11.05.2017 Views

أوراق عمل المؤتمر التاسع

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

املراد من القدوة<br />

بسم اهلل الرحمن الرحيم<br />

السبْك الإسالمي لشخصية املراأة القدوة يف ظلّ‏ منطق العبودية<br />

اإن تبيني القدوة الصاحلة عن القدوة الكاذبة والفاسدة من اأهم املسائل التي نواجهها يف ميادين احلرب الثقافية<br />

املعاصرة.‏ يجب اأن تكون املحافل الدينية واملجالس الثقافية وسيلة لهذه املواجهة وذلك باأن تكون هذه املحافل<br />

تدفع نحوالرتباط القلبي وال<strong>عمل</strong>ي بالقدوة الصاحلة الإلهية على مستوى القول اأو ال<strong>عمل</strong> ويف كل الأبعاد التي<br />

تتميز بها تلك القدوة ‏)العبودية والعبادة،‏ العرفان واملعرفة،‏ التعليم والتعلم والرتبية...(‏<br />

اإن تكامل النسان عبارة عن تغريات تدريجية تهدف اإىل تفعيل الستعدادات الفطرية الكامنة يف النسان.‏ يعترب<br />

امليل اإىل التاأسي واتخاذ القدوة اأحد امليول الفطرية عند النسان وميكن من خالله اأن يرتقى النسان يف مدارج<br />

الكمال ‏)من اأراد اهلل بداأ بكم(،‏ اإذن هناك اإحساس فطري بضرورة القتداء من جهة ومشاهدة السري التكاملي<br />

الذي قطعه الواصلون من جهة اأخرى،‏ مما يحث النسان على اأن يتخذ من اأو لئك الواصلني قدوة له لتكون<br />

حركته الكماليّة اأسرع واأكرث اطمئناناً،‏ وحتى يتحقق الهدف من اتخاذ القدوة لبد من اأن يتم اختيارها بوعي<br />

للغاية منها والقدرة على اإيجاد حالة من التوافق والنسجام السلوكي والقويل معها.‏<br />

للتاأكيد على املعنى الدقيق للقدوة نذكر مقدمة نستفيدها من علم النفس:‏<br />

اأنواع القدوة<br />

يقسم علماء النفس التقليد اإىل ثالثة اأقسام:‏ املحاكاة،‏ التقليد باملعنى الأخص،‏ القتباس<br />

‎1‎املحاكاة 1. هوالتقليد غري الواعي واخلايل من اأي <strong>عمل</strong>ية تفكري اأو تشخيص كالطفل يف الأشهر الأو ىل<br />

عندما يقلّد ‏سلوكيات من حوله.‏<br />

‎2‎التقليد 2. باملعنى الأخص:‏ هوتقليد نصف واعٍ‏ وهادف لسلوكيات الآخرين،‏ لكنه يفتقر اإىل الوعي باأهداف<br />

الآخرين من هذه السلوكيات،‏ كالطفل يف عمر الثالث ‏سنوات اأو الأربع ‏سنوات عندما يقلّد الكبار للوصول<br />

اإىل اأهدافه،‏ دون اأن يلتفت اإىل الهدف احلقيقي من تلك السلوكيات.‏<br />

‎3‎القتباس:‏ 3. هواأعلى مرتبة يف التقليد وهي عبارة عن تكرار ال<strong>عمل</strong> الذي نراه من الآخرين وهذا التكرار<br />

يبتني على العلم والقصد اأي اأنه يتميز بصدوره عن معرفة كاملة وهادفة.‏ كالشاب الذي يختار السلوك<br />

املطلوب من بني عدّ‏ ة خيارات وميكنه اأن يقيم دليالً‏ على ‏سبب اختياره ذاك.‏<br />

هنا نتكلم عن التقليد مبعنى القتباس،‏ هذا هوالتقليد املطلوب والذي يوؤثر يف تكامل النسان،‏ اأي اأن يتم اختيار<br />

القدوة بعد التفكر والتحليل العقلي بحيث ميكننا اأن نستدل على ‏صحة اختيارنا لوطُ‏ لب منّا اإثبات ‏صحته،‏ اأو ل<br />

اأقل يكون الدليل ارتكازياً‏ ميكن اأن نعربّ‏ عنه بالطرق العرفيّة العقالئية.‏<br />

3


علل اخلطأ يف حتديد القدوة<br />

اإىل هنا تبني اأن مساألة القدوة ‏ضرورية وفطرية،اإل اأننا عندما نرجع اإىل الواقع الجتماعي،‏ جند اأن الكثري<br />

يخطئ يف اختيار القدوة ، وهذا اخلطاأ ينساأ من اأحد اأسباب ثالثة:‏<br />

‎1‎خطاأ 1. يف تشخيص مصداق الكمال<br />

‎2‎خطاأ 2. يف تشخيص القدوة الصاحلة<br />

‎3‎خطاأ 3. يف تشخيص حدود ما يجب اأن يُقتدى به من تلك القدوة<br />

يجب اأن منيز الكمال احلقيقي عن الوهمي،‏ من يعتقد اأن الكمال يف الرثوة والرفاهية فاإنه بالتاأكيد ‏سيقتدي<br />

بالأثرياء واأصحاب روؤوس الأموال واملرفهني ويفرّ‏ من التشبه بالفقراء اأو الذين اختاروا حياة البساطة على<br />

الرفاهية،‏ اإذن كثرياً‏ ما نقع يف اخلطاأ عند اختيار القدوة خلطاأ يف تشخيص مصداق الكمال املطلوب،‏ واأحياناً‏<br />

نقع يف اخلطاأ بسبب تشخيص املصداق الكامل اأو الصالح لالقتداء به مثالً‏ اإذا كنّا نعتقد اأن العلم هومصداق<br />

الكمال املطلوب فاإننا قد نشتبه يف حتديد من هوالعالمِ‏ ، ل يُعرف العلماء بسهولة يف اأي تخصص علمي حتى يف<br />

التخصصات البشرية فكيف احلال بالعلوم الدينية،‏ بل قد يتظاهر البعض بالأعلميّة ويخدع الناس ‏-سواء كان<br />

عن جهل بسيط اأو مركب-،‏ وقد نخطئ يف حتديد حدود التاأسي،‏ نعمّ‏ اإذا كانت القدوة معصومة فاإنها ‏صاحلة<br />

لالقتداء يف كل اأبعادها،‏ لكن اإذا ل تكن معصومة يجب علينا اأن نقتدي بها يف جمال تخصصها،‏ وكثرياً‏ ما نوسّ‏ ع<br />

دائرة القتداء لغري املعصوم مما يوؤدي اإىل خسائر عظيمة مادية ومعنوية،‏ اأشنع تلك اخلسائر هي ‏سدّ‏ طريق<br />

1<br />

الكمال عن النفس والنحراف عن املسار الكمايل املطلوب ويف هذا ظلم عظيم للنفس!‏<br />

هنا نتكلم عن املراأة القدوة،‏ من هي؟،‏ ول نريد اأن نتكلم عن منوذج املراأة يف الإسالم من جهة تنظريية بحتة<br />

واإمنا نريد اأن نبحث يف ‏سبك الإسالم حلياة املراأة وصناعته لشخصيتها،‏ ماذا يريد الإسالم من املراأة،‏ كيف<br />

تعيش املراأة الإسالم يف ظروفها املختلفة التي متر بها؟ ما هي القوالب واملراحل احلياتية التي جعلها اهلل يف هذا<br />

التكوين ويف املجتمع لكي تصنع من املراأة ‏شخصية اإسالمية يُقتدى بها؟<br />

منطق العبودية هو حمور الفهم الإسالمي لشخصية املراأة القدوة<br />

نريد اأن ننظر اإىل ‏شخصية املراأة ‏ضمن النظام الإسالمي العامّ‏ التكويني والتقنيني،‏ بالرتكيز على مقاصد<br />

هذا النظام،‏ ننظر اإىل الغاية وهي عبودية اهلل كمحور يف احلياة نبني عليه ونحدّ‏ د الأصول والثوابت التي ينبغي<br />

احلفاظ عليها لتتمحور كل الظواهر واملتغريات الجتماعية حول حمور العبوديّة.‏ لعلّه ميكن القول باأنّ‏ املنهجَ‏<br />

القراآينَّ‏ يف حتليلمِ‏ الظواهر الجتماعية هو حموريّة العبوديّة هلل،‏ القراآن ميُ‏ يّزُ‏ بني خطّ‏ ني وحمورين:‏ حمورية<br />

احلق وحمورية الباطل.‏<br />

اإذن اأساسُ‏ كلّ‏ التغريّ‏ ات الجتماعية يجب اأن تكون متوافقة مع عبودية اهلل وتعمّ‏ ق هذه العبودية يف حياة النسان<br />

ليكون هذا املجتمعُ‏ اإسالميًّا،‏ ولكي يتمحورَ‏ السلوكُ‏ الجتماعيُّ‏ حولَ‏ هذا الهدفمِ‏ الواحدمِ‏ فاإنّ‏ اأبعادَ‏ فكرمِ‏ النسانمِ‏<br />

لبدّ‏ اأن تتمحورَ‏ حولَ‏ منطقمِ‏ العبوديّة هلل.‏ من هنا فاحلديث عن كيف خطط لنا الإسالمُ‏ احلياة التي تكوّن<br />

4<br />

1- راجع:‏ حممد تقي مصباح اليزدي،‏ جامى از زلل كوثر.‏


‏شخصيّةَ‏ املراأةمِ‏ املسلمة،‏ وكيف يجبُ‏ اأن تتصرّ‏ فَ‏ يف واقعمِ‏ ها احلياتيّ‏ من خالل املحطّ‏ ات واملواقف التي جعلها<br />

لها اهلل ‏سبحانه وتعاىل،‏ مبقدار ما تعيش املراأة عبودية اهلل وتستسلم لالإرادة الإلهية يف حمطاتها احلياتية<br />

التي تتميز بها عن جنس الرجال،‏ فاإنها تصبح قدوة للنساء والرجال اأيضاً،‏ هذا ما اأطلقنا عليه عنوانَ‏ السبكمِ‏<br />

الإسالميّ‏ لشخصيّة املراأةمِ‏ القدوة.‏ اإذن انطالقتنا يف فهممِ‏ املراأةمِ‏ القدوةمِ‏ مبنتٍ‏ على عبوديّةمِ‏ املراأة هلل وحده<br />

وخضوعها واستسالمها لإرادة اهلل،‏ وسنحاولُ‏ تنظيمَ‏ املبادئمِ‏ الإسالميّةمِ‏ املتعلقةمِ‏ باملراأةمِ‏ التي حتفظ لها هذا<br />

املوقع التكويني،‏ ونشري اإىل بعض تلك املواقف املفصليّة التي تعيشها املراأة املوحّ‏ دة.‏<br />

الغرض من البحث<br />

1/ تقوية حسّ‏ الولية والطاعة عند املراأة<br />

<strong>عمل</strong>يةُ‏ تنظيممِ‏ الأفكارمِ‏ حولَ‏ حمورمِ‏ عبوديّةمِ‏ اهللمِ‏ وحده،‏ هو <strong>عمل</strong>ٌ‏ اختياريٌّ‏ واإراديٌّ‏ ، املعرفة ليست جمردَ‏ كشف،‏ بل<br />

اإنّ‏ النسانَ‏ عندما يدخلُ‏ عالَ‏ الفمِ‏ كرمِ‏ فاإنه ي<strong>عمل</strong>،‏ كيف يفهم؟ كيف يوؤثرُ‏ فهمُ‏ ه يف الواقع؟ هذه اأمور يثاب ويعاقب<br />

عليها النسانُ‏ ، فالفهمُ‏ <strong>عمل</strong>ٌ‏ ممكن اأن يكون موضوعاً‏ للعبادة واملعصية حاله حال بقيّة الأفعال.‏ مثالً‏ الفقيه يف<br />

مقام استنباط احلكم الشرعي،‏ نفس <strong>عمل</strong> الستنباط هو موضوع للعبادة،‏ <strong>عمل</strong>ه حجّ‏ ة بينه وبني اهلل ‏سواء كان<br />

موسصِ‏ لَ‏ فعلٍ‏ للواقع اأو ل،‏ هذا هو الفرق بني منطق الكشف ومنطق احلجية اأو العبودية . 2<br />

بالتايل نحن من خالل هذه الدراسة نريد اإمتام احلجية بيننا وبني اهلل يف التدين واأن نعيش حياةً‏ يرتضيها اهللُ‏<br />

‏سبحانه وتعاىل.‏ لنشعرَ‏ باأننا فعالً‏ حتت وليةمِ‏ اهللمِ‏ ورسولمِه واأهل بيته عليهم الصالة والسالم.‏<br />

ثمّ‏ اإنّ‏ العلمَ‏ يحصُ‏ لُ‏ عن طريقمِ‏ العبوديّةمِ‏ يف نفسمِ‏ الفهم،‏ واجلهل يحصُ‏ لُ‏ عن طريق الطغيان يف نفس الفهم كذلك،‏<br />

فاإذا تيقّنت املراأة اأنها يف الظروف الفالنية عليها اأن ت<strong>عمل</strong> هكذا بعنوانها عبداً‏ هلل،‏ فاإنها ‏ستتحرّ‏ كُ‏ وت<strong>عمل</strong>ُ‏ حتى<br />

واإن ل تكن راغبة يف نفس ال<strong>عمل</strong>،‏ هي ل تنظر اإىل ذات ال<strong>عمل</strong> بل تنظر اإىل مَ‏ ن اأمرَ‏ ها به وهو اهلل ‏سبحانه وتعاىل،‏<br />

واإن ل يكن واقعاً‏ هو مطلوب منها ذلك،‏ لكنّها متتثلُ‏ وتستجيب لأوامرمِ‏ اهلل فتستحق عليه الثواب.‏<br />

2/ اإعطاء معيار لتشخيص الضار والنافع من الثقافات املُستحدَ‏ ثة<br />

يف مساألةمِ‏ املراأةمِ‏ جندُ‏ اأنَّ‏ نفسَ‏ الفهممِ‏ غالباً‏ ما يكونُ‏ مشوّشً‏ ا وتدخلُ‏ فيه كثريا من العواملمِ‏ التي متثّلُ‏ حجب متنع<br />

الفكر من الإنطالق يف فهم حقيقيٍّ‏ لشخصيّةمِ‏ املراأةمِ‏ يف الإسالم وموقعيّتها الجتماعية وظيفتها وحقوقها...‏<br />

توصّ‏ لْنا اإىل اأنّ‏ <strong>عمل</strong>يّةَ‏ الفهممِ‏ اإراديّةٌ‏ ومبناها ولية اهلل واخلضوع له،‏ اإذا كان كذلك فاإنّ‏ املعارفَ‏ التجريبية اأيضاً‏<br />

تصبمِح قدسيّة وعبادة،‏ وذلك اإذا متحورت التجاربُ‏ حول عبوديّةمِ‏ اهللمِ‏ وسارت يف ‏سبيلمِ‏ تقويةمِ‏ وتوسعةمِ‏ التقوى<br />

الفكريّةمِ‏ والثقافيّةمِ‏ يف املجتمعمِ‏ بالتايل فاملعيارُ‏ يف تقييممِ‏ العلوممِ‏ التجريبيّةمِ‏ املتعلقةمِ‏ ببحثمِ‏ املراأةمِ‏ والتي تهدفُ‏ اإىل<br />

طرحمِ‏ مناذجَ‏ ومسارات تنتهمِ‏ جُ‏ ها املراأةُ‏ لسبكمِ‏ واقعمِ‏ ها،‏ هذه العلومُ‏ التي تُطرح عادةً‏ يف دورات تدريبيةٍ‏ وتثقيفيّةٍ‏<br />

متعلقة باملراأة خاصة املراأةُ‏ املقبلة على الزواج اأو املتزوجة،‏ نحن ل نرفضُ‏ هذه العلوم التجريبيّة مطلقاً‏ واإمنّ‏ ا<br />

نرفضها اإذا كانت عامالً‏ لطغيان املراأة،‏ ونقبلها وندعو اإليها اإذا كانت عامالً‏ على زيادةمِ‏ حسِّ‏ العبوديّةمِ‏ والتسليممِ‏<br />

هللمِ‏ عندَ‏ املراأةمِ‏ ، فاملعيارُ‏ هوالتقوى وعبوديّة اهلل.‏<br />

2- راجع:‏ حممد مهدي مري باقري،‏ النظام الفكري الشيعي.‏<br />

5


3/ القدرة على التمييز بني املراأة القدوة عن غريها<br />

منطقُ‏ احلجيّةمِ‏ يجعلنا نرى الواقعَ‏ واحدا لكن باأبعادٍ‏ خمتلفةٍ‏ يوؤثّرُ‏ بعضها يف البعض الآخر،‏ يعني اأن نوؤمن باأن كل<br />

فكرة اأو <strong>عمل</strong> نكتسبه فاإنه يوؤثر يف مقدار اإمياننا باهلل وعبوديتنا ‏{اإمِمنَّ‏ ‏َا املْ‏ ‏ُوؤْممِ‏ نُونَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اإمِذَ‏ ا ذُ‏ كمِ‏ رَ‏ اهللَّ‏ ُ وَجمِ‏ لَتْ‏ قُلُوبُهُ‏ مْ‏<br />

وَاإمِذَ‏ ا تُلمِيَتْ‏ عَ‏ لَيْهمِ‏ مْ‏ اآيَاتُهُ‏ زَ‏ ادَ‏ تْهُ‏ مْ‏ مِ‏ اإميَانًا}‏ 3 كما اأننا نوؤثر يف كل ما حولنا ‏)ظَ‏ هَ‏ رَ‏ الْفَ‏ ‏سَ‏ ادُ‏ يفمِ‏ الْربَ‏ ِّ وَالْبَحْ‏ رمِ‏ مبمِ‏ ‏َا كَ‏ ‏سَ‏ بَتْ‏<br />

اأَيْدمِ‏ ي النَّاسمِ‏ لمِيُذمِ‏ يقَ‏ هُ‏ م بَعْضَ‏ الَّذمِ‏ ي عَ‏ ممِ‏ لُوا لَعَلَّهُ‏ مْ‏ يَرْ‏ جمِ‏ عُونَ‏ ) 4 لذلك فمن اأجلمِ‏ تكاملمِ‏ املجتمعمِ‏ الإسالميِّ‏ والنساين<br />

بات من الضروريِّ‏ توفريُ‏ اآليات متييز ‏سبك احلياة الإسالمية وتشخيص من يسعى يف حتقيق مقاصد الشريعة<br />

يف حياته،‏ هذا هو من يستحق اأن نقتدي به يف اآليات تشخيصه وتكيّفه وتطبيقه لالإسالم يف حياته.‏<br />

متى يشعُرُ‏ الإنسانُ‏ باحلاجةمِ‏ اإىل التعرُّفمِ‏ على السبْكمِ‏ الإسالميِّ‏ لشخصيّةمِ‏ املراأةمِ‏ القدوةمِ‏ ؟ عندما يُدرمِ‏ كُ‏ ثقافةَ‏<br />

الإميان ويتاأمل يف ‏سريةمِ‏ النساءمِ‏ العظاممِ‏ على مرِّ‏ التاريخمِ‏ ويرى التعارضَ‏ بينها وبني ‏سريةمِ‏ وحياةمِ‏ بعض النساءمِ‏<br />

القدوةمِ‏ يف العصرمِ‏ احلاضرمِ‏ . اإذا كان التديّنُ‏ اإىل اأدنى مستوياته يف املجتمعمِ‏ واأصبحْ‏ نا نعيشُ‏ حياتَنا كما نشاءُ‏<br />

ونرغبُ‏ ثم نلجاأ هلل يف اأبعاد حياتية خاصة!!،‏ فاإنّنا لن نشعرَ‏ بضرورةمِ‏ البحثمِ‏ يف املراأة القدوة ‏-التي اأصبحت<br />

‏سبيكةً‏ اإسالميّة خالصة اأو يف طريقها اإىل ذلك-،‏ يربز فيها التقوى واخلوفُ‏ من اهلل ‏سبحانه وتعاىل،‏ ترابيّة<br />

الروح،‏ حتيي يف اأنفسمِ‏ نا الإميانُ‏ والقيمُ‏ الإلهيّة بكلِّ‏ اأبعادمِ‏ حياتمِها،‏ جتعلنا نتوجه اإىل حمطاتنا التي جعلها اهلل لنا<br />

لنتكامل ونسري يف طريق التوكل على اهلل وحده وعبودية اهلل.‏ هوؤلء النساء قلّة يف التاريخ ولكن لبدّ‏ من البحثمِ‏<br />

والسعيمِ‏ لإيجادمِ‏ هكذا ‏شخصيّة.‏ وكلّ‏ امراأة ميكنها اأن تكون قدوة،‏ وكل منّا ميُ‏ كمِ‏ نه اأن مييّزَ‏ املراأة القدوة من خاللمِ‏<br />

املعيارمِ‏ الذي اأكّ‏ دْ‏ نا عليه،‏ وهذه مساألة مهمّ‏ ة جداً‏ وحسّ‏ اسة يف تشخيسصِ‏ املراأةمِ‏ القدوةمِ‏ ، لأنها فيها كمالُ‏ النسانمِ‏ اأو<br />

‏سقوطُ‏ ه وخروجُ‏ ه عن وليةمِ‏ اهلل،‏ خاصة يف املجال الثقايف والتعليمي،‏ النسانُ‏ يف مقاممِ‏ الفهممِ‏ اإمّ‏ ا اأن يحكّ‏ مَ‏ مناسكَ‏<br />

عبادةمِ‏ اهللمِ‏ فيصبح فهمُ‏ ه نوراً‏ تتنوّرُ‏ به نفسُ‏ ه واإمّ‏ ا اأن يحكّ‏ مَ‏ اأهواءَ‏ نفسه ويتمحورَ‏ حولَ‏ الباطلمِ‏ فيصبح فهمُ‏ ه جهالةً‏<br />

وظلماتٍ‏ . اإنَّ‏ الفهمَ‏ قبل اأن يتصفَ‏ بالصدقمِ‏ والكذبمِ‏ فاإنّه يتصفُ‏ بالعبادةمِ‏ والطغيانمِ‏ ، من هنا ل ميكنُ‏ اأن ننطلقَ‏<br />

من ‏سبلمِ‏ طاغوتية حتيي يف اأنفسنا الطغيان لكي نكتشفَ‏ ونفهمَ‏ احلقَّ‏ بل لكلّ‏ من هذين املحورين ‏سبله اخلاصة.‏<br />

من هنا ‏سوف ندرسُ‏ املبادئَ‏ الأساسيّة للمراأةمِ‏ القدوةمِ‏ التي حتُ‏ يي يف املجتمعمِ‏ منطقُ‏ حقّ‏ العبوديّة هلل.‏<br />

دور الأسرةِ‏ يف اإحياءِ‏ منطقِ‏ حقِّ‏ العبوديّةِ‏ هلل<br />

تعتربُ‏ الأسرةُ‏ هي املنطلق الجتماعي الأو ل يف النظاممِ‏ الإسالميِّ‏ ، كما اأنّ‏ النسانَ‏ مفطورٌ‏ على امليلمِ‏ لالأسرةمِ‏ ، اأي<br />

اأنّ‏ لبناءمِ‏ الأسرةمِ‏ اأصول يف تكوينمِ‏ املراأةمِ‏ والرجلمِ‏ ، لذلك لبدّ‏ من توضيح مِموقعيّتها–‏ اأي الأسرة-‏ يف التكوينمِ‏ مع<br />

دللتمِها ونتائجها،‏ حيث متثلُ‏ تلك النتائجُ‏ هويّةَ‏ كال اجلنسني.‏<br />

ملاذا ننطلِقُ‏ من الأسرةِ‏ وليس من املجتمعِ‏ ؟<br />

اإنّ‏ ‏ساحةَ‏ الوجودمِ‏ واسعةٌ‏ بحيثُ‏ ل ميثلُ‏ العالَ‏ املاديَّ‏ اإل اأدنى املراتب واأقلها قدراً،‏ كما اأنّ‏ كلَّ‏ هذه املوجوداتمِ‏<br />

خملوقةٌ‏ خلالقٍ‏ واحدٍ‏ بالتايل فاإنّ‏ لها عالقاتٍ‏ وترابطً‏ ا ونظمً‏ ا خاصّ‏ ا اأي اأنّ‏ هذا الوجودَ‏ الواسعَ‏ خُ‏ لق منظّ‏ ماً‏<br />

مدّ‏ براً‏ ول يوجد اأي انفكاك بني خلق اهلل وتدبريه بل هي حقيقة واحدة.‏ وكل ما ‏سواها ظلمات وجهالة . 5 تعترب<br />

3- الأنفال/‏‎2‎‏.‏<br />

-4 الروم/‏ .41<br />

5- راجع:‏ حممد تفي ‏سبحاين،‏ ‏شخصية املراأة دراسة يف النموذج احلضاري الإسالمي.‏<br />

6


الأسرة انطالقة النظم الجتماعي التوحيدي،‏ لذلك لهذا البناء قدسيّة خاصة كما اأنه يتميز عن غريه من<br />

مراكز الرتبية والتعليم بالتايل:‏<br />

اأو لً:‏ الرتبية اجلامعة تتمُّ‏ يف الأسرةمِ‏ ، املراد بالرتبية اجلامعة:‏<br />

‎1‎الهداية 1. والتنبيه والرقابة<br />

‎2‎احلماية 2.<br />

‎3‎التنمية 3. الشاملة لكلّ‏ الأبعاد<br />

حيث يعرف الوالدان اأبناءَ‏ هما جيداً‏ اأمّ‏ ا الرتبية الإجتماعيّة املهنيّة كرتبية الأستاذمِ‏ لطالّبه،‏ جندُ‏ الأستاذَ‏ يف كثريٍ‏<br />

من الأحيانمِ‏ يساوي بني الطالبمِ‏ ، ليعرفُ‏ خصوصيّاتمِهم بدقةٍ‏ لأنه ل يُشرمِ‏ فُ‏ على ‏سلوكمِ‏ هم يف كلِّ‏ حالتمِهم كما هو<br />

احلالُ‏ يف الأسرةمِ‏ .<br />

ثانياً:‏ الرتبية الأسريّة تتمحورُ‏ حولَ‏ العاطفةمِ‏ والأخالقمِ‏ بالتايل يعيشُ‏ الإنسانُ‏ كرمياً‏ ‏)من كرمت عليه نفسه<br />

هانت عليه خطيئاته(،‏ احتياجات النسان على املستوى العاطفي والأخالقي ل ميكن اإشباعه خارج الأسرة كما<br />

‏سياأتي.‏<br />

ثالثاً:‏ الرتبية الأسرية تشملُ‏ كلَّ‏ اأبعادمِ‏ الإنسانمِ‏ ، واأهمّ‏ قوى التنمية واحلضارة هي القوى الإنسانية ، 6 القوى<br />

الإنسانيّة املعتدلة ل يتمُّ‏ تاأمينُها اإل من خاللمِ‏ الأسرةمِ‏ ، الأسرةُ‏ تغرسُ‏ القيمَ‏ يف قلبمِ‏ ابنها باملحبّة ، الوالدين اأكرثُ‏<br />

حساسية من غريهما فيما يتعلقُ‏ بانتقالمِ‏ القيممِ‏ لالأبناء.‏ ول ميكنُ‏ لأحدٍ‏ خارج الأسرةمِ‏ اأن يعوّضَ‏ الإنسانُ‏ عن<br />

هذه الإحتياجات الأساسيّة.‏ اإذن الأسرة هي احلاضنة التي نريدُ‏ من خاللمِها ‏سبك ‏شخصيّة املراأةمِ‏ يف اأبعادمِ‏ ها<br />

املختلفة،‏ اأي املراأةُ‏ وهي بنت،‏ وهي زوجة،‏ وهي اأمّ‏ ، وهي معلّمة...‏<br />

6- حممد داودي،‏ خانه بهشتي.‏<br />

7


قوام الأسرة<br />

توجد نظريتان يف قوام الأسرة:‏<br />

النظرية الأو ىل:‏ قوام الأسرة بعقد املشاركة:‏ اأنّ‏ الأسرةَ‏ مركزٌ‏ اجتماعيٌّ‏ مثل بقيّةمِ‏ املراكز والشركات يتكوّنُ‏<br />

من خاللمِ‏ عقدمِ‏ الشركةمِ‏ واملتمثل يف عقدمِ‏ النكاحمِ‏ ، وهذه النظريّة هي الشائعة عند الغربمِ‏ وبعض املتاأثرين بهم من<br />

املفكّ‏ رين املسلمني.‏<br />

النظرية الثانية:‏ قوام الأسرة ‏ُفطري:‏ اأنّ‏ الأسرةَ‏ تتشكّ‏ لُ‏ بعقدمِ‏ نكاح ولكنّه ليس عقداً‏ اعتبارياً‏ مثل بقيّةمِ‏ العقودمِ‏<br />

واإمنا له منساأ فطريّ‏ ‏)جعل بينكم مودة ورحمة(‏ اجلعلُ‏ هنا يشريُ‏ اإىل البعدمِ‏ التكوينيّ‏ الفطريّ‏ ، وهذا ما ينقله<br />

السيدُ‏ العالمة الطباطبائي والشهيد املطهري.‏ اإذن لالأسرةمِ‏ منساأ فطريّا فاإنّ‏ تكاملَ‏ الإنسانمِ‏ متوقفً‏ ا يف بعسضِ‏<br />

مراحله واأبعادمِ‏ ه على الأسرةمِ‏ وبالتايل ل ميكنُ‏ الإستغناءُ‏ عنها مطلقاً.اإذن الأسرةُ‏ ليس الهدفُ‏ منها جمرّ‏ دَ‏ تكثريمِ‏<br />

النسلمِ‏ اأو احلفاظمِ‏ على النوعمِ‏ البشريّ‏ واإمنا لالأسرةمِ‏ دورٌ‏ يف تكاملمِ‏ الإنسانمِ‏ الروحي بالتايل فاإنه ل ميكن قبولُ‏<br />

كالممِ‏ من يقولُ‏ باإمكانيّةمِ‏ الوصولمِ‏ اإىل طريقٍ‏ لتكثريمِ‏ النسلمِ‏ من خاللمِ‏ التطوّرمِ‏ العلميِّ‏ مما يغنينا عن تكوينمِ‏ الأسرةمِ‏ . 7<br />

بالإضافة اإىل اأنّ‏ اأصلَ‏ تكوينمِها فطريّ‏ ، فاإنّ‏ تركيبتَها فطريّةٌ‏ اأيضاً‏ ‏)الرجال قوّامون على النساء(،‏ مبعنى اأنّ‏<br />

