جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
11 <strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب <strong>2019</strong><br />
على »البورجوازية الوطنية«<br />
الجنوب التي انتهجت سياسة تنموية لم تكن تتوفّر فيها القدرة<br />
المؤسساتية الضرورية لتطبيق سياستها االقتصاديّة. من هنا،<br />
تولّد السؤال اآلخر: إذا كانت سياسة االقتصاد الموجّ ه تتطلب<br />
قدرا معيّنا من إرساء دعائم الدولة، لماذا لم تبْن النخب السياسية<br />
المؤسّ سات المالئمة؟ ربما بسبب معارضة »شريكها« الرئيسي:<br />
»البورجوازيّة الوطنيّة«.<br />
التأكد من أن المال العام<br />
استخدم للغايات المرجوة<br />
ينبغي هنا أن يُفهَم التعبير بالمعنى الذي قصده منه واضعوه<br />
وهم ماركسيو العالمية األولى وخاصة العالمية الثالثة. هو تعبير<br />
يقصد به الرأسماليون المحليون الذين يراهنون على السوق الوطنية<br />
ويسعوْ ن إلى التحرّ ر من قبضة السلطة المركزيّة، و يتحالفون مع<br />
الدولة باسم التصنيع. في ضوء هذا التعريف، يبدو أن فرضيّة<br />
معارضة الرأسماليين الوطنيين لتقوية الدولة أمر فيه مفارقة ألنّ<br />
مثل هذا النهج يعرقل ازدهارهم الشخصي. فعال، لم يكن منظروا<br />
الخمسينات يتوقّعون هذا األمر: األدبيات النظريّة لذلك العهد<br />
ترفض هذا االحتمال.<br />
ينسب أنصار التقليد الماركسي هذا الدور السلبي إلى طائفة<br />
أخرى من البورجوازية وهي الكمبرادوريّة. هؤالء الرأسماليون<br />
المحليون الذين كانوا في الغالب يقيمون عالقات متينة مع المدن<br />
الكبرى عبر أنشطة تجارة أو مضاربة سواء كانت مرتبطة أو غير<br />
مرتبطة بتصدير المنتوجات الفالحية، كان يشكّ في انخراطهم في<br />
عملية التنمية الوطنية. صحيح أن الصناعيين الوطنيين لم يكونوا<br />
يُعتبرون شركاء في المسائل االجتماعية، ولكن كان يُتصوّر أنّه<br />
يمكن التعويل عليهم في السعي إلى إنشاء نموذج بورجوازي<br />
للتنمية. كانوا يُعتبرون ال غنى عنهم لتحقيقه.<br />
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت النخب السياسية في كل من<br />
أمريكا الجنوبية والهند وبعض مناطق الشرق األوسط تطمح إلى<br />
تصنيع اقتصاداتها بأسرع وقت ممكن. لكنّ عددا هامّا من التجارب<br />
السابقة قد أثبت أن الصناعيين إذا ما تُركُوا على هواهم يتردّدون<br />
في االستثمار في القطاعات التي ال تعد بالنموّ إال على المدى<br />
الطويل. ثم إن المنتجات التي تدرّ أرباحا سريعة ومرتفعة تكون<br />
في أغلب األحيان ذات مردود اجتماعي ضعيف بل و حتى معدوم.<br />
من ثمّ، سعت سياسة التخطيط الصناعي إلى دفع للمؤسسات إلى<br />
السير في اتّجاه يشجّ ع على تحقيق هذين النوعين من اإلنتاجية في<br />
وقت واحد: اإلنتاجية االقتصادية واالجتماعية، سعى المخطّ طون<br />
في الجملة إلى اتّباع طريقة مَرِ نَة هدفها إقناع شركائهم: تقديم<br />
المنح وإسناد قروض بفوائض ضعيفة ومنح امتيازات جبائيّة، الخ.<br />
