01.08.2019 Views

MD N°41 Juillet_Août 2019

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

ص 18<br />

مناضالت<br />

في<br />

تمرد<br />

الساحل،‏ العسكريون<br />

يستبعدون<br />

وزارة الخارجية ص<br />

جيوسياسية<br />

األزمة<br />

14 الفنزويلية<br />

ص 12<br />

عدد - 41 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

نشرية شهرية<br />

التبادل الحر أم البيئة!‏<br />

سارج حليمي Serge Halimi<br />

بحصولهم على نسبة %10 من المقاعد في انتخابات البرلمان األوروبي،‏<br />

أحيى الخضر جدل قديم حول التموقع السياسي لهذه الحركة.‏ هل هي على األغلب<br />

يسارية،‏ مثلما تشير به غالبية التحالفات التي عقدتها حتى اليوم،‏ أم أنها ليبيرالية،‏<br />

مثلما يوحي بذلك،‏ في نفس الوقت،‏ التحاق عدد هام من القادة الخضر السابقين ‏)دانيال<br />

كوهن بانديت،‏ باسكال كانفان،‏ باسكال دورن(‏ بصفوف إيمانويل ماكرون،‏ وبعض<br />

التحالفات األخرى،‏ من قبيل التحالف القائم في ألمانيا بين اليمين والخضر؟<br />

ثالثون سنة بعد الحرب األهلية<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

يظهر أن مصير المفقودين في الحرب األهلية اللبنانية )1990-1975( وأكثرهم ضحايا االختطاف،‏<br />

أمر ال يهم السلطات السياسية كثيرا وهي الحريصة على طوي هذه الصفحة لتعزيز إعادة بناء البالد.‏ لكن<br />

تحرك العائالت المعنية يمنع إرساء النسيان ويساهم في توثيق أحد أكثر الحلقات تراجيدية في النزاع.‏<br />

إيمانويل حداد * Haddad Emmanuel<br />

من األرجح أن الليبيرالية وحماية المحيط يمثالن ثنائيا متنافرا.‏ سنة 2003،<br />

خلص أحد منظري الليبرالية البارزين،‏ وهو ميلتون فريدمان،‏ إلى التأكيد على أن<br />

‏»البيئة تمثل مشكلة مبالغا فيها بقدر كبير )...( نحن نقوم بالتلويث كلما تنفسنا.‏ عليه،‏<br />

ليس من المعقول أن نغلق المصانع بذريعة إزالة كل انبعاثاث أوكسيد الكاربون في<br />

الفضاء.‏ سيكون عندها من األفضل لنا أن نسارع بشنق أنفسنا)‏‎1‎‏(.‏ قبله بعشر سنوات،‏<br />

اعتبر غاري بيكر،‏ وهو أحد كبار مناهضي ما لم نكن نطلق عليه وقتها اسم ‏»البيئية<br />

العقابية«،‏ أن ‏»الحق في العمل وحماية البيئة أصبحا مبالغا فيهما في معظم البلدان<br />

المتقدمة«.‏ لكنه توقع ما يلي:‏ ‏»سيقوم التبادل الحر بكبح بعض مظاهر المبالغة هذه من<br />

خالل إجبار الجميع على المحافظة على التنافسية إزاء واردات البلدان النامية)‏‎2‎‏(«.‏<br />

يمكننا أن ندرك بالتالي أن مظاهر القلق والحيرة المتصلة بمستقبل الكرة<br />

األرضية قد أتاحت رد االعتبار لمصطلح ظل لفترة طويلة مكروها وغير مرغوب<br />

فيه،‏ هو مصطلح ‏»الحمائية«.‏ في فرنسا،‏ وخالل نقاشات في نطاق الحملة االنتخابية<br />

األوروبية،‏ ذهب رئيسا قائمتي الحزب االشتراكي والخضر إلى حد المطالبة،‏ تقريبا<br />

بنفس عبارات مارين لوبان،‏ بإرساء ‏»حمائية على حدود االتحاد األوروبي«)‏‎3‎‏(.‏<br />

بمقدورنا أن نتفطن لحجم االنعكاسات المحتملة لمثل هذا التغيير في الوجهة،‏ عندما<br />

ندرك أن التبادل الحر يمثل المبدأ التاريخي المؤسس لإلتحاد،‏ في نفس الوقت الذي<br />

يمثل فيه الرئة االقتصادية للدولة األكثر قوة،‏ أي ألمانيا.‏<br />

مستقبال،‏ يدرك الجميع أن اإلشادة،‏ التي أضحت توافقية،‏ بالمنتجين المحليين،‏<br />

وبالحلقات القصيرة،‏ وبمعالجة النفايات على عين المكان،‏ ال تتالئم مع نمط إنتاج<br />

وتبادل يتيح تكثيف ‏»سالسل القيمة«،‏ أي ينظم سيل ناقالت الحاويات التي تجتاز<br />

على متنها مكونات نفس المنتج ‏»ثالث أو أربع مرات المحيط الهادي قبل أن تصل<br />

إلى رفوف مغازة)‏‎4‎‏(«.‏<br />

ستتاح خالل األسابيع المقبلة فرص عدة كي تؤكد هذه التيارات،‏ فعليا وواقعيا،‏<br />

رفضها لتبادل حر مدمر بيئيا.‏ بالفعل،‏ البرلمانيون األوروبيون مدعوون إلى المصادقة،‏<br />

أو،‏ وهذا وما نأمله،‏ أن يرفضوا،‏ اتفاقا لتحرير التجارة مع أربع دول من أمريكا<br />

الالتينية من بينها البرازيل واألرجنتين ‏)االتحاد األوروبي مجموعة ماركوسير-‏UE<br />

.)Aleca واتفاق ثالث مع تونس ‏)أليكا ،)CETA واتفاق آخر مع كندا ‏)سيتا ،)Mercosur<br />

عندها سنرى ما إذا كانت ‏»الموجة الخضراء«‏ قد غطت حقيقة أراضي القارة العجوز.‏<br />

1( حديث مع هنري لوباج،‏ نشرية ‏»سياسات دولية«،‏ العدد 100، باريس،‏ صائفة 2003.<br />

2( غاري بيكر،‏ ‏»نفطة:‏ قضية التلوث هي مجرد شاشة دخان«،‏ نشرية ‏»بيزنس ويك«،‏ 9 أوت/آب<br />

1993. ذكر في كتاب ‏»القفرة الكبيرة إلى الوراء«،‏ إعادة طبع دار النشر ‏»آغون«،‏ مرسيليا،‏ 2012.<br />

)3 فرانس 22 ،2 ماي/أيار .<strong>2019</strong><br />

4( بين كاسلمان ‏»المصانع تتأقلم مع الحرب التجارية لكن الثمن سيكون عالي«،‏ ‏»ذي نيويورك<br />

تايمز«،‏ 31 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

الفهرس بالصفحة األخيرة<br />

الثمن:‏ تونس : 3 دينار I الجزائر : 120 دينار<br />

المغرب:‏ 18 درهم I موريطانيا:‏ 660 أوقية<br />

في صبيحة هذا اليوم الموافق 28<br />

نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اجتمعت<br />

ثالثون امرأة في حديقة خليل جبران<br />

الواقعة في قلب مدينة بيروت والتي لم<br />

تترك عملية إعادة بنائها أي أثر للنزاع<br />

الدامي الذي مزق لبنان بين عامي 1975<br />

و‎1990‎‏.‏ لقد أتين من كامل أنحاء البلد<br />

لحضور مؤتمر صحفي تاريخي.‏ قبل<br />

أسبوعين،‏ وتحديدا يوم 13 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني،‏ صادق البرلمان اللبناني<br />

على القانون عدد 105 حول المفقودين<br />

والمخفيين قسراً)‏‎1‎‏(.‏ ينص هذا القانون<br />

في فصله الثاني على أنه ‏»ألفراد األسرة<br />

والمقربين الحق في معرفة مصير<br />

أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين<br />

قسرا ‏)خالل فترة الحرب األهلية(«.‏ كما<br />

ينص على إحداث هيئة مستقلة مكلفة<br />

بتحديد أماكن المقابر الجماعية التي<br />

تنتشر في تراب البالد وإخراج الرفات<br />

البشرية بهدف تحديد هويات أصحابها.‏<br />

الكثير من النسوة كن يعانين من<br />

انحناء أكتافهن.‏ غالبيتهن قد وضعن<br />

عصابة على رؤوسهن كتب عليها ‏»لنا<br />

* صحفي ‏)بيروت(‏<br />

الحق أن نعرف«.‏ كن تحملن في أياديهن<br />

صورا فوتوغرافية طالها االصفرار<br />

لرجال بنظرات ثابتة.‏ إنها صور أبنائهن<br />

أو أزواجهن أو أشقائهن،‏ الذين فقدُوا<br />

جميعهم تقريبا خالل فترة الحرب،‏ التي<br />

انتهت على حصيلة رسمية عن ب 150<br />

ألف قتيل و‎17415‎ مفقودا.‏<br />

شقت امرأة ذات قامة قصيرة<br />

طريقها نحو طاولة بالستيكية وضع<br />

فوقها مصدح.‏ في مواجهة كاميرات<br />

التلفزيون،‏ انطلقت وداد حلواني،‏<br />

رئيسة هيئة أسر المفقودين والمخفيين<br />

قسرا في قراءة نص بالغ بنبرة مهيبة<br />

جاء فيه:‏ ‏»لقد صوت البرلمان مؤخرا<br />

على القانون حول المفقودين.‏ إنكم أنتم<br />

كعائالت،‏ من تحصلوا على هذه النتيجة.‏<br />

ارجعوا بالذاكرة إلى أول مظاهرة في<br />

كورنيش المزرعة يوم 17 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 1982. لم نكن نعرف<br />

بعضنا سابقا.‏ لكن األلم هو الذي جمع<br />

بيننا«.‏<br />

حلواني،‏ المعلمة السابقة التي<br />

أصبحت واحدة من أبرز المتحدثين باسم<br />

أقارب وذوي المفقودين،‏ لم تكن لتنسى<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

أي تفصيل من مأساتها الشخصية.‏<br />

تقول:‏ ‏»لقد تم اختطاف زوجي عدنان<br />

يوم 24 سبتمبر/تموز 1982. لقد طرقت<br />

كل األبواب من أجل العثور عليه،‏<br />

وكنت كل مرة،‏ أسمع نفس عبارات<br />

التعاطف والمواساة التي ال طائل من<br />

ورائها سواء من رئيس الحكومة أو<br />

من مفتي الجمهورية..‏ عبارات مدارها:‏<br />

‏»سيدتي المسكينة،‏ لست أول امرأة تأتي<br />

لزيارتي«.‏ وتضيف:‏ ‏»ومن باب حب<br />

اإلطالع،‏ أطلقت عبر اإلذاعة نداء من<br />

أجل التقاء كل أولئك الالئي فقدن قريبا<br />

لهن مثلي أنا.‏ كنت أعتقد أن عددنا لن<br />

يتجاوز األربع نساء،‏ لكن عند وصولي<br />

وجدت تجمهرا ضخما وتساءلت عما إذا<br />

كانت هنالك مواجهة أخرى.‏ في الواقع،‏<br />

هناك أكثر من مائتي امرأة قد استجبن<br />

للنداء«.‏<br />

‏)البقية صفحة 2(<br />

1( تم نشره يوم 6 ديسمبر/كانون األول 2018<br />

في ‏»الجريدة الرسمية«‏ اللبنانية،‏ وقد تم ترجمة<br />

النسخة اإلنقليزية من هذا القانون من قبل المنظمة<br />

غير الحكومية اللبنانية ‏»أومام للتوثيق والبحوث«‏<br />

)www.umam-dr.org(<br />

www.editionarabdiplo.com


جويلية/أوت - تموز/آب 2 <strong>2019</strong><br />

ثالثون سنة بعد الحرب األهلية<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

‏)بقية الصفحة األولى(‏<br />

إيمانويل حداد Emmanuel Haddad<br />

منذ بدايات الحرب،‏ برزت بوضوح<br />

وسريعا ظاهرة االختفاء ضمن ترسانات<br />

مختلف الميليشيات اللبنانية على اعتبارها<br />

أحد األسلحة التي يمكن استخدامها بشكل<br />

عشوائي ضد المدنيين من الشق المنافس.‏<br />

تحدث جوناثان راندال،‏ مراسل صحيفة<br />

‏»نيويورك تايمز«‏ آنذاك في كتابه ‏»تراجيديا<br />

لبنان«)‏‎2‎‏(‏ عن قصة طارق متيري،‏ الذي<br />

أصبح متخصصا في تحرير المختطفين.‏<br />

يقول في هذا الصدد:‏ ‏»يميز متيري بين<br />

ثالثة أصناف ‏)من األشخاص المورطين<br />

في عمليات االختطاف(،‏ الصنف األول<br />

يتصل بالميليشيات التي يفوق تعصبها<br />

سياسة المنظمات التابعة لها )...( وصنف<br />

ثان يضم أعضاء مختلف التنظيمات<br />

المسلحة التي تتلقى األوامر باختطاف<br />

عدد من األبرياء من أجل المساعدة على<br />

تحرير رهائنهم )...( أما الصنف الثالث من<br />

عمليات االختطاف فقد كان يتم تنفيذه استنادا<br />

إلى اعتبارات فردية وعلى أساس ‏)شكوك(‏<br />

يثيرها غالبا طرف ثالث لدواع متنوعة،‏ من<br />

قبيل خصومة عاطفية أو نزاع تجاري«.‏<br />

يتطلب تحقيق عملية اإلفراج إذن<br />

ممارسة ضرب من المهارة الديبلوماسية،‏<br />

واالستنجاد بشبكة عالقات جد واسعة،‏<br />

وبالخصوص سرعة كبيرة في التنفيذ،‏<br />

مثلما يروي ذلك أسعد الشفتري،‏ الرجل<br />

الثاني سابقا في مخابرات القوات اللبنانية،‏<br />

وهي إحدى أبرز الميليشيات المسيحية<br />

خالل الحرب.‏ يقول الشفتري:‏ ‏»كنا نتلقى<br />

عشرات مطالب اإلفراج،‏ وفي الغالب عبر<br />

وسطاء،‏ سواء من المسؤولين السياسيين<br />

أو من العسكريين أو من أشخاص ذوي<br />

مكانة اجتماعية.‏ كان يتعين علينا أن نتحرك<br />

سريعا باعتبار أنه في بدايات النزاع،‏ كان<br />

يتم قتل الناس بشكل فوري.‏ إنهم في الغالب<br />

رفاق ينتقمون لرفقائهم،‏ أو عائالت تم<br />

اختطاف أحد أفرادها وتقوم بالرد عبر فعل<br />

مماثل«.‏ أقرّ‏ أسعد الشفتري بأنه متورط<br />

شخصيا في العديد من عمليات االختفاء.‏<br />

وفي هذا السياق،‏ كان قد توجه سنة 2000<br />

برسالة توبة إلى اللبنانيين،‏ وطلب العفو من<br />

ضحاياه.‏<br />

بعد خمسة عشر عاما من عمليات<br />

االختفاء القسري والجرائم األخرى التي<br />

ارتكبتها الميليشيات من كل االتجاهات،‏<br />

وكذلك من قبل جيشي االحتالل االسرائيلي<br />

والسوري ‏)من 1978 إلى 2000 بالنسبة<br />

للقوات السورية ومن 1976 إلى 2005<br />

بالنسبة للقوات االسرائيلية(،‏ سارعت<br />

السلطات اللبنانية بطي الصفحة،‏ إذ كانت<br />

مسكونة بهاجس صفقات إعادة اإلعمار<br />

المغرية.‏ هكذا،‏ تم في 26 أوت/آب 1991<br />

التصويت على قانون العفو على كل الجرائم<br />

المرتكبة خالل فترة الحرب األهلية.‏<br />

والحقا،‏ حث القانون عدد 434 لسنة<br />

1995 أهالي األشخاص الذين مضت على<br />

فقدانهم أكثر أربع سنوات،‏ على إعالنهم<br />

أشخاصا متوفين.‏ يوضح نزار صاغية،‏<br />

المحامي العضو في المنظمة غير الحكومية<br />

اللبنانية ‏»ليغال أجندا«‏ ‏)األجندة القانونية(‏<br />

والمشارك في وضع المشروع التشريعي<br />

الذي انبثق عنه القانون عدد 105، بأنه<br />

‏»كانت هناك رغبة واضحة في طي صفحة<br />

الحرب،‏ ذلك أن كل العائالت البورجوازية<br />

قد أعلنت أقرباءها أشخاصا متوفين حتى<br />

تحصل على ميراثهم.‏ منذ 1995، العائالت<br />

متواضعة الحال ‏)ليس لها من ميراث<br />

تحصله(‏ هي وحدها التي واصلت النضال«‏<br />

من أجل معرفة مصير المفقودين.‏<br />

اإلحترامية أُشترت<br />

بثمن بخس<br />

هكذا،‏ أطلق القانون عدد 434 لسنة<br />

1995 بدايات عمليات الحجب،‏ التي يصفها<br />

غسان حلواني،‏ اإلبن األصغر لوداد،‏ ب<br />

‏»الفقدان المزدوج«.‏ في أحد مقاطع شريطه<br />

الوثائقي ‏»طرس..‏ رحلة الصعود إلى<br />

المرئي«‏ ‏)الحائز سنة 2018 على جائزة<br />

أوليس لمهرجان سيني ماد بمونبيليي(،‏<br />

الذي يسعى فيه إلى نفض غبار النسيان<br />

على الكثير من األشخاص المفقودين،‏ يقرأ<br />

المتفرج العبارة التالية:‏ ‏»الجريمة تجري<br />

على مرحلتين أو في فصلين«.‏ أوال،‏ فعل<br />

القتل.‏ وتاليا،‏ فعل التخلص من البراهين<br />

والقرائن«.‏ نرى في الخلفية مشهدا عاما<br />

للخراب الذي طال بيروت جراء الحرب<br />

وقد تم تعويضه بمشهد معاصر للمدينة<br />

بعد إعادة بنائها.‏ تم رسم أسهم موجهة إلى<br />

عديد الفضاءات الفخمة التي تم بناؤها في<br />

مواقع المقابر الجماعية:‏ هناك ملهى ليلي<br />

مشهورة،‏ وملعب صولجان أو جادة تنزه<br />

على الشاطئ.‏ في تناوله الثنين من أكثر<br />

األحياء جمالية وجاذبية في وسط المدينة،‏<br />

يصدح حلواني بهذه الحقيقة المرعبة:‏<br />

‏»إذا ما سلكت الطريق بين الحمراء ومر<br />

ميكائيل،‏ أنت معرض ألن تصادف اثنين<br />

أو ثالثة مقابر جماعية،‏ تبعا للطريق الذي<br />

تسلكه«.‏<br />

فكم هنالك من مقابر جماعية تعود<br />

إلى فترة الحرب ويتعين الكشف عنها؟ لقد<br />

تم في 21 جانفي/كانون الثاني 2000 إحداث<br />

لجنة تحقيق رسمية مهمتها اإلجابة عن<br />

هذا التساؤل من جملة مجموعة تساؤالت<br />

أخرى.‏ لكن اللجنة قامت بعد ستة أشهر<br />

من تأسيسها بنشر تقرير من صفحتين<br />

تحدثت فيه فقط عن 2046 مفقود وأعلنتهم<br />

‏»أشخاصا متوفين آليا«.‏ اعترف التحقيق<br />

بوجود مقابر جماعية من خالل تحديد<br />

بعض منها،‏ لكنه اعتبر أن البقية ال يمكن<br />

التعرف عليها.‏ ولدى استفساره عن األمر<br />

بعد عشر سنوات من قبل المنظمة اللبنانية<br />

للتوثيق والبحوث ‏)أونام(،‏ عبّر الجنرال<br />

سليم أبو إسماعيل،‏ الذي كان رئيسا للجنة<br />

المذكورة عن استغرابه بالقول:‏ ‏»ما هي<br />

الفائدة التي سنجنيها من ذلك؟ وأية مصلحة<br />

في إخراج اآلالف من بقايا الرفات؟«.‏ في<br />

كل األحوال،‏ ووفقا للمنظمة غير الحكومية<br />

‏»التحرك من أجل المفقودين«،‏ يعدّ‏ لبنان ما<br />

ال يقل عن 115 مقبرة جماعية.‏ وقد قامت<br />

المنظمة بتجميع معطيات ومعلومات عن<br />

كل واحدة من هذه المقابر،‏ وهي معطيات<br />

ستمد بها الحقا اللجنة التي نص القانون<br />

105 على بعثها.‏<br />

بعد أن شهدت بأم عينيها اختطاف إبنها<br />

أحمد ذي ال 17 ربيعا،‏ شاركت خديجة د.‏<br />

في كل مظاهرات عائالت المفقودين منذ سنة<br />

1982 إلى حد تاريخ وفاتها سنة 2016. تقول<br />

ابنتها سوسن،‏ التي أخذت مكانها في هذه<br />

المظاهرات:‏ ‏»إلى حد آخر أيام عمرها كانت<br />

تؤكد بأن أحمد سيعود.‏ واليوم أيضا أقول<br />

نفس الشيء«.‏ في رأي سوسن كما في رأي<br />

اآلالف من عائالت المفقودين،‏ التعرف على<br />

رفات المفقود المحبوب هو الشيء الوحيد<br />

الذي يمكن أن يَضع حدا للفترة الطويلة<br />

لما يسمى ‏»الحداد األبيض«،‏ والذي يمثل<br />

مصدر معاناة نفسانية حادة)‏‎3‎‏(‏ هكذا،‏ قامت<br />

بتقديم عينة بيولوجية مرجعية إلى اللجنة<br />

الدولية للصليب األحمر خالل العام الماضي.‏<br />

منذ العام 2015، تولت لجنة الصليب<br />

األحمر تجميع 1500 من هذه العينات التي<br />

يمكن استخراج الحمض النووي منها،‏<br />

والتي ستمكن من التعرف على بقايا الرفات<br />

الموجودة في المقابر الجماعية عند إخراج<br />

هذه الرفات.‏ وتمثل هذه المبادرة إحدى<br />

الطرق لتعويض جمود السلطات اللبنانية التي<br />

ظلت حبيسة منطق اإلنكار.‏ تضيف سوسن:‏<br />

‏»المرة األولى التي تعرضت فيها والدتي إلى<br />

جلطة قلبية كانت سنة 1998 عندما صرح<br />

الرئيس إلياس الهراوي بأن كل المفقودين تم<br />

رميهم في البحر أو ردمهم تحت اإلسمنت<br />

المسلح،‏ وأنه يتعين طي الصفحة«.‏ في ذلك<br />

الوقت،‏ كان ساكن قصر بعبدا الرئاسي يؤكد<br />

خالفا لما هو يقين،‏ بأنه ليس هناك لبناني<br />

واحد معتقل في سجن سوري أو إسرائيلي.‏<br />

أمضى موسى صعب 15 عاما في<br />

االعتقال في زنزانات سورية متعددة،‏ ولكنه<br />

لم ينس محاولة محو وجوده.‏ يقول في هذا<br />

الخصوص : ‏»لقد مضت أربع سنوات على<br />

سجني في معتقل صيدنايا السوري.‏ كنت<br />

استمع إلى اإلذاعة اللبنانية عندما ألقى الياس<br />

الهراوي هذا الخطاب.‏ كنا مئات من المعتقلين<br />

اللبنانيين في سوريا نستمع إلى هذا الخطاب«.‏<br />

تم اإلفراج عن موسى في 12 ديسمبر/كانون<br />

األول 2000. ترتب عن عملية اإلفراج عنه<br />

وعن 53 من المعتقلين السابقين في سوريا،‏<br />

وكذلك عمليات االكتشاف المنتظم لحفر دفن<br />

جماعية في كامل أنحاء لبنان،‏ تحطيم وإفشال<br />

محاوالت القادة اللبنانيين المتكررة لطي<br />

ملف المفقودين.‏ في بيروت،‏ خصصت كل<br />

من الصحفية والمخرجة مونيكا بورغمان،‏<br />

والكاتب والناشر لقمان سليم،‏ الذي هو<br />

أيضا مدير منظمة ‏»أونام«،‏ شريطا وثائقيا<br />

لعشرين من هؤالء المعتقلين السياسيين<br />

اللبنانيين في سوريا)‏‎4‎‏(.‏<br />

تنزع المصادقة على القانون عدد<br />

105 بذلك الرواية المتعلقة بالحرب من أيدي<br />

أولئك الذين ارتكبوا جرائم الحرب)‏‎5‎‏(‏ ليعود<br />

األمر إلى الضحايا،‏ الذين تم لحد ذلك الوقت<br />

إجبارهم على الصمت والغياب.‏ غير أن هذا<br />

النص ال يبدد كل الشكوك بخصوص صدقية<br />

هذا التمشي.‏ ‏»لماذا اآلن؟«،‏ يتساءل سليم،‏<br />

الذي يعتبر أن جعل عملية المصادقة على<br />

هذا القانون بمثابة تتويج لست وثالثين سنة<br />

من كفاح أسر المفقودين،‏ قد يكون مجرد<br />

عملية إخراج ‏»رومانسية«.‏ هو يرى في<br />

األمر بالخصوص طريقة الكتساب االحترام<br />

لقاء ثمن ضئيل.‏ يقول ‏»إنها طريقة كالسيكية<br />

للبرلمان اللبناني من خالل التصويت على<br />

قوانين تحظى بإعجاب المجموعة الدولية«،‏<br />

معتبرا أن هذا القانون سيكون مصيره على<br />

األرجح مثل مصير القوانين ال 39 التي تمت<br />

المصادقة عليها سابقا حول مواضيع شتى،‏<br />

والتي ظلت حتى اليوم في انتظار األوامر<br />

التطبيقية.‏<br />

وفي ما يبدو أنه عمل مقصود،‏ تم في<br />

آخر لحظة إضافة فصل مثير للجدل خالل<br />

الجلسة العامة ما يضعف حظوظ تطبيق<br />

هذا القانون.‏ ينص الفصل 37 على أن ‏»كل<br />

محرض أو متورط أو متواطئ في عملية<br />

اختفاء قسري يجب معاقبته بالسجن المقرون<br />

باألشغال الشاقة من خمسة إلى خمسة عشر<br />

عاما«.‏ يعتبر مضمون هذا الفصل متعارضا<br />

مع انتظارات العائالت،‏ مثلما تؤكد على<br />

ذلك حلواني قائلة:‏ ‏»نحن غير مسؤولين عن<br />

الفصل 37. وبالنسبة إلينا،‏ فإن حق المعرفة<br />

يمر قبل العدالة الجزائية«.‏ من ناحيته،‏<br />

يخشى الشفتري،‏ الذي أضحى اليوم عضوا<br />

في المنظمة غير الحكومية للمقاتلين السابقين<br />

التائبين ‏»المقاتلون من أجل السالم«،‏ من<br />

األثر السلبي لهذا الفصل،‏ إذ يصرح بقوله<br />

‏»عندما تضع السيف على رقبة أولئك الذين<br />

ارتكبوا جرائم خالل الحرب،‏ فإنني أشك<br />

كثيرا في كونهم سيأتون لتقديم شهاداتهم«.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

غائبون أحياء<br />

للسجل المدني<br />

اعتبارا لتعودها على مضي السياسيين<br />

اللبنانيين في التنكر لوعودهم،‏ تؤكد حلواني<br />

أنها أبعد من أن تكون مصابة بالغباء.‏ تقول<br />

محذرة ‏»إن التصويت على القانون يمثل<br />

مجرد مرحلة.‏ فنضالنا سيستمر مع تعيين<br />

األعضاء العشرة في اللجنة المقبلة،‏ ويتعين<br />

علينا أن نعمل على أال يتم اختيار المرشحين<br />

وفقا لمعايير سياسية وطائفية،‏ مثلما تعودنا<br />

على ذلك في لبنان«.‏<br />

أما إبنها غسان،‏ فهو يسعى إلى تحفيز<br />

مجمل المجتمع اللبناني على أن يتبنى تاريخ<br />

المفقودين.‏ وإضافة إلى شريطه المذكور<br />

سابقا،‏ هو يعمل منذ 2015 على رقمنة<br />

األرشيف المجمع من قبل والدته صلب تجمع<br />

للمنظمات.‏ تتعلق المواد التي تم تجميعها<br />

بمعطيات دقيقة وتتضمن قصاصات صحفية<br />

وخطب وبالغات حول حركة عائالت<br />

المفقودين.‏ إنها تمثل مادة أولية من أجل<br />

استحضار الحرب األهلية من خالل إبراز<br />

صورة المفقودين لمرة واحدة.‏ هؤالء الذين تم<br />

إقصاؤهم من تاريخ النزاع،‏ هم على العكس<br />

من ذلك أحياء في وثائق السجل المدني.‏ في<br />

نهاية شريطه الوثائقي،‏ يروي غسان حلواني<br />

طرفة تخص كال من ريشار وكريستين،‏<br />

وهما زوجان تعرضا إلى االختطاف خالل<br />

الحرب.‏ عندما أراد أحد الباعثين شراء منزل<br />

على ملكهما،‏ رفض أحد القضاة مطلبه،‏<br />

معتبرا أن الزوجين ليسا متوفيين رسميا.‏<br />

2( جوناثان راندال ‏»المأساة اللبنانية:‏ كريستيان<br />

بارون الحرب،‏ المغامرات اإلسرائيية والمستنقع<br />

األمريكي«‏ نشر دار ‏»شاتو أند ويندوس«،‏ لندن،‏<br />

.1983<br />

3( بولين بوس ، ‏»خسارة غامضة.‏ تعلم العيش<br />

مع حزن بال حل«،‏ منشورات جامعة هارفارد،‏<br />

لندن،‏ 2000.<br />

4( أكرم بالقايد ، ‏»ظالل معتقل تدمر تخيم على<br />

سوريا«،‏ مجلة ‏»أوريون 21«، 26 ديسمبر/‏<br />

كانون األول 2016،<br />

www.orientxxi.info<br />

5( كارال عدة ، ‏»مذكرات الفاعلين في الحرب:‏<br />

عودة على النزاع من خالل فرقائه«،‏ ضمن<br />

كتاب ‏»مذكرات الحروب في لبنان )1975-<br />

1990(«، تحت إدارة فرانك مارميي وكريستوف<br />

فارين،‏ نشر دار ‏»آكت دي سود«،‏ آرل،‏ 2010.


3 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الرجوع بالتاريخ<br />

أكرم بلقايد<br />

منذ سنة 2011، وما سمي وقتها ‏»الربيع<br />

العربي«،‏ شكلت تونس استثناء ضمن مجموعة<br />

جغرافية موسومة عميقا بالحروب األهلية ‏)سوريا،‏<br />

ليبيا،‏ اليمن(‏ أو بالسلطوية العنيفة ‏)مصر(‏ أو<br />

باالستبداد شبه اإلقطاعي ‏)ممالك الخليج(.‏ في الوقت<br />

الذي تواجه فيه كل من الجزائر والسودان صعوبات<br />

في التحرر من الديكتاتوريات العسكرية،‏ تواصل<br />

تونس،‏ رغم العراقيل،‏ طريقها نحو الديمقراطية<br />

ودولة القانون.‏ لكننا نجهل الكثير تاريخيا عن هذا<br />

البلد الصغير الذي ال يملك موارد طبيعية كبيرة.‏<br />

هذا ما يزيد بقدر وافر من أهمية الكتاب الضخم<br />

الذي نشرته مؤخرا المؤرخة صوفي بسيس)‏‎1‎‏(.‏<br />

تونس هي قبل كل شيء 3 آالف سنة من<br />

التاريخ،‏ عرفت خالله البالد عديد الفتوحات<br />

والغزوات المتتالية.‏ شهد هذا البلد البربري<br />

والبونيقي،‏ في دفعات متالحقة غزوات الرومان<br />

والوندال والبيزنطيين والعرب والعثمانيين ثم<br />

الفرنسيين.‏ في كل مرة،‏ تطال البلد تغيرات<br />

وتحوالت عميقة،‏ دون أن يفقد خصوصياته وطابعه<br />

المميز.‏ لم تقتصر صوفي بسيس في مؤلفها على<br />

تقديم رواية مبسطة ذات طابع تسلسلي،‏ على ما<br />

يكتسيه ذلك من أهمية ال سيما في ما يتعلق بفترة<br />

القرون الوسطى،‏ وإنما طرحت عملية تفكير<br />

محفزة حول كتابة التاريخ والعوائق الجسيمة التي<br />

يتوجب تخطيها عندما تتعلق المسألة ببلد مغاربي.‏<br />

فهي،‏ على سبيل المثال،‏ تذكر بأن تونس لم تولد<br />

سنة 670، تاريخ تأسيس مدينة القيروان من قبل<br />

الفرسان الذين أتوا من الشرق محملين بدين جديد،‏<br />

هو اإلسالم.‏ لقد جعل الحبيب بورقيبة،‏ أول رئيس<br />

للجمهورية التونسية ‏)‏‎1957‎‎1987‎‏(‏ من الحقبة<br />

التاريخية السابقة للحقبة اإلسالمية حجة بالغة<br />

األهمية من أجل إرساء تصور فريد،‏ ال يزال<br />

قائما:‏ ‏»الخصوصية التونسية«.‏ إنها طريقة للتميز<br />

عن النزعة القومية العربية التي كان ينادي بها<br />

الزعيم المصري جمال عبد الناصر.‏ نعم،‏ تونس<br />

بلد عربي إسالمي،‏ ولكن ليس هذا فقط...‏ وقد<br />

أتاح هذا الخطاب أيضا لبورقيبة الصمود في وجه<br />

التصريحات الفرنسية،‏ التي تنزع دوما للحديث<br />

عن مغرب عربي يفتقد لتاريخ كبير أو للتأكيد على<br />

الحقبة المسيحية قصد تبرير االستعمار...‏<br />

وتفضل صوفي بسيس عبارة ‏»اإلستثناء<br />

التونسي«،‏ التي تراها أكثر دقة،‏ عن عبارة ‏»التفرّد<br />

التونسي«.‏ هي طريقة للقول بأنه هنالك فعليا مجاالت<br />

فيها اإلستثناء حقيقي وواقعي:‏ التقاليد اإلصالحية،‏<br />

عراقة الدولة واإلدارة التي يمتد تاريخها لعدة<br />

قرون،‏ التشريعات المناصرة لحقوق النساء،‏ ثقافة<br />

التوافق السياسي،‏ وجود تقاليد نقابية حقيقية...‏ غير<br />

أنها تذكر بأنه توجد أيضا مجاالت أخرى ال فرق<br />

فيها بين تونس وجيرانها،‏ مثلما برهنت على ذلك<br />

السلطوية الديكتاتورية للرئيسين الحبيب بورقيبة<br />

وزين العابدين بن علي،‏ وإنكار حقوق األقليات<br />

الدينية غداة االستقالل.‏ في الخريف المقبل،‏ سيتوجه<br />

الشعب التونسي مجددا إلى صناديق اإلقتراع،‏ في<br />

ما يمكن اعتباره امتحانا هاما لتجربته الهشة في<br />

مجال االنتقال الديمقراطي.‏ من شأن قراءة كتاب<br />

صوفي بسيس حيازة معطيات تاريخية تيسر فهم<br />

مصادر ومسوغات التفرّد التونسي.‏<br />

أما المختص في الشؤون السياسية،‏ نجيب<br />

سيدي موسى،‏ فيقترح على القراء نظرة متجددة<br />

لتاريخ استقالل الجزائر)‏‎2‎‏(.‏ خالفا للفكرة السائدة،‏<br />

لم يكن حزب جبهة التحرير الوطني )FLN( الفاعل<br />

الوحيد في المعركة من أجل االستقالل.‏ الحركة<br />

الوطنية الجزائرية )MNA( بقيادة الزعيم التاريخي<br />

مصالي الحاج،‏ الذي انكب المؤلف على درس<br />

مسيرته،‏ كان في المحصلة أحد أكبر الخاسرين في<br />

حرب الجزائر في أعقاب تهميشه،‏ وغالبا بصورة<br />

عنيفة،‏ من قبل حزب جبهة التحرير.‏ باالستناد إلى<br />

وثائق أرشيفية لم يسبق نشرها،‏ يتيح نجيب سيدي<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

موسى للقارئ فهم كيفية والدة الفكرة الثورية في<br />

الجزائر،‏ مثلما روج لها تيار مصالي الحاج،‏ وكيف<br />

إفلتت هذه الفكرة،‏ في نهاية األمر،‏ من أيديهم.‏<br />

1( صوفي بسيس،‏ ‏»تاريخ تونس،‏ من قرطاح إلى اليوم«،‏ نشر<br />

‏»تاالنديي«،‏ باريس،‏ 528 <strong>2019</strong>، صفحة،‏ 23،90 يورو.‏<br />

2( نجيب سيدي موسى،‏ ‏»الجزائر.‏ رواية أخرى لتاريخ<br />

االستقالل.‏ المسارات الثورية ألنصار مصالي الحاج«،‏<br />

المنشورات الجامعية الفرنسية،‏ باريس،‏ 328 <strong>2019</strong>، صفحة،‏<br />

22 يورو.‏<br />

Akram Belkaïd<br />

للمؤسسات،‏ يرجى الإتصال :<br />

abonnement@editionarabediplo.com<br />

الهاتف : 900 / 71 160 الفاكس : 855 71 963<br />

للخواص الراغبين في دعم الجريدة يمكنهم الحصول<br />

على اشتراك دعم سنوي ابتداءا من 100 دينار في السنة<br />

إشتراك سنوي I تونس:‏ 30 دينار/الجزائر : 1500 دينار/المغرب:‏ 180 درهم مغربي/موريطانيا:‏ 6000 أوقية


جويلية/أوت - تموز/آب 4 <strong>2019</strong><br />

‏»أولوية«‏ تختفي بعد<br />

أوروبا الدفاع،‏<br />

في 18 أفريل/نيسان الماضي،‏ صادق برلمان سترازبورغ على إحداث الصندوق األوروبي<br />

للدفاع.‏ هذا الصندوق الذي خصصت له اعتمادات بقيمة 13 مليار يورو سيموّل مشاريع صناعية<br />

ستستفيد منها عدّة دول.‏ لكن هذا المشروع سيخدم أي رؤية استراتيجية؟ منذ ثالثين عاما،‏ يقوم<br />

االتحاد بترقيع أدوات عسكرية وتقنيات دون التوصل إلى منح هيكل لسياسة أمنية حقيقية.‏<br />

