جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 22 <strong>2019</strong><br />
التراث العالمي لليونسكو،<br />
الهدية المسمومة<br />
كلّ سنة، يترشّ ح حواليْ خمسين موقعا طبيعيا أو ثقافيا للتسجيل على<br />
قائمة التراث العالمي، وهو تسجيل يمنحها الحماية لصالح البشريّة جمعاء. إالّ<br />
أن اليونسكو بمنحها هذا التصنيف توجّ ه كذلك قوّة أفواج السيّاح. ولئن كان ذلك<br />
متنفّسا مادّيّا مجزيا فإنه يمكن أن يكون مدمّرا .<br />
»فجأة، بدأت ألبي تظهر على خارطة<br />
العالم. تمّ تسجيل هذا الحيّ األسقفي على<br />
قائمة التراث العالمي التابع لليونسكو<br />
)منظمة األمم المتحدة للتربية والعلوم<br />
والثقافة( يوم 31 <strong>جويلية</strong>/تمّوز2010.<br />
في صباح اليوم التالي، احتشد في المدينة<br />
خاس كثر، و صار الناس يزورون<br />
لالستطالع«. مازالت مديرة الشؤون<br />
الثقافية والتراث والعالقات الدولية بألبي<br />
ماري-آف كورتاس تتذكّر جيّدا هذا اليوم<br />
الذي غيّر نمط الحياة في هذا الحيّ المبني<br />
باآلجر، وفي سكّانها البالغ عددهم 52 ألف<br />
نسمة. منذ ذلك الحين، زاد عدد السيّاح<br />
بأكثر من الضعف، إذ مرّ من 700 ألف<br />
زائر في السنة إلى مليون سنة 2011، ثم<br />
إلى مليون ونصف سنة 2016 وإن تراجع<br />
العدد قليال سنة 2017...<br />
االعتراف بالقيمة«. يتمّ سنويّا تسجيل<br />
موقع أو موقعين. تضمّ فرنسا 44 موقعا<br />
مسجّ ال في قائمة التراث العالمي تقسيمها<br />
كاآلتي: 39 موقعا ثقافيا وأربعة مواقع<br />
طبيعية وموقع واحد مشترك. قصد استباق<br />
نتائج هذا التشريف وجب على آلبي إعداد<br />
مخطّ ط للتصرّ ف بهدف ضمان الحفاظ<br />
على القيمة الكونية االستثنائية لهذا المعلم<br />
وكذلك تشريك جميع األطراف على المدى<br />
الطويل حتى ال تتحوّل المدينة إلى متحف.<br />
تشرح األمر بقولها: »غرافاي-برباس««<br />
في بعض األحيان، يتحوّل هذا الترسيم إلى<br />
إشكالية بسبب اإلفراط في صدق العزيمة<br />
. في كثير من المدن، اختار التهذيب<br />
»أصولية تاريخية« أو »أصولية زمنية«<br />
تبلغ في بعض األحيان حدّ حصر المدينة<br />
في عصر محدّد«.<br />
السلطات الحاكمة في المنطقة بجمع كل<br />
السكان قصد االنكباب على مواضيع<br />
متنوّعة مثل وقوف السيارات في المدينة،<br />
والمحالّ ت التجارية الصغيرة، والتأثيث<br />
الحضري، الخ.<br />
سنة 2014، تمت التوأمة بين البي<br />
وليجيانغ، وهي مدينة من مقاطعة يونن تقع<br />
على طريق القوافل القديمة الرابطة بين<br />
المقاطعة والتيبت على ارتفاع 2400 متر<br />
من سطح البحر سنة 1986 وبعد تصنيف<br />
مدينتها العتيقة دايان ضمن الكنز الوطني<br />
الصيني، أخذت شهرتها تتزايد بفضل<br />
أزقّتها الصغيرة المرصّ فة والمحفوفة<br />
بالقنوات ومعمارها الفريد. على الرغم من<br />
حدوث رجّات أرضية كثيرة آخرها كان في<br />
