01.08.2019 Views

جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019

العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك

العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

ص 18<br />

مناضالت<br />

في<br />

تمرد<br />

الساحل،‏ العسكريون<br />

يستبعدون<br />

وزارة الخارجية ص<br />

جيوسياسية<br />

األزمة<br />

14 الفنزويلية<br />

ص 12<br />

عدد - 41 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

نشرية شهرية<br />

التبادل الحر أم البيئة!‏<br />

سارج حليمي Serge Halimi<br />

بحصولهم على نسبة %10 من المقاعد في انتخابات البرلمان األوروبي،‏<br />

أحيى الخضر جدل قديم حول التموقع السياسي لهذه الحركة.‏ هل هي على األغلب<br />

يسارية،‏ مثلما تشير به غالبية التحالفات التي عقدتها حتى اليوم،‏ أم أنها ليبيرالية،‏<br />

مثلما يوحي بذلك،‏ في نفس الوقت،‏ التحاق عدد هام من القادة الخضر السابقين ‏)دانيال<br />

كوهن بانديت،‏ باسكال كانفان،‏ باسكال دورن(‏ بصفوف إيمانويل ماكرون،‏ وبعض<br />

التحالفات األخرى،‏ من قبيل التحالف القائم في ألمانيا بين اليمين والخضر؟<br />

ثالثون سنة بعد الحرب األهلية<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

يظهر أن مصير المفقودين في الحرب األهلية اللبنانية )1990-1975( وأكثرهم ضحايا االختطاف،‏<br />

أمر ال يهم السلطات السياسية كثيرا وهي الحريصة على طوي هذه الصفحة لتعزيز إعادة بناء البالد.‏ لكن<br />

تحرك العائالت المعنية يمنع إرساء النسيان ويساهم في توثيق أحد أكثر الحلقات تراجيدية في النزاع.‏<br />

إيمانويل حداد * Haddad Emmanuel<br />

من األرجح أن الليبيرالية وحماية المحيط يمثالن ثنائيا متنافرا.‏ سنة 2003،<br />

خلص أحد منظري الليبرالية البارزين،‏ وهو ميلتون فريدمان،‏ إلى التأكيد على أن<br />

‏»البيئة تمثل مشكلة مبالغا فيها بقدر كبير )...( نحن نقوم بالتلويث كلما تنفسنا.‏ عليه،‏<br />

ليس من المعقول أن نغلق المصانع بذريعة إزالة كل انبعاثاث أوكسيد الكاربون في<br />

الفضاء.‏ سيكون عندها من األفضل لنا أن نسارع بشنق أنفسنا)‏‎1‎‏(.‏ قبله بعشر سنوات،‏<br />

اعتبر غاري بيكر،‏ وهو أحد كبار مناهضي ما لم نكن نطلق عليه وقتها اسم ‏»البيئية<br />

العقابية«،‏ أن ‏»الحق في العمل وحماية البيئة أصبحا مبالغا فيهما في معظم البلدان<br />

المتقدمة«.‏ لكنه توقع ما يلي:‏ ‏»سيقوم التبادل الحر بكبح بعض مظاهر المبالغة هذه من<br />

خالل إجبار الجميع على المحافظة على التنافسية إزاء واردات البلدان النامية)‏‎2‎‏(«.‏<br />

يمكننا أن ندرك بالتالي أن مظاهر القلق والحيرة المتصلة بمستقبل الكرة<br />

األرضية قد أتاحت رد االعتبار لمصطلح ظل لفترة طويلة مكروها وغير مرغوب<br />

فيه،‏ هو مصطلح ‏»الحمائية«.‏ في فرنسا،‏ وخالل نقاشات في نطاق الحملة االنتخابية<br />

األوروبية،‏ ذهب رئيسا قائمتي الحزب االشتراكي والخضر إلى حد المطالبة،‏ تقريبا<br />

بنفس عبارات مارين لوبان،‏ بإرساء ‏»حمائية على حدود االتحاد األوروبي«)‏‎3‎‏(.‏<br />

بمقدورنا أن نتفطن لحجم االنعكاسات المحتملة لمثل هذا التغيير في الوجهة،‏ عندما<br />

ندرك أن التبادل الحر يمثل المبدأ التاريخي المؤسس لإلتحاد،‏ في نفس الوقت الذي<br />

يمثل فيه الرئة االقتصادية للدولة األكثر قوة،‏ أي ألمانيا.‏<br />

مستقبال،‏ يدرك الجميع أن اإلشادة،‏ التي أضحت توافقية،‏ بالمنتجين المحليين،‏<br />

وبالحلقات القصيرة،‏ وبمعالجة النفايات على عين المكان،‏ ال تتالئم مع نمط إنتاج<br />

وتبادل يتيح تكثيف ‏»سالسل القيمة«،‏ أي ينظم سيل ناقالت الحاويات التي تجتاز<br />

على متنها مكونات نفس المنتج ‏»ثالث أو أربع مرات المحيط الهادي قبل أن تصل<br />

إلى رفوف مغازة)‏‎4‎‏(«.‏<br />

ستتاح خالل األسابيع المقبلة فرص عدة كي تؤكد هذه التيارات،‏ فعليا وواقعيا،‏<br />

رفضها لتبادل حر مدمر بيئيا.‏ بالفعل،‏ البرلمانيون األوروبيون مدعوون إلى المصادقة،‏<br />

أو،‏ وهذا وما نأمله،‏ أن يرفضوا،‏ اتفاقا لتحرير التجارة مع أربع دول من أمريكا<br />

الالتينية من بينها البرازيل واألرجنتين ‏)االتحاد األوروبي مجموعة ماركوسير-‏UE<br />

.)Aleca واتفاق ثالث مع تونس ‏)أليكا ،)CETA واتفاق آخر مع كندا ‏)سيتا ،)Mercosur<br />

عندها سنرى ما إذا كانت ‏»الموجة الخضراء«‏ قد غطت حقيقة أراضي القارة العجوز.‏<br />

1( حديث مع هنري لوباج،‏ نشرية ‏»سياسات دولية«،‏ العدد 100، باريس،‏ صائفة 2003.<br />

2( غاري بيكر،‏ ‏»نفطة:‏ قضية التلوث هي مجرد شاشة دخان«،‏ نشرية ‏»بيزنس ويك«،‏ 9 <strong>أوت</strong>/آب<br />

1993. ذكر في كتاب ‏»القفرة الكبيرة إلى الوراء«،‏ إعادة طبع دار النشر ‏»آغون«،‏ مرسيليا،‏ 2012.<br />

)3 فرانس 22 ،2 ماي/أيار .<strong>2019</strong><br />

4( بين كاسلمان ‏»المصانع تتأقلم مع الحرب التجارية لكن الثمن سيكون عالي«،‏ ‏»ذي نيويورك<br />

تايمز«،‏ 31 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

الفهرس بالصفحة األخيرة<br />

الثمن:‏ تونس : 3 دينار I الجزائر : 120 دينار<br />

المغرب:‏ 18 درهم I موريطانيا:‏ 660 أوقية<br />

في صبيحة هذا اليوم الموافق 28<br />

نوفمبر/تشرين الثاني 2018، اجتمعت<br />

ثالثون امرأة في حديقة خليل جبران<br />

الواقعة في قلب مدينة بيروت والتي لم<br />

تترك عملية إعادة بنائها أي أثر للنزاع<br />

الدامي الذي مزق لبنان بين عامي 1975<br />

و‎1990‎‏.‏ لقد أتين من كامل أنحاء البلد<br />

لحضور مؤتمر صحفي تاريخي.‏ قبل<br />

أسبوعين،‏ وتحديدا يوم 13 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني،‏ صادق البرلمان اللبناني<br />

على القانون عدد 105 حول المفقودين<br />

والمخفيين قسراً)‏‎1‎‏(.‏ ينص هذا القانون<br />

في فصله الثاني على أنه ‏»ألفراد األسرة<br />

والمقربين الحق في معرفة مصير<br />

أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين<br />

قسرا ‏)خالل فترة الحرب األهلية(«.‏ كما<br />

ينص على إحداث هيئة مستقلة مكلفة<br />

بتحديد أماكن المقابر الجماعية التي<br />

تنتشر في تراب البالد وإخراج الرفات<br />

البشرية بهدف تحديد هويات أصحابها.‏<br />

الكثير من النسوة كن يعانين من<br />

انحناء أكتافهن.‏ غالبيتهن قد وضعن<br />

عصابة على رؤوسهن كتب عليها ‏»لنا<br />

* صحفي ‏)بيروت(‏<br />

الحق أن نعرف«.‏ كن تحملن في أياديهن<br />

صورا فوتوغرافية طالها االصفرار<br />

لرجال بنظرات ثابتة.‏ إنها صور أبنائهن<br />

أو أزواجهن أو أشقائهن،‏ الذين فقدُوا<br />

جميعهم تقريبا خالل فترة الحرب،‏ التي<br />

انتهت على حصيلة رسمية عن ب 150<br />

ألف قتيل و‎17415‎ مفقودا.‏<br />

شقت امرأة ذات قامة قصيرة<br />

طريقها نحو طاولة بالستيكية وضع<br />

فوقها مصدح.‏ في مواجهة كاميرات<br />

التلفزيون،‏ انطلقت وداد حلواني،‏<br />

رئيسة هيئة أسر المفقودين والمخفيين<br />

قسرا في قراءة نص بالغ بنبرة مهيبة<br />

جاء فيه:‏ ‏»لقد صوت البرلمان مؤخرا<br />

على القانون حول المفقودين.‏ إنكم أنتم<br />

كعائالت،‏ من تحصلوا على هذه النتيجة.‏<br />

ارجعوا بالذاكرة إلى أول مظاهرة في<br />

كورنيش المزرعة يوم 17 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 1982. لم نكن نعرف<br />

بعضنا سابقا.‏ لكن األلم هو الذي جمع<br />

بيننا«.‏<br />

حلواني،‏ المعلمة السابقة التي<br />

أصبحت واحدة من أبرز المتحدثين باسم<br />

أقارب وذوي المفقودين،‏ لم تكن لتنسى<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

أي تفصيل من مأساتها الشخصية.‏<br />

تقول:‏ ‏»لقد تم اختطاف زوجي عدنان<br />

يوم 24 سبتمبر/تموز 1982. لقد طرقت<br />

كل األبواب من أجل العثور عليه،‏<br />

وكنت كل مرة،‏ أسمع نفس عبارات<br />

التعاطف والمواساة التي ال طائل من<br />

ورائها سواء من رئيس الحكومة أو<br />

من مفتي الجمهورية..‏ عبارات مدارها:‏<br />

‏»سيدتي المسكينة،‏ لست أول امرأة تأتي<br />

لزيارتي«.‏ وتضيف:‏ ‏»ومن باب حب<br />

اإلطالع،‏ أطلقت عبر اإلذاعة نداء من<br />

أجل التقاء كل أولئك الالئي فقدن قريبا<br />

لهن مثلي أنا.‏ كنت أعتقد أن عددنا لن<br />

يتجاوز األربع نساء،‏ لكن عند وصولي<br />

وجدت تجمهرا ضخما وتساءلت عما إذا<br />

كانت هنالك مواجهة أخرى.‏ في الواقع،‏<br />

هناك أكثر من مائتي امرأة قد استجبن<br />

للنداء«.‏<br />

‏)البقية صفحة 2(<br />

1( تم نشره يوم 6 ديسمبر/كانون األول 2018<br />

في ‏»ال<strong>جريدة</strong> الرسمية«‏ اللبنانية،‏ وقد تم ترجمة<br />

النسخة اإلنقليزية من هذا القانون من قبل المنظمة<br />

غير الحكومية اللبنانية ‏»أومام للتوثيق والبحوث«‏<br />

)www.umam-dr.org(<br />

www.editionarabdiplo.com


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 2 <strong>2019</strong><br />

ثالثون سنة بعد الحرب األهلية<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

‏)بقية الصفحة األولى(‏<br />

إيمانويل حداد Emmanuel Haddad<br />

منذ بدايات الحرب،‏ برزت بوضوح<br />

وسريعا ظاهرة االختفاء ضمن ترسانات<br />

مختلف الميليشيات اللبنانية على اعتبارها<br />

أحد األسلحة التي يمكن استخدامها بشكل<br />

عشوائي ضد المدنيين من الشق المنافس.‏<br />

تحدث جوناثان راندال،‏ مراسل صحيفة<br />

‏»نيويورك تايمز«‏ آنذاك في كتابه ‏»تراجيديا<br />

لبنان«)‏‎2‎‏(‏ عن قصة طارق متيري،‏ الذي<br />

أصبح متخصصا في تحرير المختطفين.‏<br />

يقول في هذا الصدد:‏ ‏»يميز متيري بين<br />

ثالثة أصناف ‏)من األشخاص المورطين<br />

في عمليات االختطاف(،‏ الصنف األول<br />

يتصل بالميليشيات التي يفوق تعصبها<br />

سياسة المنظمات التابعة لها )...( وصنف<br />

ثان يضم أعضاء مختلف التنظيمات<br />

المسلحة التي تتلقى األوامر باختطاف<br />

عدد من األبرياء من أجل المساعدة على<br />

تحرير رهائنهم )...( أما الصنف الثالث من<br />

عمليات االختطاف فقد كان يتم تنفيذه استنادا<br />

إلى اعتبارات فردية وعلى أساس ‏)شكوك(‏<br />

يثيرها غالبا طرف ثالث لدواع متنوعة،‏ من<br />

قبيل خصومة عاطفية أو نزاع تجاري«.‏<br />

يتطلب تحقيق عملية اإلفراج إذن<br />

ممارسة ضرب من المهارة الديبلوماسية،‏<br />

واالستنجاد بشبكة عالقات جد واسعة،‏<br />

وبالخصوص سرعة كبيرة في التنفيذ،‏<br />

مثلما يروي ذلك أسعد الشفتري،‏ الرجل<br />

الثاني سابقا في مخابرات القوات اللبنانية،‏<br />

وهي إحدى أبرز الميليشيات المسيحية<br />

خالل الحرب.‏ يقول الشفتري:‏ ‏»كنا نتلقى<br />

عشرات مطالب اإلفراج،‏ وفي الغالب عبر<br />

وسطاء،‏ سواء من المسؤولين السياسيين<br />

أو من العسكريين أو من أشخاص ذوي<br />

مكانة اجتماعية.‏ كان يتعين علينا أن نتحرك<br />

سريعا باعتبار أنه في بدايات النزاع،‏ كان<br />

يتم قتل الناس بشكل فوري.‏ إنهم في الغالب<br />

رفاق ينتقمون لرفقائهم،‏ أو عائالت تم<br />

اختطاف أحد أفرادها وتقوم بالرد عبر فعل<br />

مماثل«.‏ أقرّ‏ أسعد الشفتري بأنه متورط<br />

شخصيا في العديد من عمليات االختفاء.‏<br />

وفي هذا السياق،‏ كان قد توجه سنة 2000<br />

برسالة توبة إلى اللبنانيين،‏ وطلب العفو من<br />

ضحاياه.‏<br />

بعد خمسة عشر عاما من عمليات<br />

االختفاء القسري والجرائم األخرى التي<br />

ارتكبتها الميليشيات من كل االتجاهات،‏<br />

وكذلك من قبل جيشي االحتالل االسرائيلي<br />

والسوري ‏)من 1978 إلى 2000 بالنسبة<br />

للقوات السورية ومن 1976 إلى 2005<br />

بالنسبة للقوات االسرائيلية(،‏ سارعت<br />

السلطات اللبنانية بطي الصفحة،‏ إذ كانت<br />

مسكونة بهاجس صفقات إعادة اإلعمار<br />

المغرية.‏ هكذا،‏ تم في 26 <strong>أوت</strong>/آب 1991<br />

التصويت على قانون العفو على كل الجرائم<br />

المرتكبة خالل فترة الحرب األهلية.‏<br />

والحقا،‏ حث القانون عدد 434 لسنة<br />

1995 أهالي األشخاص الذين مضت على<br />

فقدانهم أكثر أربع سنوات،‏ على إعالنهم<br />

أشخاصا متوفين.‏ يوضح نزار صاغية،‏<br />

المحامي العضو في المنظمة غير الحكومية<br />

اللبنانية ‏»ليغال أجندا«‏ ‏)األجندة القانونية(‏<br />

والمشارك في وضع المشروع التشريعي<br />

الذي انبثق عنه القانون عدد 105، بأنه<br />

‏»كانت هناك رغبة واضحة في طي صفحة<br />

الحرب،‏ ذلك أن كل العائالت البورجوازية<br />

قد أعلنت أقرباءها أشخاصا متوفين حتى<br />

تحصل على ميراثهم.‏ منذ 1995، العائالت<br />

متواضعة الحال ‏)ليس لها من ميراث<br />

تحصله(‏ هي وحدها التي واصلت النضال«‏<br />

من أجل معرفة مصير المفقودين.‏<br />

اإلحترامية أُشترت<br />

بثمن بخس<br />

هكذا،‏ أطلق القانون عدد 434 لسنة<br />

1995 بدايات عمليات الحجب،‏ التي يصفها<br />

غسان حلواني،‏ اإلبن األصغر لوداد،‏ ب<br />

‏»الفقدان المزدوج«.‏ في أحد مقاطع شريطه<br />

الوثائقي ‏»طرس..‏ رحلة الصعود إلى<br />

المرئي«‏ ‏)الحائز سنة 2018 على جائزة<br />

أوليس لمهرجان سيني ماد بمونبيليي(،‏<br />

الذي يسعى فيه إلى نفض غبار النسيان<br />

على الكثير من األشخاص المفقودين،‏ يقرأ<br />

المتفرج العبارة التالية:‏ ‏»الجريمة تجري<br />

على مرحلتين أو في فصلين«.‏ أوال،‏ فعل<br />

القتل.‏ وتاليا،‏ فعل التخلص من البراهين<br />

والقرائن«.‏ نرى في الخلفية مشهدا عاما<br />

للخراب الذي طال بيروت جراء الحرب<br />

وقد تم تعويضه بمشهد معاصر للمدينة<br />

بعد إعادة بنائها.‏ تم رسم أسهم موجهة إلى<br />

عديد الفضاءات الفخمة التي تم بناؤها في<br />

مواقع المقابر الجماعية:‏ هناك ملهى ليلي<br />

مشهورة،‏ وملعب صولجان أو جادة تنزه<br />

على الشاطئ.‏ في تناوله الثنين من أكثر<br />

األحياء جمالية وجاذبية في وسط المدينة،‏<br />

يصدح حلواني بهذه الحقيقة المرعبة:‏<br />

‏»إذا ما سلكت الطريق بين الحمراء ومر<br />

ميكائيل،‏ أنت معرض ألن تصادف اثنين<br />

أو ثالثة مقابر جماعية،‏ تبعا للطريق الذي<br />

تسلكه«.‏<br />

فكم هنالك من مقابر جماعية تعود<br />

إلى فترة الحرب ويتعين الكشف عنها؟ لقد<br />

تم في 21 جانفي/كانون الثاني 2000 إحداث<br />

لجنة تحقيق رسمية مهمتها اإلجابة عن<br />

هذا التساؤل من جملة مجموعة تساؤالت<br />

أخرى.‏ لكن اللجنة قامت بعد ستة أشهر<br />

من تأسيسها بنشر تقرير من صفحتين<br />

تحدثت فيه فقط عن 2046 مفقود وأعلنتهم<br />

‏»أشخاصا متوفين آليا«.‏ اعترف التحقيق<br />

بوجود مقابر جماعية من خالل تحديد<br />

بعض منها،‏ لكنه اعتبر أن البقية ال يمكن<br />

التعرف عليها.‏ ولدى استفساره عن األمر<br />

بعد عشر سنوات من قبل المنظمة اللبنانية<br />

للتوثيق والبحوث ‏)أونام(،‏ عبّر الجنرال<br />

سليم أبو إسماعيل،‏ الذي كان رئيسا للجنة<br />

المذكورة عن استغرابه بالقول:‏ ‏»ما هي<br />

الفائدة التي سنجنيها من ذلك؟ وأية مصلحة<br />

في إخراج اآلالف من بقايا الرفات؟«.‏ في<br />

كل األحوال،‏ ووفقا للمنظمة غير الحكومية<br />

‏»التحرك من أجل المفقودين«،‏ يعدّ‏ لبنان ما<br />

ال يقل عن 115 مقبرة جماعية.‏ وقد قامت<br />

المنظمة بتجميع معطيات ومعلومات عن<br />

كل واحدة من هذه المقابر،‏ وهي معطيات<br />

ستمد بها الحقا اللجنة التي نص القانون<br />

105 على بعثها.‏<br />

بعد أن شهدت بأم عينيها اختطاف إبنها<br />

أحمد ذي ال 17 ربيعا،‏ شاركت خديجة د.‏<br />

في كل مظاهرات عائالت المفقودين منذ سنة<br />

1982 إلى حد تاريخ وفاتها سنة 2016. تقول<br />

ابنتها سوسن،‏ التي أخذت مكانها في هذه<br />

المظاهرات:‏ ‏»إلى حد آخر أيام عمرها كانت<br />

تؤكد بأن أحمد سيعود.‏ واليوم أيضا أقول<br />

نفس الشيء«.‏ في رأي سوسن كما في رأي<br />

اآلالف من عائالت المفقودين،‏ التعرف على<br />

رفات المفقود المحبوب هو الشيء الوحيد<br />

الذي يمكن أن يَضع حدا للفترة الطويلة<br />

لما يسمى ‏»الحداد األبيض«،‏ والذي يمثل<br />

مصدر معاناة نفسانية حادة)‏‎3‎‏(‏ هكذا،‏ قامت<br />

بتقديم عينة بيولوجية مرجعية إلى اللجنة<br />

الدولية للصليب األحمر خالل العام الماضي.‏<br />

منذ العام 2015، تولت لجنة الصليب<br />

األحمر تجميع 1500 من هذه العينات التي<br />

يمكن استخراج الحمض النووي منها،‏<br />

والتي ستمكن من التعرف على بقايا الرفات<br />

الموجودة في المقابر الجماعية عند إخراج<br />

هذه الرفات.‏ وتمثل هذه المبادرة إحدى<br />

الطرق لتعويض جمود السلطات اللبنانية التي<br />

ظلت حبيسة منطق اإلنكار.‏ تضيف سوسن:‏<br />

‏»المرة األولى التي تعرضت فيها والدتي إلى<br />

جلطة قلبية كانت سنة 1998 عندما صرح<br />

الرئيس إلياس الهراوي بأن كل المفقودين تم<br />

رميهم في البحر أو ردمهم تحت اإلسمنت<br />

المسلح،‏ وأنه يتعين طي الصفحة«.‏ في ذلك<br />

الوقت،‏ كان ساكن قصر بعبدا الرئاسي يؤكد<br />

خالفا لما هو يقين،‏ بأنه ليس هناك لبناني<br />

واحد معتقل في سجن سوري أو إسرائيلي.‏<br />

أمضى موسى صعب 15 عاما في<br />

االعتقال في زنزانات سورية متعددة،‏ ولكنه<br />

لم ينس محاولة محو وجوده.‏ يقول في هذا<br />

الخصوص : ‏»لقد مضت أربع سنوات على<br />

سجني في معتقل صيدنايا السوري.‏ كنت<br />

استمع إلى اإلذاعة اللبنانية عندما ألقى الياس<br />

الهراوي هذا الخطاب.‏ كنا مئات من المعتقلين<br />

اللبنانيين في سوريا نستمع إلى هذا الخطاب«.‏<br />

تم اإلفراج عن موسى في 12 ديسمبر/كانون<br />

األول 2000. ترتب عن عملية اإلفراج عنه<br />

وعن 53 من المعتقلين السابقين في سوريا،‏<br />

وكذلك عمليات االكتشاف المنتظم لحفر دفن<br />

جماعية في كامل أنحاء لبنان،‏ تحطيم وإفشال<br />

محاوالت القادة اللبنانيين المتكررة لطي<br />

ملف المفقودين.‏ في بيروت،‏ خصصت كل<br />

من الصحفية والمخرجة مونيكا بورغمان،‏<br />

والكاتب والناشر لقمان سليم،‏ الذي هو<br />

أيضا مدير منظمة ‏»أونام«،‏ شريطا وثائقيا<br />

لعشرين من هؤالء المعتقلين السياسيين<br />

اللبنانيين في سوريا)‏‎4‎‏(.‏<br />

تنزع المصادقة على القانون عدد<br />

105 بذلك الرواية المتعلقة بالحرب من أيدي<br />

أولئك الذين ارتكبوا جرائم الحرب)‏‎5‎‏(‏ ليعود<br />

األمر إلى الضحايا،‏ الذين تم لحد ذلك الوقت<br />

إجبارهم على الصمت والغياب.‏ غير أن هذا<br />

النص ال يبدد كل الشكوك بخصوص صدقية<br />

هذا التمشي.‏ ‏»لماذا اآلن؟«،‏ يتساءل سليم،‏<br />

الذي يعتبر أن جعل عملية المصادقة على<br />

هذا القانون بمثابة تتويج لست وثالثين سنة<br />

من كفاح أسر المفقودين،‏ قد يكون مجرد<br />

عملية إخراج ‏»رومانسية«.‏ هو يرى في<br />

األمر بالخصوص طريقة الكتساب االحترام<br />

لقاء ثمن ضئيل.‏ يقول ‏»إنها طريقة كالسيكية<br />

للبرلمان اللبناني من خالل التصويت على<br />

قوانين تحظى بإعجاب المجموعة الدولية«،‏<br />

معتبرا أن هذا القانون سيكون مصيره على<br />

األرجح مثل مصير القوانين ال 39 التي تمت<br />

المصادقة عليها سابقا حول مواضيع شتى،‏<br />

والتي ظلت حتى اليوم في انتظار األوامر<br />

التطبيقية.‏<br />

وفي ما يبدو أنه عمل مقصود،‏ تم في<br />

آخر لحظة إضافة فصل مثير للجدل خالل<br />

الجلسة العامة ما يضعف حظوظ تطبيق<br />

هذا القانون.‏ ينص الفصل 37 على أن ‏»كل<br />

محرض أو متورط أو متواطئ في عملية<br />

اختفاء قسري يجب معاقبته بالسجن المقرون<br />

باألشغال الشاقة من خمسة إلى خمسة عشر<br />

عاما«.‏ يعتبر مضمون هذا الفصل متعارضا<br />

مع انتظارات العائالت،‏ مثلما تؤكد على<br />

ذلك حلواني قائلة:‏ ‏»نحن غير مسؤولين عن<br />

الفصل 37. وبالنسبة إلينا،‏ فإن حق المعرفة<br />

يمر قبل العدالة الجزائية«.‏ من ناحيته،‏<br />

يخشى الشفتري،‏ الذي أضحى اليوم عضوا<br />

في المنظمة غير الحكومية للمقاتلين السابقين<br />

التائبين ‏»المقاتلون من أجل السالم«،‏ من<br />

األثر السلبي لهذا الفصل،‏ إذ يصرح بقوله<br />

‏»عندما تضع السيف على رقبة أولئك الذين<br />

ارتكبوا جرائم خالل الحرب،‏ فإنني أشك<br />

كثيرا في كونهم سيأتون لتقديم شهاداتهم«.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

غائبون أحياء<br />

للسجل المدني<br />

اعتبارا لتعودها على مضي السياسيين<br />

اللبنانيين في التنكر لوعودهم،‏ تؤكد حلواني<br />

أنها أبعد من أن تكون مصابة بالغباء.‏ تقول<br />

محذرة ‏»إن التصويت على القانون يمثل<br />

مجرد مرحلة.‏ فنضالنا سيستمر مع تعيين<br />

األعضاء العشرة في اللجنة المقبلة،‏ ويتعين<br />

علينا أن نعمل على أال يتم اختيار المرشحين<br />

وفقا لمعايير سياسية وطائفية،‏ مثلما تعودنا<br />

على ذلك في لبنان«.‏<br />

أما إبنها غسان،‏ فهو يسعى إلى تحفيز<br />

مجمل المجتمع اللبناني على أن يتبنى تاريخ<br />

المفقودين.‏ وإضافة إلى شريطه المذكور<br />

سابقا،‏ هو يعمل منذ 2015 على رقمنة<br />

األرشيف المجمع من قبل والدته صلب تجمع<br />

للمنظمات.‏ تتعلق المواد التي تم تجميعها<br />

بمعطيات دقيقة وتتضمن قصاصات صحفية<br />

وخطب وبالغات حول حركة عائالت<br />

المفقودين.‏ إنها تمثل مادة أولية من أجل<br />

استحضار الحرب األهلية من خالل إبراز<br />

صورة المفقودين لمرة واحدة.‏ هؤالء الذين تم<br />

إقصاؤهم من تاريخ النزاع،‏ هم على العكس<br />

من ذلك أحياء في وثائق السجل المدني.‏ في<br />

نهاية شريطه الوثائقي،‏ يروي غسان حلواني<br />

طرفة تخص كال من ريشار وكريستين،‏<br />

وهما زوجان تعرضا إلى االختطاف خالل<br />

الحرب.‏ عندما أراد أحد الباعثين شراء منزل<br />

على ملكهما،‏ رفض أحد القضاة مطلبه،‏<br />

معتبرا أن الزوجين ليسا متوفيين رسميا.‏<br />

2( جوناثان راندال ‏»المأساة اللبنانية:‏ كريستيان<br />

بارون الحرب،‏ المغامرات اإلسرائيية والمستنقع<br />

األمريكي«‏ نشر دار ‏»شاتو أند ويندوس«،‏ لندن،‏<br />

.1983<br />

3( بولين بوس ، ‏»خسارة غامضة.‏ تعلم العيش<br />

مع حزن بال حل«،‏ منشورات جامعة هارفارد،‏<br />

لندن،‏ 2000.<br />

4( أكرم بالقايد ، ‏»ظالل معتقل تدمر تخيم على<br />

سوريا«،‏ مجلة ‏»أوريون 21«، 26 ديسمبر/‏<br />

كانون األول 2016،<br />

www.orientxxi.info<br />

5( كارال عدة ، ‏»مذكرات الفاعلين في الحرب:‏<br />

عودة على النزاع من خالل فرقائه«،‏ ضمن<br />

كتاب ‏»مذكرات الحروب في لبنان )1975-<br />

1990(«، تحت إدارة فرانك مارميي وكريستوف<br />

فارين،‏ نشر دار ‏»آكت دي سود«،‏ آرل،‏ 2010.


3 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الرجوع بالتاريخ<br />

أكرم بلقايد<br />

منذ سنة 2011، وما سمي وقتها ‏»الربيع<br />

العربي«،‏ شكلت تونس استثناء ضمن مجموعة<br />

جغرافية موسومة عميقا بالحروب األهلية ‏)سوريا،‏<br />

ليبيا،‏ اليمن(‏ أو بالسلطوية العنيفة ‏)مصر(‏ أو<br />

باالستبداد شبه اإلقطاعي ‏)ممالك الخليج(.‏ في الوقت<br />

الذي تواجه فيه كل من الجزائر والسودان صعوبات<br />

في التحرر من الديكتاتوريات العسكرية،‏ تواصل<br />

تونس،‏ رغم العراقيل،‏ طريقها نحو الديمقراطية<br />

ودولة القانون.‏ لكننا نجهل الكثير تاريخيا عن هذا<br />

البلد الصغير الذي ال يملك موارد طبيعية كبيرة.‏<br />

هذا ما يزيد بقدر وافر من أهمية الكتاب الضخم<br />

الذي نشرته مؤخرا المؤرخة صوفي بسيس)‏‎1‎‏(.‏<br />

تونس هي قبل كل شيء 3 آالف سنة من<br />

التاريخ،‏ عرفت خالله البالد عديد الفتوحات<br />

والغزوات المتتالية.‏ شهد هذا البلد البربري<br />

والبونيقي،‏ في دفعات متالحقة غزوات الرومان<br />

والوندال والبيزنطيين والعرب والعثمانيين ثم<br />

الفرنسيين.‏ في كل مرة،‏ تطال البلد تغيرات<br />

وتحوالت عميقة،‏ دون أن يفقد خصوصياته وطابعه<br />

المميز.‏ لم تقتصر صوفي بسيس في مؤلفها على<br />

تقديم رواية مبسطة ذات طابع تسلسلي،‏ على ما<br />

يكتسيه ذلك من أهمية ال سيما في ما يتعلق بفترة<br />

القرون الوسطى،‏ وإنما طرحت عملية تفكير<br />

محفزة حول كتابة التاريخ والعوائق الجسيمة التي<br />

يتوجب تخطيها عندما تتعلق المسألة ببلد مغاربي.‏<br />

فهي،‏ على سبيل المثال،‏ تذكر بأن تونس لم تولد<br />

سنة 670، تاريخ تأسيس مدينة القيروان من قبل<br />

الفرسان الذين أتوا من الشرق محملين بدين جديد،‏<br />

هو اإلسالم.‏ لقد جعل الحبيب بورقيبة،‏ أول رئيس<br />

للجمهورية التونسية ‏)‏‎1957‎‎1987‎‏(‏ من الحقبة<br />

التاريخية السابقة للحقبة اإلسالمية حجة بالغة<br />

األهمية من أجل إرساء تصور فريد،‏ ال يزال<br />

قائما:‏ ‏»الخصوصية التونسية«.‏ إنها طريقة للتميز<br />

عن النزعة القومية العربية التي كان ينادي بها<br />

الزعيم المصري جمال عبد الناصر.‏ نعم،‏ تونس<br />

بلد عربي إسالمي،‏ ولكن ليس هذا فقط...‏ وقد<br />

أتاح هذا الخطاب أيضا لبورقيبة الصمود في وجه<br />

التصريحات الفرنسية،‏ التي تنزع دوما للحديث<br />

عن مغرب عربي يفتقد لتاريخ كبير أو للتأكيد على<br />

الحقبة المسيحية قصد تبرير االستعمار...‏<br />

وتفضل صوفي بسيس عبارة ‏»اإلستثناء<br />

التونسي«،‏ التي تراها أكثر دقة،‏ عن عبارة ‏»التفرّد<br />

التونسي«.‏ هي طريقة للقول بأنه هنالك فعليا مجاالت<br />

فيها اإلستثناء حقيقي وواقعي:‏ التقاليد اإلصالحية،‏<br />

عراقة الدولة واإلدارة التي يمتد تاريخها لعدة<br />

قرون،‏ التشريعات المناصرة لحقوق النساء،‏ ثقافة<br />

التوافق السياسي،‏ وجود تقاليد نقابية حقيقية...‏ غير<br />

أنها تذكر بأنه توجد أيضا مجاالت أخرى ال فرق<br />

فيها بين تونس وجيرانها،‏ مثلما برهنت على ذلك<br />

السلطوية الديكتاتورية للرئيسين الحبيب بورقيبة<br />

وزين العابدين بن علي،‏ وإنكار حقوق األقليات<br />

الدينية غداة االستقالل.‏ في الخريف المقبل،‏ سيتوجه<br />

الشعب التونسي مجددا إلى صناديق اإلقتراع،‏ في<br />

ما يمكن اعتباره امتحانا هاما لتجربته الهشة في<br />

مجال االنتقال الديمقراطي.‏ من شأن قراءة كتاب<br />

صوفي بسيس حيازة معطيات تاريخية تيسر فهم<br />

مصادر ومسوغات التفرّد التونسي.‏<br />

أما المختص في الشؤون السياسية،‏ نجيب<br />

سيدي موسى،‏ فيقترح على القراء نظرة متجددة<br />

لتاريخ استقالل الجزائر)‏‎2‎‏(.‏ خالفا للفكرة السائدة،‏<br />

لم يكن حزب جبهة التحرير الوطني )FLN( الفاعل<br />

الوحيد في المعركة من أجل االستقالل.‏ الحركة<br />

الوطنية الجزائرية )MNA( بقيادة الزعيم التاريخي<br />

مصالي الحاج،‏ الذي انكب المؤلف على درس<br />

مسيرته،‏ كان في المحصلة أحد أكبر الخاسرين في<br />

حرب الجزائر في أعقاب تهميشه،‏ وغالبا بصورة<br />

عنيفة،‏ من قبل حزب جبهة التحرير.‏ باالستناد إلى<br />

وثائق أرشيفية لم يسبق نشرها،‏ يتيح نجيب سيدي<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

موسى للقارئ فهم كيفية والدة الفكرة الثورية في<br />

الجزائر،‏ مثلما روج لها تيار مصالي الحاج،‏ وكيف<br />

إفلتت هذه الفكرة،‏ في نهاية األمر،‏ من أيديهم.‏<br />

1( صوفي بسيس،‏ ‏»تاريخ تونس،‏ من قرطاح إلى اليوم«،‏ نشر<br />

‏»تاالنديي«،‏ باريس،‏ 528 <strong>2019</strong>، صفحة،‏ 23،90 يورو.‏<br />

2( نجيب سيدي موسى،‏ ‏»الجزائر.‏ رواية أخرى لتاريخ<br />

االستقالل.‏ المسارات الثورية ألنصار مصالي الحاج«،‏<br />

المنشورات الجامعية الفرنسية،‏ باريس،‏ 328 <strong>2019</strong>، صفحة،‏<br />

22 يورو.‏<br />

Akram Belkaïd<br />

للمؤسسات،‏ يرجى الإتصال :<br />

abonnement@editionarabediplo.com<br />

الهاتف : 900 / 71 160 الفاكس : 855 71 963<br />

للخواص الراغبين في دعم ال<strong>جريدة</strong> يمكنهم الحصول<br />

على اشتراك دعم سنوي ابتداءا من 100 دينار في السنة<br />

إشتراك سنوي I تونس:‏ 30 دينار/الجزائر : 1500 دينار/المغرب:‏ 180 درهم مغربي/موريطانيا:‏ 6000 أوقية


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 4 <strong>2019</strong><br />

‏»أولوية«‏ تختفي بعد<br />

أوروبا الدفاع،‏<br />

في 18 أفريل/نيسان الماضي،‏ صادق برلمان سترازبورغ على إحداث الصندوق األوروبي<br />

للدفاع.‏ هذا الصندوق الذي خصصت له اعتمادات بقيمة 13 مليار يورو سيموّل مشاريع صناعية<br />

ستستفيد منها عدّة دول.‏ لكن هذا المشروع سيخدم أي رؤية استراتيجية؟ منذ ثالثين عاما،‏ يقوم<br />

االتحاد بترقيع أدوات عسكرية وتقنيات دون التوصل إلى منح هيكل لسياسة أمنية حقيقية.‏<br />

