جريدة لوموند ديبلوماتيك جويلية/أوت 2019
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
العدد الجديد من جريدة لوموند ديبلوماتيك
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>جويلية</strong>/<strong>أوت</strong> - تموز/آب 14 <strong>2019</strong><br />
مآزق الخيار<br />
الساحل، العسكريون<br />
رغم االنتشار العسكري الكبير )العملية الفرنسية برفان وبعثة األمم المتحدة إلخ(، تتضاعف<br />
المجازر ضد المدنيين في مالي وفي المنطقة. السبب غير المعروف لهذا المأزق: أصبح الساحل حكرا<br />
للعسكريين الذين يفرضون على وزارة الخارجية الفرنسية رؤية أمنية ضيقة للغاية لضمان النجاعة.<br />
عندما قام سالح الطيران الفرنسي في<br />
فيفري/شباط الماضي بقصف قافلة من الدبابات<br />
التابعة التحاد قوى المقاومة«، وهي حركة تشادية<br />
معارضة مسلحة، لم يتردد المعلقون في التذكير<br />
بالتاريخ الطويل لتدخالت المستعمر السابق في<br />
شؤون تشاد)1(. هذه العملية، التي قد يكون قتل<br />
خاللها عدد كبير من أعضاء اتحاد قوى المقاومة،<br />
تتسم بسمة فريدة على مستوى نقطة واحدة: ألول<br />
مرة منذ أمد بعيد، تتحمل باريس كامل مسؤولياتها<br />
في استخدام القوة في نطاق قضية سياسية داخلية،<br />
ما وضع حليفها في موقف محرج، رغم أن<br />
هذا الحليف هو إدريس ديبي إيتنو الرجل غير<br />
الديمقراطي كفاية)2(.<br />
فرنسا »لم تعد تكتفي بخلق الظروف المالئمة<br />
النتصار يحققه الجيش التشادي... إنها تقوم بنفسها<br />
بقصف المتمردين«. حسب تأكيد المختصة في<br />
الشؤون السياسية، ماريال ديبوس في استعادة<br />
للخطاب الدعائي للنظام الديكتاتوري التشادي، الذي<br />
يرى أن المتمردين ليسوا سوى »إرهابيين«، ذهب<br />
وزير الشؤون الخارجية، جان إيف لودريان، إلى<br />
حد مقارنة هذا القصف بتدخل الطيران الفرنسي<br />
عند انطالق عملية سارفال في مالي. يذكر أن تلك<br />
العملية قد أتاحت في جانفي/كانون الثاني 2013،<br />
وقف هجمة قافلة من الجهاديين كانوا يهددون<br />
باماكو.<br />
رئيس النيجر، محمدو إيسوفو، الذي انتخب<br />
سنة 2011 وتمت إعادة انتخابه سنة 2016، يبدو<br />
بدوره شخصا مدعوما بشكل كامل تماما مثل نظيره<br />
التشادي، على الرغم من االنتهاكات العديدة لحرية<br />
التعبير في بالده. أعطى إيسوفو الحرية الكاملة<br />
لتحرك الجيش الفرنسي، الذي يملك قاعدة في نيامي<br />
تقلع منها الطائرات المسيرة رسميا، من أجل مراقبة<br />
تحركات اإلرهابيين في منطقة الساحل)3(. يوضح<br />
لنا ديبلوماسي فرنسي يعمل في المنطقة، وطلب<br />
عدم اإلفصاح عن هويته: »ألن األمر مترسخ<br />
في ثقافتهم، يعتقد العسكريون أن مواجهة الخطر<br />
اإلرهابي تتطلب وجود رجل قوي على رأس<br />
البالد. إنهم ال يريدون أن يفهموا أن الدعم المقدم<br />
لمستبدين يمكن أيضا أن يدفع بعض األشخاص إلى<br />
االنضمام للمجموعات اإلرهابية، أو أن يصبحوا،<br />
على األقل، متعاطفين مع هذه المجموعات«.<br />
غير أن النفوذ السياسي والديبلوماسي لقيادة<br />
األركان الفرنسية ما فتئ يتعاظم مع تكثف انخراط<br />
باريس عسكريا في منطقة الساحل والصحراء<br />
منذ سنة 2013. يقول نفس الديبلوماسي بنبرة<br />
من المرارة: »أضحى الجانب األمني الجانب<br />
الراجح في منطقة الساحل اليوم. تبعا لذلك، أصبح<br />
العسكريون متحاورين مهمّين بالنسبة للمسؤولين<br />
السياسيين. وتحاليلهم لها األولوية مقارنة بتحاليلنا«.<br />
في بعض بلدان الساحل، أصبح الضباط<br />
الفرنسيون المخاطب األول بالنسبة لرؤساء الدول،<br />
قبل حتى السفراء. عبرت إيفلين دوكور، التي<br />
شغلت منصب سفيرة في نجامينا بين 2013 و2016<br />
ثم في باماكو بين 2016 و2018، بكامل الصراحة<br />
عن »تضايقها« من هذه »المنافسة«.<br />
