You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
9<br />
الوسطية<br />
وصفها باملستفيضة، وهي تعادل حجم الرسالة،<br />
إىل جانب تعليقات عى املن يف الهامش.<br />
وبهذا الجهد يكون الدكتور بدوي قد قدم<br />
إسهاما مها يف التعريف بهذه الرسالة<br />
هواألبرز يف املجال العريب، ويف دعم وتدعيم<br />
موقف التسامح عند لوك، وبات اسمه حارضا<br />
يف كل حديث يتعلق بهذه الرسالة يف املجال<br />
العريب املعارص.<br />
ويف سنة 1997م صدرت ترجمة ثانية للرسالة،<br />
أنجزتها الباحثة املرصية الدكتورة منى أبوسنة،<br />
راجعها وقدم لها الدكتور مراد وهبة، صدرت<br />
ضمن املرشوع القومي للرتجمة يف مرص.<br />
من الواضح والثابت أن رسالة لوك تنتمي<br />
إىل مجال التسامح الديني، وتتصل من ناحية<br />
املوضوع بنطاق الدين املسيحي، وتتحدد<br />
أطروحتها بصورة رئيسة يف رضورة الفصل<br />
التام بن مؤسسة السلطة الدنيوية ومؤسسة<br />
الكنيسة الدينية، والكشف عن حدود سلطة<br />
الحاكم املدين من جهة، وحدود سلطان<br />
الكنيسة من جهة أخرى.<br />
وعن هذه األطروحة يرى لوك أن الدولة<br />
هي جاعة من الناس، تكونت لغرض وحيد<br />
هواملحافظة عى خراتهم املدنية وتنميتها،<br />
وأنها مقصورة عى رعاية شؤون هذه الدنيا،<br />
وال ينبغي بأي حال من األحوال أن متتد إىل<br />
نجاة النفوس، ومتس أي يشء يتعلق بالحياة<br />
اآلخرة.<br />
أما الكنيسة فهي يف نظر لوك، جاعة حرة<br />
مؤلفة من أناس اجتمعوا بإرادتهم لعباده<br />
الله علنا، عى النحوالذي يرونه مقبوال عنده،<br />
ويكون كفيا بتحصيلهم للنجاة، ويجب أن<br />
تنحرص كل قوانن الكنيسة داخل هذه الحدود،<br />
ويف هذه الجاعة ال ميكن فعل يشء يتعلق<br />
بامتاك خرات مدنية، وال يجوز استخدام<br />
القوة هنا ألي سبب كان، لكون أن القوة هي<br />
كلها من اختصاص الحاكم املدين.<br />
وعن الحدود الفاصلة بن هاتن الجاعتن<br />
أواملؤسستن، يرى لوك وبنوع من القطع<br />
والجزم والتشدد أن هذه الحدود عى كا<br />
الجانبن ثابتة وال ميكن تغيرها، ومن يخلط<br />
بن هاتن الجاعتن املختلفتن كل االختاف يف<br />
األصل والغاية والجوهر، إنا يخلط بن الساء<br />
واألرض، بن أمرين ها يف غاية البعد والتضاد.<br />
وعند النظر يف هذه الرسالة فحصا وتبرصا،<br />
ميكن اإلشارة إىل املامح والعنارص واملاحظات<br />
اآلتية:<br />
أوال: إن من عنارص أهمية هذه الرسالة أنها<br />
حملت يف عنوانها تسمية التسامح، وتفردت<br />
بهذه التسمية، وجاءت ولفتت االنتباه إىل هذا<br />
املفهوم، وجعلته يف دائرة الضوء، وصنعت له<br />
ذاكرة، وحفرت له تاريخا، وكونت له إرثا،<br />
وشكلت له وجودا، وسجلت له أثرا ظل باقيا<br />
وممتدا وعابرا بن األمكنة واألزمنة.<br />
كا أن هذه الرسالة مثلت نصا مها يف<br />