قال الرئيس الفرنسي<br />

ايمانوال ماكرون على موجات<br />

إذاعة أوروبا 1: ‏»لن نحمي<br />

األوروبيين إذا لم نقرّر أن<br />

يكون لنا جيش أوروبي حقيقي.‏<br />

لمواجهة روسيا المرابطة على<br />

حدودنا والتي بيّنت أنها تستطيع<br />

أن تشكّل تهديدا )...(، يجب<br />

أن تكون لنا أوروبا قادرة على<br />

الدفاع عن نفسها بنفسها دون<br />

االعتماد على الواليات المتحدة<br />

وحدها وبطريقة أكثر سياديّة«.‏<br />

بعد ذلك بأيام قليلة وبالتحديد يوم<br />

13 نوفمبر/تشرين الثاني،‏ اقتدت<br />

به المستشارة األلمانية أنجيال<br />

ميركل إذ دعت في خطاب ألقته<br />

في البرلمان األوروبي يوم 14<br />

نوفمبر/تشرين الثاني إلى ‏»وضع<br />

رؤية تسمح لنا بالتوصّ‏ ل ذات يوم<br />

إلى جيش أوروبي حقيقي«.‏ لقد<br />

جدّدت مقترحها القاضي بإنشاء<br />

‏»مجلس أمن أوروبي«‏ تكون<br />

رئاسته دوريّة،‏ وفي صلبه يمكن<br />

أن تُتّخذ ‏»قرارات مهمّة وبشكل<br />

أسرع«،‏ بل ودعت حتى إلى<br />

إمكانية التخلّي في هذا اإلطار<br />

عن اتخاذ القرارات باإلجماع.‏<br />

ولكن شتّان بين الوعود<br />

والواقع،‏ ذلك أن ‏»أوروبا الدفاع«‏<br />

تقتصر حاليا على التنسيق البسيط<br />

* صحفي منسّ‏ ق مدونة ‏»دفاع على الخطّ‏ »<br />

https://blog.mondediplo.net<br />

بين الجهود الوطنية.‏ ثمّ‏ إنها ال<br />

تنظّ‏ م حماية التراب األوروبي،‏<br />

الذي يحتاج إلى تحديد بما أنّ‏<br />

االتحاد يبدو في امتداد دون<br />

انقطاع،‏ كما أنها ال تتصرف في<br />

قوّة تدخّ‏ ل قادرة على التدخّ‏ ل في<br />

كل مكان،‏ وليس لها قيادة عسكرية<br />

عملية،‏ وهي كلها خصائص أيّ‏<br />

نظام دفاعي جدير بهذا االسم.‏<br />

بين مخاوف دول البلطيق<br />

وشمال أوروبا وأوروبا الشرقية<br />

من الجار الروسي من جهة<br />

وانشغال القسميْن الغربي<br />

والجنوبي باالضطرابات التي<br />

تعيشها إفريقيا والشرق األوسط<br />

من جهة أخرى،‏ ال يمكن لإلتحاد<br />

األوروبي في الوضع الحالي<br />

أن يضبط إستراتيجية موحّ‏ دة.‏<br />

في أوروبا هذه التي عاشت منذ<br />

عقود على أن ‏»السعادة تكمن<br />

في السالم«،‏ يعيش القادة ‏»حالة<br />

من الخمول االستراتيجي«‏ كما<br />

أكّد ذلك هوبار فدرين وزير<br />

الخارجية الفرنسية األسبق.‏ لهذا<br />

السبب،‏ كما يذكّر بذلك كريستيان<br />

ماليس المدير السابق لالستشراف<br />

االستراتيجي في مؤسسة<br />

‏»طالس«،ظلّت الجهود الرامية<br />

إلى ضبط األولويات أو حصر<br />

األعداء المشترَ‏ كين تتلخّ‏ ص إلى<br />

حدّ‏ الساعة في ‏»تتالي مجموعة<br />

من الخطابات البحتة واإلخفاقات<br />

الثابتة«)‏‎1‎‏(.‏ كانت نتيجتها<br />

في رأيه ‏»مشروعا عسكريا<br />

صغيرا أطلِق عليه بتبجّ‏ ح اسم<br />

‏“أوروبا للدفاع”«‏ ظلّ‏ محصورا<br />

في ‏»بعثات غريبة«‏ عُ‏ رِ‏ فتْ‏<br />

باسم ‏»بعثات بيترسبرغ«)‏‎2‎‏(،‏<br />

ووُضِ‏ عت تحت شعارات<br />

‏»التكامل«‏ و»تقاسم المهامّ«‏ مع<br />

حلف شمال األطلسي ‏)النّاتو(‏<br />

الخاضعة لإلدارة األمريكية،‏<br />

الذي يحتفظ لنفسه حصريّا بالدفاع<br />

الفعلي عن القارّ‏ ة)‏‎3‎‏(.‏<br />

رغم ذلك،‏ توجد عوامل كثيرة<br />

تدعو إلى ضرورة تنامي االتحاد:‏<br />

نهاية ‏»المركزية اإليديولوجية<br />

واالستراتيجية«‏ ألوروبا حسب<br />

عبارات جان-ماري غيهنو<br />

األمين العام المساعد السابق<br />

لمنظمة األمم المتحدة،‏ والتوجّ‏ ه<br />

الجيوسياسي األمريكي نحو آسيا<br />

والذي أدى إلى أن ‏»الجندي<br />

رايان)‏‎4‎‏(‏ لن ينزل مستقبال على<br />

السواحل األوروبية«‏ كما نبّه<br />

إلى ذلك الجنرال فنسان دي<br />

بورت وتوسّ‏ ع ميدان الحرب<br />

من ‏»دنباس في الساحل إلى<br />

باطكالن«‏ ‏)حسب رأي ديبورت<br />

أيضا(‏ المصاحَ‏ ب بالتباس الحدود<br />

بين الدفاع واألمن،‏ وهشاشة<br />

المجتمعات أمام الهجمات<br />

اإلرهابية وانفجار كُلفة المعدّات<br />

‏)الرماية عن بعد،‏ أنظمة القتال<br />

البحرية والجوية،‏ الصواريخ،‏<br />

الروبوتات،‏ الطائرات المسيرة،‏<br />

األلغام،‏ العمليات البرمائية أو<br />

عمليات اإلنزال،‏ االستخبارات<br />

االلكترونية أو الفضائية،‏ الخ(.‏<br />

قريبا لن يكون أليّ‏ جيش وطني<br />

في أوروبا من القدرات ما يكفي<br />

ألخذ األسبقية في دخول مسرح<br />

العمليات العسكرية وال القيام<br />

بتدخّل طويل المدى.‏<br />

الكلفة اإلضافية<br />

لعدم اإلندماج<br />

هناك عامل آخر يجب أن<br />

يحث رؤساء دول وحكومات<br />

اإلتحاد على التحرّ‏ ك:‏ الهيكل<br />

األمني األوروبي أخذ في التصدّع<br />

في كل مكان.‏ لقد انسحبت الواليات<br />

المتحدة من معاهدة الصواريخ<br />

البالستية،‏ ومن المعاهدة الخاصّ‏ ة<br />

بالقوات النوويّة ذات المدى<br />

المتوسّ‏ ط.‏ من جهتهم،‏ ندّد الرّ‏ وس<br />

بالمعاهدة المبرمة حول القوات<br />

التقليدية في أوروبا،‏ ويعتزمون<br />

عدم تجديد الموافقة في 2021 على<br />

معاهدة نيوستار المتعلقة بالحدّ‏<br />

من األسلحة اإلستراتيجية.‏ في<br />

في نفس الوقت،‏ يفتح البريكسيت<br />

باب االحتماالت على مصراعيه<br />

أمام االتحاد.‏ على مدى عقود،‏<br />

ظلّت بريطانيا تعطّ‏ ل فعال بصفة<br />

آلية جميع المشاريع التي يمكن أن<br />

تنافس حلف الناتو أو التي تُعتبر<br />

غير ودّيّة تجاه واشنطن مثل بعث<br />

هيئة أركان قارّة في االتحاد أو<br />

توسيع الوكالة األوروبية للدفاع.‏<br />

بناء على ذلك،‏ أصبحنا منذ<br />

سنتين نشعر بشيء من التململ:‏<br />

إنشاء صندوق أوروبي للدفاع<br />

بتمويل قدره 13 مليار يورو<br />

على مدى سبع سنوات،‏ تعزيز<br />

هيئة األركان الحربية الصغيرة<br />

المكلّفة باإلشراف على العمليات<br />

بتفويض أوروبي أو دولي )2500<br />

شخص(،‏ ضبط حوالي ثالثين<br />

‏»خلال في القدرات«‏ ينبغي سدّها،‏<br />

وهذا أمر يستوجب بعث عدد من<br />

المشاريع منها الطائرة المسيرة:‏<br />

‏)مال،‏ متوسطة االرتفاع وطويلة<br />

المدى(،‏ وهي مشاريع تطوّعت<br />

مجموعة من الدول لتنفيذها تحت<br />

عنوان عمليات التعاون المهيكل<br />

والدائم،‏ وبعث صندوق لتحسين<br />

الحركية العسكرية )6،5 مليار<br />

يورو(،‏ وختاما تمديد مرفق<br />

السالم األوروبي )10،5 مليار<br />

يورو(‏ المعدّ‏ لدعم مبادرات البلدان<br />

الشريكة وخاصة منها اإلفريقية.‏<br />

ستكون هذه المبالغ مُتاحة بداية من<br />

سنة 2021.<br />

ال يزال معظم هذه المشاريع<br />

مجرد حبر على ورق.‏ صادق<br />

البرلمان األوروبي على باب<br />

الميزانية يوم 18 افريل/نيسان<br />

ولكن اشتغال كل آلية من هذه<br />

اآلليات ينبغي أن يكون محلّ‏<br />

مفاوضات بين الدول.‏ هل سيكون<br />

النفاذ إلى صندوق الدفاع األوروبي<br />

على سبيل المثال مخصّ‏ صا<br />

للمؤسسات األوروبية وحدها كما<br />

يذهب إلى ذلك المنطق السياسي<br />

السيادي في فرنسا؟ ام يكون<br />

مفتوحا لكل من هبّ‏ ودبّ‏ كما يدعو<br />

إلى ذلك الليبراليون الهولنديون<br />

واالشتراكيون الديمقراطيون<br />

األلمان،‏ والقادة البولونيون وطبعا<br />

المسؤولون االمريكيون الذين<br />

ذهبوا بعدُ‏ إلى حدّ‏ تهديد أوروبا<br />

باالنتقام إذا تمّ‏ استبعاد مؤسساتهم<br />

من هذه الصفقات؟ تشجب هيالن<br />

كونواي-موراي االشتراكية ونائبة<br />

رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي<br />

لعبة خطرة تمارَ‏ سُ‏ مع أقدم<br />

حلفاء الواليات المتحدة وأكثرهم<br />

تصميما«،‏ ذلك أن األمريكان<br />

يسعوْ‏ ن إلى ‏»تقويض جهود<br />

األوروبيين في تأسيس منظومة<br />

دفاع أكثر استقاللية«)‏‎5‎‏(.‏<br />

إن إرادة االنفتاح التي<br />

تحرّ‏ كها ‏-من بين مجموعة من<br />

الدوافع-‏ مسألة الحرص على عدم<br />

عزل المملكة المتّحدة يمكن أن<br />

تعزّ‏ ز خطر انتهاج سياسة حصان<br />

طروادة التي ستتيح للواليات<br />

المتحدة وإلسرائيل وربّما الصين<br />

استنزاف اعتمادات البحث والتنمية<br />

المخصصة لتسليح القارّ‏ ة األوروبية<br />

. نالحظ بداية أنه ال يوجد أي خيار<br />

أوروبي للتحكم في شراء المعدّات<br />

التي تقوم بها كل دولة بمفردها<br />

في حالة من الفوضى.‏ يوجد داخل<br />

االتحاد 178 نظاما لألسلحة )30<br />

في الواليات المتحدة األمريكية(‏<br />

وحوالي 20 صنفا من المدرّ‏ عات،‏<br />

و‎3‎ أصناف من الطائرات المقاتلة،‏<br />

الخ.‏ من ضمن مبلغ 227 مليار<br />

يورو الذي تم إنفاقه سنة 2017 من<br />

طرف مجموع الجيوش األوروبية،‏<br />

تقدّر كلفة عدم االندماج األوروبي<br />

ب 25 مليار يورو)‏‎6‎‏(.‏<br />

1( ‏»تشريح لدفاع أوروبا«.‏ حديث مع كريستيان<br />

ماليس،‏ انفالكسيون،‏ عدد 33، باريس،‏ 2016.<br />

2( يحدّد إعالن بيترسبرغ ‏)ألمانيا(‏ الذي تمّت<br />

المصادقة عليه في جوان/حزيران 1992 األهداف<br />

التالية:‏ المهامّ‏ اإلنسانية أو إجالء الرعايا،‏ التوقّي<br />

من النزاعات وحفظ السالم،‏ المهام القتاليّة في<br />

إدارة األزمات،‏ األعمال المشتركة في مجال<br />

نزع السالح،‏ االستشارة والمساعدة العسكريّة،‏<br />

عمليات إعادة االستقرار بعد نهاية النزاعات.‏<br />

3( غابريال روبان:‏ ‏»برج من زمن ولّى«،‏<br />

<strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ مارس/آذار <strong>2019</strong>.<br />

4( تلميحا إلى شريط ‏»ستيفن سبلبرغ«‏ ‏»يجب<br />

إنقاذ الجندي رايان«‏ )1998( الذي يروي قصّ‏ ة<br />

نزول الجيش األمريكي في النورمندي سنة<br />

.1944<br />

5( فايننشيل تايمز،‏ لندن،‏ 12 افريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

6( ‏»السيف والسوق . االتحاد الدفاعي سيعزّز<br />

التكامل االقتصادي األوروبي«،‏ مسألة أوروبا،‏<br />

عدد 486، مؤسسة روبار شومان،‏ باريس-‏<br />

بركسال،‏ 1 أكتوبر/تشرين األول 2018.<br />

فيليب اليماري * Leymarie Philippe<br />

جميع الحقوق محفوظة


5 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

كلّ‏ انتخابات<br />

جيش من ورق<br />

بطريقة ال تخلو من داللة،‏<br />

اختارت بلجيكا مؤخّرا الطائرة<br />

المقاتلة األمريكية ‏»ف‎35‎‏«‏<br />

عوضا عن اقتناء أجهزة<br />

مصمّمة في أوروبا مثل رافال<br />

واالوروفايتر وغريبان.‏ الطائرة<br />

األمريكية تم اختيارها من حوالي<br />

عشر دول أوروبية ودخلت<br />

طور االستغالل مؤخرا،‏ وقد<br />

عدّت بمثابة الشافطة للميزانيات<br />

المخصّ‏ صة للدفاع بحكم الشروط<br />

المفروضة على المشترين ‏)نظام<br />

مغلق،‏ التزام بالسريّة،‏ برمجيات<br />

مرتبطة بالمصنّع األصلي<br />

‏)لوكهيد مارتن(‏ وبالنظر إلى<br />

الكلفة الباهظة جدّا:‏ دفع هذا<br />

األمر بفلورانس بارلي وزيرة<br />

الدفاع الفرنسية إلى حد التصريح<br />

خالل زيارة إلى واشنطن يوم 18<br />

مارس/آذار <strong>2019</strong> أمام مجلس<br />

الناتو:‏ ‏»إن الفصل الذي ينصّ‏<br />

على التضامن بين أعضاء الناتو<br />

هو الفصل 5 ال الفصل ف‎35‎‏«.‏<br />

في الوقت الراهن،‏ تكتفي<br />

هيئة األركان لالتحاد األوروبي<br />

بإنجاز مهمّات تكوينية وليس<br />

لديها قوات موضوعة على ذمّتها<br />

بشكل دائم.‏ توجد مجموعات<br />

قتالية قوامها 13 ألف جندي يتمّ‏<br />

استبدالهم بصفة دوريّة كلّ‏ ستّة<br />

أشهر ولكنها على مدى ثالث<br />

عشرة سنة من الوجود لم تتدخّ‏ ل<br />

على الميدان ولو مرّة واحدة.‏ أما<br />

العمليات التي تُعتبر معقّدة مثل<br />

أرتميس التي جرت في جمهورية<br />

الكونغو الديمقراطيّة سنة 2003،<br />

أو أطالنطا في المحيط الهندي<br />

‏)منذ سنة 2008( فال شك أنها لم<br />

تعد ممكنة اإلنجاز اليوم بسبب<br />

نقص الوسائل.‏<br />

لقد أصبح النقاش اآلن<br />

مركّزا حول تعاونية في برامج<br />

التجهيز.‏ لكنّ‏ التقارب بين مذاهب<br />

التشغيل والرزنامة واألولويات<br />

اإلستراتيجية للبلدان المنتجة<br />

والمشترية يظل صعب المنال رغم<br />

وجود بعض االستثناءات البارزة<br />

مثل النظام األوروبي لتحديد<br />

المواقع عبر األقمار الصناعية<br />

‏)غاليليو(‏ الذي أطلق سنة 2001<br />

والذي دخل طور االشتغال النسبي<br />

بعد تأخيرات في اإلطالق و ارتفاع<br />

مهول في التكاليف)‏‎7‎‏(.‏ كذلك<br />

الشأن بالنسبة إلى الناقلة العسكرية<br />

الفرنسية ‏»أ-‏‎400‎‏-م«‏ أو الطائرة<br />

العمودية ‏»اوروكبتار 665 تيغر«.‏<br />

إن إحساس األوروبيين بأنّهم<br />

شبه مُجبَرين على اقتناء المعدّات<br />

األمريكية يمثّل مشكال مضاعفا:‏<br />

إضافة إلى كونهم يحرمون<br />

مؤسساتهم أو مؤسسات جيرانهم<br />

األوروبيين من هذه الصفقات،‏ هم<br />

يسهمون في تناقص الميزانيات<br />

المخصصة للدفاع إضافة إلى<br />

احتمال أن يجدوا أنفسهم ‏»بجيوش<br />

بونساي«)‏‎8‎‏(.‏ الجيش الفرنسي<br />

ذاته،‏ رغم أنه يُعتبر أحد أهم<br />

الجيوش األوروبية تجهيزا<br />

ونشاطا،‏ أحد أقلّها اعتمادا على<br />

الخارج في مجال الشراءات ال<br />

يمكنه في نفس الوقت تعصير<br />

قوّته الرادعة،‏ واقتناء حاملة<br />

طائرات ثانية،‏ واتّباع سياسة<br />

فضائيّة،‏ وتأسيس نظام مستقلّ‏<br />

للدفاعات الجوّيّة،‏ الخ.‏ يجب عليه<br />

أن يُخصص لهذه المشاريع ال فقط<br />

%1،82 من الناتج الداخلي الخام<br />

‏،كما هي الحال راهنا،‏ وال %2<br />

‏)كما يطلب ذلك الرئيس دونالد<br />

ترامب والناتو(‏ بل %3.<br />

نظرا إلى الخالفات السياسية<br />

داخل االتحاد،‏ ال يوجد أيّ‏ تطوّر<br />

مؤسساتي كبير على المدى<br />

المنظور.‏ أقصى ما في األمر هو<br />

إمكانية أن يتأسّ‏ س على هامش<br />

المعاهدات نوع من مجموعة<br />

- أوروبا للدفاع على شاكلة ما<br />

تأسّ‏ س حول العُمْلة الموحّ‏ دة.‏<br />

المبادرة األوروبية للدفاع التي<br />

أطلقت يوم 25 جوان/حزيران<br />

2018 من طرف تسع دول)‏‎9‎‏(‏<br />

راغبة في بناء ‏»ثقافة إستراتيجية<br />

مشتركة«‏ يمكن أن تمثل حجر<br />

األساس لهذه المجموعة كما<br />

يمكن أن يشتغل على قاعدة<br />

التطوّع لألغلبية ذات الكفاءة<br />

باالستناد إلى الدول المؤطّ‏ رة<br />

واالختصاصات حسب البلدان.‏<br />

وآنذاك ستطرح مسألة التنسيق<br />

بينه وبين بقية مؤسسات االتحاد.‏<br />

من جهة أخرى،‏ فإن برلين<br />

وباريس اللتين يقع على كاهلهما<br />

ثقل الدفاع المشترك هما أبعد<br />

ما يكون عن تقاسم نفس الثقافة<br />

العسكرية.‏ ألمانيا وبحكم ماضيها<br />

الثقيل ال يمكنها تصوّر إقحام<br />

جيشها ‏»البندسفهر«‏ دون موافقة<br />

‏»البندستاغ«‏ وهذا ما ال يخدم ال<br />

الهجوم وال التدخّ‏ ل.‏ في أفغانستان<br />

على سبيل المثال،‏ كان جنودها<br />

يحبّذون المشاركة في عمليات<br />

التنمية،‏ أمّا مقاتالتها طورنادو<br />

فتكتفي بالمراقبة الجويّة)‏‎10‎‏(.في<br />

مقابل ذلك،‏ يبقى النموذج الفرنسي<br />

‏»التنفيذي«‏ جدّا الذي يمكنه أن<br />

ينخرط في الحرب بمجرّ‏ د قرار<br />

من رئيس الجمهورية،‏ نموذجا<br />

فريدا في أوروبا.إنّ‏ هذا بال شكّ‏<br />

ضامن لسرعة التدخّل ولكنّه<br />

يستبعد كلّ‏ مراقبة سياسية تقريبا.‏<br />

لندن،‏ ال غنى عنها<br />

ينطبق األمر ذاته على<br />

صادرات األسلحة.‏ ألمانيا الواقعة<br />

تحت تأثير االشتراكيين الديمقراطيين<br />

تضع مجموعة من القيود على بيع<br />

األسلحة.‏ لقد أوقفت صفقة األسلحة<br />

مع المملكة العربية السعوديّة.‏<br />

أما فرنسا فتبدو غير متشدّدة في<br />

هذا الباب حتى وإن كان المستفيد<br />

السعودي يرتكب جرائم حرب<br />

في اليمن.‏ تفضّ‏ ل باريس مراعاة<br />

صناعتها العسكرية وهي شرط الحدّ‏<br />

األدنى من السيادة واالستقاللية على<br />

المستويين الوطني واألوروبي.‏ كما<br />

يصطدم إنشاء هذا الفريق األوروبي<br />

بمسألة توسيع الضمان النووي<br />

الفرنسي ألن باريس هي اآلن العضو<br />

الوحيد الحائز على قوّة ردعيّة نوويّة<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

مستقّلة ومقعد دائم في مجلس األمن<br />

الدولي،‏ وهو المقعد الذي تطالب<br />

بعض الشخصيات السياسية األلمانية<br />

بتقاسمه بين الدولتين.‏<br />

تضمّ‏ معادلة األمن األوروبي<br />

المملكة المتحدة بالبريكست أو<br />

بدونه.‏ باريس ولندن المرتبطان<br />

باتفاقيات النكستر هاوس )2010(<br />

يحقّقان لوحدهما أربعة أخماس<br />

البحث والتطوير العسكريين في<br />

أوروبا ويوفّران نصف الطاقات<br />

االستثماريّة،‏ مع وجود التزامات<br />

مشتركة متّفق عليها في ميادين<br />

حسّ‏ اسة مثل تشكيل قوّة ثنائيّة للتدخل<br />

السريع وتصميم الصواريخ ومحاكاة<br />

التجارب النوويّة.‏ لعلّه من الواجب<br />

إيجاد الوسيلة التي تكفل إشراك<br />

لندن في معاهدة الدفاع واألمن التي<br />

يحلم بها ماكرون والتي عليها-‏<br />

حسب قوله-‏ ‏»أن نضبط التزاماتنا<br />

الضرورية باالتفاق مع حلف الناتو<br />

وحلفائنا األوروبيين:‏ الترفيع في<br />

النفقات العسكرية و إدخال واجب<br />

الدفاع المتبادل حيّز التطبيق)‏‎11‎‏(.‏<br />

لقد تقلّصت أوروبا إلى مجرّ‏ د قطع<br />

متناثرة من األحالف والتوافقات ذات<br />

الهندسة المتغيّرة،‏ فهل يمكن ألوروبا<br />

للدفاع أن يحدد كيانه بغير الحدّ‏<br />

األدنى أي بإطالق العنان إلعالنات<br />

النوايا و للمصالح الصناعيّة؟<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

7( شارل براغين وغيّوم رونوار ‏»غاليليو،‏<br />

عشرون عاما من الفوضى لمنافس محدّد المواقع<br />

ج.ب.س«‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

8( فريدريك مورو و اوليفياي جيهن:‏ ‏»لماذا<br />

نحتاج إلى جيش أوروبي؟«،‏ معهد العالقات<br />

الدولية واإلستراتيجية ‏)ايريس(،‏ باريس،‏ جانفي/‏<br />

كانون الثاني <strong>2019</strong>.<br />

9( ألمانيا،‏ بلجيكا،‏ الدانمارك،‏ اسبانيا،‏ استونيا،‏<br />

فرنسا،‏ هولندا،‏ البرتغال،‏ المملكة المتحدة.‏<br />

10( ‏»لكن ماذا تفعل ألمانيا في أفغانستان؟«،‏<br />

<strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ فيفري/شباط 2011.<br />

11( مقال رأي تمّ‏ نشره يوم 5 مارس/آذار <strong>2019</strong><br />

في الصحافة األوروبية.‏


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 6 <strong>2019</strong><br />

األفكار المسبقة حول<br />

رغم ذلك،‏ كانت قائمة األبطال الوطنيين الفرنسيين الذين<br />

برزوا خالل ‏»الثالثين سنة المجيدة«‏ كافية لتكذيب الخرافة<br />

الليبيراليّة حول وجود صناعة دون دولة.‏ إن مؤسسات<br />

مثل آريان وايرباص وقطارات كوراي وت.ج.ف ‏)القطار<br />

السريع(‏ والبرنامج االلكترو نووي،‏ والتغطية الوطنية بشبكة<br />

الهاتف تشهد بجدوى وجود دولة موجهة ذات استراتيجية،‏<br />

دولة لم تتردّد في اللجوء إلى التأميم وإلى التخطيط وإلى<br />

فرض التسيير العمومي وإلى السياسة الحمائيّة بهدف إعادة<br />

بناء البالد وتعصيرها ‏)حتى وإن تترجم ذلك في خسائر بيئية<br />

تأخرت السلط العمومية في اتخاذ اجراءات بحقها(.‏<br />

لورا را ييم * Raim Laura<br />

صحيح أن بعض المشاريع فشلت.‏ مخططات كلكيل<br />

وكنكورد ومينيتال غالبا ما يتمّ‏ ذكرُ‏ ها من طرف منتقدي<br />

‏»الكُلبرتيّة التكنولوجية«.‏ مع ذلك،‏ يبيّن الخبير االقتصادي<br />

جاك سابير أنّ‏ حتّى هذه النكسات تتميّز بما فيها من فوائد<br />

التعلّم.‏ النقل األسرع من الصوت وإن كان كارثة تجاريّة<br />

سمح ‏»بنشر المعارف والمعدّات في صناعة الطيران<br />

الفرنسية«،‏ وهذا في حدّ‏ ذاته ظاهرة ‏»ضرورية بالنسبة إلى<br />

النجاح الالحق لبرنامج أيرباص«)‏‎3‎‏(.‏<br />

‏»الصناعة انتهت،‏<br />

جاء دور الخدمات«‏<br />

ما فائدة معارضة اتّجاه التاريخ؟ تكتفي الصناعة<br />

ببساطة باتّباع المسار الذي سلكته الزراعة قبلها.‏ بما أن<br />

التطور يقتضي المرور من القطاع األول إلى الطور الثاني<br />

ثم منه إلى الثالث فإن بلدان الشمال تتجه نحو اقتصاد المادّي<br />

قائم على الخدمات،‏ تسيّره ‏»مؤسسات بال مصانع«‏ ‏)حسب<br />

عبارة سارج تشوروك الرئيس المدير العامّ‏ لمؤسسة ألكاتال<br />

سنة 2001(، في حين يجري نقل اإلنتاج الصناعي الملوّث<br />

والشاقّ‏ إلى البلدان ذات األجور المنخفضة.‏<br />

ال تعارُ‏ ضَ‏ بين الصناعة والخدمات ألنهما قطاعان<br />

متداخالن متكامالن.‏ لكن االستعانة بمصادر خارجية في أداء<br />

وظائف كانت تُنجَ‏ ز داخل المؤسسات الصناعيّة والتي شرع<br />

فيها منذ عشرين عاما ‏)المطاعم،‏ التنظيف،‏ المحاسبة(‏ تفسّ‏ ر<br />

جزئيا انخفاض عدد مواطن الشّ‏ غل المباشرة في الصناعة<br />

وازديادها في قطاع الخدمات.‏ خالفا لذلك،‏ تعرض المؤسسات<br />

الصناعية جملة من الخدمات مثل التركيب والصيانة،‏ وكذلك<br />

التأجير.‏ شركة ‏»ميشالن«،‏ على سبيل المثال،‏ تعرض كراء<br />

اإلطارات المطّ‏ اطيّة بحساب الكيلومتر.‏<br />

مع ذلك،‏ شهد الغرب انهيار فروع إنتاجية كاملة خاصة<br />

في قطاعات النسيج واألحذية أو التجهيزات الكهرومنزلية<br />

أو الكيمياء أو الخشب أو البالستيك أو المطّ‏ اط.‏ أدّت ثالثون<br />

سنة من السلبية السياسية إلى نتيجة أقل ايجابية ممّا كان يبشر<br />

به المتغنّون بوقْف التصنيع.‏ في فرنسا،‏ أصبحت التجارة<br />

الخارجية تعاني عجزا منذ سنة 2004 ألن الميزان التجاري<br />

االيجابي لقطاع الخدمات ال يستطيع أن يعوّض نظيره السلبي<br />

لالتجار في السلع المصنّعة،‏ كما أدّى غلق المصانع إلى إقفار<br />

مناطق بأكملها،‏ وفقدانا للمهارة الفنية،‏ ومع ذلك انخفضت<br />

نسبة األجور في قطاع الخدمات التي كان من المؤمّل أن<br />

تحمل مشعل النموّ‏ بنسبة %20 عمّا كان عليه األمر في<br />

الصناعة)‏‎1‎‏(.‏<br />

في فرنسا يمثل ترحيل روسنيول،‏ مصنّع أدوات التزلّج<br />

‏،ومصنّع شاي كوسماتي ومصنّعي النسيج بارابوت والديك<br />

الرياضي شواهد على وجود حركة عكسيّة.‏ لئن ظلّت هذه<br />

الظاهرة قليلة الشأن في فرنسا فإنها آخذة في االنتشار داخل<br />

الواليات المتحدة األمريكية بسبب انخفاض كلفة الطاقة<br />

وانتعاش دوائر التوزيع القصيرة،‏ والتوجّ‏ ه نحو المنتجات<br />

ذات المحتوى التكنولوجي العالي،‏ والتي ال تتطلّب يدا<br />

عاملة وفيرة العدد.‏ مؤسسات آبل وجنرال الكتريك وكاتربيلر<br />

ولونوفو وحتى ورلبول لم تنتظر اإلجراءات الحمائية التي<br />

اتّخذها ترامب إلعادة توطين أنشطتها لما الحظت من<br />

ارتفاع لألجور في البلدان الصاعدة التي لم تعد تكتفي بأن<br />

تكون ‏»مصانع للعالم«‏ بل أصبحت بدورها تستثمر في البحث<br />

و في براءات االختراع .<br />

‏»ليس للدولة<br />

التدخل في هذا«‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

يجب على الدولة أن تتخلى عن أي قيادة صناعيّة ألنها<br />

ليست مساهما جيّدا و ال مسيّرا قديرا.‏ أقصى ما يمكن أن<br />

تنهض به هو أن تكون مسؤولة عن فرض احترام قواعد<br />

المنافسة،‏ وتوفير مناخ مالئم للنموّ‏ من خالل تمويل البنية<br />

التحتية،‏ وتثقيف عمّال المستقبل والبحث األساسي،‏ في حين<br />

يسمح قانون السوق بانتفاء الفاعلين الذين لديهم من القدرة<br />

التنافسية والقدرة على التجدّد ما يتيح لهم البقاء.‏<br />

مدعومين بهذا اإليمان بالمنافسة الحرّ‏ ة التي وضعت<br />

كمبدأ دستوري في االتّحاد األوروبي،‏ تخلّت الحكومات<br />

المتعاقبة منذ منتصف الثمانينات عن كلّ‏ رافعات العمل،‏<br />

وكانت شاهدة على اهتراء القاعدة الصناعية الوطنية.‏<br />

بعد بيشناي ‏)األلمنيوم(‏ وارسلور ‏)صناعة الصّ‏ لب(‏ وبيل<br />

‏)اإلعالمية(،‏ شهدت فرنسا وقوعَ‏ مؤسسات أخرى كانت تُعتبر<br />

خِ‏ يرة المصانع مثل الفارج ‏)االسمنت(،‏ وألكاتال ‏)الهواتف(‏<br />

بين براثن المستثمرين األجانب،‏ وكان ينبغي انتظار أزمة<br />

سنة 2008 التي سلّطت الضّ‏ وء على عدم االستقرار المالي<br />

المتولّد عن عجز هيكلي خارجي فادح حتى تعود ضرورة<br />

اإلصالح اإلنتاجي،‏ على األقل في الخطابات،‏ إلى مكانتها<br />

في مشاغل السلطات العموميّة.‏ لم يمنع ذلك تفكيك ألستوم «<br />

وتقديمه على طبق لألميركي جنرال الكتريك)‏‎2‎‏(.‏<br />

‏»يأتي االبتكار دائما<br />

من القطاع الخاص«‏<br />

الدولة المُثقلة بالبيروقراطية وبخمول الموظّ‏ فين عاجزة<br />

عن تحفيز ما سمّاه عالم االقتصاد جوزاف شمبتر ‏»روح<br />

الحيوان«‏ لدى المبتكرين.‏ السوق وحدها هي القادرة على<br />

إفراز المبتكرين وتمكينهم من وسائل االزدهار.‏ هل من<br />

الغريب إذن أالّ‏ تكون ‏»سيليكون فاالي«‏ فرعا من الحكومة<br />

األمريكية؟<br />

تغفل القصّ‏ ة األسطورية للفكر الرّ‏ يادي لرجال األعمال<br />

في كاليفورنيا حقيقة واقعة وهي أن القطاع الخاص لم يتكفّل<br />

مطلقا باالستثمار في بحوث باهظة الكلفة وفرص نجاحها<br />

غير مؤكّدة.‏ بيّنت الخبيرة االقتصاديّة ماريانا مازوكاتو)‏‎4‎‏(‏<br />

أن أهم االبتكارات التكنولوجية التي تمّت خالل العقود القليلة<br />

الماضية تحقّقت بفضل التمويل النشيط من طرف الدولة:‏<br />

االنترنت موّلتها وكالة تابعة لوزارة الدفاع األمريكية ‏)وكالة<br />

مشاريع البحوث الدفاعية المتطوّرة داربا(،‏ كما موّل البرنامج<br />

العسكري ‏»نافستار«‏ مشروعَ‏ نظام ضبط المواقع ‏)ج.ب.س(،‏<br />

أما الشاشة اللمسية فابتكار استفاد من تمويليْن تكلف بهما كلّ‏<br />

من وكالة المخابرات األمريكية ‏)س.إ ‏.أ(‏ والصندوق الوطني<br />

للعلوم وقدّماهما لباحثين تابعيْن لجامعة دوالوار،‏ كما موّل هذا<br />

الصندوق ذاته الخوارزميّة التي يعمل بها محرّك غوغل.‏ في<br />

صناعة األدوية،‏ »%75 من الكيانات الجزيئيّة ذات األولوية<br />

الجديدة قد موّلتها في الواقع مخابر عموميّة مملّة وكافكائيّة.‏<br />

صحيح أن كبريات الشركات المصنّعة لألدوية مثل بفايزر<br />

وأمغان تشارك بدورها في االبتكار ولكن في القسم الخاص<br />

بالتسويق«،‏ كما تفسّ‏ ر المتحدّثة،‏ وهي مؤسسات تُخصّ‏ ص<br />

أكثر نفقاتها إلعادة اقتناء أسهمها قصد الترفيع في قيمتها<br />

عوض تخصيصها للبحث والتطوير«)‏‎5‎‏(‏ إذا كانت المؤسسات<br />

الناشئة ورؤوس األموال المجازفة يلعبان دورا رئيسيا وقد<br />

التحقتا بالميدان في مرحلة ثانية أي بعد خمس عشرة أو<br />

عشرين سنة من توفير السلطات العمومية للنصيب األوفر من<br />

التمويل وتحمّل أكبر نصيب من المخاطرة .<br />

1( جان-كريستوف لو دويغو ‏)تحت إشراف(:‏ البورصة أو الصناعة،‏ منشورات ‏»ال<br />

تولياي«،‏ باريس،‏ 2016.<br />

2( فريدريك بياروشي وماتيو آرون:‏ ‏»الفخّ‏ األميركي«،‏ ج.س.التاس،‏ باريس،‏<br />

<strong>2019</strong>، وجان-ميشال كتربوان:‏ ‏»باسم القانون...‏ األميركي«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏<br />

جانفي/كانون الثاني 2017.<br />

3( جاك سابير ‏»السياسة الصناعية وعمليات الخوصصة«،‏ مدوّنة ‏»روسيا-أوروبا«،‏<br />

21 جوان/حزيران .2014<br />

4( ماريانا مازوكاتو ‏»الدولة المبادرة.‏ فضح القطاع العام في مقابل أساطير القطاع<br />

الخاص«،‏ انتام براس،‏ لندن،‏ 2013.<br />

5( ماريانا مازوكاتو ‏»ملتقى تاد العالمي لسنة 2013 بأدنبرغ:‏ الدولة المبادرة،‏<br />

والمجازفة والمبتكرة«،‏ أكتوبر/تشرين األول 2013، على اليوتوب.‏<br />

* صحافية.‏


7 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

اإلنعاش اإلقتصادي<br />

‏»القدرة التنافسية<br />

تتطلب تخفيض كُلفة العمل«‏<br />

وفقا لوزير االقتصاد والمالية برونو لومار:‏ ‏»نحن لم نكتسب<br />

بعدُ‏ التنافسية المطلوبة خاصة مقارنة بجيراننا األلمان«‏ ‏)فرانس<br />

انتار،‏ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017(، كما يضيف أنه ‏»يجب<br />

