07.01.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -4-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

فاتن عيسى<br />

223


مظهر أحمد<br />

222


221


ضياء العزاوي<br />

بشار شامل<br />

220


زانكمنكلي<br />

ريسول آي<br />

219191


190 218


دانيال ميير<br />

217 189


ابوالفضل خاسرايف<br />

216 214


زالتان دريانوف.‏<br />

215


214


213


حكم ناطق الكاتب<br />

212


بنك سن بنك<br />

211


شوي تشانغ<br />

210


209


جوزي ايزك<br />

فيكتور سانتوس<br />

بشار شامل..‏ أعضاءً،‏<br />

جوائز املعرض الثالث:‏<br />

الفائز باجلائزة األولى فيكتور سانتوس جالي<br />

– املكسيك $1500 والفائزان باجلائزة الثانية–‏<br />

مشاركة:‏ زالتان دريانوف – بلغاريا وشوي<br />

تشانغ–‏ الصني $1000 والفائز باملركز الثالث<br />

ريسول آي – تركيا $500 مع إشادات شرفية<br />

مبجموعة من األعمال،‏ ولفت العزاوي:‏ تنوعت<br />

املشاركة يف التقنيات واألساليب املستخدمة؛<br />

لذا <strong>حر</strong>صت جلنة التحكيم على اختيار أعمال<br />

مختصرة يف تكوينها لكنها قادرة على إيصال<br />

الفكرة املطلوبة والتفاعل معها مبجرد النظر<br />

إلى امللصق.‏<br />

وقال الفنان د.‏ محمد احللو..‏ من كلية الفنون<br />

التطبيقية:‏ معرض مهم يشكل قراءة لواقع مهم<br />

بعد انعطافة 2003، ومن املشاركني قال ياسر<br />

العتابي:‏ جسدت رؤيتي باختيار شاخص متبق<br />

من حطام احلرب<br />

208


معرض متيّز الدولي الثاني للملصقات<br />

شهدت قاعة جمعية التشكيليني العراقيني<br />

نهاية عام <strong>2023</strong> فعاليات املعرض الدولي<br />

الثاني للملصقات الذي تنظمه جائزة متيّز<br />

حتت عنوان معرض ‏)احلدث املدوي بعد<br />

عشرين عاماً(،‏ مبناسبة مرور »20« عاما على<br />

احلدث التاريخي وامللتبس من تاريخ العراق<br />

احلديث،‏ حيث جاء يف فولدر املعرض:‏ ‏»حيث<br />

يستذكر العراقيون،‏ ومعهم العالم كله مشاهد<br />

اجتياح القوات االميركية قلب العاصمة بغداد<br />

يف التاسع من نيسان عام 2003. إذ لم تعد<br />

طبيعة احلياة على كل األصعدة يف العراق بعد<br />

هذا املنعطف،‏ كما هي من قبله«.‏<br />

منسق املعرض يف بغداد بشار شامل قال ان<br />

‏»املعرض مهم فنياً‏ لناحية تنوع املشاركات<br />

وامللصقات وتقنيات تقدميها،‏ وهذا التنوع<br />

الفريد يثري املشهد البَصَ‏ ريّ‏ احمللي ويسهم<br />

يف تطويره«،‏ واضاف « يسر جائزة التميز<br />

اإلعالن عن املتسابقني الفائزين بهذا املعرض<br />

حيث كانت مشاركات من 53 بلداً‏ وبواقع<br />

247 ملصقاً،‏ انتخب من خالل جلنة التحكيم<br />

منها 59 ملصقاً‏ نالت املراتب الثالث األولى<br />

ملصممني من املكسيك وبلغاريا،‏ والثاني<br />

من الصني مناصفة والثالث كان من تركيا،‏<br />

وأيضاً‏ سبع مراتب شرف جلنة التحكيم الى<br />

املصممني العراقيني والدوليني«.‏ افتتح نقيب<br />

الفنانني د.‏ جبار جودي العبودي،‏ صباح أمس..‏<br />

السبت،‏ املعرض الدولي الثاني للملصقات،‏<br />

يف جمعية التشكيليني،‏ ضمن فعاليات جائزة<br />

‏»متيز«‏ مبشاركة تسعة وخمسني فناناً‏ من ثالث<br />

وعشرين دولة عربية وأجنبية،‏ وقال العبودي:‏<br />

امللصق فن مؤثر يجب إحياؤه وإلفادة منه<br />

جمالياً‏ ودعائياً،‏ وأكد:‏ يأتي هذا املعرض يف<br />

توقيت يتطلب فيه لفت انتباه التشكيليني من<br />

رسامني ومصممني إلى جدية العمل يف فن<br />

امللصق.‏<br />

وأضاف مؤسس جائزة متيّز،‏ أحمد املالّ‏ ك:‏<br />

املشاركة يف تصاميم امللصقات من خالل<br />

رحلة إبداعية وفنية من هذا النوع،‏ هي توثيق<br />

استثنائي ومسؤولية أخالقية يشيران إلى<br />

الدور املهم للفنان ورؤيته اجلمالية ملا جرى<br />

لهذا البلد من خالل احلفاظ على الذاكرة،‏<br />

والتعلم من دروس املاضي العميقة وآثارها يف<br />

مستقبل العراق وتطلعه نحو <strong>فضاء</strong> جديد من<br />

احلرية والدميقراطية والتنمية احلقيقية التي<br />

تلحقه مبسيرة العالم اليوم.‏<br />

وتشكلت جلنة التحكيم من الفنانني:‏ ضياء<br />

العزاوي..‏ رئيساً،‏ وأحمد املالّ‏ ك،‏ ومظهر<br />

أحمد،‏ وعمار داود،‏ ومحمود العبيدي،‏ ود.‏<br />

207


206


رموز ثورة،‏ مباء النهر الذي جتري عند ساحله<br />

وفوقه امللحمة،‏ اتخذ شكل موج عبرت عنه رقم<br />

سومر الكينية،‏ شباب تصارع وحوش حتاول التهام<br />

األجساد الفضة.‏<br />

خليل ياسني،‏ فنان تشكيلي<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

205