قال الرئيس الفرنسي<br />

ايمانوال ماكرون على موجات<br />

إذاعة أوروبا 1: ‏»لن نحمي<br />

األوروبيين إذا لم نقرّر أن<br />

يكون لنا جيش أوروبي حقيقي.‏<br />

لمواجهة روسيا المرابطة على<br />

حدودنا والتي بيّنت أنها تستطيع<br />

أن تشكّل تهديدا )...(، يجب<br />

أن تكون لنا أوروبا قادرة على<br />

الدفاع عن نفسها بنفسها دون<br />

االعتماد على الواليات المتحدة<br />

وحدها وبطريقة أكثر سياديّة«.‏<br />

بعد ذلك بأيام قليلة وبالتحديد يوم<br />

13 نوفمبر/تشرين الثاني،‏ اقتدت<br />

به المستشارة األلمانية أنجيال<br />

ميركل إذ دعت في خطاب ألقته<br />

في البرلمان األوروبي يوم 14<br />

نوفمبر/تشرين الثاني إلى ‏»وضع<br />

رؤية تسمح لنا بالتوصّ‏ ل ذات يوم<br />

إلى جيش أوروبي حقيقي«.‏ لقد<br />

جدّدت مقترحها القاضي بإنشاء<br />

‏»مجلس أمن أوروبي«‏ تكون<br />

رئاسته دوريّة،‏ وفي صلبه يمكن<br />

أن تُتّخذ ‏»قرارات مهمّة وبشكل<br />

أسرع«،‏ بل ودعت حتى إلى<br />

إمكانية التخلّي في هذا اإلطار<br />

عن اتخاذ القرارات باإلجماع.‏<br />

ولكن شتّان بين الوعود<br />

والواقع،‏ ذلك أن ‏»أوروبا الدفاع«‏<br />

تقتصر حاليا على التنسيق البسيط<br />

* صحفي منسّ‏ ق مدونة ‏»دفاع على الخطّ‏ »<br />

https://blog.mondediplo.net<br />

بين الجهود الوطنية.‏ ثمّ‏ إنها ال<br />

تنظّ‏ م حماية التراب األوروبي،‏<br />

الذي يحتاج إلى تحديد بما أنّ‏<br />

االتحاد يبدو في امتداد دون<br />

انقطاع،‏ كما أنها ال تتصرف في<br />

قوّة تدخّ‏ ل قادرة على التدخّ‏ ل في<br />

كل مكان،‏ وليس لها قيادة عسكرية<br />

عملية،‏ وهي كلها خصائص أيّ‏<br />

نظام دفاعي جدير بهذا االسم.‏<br />

بين مخاوف دول البلطيق<br />

وشمال أوروبا وأوروبا الشرقية<br />

من الجار الروسي من جهة<br />

وانشغال القسميْن الغربي<br />

والجنوبي باالضطرابات التي<br />

تعيشها إفريقيا والشرق األوسط<br />

من جهة أخرى،‏ ال يمكن لإلتحاد<br />

األوروبي في الوضع الحالي<br />

أن يضبط إستراتيجية موحّ‏ دة.‏<br />

في أوروبا هذه التي عاشت منذ<br />

عقود على أن ‏»السعادة تكمن<br />

في السالم«،‏ يعيش القادة ‏»حالة<br />

من الخمول االستراتيجي«‏ كما<br />

أكّد ذلك هوبار فدرين وزير<br />

الخارجية الفرنسية األسبق.‏ لهذا<br />

السبب،‏ كما يذكّر بذلك كريستيان<br />

ماليس المدير السابق لالستشراف<br />

االستراتيجي في مؤسسة<br />

‏»طالس«،ظلّت الجهود الرامية<br />

إلى ضبط األولويات أو حصر<br />

األعداء المشترَ‏ كين تتلخّ‏ ص إلى<br />

حدّ‏ الساعة في ‏»تتالي مجموعة<br />

من الخطابات البحتة واإلخفاقات<br />

الثابتة«)‏‎1‎‏(.‏ كانت نتيجتها<br />

في رأيه ‏»مشروعا عسكريا<br />

صغيرا أطلِق عليه بتبجّ‏ ح اسم<br />

‏“أوروبا للدفاع”«‏ ظلّ‏ محصورا<br />

في ‏»بعثات غريبة«‏ عُ‏ رِ‏ فتْ‏<br />

باسم ‏»بعثات بيترسبرغ«)‏‎2‎‏(،‏<br />

ووُضِ‏ عت تحت شعارات<br />

‏»التكامل«‏ و»تقاسم المهامّ«‏ مع<br />

حلف شمال األطلسي ‏)النّاتو(‏<br />

الخاضعة لإلدارة األمريكية،‏<br />

الذي يحتفظ لنفسه حصريّا بالدفاع<br />

الفعلي عن القارّ‏ ة)‏‎3‎‏(.‏<br />

رغم ذلك،‏ توجد عوامل كثيرة<br />

تدعو إلى ضرورة تنامي االتحاد:‏<br />

نهاية ‏»المركزية اإليديولوجية<br />

واالستراتيجية«‏ ألوروبا حسب<br />

عبارات جان-ماري غيهنو<br />

األمين العام المساعد السابق<br />

لمنظمة األمم المتحدة،‏ والتوجّ‏ ه<br />

الجيوسياسي األمريكي نحو آسيا<br />

والذي أدى إلى أن ‏»الجندي<br />

رايان)‏‎4‎‏(‏ لن ينزل مستقبال على<br />

السواحل األوروبية«‏ كما نبّه<br />

إلى ذلك الجنرال فنسان دي<br />

بورت وتوسّ‏ ع ميدان الحرب<br />

من ‏»دنباس في الساحل إلى<br />

باطكالن«‏ ‏)حسب رأي ديبورت<br />

أيضا(‏ المصاحَ‏ ب بالتباس الحدود<br />

بين الدفاع واألمن،‏ وهشاشة<br />

المجتمعات أمام الهجمات<br />

اإلرهابية وانفجار كُلفة المعدّات<br />

‏)الرماية عن بعد،‏ أنظمة القتال<br />

البحرية والجوية،‏ الصواريخ،‏<br />

الروبوتات،‏ الطائرات المسيرة،‏<br />

األلغام،‏ العمليات البرمائية أو<br />

عمليات اإلنزال،‏ االستخبارات<br />

االلكترونية أو الفضائية،‏ الخ(.‏<br />

قريبا لن يكون أليّ‏ جيش وطني<br />

في أوروبا من القدرات ما يكفي<br />

ألخذ األسبقية في دخول مسرح<br />

العمليات العسكرية وال القيام<br />

بتدخّل طويل المدى.‏<br />

الكلفة اإلضافية<br />

لعدم اإلندماج<br />

هناك عامل آخر يجب أن<br />

يحث رؤساء دول وحكومات<br />

اإلتحاد على التحرّ‏ ك:‏ الهيكل<br />

األمني األوروبي أخذ في التصدّع<br />

في كل مكان.‏ لقد انسحبت الواليات<br />

المتحدة من معاهدة الصواريخ<br />

البالستية،‏ ومن المعاهدة الخاصّ‏ ة<br />

بالقوات النوويّة ذات المدى<br />

المتوسّ‏ ط.‏ من جهتهم،‏ ندّد الرّ‏ وس<br />

بالمعاهدة المبرمة حول القوات<br />

التقليدية في أوروبا،‏ ويعتزمون<br />

عدم تجديد الموافقة في 2021 على<br />

معاهدة نيوستار المتعلقة بالحدّ‏<br />

من األسلحة اإلستراتيجية.‏ في<br />

في نفس الوقت،‏ يفتح البريكسيت<br />

باب االحتماالت على مصراعيه<br />

أمام االتحاد.‏ على مدى عقود،‏<br />

ظلّت بريطانيا تعطّ‏ ل فعال بصفة<br />

آلية جميع المشاريع التي يمكن أن<br />

تنافس حلف الناتو أو التي تُعتبر<br />

غير ودّيّة تجاه واشنطن مثل بعث<br />

هيئة أركان قارّة في االتحاد أو<br />

توسيع الوكالة األوروبية للدفاع.‏<br />

بناء على ذلك،‏ أصبحنا منذ<br />

سنتين نشعر بشيء من التململ:‏<br />

إنشاء صندوق أوروبي للدفاع<br />

بتمويل قدره 13 مليار يورو<br />

على مدى سبع سنوات،‏ تعزيز<br />

هيئة األركان الحربية الصغيرة<br />

المكلّفة باإلشراف على العمليات<br />

بتفويض أوروبي أو دولي )2500<br />

شخص(،‏ ضبط حوالي ثالثين<br />

‏»خلال في القدرات«‏ ينبغي سدّها،‏<br />

وهذا أمر يستوجب بعث عدد من<br />

المشاريع منها الطائرة المسيرة:‏<br />

‏)مال،‏ متوسطة االرتفاع وطويلة<br />

المدى(،‏ وهي مشاريع تطوّعت<br />

مجموعة من الدول لتنفيذها تحت<br />

عنوان عمليات التعاون المهيكل<br />

والدائم،‏ وبعث صندوق لتحسين<br />

الحركية العسكرية )6،5 مليار<br />

يورو(،‏ وختاما تمديد مرفق<br />

السالم األوروبي )10،5 مليار<br />

يورو(‏ المعدّ‏ لدعم مبادرات البلدان<br />

الشريكة وخاصة منها اإلفريقية.‏<br />

ستكون هذه المبالغ مُتاحة بداية من<br />

سنة 2021.<br />

ال يزال معظم هذه المشاريع<br />

مجرد حبر على ورق.‏ صادق<br />

البرلمان األوروبي على باب<br />

الميزانية يوم 18 افريل/نيسان<br />

ولكن اشتغال كل آلية من هذه<br />

اآلليات ينبغي أن يكون محلّ‏<br />

مفاوضات بين الدول.‏ هل سيكون<br />

النفاذ إلى صندوق الدفاع األوروبي<br />

على سبيل المثال مخصّ‏ صا<br />

للمؤسسات األوروبية وحدها كما<br />

يذهب إلى ذلك المنطق السياسي<br />

السيادي في فرنسا؟ ام يكون<br />

مفتوحا لكل من هبّ‏ ودبّ‏ كما يدعو<br />

إلى ذلك الليبراليون الهولنديون<br />

واالشتراكيون الديمقراطيون<br />

األلمان،‏ والقادة البولونيون وطبعا<br />

المسؤولون االمريكيون الذين<br />

ذهبوا بعدُ‏ إلى حدّ‏ تهديد أوروبا<br />

باالنتقام إذا تمّ‏ استبعاد مؤسساتهم<br />

من هذه الصفقات؟ تشجب هيالن<br />

كونواي-موراي االشتراكية ونائبة<br />

رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي<br />

لعبة خطرة تمارَ‏ سُ‏ مع أقدم<br />

حلفاء الواليات المتحدة وأكثرهم<br />

تصميما«،‏ ذلك أن األمريكان<br />

يسعوْ‏ ن إلى ‏»تقويض جهود<br />

األوروبيين في تأسيس منظومة<br />

دفاع أكثر استقاللية«)‏‎5‎‏(.‏<br />

إن إرادة االنفتاح التي<br />

تحرّ‏ كها ‏-من بين مجموعة من<br />

الدوافع-‏ مسألة الحرص على عدم<br />

عزل المملكة المتّحدة يمكن أن<br />

تعزّ‏ ز خطر انتهاج سياسة حصان<br />

طروادة التي ستتيح للواليات<br />

المتحدة وإلسرائيل وربّما الصين<br />

استنزاف اعتمادات البحث والتنمية<br />

المخصصة لتسليح القارّ‏ ة األوروبية<br />

. نالحظ بداية أنه ال يوجد أي خيار<br />

أوروبي للتحكم في شراء المعدّات<br />

التي تقوم بها كل دولة بمفردها<br />

في حالة من الفوضى.‏ يوجد داخل<br />

االتحاد 178 نظاما لألسلحة )30<br />

في الواليات المتحدة األمريكية(‏<br />

وحوالي 20 صنفا من المدرّ‏ عات،‏<br />

و‎3‎ أصناف من الطائرات المقاتلة،‏<br />

الخ.‏ من ضمن مبلغ 227 مليار<br />

يورو الذي تم إنفاقه سنة 2017 من<br />

طرف مجموع الجيوش األوروبية،‏<br />

تقدّر كلفة عدم االندماج األوروبي<br />

ب 25 مليار يورو)‏‎6‎‏(.‏<br />

1( ‏»تشريح لدفاع أوروبا«.‏ حديث مع كريستيان<br />

ماليس،‏ انفالكسيون،‏ عدد 33، باريس،‏ 2016.<br />

2( يحدّد إعالن بيترسبرغ ‏)ألمانيا(‏ الذي تمّت<br />

المصادقة عليه في جوان/حزيران 1992 األهداف<br />

التالية:‏ المهامّ‏ اإلنسانية أو إجالء الرعايا،‏ التوقّي<br />

من النزاعات وحفظ السالم،‏ المهام القتاليّة في<br />

إدارة األزمات،‏ األعمال المشتركة في مجال<br />

نزع السالح،‏ االستشارة والمساعدة العسكريّة،‏<br />

عمليات إعادة االستقرار بعد نهاية النزاعات.‏<br />

3( غابريال روبان:‏ ‏»برج من زمن ولّى«،‏<br />

لوموند ديبلوماتيك،‏ مارس/آذار <strong>2019</strong>.<br />

4( تلميحا إلى شريط ‏»ستيفن سبلبرغ«‏ ‏»يجب<br />

إنقاذ الجندي رايان«‏ )1998( الذي يروي قصّ‏ ة<br />

نزول الجيش األمريكي في النورمندي سنة<br />

.1944<br />

5( فايننشيل تايمز،‏ لندن،‏ 12 افريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

6( ‏»السيف والسوق . االتحاد الدفاعي سيعزّز<br />

التكامل االقتصادي األوروبي«،‏ مسألة أوروبا،‏<br />

عدد 486، مؤسسة روبار شومان،‏ باريس-‏<br />

بركسال،‏ 1 أكتوبر/تشرين األول 2018.<br />

فيليب اليماري * Leymarie Philippe<br />

جميع الحقوق محفوظة


5 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

كلّ‏ انتخابات<br />

جيش من ورق<br />

بطريقة ال تخلو من داللة،‏<br />

اختارت بلجيكا مؤخّرا الطائرة<br />

المقاتلة األمريكية ‏»ف‎35‎‏«‏<br />

عوضا عن اقتناء أجهزة<br />

مصمّمة في أوروبا مثل رافال<br />

واالوروفايتر وغريبان.‏ الطائرة<br />

األمريكية تم اختيارها من حوالي<br />

عشر دول أوروبية ودخلت<br />

طور االستغالل مؤخرا،‏ وقد<br />

عدّت بمثابة الشافطة للميزانيات<br />

المخصّ‏ صة للدفاع بحكم الشروط<br />

المفروضة على المشترين ‏)نظام<br />

مغلق،‏ التزام بالسريّة،‏ برمجيات<br />

مرتبطة بالمصنّع األصلي<br />

‏)لوكهيد مارتن(‏ وبالنظر إلى<br />

الكلفة الباهظة جدّا:‏ دفع هذا<br />

األمر بفلورانس بارلي وزيرة<br />

الدفاع الفرنسية إلى حد التصريح<br />

خالل زيارة إلى واشنطن يوم 18<br />

مارس/آذار <strong>2019</strong> أمام مجلس<br />

الناتو:‏ ‏»إن الفصل الذي ينصّ‏<br />

على التضامن بين أعضاء الناتو<br />

هو الفصل 5 ال الفصل ف‎35‎‏«.‏<br />

في الوقت الراهن،‏ تكتفي<br />

هيئة األركان لالتحاد األوروبي<br />

بإنجاز مهمّات تكوينية وليس<br />

لديها قوات موضوعة على ذمّتها<br />

بشكل دائم.‏ توجد مجموعات<br />

قتالية قوامها 13 ألف جندي يتمّ‏<br />

استبدالهم بصفة دوريّة كلّ‏ ستّة<br />

أشهر ولكنها على مدى ثالث<br />

عشرة سنة من الوجود لم تتدخّ‏ ل<br />

على الميدان ولو مرّة واحدة.‏ أما<br />

العمليات التي تُعتبر معقّدة مثل<br />

أرتميس التي جرت في جمهورية<br />

الكونغو الديمقراطيّة سنة 2003،<br />

أو أطالنطا في المحيط الهندي<br />

‏)منذ سنة 2008( فال شك أنها لم<br />

تعد ممكنة اإلنجاز اليوم بسبب<br />

نقص الوسائل.‏<br />

لقد أصبح النقاش اآلن<br />

مركّزا حول تعاونية في برامج<br />

التجهيز.‏ لكنّ‏ التقارب بين مذاهب<br />

التشغيل والرزنامة واألولويات<br />

اإلستراتيجية للبلدان المنتجة<br />

والمشترية يظل صعب المنال رغم<br />

وجود بعض االستثناءات البارزة<br />

مثل النظام األوروبي لتحديد<br />

المواقع عبر األقمار الصناعية<br />

‏)غاليليو(‏ الذي أطلق سنة 2001<br />

والذي دخل طور االشتغال النسبي<br />

بعد تأخيرات في اإلطالق و ارتفاع<br />

مهول في التكاليف)‏‎7‎‏(.‏ كذلك<br />

الشأن بالنسبة إلى الناقلة العسكرية<br />

الفرنسية ‏»أ-‏‎400‎‏-م«‏ أو الطائرة<br />

العمودية ‏»اوروكبتار 665 تيغر«.‏<br />

إن إحساس األوروبيين بأنّهم<br />

شبه مُجبَرين على اقتناء المعدّات<br />

األمريكية يمثّل مشكال مضاعفا:‏<br />

إضافة إلى كونهم يحرمون<br />

مؤسساتهم أو مؤسسات جيرانهم<br />

األوروبيين من هذه الصفقات،‏ هم<br />

يسهمون في تناقص الميزانيات<br />

المخصصة للدفاع إضافة إلى<br />

احتمال أن يجدوا أنفسهم ‏»بجيوش<br />

بونساي«)‏‎8‎‏(.‏ الجيش الفرنسي<br />

ذاته،‏ رغم أنه يُعتبر أحد أهم<br />

الجيوش األوروبية تجهيزا<br />

ونشاطا،‏ أحد أقلّها اعتمادا على<br />

الخارج في مجال الشراءات ال<br />

يمكنه في نفس الوقت تعصير<br />

قوّته الرادعة،‏ واقتناء حاملة<br />

طائرات ثانية،‏ واتّباع سياسة<br />

فضائيّة،‏ وتأسيس نظام مستقلّ‏<br />

للدفاعات الجوّيّة،‏ الخ.‏ يجب عليه<br />

أن يُخصص لهذه المشاريع ال فقط<br />

%1،82 من الناتج الداخلي الخام<br />

‏،كما هي الحال راهنا،‏ وال %2<br />

‏)كما يطلب ذلك الرئيس دونالد<br />

ترامب والناتو(‏ بل %3.<br />

نظرا إلى الخالفات السياسية<br />

داخل االتحاد،‏ ال يوجد أيّ‏ تطوّر<br />

مؤسساتي كبير على المدى<br />

المنظور.‏ أقصى ما في األمر هو<br />

إمكانية أن يتأسّ‏ س على هامش<br />

المعاهدات نوع من مجموعة<br />

- أوروبا للدفاع على شاكلة ما<br />

تأسّ‏ س حول العُمْلة الموحّ‏ دة.‏<br />

المبادرة األوروبية للدفاع التي<br />

أطلقت يوم 25 جوان/حزيران<br />

2018 من طرف تسع دول)‏‎9‎‏(‏<br />

راغبة في بناء ‏»ثقافة إستراتيجية<br />

مشتركة«‏ يمكن أن تمثل حجر<br />

األساس لهذه المجموعة كما<br />

يمكن أن يشتغل على قاعدة<br />

التطوّع لألغلبية ذات الكفاءة<br />

باالستناد إلى الدول المؤطّ‏ رة<br />

واالختصاصات حسب البلدان.‏<br />

وآنذاك ستطرح مسألة التنسيق<br />

بينه وبين بقية مؤسسات االتحاد.‏<br />

من جهة أخرى،‏ فإن برلين<br />

وباريس اللتين يقع على كاهلهما<br />

ثقل الدفاع المشترك هما أبعد<br />

ما يكون عن تقاسم نفس الثقافة<br />

العسكرية.‏ ألمانيا وبحكم ماضيها<br />

الثقيل ال يمكنها تصوّر إقحام<br />

جيشها ‏»البندسفهر«‏ دون موافقة<br />

‏»البندستاغ«‏ وهذا ما ال يخدم ال<br />

الهجوم وال التدخّ‏ ل.‏ في أفغانستان<br />

على سبيل المثال،‏ كان جنودها<br />

يحبّذون المشاركة في عمليات<br />

التنمية،‏ أمّا مقاتالتها طورنادو<br />

فتكتفي بالمراقبة الجويّة)‏‎10‎‏(.في<br />

مقابل ذلك،‏ يبقى النموذج الفرنسي<br />

‏»التنفيذي«‏ جدّا الذي يمكنه أن<br />

ينخرط في الحرب بمجرّ‏ د قرار<br />

من رئيس الجمهورية،‏ نموذجا<br />

فريدا في أوروبا.إنّ‏ هذا بال شكّ‏<br />

ضامن لسرعة التدخّل ولكنّه<br />

يستبعد كلّ‏ مراقبة سياسية تقريبا.‏<br />

لندن،‏ ال غنى عنها<br />

ينطبق األمر ذاته على<br />

صادرات األسلحة.‏ ألمانيا الواقعة<br />

تحت تأثير االشتراكيين الديمقراطيين<br />

تضع مجموعة من القيود على بيع<br />

األسلحة.‏ لقد أوقفت صفقة األسلحة<br />

مع المملكة العربية السعوديّة.‏<br />

أما فرنسا فتبدو غير متشدّدة في<br />

هذا الباب حتى وإن كان المستفيد<br />

السعودي يرتكب جرائم حرب<br />

في اليمن.‏ تفضّ‏ ل باريس مراعاة<br />

صناعتها العسكرية وهي شرط الحدّ‏<br />

األدنى من السيادة واالستقاللية على<br />

المستويين الوطني واألوروبي.‏ كما<br />

يصطدم إنشاء هذا الفريق األوروبي<br />

بمسألة توسيع الضمان النووي<br />

الفرنسي ألن باريس هي اآلن العضو<br />

الوحيد الحائز على قوّة ردعيّة نوويّة<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

مستقّلة ومقعد دائم في مجلس األمن<br />

الدولي،‏ وهو المقعد الذي تطالب<br />

بعض الشخصيات السياسية األلمانية<br />

بتقاسمه بين الدولتين.‏<br />

تضمّ‏ معادلة األمن األوروبي<br />

المملكة المتحدة بالبريكست أو<br />

بدونه.‏ باريس ولندن المرتبطان<br />

باتفاقيات النكستر هاوس )2010(<br />

يحقّقان لوحدهما أربعة أخماس<br />

البحث والتطوير العسكريين في<br />

أوروبا ويوفّران نصف الطاقات<br />

االستثماريّة،‏ مع وجود التزامات<br />

مشتركة متّفق عليها في ميادين<br />

حسّ‏ اسة مثل تشكيل قوّة ثنائيّة للتدخل<br />

السريع وتصميم الصواريخ ومحاكاة<br />

التجارب النوويّة.‏ لعلّه من الواجب<br />

إيجاد الوسيلة التي تكفل إشراك<br />

لندن في معاهدة الدفاع واألمن التي<br />

يحلم بها ماكرون والتي عليها-‏<br />

حسب قوله-‏ ‏»أن نضبط التزاماتنا<br />

الضرورية باالتفاق مع حلف الناتو<br />

وحلفائنا األوروبيين:‏ الترفيع في<br />

النفقات العسكرية و إدخال واجب<br />

الدفاع المتبادل حيّز التطبيق)‏‎11‎‏(.‏<br />

لقد تقلّصت أوروبا إلى مجرّ‏ د قطع<br />

متناثرة من األحالف والتوافقات ذات<br />

الهندسة المتغيّرة،‏ فهل يمكن ألوروبا<br />

للدفاع أن يحدد كيانه بغير الحدّ‏<br />

األدنى أي بإطالق العنان إلعالنات<br />

النوايا و للمصالح الصناعيّة؟<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

7( شارل براغين وغيّوم رونوار ‏»غاليليو،‏<br />

عشرون عاما من الفوضى لمنافس محدّد المواقع<br />

ج.ب.س«‏ لوموند ديبلوماتيك،‏ ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

8( فريدريك مورو و اوليفياي جيهن:‏ ‏»لماذا<br />

نحتاج إلى جيش أوروبي؟«،‏ معهد العالقات<br />

الدولية واإلستراتيجية ‏)ايريس(،‏ باريس،‏ جانفي/‏<br />

كانون الثاني <strong>2019</strong>.<br />

9( ألمانيا،‏ بلجيكا،‏ الدانمارك،‏ اسبانيا،‏ استونيا،‏<br />

فرنسا،‏ هولندا،‏ البرتغال،‏ المملكة المتحدة.‏<br />

10( ‏»لكن ماذا تفعل ألمانيا في أفغانستان؟«،‏<br />

لوموند ديبلوماتيك،‏ فيفري/شباط 2011.<br />

11( مقال رأي تمّ‏ نشره يوم 5 مارس/آذار <strong>2019</strong><br />

في الصحافة األوروبية.‏


جويلية/أوت - تموز/آب 6 <strong>2019</strong><br />

األفكار المسبقة حول<br />

رغم ذلك،‏ كانت قائمة األبطال الوطنيين الفرنسيين الذين<br />

برزوا خالل ‏»الثالثين سنة المجيدة«‏ كافية لتكذيب الخرافة<br />

الليبيراليّة حول وجود صناعة دون دولة.‏ إن مؤسسات<br />

مثل آريان وايرباص وقطارات كوراي وت.ج.ف ‏)القطار<br />

السريع(‏ والبرنامج االلكترو نووي،‏ والتغطية الوطنية بشبكة<br />

الهاتف تشهد بجدوى وجود دولة موجهة ذات استراتيجية،‏<br />

دولة لم تتردّد في اللجوء إلى التأميم وإلى التخطيط وإلى<br />

فرض التسيير العمومي وإلى السياسة الحمائيّة بهدف إعادة<br />

بناء البالد وتعصيرها ‏)حتى وإن تترجم ذلك في خسائر بيئية<br />

تأخرت السلط العمومية في اتخاذ اجراءات بحقها(.‏<br />

لورا را ييم * Raim Laura<br />

صحيح أن بعض المشاريع فشلت.‏ مخططات كلكيل<br />

وكنكورد ومينيتال غالبا ما يتمّ‏ ذكرُ‏ ها من طرف منتقدي<br />

‏»الكُلبرتيّة التكنولوجية«.‏ مع ذلك،‏ يبيّن الخبير االقتصادي<br />

جاك سابير أنّ‏ حتّى هذه النكسات تتميّز بما فيها من فوائد<br />

التعلّم.‏ النقل األسرع من الصوت وإن كان كارثة تجاريّة<br />

سمح ‏»بنشر المعارف والمعدّات في صناعة الطيران<br />

الفرنسية«،‏ وهذا في حدّ‏ ذاته ظاهرة ‏»ضرورية بالنسبة إلى<br />

النجاح الالحق لبرنامج أيرباص«)‏‎3‎‏(.‏<br />

‏»الصناعة انتهت،‏<br />

جاء دور الخدمات«‏<br />

ما فائدة معارضة اتّجاه التاريخ؟ تكتفي الصناعة<br />

ببساطة باتّباع المسار الذي سلكته الزراعة قبلها.‏ بما أن<br />

التطور يقتضي المرور من القطاع األول إلى الطور الثاني<br />

ثم منه إلى الثالث فإن بلدان الشمال تتجه نحو اقتصاد المادّي<br />

قائم على الخدمات،‏ تسيّره ‏»مؤسسات بال مصانع«‏ ‏)حسب<br />

عبارة سارج تشوروك الرئيس المدير العامّ‏ لمؤسسة ألكاتال<br />

سنة 2001(، في حين يجري نقل اإلنتاج الصناعي الملوّث<br />

والشاقّ‏ إلى البلدان ذات األجور المنخفضة.‏<br />

ال تعارُ‏ ضَ‏ بين الصناعة والخدمات ألنهما قطاعان<br />

متداخالن متكامالن.‏ لكن االستعانة بمصادر خارجية في أداء<br />

وظائف كانت تُنجَ‏ ز داخل المؤسسات الصناعيّة والتي شرع<br />

فيها منذ عشرين عاما ‏)المطاعم،‏ التنظيف،‏ المحاسبة(‏ تفسّ‏ ر<br />

جزئيا انخفاض عدد مواطن الشّ‏ غل المباشرة في الصناعة<br />

وازديادها في قطاع الخدمات.‏ خالفا لذلك،‏ تعرض المؤسسات<br />

الصناعية جملة من الخدمات مثل التركيب والصيانة،‏ وكذلك<br />

التأجير.‏ شركة ‏»ميشالن«،‏ على سبيل المثال،‏ تعرض كراء<br />

اإلطارات المطّ‏ اطيّة بحساب الكيلومتر.‏<br />

مع ذلك،‏ شهد الغرب انهيار فروع إنتاجية كاملة خاصة<br />

في قطاعات النسيج واألحذية أو التجهيزات الكهرومنزلية<br />

أو الكيمياء أو الخشب أو البالستيك أو المطّ‏ اط.‏ أدّت ثالثون<br />

سنة من السلبية السياسية إلى نتيجة أقل ايجابية ممّا كان يبشر<br />

به المتغنّون بوقْف التصنيع.‏ في فرنسا،‏ أصبحت التجارة<br />

الخارجية تعاني عجزا منذ سنة 2004 ألن الميزان التجاري<br />

االيجابي لقطاع الخدمات ال يستطيع أن يعوّض نظيره السلبي<br />

لالتجار في السلع المصنّعة،‏ كما أدّى غلق المصانع إلى إقفار<br />

مناطق بأكملها،‏ وفقدانا للمهارة الفنية،‏ ومع ذلك انخفضت<br />

نسبة األجور في قطاع الخدمات التي كان من المؤمّل أن<br />

تحمل مشعل النموّ‏ بنسبة %20 عمّا كان عليه األمر في<br />

الصناعة)‏‎1‎‏(.‏<br />

في فرنسا يمثل ترحيل روسنيول،‏ مصنّع أدوات التزلّج<br />

‏،ومصنّع شاي كوسماتي ومصنّعي النسيج بارابوت والديك<br />

الرياضي شواهد على وجود حركة عكسيّة.‏ لئن ظلّت هذه<br />

الظاهرة قليلة الشأن في فرنسا فإنها آخذة في االنتشار داخل<br />

الواليات المتحدة األمريكية بسبب انخفاض كلفة الطاقة<br />

وانتعاش دوائر التوزيع القصيرة،‏ والتوجّ‏ ه نحو المنتجات<br />

ذات المحتوى التكنولوجي العالي،‏ والتي ال تتطلّب يدا<br />

عاملة وفيرة العدد.‏ مؤسسات آبل وجنرال الكتريك وكاتربيلر<br />

ولونوفو وحتى ورلبول لم تنتظر اإلجراءات الحمائية التي<br />

اتّخذها ترامب إلعادة توطين أنشطتها لما الحظت من<br />

ارتفاع لألجور في البلدان الصاعدة التي لم تعد تكتفي بأن<br />

تكون ‏»مصانع للعالم«‏ بل أصبحت بدورها تستثمر في البحث<br />

و في براءات االختراع .<br />

‏»ليس للدولة<br />

التدخل في هذا«‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

يجب على الدولة أن تتخلى عن أي قيادة صناعيّة ألنها<br />

ليست مساهما جيّدا و ال مسيّرا قديرا.‏ أقصى ما يمكن أن<br />

تنهض به هو أن تكون مسؤولة عن فرض احترام قواعد<br />

المنافسة،‏ وتوفير مناخ مالئم للنموّ‏ من خالل تمويل البنية<br />

التحتية،‏ وتثقيف عمّال المستقبل والبحث األساسي،‏ في حين<br />

يسمح قانون السوق بانتفاء الفاعلين الذين لديهم من القدرة<br />

التنافسية والقدرة على التجدّد ما يتيح لهم البقاء.‏<br />

مدعومين بهذا اإليمان بالمنافسة الحرّ‏ ة التي وضعت<br />

كمبدأ دستوري في االتّحاد األوروبي،‏ تخلّت الحكومات<br />

المتعاقبة منذ منتصف الثمانينات عن كلّ‏ رافعات العمل،‏<br />

وكانت شاهدة على اهتراء القاعدة الصناعية الوطنية.‏<br />

بعد بيشناي ‏)األلمنيوم(‏ وارسلور ‏)صناعة الصّ‏ لب(‏ وبيل<br />

‏)اإلعالمية(،‏ شهدت فرنسا وقوعَ‏ مؤسسات أخرى كانت تُعتبر<br />

خِ‏ يرة المصانع مثل الفارج ‏)االسمنت(،‏ وألكاتال ‏)الهواتف(‏<br />

بين براثن المستثمرين األجانب،‏ وكان ينبغي انتظار أزمة<br />

سنة 2008 التي سلّطت الضّ‏ وء على عدم االستقرار المالي<br />

المتولّد عن عجز هيكلي خارجي فادح حتى تعود ضرورة<br />

اإلصالح اإلنتاجي،‏ على األقل في الخطابات،‏ إلى مكانتها<br />

في مشاغل السلطات العموميّة.‏ لم يمنع ذلك تفكيك ألستوم «<br />

وتقديمه على طبق لألميركي جنرال الكتريك)‏‎2‎‏(.‏<br />

‏»يأتي االبتكار دائما<br />

من القطاع الخاص«‏<br />

الدولة المُثقلة بالبيروقراطية وبخمول الموظّ‏ فين عاجزة<br />

عن تحفيز ما سمّاه عالم االقتصاد جوزاف شمبتر ‏»روح<br />

الحيوان«‏ لدى المبتكرين.‏ السوق وحدها هي القادرة على<br />

إفراز المبتكرين وتمكينهم من وسائل االزدهار.‏ هل من<br />

الغريب إذن أالّ‏ تكون ‏»سيليكون فاالي«‏ فرعا من الحكومة<br />

األمريكية؟<br />

تغفل القصّ‏ ة األسطورية للفكر الرّ‏ يادي لرجال األعمال<br />

في كاليفورنيا حقيقة واقعة وهي أن القطاع الخاص لم يتكفّل<br />

مطلقا باالستثمار في بحوث باهظة الكلفة وفرص نجاحها<br />

غير مؤكّدة.‏ بيّنت الخبيرة االقتصاديّة ماريانا مازوكاتو)‏‎4‎‏(‏<br />

أن أهم االبتكارات التكنولوجية التي تمّت خالل العقود القليلة<br />

الماضية تحقّقت بفضل التمويل النشيط من طرف الدولة:‏<br />

االنترنت موّلتها وكالة تابعة لوزارة الدفاع األمريكية ‏)وكالة<br />

مشاريع البحوث الدفاعية المتطوّرة داربا(،‏ كما موّل البرنامج<br />

العسكري ‏»نافستار«‏ مشروعَ‏ نظام ضبط المواقع ‏)ج.ب.س(،‏<br />

أما الشاشة اللمسية فابتكار استفاد من تمويليْن تكلف بهما كلّ‏<br />

من وكالة المخابرات األمريكية ‏)س.إ ‏.أ(‏ والصندوق الوطني<br />

للعلوم وقدّماهما لباحثين تابعيْن لجامعة دوالوار،‏ كما موّل هذا<br />

الصندوق ذاته الخوارزميّة التي يعمل بها محرّك غوغل.‏ في<br />

صناعة األدوية،‏ »%75 من الكيانات الجزيئيّة ذات األولوية<br />

الجديدة قد موّلتها في الواقع مخابر عموميّة مملّة وكافكائيّة.‏<br />

صحيح أن كبريات الشركات المصنّعة لألدوية مثل بفايزر<br />

وأمغان تشارك بدورها في االبتكار ولكن في القسم الخاص<br />

بالتسويق«،‏ كما تفسّ‏ ر المتحدّثة،‏ وهي مؤسسات تُخصّ‏ ص<br />

أكثر نفقاتها إلعادة اقتناء أسهمها قصد الترفيع في قيمتها<br />

عوض تخصيصها للبحث والتطوير«)‏‎5‎‏(‏ إذا كانت المؤسسات<br />

الناشئة ورؤوس األموال المجازفة يلعبان دورا رئيسيا وقد<br />

التحقتا بالميدان في مرحلة ثانية أي بعد خمس عشرة أو<br />

عشرين سنة من توفير السلطات العمومية للنصيب األوفر من<br />

التمويل وتحمّل أكبر نصيب من المخاطرة .<br />

1( جان-كريستوف لو دويغو ‏)تحت إشراف(:‏ البورصة أو الصناعة،‏ منشورات ‏»ال<br />

تولياي«،‏ باريس،‏ 2016.<br />

2( فريدريك بياروشي وماتيو آرون:‏ ‏»الفخّ‏ األميركي«،‏ ج.س.التاس،‏ باريس،‏<br />

<strong>2019</strong>، وجان-ميشال كتربوان:‏ ‏»باسم القانون...‏ األميركي«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏<br />

جانفي/كانون الثاني 2017.<br />

3( جاك سابير ‏»السياسة الصناعية وعمليات الخوصصة«،‏ مدوّنة ‏»روسيا-أوروبا«،‏<br />

21 جوان/حزيران .2014<br />

4( ماريانا مازوكاتو ‏»الدولة المبادرة.‏ فضح القطاع العام في مقابل أساطير القطاع<br />

الخاص«،‏ انتام براس،‏ لندن،‏ 2013.<br />

5( ماريانا مازوكاتو ‏»ملتقى تاد العالمي لسنة 2013 بأدنبرغ:‏ الدولة المبادرة،‏<br />

والمجازفة والمبتكرة«،‏ أكتوبر/تشرين األول 2013، على اليوتوب.‏<br />

* صحافية.‏


7 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

اإلنعاش اإلقتصادي<br />

‏»القدرة التنافسية<br />

تتطلب تخفيض كُلفة العمل«‏<br />

وفقا لوزير االقتصاد والمالية برونو لومار:‏ ‏»نحن لم نكتسب<br />

بعدُ‏ التنافسية المطلوبة خاصة مقارنة بجيراننا األلمان«‏ ‏)فرانس<br />

انتار،‏ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017(، كما يضيف أنه ‏»يجب<br />

