Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
وتنتابُهُ أمواجُ القلقِ ، إىل أن ينجيل غبارُ املعركةِ عن نرصٍ مبنيٍ حقّقَهُ رأسُ<br />
املالِ .<br />
أمّا االبتسامةُ فهي تجارةٌ يرافقُها الرِّبحُ من املنبعِ إىل املصبِّ ، يتكفّلُ<br />
حراسةَ مالِها، وتوفريَ كلّ ما تحتاجهُ من وسائلِ الرّاحةِ، فتشعرُ معها باألمانِ<br />
والطّ أمنينةِ وتنامُ ملءَ جفونِها.<br />
يف هذه التّجارةِ ال يطلبُ الرِّبحُ من االبتسامةِ تجميدَ مبلغٍ من املالِ ، وال<br />
يطلبُ منها مراقبةَ نرشةِ سوقِ األوراقِ املاليّةِ، وال تتبّعَ أخبارِ الذّهبِ والنّفطِ ،<br />
بل يطلبُ منها أن تجلسَ يف هَ ودجِ ها معزّزةً مكرّمةً، وأن تتفرّغَ إللقاءِ التحيّةِ<br />
عىل محبّيها ومشجّ عيها وأنصارِها الذين يصطفّونَ عىل جانبي الطريقِ ؛<br />
منتظرينَ مرورَ موكبِها املَهيبِ إللقاءِ تحيّاتِ املحبّةِ والتّقديرِ عليها، وهي<br />
بطبعِها الرّائقِ وخلُقِها الرّاقي تردُّ عىل التحيّةِ بأحسنَ منها، وتأنسُ بهم كام<br />
يأنسونَ بها.<br />
حبّذا لو زرعْنا يف أذهانِنا وقلوبِنا هذا اليقنيَ الغامرَ بأنّ االبتسامةَ تجارةٌ ال<br />
تبورُ.<br />
االبتسامةُ نبعُ األلفةِ:<br />
قد ينشبُ خالفٌ ما بينَكَ وبنيَ أخيكَ يف اإلنسانيّةِ، وقد ترينُ سحُ بُ الكدَرِ يف<br />
با مىش واشٍ بوشايةٍ ٍة سامءِ العالقةِ التي تجمعُ بينكام، لعلّهُ جاءَ شيئاً إمْراً، ر بّ بينكام رمتِ األحجارَ يف غديرِ عالقتكام فكدّرتْهُ، فتظهر القطيعةُ حالًّ مؤقّتاً؛<br />
يتمنّى كلٌّ منكام أن يكونَ عارضاً طارئاً، سحابةَ صيفٍ ال تلبثُ إالّ بُريهةً من<br />
الوقتِ ، ثمّ رسعانَ ما ترحلُ غريَ مأسوفٍ عليها.<br />
تلتقيانِ بعد ذلكَ ، وخريُكام مَنْ يبدأُ صاحبَهُ بالسّ المِ، ويف صدرِ كلٍّ منكام<br />
كلامتٌ أعدَّ ها العتابُ عىل عجَ لٍ ، وقد تجدانِ حرجاً يف تالوةِ رسالةِ تنقيةِ<br />
األجواءِ وإعادةِ املياهِ إىل مجاريها.<br />
ال بأسَ عليكام، ال يكلّفْ كلٌّ منكام نفْسَ هُ فوقَ طاقتِها، يكفي أن ترسام<br />
ابتسامتنيِ وادعتنيِ، وكونا عىل يقنيٍ أنّهام متلكانِ من الفصاحةِ والبالغةِ وقوّةِ<br />
التأثريِ مت تعجزُ عنهُ أقالمُ الفصحاءِ والخطباءِ.<br />
االبتسامةُ تقومُ بطيِّ صفحةِ الخالفِ بأناةٍ ومهارةٍ، فتنجحُ يف مهمّ تِها نجاحاً<br />
منقطعَ النّظريِ، وهي تراقبُ العبوسَ فال تسمحُ لهُ بأن يجوسَ خاللَ الدّيارِ،<br />
ألنّها تدركُ جيّداً أنّ مجيئَهُ سيفسِ دُ الجوَّ، ويكونُ عقبةً كأداءَ يف طريقِ بلوغِ<br />
الهدفِ املنشودِ:<br />
ولن يعدمَ البغضاءَ مَنْ كانَ عابِسا<br />