شهادات<br />

هذا الكالري حكم عليه الفنان الكبير علي<br />

النجار أن أال يكون ما بعده كما كان ما قبله...‏<br />

منذ يومني وانا اتهيب دخول املكان...‏ لو كان<br />

بيدي لطلبت منكم جميعا خلع أحذيتكم فأنت<br />

يف حضرة ساحة الت<strong>حر</strong>ير.‏<br />

د.‏ أسيل العامري ‏)مديرة دار ننار للفنون(‏<br />

الفنان علي النجار يف معرضه هذا يوثق<br />

مبلوناته باألبيض واألسود ملحمة هؤالء<br />

الفتية..‏ الذين أعادوا لألرض مجد<br />

سنني وسنني..‏ أعادوه بلمحمة عني وتركوا<br />

العالم فاغر فاه فأحالوا أسطورة موسى وعصاه<br />

الالقفة احليات الى مجر قصة ترقص مرتعدة<br />

أمام ابتسامتهم نلك التي ال يفسرها أكثر فالسفة<br />

املوت حذاقة..‏ أنا يف ساحة الت<strong>حر</strong>ير اآلن ولست<br />

يف معرض يبعد عنها آالف الكيلومترات.‏<br />

د.‏ حسن السوداني..‏ أكادميي واعالمي.‏<br />

حائط ميأله السخام للوهلة األولى،‏ هكذا سيبدو،‏<br />

لكنك حني متعن النظر ستتفكك طالسمه الى<br />

204


19( .) نوفمبر<br />

يا أبي<br />

لم يكن يف دنياك غير ( السفربر(‏<br />

وثورة العشرين<br />

واملستر إنكليزي مدير الريلوي ستيشن<br />

ومترد أبناؤك<br />

وأنت تطوف السجون تتفقدهم<br />

20( ) . نوفمبر<br />

أمتنى لو كنت بنسختني واحدة كما أنا<br />

ال أزال يف املنفى أرمم جسدي<br />

وواحدة جتوب ساحة الطيران<br />

واخلالني<br />

وساحة الت<strong>حر</strong>ير<br />

معكم لتعلن الت<strong>حر</strong>ير<br />

9( ) ديسمبر<br />

بغداد<br />

والصوص<br />

والدم<br />

)12(. ديسمبر<br />

يف لعبة السلطة العراقية<br />

لم يكن املواطن سوى بيدق<br />

رفسته األحزاب<br />

وباعه الرؤساء<br />

باملفر واجلملة<br />

وال يزالون<br />

يف غيهم ساهون<br />

)14(. ديسمبر<br />

أفتح نافذة يف السماء<br />

تتساقط أدعية فقراء وطني<br />

كمزنة مطر<br />

خالية<br />

إال من ختم املرجع الذي سرق باب احلوائج<br />

)22(. ديسمبر<br />

الوجه<br />

الوجه..‏ الذي ال يصدأ<br />

الوجه الذي قد من ماء<br />

يا أنتم<br />

الوجه..‏ املرأة<br />

التي خطفتم بريقه نصف قمر<br />

ونصف سماء<br />

203


مختارات من االيام<br />

6( ) ‏.اوكتوبر<br />

يا أبي األبناء بعدك كبروا<br />

بعضهم شاخوا<br />

بعضهم ال يزالوا يف سوح الت<strong>حر</strong>ير<br />

وأحفاد ال يتذكروا مالمحك<br />

لكنهم حفروا مالمح الوطن يف جباههم<br />

رفعوه فوق هاماتهم<br />

أعادوا لنا تواريخ نضال<br />

كدنا أن ننساها<br />

هي األنصع<br />

7( .) أكتوبر<br />

يف <strong>حر</strong>ب الطوائف<br />

عام والدتي فقدت ابي<br />

يف عام الدواعش فقدت أمي<br />

يف عام اجملاعة فقدت لقمة عيشي<br />

يف عامي هذا خرجت<br />

رمبا ال أعود<br />

لكنه الوطن<br />

رغم كونه حتول الى مقبرة<br />

لي<br />

وألبي<br />

وألمي<br />

نحن الذين خرجنا من الدنيا كما خلقنا اهللّ‏<br />

لم نعد منلك غير ترابه مثوى<br />

أمانة يف أعناقكم<br />

فال تخذلونا<br />

9( .) أكتوبر<br />

يا حلزني احلديقة يف بغداد تدعى األمة<br />

بختم عمالق لل<strong>حر</strong>ية يتوج واجهتها<br />

منذ أن مت نصبه واحلرية <strong>حر</strong>بة تشك القلب<br />

يف بلد يقع يف العالم من القلب<br />

إطالقة واحدة ال تخطيئ الهدف<br />

ثقب يف الرأس<br />

أو ثقبني<br />

والقاتل خاتل ما بني<br />

بني!!!‏<br />

)19(. أكتوبر<br />

أفتح نافذة يف السماء<br />

تتساقط أدعية فقراء وطني<br />

كمزنة مطر<br />

خالية<br />

إال من ختم املرجع الذي سرق بيت املال<br />

29( .) أكتوبر<br />

من يغمض عينيه..‏ اجلرمية مستمرة<br />

202


يف القرن املاضي،‏ ليستخرج منها املعنى<br />

اجملازي االخر Broken Dome لكن مهمة علي<br />

النجار تتحدد بغاية مختلفة.‏ فهو إذ يحيل<br />

النصّ‏ الى موقع بعيد،‏ إمنا يستخرج منه<br />

شكال بال مالمح معروفة سلفا وبطبعه على<br />

الورق بت<strong>حر</strong>يف شديد اخلصوصية،‏ قبل أن<br />

يعيد إرساله،‏ ويضعه حتت تصرف احملتجني<br />

البعيدين عن زاويته السويدية.‏<br />

‏.....متخفياً‏ وراء الظهور،‏ بعيداً‏ عن العيون،‏<br />

مثل برق خاطف لألبصار ؟ يجرّب الفنان<br />

التظاهر مع جموع سائرة إلى مجهول مثله<br />

ومثل رسومه التخليقية ، وقد يكفيه هذا<br />

التماهي لسدّ‏ الفجوات يف وجدانه اجملروح<br />

منذ إفاقته على غربته وعزلته اجلليدية.‏<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