فتح باب هذا النقاش حول التخفيف من األعباء لمن يتحصلون<br />

على أقل من 2.5 مرة من األجر األدنى المشترك المضمون«.‏<br />

إن هذه األزمة أصبحت معروفة لفرط جريانها على األلسنة<br />

منذ ثالثين سنة.‏ في اقتصاد مفتوح ومعرَّض إلى منافسة البلدان<br />

الصاعدة،‏ تشكو الصناعة الفرنسية من ‏»كلفة عمل«‏ مشطّ‏ ة في<br />

حين تَدين ألمانيا بنجاحها لسياسة االعتدال في األجور التي أرست<br />

دعائمها خالل سنوات 2000.<br />

يحيل هذا التشخيص على مضاعفة إجراءات اإلعفاء من<br />

المساهمات االجتماعية منذ سنة 1992 مثل اإلعفاء من األداء<br />

حول المنافسة والتشغيل.‏ يسمح التخفيض في كلفة اإلنتاج من<br />

ناحية بالتخفيض في األسعار قصد ربح حصّ‏ ة في األسواق،‏ ومن<br />

ناحية أخرى إعادة العمل بالهوامش وبالتالي االستثمار في الترفيع<br />

في الجودة وفي التشغيل.‏ نحن هنا إزاء ‏»نظرية شميدت«‏ الخالدة<br />

التي تقول ‏»إن أرباح اليوم هي استثمارات الغد و مواطن شغل<br />

لما بعد غد«‏ والتي تعود إلى سنة...‏ 1974.<br />

أسفرت هذه الحملة ضدّ‏ كُلْفة الشغل عن نتائج إيجابية.‏ منذ<br />

سنة 2016، أصبحت كلفة الساعة لليد العاملة الفرنسية أقلّ‏ من<br />

نظيرتها األلمانية ب 2.1 يورو)‏‎6‎‏(.‏ لكنّ‏ هذا العمل الفذ لن يكون<br />

كافيا إلحياء الصناعة الفرنسية.‏ السبب:‏ كلفة العمل ليست مسؤولة<br />

عن تراجع الصناعة أوّال ألنه يتمّ‏ تالفيه بإنتاجية عالية.‏ إذا قسّ‏ منا<br />

الناتج الداخلي الخامّ‏ على عدد ساعات العمل المنجزة،‏ وجدنا أن<br />

الفرنسيين يحتلّون فعال نفس مستوى األمريكيين واأللمان.‏ ثم<br />

إن ما قوّض بشكل أساسي القدرة التنافسية للصناعة الفرنسية منذ<br />

مطلع سنوات 2000 هو اليورو القويّ‏ . بين سنتي 2000 و‎2010‎‏،‏<br />

لم ترتفع تكلفة ساعة العمل في المجال الصناعي إال بنسبة %32<br />

بسعر االورو و لكن ب %90 بسعر الدوالر )7( .<br />

يمكن كذلك تفسير التراجع الصناعي الفرنسي بتدويل<br />

المجموعات الكبرى منذ ثالثين سنة.‏ في الوقت الذي دعّ‏ مت<br />

فيه المؤسسات األلمانية قواعد اإلنتاج الوطنية،‏ خيّرتْ‏ نظيرتُها<br />

الفرنسية االنتشار الخارجي واالستعانة باالستثمار األجنبي<br />

المباشر وخاصة في البلدان الناشئة التي تحقّق نموّا قويّا.‏<br />

يُعدّ‏ قطاع السيارات خير دليل على ذلك.‏ منذ سنة 2006،<br />

تجاوز عدد السيارات الفرنسية المصنوعة بالخارج العددَ‏ المصنّع<br />

على التراب الوطني والذي بدأ في التقلّص منذ سنة 2002.<br />

بينما ما انفك إنتاج الصناعيين األلمان داخل ألمانيا يرتفع.‏ على<br />

هذا األساس أصبحت الشركات الفرنسية المتعددة الجنسيات سنة<br />

2014 تشغّل 6 ماليين شخص في الخارج مقابل 5 ماليين بالنسبة<br />

إلى منافستها األلمانية و‎1.8‎ مليون لاليطالية وأقلّ‏ من مليون<br />

بالنسبة إلى االسبانية.‏<br />

يرجع خيار إعادة االنتشار العالمي الفرنسي في قسم منه<br />

إلى تموقع يعتمد البضاعة الضعيفة والمتوسطة القيمة حيث تدور<br />

المنافسة في مستوى األسعار باألساس،األمر الذي يدفع إلى<br />

خفض التكلفة عن طريق اإلنتاج في الخارج.‏ بالمقارنة،‏ يتضح<br />

أن القدرة التنافسية األلمانية قائمة على ‏»غير السعر«،‏ ما يعني<br />

أنها قائمة على الجودة واالبتكار وهذا ما يسمح لها بفرض أسعار<br />

أعلى.‏ يذهب رجل االقتصاد غابريال كوليتي العضو المؤسس<br />

لجمعية البيان من اجل الصناعة إلى أن سياسة الضغط على<br />

األجور التي طبقت خالل فترة حكم المستشار األلماني غرهرد<br />

شرودر )2002-1998( كانت أقلّ‏ نفعا إلرساء التنافس من الرفع<br />

في اإلنتاج.‏<br />

لعبت كلفة رأس المال أكثر من دورا حاسما كلفة العمل<br />

هي التي في ظاهرة تراجع التصنيع في فرنسا ألن المجموعات<br />

الكبرى كانت توزّع على المساهمين حصّ‏ ة متزايدة من القيمة<br />

المضافة وذلك على حساب االستثمار والبحث.‏ قبل ثالثين سنة،‏<br />

كانت اإلرباح الموزّعة تمثّل أقلّ‏ من %5 من الثروة المحقّقة في<br />

الصناعة ‏،أما اليوم فقد بلغت هذه الحصة %25. على كلّ‏ يورو<br />

صاف وُضِ‏ ع في االستثمار،‏ كانت المؤسسات توزّع 50 سنتيما<br />

في باب األرباح سنة 1978، مقابل 2 يورو سنة 2011)8(.<br />

تحت ضغط المساهمين،‏ وجدت المؤسسات نفسها مُجبرة<br />

على التخلي عن بعض مشاريع االستثمار التي ال تدرّ‏ أرباحا<br />

كافية،‏ أو على إنجاز عمليات مالية باهظة الكلفة بهدف بلوغ نسبة<br />

%15 كمردود مطلوب في الغالب.‏ يقول كوليتي مفسّ‏ را:‏ ‏»بما أن<br />

المردوديّة المتوسطة تتراوح بين 6 و‎%8‎‏،‏ وجدت المؤسسات<br />

نفسها محتاجة أكثر فأكثر إلى شراء أسهمها قصد الترفيع في قيمة<br />

السّ‏ ندات«.‏ هذه الممارسة واسعة االنتشار في الواليات المتحدة<br />

األمريكية أخذت في االنتشار في فرنسا:‏ لقد خُصّ‏ ص لها بين<br />

سنتيْ‏ 1999 و‎9(2015‎‏(‏ ما قدره 115 مليار يورو،‏ أما بالنسبة إلى<br />

سنة 2018 فقد أعادت مؤسسات ‏»كاك 40« شراء أسهم بما قدره<br />

10.9 مليار يورو.‏ أمّا مجموع األرباح المهدورة فمن المستحيل<br />

تحديده.‏ يقول رجل االقتصاد لوران كردينياي بأسف شديد:‏ ‏»من<br />

ذا الذي يستطيع أن يذكر الكمّ‏ الهائل من الثروات المبدّدة التي لم<br />

تتحقّق،‏ ومن مواطن العمل التي لم تُخلَق،‏ والمشاريع الجماعية<br />

واالجتماعية والبيئيّة التي لم تُنفَّذ على اإلطالق لسبب وحيد وهو<br />

الحرص على المردوديّة؟«)‏‎10‎‏(.‏ إذا كان لومار يرجو أن تعود<br />

صورة ‏»القوّة الصناعيّة الكبرى«‏ إلى فرنسا فعليه أن يبدأ بتخليص<br />

المؤسسات من الهيمنة المالية.‏<br />

‏»الحمائية غير<br />

فعالة وخطيرة«‏<br />

يعتبر الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون أن ‏»الحمائية هي<br />

الحرب،‏ كذبة،‏ انتكاسة«‏ )26 افريل/نيسان 2017(. هي تمثّل<br />

واحدا من ‏»الخطريْن العالمييْن الكبيريْن«.‏ وفقا لمحافظ بنك فرنسا<br />

فرانسوا فيلرواد غلهو الذي يصرح:‏ ‏»الترفيع في أسعار الواردات<br />

يمثّل عقوبة لألسَ‏ ر الضعيفة التي تستهلك أكبر نصيب من الموادّ‏<br />

المستوردة«)‏‎11‎‏(.‏<br />

إن األسطورة القائلة بأن السياسة الحمائية تؤدي حتما إلى<br />

الحرب،‏ وتلك القائلة إن ‏»التجارة الناعمة«‏ عكس ذلك،‏ تساعد على<br />

نشر السّ‏ الم أقوال قد دحضها التاريخ.‏ في سنة 1870، دخلت فرنسا<br />

وبروسيا في حرب بُعيْد توقيع معاهدة تبادل حرّ‏ بين البلدين.‏ على<br />

النقيض من ذلك،‏ لم ينتج عن الحمائية التي ميّزت ‏»الثالثين سنة<br />

المجيدة«‏ أيّ‏ صراع.‏ ثم إن الفكرة القائلة بأن الحمائية تفترض ضمنيا<br />

‏»انتكاسة وطنية«‏ وتضع حدّا للمبادالت فكرة ال تصمد أمام تحليل<br />

الوقائع.‏ ‏»فبيْن سنتيْ‏ 1890 و‎1914‎‏،‏ اتّبعت كل البلدان المصنّعة<br />

باستثناء بريطانيا العظمى سياسات تجارية مستمدّة من الحمائيّة«‏ كما<br />

يذكّرنا بذلك رجل االقتصاد غايل جيرو ‏»ولكن هذا لم يمنع هذه<br />

الفترة من أن تشهد توسّ‏ عا مستمرّا للتجارة العالميّة )%5 من النموّ‏<br />

سنويا(‏ إلى حدّ‏ جعل المؤرخين يصفونها بأنها ‏»العولمة األولى«)‏‎12‎‏(.‏<br />

لكن ماذا عنها اليوم؟ يحبّ‏ أنصار التبادل الحر أن يشيروا<br />

إلى أنه بفضل العولمة تستطيع العائالت المحرومة في البلدان<br />

الغنية أن تمأل سلة مشترياتها باألقمصة واأللعاب والشاشات<br />

المسطّ‏ حة بأثمان زهيدة.‏ إذا كان صحيحا أن السياسة الحمائيّة<br />

تؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه السلع المستوردة فإنه بإمكانها كذلك<br />

أن تتيح الخروج من هوَس كُلْفة العمل التي تخنق األجور.‏ لنقل<br />

بعبارة أخرى إنّ‏ ما نخسره كمستهلكين سنربحه بصفتنا أجَ‏ راء.‏ هذا<br />

باإلضافة إلى التحرر من عادة استهالك أشياء ال نحتاجها.‏<br />

ال يتعلق األمر بالتصفيق للرئيس األميركي دونالد ترامب<br />

الذي سلّط الرسوم الجمركيّة على األلمنيوم الكندي أو الالقطات<br />

الشمسية الصينية دون مباالة بالعواقب المنجرّة عن ذلك ‏)إجراءات<br />

انتقامية،‏ الجدوى اإلجراء في غياب سياسة صناعيّة ‏،الخ(.‏ السياسة<br />

الحمائيّة ليست عصا سحريّة قادرةً‏ على إحياء كل الصناعات<br />

القديمة،‏ وال هي برنامج اقتصادي قائم الذات:‏ هي ليست سوى أداة<br />

يمكن وضعها في خدمة سياسة محافظة وأحادية وعدوانيّة أو في<br />

خدمة سياسة أخرى تعاونيّة وبيئيّة واجتماعيّة.‏<br />

يقترح أنصار ‏»الحمائيّة التضامنية«‏ على سبيل المثال<br />

وضع حواجز جمركيّة أوروبية لمعاقبة الواردات الوافدة من<br />

بلدان ال تحترم بعض المعايير التّأجيرية واالجتماعية والجبائيّة<br />

والبيئيّة.‏ ال يكون الهدف من ذلك تقديم المعونة ‏»لجوراسيك بارك<br />

صناعي«)‏‎13‎‏(،‏ ولكن حماية الصناعات الناشئة الالزمة لتحقيق<br />

انتقال بيئي بعيدا خاصّ‏ ة عن المسألة الصناعيّة،‏ والسماح بظهور<br />

نظام تجاري عالمي أكثر عدال وتوازنا.‏ ذلك أن السياسة الحمائيّة<br />

ليست هي التي تؤدّي إلى الحرب بل هو المنهج غير المنظّ‏ م الحالي<br />

الذي يُعْلي من شأن التنافسيّة حتى يجعلها قيمة مقدّسَ‏ ة،‏ ويضع<br />

األجَ‏ راء والنظم الجبائيّة في موقف تنافس،‏ في سباق ال نهاية له<br />

حول من يعرض كُلْفة اجتماعيّة أقلّ‏ .<br />

6( مكتب اإلحصاء الفدرالي األلماني دستاتيس:‏ ‏»االتحاد األوروبي-مقارنة لتكاليف<br />

الشغل:‏ ألمانيا في المرتبة السادسة«،‏ فيسبادن،‏ 16 ماي/أيار 2018.<br />

7( بيانات من مكتب إحصاءات العمل األمريكي.‏<br />

8( فلوريان بوت و آخرون : ‏»تكلفة رأس المال:‏ بين الخسائر وتهريب الثروات.‏<br />

الفهم األنسب لرأس المال لقيس تكلفته على المجتمع«،‏ تقرير بحث،‏ جامعة ليل 1<br />

وجامعة ليتورال،‏ كالرساي،‏ 2017.<br />

9( فلوريان بوت وآخرون،‏ ‏»تكلفة رأس المال...«‏ ‏)مرجع سابق(.‏<br />

10( لوران كوردونياي،‏ ‏»تكلفة رأس المال،‏ السؤال الذي يغيّر كلّ‏ شيء«،‏ لوموند<br />

ديبلوماتيك،‏ جويلية/تمّوز 2013.<br />

11( تقديم للصحافة للرسالة التمهيدية للتقرير السنوي لبنك فرنسا موجهة إلى رئيس<br />

الجمهوريّة،‏ 20 جوان/حزيران 2018.<br />

12( غائيل جيرو « فزّاعة الحمائيّة«،‏ مجلة المشروع،‏ عدد 320، البالن سان<br />

دوني،فيفري-مارس/شباط-آذار 2011.<br />

13( أوغستان لندياي ودافيد تيمار،‏ ‏»عصر جوراسيك بارك الصناعي«،‏ ليزيكو،‏<br />

باريس،‏ 21 أكتوبر/‏ تشرين األول 2009.<br />

جميع الحقوق محفوظة


جويلية/أوت - تموز/آب 8 <strong>2019</strong><br />

المصالحة بين<br />

القوى السياسية التقدمية التي ربطت التطور اإلقتصادي بتحسين ظروف العيش لطالما أهملت<br />

تأثير األنشطة االنسانية على المحيط.‏ هل تحتم األولوية المتمثلة في حماية كوكب األرض أن تتخلى<br />

عن فوائد المجتمع الصناعي؟ ليس بالضرورة،‏ عندما تتطوربعض العادات اإلستهالكية التي تولدت عن<br />

هذا المجتمع الصناعي.‏<br />

بحسب عدد كبير من<br />

المختصين في االقتصاد<br />

والمسؤولين السياسيين والنقابيين،‏<br />

إعادة التصنيع في فرنسا أمرا ملحا.‏<br />

بين 1974 و‎2017‎‏،‏ تراجع نصيب<br />

الصناعة من التشغيل الجملي،‏ بما<br />

في ذلك إنتاج الطاقة والصناعات<br />

االستخراجية،‏ دون قطاع البناء،‏<br />

من نسبة %24،4 إلى %10،3.<br />

بلغ نصيب قطاع الخدمات،‏<br />

التجارية وغير التجارية،‏ %81<br />

سنة 2017)1(. كما أن الصناعة<br />

لم تعد تنتج سوى %14 من القيمة<br />

المضافة.‏ أي بعبارة أخرى،‏ من<br />

الثروة االقتصادية المنتجة سنويا.‏<br />

تنبيه يردده الكثيرون مرارا<br />

وتكرارا:‏ يتعلق األمر بكارثة.‏<br />

هل تختلف فرنسا عن البلدان<br />

األخرى ؟ ال أبدا ال.‏ وفق أرقام<br />

مكتب العمل الدولي المتعلقة بمجمل<br />

قطاع الصناعة والبناء،‏ تظل فرنسا<br />

بلدا أكثر تصنيعا مقارنة ببلدان<br />

أخرى نجد صعوبة في وصفها<br />

بأنها غبية في مجال اعتماد نظرية<br />

* األستاذ الفخري لإلقتصاد بجامعة ليل،‏ ومؤلف<br />

كتاب ‏»وداعا للنمو.‏ طيب العيش في عالم متضامن«،‏<br />

بدائل اقتصادية،‏ نشر دار matins« »Les petits ،<br />

باريس،‏ 2010.<br />

النمو المقدسة:‏ بلدان الشمال<br />

األوروبي،‏ الواليات المتحدة،‏ كندا،‏<br />

المملكة المتحدة،‏ ودول أخرى.‏ لئن<br />

كان من الصحيح أن عددا ضئيال<br />

من البلدان الغنية تسجل أفضل<br />

النتائج في هذا المجال،‏ وهي<br />

أساسا ألمانيا واليابان،‏ فإن تراجع<br />

حصة الصناعة في التشغيل ال يقل<br />

أيضا بروزا في هذه البلدان مثلما<br />

هو الحال في فرنسا:‏ بين 1991<br />

و‎2018‎‏،‏ تراجعت حصة التشغيل<br />

الصناعي من التشغيل الجملي ب 14<br />

نقطة في ألمانيا،‏ وهو رقم أكبر من<br />

ذاك المسجل في فرنسا ‏)تراجع ب<br />

%9، تماما مثل اليابان()‏‎2‎‏(.‏<br />

فما هي حجج مناصري تكثيف<br />

التصنيع؟ يقدم هذا المقتطف من<br />

مقال بعنوان ‏»لنعط مجددا األولوية<br />

للصناعة«،‏ والذي حمل توقيع زهاء<br />

ثالثين من المختصين في االقتصاد،‏<br />

مثلما أمضاه مسؤولون سياسيون<br />

ونقابيون من اليسار،‏ ملخصا<br />

مفيدا شافيا لتلك الحجج:‏ ‏»تطوّر<br />

الصناعة كل مجاالت النشاط<br />

والبحث واالستثمار،‏ وفي النهاية،‏<br />

التشغيل«‏ ‏)لوموند،‏ 18 جانفي/‏<br />

كانون الثاني 2017(. لكن،‏ كيف<br />

يمكن لقطاع يمثل ما بين 8 و‎%20‎<br />

من التشغيل أو القيمة المضافة في<br />

البلدان الغنية أن يصبح المحرك<br />

الذي ‏»يجر«‏ باقي القطاعات،‏ بما<br />

في ذلك التشغيل؟<br />

هذا االعتقاد يجد جذوره<br />

في حقبة التعارض الذي تشكل<br />

في القرن التاسع عشر من قبل<br />

مختصي االقتصاد التقليديين وكارل<br />

ماركس:‏ الصناعة تخلق الثروات.‏<br />

تتطور الخدمات بفعل الفوائض<br />

التي تفرزها الصناعة.‏ وعليه فإن<br />

أولوية الصناعة تكمن في طابعها<br />

‏»المنتج«،‏ في تعارض مع ‏»عدم<br />

إنتاجية«‏ الخدمات.‏<br />

اكتملت اللوحة الحقا<br />

بفرضيات أخرى منها على سبيل<br />

المثال:‏ تحقق الصناعة مرابيح<br />

إنتاجية أرفع من غالبية الخدمات،‏<br />

كما توج هذا المسار بإطالق تسمية<br />

‏»الدجاجة التي تبيض ذهبا«‏ من قبل<br />

اإلقتصادي بنيامين كوريات)‏‎3‎‏(،‏<br />

لكونها ‏»قاطرة«‏ مجمل عناصر<br />

النمو.‏ يؤكد اقتصاديون آخرون<br />

بأن الصناعة تمثل عنصرا محددا<br />

للتنافسية العالمية،‏ دون القدرة<br />

دوما على إدراك أن ما كان حقيقيا<br />

باألمس قد فقد دقته وفائدته اليوم:‏<br />

أال يمثل قطاعا الفالحة والخدمات<br />

رهانات جوهرية في كل االتفاقات<br />

المسماة اتفاقات التبادل الحر؟<br />

هناك حجة أخرى عفا عليها الزمن<br />

ومؤداها أن التجديد الصناعي هو<br />

العنصر األهم.‏<br />

عندما يتعلق األمر بتفسير<br />

مسببات التراجع التاريخي للتشغيل<br />

الصناعي،‏ غالبا ما يتم توجيه<br />

االتهام لعمليات نقل نشاط الشركات<br />

لبلدان أخرى.‏ عملية نقل النشاط<br />

ال تمثل في واقع األمر سوى ما<br />

بين 10 و‎%15‎ من الظاهرة على<br />

مستوى فرنسا)‏‎4‎‏(.‏ من األكيد أنه<br />

يتعين العمل على الحد من عمليات<br />

نقل النشاط هذه،‏ وحتى منعها،‏<br />

لكن،‏ حتى مع ذلك،‏ فإن ما بين 85<br />

و‎%90‎ من ‏»المشكلة«‏ تظل قائمة.‏<br />

ننتج أكثر<br />

كي نستهلك أكثر<br />

و...‏ نلوّث أكثر<br />

من بين أسباب خسارة 2،2<br />

مليون موطن شغل في فرنسا بين<br />

1980 و‎2017‎‏،‏ يتوافق السبب<br />

األكثر حسما مع توجهين تاريخيين<br />

مزدوجين.‏ من ناحية،‏ يتعلق الطلب<br />

األسري أقل فأقل بسلع صناعية،‏<br />

ويتصل أكثر فأكثر بخدمات تجارية<br />

أم ال:‏ تراجع حصة السلع المستدامة<br />

‏)السيارات،‏ العقارات،‏ اآلالت<br />

المنزلية..(‏ ونصف المستدامة<br />

‏)المالبس بالخصوص(‏ في حجم<br />

االستهالك الفعلي لألسر من %22<br />

في العام 1960 إلى %12،4 سنة<br />

2017)5(. من ناحية أخرى،‏ كانت<br />

مكاسب اإلنتاجية في الصناعة<br />

وستظل أكثر أهمية مما هو األمر<br />

في معظم قطاعات الخدمات.‏ يفسر<br />

تراكم هذين التوجهين طويلي األمد<br />

بشكل رئيسي ومهم أسباب تراجع<br />

وزن الصناعة في التشغيل في فرنسا<br />

كما في باقي أنحاء العالم تقريبا،‏ بما<br />

في ذلك بلدان مجموعة ‏»البريك«‏<br />

BRIC ا)‏‎6‎‏(‏ ‏)البرازيل وروسيا<br />

والهند والصين التي تشكلت سنة<br />

2009(، والتي أصبحت الحقا<br />

‏»بريكس«‏ BRICS بعد انضمام<br />

جنوب إفريقيا للمجموعة سنة<br />

.2011<br />

يكمن التفسير اآلخر لتراجع<br />

التشغيل الصناعي في ثالث<br />

ظواهر متضافرة مميزة للعولمة<br />

النيوليبرالية،‏ 1( تكثيف العمل،‏<br />

2( منافسة بلدان ذات أجور<br />

متدنية وذات معايير اجتماعية<br />

وبيئية ضعيفة،‏ تنتج عمليات<br />

نقل النشاط اإلنتاجي مثلما تنتج<br />

االستهالك ‏)اقتناء منتجات بلدان<br />

أخرى(،‏ 3( تغليب العنصر المالي<br />

على الشركات،‏ ما يقودها إلى<br />

إغالق مؤسسات أو اإلحجام عن<br />

االستثمار،‏ ال ألنه لم يعد لديها<br />

أسواق،‏ وإنما ألن المردودية<br />

بالنسبة لمالك األسهم ال تبلغ 10 أو<br />

.%15<br />

ويستنكر الفكر التصنيعي<br />

اليساري،‏ الذي يدافع عنه عدد<br />

من االقتصاديين أو المناضلين<br />

القريبين من الحركة العمالية،‏<br />

فعال،‏ للعوامل الثالثة المذكورة<br />

أعاله،‏ التي يعتبرونها أدوات<br />

‏»كسر«‏ من المؤكّد لبعض<br />

المؤسسات أو األنسجة الصناعية.‏<br />

التصنيع أسهَم في تحسين ظروف<br />

العيش على مدى حقبة تاريخية<br />

طويلة.‏ لكن الصناعة لم تكن<br />

النشاط الوحيد الذي أسهم في<br />

ذلك التحسن:‏ في القرن العشرين،‏<br />

اضطلعت الخدمات العمومية<br />

المتصلة بالتعليم والصحة والنقل<br />

والعمل االجتماعي بدور ال يقل<br />

أهمية،‏ تماما مثل النشاط الزراعي<br />

الريفي.‏<br />

من ناحية أخرى<br />

وبالخصوص،‏ هذا التصنيع الذي<br />

حقق مكاسب إنتاجية عالية،‏<br />

تم االحتفاء به على أنّه قلب<br />

السنوات الثالثين المجيدة،‏ وهو<br />

الذي انجرت عنه أضرار ‏)أو<br />

‏»عوامل خارجية«(‏ اجتماعية<br />

وصحية وبيئية تم التفطن إليها<br />

منذ سبعينات القرن الماضي.‏<br />

عندها،‏ بدأت وطأة اإلنسانية على<br />

المنظومة اإليكولوجية،‏ في تخطي<br />

قدرة الطبيعة على توفير الموارد<br />

العديدة المتجددة التي ابتلعتها<br />

ماكينة اإلنتاج المادي،‏ كما أن<br />

انبعاثات غاز الكاربون في الفضاء<br />

قد تجاوزت حدودا سببت االنحباس<br />

الحراري.‏ ويمكننا القول بأنه،‏<br />

ومنذ ذلك الوقت،‏ تحولت مرابيح<br />

اإلنتاجية ‏)إنتاج أكثر دوما بنفس<br />

حجم قوة العمل أو بحجم أقل(‏ غالبا<br />

إلى خسائر،‏ بعضها أضحى اليوم<br />

يتهدد أمالكا حيوية مشتركة،‏ مثل<br />

المناخ أو المياه وكذلك الموارد<br />

غير المتجددة ‏)المواد المنجمية،‏<br />

1( الحسابات الوطنية لسنة 2017، المعهد الوطني<br />

الفرنسي لإلحصاءات ،Insee باريس،‏ ماي/أيار<br />

.2018<br />

2( معطيات البنك العالمي.‏<br />

3( محاضرة ألقيت في ليل يوم 21 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني 1994.<br />

4( ميشال هوسون،‏ ‏»تقارير عديدة تحلل أثر<br />

عمليات نقل نشاط الشركات على التشغيل«،‏<br />

مذكرة للهيئة األوروبية لمراقبة العالقات<br />

الصناعية ،)EIRO( جوان/حزيران 2005،<br />

http://hussonet.free<br />

5( الحسابات الوطنية لسنة 2017، مصدر سبق<br />

ذكره.‏<br />

6( ‏»بلدان منظمة ‏)بريك ،)BRIC ورشات<br />

صناعية أو فالحية من العالم،‏ أضحت أكثر<br />

فأكثر...‏ اقتصاديات خدمات«،‏ قوموا!،‏ 2 أفريل/‏<br />

نيسان 2014،<br />

blogs.alternatives-economiques.fr<br />

جان غادراي * Gadrey Jean<br />

جميع الحقوق محفوظة


9 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الصناعة والطبيعة<br />

الطاقات األحفورية،‏ وأيضا<br />

الرمال(،‏ التي أصبحت بدورها<br />

عرضة لإلستنزاف وحتى النفاد<br />

الكلي.‏<br />

هكذا،‏ يغفل الصناعيين عن<br />

استنكار هذه الكارثة اإلنسانية<br />

والبيئية والصحية:‏ أضحى القطاع<br />

الفالحي)‏‎7‎‏(‏ ال يوفر إال 750 ألف<br />

موطن شغل سنة 2017، مقابل<br />

1،88 مليون سنة 1980، وهو<br />

تراجع ب %60 وبنسبة أعلى<br />

من التراجع المسجل في القطاع<br />

الصناعي خالل نفس الفترة<br />

)%43(. السبب الكامن:‏ تصنيع<br />

الفالحة بفعل سياسات فالحية<br />

إنتاجوية واتفاقات ‏»للتبادل الحر«‏<br />

تحطم النشاط الزراعي،‏ في فرنسا<br />

كما في غيرها من البلدان.‏ هناك<br />

ظاهرة مشابهة مع تصنيع التجارة<br />

عبر إضفاء طابع مسلعن كبير<br />

وإنتاجوي عليها مثلما هو األمر<br />

بالنسبة لقطاعات خدماتية أخرى<br />

ننتج بطريقة أخرى سلعا وخيرات<br />

تستجيب لحاجيات اجتماعية<br />

متسمة ب ‏»البساطة واالعتدال<br />

ماديا وطاقيا«،‏ وتم ابتكارها تبعا<br />

لمقادير وحدود ال يجب تخطيها من<br />

أجل أن يظل العالم مكانا صالحا<br />

للعيش.‏ من األكيد أن ذلك يشمل<br />

المناخ،‏ مع رسم هدف ‏»صفر<br />

انبعاثات غازية خالصة«)‏‎8‎‏(‏ ‏)أو<br />

‏»الحياد الكربوني«(‏ في أفق العام<br />

2050، وإنما أيضا هدف التنوع<br />

البيولوجي الذي يتعين العمل<br />

بصورة عاجلة على عكس مسار<br />

تآكله،‏ إضافة إلى الحد من بعض<br />

أشكال التلوث ‏)تلوث الهواء،‏<br />

والتلوث الكيميائي،‏ وتلويث<br />

البيئة بالنفايات البالستيكية...(‏<br />

التي أصبحث كارثية،‏ وأخيرا<br />

التصرف المتزن والعقالني<br />

في ما تبقى من موارد غير<br />

متجددة،‏ تلتهمها حاليا الرأسمالية<br />

الصناعية الحرارية بنسق غير<br />

قابل لإلستدامة)‏‎9‎‏(.‏<br />

من بين عشرات األمثلة<br />

المستقاة من هذه األعمال ‏)التي ال<br />

تشكل مرجعية مطلقة وإنما نقطة<br />

ارتكاز مثالية(،‏ نجد حاجيات<br />

حركية األشخاص واإلنتاج<br />

الصناعي الكفيل باإلستجابة<br />

لهذه الحركية.‏ تستبق الدراسات<br />

المذكورة تناقصا حادا للتبعية<br />

للسيارة من اآلن وحتى أفق 2050،<br />

في حين أنه في العام <strong>2019</strong>، على<br />

كلّ‏ أربع استعماالت لسيارة يسجل<br />

استعمال على مسافة ال يتجاوز<br />

طولها 3 كيلومترات،‏ كما أن أكثر<br />

من نصف عدد األشخاص الذين<br />

يقيمون على بعد أقل من كيلومتر<br />

واحد عن موقع عملهم يتنقلون إليه<br />

بواسطة السيارة ووسائل النقل<br />

المشترك تظل غير كافية وعالية<br />

الكلفة.‏ عليه ستكتسب االستعماالت<br />

المتزنة والمعتدلة أهمية أكبر،‏<br />

مقارنة بالمسعى الرامي إلى تكثيف<br />

استخدام السيارات الكهربائية<br />

والسيارات الهجينة ‏)األولوية<br />

‏)مقابل %90 من أسطول السيارات<br />

سنة <strong>2019</strong>(، فإن معدل استهالكها<br />

سيكون في حدود 3 لترات لكل<br />

100 كيلومتر.‏ سيتم أيضا خفض<br />

السرعة القصوى.‏ سيرتفع معدل<br />

عدد األشخاص بالنسبة لكل سيارة<br />

من 1،6 إلى 2،4 بفضل تقاسم<br />

استخدام السيارات.‏ كما أن مصانع<br />

السيارات ستستعمل أكثر فأكثر<br />

مواد مرسكلة وتلتزم باالنخراط في<br />

مسار إعادة االستعمال والكراء.‏<br />

هذا باالضافة إلى مسألة استهالك<br />

الطاقة ‏)منزوعة الكاربون ودون<br />

اللجوء إلى الطاقة النووية(‏ التي<br />

ستتراجع إلى النصف،‏ مثلما<br />

سيتراجع استهالكها للفوالذ.‏<br />

سينتهي األمر بهذه الصناعة،‏<br />

بفعل التزايد المطرد لألدوات<br />

اإللكترونية،‏ الفاقدة في غالبيها<br />

للوظيفية،‏ إلى تركيز جهدها على<br />

إنتاج آليات نقل جماعي ودراجات<br />

‏)كهربائية أو ال(،‏ وتجهيزات<br />

السكك الحديدية،‏ إلخ...‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

االستهالك واإلنتاج الصناعي نحو<br />

منتجات مستديمة وقابلة للتصليح<br />

وإعادة االستعمال،‏ وبالنسبة لبعضها،‏<br />

قابلة لالستعمال المشترك،‏ وهو<br />

ما يمر عبر إقرار حوافز،‏ وأيضا<br />

وبالخصوص من خالل سن القوانين.‏<br />

هكذا،‏ نقتحم تيارا أساسيا آخر على<br />

طريق تصور مستقبل متالئم مع<br />

مقتضيات حماية الكرة األرضية:‏<br />

تيار ‏»التقنيات منخفضة الكلفة«‏<br />

tech( ،)Low أي تكنولوجيات أكثر<br />

بساطة..‏ ولكنها ال تقل تجديدا.‏<br />

‏»استعادة،‏ تصليح،‏<br />

إعادة بيع وتقاسم:‏<br />

نموذجا لإلتزان<br />

كتب فيليب بيويكس،‏ وهو أحد<br />

أبرز ملهمي هذا التيار الذي يشهد<br />

انتشارا متناميا،‏ يقول:‏ ‏»من اجل<br />

رسكلة مثلى للموارد والترفيع في مدة<br />

حياة األدوات واآلالت التي نملكها،‏<br />

يتعين إعادة النظر بصورة معمقة في<br />

هذه األدوات واآلالت،‏ وتصنيع أدوات<br />

مبسطة وصلبة ‏)قد يكون إيفان إيليتش<br />

أطلق عليها اسم ‏»آالت مألوفة«(،‏<br />

وقابلة للتصليح وإعادة االستخدام،‏<br />

ومنمذجة وقابلة للتعديل ومصنوعة<br />

من مواد بسيطة،‏ ويسيرة التفكيك،‏ مع<br />

االستعمال النادر والمقتصد للموارد<br />

النادرة وغير القابلة للتعويض مثل<br />

النحاس والنيكل والقصدير والفضة،‏ مع<br />

الحد من المحتويات اإللكترونية«.‏ يتابع<br />

قائال:‏ ‏»يتعين،‏ في األخير،‏ القيام بعملية<br />

تفكير معمقة بخصوص أنماط إنتاجنا،‏<br />

وإعطاء األفضلية للورشات المركزة<br />

قرب أحواض االستهالك،‏ المنتجة بقدر<br />

ضئيل،‏ ولكنها أكثر كثافة من حيث<br />

العمل،‏ وأقل مكننة وروبوتية،‏ لكنها<br />

مقتصدة للموارد والطاقة،‏ ومتمحورة<br />

حول شبكة استرجاع وتصليح وإعادة<br />

بيع وتقاسم لألدوات المستعملة في الحياة<br />

اليومية«)‏‎11‎‏(.‏<br />

تم نزع طابعها اإلنساني،‏ من خالل<br />

تحول هذه القطاعات إلى مصانع<br />

ذات تكنولوجيات عالية.‏ مستقبال،‏<br />

أضحت عملية التصنيع من أجل<br />

تحقيق مرابيح في اإلنتاجية،‏ تعني<br />

في غالب الحاالت نزع الطابع<br />

اإلنساني عن النشاط وتدمير البيئة<br />

وكذلك المناخ.‏ غير أن إرساء نمط<br />

صناعي آخر يظل أمرا ممكنا،‏<br />

عندما نقبل بأن يكون وزن هذا<br />

القطاع أقل في االقتصاد.‏<br />

من أجل تصور مستقبل<br />

قطاع الصناعة ‏)لكن ذلك ينطبق<br />

أيضا على القطاعات األخرى(،‏<br />

من اليسير أن نفصح عن رؤية<br />

شمولية،‏ لكن تجسيدها على غاية<br />

من الدقة والتعقيد:‏ يتعلق األمر بأن<br />

ومن أجل تخطي هذه المبادئ<br />

العامة باتجاه آفاق ملموسة،‏<br />

يتوجب تناول التفاصيل المتصلة<br />

باالستخدامات القابلة للدعم،‏ ثم<br />

بإنتاج األصناف الرئيسية من<br />

السلع والخيرات الصناعية،‏ بما<br />

في ذلك الطاقة بكل أشكالها.‏<br />

يتطلب ذلك خبرات فنية عالية،‏<br />

مثلما يتطلب خبرات اجتماعية<br />

ومواطنية،‏ وهو ما يمثل بناء<br />

جماعيا على المدى الطويل يكون<br />

محور نقاش عام.‏ إنها الحالة<br />

الفريدة في فرنسا،‏ والمتصلة<br />

بسيناريوهات ‏»الطاقة السالبة«‏<br />

10( المرتبطة<br />

Néga ‏)ا))‏<br />

Watt<br />

بسيناريوهات صيانة األراضي<br />

)Afterres( 2050 التي أعدتها<br />

جمعية ‏»سوالغرو«.‏<br />

الوحيدة للصناعيين والمسؤوليين<br />

السياسيين(.‏ صحيح أن التجديدات<br />

الصناعية لن يكون مآلها الزوال،‏<br />

لكن عوضا عن خدمة السباق<br />

نحو القوة،‏ يتوجب أن تكون هذه<br />

التجديدات مدخال البتكار نماذج<br />

أكثر اعتداال واتزانا.‏<br />

عمليا وإلى غاية سنة<br />

2050، سيتم التخفيض في عدد<br />

الكيلومترات التي يقطعها كل<br />

ساكن في السيارة الفردية لفائدة<br />

أنماط نقل أخرى أقل تلويثا بقدر<br />

كبير.‏ ستتمتع السيارات بمدة حياة<br />

أطول،‏ وستستخدم في غالبيتها<br />

مصادر طاقة متجددة.‏ أما نسبة<br />

10 بالمائة من السيارات التي<br />

ستواصل استعمال المواد البترولية<br />

يتعلق األمر بحلم يقظة ؟<br />

قطعا ال،‏ باعتبار أن السيناريوهات<br />

المذكورة تطرح محصالت وآفاقا<br />

مرقمنة في جميع القطاعات<br />

والمنتجات:‏ من الطاقة في قطاع<br />

البناء،‏ مرورا بالتسخين واألجهزة<br />

الكهربائية المنزلية واألجهزة<br />

اإللكترونية وصوال إلى التغذية،‏<br />

مرفقة ذلك،‏ كل مرة،‏ بتقييم آلفاق<br />

معقولة مرتبطة يتطور درجة<br />

النجاعة ‏)الطاقية والمادية(‏ وبتطور<br />

المنتجات المبسطة والوظيفية،‏<br />

وهو ما كنا نطلق عليه سابقا تسمية<br />

‏»مكافحة التبذير«.‏<br />

من أجل إنتاج أشياء أخرى<br />

بشكل آخر وبصورة مبسطة،‏ تقود<br />

هذه السيناريوهات إلى توجيه<br />

‏)البقية صفحة 11-10(<br />

7( تضاف إليها تقليديا أنشطة الزراعات الغابية<br />

والصيد البحري.‏<br />

8( صافي االنبعاثات هي عبارة عن الفارق<br />

بين انبعاثات الكاربون وحصر أو امتصاص<br />

الكاربون،‏ أساسا من قبل الطبيعة ‏)الغابات،‏<br />

التربة الحية،‏ المحيطات(‏ التي تؤدي الوظيفة<br />

بشكل جيد...‏ إن لم ندمرها.‏<br />

9( ‏»آفاق الموارد العالمية <strong>2019</strong>«، البرنامج<br />

األممي للبيئة،‏ باريس،‏ <strong>2019</strong>.<br />

10( ‏»سيناريو نيغا واط 2050-2017«،<br />

.)https://negawatt.org( بالخصوص التقرير<br />

بعنوان ‏»فرضيات ونتائج«،‏ جوان/حزيران<br />

.2018<br />

11( ‏»أسطورة التكنولوجيا المنقذة«،‏ إسبري،‏<br />

باريس،‏ مارس/آذار أفريل/نيسان 2017.


