<br />

مشترك تغطي %64 من<br />

مساحتها وتضم %93<br />

من الموارد المائية<br />

خامسً‏ ا-الطاقة الكهرومائية:‏<br />

توفير الطاقة هو التحدي االقتصادي الرئيسي الذي يواجه<br />

القارة اإلفريقية وكثير من الدول العربية،‏ تتمتع القارة اإلفريقية<br />

بإمكانات طاقة كهرومائية ضخمة تكفي لتلبية احتياجات القارة<br />

من الكهرباء والتصدير خارج القارة.‏ أكبر التصرفات املائية<br />

تأتي من نهر الكونغو ثم الزمبيزي والنيجر والنيل.‏ تتميز الطاقة<br />

املائية بأنها نظيفة ومتجددة،‏ ورخيصة التكلفة حيث يتراوح<br />

سعر الكيلو وات ساعة بني – 0,03 0,10 دوالر أمريكي.‏ تنتج<br />

إفريقيا حوالي %3 فقط من إنتاج الطاقة املائية يف العالم،‏ وهذا<br />

يشكل أقل من %15 من إمكاناتها الكهرومائية،‏ ويرجع ذلك الى<br />

التحديات التقنية واملالية والبيئية الرئيسية التي<br />

يجب التغلب عليها لتطوير هذه املوارد.‏ وتشهد<br />

إفريقيا تقدمًا كبيرًا يف استغال الطاقة املائية<br />

يف السنوات األخيرة،‏ ويوجد حتت اإلنشاء حاليًا<br />

مشروعات إلنتاج حوالي 17 ألف ميجاوات.‏<br />

إمكانات إنتاج الكهرباء من األنهار اإلفريقية<br />

يزيد على 200 ألف ميجاوات،‏ تصل إمكانات نهر<br />

الكونغو فقط الى حوالي 100 ألف ميجاوات،‏ منها<br />

أكثر من 40 ألف ميجاوات من مشروع سد اجنا<br />

العظيم Inga( ،)Grand سوف يعتبر أكبر مشروع<br />

مائى النتاج الكهرباء فى العالم،‏ والذى يحتاج إلى حوالى 100<br />

بليون دوالر أمريكي،‏ ولذا فهو يعتبر مشروع اقليمي وليس قومى<br />

يحتاج إلى تكاتف اجلهود الدولية،‏ حيث أن جمهورية الكونغو<br />

الدميقراطية من أفقر 10 دول فى العالم فهي التستطيع تنفيذ<br />

هذا املشروع مبفردها،‏ ويصل جملة من تنتجه من كهرباء حوالي<br />

2,410 ميجاوات من 17 مشروع مائي منها أجنا األول )351<br />

ميجاوات(،‏ أجنا الثاني )1424 ميجاوات(،‏ وحتت اإلنشاء أجنا<br />

الثالث )4320 ميجاوات ليبدأ العمل ‎2013‎م،‏ من إجمالي محتمل<br />

7800 ميجاوات(.‏<br />

إمكانات إثيوبيا من الطاقة املائية تصل إلى حوالي 40<br />

ألف ميجاوات،‏ ينتج منها حتى نهاية عام ‎2015‎م حوالي 3000<br />

ميجاوات من مشروعات مائية أهمها جيبى 1 عام ‎2004‎م )184<br />

ميجاوات(،‏ تاكيزى عام ‎2009‎م )300 ميجاوات(،‏ جيبى 2 عام<br />

‎2010‎م )420 ميجاوات(،‏ تانا-بليس عام ‎2010‎م )460 ميجاوات(،‏<br />

سد جيبى 3 عام )1870 2015 ميجاوات(،‏ وحتت اإلنشاء حاليًا<br />

سد النهضة الذي سوف ينتج حوالي 6 آالف ميجاوات بنهاية<br />

عام ‎2017‎م.‏<br />

يصل إجمالي الطاقة املائية اإلفريقية يف نهاية عام ‎2014‎م<br />

إلى 28 ألف ميجاوات،‏ %90 منها يتركز يف ثمانية دول هي:‏<br />

جمهورية الكونغو الدميقراطية وإثيوبيا،‏ مصر،‏ اجلابون،‏ نيجيريا،‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

62<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

زامبيا،‏ مدغشقر،‏ وموزامبيق.‏ وميكن االستفادة من الطاقة املائية<br />

اإلفريقية يف اخلليج العربي عن طريق الربط الكهربائي.‏<br />

سادسً‏ ا-الطاقة الشمسية وطاقة الرياح:‏<br />

تعرف إفريقيا بأنها قارة الشمس حيث التأثير األعظم على<br />

مستوى العالم من حيث كثرة ساعات السطوع الشمسي على<br />

مدار العام،‏ كما تتميز إفريقيا بسمائها الصافية عدا املنطقة<br />

االستوائية األكثر انتشارًا للسحب.‏<br />

تسجل منطقة شرقي الصحراء الكبرى/‏ شمالي شرق<br />

إفريقيا بشكل خاص أرقامًا فريدة لعدد ساعات سطوع أشعة<br />

الشمس )4,300 ساعة/سنة(‏ بنسبة %97، كما تسجل أيضا احلد<br />

األقصى لشدة السطوع الشمسي السنوي ‏)أكثر من 220 كيلو<br />

سعر / سم‎2‎‏(.‏<br />

إمكانات طاقة الرياح يف إفريقيا عالية وهي تختلف من مكان<br />

إلى آخر،‏ وتشمل املناطق ذات سرعات الرياح العالية شمال وجنوب<br />

إفريقيا،‏ النيجر يف غرب إفريقيا؛ تشاد يف وسط إفريقيا؛ جيبوتي،‏<br />

إثيوبيا،‏ كينيا،‏ السودان،‏ الصومال،‏ وأوغندا؛ وليسوتو وماوي وجنوب<br />

إفريقيا وتنزانيا وزامبيا.‏<br />

تنتج إفريقيا حوالي 2462 ميجاوات من الرياح بنهاية عام ‎2014‎م،‏<br />

أهم الدول املنتجة لطاقة الرياح هي:‏ املغرب )787 ميجاوات(،‏ مصر<br />

)610 ميجاوات(،‏ تونس )255 ميجاوات(،‏ إثيوبيا )171 ميجاوات(.‏<br />

املشكلة الرئيسية يف استخدام طاقة الرياح أو الطاقة<br />

الشمسية يف إفريقيا هي التكلفة العالية التي تتراوح بني 0,13<br />

– 0,26 دوالر أمريكي/كيلو وات ساعة للطاقة الشمسية،‏ ولطاقة<br />

الرياح بني – 0,05 0,2 دوالر أمريكي/كيلو وات ساعة،‏ ألن معظم<br />

املعدات واخلايا املطلوبة يتم استيرادها من أوروبا والصني،‏ ولو<br />

أمكن للدول العربية توفير هذه الصناعة داخل األراضي العربية<br />

أو اإلفريقية النخفضت هذه التكاليف إلى مايقرب من النصف.‏<br />

سابعًا-املوارد احليوانية واملراعي يف إفريقيا:‏<br />

حتتوي إفريقيا على منطقتني متميزتني يف احلياة احليوانية:‏<br />

املنطقة الشمالية والشمالية الغربية،‏ مبا يف ذلك الصحراء<br />

الكبرى،‏ واملنطقة األثيوبية،‏ وجميع إفريقيا جنوب الصحراء.‏<br />

وتتميز املنطقة الشمالية والشمالية الغربية بانتشار األغنام<br />

واملاعز واخليول واجلمال.‏ املنطقة األثيوبية تشتهر مبجموعة<br />

مميزة كبيرة ومتنوعة للحيوانات والطيور.‏<br />

تنتشر احليوانات املستأنسة يف مناطق املراعي التي تلعب دورًا<br />

هامًا يف إمداد اإلنسان باملنتجات احليوانية يف جميع أنحاء العالم،‏<br />

وتستخدم أساسً‏ ا إلنتاج اللحوم واأللبان والبيض.‏ الفئات الرئيسية<br />

من املاشية احمللية يف إفريقيا االستوائية املجترات الكبيرة ‏)األبقار<br />

واإلبل(،‏ املجترات الصغيرة ‏)األغنام واملاعز(،‏ وغير املجترة رعي<br />

احليوانات ‏)احلمير والبغال واخليول واخلنازير والدجاج(.‏<br />

حتتوي إفريقيا على %29 من املاعز يف العالم ‏)أكثر من 500<br />

مليون(،‏ %16 من األبقار )240 مليون(،‏ %8 دواجن )1,5 بليون(،‏ %3<br />

خنزير )25 مليون(.‏<br />

تعاني الثروة احليوانية يف إفريقيا من كثير من املشاكل منها<br />

ضعف البنية التحتية من كهرباء وطرق وعدم توفر مجازر حديثة<br />

وثاجات تخزين،‏ ومصانع لإلنتاج احليواني،‏ وقلة االستثمارات<br />

وضعف الرعاية البيطرية والتسويق.‏<br />

االهتمام العربى بإفريقيا<br />

مما سبق يتضح أن إفريقيا متتلك مقومات االستثمار يف<br />

شتى املجاالت،‏ خاصة التعدينية والزراعية،‏ عاوة على مواردها<br />

البشرية وموقعها االستراتيجى مما أشعل التنافس بني القوى<br />

العظمى على مواردها،‏ واليوم تشهد نشاطً‏ ا اقتصاديًا واسعًا<br />

وتدفقًا الستثمارات كبيرة من بعض دول اخلليج العربي،‏ فقد<br />

ارتفع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا من 15 مليار دوالر يف<br />

‎2002‎م،‏ إلى 57 مليار دوالر يف 2013 م،‏ وتوقعات كبيرة يف زيادة<br />

االستثمارات األجنبية يف إفريقيا.‏<br />

ومما يزيد من أهمية إفريقيا كمصدر للموارد أنها أصبحت<br />

سوقًا واعدًا لتصريف املنتجات خاصة الصناعية نتيجة اهتمام<br />

الدول اإلفريقية مبجاالت التنمية،‏ وحتسن مستوى املعيشة للمجتمع<br />

اإلفريقي مما ساعد على حتوله إلى مجتمع استهاكي ملختلف<br />

املنتجات مبا فيها السلع الثمينة،‏ وتزايد استخدام التكنولوجيا.‏ ولقد<br />

بلغت عملية التنمية فيها أعلى معدل إذ يتراوح منوها %10-5 مبعدل<br />

%6,5 يف 2014، بينما النمو االقتصاد العاملي ال يتجاوز %3,6، مما يجعل<br />

إفريقيا أكثر القارات منوا يف العالم،‏ وتشهد بعض الدول الفقيرة منوًا<br />

اقتصاديًا غير مسبوق يف عام ‎2016‎م مثل أثيوبيا )%10,5(، جمهورية<br />

الكونغو الدميقراطية )%8,5(، كوت ديفوار )%7,7(.<br />

فرص التعاون بين دول الخليج العربي وإفريقيا:‏<br />

إفريقيا بالنسبة لدول اخلليج هي مصدر للموارد الطبيعية<br />

والغذائية،‏ وسوق لتصريف املنتجات الصناعية املستقبلية،‏ ومكان<br />

لاستثمار العربي،‏ مما يزيد من عاقات الشراكة واملنفعة<br />

املتبادلة بني العرب واألفارقة.‏<br />

‎1‎‏-مجال املوارد املعدنية:‏<br />

يتوفر يف إفريقيا خامات استراتيجية هامة مثل الذهب،‏<br />

النحاس،‏ واأللومنيوم،‏ احلديد،‏ املاس،‏ وحتتاج إفريقيا ملزيد<br />

من االستكشافات باستخدام التكنولوجيا احلديثة،‏ ومن<br />

املتوقع أن حتتوي إفريقيا على مايقرب من نصف خامات<br />

العالم املعدنية،‏ وميكن للشركات العربية بالتعاون مع مثياتها<br />

األجنبية يف العمل داخل القارة اإلفريقية فى مجاالت التعدين.‏


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 63<br />

العدد ملف<br />

كما ميكن استيراد املواد اخلام اإلفريقية وتصنيعها على<br />

األراضى العربية،‏ وهناك بعض الدول أصبح لها باع كبير<br />

فى صناعات ال تتوفر خاماتها يف أرضيها مثل إسرائيل التي<br />

تستخدم املاس اإلفريقي وتعده كحُ‏ لى إلى أن أصبحت من أشهر<br />

دول العالم فى صناعة املاس.‏<br />

إفريقيا واعدة أيضً‏ ا يف مجال النفط والغاز الطبيعي،‏<br />

وللشركات العربية خبرة كبيرة يف هذا املجال،‏ وهناك كثير<br />

من الدول اإلفريقية لم يحظ بهذه الثروة ويحتاج إلى مشتقات<br />

البترول وخاصة البنزين والسوالر،‏ والغاز املسال.‏<br />

‎٢‎‏-مجال الزراعة:‏<br />

متتلك إفريقيا %60 من األراضي غير املزروعة يف العالم،‏ وحتى<br />

اآلن لم يستغل منها إال %6 فقط،‏ ولذا فإنها حتتاج إلى تطوير<br />

هذا القطاع وتغيير أساليب اإلنتاجية باالعتماد على التكنولوجيا<br />

املتطورة،‏ والتركيز على تصنيع مواردها الزراعية اخلام ومن ثم<br />

تصديرها،‏ بدالً‏ من االعتماد على تصديرها كموارد أولية فحسب،‏<br />

وهذا التصنيع يزيد من القيمة املضافة للموارد،‏ ويف نفس الوقت<br />

حتتاج دول اخلليج العربي ‏)غير املؤهلة للزراعة(‏ إلى هذه املنتجات<br />

الزراعية ومشتقاتها نظرًا لندرة املياه بها،‏ كما يوفر االستثمار<br />

العربي يف هذا املجال مياه الدول العربية احملدودة لاستفادة بها<br />

يف مشروعات أخرى خاصة الصناعية،‏ و يوفر أيضً‏ ا فرص عمل<br />

ملايني األفارقة يف املستقبل،‏ السعودية على سبيل املثال تستثمر<br />

حوالي 2 مليون هكتار يف عدد من الدول اإلفريقية.‏<br />

كما حتظى إفريقيا أيضً‏ ا بثروة حيوانية هائلة حتتاج إلى<br />

رعاية طبية،‏ وأدوية،‏ ومجازر حديثة وثاجات حفظ ، وصناعة<br />

حلوم وألبان،‏ وكلها منتجات حتتاجها جميع الدول العربية.‏<br />

‎٣‎‏-االستثمار يف مجال تطوير البنية التحتية اإلفريقية:‏<br />

تتجه جميع الدول اإلفريقية إلى تهيئة وتطوير البنية التحتية<br />

من أجل حتقيق التنمية االقتصادية،‏ خاصة إنشاء الطرق<br />

واجلسور وبناء محطات إنتاج كهرباء ومدارس ومستشفيات<br />

ومناطق سكانية،‏ وإنشاء شبكات اتصال وهذا يشكل استثمار<br />

جيد للشركات العربية يف إفريقيا.‏<br />

‎٤‎‏-االستثمار يف مجال الطاقة املتجددة:‏<br />

القارة اإلفريقية مؤهلة إلنتاج الكهرباء من املصادر املتجددة<br />

مثل الطاقة املائية،‏ وهي اآلن تنتج أقل من %15 من امكاناتها<br />

التي تصل إلى أكثر من 200 ألف ميجاوات،‏ وهذا مجال واعد<br />

فى إفريقيا وتستطيع الدول العربية احلصول على احتياجاتها<br />

الكهربائية من الطاقة املائية اإلفريقية وتوفير النفط الستغاله<br />

يف إنتاج مشتقات ال ميكن احلصول عليها من أى مصدر آخر.‏<br />

وكذلك يف مجال الطاقة الشمسية وما أكثرها يف القارة<br />

اإلفريقية،‏ وحتتاج الدول العربية غزو هذه الصناعة عن طريق<br />

إنشاء املصانع التي تنتج املعدات الازمة بدالً‏ من استيرادها<br />

من أوروبا أو الصني،‏ وبالتالي تساهم يف خفض تكلفة اإلنتاج<br />

وتشجيع جميع الدول العربية واإلفريقية على استخدام الطاقة<br />

الشمسية أو طاقة الرياح.‏<br />

* رئيس قسم املوارد الطبيعية.‏ معهد البحوث والدراسات<br />

اإلفريقية.‏ جامعة القاهرة


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

64<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

تغلغل إيران في القارة السمراء من أخطر مهددات األمن العربي<br />

حراك سعودي خليجي لمحاصرة النفوذ<br />

النفوذ اإليراني يف إفريقيا<br />

هناك جناح محدود يف مفاوضات التجارة متعددة األطراف،‏ بل غموض يحيط مبفاوضات الدوحة،‏ إذ تتسع قاعدة<br />

املنتقدين لوهم القرية الدولية والتي تتسع يومًا بعد يوم،‏ لكن يعتبرها البعض بنية أساسية إلقامة تكتات اقتصادية<br />

أخرى،‏ مثل احلفاظ على القدرة التفاوضية داخل منظمة التجارة،‏ مت التوصل إلى اتفاق على قواعد املنشأ للبلدان<br />

األقل منوًا،‏ من بينها نص يؤكد على أن منتجات الدول النامية يجب أن تصنع بنسبة ثاثة أرباع،‏ على األقل،‏ داخل<br />

الدولة النامية،‏ كي تتمتع باملزايا التي تقدمها لها منظمة التجارة،‏ بجانب االتفاق يف احلفاظ على شروط املنافسة<br />

التصديرية بني الدول األعضاء،‏ وهو اتفاق مت اعتباره حلظة تاريخية،‏ ولم تتوصل الدول األعضاء سوى توسيع نطاق<br />

االتفاق املتعدد األطراف بشأن حترير منتجات تقنية املعلومات التي متثل 10 يف املائة من التجارة العاملية،‏ إذ يعتبر<br />

هذا االتفاق الواسع النطاق أول مبادرة متعددة األطراف على إزالة التعريفات اجلمركية التي أكملت عامها العشرين<br />

من املفاوضات بنهاية عام ‎2015‎م،‏ التي عقدت يف نيروبي.‏<br />

د.‏ عبد احلفيظ عبد الرحيم محبوب<br />

يف املقابل تنشط التكتات األخرى وبشكل خاص حترص<br />

الواليات املتحدة على حتقيق اتفاقية التجارة عبر األطلسي<br />

بعدما حققت اتفاقية التجارة عبر احمليط الهادئ،‏ حيث يهدف<br />

االحتاد األوربي والواليات املتحدة إلى وضع املعايير العليا يف<br />

توسيع التجارة الدولية بدال من تقييدها ووضع آلية لتسوية<br />

املنازعات بني املستثمر والدولة،‏ وتشمل املفاوضات اثنني من<br />

املواضيع املثيرة للجدل،‏ التي تنتقده الشركات األوربية التي<br />

ترى أن محكمة االستثمار التي اقترحها االحتاد األوربي ال يعالج<br />

معظم مشاكل وآليات االنتصاف خارج نطاق القضاء،‏ بجانب<br />

التعامات التجارية الضخمة خاصة يف مجال التعاون التنظيمي<br />

وال سيما يف الصناعات واخلدمات.‏<br />

ويف مجموعة العشرين التي عقدت يف أنطاليا يف تركيا<br />

يف نوفمبر ‎2015‎م،‏ وكانت السعودية البلد العربي الوحيد الذي<br />

شارك يف هذه املجموعة،‏ والذي تعهد قادة العشرين مبعاجلة<br />

التباين يف النمو العاملي.‏<br />

السعودية وبقية دول اخلليج يتجهون إلى تكامل خليجي<br />

برؤية سعودية ميتد يف العمق االستراتيجي يف إفريقيا الضفة<br />

الغربية والتي ال يفصلها عنها سوى البحر األحمر والقرن<br />

األفريقي،‏ خصوصا وأن إفريقيا ومنطقة القرن اإلفريقي تعد<br />

امتدادًا طبيعيًا لألمن القومي العربي اخلليجي،‏ وهي أقرب<br />

املناطق إليها وأكثرها خطورة إذ بإمكان أي قوة يف العالم أن<br />

حتكم سيطرتها على منطقة اخلليج والتحكم يف بقية الدول<br />

العربية وخصوصً‏ ا مصر والسودان،‏ وبالفعل نلحظ هناك اهتمامًا<br />

دوليًا وإقليميًا غير مسبوق بهذه املنطقة،‏ وهو ما يظهر يف كم<br />

القواعد العسكرية التي أقامتها قوى دولية وإقليمية فيها بعيدًا<br />

عن االهتمام اخلليجي العربي،‏ من الواليات املتحدة وفرنسا<br />

وأخيرًا الصني التي أدركت مؤخرًا األهمية االستراتيجية للمنطقة<br />

يف احلفاظ على مصاحلها االقتصادية،‏ لكن إيران تهدف إلى<br />

محاصرة وتطويق دول اخلليج والسعودية بشكل خاص ونشر<br />

مشروعها الفارسي عبر مذهب آل البيت.‏<br />

تتأرجح العاقات اإليرانية اإلفريقية بني االهتمام والفتور<br />

والعداء منذ أن وثق الشاة عاقات إيران بإفريقيا لصالح<br />

الواليات املتحدة،‏ لكن األمر تغير بعد الثورة اخلمينية بسبب<br />

رؤية إيران للقارة اإلفريقية بأنها قارة مستضعفة وعليها


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 65<br />

العدد ملف<br />

رفسنجاني استبدل تصدير الثورة بالتجارة .. وإيران أسست<br />

30 سفارة وحصلت عى صفة مراقب يف االتحاد األفريقي<br />

مساعدتها وحمايتها لكن قوبل تصدير الثورة بتخوف إفريقي<br />

وفتور يف العاقة،‏ لكن يف عهد الرئيس علي أكبر رفسنجاني<br />

الذي استبدل أيديولوجية تصدير الثورة ببلورة مشروع االهتمام<br />

بالتجارة والترويج إلنشاء تكتل وسوق جتاري بني الدول اإلفريقية<br />

واآلسيوية تكون إيران طرفًا فيه حتى متكنت إيران من تأسيس<br />

30 سفارة إيرانية يف القارة األمر الذي منحتها إفريقا بصفة<br />

العضو املراقب يف االحتاد اإلفريقي.‏<br />

لكن اكتشفت الدول اإلفريقية أن إيران تتعامل كقوة استعمارية<br />

توظف االضطرابات لصاحلها،‏ وتنتهج يف تأجيج الصراعات من<br />

خال فتح قنوات غير رسمية مع حركات غير نظامية معارضة<br />

لضمان والئها،‏ فعلى سبيل املثال تدعم إيران االنفصاليني يف<br />

السنغال،‏ ومتمردي ساحل العاج،‏ وجامبيا،‏ ونيجيريا،‏ ويبرهن<br />

على تورط إيران يف تأجيج الصراعات الداخلية اكتشاف شحنة<br />

أسلحة قادمة من إيران باجتاه جامبيا بهدف تزويد متمردي<br />

اجلنوب السنغالي بالساح،‏ كما رصدت السلطات النيجيرية نقل<br />

أسلحة قادمة من إيران يف طريقها إلى جامبيا،‏ وهو التدخل<br />

الذي رفضته الدول اإلفريقية،‏ متثل يف وقف تعاون نيجيري <br />

إيراني يف مجال التكنولوجيا النووية عام ‎2008‎م،‏ وهو نفس ما<br />

قامت به جنوب إفريقيا من وقف للواردات النفطية اإليرانية عام<br />

‎2012‎م،‏ استجابة للعقوبات الدولية على إيران.‏<br />

متدد إيران ووضع قدم لها يف الساحة اإلفريقية أتى نتيجة<br />

غياب خليجي عربي الذي استطاعت إيران بهذا التواجد إلى<br />

حضور 40 دولة إفريقية يف إحدى القمم يف العاصمة اإليرانية<br />

طهران،‏ وانتشار التشيع يف غرب إفريقيا،‏ وثلث إفريقيا دول<br />

عربية وهي أقرب إلى دول اخلليج من إيران.‏<br />

كان الوجود اخلليجي يف إفريقيا يفتقد إلى استراتيجية<br />

اإلرادة،‏ خصوصً‏ ا أن ملنطقة القرن اإلفريقي أهمية خطيرة حيث<br />

يكتسب القرن اإلفريقي الذي يضم الصومال واريتريا وجيبوتي


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

66<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

بجانب أثيوبيا رغم أنها ال تطل على احمليط لكن إلى جانب تلك<br />

الدول لها أهمية استراتيجية كبرى بسبب أنها تطل على احمليط<br />

الهندي من ناحية،‏ وتتحكم يف املدخل اجلنوبي للبحر األحمر،‏<br />

حيث مضيق باب املندب من ناحية ثانية،‏ ومن ثم فإن دوله<br />

تتحكم يف طريق التجارة العاملي،‏ خاصة جتارة النفط القادمة<br />

من دول اخلليج،‏ واملتوجهة إلى أوربا والواليات املتحدة،‏ كما أنها<br />

ممرًا مهمًا ألي حتركات عسكرية قادمة من أنحاء العالم يف<br />

اجتاه دول اخلليج والعكس.‏<br />

وال تقتصر أهمية دول القرن اإلفريقي على اعتبارات املوقع<br />

ووجود اجلزر الكثيرة ذات األهمية االستراتيجية بل تتعداها<br />

إلى أهميتها يف امتاك موارد طبيعية كالنفط<br />

والذهب والغاز الطبيعي وامتاكه احتياطيات<br />

كبيرة من املعادن التي تستخدم يف الصناعات<br />

الثقيلة والنووية مثل الكوبالت واليورانيوم.‏<br />

إلى جانب تلك الدول هناك دول منطقة<br />

البحيرات أوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي<br />

وهي نقاط متاس عربية إفريقية،‏ وهناك<br />

تداخل إقليمي يفرض على دول اخلليج إدراج<br />

منطقة القرن اإلفريقي كجزء من أمن اخلليج<br />

العربي،‏ حيث فكرة تطويق منطقة اخلليج<br />

العربي فكرة قدمية منذ زمن االحتاد السوفيتي التي أرادت<br />

أن تلتف حول املنطقة،‏ وهي ما حتاول إيران محاكاة االحتاد<br />

السوفيتي التي تعتبر دول اخلليج وخاصة السعودية عدوها<br />

األول بعدما استطاعت أن جتد لها نفوذًا يف كل من لبنان<br />

وسوريا والعراق واليمن والتواجد يف منطقة القرن اإلفريقي<br />

آخر املناطق التي يتم تطويق منطقة اخلليج،‏ والذي يلقي<br />

بظاله ليس فقط على أمن منطقة اخلليج العربي بل وعلى<br />

األمن العربي برمته.‏<br />

وتشير األرقام إلى أن إيران تقوم بتهريب األسلحة إلى<br />

احلوثيني املتمردين يف اليمن والصومال بل وتدريب احلوثيني<br />

مبعسكر دنقللو اإلريتري باإلضافة إلى تواجدها يف تلك السواحل<br />

بحجة محاربة القرصنة بجوار قاعدتها العسكرية التي أنشأتها<br />

يف ميناء عصب األريتري،‏ وهي حروب مكملة ملا يجري يف العراق<br />

وسوريا وفرض نفسها على املنطقة خصوصً‏ ا وأن هناك معلومات<br />

تناقلتها وسائل اإلعام عن تزويد إيران إرتيريا مبئات من<br />

عناصر فيلق القدس وضباط البحرية واخلبراء العسكريني من<br />

احلرس الثوري الذين يشرفون على قواعد صاروخية منتشرة<br />

على طول الساحل اإلرتيري لتعزيز تواجدها يف البحر األحمر<br />

وخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية ملرافقة سفنها وحمايتها<br />

من القرصنة.‏<br />

إيران تحاكي االتحاد<br />

السوفيتي وتعتبر<br />

دول الخليج عدوها<br />

األول ورسخت نفوذها<br />

في القرن األفريقي<br />

لكن تزامنت عاصفة احلزم التي قادتها السعودية يف اليمن<br />

ضد االنقابيني املدعومني من إيران بدعم حتالف عربي<br />

حتركات سعودية ملواجهة النفوذ اإليراني يف القرن اإلفريقي<br />

حيث أصبحت السعودية ثاني مستثمر يف أثيوبيا ب 294<br />

مشروعا بقيمة 3 مليارات دوالر،‏ ووقعت السعودية مع جيبوتي<br />

اتفاقا امنيا يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية،‏ حيث يأتي هذا<br />

التحول يف العاقات اخلليجية بدول القرن اإلفريقي بعد أن<br />

أدركت السعودية أهمية ملء الفراغ األمني عسكريًا من خال<br />

احلضور والتواجد يف منطقة القرن اإلفريقي خصوصً‏ ا بعد<br />

انسحاب حاملة الطائرات األمريكية ثيودور روزفلت التي كانت<br />

يف مياه اخلليج العربي منذ عام ‎2007‎م.‏<br />

التواجد السعودي املكثف يف منطقة القرن<br />

اإلفريقي من أجل أن يتحول إلى موقع انطاق<br />

متقدم يضيف مميزات قتالية عالية املستوى<br />

للقوات السعودية،‏ يسهم يف إيجاد حالة من<br />

التكامل الدفاعي عن السعودية من الشرق والغرب<br />

ويف نفس الوقت يخدم عملياتها وقوات التحالف<br />

العربي يف اليمن بصورة أساسية،‏ بجانب خلق<br />

حالة من التوازن الدفاعي والهجومي التي ميكن<br />

أن يتعرض لها األمن السعودي العربي خصوصً‏ ا<br />

يف منطقة البحر األحمر التي جتري فيها العمليات ألي تهديد.‏<br />

التحول الذي حدث يف العاقة السعودية اإليرانية هي<br />

وفق املعاملة باملثل وهي قاعدة أساسية احلاكمة بني الدول،‏<br />

بسبب بحث إيران عن مصاحلها على حساب حقوق دول اخلليج<br />

وبقية الدول األخرى،‏ وحتقيق طموحات تاريخية عبر اختراق<br />

املناطق الرخوة والضعيفة،‏ واستثمرت احتال أمريكا العراق،‏<br />

وضرب الباد العربية ثورات مفاجئة،‏ خصوصً‏ ا وأنها استطاعت<br />

يف الفترة املاضية ارتباطها بقوى اجتماعية وفاعلني من غير<br />

الدول لكنهم ديناميكو التحرك وميتلكون كافة الوسائل واألدوات<br />

يتبعون والية الفقيه التي وجدتها فرصة يف دعمها بالساح<br />

لانقاب على دولهم عندما حتني الفرصة التي ترسمها لهم<br />

إيران وتعطيهم الضوء األخضر للتحرك،‏ دون احترام حلقوق<br />

اجلار والقانون الدولي.‏<br />

خلقت واقعًا مرتبكًا تهيمن من خاله بل يوفر لها طمأنينة<br />

نتيجة التركيبة الطائفية والعرقية واملذهبية بسبب أن الدول<br />

العربية لم تتمكن قبل ثورات الربيع العربي من تعزيز أطر<br />

الدولة بني املكونات داخل الدولة،‏ خصوصً‏ ا يف ظل إعام عربي<br />

مضطرب،‏ أو إعام موجه وطائفي يخدم أجندة والية الفقيه.‏<br />

احلراك السعودي يف مواجهة النفوذ اإليراني يف إفريقيا،‏ وما<br />

جنده مؤخرًا نتيجة التحرك السعودي أن سعت دول إفريقية


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 67<br />

العدد ملف<br />

لاستعانة بالسعودية ملساعدتها يف احلد من املد اإليراني حتت<br />

غطاء املد الشيعي،‏ وهو ما ظهر جليًا يف مواقف تلك الدول<br />

وزياراتها األخيرة للعاصمة الرياض،‏ وكرست السعودية جهودها<br />

الدبلوماسية للوقوف إلى جوار العديد من الدول اإلفريقية<br />

ملقاومة مخاطر املد الشيعي التي تستخدم نفس استراتيجية<br />

التنصير يف استغال الفقر وعبر أنشطة ثقافية وخدمية بنشر<br />

التشيع بطريقة غير مباشرة،‏ تستغل إيران حب الشعوب لدينهم<br />

وآلل البيت،‏ واستطاعت جتنيد عدد من التجار يف غرب إفريقيا.‏<br />

لكن قطع السعودية عاقاتها مع إيران بعد الهجوم على<br />

سفارتها وقنصليتها يف إيران تبعت السعودية العديد من الدول<br />

اإلفريقية يف طرد سفراء إيران من دولهم،‏ وجدتها تلك الدول<br />

فرصة بعد املعاناة من التمدد والنفوذ اإليراني يف مناطقهم،‏<br />

وكانت يف املقدمة دولة السودان،‏ وأصبحت عاقات السعودية<br />

متينة مع أثيوبيا وجيبوتي وحتى أرتيريا التي أعلنت عن إقامة<br />

حتالف جديد يهدف للحد من انتشار التشيع يف القارة السمراء<br />

وفق املخطط الفارسي.‏<br />

بل تخفت حتركات إيران يف موريتانيا وراء ستار التصوف<br />

ما جعل السعودية توقف مساعداتها وقروضها املالية ملوريتانيا<br />

عام ‎2008‎م،‏ التي أوقفت انتشار التشيع،‏ كما أعلنت املخابرات<br />

الصومالية عن القبض على شخصيات إيرانية وصومالية املذهب<br />

الشيعي واعتبرته يهدد أمن الصومال وعقيدة مواطنيه.‏<br />

استطاع التحرك السعودي أن يحاصر ويحرر دول القرن<br />

ال‘فريقي من النفوذ اإليراني،‏ لكن جاء إعان السودان عن قطع<br />

عاقاته مع إيران بذلك يكتمل الطوق الذي يحيط بالسعودية<br />

بعيدًا عن النفوذ اإليراني،‏ خصوصً‏ ا بعدما أوصدت السودان<br />

الباب على العاقات السودانية اإليرانية بالكامل،‏ وأكدت عن<br />

تضامنها مع السعودية ودول اخلليج.‏<br />

يعكس هذا القرار مامح املرحلة القادمة خصوصً‏ ا بعد<br />

انضمام السودان إلى عاصفة احلزم وإرسالها جنود سودانيني<br />

يف صفوف التحالف العربي يف اليمن ما يعني التماهي الكامل<br />

مع النظام العربي اجلديد بقيادة السعودية،‏ بعدما أصبحت<br />

الصناديق السيادية شريان احلياة يف السودان التي تساعد<br />

االقتصاد السوداني على االنتعاش،‏ والتي أصبحت حتتل املرتبة<br />

األولى عربيًا ب 590 مشروعًا سعوديًا يف السودان تصل تلك<br />

االستثمارات إلى 11 مليار دوالر أغلبها يف قطاع الزراعة،‏ وتعهدت<br />

السعودية بضخ مزيد من االستثمارات،‏ وتستحوذ السعودية على<br />

% 30 من مصنع سكر كنانة كأكبر وأقدم مصنع يف الوطن العربي<br />

حيث يقدر إنتاجه 450 ألف طن سنويا وفقا للسودان تريبيون.‏<br />

كما تعهدت السعودية ببذل مجهود جتاه رفع العقوبات على<br />

السودان،‏ حيث ميثل التحول نحو السعودية مسارًا جديدًا يسلكه<br />

الرئيس السوداني عمر البشير بعد 25 عامًا يف بلد مضطرب من<br />

خال التنقل بني حتالفات مختلفة حيث عانت السودان بعدما<br />

لبست ثوبها اإلسامي بني مطرقة السعودية وسندان إيران.‏<br />

عانت السودان من فتنة النموذج واإلعجاب الشديد بالثورة<br />

اخلمينية خصوصً‏ ا من قبل حسن الترابي بعدما أوصل بجماعته<br />

إلى احلكم عقب االنقاب العسكري عام ‎1989‎م،‏ لكن البعض<br />

يرى أن حسن الترابي براغماتي ولم يكن معجبًا بنظام الدولة<br />

القائم على والية الفقيه،‏ وحلسن الترابي آراء واضحة على هذا<br />

الصعيد،‏ رغم ذلك استطاعت إيران أن تشيد مصنعا إلنتاج<br />

األسلحة يف اخلرطوم وفق االتفاقية بني اجلانبني يف عام ‎2008‎م،‏<br />

وأن تقيم إيران قاعدة عسكرية اعتبرت إيران السودان التي ال<br />

تبعد عن السعودية سوى بضع مئات من الكيلومترات من ساحل<br />

البحر األحمر.‏<br />

ساعد إيران على إبراز نفوذها يف إفريقيا باعتبار السودان<br />

مدخاً‏ رئيسيًا لتصدير الساح اإليراني داخل القارة السمراء،‏<br />

وتغلغل املذهب الشيعي يف عمق القارة اإلفريقية عبر بوابة<br />

السودان،‏ ومرور شحنات األسلحة سرًا إلى حماس وسيناء<br />

عبر أراضيه،‏ مما اضطر املجتمع الدولي إلى وضع السودان<br />

على الئحة اإلرهاب وفرض عليه عقوبات،‏ نتيجة ذلك تعرض<br />

السودان إلى تدمير مصنع ذخيرة يف انفجار غامض عام ‎2012‎م.‏<br />

لكن يذهب حيدر طه إلى أن إيران خلقت عاقات وثيقة<br />

مع قادة تنظيمات اإلخوان املسلمني يف السودان وحتى يف مصر،‏<br />

أي أن السودان ركب موجة الصحوة اإلسامية يف الفترة املاضية<br />

يف جتربة خائبة،‏ يبدو أن قيام السعودية يف القيام بدور احلسم<br />

يف مواجهة النفوذ اإليراني بنفس السبل التي تتبعها إيران<br />

السترداد احلق العربي والدفاع عن األمن العربي مكنها من<br />

انتشال السودان من احلضن اإليراني،‏ وقفلت هذه البوابة جتاه<br />

العمق اإلفريقي،‏ وأفقدت السعودية إيران قبضتها على بوابتها<br />

إلى إفريقيا،‏ واستفادت السعودية من أن السودان وإيران ليسا<br />

حليفني استراتيجيني،‏ وعلى اثر قرار قطع السودان العاقة مع<br />

إيران،‏ تلقى البنك املركزي السوداني وديعة سعودية مبليار دوالر.‏<br />

كذلك لم تتوان السعودية وخصوصً‏ ا دولة اإلمارات يف دعم<br />

الغياب الخليجي/‏ العربي أدى إلى تمدد إيران في القارة السمراء<br />

وانتشار التشيع في غرب أفريقيا


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

68<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

مصر حجر الزاوية في األمن العربي والحفاظ على الهوية<br />

والدفاع عن وحدة الدول ووقف النفوذ اإليراني<br />

مصر منذ قيام ثورة الثاثني من يونيو ‎2013‎م،‏ خصوصً‏ ا املوقف<br />

اخلليجي الداعم للدولة املصرية يف املؤمتر االقتصادي الذي<br />

عقد يف شرم الشيخ حيث قدمت كل من السعودية واإلمارات<br />

والكويت وسلطنة عمان مساعدات تقدر ب 12.5 مليار دوالر إلى<br />

مصر يف صورة ودائع واستثمارات،‏ كما تعد زيارة امللك سلمان<br />

للقاهرة داللة على أن مصر متثل حجر الزاوية يف حتقيق األمن<br />

القومي العربي واحلفاظ على الهوية والدفاع عن وحدة الدول<br />

العربية ضد ما يتهددها من مخاطر التقسيم والتفتيت ووقف<br />

النفوذ اإليراني الذي استباح املنطقة.‏<br />

لذلك لم تكتف مصر يف تأييد التحالف العربي يف اليمن<br />

بل شاركت بقوات جوية وبحرية حيث شاركت 16 طائرة مصرية<br />

بجانب حترك قطع بحرية إلى مضيق باب املندب لتأمينه ملواجهة<br />

أية احتماالت حيث تنطلق القيادة املصرية من رؤية سياسية دائمًا<br />

بأن األمن القومي املصري ميتد من أمن اخلليج العربي،‏ حيث<br />

تعمل إيران على تطويق السعودية من اجلنوب من خال السيطرة<br />

على اليمن وهي متثل عمقًا استراتيجيًا للجزيرة واخلليج مما<br />

يجعل من اليمن عاما مهما ألمن واستقرار املنطقة.‏<br />

وقع البلدان على مجموعة اتفاقيات من تطوير التعاون<br />

العسكري،‏ وتعزيز التعاون املشترك يف مجاالت الطاقة والربط<br />

الكهربائي والنقل،‏ وحتقيق التكامل االقتصادي بني البلدين<br />

والعمل على جعلهما محورًا رئيسيًا يف حركة التجارة العاملية<br />

أهمها كان إنشاء جسر امللك سلمان الذي يساهم يف تعزيز<br />

الربط بني دول اخلليج وإفريقيا خصوصً‏ ا بعدما افتتحت مصر<br />

القناة الثانية لزيادة حركة التجارة.‏<br />

السعودية ومصر ترسمان مامح مستقبل النظام اإلقليمي<br />

العربي ومواجهة كل التحديات التي تعوق تقدمه،‏ وعلى رأسها<br />

التحديات اإلرهابية واملذهبية التي وجدت يف غياب األمن<br />

واالستقرار فرصة للتوسع والتي تغذيها إيران وأذرعها يف املنطقة.‏<br />

وال يزال مشروع القوة العربية املشتركة حاضر،‏ رغم أن<br />

السعودية اجتهت إلى تشكيل حتالف إسامي عسكري ملواجهة<br />

التحديات التي تواجه املنطقة،‏ ووقف النفوذ اإليراني بسبب أن<br />

هناك عدد من الدول العربية ال زالت تعارض مواجهة التدخل<br />

اإليراني مثل العراق بسبب الهيمنة اإليرانية على القرار<br />

السياسي،‏ وكذلك لبنان واجلزائر،‏ رغم أن إيران فشلت يف ضرب<br />

العاقات السعودية اجلزائرية،‏ خصصوا بعدما شرعت اجلزائر<br />

يف تفكيك ألغام عاقتها مع السعودية وذلك بإيفاد وزير الدولة<br />

املستشار اخلاص لرئيس اجلمهورية الطيب بلقيز إلى اململكة<br />

حاما رسالة من الرئيس ونقلها للمك سلمان.‏<br />

واجلزائر والسعودية عازمتان على جتاوز سوء تفاهمهما<br />

يف بعض القضايا وجتلت هذه الرغبة من خال إعادة الرياض<br />

لسفيرها السابق باجلزائر سامي العبد اهلل حيث تتفق اجلزائر<br />

مع منتجي النفط والغاز وبضغط من روسيا على ضرورة إعادة<br />

التوازن للسوق عن طريق خفض اإلنتاج مثلما حدث من قبل ولكن<br />

السعودية تتمسك بحصص اإلنتاج وتريد ترك األسعار للسوق.‏<br />

أصبح الدور السعودي فاعا دوليا وإقليميا يف قيادة أسواق<br />

النفط،‏ بل جند أن روسيا بدأت تغازل السعودية من أجل التوصل<br />

إلى تنسيق حول استقرار أسواق النفط الذي أثر على تراجع<br />

اقتصادها الذي يعتمد على النفط بنحو %، 50 فيما تعتمد<br />

اجلزائر على مداخيل النفط بنسبة % 85 وكذلك دول اخلليج،‏<br />

لكن االستراتيجية اجلديدة التي تراها السعودية هي التمسك<br />

بحصص اإلنتاج حتى ال تذهب احلصص إلى دول منتجة من<br />

خارج أوبك،‏ وتكون أوبك قد خسرت احلصص وكذلك األسعار،‏<br />

وهي تدافع عن مصالح دول أوبك وليس عن مصالح الدول<br />

املنتجة من خارج أوبك التي تنتج البترول بتكاليف عالية مثل<br />

البترول الصخري والبترول املوجود يف سيبيريا أو يف املياه<br />

العميقة،‏ وهي تدرك أن بترول أوبك األقدر على املنافسة.‏<br />

العاقات السعودية املصرية تتشابه بينهما التوجهات،‏ وتكتمل<br />

حتقيقا لآلمال العربية واإلسامية،‏ وهي الطريق إلى الوحدة،‏<br />

خصوصً‏ ا بعد افتتاح القناة اجلديدة التي سيصاحبها مشروعات<br />

تنموية عماقة،‏ وستضع مصر على خارطة االستثمار العاملي<br />

إلرساء دعائم عصر جديد للنهضة،‏ خصوصً‏ ا وأن مصر على<br />

أعتاب تخطي أزمة الطاقة بعد اكتشافات غازية جديدة أعلنتها<br />

شركة ايني اإليطالية،‏ وكانت تقديراتها نحو 30 تريليون قدم مكعبة<br />

يف املياه اإلقليمية املصرية يف البحر املتوسط سيساعد على تلبية<br />

احتياجات مصر من الغاز لعقود مقبلة تعادل نحو 5.5 مليار برميل<br />

من املكافئ النفطي،‏ ويغطي مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع،‏<br />