201


مقتطف من مقالة<br />

لألديب محمد خضير<br />

الرسم الشايف<br />

حاور الفنان علي النجار هواجسه البيئية.‏<br />

وحدسه التلوينّي،‏ فانتزع منها رسوما حبرية<br />

سودا،‏ أرفقها بنصوص قصيرة.‏ ثم واصل<br />

إرسالها طيلة شهر تشرين الثاني من العام<br />

2019، رسما بعد رسم،‏ إلى متظاهري ساحة<br />

الت<strong>حر</strong>ير ببغداد،‏ بواسطة الفيس بوك،‏ تضامناً‏<br />

معهم ثم وسع زاوية التضامن،‏ وعرض أصول<br />

تلك الرسوم يف معرض شخصي يف السويد<br />

حتت عنوان Zome( ) Broken دار ننار،‏ ماملو،‏<br />

السابع من كانون األول 2010. والعنوان يعني<br />

‏)اللقطة(‏ الكبيرة املسلّطة على حدث مكسور<br />

بعيد.‏ وكنت أظنّ‏ الفنان يسلط لقطته املكبّرة<br />

عى موقعنا كما يسلطها على ‏)قبة(‏ فيشرحها<br />

كما شرح النحات إسماعيل فتاح قبة الشهداء<br />

200


علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق<br />

فبريانو<br />

199


198


197


علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق<br />

فبريانو<br />

196


علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

علي النجار 2019<br />

حبر اسود على ورق فبريانو<br />

195


194


الكتاب:‏ علي النجار،‏ نريد وطننا.‏ رسوم<br />

على احلدث.‏<br />

عدد الصفحات : ١٣٢ من القطع املتوسط<br />

قياس الكتاب :٢٢ ط ٣٠ سم<br />

مت اصدار ١٠٠ نسخة فقط من قبل الفنان.‏<br />

بدأ علي النجار مشروع رسوم الت<strong>حر</strong>ير منذ<br />

يوم السابع والعشرين من أكتوبر )2019(.<br />

مبعدل عشرة رسوم يوميا،‏ ولعشرة أيام.‏<br />

متوالية متأثرا مبشاهداته اليوميىة ألحداث<br />

اإلنتفاضة.‏ كان يف نيتيه أن تطبع كإعالن<br />

احتجاج وقتها،‏ وحتى ولو تطبع على ورق<br />

جرائد،‏ فاحت دار املدى بالفكرة عن طريق<br />

من يعرفهم من م<strong>حر</strong>ري الصفحة الثقافية<br />

التي زودهم خالل عدة أعوام بالعشرات من<br />

املقاالت التشكيلية.‏ لكن لألسف لم يستجب<br />

لطلبه أي منهم.‏ مما اضطره لعرضهم ‏)مائة<br />

رسمة(،‏ كعرض جتريبي،‏ على جدران قاعة<br />

فنية لصديق له يف املدينة السويدية التي<br />

يسكنها ‏)ماملو(.كالري ننار،‏ بعنوان ( Broken<br />

)Zome يف تاريخ )7 ديسمبر 2019( وكان<br />

عرضا تفاعليا بشموع يضيئها الزائرون،‏<br />

إضافة لبرنامج اتصال حي مع أحد الشعراء<br />

‏)حميد قاسم(‏ يصف انطباعاته من داخل<br />

ساحة الت<strong>حر</strong>ير.‏ مع عرض فيلم فيديوي لكرمي<br />

النجار سجل فيه أحداث ساحة الت<strong>حر</strong>ير<br />

واخلالني.‏<br />

مت تقسيم الكتاب أربعة مقاطع،‏<br />

* شهادات<br />

* احلديقة يف بغداد تدعى األمة.‏<br />

* من اليوميات<br />

‏*أنها صور .. ملاذا أنا مصدوم ؟<br />

193


192


191


190


189


188


187


186


185


184


183


182


181


180


179


178


177


176


175


174


173


172


171


170


169


- 1970 أقام معرض ‏)االنسان واملوت والثورة(‏<br />

عن نضال الشعب االرتيري.‏<br />

- 1972 أحد مؤسسي اجلمعية العراقية<br />

للتصوير.‏<br />

- 1974 منح صفة مناضل من قبل اجلبهة<br />

الشعبية لت<strong>حر</strong>ير فلسطني ملشاركته املقاومة<br />

الفلسطينية بتوثيق فوتوغرايف لعملية أم<br />

العقارب.‏<br />

- 1974 معرض فوتوغرايف ‏)وثيقة من تل<br />

الزعتر(.‏<br />

- 1976 معرض ‏)قصة شعب(‏ عن الثورة<br />

والشعب الفلسطيني.‏<br />

- 1977 معرض ‏)اإلنسان والثورة(‏ عن الثوار<br />

يف ارتيريا وثورة ظفار يف سلطنة عُمان.‏<br />

- 1979 معرض ( وثيقة صداقة ) عن الشعب<br />

العراقي وشعب جمهورية املانيا الدميقراطية.‏<br />

- 1980 معرض ‏)أطفال بال طفولة(‏ - بيروت.‏<br />

- 1982 معرض ‏)الوطن واحلياة(.‏<br />

- 1987 معرض ‏)الوطن...‏ التحدي...‏<br />

احلضارة(.‏<br />

- 1987 حاز على امليدالية البرونزية وشهادة<br />

تقديرية جملموعة الصور االخبارية - انتر<br />

بريس فوتو.‏<br />

- 1990 جائرة أفضل صورة عن احلرب من<br />

قبل احتاد الصحفيني العامليني.‏<br />

- 1991 اقام معرض ملصقات جلميع املعارض<br />

التي اقامها ملدة 25 عام دفاعا عن العراق<br />

وفلسطني.‏<br />

- 1991 أصدر ملصقاً‏ سياسياً‏ وصوّر عن<br />

احلياة يف العراق خالل احلرب التي شنتها<br />

أميركا على العراق.‏<br />

- 1991 عمل مع مكتب اليونسيف والبيئة يف<br />

األردن وكان له مشروع فوتوغرايف كبير عن<br />

أطفال العراق والوطن العربي لكن املنية لم<br />

تسعفه الستكماله.‏<br />

- 1991 غادر جاسم الزبيدي احلياة ليترك<br />

خلفه إرثا فوتوغرافيا ثمينا وإجنازا كبيراً‏<br />

سيبقى يخلده لالجيال القادمة.‏<br />

168


167<br />

الفني ليخلد اسمه بني أقرانه املصورين كواحد<br />

من مبدعي فن الفوتوغراف العراقي.‏<br />

ان بعض من التقاطات جاسم الفوتوغرافية<br />

تظهر بوضوح تأثره باثنني من رواد التصوير<br />

الفوتوغرايف العراقي،‏ األول مراد الداغستاني<br />

من حيث النظرة الفنية البحتة للموضوع<br />

والتركيز على شالالت الضوء الساقطة من<br />

األعلى والثاني ناظم رمزي الذي يعطي أهمية<br />

قصوى لإلنسان يف نتاجه ليكمل موضوع<br />

الصورة الفني واالجتماعي . وهذا ما يظهر<br />

جليا يف الكثير من أعمال الزبيدي الفنية.‏ نعم<br />

هناك تشابه كبير بني أسلوب جاسم الزبيدي<br />

وبينهم وهذا ليس انتقاص من نتاجات جاسم<br />