جويلية/أوت - تموز/آب 10 <strong>2019</strong><br />

عندما كان الجنوب يراهن<br />

حصة كل منطقة من الصناعات المعملية<br />

العالمية بحساب النسبة المائوية<br />

هل يكفي أن تساعد الدولة المستثمرين المحليين لكي يتطور القطاع الصناعي؟<br />

خالل الستينات والسبعينات،‏ اختارت عدة دول هذه االستراتيجية لتصطدم في كل<br />

مرة بنفس الصعوبات.‏<br />

45<br />

‏(ب %)<br />

فيفاك شيبّار * Chibber Vivek<br />

40<br />

1<br />

آسيا<br />

الإتحاد الأوروبي<br />

35<br />

أمريكا شمالية<br />

افريقيا<br />

جنوب الصحراء<br />

بصفة عامة،‏ يتمّ‏ تحليل استراتيجيات التنمية التي اتُّبعت<br />

بعد الحرب العالمية الثانية في بعض بلدان أمريكا الالتينية وآسيا<br />

والشرق األوسط حول ثالث أفكار.‏ أوال،‏ يُستحضَ‏ رُ‏ التصنيع السريع<br />

الذي تحقّق من خالل بذل جهود جبّارة من أجل اللحاق بركب<br />

الدول المتقدّمة.‏ في قلب هذه اإلستراتيجية،‏ توجد آلية التصنيع عن<br />

طريق تعويض الواردات التي تهدف إلى تعزيز نموّ‏ الصناعات<br />

عبر عملية تتمّ‏ على مرحلتيْن،‏ أوالهما الحدّ‏ من تدفّق الواردات عن<br />

طريق فرض رسوم جمركيّة ومراقبة الجودة قصد فتح السوق أمام<br />

الصناعات المحلّيّة.‏ وثانيتهما دعم النموّ‏ السريع لهذه المؤسسات<br />

عن طريق منح سَ‏ خيّة.‏ على هذا األساس،‏ وُضِ‏ عت على ذمّة رجال<br />

األعمال المحليين آليتان رئيسيتان وهما المنح والرسوم الجمركيّة<br />

لتمكينهم من احتالل فضاء خاص بهم،‏ مالئم لتطوّرهم،‏ يجعلهم في<br />

مأمن من المنافسة التي تشكّلها البلدان األكثر تقدّما.‏<br />

تشير الفكرة الخاطئة الثانية إلى أن التصنيع قد وُضع<br />

‏»كمشروع مشترك«‏ بين النُّخب السياسية وكبار الموظّ‏ فين وأرباب<br />

العمل المحلّيين.‏ إذا كان بعضهم يُضيف إليهم ‏)بخجل(‏ األجراء<br />

فإن األطراف الحقيقية هي أساسا الصناعيّون والنّخب السياسيّة<br />

الذين بدأ نجمُهم في الصّ‏ عود آنذاك.‏<br />

أمّا الفكرة الثالثة والتي لم تَعُد محلّ‏ سؤال فتُفيد أنّ‏ الدولة قد<br />

تكون انتفعت بمكانة متميّزة في إطار تحالفها مع أوساط األعمال.‏<br />

هذا ما يفسّ‏ ر سبب تقديم التصنيع السريع على أنه مجموعة من<br />

* أستاذ مشارك بقسم علم االجتماع بجامعة نيويورك.مؤلّف كتاب ‏»نظرية ما بعد االستعمار<br />

وشبح رأس المال«،‏ منشورات ‏»السيمتري«،‏ تولوز،‏ 2018. صدرت نسخة من هذا النص في<br />

طبعة سنة 2005 من مجلّة ‏»السجلّ‏ االجتماعي«‏ Register( .)Socialist<br />

المشاريع التنموية التي ‏»قادتها الدولة«‏ والتي انبنت قصّ‏ تُها على<br />

النحو التالي:‏ بالنظر إلى حداثة وصغر حجم القطاع الصناعي<br />

المحلّي في البلدان المعنيّة،‏ ونظرا إلى النموّ‏ غير المتكافئ<br />

والمُشتّت لألسواق،‏ ولوجوه القصور في األسواق المالية وجد<br />

القادة السياسيون أنفسهم مُجَ‏ برين على تولّي أمر التصنيع بأنفسهم.‏<br />

لكن هذه الصورة ال تنقل الصعوبات التي وجدتها الدول في أداء<br />

دورها األساسي المتمثّل في تحويل تدفّق االستثمارات العمومية<br />

والخاصّ‏ ة من القطاعات التي تدرّ‏ أرباحا كثيرة ولكنها ذات إنتاج<br />

اجتماعي كسيح قصد توجيهها نحو مجاالت نشاط ذات مردود<br />

اجتماعي عالٍ‏ .<br />

في العموم،‏ توصّ‏ لت استراتيجيات التنمية التي انتهجتها الدول<br />

في كل من أمريكا الجنوبية والشرق األوسط وجنوب آسيا إلى<br />

تحويل االقتصاد نحو االتجاه المطلوب.‏ ولكن هذا التحوّل تمّ‏ بطريقة<br />

فوضويّة،‏ وبنفقات عمومية ضخمة،‏ وولّد قطاعات خاصّ‏ ة غير<br />

فعّالة.‏ تظهر كلفة هذه المشاريع بشكل صارخ في الضغط المتزايد<br />

الذي فرضته هذه العملية على ميزانيات الدول.‏ كان على هذه الدول<br />

أن تمتصّ‏ نصيبا وافرا من الخسائر التي سجّ‏ لها القطاع الخاص،‏<br />

و أن تواصل تزويدها باإلعانات،‏ وأن تتصرّف في الخلل المتزايد<br />

في الميزان التجاري ألن توريد التجهيزات ال يعوّضه تدفّق<br />

االستثمارات نحو قطاعات نشاط مالئمة للتصدير.‏ إذا كانت الدولة<br />

هي المتحكّمة في العملية فعليّا،‏ كيف نفسّ‏ ر هذا الكمّ‏ الكبير من<br />

المصاعب التي اعترضتها والتي عجّ‏ لت بتهاوي المرحلة التنموية<br />

والمنعرج النيوليبرالي؟<br />

بالنسبة إلى الكثيرين،‏ يتمثل الجواب األكثر إقناعا في<br />

التأكيد على عدم كفاءة القيادات السياسية.‏ بيّن سَ‏ يْلٌ‏ من الدّراسات<br />

التي أنجزت خالل الخمس عشرة سنة األخيرة أن أغلب دول<br />

30<br />

25<br />

20<br />

15<br />

10<br />

5<br />

0<br />

1970 1980 1990 2000 2010 2017<br />

.1<br />

14,8<br />

10,2<br />

9,2<br />

21,2<br />

17,4<br />

17,3<br />

21,2<br />

16,8<br />

15,6<br />

18,8<br />

15,5 14,2<br />

13,9<br />

8,5<br />

8,0<br />

أمريكا اللاتينية والكاراييب<br />

في وضعها الحالي<br />

المصدر:‏ مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية <strong>2019</strong><br />

حصة الصناعة المعملية من التشغيل<br />

بحساب النسبة المئوية (%)<br />

أوقيانوسيا<br />

شمال إفريقيا<br />

1995 2010 2018<br />

الإتحاد المملكة إيطاليا ألمانيا فرنسا<br />

الأوروبي المتحدة المصدر:‏ أوروستات،‏ <strong>2019</strong><br />

القيمة المضافة لقطاعات الصناعة المعملية<br />

بحساب النسبة المائوية في 2017<br />

المملكة إيطاليا ألمانيا فرنسا<br />

المتحدة<br />

13,6<br />

27,7<br />

22,0<br />

14,0<br />

تجهيزات<br />

‏)بقية الصفحة 9-8(<br />

المصالحة بين<br />

المادية والطاقية الجديدة،‏ وكذلك مع<br />

التحوالت التي ستطرأ على اإلنتاج<br />

والتشغيل؟<br />

بث غازات اإلحتباس<br />

الحراري هو امتياز<br />

12,3<br />

19,4<br />

22,6<br />

7,1<br />

8,6<br />

10,9<br />

14,8<br />

15,4<br />

وسائل النقل<br />

الصناعات الغذائية<br />

الصناعات الكميائية<br />

وشبه الصيدلية<br />

صناعة الصلب<br />

والمواد الفولاذية<br />

البلاستيك المطاط والمواد<br />

المعدنية غير الفولاذية<br />

النسيج والملابس<br />

والجلود والأحذية<br />

صناعات أخرى ‏(تصليح<br />

وتركيب ومواد معملية<br />

مختلف،‏ خشب وورق وطباعة<br />

والتحويل الثقيل والتكرير)‏<br />

ال شيء من كل ذلك يشبه العودة<br />

إلى ماض صناعي أسطوري وملوث.‏<br />

الصناعة البديلة التي يمكن أن تجنبنا<br />

األسوأ،‏ تتطلب الكثير من التجديد،‏<br />

ولكنه تجديد متمايز عن ذاك المرتبط<br />

بالتكنولوجيات الرفيعة،‏ رغم أن<br />

بعض التكنولوجيات الموجودة أو التي<br />

يتوجب تطويرها،‏ يمكن أن تسهم في<br />

ذلك،‏ ال سيما في ما يتصل بجانب<br />

النجاعة في استخدام الطاقة والمواد.‏<br />

مع ذلك،‏ يظل سؤاالن قائمان:‏<br />

أي وزن اقتصادي ستحوزه الصناعة<br />

وفق هذا التصور؟ وكيف سيتفاعل<br />

المجتمع في مجمله مع هذه البساطة<br />

ليس هناك مجال للشك في أن<br />

وزن القطاع الصناعي في التشغيل<br />

سيشهد تراجعا عاما،‏ رغم أن بعض<br />

مجاالته ستعرف،‏ على العكس من<br />

ذلك،‏ توسعا كبيرا.‏ لكنه سيبين أن هذه<br />

التطورات ستكون أقل دراماتيكية من<br />

تلك التي نعيشها منذ عدة عقود.‏ من<br />

ناحية،‏ سينأى النشاط الصناعي عن<br />

الصيغ اإلنتاجوية،‏ المحطمة لمواطن<br />

الشغل في الصناعة كما في غيرها من<br />

القطاعات.‏ من ناحية أخرى،‏ من شأن<br />

إعادة النظر الضرورية في التبادل<br />

الحر العالمي لفائدة إعادة توطين<br />

جزئية للمؤسسات،‏ وضع حد لتناقص<br />

مواطن الشغل.‏<br />

لألثرياء<br />

ومن أجل التفكير في المجاالت<br />

الواعدة تشغيليا خالل المرحلة<br />

االنتقالية،‏ يمكننا أن نستند إلى سيناريو<br />

‏»نيغا واط ،»Néga watt 2017 مع<br />

اعتماد نموذج مرجعي يتمثل في قطاع<br />

الطاقات المتجددة الذي سيوفر في أفق<br />

330 2030 ألف موطن شغل إضافي.‏<br />

هناك مصدر وهو منصة ‏»مواطن<br />

الشغل المناخية«)‏‎12‎‏(،‏ وهو ائتالف<br />

16 من كبريات الجمعيات والنقابات<br />

13,7<br />

11,3<br />

11,6 11,9<br />

8,4<br />

16,4<br />

14,3<br />

11,6<br />

8,3 7,3 8,8 8,2<br />

2,1 1,1<br />

19,0<br />

11,0<br />

9,5<br />

4,1<br />

15,4 17,6<br />

.1<br />

منتجات اعلامية وإلكترونية وبصرية ومعدات كهربائية وآلات ومعدات<br />

المصدر:‏ ‏«أهم أرقام الصناعة المعملية»‏ الإدارة العامة للمؤسسات<br />

بوزارة الاقتصاد والمالية <strong>2019</strong>


11 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

على ‏»البورجوازية الوطنية«‏<br />

الجنوب التي انتهجت سياسة تنموية لم تكن تتوفّر فيها القدرة<br />

المؤسساتية الضرورية لتطبيق سياستها االقتصاديّة.‏ من هنا،‏<br />

تولّد السؤال اآلخر:‏ إذا كانت سياسة االقتصاد الموجّ‏ ه تتطلب<br />

قدرا معيّنا من إرساء دعائم الدولة،‏ لماذا لم تبْن النخب السياسية<br />

المؤسّ‏ سات المالئمة؟ ربما بسبب معارضة ‏»شريكها«‏ الرئيسي:‏<br />

‏»البورجوازيّة الوطنيّة«.‏<br />

التأكد من أن المال العام<br />

استخدم للغايات المرجوة<br />

ينبغي هنا أن يُفهَم التعبير بالمعنى الذي قصده منه واضعوه<br />

وهم ماركسيو العالمية األولى وخاصة العالمية الثالثة.‏ هو تعبير<br />

يقصد به الرأسماليون المحليون الذين يراهنون على السوق الوطنية<br />

ويسعوْ‏ ن إلى التحرّ‏ ر من قبضة السلطة المركزيّة،‏ و يتحالفون مع<br />

الدولة باسم التصنيع.‏ في ضوء هذا التعريف،‏ يبدو أن فرضيّة<br />

معارضة الرأسماليين الوطنيين لتقوية الدولة أمر فيه مفارقة ألنّ‏<br />

مثل هذا النهج يعرقل ازدهارهم الشخصي.‏ فعال،‏ لم يكن منظروا<br />

الخمسينات يتوقّعون هذا األمر:‏ األدبيات النظريّة لذلك العهد<br />

ترفض هذا االحتمال.‏<br />

ينسب أنصار التقليد الماركسي هذا الدور السلبي إلى طائفة<br />

أخرى من البورجوازية وهي الكمبرادوريّة.‏ هؤالء الرأسماليون<br />

المحليون الذين كانوا في الغالب يقيمون عالقات متينة مع المدن<br />

الكبرى عبر أنشطة تجارة أو مضاربة سواء كانت مرتبطة أو غير<br />

مرتبطة بتصدير المنتوجات الفالحية،‏ كان يشكّ‏ في انخراطهم في<br />

عملية التنمية الوطنية.‏ صحيح أن الصناعيين الوطنيين لم يكونوا<br />

يُعتبرون شركاء في المسائل االجتماعية،‏ ولكن كان يُتصوّر أنّه<br />

يمكن التعويل عليهم في السعي إلى إنشاء نموذج بورجوازي<br />

للتنمية.‏ كانوا يُعتبرون ال غنى عنهم لتحقيقه.‏<br />

بعد الحرب العالمية الثانية،‏ كانت النخب السياسية في كل من<br />

أمريكا الجنوبية والهند وبعض مناطق الشرق األوسط تطمح إلى<br />

تصنيع اقتصاداتها بأسرع وقت ممكن.‏ لكنّ‏ عددا هامّا من التجارب<br />

السابقة قد أثبت أن الصناعيين إذا ما تُركُوا على هواهم يتردّدون<br />

في االستثمار في القطاعات التي ال تعد بالنموّ‏ إال على المدى<br />

الطويل.‏ ثم إن المنتجات التي تدرّ‏ أرباحا سريعة ومرتفعة تكون<br />

في أغلب األحيان ذات مردود اجتماعي ضعيف بل و حتى معدوم.‏<br />

من ثمّ،‏ سعت سياسة التخطيط الصناعي إلى دفع للمؤسسات إلى<br />

السير في اتّجاه يشجّ‏ ع على تحقيق هذين النوعين من اإلنتاجية في<br />

وقت واحد:‏ اإلنتاجية االقتصادية واالجتماعية،‏ سعى المخطّ‏ طون<br />

في الجملة إلى اتّباع طريقة مَرِ‏ نَة هدفها إقناع شركائهم:‏ تقديم<br />

المنح وإسناد قروض بفوائض ضعيفة ومنح امتيازات جبائيّة،‏ الخ.‏<br />

رغم ذلك،‏ احتفظت السياسة الصناعيّة بخيار اللجوء إلى إجراء<br />

قسري في حال المقاومة حتى تتاكد من استعمال المال العام فعليّا<br />

في خدمة األهداف المرجوّة.‏ باختصار،‏ يرى النظام باعتباره يقدم<br />

هذه المساعدة للصناعيين أن هؤالء ال يستطيعون إنفاقه في ما<br />

أرادوا و كيفما أرادوا.‏<br />

تشاركية المخاطرة،‏<br />

واستيالء خاص للربح<br />

أما الرأسماليون فلهم من جهتهم رأي مخالف.‏ إن التصنيع<br />

البديل لعمليات التوريد يحميهم من المنافسة الخارجيّة.‏ سرعان ما<br />

وجدت األسواق المحلية نفسَ‏ ها في قطاعات كثيرة رهينة احتكار<br />

حفنة من الصناعيين:‏ يتطلّب اتّباع اقتصاد الحجم االستثمار<br />

الواسع في وسائل اإلنتاج،‏ وهذا ما خدم مصلحة الصناعيين<br />

المبادرين،‏ وزاد هذا االمتياز فتعزّز بميزة أخرى يوفّرها<br />

التصنيع البديل عن التوريد تتمثّل في التّحديد المتعمّد،‏ عن<br />

طريق الوسائل اإلدارية،‏ لعدد المنتجين في قطاع معين ذلك أن<br />

الحجم الصغير للسّ‏ وق كان يبعث في نفوس المسيّرين الخوف من<br />

المنافسة المفرطة أو المدمّرة.‏<br />

من ناحيتهم رأى الرأسماليون األشياء بشكل مختلف.‏ بمجرّ‏ د<br />

تحصينهم ضدّ‏ المنافسة الخارجية يحصل الرأسماليون المحليون<br />

على شبه احتكار ألسواقهم الخاصة:‏ ومن ثمّ‏ لم يعودوا معنيين<br />

باالبتكار واالستثمار والتعصير.‏ في نظام إنتاج،‏ مثل هذا،‏ ال يوجد<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

أيّ‏ داع الستعمال المنح لتحسين الجهاز القائم بل من األفضل إطالق<br />

أنشطة أخرى في قطاعات أخرى قصد التمتع بامتياز الرّ‏ يادة.‏<br />

لذلك مثّلت سياسة التصنيع البديل عن التوريد بالنسبة إلى<br />

البورجوازية المحلية ريع فوائد لكن بشرط اقتصار هذه السياسة<br />

على توزيع المنح دون أن يكون للمسؤولين السياسيين إمكانية مراقبة<br />

صرفها.‏ لذلك،‏ كانوا ينظرون إلى المكوّن التأديبي للتصنيع البديل عن<br />

التوريد على أنه عائق ال يمكن القبول به.‏<br />

لم يكن الصراع بين البورجوازية الوطنية والمخطّ‏ طين<br />

االقتصاديين ظاهرا على الدّوام.‏ كان يحدث أن يطلب الصناعيون<br />

من الدولة رعاية التنمية.‏ لكن ما كانوا يؤمّلونه هو أن يُوضَ‏ ع المال<br />

العامّ‏ على ذمّتهم ال أن يتمّ‏ إدخال عنصر آخر من عناصر التخطيط<br />

االقتصادي.‏ باختصار،‏ تشريك المجتمع بأكمله في تحمّل المخاطر<br />

المحتملة دون أن يؤدّي ذلك إلى تهديد استئثارهم باألرباح.‏<br />

الصناعة والطبيعة<br />

المرتبطة بباحثين،‏ والتي نشرت<br />

في جانفي 2017 تقريرا بعنوان:‏<br />

‏»مليون موطن شغل من أجل<br />

المناخ«.‏ من بين فروع النشاط<br />

التي تشهد توسعا،‏ نجد االقتصاد<br />

في المواد،‏ وآليات النقل ذات<br />

الحركية الهادئة أو ذات االنبعاثات<br />

الضئيلة والصناعات المرتبطة<br />

بإعادة التهيئة الحرارية للمساكن<br />

والبناءات،‏ إلخ...‏<br />

إذا كان صحيحا أن التشغيل<br />

في مجمل القطاع الصناعي قد<br />

تراجع بنسبة %46 خالل الفترة<br />

المتراوحة بين ذروته التاريخية<br />

سنة 1974 و‎2016‎‏،‏ نجد بعض<br />

فروع النشاط الصناعي التي<br />

حققت أكثر من الصمود)‏‎13‎‏(.‏ تم<br />

تسجيل نسبة نمو أكبر)مضاعفة<br />

عدد العاملين وأكثر(‏ في مجاالت<br />

‏»إنتاج وتوزيع المياه،‏ والتطهير<br />

والتصرف في النفايات ونزع<br />

التلوث«.‏ يضم هذا النشاط مستقبال<br />

مواطن شغل أكبر عددا من تلك<br />

المسجلة في قطاع ‏»إنتاج وتوزيع<br />

الكهرباء والغاز والبخار والهواء<br />

المكيف«،‏ الذي ظل عدد المشتغلين<br />

فيه مستقرا.‏ إال أن هذين النشاطين<br />

الصناعيين أصبحا مطالبين<br />

بتحقيق نسق نمو متسارع في<br />

ظل توسع أنشطة الرسكلة ونزع<br />

التلوث ‏)التي يتعين أن نضيف<br />

إليها نشاط تفكيك القطاع النووي(‏<br />

وانتعاشة الطاقات المتجددة،‏ في<br />

اتجاه إرساء أنشطة تحقق القرب<br />

وتكون بمنأى عن سطوة الشركات<br />

متعددة الجنسيات،‏ التي تحيد بها<br />

عن غاياتها األصلية.‏<br />

هناك تغيرات عميقة ستطال<br />

أنماط العيش.‏ غير أن المطالبة<br />

بتوفير منتجات مبسطة ووظيفية<br />

في مواجهة النزعة االستهالكية،‏<br />

سيتبين أنه لن يكون كافيا إذا ما لم<br />

نحدد أية فئات اجتماعية ستكون<br />

مدعوة ألن تغير سلوكياتها بقدر<br />

أكبر باسم المصلحة العامة.‏ هذا<br />

األمر مرتبط أيضا وثيق االرتباط<br />

بالجهود المتصلة بحماية البيئة<br />

كما بالجباية:‏ سياسات عادلة<br />

أو غير منصفة.‏ عندما يتسبب<br />

كبار األغنياء في حجم انبعاثات<br />

غازية تفاقم االحتباس الحراري<br />

ثالثين أو أربعين ضعفا مقارنة<br />

بحجم االنبعاثات التي يتسبب<br />

فيها ال %10 من السكان األكثر<br />

فقرا،‏ في وقت تمثل فيه ضريبة<br />

الكاربون الحالية وطأة أقل<br />

بأربع مرات على مداخيل الفئة<br />

األولى،‏ أي األغنياء)‏‎14‎‏(،‏ فإن<br />

الحيف الصارخ ينجم عنه رفض<br />

واسع لإلجراءات المفروضة.‏<br />

يمثل الحد من مظاهر التفاوت<br />

جزءا من شروط القبول بالصيغ<br />

المبسطة والمعتدلة لالستهالك<br />

الطاقي والمادي.‏<br />

أما بالنسبة لدرجة مقبولية<br />

تغيير النشاط التشغيلي أو العمل،‏<br />

سيتمثل الرهان الحيوي في<br />

تأمين المسارات المهنية لألجراء<br />

الذين يواجهون مخاطر تتهدد<br />

موطن شغلهم الحالي،‏ سواء<br />

على مستوى حوض التشغيل<br />

أو على مستوى قريب من هذا<br />

الحوض.‏ مع هذا العنصر المكمل<br />

األساسي،‏ يمكن الحديث عن<br />

أن االنتهاء من اإلنتاجية ومن<br />

النزعة التكنولوجية الجامحة،‏<br />

يمثل،‏ في المحصلة،‏ أفقا مرغوبا<br />

فيه بقدر واسع.‏ سواء تعلق األمر<br />

بتحسين ظروف عملهم،‏ أو<br />

بتعزيز جدوى نشاطهم اإلنتاجي<br />

أو بتمكين المجتمع من أن يمسك<br />

مجددا بزمام مستقبله.‏<br />

www.emplois-climat.fr )12<br />

13( سالسل مطولة صادرة عن الممعهد الوطني<br />

الفرنسي لإلحصاءات حول التشغيل حسب فروع<br />

النشاط.‏<br />

14( قوموا،‏ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018،<br />

http://blogs.alternatives-economiques.fr


جويلية/أوت - تموز/آب 12 <strong>2019</strong><br />

نساء كمونة<br />

مناضالت<br />

مبيضات،‏ رابطات،‏ طباخات،‏ صحفيات...‏ أولئك الالتي يسمينهن منافسهن ب ‏»المشعالت للنار«‏ يشاركن<br />

بقوة في معارك الكومونة:‏ أولئك الذين يتحركون حاملين أسلحتهم ويناضلون من أجل بناء عالم أكثر مساواة<br />

وأكثر سعادة.‏ ممنوعات من حق التصويت لكن صوتهنّ‏ يعلو في نوادي األحياء للمطالبة بالمساواة في األجر<br />

وتأسيس المحاضن ملتزمات باإلعتراف باإلرتباط الحر.‏ انتهت الكومونة لكن األفكار والمثل مازالت قائمة.‏<br />

ميشال،‏ ‏»الثورة اندلعت.‏ اعتقل<br />

لوكونت في اللحظة التي كان يأمر<br />

فيها للمرة الثالثة بإطالق النار ليتم<br />

اقتياده لشارع لي روزيي حيث<br />

التحق به كليمون توماس،‏ الذي<br />

تم التعرف عليه حينما كان يدرس<br />

حواجز مونمارتر وهو يرتدي<br />

لباسا مدنيا.‏ وفقا لقوانين الحرب،‏<br />

من الواجب قتلهما )...( في مساء<br />

18 مارس/آذار،‏ تم اإلفراج عن<br />

الضباط الذين تم أسرهم مع<br />

لوكونت وكليمون توماس)‏‎3‎‏(«.‏<br />

ليس هناك نساء ضمن تركيبة<br />

المجلس البلدي.‏ إنهن تتظاهرن<br />

وتنظمن لجانهن الخاصة ‏)لجان<br />

الدوائر ولجان اليقظة(،‏ وتحررن<br />

الكلمات والبيانات،‏ كما تعملن في<br />

خدمات اإلسعاف..‏ لقد انخرطت<br />

هؤالء النسوة المكافحات من أجل<br />

العيش،‏ في كتائب المتطوعين<br />

للدفاع عن حصني إيسي وفانف،‏<br />

والتحقن في وقت الحق قريب،‏<br />

بالمشاركين في حراسة الحواجز<br />

خالل ‏»األسبوع الدامي«.‏<br />

إيلوا فاالت * valat Éloi<br />

يوم 26 مارس/آذار 1871،<br />

توجه 229167 ناخبا باريسيا إلى<br />

صناديق االقتراع من أجل اختيار<br />

المجلس البلدي ‏»لباريس المدينة<br />

الحرة«.‏ فازت أغلبية ثورية<br />

باالنتخابات.‏ ضم هذا المجلس<br />

اشتراكيين وبالنكيين وجمهوريين<br />

راديكاليين أو معتدلين،‏ أكثريتهم<br />

من العمال بالساعد،‏ إلى جانب عدد<br />

من األجراء والحرفيين األعراف<br />

والصحفيين وأصحاب المهن<br />

الحرة،‏ وغالبيتهم من الرجال<br />

الشباب.‏ أما النساء،‏ المحرومات<br />

من حق التصويت،‏ فقد كن غائبات.‏<br />

ليس هناك مواطنات كي يسهمن<br />

في التشريع ‏»للشأن االجتماعي«.‏<br />

رغم كونهن ناشطات وملتزمات.‏<br />

يقول جول فاالس:‏ ‏»إنه لمؤشر<br />

الفت بارز عندما تهتم النساء<br />

لألمر،‏ وعندما تدفع ربة المنزل<br />

زوجها،‏ وعندما تنتزع العلم<br />

األسود الذي يرفرف على القدر من<br />

أجل تركيزه بين حجرتي ترصيف،‏<br />

فذاك يعني أن الشمس ستبزغ على<br />

* فنان تشكيلي ورسام،‏ كتب عديد المؤلفات حول<br />

الكومونة من بينها:‏ ‏»دفن جول فاليس،‏ نشر ‏»بلو<br />

أوتور«‏ ( autour (، Bleu سان بورسان سور سيول،‏<br />

. 2010<br />

مدينة ثائرة)‏‎1‎‏(«.‏<br />

قبل ذاك التاريخ بعشرة<br />

أيام،‏ وفي الليلة الفاصلة بين<br />

17 و‎18‎ مارس/آذار 1871،<br />

أمر أدولف تير،‏ رئيس السلطة<br />

التنفيذية بالجمهورية الفرنسية،‏<br />

بنزع بنادق الحرس الوطني من<br />

ثكنات المدفعية في كل من بوت<br />

شومون وباتينيول ومونمارتر...‏<br />

إنه الحذر الحكومي.‏ لكن هذه<br />

البنادق دفع ثمنها الباريسيون.‏<br />

رفض الحرس االستجابة لألمر.‏<br />

في الساعة 5 و‎30‎ دقيقة،‏ انتشرت<br />

فرق الحرس الوطني في شوارع<br />

باريس.‏ وتوالت إثر ذلك البرقيات<br />

العسكرية.‏ ‏»وفي حدود الساعة<br />

10 و‎20‎ دقيقة،‏ سجلت حالة<br />

غليان كبيرة بالدائرة 12. لقد قام<br />

أعوان حرس وطني بقطع شارع<br />

الروكات بواسطة حاجزين،‏ في<br />

حين نزل آخرون باتجاه منطقة<br />

الباستيل.‏ في الساعة 10 والنصف،‏<br />

أتى خبر جد سيء من مونمارتر.‏<br />

فرق الحرس رفضت التدخل.‏ كما<br />

سيطر المتمردون على منطقة بوت<br />

ومحالت اعتقال السجناء)‏‎2‎‏(«.‏<br />

زرعت هذه األحداث الرعب في<br />

األحياء الشعبية،‏ من حي بالفيل<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

إلى حي أونفار ‏)ساحة دنفار<br />

روشيرو(.‏ في مونمارتر،‏ واجه<br />

النساء واألطفال أفراد الفرقة 88<br />

مشاة.‏ لقد أمسكت ربات بيوت<br />

بنواصي الخيول وقطعن حبال<br />

األلجمة،‏ لترتفع األصوات مرددة:‏<br />

‏»ال تطلقوا النار على الشعب«‏<br />

و»يحيا سالح المشاة«.‏<br />

هيمنت أجواء من التآخي<br />

والتآلف بين أفراد الفرق 88<br />

والجماهير.‏ سارعت لويز ميشال،‏<br />

وهي تحمل بندقيتها الصغيرة تحت<br />

معطفها لتقول:‏ ‏»لنسارع بالصعود،‏<br />

رغم علمنا بأنه هنالك في األعلى،‏<br />

جيش مستعد للمعركة،‏ إننا ال نخاف<br />

الموت من أجل الحرية.‏ نحن بمثابة<br />

من انتزعوهم من تحت األرض.‏<br />

نحن موتى.‏ باريس ستنهض.‏ كانت<br />

الجموع في بعض األحيان مقدمة<br />

المحيط البشري ومنطقة البوت<br />

يلفها الضوء األبيض،‏ إنه فجر<br />

خالص رائع )...( ليس الموت ما<br />

ينتظرنا في البوت )..( وإنما مفاجأة<br />

انتصار شعبي«.‏ تم قتل الجنرالين<br />

كلود مارتن لوكونت وجاك ليونارد<br />

توماس،‏ األسيرين لدى الجنود<br />

المتمردين،‏ رميا بالرصاص في<br />

شارع لي روزيي.‏ بالنسبة للويز<br />

ينزع غاستون دا كوستل،‏<br />

الذي كان وقتها من مناصري<br />

المتمردين،‏ في مذكراته إلى الفرز<br />

بين ما هو حقيقي وما هو من قبيل<br />

التلفيق،‏ إذ يقول:‏ ‏»إلى حد اللحظة<br />

التي بدأت فيها الفرقة في التراجع،‏<br />

كانت النساء هن المهيمنات.‏ في<br />

شارع لي روزيي،‏ وعند حصول<br />

عملية القتل،‏ اندثرت غالبيتهن«.‏<br />

لكن نصير الكومونة لم يتراجع<br />

إزاء إثارة صور كثيرة التداول<br />

من قبل منافسي الكومونة:‏ ‏»بعد<br />

الزوجات واألمهات،‏ التحق بتلك<br />

الجموع الغفيرة المكونة من كل<br />

األوساط،‏ التي قادت سجناء<br />

القصر األحمر باتجاه حواجز<br />

األكوام الترابية،‏ الكتائب المرعبة<br />

للفتيات الخاضعات والمتمردات<br />

)...( الالئي خرجن من النزل<br />

والمقاهي وبيوت الدعارة )...(<br />

إنهن حثالة الدعارة الالئي اقتحمن<br />

لألسف صفوف االندفاعة الثورية<br />

مرفوقات برهط من سقط متاع<br />

المجتمع وبفيلق القوادين،‏ لتحتسين<br />

الخمر حتى الثمالة في كل الحانات،‏<br />

وتغنين فرحا بهزيمة الجنود )...(<br />

كما التحقت بهن بعض النسوة<br />

اليائسات جراء الفقر والخصاصة،‏<br />

والالئي كن يقطعن في زاوية<br />

شارع هودون لحم حصان ضابط<br />

قتل قبل لحظات.‏ لقد انتشرن كلهن<br />

في مونمارتر،‏ وهن يترنحن سكرا<br />

وينشرن جنونهن الحاقد،‏ ليمثلن<br />

دورية مرافقة بغيضة منكرة<br />

للتعيس لوكونت وضباطه لدى<br />

صعودهم تالل منطقة بوت)‏‎4‎‏(«.‏<br />

وبعد عشرة أيام وتحديدا يوم<br />

28 مارس/آذار،‏ وفي ساحة قصر<br />

البلدية،‏ تم إعالن الكومونة ‏»باسم<br />

الشعب«.‏ لقد كان االحتفال كبيرا<br />

ضخما.‏ أطلقت ضربات المدفعية<br />

احتفاء بالحدث،‏ أما زر اإلنذار<br />

فقد لفه الصمت.‏ كتبت فيكتورين<br />

بروشي:‏ ‏»هذه المرة أصبحت<br />

لدينا الكومونة )...( فبعد كثير من<br />

الهزائم والمعاناة والحزن،‏ تحقق<br />

االنفراج والجميع تغمرهم سعادة<br />

)...( وعلى رأس فرق القتال في<br />

حال استراحة،‏ كان هناك جمع من<br />

عامالت التموين تتكئن على أسلحة<br />

رشاشة )...( عندها،‏ أعلن أحد<br />

أعضاء الكومونة أسماء المنتخبين<br />

من الشعب،‏ لتتلو ذلك صرخة<br />

جماعية:‏ تحيا الكومونة«)‏‎5‎‏(.‏<br />

ويوم 11 أفريل/نيسان،‏<br />

نُشِر في الجريدة الرسمية<br />

‏)للكومونة(‏ نداء ‏»مجموعة<br />

مواطنات«:‏ ‏»باريس محاصرة،‏<br />

باريس تتعرض للقصف )...( هل<br />

هو األجنبي الذي عاد لغزو فرنسا<br />

؟ ال،‏ هؤالء األعداء،‏ قتلة الشعب<br />

والحرية هم فرنسيون.‏ لقد شهدوا<br />

انتفاضة الشعب وهو يردد:‏ ‏»ال<br />

واجبات دون حقوق،‏ وال حقوق<br />

دون واجبات نحن نريد العمل،‏<br />

ولكن من أجل أن نحتفظ بثمرته...‏<br />

ال مكان بعد اليوم للمستغلين أو<br />

األسياد.‏ العمل والرفاه للجميع،‏<br />

حكم الشعب بواسطة الشعب...‏<br />

الكومونة..‏ هي أن نعيش أحرارا<br />

ونحن نعمل أو أن نموت ونحن<br />

نكافح«.‏<br />

يوم 12 أفريل/نيسان وجاء<br />

في صيحة الشعب:‏ ‏»لتبادر إذن<br />

الكومونة وفوريا بفتح ثالث<br />

سجالت للنساء تحت عناوين:‏<br />

النشاط المسلح،‏ أعمال نجدة<br />

وإسعاف الجرحى،‏ األفران<br />

المتنقلة.‏ أقبلت النساء بكثافة على<br />

التسجيل،‏ وهن سعيدات باالستفادة<br />

من الحمى المقدسة التي تلهب<br />

القلوب«.‏<br />

ويوم 14 أفريل/نيسان وعلى<br />

صفحات الجريدة الرسمية،‏ أكد<br />

اتحاد النساء من أجل الدفاع عن<br />

باريس وعالج الجرحى على ما<br />

يلي:‏ ‏»من واجب الجميع ومن<br />

حقهم الكفاح من أجل قضية الشعب<br />

الكبرى،‏ من أجل الثورة )...( تمثل<br />

الكومونة المبدأ الكبير الذي يعلن<br />

القضاء التام على كل امتياز وكل<br />

1( جول فاالس،‏ ‏»المتمرد:‏ ضمن سلسلة ‏»أوفر«‏<br />

،)Oeuvres( نشر دار غاليمار،‏ مجموعة ‏»مكتبة<br />

بلياد«‏ ،Pléiade باريس،‏ 1990.<br />

2( برقيات الجنرالين جوزيف فينوا ولوي<br />

ارنست فاالنتين إلى أدولف تيار،‏ في كتاب مارك<br />

أندري فابر،‏ ‏»حياة الكومونة وموتها«،‏ مكتبة<br />

هاشيت،‏ باريس،‏ 1939.<br />

3( هلويز ميشال،‏ ‏»الكومونة«،‏ ستوك،‏ باريس،‏<br />

.1898<br />

4( غاستون دا كوستا،‏ ‏»الكومونة كما عاشت«،‏<br />

دار كانتان القديمة،‏ باريس،‏ 1903.<br />

5( فيكتورين ب.‏ ‏)بروشي(،‏ ‏»مذكرات ميتة<br />

حية«،‏ مكتبة البي ،)Lapie( لورزان،‏ 1909.