تعرضت إسرائيل لضربة قوية بعد تلقيها نبأ الكشف،‏ بسبب أنها<br />

تريد أن تصبح قوة عاملية يف تصدير الغاز الطبيعي.‏<br />

* أستاذ بجامعة أم القرى مكة املكرمة


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 69<br />

العدد ملف<br />

نموذجان ملستقبل العالقات السعودية - اإلفريقية<br />

إفريقيا:‏ األكثر جذبًا لتحقيق<br />

االستثمارات والمصالح الخليجية<br />

حققت دول إفريقيا جنوب الصحراء يف السنوات األخيرة أقوى معدالت النمو وأدنى معدالت التضخم املسجلة منذ<br />

ثاثني عامًا،‏ وكثير من البلدان اإلفريقية جتاوزت املرحلة احلرجة،‏ وأنها يف سبيلها لتحقيق معدالت منو اقتصادية<br />

أشدّ‏ ثباتًا وأكثر سرعة،‏ وهي معدالت ضرورية لتخفيض مستويات الفقر املرتفع«،‏ فقد سجلت إفريقيا معدل منو<br />

متوسط بلغ %5,4 على مدى العقد املاضي.‏<br />

د.‏ سالي محمد فريد<br />

اهتمت الدول اإلفريقية بتهيئة بيئاتها االستثمارية،‏ وخاصة دول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء التي ظلت تعاني أوضاعًا سياسية غير<br />

مستقرة،‏ إضافة إلى ضعف معدالت النمو،‏ وعدم ماءمة كثير<br />

من السياسات االقتصادية املطبقة فيها؛ لذلك سارعت احلكومات<br />

اإلفريقية من خال أجهزتها املعنية إلى إيجاد بيئة استثمارية مناسبة،‏<br />

فقامت مبراجعة سياساتها االقتصادية،‏ وسنَّت العديد من التشريعات<br />

والقوانني واألنظمة واللوائح اجلديدة التي تشجع االستثمار وتدعمه،‏<br />

واستحدثت الهيآت واملؤسسات التي تخطط له وتنظمه.‏ ووضعت<br />

امتيازات كثيرة،‏ منها:‏ تيسير شروط االستثمار وتخفيف القيود على<br />

تدفقاته،‏ واحلد من املخاطر التي ميكن أن تتعرض لها االستثمارات،‏<br />

والشفافية يف توفير املعلومات الضرورية للمستثمر وكسب ثقته،‏<br />

وتبسيط اإلجراءات،‏ وتقدمي ضمانات متعلقة بنقل األموال إلى<br />

اخلارج،‏ واإلعفاءات من الرسوم اجلمركية.‏ ويف ظل هذه التوجهات<br />

اجلادة للحكومات،‏ وحرصها على جذب االستثمارات اخلارجية<br />

وتشجيعها،‏ تسابقت الدول والشركات واملؤسسات نحو إفريقيا.‏<br />

تهدف هذه الورقة إلى التعرف على تطور حجم االستثمار<br />

يف إفريقيا والفرص االستثمارية األكثر جذبًا والتحديات التي تواجه<br />

االستثمار يف إفريقيا،‏ وتقدمي مناذج لاستثمارات اخلليجية والسعودية<br />

يف إفريقيا،‏ وأخيرًا عرض عدد من السيناريوهات املستقبلية للعاقات<br />

السعودية اإلفريقية،‏ وذلك من خال النقاط التالية:‏<br />

أوالً‏ : الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا.‏<br />

ثانيًا:‏ التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها.‏<br />

ثالثًا:‏ نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا.‏<br />

رابعًا:‏ نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا.‏<br />

خامسا:‏ السيناريوهات المستقبلية للعالقات السعودية اإلفريقية.‏<br />

أوالً‏ : الفرص االستثمارية والقطاعات الجاذبة يف إفريقيا<br />

يُشير تقريرُ‏ االستثمار الصادر عن مؤمتر األمم املتحدة<br />

للتجارة والتنمية UNCTAD عام ‎2014‎م،‏ إلى التنامي الواضح<br />

يف مستويات االستثمارات املوجهة للقارة اإلفريقية رغم تواصل<br />

املعوقات السياسية واألمنية التي يفترض أن تعوق تدفق<br />

االستثمارات إليها.‏ وحسب التقرير،‏ تضاعف حجم استثمارات<br />

القطاع اخلاص يف القارة خمس مرات خال العقد املاضي،‏ من<br />

14 مليار دوالر عام 2002 إلى 67 مليار دوالر عام ‎2012‎م،‏ بينما<br />

ارتفع حجم املعونات احلكومية من 18 مليار دوالر إلى 43 مليار<br />

دوالر خال الفترة نفسها.‏ وبلغت قيمة االستثمارات الواردة إلى<br />

القارة اإلفريقية 57 مليار دوالر عام ‎2013‎م،‏ وشهد العام نفسه<br />

زيادةً‏ يف صفقات الدمج واالستحواذ لتسجل ألف صفقة،‏ بقيمة<br />

إجمالية 30 مليار دوالر.‏ وتبرز يف هذا اإلطار دول البريكس<br />

‏)البرازيل،‏ وروسيا،‏ والهند،‏ والصني،‏ وجنوب إفريقيا(‏ التي تشكل<br />

مصدراً‏ ألكثر من ربع االستثمارات يف القارة.‏<br />

وقد حدث حتول تدريجي من التركيز على قطاعات الصناعات<br />

‏»االستخراجية«‏ واملتعلقة مبصادر الطاقة واملوارد الطبيعية،‏ إلى<br />

قطاعات الصناعات االستهاكية.‏ جاء هذا التحول مدفوعًا


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

70<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

بنتائج التنمية االقتصادية يف الدول اإلفريقية،‏ وزيادة الكثافة<br />

السكانية،‏ واتساع نطاق الطبقة الوسطى،‏ مما ساهم يف رفع<br />

مستويات املعيشة،‏ وأحدث حتوال يف أمناط االستهاك.‏ فتنامت<br />

قطاعات الصناعة االستهاكية مبقدار %30 خال العقد املاضي،‏<br />

لتصل إلى قاعدة تشمل 120 مليون مستهلك.‏ ساهم ذلك يف<br />

تدفق االستثمارات إلى قطاعات الزراعة،‏ وتصنيع املواد الغذائية،‏<br />

وتكنولوجيا املعلومات،‏ والسياحة،‏ واخلدمات املالية،‏ وجتارة<br />

التجزئة.‏ وانعكست هذه التحوالت على االستثمارات املوجهة إلى<br />

مشروعات البنية التحتية.‏ فياحظ زيادة االستثمارات بالقطاعات<br />

اخلدمية ‏)التشييد،‏ والنقل،‏ والتخزين،‏ واالتصاالت،‏ وخدمات<br />

األعمال،‏ وإمدادات املياه والكهرباء والغاز(‏ إلى 8,1 مليار دوالر<br />

عام ‎2013‎م،‏ مقارنة ب 3,2 مليار دوالر عام ‎2012‎م.‏ كما ازدادت<br />

االستثمارات املوجهة إلى القطاعات التصنيعية إلى 7,6 مليار<br />

دوالر مقارنة ب 4 مليار دوالر عام ‎2012‎م.‏ لكن االستثمارات يف<br />

الصناعات القائمة على املوارد الطبيعية مثل الصناعات البترولية،‏<br />

تراجعت بنسبة %70، لصالح زيادة االستثمارات يف قطاعات<br />

صناعية أخرى،‏ أبرزها النسيج،‏ وصناعة السيارات.‏<br />

ويعرض الشكل البياني التالي تدفق االستثمار األجنبي املباشر<br />

إلفريقيا وفقا للقطاعات عام ‎2014‎م،‏ ويتضح من الشكل أن قطاع<br />

اخلدمات يحتل املرتبة األولى حيث ميثل %48 من إجمالي االستثمار<br />

األجنبي املباشر يف إفريقيا عام ‎2014‎م،‏ يليه قطاع التصنيع ميثل<br />

%31، ثم قطاع السلع األساسية %21، والقطاعات األخرى %1.<br />

شكل رقم )1( االستثمار األجنبي املباشر وفقا للقطاعات يف<br />

إفريقيا عام ‎٢٠1٤‎م<br />

United Nations Development Program, African Economic Outlook<br />

2015, Regional Development and Spatial Inclusion, )New York,<br />

UNDP, 2015(.<br />

وتتمثل الفرص االستثمارية األكثر جذبا يف إفريقيا يف قطاع<br />

االتصاالت ويرجع ذلك إلى انخفاض املخاطر يف هذا القطاع<br />

مقارنة بغيره من قطاعات البنية التحتية.‏ هذا باإلضافة إلى<br />

قطاع النقل حيث تستقطب املوانئ اهتمام الشركات يتبعها<br />

قطاع الطيران وبدرجة أقل بناء املطارات والطرق.‏ ولعل أبرز<br />

املشروعات يف هذا القطاع،‏ إدارة موانئ دبي العاملية حملطة<br />

حاويات دوراليه عام ‎2000‎م،‏ حيث استثمرت موانئ دبي العاملية<br />

1,5 مليار دوالر مما جعل جيبوتي التي تعتبر البوابة البحرية<br />

ألثيوبيا،‏ ثالث أكبر ميناء للحاويات يف إفريقيا،‏ وجعلها تساهم<br />

بحوالي ربع الناجت احمللي اإلجمالي يف جيبوتي.‏ كما تابعت موانئ<br />

دبي العاملية االستثمار يف املوانئ يف اجلزائر ومصر والسنغال<br />

وموزمبيق،‏ مما منحها تغطية واسعة يف جميع أنحاء القارة وعزز<br />

من تكامل االقتصادات اإلفريقية ضمن منظومة التجارة العاملية.‏<br />

كما أن إمكانات قطاع البنية التحتية تبعث على التفاؤل،‏ فا<br />

تزال هناك فجوة متويلية تتمثل يف احلاجة لنحو 93 مليار دوالر<br />

سنويًا لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة اإلفريقية حتى عام<br />

‎2020‎م،‏ يف حني أن نصف هذا الرقم متوفر حاليًا،‏ وفقا لبنك<br />

التنمية اإلفريقي.‏<br />

ويعتبر سوق الصكوك يف إفريقيا سوقًا ناشئًا متواضعًا،‏<br />

حيث يشكل %0.6 فقط من إجمالي إصدارات الصكوك العاملية<br />

القائمة.‏ ومع ذلك،‏ فقد توقع العديد من املؤسسات،‏ مبا يف<br />

ذلك وكالة ‏»ستاندرد آند بورز«،‏ واملركز املاليزي املالي العاملي أن<br />

تسجل سوق الصكوك يف إفريقيا منوًا محتماً‏ .<br />

إن البلدان اإلفريقية متتلك موارد كبيرة يف جميع املجاالت<br />

مثل:‏ املوارد املعدنية والنفطية،‏ واملوارد الزراعية،‏ واملوارد السمكية،‏<br />

وموارد الغابات،‏ إن هذه املوارد متثل مجاالت استثمارية قوية،‏<br />

بجانب فرص أخرى متاحة يف مجال بناء املنشآت األساسية<br />

والبنية التحتية،‏ كبناء الطرق والسكك احلديدية واملطارات<br />

واملوانئ،‏ وتوليد الكهرباء والسدود واخلزانات وإمداد املاء.‏<br />

وتعد املوارد البشرية من أهم مجاالت االستثمار التي<br />

تقاس بها ثروة األمم،‏ وقد أصبح العنصر البشري ودرجة<br />

كفاءته هو العامل احلاسم لتحقيق التقدم،‏ وإفريقيا التي يبلغ<br />

عدد سكانها قرابة 1,17 مليار نسمة،‏ ال يزال االستثمار فيها<br />

محدودًا يف مجال التنمية البشرية،‏ برغم اهتمام بعض اجلهات<br />

املستثمرة بالتنمية احلضارية للمجتمع،‏ والبيئة والصحة،‏ وزيادة<br />

معرفة الفرد،‏ واالرتقاء بدرجة وعيه وقدراته عن طرق التعليم<br />

والتدريب.‏ وبالنسبة للموارد األخرى غير البشرية،‏ فإن إفريقيا<br />

التي تتميز مبوقعها اجلغرايف،‏ ومبساحة إجمالية تبلغ 30,190<br />

مليون كم‎2‎‏،‏ ومتتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات واملعادن<br />

االستيراتيجية،‏ فمن بني 50 معدنًا هامًّا يف العالم يوجد 17<br />

معدنًا منها يف إفريقيا باحتياطيات ضخمة.‏ فهي متتلك<br />

النسبة األكبر من احتياطي ‏»البوكسيت،‏ والفروكروم،‏ والكوبلت،‏<br />

واملاس،‏ والذهب،‏ واملنجنيز،‏ والفوسفات،‏ واملعادن الباتينية،‏<br />

والتيتانيوم،‏ والفاناديوم«.‏


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 71<br />

العدد ملف<br />

كما أنها تتمتع بإمكانيات هائلة يف مجال الزراعة،‏ تؤهلها ألن<br />

تكون سلة الغذاء العاملي كما يرى كثير من اخلبراء؛ فهي تشتهر<br />

مبواردها املائية حيث يجري فيها 13 نهرًا ، هي:‏ ‏)زامبيزي،‏<br />

شيري،‏ بوجنوال،‏ لوجنوا،‏ أوجوي،‏ نهر ساند،‏ ليبمبوبو،‏ روفيجي،‏<br />

أوكافاجنو،‏ مارا،‏ فكتوريا،‏ النيل،‏ أوليفانتس(،‏ وأطولها نهر<br />

النيل الذي يبلغ طوله 6695 كم(،‏ إضافة إلى ارتفاع معدالت<br />

سقوط األمطار يف بعض مناطقها املناخية املتنوعة،‏ ومخزونها<br />

الضخم من املياه اجلوفية،‏ وتقدّر الطاقة الكامنة للريّ‏ يف القارة<br />

اإلفريقية بأكثر من 42,5 مليون هكتار،‏ مع مراعاة الطاقة<br />

الكامنة للريّ‏ لكلّ‏ من األحواض واملوارد املائية املتجددة.‏ ونظرًا<br />

التساع رقعة إفريقيا اجلغرافية فإنها تتميز بتنوع<br />

أقاليمها املناخية،‏ ومبستويات ونوعيات مختلفة<br />

من التربة الغنية،‏ ومبواسم زراعية متنوعة،‏<br />

وهو ما يجعل منها « بيئة مائمة لزراعة وإنتاج<br />

جميع احملاصيل واحلبوب واخلضروات.‏ وتقدر<br />

نسبة مساحة األراضي الصاحلة للزراعة فيها<br />

بحوالي %35 من إجمالي مساحة القارة،‏ يستغل<br />

منها %7 فقط يف الزراعة بشتى أنواعها،‏ وال<br />

تزيد مساحة الزراعة املروية يف اجلزء الواقع<br />

جنوب الصحراء من إفريقيا عن 50 ألف كم‎2‎<br />

من إجمالي 23 مليون كم‎2‎‏.‏ فإن االستثمار يف املجال الزراعي<br />

يعد من أفضل اخليارات التي تقدمها إفريقيا للمستثمرين<br />

لإلسهام يف حتقيق النمو االقتصادي واألمن الغذائي يف إفريقيا.‏<br />

ويف مجاالت الطاقة ومصادرها،‏ فرغم ضخامة الطاقة<br />

الكهرومائية الكامنة يف إفريقيا،‏ والتي تناهز 1750 تيراواط<br />

ساعة،‏ ورغم إمكانية ضمان أمن الطاقة من خال توليد الطاقة<br />

الكهرومائية،‏ إال أنه لم يُستغلّ‏ سوى %5 من هذه الطاقة الكامنة.‏<br />

أما بالنسبة للنفط والغاز فيقدر اخلبراء حجم النفط اإلفريقي<br />

ما بني – 7 %9 من إجمالي االحتياطي العاملي،‏ أي ما يوازي<br />

-100 80 مليار برميل خام،‏ حيث تنتشر حقول النفط داخل<br />

القارة يف كثير من دولها وعلى شواطئها الغربية،‏ وهو األسهل<br />

واألسرع يف استخراجه،‏ بحيث تصبح مشتقاته جاهزة للتحميل<br />

والتصدير مباشرة،‏ وهو ما يحقق وفرًا اقتصاديًا،‏ ويعد النفط<br />

اخلام املستخرج من إقليم خليج غينيا من النوعية املمتازة.‏<br />

حترص إفريقيا يف مجال الصناعة على تعميق وتطوير<br />

شراكات استثمارية،‏ وقد جاء مؤمتر القمة اإلفريقية العاشر<br />

حتت شعار ‏»التنمية الصناعية يف إفريقيا«،‏ تأكيدًا ألهمية التوجه<br />

نحو تطوير قطاع الصناعة الذي ال يزال االستثمار فيه ضعيفًا؛<br />

حيث إن ‏»مخرجات القطاع الصناعي بالقارة ال تتعدى %2 من<br />

اإلنتاج العاملي،‏ وصادراتها الصناعية تبلغ %1 فقط من إجمالي<br />

57 مليار دوالر<br />

استثمارات خارجية يف<br />

إفريقيا عام 2013 و دول<br />

البريكس تمتلك ربع<br />

االستثمارات يف القارة<br />

الصادرات العاملية«،‏ فالقطاع الصناعي يف إفريقيا أكثر القطاعات<br />

حاجة إلى اإلمكانات الفنية واملالية،‏ واملعلومات واخلبرات حول<br />

تنفيذ البرامج اخلاصة بالتنمية الصناعية.‏<br />

وعن توزيع االستثمارات على مستوى األقاليم الفرعية يف القارة،‏<br />

ياحظ تراجع معدالت جذب االستثمار يف أقاليم شمال وغرب<br />

ووسط إفريقيا،‏ ألسباب تتعلق إما بالقاقل السياسية واألمنية،‏<br />

أو غموض اإلجراءات والتشريعات االقتصادية،‏ مقابل تناميها<br />

يف أقاليم جنوب وشرق إفريقيا.‏ فقد تراجعت االستثمارات يف<br />

إقليم شمال إفريقيا بنسبة %7، ولكن هناك مؤشرات على عودة<br />

مرتقبة وقوية لاستثمارات.‏ كما تراجعت االستثمارات يف غرب<br />

إفريقيا بنسبة %14 لتسجل 14,2 مليار دوالر عام<br />

‎2014‎م.‏ وتعتبر األوضاع يف نيجيريا سببًا رئيسيًّا يف<br />

ذلك التراجع،‏ بسبب عدم وضوح القواعد احلاكمة<br />

لقطاع الصناعات البترولية،‏ باإلضافة إلى استمرار<br />

توتر األوضاع األمنية.‏ وانخفضت االستثمارات<br />

األجنبية املباشرة يف وسط إفريقيا بنسبة %18<br />

لتسجل 8,2 مليار دوالر،‏ بسبب استمرار القاقل<br />

السياسية والنزاعات املسلحة يف دول مثل جمهورية<br />

إفريقيا الوسطى،‏ وجمهورية الكوجنو الدميقراطية.‏<br />

يف املقابل،‏ تزايدت االستثمارات بنسبة %15<br />

و‎%50‎ يف شرق وجنوب إفريقيا على التوالي.‏ فقد ساهم صعود<br />

كلٍّ‏ من كينيا وإثيوبيا يف شرق إفريقيا كمراكز جديدة لألعمال<br />

يف انتعاش االستثمارات التي بلغت 6,2 مليار دوالر.‏ واجتهت<br />

االستثمارات يف كينيا إلى مجاالت الطاقة التقليدية،‏ واملواصات،‏<br />

باإلضافة إلى القطاع الصناعي،‏ وكانت االستثمارات الصينية هي<br />

األبرز يف إثيوبيا.‏ ويف اإلقليم اجلنوبي توالى تدفق االستثمارات<br />

إلى جنوب إفريقيا وموزمبيق.‏<br />

ثانيًا:‏ التحديات التي تواجه االستثمار يف إفريقيا وسبل مواجهتها<br />

تبرز قضية البنية التحتية الضعيفة يف معظم الدول اإلفريقية<br />

كأبرز التحديات،‏ وبشكل خاص ما يتعلق بتدهور الطرق التي<br />

تربط باد القارة بعضها ببعض،‏ ويف قطاع الطاقة يعتبر<br />

التحدي الرئيسي هو ضعف الطاقة الكهربائية املتاحة وارتفاع<br />

أسعارها.‏ وميثل جتاوز هذه املعضلة يف إفريقيا،‏ خاصةً‏ فيما يتعلق<br />

مبشروعات البنية التحتية التي تشترك فيها أكثر من دولة،‏ حتديًا<br />

كبيرًا نظرًا للتعددية الكبيرة التي تتميز بها القارة،‏ والتي بها 34<br />

لغة رسمية،‏ والعشرات من اللهجات احمللية،‏ وأكثر من 40 عملة،‏<br />

باإلضافة إلى التفاوت الكبير يف القدرات املالية والبنية املؤسسية<br />

القائمة بني دولها،‏ وكذلك غياب مؤسسات لها القدرة على تنفيذ<br />

االتفاقيات املشتركة يف مجال مشروعات البنية التحتية.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

72<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

من ناحية أخرى،‏ فإن اعتماد القارة على تصدير املواد<br />

األولية يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات أسعار هذه املواد يف السوق<br />

العاملية،‏ والذي يرتبط بعوامل خارج نطاق القارة نفسها.‏ وتشير<br />

دراسة للبنك الدولي حول النمو االقتصادي يف إفريقيا إلى أنه<br />

إذا تراجع طلب الصني على املواد األولية،‏ مثل النحاس الذي<br />

ميثل الطلب الصيني عليه %45 من إجمالي الطلب العاملي،‏<br />

بينما يستمر إنتاجه يف االرتفاع؛ فإن أسعار النحاس قد تتراجع<br />

بشكل حاد،‏ مما يكون له آثار سلبية شديدة على الدول التي<br />

تعتمد على تصديره.‏ ولهذا فإن حتقيق التنوع يف صادرات دول<br />

القارة،‏ والبعد عن االعتماد على تصدير املواد األولية،‏ خاصة<br />

البترول؛ يُعد من أهم التحديات التي يجب أن تواجهها ملواصلة<br />

منوها االقتصادي.‏<br />

تتسابق الدول نحو إفريقيا يف تنافس محموم،‏ يف مقدَّمتها<br />

الواليات املتحدة األمريكية وفرنسا والصني وروسيا إضافة إلى<br />

إيران وتركيا وماليزيا والهند وكوريا وتايوان والبرازيل،‏ جميعها<br />

تسعى للنفاذ إلى ثروات القارة،‏ وخاصة مصادر النفط فيها.‏<br />

وقد سارعت الواليات املتحدة يف محاولتها لتعزيز السيطرة على<br />

النفط اإلفريقي من خال املجلس االستشاري إلفريقيا،‏ وهو<br />

حتالف يضم شركات أمريكية عماقة،‏ ويعد هذا املجلس شريكًا<br />

أصياً‏ للحكومة األمريكية يف كل ما يخص إفريقيا،‏ وهو وراء<br />

تضخم االستثمارات األمريكية يف قطاع النفط يف غرب إفريقيا<br />

حتى جتاوزت 7 مليار دوالر بعد أن كانت مليارًا واحدًا يف بداية<br />

التسعينيات.‏ كما دعا أفارقة إلى إعداد إستراتيجية إقليمية<br />

وقارية للعاقة مع الصني لتجنب االختال يف عاقاتهما الثنائية<br />

مشيرين إلى أن ‏»االستثمارات الصينية مرتبطة باالحتكارات<br />

الكبرى للدولة الصينية«‏ وأنها تركز على قطاع املناجم واملسح<br />

اجليولوجي أو على البنية التحتية.‏<br />

سبل مواجهة التحديات<br />

إن حتقيق االستفادة القصوى من االستثمار اخلارجي يف<br />

تطوير االقتصاد وحتقيق ثباته واستقراره يف الدول اإلفريقية،‏<br />

يتطلب وضع إستراتيجية شاملة وسياسات راشدة توجه تدفقاته،‏<br />

ومن ذلك وضع محددات وشروط أساسية أهمها:‏<br />

• التعاون مع الدول اإلفريقية كمجموعة واحدة يتم التنسيق<br />

بينها من خال استراتيجية تنموية متوازنة ومتكاملة للقارة عبر<br />

مؤسساتها القارية كمفوضية االحتاد اإلفريقي وغيرها.‏<br />

• ربط االستثمارات اخلارجية بخطط التنمية احمللية لاستفادة<br />

منها بصفتها موارد متويلية،‏ وحتقيق التوازن والتكامل بينها وبني<br />

اخلطط اإلستراتيجية للدول،‏ وبينها وبني االستثمارات احمللية.‏<br />

• توظيف االستثمارات للمساهمة يف حتقيق التنمية الشاملة،‏<br />

وتنفيذ املشرعات االستراتيجية،‏ وخاصة ما يتعلق باألمن الغذائي<br />

والبنية التحتية إلفريقيا.‏<br />

• املشاركة يف تنمية رأس املال البشري يف الدول اإلفريقية من<br />

حيث التخطيط والتنمية والتوظيف.‏<br />

• املساهمة يف حتقيق اجلانب األمني للمجتمعات اإلفريقية<br />

مبعاجلة املشكات املزمنة كالفقر،‏ والبطالة،‏ واملرض،‏ وتوفير<br />

اخلدمات األساسية حلياة اإلنسان.‏<br />

• وضع املوازنة السليمة لتدفقات رؤوس األموال اخلارجية<br />

بالنسبة للناجت القومي اإلجمالي،‏ جتنبًا لتعرض اقتصاديات الدول<br />

اإلفريقية لانهيار يف حال انسحاب هذه األموال عند ظهور أية<br />

بوادر لعدم االستقرار،‏ مع التركيز على االستثمارات طويلة األجل.‏<br />

• إتاحة الفرص على نطاق واسع للشراكة مع القطاع اخلاص يف<br />

التخطيط والتنفيذ لتلك االستثمارات.‏<br />

ثالثًا:‏ نماذج لالستثمارات الخليجية يف إفريقيا<br />

لقد أدركت دول اخلليج العربي أنه لتحقيق األمن الغذائي فا<br />

بد أن تتجه إلى التنمية الزراعية،‏ وهو ما جعل اخليار االستراتيجي<br />

للخليج هو حتقيق تنمية زراعية بشراء األراضي أو تأجيرها أو<br />

توجيه االستثمارات نحو دول حوض النيل.‏ فبادرت اململكة العربية<br />

السعودية بإعان أنها على استعداد لشراء املياه من أية دولة بها<br />

فائض مائي،‏ وتعدى هذا األمر إلى شراء األراضي أو تأجيرها،‏<br />

السيما يف القارة اإلفريقية،‏ مع توجه السياسات اإلفريقية نحو<br />

االستقرار السياسي والتنمية االقتصادية.‏<br />

ولهذا رأت دول اخلليج أن تدفع مواطنيها وشركاتها لاستثمار<br />

الزراعي صوب دول حوض النيل،‏ وعقد اتفاقيات شراكة مع<br />

عدد من التجمعات االقتصادية اإلفريقية،‏ مثل الكوميسا التي<br />

تضم 19 دولة إفريقية يف شرق وجنوب القارة.‏ وتداعت إلى عقد<br />

مؤمتر االستثمار اخلليجي اإلفريقي األول بالرياض،‏ يف أبريل<br />

‎2010‎م،‏ مبشاركة سبع دول إفريقية منها تنزانيا،‏ وكينيا،‏ والكونغو<br />

الدميقراطية.‏ ونظمت غرفة جتارة وصناعة الشارقة،‏ يف فبراير<br />

‎2009‎م،‏ لقاءات يف كل من كينيا وإثيوبيا،‏ بهدف تطوير العاقات<br />

الثنائية يف مختلف املجاالت،‏ وأهمها املجاالت االقتصادية<br />

والتجارية واالستثمارية،‏ والبدء يف مشاريع ومبادرات بني رجال<br />

األعمال والهيآت االقتصادية،‏ وتشجيع التبادل التجاري على<br />

نطاق واسع،‏ وكذا يف املجال الزراعي.‏<br />

وتستحوذ كل من اإلمارات والسعودية على أكثر من %40<br />

من التدفقات الواردة إلى إفريقيا من الدول العربية.‏ وتصدرت<br />

اإلمارات مجموعة الدول العربية يف هذا املجال،‏ بقيمة 10.5<br />

مليار دوالر،‏ وبحصة بلغت %21,6، تليها السعودية يف املركز<br />

الثاني بقيمة 9,3 مليار دوالر،‏ وبحصة بلغت %19,2.


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 73<br />

العدد ملف<br />

األراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا %35 من مساحة القارة<br />

يستغل منها %7 واالستثمار الزراعي أفضل الخيارات<br />

تشهد االستثمارات اخلليجية يف مجال الغذاء يف دول إفريقيا<br />

تناميًا كبيرًا منذ عام ‎2008‎م،‏ عقب االرتفاع الكبير يف أسعار<br />

الغذاء على أصداء األزمة املالية العاملية.‏ وتبدو اإلستراتيجية<br />

التي وضعتها دول اخلليج التي تقوم على شراء أراضي يف بعض<br />

الدول اإلفريقية بحيث تستفيد هي كمستثمر وتفيد الدول التي<br />

تشتري فيها هذه األراضي،‏ وتأتي أثيوبيا على رأس قائمة هذه<br />

الدول بسبب ارتفاع عدد سكانها الذين يقيمون يف مناطق ريفية<br />

ويعملون بالزراعة.‏ وحظت السودان باهتمام خليجي كبير،‏ حيث<br />

بادر عدد كبير من رجال األعمال اخلليجيني إلى شراء مساحات<br />

كبيرة من األراضي الزراعية موزعة على معظم واليات السودان.‏<br />

حيث ميتلك السودان حوالي %48 من جملة األراضي الزراعية<br />

يف الوطن العربي،‏ أي نحو 90 مليون هكتار.‏<br />

وتُعد االستثمارات الزراعية اإلماراتية هي األكبر بني دول اخلليج<br />

العربي يف السودان،‏ حيث تُقام على مساحة كبيرة تقارب املليون فدان<br />

يف عدة واليات،‏ أهمها مشروع زايد اخلير على مساحة 40 ألف فدان<br />

يف والية اجلزيرة.‏ كما أن شركة الروابي اإلماراتية تعمل أيضً‏ ا يف<br />

شمال السودان بالتعاون مع الهيأة العربية لاستثمار الزراعي.‏<br />

كما قامت حكومة قطر بتأسيس مشروع مشترك مع احلكومة<br />

السودانية إلنتاج القمح والذرة واحلبوب الزيتية.‏ وقد وقع<br />

مستثمرون كويتيون من القطاع اخلاص اتفاقًا مع حكومة السودان<br />

الستزراع نحو 40 ألف فدان يف والية النيل األبيض.‏ ويف إثيوبيا<br />

يقوم عدد من رجال األعمال السعوديني باالستثمار يف األراضي<br />

الزراعية مبساحات كبيرة تقارب عشرة مايني فدان.‏ ويف دلتا نهر<br />

تانا بكينيا،‏ متكنت مؤسسة قطرية من احلصول على 140 ألف<br />

هكتار من األراضي الزراعية،‏ من خال صفقة وُقعت عام ‎2008‎م،‏<br />

حيث تتمكن قطر مبوجبها من حق استغال هذه األراضي،‏ بينما<br />

حتصل كينيا على متويل قطري الستكمال منشآت بحرية.‏<br />

رابعًا:‏ نماذج لالستثمارات السعودية يف إفريقيا<br />

تسعى اململكة العربية السعودية يف الفترة الراهنة إلى تطوير<br />

حجم ومجاالت عاقاتها مع العديد من الدول اإلفريقية،‏ لتحقيق<br />

جملة من األهداف السياسية واإلستراتيجية واالقتصادية منها:‏<br />

احلفاظ على أمن البحر األحمر وخليج عدن والقرن اإلفريقي،‏<br />

وهي مناطق حيوية لألمن القومي السعودي،‏ خلق مناطق نفوذ<br />

ذات تأثير يف املنظمات اإلقليمية والدولية،‏ حتقيق مصالح<br />

اقتصادية يتوفر من خالها األمن الغذائي السعودي.‏<br />

وتتمتع السعودية مبوارد مالية ضخمة،‏ سواء االحتياطات<br />

املالية للدولة،‏ أو الثروات اخلاصة لألفراد واملؤسسات،‏ وتسعى<br />

إليجاد فرصً‏ ا مناسبة لاستثمار يف اخلارج.‏ ويعتبر خبراء اقتصاد<br />

أن السعودية متثل شريكًا مثاليًا لدول شرق إفريقيا،‏ منها خمس<br />

دول هي:‏ أثيوبيا،‏ أوغندا،‏ تنزانيا،‏ كينيا،‏ جيبوتي،‏ وتعتبر الدول<br />

اإلفريقية اخلمس،‏ سوقًا ضخمة تضم نحو 190 مليون مستهلك،‏<br />

وهي أسرع االقتصادات اإلفريقية منوًا،‏ وهي يف حاجة ماسة<br />

إلى استثمارات ضخمة تساعدها على تفعيل طاقتها ومواردها،‏<br />

ومتكنها أيضً‏ ا من خلق فرص عمل للمواطنني،‏ نظرًا إلى كونها<br />

من أكثر الدول متتعًا باالستقرار السياسي واألمني.‏<br />

إن االستثمار السعودي يف السودان غطى جميع املجاالت،‏<br />

خاصة املجال الزراعي والصناعي واخلدمي،‏ حيث تعد السعودية<br />

صاحبة أكبر االستثمارات الزراعية يف السودان،‏ منها شركة سكر<br />

كنانة واستثمارات سليمان الراجحي يف الزراعة والصناعة،‏ بجانب<br />

استثمارات صالح كامل.‏ وتوجهت االستثمارات السعودية الزراعية يف<br />

السودان لنحو 250 ألف فدان يف والية نهر النيل،‏ وشمال السودان.‏<br />

وقد متكنت مجموعة حائل للتنمية الزراعية السعودية من استغال<br />

نحو 10 آالف هكتار من األراضي الزراعية السودانية املطلة على نهر<br />

النيل.‏ وعمومًا تعد السعودية شريكًا استراتيجيًا أصيا للسودان يف<br />

استثماراته،‏ كما أن السودان مبا لديه من موارد طبيعية خاصة يف<br />

مجال الزراعة،‏ هو األكثر تأهياً‏ ليس فقط لسد فجوة العالم العربي<br />

الغذائي التي فاقت ال‎40‎ مليار دوالر،‏ بل لسد جزء كبير من الفجوة<br />

الغذائية العاملية،‏ وذلك بالتضامن مع رؤوس األموال العربية الشقيقة.‏<br />

إن السعودية تدعم عملية زراعة األعاف يف اخلارج ومن ثم<br />

جلبها إلى األسواق احمللية،‏ مما يشجع املستثمرين للدخول يف هذا<br />

االستثمار.‏ وتعتبر الدول اإلفريقية لها األفضلية لدى املستثمر<br />

السعودي،‏ خاصة يف السودان وإثيوبيا وبعض الدول التي تتمتع<br />

مبزايا نسبية يف وفرة املياه ومائمة املناخ.‏ كما التزمت السعودية<br />

بضخ 109 مليار دوالر لتطوير 41 جيجاواط من الطاقة الشمسية<br />

يف الشرق األوسط وإفريقيا كجزء من خطة واسعة النطاق لنشر<br />

54 جيجاواط من الطاقة النظيفة بحلول عام 2032، ومن املتوقع<br />

منو استثمارات الطاقة املتجددة يف دول إفريقيا جنوب الصحراء<br />

وبخاصة جنوب إفريقيا وكينيا وإثيوبيا.‏<br />

يعد االستثمار السعودي يف أثيوبيا واحدًا من أكبر االستثمارات<br />

يف منطقة شرق إفريقيا،‏ حيث تنتج أحد الشركات السعودية يف<br />

أثيوبيا ما يزيد على عشرة آالف طن من الن من مزارعها التي تبلغ


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

74<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

25 ألف هكتار يف جنوب إثيوبيا وتصدر %70 من اإلنتاج للخارج.‏<br />

وتستثمر السعودية بكثافة يف مجاالت البناء والزراعة والتعدين<br />

والفنادق واملستلزمات الطبية والصحية والتعليم يف إثيوبيا،‏ ومن<br />

املجاالت التي تشهد منوًا إنتاج الشاي،‏ ويتوقع أن تبلغ عائدات شركة<br />

‏»سعودي ستار«‏ 60 مليون دوالر عام ‎2016‎م،‏ بعد االنتهاء من إقامة<br />

نظام للري املتقدم يف هذه األراضي،‏ وتصدير %60 من األرز املنتج<br />

إلى الدول العربية.‏ وقد عقدت السعودية نحو 16 اتفاقية زرعت<br />

مبوجبها 1.713.357 هكتار خمس اتفاقيات منها يف إثيوبيا وحدها،‏<br />

باإلضافة إلى السودان والسنغال وجنوب السودان.‏<br />

خامسً‏ ا:‏ السيناريوهات المستقبلية للعالقات السعودية <br />

اإلفريقية<br />

من املتوقع أن تزداد كثافة العاقات السعودية اإلفريقية بشكل<br />

عام لتفعيل منظومة الشراكة مع الدول اإلفريقية،‏ رغبة يف حتقيق<br />

مصاحلها اإلستراتيجية،‏ التي تتمثل يف إيجاد سوق ملواد خام<br />

رخيصة،‏ ومصدر لعمالة أقل أجرًا،‏ وحتقيق هدفها يف مراقبة<br />

اإلنتاج النفطي عن قرب يف الدول اإلفريقية،‏ وهناك سيناريوهان<br />

محتمان للعاقات املستقبلية بني السعودية والدول اإلفريقية.‏<br />

السيناريو األول:‏ جناح التجربة السعودية يف تفعيل وتنويع<br />

عاقاتها بدول القارة اإلفريقية خاصة أنها متتلك الدور الديني،‏<br />

والقوة االقتصادية،‏ والدور اإلقليمي،‏ والثقل الدولي الذي يؤهلها<br />

للقيام بدور القائد للعاقات العربية اإلفريقية،‏ وذلك من خال<br />

زيادة حجم التبادل التجاري والتركيز على الفرص االستثمارية<br />

األكثر جذبًا يف إفريقيا.‏<br />

السيناريو الثاني:‏ تشكيل حتالف عربي يف القارة اإلفريقية<br />

يتكون من مصر-السعودية – اإلمارات،‏ وهذا التحالف يحمل<br />

عناصر النجاح واالستمرارية لعدة أسباب منها غياب التعارض<br />

يف املصالح اإلستراتيجية واالقتصادية بني الدول الثاث،‏ وهو<br />

األمر الذي يضمن التنسيق والفاعلية لتحركاتها مجتمعة،‏<br />

والدرجة العالية من التنسيق االستراتيجي بني الدول الثاث يف<br />

العديد من امللفات اإلقليمية.‏<br />

‏*مدرس اقتصاد،‏ معهد البحوث والدراسات اإلفريقية <br />

جامعة القاهرة


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 75<br />

العدد ملف<br />

استراتيجية لتعزيز الشراكة العربية اإلفريقية لم تعد مجرد خيار<br />

التكتالت االقتصادية اإلفريقية:‏<br />

التبادل التجاري ضرورة تنموية<br />

متتد العاقات العربية اإلفريقية إلى زمن بعيد،‏ حيث جمعتهم ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابهة،‏ لكن<br />