بعد أن تم استدعاؤها سنة 2018 إلى<br />
باريس تم تعيينها في وظيفة المسؤول األعلى<br />
عن األراضي الجنوبية والقطبية الفرنسية،<br />
وهو منصب يعتبر بمثابة عملية تجميد لها.<br />
تروج في أروقة وزارة الخارجية إشاعات<br />
تقول بأن العسكريين هم من أطاحوا بها.<br />
تمثل هذه التجربة السلبية شاهدا على المنزلق<br />
الذي تردت فيه ديبلوماسية تم قصر دورها<br />
على مرافقة اختيارات العسكريين، وفي<br />
بعض األحيان تأمين »خدمة ما بعد البيع«:<br />
التعاون الميداني مع الميليشيات المسلحة،<br />
وحتى مع مجموعات متمردة )بالخصوص<br />
في النيجر وفي مالي(، والرفض القطعي<br />
للشروع في مفاوضات مع العدو، إلخ.<br />
يعد مثل هذا التطور ثمرة توجهين<br />
رئيسيين وظرفيات مالئمة أسهمت في<br />
تسريع المسار منذ سنة 2013. يتمثل التوجه<br />
االول في إضعاف وزارة الشؤون الخارجية.<br />
»العسكريين ال يقومون سوى باحتالل<br />
الموقع الذي تركه الديبلوماسيون شاغرا«،<br />
ذاك ما يؤكده لوران بيغو، المدير المساعد<br />
السابق المكلّف بإفريقيا الغربية بوزارة<br />
الشؤون الخارجية، والذي تمت إقالته سنة<br />
2013 بعد خالف مع وزير الخارجية آنذاك<br />
لوران فابيوس. في ظرف ثالثة عقود من<br />
الزمن، خسرت الوزارة %53 من عدد<br />
إطاراتها وأعوانها، جزء كبير منهم كانوا<br />
يعملون في القارة اإلفريقية.في العام 2017،<br />
قيّم تقرير برلماني النقص المسجل في<br />
عدد الديبلوماسسين الفرنسيين في منطقتي<br />
إفريقيا والمحيط الهندي، بنسبة %40، وذلك<br />
خالل السنوات العشر األخيرة)4(. لتفسير<br />
هذا االقتطاع الخصوصي في عدد العاملين،<br />
يؤكد الديبلوماسيون أن إفريقيا ال ينظر<br />
إليها على أنها وجهة »نبيلة« في وزارة<br />
الخارجية. تؤكد الباحثتان آلين لوبوف<br />
وهيلين كينو سواريز: »على العكس من<br />
ذلك، تعتبر إفريقيا عنوان تجربة وخبرة<br />
)وحتى عنوان فخر( في مسار العسكريين«،<br />
وهو ما يفسر أن »العسكريين واجهوا قطعا<br />
صعوبات أقل في االنتشار في هذا المجال<br />
وأحيانا في “تعويض” الديبلوماسيين«)5(.<br />
وبالتوازي مع تراجع نفوذ وزارة<br />
الخارجية، يمكن مالحظة توجه ثان برز منذ<br />
حوالي ثالثين عاما: العودة القوية للعسكريين<br />
على مستوى الحياة العامة وحتى على صعيد<br />
الخيارات السياسية والديبلوماسية، وهو ما<br />
يطلق عليه غريغوري داهو تسمية »ثأر<br />
الجنراالت«)6(.<br />
وفقا لهذا األستاذ المحاضر في جامعة<br />
باريس 1، الضباط، الذين فرض عليهم<br />
الصمت بعد حرب الجزائر، أضحوا أكثر<br />
فأكثر جرأة إزاء السياسيين. ويشير إلى أنه<br />
منذ تسعينات القرن الماضي، »حفّز البعد<br />
التقني المتنامي للعمليات، وبيروقراطية<br />
االجراءات)...( عملية إعادة إدماج جزئية<br />
للضباط الجنراالت في قلب مسالك اتخاذ<br />
القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية«.<br />
كما أن خبراتهم المكتسبة أضحت عنصرا<br />
يفرض نفسه أكثر فأكثر. يتابع غريغوري<br />
داهو مؤكدا أن المجال الترابي األبرز الذي<br />
حافظ الجيش على صالته معه، هو إفريقيا،<br />
حيث تحتفظ فرنسا بحضور تقني وعسكري<br />
منذ استقالل البلدان اإلفريقية. بحسب داهو،<br />
»أضحى محترفوا التدخالت في إفريقيا<br />
خزان الكفاءات المتاحة«. العسكريون،<br />
الذين يناصرون اعتماد استراتيجية هجومية<br />
بدال من استراتيجية االنتظار التي كانت<br />
معتمدة طيلة فترة الحرب الباردة، يتقنون<br />
جيدا الجوانب التكتيكية والمناورات. هكذا،<br />
فإنهم انتفعوا من تمشي »إعادة التوازن<br />
بين الردع واالستشراف« المنتهج خالل<br />
السنوات العشرين األخيرة، ال سيما صلب<br />
الحلف األطلسي، وفي سياق العودة القوية<br />