13 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

باريس<br />

في تمرد<br />

حيف،‏ وهي بذلك ملتزمة بأن تأخذ<br />

بعين االعتبار المطالب العادلة<br />

لكافة السكان،‏ دون ميز على أساس<br />

الجنس،‏ وهو ميز تم خلقه واإلبقاء<br />

عليه تمشيا مع مبدأ التناقض<br />

الذي ترتكز عليه المزايا المكفولة<br />

للطبقات الحاكمة«.‏<br />

وفي النوادي التي تم فتحها<br />

في الكنائس،‏ وبعضها نواد نسائية<br />

صرفة،‏ كان التعبير حرّ‏ ا بالكامل.‏<br />

كل شيء أضحى من الممكن جعله<br />

محور مواعظ أو نقاشات:‏ الدفاع<br />

عن الثورة وتعليم الفتيات وتساوي<br />

األجور والقوانين االجتماعية<br />

واالرتباط الحر وجبن الرجال<br />

وإنهاء االستغالل في العمل...‏ يوم<br />

3 ماي/أيار،‏ ولدى افتتاح نادي<br />

الثورة االجتماعية في كنيسة سان<br />

ميشال بباتينيول:‏ ‏»كنا نحس عند<br />

انطالقنا للقتال من أجل الكومونة<br />

بأن الرجال قد تركوا في منازلهم<br />

بذورا متينة من األفكار الثورية«.‏<br />

كنا نفارق بعضنا البعض على<br />

صدى ‏»أغنية الوداع«‏ ونشيد<br />

‏»المارساياز«،‏ مع جدول أعمال<br />

للحصة المقبلة موضوعه:‏ ‏»المرأة<br />

في منظار الكنيسة وفي منظار<br />

الثورة«)‏‎6‎‏(.‏<br />

انتقد بول دي فونتوليو،‏ بقلمه<br />

الالذع المغموس في إبريق حبر<br />

من قصر فارساي،‏ ما قال إنه<br />

شاهده وسمعه:‏ ‏»في نادي إيلو،‏<br />

كان من بين من ألقوا الخطب،‏<br />

ومعذرة عن وطأة الكلمة،‏ المواطنة<br />

فاالنتين،‏ وهي بائعة هوى كانت<br />

أحرقت رأس قوادها يوم 22 ماي/‏<br />

أيار ألنه لم يكن يريد الذهاب<br />

إلى مواقع حواجز الجنود.‏ كما<br />

تحدثت المواطنة مورال التي<br />

سبق أن حوكمت بالسجن خمس<br />

مرات:‏ ‏“أطالب،‏ من أجل اإلنتهاء<br />

من كل هذا بأن يتم إلقاء كل<br />

المتدينات في نهر السين،‏ هناك<br />

الكثير منهن يعطين السم ألعضاء<br />

الكتائب المتحدة”.‏ في كنيسة<br />

سان لومبار بفوجيرار،‏ هناك<br />

نادي النساء الوطنيات ‏)ترأست<br />

اجتماع فوجيرار نمساوية اسمها<br />

رايدنهراث(...،‏ وهي من المثقفات<br />

الثوريات وتمت إدانتها في فيينا<br />

بتهمة اإلخالل بمقتضيات األخالق،‏<br />

وهذا أمر تتبجح به وكأنه عنوان<br />

فخر.‏ )...( في نادي الخالص<br />

)...( ليس هناك من أحد سوى<br />

النسوة.‏ يتمثل جدول األعمال في:‏<br />

‏)وسائل تجديد المجتمع(.‏ تحدثت<br />

امرأة ثالثينية قائلة:‏ ‏“الجرح<br />

االجتماعي،‏ الذي يتعين قبل كل<br />

شيء غلقه،‏ هو جرح األعراف<br />

الذين يستغلون العامل ويغتنون<br />

على حساب عرقه.‏ ال مجال بعد<br />

اليوم ألعراف ينظرون إلى العامل<br />

كأداة إنتاج.‏ ليوحد العمال صفوفهم،‏<br />

وليضافروا جهودهم،‏ وعندها<br />

ستتحقق سعادتهم.‏ هناك علة أخرى<br />

يعاني منها المجتمع الراهن،‏ وهي<br />

أن األغنياء لوحدهم هم من يشربون<br />

أفضل الشراب وتتوفر لهم أفضل<br />

سبل الترفيه،‏ دون أن تواجههم أي<br />

صعوبات.‏ يتعين أن نضع حدا لهذه<br />

الوضعية التي يتمتع هؤالء وكذلك<br />

الكهنة والراهبات.‏ نحن لن نكون<br />

سعداء إال عندما ال يكون لدينا ال<br />

أعراف وال أغنياء وال كهنة”.‏ في<br />

نادي سان سولبيس،‏ )...( رددت<br />

فتاة اسمها غابريال،‏ وهي بنت<br />

امرأة خاضعة،‏ بقولها:‏ ‏“الكهنة...‏<br />

يجب إعدامهم بالرصاص،‏ هم من<br />

يحولون دون أن نعيش كما نريد.‏<br />

النساء يقعن في الخطأ عندما يذهبن<br />

إلى جلسات االعتراف بالكنيسة،‏<br />

وأنا أدرك جيدا،‏ وعن تجربة،‏ ما<br />

أعنيه بحديثي.‏ عليه،‏ أدعو بقوة كل<br />

النساء إلى االنقضاض على كل<br />

الكهنة وإحراق وجوههم.‏ عندما<br />

ينتهي هؤالء من الوجود،‏ سنكون<br />

سعيدات”‏ )...( أما لويز ميشال،‏<br />

وهي المرأة التي كانت أكثرهن<br />

حماسة وأكثرهن عنفا،‏ فقد صرخت<br />

في جلسة يوم 17 قائلة ‏»لقد أدركنا<br />

اليوم الكبير،‏ اليوم الحاسم من أجل<br />

تحرر البروليتاريا أو بقائها في<br />

أغالل العبودية..‏ أيها المواطنون،‏<br />

بفضل شجاعتكم وبفضل طاقات<br />

وحماسة المواطنات،‏ يمكننا أن<br />

نجعل باريس لنا،‏ نعم أقسم بذلك،‏<br />

باريس ستكون لنا،‏ أو لن تكون<br />

هناك باريس.‏ لقد أضحى األمر<br />

بالنسبة للشعب مسألة حياة أو<br />

موت«)‏‎7‎‏(.‏<br />

ويوم 21 ماي/أيار 1871<br />

ومع دخول متساكني فارساي إلى<br />

باريس،‏ بدأ ‏»األسبوع الدامي«،‏<br />

الذي وصفته فيكتورين بروشي،‏<br />

كما يلي ‏»تلك الليالي المأساوية التي<br />

هزتها أصوات الفرقعة الصاخبة«.‏<br />

وتضيف:‏ ‏»السبت 27. استهدفنا<br />

تبادل مكثف إلطالق النار،‏ ما<br />

أحدث حالة من الفزع والهلع،‏<br />

إذ كانت الجموع تهرع باتجاهنا<br />

وهي تصرخ:‏ لقد تم احتالل بالفيل<br />

جزئيا،‏ تم إخالء قصر البلدية،‏<br />

هناك قتلى وجرحى يمألون<br />

الشوارع.‏ كانوا يطلقون علينا النار<br />

من كل جانب.‏ كتائب الثوريين<br />

المتحدين والمتطوعين يقاتلون<br />

مثل األسود.‏ رايتنا في المقدمة،‏<br />

وسنجمع صفوفنا من أجل المعركة<br />

الحاسمة.‏ كان هنالك بقايا حطام<br />

خلفتها كل الكتائب )...( ويوم 28<br />

في حدود منتصف النهار،‏ انطلقت<br />

آخر رصاصات كتائب الثوار<br />

المتحدين من أعلى شارع باريس.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

كانت القاعة شديدة االكتظاظ تطلق<br />

تنهيدة الوداع كمدا على الكومونة<br />

اآلفلة.‏ لقد انتهى الحلم،‏ وبدأت<br />

عمليات المطاردة والقمع إنه زمن<br />

اإلعتقاالت والمجازر)‏‎8‎‏(«.‏<br />

تخلص لويز ميشال إلى<br />

القول:‏ ‏»سأذهب مع الكتيبة 61 إلى<br />

مقبرة مونمارتر،‏ حيث سنتموقع<br />

)...( لقد أسدل الليل ستاره..‏ كنا<br />

قليلي العدد..‏ لكننا عاقدين العزم.‏<br />

كانت القنابل تسقط قريبا علينا<br />

بين وقت وآخر،‏ وكأننا بحضرة<br />

دقات ساعة...‏ ساعة الموت.‏ في<br />

هذه الليلة الصافية العابقة بعطر<br />

الزهور،‏ كانت واجهات المرمر<br />

تبدو وكأنها تنبض بالحياة )...(<br />

لقد مرت بالمكان قبل ذلك قوافل<br />

نساء وهن يحملن العلم األحمر<br />

في المقدمة.‏ كن يشكلن الحاجز<br />

المقام في الساحة البيضاء.‏<br />

كانت هناك إيليزابيث دميترياف<br />

والسيدة لو مال،‏ ومالفينا بوالن،‏<br />

وبالنش لوفافر،‏ أوكسكوفون.‏ أما<br />

أندري ليو ‏)وهو االسم المستعار<br />

للصحفية فيكتوار ليودين بيرا(‏<br />

فقد كانت موجودة على مستوى<br />

حاجز منطقة باتينيول.‏ خالل شهر<br />

ماي/أيار،‏ كافح أكثر من عشرة<br />

آالف امرأة،‏ فرادى وجماعات،‏<br />

من أجل الحرية )...( لقد ترددت<br />

أساطير مجنونة عجيبة حول نساء<br />

مشعالت للنار،‏ لم يكن هناك من<br />

مشعالت للنار..‏ إنهن نساء كافحن<br />

كلبؤات..‏ لكن ليس هناك سواي<br />

من صرخ محذرا من النار!‏ النار<br />

أمام هؤالء الوحوش!‏ ال أتحدث<br />

عن المقاتالت،‏ وإنما عن ربات<br />

البيوت،‏ الالئي كن يعتقدن أنهن<br />

محميات داخل أحيائهن بالتلويح<br />

ببعض أواني الطبخ التي كن<br />

ولدت 29 ماي/أيار<br />

1830 وتوفيت في<br />

9 جانفي/كانون الثاني<br />

1905، وهي مدرسة<br />

وناشطة فرنسية<br />

ميشال لويز<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

يحملنها للبرهنة على أنهن يبحثن<br />

فقط عن الطعام ألبنائهن الصغار<br />

‏)علبة حليب،‏ مثال(،‏ ولكنه كان<br />

ينظر إليهن على أنهن من مشعلي<br />

النار وأنهن يحملن بنزينا،‏ ويتم<br />

وضعهن وظهورهن على الحائط<br />

لقد غمرت فارساي باريس بكفن<br />

مغمس بلون الدم األحمر.‏ هناك<br />

زاوية وحيدة لم تسدل لحافها على<br />

الجثة.‏ كان يجري في الثكنات<br />

تركيب الرشاشات في قوالبها.‏<br />

وكان يتم قتل الناس وكأن األمر<br />

عملية صيد،‏ إنها مجزرة بشرية.‏ أما<br />

أولئك الذين أصيبوا إصابات بالغة،‏<br />

ويجرون متكئين على الجدران،‏<br />

يتم قتلهم على مهل.‏ )...( وألن<br />

روائح المجازر قد اجتذبتها،‏ وفي<br />

مسار يتابع سير الجيش النظامي،‏<br />

شهدنا،‏ عند انتهاء الكومونة،‏ وقبل<br />

ذباب المقابر الجماعية،‏ بروز تلك<br />

الغيالن،‏ التي يعود وجودها إلى<br />

ماض سحيق،‏ وقد أصابها الجنون<br />

والكلب وأعمتها نشوة الدم.‏ كانوا<br />

يرتدون مالبس أنيقة،‏ ويجوبون<br />

أنحاء ساحات المجازر يتفحصون<br />

الجثث المتناثرة ليشبعوا نظرهم من<br />

مشهد الموتى.‏ بعض هذه الغيالن<br />

حام الشك في كونها من حاملي<br />

وقود إشعال النار،‏ فتم إطالق النار<br />

عليها فورا،‏ كما اآلخرين)‏‎9‎‏(«.‏<br />

6( الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية في ظل<br />

كمون باريس،‏ ‏»الجزء غير الرسمي«،‏ 5 ماي/‏<br />

أيار 1871.<br />

7( بول دي فونتوليو،‏ ‏»كنائس باريس في ظل<br />

الكومونة«،‏ أ.‏ دانتو،‏ باريس،‏ 1873.<br />

8( فيكتورين ب.‏ ‏)بروشي(،‏ ‏»مذكرات ميتة<br />

حية«،‏ مصدر سابق.‏<br />

9( لويز ميشال،‏ ‏»الكومونة«،‏ مصدر سابق.‏


جويلية/أوت - تموز/آب 14 <strong>2019</strong><br />

مآزق الخيار<br />

الساحل،‏ العسكريون<br />

رغم االنتشار العسكري الكبير ‏)العملية الفرنسية برفان وبعثة األمم المتحدة إلخ(،‏ تتضاعف<br />

المجازر ضد المدنيين في مالي وفي المنطقة.‏ السبب غير المعروف لهذا المأزق:‏ أصبح الساحل حكرا<br />

للعسكريين الذين يفرضون على وزارة الخارجية الفرنسية رؤية أمنية ضيقة للغاية لضمان النجاعة.‏<br />

عندما قام سالح الطيران الفرنسي في<br />

فيفري/شباط الماضي بقصف قافلة من الدبابات<br />

التابعة التحاد قوى المقاومة«،‏ وهي حركة تشادية<br />

معارضة مسلحة،‏ لم يتردد المعلقون في التذكير<br />

بالتاريخ الطويل لتدخالت المستعمر السابق في<br />

شؤون تشاد)‏‎1‎‏(.‏ هذه العملية،‏ التي قد يكون قتل<br />

خاللها عدد كبير من أعضاء اتحاد قوى المقاومة،‏<br />

تتسم بسمة فريدة على مستوى نقطة واحدة:‏ ألول<br />

مرة منذ أمد بعيد،‏ تتحمل باريس كامل مسؤولياتها<br />

في استخدام القوة في نطاق قضية سياسية داخلية،‏<br />

ما وضع حليفها في موقف محرج،‏ رغم أن<br />

هذا الحليف هو إدريس ديبي إيتنو الرجل غير<br />

الديمقراطي كفاية)‏‎2‎‏(.‏<br />

فرنسا ‏»لم تعد تكتفي بخلق الظروف المالئمة<br />

النتصار يحققه الجيش التشادي...‏ إنها تقوم بنفسها<br />

بقصف المتمردين«.‏ حسب تأكيد المختصة في<br />

الشؤون السياسية،‏ ماريال ديبوس في استعادة<br />

للخطاب الدعائي للنظام الديكتاتوري التشادي،‏ الذي<br />

يرى أن المتمردين ليسوا سوى ‏»إرهابيين«،‏ ذهب<br />

وزير الشؤون الخارجية،‏ جان إيف لودريان،‏ إلى<br />

حد مقارنة هذا القصف بتدخل الطيران الفرنسي<br />

عند انطالق عملية سارفال في مالي.‏ يذكر أن تلك<br />

العملية قد أتاحت في جانفي/كانون الثاني 2013،<br />

وقف هجمة قافلة من الجهاديين كانوا يهددون<br />

باماكو.‏<br />

رئيس النيجر،‏ محمدو إيسوفو،‏ الذي انتخب<br />

سنة 2011 وتمت إعادة انتخابه سنة 2016، يبدو<br />

بدوره شخصا مدعوما بشكل كامل تماما مثل نظيره<br />

التشادي،‏ على الرغم من االنتهاكات العديدة لحرية<br />

التعبير في بالده.‏ أعطى إيسوفو الحرية الكاملة<br />

لتحرك الجيش الفرنسي،‏ الذي يملك قاعدة في نيامي<br />

تقلع منها الطائرات المسيرة رسميا،‏ من أجل مراقبة<br />

تحركات اإلرهابيين في منطقة الساحل)‏‎3‎‏(.‏ يوضح<br />

لنا ديبلوماسي فرنسي يعمل في المنطقة،‏ وطلب<br />

عدم اإلفصاح عن هويته:‏ ‏»ألن األمر مترسخ<br />

في ثقافتهم،‏ يعتقد العسكريون أن مواجهة الخطر<br />

اإلرهابي تتطلب وجود رجل قوي على رأس<br />

البالد.‏ إنهم ال يريدون أن يفهموا أن الدعم المقدم<br />

لمستبدين يمكن أيضا أن يدفع بعض األشخاص إلى<br />

االنضمام للمجموعات اإلرهابية،‏ أو أن يصبحوا،‏<br />

على األقل،‏ متعاطفين مع هذه المجموعات«.‏<br />

غير أن النفوذ السياسي والديبلوماسي لقيادة<br />

األركان الفرنسية ما فتئ يتعاظم مع تكثف انخراط<br />

باريس عسكريا في منطقة الساحل والصحراء<br />

منذ سنة 2013. يقول نفس الديبلوماسي بنبرة<br />

من المرارة:‏ ‏»أضحى الجانب األمني الجانب<br />

الراجح في منطقة الساحل اليوم.‏ تبعا لذلك،‏ أصبح<br />

العسكريون متحاورين مهمّين بالنسبة للمسؤولين<br />

السياسيين.‏ وتحاليلهم لها األولوية مقارنة بتحاليلنا«.‏<br />

في بعض بلدان الساحل،‏ أصبح الضباط<br />

الفرنسيون المخاطب األول بالنسبة لرؤساء الدول،‏<br />

قبل حتى السفراء.‏ عبرت إيفلين دوكور،‏ التي<br />

شغلت منصب سفيرة في نجامينا بين 2013 و‎2016‎<br />

ثم في باماكو بين 2016 و‎2018‎‏،‏ بكامل الصراحة<br />

عن ‏»تضايقها«‏ من هذه ‏»المنافسة«.‏<br />

بعد أن تم استدعاؤها سنة 2018 إلى<br />

باريس تم تعيينها في وظيفة المسؤول األعلى<br />

عن األراضي الجنوبية والقطبية الفرنسية،‏<br />

وهو منصب يعتبر بمثابة عملية تجميد لها.‏<br />

تروج في أروقة وزارة الخارجية إشاعات<br />

تقول بأن العسكريين هم من أطاحوا بها.‏<br />

تمثل هذه التجربة السلبية شاهدا على المنزلق<br />

الذي تردت فيه ديبلوماسية تم قصر دورها<br />

على مرافقة اختيارات العسكريين،‏ وفي<br />

بعض األحيان تأمين ‏»خدمة ما بعد البيع«:‏<br />

التعاون الميداني مع الميليشيات المسلحة،‏<br />

وحتى مع مجموعات متمردة ‏)بالخصوص<br />

في النيجر وفي مالي(،‏ والرفض القطعي<br />

للشروع في مفاوضات مع العدو،‏ إلخ.‏<br />

يعد مثل هذا التطور ثمرة توجهين<br />

رئيسيين وظرفيات مالئمة أسهمت في<br />

تسريع المسار منذ سنة 2013. يتمثل التوجه<br />

االول في إضعاف وزارة الشؤون الخارجية.‏<br />

‏»العسكريين ال يقومون سوى باحتالل<br />

الموقع الذي تركه الديبلوماسيون شاغرا«،‏<br />

ذاك ما يؤكده لوران بيغو،‏ المدير المساعد<br />

السابق المكلّف بإفريقيا الغربية بوزارة<br />

الشؤون الخارجية،‏ والذي تمت إقالته سنة<br />

2013 بعد خالف مع وزير الخارجية آنذاك<br />

لوران فابيوس.‏ في ظرف ثالثة عقود من<br />

الزمن،‏ خسرت الوزارة %53 من عدد<br />

إطاراتها وأعوانها،‏ جزء كبير منهم كانوا<br />

يعملون في القارة اإلفريقية.في العام 2017،<br />

قيّم تقرير برلماني النقص المسجل في<br />

عدد الديبلوماسسين الفرنسيين في منطقتي<br />

إفريقيا والمحيط الهندي،‏ بنسبة %40، وذلك<br />

خالل السنوات العشر األخيرة)‏‎4‎‏(.‏ لتفسير<br />

هذا االقتطاع الخصوصي في عدد العاملين،‏<br />

يؤكد الديبلوماسيون أن إفريقيا ال ينظر<br />

إليها على أنها وجهة ‏»نبيلة«‏ في وزارة<br />

الخارجية.‏ تؤكد الباحثتان آلين لوبوف<br />

وهيلين كينو سواريز:‏ ‏»على العكس من<br />

ذلك،‏ تعتبر إفريقيا عنوان تجربة وخبرة<br />

‏)وحتى عنوان فخر(‏ في مسار العسكريين«،‏<br />

وهو ما يفسر أن ‏»العسكريين واجهوا قطعا<br />

صعوبات أقل في االنتشار في هذا المجال<br />

وأحيانا في ‏“تعويض”‏ الديبلوماسيين«)‏‎5‎‏(.‏<br />

وبالتوازي مع تراجع نفوذ وزارة<br />

الخارجية،‏ يمكن مالحظة توجه ثان برز منذ<br />

حوالي ثالثين عاما:‏ العودة القوية للعسكريين<br />

على مستوى الحياة العامة وحتى على صعيد<br />

الخيارات السياسية والديبلوماسية،‏ وهو ما<br />

يطلق عليه غريغوري داهو تسمية ‏»ثأر<br />

الجنراالت«)‏‎6‎‏(.‏<br />

وفقا لهذا األستاذ المحاضر في جامعة<br />

باريس 1، الضباط،‏ الذين فرض عليهم<br />

الصمت بعد حرب الجزائر،‏ أضحوا أكثر<br />

فأكثر جرأة إزاء السياسيين.‏ ويشير إلى أنه<br />

منذ تسعينات القرن الماضي،‏ ‏»حفّز البعد<br />

التقني المتنامي للعمليات،‏ وبيروقراطية<br />

االجراءات)...(‏ عملية إعادة إدماج جزئية<br />

للضباط الجنراالت في قلب مسالك اتخاذ<br />

القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية«.‏<br />

كما أن خبراتهم المكتسبة أضحت عنصرا<br />

يفرض نفسه أكثر فأكثر.‏ يتابع غريغوري<br />

داهو مؤكدا أن المجال الترابي األبرز الذي<br />

حافظ الجيش على صالته معه،‏ هو إفريقيا،‏<br />

حيث تحتفظ فرنسا بحضور تقني وعسكري<br />

منذ استقالل البلدان اإلفريقية.‏ بحسب داهو،‏<br />

‏»أضحى محترفوا التدخالت في إفريقيا<br />

خزان الكفاءات المتاحة«.‏ العسكريون،‏<br />

الذين يناصرون اعتماد استراتيجية هجومية<br />

بدال من استراتيجية االنتظار التي كانت<br />

معتمدة طيلة فترة الحرب الباردة،‏ يتقنون<br />

جيدا الجوانب التكتيكية والمناورات.‏ هكذا،‏<br />

فإنهم انتفعوا من تمشي ‏»إعادة التوازن<br />

بين الردع واالستشراف«‏ المنتهج خالل<br />

السنوات العشرين األخيرة،‏ ال سيما صلب<br />

الحلف األطلسي،‏ وفي سياق العودة القوية<br />

للنظريات المناهضة لحركات التمرد التي<br />

يسوق لها اثنان من ‏»كبار أنصار نشر<br />

إحالل السالم االستعماري«،‏ الماريشال<br />

جوزيف غالييني والماريشال توماس بوغو،‏<br />

من أجل فرض وجهة نظرهما.‏<br />

ومن شأن تهميش الديبلوماسيين أن<br />

يفضي إلى ‏»تراجع على مستوى جودة<br />

التحاليل،‏ خاصة بسبب البعد عن الميدان،‏<br />

وأيضا بسبب أخطاء في مجال االنتدابات«،‏<br />

مثلما يثير ذلك بكل انشغال بيغو،‏ الذي يعتبر<br />

أن ‏»وزارة الخارجية لم تعد كما في السابق<br />

مصدر مقترحات.‏ أما العسكريون،‏ فإنهم<br />

يسيطرون على األرض،‏ وينتجون أفكارا<br />

بعدد أكبر من تلك التي ينتجها الديبلوماسيون.‏<br />

إنها أفكار عسكريين...«.‏ مساندة فرنسا<br />

العمياء للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كايتا،‏<br />

رغم عدم قدرته على إطالق مسار إصالح<br />

لجهاز الدولة،‏ يمكن أن تمثل عنصر إجابة<br />

يفسر بمسلكية التسامح والمجاملة إزاء<br />

الجيش الفرنسي ومنح هذا األخير كل<br />

الصالحيات على أراضي بالده)‏‎7‎‏(.‏<br />

كما يشهد نفوذ العسكريين تعاظما<br />

في قصر اإليليزي.‏ ينص الدستور على<br />

أن الرئيس هو قائد الجيوش.‏ فالرئيس هو<br />

بالخصوص من يعطي اإلذن بالمشاركة في<br />

عمليات خارجية)‏‎8‎‏(.‏ يقول تقرير برلماني:‏<br />

‏»تحتل قيادة األركان الخاصة برئيس<br />

الجمهورية أيضا فضاء متناميا باطراد،‏ كما<br />

أن الكثير من القرارات يتم اتخاذها من قبل<br />

فاعلين من خارج الفضاء الديبلوماسي«)‏‎9‎‏(.‏<br />

هكذا،‏ كان للجنرال بونوا بوغا،‏ الذي شغل<br />

منصب قائد األركان الخاص لدى الرئيسين<br />

نيكوال ساركوزي ‏)‏‎2007‎‎2012‎‏(‏ ثم فرنسوا<br />

هولند ‏)‏‎2012‎‎2017‎‏(،‏ قد اضطلع بدور<br />

بارز في إطالق عملية سارفال سنة 2013:<br />

لقد أقنع هولند بأن يأمر وبشكل عاجل<br />

بتدخل القوات الخاصة.‏ هذا الضابط،‏ الذي<br />

1( ماريال دوبوس،‏ ‏»ماذا يفعل الجيش الفرنسي في تشاد؟«،‏<br />

ليبيراسيون،‏ 8 فيفري/شباط <strong>2019</strong>.<br />

2( دالفين لوكوتر،‏ ‏»التشاد،‏ صديق ضروري لكنه مزعج«،‏<br />

مجلة ‏»مانيار دو فوار«،‏ العدد 165، ‏»فرنسا إفريقيا.‏ الهيمنة<br />

والتحرر«،‏ جوان/حزيران جويلية/تموز <strong>2019</strong>.<br />

3( ‏»المهاجرون في فخ أغاديز«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏ جوان/‏<br />

حزيران <strong>2019</strong>.<br />

4( الديسالس بونيا توفسكي وبرنارد كازو ‏»تدخل خارجي<br />

للدولة:‏ تدخل فرنسا في أوروبا وفي العالم.«‏ استشارة عدد<br />

110، لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في<br />

مجلس الشيوخ،‏ باريس،‏ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.<br />

5( آلين لوبوف،‏ هيالن كينو سواريز،‏ ‏»سياسة فرنسا<br />

اإلفريقية في ظل فرنسوا هولند«،‏ المعهد الفرنسي للعالقات<br />

الدولية ،)IFRI( باريس،‏ 2014.<br />

6( غريغوري داهو،‏ ‏»تآكل التابوهات الجزائرية،‏ تفسير آخر<br />

لتحوالت المنظمات العسكرية في فرنسا«،‏ المجلة الفرنسية<br />

لعلم السياسة،‏ باريس،‏ مجلد 64، العدد 1، فيفري/شباط 2014.<br />

7( ‏»في مالي:‏ الحرب لم تحل أية مشكلة«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏<br />

جويلية/تموز 8( 2018. فيليب اليماري،‏ ‏»من نجامينا إلى<br />

كابول،‏ عمليات سرية فرنسية«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏ مارس/‏<br />

آذار 2018.<br />

9( جان كلود غيبال وفيليب بومال،‏ ‏»االستقرار والتنمية في<br />

إفريقيا الفرنكوفونية«،‏ تقرير إخباري عدد 2746 المقدم من<br />

قبل لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية،‏ باريس،‏ 6 ماي/‏<br />

أيار 2015.<br />

ريمي كارايول * carayol Rémi<br />

* صحفي.‏<br />

ضباط تحرروا<br />

جميع الحقوق محفوظة


15 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

األمني<br />

يستبعدون وزارة الخارجية<br />

يطلق عليه أحيانا اسم ‏»رجل إفريقيا«،‏ أتى<br />

من قوات البحرية،‏ التي يرتبط تاريخها<br />

وثيق االرتباط بتاريخ االستعمار.‏ كما<br />

شكلت المشاركة الفاعلة للو دريان،‏ الذي<br />

كان وزيرا للدفاع آنذاك،‏ أمرا حاسما.‏ يذكر<br />

أحد الديبلوماسيين بمالبسات تلك الفترة<br />

ويقول:‏ ‏»في ذاك الوقت،‏ كان فابيوس يشغل<br />

منصب وزير الشؤون الخارجية،‏ لكنه لم<br />

يكن يهتم كثيرا بإفريقيا.‏ كما أن الرئيس<br />

لم يكن ينصت إليه.‏ على العكس من ذلك،‏<br />

كان لو دريان،‏ مقربا من هولند،‏ تحول إلى<br />

شخصية محورية بعد االنطالق المتتابع<br />

لكل من عملية سارفال في مالي،‏ ثم عملية<br />

سانغاري في إفريقيا الوسطى في ديسمبر/‏<br />

كانون األول 2013«.<br />

مع توالي األشهر،‏ أضحى لو دريان،‏<br />

الذي أصبح وزير خارجية ماكرون سنة<br />

2017، المخاطب الرئيسي لرؤساء الدول<br />

في ‏»منطقة النفوذ«‏ اإلفريقية.‏ أصبح<br />

ديوانه يملك نفوذا أعلى من نفوذ خلية<br />

إفريقيا في اإليليزي وأكثر من إدارة وزارة<br />

الخارجية.‏ نجح هذا الوزير،‏ الذي ال يبدي<br />

اهتماما كبيرا الحترام حقوق اإلنسان،‏ في<br />

نسج عالقات شخصية مع ديبي،‏ وأيضا<br />

مع رئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو،‏<br />

أو أيضا مع الرئيس المصري عبد الفتاح<br />

السيسي.‏ هل يمكننا أن نرى في ذلك مؤشر<br />

موافقة على النفوذ العسكري في الخيارات<br />

السياسية اإلفريقية؟ لقد خصص ماكرون<br />

زياراته األولى خارج التراب الوطني إلى<br />

جنود عملية ‏»باركان«‏ في قاعدة غاو في<br />

مالي يوم 19 ماي/أيار 2017، أي خمسة<br />

أيام فقط بعد تسلمه لمهامه.‏<br />

إزاء تنامي الحركات الجهادية،‏ أنتجت<br />

األولوية األمنية رؤية ثنائية وفقا لها األمر<br />

هو معركة بين ‏»الخير«‏ و»الشر«.‏ إال أن<br />

بعض الحركات المسلحة تظهر بشكل أقرب<br />

منه إلى المحلية تحركها مطالب اجتماعية<br />

واقتصادية أكثر من كونها ارهابية ‏»مجنونة<br />

باللّه«.‏ بمجرد كنس تلك الحقيقة،‏ ال<br />

يمكن البتة طرح المفاوضة معهم مثلما<br />

طرح مؤتمر التفاهم الوطني الذي نظمته<br />

السلطات المالية في أفريل/نيسان 2017.<br />

‏»نحن منخرطون في معركة دون ضبابية<br />

ضد أولئك الذين يقومون باإلرهاب.‏ لذلك،‏<br />

توجد وسيلة واحدة وال توجد وسيلتان«‏<br />

وفقا لتصريح وزير الخارجية آنذاك ، جون<br />

مارك أيرولت في مسعى لقبر المبادرة.‏<br />

منذ بضع سنوات،‏ تأثرت الوكالة<br />

الفرنسية للتنمية بتأثير الجيش.‏ لدى مساءلته<br />

من قبل النواب يوم 22 ماي/أيار الماضي،‏<br />

أكد المدير العام للوكالة،‏ ريمي ريو،‏ أنه<br />

‏»سعى منذ وصوله إلى إدارة وكالة التنمية<br />

الفرنسية إلى تعميق التشاور مع قيادة أركان<br />

الجيوش بشأن محور األمن والتنمية«.‏<br />

تجسد هذا التعاون من خالل تبادل أعوان<br />

االتصال:‏ إلحاق ضابط بوكالة التنمية مقابل<br />

تعيين موظف من الوكالة لدى مقر القيادة<br />

العامة لعملية باركان في نجامينا.‏ تضم<br />

اجتماعات شهرية ديبلوماسيين وفاعلين في<br />

مجالي التنمية والدفاع بمقر وزارة الشؤون<br />

الخارجية.‏ وحتى معاهد البحث تعمل على<br />

الجمع بين عالمي الجامعة والجيش.‏<br />

العسكريون،‏ من ناحيتهم،‏ يرحبون<br />

بهذا التعاون والتنسيق.‏ يقول داهو:‏ من<br />

وجهة نظر العسكريين،‏ يتيح التعاون المدني<br />

العسكري،‏ الذي يتعلق بمجمل األنشطة<br />

الرامية إلى تنسيق العالقات بين المنظمات<br />

العسكرية والفاعلين المدنيين على مستوى<br />

منطقة تدخل،‏ ‏»تيسير تقبل السكان المدنيين<br />

لحضور القوات العسكرية«.‏ بالنسبة إليهم،‏<br />

تحظى المصالح العسكرية باألولوية مقارنة<br />

بأي اعتبار آخر.‏ وهكذا،‏ فإنه يتم بشكل<br />

متزايد مطالبة وكالة التنمية الفرنسية<br />

بتمويل مشاريع في المناطق التي يتدخل فيها<br />

الجيش.‏ بالمقابل،‏ يعتبر الباحثين وأعوان<br />

السياسات التنموية،‏ وفق ما صرح به بكل<br />

جدية أحد إطارات وكالة التنمية،‏ أن ‏»األمر<br />

ليس على قدر من السهولة.‏ هذان الوسطان<br />

ال يملكان نفس الثقافة.‏ فأعوان التنمية يجب<br />

عليهم أن يفكروا في المدى الطويل،‏ في حين<br />

أن العسكريين يفكرون في المدى القصير«.‏<br />

حفر آبار أو بناء مستوصف أو سوق،‏<br />

وتوزيع أغذية:‏ تلك هي نوعية المشاريع التي<br />

يريدها العسكريون،‏ ألنها مشاريع مرئية<br />

من شأنها أن تمكن في أسرع وقت ممكن من<br />

‏»كسب قلوب وعقول«‏ متساكني المناطق<br />

التي يتدخلون فيها.‏ لكن ‏»المختصين في<br />

التنمية«‏ يرون أن هذه االستراتيجية التي يتم<br />

تنفيذها باستقاللية عن السلطات الوطنية،‏<br />

تمثل سالفاخو حدين:‏ يمكن أن تسهم في<br />

نزع الشرعية عن دولة تواجه بعد صعوبات<br />

تتهددها في هذه المناطق المعزولة،‏ ومن<br />

هناك،‏ مفاقمة شعور الريبة لدى السكان<br />

إزاء السلطة العمومية.‏<br />

تم ترتيب هذه الرؤية التي تسمى ثالثية<br />

األبعاد ‏)الديبلوماسية والدفاع والتنمية(،‏<br />

والتي ظلت مهملة ألمد طويل في فرنسا،‏<br />

في منزلة األولوية من قبل ماكرون.‏<br />

ويحرص أنصار هذه المقاربة المندمجة<br />

على التفريق بين مقاربتهم وبين المقاربة<br />

الشاملة التي تتوخاها الواليات المتحدة<br />

في العراق وأفغانستان،‏ والتي ترتكز على<br />

تأمين شروط التفاعل بين االستراتيجيات<br />

العسكرية واالقتصادية واالجتماعية<br />

والديبلوماسية،‏ خاصة عبر تركيز فرق<br />

مدنية عسكرية مكلفة بمساندة السلطات<br />

المحلية المعترف بها.‏ بحسب جان مارك<br />

شاتانيي،‏ المبعوث الخاص لفرنسا منطقة<br />

الساحل،‏ والذي ال يتوارى عن استخدام<br />

اللغة الخشبية،‏ ترمي المنهجية األمريكية<br />

بالدرجة األولى إلى تأمين القبول بالحضور<br />

العسكري،‏ في حين أن ‏»المقاربة المندمجة<br />

‏)على النمط الفرنسي(‏ ال ترسي أية تراتبية<br />

بين األهداف المنشودة وإنما تجسد البحث<br />

عن تركيبة متكاملة أقصى ما يمكن بهدف<br />

العودة إلى سالم دائم«.‏<br />

غير أن نجاعة مثل هذه الرؤية تظل<br />

أمرا يجب البرهنة عليه.‏ منذ أن تدخلت<br />

فرنسا في مالي سنة 2013، قتل الجيش<br />

المئات من الجهاديين المحتملين،‏ ومنهم<br />

بعض القادة،‏ كما دمر عشرات المخابئ التي<br />

تحتوي على سيارات وأسلحة،‏ وقام بحفر<br />

عدد كبير من اآلبار لفائدة المدنيين.‏ رغم<br />

ذلك،‏ تصاعدت وتيرة أعمال العنف سنة بعد<br />

أخرى في مجمل منطقة الساحل والصحراء،‏<br />

كما أن عدد القتلى في صفوف السكان لم<br />

يفتأ يرتفع،‏ خاصة خالل العامين األخيرين.‏<br />

المجموعات ‏»الجهادية«،‏ التي تنشط بشكل<br />

واسع بعيدا عن معاقلها الواقعة في شمالي<br />

مالي أو جنوبي ليبيا،‏ قد وسعت منطقة<br />

نفوذها في وسط مالي وفي شمالي وغربي<br />

بوركينا فاسو وفي شمال غربي النيجر،‏<br />

وأضحت تهدد مستقبال البلدان الساحلية<br />

إلفريقيا الغربية مثل الكوت ديفوار والبينين.‏<br />

برز عدد من مجموعات الدفاع الذاتي،‏<br />

التي تنفذ مجازر متبادلة تستهدف المدنيين<br />

في مالي،‏ تضاعف عدد الهجمات على<br />

القرى خالل األشهر الثمانية عشر الماضية.‏<br />

وفقا للمفوضية األممية السامية لحقوق<br />

اإلنسان،‏ خلفت هذه الهجمات أكثر من 600<br />

قتيل بين مارس/آذار 2018 ومارس/آذار<br />

<strong>2019</strong> ونجم عنها التهجير القسري ألكثر<br />

من 66 ألف شخص.‏ يوم 23 مارس/آذار<br />

<strong>2019</strong>، قامت ميليشيا تابعة لقبيلة الدوغون<br />

‏)دان نا أمباساغو(‏ بقتل 157 من سكان<br />

قرية أوغوساغو الواقعة وسط مالي،‏ والتي<br />

يقطنها أشخاص ينتمون إلى قبيلة البويل،‏<br />

وقام عناصر هذه الميليشيا بإحراق القرية<br />

جزئيا.‏ كما سجلت عمليات قتل في بوركينا<br />

فاسو والتشاد.‏ وتواجه الجيوش الوطنية<br />

اتهامات بكونها قد قامت هي نفسها بإعدام<br />

مدنيين خالل عمليات ‏»نشر السلم«.‏ صرح<br />

الجنرال برونو كليمون بولي،‏ المدير<br />

السابق للتعاون األمني والدفاعي بوزارة<br />

الشؤون الخارجية،‏ مؤخرا،‏ بقوله:‏ ‏»رغم<br />

االنتشار الواسع للقوات المحلية أو األجنبية،‏<br />

وتعزيز البعثات العسكرية،‏ واإلجابات<br />

الشمولية التي تجمع بذكاء بين مقتضيات<br />

األمن والتنمية،‏ وأيضا رغم االعتمادات<br />

المالية الضخمة المسخرة،‏ فإن األوضاع<br />

تسير باتجاه مزيد التردي«)‏‎10‎‏(.‏<br />

ويؤكد الجنرال بولي أن ‏»الدوامة<br />

السلبية«‏ لخيار ‏»الكل من أجل األمن<br />

والدفاع«،‏ قد برهنت على محدوديتها.‏<br />

حضور أكثر من 13 ألف من القبعات الزرق<br />

ضمن البعثة متعددة األبعاد والمندمجة<br />

التابعة لألمم المتحدة ‏)تم قتل 122 من<br />

العسكريين أعضاء هذه البعثة خالل فترة<br />

ست سنوات(،‏ وأكثر من 4500 جندي<br />

فرنسي،‏ يضاف إليهم عناصر الجيوش<br />

الوطنية وبضع مئات من الجنود األمريكيين<br />

واإليطاليين واأللمان المتمركزين تقريبا في<br />

كافة أنحاء المنطقة،‏ وأساسا في النيجر،‏ لم<br />

يمكن من قلب المعادلة.‏ بل األمر أبعد ما<br />

يكون عن ذلك.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

10( برونو كليمون بولي،‏ ‏»لنوقف المجازر في منطقة<br />

الساحل..«،‏ جون أفريك،‏ باريس،‏ 6 جوان/حزيران <strong>2019</strong>.