رغم ذلك، احتفظت السياسة الصناعيّة بخيار اللجوء إلى إجراء<br />
قسري في حال المقاومة حتى تتاكد من استعمال المال العام فعليّا<br />
في خدمة األهداف المرجوّة. باختصار، يرى النظام باعتباره يقدم<br />
هذه المساعدة للصناعيين أن هؤالء ال يستطيعون إنفاقه في ما<br />
أرادوا و كيفما أرادوا.<br />
تشاركية المخاطرة،<br />
واستيالء خاص للربح<br />
أما الرأسماليون فلهم من جهتهم رأي مخالف. إن التصنيع<br />
البديل لعمليات التوريد يحميهم من المنافسة الخارجيّة. سرعان ما<br />
وجدت األسواق المحلية نفسَ ها في قطاعات كثيرة رهينة احتكار<br />
حفنة من الصناعيين: يتطلّب اتّباع اقتصاد الحجم االستثمار<br />
الواسع في وسائل اإلنتاج، وهذا ما خدم مصلحة الصناعيين<br />
المبادرين، وزاد هذا االمتياز فتعزّز بميزة أخرى يوفّرها<br />
التصنيع البديل عن التوريد تتمثّل في التّحديد المتعمّد، عن<br />
طريق الوسائل اإلدارية، لعدد المنتجين في قطاع معين ذلك أن<br />
الحجم الصغير للسّ وق كان يبعث في نفوس المسيّرين الخوف من<br />
المنافسة المفرطة أو المدمّرة.<br />
من ناحيتهم رأى الرأسماليون األشياء بشكل مختلف. بمجرّ د<br />
تحصينهم ضدّ المنافسة الخارجية يحصل الرأسماليون المحليون<br />
على شبه احتكار ألسواقهم الخاصة: ومن ثمّ لم يعودوا معنيين<br />
باالبتكار واالستثمار والتعصير. في نظام إنتاج، مثل هذا، ال يوجد<br />
جميع الحقوق محفوظة<br />
أيّ داع الستعمال المنح لتحسين الجهاز القائم بل من األفضل إطالق<br />
أنشطة أخرى في قطاعات أخرى قصد التمتع بامتياز الرّ يادة.<br />
لذلك مثّلت سياسة التصنيع البديل عن التوريد بالنسبة إلى<br />
البورجوازية المحلية ريع فوائد لكن بشرط اقتصار هذه السياسة<br />
على توزيع المنح دون أن يكون للمسؤولين السياسيين إمكانية مراقبة<br />
صرفها. لذلك، كانوا ينظرون إلى المكوّن التأديبي للتصنيع البديل عن<br />
التوريد على أنه عائق ال يمكن القبول به.<br />
لم يكن الصراع بين البورجوازية الوطنية والمخطّ طين<br />
االقتصاديين ظاهرا على الدّوام. كان يحدث أن يطلب الصناعيون<br />
من الدولة رعاية التنمية. لكن ما كانوا يؤمّلونه هو أن يُوضَ ع المال<br />
العامّ على ذمّتهم ال أن يتمّ إدخال عنصر آخر من عناصر التخطيط<br />
االقتصادي. باختصار، تشريك المجتمع بأكمله في تحمّل المخاطر<br />
المحتملة دون أن يؤدّي ذلك إلى تهديد استئثارهم باألرباح.<br />
الصناعة والطبيعة<br />
المرتبطة بباحثين، والتي نشرت<br />
في جانفي 2017 تقريرا بعنوان:<br />
»مليون موطن شغل من أجل<br />
المناخ«. من بين فروع النشاط<br />
التي تشهد توسعا، نجد االقتصاد<br />
في المواد، وآليات النقل ذات<br />
الحركية الهادئة أو ذات االنبعاثات<br />
الضئيلة والصناعات المرتبطة<br />
بإعادة التهيئة الحرارية للمساكن<br />
والبناءات، إلخ...<br />
إذا كان صحيحا أن التشغيل<br />
في مجمل القطاع الصناعي قد<br />
تراجع بنسبة %46 خالل الفترة<br />
المتراوحة بين ذروته التاريخية<br />
