02.08.2020 Views

Num226

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

ا ل حد‏ ث 10

مل يكن ما جرى خال فرة اإلغاق

الناجمة عن تفي وباء كورونا واحدا

بالنسبة للجميع.‏ فلكل منّا تجربته يف هذا

الصدد.‏ فالبعض اضطروا للحياة مبفردهم

يف عزلة كاملة لشهور متصلة،‏ فيام أُرْغِمَ‏

آخرون عى الحياة ألسابيع مع رشيك

حياة،‏ مل تعد تربطهم به أي عاطفة.‏

كام أن هناك من رأى يف شهور العزلة،‏

تجربة إيجابية وفرصة مُرحبا بها لإلبطاء

قليا من إيقاع الحياة ومامرسة أنشطة

مثل املي،‏ أو لنيل قسط من االسرخاء

مع شخص يحبه،‏ أو لاستمتاع بالوقت

عى أفضل وجه ممكن مع أطفاله.‏

وبغض النظر عن الشكل الذي اتخذته

الحياة يف فرة اإلغاق،‏ فإن مثة وجها لها

يبدو أن البر قد اشركوا فيه جميعا،‏

وهو أنها مثلت عرقلة مفاجئة للرتيبات

املعتادة ملعيشتنا ولروتني حياتنا اليومية،‏

عى نحو ال يحدث عادة.‏

فهل سيرك هذا الوقت غري املألوف

تأثرياته عى شخصياتنا يف العمق،‏ ال

عى السطح فحسب؟ وهل نشعر اآلن،‏

ونحن نعود تدريجيا ملامرسة حياتنا يف

عامل مختلف قليا،‏ بأن شخصياتنا تغريت

بعض اليء؟ وإذا كان ذلك قد حدث؛

كيف ستتكيف شخصياتنا الجديدة مع

الوضع الناجم عن استئناف التعامل مع

اآلخرين والسفر إىل الخارج مثا؟

لعل من الواجب علينا أن نشري أوال إىل

أن مفهوم الشخصية،‏ كام حدده علامء

النفس،‏ قد تغري بعض اليء قبل عقود.‏

فلفرة طويلة،‏ اعتر العلامء أن شخصية

اإلنسان - التي تتمثل يف مجموعة من

العادات والسلوكيات والعواطف واألفكار

التي تُشكِّل الهوية الفريدة له - تبقى

راسخة با تغيري،‏ عى األقل بعد أن

يتجاوز املرء مرحلة البلوغ املبكر.‏

لكن الدراسات التي أُجريت عى مدى

العقود القليلة املاضية،‏ قادت إىل بلورة

إجامع بني العلامء،‏ مفاده بأن الثبات

النسبي للخصال الشخصية،‏ ال يعني أنها

تبقى دون تغيري طوال الوقت،‏ إذ أنها

تواصل التطور باستمرار طيلة حياة املرء،‏

وتتفاعل كذلك مع ما تشهده حياته من

أحداث مهمة.‏

بعبارة أخرى،‏ ميكن القول نظريا إن مثة

احتامال – ولو كان ضئيا – بأن هناك

منّا من تغريت شخصياتهم بفعل فرة

اإلغاق.‏

عى أي حال،‏ تشري األدلة املستقاة مام

يرويه الناس عن تلك الفرة،‏ إىل صحة

هذا االفراض عى ما يبدو.‏ فرغم إدرايك

أنني كنت أكر حظا من كثريين غريي،‏

فيام يتعلق بطبيعة تجربتي مع وباء

كورونا وتبعاته حتى اآلن،‏ فإنني أعلم

كذلك،‏ أنني شعرت خال فرة اإلغاق،‏

بتغريات من قبيل الشعور بقدر أقل من

التوتر،‏ بحكم أنني مل أكن مضطرا خالها،‏

لانهامك يف السعي إلنجاز الكثري من

املهام يف وقت قصري،‏ مثلام يحدث عادة.‏

كام أنني أصبحت خال تلك الفرة،‏ أكر

انطوائية وانعزاال عن اآلخرين.‏ ويتفق

أصدقايئ – وهم كذلك ممن مل يتأثروا

بشدة بالوباء وما ترتب عليه – عى أنهم

أصبحوا مختلفني عام كانوا عليه من

قبل،‏ إذ أصبحوا أكر ولعا بالتأمل رمبا،‏

وأقل رغبة يف الوقت ذاته يف االختاط

باآلخرين.‏

ولعلنا هنا بحاجة للتعرف عى رأي

مريجام ستيغر،‏ الباحثة يف علم النفس

بجامعة برانديس األمريكية،‏ والتي تعكف

عى تطوير تطبيق إلكروين يساعد الناس

كيف تغريت ‏شخصياتنا بسبب اإجراءات االإغالق؟

عى تغيري صفاتهم وخصالهم عمدا،‏ إذ

تقول:‏ ‏»من املرجح أن تكون هذه الفرة

ذات السامت غري املسبوقة،‏ قد شكلّت