فتح باب هذا النقاش حول التخفيف من األعباء لمن يتحصلون<br />

على أقل من 2.5 مرة من األجر األدنى المشترك المضمون«.‏<br />

إن هذه األزمة أصبحت معروفة لفرط جريانها على األلسنة<br />

منذ ثالثين سنة.‏ في اقتصاد مفتوح ومعرَّض إلى منافسة البلدان<br />

الصاعدة،‏ تشكو الصناعة الفرنسية من ‏»كلفة عمل«‏ مشطّ‏ ة في<br />

حين تَدين ألمانيا بنجاحها لسياسة االعتدال في األجور التي أرست<br />

دعائمها خالل سنوات 2000.<br />

يحيل هذا التشخيص على مضاعفة إجراءات اإلعفاء من<br />

المساهمات االجتماعية منذ سنة 1992 مثل اإلعفاء من األداء<br />

حول المنافسة والتشغيل.‏ يسمح التخفيض في كلفة اإلنتاج من<br />

ناحية بالتخفيض في األسعار قصد ربح حصّ‏ ة في األسواق،‏ ومن<br />

ناحية أخرى إعادة العمل بالهوامش وبالتالي االستثمار في الترفيع<br />

في الجودة وفي التشغيل.‏ نحن هنا إزاء ‏»نظرية شميدت«‏ الخالدة<br />

التي تقول ‏»إن أرباح اليوم هي استثمارات الغد و مواطن شغل<br />

لما بعد غد«‏ والتي تعود إلى سنة...‏ 1974.<br />

أسفرت هذه الحملة ضدّ‏ كُلْفة الشغل عن نتائج إيجابية.‏ منذ<br />

سنة 2016، أصبحت كلفة الساعة لليد العاملة الفرنسية أقلّ‏ من<br />

نظيرتها األلمانية ب 2.1 يورو)‏‎6‎‏(.‏ لكنّ‏ هذا العمل الفذ لن يكون<br />

كافيا إلحياء الصناعة الفرنسية.‏ السبب:‏ كلفة العمل ليست مسؤولة<br />

عن تراجع الصناعة أوّال ألنه يتمّ‏ تالفيه بإنتاجية عالية.‏ إذا قسّ‏ منا<br />

الناتج الداخلي الخامّ‏ على عدد ساعات العمل المنجزة،‏ وجدنا أن<br />

الفرنسيين يحتلّون فعال نفس مستوى األمريكيين واأللمان.‏ ثم<br />

إن ما قوّض بشكل أساسي القدرة التنافسية للصناعة الفرنسية منذ<br />

مطلع سنوات 2000 هو اليورو القويّ‏ . بين سنتي 2000 و‎2010‎‏،‏<br />

لم ترتفع تكلفة ساعة العمل في المجال الصناعي إال بنسبة %32<br />

بسعر االورو و لكن ب %90 بسعر الدوالر )7( .<br />

يمكن كذلك تفسير التراجع الصناعي الفرنسي بتدويل<br />

المجموعات الكبرى منذ ثالثين سنة.‏ في الوقت الذي دعّ‏ مت<br />

فيه المؤسسات األلمانية قواعد اإلنتاج الوطنية،‏ خيّرتْ‏ نظيرتُها<br />

الفرنسية االنتشار الخارجي واالستعانة باالستثمار األجنبي<br />

المباشر وخاصة في البلدان الناشئة التي تحقّق نموّا قويّا.‏<br />

يُعدّ‏ قطاع السيارات خير دليل على ذلك.‏ منذ سنة 2006،<br />

تجاوز عدد السيارات الفرنسية المصنوعة بالخارج العددَ‏ المصنّع<br />

على التراب الوطني والذي بدأ في التقلّص منذ سنة 2002.<br />

بينما ما انفك إنتاج الصناعيين األلمان داخل ألمانيا يرتفع.‏ على<br />

هذا األساس أصبحت الشركات الفرنسية المتعددة الجنسيات سنة<br />

2014 تشغّل 6 ماليين شخص في الخارج مقابل 5 ماليين بالنسبة<br />

إلى منافستها األلمانية و‎1.8‎ مليون لاليطالية وأقلّ‏ من مليون<br />

بالنسبة إلى االسبانية.‏<br />

يرجع خيار إعادة االنتشار العالمي الفرنسي في قسم منه<br />

إلى تموقع يعتمد البضاعة الضعيفة والمتوسطة القيمة حيث تدور<br />

المنافسة في مستوى األسعار باألساس،األمر الذي يدفع إلى<br />

خفض التكلفة عن طريق اإلنتاج في الخارج.‏ بالمقارنة،‏ يتضح<br />

أن القدرة التنافسية األلمانية قائمة على ‏»غير السعر«،‏ ما يعني<br />

أنها قائمة على الجودة واالبتكار وهذا ما يسمح لها بفرض أسعار<br />

أعلى.‏ يذهب رجل االقتصاد غابريال كوليتي العضو المؤسس<br />

لجمعية البيان من اجل الصناعة إلى أن سياسة الضغط على<br />

األجور التي طبقت خالل فترة حكم المستشار األلماني غرهرد<br />

شرودر )2002-1998( كانت أقلّ‏ نفعا إلرساء التنافس من الرفع<br />

في اإلنتاج.‏<br />

لعبت كلفة رأس المال أكثر من دورا حاسما كلفة العمل<br />

هي التي في ظاهرة تراجع التصنيع في فرنسا ألن المجموعات<br />

الكبرى كانت توزّع على المساهمين حصّ‏ ة متزايدة من القيمة<br />

المضافة وذلك على حساب االستثمار والبحث.‏ قبل ثالثين سنة،‏<br />

كانت اإلرباح الموزّعة تمثّل أقلّ‏ من %5 من الثروة المحقّقة في<br />

الصناعة ‏،أما اليوم فقد بلغت هذه الحصة %25. على كلّ‏ يورو<br />

صاف وُضِ‏ ع في االستثمار،‏ كانت المؤسسات توزّع 50 سنتيما<br />

في باب األرباح سنة 1978، مقابل 2 يورو سنة 2011)8(.<br />

تحت ضغط المساهمين،‏ وجدت المؤسسات نفسها مُجبرة<br />

على التخلي عن بعض مشاريع االستثمار التي ال تدرّ‏ أرباحا<br />

كافية،‏ أو على إنجاز عمليات مالية باهظة الكلفة بهدف بلوغ نسبة<br />

%15 كمردود مطلوب في الغالب.‏ يقول كوليتي مفسّ‏ را:‏ ‏»بما أن<br />

المردوديّة المتوسطة تتراوح بين 6 و‎%8‎‏،‏ وجدت المؤسسات<br />

نفسها محتاجة أكثر فأكثر إلى شراء أسهمها قصد الترفيع في قيمة<br />

السّ‏ ندات«.‏ هذه الممارسة واسعة االنتشار في الواليات المتحدة<br />

األمريكية أخذت في االنتشار في فرنسا:‏ لقد خُصّ‏ ص لها بين<br />

سنتيْ‏ 1999 و‎9(2015‎‏(‏ ما قدره 115 مليار يورو،‏ أما بالنسبة إلى<br />

سنة 2018 فقد أعادت مؤسسات ‏»كاك 40« شراء أسهم بما قدره<br />

10.9 مليار يورو.‏ أمّا مجموع األرباح المهدورة فمن المستحيل<br />

تحديده.‏ يقول رجل االقتصاد لوران كردينياي بأسف شديد:‏ ‏»من<br />

ذا الذي يستطيع أن يذكر الكمّ‏ الهائل من الثروات المبدّدة التي لم<br />

تتحقّق،‏ ومن مواطن العمل التي لم تُخلَق،‏ والمشاريع الجماعية<br />

واالجتماعية والبيئيّة التي لم تُنفَّذ على اإلطالق لسبب وحيد وهو<br />

الحرص على المردوديّة؟«)‏‎10‎‏(.‏ إذا كان لومار يرجو أن تعود<br />

صورة ‏»القوّة الصناعيّة الكبرى«‏ إلى فرنسا فعليه أن يبدأ بتخليص<br />

المؤسسات من الهيمنة المالية.‏<br />

‏»الحمائية غير<br />

فعالة وخطيرة«‏<br />

يعتبر الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون أن ‏»الحمائية هي<br />

الحرب،‏ كذبة،‏ انتكاسة«‏ )26 افريل/نيسان 2017(. هي تمثّل<br />

واحدا من ‏»الخطريْن العالمييْن الكبيريْن«.‏ وفقا لمحافظ بنك فرنسا<br />

فرانسوا فيلرواد غلهو الذي يصرح:‏ ‏»الترفيع في أسعار الواردات<br />

يمثّل عقوبة لألسَ‏ ر الضعيفة التي تستهلك أكبر نصيب من الموادّ‏<br />

المستوردة«)‏‎11‎‏(.‏<br />

إن األسطورة القائلة بأن السياسة الحمائية تؤدي حتما إلى<br />

الحرب،‏ وتلك القائلة إن ‏»التجارة الناعمة«‏ عكس ذلك،‏ تساعد على<br />

نشر السّ‏ الم أقوال قد دحضها التاريخ.‏ في سنة 1870، دخلت فرنسا<br />

وبروسيا في حرب بُعيْد توقيع معاهدة تبادل حرّ‏ بين البلدين.‏ على<br />

النقيض من ذلك،‏ لم ينتج عن الحمائية التي ميّزت ‏»الثالثين سنة<br />

المجيدة«‏ أيّ‏ صراع.‏ ثم إن الفكرة القائلة بأن الحمائية تفترض ضمنيا<br />

‏»انتكاسة وطنية«‏ وتضع حدّا للمبادالت فكرة ال تصمد أمام تحليل<br />

الوقائع.‏ ‏»فبيْن سنتيْ‏ 1890 و‎1914‎‏،‏ اتّبعت كل البلدان المصنّعة<br />

باستثناء بريطانيا العظمى سياسات تجارية مستمدّة من الحمائيّة«‏ كما<br />

يذكّرنا بذلك رجل االقتصاد غايل جيرو ‏»ولكن هذا لم يمنع هذه<br />

الفترة من أن تشهد توسّ‏ عا مستمرّا للتجارة العالميّة )%5 من النموّ‏<br />

سنويا(‏ إلى حدّ‏ جعل المؤرخين يصفونها بأنها ‏»العولمة األولى«)‏‎12‎‏(.‏<br />

لكن ماذا عنها اليوم؟ يحبّ‏ أنصار التبادل الحر أن يشيروا<br />

إلى أنه بفضل العولمة تستطيع العائالت المحرومة في البلدان<br />

الغنية أن تمأل سلة مشترياتها باألقمصة واأللعاب والشاشات<br />

المسطّ‏ حة بأثمان زهيدة.‏ إذا كان صحيحا أن السياسة الحمائيّة<br />

تؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه السلع المستوردة فإنه بإمكانها كذلك<br />

أن تتيح الخروج من هوَس كُلْفة العمل التي تخنق األجور.‏ لنقل<br />

بعبارة أخرى إنّ‏ ما نخسره كمستهلكين سنربحه بصفتنا أجَ‏ راء.‏ هذا<br />

باإلضافة إلى التحرر من عادة استهالك أشياء ال نحتاجها.‏<br />

ال يتعلق األمر بالتصفيق للرئيس األميركي دونالد ترامب<br />

الذي سلّط الرسوم الجمركيّة على األلمنيوم الكندي أو الالقطات<br />

الشمسية الصينية دون مباالة بالعواقب المنجرّة عن ذلك ‏)إجراءات<br />

انتقامية،‏ الجدوى اإلجراء في غياب سياسة صناعيّة ‏،الخ(.‏ السياسة<br />

الحمائيّة ليست عصا سحريّة قادرةً‏ على إحياء كل الصناعات<br />

القديمة،‏ وال هي برنامج اقتصادي قائم الذات:‏ هي ليست سوى أداة<br />

يمكن وضعها في خدمة سياسة محافظة وأحادية وعدوانيّة أو في<br />

خدمة سياسة أخرى تعاونيّة وبيئيّة واجتماعيّة.‏<br />

يقترح أنصار ‏»الحمائيّة التضامنية«‏ على سبيل المثال<br />

وضع حواجز جمركيّة أوروبية لمعاقبة الواردات الوافدة من<br />

بلدان ال تحترم بعض المعايير التّأجيرية واالجتماعية والجبائيّة<br />

والبيئيّة.‏ ال يكون الهدف من ذلك تقديم المعونة ‏»لجوراسيك بارك<br />

صناعي«)‏‎13‎‏(،‏ ولكن حماية الصناعات الناشئة الالزمة لتحقيق<br />

انتقال بيئي بعيدا خاصّ‏ ة عن المسألة الصناعيّة،‏ والسماح بظهور<br />

نظام تجاري عالمي أكثر عدال وتوازنا.‏ ذلك أن السياسة الحمائيّة<br />

ليست هي التي تؤدّي إلى الحرب بل هو المنهج غير المنظّ‏ م الحالي<br />

الذي يُعْلي من شأن التنافسيّة حتى يجعلها قيمة مقدّسَ‏ ة،‏ ويضع<br />

األجَ‏ راء والنظم الجبائيّة في موقف تنافس،‏ في سباق ال نهاية له<br />

حول من يعرض كُلْفة اجتماعيّة أقلّ‏ .<br />

6( مكتب اإلحصاء الفدرالي األلماني دستاتيس:‏ ‏»االتحاد األوروبي-مقارنة لتكاليف<br />

الشغل:‏ ألمانيا في المرتبة السادسة«،‏ فيسبادن،‏ 16 ماي/أيار 2018.<br />

7( بيانات من مكتب إحصاءات العمل األمريكي.‏<br />

8( فلوريان بوت و آخرون : ‏»تكلفة رأس المال:‏ بين الخسائر وتهريب الثروات.‏<br />

الفهم األنسب لرأس المال لقيس تكلفته على المجتمع«،‏ تقرير بحث،‏ جامعة ليل 1<br />

وجامعة ليتورال،‏ كالرساي،‏ 2017.<br />

9( فلوريان بوت وآخرون،‏ ‏»تكلفة رأس المال...«‏ ‏)مرجع سابق(.‏<br />

10( لوران كوردونياي،‏ ‏»تكلفة رأس المال،‏ السؤال الذي يغيّر كلّ‏ شيء«،‏ <strong>لوموند</strong><br />

<strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ <strong>جويلية</strong>/تمّوز 2013.<br />

11( تقديم للصحافة للرسالة التمهيدية للتقرير السنوي لبنك فرنسا موجهة إلى رئيس<br />

الجمهوريّة،‏ 20 جوان/حزيران 2018.<br />

12( غائيل جيرو « فزّاعة الحمائيّة«،‏ مجلة المشروع،‏ عدد 320، البالن سان<br />

دوني،فيفري-مارس/شباط-آذار 2011.<br />

13( أوغستان لندياي ودافيد تيمار،‏ ‏»عصر جوراسيك بارك الصناعي«،‏ ليزيكو،‏<br />

باريس،‏ 21 أكتوبر/‏ تشرين األول 2009.<br />

جميع الحقوق محفوظة


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 8 <strong>2019</strong><br />

المصالحة بين<br />

القوى السياسية التقدمية التي ربطت التطور اإلقتصادي بتحسين ظروف العيش لطالما أهملت<br />

تأثير األنشطة االنسانية على المحيط.‏ هل تحتم األولوية المتمثلة في حماية كوكب األرض أن تتخلى<br />

عن فوائد المجتمع الصناعي؟ ليس بالضرورة،‏ عندما تتطوربعض العادات اإلستهالكية التي تولدت عن<br />

هذا المجتمع الصناعي.‏<br />

بحسب عدد كبير من<br />

المختصين في االقتصاد<br />

والمسؤولين السياسيين والنقابيين،‏<br />

إعادة التصنيع في فرنسا أمرا ملحا.‏<br />

بين 1974 و‎2017‎‏،‏ تراجع نصيب<br />

الصناعة من التشغيل الجملي،‏ بما<br />

في ذلك إنتاج الطاقة والصناعات<br />

االستخراجية،‏ دون قطاع البناء،‏<br />

من نسبة %24،4 إلى %10،3.<br />

بلغ نصيب قطاع الخدمات،‏<br />

التجارية وغير التجارية،‏ %81<br />

سنة 2017)1(. كما أن الصناعة<br />

لم تعد تنتج سوى %14 من القيمة<br />

المضافة.‏ أي بعبارة أخرى،‏ من<br />

الثروة االقتصادية المنتجة سنويا.‏<br />

تنبيه يردده الكثيرون مرارا<br />

وتكرارا:‏ يتعلق األمر بكارثة.‏<br />

هل تختلف فرنسا عن البلدان<br />

األخرى ؟ ال أبدا ال.‏ وفق أرقام<br />

مكتب العمل الدولي المتعلقة بمجمل<br />

قطاع الصناعة والبناء،‏ تظل فرنسا<br />

بلدا أكثر تصنيعا مقارنة ببلدان<br />

أخرى نجد صعوبة في وصفها<br />

بأنها غبية في مجال اعتماد نظرية<br />

* األستاذ الفخري لإلقتصاد بجامعة ليل،‏ ومؤلف<br />

كتاب ‏»وداعا للنمو.‏ طيب العيش في عالم متضامن«،‏<br />

بدائل اقتصادية،‏ نشر دار matins« »Les petits ،<br />

باريس،‏ 2010.<br />

النمو المقدسة:‏ بلدان الشمال<br />

األوروبي،‏ الواليات المتحدة،‏ كندا،‏<br />

المملكة المتحدة،‏ ودول أخرى.‏ لئن<br />

كان من الصحيح أن عددا ضئيال<br />

من البلدان الغنية تسجل أفضل<br />

النتائج في هذا المجال،‏ وهي<br />

أساسا ألمانيا واليابان،‏ فإن تراجع<br />

حصة الصناعة في التشغيل ال يقل<br />

أيضا بروزا في هذه البلدان مثلما<br />

هو الحال في فرنسا:‏ بين 1991<br />

و‎2018‎‏،‏ تراجعت حصة التشغيل<br />

الصناعي من التشغيل الجملي ب 14<br />

نقطة في ألمانيا،‏ وهو رقم أكبر من<br />

ذاك المسجل في فرنسا ‏)تراجع ب<br />

%9، تماما مثل اليابان()‏‎2‎‏(.‏<br />

فما هي حجج مناصري تكثيف<br />

التصنيع؟ يقدم هذا المقتطف من<br />

مقال بعنوان ‏»لنعط مجددا األولوية<br />

للصناعة«،‏ والذي حمل توقيع زهاء<br />

ثالثين من المختصين في االقتصاد،‏<br />

مثلما أمضاه مسؤولون سياسيون<br />

ونقابيون من اليسار،‏ ملخصا<br />

مفيدا شافيا لتلك الحجج:‏ ‏»تطوّر<br />

الصناعة كل مجاالت النشاط<br />

والبحث واالستثمار،‏ وفي النهاية،‏<br />

التشغيل«‏ ‏)<strong>لوموند</strong>،‏ 18 جانفي/‏<br />

كانون الثاني 2017(. لكن،‏ كيف<br />

يمكن لقطاع يمثل ما بين 8 و‎%20‎<br />

من التشغيل أو القيمة المضافة في<br />

البلدان الغنية أن يصبح المحرك<br />

الذي ‏»يجر«‏ باقي القطاعات،‏ بما<br />

في ذلك التشغيل؟<br />

هذا االعتقاد يجد جذوره<br />

في حقبة التعارض الذي تشكل<br />

في القرن التاسع عشر من قبل<br />

مختصي االقتصاد التقليديين وكارل<br />

ماركس:‏ الصناعة تخلق الثروات.‏<br />

تتطور الخدمات بفعل الفوائض<br />

التي تفرزها الصناعة.‏ وعليه فإن<br />

أولوية الصناعة تكمن في طابعها<br />

‏»المنتج«،‏ في تعارض مع ‏»عدم<br />

إنتاجية«‏ الخدمات.‏<br />

اكتملت اللوحة الحقا<br />

بفرضيات أخرى منها على سبيل<br />

المثال:‏ تحقق الصناعة مرابيح<br />

إنتاجية أرفع من غالبية الخدمات،‏<br />

كما توج هذا المسار بإطالق تسمية<br />

‏»الدجاجة التي تبيض ذهبا«‏ من قبل<br />

اإلقتصادي بنيامين كوريات)‏‎3‎‏(،‏<br />

لكونها ‏»قاطرة«‏ مجمل عناصر<br />

النمو.‏ يؤكد اقتصاديون آخرون<br />

بأن الصناعة تمثل عنصرا محددا<br />

للتنافسية العالمية،‏ دون القدرة<br />

دوما على إدراك أن ما كان حقيقيا<br />

باألمس قد فقد دقته وفائدته اليوم:‏<br />

أال يمثل قطاعا الفالحة والخدمات<br />

رهانات جوهرية في كل االتفاقات<br />

المسماة اتفاقات التبادل الحر؟<br />

هناك حجة أخرى عفا عليها الزمن<br />

ومؤداها أن التجديد الصناعي هو<br />

العنصر األهم.‏<br />

عندما يتعلق األمر بتفسير<br />

مسببات التراجع التاريخي للتشغيل<br />

الصناعي،‏ غالبا ما يتم توجيه<br />

االتهام لعمليات نقل نشاط الشركات<br />

لبلدان أخرى.‏ عملية نقل النشاط<br />

ال تمثل في واقع األمر سوى ما<br />

بين 10 و‎%15‎ من الظاهرة على<br />

مستوى فرنسا)‏‎4‎‏(.‏ من األكيد أنه<br />

يتعين العمل على الحد من عمليات<br />

نقل النشاط هذه،‏ وحتى منعها،‏<br />

لكن،‏ حتى مع ذلك،‏ فإن ما بين 85<br />

و‎%90‎ من ‏»المشكلة«‏ تظل قائمة.‏<br />

ننتج أكثر<br />

كي نستهلك أكثر<br />

و...‏ نلوّث أكثر<br />

من بين أسباب خسارة 2،2<br />

مليون موطن شغل في فرنسا بين<br />

1980 و‎2017‎‏،‏ يتوافق السبب<br />

األكثر حسما مع توجهين تاريخيين<br />

مزدوجين.‏ من ناحية،‏ يتعلق الطلب<br />

األسري أقل فأقل بسلع صناعية،‏<br />

ويتصل أكثر فأكثر بخدمات تجارية<br />

أم ال:‏ تراجع حصة السلع المستدامة<br />

‏)السيارات،‏ العقارات،‏ اآلالت<br />

المنزلية..(‏ ونصف المستدامة<br />

‏)المالبس بالخصوص(‏ في حجم<br />

االستهالك الفعلي لألسر من %22<br />

في العام 1960 إلى %12،4 سنة<br />

2017)5(. من ناحية أخرى،‏ كانت<br />

مكاسب اإلنتاجية في الصناعة<br />

وستظل أكثر أهمية مما هو األمر<br />

في معظم قطاعات الخدمات.‏ يفسر<br />

تراكم هذين التوجهين طويلي األمد<br />

بشكل رئيسي ومهم أسباب تراجع<br />

وزن الصناعة في التشغيل في فرنسا<br />

كما في باقي أنحاء العالم تقريبا،‏ بما<br />

في ذلك بلدان مجموعة ‏»البريك«‏<br />

BRIC ا)‏‎6‎‏(‏ ‏)البرازيل وروسيا<br />

والهند والصين التي تشكلت سنة<br />

2009(، والتي أصبحت الحقا<br />

‏»بريكس«‏ BRICS بعد انضمام<br />

جنوب إفريقيا للمجموعة سنة<br />

.2011<br />

يكمن التفسير اآلخر لتراجع<br />

التشغيل الصناعي في ثالث<br />

ظواهر متضافرة مميزة للعولمة<br />

النيوليبرالية،‏ 1( تكثيف العمل،‏<br />

2( منافسة بلدان ذات أجور<br />

متدنية وذات معايير اجتماعية<br />

وبيئية ضعيفة،‏ تنتج عمليات<br />

نقل النشاط اإلنتاجي مثلما تنتج<br />

االستهالك ‏)اقتناء منتجات بلدان<br />

أخرى(،‏ 3( تغليب العنصر المالي<br />

على الشركات،‏ ما يقودها إلى<br />

إغالق مؤسسات أو اإلحجام عن<br />

االستثمار،‏ ال ألنه لم يعد لديها<br />

أسواق،‏ وإنما ألن المردودية<br />

بالنسبة لمالك األسهم ال تبلغ 10 أو<br />

.%15<br />

ويستنكر الفكر التصنيعي<br />

اليساري،‏ الذي يدافع عنه عدد<br />

من االقتصاديين أو المناضلين<br />

القريبين من الحركة العمالية،‏<br />

فعال،‏ للعوامل الثالثة المذكورة<br />

أعاله،‏ التي يعتبرونها أدوات<br />

‏»كسر«‏ من المؤكّد لبعض<br />

المؤسسات أو األنسجة الصناعية.‏<br />

التصنيع أسهَم في تحسين ظروف<br />

العيش على مدى حقبة تاريخية<br />

طويلة.‏ لكن الصناعة لم تكن<br />

النشاط الوحيد الذي أسهم في<br />

ذلك التحسن:‏ في القرن العشرين،‏<br />

اضطلعت الخدمات العمومية<br />

المتصلة بالتعليم والصحة والنقل<br />

والعمل االجتماعي بدور ال يقل<br />

أهمية،‏ تماما مثل النشاط الزراعي<br />

الريفي.‏<br />

من ناحية أخرى<br />

وبالخصوص،‏ هذا التصنيع الذي<br />

حقق مكاسب إنتاجية عالية،‏<br />

تم االحتفاء به على أنّه قلب<br />

السنوات الثالثين المجيدة،‏ وهو<br />

الذي انجرت عنه أضرار ‏)أو<br />

‏»عوامل خارجية«(‏ اجتماعية<br />

وصحية وبيئية تم التفطن إليها<br />

منذ سبعينات القرن الماضي.‏<br />

عندها،‏ بدأت وطأة اإلنسانية على<br />

المنظومة اإليكولوجية،‏ في تخطي<br />

قدرة الطبيعة على توفير الموارد<br />

العديدة المتجددة التي ابتلعتها<br />

ماكينة اإلنتاج المادي،‏ كما أن<br />

انبعاثات غاز الكاربون في الفضاء<br />

قد تجاوزت حدودا سببت االنحباس<br />

الحراري.‏ ويمكننا القول بأنه،‏<br />

ومنذ ذلك الوقت،‏ تحولت مرابيح<br />

اإلنتاجية ‏)إنتاج أكثر دوما بنفس<br />

حجم قوة العمل أو بحجم أقل(‏ غالبا<br />

إلى خسائر،‏ بعضها أضحى اليوم<br />

يتهدد أمالكا حيوية مشتركة،‏ مثل<br />

المناخ أو المياه وكذلك الموارد<br />

غير المتجددة ‏)المواد المنجمية،‏<br />

1( الحسابات الوطنية لسنة 2017، المعهد الوطني<br />

الفرنسي لإلحصاءات ،Insee باريس،‏ ماي/أيار<br />

.2018<br />

2( معطيات البنك العالمي.‏<br />

3( محاضرة ألقيت في ليل يوم 21 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني 1994.<br />

4( ميشال هوسون،‏ ‏»تقارير عديدة تحلل أثر<br />

عمليات نقل نشاط الشركات على التشغيل«،‏<br />

مذكرة للهيئة األوروبية لمراقبة العالقات<br />

الصناعية ،)EIRO( جوان/حزيران 2005،<br />

http://hussonet.free<br />

5( الحسابات الوطنية لسنة 2017، مصدر سبق<br />

ذكره.‏<br />

6( ‏»بلدان منظمة ‏)بريك ،)BRIC ورشات<br />

صناعية أو فالحية من العالم،‏ أضحت أكثر<br />

فأكثر...‏ اقتصاديات خدمات«،‏ قوموا!،‏ 2 أفريل/‏<br />

نيسان 2014،<br />

blogs.alternatives-economiques.fr<br />

جان غادراي * Gadrey Jean<br />

جميع الحقوق محفوظة


9 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الصناعة والطبيعة<br />

الطاقات األحفورية،‏ وأيضا<br />

الرمال(،‏ التي أصبحت بدورها<br />

عرضة لإلستنزاف وحتى النفاد<br />

الكلي.‏<br />

هكذا،‏ يغفل الصناعيين عن<br />

استنكار هذه الكارثة اإلنسانية<br />

والبيئية والصحية:‏ أضحى القطاع<br />

الفالحي)‏‎7‎‏(‏ ال يوفر إال 750 ألف<br />

موطن شغل سنة 2017، مقابل<br />

1،88 مليون سنة 1980، وهو<br />

تراجع ب %60 وبنسبة أعلى<br />

من التراجع المسجل في القطاع<br />

الصناعي خالل نفس الفترة<br />

)%43(. السبب الكامن:‏ تصنيع<br />

الفالحة بفعل سياسات فالحية<br />

إنتاجوية واتفاقات ‏»للتبادل الحر«‏<br />

تحطم النشاط الزراعي،‏ في فرنسا<br />

كما في غيرها من البلدان.‏ هناك<br />

ظاهرة مشابهة مع تصنيع التجارة<br />

عبر إضفاء طابع مسلعن كبير<br />

وإنتاجوي عليها مثلما هو األمر<br />

بالنسبة لقطاعات خدماتية أخرى<br />

ننتج بطريقة أخرى سلعا وخيرات<br />

تستجيب لحاجيات اجتماعية<br />

متسمة ب ‏»البساطة واالعتدال<br />

ماديا وطاقيا«،‏ وتم ابتكارها تبعا<br />

لمقادير وحدود ال يجب تخطيها من<br />

أجل أن يظل العالم مكانا صالحا<br />

للعيش.‏ من األكيد أن ذلك يشمل<br />

المناخ،‏ مع رسم هدف ‏»صفر<br />

انبعاثات غازية خالصة«)‏‎8‎‏(‏ ‏)أو<br />

‏»الحياد الكربوني«(‏ في أفق العام<br />

2050، وإنما أيضا هدف التنوع<br />

البيولوجي الذي يتعين العمل<br />

بصورة عاجلة على عكس مسار<br />

تآكله،‏ إضافة إلى الحد من بعض<br />

أشكال التلوث ‏)تلوث الهواء،‏<br />

والتلوث الكيميائي،‏ وتلويث<br />

البيئة بالنفايات البالستيكية...(‏<br />

التي أصبحث كارثية،‏ وأخيرا<br />

التصرف المتزن والعقالني<br />

في ما تبقى من موارد غير<br />

متجددة،‏ تلتهمها حاليا الرأسمالية<br />

الصناعية الحرارية بنسق غير<br />

قابل لإلستدامة)‏‎9‎‏(.‏<br />

من بين عشرات األمثلة<br />

المستقاة من هذه األعمال ‏)التي ال<br />

تشكل مرجعية مطلقة وإنما نقطة<br />

ارتكاز مثالية(،‏ نجد حاجيات<br />

حركية األشخاص واإلنتاج<br />

الصناعي الكفيل باإلستجابة<br />

لهذه الحركية.‏ تستبق الدراسات<br />

المذكورة تناقصا حادا للتبعية<br />

للسيارة من اآلن وحتى أفق 2050،<br />

في حين أنه في العام <strong>2019</strong>، على<br />

كلّ‏ أربع استعماالت لسيارة يسجل<br />

استعمال على مسافة ال يتجاوز<br />

طولها 3 كيلومترات،‏ كما أن أكثر<br />

من نصف عدد األشخاص الذين<br />

يقيمون على بعد أقل من كيلومتر<br />

واحد عن موقع عملهم يتنقلون إليه<br />

بواسطة السيارة ووسائل النقل<br />

المشترك تظل غير كافية وعالية<br />

الكلفة.‏ عليه ستكتسب االستعماالت<br />

المتزنة والمعتدلة أهمية أكبر،‏<br />

مقارنة بالمسعى الرامي إلى تكثيف<br />

استخدام السيارات الكهربائية<br />

والسيارات الهجينة ‏)األولوية<br />

‏)مقابل %90 من أسطول السيارات<br />

سنة <strong>2019</strong>(، فإن معدل استهالكها<br />

سيكون في حدود 3 لترات لكل<br />

100 كيلومتر.‏ سيتم أيضا خفض<br />

السرعة القصوى.‏ سيرتفع معدل<br />

عدد األشخاص بالنسبة لكل سيارة<br />

من 1،6 إلى 2،4 بفضل تقاسم<br />

استخدام السيارات.‏ كما أن مصانع<br />

السيارات ستستعمل أكثر فأكثر<br />

مواد مرسكلة وتلتزم باالنخراط في<br />

مسار إعادة االستعمال والكراء.‏<br />

هذا باالضافة إلى مسألة استهالك<br />

الطاقة ‏)منزوعة الكاربون ودون<br />

اللجوء إلى الطاقة النووية(‏ التي<br />

ستتراجع إلى النصف،‏ مثلما<br />

سيتراجع استهالكها للفوالذ.‏<br />

سينتهي األمر بهذه الصناعة،‏<br />

بفعل التزايد المطرد لألدوات<br />

اإللكترونية،‏ الفاقدة في غالبيها<br />

للوظيفية،‏ إلى تركيز جهدها على<br />

إنتاج آليات نقل جماعي ودراجات<br />

‏)كهربائية أو ال(،‏ وتجهيزات<br />

السكك الحديدية،‏ إلخ...‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

االستهالك واإلنتاج الصناعي نحو<br />

منتجات مستديمة وقابلة للتصليح<br />

وإعادة االستعمال،‏ وبالنسبة لبعضها،‏<br />

قابلة لالستعمال المشترك،‏ وهو<br />

ما يمر عبر إقرار حوافز،‏ وأيضا<br />

وبالخصوص من خالل سن القوانين.‏<br />

هكذا،‏ نقتحم تيارا أساسيا آخر على<br />

طريق تصور مستقبل متالئم مع<br />

مقتضيات حماية الكرة األرضية:‏<br />

تيار ‏»التقنيات منخفضة الكلفة«‏<br />

tech( ،)Low أي تكنولوجيات أكثر<br />

بساطة..‏ ولكنها ال تقل تجديدا.‏<br />

‏»استعادة،‏ تصليح،‏<br />

إعادة بيع وتقاسم:‏<br />

نموذجا لإلتزان<br />

كتب فيليب بيويكس،‏ وهو أحد<br />

أبرز ملهمي هذا التيار الذي يشهد<br />

انتشارا متناميا،‏ يقول:‏ ‏»من اجل<br />

رسكلة مثلى للموارد والترفيع في مدة<br />

حياة األدوات واآلالت التي نملكها،‏<br />

يتعين إعادة النظر بصورة معمقة في<br />

هذه األدوات واآلالت،‏ وتصنيع أدوات<br />

مبسطة وصلبة ‏)قد يكون إيفان إيليتش<br />

أطلق عليها اسم ‏»آالت مألوفة«(،‏<br />

وقابلة للتصليح وإعادة االستخدام،‏<br />

ومنمذجة وقابلة للتعديل ومصنوعة<br />

من مواد بسيطة،‏ ويسيرة التفكيك،‏ مع<br />

االستعمال النادر والمقتصد للموارد<br />

النادرة وغير القابلة للتعويض مثل<br />

النحاس والنيكل والقصدير والفضة،‏ مع<br />

الحد من المحتويات اإللكترونية«.‏ يتابع<br />

قائال:‏ ‏»يتعين،‏ في األخير،‏ القيام بعملية<br />

تفكير معمقة بخصوص أنماط إنتاجنا،‏<br />

وإعطاء األفضلية للورشات المركزة<br />

قرب أحواض االستهالك،‏ المنتجة بقدر<br />

ضئيل،‏ ولكنها أكثر كثافة من حيث<br />

العمل،‏ وأقل مكننة وروبوتية،‏ لكنها<br />

مقتصدة للموارد والطاقة،‏ ومتمحورة<br />

حول شبكة استرجاع وتصليح وإعادة<br />

بيع وتقاسم لألدوات المستعملة في الحياة<br />

اليومية«)‏‎11‎‏(.‏<br />

تم نزع طابعها اإلنساني،‏ من خالل<br />

تحول هذه القطاعات إلى مصانع<br />

ذات تكنولوجيات عالية.‏ مستقبال،‏<br />

أضحت عملية التصنيع من أجل<br />

تحقيق مرابيح في اإلنتاجية،‏ تعني<br />

في غالب الحاالت نزع الطابع<br />

اإلنساني عن النشاط وتدمير البيئة<br />

وكذلك المناخ.‏ غير أن إرساء نمط<br />

صناعي آخر يظل أمرا ممكنا،‏<br />

عندما نقبل بأن يكون وزن هذا<br />

القطاع أقل في االقتصاد.‏<br />

من أجل تصور مستقبل<br />

قطاع الصناعة ‏)لكن ذلك ينطبق<br />

أيضا على القطاعات األخرى(،‏<br />

من اليسير أن نفصح عن رؤية<br />

شمولية،‏ لكن تجسيدها على غاية<br />

من الدقة والتعقيد:‏ يتعلق األمر بأن<br />

ومن أجل تخطي هذه المبادئ<br />

العامة باتجاه آفاق ملموسة،‏<br />

يتوجب تناول التفاصيل المتصلة<br />

باالستخدامات القابلة للدعم،‏ ثم<br />

بإنتاج األصناف الرئيسية من<br />

السلع والخيرات الصناعية،‏ بما<br />

في ذلك الطاقة بكل أشكالها.‏<br />

يتطلب ذلك خبرات فنية عالية،‏<br />

مثلما يتطلب خبرات اجتماعية<br />

ومواطنية،‏ وهو ما يمثل بناء<br />

جماعيا على المدى الطويل يكون<br />

محور نقاش عام.‏ إنها الحالة<br />

الفريدة في فرنسا،‏ والمتصلة<br />

بسيناريوهات ‏»الطاقة السالبة«‏<br />

10( المرتبطة<br />

Néga ‏)ا))‏<br />

Watt<br />

بسيناريوهات صيانة األراضي<br />

)Afterres( 2050 التي أعدتها<br />

جمعية ‏»سوالغرو«.‏<br />

الوحيدة للصناعيين والمسؤوليين<br />

السياسيين(.‏ صحيح أن التجديدات<br />

الصناعية لن يكون مآلها الزوال،‏<br />

لكن عوضا عن خدمة السباق<br />

نحو القوة،‏ يتوجب أن تكون هذه<br />

التجديدات مدخال البتكار نماذج<br />

أكثر اعتداال واتزانا.‏<br />

عمليا وإلى غاية سنة<br />

2050، سيتم التخفيض في عدد<br />

الكيلومترات التي يقطعها كل<br />

ساكن في السيارة الفردية لفائدة<br />

أنماط نقل أخرى أقل تلويثا بقدر<br />

كبير.‏ ستتمتع السيارات بمدة حياة<br />

أطول،‏ وستستخدم في غالبيتها<br />

مصادر طاقة متجددة.‏ أما نسبة<br />

10 بالمائة من السيارات التي<br />

ستواصل استعمال المواد البترولية<br />

يتعلق األمر بحلم يقظة ؟<br />

قطعا ال،‏ باعتبار أن السيناريوهات<br />

المذكورة تطرح محصالت وآفاقا<br />

مرقمنة في جميع القطاعات<br />

والمنتجات:‏ من الطاقة في قطاع<br />

البناء،‏ مرورا بالتسخين واألجهزة<br />

الكهربائية المنزلية واألجهزة<br />

اإللكترونية وصوال إلى التغذية،‏<br />

مرفقة ذلك،‏ كل مرة،‏ بتقييم آلفاق<br />

معقولة مرتبطة يتطور درجة<br />

النجاعة ‏)الطاقية والمادية(‏ وبتطور<br />

المنتجات المبسطة والوظيفية،‏<br />

وهو ما كنا نطلق عليه سابقا تسمية<br />

‏»مكافحة التبذير«.‏<br />

من أجل إنتاج أشياء أخرى<br />

بشكل آخر وبصورة مبسطة،‏ تقود<br />

هذه السيناريوهات إلى توجيه<br />

‏)البقية صفحة 11-10(<br />

7( تضاف إليها تقليديا أنشطة الزراعات الغابية<br />

والصيد البحري.‏<br />

8( صافي االنبعاثات هي عبارة عن الفارق<br />

بين انبعاثات الكاربون وحصر أو امتصاص<br />

الكاربون،‏ أساسا من قبل الطبيعة ‏)الغابات،‏<br />

التربة الحية،‏ المحيطات(‏ التي تؤدي الوظيفة<br />

بشكل جيد...‏ إن لم ندمرها.‏<br />

9( ‏»آفاق الموارد العالمية <strong>2019</strong>«، البرنامج<br />

األممي للبيئة،‏ باريس،‏ <strong>2019</strong>.<br />

10( ‏»سيناريو نيغا واط 2050-2017«،<br />

.)https://negawatt.org( بالخصوص التقرير<br />

بعنوان ‏»فرضيات ونتائج«،‏ جوان/حزيران<br />

.2018<br />

11( ‏»أسطورة التكنولوجيا المنقذة«،‏ إسبري،‏<br />

باريس،‏ مارس/آذار أفريل/نيسان 2017.