موضوعه، وسدت فراغا حيويا، وبات من<br />
املمكن القول إن الفكر األورويب الحديث أنتج<br />
نصا يف التسامح، ميكن الرجوع له، واالستناد<br />
إليه، واالنطاق منه، والبناء والرتاكم عليه،<br />
نصا أصبح يؤرخ له يف تاريخ تطور الفكر<br />
األورويب الحديث.<br />
وتأكدت هذه املاحظة وتجلت يف االهتام<br />
املبكر بهذه الرسالة، التي تتابعت ترجاتها<br />
باللغات األوروبية املختلفة، وأول ما استوقف<br />
االنتباه فيها هوعنوانها، الذي جاء ومثل يف<br />
وقته مطلبا ملحا، وعرب عن حاجة رضورية،<br />
شعر بها وتلمسها الواعون واملتنورون<br />
األوربيون يف ذلك العرص، سواء املنتمن إىل<br />
العلم الديني أواملنتمن إىل العلم املدين.<br />
وأظن أن هذه الرسالة لوحملت عنوانا آخر<br />
غر عنوان التسامح، لكان حظها من االهتام<br />
أقل، وملا لفتت االنتباه يف وقتها وما بعد<br />
وقتها، ألن األعال تعرف بأسائها، وأول ما<br />
يستوقف االنتباه فيها هوأساؤها، والتسامح<br />
كان اسا يستوقف االنتباه كثرا يف عرصه، وما<br />
زال يستوقف االنتباه حتى يف عرصنا الراهن،<br />
فهوالذي قادنا لهذه الرسالة، وجعلنا نجدد<br />
االهتام بها بعد ما يزيد عى ثاثة قرون.<br />
ثانيا: يف هذه الرسالة قدم لوك رؤية معتدلة<br />
ومتوازنة وبعيدة عن التحيز الديني والسيايس،<br />
فلم يظهر أنه كان متحيزا ملؤسسة السلطة<br />
عى حساب مؤسسة الكنيسة، أوأنه كان<br />
متحيزا ملؤسسة الكنسية عى حساب مؤسسة<br />
السلطة، وإنا كان متحيزا ملؤسسة السلطة<br />
ومدافعا عنها يف مجالها الدنيوي، وضمن نطاق<br />
صاحياتها وحدودها يف تنمية الخرات املدنية،<br />
وحسب القوانن املرشعة لها، ومتحيزا كذلك<br />
ملؤسسة الكنيسة ومدافعا عنها يف مجالها<br />
الروحي، وضمن نطاق صاحياتها وحدودها يف<br />
تحصيل النجاة، وحسب القوانن املرشعة لها.<br />
وال شك أن الخلفية الفلسفية واملجال الفلسفي<br />
الذي ينتمي له لوك ويعرف به، قد أسهم<br />
يف اعتدال هذه الرؤية ويف توازنها، وحتى يف<br />
بلورتها وتنضيجها، وتجليتها باملستوى الذي<br />
ظهرت عليه.<br />
فقد حاول لوك يف هذه الرسالة أن يقدم رؤية<br />
حول قضية معقدة وحساسة وخطرة تتصل<br />
باملجالن الديني والسيايس، رؤية جاءت بعيدا<br />
عن فكرة املصلحة ال من جهة مؤسسة السلطة<br />
وال من جهة مؤسسة الكنيسة، ويتأكد هذا<br />
املوقف من عدم كتابة اسمه عى الرسالة<br />
حتى ال يعرف بها، وال تعرف به، وتكتم عى<br />
هذا األمر ما يقارب عقدا ونصف العقد، ومل<br />
يفصح عنه إال مع اقرتاب أجله.<br />
وأظن أن هذا االعتدال والتوازن يف الرؤية، من<br />
العوامل التي أسهمت يف رواج هذه الرسالة<br />
ومتابعتها يف عرصها وما بعده، والعناية بنرشها<br />
وترجمتها، واإلحتفاء بها باللغات األوروبية<br />
املختلفة.