املراأةَ‏ متيلُ‏ لالإعتمادمِ‏ على قوّةمِ‏ الرجلمِ‏ والرجلمِ‏ مييلُ‏ لإدارةمِ‏ الأسرةمِ‏ ، وعندما ل جتدُ‏ يف زوجمِ‏ ها قوّةَ‏ الإدارةمِ‏ والتدبريمِ‏<br />

فاإنّها تسيءُ‏ اخللقَ‏ والتعاملَ‏ معه اأو ل اأقلّ‏ تشعرُ‏ بالنكسارمِ‏ والرغبة يف اإشباعمِ‏ هذه احلاجةمِ‏ ، كما تشعرُ‏ بانهيارمِ‏<br />

بعضُ‏ اأبعادمِ‏ الأسرةمِ‏ بسبب هذا النقسصِ‏ فيكونُ‏ اأمامُ‏ ها طريقان اإمّ‏ ا اللجوء اإىل اخلارجمِ‏ لتاأمنيمِ‏ هذا النقسصِ‏ فتلجاأ<br />

اإىل اأستاذٍ‏ تثقُ‏ به ليُعينَها يف حتديدمِ‏ اإدارةمِ‏ البيتمِ‏ وهذه اأخطرُ‏ مشكلة تقعُ‏ فيها املراأةُ‏ لأنّ‏ هذا الطريقَ‏ يعني انهيارُ‏<br />

روحمِ‏ الأسرة!!‏ وهوالشائعُ‏ لأنّه الأسهلُ‏ لكنّه يقتلُ‏ الأسرةُ‏ وليس حالً‏ واقعياً،‏ الطريقُ‏ الآخرُ‏ هواأن تنطلقَ‏ املراأةُ‏ من<br />

الإميانمِ‏ باأنَّ‏ الرجلَ‏ مفطورٌ‏ على حبِّ‏ اإدارةمِ‏ الأسرةمِ‏ كما اأنّها مفطورةٌ‏ على الأمومةمِ‏ ، هذه اأمورٌ‏ فطريّة يجبُ‏ اأن<br />

تربزَ‏ من كال الطرفني،‏ ويجب اأن يساعدُ‏ كالالطرفني الآخر يف اإبرازمِ‏ ها وهذا هو احللُّ‏ الذي يحفظ ويقوّي كيانُ‏<br />

الأسرةمِ‏ ، اإنّ‏ الرتكيبة الأسريّة يف الإسالم مِمتقوّمة على قواميّةمِ‏ الرجلمِ‏ وتدبريمِ‏ ه ووليته،‏ هذا ميُ‏ ثّلُ‏ العمودَ‏ الفقريّ‏<br />

الذي يحفظُ‏ ويقوّمُ‏ الأسرة،‏ كما يقوّمُ‏ ‏شخصيّة املراأةمِ‏ التي تعيش يف هذه الأسرةمِ‏ ‏سواء كانت بنت اأو زوجة اأو اأخت،‏<br />

ثمّ‏ املراأة الأمّ‏ هي التي متثلُ‏ واسطة بنيَ‏ الأبمِ‏ والأبناءمِ‏ فهي اخليطُ‏ الذي يربطُ‏ كلّ‏ احللقاتمِ‏ ببعسضِ‏ ها البعض وهذه<br />

هي الأمومة املطلوبة اأن توؤمّ‏ وحتوي وتقوّي الروابط والعالقات داخل الأسرة،‏ هذا الربطُ‏ يكونُ‏ عمودياً‏ يعني الأب<br />

ثم الأم ثم الأبناء،‏ هذا هوالبناءُ‏ الإسالميُّ‏ لالأسرةمِ‏ ، اإنّه بناءٌ‏ عموديٌّ‏ .<br />

8<br />

7- راجع:‏ جوادي اآملي،‏ املراأة يف مراآة اجلالل واجلمال؛ حممد رضا زيبائي جناد واآخرون،‏ املراأة هويتها اجلنسية واأدوارها الجتماعية.‏


قوام الأسرة وشخصية املراأة<br />

هناك حربٌ‏ لتحويلمِ‏ بناءمِ‏ الأسرةمِ‏ من ‏شكلمِه العموديّ‏ اإىل ‏شكلٍ‏ اأفقيّ‏ ، مثال تيّارُالفمنيسم يطالبُ‏ بتساوي وظائف<br />

اجلنسني لذلك يقولُ‏ : يجبُ‏ اأن نضعَ‏ منوذجاً‏ لالأسرةمِ‏ ل يوجد فيه هذا البناء العمودي بل يجبُ‏ اأن يقسّ‏ مَ‏ التدبريُ‏<br />

بني املراأةمِ‏ والرجلمِ‏ والأبناءمِ‏ يتبعونهما،‏ وبهذا ميكن اأن نقومَ‏ بتغيريمِ‏ نظاممِ‏ الوظائفمِ‏ واملناصبمِ‏ لكال اجلنسني.‏<br />

ثمّ‏ ظهرَ‏ تيّارٌ‏ اآخر هو الأسرةُ‏ الدميقراطية،‏ اليومُ‏ الأسرةُ‏ الدميقراطيّة هي املنتشرة وهي الأخطرُ‏ حيثُ‏ يدعو هذا<br />

التيار اإىل البناءمِ‏ الأفقيِّ‏ يف الأسرةمِ‏ ، فال يوجدُ‏ اأيّ‏ اإدارةٍ‏ اأو اقتدارٍ‏ لأحدمِ‏ الأطرافمِ‏ على الآخر،‏ وليجبُ‏ اأن يوجّ‏ ه<br />

الأب اأوامر ونواهي لالأم ول لالأبناء بل يقتصرُ‏ دورُه على حمايةمِ‏ الأبناءمِ‏ والتشاورمِ‏ معهم،‏ حتى اإذا راآهم يقومون<br />

باملنكرمِ‏ ل ينهاهم بل يُقدِّ‏ مُ‏ النصيحة فقط.‏ انطوين ديكنز عال اجتماع يقول:‏ اإذا اأردمت حتقيق الدميقراطيّة<br />

يجب اأن تبدوؤوا من الأسرةمِ‏ ، عندما تصبحُ‏ الأسرةُ‏ اأفقيّة ‏ستتحقق الدميقراطيّة يف املجتمعمِ‏ ، ولن يقبلوا باأيِّ‏ نوعٍ‏<br />

من اأنواعمِ‏ الولية اأصالً.‏<br />

تاأتي اأبحاث اأخرى توؤكّ‏ د على اأن املراأة التي متثل واسطة العقد الأسري هي التي باإمكانها حتويل الأسرة العمودية<br />

اإىل دميقراطية،‏ اإذن املراأة مستهدفة ليُضرب من خاللها معقل الإسالم الجتماعي الذي منه تنطلق حركة<br />

الإسالم التكاملية وهو بناء الأسرة.‏<br />

نحن نقول اأنّ‏ هذا البناءَ‏ له اأصولٌ‏ فطريّة والتحوّلُ‏ فيه هو انحراف ويوؤدي اإىل الضالل وفيه قطع ملا اأمرَ‏ اهللُ‏<br />

بوصْ‏ لمِه ‏{الَّذمِ‏ ين ‏َيَنقُ‏ ‏ضُ‏ ونَ‏ عَ‏ هْ‏ دَ‏ اهللَّ‏ مِ‏ ممِ‏ ن بَعْدمِ‏ ممِ‏ يثَاقمِ‏ همِ‏ وَيَقْ‏ طَ‏ عُونَ‏ مَ‏ ا اأَمَ‏ رَ‏ اهللَّ‏ ُ بمِهمِ‏ اأَن يُوصَ‏ لَ‏ وَيُفْ‏ ‏سمِ‏ دُ‏ ونَ‏ يفمِ‏ الأَرْسضِ‏ ُ اأولَئمِكَ‏<br />

هُ‏ مُ‏ اخلْ‏ َ اسمِ‏ رُ‏ ونَ‏ { 8 . نعم نحن نقبلُ‏ بالتحوّلتمِ‏ الأسريّةمِ‏ ولكن يجبُ‏ اأن نهدي هذا التحوّلَ‏ بحيث ل يضرّ‏ باأصولمِها<br />

الفطريّة.‏ يجبُ‏ علينا احلفاظ على بناء الأسرةمِ‏ العموديِّ‏ . هذا يعني القبول مبوقعيِّة كلِّ‏ فردٍ‏ فيها يعني حتليلُ‏<br />

‏شخصيّةمِ‏ املراأةمِ‏ مبا يتناسبُ‏ مع وضعمِ‏ ها الكائن حتت قيومية الرجلمِ‏ ووليته على اأبنائه،‏ وبناءً‏ على ذلك يجب<br />

اأن نفهمَ‏ الوظائفَ‏ الجتماعيّةَ‏ للجنسني واأن نضعَ‏ نظاماً‏ تربوياً‏ وتعليمياً‏ وحقوقياً‏ ينسجم مع ‏شخصيّةمِ‏ كلٍّ‏ من<br />

اجلنسني ويساعدُ‏ هما على اأداءمِ‏ وظائمِفمِ‏ هما ومسوؤولياتمِهما،‏ وبناءً‏ على هذا السياقمِ‏ يجبُ‏ اأن نحدَّ‏ ‏سبكَ‏ حياةمِ‏ املراأةمِ‏<br />

القدوةمِ‏ ، واإل ينفتحُ‏ لنا بابَ‏ الإنحرافمِ‏ ، النحرافُ‏ عن عبوديّة اهلل،‏ الإنحرافُ‏ عن التكوين،‏ من هنا ندركُ‏ كالمَ‏<br />

بعسضِ‏ املفكرين يف الغرب:‏ اإذا اأردمت القضاء على الدين عليكم بتضعيفمِ‏ قيوميّةمِ‏ الرجلمِ‏ يف الأسرة،‏ ملاذا لأنّ‏ هذه<br />

النظرةَ‏ العموديّة يف الأسرةمِ‏ تربي الإنسان على الولية والتويل والتسليم واخلضوع،‏ فاإذا متّ‏ ‏ضربُ‏ احلاضنةمِ‏<br />

الأساسية للولية فاإنه ‏سيكون من السهل حذفُ‏ وليةمِ‏ اهلل.‏<br />

عندما ننطلقُ‏ من منطقمِ‏ حقِّ‏ العبوديّةمِ‏ هلل،‏ هنا لنريدُ‏ اأن نكتشفَ‏ هويّةَ‏ املراأةمِ‏ يف الإسالم مِعلى نحوالتنظري والتصور<br />

فقط بل نريدُ‏ اأن نسلّمَ‏ بحقّ‏ اهللمِ،‏ ونقرّ‏ باأنّ‏ ما نكشفه–ما نفهمه-‏ من واقع املراأة وهويتها هو منجِّ‏ ز ومعذِّ‏ ر وحجة<br />

عليها.‏ كما هواحلالُ‏ بالنسبة ملا يكشفه الرجلُ‏ من هويته الواقعية،‏ يصبح كلٌّ‏ منهما مسوؤولً‏ اأمامَ‏ اهلل للحفاظ<br />

على هذا املوقع التكويني واأداء املسوؤوليات املنسجمة معه وسبْك احلياة بالطريقة التي تتالءم معه،‏ هذا هو معنى<br />

التمدن اأو احلضارة،‏ اأي التمكّ‏ ن من تطويع النفس بحيث تنساق مع الإرادة الإلهية ‏{الذين اإن مكنّاهم يف الأرض<br />

اأقاموا الصالة...}‏ مكناهم ، يف التمكّ‏ ن من تطويع النفس اأو لً‏ تنتظمُ‏ حياةُ‏ النسانمِ‏ على هذه الأرسضِ‏ وينطلقُ‏<br />

هذا النظامُ‏ الإسالميُّ‏ من اأعماقمِ‏ ه،‏ من فطرتمِه وكلّ‏ وجودمِ‏ ه،‏ ويف هذا التمكن يكمن التمدن واحلضارة.‏<br />

9<br />

-8 البقرة:‏ .27


عالقة املراأة والرجل يف الأسرة<br />

هناك عالقة طرفينيّة بني اجلنسني كلّ‏ منهما يكمّ‏ لُ‏ الآخر وكلّ‏ منهما مييلُ‏ بالفطرة لالإهتماممِ‏ بالآخر وهذا هو<br />

الذي يُحققُ‏ الأسرة،‏ هذا املنساأ التكويني اأعمق من حسِّ‏ الإستخدام الإجتماعي،‏ وهو حسّ‏ اإعطاء الآخر.‏ كل<br />

من الزوجني يرغب يف بذل حمبّته وتكامل الآخر،‏ ‏{وَجَ‏ عَلَ‏ بَيْنَكُ‏ مْ‏ مَ‏ وَدَّةً‏ وَرَحْ‏ مَ‏ ةً}.‏ قد يقولُ‏ قائلٌ‏ اأنّ‏ الرجلَ‏ ظلمَ‏<br />

املراأة طوال التاريخ فكيف ميكن اأن نوفّق بني هذا الظلم التاريخي الذي حلّ‏ باملراأة وتلك العالقة الفطرية بني<br />

اجلنسني،‏ الشهيد مرتضى مطهري يقول اأنّ‏ الرجال يحبون نساءهم واأسرهم طوال التاريخ لكن منساأ ‏سوء<br />

التعامل مع النساء هو اجلهالة،‏ واحللّ‏ يكمن يف اإصالح ثقايف عند الرجال وتوعية النساء مبوقعية الرجال يف<br />

املجتمع،‏ واأنّ‏ هذه املوقعية فطريّة،‏ اأي ل جمالَ‏ اإىل تصحيحمِ‏ الواقعمِ‏ اإل بالعودة اإىل هذه الفطرة وتطهريها من<br />

الشوائب التي حلّت بها.‏<br />

الأصول العامّ‏ ة لشخصية املراأة القدوة<br />

يف دراسةمِ‏ ‏شخصيّةمِ‏ املراأةمِ‏ يف الإسالممِ‏ علينا اأن نهتمّ‏ بالتعرّ‏ فمِ‏ على الأصولمِ‏ العامّ‏ ةمِ‏ التكوينية التي تكوّنُ‏ ‏شخصيّة<br />

املراأة،‏ وميكننا حتديدَ‏ النموذج العامّ‏ للمراأةمِ‏ القدوةمِ‏ من خاللمِ‏ دراسةمِ‏ عالقة هذه الأصول ومدى التفاعل القائم<br />

بينها يف اإطار النظام الإسالمي املتناسق.‏<br />

ل يخفى اشرتاك الرجل واملراأة يف الغاية من اخللق،‏ ومبا اأنّ‏ هناك متايز ل ميكن اإنكاره بينهما على مستوى<br />

التكوين،‏ هذا يعني اأنّ‏ لكلٍّ‏ منهما طريقٌ‏ خاصٌّ‏ للوصولمِ‏ اإىل الغاية،‏ وقد جعل اهلل لكلٍّ‏ منهما ميول واستعدادات<br />

وحقوق واأدوار تعينهما للوصول اإىل الغاية.‏ فالإشرتاكُ‏ يف الغايةمِ‏ مع التمايزمِ‏ يف التكوينمِ‏ يجعلُ‏ لكلٍّ‏ منهما مسلكاً‏<br />

خاصاً،‏ ينبغي الإلتفاتُ‏ اإليه وتنظيم احلياة على اأساسه.‏<br />

1/ متايز املراأة عن الرجل يف التكوين<br />

هناك دراسات تتعلق بالتمايز يف اأصلمِ‏ اخللق،‏ هل املراأة ‏–حواء-‏ خملوقة من ‏ضلعمِ‏ اآدم اأو من طينةمِ‏ اآدم اأو اأنها<br />

خلقت مستقلة عن اآدم عليه السالم؟ هنا لن نشري اإليها لأنه ل ثمرة من هذا البحث.‏ نعم ما يهمّ‏ نا هوالكالم يف<br />

التمايز التكويني الروحي بني اجلنسني.‏<br />

التمايز يف الروح<br />

اآية اهلل الشيخ جوادي اآملي يف بداية كتاب املراأة يف مراآة اجلمال واجلالل يقولُ‏ اأنّ‏ انسانيّة الإنسانمِ‏ بروحمِ‏ ه<br />

والروح ليست جنسيّة اإذن كلّ‏ متايز جندُ‏ ه بنيَ‏ اجلنسني فاإنه يتعلقُ‏ باجلسد لأنّ‏ جنسيّة خصوصياتمِ‏ الروحمِ‏ ‏سالبة<br />

بانتفاء املوضوع.‏<br />

هذا موردُ‏ خالف عند العلماء،‏ فاإنَّ‏ من يقولُ‏ باحلركةمِ‏ اجلوهريّة يقول باأنّ‏ الروحَ‏ ماديّة احلدوثمِ‏ يعني اأنّها كانت<br />

جسماً‏ ثمّ‏ حتوّلت اإىل اأن جترّ‏ دتْ‏ ، فاإذا كانت املاديّة ‏)اجلسم(‏ جنسيّة من املمكنمِ‏ اأن يوؤدّي ذلك اإىل التمايزمِ‏<br />

الروحيِّ‏ بني اجلنسني،‏ هذا ما يذكره اآية اهللمِ‏ الشيخ حممد تقي مصباح اليزدي حيث يقولُ‏ اأنّ‏ املجرّ‏ دات على<br />

10


نوعني:‏ تامّ‏ ة وناقصة،‏ الرّ‏ وح جمرّ‏ د ناقص لأنها نتاجُ‏ احلركةمِ‏ اجلوهرية للمادّة بالتايل يُحتملُ‏ اأن تصلَها بعضُ‏<br />

التمايزاتمِ‏ املاديّةمِ‏ ، يعني اأنّه ليوجدُ‏ مانعٌ‏ عقليٌّ‏ من ذلك.‏ بل قال بعضُ‏ العلماءمِ‏ اأنّ‏ من يوؤمنُ‏ باحلركةمِ‏ اجلوهريّةمِ‏<br />

يجبُ‏ اأن يقولَ‏ بجنسيّةمِ‏ الروحمِ‏ . 9<br />

التمايز يف الصفات النفسية التكوينية<br />

الصفات اإمّ‏ ا اأن تكونَ‏ جسميّة اأو نفسيّة والصفات اجلسميّة اإما اأن ترتبطَ‏ ببيولوجية اأعضاء البدن اأو<br />

بالفسيولوجية اأي تاأثري <strong>عمل</strong> الأعضاء على النفس،‏ اأما الصفات النفسية التي هي مورد البحث هنا فاإنها تتعلق<br />

بالبعد املعريف للنفس اأو بالبعد العاطفي اأو السلوكي،‏ اإذا قبلنا بالتمايز الروحي بني املراأة والرجل فاإنه ينبغي<br />

التسليم بالتمايز يف الصفات النفسية املرتبطة بالأبعاد الثالثة،‏ واإذا ل نقبل بالتمايز الروحي فاإننا عندما<br />

نتاأمل يف جمموع الرواياتُ‏ والتجربة جندها توؤيدُ‏ التمايزُ‏ بني اجلنسني يف هذه الأبعاد،‏ مثال قدرةُ‏ الرجلمِ‏ على<br />

املحاسباتمِ‏ الرياضية اأقوى من املراأة،‏ يف حني اأنّ‏ حمِ‏ ‏سَّ‏ الإحساس بالآخر عند املراأة اأشدُّ‏ من الرجل،‏ اأيضا على<br />

مستوى السلوكمِ‏ جندُ‏ يف الرجالمِ‏ خشونةً‏ على عكس السلوكيّاتمِ‏ الصادرةمِ‏ من املراأة مثال الغرية يف الرجالمِ‏ لها<br />

منساأ فطري كما يقول العالمة الطباطبائي 10 على خالفه يف النساء اأمّ‏ ا احلياءُ‏ فهواأشد عند النساء بكثري منه يف<br />

الرجال وهكذا...،‏ كذلك على مستوى العاطفة فاملراأة اأشدُّ‏ رحمة من الرجلمِ‏ ولذلك يعربّ‏ ُ القراآنُ‏ ‏)لتسكنوا اإليها(‏<br />

بالرغم من اأنَّ‏ كال اجلنسني ‏سكنٌ‏ لالآخر كما تشريُ‏ بعضُ‏ الروايات لكن لشدّ‏ ةمِ‏ هذه اخلصوصيّة يف املراأة ينسبها<br />

القراآن اإليها،‏ السكن ‏صفة تكوينية وهبها اهلل للمراأة،‏ اإنّ‏ متايزَ‏ املراأةمِ‏ عن الرجلمِ‏ على مستوى السلوكمِ‏ والعاطفةمِ‏<br />

واضح اأمّ‏ ا متايزهما العقليّ‏ واملعريف،‏ هذا يحتاج اإىل بحث.‏<br />

بحث يف رواية ‏)النساء نواقص العقول(‏<br />

للعلماء اأبحاث كثرية تتعلقُ‏ بهذه الرواية،‏ ومن الآراء املذكورة يف مفادِ‏ ها:‏<br />

‎1‎اأنّ‏ 1. الرواية يرادُ‏ منها ‏شخصٌ‏ خاصّ‏ وليست عامة.‏<br />

‎2‎اأنّ‏ 2. الرواية ‏ضعيفة السندمِ‏ والأبحاث الإعتقادية املتعلقة بالروؤية الكونية نحتاج فيها اإىل الطمئنان،‏ فال<br />

ميكنُ‏ العتمادُ‏ فيها على رواياتٍ‏ ‏ضعيفةٍ‏ ‏)العالمة الطباطبائي(،‏ اإل اأنّ‏ العالّمة يقولُ‏ باأنّ‏ الستعدادَ‏<br />

العقليَّ‏ للرجلمِ‏ تكويناً‏ اأشدّ‏ والستعدادَ‏ العاطفي للمراأة تكويناً‏ اأقوى ولكل منهما وظيفته.‏<br />

‎3‎ل 3. يثبت لنا اأنَّ‏ الستعدادَ‏ العقليَّ‏ عند املراأة اأقلّ‏ ، نعم ثبت لنا اأنّ‏ خصوصيّاتمِها العاطفية اأقوى،‏ فاإذا<br />

افرتضنا اأنّ‏ استعدادَ‏ ها العقليَّ‏ يساوي الرجل لكن مبا اأنّ‏ عاطفتَها اأشدّ‏ فاإنها ‏ستغلبه يف ال<strong>عمل</strong> وتضعّفه.‏<br />

( اآية اهلل مصباح(‏<br />

لدينا كثري من الروايات مفادها نقص عقل املراأة،‏ لعله 10 روايات ‏صريحة واأخرى نفهم هذا املعنى من خالل<br />

مداليلهاالإلتزامية،‏ بالتايل فاإنَّ‏ جمموعَ‏ هذه الروايات يولّد الإطمئنان.‏ نعم الحتمال الذي يطرحه العالمة<br />

اأقرب للروايات من اأن الستعداد العقلي عند الرجل اأشد من املراأة.‏<br />

9- راجع:‏ هادي ‏صادقي،‏ حيث جمع مقالت عدّ‏ ة من العلماء يف كتاب ‏)جنسيت ونفس(.‏<br />

10- راجع:‏ العالمة الطباطبائي،‏ املراأة يف القراآن.‏<br />

11


املقصود بالعقل؟<br />

اأحيانا يطلقُ‏ ‏)العقل(‏ ويراد به حقيقةُ‏ العقلمِ‏ اأو التعقل اأي <strong>عمل</strong>ُ‏ العقل،‏ قيل هنا يرادُ‏ به حقيقة العقلمِ‏ ثمّ‏ اختلفَ‏<br />

الفالسفة والأصوليون يف حقيقةمِ‏ العقلمِ‏ فقالَ‏ الفالسفة اأنّ‏ للعقل ثالثَ‏ وظائفَ‏ : نظري ‏)مايصل للنتائج من خالل<br />

املقدّ‏ مات(‏ و<strong>عمل</strong>ي ‏)هو املدرك حلسن ال<strong>عمل</strong> اأو قبحه اأو املوصي باحلسن والقبح ‏-على خالف يف تفسريه-(،‏<br />

واأداتي ‏)يرشدنا اإىل مراحل احلركة التي من خاللها نصل للهدف(.‏ وقال اأغلبُ‏ الأصوليني منهم اآية اهلل<br />

جوادي 11 ‏–خالفهم السيد الشهيد حممد باقر الصدر-‏ اأنّ‏ العقلَ‏ مشرتكٌ‏ لفظيٌّ‏ ولالنسان ثالثة استعدادات<br />

خمتلفة،‏ ل يوجد بينها وحدة واقعيّة.‏ لذلك اختلف العلماءُ‏ اأيضاً‏ يف املرادمِ‏ من العقل يف الروايات،‏ فاإذا كان هناك<br />

نقص،‏ يف اأي عقلٍ‏ هو؟<br />

اآية اهلل مصباح اليزدي يقولُ‏ اأنّ‏ التاأثريَ‏ يقعُ‏ يف كلّ‏ وظائفمِ‏ العقل،‏ اإل اأنّ‏ اآية اهلل جوادي يقول اأنّ‏ التاأثريَ‏ يقعُ‏<br />

يف العقلمِ‏ الأداتيّ‏ ، وقال اآخرون يف العقل النظري وقال اآخرون يف العقل ال<strong>عمل</strong>ي،‏ كل هذا الكالم ماهواأثره؟ هل<br />

الختالف يف حتديد املراد من العقل ومدى تاأثره له اأهمية يف حتديد متايز املراأة عن الرجل يف الصفات التكوينية<br />

اأم ل؟،‏ هذا يحتاج منّا اإىل النظر يف الغاية التي من اأجلها مت اخللق،‏ اإنّ‏ هذا التمايزَ‏ التكوينيَّ‏ هواملبداأ الذي<br />

يحقق لنا الوصول اإىل الغاية وهواأساس نظرية املكمّ‏ ليّةالطرفينية بني اجلنسني.‏ كما اأنّ‏ هذا التمايزَ‏ التكوينيّ‏<br />

يوؤثرُ‏ على الوظيفةمِ‏ الجتماعيةمِ‏ املتوقعة من كال اجلنسني وعلى نظاممِ‏ الرتبيةمِ‏ والتعليممِ‏ للمراأة والرجل،‏ حيث ينبغي<br />

اأن ترتبّى املراأةُ‏ على ما يتناسبُ‏ مع ‏صفاتمِها املميّزة لها واأن تتعلمَ‏ ما يحفظُ‏ تلك الصفات واأيضاً‏ تتعلم الصفات<br />

املميزة للرجل وكذلك احلال بالنسبة لنظام الرتبية والتعليم عند الرجال.‏ هكذا تعتدلُ‏ الأسرة وبالتايل يعتدل<br />

املزاج الروحي عند اجلنسني وعن طريق حفظ التوازن التكويني يصل كال اجلنسني اإىل الغاية من اخللق.‏<br />

هل ميكن اأن يكون املراد من العقل يف الروايات:‏ العقل الجتماعي؟<br />

ذكر البعضُ‏ اأن هذه الروايات تشري اإىل نقص عقل املراأة لكنها تريد بذلك العقل الجتماعي وليس التكويني،‏ لأن<br />

املراأة طوال التاريخ كانت بعيدة عن الصراع الجتماعي لذلك عقلها الجتماعي بسيط فيكرث خطاأه،‏ كالقروي<br />

الذي ياأتي للمدينة يخطاأ كثرياً‏ يف البداية اإىل اأن يرتبى عقله الجتماعي ويعتاد على حياة املدن،‏ كذلك املراأة ما<br />

ل تقتحم املحيط الإجتماعي فاإنها تبقى ناقصة العقل!.‏<br />

اجلواب:‏<br />

اإنّ‏ تقويةَ‏ العقلمِ‏ والفكر من اأو ّ ليّاتمِ‏ الإسالممِ‏ فلماذا ل يوسصِ‏ بخروج املراأةمِ‏ للمجتمعمِ‏ بل يوؤكّ‏ دُ‏ على بقائمِها يف<br />

بيتها؟الإسالمُ‏ يهتمّ‏ بتقسيم املسوؤوليات ول تكن املراأة حمرومة من احلضور الجتماعيِّ‏ لكننا جندُ‏ اأنَّ‏ التعاليمَ‏<br />

الإسالميّة توؤكدُ‏ على اأنَّ‏ املراأةَ‏ هي الأساس يف التواصل بني اأفراد الأسرة.‏<br />

بالإضافة اإىل اأنّ‏ حضورَ‏ املراأةمِ‏ يف الأسرةمِ‏ اأكرثُ‏ من الرجل بالتايل فاإنّ‏ ذكائَها الأسريّ‏ واستيعابَها لأفرادمِ‏ الأسرةمِ‏<br />

اأقوى من الرجل،‏ فلماذا ل جتُ‏ عل قوامية الأسرة للمراأة؟ اإذن املعيار ل يكمن يف التاريخ الجتماعي للجنسني.‏<br />

املراأة القدوة هي تلك التي حتيطُ‏ بواقعمِ‏ ها التكوينيّ‏ الروحي وتدركُ‏ التغرياتمِ‏ النفسيّةَ‏ التي تطراأ عليها والأبعاد<br />

11- راجع:‏ جوادي اآملي،‏ املراأة يف مراآة اجلالل واجلمال.‏<br />

12


املعرفية التي تُبدع فيها وتقرّ‏ مبوقعية الرجل وضرورة التعامل مع الواقع مبا ينسجم مع تكوينه كما مرّ‏ . لذلك جاء<br />

على لسان نبيّ‏ الإسالم:‏ ‏)جهاد املراأة حسن التبعّل(،‏ اأي اأنّ‏ جهادَ‏ ها باأن تسبك حياتها ‏سبكاً‏ اإسالمياً‏ ينسجم مع<br />

التكوين،‏ بالرغم من قوة عاطفتها التي ‏-<strong>عمل</strong>يا ل اأقل-‏ تغلبها،‏ هذا يحتاج اإىل جهاد وتسليم هلل واإميان باأنّ‏ هذا<br />

النظامَ‏ الإلهيَّ‏ هوالنظام الأحسن الذي يوصلها للكمال،‏ واأن توؤمن باأنها اإذا اأرادت اأن متارس اأمومتها الواقعية<br />

التي وهبها اهلل اإياها فاإنها بحاجة اإىل التسليم والطاعة وحسن التبعل ولذلك فاإن طاعة الزوج يف بعض اجلوانب<br />

واجبة،‏ وطاعته املطلقة يف غري معصية اهلل مستحبة،‏ ولعل يف هذا الستحباب اإشارة اإىل اأنّ‏ جهاد املراأة يف<br />

حسن التبعل.‏<br />

2/ متايز املراأة عن الرجل يف املناصب والوظائف الجتماعية<br />

الفرق بني املنصب والوظيفة اأنَّ‏ الوظيفةَ‏ هي الفعالية اأو ال<strong>عمل</strong> الذي يقومُ‏ به كلّ‏ ‏شخص حسب موقعمِ‏ ه الجتماعيّ‏ ،<br />