طبيعة شخصيات البر بدرجة ما،‏ يف ضوء

أنهم أُجروا عى أن يركوا خالها روتينهم

اليومي املعتاد واملريح«.‏

من جهة أخرى،‏ رمبا تكون الشهور

الطويلة التي غرينا فيها عاداتنا ونط

حياتنا خال تطبيق تدابري اإلغاق،‏ قد

أحدثت تغريات يف سلوكياتنا،‏ ستستمر

لوقت طويل،‏ حتى بعد أن تنتهي أزمة

الوباء الحايل.‏ وتقول ويبك بليدورن،‏

من مختر تغيري الشخصية بجامعة

كاليفورنيا–دافيز،‏ إن الوضع الراهن ‏»رمبا

يؤدي إىل ظهور معايري جديدة،‏ قد تُشكِّل

عى أساسها شخصياتنا مبرور الوقت«.‏

وعى الرغم من أن الكثري من الخراء

الذين تواصلت معهم،‏ رجحوا أن يكون

الوباء وما صاحبه من تدابري إغاق،‏ قد

أديا إىل تغيري يف شخصياتنا بقدر محدود

عى األقل،‏ فإنهم أشاروا يف الوقت نفسه

إىل أنه من العسري للغاية،‏ أن نحدد مدى

التغري الذي لحق بنا يف هذا الصدد،‏ أو

نعرف يقينا الطرق التي حدث بها.‏

ومن بني أسباب ذلك؛ االفتقار إىل ما

يُعرف ب ‏»البيانات الطولية«،‏ التي تُستمد

من إجراء دراسات عى مدار سنوات

متعاقبة للتعرف عى تأثري عوامل

ومتغريات بعينها عى املبحوثني أنفسهم.‏

كام يعود ذلك أيضا،‏ إىل أن تجارب الناس

مع اإلغاق،‏ كانت شديدة االختاف

عن بعضها بعضا،‏ وأنها تأثرت بصفاتهم

وخصالهم،‏ يف فرة ما قبل الوباء.‏

وتقول روديكا داميان،‏ الباحثة يف مختر

النجاح وتطوير الشخصية بجامعة

هيوسنت األمريكية،‏ إنها ال تعتقد أنه

سيكون هناك تأثري عام عى شخصيات

البر تُخلّفه فرة اإلغاق،‏ أو بعبارة

أخرى؛ ‏»اتجاه غالب،‏ يُظهره غالبية

الناس«‏ يف هذا الصدد.‏

وتعزز بعض البيانات األوليّة وجهة النظر

هذه،‏ مثل ما خَلُصت إليه دراسة مل

تُنر بعد،‏ قادتها أنجلينا سوتني،‏ خبرية

علم النفس يف جامعة فلوريدا ستيَت،‏

واستقصت من خالها ما إذا كانت

هناك مؤرشات تفيد بحدوث تغريات يف

الشخصية،‏ خال املراحل املبكرة للغاية

من تفي الوباء يف الواليات املتحدة،‏

أم ال.‏ فقد أظهرت الدراسة،‏ أنه مل تبدُ‏

عى اإلطاق أي ‏»تغريات من مستوى

متوسط«،‏ عى غالبية صفات أفراد العينة

التي شملتها.‏

كام كشفت عن أن مستوى ‏»العصابية«،‏

وهي إحدى أهم خمس صفات شخصية

يف دراسات علم النفس،‏ قد تراجع بشكل

طفيف،‏ لدى من مل يعيشوا يف عزلة خال

الفرة التالية لتفي الوباء،‏ وذلك خافا

لتوقعات البعض يف هذا الشأن.‏

يف السياق ذاته،‏ كشفت رشكة معنية

بإجراء اختبارات عى الشخصية،‏ النقاب

عن بيانات أوليّة جُمِعَت يف الواليات

املتحدة،‏ وأشارت إىل أن نتائج االختبارات

مل تتغري يف املتوسط،‏ خال األسابيع األوىل

من فرة اإلغاق،‏ وصوال إىل مطلع شهر

مايو/أيار.‏

لكن بالرغم من أن هذه البيانات،‏ تفيد

بأننا رمبا مل نكتسب ‏»شخصية جامعية«‏

متقاربة السامت بسبب فرة اإلغاق؛

عى األقل خال مراحلها املبكرة،‏ فهناك

دراسات سابقة ميكننا االستفادة من

نتائجها الستنتاج جوانب الشخصية،‏ التي

ميكن أن تكون قد تغريت لدى البعض

منّا،‏ بسبب تدابري الحجر الصحي.‏

فعى سبيل املثال،‏ رمبا يكون اإلغاق

قد أذىك بشكل كبري ظاهرة تعرف ب

‏»تأثري مايكل أنجلو«.‏ وتتعلق هذه

الظاهرة بالطريقة التي يُرجح أن تتطور

بها شخصياتنا،‏ لتصبح عى الشاكلة التي

نصبو ألن نكون عليها،‏ حال انخراطنا

يف عاقة عاطفية،‏ مع رشيك يدعمنا

ويشجعنا عى أن نترف باألسلوب الذي