الفوتوغرافية بقدر ماهو استفادة من خبرات<br />

الرواد من أجل صقل املوهبة وتطوير القابلية<br />

البصريّة واحلسيّة للمصور.‏<br />

الهوامش<br />

‎1‎‏-مقابلة مع االبن الروحي جلاسم الزبيدي<br />

النحات عبد احلميد سعيد الزبيدي<br />

2- من مقال للصحفي عائد خصباك الصديق<br />

املقرب جلاسم الزبيدي<br />

جاسم الزبيدي<br />

- 1940 الوالدة يف بغداد<br />

- 1964 مؤسس ومشارك جماعة متوز للفن<br />

احلديث.‏<br />

1979 - 1967 أول مصور صحفي عراقي<br />

يحمل كاميرته لتصوير وتوثيق احلياة لل<strong>حر</strong>كات<br />

الثورية يف فلسطني،‏ وارتيريا،‏ وظفار،‏ واليمن<br />

اجلنوبي .<br />

- 1968 اقام املعرض الفوتوغرايف االول<br />

بعنوان ‏)قصة شعب(‏ عن الثورة الفلسطينية .<br />

- 1968 اسس قسم التصوير يف مجلة الف<br />

باء - بغداد.‏


التصوير باألبيض واألسود له نكهة خاصة<br />

لدى املصورين الفوتوغرافيني لسببني .. األول<br />

يتمثل يف اقتناص اللقطة كزمن وموضوع<br />

وحصرها بكادر له رؤية تعتمد على ثقافة<br />

املصور البصرية والفنية.‏ والسبب الثاني يعتمد<br />

على خبرة وقدرة املصور على أنتاح الصورة<br />

داخل الغرفة املظلمة من تقطيع وتكبير وأظهار<br />

تباين الصورة بأفضل شكل ممكن لكي تشد<br />

املتلقي من الناحية الفكرية والفنية .<br />

إن اهتمام جاسم الزبيدي بالتصوير التوثيقي<br />

الثوري لم مينعه من أن يقدم لنا صور تعبيرية<br />

باألسود واألبيض عن مختلف جوانب احلياة<br />

العامة يف العراق فيها رؤية فوتوغرافية فنية<br />

وعني حاذقة للمنظور العام للصورة باإلضافة<br />

ألظهار طريقة معيشة اإلنسان يف بيئته<br />

البسيطة كل حسب موقعه ليقدم لنا وثائق<br />

تسجيلية صورية عن واقع حال اجملتمع<br />

العراقي يف تلك احلقبة الزمنية.‏ فنراه مرة<br />

على ضفاف دجلة،‏ وأخرى داخل األسواق<br />

الشعبية،‏ ليسافر بعدها إلى قرى الشمال،‏<br />

ويعود ليدخل املساجد،‏ ثم يبحث عن بعض من<br />

املوروث الشعبي احمللي العراقي وبعدها يسجل<br />

صور لبعض الشخصيات الثقافية واالجتماعية<br />

العراقية،‏ وهكذا يستمر بعطائه فوتوغرايف<br />

166


التقني والفني البحت املتجلي مبوضوع الظل<br />

والضوء كقاعدة أساسية من مسلمات الصورة<br />

الفوتوغرافية،‏ بل كان جلّ‏ اهتمامه إظهار<br />

احلقيقة البائسة يف هذه اللقطة،‏ فعمد إلى<br />

حصر جسم املرأة يف الزاوية السفلى،‏ متعمداً‏<br />

قطع اجلزء األسفل من جسمها ليعطي للوجه<br />

قوة التعبير باحلزن واملعاناة من خالل العني<br />

الواحدة البارزة خلف الوشاح،‏ والبؤس الواضح<br />

على الشفاه أيضا،‏ وإن كان خجل املرأة واضحاً‏<br />

خوفاً‏ من الكاميرا واملصور معاً.‏<br />

استفاد الزبيدي من هذه املشاعر ليعطي<br />

للصورة قيمة إبداعية مضافة.‏ أما اليد<br />

املمدودة وإظهار جزء منها وهي تالمس<br />

يد املرأة املسنة باإلصبع فجاءت إمياءة<br />

واضحة وتشبيها بعيدا لرسم مايكل اجنلو<br />

الشهير»خليقة آدم«‏ املرسومة يف القرن<br />

السادس عشر،‏ وكأن ما حتتاج هذه العجوز<br />

املنزوية هي اليد اإللهية املمتدة من األعلى<br />

لتساعدها على النهوض من أجل حياة جديدة<br />

فيها األمل واحلرية.‏ أما إظهار األساور يف<br />

اليد األخرى فهو للتأكيد بأن الشخصية<br />

الظاهرة يف الصورة سيدة وليست رجالً‏ وأن<br />

لبس احللي واألساور هو من مستلزمات احلياة<br />

اليومية يف بعض اجملتمعات،‏ فحتى لو كانت<br />

مزيفة لكنها جزء من شخصية وجمال املرأة<br />

بالرغم من البؤس.‏<br />

إن التكوين العام ملنظور اللقطة،‏ وترك مساحة<br />

فارغة يف اخللفية،‏ أعطى انطباعاً‏ كامالً‏ عن<br />

البيئة الريفية التي تعيش بها هذه السيدة،‏<br />

فجاءت صورة معبرة بكل تفاصيلها موضوعاً‏<br />

وشكالً‏ لتحكي ببساطة واقعاً‏ مريراً‏ حلياة<br />

اإلنسان البائس.‏<br />

اللقطة الفوتوغرافية يف أعمال جاسم الزبيدي<br />

165


الصحفية،‏ ويف سياق إنتاجه،‏ فالبد إذاً‏ أن<br />

جند تعريفاً‏ عاماً‏ للصورة الصحفية التي كانت<br />

األساس يف عمله الفوتوغرايف.‏<br />

ميكن تعريف الصورة الصحفية على أنها<br />

تسجيل تاريخي للحدث العابر.‏ ما يسجل<br />

يف حلظة ميكن أن يكون خالداً‏ إلى دهر من<br />

الزمن،‏ وميكن أن يكون دليالً‏ شاخصاً‏ يف<br />

العديد من األحداث التي مترّ‏ بسرعة البرق،‏<br />

وال ميكن للذاكرة أن تعود بتفاصيلها كما تفعل<br />

عدسة املصور الصحفي،‏ بتثبيت احلقائق<br />

مثلما وقعت ب<strong>حر</strong>كاتها وانفعاالتها.‏ فإذا ما<br />

جنح املصور يف احلصول عليها،‏ ستكون دليالً‏<br />

يحقق به املصور السبق الصحفي الذي يطمح<br />

إليه.‏ هذا ما كان يطمح إليه الزبيدي من<br />

خالل ما قدمه من وثائق فوتوغرافية ستكون<br />

مبثابة املؤرخ التعبيري يف التاريخ الفوتوغرايف<br />

العراقي والعربي.‏<br />

إن اجتاه الزبيدي يف تصوير معاناة اإلنسان<br />

يف بيئته من نساء وأطفال وشيوخ،‏ كان الهدف<br />

منها إرسال رسالة توثيقية واضحة املعالم،‏<br />

تفضح فيه األنظمة التي تتحكم مبصير<br />

شعوبها.‏ رسالة تخبر العالم،‏ املليء بالضجيج<br />

واألخبار املتعارضة،‏ ما عاناه اإلنسان هنا،‏<br />

يف هذه الزاوية من هذا العالم.‏ إن القراءة<br />

الدقيقة لوثائق الزبيدي التصويرية تلخص<br />

لنا ثيمة فكرية عميقة لشتى مواضيع احلياة.‏<br />

لنأخذ على سبيل املثال إحدى الصور التوثيقية<br />