على مستوى العاقات التجارية اتسمت بضعفها وبوهن التكامل االقتصادي،‏ قد يكون ذلك العتماد كل منهما على<br />

استيراد الغذاء والتكنولوجيا،‏ وقد يعزو البعض ضعف هذه العاقات النخفاض تدفقات األموال العربية إلى إفريقيا،‏<br />

فغالبا ما تكون هذه األموال إما يف صورة منح أو قروض فمعظمها يأتي من السعودية،‏ اإلمارات،‏ والكويت،‏ ثم ليبيا.‏<br />

وأغلبها يف شكل ثنائي بني احلكومات لكن يقل ظهور القطاع اخلاص يف هذا املضمار.‏ بينما ينشط دور مؤسسات<br />

التمويل العربية مثل البنك العربي للتنمية االقتصادية يف إفريقيا،‏ ودار املال اإلسامي،‏ والبنك اإلسامي للتنمية،‏<br />

والصندوق العربي للتنمية االقتصادية واالجتماعية.‏<br />

د.‏ هويدا عبد العظيم عبد الهادي<br />

تنقسم هذه الورقة إلى جزأين رئيسني يتناول األول أهم<br />

التكتات االقتصادية اإلفريقية،‏ والثاني يتضمن أوجه التعاون<br />

والتبادل التجاري العربي اإلفريقي.‏<br />

اوالً:‏ التكتالت االقتصادية يف إفريقيا:‏ هناك سبعة تجمعات<br />

إقليمية رئيسية يف إفريقيا<br />

1- االتحاد المغربي العربي:‏ أنشئ سنة ‎1964‎م،‏ بغرض تنشيط<br />

الروابط االقتصادية بني دول املنطقة،‏ لكن لم يكتب له النجاح<br />

حتى ‎1988‎م،‏ حيث مت االتفاق بني اجلزائر،‏ املغرب،‏ تونس،‏ ليبيا،‏<br />

وموريتانيا على إقامة االحتاد املغربي العربي عن قيامه رسميًا<br />

مبقره يف الرباط ‎1989‎م،‏ ثم أخذ شكل احتاد اقتصادي بغرض<br />

حرية التجارة كمنطقة حرة،‏ لكنه أخذ يبطئ اخلطى منذ<br />

‎1995‎م.‏ حيث واجه بعض الصعوبات التي عملت على جتمد<br />

وتعثر جهوده.‏<br />

ثم وقعت اتفاقية أغادير بين مصر،‏ المغرب،‏ تونس،‏ واألردن<br />

يف ‎2004/2/22‎م،‏ وقد دخل االتفاق حيز النفاذ يف ‎2006/7/6‎م.‏<br />

2- سوق الشرق والجنوب اإلفريقي ‏)الكوميسا(:‏ يضم 19 دولة يف<br />

شرق وجنوب إفريقيا،‏ ‏)بعد انسحاب تنزانيا ‎2000‎م،‏ وانضمام<br />

ليبيا 2005( املقر ‏)زامبيا(‏ والدول األعضاء هي:‏ بوروندي،‏ القمر.‏<br />

الكنغو،‏ جيبوتي،‏ مصر،‏ ارتريا،‏ اثيوبيا،‏ كينيا،‏ ليبيا،‏ سيشل،‏<br />

مدغشقر،‏ ماالوي،‏ موريشيوس،‏ رواندا،‏ السودان،‏ سوازياندا،‏<br />

اوغندا،‏ زامبيا،‏ زميبابوي ‏)‏‎19‎دولة(.‏ نشأ ‎1980‎م،‏ كمنطقة جتارة<br />

تفضيلية بغرض تقوية التجارة بني الدول األعضاء ثم حتول إلى<br />

السوق املشتركة يف ‎1994‎م.‏ يف ‎2001‎م،‏ أنشئت منطقة جتارة حرة<br />

وضمت وقتها 11 دولة ثم انضمت بورندي وروندا يف ‎2004‎م،‏ ثم<br />

ليبيا يف ‎2006‎م،‏ وجزر القمر وعملت معظم الدول على تكوين<br />

احتاد جمركي ليقوم األعضاء بتوحيد تعريفة جمركية على<br />

الواردات من خارج االحتاد ثم إقامة احتاد نقدي يتم على 4<br />

مراحل تنتهي يف ‎2025‎م.‏<br />

وإذا كانت اتفاقية الكوميسا نصت على إزالة كافة الرسوم<br />

اجلمركية بني األعضاء مع االلتزام بقواعد املنشأ التي حددتها،‏<br />

لذلك التزمت كل من مصر وكينيا ومدغشقر بتخفيض الرسوم<br />

بنسبة ٪90 وهناك بعض الدول)‏‎7‎‏(‏ قامت بتخفيض الرسوم ب‎٪80‎<br />

وواحدة ب ٪60 أما بقية الدول )9( فلم تطبق أي تخفيضات.‏ يف<br />

أبريل ‎2007‎م،‏ مت االتفاق على أن يكون هناك تعريفة جمركية<br />

موحدة للكوميسا صفر على املواد اخلام والسلع الرأسمالية<br />

٪10 على املنتجات الوسيطة،‏ ٪25 على املنتجات النهائية،‏<br />

ومتثلت الدول التي بدأت بتطبيق التعريفة اجلمركية املوحدة<br />

يف كينيا ومدغشقر وماالوي سوازالند واوغندا وزامبيا واثيوبيا<br />

والسودان ورواندا.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

76<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

تجمع الساحل والصحراء أكبر تجمع إفريقي يضم 28 دولة ونصف<br />

سكان القارة نشأ عام ‎1998‎م كتكتل سياسي بين المحيطين<br />

‎3‎‏-تجمع الساحل والصحراء:‏ أكبر جتمع يف القارة يضم 28 دولة<br />

حاليًا يف غرب ووسط وشمال القارة،‏ نشأ ‎1998‎م،‏ بغرض تكوين<br />

تكتل سياسي ميتد بني احمليطني.‏ فيه نصف سكان إفريقيا،‏<br />

بدأ بتشاد،‏ النيجر،‏ ليبيا،‏ السودان،‏ مالي،‏ وبوركينافاسو.‏ وكانت<br />

هناك دعوة ليبية إلى دمج االحتادات اإلقليمية الفرعية وتشكيل<br />

جماعة اقتصادية واحدة تضم االيكواس،‏ واملغرب العربي حتت<br />

رئاسة واحدة،‏ ومصرف وهوية واحدة،‏ وذلك كما جاء يف بيان<br />

مؤمتر القمة ‎2006‎م،‏ فتمت املوافقة على تشكيل جلنة لدراسة<br />

تنفيذ هذا القرار.‏<br />

‎4‎‏-االتحاد االقتصادي لدول وسط إفريقيا االيكاس ‏)المقر<br />

ليبرفيل(‏ الجابون يضم 11 دولة من وسط إفريقيا أجنوال،‏<br />

بورندي،‏ الكاميرون،‏ إفريقيا الوسطى،‏ تشاد،‏ الكنغو،‏ غينيا<br />

االستوائية،‏ اجلابون،‏ ساوتومي،‏ رواندا،‏ وزائير.‏ ونشأ عام<br />

‎1983‎م،‏ بغرض دعم التعاون والتنمية بني األعضاء،‏ ثم حتول يف<br />

‎1994‎م،‏ إلى اجلماعة االقتصادية والنقدية ‏)السيماك(‏ وأهم ما<br />

مييز هذا التجمع أنه يتعامل بعملة واحدة ‏»السيفا«‏ ولديه بنك<br />

مركزي واحد يف ياوندي.‏ أهم االقتصادات:‏ الكاميرون،‏ واجلابون<br />

وانقطعت االجتماعات من 98-92 بسبب عدم تسديد الدول<br />

االعضاء اشتراكات العضوية واستمرار احلروب يف بورندي<br />

وتشاد.‏ كما اعلنت رواندا عن رغبتها يف ايقاف عضويتها نظرا<br />

لألعباء التي تتحملها نتيجة النضمامها ألكثر من جتمع.‏ ويف<br />

1999 عقدت قمة االيكاس بغرض انشاء قوة حفظ السام يف<br />

املنطقة ‏)الكوباكس(‏ بهدف منع النزاعات القائمة ومت نقلها من<br />

ياوندي إلى إفريقيا الوسطى يف ‎2008‎م،‏ لكنها لم حتقق املرحلة<br />

الثانية للتكامل بسبب كثرة احلروب األهلية واالنتماء ألكثر من<br />

جماعة.‏ وقعت مصر اتفاق إطاري إلبرام منطقة جتارة حرة<br />

بني مصر وجماعة السيماك،‏ كما تتمتع مصر بعاقات جتارية<br />

ثنائية مع الدول األعضاء يف جتمع السيماك،‏ وتعد الكاميرون<br />

أكثر هذه الدول تعاماً‏ مع مصر من حيث مستويات التبادل<br />

التجاري،‏ حيث يجعلها ذلك أحد أكبر البوابات اإلفريقية<br />

للصادرات املصرية،‏ ومن املستهدف إنشاء مخزن دائم للسلع<br />

املصرية لتكون نقطة انطاق إلى باقي دول التجمع.‏ مت اعتماد<br />

مصر كدولة صديقة لدى التجمع االقتصادي لدول وسط<br />

إفريقيا .))ECCAS CEEAC<br />

5- ECOWAS نشأت الجماعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا<br />

يف ‏)الجوس ) عام 1975 م،‏ و يضم 15 دولة يف غرب إفريقيا،‏<br />

مبوجب اتفاقية الجوس،‏ وقد مت تنقيح االتفاقية املنشأة عام<br />

‎1993‎م،‏ حيث أعطت اهتماما أكبر بالتنمية الزراعية والصناعية<br />

وحترير التجارة،‏ ثم انتقل املقر إلى ابوجا يف‎1995‎م.‏ ويف ‎1999‎م،‏<br />

أعلن رئيس االيكواس عن قيام منطقة النقد الثانية وانفتاحها على<br />

منطقة النقد األولى ‏)االميوا(‏ ثم أقاموا احتادًا جمركيًا واقتصاديًا<br />

ونقديًا لغرب إفريقيا يناير ‎2000‎م،‏ لتتعامل الدول بعملة واحدة<br />

السيفا،‏ وانسحبت موريتانيا من التجمع وعزمت الدول الست غانا<br />

غينيا جامبيا نيجيريا ليبيريا،‏ وسيراليون على الدخول يف يناير<br />

‎2003‎م،‏ وذلك من أجل تسهيل عمليات تبادل الصفقات وانتقال<br />

األفراد ‏.الدول األعضاء:‏ بنني،‏ بوركينا فاسو،‏ كيب فير،‏ جامبيا<br />

‏،غانا،‏ غينيا،‏ غينيا بيساو،‏ ساحل العاج ، ليبيريا،‏ مالي،‏ النيجر ،<br />

نيجيريا ‏،السنغال ‏،سيراليون،‏ توجو.‏<br />

ويتضح دور االيكواس يف تكوين قوات حفظ السام ايكوموج<br />

والتي متثل هدفها يف وقف إطاق النار وظهر ذلك واضحا يف<br />

ليبيريا مت توقيع اتفاق إطاري بني مصر ومفوضية االميوا متهيداً‏<br />

لتوقيع اتفاق التجارة احلرة ‏)دول االميوا الثمانية أعضاء بتجمع<br />

االيكواس(.‏ تعد هذه اخلطوة هامة على طريق تعزيز العاقات<br />

املصرية مع الدول اإلفريقية والتجمعات االقتصادية اإلقليمية يف<br />

القارة،‏ خاصة يف ضوء مسعى مصر إلقامة منطقة جتارة حرة<br />

مع االيكواس.‏<br />

‎6‎‏-تجمع السادك:‏ يشمل 15 دولة،‏ مقره جابروني ‏)بتسوانا(‏<br />

يغطى كل دول اجلنوب اإلفريقي،‏ نشأ عام ‎1980‎م،‏ بغرض تقليل<br />

االعتماد على جنوب إفريقيا لكن سرعان ما حتول الى اجلماعة<br />

االقتصادية االمنائية للجنوب اإلفريقي وزادت التجارة مع جنوب<br />

إفريقيا 3 أضعاف يف‎1994‎م،‏ ثم حتول الى منطقة جتارة حرة<br />

يف 2008 بغرض إزالة احلواجز اجلمركية بني األعضاء حيث يتم<br />

حترير التجارة ب ٪85. وسعى إلى إقامة احتاد جمركي ‎2010‎م،‏<br />

ليفرض تعريفة جمركية موحدة.‏ كذلك استهدف قيام سوق<br />

مشتركة حلرية دخول وخروج عناصر االنتاج ‎2015‎م،‏ على أن<br />

يتم توحيد السياسة التجارية والنقدية يف‎2016‎م.‏ وكذلك العملة<br />

املوحدة فتكون يف ‎2018‎م.‏ الدول األعضاء ‏)اجنوال،‏ بتسوانا،‏<br />

ليسوتو،‏ ماالوي،‏ موزمبيق،‏ سوازياند تنزانيا،‏ زامبيا،‏ زميبابوي.‏<br />

ناميبيا،‏ جنوب إفريقيا،‏ موريشيوس،‏ الكنغو،‏ مدغشقر،‏ سيشل(‏<br />

ورفضت رواندا ألسباب اجرائية.‏<br />

7- سوق شرق إفريقيا:‏ كان يضم كينيا وتنزانيا واوغندا لكنه<br />

تفكك ‎1977‎م،‏ ( بسبب عوامل كثيرة من أهمها عدم التوزيع


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 77<br />

العدد ملف<br />

العادل بني الدول األعضاء واستئثار كينيا باملنافع عن الدول<br />

األخرى ) لكن أعادت الدول النظر يف إحيائه مرة أخرى 2000 ثم<br />

انضمت كل من بورندي ورواندا اليهم)املقر اروشا(‏ تنزانيا سنة<br />

‎2008‎م،‏ وبعد مباحثات ومفاوضات بني هذه املجموعة)االياك(‏<br />

و مجموعة تنمية إفريقيا اجلنوبية ( السادك(‏ و الكوميسا،‏<br />

توصلت املجموعة التفاق بشأن توسيع وتضخيم سوق التجارة<br />

احلرة بني بلدان املنظمات الثاث.‏ وتعتبر املجموعة من<br />

ركائز اجلماعة االقتصادية اإلفريقية.‏<br />

يف ‎2009‎م،‏ وقعت كل من الكوميسا واالياك والسادك على<br />

مسودة اتفاقية إنشاء منطقة التجارة احلرة،‏ ويف اخلامس من<br />

ديسمبر من العام نفسه ووقعت التجمعات<br />

الثاثة على اتفاقية ثاثية تعد األولى من<br />

نوعها يف إفريقيا لتطبيق نظام النقطة اجلمركية<br />

الواحدة One Stop Borde Point يف منطقة<br />

شيروندو على حدود زامبيا وزميبابوي،‏ بهدف<br />

تيسير اإلجراءات اجلمركية وتوفير الوقت<br />

والتكاليف وحتسني القدرة التنافسية.‏ ويقوم<br />

هذا النظام على أساس عدم االضطرار<br />

إلى اجراء املعامات اجلمركية على طريف<br />

احلدود وإمنا يكتفي بإجرائها مرة واحدة.‏ يف<br />

25 اكتوبر‎2014‎م،‏ مت اإلعان عن قيام منطقة التجارة احلرة<br />

بني التجمعات الثاثة السادك والكوميسا واالياك ‏)سوق شرق<br />

إفريقيا(‏ ليمتد من القاهرة إلى جنوب إفريقيا متضمنا 26 دولة،‏<br />

يقطنها 625 مليون نسمة،‏ بناجت محلى إجمالي‎1.2‎ تريليون<br />

دوالر،‏ ويشكل ٪ 60 من النشاط االقتصادي للقارة،‏ ويعد النجاح<br />

يف هذا التجمع متواضعًا،‏ على الرغم من تنوع الدول األعضاء ما<br />

بني غنية وفقيرة باملوارد الطبيعية،‏ وساحلية وحبيسة فهناك‎15‎<br />

دولة حبيسة صغيرة وكبيرة.‏ هذا إلى جانب اختاف اللغات<br />

ومجموعات عرقية مختلفة.‏ ومن ثم تعد أكبر منطقة جتارة حرة<br />

يف إفريقيا.‏<br />

يؤخذ على التكتات االقتصادية اإلقليمية اإلفريقية أنها<br />

لم حتقق األهداف املرجوة منها سواء على مستوى التجارة<br />

الداخلية أو اخلارجية.‏ قد يكون السبب راجع إلى:‏ عدم التزام<br />

الدول األعضاء بتنفيذ االتفاقيات،‏ وعدم قدرتها على حل<br />

الصراعات،‏ نقص املشروعات املشتركة كما فشلت احلكومات<br />

يف ترجمة التزاماتها باالتفاقيات وعدم وجود جدول زمنى<br />

لتنفيذ التخفيض يف التعريفات،‏ ضعف التمويل الذي يعد من<br />

املشاكل األساسية التي تواجه التجمعات اإلقليمية فاملساهمة<br />

الفعلية تنخفض مبرور الوقت وغالبًا ال تكفي ملقابلة االحتياجات<br />

وتكون النتيجة بيئة مالية غير صاحلة واملثال على ذلك ثاثة<br />

المغرب األولى في<br />

صناعة السيارات عى<br />

منطقة شمال إفريقيا<br />

والثانية عى مستوى<br />

القارة بعد جنوب إفريقيا<br />

جتمعات مثل)‏ االياك والكوميسا والسادك(‏ حيث جمعت أقل من<br />

نصف مساهمات الدول اإلعضاء خاصة يف السادك والكوميسا<br />

حيث جتاوزت االحتياجات مساهمات الدول األعضاء وأصبحت<br />

الفجوة كبيرة بني االحتياجات واملساهمات.‏<br />

ياحظ على اجلماعات االقتصادية اإلقليمية تقف عند<br />

املرحلة الثالثة وفقًا التفاقية ابوجا وهي املرحلة اخلاصة<br />

مبنطقة التجارة احلرة واالحتاد اجلمركي لكل جماعة إقليمية<br />

قائمة،‏ وقد اتفق على أن تنتهي هذه املرحلة يف غضون عشر<br />

سنوات،‏ إال أنه من املاحظ تفاوت يف اداء اجلماعات يف مجال<br />

تطبيق اتفاقيتها اخلاصة بتحرير التجارة البينية.‏ ويف الوقت<br />

الذي جنحت فيه كل من الكوميسا والسادك لكن<br />

مازال هناك تباطؤ يف تنفيذ هذه املرحلة من قبل<br />

االيكواس وااليجاد.‏<br />

إجماالً‏ ميكن القول بان أهم ما مييز التكتات<br />

االقتصادية اإلفريقية هو انخفاض قيمة التجارة<br />

البينية ووقوفها عند املرحلة الثالثة وهي منطقة<br />

التجارة احلرة وان كان بعضها دخل يف مرحلة<br />

االحتاد اجلمركي.‏ اما التحدي االساسي لها هو<br />

نقص التمويل فقد يكون ذلك بسبب اعتمادها<br />

على تصدير املواد األولية واخلام املتمثلة يف<br />

املعادن واملواد الزراعية والنفط اخلام وخضوعها لتغيرات<br />

األسعار يف السوق العاملي.‏<br />

ثانيًا:‏ أوجه التعاون والتبادل التجاري العربي اإلفريقي.‏<br />

تعتبر إفريقيا االمتداد اإلقليمي واجلغرايف واالستراتيجي<br />

للدول العربية سواء يف شمال إفريقيا أو يف منطقة اخلليج<br />

العربي،‏ ولهذا فإن وضع استراتيجية عربية طموحة لتعزيز<br />

الشراكة العربية اإلفريقية لم تعد مجرد خيار،‏ يف ظل التدافع<br />

العاملي واخلطط التي تعد للسيطرة على أسواق إفريقيا<br />

الواعدة ومواردها الطبيعية املتنوعة.‏ فقد لوحظ تركز جتارة<br />

التكتات االقتصادية اإلفريقية مع شركاء بعينهم على رأسهم<br />

االحتاد األوروبي،‏ والواليات املتحدة،‏ والصني،‏ بنسب كبيرة<br />

سواء يف الصادرات أو الواردات.‏ وغالبًا ما يصدروا السلع<br />

األولية التي تتصدر قائمة الصادرات ملعظم التكتات خاصة<br />

السادك،‏ يليها الصناعات الوسيطة والتي ترجع يف معظمها<br />

إلى وجود جنوب إفريقيا يف هذا التجمع ‏)وهي صاحبة أكبر<br />

صناعة حتويلية يف هذه اجلماعة إلى جانب صناعة السيارات<br />

التي تتميز بها عن سائر دول املنطقة(،‏ أو لوجود مصر يف<br />

جتمع الكوميسا،‏ وكذلك لوجود املغرب يف اتفاقية أغادير<br />

وأيضً‏ ا جتمع الساحل والصحراء التي يرتفع فيه صادراته


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

78<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

من السيارات.‏ ثم يليها السلع الزراعية املتمثلة يف الفواكه<br />

واخلضروات واحلبوب.‏<br />

وأهم شريك جتاري لصادرات السادك هو االحتاد األوروبي<br />

ويستأثر بالنسبة األكبر من صادرات بتسوانا على سبيل املثال<br />

)٪75 من املاس(،‏ ثم زامبيا تصدر ما يقرب من ٪94 من<br />

الفواكه إلى االحتاد األوروبي إلى جانب ٪90 من املنسوجات.‏<br />

ثم الواليات املتحدة،‏ يليها الصني.‏ أما بالنسبة للواردات فتظهر<br />

اآلالت واملعدات كأكبر نسبة يف فاتورة واردات السادك ثم السلع<br />

الوسيطة واألغذية املصنعة.‏<br />

سبق وأن أشرنا إلى تكوين منطقة التجارة احلرة اإلفريقية<br />

للتجمعات الثاثة وما وصلت إليه من مراحل التكامل<br />

اإلقليمي،‏ يف املقابل كانت هناك منطقة جتارة حرة عربية<br />

قامت وفقًا التفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بني الدول<br />

العربية بغرض حترير التبادل التجاري بينها،‏ والتي مت املوافقة<br />

عليها مبوجب قرار املجلس االقتصادي واالجتماعي بتاريخ<br />

‎1982/2/27‎م،‏ متثلت رغبة الدول العربية يف تنفيذ ذلك من<br />

خال إقامة منطقة جتارة حرة عربية كبرى بعد إقرار املجلس<br />

االقتصادي واالجتماعي مبوجب قراره بتاريخ ‎1997/2/19‎م،‏<br />

وتضم هذه املنطقة حاليا 20 دولة عربية منها دول عربية<br />

إفريقية.‏<br />

الغرض من اإلشارة لوجود كل من املنطقة احلرة العربية<br />

وأخرى إفريقية يشير إلى إمكانية قيام سوق حرة كبيرة عربية<br />

إفريقية تتمتع بتخفيض وإزالة اجلمارك بني الدول األعضاء<br />

)20( أعضاء املنطقة العربية )26( أعضاء اإلفريقية؛ مما يعنى<br />

زيادة حجم الطلب نتيجة تزايد أعداد السكان وتنوع األذواق<br />

واتساع حجم السوق .<br />

وتتضح استفادة الدول األعضاء من التخفيضات اجلمركية<br />

حينما يقوم املنتِج املصري أو السعودي بالتصدير إلى السودان<br />

يف إطار اتفاقية تنمية وتيسير التبادل التجاري العربي سيحصل<br />

على نسبة من اإلعفاءات اجلمركية كبيرة وفقًا جلدول<br />

التخفيض التدريجي يف االتفاقية العربية وأيضً‏ ا وفقًا لإلعفاءات<br />

املدرجة يف اتفاقية الكوميسا.‏ واملثال اآلخر يظهر يف أن املغرب<br />

حتتل املرتبة األولى يف مجال صناعة السيارات على مستوى<br />

منطقة شمال إفريقيا ‏)على حساب مصر التي كانت تتصدر<br />

املشهد سنة ‎2011‎م،‏ حيث شهدت مبيعات السيارات ارتفاعًا<br />

بنسبة ٪3،58، بقيمة تصل إلى ثمانية مليارات درهم )963<br />

مليون يورو(.‏ وكانت صادرات السيارات ومكوناتها قد قفزت<br />

يف عام ‎2014‎م،‏ بنسبة ٪53 مقارنة بعام ‎2013‎م،‏ لتصل إلى<br />

نحو ملياري دوالر(‏ والثانية على صعيد القارة اإلفريقية بعد<br />

جنوب إفريقيا التي تتصدر قائمة الدول اإلفريقية املصنعة<br />

واملصدرة للسيارات.‏ يف الوقت الذي تعد فيه السعودية أكبر<br />

مستورد للسيارات وقطع الغيار،‏ وتعتمد السوق السعودية<br />

بشكل كبير على السيارات املشهورة عاملياً،‏ ويف ظل عدم وجود<br />

مصانع سيارات يف اململكة،‏ ووجود قيود على استيراد السيارات<br />

املستعملة.‏ ويصل حجم استيراد املركبات يف اململكة السعودية<br />

إلى 77 بليون ريال،‏ وهو ما يجعل السعودية أكبر سوق<br />

للسيارات يف الشرق األوسط.‏ فبلغ استيرادها يف املتوسط نحو<br />

679 ألف مركبة سنوياً،‏ ومبعدل منو سنوي قدره ٪. 9.5 بل<br />

أضحت السعودية حالياً‏ مركز إعادة تصدير رئيسي للسيارات<br />

وقطع الغيار يف املنطقة.‏ وبلغت قيمة إعادة التصدير للسيارات<br />

وقطع الغيار لعام واحد نحو ستة بايني ريال،‏ ومبعدل منو<br />

سنوي قدره ٪13 ، وهو ما يشكل نواة لدخول منتجات صناعة<br />

السيارات السعودية لهذه األسواق.‏<br />

فإذا ما تكونت منطقة حرة عربية إفريقية تضم املنطقتني<br />

سويا لتمتع كل دولة عضو بإلغاء التعريفات بينها ولتصبح الدول<br />

العربية اإلفريقية معتمدة على بعضهم البعض وتصبح الدول<br />

العربية مثل السعودية واإلمارات والكويت على قائمة الصادرات<br />

اإلفريقية بدالً‏ من االحتاد األوروبي أو الواليات املتحدة.‏<br />

واجلدير بالذكر هو توافر كميات كبيرة من الوقود احليوي<br />

إلفريقيا ومصادر للطاقة املتجددة التي تكون مبثابة بديل عن<br />

مصادر الطاقة القابلة للنفاذ يف باقي الدول النفطية،‏ السيما<br />

وأن النفط مورد قابل للنفاد مما يستلزم البحث عن موارد<br />

أخرى بديلة وهي تتواجد بوفرة يف إفريقيا مثل الطاقة الكامنة<br />

والطاقة احلرارية.‏ وتتمتع إفريقيا مبساحات واسعة من<br />

األراضي تسمح بزراعة الوقود احليوي واملنتجات الغذائية التي<br />

تستوردها كل من الدول العربية وبعض اإلفريقية،‏ إلى جانب<br />

توافر مصادر املياه ‏)التي تعاني من ندرتها الدول العربية ودول<br />

الشرق األوسط(.‏ وإن كان األمر كذلك فإن إفريقيا يف حاجة<br />

ماسة إلى التمويل حتى تستطيع استغال إمكانياتها الزراعية<br />

واملعدنية الوفيرة وتسطيع الدول العربية القيام بالتمويل الازم<br />

بدال من االعتماد على مؤسسات التمويل الدولية التي تتطلب<br />

شروط وضمانات باهظة.‏<br />

حيث ميكن إلفريقيا أن تساعد العالم العربي يف حتقيق<br />

أمنه الغذائي،‏ كما أنها ثاني منتج للقطن يف العالم،‏ ولكن<br />

ما يصنّع من القطن يف إفريقيا ال يتجاوز ٪5 حاليًا،‏ لذلك<br />

هناك حاجة ماسة لرفع نسبة التصنيع لتوفير فرص العمل<br />

لألفارقة والعرب،‏ وذلك يف إطار برنامج إفريقي عربي لتصنيع<br />

٪25 من القطن املنتج يف إفريقيا مما يوفر 50 ألف وظيفة<br />

جديدة.‏ ونتيجة لذلك أضحى من الضروري إعادة النظر يف<br />

تنظيم اإلنتاج،‏ وتسويق املنتجات الزراعية واملصالح املساندة


للزراعة،‏ باإلضافة إلى توفير املوارد املالية،‏ وتقدر رؤوس<br />

األموال الضرورية لذلك بحوالي 18 مليار دوالر أمريكي<br />

سنوياً.‏ كما يضمن تنظيم وإدارة هذه املوارد،‏ الدخول<br />

لألسواق اخلارجية التي ال تزال أساسية بالنسبة لتسويق<br />

المنتجات اإلفريقية من القطن،‏ والكاكاو،‏ والن،‏ والشاي<br />

واملنتجات األخرى.‏<br />

إجماال:‏ إن الزراعة يف إفريقيا تتمتع بإمكانيات منو كبيرة<br />

لكنها تعاني من غياب استراتيجية فيما يخص املوارد املالية<br />

والوسائل الفنية.‏ وميكن سد جزء من هذه الفجوة بالتعاون<br />

بني الدول العربية والدول اإلفريقية لصالح الطرفني وذلك<br />

عن طريق شراكة مفيدة للطرفني يفرضها وجود فرص كبيرة<br />

للتكامل بني املنطقتني:‏ بتوفير املوارد املالية والوسائل الفنية<br />

من اجلانب العربي وتوفير املياه واألراضي واليد العاملة من<br />

اجلانب اإلفريقي ‏.من أهم حتديات األمن الغذائي العربي قلة<br />

األراضي اخلصبة وشح املوارد املائية،‏ إذ يلبي اإلنتاج الزراعي<br />

العربي ٪54 فقط من االستهاك،‏ وتنخفض هذه النسبة<br />

إلى ٪25 فقط يف بعض البلدان ‏.بينما تقارب نسبة استيراد<br />

بعض املواد مثل السكر،‏ والزيت مثا ٪10. ويف نفس الوقت<br />

الذي يتوافر لدى الدول اإلفريقية مصادر كبيرة من املياه<br />

املتجددة سنوياً‏ وهي حاصل املياه اجلارية يف كل بلد زائداً‏<br />

املياه القادمة من البلدان املجاورة.‏ ويستغل حالياً‏ من هذه<br />

املياه حوالي ٪5.5.<br />

التوصيات:‏ أهم ما يوصى به هو دعوة احلكومات<br />

العربية واإلفريقية للحفاظ على القدرة احملدودة للموارد<br />

الزراعية واألراضي واملياه لتجديد خدماتها من خال تبني<br />

سياسات مناسبة لتحقيق األمن الغذائي القائم على استدامة<br />

الزراعة،‏ ودعوة احلكومات وأصحاب املصلحة املعنني باتخاذ<br />

ما يلزم من سياسات واجراءات لوقف التصحر وتآكل التربة<br />

والعمل على حتسني كفاءة مياه الري وحتسني انتاجية املياه<br />

من خال استخدام طرق الري احلديثة واملمارسات الزراعية<br />

السليمة.‏ أما على مستوى التبادل التجاري فابد من إزالة<br />

احلواجز اجلمركية التي تعوق تدفق التجارة سواء للسلع<br />

أو الخدمات وتكوين منطقة جتارة حرة عربية - إفريقية<br />

لتطوير التجارة واالستثمار والتركيز على دعم شبكة الطرق<br />

واملواصات التي تعمل على تقوية التجارة بني املنطقتني<br />

مع تبادل املعلومات واالهتمام باالقتصاد املعريف.‏<br />

مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 79<br />

ما يصنّع من القطن يف أفريقيا ال يتجاوز %5 والشراكة العربية<br />

ترفعه إىل %25 وتوفّر 50 ألف وظيفة جديدة<br />

العدد ملف<br />

ومن أهم المجاالت ذات إمكانات لتنمية التبادالت االقتصادية<br />

تتمثل يف:‏<br />

- بالنسبة لبلدان جنوب الصحراء الكبرى:‏ تصدير املنتجات<br />

التعدينية والزراعية والغذائية واستيراد السلع املصنعة مبا<br />

يف ذلك األنظمة امليكانيكية والكهربائية،‏ املواد الكيميائية<br />

واملستحضرات الصيدالنية،‏ املنسوجات،‏ مواد البناء واملواد<br />

الغذائية.‏<br />

- بالنسبة للبلدان المغاربية:‏ تصدير السلع املصنعة مبا يف ذلك<br />

األنظمة امليكانيكية والكهربائية،‏ املواد الكيميائية واملستحضرات<br />

الصيدالنية،‏ املنسوجات،‏ مواد البناء واملواد الغذائية،‏ واستيراد<br />

املنتجات التعدينية والزراعية والغذائية،‏ االستثمار املباشر يف<br />

تنمية املوارد املائية والطاقة والتعدين مع تطوير اإلنتاج الزراعي<br />

والرعوي والصناعة التجهيزية ذات الصلة وتطوير اخلدمات<br />

اللوجستية يف ميدان النقل والتخزين واحلفظ وجتهيز املنتجات<br />

املصنعة أو املستوردة.‏<br />

يؤدي التكامل االقتصادي والتعاون اإلقليمي إلى زيادة<br />

اإلنتاج والتجارة بني الدول األعضاء.‏ فالتجارة داخل اإلقليم<br />

تخلق فرصً‏ ا لألعمال التجارية تتشارك يف فوائدها كافة الدول<br />

املشتركة يف التبادل.‏ فالدول العربية والدول اإلفريقية تشكل<br />

سوقًا كبيرًا يضم حوالي 1200 مليون نسمة ٪17.5 من سكان<br />

العالم(.‏ كما تتمتع هذه الدول بإمكانيات اقتصادية قوامها<br />

املوارد الطبيعية الغنية واحتياطيات النفط والغاز ورصيد<br />

هائل من القوى العاملة.‏ لذا فإن من شأن استغال هذه<br />

املوارد التسريع يف التقدم االقتصادي واالجتماعي مبا يضمن<br />

التخفيف من حدة الفقر،‏ وفض النزاعات السياسية،‏ وحتسني<br />

مستويات املعيشة،‏ واستدامة التنمية.‏<br />

مبعنى آخر فإن التعاون يف مضمار التجارة واالستثمار<br />

ميكن هذه الدول من تسوية خافتها السياسية وتقليل عدم<br />

االستقرار السياسي.‏ لهذا فإن زيادة التجارة بني الدول<br />

العربية والدول اإلفريقية أضحى من ضرورات التنمية.‏ إال أنه<br />

ينبغي على التجارة اإلقليمية أن تركز على االقتصادات بدال<br />

عن السياسة.‏<br />

‏*أستاذ االقتصاد مبعهد البحوث والدراسات اإلفريقية <br />

جامعة القاهرة


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

80<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

اتفاقيات الرباط مع 40 دولة جنوب الصحراء جسر للتواصل الخليجي<br />

الشراكة المغربية الخليجية بإفريقيا:‏<br />

حتمية استراتيجية تبحث عن المأسسة<br />

تناقش هذه الدراسة الشراكة اخلليجية املغربية بإفريقيا،‏ ومستقبلها يف ظل الصراعات الدولية واإلقليمية.‏ ولذلك<br />

سننطلق من سعي الدول اخلليجية لبناء حتالفات قادرة على التعامل مع الوضع الدولي اجلديد،‏ وارتقائها بعاقاتها مع<br />

املغرب إلى شريك استراتيجي.‏ ونربط هذا االختيار اخلليجي مبوقع اململكة املغربية اجليوستراتيجي الرابط بني أوروبا<br />

وإفريقيا،‏ وإمكانية حتول املغرب لبوابة متر من خالها دول اخلليج للعب دور محوري يف إفريقيا جنوب الصحراء.‏<br />