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 10 <strong>2019</strong><br />

عندما كان الجنوب يراهن<br />

حصة كل منطقة من الصناعات المعملية<br />

العالمية بحساب النسبة المائوية<br />

هل يكفي أن تساعد الدولة المستثمرين المحليين لكي يتطور القطاع الصناعي؟<br />

خالل الستينات والسبعينات،‏ اختارت عدة دول هذه االستراتيجية لتصطدم في كل<br />

مرة بنفس الصعوبات.‏<br />

45<br />

‏(ب %)<br />

فيفاك شيبّار * Chibber Vivek<br />

40<br />

1<br />

آسيا<br />

الإتحاد الأوروبي<br />

35<br />

أمريكا شمالية<br />

افريقيا<br />

جنوب الصحراء<br />

بصفة عامة،‏ يتمّ‏ تحليل استراتيجيات التنمية التي اتُّبعت<br />

بعد الحرب العالمية الثانية في بعض بلدان أمريكا الالتينية وآسيا<br />

والشرق األوسط حول ثالث أفكار.‏ أوال،‏ يُستحضَ‏ رُ‏ التصنيع السريع<br />

الذي تحقّق من خالل بذل جهود جبّارة من أجل اللحاق بركب<br />

الدول المتقدّمة.‏ في قلب هذه اإلستراتيجية،‏ توجد آلية التصنيع عن<br />

طريق تعويض الواردات التي تهدف إلى تعزيز نموّ‏ الصناعات<br />

عبر عملية تتمّ‏ على مرحلتيْن،‏ أوالهما الحدّ‏ من تدفّق الواردات عن<br />

طريق فرض رسوم جمركيّة ومراقبة الجودة قصد فتح السوق أمام<br />

الصناعات المحلّيّة.‏ وثانيتهما دعم النموّ‏ السريع لهذه المؤسسات<br />

عن طريق منح سَ‏ خيّة.‏ على هذا األساس،‏ وُضِ‏ عت على ذمّة رجال<br />

األعمال المحليين آليتان رئيسيتان وهما المنح والرسوم الجمركيّة<br />

لتمكينهم من احتالل فضاء خاص بهم،‏ مالئم لتطوّرهم،‏ يجعلهم في<br />

مأمن من المنافسة التي تشكّلها البلدان األكثر تقدّما.‏<br />

تشير الفكرة الخاطئة الثانية إلى أن التصنيع قد وُضع<br />

‏»كمشروع مشترك«‏ بين النُّخب السياسية وكبار الموظّ‏ فين وأرباب<br />

العمل المحلّيين.‏ إذا كان بعضهم يُضيف إليهم ‏)بخجل(‏ األجراء<br />

فإن األطراف الحقيقية هي أساسا الصناعيّون والنّخب السياسيّة<br />

الذين بدأ نجمُهم في الصّ‏ عود آنذاك.‏<br />

أمّا الفكرة الثالثة والتي لم تَعُد محلّ‏ سؤال فتُفيد أنّ‏ الدولة قد<br />

تكون انتفعت بمكانة متميّزة في إطار تحالفها مع أوساط األعمال.‏<br />

هذا ما يفسّ‏ ر سبب تقديم التصنيع السريع على أنه مجموعة من<br />

* أستاذ مشارك بقسم علم االجتماع بجامعة نيويورك.مؤلّف كتاب ‏»نظرية ما بعد االستعمار<br />

وشبح رأس المال«،‏ منشورات ‏»السيمتري«،‏ تولوز،‏ 2018. صدرت نسخة من هذا النص في<br />

طبعة سنة 2005 من مجلّة ‏»السجلّ‏ االجتماعي«‏ Register( .)Socialist<br />

المشاريع التنموية التي ‏»قادتها الدولة«‏ والتي انبنت قصّ‏ تُها على<br />

النحو التالي:‏ بالنظر إلى حداثة وصغر حجم القطاع الصناعي<br />

المحلّي في البلدان المعنيّة،‏ ونظرا إلى النموّ‏ غير المتكافئ<br />

والمُشتّت لألسواق،‏ ولوجوه القصور في األسواق المالية وجد<br />

القادة السياسيون أنفسهم مُجَ‏ برين على تولّي أمر التصنيع بأنفسهم.‏<br />

لكن هذه الصورة ال تنقل الصعوبات التي وجدتها الدول في أداء<br />

دورها األساسي المتمثّل في تحويل تدفّق االستثمارات العمومية<br />

والخاصّ‏ ة من القطاعات التي تدرّ‏ أرباحا كثيرة ولكنها ذات إنتاج<br />

اجتماعي كسيح قصد توجيهها نحو مجاالت نشاط ذات مردود<br />

اجتماعي عالٍ‏ .<br />

في العموم،‏ توصّ‏ لت استراتيجيات التنمية التي انتهجتها الدول<br />

في كل من أمريكا الجنوبية والشرق األوسط وجنوب آسيا إلى<br />

تحويل االقتصاد نحو االتجاه المطلوب.‏ ولكن هذا التحوّل تمّ‏ بطريقة<br />

فوضويّة،‏ وبنفقات عمومية ضخمة،‏ وولّد قطاعات خاصّ‏ ة غير<br />

فعّالة.‏ تظهر كلفة هذه المشاريع بشكل صارخ في الضغط المتزايد<br />

الذي فرضته هذه العملية على ميزانيات الدول.‏ كان على هذه الدول<br />

أن تمتصّ‏ نصيبا وافرا من الخسائر التي سجّ‏ لها القطاع الخاص،‏<br />

و أن تواصل تزويدها باإلعانات،‏ وأن تتصرّف في الخلل المتزايد<br />

في الميزان التجاري ألن توريد التجهيزات ال يعوّضه تدفّق<br />

االستثمارات نحو قطاعات نشاط مالئمة للتصدير.‏ إذا كانت الدولة<br />

هي المتحكّمة في العملية فعليّا،‏ كيف نفسّ‏ ر هذا الكمّ‏ الكبير من<br />

المصاعب التي اعترضتها والتي عجّ‏ لت بتهاوي المرحلة التنموية<br />

والمنعرج النيوليبرالي؟<br />

بالنسبة إلى الكثيرين،‏ يتمثل الجواب األكثر إقناعا في<br />

التأكيد على عدم كفاءة القيادات السياسية.‏ بيّن سَ‏ يْلٌ‏ من الدّراسات<br />

التي أنجزت خالل الخمس عشرة سنة األخيرة أن أغلب دول<br />

30<br />

25<br />

20<br />

15<br />

10<br />

5<br />

0<br />

1970 1980 1990 2000 2010 2017<br />

.1<br />

14,8<br />

10,2<br />

9,2<br />

21,2<br />

17,4<br />

17,3<br />

21,2<br />

16,8<br />

15,6<br />

18,8<br />

15,5 14,2<br />

13,9<br />

8,5<br />

8,0<br />

أمريكا اللاتينية والكاراييب<br />

في وضعها الحالي<br />

المصدر:‏ مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية <strong>2019</strong><br />

حصة الصناعة المعملية من التشغيل<br />

بحساب النسبة المئوية (%)<br />

أوقيانوسيا<br />

شمال إفريقيا<br />

1995 2010 2018<br />

الإتحاد المملكة إيطاليا ألمانيا فرنسا<br />

الأوروبي المتحدة المصدر:‏ أوروستات،‏ <strong>2019</strong><br />

القيمة المضافة لقطاعات الصناعة المعملية<br />

بحساب النسبة المائوية في 2017<br />

المملكة إيطاليا ألمانيا فرنسا<br />

المتحدة<br />

13,6<br />

27,7<br />

22,0<br />

14,0<br />

تجهيزات<br />

‏)بقية الصفحة 9-8(<br />

المصالحة بين<br />

المادية والطاقية الجديدة،‏ وكذلك مع<br />

التحوالت التي ستطرأ على اإلنتاج<br />

والتشغيل؟<br />

بث غازات اإلحتباس<br />

الحراري هو امتياز<br />

12,3<br />

19,4<br />

22,6<br />

7,1<br />

8,6<br />

10,9<br />

14,8<br />

15,4<br />

وسائل النقل<br />

الصناعات الغذائية<br />

الصناعات الكميائية<br />

وشبه الصيدلية<br />

صناعة الصلب<br />

والمواد الفولاذية<br />

البلاستيك المطاط والمواد<br />

المعدنية غير الفولاذية<br />

النسيج والملابس<br />

والجلود والأحذية<br />

صناعات أخرى ‏(تصليح<br />

وتركيب ومواد معملية<br />

مختلف،‏ خشب وورق وطباعة<br />

والتحويل الثقيل والتكرير)‏<br />

ال شيء من كل ذلك يشبه العودة<br />

إلى ماض صناعي أسطوري وملوث.‏<br />

الصناعة البديلة التي يمكن أن تجنبنا<br />

األسوأ،‏ تتطلب الكثير من التجديد،‏<br />

ولكنه تجديد متمايز عن ذاك المرتبط<br />

بالتكنولوجيات الرفيعة،‏ رغم أن<br />

بعض التكنولوجيات الموجودة أو التي<br />

يتوجب تطويرها،‏ يمكن أن تسهم في<br />

ذلك،‏ ال سيما في ما يتصل بجانب<br />

النجاعة في استخدام الطاقة والمواد.‏<br />

مع ذلك،‏ يظل سؤاالن قائمان:‏<br />

أي وزن اقتصادي ستحوزه الصناعة<br />

وفق هذا التصور؟ وكيف سيتفاعل<br />

المجتمع في مجمله مع هذه البساطة<br />

ليس هناك مجال للشك في أن<br />

وزن القطاع الصناعي في التشغيل<br />

سيشهد تراجعا عاما،‏ رغم أن بعض<br />

مجاالته ستعرف،‏ على العكس من<br />

ذلك،‏ توسعا كبيرا.‏ لكنه سيبين أن هذه<br />

التطورات ستكون أقل دراماتيكية من<br />

تلك التي نعيشها منذ عدة عقود.‏ من<br />

ناحية،‏ سينأى النشاط الصناعي عن<br />

الصيغ اإلنتاجوية،‏ المحطمة لمواطن<br />

الشغل في الصناعة كما في غيرها من<br />

القطاعات.‏ من ناحية أخرى،‏ من شأن<br />

إعادة النظر الضرورية في التبادل<br />

الحر العالمي لفائدة إعادة توطين<br />

جزئية للمؤسسات،‏ وضع حد لتناقص<br />

مواطن الشغل.‏<br />

لألثرياء<br />

ومن أجل التفكير في المجاالت<br />

الواعدة تشغيليا خالل المرحلة<br />

االنتقالية،‏ يمكننا أن نستند إلى سيناريو<br />

‏»نيغا واط ،»Néga watt 2017 مع<br />

اعتماد نموذج مرجعي يتمثل في قطاع<br />

الطاقات المتجددة الذي سيوفر في أفق<br />

330 2030 ألف موطن شغل إضافي.‏<br />

هناك مصدر وهو منصة ‏»مواطن<br />

الشغل المناخية«)‏‎12‎‏(،‏ وهو ائتالف<br />

16 من كبريات الجمعيات والنقابات<br />

13,7<br />

11,3<br />

11,6 11,9<br />

8,4<br />

16,4<br />

14,3<br />

11,6<br />

8,3 7,3 8,8 8,2<br />

2,1 1,1<br />

19,0<br />

11,0<br />

9,5<br />

4,1<br />

15,4 17,6<br />

.1<br />

منتجات اعلامية وإلكترونية وبصرية ومعدات كهربائية وآلات ومعدات<br />

المصدر:‏ ‏«أهم أرقام الصناعة المعملية»‏ الإدارة العامة للمؤسسات<br />

بوزارة الاقتصاد والمالية <strong>2019</strong>


11 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

على ‏»البورجوازية الوطنية«‏<br />

الجنوب التي انتهجت سياسة تنموية لم تكن تتوفّر فيها القدرة<br />

المؤسساتية الضرورية لتطبيق سياستها االقتصاديّة.‏ من هنا،‏<br />

تولّد السؤال اآلخر:‏ إذا كانت سياسة االقتصاد الموجّ‏ ه تتطلب<br />

قدرا معيّنا من إرساء دعائم الدولة،‏ لماذا لم تبْن النخب السياسية<br />

المؤسّ‏ سات المالئمة؟ ربما بسبب معارضة ‏»شريكها«‏ الرئيسي:‏<br />

‏»البورجوازيّة الوطنيّة«.‏<br />

التأكد من أن المال العام<br />

استخدم للغايات المرجوة<br />

ينبغي هنا أن يُفهَم التعبير بالمعنى الذي قصده منه واضعوه<br />

وهم ماركسيو العالمية األولى وخاصة العالمية الثالثة.‏ هو تعبير<br />

يقصد به الرأسماليون المحليون الذين يراهنون على السوق الوطنية<br />

ويسعوْ‏ ن إلى التحرّ‏ ر من قبضة السلطة المركزيّة،‏ و يتحالفون مع<br />

الدولة باسم التصنيع.‏ في ضوء هذا التعريف،‏ يبدو أن فرضيّة<br />

معارضة الرأسماليين الوطنيين لتقوية الدولة أمر فيه مفارقة ألنّ‏<br />

مثل هذا النهج يعرقل ازدهارهم الشخصي.‏ فعال،‏ لم يكن منظروا<br />

الخمسينات يتوقّعون هذا األمر:‏ األدبيات النظريّة لذلك العهد<br />

ترفض هذا االحتمال.‏<br />

ينسب أنصار التقليد الماركسي هذا الدور السلبي إلى طائفة<br />

أخرى من البورجوازية وهي الكمبرادوريّة.‏ هؤالء الرأسماليون<br />

المحليون الذين كانوا في الغالب يقيمون عالقات متينة مع المدن<br />

الكبرى عبر أنشطة تجارة أو مضاربة سواء كانت مرتبطة أو غير<br />

مرتبطة بتصدير المنتوجات الفالحية،‏ كان يشكّ‏ في انخراطهم في<br />

عملية التنمية الوطنية.‏ صحيح أن الصناعيين الوطنيين لم يكونوا<br />

يُعتبرون شركاء في المسائل االجتماعية،‏ ولكن كان يُتصوّر أنّه<br />

يمكن التعويل عليهم في السعي إلى إنشاء نموذج بورجوازي<br />

للتنمية.‏ كانوا يُعتبرون ال غنى عنهم لتحقيقه.‏<br />

بعد الحرب العالمية الثانية،‏ كانت النخب السياسية في كل من<br />

أمريكا الجنوبية والهند وبعض مناطق الشرق األوسط تطمح إلى<br />

تصنيع اقتصاداتها بأسرع وقت ممكن.‏ لكنّ‏ عددا هامّا من التجارب<br />

السابقة قد أثبت أن الصناعيين إذا ما تُركُوا على هواهم يتردّدون<br />

في االستثمار في القطاعات التي ال تعد بالنموّ‏ إال على المدى<br />

الطويل.‏ ثم إن المنتجات التي تدرّ‏ أرباحا سريعة ومرتفعة تكون<br />

في أغلب األحيان ذات مردود اجتماعي ضعيف بل و حتى معدوم.‏<br />

من ثمّ،‏ سعت سياسة التخطيط الصناعي إلى دفع للمؤسسات إلى<br />

السير في اتّجاه يشجّ‏ ع على تحقيق هذين النوعين من اإلنتاجية في<br />

وقت واحد:‏ اإلنتاجية االقتصادية واالجتماعية،‏ سعى المخطّ‏ طون<br />

في الجملة إلى اتّباع طريقة مَرِ‏ نَة هدفها إقناع شركائهم:‏ تقديم<br />

المنح وإسناد قروض بفوائض ضعيفة ومنح امتيازات جبائيّة،‏ الخ.‏<br />

رغم ذلك،‏ احتفظت السياسة الصناعيّة بخيار اللجوء إلى إجراء<br />

قسري في حال المقاومة حتى تتاكد من استعمال المال العام فعليّا<br />

في خدمة األهداف المرجوّة.‏ باختصار،‏ يرى النظام باعتباره يقدم<br />

هذه المساعدة للصناعيين أن هؤالء ال يستطيعون إنفاقه في ما<br />

أرادوا و كيفما أرادوا.‏<br />

تشاركية المخاطرة،‏<br />

واستيالء خاص للربح<br />

أما الرأسماليون فلهم من جهتهم رأي مخالف.‏ إن التصنيع<br />

البديل لعمليات التوريد يحميهم من المنافسة الخارجيّة.‏ سرعان ما<br />

وجدت األسواق المحلية نفسَ‏ ها في قطاعات كثيرة رهينة احتكار<br />

حفنة من الصناعيين:‏ يتطلّب اتّباع اقتصاد الحجم االستثمار<br />

الواسع في وسائل اإلنتاج،‏ وهذا ما خدم مصلحة الصناعيين<br />

المبادرين،‏ وزاد هذا االمتياز فتعزّز بميزة أخرى يوفّرها<br />

التصنيع البديل عن التوريد تتمثّل في التّحديد المتعمّد،‏ عن<br />

طريق الوسائل اإلدارية،‏ لعدد المنتجين في قطاع معين ذلك أن<br />

الحجم الصغير للسّ‏ وق كان يبعث في نفوس المسيّرين الخوف من<br />

المنافسة المفرطة أو المدمّرة.‏<br />

من ناحيتهم رأى الرأسماليون األشياء بشكل مختلف.‏ بمجرّ‏ د<br />

تحصينهم ضدّ‏ المنافسة الخارجية يحصل الرأسماليون المحليون<br />

على شبه احتكار ألسواقهم الخاصة:‏ ومن ثمّ‏ لم يعودوا معنيين<br />

باالبتكار واالستثمار والتعصير.‏ في نظام إنتاج،‏ مثل هذا،‏ ال يوجد<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

أيّ‏ داع الستعمال المنح لتحسين الجهاز القائم بل من األفضل إطالق<br />

أنشطة أخرى في قطاعات أخرى قصد التمتع بامتياز الرّ‏ يادة.‏<br />

لذلك مثّلت سياسة التصنيع البديل عن التوريد بالنسبة إلى<br />

البورجوازية المحلية ريع فوائد لكن بشرط اقتصار هذه السياسة<br />

على توزيع المنح دون أن يكون للمسؤولين السياسيين إمكانية مراقبة<br />

صرفها.‏ لذلك،‏ كانوا ينظرون إلى المكوّن التأديبي للتصنيع البديل عن<br />

التوريد على أنه عائق ال يمكن القبول به.‏<br />

لم يكن الصراع بين البورجوازية الوطنية والمخطّ‏ طين<br />

االقتصاديين ظاهرا على الدّوام.‏ كان يحدث أن يطلب الصناعيون<br />

من الدولة رعاية التنمية.‏ لكن ما كانوا يؤمّلونه هو أن يُوضَ‏ ع المال<br />

العامّ‏ على ذمّتهم ال أن يتمّ‏ إدخال عنصر آخر من عناصر التخطيط<br />

االقتصادي.‏ باختصار،‏ تشريك المجتمع بأكمله في تحمّل المخاطر<br />

المحتملة دون أن يؤدّي ذلك إلى تهديد استئثارهم باألرباح.‏<br />

الصناعة والطبيعة<br />

المرتبطة بباحثين،‏ والتي نشرت<br />

في جانفي 2017 تقريرا بعنوان:‏<br />

‏»مليون موطن شغل من أجل<br />

المناخ«.‏ من بين فروع النشاط<br />

التي تشهد توسعا،‏ نجد االقتصاد<br />

في المواد،‏ وآليات النقل ذات<br />

الحركية الهادئة أو ذات االنبعاثات<br />

الضئيلة والصناعات المرتبطة<br />

بإعادة التهيئة الحرارية للمساكن<br />

والبناءات،‏ إلخ...‏<br />

إذا كان صحيحا أن التشغيل<br />

في مجمل القطاع الصناعي قد<br />

تراجع بنسبة %46 خالل الفترة<br />

المتراوحة بين ذروته التاريخية<br />

سنة 1974 و‎2016‎‏،‏ نجد بعض<br />

فروع النشاط الصناعي التي<br />

حققت أكثر من الصمود)‏‎13‎‏(.‏ تم<br />

تسجيل نسبة نمو أكبر)مضاعفة<br />

عدد العاملين وأكثر(‏ في مجاالت<br />

‏»إنتاج وتوزيع المياه،‏ والتطهير<br />

والتصرف في النفايات ونزع<br />

التلوث«.‏ يضم هذا النشاط مستقبال<br />

مواطن شغل أكبر عددا من تلك<br />

المسجلة في قطاع ‏»إنتاج وتوزيع<br />

الكهرباء والغاز والبخار والهواء<br />

المكيف«،‏ الذي ظل عدد المشتغلين<br />

فيه مستقرا.‏ إال أن هذين النشاطين<br />

الصناعيين أصبحا مطالبين<br />

بتحقيق نسق نمو متسارع في<br />

ظل توسع أنشطة الرسكلة ونزع<br />

التلوث ‏)التي يتعين أن نضيف<br />

إليها نشاط تفكيك القطاع النووي(‏<br />

وانتعاشة الطاقات المتجددة،‏ في<br />

اتجاه إرساء أنشطة تحقق القرب<br />

وتكون بمنأى عن سطوة الشركات<br />

متعددة الجنسيات،‏ التي تحيد بها<br />

عن غاياتها األصلية.‏<br />

هناك تغيرات عميقة ستطال<br />

أنماط العيش.‏ غير أن المطالبة<br />

بتوفير منتجات مبسطة ووظيفية<br />

في مواجهة النزعة االستهالكية،‏<br />

سيتبين أنه لن يكون كافيا إذا ما لم<br />

نحدد أية فئات اجتماعية ستكون<br />

مدعوة ألن تغير سلوكياتها بقدر<br />

أكبر باسم المصلحة العامة.‏ هذا<br />

األمر مرتبط أيضا وثيق االرتباط<br />

بالجهود المتصلة بحماية البيئة<br />

كما بالجباية:‏ سياسات عادلة<br />

أو غير منصفة.‏ عندما يتسبب<br />

كبار األغنياء في حجم انبعاثات<br />

غازية تفاقم االحتباس الحراري<br />

ثالثين أو أربعين ضعفا مقارنة<br />

بحجم االنبعاثات التي يتسبب<br />

فيها ال %10 من السكان األكثر<br />

فقرا،‏ في وقت تمثل فيه ضريبة<br />

الكاربون الحالية وطأة أقل<br />

بأربع مرات على مداخيل الفئة<br />

األولى،‏ أي األغنياء)‏‎14‎‏(،‏ فإن<br />

الحيف الصارخ ينجم عنه رفض<br />

واسع لإلجراءات المفروضة.‏<br />

يمثل الحد من مظاهر التفاوت<br />

جزءا من شروط القبول بالصيغ<br />

المبسطة والمعتدلة لالستهالك<br />

الطاقي والمادي.‏<br />

أما بالنسبة لدرجة مقبولية<br />

تغيير النشاط التشغيلي أو العمل،‏<br />

سيتمثل الرهان الحيوي في<br />

تأمين المسارات المهنية لألجراء<br />

الذين يواجهون مخاطر تتهدد<br />

موطن شغلهم الحالي،‏ سواء<br />

على مستوى حوض التشغيل<br />

أو على مستوى قريب من هذا<br />

الحوض.‏ مع هذا العنصر المكمل<br />

األساسي،‏ يمكن الحديث عن<br />

أن االنتهاء من اإلنتاجية ومن<br />

النزعة التكنولوجية الجامحة،‏<br />

يمثل،‏ في المحصلة،‏ أفقا مرغوبا<br />

فيه بقدر واسع.‏ سواء تعلق األمر<br />

بتحسين ظروف عملهم،‏ أو<br />

بتعزيز جدوى نشاطهم اإلنتاجي<br />

أو بتمكين المجتمع من أن يمسك<br />

مجددا بزمام مستقبله.‏<br />

www.emplois-climat.fr )12<br />

13( سالسل مطولة صادرة عن الممعهد الوطني<br />

الفرنسي لإلحصاءات حول التشغيل حسب فروع<br />

النشاط.‏<br />

14( قوموا،‏ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018،<br />

http://blogs.alternatives-economiques.fr


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 12 <strong>2019</strong><br />

نساء كمونة<br />

مناضالت<br />

مبيضات،‏ رابطات،‏ طباخات،‏ صحفيات...‏ أولئك الالتي يسمينهن منافسهن ب ‏»المشعالت للنار«‏ يشاركن<br />

بقوة في معارك الكومونة:‏ أولئك الذين يتحركون حاملين أسلحتهم ويناضلون من أجل بناء عالم أكثر مساواة<br />

وأكثر سعادة.‏ ممنوعات من حق التصويت لكن صوتهنّ‏ يعلو في نوادي األحياء للمطالبة بالمساواة في األجر<br />

وتأسيس المحاضن ملتزمات باإلعتراف باإلرتباط الحر.‏ انتهت الكومونة لكن األفكار والمثل مازالت قائمة.‏<br />

ميشال،‏ ‏»الثورة اندلعت.‏ اعتقل<br />

لوكونت في اللحظة التي كان يأمر<br />

فيها للمرة الثالثة بإطالق النار ليتم<br />

اقتياده لشارع لي روزيي حيث<br />

التحق به كليمون توماس،‏ الذي<br />

تم التعرف عليه حينما كان يدرس<br />

حواجز مونمارتر وهو يرتدي<br />

لباسا مدنيا.‏ وفقا لقوانين الحرب،‏<br />

من الواجب قتلهما )...( في مساء<br />

18 مارس/آذار،‏ تم اإلفراج عن<br />

الضباط الذين تم أسرهم مع<br />

لوكونت وكليمون توماس)‏‎3‎‏(«.‏<br />

ليس هناك نساء ضمن تركيبة<br />

المجلس البلدي.‏ إنهن تتظاهرن<br />

وتنظمن لجانهن الخاصة ‏)لجان<br />

الدوائر ولجان اليقظة(،‏ وتحررن<br />

الكلمات والبيانات،‏ كما تعملن في<br />

خدمات اإلسعاف..‏ لقد انخرطت<br />

هؤالء النسوة المكافحات من أجل<br />

العيش،‏ في كتائب المتطوعين<br />

للدفاع عن حصني إيسي وفانف،‏<br />

والتحقن في وقت الحق قريب،‏<br />

بالمشاركين في حراسة الحواجز<br />

خالل ‏»األسبوع الدامي«.‏<br />

إيلوا فاالت * valat Éloi<br />

يوم 26 مارس/آذار 1871،<br />

توجه 229167 ناخبا باريسيا إلى<br />

صناديق االقتراع من أجل اختيار<br />

المجلس البلدي ‏»لباريس المدينة<br />

الحرة«.‏ فازت أغلبية ثورية<br />

باالنتخابات.‏ ضم هذا المجلس<br />

اشتراكيين وبالنكيين وجمهوريين<br />

راديكاليين أو معتدلين،‏ أكثريتهم<br />

من العمال بالساعد،‏ إلى جانب عدد<br />

من األجراء والحرفيين األعراف<br />

والصحفيين وأصحاب المهن<br />

الحرة،‏ وغالبيتهم من الرجال<br />

الشباب.‏ أما النساء،‏ المحرومات<br />

من حق التصويت،‏ فقد كن غائبات.‏<br />

ليس هناك مواطنات كي يسهمن<br />

في التشريع ‏»للشأن االجتماعي«.‏<br />

رغم كونهن ناشطات وملتزمات.‏<br />

يقول جول فاالس:‏ ‏»إنه لمؤشر<br />

الفت بارز عندما تهتم النساء<br />

لألمر،‏ وعندما تدفع ربة المنزل<br />

زوجها،‏ وعندما تنتزع العلم<br />

األسود الذي يرفرف على القدر من<br />

أجل تركيزه بين حجرتي ترصيف،‏<br />

فذاك يعني أن الشمس ستبزغ على<br />

* فنان تشكيلي ورسام،‏ كتب عديد المؤلفات حول<br />

الكومونة من بينها:‏ ‏»دفن جول فاليس،‏ نشر ‏»بلو<br />

<strong>أوت</strong>ور«‏ ( autour (، Bleu سان بورسان سور سيول،‏<br />

. 2010<br />

مدينة ثائرة)‏‎1‎‏(«.‏<br />

قبل ذاك التاريخ بعشرة<br />

أيام،‏ وفي الليلة الفاصلة بين<br />

17 و‎18‎ مارس/آذار 1871،<br />

أمر أدولف تير،‏ رئيس السلطة<br />

التنفيذية بالجمهورية الفرنسية،‏<br />

بنزع بنادق الحرس الوطني من<br />

ثكنات المدفعية في كل من بوت<br />

شومون وباتينيول ومونمارتر...‏<br />

إنه الحذر الحكومي.‏ لكن هذه<br />

البنادق دفع ثمنها الباريسيون.‏<br />

رفض الحرس االستجابة لألمر.‏<br />

في الساعة 5 و‎30‎ دقيقة،‏ انتشرت<br />

فرق الحرس الوطني في شوارع<br />

باريس.‏ وتوالت إثر ذلك البرقيات<br />

العسكرية.‏ ‏»وفي حدود الساعة<br />

10 و‎20‎ دقيقة،‏ سجلت حالة<br />

غليان كبيرة بالدائرة 12. لقد قام<br />

أعوان حرس وطني بقطع شارع<br />

الروكات بواسطة حاجزين،‏ في<br />

حين نزل آخرون باتجاه منطقة<br />

الباستيل.‏ في الساعة 10 والنصف،‏<br />

أتى خبر جد سيء من مونمارتر.‏<br />

فرق الحرس رفضت التدخل.‏ كما<br />

سيطر المتمردون على منطقة بوت<br />

ومحالت اعتقال السجناء)‏‎2‎‏(«.‏<br />

زرعت هذه األحداث الرعب في<br />

األحياء الشعبية،‏ من حي بالفيل<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

إلى حي أونفار ‏)ساحة دنفار<br />

روشيرو(.‏ في مونمارتر،‏ واجه<br />

النساء واألطفال أفراد الفرقة 88<br />

مشاة.‏ لقد أمسكت ربات بيوت<br />

بنواصي الخيول وقطعن حبال<br />

األلجمة،‏ لترتفع األصوات مرددة:‏<br />

‏»ال تطلقوا النار على الشعب«‏<br />

و»يحيا سالح المشاة«.‏<br />

هيمنت أجواء من التآخي<br />

والتآلف بين أفراد الفرق 88<br />

والجماهير.‏ سارعت لويز ميشال،‏<br />

وهي تحمل بندقيتها الصغيرة تحت<br />

معطفها لتقول:‏ ‏»لنسارع بالصعود،‏<br />

رغم علمنا بأنه هنالك في األعلى،‏<br />

جيش مستعد للمعركة،‏ إننا ال نخاف<br />

الموت من أجل الحرية.‏ نحن بمثابة<br />

من انتزعوهم من تحت األرض.‏<br />

نحن موتى.‏ باريس ستنهض.‏ كانت<br />

الجموع في بعض األحيان مقدمة<br />

المحيط البشري ومنطقة البوت<br />

يلفها الضوء األبيض،‏ إنه فجر<br />

خالص رائع )...( ليس الموت ما<br />

ينتظرنا في البوت )..( وإنما مفاجأة<br />

انتصار شعبي«.‏ تم قتل الجنرالين<br />

كلود مارتن لوكونت وجاك ليونارد<br />

توماس،‏ األسيرين لدى الجنود<br />

المتمردين،‏ رميا بالرصاص في<br />

شارع لي روزيي.‏ بالنسبة للويز<br />

ينزع غاستون دا كوستل،‏<br />

الذي كان وقتها من مناصري<br />

المتمردين،‏ في مذكراته إلى الفرز<br />

بين ما هو حقيقي وما هو من قبيل<br />

التلفيق،‏ إذ يقول:‏ ‏»إلى حد اللحظة<br />

التي بدأت فيها الفرقة في التراجع،‏<br />

كانت النساء هن المهيمنات.‏ في<br />

شارع لي روزيي،‏ وعند حصول<br />

عملية القتل،‏ اندثرت غالبيتهن«.‏<br />

لكن نصير الكومونة لم يتراجع<br />

إزاء إثارة صور كثيرة التداول<br />

من قبل منافسي الكومونة:‏ ‏»بعد<br />

الزوجات واألمهات،‏ التحق بتلك<br />

الجموع الغفيرة المكونة من كل<br />

األوساط،‏ التي قادت سجناء<br />

القصر األحمر باتجاه حواجز<br />

األكوام الترابية،‏ الكتائب المرعبة<br />

للفتيات الخاضعات والمتمردات<br />

)...( الالئي خرجن من النزل<br />

والمقاهي وبيوت الدعارة )...(<br />

إنهن حثالة الدعارة الالئي اقتحمن<br />

لألسف صفوف االندفاعة الثورية<br />

مرفوقات برهط من سقط متاع<br />

المجتمع وبفيلق القوادين،‏ لتحتسين<br />

الخمر حتى الثمالة في كل الحانات،‏<br />

وتغنين فرحا بهزيمة الجنود )...(<br />

كما التحقت بهن بعض النسوة<br />

اليائسات جراء الفقر والخصاصة،‏<br />

والالئي كن يقطعن في زاوية<br />

شارع هودون لحم حصان ضابط<br />

قتل قبل لحظات.‏ لقد انتشرن كلهن<br />

في مونمارتر،‏ وهن يترنحن سكرا<br />

وينشرن جنونهن الحاقد،‏ ليمثلن<br />

دورية مرافقة بغيضة منكرة<br />

للتعيس لوكونت وضباطه لدى<br />

صعودهم تالل منطقة بوت)‏‎4‎‏(«.‏<br />

وبعد عشرة أيام وتحديدا يوم<br />

28 مارس/آذار،‏ وفي ساحة قصر<br />

البلدية،‏ تم إعالن الكومونة ‏»باسم<br />

الشعب«.‏ لقد كان االحتفال كبيرا<br />

ضخما.‏ أطلقت ضربات المدفعية<br />

احتفاء بالحدث،‏ أما زر اإلنذار<br />

فقد لفه الصمت.‏ كتبت فيكتورين<br />

بروشي:‏ ‏»هذه المرة أصبحت<br />

لدينا الكومونة )...( فبعد كثير من<br />

الهزائم والمعاناة والحزن،‏ تحقق<br />

االنفراج والجميع تغمرهم سعادة<br />

)...( وعلى رأس فرق القتال في<br />

حال استراحة،‏ كان هناك جمع من<br />

عامالت التموين تتكئن على أسلحة<br />

رشاشة )...( عندها،‏ أعلن أحد<br />

أعضاء الكومونة أسماء المنتخبين<br />

من الشعب،‏ لتتلو ذلك صرخة<br />

جماعية:‏ تحيا الكومونة«)‏‎5‎‏(.‏<br />

ويوم 11 أفريل/نيسان،‏<br />

نُشِر في ال<strong>جريدة</strong> الرسمية<br />

‏)للكومونة(‏ نداء ‏»مجموعة<br />

مواطنات«:‏ ‏»باريس محاصرة،‏<br />

باريس تتعرض للقصف )...( هل<br />

هو األجنبي الذي عاد لغزو فرنسا<br />

؟ ال،‏ هؤالء األعداء،‏ قتلة الشعب<br />

والحرية هم فرنسيون.‏ لقد شهدوا<br />

انتفاضة الشعب وهو يردد:‏ ‏»ال<br />

واجبات دون حقوق،‏ وال حقوق<br />

دون واجبات نحن نريد العمل،‏<br />

ولكن من أجل أن نحتفظ بثمرته...‏<br />

ال مكان بعد اليوم للمستغلين أو<br />

األسياد.‏ العمل والرفاه للجميع،‏<br />

حكم الشعب بواسطة الشعب...‏<br />

الكومونة..‏ هي أن نعيش أحرارا<br />

ونحن نعمل أو أن نموت ونحن<br />

نكافح«.‏<br />

يوم 12 أفريل/نيسان وجاء<br />

في صيحة الشعب:‏ ‏»لتبادر إذن<br />

الكومونة وفوريا بفتح ثالث<br />

سجالت للنساء تحت عناوين:‏<br />

النشاط المسلح،‏ أعمال نجدة<br />

وإسعاف الجرحى،‏ األفران<br />

المتنقلة.‏ أقبلت النساء بكثافة على<br />

التسجيل،‏ وهن سعيدات باالستفادة<br />

من الحمى المقدسة التي تلهب<br />

القلوب«.‏<br />

ويوم 14 أفريل/نيسان وعلى<br />

صفحات ال<strong>جريدة</strong> الرسمية،‏ أكد<br />

اتحاد النساء من أجل الدفاع عن<br />

باريس وعالج الجرحى على ما<br />

يلي:‏ ‏»من واجب الجميع ومن<br />

حقهم الكفاح من أجل قضية الشعب<br />

الكبرى،‏ من أجل الثورة )...( تمثل<br />

الكومونة المبدأ الكبير الذي يعلن<br />

القضاء التام على كل امتياز وكل<br />

1( جول فاالس،‏ ‏»المتمرد:‏ ضمن سلسلة ‏»أوفر«‏<br />

،)Oeuvres( نشر دار غاليمار،‏ مجموعة ‏»مكتبة<br />

بلياد«‏ ،Pléiade باريس،‏ 1990.<br />

2( برقيات الجنرالين جوزيف فينوا ولوي<br />

ارنست فاالنتين إلى أدولف تيار،‏ في كتاب مارك<br />

أندري فابر،‏ ‏»حياة الكومونة وموتها«،‏ مكتبة<br />

هاشيت،‏ باريس،‏ 1939.<br />

3( هلويز ميشال،‏ ‏»الكومونة«،‏ ستوك،‏ باريس،‏<br />

.1898<br />

4( غاستون دا كوستا،‏ ‏»الكومونة كما عاشت«،‏<br />

دار كانتان القديمة،‏ باريس،‏ 1903.<br />

5( فيكتورين ب.‏ ‏)بروشي(،‏ ‏»مذكرات ميتة<br />

حية«،‏ مكتبة البي ،)Lapie( لورزان،‏ 1909.