يف إرتيريا.‏ إنها متثل امرأة بائسة جالسة<br />

يف العراء يخيم عليها احلزن واأللم.‏ تغطي<br />

وجهها بوشاح،‏ وتتشبث باليد املدودة،‏ فيما<br />

ترتدي باليد األخرى أساور...‏ فماذا أراد<br />

الزبيدي أن يقول بهذه الصورة؟<br />

من الواضح جلياً‏ أن الزبيدي لم يهتم باجلانب<br />

164


كما هي رسالة مهمة للذائقة البصرية.‏ الصورة<br />

تثير العاطفة اإلنسانية،‏ وحترك ذاكرة املتلقي<br />

وأحاسيسه،‏ خصوصاً‏ إذا انطوى كادرها على<br />

فكر عميق مصحوب بجمالية الضوء وزاوية<br />

منظور استثنائية تثير الرؤية الفنية للمشاهد<br />

وتعمّق ثقافته البصرية.‏ للتصوير عالقة متينة<br />

باحلسّ‏ الذاتي للمصور،‏ فهو من يخلق املعادلة<br />

اإلبداعية للصورة من عتمة وظل وضوء<br />

باإلضافة للموضوع.‏<br />

املصور الفنان يتفحص مفردات الواقع<br />

ومتغيرات احلياة،‏ ليوثق اللقطات الغريبة التي<br />

تغيب عن عني املتلقي العادي.‏ عندما تلتقي<br />

عني الفنان مع عدسة الكاميرا ينتج عن ذلك<br />

اإلبداع البصري املتكامل،‏ وعندها تتكون<br />

الصورة ذات النظرة الفلسفية اجلدلية مقرونة<br />

بنظرة فكرية وجودية.‏<br />

إن عالقة اإلنسان باملكان عالقة أزلية،‏ وترتبط<br />

<strong>حر</strong>كته وإمياءاته مبتطلبات محيطه،‏ لذا عندما<br />

يؤطر الفنان الفوتوغرايف كادر الصورة بثنائية<br />

اإلنسان واملكان دارساً‏ بشكل علمي التوزيع<br />

التقني للعتمة والضوء وما بينهما،‏ ستتكون<br />

لديه موضوعات مرهفة اجلمالية عالية<br />

األحاسيس مفعمة الوجدان.‏<br />

الكثير من هذه املبادئ جسدها جاسم<br />

الزبيدي،‏ ألنه ذو رؤية بصرية حاذقة،‏<br />

وإنسان مرهف احلسّ‏ . لقد سجّ‏ ل بعدسته<br />

واقعاً‏ إنسانياً‏ وبيئياً‏ متعدداً.‏ ولكون العمل<br />

الفوتوغرايف للزبيدي جرى داخل املنظومة<br />

163


162


كبيرة يف حتديد كادر الصورة،‏ باإلضافة إلى<br />

سهولة القطع للتركيز على موضوع الصورة<br />

األساسي « Crop » عند طباعتها وإخراجها<br />

للعلن،‏ ثم إمكانية تكبير الصورة إلى أحجام<br />

كبيرة بدون تشويه « Mural » لغرض العرض<br />

يف املعارض الفنية وشدّ‏ انتباه املشاهد.‏<br />

وكان هذا أحد أهداف الزبيدي عند إقامته<br />

للمعارض الفنية إلنتاجه الفوتوغرايف.‏<br />

عند سفره مبهمة فوتوغرافية كان الزبيدي<br />

ينصهر مع اجملتمعات التي يعايشها،‏ ويوثق<br />

بصرياً‏ معاناة تلك اجملتمعات املقهورة<br />

والبائسة.‏ كان ينام ويأكل ويشرب مع هؤالء<br />

البائسني من أجل أن يكون واحداً‏ منهم،‏ يحسّ‏<br />

إحساسهم ومعاناتهم.‏ بهذه الطريقة،‏ التلقائية<br />

التي متثل شخصيته الطبيعية،‏ كان يكسب<br />

ثقتهم،‏ ويحوز على املزيد من احلرية لتسجيل<br />

واقعهم احلياتي املغلق.‏ من هنا جنح يف تصوير<br />

النساء واألطفال،‏ ثم الثوار املقاتلني واملدافعني<br />

عن أفكارهم وأهدافهم.‏<br />

هناك مفهومان واضحان يف إنتاج جاسم<br />

الزبيدي الفوتوغرايف،‏ األول سياسي واآلخر<br />

اجتماعي.‏ املفهوم السياسي الذي أنتهجه يف<br />

صوره سار وفق أفكاره اليسارية والتقدمية،‏<br />

معتمداً‏ على إظهار التناقضات الكبيرة يف<br />

منط احلياة التي حتيط باجملتمع املدني وشبح<br />

السلطة املسيطر.‏<br />

وكمثال على تفكيره السياسي،‏ اللقطة املقابلة<br />

التي تلمّح عن سطوة حكم الرئيس العراقي<br />

الراحل صدام حسني وهيمنته على حياة<br />

العراقيني.‏ الصورة ال حتتاج إلى شرح أو<br />

تعليق،‏ وميكن عدّها وثيقة بصرية سجلها<br />

الزبيدي بعدسته لتحكي واقع وحياة الشعب<br />

العراقي يف تلك املرحلة التي متيزت بتمجيد<br />

القائد وجعله فوق اجلميع.‏ الصورة هنا تغني<br />

عن العديد من الكلمات واملقاالت.‏<br />

من الواضح أن األفكار السياسية التي آمن<br />

بها الزبيدي،‏ لم تكن غريبة عن مناخ ثقايف<br />

وسياسي عمّ‏ املنطقة العربية والعالم الثالث.‏<br />

ومن املؤكد أنها لصيقة بسيرته االجتماعية<br />

والثقافية،‏ ومعرفته بتنوع الواقع،‏ وتعاطفه<br />

غير املداهن.‏ كان يحلل بعض املشاهد باختيار<br />

اللقطة املناسبة من دون مبالغات تعبيرية.‏<br />

فهو يدرك الصعوبات التي يعاني منها الثوار،‏<br />

وظروفهم الصعبة من نقص الغذاء والدواء<br />

واألسلحة،‏ لذلك لم يخف يف لقطاته هذا<br />

النقص،‏ وأظهر على سبيل املثال كمية ونوع<br />

األسلحة البسيطة التي يستخدمها الثوار،‏<br />

وسجّ‏ ل على سبيل املقارنة ما ملكته الدول<br />

املتسلطة على أقدار الشعوب من أسلحة وعتاد<br />

وإمكانيات مادية هائلة.‏ إنه يقول ببساطة إن<br />

الثوار املناضلني اللذين تربطهم جذور قوية<br />

وعميقة باألرض أقوى من غطرسة السالح<br />

وظلم احلكام.‏<br />

أما املفهوم االجتماعي يف صور الزبيدي فكان<br />

على وفاق مع مشاعره اإلنسانية وأحاسيسه<br />

بالقهر والظلم الذي تعاني منه الفئات املهمشة،‏<br />

وأوضاع اجملتمعات التي جتد نفسها دون<br />

أي رعاية صحية وتربوية واجتماعية.‏ إن<br />

صوره تكشف وقائع مخيفة جلماعات تركت<br />

مصائرها بيد القدر،‏ واألطفال بوجه خاص،‏<br />

كانوا ممثليه األكثر تعاسة واألكثر تعبيراً‏ عن<br />

الفواجع اإلنسانية.‏ واحلال كان الزبيدي قد<br />

اختطّ‏ لنفسه مشروعاً‏ فوتوغرافياً‏ موسعاً‏<br />

عن األطفال يف العراق والوطن العربي،‏ لكي<br />

يظهر معالم الطفولة والرعاية التي يجب أن<br />