د.‏ خالد يايموت<br />

1- التعاون والشراكة االقتصادية الخليجية المغربية<br />

تبنى املغرب منذ ‎2007‎م،‏ سياسة استراتيجية خارجية،‏ تهدف<br />

لتنويع الشركاء الدوليني،‏ واإلقليميني؛ وعول كثيرًا على نوعية<br />

التقارب اجلديد مع دول اخلليج،‏ ليكرس دوره كقطب إقليمي<br />

متوسطي له امتدادات دولية خاصة بإفريقيا.‏ ولذلك متاهى منذ<br />

البداية مع دعوته لانضمام ملجلس التعاون اخلليجي،‏ واعتبرها<br />

فرصة للتحول إلى شريك استراتيجي للمجلس،‏ واالستفادة من<br />

الثقل الدولي واملالي لدوله من جهة.‏ ومن جهة ثانية،‏ حتويل<br />

هذا التحالف بني الشريكني العربيني نحو العمق اإلفريقي،‏ الذي<br />

يعتبره املغرب عمق أمنه القومي واالقتصادي.‏<br />

ومن جهة ثالثة،‏ يرجع املغرب هذا ‏»التحالف«،‏ إلى طبيعة<br />

رؤية الطرفني،‏ وقدرتهما على بناء مؤسسات مشتركة تخدم هذا<br />

‏»التحالف«.‏ حيث أكد محمد السادس ملك املغرب يف اجتماع<br />

القمة املغربية اخلليجية األولى من نوعها،‏ التي افتتحت يوم<br />

األربعاء ‏/‏‎2016‎م،‏ 04/20 بالرياض،‏ ‏»لقد متكنا من وضع األسس<br />

املتينة لشراكة استراتيجية،‏ هي نتاج مسار مثمر من التعاون،‏<br />

على املستوى الثنائي،‏ بفضل إرادتنا املشتركة.‏ فالشراكة املغربية<br />

اخلليجية،‏ ليست وليدة مصالح ظرفية،‏ أو حسابات عابرة.‏ وإمنا<br />

تستمد قوتها من اإلميان الصادق بوحدة املصير،‏ ومن تطابق<br />

وجهات النظر،‏ بخصوص قضايانا املشتركة.‏ لذا،‏ جنتمع اليوم،‏<br />

إلعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة،‏ التي بلغت درجة من النضج،‏<br />

أصبحت تفرض علينا تطوير إطارها املؤسسي،‏ وآلياتها العملية”.‏<br />

ومن هنا ميكن فهم اتخاذ الشراكة االستراتيجية بعدها التضامني،‏<br />

والتنسيق الدائم عربيًا ودوليًا.‏ كما مت تعزيز العمل املشترك املتعلق<br />

بالتهديد أو اخلطر اإلرهابي،‏ واالنتقال إلى تبني الطرفني ملقاربة<br />

استباقية خاصة باحلق املشروع يف الدفاع عن النفس وعن املقومات<br />

والقواسم الدينية أمام األطراف اخلارجية والتطرف الديني.‏<br />

ويبدو أن املغرب حقق جزءًا من الهدف القريب املدى،‏<br />

املتمثل يف املساعدات املالية اخلليجية والتي بلغت حوالي 5<br />

مايني ونصف سنة ‎2012‎م.‏ وحسب مؤشر ‏“بلومبورغ”‏ املختص<br />

يف املجال،‏ فإن املغرب احتل املركز 21 بني الدول النامية التي<br />

حققت أكبر منو يف مجال االستثمارات األجنبية،‏ سنة ‎2014‎م،‏<br />

متقدمًا على كل من روسيا ‏)الرتبة 22(، والهند ‏)املركز 24(.<br />

ويف هذا اإلطار تضاعف حجم التبادل التجاري بني املغرب<br />

ودول اخلليج ثاث مرات يف العشر سنوات األخيرة.‏ وشكلت<br />

االستثمارات اخلليجية نسبة مهمة للغاية باملغرب سنة ‎2013‎م،‏<br />

حيث ‏)بلغت 6.2 مليار درهم / نحو 710 مليون دوالر(،‏ مبا<br />

نسبته %15.7 من إجمالي االستثمارات األجنبية.‏<br />

كما ارتفعت استثمارات دول مجلس التعاون اخلليجي باملغرب<br />

خال عام 2014 م وشكلت %28 من إجمالي االستثمارات األجنبية<br />

بالباد.‏ ومتثل استثمارات اإلمارات نسبة %44، متبوعة بالسعودية<br />

%38 فيما تتوزع النسبة الباقية على دول اخلليج األخرى.‏<br />

ويتوقع احتاد غرف دول مجلس التعاون اخلليجي أن تتجاوز<br />

استثمارات دول مجلس التعاون اخلليجي باملغرب 120 مليار دوالر


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 81<br />

العدد ملف<br />

يف ال 10 سنوات املقبلة،‏ وستهم الزراعة والطاقة،‏ قطاع الصناعة<br />

والسياحة،‏ ومجال الهيدروكاربورات واالتصاالت.‏ وتشكل السياحة<br />

والعقار أحد أهم القطاعات املتصدرة الستثمارات الشركات<br />

اخلليجية؛ ومنها مجموعة عارف الكويتية لاستثمارات،‏ وشركة<br />

القدرة القابضة اإلماراتية،‏ والديار القطرية لاستثمار العقاري،‏<br />

وكذا الصندوق البحريني ‏»بيت التمويل اخلليجي«.‏ كما توسعت<br />

هذه االستثمارات املباشرة،‏ لتشمل قطاعات جديدة خاصة الزراعة،‏<br />

والصحة والنقل اجلوي،‏ حيث مت إحداث ‏»الشركة العربية للطيران«،‏<br />

وهي شركة طيران مغربية خاصة تابعة ملجموعة بن صالح وفينانس<br />

كوم،‏ واملجموعة اإلماراتية العربية للطيران.‏<br />

ويف نوفمبر ‎2014‎م،‏ عقد امللتقى الرابع لاستثمار اخلليجي<br />

املغربي،‏ حتت شعار ‏»املغرب بوابة اخلليج نحو إفريقيا”،‏ مبشاركة<br />

خمسمائة رجل أعمال مغربي وخليجي.‏ خصص لبحث سبل تعزيز<br />

االستثمار والشراكة اخلليجية املغربية يف عدة مجاالت.‏ ويف كلمته<br />

شجع رئيس احلكومة املغربية رجال األعمال اخلليجيني لاستثمار<br />

باملغرب،‏ وتعهد مبعاجلة كل العوائق املعرقلة لذلك بقوله:‏ ‏“ميكن أن<br />

ننزع كل ما يُزعجكم ليكون املغرب مبثابة الرئة التي تتنفسون منها”.‏<br />

وقد اعتبر وزير االقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد<br />

بن جاسم آل ثاني،‏ أن موقع املغرب ‏»اجلغرايف والتاريخي يجعل<br />

منه خيارًا جاذبًا ملختلف دول العالم”.‏ وهذا ما يدفع اخلليجيني<br />

‏»إلقامة عدد من االستثمارات التي تعود بالنفع على اجلانبني«،‏<br />

مشيرًا أن حجم التبادل التجاري بني دول مجلس التعاون<br />

اخلليجي واملغرب عرف منوًا ملحوظً‏ ا بزيادة قدرها %235.<br />

حيث انتقل من 997 مليون دوالر سنة 2003 إلى 3.3 مليارات<br />

دوالر يف ‎2013‎م.‏<br />

جدول خاص باملبادالت التجارية واالستثمارات اخلليجية،‏ ما بني<br />

سنة ‎٢٠٠٦‎م و‎٢٠11‎م.‏ حسب قطاعات ‏)من األعلى إلى األسفل(،‏<br />

السياحة،‏ العقارات،‏ الطاقة واملعادن،‏ االتصاالت،‏ الهولدينغ،‏<br />

النسيج،‏ قطاعات أخرى،‏ التجارة،‏ واإلشغال الكبرى.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

82<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

أما تقرير املؤسسة الرسمية املغربية ‏-”مكتب الصرف”-‏<br />

فقد أشار أن مواد الطاقة تشكل ما نسبته %65.5 من واردات<br />

املغرب من بلدان اخلليج،‏ وأن صادراته نحوها لم تتجاوز 1.2<br />

مليار دوالر عام ‎2013‎م.‏ فيما احتلت حتويات املغاربة املقيمني<br />

بدول اخلليج املرتبة الثانية،‏ بعد املهاجرين بأوروبا،‏ بنسبة بلغت<br />

نحو %15.<br />

عمومًا،‏ رغم التقدم املهم الذي عرفته االستثمارات والتبادالت<br />

التجارية بني املغرب ودول مجلس التعاون اخلليجي،‏ فإن مستواها<br />

الزال ضعيفًا،‏ وال يعكس طبيعة العاقة السياسية.‏ لذلك عمد<br />

الطرفان إلى استحداث ‏»جلنة مشتركة«‏ سنة ‎2014‎م سميت<br />

‏»الفريق املغربي اخلليجي«‏ لتسهيل االستثمارات.‏<br />

ونشير أن هناك جملة من العوائق حتد من تطوير<br />

التجارة،‏ خاصة تلك املتعلقة بالنقل البحري<br />

واجلوي والوسائل اللوجيستية املتعلقة بهما؛<br />

وكذا تأشيرة املرور اخلاصة برجال األعمال.‏<br />

ولتجاوز هذه الصعوبة اقترح الطرف اخلليجي،‏<br />

‏“تشجيع املشاركة يف املعارض وتنظيم تظاهرات<br />

للترويج،‏ وإبرام االتفاقيات ومتويل الدراسات<br />

حول الفرص التجارية،‏ وإلغاء التأشيرة بالنسبة<br />

لرجال األعمال”.‏<br />

ويف هذا السياق ولتذليل هذه الصعوبات وقع املغرب<br />

والسعودية يف 4 يونيو ‎2014‎م اتفاقية للتجارة احلرة ستلغي<br />

الرسوم اجلمركية بني البلدين،‏ والضرائب على منتجاتهما.‏<br />

وجاء االتفاق كذلك ‏“لتوفير ربط بحري مباشر بني البلدين عن<br />

طريق إحدى الشركات املتخصصة واملدعومة من قبل حكومة<br />

البلدين”؛ يتم من خالها خلق خط بحري مباشر يربط مينائي<br />

‏»جبل طارق«‏ و«جدة اإلسامي”،‏ خلدمة استثمارات بينية تقدر<br />

بحوالي 110 مليارات دوالر،‏ مما يعتبر طفرة حقيقية على<br />

املستوى التجاري بني البلدين.‏<br />

ويف إطار الشراكة االستراتيجية بني املغرب ودول مجلس<br />

التعاون اخلليجي عقد املغرب وقطر يف 23 يوليو ‎2014‎م اتفاقية<br />

الدعم املالي؛ وقد خصصت مبوجبها قطر هبة مالية قدرها<br />

1.25 مليار دوالر لدعم مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية<br />

باملغرب.‏ وكان ملك املغرب واألمير متيم بن حمد آل ثاني قد<br />

وقعا مذكرة تفاهم تهم املنح يف هذا املجال يف ديسمبر ‏)كانون<br />

األول(‏ ‎2013‎م.‏<br />

2- المجال العسكري،‏ الشراكة بدل التعاون<br />

يف هذا اإلطار،‏ وقع املغرب والسعودية يف 15 ديسمبر ‎2016‎م،‏<br />

اتفاقية شاملة للتعاون يف املجال العسكري والتقني بني القوات<br />

المغرب وقعت 550<br />

اتفاقية مع الدول<br />

اإلفريقية للتعاون<br />

االقتصادي منها 88<br />

اتفاقًا عام 2014<br />

املسلحة امللكية بني البلدين.‏ وتشمل التدريب الذي وسع ليشمل<br />

الضباط واألفراد العسكريني يف كل التخصصات،‏ كما يهم مجال<br />

‏»التكوين وصناعة الدفاع والدعم اللوجستيكي ونقل اخلبرة<br />

العسكرية واخلدمات الطبية العسكرية وتبادل الزيارات«.‏ ونصت<br />

االتفاقية كذلك على إجراء متارين مشتركة،‏ وتشجيع الصناعة<br />

العسكرية،‏ ونقل التقنية العسكرية،‏ وتبادل البحوث يف هذا<br />

املجال،‏ مع إقامة مشاريع مشتركة لتجميع املنتجات العسكرية<br />

وكذا تصنيعها.‏ وتشرف جلنة رسمية على تنفيذ هذا االتفاق<br />

سميت ‏»اللجنة العسكرية املشتركة«.‏<br />

من جانب آخر،‏ أشار الموقع المتخصص<br />

،“defenseindustrydaily” يف يناير 2016 أن<br />

السعودية قررت دعم تطوير الصناعة العسكرية<br />

باملغرب،‏ ومت تخصيص مبلغ يقدر بحوالي 22<br />

مليار دوالر إلى غاية ‎2019‎م،‏ قصد الشروع يف<br />

تأسيس اللبنات األولى لصناعة عسكرية مغربية.‏<br />

ويف مجال التعاون العسكري دائما،‏ تسعى دول<br />

اخلليج إلى إشراك املغرب يف تكوين قوات<br />

مشتركة تابعة ملجلس التعاون اخلليجي.‏ وتأهله<br />

إمكانياته البشرية والتسليحية،‏ وخبرته للعب دور<br />

هام يف هذا اإلطار؛ فوفق تقارير معهد الدراسات<br />

االستراتيجية العسكرية البريطاني ‎2014‎م يحتل املغرب املرتبة<br />

الثانية عربيًا بعد القوات املسلحة املصرية من حيث عدد اجلنود<br />

والضباط؛ وتبوؤه قدراته التكنولوجية املرتبة الثالثة إفريقيًا بعد<br />

جنوب إفريقيا ومصر.‏<br />

ويعود التعاون املغربي اخلليجي لعقود ماضية،‏ ساهمت<br />

فيها القوات املسلحة املغربية يف تكوين وتدريب اجليوش يف دول<br />

خليجية عديدة خاصة،‏ السعودية واإلمارات،‏ والبحرين،‏ وسلطنة<br />

عمان.‏ وتربط املغرب مع هذه الدول اخلليجية اتفاقيات تعاون،‏<br />

أمنية وعسكرية؛ مثل تلك التي وقعها املغرب سنة ‎2014‎م مع<br />

قطر،‏ وأخرى مع السعودية سنة ‎2016‎م.‏<br />

وساهم طيارون مغاربة يف منتصف تسعينات القرن<br />

املاضي يف تدريب طيارين خليجيني واإلشراف على تكوين<br />

صقور وحدات القوات اجلوية لثاثة بلدان خليجية،‏<br />

‏»وما يزال عدد من الضباط السامني املغاربة يشرفون على<br />

التكوين يف كليات حربية خليجية،‏ كما أن ضباطً‏ ا وتقنيني من<br />

ساح اجلو املغربي أعيروا خال السنوات األخيرة لبعض بلدان<br />

اخلليج العربي يف إطار اتفاقيات تعاون عسكري وتبادل اخلبرات<br />

مع قيادة اجليش املغربي.«‏<br />

كما أرسل املغرب سنة ‎2014‎م،‏ فريقًا عسكريًا يتكون من<br />

نخبة عسكرية متخصصة يف التدخل السريع وذا خبرة معترف


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 83<br />

العدد ملف<br />

بها دوليًا إلى اململكة العربية السعودية.‏ وحسب تصريحات<br />

رسمية مغربية فالكومندو املغربي يضم حوالي 100 فرد لتدريب<br />

وحدات عسكرية سعودية على مواجهة خطر ‏»داعش«؛ وكانت<br />

العربية السعودية قد استفادت من خدمات كومندو مغربي،‏ بعد<br />

هجوم مليشيات احلوثيني عليها سنة 2009.<br />

ويف هذا اإلطار قرر املغرب إرسال وحدات عسكرية إلى<br />

اإلمارات العربية املتحدة من أجل دعمها يف مواجهة اإلرهاب.‏<br />

‏“وقال مصدر مغربي رسمي عالي املستوى ل ‏»الشرق األوسط«‏ إن<br />

املبادرة املغربية تدخل ضمن استراتيجية شمولية واستباقية ضد<br />

التهديدات العاملية واملباشرة املتكررة التي تستهدف املغرب علنا”.‏<br />

3- السياسة االقتصادية الجديدة للمغرب بإفريقيا<br />

متثل إفريقيا منطقة استراتيجية غنية باملوارد.‏ ويبدو أن<br />

هذه االعتبارات عامل أساسي يف بناء الرؤية اجلديدة للسياسة<br />

اخلارجية املغربية جتاه القارة السمراء.‏ وكان ملك املغرب قد<br />

دعا يف الدورة 25 للقمة العربية املنعقدة يف الكويت سنة ‎2014‎م،‏<br />

لتطوير العاقات مع إفريقيا.‏ حيث أكد أنه ‏»إذا كان العمل العربي<br />

قد ارتكز يف السابق على تعزيز العاقات السياسية بني دولنا،‏<br />

فقد تأكد اليوم أن اعتماد التعاون مع دول اجلنوب،‏ على أساس<br />

الفعالية واملردودية واملصداقية،‏ يعد من أجنع السبل لتحقيق ما<br />

نتطلع إليه من منو اقتصادي،‏ وتنمية بشرية مستدامة،‏ سواء يف<br />

بعدها اإلنساني،‏ أو يف جانبها االستثماري واالقتصادي”.‏<br />

وأضاف امللك محمد السادس،‏ ‏»ندعو الستثمار الروابط<br />

التاريخية والروحية واإلنسانية،‏ التي جتمع العالم العربي بالدول<br />

اإلفريقية جنوب الصحراء،‏ من أجل عاقات التعاون االقتصادي<br />

مع تكتاتها اإلقليمية؛ مؤكدين حرص املغرب على وضع جتربته<br />

ورصيد عاقاته املتميزة مع هذه الدول،‏ من أجل بلورة شراكات<br />

تضامنية فاعلة معها.”‏<br />

ويواصل املغرب تقدمه من حيث التبادل التجاري مع دول<br />

إفريقيا جنوب الصحراء،‏ حيث انتقلت صادرات املغرب من 2,2<br />

سنة 2003 إلى 11,7 مليار درهم سنة 2013، مسجلة ارتفاعًا<br />

بنسبة %18 سنويًا.‏ ومن الناحية اإلجمالية متثل هذه الصادرات<br />

من %6,3 سنة‎2013‎ م،‏ وكانت متثل %2,7 سنة ‎2003‎م،‏ ويستحوذ<br />

السينغال على حصة‎17‎‏%سنة 2013 م،‏ تليه موريتانيا )10%(<br />

وساحل العاج % 8,1 وغينيا ( 8% ) ونيجيريا .%7,7<br />

ويف هذا السياق أخذ املغرب يطور عاقاته مع مجموعة من<br />

الدول املهمة بإفريقيا،‏ كغانا،‏ وأثيوبيا وأنغوال الغنية بالنفط،‏ كما<br />

كثف من جهوده املراهنة على تطوير عاقاته مع نيجيريا،‏ التي<br />

لها تأثير على وحدة املغرب الترابية داخل احملور الثاثي القائم<br />

حاليا،‏ بني اجلزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا.‏<br />

وإلى حدود سنة ‎2016‎م،‏ هناك أكثر من 550 اتفاقية موقعة<br />

بني املغرب والدول اإلفريقية،‏ يف مجاالت التعاون االقتصادي،‏<br />

وتلعب االتفاقيات الثنائية دورًا بارزًا يف السياسة املغربية<br />

اجلديدة،‏ حيث مت توقيع 88 اتفاقًا مع مالي وساحل العاج وغينيا<br />

والغابون،‏ من طرف العاهل املغربي امللك محمد السادس يف آخر<br />

زيارة له إلفريقيا سنة ‎2014‎م.‏<br />

ويلعب املغرب دورًا هامًا يف جمع أطراف متعددة ملناقشة<br />

قضايا األمن العاملي.‏ حيث استضاف بتاريخ 14 فبراير ‎2015‎م،‏<br />

املنتدى الدولي السادس لألمن بإفريقيا،‏ شاركت فيه حوالي 80<br />

دولة،‏ من إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا،‏ وممثلون عن منظمات<br />

دولية،‏ وخبراء أمنيون وعسكريون.‏ كما احتضن املغرب بعض<br />

املنتديات واللقاءات ذات الطابع االقتصادي اإلفريقي،‏ مثل<br />

املنتدى االقتصادي املغربي الغيني األول،‏ لتعزيز جهوده ودوره يف<br />

قيادة مشاريع التنمية اإلفريقية وفرص لاستثمار.‏<br />

من جانب آخر،‏ يتقدم املغرب بشكل كبير نحو التحول<br />

للعب دور مركٍ‏ ز ماليّ‏ إقليمي يف قارة إفريقيا،‏ مستغا بذلك<br />

استقراره السياسي وموقعه اجلغرايف.‏ وقد وقع من أجل ذلك<br />

عددًا من االتفاقات بني املؤسسات املالية العاملية،‏ جللب مزيد<br />

من االستثمارات إلى املغرب.‏ وهو ما بدأ يؤتي أكله،‏ حيث<br />

شهدت السنوات األخيرة تركيز بعض القوى االقتصادية العاملية<br />

مثل االحتاد األوروبي والواليات املتحدة والصني واليابان وكندا<br />

جهودها يف مشاريع التنمية اإلفريقية بتنسيق مع املغرب.‏<br />

وحتدثت الدراسة التي أجنزتها وزارة املالية،‏ أن املبادالت<br />

التجارية بني املغرب ودول شمال إفريقيا،‏ وتشمل كا من،‏<br />

اجلزائر،‏ وتونس،‏ وليبيا،‏ ومصر،‏ متثل نسبة % 60 من إجمالي<br />

حجم التبادل التجاري مع الدول اإلفريقية،‏ ومتثل اجلزائر % 35<br />

من حجم هذا التبادل.‏ بينما بلغت واردات املغرب الطاقية من<br />

اجلزائر،‏ ما يفوق ال 10 مليار درهم،‏ يف عام ‎2013‎م.‏<br />

وأشارت الدراسة املشار إليها،‏ إلى أن قطاع البنوك وقطاع<br />

االتصاالت،‏ يحتان صدارة االستثمارات المغربية بالدول<br />

اإلفريقية.‏ كما يستثمر املغرب بإفريقيا يف قطاعات أخرى مثل<br />

السياحة،‏ والعقار،‏ والفاحة،‏ الطاقة،‏ الكهرباء واملوانئ.‏<br />

وجتدر اإلشارة أن هذا التطور،‏ الذي انطلق مع تولي محمد<br />

السادس للحكم،‏ راهن على االستثمارات املغربية بإفريقيا<br />

لدعم التنمية املستدامة.‏ وقد كثف املغرب من مجهوداته<br />

االستثمارية،‏ مما أدى لتفوق البنوك املغربية وانتزاعها الصدارة<br />

بالقارة ألول مرة من البنوك الفرنسية.‏ ومتكنت من االنتشار<br />

يف 22 دولة منها:‏ موريتانيا،‏ السنغال،‏ الغابون،‏ الكوت ديفوار،‏<br />

مالي،‏ غينيا بيساو،‏ الطوغو،‏ النيجر،‏ الكونغو،‏ الكاميرون،‏<br />

وبوركينافاسو.‏ وهو أمر له داللته السياسية واالقتصادية؛


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

84<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

يتقدم المغرب للعب دور مركز ماليّ‏ إقليمي في قارة إفريقيا<br />

مستغالً‏ استقراره السياسي وموقعه الجغرافي<br />

وتؤكد استعداد املغرب لتوسيع حضوره القوي يف مجال تابع<br />

تقليديا للنفوذ الفرنسي.‏<br />

تاريخيًا،‏ تعتبر دول غرب إفريقيا منطقة نفوذ مغربية،‏ وتعد<br />

السينغال هي الوجهة األولى لاستثمارات املغربية يف إفريقيا.‏<br />

وتفيد اإلحصائيات الرسمية الوطنية لسنة 2015، أن املغرب يعد<br />

أول مستثمر يف الكوت ديفوار،‏ هذا البلد اإلفريقي الذي حظي<br />

باهتمام املغرب سواء على الصعيد السياسي أو االقتصادي<br />

وأيضً‏ ا الروحي؛ متجاوزا بذلك فرنسا على مستوى استثماراتها<br />

يف الكوت ديفوار،‏ والتي احتكرت ولعقود طويلة السوق اإليفوارية.‏<br />

وياحظ أن حجم االستثمارات املغربية قد ارتفع يف ساحل<br />

العاج،‏ يف السنوات القليلة املاضية،‏ بحوالي % 50 ما بني سنة<br />

2013 و‎2015‎م؛ أي ما يقارب 10 مليارات درهم،‏ همت مجاالت<br />

مختلفة مما عزز من فرص النمو االقتصادي اإليفواري،‏ وخلق<br />

فرص الشغل ونقل اخلبرة والتقنية املغربية لهذا البلد.‏<br />

عمومًا ميكن التأكيد أن االستثمارات املغربية بإفريقيا ضعيفة<br />

ومتواضعة مقارنة بالفرص واإلمكانيات املتاحة يف هذا اإلطار.‏<br />

إذ ‏»ال يتجاوز 400 مليون دوالر سنويًا،‏ إضافة إلى 300 مليون<br />

دوالر يف إطار املساعدة العمومية للتنمية،‏ أي مقدار % 10 من<br />

مستوى تبادله التجاري مع القارة ويبلغ حاليًا حجم التبادل<br />

البيني املغربي اإلفريقي حوالي 5 مليارات دوالر،‏ وهو ما ميكن<br />

تطويره بشكل ملحوظ«.‏ أما التبادل االقتصادي املغربي اإلفريقي<br />

فا يشكل سوى‎10‎ % من مجموع النشاط االقتصادي املغربي<br />

اخلارجي،‏ ومن املنتظر أن تؤدي املجهودات البينية احلالية،‏ إلى<br />

تبادل يصل إلى ‎41‎يف املائة سنة ‎2018‎م.‏ خصوصً‏ ا أمام إصرار<br />

املغرب على بناء سياسة مستقلة عن فرنسا،‏ وازدياد اعتماده<br />

على رجال األعمال لتحقيق غرض توسيع االستثمار بإفريقيا؛<br />

إضافة أن بيانات االستثمارات اجلديدة املعلن عنها يف ‎2014‎م،‏<br />

تظهر«‏ أن قطاعي التصنيع واخلدمات ميثان نحو 90 يف املائة<br />

من مجموع قيمة املشاريع يف كل من إفريقيا وأقل البلدان منوا«.‏<br />

ويف هذا السياق أخد املغرب يتفاوض منذ سنة 2015،<br />

بشأن اتفاقيات الشراكة االستراتيجية مع التكتات اإلفريقية.‏<br />

ويهم هذا التفاوض التأسيس التدريجي ملناطق التجارة احلرة مع<br />

املجموعة االقتصادية لدول غرب إفريقيا ،CEDEAO(( وكذلك<br />

املجموعة االقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا ‏)‏CEMA‏(؛ وهذا<br />

التوجه وإن كان يقوي من احلضور املغربي،‏ ويوسع من دائرة<br />

شركائه االقتصاديني األفارقة،‏ فإنه يف نفس الوقت يعني خلق<br />

مزيد من التنافس مع فرنسا يف مناطقها التقليدية يف القارة<br />

السمراء.‏ وهو ما سيقوي من اعتماد املغرب على اإلمكانيات<br />

املالية لدول اخلليج إلجناح استراتيجيته االقتصادية اجلديدة.‏<br />

4- دول الخليج وإفريقيا جنوب الصحراء<br />

إن اعتبار إفريقيا مصدرًا عامليًا للمواد اخلام،‏ شجع على<br />

تدفق،‏ وارتفاع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا من 15 مليار<br />

دوالر يف ‎2002‎م،‏ إلى حوالي 37 مليار يف ‎2006‎م،‏ وإلى 46 مليار يف<br />

2012 مع ارتفاع بنسبة %4 سنة ‎2013‎م.‏ ويتوقع خبراء اقتصاديون،‏<br />

أنه إذا استمر النمو احلالي للقارة،‏ فسيضيف حوالي 12 تريليون<br />

دوالر للناجت احمللي – جلنوب الصحراء إفريقيا بحلول 2050.<br />

ولم تكن دول مجلس التعاون اخلليجي خارج هذا السياق<br />

الدولي احلادث على أراضي القارة السمراء.‏ فاململكة العربية<br />

السعودية أجنزت استثمارات ضخمة بإثيوبيا همت زراعة<br />

القمح وإنتاج املاشية.‏ وكانت اململكة العربية السعودية قد وقعت<br />

حوالي 16 اتفاقية تهم الزراعة،‏ استغلت مبوجبها 1.713.357<br />

هكتار يف إثيوبيا وحدها.‏ إضافة إلى مساحات أخرى،‏ يف<br />

السنغال،‏ السودان،‏ جنوب السودان،‏ مصر،‏ مالي،‏ موريتانيا،‏<br />

زامبيا والنيجر.‏ بينما استثمرت اإلمارات العربية املتحدة حوالي<br />

1.882.739 هكتار يف كل من السودان واملغرب واجلزائر ومصر<br />

وناميبيا وتنزانيا.‏ أما قطر فقد استثمرت يف السودان وغانا،‏<br />

ودول أخرى،‏ حوالي 642.630 هكتار.‏ ويف سنة‎2011‎م منحت<br />

إثيوبيا للسعودية 10.000 كيلومترًا مربعًا لزراعتها.‏<br />

وكانت غرفة جتارة وصناعة دبي قد أجنزت دراسة<br />

استكشافية حول إمكانيات إفريقيا واالستثمارات اخلليجية<br />

فيها.‏ واستنتجت أن حجم االستثمار اخلليجي يف قطاع البنية<br />

التحتية بالقارة السمراء،‏ بلغ 30 مليار دوالر،‏ بينها 15 مليار<br />

دوالر كاستثمارات مباشرة،‏ و‎15‎ مليار دوالر مساعدات وقروض<br />

ومنح،‏ خال الفترة ما بني 2004 و‎2014‎م.‏ واستحوذ شمال<br />

إفريقيا على %65. بينما تركزت النسبة املتبقية على دول<br />

إسامية أخرى،‏ مثل اجليبوتي والسينغال والسودان؛ حيث<br />

وقع الصندوق الكويتي للتنمية االقتصادية العربية،‏ اتفاقًا<br />

منح مبوجبه 50 مليون دوالر للسودان لتطوير مشاريع صحية<br />

وتعليمية يف شرق جمهورية السودان.‏<br />

كما تشير نفس الغرفة يف دراسة جديدة لها،‏ همت النصف<br />

األول من منتصف 2015، أن قيمة االستثمارات اخلليجية املباشرة


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 85<br />

العدد ملف<br />

يف دول إفريقيا جنوب الصحراء وصلت 2.7 مليار دوالر.‏ غير أن<br />

هذه االستثمارات توجهت ألسواق دول بعينها؛ حيث متركزت يف<br />

جنوب إفريقيا ونيجيريا وأوغندا وكينيا،‏ حيث استحوذت هذه<br />

الدول على ما بني 10 و‎25‎ شركة من إجمالي الشركات املستثمرة<br />

يف دول جنوب الصحراء.‏<br />

ويبدو أن هناك توجهًا من شركات خليجية جديدة لاستثمار يف<br />

شرق أفريقيا،‏ ويتعلق األمر مبجموعتي ‏“روتانا”‏ و«جميرا”.‏ ‏“وتضم<br />

قائمة املستثمرين اخلليجيني يف هذا القطاع مجموعة ‏»فنادق اخلليج«‏<br />

البحرينية،‏ ومن السعودية مجموعتي ‏»راني لاستثمار«‏ و»اململكة<br />

القابضة«،‏ والتي تتميز بأكبر محفظة يف إفريقيا،‏ حيث تدير سبعة<br />

فنادق يف كينيا وغانا وسيشيل وموريشيوس.‏ وتدير مجموعة ‏»آي إف<br />

إي«‏ للمنتجعات والفنادق الكويتية خمسة فنادق يف جنوب إفريقيا<br />

وزجنبار”.‏ كما توجد عدة استثمارات إماراتية وسعودية وقطرية بعدة<br />

دول مثل جنوب إفريقيا،‏ وجزر القمر ونيجيريا.‏<br />

5- بوادر الشراكة الخليجية المغربية بإفريقيا<br />

يعول املغرب كثيرًا على الرأسمال اخلليجي العتبارات متعددة<br />

ترتبط بشكل وثيق باستراتيجيته اجلديدة بإفريقيا.‏ فهو يسعى<br />

للتحول ألكبر قطب مالي بالقارة من خال مؤسسة أنشأها<br />

مبدينة الدار البيضاء لهذا الغرض.‏ كما يسعى الستثمار عاقاته<br />

الدينية التاريخية بإفريقيا ليكون بوابة اخلليج نحو القارة،‏ مبا<br />

يضمن املصالح العليا للطرفني.‏<br />

بداية ميكن القول إن الشراكة املغربية اخلليجية بإفريقيا،‏<br />

لم تتحول بعد الستراتيجية محكمة،‏ من حيث التصور ومن حيث<br />

املمارسة العملية.‏ ويعود ذلك ألسباب عدة أهمها:‏ أوال،‏ حداثة<br />

اهتمام كل من دول اخلليج واملغرب بسوق االستثمارات اإلفريقية.‏<br />

ثانيًا ضعف اإلمكانيات املالية للمغرب،‏ وهروب الرأسمال اخلليجي<br />

من مناطق التوتر واحلروب بإفريقيا جتنبًا للمخاطر.‏<br />

ورغم هذا التأخر امللحوظ،‏ واملنافسة الشرسة دوليًا على<br />

أسواق إفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد كان االهتمام منصبًا على<br />

ميدان االتصاالت منذ عام ‎2005‎م،‏ من بعض الشركات اخلليجية،‏<br />

خاصة زين الكويتية،‏ و”اتصاالت”‏ اإلماراتية.‏ وقد سعت أمام<br />

طبيعة املنافسة،‏ وحتوالت السوق اإلفريقية واتساعها،‏ للبحث عن<br />

شركاء لهم دراية بالوضع اإلفريقي،‏ كما فعلت ‏“اتصاالت”‏ يف<br />

صفقة املغرب،‏ أو ‏“االستفادة من خبرتها يف خدمات املشتركني<br />

من ذوي الدخل احملدود يف بلدانها،‏ وال سيما اجلاليات اإلفريقية<br />

واآلسيوية الكبيرة يف منطقة اخلليج”.‏<br />

ففي منتصف ‎2014‎م،‏ وقعت ‏“اتصاالت املغرب”،‏ عقدًا مع<br />

‏»اتصاالت«‏ اإلماراتية بصفقة قدرت بحوالي،‏ 650 مليون دوالر،‏<br />

مبوجبه مت شراء ستة فروع لها بإفريقيا بكل من دولة،‏ البنني،‏<br />

الكوت ديفوار،‏ الطوغو،‏ الغابون،‏ جمهورية إفريقيا الوسطى،‏<br />

النيجر.‏ كما شمل العقد اقتناء شركة ‏»بريستيج تيليكوم«‏ التي<br />

تزود هذه الفروع بخدمات االتصال بالدول املشار إليها.‏<br />

كما استفادت هذه الشركة اإلماراتية-املغربية من فروعها


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

86<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

اإلفريقية.‏ وهي:‏ ‏“غابون تليكوم”‏ بالغابون،‏ و”موريتل”‏<br />

مبوريتانيا،‏ و«أوناتيل«‏ ببوركينا فاسو،‏ و”سوتيلما”‏ بدولة مالي.‏<br />

وميكن القول رغم جنينية هذه الشراكة،‏ أن ‏“اتصاالت املغرب”،‏<br />

أصبحت واحدة من أجنح الشركات املغربية اخلليجية بالقارة<br />

السمراء.‏ حيث أصبحت ‏“اتصاالت املغرب”‏ واحدة من أكبر<br />

الشركات الفاعلة يف مجال االتصاالت بإفريقيا،‏ كما أن أرباحها<br />

يف الدول اجلديدة تفوق بكثير أرباحها باملغرب.‏<br />

وفيما يخص املؤسسات املالية،‏ مت إجناز شراكات مغربية<br />

خليجية يف امليدان البنكي ألول مرة،‏ مستفيدة من انطاق<br />

املؤسسات البنكية للتمويل اإلسامي باملغرب ابتداء من يونيو<br />

سنة ‎2016‎م.‏ ومن املنتظر أن تتطور هذه الشراكة لتنتقل لبعض<br />

الدول اإلفريقية التي توجد بها البنوك املغربية التقليدية.‏ فالبنك<br />

املغربي للتجارة اخلارجية دخل يف شراكة مع بنك البركة البحريني<br />

للتعامات املصرفية اإلسامية،‏ وهو ما يؤهل اجلانبني لتوسيع<br />

استثماراتهما بدول إفريقيا جنوب الصحراء التي توجد بها فروع<br />

البنك املغربي للتجارة اخلارجية خاصة يف بلدان شرق إفريقيا.‏<br />

خريطة توضح انتشار اتصاالت المغرب بأفريقيا جنوب<br />

الصحراء.‏<br />

عمومًا ميكن القول،‏ أن هناك عوامل قوة تؤهل كل من دول<br />

اخلليج واملغرب لتبني شراكة شاملة متعددة القطاعات بإفريقيا.‏<br />

فاملغرب يوفر للخليجني خبرة تاريخية وموقعًا استراتيجيًا يربط<br />

السوق اإلفريقية باألوروبية.‏ كما أن نفوذه الواضح بغرب إفريقيا،‏<br />

وتنوع مجاالت استثماراته،‏ وتعدد مجاالت اتفاقاته مع أكثر من<br />

40 دولة جنوب الصحراء،‏ يفتح آفاقًا رحبة لهذا التعاون.‏<br />

من جانبها،‏ تتوفر دول اخلليج على رأسمال كبير،‏ وخبرة<br />

استثمارية يف كبريات األسواق العاملية،‏ وبالتالي فإن نقل جزء<br />

من هذه اإلمكانيات املالية املهمة إلفريقيا،‏ سيعزز من مكانة دول<br />

اخلليج واملغرب بالسوق الداخلية للقارة،‏ خاصة وأن املغرب يتوفر<br />

على موارد بشرية،‏ عملت يف القارة يف املجال الفاحي،‏ والبنية<br />

التحتية والبنكية،‏ والسياحة والعقار،‏ وهذه املجاالت مفضلة من<br />

املستثمرين اخلليجني.‏<br />

أضف إلى ذلك اكتساب دول اخلليج خلبرة كبيرة يف مجال<br />

التنمية يف إفريقيا،‏ من خال بعض املؤسسات مثل الصندوق<br />

السعودي للتنمية،‏ ومؤسسة قطر-إفريقيا،‏ الصندوق الكويتي<br />

للتنمية االقتصادية العربية،‏ وصندوق أبو ظبي للتنمية.‏<br />

أما يف اجلانب الفاحي،‏ فيمكن استغال اإلمكانيات الضخمة<br />

لبعض البلدان اإلفريقية التي تربطها عاقات جيدة مع كل من<br />

اخلليج واملغرب.‏ ويف هذا اإلطار ميكن استثمار اخلبرة املغربية يف<br />

كل من السينغال،‏ وتعاونه مع الكوت ديفوار،‏ وبوركينافاسو،‏ يف دولة<br />

السودان،‏ لتكون ‏»سلة غداء مضمونة«؛ حيث يقدم املغرب املوارد<br />

البشرية،‏ ويتكلف مجلس التعاون اخلليجي باجلانب املالي،‏ الستثمار<br />

اإلمكانيات الفاحية الضخمة بهذا البلد العربي اإلفريقي.‏<br />

وميكن كذلك تطوير العمل املشترك بني املغرب ودول مجلس<br />

التعاون اخلليجي بإفريقيا عن طريق تكثيف التواصل مع النخب<br />

السياسية،‏ واالقتصادية الرسمية واملستقلة.‏ مع التركيز على<br />

املجاالت ذات االهتمام املشترك بني املغرب ومجلس التعاون<br />

اخلليجي من جهة،‏ والدول اإلفريقية من جهة ثانية.‏ وهذا بدوره،‏<br />

يستوجب العمل على بناء مؤسسات مشتركة خليجية مغربية لرجال<br />

األعمال،‏ وربطها مبؤسسات علمية مختصة بالشؤون اإلفريقية،‏<br />

متكن من استغال اخلبرة البحثية،‏ وتوجيه العمل املشترك بإفريقيا.‏<br />

خاتمة<br />

يشكل التعاون والشراكة املغربية اخلليجية بإفريقيا حتديًا<br />

جديدًا للطرفني،‏ وذلك راجع لألهمية االستراتيجية التي أخذت<br />

حتتلها القارة السمراء.‏ ونظرًا ملا ميلكه الطرفان من إمكانيات<br />

هامة،‏ فإنهما قادران على بناء عاقات عربية إفريقية،‏ منافسة<br />

بشكل فعال للقوى الكبرى،‏ ومجموعة ‏»بريكس«،‏ وإيران بالقارة.‏<br />

ولتحقيق ذلك فإن خيار تطوير ومأسسة الشراكة املغربية<br />

اخلليجية بإفريقيا،‏ أصبح ‏»حتمية«‏ استراتيجية،‏ للحفاظ على<br />

املصالح العليا للطرفني وتطويرها بشكل يبقيها قادرة على<br />

التنافس الدولي بدول جنوب الصحراء اإلفريقي.‏<br />

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد اخلامس<br />

الرباط املغرب


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 87<br />

العدد ملف<br />

استراتيجية تعتمد على قوة شمال إفريقيا وعودة الدور املصري<br />

ثالث قوى عالمية تتصارع يف غرب إفريقيا..‏<br />

والدور الخليجي تحكمه المصالح والسياسة<br />

يشمل غرب إفريقيا الدول العربية املشكلة لشمال القارة اإلفريقية،‏ لكن العتبارات تتماشى مع أهداف التحليل يف<br />