13 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

باريس<br />

في تمرد<br />

حيف،‏ وهي بذلك ملتزمة بأن تأخذ<br />

بعين االعتبار المطالب العادلة<br />

لكافة السكان،‏ دون ميز على أساس<br />

الجنس،‏ وهو ميز تم خلقه واإلبقاء<br />

عليه تمشيا مع مبدأ التناقض<br />

الذي ترتكز عليه المزايا المكفولة<br />

للطبقات الحاكمة«.‏<br />

وفي النوادي التي تم فتحها<br />

في الكنائس،‏ وبعضها نواد نسائية<br />

صرفة،‏ كان التعبير حرّ‏ ا بالكامل.‏<br />

كل شيء أضحى من الممكن جعله<br />

محور مواعظ أو نقاشات:‏ الدفاع<br />

عن الثورة وتعليم الفتيات وتساوي<br />

األجور والقوانين االجتماعية<br />

واالرتباط الحر وجبن الرجال<br />

وإنهاء االستغالل في العمل...‏ يوم<br />

3 ماي/أيار،‏ ولدى افتتاح نادي<br />

الثورة االجتماعية في كنيسة سان<br />

ميشال بباتينيول:‏ ‏»كنا نحس عند<br />

انطالقنا للقتال من أجل الكومونة<br />

بأن الرجال قد تركوا في منازلهم<br />

بذورا متينة من األفكار الثورية«.‏<br />

كنا نفارق بعضنا البعض على<br />

صدى ‏»أغنية الوداع«‏ ونشيد<br />

‏»المارساياز«،‏ مع جدول أعمال<br />

للحصة المقبلة موضوعه:‏ ‏»المرأة<br />

في منظار الكنيسة وفي منظار<br />

الثورة«)‏‎6‎‏(.‏<br />

انتقد بول دي فونتوليو،‏ بقلمه<br />

الالذع المغموس في إبريق حبر<br />

من قصر فارساي،‏ ما قال إنه<br />

شاهده وسمعه:‏ ‏»في نادي إيلو،‏<br />

كان من بين من ألقوا الخطب،‏<br />

ومعذرة عن وطأة الكلمة،‏ المواطنة<br />

فاالنتين،‏ وهي بائعة هوى كانت<br />

أحرقت رأس قوادها يوم 22 ماي/‏<br />

أيار ألنه لم يكن يريد الذهاب<br />

إلى مواقع حواجز الجنود.‏ كما<br />

تحدثت المواطنة مورال التي<br />

سبق أن حوكمت بالسجن خمس<br />

مرات:‏ ‏“أطالب،‏ من أجل اإلنتهاء<br />

من كل هذا بأن يتم إلقاء كل<br />

المتدينات في نهر السين،‏ هناك<br />

الكثير منهن يعطين السم ألعضاء<br />

الكتائب المتحدة”.‏ في كنيسة<br />

سان لومبار بفوجيرار،‏ هناك<br />

نادي النساء الوطنيات ‏)ترأست<br />

اجتماع فوجيرار نمساوية اسمها<br />

رايدنهراث(...،‏ وهي من المثقفات<br />

الثوريات وتمت إدانتها في فيينا<br />

بتهمة اإلخالل بمقتضيات األخالق،‏<br />

وهذا أمر تتبجح به وكأنه عنوان<br />

فخر.‏ )...( في نادي الخالص<br />

)...( ليس هناك من أحد سوى<br />

النسوة.‏ يتمثل جدول األعمال في:‏<br />

‏)وسائل تجديد المجتمع(.‏ تحدثت<br />

امرأة ثالثينية قائلة:‏ ‏“الجرح<br />

االجتماعي،‏ الذي يتعين قبل كل<br />

شيء غلقه،‏ هو جرح األعراف<br />

الذين يستغلون العامل ويغتنون<br />

على حساب عرقه.‏ ال مجال بعد<br />

اليوم ألعراف ينظرون إلى العامل<br />

كأداة إنتاج.‏ ليوحد العمال صفوفهم،‏<br />

وليضافروا جهودهم،‏ وعندها<br />

ستتحقق سعادتهم.‏ هناك علة أخرى<br />

يعاني منها المجتمع الراهن،‏ وهي<br />

أن األغنياء لوحدهم هم من يشربون<br />

أفضل الشراب وتتوفر لهم أفضل<br />

سبل الترفيه،‏ دون أن تواجههم أي<br />

صعوبات.‏ يتعين أن نضع حدا لهذه<br />

الوضعية التي يتمتع هؤالء وكذلك<br />

الكهنة والراهبات.‏ نحن لن نكون<br />

سعداء إال عندما ال يكون لدينا ال<br />

أعراف وال أغنياء وال كهنة”.‏ في<br />

نادي سان سولبيس،‏ )...( رددت<br />

فتاة اسمها غابريال،‏ وهي بنت<br />

امرأة خاضعة،‏ بقولها:‏ ‏“الكهنة...‏<br />

يجب إعدامهم بالرصاص،‏ هم من<br />

يحولون دون أن نعيش كما نريد.‏<br />

النساء يقعن في الخطأ عندما يذهبن<br />

إلى جلسات االعتراف بالكنيسة،‏<br />

وأنا أدرك جيدا،‏ وعن تجربة،‏ ما<br />

أعنيه بحديثي.‏ عليه،‏ أدعو بقوة كل<br />

النساء إلى االنقضاض على كل<br />

الكهنة وإحراق وجوههم.‏ عندما<br />

ينتهي هؤالء من الوجود،‏ سنكون<br />

سعيدات”‏ )...( أما لويز ميشال،‏<br />

وهي المرأة التي كانت أكثرهن<br />

حماسة وأكثرهن عنفا،‏ فقد صرخت<br />

في جلسة يوم 17 قائلة ‏»لقد أدركنا<br />

اليوم الكبير،‏ اليوم الحاسم من أجل<br />

تحرر البروليتاريا أو بقائها في<br />

أغالل العبودية..‏ أيها المواطنون،‏<br />

بفضل شجاعتكم وبفضل طاقات<br />

وحماسة المواطنات،‏ يمكننا أن<br />

نجعل باريس لنا،‏ نعم أقسم بذلك،‏<br />

باريس ستكون لنا،‏ أو لن تكون<br />

هناك باريس.‏ لقد أضحى األمر<br />

بالنسبة للشعب مسألة حياة أو<br />

موت«)‏‎7‎‏(.‏<br />

ويوم 21 ماي/أيار 1871<br />

ومع دخول متساكني فارساي إلى<br />

باريس،‏ بدأ ‏»األسبوع الدامي«،‏<br />

الذي وصفته فيكتورين بروشي،‏<br />

كما يلي ‏»تلك الليالي المأساوية التي<br />

هزتها أصوات الفرقعة الصاخبة«.‏<br />

وتضيف:‏ ‏»السبت 27. استهدفنا<br />

تبادل مكثف إلطالق النار،‏ ما<br />

أحدث حالة من الفزع والهلع،‏<br />

إذ كانت الجموع تهرع باتجاهنا<br />

وهي تصرخ:‏ لقد تم احتالل بالفيل<br />

جزئيا،‏ تم إخالء قصر البلدية،‏<br />

هناك قتلى وجرحى يمألون<br />

الشوارع.‏ كانوا يطلقون علينا النار<br />

من كل جانب.‏ كتائب الثوريين<br />

المتحدين والمتطوعين يقاتلون<br />

مثل األسود.‏ رايتنا في المقدمة،‏<br />

وسنجمع صفوفنا من أجل المعركة<br />

الحاسمة.‏ كان هنالك بقايا حطام<br />

خلفتها كل الكتائب )...( ويوم 28<br />

في حدود منتصف النهار،‏ انطلقت<br />

آخر رصاصات كتائب الثوار<br />

المتحدين من أعلى شارع باريس.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

كانت القاعة شديدة االكتظاظ تطلق<br />

تنهيدة الوداع كمدا على الكومونة<br />

اآلفلة.‏ لقد انتهى الحلم،‏ وبدأت<br />

عمليات المطاردة والقمع إنه زمن<br />

اإلعتقاالت والمجازر)‏‎8‎‏(«.‏<br />

تخلص لويز ميشال إلى<br />

القول:‏ ‏»سأذهب مع الكتيبة 61 إلى<br />

مقبرة مونمارتر،‏ حيث سنتموقع<br />

)...( لقد أسدل الليل ستاره..‏ كنا<br />

قليلي العدد..‏ لكننا عاقدين العزم.‏<br />

كانت القنابل تسقط قريبا علينا<br />

بين وقت وآخر،‏ وكأننا بحضرة<br />

دقات ساعة...‏ ساعة الموت.‏ في<br />

هذه الليلة الصافية العابقة بعطر<br />

الزهور،‏ كانت واجهات المرمر<br />

تبدو وكأنها تنبض بالحياة )...(<br />

لقد مرت بالمكان قبل ذلك قوافل<br />

نساء وهن يحملن العلم األحمر<br />

في المقدمة.‏ كن يشكلن الحاجز<br />

المقام في الساحة البيضاء.‏<br />

كانت هناك إيليزابيث دميترياف<br />

والسيدة لو مال،‏ ومالفينا بوالن،‏<br />

وبالنش لوفافر،‏ أوكسكوفون.‏ أما<br />

أندري ليو ‏)وهو االسم المستعار<br />

للصحفية فيكتوار ليودين بيرا(‏<br />

فقد كانت موجودة على مستوى<br />

حاجز منطقة باتينيول.‏ خالل شهر<br />

ماي/أيار،‏ كافح أكثر من عشرة<br />

آالف امرأة،‏ فرادى وجماعات،‏<br />

من أجل الحرية )...( لقد ترددت<br />

أساطير مجنونة عجيبة حول نساء<br />

مشعالت للنار،‏ لم يكن هناك من<br />

مشعالت للنار..‏ إنهن نساء كافحن<br />

كلبؤات..‏ لكن ليس هناك سواي<br />

من صرخ محذرا من النار!‏ النار<br />

أمام هؤالء الوحوش!‏ ال أتحدث<br />

عن المقاتالت،‏ وإنما عن ربات<br />

البيوت،‏ الالئي كن يعتقدن أنهن<br />

محميات داخل أحيائهن بالتلويح<br />

ببعض أواني الطبخ التي كن<br />

ولدت 29 ماي/أيار<br />

1830 وتوفيت في<br />

9 جانفي/كانون الثاني<br />

1905، وهي مدرسة<br />

وناشطة فرنسية<br />

ميشال لويز<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

يحملنها للبرهنة على أنهن يبحثن<br />

فقط عن الطعام ألبنائهن الصغار<br />

‏)علبة حليب،‏ مثال(،‏ ولكنه كان<br />

ينظر إليهن على أنهن من مشعلي<br />

النار وأنهن يحملن بنزينا،‏ ويتم<br />

وضعهن وظهورهن على الحائط<br />

لقد غمرت فارساي باريس بكفن<br />

مغمس بلون الدم األحمر.‏ هناك<br />

زاوية وحيدة لم تسدل لحافها على<br />

الجثة.‏ كان يجري في الثكنات<br />

تركيب الرشاشات في قوالبها.‏<br />

وكان يتم قتل الناس وكأن األمر<br />

عملية صيد،‏ إنها مجزرة بشرية.‏ أما<br />

أولئك الذين أصيبوا إصابات بالغة،‏<br />

ويجرون متكئين على الجدران،‏<br />

يتم قتلهم على مهل.‏ )...( وألن<br />

روائح المجازر قد اجتذبتها،‏ وفي<br />

مسار يتابع سير الجيش النظامي،‏<br />

شهدنا،‏ عند انتهاء الكومونة،‏ وقبل<br />

ذباب المقابر الجماعية،‏ بروز تلك<br />

الغيالن،‏ التي يعود وجودها إلى<br />

ماض سحيق،‏ وقد أصابها الجنون<br />

والكلب وأعمتها نشوة الدم.‏ كانوا<br />

يرتدون مالبس أنيقة،‏ ويجوبون<br />

أنحاء ساحات المجازر يتفحصون<br />

الجثث المتناثرة ليشبعوا نظرهم من<br />

مشهد الموتى.‏ بعض هذه الغيالن<br />

حام الشك في كونها من حاملي<br />

وقود إشعال النار،‏ فتم إطالق النار<br />

عليها فورا،‏ كما اآلخرين)‏‎9‎‏(«.‏<br />

6( ال<strong>جريدة</strong> الرسمية للجمهورية الفرنسية في ظل<br />

كمون باريس،‏ ‏»الجزء غير الرسمي«،‏ 5 ماي/‏<br />

أيار 1871.<br />

7( بول دي فونتوليو،‏ ‏»كنائس باريس في ظل<br />

الكومونة«،‏ أ.‏ دانتو،‏ باريس،‏ 1873.<br />

8( فيكتورين ب.‏ ‏)بروشي(،‏ ‏»مذكرات ميتة<br />

حية«،‏ مصدر سابق.‏<br />

9( لويز ميشال،‏ ‏»الكومونة«،‏ مصدر سابق.‏


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 14 <strong>2019</strong><br />

مآزق الخيار<br />

الساحل،‏ العسكريون<br />

رغم االنتشار العسكري الكبير ‏)العملية الفرنسية برفان وبعثة األمم المتحدة إلخ(،‏ تتضاعف<br />

المجازر ضد المدنيين في مالي وفي المنطقة.‏ السبب غير المعروف لهذا المأزق:‏ أصبح الساحل حكرا<br />

للعسكريين الذين يفرضون على وزارة الخارجية الفرنسية رؤية أمنية ضيقة للغاية لضمان النجاعة.‏<br />

عندما قام سالح الطيران الفرنسي في<br />

فيفري/شباط الماضي بقصف قافلة من الدبابات<br />

التابعة التحاد قوى المقاومة«،‏ وهي حركة تشادية<br />

معارضة مسلحة،‏ لم يتردد المعلقون في التذكير<br />

بالتاريخ الطويل لتدخالت المستعمر السابق في<br />

شؤون تشاد)‏‎1‎‏(.‏ هذه العملية،‏ التي قد يكون قتل<br />

خاللها عدد كبير من أعضاء اتحاد قوى المقاومة،‏<br />

تتسم بسمة فريدة على مستوى نقطة واحدة:‏ ألول<br />

مرة منذ أمد بعيد،‏ تتحمل باريس كامل مسؤولياتها<br />

في استخدام القوة في نطاق قضية سياسية داخلية،‏<br />

ما وضع حليفها في موقف محرج،‏ رغم أن<br />

هذا الحليف هو إدريس ديبي إيتنو الرجل غير<br />

الديمقراطي كفاية)‏‎2‎‏(.‏<br />

فرنسا ‏»لم تعد تكتفي بخلق الظروف المالئمة<br />

النتصار يحققه الجيش التشادي...‏ إنها تقوم بنفسها<br />

بقصف المتمردين«.‏ حسب تأكيد المختصة في<br />

الشؤون السياسية،‏ ماريال ديبوس في استعادة<br />

للخطاب الدعائي للنظام الديكتاتوري التشادي،‏ الذي<br />

يرى أن المتمردين ليسوا سوى ‏»إرهابيين«،‏ ذهب<br />

وزير الشؤون الخارجية،‏ جان إيف لودريان،‏ إلى<br />

حد مقارنة هذا القصف بتدخل الطيران الفرنسي<br />

عند انطالق عملية سارفال في مالي.‏ يذكر أن تلك<br />

العملية قد أتاحت في جانفي/كانون الثاني 2013،<br />

وقف هجمة قافلة من الجهاديين كانوا يهددون<br />

باماكو.‏<br />

رئيس النيجر،‏ محمدو إيسوفو،‏ الذي انتخب<br />

سنة 2011 وتمت إعادة انتخابه سنة 2016، يبدو<br />

بدوره شخصا مدعوما بشكل كامل تماما مثل نظيره<br />

التشادي،‏ على الرغم من االنتهاكات العديدة لحرية<br />

التعبير في بالده.‏ أعطى إيسوفو الحرية الكاملة<br />

لتحرك الجيش الفرنسي،‏ الذي يملك قاعدة في نيامي<br />

تقلع منها الطائرات المسيرة رسميا،‏ من أجل مراقبة<br />

تحركات اإلرهابيين في منطقة الساحل)‏‎3‎‏(.‏ يوضح<br />

لنا ديبلوماسي فرنسي يعمل في المنطقة،‏ وطلب<br />

عدم اإلفصاح عن هويته:‏ ‏»ألن األمر مترسخ<br />

في ثقافتهم،‏ يعتقد العسكريون أن مواجهة الخطر<br />

اإلرهابي تتطلب وجود رجل قوي على رأس<br />

البالد.‏ إنهم ال يريدون أن يفهموا أن الدعم المقدم<br />

لمستبدين يمكن أيضا أن يدفع بعض األشخاص إلى<br />

االنضمام للمجموعات اإلرهابية،‏ أو أن يصبحوا،‏<br />

على األقل،‏ متعاطفين مع هذه المجموعات«.‏<br />

غير أن النفوذ السياسي والديبلوماسي لقيادة<br />

األركان الفرنسية ما فتئ يتعاظم مع تكثف انخراط<br />

باريس عسكريا في منطقة الساحل والصحراء<br />

منذ سنة 2013. يقول نفس الديبلوماسي بنبرة<br />

من المرارة:‏ ‏»أضحى الجانب األمني الجانب<br />

الراجح في منطقة الساحل اليوم.‏ تبعا لذلك،‏ أصبح<br />

العسكريون متحاورين مهمّين بالنسبة للمسؤولين<br />

السياسيين.‏ وتحاليلهم لها األولوية مقارنة بتحاليلنا«.‏<br />

في بعض بلدان الساحل،‏ أصبح الضباط<br />

الفرنسيون المخاطب األول بالنسبة لرؤساء الدول،‏<br />

قبل حتى السفراء.‏ عبرت إيفلين دوكور،‏ التي<br />

شغلت منصب سفيرة في نجامينا بين 2013 و‎2016‎<br />

ثم في باماكو بين 2016 و‎2018‎‏،‏ بكامل الصراحة<br />

عن ‏»تضايقها«‏ من هذه ‏»المنافسة«.‏<br />

بعد أن تم استدعاؤها سنة 2018 إلى<br />

باريس تم تعيينها في وظيفة المسؤول األعلى<br />

عن األراضي الجنوبية والقطبية الفرنسية،‏<br />

وهو منصب يعتبر بمثابة عملية تجميد لها.‏<br />

تروج في أروقة وزارة الخارجية إشاعات<br />

تقول بأن العسكريين هم من أطاحوا بها.‏<br />

تمثل هذه التجربة السلبية شاهدا على المنزلق<br />

الذي تردت فيه ديبلوماسية تم قصر دورها<br />

على مرافقة اختيارات العسكريين،‏ وفي<br />

بعض األحيان تأمين ‏»خدمة ما بعد البيع«:‏<br />

التعاون الميداني مع الميليشيات المسلحة،‏<br />

وحتى مع مجموعات متمردة ‏)بالخصوص<br />

في النيجر وفي مالي(،‏ والرفض القطعي<br />

للشروع في مفاوضات مع العدو،‏ إلخ.‏<br />

يعد مثل هذا التطور ثمرة توجهين<br />

رئيسيين وظرفيات مالئمة أسهمت في<br />

تسريع المسار منذ سنة 2013. يتمثل التوجه<br />

االول في إضعاف وزارة الشؤون الخارجية.‏<br />

‏»العسكريين ال يقومون سوى باحتالل<br />

الموقع الذي تركه الديبلوماسيون شاغرا«،‏<br />

ذاك ما يؤكده لوران بيغو،‏ المدير المساعد<br />

السابق المكلّف بإفريقيا الغربية بوزارة<br />

الشؤون الخارجية،‏ والذي تمت إقالته سنة<br />

2013 بعد خالف مع وزير الخارجية آنذاك<br />

لوران فابيوس.‏ في ظرف ثالثة عقود من<br />

الزمن،‏ خسرت الوزارة %53 من عدد<br />

إطاراتها وأعوانها،‏ جزء كبير منهم كانوا<br />

يعملون في القارة اإلفريقية.في العام 2017،<br />

قيّم تقرير برلماني النقص المسجل في<br />

عدد الديبلوماسسين الفرنسيين في منطقتي<br />

إفريقيا والمحيط الهندي،‏ بنسبة %40، وذلك<br />

خالل السنوات العشر األخيرة)‏‎4‎‏(.‏ لتفسير<br />

هذا االقتطاع الخصوصي في عدد العاملين،‏<br />

يؤكد الديبلوماسيون أن إفريقيا ال ينظر<br />

إليها على أنها وجهة ‏»نبيلة«‏ في وزارة<br />

الخارجية.‏ تؤكد الباحثتان آلين لوبوف<br />

وهيلين كينو سواريز:‏ ‏»على العكس من<br />

ذلك،‏ تعتبر إفريقيا عنوان تجربة وخبرة<br />

‏)وحتى عنوان فخر(‏ في مسار العسكريين«،‏<br />

وهو ما يفسر أن ‏»العسكريين واجهوا قطعا<br />

صعوبات أقل في االنتشار في هذا المجال<br />

وأحيانا في ‏“تعويض”‏ الديبلوماسيين«)‏‎5‎‏(.‏<br />

وبالتوازي مع تراجع نفوذ وزارة<br />

الخارجية،‏ يمكن مالحظة توجه ثان برز منذ<br />

حوالي ثالثين عاما:‏ العودة القوية للعسكريين<br />

على مستوى الحياة العامة وحتى على صعيد<br />

الخيارات السياسية والديبلوماسية،‏ وهو ما<br />

يطلق عليه غريغوري داهو تسمية ‏»ثأر<br />

الجنراالت«)‏‎6‎‏(.‏<br />

وفقا لهذا األستاذ المحاضر في جامعة<br />

باريس 1، الضباط،‏ الذين فرض عليهم<br />

الصمت بعد حرب الجزائر،‏ أضحوا أكثر<br />

فأكثر جرأة إزاء السياسيين.‏ ويشير إلى أنه<br />

منذ تسعينات القرن الماضي،‏ ‏»حفّز البعد<br />

التقني المتنامي للعمليات،‏ وبيروقراطية<br />

االجراءات)...(‏ عملية إعادة إدماج جزئية<br />

للضباط الجنراالت في قلب مسالك اتخاذ<br />

القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية«.‏<br />

كما أن خبراتهم المكتسبة أضحت عنصرا<br />

يفرض نفسه أكثر فأكثر.‏ يتابع غريغوري<br />

داهو مؤكدا أن المجال الترابي األبرز الذي<br />

حافظ الجيش على صالته معه،‏ هو إفريقيا،‏<br />

حيث تحتفظ فرنسا بحضور تقني وعسكري<br />

منذ استقالل البلدان اإلفريقية.‏ بحسب داهو،‏<br />

‏»أضحى محترفوا التدخالت في إفريقيا<br />

خزان الكفاءات المتاحة«.‏ العسكريون،‏<br />

الذين يناصرون اعتماد استراتيجية هجومية<br />

بدال من استراتيجية االنتظار التي كانت<br />

معتمدة طيلة فترة الحرب الباردة،‏ يتقنون<br />

جيدا الجوانب التكتيكية والمناورات.‏ هكذا،‏<br />

فإنهم انتفعوا من تمشي ‏»إعادة التوازن<br />

بين الردع واالستشراف«‏ المنتهج خالل<br />

السنوات العشرين األخيرة،‏ ال سيما صلب<br />

الحلف األطلسي،‏ وفي سياق العودة القوية<br />

للنظريات المناهضة لحركات التمرد التي<br />

يسوق لها اثنان من ‏»كبار أنصار نشر<br />

إحالل السالم االستعماري«،‏ الماريشال<br />

جوزيف غالييني والماريشال توماس بوغو،‏<br />

من أجل فرض وجهة نظرهما.‏<br />

ومن شأن تهميش الديبلوماسيين أن<br />

يفضي إلى ‏»تراجع على مستوى جودة<br />

التحاليل،‏ خاصة بسبب البعد عن الميدان،‏<br />

وأيضا بسبب أخطاء في مجال االنتدابات«،‏<br />

مثلما يثير ذلك بكل انشغال بيغو،‏ الذي يعتبر<br />

أن ‏»وزارة الخارجية لم تعد كما في السابق<br />

مصدر مقترحات.‏ أما العسكريون،‏ فإنهم<br />

يسيطرون على األرض،‏ وينتجون أفكارا<br />

بعدد أكبر من تلك التي ينتجها الديبلوماسيون.‏<br />

إنها أفكار عسكريين...«.‏ مساندة فرنسا<br />

العمياء للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كايتا،‏<br />

رغم عدم قدرته على إطالق مسار إصالح<br />

لجهاز الدولة،‏ يمكن أن تمثل عنصر إجابة<br />

يفسر بمسلكية التسامح والمجاملة إزاء<br />

الجيش الفرنسي ومنح هذا األخير كل<br />

الصالحيات على أراضي بالده)‏‎7‎‏(.‏<br />

كما يشهد نفوذ العسكريين تعاظما<br />

في قصر اإليليزي.‏ ينص الدستور على<br />

أن الرئيس هو قائد الجيوش.‏ فالرئيس هو<br />

بالخصوص من يعطي اإلذن بالمشاركة في<br />

عمليات خارجية)‏‎8‎‏(.‏ يقول تقرير برلماني:‏<br />

‏»تحتل قيادة األركان الخاصة برئيس<br />

الجمهورية أيضا فضاء متناميا باطراد،‏ كما<br />

أن الكثير من القرارات يتم اتخاذها من قبل<br />

فاعلين من خارج الفضاء الديبلوماسي«)‏‎9‎‏(.‏<br />

هكذا،‏ كان للجنرال بونوا بوغا،‏ الذي شغل<br />

منصب قائد األركان الخاص لدى الرئيسين<br />

نيكوال ساركوزي ‏)‏‎2007‎‎2012‎‏(‏ ثم فرنسوا<br />

هولند ‏)‏‎2012‎‎2017‎‏(،‏ قد اضطلع بدور<br />

بارز في إطالق عملية سارفال سنة 2013:<br />

لقد أقنع هولند بأن يأمر وبشكل عاجل<br />

بتدخل القوات الخاصة.‏ هذا الضابط،‏ الذي<br />

1( ماريال دوبوس،‏ ‏»ماذا يفعل الجيش الفرنسي في تشاد؟«،‏<br />

ليبيراسيون،‏ 8 فيفري/شباط <strong>2019</strong>.<br />

2( دالفين لوكوتر،‏ ‏»التشاد،‏ صديق ضروري لكنه مزعج«،‏<br />

مجلة ‏»مانيار دو فوار«،‏ العدد 165، ‏»فرنسا إفريقيا.‏ الهيمنة<br />

والتحرر«،‏ جوان/حزيران <strong>جويلية</strong>/تموز <strong>2019</strong>.<br />

3( ‏»المهاجرون في فخ أغاديز«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ جوان/‏<br />

حزيران <strong>2019</strong>.<br />

4( الديسالس بونيا توفسكي وبرنارد كازو ‏»تدخل خارجي<br />

للدولة:‏ تدخل فرنسا في أوروبا وفي العالم.«‏ استشارة عدد<br />

110، لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في<br />

مجلس الشيوخ،‏ باريس،‏ 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.<br />

5( آلين لوبوف،‏ هيالن كينو سواريز،‏ ‏»سياسة فرنسا<br />

اإلفريقية في ظل فرنسوا هولند«،‏ المعهد الفرنسي للعالقات<br />

الدولية ،)IFRI( باريس،‏ 2014.<br />

6( غريغوري داهو،‏ ‏»تآكل التابوهات الجزائرية،‏ تفسير آخر<br />

لتحوالت المنظمات العسكرية في فرنسا«،‏ المجلة الفرنسية<br />

لعلم السياسة،‏ باريس،‏ مجلد 64، العدد 1، فيفري/شباط 2014.<br />

7( ‏»في مالي:‏ الحرب لم تحل أية مشكلة«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏<br />

<strong>جويلية</strong>/تموز 8( 2018. فيليب اليماري،‏ ‏»من نجامينا إلى<br />

كابول،‏ عمليات سرية فرنسية«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ مارس/‏<br />

آذار 2018.<br />

9( جان كلود غيبال وفيليب بومال،‏ ‏»االستقرار والتنمية في<br />

إفريقيا الفرنكوفونية«،‏ تقرير إخباري عدد 2746 المقدم من<br />

قبل لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية،‏ باريس،‏ 6 ماي/‏<br />

أيار 2015.<br />

ريمي كارايول * carayol Rémi<br />

* صحفي.‏<br />

ضباط تحرروا<br />

جميع الحقوق محفوظة


15 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

األمني<br />

يستبعدون وزارة الخارجية<br />

يطلق عليه أحيانا اسم ‏»رجل إفريقيا«،‏ أتى<br />

من قوات البحرية،‏ التي يرتبط تاريخها<br />

وثيق االرتباط بتاريخ االستعمار.‏ كما<br />

شكلت المشاركة الفاعلة للو دريان،‏ الذي<br />

كان وزيرا للدفاع آنذاك،‏ أمرا حاسما.‏ يذكر<br />

أحد الديبلوماسيين بمالبسات تلك الفترة<br />

ويقول:‏ ‏»في ذاك الوقت،‏ كان فابيوس يشغل<br />

منصب وزير الشؤون الخارجية،‏ لكنه لم<br />

يكن يهتم كثيرا بإفريقيا.‏ كما أن الرئيس<br />

لم يكن ينصت إليه.‏ على العكس من ذلك،‏<br />

كان لو دريان،‏ مقربا من هولند،‏ تحول إلى<br />

شخصية محورية بعد االنطالق المتتابع<br />

لكل من عملية سارفال في مالي،‏ ثم عملية<br />

سانغاري في إفريقيا الوسطى في ديسمبر/‏<br />

كانون األول 2013«.<br />

مع توالي األشهر،‏ أضحى لو دريان،‏<br />

الذي أصبح وزير خارجية ماكرون سنة<br />

2017، المخاطب الرئيسي لرؤساء الدول<br />

في ‏»منطقة النفوذ«‏ اإلفريقية.‏ أصبح<br />

ديوانه يملك نفوذا أعلى من نفوذ خلية<br />

إفريقيا في اإليليزي وأكثر من إدارة وزارة<br />

الخارجية.‏ نجح هذا الوزير،‏ الذي ال يبدي<br />

اهتماما كبيرا الحترام حقوق اإلنسان،‏ في<br />

نسج عالقات شخصية مع ديبي،‏ وأيضا<br />

مع رئيس الكونغو دينيس ساسو نغيسو،‏<br />

أو أيضا مع الرئيس المصري عبد الفتاح<br />

السيسي.‏ هل يمكننا أن نرى في ذلك مؤشر<br />

موافقة على النفوذ العسكري في الخيارات<br />

السياسية اإلفريقية؟ لقد خصص ماكرون<br />

زياراته األولى خارج التراب الوطني إلى<br />

جنود عملية ‏»باركان«‏ في قاعدة غاو في<br />

مالي يوم 19 ماي/أيار 2017، أي خمسة<br />

أيام فقط بعد تسلمه لمهامه.‏<br />

إزاء تنامي الحركات الجهادية،‏ أنتجت<br />

األولوية األمنية رؤية ثنائية وفقا لها األمر<br />

هو معركة بين ‏»الخير«‏ و»الشر«.‏ إال أن<br />

بعض الحركات المسلحة تظهر بشكل أقرب<br />

منه إلى المحلية تحركها مطالب اجتماعية<br />

واقتصادية أكثر من كونها ارهابية ‏»مجنونة<br />

باللّه«.‏ بمجرد كنس تلك الحقيقة،‏ ال<br />

يمكن البتة طرح المفاوضة معهم مثلما<br />

طرح مؤتمر التفاهم الوطني الذي نظمته<br />

السلطات المالية في أفريل/نيسان 2017.<br />

‏»نحن منخرطون في معركة دون ضبابية<br />

ضد أولئك الذين يقومون باإلرهاب.‏ لذلك،‏<br />

توجد وسيلة واحدة وال توجد وسيلتان«‏<br />

وفقا لتصريح وزير الخارجية آنذاك ، جون<br />

مارك أيرولت في مسعى لقبر المبادرة.‏<br />

منذ بضع سنوات،‏ تأثرت الوكالة<br />

الفرنسية للتنمية بتأثير الجيش.‏ لدى مساءلته<br />

من قبل النواب يوم 22 ماي/أيار الماضي،‏<br />

أكد المدير العام للوكالة،‏ ريمي ريو،‏ أنه<br />

‏»سعى منذ وصوله إلى إدارة وكالة التنمية<br />

الفرنسية إلى تعميق التشاور مع قيادة أركان<br />

الجيوش بشأن محور األمن والتنمية«.‏<br />

تجسد هذا التعاون من خالل تبادل أعوان<br />

االتصال:‏ إلحاق ضابط بوكالة التنمية مقابل<br />

تعيين موظف من الوكالة لدى مقر القيادة<br />

العامة لعملية باركان في نجامينا.‏ تضم<br />

اجتماعات شهرية ديبلوماسيين وفاعلين في<br />

مجالي التنمية والدفاع بمقر وزارة الشؤون<br />

الخارجية.‏ وحتى معاهد البحث تعمل على<br />

الجمع بين عالمي الجامعة والجيش.‏<br />

العسكريون،‏ من ناحيتهم،‏ يرحبون<br />

بهذا التعاون والتنسيق.‏ يقول داهو:‏ من<br />

وجهة نظر العسكريين،‏ يتيح التعاون المدني<br />

العسكري،‏ الذي يتعلق بمجمل األنشطة<br />

الرامية إلى تنسيق العالقات بين المنظمات<br />

العسكرية والفاعلين المدنيين على مستوى<br />

منطقة تدخل،‏ ‏»تيسير تقبل السكان المدنيين<br />

لحضور القوات العسكرية«.‏ بالنسبة إليهم،‏<br />

تحظى المصالح العسكرية باألولوية مقارنة<br />

بأي اعتبار آخر.‏ وهكذا،‏ فإنه يتم بشكل<br />

متزايد مطالبة وكالة التنمية الفرنسية<br />

بتمويل مشاريع في المناطق التي يتدخل فيها<br />

الجيش.‏ بالمقابل،‏ يعتبر الباحثين وأعوان<br />

السياسات التنموية،‏ وفق ما صرح به بكل<br />

جدية أحد إطارات وكالة التنمية،‏ أن ‏»األمر<br />

ليس على قدر من السهولة.‏ هذان الوسطان<br />

ال يملكان نفس الثقافة.‏ فأعوان التنمية يجب<br />

عليهم أن يفكروا في المدى الطويل،‏ في حين<br />

أن العسكريين يفكرون في المدى القصير«.‏<br />

حفر آبار أو بناء مستوصف أو سوق،‏<br />

وتوزيع أغذية:‏ تلك هي نوعية المشاريع التي<br />

يريدها العسكريون،‏ ألنها مشاريع مرئية<br />

من شأنها أن تمكن في أسرع وقت ممكن من<br />

‏»كسب قلوب وعقول«‏ متساكني المناطق<br />

التي يتدخلون فيها.‏ لكن ‏»المختصين في<br />

التنمية«‏ يرون أن هذه االستراتيجية التي يتم<br />

تنفيذها باستقاللية عن السلطات الوطنية،‏<br />

تمثل سالفاخو حدين:‏ يمكن أن تسهم في<br />

نزع الشرعية عن دولة تواجه بعد صعوبات<br />

تتهددها في هذه المناطق المعزولة،‏ ومن<br />

هناك،‏ مفاقمة شعور الريبة لدى السكان<br />

إزاء السلطة العمومية.‏<br />

تم ترتيب هذه الرؤية التي تسمى ثالثية<br />

األبعاد ‏)الديبلوماسية والدفاع والتنمية(،‏<br />

والتي ظلت مهملة ألمد طويل في فرنسا،‏<br />

في منزلة األولوية من قبل ماكرون.‏<br />

ويحرص أنصار هذه المقاربة المندمجة<br />

على التفريق بين مقاربتهم وبين المقاربة<br />

الشاملة التي تتوخاها الواليات المتحدة<br />

في العراق وأفغانستان،‏ والتي ترتكز على<br />

تأمين شروط التفاعل بين االستراتيجيات<br />

العسكرية واالقتصادية واالجتماعية<br />

والديبلوماسية،‏ خاصة عبر تركيز فرق<br />

مدنية عسكرية مكلفة بمساندة السلطات<br />

المحلية المعترف بها.‏ بحسب جان مارك<br />

شاتانيي،‏ المبعوث الخاص لفرنسا منطقة<br />

الساحل،‏ والذي ال يتوارى عن استخدام<br />

اللغة الخشبية،‏ ترمي المنهجية األمريكية<br />

بالدرجة األولى إلى تأمين القبول بالحضور<br />

العسكري،‏ في حين أن ‏»المقاربة المندمجة<br />

‏)على النمط الفرنسي(‏ ال ترسي أية تراتبية<br />

بين األهداف المنشودة وإنما تجسد البحث<br />

عن تركيبة متكاملة أقصى ما يمكن بهدف<br />

العودة إلى سالم دائم«.‏<br />

غير أن نجاعة مثل هذه الرؤية تظل<br />

أمرا يجب البرهنة عليه.‏ منذ أن تدخلت<br />

فرنسا في مالي سنة 2013، قتل الجيش<br />

المئات من الجهاديين المحتملين،‏ ومنهم<br />

بعض القادة،‏ كما دمر عشرات المخابئ التي<br />

تحتوي على سيارات وأسلحة،‏ وقام بحفر<br />

عدد كبير من اآلبار لفائدة المدنيين.‏ رغم<br />

ذلك،‏ تصاعدت وتيرة أعمال العنف سنة بعد<br />

أخرى في مجمل منطقة الساحل والصحراء،‏<br />

كما أن عدد القتلى في صفوف السكان لم<br />

يفتأ يرتفع،‏ خاصة خالل العامين األخيرين.‏<br />

المجموعات ‏»الجهادية«،‏ التي تنشط بشكل<br />

واسع بعيدا عن معاقلها الواقعة في شمالي<br />

مالي أو جنوبي ليبيا،‏ قد وسعت منطقة<br />

نفوذها في وسط مالي وفي شمالي وغربي<br />

بوركينا فاسو وفي شمال غربي النيجر،‏<br />

وأضحت تهدد مستقبال البلدان الساحلية<br />

إلفريقيا الغربية مثل الكوت ديفوار والبينين.‏<br />

برز عدد من مجموعات الدفاع الذاتي،‏<br />

التي تنفذ مجازر متبادلة تستهدف المدنيين<br />

في مالي،‏ تضاعف عدد الهجمات على<br />

القرى خالل األشهر الثمانية عشر الماضية.‏<br />

وفقا للمفوضية األممية السامية لحقوق<br />

اإلنسان،‏ خلفت هذه الهجمات أكثر من 600<br />

قتيل بين مارس/آذار 2018 ومارس/آذار<br />

<strong>2019</strong> ونجم عنها التهجير القسري ألكثر<br />

من 66 ألف شخص.‏ يوم 23 مارس/آذار<br />

<strong>2019</strong>، قامت ميليشيا تابعة لقبيلة الدوغون<br />

‏)دان نا أمباساغو(‏ بقتل 157 من سكان<br />

قرية أوغوساغو الواقعة وسط مالي،‏ والتي<br />

يقطنها أشخاص ينتمون إلى قبيلة البويل،‏<br />

وقام عناصر هذه الميليشيا بإحراق القرية<br />

جزئيا.‏ كما سجلت عمليات قتل في بوركينا<br />

فاسو والتشاد.‏ وتواجه الجيوش الوطنية<br />

اتهامات بكونها قد قامت هي نفسها بإعدام<br />

مدنيين خالل عمليات ‏»نشر السلم«.‏ صرح<br />

الجنرال برونو كليمون بولي،‏ المدير<br />

السابق للتعاون األمني والدفاعي بوزارة<br />

الشؤون الخارجية،‏ مؤخرا،‏ بقوله:‏ ‏»رغم<br />

االنتشار الواسع للقوات المحلية أو األجنبية،‏<br />

وتعزيز البعثات العسكرية،‏ واإلجابات<br />

الشمولية التي تجمع بذكاء بين مقتضيات<br />

األمن والتنمية،‏ وأيضا رغم االعتمادات<br />

المالية الضخمة المسخرة،‏ فإن األوضاع<br />

تسير باتجاه مزيد التردي«)‏‎10‎‏(.‏<br />

ويؤكد الجنرال بولي أن ‏»الدوامة<br />

السلبية«‏ لخيار ‏»الكل من أجل األمن<br />

والدفاع«،‏ قد برهنت على محدوديتها.‏<br />

حضور أكثر من 13 ألف من القبعات الزرق<br />

ضمن البعثة متعددة األبعاد والمندمجة<br />

التابعة لألمم المتحدة ‏)تم قتل 122 من<br />

العسكريين أعضاء هذه البعثة خالل فترة<br />

ست سنوات(،‏ وأكثر من 4500 جندي<br />

فرنسي،‏ يضاف إليهم عناصر الجيوش<br />

الوطنية وبضع مئات من الجنود األمريكيين<br />

واإليطاليين واأللمان المتمركزين تقريبا في<br />

كافة أنحاء المنطقة،‏ وأساسا في النيجر،‏ لم<br />

يمكن من قلب المعادلة.‏ بل األمر أبعد ما<br />

يكون عن ذلك.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

10( برونو كليمون بولي،‏ ‏»لنوقف المجازر في منطقة<br />

الساحل..«،‏ جون أفريك،‏ باريس،‏ 6 جوان/حزيران <strong>2019</strong>.