يحظى بها هؤالء األطفال من أجل مستقبل<br />

مشرق،‏ كونهم بناة املستقبل.‏ وبقي يعمل على<br />

هذا املشروع بالتعاون مع منظمة اليونيسف،‏<br />

لكن القدر لم يعطه فرصته باحلياة فرحل عن<br />

عاملنا عام 1992، تاركاً‏ خلفه إرثاً‏ فوتوغرافياً‏<br />

كبيراً‏ سيبقى وثيقة تاريخية،‏ كما يخلد اسمه<br />

كأحد مبدعي الفوتوغراف يف العراق.‏<br />

فوتوغرافيا جاسم الزبيدي<br />

ال يختلف اثنان بأن الصورة الفوتوغرافية هي<br />

تسجيل واقعي وحيّ‏ للمكان يف حلظة قد ال<br />

تتكرر بفعل متغيرات الزمن،‏ وأن تسجيل تلك<br />

الومضة الزمنية وحصرها بإطارٍ‏ ميكن عدّها<br />

كوثيقة تسجل الواقع املكاني واالجتماعي،‏<br />

ولكل ما يظهر يف كادر الصورة.‏<br />

من وجهة النظر هذه،‏ نرى يف الصورة حلظة<br />

خالدة يف الزمن،‏ تضم فيما عدا الواقع املكاني<br />

واالجتماعي يف حلظات متغيرة،‏ محموالت من<br />

املشاعر اإلنسانية واملقاصد،‏ فضالً‏ عن القيمة<br />

الفنية واجلمالية.‏<br />

وظيفة الصورة هي تقدمي عمل فني فيه<br />

إحساس بشري،‏ وفيه مسحة جمال الفتة،‏<br />

ومفردات بصرية تنم عن <strong>حر</strong>كة واستقراء لواقع<br />

احلياة اليومية.‏ على هذا النحو ترقى الصورة<br />

إلى مستوى وثيقة خلزن الذاكرة االجتماعية<br />

161


160


159


158


التجربة الثالثة كانت يف اليمن اجلنوبي عام<br />

1974 التي خرج منها بحصيلة صور معبرة<br />

عن واقع اجملتمع هناك،‏ فإذا به يشارك عام<br />

1976 مقاتلي اجلبهة الشعبية لت<strong>حر</strong>ير فلسطني<br />

يف توثيق جرمية تل الزعتر يف لبنان،‏ وتوثيق<br />

عملية العقارب ضد العدو الصهيوني كذلك.‏<br />

أقام العديد من املعارض الشخصية،‏ فظهرت<br />

صوره بأحجام كبيرة.‏ وكعادة الكادحني<br />

املعتادين على إيجاد احللول للمواقف الصعبة،‏<br />

استخدم جاسم غرفة النوم لغسل وطبع الصور<br />

ذات األحجام الكبيرة لعدم توفر املساحة<br />

الكافية داخل االستوديو اخلاص به.‏<br />

جند يف شخصية جاسم الزبيدي الثوري،‏<br />

املتقشف،‏ الكرمي واملعطاء.‏<br />

كما جند فيه البوهيمي الذي يعتاش على<br />

القليل،‏ وال يراعي البروتوكوالت االجتماعية،‏<br />

وغير املنسجم إال مع أقرانه البسطاء.‏<br />

هو عصامي بسيط،‏ آمن برسالته وهي تسجيل<br />

حياة الناس،‏ والتأمل يف وجوههم املعبرة،‏<br />

وباحث عن اجلمال وسط اخلرائب والفقر<br />

واملعاناة.‏<br />

أسلوب جاسم الزبيدي الفوتوغرايف<br />

ميتاز الزبيدي بأسلوب تقليدي يف التسجيل<br />

الصوري للواقع،‏ فهو ال يستخدم تقنيات آلية<br />

معقدة يف التصوير الفوتوغرايف من عدسات<br />

مقربة وفلترات وإضاءة إضافية،‏ بل يعتمد<br />

يف أغلب لقطاته على كاميرا واحدة نوع<br />

رول فلكس بالرغم من امتالكه عدد آخر<br />

من الكاميرات.‏ واحلال إن أغلب السوالب «<br />

» negatives التي حصلت عليها من أرشيف<br />

الفنان الراحل هي من أحجام أفالم « 6 ×<br />

6 سم » أي موثقة بكاميرا الرول فلكس التي<br />

يحتضنها جاسم يف حلّه وترحاله.‏<br />

إن استخدام الكاميرات الوسطية احلجم «<br />

» Medium Format تعطي للمصوّر <strong>حر</strong>ية<br />

157


كانت التجربة اإلريترية يف حياة جاسم فريدة<br />

ومميزة وثّق فيها حياة شعب يناضل من أجل<br />

الت<strong>حر</strong>ر،‏ وخرج منها مبئات الوثائق للمقاتلني<br />

يف خيمهم ومالذاتهم وتدريباتهم وصراعهم<br />

الدموي ضد القوات األثيوبية احملتلة.‏ عند<br />

عودته إلى العراق نشر صوره فأحدثت صدمة<br />

مثيرة يف الرأي العام،‏ وتفاعلت معها جميع<br />

وسائل اإلعالم كونها كشفت عن أسرار ووقائع<br />

وحقائق غائبة عن أذهان اجملتمع العراقي<br />

والعربي.‏<br />

بعد هذه التجربة تربّع جاسم الزبيدي على<br />

عرش مصوري الصحافة السياسية يف<br />

العراق،‏ وبات مهيئاً‏ نفسياً‏ ملعايشة املقاتلني يف<br />

شروطهم الصعبة واملعقدة معرضاً‏ نفسه إلى<br />

مخاطر جديّة.‏<br />

ومن جديد يكرّر املغامرة،‏ وينجح يف الدخول<br />

إلى سلطنة عُمان عام 1971 ملناصرة ثورة<br />

ظفار هناك،‏ متعرّفاً‏ على اجملتمع العُماني<br />

الثوري وموثقاً‏ بيئتهم اجلبلية،‏ وحياتهم<br />

اليومية،‏ وتفاصيل عن معاناتهم،‏ ويندمج معهم<br />

مقاسماً‏ إياهم لقمة العيش واخملاطر.‏<br />

لقد بات معتاداً‏ على تلقي الدعوات من<br />

الثوريني العرب ليشاركهم حياتهم الفقيرة،‏<br />

متفهماً‏ قضاياهم،‏ عارضاً‏ إياها يف صور حيّة.‏<br />

156


ستبعده عن فنه املعبر.‏ فافتعل طريقة للتخلص<br />

من هذا املأزق عندما اعتلى كرسياً‏ ليصور<br />

الرئيس العراقي وهو يستقبل ضيفه رئيس<br />

وزراء الهند،‏ متجاوزاً‏ األعراف واألصول<br />

البروتوكولية الرسمية،‏ فتم االستغناء عنه<br />

الحقاً‏ وإعادته إلى دار اجلماهير للصحافة<br />

ليمارس فنه الفوتوغرايف كما يحلو له!‏<br />

عمل جاسم الزبيدي بالصحافة السياسية<br />

اليومية واحتك بشيوخ الصحافة آنذاك من<br />

أمثال ضياء عبد الرزاق حسن،‏ إبراهيم<br />

إسماعيل،‏ سهيل سامي نادر،‏ مؤيد الراوي،‏<br />

رياض قاسم،‏ زهير الدجيلي.‏ مما فتح له<br />

آفاق التميز والتعمق بأفكاره الفوتوغرافية.‏<br />

واحلال كان ال يجد فرصة للتميز واملغامرة<br />

إال وكان السبّاق يف اقتناصها،‏ مشتبكاً‏ دائماً‏<br />

بقضايا موضوعية،‏ وبوجه خاص قضايا<br />

مرتبطة ب<strong>حر</strong>كة الت<strong>حر</strong>ر العربي والكفاح املسلح،‏<br />

