13.07.2015 Views

ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﺼﻴﺎﻏﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻟﻠﻌﺎﻟﻡ ﻭﻟﻸﺴﺭﺓ ﺨﻁﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻤﻜﻴﻥ ﺍﻷﺴﺭﺓ ﻭﺯﻋﺯﻋﺔ ﺜﺒﺎﺘﻬﺎ - جامعة دمشق

ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﺼﻴﺎﻏﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻟﻠﻌﺎﻟﻡ ﻭﻟﻸﺴﺭﺓ ﺨﻁﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻤﻜﻴﻥ ﺍﻷﺴﺭﺓ ﻭﺯﻋﺯﻋﺔ ﺜﺒﺎﺘﻬﺎ - جامعة دمشق

ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ ﺼﻴﺎﻏﺔ ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻟﻠﻌﺎﻟﻡ ﻭﻟﻸﺴﺭﺓ ﺨﻁﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﻤﻜﻴﻥ ﺍﻷﺴﺭﺓ ﻭﺯﻋﺯﻋﺔ ﺜﺒﺎﺘﻬﺎ - جامعة دمشق

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرالعولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرةخطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاالدكتور تيسير العمرقسم العقائد والأديانكلية الشريعة<strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong>الملخصالعولمة مبدأ ثائر،‏ يسوق بين يديه الخطأ والصواب بعصا ً واحدة،‏ لا يمكن في طبيعة الثائر إلاهذا،‏ فالغرب ممثلا ً بأمريكا ‏–في أيامنا هذه-‏ لا يبرح متخذا ً مبدأ الصراع حتى يسلخ الشرقعن تاريخه وحضارته،‏ أيصرع فيموت بحقده،‏ أم يدفن بشؤم أعماله،‏ وليس دعاة العولمةمصلحين،‏ بل أصحاب قوة زهاهم النصر،‏ الذي اتفق لهم في وقت تشرذم العالم وانقسم،‏فخرجوا من تلك الحروب الصغيرة،‏ وهم يجأرون ‏(نريد،‏ نفعل..‏ ندمر..)،‏ فغلطوا غلطة أرادوهامنتصرة،‏ فعرضوها على المساكين،‏ فقهرتهم وآذتهم في كل جانب،‏ إلا أن هذا السعار لن يدومطويلا ً،‏ ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس.‏827


العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاالتمهيد:‏: وبعدالحمد الله رب العالمين،‏ وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف خلق االله تعالى محمد النبي الأميالمبعوث رحمة للعالمين،‏ وعلى آله وصحبه أجمعين.‏فإن العولمة وافد هدد الإنسانية،‏ وأصاب بشرره كل جوانب الحياة،‏ وزعزع كيان المجتمع والأسرة.‏فما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نفهم هذه النظرية فهما ً جديد ًا،‏ ونتلقاها به،‏ ونأخذها من ناحيةالفهم الصحيح،‏ والفكر النير الذي يجعل حركة الحياة عندنا تنبهنا إلى أوصاف ما يفد إلينا،‏ ويدخلإلى أفكارنا ومبادئنا،‏ كي لا يصبح حالنا كالحا ً معطلا ً ممسوخا ً،‏ أكبر عمله التقليد وزيادة الذوبان فيمايرد إلينا.‏فالعولمة إنما هي المعنى الذي يطرحه علماء الغرب ومنظروه،‏ ثم يقذفون بها إلى مجتمعاتناالإسلامية،‏ فينخرط في عبث الفكرة فتضيع معالم الحق وينتهي وجود الأمة،‏ فيصبح عبث الفكرةجامعا ً للأمة على تقليد بغير حقيقة،‏ له منظر المنفعة وليس له معناها،‏ فليست العولمة شعارا ً يطرحفحسب،‏ بل هي تغيير الأمة،‏ يعر‏ّض نظامها الاجتماعي والسياسي والفكري إلى اضطراب أو دمار.‏أما الآن فإني أرى الأمة قد هبت مذعورة،‏ تدافع عن كيانها ووجودها في وضح من النهار أو مستترةفي جنح من الظلام،‏ وأخذت تنتشر في كل سكة،‏ وتسأل كل طارق،‏ عن طريق الخلاص.‏ لأن هذاالوافد الجديد ‏(العولمة)‏ سيطرق حمى البيت من الخارج،‏ ويعبث فيه من الداخل،‏ وأخص ما يعني هذهالأمة الأسرة التي يكون كل واحدٍ‏ منا فيها طرفا ً؟،‏ والدا ً أو ولدا ً،أما ً أو بنت ًا....‏إن الإسلام قد قدم السياج الذي يحفظ لهذه الأمة كيانها،‏ ويصون الأسرة فيها عن الوقوع فيحمأة الرذيلة،‏ أو هوان التشرذم،‏ أو العقوق والإهمال.‏ لأن الحفاظ عليها من قضاء االله تعالى قال تعالى:‏واخفِض ل َهما جناح الذ ّل ّ مِن الرحمةِ‏ وق ُل رب ارحمهما ك َما ربيانِي صغِيرا ً ‏[الإسراء:‏‎23‎‏]‏وقال عن الأم:‏ ‏((الزمها فإن الجنة تحت رجليها))(‏‎1‎‏).‏فكلمة العولمة لها دلالتها على المستوى الفردي والاجتماعي والفكري والسياسي،‏ ولها دلالتها علىالمستوى العام كما أن لها دلالتها على المستوى الأعلى،‏ فهي لا تعني مجرد ‏((التحرر من قيد ما،‏وإنما يمكن أن تتحول إلى شعار،‏ ويمكن أن تكون بمنزلة برنامج عمل وهدف مصيري،‏ كما يمكن أنتكون شاعرية المعنى للانطلاق في عالم الأحلام أو شطآن المجهول))(‏‎2‎‏)‏ فالخطاب العام الذي تنشأمن أجله أو توضع فيه مثل هذه الكلمات،‏ هو الذي يكسبها دلالتها الحقيقية،‏ لذلك يتطلب الأمر عدم828


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرالاكتفاء بالتوقف عن المعلن أو الشائع من معانيها،‏ وإنما ينبغي أن يكون البحث عن المعانيوالأحداث،‏ التي وراء تلك الكلمات وكذلك عن خلفياتها الأصلية...‏تريد العولمة أن تقفز فوق التعاليم الإيمانية في حماية الأسرة،‏ وصيانة وجودها،‏ وأن تلوثهابالدعوات المغرضة المفسدة فلا وجود لمعانٍ‏ كريمة مثلمكانة الأسرة في الإسلام:‏:البر،‏ الصلة،‏ الإحسان...‏بوأ الإسلام الأسرة أعلى المنازل،‏ واصطفى لها أفضل المعاملة،‏ وقرن العمل في مجال الأسرة معالجهاد في سبيل االله،‏ وقدمه في كثير من المواضع عليه،‏ ونحن نرى ذلك واضحا ً في التعامل معأعضاء الأسرة،‏ التي ضبط أحكامها بدقة ورعاها أتم الرعاية.‏مع الوالدين : فقد أوجب الإسلام برهما،‏ وإن كانا فاسقين،‏ وأمر بطاعتهما في غير معصية،‏ وإن كاناكافرين،‏ وأمر بمصاحبتهما في الدنيا معروفا ً،‏ فبر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل االله تعالى،‏وعلل ذلك الفقهاء بقولهم ‏((لأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية،‏ وفرض العين مقدم،‏فإن تعين عليه الجهاد سقط أدناهما))(‏‎3‎‏).‏: مع الزوجفطاعته مقدمة على أداء النوافل من العبادات،‏ حفاظا ً على الرباط الموثق والعهد المتين،‏الذي أخذ عليهما على كتاب االله تعالى وسنة رسوله‏.‏: مع الزوجةفإكرامها خ ُل ُق تخل َّق به رسول االله‏،‏ وأمر به الأزواج من بعده من أمته،‏ فلا يكرمهنإلا كريم ولا يهنهن إلا لئيم،‏ فالزوجة تاج العز للأسرة وموضع الكرامة فيها وهي درة لا بد أنتصان.‏: مع الأولادفالسعي عليهم جهاد،‏ والإشراف على تربيتهم والإنفاق عليهم،‏ وتعليمهم واجب أوجبهالشرع،‏ فهم زرع الأبوين للآخرة يبذلان في ذلك ثمرة فؤاديهما من أجل رعايتهما،‏ والإحسان فيتوجيههما.‏وعلى العموم فالعمل في نطاق الأسرة جهاد بكل صورة من صوره،‏ يتجلى ذلك واضحا ً في حديثرسول االله‏،‏ وذلك عندما رأى الصحابة رضوان الله عليهم رجلا ً فأُعجبوا بجلده وقوته،‏ فقالوالو :كان هذا في سبيل االله يا رسول االله،‏ فقال رسول االله‏:‏ ‏((إن كان خرج يسعى على ولده صغارا ً فهوسبيل االله،‏ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل االله،‏ وإن كان خرج علىنفسه فهو في سبيل االله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة ً فهو في سبيل الشيطان))‏ أخرجهالطبراني بسند صحيح.‏والأسرة مسؤولية الجميع بلا استثناء،‏ وهي تقترن بالمسؤولية العامة التي يكلف بها المجتمع،‏ منأعلى هرمه إلى أدنى درجاته،‏ فمسؤولية الزوج والزوجة والأولاد تعادل في المنظور الإسلامي829


العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهامسؤولية الحاكم الأول ‏(رئيس الدولة)‏ قال رسول االله : ‏((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته،‏فالإمام راع ومسؤول عن رعيته،‏ والرجل راع ومسؤول عن رعيته،‏ والمرأة راعية في بيت زوجهاوهي مسؤولة عن رعيتها،‏ والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته،‏ والرجل راع في مالأبيه وهو مسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))(‏‎4‎‏).‏المبحث الأول - تعريف العولمة وتطورها المعاصر:‏أولا ً-‏ تعريف العولمة:‏آ-‏ لغة : مأخوذة من ‏(العالم)‏ وهو الخ َل ْق كل ُّه،‏ وعولم على وزن ‏(فوعل)‏ وهو متصل بمعنى الفعلالذي يدل على وجود فاعل بفعل وهي في اللغة الإنجليزية ‏(‏globalization‏)وهي تعني صياغة العالممن جديد.‏ب-‏ اصطلاح ًا : لا نجد تعريفا ً محددا ً ودقيقا ً لهذا المصطلح،‏ لأنه تكيفه الجهة التي تتعامل معه وفقما تراه مناسبا ً لمنطلقاتها النظرية في السياسة والاقتصاد،‏ إلا أننا سنجمع ما اتفق عليه فيالتعريف وندع ما اختلفت فيه فنقول:العولمة:‏ صياغة العالم اقتصاديا ً وسياسيا ً وثقافي ًا،‏ بتأثير من القوى المحركة في العالم وفق النظموالرؤى التي تتبناها تلك الدول انطلاقا ً من مفهوماتها عن الكون والإنسان والطبيعة والحياة.‏بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:يلتقي التعريف اللغوي مع التعريف الاصطلاحي في أنمضمونهما يتعلق بصياغة جديدة،‏ وهذه الصياغة في الواقع تنطلق من رؤية الغرب للعالم،‏ الغربالقوي الذي أصيب بعقدة تخيل فيه أنه المركز بالنسبة للعالم،‏ وأصبح يتعامل معه على هذا الأساس،‏فأصبح الاستكبار يصوغ نظريات العالم اللغوية والعملية،‏ والمستضعفون عبارة عن منفذين،‏ ولو كانذلك على حساب العقيدة والمباديء والقيم.‏أخذ الغرب يتخيل نفسه مص‏ّدرا ً للقيم،‏ كما يصدر السلع التجارية عالية الجودة التي يتهافت الناسعلى شرائها،‏ لأنها جاءت من الدولة الصناعية الغربية الفلانية،‏ فإعطاء حرية السلع في الحركة لابدأن يرادفها حرية في نقل القيم والمبادئ الفكرية والاجتماعية،‏ وخطر العولمة من أسسها الفكرية التييقوم عليها،‏ فهي تقوم على دعائم ثلاثة رئيسية،‏ تمثل أركانها الركينة،‏ وأسسها المتينة:-1-2-3اعتماد منهج الإفساد السياسي،‏ الذي يضع العالم على طرف هوة،‏ فلا استقرار ولا حقوق تحفظبها الكرامة الإنسانية.‏الهدم الأخلاقي الذي يبعد الإنسان عن قيم مجتمعه وأسرته.‏تدمير الاقتصاد العالمي لصالح المتنفذين وأصحاب القرار الأقوياء في العالم.‏830


يأتمجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمر- إذا ً العولمة اتجاه ذو نزعة مذهبية غربية تهدف إلى صياغة العالم من جديد،‏ يتجاوز القيموالمعايير الاجتماعية في العالم،‏ يرافقه دعم اقتصادي مادي،‏ بوصفه عملاقا ً عظيما ً يحكم علىالقيم والمعايير الاجتماعية في العالم،‏ ويحكم بالفقر والجوع على الخلق،‏ وسيحول العالم إلى سوقتصدر إليه بضائع الدول الصناعية الكبرى،‏ ويميت الإنتاج في الدول الضعيفة والفقيرة،‏ ولهذاالعملاق الاقتصادي أنياب،‏ يطعن بها تمثلت بالقوة العسكرية الجبارة التي أخذت تضرب في كلمكان من الأرض،‏ ولا ننسى القوة الإعلامية التي غزت العقول والنفوس بعد أن دخلت إلى جميعالبيوت.(‏‎5‎‏)‏- استخدام شعارات براقة ظاهرها فيها الرحمة،‏ وفي حقيقتها الخبث والعذاب،‏ فهي تستخدممصطلحات براقة تجذب الناظر إليها،‏ إلا أنها في حقيقتها سراب يحسبه الظمآن ماء،‏ فهي تتحدثبلغة العصر والتطوير،‏ والعقلانية والتقنية والمعلوماتية،‏ ولغة الوحدة العالمية،‏ ولغة الديمقراطية،‏والحرية،‏ ولغة حقوق الإنسان،‏ وحقوق المرأة،‏ وحقوق الطفل،‏ ولغة الأمن والسلام،‏ ولغةالشريعة الدولية.‏فالعولمة تنادي بالحرية والديمقراطية ويقصدون بها الحرية التي تحقق مصالحهم لا مصالح الأمموالشعوب،‏ وتحكيم الشريعة الدولية فيما يدعم خططهم،‏ فالشرعية الدولية بنظرهم تأذن لأمريكا بأنتدمر أفغانستان،‏ وتحتل العراق،‏ ولا تأذن للفلسطينيين أصحاب الحق أن يكون لهم وطن،‏ أو أنيدافعوا عن أنفسهم،‏ وتحرم على صاحب الحق أن يملك قطعة سلاح،‏ وتسمح للكيان الصهيوني بأنيمتلك قنابل ذرية ورؤوسا ً نووية.‏ثاني ًا-‏ التطور التاريخي المعاصر للعولمة:‏إن الناظر إلى القرون الثلاثة الأخيرة يرى أنها تتميز بما ي:القرن التاسع عشر هو قرن ثورة الشعوب من أجل الحرية ضد القهر والتسلط والحكم المطلق.‏القرن العشرون هو قرن ثورة الشعوب من أجل تقرير مصيرها ضد الاستعمار والاستقلال لدول العالمالثالث،‏ وهو قرن هيئة الأمم المتحدة التي أنشئت لتعكس موازين القوى للدول الكبرى في العالم بعدالحرب العالمية الثانية.‏أما القرن الواحد والعشرون فإنه من المتوقع أن يكون قرن الإنسانية،‏ وحقوق الإنسانية،‏ قرنالانتقال من منظمة الأمم المتحدة،‏ إلى منظمة شعوب الأمم المتحدة،‏ والتي تعكس العدل الاجتماعيوالمساواة بين سائر شعوب العالم،‏ وأن تعطى المجتمعات والأسر حقها في أن تعيش هانئة سعيدة.‏831


العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهافالعالم الثالث قد دعا في بداية السبعينيات إلى العمل لتحقيق نظام عالمي جديد عادل ومنصف،‏ لأنالدول الكبرى ‏(مجموعة السبع)‏ قد شرعت بعد سقوط المعسكر الشرقي،‏ تكرس مظاهر العولمة وفقمصالحها وتصوراتها.‏إن حماية وتعزيز حقوق الإنسان هدف سام ونبيل،‏ جاء نتيجة جهود المفكرين والفقهاء وتراكمنضالات الشعوب ضد الاستبداد و القهر،‏ وتجسد في العصر الحديث في مجموعة من الوثائق التيتنص على آليات ضمان تحقيق وحماية هذه الحقوق.‏إن العولمة نظام جديد لم تتبلور معالمه بعد بدقة،‏ فقد رفع شعار حماية حقوق الإنسان،‏ وأمربتطبيقها في مختلف دول العالم،‏ حتى أصبح الكثير من دول العالم الثالث،‏ لا تخشى العولمة في جانبهاالاقتصادي أكثر مما تخشاها في مجال حقوق الإنسان،‏ ولاسيما فيما يتعلق بالأسرة.‏وبناء على هذا،‏ ونظرا ً لانعكاسات العولمة على الأسرة وجب التطرق لهذا الموضوع لبيان الآثارالإيجابية والسلبية للعولمة في الأسرة خاصة ً وعلى حقوق الإنسان عام ًة.‏ظهر مصطلح العولمة في أثناء حرب الخليج الثانية التي تزامنت مع سقوط الاتحاد السوفياتي،‏ ومنثم سقوط المعسكر الشرقي الاشتراكي،‏ وما يحمل معه من مفاهيم وأيديولوجيات وأنظمة،‏ وفي أثناءالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لضرب العراق،‏ أعلن الرئيس الأمريكي ‏(بوش الأب)‏ميلاد نظام عالمي جديد.‏فالعولمة جاءت تحت ضغط الأحداث،‏ من أجل تعميم بعض المفاهيم والأنماط والأنظمة على كل بلدانالعالم،‏ وهي تتمثل في ثلاث نقاط رئيسةآ-‏ الاقتصاد أو رأس المال::باعتبار أن المعسكر الشرقي،كان يدعو لتطبيق،‏ وتحقيق الاقتصادالمخطط المبني على الاشتراكية أو الشيوعية،‏ وعلى رأس مال الدولة،‏ فقد سقط هذا المعسكر،‏وزال هذا النمط من الاقتصاد،‏ وانتصر المعسكر الغربي على الشرقي،‏ وعليه وجب تعميم النمطالغربي للاقتصاد،‏ وهو الاقتصاد الليبرالي الرأسمالي،‏ القائم على المنافسة الحرة،‏ وتحرير الأسواقوالتجارة،‏ وعدم تدخل الدولة في ذلك،‏ ولعل هذا ما دفع بالعالم الأمريكيبنهاية التاريخ،‏ نظرا ً لانتفاء الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي.‏ب-‏ الديمقراطية" فوكوياما ":إلى القولفهي الأساس الذي قام عليه المعسكر الغربي،‏ أما المعسكر الشرقي فقد كان قائما ًعلى النظام الشمولي،‏ وحكم الحزب الواحد،‏ الذي يسيطر على كل مظاهر السلطة عن طريقانتخابات متعددة.‏ وبسقوط هذا المعسكر ‏(الشرقي)‏ سقطت أغلب الأنظمة الشمولية ذات الحزبالواحد،‏ وانتصر المعسكر الغربي القائم على الديمقراطية،‏ وحرية الأحزاب وتعددها وحريةالانتخابات ونزاهتها.‏832


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمروعليه وجب تعميم المفهوم الغربي للديمقراطية على سائر دول العالم،‏ وذلك بالضغط على الدول التيكانت في المعسكر الشرقي،‏ أو دول العالم الثالث،‏ بفتح المجال للتعددية الحزبية،‏ والانتخابات الشعبية،‏وإنشاء مؤسسات أو مجالس منتخبة،‏ ولو بصفة شكلية.‏ج-‏ حقوق الإنسان:اقتصر المعسكر الشرقي في منظومته الحقوقية على الناحية الاقتصاديةوالاجتماعية،‏ فقد كان يركز على هذه الحقوق،‏ فنجده قد قام أساسا ً على محاربة الطبقية والملكيةالفردية لوسائل الإنتاج،‏ بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية،‏ وهذا عن طريق التأميمواحتكار الدولة لوسائل الإنتاج،‏ ولو كان هذا على حساب الحقوق المدنية والسياسية للإنسان،‏ومع سقوط هذا المعسكر سقط معه منهجه،‏ ومن ثم انتصر المعسكر الغربي وأصبح لزاما ً تعميم‏(العولمة)‏ النموذج الغربي لمفهوم حقوق الإنسان والأسرة.‏المبحث الثاني-‏ مميزات العولمة وآثارها:‏أولا ً-‏ المميزات الإيجابية للعولمة على الأسرة:‏أردت بداية ً أن أوضح بعض النقاط الإيجابية للعولمة قبل النظر إليها نظرة ً سوداوية متشائمة،‏فالإسلام يريد من الخير أن ينتشر،‏ ومن الفضيلة أن تعم،‏ وكل فكرة مهما كانت واضحة السوء لابدأن يكون في جوانبها ما يشير إلى الخير،‏ وهذا ما سنبينه باختصار عن العولمة،‏ والذي أراه يتجلىفيما يأتي:‏الأول-‏ تعزيز حقوق الإنسان ومنها الأسرة وجعلها في الصدارة في العلاقات: الإنسانيةويتجلى هذا من خلال النقاط الآتية:‏1- تفعيل دور وسائل الأعلام ‏(عولمة الإعلام)‏ فقد حولت العالم إلى قرية صغيرة جعلت معهاانتهاكات حقوق الإنسان مكشوفة.‏ فالإعلام جعل العلاقة بين النظام في أي دولة والمواطنمكشوفة أمام العيان.‏ فالعولمة بمفهومها الثوري للتكنولوجيا ووسائل الاتصال،‏ أدت إلى تغييرالعلاقات بما في ذلك علاقة الدولة بالمواطن،‏ مما جعل ممارسة الدولة ظاهرة،‏ وأصبح هناك قدرمن التعرية للنظم السياسية الظالمة،‏ ليتمكن العالم المتقدم بموجب العولمة التكنولوجية والسياسيةوالثقافية من مراقبة علاقة المواطن بالحكومة،‏ وأن يترقب موقف الحكومات وكيف تصل إلىالسلطة.‏2- تبني كثير من زعماء المنظمات الدولية والدول الكبرى،‏ بعد انتهاء الحرب الباردة،‏ إقامة نظامعالمي جديد تحفظ فيه الكرامة،‏ وتصان فيه الأسرة،‏ وبروز بعض معالم النظام الدولي الجديد،‏833


تنيالعولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاالذي من أولوياته إقامة نظام عالمي جديد إنساني،‏ يرتكز على الديمقراطية والعدالة واحترامحقوق الإنسان.‏ومن هذه التصريحات تصريح الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق ‏"بيريزدي كويلار"‏ في تقريره السنويلعام ‎1991‎م عن أعمال الأمم المتحدة،‏ حيث أكد أن سيادة الدولة لا يمكن اعتبارها حاجزا ً واقيا ً،‏ترتكب من ورائه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان،‏ وأن الاهتمام الدولي متزايد في إيجاد نظام عالميلحقوق الإنسان،‏ وإن كل محاولة للوقوف ضد هذا التزايد أو التحول ستكون غير حكيمة من الناحيةالسياسية،‏ ولا يمكن محاولة الدفاع عنها أخلاقيا ً.‏ كما أكد أيضا ً أن ّه:‏ ‏"ومن رأيي أن حماية حقوقالإنسان أخذت الآن تشكل إحدى الدعامات الأساسية لقنطرة السلم،‏ كما أنني على اقتناع بأن هذهالحماية تقتضي في الوقت الحاضر،‏ ممارسة التأثير والضغط بشكل متضافر على الصعيد الدولي،‏ عنطريق المناشدة أو العقاب أو الاحتجاج أو الإدانة،‏ وكحل أخير،‏ إقامة وجود منظم للأمم المتحدة بأكثرمما كان يعتبر جائزا ً بموجب القانون التقليدي".‏3- أخذت حقوق الإنسان تظهر إلى العيان بوصفها شعارا ً تعمل به الدول وتتبناها،‏ وهذا ما فعلتهدول العالم الثالث بأنها بريئة من انتهاك حقوق الإنسان وأنها أصبحت تحترم هذه الحقوق مبعد ًةعن نفسها التشكيك الدولي.‏فهذه الصين وهي أكبر دول العالم الثالث تدافع عن سجلها في مجال حقوق الإنسان وتنشر كتابا ًأبيض في تشرين الثاني ‎1991‎م يوضح موقفها من هذه المسألة وتؤكد أن الحقوق الأساسية للشعبالصيني،‏ خاصة حق الحياة والمأكل والمشرب والمسكن مصانة،‏ وتسهر الحكومة على حمايتهابنجاح.‏ وقد صدر هذا الكتاب انطلاقا ً من خشية زعماء الصين المحافظين،‏ من تأثير الأفكار الغربيةالمتعلقة بحقوق الإنسان تأثيرا ً هداما ً لا يتلاءم مع توجهات الدولة،‏ ولاسيما بعد قيام الدولة بسحقالمظاهرات الطلابية المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان فيالمئات من الطلبة،‏ الواقعة التي عرفت بربيع بكين.‏4- اندفعت بعض الدول الكبرى إلى إقامة علاقات ب4 حزيران‎1989‎م والتي أودت بحياةعلى الاحترام المتبادل،‏ وتقديم مساعداتمالية وإقامة تعاون اقتصادي وإنمائي وغيرها،‏ مع دول أخرى من العالم الثالث بمدى استجابةهذه الأخيرة لبعض الشروط،‏ وفي مقدمتها احترام حقوق الإنسان.‏من ذلك ما حدث عقب الاستفتاء على استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي في أوائل كانون الأول‎1991‎م فقد حدد الرئيس الأمريكي شروط اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بأوكرانيا،‏ التي ذكرمنها احترام أوكرانيا لحقوق الإنسان.‏834


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرالثاني-‏ تأكيد الأمم المتحدة والهيئات المتخصصة في مجال حقوق الإنسان على دور الأسرةوحمايتها.‏ويتجلى هذا في تفعيل دور الأمم المتحدة المتزايد في مجال حقوق الإنسان سواء أجاء من قبل أمنائهاالذين أكدوا ضرورة إيجاد حل لمشكلة انتهاكات حقوق الإنسان،‏ أو من خلال زيادة نفقات الأممالمتحدة في هذا المجال،‏ وإشرافها على تنظيم حملات توعية شاملة في مجال الأسرة والمجتمع،‏صحية وثقافية ومنهجية....‏- فقد تم إنشاء مفوضية سامية لحقوق الإنسان سنة ‎1993‎م على غرار المفوضية السامية لشؤوناللاجئين،‏ حيث تم إنشاء وظيفة المفوض السامي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان،‏ بناء علىتوصية المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فينا عام 1993، بقرار الجمعية العامة رقم141 /48 عام ،1993-----بدرجة سكرتير عام مساعد يتم تعيينه من قبل الأمين العام مدة أربعسنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وتتمثل مهامه في:‏تعزيز وحماية كل حقوق الإنسان سواء المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.‏- تقديم المساعدات الاستشارية والمساعدات المالية والفنية للدول التي تطلبها من أجل تدعيم تحقيقالبرامج الخاصة بحقوق الإنسان.‏تنسيق برامج الأمم المتحدة والمتعلقة بالتعليم والمعلومات العامة الخاصة بحقوق الإنسان.‏العمل على منع استمرار انتهاكات حقوق الإنسان.‏إعداد وإرسال التقارير السنوية المتعلقة بحقوق الإنسان إلى لجنة حقوق الإنسان وإلى الجمعيةالعامة عن طريق المجلس الاقتصادي والاجتماعي.‏إنشاء البعثات و المراقبين و التي تضاعفت منذ بداية عام،1990أو مجال تدعيم السلم والأمن أو في مجال المساعدة الإنسانية،‏ ومن أمثلتها :- فريق الملاحظين أو المراقبين التابع للأمم المتحدة في السلفادور- عملية للأمم المتحدة لدى الموزمبيقسواء في مجال حقوق الإنسان.(1991،717:onusal):onumoz)- مهمة الملاحظين التابعين للأمم المتحدة في جنوب إفريقية- بعثة مراقبة الأمم المتحدة إلى جورجيا- بعثة مراقبة الأمم المتحدة إلى ليبيرياقرار‎797‎‏،‏ ‎1992‎م).‏:monuas)،858 قرار monug) :،866 قرار :monul)- بعثة مراقبة الأمم المتحدة لهاييتي لمراقبة لتحقيق الديمقراطية‎1993‎م).‏‎1993‎م).‏:minuah)قرار‎772‎‏،‏ ‎1992‎م).‏867، قرارالثالث-‏ تضييق الخناق على مرتكبي الجرائم الماسة بحقوق الإنسان ومتابعتهم ومعاقبتهم.‏ويتجلى هذا من خلال الإجراءاتالآتية :‎1993‎م).‏835


العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتها.1.2.3.4.5.6عدم استفادة مرتكبي الجرائم الماسة بحقوق الإنسان من العفو.‏عدم جواز منح اللجوء لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من العفو.‏عدم تقادم الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان.‏تعقب مرتكبي الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان واعتقالهم وتسليمهم.‏إنشاء محكمة دولية مؤقتة لمقاضاة مرتكبي الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان في كل منيوغسلافيا سابقا ً ورواندا.‏إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة،‏ أنشئت بمقتضى معاهدة روما من قبل الأمم المتحدة في17/7/----1998 تختص في أربع فئات من الجرائمجريمة الإبادة.‏الجرائم ضد الإنسانية.‏جرائم الحرب.‏جريمة العدوان.‏:ثاني ًا-‏ الآثار السلبية للعولمة في تمكين الأسرة:‏إذا كنا تحدثنا فيما سبق عن المميزات الإيجابية للعولمة وهي ضئيلة إلى حد كبير،‏ فإننا نجد أنللعولمة آثارا ًَ‏ سلبية كثير ًة في تمكن الأسرة،‏ ولاسيما في العالم الإسلامي،‏ فهي امتداد في الغالب لحقدتاريخي،‏ وهي لا تنظر إلى الأمم جميعا ً بمنظار واحد،‏ ولا تكيل بمكيال العدل فهي تنظر بعين واحدة،‏تركز على بعض الحقوق وتنسى الكثير منها،‏ وترفع لواء الشرعية وحقوق الإنسان للتستر على ماتخفيه من مآرب ومصالح ذاتية تريد تحقيقها من خلال ما تدعو إليه.‏1- أثر العولمة التاريخي في الأسرة:‏العولمة امتداد لما بدأته الحملات الصليبية مع الكشوف الجغرافية-‏ كمايسمونها-‏ للسيطرة علىالعامل الإسلامي،‏ والتي كان الدافع لها الانتقام للصليبين،‏ الذين أصيبوا بنكسة قوية فقد كانوايخططون للسيطرة على طرق التجارة العالمية،‏ لجني المرابح وتطويق المسلمين،‏ والعمل على نشرالنصرانية في الشرق،‏ مستفيدين من خلافات المسلمين،‏ وتعاون اليهود مع الصليبين في هذا المجالفقد كانوا يعرفون لغة العرب،‏ فاندسوا في العالم الإسلامي وخاصة مصر،‏ فتعرفوا عل أحوال الجيش،‏وسرقوا خرائط البحار،‏ والمعلومات الملاحية وقدموها للبرتغاليين.(‏‎6‎‏)‏836


ىعلمجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرإن ‏(فاسكو دي غاما)‏ الذي اكتشف رأس الرجاء الصالح ‏(‏‎903‎ه/‏‎1497‎م)‏ قصف كالكوتا،‏ وأغرقسفينة حجاج في خليج عمان،‏ وأراد تهديم المدينة المنورة،‏ ونبش قبر الرسول وأخذ كنوزه وسرقةرفاة الرسول وجعلها رهينة حتى يتخلى المسلمون عن الأماكن المقدسة في فلسطين.‏جاء في خطاب ‏(فاسكو دي غاما)‏ في جزيرة ملاقا في شبه جزيرة الملايو عام ‏(‏‎917‎ه‎1511‎م):‏ -‏"الأمر الأول هو الخدمة الكبرى التي سنقدمها للرب عندما نطرد المسلمين من هذه البلاد ونخمد نارهذه الطائفة المحمدية حتى لاتعود للظهور بعد ذلك أبدا ً وانا شديد الحماسة لمثل هذه النتيجة إذااستطعنا تخليص ملاقا من أيديهم فستنهار القاهرة وبعدها تنهار مكة"‏ أي يقصد العالم الإسلامي،‏ كذلكفعل ‏(أمريكوس)‏ الذي أباد سكان الأرض الجديدة وخاصة المسلمين.‏و(ماجلان)‏ الذي قتله الحاكم المسلم ‏(لابو لابو)‏ بسبب عدوانه في الفلبين حيث تتضح الصورة فيالحوار الذي دار بينهماحيث قال ‏(ماجلان)‏ ‏(لابو لابو)‏ :"ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أولى منكم بحكم هذه البلاد ‏"يرد عليهكله الله وإن الإله الذي أعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم"(‏‎7‎‏).‏إنني باسم المسيح أطلب إليك التسليم‏(لابولابو)‏ "إن الدينفكيف إن نظرنا ‏-حالي ًا – إلى العالم الإسلامي وهو يمتلك أكبر مصدر في العالم للمواد الأوليةوالوقود،‏ وإن الإسلام يطرح مشروعا ً وحدويا ً متكاملا ً بين أبناء الأمة الإسلامية،‏ مما يهدد مصالحالغرب والعالم المتغطرس ففي اتباع العولمة هزيمة للضعيف ونصر على الساحة للقوي.(‏‎8‎‏)‏2- الأثر الفكري والعلمي للعولمة في الأسرة:لقد أصاب دعاة العولمة الغرور الفكري،‏ فأصبحوا يرون أن لهم استحقاقا ً سياسيا ً،‏ يريدون تطبيقه،‏فأصحابها يسعون إلى تحقيق أهداف محددة،‏ تخدم من أسهم في صياغة هذه العولمة،‏ وفرضها كواقعالأمم،‏ ووجهة نظرهم أن الواقع المناسب هو فرض التجربة الليبرالية الغربية على العالم خاصةبعد سقوط الشيوعية،‏ القرن الثاني للقوة الذي تهشم.‏هذا الطرح أثر في مفكرين كبار في العالم مثل ‏(فرنسيس فوكو ياما)‏ الذي عبر عنه بمقولةنهاية "التاريخ " فهو يرى أن تراكم التطور التقني والمعرفي سيسهم في تحقيق المتطلبات المتزايدة للبشريةخارج إطار اعتماد الأمم على أصولها التاريخية وإرثها الثقافي و القيمي.‏3- الضغط وسياسة الاحتواء:-تسعى العولمة على الصعيد السياسي،‏ نحو إحلال مبادئ وقواعد جديدة،‏ بشروط تستجيبلمتطلبات الغرب واستراتيجياته بمختلف الطرائق والأساليب،‏ منها:837


يأتالعولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاآ-‏ الضغط السياسي الذي يوجه ضد الأطراف التي تصر على استقلالها في المنهج والاتجاه،‏ وتشكلعقبة في وجه المشروع الغربي أيا ً كان ذلك الموقع فلسطيني ًا،‏ عراقيا ً،‏ إندونيسي ًا،‏ فإثارة مشكلةتيمور في إندونيسيا واغتصاب فلسطين،‏ واحتلال العراق أفعال مبررة.‏ب-‏ الاحتواء عن طريق إيجاد منظمات تخدم العولمة كما هو الحال في الحث على الدخول فيمشروع الشرق الأوسط الكبير،‏ أو الشراكة الأوربية المتوسطة،‏ ثم اتخاذ إجراءات عزل عنطريق المقاطعة والمحاصرة،‏ أو إدراج الدولة في قائمة من يرعى الإرهاب.‏ج-‏ التدخل في شؤون الدول تحت عناوين مختلفة مثل:القضاء على أسلحة الدمار الشامل،‏ أوالتوازن الإقليمي،‏ أو حماية الأقليات،‏ أو مكافحة الإرهاب،‏ أو مراقبة الانتخابات،‏ فهم يريدونإعادة النظر في مفهوم السيادة لإضفاء المشروعية على التدخل في شؤون المخالفين للسياسةالغربية.‏4- تكريس العولمة على الصعيدين الثقافي والاجتماعي للقيم الفردية والنفعية ودعم النزعات الماديةوالاتجاهات العلمانية تحت مفهوم الحرية لإفراغ الهوية الجماعية من محتواها بتمزيق هويةالمجتمع وتشرذم الأسر،‏ وتشجيع الأقليات على التمرد وتحطيم القيم من معابره الخاصة.‏وقد بلغت العولمة درجة متطورة في تسويق ثقافتها عبر الإعلام الذي تطور تطورا ً مذه ًلابأشكاله المتعددة من:سينما،‏ وتلفزيون،‏ وصحافة،‏ وأفلام،‏ ومسلسلات،‏ وأنشطة إعلامية،‏ فقد حملتأجنحة الأقمار الصناعية أشرطة وأفلاما ً وإنترنت،‏ مما حطم الحواجز اللغوية،‏ وتجاوز الخاصة إلىعموم الناس بإثارة انفعالات تحجب العقل،‏ وتشوش نظام القيم وتبعث في الخيال نمطا ً من الذوقوالسلوك بعيدا ً عن الهوية الثقافية الإيمانية الكريمة(‏‎9‎‏).‏ويتجلى خطر العولمة ثقافيا ً واجتماعيا ً فيما ي:آ-‏ منافسة اللغات ولاسيما الإنجليزية للغة العربية لغة المسلمين ولغة القرآن الكريم،‏ بوضع أسماءالمحلات والشركات والعمارات بتلك اللغات،‏ حتى إن هناك كثيرا ً من الجامعات تدرس باللغةالإنجليزية،‏ وبعض الدول تشترط لقبول الموظفين أن يجيدوا تلك اللغة،‏ وبعض الشركات تجعلفيها لغة التخاطب اللغة الإنجليزية.‏ب-‏ دعم من يتبنى الطروحات للتطبيع والتبعية مع الغرب والترويج لدعوة السلام مع الكيانالصهيوني،‏ حتى بلغ عند بعضهم أن الصراع مع الصهاينة ينم عن تخلف وعدم استيعاب لروحالعصر.‏ج-‏ احتضان رعاة الهدم الأخلاقي وتشجيعهم على السير في هذا الطريق أمثال : ‏(سليمان رشدي)،‏‏(وتسليمه نسرين)،‏ وغيرهم،‏ و نعت كل من يرد عليهم بالتطرف والإرهاب.‏838