بِرشهِ محبوبٌ عىل حسْ نِ ِ<br />
البِ ِب رشْ<br />
أخو<br />
االبتسامةُ سدُّ البغضاءِ:<br />
تركَ أسالفُنا إرثاً حضاريّاً نعتزُّ به ونفاخرُ يف حِ لِّنا وترحالِنا، نجرُّ أذيالَ الخيالءِ<br />
عندما نتحدُّ ثُ عن األهراماتِ ، تدمُر، حدائق بابل املعلّقة، سدّ مأرب، ألنّ<br />
تلك اآلثارَ ردّتْ صولةَ الزّمنِ عىل أعقابِها.<br />
بناءانِ ردّا صولةَ الدّ هرِ عنهام ومن عجبٍ أن يغلبا صولةَ الدّ هرِ<br />
نتحدّثُ عن تلك اآلثارِ الجليلةِ، ونعرفُ ملاذا بناها األجدادُ، وتكمنُ نقطةُ<br />
اإلعجابِ يف درجةِ اإلتقانِ العاليةِ التي بلغوها يومَ بنَوا تلكَ املعاملَ الكبريةَ.<br />
سدُّ مأرب مازالَ حارضاً يف عقولِنا، فلامذا ال نبني من االبتسامةِ سدّاً يقفُ يف<br />
وجهِ البغضاءِ؛ ليمنعَها من حزّ قلوبِنا وأكبادِنا بخناجرِها املسمومةِ؟!.<br />
حذارِ من االستسالمِ للكآبةِ:<br />
تشكو االبتسامةُ يف أيّامِنا هذه من الجفاءِ الذي تُقابَلُ بهِ عندما تزورُ<br />
أصدقاءَها وأحبابَها، تراهم مقطِّ بي الوجوهِ فتشعرُ أنّها أتتْ يف وقتٍ غريِ<br />
مناسبٍ :<br />
طرقتْكَ صائدةُ القلوبِ وليسَ ذا وقتَ الزيارةِ فارجِ عي بسالمِ<br />
تعيدُ الكرّةَ مرّاتٍ ومرّاتٍ أمالً يف تحسّ نِ مزاجِ مَنْ تطرقُ بابَهُ ال ألنّها تحتاجُ هُ،<br />
بل ألنّه يحتاجُ ها:<br />
لكَ حُ بّي ومنكَ حُ بّي فهل يُعطى من السّ ائلِ الكريمُ املُنيلُ ؟!<br />
ال تجدُ تلك الصّ خرةَ مستعدّة للتزحزحِ ، تقرّرُ االستعانةَ بالوقتِ ألنّها ال تريدُ<br />
خسارةَ قومٍ تجدُ رسورَها يف الحياةِ معهم.<br />
االبتسامةُ قويّةُ الشّ كيمةِ، تعرفُ أنّها تسعى إىل هدفٍ نبيلٍ ، ولن تكلَّ ولن<br />
متلَّ يف سبيلِ بلوغِهِ، وتقفُ الكآبةُ حاجزاً عنيداً يحاولُ ثنيَها عن تحقيقِ<br />
الهدفِ ،لكنّها بعدَ قراعٍ عتيدٍ ورصاعٍ عنيفٍ تصلُ إىل مُبتغاها، وتتخطّ ى الكآبةَ<br />
غريَ آبهةٍ بها.<br />
وتنامُ الكآبةُ وتصحو عىل أمل الثّأرِ من االبتسامة، لكنْ هيهاتَ إنّها تنفخُ<br />
يف قُربةٍ مثقوبةٍ، فحذارِ من االستسالمِ لها، وبَدارِ لطرْدِ شبحها الكئيبِ عن<br />
حياتِنا، ألنّها ال تريدُ أن ترانا متقلّبنيَ يف أفياءِ السّ كينةِ والهدوءِ والدَّ عةِ.<br />
االبتسامةُ نبعُ األلفةِ وسدُّ العداوةِ، فلْنعملْ ما استطعْنا عىل جعْلِها فرْداً من<br />
أفرادِ املجتمعِ ؛ يحملُ الخريَ والسّ المَ واملحبّةَ هدايا ال تُقدَّ رُ بثمنٍ ، ينرثُها عىل<br />
القايص والدّ اين ال يريدُ منّا جزاءً وال شكوراً، حسبُهُ أن يرانا وقد فتحْ نا نوافذَنا<br />
الستقبال شعاعِ البِشرْ ِ والتفاؤلِ •<br />
65