يتامىش مع طموحاتنا.‏ وميكن أن يشبه

دور الريك العاطفي هنا،‏ ما يفعله

النحات الذي يعمل بجد ودأب،‏ لي

تظهر منحوتاته يف أفضل صورة.‏

ويف هذا السياق،‏ تشري الباحثة بليدورن

إىل أن فرة اإلغاق رمبا تكون قد أتاحت

الفرصة ملن هم منخرطون يف عاقات

عاطفية،‏ لاقراب بشكل أكر من رشكائهم،‏

وتعميق الروابط القامئة بينهم،‏ فضا عن

متكينهم من تأمل طبيعة الحياة التي

يعيشونها،‏ والنظر يف أولوياتها.‏

وتقول يف هذا الشأن:‏ ‏»رمبا يؤدي هذا

الوقت الذي كُرِس للتأمل والتفكري،‏ إىل

زيادة ‏`وضوح مفهوم الذات`‏ لدى الناس،‏

إىل درجة يستطيعون فيها بلورة مفاهيم

ومعتقدات متامسكة،‏ عن أنفسهم

وأهدافهم يف الحياة«.‏

وبالنسبة لألشخاص الذين ينعمون

بركاء حياة داعمني لهم،‏ فرمبا تكون

فرة اإلغاق املطولة هذه،‏ قد أتاحت

لهم فرصة مُرحبا بها بشدة،‏ لتطوير

شخصياتهم بشكل إيجايب.‏ يف املقابل،‏ من

املؤكد أن تكون فرة اإلغاق قد عادت

بالسلب عى شخصيات من عَلِقوا خالها

- بني أربعة جدران ولعدة شهور – مع

رشكاء عاقات عاطفية تعيسة،‏ أو من

تعرضوا يف تلك الفرة إلزعاج ومضايقة

من جانب أطفالهم.‏

وهنا تقول بليدورن:‏ ‏»هناك بعض األدلة

التي تفيد،‏ بأن كون املرء طرفا يف زيجة

تعيسة،‏ يرتبط براجع الشعور بالسعادة

واالعتداد بالنفس«،‏ وذلك مبعزل عن فرة

اإلغاق يف حد ذاتها.‏

وتقول ريبيكا شاير،‏ الطبيبة النفسية

يف جامعة كولغيت األمريكية،‏ إن هذه

املشكلة تحديدا،‏ رمبا تفر السبب وراء

تسجيل البعض درجات أعى يف اختبارات

الكشف عن وجود صفة العصابية لديهم،‏

نظرا ألن هذه الخصلة ترتبط بامليل

لإلحساس ب ‏»مشاعر سلبية،‏ مثل القلق

والضعف والحزن وحدة الطباع«.‏

وتضيف شاير بالقول:‏ ‏»من يعانون من

درجة عالية من العصابية،‏ يكونون كذلك

عرضة ألن يسببوا مزيدا من الضغوط

ألنفسهم،‏ سواء من خال االنخراط يف

رصاعات مع اآلخرين،‏ أو عر تجنب

مواقف،‏ يجدون أنها تتضمن تهديدات

لهم«.‏

لكن ماذا عمن تُرِكوا مبفردهم متاما

خال فرة اإلغاق؟ رمبا سيكون بوسعنا

هنا توقع أن يُخلّف ذلك تأثريا سلبيا

عى صفات شخصياتهم،‏ إذا كنت هذه

العزلة االنفرادية القرية قد جعلتهم

كورونا

يشعرون بوحدة شديدة،‏ وذلك استنادا

إىل نتائج دراسات سابقة أُجريت بشأن

العاقة بني الوحدة والخصال الشخصية

لإلنسان.‏ ويتجسد هذا التأثري يف زيادة

مستوى العصابية وتراجع قدر االنبساطية

يف الشخصية.‏ رغم ذلك،‏ ترسم البيانات

املتوافرة حتى اآلن عن تأثريات فرة

اإلغاق،‏ صورة تُرز قدرة البر عى

التكيف مع الظروف املعاكسة.‏

ويكفي للداللة عى ذلك،‏ اإلشارة إىل

دراسة أُجريت يف اململكة املتحدة بشأن

العاقة بني الوحدة والشعور باالكتئاب،‏

وشملت 800 شخص عاشوا يف عزلة خال

األسابيع األوىل من فرة اإلغاق العام.‏

إذ مل تكشف نتائج هذه الدراسة،‏ عن

وجود أي تأثريات سلبية لتلك العزلة عى

الشخصية.‏

وأشار القامئون عى الدراسة إىل أنه رمبا

يكون مبقدورنا فهم هذه النتائج يف ضوء

‏»ما تعلمناه من دراساتنا السابقة بشأن

تأثريات الحياة يف عزلة..‏ من أن ذلك قد

مينحنا فضاء إيجابيا،‏ يسمح لنا بإعادة

تنشيط عقولنا،‏ ال باستنزافها«.‏

تقرير يب-يب-يس

Journal Alhadath numéro 226 31 juillet 2020

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!