هذا املوضوع فإن القصد هو منطقة جغرافية ال تشمل هذه الدول،‏ وبذلك ميكن حتديدها يف مجال يعرف مبنطقة<br />

الساحل والصحراء،‏ وذلك بناء على مرتكزات متعددة منها ثاثة أبعاد على األقل؛ البعد اجلغرايف الذي ينهل من<br />

املعاني اللفظية للكلمتني العربيتني الدالتني على املجال املمتد من الساحل والذي يطوق الصحراء اإلفريقية الكبرى،‏<br />

وهذا يشمل الكتل السياسية التي متتد من موريتانيا والسنغال غربًا إلى احلدود السودانية غربًا،‏ وهذا البعد يفترض<br />

عدم ارتباط التنطيق باملجال السلطوي لهذه الكتل السياسية بل بالبعد اجلغرايف الذي يحددها مجاليًا،‏ لكن ذلك ال<br />

يتناقض مع حتديد يقوم على الكتل السياسية أو الدول والذي يعتبر هذه املنطقة هي مجموعة الدول التي شكلت<br />

جلنة ما بني الدول ملكافحة اجلفاف التي أنشئت سنة ‎1971‎م،‏ والتي كانت تضم كاً‏ من السنغال وغامبيا وموريتانيا<br />

ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو ثم أضيفت كل من غينيا بيساو و الرأس األخضر ونظرًا لزحف الصحراء انضمت<br />

كل من السودان وأثيوبيا والصومال.‏<br />

د.‏ خالد شيات<br />

موضوع من قبيل تفاعل السياسة واالقتصاد والتواجد<br />

األجنبي بغرب إفريقيا والعاقات العربية يثير إشكاال يتبع<br />

التنطيق السابق وسائل السياسات العربية وتفاعاتها مع املنطقة<br />

هو حدود ومآالت وإمكانية بناء رؤية استراتيجية حضارية يف<br />

ظل وجود تصورات واستراتيجيات قوى إقليمية ودولية مهيمنة<br />

على املنطقة؟ وكذا ماهية اإلمكانيات املتاحة لبناء نسق متناغم<br />

بني الدول العربية وأيضً‏ ا إمكانيات تنزيل تصور خليجي بأبعاد<br />

تراعي احملددات والعراقيل السابقة؟<br />

أوالً‏ : غرب إفريقيا وإشكال توحيد الرؤية االستراتيجية العربية<br />

يثير موضوع التعاون العربي عمومًا واخلليجي على وجه<br />

التحديد مع غرب إفريقيا مسألة تصنيف املدخل الذي يجمع<br />

األبعاد القارة يف التحليل مع األبعاد املتغيرة،‏ وانسجام آلياته<br />

التي ميكن أن تؤسس لرؤية متكاملة بني كتلتني متحركتني وغير<br />

متناغمتني ال يف عاقتهما ببعض وال يف بناها الداخلية،‏ والقصد<br />

هنا املجموعة العربية التي تنقسم إلى مجموعتني كبيرتني،‏ هما<br />

دول شمال إفريقيا من جهة ودول اخلليج من جهة أخرى،‏ والتي<br />

بدورها ال حتوز رؤية إستراتيجية موحدة،‏ وكذا دول غرب إفريقيا<br />

التي ال توحدها يف غالب األحيان سوى اجلغرافيا.‏ وهو ما يثير<br />

استشراف إمكانيات التعاون أو الشراكة اإلستراتيجية.‏<br />

ترتبط الدول العربية منذ زمن طويل بإفريقيا وغربها على<br />

وجه التحديد بالعديد من اآلليات لكن معظمها لم يعد يؤدي<br />

دورًا حاسمًا مع حتول املعطيات اجليوسياسية يف القارة بعد<br />

احلرب الباردة.‏<br />

1- المحددات اإلستراتيجية بين دول شمال إفريقيا العربية وفضاء<br />

غرب إفريقيا<br />

يعتبر اجلوار اجلغرايف محددًا مهمًا يف تصور الترابط بني<br />

الدول العربية لشمال إفريقيا وغربها،‏ وبذلك كان االمتداد على<br />

مر عصور طويلة مرتبطً‏ ا بالتحكم الفعلي يف األرض،‏ حيث عرفت


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

88<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

تاقح حضارات جعلت من الفضاء،‏ يف أغلبه وإلى اليوم،‏ فضاءً‏<br />

حضاريًا إساميًا.‏<br />

وتلعب اجلغرافيا دورًا حاسمًا يف حتديد الرؤية اإلستراتيجية<br />

للدول العربية لشمال إفريقيا اجتاه غرب إفريقيا طبقا<br />

للمحددات العامة التالية:‏<br />

- التأثير والتأثر االجتماعي والثقايف،‏ بحيث أن االنصهار القبلي<br />

جعل من التاقح بني األنساب والثقافات أمرًا واقعًا بالنظر إلى<br />

املعطيات القبلية،‏ ومثال ذلك تأثير قضية الطوارق على كل من<br />

اجلزائر وليبيا،‏ والهوية األفريقانية على موريتانيا،‏ إضافة للمشاكل<br />

التي كانت تعرفها احلدود الليبية التشادية والتي ميكن أن تعرف<br />

جتددًا يف التأثير بعد تراجع نفوذ القوة املركزية<br />

يف طرابلس.‏<br />

- التأثير السياسي،‏ الذي من خاله ترتبط<br />

بإشكاليات حقوق األقليات واإلدماج السياسي<br />

يف املنتظمات العربية يف شمال إفريقيا من جهة،‏<br />

وأيضا املواقف املتباينة من القضايا السياسية<br />

واالستراتيجية بني الدول العربية ودول غرب<br />

إفريقيا يف احملافل اجلهوية والدولية،‏ وهو ما<br />

يؤثر على البناء االقتصادي الذي يرتهن للمواقف<br />

السياسية وال يستطيع جتاوزه نظرًا لطبيعة البنى<br />

السياسية غير الدميقراطية يف الغالب.‏<br />

- التأثير االقتصادي،‏ حيث تعتبر املنطقة يف عاقتها مع شمال<br />

إفريقيا مجاالً‏ لامتداد االقتصادي،‏ لكن أيضا اإلشكاالت<br />

املرتبطة بكون الفضاء هو مجال جيوسياسي يخص قوى أخرى<br />

غير إقليمية،‏ وما يجعل االرتباط ال يقوم على مفهوم االندماج.‏<br />

ففي هذا اإلطار التجاري واالقتصادي تتفاوت العاقات التي<br />

تربط بني الدول العربية لشمال إفريقيا وغرب إفريقيا؛ ففي<br />

حني يعتبر املغرب أول مستثمر إفريقي باملنطقة هناك دول ال<br />

ترتبط مع غرب إفريقيا إال بأسس ضعيفة.‏ وسياسة املغرب مثا<br />

هي نتيجة اعتماد تصور يجمع بني ترسيخ العاقات الثنائية بعد<br />

انسحابه من منظمة الوحدة اإلفريقية سنة ‎1984‎م،‏ وكذا سياسة<br />

التجمعات اإلقليمية؛ وهي على اخلصوص احتاد املغرب العربي،‏<br />

املجمد منذ حادث أطلس أسني مبراكش الذي عقبه فرض<br />

التأشيرة من طرف املغرب على الرعايا اجلزائريني،‏ وجتمع دول<br />

الساحل والصحراء ،)CEN-SAD( واملجموعة االقتصادية لدول<br />

غرب إفريقيا ،)CEDEAO( واالحتاد االقتصادي والنقدي<br />

لغرب إفريقيا ،)UEMA( املجموعة االقتصادية والنقدية لدول<br />

وسط إفريقيا)‏CEMAC‏(‏ ، والسوق املشتركة لشرق وجنوب<br />

إفريقيا ،)COMESA( ومجموعة تنمية دول إفريقيا اجلنوبية<br />

والهيأة احلكومية للتنمية)‏IGAD‏(.‏ )SADEC(<br />

الدول العربية ال<br />

تمتلك رؤية موحدة<br />

تجاه غرب إفريقيا ومن<br />

الضروري استشراف<br />

إمكانيات التعاون<br />

لقد تراجعت أدوار ليبيا اإلفريقية بعد مرحلة القذايف التي<br />

كانت قائمة على ريع مالي بهدف جلب الوالء السياسي للقادة<br />

واملسؤولني األفارقة،‏ وهو عكس نهج املغرب مثاً‏ القائم على<br />

مفهوم التنمية واالستقرار السياسي لدول غرب إفريقيا،‏ ومع<br />

االعتماد على الرأسمال اخلاص،‏ وخاصة يف طاعات الفاحة<br />

والبنوك واملعادن والسكن.‏ كما أن حضور تونس واجلزائر قائم<br />

على العاقات السياسية،‏ ومستوى التبادل مع هذه الدول يرتبط<br />

بالطاقة ويقوم على فرض املجال االستراتيجي لتفادي انتقال<br />

املشاكل نظرًا للترابط االجتماعي والثقايف،‏ وهو ما يفسر أحيانا<br />

التدخل لفرض رؤى سياسية من طرف اجلزائر مثا يف مالي<br />

على سبيل املثال.ونفس األمر ميكن أن يقال عن<br />

االستراتيجية املصرية خاصة بعد أزمة احلراك<br />

العربي ملا بعد ‎2011‎م،‏ حيث تراجع الدور<br />

املصري بشدة يف القارة ويف غربها على وجه<br />

اخلصوص اعتبارا لكون شرق إفريقيا املجال<br />

احليوي الطبيعي ملصر.‏<br />

2- دول الخليج وغرب إفريقيا:‏ األدوار االقتصادية<br />

المتجددة<br />

تعتبر إفريقيا واحة لتنمية االقتصاد اخلليجي،‏<br />

فهي قارة حتقق نسبة منو واعد يتجاوز عمومًا 5 باملائة،‏ وتتميز<br />

مبوقعها اجلغرايف،‏ ومتتلك أكبر مخزون للعديد من الثروات واملعادن<br />

املهمة والنفيسة؛ فمن بني 50 معدنًا هامًا يف العالم يوجد 17 معدنًا<br />

منها يف إفريقيا باحتياطيات ضخمة.‏ وهي متتلك النسبة األكبر<br />

من احتياطي ‏“البوكسيت،‏ والفروكروم،‏ والكوبلت،‏ واملاس،‏ والذهب،‏<br />

واملنجنيز،‏ والفوسفات،‏ واملعادن الباتينية،‏ والتيتانيوم،‏ والفاناديوم”.‏<br />

وإلى غاية سنة 2008 م،‏ كان حجم االستثمارات اخلليجية يف<br />

إفريقيا يصل حوالي 25 مليار دوالر،‏ وبنسبة منو سنوية ال تقل عن<br />

10 باملائة بينما يف سنة ‎2000‎م،‏ لم يتجاوز 7 مليارات دوالر.‏ وإلى<br />

أواخر سنة ‎2014‎م،‏ ارتفعت مساهمة الدول اخلليجية يف االستثمار<br />

يف البنية التحتية لوحدها يف إفريقيا إلى حوالي 30 مليار دوالر منها<br />

النصف يف شكل مساعدات وقروض ومنح.‏ وقد زادت شركات دول<br />

اخلليج نصيبها من مشاريع االستثمار األجنبي املباشر يف إفريقيا<br />

سنة ‎2014‎م،‏ إلى 9.1 باملائة وكانت اململكة العربية السعودية قد<br />

حازت على 11 مشروعًا بدل 3 حازتها يف السنة السابقة،‏ ويف الوقت<br />

الذي أصبحت فيه اإلمارات رابع أكبر مصدر للمشاريع االستثمارية<br />

يف إفريقيا يف نفس السنة حائزة على مرتبة أول مشغل بهذه القارة.‏<br />

ويحقق الوجود االستثماري اخلليجي يف إفريقيا عمومًا غايات متعددة:‏<br />

- ميكن أن يجعل القارة،‏ وخاصة يف غربها احتياطيًا غذائيًا لهذه<br />

الدول،‏ وهو ما يضمن األمن الغذائي لها؛


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 89<br />

العدد ملف<br />

- يجعل التحكم يف الطرق البحرية التي تتحكم بدورها يف<br />

خطوط النقل البحرية التي تتضمن تصدير الطاقة والسيما<br />

البترول،‏ املصدر األساسي للموازنات االقتصادية لدول اخلليج،‏<br />

أكثر أمانًا؛<br />

- يسهل تطبيق الرؤى االستراتيجية الكبرى لهذه الدول يف<br />

املجاالت االستراتيجية تبعًا للتحكم يف املستوى االقتصادي.‏<br />

وعلى الرغم من بداهة هذا الطرح إال أن دول اخلليج<br />

تعترضها صعوبات متعددة،‏ منها ما يرتبط بذاتيها ومنها ما<br />

يرتبط بطبيعة االستثمار يف منطقة غرب إفريقيا:‏<br />

ففي المستوى األول هناك توقع النخفاض النمو يف دول<br />

املجلس إلى 2.2 مقابل 3.1 يف سنة ‎2015‎م،‏ وذلك ال شك سيؤثر<br />

يف حجم احلضور االقتصادي اخلليجي يف القارة.‏<br />

أما المستوى الثاني فهو مرتبط بطبيعة الدول التي<br />

تعنى باالستراتيجية اخلليجية حيث ضعف التكوين وضعف<br />

البنى التحتية وسوء التدابير اإلدارية والبيروقراطية،‏ وانعدام<br />

االستقرار السياسي.‏<br />

اجلانب املهم يف بنية االرتباط االقتصادي السابق يف<br />

ظل انعدام رؤية عربية شاملة،‏ أو حتى خليجية،‏ يبقى تنزيل<br />

االستراتيجية وفقًا لرؤى القوى الكبرى املهيمنة،‏ فيستحيل أن<br />

تنجح املقاربة العربية واخلليجية دون األخذ بعني االعتبار مسألة<br />

التوافق مع تصور قوة من القوى الكبرى املهيمنة،‏ وهي يف هذه<br />

احلالة الواليات املتحدة األمريكية والصني ودول االحتاد األوربي،‏<br />

خاصة أن منطقة غرب إفريقيا تستحوذ عليها الديانة اإلسامية<br />

التي تربط قهرًا مبسألة مكافحة اإلرهاب،‏ وهو ما يجعل أي<br />

رؤية ترتبط باجلانب االستراتيجي العام الذي يقحم تصورًا أو<br />

تصورات القوى املهيمنة الكبرى السالفة الذكر.‏<br />

ثانيًا:‏ غرب إفريقيا يف الرؤى استراتيجية للقوى الكبرى<br />

تتراوح هذه الرؤى بني الرؤية األمريكية،‏ والرؤية الصينية،‏<br />

ورؤية دول اإلحتاد األوربي،‏ وبذلك ميكن وضع التصور العربي<br />

واخلليجي باخلصوص يف نسق واحد من هذه الرؤى والتصورات،‏<br />

وحتديد جوانب التقارب والتمايز معها.‏<br />

رؤية الواليات المتحدة األمريكية:‏ يعتبر تأمني مصادر الطاقة<br />

واملواد اخلام من أهم ركائز استراتيجية الواليات املتحدة األمريكية،‏<br />

فهي حتتاج جللب % 25 من استهاكها اليومي من البترول من<br />

إفريقيا بحلول ‎2020‎م،‏ كبديل عن نفط الشرق األوسط بسبب<br />

ما تعتبره اإلدارة األمريكية واقعا يرتبط باالضطرابات األمنية<br />

هناك.‏ ويتماشى ذلك مع التقرير الوطني حول السياسة الطاقية<br />

الذي صدر يف سنة ‎2001‎م،‏ من البيت األبيض،‏ الذي نوه بجودة<br />

وسهولة نقل املوارد الطاقية خلليج غينيا،‏ وتوقع استيراد %25<br />

من بترول إفريقيا يف أفق 2025 م.‏ كما تصدر نيجيريا أكثر من<br />

40% من إنتاجها النفطي نحو الواليات املتحدة األمريكية،‏ وهو ما<br />

يشكل نسبة 10% من الواردات النفطية األميركية،‏ وتسعى نيجيريا<br />

لارتقاء بدبلوماسيتها لتؤهلها ألن تكون الناطقة باسم إفريقيا.‏<br />

إن هذا التناقض بني التصور اخلليجي واألمريكي القائم حول<br />

الطاقة يوحي أن بناء أي تصور متجانس مع السياسة األمريكية<br />

يف غرب إفريقيا هو من قبيل التنسيق من أجل إنقاص الوجود<br />

اخلليجي باملنطقة،‏ ذلك أن أصل التدخل األمريكي يف املنطقة<br />

قائم على التناقضات التي استنتجتها الواليات املتحدة األمريكية<br />

يف إطار عاقتها بدول اخلليج على مستوى إنتاج الطاقة التي<br />

تعد العمود الفقري لاقتصاد األمريكي،‏ وبالتالي لن تسمح<br />

الواليات املتحدة لدول اخلليج بالتحكم أكثر يف مصادر الطاقة<br />

البديلة التي ترهن اقتصادها.‏<br />

الرؤية االستراتيجية الصينية:‏ تقوم بدورها على مركزية<br />

الطاقة وعلى رأسها البترول،‏ ولقد بلغت من جهة،‏ سنة ‎2010‎م،‏<br />

حاجة الصني %55 من البترول،‏ و‎%57‎ من احلديد،‏ و‎70‎ % من<br />

النحاس و‎%80‎ من األملنيوم.‏ كما ارتفع استهاك اخلشب من<br />

7.2 إلى 30.4 مليون م‎3‎بني 1996 و‎2005‎م.‏<br />

ومن جهة أخرى،‏ ستنتقل الصني من استهاك 3.5 مليون<br />

برميل يوميًا من النفط عام ‎2006‎م،‏ إلى 13.1 مليون برميل عام<br />

‎2030‎م،‏ أي %80 من استهاكها.‏ وتستورد الصني نصف حاجياتها<br />

من النفط من الشرق األوسط،‏ وهو ما جعلها تبحث عن موارد<br />

جديدة،‏ فإفريقيا التي تشكل ‎9‎‏%من االحتياطي العاملي ميكنها<br />

حسب الصني أن تكون مصدرًا جديدًا للطاقة.‏<br />

ال يظهر إذن،‏ أنه بالنظر للتصورات املتطرفة القائمة على بنية<br />

الطاقة،‏ أن دول اخلليج لها مكانة يف االستراتيجيتني األمريكية أو<br />

الصينية يف غرب إفريقيا.‏<br />

الرؤية االستراتيجية األوربية:‏ تقوم االستراتيجية األوربية<br />

على مقاربة جتمع بني التنمية واألمن،‏ ويعتبر ذلك طبيعيًا<br />

بحكم القرب والتأثير النسبي الذي متارسه هذه املنطقة على<br />

االزدهار االقتصادي واألمن االجتماعي بدول االحتاد.‏ وتنسج<br />

االستراتيجية األوربية ثاثة محاور كبرى:‏<br />

- ربط املشاريع واملقترحات التنموية بالرؤى والسياسات<br />

التعاونية األمنية.‏<br />

- تنزيل رؤى قائمة على دعم التعاون اإلقليمي،‏ وسعي االحتاد<br />

أحيانا لتفعيل االندماجات االقتصادية مبا يخدم التنمية التي<br />

تؤدي لاستقرار السياسي.‏<br />

- بقاء مداخل التحكم يف القدرات االقتصادية والثروات الطبيعية<br />

لهذه الدول ونسج سياسات قائمة على االستمرار يف هذا التحكم.‏<br />

وجتد دول االحتاد من جهة أخرى مجموعة من املشاكل يف


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

90<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

تنزيل السياسات األوربية مبنطقة غرب إفريقيا،‏ ألنه من جهة<br />

يتضمن تناقضات كبيرة على مستوى تصور كل دولة من دوله<br />

على حدة،‏ وألنه يجابه حتديات عملية تهم أساس:‏<br />

- مشاكل احلكامة وسبل التنمية وطرق حل النزاعات يف مجال<br />

مستعصي بني الدواعي السياسية والثقافية والدينية؛<br />

- أولوية املستوى األمني يؤدي إلى إشكاالت عملية يف تنسيق<br />

السياسات وتوحيد التصورات،‏ نظرا لتباين املشاكل من دولة<br />

ألخرى وصعوبة توحيد الرؤية؛<br />

- النقص املهول يف بنيات األمن ونسيج دولة القانون القائمة على<br />

وجود مؤسسات قارة وانعدام اجلاهزية واالستقرار السياسي.‏<br />

- إشكال العنف األصولي والديني الذي تداخل مع أبعاد<br />

جيوستراتيجية تتحكم فيها قوى محلية ودولية.‏<br />

وتضع دول االحتاد األوربي إلى جانب ذلك سياسة قائمة<br />

على البعد التجاري واالقتصادي حققت تقدمًا أدى إلى ترابط<br />

كبير بني دول غرب إفريقيا ودول االحتاد،‏ نظرًا للعامل التاريخي<br />

االستعماري والثقايف الذي يربط اجلانبني.‏<br />

خاصة ما سبق أن الدول العربية ودول اخلليج إذا كانت تتبنى<br />

رؤية تقوم على التعاون مع قوة دولية اقتصاديًا وسياسيًا فاألقرب<br />

لتنزيل رؤية متكاملة هو إطار االستراتيجية األوربية،‏ نظرًا الرتباط<br />

الرؤية األمريكية والصينية باملقومات الطاقية ولنزعتها األحادية<br />

وغير التعاونية،‏ لكن مع األخذ بعني االعتبار املعطيات التالية:‏<br />

- أن االستراتيجية األوربية غير متجانسة وغير موحدة إال<br />

يف اجلوانب االتفاقية التي حتاول بدورها أن حتوز الريادة<br />

االقتصادية مبنطقة غرب إفريقيا.‏<br />

- أن دوال بعينها كفرنسا مثا أكثر حضورًا من غيرها من دول االحتاد<br />

األوربي،‏ وذلك راجع لعوامل تاريخية وثقافية واجتماعية ومصلحية.‏<br />

- أن البعد األمني يأخذ مكانًا أكبر يف رؤية الدول األوربية ملنطقة<br />

غرب إفريقيا.‏<br />

- أن أوربا،‏ وفرنسا على وجه التحديد،‏ جتد حرجا يف نسج<br />

سياسة تعاونية مع الدول األخرى،‏ وتعتبر نفسها أولى بتنفيذ<br />

السياسات اإلقليمية،‏ وأي تعاون يجب أن ينخرط خلدمة<br />

مصاحلها أوال.‏<br />

إذن هل ميكن للدول العربية أن تقيم سياسة خاصة ورؤية<br />

ذاتية حضارية مبنطقة غرب إفريقيا؟<br />

اجلواب إيجابي لعدة اعتبارات:‏<br />

- كون املغرب ميكن أن يكون قاعدة لوضع استراتيجيات ناجحة<br />

خلبرته وعاقاته مع دول املنطقة.‏<br />

- وجود عاقات دينية وروابط اجتماعية قوية بني املنطقتني.‏<br />

- نظرًا لإلمكانيات املادية املتاحة وكثرة املجاالت القابلة<br />

لاستثمار باملنطقة وهو ما يدخلها يف مقارنة بني االستراتيجية<br />

السلمية التنموية للدول العربية واالستراتيجيات االستغالية<br />

للدول والقوى الكبرى.‏<br />

ثالثًا:‏ تهديدات إقليمية<br />

كل التصورات التي ميكن نسجها استراتيجيًا مبنطقة غرب<br />

إفريقيا يعترضها نوع آخر من التهديد قادم من التسابق الذي<br />

بدأته منذ فترة طويلة كل من إيران وإسرائيل.‏<br />

ترتكز السياستني اإلسرائيلية واإليرانية يف منطقة غرب<br />

إفريقيا على مقومات متشابهة،‏ وعلى اختاف يف املنطلقات<br />

للتنزيل؛ ففي حني تلعب إسرائيل على وتر التنمية واالنسجام<br />

والتبعية االقتصادية،‏ تضيف إيران لذلك البعد العقدي.‏<br />

تقوم الدولتان معًا بإيفاد رجال السياسة ورجال األعمال<br />

والتقنيني واملهندسني واألطباء قصد نسج عاقات ثقافية<br />

خاصة،‏ وتقومان من جهة أخرى بإبرام عقود مرتبطة بقطاعات<br />

إنتاجية وتصدير الساح أيضً‏ ا.‏<br />

وتتنامى العاقات التجارية بني إسرائيل وإيران من جهة ودول<br />

القارة من جهة أخرى يف اجتاه يضمن والءات خاصة لهاتني الدولتني<br />

من طرف دول القارة،‏ ناهيك عن الصراع للتحكم يف الثروات<br />

الطبيعية التي تزخر بها القارة والسيما املعادن النادرة والنفسية.‏<br />

ومن جهة أخرى،‏ ميكن التأكيد على ضرورة إياء اهتمام<br />

خاص ملدخل الصراع الديني بني اإليرانيني والدول العربية السنية<br />

وعلى رأسها دول اخلليج،‏ حيث تستثمر إيران ما تسميه اجتاهات<br />

التطرف السني يف إفريقيا للتحول نحو املذهب الشيعي،‏ ويجد<br />

ذلك صدى مقبوال حتى لدى بعض القوى الدولية.‏<br />

اخلاصة أن املدخل األساسي للتعاون بني الدول العربية عمومًا<br />

ودول اخلليج على وجه التحديد ودول غرب إفريقيا هو املدخل<br />

االقتصادي الذي يشمل تعزيز االستثمارات والتجارة اخلارجية<br />

وكافة أشكال التعاون،‏ نظرًا لكون املنطقة األقرب لوضع رؤية<br />

محكمة تشمل أيضا التعاون يف املجاالت السياسية واألمنية األخرى<br />

وهو ما سيعود بالنفع الكبير على اقتصاديات الدول العربية،‏<br />

ويساهم يف تنويع مداخيلها املرتكزة بشكل كبير على النفط.‏<br />

كما أن االستراتيجية العامة ميكن أن تقوم على جناحني<br />

وقوتني؛ جناح غرب إفريقيا بالتركيز على مكامن قوة الدول<br />

العربية لشمال إفريقيا والسيما اململكة املغربية،‏ وجناح شرق<br />

إفريقيا باستعادة الدور املصري التقليدي،‏ لكن برؤى منطقية<br />

وقابلة للتحقيق وتنسيقية تأخذ بعني االعتبار احملددات التي<br />

تنجح االستراتيجية وتتجاوز العراقيل.‏<br />

‏*أستاذ العالقات الدولية،‏ جامعة محمد األول،‏ وجدة،‏ اململكة<br />

املغربية.‏


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 91<br />

العدد ملف<br />

حضور اقتصادي وأمني ملوسكو في القارة السمراء رغم التحديات<br />

إفريقيا في الحسابات الروسية:‏<br />

المصالح والتوقعات<br />

كانت زيارة الرئيس الروسي فادميير بوتني جلنوب إفريقيا يف سبتمبر ‎2006‎م،‏ والتي كانت األولى لرئيس روسي إلى<br />

دولة إفريقية جنوب الصحراء،‏ تدشيناً‏ ملرحلة جديدة من التطور امللحوظ يف العاقات الروسية اإلفريقية بعد فترة<br />

من التدهور السريع خال عقد التسعينات.‏<br />

د.‏ نورهان الشيخ<br />

وتعود العاقات الروسية مع إفريقيا جنوب الصحراء بجذورها<br />

إلى القرن التاسع عشر حني قامت روسيا القيصرية بإقامة<br />

عاقات دبلوماسية مع أثيوبيا وجنوب إفريقيا عام ‎1898‎م،‏ إال أن<br />

الطفرة احلقيقية يف العاقة بني اجلانبني جاءت خال احلقبة<br />

السوفيتية حيث قفزت العاقات إلى مستويات استراتيجية غير<br />

مسبوقة يف إطار دعم االحتاد السوفيتي حلركات التحرر الوطني<br />

التي كانت متوج بها القارة اإلفريقية منذ خمسينيات القرن<br />

املاضي،‏ وقيامه بتقدمي املساعدات العسكرية والتقنية للدول<br />

اإلفريقية حديثة االستقال.‏ ويف الوقت الذي كانت واشنطن<br />

تعتبر نيلسون مانديا ‏»إرهابي«،‏ كان االحتاد السوفيتي يدعم<br />

املؤمتر الوطني اإلفريقي قائد النضال ضد التمييز العنصري،‏<br />

واحلزب احلاكم حاليًا.‏ وأطلقت موسكو اسم،‏ باتريس لومومبا،‏<br />

قائد حركة التحرر يف الكونغو الذي مت إعدامه بوحشيه عام<br />

‎1961‎م،‏ على إحدى اجلامعات،‏ وعلى مدى ثاثة عقود وحتى<br />

عام ‎1992‎م،‏ كانت جامعة لومومبا من أكثر اجلامعات املرموقة<br />

يف روسيا وتخرج منها أجيال من القيادات األفارقة العاملة يف<br />

مجال السياسة اخلارجية.‏<br />

ولعب االحتاد السوفيتي دورًا بارزًا يف إعداد وتدريب القيادات<br />

اإلفريقية يف مختلف املجاالت،‏ ومع انتهاء احلقبة السوفيتية بلغ<br />

إجمالي من تلقوا تعليمهم يف اجلامعات واملعاهد العسكرية<br />

السوفيتية 50 ألفًا من املدنيني والعسكريني،‏ منهم رئيس جنوب<br />

إفريقيا ‏)جاكوب زوما(،‏ ورئيس أجنوال ‏)خوسيه دوس سانتوس(،‏<br />

ورئيس موزمبيق السابق ‏)أرماندو جويبوزا(،‏ إلى جانب أكثر<br />

من 200 ألف من األفارقة مت تدريبهم يف بلدانهم على أيدي<br />

السوفييت.‏ ويعطى هذا البعد التاريخي خصوصية لروسيا<br />

ويجعلها طرفًا دوليًا أكثر قبوالً‏ لدى دول القارة.‏ فروسيا لم تبدأ<br />

عاقاتها بإفريقيا السمراء من الصفر،‏ كبعض القوى األخرى،‏<br />

وإمنا من رصيد ضخم موروث من احلقبة السوفيتية.‏<br />

وكان على روسيا بذل جهد إلنعاش الذاكرة اإلفريقية بهذا<br />

املاضي عقب حقبة التسعينات التي تراجعت خالها إفريقيا<br />

جنوب الصحراء يف األجندة الروسية،‏ ومت غلق تسع سفارات<br />

وثاث قنصليات لروسيا يف إفريقيا منها تلك يف توجو وليسوتو<br />

وبوركينافاسو،‏ كما مت إغاق معظم املكاتب التجارية،‏ وثاثة<br />

عشر مركزًا ثقافيًا من إجمالي عشرين مركزاً‏ يف إفريقيا،‏<br />

وجمدت برامج املساعدات التي بدأت يف العهد السوفيتي،‏<br />

وتوقفت وسائل اإلعام التي كانت متثل صوت روسيا يف القارة<br />

مثل ‏»راديو موسكو«‏ وغيره.‏<br />

وبدأت روسيا يف اتخاذ خطوات جادة الستعادة عاقاتها<br />

بالقارة ونصت عقيدة السياسة اخلارجية الروسية التي أقرها<br />

الرئيس بوتني يف 12 فبراير ‎2013‎م،‏ والتي حلت محل عقيدة<br />

مديفيديف لعام ‎2008‎م،‏ على أن ‏»املتغيرات العاملية املتسارعة يف<br />

العقد األول من القرن احلادي والعشرين تتطلب اقترابات جديدة<br />

للتعاطي مع األوضاع سريعة التغير يف العالم،‏ ورؤية جديدة<br />

ألولويات السياسة اخلارجية الروسية مع األخذ يف االعتبار<br />

املسؤولية املتعاظمة لروسيا يف حتديد األجندة الدولية وبلورة<br />

النظام الدولي«.‏ وأن ‏»روسيا سوف تدفع التفاعات متعددة


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

92<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

روسيا تعتمد على الدفع الثنائي ومتعدد األطراف والمساهمة<br />

في تسوية ومنع الصراعات<br />

األبعاد مع الدول األفريقية على أساس ثنائي ومتعدد األطراف،‏<br />

مع التركيز على تطوير احلوار السياسي،‏ وتشجيع التجارة<br />

والتعاون االقتصادي املفيد للطرفني،‏ واملساهمة يف تسوية ومنع<br />

الصراعات واألزمات اإلقليمية يف أفريقيا«،‏ لتحدد بذلك ثاثة<br />

محاور أساسية لعاقة موسكو بدول جنوب الصحراء.‏<br />

أولها،‏ احملور السياسي الذي يعتبر املظلة التي تنطلق يف<br />

إطارها مجاالت التعاون األخرى،‏ حيث استأنفت موسكو عاقاتها<br />

الدبلوماسية مع عدد من الدول األفريقية،‏ ولها حاليًا 40 سفارة<br />

بالقارة من بينها جنوب السودان،‏ مقابل 35 دولة أفريقية لها<br />

سفارات يف موسكو.‏ ولروسيا ممثل دائم لدى االحتاد اإلفريقي<br />

منذ عام ‎2006‎م،‏ وهو املنصب الذي يشغله فاليري يتكني منذ<br />

عام ‎2010‎م.‏ وقام الرئيس الروسي السابق،‏ دميترى مديفيديف،‏<br />

بزيارة إلى القارة اإلفريقية عام ‎2009‎م،‏ شملت نيجيريا وأجنوال<br />

وناميبيا،‏ كما قام الرئيس بوتني بزيارته الثانية جلنوب إفريقيا<br />

يف مارس ‎2013‎م،‏ حلضور قمة البريكس يف ديربان.‏ وحترص<br />

روسيا على املشاركة املنتظمة ورفيعة املستوى يف القمة اإلفريقية،‏<br />

والتواصل مع القادة األفارقة على هامشها.‏ كما استقبلت موسكو<br />

العديد من قادة إفريقيا جنوب الصحراء،‏ ولعل أكثرهم ترددًا<br />

على موسكو رئيس جنوب إفريقيا وذلك يف إطار العاقات<br />

االستراتيجية بني اجلانبني.‏<br />

من ناحية أخرى،‏ ميثل الثقل التصويتي للدول اإلفريقية ال<br />

)54( داخل األمم املتحدة أهمية خاصة بالنسبة لروسيا،‏ وذلك<br />

يف وقت حتتدم فيه املواجهة مع الغرب،‏ ويسعى األخير للنيل<br />

من موسكو يف احملافل الدولية.‏ فعند التصويت إلدانة روسيا<br />

على خلفية األزمة األوكرانية امتنعت غالبية الدول اإلفريقية عن<br />

التصويت،‏ وكان من بني الدول العشرة التي صوتت لصالح روسيا<br />

أثنتني من الدول اإلفريقية،‏ األمر الذي عُد مؤشرًا على تنامى<br />

التأثير الروسي يف إفريقيا.‏ ويف املقابل حتتاج الدول اإلفريقية<br />

أيضً‏ ا إلى الفيتو الروسي ملواجهة الضغوطات الغربية،‏ وعلى<br />

سبيل املثال استخدمت موسكو الفيتو على مشروع قرار يف<br />

مجلس األمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية على زميبابوي<br />

