Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
بني الكاتب والقاريء اتفاق رسي :<br />
عيىس الحلو : يُسمى عرصنا هذا بعرص الرواية، وذلك عندما<br />
أصبحت الرواية األدبية ال تكتب حرصاً بأقالم الكتاب املحرتفني<br />
الذين يحاولون أنْ يبلوروا خربتهم الشخصية يف الحياة، ويجعلوها<br />
خربة عامة، وذلك كجزء من رسالتهم الثقافية باتجاه الجمهور،<br />
ولكن التغيري األسايس الذي حدث هنا، هو أنه يف منتصف هذا<br />
العصف تحول القراء إىل كتاب رواية، فإنْ كانوا غري محرتفني منطلقني<br />
من منطلق الهواية، فقد أصبحوا يزودون أنفسهم باملعلومات الرضورية<br />
التي تنفع يف كتابة الرواية، و اآلن هناك يف أوروبا مدارس خاصة تعلم القراء<br />
كتابة الرواية، ولهذا ميكن أنْ نقول إنَّ اإلنسان عامة كاتباً أو قارئاً، )ماذا يكتب الرواية أو ملاذا يقرأ الرواية؟( يبدو<br />
أنَّ اإلنسان يف هذا العرص كاتباً أو قارئاً، يجد أنه يعيش لحظة عرصية شديدة التعقيد، وهو ال يستطيع أن يعي<br />
بشكل عميق ما يدور حوله من مشكالت وقضايا، ولهذا اتجه إىل الرواية ليستطيع أن ييضء هذا الغموض الذي<br />
يكتنف حياته، فيجد إجابات لألسئلة األساسية التي ال يعرف لها حلوالً، ولهذا أصبح هذا هو عرص الرواية كتابة<br />
أو قراءة. ويحرضين هنا مثال هو ما كان الطيب صالح دامئاً يردده عندما يُسأل عن الكتابة والقراءة، إذ يقول<br />
إنَّه يحب القراءة وال يحب الكتابة، ويبدو يل إنَّ كاتبنا الكبري كان يبحث عرب القراءة يف النصوص عن الحيل التي<br />
يتخذها كتاب الرواية لبناء هذه العوامل، يف ذلك كان يجد إضاءآت ملا يغمض عليه ويصعب تفسريه يف حياته<br />
الخاصة. ومن هنا ميكن أنْ نقول إنَّ الكتابة والقراءة هام وجهان لعملة واحدة، يك نعرف أرسار هذه الحياة.هنالك<br />
رس يف الرواية عظيم اكتشفه الناقد الرويس املعارص ميخائيل بختني يف نظريته )التشظي صوت املؤلف(، وذلك عرب<br />
دراسته لديستوفسيك، إذ وجدَ إنَّ كل شخصيات دستوفسيك هي أوجه متعددة لوجه دستوفسيك املؤلف، ولعله<br />
لهذا أجاب كل من نجيب محفوظ والطيب صالح بأنْ قال نجيب إنه ليس )كامل عبد الجواد(، وقال الطيب صالح<br />
إنه ليس )مصطفى سعيد(، عندما قال النقاد إنَّ نجيب هو كامل وإنَّ الطيب هو مصطفى سعيد، وقد أكد نجيب<br />
محفوظ هذا بقوله )أنا كل شخصيايت(، أيْ أنَّ حقائق نجيب محفوظ الذاتية تتجىل عرب شخصياته املتعددة، فكل<br />
كاتب رواية قد يظهر كله عرب شخصياته أو تظهر منه بعض صفاته الشخصية يف بعض شخصيات الرواية، فالكاتب<br />
الروايئ يلعب لعبة مزدوجة، ولكنه يخىش عواقب هذا االنكشاف، ولهذا نجد أنَّ النص الروايئ هو عبارة عن كتابة<br />
ثم محو هذه الكتابة، وتأكيد ونفي، ولكننا إذا وقفنا عند مسألة القراءة أي تعامل القاريء مع النص، فهو يبحث<br />
عن الشخصيات التي تشبهه يف تركيبه الداخيل أو يف مسريته الحياتية الوجودية اليومية أو العكس، فهو قد يختار<br />
شبيهه أو نقيضه عىل أساس أنَّ هذا االختيار يصنع مرايا يك يرى فيها القاريء نفسه، وهناك قول شائع يف هذه<br />
املسألة إنَّ ما بني الكاتب الروايئ والقاريء اتفاق رسي، وأنْ يُقدِّ م الكاتب للقاريء أحداث ووقائع خطرية تسبب<br />
األذى الجسيم ملن يقرأ، وذلك )يف الخيال وليس يف الواقع(، وأنَّ القاريء ميارس هذه املغامرات كام لو وقعتْ<br />
بالفعل، دون أنْ يحصل له رضر يف مقابل أنْ يصدِّ ق القاريء كل أالعيب الكاتب وحيله يف هذا الصدد، وهذا<br />
ما قاله أرسطو يف كتابه )الشعر(. إنَّ القاريء عندما يقرأ رواية أو قصيدة فهو )يتطهر( من متاعبه الذاتية، إذاً<br />
فالقاريء عندما يقرأ رواية فهو يتوازن داخلياً ويستطيع منْ ثَمَّ أنْ يواصل الحياة دون أنْ تتفكك قواه الداخلية.<br />
وقد يتأثر القاريء بسطوة شخصية روائية سلباً أو إيجاباً.<br />
5