ج<br />

<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 16 <strong>2019</strong><br />

في ألمانيا،‏ الشرطة والقضاء<br />

عدم محاكمة عنف<br />

خلية من النازيين الجدد،‏ عمليات قتل متسلسلة وشرطة تتغافل:‏ هذه مكونات الدراما التي<br />

تضرب ألمانيا منذ بداية سنوات األلفين.‏ القضايا التي رفعت في ميونيخ من 2013 إلى 2018 أظهرت<br />

في خفاياها قصور داخل أجهزة األمن وفي المؤسسة القضائية تجاه عنف أقصى اليمين.‏<br />

يوم 11 <strong>جويلية</strong>/تموز 2018،<br />

أصاب إسماعيل يوزغات اإلنهيار<br />

وطفق يردد الدعوات ويصب<br />

الماء على رأسه.‏ إنه والد هاليت<br />

يوزغات الذي قتل قبل إثني عشر<br />

عاما من قبل مجموعة ‏»المنظمة<br />

السرية القومية االشتراكية«.‏<br />

لقد استمع للتو لمانفريد غوتزل،‏<br />

القاضي الجنائي بالمحكمة<br />

اإلقليمية العليا بميونيخ،‏ وهو<br />

يعلن حكمه ضد خمسة متهمين:‏<br />

حكم قاس ضد المتهمة الرئيسية،‏<br />

مقابل حكم متسامح ضد شركائها<br />

األربعة.‏<br />

هكذا تم االنتهاء من التعاطي<br />

العمومي مع أكبر سلسلة من<br />

جرائم النازية الجديدة في ألمانيا<br />

منذ الحرب العالمية الثانية.‏ بين<br />

سبتمبر/أيلول 2000 وأفريل/‏<br />

نيسان 2007، تم اغتيال تسعة<br />

أشخاص من المهاجرين،‏ ال سيما<br />

األتراك إلى جانب شرطية في<br />

عدد من المدن األلمانية باستخدام<br />

نفس المسدس.‏ في البدء،‏ ذهب في<br />

اعتقاد الشرطة أن األمر يتعلق<br />

* هما على التوالي،‏ دكتور متخصص في التاريخ<br />

المعاصر ومتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ،‏<br />

وأستاذ القانون العام بجامعة لورين وباحث مشارك<br />

بمعهد الدراسات العالمية بباريس.‏<br />

ماسيمو بيرينالي وكريستوفر بولمان *<br />

بتصفية حسابات بين مجموعات<br />

سكانية.‏ بعد كل عملية قتل،‏ كانت<br />

التحقيقات تستهدف بالدرجة<br />

األولى العائالت واألجوار<br />

والوسط الذي عاش فيه الضحايا،‏<br />

مع سعي في بعض األحيان إلى<br />

تشويه سمعة الضحية من خالل<br />

ترويج أخبار كاذبة)‏‎1‎‏(.‏ تم إطالق<br />

تسميتي ‏»بوسفور«‏ و»هالبموند«‏<br />

‏)هالل،‏ في إشارة إلى العلم<br />

التركي(‏ على لجنتي التحقيق<br />

الجنائيتين.‏ أما وسائل اإلعالم،‏<br />

فقد انتقدت بشدة ما أسمته ب<br />

‏»العالم الموازي المظلم«‏ الذي<br />

يجمع بين مروجي المخدرات<br />

واألتراك محترفي عمليات<br />

السلب بالقوة ووجهت لهذا العالم<br />

أصابع االتهام بارتكاب هذه<br />

‏»الجرائم الشنيعة«)‏‎2‎‏(.‏ ضمن<br />

لجنة بوسفور إحدى أكبر اللجان<br />

في التاريخ الجنائي األلماني،‏<br />

ذهب ما ال يقل عن 160 شرطيا<br />

في اتجاه خاطئ.‏ عندما تم قتل<br />

شرطية سنة 2007 في سيارتها<br />

وإلحاق جروح بليغة بمرافقها في<br />

رأسه،‏ بحث المحققون عن ‏»شبح<br />

هايلبرون«،‏ المدينة التي شهدت<br />

االعتداء،‏ في صفوف السكان<br />

الغجريين ‏»التزيغان«،‏ الذين<br />

يرى األطباء النفسانيون التابعون<br />

للشرطة أن ‏»الكذب يمثل لديهم<br />

عنصرا أساسيا لإلندماج في<br />

المجتمع«)‏‎3‎‏(.‏ كما أن االعتداءات<br />

الثالثة بالقنابل التي استهدفت<br />

مواقع مرتبطة بالهجرة،‏ لم<br />

تفتح أعين السلطات وتدفعها<br />

إلى مزيد التدقيق بشأن حركة<br />

النازية الجديدة،‏ رغم تسجيل ما<br />

اليقل عن 24 جريحا.‏ بالمقابل،‏<br />

وبالنسبة للضحايا والمحيطين<br />

بهم وعدد قليل من الصحفيين،‏<br />

تعززت الشكوك إزاء أوساط<br />

اليمين المتطرف وأضحت معلنة<br />

أكثر فأكثر.‏<br />

لقد تغير كل شيء بداية<br />

نوفمبر/تشرين الثاني 2011<br />

مع تسليم بيت زشاب نفسها<br />

للسلطات.‏ هكذا،‏ أمكن للمحققين<br />

تعقب خيوط وتفاصيل القصة التي<br />

حرصوا إلى حد ذلك الوقت على<br />

إغفالها.‏ في العام 1998، وبعد<br />

عدد من االعتداءات الصغيرة،‏<br />

قام كل من أووي بوهنهارت<br />

وأووي موندلوس وزشاب<br />

ببعث ‏»المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية«‏ .)NSU( بين عامي<br />

1998 و‎2011‎‏،‏ استولى هؤالء<br />

على مبلغ يقارب 600 ألف يورو<br />

من خالل هجمات سلب استهدفت<br />

مغازات و‎14‎ أو 15 بنكا،‏ مخلفين<br />

عددا غير معلوم من الجرحى.‏<br />

على مدى حوالي 14 عاما،‏ عاش<br />

مؤسسي هذا التنظيم في السرية<br />

في منطقة ساكس،‏ متمتعين<br />

برعاية ودعم شبكة مهمة من<br />

المناصرين.‏ في أعقاب عملية<br />

سلب أخيرة فاشلة ومقتل رجلين<br />

ينتميان إلى المجموعة،‏ قتلهما<br />

شخص مجهول الهوية أو توفيا<br />

انتحارا يوم 4 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني 2011، أضرمت زشاب<br />

النار في منزلهم المشترك،‏<br />

وأرسلت عددا كبيرا من أشرطة<br />

الفيديو تتضمن اعترافات إلى<br />

وسائل اإلعالم وسلمت نفسها إلى<br />

الشرطة.‏<br />

تم تمديد اعتماد منطق إبعاد<br />

التهمة عن أوساط النازية الجديدة<br />

الذي كان سائدا قبل 2011 إلى<br />

حقبة المحاكمة أمام محكمة<br />

ميونيخ وعلى مستوى الحكم الذي<br />

أصدرته.‏ في أعقاب المحاكمة،‏<br />

والتي شارك فيها خالل الفترة بين<br />

ماي ‏/أيار‎2013‎ و<strong>جويلية</strong>/تموز<br />

450 2018، شاهدا و‎56‎ خبيرا،‏<br />

وتطلب ملفها تدوين 600 ألف<br />

صفحة مع كلفة راوحت بين 30<br />

و‎37‎ مليون يورو،‏ تم تأكيد إدانة<br />

زشاب بالسجن المؤبد،‏ غير أن<br />

شركاءها األربعة لم ينالوا،‏ تحت<br />

تصفيق زهاء 12 من ناشطي<br />

النازية الجديدة الحاضرين يوم<br />

المداولة،‏ سوى أحكام تراوحت<br />

بين عامين ونصف وعشر<br />

سنوات سجنا.‏ لقد تم إطالق<br />

سراحهم جميعا،‏ بالنظر لمدة<br />

إيقافهم التحفظي.‏<br />

تحقيق معرقل<br />

إذا كانت هذه األحكام<br />

المخففة تقف على طرف نقيض<br />

من قسوة العدالة على بعض<br />

المتظاهرين ضد قمة العشرين<br />

الكبار )G20( في <strong>جويلية</strong>/تموز<br />

2017 بهامبورغ والذين وصلت<br />

األحكام في خصوصهم إلى حد<br />

39 شهر سجن نافذة،‏ يُطرح<br />

المشكل على صعيد آخر:‏ لم<br />

تبدد المحاكمة االنطباع السائد<br />

بوجود ‏»حالة عمى تصل حد<br />

تواطؤ المؤسسات العمومية<br />

المكلفة باألمن والحماية«‏ مع<br />

حركة النازيين الجدد،‏ وفق تقدير<br />

الكاتب رالف جيوردانو)‏‎4‎‏(.‏ في<br />

تلخيصه لطريقة تعاطي السلطات<br />

مع المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية ،)NSU( أشار تقرير<br />

لجنة التحقيق التابعة للجمعية<br />

البرلمانية بتورينغ إلى ما وصفه<br />

ب ‏»كارثة معممة التي تخول<br />

الحديث عن شكوك في وجود<br />

عمليات تخريب مقصودة)‏‎5‎‏(«.‏<br />

كما لو أن ذلك يؤشر على وجود<br />

تسامح مؤسساتي في ألمانيا إزاء<br />

إجرام اليمين المتطرف،‏ في<br />

حين أن االعتداءات العنصرية<br />

والمعادية للسامية قد سجلت سنة<br />

2018 ارتفاعا بنسبة تقارب %20<br />

مقارنة بسنة 2017، بعد أن بلغت<br />

أرقاما جد مرتفعة خالل السنوات<br />

السابقة)‏‎6‎‏(.‏<br />

طوال مدة المحاكمة،‏ حرص<br />

القضاة على حصر النقاشات في<br />

المتهمين الخمسة دونما سعي إلى<br />

توسيع اإلشكالية لتشمل الظرفية<br />

العامة،‏ وهي تقنية إفراد معمول<br />

بها في القضايا الجنائية التي<br />

يكون مصدرها أو لها انعكاسات<br />

اجتماعية وسياسية.‏ لم تؤخذ البتة<br />

بعين االعتبار التحقيقات المستقلة<br />

التي تؤكد على أن المؤسسين<br />

الثالثة لمنظمة ‏»آن آس أو<br />

»NSU وشركاؤهم األربعة،‏ لم<br />

يكن بمقدورهم لوحدهم ارتكاب<br />

الجرائم المتعددة المنسوبة إليهم<br />

في كامل ألمانيا،‏ والبقاء في<br />

وضعية السرية لمدة تقارب<br />

14 عاما)‏‎7‎‏(.‏ التزمت زشاب<br />

الصمت أغلب الوقت ورفضت<br />

التعاون.‏ غير أن إثنين من صغار<br />

معاونيها،‏ واللذين لم يعبرا عن<br />

أي شعور بالندم على أفعالهم،‏ بل<br />

أعلنا تمسكهما بتوجهاتهم القومية<br />

االشتراكية،‏ ينظر إليهما رفاقهما<br />

اليوم كأبطال.‏<br />

هناك أيضا التناقضات التي<br />

حفت بالتحقيق.‏ يوم 6 أفريل/‏<br />

نيسان 2016 في كاسل،‏ تم<br />

قتل هاليت يوزغات في مقهى<br />

األنترنيت التي تديرها عائلته.‏<br />

كان هناك حريف على عين<br />

المكان وهو أندرياس تام بصدد<br />

تصفح موقع تعارف.‏ كانت مالمح<br />

شخصيته تبعث على الريبة:‏<br />

فهذا الشخص الذي كانت تطلق<br />

عليه في شبابه تسمية ‏»أدولف<br />

الصغير«‏ ‏)وهي تسمية يصرح<br />

بأنه ال يفهم معناها،‏ رغم كونه قد<br />

1( ‏»أثر طريقة ريد:‏ اعترافات قسرية ومؤسسات<br />

عنصرية«،‏ الحقوق المدنية والشرطة،‏ العدد 115،<br />

برلين،‏ أفريل/نيسان 2018، www.cilip.de<br />

2( صحيفة ‏»دير شبيغل«‏ هامبورغ،‏ 21 فيفري/‏<br />

شباط 2011، حول لفظة döner« ،»meurtres<br />

4 <strong>جويلية</strong>/تموز .2012<br />

3( ‏»دي زايت أونالين«،‏ 4 فيفري/شباط 2014<br />

www.zeit.de<br />

4( خطاب تسلم جائزة بارتيني،‏ يوم 27 جانفي/‏<br />

كانون الثاني 2014 بهامبورغ،‏<br />

https://bertini-preis.hamburg.de<br />

5( تقرير لجنة التحقيق للمجلس البرلماني<br />

بتورينغ ‏»إرهاب اليمين وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ 16 <strong>جويلية</strong>/تموز 2014 ‏)باللغة<br />

األلمانية(،‏ www.thueringer-landtag.de<br />

6( الجريمة ذات الدوافع السياسية في سنة 2018،<br />

وزارة الداخلية،‏ برلين،‏ 14 ماي/أيار <strong>2019</strong>،<br />

www.bmi.bund.de<br />

7( ستيفان أوست وديرك البس،‏ ‏»حماية الوطن.‏<br />

الدولة وسلسلة القتل من »NSU بانتيون،‏ ميونيخ،‏<br />

.2014<br />

Massimo Perinelli et Christopher Pollmann<br />

جميع الحقوق محفوظة


17 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

في المياه العكرة<br />

النازية الجديدة<br />

نسخ بيده كتاب ‏»قصة كفاحي«‏<br />

الذي ألفه هتلر،‏ عندما كان<br />

مراهقا()‏‎8‎‏(‏ هو المشرف على<br />

مصلحة االستعالمات الداخلية<br />

‏)فارفاسونغسشوتز،‏ ديوان<br />

حماية الدستور(‏ في مقاطعة<br />

‏»هاس«،‏ حيث يتولى التعامل<br />

مع المخبرين الذين يفترض أنهم<br />

مكلفون بمراقبة النازيين الجدد.‏<br />

خالل فترة التحقيق في أفريل/‏<br />

نيسان 2006، لم يستجب ‏»تام«‏<br />

للدعوة التي وجهتها له الشرطة<br />

لتقديم شهادته،‏ مثلما سعى على<br />

عملية االستنطاق األولى إلى<br />

إنكار وجوده في المكان عند<br />

ارتكاب الجريمة.‏ رغم أن مقارنة<br />

معطيات الربط باالنترنيت<br />

والشهادة المرئية لحريف آخر<br />

حضر الحادثة تؤكد العكس.‏<br />

رغم أنه يتقن،‏ وفق اعترافاته،‏<br />

استخدام األسلحة،‏ أكد الحقا أنه<br />

لم يسمع طلقتي المسدس الذي<br />

كان مجهزا بكاتم صوت،‏ ولم<br />

يشتم رائحة البارود،‏ ولم يالحظ<br />

عند مغادرته المكان الجثة التي<br />

كانت تسبح في بركة من الدماء<br />

وراء مكتب االستقبال وباب<br />

الخروج)‏‎9‎‏(.‏ إذا كان القضاة قد<br />

وصفوا هذه التصريحات والشاهد<br />

نفسه بأنه ذو مصداقية،‏ فإن معهد<br />

‏»فورانسيك للهندسة المعمارية«‏<br />

اللندني المرموق،‏ الذي كلفته<br />

عائلة يوزغات وداعموها بإجراء<br />

اختبار مضاد،‏ قد برهن على أن<br />

‏»تام«‏ يجب أن يكون قد أدرك<br />

عملية القتل على مستويات السمع<br />

والشم والبصر.‏<br />

تؤشر هذه الحالة على<br />

مناطق الظل التي أحاطت بعمل<br />

الدواوين اإلقليمية والفيدرالية<br />

لحماية الدستور وأعوانها<br />

ومخبريها الثالثين المكلفين<br />

بمراقبة ثالثي المنظمة السرية<br />

للقومية االشتراكية)‏‎10‎‏(.‏ لقد<br />

اشتكى عدد من رجال الشرطة<br />

يقظي الضمير وبصورة مبكرة<br />

من هذه الوضعية:‏ طيلة عام<br />

2001، سجل المحافظ زفان<br />

ووندرليش وانتقد مرات عدة،‏<br />

شفويا وكتابيا،‏ العراقيل التي<br />

وضعها ديوان حماية الدستور<br />

بمقطاعة توزينغ،‏ ما حال دون<br />

القبض على الهاربين الثالثة)‏‎11‎‏(.‏<br />

رغما عن ذلك وخالل محاكمة<br />

ميونيخ،‏ رفض القضاة النظر<br />

في أي من القرائن أو البراهين<br />

التي تتصل بتورط مختلف<br />

معاوني ديوان حماية الدستور<br />

في جرائم المنظمة السرية<br />

القومية االشتراكية .)NSU( بعد<br />

اعترافات زشاب في نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 2011، تعرضت<br />

غالبية تقارير الديوان المتعلقة<br />

بالمنظمة إما إلى اإلتالف أو إلى<br />

تصنيفها سرية لفترة 120 عاما.‏<br />

هكذا،‏ تم استبعاد الملف الخاص<br />

بتام من الخضوع للتحقيقات<br />

البرلمانية أو التحقيق الجنائي<br />

إلى حدود عام 2137 إضافة إلى<br />

ذلك حضر عدد كبير من معاوني<br />

مصالح االستخبارات إلى جلسات<br />

االستماع تحت أسماء مستعارة<br />

ومارسوا الكذب بصورة قصدية.‏<br />

‏»ال يجب أن نكشف أسرار دولة<br />

يمكن أن تلحق الضرر بالعمل<br />

الحكومي«،‏ ذلك هو التبرير<br />

المسبق الذي قدمه المسؤول<br />

الفيدرالي عن مجمل مصالح<br />

االستخبارات واألمن الداخلي<br />

كاتب الدولة كالوس دييتر فريتشا<br />

يوم 19 أكتوبر/تشرين األول<br />

2012، أمام اللجنة البرلمانية<br />

الفيدرالية األولى)‏‎12‎‏(.‏<br />

تم االستماع إلى هانس<br />

جواكيم فونكي،‏ االستاذ الفخري<br />

للعلوم السياسية بجامعة برلين<br />

الحرة والمختص في المنظمة<br />

السرية القومية االشتراكية من<br />

قبل عديد اللجان البرلمانية.‏<br />

تبرهن أبحاث فونكي على أنه<br />

في أعقاب زوال جمهورية ألمانيا<br />

الديمقراطية،‏ أسهم ‏»ديوان حماية<br />

الدستور«‏ ‏)فارفاسوغسشوتز<br />

)Verfassungsschutz بشكل<br />

كبير في بعث شبكات من النازيين<br />

الجدد في المقاطعات الجديدة:‏<br />

العديد من مسؤولي وأعضاء هذه<br />

الحركة تم تمكينهم من مكافآت<br />

مالية للعمل كمخبرين لدى<br />

الوكاالت االستخباراتية وإعفاؤهم<br />

من التحقيقات الجنائية)‏‎13‎‏(.‏ ما تم<br />

الكشف عنه مؤخرا من وجود<br />

شبكة من الضباط ورجال الشرطة<br />

وأعوان المخابرات والقضاة<br />

وغيرهم من الموظفين تجمع<br />

بينهم تخيالت وأوهام متصلة<br />

بتنفيذ انقالب وإعدام معارضين<br />

من اليسار،‏ يقيم الدليل على أن<br />

الداء ينخر الجسد بعمق)‏‎14‎‏(.‏<br />

في مواجهة االتهامات<br />

الكاذبة للشرطة ووسائل اإلعالم<br />

وإزاء عمليات اإلنكار المتعددة<br />

واإلخالالت المتراكمة للتحقيقات<br />

الرسمية،‏ عملت عائالت الضحايا<br />

ومساندوها على التنظم.‏ بعد<br />

مقتل كل من محمد كوبازيك في<br />

دورتموند وهاليت يوزغات في<br />

كاسل في أفريل/نيسان 2006،<br />

قام أفراد عائلتيهما ومساندوهم<br />

بمسيرتين في المدينيتن جمعتا<br />

آالف األشخاص.‏ إرساء شبكة<br />

مهمة للمالحظة والتحليل النقدي،‏<br />

وإنجاز أعمال ثقافية وفنية،‏<br />

وتأمين تعبئة سياسية وقانونية،‏<br />

السيما بعد انطالق المحاكمة<br />

الجنائية للمنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية )NSU( سنة 2013.<br />

قامت مجموعة ‏»آن آس أو<br />

واتش«‏ )NSU-Watch(<br />

بفروعها السبعة الجهوية<br />

والمحورية،‏ بجهود في تدقيق<br />

وتمحيص األعمال التحقيقية<br />

للجان البرلمانية الثالثة عشر<br />

ولحصيلة األيام ال 438 التي<br />

استغرقتها محاكمة ميونيخ)‏‎15‎‏(.‏<br />

ووصلت هذه التعبئة أوجها<br />

في ماي/أيار 2017 مع تنظيم<br />

تجمع ضم 3 آالف شخص في<br />

كولونيا.‏ تولت هيئة المحاكمة<br />

الشعبية التي أطلقت شعار ‏»حل<br />

شبكات المنظمة السرية القومية<br />

االشتراكية:‏ نحن نتهم«)‏‎16‎‏(‏<br />

تجميع الشخصيات وأعضاء<br />

االئتالفات النقدية لسير التحقيق<br />

على مدى خمسة أيام بحضور عدد<br />

كبير من المحامين عن القائمين<br />

بالحق المدني.‏ من منطلق كونهم<br />

يعتبرون أنه ال قضاة ميونيخ،‏ وال<br />

اللجان البرلمانية ستقوم بكشف<br />

الحقيقة وال في إعمال العدالة،‏<br />

تولى المشاركون تحرير لوائح<br />

اتهام ضد زهاء مائة شخص:‏ ال<br />

فقط النازيين الجدد وعدد آخر<br />

من األشخاص المورطين في<br />

التخطيط للجرائم وتنفيذها،‏ وإنما<br />

أيضا عدد من رجال الشرطة<br />

ومن وكالء النيابة والصحفيين<br />

والسياسيين،‏ الذين عملوا خالل<br />

الفترة بين 1999 و‎2011‎‏،‏ على<br />

خداع عائالت الضحايا وأسهموا<br />

في تبرئة أوساط اليمين المتطرف.‏<br />

يوم إعالن الحكم،‏ تجمع<br />

5 آالف شخص بميونيخ وأكثر<br />

من 7 آالف شخص في 12 مدينة<br />

ألمانية أخرى للمطالبة بتحقيق<br />

رسمي حول أوجه التواطؤ داخل<br />

المؤسسات في عالقة بالجريمة<br />

العنصرية.‏ كما اطلعوا على<br />

تصريح إسماعيل يوزغات:‏<br />

‏»نحن ال نعترف بهذا الحكم«.‏<br />

على أية حال،‏ القضية لم تدرك<br />

بعد نهايتها.‏ من ناحية،‏ قررت<br />

كل من زشاب وشركاؤها ووكيل<br />

الجمهورية الفيدرالي،‏ وألسباب<br />

مختلفة،‏ تعقيب الحكم أمام المحكمة<br />

الفيدرالية بكارلسروه.‏ قطعا،‏ لن<br />

تصدر هذه المحكمة قرارها قبل<br />

عدة سنوات...‏ تولت من ناحية<br />

أخرى،‏ ثالث من عائالت الضحايا<br />

رفع قضية بعنوان مسؤولية<br />

الدولة من أجل االتهامات الكاذبة<br />

وإخالالت التحقيق على مستوى<br />

المحكمة اإلبتدائية بنورمبارغ،‏<br />

مطالبة بتعويضات.‏<br />

رغم كونها قد حظيت بتغطية<br />

إعالمية واسعة،‏ ليس في محاكمة<br />

ميونيخ أصال أي شيء استثنائي.‏<br />

ذلك أنها اضطلعت فحسب بالدور<br />

الموكول لهيئات التتبع الحنائي:‏<br />

اإلفراد ونزع الطابع السياسي<br />

عن المشاكل االجتماعية وذلك<br />

من خالل التركيز على ظواهر<br />

االنحراف واإلجرام والمسؤولية<br />

الجزائية الفردية.‏<br />

8( ‏»دي والت«،‏ برلين،‏ 6 جوان/حزيران<br />

www.welt.de ،2016<br />

9( لوتز بوكليتش،‏ ‏»كاسل:‏ اغتيال هاليت<br />

يوزغات.‏ العالم األسطوري أندياس تيمي«،‏ 22<br />

جوان/حزيران 2014،<br />

،https://hajofunke.wordpress.com وكذلك<br />

‏»دي والت«،‏ 1 مارس/آذار 2015،<br />

www.welt.de<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

10( هانس يواكيم فونكي،‏ أمن حماية الدستور.‏<br />

عالقة الدولة:‏ الرجل الخامس وما يحتاج أن نتعلم<br />

منه،‏ ‏»في آس أ«‏ ،VSA هامبورغ،‏ 2017.<br />

11( ‏»إرهاب اليميني وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ مصدر سبق ذكره.‏<br />

12( هانس جواكيم فونكي،‏<br />

https://hajofunke.wordpress.com<br />

13( ‏»إرهاب اليميني وأنشطة اإلدارات<br />

العمومية«،‏ مصدر تم ذكره سابقا،‏ وكذلك هانس<br />

يواكيم فونكي،‏ مجازفة أمنية،‏ مصدر تم ذكره<br />

سابقا.‏<br />

14( ‏»دي تاغسزايتونغ«،‏ برلين،‏ 16 نوفمبر/‏<br />

تشرين الثاني 2018.<br />

15( www.nsu-watch.info ‏)باللغات االلمانية<br />

واإلنقليزية والتركية(‏<br />

16( محكمة ‏»حل مجمع :NSU نحن نشكو«‏<br />

.www.nsu-tribunal.de، وقد تم متابعة تمشي<br />

االتهام هذا من 22 إلى 25 نوفمبر/تشرين الثاني<br />

2018 ب ‏»مانهايم«.‏


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 18 <strong>2019</strong><br />

من بيونس آيريس إلى بوغوتا،‏<br />

جيوسياسية األزمة<br />

ارتكز هجوم واشنطن على الرئيس الفنزويلي نيكوالس مادورو على القادة المحافظين في المنطقة والذين<br />

أصبحوا أغلبية.‏ بفضلهم،‏ أمكن لنزعة التدخل األمريكية أن تتخفى وراء ستار االنشغال االنساني...‏ لكن منهج<br />

إدارة ترامب القاضي بجر األوضاع نحو األقصى أدى إلى إثارة غضب اليمين األمريكي الالتيني المعروف بوداعته.‏<br />

إذا كانت إدارة اوباما قد رحبت بإنشاء تحالف المحيط<br />

الهادئ،‏ فقد بدت متكتّمة حول دورها الخاصّ‏ في تكوينه.‏<br />

أما المحيطون بترامب فقد تبنّوا الموقف المعاكس:‏ إذ لم<br />

يفوّتوا أيّ‏ فرصة لالستشهاد ببالغات مجموعة ليما بهدف<br />

الحثّ‏ على تبنّي إجماع إقليمي حول المسألة الفنزويلية.‏<br />

جهد رافقته وسائل اإلعالم الرئيسية التي يبدو أنها غفلت<br />

عن مسألة االنسجام اإليديولوجي للتحالف.‏<br />

عندما قرّر خوان غوايدو زعيم المعارضة إعالن<br />

نفسه رئيسا مؤقتا بالنيابة خالل شهر جانفي/كانون الثاني<br />

<strong>2019</strong>)2(، سارعت الواليات المتحدة ومجموعة ليما إلى<br />

االعتراف به فورا.‏ كما دعت القوات المسلّحة إلى اإلطاحة<br />

بالرئيس مادورو الذي أعيد انتخابه في االنتخابات المتنازع<br />

عليها والتي جرت في شهر ماي/أيار 2018. أما الدولة<br />

الوحيدة التي نأتْ‏ بنفسها عن الموقف الرسمي للمجموعة<br />

فهي المكسيك التي تولّى فيها اليساري اندراس مانويل<br />

لوباز اوبرادو مقاليد الرئاسة في شهر ديسمبر/كانون<br />

األول 2018. بالتنسيق مع أوروغواي حيث يتولى الحكم<br />

تقدّميون اقترحت مكسيكو ‏»آلية حوار«‏ قصد مساعدة<br />

فنزويال على الخروج من األزمة.‏<br />

الكسندر ماين * Main Alexander<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

قدمت مجموعة ليما دعما حاسما إلدارة ترامب.‏<br />

لكن ورغم اإلجراءات المناسبة التي قدّمها لها حلفاؤها<br />

الجنوبيون في سياق إقليمي لم يكن أكثر مالءمة منذ<br />

نهاية التسعينات،‏ بدت واشنطن عدوانية إلى حدّ‏ نفّر منها<br />

مسانديها تدريجيا.‏ عندما أشار غوايدو إلى إمكانية تدخل<br />

عسكري أجنبي،‏ أدان أعضاء مجموعة ليما بشدّة ‏»كل<br />

تهديد ينطوي على عمل مسلّح في فنزويال«‏ )15 افريل/‏<br />

نيسان <strong>2019</strong>(، كما كرّروا التأكيد على ذات الموقف عندما<br />

بيّن ترامب بدوره أنّ‏ نشر قوّة مسلّحة أمر وارد.‏<br />

لم تكن فنزويال في البداية ضمن المشاغل الرئيسية<br />

للرئيس األمريكي دونالد ترامب.‏ خالل حملته االنتخابية،‏<br />

نادرا ما ذكر اسم هذه الدولة،‏ ولم يُشر مطلقا إلى أنّه يعتزم<br />

التدخل في شؤونها.‏<br />

مع ربيع سنة 2017، تغيّر كل شيء على إثر سلسلة<br />

من االجتماعات بين ترامب ومنافسه السابق في االنتخابات<br />

األولية للحزب الجمهوري ماركو روبيو سيناتور فلوريدا،‏<br />

وهو من أصل كوبي.‏ بحكم قربه من المانحين والناخبين<br />

المعادين لكلّ‏ من هافانا وكركاس والمقيمين في ميامي،‏<br />

يبدو أن روبيو قد نجح في إقناع محدّثه بالفائدة االنتخابية<br />

من انتهاج خطّ‏ متشدّد في ما يتّصل بفنزويال:‏ ذلك أن<br />

التوصّ‏ ل إلى تحقيق تغيير النظام يضمن في رأيه الفوز<br />

بأصوات الناخبين في هذه الوالية المفتاح خالل االنتخابات<br />

الرئاسية المقبلة.‏<br />

أعلن الرئيس ترامب آنذاك عن اعتزامه التراجع<br />

عن سياسة التطبيع تجاه كوبا التي شرع فيها سلَفه<br />

باراك أوباما.‏ أما بالنسبة إلى فنزويال،‏ فقد ذكر بأن<br />

‏»الحلّ‏ العسكري«‏ مازال على الطاولة،‏ وذلك قبل فرض<br />

مجموعة من العقوبات المدمّرة على كركاس.آنذاك حدث<br />

ما ال يمكن تصوره قبل عشر سنوات حيث انضمّت أهم<br />

عواصم المنطقة إلى جهود واشنطن لإلطاحة بحكومة<br />

الرئيس نيكوالس مادورو.‏<br />

حركية الكتل<br />

لقد تغيّرت أميركا الالتينية.‏ عندما تسلم أوباما السلطة<br />

خالل شهر جانفي/كانون الثاني 2009، كانت معظم بلدان<br />

أمريكا الالتينية ومنطقة الكاراييب تحت حكم اليسار.‏ كان<br />

القادة السياسيون فيها يدافعون عن استقالل المنطقة على<br />

* مدير السياسة الدولية في مركز البحوث االقتصادية والسياسية،‏ واشنطن.‏<br />

الرغم من الجهود التي كانت تبذلها اإلدارات الجمهورية<br />

السابقة من أجل عرقلة نموّ‏ ‏»الموجة الحمراء«‏ التي<br />

اجتاحت شبه القارّة مع مطلع القرن الواحد والعشرين.‏<br />

في الوقت الذي كان فيه أول رئيس أسود للواليات<br />

المتحدة األمريكية يستعد لمغادرة الحكم في ختام واليته<br />

الثانية،‏ تحوّلت أمريكا الالتينية إلى حكم اليمين.‏ شهدت<br />

منظمات هامة للتكامل اإلقليمي بعثها اليسار حالةً‏ من الشلل،‏<br />

وأصبح يتهدّدها االنهيار،‏ مثل اتحاد دول أمريكا الجنوبية<br />

‏)اوناسور(‏ ومجموعة دول أمريكا الالتينية والكاراييب<br />

‏)سيالك(.‏ ظهرت كتلة جديدة تدعمها واشنطن تسمّى<br />

‏»حلف المحيط الهادئ«‏ ‏)وتتكوّن من الشيلي وكولومبيا<br />

والمكسيك والبيرو(،‏ وهي دول وقّعت على اتفاقية تبادل<br />

حرّ‏ مع الواليات المتحدة.‏ هذا التكتل الجديد الذي ال يُخفي<br />

عداءه التحاد دول أمريكا الالتينية وكاراكاس وكوبا جاء<br />

ليجمع بقايا الرّ‏ اية النيولبرالية،‏ ويشجّ‏ ع على اتّباع نفس<br />

السياسات التي أدّت إلى عقدين من الركود االقتصادي<br />

وتفاقم التفاوت خالل سنوات 1990-1980.<br />

لقد بدا أن اقتران الكواكب مناسب جدا لواشنطن حتى<br />

تطلق حملتها ضد فنزويال.‏ خالل شهر <strong>أوت</strong>/آب 2017،<br />

اجتمع في البيرو ممثلو حواليْ‏ اثنى عشر دولة من أمريكا<br />

الالتينية يقود أغلبها حكومات يمينيّة)‏‎1‎‏(‏ إضافة إلى كندا<br />

ووقّعوا على إعالن ليما الذي يدين ‏»القطع مع النظام<br />

الديمقراطي«‏ وانتهاكات حقوق اإلنسان في فنزويال.‏<br />

التزاما منها بعزل حكومة مادورو اجتمعت مجموعة ليما<br />

إثر ذلك عدّة مرّ‏ ات من أجل النظر في نقطة وحيدة في<br />

جداول أعمالها وهي فنزويال.‏ أمّا التهديدات التي تتعرض<br />

لها الديمقراطية وحقوق اإلنسان في الهندوراس وفي<br />

كولومبيا ‏)وهما دولتان عضوان في المجموعة(‏ فال تثير<br />

انشغال المجموعة بالقدر الكافي.‏<br />

على الرغم من أن الواليات المتحدة األمريكية غير<br />

منتمية إلى مجموعة ليما بصفة رسميّة،‏ واظب ممثلون<br />

أمريكيون رفيعو المستوى على حضور كل االجتماعات.‏<br />

‏»على الموجة ذاتها«‏<br />

في الوقت الذي يبدو فيه الوضع في كاراكاس على<br />

حاله،‏ راحت مجموعة ليما تؤيّد فكرة الحل السلمي<br />

التفاوضي،‏ وهو المخرج الذي ترفضه الواليات المتحدة<br />

متشبّثةً‏ بمشروعها القاضي بتغيير النظام.‏ أدّى فشل<br />

االنتفاضة الشعبية التي حاول غوايدو إطالقها يوم 30<br />

افريل/نيسان بالمجموعة إلى االستنجاد بدعم كوبا في<br />

المفاوضات.‏ لكن الفكرة جعلت فِرَ‏ ق ترامب تنتفض،‏ ومن<br />

ضمنها ايليوت أبرامز الذي دافع عن فرق الموت في<br />

أمريكا الوسطى خالل الثمانينات وكذِب على الكونغرس،‏<br />

رغم قَسَ‏ مِهِ،‏ حول مسألة تورّطه في فضيحة إيران)‏‎3‎‏(.‏<br />

يدافع ابرامز عن فكرة أن الهافانا قد ركّزت آالف<br />

الجنود وأعوان المخابرات في فنزويال بشكل يضمن الدعم<br />

لمادورو.‏ تشير وكاالت االستعالمات األمريكية إلى أنه<br />

ال وجود ألي دليل ملموس يدعم هذا الطّ‏ رح ولكن ال<br />

يهمّ:‏ عندما اتصل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو<br />

بالسلطات الكوبية باسم مجموعة ليما،‏ تلقّى مكالمة<br />

غاضبة من مايكل بنس نائب الرئيس األمريكي الذي كان<br />

حريصا كل الحرص على تنبيهه إلى « التأثير المضرّ‏ »<br />

لكوبا في كاراكاس)‏‎4‎‏(.‏<br />

1( خاصة األرجنتين،‏ البرازيل،‏ الشيلي،‏ كولومبيا ، باراغواي،‏ البيرو.‏<br />

2( جوليا بكستن ‏»المعارضة في فنزويال إلى أين«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ مارس/‏<br />

آذار <strong>2019</strong>.<br />

3( ايريك التيرمان:‏ ‏»عودة كاتب الدولة للحروب القذرة«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏<br />

مارس/آذار <strong>2019</strong>.<br />

4( ‏»بنس يدعو كندا إلى بذل مزيد من الجهد من أجل صرف كوبا عن األزمة<br />

الفنزويلية«‏ رويترز،‏ 30 ماي/أيار <strong>2019</strong>.