مستجيبا إلى تضامنه الثابت مع القضايا<br />

العادلة.‏<br />

قرّر حتقيق مبتغاه للذهاب إلى إرتيريا ملتحقاً‏<br />

بفصائل جبهة الت<strong>حر</strong>ير اإلريترية عام 1970<br />

ومتعاوناً‏ معها ليوثق حياة الثوار هناك لصالح<br />

صحيفة اجلمهورية الصادرة عن دار اجلماهير<br />

للصحافة يف العراق.‏<br />

155


لتنظيم اجلماعة الفوتوغرافية والتقرب بها<br />

من الفنانني التشكيليني.‏ ففي عام 1964 أسّ‏ س<br />

مع مجموعة فنية أطلق عليها اسم ‏)مجموعة<br />

متوز للفن احلديث(‏ متكونة منه ومن ‏»حامد<br />

الصفار،‏ خضير الشكرجي،‏ فريال اسحق،‏<br />

حسن فليح،‏ جودت حسيب«.‏ لقد زرع يف تلك<br />

اجلماعة الفنية نواة تنظيم الفوتوغرافيني<br />

كجزء من احلركة التشكيلية العراقية،‏ ناقالً‏<br />

بذلك فن الفوتوغراف من مهنة <strong>حر</strong>فية بحتة<br />

إلى مفهوم إبداعي فني يحمل أفكاراً‏ ورسالة<br />

تثقيفية بصرية مباشرة لكافة أطياف اجملتمع<br />

العراقي.‏<br />

ارتبط جاسم بالعمل الصحفي يف منتصف<br />

ستينات القرن العشرين،‏ عندما عمل يف<br />

جريدة الثورة العائدة إلى املؤسسة العامة<br />

للصحافة والطباعة،‏ كمصور صحفي،‏ فشارك<br />

بتغطية املعارك خالل <strong>حر</strong>ب حزيران عام 1967<br />

ووثق جزءاً‏ من مآثر اجليش العراقي واملقاومة<br />

الفلسطينية يف تصديهما لعدوان اجليش<br />

اإلسرائيلي.‏ ويف اجلريدة نفسها نشر عشرات<br />

الصور التي متثل البيئة املعمارية احمللية.‏<br />

انتقل بعد ذلك ليؤسس قسم التصوير يف مجلة<br />

ألف باء التي صدر عددها األول يف الثاني<br />

والعشرين من شهر أيار 1968، وانتقل بعدها<br />

إلى دار اجلماهير للصحافة بحكم التقسيم<br />

اإلداري ملنظومة الصحافة التي كانت تدار من<br />

قبل مؤسسات الدولة الرسمية آنذاك.‏<br />

الحت للزبيدي فرصة ذهبية ليكون املصور<br />

األول لرئاسة اجلمهورية خالل فترة حكم<br />

الرئيس الراحل أحمد حسن البكر عندما<br />

رشّ‏ حته دار اجلماهير للصحافة ليكون<br />

املصور اخلاص لرئيس اجلمهورية . غير<br />

أن تصوير املناسبات الرسمية التي تخلو<br />

من اللمحات الفنية والتعبيرية وتقتصر على<br />

الصور التذكارية والبروتوكولية من مصافحات<br />

ولقاءات واجتماعات،‏ لم ترق للزبيدي كونها<br />

154


153


152


151


الرضا فليح جنم الذي كان يعمل م<strong>حر</strong>راً‏ يف<br />

صحيفة املوقف،‏ فحدثت انعطافة كبيرة يف<br />

حياة جاسم الزبيدي بدخوله عالم الصحافة،‏<br />

وقيامه بنشر صور تعبيرية شدّت كل من<br />

شاهدها.‏<br />

كانت تلك بداية رحلة جديدة يف حياة جاسم<br />

املهنية،‏ عاد بعد ثالث سنوات منها إلى بغداد،‏<br />

وافتتح استوديو آخر للتصوير أطلق عليه<br />

اسم ‏)دار احلياة(‏ يف مدخل شارع الرشيد<br />

قرب الباب الشرقي.‏ بهذا التطور أعلن عن<br />

والدة حياة جديدة لواقع الفوتوغراف العراقي<br />

مدعوم بتجارب جديدة وأفكار شخصية<br />

واختيارات ملواضيع فوتوغرافية حتمل<br />

التعابير الشخصية لوجوه الناس ووضعياتهم<br />

االجتماعية واألمكنة املليئة بالعالمات والتعابير<br />

اجلميلة.‏<br />

حاول جاسم أن يجسد أفكاره اليسارية<br />

املوروثة عن اخيه سعيد ويبرزها يف مواضيع<br />

مصورة كطريقة للتعبير عن املشاعر الوطنية<br />

والثورية وإبراز معاناة الناس املريرة يف حياة<br />

منهكة ومتعبة،‏ فضال عن تطلعهم إلى <strong>حر</strong>ية<br />

التعبير والعيش بكرامة وعزة نفس.‏<br />

يف أحد األيام وقف جاسم الزبيدي أمام<br />

نصب احلرية يف الباب الشرقي لنهار كامل<br />

موجهاً‏ عدسته إلى شخصية العامل الواقف<br />

يف النصب منتظراً‏ أن تقف حمامة بيضاء<br />

على كتف العامل حامل املعول،‏ ليسجّ‏ ل لقطة<br />

تعبيرية تربط الواقع مع اخليال بإبراز مفهوم<br />

السالم املرتبط بالعمل،‏ محاكياً‏ بشكل غير<br />

مباشر أفكاره اليسارية مستعيضاً‏ عن ‏»املنجل<br />

واملطرقة«‏ الشعار الشيوعي املعروف باحلمامة<br />

واملطرقة كتعبير رمزي صامت له داللة ووقع<br />

أشدّ‏ من أي هتاف.‏ فالصورة تعادل ألف كلمة!‏<br />

على الرغم من قسوة احلياة،‏ امتلك جاسم<br />

القدرة على مقاومة الصعوبات باملرح والتهكم<br />

وتوسيع صداقاته،‏ ولقد وظّ‏ ف جناحاته<br />

150


149


148