شهر فيفري/ شباط 1996، أمكن الحفاظ<br />
على تراثها الالّمادي وعلى مساكنها<br />
التقليدية الكائنة في المدينة العتيقة، األمر<br />
الذي دفع باليونسكو إلى االعتراف بها<br />
وتسجيل هذا الموقع على قائماتها سنة<br />
1997. عرفت المدينة في ظرف سنوات<br />
قليلة تحوّال غير مسبوق)1(، إذ مرّ عدد<br />
السيّاح من أقلّ عن 200 ألف سنة 1992<br />
إلى 1.7 مليون سائح سنة 1997، و2.6<br />
مليون سنة 1999 وأكثر من 4 ماليين سنة<br />
2005 و5.3 ماليين عام 2008...<br />
بالنسبة إلى السكان وخاصة الذين<br />
يقطعون األحياء العتيقة وأغلبهم من<br />
»الناكسي«-وهو شعب تيبتي برماني-<br />
كانت النتائج كارثيّة: منذ مطلع سنوات<br />
األلفين أصبح قلب المدينة بتراثه<br />
المعماري الفريد جيبا سياحيا تتكاثر فيه<br />
الفنادق والمطاعم والحانات... أصبح<br />
السكان المحلّيّون يفضلون تأجير محالّ تهم<br />
لتجّار وافدين من المقاطعات المجاورة...<br />
و انتقلوا هم للسكنى في المدينة الجديدة.<br />
في غضون بضع سنوات، أصبحت<br />
ليجيانغ ديكورا وقعت التضحية بجزء<br />
منه على مذبح السياحة. الزالت تعترض<br />
الزائرَ نساء »النّاكسي« وقد جئن للتجارة<br />
أو لمجرّ د التّجوال، ولكن السيّاح ظلّوا<br />
يحتلّون المرتبة األولى. بلغ األمر<br />
باليونسكو سنة 2008 حدّ تحذير البلديّة،<br />
حاثّة إيّاها على استرجاع إدارة شؤون<br />
المدينة وإال فإنه سيقع إدراجها في قائمة<br />
التراث المهدّد بالزوال...<br />
هنا بالذات نلمس تناقض السياحة<br />
وهي المنشودة والتي تلقى التشجيع ألنها<br />
تدرّ العُمْلة الصعبة وتجرّ النّموّ واألمل،<br />
ولكنها تصبح مخشية الجانب عندما<br />
ينكسر التوازن. يدمّر الزائرون المواقع<br />
التي يقدّسونها عن طريق اقتالع أعمدة<br />
»الكرنك« وما يسبّبونه من انحتات<br />
للفضاءات الطبيعيّة في بوي دي دوم ومن<br />
تهرئة لكهف »السكو«، ورفس ماشو<br />
بيكشو، كما أنهم يثيرون سخط السكّان<br />
الذين كانوا ينتظرون زيارتهم.<br />
في ليجيانغ، وعلى مرّ السنوات، تم<br />
اتّخاذ بعض التدابير، ولكنه أصبح من<br />
المستحيل إرجاع المدينة إلى السكّان.<br />
في هذه النقطة بالذات، سلّمت اليونسكو<br />
باألمر الواقع. فرّ قلب مدينة الناكسي من<br />
مركزها الذي استقبل... 46 مليون زائر<br />
خالل العام المنقضي. تشهد ايمانوال<br />
لوران طالبة الدكتوراه في انتروبولوجيا<br />
العالم الصيني في المعهد الوطني للغات<br />
والحضارات الشرقية )اينالكو()2(:<br />
»أتذكّر ذلك اليوم الذي تكاثر فيه عدد<br />
السيّاح في المدينة العتيقة إلى درجة اللجوء<br />
إلى الشبكات االجتماعية لتنبيه األهالي إلى<br />
ضرورة تجنّب دخول هذه المنطقة«.<br />
مع ذلك، تحتاج النتيجة إلى<br />
تنسيب)3(. تمتّعت مدينة ليجيانغ كذلك<br />
بعدد كبير من عمليات الترميم. زيادة<br />