عام ‎2008‎م،‏ وكان ذلك عاماً‏ يف دفع التعاون بني البلدين.‏<br />

ثانيها،‏ محور التعاون التقني واالقتصادي،‏ ويحتل هذا<br />

احملور األولوية لدى روسيا حيث تسعى إلى تعظيم استفادتها<br />

من الفرص املتاحة يف إفريقيا على أساس من املنفعة املتبادلة<br />

وليس االستغال لدول القارة،‏ وقامت كخطوة أولية يف هذا<br />

اإلطار بإسقاط ديون بقيمة 20 بليون دوالر عن الدول اإلفريقية<br />

لتبدأ صفحة جديدة من التعاون بني الطرفني.‏ ومن املعروف<br />

أن القارة األفريقية أصبحت من أسرع املناطق منوًا يف العالم،‏<br />

ويبلغ متوسط معدل النمو بها حوالي %5، ومن املتوقع خال<br />

السنوات اخلمس القادمة أن تصبح من 8 إلى 10 اقتصادات<br />

إفريقية ضمن األسرع منوًا يف العالم.‏ كما متتلك إفريقيا % 30<br />

من إجمالي املوارد الطبيعية يف العالم،‏ ورغم أن روسيا غنية<br />

باملوارد الطبيعية إال أن استيراد بعضها من إفريقيا أقل تكلفة<br />

من استخراجها من روسيا.‏<br />

ويف يونيو ‎2009‎م،‏ قامت الغرفة الروسية للتجارة والصناعة<br />

بإنشاء جلنة لتنسيق التعاون االقتصادي مع إفريقيا جنوب<br />

الصحراء بهدف تشجيع رجال األعمال على العمل يف إفريقيا<br />

وتسهيل بدء األعمال لهم،‏ عرفت ب ،AfroCom وتضم 90 جهة<br />

روسية منها وزارات معنية وأجهزة مختصة ومنظمات وشركات،‏<br />

وحتظى اللجنة بدعم واضح من احلكومة والبرملان والسلطات<br />

الروسية عامة.‏ ويف 16 ديسمبر ‎2011‎م،‏ مت عقد الدورة األولى<br />

من منتدى األعمال ‏»روسيا ‏-إفريقيا«‏ يف العاصمة اإلثيوبية<br />

أديس أبابا وشارك فيه وزراء من تشاد ومالي والسودان<br />

وإثيوبيا وممثلني عن االحتاد اإلفريقي وكذلك ممثلو شركات<br />

روسية كبرى.‏<br />

وهناك أكثر من 30 شركة روسية تسهم يف تطوير استغال<br />

الدول اإلفريقية ملواردها الطبيعية يف مجال التعدين والطاقة،‏<br />

يعمل معظمها يف جنوب إفريقيا،‏ وأجنوال،‏ والكونغو الدميقراطية،‏<br />

ناميبيا،‏ نيجيريا،‏ وبتسوانا،‏ كوت ديفوار،‏ جانا،‏ وتوجو.‏<br />

ويستحوذ قطاع التعدين على شق كبير من التعاون التقني<br />

بني روسيا وإفريقيا السمراء،‏ ومن أبرز املشروعات يف هذا<br />

اخلصوص،‏ عقد بقيمة 3 بليون دوالر مع زميبابوي لتطوير<br />

منجم باتينيوم،‏ ومشاركة الشركات الروسية يف استخراج املاس<br />

واليورانيوم يف ناميبيا،‏ ومن املعروف أن باألخيرة ثامن أكبر<br />

احتياطي عاملي من اليورانيوم.‏ كذلك،‏ االتفاق على قيام روسيا<br />

بتزويد جنوب إفريقيا بحوالي % 45 من إجمالي احتياجاتها من<br />

اليورانيوم خال الفترة من ‎2011‎م،‏ وحتى ‎2017‎م،‏ الستخدامه<br />

كوقود نووي للمحطة الكهروذرية بها،‏ وبناء مفاعات نووية<br />

بجنوب إفريقيا،‏ لتكون األخيرة بحلول ‎2023‎م،‏ موطن أول محطة<br />

نووية تعتمد على التكنولوجيا الروسية يف القارة اإلفريقية.‏<br />

على صعيد آخر،‏ وانطاقًا من كون روسيا عماقًا يف مجال


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 93<br />

العدد ملف<br />

الطاقة وهى أكبر منتج وثاني أكبر مصدر للنفط يف العالم حيث<br />

تستأثر بنحو %40 من إجمالي الصادرات العاملية من النفط،‏<br />

وهى األولى يف إنتاج وتصدير الغاز وبها %35 من االحتياطي<br />

العاملي من الغاز الطبيعي،‏ فإنها تتبنى سياسة تقوم يف أحد<br />

أبعادها على الشراكة واالستثمارات املشتركة يف شبكات الطاقة<br />

التي متثل بدائل محتملة للطاقة الروسية بالنسبة ألسواقها<br />

خاصة يف أوروبا،‏ والدفع باالستثمارات الروسية يف قطاع الطاقة<br />

خارج روسيا،‏ وهناك إقبال شديد من جانب شركات النفط<br />

الروسية السيما تلك التابعة للدولة لاستثمار يف قطاع النفط<br />

والغاز يف الدول املنتجة له يف مختلف أنحاء العالم من خال<br />

املشاركة يف عمليات البحث والتنقيب وتطوير<br />

االنتاج.‏ فروسيا متتلك التكنولوجيا واخلبرة<br />

الازمة يف مجال الكشف والتنقيب عن البترول<br />

واستخراجه،‏ وكذلك يف مجال الصناعات<br />

البتروكيماوية،‏ وتعتبر الشركات الروسية خاصة<br />

‏»لوك أويل«‏ و«غاز بروم«‏ حالياً‏ من كبرى<br />

الشركات العاملية العاملة يف مجال الطاقة.‏<br />

ومتتد خريطة االستثمارات الروسية لتشمل<br />

القارة اإلفريقية،‏ ومن أبرز املشروعات املشتركة<br />

يف هذا اإلطار توقيع اتفاقية تعاون بني شركة<br />

‏»غازبروم«‏ وشركة النفط الوطنية النيجيرية إلنشاء خط أنابيب<br />

لنقل الغاز من نيجيريا عبر الصحراء الكبرى إلى اجلزائر،‏ ثم<br />

عبر البحر املتوسط إلى أوروبا.‏ وتوقيع عقد الستغال النفط يف<br />

أوغندا بقيمة 4 بليون دوالر يف فبراير ‎2015‎م،‏ وتؤهل االكتشافات<br />

احلديثة للنفط يف أوغندا األخيرة لتصبح دولة مؤثرة يف القارة،‏<br />

وتفتح آفاقًا رحبة للتعاون مع روسيا يف هذا املجال.‏<br />

ثالثها،‏ محور التعاون األمني واالستراتيجي،‏ فالتنظيمات<br />

االرهابية متثل حلقة متصلة تغذي وتدعم بعضها البعض،‏ وتبرز<br />

‏»داعش«‏ كأخطر هذه التنظيمات يف ضوء التمدد الواضح لها<br />

يف العالم،‏ األمر الذي جعل منها حزام نار انطلق من العراق<br />

وسوريا وأمتد يف أوربا وآسيا وإفريقيا ليطوق القارات الثاث.‏<br />

ويحتل القضاء على اإلرهاب قمة األولويات الروسية،‏ وأصبح<br />

التوجه االستراتيجي الرئيسي احلاكم لسياسة موسكو خال<br />

املرحلة املقبلة،‏ باعتباره التهديد األساسي لألمن القومي<br />

الروسي ولألمن واالستقرار العاملي.‏ ويف إطار نهج روسيا ملواجهة<br />

اإلرهاب،‏ والذي يقوم على بناء نظام أمني دولي تشارك فيه كل<br />

الدول املعنية التي يطولها لهيبه،‏ تبرز أهمية التعاون مع الدول<br />

اإلفريقية خاصة تلك التي يعتصرها اإلرهاب مثل نيجيريا.‏ وقد<br />

استطاعت روسيا تطوير تعاون أمني ومعلوماتي مع عدد من دول<br />

إفريقيا السمراء ويف مقدمتها جنوب إفريقيا،‏ وأطلق اجلانبان<br />

40 سفارة روسية<br />

مقابل 35 سفارة<br />

إفريقية بموسكو<br />

ولروسيا ممثل<br />

باالتحاد األفريقي<br />

نظام األقمار الصناعية املعروف باسم مشروع كوندور،‏ الذي<br />

يوفر املراقبة للقارة اإلفريقية بأسرها،‏ ويخدم االستخبارات<br />

العسكرية الروسية ونظيرتها يف جنوب إفريقيا.‏<br />

كما تشارك روسيا يف قوات حفظ السام يف عدد من<br />

الدول اإلفريقية منها الكونغو الدميقراطية وكوت ديفوار وأثيوبيا<br />

وأريتريا والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية،‏ ويفوق<br />

عدد القوات الروسية القوات الفرنسية والبريطانية واألمريكية<br />

مجتمعة.‏ وقامت روسيا بتدريب 180 رجل شرطة من 18 دولة<br />

إفريقية على عمليات حفظ السام،‏ وقدمت مساهمة قدرها 2<br />

مليون دوالر يف صندوق حفظ السام التابع لاحتاد اإلفريقي<br />

عام ‎2012‎م.‏<br />

يضاف إلى هذا،‏ التعاون العسكري بني<br />

اجلانبني،‏ ومتثل صادرات األسلحة الروسية إلى<br />

إفريقيا جنوب الصحراء حوالي %7 من إجمالي<br />

الصادرات الروسية من األسلحة.‏ وتتعاون<br />

شركة ‏»روس أوبورون إكسبورت«‏ الروسية املعنية<br />

بصادرات الساح،‏ مع 15 دولة إفريقية جنوب<br />

الصحراء.‏ وتقبل البلدان اإلفريقية على الدبابات<br />

القدمية من نوع ‏»تي-‏ 55«، و«تي-‏ 72« ومقاتات<br />

‏»سوخوي«،‏ واملروحيات من نوع ‏»أم آي 8« و ‏»أل آي<br />

24«. وعلى سبيل املثال،‏ وقعت أجنوال عقداً‏ عام 2013، بقيمة<br />

تتجاوز املليار دوالر،‏ للتزود مبعدات روسية،‏ من بينها مقاتات<br />

سوخوي ومروحيات.‏ كما أنه،‏ وللمرة األولى منذ 15 عامًا،‏<br />

وقعت كل من روسيا وناميبيا عقدًا حتصل مبقتضاه األخيرة<br />

على مركبات وذخيرة وصواريخ مضادّة للدبابات وقذائف<br />

الهاون.‏ وقامت روسيا بتزويد نيجيريا بالطائرات بعد رفض<br />

الواليات املتحدة تزويدها بطائرات ‏»كوبرا«‏ عام 2014. ووقعت<br />

موسكو عقداً‏ مع غانا لتسليم األخيرة مروحيات بقيمة 66<br />

مليون دوالر.‏ كما تبيع روسيا األسلحة اخلفيفة ملالي،‏ ويتضمن<br />

ذلك البنادق واملدافع الرشاشة والذخائر،‏ وذلك مبقتضى العقد<br />

املوقع بني اجلانبني يف سبتمبر 2012، بقيمة إجمالية 12 مليون<br />

دوالر،‏ وحصلت أوغندا على مقاتات من طراز ‏»سو - 30<br />

أم كا 2« الروسية.‏ ويف ضوء اتساع الصفقات الروسية للقارة<br />

وقعت شركة ‏»مروحيات روسيا«‏ اتفاقية إلنشاء مركز لصيانة<br />

املروحيات الروسية يف جنوب إفريقيا مع شركة ‏»ديفل أفييشن«‏<br />

اجلنوبية اإلفريقية،‏ وافتتحت شركة ‏»أورال فاجون زافود«‏<br />

لصناعة الدبابات مركز إقليمي لصيانة الدبابات من نوع ‏»تي-‏<br />

72« يف إفريقيا.‏<br />

ويتزامن إحياء القوة الصلبة ببعديها االقتصادي والعسكري،‏<br />

اجتاه روسيا للقوة الناعمة لتصل قناة »RT« الروسية إلى


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

94<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

إفريقيا،‏ ويتم استئناف البعثات ألبناء القارة،‏ وكذلك نشر اللغة<br />

الروسية وإرسال األساتذة املتخصصني يف اللغة الروسية إلى إفريقيا.‏<br />

إن حترك روسيا يف إفريقيا جنوب الصحراء يحكمه املصالح<br />

الروسية بجناحيها االقتصادي واألمني،‏ وهي تريد متييز نفسها<br />

عن القوى الغربية االستعمارية باعتبار أن روسيا ليس لها ماضٍ‏<br />

استعماري يف القارة بل على العكس،‏ كان لها دور أساسي يف<br />

حترير دول القارة من االستعمار،‏ وخال احلرب العاملية الثانية<br />

ساند االحتاد السوفيتي أثيوبيا ضد العدوان اإليطالي،‏ وتوجه<br />

بعض الروس الى اثيوبيا للدفاع عنها.‏ لذا وعلى خاف عقيدة<br />

2008 لم تشر عقيدة السياسة اخلارجية الروسية لعام ‎2013‎م،‏<br />

إلى التعاون مع القارة اإلفريقية من خال مجموعة الثمانية التي<br />

حتولت ملجموعة السبع الكبرى بعد استبعاد روسيا منها.‏<br />

وعلى العكس تعد مجموعة بريكس،‏ التي تضم إلى جانب<br />

روسيا كل من الصني والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا،‏ قدمًا<br />

أساسية لتحرك روسيا يف إفريقيا جنوب الصحراء،‏ وهي تتبع<br />

منظور تعاوني مع هذه الدول وليس تنافسي،‏ وحتاول االستفادة<br />

مما حققته دول مثل الصني والهند يف القارة،‏ حيث جاءت العودة<br />

الروسية إلفريقيا متأخرة عن اندفاع الدولتني نحو إفريقيا،‏ كما<br />

تعتبر عضوية جنوب إفريقيا يف البريكس نافذة هامة لروسيا<br />

على إفريقيا السمراء.‏<br />

يضاف إلى ما تقدم،‏ أن حجم التعامات الروسية مع<br />

القارة يظل محدودًا نسبياً‏ وال ميكن اعتباره تنافسيًا مع<br />

القوى األخرى.‏ وعلى سبيل املثال،‏ يبلغ حجم التبادل التجاري<br />

بني روسيا وإفريقيا جنوب الصحراء،‏ وفقًا لتقديرات الغرفة<br />

الروسية للتجارة والصناعة،‏ حوالي 2,3 بليون دوالر مقارنة<br />

بحوالي 60 بليون دوالر للواليات املتحدة عام ‎2013‎م،‏ و‎200‎<br />

بليون دوالر لاحتاد األوروبي،‏ و‎200‎ بليون دوالر للصني.‏<br />

ومن املتوقع أن يزداد احلضور الروسي يف إفريقيا جنوب<br />

الصحراء اقتصاديًا واستراتيجيًا،‏ يدعم هذا رصيد روسيا<br />

التاريخي يف إفريقيا،‏ ومنظورها التعاوني وليس التنافسي<br />

مع القوى الكبرى األخرى يف االقتراب من القارة،‏ إلى جانب<br />

انطاقها من مبادئ االحترام املتبادل والشراكة القائمة على<br />

املصالح واملنافع املتبادلة،‏ وما تبديه موسكو من حرص على<br />

حتقيق االستقرار وتهدئة الصراعات والنزاعات الداخلية والبينية<br />

التي متوج بها القارة.‏ إال أن هناك حتديات قد تبطئ من صعود<br />

روسيا كفاعل هام وشريك استراتيجي للدول اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء،‏ أهمها الصعوبات التي يواجهها االقتصاد الروسي<br />

نتيجة انخفاض أسعار النفط،‏ وانغماس روسيا يف املواجهة مع<br />

الغرب حول قضايا األمن األوروبي من ناحية،‏ ويف األزمة السورية<br />

من ناحية أخرى،‏ األمر الذي سيؤثر على تركيزها وتفعيل دورها<br />

يف القارة اإلفريقية وكثافة حركتها جنوب الصحراء.‏<br />

‏*أستاذ العلوم السياسية،‏ جامعة القاهرة


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 95<br />

العدد ملف<br />

استعادة الدور العربي في القارة السمراء رهن العالقات االقتصادية<br />

التواجد اإلسرائييل في أفريقيا جنوب<br />

الصحراء يتقدم..‏ والتأثير العربي يتراجع<br />

متثل القارة اإلفريقية أهمية استراتيجية كبيرة للعالم العربي يف ضوء ما تتمتع به من مقومات يف موقعها اجلغرايف<br />

املترامي األطراف وما متتلكه من ثروات بشرية ومعدنية متنوعة جتعلها بالطبع مسرحً‏ ا للصراع اإلقليمي والدولي<br />

ومجاالً‏ للتنافس بني القوى الكبرى يف محاولة كل منهم حتقيق مصاحله املختلفة والسيما مصاحله االقتصادية،‏ وهو<br />

األمر الذي فطنت إليه إسرائيل بعد إعان قيامها مباشرة عام ‎1948‎م،‏ وبلورت مبادئ وأهداف سياستها اخلارجية<br />

بحيث تكون لها قاعدة قوية وتواجد مؤثر على مستوى معظم دول القارة اإلفريقية.‏<br />

اللواء محمد إبراهيم<br />

وال شك أن التواجد اإلسرائيلي يف إفريقيا / جنوب الصحراء<br />

قد عكس تأثيراته السلبية على املصالح العربية ليس يف إفريقيا<br />

فقط،‏ وإمنا أيضً‏ ا على القضايا العربية املتعددة وبصفة خاصة<br />

القضية الفلسطينية التي كانت متثل عاماً‏ رئيسيًا ومشتركًا يف<br />

االهتمامات الثنائية يف العاقات العربية / اإلفريقية بل وحتتل<br />

أولوية يف إطار هذه العاقات،‏ وقد زاد من تعقيدات هذا األمر<br />

أن االهتمام العربي بالقارة اإلفريقية ومشاكلها لم يصل إلى<br />

احلد الذي كانت تأمله الدول اإلفريقية من جراء هذا التعاون<br />

ولم يحقق طموحاتها االقتصادية السيما وأنها اقتصاديات ناشئة<br />

حتتاج إلى دعم مادي كبير ، يف الوقت الذي كانت حترص فيه<br />

إسرائيل على أن تدعم نفوذها على املستوى اإلفريقي بشكل<br />

هادئ ومتدرج وفعال .<br />

وبدون الدخول يف تفصيات اإلطار التاريخي للعاقات<br />

العربية / اإلفريقية ميكننا القول أن هذه العاقات تستند إلى<br />

جذور تاريخية عميقة والسيما بعد ظهور اإلسام،‏ والدور املميز<br />

الذي قام به العرب يف مجال نشر الدين اإلسامي يف القارة مما<br />

ساعد بشكل قوي على دعم التواجد العربي هناك منذ مئات<br />

السنني،‏ بل وانتقلت طبيعة هذا التواجد من مرحلة االنتشار إلى<br />

مرحلة التأثير،‏ أما يف العصر احلديث فيكفي أن نشير هنا إلى<br />

الدور احليوي الذي لعبته مصر منذ اخلمسينيات يف مساندة<br />

حركات التحرر اإلفريقي حتى مت حصول كافة الدول اإلفريقية<br />

على استقالها من االحتال واالستعمار والتفرقة العنصرية.‏<br />

وحتى تكتمل الصورة البد لنا أن نشير أيضً‏ ا إلى احملاوالت<br />

العربية التي متت من أجل دعم العاقات مع الدول اإلفريقية<br />

سواء من خال جامعة الدول العربية ومحاوالت تعزيز عاقاتها<br />

مع منظمة الوحدة اإلفريقية التي مت تغيير اسمها بعد ذلك ‏)عام<br />

‎2002‎م(‏ إلى االحتاد اإلفريقي،‏ وكذا عقد أكثر من قمة عربية<br />

/ إفريقية بهدف الوصول إلى أنسب األساليب لدعم املصالح<br />

املشتركة بني اجلانبني العربي واإلفريقي ومبا يحقق مكاسب<br />

لكا الطرفني،‏ ونشير هنا إلى القمة العربية/‏ اإلفريقية الثالثة<br />

التي عقدت بالكويت يف نوفمبر عام ‎2013‎م،‏ حتت شعار شركاء<br />

يف التنمية واالستثمار وشارك فيها أكثر من سبعني دولة ومنظمة<br />

عربية وإقليمية ودولية وكان من بني أهدافها بحث إمكانية إقامة<br />

سوق إفريقية عربية مشتركة تخدم حوالي مليار ونصف نسمة .<br />

ويف اجلانب املقابل حرصت الدول اإلفريقية على تأكيد مدى<br />

قناعتها بأهمية العاقة مع الدول العربية وأن اجلانب التاريخي<br />

يف العاقة وطبيعة املصالح املشتركة بني اجلانبني كفيلة بأن<br />

يكون هناك تناغمًا وتنسيقًا مستمرًا يف املواقف بينهما،‏ األمر<br />

الذي دفع الدول اإلفريقية إلى قطع عاقاتها مع إسرائيل يف<br />

أعقاب حرب يونيو عام ‎1967‎م،‏ وحرب أكتوبر عام ‎1973‎م،‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

96<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

فيما عدد قليل للغاية من هذه الدول،‏ ومن املاحظ أن الدول<br />

اإلفريقية وهي تتخذ هذا القرار الهام اتخذته تأييدًا للمواقف<br />

العربية والفلسطينية يف مواجهة العدوان اإلسرائيلي على الدول<br />

العربية،‏ ومن املهم هنا أن نشير إلى أن معظم الدول اإلفريقية<br />

كانت قد صوتت على قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة باعتبار<br />

الصهيونية تعد شكاً‏ من أشكال العنصرية والتمييز العنصري<br />

فيما وذلك يف 15 نوفمبر عام ‎1975‎م،‏ ( مت إلغاء هذا القرار يف<br />

تصويت مماثل يف األمم املتحدة يف ديسمبر ‎1991‎م،‏ أي مباشرة<br />

بعد عقد مؤمتر مدريد للسام يف الشرق األوسط ) .<br />

ويف اإلطار نفسه كانت منظمة الوحدة اإلفريقية ‏)االحتاد<br />

اإلفريقي فيما بعد(‏ وكذا األغلبية العظمى من<br />

دول القارة تتبنى بصورة واضحة موقفًا موحدًا<br />

من االحتال اإلسرائيلي لألراضي الفلسطينية<br />

واعتبرت أن القضية الفلسطينية هي جوهر<br />

النزاع يف الشرق األوسط،‏ وطالبت بتطبيق<br />

قرارات الشرعية الدولية وضرورة االنسحاب<br />

اإلسرائيلي إلى حدود ما قبل يونيو عام ‎1967‎م،‏<br />

ومنح الفلسطينيني حق تقرير املصير وإقامة<br />

دولتهم املستقلة وعاصمتها القدس الشرقية مع<br />

حق إسرائيل يف العيش يف أمن وسام واستقرار<br />

يف املنطقة،‏ كما مت تبادل الزيارات على مستويات سياسية عليا<br />

بني مسئولي العديد من الدول اإلفريقية واجلانب الفلسطيني<br />

وكذا فتح بعض السفارات اإلفريقية ‏)يف رام اهلل(‏ تأكيدًا العتراف<br />

هذه الدول اإلفريقية بدولة فلسطني .<br />

لم تكن القارة اإلفريقية غائبة عن التفكير اإلسرائيلي<br />

االستراتيجي يف أية مرحلة من مراحل الصراع العربي/‏<br />

اإلسرائيلي،‏ ولم تتوان إسرائيل عن بذل كل اجلهود واحملاوالت<br />

ليكون لها موطئ قدم يف إفريقيا بالرغم من الوجود العربي<br />

واإلسامي السابق على الوجود اإلسرائيلي مبئات السنني وذلك<br />

استنادًا على السياسة اإلسرائيلية التي تعتمد على مبدأ النفس<br />

الطويل،‏ وميكن هنا اإلشارة لبعض العوامل التي حددت سياسة<br />

إسرائيل يف إفريقيا ‏)قدميًا وحديثًا(‏ على النحو التالي:‏<br />

- مؤمتر بازل الذي عقد يف سويسرا عام ‎1897‎م،‏ حدد بعض<br />

الدول اإلفريقية كبدائل إلقامة وطن قومي لليهود ‏)أوغندا –<br />

كينيا(‏ إذا ما تعثرت جهود إقامته يف فلسطني.‏<br />

- القارة اإلفريقية حتتل موقعًا استراتيجيًا هامًا وبالتالي كان لزامًا<br />

على إسرائيل أن يكون لها عاقة مع دول القارة لاستفادة من هذا<br />

املوقع يف تأمني مصاحلها،‏ ويف نفس الوقت عدم ترك الساحة<br />

اإلفريقية أمام الدول العربية واإلسامية لتتحرك فيها بحرية مبا<br />

قد يؤدي إلى تضييق اخلناق على النفوذ اإلسرائيلي الطموح هناك.‏<br />

إسرائيل اعتمدت<br />

سياسة النفس الطويل<br />

يف إفريقيا ليكون لها<br />

موطئ قدم رغم الوجود<br />

العربي واإلسالمي<br />

- استثمار وجود جاليات يهودية يف بعض الدول اإلفريقية<br />

كمدخل مناسب يخدم املصالح اإلسرائيلية سواء لدعم التواجد<br />

اإلسرائيلي هناك،‏ أو لتهجير بعض هذه اجلاليات إلى إسرائيل<br />

لاستفادة منها يف دعم اجلانب البشري الذي تعاني إسرائيل<br />

من نقص فيه ‏)عمليات تهجير يهود الفاشا من أثيوبيا ابتداء<br />

من عام ‎1990‎م(.‏<br />

- استثمار حاجة الدول اإلفريقية حديثة االستقال والفقيرة<br />

اقتصاديًا يف تشجيعها على إقامة العاقات الثنائية معها يف<br />

مختلف املجاالت وتقدمي ما ميكن تقدميه من أوجه مساعدات<br />

ومبا يساهم يف تأسيس عاقات إسرائيلية / إفريقية مبنية على<br />

مصالح قوية ال ميكن االستغناء عنها،‏ وجتدر<br />

اإلشارة هنا إلى أن مبيعات الساح اإلسرائيلي<br />

إلفريقيا قد جتاوزت أربعة مليارات دوالر مؤخرًا.‏<br />

- استغال العاقات اإلسرائيلية األمريكية<br />

واألوروبية املميزة يف نفاذ الشركات اإلسرائيلية<br />

إلى إفريقيا حتت ساتر شركات أجنبية غير<br />

إسرائيلية،‏ وياحظ أن هذا األمر قد حدث<br />

يف البداية فقط ثم سرعان ما تغير وأصبحت<br />

الشركات اإلسرائيلية املختلفة تعمل يف إفريقيا<br />

بشكل واضح وعلني.‏<br />

- ألن إفريقيا متثل كتلة تصويتية مؤثرة يف األمم املتحدة،‏ عملت<br />

إسرائيل على تفتيتها حتى ال تستمر يف مناصبة العداء لها،‏ بل<br />

حتركت من أجل تغيير توجه هذه الكتلة والعمل على استثمارها<br />

لصالح دعم املوقف اإلسرائيلي عند احلاجة وخاصة يف بعض<br />

القرارات الدولية الصادرة عن اجلمعية العامة لألمم املتحدة.‏<br />

- استثمار تصاعد ظاهرة اإلرهاب يف العالم وبالطبع وجود<br />

جماعات إرهابية يف بعض الدول اإلفريقية من أجل تأسيس<br />

شراكة استراتيجية بينها وبني هذه الدول حتت شعار مواجهة<br />

اإلرهاب،‏ وإظهار قدرة إسرائيل على تقدمي خبراتها للمساعدة<br />

على القضاء على هذه الظاهرة أو على األقل حتجيمها.‏<br />

وبالرغم من أن العاقات العربية / اإلفريقية اتسمت بأنها<br />

عاقات جيدة وطبيعية لفترات طويلة إال أن أهم املشكات التي<br />

واجهتها متثلت يف أنها لم تتطور بالصورة املأمولة إفريقيًا،‏<br />

وقد استثمرت إسرائيل هذا الوضع وانطلقت منذ منتصف<br />

اخلمسينيات وحتى منتصف الستينيات لتدعم عاقاتها اإلفريقية<br />

يف كافة املجاالت املتاحة ‏)عسكريًا – أمنيًا – استخباراتيًا –<br />

علميًا - اقتصاديًا والسيما يف املجال الزراعي والتجاري(‏ وقد<br />

شجعها على ذلك أمرين،‏ األمر األول تضاؤل حجم الدعم<br />

العربي االقتصادي إلفريقيا مقارنة بالدعم الدولي الذي وصل<br />

يف السنوات األخيرة إلى ما يربو عن 200 مليار دوالر،‏ واألمر


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 97<br />

العدد ملف<br />

الثاني هو أن القيادات اإلفريقية رحبت ترحيبًا كبيرًا بهذا الدعم<br />

اإلسرائيلي الذي مت تقدميه يف مراحل معينة دون مقابل مادي ،<br />

واستمر هذا الوضع حتى قيام حرب يونيو ‎1967‎م،‏ والتي شهدت<br />

مرحلة جديدة يف العاقات اإلسرائيلية / اإلفريقية متثلت يف<br />

تبني الدول اإلفريقية للموقف العربي وقامت بقطع عاقاتها مع<br />

إسرائيل واستمر هذا الوضع حتى حرب أكتوبر ‎1973‎م،‏ والتي<br />

شهدت أيضً‏ ا عملية قطع شبه كامل للعاقات مع إسرائيل .<br />

يف أعقاب توقيع مصر معاهدة السام مع إسرائيل عام<br />

‎1979‎م،‏ بدأت الدول اإلفريقية تراجع سياساتها جتاه إسرائيل<br />

ووصلت إلى قناعة مفادها أن بدء عملية سام مصرية أو عربية<br />

مع إسرائيل يعد متغيرًا جديدًا على الساحة الدولية يفترض إنهاء<br />

حالة العداء بني مصر وإسرائيل وبالتالي ال توجد أية مبررات أمام<br />

الدول اإلفريقية الستمرار حالة العداء مع إسرائيل،‏ وبدأت الدول<br />

اإلفريقية تعيد عاقاتها الدبلوماسية املقطوعة مع إسرائيل وهو<br />

األمر الذي شجع األخيرة بالتالي على اإلسراع باستئناف كافة<br />

أوجه عاقاتها بالدول اإلفريقية بل وتطويرها يف بعض املجاالت<br />

التي حتتاجها هذه الدول ‏)قيام العديد من املسؤولني اإلسرائيليني<br />

الرسميني وخاصة وزراء اخلارجية بزيارات وجوالت متعددة لبعض<br />

الدول اإلفريقية على فترات متقاربة(‏ .<br />

جنحت إسرائيل يف أن يكون تعاملها مع الدول اإلفريقية من<br />

خال مؤسسات إسرائيلية قوية ومدعومة من الدولة وقادرة على<br />

تقدمي املساعدات التي حتتاجها هذه الدول،‏ ويف هذا املجال مت يف<br />

اخلمسينيات من القرن املاضي تأسيس ما يطلق عليه املؤسسة<br />

الدولية للتعاون والتنمية MASHAV ‏)املاشاف(‏ وهي مؤسسة<br />

تابعة لوزارة اخلارجية اإلسرائيلية تتمثل مهمتها الرئيسية يف<br />

تقدمي املساعدات املطلوبة للدول اإلفريقية،‏ وقامت املاشاف<br />

بجهد كبير وبنجاح واضح يف دعم التواجد اإلسرائيلي على<br />

مستوى القارة اإلفريقية والسيما يف املجال الزراعي والتعليمي<br />

والطبي بشقيه البشري والبيطري ومجال توفير مصادر املياه<br />

والكهرباء وكافة املجاالت التي حتظى باهتمام املواطن اإلفريقي.‏<br />

إذن لم تتحرك إسرائيل بصورة عشوائية وهي تتعامل مع<br />

القارة اإلفريقية بل حددت أسس وأهداف حتركها يف املناطق<br />

االستراتيجية الهامة يف القارة فعلى سبيل املثال وليس احلصر<br />

حرصت على أن يكون لها تواجد يف منطقة البحيرات العظمى<br />

وساهمت بشكل مباشر يف تأجيج حالة عدم االستقرار التي<br />

شهدتها األوضاع يف هذه املنطقة الهامة ( دعم بعض اجلماعات<br />

املتمردة (، كما حرصت بشكل واضح على دعم عاقاتها مع<br />

دول حوض نهر النيل والتواجد على األرض يف أهم دول املنبع<br />

وهو أمر يجد تفسيره يف أن إسرائيل تستهدف التأثير على دول<br />

املصب ‏)مصر والسودان(‏ فدولة عربية مؤثرة مثل مصر تعتمد<br />

يف أكثر من %95 من مصادرها املائية على مياه نهر النيل التي<br />

تنبع من أثيوبيا ذات العاقات القوية مع إسرائيل البد وأن تتأثر


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

98<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

إسرائيل تتعامل مع إفريقيا عبر مؤسسات قوية ومدعومة من<br />

الدولة وأسست ‏)الماشاف(‏ لهذا الهدف<br />

سلبًا بهذه العاقة التي لن تصب بالتأكيد يف صالح مصر التي<br />

دخلت يف ماراثون تفاوضي ودبلوماسي شاق من أجل أال يسبب<br />

سد النهضة التي تقوم إثيوبيا بإنشائه على األمن املصري املائي.‏<br />

وال يفوتنا هنا أن نشير إلى موقف الواليات املتحدة جتاه<br />

إفريقيا حتى تكون صورة التواجد الدولي املؤثر يف القارة أكثر<br />

وضوحً‏ ا،‏ فقد جاء القرار األمريكي بالتواجد يف القارة اإلفريقية<br />

مبثابة عامل مساعد أضيف يف جانب دعم العاقات اإلفريقية<br />

/ اإلسرائيلية يف مقابل ما مثله من بعض القيود على تطوير<br />

العاقات اإلفريقية / العربية،‏ ويف هذا الشأن فقد أعلنت الواليات<br />

املتحدة عام ‎2002‎م،‏ أن القارة اإلفريقية تعد منطقة استراتيجية<br />

وقامت بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية يف إفريقيا منذ عام ‎2006‎م،‏<br />

( أفريكوم ) باإلضافة إلى دعم عاقاتها مع العديد من الدول<br />

اإلفريقية والعمل على تشجيعها على إجناز ما تسميه واشنطن<br />

بالتحول الدميقراطي ودعم قضايا حقوق اإلنسان،‏ مع االستمرار<br />

يف محاوالت مواجهة التواجد الروسي والصيني واإليراني خاصة<br />

وأن إفريقيا غنية بالعديد من الثروات التعدينية والسيما اليورانيوم<br />

باإلضافة إلى الفوسفات واملنجنيز والبوكسيت .<br />

ولعل ما يجدر أن نقف عنده كثيرًا هنا تلك التأثيرات الناجمة<br />

عن هذه العاقات حيث جند أن هناك بعض الدول اإلفريقية<br />

بدأت تصوت يف األمم املتحدة لصالح املوقف اإلسرائيلي ضد<br />

املوقف العربي يف بعض القرارات الهامة أو حتى متتنع عن<br />

التصويت ، وهو ما يعتبر متغيرًا حادًا يف شكل وطبيعة العاقات<br />

اإلسرائيلية / اإلفريقية / العربية ، ومن أمثلة ذلك تصويت<br />

بعض الدول اإلفريقية عام ‎2004‎م،‏ لصالح بقاء اجلدار العازل<br />

العنصري الذي أقامته إسرائيل على حدود الضفة الغربية وهو<br />

األمر الذي لم يكن ليحدث يف فترات سابقة،‏ وقد عكس ذلك<br />

ضرورة أن تعيد الدول العربية تقييمها لعاقاتها مع الدول<br />

اإلفريقية وكيف تركت هذه الدول مساحة كبيرة إلسرائيل ليس<br />

فقط لتتحرك يف القارة اإلفريقية ولكن لتؤثر وتوجه يف كل ما<br />

يتعلق مبحاوالت حصار التواجد العربي واإلسامي يف إفريقيا<br />

قدر املستطاع .<br />

ومن الضروري أن نقر بحقيقة واضحة تتمثل يف أن الدول<br />

العربية حرصت على دعم عاقاتها االقتصادية مع الدول<br />

اإلفريقية وزيادة حجم استثماراتها هناك من خال بعض<br />

املؤسسات اخلليجية املعروفة التي تنفذ مشروعات اقتصادية<br />

كبرى ( على سبيل املثال املصرف العربي للتنمية اإلفريقية –<br />

صناديق التنمية العربية يف إفريقيا(،‏ وهنا نشير إلى أحدث<br />

التطورات يف هذه العاقة حيث استضافت مدينة شرم الشيخ يف<br />

يونيو ‎2015‎م،‏ القمة الثالثة للتكتات االقتصادية الثاث الكبرى<br />

على مستوى القارة اإلفريقية ( الكوميسا – الساداك – جماعة<br />

دول شرق إفريقيا ) مبشاركة 26 دولة بهدف إحداث طفرة يف<br />

العاقات االقتصادية بني الدول اإلفريقية والدول العربية واتخاذ<br />

اإلجراءات الكفيلة بتحرير التجارة بني هذه الدول وإقامة سوق<br />

مشتركة بينها ( نشير إلى انخفاض معدل التبادل التجاري بني<br />

مصر وإفريقيا إلى حوالي ثمانية مليار دوالر يف العام الواحد (،<br />

إضافة إلى اجلهد الذي تقوم به اململكة العربية السعودية والذي<br />

وضح خال الفترة األخيرة من زيارات رئاسية من العديد من<br />

الدول اإلفريقية للمملكة تتويجً‏ ا لرؤيتها بضرورة أن يتم تأسيس<br />

هذه العاقة على أسس ثقة متبادلة وقوية .<br />

ومن الواضح أن أية محاوالت الستعادة الدور العربي على<br />

املستوى اإلفريقي ومواجهة النفوذ اإلسرائيلي املتزايد هناك البد<br />

أن ترتبط أساسً‏ ا باملوضوع االقتصادي ومدى انعكاس نتائجه على<br />

زيادة معدل النمو االقتصادي حيث أن الدول اإلفريقية الزالت<br />

يف مرحلة حديثة اقتصاديًا وهي يف حاجة لتلقي املساعدات<br />

واالستثمارات من أية دولة قادرة على تقدميها دون النظر إلى<br />

اجلانب املعنوي أو الديني أو العاطفي حيث أن اجلانب املصلحي<br />

هو الذي يحرك سياسات هذه الدول كما يحرك سياسات<br />

كافة دول العالم,‏ ومن ثم فإن بقدر جناح الدول العربية يف<br />

دعم عاقاتها االقتصادية وزيادة استثماراتها إفريقيًا مبا يفوق<br />

معدالت الوضع احلالي ، فإن النتائج سوف تكون إيجابية لصالح<br />

الدور العربي على مستوى القارة اإلفريقية ولصالح الدعم<br />

اإلفريقي للحقوق الفلسطينية املشروعة يف مواجهة إسرائيل<br />

التي الزلت حتقق جناحات متتالية يف عاقاتها اإلفريقية ، ومن<br />

الضروري أن ننوه هنا إلى أن رئيس الوزراء اإلسرائيلي احلالي<br />

بنيامني نتانياهو قد قام بجولة إفريقية يف ديسمبر ‎2011‎م (<br />

أوغندا – أثيوبيا – كينيا – جنوب السودان ) وسوف يقوم بجولة<br />

أخرى قريبًا يف بعض الدول اإلفريقية من بينها أثيوبيا تأكيدًا<br />

لاهتمام اإلسرائيلي بأفريقيا .<br />

‏*باحث ورئيس قسم الدراسات اإلسرائيلية والفلسطينية<br />

باملجلس املصري للشؤون اخلارجية


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 99<br />

العدد ملف<br />

اململكة وثقت عالقاتها ب 43 بعثة دبلوماسية والصناعات العسكرية<br />

السياسة السعودية يف إفريقيا<br />

آفاق واعدة وفرص مواتية<br />

شهدت األعوام املاضية حتركًا سعوديًا نشطً‏ ا صوب القارة اإلفريقية،‏ وهو ما يعكس تصاعد أهمية الدائرة<br />

اإلفريقية بني دوائر حركة السياسة اخلارجية السعودية،‏ ويكشف عن مشروع متكامل حملاصرة نفوذ القوى اإلقليمية<br />

املنافسة يف إفريقيا،‏ وتنويع خارطة التحالفات اإلقليمية،‏ وتقليل االعتماد على الغرب،‏ ومواجهة التداعيات السلبية<br />

النخفاض أسعار النفط.‏ وعلى ذلك يسعى هذا التقرير إلى رصد أهداف ودوائر التحرك السعودي يف القارة،‏<br />

وكذلك أدوات حتقيق املصالح الوطنية السعودية،‏ والفرص والتحديات التي تواجه الدور السعودي املتنامي يف القارة.‏<br />