للنظريات المناهضة لحركات التمرد التي<br />
يسوق لها اثنان من »كبار أنصار نشر<br />
إحالل السالم االستعماري«، الماريشال<br />
جوزيف غالييني والماريشال توماس بوغو،<br />
من أجل فرض وجهة نظرهما.<br />
ومن شأن تهميش الديبلوماسيين أن<br />
يفضي إلى »تراجع على مستوى جودة<br />
التحاليل، خاصة بسبب البعد عن الميدان،<br />
وأيضا بسبب أخطاء في مجال االنتدابات«،<br />
مثلما يثير ذلك بكل انشغال بيغو، الذي يعتبر<br />
أن »وزارة الخارجية لم تعد كما في السابق<br />
مصدر مقترحات. أما العسكريون، فإنهم<br />
يسيطرون على األرض، وينتجون أفكارا<br />
بعدد أكبر من تلك التي ينتجها الديبلوماسيون.<br />
إنها أفكار عسكريين...«. مساندة فرنسا<br />
العمياء للرئيس المالي إبراهيم بوبكر كايتا،<br />
رغم عدم قدرته على إطالق مسار إصالح<br />
لجهاز الدولة، يمكن أن تمثل عنصر إجابة<br />
يفسر بمسلكية التسامح والمجاملة إزاء<br />
الجيش الفرنسي ومنح هذا األخير كل<br />
الصالحيات على أراضي بالده)7(.<br />
كما يشهد نفوذ العسكريين تعاظما<br />
في قصر اإليليزي. ينص الدستور على<br />
أن الرئيس هو قائد الجيوش. فالرئيس هو<br />
بالخصوص من يعطي اإلذن بالمشاركة في<br />
عمليات خارجية)8(. يقول تقرير برلماني:<br />
»تحتل قيادة األركان الخاصة برئيس<br />
الجمهورية أيضا فضاء متناميا باطراد، كما<br />
أن الكثير من القرارات يتم اتخاذها من قبل<br />
فاعلين من خارج الفضاء الديبلوماسي«)9(.<br />
هكذا، كان للجنرال بونوا بوغا، الذي شغل<br />
منصب قائد األركان الخاص لدى الرئيسين<br />
نيكوال ساركوزي )20072012( ثم فرنسوا<br />
هولند )20122017(، قد اضطلع بدور<br />
بارز في إطالق عملية سارفال سنة 2013:<br />
لقد أقنع هولند بأن يأمر وبشكل عاجل<br />
بتدخل القوات الخاصة. هذا الضابط، الذي<br />
1( ماريال دوبوس، »ماذا يفعل الجيش الفرنسي في تشاد؟«،<br />
ليبيراسيون، 8 فيفري/شباط <strong>2019</strong>.<br />
2( دالفين لوكوتر، »التشاد، صديق ضروري لكنه مزعج«،<br />
مجلة »مانيار دو فوار«، العدد 165، »فرنسا إفريقيا. الهيمنة<br />
والتحرر«، جوان/حزيران <strong>جويلية</strong>/تموز <strong>2019</strong>.<br />
3( »المهاجرون في فخ أغاديز«، <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>، جوان/<br />
حزيران <strong>2019</strong>.<br />
4( الديسالس بونيا توفسكي وبرنارد كازو »تدخل خارجي<br />
للدولة: تدخل فرنسا في أوروبا وفي العالم.« استشارة عدد<br />
110، لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في<br />
مجلس الشيوخ، باريس، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.<br />
5( آلين لوبوف، هيالن كينو سواريز، »سياسة فرنسا<br />
اإلفريقية في ظل فرنسوا هولند«، المعهد الفرنسي للعالقات<br />
الدولية ،)IFRI( باريس، 2014.<br />
6( غريغوري داهو، »تآكل التابوهات الجزائرية، تفسير آخر<br />
لتحوالت المنظمات العسكرية في فرنسا«، المجلة الفرنسية<br />
لعلم السياسة، باريس، مجلد 64، العدد 1، فيفري/شباط 2014.<br />
7( »في مالي: الحرب لم تحل أية مشكلة«، <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>،<br />
<strong>جويلية</strong>/تموز 8( 2018. فيليب اليماري، »من نجامينا إلى<br />
كابول، عمليات سرية فرنسية«، <strong>لوموند</strong> <strong>ديبلوماتيك</strong>، مارس/<br />
آذار 2018.<br />
9( جان كلود غيبال وفيليب بومال، »االستقرار والتنمية في<br />
إفريقيا الفرنكوفونية«، تقرير إخباري عدد 2746 المقدم من<br />
قبل لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية، باريس، 6 ماي/<br />
أيار 2015.<br />
ريمي كارايول * carayol Rémi<br />
* صحفي.<br />
ضباط تحرروا<br />
جميع الحقوق محفوظة