19 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

المحافظون في وضع هجومي<br />

الفنزويلية<br />

في الوقت الذي ترفض فيه مجموعة ليما تطبيق العقوبات<br />

االقتصادية التي تطالب بها واشنطن على فنزويال بدأت الشقوق<br />

تتعمّق.‏ ذلك أن حتى أكثر المحافظين األمريكيين الالتينيين<br />

أصبحوا منزعجين من سياسة التدخل التي تحرص عليها إدارة<br />

ترامب.‏ لكن جون بولتون مستشار األمن القومي ال يحرص على<br />

تبديد مخاوفهم عندما يروّج لمزايا مذهب مونرو ‏)رؤية للعالم<br />

مرّ‏ عليها قرنان من الزمان تبرّ‏ ر االمبريالية األمريكية في بلدان<br />

أمريكا(،‏ أو عندما يشرح على قناة فوكس بزنس أن احتياطات<br />

النفط الفنزويلية تشكل أحد الدوافع األمريكية الرئيسية ألنّ‏ ‏»ذلك<br />

سيغيّر أمورا كثيرة بالنسبة إلى الواليات المتحدة األمريكية على<br />

المستوى االقتصادي إذا استطاعت الشركات األمريكية استغالل<br />

موارد البالد«‏ )24 جانفي/كانون الثاني <strong>2019</strong>.<br />

هذه االختالفات الجيوسياسية تتمازج أحيانا مع اختالفات<br />

أخرى ذات صبغة اقتصاديّة.‏ عند وصولهم إلى الحكم،‏ عبّر<br />

بعضٌ‏ القادة الجدد من المحافظين في أمريكا الالتينية عن رغبتهم<br />

الشديدة في توقيع اتفاقيات للتبادل الحرّ‏ مع الواليات المتحدة.‏<br />

مثّل وصول جمهوري صاحب ميول مركنتيلية)‏‎5‎‏(‏ إلى البيت<br />

األبيض خيبة أمل بالنسبة إليهم.‏ سرعان ما اختفت مسألة التبادل<br />

الحرّ‏ من جدول أعمال االجتماعات الثنائيّة.‏<br />

بالنهاية ال تهتمّ‏ إدارة ترامب كثيرا بالحلفاء الذين تشعر<br />

بأنها ليست مطالبة باستلطافهم.‏ لقد ألغى الرئيس األمريكي<br />

عدة رحالت إلى المنطقة منها اثنتان إلى كولومبيا،‏ وإلى القمّة<br />

الثامنة لألمريكيتين التي عقدت في البيرو،‏ حتى وإن كان برنامج<br />

اللقاء ‏“كيفية التخلّص من مادورو”‏ يبدو أنه صمّم خصّ‏ يصا<br />

من أجل إغواء وزارة الخارجية.‏ إلى ساعة كتابة هذه السطور،‏<br />

كانت الرحلة الوحيدة للرئيس األمريكي ألمريكا الجنوبية هي<br />

تلك الرحلة التي حملته إلى حضور قمّة العشرين الكبار التي<br />

احتضنتها بيونس ايرس خال شهر ديسمبر/كانون األول 2018.<br />

ثم إن الرئيس عندما يتعامل مع حلفائه ال يخصّ‏ هم بالمالطفة<br />

أكثر ممّا يخص به أعداءه.‏ الرئيس الكولمبي ‏»ايفا ندوك«‏ الذي<br />

يجسّ‏ د اليمين المتصلّب في بالده ‏»لم يفعل شيئا«‏ لتجفيف صناعة<br />

الكوكايين كما جاء على لسان ترامب يوم 29 مارس/آذار،‏ وهو<br />

تصريح أثار الفزع في صفوف أبرز الوجوه الدبلوماسية األمريكية<br />

التي تعتبر كولومبيا حليفا سياسيا وعسكريا من الدرجة األولى)‏‎6‎‏(.‏<br />

سعى المقرّ‏ بون من ترامب إلى التخفيف من هذه التوترات،‏<br />

ولم يتردّدوا في التنقل على عين المكان عند االقتضاء.‏ زار<br />

‏“بنس”‏ المنطقة خمس مرّ‏ ات،‏ ومن جهته حلّ‏ بومبيو بكولومبيا<br />

والمكسيك بوصفة مديرا لوكالة االستخبارات المركزيّة قبل أن<br />

يؤدّي ستّ‏ زيارات أخرى للمنطقة خالل السنة األولى من عمله<br />

كوزير للخارجيّة.‏ طاف بولتون أيضا المنطقة ونزل خاصة<br />

بالبرازيل ليحيّي فيها ‏»شريكا نحن و إياه على نفس الموجة«‏ في<br />

شخص الرئيس اليميني المتطرّ‏ ف جايير بلسونارو)‏‎7‎‏(.‏<br />

لكن هل تكفي معارضة اليسار للسياسات االقتصاديّة<br />

واالجتماعية والجيوسياسية لتكوّن برنامجا؟ األمر المفارق<br />

هو انه يبدو أن األزمة الفنزويلية تتيح التماسك الوحيد لتحالف<br />

المحافظين على ضفّتيْ‏ ‏»ريو برافو«.‏ فما مصير هذا االتحاد<br />

إذا تمّت ذات يوم تسوية المسألة الفنزويليّة؟<br />

5( آالن بيهر ‏»حكاية أخرى للنزعة التجارية«،‏ <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،‏ ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

6( ‏»كيف يفسد ترامب عالقاته بأفضل أصدقاء واشنطن في أمريكا الالتينية«،‏ 11<br />

افريل/نيسان ،<strong>2019</strong> com www.worldpoliticsreview.<br />

7( ‏»بولتن يشيد ببولصنارو البرازيل كحليف«‏ ‏“التفكير المماثل”،‏ 11 نوفمبر/تشرين<br />

الثاني .2018 www.politico.com<br />

8( علمنا خالل شهر ماي/أيار 2018 أن ممثلين لحكومة مادورو والمعارضة<br />

الفنزويلية موجودون في أوسلو إلجراء مفاوضات تتوسّ‏ ط فيها الحكومة النرويجيّة.‏<br />

وهي أول مفاوضات رفيعة المستوى منذ نهاية سنة 2017.<br />

Edition arabe<br />

الطبعة العربية<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

Société Nouvelles Presses<br />

47, rue Lac Léman Les Berges du Lac 1 - 1053 Tunis.<br />

Tél. : (00216) 71 160 900<br />

Fax : (00216) 71 963 855<br />

Courriel :<br />

Président Fondateur : Alain Bittar<br />

Directeur de la Publication : Riad Ben Fadhel<br />

Directrice exécutive : Lamia Trabelsi<br />

Réalisation : Zouhair Ben Driss<br />

Impression :<br />

Imprimerie Internationale - Tunis<br />

Rue de Sanhaja - Sanhaja - Mannouba - Tunisie<br />

Dépôt légal N° 65298<br />

Il est strictement interdit de reproduire<br />

tout article du journal sauf accord préalable.<br />

abonnement@editionarabediplo.com<br />

إال أن مثل هذه الجهود تبقى في النهاية قليلة:‏ اإلستخفاف<br />

الذي يعبّر عنه ترامب إزاء أمريكا الالتينية يعقّد التموقع<br />

الجيوسياسي لزعماء محافظين غير قادرين على وضع رؤية<br />

للعالم غير قائمة على قيادة أمريكية يسعون إلى اإلسهام فيها...‏<br />

على أمل جنْي بعض الفوائد من وراء ذلك.‏<br />

في هذا الصدد،‏ ال يوجد مثال أفضل من النتائج الهزيلة<br />

التي حصلت عليها المنظمات اإلقليمية التي أنشأها اليمين.‏ خالل<br />

ثمانية أعوام من وجوده،‏ لم يتوصل تحالف المحيط الهادئ إال<br />

إلى دمج األسواق المالية ألعضائه،‏ دون أن تساعد هذه العمليّة<br />

على تحفيز اقتصادياتها.‏ أما أهم كتلة محافظة،‏ وهي مجموعة<br />

ليما،‏ فهي بندقية ذات طلقة واحدة جرى تصميمُها في سياق<br />

األزمة الفنزويلية.‏ كونها عالقة بين دعمها لمنطق تغيير النظام<br />

وبين الحلّ‏ األقصى كما تريده واشنطن،‏ ظل إعالن ليما خارج<br />

الجهود الواعدة من أجل التوصّ‏ ل إلى حلّ‏ عن طريق التفاوض<br />

‏)مثل حلول النرويج()‏‎8‎‏(.‏ أمّا أحدث منظمة فتحمل اسم ‏»منتدى<br />

التقدم والتنمية في أمريكا الجنوبية«)بروسور(،‏ التي تأسست<br />

خالل شهر مارس/آذار <strong>2019</strong> من طرف األرجنتين والبرازيل<br />

واالكوادور وغويانا والباراغواي والبيرو-‏ وهي كلّها بلدان ذات<br />

حكومات يمينيّة - وهو هيكل أنشأ خدمة لهدف رئيسي يتمثّل في<br />

النّيل من مصداقيّة اتّحاد دول أمريكا الجنوبية ‏)اوناسور(.‏<br />

شركة الصحافة الجديدة<br />

47، شارع بحيرة ليمان ضفاف البحيرة 1053 1 تونس.‏<br />

الهاتف:‏ )00216( 71 160 900<br />

الفاكس:‏ )00216( 71 963 855<br />

البريد االلكتروني:‏<br />

الرئيس المؤسس:‏ آالن بيطار<br />

مدير الدورية:‏ رياض بن فضل<br />

المديرة التنفيذية:‏ لمياء الطرابلسي<br />

تصميم و إخراج:‏ زهير بن دريس<br />

طباعة:‏<br />

المطبعة العالمية - تونس نهج صنهاجة<br />

صنهاجة - منوبة تونس<br />

اإليداع القانوني عدد 65298<br />

يمنع نشر أي من مقاالت ال<strong>جريدة</strong> بدون موافقة مسبقة.‏


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 20 <strong>2019</strong><br />

هويّة،‏ أمن،‏ الوصفات الرابحة<br />

في الهند،‏ كيف يمكن الفوز<br />

عقب فوزه في االنتخابات سنة 2014، وجه رئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي<br />

الدعوة لنظيره الباكستاني لحضور موكب أداء القسم ما أوحى بأمل فتح مفاوضات سالم<br />

بين البلدين.‏ بعد ذلك بخمس سنوات،‏ أقصاه من موكب التنصيب.‏ خالل حملته االنتخابية<br />

التشريعية،‏ ركز مودي على الخوف من العدو التقليدي إلى جانب القومية الهندوسية.‏<br />

سياسة تمييزية صريحة إزاء<br />

األقليات المسلمة والمسيحية.‏ حصيلة<br />

اقتصادية واجتماعية أكثر من مخيبة<br />

لآلمال.‏ لم تكن الظرفية مالئمة البتة...‏<br />

رغم ذلك،‏ تم مؤخرا إعادة انتخاب<br />

رئيس الحكومة،‏ ذي النزعة القومية<br />

الهندوسية لعهدة جديدة بأغلبية مريحة.‏<br />

خالل االنتخابات التشريعية التي دعي<br />

إليها 900 مليون ناخب ‏)أكثر من عشر<br />

سكان العالم(،‏ حصل حزب ناريندرا<br />

مودي ‏»باراتيا جاناتا«‏ ‏)حزب الشعب<br />

الهندي(‏ على 303 مقاعد من جملة<br />

543 مقعدا.‏ هكذا،‏ لم تعد هناك حاجة<br />

لدعم منظمات أخرى للتحالف الحاكم،‏<br />

‏»التحالف الديمقراطي الوطني«.‏ ‏)إقرأ<br />

المؤطر(.‏<br />

ببساطة حرص رئيس الوزراء،‏<br />

على تجنب المواضيع الحساسة.‏ قام<br />

بحملة انتخابية مكنته من تحويل األنظار<br />

عن اقتصاد يجتاز مرحلة تراجع غير<br />

مسبوقة منذ التسعينات:‏ نسبة بطالة هي<br />

األعلى منذ أربعين عاما،‏ أزمة في القطاع<br />

الزراعي،‏ تراجع حجم الصادرات ‏)رغم<br />

تأرجح سعر الروبية(،‏ تباطؤ االستثمار،‏<br />

انهيار االستثمارات األجنبية المباشرة،‏<br />

وتباطؤ نسق االستهالك،‏ إلخ.‏<br />

لئن كانت التنمية االقتصادية سنة<br />

2014 في قلب برنامجه االنتخابي،‏ فقد<br />

ركّز مودي في حملة <strong>2019</strong> على محور<br />

األمن،‏ حيث التزم مثال بطرد المهاجرين<br />

البنغال الذين يقيمون بالبالد بصورة<br />

غير قانونية.‏ لقد استغل باألساس اعتداء<br />

بولواما ‏)إقليم جامو وكشمير(‏ والذي<br />

خلف في فيفري الماضي 40 قتيال في<br />

صفوف الجيش الهندي،‏ وتبنته مجموعة<br />

جهادية مركزها باكستان.‏ أعطى رئيس<br />

الوزراء األوامر لتنفيذ ضربات جوية<br />

على أراضي جارته،‏ وهو ما ردت عليه<br />

إسالم آباد بإسقاط طائرة هندية.‏ عندها،‏<br />

أمكن لمودي أن يطرح نفسه كحام للبالد،‏<br />

مشيدا بالشجاعة الكبيرة التي طبعت<br />

تحركاته.‏ لم يسبق ألي حملة انتخابية<br />

أن سجلت مثل هذه الهيمنة الكبيرة<br />

للخطاب القومي والحربي.‏ إلى حد أن<br />

أكثر من 150 من قدامى المحاربين)‏‎1‎‏(،‏<br />

من بينهم جنراالت وأميراالت سابقون،‏<br />

ترجوا رئيس الوزراء النأي عن تسييس<br />

المؤسسة العسكرية.‏<br />

* مدير البحوث بمركز البحوث الدولية ،)CERI(<br />

الوحدة المختلطة للبحوث في كلية العلوم السياسية<br />

والمركز الوطني للبحوث العلمية .)CNRS(<br />

ألّف بالخصوص ‏»هند مودي:‏ الشعبوية الوطنية<br />

والديمقراطية اإلثنية«‏ و»المتالزمة الباكستانية«،‏ نشر<br />

‏»فايارد«،‏ على التوالي عامي <strong>2019</strong> و‎2013‎‏.‏<br />

في مواجهة مودي،‏ لم يقدر راحول<br />

غاندي،‏ من حزب المؤتمر،‏ والذي<br />

خسر االنتخابات السابقة،‏ على فعل<br />

أي شيء،‏ على الرغم من التكامل الذي<br />

ميّز برنامجه االنتخابي:‏ إقرار دخل<br />

أدنى مضمون لفائدة األشخاص األكثر<br />

فقرا،‏ مع برمجة اجراءات لمكافحة<br />

التلوث،‏ وهي آفة اكتفت الحكومة بإنكار<br />

وجودها)‏‎2‎‏(،‏ مرورا بمقترح إلعادة<br />

النظر في القوانين االستثنائية التي تتيح<br />

للجيش ممارسة القمع في كشمير دونما<br />

مساءلة.‏ كما استعمل نفس وقود المعركة<br />

الذي استخدمه مودي سنة 2014:<br />

التشهير بالفساد وبرأسمالية التواطؤ)‏‎3‎‏(.‏<br />

ألنه ال يريد أن يكون مسؤوال<br />

عن خيباته في هذا المجال،‏ لوح رئيس<br />

الوزراء المتخلي بشبح التهديدات<br />

الخارجية هو محور نجح في فرضه<br />

طيلة فترة الحملة االنتخابية.‏ اعتبارا<br />

للنجاح الذي لقيته هذه المناورة،‏ وصل<br />

األمر بمودي إلى حد رفضه المشاركة<br />

في أي حوار مع منافسين أو عقد أية<br />

ندوة صحفية.‏ لقد اكتفى بإجراء لقاءات<br />

معدة سلفا مع وسائل إعالم تنتمي في<br />

غالبيتها إلى رجال أعمال حريصين<br />

على االحتفاظ بعالقات جيدة مع السلطة.‏<br />

الفاعل الكبير اآلخر في هذا<br />

االقتراع هو المال.‏ شكلت هذه<br />

االنتخابات االقتراع األعلى كلفة<br />

في تاريخ الديمقراطيات،‏ إذ أنفقت<br />

األحزاب زهاء 9 مليارات دوالر،‏ وفق<br />

تقديرات موثوقة)‏‎4‎‏(.‏ بطلب من مفوضية<br />

االنتخابات صادرت الشرطة قدرا<br />

قياسيا من األوراق النقدية في منازل<br />

المترشحين لعضوية البرلمان أو في<br />

مقرات األحزاب.‏ حطم ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«،‏ كل األرقام القياسية)‏‎5‎‏(‏ في<br />

هذا الصعيد.‏ في العام 2016، كانت<br />

حكومة مودي قد نجحت في جعل<br />

البرلمان يصادق على قانون يرخص<br />

للشركات والخواص بدفع هبات مجهولة<br />

المصدر لفائدة األحزاب،‏ وهو ما يعتبر<br />

بمثابة ‏»إضفاء طابع رسمي على<br />

رأسمالية التواطؤ«)‏‎6‎‏(،‏ مثلما استنكر<br />

ذلك الرئيس السابق للمفوضية االنتخابية<br />

شهاب الدين يعقوب قريشي.‏ هذه المبالغ<br />

الضخمة تم استخدامها لشراء أصوات<br />

‏)يمثل تقديم هدايا عشية االقتراع شرطا<br />

ضروريا،‏ أو كافيا،‏ للفوز(،‏ غير أن تلك<br />

المبالغ قد استعملت أيضا وأساسا من<br />

أجل تمويل الدعاية االنتخابية.‏<br />

على الميدان،‏ تتبنى الهند التوجه<br />

العام الذي يحول الشبكات االجتماعية<br />

إلى دعامة رئيسية لالتصال السياسي:‏<br />

لئن كان القادة السياسيون يواصلون<br />

عقد اجتماعات عامة،‏ فإنه ليس هنالك<br />

من نظير واتساب وتويتر وفايسبوك،‏<br />

إلخ،‏ من أجل احتالل الفضاء العام)‏‎7‎‏(.‏<br />

من هنا،‏ أتى تخصيص استثمارات<br />

ضخمة ومكثفة في اليد العاملة متعددة<br />

اللغات من أجل إشاعة ونشر الكلمات<br />

والجمل الجاهزة وفقا لمنهجية التضليل<br />

وما يسمى ‏»ترولينغ«‏ ‏)التصيد عبر<br />

االنترنيت(.‏ هكذا،‏ تم تقديم غاندي من<br />

قبل منافسه على أنه مسلم،‏ ألنه هنالك<br />

صورة يظهر فيها خالل طفولته وهو<br />

يصلي في أحد المساجد ‏)في الحقيقة<br />

يتعلق األمر بحضوره موكب دفن<br />

خان عبد الغفار خان،‏ الزعيم البشتوني<br />

الكبير الذي يعد من تالميذ المهاتما<br />

غاندي(وذلك سنة 1982 في كابول<br />

حينما رافق راهوال والده إلى هناك.‏<br />

أخيرا،‏ هناك جانب آخر ال يقل<br />

أهمية،‏ ويتعلق بأن رئيس الحكومة<br />

وحزبه قد وظفا بشكل مفرط الديانة<br />

الهندوسية.‏ تهجم رئيس حزب الشعب<br />

الهندي،‏ أميت شاه على غاندي ألنه<br />

يترشح إلى االنتخابات في دائرة غالبية<br />

سكانها من المسلمين ‏)وهذه كذبة(‏ يقارنها<br />

بباكستان.‏ لقد ذهب إلى حد القول بأنه<br />

عندما يرى قوافل مناصري منافسه،‏ لم<br />

يكن بمقدوره أن يعرف إن كان المشهد<br />

يجري في ‏»الهند أم في باكستان«)‏‎8‎‏(.‏<br />

إضافة عن ذلك،‏ عين ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«‏ براغيا سينغ تاكور مرشحة<br />

عنه وهي المتهمة باإلرهاب في ارتباط<br />

مع حركة ‏»أبهيناف بهارات«‏ ‏)الهند<br />

الفتية(،‏ التي يشتبه في كونها تقف وراء<br />

أربع اعتداءات مناهضة للمسلمين<br />

خلفت عشرات القتلى سنة 2008.<br />

وهذه المرأة،‏ التي تم اإلفراج عنها<br />

بكفالة ألسباب صحية،‏ قامت خالل<br />

الحملة االنتخابية باإلشادة بقاتل المهاتما<br />

غاندي،‏ الذي ينظر القوميون الهنود<br />

إليه دوما على أنه عدو،‏ بسبب نظريته<br />

غير العنيفة والمؤكدة على الوحدة بين<br />

األديان.‏<br />

1( ‏»أكثر من 150 من قدامى المحاربين يوجهون<br />

رسالة إلى الرئيس بشأن ‏)تسييس(‏ القوات<br />

المسلحة«،‏ صحيفة ‏»ذي إيندو«،‏ نيو دلهي،‏ 12<br />

أفريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

2( ‏»وزير البيئة يرفض مجمل التقارير التي<br />

تؤكد أن 1،2 مليون من الوفيات في الهند سببها<br />

التلوث«،‏ صحيفة ‏»ذي إيندو«،‏ 5 ماي/أيار<br />

.<strong>2019</strong><br />

3( ‏»رأسمالية التواطؤ في الهند في ظل حكم<br />

ناراندرا مودي«،‏ دراسات معهد البحوث<br />

الدولية،‏ العدد 237، معهد الدراسات الدولية،‏<br />

باريس،‏ 18 سبتمبر/أيلول 2018.<br />

4( بيبهوداتا براذان وشيفاني كوماريسان،‏<br />

‏»تحول االنتخابات الهندية إلى أكثر االنتخابات<br />

كلفة في العالم:‏ هذا ما تتكلفه االنتخابات«،‏<br />

صحيفة ‏»بيزنس ستاندارد«،‏ نيودلهي،‏ 4 جوان/‏<br />

حزيران <strong>2019</strong>.<br />

5( ‏»في العام <strong>2019</strong>، هل ركب حزب الشعب<br />

موجة مودي أم موجة المال ؟«،‏ نشرية ‏»ذي<br />

واير«،‏ نيودلهي،‏ 6 ماي/أيار <strong>2019</strong>، و»حزب<br />

الشعب الهندي يدفع نقدا،‏ ولم يُطرح أي سؤال<br />

خالل هذه االنتخابات«،‏ ‏»ذي تيليغراف«،‏<br />

نيودلهي،‏ 2 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

6( عادل رشيد،‏ ‏»الحمالت االنتخابية قننت<br />

الرأسمالية المتواطئة:‏ الرئيس السابق للجنة<br />

االنتخابات س.ي.‏ قريشي«،‏ ‏»آوت لوك«،‏<br />

نيودلهي،‏ 7 أفريل/نيسان <strong>2019</strong>.<br />

7( ماذوميتا مورجيا،‏ ستيفانيا فيندالي واندرس<br />

شيباني،‏ ‏»الهند:‏ انتخابات الواتساب«،‏<br />

‏»فينانشيال تايمز«،‏ لندن،‏ 5 ماي/أيار <strong>2019</strong>.<br />

8( ‏»ال يمكن معرفة إذا كانت في الهند أو في<br />

باكستان:‏ أميت شاه يتحدث عن قوافل راحول<br />

غاندي«،‏ ‏»ذي نيوز مينوت«،‏ 10 أفريل/نيسان<br />

www.thenewsminute.com ،<strong>2019</strong><br />

كريستوف جافرولو * Jaffrelot Christophe<br />

عودة الطوائف<br />

السامية<br />

الهيمنة على البرلمان<br />

أكدت االنتخابات التشريعية الهندية السابعة عشر وضعية هيمنة ‏»حزب بهاراتيا جاناتا«‏ ‏)حزب الشعب الهندي(‏ من<br />

حيث عدد المقاعد في البرلمان.‏ ارتفع عدد مقاعده من 282 نائبا إلى 303 نواب بفضل اعتماد نظام اقتراع بدورة واحدة،‏<br />

وتركز قواه في شمال البالد وغربها،‏ وهو ما ترتب عنه تعزيز النتيجة المتواضعة من حيث عدد األصوات ‏)وبالفعل،‏ فإن<br />

نتيجة حزب الشعب الهندي ارتفعت من 31 إلى %37،5 من عدد األصوات المصرح بها(.‏ وبالنظر لكونه يتمتع باألغلبية<br />

المطلقة،‏ المحددة ب 272 مقعدا،‏ فإن حزب الشعب الهندي ليس بحاجة إلى حلفائه من ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«،‏ في<br />

حين أن التحالف الذي كونه سنة 1999، كان قد فاز ب 353 مقعدا ‏)بنسبة %45 من األصوات(.‏ في مواجهة حزب الشعب،‏<br />

سجل حزب المؤتمر تقدما طفيفا من 44 مقعدا ‏)بنسبة %19،5 من األصوات(‏ إلى 52 مقعدا ‏)بنفس نسبة األصوات(،‏ كما<br />

سجل التحالف الذي يقوده،‏ ‏»التحالف التقدمي الموحد«،‏ ارتفاع رصيده من 60 مقعدا ‏)مع نسبة %23 من األصوات(‏ إلى<br />

91 مقعدا ‏)مع %26 من األصوات(،‏ على الرغم من انهيار بعض الشركاء اإلقليميين لحزب المؤتمر.‏<br />

مثلت األحزاب اإلقليمية خارج ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«‏ الضحايا الجانبية لهذه االنتخابات،‏ رغم عودة حزب<br />

‏»باهوجان ساماج«‏ إلى البرلمان،‏ وهو التشكيل السياسي المحبذ لفئة ‏»الداليت«‏ ‏)المنبوذين سابقا(‏ بشمالي الهند،‏ حيث<br />

فاز ب 10 مقاعد.‏ إال أن تلك النتيجة تظل مخيبة لآلمال باعتبار أن هذا الحزب كان يعول كثيرا على تحالفه مع حزب<br />

‏»ساماجوادي«‏ في إقليم <strong>أوت</strong>ار براداش،‏ كي يصبح مجددا الحزب الثالث في الهند.‏ كانت الهزيمة مخزية أكثر بالنسبة<br />

لحزب ساماجوادي ال سيما وأنه لم يفز سوى ب 5 مقاعد،‏ أي أقل من المقاعد التي فاز بها سنة 2014.<br />

إذا كانت األحزاب اإلقليمية قد سجلت بعض التراجع،‏ فإن حزب الشعب الهندي سجل اختراقات مشهودة في بعض<br />

معاقل هذه األحزاب،‏ كما هو الحال في شرق البالد،‏ وفي البنغال الغربي وفي أوديشا ‏)أوريسا سابقا(.‏ والحزب اإلقليمي<br />

الوحيد من خارج ‏»التحالف الوطني الديمقراطي«‏ الذي حقق نجاحا باهرا،‏ هو حزب ‏»فيدرالية درافيديا للتقدم«‏ ‏)درافيدا<br />

موناترا كازاغام(،‏ الذي فاز في منطقة ‏»تاميل نادو«‏ ب 23 مقعدا.‏<br />

أما حزب المؤتمر،‏ فإن الواليتين الوحيدتين اللتين حقق فيهما تقدما ملموسا هما البنجاب وكيراال،‏ حيث فاز على<br />

الشيوعيين الذين تراجع تمثيلهم على المستوى الوطني إلى 5 مقاعد من مجموع 542 مقعدا،‏ 3 منها للحزب الشيوعي<br />

الهندي،‏ الماركسي،‏ ومقعدان لفائدة الحزب الشيوعي الهندي،‏ وهي أسوأ نتيجة للحزبين عبر تاريخهما.‏<br />