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرد-‏ اعتبار ممارسة الثقافة القيمية التي يتركها الإسلام في نفس أبنائه شكلا ً من أشكال التعصب،‏وهذا ما فعلته فرنسا مع الفتيات المسلمات اللواتي يرفضن تغيير زيهن الإسلامي،‏ واعتبار ذلكشعارا ً دينيا ً يهدد أمن البلاد وعلمانية الدولة،‏ أما حمل الصليب ووضع القلنسوة اليهودية علىالرأس فلا يدل على شعار ديني،‏ أما الحجاب فهو شعار ديني يجب القضاء عليه من وجهة نظرالعولمة.‏ه-‏ رعاية المنظمات التي تتجاوز القيم الأخلاقية وإقامة مؤتمرات تدعو إلى هدم الدين والقيم،‏ مثلمؤتمرات السكان التي انعقدت في القاهرة ‏(‏‎1994‎م)‏ ومؤتمر التنمية الاجتماعية في كوبنهاجن‏(‏‎1995‎م)‏ ومؤتمر المرأة في بكين ‏(‏‎1996‎م)‏ فقد تضمنت جداول أعمال تمس قضايا أخلاقيةتبيح الجنس والإجهاض،‏ وتأمر بتغيير قوانين الميراث،‏ والسماح بحرية اختيار الدين وتغييره.‏- تطرح العولمة على الصعيد الاقتصادي النموذج الرأسمالي الليبرالي أنموذجا ً أمثل لتنظيم الحياةالاقتصادية،‏ فهي تدعو إلى السوق المفتوح،‏ الذي يخضع لنصائح وشرائط المؤسسات والشركاتالعملاقة،‏ ويخفف من دور الدولة مما يجعلها في نقطة من نقاط الطريق حجرا ً مهملا ً يتحكم فيهأصحاب رؤوس المال بالعالم،‏ وعندئذٍ‏ يطل العملاق اليهودي برأسه ويقدم ما وعد به العالم منآمال عريضة بحسب نظريته العنصرية.‏وقد تجلى هذا العمل في العالم الإسلامي في تعميق أزمة البطالة،‏ وتوسيع الهوة بين الطبقات،‏ وتعويمالعملة الوطنية و((دولرة))‏ الأسعار فقد شهدت ماليزيا انهيارا ً لعملتها تحت ضربة من ضرباتمضارب دولي يدعى ‏(جورج موروس)‏ لأن ماليزيا ارتبطت بالعولمة،‏ ولم تبن نظاما ً مصرفيا ً قادر ًاعلى الحيلولة دون هذا الخطر،‏ لذلك حض رئيس الوزراء الماليزي ‏(مهاتير محمد)‏ قومه على أنيعتمدوا على أنفسهم،‏ ويزرعوا حدائق بيوتهم الصغيرة كي يستغنوا عن العولمة والدولار،‏ ذلك اللصالمتجبر المسيطر على الاقتصاد.‏5- تصوير العولمة بأنها ظاهرة تاريخية أفرزتها الحياة يجب الالتزام بها عالمي ًا:تطرح العولمة نفسها على أنها حركة تلقائية تعبر عن التطور الحقيقي للقوة البشرية فهي ‏((نهايةالتاريخ))‏ كما يرى ‏(فوكو ياما)‏ تولد عن الحركة الإنسانية،‏ فجاءت في وقت بلغت البشرية رشدها،‏وهي الحل الوحيد لمشاكل الإنسانية،‏ هذا يعيد بنا الذكرى إلى الطرح الشيوعي،‏ الذي كان يرى توقفحركة التاريخ عند الشيوعية،‏ فقد أمل الشيوعيون العالم بجنتهم الموعودة،‏ التي تبين فيما بعد أنهاجهنم عاش الناس في جحيمها،‏ وسرق الزعماء أموال شعوبهم وأصبحت ‏(المافيا)‏ في الاتحادالسوفياتي أقوى من (KGB) إدارة المخابرات المركزية.‏ إن العولمة لها تفسير واحد مفاده أن هذاالنظام صنعه الأقوياء،‏ وخطط لها أصحاب رؤوس الأموال،‏ فبدأ يقذف بشرره على العالم،‏ إلا أن839


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرالأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادرة في ‎1998/7/17‎م لأنها أعطت النائب العام،‏ أو المدعيالعام صلاحية إجراء تحقيق تلقائي في الجرائم،‏ التي تختص بها هذه المحكمة،‏ وهي أربعة أنواع:-1-2-3-4الإبادة الجماعية.‏الجرائم ضد الإنسانية.‏جرائم الحرب.‏جريمة العدوان.‏لأنها تمس مصلحة الكيان الصهيوني في فلسطين،‏ فمن أين يأتي الأمن أو الاستقرار في الأسرة فينظام هذا دأبه ؟ توجهه مصلحة الدول الكبرى والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن،‏ ولاسيمابريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية،‏ تسخران الأمم المتحدة لإضفاء الشرعية لحسابهما،‏ وتبريرأعمالها التي تحقق مصالحهما.‏المبحث الثالث-‏ عالمية الإسلام تمكين للأسرة في وجه العولمة:‏تقديم:‏إن الإسلام يريد أن يوحد العالم،‏ ليعيش أبناؤه متحابين متفيئين ظلال العدل والمساواة،‏ فأصل البشريةالأسرة من أم وأب واحد،‏ فالأب واحد والرب واحد والجميع من آدم وآدم من تراب،‏ ولا بد لكل فردأن يأخذ حصته وافية ً من المادة والروح،‏ فهو بحاجة إلى مسكن وسكن،‏ وبحاجة إلى طعام وأمان،‏ولباس وحنان،والإسلام يتعامل مع الأسرة في هذا الإطار العادل الشامل.‏فالإسلام يطرح العالمية مقابل العولمة فإذا كانت العولمة فكرة أو نظرية تخدم فئة دون فئة،‏ أو أسرةدون أسرة،‏ أو أمة دون أمة،‏ فإن العالمية مبدأ ترعرع على أصول الإسلام،‏ وتفرع من شجرة كريمةأصلها ثابت وفرعها في السماء،‏ يحقق العدل والمساواة بين الناس جميعا ً،‏ ويعطي الأسرة دفئا ًواطمئنانا ً تتمكن معه الأسرة التي تعطي مخرجات طيبة كريمة،‏ تنعم بها المجتمعات والأمم.‏فالعالمية نسبة إلى العال َم،‏ وهي جميع الخلق،‏ فيقال:‏ عال َم الإنسان،‏ وعال َم الماء....‏ والعالم عالمان:‏الكبير وهو الفلك بما فيه،‏ والصغير وهو الإنسان (10). وحينما ت ُضاف نسبة"‏ العالميةإلى الإسلام "فإننا نعني أن الإسلام رسالة خالدة موجهة إلى جميع الخلق.‏ وهم جميعا ً مطالبون باعتناقه وإنالإسلام اشتمل على أصول الديانات السابقة،‏ ومهيمنا ً عليها،‏ مؤكدا ً الصحيح منها،‏ ومصححا ً لماغ ُير وبدل.‏ ومن ثم تصل إلى أن مبادئ الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان،‏ قال تعالى فيمحكم تنزيله:‏ وأ َنزل ْنآ إِل َيك ال ْكِتاب بِال ْحق مصدقا ً ل ّما بين يديهِ‏ مِن ال ْكِتابِ‏ ومهيمِنا ً عل َيهِ‏ ف َاحك ُمبينهم بِمآ أ َنزل َ الل ّه ولا َ تتبِع أ َهوآءَهم عما جآءَك مِن ال ْحق لِك ُل ّ جعل ْنا مِنك ُم شِرعة ً ومِنهاجا ً ول َو شآءَ‏841


(العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاالل ّه ل َجعل َك ُم أ ُمة ً واحِدة ً ول ََكِن ل ّيبل ُوك ُم فِي مآ آتاك ُم ف َاستبِق ُوا الخ َيراتِ‏ إِل َى االله مرجِعك ُم جمِيعا ًف َينبئ ُك ُم بِما ك ُنتم فِيهِ‏ تختلِف ُو َن. ‏[المائدة‎48‎‏]‏أردت في البداية أن أحدد معنى عالمية الإسلام،‏ حتى لا يختلط في ذهن القارئ هذا المصطلح مع ماينادي به دعاة الهدم الذين يطلقون على"‏ العالمية ‏"اسم مذهب يجعل الأديان خليطا ً يتساوى فيهأصحاب الدين الحق مع عباد الحجر والبقر.‏نبدأ حديثنا بهذه البشارة النبوية التي توجب على المسلم العمل من أجل نصرة الإسلام ونشره،‏ ويعلمالمسلم يقينا ً أن الإسلام دين عالمي.‏ قال رسول االله‏:‏ ‏((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار،‏ ولايترك االله بيت مدر ولا وبر إلا َّ أدخله االله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل،‏ عزا ً يعز االله به الإسلام،‏وذ ُلا ً يذل به الكفر))(‏‎11‎‏)،‏ فالجهاد مطلوب من المسلمين بالقول والعمل،‏ حتى يبلغ الإسلام ما أراد االلهله ورسوله،‏ وعليهم أن يفهموا شرعه حق الفهم.‏أولا ً-‏ مبدأ العالمية في القرآن الكريم:‏وردت آيات كثيرة في كتاب االله تعالى تدل على عالمية الإسلام،‏ سنذكر بعضها اختصارا ً للمساحةالمسموح بها،‏ قال تعالى:‏usYò2r& £⎯Å3≈s9uρ #\ƒÉ‹tΡuρ #Zϱo0 Ĩ$¨Ψ=Ïj9 Zπ©ù!$Ÿ2 ωÎ) y7≈oΨù=yö‘r& !$tΒuρ ∩⊄∇∪ šχθßϑn=ôètƒ Ÿω Ĩ$¨Ζ9$#‏[سبأ:‏‎28‎‏].‏و قال تعالى ∩⊇⊃∠∪ š⎥⎫Ïϑn=≈yèù=Ïj9 ZπtΗôqy‘ ωÎ) š≈oΨù=yö‘r& !$tΒuρ‏[الأنبياء:‏‎108‎‏]‏ ، وقال تعالى:Ûù=ãΒ…çµs9“Ï%©!$#$·èŠÏΗsdöΝà6ö‹s9Î)«!$#ãΑθßu‘’ÎoΤÎ)ÚZ$¨Ζ9$#$y㕃r'¯≈tƒö≅è%في كتابه العزيز:‏ ”Ï%©!$# Çc’ÍhΓW{$# Äc©É≈yèù=Ïj9 Öø.ÏŒ ωÎ) uθèδ ÷βÎ)ª!$# š⎥⎫Ïϑn=≈yèø9$# >u‘ ‏[التكوير:‏‎29-27‎‏]‏وآيات كثيرة وردت بلفظ $pκš‰r'¯≈tƒ â¨$¨Ψ9$# تدل على أن المقصود بهذا الخطاب القرآني جميع البشرمن غير استثناء.‏842


يأتمجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرثاني ًا-‏ مبدأ العالمية في السنة النبوية:‏جاء في السنة أحاديث كثيرة ت ُثبت عالمية الدعوة الإسلامية منها:‏أخرج البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء من حديث طويل:‏ قال رسول االلهأيها الناس،‏ إني رسول االله إليكم جميعا ً.....))‏‎12‎‏.‏....)) :إني قلتوفي مسند الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب قال:‏ قال رسول االله‏:‏ ‏((يا بني عبد المطلب،‏ إنيبعثت ُ إليكم خاصة وإلى الناس عامة...))(‏‎13‎‏).‏ وأخرج الشيخان في صحيحيهما أن النبي قال:‏‏((أُعطيت خمسا ً لم يعطهن أحد قبلي:ن ُصرت بالرعب مسيرة شهر،‏ وجعلت لي الأرض مسجدا ًوطهورا ً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ِّ،‏ وأحل ّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي،‏ وأعطيتالشفاعة،‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة))(‏‎14‎‏).‏من أجل هذا وجه رسول االله دعوته إلى ملوك وزعماء العالم،‏ لأنه يعلم أن هذه الدعوة واجبةالتبليغ إلى الناس كافة،‏ وقد أتم الصحابة ومن جاء من بعدهم المهمة،‏ التي بدأها رسول االله‏.‏ثالث ًا-‏ عالمية الإسلام إنسانية النزعة:‏النظام الإسلامي نظام عالمي إنساني أي شرع من أجل الإنسان،‏ ليرقى في سلم التطور والتكريم،‏ونأخذ بيده إلى كل خير،‏ ونحفظ عليه خصائصه الإنسانية.‏ والمقصود بإنساني النزعة:‏ هو أن النظاموإن كان عالميا ً فهو إنساني في منهجه ومبادئه،‏ فقد يكون هناك نظام عالمي إل ّا أنه لا يقيم للإنسانكرامة،‏ ولا ينظر إليه نظرة ت ُعلي من قدره،‏ وتمنع امتهانه وإذلاله،‏ أو ت ُنقص من حريته وعقيدتهفالإنسان في الإسلام معزز مكرم أن ّى كان.‏فكثير من طغاة العالم يسعون لإقامة نظام عالمي،‏ إلا أن ما يدعون إليه يهمل الإنسان ويهدر كرامته،‏فقد رأينا ما فعلت الشيوعية في بداية نشأتها في روسيا،‏ وفي البلاد التي دخلتها،‏ وكذلك النازية،‏والفاشية،‏ ونرى بأم أعييننا الآن ما تعمله السياسة الأمريكية في العالم،‏ وما تتبناه من دعوة عالميةخالية من معاني الإنسانية.‏ بل غايتها الكسب المادي والسيطرة على منابع البترول،‏ وضرب الإنسانفكريا ً،‏ واقتصادي ًا،‏ وإنساني ًا،‏ وتشتيت الأسرة وضياع أفرادها.‏رابعا ً-‏ مميزات عالمية الإسلام الإنسانية:‏يمكننا أن نعدد عالمية الإسلام وإنسانيته من خلال ما ي:-1حافظ على كرامة الإنسان،‏ وجعلها منحة ربانية لا منحة قانون أو ملك أو رئيس،‏ أوبرلمان.‏ وقد سجلها االله تعالى في كتابه العزيز،‏ فقال:‏Îhy9ø9$# ’Îû öΝßγ≈oΨù=uΗxquρ tΠyŠ#u û©Í_t/ $oΨøΒ§x. ô‰s)s9uρ *843


وي4344(العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهاWξŠÅÒøs? $oΨø)n=yz ô⎯£ϑÏiΒ 9ÏVŸ2 4’n?tã óΟßγ≈uΖù=Òsùuρ ÏM≈t7ÍhŠ©Ü9$# š∅ÏiΒ Νßγ≈oΨø%y—u‘uρ Ìóst7ø9$#uρ‏[الإسراء:‏‎70‎‏]‏، وقال تعالى:‏ (#þθèùu‘$yètGÏ9 Ÿ≅Í←!$t7s%uρ $\/θãèä© öΝä3≈oΨù=yèy_uρ 4©s\Ρé&uρ 9x.sŒ ⎯ÏiΒ /ä3≈oΨø)n=yz $¯ΡÎ) â¨$¨Ζ9$# $pκš‰r'¯≈tƒ‏[الحجرات:‏‎13‎‏]،‏وقد بقيت كرامة∩⊇⊂∪×Î7yzîΛ⎧Î=tã©!$#¨βÎ)öΝä39s)ø?r&«!$#y‰ΨÏãö/ä3tΒtò2r&¨βÎ)-1الإنسان محفوظة من قبل أن يولد إلى أن يولد وإلى أن يموت،‏ بل بعد أن يموت.‏ والأدلة في هذاالمجال غنية عن التعريف.‏إشباع الجانب الروحي بتشريع العبادات:‏ فليس الإنسان مجرد غلاف طيني يشبعه الطعامرويه الشراب،‏ بل هو روح علوية تسكن هذا الغلاف.‏ قال تعالى:‏(#θãΖtΒ#u z⎯ƒÏ%©!$# $y㕃r'¯≈tƒ البقرة:‏‎153‎ ، وقال االله سبحانه:‏ t⎦⎪ÎÉ9≈¢Á9$# yìtΒ ©!$# ¨βÎ)Íο4θn=¢Á9$#uρ Îö9¢Á9$Î/ (#θãΨ‹ÏètGó$#3“tø.ÏŒ y7Ï9≡sŒ 4 ÏN$t↔ÍhŠ¡9$# t⎦÷⎤Ïδõ‹ãƒ ÏM≈uΖ|¡ptø:$# ¨βÎ) 4 È≅øŠ©9$# z⎯ÏiΒ $Zs9ã—uρ Í‘$pκ¨]9$# Ç’nûtsÛ nο4θn=¢Á9$# ÉΟÏ%r&uρ ΝÍκÏj.t“è?uρ öΝèδãÎdγsÜè? Zπs%y‰|¹ öΝÏλÎ;≡uθøΒr& ô⎯ÏΒ õ‹è{‏[هود:‏‎114‎‏]،‏ وقال تعالى في الزكاة:‏š⎥⎪ÌÏ.≡©%#Ï9ã≅t7ø)tƒ uθèδ ©!$# ¨βr& (#þθãΚn=÷ètƒ óΟs9r& ∩⊇⊃⊂∪ íΟŠÎ=tæ ì‹Ïϑy ª!$#uρ öΝçλ°; Ö⎯s3y y7s?4θn=|¹ ¨βÎ) öΝÎγø‹n=tæ Èe≅|¹uρ $pκÍ5 ÞΟŠÏm§9$# Ü>#§θ−G9$# uθèδ ©!$# χr&uρ ÏM≈s%y‰¢Á9$# ä‹è{ù'tƒuρ ⎯ÍνÏŠ$t7Ïã ô⎯tã sπt/öθ−G9$# ‏[التوبة:‏‎104-103‎‏]‏ .-3-4-5رعاية جوانب الإنسان المادية وجوانبه الحسية،‏ فأمرت الإنسان أن يسعى في الأرض كي يلبيهذه الحاجات،‏ وإن عجز عن ذلك،‏ أمرت الدولة الموسرين من أبناء الأمة الإسلامية بإعانته،‏ كماشرعت له الاستمتاع بزينة االله التي أخرج لعباده،‏ والطيبات من الرزق والدولة مسؤولة عنالأسر في تقديم ما تحتاج له دون النظر إلى دين أو معتقد.‏فرضت طلب العلم اعتناء بعقل الإنسان،‏ ودعت إلى التفكير في ملكوت السماوات والأرض،‏وأعانت على ذلك بكل وسيلة متاحة،‏ وجعلت العلم والتفكر عبادة،‏ وأنكرت عليه التقليد واتباعالظن والهوى،‏ وحرمت عليه ما يضر بالعقل كالخمر والمخدرات،‏ وكل مسكر أو مفتر فتعليم أفرادالأسرة واجب تتحمله الأسرة والمجتمع والدولة والإنسانية.‏فتح الباب بين العبد وربه بلا واسطة ولا كهنوت دون النظر إلى جنس هذا الإنسان أو لونه،‏ أوعرقه،‏ أو وطنه،‏ أو طبقته (( فالخلق كلهم عيال االله وأحبهم إلى االله أنفعهم لعياله))‏ (15)، وقدجاء في دعاء النبي)) :اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه،‏ أنا شهيد أنك الرب وحدك لا شريك844


44يأتمجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرلك،‏ اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه،‏ أنا شهيد أن محمدا ً عبدك ورسولك،‏ اللهم ربنا ورب كلشيء ومليكه،‏ أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة))(‏‎16‎‏)‏ وهذا على عكس ما رأينا في العولمة.‏$pκš‰r'¯≈tƒ-6أعلن الإسلام الإخاء الإنساني صرح بذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة،‏ قال تعالى:‏Zω%ỳ Í‘ $uΚåκ÷]ÏΒ £]t/uρ $yγy_÷ρy— $pκ÷]ÏΒ t,n=yzuρ ;οy‰Ïn≡uρ


العولمة صياغة جديدة للعالم وللأسرة خطرها على تمكين الأسرة وزعزعة ثباتهابمكيالين،‏ وتطبيق حقوق الإنسان على كل إنسان دون تمييز بين شعب وشعب،‏ أو أسرةٍ‏وأسرة.‏وضع ميثاق إسلامي عربي لحقوق الإنسان على غرار الاتفاقيات الأوربية والأمريكية...‏ وفقا ًللشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة،‏ مع تعريتها مما يخالف الذاتية الإسلامية،‏ وشريعتهاالعادلة،‏ مما يشكل ورقة ضغط في مجال العولمة على المناوئين،‏ ويحفظ للأسرة كرامتها.‏دعوة القادة وعلماء المسلمين بأن ينهضوا بالمؤسسات الحكومية،‏ والمنظمات الشعبية،‏للإسهام في حماية الأسرة،‏ ودعم المصلحة الجماعية للأمة عامة ً،‏ ولاسيا قضية السكانوالتنمية،‏ الذي يؤدي إلى تخفيف حدة الفقر وتحقيق هدف التعليم للجميع والنهوض بشأنالمساواة العادلة بين الجنسين،‏ وتمكين المرأة في أداء حقها زوجة وأما ً مربي ًة.‏دعوة أبناء الأمة الإسلامية في مختلف بقاع العالم،‏ إلى الترويج لمفاهيم الأسرة السعيدةالمتمتعة بالرخاء،‏ حيث تتوافر فيها السكينة والمودة والرحمة،‏ والعمل على تخفيف حدةالخلافات الأسرية على منهج إسلامي قويم.‏التأكيد على دعوة المنظمات الدولية،‏ ومؤسسات التمويل الدولية المانحة،‏ لتقديم الدعم اللازملبرامج السكان والتنمية،‏ وعدم الاقتصار على المنادة بالديمقراطية وحرية الانتخاب ونزاهةالتصويت....‏حض وسائل الإعلام والمنظمات الإسلامية على بذل الجهود لتسليط الضوء على قضايا السكانوالتنمية بكل الوسائل المتاحة،‏ التي تؤكد أهمية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والمساواةالعادلة بين الجنسين وفق الشريعة الإسلامية ومكافحة الأمراض.‏هذا جهد المقل واالله أسأل أن يحفظ الأمة والأسرة.‏وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.‏-3-4-5-6-7846


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> للعلوم الاقتصادية والقانونية–‏ المجلد 25- العدد الأول-‏‎2009‎تيسير العمرالهوامش‏((أخرجه أحمد في مسند ‏(معاوية بن جاهمة السلمي)‏ حديث رقم (15516). وابن ماجة كتابالجهاد باب الرجل يغزو وله أبوان حديث رقم (2781) وهو صحيح)).‏هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة:‏ أ.د زينب عبد العزيز ص‎8-7‎العربي،‏ <strong>دمشق</strong> القاهرة.‏– ط (1)دار الكتابالآداب الشرعية والمنح المرعية:‏ لابن مفلح الحنبلي طبع جمعية إحياء التراث الإسلامي،‏الكويت ط‎3‎‏،‏ ‎1424‎هأخرجه البخاري رقم/‎2003‎م ج‎1‎ ص‎433‎‏.‏(6719)، ومسلم.(1705)(1829)، وأبو داود في الخراج الباب الأول،‏ والترمذيانظر كتاب عولمة الإرهاب:‏ د.‏ أحمد طحان،‏ طبع دار المعرفة،‏ بيروت،‏ لبنان ط‎1‎ ‎1424‎ه‎2003‎م.‏الكشوف الجغرافية:‏ محمود شاكر ص‎12‎و‎24‎و‎25‎‏.‏ طبع المكتب الإسلامي.‏المرجع السابق ص‎29‎و‎37‎‏.‏انظر عولمة الكراهية:‏ د.‏ أحمد طحان طبع دار المعرفة،‏ بيروت،‏ لبنان ط‎1‎ ‎1423‎ه ‎2003‎م.‏انظر عولمة الفجور:‏ د.أحمد طحان طبع دار المعرفة،‏ بيروت،‏ لبنان،‏ ط‎1‎ ‎1426‎ه ‎2005‎م.‏المفردات:‏ للراغب الأصفهاني ص‎345-344‎‏،‏ القاموس المحيط الفيروز أبادي ‏:ج‎4‎ ص‎155-154‎‏.‏رواه أحمد من حديث تميم الداري برقمالبخاري(16344):ورجاله رجال الصحيح.‏كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب أبي بكر رقم(3661)، الفتح.545542/10أحمدرقم،159/1 :مجمع الزوائد 302/8، وعزاه لأحمد وقالرجاله ثقات.‏ :البخاري في كتاب التيم 519/1 رقم(‏‎335‎‏)،‏ ومسلم في كتاب المساجد ومواضيع الصلاة371/1.301/1 وأحمد (253)رواه أبو يعلى في المسند،‏ والبزار عن أنس،‏ والطبراني في الكبير عن أنس،‏ والبيهقي في الشعب،‏وهو في فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ص‎174‎ برقم‎217‎والحديث ضعيف.‏رواه أحمد من حديث زيد بن أرقم.‏رواه أحمد برقم..9387.1.2.3.4.5.6.7.8.9.10.11.12.13.14.15.16.17تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong>.2008/10/22847

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!