اأي اأنّها مرتشحة عن املنصبمِ‏ مثال الطبّ‏ منصب اأمّ‏ ا معاجلة املرضى وحمبتهم وزرع الأمل يف نفوسهم وظيفة،‏<br />

الأمومة منصب اأما تربية الطفل واإشباع عاطفته وظيفة،‏ الأبوة منصب اأما القيومية وتدبري الأسرة واملداراة<br />

وعدم التخلي عن متابعة ‏سوؤون الأسرة وظيفة وهكذا...‏<br />

هناك مناصب عامة للجنسني مثل منصب التدريس،‏ التعليم،‏ وهنالك مناصب خاصة بكل جنس،‏ هذه املناصب<br />

يف الإسالم قد تبنيّ‏ على نحوالأحكام الإلزامية مثل وجوب تدبري ‏سوؤون الأسرة على الأب،‏ اأو على نحوالأحكام<br />

الرتجيحية مثل احلضانة على الأمّ‏ ، نعم تشرتك املناصب اجلنسية ‏–اأي التي تقسّ‏ م على اأساس اجلنس-‏ يف اأن<br />

لها بعد تكويني،‏ مثالً‏ حفظ اجلنني يف رحم الأم حتى يحني موعد الوضع واجب على الأم،‏ اأما بعد الولدة ل جتب<br />

عليها احلضانة اإل يف ‏شروط خاصة،‏ لكن التعاليم الإسالمية ترجّ‏ حُ‏ حضانة الأمّ‏ . كما ل يجوز للرجل اأن يرتكَ‏<br />

تدبريَ‏ الأسرةمِ‏ من تربيةمِ‏ الأبناءمِ‏ والنفقة عليهم وعلى زوجته،‏ يقول اأمري املوؤمنني عليه السالم:‏ ‏)كل ‏ّامرئ تدبّره<br />

امراأته فهو ملعون(،‏ الرجل مسوؤول عن تربية الأبناء حتى لوكانت احلضانة للمراأة ‏–اأي الرضاعة وبذل املحبة-‏<br />

لكن الولية للرجل مبعنى اأن كل فعاليات الأم جتاه الأبناء لبد اأن تصدر ‏ضمن اإدارة ورضا الأب.‏ اأيضا املناصب<br />

التي حتفظ الأمن الجتماعي هي للرجال بعنوانها الأو يل.‏ نعم بعض املناصب اجلنسية قد تتغري وتصبح عامّ‏ ة<br />

للجنسني يف ظروف خاصة.‏ لكن هناك مناصب ثابتة لكال اجلنسني ل ميكن اأن تتغريَ.‏<br />

املراأة القدوة هي تلك التي حتيطُ‏ بوظائفمِ‏ ها الجتماعية الثابتة وجتعلها اأساس حركتها وفعاليتها الجتماعية،‏<br />

كما تدعو قولً‏ وفعالً‏ وتوؤكد على ‏ضرورةمِ‏ اللتزام ال<strong>عمل</strong>يّ‏ والجتماعي باملسوؤوليات الأساسية التي يجب على املراأة<br />

اأن تنهضَ‏ بها.‏<br />

3/ التمايز احلقوقي بني اجلنسني<br />

يقولُ‏ العالمة الطباطبائي اأنّ‏ التمايزَ‏ احلقوقيّ‏ يرجع اإىل التمايزمِ‏ التكوينيّ‏ ‏سواء كان بواسطة بينهما ‏–هي<br />

الوظائف-‏ اأو بال واسطة.‏ اتفقَ‏ العلماءُ‏ على اأصلمِ‏ وجودمِ‏ متايُزٍ‏ واختلفوا يف تفسريه:‏<br />

‎1‎الشهيد 1. مطهري يقولُ‏ اأنّ‏ التمايزَ‏ احلقوقيَّ‏ بني املراأةمِ‏ والرجلمِ‏ يرتبطُ‏ بالأسرةمِ‏ اأمّ‏ ا يف املجتمعمِ‏ فالمتايز<br />

بينهما،‏ املجتمعُ‏ النساينُّ‏ ليس كمجتمعمِ‏ النحلمِ‏ مثال هناك ملكة وعمّ‏ ال وغريها...،‏ بل هناك تسابق<br />

13


اجتماعي اأي اأن الناس تتساوى يف الفرص الأو لية ومن خالل التسابق الجتماعي يحصلون على فرص<br />

ثانوية،‏ لكنه يقول يف مكان اآخر باختالف الأحكام الجتماعية كاحلجاب بالنسبة للمراأة اإذن الشهيد<br />

املطهري يقبل بوجود متايز تكويني بينهما يبتني عليه بعض اأنحاء التمايز احلقوقي لكنه يركز على<br />

احلقوق التي هي مورد بحث ونقاش والتي اأكرثها تتعلق بحق املراأة يف الأسرة واملجتمع.‏<br />

‎2‎اأما 2. العالمة الطباطبائي يقول ‏{الرمِّ‏ جَ‏ الُ‏ قَ‏ وَّامُ‏ ونَ‏ عَ‏ لَى النمِّسَ‏ اءمِ‏ { هذه الآية ل ترتبط بالأسرة فقط بل<br />

قوامية الرجل تشمل املجتمع اأيضاً‏ يعني اأن منصبَ‏ الرئاسةمِ‏ جنسيّ‏ . حيث اأنّ‏ ‏سببَ‏ جعلمِ‏ القواميّةمِ‏ للرجالمِ‏<br />

هو اأفضليتهم اجلسميّة ولزوم الإنفاق ‏سواء كان هذا الإنفاق يف الأسرةمِ‏ اأو يف املجتمعمِ‏ من اأجلمِ‏ احلفاظمِ‏<br />

على الأمنمِ‏ الجتماعيِّ‏<br />

‎3‎اآية 3. اهلل كلبيكاين يقول اأن منطوق الآية يرتبط بالأسرة اأما مفهومها اأنه من باب اأو ىل تشمل املجتمع<br />

لأنّ‏ احلياةَ‏ الأسريّة ليست لها خصوصيّة باحلكم هنا،‏ فاملحيط الإجتماعي اأيضاً‏ ل يستتب بدون ولية<br />

ورئاسة مثله مثل الأسرة،‏ واملجتمع بطريق اأو ىل يحتاج اإىل رئاسة حيث اأنّ‏ والتزاحم فيه اأكرث والأفراد<br />

الذين هم بحاجة للرئاسة لهم توجهات خمتلفة وهم بحاجة للرئاسة كما هوحال اأفراد الأسرة.‏<br />

تقريباً‏ هناك اإجماع بني الفقهاء على اختالفمِ‏ التكاليف الجتماعية بني اجلنسني،‏ واأن الوظائف الجتماعية<br />

واجبة وجوباً‏ كفائياً‏ على الرجال اأو لً‏ وبالذات مثل الطب الزراعة والصناعة وغريها،‏ نعم هناك موارد خاصة<br />

للمراأة.‏<br />

4/ متايز املراأة عن الرجل يف الرتبية والتعليم<br />

اإذا قبلنا بالتمايزمِ‏ التكوينيّ‏ بني اجلنسني والتمايز يف الوظائف فاإننا ‏سنقبل ‏-بالضرورة-‏ التمايز يف نظاممِ‏ الرتبيةمِ‏<br />

والتعليم،‏ ينبغي اأن يشتملَ‏ نظامُ‏ الرتبيةمِ‏ والتعليممِ‏ على:‏ دراساتٍ‏ يف البعدمِ‏ التكوينيّ‏ للجنسني،‏ توقعاتُ‏ كلّ‏ منهما<br />

من الطرف الآخر،‏ واملسوؤوليات والوظائف املطلوبة منهما والتي تنسجم مع طبيعة كل منهما.‏<br />

ينبغي اأن تتعلمَ‏ املراأةُ‏ موقعيّةَ‏ الأمومة وقيمتها واأهميّة بناءمِ‏ الأسرةمِ‏ ، واأن يكونَ‏ لديها تصوراً‏ ‏صحيحاً‏ عن الرجلمِ‏<br />

مثالً‏ عندما تُدركُ‏ املراأةُ‏ اأنّ‏ الرجلَ‏ يحتاجُ‏ اإىل احرتامٍ‏ اأكرثُ‏ من املحبة،‏ يحتاج اإىل الإعرتافمِ‏ به كشخصيّةٍ‏ اإداريّةٍ‏<br />

هذا يُساعدُ‏ على تقوميمِ‏ بناءمِ‏ الأسرةمِ‏ . يف املقابل اأيضاً‏ يتعلمُ‏ الرجلُ‏ موقعيّةَ‏ الأبوة وقيمتها،‏ ويكوّن تصوراً‏ ‏صحيحاً‏<br />

عن املراأة واأهمية اإبراز املحبة بالنسبة لها،‏ ومن اأجل تكوين هذا التصور الصحيح من املمكن اأن نستعني بتعاليم<br />

الدين والتجربة والشهود كما ذكرنا ‏سابقاً.‏<br />

لالأسف نظامُ‏ الرتبيَةمِ‏ والتعليممِ‏ اليوم هدفه حماية عال الصناعة ول يوؤدي اإىل اإقامة اأسرة ‏سليمة بل اإنه يضعّف<br />

الأسرة بل هو ‏ضد الأسرة حيث يلقّن الأبناء بطريقة غري مباشرة اأنّ‏ الأبَ‏ موجودٌ‏ مزاحمٌ‏ وغريُ‏ لئقٍ‏ لالإدارةمِ‏ كما<br />

يُحيي فكرةً‏ يف نفسمِ‏ الأمِّ‏ اأنّ‏ الأبَ‏ طفلٌ‏ كبريٌ!،‏ وتعيشُ‏ املراأةُ‏ توهم اأنها الأقدرُ‏ على اإدارةمِ‏ الأسرةمِ‏ وقيادةمِ‏ املجتمعمِ‏ ،<br />

فتتنمّ‏ ر وتستاأسد اجتماعيا‎12ً‎ ، مما يجعلها بعيدة عن دائرةمِ‏ الوليةمِ‏ الإلهيّةمِ‏ ، بل كثري من النساء يعشن وهم ولية<br />

اهلل ‏سبحانه وتعاىل،‏ هذا معناه انهيار الأسرة بل حتطيم ‏شخصية املراأة والرجل معاً.‏ فاملراأة القدوة هي تلك<br />

التي تُدر كُ‏ موقعيّتها التكوينية وتستسلم هلل وتخضع لتدبريه،‏ وتوؤدي دورها يف الصلة الأسرية والجتماعية،‏ اإنّ‏<br />

14<br />

12- راجع:‏ عبداهلل الطاهر النمر،‏ حماضرات حول املراأة يف الإسالم.‏


املعيارَ‏ يف تشخيسصِ‏ القدوةمِ‏ يَكمُ‏ نُ‏ يف مدى تسليممِ‏ املراأةمِ‏ وقدرتمِها على دمجمِ‏ اأفرادمِ‏ اأسرتمِها،‏ املراأة القدوة هي تلك<br />

املراأةُ‏ النسيابية يف التعامل مع الآخرين،‏ بحيث تولّد اأجواء تعاطف وراأفة وحمبة وانصهار يف الأجواء احلاكمة،‏<br />

وسكينة واستقرار نفسي.‏<br />

توصيات<br />

لقد خلق اهلل هذا التكوين مقنّناً،‏ فعلى املراأة القدوة اأن تدرك موقعيّتها التكوينية،‏ وجتاهد يف دائرة الأسرة اأو لً‏<br />

لأنها تعد ميدان اجلهاد الأصغر الذي يهيئها للجهاد الأكرب وجماهدة رغبات النفس،‏ كما يجب اأن حتدّ‏ دَ‏ وظائفَ‏ ها<br />

الجتماعيّة املنسجمة مع طبيعتمِها التكوينية والأسرية لكي تعيشَ‏ يف دائرة الولية الإلهية.‏<br />

حتى تتمكّ‏ نَ‏ املراأة من اأن حتيا حياة اإسالمية منسجمة مع الفطرةمِ‏ الإلهيّةمِ‏ فاإنّها بحاجةٍ‏ لإشباعمِ‏ احتياجاتمِها<br />

الروحيّة والعاطفيّة والجتماعيّة،‏ وهذا ل يتحقق اإل من خاللمِ‏ البناءمِ‏ الأسريّ‏ وقواميّة الرجل يف الأسرة.‏ لذلك<br />

جندُ‏ اأنّ‏ حركةَ‏ املراأةمِ‏ القدوةمِ‏ تكون ‏ضمن هذا البناء الأسري وتوؤكد وتدعو اإىل حفظه.‏<br />

املعيار يف املراأةمِ‏ القدوةمِ‏ هو مدى تسليمها لعبوديّةمِ‏ اهلل ومقدار كونها ‏صلة بني اأفراد اأسرتها اأو اأفراد املجتمع من<br />

حولها،‏ خاصة الأرحام،‏ ثم الأقرب فالأقرب.‏<br />

اإننا بحاجةٍ‏ اإىل دعوةمِ‏ املراأةمِ‏ لإدراكمِ‏ موقعيّتها يف الأسرة ويف املجتمع،‏ واأن ترتبّى املراأة على اأنّ‏ القواميّة للرجل<br />

ويجب اأن نوؤكدَ‏ على ‏ضرورة تفعيل هذا الدور من جهة الرجال.‏ واأن تساهمَ‏ املراأة من خالل اأداءمِ‏ دورمِ‏ ها الطبيعيّ‏<br />

يف هذا التفعيل.‏ واأن توؤمن باأن يف ذلك حفظ لشخصيتها وكمالها.‏<br />

يجب اأن تُدرمِ‏ كَ‏ املراأةُ‏ اأنّها مستهدّ‏ فة واأنها تتعرض اإىل تغيريٍ‏ يف العقيدةمِ‏ والثقافةمِ‏ ، واأن تدركَ‏ خطورة ما نالحظه<br />

من استئساد يف بعض النساء ‏–خاصة املتصديات للساأن العام-‏ ‏سواء كان عن قصد اأو غري قصد،‏ حتت عنوان<br />

مظلومية املراأة اأو الدفاع عن حقوق املراأة،‏ اأو اإشاعة الشعور باأن املراأة مظلومة من الرجال...‏<br />

15


أ ‏.أمدخل اإعالمي:‏<br />

‏-مفهوم الإعالم<br />

الإعالم قدمي النساأة،‏ ‏صَ‏ احَ‏ بَ‏ اجلماعة البشرية منذ تكوينها،‏ وتطوَّر بتطوُّر الفكر البشري،‏ اإىل اأنْ‏<br />

وصل اإلينا يف عصرنا احلاضر بسبب التقدُّم العلمي والصناعي،‏ ولكن جوهره الذي يقوم عليه والدعامة<br />

التي يرتكز عليها هي ‏»الكلمة«‏ منطوقة كانت اأو مكتوبة اأو ما ينوب عنها من اأصوات ورموز.‏ وميكن تعريفه<br />

باأنَّه:‏ ‏»النقل احلر واملوضوعي لالأخبار واملعلومات باإحدى الوسائل الإعالمية اأو اأنَّه نقل الأخبار والوقائع<br />

بصورة ‏صحيحة«‏ )1( .<br />

‏-الإعالم و الإسالم:‏<br />

‏-مظاهر اإعالمية اإسالمية:‏<br />

1. الأساليب واملصطلحات الإعالمية يف القراآن ‏:تنوعت الأساليب الإعالمية يف اخلطاب<br />

القراآين منها القصصي الدرامي والإخباري وغريها.‏<br />

2. الأذان:‏ لالأذان خصائص اإعالمية رفيعة الدرجة يف التاأثير من الناحية الإعالمية فهو يتميز<br />

اإعالمياً:‏<br />

أ ‏.أالتكرار.‏<br />

ب ‏.بترديد مبادئ اإسالمية بقصد تعميقها يف القلب.‏<br />

ج ‏.ججمع املسلمني يف اأماكن معينة لتحقيق التعارف،‏ والرتابط،‏ والتواصل.‏<br />

د ‏.دوصول تاأثيره اإىل جهات جغرافية متعددة.‏<br />

1. اخلطبة:‏ وهي اأيضاً‏ وسيلة اإعالمية قوية جداً‏ لها ‏صفة النصح املباشر الذي يخلق القدوة املثالية،‏<br />

بكلمات خمتزلة،‏ جزلة اللفظ،‏ عميقة املعنى،‏ وقوة املناسبة لالأحداث اجلارية.‏<br />

2. الرسالة الإخوانية والرسمية:‏ لقد كانت هذه الأداة ‏سالحاً‏ اإعالمياً‏ خطيراً،‏ استخدمه النبي<br />

( ) واأهل بيته استخداماً‏ موؤثراً‏ من ناحيتني:‏<br />

أ ‏.أالناحية البالغية يف الإعداد والصياغة.‏<br />

ب ‏.بالناحية املعنوية يف مضمون الرسالة.‏<br />

وقد كانت رسائلهم تراث اأدبي و اإعالمي قيّم يف كافة جمالت السياسية والإدارة و التوجيه و الأخالق)‏‎2‎‏(.‏<br />

1. احلضور الإعالمي للقدوة املعصومة:‏ املعصومون عليهم السالم كانوا ميتلكون كل مقومات<br />

احلضور الإعالمي املوؤثرة يف املُحيطني بهم.‏ ل ننسى قول اهلل عز وجل{لَقَ‏ دْ‏ كَ‏ انَ‏ لَكُ‏ مْ‏ يفمِ‏ رَسُ‏ ولمِ‏ اهللَّ‏ مِ‏ اأُسْ‏ وَةٌ‏<br />

17


حَسَنَةٌ})‏‎3‎‏(‏ حيث اأن كل املواقف التي كانوا يقومون بها هي وسيلة نشر وتبليغ واإعالم للمفاهيم الإسالمية<br />

املحمدية.‏<br />

‏-مفهوم الإعالم الإسالمي :<br />

يف العصر احلايل وبتطور الأدوات الإعالمية املختلفة اأصبح ‏ضرورة حتمية باأن يكون هناك اإعالم<br />

اإسالمي يبث املفاهيم الإسالمية،‏ وقد تعددت التعريفات لالإعالم الإسالمي من اأهمها:‏ يُعرَّ‏ ف<br />

الإعالم الإسالمي باأنَّه:‏ ‏»استخدام منهج اإسالمي باأسلوب فني اإعالمي يقوم به مسلمون عاملون<br />

عاملون بدينهم متفقهون لطبيعة الإعالم ووسائله احلديثة وجماهريه املتباينة مستخدمون تلك<br />

الوسائل املتطورة لنشر الأفكار املتحضرة والأخبار احلديثة والقيم واملبادئ واملُثُل للمسلمني<br />

ولغري املسلمني يف كل زمان ومكان يف اإطار املوضوعية التامة بهدف التوجيه والتوعية والإرشاد<br />

لإحداث التاأثري املطلوب«‏ )4( .<br />

‏-احلرب الناعمة :<br />

مصطلح احلرب الناعمة وُلد يف ‏سياق املحطات الكربى و احلروب و الأحداث املفصلية لنهايات القرن<br />

العشرين و بدايات القرن احلادي والعشرين و حتت تاأثري قفزات التطور الهائل التي حدثت يف عال<br />

وسائل التصال و الإعالم.‏ وقد عرّ‏ ف جوزيف ناي ‏)خمرتع مفهوم القوة الناعمة(‏ باأنها ‏»القدرة على<br />

احلصول على ما تريد عن طريق اجلاذبية بدلً‏ عن الإرغام،‏ وهي القدرة على التاأثري يف ‏سلوك الآخرين<br />

للحصول على النتائج والأهداف املتوخاة بدون الضطرار اإىل الستعمال املفرط للعوامل والوسائل<br />

العسكرية والصلبة.‏ كما عرَّ‏ فوها باأنها:‏ قوة ‏»ما«‏ تقوم بالهجوم على الأسس واملقومات الثقافية لأمة من<br />

الأمم،‏ باستخدام كل الوسائل املمكنة بطريقةٍ‏ منهجيّةٍ‏ منظّ‏ مةٍ‏ ، ثم تعمد اإىل اأن حتل حملها معتقدات<br />

)5(<br />

وثقافة جديدة.‏<br />

على مستوى العال الإسالمي فيمكن الإشارة اإىل اأن الإمام اخلامنئي هو اأول من اأشار اإىل هذا املفهوم و<br />

نبّه على ‏ضرورة ال<strong>عمل</strong> بشكل جاد على مواجهته حيث تكرر هذا املصطلح يف عدّ‏ ة خطابات له،‏ ومن بني<br />

)6(<br />

مقولته يف احلرب ‏»اإن وسائل الإعالم يف هذا العصر لها قدرة تدمريية تعادل القنبلة الذرية«‏<br />

‏-من وراء احلرب الناعمة؟:‏<br />

كثري ما يتبادر اإىل الأذهان،‏ من هو املسئول عن هذه احلرب ومن يديرها وما هي غايته؟،‏ وهل نحن<br />

مستهدفون اأصالً؟ وهل احلديث املتداول حول اأيدي خفية تريد النتقام له اأساس من الصحة؟ اأم هو<br />

جمرد وهم وقع فيه بعضهم،‏ وصدَّ‏ قه البعض الآخر؟<br />

واحلق اأننا مستهدفون فعالً،‏ مستهدفون لديننا،‏ لهويتنا،‏ اإذ اأن ‏)قوى الستكبار(‏ واملمثل الأعظم لها هي<br />

‏»الوليات املتحدة الأمريكية«‏ اأدركت اأن الدين الإسالمي القومي اأخذ ينتشر ويتسع دون حروب بل رغبة<br />

من الناس،‏ ونَشْ‏ داً‏ للعدالة واملساواة املجتمعية،‏ واأحسَّ‏ ت بخطر ‏)اأَسْ‏ لَمَ‏ ة العال(‏ ولن يكون هناك جمال<br />

لوجود املسيحية على وجه الأرض،‏ فلذلك ودفعاً‏ لزوال دينهم والرغبة يف السيطرة على كل املجتمعات<br />

18


املسلمة،‏ حاولت استعمار هذه الدول ولكن وجدت اأن الجتياح العسكري لبد له من زمن حمدد وموؤقت<br />

لكي ينقضي،‏ فكانت احلاجة اإىل وجود حرب ‏ضروس ل تهداأ اأبداً،‏ وجتعل كل من يدخل فيها ‏سواء<br />

باإرادته اأم رغماً‏ عنه بال هوية دينية اأو ثقافية،‏ فاإذا تغريَّ‏ ت اهتماماته تغريت اجتاهاته،‏ وبالنتيجة<br />

‏ستصل قوى الستكبار اإىل مبتغاها يف مسخ الهوية والبعد عن الدين الإسالمي،‏ والتشدق باملذاهب<br />

الأخرى ‏»اجلديدة«‏ اإن ‏صحَّ‏ التعبري من مثل عبدة الشيطان،‏ وغريهم.‏<br />

وكل ذلك مدروس منذ عشرات السنني عند تلك القوى ول نبالغ اإن قلنا ما نعيشه اليوم من متييع لهوية<br />

الشاب العربي واملراأة املسلمة،‏ وما نشهده من ‏صراعات داخلية وخارجية،‏ وما نسمع عنه من استحداث<br />

اإىل هويات جديدة من مثل داعش وغريها ما هو اإل تطبيق خلطة اإسرتاتيجية جاء تنفيذها يف هذا<br />

الوقت من الزمن.‏<br />

‏-ملَ‏ كان الإعالم السالح الأغلظ لدى قوى الستكبار؟<br />

اإن الأسلحة احلربية متعددة ومتنوعة ولكن قوى الستكبار اختارت الإعالم ووسائله اأسلحة غليظة يف<br />

وجه الشعوب وذلك لالأسباب التالية وهي:‏<br />

‎1.1‎اأنها ل تُشْ‏ عمِ‏ ر املَغزوّ،‏ اأنه قد استُبيح من قمِ‏ بل اأحدهم.‏<br />

‎2.2‎‏سرعة الوصول اإىل الآخر.‏<br />

‎3.3‎تتغلغل بعمق وتتماهى مع الآخر وكاأنهما ‏شيء واحد.‏<br />

‎4.4‎يبقى تاأثريها اإىل ‏سنوات طوال.‏<br />

‎5.5‎لها القدرة على التوارث اجليلي ‏)النتقال من جيل اإىل اآخر(.‏<br />

‎6.6‎نتائجها حتمية.‏<br />

‎7.7‎مواجهتها ومقاومتها ‏صعبة.‏<br />

‏-اأدوات احلرب الناعمة:‏<br />

تصبح احلرب الناعمة موؤثرة اإذا وجدت الأداة والوسيلة لنتشارها.‏ وتكون الأداة مفيدة مبقدار<br />

انسجامها مع املجموعة املستهدفة،‏ فوسائل الإعالم مثالً‏ مفيدة على مستوى اجلمهور،‏ والإنتاج<br />

الثقايف والفكري مفيد على مستوى النخب واملثقفني.‏ ثم اإن الوسائل تختلف وتتنّوع باختالف<br />

الأهداف املقصود حتقيقها.‏ اأما اأبرز اأدوات احلرب الناعمة هي وسائل الإعالم،‏ والتي<br />

تشتمل على:‏ الفضائيات،‏ الإذاعات،‏ النرتنت وشبكات التواصل الجتماعي،‏ الصحف املجالت،‏<br />

والربامج ‏)اأفالم،‏ مسلسالت،‏ اأفالم كرتونية(‏ وتوؤدي وسائل الإعالم دورها من خالل الإدعاء،‏<br />

التكرار،‏ الرتباط باملصادر املوثوقة،‏ الكذب،‏ الإشاعة،‏ التشابه،‏ والتداعي،‏ التحقري،‏ والتقطيع،‏<br />

والتشهري،‏ ونشر الفساد،‏ والبتذال.‏<br />

19


‏-ب.‏ دور الإعالم يف ‏صناعة القدوة املزيفة:‏<br />

‏-مراحل تطور القدوة الإعالمية يف الإعالم:‏<br />

ل يخفى على اأحد اأن وسائل الإعالم احلديثة عند اأول ظهورها رفضها الناس ثم ما اإن لبثوا حتى انبهروا<br />

بها جداً،‏ واتخذوها من ‏ضمن عاداتهم اليومية،‏ من مثل قراءة اجلرائد اليومية ‏صباحاً،‏ اأو الستماع اإىل<br />

املذياع يف اأوقات معينة وحمددة وغريها من هذه الأمور،‏ وهذا الأمر يف حدِّ‏ ذاته اأخذ ‏شيئاً‏ فشيئاً‏ يصنع<br />

قدوات اإعالمية ‏شتى،‏ برز تاأثريها عليهم مع مرور الزمن فمنذ مطلع الستينات اإىل اأواخر التسعينات<br />

استخدمت وسائل الإعالم تقنية طرح الباطل مبا هو عليه كتصدير مناذج من القدوات املزيفة مثل<br />

املغنيات واملمثالت واملذيعات ومُ‏ قَ‏ دِّ‏ مات الربامج والصحفيات و الروائيات.‏<br />

‏-منذ 2004 اإىل الآن:‏<br />

ظهرت يف هذه الآونة مواقع التواصل الجتماعي واأصبحت جميع نوافذ الوصول للعال مشرعة بلمسة<br />

‏شاشة اجلهاز املتنقل الذي يقع يف يد الصغري قبل الكبري،‏ فطورت احلرب الناعمة تقنيتها بخلط احلق<br />

بالباطل حتى ‏صعب التفريق عند العامة،‏ ومن اأهم النماذج التي قدمتها وسائل التواصل:‏<br />

الشخصيات التي طفت فوق السطح بسبب بعض الظروف السياسية والجتماعية والصحية<br />

اأو من خالل مهنتها ولكنها ل تكتفي باخلوض واحلديث يف جمالت تخصصها بل قامت تاأخذ<br />

وتعطي يف الدين والتدين وتبث اآرائها اخلاصة نحو املعتقدات اأو الأصول،‏ فتشكل بذلك راأي عام<br />

عند املتابعني لها.‏<br />

الفاشينيستات:هي مُ‏ فردة ظهرت منذ العام 1992 وقد ‏شاع استخدامها منذ ‏سنتني<br />

بالتزامن مع ظهور وسائل التواصل الجتماعي و بالأخص ( برنامج النستجرام ) و تنقسم<br />

املُفردة لقسمني ، ‏)الفاشني(‏ و يعني املوضة و ‏)يستا(‏ و هي كلمة اإسبانية ‏)تعني اسم الفاعل(‏ .<br />

‏شاع ظهور الفاشينستات يف الأوساط العربية ‏-بالأخص يف دولة الكويت والإمارات-‏ حيث تقمنَّ‏<br />

باستقطاب الآلف بل املاليني من املتابعني؛ للرتويج للكثري من الأمور الكمالية التي قد تخلق<br />

عاملاً‏ خيالياً‏ يُقارب املدينة الفاضلة يف كمالها وتغوص يف كل ‏شيء من مثل ‏)الأزياء ومساحيق<br />

التجميل واملطاعم والأمور املعيشية التي ميكن الستغناء عنها...وغريها(‏ اأما املصيبة الأعظم<br />

هي ظهور ما يُسمى ب"الفاشينستا الإسالمية"‏ التي تُشكل الأمنوذج الإسالمي يف الدول<br />

العربية ‏)بحسب التصور العاملي(،‏ حيث يعتربوهنّ‏ انعكاسا للمجتمع العربي الإسالمي،‏ ومن<br />

اأخطر ما يروجنّ‏ له هو فكرة ‏)احلجاب السفور(‏ حيث اأن احلجاب ل يُعترب اإل قطعة قماش<br />

ظاهري ل مينع من ارتداء اأي نوع من املالبس اأو وضع املكياج اأو الغناء اأو منط احلياة،‏ والرتويج<br />

لفكرة اأن احلجاب حرية ‏شخصية ليس له ارتباط بالعبادات الدينية و منط احلياة،‏ بل اأنه ‏شيء<br />

منفصل و هو ‏شيء بني اهلل و العبد فقط .<br />

الكوميديات ‏)املستظرفات(:هناك قاعدة جماهريية ‏ضخمة على وسائل التواصل الجتماعي<br />

20


ل تهتم لشيء ‏سوى روؤية املقاطع الكوميدية الساخرة،‏ املتهكمة التي تقوم على الغيبة والبهتان<br />

والفرتاء،‏ واملبالغة يف ردَّ‏ ات الفعل والتحديات الفارغة من كل مضمون حقيقي ‏سوى السخرية<br />

و قد ظهرت عدة من النماذج الكوميدية النسائية التي تقوم ب<strong>عمل</strong> مقاطع تهريج بالرغم من<br />

ارتدائهن للحجاب،‏ وتالقي هذه املقاطع مشاهدات مليونية.كما اأن هناك العديد من احلسابات<br />

مروجة ملواضيع فكاهية ليست ذا قيمة تُذكر واأصبحت تشغل ‏شريحة واسعة من رواد مواقع<br />