ج<br />

جويلية/أوت - تموز/آب 16 <strong>2019</strong><br />

في ألمانيا،‏ الشرطة والقضاء<br />

عدم محاكمة عنف<br />

خلية من النازيين الجدد،‏ عمليات قتل متسلسلة وشرطة تتغافل:‏ هذه مكونات الدراما التي<br />

تضرب ألمانيا منذ بداية سنوات األلفين.‏ القضايا التي رفعت في ميونيخ من 2013 إلى 2018 أظهرت<br />

في خفاياها قصور داخل أجهزة األمن وفي المؤسسة القضائية تجاه عنف أقصى اليمين.‏<br />

يوم 11 جويلية/تموز 2018،<br />

أصاب إسماعيل يوزغات اإلنهيار<br />

وطفق يردد الدعوات ويصب<br />

الماء على رأسه.‏ إنه والد هاليت<br />

يوزغات الذي قتل قبل إثني عشر<br />

عاما من قبل مجموعة ‏»المنظمة<br />

السرية القومية االشتراكية«.‏<br />

لقد استمع للتو لمانفريد غوتزل،‏<br />

القاضي الجنائي بالمحكمة<br />

اإلقليمية العليا بميونيخ،‏ وهو<br />

يعلن حكمه ضد خمسة متهمين:‏<br />

حكم قاس ضد المتهمة الرئيسية،‏<br />

مقابل حكم متسامح ضد شركائها<br />

األربعة.‏<br />

هكذا تم االنتهاء من التعاطي<br />

العمومي مع أكبر سلسلة من<br />

جرائم النازية الجديدة في ألمانيا<br />

منذ الحرب العالمية الثانية.‏ بين<br />

سبتمبر/أيلول 2000 وأفريل/‏<br />

نيسان 2007، تم اغتيال تسعة<br />

أشخاص من المهاجرين،‏ ال سيما<br />

األتراك إلى جانب شرطية في<br />

عدد من المدن األلمانية باستخدام<br />

نفس المسدس.‏ في البدء،‏ ذهب في<br />

اعتقاد الشرطة أن األمر يتعلق<br />

* هما على التوالي،‏ دكتور متخصص في التاريخ<br />

المعاصر ومتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ،‏<br />

وأستاذ القانون العام بجامعة لورين وباحث مشارك<br />

بمعهد الدراسات العالمية بباريس.‏<br />

ماسيمو بيرينالي وكريستوفر بولمان *<br />

بتصفية حسابات بين مجموعات<br />

سكانية.‏ بعد كل عملية قتل،‏ كانت<br />

التحقيقات تستهدف بالدرجة<br />

األولى العائالت واألجوار<br />

والوسط الذي عاش فيه الضحايا،‏<br />

مع سعي في بعض األحيان إلى<br />

تشويه سمعة الضحية من خالل<br />

ترويج أخبار كاذبة)‏‎1‎‏(.‏ تم إطالق<br />

تسميتي ‏»بوسفور«‏ و»هالبموند«‏<br />

‏)هالل،‏ في إشارة إلى العلم<br />

التركي(‏ على لجنتي التحقيق<br />

الجنائيتين.‏ أما وسائل اإلعالم،‏<br />

فقد انتقدت بشدة ما أسمته ب<br />

‏»العالم الموازي المظلم«‏ الذي<br />

يجمع بين مروجي المخدرات<br />

واألتراك محترفي عمليات<br />

السلب بالقوة ووجهت لهذا العالم<br />

أصابع االتهام بارتكاب هذه<br />

‏»الجرائم الشنيعة«)‏‎2‎‏(.‏ ضمن<br />

لجنة بوسفور إحدى أكبر اللجان<br />

في التاريخ الجنائي األلماني،‏<br />

ذهب ما ال يقل عن 160 شرطيا<br />

في اتجاه خاطئ.‏ عندما تم قتل<br />

شرطية سنة 2007 في سيارتها<br />

وإلحاق جروح بليغة بمرافقها في<br />

رأسه،‏ بحث المحققون عن ‏»شبح<br />

هايلبرون«،‏ المدينة التي شهدت<br />

االعتداء،‏ في صفوف السكان<br />

الغجريين ‏»التزيغان«،‏ الذين<br />

يرى األطباء النفسانيون التابعون<br />

للشرطة أن ‏»الكذب يمثل لديهم<br />

عنصرا أساسيا لإلندماج في<br />

المجتمع«)‏‎3‎‏(.‏ كما أن االعتداءات<br />

الثالثة بالقنابل التي استهدفت<br />

مواقع مرتبطة بالهجرة،‏ لم<br />

تفتح أعين السلطات وتدفعها<br />

إلى مزيد التدقيق بشأن حركة<br />

النازية الجديدة،‏ رغم تسجيل ما<br />

اليقل عن 24 جريحا.‏ بالمقابل،‏<br />

وبالنسبة للضحايا والمحيطين<br />

بهم وعدد قليل من الصحفيين،‏<br />

تعززت الشكوك إزاء أوساط<br />

اليمين المتطرف وأضحت معلنة<br />

أكثر فأكثر.‏<br />

لقد تغير كل شيء بداية<br />

نوفمبر/تشرين الثاني 2011<br />

مع تسليم بيت زشاب نفسها<br />

للسلطات.‏ هكذا،‏ أمكن للمحققين<br />

تعقب خيوط وتفاصيل القصة التي<br />

حرصوا إلى حد ذلك الوقت على<br />

إغفالها.‏ في العام 1998، وبعد<br />

عدد من االعتداءات الصغيرة،‏<br />

قام كل من أووي بوهنهارت<br />

وأووي موندلوس وزشاب<br />

ببعث ‏»المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية«‏ .)NSU( بين عامي<br />

1998 و‎2011‎‏،‏ استولى هؤالء<br />

على مبلغ يقارب 600 ألف يورو<br />

من خالل هجمات سلب استهدفت<br />

مغازات و‎14‎ أو 15 بنكا،‏ مخلفين<br />

عددا غير معلوم من الجرحى.‏<br />

على مدى حوالي 14 عاما،‏ عاش<br />

مؤسسي هذا التنظيم في السرية<br />

في منطقة ساكس،‏ متمتعين<br />

برعاية ودعم شبكة مهمة من<br />

المناصرين.‏ في أعقاب عملية<br />

سلب أخيرة فاشلة ومقتل رجلين<br />

ينتميان إلى المجموعة،‏ قتلهما<br />

شخص مجهول الهوية أو توفيا<br />

انتحارا يوم 4 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني 2011، أضرمت زشاب<br />

النار في منزلهم المشترك،‏<br />

وأرسلت عددا كبيرا من أشرطة<br />

الفيديو تتضمن اعترافات إلى<br />

وسائل اإلعالم وسلمت نفسها إلى<br />

الشرطة.‏<br />

تم تمديد اعتماد منطق إبعاد<br />

التهمة عن أوساط النازية الجديدة<br />

الذي كان سائدا قبل 2011 إلى<br />

حقبة المحاكمة أمام محكمة<br />

ميونيخ وعلى مستوى الحكم الذي<br />

أصدرته.‏ في أعقاب المحاكمة،‏<br />

والتي شارك فيها خالل الفترة بين<br />

ماي ‏/أيار‎2013‎ وجويلية/تموز<br />

450 2018، شاهدا و‎56‎ خبيرا،‏<br />

وتطلب ملفها تدوين 600 ألف<br />

صفحة مع كلفة راوحت بين 30<br />

و‎37‎ مليون يورو،‏ تم تأكيد إدانة<br />

زشاب بالسجن المؤبد،‏ غير أن<br />

شركاءها األربعة لم ينالوا،‏ تحت<br />

تصفيق زهاء 12 من ناشطي<br />

النازية الجديدة الحاضرين يوم<br />

المداولة،‏ سوى أحكام تراوحت<br />

بين عامين ونصف وعشر<br />

سنوات سجنا.‏ لقد تم إطالق<br />

سراحهم جميعا،‏ بالنظر لمدة<br />

إيقافهم التحفظي.‏<br />

تحقيق معرقل<br />

إذا كانت هذه األحكام<br />

المخففة تقف على طرف نقيض<br />

من قسوة العدالة على بعض<br />

المتظاهرين ضد قمة العشرين<br />

الكبار )G20( في جويلية/تموز<br />

2017 بهامبورغ والذين وصلت<br />

األحكام في خصوصهم إلى حد<br />

39 شهر سجن نافذة،‏ يُطرح<br />

المشكل على صعيد آخر:‏ لم<br />

تبدد المحاكمة االنطباع السائد<br />

بوجود ‏»حالة عمى تصل حد<br />

تواطؤ المؤسسات العمومية<br />

المكلفة باألمن والحماية«‏ مع<br />

حركة النازيين الجدد،‏ وفق تقدير<br />

الكاتب رالف جيوردانو)‏‎4‎‏(.‏ في<br />

تلخيصه لطريقة تعاطي السلطات<br />

مع المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية ،)NSU( أشار تقرير<br />

لجنة التحقيق التابعة للجمعية<br />

البرلمانية بتورينغ إلى ما وصفه<br />

ب ‏»كارثة معممة التي تخول<br />

الحديث عن شكوك في وجود<br />

عمليات تخريب مقصودة)‏‎5‎‏(«.‏<br />

كما لو أن ذلك يؤشر على وجود<br />

تسامح مؤسساتي في ألمانيا إزاء<br />

إجرام اليمين المتطرف،‏ في<br />

حين أن االعتداءات العنصرية<br />

والمعادية للسامية قد سجلت سنة<br />

2018 ارتفاعا بنسبة تقارب %20<br />

مقارنة بسنة 2017، بعد أن بلغت<br />

أرقاما جد مرتفعة خالل السنوات<br />

السابقة)‏‎6‎‏(.‏<br />

طوال مدة المحاكمة،‏ حرص<br />

القضاة على حصر النقاشات في<br />

المتهمين الخمسة دونما سعي إلى<br />

توسيع اإلشكالية لتشمل الظرفية<br />

العامة،‏ وهي تقنية إفراد معمول<br />

بها في القضايا الجنائية التي<br />

يكون مصدرها أو لها انعكاسات<br />

اجتماعية وسياسية.‏ لم تؤخذ البتة<br />

بعين االعتبار التحقيقات المستقلة<br />

التي تؤكد على أن المؤسسين<br />

الثالثة لمنظمة ‏»آن آس أو<br />

»NSU وشركاؤهم األربعة،‏ لم<br />

يكن بمقدورهم لوحدهم ارتكاب<br />

الجرائم المتعددة المنسوبة إليهم<br />

في كامل ألمانيا،‏ والبقاء في<br />

وضعية السرية لمدة تقارب<br />

14 عاما)‏‎7‎‏(.‏ التزمت زشاب<br />

الصمت أغلب الوقت ورفضت<br />

التعاون.‏ غير أن إثنين من صغار<br />

معاونيها،‏ واللذين لم يعبرا عن<br />

أي شعور بالندم على أفعالهم،‏ بل<br />

أعلنا تمسكهما بتوجهاتهم القومية<br />

االشتراكية،‏ ينظر إليهما رفاقهما<br />

اليوم كأبطال.‏<br />

هناك أيضا التناقضات التي<br />

حفت بالتحقيق.‏ يوم 6 أفريل/‏<br />

نيسان 2016 في كاسل،‏ تم<br />

قتل هاليت يوزغات في مقهى<br />

األنترنيت التي تديرها عائلته.‏<br />

كان هناك حريف على عين<br />

المكان وهو أندرياس تام بصدد<br />

تصفح موقع تعارف.‏ كانت مالمح<br />

شخصيته تبعث على الريبة:‏<br />

فهذا الشخص الذي كانت تطلق<br />

عليه في شبابه تسمية ‏»أدولف<br />

الصغير«‏ ‏)وهي تسمية يصرح<br />

بأنه ال يفهم معناها،‏ رغم كونه قد<br />

1( ‏»أثر طريقة ريد:‏ اعترافات قسرية ومؤسسات<br />

عنصرية«،‏ الحقوق المدنية والشرطة،‏ العدد 115،<br />

برلين،‏ أفريل/نيسان 2018، www.cilip.de<br />

2( صحيفة ‏»دير شبيغل«‏ هامبورغ،‏ 21 فيفري/‏<br />

شباط 2011، حول لفظة döner« ،»meurtres<br />

4 جويلية/تموز .2012<br />

3( ‏»دي زايت أونالين«،‏ 4 فيفري/شباط 2014<br />

www.zeit.de<br />

4( خطاب تسلم جائزة بارتيني،‏ يوم 27 جانفي/‏<br />

كانون الثاني 2014 بهامبورغ،‏<br />

https://bertini-preis.hamburg.de<br />

5( تقرير لجنة التحقيق للمجلس البرلماني<br />

بتورينغ ‏»إرهاب اليمين وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ 16 جويلية/تموز 2014 ‏)باللغة<br />

األلمانية(،‏ www.thueringer-landtag.de<br />

6( الجريمة ذات الدوافع السياسية في سنة 2018،<br />

وزارة الداخلية،‏ برلين،‏ 14 ماي/أيار <strong>2019</strong>،<br />

www.bmi.bund.de<br />

7( ستيفان أوست وديرك البس،‏ ‏»حماية الوطن.‏<br />

الدولة وسلسلة القتل من »NSU بانتيون،‏ ميونيخ،‏<br />

.2014<br />

Massimo Perinelli et Christopher Pollmann<br />

جميع الحقوق محفوظة


17 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

في المياه العكرة<br />

النازية الجديدة<br />

نسخ بيده كتاب ‏»قصة كفاحي«‏<br />

الذي ألفه هتلر،‏ عندما كان<br />

مراهقا()‏‎8‎‏(‏ هو المشرف على<br />

مصلحة االستعالمات الداخلية<br />

‏)فارفاسونغسشوتز،‏ ديوان<br />

حماية الدستور(‏ في مقاطعة<br />

‏»هاس«،‏ حيث يتولى التعامل<br />

مع المخبرين الذين يفترض أنهم<br />

مكلفون بمراقبة النازيين الجدد.‏<br />

خالل فترة التحقيق في أفريل/‏<br />

نيسان 2006، لم يستجب ‏»تام«‏<br />

للدعوة التي وجهتها له الشرطة<br />

لتقديم شهادته،‏ مثلما سعى على<br />

عملية االستنطاق األولى إلى<br />

إنكار وجوده في المكان عند<br />

ارتكاب الجريمة.‏ رغم أن مقارنة<br />

معطيات الربط باالنترنيت<br />

والشهادة المرئية لحريف آخر<br />

حضر الحادثة تؤكد العكس.‏<br />

رغم أنه يتقن،‏ وفق اعترافاته،‏<br />

استخدام األسلحة،‏ أكد الحقا أنه<br />

لم يسمع طلقتي المسدس الذي<br />

كان مجهزا بكاتم صوت،‏ ولم<br />

يشتم رائحة البارود،‏ ولم يالحظ<br />

عند مغادرته المكان الجثة التي<br />

كانت تسبح في بركة من الدماء<br />

وراء مكتب االستقبال وباب<br />

الخروج)‏‎9‎‏(.‏ إذا كان القضاة قد<br />

وصفوا هذه التصريحات والشاهد<br />

نفسه بأنه ذو مصداقية،‏ فإن معهد<br />

‏»فورانسيك للهندسة المعمارية«‏<br />

اللندني المرموق،‏ الذي كلفته<br />

عائلة يوزغات وداعموها بإجراء<br />

اختبار مضاد،‏ قد برهن على أن<br />

‏»تام«‏ يجب أن يكون قد أدرك<br />

عملية القتل على مستويات السمع<br />

والشم والبصر.‏<br />

تؤشر هذه الحالة على<br />

مناطق الظل التي أحاطت بعمل<br />

الدواوين اإلقليمية والفيدرالية<br />

لحماية الدستور وأعوانها<br />

ومخبريها الثالثين المكلفين<br />

بمراقبة ثالثي المنظمة السرية<br />

للقومية االشتراكية)‏‎10‎‏(.‏ لقد<br />

اشتكى عدد من رجال الشرطة<br />

يقظي الضمير وبصورة مبكرة<br />

من هذه الوضعية:‏ طيلة عام<br />

2001، سجل المحافظ زفان<br />

ووندرليش وانتقد مرات عدة،‏<br />

شفويا وكتابيا،‏ العراقيل التي<br />

وضعها ديوان حماية الدستور<br />

بمقطاعة توزينغ،‏ ما حال دون<br />

القبض على الهاربين الثالثة)‏‎11‎‏(.‏<br />

رغما عن ذلك وخالل محاكمة<br />

ميونيخ،‏ رفض القضاة النظر<br />

في أي من القرائن أو البراهين<br />

التي تتصل بتورط مختلف<br />

معاوني ديوان حماية الدستور<br />

في جرائم المنظمة السرية<br />

القومية االشتراكية .)NSU( بعد<br />

اعترافات زشاب في نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 2011، تعرضت<br />

غالبية تقارير الديوان المتعلقة<br />

بالمنظمة إما إلى اإلتالف أو إلى<br />

تصنيفها سرية لفترة 120 عاما.‏<br />

هكذا،‏ تم استبعاد الملف الخاص<br />

بتام من الخضوع للتحقيقات<br />

البرلمانية أو التحقيق الجنائي<br />

إلى حدود عام 2137 إضافة إلى<br />

ذلك حضر عدد كبير من معاوني<br />

مصالح االستخبارات إلى جلسات<br />

االستماع تحت أسماء مستعارة<br />

ومارسوا الكذب بصورة قصدية.‏<br />

‏»ال يجب أن نكشف أسرار دولة<br />

يمكن أن تلحق الضرر بالعمل<br />

الحكومي«،‏ ذلك هو التبرير<br />

المسبق الذي قدمه المسؤول<br />

الفيدرالي عن مجمل مصالح<br />

االستخبارات واألمن الداخلي<br />

كاتب الدولة كالوس دييتر فريتشا<br />

يوم 19 أكتوبر/تشرين األول<br />

2012، أمام اللجنة البرلمانية<br />

الفيدرالية األولى)‏‎12‎‏(.‏<br />

تم االستماع إلى هانس<br />

جواكيم فونكي،‏ االستاذ الفخري<br />

للعلوم السياسية بجامعة برلين<br />

الحرة والمختص في المنظمة<br />

السرية القومية االشتراكية من<br />

قبل عديد اللجان البرلمانية.‏<br />

تبرهن أبحاث فونكي على أنه<br />

في أعقاب زوال جمهورية ألمانيا<br />

الديمقراطية،‏ أسهم ‏»ديوان حماية<br />

الدستور«‏ ‏)فارفاسوغسشوتز<br />

)Verfassungsschutz بشكل<br />

كبير في بعث شبكات من النازيين<br />

الجدد في المقاطعات الجديدة:‏<br />

العديد من مسؤولي وأعضاء هذه<br />

الحركة تم تمكينهم من مكافآت<br />

مالية للعمل كمخبرين لدى<br />

الوكاالت االستخباراتية وإعفاؤهم<br />

من التحقيقات الجنائية)‏‎13‎‏(.‏ ما تم<br />

الكشف عنه مؤخرا من وجود<br />

شبكة من الضباط ورجال الشرطة<br />

وأعوان المخابرات والقضاة<br />

وغيرهم من الموظفين تجمع<br />

بينهم تخيالت وأوهام متصلة<br />

بتنفيذ انقالب وإعدام معارضين<br />

من اليسار،‏ يقيم الدليل على أن<br />

الداء ينخر الجسد بعمق)‏‎14‎‏(.‏<br />

في مواجهة االتهامات<br />

الكاذبة للشرطة ووسائل اإلعالم<br />

وإزاء عمليات اإلنكار المتعددة<br />

واإلخالالت المتراكمة للتحقيقات<br />

الرسمية،‏ عملت عائالت الضحايا<br />

ومساندوها على التنظم.‏ بعد<br />

مقتل كل من محمد كوبازيك في<br />

دورتموند وهاليت يوزغات في<br />

كاسل في أفريل/نيسان 2006،<br />

قام أفراد عائلتيهما ومساندوهم<br />

بمسيرتين في المدينيتن جمعتا<br />

آالف األشخاص.‏ إرساء شبكة<br />

مهمة للمالحظة والتحليل النقدي،‏<br />

وإنجاز أعمال ثقافية وفنية،‏<br />

وتأمين تعبئة سياسية وقانونية،‏<br />

السيما بعد انطالق المحاكمة<br />

الجنائية للمنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية )NSU( سنة 2013.<br />

قامت مجموعة ‏»آن آس أو<br />

واتش«‏ )NSU-Watch(<br />

بفروعها السبعة الجهوية<br />

والمحورية،‏ بجهود في تدقيق<br />

وتمحيص األعمال التحقيقية<br />

للجان البرلمانية الثالثة عشر<br />

ولحصيلة األيام ال 438 التي<br />

استغرقتها محاكمة ميونيخ)‏‎15‎‏(.‏<br />

ووصلت هذه التعبئة أوجها<br />

في ماي/أيار 2017 مع تنظيم<br />

تجمع ضم 3 آالف شخص في<br />

كولونيا.‏ تولت هيئة المحاكمة<br />

الشعبية التي أطلقت شعار ‏»حل<br />

شبكات المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية:‏ نحن نتهم«)‏‎16‎‏(‏<br />

تجميع الشخصيات وأعضاء<br />

االئتالفات النقدية لسير التحقيق<br />

على مدى خمسة أيام بحضور عدد<br />

كبير من المحامين عن القائمين<br />

بالحق المدني.‏ من منطلق كونهم<br />

يعتبرون أنه ال قضاة ميونيخ،‏ وال<br />

اللجان البرلمانية ستقوم بكشف<br />

الحقيقة وال في إعمال العدالة،‏<br />

تولى المشاركون تحرير لوائح<br />

اتهام ضد زهاء مائة شخص:‏ ال<br />

فقط النازيين الجدد وعدد آخر<br />

من األشخاص المورطين في<br />

التخطيط للجرائم وتنفيذها،‏ وإنما<br />

أيضا عدد من رجال الشرطة<br />

ومن وكالء النيابة والصحفيين<br />

والسياسيين،‏ الذين عملوا خالل<br />

الفترة بين 1999 و‎2011‎‏،‏ على<br />

خداع عائالت الضحايا وأسهموا<br />

في تبرئة أوساط اليمين المتطرف.‏<br />

يوم إعالن الحكم،‏ تجمع<br />

5 آالف شخص بميونيخ وأكثر<br />

من 7 آالف شخص في 12 مدينة<br />

ألمانية أخرى للمطالبة بتحقيق<br />

رسمي حول أوجه التواطؤ داخل<br />

المؤسسات في عالقة بالجريمة<br />

العنصرية.‏ كما اطلعوا على<br />

تصريح إسماعيل يوزغات:‏<br />

‏»نحن ال نعترف بهذا الحكم«.‏<br />

على أية حال،‏ القضية لم تدرك<br />

بعد نهايتها.‏ من ناحية،‏ قررت<br />

كل من زشاب وشركاؤها ووكيل<br />

الجمهورية الفيدرالي،‏ وألسباب<br />

مختلفة،‏ تعقيب الحكم أمام المحكمة<br />

الفيدرالية بكارلسروه.‏ قطعا،‏ لن<br />

تصدر هذه المحكمة قرارها قبل<br />

عدة سنوات...‏ تولت من ناحية<br />

أخرى،‏ ثالث من عائالت الضحايا<br />

رفع قضية بعنوان مسؤولية<br />

الدولة من أجل االتهامات الكاذبة<br />

وإخالالت التحقيق على مستوى<br />

المحكمة اإلبتدائية بنورمبارغ،‏<br />

مطالبة بتعويضات.‏<br />

رغم كونها قد حظيت بتغطية<br />

إعالمية واسعة،‏ ليس في محاكمة<br />

ميونيخ أصال أي شيء استثنائي.‏<br />

ذلك أنها اضطلعت فحسب بالدور<br />

الموكول لهيئات التتبع الحنائي:‏<br />

اإلفراد ونزع الطابع السياسي<br />

عن المشاكل االجتماعية وذلك<br />

من خالل التركيز على ظواهر<br />

االنحراف واإلجرام والمسؤولية<br />

الجزائية الفردية.‏<br />

8( ‏»دي والت«،‏ برلين،‏ 6 جوان/حزيران<br />

www.welt.de ،2016<br />

9( لوتز بوكليتش،‏ ‏»كاسل:‏ اغتيال هاليت<br />

يوزغات.‏ العالم األسطوري أندياس تيمي«،‏ 22<br />

جوان/حزيران 2014،<br />

،https://hajofunke.wordpress.com وكذلك<br />

‏»دي والت«،‏ 1 مارس/آذار 2015،<br />

www.welt.de<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

10( هانس يواكيم فونكي،‏ أمن حماية الدستور.‏<br />

عالقة الدولة:‏ الرجل الخامس وما يحتاج أن نتعلم<br />

منه،‏ ‏»في آس أ«‏ ،VSA هامبورغ،‏ 2017.<br />

11( ‏»إرهاب اليميني وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ مصدر سبق ذكره.‏<br />

12( هانس جواكيم فونكي،‏<br />

https://hajofunke.wordpress.com<br />

13( ‏»إرهاب اليميني وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ مصدر تم ذكره سابقا،‏ وكذلك هانس<br />

يواكيم فونكي،‏ مجازفة أمنية،‏ مصدر تم ذكره<br />

سابقا.‏<br />

14( ‏»دي تاغسزايتونغ«،‏ برلين،‏ 16 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 2018.<br />

15( www.nsu-watch.info ‏)باللغات االلمانية<br />

واإلنقليزية والتركية(‏<br />

16( محكمة ‏»حل مجمع :NSU نحن نشكو«‏<br />

.www.nsu-tribunal.de، وقد تم متابعة تمشي<br />

االتهام هذا من 22 إلى 25 نوفمبر/تشرين الثاني<br />

2018 ب ‏»مانهايم«.‏


جويلية/أوت - تموز/آب 18 <strong>2019</strong><br />

من بيونس آيريس إلى بوغوتا،‏<br />

جيوسياسية األزمة<br />

ارتكز هجوم واشنطن على الرئيس الفنزويلي نيكوالس مادورو على القادة المحافظين في المنطقة والذين<br />

أصبحوا أغلبية.‏ بفضلهم،‏ أمكن لنزعة التدخل األمريكية أن تتخفى وراء ستار االنشغال االنساني...‏ لكن منهج<br />

إدارة ترامب القاضي بجر األوضاع نحو األقصى أدى إلى إثارة غضب اليمين األمريكي الالتيني المعروف بوداعته.‏<br />

إذا كانت إدارة اوباما قد رحبت بإنشاء تحالف المحيط<br />

الهادئ،‏ فقد بدت متكتّمة حول دورها الخاصّ‏ في تكوينه.‏<br />

أما المحيطون بترامب فقد تبنّوا الموقف المعاكس:‏ إذ لم<br />

يفوّتوا أيّ‏ فرصة لالستشهاد ببالغات مجموعة ليما بهدف<br />

الحثّ‏ على تبنّي إجماع إقليمي حول المسألة الفنزويلية.‏<br />

جهد رافقته وسائل اإلعالم الرئيسية التي يبدو أنها غفلت<br />

عن مسألة االنسجام اإليديولوجي للتحالف.‏<br />

عندما قرّر خوان غوايدو زعيم المعارضة إعالن<br />

نفسه رئيسا مؤقتا بالنيابة خالل شهر جانفي/كانون الثاني<br />

<strong>2019</strong>)2(، سارعت الواليات المتحدة ومجموعة ليما إلى<br />

االعتراف به فورا.‏ كما دعت القوات المسلّحة إلى اإلطاحة<br />

بالرئيس مادورو الذي أعيد انتخابه في االنتخابات المتنازع<br />

عليها والتي جرت في شهر ماي/أيار 2018. أما الدولة<br />

الوحيدة التي نأتْ‏ بنفسها عن الموقف الرسمي للمجموعة<br />

فهي المكسيك التي تولّى فيها اليساري اندراس مانويل<br />

لوباز اوبرادو مقاليد الرئاسة في شهر ديسمبر/كانون<br />

األول 2018. بالتنسيق مع أوروغواي حيث يتولى الحكم<br />

تقدّميون اقترحت مكسيكو ‏»آلية حوار«‏ قصد مساعدة<br />

فنزويال على الخروج من األزمة.‏<br />

الكسندر ماين * Main Alexander<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

قدمت مجموعة ليما دعما حاسما إلدارة ترامب.‏<br />

لكن ورغم اإلجراءات المناسبة التي قدّمها لها حلفاؤها<br />

الجنوبيون في سياق إقليمي لم يكن أكثر مالءمة منذ<br />

نهاية التسعينات،‏ بدت واشنطن عدوانية إلى حدّ‏ نفّر منها<br />

مسانديها تدريجيا.‏ عندما أشار غوايدو إلى إمكانية تدخل<br />

عسكري أجنبي،‏ أدان أعضاء مجموعة ليما بشدّة ‏»كل<br />

تهديد ينطوي على عمل مسلّح في فنزويال«‏ )15 افريل/‏<br />

نيسان <strong>2019</strong>(، كما كرّروا التأكيد على ذات الموقف عندما<br />

بيّن ترامب بدوره أنّ‏ نشر قوّة مسلّحة أمر وارد.‏<br />

لم تكن فنزويال في البداية ضمن المشاغل الرئيسية<br />

للرئيس األمريكي دونالد ترامب.‏ خالل حملته االنتخابية،‏<br />

نادرا ما ذكر اسم هذه الدولة،‏ ولم يُشر مطلقا إلى أنّه يعتزم<br />

التدخل في شؤونها.‏<br />

مع ربيع سنة 2017، تغيّر كل شيء على إثر سلسلة<br />

من االجتماعات بين ترامب ومنافسه السابق في االنتخابات<br />

األولية للحزب الجمهوري ماركو روبيو سيناتور فلوريدا،‏<br />

وهو من أصل كوبي.‏ بحكم قربه من المانحين والناخبين<br />

المعادين لكلّ‏ من هافانا وكركاس والمقيمين في ميامي،‏<br />

يبدو أن روبيو قد نجح في إقناع محدّثه بالفائدة االنتخابية<br />

من انتهاج خطّ‏ متشدّد في ما يتّصل بفنزويال:‏ ذلك أن<br />

التوصّ‏ ل إلى تحقيق تغيير النظام يضمن في رأيه الفوز<br />

بأصوات الناخبين في هذه الوالية المفتاح خالل االنتخابات<br />

الرئاسية المقبلة.‏<br />

أعلن الرئيس ترامب آنذاك عن اعتزامه التراجع<br />

عن سياسة التطبيع تجاه كوبا التي شرع فيها سلَفه<br />

باراك أوباما.‏ أما بالنسبة إلى فنزويال،‏ فقد ذكر بأن<br />

‏»الحلّ‏ العسكري«‏ مازال على الطاولة،‏ وذلك قبل فرض<br />

مجموعة من العقوبات المدمّرة على كركاس.آنذاك حدث<br />

ما ال يمكن تصوره قبل عشر سنوات حيث انضمّت أهم<br />

عواصم المنطقة إلى جهود واشنطن لإلطاحة بحكومة<br />

الرئيس نيكوالس مادورو.‏<br />

حركية الكتل<br />

لقد تغيّرت أميركا الالتينية.‏ عندما تسلم أوباما السلطة<br />

خالل شهر جانفي/كانون الثاني 2009، كانت معظم بلدان<br />

أمريكا الالتينية ومنطقة الكاراييب تحت حكم اليسار.‏ كان<br />

القادة السياسيون فيها يدافعون عن استقالل المنطقة على<br />

* مدير السياسة الدولية في مركز البحوث االقتصادية والسياسية،‏ واشنطن.‏<br />

الرغم من الجهود التي كانت تبذلها اإلدارات الجمهورية<br />

السابقة من أجل عرقلة نموّ‏ ‏»الموجة الحمراء«‏ التي<br />

اجتاحت شبه القارّة مع مطلع القرن الواحد والعشرين.‏<br />

في الوقت الذي كان فيه أول رئيس أسود للواليات<br />

المتحدة األمريكية يستعد لمغادرة الحكم في ختام واليته<br />

الثانية،‏ تحوّلت أمريكا الالتينية إلى حكم اليمين.‏ شهدت<br />

منظمات هامة للتكامل اإلقليمي بعثها اليسار حالةً‏ من الشلل،‏<br />

وأصبح يتهدّدها االنهيار،‏ مثل اتحاد دول أمريكا الجنوبية<br />

‏)اوناسور(‏ ومجموعة دول أمريكا الالتينية والكاراييب<br />

‏)سيالك(.‏ ظهرت كتلة جديدة تدعمها واشنطن تسمّى<br />

‏»حلف المحيط الهادئ«‏ ‏)وتتكوّن من الشيلي وكولومبيا<br />

والمكسيك والبيرو(،‏ وهي دول وقّعت على اتفاقية تبادل<br />

حرّ‏ مع الواليات المتحدة.‏ هذا التكتل الجديد الذي ال يُخفي<br />

عداءه التحاد دول أمريكا الالتينية وكاراكاس وكوبا جاء<br />

ليجمع بقايا الرّ‏ اية النيولبرالية،‏ ويشجّ‏ ع على اتّباع نفس<br />

السياسات التي أدّت إلى عقدين من الركود االقتصادي<br />

وتفاقم التفاوت خالل سنوات 1990-1980.<br />

لقد بدا أن اقتران الكواكب مناسب جدا لواشنطن حتى<br />

تطلق حملتها ضد فنزويال.‏ خالل شهر أوت/آب 2017،<br />

اجتمع في البيرو ممثلو حواليْ‏ اثنى عشر دولة من أمريكا<br />

الالتينية يقود أغلبها حكومات يمينيّة)‏‎1‎‏(‏ إضافة إلى كندا<br />

ووقّعوا على إعالن ليما الذي يدين ‏»القطع مع النظام<br />

الديمقراطي«‏ وانتهاكات حقوق اإلنسان في فنزويال.‏<br />

التزاما منها بعزل حكومة مادورو اجتمعت مجموعة ليما<br />

إثر ذلك عدّة مرّ‏ ات من أجل النظر في نقطة وحيدة في<br />

جداول أعمالها وهي فنزويال.‏ أمّا التهديدات التي تتعرض<br />

لها الديمقراطية وحقوق اإلنسان في الهندوراس وفي<br />

كولومبيا ‏)وهما دولتان عضوان في المجموعة(‏ فال تثير<br />

انشغال المجموعة بالقدر الكافي.‏<br />

على الرغم من أن الواليات المتحدة األمريكية غير<br />

منتمية إلى مجموعة ليما بصفة رسميّة،‏ واظب ممثلون<br />

أمريكيون رفيعو المستوى على حضور كل االجتماعات.‏<br />

‏»على الموجة ذاتها«‏<br />

في الوقت الذي يبدو فيه الوضع في كاراكاس على<br />

حاله،‏ راحت مجموعة ليما تؤيّد فكرة الحل السلمي<br />

التفاوضي،‏ وهو المخرج الذي ترفضه الواليات المتحدة<br />

متشبّثةً‏ بمشروعها القاضي بتغيير النظام.‏ أدّى فشل<br />

االنتفاضة الشعبية التي حاول غوايدو إطالقها يوم 30<br />

افريل/نيسان بالمجموعة إلى االستنجاد بدعم كوبا في<br />

المفاوضات.‏ لكن الفكرة جعلت فِرَ‏ ق ترامب تنتفض،‏ ومن<br />

ضمنها ايليوت أبرامز الذي دافع عن فرق الموت في<br />

أمريكا الوسطى خالل الثمانينات وكذِب على الكونغرس،‏<br />

رغم قَسَ‏ مِهِ،‏ حول مسألة تورّطه في فضيحة إيران)‏‎3‎‏(.‏<br />

يدافع ابرامز عن فكرة أن الهافانا قد ركّزت آالف<br />

الجنود وأعوان المخابرات في فنزويال بشكل يضمن الدعم<br />

لمادورو.‏ تشير وكاالت االستعالمات األمريكية إلى أنه<br />

ال وجود ألي دليل ملموس يدعم هذا الطّ‏ رح ولكن ال<br />

يهمّ:‏ عندما اتصل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو<br />

بالسلطات الكوبية باسم مجموعة ليما،‏ تلقّى مكالمة<br />

غاضبة من مايكل بنس نائب الرئيس األمريكي الذي كان<br />

حريصا كل الحرص على تنبيهه إلى « التأثير المضرّ‏ »<br />

لكوبا في كاراكاس)‏‎4‎‏(.‏<br />

1( خاصة األرجنتين،‏ البرازيل،‏ الشيلي،‏ كولومبيا ، باراغواي،‏ البيرو.‏<br />

2( جوليا بكستن ‏»المعارضة في فنزويال إلى أين«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏ مارس/‏<br />

آذار <strong>2019</strong>.<br />

3( ايريك التيرمان:‏ ‏»عودة كاتب الدولة للحروب القذرة«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏<br />

مارس/آذار <strong>2019</strong>.<br />

4( ‏»بنس يدعو كندا إلى بذل مزيد من الجهد من أجل صرف كوبا عن األزمة<br />

الفنزويلية«‏ رويترز،‏ 30 ماي/أيار <strong>2019</strong>.