سنة 1974 و2016، نجد بعض<br />
فروع النشاط الصناعي التي<br />
حققت أكثر من الصمود)13(. تم<br />
تسجيل نسبة نمو أكبر)مضاعفة<br />
عدد العاملين وأكثر( في مجاالت<br />
»إنتاج وتوزيع المياه، والتطهير<br />
والتصرف في النفايات ونزع<br />
التلوث«. يضم هذا النشاط مستقبال<br />
مواطن شغل أكبر عددا من تلك<br />
المسجلة في قطاع »إنتاج وتوزيع<br />
الكهرباء والغاز والبخار والهواء<br />
المكيف«، الذي ظل عدد المشتغلين<br />
فيه مستقرا. إال أن هذين النشاطين<br />
الصناعيين أصبحا مطالبين<br />
بتحقيق نسق نمو متسارع في<br />
ظل توسع أنشطة الرسكلة ونزع<br />
التلوث )التي يتعين أن نضيف<br />
إليها نشاط تفكيك القطاع النووي(<br />
وانتعاشة الطاقات المتجددة، في<br />
اتجاه إرساء أنشطة تحقق القرب<br />
وتكون بمنأى عن سطوة الشركات<br />
متعددة الجنسيات، التي تحيد بها<br />
عن غاياتها األصلية.<br />
هناك تغيرات عميقة ستطال<br />
أنماط العيش. غير أن المطالبة<br />
بتوفير منتجات مبسطة ووظيفية<br />
في مواجهة النزعة االستهالكية،<br />
سيتبين أنه لن يكون كافيا إذا ما لم<br />
نحدد أية فئات اجتماعية ستكون<br />
مدعوة ألن تغير سلوكياتها بقدر<br />
أكبر باسم المصلحة العامة. هذا<br />
األمر مرتبط أيضا وثيق االرتباط<br />
بالجهود المتصلة بحماية البيئة<br />
كما بالجباية: سياسات عادلة<br />
أو غير منصفة. عندما يتسبب<br />
كبار األغنياء في حجم انبعاثات<br />
غازية تفاقم االحتباس الحراري<br />
ثالثين أو أربعين ضعفا مقارنة<br />
بحجم االنبعاثات التي يتسبب<br />
فيها ال %10 من السكان األكثر<br />
فقرا، في وقت تمثل فيه ضريبة<br />
الكاربون الحالية وطأة أقل<br />
بأربع مرات على مداخيل الفئة<br />
األولى، أي األغنياء)14(، فإن<br />
الحيف الصارخ ينجم عنه رفض<br />
واسع لإلجراءات المفروضة.<br />
يمثل الحد من مظاهر التفاوت<br />
جزءا من شروط القبول بالصيغ<br />
المبسطة والمعتدلة لالستهالك<br />
الطاقي والمادي.<br />
أما بالنسبة لدرجة مقبولية<br />
تغيير النشاط التشغيلي أو العمل،<br />
سيتمثل الرهان الحيوي في<br />
تأمين المسارات المهنية لألجراء<br />
الذين يواجهون مخاطر تتهدد<br />
موطن شغلهم الحالي، سواء<br />
على مستوى حوض التشغيل<br />
أو على مستوى قريب من هذا<br />
الحوض. مع هذا العنصر المكمل<br />
األساسي، يمكن الحديث عن<br />
أن االنتهاء من اإلنتاجية ومن<br />
النزعة التكنولوجية الجامحة،<br />
يمثل، في المحصلة، أفقا مرغوبا<br />
فيه بقدر واسع. سواء تعلق األمر<br />
بتحسين ظروف عملهم، أو<br />
بتعزيز جدوى نشاطهم اإلنتاجي<br />
أو بتمكين المجتمع من أن يمسك<br />
مجددا بزمام مستقبله.<br />
www.emplois-climat.fr )12<br />
13( سالسل مطولة صادرة عن الممعهد الوطني<br />
الفرنسي لإلحصاءات حول التشغيل حسب فروع<br />
النشاط.<br />
14( قوموا، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018،<br />
http://blogs.alternatives-economiques.fr