التواصل الجتماعي.‏<br />

الصَّ‏ رعات:‏ اأو ما يُطلق عليها يف اللغة الدارجة ‏)الهبّة(‏ و هي عبارة عن اإطالق اأعمال غالبًا<br />

ما تكون خالية من الأهداف بل هي تسلية خالصة،‏ واأهم مقوّم لنتشار الصرعة هو التشارك<br />

الفردي يف <strong>عمل</strong>ها ثم نشرها وبذلك تنتشر هذه الصرعة،‏ وقد ظهرت يف فرتة ليست بعيدة على<br />

‏شكل ‏)حتدّ‏ يات(‏ مثل حتدّ‏ ي الثلج الذي قام ب<strong>عمل</strong>ه املاليني من الناس وشغل الراأي العام بشكل<br />

واسع.‏ من اأبرز اأشكال الصرعات هي ‏)مقاطع الأغاين والرقصات(‏ التي يُنتجها بعض الشباب<br />

وتُصبح يف بضعة اأيام اأو اأسابيع ظاهرة يتفاعل معها ويقلدها الكثري.‏<br />

‏سناب جات:‏ هو اآخر برامج التواصل الجتماعي و قائم على مشاركة الفيديوات و الصور ملدة<br />

اأقصاها 10 ثواين،‏ كما ويحتوي على بعض القنوات الإخبارية التي تبث الأخبار السياسية و<br />

الرياضية واجلمال واأخبار املشاهري وبعض املواضيع العلمية،‏ بالإضافة لذلك يقوم فريق ‏سناب<br />

جات بنقل الأحداث مباشرة حيث يخصص يوم حمدد لنقل فعالية معينة اأو نشر منط حياة<br />

يف منطقة معينة،‏ تكمن خطورة هذا الربنامج باأنه يعطي)اإحساس بالأمان(‏ للمستخدم باأن ما<br />

تضعه ‏سيختفي بعد عدة ثواين اأو ‎24‎‏ساعة بحسب اختيار املستخدم،‏ كما اأنه ل ميكن حفظ<br />

املواد املنشورة فيه.‏<br />

يوتيوب:‏ توجد العديد من اخلصائص التفاعلية يف برنامج اليوتيوب من بينها عرض<br />

الفيديوات الشائعة التي حازت على اأعلى نسبة مشاهدة من قمِ‏ بل املستخدمني يف اأنحاء العال<br />

وقد تكون هذه املقاطع خادشة للحياء ول تتناسب باأي ‏شكل مع الذوق العام واملبادئ الإسالمية.‏<br />

كذلك خاصية)الفيديوات املقرتحة(‏ التي يقدمها الربنامج للمستخدم حني يقوم باملشاهدة،‏<br />

وقد تكون هذه املقرتحات غري ذات ‏صلة مبا يشاهده املستخدم.‏<br />

حمرك بحث الإنستغرام ‏)الإكسبلورل(:‏ يعرض ما اأعجب به املتابعون من كل اأنحاء<br />

العال،‏ و يُظهر اأكرث الصور واملقاطع انتشارًا يف النستغرام،‏ والتي قد حتتوي على ما ل يتناسب<br />

مع املبادئ الإسالمية،‏ وقد يُبحر املتصفح يف الربنامج يف العديد من هذه النتائج الالمتناهية<br />

بدون اأي قيود.‏<br />

املسلسالت و الأفالم املرتجمة)الأونالين(:‏ ل يخفى على الكثري خماطر املسلسالت<br />

بجميع اأشكالها و بالأخص املرتجمة اأو املدبلجة منها ، و بالرغم من ‏سوء املسلسالت التي<br />

تُعرض على القنوات الفضائية،‏ اإل اأنها تخضع ل<strong>عمل</strong>ية مراقبة من قبل القنوات،‏ اأما املرتجمة<br />

منها على ‏شبكة النرتنت فهي غري ذلك ، فما بني الرومانسية املُفرطة واملشاهد اخلادشة للحياء<br />

21


والرتويج غري املباشر اإىل الإسالم اجلديد من خالل بعض املسلسالت الرتكية،‏ تقع الكثري من<br />

الشابّات يف مشكلة الإدمان على املتابعة الدائمة وتصبح هذه املرئيات الهم الأكرب لديها.‏<br />

)models( ممثالت اأفالم الواقع :porn(( فئة جديدة من رائدات عال التواصل<br />

الجتماعي وهن لسن ممثالت اأو مغنيات،‏ ول يقدمن اأية رسالة هادفة،‏ هم فقط يقمن<br />

باستعراض جسد وبث مقاطع مروّجة للفساد الأخالقي.‏<br />

‏-اسرتاتيجيات مترير القدوة اإعالمياً:‏<br />

‎1.1‎اإسرتاتيجية الإلهاء:هدفها الأساس يتمثل يف حتويل انتباه الراأي العام عن املشكالت الهامة،‏<br />

من خالل بث جملة من الإلهاءات واملعلومات التافهة التي تضع املتلقي يف خانة التشتت وميتهن هذه<br />

الإسرتاجتية فئة املستظرفات.‏<br />

‎2.2‎اإسرتاتيجية ابتكار املشكلة:‏ وذلك من خالل اإحداث مشكالت ونزاعات بني املشاهري وشغل<br />

الناس بها،‏ وتصبح حديث الناس والعال وتتحول لصدامات بني معجبي طريف النزاع.‏<br />

‎3.3‎اإسرتاتيجية التدرج:ال<strong>عمل</strong> بهذه الإسرتاتيجية من اأجل تقبل اإجراء من الصعب ‏صهره يف<br />

املجتمع،‏ مبعنى اإقناع املتلقي بضرورة حصول التغريات الجتماعية والقتصادية بنحو تدرّجي<br />

تصاعدي،‏ كطريقة تدرج احلجاب عند القدوات املزيفة من العبايات املزخرفة للخروج بقطعة<br />

القماش القطنية للوصول موؤخرا للقبعة ‏)التوربان(.‏<br />

‎4.4‎اإسرتاتيجية التأجيل ثم الإهمال:هي طريقة يتم اللجوء اإليها من اأجل اإكساب الأمور املكروهة<br />

حالة التقبل،‏ كتاأجيل ردات الفعل حيال القدوات املزيفة والظواهر الجتماعية التي يروجن لها،‏ اإىل<br />

اأن يتم اإهمالها ونسيان مبداأها.‏<br />

‎5.5‎اإسرتاتيجية الستطفال عرب طفل:‏ تتجلى يف خماطبة الناس وكاأنهم جمموعة من الأطفال<br />

الصغار الذين تستهويهم توافه الأمور واأصغرها،‏ بواسطة اأطفال زُجوا يف هذا املسار اأو خُ‏ طَ‏ ب ل<br />

تستدعي لدى املتلقي احلس النقدي السليم،‏ بل جتعله ينقاد بسهولة اإليها،‏ كاإنشاء حسابات تواصليَّة<br />

لفتيات يف مرحلة الطفولة يروجن للمساحيق التجميل اأو لالستظراف حتى تطبع عند امللتقي ‏»اأن<br />

اخلروج من دائرة احلياء«‏ اأمر متقبَّل.‏<br />

‎6.6‎اإسرتاتيجية استثارة العاطفة:حتاول بعض القدوات املزيفة استخدام استثارة العواطف<br />

لكسب اأكرب عدد من املتابعني واملتعاطفني،‏ على قضية تافهة كضياع قطة مثالً.‏<br />

‎7.7‎اإسرتاتيجية التجهيل:تكمن يف اإبقاء املتلقي يف حالة من اجلهل،‏ والسفه،‏ واحلماقة عرب جعل<br />

القدوة املزيفة تكسبه معلومات ل ميكنك اأن حتصل عليها يف مكان اآخر،‏ مع نشر ثقافة كره الدراسة<br />

والتعلم والقراءة اجلادة.‏<br />

‎8.8‎اإسرتاتيجية حتقري الذات:‏ ونعني بها تشجيع املتلقي على استحسان تصغري النفس وحتقريها،‏<br />

22


كاأن يجد الفرد اأنه من الرائع اأن يكون ‏)غبياً‏ اأو منحرفا..اإلخ(،‏ بل ل يجد اأي نوع من احلرج باأن<br />

يقول اأنه كذلك واأن اأصدقاءه من ذات الفئة،‏ واأنه ل يبايل براأي اأحد مهما كان.‏<br />

ج.‏ النخب الدينية والإعالم:‏<br />

يف ظل كل املمارسات الإعالمية واحلرب الناعمة الشعواء املوجهة نحو املسلمني وبالأخص الشباب،‏ يتبادر يف<br />

الأذهان العديد من الأسئلة،‏ اأين هم النخب الدينية يف وسائل الإعالم؟ ويف حال تواجدهم ما مدى تاأثريهم<br />

على املتلقي؟<br />

ل ميكن اإنكار وجود العديد من احلركات الإعالمية املتدينة يف كل وسائل التواصل الجتماعي،‏ اإل اأن حربًا بهذا<br />

احلجم حتتاج اإىل كثافة يف املواجهة والتصدي لها،‏ فمن املالحظ وجود النخب والقدوات الدينية على اأرض<br />

الواقع وهي حاضرة بقوة يف كل املحافل الدينية والثقافية والجتماعية والسياسية،‏ اإل اأن هناك مبادرات خجولة<br />

منهن يف عال الإعالم،‏ ول يختلف اثنان يف اأن تواجد القدوة الدينية يف الإعالم احلايل بشكل فاعل و جذّ‏ اب و<br />

مناسب اإىل عقلية وتفكري املتلقي اأصبح ‏ضرورة حتمية ل ميكن اإنكارها.‏<br />

اإن الإعالم وسيلة فاعلة للتبليغ الديني وقد اأصبحت اليوم من اأسهل الوسائل املتاحة واأكرثها ‏شيوعً‏ ا وانتشارًا،‏<br />

فكما هو املالحظ اأن املعلومة الواحدة قد تصل يف ظرف دقائق معدودة اإىل ماليني الأشخاص وتوؤثر بهم تاأثريًا<br />

تامً‏ ا،‏ وكما قال اخلميني يف اأحد خطاباته ‏»اأمام كل هذه الأبواق الإعالمية للمستكربين ‏)يف اخلارج(‏ الذين<br />

اأرهبهم الإسالم نحن نفتقد لالإعالم الصحيح«.‏ و يف موضع اآخر قال:‏ ‏»اإن قوتنا الإعالمية ‏ضعيفة جداً‏ وعاجزة،‏<br />

واأنتم تعلمون اأن العال اليوم يُدار بواسطة الإعالم،‏ نحن مكلفون اأن نعرّ‏ ف الإسالم يف كل العال،‏ فالإسالم يف<br />

العال مظلوم وغريب،‏ واأما اأيدينا فقصرية واإعالمنا ناقص ومبلغوننا قلة«.‏<br />

ولالأسف ميكننا القول اأن هناك بعض املوؤسسات الدينية التي تخلط احلابل بالنابل،‏ وجتعل من الدين مسمى<br />

فقط اإذا كنا ‏سنجعل املوؤسسات الدينية هي الدرع الواقي من كل هجمة اإعالمية قاتلة تطال جمتمعاتنا العربية<br />

الإسالمية وهي على هذا النحو من الغزو الثقايف الذي ل تدركه يقظةً‏ فعلى الدين السالم،‏ لأنها ‏ستكون حمط<br />

فتنة،‏ وواحدها قطعة مظلمة فما بالك بعدد ل باأس منها،‏ ومقصد القول اأن الإصالح يجب اأن يطال العمود<br />

الفقري الذي تقوم عليه الأمة الإسالمية ثم ‏سائر اأعضاء اجلسد الإسالمي،‏ لكي ل يعود الإسالم غريباً‏ كما بداأ<br />

اأول عهده،‏ فهل اإىل ذلك من ‏سبيل؟!‏<br />

‏-ماذا حتتاج النخب لتنافِس احلضور الإعالمي للنخب املزيفة؟<br />

هناك العديد من املقومات والأسس التي حتتاجها القدوة للنجاح يف عال الإعالم احلايل ومنها:‏<br />

‎1.1‎ال<strong>عمل</strong> وفق نظرية النموذج التي تقوم على تبني فكرة اإعالمية جمتمعية تهدف اإىل اإصالح<br />

املجتمع وتغرس فيه قيمة يفتقدها،‏ ثم يضيف عليها عامل جذب لتُشكِّ‏ ل عند الناس النتباه،‏ فيقوم<br />

العقل الإنساين بدوره يف تخزينها والحتفاظ بها اإىل حني استدعائها،‏ فبالتايل يتاأثر السرتجاع<br />

احلركي باملخزون الإدراكي ليخلق عند الناس الدافعية والتنفيذ للقيام باأمرٍ‏ مماثل.‏ فاإن وصل اإىل<br />

هذه املرحلة فقد وصل اإىل مرحلة الإعالمي القدوة ‏»القيادي«.‏<br />

23


.<br />

‎2.2‎يجب األَّ‏ يقتصر <strong>عمل</strong> القدوة الإعالمية على <strong>عمل</strong> فردي،‏ تقوم به عناصر متفرقة يف املجتمع<br />

فقط،‏ بل يجب اأن يكون <strong>عمل</strong> موؤسساتي ديني يحمل الأفكار القومية التي هجرها الناس بحجة التطور<br />

املجتمعي،‏ واأن الدين اأصبح ديناً‏ معاصراً‏ ل حاجة له بتلك القيم.‏<br />

‎3.3‎الثقافة،‏ اأن يحمل من كل علم بطرف،‏ لكي يكون قادراً‏ على فهم حترُّكات الأفراد،‏ واملوؤسسات،‏<br />

واحلكومات،‏ والأيدي اخلفية الساعية للنيل من اجلمتمعات العربية،‏ ولكن يف املجال الإعالمي عليه<br />

األ يكون مثقفاً‏ بل عاملاً‏ به وبحيثياته املتعددة واملتنوعة.‏<br />

‎4.4‎التكيف الإعالمي:‏ القدرة على مواكبة التطور الإعالمي السريع ، وكسر حاجز كل جديد ل يفقهه.‏<br />

‎5.5‎السرعة:سرعة التقصي والتحري،‏ وسرعة النشر،‏ وسرعة الرد على اأي هجوم اإعالمي مباغت.‏<br />

‎6.6‎اجلراأة:‏ يف الطرح ومواجهة اخلطر وجهاً‏ لوجه دون اخلوف من العواقب،‏ لأن رسالة التبليغ اأسمى<br />

واأقوى من حياة الإعالمي،‏ ولكن يف ذات الوقت عليه اأن يكون فطناً‏ يف املواقف التي تستدعي التضحية<br />

من غريها.‏<br />

‎7.7‎الستمرارية:‏ يجب عليه اأن يكون ذو نفس طويل،‏ اأي مستمراً‏ فيما يقوم به،‏ اإذا اأدرك الإعالمي<br />

قضية ما واتخذ اإجراءً‏ معينًا حيالها يجب عليه الستمرار والدميومة يف ال<strong>عمل</strong> الذي بداأ به ول يتعب<br />

من اأول مواجهة.‏<br />

‎8.8‎البساطة:يحتاج املتلقي للبساطة يف طرح املوضوع واختيار العبارات وتبسيط املعلومة بقدر<br />

املستطاع،‏ لتتناسب مع الفئة املستهدفة والتي عادة ما تكون كافة املجتمع مبختلف فئاته العمرية.‏<br />

‎9.9‎احتياجات تدريبية مهمة:وهي املهارات التي يحتاجها القدوة من اأجل اإحداث <strong>عمل</strong>ية التاأثري<br />

والتاأثر وهي:‏<br />

أ ‏.أمهارة الإلقاء واإعداد العروض.‏<br />

ب ‏.باإدارة احلمالت الإعالمية.‏<br />

ج ‏.جالإملام بكافة برامج التواصل الجتماعي.‏<br />

د دالإملام بكافة املهارات الإعالمية:‏ تصوير،‏ تصميم،‏ الأفالم القصرية،‏ الكتابة الإخبارية،‏ كتابة<br />

املقالت،‏ الربجمة،‏ املونتاج...اإلخ.‏<br />

ه ‏.هالقدرة على التحليل الإعالمي.‏<br />

و ‏.واإدارة الوقت.‏<br />

ز ‏.زالستعداد الدائم لكل طارئ اإعالمي.‏<br />

24


التوصيات:‏<br />

‎1.1‎اخلروج من عنق التنظري اإىل حيز التنفيذ،‏ وال<strong>عمل</strong> اجلاد من اأجل وقاية املجتمع من ‏سموم القدوات<br />

املزيفة.‏<br />

‎2.2‎‏صنع كوادر اإعالمية مصلحة قادرة على اأن تكون ‏“قدوة”‏ يف الأوساط املجتمعية،‏ للتقومي ‏سلوك العامة.‏<br />

‎3.3‎الإميان ب<strong>عمل</strong> الإعالم على اأنه تبليغ رسايل وليس اإصالحاً‏ جمتمعياً‏ فقط.‏<br />

‎4.4‎تربية النشء اإعالمياً‏ منذ حداثة ‏سنِّهم لكي ل يكونوا لقمة ‏سائغة يف اأفواه املُتحيِّنني للفرص من اأمثال<br />

املتطرفني،‏ واملنحرفني فكرياً.‏<br />

‎5.5‎مواكبة املوجة الإعالمية يف ظل تطوراتها السريعة واملباغتة،‏ وسرعة حتديث املعلومات لدى العامة<br />

واخلاصة.‏<br />

‎6.6‎خلق بدائل للوسائل الإعالمية املفسدة،‏ ت<strong>عمل</strong> على ذات اجلذب والتاأثري يف الناس ليوازيها جاذبية اأو<br />

يفوقها اأيضاً.‏<br />

‎7.7‎تقنية املتابعة الفورية ونعني بها الستعداد اإىل رد اأي حركة اإفسادية اإعالمية اأو جمتمعية بشكل ‏سريع<br />

دون حاجة اإىل الإبطاء اأو التاأخري.‏<br />

‎8.8‎وجود اخلطة ‏)ب(‏ دائماً،‏ لكل <strong>عمل</strong> نقوم به حتى ل يتاأخر الركب الإعالمي بنا.‏<br />

‎9.9‎متابعة اآخر املستجدات لتحركات املريدين،‏ ومتابعتهم بشكل دائم،‏ والتحذير من خطرهم.‏<br />

‎1010‎التنويع يف الوسائل الإعالمية املصلحة لكسر الرتابة واجلمود والوصول اإىل اأكرب عدد من اأمناط الناس<br />

وذكاءاتهم املتعددة.‏<br />

‎1111‎‏ضرورة نزول الشخصيات الإعالمية الواعية حلالة اإفسادية ما يف املجتمع اإىل امليدان وعدم الكتفاء<br />

بتقدمي دورات ذات نطاق جغرايف حمدد.‏<br />

‎1212‎اإضفاء طبقة ‏سُ‏ كرية على اخلطاب الديني ليكون خطاباً‏ اإعالمياً‏ اإبالغياً‏ ‏سائغاً‏ للشاربني بعيداً‏ عن<br />

النصح املباشر،‏ والرتهيب.‏<br />

25


الهوامش:‏<br />

بحسب ورودها يف الورقة:‏<br />

‎1.1‎حممدعبد القادر:‏ دور الإعالم يف التنمية،‏ وزارة الثقافة والإعالم،‏ ‎1982‎م،ص 102.<br />

‎2.2‎دخيل حممد حسن : رسائل الإمام علي ‏)ع(‏ ‏،دار املرتضى،بريوت،ط/‏‎1،2001‎م،ص 9.<br />

‎3.3‎‏سورة الأحزاب : اآية . 21<br />

‎4.4‎عبد الوهاب كحيل:‏ الأسس العلمية والتطبيقية لالإعالم الإسالمي،عال الكتب،‏<br />

بريوت،ط/‏‎1،1985‎م،ص 29.<br />

‎5.5‎نايجوزيف:القوةالناعمةوسيلةالنجاحفيالسياسةالدولية،العبيكانبالتعاومنعببلكاأفريس،نيو<br />

يورك/‏ الوليات املتحدة‎2007‎م،ص 12.<br />

‎6.6‎راجع عبارة الإمام اخلميني،‏ ملتقى ‏)استرياتيجية وسائل الإعالم الداخلية ملواجهة احلرب<br />

الناعمة(.‏<br />

26


املقدمة<br />

من املهم جدا طرح قضية القدوة واإشكالت الواقع على اأساس خاص،‏ فال تطرح القضية باعتبار فردي واأخالقي<br />

فقط،‏ بل لبد من طرحها من نافذة الفكر واملدرسة التي تهتم بسعادة الفرد واملجتمع وتبث فيهما احلياة<br />

احلقيقية.‏<br />

ل بد اأن نعرف اأن النظام املعريف اجلامع والكامل لالإسالم هو الذي اأثبت قدرته على ‏صنع واقع جامع وكامل<br />

لإدارة املجتمع وقيادته على اأسس من القيم الدينية.‏<br />

جميع اأطروحات قضايا املراأة يجب اأن تستند اإىل اأمرين،‏ البعد النظري،‏ والبعد ال<strong>عمل</strong>ي،‏ بتعبري اأدق،‏ يجب اأن<br />

تستند الدراسة اإىل عنصرين،‏ اأولها الأدلة واحلجج على الأمنوذج الأمثل لشخصية املراأة واملجتمع النسوي،‏<br />

اأي املصادر الدينية املعتمدة كاأساس لصياغة ‏شخصية املراأة،‏ والعنصر الثاين هو الواقع والتطبيق اخلارجي<br />

لشخصية املراأة النموذج.‏<br />

بتعبري اآخر،‏ كل طرح <strong>عمل</strong>ي اأو دراسة ميدانية لبد اأن تستند اإىل املباين النظرية التي تراعي الواقع ال<strong>عمل</strong>ي<br />

للمجتمع النسوي؛ لذا لبد يف طرح اأي بحث اجتماعي الستناد يف اآن واحد اإىل عنصري احلجية والواقع،‏<br />

فاحلجية تعود اإىل املباين واملصادر الدينية،‏ واأما الواقع فهو التطبيق اخلارجي.‏<br />

‏صار لزاما اأن يتم تدوين وصياغة القدوة اجلامعة لشخصية املراأة املسلمة،‏ فاحلل الأمثل لقضايا املراأة مرهون<br />

بوجود مثل اأعلى وجامع للشخصية الفردية والجتماعية للمراأة من جانب،‏ ومن جانب اآخر،‏ لبد من الفهم<br />

الدقيق واجلوهري والإحاطة الكاملة ملشاكل وقضايا جمتمع املراأة،‏ حتى يتم بهما الإصالح والتنمية الأصيلة<br />

واجلذرية لواقع املراأة.‏<br />

التاريخ احلديث يشهد اندحار التمدن الغربي وجتدد احلياة الدينية يف املجتمعات الإٍسالمية،‏ وتراجعت الروؤى<br />

حول ‏»ضعف«‏ احلضور الديني يف العال اجلديد على املستويني الجتماعي والقيادي اأو الإداري اإن ‏صح التعبري،‏<br />

فمن جهة جنحت الثورة الإسالمية يف اإيران يف تقدمي النموذج ال<strong>عمل</strong>ي لالإسالم يف املجتمع.‏ وبقراءة ‏سريعة<br />

ملفهوم احلرب الناعمة نصل اإىل حقيقة اأن الإٍسالم قوة ل مثيل لها،‏ واأن املراأة ‏سالح جبار لذا فالعدو يستهدف<br />

الإسالم يف عقائده ومفاهيمه وهوعاجز،‏ فيجتهد يف ‏صنع الكثري من الوسائل التي ليس هنا املجال لذكرها،‏ كما<br />

يستهدف املراأة اأكرث من غريها لعظم دورها وحساسية اأثرها على املجتمع.‏<br />

من الواضح اأن هذا النوع من البحث جديد يف الساحة النسوية املنتمية ملجتمع البحث،‏ وبالتايل فاإن املصادر<br />

التي تناولت اجلانب النظري من املوضوع ل تسلط الضوء على اأصل القضية اإل يف اأبعاد تاريخية بعيدة زمانا<br />

ومكانا،‏ ولسنا بصدد الإشارة اإىل اجلماعات املنحرفة عقائديا مثل اجلماعات التي ادعت النيابة اخلاصة عن<br />

الإمام عج واأمثال ذلك،‏ فهي بعد اأن تنكشف يكون املوقف الإسالمي والشرعي منها واضحا للجميع اإل من كان<br />

يف غفلة وسبات ‏)من نام ل ينم عنه(‏ . 1<br />

اأهمية املوضوع وضرورته<br />

يشهد واقع النساء القدوات يف الدائرة التي حتيط بنا ‏)جمتمع البحث(‏ حالة نادرة وجديرة بالتوقف،‏ والتاأمل،‏<br />

28<br />

- 1 الموسوي،‏ السيد عباس،‏ شرح نهج البالغة،‏ الخطبة 62، ج‎5‎‏،‏ ص 133


والدراسة،‏ فقد برزت قدوات خالل العقدين املاضيني،‏ تصدت لقيادة وتعليم وتوجيه جماميع من الأتباع النساء<br />

حتت ذرائع كالتحصيل الديني اأو بلوغ مراتب من العرفان اأو غريها،‏ ونظرا لأن القتداء والتباع حاجة ‏ضرورية<br />

لالإنسان تستجيب لفطرته املنجذبة نحو الكمالت لبلوغ السعادة،‏ فقد تعرض اأغلب التباع جلملة من املمارسات<br />

انتهت اإىل النحراف العقائدي فضال عن ‏ضحايا تاأثرت نفسيا واجتماعيا بسبب الستغالل املادي واملعنوي،‏ لذا<br />

وجب دراسة احلالة النسوية لتشخيص احلالة وحتديد العالج املناسب لنتائجها والأهم من كل ذلك ‏صياغة<br />

برنامج وقائي للمجتمع النسوي يف هذا الصدد.‏<br />

خلفية املوضوع التاريخية<br />

موضوع نساء قدوات بدا مهما للبحث وبلغ اإىل تخصيص موؤمتر له؛ نظرا للتحديات التي اكتسحت الساحات<br />

النسوية يف العال حتت وطاأة احلرب الناعمة التي اأفرزت عن حالة من القدوات تنتهي بالنحراف وحتيل اأتباعها<br />

اإىل واقع متاأزم لالأجيال اجلديدة،‏ وينبئ مبستقبل نسوي اأكرث خطورة واأشد عرضة للنفوذ من قبل اأعداء الدين،‏<br />

كما اأن املنهج الإسالمي العاملي يقتضي ال<strong>عمل</strong> على ‏صناعة قدوات قادرة على الرتقاء بالأجيال النسوية والأتباع<br />

نحو ال<strong>عمل</strong> اجلاد والدوؤوب لبناء احلضارة الإسالمية العاملية.‏<br />

دوافع اإجراء البحث<br />

نساء قدوات واإشكاليات الواقع،‏ يعني اأن قضية القدوة ليست قضية اأفراد،‏ بل هي يف النتيجة قضية الأتباع الذين<br />

يقعون حتت تاأثري هذه القدوات اإيجابا وسلبا،‏ فتحيل املجموعات املتنامية مع الزمن اإىل جمتمع قابل للضياع<br />

والستغالل اأو العكس،‏ لذا كان من الضروري حتديد الإشكالت التي اأفرزتها القدوات السلبية اأو املنحرفة،‏<br />

وصول اإىل تقدمي بحث ‏صادق عن الواقع النسوي يف دائرة جمتمع البحث،‏ ميكن الستناد اإليه يف حتديد الأولويات<br />

والربامج املناسبة للمجتمع ودور املوؤسسات والأفراد يف هذا الإطار.‏<br />

29


1-1 القدوة والأسوة<br />

الفصل الأول:‏<br />

مفاهيم كلية حول القدوة والأسوة<br />

القدوة،‏ الأسوة،‏ النمط،‏ املثال،‏ الأمنوذج،‏ وغريها من املفردات التي حتمل معنىً‏ بعينه يريده املتكلم يف<br />

‏سياق خطابه،‏ ولسنا هنا بصدد البحث فيها اأو دراسة املقارنة بينها،‏ ولكن يكفينا هنا بيان اأن الأسوة<br />

لها دور مهم جدا يف طرح القدوات الجتماعية،‏ فالأسوة هي ‏شخصيات رمزية تعترب اأمثلة ومناذج كاملة<br />

وجامعة يف التاريخ البشري،‏ واأما القدوة فهي تطبيق لتلك الأسوة،‏ ومصداق للقيم الثابتة يف عصرها<br />

2<br />

وجمتمعها.‏<br />

الأسوة تطلق على ‏شخص هو قدوة وموضع اتّباع من الآخرين يف <strong>عمل</strong>ه وسلوكه وحالته وطريقته،‏ والهدف<br />

من القتداء به هو حتقيق الإصالح يف البعدين الفردي والجتماعي للمقتدمِ‏ ي.‏<br />

البعض قال باأن تخصيص كلمة اأسوة ووصفها باحلسنة قد يدل على وجود الأسوة غري احلسنة اأيضا،‏<br />

ولكن يف كل حال تطلق الأسوة على الشخص الذي يتم القتداء به كنموذج يف القيم واملبادئ التي يقبلها<br />

التابع.‏<br />

اأسوة حسنة اأي قدوة ‏صاحلة يف كل الأمور،‏ و)مثال(‏ يف الفلسفة:‏ هو حقيقة الأشياء اجلامع ‏صفات<br />

3<br />

اجلنس والنوع املشرتكة ‏)نظرية املثل عند اأفالطون(.‏<br />

1-2 القدوة يف الآيات والروايات<br />

وردت كلمة الأسوة يف القراآن الكرمي وهي مبعنى القدوة اأيضا يف ثالث مواضع فقط،‏ اأي عن ثالث<br />

اأسوات،‏ وهم:‏<br />

‎1‎النبي 1. حممد ‏صلى اهلل عليه واآله يف قوله تعاىل:‏ ‏{لَقَ‏ دْ‏ كَ‏ انَ‏ لَكُ‏ مْ‏ يفمِ‏ رَسُ‏ ولمِ‏ اهللَّ‏ مِ‏ اأُسْ‏ وَةٌ‏ حَ‏ ‏سَ‏ نَةٌ‏ ملِّ‏ ‏َن كَ‏ انَ‏<br />

- 2 يف رد لسماحة الشيخ اإلياس اجلعفري ‏)املحرق/البحرين(‏ على ‏سوؤال عن العالقة املنطقية بني القدوة والأسوة تفضل مشكورا بالإجابة التالية:‏<br />

العالقة والنسبة بني الأسوة والقدوة على ما يستفاد من بعض الآيات والروايات هي اأن كل اأسوة كمصطلح قراآين قدوة يقتدى ويحتذى بها ولكن ليس كل قدوة اأسوة،‏ مبعنى اأن<br />