19 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

المحافظون في وضع هجومي<br />

الفنزويلية<br />

في الوقت الذي ترفض فيه مجموعة ليما تطبيق العقوبات<br />

االقتصادية التي تطالب بها واشنطن على فنزويال بدأت الشقوق<br />

تتعمّق.‏ ذلك أن حتى أكثر المحافظين األمريكيين الالتينيين<br />

أصبحوا منزعجين من سياسة التدخل التي تحرص عليها إدارة<br />

ترامب.‏ لكن جون بولتون مستشار األمن القومي ال يحرص على<br />

تبديد مخاوفهم عندما يروّج لمزايا مذهب مونرو ‏)رؤية للعالم<br />

مرّ‏ عليها قرنان من الزمان تبرّ‏ ر االمبريالية األمريكية في بلدان<br />

أمريكا(،‏ أو عندما يشرح على قناة فوكس بزنس أن احتياطات<br />

النفط الفنزويلية تشكل أحد الدوافع األمريكية الرئيسية ألنّ‏ ‏»ذلك<br />

سيغيّر أمورا كثيرة بالنسبة إلى الواليات المتحدة األمريكية على<br />

المستوى االقتصادي إذا استطاعت الشركات األمريكية استغالل<br />

موارد البالد«‏ )24 جانفي/كانون الثاني <strong>2019</strong>.<br />

هذه االختالفات الجيوسياسية تتمازج أحيانا مع اختالفات<br />

أخرى ذات صبغة اقتصاديّة.‏ عند وصولهم إلى الحكم،‏ عبّر<br />

بعضٌ‏ القادة الجدد من المحافظين في أمريكا الالتينية عن رغبتهم<br />

الشديدة في توقيع اتفاقيات للتبادل الحرّ‏ مع الواليات المتحدة.‏<br />

مثّل وصول جمهوري صاحب ميول مركنتيلية)‏‎5‎‏(‏ إلى البيت<br />

األبيض خيبة أمل بالنسبة إليهم.‏ سرعان ما اختفت مسألة التبادل<br />

الحرّ‏ من جدول أعمال االجتماعات الثنائيّة.‏<br />

بالنهاية ال تهتمّ‏ إدارة ترامب كثيرا بالحلفاء الذين تشعر<br />

بأنها ليست مطالبة باستلطافهم.‏ لقد ألغى الرئيس األمريكي<br />

عدة رحالت إلى المنطقة منها اثنتان إلى كولومبيا،‏ وإلى القمّة<br />

الثامنة لألمريكيتين التي عقدت في البيرو،‏ حتى وإن كان برنامج<br />

اللقاء ‏“كيفية التخلّص من مادورو”‏ يبدو أنه صمّم خصّ‏ يصا<br />

من أجل إغواء وزارة الخارجية.‏ إلى ساعة كتابة هذه السطور،‏<br />

كانت الرحلة الوحيدة للرئيس األمريكي ألمريكا الجنوبية هي<br />

تلك الرحلة التي حملته إلى حضور قمّة العشرين الكبار التي<br />

احتضنتها بيونس ايرس خال شهر ديسمبر/كانون األول 2018.<br />

ثم إن الرئيس عندما يتعامل مع حلفائه ال يخصّ‏ هم بالمالطفة<br />

أكثر ممّا يخص به أعداءه.‏ الرئيس الكولمبي ‏»ايفا ندوك«‏ الذي<br />

يجسّ‏ د اليمين المتصلّب في بالده ‏»لم يفعل شيئا«‏ لتجفيف صناعة<br />

الكوكايين كما جاء على لسان ترامب يوم 29 مارس/آذار،‏ وهو<br />

تصريح أثار الفزع في صفوف أبرز الوجوه الدبلوماسية األمريكية<br />

التي تعتبر كولومبيا حليفا سياسيا وعسكريا من الدرجة األولى)‏‎6‎‏(.‏<br />

سعى المقرّ‏ بون من ترامب إلى التخفيف من هذه التوترات،‏<br />

ولم يتردّدوا في التنقل على عين المكان عند االقتضاء.‏ زار<br />

‏“بنس”‏ المنطقة خمس مرّ‏ ات،‏ ومن جهته حلّ‏ بومبيو بكولومبيا<br />

والمكسيك بوصفة مديرا لوكالة االستخبارات المركزيّة قبل أن<br />

يؤدّي ستّ‏ زيارات أخرى للمنطقة خالل السنة األولى من عمله<br />

كوزير للخارجيّة.‏ طاف بولتون أيضا المنطقة ونزل خاصة<br />

بالبرازيل ليحيّي فيها ‏»شريكا نحن و إياه على نفس الموجة«‏ في<br />

شخص الرئيس اليميني المتطرّ‏ ف جايير بلسونارو)‏‎7‎‏(.‏<br />

لكن هل تكفي معارضة اليسار للسياسات االقتصاديّة<br />

واالجتماعية والجيوسياسية لتكوّن برنامجا؟ األمر المفارق<br />

هو انه يبدو أن األزمة الفنزويلية تتيح التماسك الوحيد لتحالف<br />

المحافظين على ضفّتيْ‏ ‏»ريو برافو«.‏ فما مصير هذا االتحاد<br />

إذا تمّت ذات يوم تسوية المسألة الفنزويليّة؟<br />

5( آالن بيهر ‏»حكاية أخرى للنزعة التجارية«،‏ لوموند ديبلوماتيك،‏ ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

6( ‏»كيف يفسد ترامب عالقاته بأفضل أصدقاء واشنطن في أمريكا الالتينية«،‏ 11<br />

افريل/نيسان ،<strong>2019</strong> com www.worldpoliticsreview.<br />

7( ‏»بولتن يشيد ببولصنارو البرازيل كحليف«‏ ‏“التفكير المماثل”،‏ 11 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني .2018 www.politico.com<br />

8( علمنا خالل شهر ماي/أيار 2018 أن ممثلين لحكومة مادورو والمعارضة<br />

الفنزويلية موجودون في أوسلو إلجراء مفاوضات تتوسّ‏ ط فيها الحكومة النرويجيّة.‏<br />

وهي أول مفاوضات رفيعة المستوى منذ نهاية سنة 2017.<br />

Edition arabe<br />

الطبعة العربية<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

Société Nouvelles Presses<br />

47, rue Lac Léman Les Berges du Lac 1 - 1053 Tunis.<br />

Tél. : (00216) 71 160 900<br />

Fax : (00216) 71 963 855<br />

Courriel :<br />

Président Fondateur : Alain Bittar<br />

Directeur de la Publication : Riad Ben Fadhel<br />

Directrice exécutive : Lamia Trabelsi<br />

Réalisation : Zouhair Ben Driss<br />

Impression :<br />

Imprimerie Internationale - Tunis<br />

Rue de Sanhaja - Sanhaja - Mannouba - Tunisie<br />

Dépôt légal N° 65298<br />

Il est strictement interdit de reproduire<br />

tout article du journal sauf accord préalable.<br />

abonnement@editionarabediplo.com<br />

إال أن مثل هذه الجهود تبقى في النهاية قليلة:‏ اإلستخفاف<br />

الذي يعبّر عنه ترامب إزاء أمريكا الالتينية يعقّد التموقع<br />

الجيوسياسي لزعماء محافظين غير قادرين على وضع رؤية<br />

للعالم غير قائمة على قيادة أمريكية يسعون إلى اإلسهام فيها...‏<br />

على أمل جنْي بعض الفوائد من وراء ذلك.‏<br />

في هذا الصدد،‏ ال يوجد مثال أفضل من النتائج الهزيلة<br />

التي حصلت عليها المنظمات اإلقليمية التي أنشأها اليمين.‏ خالل<br />

ثمانية أعوام من وجوده،‏ لم يتوصل تحالف المحيط الهادئ إال<br />

إلى دمج األسواق المالية ألعضائه،‏ دون أن تساعد هذه العمليّة<br />

على تحفيز اقتصادياتها.‏ أما أهم كتلة محافظة،‏ وهي مجموعة<br />

ليما،‏ فهي بندقية ذات طلقة واحدة جرى تصميمُها في سياق<br />

األزمة الفنزويلية.‏ كونها عالقة بين دعمها لمنطق تغيير النظام<br />

وبين الحلّ‏ األقصى كما تريده واشنطن،‏ ظل إعالن ليما خارج<br />

الجهود الواعدة من أجل التوصّ‏ ل إلى حلّ‏ عن طريق التفاوض<br />

‏)مثل حلول النرويج()‏‎8‎‏(.‏ أمّا أحدث منظمة فتحمل اسم ‏»منتدى<br />

التقدم والتنمية في أمريكا الجنوبية«)بروسور(،‏ التي تأسست<br />

خالل شهر مارس/آذار <strong>2019</strong> من طرف األرجنتين والبرازيل<br />

واالكوادور وغويانا والباراغواي والبيرو-‏ وهي كلّها بلدان ذات<br />

حكومات يمينيّة - وهو هيكل أنشأ خدمة لهدف رئيسي يتمثّل في<br />

النّيل من مصداقيّة اتّحاد دول أمريكا الجنوبية ‏)اوناسور(.‏<br />

شركة الصحافة الجديدة<br />

47، شارع بحيرة ليمان ضفاف البحيرة 1053 1 تونس.‏<br />

الهاتف:‏ )00216( 71 160 900<br />

الفاكس:‏ )00216( 71 963 855<br />

البريد االلكتروني:‏<br />

الرئيس المؤسس:‏ آالن بيطار<br />

مدير الدورية:‏ رياض بن فضل<br />

المديرة التنفيذية:‏ لمياء الطرابلسي<br />

تصميم و إخراج:‏ زهير بن دريس<br />

طباعة:‏<br />

المطبعة العالمية - تونس نهج صنهاجة<br />

صنهاجة - منوبة تونس<br />

اإليداع القانوني عدد 65298<br />

يمنع نشر أي من مقاالت الجريدة بدون موافقة مسبقة.‏


جويلية/أوت - تموز/آب 20 <strong>2019</strong><br />

هويّة،‏ أمن،‏ الوصفات الرابحة<br />

في الهند،‏ كيف يمكن الفوز<br />

عقب فوزه في االنتخابات سنة 2014، وجه رئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي<br />

الدعوة لنظيره الباكستاني لحضور موكب أداء القسم ما أوحى بأمل فتح مفاوضات سالم<br />

بين البلدين.‏ بعد ذلك بخمس سنوات،‏ أقصاه من موكب التنصيب.‏ خالل حملته االنتخابية<br />

التشريعية،‏ ركز مودي على الخوف من العدو التقليدي إلى جانب القومية الهندوسية.‏<br />

سياسة تمييزية صريحة إزاء<br />

األقليات المسلمة والمسيحية.‏ حصيلة<br />

اقتصادية واجتماعية أكثر من مخيبة<br />

لآلمال.‏ لم تكن الظرفية مالئمة البتة...‏<br />

رغم ذلك،‏ تم مؤخرا إعادة انتخاب<br />

رئيس الحكومة،‏ ذي النزعة القومية<br />

الهندوسية لعهدة جديدة بأغلبية مريحة.‏<br />

خالل االنتخابات التشريعية التي دعي<br />

إليها 900 مليون ناخب ‏)أكثر من عشر<br />

سكان العالم(،‏ حصل حزب ناريندرا<br />

مودي ‏»باراتيا جاناتا«‏ ‏)حزب الشعب<br />

الهندي(‏ على 303 مقاعد من جملة<br />

543 مقعدا.‏ هكذا،‏ لم تعد هناك حاجة<br />

لدعم منظمات أخرى للتحالف الحاكم،‏<br />

‏»التحالف الديمقراطي الوطني«.‏ ‏)إقرأ<br />

المؤطر(.‏<br />

ببساطة حرص رئيس الوزراء،‏<br />

على تجنب المواضيع الحساسة.‏ قام<br />

بحملة انتخابية مكنته من تحويل األنظار<br />

عن اقتصاد يجتاز مرحلة تراجع غير<br />

مسبوقة منذ التسعينات:‏ نسبة بطالة هي<br />

األعلى منذ أربعين عاما،‏ أزمة في القطاع<br />

الزراعي،‏ تراجع حجم الصادرات ‏)رغم<br />

تأرجح سعر الروبية(،‏ تباطؤ االستثمار،‏<br />

انهيار االستثمارات األجنبية المباشرة،‏<br />

وتباطؤ نسق االستهالك،‏ إلخ.‏<br />

لئن كانت التنمية االقتصادية سنة<br />

2014 في قلب برنامجه االنتخابي،‏ فقد<br />

ركّز مودي في حملة <strong>2019</strong> على محور<br />

األمن،‏ حيث التزم مثال بطرد المهاجرين<br />

البنغال الذين يقيمون بالبالد بصورة<br />

غير قانونية.‏ لقد استغل باألساس اعتداء<br />

بولواما ‏)إقليم جامو وكشمير(‏ والذي<br />

خلف في فيفري الماضي 40 قتيال في<br />

صفوف الجيش الهندي،‏ وتبنته مجموعة<br />

جهادية مركزها باكستان.‏ أعطى رئيس<br />

الوزراء األوامر لتنفيذ ضربات جوية<br />

على أراضي جارته،‏ وهو ما ردت عليه<br />

إسالم آباد بإسقاط طائرة هندية.‏ عندها،‏<br />

أمكن لمودي أن يطرح نفسه كحام للبالد،‏<br />

مشيدا بالشجاعة الكبيرة التي طبعت<br />

تحركاته.‏ لم يسبق ألي حملة انتخابية<br />

أن سجلت مثل هذه الهيمنة الكبيرة<br />

للخطاب القومي والحربي.‏ إلى حد أن<br />

أكثر من 150 من قدامى المحاربين)‏‎1‎‏(،‏<br />

من بينهم جنراالت وأميراالت سابقون،‏<br />

ترجوا رئيس الوزراء النأي عن تسييس<br />

المؤسسة العسكرية.‏<br />

* مدير البحوث بمركز البحوث الدولية ،)CERI(<br />

الوحدة المختلطة للبحوث في كلية العلوم السياسية<br />

والمركز الوطني للبحوث العلمية .)CNRS(<br />

ألّف بالخصوص ‏»هند مودي:‏ الشعبوية الوطنية<br />

والديمقراطية اإلثنية«‏ و»المتالزمة الباكستانية«،‏ نشر<br />

‏»فايارد«،‏ على التوالي عامي <strong>2019</strong> و‎2013‎‏.‏<br />

في مواجهة مودي،‏ لم يقدر راحول<br />

غاندي،‏ من حزب المؤتمر،‏ والذي<br />

خسر االنتخابات السابقة،‏ على فعل<br />

أي شيء،‏ على الرغم من التكامل الذي<br />

ميّز برنامجه االنتخابي:‏ إقرار دخل<br />

أدنى مضمون لفائدة األشخاص األكثر<br />

فقرا،‏ مع برمجة اجراءات لمكافحة<br />

التلوث،‏ وهي آفة اكتفت الحكومة بإنكار<br />

وجودها)‏‎2‎‏(،‏ مرورا بمقترح إلعادة<br />

النظر في القوانين االستثنائية التي تتيح<br />

للجيش ممارسة القمع في كشمير دونما<br />

مساءلة.‏ كما استعمل نفس وقود المعركة<br />

الذي استخدمه مودي سنة 2014:<br />

التشهير بالفساد وبرأسمالية التواطؤ)‏‎3‎‏(.‏<br />

ألنه ال يريد أن يكون مسؤوال<br />

عن خيباته في هذا المجال،‏ لوح رئيس<br />

الوزراء المتخلي بشبح التهديدات<br />

الخارجية هو محور نجح في فرضه<br />

طيلة فترة الحملة االنتخابية.‏ اعتبارا<br />

للنجاح الذي لقيته هذه المناورة،‏ وصل<br />

األمر بمودي إلى حد رفضه المشاركة<br />

في أي حوار مع منافسين أو عقد أية<br />

ندوة صحفية.‏ لقد اكتفى بإجراء لقاءات<br />

معدة سلفا مع وسائل إعالم تنتمي في<br />

غالبيتها إلى رجال أعمال حريصين<br />

على االحتفاظ بعالقات جيدة مع السلطة.‏<br />

الفاعل الكبير اآلخر في هذا<br />

االقتراع هو المال.‏ شكلت هذه<br />

االنتخابات االقتراع األعلى كلفة<br />

في تاريخ الديمقراطيات،‏ إذ أنفقت<br />

األحزاب زهاء 9 مليارات دوالر،‏ وفق<br />

تقديرات موثوقة)‏‎4‎‏(.‏ بطلب من مفوضية<br />

االنتخابات صادرت الشرطة قدرا<br />

قياسيا من األوراق النقدية في منازل<br />

المترشحين لعضوية البرلمان أو في<br />

مقرات األحزاب.‏ حطم ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«،‏ كل األرقام القياسية)‏‎5‎‏(‏ في<br />

هذا الصعيد.‏ في العام 2016، كانت<br />

حكومة مودي قد نجحت في جعل<br />

البرلمان يصادق على قانون يرخص<br />

للشركات والخواص بدفع هبات مجهولة<br />

المصدر لفائدة األحزاب،‏ وهو ما يعتبر<br />

بمثابة ‏»إضفاء طابع رسمي على<br />

رأسمالية التواطؤ«)‏‎6‎‏(،‏ مثلما استنكر<br />

ذلك الرئيس السابق للمفوضية االنتخابية<br />

شهاب الدين يعقوب قريشي.‏ هذه المبالغ<br />

الضخمة تم استخدامها لشراء أصوات<br />

‏)يمثل تقديم هدايا عشية االقتراع شرطا<br />

ضروريا،‏ أو كافيا،‏ للفوز(،‏ غير أن تلك<br />

المبالغ قد استعملت أيضا وأساسا من<br />

أجل تمويل الدعاية االنتخابية.‏<br />

على الميدان،‏ تتبنى الهند التوجه<br />

العام الذي يحول الشبكات االجتماعية<br />

إلى دعامة رئيسية لالتصال السياسي:‏<br />

لئن كان القادة السياسيون يواصلون<br />

عقد اجتماعات عامة،‏ فإنه ليس هنالك<br />

من نظير واتساب وتويتر وفايسبوك،‏<br />

إلخ،‏ من أجل احتالل الفضاء العام)‏‎7‎‏(.‏<br />

من هنا،‏ أتى تخصيص استثمارات<br />

ضخمة ومكثفة في اليد العاملة متعددة<br />

اللغات من أجل إشاعة ونشر الكلمات<br />

والجمل الجاهزة وفقا لمنهجية التضليل<br />

وما يسمى ‏»ترولينغ«‏ ‏)التصيد عبر<br />

االنترنيت(.‏ هكذا،‏ تم تقديم غاندي من<br />

قبل منافسه على أنه مسلم،‏ ألنه هنالك<br />

صورة يظهر فيها خالل طفولته وهو<br />

يصلي في أحد المساجد ‏)في الحقيقة<br />

يتعلق األمر بحضوره موكب دفن<br />

خان عبد الغفار خان،‏ الزعيم البشتوني<br />

الكبير الذي يعد من تالميذ المهاتما<br />

غاندي(وذلك سنة 1982 في كابول<br />

حينما رافق راهوال والده إلى هناك.‏<br />

أخيرا،‏ هناك جانب آخر ال يقل<br />

أهمية،‏ ويتعلق بأن رئيس الحكومة<br />

وحزبه قد وظفا بشكل مفرط الديانة<br />

الهندوسية.‏ تهجم رئيس حزب الشعب<br />

الهندي،‏ أميت شاه على غاندي ألنه<br />

يترشح إلى االنتخابات في دائرة غالبية<br />

سكانها من المسلمين ‏)وهذه كذبة(‏ يقارنها<br />

بباكستان.‏ لقد ذهب إلى حد القول بأنه<br />

عندما يرى قوافل مناصري منافسه،‏ لم<br />

يكن بمقدوره أن يعرف إن كان المشهد<br />

يجري في ‏»الهند أم في باكستان«)‏‎8‎‏(.‏<br />

إضافة عن ذلك،‏ عين ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«‏ براغيا سينغ تاكور مرشحة<br />

عنه وهي المتهمة باإلرهاب في ارتباط<br />

مع حركة ‏»أبهيناف بهارات«‏ ‏)الهند<br />

الفتية(،‏ التي يشتبه في كونها تقف وراء<br />

أربع اعتداءات مناهضة للمسلمين<br />

خلفت عشرات القتلى سنة 2008.<br />

وهذه المرأة،‏ التي تم اإلفراج عنها<br />

بكفالة ألسباب صحية،‏ قامت خالل<br />

الحملة االنتخابية باإلشادة بقاتل المهاتما<br />

غاندي،‏ الذي ينظر القوميون الهنود<br />

إليه دوما على أنه عدو،‏ بسبب نظريته<br />

غير العنيفة والمؤكدة على الوحدة بين<br />

األديان.‏<br />

1( ‏»أكثر من 150 من قدامى المحاربين يوجهون<br />

رسالة إلى الرئيس بشأن ‏)تسييس(‏ القوات<br />

المسلحة«،‏ صحيفة ‏»ذي إيندو«،‏ نيو دلهي،‏ 12<br />

أفريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

2( ‏»وزير البيئة يرفض مجمل التقارير التي<br />

تؤكد أن 1،2 مليون من الوفيات في الهند سببها<br />

التلوث«،‏ صحيفة ‏»ذي إيندو«،‏ 5 ماي/أيار<br />

.<strong>2019</strong><br />

3( ‏»رأسمالية التواطؤ في الهند في ظل حكم<br />

ناراندرا مودي«،‏ دراسات معهد البحوث<br />

الدولية،‏ العدد 237، معهد الدراسات الدولية،‏<br />

باريس،‏ 18 سبتمبر/أيلول 2018.<br />

4( بيبهوداتا براذان وشيفاني كوماريسان،‏<br />

‏»تحول االنتخابات الهندية إلى أكثر االنتخابات<br />

كلفة في العالم:‏ هذا ما تتكلفه االنتخابات«،‏<br />

صحيفة ‏»بيزنس ستاندارد«،‏ نيودلهي،‏ 4 جوان/‏<br />

حزيران <strong>2019</strong>.<br />

5( ‏»في العام <strong>2019</strong>، هل ركب حزب الشعب<br />

موجة مودي أم موجة المال ؟«،‏ نشرية ‏»ذي<br />

واير«،‏ نيودلهي،‏ 6 ماي/أيار <strong>2019</strong>، و»حزب<br />

الشعب الهندي يدفع نقدا،‏ ولم يُطرح أي سؤال<br />

خالل هذه االنتخابات«،‏ ‏»ذي تيليغراف«،‏<br />

نيودلهي،‏ 2 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

6( عادل رشيد،‏ ‏»الحمالت االنتخابية قننت<br />

الرأسمالية المتواطئة:‏ الرئيس السابق للجنة<br />

االنتخابات س.ي.‏ قريشي«،‏ ‏»آوت لوك«،‏<br />

نيودلهي،‏ 7 أفريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

7( ماذوميتا مورجيا،‏ ستيفانيا فيندالي واندرس<br />

شيباني،‏ ‏»الهند:‏ انتخابات الواتساب«،‏<br />

‏»فينانشيال تايمز«،‏ لندن،‏ 5 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

8( ‏»ال يمكن معرفة إذا كانت في الهند أو في<br />

باكستان:‏ أميت شاه يتحدث عن قوافل راحول<br />

غاندي«،‏ ‏»ذي نيوز مينوت«،‏ 10 أفريل/نيسان<br />

www.thenewsminute.com ،<strong>2019</strong><br />

كريستوف جافرولو * Jaffrelot Christophe<br />

عودة الطوائف<br />

السامية<br />

الهيمنة على البرلمان<br />

أكدت االنتخابات التشريعية الهندية السابعة عشر وضعية هيمنة ‏»حزب بهاراتيا جاناتا«‏ ‏)حزب الشعب الهندي(‏ من<br />

حيث عدد المقاعد في البرلمان.‏ ارتفع عدد مقاعده من 282 نائبا إلى 303 نواب بفضل اعتماد نظام اقتراع بدورة واحدة،‏<br />

وتركز قواه في شمال البالد وغربها،‏ وهو ما ترتب عنه تعزيز النتيجة المتواضعة من حيث عدد األصوات ‏)وبالفعل،‏ فإن<br />

نتيجة حزب الشعب الهندي ارتفعت من 31 إلى %37،5 من عدد األصوات المصرح بها(.‏ وبالنظر لكونه يتمتع باألغلبية<br />

المطلقة،‏ المحددة ب 272 مقعدا،‏ فإن حزب الشعب الهندي ليس بحاجة إلى حلفائه من ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«،‏ في<br />

حين أن التحالف الذي كونه سنة 1999، كان قد فاز ب 353 مقعدا ‏)بنسبة %45 من األصوات(.‏ في مواجهة حزب الشعب،‏<br />

سجل حزب المؤتمر تقدما طفيفا من 44 مقعدا ‏)بنسبة %19،5 من األصوات(‏ إلى 52 مقعدا ‏)بنفس نسبة األصوات(،‏ كما<br />

سجل التحالف الذي يقوده،‏ ‏»التحالف التقدمي الموحد«،‏ ارتفاع رصيده من 60 مقعدا ‏)مع نسبة %23 من األصوات(‏ إلى<br />

91 مقعدا ‏)مع %26 من األصوات(،‏ على الرغم من انهيار بعض الشركاء اإلقليميين لحزب المؤتمر.‏<br />

مثلت األحزاب اإلقليمية خارج ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«‏ الضحايا الجانبية لهذه االنتخابات،‏ رغم عودة حزب<br />

‏»باهوجان ساماج«‏ إلى البرلمان،‏ وهو التشكيل السياسي المحبذ لفئة ‏»الداليت«‏ ‏)المنبوذين سابقا(‏ بشمالي الهند،‏ حيث<br />

فاز ب 10 مقاعد.‏ إال أن تلك النتيجة تظل مخيبة لآلمال باعتبار أن هذا الحزب كان يعول كثيرا على تحالفه مع حزب<br />

‏»ساماجوادي«‏ في إقليم أوتار براداش،‏ كي يصبح مجددا الحزب الثالث في الهند.‏ كانت الهزيمة مخزية أكثر بالنسبة<br />

لحزب ساماجوادي ال سيما وأنه لم يفز سوى ب 5 مقاعد،‏ أي أقل من المقاعد التي فاز بها سنة 2014.<br />

إذا كانت األحزاب اإلقليمية قد سجلت بعض التراجع،‏ فإن حزب الشعب الهندي سجل اختراقات مشهودة في بعض<br />

معاقل هذه األحزاب،‏ كما هو الحال في شرق البالد،‏ وفي البنغال الغربي وفي أوديشا ‏)أوريسا سابقا(.‏ والحزب اإلقليمي<br />

الوحيد من خارج ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«‏ الذي حقق نجاحا باهرا،‏ هو حزب ‏»فيدرالية درافيديا للتقدم«‏ ‏)درافيدا<br />

موناترا كازاغام(،‏ الذي فاز في منطقة ‏»تاميل نادو«‏ ب 23 مقعدا.‏<br />

أما حزب المؤتمر،‏ فإن الواليتين الوحيدتين اللتين حقق فيهما تقدما ملموسا هما البنجاب وكيراال،‏ حيث فاز على<br />

الشيوعيين الذين تراجع تمثيلهم على المستوى الوطني إلى 5 مقاعد من مجموع 542 مقعدا،‏ 3 منها للحزب الشيوعي<br />

الهندي،‏ الماركسي،‏ ومقعدان لفائدة الحزب الشيوعي الهندي،‏ وهي أسوأ نتيجة للحزبين عبر تاريخهما.‏<br />

كريستوف جافرولو Christophe Jaffrelot


21 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

للقومية الهندوسية<br />

باالنتخابات بحصيلة كارثية<br />

لقد صوت عدد كبير من<br />

الناخبين لفائدة مودي،‏ ليس من<br />

منطلق القومية الهندية،‏ وإنما من<br />

أجل التجديد لرجل قوي يمسك<br />

بالسلطة،‏ أو اعتبارا لغياب بدائل.‏<br />

ال توحي المعارضة لهم بالثقة.‏ غير<br />

أن األمر الذي يكتسي داللة بالغة<br />

يتمثل في أن تلك اإليديولوجيا لم<br />

تردعهم أو لم تقنعهم بعدم التصويت<br />

له.‏ منذ خمس سنوات،‏ وجدت هذه<br />

اإليديولوجيا ‏)القومية(‏ ترجمتها<br />

على األرض من خالل اعتداءات<br />

على األقليات المسيحية والمسلمة،‏<br />

بما في ذلك عمليات اإلعدام دون<br />

محاكمة التي طالت زهاء أربعين<br />

شخصا تم اتهامهم باستهالك لحوم<br />

البقر أو بنقل أبقار إلى المذبح.‏ كما<br />

أن هذه األقليات أضحت تواجه<br />

صعوبات كبيرة في إيصال أصواتها<br />

إلى مجلس ‏»لوكسابها«‏ ‏)مجلس<br />

النواب(،‏ الذي يهيمن عليه ‏»حزب<br />

الشعب الهندي«،‏ الذي لم يرشح<br />

سوى عدد قليل من األشخاص<br />

المنتمين ألقليات.‏<br />

هناك 25 منتخبا مسلما فحسب،‏<br />

أي %4،6 من عدد أعضاء المجلس،‏<br />

في حين أن األشخاص الذين يعلنون<br />

انتماءهم لهذا الدين يمثلون %14،6<br />

من السكان.‏ كما تظل النساء مهمشات<br />

رغم كونهن قد حققن تقدما في نسبة<br />

الحضور:‏ 78 منتخبة )%14،3(<br />

مقابل 66 نائبة قبل خمس سنوات.‏<br />

ألول مرة،‏ كانت نسبة مشاركتهن<br />

في االقتراع في نفس مستوى نسبة<br />

مشاركة الرجال.‏<br />

وعلى المستوى السوسيولوجي،‏<br />

أتت انتخابات <strong>2019</strong> لتؤكد عودة<br />

الطبقات العليا إلى البرلمان،‏ وهي<br />

عودة ترجع بداياتها إلى ما قبل عشر<br />

سنوات،‏ وترتبط بالتركيبة النخبوية<br />

لحزب الشعب الهندي.‏ هكذا،‏ فإنه<br />

من مجموع 147 مرشحا لهذا<br />

الحزب في الدوائر المتحدثة باللغة<br />

الهندية)‏‎9‎‏(،‏ التي تضم في المجموع<br />

نصف عدد المنتخبين لعضوية<br />

مجلس النواب،‏ هناك 88 مرشحا<br />

ينتمون إلى الطبقات العليا،‏ التي ال<br />

تمثل سوى %12 من السكان.‏ تم<br />

انتخاب 80 منهم،‏ من بينهم 33 من<br />

معتنقي المذهب البراهماني ‏)الطبقة<br />

األعلى(‏ و‎27‎ من الراجبوت ‏)طبقة<br />

محاربة تأتي مباشرة إثر الطبقة<br />

السابقة ضمن التراتبية االجتماعية(‏<br />

.)10(<br />

كما يتسم البرلمان الجديد<br />

بالحضور المكثف للورثة المنتمين<br />

إلى األسر السياسية العريقة.‏ هذه<br />

‏»السالالت الحاكمة«،‏ باقتباس<br />

العبارة المستخدمة في الهند،‏ ارتفع<br />

نصيبها من %25 من المنتخبين سنة<br />

2014 إلى %30، وبلغت النسبة<br />

في بعض الواليات درجة أعلى من<br />

هذا المعدل،‏ على غرار كارناتاكا<br />

)%39( وماهاراشترا )%42(<br />

وبيهار )%43( والبنجاب )%62(.<br />

ينطبق هذا األمر بشكل جلي على<br />

األحزاب اإلقليمية،‏ التي هي عادة<br />

مملوكة لعائالت أبا عن جد.‏ غير أن<br />

األحزاب الوطنية ليست بمنأى عن<br />

هذه الوضعية،‏ ذلك أن %31 من<br />

مرشحي حزب ‏»المؤتمر«‏ ينتمون<br />

إلى السالالت الحاكمة،‏ مقابل %22<br />

بالنسبة لمرشحي ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«،‏ على الرغم من أن هذا<br />