د.‏ أمين السيد شبانة<br />

أوالً-‏ موقع إفريقيا بين دوائر الحركة السياسية السعودية:‏<br />

تقوم السياسة اخلارجية للمملكة العربية السعودية على مبادئ<br />

وثوابت ومعطيات جغرافية،‏ تاريخية،‏ دينية،‏ اقتصادية،‏ أمنية،‏<br />

سياسية،‏ على أساس:‏ االنسجام مع مبادئ الشريعة اإلسامية<br />

باعتبارها دستوراً‏ للمملكة،‏ وحسن اجلوار وعدم التدخل يف الشؤون<br />

الداخلية للدول األخرى،‏ والعمل ألجل السام والعدل الدوليني،‏<br />

ورفض اإلرهاب بكافة أشكاله وأساليبه،‏ وااللتزام بقواعد القانون<br />

الدولي واملعاهدات واملواثيق الدولية والثنائية،‏ والدفاع عن القضايا<br />

العربية واإلسامية يف احملافل الدولية،‏ وتطبيق سياسة متوازنة يف<br />

مجال إنتاج وتسويق النفط،‏ وانتهاج سياسة عدم االنحياز،‏ ولعب<br />

دور فاعل يف إطار املنظمات اإلقليمية والدولية.‏<br />

وتدور حركة السياسة اخلارجية السعودية بني أربع دوائر<br />

أساسية هي:‏ الدائرة اخلليجية،‏ الدائرة العربية،‏ الدائرة اإلسامية،‏<br />

والدائرة الدولية.‏ وهنا حتتل القارة اإلفريقية موقعًا متميزًا،‏ حيث<br />

إنها متثل قاسمًا مشتركًا بني الدوائر العربية واإلسامية والدولية.‏<br />

لذا حرصت اململكة على مد جسور التواصل مع دول إفريقيا جنوب<br />

الصحراء منذ ستينيات القرن املنصرم،‏ بالتزامن مع حصول الدول<br />

اإلفريقية على استقالها،‏ وانضمامها إلى عضوية األمم املتحدة.‏<br />

وتعتبر زيارة العاهل السعودي الراحل امللك فيصل بن عبد العزيز<br />

للسودان عام ‎1965‎م،‏ وجولته يف إفريقيا عام ‎1972‎م،‏ من العامات<br />

الفارقة يف تاريخ العاقات السعودية-اإلفريقية.‏<br />

تغطي العاقات السعودية كافة األقاليم اإلفريقية جنوب<br />

الصحراء با استثناء.‏ لكن يظل إقليم القرن اإلفريقي يف مركز<br />

الصدارة،‏ نظراً‏ الرتباطه الوثيق بأمن اململكة واخلليج العربي،‏<br />

خاصة يف مواجهة التغلغل اإليراني واإلسرائيلي.‏<br />

ثانياً-المصالح واألهداف السعودية يف إفريقيا:‏<br />

‎1‎‏-مواجهة النفوذ اإليراني واإلسرائييل يف إفريقيا:‏<br />

تسعى السعودية إلى مواجهة النفوذ اإليراني واإلسرائيلي<br />

املتزايد يف إفريقيا،‏ وتعتبره تهديدًا ألمنها الوطني بصفة<br />

خاصة،‏ وخصمًا من قوة النظام اإلقليمي العربي عامة.‏<br />

وبالنسبة إليران فقد حققت وجودًا سياسيًا واقتصاديًا<br />

مؤثرًا يف القارة،‏ مستفيدة من انحسار قوة العراق،‏ وجنوح<br />

بعض اجلماعات السلفية إلى التطرف والعنف،‏ وتراجع الدور<br />

العربي بوجه عام يف إفريقيا.‏<br />

وثقت إيران عاقاتها مع معظم دول القارة،‏ خاصة السودان<br />

واريتريا،‏ والسنغال ونيجيريا.‏ كما دعمت املذهب الشيعي يف<br />

إفريقيا،‏ بإنشاء أحزاب على منط حزب اهلل اللبناني،‏ حتى يف<br />

دول األغلبية السنية الساحقة،‏ مثل نيجيريا،‏ التي تسلل إليها<br />

التشيع على يد إبراهيم الزكزكي منذ منتصف التسعينيات.‏<br />

باإلضافة إلى مشاركة سفنها يف جهود مكافحة القرصنة يف<br />

خليج عدن،‏ ودعمها املالي والتسليحي للحوثيني يف اليمن.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

100<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

العالقات السعودية - اإلفريقية بدأت بدوافع دينية تبعها كيانات<br />

تنظيمية لخدمة األنشطة الدعوية والدفاع عن مصالح وقضايا األمة<br />

أما إسرائيل،‏ فإن وجودها املتنامي يف القارة يقلق اململكة،‏<br />

خاصة مع دور إسرائيل يف تهديد األمن املائي املصري يف حوض<br />

النيل،‏ واتباع سياسة الضربات االستباقية التي أضحت تركز<br />

عليها تل أبيب،‏ حيث شنت هجمات صاروخية داخل العمق<br />

السوداني.‏ ولعل ذلك هو ما دفع اململكة إلى تدعيم الدول<br />

اإلفريقية التخاذ مواقف مؤيدة للعرب يف القضايا املتعلقة<br />

بالصراع العربي اإلسرائيلي،‏ ومنها جيبوتي والصومال والنيجر،‏<br />

مثلما فعلت من قبل عندما دعمت الدول اإلفريقية التي قطعت<br />

عاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عقب حرب أكتوبر ‎1973‎م.‏<br />

‎2‎‏-تنويع خارطة الحلفاء اإلقليميين:‏<br />

تسعى السعودية إلى االنفتاح على القارة اإلفريقية لتنويع خارطة<br />

حتالفاتها اإلقليمية،‏ خاصة أن القارة حتتل املرتبة الثانية ‏–بعد الكتلة<br />

اآلسيوية-‏ بني الكتل التصويتية يف اجلمعية العامة لألمم املتحدة<br />

مبجموع )54 دولة(.‏ وأنها حتتفظ بثاثة مقاعد غير دائمة يف مجلس<br />

األمن.‏ فضاً‏ عن عضوية الكثير من دولها يف مجموعة عدم االنحياز،‏<br />

ومجموعة السبع والسبعني ومنظمة التعاون اإلسامي وغيرها.‏ ولعل<br />

دور األفارقة يف صدور قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة عام<br />

‎1975‎م،‏ باعتبار الصهيونية إيديولوجية عنصرية ثم دورهم يف إلغاء<br />

هذا القرار عام 1991 م،‏ يعكس الثقل اإلفريقي يف احملافل الدولية.‏<br />

يضاف إلى ذلك حرص اململكة على مواجهة تداعيات<br />

األحداث يف دول الربيع العربي،‏ واحليلولة دون امتداد رياح<br />

التغيير،‏ وكذلك التنسيق السياسي مع الدول اإلفريقية حيال<br />

بعض القضايا وأهمها القضية الفلسطينية،‏ وامللف السوري،‏<br />

وإصاح األمم املتحدة،‏ وتوسيع عضوية مجلس األمن الدولي،‏<br />

الذي ميثل بتشكيله احلالي عدم توازن القوى يف العالم.‏<br />

وجتلت أهمية القارة مؤخرًا مع عاصفة احلزم ضد<br />

احلوثيني،‏ حيث أيدتها غالبية الدول اإلفريقية سياسياً.‏


مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 101<br />

العدد ملف<br />

وشاركت فيها عسكرياً‏ كل مصر والسودان واملغرب فعلياً،‏ ورمبا<br />

السنغال الحقاً.‏<br />

‎3‎‏-التعاون يف مجال مكافحة اإلرهاب:‏<br />

تعتبر مكافحة اإلرهاب أحد أهم دوافع التحرك السعودي<br />

يف إفريقيا،‏ خاصة مع تعرض اململكة للعديد من احلوادث<br />

اإلرهابية،‏ ما دفعها إلى تبني إنشاء مركز ملكافحة اإلرهاب تابع<br />

لألمم املتحدة،‏ حيث أطلق امللك الراحل عبد اهلل بن عبد العزيز<br />

هذه الفكرة إلى أن مت إنشاء املركز عام ‎2011‎م.‏<br />

ولعل إعان اململكة جماعة اإلخوان املسلمني كجماعة<br />

إرهابية يف 7 مارس ‎2014‎م،‏ يعتبر من أقوى<br />

املمارسات يف هذا الشأن،‏ حيث أصدرت اململكة<br />

بيانًا أضافت فيه اإلخوان املسلمني إلى الئحة<br />

التنظيمات اإلرهابية.‏ ودفع ذلك دوالً‏ أخرى إلى<br />

االقتداء باململكة،‏ ومنها اإلمارات التي أعلنت<br />

اإلخوان كتنظيم إرهابي يف نوفمبر‎2014‎م.‏<br />

كما كان ملف مكافحة اإلرهاب وحركات<br />

التطرف الديني أحد أبرز امللفات محل االهتمام<br />

يف العاقات السعودية-اإلفريقية،‏ خاصة مع<br />

الدول التي تعاني من وجود احلركات التكفيرية<br />

املتطرفة مثل:‏ نيجيريا ‏)بوكو حرام(‏ والصومال ‏)الشباب<br />

املجاهدين(‏ ومصر وليبيا وتونس ‏)أنصار الشريعة(،‏ وموريتانيا<br />

‏)التوحيد واجلهاد(،‏ ومالي ‏)أنصار الدين(.‏<br />

كما حترص اململكة حاليًا على توقيع االتفاقات مع<br />

الدول اإلفريقية يف مجال محاربة اإلرهاب،‏ وتبادل املعلومات<br />

االستخباراتية،‏ وتسليم املجرمني،‏ ومحاربة التجارة غير<br />

املشروعة.‏ ومن ذلك االتفاق السعودي-االريتري يف أبريل ‎2016‎م.‏<br />

‎4‎‏-التعاون االقتصادي والتقني مع الدول اإلفريقية:‏<br />

توفر القارة اإلفريقية فرصً‏ ا اقتصادية سانحة أمام السعودية،‏<br />

سواء ملا متلكه من ثروات معدنية وطبيعية،‏ أو من حيث حجم<br />

السوق اإلفريقية.‏ إذ تزخر القارة بنحو %30 من احتياطي الثروات<br />

املعدنية يف العالم.‏ وتعتبر من أهم منتجي العالم من املاس<br />

والذهب والباتني واليورانيوم،‏ واألخشاب والكاكاو والن والشاي<br />

‏..الخ.‏ كما يتسم السوق اإلفريقي باالتساع ‏)مليار ومائة وخمسني<br />

مليون نسمة(،‏ فضاً‏ عن القرب اجلغرايف من اململكة،‏ والتنوع.‏ لذا<br />

سعت اململكة إلى تعزيز التبادل التجاري مع دول القارة.‏<br />

كما تضم القارة اإلفريقية أكثر من 21 دولة منتجة للنفط،‏<br />

منهم أربع دول تنتمي ألوبك هي:‏ نيجيريا،‏ أجنوال،‏ ليبيا،‏<br />

واجلزائر.‏ كما تشير األرقام إلى أن أكثر من نصف االكتشافات<br />

إيران تواجدت في<br />

إفريقيا مستفيدة من<br />

التراجع العربي وتطرف<br />

جماعات سلفية<br />

وانحسار قوة العراق<br />

النفطية التي حدثت يف األعوام العشر األخيرة كانت يف دول<br />

غرب أفريقيا،‏ خاصة منطقة خليج غينيا.‏<br />

لذلك حترص اململكة على تدعيم التعاون مع الدول<br />

النفطية يف القارة،‏ خاصة نيجيريا وأجنوال،‏ اللتان حتتان حالياً‏<br />

املركزين األول والثاني يف إنتاج النفط يف إفريقيا.‏ ولعل هذا<br />

هو ما يفسر حرص الرياض على إقامة عاقات دبلوماسية مع<br />

أجنوال عام ‎2009‎م،‏ بعد انضمام األخيرة إلى أوبك عام 2007.<br />

كما يفسر استقبال اململكة للرئيس النيجيري محمد بخاري يف<br />

فبراير ‎2016‎م،‏ بهدف ضبط أسعار النفط،‏ وكذا توثيق العاقات<br />

السعودية مع غينيا االستوائية.‏<br />

من جهة أخرى،‏ حترص الرياض على االستفادة<br />

من اإلمكانيات التقنية لدى بعض دول القارة،‏ مثل<br />

جنوب أفريقيا،‏ التي تشترك مع السعودية يف<br />

عضوية مجموعة العشرين،‏ والتي متلك رصيداً‏<br />

وافراً‏ من اخلبرة يف التصنيع املدني،‏ والطاقة<br />

املتجددة،‏ واالتصاالت،‏ واألقمار الصناعية،‏ والثروة<br />

السمكية،‏ والهندسة والطب،‏ ومكافحة اجلرمية<br />

املنظمة.‏ يضاف إلى ذلك خبرة جنوب أفريقيا يف<br />

التصنيع العسكري،‏ حيث تسعى اململكة إلى تقليل<br />

واردات الساح من الغرب،‏ وتطوير صناعتها<br />

العسكرية يف مجال الدفاع اجلوي،‏ يف مواجهة التقدم اإليراني<br />

الذي حققته إيران يف تكنولوجيا الصواريخ بعيدة املدى.‏<br />

ثالثاً-أدوات التحرك السعودي يف إفريقيا:‏<br />

استطاعت السعودية أن تكسب مزيداً‏ من النفوذ يف القارة<br />

اإلفريقية،‏ مستفيدة يف ذلك ثاثة عوامل هي:‏<br />

الرمزية الدينية للمملكة التي تساعدها يف النفاذ إلى القارة ذات<br />

األغلبية املسلمة،‏ حيث تعتبر إفريقيا هي القارة األولى يف العالم من حيث<br />

نسبة املسلمني إلى إجمالي عدد السكان )%52 من األفارقة مسلمون(.‏<br />

االنكسارات التي تعرضت لها إيران يف إفريقيا منذ عام<br />

‎2010‎م،‏ عندما قطعت نيجيريا والسنغال وجامبيا عاقاتهما<br />

الدبلوماسية بإيران،‏ وأوقفت جنوب إفريقيا وإدارتها النفطية<br />

منها،‏ التزاماً‏ بالعقوبات الدولية.‏<br />

اإلمكانيات االقتصادية للمملكة،‏ يف مقابل عدم وفاء إيران<br />

بتعهداتها التجارية واالستثمارية ومساعدتها لدول القارة.‏ وقد<br />

كان ذلك من أهم األسباب التي دفعت السودان وجيبوتي وجزر<br />

القمر إلى قطع عاقاتها الدبلوماسية مع إيران يف يناير‎2016‎م.‏<br />

وجنحت السعودية يف توظيف مختلف أدوات السياسة<br />

اخلارجية على التوازي يف سبيل حتقيق وتعظيم مصاحلها<br />

الوطنية يف القارة،‏ ومن أهم هذه األدوات ما يلي:‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

102<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

‎1‎‏-األداة الدبلوماسية والزيارات المتبادلة:‏<br />

وثقت السعودية عاقاتها بدول القارة السمراء عبر<br />

تشكيل اللجان العليا املشتركة،‏ ومنها اللجنة السعودية–‏ املصرية،‏<br />

برئاسة وزيري اخلارجية يف الدولتني،‏ وجلنة التشاور السعودي-‏<br />

السوداني،‏ وغيرهما.‏<br />

كما حترص اململكة على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع<br />

الدول اإلفريقية،‏ حيث بلغ عدد البعثات الدبلوماسية السعودية<br />

يف إفريقيا 43 بعثة حتى أبريل ‎2016‎م،‏ متفوقة بذلك على إيران<br />

التي كانت ترتبط بعاقات دبلوماسية مع 30 دولة إفريقية قبل<br />

األزمة الدبلوماسية بني طهران والرياض يف يناير‎2016‎م،‏ والتي<br />

دفعت بعض دول القارة إلى قطع عاقاتها الدبلوماسية مع إيران.‏<br />

وحترص اململكة أيضً‏ ا على املشاركة يف الفعاليات اإلفريقية،‏<br />

ومنها القمة السادسة والعشرين لاحتاد اإلفريقي بأديس أبابا<br />

يف يناير‎2016‎م،‏ التي شارك فيها وفد برئاسة وزير اخلارجية<br />

عادل اجلبير.‏ باإلضافة إلى الزيارات املتبادلة التي أصبحت<br />

تتم بوتيرة متسارعة وبوفود كبيرة العدد،‏ ومتنوعة التخصصات<br />

واخلبرات.‏ وهنا جتدر اإلشارة إلى ماحظتني هما:‏<br />

شهد عام ‎2016‎م،‏ 2015/ استقبال اململكة لرئيس الوزراء<br />

اإلثيوبي،‏ ورؤساء اريتريا،‏ وجيبوتي،‏ والصومال،‏ ملواجهة تداعيات<br />

الصراع اليمني،‏ وكذا استقبال رؤساء مصر والسودان والسنغال<br />

وموريتانيا،‏ لبحث تداعيات عاصفة احلزم.‏ واستقبال الرئيس<br />

النيجيري محمد بخاري لضبط أسعار النفط،‏ واستقبال جاكوب<br />

زوما رئيس جنوب إفريقيا يف مارس ‎2016‎م،‏ لبحث تطوير التصنيع<br />

العسكري.‏ بل إن بعض هؤالء الرؤساء زار اململكة ثاث مرات<br />

خال أقل من عام مثل رؤساء إريتريا والسودان وموريتانيا.‏<br />

يف الوقت الذي حرص فيه رؤساء دول القارة على زيارة<br />

السعودية،‏ ظلت اململكة تعتمد حتى اآلن على وزير خارجيتها يف<br />

زيارة الدول اإلفريقية،‏ حيث زار وزير اخلارجية كل من جنوب<br />

إفريقيا والسودان وزامبيا،‏ وكينيا وتنزانيا خال العام األخير.‏<br />

ويتوقع الكثيرون أن زيارة العاهل السعودي امللك سلمان بن عبد<br />

العزيز إلفريقيا جنوب الصحراء،‏ سوف متثل قوة دفع هائلة<br />

لدور اململكة يف القارة اإلفريقية.‏<br />

‎2‎‏-االستثمار والتبادل التجاري:‏<br />

السعودية أكبر مستثمر خليجي يف معظم دول القارة اإلفريقية<br />

مثل مصر والسودان وجنوب إفريقيا والسنغال وإثيوبيا،‏ حيث بلغ<br />

عدد املشروعات السعودية يف إثيوبيا على سبيل املثال 294 مشروعًا،‏<br />

بقيمة 3 مليار دوالر،‏ منها 141 مشروعًا يف اإلنتاج احليواني<br />

والزراعي،‏ و‎64‎ مشروعًا صناعيًا،‏ ومشروعات أخرى متنوعة.‏<br />

ويف إطار حرص اململكة على دفع العاقات االقتصادية بينها<br />

وبني القارة اإلفريقية،‏ جرى تنظيم العديد من االجتماعات بني<br />

مجلس الغرف السعودية وسفراء الدول اإلفريقية باململكة.‏ كما<br />

استضافت الرياض يف ديسمبر‎2010‎م،‏ مؤمتر االستثمار اخلليجي<br />

اإلفريقي،‏ بهدف تعزيز العاقات التجارية واالستثمارية بني<br />

اجلانبني يف قطاعات املصارف،‏ والتجارة واالستثمار الزراعي،‏<br />

والبنية التحتية،‏ واالتصاالت،‏ والتعدين،‏ والطاقة والنفط.‏<br />

وجتدر اإلشارة إلى ارتفاع نصيب السنغال من استثمارات<br />

الصندوق السعودي للتنمية يف غرب إفريقيا،‏ بنسبة تصل إلى<br />

%40، وهو ما يفسر بأمرين هما:‏ حرص السعودية على مد<br />

نفوذها الديني إلى السنغال،‏ التي تبلغ نسبة املسلمني بها %96<br />

من السكان،‏ ودعم السنغال القوي لعملية عاصفة احلزم.‏<br />

لكن االستثمارات السعودية يف إفريقيا ال تزال دون املستوى<br />

املأمول،‏ فهي ال تتجاوز %2 من إجمالي االستثمارات السعودية<br />

يف العالم.‏ ورمبا ميكن تفسير ذلك بارتباط بيئة االستثمار<br />

يف إفريقيا جنوب الصحراء بكثير من املشكات التي جتعلها<br />

بيئة غير آمنة نسبيًا،‏ ومن ذلك الصراعات واحلروب األهلية،‏<br />

والفساد السياسي،‏ والقصور التشريعي.‏<br />

وبالنسبة للتبادل التجاري،‏ فقد بلغ حجم التجارة بني<br />

السعودية والدول اإلفريقية بنهاية العام 2015 نحو‎68.6‎ مليار<br />

ريال،‏ منها 55.9 مليار للصادرات السعودية إلى إفريقيا،‏ و‎12.7‎<br />

مليار لواردات اململكة.‏ وتضم قائمة الصادرات السعودية النفط<br />

ومشتقاته.‏ بينما تشمل الواردات:‏ اللحوم،‏ والفحم واملعادن.‏<br />

وهنا تبرز مصر وجنوب إفريقيا كأهم شركاء التجارة مع<br />

السعودية.‏ كما يتوقع أيضً‏ ا أن يزداد حجم التجارة السعودية<br />

اإلفريقية مع توجه اململكة إلى إقامة خطوط بحرية وبرية<br />

مباشرة مع دول القارة،‏ مثل إقامة خطوط ماحية بني موانئ<br />

جيبوتي وجدة وجازان.‏ كما يعتبر مشروع جسر امللك سلمان<br />

على خليج العقبة،‏ والذي مت تدشينه لدى زيارة امللك سلمان بن<br />

عبد العزيز ملصر يف أبريل ‎2016‎م،‏ أحد أبرز اخلطوات على<br />

طريق تعزيز التعاون بني السعودية والقارة اإلفريقية.‏<br />

يضاف إلى ما سبق العمالة اإلفريقية التي تنتشر يف<br />

اململكة،‏ وهو ما مينح اململكة نفوذًا قويًا لدى دول القارة،‏ التي<br />

السعودية تواجه النفوذ اإليراني واإلسرائييل يف أفريقيا وتعتبره<br />

تهديداً‏ ألمنها الوطني وخصماً‏ من قوة النظام العربي


ال ميكنها حتمل األعباء االقتصادية واالجتماعية لاستغناء عن<br />

هذه العمالة.‏<br />

‎3‎‏-المساعدات اإلنسانية والتنموية:‏<br />

تعد السعودية الدولة األولى يف العالم من حيث ما تقدمه من<br />

مساعدات خارجية إلى إجمالي الناجت القومي،‏ واألولى بني دول أوبك،‏<br />

والثانية من حيث ما تقدمه كقيمة مطلقة بعد الواليات املتحدة.‏<br />

إذ أوصت األمم املتحدة الدول املانحة للمساعدات بأال تقل<br />

نسبة ما تقدمه من مساعدات عن % 0.7 من دخلها الوطني.‏<br />

لكن اململكة ظلت لعقود طويلة تقدم ما ال يقل عن %4 من<br />

ناجتها احمللي اإلجمالي.‏ وكانت الدول اإلفريقية يف مقدمة<br />

املستفيدين من هذه املساعدات،‏ حيث استفادت منها 41 دولة<br />

إفريقية،‏ مقابل 23 دولة آسيوية،‏ و‎9‎ دول أخرى.‏<br />

كما تتقدم السعودية الدول املانحة لعمليات اإلغاثة اإلنسانية،‏<br />

ومكافحة الفقر،‏ وتسهم يف موازنات نحو 18 مؤسسة للتمويل<br />

الدولي،‏ فضاً‏ عن دعمها ملبادرة تخفيف الديون لدى صندوق النقد<br />

الدولي.‏ ويعتبر الصندوق السعودي للتنمية مبثابة اجلهاز األساسي<br />

املعني بتقدمي املساعدات اإلنسانية والتنموية للدول اإلفريقية،‏ فمن<br />

خاله قدمت اململكة الدعم الغذائي لدول القارة.‏ ودعمت الاجئني<br />

والنازحني بها،‏ حيث حترص اململكة على تأكيد أن هذه املساعدات<br />

غير مشروطة وال متيز بني البشر على أي أساس ديني أو عرقي.‏<br />

مقال<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 103<br />

إفريقيا تضم 21 دولة منتجة للنفط منهم 4 دول أعضاء<br />

أوبك ونصف االكتشافات النفطية الحديثة في غرب أفريقيا<br />

العدد ملف<br />

3- التصنيع العسكري:‏ ومثال ذلك افتتاح مجمع عسكري<br />

بالسعودية إلنتاج قذائف الهاون وقنابل الطائرات،‏ بترخيص من<br />

شركة ‏)راينميتال دينيل(‏ للذخيرة اجلنوب إفريقية،‏ وبتكلفة بلغت<br />

حوالي 240 مليون دوالر.‏<br />

4- المساعدات العسكرية:‏ تقدم اململكة دعمًا عسكريًا للعديد من<br />

الدول احلليفة،‏ ومنها جيبوتي،‏ التي حصلت على صفقة من<br />

الزوارق احلربية ملراقبة السواحل،‏ وكذا السودان التي منحتها<br />

اململكة صفقة عسكرية كانت يف طريقها إلى لبنان،‏ بعد مواقف<br />

حزب اهلل السلبية جتاه اململكة.‏<br />

ولعل ذلك هو ما دفع وزير الدفاع السوداني إلى القول بأن<br />

السودان متثل « أمني ظهر السعودية يف إفريقيا«.‏ وقد بلغ األمر<br />

حد تصريح وزير اخلارجية السوداني إبراهيم غندور بإمكانية<br />

مشاركة السودان يف العمليات العسكرية البرية يف سوريا،‏ قبل أن<br />

يؤكد أن األمر سابق ألوانه.‏<br />

5- المناورات المشتركة:‏ ومن أهمها مناورات « رعد الشمال«،‏ التي<br />

نظمتها السعودية يف حفر الباطن مبشاركة عشرين دولة،‏ منها<br />

مصر والسودان،‏ وتشاد،‏ وجزر القمر،‏ وموريشيوس،‏ وجيبوتي،‏<br />

والسنغال،‏ وتونس،‏ واملغرب،‏ وموريتانيا.‏<br />

6- اتفاقات التعاون العسكري:‏ ومنها االتفاق بني السعودية<br />

واريتريا يف أبريل ‎2015‎م،‏ يف مجال محاربة اإلرهاب والتجارة<br />

غير املشروعة والقرصنة يف البحر األحمر.‏<br />

‎4‎‏-التعاون العسكري:‏<br />

تعتبر السعودية واحدة من أكبر دول العالم من حيث اإلنفاق<br />

العسكري.‏ إذ قدر إنفاقها الدفاعي خال العام ‎2015‎م،‏ بنحو<br />

52 مليار دوالر.‏ ويف إطار سعيها لتدعيم مصاحلها األمنية يف<br />

إفريقيا استخدمت اململكة آليات عديدة أهمها:‏<br />

1- إقامة القواعد العسكرية:‏ إذ أعلن سفير جيبوتي لدى الرياض<br />

يف مارس ‎2016‎م،‏ أنه جرى الترتيب إلنشاء قاعدة عسكرية<br />

سعودية يف جيبوتي،‏ خال زيارة الرئيس اجليبوتي إسماعيل<br />

عمر جيله للسعودية.‏ وهي خطوة ميكن تفسيرها برغبة اململكة<br />

يف مواجهة مساعي إيران الستئجار جزر لاستخدام العسكري<br />

على اجلانب اإلفريقي من البحر األحمر،‏ وكذا رغبتها يف مراقبة<br />

النشاط اإلسرائيلي يف البحر األحمر والقرن اإلفريقي.‏<br />

2- تشكيل اللجان العسكرية المشتركة:‏ ومنها اللجنة املشتركة بني<br />

السعودية وجيبوتي،‏ والتي تشكلت بعد انطاق عاصفة احلزم.‏<br />

‎5‎‏-الدعوة الدينية والدفاع عن قضايا المسلمين:‏<br />

كان النفوذ السعودي يف أفريقيا يف بدايته بدوافع دينية أكثر منها<br />

سياسية أو اقتصادية،‏ فقد انصب اهتمام اململكة أوال على اجلوانب<br />

الدعوية والتربوية.‏ ومن أهم اآلليات التي تعتمد عليها اململكة يف هذا<br />

الشأن اجلمعيات اخليرية وأهمها:‏ جلنة مسلمي إفريقيا،‏ ومؤسسة<br />

احلرمني اخليرية،‏ والندوة العاملية للشباب اإلسامي،‏ وهيأة اإلغاثة<br />

العاملية،‏ وإدارة املساجد واملشروعات اخليرية.‏<br />

إذ نشطت هذه الهيآت يف نشر اإلسام عبر إنشاء املدارس<br />

ودور حتفيظ القرآن،‏ واملراكز اإلسامية الشاملة،‏ التي تقدم<br />

اخلدمات الدينية والتعليمية والصحية،‏ ومن ذلك املركز اإلسامي<br />

يف السنغال،‏ والذي جاء ثمرة لزيارة امللك فيصل سنة ‎1972‎م.‏<br />

كما حرصت اململكة على إقامة كيانات تنظيمية خلدمة األنشطة<br />

الدعوية،‏ والدفاع عن مصالح وقضايا الدول اإلسامية.‏ ومن ذلك<br />

رابطة العالم اإلسامي،‏ ومنظمة التعاون اإلسامي ومقرها جدة.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

109<br />

2016<br />

104<br />

العدد ملف<br />

مقال<br />

إفريقيا تحتل المرتبة الثانية بين الكتل التصويتية يف األمم المتحدة<br />

)54 دولة(‏ وتحتفظ بثالثة مقاعد في مجلس األمن<br />

كن تظل اجلامعة اإلسامية باملدينة املنورة،‏ وجامعة أم القرى<br />

وغيرهما من اجلامعات السعودية التي تستقبل الطاب األفارقة<br />

هي أكثر اآلليات بروزاً.‏ بل إنها متثل أهم أدوات القوة الناعمة<br />

السعودية يف القارة اإلفريقية،‏ حيث تخرج سنويًا اآلالف من أبناء<br />

القارة،‏ يف مجاالت العلوم الشرعية والتطبيقية،‏ وغالبًا ما يتقلد<br />

خريجو هذه اجلامعة مسؤوليات ومناصب عليا يف بلدانهم،‏ األمر<br />

الذي ينعكس إيجاباً‏ على املصالح السعودية يف القارة.‏<br />

رابعاً-التحديات التي تواجه السياسة السعودية يف إفريقيا:‏<br />

هناك بعض التحديات التي تواجه السياسة السعودية يف<br />

إفريقيا وأهمها:‏<br />

‎1‎‏-الدعاية السلبية المضادة:‏<br />

هناك العديد من األطراف التي تتخوف من الدور السعودي<br />

املتنامي يف القارة اإلفريقية.‏ لذا فهي حترص على عرقلة هذا<br />

التقدم عبر بث دعاية مضادة لسياسة اململكة،‏ تدور حول الدور<br />

العربي يف جتارة الرقيق واستغال موارد الشعوب اإلفريقية،‏<br />

ومزاعم حول سعى السعودية لنشر املذهب السلفي يف القارة.‏<br />

‎2‎‏-الطرق الصوفية يف إفريقيا:‏<br />

إن الطابع الصويف الطاغي على مسلمي إفريقيا يجعل املد احلضور<br />

السعودي السلفية ال يجد األرضية املائمة يف األوساط اإلفريقية.‏<br />

‎3‎‏-القضايا الخالفية بين المملكة وبعض األطراف اإلفريقية:‏<br />

ومن أهم هذه القضايا املوقف من إيران واألزمة السورية،‏<br />

وتباين وجهات النظر بني اململكة وبعض الدول اإلفريقية حيال<br />

األزمة السورية.‏<br />

وختاماً،‏ فإن هذه التحديات لم تفلح يف عرقلة التقدم السعودي<br />

يف إفريقيا،‏ بل إن اململكة استطاعت أن حتقق عبر سياستها يف<br />

القارة نتائج مثمرة وسريعة،‏ سواء على صعيد تشكيل التحالف<br />

اإلسامي العسكري ملكافحة اإلرهاب،‏ والذي تلعب الدول<br />

اإلفريقية دورًا مهمًا فيه،‏ أو بالنسبة لقطع العاقات مع إيران<br />

وحتجيمها،‏ أو تعزيز املصالح االقتصادية،‏ والتنسيق السياسي،‏<br />

وهو ما عكسته أرقام التجارة واالستثمار،‏ وتأييد معظم األفارقة<br />

إليجاد حل سياسي لألزمة اليمنية،‏ على أن يكون ‏)مينى–‏ مينى(‏<br />

وفق قرار مجلس األمن 2216.<br />

ويف تقديري فإن طرح املبادرات السعودية لتسوية الصراعات<br />

يف إفريقيا،‏ خاصة يف حوض النيل والقرن اإلفريقي،‏ وتنظيم قمة<br />

دورية للعاقات السعودية اإلفريقية سوف يكون له عظيم األثر<br />

يف دفع العاقات بني اجلانبني إلى آفاق غير مسبوقة،‏ بالقياس<br />

إلى احلجم الكبير للمصالح املتبادلة بينهما،‏ والثقل اإلقليمي<br />

والدولي الذي متثله اململكة.‏<br />

‏*مدرس العلوم السياسية معهد البحوث والدراسات اإلفريقية<br />

- جامعة القاهرة


األمريكية االنتخابات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 105<br />

‏(آراء حول الخليج)‏ تتابع تحليل االنتخابات األمريكية (5) 2016<br />

سباق الرئاسة األمريكي األول يف التاريخ<br />

بمرشحين أقل شعبية<br />

أيام قليلة تفصل الواليات املتحدة،‏ ومؤمتر احلزب اجلمهوري من املقرر عقده يف الفترة من 18 إلى 21 من يوليو<br />

اجلاري فى مدينة كليفاند بوالية أوهايو.‏ وبعده بأيام معدودة يُعقد مؤمتر احلزب الدميقراطي الشهر املقبل،‏ يف مدينة<br />

فيادلفيا بوالية بنسلفانيا يف الفترة من – 25 28 يوليو اجلاري أيضً‏ ا.‏ وبهذا تكون االنتخابات الرئاسية قد دخلت مرحلة<br />

االنتخابات العامة،‏ لكن الطريق إلى الرئاسة ال يزال مبهمًا مثلما كان خال املرحلة السابقة.‏<br />

د.‏ أمل مدللي<br />

على اجلانب اجلمهوري ثمة مرشح مفترض،‏ تبغضه<br />

قيادة احلزب بينما يتمتع يف الوقت نفسه بدعم ناخبيه الذين<br />

قاموا بالتصويت لصاحله،‏ والذين يشكلون على األقل غالبية<br />

اجلمهوريني ممن أدلوا بأصواتهم.‏ وعلى الرغم من هزميته<br />

لبقية املرشحني املنافسني له داخل احلزب،‏ إال أنه ال يزال - من<br />

وجهة نظر قادة احلزب - يفتقر إلى ‏»سمات الرئاسة«‏ وال ميكنه<br />

إقناعهم بقدرته على التصرف مبا يليق ومنصب الرئاسة.‏<br />

وعلى اجلانب الدميقراطي لديك مرشح مفترض،‏ حتتضنه<br />

قيادة احلزب واملؤسسة احلزبية،‏ بينما قام عدد كبير من جمهور<br />

الناخبني بالتصويت لصالح مرشح آخر غيره.‏ وهو املرشح املناوئ<br />

للمؤسسة احلزبية،‏ والذي ال يزال رافضً‏ ا للتنحي جانبًا واخلروج<br />

من السباق الرئاسي.‏ فقد خسر برني ساندرز فرصته يف الترشح<br />

للرئاسة عن احلزب الدميقراطي لصالح هياري كلينتون،‏ وبفارق<br />

شاسع كذلك،‏ إال أنه ال يزال يقاوم اخلروج من السباق الرئاسي<br />

وإتاحة الفرصة للحزب بان يوحد جناحيه الرئيسي والليبرالي<br />

خلف كلينتون.‏ بل لم يقم إلى اآلن بالتضامن معها أو إيقاف<br />

حملته،‏ بينما صرح مستشاروه بأنه لن يقدم على ذلك قبل انعقاد<br />

املؤمتر االنتخابي.‏ إن االختيار الذى سيقدم عليه مساندو ساندرز<br />

بتقرير من سيقومون بالتصويت لصاحله خال االنتخابات العامة<br />

سيكون من شأنه كتابة مصير طموحات كلينتون يف الرئاسة.‏<br />

وإلى اآلن لم يوجه لهم ساندرز الكلمات املنشودة،‏ واألدهى من<br />

ذلك أنه ال يزال يصارع فوق منصة احلزب الدميقراطي.‏ ويبدو<br />

أن صبر كبار زعماء احلزب الدميقراطي جتاهه على وشك أن<br />

ينفد،‏ فهم يرون أنه قد آن له أن يتنحى تاركًا املجال لتوحيد<br />

الصفوف خلف من اختاره احلزب كمرشح رئاسي.‏<br />

إنه سباق نحو الرئاسة لم يشهد التاريخ مثله من قبل،‏ بل ولم<br />

يكن ألحد أن يتصوره قط.‏ فلديك مرشحني هما األقل شعبية<br />

طبقًا آلخر ثاثة انتخابات رئاسية شهدتها الباد.‏ فقد أظهر<br />

استطاع للرأي أجرته هيأة اإلذاعة الوطنية ( NBC (، تدني<br />

شعبية كا من املرشح الدميقراطي املفترض هياري كلينتون<br />

و املرشح اجلمهوري املفترض دونالد ترامب لدى الناخبني،‏<br />

وكذلك تصاعد االجتاهات السلبية نحوهما مع وصول السباق<br />

الرئاسي إلى مرحلة االنتخابات العامة.‏ وأظهر االستطاع أن<br />

%54 من املشاركني فيه ال يؤيدون كلينتون،‏ يف حني أعرب %34<br />

من املشاركني عن تأييدهم لها.‏ وعلى اجلانب اجلمهوري،‏ قال<br />

%58 من املشاركني بأنهم ال يؤيدون ترامب،‏ يف حني أعرب % 29<br />

من املشاركني عن تأييدهم له.‏<br />

ووفقا لصحيفة بوليتيكو ،)Politico( فإن ترامب ليس يف<br />

وضع سيء فقط،‏ بل إنه « املرشح األكثر خطورة على مدار<br />

التاريخ«.‏ ويشكل أنصاره نحو الثاثني باملائة،‏ بينما تصل نسب<br />

املناوئني له إلى نحو اخلمسني باملائة.‏ وطبقًا ملجلة ‏»اون الين «<br />

فإن كلينتون ليست بحال أفضل منه،‏ إذ تبلغ نسبة املناصرين لها<br />

%41 بينما تصل نسبة غير املؤيدين إلى %54.<br />

ويشعر العديد من األمريكيني بأنهم ال ميلكون خيارًا حقيقيًا<br />

بني كا املرشحني،‏ إلى احلد الذي حتول معه األمر إلى مشهدًا<br />

من مشاهد الكوميديا.‏ فثمة روايات صحفية عن سيدة مسنة من


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

األمريكية االنتخابات<br />

109<br />

2016<br />

106<br />

%54 من األمريكيين ال يؤيدون كلينتون و‎%58‎ ال يؤيدون<br />

ترامب في أحدث استطالعات الرأي األمريكية<br />

والية فرجينيا كانت تبلغ من العمر 68 عامًا،‏ وكيف أنها قد فضلت<br />

املوت على أن تضطر إلى التصويت لصالح أي منهما.‏ وجاء يف<br />

نعيها:‏ ‏»عند مواجهتها الحتمال القيام بالتصويت لصالح أيا من<br />

ترامب أو هياري كلينتون،‏ فضً‏ لت مارى آن نوالند من مدينة<br />

ريتشموند،‏ عوضً‏ ا عن ذلك،‏ االلتجاء إلى حب اهلل األبدي.«‏<br />

لكن االختيار شديد الوضوح أمام قطاع عريض من األمريكيني.‏<br />

فهم يرون اخليار محسومًا بني كا املرشحني:‏ فأمامهم رؤيتني<br />

مغايرتني للعالم،‏ أمريكتني مختلفتني حيث ال حدود لاختافات.‏<br />

كلينتون:‏ المرشح المفترض<br />

يرى الناخبون األمريكيون فى كلينتون خيارًا أكثر إقناعًا<br />

بخبراتها وشخصيتها وإدارتها الواثقة لشؤون السياسية<br />

الداخلية واخلارجية.‏<br />

وقد أضحت كلينتون بحصولها على ترشيح احلزب أول<br />

امرأة فى تاريخ الواليات املتحدة األمريكية تفوز بالترشيح<br />

من قبل أحد األحزاب الرئيسية األمريكية.‏ فضا عن ذلك<br />

فهي تتقدم على ترامب بني غالبية الطوائف العرقية:‏ %88<br />

وسط األمريكيني األفارقة،‏ و‎68‎ % بني األمريكيني ذوى األصول<br />

الاتينية،‏ و %51 بني النساء.‏ وقد اُعتبرت كلينتون االختيار<br />

األفضل من قبل املشاركني يف االستفتاءات على معظم القضايا<br />

تقريبًا.‏ ووفقًا للتقرير الذى أورده املوقع اإلخباري Business«<br />

»Insider فهى تتقدم على ترامب يف جُ‏ ل القضايا بدءًا من<br />

قضية الهجرة ‏)وهو األمر الباعث على الدهشة لكونه ‏»سيد<br />

قضايا الهجرة«‏ طوال احلملة(،‏ مرورًا بتعيينات احملكمة<br />

العليا،‏ وبوصفها رئيسا ممتازا لألركان،‏ وكذلك شؤون الطبقة<br />

الوسطى،‏ والسياسة اخلارجية،‏ وتوحيد األمة وقضايا املرأة .<br />

وقد تقدم عليها ترامب بني الرجال من الناخبني،‏ إال أنها قد<br />

فازت بالثقة حتى بني أولئك الذين ال مييلون إليها،‏ فهي توحي<br />

مبزيد من الثقة يف قدراتها على القيام مبهام الرئيس أكثر<br />

من ترامب.‏


األمريكية االنتخابات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 107<br />