بعضا منها - القدوة – وحسب،‏ اأسوة،‏ كما يف قوله تعاىل : ‏}}اأولئك ‏[اأي الأنبياء الأطهار عليهم السالم[‏ الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده{{‏ الأنعام/‏‎90‎ ، حيث اأن كال من<br />

الأنبياء عليهم الصالة والسالم اأسوة بالقول املطلق؛ لكونهم مطهرين معصومني،‏ فكونهم عليهم السالم حسب الآية املذكورة ‏“قدوة”،‏ بل وبعبارة اأدق:‏ كون هداية اهلل لهم اأي<br />

كونهم مهديني باهلل تعاىل ‏“قدوة”‏ يقتدي بها - كما هو واضح من الآية - يعني فيما يعنيه كونهم اأو كون هدايتهم هذه ‏“اأسوة”،‏ وذلك لأن النبي باعتباره نبيا قد مت توصيفه<br />

قراآنيا باأنه اأسوة حسنة اأي اأن النبي مبا هو نبي يوحى اإليه ومبا هو مهدي باهلل تعاىل اأسوة مطلقا فكونه قدوة يعني كونه اأسوة .. هذا،‏ وغري خاف اأن ذكر بعضهم خاصة دون<br />

غريهم اإمنا هو على ‏سبيل املثال ومن باب بيان بعض النماذج،‏ وكذلك من باب الأهمية،‏ اأعني اأهميتهم واأهمية املناسبة واملوضوع الذي مت عرضه وبيانه بساأنهم يف القراآن الكرمي<br />

.. وعلى كل حال فكل اأسوة قدوة - اأي يقتدي بها مطلقا وبال قيد وشرط - ولكن العكس ليس ‏صحيحا حيث اأن بعض مصاديق القدوة اأسوة باملطلق وليس كلها وذلك اإذا اأخذنا<br />

‏ضمن ‏شروط الأسوة - اأي يف معناها ‏شرطا - الطهارة والعصمة الربانية ‏“ذاتا”‏ اأعني اأن يكون مصداق الأسوة ‏“شخصا”‏ معصوما،‏ اأو اأخذناها ‏)العصمة الربانية(‏ ‏“فعال”‏<br />

باأن يكون الفعل معصوما لكونه قد مت تفعيله مباشرة بهداية وقيادة واإرشادات ‏شخص معصوم ‏)كالنبي اإبراهيم اخلليل عليه السالم(‏ حتى واإن ل يكن املباشر والفاعل لهذا<br />

الفعل بحد ذاته معصوما اأعني ليس معصوما بشخصه ويف ‏شخصيته،‏ وعليه فيكون هذا الفعل اخلاص اأيضا معصوما بهذا السبب والإعتبار - وذلك ‏)مثال(‏ كفعل التربي من<br />

الطاغوت والكفر به ومن ثم <strong>عمل</strong>ية العداوة والبغضاء واإبدائهما قبال هوؤلء اأي اأعداء اهلل واأعداء الإنسانية وكمالها الغائي - فيكون اأي هذا الفعل املقدس اأسوة مطلقا ومن دون<br />

اأي قيد وشرط،‏ وذلك كما يف بعض الذين كانوا مع اإبراهيم ‏)ع(‏ اأي غري املعصومني منهم - اأعني غري لوط واإسماعيل واإسحاق و..اإلخ عليهم السالم - حيث اأن فعلهم هذا لكونه<br />

معصوما عن اخلطاأ والضاللة وما اأشبه يعد اأسوة مطلقا .. قال تعاىل : }} قَ‏ دْ‏ كَ‏ انَتْ‏ لَكُ‏ مْ‏ ُ اأسْ‏ وَةٌ‏ حَ‏ ‏سَ‏ نَةٌ‏ يفمِ‏ اإمِبْرَ‏ اهمِ‏ يمَ‏ وَالَّذمِ‏ ينَ‏ مَ‏ عَهُ‏ مِ‏ اإ ذْ‏ قَ‏ الُوا لمِقَ‏ وْممِ‏ همِ‏ مْ‏ اإمِنَّا بُرَ‏ ءاوؤ ممِ‏ نكُ‏ مْ‏ وَمممِ‏ َّ ا تَعْبُدُ‏ ونَ‏ ممِ‏ ن<br />

دُ‏ ونمِ‏ اهللَّ‏ مِ‏ كَ‏ فَ‏ رْ‏ نَا بمِكُ‏ مْ‏ وَبَدَ‏ ا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُ‏ مُ‏ الْعَدَ‏ اوَةُ‏ وَالْبَغْضَ‏ اء اأَبَدً‏ ا حَ‏ تَّى تُوؤْممِ‏ نُوا بمِاهللَّ‏ مِ‏ وَحْ‏ دَ‏ هُ‏ ..{{ املمتحنة/‏‎4‎‏.‏<br />

- 3 معجم املعاين /http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A9<br />

30


4<br />

يَرْ‏ جُ‏ و اهللَّ‏ َ وَالْيَوْمَ‏ الْ‏ آخمِ‏ رَ‏ وَذَ‏ كَ‏ رَ‏ اهللَّ‏ َ كَ‏ ثمِريًا}.‏<br />

‎2‎والنبي 2. اإبراهيم على نبينا واآله وعليه السالم يف قوله تعاىل:‏ ‏{قَ‏ دْ‏ كَ‏ انَتْ‏ لَكُ‏ مْ‏ اأُسْ‏ وَةٌ‏ حَ‏ ‏سَ‏ نَةٌ‏ يفمِ‏<br />

5<br />

اإمِبْرَ‏ اهمِ‏ يمَ‏ وَالَّذمِ‏ ينَ‏ مَ‏ عَهُ}.‏<br />

‎3‎وعن 3. اجلماعة التي مع النبي اإبراهيم عليه السالم يف الآية السابقة يف املوضع الذي تاأسوا به<br />

وتعترب هاجر عليها السالم مصداقا للذين معه.‏<br />

كما ورد يف الكثري من الروايات كون النبي ‏صلى اهلل عليه واآله واأهل بيته اأسوة.‏<br />

6<br />

1-3 عالقة القدوة بالربوبية والرتبية والتدبري والسياسة<br />

نرى يف املنظور القراآين اأن الأسوة لها عالقة مباشرة بالرتبية والربوبية،‏ فالقدوة لها منزلة الربوبية<br />

اأي الرتبية،‏ حيث تبداأ الرتبية يف ‏سلسلة الوجود من اهلل تعاىل،‏ املربي الأول ‏{قُلْ‏ اأَعُ‏ وذُ‏ بمِرَ‏ بِّ‏ النَّاسمِ‏ { 7 ،<br />

وتستمر يف البشر.‏<br />

يقول الراغب الإصفهاين ‏)الرب يف الأصل الرتبية وهو انشاء الشيء حال فحال اإىل حد التمام(‏ ، 8<br />

ويعرّ‏ فه املصباح املنري بقوله ‏)الرب:‏ اإذا ‏ساسه وقام بتدبريه(‏ . 9<br />

فصراع الأنبياء طوال التاريخ كان يف الأساس مع الذين ادعوا الربوبية من دون اهلل،‏ كفرعون ‏{فَ‏ قَ‏ الَ‏ اأَنَا<br />

رَبُّكُ‏ مُ‏ الْ‏ أَعْ‏ لَى}‏ 10 اإذ راأى نفسه ربا للناس لأنه يدبر ويتحكم يف احلياة القتصادية لقومه وينظم ‏سوؤونهم<br />

الفردية والجتماعية فمنح نفسه حق الرتبية والتشريع باستدلله حني قال ‏{وَنَادَ‏ ى فمِ‏ رْ‏ عَ‏ وْنُ‏ يفمِ‏ قَ‏ وْممِ‏ همِ‏ قَ‏ الَ‏<br />

12<br />

يَا قَ‏ وْممِ‏ اأَلَيْسَ‏ يلمِ‏ مُ‏ لْكُ‏ ممِ‏ ‏صْ‏ رَ‏ وَهَ‏ ذمِ‏ همِ‏ الْ‏ أَنْهَ‏ ارُ‏ جتَ‏ ْ رمِ‏ ي ممِ‏ ن حتَ‏ ْ تمِي اأَفَ‏ الَ‏ تُبْسصِ‏ رُ‏ ونَ‏ { 11 .<br />

وباملثل اتخذ النصارى رهبانهم اأربابا من دون اهلل ‏)اتَّخَ‏ ذُ‏ واْ‏ اأَحْ‏ بَارَهُ‏ مْ‏ وَرُهْ‏ بَانَهُ‏ مْ‏ اأَرْبَابًا مِّ‏ ن دُ‏ ونمِ‏ اهللّ‏ مِ‏<br />

وَاملْ‏ ‏َسمِ‏ يحَ‏ ابْنَ‏ مَ‏ رْ‏ ميَ‏ َ وَمَ‏ ا اأُممِ‏ رُ‏ واْ‏ اإمِلَّ‏ لمِيَعْبُدُ‏ واْ‏ اإمِلَهً‏ ا وَاحمِ‏ دً‏ ا لَّ‏ اإمِلَهَ‏ اإمِلَّ‏ هُ‏ وَ‏ ‏سُ‏ بْحَ‏ انَهُ‏ عَ‏ مَّ‏ ا يُشْ‏ رمِ‏ كُ‏ ونَ‏ ) 13 حيث كان<br />

الناس يتبعون الرهبان يف كل ‏شيء ويقتدون بهم وهم الذين حرفوا الإجنيل و<strong>عمل</strong>وا بخالف تعاليم نبي<br />

اهلل عيسى عليه السالم.‏<br />

14<br />

1-4 عالقة الأسوة بالولية<br />

وفقا للمنظور القراآين فاإن قبول واتخاذ الأسوة ترتبط مبسالة الولية والتويل ارتباطا قريبا ومباشرا،‏<br />

- 4 سورة األحزاب 21<br />

- 5 ‏سورة املمتحنة 4<br />

- 6 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان،‏ ‏ص 80<br />

- 7 ‏سورة الناس‎1‎<br />

- 8 الإصفهاين،‏ الراغب،‏ مفردات الراغب،‏ 35/http://shamela.ws/index.php/author<br />

- 9 املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري،‏ 12145/http://shamela.ws/index.php/book<br />

- 10 ‏سورة النازعات 24<br />

- 11 ‏سورة الزخرف 51<br />

12- العسكري،‏ السيد مرتضى،‏ قيام الأئمة باإحياء السنة،‏ ‏ص؟<br />

- 13 ‏سورة التوبة 31<br />

- 14 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان،‏ ‏ص 81<br />

31


فمعنى الولية يتجلى يف القتداء بالإمامة،‏ كما اأن التحولت الفردية والتغيريات الجتماعية وحركات<br />

النهضة التاريخية كلها تقوم على ‏)اأئمة النار(‏ و)اأئمة النور(.‏<br />

15<br />

والولية ذات مراتب،‏ وجُ‏ علت جلماعات واأفراد معينني منهم:‏ الإمام،‏ احلاكم الشرعي،‏ الأب،‏ املعلم<br />

و..،‏ فالشارع املقدس يضع اعتبارا لتاأثري القدوة على التباع،‏ ول<strong>عمل</strong>ية التباع نفسها،‏ ودورها واأثرها على<br />

الفرد واملجتمع،‏ لذا وضع الشارع خصائص لزمة اأو مرجحة للويل حماية لالأتباع ولطفا بهم.‏<br />

وبالتايل فاإن الأسوة لها دور جوهري يف <strong>عمل</strong>ية التغيري الفردي والجتماعي والتاريخي،‏ كما هو متمثل<br />

ومتحقق يف دور الأنبياء والأئمة عليهم السالم.‏<br />

1-5 القدوة اأو الأسوة كمصطلح يف العلوم الإنسانية 16 ‏)الصطالحات الالتينية الأصل(:‏<br />

pattern , model, symbolic person يكرث استخدام هذه الصطالحات يف العلوم<br />

الرتبوية والنفسية ويف علم القتصاد وعلم املجتمعات،‏ ولكل مصطلح معناه املراد يف ‏سياقه،‏ ول تتطابق<br />

كلها مع املفهوم القراآين ملفردة الأسوة،‏ واأقرب مصطلح غربي لالأسوة قد تكون symbolic pe r<br />

son اأي الشخصية الرمزية،‏ واأما pattern اأي النمط،‏ فهو الكرث استخداما يف العلوم الرتبوية<br />

والسلوكية،‏ والنمط هنا يغلب عليه الرتكيب من اأجزاء قابلة للتفكيك ولكنها تنتظم يف ارتباط وانسجام<br />

يحقق اأمنوذجا وقدوة.‏ ويف هذه العلوم اأيضا يستخدم مصطلح 17 model لإبراز مركب مصنوع او<br />

منتزع؛ لبيان كيفية اتصال الأجزاء ببعضها حتى تكون موؤهلة لالقتداء بها.‏<br />

كما تعترب القدوة يف العلوم الرتبوية <strong>عمل</strong>ية مزج بني التعليم والرتبية education والتدريب<br />

trainingوالتوجيه ، instruction وتستمر يف زمن طويل نسبيا وتساعد على النمو يف املجالت<br />

النفسحركية واملعرفية والأخالقية،‏ وبشكل عام تقدم طاقات للمجتمع قادرة على حتقيق اأهداف املجتمع.‏<br />

18<br />

1-6 القدوة يف املناهج الإسالمية<br />

توجد ثالثة مناهج اإسالمية 19 متفاوتة يف الواقع الإسالمي،‏ نستعرضها باختصار ونحدد املنهج الأصيل<br />

منها،‏ وعلى ‏ضوء املناهج نستنتج باختصار الروؤية الإسالمية الأصيلة حول القدوة واآثارها.‏<br />

- 15 تبني الدراسة امليدانية مثال واقعيا مفاده اأن القدوة تطلب من تابعاتها ومريداتها دراسة كتاب ‏)منية املريد يف اآداب املفيد واملستفيد(‏ للشهيد الثاين،‏ ليتعلمن اآداب التعامل<br />

مع املعلم،‏ يف حني اأن الكتاب نفسه يوؤكد على الآداب الواجبة على الطرفني،‏ املعلم واملتعلم،‏ ولكن مستوى عقلية الأتباع قد تفرض على نفسها الآداب من جهتها دون مالحظة<br />

الطرف الأول وهو املعلم القدوة الذي يجب اأن يلتزم بالآداب قبل الطالب بل ويكون قدوة له فيها.‏<br />

- 16 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان،‏ ‏ص‎82‎<br />

- 17 يكرث استخدام هذا املصطلح يف الوقت احلاضر ملن يعرضون خمتلف املوضوعات يف الإعالنات ‏سواء من الذكور اأو الإناث.‏<br />

- 18 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان<br />

- 19 يحدد حممد تقي ‏سبحاين يف كتابه)األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان(‏ ‏ص 45- 54 ، ‏ستة خصائص متيز املناهج الثالث وهي:‏<br />

ماهية الدين ‏)الإسالم(‏<br />

طريقة فهم الدين<br />

العقالنية<br />

العلوم التجريبية ومنطق الربجمة ‏)التخطيط(‏<br />

التنمية الجتماعية<br />

تنفيذ وتطبيق الدين<br />

32


33<br />

20<br />

‎1‎منهج 1. الإٍسالم التقليدي<br />

21<br />

‎2‎منهج 2. الإسالم احلداثي<br />

‎3‎منهج 3. الإسالم احلضاري<br />

هكذا يطرح املفكرون يف العصر احلايل املناهج الإسالمية املوجودة يف الساحة والواقع العاملي،‏ وبعد<br />

دراسة كل منهج يتبني اأن كل منهج يقدم روؤية لصياغة ‏شخصية املراأة القدوة والأمنوذج وذلك يف اإطار<br />

الفكر الذي يتبناه.‏<br />

هذه املناهج برزت يف العقود الأخرية،‏ وظهرت كنظريات بعد اأن ‏سعى البعض لالإجابة على اأساألة<br />

ومشكالت واقعية حول الساأن النسوي يف املجتمعات العربية والإسالمية التي اندجمت مع الثقافة الغربية<br />

بقصد اأو بدون.‏<br />

املنهج التقليدي واحلداثي كالهما كانا مبثابة ردة الفعل جتاه الغزو الثقايف الغربي وتشكُّل الثقافة الغربية<br />

اجلديدة يف العال الإسالمي.‏ وتعامل املنهج التقليدي بسلبية واضحة جتاه حضور وهيمنة الثقافة الغربية<br />

بلغت اأحيانا اإىل اتهامهم بالتكفري والزندقة،‏ ولكن بالتدريج مت تعديل النظرة اإىل التشديد على تطبيق<br />

السنة واملناسبات الجتماعية والإسالمية،‏ كما ل يرى هذا املنهج اأية ‏ضرورة لطرح فكرة املراأة القدوة،‏<br />

بل واأحيانا يراه بدعة وانحرافا عن الدين،‏ واإذا برزت فيه ميول نحو القدوات النسوية فلن تتجاوز<br />

النماذج التاريخية لصدر الإٍسالم.‏ ورغم اأنه يوؤكد على عقيدة الوحي الإلهي؛ ولكنه عاجز عن تقدمي<br />

روؤية حضارية لالإسالم يف الواقع املعاش،‏ فتفصل وتعزل الدين عن التجديد،‏ رغم اأنها توؤكد على تفعيل<br />

الدين يف حتولت الزمان،‏ لكن لأن هذا احلضور يستدعي القضاء على الشرع الصلي لالإسالم،‏ فال<br />

يقبل التجديد،‏ وبالتايل يستحيل فيه اجلمع بني الثابت واملتغري،‏ فتستبدل املتغري بالثابت.‏<br />

يف حني تعامل منهج الإسالم احلداثي مع الثقافة الغربية باإيجابية واستقبلها بحفاوة،‏ ولكن ل يتمكن<br />

من اأن يصيغ قدوة للمراأة بالطريقة التي يقدمها املنهج احلضاري،‏ والسبب اأن املنهج احلداثي يفكك<br />

بني البعدين الفردي والجتماعي،‏ ويحافظ على املتغري على حساب الثوابت الشرعية،‏ لذا ‏صار هدف<br />

املنهج احلداثي دمج املراأة املسلمة يف املنظومة العاملية وخلق قدوات تتناسب مع املواثيق الدولية اخلاصة<br />

باملراأة ، 22 بخالف ما يدعو اإليه منهج الإسالم احلضاري.‏<br />

لقد كان منهج الإسالم احلضاري موجودا قبل تلك املناهج،‏ وله جذور يف اآراء علماء القرن املاضي،‏<br />

حتى برزت بوضوح مع الثورة الإسالمية بقيادة الإمام اخلميني ‏)قده(‏ يف ‎1979‎م،‏ وشعر بها ‏ساسة<br />

الغرب فربزت يف اأدبياتهم عبارات مثل ‏)الإسالم السياسي(،‏ ومتيز املنهج احلضاري باأنه ل يتعارض<br />

مع التجديد والتنمية،‏ بل ويزيد على ذلك اأنه يعترب التطور العلمي والتكنولوجي من اأهم وسائل احلياة<br />

البشرية ومن ‏ضرورياتها.‏<br />

- 20 هذا املنهج نشاهده يف ‏سلفية السنّة اأكرث من الشيعة ‏سواء بني العلماء اأو املتدينني.‏<br />

- 21 الذين تاأثروا بالتمدن الأوروبي،‏ وشعروا بالركود الفلسفي يف الأمة الإسالمية والفقر يف التنظري يف املوؤسسات الجتماعية،‏ واالنحطاط السياسي واالجتماعي.‏<br />

- 22 نالحظ يف السنوات الأخرية دور الغرب وكياناته الدولية يف خمتلف املجالت،‏ تقوم بدور فعال يف اإبراز قدوات نسوية من دول مايسمى بالربيع العربي عرب منحها جوائز<br />

عاملية اأو استضافتها يف حمافل دولية وعاملية حتى تتحول اإىل اأيقونة يف اإطار املنهج احلداثي،‏ وتطرحها على الشعوب كاأمنوذج اإسالمي للمراأة القدوة.‏


يف الوقت الذي ‏سعى احلداثيون نحو استعارة النماذج من الغرب،‏ كان املنهج احلضاري يسعى لبيان<br />

وتاأسيس مناذج من التنمية الجتماعية يف خمتلف املجالت الإسالمية والتعاليم الدينية،‏ فاجتهد املنهج<br />

احلضاري يف قبال املنهجني التقليدي واحلداثي،‏ ونشط يف تقدمي اجلواب واحلل الفصل يف تلك القضايا<br />

التي عجز فيها الآخرون.‏<br />

الأسس التي يتم عليها بناء الشخصية الإسالمية للمراأة املسلمة،‏ وفقا ملنهج الإسالم احلضاري،‏ 23 هي:‏<br />

‎1‎الروؤية 1. املنهجية لقضايا املراأة<br />

‎2‎الأصالة 2. يف فهم الدين،‏ والتنمية يف التطبيقات<br />

‎3‎التكامل 3. يف مناهج الجتهاد،‏ وجتديد النظر يف مناهج العلوم<br />

‎4‎‏ضرورة 4. تدوين مثال جامع وكامل لشخصية املراأة املسلمة<br />

‎5‎ماأسسة 5. احلضارة الإسالمية اجلديدة.‏<br />

1-7 معايري الأسوة<br />

‎1‎الأسوة 1. هي كاملنظومة،‏ تقوم على نظام خاص،‏ ولها مواصفات املنظومة التي تنتمي اإليها،‏ وتفقد معيارها<br />

يف حال تفكيكها اإىل اأجزاء.‏<br />

‎2‎الأسوة 2. ترمز وتشري اإىل اأن القيم الثابتة ميكن تطبيقها يف كل زمان،‏ ويف خمتلف املراحل التاريخية<br />

والجتماعية،‏ بكل ما حتتويه من ‏سلوك اأو نفسية اأو قانون.‏<br />

‎3‎الأسوة 3. ل تقتصر على مناذج خارجية متثل القدوة والنموذج بل تتجاوزها اإىل مستوى الأفضل والأكمل<br />

على الطالق.‏<br />

‎4‎الأسوة 4. لها دور يف حتليل الظروف الواقعية وحتديد اجتاه احلراك،‏ ول يعني ذلك جتاهل نتائج اأو جدوى<br />

التجارب العلمية.‏<br />

‎5‎الأسوة 5. لديها قابلية التناسب والتطور مع املتغريات الجتماعية والتاريخية،‏ كما لديها القدرة على التنمية<br />

والتكامل،‏ والسابقات منها تهيئ الأرضية للقدوات الالحقة،‏ والأمر ليخلو هنا من عنصر الصراع<br />

والتزاحم اإىل حني حتقق الهدف.‏<br />

اإذن ميكن تعريف الأسوة اجلامعة والكاملة لشخصية املراأة املسلمة باأنها املصداق العيني الأفضل<br />

ملنظومة ‏شخصية املراأة يف البعدين الفردي والجتماعي بلحاظ الأبعاد املعرفية للتكوين والقيم واحلقوق<br />

24<br />

مبا يتناسب مع الظروف الزمانية والإمكانيات املتاحة يف كل مرحلة اأو جمتمع.‏<br />

- 23 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان.‏<br />

- 24 لحظ:‏ ‏سبحاين،‏ حممد تقي،‏ األكوي جامع ‏شخصيت زن مسلمان.‏<br />

34


الفصل الثاين:‏<br />

مناذج من نساء قدوات<br />

بعد اأن ثبت لنا اأن الأسوة وفقا ملنهج الإسالم احلضاري تنحصر يف ‏شخصيات حددها الإسالم وجعلها معيارا<br />

يف كل جمالت واأبعاد حياتها بحيث متثل الأمنوذج الأكمل والأفضل،‏ ثم منه يتم ‏صياغة القدوات يف كل زمان<br />

ومكان،‏ فالفطرة الإنسانية واحدة يف جميع العصور وجلميع الأجيال،‏ وتشرتك السنن الإلهية مع الفطرة باأنها<br />

غري قابلة للتغيري ‏{سُ‏ نَّةَ‏ اهللَّ‏ مِ‏ الَّتمِي قَ‏ دْ‏ خَ‏ لَتْ‏ ممِ‏ ن قَ‏ بْلُ‏ وَلَن جتَ‏ مِ‏ دَ‏ لمِسُ‏ نَّةمِ‏ اهللَّ‏ مِ‏ تَبْدمِ‏ يالً‏ { 25 توؤكد ثبات ودوام هذه القواعد<br />

حتى ل يظن اأحد اأن هذه الأسوات ترتبط بزمن خاص،‏ ومن مناذج النساء الأسوة هن:‏<br />

‎1‎فاطمة 1. الزهراء بنت خامت النبيني حممد ‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎2‎خديجة 2. الكربى زوجة خامت النبيني حممد ‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎3‎السيدة 3. مرمي بنت عمران الصديقة والدة النبي عيسى عليه السالم قال تعاىل عنها ‏{مَّ‏ ا املْ‏ ‏َسمِ‏ يحُ‏ ابْنُ‏<br />

26<br />

مَ‏ رْ‏ ميَ‏ َ اإمِلَّ‏ رَسُ‏ ولٌ‏ قَ‏ دْ‏ خَ‏ لَتْ‏ ممِ‏ ن قَ‏ بْلمِهمِ‏ الرُّسُ‏ لُ‏ وَاأُمُّهُ‏ ‏سصِ‏ دِّ‏ يقَ‏ ةٌ}.‏<br />

‎4‎السيدة 4. هاجر زوجة نبي اهلل اإبراهيم عليه السالم يشملها قوله تعاىل ‏{قَ‏ دْ‏ كَ‏ انَتْ‏ لَكُ‏ مْ‏ اأُسْ‏ وَةٌ‏ حَ‏ ‏سَ‏ نَةٌ‏ يفمِ‏<br />

اإمِبْرَ‏ اهمِ‏ يمَ‏ وَالَّذمِ‏ ينَ‏ مَ‏ عَهُ}‏ اأي اأنها من الذين معه،‏ كما عرب عنها باأنها اأسوة للنساء والرجال يف الصحوة . 27<br />

‎5‎اآسيا 5. بنت مزاحم زوجة فرعون.‏<br />

‎6‎زينب 6. بنت اأمري املوؤمنني علي بن اأبي طالب عليهم السالم.‏<br />

‎7‎السيدة 7. فاطمة املعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السالم.‏<br />

وغريهن..‏<br />

1-2 قدوات من العصور املاضية<br />

‎1‎ثالث 1. نساء يذكرهن القراآن يف قصة موسى عليه السالم وهن اأم موسى واأخته وزوجة فرعون اآسيا،‏<br />

واأنهن اأسوة للمقاومة وقدوة للجهاد ‏ضد الظلم يف ذلك الزمان حتى يربني ذلك الرجل ولكل منهن<br />

دورها يف مرحلة،‏ ‏{وَاأَوْحَ‏ يْنَا اإمِىلَ‏ اأُمِّ‏ مُ‏ وسَ‏ ى}‏ 28 وقوله تعاىل ‏{وَقَ‏ الَتْ‏ لمِ‏ أُخْ‏ تمِهمِ‏ قُصِّ‏ يه}‏ 29 وقول اآسيا:‏ ‏{لَ‏<br />

تَقْ‏ تُلُوهُ‏ عَ‏ ‏سَ‏ ى اأَن يَنفَ‏ عَنَا اأَوْ‏ نَتَّخمِ‏ ذَ‏ هُ‏ وَلَدً‏ ا وَهُ‏ مْ‏ لَ‏ يَشْ‏ عُرُ‏ ونَ‏ { 30 فهذه ثالث نساء قدوات هياأن الأرضية للحفاظ<br />

31<br />

على نبي اهلل وتربيته حتى يتم القضاء على فرعون وظلمه.‏<br />

- 25 فتح 23<br />

- 26 املائدة 75<br />

- 27 موليي،‏ حسني حشمتي،‏ دور ثقافة احلجاب والعفاف واحلياء ومعنوية املراأة املسلمة يف استمرار الصحوة الإسالمية واحلفظ على بنيتها،‏ مؤتمر المرأة والصحوة<br />

الإسالمية،‏ ‏ص‎79‎<br />

-28 القصص 7<br />

- 29 القصص 11<br />

- 30 القصص 9<br />

- 31 اآملي،‏ اآيت اهلل جوادي،‏ زن در اآئينه جمال وجالل،‏ ‏ص‎130‎<br />

35


‎2‎ملكة 2. ‏سباأ بلقيس التي قدمت اأسوة للمراأة احلاكمة العاقلة احلكيمة،‏ ويتجلى موقفها مبقارنتها مبوقف<br />

فرعون ‏ضد موسى عليه السالم،‏ ومنرود ‏ضد اإبراهيم عليه السالم ، اأي بني هذه املراأة واأولئك الرجال،‏<br />

ليثبت اأن املوقف الذي يحكمه العقل واملنطق والنصاف نتيجته التوفيق،‏ وحيث يكون الستكبار هو<br />

32<br />

احلاكم فعاقبته السقوط،‏ دون فرق بني الرجال والنساء.‏<br />

‎3‎اأم 3. ‏سلمة،‏ بلغت من الثقة والأمانة والساأن اأن عليًّا عليه السالم حني ‏سار اإىل الكوفة استودعها كتبه<br />

والوصية وملا رجع احلسن عليه السالم دفعتها اإليه،‏ وباملثل استودعها الإمام احلسني عليه السالم ملا<br />

‏صار اإىل العراق الكتب والوصية،‏ وملا رجع الإمام السجاد عليه السالم دفعتها اإليه،‏ وهذا الدور ميكن<br />

اعتباره دورا نيابيا عن الإمام املعصوم اأو احلاكم الشرعي.‏<br />

‎4‎فاطمة 4. بنت احلسني عليه السالم،‏ دفع اإليها الإمام احلسني عليه السالم كتابا ملفوفا ووصيته ظاهرة.‏<br />

‎5‎اأم 5. اأحمد زوجة الإمام الكاظم عليه السالم،‏ كانت ذات ورع وعقل اأودعها الإمام اأسراره والأمانات حتى<br />

تويف وجاءها الإمام الرضا عليه السالم وسلمته اإياه.‏<br />

‎6‎السيدة 6. حكيمة بنت الإمام اجلواد عليهما السالم واأخت الإمام الهادي عليه السالم وعمة الإمام<br />

العسكري عليه السالم عاصرت ولدة الإمام املهدي عليه السالم ، اأي كانت من خواص اأصحاب اأربعة<br />

من الأئمة املعصومني،‏ وبلغت مرتبة نالت منها ثقة املعصوم يف النيابة والسفارة عن املعصوم،‏ وهي التي<br />

علمت السيدة نرجس عليها السالم الفرائض والسنن باأمر الإمام عليه السالم لثقته يف علمها،‏ وكان<br />