على التراث المادّي، ينبغي أن نذكر تأثير<br />
السياحة في شعب ناكسي وثقافة دونغبا<br />
التي أدرجت أبوابٌ كثيرة منها في قائمة<br />
التراث الثقافي الالّمادّي بين سنتي 2006<br />
و2014. الدونغبا،وهم سحرة ناكسي<br />
المعروفون بكتاباتهم التصويرية ما انفكّوا<br />
يفتنون الزّ وّار. ولئن لم تكن الصين تنتظر<br />
هذه المِنّة إلساءة معاملة هؤالء السكان فإن<br />
التطور الحالي يمكن أن يخلّف آثارا غير<br />
متوقّعة تتراوح بين األسوأ واألفضل...<br />
تفسّر ايمانوال لوران ذلك بقولها: »من<br />
الصعب كسب لقمة العيش عن طريق<br />
نشاط »دنغبا« وحده. يعثر البعض، وهم<br />
في أغلبهم من الشباب، على شغل في<br />
الميدان السياحي حيث يستثمرون معارفهم<br />
قصد كسب بعض المال. بينما يندّد بهم<br />
جونفياف كالستر * Clastres Geneviève<br />
جميع الحقوق محفوظة<br />
خطر المتحفية<br />
غالبا ما يكون التسجيل في قائمة<br />
التراث العالمي متعلّقا بمواقع كانت تشهد<br />
بالفعل إقباال كبيرا. مع ذلك، يبقى »مفعول<br />
اليونسكو« قائما وحقيقيا، إذ تقول ماريا<br />
غرافري-برباس مديرة كرسي اليونسكو<br />
للثقافة والسياحة والتنمية بجامعة باريس<br />
1بنتيون-الصربون: »التسجيل هو ضمان<br />
لجودة الموقع سواء كان طبيعيا أو ثقافيا.<br />
هو في نظر الزّ وّار المحتملين بمثابة<br />
* صحفية، أشرفت على المؤلَّف الجماعي: »عشر سنوات من السياحة<br />
المستدامة«،سلسلة »فلنسافر بطريقة أخرى«،بور-الس- فالنس،<br />
.2018<br />
لتجنّب هذا المطبّ ، عمدتْ<br />
اللجنة المسيّرة للموقع منذ البدء إلى<br />
تشريك المؤسسات والشركاء الثقافيين<br />
والعلميين وشخصيات من ذوي الكفاءة،<br />
لكن أيضا المهنيين في مجال السياحة<br />
وعموم السكّان. تؤكّد كورتاس أن<br />
الحي األسقفي ال يرغب في التركيز<br />
على المقاربة “التراثية” فحسب. نحن<br />
نتناول كذلك الجانب اإلنساني والجانب<br />
االقتصادي والتفاعل بينهما. باإلضافة<br />
إلى ذلك، نقوم باإلشراف داخل المنطقة<br />
العازلة على أنشطة تخضع لنفس درجة<br />
الجودة والعناية«. في كل سنة، تسمح<br />
»جسر القوس« أحد المعالم التاريخية في ايرلندا.<br />
جميع الحقوق محفوظة<br />
1( »السياحة و الهويّة في جنوب الصين. حالة الناكسي<br />
في ليجيانغ« ضمن: جان-ماري فورت وفرانك ميشال<br />
)إشراف(« السياحات والهويّات«، لرمتّان، سلسلة »السياحات<br />
والمجتمعات« باريس، 2006.<br />
2( ايمانوال لوران: »حول المحافظة على ثقافة الناكسي في<br />
ليجيانغ«، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، http://bulac.<br />
hypotheses.org<br />
3( هيثر بيترز: »الرقص في السوق: إعادة تشكيل التجارة<br />
والتراث في ليجيانغ« في »تامي بلومنفيلد وهيالين سلفرمان<br />
)تحت إشراف( »سياسة التراث الثقافي في الصين«، سبرنغر،<br />
نيويورك، 2013.