أما القضية الوحيدة التي رفعت من شأن ترامب فهي<br />

االقتصاد،‏ إذ يرى الناخبون أنه األصلح فيما يتعلق بالشؤون<br />

االقتصادية.‏ األمر الذى ال يعد يف صالح كلينتون،‏ إذ أظهر<br />

االستطاع األخير تربع النمو االقتصادي على القضايا ذات<br />

األهمية خال احلملة والتي يطالب الناخبون احلكومة مبعاجلتها،‏<br />

حيث جاء األمن القومي فى املرتبة الثانية بعد شؤون االقتصاد:‏<br />

إنها قوة كلينتون جنبًا إلى جنب مع املقدرة على الزعامة.‏<br />

وكان طريق كلينتون نحو الرئاسة طوياً‏ ومضنيًا،‏ منذ بدأت<br />

بكونها السيدة األولى،‏ ثم شغلت منصب سيناتور،‏ ثم تبوأت<br />

منصب وزيرة اخلارجية األمريكية،‏ إلى أن انتهى بها املطاف<br />

ألن تصبح أول سيدة فى تاريخ أمريكا تفوز<br />

بالترشيح من أحد األحزاب الرئيسية.‏ وقد<br />

أعلنتها واضحة فى خضم احتفالها بفوزها فى<br />

بروكلني بعد فوزها بكاليفورنيا ونيو جيرسي<br />

ونيوميكسيكو،‏ أن انتصارها هذا لهو انتصار<br />

للمرأة.‏ وقد أعربت كلينتون عن سعادتها قائلة:‏<br />

« إن الليلة هي تتويج لرحلة رائعة.‏ رحلة طويلة.‏<br />

إننا جميعًا مدينون بالكثير ألولئك الذين سبقونا<br />

بالكفاح.‏ هذه الليلة هي ملك لكم جميعًا.«‏<br />

هذا وقد حصلت املرأة فى أمريكا على حق<br />

التصويت يف عام ‎1920‎م،‏ عندما مت التصديق على التعديل التاسع<br />

عشر للدستور.‏<br />

وقد بدت عليها سمات الرئاسة خال اخلطاب،‏ وجتنبت<br />

الهجوم الشخصي على ترامب،‏ وهو األمر الذي طاملا استعانت<br />

به خال احلملة االنتخابية.‏ إال أن ترامب لم يكن يف مزاج يدعو<br />

للمصاحلة،‏ فقد هاجمها متهما إياها « بتحويل وزارة اخلارجية<br />

إلى أحد صناديق التحوط اخلاصة بها«.‏ وكذلك حاول أن<br />

يستميل أنصار ساندرز إلى جانبه قائا إنهم « قد تركوا فى<br />

العراء وحدهم بفعل نظام مُزور.«‏ وأضاف قائا « بأننا ال<br />

ميكننا حل مشاكلنا باللجوء إلى السياسيني الذين تسببوا فيها.‏<br />

لقد استغل آل كلينتون بكل براعة سياسات الثراء الشخصي<br />

مبا يصب يف مصلحتهم.«‏ وكان من الواضح أن خطة ترامب<br />

متثلت يف الهجوم على ‏)بيل وهياري(‏ كلينتون كليهما.‏ إال أن<br />

ذلك لم يكن ليرهب هياري.‏ وأشارت إلى والدتها قائلة « لطاملا<br />

نصحتني أمي بأال أتراجع أبدا أمام املتنمرين،‏ وقد اتضح أنها<br />

كانت نصيحة جيدة.«‏<br />

ونشبت بعد ذلك بينهما حرب على صفحات تويتر إذ استاء<br />

ترامب من تضامن الرئيس أوباما مع كلينتون وعلق قائا:‏ « إنه<br />

يرغب فى أربعة أعوام أخرى من حكم أوباما،‏ لكن ال أحد غيره<br />

يريد ذلك.«‏ وقد ردت عليه كلينتون قائلة :« قم بإلغاء حسابك«.‏<br />

سيدة مسنة من<br />

والية فرجينيا فضلت<br />

الموت عى أن تضطر<br />

إلى التصويت لصالح<br />

هيالري أو ترامب<br />

وترتكز حملة كلينتون على ما تُطلِق عليه ‏»عدم أهلية « ترامب<br />

ملنصب الرئيس وافتقاره إلى اخلبرة.‏ وعلى هذا فليس من<br />

املستغرب أن حتى هؤالء الذين يؤيدون كلينتون،‏ أحيانا ما<br />

يصرحون بأنهم يفعلون ذلك ألنها ليست ترامب،‏ ومن بينهم<br />

بعض الشخصيات البارزة فى احلزب اجلمهوري أو مؤسسات<br />

األمن والسياسة اخلارجية.‏<br />

وتنظر النخبة املتشددة ممن ينتمون إلى قطاع السياسة<br />

اخلارجية،‏ مبا يف ذلك احملافظون اجلدد،‏ إلى ترامب بوصفه<br />

‏»كارثة«‏ قد حلت على السياسة اخلارجية األمريكية.‏ وتعهدوا<br />

بأال يقدموا له أى دعم مطلقا.‏ بل إن بعضهم صرح أنهم سوف<br />

« يصوتون لصالح كلينتون«.‏ فقال اليوت كوهني،‏<br />

املسؤول السابق فى وزارة اخلارجية « هياري<br />

تعتبر أقل الضررين،‏ وبفارق شاسع«‏ وأضاف « إن<br />

انتخاب ترامب رئيسا سيكون مبثابة كارثة تامة<br />

بكل املقاييس على السياسة اخلارجية األمريكية<br />

التي احلق بها بالفعل ضررًا بالغًا.«‏<br />

وصرح ماكس بوت،‏ أحد األعمدة الفكرية<br />

للحركة احملافظة،‏ بأنه سوف يصوت لصالح<br />

كلينتون وقال « إنني حقًا ال أمتكن من النوم بسبب<br />

ترامب!‏ إنها ستكون أفضل بكثير من ترامب«.‏<br />

وقام احملافظون بالتوقيع على خطاب فى الربيع قائلني بأنهم<br />

« ال ميكنهم دعم بطاقة حزبية يتصدرها السيد ترامب ».<br />

وفى منتصف مايو صرح ريتشارد أرميتاج بأنه سوف يصوت<br />

لصالح هياري كلينتون،‏ وهو يعد أحد الشخصيات البارزة يف<br />

قطاع األمن القومي وينتمي كذلك للحزب اجلمهوري،‏ كما كان<br />

يشغل منصب نائب وزير اخلارجية أثناء والية جورج بوش.‏ وقد<br />

ورد يف صحيفة بوليتيكو تعليقًا على ذلك « إن ذلك يعد إشارة<br />

إلى رفض نخبة األمن القومي من احلزب اجلمهوري املرشح<br />

املفترض حلزبهم.«‏ وفى تصريح ألرميتاج إلى مجلة بوليتيكو<br />

قال:‏ « سوف أصوت لصالح هياري كلينتون يف حال أصبح<br />

ترامب مرشح احلزب.‏ انه ال يبدو جمهوريا،‏ وال يبدو يريد أن<br />

يحيط علمًا بالعديد من القضايا،‏ لذا سوف أعطي صوتي<br />

للسيدة هياري كلينتون.«‏<br />

لكن التحدي الذي تواجهه كلينتون يف هذه املرحلة ال يقتصر على<br />

أعداد اجلمهوريني الذين ميكن لها استقطابهم إلى جانبها،‏ والذي<br />

يعد وال شك ميزة سياسية كبيرة،‏ لكن النقطة األهم هي كيف ميكن<br />

لها أن توحد احلزب بجناحيه الليبرالي واملؤسسي،‏ وكيف ميكنها<br />

استقطاب أنصار بيرني،‏ خاصة الشباب واحملبطني من النظام.‏<br />

فضاً‏ إلى ذلك فأمامها قضايا اجلدارة بالثقة التي يجب<br />

عليها مواجهتها حلرمان ترامب من فرصة اخلوض باحلديث


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

األمريكية االنتخابات<br />

109<br />

2016<br />

108<br />

مرارًا يف ذلك األمر.‏<br />

وقد أثبتت كلينتون أنها مرشح قوي.‏ ومتكنت من اجتياز<br />

حملة انتخابية طويلة ومحفوفة باملصاعب ضد مرشح « شعبي«‏<br />

وضد احلركة الشعبية.‏ وأحيانًا ما كانت تبدو وكأنها يف خطر<br />

يف مرحلة ما من مراحل االنتخابات األولية،‏ إال أنها متكنت من<br />

الصمود واجتياز املرحلة األخيرة من موسم االنتخابات التمهيدية.‏<br />

و كما أشارت صحيفة بوليتيكو فقد متكنت من مواجهة املوجة<br />

الشعبية برغم كونها من النخبة.‏ ولكن كيف لها أن تعيد ناخبي<br />

ساندرز إلى اخليمة الدميقراطية الكبرى دون املساس بشكل كبير<br />

مبواقفها الدميقراطية املعتدلة؟ ودون االنحراف أكثر مما ينبغي<br />

نحو اليسار؟ األمر الذى إن فعلته فسوف يؤدي بها إلى خسارة<br />

الطريق الوسطي وتنفير أعضاء حركة ‏»ال لترامب«،‏ الذين من<br />

املمكن استمالتهم جلانبها ملنع ترامب من الفوز بالبيت األبيض؟<br />

ومتتلك كلينتون ميزة كبيرة،‏ أال وهي دعم الرئيس أوباما الذي<br />

يحظى بتأييد %84 بني الليبراليني و‎%56‎ بني املعتدلني.‏ واألمر<br />

متروك لها وللرئيس أوباما اآلن لتوحيد احلزب خلفها وضم<br />

جميع عناصره ملساندتها من الليبراليني واملعتدلني واملستقلني<br />

والشعبيني،‏ باإلضافة إلى اجلمهوريني الذين يشعرون بأنهم قد<br />

أصبحوا با مأوى فى مواجهة حزب مرشحه هو دونالد ترامب.‏<br />

ويجد الرئيس أوباما فى كلينتون األمل فى احلفاظ على إرثه<br />

واالجنازات التى متكنت إدارته من حتقيقها سواء على صعيد<br />

الرعاية الصحية أو غيرها من القضايا االجتماعية واالقتصادية.‏<br />

وإذا ما مت لهما النجاح فى جذب أعداد كبيرة من اجلمهوريني<br />

ممن يفضلون فوز الدميقراطيني بالبيت األبيض على أن يفوز به<br />

ترامب،‏ فلسوف يعد ذلك ، كما يراه احملللون السياسيون،‏ أكبر<br />

عملية حتول فى السياسات احلزبية األمريكية منذ سنوات عدة.‏<br />

وقد اجتمعت كلينتون مع ساندرز،‏ وال تزال املباحثات جارية<br />

بينهما إلقناعه بالقيام بالتضامن معها والدعاية لها بسؤال<br />

أنصاره بأن يقوموا بالتصويت لصاحلها،‏ وإغراءه بطائفة من<br />

الوعود مثل إلقائه كلمة فى املؤمتر االنتخابي،‏ وبعض التنازالت<br />

السياسية األخرى مبا ميكن أن يقنعه بأن التغيير الذى دعا إليه<br />

سيحدث على األقل داخل احلزب.‏<br />

ترامب:‏ المرشح المفترض ‏)هل هو حقًا؟(‏<br />

لم تكن بداية يونيو مبشرة لترامب.‏ فقد التصقت به<br />

تهمة عدم أهليته ملنصب الرئيس،‏ وتعرضت حملته النتقادات<br />

واسعة الفتقارها إلى التنظيم ونقص فريق العمل والتمويل وأي<br />

شيء آخر إال ترامب وحسابه على تويتر!‏ واتضح ذلك فى<br />

استطاعات الرأي التى جتلى فيها تدني شعبيته.‏ وكما ورد<br />

يف صحيفة بوليتيكو،‏ أظهرت االستطاعات التي مت إجراؤها<br />

يف منتصف يونيو أن نسبة تأييده بلغت %30، بينما تخطت<br />

نسبة املعارضني له %50. واألسوأ من ذلك أنه كان يخسر أمام<br />

كلينتون فى استطاعات الرأي القومية.‏ فوفقًا الستطاع<br />

للرأي أجرته وكالة فوكس لألخبار فإن كلينتون تتقدم على<br />

ترامب بنسبة %3 بني الناخبني على مستوى الدولة ، بواقع<br />

% 42 لكلينتون و‎39‎ % لترامب . وهكذا تكون نسبة دعمه<br />

قد انخفضت من %45 إلى %39. ولكنه يواجه خبرًا أسوأ،‏<br />

وهو انخفاض نسبة تأييده بني املستقلني بواقع %11 مقارنة<br />

باستطاع سابق لوكالة فوكس.‏<br />

وهذا هو ما دفع بدان ماك الفلني من مجلة ناشونال ريفيو<br />

Review( )National بأن يقول:«‏ ال ميكن النظر إلى نتائج<br />

ترامب فى استطاعات الرأي القومية دون رؤية احلقيقة القامتة<br />

لكونها فى انحسار لم يشهده من قبل أى مرشح لانتخابات<br />

العامة خال االنتخابات الثاث األخيرة«.‏ وأضاف قائا«‏ إن<br />

األعداد فى انحدار مستمر،‏ بل إنها وصلت كذلك إلى أدنى<br />

مستوى قد شهده أى مرشح سواء جمهوري أو دميقراطي فى<br />

الدورات االنتخابية الثاث املاضية.«‏<br />

وثمة واقعتني هما من أوصلتا ترامب إلى ذلك املنعطف:‏<br />

متثلت الواقعة األولى فى إدعائه أن القاضي كونزالو كيوريل،‏<br />

وهو مواطن أمريكي من والية أنديانا ذو أصول مكسيكية،‏ لم<br />

يكن عادال فى حكمه فى قضية ضد جامعة ترامب،‏ وذلك بسببٍ‏<br />

من أصوله وإرثه الاتينى.‏ أما الواقعة الثانية فتمثلت فى رد<br />

فعله على احلادث اإلرهابي فى أورالندو من إطاق للنار على<br />

حانة للمثليني والذي حصد أرواح 49 شخصً‏ ا وجرح . 53<br />

ففي حالة القاضي كيوريل،‏ ادعى ترامب أن القاضي خاض<br />

‏»صراعًا مستميتا«‏ لترأس دعوى قضائية تتهم جامعة<br />

ترامب بالتزوير.‏<br />

وقد زادت هذه الواقعة من العاقة املضطربة بالفعل بني<br />

ترامب وقيادة احلزب اجلمهوري.‏ إذ اعتبرها رئيس مجلس<br />

النواب ‏،بول ريان،‏ أسوأ من أن يُغض الطرف عنها ‏.وكان قد قام<br />

لتوه بالتضامن مع ترامب بعد عملية طويلة ومضنية بسبب لسانه<br />

املنفلت وخطبه املثيرة للبلبلة واالنقسامات.‏ وقال ريان«‏ إن إدعاء<br />

أن شخصً‏ ا ما ال ميكنه القيام بعمله بسبب أصوله العرقية أشبه<br />

بتعريف التعليق العنصري املوجود فى كتبنا املرجعية«‏ ومتنى أن<br />

يتعلم ترامب مما حدث.‏<br />

لكن ريان لم يكن الوحيد،‏ فقد ترددت أصداء تلك الواقعة<br />

بعينها وسط العديد من الزعماء اجلمهوريني،‏ إذ أنها تضرب فى<br />

صميم ما يعنيه أن تكون أمريكيا،‏ حيث جاء اجلميع من بلدان<br />

أخرى.‏ فاحلكم على عدم أهلية الناس بسببٍ‏ من أصولهم كان<br />

أمرًا عرف قادة احلزب أنه سيكلفهم ثمنًا سياسيًا غاليًا فى


األمريكية االنتخابات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 109<br />

هذه السنة االنتخابية.‏ إنه ببساطة يخاطر بخسارة اجلمهوريني<br />

لكافة األصوات الاتينية.‏<br />

وقال ميتش ماكونيل،‏ زعيم األغلبية يف مجلس الشيوخ « إنني<br />

منزعج من ذلك األمر.‏ فأمريكا تتغير.‏ وعندما مت انتخاب رونالد<br />

ريجان كان البيض ميثلون %84 من جمهور الناخبني،‏ أما اآلن<br />

فهم سيمثلون %70 من الناخبني.‏ وإنه خلطأ عظيم من جانب<br />

حزبنا أن يقوم بشطب األمريكان ذوي األصول الاتينية،‏ فهم جزء<br />

مهم من بادنا،‏ وقريبًا سوف يشكلون أكبر األقليات يف الباد«.‏<br />

وبالتأكيد ال يريد اجلمهوريون تكرار تأثير ‏»بارى جولد ووتر«‏<br />

على األمريكان األفارقة والسياسة األمريكية.‏ وكان جولد ووتر<br />

هو املرشح اجلمهوري عام ‎1964‎م،‏ وقد تسبب يف استعداء<br />

الناخبني األمريكيني ذوي األصول اإلفريقية مبعارضته لقانون<br />

احلقوق املدنية،‏ مما تسبب فى خسارة احلزب اجلمهوري<br />

لدعمهم لعقود خلت،‏ جاعا أصوات األمريكان األفارقة حكرًا<br />

على الدميقراطيني إلى يومنا هذا.‏<br />

وأضحى تصريح ترامب محل نقد من كافة اجلمهوريني<br />

خاصة اجلهات املانحة.‏ وقد علق ترامب الحقًا أنه قد أُسيئ<br />

فهم تصريحه،‏ ولكن ليس قبل أن يقول إن « القاضي املسلم<br />

سيكون متحيزا أيضاً«.‏<br />

ثم حدثت واقعة أورالندو املأساوية وأقنع رد فعل ترامب<br />

احلزب اجلمهوري بأنهم حقًا يواجهون مشكلة كبيرة،‏ وأن ترامب<br />

سيظل دومًا ترامب،‏ وأنه لن يتغير وينتقل من حالة االنتخابات<br />

التمهيدية إلى االنتخابات العامة ليسلك املسلك الائق برئيس<br />

الدولة.‏ وهكذا صدر احلكم عليه من حزبه ومن اإلعام<br />

األمريكي بأنه قد أخفق فى االختبار.‏ وكان قد كتب على تويتر<br />

تغريدة صدمت الكثيرين نظرًا للظروف التى جاءت فيها،‏ إذ<br />

كان يهنئ فيها نفسه قائا « أقدر التهاني التي تزف إلي ألنه<br />

اتضح أخيرًا أني كنت على حق بخصوص اإلرهاب اإلسامي<br />

املتطرف.‏ أنا ال أرغب فى التهاني،‏ بل أريد الصابة وتوخي<br />

احلذر.‏ يجب أن نكون أذكياء.«‏ ثم كتب تغريدة أخرى « ورد فى<br />

التقارير أن إرهابي أورالندو كان يصيح « اهلل أكبر!«‏ بينما يقوم<br />

بقتل مرتادي احلانة.«‏<br />

لقد أظهرت خطاباته ولقاءاته بأنه،‏ وعلى النقيض من<br />

كلينتون،‏ لم يكن مستعدا ‏»لساعة الذروة«،‏ وهو تعبير يستخدمه<br />

األمريكان لإليحاء بأن شخصً‏ ا ما غير مؤهل للمهمة املنوطة<br />

به.‏ وفى كلمة ألقاها يف كلية سانت أنسيلم Anselm( )ST.<br />

وصف التطرف اإلسامي بأنه ‏»خطر استشرى على مستوى<br />

العالم واخترق الواليات املتحدة عبر أبواب الهجرة غير املقننة«.‏


www.araa.sa<br />

العدد<br />

يوليو<br />

األمريكية االنتخابات<br />

109<br />

2016<br />

110<br />

المحافظون الجدد يعتبرون ترامب ‏»كارثة«‏ وتعهدوا بعدم<br />

دعمه وسوف يصوتون لصالح كلينتون<br />

ووصفت صحيفة نيويورك تاميز أسلوبه بأنه أقرب للقوميني<br />

األوروبيني منه إلى عموم اجلمهوريني،‏ وأن اخلطاب ‏»كان يعج<br />

باملغالطات واملبالغات التي طاملا وُسِ‏ مت حملته بها.«‏ لقد تاعب<br />

مبخاوف األمريكان مدعيًا أن داعش حتاول انتزاع أوالدهم،‏<br />

ومتهما األمريكان املسلمني بالفشل يف ‏»تسليم من يعلمون بأنهم<br />

سيئون.«‏ كما أراد فرض حظر على دخول املسلمني القادمني من<br />

أى دولة لديها تاريخ إرهابي«.‏<br />

إال أنه أحتفظ بأشد كلماته للرئيس أوباما مدعيًا انه يُكِ‏ ن<br />

تعاطفا لإلرهابيني،‏ وقال « إننا يحكمنا رجل إما أنه ليس قويا<br />

أو ذكيا،‏ أو أنه يضمر شيئا آخر فى نفسه،‏ هناك خطب ما«‏ .<br />

وقد هاجم الرئيس ألنه ال يستخدم مصطلح اإلرهاب اإلسامي.‏<br />

ورد عليه الرئيس مهاجما بقوله « إن ترديد مصطلح اإلسام<br />

املتطرف ال ميكن أن يعد استراتيجية«.‏<br />

وذكرت صحيفة التاميز أن « اجلمهوريون يرون أن إصرار<br />

ترامب على التمسك مبواقفه املتشددة يقوض من موقفه كمرشح<br />

فى االنتخابات العامة«.‏<br />

غير أن اجلمهوريني قد خلصوا إلى انه من غير املجدي<br />

محاولة كبح جماح ترامب.‏ وقد كتب مايك مورفى،‏ املستشار<br />

األول السابق جليب فورمر،‏ فى صحيفة التاميز « يقول اجلميع<br />

‏»انظروا ، إنه حقًا متحضر.‏ إنه يأكل بالشوكة والسكني.‏ وبعد أن<br />

متر ساعة جنده يأخذ الشوكة ليطعن بها شخصً‏ ا ما فى عينه!«‏<br />

وقد بعثت هاتني الواقعتني احلياة فى حركة « ال لترامب«،‏<br />

بل إنه ثمة حركة تدعى«‏ أى واحد إال ترامب«.‏ وقد وردت<br />

تقارير بقيام ميت رومني،‏ مرشح احلزب اجلمهوري عام<br />

‎2012‎م،‏ باستضافة جتمع ملئات احملافظني اجلمهوريني<br />

فى بارك سيتى بوالية يوتا،‏ بهدف الهجوم على ترامب.‏<br />

فاجلمهوريون يشكون من أن ترامب ال يوجد لديه حملة حتى<br />

اآلن،‏ فهو لم يقم بعد باختيار نائب الرئيس،‏ وال يوجد لديه<br />

فريق عمل يعتد به يف مواجهة حملة االنتخابات العامة.‏ فضا<br />

عن افتقاره إلى التمويل.‏ وكتبت صحيفة نيويورك تاميز أن<br />

ترامب ‏»يواجه أسوأ عيب مالي يف التاريخ الرئاسي احلديث<br />

: فلديه 1.3 مليون دوالر مقابل 42 مليون دوالر لدى كلينتون.‏<br />

وكتبت الصحيفة ترامب يشرع يف الدخول يف حملة االنتخابات<br />

العامة وهو يرزح حتت وطأة أسوأ عيب مالي وتنظيمي يشهده<br />

أى مرشح عن حزب رئيسي فى التاريخ احلديث،‏ مُعرضاً‏ ترشحه<br />

وحزبه على السواء خلطر محقق«.‏<br />

ويف تلك األجواء جاءت األخبار الهامة من حملة ترامب<br />

بعزله مدير حملته املتعثر،‏ كوري يفاندوفسكي.‏ وقد أثنى ترامب<br />

على مدير حملته السابق قائا إنه قد أحسن القيام بعمله،‏ غير<br />

أننا يتعني علينا السير يف طريق مختلف«.‏<br />

ورأت وسائل اإلعام فى تلك اخلطوة املفاجئة محاولة<br />

‏»لتهدئة احللفاء واجلهات املانحة واملسؤولني اجلمهوريني«،‏<br />

املعنيني بفرص احلزب فى نوفمبر القادم،‏ وقد أوردت صحيفة<br />

واشنطون بوست أن حركة ‏»أوقفوا ترامب«‏ قد جمعت دعما<br />

للمؤمتر العام للحزب اجلمهوري ما يقرب من 400 مندوبًا،‏ يف<br />

إشارة لكونها فى الطريق الن تصبح قوة ‏»من املمكن لها أن تعرقل<br />

حملة قومية«.‏ وتتمثل خطة هذه املجموعة فى حترير املندوبني<br />

خال املؤمتر احلزبي ليقوموا بالتصويت لصالح من يريدون أيًا<br />

كان،‏ دون التقيد بنتائج االنتخابات األولية واللجان احلزبية.‏<br />

ويرى البعض أن ذلك من شأنه خلق انقسامات وحالة من<br />

الفوضى داخل احلزب،‏ وهم يقرون أيضا أن ذلك سوف يخلق<br />

مشاكل داخلية باحلزب،‏ ولكن يف نهاية األمر سيتم إنقاذ<br />

احلزب والفوز باالنتخابات.‏ فهم يؤمنون بأن ترامب ال ميكن له،‏<br />

وال يجب له أن يفوز يف نوفمبر.‏ أو كما خلص املوقف عنوان<br />

افتتاحية صحيفة واشنطون بوست لفريد هيات : « األمل األخير<br />

للجمهوريني:‏ إعان فوز دونالد ترامب يف مؤمتر كليفاند الشهر<br />

املقبل،‏ ثم إقناعه بالذهاب إلى بيته«.‏<br />

ويبدو من التحرك األخير من جانب حملة ترامب بتغيير<br />

توجهها من خال عزل مدير احلملة،‏ إن من سيتولى شؤون<br />

احلملة اآلن هم عائلته وأبناؤه وصهره.‏ رمبا يتمكنون من إقناعه<br />

بإظهار شيئًا من التهذيب وأن يحاول انتهاج ‏»املسلك الرئاسي«،‏<br />

وقد تردد بأن ابنته إيفانكا ترامب قد نصحته بذلك.‏<br />

وعلى اجلانب اآلخر فإن األعضاء الكبار باحلزب يعارضون<br />

وقوع نزاع داخل املؤمتر.‏ فهم يرون أن ترامب قد فاز بالفعل<br />

فى مرحلة االنتخابات التمهيدية،‏ وعلى هذا فيجب احترام<br />

إرادة الشعب،‏ وأن يتم االحتاد خلف ترامب،‏ هذا إذا ما أعطاهم<br />

الفرصة ألن يفعلوا ذلك.‏ ولكن إذا ما استمرت حملته فى<br />

السير على نفس املنهاج،‏ وظل ترامب..ترامب،‏ فقد يحمل يوليو<br />

مفاجئات ملؤمتر احلزب اجلمهوري.‏ إنه التحدي الذي سيواجهه<br />

فريق حملته اجلديد،‏ وسيواجهه معه احلزب اجلمهوري.‏<br />

‏*خبرية في العلاقات الدولية واشنطن


إصدارات<br />

العدد<br />

109<br />

2016 www.araa.sa<br />

يوليو 111<br />

التطورات املعاصرة وتطبيقات على االحتجاج والثورة في املجتمع العربي<br />

علم االجتماع السياسي المعاصر<br />

صدر مؤخرًا كتابًا للدكتور خالد كاظم أبو دوح األكادميي بقسم االجتماع كلية العلوم االجتماعية واإلدارية<br />

جامعة نايف العربية للعلوم االجتماعية بعنوان " علم االجتماع السياسي املعاصر التطورات املعاصرة<br />

وتطبيقات على االحتجاج والثورة يف املجتمع العربي".‏ تضمن الكتاب ثمانية فصول،‏ وبدأ بالتأصيل التاريخي<br />

لعلم االجتماع السياسي وعاقته بعلمي االجتماع والسياسة وجاء هذا الفصل حتت عنوان ‏)علم االجتماع<br />

السياسي:‏ ميدان متنازع عليه(،‏ وأخذ املؤلف يؤسس لنظرية إعادة علم االجتماع السياسي كأحد فروع علم<br />

االجتماع وليس السياسة انطاقًا من مفهوم ‏)السلوك السياسي،‏ والفعل السياسي مقارنة مبفهوم الدولة<br />

والنظم السياسية(،‏ ثم جاء الفصل الثاني حتت عنوان ‏)علم االجتماع السياسي:‏ املفاهيم واالجتاهات النظرية<br />

املعاصرة(‏ وتطرق هذا الفصل إلى مفاهيم العوملة،‏ رأس املال السياسي،‏ رأس املال االجتماعي،‏ واالجتاهات<br />

النظرية يف علم االجتماع السياسي،‏ وركز على نظريتي التبادل والتحليل السياسي،‏ والتفاعلية الرمزية.‏<br />

آراء حول اخلليج:‏ جدة<br />

وتناول الفصل الثالث ‏)الدميقراطية والعوملة(‏ وناقش<br />

الدميقراطية كنظام للحكم،‏ وكأسلوب للحياة،‏ والدميقراطية بني<br />

الليبرالية واملاركسية،‏ والدميقراطية يف ظل التحوالت العاملية اجلديدة.‏<br />

وجاء الفصل السادس من هذا الكتاب حتت عنوان<br />

‏)االحتجاج االجتماعي يف الواقع املصري بنيته وأمناطه(‏ وتناول<br />

طبيعة االحتجاج االجتماعي على مرجعية التحوالت االقتصادية،‏<br />

والسياسية،‏ واالجتماعية وثقافة االحتجاج االجتماعي،‏ ثم تطرق<br />

إلى طبيعة االحتجاج االجتماعي يف املجتمع املصري وأمناطه<br />

وهما االحتجاج اإلصاحي،‏ واالحتجاج الثوري،‏ ثم شرح قابلية<br />

الشخصية املصرية النمطية لاحتجاج االجتماعي،‏ وهنا تناول<br />

الشخصية املصرية على خلفية التراث النظري،‏ ومن هو املصري<br />

الذي يحتج.‏ واختتم هذا الفصل بقوله:‏ ميكن التأكيد على أن<br />

كل املصريني بسماتهم املختلفة ميارسون فعل االحتجاج،‏ فهناك<br />

انتشار لثقافة االحتجاج رأسيًا،‏ وأفقيًا،‏ وظيفيًا،‏ وجغرافيًا.‏<br />

وجاء الفصل السابع حتت عنوان ‏)ثورة 25 يناير يف بر مصر..‏<br />

محاولة للفهم السوسيولوجي(،‏ وتناول يف هذا الفصل مقدمة<br />

عن أحوال البنية االجتماعية يف مصر،‏ رسم من خالها خريطة<br />

لألوضاع املصرية وما أدت إليه إرهاصات هذه اخلريطة،‏ ثم<br />

انتقل إلى ما أسماه ‏"الثورة يف بر مصر"‏ وتطرق إلى االحتجاجات<br />

املختلفة التي شهدتها مصر،‏ ثم ‏"حصاد الثورة وسيناريوهات<br />

املستقبل"‏ واختتم هذا الفصل بأنه)‏ بالرغم من حالة القلق التي<br />

تسيطر على املجتمع املصري فيما بعد الثورة ، إال أنه من املؤكد<br />

أن هذه الثورة دليل على شباب املجتمع املصري،‏ ولهذا البد من<br />

أن نثق يف قدرتنا ونبدأ البناء وتأسيس نظام اجتماعي يحقق<br />

طموحاتنا وأهدافنا ونحن نعايش األلفية الثالثة(.‏<br />

وجاء الفصل الثامن واألخير من هذا الكتاب حتت عنوان<br />

‏)سوسيولوجيا الثورات العربية(‏ وتناول مفهوم الثورة،‏ واجتاهات<br />

التنظير االجتماعي،‏ وملاذا يحتج ثم يثور اإلنسان العربي.‏<br />

وبدا املؤلف يف النهاية،‏ مدافع عن العلوم االجتماعية يف الوطن<br />

العربي وعن دورها،‏ وقال " ميكن للعلوم االجتماعية،‏ ومن خال<br />

إعادة إنتاج ذاتها أن تقدم العلم االجتماعي باعتباره علمًا مفيدًا<br />

للمجتمع ويساعد على حتقيق الرفاهية لإلنسان العربي وجتويد<br />

شروط وجوده االجتماعي".‏<br />

ويعتقد الدكتور خالد أبو دوح يف النهاية أنه أصبح من الضروري<br />

أن يركز علم االجتماع السياسي بصفة خاصة على اإلنسان أو الذات<br />

البشرية،‏ وال يركز فقط على اخلطابات أو الفضاءات واألبنية.‏


112<br />

العدد<br />

يوليو<br />

www.araa.sa<br />

109<br />

2016<br />

الغي اب العرب ي ف ي إفريقي ا<br />

جمال أمني همام*‏<br />

jamal@araa.sa<br />

وقفة<br />

العاقات العربية اإلفريقية قدمية ومنقوشة على اآلثار املوجودة<br />

منذ فجر التاريخ حيث امتدت هذه العاقات من أقصى شرق إفريقيا<br />

إلى مصر وشمال القارة ثم جزيرة العرب وباد الشام،‏ ويف العصر<br />

احلديث بلغت هذه العاقات قوتها مع بداية النصف الثاني من<br />

القرن العشرين وجتلى ذلك يف دعم الدول العربية حلركات التحرر<br />

اإلفريقية،‏ وهذا ما جسدته قمة أكرا عام ‎1965‎م،‏ ثم القمة اإلفريقية<br />

عام ‎1967‎م،‏ حيث مت إرساء قواعد صلبة للعمل العربي اإلفريقي<br />

املشترك،‏ ودعم القضية الفلسطينية،‏ والتصدي حملاوالت إسرائيل<br />

الختراق القارة السمراء،‏ وبعد ذلك جاءت القمة العربية اإلفريقية<br />

األولى عام ‎1977‎م،‏ يف لومي وأكدت على اخلطوط العريضة للتعاون<br />

بني الطرفني و تبلورت يف ‏»التطلع نحو حتقيق التعاون يف املجاالت<br />

السياسية،‏ االقتصادية،‏ واالجتماعية،‏ وترسيخ التحرر والتنمية وتطبيق<br />

مبدأ التعايش السلمي املشترك لكل شعوب القارة«.‏<br />

التاحم العربي اإلفريقي بلغ ذروته يف سبعينيات القرن العشرين<br />

ثم اجته يف نهاية ذلك العقد نحو االنحدار لعدة عوامل متزامنة منها:‏<br />

استكمال استقال الدول اإلفريقية،‏ تغير املوقف العربي جتاه إسرائيل<br />

بعد معاهدة كامب ديفيد،‏ تأييد الشارع العربي للثورة اإليرانية،‏<br />

االنكفاء العربي على القضايا الداخلية،‏ والصراعات اجلانبية بني<br />

أعضاء النظام العربي،‏ بل شهدت القارة تنافس عربي/‏ عربي على<br />

النفوذ ومن ثم فقدت العاقات العربية اإلفريقية وهجها وتراجعت<br />

لتدخل القارة السمراء يف محاوالت إغراء من دول أخرى منها إسرائيل،‏<br />

إيران،‏ الصني،‏ وتركيا،‏ إضافة إلى االستعمار الغربي القدمي.‏ ولذلك لم<br />

تعقد القمة العربية اإلفريقية الثانية إال بعد مرور 33 سنة أي يف عام<br />

2010 يف سرت،‏ ثم قمة الكويت ‎2013‎م.‏<br />

ويف غمرة التنافس الدولي املصحوب بدعم اقتصادي للدول<br />

اإلفريقية،‏ وتطوير مشروعات خدمية ومرافق وإنشاء قواعد عسكرية<br />

من قوى دولية وإقليمية،‏ نشبت ثورات الربيع العربي التي ألقت بظال<br />

سلبية على العاقات العربية اإلفريقية،‏ حيث خشيت دول القارة<br />

السمراء من انتقال عدوى هذه الثورات،‏ بل دعت أوروبا إلى انتشار<br />

مثل هذه الثورات يف إفريقيا جنوب الصحراء،‏ ودعا الكردينال بيتر<br />

تركسون رئيس املجلس البابوي للفاتيكان بضرورة انتقال الثورات<br />

العربية إلى جنوب الصحراء لتحقيق العدالة االجتماعية.‏<br />

كما أن بروز دور تنظيمات اإلسام السياسي ووصولها للسلطة يف بعض<br />

الدول العربية،‏ وتنامي موجات اإلرهاب العابرة للحدود والتي أصبح لها<br />

امتداد يف جنوب الصحراء كتنظيم داعش،‏ القاعدة،‏ وبوكو حرام وغيرها،‏<br />

أقلقت دول جنوب الصحراء وجعلتها تتحسس عاقاتها مع اجلانب العربي.‏<br />

واألمر ال يقتصر على تراجع العاقات بني الطرفني فقط،‏ بل<br />

بلغت حد التوتر كما حدث بني أثيوبيا من جهة،‏ ومصر والسودان من<br />

جهة أخرى بسبب مياه النيل،‏ وانسحاب املغرب من االحتاد اإلفريقي<br />

بسبب قضية الصحراء املغربية،‏ يف حني اقتربت الدول اإلفريقية من<br />

إسرائيل وأصبحت مساندة لها يف األمم املتحدة ناهيك عن التبادل<br />

التجاري والعاقات الدبلوماسية إضافة إلى تغلغل إسرائيل يف إفريقيا<br />

وتأثيرها على صناعة القرار يف كثير من دول القارة.‏<br />

على املستوى االقتصادي،‏ فرغم أهمية دول جنوب الصحراء،‏ تظل<br />

قيمة التبادل التجاري العربي يف حدود %3 فقط،‏ وال متثل صادرات الدول<br />

اإلفريقية للدول العربية سوى %2.5 من جملة الواردات العربية،‏ فيما تبلغ<br />

الصادرات العربية لهذه الدول %5.7 من إجمالي واردات الدول اإلفريقية،‏<br />

بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بني تركيا وهذه الدول 6 مليارات دوالر.‏<br />

هذا التهافت الدولي على إفريقيا،‏ والتراجع العربي يهدد األمن<br />

القومي العربي برمته،‏ حيث تتواجد دول إقليمية لها أجنداتها<br />

املتعارضة مع الدول العربية وتتبع نظرية شد األطراف التي أطلقها<br />

رئيس وزراء إسرائيل األسبق بن جورين والتي تعني حصار العرب من<br />

اخلارج إلضعافهم وفتح ثغرات إقليمية متثل مهددات لهم.‏<br />

كل ذلك يضع إفريقيا جنوب الصحراء على أولوية قائمة السياسة<br />

اخلارجية العربية سواء حتت مظلة جامعة الدول العربية أو مجلس<br />

التعاون اخلليجي،‏ أو بشكل فردي الستعادة دفء وقوة هذه العاقات<br />

التي تأتي يف صلب األمن القومي العربي،‏ والبناء على أسس العاقات<br />

التاريخية،‏ وكذلك االستفادة مما تقوم به اجلهات اخليرية والدعوية<br />

العربية يف إفريقيا،‏ إضافة إلى دعم الصناديق السيادية اخلليجية،‏<br />

وكذلك البنك اإلسامي للتنمية،‏ من أجل مواجهة املد الدولي<br />

واإلقليمي الذي يهدد املصالح العربية.‏<br />

لكن يظل تفعيل هذه العاقة مرهون بإرادة سياسية عربية،‏<br />

وترتيب األولويات جتاه إفريقيا،‏ وإدراك مخاطر الغياب عن<br />

القارة السمراء،‏ مع ضرورة أن يسبق ذلك تهيئة العاقات<br />

العربية العربية لترسيخ العمل اجلماعي العربي وتكامل السياسة<br />

اخلارجية إلعاء املصلحة العليا لألمة يف ظل الصراع اإلقليمي<br />

والدولي احملموم على دول اجلوار والعمق االستراتيجي العربي.‏<br />

‏*مدير التحرير

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!