33<br />

منزلها مدرسة علمية.‏<br />

‎7‎رباب 7. بنت امرئ القيس زوجة الإمام احلسني عليه السالم قدوة يف الوفاء ‏)كانت من خيار النساء<br />

واأفضلهن(‏ . 34<br />

‎8‎‏سكينة 8. بنت احلسني عليه السالم ابنة رباب.‏<br />

‎9‎اأسماء 9. بنت عميس،‏ مثال يف الهجرة والتضحية واخلدمات الثقافية،‏ والعلم،‏ فقد روت ‏ستني حديثا عن<br />

النبي ‏صلى اهلل عليه واآله ، وكانت بعض الشخصيات تفتخر بشرف رواية احلديث عنها.‏<br />

‎1‎اأسماء 010 بنت يزيد بن ‏سكن،‏ اخلطيبة البليغة،‏ واملجاهدة الشجاعة،‏ قال عنها ابن حجر العسقالين ‏)كانت<br />

من ذوات العقل والدين(‏ . 35<br />

‎1‎اأم 111 اأمين،‏ من اأصول حبشية،‏ هاجرت الهجرتني،‏ واستشهد ابنها اأمين يف حنني،‏ قال عنها الرسول ‏صلى<br />

اهلل عليه واآله من اأراد اأن يتزوج بنساء اجلنة فعليه بالزواج من اأم اأمين،‏ فتزوجها زيد بن حارثة،‏ فولدت<br />

له اأسامة بن زيد،‏ قائد جيش النبي ‏صلى اهلل عليه واآله اإىل الروم يف عمر الثامنة عشر،‏ داوت جرحى<br />

اأحد،‏ يقول العالمة املجلسي عن عالقة فاطمة الزهراء عليها السالم بها ‏)اأرسلت اإىل اأم اأمين وكانت<br />

- 32 همداين،‏ اآية اهلل نوري،‏ جايكاه بانوان در اإسالم ‏ص‎74‎<br />

- 33 لحظ:‏ كرماين،‏ مرضى فهيم،‏ زن وبيام اآوري،‏ ‏ص 232<br />

- 34 همداين،‏ اآية اهلل نوري،‏ جايكاه بانوان در اإسالم،‏ ‏ص‎104‎ ‏)نقال عن : الأغاين،‏ ج‎116‎‏،‏ ‏ص ) 141<br />

- 35 همداين،‏ اآية اهلل نوري،‏ جايكاه بانوان در اإسالم،‏ ‏ص‎114‎ ‏)نقال عن:‏ الغصابة ج‎4‎‏،‏ ‏ص‎237‎ )<br />

36


اأوثق نسائها عندها ويف نفسها(‏ واصطحبتها الزهراء عليها السالم لتشهد لها بحقها يف فدك . 36<br />

‎1‎اأم 212 ‏سليم بنت ملحان،‏ اعتربها املوؤرخون والعلماء اأنها من جملة اأنصار واأصحاب الرسول ‏صلى اهلل عليه<br />

واآله ورواة حديثه،‏ وكانت من عقالء النساء،‏ اأهدت ولدها اأنس وعمره عشر ‏سنوات هدية اإىل الرسول<br />

‏صلى اهلل عليه واآله حني قدم املدينة،‏ وظل خادما للرسول ‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎1‎اأم 313 الدرداء كانت من فضالء النساء وعقالئهن وذوات الراأي فيهن مع العبادة والنسك.‏<br />

‎1‎اأم 414 عطية الأنصارية،‏ من الرواة وشاركت يف ‏سبعة معارك.‏<br />

‎1‎خولة 515 بنت ثامر الأنصاري،‏ زوجة حمزة عم النبي ‏صلى اهلل عليه واآله ، من الصحابة والرواة.‏<br />

‎1‎نسيبة 616 بنت كعب الأنصارية،‏ جماهدة وراوية حديث.‏<br />

‎1‎ليلى 717 الغفارية،‏ كانت جماهدة غازية تخرج مع النبي ‏صلى اهلل عليه واآله يف مغازيه فتداوي اجلرحى<br />

وتقوم على املرضى،‏ حتاورت مع عائشة يف حرب اجلمل دفاعا عن الولية.‏<br />

‎1‎زينب 818 زوجة عبداهلل بن مسعود،‏ روت ثمانية اأحاديث عن الرسول ‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎1‎زينب 919 بنت اأم ‏سلمة وربيبة النبي ‏صلى اهلل عليه واآله ، واأشد نساء عصرها فقرا،‏ روت احلديث عن النبي<br />

‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎2‎اأم 020 ‏سعد الأنصارية،‏ ابنة زيد بن بن ثابت،‏ روت عن رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه واآله.‏<br />

‎2‎فضة 121 خادمة الزهراء عليها السالم.‏<br />

‎2‎اخلنساء،‏ 222 من الرواة،‏ وشاعرة،‏ قدمت اأولدها الأربعة ‏شهداء.‏<br />

ويذكر الشيخ فيصل العوامي 37 ثالثة مناذج ممن ورد ذكرهن يف القراآن الكرمي حمددا املجال البارز<br />

للقدوة فيهن:‏<br />

‏•اآسيا بنت مزاحم التي كانت مثال للطهارة الروحية والتدين يف حتديها للضغط العائلي ‏)من زوجها<br />

فرعون(.‏<br />

‏•مرمي بنت عمران عليها السالم التي كانت اأيضا منوذجا للطهارة والتدين وبرزت يف حتديها للضغط<br />

الإجتماعي ‏)من جمتمعها(.‏<br />

‏•بنتا نبي اهلل ‏شعيب عليه السالم،‏ كانتا مثال للبنت العفيفة الناشطة اجتماعيا.‏<br />

‏•كما تستعرض الشهيدة بنت الهدى يف كتابها ‏)نساء يف حياة النبي ‏صلى اهلل عليه واآله(‏ خمس ‏شخصيات<br />

منوذجية يف القتداء والتاأسي،‏ تعرضهن كنماذج واأمثلة خمتلفة يف اأبعاد القدوة،‏ وتوؤكد على دور كل<br />

واحدة منهن يف حياة اأفضل البشر وخامت النبيني والرسل حممد ‏صلى اهلل عليه واآله ، فاأول امراأة يضرب<br />

37<br />

- 36 نفسه<br />

- 37 الشيخ فيصل العوامي،‏ قيم املراأة املسلمة.‏


بها املثل يف حياة النبي ‏صلى اهلل عليه واآله هي الأم اآمنة بنت وهب التي تعهدت به يف فرتة احلمل ثم<br />

الولدة فالرضاعة،‏ ثم بعد مضي الشهور ‏ضحت بقربه منها لتضمن له الرتبية القوية يف البادية وفقا<br />

للمفهوم السائد يف ذلك الزمان،‏ فدفعته اإىل املرضعة حليمة السعدية التي قدمت اأمنوذجا للمرضعة<br />

احلنون التي راأت فيما بعد من النبي ‏صلى اهلل عليه واآله كل الحرتام والتقدير،‏ وسرعان مايفقد النبي<br />

‏صلى اهلل عليه واآله اأمه ويعود يتيما عند جده ثم عمه حيث تدخل يف حياته ثالث امراة وهي فاطمة بت<br />

اأسد التي جعلت ملحمد ‏صلى اهلل عليه واآله ‏ساأنا يخوله اأن يحتل الصدارة يف قلبها وهو ينمو ‏شابا ويغدو<br />

رجال ملء السمع والبصر،‏ وتعتز به وهو يحتضن وليدها الغايل علي ينمو ويرتعرع حتت توجيهات ابن<br />

عمه الصادق الأمني،‏ الذي كان لفاطمة بنت اأسد كولدها علي،‏ واستطاعت هذه املراأة اأن تضرب من<br />

دورها مثال يف تربية رجال اهلل،‏ حيث قال عنها الرسول ‏صلى اهلل عليه واآله اأنها اأمي!‏<br />

واستقر املطاف بالنبي ‏صلى اهلل عليه واآله عند قرينته خديجة بنت خويلد التي ل تدخل يف حياته وهو<br />

حممد بن عبداهلل فحسب،‏ بل وهو رسول اهلل وخامت اأنبيائه اأيضا،‏ فكانت املثال للزوجة التي يحس<br />

بها كقوة خفية تشد ظهره وتسند كيانه،‏ وتستقبل نبوته وتسانده يف دعوته باملال والنفس،‏ وكانت اأول<br />

مصدقة وموؤيدة له يف دعوته،‏ بذلت لالإسالم كل ما متلك.‏<br />

واأما املراأة اخلامسة يف حياة النبي ‏صلى اهلل عليه واآله والتي نالت لقب ‏سيدة نساء العاملني هي ابنته<br />

فاطمه الزهراء عليها السالم،‏ فقد ‏ضربت املثل الأعلى يف بنوتها ثم يف الزوجية فالأمومة فكانت املثال<br />

اجلامع للقدوة والأٍسوة بني نساء العاملني.‏<br />

كما تشري الشهيدة بنت الهدى يف كتابها اإىل نساء اأخريات لكن ل تبلغن حمل القدوة والأسوة يف ‏صفاتهن<br />

38<br />

كما بلغت النساء اخلمس وعلى راأسهن فاطمة عليه السالم.‏<br />

‎0‎قدوات 2-2 يف العصر احلديث<br />

‎1‎اآمنة 1. حيدر الصدر ‏)الشهيدة بنت الهدى(‏<br />

‎2‎اآمنة 2. بيكم ابنة املحدث حممد تقي املجلسي<br />

‎3‎السيدة 3. اأمني الصفهانية التي بلغت مرتبة الجتهاد والفقاهة<br />

‎4‎اأروى 4. بنت اأحمد التي حكمت اليمن عشرات السنني،‏ وكتبت حول فضائلها وحكمتها وتفوق عقلها كتب<br />

39<br />

عديدة.‏<br />

‎5‎وغريهن 5. كثريات..‏<br />

3-2 قدوات املستقبل<br />

قدمت النساء الإيرانيات منوذج احلالة الجتماعية يف القدوات،‏ وذلك يف ظل الدولة الإسالمية التي تتبنى منهج<br />

- 38 الشهيدة بنت الهدى،‏ املراأة مع النبي يف حياته وشريعته<br />

- 39 زمان اآبادي،‏ السيد مهدي نرمياين،‏ دراسة مثارنة للمبادئ الفقهية حلضور املراأة يف املجالت السياسية والتنفيذية ودورها يف جناح الثورات الشعبية،‏ موؤمتر املراأة<br />

والصحوة الإسالمية،‏ املقالت املختارة،‏ ج‎2‎‏،‏ ‏ص‎124‎‏.‏<br />

38


الإسالم احلضاري والذي يقوم على عقيدة املهدوية وبناء حكومة العدل الإلهي يف العال،‏ واأفرزت عن قدوات<br />

فردية كثرية،‏ لكن الأهم هو اأن جهود النظام الذي يتبنى وينفذ منهج الإسالم احلضاري الدويل يهدف اإىل ‏صنع<br />

قدوات للمستقبل.‏<br />

كما اأن بعض املجتمعات الإسالمية تعيش حالة من الصحوة الجتماعية التي دفعت املراأة ‏–كمجموعات وكاأفراد-‏<br />

للقيام بدورها رغم غياب نظام احلكم الإسالمي الرسمي يف دائرتها،‏ ولكن بسبب املوجة العاملية للصحوة والتي<br />

هي امتداد ملوجات بداأت مع املصلحني اأمثال السيد جمال الدين الأسداآبادي ‏)الأفغاين(،‏ وتلتها املوجة الثانية<br />

بقيادة الإمام اخلميني ‏)رض(‏ الذي جنح يف تنفيذ الكثري من نظريات الصحوة بتاأسيسه للجمهورية الإسالمية،‏<br />

حتى بلغنا املوجة الثالثة يف الصحوة العاملية منذ ‏سنوات قليلة مضت،‏ فتصدت املراأة املسلمة لدورها وبلغت<br />

مدارج يقتدى بها يف خمتلف العرصات،‏ ‏سواء يف فلسطني اأو مصر،‏ تونس،‏ اليمن،‏ العراق،‏ البحرين،‏ وغريها<br />

من الدول الإسالمية والعربية،‏ فضال عن الدوائر الضيقة يف املجتمعات الإسالمية الصغرية يف خمتلف الدول<br />

الأجنبية هنا وهناك حول العال.‏<br />

هذه القدوات لبد اأن تستمر يف برامج ذات روؤى مستقبلية تنتج القدوات املستقبلية،‏ القادرة على توجيه واقع<br />

املراأة حو مستقبل اأفضل ومتنامي باجتاه الكمال املنشود لالإنسان.‏<br />

39


1-3 بعض الشكاليات يف الواقع<br />

الفصل الثالث:‏<br />

اإشكاليات الواقع<br />

هذه الورقة تعرض ثالثة حماور باعتبارها اإشكاليات يف الواقع،‏ ولبد من الدقة يف الفهم والتلقي برعاية جملة<br />

من النكات،‏ وهي كالآتي:‏<br />

‎1‎عدد 1. الإشكاليات لتقتصر على ثالثة فقط،‏ بل هذه الثالثة متثل خالصة تنحصر فيها الإشكاليات التي<br />

مت استنتاجها من الدراسة امليدانية،‏ فتم عرضها لأهميتها يف ‏صنع القدوات بنوعيها املزيفة والصادقة.‏<br />

‎2‎عنوان 2. كل اإشكالية يعرب عن عنصر مهم له نسبة من احلضور يف القدوات قد تتفاوت من قدوة لأخرى<br />

ولكنها تبقى على راأس جملة من الإشكاليات التي جتتمع وتنحصر حتت عنوان عام.‏<br />

‎3‎على 3. املتلقي لهذه الإشكاليات اأن يضع نفسه يف موضع القدوة مرة،‏ ويف موضع الأتباع واملريدين مرة<br />

اأخرى؛ حتى يتمكن من تشخيص الواقع الذي يعيشه ويحدد له برنامج عالجي اأو وقائي،‏ اإن لزم ذلك.‏<br />

‎4‎الإشكاليات 4. الثالثة تثري يف العقول دفائن عديدة،‏ غالبا تتطلب املتابعة ووضع الربامج من قبل املهتمني<br />

من اأفراد وموؤسسات معنية باملوضوع من قريب اأو بعيد.‏<br />

‎5‎الإشكاليات 5. الثالثة متثل يف الأصل اأبعادا اإيجابية يف القدوات،‏ ولها اأدلة من العقل والنقل،‏ ولكنها عند<br />

املمارسة يف الواقع تعرضت لظروف مالت بها اإىل الإفراط اأو التفريط،‏ فتحولت اإىل اإشكاليات.‏<br />

‎6‎عنوان 6. املوؤمتر يركز على مفردة القدوة،‏ وليس معنى ذلك التقليل من اأهمية الأتباع،‏ بل اإن الهدف من<br />

طرح عنصر القتداء هو حماية الأتباع وتوجيههم نحو التدقيق يف القدوات،‏ وعليه ‏–نسبيا-‏ فالأتباع<br />

اأهم من القدوة.‏<br />

40


2-3 الإشكالية الأوىل:‏ التخصص العلمي<br />

‏)اإعداد اأستاذة احلوزة العلمية اأ/‏ ليلى علي حسني(‏<br />

لبد من توافر جمموعة من املواصفات يف الشخصية التي ‏ستكون يف موضع القدوة لكي توؤهلها لتبوء هذا املقام<br />

اخلطري واحلسّ‏ اس.‏<br />

ومن منطلق القتضاء العقلي بوجوب التناسب بني اأي مسوؤولية وكفاءات القائم عليها،‏ نتوصل اإىل ‏ضرورة اأن<br />

حتتوي القدوة يف الدين على التخصص الالزم يف العلوم الدينية.‏<br />

اإذً‏ ا من اأبرز الصفات التي يجب توافرها يف القدوة هي ‏صفة التخصص يف العلوم الدينية.‏<br />

معنى التخصص والعلوم املطلوب التخصص فيها:‏<br />

معنى التخصص يف العلوم الدينية:‏<br />

تخصَّ‏ ‏صَ‏ ب / تخصَّ‏ ‏صَ‏ يف / تخصَّ‏ ‏صَ‏ ل يتخصَّ‏ ‏ص ، تخصُّ‏ ‏صً‏ ا ، فهو متخصِّ‏ ‏ص ، واملفعول متخصَّ‏ ‏ص به<br />

تَخَ‏ ‏صَّ‏ ‏صَ‏ يفمِ‏ مَ‏ ادَّ‏ ةمِ‏ الرِّ‏ يَاسضِ‏ يَّاتمِ‏ : امِهْ‏ تَمَّ‏ بمِهَ‏ ا وَفَ‏ رَ‏ دَ‏ لَهَ‏ ا وَقْ‏ تَهُ‏ وَجُ‏ هْ‏ دَ‏ ه‎40ُ‎ .<br />

والعلوم الدينية هي التي تضمنها احلديث النبوي التايل:‏<br />

عن اأبي احلسنمِ‏ موسى عليه السّ‏ الم قالَ‏ ‏:«دَ‏ خَ‏ لَ‏ رَسُ‏ ولُ‏ اهلل ‏صلّى اهلل عليه واآله وسلم املْ‏ ‏َسْ‏ جمِ‏ دَ‏ فَ‏ اإمِذَ‏ ا جَ‏ مَ‏ اعَ‏ ةٌ‏ قَ‏ دْ‏<br />

اأَطَ‏ افُوا بمِرَ‏ جُ‏ لٍ‏ ، فَ‏ قَ‏ الَ‏ : مَ‏ ا هذَ‏ ا؟ فَ‏ قيلَ‏ : عَ‏ الَّمَ‏ ةٌ،‏ فَ‏ قَ‏ الَ‏ : وَمَ‏ ا الْعَالَّمَ‏ ةُ؟ فَ‏ قَ‏ الُوا لَهُ:‏ اأَعْ‏ لَمُ‏ النَّاسمِ‏ بمِِأَنْسَ‏ ابمِ‏ العَرَ‏ بمِ‏ وَوَقَ‏ ائمِعمِ‏ هَ‏ ا<br />

وَاأَيّاممِ‏ اجلَ‏ اهمِ‏ لمِيَّةمِ‏ وَالأَشْ‏ عَارمِ‏ العَرَ‏ بمِيَّةمِ‏ ، قَ‏ المِ‏ : فَ‏ قَ‏ الَ‏ النَّبيُّ‏ ‏صلّى اهلل عليه واآله وسلم:‏ ذاكَ‏ عمِ‏ لْمٌ‏ لَ‏ يَضُ‏ رُّ‏ مَ‏ نْ‏ جَ‏ همِ‏ لَهُ‏ وَلَ‏ يَنْفَ‏ عُ‏<br />

مَ‏ نْ‏ عَ‏ لمِمَ‏ هُ،‏ ثُمَّ‏ قَ‏ الَ‏ النَّبيُّ‏ ‏صلّى اهلل عليه واآله وسلم:‏ اإمنَّ‏ ا العمِ‏ لْمُ‏ ثَالَثَةٌ:‏ اآيَةٌ‏ حمُ‏ ْ كَ‏ مَ‏ ةٌ‏ اأَوْ‏ فَ‏ رمِ‏ يضَ‏ ةٌ‏ عَ‏ ادمِ‏ لَةٌ‏ اأَوْ‏ ‏سُ‏ نَّةٌ‏ قَ‏ ائمِمَ‏ ةٌ،‏<br />

41<br />

وَمَ‏ ا خَ‏ الهُ‏ نَّ‏ فَ‏ هُ‏ و فَ‏ ‏ضْ‏ لٌ«‏<br />

يقول الإمام اخلميني رضوان اهلل عليه يف تفسري معنى:‏ الآية املحكمة والفريضة العادلة والسنة القائمة التي<br />

حصر رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه واآله وسلم العلم بها:‏<br />

‏»اعلم اأن)الآية املحكمة(‏ هي العلوم العقلية والعقائد احلقة واملعارف الإلهية.‏ وان)الفريضة العادلة(‏ عبارة عن<br />

42<br />

علم الأخالق وتطهري القلوب.‏ و)السنّة القائمة(‏ عبارة عن العلم الظاهر وعلوم الآداب القابلية الصورية”‏<br />

ولزيادة توضيح معنى السنة القائمة يقول رضوان اهلل عليه:«‏ اإن)السنة القائمة(‏ تعود اإىل العلوم التعبدية،‏<br />

والآداب الشرعية التي يعرب عنها بالسنة فعل املعصوم وقوله وتقريره والتي تعجز العقول غالباً‏ عن اإدراكها.‏<br />

وينحصر طريق اإثباتها وفهمها بالسنة.‏ كما اأن توصيف السنة بالقائمة يتناسب مع الواجبات الشرعية،‏ لأن كلمة<br />

اإقامة الواجبات من الصلوات والزكوات وغريهما من التعابري الشائعة الصحيحة.‏ يف حني اأن هذه الكلمة ل<br />

تست<strong>عمل</strong> يف العلمني الآخرين ول يكن التعبري فيهما بالسنة ‏صحيحا«‏ .، 43 وحديث النبي ‏صلى اهلل عليه واآله وسلم<br />

40- معجم املعاين على ‏شبكة الإنرتنت http://www.almaany.com<br />

41- الكليني،‏ حممد بن يعقوب،‏ اأصول الكايف،‏ ج:‏‎1‎ ‏ص:‏ 49<br />

42- اخلميني،‏ روح اهلل املوسوي،‏ الأربعون حديثًا،‏ ‏ص:‏ 356<br />

43- املصدر السابق ‏ص:‏ 357<br />

41


السابق يفهمنا اأن هذه العلوم الثالثة)العقائد اأو الفلسفة،‏ الأخالق،‏ الفقه(‏ علوم مطلوبة بالذات وبالأصالة،‏<br />

وكل علم غريها فاإمنا هو جمرد اأدوات اأو كما عربّ‏ عنها النبي ‏صلى اهلل عليه واآله وسلم ب)الفضل(،‏ ولكن العلم<br />

اأيا كان ‏سواء كان مطلوب بالذات اأو علم اأداتي فاإمنا فائدته ومطلوبيته كما ل يخفى لكونه مقدمة وسببًا لل<strong>عمل</strong>،‏<br />

فقيمة العلم هي ال<strong>عمل</strong> به،‏ وقد اأشارت النصوص الإسالمية اإىل وجود نسيج متداخل ل يقبل النفصال بني العلم<br />

واملعرفة وال<strong>عمل</strong> واأن جمموعهما يشكل الإميان،‏ قال الإمام اأبي عبد اهلل الصادق عليه السالم:«‏ ل يَقبَلُ‏ اهللُ‏ عَ‏ مَ‏ الً‏<br />

اإلّ‏ مبَعْرمِ‏ فَ‏ ةَ‏ ول مَ‏ عْرمِ‏ فَ‏ ةَ‏ اإلّ‏ بمِعَمَ‏ لٍ‏ ، فَ‏ مَ‏ نْ‏ عَ‏ رَ‏ فَ‏ دَ‏ لّتهُ‏ املَعْرفَ‏ ةُ‏ عَ‏ لَى العَمَ‏ لمِ‏ ومَ‏ نْ‏ لَ‏ ْ يَعْمَ‏ لْ‏ فَ‏ ال مَ‏ عْرمِ‏ فةَ‏ لَهُ،‏ اأَل اإمِنَّ‏ الإميانَ‏<br />

بَعْضُ‏ هُ‏ ممِ‏ نْ‏ بَعْضٍ‏ » 44 .<br />

وهنا كالم جميل للشيخ اجلوادي الآملي يف كتابه ‏)جمال املراأة وجاللها(:‏<br />

‏»اأما العلوم النظرية كالإلهيات والفلسفة التي يقال اإنها علوم مطلوبة ذاتًا ومستقلة ، فليس مبعنى انها ليست<br />

مقدمة ل<strong>عمل</strong> ، وليس املقصود اأن فهم الإلهيات مطلوب ومقصود ذاتًا ، واإذا قيل اإن الفلسفة هي علم اأصايل<br />

واملنطق علم اأداتي فاملراد اأن الفلسفة ليست علمً‏ ا تدرس من اأجل علوم اأخرى يف ‏سلسلة العلوم والأفكار بل<br />

مطلوبة ذاتًا ، ليفهم الإنسان اأن للعال بداية ونهاية وله مبداأ ومعاد ، وبدء وحشر . هذا العلم ليس من اأجل علم<br />

اآخر . لكن املقصود ليس اأن هذا العلم ل يكون مقدمة لشيء اآخر . بل اإن العلم اللهي هو مقدمة لأمر اآخر وهو<br />

ال<strong>عمل</strong> ، غاية الأمر اأن ال<strong>عمل</strong> على قسمني اأيضاً.‏ <strong>عمل</strong> اجلارحة و<strong>عمل</strong> اجلانحة.‏<br />

<strong>عمل</strong> اجلوارح بينه اأهل الفن يف مسائل الفقه والأخالق واأمثال ذلك ، اأما <strong>عمل</strong> اجلانحة و<strong>عمل</strong> القلب الذي<br />

هو اعتقاد فانه يطرح يف البحوث العقائدية . واإذا اأصبح ‏شخص ذا روؤية كونية فهو من اأجل اأن يكون معتقدً‏ ا<br />

ويكون لديه اإقرار باأن للعال اإلهً‏ ا ، واأن هناك حشر ونشر . فالعلم النظري رغم اأنه يوؤمن كمال العقل النظري<br />

ولكن كمال الإنسان ، ليس بكمال عقله النظري فقط . العلم ليس من اأجل كمال قوة النظر بل اإن العلم هو من<br />

اأجل كمال اإنسانية الإنسان،‏ فاإذً‏ ا اإن لإنسانية الإنسان جناحني وساأنني منفصلني . لو اأراد الإنسان اأن يبلغ الكمال<br />

يجب اأن يصبح كامالً‏ يف جناح النظر . ويصبح متكامالً‏ يف جناح ال<strong>عمل</strong> اأيضً‏ ا”‏ . 45<br />

السر يف اشرتاط التخصص يف العلوم الدينية:‏<br />

اإن القدوة يف الدين اإذا ل تكن متخصصة يف العلوم الدينية لرمبا ‏ضلّت واأضلّت،‏ وهذا ما نقراأه بوضوح من قول<br />

الإمام جعفر الصادق عليه السالم:‏ ‏)الْعَاممِ‏ لُ‏ عَ‏ لَى غَ‏ ريْ‏ مِ‏ بَسصِ‏ ريَةٍ‏ كَ‏ السَّ‏ ائمِرمِ‏ عَ‏ لَى غَ‏ ريْ‏ مِ‏ الطَّ‏ رمِ‏ يقمِ‏ ، لَ‏ يَزمِ‏ يدُ‏ هُ‏ ‏سُ‏ رْ‏ عَ‏ ةُ‏ السَّ‏ ريْ‏ مِ‏<br />

اإمِلَّ‏ بُعْدً‏ ا(‏ 46 فال يكفي ملن يكون يف موضع القدوة اأن يتحلى باجلانب اخللقي والعبادي فقط فقد تكون تلك نساكة<br />

فارغة من املحتوى فضررها اأشد من نفعها،‏ يقول الإمام الصادق عليه السالم:‏ قال رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه<br />

47<br />

واآله وسلم:)‏ مَ‏ نْ‏ عَ‏ ممِ‏ لَ‏ عَ‏ لى غَ‏ ريْ‏ مِ‏ عمِ‏ لْمٍ‏ كَ‏ انَ‏ مَ‏ ا يُفْ‏ ‏سمِ‏ دُ‏ اأكْ‏ رثَ‏ َ مممِ‏ َّ ا يُصْ‏ لمِحُ‏ (.<br />

ولذلك تصدى الإسالم بقوة للقدوات التي تتزيا بزي القداسة والروحانية بينما مضمونها فارغ من العلم والوعي<br />

واملعرفة والبصرية،‏ ولعلّ‏ يف تعامل الإمام اأمري املوؤمنني عليه السالم مع فئة اخلوارج فيه دللة واضحة على<br />

ذلك،‏ فتصفيته لتيار اخلوارج فيه رسالة واضحة بوجوب رفض القشرية يف الدين والتصدي للقداسة الفارغة<br />

42<br />

44- اأصول الكايف،‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص:‏ 62<br />

45- اجلوادي الآملي،‏ الشيخ عبد اهلل،‏ جمال املراأة وجاللها،‏ ‏ص:‏ 197 178،<br />

46- الكايف للكليني،‏ مصدر ‏سابق ‏ص:‏ 62<br />

47- املصدر السابق،‏ ‏ص:‏ 62


ومكافحة اجلهل واجلهالة . 48<br />

القدوات النسائية والتخصص العلمي:‏<br />

واملتفحص للواقع النسائي يجد اأن ‏سقوط النساء يف خطاأ اتخاذ قدوات غري متخصصات يف العلوم الإسالمية<br />

باملستوى املطلوب الذي يوؤهلهن لكي يكن قدوات اأكرث منه حدوثًا يف الوسط الرجايل،‏ فاملراأة بطبيعتها متيل<br />

للجانب الروحي والعاطفي،‏ ‏»لأنها كائن عاطفي اأرق قلبًا،‏ ورقة القلب والعاطفة والشعور لها دور موؤثر يف طريق<br />

اهلل،‏ بناء على هذا فالنساء تستطيع اأن تكون اأجنح من الرجال يف هذا الطريق«‏ ، 49 ولكن ولالأسف لوحظ يف<br />

واقعنا النسوي البحراين اأن بعض النساء ونتيجة لتعطشهن للروحانيات والأمور املعنوية،‏ اجتهن لإشباع هذا<br />

النهم عرب قصدهن املحافل التي يشاع عن اأصحابها تركيزها على هذا البعد،‏ فكانت النتيجة اأن ظهرت قدوات<br />

نسائية تتحلق حولها اأعداد كبرية من النساء ومن خمتلف الشرائح العمرية وهن يتصدين ملنرب اخلطابة والتعليم<br />

والرتبية الإسالمية،‏ اإل اأنهنّ‏ يفتقدن لشرط التخصص العلمي يف العلوم الإسالمية،‏ وحني السوؤال عن مدى<br />

الكفاءة التي ميتلكنها للتصدي لهذا الدور اخلطري يُجاب باأنهن ثقفن اأنفسهن باأنفسهن عرب القراءة والطالع<br />

اأو عرب الستماع ملحاضرة من هنا وهناك اأو حضور دورات متقطعة تُنظم يف داخل البحرين اأو خارجها.‏<br />

والسوؤال الذي يفرض نفسه هنا:‏ هل هذا املقدار من تلقي العلم كافٍ‏ لصناعة قدوة؟ اأم اأنه يشرتط يف القدوة<br />

يف املجال الديني اأن تتوفر على ‏شرط التخصص العلمي واأخذ العلوم الإسالمية من مظانها)اللتحاق باحلوزات<br />