األخير قد خاض حملته االنتخابية<br />

تحت شعار ‏»ضد السالالت التي<br />

تحكم الهند«،‏ وبالخصوص،‏ أولى<br />

وأكبر هذه السالالت،‏ وهي ساللة<br />

نهرو غاندي.‏ تعتبر هذه النسبة<br />

مثيرة لإلستغراب ال سيما وأن<br />

‏»حزب الشعب الهندي«‏ قد حرص<br />

على تجديد مرشحيه من أجل ضخ<br />

دماء جديدة.‏ هكذا،‏ تم تعويض مائة<br />

من النواب المتخلين بآخرين،‏ يمثلون<br />

دماء جديدة،‏ لكنهم يفتقدون ألية خبرة.‏<br />

ذلك أن ترشيح أبناء عائالت سياسية<br />

يمثل ضمانة للنجاح.‏ إذا كان تأنيث<br />

قائمة المرشحين أمرا ضروريا،‏ من<br />

األولى ترشيح زوجات أو أرامل أو<br />

بنات قادة سياسيين من أجل تقوية<br />

حظوظهن في النجاح.‏ إنها حالة<br />

%54 من النساء المرشحات من<br />

قبل حزب ‏»المؤتمر«‏ و‎%53‎ من<br />

مرشحات ‏»حزب الشعب الهندي«.‏<br />

أقليات في وضع<br />

حرج<br />

لن تكون الصورة مكتملة إذا<br />

ما لم نؤكد على النسبة المتنامية<br />

للمنتخبين المتهمين بارتكاب جرائم<br />

أو ممن لهم سجل حافل من السوابق<br />

العدلية.‏ يفسر هذا التوجه بالدور<br />

المتنامي للمال والبحث عن أوجه<br />

الحماية السياسية التي تحفز الكثير<br />

من المجرمين.‏ من بين النواب ال<br />

539 الذي دققت في وضعياتهم<br />

‏»الجمعية من أجل اإلصالح<br />

الديمقراطي«،‏ وهي منظمة غير<br />

حكومية معروفة بجديتها،‏ هناك<br />

%43 منهم محل تتبعات قضائية<br />

‏)مقابل %34 سنة .)2014 11<br />

منهم ‏)من بينهم 5 منتخبين على<br />

قائمات حزب الشعب(‏ متهمون<br />

بجرائم قتل،‏ و‎30‎ منهم متهمون<br />

بمحاولة القتل و‎19‎ بممارسة العنف<br />

على النساء.‏ ينتمي 116 منهم إلى<br />

‏»حزب الشعب الهندي«‏ و‎29‎ لحزب<br />

‏»المؤتمر«)‏‎11‎‏(.‏<br />

وفي ظل هذه الظروف،‏ لن<br />

يكون العهد الذي سيتم افتتاحه مع<br />

التجديد لمودي على رأس الحكومة<br />

نسخة مطابقة للعهد السابق.‏ من<br />

األكيد أن التواصل سيكون الجانب<br />

الراجح بشأن بضعة نقاط رئيسية،‏<br />

مثل تركيز السلطة بين أيدي<br />

رئيس الوزراء.‏ لكن حجم األزمة<br />

االقتصادية يقتضي قرارات قوية<br />

وحاسمة.‏ ومن أكثر هذه القرارات<br />

إلحاحية تلك المتصلة بالقطاع<br />

الزراعي،‏ الذي يعتبر قطاعا منكوبا<br />

والذي يستعد لمواجهة تبعات موسم<br />

أمطار سيء.‏ دون شك،‏ يتعين على<br />

الحكومة أن تذعن إلجراء الترفيع<br />

في أسعار المنتجات الفالحية،‏ حتى<br />

وإن تسبب ذلك في إعادة صعود<br />

نسبة التضخم وفي إثارة غضب<br />

قاعدتها االنتخابية الحضرية.‏ يحد<br />

هذان العنصران من هامش التحرك<br />

المتاح أمام الحكومة.‏<br />

على الصعيد السياسي،‏<br />

هناك صنفان من التوترات التي<br />

ستشهد قطعا مزيد التصاعد خالل<br />

السنوات الخمس المقبلة.‏ أوال،‏ على<br />

صعيد العالقات بين حكومة مودي<br />

وحكومات واليات االتحاد الهندي<br />

التي تسيرها أحزاب معارضة،‏ والتي<br />

تتجه نحو مزيد من التوتر.‏ المثال<br />

األكثر داللة على هذا المستوى،‏<br />

يتعلق بمامات ابانرجي،‏ رئيسة<br />

حكومة والية البنغال الغربي،‏ التي<br />

استهدفها حزب الشعب الهندي الذي<br />

يريد االستحواذ على هذه الوالية التي<br />

تعتبر معقل الشيوعية منذ سنوات.‏<br />

ثانيا،‏ تجد األقليات نفسها مجبرة في<br />

وضع أكثر صعوبة:‏ اعتبارا لدخول<br />

الجناح اليميني لحزب الشعب الهندي<br />

إلى البرلمان،‏ يرتقب أن تشهد الفترة<br />

التشريعية وضع حد لمسلسل قديم<br />

يعود لحوالي ثالثين عاما،‏ ويتعلق<br />

بملف ‏»بابري مسجد«،‏ المسجد<br />

الذي تم هدمه سنة 1992 من قبل<br />

نشطاء قوميين هندوس.‏ خالل<br />

األشهر القليلة القادمة،‏ ينتظر أن<br />

تتخذ المحكمة العليا قرارا مهما.‏ إذا<br />

لم ترخص للقوميين الهندوس ببناء<br />

معبد في هذا الموقع الذي يعتبرونه<br />

موقع اإلاله ‏»رام«،‏ سينظم هؤالء<br />

الناشطين دون شك مظاهرات حاشدة<br />

قد تتحول إلى مظاهرات خطيرة<br />

على سالمة األقليات.‏ إذا رخصت<br />

لهم،‏ يمكن للشبان المسلمين،‏ الذين<br />

يعانون راهنا من كل أشكال التمييز،‏<br />

أن يرفعوا رؤوسهم.‏<br />

9( تضم هذه المنطقة الشاسعة كال من أوتار<br />

براداش وبيهار وجارخاند وشهاتيسغار وماضيا<br />

براداش وراجستان ودلهي وهاريانا وهيماشال<br />

براداش وشانديغار.‏<br />

10( هذه المعطيات،‏ تماما مثل المعطيات الواردة<br />

في الفقرة الالحقة،‏ مقتبسة من بحوث حول<br />

‏»مالمح الشخصية االجتماعية للهنود المنتخبين<br />

قوميا وإقليميا للهيئات التمثيلية«‏ ،)Spinpar(<br />

وهو مخبر دولي بتعاون مع المركز الوطني<br />

للبحث العلمي وتم تركيزه من قبل جامعة أشوكا<br />

في الهند وكلية العلوم السياسية في فرنسا.‏<br />

11( »%43 من المنتخبين حديثا لهم سوابق<br />

عدلية:‏ تقرير الجمعية من أجل اإلصالح<br />

الديمقراطي ،»ADR ‏»ذي واير«،‏ 27 ماي/أيار<br />

.<strong>2019</strong><br />

HARYANA<br />

DELHI<br />

الجغرافيا الدينية<br />

أندمان<br />

ونكوبا<br />

حصة<br />

من العدد<br />

الجملي<br />

للسكان<br />

800 400 0<br />

L<br />

N<br />

G .<br />

السكان<br />

الأقليون الأغلبيون<br />

80 %<br />

14 %<br />

أفغانستان<br />

جامور سريناغار<br />

كشمير<br />

هماشال<br />

الصين براديش<br />

دهرادون سملا<br />

أروناشال<br />

شانديغار<br />

بنجان<br />

برادش<br />

أوتارافند<br />

هريانا<br />

بهوتان<br />

باكستان<br />

سكيم<br />

أسام<br />

دلهي<br />

ناغالاند<br />

لوكناو<br />

ميغالايا<br />

جايبور<br />

باتنا<br />

مانيبور<br />

أوتار برادش<br />

بيهار<br />

بنغلاديش<br />

رجستان<br />

ميزورام<br />

تريبورا<br />

جرخند<br />

ماديا<br />

بورما كلكوتا<br />

أحمد أباد<br />

برادش<br />

بوبال<br />

البنغال<br />

غوجارات<br />

شهاتيسغاره<br />

الغربي<br />

سورات دامان وديو<br />

بهوبنشوار أوديشا رايبور<br />

2,3 %<br />

1,7 %<br />

0,7 %<br />

1,3 %<br />

فيزاخابتنام<br />

الهندوس<br />

المسلمون<br />

المسيحيون<br />

السيخ<br />

البوذيون<br />

آخرون<br />

تلنغانا<br />

حيدر أباد<br />

ماهارشترا<br />

تريفندروم<br />

دادارا وناغار هافلي<br />

بومباي<br />

أندهرا كارنتاكا<br />

بباناجي<br />

برادش<br />

قوا<br />

بنغلور<br />

مدراس<br />

بوندشري<br />

لكشدويب<br />

تميل<br />

نادر كيرالا<br />

سريلانكا<br />

المصدد:‏ التعداد الهندي 2011<br />

كم<br />

الانتخابات التشريعية ماي <strong>2019</strong><br />

ناغالاند<br />

مانيبور<br />

ميزورام<br />

أروناشال<br />

برادش<br />

أندمان<br />

ونكوبا<br />

عدد المقاعد المتحصل عليها<br />

في الغرفة السفلى للبرلمان<br />

حزب الشعب الهندي<br />

حزب عضو في تحالف مع حزب الشعب الهندي<br />

حزب المؤتمر<br />

حزب عضو في تحالف مع المؤتمر<br />

حزب آخر<br />

أسام<br />

ميغالايا<br />

تريبورا<br />

سكيم<br />

بيهار<br />

جرخند<br />

البنغال الغربي<br />

أوديشا<br />

جبهة اليسار<br />

حزب جهوي<br />

هماشال<br />

براديش<br />

شانديغار<br />

أوتارافند<br />

أوتار برادش<br />

شهاتيسغاره<br />

بوندشري<br />

تلنغانا<br />

أندهرا برادش<br />

ماديا<br />

برادش<br />

تميل نادر<br />

ماهارشترا<br />

كارنتاكا<br />

كيرالا<br />

جامور<br />

كشمير<br />

رجستان<br />

قوا<br />

غوجارات<br />

دامان وديو<br />

دادارا<br />

وناغار<br />

هافلي<br />

لكشدويب<br />

‎800‎كم 400 0<br />

المصدد:‏ مفوضية الانتخابات الهندية<br />

ndtv.com/elections<br />

www.censusindia.gov.in/2011census


جويلية/أوت - تموز/آب 22 <strong>2019</strong><br />

التراث العالمي لليونسكو،‏<br />

الهدية المسمومة<br />

كلّ‏ سنة،‏ يترشّ‏ ح حواليْ‏ خمسين موقعا طبيعيا أو ثقافيا للتسجيل على<br />

قائمة التراث العالمي،‏ وهو تسجيل يمنحها الحماية لصالح البشريّة جمعاء.‏ إالّ‏<br />

أن اليونسكو بمنحها هذا التصنيف توجّ‏ ه كذلك قوّة أفواج السيّاح.‏ ولئن كان ذلك<br />

متنفّسا مادّيّا مجزيا فإنه يمكن أن يكون مدمّرا .<br />

‏»فجأة،‏ بدأت ألبي تظهر على خارطة<br />

العالم.‏ تمّ‏ تسجيل هذا الحيّ‏ األسقفي على<br />

قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو<br />

‏)منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم<br />

والثقافة(‏ يوم 31 جويلية/تمّوز‎2010‎‏.‏<br />

في صباح اليوم التالي،‏ احتشد في المدينة<br />

خاس كثر،‏ و صار الناس يزورون<br />

لالستطالع«.‏ مازالت مديرة الشؤون<br />

الثقافية والتراث والعالقات الدولية بألبي<br />

ماري-آف كورتاس تتذكّر جيّدا هذا اليوم<br />

الذي غيّر نمط الحياة في هذا الحيّ‏ المبني<br />

باآلجر،‏ وفي سكّانها البالغ عددهم 52 ألف<br />

نسمة.‏ منذ ذلك الحين،‏ زاد عدد السيّاح<br />

بأكثر من الضعف،‏ إذ مرّ‏ من 700 ألف<br />

زائر في السنة إلى مليون سنة 2011، ثم<br />

إلى مليون ونصف سنة 2016 وإن تراجع<br />

العدد قليال سنة 2017...<br />

االعتراف بالقيمة«.‏ يتمّ‏ سنويّا تسجيل<br />

موقع أو موقعين.‏ تضمّ‏ فرنسا 44 موقعا<br />

مسجّ‏ ال في قائمة التراث العالمي تقسيمها<br />

كاآلتي:‏ 39 موقعا ثقافيا وأربعة مواقع<br />

طبيعية وموقع واحد مشترك.‏ قصد استباق<br />

نتائج هذا التشريف وجب على آلبي إعداد<br />

مخطّ‏ ط للتصرّ‏ ف بهدف ضمان الحفاظ<br />

على القيمة الكونية االستثنائية لهذا المعلم<br />

وكذلك تشريك جميع األطراف على المدى<br />

الطويل حتى ال تتحوّل المدينة إلى متحف.‏<br />

تشرح األمر بقولها:‏ ‏»غرافاي-برباس««‏<br />

في بعض األحيان،‏ يتحوّل هذا الترسيم إلى<br />

إشكالية بسبب اإلفراط في صدق العزيمة<br />

. في كثير من المدن،‏ اختار التهذيب<br />

‏»أصولية تاريخية«‏ أو ‏»أصولية زمنية«‏<br />

تبلغ في بعض األحيان حدّ‏ حصر المدينة<br />

في عصر محدّد«.‏<br />

السلطات الحاكمة في المنطقة بجمع كل<br />

السكان قصد االنكباب على مواضيع<br />

متنوّعة مثل وقوف السيارات في المدينة،‏<br />

والمحالّ‏ ت التجارية الصغيرة،‏ والتأثيث<br />

الحضري،‏ الخ.‏<br />

سنة 2014، تمت التوأمة بين البي<br />

وليجيانغ،‏ وهي مدينة من مقاطعة يونن تقع<br />

على طريق القوافل القديمة الرابطة بين<br />

المقاطعة والتيبت على ارتفاع 2400 متر<br />

من سطح البحر سنة 1986 وبعد تصنيف<br />

مدينتها العتيقة دايان ضمن الكنز الوطني<br />

الصيني،‏ أخذت شهرتها تتزايد بفضل<br />

أزقّتها الصغيرة المرصّ‏ فة والمحفوفة<br />

بالقنوات ومعمارها الفريد.‏ على الرغم من<br />

حدوث رجّات أرضية كثيرة آخرها كان في<br />

شهر فيفري/‏ شباط 1996، أمكن الحفاظ<br />

على تراثها الالّمادي وعلى مساكنها<br />

التقليدية الكائنة في المدينة العتيقة،‏ األمر<br />

الذي دفع باليونسكو إلى االعتراف بها<br />

وتسجيل هذا الموقع على قائماتها سنة<br />

1997. عرفت المدينة في ظرف سنوات<br />

قليلة تحوّال غير مسبوق)‏‎1‎‏(،‏ إذ مرّ‏ عدد<br />

السيّاح من أقلّ‏ عن 200 ألف سنة 1992<br />

إلى 1.7 مليون سائح سنة 1997، و‎2.6‎<br />

مليون سنة 1999 وأكثر من 4 ماليين سنة<br />

2005 و‎5.3‎ ماليين عام 2008...<br />

بالنسبة إلى السكان وخاصة الذين<br />

يقطعون األحياء العتيقة وأغلبهم من<br />

‏»الناكسي«-وهو شعب تيبتي برماني-‏<br />

كانت النتائج كارثيّة:‏ منذ مطلع سنوات<br />

األلفين أصبح قلب المدينة بتراثه<br />

المعماري الفريد جيبا سياحيا تتكاثر فيه<br />

الفنادق والمطاعم والحانات...‏ أصبح<br />

السكان المحلّيّون يفضلون تأجير محالّ‏ تهم<br />

لتجّار وافدين من المقاطعات المجاورة...‏<br />

و انتقلوا هم للسكنى في المدينة الجديدة.‏<br />

في غضون بضع سنوات،‏ أصبحت<br />

ليجيانغ ديكورا وقعت التضحية بجزء<br />

منه على مذبح السياحة.‏ الزالت تعترض<br />

الزائرَ‏ نساء ‏»النّاكسي«‏ وقد جئن للتجارة<br />

أو لمجرّ‏ د التّجوال،‏ ولكن السيّاح ظلّوا<br />

يحتلّون المرتبة األولى.‏ بلغ األمر<br />

باليونسكو سنة 2008 حدّ‏ تحذير البلديّة،‏<br />

حاثّة إيّاها على استرجاع إدارة شؤون<br />

المدينة وإال فإنه سيقع إدراجها في قائمة<br />

التراث المهدّد بالزوال...‏<br />

هنا بالذات نلمس تناقض السياحة<br />

وهي المنشودة والتي تلقى التشجيع ألنها<br />

تدرّ‏ العُمْلة الصعبة وتجرّ‏ النّموّ‏ واألمل،‏<br />

ولكنها تصبح مخشية الجانب عندما<br />

ينكسر التوازن.‏ يدمّر الزائرون المواقع<br />

التي يقدّسونها عن طريق اقتالع أعمدة<br />

‏»الكرنك«‏ وما يسبّبونه من انحتات<br />

للفضاءات الطبيعيّة في بوي دي دوم ومن<br />

تهرئة لكهف ‏»السكو«،‏ ورفس ماشو<br />

بيكشو،‏ كما أنهم يثيرون سخط السكّان<br />

الذين كانوا ينتظرون زيارتهم.‏<br />

في ليجيانغ،‏ وعلى مرّ‏ السنوات،‏ تم<br />

اتّخاذ بعض التدابير،‏ ولكنه أصبح من<br />

المستحيل إرجاع المدينة إلى السكّان.‏<br />

في هذه النقطة بالذات،‏ سلّمت اليونسكو<br />

باألمر الواقع.‏ فرّ‏ قلب مدينة الناكسي من<br />

مركزها الذي استقبل...‏ 46 مليون زائر<br />

خالل العام المنقضي.‏ تشهد ايمانوال<br />

لوران طالبة الدكتوراه في انتروبولوجيا<br />

العالم الصيني في المعهد الوطني للغات<br />

والحضارات الشرقية ‏)اينالكو()‏‎2‎‏(:‏<br />

‏»أتذكّر ذلك اليوم الذي تكاثر فيه عدد<br />

السيّاح في المدينة العتيقة إلى درجة اللجوء<br />

إلى الشبكات االجتماعية لتنبيه األهالي إلى<br />

ضرورة تجنّب دخول هذه المنطقة«.‏<br />

مع ذلك،‏ تحتاج النتيجة إلى<br />

تنسيب)‏‎3‎‏(.‏ تمتّعت مدينة ليجيانغ كذلك<br />

بعدد كبير من عمليات الترميم.‏ زيادة<br />

على التراث المادّي،‏ ينبغي أن نذكر تأثير<br />

السياحة في شعب ناكسي وثقافة دونغبا<br />

التي أدرجت أبوابٌ‏ كثيرة منها في قائمة<br />

التراث الثقافي الالّمادّي بين سنتي 2006<br />

و‎2014‎‏.‏ الدونغبا،وهم سحرة ناكسي<br />

المعروفون بكتاباتهم التصويرية ما انفكّوا<br />

يفتنون الزّ‏ وّار.‏ ولئن لم تكن الصين تنتظر<br />

هذه المِنّة إلساءة معاملة هؤالء السكان فإن<br />

التطور الحالي يمكن أن يخلّف آثارا غير<br />

متوقّعة تتراوح بين األسوأ واألفضل...‏<br />

تفسّر ايمانوال لوران ذلك بقولها:‏ ‏»من<br />

الصعب كسب لقمة العيش عن طريق<br />

نشاط ‏»دنغبا«‏ وحده.‏ يعثر البعض،‏ وهم<br />

في أغلبهم من الشباب،‏ على شغل في<br />

الميدان السياحي حيث يستثمرون معارفهم<br />

قصد كسب بعض المال.‏ بينما يندّد بهم<br />

جونفياف كالستر * Clastres Geneviève<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

خطر المتحفية<br />

غالبا ما يكون التسجيل في قائمة<br />

التراث العالمي متعلّقا بمواقع كانت تشهد<br />

بالفعل إقباال كبيرا.‏ مع ذلك،‏ يبقى ‏»مفعول<br />

اليونسكو«‏ قائما وحقيقيا،‏ إذ تقول ماريا<br />

غرافري-برباس مديرة كرسي اليونسكو<br />

للثقافة والسياحة والتنمية بجامعة باريس<br />

‎1‎بنتيون-الصربون:‏ ‏»التسجيل هو ضمان<br />

لجودة الموقع سواء كان طبيعيا أو ثقافيا.‏<br />

هو في نظر الزّ‏ وّار المحتملين بمثابة<br />

* صحفية،‏ أشرفت على المؤلَّف الجماعي:‏ ‏»عشر سنوات من السياحة<br />

المستدامة«،سلسلة ‏»فلنسافر بطريقة أخرى«،بور-الس-‏ فالنس،‏<br />

.2018<br />

لتجنّب هذا المطبّ‏ ، عمدتْ‏<br />

اللجنة المسيّرة للموقع منذ البدء إلى<br />

تشريك المؤسسات والشركاء الثقافيين<br />

والعلميين وشخصيات من ذوي الكفاءة،‏<br />

لكن أيضا المهنيين في مجال السياحة<br />

وعموم السكّان.‏ تؤكّد كورتاس أن<br />

الحي األسقفي ال يرغب في التركيز<br />

على المقاربة ‏“التراثية”‏ فحسب.‏ نحن<br />

نتناول كذلك الجانب اإلنساني والجانب<br />

االقتصادي والتفاعل بينهما.‏ باإلضافة<br />

إلى ذلك،‏ نقوم باإلشراف داخل المنطقة<br />

العازلة على أنشطة تخضع لنفس درجة<br />

الجودة والعناية«.‏ في كل سنة،‏ تسمح<br />

‏»جسر القوس«‏ أحد المعالم التاريخية في ايرلندا.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

1( ‏»السياحة و الهويّة في جنوب الصين.‏ حالة الناكسي<br />

في ليجيانغ«‏ ضمن:‏ جان-ماري فورت وفرانك ميشال<br />

‏)إشراف(«‏ السياحات والهويّات«،‏ لرمتّان،‏ سلسلة ‏»السياحات<br />

والمجتمعات«‏ باريس،‏ 2006.<br />

2( ايمانوال لوران:‏ ‏»حول المحافظة على ثقافة الناكسي في<br />

ليجيانغ«،‏ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، http://bulac.<br />

hypotheses.org<br />

3( هيثر بيترز:‏ ‏»الرقص في السوق:‏ إعادة تشكيل التجارة<br />

والتراث في ليجيانغ«‏ في ‏»تامي بلومنفيلد وهيالين سلفرمان<br />

‏)تحت إشراف(‏ ‏»سياسة التراث الثقافي في الصين«،‏ سبرنغر،‏<br />

نيويورك،‏ 2013.


23 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

التأثيرات الغير المتوقعة للعالمة<br />

للسياحة الثقافية<br />

آخرون زاعمين أنهم ليسوا من ‏“الدونغبا<br />

الحقيقيين”،‏ ولكن الكثيرين يسلكون مسلكا<br />

أقلّ‏ محافظة في نقل معارفهم«.‏ رغم<br />

التجاوزات والمواقف الفلكلوريّة التي<br />

تقرب من السخافة،‏ جرّ‏ ت السياحة انتعاشة<br />

لثقافة دونغبا عبر انتشار مراكز الثقافة<br />

والبحث وإحياء بعض الطقوس والعادات<br />

وإحياء الحِ‏ رَ‏ ف،‏ بل إن الحكومة أصبحت<br />

تشجع شعب ناكسي على إحياء لغته.‏<br />

تتبادل وفود من آلبي وليجيانغ<br />

الزيارات بصفة منتظمة قصد تبادل<br />

الخبرات.‏ ولكن التصرّ‏ ف في المكاسب<br />

شديد االختالف بين البلدين:‏ في فرنسا،‏<br />

تُعطَ‏ ى األولوية للمشاورات ورفاهية<br />

السكّان،‏ أما في الصين فاعتبار السكّان<br />

قليل في هذا المجال.‏ كما يحاول الصينيون<br />

االستلهام من كل ما ثبتت جدواه في فرنسا.‏<br />

تتحدّث كورتاس قائلة ‏»كلّما استقبلنا<br />

وفودا من ليجيانغ إال وعبّرت عن اهتمامها<br />

بالطريقة التي نتصرّ‏ ف بها في تراثنا سواء<br />

في مستوى اختيار الموادّ‏ واأللوان أو في<br />

مستوى مفهوم الهويّة المرتبطة بالمهارة.‏<br />

في الصين،‏ قيمة االستخدام هي التي تؤخذ<br />

بعين االعتبار.‏ كما أثارت إعجابهم بشكل<br />

الفت تراتيب العمل التي نتبعها.‏ تملك فرنسا<br />

أفضل منظومة لصيانة التراث والبيئة<br />

أيضا.‏ فنحن،‏ حريصون كلّ‏ الحرص مثال<br />

على حماية التنوّع البيولوجي على ضفاف<br />

نهر تارن الذي يتاخم ممتلكاتنا،‏ وقد أدهشهم<br />

هذا«.‏<br />

مواقع كثيرة أخرى حظيت برعاية<br />

اليونسكو لتجد نفسها في مواجهة السياحة<br />

الكثيفة.‏ في دوبرفنيك في كرواتيا،‏ يوجد<br />

مشروع عقاري يضم ملعبا للصولجان<br />

على الجبال المقابلة للمدينة من شأنه أن<br />

يشوّه جزءا من الشاطئ الدلماسي.‏ نظرا<br />

إلى التهديد بتسجيل القلعة في قائمة<br />

التراث المهدّد)‏‎4‎‏(،‏ اضطرّ‏ ت المدينة إلى<br />

تخفيض عدد الزّوّار إلى 8 آالف،‏ ثمّ‏ إلى<br />

4 آالف في اليوم،‏ كما أعلنت،‏ على سبيل<br />

المثال،‏ على التخفيض في عدد المشاركين<br />

في الرحالت البحرية عبر التفاوض مع<br />

المنظمة العالمية للرحالت البحريّة حول<br />

جدولة وصول البواخر.‏ كذلك،‏ عمدت<br />

مدينة البندقيّة منذ سنة 2018 إلى تحديد<br />

عدد الزّوّار لساحة سان-مارك خالل حفل<br />

افتتاح الكرنفال ب 20 ألف شخص،‏ كما<br />

فرضت بداية من ماي/أيّار <strong>2019</strong> معلوم<br />

دخول من 3 إلى 10 يورو على كل زائر.‏<br />

لكن هذا التحديد لعدد الزائرين ليس الحل<br />

األمثل كما تقول ماريا غراباري-برباس:‏<br />

‏»تمثل سياسة الحصص إشكالية ألنها<br />

تتجه نحو تحويل المدن إلى متاحف أو إلى<br />

حدائق حضريّة يتم تنظيم الدخول إليها<br />

ومراقبته بل وحتّى بمقابل«.‏<br />

شهدت عدة مدن أوروبية مثل<br />

برشلونة وسان-سبستيان وأمستردام<br />

مظاهرات معادية لجحافل السيّاح التي<br />

تجتاح شوارعها محدثة نشاطا صاخبا<br />

ومُرفّعة في مستوى العيش داخلها.‏ يمكن<br />

للتسجيل في قائمة تراث اليونسكو العالمي<br />

أن يمثّل ردّا على التجاوزات السياحيّة<br />

في حالة اعتباره بمثابة الحافز والمنطلق<br />

لوضع إستراتيجية حمائيّة محدّدة.‏ تشهد<br />

كورتاس على ذلك بقولها:‏ ‏»وضعت آلبي<br />

أول مخطّ‏ ط تصرّ‏ ف عندما أصبح ذلك<br />

إلزاميّا،‏ وصرنا منذ تلك اللحظة بمثابة<br />

المرجع.نحن فخورون بأننا أصبحنا<br />

قدوة تلهم المواقع األخرى مثل الحوض<br />

المنجمي بشمال بادوكالي مغارة شوفاي<br />

وسلسلة بوي«.‏<br />

أدوات إدارة المواقع<br />

تعمل شبكة المواقع الكبرى في<br />

فرنسا منذ الثمانينات على تكييف<br />

طاقات االستيعاب.‏ تقول مديرتها سولين<br />

آرشنبو،‏ ‏»نحن ننجز دراسات لتحديد<br />

طاقة استيعاب كل موقع بين الزيارة<br />

والحفاظ على المحيط،‏ مع الحرص<br />

في ذات الوقت على أالّ‏ يشعر السكان<br />

بالحرمان من ممتلكاتهم،‏ وعلى أالّ‏ تصبح<br />

السياحة النشاط الوحيد لمنطقة معينة.‏ من<br />

شأن التحكّم في تدفّق الزّوّار عند المداخل<br />

وتوسيع المساحة المخصصة للزيارة أن<br />

يتحكّما في بلوغ الغاية القصوى.‏ طرق<br />

المعالجة والحلول عديدة،‏ ويمكن تكييفها<br />

حسب الوضعيات:‏ بعث مراصد لنسبة<br />

الزيارات،‏ تراجع مواقف السيارات،‏<br />

وضع وسائل نقل،‏ توفير درّاجات<br />

كهربائيّة،‏ تعبئة التجار لتحسين جودة<br />

البضاعة المعروضة،‏ الخ.‏ قام آخر موقع<br />

تمّ‏ تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي<br />

‏)يوم 2 جويلية/تمّوز 2018( فهو سلسلة<br />

بوي فاي في ليمانيو،‏ بتهيئة فضاءات<br />

للتوقّف مندمجة المحيط،‏ وقطارا مسنّنا،‏<br />

ومنارات للتبليغ والوقاية تمّ‏ التشاور<br />

حولها محلّيّا.‏<br />

المعبد الروماني ‏»موقع اليونسكو للتراث«.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

تتولى شبكة المواقع الكبرى بفرنسا<br />

تقديم تكوين باللغة الفرنسية للمتصرفين في<br />

مواقع العالم أجمع تحت إشراف اليونسكو.‏<br />

تكوين يسمح بتبادل الخبرات بين أكثر من<br />

خمسة وثالثين بلدا حول التسيير المندمج<br />

للمواقع وتحسيس المواطنين الذي يظلّ‏<br />

في قلب هذه العمليّة.‏ من البديهي أن بعض<br />

المواقع مثل تلك الواقعة داخل األسوار<br />

والجدران والتحصينات تصعب حمايتها<br />

أكثر من سواها،‏ وتؤكد ذلك غرافاري-‏<br />

برباس بقولها:‏ ‏»في بعض األحيان تسعى<br />

األوساط التي تعيش على السياحة من أجل<br />

تواصل سياسة الالمباالة،‏ بل وحتى سياسة<br />

التحفيز السياحي.‏ لكن اإلدراج ضمن قائمة<br />

اليونسكو يوفّر للمدن الوسائل المساعدة<br />

على ممارسة الضغط المحلّيّ‏ و ذلك بالتلويح<br />

بتهديد التسجيل ضمن قائمة التراث العالمي<br />

المعرّ‏ ض للخطر،‏ بل وحتى الشّطْ‏ ب من<br />

القائمة.‏ من ذلك أن ليفربول وجدت نفسها<br />

مسجّ‏ لة على قائمة التراث العالمي المهدّد<br />

وذلك خاصّ‏ ة بسبب مشاريع عقاريّة من<br />

شأنها تشويه القيمة الكونيّة الفريدة للمكان.‏<br />

كما أدّى مشروع بناء برج فندق كونتيننتال<br />

بمدينة فيينّا إلى نفس المصير،ألنه يعتدي<br />

بشكل كبير على مشهد الذي خلّده برناردو<br />

بلوتو )1761-1758( في لوحة فنّيّة«.‏<br />

أصبحت برشلونة تدفع ثمن نجاحها<br />

بعد أن اختارت السياحة المكثفة زهيدة<br />

الثمن.‏ أما الصين،‏ فتشكّل في هذا المجال<br />

واجهة مثالية تبرز فيها قوّتها وقدرتها<br />

على االبتكار الدائم.‏ إذا كانت فرنسا قد<br />

استطاعت إحياء تراثها،‏ فإن السياحة لم<br />

تعد تحظى بوزارة خاصة منذ 1995 في<br />

حين عرف البعد االقتصادي صحوة غير<br />

مسبوقة.‏ هذه الرؤية القاصرة تجعل مهمّة<br />

أولئك الذين يعملون من أجل إيجاد توازن<br />

متناغم ومستدام بين األبعاد االقتصاديّة<br />

والبيئيّة والبشريّة مهمّة صعبة.‏<br />

مدينة جايبور في الهند ‏»موقع اليونسكو للتراث«‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

4( تقرير اليونسكو-ايكوموس عن بعثة الرصد التفاعلي إلى<br />

الحيّ‏ القديم بدوبرفنيتك،‏ كرواتيا،‏ اليونسكو،‏ المجلس العالمي<br />

للمعالم والمواقع،‏ نوفمبر/تشرين الثاني 2015،<br />

http://whc.unesco.org


عدد - 41 جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

جون برجر،‏ الكشاف<br />

ماري-نوال ريو Marie-Noël Rio<br />

الكتاب األول لجون برجر Berger()2017-1926( )John نُشر<br />

بلندن سنة 1958 وتمّ‏ منعه من البيع على الفور،‏ ولم يسمح بتداوله إال<br />

سنة 1976، وهو رواية بعنوان « رسّ‏ ام من عصرنا«)‏‎1‎‏(.‏ يوم 16<br />

أكتوبر/تشرين األول 1956، أي خالل األسبوع الالحق لإلفتتاح الناجح<br />

لمعرضه األول بعد عشرين عاما من التجاهل،‏ توفّي الرسّ‏ ام المجري<br />

‏»يانوس الفان«‏ وهو في العقد السادس من العمر.‏ هو شيوعيّا فرّ‏ من<br />

نظام ‏»ميكلوس هورثي«‏ خالل العشرينات،‏ واستقرّ‏ في لندن منذ سنة<br />

1938. في مرسمه المهجور،‏ عثر صديقه جون على كرّاس مسوّداتِ‏<br />

رسومه الذي اتخذه دفترا يدوّن عليه يومياته انطالقا من سنة 1952،<br />

تأسست الرواية على ما ورد معها من تعليقات حرّرها جون وعلى<br />

فحوى الرسالة التي تلقّاها من يانوس خمسة عشر يوما قبل اختفائه وهو<br />

في طريقه إلى مدينة ‏»بودابست«‏ عند انطالق التمرّد.‏<br />

أحداث حياة يانوس تتقاطع في الرواية:‏ ‏“الزلو”‏ صديق الشباب<br />

الذي بقي في المجر وأصبح مسؤوال سياسيا وقتل شنقا في شهر جويلية/‏<br />

تمّوز 1952 بتهمة الخيانة،‏ واإليمان باالشتراكية،‏ وحياة المنفى،‏<br />

والمصاعب المادّيّة والعمل بال كلل في المرسم.‏ لم يكن يبيع شيئا،‏ بل<br />

كان يكسب قليال من المال عن طريق تقديم دروس في مدرسة للفنون<br />

الجميلة.‏ كيف يمكن الصمود رغم الوسط المتعفّن لألروقة والنقّاد<br />

والمؤسسات الخانعة واألثرياء من جامعي األعمال الفنية؟ كيف يمكن<br />

للفنّان أن يكون نافعا في مجتمع ليس راغبا فيه؟ كيف يمكنه ممارسة<br />

اختياره السياسي الثوري؟ تتمثّل مهمة الفنّان في طرح أسئلة ملموسة<br />

جدّا،‏ وفي الحلول الواقعية جدّا التي يقدّمها لها تتحدّد هويّته ومسؤوليته<br />

االجتماعية،‏ وعالقته السياسية بالواقع ال عبر التعبير عن الفكرة وتقديم<br />

األدلة عليها.‏ هذا يعني أن الفن هو بحث عن الحقيقة،‏ حقيقة الفنان وحقيقة<br />

األثر وقد تمازجتا.‏ الوصف التفصيلي الدقيق لألحد عشر شهرا من العمل<br />

التي خصّ‏ صت إلنجاز ‏»ألعاب«،‏ وأكبر لوحة من القماش رسمها يانوس<br />

هو المثال الرائع على هذا الشرط األساسي.‏ بعثت صدى ل»أحاديث<br />

حول الرسم«‏ لشيتاو )1720-1641( ذكر كشاهد بعد ستّين عاما في<br />

‏»واآلن،‏ الدور اآلن«)‏‎2‎‏(:»مهما أوغلت في البُعد ومهما صعّدتَ‏ عاليا<br />

عليك أن تبدأ بخطوة بسيطة«.‏<br />

‏»دورك اآلن«‏ هو تبادل للرأي حول الرسم بين جون برجر في<br />

نهاية حياته في منطقة باريس وبين ابنه ‏»إيف«‏ الذي ظلّ‏ مقيما في<br />

قرية هوت سافوا حيث عاشا حتى ذلك الحين.‏ كان الرجالن يتراسالن<br />

ويتبادالن صورا،‏ هي نسخ من رسومهما الخاصّ‏ ة ‏)وقد أطلق عليها<br />

جون اسم آخر ‏»نصوص«(‏ أو من لوحات نالت إعجابهما وهي في<br />

اغلبها أعمال تصويريّة.‏ لكن السؤال ال يتعلّق بأهمية الشكل أو التجريد<br />

في العالم الحديث،‏ هذا الجدل القديم البالي،‏ بل في الضرورة الباطنية<br />

داخل العمل الذي يُنْجَ‏ ز.‏<br />

عندما عاد إلى مغامرة الكتاب المصوّر في شراكة ختامية رائعة<br />

مع صديقه المصوّر الشاعر التركي سلجوق دميرال ‏)الذي يشارك كل<br />

شهر على أعمدة جريدتنا(،‏ بدا المشروع أيسر وأخفّ‏ ، ولكن المتعة التي<br />

يمنحها متعة مُحرِّرة.‏ في عمل ‏»سموك«)‏‎3‎‏(‏ راح الرجالن يسخران<br />

ويأسفان من التحوّل إلى إنحراف فردي لذة السيجارة،‏ هذا الفاصل<br />

الوجيز للّحظة التي،‏ المشتركة،‏ تكون مدخال للحوار.لكن بصفة أوسع،‏<br />

يحيل عزل هؤالء المدخّ‏ نين على عمليات ‏»تجرّد«‏ للحياة االجتماعيّة<br />

تقودها الرأسمالية الواعظة التي اختارت بمساعدة ‏»ستار من الدّخان«‏<br />

أقامته وسائل اإلعالم أن تندّد بالمنحى المسمّم لعشّاق التّبغ عوضا<br />

عن التنديد بالتلويث الذي تخلّفه المصانع،‏ و بالتجارب النووية التي<br />

تُجريها كوريا الشمالية بدال من شجْ‏ ب الغوّاصات النووية الستّين التي<br />

تجوب المحيطات.‏ لقد كان جون برجر في كل كتاب من كتبه يجدّف<br />

ضدّ‏ التيّار بكل قوّة واعتزاز.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

1( جون برجر:‏ ‏»رسّ‏ ام من زماننا«،‏ الورشة المعاصرة،‏ ستراسبرغ،‏ 224 <strong>2019</strong>،<br />

ص،‏ 25 يورو.‏<br />

2( جون وايف برجر:‏ ‏»دورك اآلن«،‏ الورشة المعاصرة،‏ ستراسبرغ،‏ 100 <strong>2019</strong>،<br />

ص،‏ 20 يورو.‏<br />

3( عناوين أخرى للصديقين:‏ ‏»كاتاركت«‏ )2013( و»رجل على الشاطئ«‏<br />

)2015(، وقد ظهرا في منشورات ‏»زمن حبّ‏ الملوك«.‏ مانترويل ومن المنتظر<br />

خالل سبتمبر/أيلول <strong>2019</strong>: ‏»كم الساعة؟«،‏ نوتنغ هيل،‏ طبعة دوفان.‏<br />

جويلية/أوت - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الفهرس<br />

الصفحة 2:<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

إيمانويل حداد Emmanuel Haddad<br />

الصفحة 3:<br />

الرجوع بالتاريخ<br />

أكرم بلقايد Akram Belkaïd<br />

الصفحة 5-4:<br />

أوروبا الدفاع،‏ جيش من ورق<br />

فيليب اليماري Philippe Leymarie<br />

الصفحة 7-6:<br />

األفكار المسبقة حول اإلنعاش اإلقتصادي<br />

لورا را ييم Laura Raim<br />

الصفحة 9-8:<br />

المصالحة بين الصناعة والطبيعة<br />

الصفح 11-10:<br />

عندما كان الجنوب يراهن على ‏»البورجوازية الوطنية«‏<br />

فيفاك شيبّار Vivek Chibber<br />

الصفحة 13-12:<br />

مناضالت في تمرّد<br />

إيلوا فاالت Éloi valat<br />

الصفحة 15-14:<br />

الساحل،‏ العسكريون يستبعدون وزارة الخارجية<br />

ريمي كارايول Rémi carayol<br />

الصفحة 17-16:<br />

عدم محاكمة عنف النازية الجديدة<br />

ماسيمو بيرينالي وكريستوفر بولمان<br />

Massimo Perinelli et Christopher Pollmann<br />

الصفحة 19-18:<br />

جيوسياسية األزمة الفنزويلية<br />

الصفحة 21-20:<br />

في الهند،‏ كيف يمكن الفوز باالنتخابات بحصيلة كارثية<br />

كريستوف جافرولو Christophe Jaffrelot<br />

الصفحة 23-22:<br />

الهدية المسمومة للسياحة الثقافية<br />

جونفياف كالستر Geneviève Clastres<br />

الصفحة 24:<br />

جون برجر،‏ الكشّاف<br />

ماري-نوال ريو Marie-Noël Rio<br />

Le Monde Diplomatique - édition arabe<br />

www.editionarabdiplo.com<br />

الكسندر ماين Alexander Main<br />

جان غادراي Jean Gadrey

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!