كريستوف جافرولو Christophe Jaffrelot


21 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

للقومية الهندوسية<br />

باالنتخابات بحصيلة كارثية<br />

لقد صوت عدد كبير من<br />

الناخبين لفائدة مودي،‏ ليس من<br />

منطلق القومية الهندية،‏ وإنما من<br />

أجل التجديد لرجل قوي يمسك<br />

بالسلطة،‏ أو اعتبارا لغياب بدائل.‏<br />

ال توحي المعارضة لهم بالثقة.‏ غير<br />

أن األمر الذي يكتسي داللة بالغة<br />

يتمثل في أن تلك اإليديولوجيا لم<br />

تردعهم أو لم تقنعهم بعدم التصويت<br />

له.‏ منذ خمس سنوات،‏ وجدت هذه<br />

اإليديولوجيا ‏)القومية(‏ ترجمتها<br />

على األرض من خالل اعتداءات<br />

على األقليات المسيحية والمسلمة،‏<br />

بما في ذلك عمليات اإلعدام دون<br />

محاكمة التي طالت زهاء أربعين<br />

شخصا تم اتهامهم باستهالك لحوم<br />

البقر أو بنقل أبقار إلى المذبح.‏ كما<br />

أن هذه األقليات أضحت تواجه<br />

صعوبات كبيرة في إيصال أصواتها<br />

إلى مجلس ‏»لوكسابها«‏ ‏)مجلس<br />

النواب(،‏ الذي يهيمن عليه ‏»حزب<br />

الشعب الهندي«،‏ الذي لم يرشح<br />

سوى عدد قليل من األشخاص<br />

المنتمين ألقليات.‏<br />

هناك 25 منتخبا مسلما فحسب،‏<br />

أي %4،6 من عدد أعضاء المجلس،‏<br />

في حين أن األشخاص الذين يعلنون<br />

انتماءهم لهذا الدين يمثلون %14،6<br />

من السكان.‏ كما تظل النساء مهمشات<br />

رغم كونهن قد حققن تقدما في نسبة<br />

الحضور:‏ 78 منتخبة )%14،3(<br />

مقابل 66 نائبة قبل خمس سنوات.‏<br />

ألول مرة،‏ كانت نسبة مشاركتهن<br />

في االقتراع في نفس مستوى نسبة<br />

مشاركة الرجال.‏<br />

وعلى المستوى السوسيولوجي،‏<br />

أتت انتخابات <strong>2019</strong> لتؤكد عودة<br />

الطبقات العليا إلى البرلمان،‏ وهي<br />

عودة ترجع بداياتها إلى ما قبل عشر<br />

سنوات،‏ وترتبط بالتركيبة النخبوية<br />

لحزب الشعب الهندي.‏ هكذا،‏ فإنه<br />

من مجموع 147 مرشحا لهذا<br />

الحزب في الدوائر المتحدثة باللغة<br />

الهندية)‏‎9‎‏(،‏ التي تضم في المجموع<br />

نصف عدد المنتخبين لعضوية<br />

مجلس النواب،‏ هناك 88 مرشحا<br />

ينتمون إلى الطبقات العليا،‏ التي ال<br />

تمثل سوى %12 من السكان.‏ تم<br />

انتخاب 80 منهم،‏ من بينهم 33 من<br />

معتنقي المذهب البراهماني ‏)الطبقة<br />

األعلى(‏ و‎27‎ من الراجبوت ‏)طبقة<br />

محاربة تأتي مباشرة إثر الطبقة<br />

السابقة ضمن التراتبية االجتماعية(‏<br />

.)10(<br />

كما يتسم البرلمان الجديد<br />

بالحضور المكثف للورثة المنتمين<br />

إلى األسر السياسية العريقة.‏ هذه<br />

‏»السالالت الحاكمة«،‏ باقتباس<br />

العبارة المستخدمة في الهند،‏ ارتفع<br />

نصيبها من %25 من المنتخبين سنة<br />

2014 إلى %30، وبلغت النسبة<br />

في بعض الواليات درجة أعلى من<br />

هذا المعدل،‏ على غرار كارناتاكا<br />

)%39( وماهاراشترا )%42(<br />

وبيهار )%43( والبنجاب )%62(.<br />

ينطبق هذا األمر بشكل جلي على<br />

األحزاب اإلقليمية،‏ التي هي عادة<br />

مملوكة لعائالت أبا عن جد.‏ غير أن<br />

األحزاب الوطنية ليست بمنأى عن<br />

هذه الوضعية،‏ ذلك أن %31 من<br />

مرشحي حزب ‏»المؤتمر«‏ ينتمون<br />

إلى السالالت الحاكمة،‏ مقابل %22<br />

بالنسبة لمرشحي ‏»حزب الشعب<br />

الهندي«،‏ على الرغم من أن هذا<br />

األخير قد خاض حملته االنتخابية<br />

تحت شعار ‏»ضد السالالت التي<br />

تحكم الهند«،‏ وبالخصوص،‏ أولى<br />

وأكبر هذه السالالت،‏ وهي ساللة<br />

نهرو غاندي.‏ تعتبر هذه النسبة<br />

مثيرة لإلستغراب ال سيما وأن<br />

‏»حزب الشعب الهندي«‏ قد حرص<br />

على تجديد مرشحيه من أجل ضخ<br />

دماء جديدة.‏ هكذا،‏ تم تعويض مائة<br />

من النواب المتخلين بآخرين،‏ يمثلون<br />

دماء جديدة،‏ لكنهم يفتقدون ألية خبرة.‏<br />

ذلك أن ترشيح أبناء عائالت سياسية<br />

يمثل ضمانة للنجاح.‏ إذا كان تأنيث<br />

قائمة المرشحين أمرا ضروريا،‏ من<br />

األولى ترشيح زوجات أو أرامل أو<br />

بنات قادة سياسيين من أجل تقوية<br />

حظوظهن في النجاح.‏ إنها حالة<br />

%54 من النساء المرشحات من<br />

قبل حزب ‏»المؤتمر«‏ و‎%53‎ من<br />

مرشحات ‏»حزب الشعب الهندي«.‏<br />

أقليات في وضع<br />

حرج<br />

لن تكون الصورة مكتملة إذا<br />

ما لم نؤكد على النسبة المتنامية<br />

للمنتخبين المتهمين بارتكاب جرائم<br />

أو ممن لهم سجل حافل من السوابق<br />

العدلية.‏ يفسر هذا التوجه بالدور<br />

المتنامي للمال والبحث عن أوجه<br />

الحماية السياسية التي تحفز الكثير<br />

من المجرمين.‏ من بين النواب ال<br />

539 الذي دققت في وضعياتهم<br />

‏»الجمعية من أجل اإلصالح<br />

الديمقراطي«،‏ وهي منظمة غير<br />

حكومية معروفة بجديتها،‏ هناك<br />

%43 منهم محل تتبعات قضائية<br />

‏)مقابل %34 سنة .)2014 11<br />

منهم ‏)من بينهم 5 منتخبين على<br />

قائمات حزب الشعب(‏ متهمون<br />

بجرائم قتل،‏ و‎30‎ منهم متهمون<br />

بمحاولة القتل و‎19‎ بممارسة العنف<br />

على النساء.‏ ينتمي 116 منهم إلى<br />

‏»حزب الشعب الهندي«‏ و‎29‎ لحزب<br />

‏»المؤتمر«)‏‎11‎‏(.‏<br />

وفي ظل هذه الظروف،‏ لن<br />

يكون العهد الذي سيتم افتتاحه مع<br />

التجديد لمودي على رأس الحكومة<br />

نسخة مطابقة للعهد السابق.‏ من<br />

األكيد أن التواصل سيكون الجانب<br />

الراجح بشأن بضعة نقاط رئيسية،‏<br />

مثل تركيز السلطة بين أيدي<br />

رئيس الوزراء.‏ لكن حجم األزمة<br />

االقتصادية يقتضي قرارات قوية<br />

وحاسمة.‏ ومن أكثر هذه القرارات<br />

إلحاحية تلك المتصلة بالقطاع<br />

الزراعي،‏ الذي يعتبر قطاعا منكوبا<br />

والذي يستعد لمواجهة تبعات موسم<br />

أمطار سيء.‏ دون شك،‏ يتعين على<br />

الحكومة أن تذعن إلجراء الترفيع<br />

في أسعار المنتجات الفالحية،‏ حتى<br />

وإن تسبب ذلك في إعادة صعود<br />

نسبة التضخم وفي إثارة غضب<br />

قاعدتها االنتخابية الحضرية.‏ يحد<br />

هذان العنصران من هامش التحرك<br />

المتاح أمام الحكومة.‏<br />

على الصعيد السياسي،‏<br />

هناك صنفان من التوترات التي<br />

ستشهد قطعا مزيد التصاعد خالل<br />

السنوات الخمس المقبلة.‏ أوال،‏ على<br />

صعيد العالقات بين حكومة مودي<br />

وحكومات واليات االتحاد الهندي<br />

التي تسيرها أحزاب معارضة،‏ والتي<br />

تتجه نحو مزيد من التوتر.‏ المثال<br />

األكثر داللة على هذا المستوى،‏<br />

يتعلق بمامات ابانرجي،‏ رئيسة<br />

حكومة والية البنغال الغربي،‏ التي<br />

استهدفها حزب الشعب الهندي الذي<br />

يريد االستحواذ على هذه الوالية التي<br />

تعتبر معقل الشيوعية منذ سنوات.‏<br />

ثانيا،‏ تجد األقليات نفسها مجبرة في<br />

وضع أكثر صعوبة:‏ اعتبارا لدخول<br />

الجناح اليميني لحزب الشعب الهندي<br />

إلى البرلمان،‏ يرتقب أن تشهد الفترة<br />

التشريعية وضع حد لمسلسل قديم<br />

يعود لحوالي ثالثين عاما،‏ ويتعلق<br />

بملف ‏»بابري مسجد«،‏ المسجد<br />

الذي تم هدمه سنة 1992 من قبل<br />

نشطاء قوميين هندوس.‏ خالل<br />

األشهر القليلة القادمة،‏ ينتظر أن<br />

تتخذ المحكمة العليا قرارا مهما.‏ إذا<br />

لم ترخص للقوميين الهندوس ببناء<br />

معبد في هذا الموقع الذي يعتبرونه<br />

موقع اإلاله ‏»رام«،‏ سينظم هؤالء<br />

الناشطين دون شك مظاهرات حاشدة<br />

قد تتحول إلى مظاهرات خطيرة<br />

على سالمة األقليات.‏ إذا رخصت<br />

لهم،‏ يمكن للشبان المسلمين،‏ الذين<br />

يعانون راهنا من كل أشكال التمييز،‏<br />

أن يرفعوا رؤوسهم.‏<br />

9( تضم هذه المنطقة الشاسعة كال من <strong>أوت</strong>ار<br />

براداش وبيهار وجارخاند وشهاتيسغار وماضيا<br />

براداش وراجستان ودلهي وهاريانا وهيماشال<br />

براداش وشانديغار.‏<br />

10( هذه المعطيات،‏ تماما مثل المعطيات الواردة<br />

في الفقرة الالحقة،‏ مقتبسة من بحوث حول<br />

‏»مالمح الشخصية االجتماعية للهنود المنتخبين<br />

قوميا وإقليميا للهيئات التمثيلية«‏ ،)Spinpar(<br />

وهو مخبر دولي بتعاون مع المركز الوطني<br />

للبحث العلمي وتم تركيزه من قبل جامعة أشوكا<br />

في الهند وكلية العلوم السياسية في فرنسا.‏<br />

11( »%43 من المنتخبين حديثا لهم سوابق<br />

عدلية:‏ تقرير الجمعية من أجل اإلصالح<br />

الديمقراطي ،»ADR ‏»ذي واير«،‏ 27 ماي/أيار<br />

.<strong>2019</strong><br />

HARYANA<br />

DELHI<br />

الجغرافيا الدينية<br />

أندمان<br />

ونكوبا<br />

حصة<br />

من العدد<br />

الجملي<br />

للسكان<br />

800 400 0<br />

L<br />

N<br />

G .<br />

السكان<br />

الأقليون الأغلبيون<br />

80 %<br />

14 %<br />

أفغانستان<br />

جامور سريناغار<br />

كشمير<br />

هماشال<br />

الصين براديش<br />

دهرادون سملا<br />

أروناشال<br />

شانديغار<br />

بنجان<br />

برادش<br />

أوتارافند<br />

هريانا<br />

بهوتان<br />

باكستان<br />

سكيم<br />

أسام<br />

دلهي<br />

ناغالاند<br />

لوكناو<br />

ميغالايا<br />

جايبور<br />

باتنا<br />

مانيبور<br />

أوتار برادش<br />

بيهار<br />

بنغلاديش<br />

رجستان<br />

ميزورام<br />

تريبورا<br />

جرخند<br />

ماديا<br />

بورما كلكوتا<br />

أحمد أباد<br />

برادش<br />

بوبال<br />

البنغال<br />

غوجارات<br />

شهاتيسغاره<br />

الغربي<br />

سورات دامان وديو<br />

بهوبنشوار أوديشا رايبور<br />

2,3 %<br />

1,7 %<br />

0,7 %<br />

1,3 %<br />

فيزاخابتنام<br />

الهندوس<br />

المسلمون<br />

المسيحيون<br />

السيخ<br />

البوذيون<br />

آخرون<br />

تلنغانا<br />

حيدر أباد<br />

ماهارشترا<br />

تريفندروم<br />

دادارا وناغار هافلي<br />

بومباي<br />

أندهرا كارنتاكا<br />

بباناجي<br />

برادش<br />

قوا<br />

بنغلور<br />

مدراس<br />

بوندشري<br />

لكشدويب<br />

تميل<br />

نادر كيرالا<br />

سريلانكا<br />

المصدد:‏ التعداد الهندي 2011<br />

كم<br />

الانتخابات التشريعية ماي <strong>2019</strong><br />

ناغالاند<br />

مانيبور<br />

ميزورام<br />

أروناشال<br />

برادش<br />

أندمان<br />

ونكوبا<br />

عدد المقاعد المتحصل عليها<br />

في الغرفة السفلى للبرلمان<br />

حزب الشعب الهندي<br />

حزب عضو في تحالف مع حزب الشعب الهندي<br />

حزب المؤتمر<br />

حزب عضو في تحالف مع المؤتمر<br />

حزب آخر<br />

أسام<br />

ميغالايا<br />

تريبورا<br />

سكيم<br />

بيهار<br />

جرخند<br />

البنغال الغربي<br />

أوديشا<br />

جبهة اليسار<br />

حزب جهوي<br />

هماشال<br />

براديش<br />

شانديغار<br />

أوتارافند<br />

أوتار برادش<br />

شهاتيسغاره<br />

بوندشري<br />

تلنغانا<br />

أندهرا برادش<br />

ماديا<br />

برادش<br />

تميل نادر<br />

ماهارشترا<br />

كارنتاكا<br />

كيرالا<br />

جامور<br />

كشمير<br />

رجستان<br />

قوا<br />

غوجارات<br />

دامان وديو<br />

دادارا<br />

وناغار<br />

هافلي<br />

لكشدويب<br />

‎800‎كم 400 0<br />

المصدد:‏ مفوضية الانتخابات الهندية<br />

ndtv.com/elections<br />

www.censusindia.gov.in/2011census


<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 22 <strong>2019</strong><br />

التراث العالمي لليونسكو،‏<br />

الهدية المسمومة<br />

كلّ‏ سنة،‏ يترشّ‏ ح حواليْ‏ خمسين موقعا طبيعيا أو ثقافيا للتسجيل على<br />

قائمة التراث العالمي،‏ وهو تسجيل يمنحها الحماية لصالح البشريّة جمعاء.‏ إالّ‏<br />

أن اليونسكو بمنحها هذا التصنيف توجّ‏ ه كذلك قوّة أفواج السيّاح.‏ ولئن كان ذلك<br />

متنفّسا مادّيّا مجزيا فإنه يمكن أن يكون مدمّرا .<br />

‏»فجأة،‏ بدأت ألبي تظهر على خارطة<br />

العالم.‏ تمّ‏ تسجيل هذا الحيّ‏ األسقفي على<br />

قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو<br />

‏)منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم<br />

والثقافة(‏ يوم 31 <strong>جويلية</strong>/تمّوز‎2010‎‏.‏<br />

في صباح اليوم التالي،‏ احتشد في المدينة<br />

خاس كثر،‏ و صار الناس يزورون<br />

لالستطالع«.‏ مازالت مديرة الشؤون<br />

الثقافية والتراث والعالقات الدولية بألبي<br />

ماري-آف كورتاس تتذكّر جيّدا هذا اليوم<br />

الذي غيّر نمط الحياة في هذا الحيّ‏ المبني<br />

باآلجر،‏ وفي سكّانها البالغ عددهم 52 ألف<br />

نسمة.‏ منذ ذلك الحين،‏ زاد عدد السيّاح<br />

بأكثر من الضعف،‏ إذ مرّ‏ من 700 ألف<br />

زائر في السنة إلى مليون سنة 2011، ثم<br />

إلى مليون ونصف سنة 2016 وإن تراجع<br />

العدد قليال سنة 2017...<br />

االعتراف بالقيمة«.‏ يتمّ‏ سنويّا تسجيل<br />

موقع أو موقعين.‏ تضمّ‏ فرنسا 44 موقعا<br />

مسجّ‏ ال في قائمة التراث العالمي تقسيمها<br />

كاآلتي:‏ 39 موقعا ثقافيا وأربعة مواقع<br />

طبيعية وموقع واحد مشترك.‏ قصد استباق<br />

نتائج هذا التشريف وجب على آلبي إعداد<br />

مخطّ‏ ط للتصرّ‏ ف بهدف ضمان الحفاظ<br />

على القيمة الكونية االستثنائية لهذا المعلم<br />

وكذلك تشريك جميع األطراف على المدى<br />

الطويل حتى ال تتحوّل المدينة إلى متحف.‏<br />

تشرح األمر بقولها:‏ ‏»غرافاي-برباس««‏<br />

في بعض األحيان،‏ يتحوّل هذا الترسيم إلى<br />

إشكالية بسبب اإلفراط في صدق العزيمة<br />

. في كثير من المدن،‏ اختار التهذيب<br />

‏»أصولية تاريخية«‏ أو ‏»أصولية زمنية«‏<br />

تبلغ في بعض األحيان حدّ‏ حصر المدينة<br />

في عصر محدّد«.‏<br />

السلطات الحاكمة في المنطقة بجمع كل<br />

السكان قصد االنكباب على مواضيع<br />

متنوّعة مثل وقوف السيارات في المدينة،‏<br />

والمحالّ‏ ت التجارية الصغيرة،‏ والتأثيث<br />

الحضري،‏ الخ.‏<br />

سنة 2014، تمت التوأمة بين البي<br />

وليجيانغ،‏ وهي مدينة من مقاطعة يونن تقع<br />

على طريق القوافل القديمة الرابطة بين<br />

المقاطعة والتيبت على ارتفاع 2400 متر<br />

من سطح البحر سنة 1986 وبعد تصنيف<br />

مدينتها العتيقة دايان ضمن الكنز الوطني<br />

الصيني،‏ أخذت شهرتها تتزايد بفضل<br />

أزقّتها الصغيرة المرصّ‏ فة والمحفوفة<br />

بالقنوات ومعمارها الفريد.‏ على الرغم من<br />

حدوث رجّات أرضية كثيرة آخرها كان في<br />

شهر فيفري/‏ شباط 1996، أمكن الحفاظ<br />

على تراثها الالّمادي وعلى مساكنها<br />

التقليدية الكائنة في المدينة العتيقة،‏ األمر<br />

الذي دفع باليونسكو إلى االعتراف بها<br />

وتسجيل هذا الموقع على قائماتها سنة<br />

1997. عرفت المدينة في ظرف سنوات<br />

قليلة تحوّال غير مسبوق)‏‎1‎‏(،‏ إذ مرّ‏ عدد<br />

السيّاح من أقلّ‏ عن 200 ألف سنة 1992<br />

إلى 1.7 مليون سائح سنة 1997، و‎2.6‎<br />

مليون سنة 1999 وأكثر من 4 ماليين سنة<br />

2005 و‎5.3‎ ماليين عام 2008...<br />

بالنسبة إلى السكان وخاصة الذين<br />

يقطعون األحياء العتيقة وأغلبهم من<br />

‏»الناكسي«-وهو شعب تيبتي برماني-‏<br />

كانت النتائج كارثيّة:‏ منذ مطلع سنوات<br />

األلفين أصبح قلب المدينة بتراثه<br />

المعماري الفريد جيبا سياحيا تتكاثر فيه<br />

الفنادق والمطاعم والحانات...‏ أصبح<br />

السكان المحلّيّون يفضلون تأجير محالّ‏ تهم<br />

لتجّار وافدين من المقاطعات المجاورة...‏<br />

و انتقلوا هم للسكنى في المدينة الجديدة.‏<br />

في غضون بضع سنوات،‏ أصبحت<br />

ليجيانغ ديكورا وقعت التضحية بجزء<br />

منه على مذبح السياحة.‏ الزالت تعترض<br />

الزائرَ‏ نساء ‏»النّاكسي«‏ وقد جئن للتجارة<br />

أو لمجرّ‏ د التّجوال،‏ ولكن السيّاح ظلّوا<br />

يحتلّون المرتبة األولى.‏ بلغ األمر<br />

باليونسكو سنة 2008 حدّ‏ تحذير البلديّة،‏<br />

حاثّة إيّاها على استرجاع إدارة شؤون<br />

المدينة وإال فإنه سيقع إدراجها في قائمة<br />

التراث المهدّد بالزوال...‏<br />

هنا بالذات نلمس تناقض السياحة<br />

وهي المنشودة والتي تلقى التشجيع ألنها<br />

تدرّ‏ العُمْلة الصعبة وتجرّ‏ النّموّ‏ واألمل،‏<br />

ولكنها تصبح مخشية الجانب عندما<br />

ينكسر التوازن.‏ يدمّر الزائرون المواقع<br />

التي يقدّسونها عن طريق اقتالع أعمدة<br />

‏»الكرنك«‏ وما يسبّبونه من انحتات<br />

للفضاءات الطبيعيّة في بوي دي دوم ومن<br />

تهرئة لكهف ‏»السكو«،‏ ورفس ماشو<br />

بيكشو،‏ كما أنهم يثيرون سخط السكّان<br />

الذين كانوا ينتظرون زيارتهم.‏<br />

في ليجيانغ،‏ وعلى مرّ‏ السنوات،‏ تم<br />

اتّخاذ بعض التدابير،‏ ولكنه أصبح من<br />

المستحيل إرجاع المدينة إلى السكّان.‏<br />

في هذه النقطة بالذات،‏ سلّمت اليونسكو<br />

باألمر الواقع.‏ فرّ‏ قلب مدينة الناكسي من<br />

مركزها الذي استقبل...‏ 46 مليون زائر<br />

خالل العام المنقضي.‏ تشهد ايمانوال<br />

لوران طالبة الدكتوراه في انتروبولوجيا<br />

العالم الصيني في المعهد الوطني للغات<br />

والحضارات الشرقية ‏)اينالكو()‏‎2‎‏(:‏<br />

‏»أتذكّر ذلك اليوم الذي تكاثر فيه عدد<br />

السيّاح في المدينة العتيقة إلى درجة اللجوء<br />

إلى الشبكات االجتماعية لتنبيه األهالي إلى<br />

ضرورة تجنّب دخول هذه المنطقة«.‏<br />

مع ذلك،‏ تحتاج النتيجة إلى<br />

تنسيب)‏‎3‎‏(.‏ تمتّعت مدينة ليجيانغ كذلك<br />

بعدد كبير من عمليات الترميم.‏ زيادة<br />

على التراث المادّي،‏ ينبغي أن نذكر تأثير<br />

السياحة في شعب ناكسي وثقافة دونغبا<br />

التي أدرجت أبوابٌ‏ كثيرة منها في قائمة<br />

التراث الثقافي الالّمادّي بين سنتي 2006<br />

و‎2014‎‏.‏ الدونغبا،وهم سحرة ناكسي<br />

المعروفون بكتاباتهم التصويرية ما انفكّوا<br />

يفتنون الزّ‏ وّار.‏ ولئن لم تكن الصين تنتظر<br />

هذه المِنّة إلساءة معاملة هؤالء السكان فإن<br />

التطور الحالي يمكن أن يخلّف آثارا غير<br />

متوقّعة تتراوح بين األسوأ واألفضل...‏<br />

تفسّر ايمانوال لوران ذلك بقولها:‏ ‏»من<br />

الصعب كسب لقمة العيش عن طريق<br />

نشاط ‏»دنغبا«‏ وحده.‏ يعثر البعض،‏ وهم<br />

في أغلبهم من الشباب،‏ على شغل في<br />

الميدان السياحي حيث يستثمرون معارفهم<br />

قصد كسب بعض المال.‏ بينما يندّد بهم<br />

جونفياف كالستر * Clastres Geneviève<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

خطر المتحفية<br />

غالبا ما يكون التسجيل في قائمة<br />

التراث العالمي متعلّقا بمواقع كانت تشهد<br />

بالفعل إقباال كبيرا.‏ مع ذلك،‏ يبقى ‏»مفعول<br />

اليونسكو«‏ قائما وحقيقيا،‏ إذ تقول ماريا<br />

غرافري-برباس مديرة كرسي اليونسكو<br />

للثقافة والسياحة والتنمية بجامعة باريس<br />

‎1‎بنتيون-الصربون:‏ ‏»التسجيل هو ضمان<br />

لجودة الموقع سواء كان طبيعيا أو ثقافيا.‏<br />

هو في نظر الزّ‏ وّار المحتملين بمثابة<br />

* صحفية،‏ أشرفت على المؤلَّف الجماعي:‏ ‏»عشر سنوات من السياحة<br />

المستدامة«،سلسلة ‏»فلنسافر بطريقة أخرى«،بور-الس-‏ فالنس،‏<br />

.2018<br />

لتجنّب هذا المطبّ‏ ، عمدتْ‏<br />

اللجنة المسيّرة للموقع منذ البدء إلى<br />

تشريك المؤسسات والشركاء الثقافيين<br />

والعلميين وشخصيات من ذوي الكفاءة،‏<br />

لكن أيضا المهنيين في مجال السياحة<br />

وعموم السكّان.‏ تؤكّد كورتاس أن<br />

الحي األسقفي ال يرغب في التركيز<br />

على المقاربة ‏“التراثية”‏ فحسب.‏ نحن<br />

نتناول كذلك الجانب اإلنساني والجانب<br />

االقتصادي والتفاعل بينهما.‏ باإلضافة<br />

إلى ذلك،‏ نقوم باإلشراف داخل المنطقة<br />

العازلة على أنشطة تخضع لنفس درجة<br />

الجودة والعناية«.‏ في كل سنة،‏ تسمح<br />

‏»جسر القوس«‏ أحد المعالم التاريخية في ايرلندا.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

1( ‏»السياحة و الهويّة في جنوب الصين.‏ حالة الناكسي<br />

في ليجيانغ«‏ ضمن:‏ جان-ماري فورت وفرانك ميشال<br />

‏)إشراف(«‏ السياحات والهويّات«،‏ لرمتّان،‏ سلسلة ‏»السياحات<br />

والمجتمعات«‏ باريس،‏ 2006.<br />

2( ايمانوال لوران:‏ ‏»حول المحافظة على ثقافة الناكسي في<br />

ليجيانغ«،‏ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، http://bulac.<br />

hypotheses.org<br />

3( هيثر بيترز:‏ ‏»الرقص في السوق:‏ إعادة تشكيل التجارة<br />

والتراث في ليجيانغ«‏ في ‏»تامي بلومنفيلد وهيالين سلفرمان<br />

‏)تحت إشراف(‏ ‏»سياسة التراث الثقافي في الصين«،‏ سبرنغر،‏<br />

نيويورك،‏ 2013.


23 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

التأثيرات الغير المتوقعة للعالمة<br />

للسياحة الثقافية<br />

آخرون زاعمين أنهم ليسوا من ‏“الدونغبا<br />

الحقيقيين”،‏ ولكن الكثيرين يسلكون مسلكا<br />

أقلّ‏ محافظة في نقل معارفهم«.‏ رغم<br />

التجاوزات والمواقف الفلكلوريّة التي<br />

تقرب من السخافة،‏ جرّ‏ ت السياحة انتعاشة<br />

لثقافة دونغبا عبر انتشار مراكز الثقافة<br />

والبحث وإحياء بعض الطقوس والعادات<br />

وإحياء الحِ‏ رَ‏ ف،‏ بل إن الحكومة أصبحت<br />

تشجع شعب ناكسي على إحياء لغته.‏<br />

تتبادل وفود من آلبي وليجيانغ<br />

الزيارات بصفة منتظمة قصد تبادل<br />

الخبرات.‏ ولكن التصرّ‏ ف في المكاسب<br />

شديد االختالف بين البلدين:‏ في فرنسا،‏<br />

تُعطَ‏ ى األولوية للمشاورات ورفاهية<br />

السكّان،‏ أما في الصين فاعتبار السكّان<br />

قليل في هذا المجال.‏ كما يحاول الصينيون<br />

االستلهام من كل ما ثبتت جدواه في فرنسا.‏<br />

تتحدّث كورتاس قائلة ‏»كلّما استقبلنا<br />

وفودا من ليجيانغ إال وعبّرت عن اهتمامها<br />

بالطريقة التي نتصرّ‏ ف بها في تراثنا سواء<br />

في مستوى اختيار الموادّ‏ واأللوان أو في<br />

مستوى مفهوم الهويّة المرتبطة بالمهارة.‏<br />

في الصين،‏ قيمة االستخدام هي التي تؤخذ<br />

بعين االعتبار.‏ كما أثارت إعجابهم بشكل<br />

الفت تراتيب العمل التي نتبعها.‏ تملك فرنسا<br />

أفضل منظومة لصيانة التراث والبيئة<br />

أيضا.‏ فنحن،‏ حريصون كلّ‏ الحرص مثال<br />

على حماية التنوّع البيولوجي على ضفاف<br />

نهر تارن الذي يتاخم ممتلكاتنا،‏ وقد أدهشهم<br />

هذا«.‏<br />

مواقع كثيرة أخرى حظيت برعاية<br />

اليونسكو لتجد نفسها في مواجهة السياحة<br />

الكثيفة.‏ في دوبرفنيك في كرواتيا،‏ يوجد<br />

مشروع عقاري يضم ملعبا للصولجان<br />

على الجبال المقابلة للمدينة من شأنه أن<br />

يشوّه جزءا من الشاطئ الدلماسي.‏ نظرا<br />

إلى التهديد بتسجيل القلعة في قائمة<br />

التراث المهدّد)‏‎4‎‏(،‏ اضطرّ‏ ت المدينة إلى<br />

تخفيض عدد الزّوّار إلى 8 آالف،‏ ثمّ‏ إلى<br />

4 آالف في اليوم،‏ كما أعلنت،‏ على سبيل<br />

المثال،‏ على التخفيض في عدد المشاركين<br />

في الرحالت البحرية عبر التفاوض مع<br />

المنظمة العالمية للرحالت البحريّة حول<br />

جدولة وصول البواخر.‏ كذلك،‏ عمدت<br />

مدينة البندقيّة منذ سنة 2018 إلى تحديد<br />

عدد الزّوّار لساحة سان-مارك خالل حفل<br />

افتتاح الكرنفال ب 20 ألف شخص،‏ كما<br />

فرضت بداية من ماي/أيّار <strong>2019</strong> معلوم<br />

دخول من 3 إلى 10 يورو على كل زائر.‏<br />

لكن هذا التحديد لعدد الزائرين ليس الحل<br />

األمثل كما تقول ماريا غراباري-برباس:‏<br />

‏»تمثل سياسة الحصص إشكالية ألنها<br />

تتجه نحو تحويل المدن إلى متاحف أو إلى<br />

حدائق حضريّة يتم تنظيم الدخول إليها<br />

ومراقبته بل وحتّى بمقابل«.‏<br />

شهدت عدة مدن أوروبية مثل<br />

برشلونة وسان-سبستيان وأمستردام<br />

مظاهرات معادية لجحافل السيّاح التي<br />

تجتاح شوارعها محدثة نشاطا صاخبا<br />

ومُرفّعة في مستوى العيش داخلها.‏ يمكن<br />

للتسجيل في قائمة تراث اليونسكو العالمي<br />

أن يمثّل ردّا على التجاوزات السياحيّة<br />

في حالة اعتباره بمثابة الحافز والمنطلق<br />

لوضع إستراتيجية حمائيّة محدّدة.‏ تشهد<br />

كورتاس على ذلك بقولها:‏ ‏»وضعت آلبي<br />

أول مخطّ‏ ط تصرّ‏ ف عندما أصبح ذلك<br />

إلزاميّا،‏ وصرنا منذ تلك اللحظة بمثابة<br />

المرجع.نحن فخورون بأننا أصبحنا<br />

قدوة تلهم المواقع األخرى مثل الحوض<br />

المنجمي بشمال بادوكالي مغارة شوفاي<br />

وسلسلة بوي«.‏<br />

أدوات إدارة المواقع<br />

تعمل شبكة المواقع الكبرى في<br />

فرنسا منذ الثمانينات على تكييف<br />

طاقات االستيعاب.‏ تقول مديرتها سولين<br />

آرشنبو،‏ ‏»نحن ننجز دراسات لتحديد<br />

طاقة استيعاب كل موقع بين الزيارة<br />

والحفاظ على المحيط،‏ مع الحرص<br />

في ذات الوقت على أالّ‏ يشعر السكان<br />

بالحرمان من ممتلكاتهم،‏ وعلى أالّ‏ تصبح<br />

السياحة النشاط الوحيد لمنطقة معينة.‏ من<br />

شأن التحكّم في تدفّق الزّوّار عند المداخل<br />

وتوسيع المساحة المخصصة للزيارة أن<br />

يتحكّما في بلوغ الغاية القصوى.‏ طرق<br />

المعالجة والحلول عديدة،‏ ويمكن تكييفها<br />

حسب الوضعيات:‏ بعث مراصد لنسبة<br />

الزيارات،‏ تراجع مواقف السيارات،‏<br />

وضع وسائل نقل،‏ توفير درّاجات<br />

كهربائيّة،‏ تعبئة التجار لتحسين جودة<br />

البضاعة المعروضة،‏ الخ.‏ قام آخر موقع<br />

تمّ‏ تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي<br />

‏)يوم 2 <strong>جويلية</strong>/تمّوز 2018( فهو سلسلة<br />

بوي فاي في ليمانيو،‏ بتهيئة فضاءات<br />

للتوقّف مندمجة المحيط،‏ وقطارا مسنّنا،‏<br />

ومنارات للتبليغ والوقاية تمّ‏ التشاور<br />

حولها محلّيّا.‏<br />

المعبد الروماني ‏»موقع اليونسكو للتراث«.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

تتولى شبكة المواقع الكبرى بفرنسا<br />

تقديم تكوين باللغة الفرنسية للمتصرفين في<br />

مواقع العالم أجمع تحت إشراف اليونسكو.‏<br />

تكوين يسمح بتبادل الخبرات بين أكثر من<br />

خمسة وثالثين بلدا حول التسيير المندمج<br />

للمواقع وتحسيس المواطنين الذي يظلّ‏<br />

في قلب هذه العمليّة.‏ من البديهي أن بعض<br />

المواقع مثل تلك الواقعة داخل األسوار<br />

والجدران والتحصينات تصعب حمايتها<br />

أكثر من سواها،‏ وتؤكد ذلك غرافاري-‏<br />

برباس بقولها:‏ ‏»في بعض األحيان تسعى<br />

األوساط التي تعيش على السياحة من أجل<br />

تواصل سياسة الالمباالة،‏ بل وحتى سياسة<br />

التحفيز السياحي.‏ لكن اإلدراج ضمن قائمة<br />

اليونسكو يوفّر للمدن الوسائل المساعدة<br />

على ممارسة الضغط المحلّيّ‏ و ذلك بالتلويح<br />

بتهديد التسجيل ضمن قائمة التراث العالمي<br />

المعرّ‏ ض للخطر،‏ بل وحتى الشّطْ‏ ب من<br />

القائمة.‏ من ذلك أن ليفربول وجدت نفسها<br />

مسجّ‏ لة على قائمة التراث العالمي المهدّد<br />

وذلك خاصّ‏ ة بسبب مشاريع عقاريّة من<br />

شأنها تشويه القيمة الكونيّة الفريدة للمكان.‏<br />

كما أدّى مشروع بناء برج فندق كونتيننتال<br />

بمدينة فيينّا إلى نفس المصير،ألنه يعتدي<br />

بشكل كبير على مشهد الذي خلّده برناردو<br />

بلوتو )1761-1758( في لوحة فنّيّة«.‏<br />

أصبحت برشلونة تدفع ثمن نجاحها<br />

بعد أن اختارت السياحة المكثفة زهيدة<br />

الثمن.‏ أما الصين،‏ فتشكّل في هذا المجال<br />

واجهة مثالية تبرز فيها قوّتها وقدرتها<br />

على االبتكار الدائم.‏ إذا كانت فرنسا قد<br />

استطاعت إحياء تراثها،‏ فإن السياحة لم<br />

تعد تحظى بوزارة خاصة منذ 1995 في<br />

حين عرف البعد االقتصادي صحوة غير<br />

مسبوقة.‏ هذه الرؤية القاصرة تجعل مهمّة<br />

أولئك الذين يعملون من أجل إيجاد توازن<br />

متناغم ومستدام بين األبعاد االقتصاديّة<br />

والبيئيّة والبشريّة مهمّة صعبة.‏<br />

مدينة جايبور في الهند ‏»موقع اليونسكو للتراث«‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

4( تقرير اليونسكو-ايكوموس عن بعثة الرصد التفاعلي إلى<br />

الحيّ‏ القديم بدوبرفنيتك،‏ كرواتيا،‏ اليونسكو،‏ المجلس العالمي<br />

للمعالم والمواقع،‏ نوفمبر/تشرين الثاني 2015،<br />

http://whc.unesco.org


عدد - 41 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

جون برجر،‏ الكشاف<br />

ماري-نوال ريو Marie-Noël Rio<br />

الكتاب األول لجون برجر Berger()2017-1926( )John نُشر<br />

بلندن سنة 1958 وتمّ‏ منعه من البيع على الفور،‏ ولم يسمح بتداوله إال<br />

سنة 1976، وهو رواية بعنوان « رسّ‏ ام من عصرنا«)‏‎1‎‏(.‏ يوم 16<br />

أكتوبر/تشرين األول 1956، أي خالل األسبوع الالحق لإلفتتاح الناجح<br />

لمعرضه األول بعد عشرين عاما من التجاهل،‏ توفّي الرسّ‏ ام المجري<br />

‏»يانوس الفان«‏ وهو في العقد السادس من العمر.‏ هو شيوعيّا فرّ‏ من<br />

نظام ‏»ميكلوس هورثي«‏ خالل العشرينات،‏ واستقرّ‏ في لندن منذ سنة<br />

1938. في مرسمه المهجور،‏ عثر صديقه جون على كرّاس مسوّداتِ‏<br />

رسومه الذي اتخذه دفترا يدوّن عليه يومياته انطالقا من سنة 1952،<br />

تأسست الرواية على ما ورد معها من تعليقات حرّرها جون وعلى<br />

فحوى الرسالة التي تلقّاها من يانوس خمسة عشر يوما قبل اختفائه وهو<br />

في طريقه إلى مدينة ‏»بودابست«‏ عند انطالق التمرّد.‏<br />

أحداث حياة يانوس تتقاطع في الرواية:‏ ‏“الزلو”‏ صديق الشباب<br />

الذي بقي في المجر وأصبح مسؤوال سياسيا وقتل شنقا في شهر <strong>جويلية</strong>/‏<br />

تمّوز 1952 بتهمة الخيانة،‏ واإليمان باالشتراكية،‏ وحياة المنفى،‏<br />

والمصاعب المادّيّة والعمل بال كلل في المرسم.‏ لم يكن يبيع شيئا،‏ بل<br />

كان يكسب قليال من المال عن طريق تقديم دروس في مدرسة للفنون<br />

الجميلة.‏ كيف يمكن الصمود رغم الوسط المتعفّن لألروقة والنقّاد<br />

والمؤسسات الخانعة واألثرياء من جامعي األعمال الفنية؟ كيف يمكن<br />

للفنّان أن يكون نافعا في مجتمع ليس راغبا فيه؟ كيف يمكنه ممارسة<br />

اختياره السياسي الثوري؟ تتمثّل مهمة الفنّان في طرح أسئلة ملموسة<br />

جدّا،‏ وفي الحلول الواقعية جدّا التي يقدّمها لها تتحدّد هويّته ومسؤوليته<br />

االجتماعية،‏ وعالقته السياسية بالواقع ال عبر التعبير عن الفكرة وتقديم<br />

األدلة عليها.‏ هذا يعني أن الفن هو بحث عن الحقيقة،‏ حقيقة الفنان وحقيقة<br />

األثر وقد تمازجتا.‏ الوصف التفصيلي الدقيق لألحد عشر شهرا من العمل<br />

التي خصّ‏ صت إلنجاز ‏»ألعاب«،‏ وأكبر لوحة من القماش رسمها يانوس<br />

هو المثال الرائع على هذا الشرط األساسي.‏ بعثت صدى ل»أحاديث<br />

حول الرسم«‏ لشيتاو )1720-1641( ذكر كشاهد بعد ستّين عاما في<br />

‏»واآلن،‏ الدور اآلن«)‏‎2‎‏(:»مهما أوغلت في البُعد ومهما صعّدتَ‏ عاليا<br />

عليك أن تبدأ بخطوة بسيطة«.‏<br />

‏»دورك اآلن«‏ هو تبادل للرأي حول الرسم بين جون برجر في<br />

نهاية حياته في منطقة باريس وبين ابنه ‏»إيف«‏ الذي ظلّ‏ مقيما في<br />

قرية هوت سافوا حيث عاشا حتى ذلك الحين.‏ كان الرجالن يتراسالن<br />

ويتبادالن صورا،‏ هي نسخ من رسومهما الخاصّ‏ ة ‏)وقد أطلق عليها<br />

جون اسم آخر ‏»نصوص«(‏ أو من لوحات نالت إعجابهما وهي في<br />

اغلبها أعمال تصويريّة.‏ لكن السؤال ال يتعلّق بأهمية الشكل أو التجريد<br />

في العالم الحديث،‏ هذا الجدل القديم البالي،‏ بل في الضرورة الباطنية<br />

داخل العمل الذي يُنْجَ‏ ز.‏<br />

عندما عاد إلى مغامرة الكتاب المصوّر في شراكة ختامية رائعة<br />

مع صديقه المصوّر الشاعر التركي سلجوق دميرال ‏)الذي يشارك كل<br />

شهر على أعمدة جريدتنا(،‏ بدا المشروع أيسر وأخفّ‏ ، ولكن المتعة التي<br />

يمنحها متعة مُحرِّرة.‏ في عمل ‏»سموك«)‏‎3‎‏(‏ راح الرجالن يسخران<br />

ويأسفان من التحوّل إلى إنحراف فردي لذة السيجارة،‏ هذا الفاصل<br />

الوجيز للّحظة التي،‏ المشتركة،‏ تكون مدخال للحوار.لكن بصفة أوسع،‏<br />

يحيل عزل هؤالء المدخّ‏ نين على عمليات ‏»تجرّد«‏ للحياة االجتماعيّة<br />

تقودها الرأسمالية الواعظة التي اختارت بمساعدة ‏»ستار من الدّخان«‏<br />

أقامته وسائل اإلعالم أن تندّد بالمنحى المسمّم لعشّاق التّبغ عوضا<br />

عن التنديد بالتلويث الذي تخلّفه المصانع،‏ و بالتجارب النووية التي<br />

تُجريها كوريا الشمالية بدال من شجْ‏ ب الغوّاصات النووية الستّين التي<br />

تجوب المحيطات.‏ لقد كان جون برجر في كل كتاب من كتبه يجدّف<br />

ضدّ‏ التيّار بكل قوّة واعتزاز.‏<br />

جميع الحقوق محفوظة<br />

1( جون برجر:‏ ‏»رسّ‏ ام من زماننا«،‏ الورشة المعاصرة،‏ ستراسبرغ،‏ 224 <strong>2019</strong>،<br />

ص،‏ 25 يورو.‏<br />

2( جون وايف برجر:‏ ‏»دورك اآلن«،‏ الورشة المعاصرة،‏ ستراسبرغ،‏ 100 <strong>2019</strong>،<br />

ص،‏ 20 يورو.‏<br />

3( عناوين أخرى للصديقين:‏ ‏»كاتاركت«‏ )2013( و»رجل على الشاطئ«‏<br />

)2015(، وقد ظهرا في منشورات ‏»زمن حبّ‏ الملوك«.‏ مانترويل ومن المنتظر<br />

خالل سبتمبر/أيلول <strong>2019</strong>: ‏»كم الساعة؟«،‏ نوتنغ هيل،‏ طبعة دوفان.‏<br />

<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />

الفهرس<br />

الصفحة 2:<br />

المفقودون الخالدون للبنان<br />

إيمانويل حداد Emmanuel Haddad<br />

الصفحة 3:<br />

الرجوع بالتاريخ<br />

أكرم بلقايد Akram Belkaïd<br />

الصفحة 5-4:<br />

أوروبا الدفاع،‏ جيش من ورق<br />

فيليب اليماري Philippe Leymarie<br />

الصفحة 7-6:<br />

األفكار المسبقة حول اإلنعاش اإلقتصادي<br />

لورا را ييم Laura Raim<br />

الصفحة 9-8:<br />

المصالحة بين الصناعة والطبيعة<br />

الصفح 11-10:<br />

عندما كان الجنوب يراهن على ‏»البورجوازية الوطنية«‏<br />

فيفاك شيبّار Vivek Chibber<br />

الصفحة 13-12:<br />

مناضالت في تمرّد<br />

إيلوا فاالت Éloi valat<br />

الصفحة 15-14:<br />

الساحل،‏ العسكريون يستبعدون وزارة الخارجية<br />

ريمي كارايول Rémi carayol<br />

الصفحة 17-16:<br />

عدم محاكمة عنف النازية الجديدة<br />

ماسيمو بيرينالي وكريستوفر بولمان<br />

Massimo Perinelli et Christopher Pollmann<br />

الصفحة 19-18:<br />

جيوسياسية األزمة الفنزويلية<br />

الصفحة 21-20:<br />

في الهند،‏ كيف يمكن الفوز باالنتخابات بحصيلة كارثية<br />

كريستوف جافرولو Christophe Jaffrelot<br />

الصفحة 23-22:<br />

الهدية المسمومة للسياحة الثقافية<br />

جونفياف كالستر Geneviève Clastres<br />

الصفحة 24:<br />

جون برجر،‏ الكشّاف<br />

ماري-نوال ريو Marie-Noël Rio<br />

Le Monde Diplomatique - édition arabe<br />

www.editionarabdiplo.com<br />

الكسندر ماين Alexander Main<br />

جان غادراي Jean Gadrey

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!