واملعاهد الدينية وتلقي العلم الإسالمي على يد اأساتذة متخصصني(؟<br />

لالإجابة نسوق هذا املثال الواقعي:‏<br />

لو اأن اأحدنا اشتكى من مرض معني،‏ وللعالج كان باخليار اأمام طبيبني:‏<br />

اأحدهما:‏ درس الطب يف جامعة ما وعلى يد اأساتذة متخصصني.‏<br />

الثاين:‏ يوجد عنده دراية بعلم الطب ولكن نتيجة لطالعه وبحثه وسوؤاله واستماعه من هنا وهناك.‏<br />

فاأي الطبيبني ‏سيحكم العقل بالذهاب اإليه وتسليم اأنفسنا اإليه؟!‏<br />

اإنه بالطبع اخليار الأول فال يوجد من يقبل اأن يسلم نفسه لطبيب جاء بعلمه نتيجة ثقافة واطالع ‏شخصي<br />

والتقاط من هنا وهناك !<br />

واإذا كنا نرفض لأبداننا مثل هذا العالج فكيف نرضاه لأرواحنا؟!‏ واحلال اأن الروح تتطلب دقة اأكرث يف كل ما<br />

يتعلق بها فمردود ما ‏ستفرغه على الروح وفائدته لن تكون دنيوية فقط بل الفائدة متعلقة بعال الآخرة ونعيمها<br />

الأبدي.‏<br />

ورد يف تفسري قوله تعاىل:‏ ‏{فَ‏ لْيَنظُ‏ رمِ‏ الْ‏ إمِنسَ‏ انُ‏ اإمِىلَ‏ طَ‏ عَاممِ‏ ه}‏ 50 حسب بعض الروايات الواردة عن اأهل البيت عليهم<br />

السالم اأن املراد ب”الطعام”‏ يف الآية هو ‏)العلم(‏ لأنه غذاء الروح الإنسانية،‏ ومن هذه الرويات ما روي عن<br />

الإمام الباقر عليه السالم يف تفسري الآية،‏ اإنه قال:”علمه الذي ياأخذه عمّ‏ ن ياأخذه”‏ وقد روي عن الإمام الصادق<br />

43<br />

48- راجع:‏ من حياة الأئمة الأطهار للشهيد مرتضى مطهري<br />

49- جمال املراأة وجاللها،‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص:‏ 208<br />

50- ‏سورة عبس ، الآية 24


عليه السالم ما يشابه معنى الرواية اأعاله.‏ فينبغي اإذً‏ ا على الإنسان اأن يكون دقيقً‏ ا يف متابعة مصدر ومنبع علمه<br />

51<br />

ليطمئن لغذائه الروحي،‏ ولياأمن بالنتيجة من مدلهمّ‏ ات اخلطوب التي توؤدي ملرض الروح اأو هالكها.‏<br />

وبالعودة ملساألة اأهمية الأستاذ فاإننا بالنظر اإىل حياة كبار علماء واأجالّ‏ ء الطائفة وسريهم فاإننا جندهم قد<br />

تلقوا العلم بالختالف اإىل الأساتذة من العلماء واملراجع،‏ فهاهو الشهيد السيد حممد باقر الصدر والذي يعد<br />

اأعجوبة العصر يف الذكاء والنبوغ والتفوق العلمي الذي ظهرت اآثاره عليه منذ نعومة اأظفاره،‏ يذهب يف بداية<br />

حياته العلمية حاله حال اأي طالب ليتلقى العلم يف احلوزة العلمية وعلى يد اأساتذتها البارزين اآنذاك.‏<br />

بل والأكرب من ذلك اأننا جند هذا الشيء حتى يف حياة الأئمة املعصومني اأنفسهم،‏ فالإمام اأمري املوؤمنني عليه<br />

السالم يتلقى العلم من معلمه واأستاذه رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه واآله وسلم كما ‏صرّ‏ ح هو عليه السالم بنفسه<br />

حني قال:«كنت اإذا ‏ساألت رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه واآله وسلم اأعطاين واإذا ‏سكت ابتداأين«‏ . 52<br />

التوصيات<br />

‏•وعليه فوجود قدوة يف الساحة الدينية لها اأتباع وتتبوء منصب الهداية والتعليم والإرشاد يحتم على هذه<br />

القدوة اأولً‏ اأن تتصدى لبلورة ‏شخصيتها من الناحية العلمية وصقلها بتلقي العلوم الإسالمية بالطريقة<br />

املتعارفة لتلقي العلم،‏ واإلّ‏ فاإن اأي خطاأ علمي قد تنقله ملن اتخذها قدوة اأو قصدها ليتعلم منها عرب<br />

درس اأو حماضرة اأو نحو ذلك فاإنه ‏سيوقعها يف مسائلة اأمام اهلل ‏سبحانه وتعاىل.‏<br />

‏•كما يجب على املراأة اأن تتميز بالوعي اإذا ما اأرادت اأن ترفع امراأة ما اإىل مقام قدوة لها تقتدي بها<br />

علميًا وسلوكيًا،‏ فال يكفي هنا العقل اجلمعي لأنه قد تكون هذه املراأة مشهورة وتلقى رواجً‏ ا ولها جمهور<br />

عريض،‏ اإل اأنها غري ‏صاحلة لالقتداء نتيجة لفقدانها للتخصص العلمي،‏ فما نحتاجه هنا هو العقل<br />

الفردي فعلينا اأن نفحص بدقة واأن تتعرف على السرية العلمية لهذه املراأة حتى نطمئن اأن ما ناأخذه<br />

عنها ‏صحيح وسليم.‏<br />

‏•كما اأننا نحذر من نظرية القطب الواحد،‏ ونعني بها التمركز حول ‏شخصية واحدة فقط والأخذ منها دون<br />

‏سواها،‏ فالتنويع يعرفنا على املستويات ويجعلنا قادرين على املقارنة والتمييز بني اخلاطئ والصحيح يف<br />

املعلومات املتلقاة.‏<br />

‏•ويف الأخري فاإننا نهيب باحلوزات العلمية واملوؤسسات املعنية اأن تتابع هذا الساأن احلسّ‏ اس باأن تاأخذ على<br />

عاتقها مراقبة الأداء العلمي لكل امراأة تظهر على الساحة النسوية ويكون لها موقع القدوة.‏<br />

51- الشريازي،‏ الشيخ ناصر مكارم،‏ الأمثل يف تفسري كتاب اهلل املنزل،‏ ج:‏ 19، ‏ص:‏ 310 309،<br />

52- النسائي،‏ السنن الكربى،‏ ج:‏ ، ‏ص:‏ 451، نسخة اإلكرتونية https://books.google.com.bh<br />

44


3-3 الإشكالية الثانية:‏ التقديس<br />

‏)اإعداد اأستاذة احلوزة العلمية اأ/‏ ثريا املدين(‏<br />

ل ريب اأن كل الديانات السماوية عنت بالتقديس كمعطى ديني مطلق يحدد بوصلة العبودية والجتاه الصحيح<br />

الذي يلزم اإتباعه ‏ضمن الشريعة الإلهية والأحكام الربانية ؛ فالتقديس اأمرٌ‏ توقيفي ليس لأحدٍ‏ غري اهلل تعاىل<br />

حتديده وتشريعه ومن مال عن هذا النهج وقع بني الإفراط والتفريط كما يف اليهود والنصارى وبعض املسلمني<br />

كالغالة والنواصب.‏<br />

53<br />

قال تعاىل:‏ ‏{ل اإمِلَهَ‏ اإمِلَّ‏ هُ‏ وَ‏ املْ‏ ‏َلمِكُ‏ الْقُ‏ دُّ‏ وسُ‏ السَّ‏ المُ‏ املْ‏ ‏ُوؤْممِ‏ نُ‏ املْ‏ ‏ُهَ‏ يْممِ‏ نُ‏ الْعَزمِ‏ يزُ‏ اجلْ‏ َ بَّارُ‏ املْ‏ ‏ُتَكَ‏ ربمِّ‏ ُ ‏سُ‏ بْحَ‏ انَ‏ اهللَّ‏ مِ‏ عَ‏ مَّ‏ ا يُشْ‏ رمِ‏ كُ‏ ونَ‏ {<br />

54<br />

وقال تعاىل:‏ ‏{يُسَ‏ بمِّحُ‏ هللمِ‏ َّ مِ‏ مَ‏ ا يفمِ‏ السَّ‏ مَ‏ اوَاتمِ‏ وَمَ‏ ا يفمِ‏ الأَرْسضِ‏ املْ‏ ‏َلمِكمِ‏ الْقُ‏ دُّ‏ وسمِ‏ الْعَزمِ‏ يزمِ‏ احلْ‏ َ كمِ‏ يممِ‏ {<br />

قال الغزايلّ‏ :<br />

‏»القدُّ‏ وس:‏ هو املنزّ‏ ه عن كل وصفٍ‏ يدركه احلسّ‏ ، اأو يتصوره خيال،‏ اأو يسبق اإليه وهمٌ‏ ، اأو يختلج به ‏ضمري،‏ اأو<br />

يقضي به تفكريٌ.‏<br />

وقال الشیخ الصدوق:‏<br />

‏»القدوس معناه:‏ الطاهر،‏ والتقدیس:‏ التطهری،‏ والتنزیه،‏ وقوله عزوجلّ‏ حكایة عن املالئكة:‏ ‏{وَنَحْ‏ نُ‏ نُسَ‏ بمِّحُ‏<br />

بمِحَ‏ مْ‏ دمِ‏ كَ‏ وَنُقَ‏ دمِّ‏ ‏سُ‏ لَكَ‏ { 55 اأي:‏ ننسبك اإىل الطهارة،‏ ونسبّحك،‏ ونقدّ‏ ‏س لك،‏ مبعنى واحدٍ‏ ، وحظرية القدس:‏ موضع<br />

الطهارة من الأدناس،‏ التي تكون يف الدنيا،‏ والأنصاب،‏ والأوجاع،‏ واأشباه ذلك،‏ و قد قيل:‏ اإن القدوس من اأسماء<br />

اهلل عزوجل يف الكتب.‏<br />

العبد والقدّ‏ وس:‏<br />

ل يبلغ الإنسان مقام الصطفاء والقرب من املوىل اإل اإذا كان مقدَّ‏ ‏سً‏ ا منزَّ‏ هً‏ ا من العيوب الرتابية،‏ ومن موانع<br />

عال الرتاب؛ فهوؤلء املقدَّ‏ ‏سون انقادوا حلكم عقولهم القاضية بقباحة تقدمي املفضول على الفاضل،‏ والرخيص<br />

على الثمني،‏ وتقدمي اجلاهل على العال،‏ اأو مبادلة اجلوهر باحلجر،‏ واملدر.‏<br />

لذا قالوا:‏ والذي اأقبح منه هو النشغال بالرتاب،‏ والأنس به والتغافل عن ربّ‏ املاء،‏ والستيحاش منه.‏<br />

وتراهم قد تعجبوا ممن يختار الفاين الزائل على النعيم الباقي الدائم،‏ اأو من ذاك الذي ينشغل باأمور تافهة،‏<br />

وقد خلقوا لأمور عظيمة راقية،‏ وكيف يهوي اإىل الرتاب،‏ وقد خُ‏ لمِق كي يطاأه بالأقدام؟!‏<br />

من هنا جتدوا اأبَوا ‏-كلّ‏ الإباء-‏ اأن يختاروا مال قيمة له يف قبال مال يُقَ‏ دَّ‏ ر بقيمة وثمن،‏ اأو يشاركوا اجلهَّ‏ ال يف<br />

جهلهم،‏ اأو اإتباع الدنيا يف ‏سجودهم لها.‏<br />

نعم،‏ نزَّ‏ هوا عقولهم من التفكري يف الدنيا وحطامها،‏ واإن فكَّ‏ روا فيها كان فكرهم لكسب رضا بارئها وخالقها،‏<br />

45<br />

53- ‏سورة احلشر – اآية 23<br />

54- ‏سورة اجلمعة – اآية 1<br />

55- ‏سورة البقرة – اآية 30


واإل فهي ل تساوي عندهم عفطة عنزةٍ‏ .<br />

رُوي عن عبداهلل بن العبّاس قال:‏ دخلت على اأمري املوؤمنني ‏)عليه السالم(‏ بذي قار وهو يخصف نعله،‏ فقال يل:‏<br />

‏»ما قیمة هذا النعل؟ فقلتُ‏ : لقيمة لها.‏ فقال ‏)عليه السالم(:‏ واهلل لهي اأحب اإيلّ‏ من اإمرتكم،‏ اإل اأنْ‏ اأقيم حقّا<br />

اأو اأدفع باطال«‏<br />

فمقام املقدسني هو مقام التنزُّ‏ ه والتطهُّ‏ ر من رجز املعاصي،‏ ثم ارتقوا عن ذلك اإىل ترك املكروهات واملباحات،‏<br />

وسريَّ‏ وا الدنيا معربًا ومزرعةً‏ لالآخرة،‏ واأفنوا حياتهم هلل،‏ ويف اهلل تعاىل،‏ ولشيء ‏سواه،‏ ومن حظى بحظوهم<br />

56<br />

كان منهم،‏ ومسكنه لحمالة معهم.‏<br />

من الأمور التي يعيبها اأهل فكر املتاأخرين على التدين هو اأن الأخريين يضفون على عقائدهم هالة من القدسية<br />

تكون ‏سورًا اأمام التفكري فيها وعائقً‏ ا مينع عن البحث حول مدى ‏صحتها.‏<br />

ويف الواقع هذا غري تام وان القدسية مع العرتاف بها ‏-ل متنع من البحث والتشكيك الذي يهدف اإىل الوصول<br />

اإىل احلقيقة اأو اإىل مزيد من اليقني.‏<br />

بيان ذلك:‏ ان القدسية تعني اإضفاء احرتام وخضوع خاص حلقيقة معينة او لقضية ما،‏ وبتحليل اأدق هي خضوع<br />

القوى ال<strong>عمل</strong>ية لالإنسان للقوى النظرية،‏ باعتبار اأن هذا هو الأمر الطبيعي لقوى الإنسان،‏ حيث اأن القوى ال<strong>عمل</strong>ية<br />

ليس لها قوة الإدراك فالبد ان جتد طريقها يف الهداية بتوسط القوى النظرية،‏ فالقدسية فعل من اأفعال القوى<br />

ال<strong>عمل</strong>ية،‏ وهو احرتام وخضوع لإدراك يتم بواسطة قوة العقل النظري،‏ وهي احلالة الطبيعية ملا يجب اأن يكون<br />

عليه تفكري الإنسان.‏<br />

ومن جهة اأخرى فاإن التشكيك على نحوين:‏ اأحدهما ممدوح والآخر مذموم.‏ اأما املمدوح فهو التشكيك لستكشاف<br />

املجهولت وبيان احلقائق،‏ وهو الذي يدفع الإنسان للبحث والتقيب،‏ وهذا يزول مبجرد بروز احلقيقة وقيام<br />

الأدلة والرباهني الساطعة.‏<br />

اأما املذموم فهو التشكيك الذي يوؤدي اإىل زعزعة احلقيقة احلاصلة يف النفس،‏ من دون اأن يدفع نحو الفحص،‏<br />

بل تبقى حالة الشك والضطراب والتحري وعدم القدرة على الإذعان بالربهان السليم.‏ مستولية على هذا<br />

الفرد.‏ وهذه حالة مرضية مستعصية يفقد بها الإنسان قدرته على التعايش حيث تكون الدراكات الصحيحة<br />

غري قادرة على توليد الإذعان بها لديه.‏<br />

فالشك ليس اإل جسر يُعرب عن طريقه اإىل احلقيقة ‏سواء جهة النفي اأو الإثبات،‏ اأما بقاء حالة الشك فهذا<br />

57<br />

مرفوض ومذموم.‏<br />

التقديس واجلذب:‏<br />

يرى بعضهم اأن اأصل هذا اجلذب والدفع هو احلاجة ورفع احلاجة.‏ الإنسان كائن حمتاج،‏ فقد خلق حمتاجً‏ ا،‏<br />

فيسعى حماولته لكي ميالأ فراغاته ويسد حاجاته.‏ اإل اأن هذا غري ممكن مال ينضم اإىل جماعة ويبتعد عن<br />

56- التخلق باأسماء اهلل ج‎2‎ ‏ص 216 215، 214، 213، تاأليف الشيخ اأيوب علي حسني.‏<br />

57- الإمامة الإلهية ج‎1‎ ‏ص 13 12، تاأليف السيد حممد علي بحر العلوم.‏<br />

46


جماعة،‏ فينتفع بهذا النضمام من جماعة،‏ و يدراأ عن نفسه ‏ضرر جماعة اأخرى،‏ لست ترى فيه نزوعً‏ ا ول عزوفًا<br />

اإل وهو نابع من مصلحته.‏<br />

وعليه فاإن الضرورات احلياتية ‏-وبناءه الفطري-‏ قد اأوجدت فيه قوتي اجلذب والدفع لكي يلتئم مع ما يحس<br />

فيه باملنفعة،‏ ويبتعد عما ليجد يف نفسه ميال اإليه..‏ واأن يظل عدمي الإحساس اإزاء ما هو ليس من ذلك،‏ فال هو<br />

بنافع ول هو بضار.‏<br />

ويف احلقيقة،‏ اإن اجلذب والدفع من الأركان الأساسية يف حياة الإنسان،‏ و بقدر اإصابتها بالضعف يصاب نظام<br />

حياته باخللل،‏ ومن كانت له القدرة على ملء الفراغات استطاع اأن يجذب الآخرين نحوه.‏ اأما الذي هو فسالً‏<br />

58<br />

عن كونه ل يستطيع ملء الفراغات،‏ بل يزيد من عددها،‏ فاإنه يدفع الناس ويبعدهم عنه.‏<br />

القداسة قيمة معرفية:‏<br />

هي قيمة معرفية هي غاية يف السمو والنبل والعقالنية لنها تنطلق من:‏<br />

١( اإصرار العقل على معرفة احلقيقة.‏<br />

٢( اإصراره على التمييز بينها وبني الباطل الهباء وبذل كل جهد عقلي ‏صريح لعدم الغرتار مبا فيه ‏شوب<br />

الباطل.‏<br />

٣( الإصرار على معرفة ‏سبل جتلي احلقيقة يف ميادين احلياة واأصناف املوجودات.‏<br />

٤( الإصرار على معرفة الطرق التي جتعل الفرد يف عقيدته والسلوك جتلياً‏ من جتليات احلقيقة بحسبه.‏<br />

التقديس وكرامة الإنسان:‏<br />

ل ينبغي الفصل بني التقديس وكرامة الإنسان ‏سواء اأردنا من التقديس قيام الإنسان بتقديس احلق واحلقيقة،‏<br />

اأو اأردنا به قداسة الإنسان وكونه اأهالً‏ للتقديس،‏ حيث اأن املحور يف ذلك كله ‏)قدس احلق(‏ و)قداسة احلقيقة(‏<br />

ومبا اأن الإنسان هو املوؤهل الوحيد وبامتياز ملعرفة احلقيقة والتزامها والتفاين يف الذوبان فيها حتى العبادة،‏ فاإن<br />

احلديث عن قداسة احلقيقة،‏ هو الوجه الآخر للحديث عن ‏)كرامة الإنسان(‏ متاماً‏ كما هو العلم الوجه الآخر<br />

لقيمة العال.‏<br />

يضاف اإىل ذلك يف باب املردود ال<strong>عمل</strong>ي للتقديس،‏ اأنه ل قداسة مبعزلٍ‏ عن الفائدة ال<strong>عمل</strong>ية،‏ فليس للمقدس هو<br />

الذي ياأخذ من الناس بل املقدس هو الذي يعطي ول يحتاج اأن ياأخذ ‏شيئًا،‏ حتى الولء فاإن من احتاج اإىل الولء<br />

ليتقوم به،‏ ليس مقدساً.وما تالزم التقديس مع املردود ال<strong>عمل</strong>ي،‏ ال لون اآخر من األوان ‏)كرامة الإنسان(.‏ اإن<br />

احلالة الفرعونية التي طرحها القراآن كاأمنوذج ‏سلبي للتقديس ؛ فاإن قيمومته على املجتمع املصري كان وراءها<br />

طلب الستعباد واخلضوع التام حتت قاعدة ‏)ما علمت لكم من اإله غريي(‏ القصص/‏‎38‎ والنتيجة ‏)اآمنتم له<br />

قبل اأن اآذن لكم(‏ الأعراف/‏‎123‎<br />

يف واقعنا،‏ نلمس مثل هذه احلالت يف جمتمعنا الإسالمي والرسايل حيث هيمنة العقول املتبوعة على قرارالتباع<br />

- 58 الإمام علي يف قوتيه اجلاذبة والدافعة ‏ص 20 19، تاأليف الأستاذ مرتضى مطهري،‏ ترجمة جعفر ‏صادق اخلليلي.‏<br />

47


وحياتهم والتغلغل يف تفاصيل ودقائق املقربني واملريدين،‏ حتى تصنع هالة من التقديس الفرعوين - وان تباينت<br />

قوة وضعفا-‏ الذي يجرد الفرد املوؤمن من الفكر احلر والنظرة التقييمية لشخصية القدوة.‏<br />

قداسة كلٌ‏ بحسبه:‏<br />

اإن كل قداسة تسبب اإىل غري احلقيقة،‏ فاإمنا هي مستمدة من التزام احلقيقة،‏ ولذلك فهي مكتسبة من درجة<br />

هذا اللتزام،‏ فليست القداسة لشخص اأو املكان اأو زمان،‏ امراأ اعتباطياً‏ بل هي وفق معاير دقیقة وتخصصية<br />

تقوم على قاعدة قداسة احلق واحلقيقة.ولذلك فهي اأن تثبت يف مورد معني،‏ ولبد من معرفة درجتها واحلدود.‏<br />

وعلينا اأيضا التمييز بني الحرتام والتعظيم والتقديس ، فالتعظيم يقتضي وعياً‏ ومسوؤولية اأكرب مما يقتضيه<br />

الحرتام ، والتقديس يجب اأن يحظى بعناية ووعي اأكرب مما يحظى به الحرتام والتعظيم ، ولذا فاإن اتخاذ<br />

القدوة والقتداء بشخص اأو جهة يفرتض مستوى رفيعا من الوعي والدقة واحلذر واأيضا ووعيا بالدين واأهدافه<br />

ورسالته.‏<br />

الثابت واملشروط:‏<br />

كما تكشف قاعدة التفريق بني املقدس لذاته،‏ وبني املقدس للتزامه احلقيقة ان من القداسة ما هو ثابت<br />

للمقدس،‏ ومنها ماهو ثابت من مشروط ببقاء هذا اللتزام وعدم اخلروج عنه،‏ فرب مقدس ينقلب على عقبيه<br />

ورب غري مقدس يصبح مقدسً‏ ا وبينهما مراتب ل تخفى.‏ واحلصيف من يدرك اأن عدم ثبوت القداسة تشمل كل<br />

ما هو غري معصوم وغري مسدد بالهداية الإلهية اخلاصة.‏<br />

اأقرب اخللق للحق:‏<br />

اأن تقديس اأي اإنسان اأو غري اإنسان مرتبط جذريًا بتقديس رسول اهلل ‏صلى اهلل عليه واآله فهو التجلي الإنساين<br />

الأمت للحقيقة املطلقة مبعنى اأن كرامة الإنسان عند اهلل تدور مدار احلقيقة املحمدية التي متخضت يف جتلية<br />

احلقيقة املطلقة فاإذا هي منها بقدرة اهلل تعاىل وحوله ‏سبحانه.‏<br />

‏{مَّ‏ نْ‏ يُطمِ‏ عمِ‏ الرَّ‏ ‏سُ‏ ولَ‏ فَ‏ قَ‏ دْ‏ اأَطَ‏ اعَ‏ اهللَّ‏ َ} النساء/‏‎80‎ ‏{قُلْ‏ اإمِن كُ‏ نتُمْ‏ حتُ‏ مِ‏ بُّونَ‏ اهللَّ‏ َ فَ‏ اتَّبمِعُوينمِ‏ { اآل عمران/‏‎31‎<br />

مساألة تقديس الشيعة لآل البيت اإمنا هي نابعة من النصوص التي جعلت لهم خصوصية وميزة ترفعهم فوق<br />

الناس لأنهم معصومني.لذلك ل يقاس بهم اأحد.‏<br />

التقديس واحلق:‏<br />

الشيخ حسن الكوراين:‏ القدس يف اللغة الطهر وليس ‏سبب يف الطهر املعنوي اإل ‏سالمته من ‏شوب الباطل،‏ ومن<br />

هنا كان ‏)القدوس(‏ على الإطالق هو احلق املطلق.‏<br />

واحلق املطلق:‏ هو الثابت الذي ل يسوغ اإنكاره.‏<br />

ويف اصطالح اأهل املعاين:‏ احلكم املطابق للواقع يطلق على الأقوال والعقائد والأديان واملذاهب باعتبار اشتمالها<br />

على ذلك ويقابله الباطل.‏<br />

48


والباطل:‏ هو ما ل ثبات له عند الفحص عنه.‏<br />

اختالف الناس يف تطبيق احلقيقة املطلقة على مصاديقها فاإنهم متفقون على ثالثة حماور:‏<br />

١- قداسة حقيقية مبعنى اأنها القيمة املقدسة التي ل يجوز النيل منها بوجه من الوجوه.‏<br />

٢- اأن مقدار جتلي احلقيقة يف اأي جمال،‏ فرداً‏ كان اأو جماعة اأو فكرة اأو ‏شيئاً‏ يكسب هنا املجال من ‏)القداسة(‏<br />

مبقدار جتلي احلقيقة فيه.‏<br />

٣- وانطالقاً‏ من حمورية الإنسان ومتيزه بني املخلوقات بلحاظ اأنه الأقدر على التفاعل مع احلقيقة فمن البديهي<br />

اأن يكون لالإنسان الذي تتجلى فيه موقع طليعي بني ‏سائر جمالت جتلي احلقيقة.‏<br />

وحيث اأن احلقيقة املطلقة يف الرواية التوحيدية هي اهلل تعاىل ‏{ذَلمِكَ‏ بمِِأَنَّ‏ اهللَّ‏ َ هُ‏ وَ‏ احلْ‏ َ قُّ‏ { 59 كان من الطبيعي<br />

اأن ل تسبغ القداسة بالأصالة اإل على اهلل تعاىل وتسبغ القداسة بالتبعية على كل جتل للقدس الإلهي مبقدار ما<br />

يكون التجلي.‏<br />

اإن الفتور والربود يف تطبيق املعايري الإلهية للقدوة املقدَ‏ ‏سة توصلنا للحالة الإسرائيلية التي قال اهلل عنها<br />

‏)اتخذوا اأحبارهم ورهبانهم اأربابا من دون اهلل(‏ التوبة/‏‎31‎ ومن دون املعصوم ، حيث زين هوؤلء للناس اأن النقد<br />

والتوجيه هو من تطبيع اجلراأة على العلماء لذلك يطفئون نور اهلل باأفواههم وتضليالتهم ومنهجهم اخلاطئ .<br />

فبعد اأن كان الإنسان يقدس الكواكب واحليوانات والتماثيل وصل الإنسان اإىل تقديس اأفكار وشخصيات ذات<br />

‏صبغة دينية تنمو وترتسخ يف العقول حتى يصعب اجتثاثها والتخلص منها.‏<br />

تعظيم ‏شعائر اهلل،‏ تقديسها:‏<br />

حول معنى تعظيم ‏شعائر اهلل يف قوله تعاىل:‏ ‏{ذَ‏ لمِكَ‏ وَمَ‏ ن يُعَظِّ‏ مْ‏ ‏شَ‏ عَائمِرَ‏ اهللَّ‏ مِ‏ فَ‏ اإمِنَّهَ‏ ا ممِ‏ ن تَقْ‏ وَى الْقُ‏ لُوبمِ‏ { 60 تلتقي<br />

كلمات العلماء الأعالم من الفريقني على الآتي:‏<br />

‎1‎اأن 1. املراد بشعائر اهلل « كل ما له اإضافة اإىل اهلل توجب له املنزلة واحلرمة،‏ كاملسجد والقراآن واحلجر<br />

الأسود وما ‏سواها من الشعائر اللهية.‏ وبعبارة اأخرى:‏ الشعائر ‏»هي معال للطاعات والقرب«.‏<br />

‎2‎اأن 2. املحور يف هذا التعظيم هو نسبة املعظَّ‏ م اإىل اهلل تعاىل.‏<br />

61<br />

‎3‎اأن 3. هذا التعظيم يشمل الأشخاص،‏ والأشياء.‏<br />

قاعدة تقديس الشعائر بني العموم واخلصوص:‏<br />

‎1‎فقهاء 1. املذاهب:‏ فقد ‏صرحوا بتوقيفيّة الشعائر على البدنة اأو ‏شعائر احلج خاصة،‏ وان عمم البعض منهم<br />

كما اأشار اإىل ذلك القرطبي يف معرض نقله اإىل اأقوالهم،‏ فقد نسب قولً‏ اإىل بعض ل يسمه ‏»ما اشعر من<br />

احليوانات لتهدى اإىل بيت اهلل«‏ فقط كما ذكر قولً‏ لبن عباس اأنها ‏»جميع مناسك احلج«‏ بينما اعترب عطاء<br />

49<br />

- 59 ‏سورة احلج اآية 6<br />

60- ‏سورة احلج اآية 32<br />

355=cid&60=http://saraer.org/essaydetails.php?eid -61


بن اأبي رباح ‏»شعائر اهلل جميع ما اأمر اهلل به ونهى عنه«‏ وقال احلسن البصري:‏ ‏»دين اهلل كله«.‏<br />

‎2‎فقهاء 2. الأمامية:‏ اعتمدوا على اأن الشعرية والشعائر حقيقة لغوية تنطبق على كل ما ميكن اأن يكون عالمة على<br />

الدين،‏ اأي اإنهم اعتربوا املوارد الواردة يف الآيات القراآنية جمرد مصاديق قال السيد البجنوردي : ‏»اإن املراد<br />

من حرمات اهلل،‏ وشعائر اهلل مطلق ما هو حمرتم يف الدين وتطبيقها على مناسك احلج ومشاعره من باب<br />

تطبيق الكلي على بعض مصاديقه«.‏<br />

وقد اأشار الفقهاء اإىل ذلك العموم يف بحوثهم التفصيلية،‏ حيث ‏صرح العالمة يف اعتبار الأذان من الشعائر<br />

واعترب املحقق الردبيلي استثناء قبور املعصومني ‏)عليهم السالم(‏ من جتديد بنائها عند الندراس يف معرض<br />

حديثه عن حرمة ذلك الفعل اأو كراهيته من الشعائر اأيضا.‏<br />

والإمام حممد حسني كاشف الغطاء يرى العديد من مظاهر احلزن التي تقام على الإمام احلسني ‏)عليه<br />

السالم(‏ من الشعائر،‏ وعدّ‏ السيد احلكيم عند ترجيحه القول باستحباب الشهادة الثالثة باأنها معدودة يف هذه<br />

الأمصار من ‏شعائر الإميان.‏<br />

وعلى هذا فان ‏»الشعائر عنوان عام ميكن انطباقه على كل ما ميكن اأن يكون عالمة على الدين وبالتايل فهي<br />

ل تعني الدين نفسه كما ذهب اإليه احلسن البصري وعطاء،‏ واإمنا تعني اأعالم دين اهلل ‏سبحانه وتعاىل،‏ ويف<br />

الوقت نفسه فهي ليست النسك مبا هي نسك كما يبدو من قول ابن عباس وغريه واإمنا لأنها ‏)النسك(‏ بطبيعتها<br />

62<br />

اإعالم.‏<br />

التوصيات:‏<br />

‎1‎التقديس 1. اأمر فطري يف بني البشر ول تخل منه ‏شريعة لذلك اهتم الشارع ببيان حدوده ومصاديقه.‏<br />

‎2‎التقديس 2. املطلق هو للحق املطلق ولكل ما له عالقة وعالمة باهلل تعاىل وهذا يشمل الزمان واملكان<br />

والشعرية والأشخاص.‏<br />

‎3‎التقديس 3. يجب اأن يكون وفق اخلارطة الإلهية املرتبة حسب املقامات واملراتب الوجودية واحلقانية فكلما<br />

زاد املقدَ‏ ‏س قربا وسنخية مع احلق طولبت الأمة بحبه وتقديسه والتقرب منه اأكرث فاأكرث.‏<br />

‎4‎ل 4. يغفل القراآن الكرمي عن الإشارة اإىل احلالت الصحيحة للتقديس و اأيضا ذم بعض الأقوام التي<br />

عبدت الكواكب و الأوثان والأشخاص ؛ مما يعكس واقعا بشريا تقديسياً‏ يتاأرجح بني الفراط والتفريط.‏<br />

‎5‎اأوضح 5. اأهل بيت العصمة امليزان يف التقديس ورفضوا الغلو فيهم كرفضهم الستخفاف بقدسيتهم<br />

ومبقاماتهم التي بواأهم اهلل بها دون غريهم من ‏سائر الكائنات.‏<br />

‎6‎استحقاق 6. الشخص للتقديس ل يرتبط مبهاراته واأخالقه و قدرته على اجلذب والتاأثري،‏ اإمنا يرتبط<br />

ارتباطا وثيقا بالصلة مع اهلل تعاىل وجتسيده للحق واحلقيقة.‏<br />

واحلمد هلل رب العاملني.‏<br />

50<br />

html.02/http://www.haydarya.com/nashatat/fiqh_atabaat/part0 -62


4-3 الإشكالية الثالثة:‏ ثقافة التبعية والتّ‏ باع<br />

‏)اإعداد الستاذة رملة عبداحلميد(‏<br />

تثري الآيات الكرمية يف قوله تعاىل : ‏{اإمِذْ‏ تَربَ‏ ‏َّاأَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اتُّبمِعُوا ممِ‏ نَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اتَّبَعُوا وَرَاأَوُا الْعَذَ‏ ابَ‏ وَتَقَ‏ طَّ‏ عَتْ‏ بمِهمِ‏ مُ‏ الْ‏ أَسْ‏ بَابُ‏ ،<br />

وَقَ‏ الَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اتَّبَعُوا لَوْ‏ اأَنَّ‏ لَنَا كَ‏ رَّ‏ ةً‏ فَ‏ نَتَربَ‏ ‏َّاأَ‏ ممِ‏ نْهُ‏ مْ‏ كَ‏ مَ‏ ا تَربَ‏ ‏َّءُوا ممِ‏ نَّا كَ‏ ذَ‏ لمِكَ‏ يُرمِ‏ يهمِ‏ مُ‏ اهللَّ‏ ُ اأَعْ‏ مَ‏ الَهُ‏ مْ‏ حَ‏ ‏سَ‏ رَ‏ اتٍ‏ عَ‏ لَيْهمِ‏ مْ‏ وَمَ‏ ا هُ‏ مْ‏<br />

بمِخَ‏ ارمِ‏ جمِ‏ نيَ‏ ممِ‏ نَ‏ النَّار}مِ‏ ، 63 وقوله تعاىل : } قَ‏ الَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اسْ‏ تكْ‏ ربَ‏ ‏ُوا لمِلَّذمِ‏ ينَ‏ اسْ‏ تُضْ‏ عمِ‏ فُوا اأَنَحْ‏ نُ‏ ‏صَ‏ دَ‏ دْ‏ نَاكُ‏ مْ‏ عَ‏ نمِ‏ الْهُ‏ دَ‏ ى<br />

بَعْدَ‏ اإمِذْ‏ جَ‏ اءَ‏ كُ‏ مْ‏ بَلْ‏ كُ‏ نْتُمْ‏ جمُ‏ ْ رمِ‏ ممِ‏ نيَ‏ وَقَ‏ الَ‏ الَّذمِ‏ ينَ‏ اسْ‏ تُضْ‏ عمِ‏ فُوا لمِلَّذمِ‏ ينَ‏ اسْ‏ تَكْ‏ ربَ‏ ‏ُوا بَلْ‏ مَ‏ كْ‏ رُ‏ اللَّيْلمِ‏ وَالنَّهَ‏ ارمِ‏ اإمِذْ‏ تَاأْمُ‏ رُ‏ ونَنَا اأَنْ‏<br />

نَكْ‏ فُرَ‏ بمِاهللَّ‏ مِ‏ وَجنَ‏ ْ عَلَ‏ لَهُ‏ اأَنْدَ‏ ادً‏ ا وَاأَسَ‏ رُّوا النَّدَ‏ امَ‏ ةَ‏ ملَ‏ ‏َّا رَاأَوُا الْعَذَ‏ ابَ‏ { 64 اشكالية التبعية من نتبع،‏ وكيف نتبع ؟،‏ فاملوقف<br />

الذي تشري اليه الآيات توضح حالة من اللوم وتبادل التهام بني طرفني اذ ان املجادلت يوم القيامة ليست بني<br />

الأحجار وعابديها،‏ واإمنا بني القادة والأتباع،‏ فعلى من تقع املسئولية؟،‏ فمن املعروف ان مسئولية الختيار تقع<br />

على التابع،‏ وهي مسئولية جسيمة،‏ خاصة يف ايامنا هذه يف ظل تزاحم الثقافات واختالف الهويات وتصادم<br />

الفكار مما يجعل التحميص <strong>عمل</strong>ية يف غاية الصعوبة.‏<br />

فما هي التبعية،‏ وما اأنواعها؟<br />

مفهوم التبعية والتباع:‏<br />

جاءت من اتَّبعَ‏ يف يتَّبع،‏ اتِّباعً‏ ا،‏ فهو متَّبمِع،‏ اتَّبع فالنًا اأي ‏سار وراءه ولحَ‏ قَ‏ هُ‏ وطارَدهُ:{فَ‏ اأَسْ‏ رمِ‏ بمِعمِ‏ بَادمِ‏ ي لَيْالً‏ اإمِنَّكُ‏ مْ‏<br />

مُ‏ تَّبَعُونَ‏ { 65 ، اأو حذا حَ‏ ذْ‏ وه واقتدى به ، 66 فيقال اتَّبعالقراآنَ‏ والسنة اأي <strong>عمل</strong> مبا فيهما } فَ‏ اآممِ‏ نُوا بمِاهللمِ‏ وَرَسُ‏ ولمِهمِ‏ النَّبمِيِّ‏<br />

67<br />

الأُمِّ‏ يِّ‏ الَّذمِ‏ ي يُوؤْممِ‏ نُ‏ بمِاهللمِ‏ وَكَ‏ لمِمَ‏ اتمِهمِ‏ وَاتَّبمِعُوهُ‏ لَعَلَّكُ‏ مْ‏ تَهْ‏ تَدُ‏ ونَ‏ {<br />

التبعية هي احلاجة الفطرية لالنتماء اىل اجلماعة التي يعجز النسان العيش بدونها،‏ والنعزال عنها يعترب<br />

امرا ‏شاذا،‏ ولكن يصبح النتماء اأكرث فاعلية ونضجا عندما يعي الفرد اأنه اإضافة للجماعات التي ميثلها ومتثله.‏<br />

<strong>عمل</strong>ية التبعية لها طرفان والتبعية من املعاين النسبية التي تدور مدار طرفني:الطرف الأول التابع،‏ والطرف<br />

الثاين املتبوع.‏<br />

الأول:‏ اإن التابع يتقمص ويقلد ‏سلوك املتبوع عن ورضا بفكره وثقافته،ويرتتبعلى تلك التبعية اآثار ونتائج<br />

الثاين:‏ وهو املتبوع ‏صنفان،‏ اإما متبوع ‏صالح كنبي اهلل نوح عليه السالم،‏ واإما متبوع فاسد كفرعون فنبي اهلل<br />

نوح عليه السالم دعا اأتباعه اإىل حق فنجا وجنوا معه؛ ‏{فَ‏ اأَجنْ‏ َ يْنَاهُ‏ وَمَ‏ نْ‏ مَ‏ عَهُ‏ يفمِ‏ الْفُلْكمِ‏ املْ‏ ‏َشْ‏ حُ‏ ونمِ‏ ، ثُمَّ‏ اأَغْ‏ رَ‏ قْ‏ نَا بَعْدُ‏<br />

الْبَاقمِ‏ نيَ}‏ ، 68 اأما فرعون فقد دعا اأتباعه اإىل الباطل فهلك وهلكوا معه؛ ‏{فَ‏ َ اأ خَ‏ ذْ‏ نَاهُ‏ وَجُ‏ نُودَ‏ هُ‏ فَ‏ نَبَذْ‏ نَاهُ‏ مْ‏ يفمِ‏ الْيَممِّ‏<br />

فَ‏ انْظُ‏ رْ‏ كَ‏ يْفَ‏ كَ‏ انَ‏ عَ‏ اقمِ‏ بَةُ‏ الظَّ‏ املمِ‏ مِنيَ‏ { 69 ، فاأصبح مصري التابع متعلمِّقً‏ ا بحال املتبوع ‏صالحاً‏ وفساداً.‏<br />

51<br />

-63 ‏سورةالبقرة/‏ 167،166<br />

-64 ‏سورةسبا/‏ 33 ،32<br />

-65 ‏سورةالدخان / 23<br />

66- معجم املعاين اجلامع<br />

-67 ‏سورةالأعراف/‏ 158<br />

-68 الشعراء/‏‎119‎‏،‏ 120<br />

-69 القصص/‏ 40


اأنواع التبعية:‏<br />

اإن تبعية الآخرين،‏ ‏سواء تبعا لشخص اأو جماعة ل يخرج عن ‏صور اأربع،‏ وهي:‏<br />

‎1‎اتباع 1. اجلاهل للعال:‏ اأي اتباع اجلاهل بشيء ملن له تخصص اأو خربة بفن اأو علم،‏ مثل مراجعة املريض<br />

للطبيب اخلبري بعلم الطب.‏<br />

‎2‎اتباع 2. العال للعال:‏ اأي مراجعة اأهل العلم اأحدهم لالآخر واتباع كلٌّ‏ منهم لالآخر.‏<br />

‎3‎اتباع 3. العال للجاهل:‏ اأي يرتك النسان علمه وخربته،‏ ويتبع اجلاهل ويقلده عشوائياً.‏<br />

‎4‎تقليد 4. اجلاهل للجاهل:‏ باأن يتخذ قوم جُ‏ هّ‏ ال عادات ومعتقدات لأنفسهم بال مربر،‏ ويقوم قوم اآخر باتباع<br />

اولئك القوم وتقليدهم فيها،‏ وهذا هو اأكرب عامل لنتقال املعتقدات الفاسدة والتقاليد اخلاطئة من قوم<br />

70<br />

اىل اآخر،‏ وهذا النوع من التبعية استهدفته اأكرث الآيات التي ذمت مثل تلك التبعية.‏<br />

التبعية مابني املدرسة الغربية ومدرسة اهل البيت ‏)ع(:‏<br />

اأول ‏:متبنيات املدرسة الغربية:‏<br />

هذه املدرسة واملتاأثرين بها يعتربون كل تبعية على انها نوع من املسايرة العمياء،‏ اذ يشري علماء النفس يف هذه<br />

املدرسة ان املتبع ميارسها كحيلة دفاعية للتنصل من واجباته ومهامه،‏ وهو بذلك يوكل لالآخرين مهمة اتخاذ<br />

قراراته ووضع اأهدافه،‏ ويحذو ما يحذونه دون اأدنى تقدير لنفسه اأو ‏شعوره بالستحقاقية.‏ فالشخصية التابعة<br />

هي ‏شخصية ‏سلبية متيل لالنهزامية والكسل وضعف العزمية والشعور بالعجز.‏ التبعية ماهي ال اتكالية فكرية<br />

واملتبع يعجز عن التطوير ويخفق يف مواكبة العصر ويجعل نفسه يف دائرة من التوتر والغضب وعدم الرضا التي<br />

تفقده قيمته احلياتية واملجتمعية.لذا فان هذه املدرسة قاعدتهم قائمة على اساس ان النسان خلق حرا طليقا<br />

يف فكره وسلوكه،‏ فالتبعية يرونها نوع من القيد امللزم الذي يتنافى مع احلرية . 71<br />

التبعية البناءة ( فلسفةبناء اجلماعة الصاحلة (:<br />

هل مذهبنا هو مذهب اتباع،‏ بناء على ان التشيع يف معناه اللغوي:‏ هو املشايعة اأي املتابعة واملناصرة واملوالة ،<br />

والصطالحي وفقا ملا يشري اليه الشهرستاين يف امللل والنحل:‏ « الشيعة هم الذين ‏شايعوا عليا وقالوا باإمامته<br />

وخالفته نصا ووصاية اأما جليا واأما خفيا واعتقدوا اأن الإمامة ل تخرج من اأولده واإن خرجت فبظلم يكون من<br />

غريه اأو بتقية من عنده ‏»مذهبنا قائم على التبعية احلقة وعلى فلسفة بناء اجلماعة الصاحلة فالرسول ‏صل<br />

اهلل عليه واله وسلم والئمة عليهم السالم من بعده حرصوا على بناء اجلماعة الصّ‏ احلة لأنّهم كانوا يدركون<br />

جيّدً‏ ا اأنّ‏ بناء الشّ‏ خصيّات الصّ‏ احلة ل تقوم ال على التبعية احلقة،‏ اذ ان تلك الشخصيات هي التي متدّ‏ السّ‏ احة<br />

الإسالميّة العامّ‏ ة بعوامل القوّة والبقاء واحلفاظ على الأمّ‏ ة والدّ‏ فاع عن مقدّ‏ ‏ساتها.‏ لذا فان وجود اجلماعة من<br />

‏شانه ان يحافظ على املجتمع الإسالميّ‏ ، لأنه خطّ‏ القوّة التي تقف بوجه التحدّ‏ ي الفكريّ‏ والأخالقيّ‏ ، وكان المام<br />

70- نفحات قراآنية لناصر مكارم الشريازي<br />

71- من مدونة طارق احلبيب<br />

52


الصادق ‏)عليه السّ‏ الم(‏ يطرح للشّ‏ يعة الأفق الإسالميّ‏ الرّ‏ حيب يف السّ‏ لوك؛ ، فيصف الشّ‏ يعة لهم قائالً:‏ ‏»فاإنّ‏<br />

اأبي حدّ‏ ثني:‏ اإنّ‏ ‏شيعتنا اأهل البيت كانوا خيار مَ‏ ن كانوا منهم:‏ اإنْ‏ كان فقيه كان منهم،‏ واإنْ‏ كان موؤذِّ‏ ن كان منهم،‏<br />

واإنْ‏ كان اإمام كان منهم،‏ واإنْ‏ كان كافل يتيم كان منهم،‏ واإنْ‏ كان ‏صاحب اأمانة كان منهم،‏ واإنْ‏ كان ‏صاحب وديعة<br />

كان منهم،‏ وكذلك كونوا،‏ حبّبونا اإىل الناس،‏ ول تبغّضونا اإليهم«،‏ كذلك تعترب اجلماعة الصاحلة هي السد<br />

املنيع ‏ضدّ‏ حمالت التّشويه التي اأرادت اأنْ‏ تعصف بالشّ‏ ريعة الإسالميّة،‏ وتعرّ‏ ‏ضها لالنحراف الذياأصاب الشرائع<br />

الأخرى من خالل دخول اأفكار غريبة عن الشّ‏ ريعة بني اأتباعها،‏ كذلك املحافظة على القيادة الشّ‏ رعيّة احلقيقيّة<br />

املتمثِّلة يف الأئمّ‏ ة من اأهل البيت ‏)عليهم السالم(‏ . 72 لذا فان التبعية التي ينشدها اهل البيت عليهم السالم<br />

هي تبعية احلقة ومدراك املعرفة،‏ فالإمام علي عليه السالم يصنف الناس اىل ثالثة:‏ ‏»عالٌ‏ رباين،‏ ومتعلمٌ‏ على<br />

‏سبيل جناة،‏ وهمجٌ‏ رعاع اأتباع كل ناعق«‏ فالهمج عند ابن الأثري،تعني:‏ الذباب الصغري الذي يحطُّ‏ على وجوه<br />

الغنم واحلمري،وقيل:‏ هو البعوض،واأما الرعاع فقد ذهب الفريوز اآبادي اإىل اأنّه من ل فوؤاد له ول عقل.‏ لقد ‏شبّه<br />

الإمام عليه السالم املجموعة الثالثة التي ل تكلّف خاطرها عناء التفكري والتحقيق بذباب اأحمقَ‏ يتطفّل على<br />

اأحمق اأكرب منه ليتغذّ‏ ى عليه،‏ ذباب يندفع حيثما ارتفعت ‏صيحة مّ‏ ا دون اأن يعرف ‏صاحبها اأو ما اإذا كانت على<br />

حقّ‏ اأم على باطل،‏ فساأنها ‏ساأن الذباب تدفعه الريح حيثما هبّت مييل معها حيث متيل.‏ ويرى الإمام عليه السالم<br />

اأن العلَّة يف انحدار هوؤلء الناس اإىل هذا الدرك من الضعة والدناءة هي عدم استضاءتهم وتنوّرهم بنور العلم،‏<br />

وافتقارهم اإىل عقيدةٍ‏ واأفكارٍ‏ تنبني على اُسس وطيدة،‏ اذ يوؤكد بضرورة املعرفة خماطبا كميل ابن زياد ‏»يا كميل<br />

ما من حركة ال وانت حمتاجة فيها اىل معرفة « كما نهي ان نكون امعة فعن الإمام الكاظم عليه السالم اأنّه قال<br />

73<br />

لأحد اأصحابه يُدعى الفضل بن يونس:‏ اأ«‏ بلغ خريا وقل خريا ولتكن امعه “<br />

التبعية العمياء « المعة«:‏<br />

هي ان نتبع دون ان نعي،‏ مبعنى ان انتمائنا اىل جماعة،‏ او ماأمت،‏ او حلقة درس ان يكون تبعيتنا لهم عمياء بحيث<br />

ننسى يف خضم ذلك مداركنا،‏ ونلغي عقلنا،‏ وتغيب قدراتنا على التحليل وتوازن المور،‏ وكل ما ياأتي باسم<br />

السالم او اهل البيت نسلم به دون وعي،‏ لالأسف هناك متاجرة باسم الدين،‏ وهناك من يعاين من نقص ويريد<br />

ان يسود يف جماعة دينية،‏ وهناك من يرتكب اخطاء عن جهل او تعمد،‏ وهناك من يجيد فن الستحواذ خللل يف<br />

نفسه او طمع يف جاه او ‏شهرة فتتبعه جماعة منا بغري هدى،‏ فهذه هي التبعية العمياء،‏ القائمة على مَ‏ ن ل يسمح<br />

لنفسه بالتفكري حتّى يفهم ما اإذا كان ما يقوله اُولئك الأشخاص ‏صحيحا اأم غري ‏صحيح ، والطريق الذي ‏سلكوه<br />

طريق حقٍّ‏ اأم طريق باطل ، وما اإذا كان اُولئك الذين يتحدثون باسم الإسالم وحتت رايته ينشدون الإسالم حقًّا<br />

اأم اأن الإسالم كان قنطرة الوصول اإىل ماآربهم الشخصية؟<br />

اأسباب التبعية العمياء:‏<br />

1- اجلهل:‏ يقول امري املوؤمنني ‏)عليه السالم(:‏ ‏»اجلهل مطية ‏شموس من ركبها زلَّ‏ ومن ‏صحبها ‏ضلَّ‏ «.<br />

فاجلهل اأساس التعصب والعنادواحلمية،‏ احلمية التي تسبب اللجاجة والعناد الذي يدعو النسان اىل الدفاع<br />

بال حدود،‏ ظنا من انه اإذا تخلى عن عقيدته وراأيه فهذا يعني تخليه عن كلِّ‏ ‏شيء،‏ اأو اأن هذا اإهانة لشخصيته.‏<br />

72- دور اأهل البيت ‏)عليهم السالم(‏ يف بناء اجلماعة الصاحلة،‏ للسيد حممد باقر احلكيم،‏ اجلزء الول<br />

73- موسوعة العقائد الإسالمية ملحمد حممدي ‏شهري<br />

53


2- عدم النضج الفكري:‏ اإن اأشخاصاً‏ قد ينضجون ويبلغون جسمياً،‏ اإلّ‏ اأن فكرهم ل يستقل ول يبلغ اىل<br />

اآخر العمر،‏ ولهذا يضلون من اأتباع هذا وذاك،‏ ول يفكرون يوماً‏ يف مساألة ما ول يحللونها باستقالل.ولهذا<br />

قد يغريوا اجتاههم بالكامل اإذا ما تغريت بيئتهم اأو تغري حميطهم.‏<br />

3- التاأثر بشخصية ما:‏ وهي اأَنْ‏ يتاأثَرَ‏ النسان بشخصية ما ويجعلها اأسوة له بحيث ل يرى نفسه اأهال لإبداء<br />

الراأي اأمام ‏صاحبها،‏ فيتبعه بكل معنى الكلمة ويسري خلفه واإن ل تكن تلك الشخصية اأهال لالتباع والتقليد.‏<br />

4- التعلق الشديد بالأسالف:‏ والتعلق هذا قد يصنع منهم اأناساً‏ مقدسني واإن ل يكونوا اأهال لذلك،‏<br />

فتتبعهم الأجيال الالحقة عشوائياً.‏<br />

5- التحزّ‏ ب اأو التعصّ‏ ب الطائفي:‏ اإن تعصباً‏ كهذا يدفع بفريق من الناس لتباع حزب اأو طائفة والسري<br />

خلفهما والتمسّ‏ ك برتديد ما يتبناه ذلك احلزب او تلك الطائفة،‏ بحيث ل يسمح النسان لنفسه التفكري<br />

باستقالل وال<strong>عمل</strong> خارج اإطار احلزب اأو الطائفة . 74<br />

من نتبع:‏<br />

نتبع من كان مصداقا حلديث المام الصادق ‏)عليه السالم(:‏ قال رجل للصادق ‏)عليه السالم(:‏ اإذا كان هوؤلء<br />

العوام من اليهود ل يعرفون الكتاب ال مبا يسمعونه من علمائهم فكيف ذمّ‏ هم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟<br />

وهل عوام اليهود اإلّ‏ كعوامنا يقلّدون علماءهم.‏ فقال ‏)عليه السالم(:‏ بني عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة<br />

وتسوية من جهة امّ‏ ا من حيث الستواء فان اهلل ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذممّ‏ عوامهم،‏ وامّ‏ ا من<br />

حيث افرتقوا فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح واكل احلرام والرشا وتغيري الحكام<br />

واضطرّ‏ وا بقلوبهم اىل اأن من فعل ذلك فهو فاسق ل يجوز ان يصدّ‏ ق على اهلل ول على الوسائط بني اخللق وبني<br />

اهلل فلذلك ذمهم.‏ وكذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على<br />

الدنيا وحرمها فمن قلّد مثل هوؤلء فهو مثل اليهود الذي ذمّ‏ هم اهلل بالتقليد لفسقة علمائهم فاأما من كان من<br />

75<br />

الفقهاء ‏صائنا لنفسه حافظا لدينه خمالفا على هواه مطيعاً‏ لأمر موله فللعوام اأن يقلّدوه ).<br />

نعم نتبع العالم احلق بشروط ان يكون صائنا لنفسه،‏ مخلصا هلل تعالى،‏ محافظا على الدين،‏ ال يطيع هواه،‏ بل طاعته هلل وحده،‏ هنا يجب اتباعه،‏<br />

نعم نستمع للغري من املوؤمنني الصاحلني واملتصدرين للثقافة واملجادلة،‏ لكن ان يكون ‏سمعنا بادراك ووعي<br />

واتزان.‏<br />

74- نفحات قراآنية لناصر مكارم الشريازي<br />

75- مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل،‏ لمريزاالطربسي،‏ اجلزء 18 الصفحة 94.<br />

54


الفصل الرابع:‏<br />

نتائج وتوصيات<br />

‎1‎اإن 1. الأسوة يف املنظور القراآين لها دور وتاأثري على البعد الفردي والجتماعي والتاريخي،‏ فهي ترسم<br />

طريق الإصالح للخصال الفردية والشخصية،‏ وعلى مستوى املجتمع ترسم مناذج اإصالحية يف املجال<br />

الجتماعي والسياسي،‏ وبالنتيجة فاإن الأسوة يف خضم املسري التاريخي تكون ذات اأثر يف التغيريات<br />

والتحولت التاريخية،‏ فالأسوة تقدم الأمنوذج الكامل يف املجالت الثالثة ‏)الفردية والجتماعية<br />

والتاريخية(‏ اإذ الأنبياء والأئمة اأمنوذج لالأسوة احلسنة.‏<br />

‎2‎الأسوة 2. التي تطرحها منظومة ‏شخصية املراأة املسلمة،‏ هي اأسوة قادرة على الثبات يف قبال كل التغريات<br />

والتحولت،‏ ولكن القدوة ليست كذلك،‏ فهي <strong>عمل</strong>ية ل تخلو من التدرج والنماء باجتاه التكامل.‏ فالأسوة<br />

قادرة على بيان القيم كلها،‏ يف حني اأن القدوة تربز يف الغالب من خالل السلوكيات واملناسبات التي<br />

تستجيب لزمان ومكان حمددين،‏ لذا فاإن القدوة تفصلها عن الأسوة عدة نقاط يجب مراعاتها.‏<br />

‎3‎وفقا 3. لبعض الدراسات املعتمدة فاإن احلالت التي انحرفت من النساء القدوات كانت اإما تابعة للمنهج<br />

التقليدي اأو احلداثي،‏ اأو متذبذبة بني املناهج الثالثة،‏ وغالبا كانت من دون وعي بهذه املناهج،‏ فتقاذفتها<br />

الظروف الفكرية املتغرية،‏ مع تغري البيئة اأو غلبة تيار منهج على اآخر،‏ تبعا للتحولت املحلية والعاملية.‏<br />

‎4‎لو 4. كانت فرص العلم والكمال متاحة للمراأة كما هي للرجل يف كل املجالت الثقافية والعلمية والقتصادية<br />

والسياسية والإدارية بنفس النسبة التي فتحت اآفاقها للرجال،‏ بحيث يتم منح املراأة الفرصة والإمكانيات<br />

الالزمة لهن،‏ وينظر لهن الرجال باعتبارهن اإنسان كما الرجل،‏ فمن البديهي اأن تنتج املجتمعات<br />

البشرية يف كل عصر اآلف الفقيهات والفيلسوفات والأديبات وراويات احلديث والطبيبات واملحققات،‏<br />

كما اأنتجت من الرجال.‏ ولو اأن احلوزة العلمية يف بغداد التي ربت يف اأحضانها واأنتجت اأمثال السيد<br />

املرتضى والرضي والشيخ الطوسي،‏ فلوكانت هناك حينها حوزة للفتيات والنساء بنفس الإمكانيات،‏<br />

وباملثل لو كان يف حوزة النجف الأشرف واحللة التي قدمت املحققني والعالّ‏ مة وفخر املحققني،‏ واأيضا<br />

باملثل يف حوزة اإصفهان التي قدمت لنا العالمة املجلسي وغريه،‏ لو كانت هناك حوزة للفتيات والنساء<br />

ملا اقتصر واقع املراأة على تقدمي عاملات مثل اآمنة بيكم ابنة املحدث حممد تقي املجلسي،‏ والسيدة اأمني<br />

الصفهانية التي بلغت مرتبة الجتهاد والفقاهة،‏ ولكان بيننا الآن اآلف الفقيهات واملجتهدات واملحققات<br />

الالتي ينشرن النور يف املجتمع الإسالمي،‏ وباملثل يف اجلامعات الأكادميية يف الدول الإسالمية.‏ 76 نعم<br />

لبد من ذلك لأجل خلق القدوات من مصادرها الأصيلة وبيئاتها الأصلية.‏<br />

‎5‎الدور 5. الإعالمي للقدوات،‏ واحلضور والحرتاف يف البعد الإعالمي مطلوب بشدة يف معايري القدوة يف<br />

العصر احلاضر،‏ وهو ‏شبه مفقود يف واقع النساء القدوات وفق منهج الإسالم احلضاري يف جمتمعنا<br />

خاصة،‏ واأما على مستوى العال الإسالمي فله حديث يف حمله.‏<br />

‎6‎‏صناعة 6. النساء القدوات يف واقعنا جنح يف بعض املجالت بشكل بارز،‏ ومصداقه هنا يف املوؤمتر هو مشروع<br />

- 76 اآية اهلل نوري همداين،‏ جايكاه بانوان در اإسالم،‏ ‏ص 55. بتصرف<br />

55


الأم املثالية 77 التي يتم اختيارها تبعا لدورها الأصلي كاأم ومربية ومنتجة لأبناء ‏صاحلني ومصلحني،‏<br />

وهذا يعني اأن النساء القدوات ميكن حتديدهن يف خمتلف املجالت مع ‏ضرورة احلفاظ على التوازن يف<br />

الأدوار الأساسية لها كاإمراأة،‏ مهما بلغت كقدوة يف جمال من املجالت.‏<br />

‎7‎القدوة 7. منظومة،‏ ولبد من هندسة نظام القدوة يف كل جمتمع وجمال وفقا للظروف الفردية والجتماعية<br />

والتاريخية.‏<br />

واحلمد هلل رب العاملني<br />

- 77 مت تدشني مشروع الأم املثالية يف موؤمتر الإسالم العظيم واملراأة ‏)الثامن(‏ / ‎2015‎م يف البحرين.‏<br />

56

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!