147<br />

الفوتوغراف ، خصوصاً‏ وهي من أعرق<br />

وأحسن كاميرات التصوير يف العالم.‏ لم يكن<br />

يعلم يف حينها كيفية استخدام تقنية هذه<br />

الكاميرا،‏ فاستعان باملصور اجلوّال باقر<br />

كردي الذي علمه كيفية استغالل تقنية هذه<br />

الكاميرا والتقاط الصور بها،‏ ما حدا به أن<br />

يفتح استوديو جديد يف منطقة الباب الشرقي<br />

احليويّة الضاجّ‏ ة باحلركة،‏ باسم ‏)دار ميسلون(‏<br />

منطلقاً‏ منه إلى حياة فوتوغرافية جديدة،‏<br />

جعلته يتميز بإنتاجه الفوتوغرايف،‏ من خالل<br />

عرضه للصور ذات املسحة الفنية التي تعتمد<br />

على توزيعات الظل والضوء،‏ وعرضها يف<br />

واجهة محله لكسب أكبر عدد من الزبائن.‏<br />

يف شبابه متتع بحيوية ونشاط كبيرين حيث<br />

كان يتنقل بني املدن واحملافظات لتسجيل<br />

واقع حياة الفقراء واملعدومني،‏ كما أنه التقى<br />

مبشاهدات طفولته وأقرانه وأصدقائه،‏<br />

فبدأ يبحث عن الصور التعبيرية لألطفال<br />

وحكاياتهم ولعبهم ووجوههم املعبرة.‏ وبقيت<br />

هذه السمة مالصقة له طيلة حياته.‏<br />

نقل الزبيدي االستوديو من بغداد إلى بعقوبة<br />

على نحو مفاجىء.‏ ولم أفلح يف احلصول على<br />

أي معلومة توضح سبب انتقاله املفاجىء من<br />

بغداد العاصمة إلى محافظة ديالى،‏ عكس ما<br />

كان سائداً‏ آنذاك بهجرة أبناء احملافظات إلى<br />

العاصمة وليس العكس.‏<br />

ووفق توقعي الشخصي أعزو انتقاله إلى<br />

بعقوبة بنشوء عالقة حب عاصفة جعلته قريباً‏<br />

من هيامه باجلمال والنساء.‏<br />

يف بعقوبة تعرّف على الكاتب الصحفي عبد


لشباب وأصدقاء ميرحون متمتعني بالصحبة.‏<br />

آنذاك مثّلت صور كهذه حالة شعبية يف توثيق<br />

اللقاءات والزيارات والصحبة املرحة والذهاب<br />

إلى السينما.‏ ولم يخل شاب من تذكارات كهذه<br />

حملت خلفها أسماء وتواقيع وتواريخ لكأنها<br />

وثيقة من الوثائق،‏ هذا فضالً‏ عن أن الصور<br />

مثّلت مشاهد من املدينة لم تعد هي نفسها<br />

بسبب متغيرات الزمن،‏ فكأننا إزاء تواشج بني<br />

األشخاص يف أعمار معينة ومدينتهم يف حلظة<br />

من حلظات وجودها املديد السا<strong>حر</strong>.‏<br />

إن شغف جاسم الزبيدي بالتصوير،‏ مع معرفة<br />

بتقنياته،‏ جعله يفتح استوديو خاصا به يف<br />

منطقة كرادة مرمي قرب حي األرمن سمّاه<br />

فوتو فالش flash« ،»Photo مارس فيه إنتاج<br />

الصور التي كانت تتطلبها مستلزمات الوثائق<br />

احلياتية.‏<br />

بيد أن اإلنعطافة الكبيرة يف حياته،‏ حدثت<br />

عندما كان يتجول يف أحد الشوارع قرب<br />

السفارة اإليرانية ببغداد وعثر على كاميرا<br />

حديثة من نوع اليكا جعلته يتعمق بفن<br />

146


ينتزع لقمة العيش عن طريق الكد املضني.‏<br />

عمل جاسم مبهن شعبية مختلفة،‏ منها صناعة<br />

‏»البادم«‏ مع أحد أقربائه،‏ وهو عمل بدائي<br />

منزلي يعتمد صناعة احللويات الشعبية من<br />

السكر والطحني.‏ بعدها أخذ يبيع ما ينتجه<br />

من تلك احللوى يف منطقة قنبر علي ليسد<br />

بعض احتياجاته.‏<br />

وعى جاسم قيمته كإنسان يسعى للتغيير،‏<br />

متأثراً‏ بالوعي الطبقي ألخيه األكبر سعيد<br />

الزبيدي صاحب الفكر اليساري - الشيوعي<br />

على وجه التحديد.‏ كان هذا الوعي إيذاناً‏<br />

بتحوالته واختياراته يف املستقبل من أجل حياة<br />

<strong>حر</strong>ة كرمية،‏ وعزّزت من رغبته يف التعبير<br />

عن حياته العاطفية وتضامنه الطبيعي مع<br />

املواطنني الفقراء.‏<br />

واحلال إن حياة البؤس التي عاشها جعلته<br />

يتعرف جيداً‏ على البيئة االجتماعية للمدينة،‏<br />

وملئات األزقة،‏ ووجوه األطفال وألعابهم،‏ ومهن<br />

آبائهم البسيطة.‏ لقد هضم حسّ‏ ه البصري<br />

آالف الصور املودعة يف ذاكرته،‏ وأدرك مبكراً‏<br />

أن هذه الصور تغني عن آالف الكلمات واجلمل<br />

واألوصاف التي تقترحها كتابات متعاطفة.‏<br />

كانت صور األطفال املشردين واجلائعني التي<br />

تنشر يف الصحف واجملالت تثير اهتمامه<br />

وجتعله يفكر مبصيرهم.‏ هذه الصور فتحت<br />

عيني جاسم على فن الفوتوغراف،‏ وأدرك قوة<br />

الصورة ومحموالتها من أفكار وقيم ونداءات.‏<br />

إنها ترسل رسائل أقوى بكثير من الكلمات.‏<br />

واحلال كان ألخيه األكبر سعيد فضالً‏ يف دفعه<br />

إلى عالم التصوير الفوتوغرايف.‏<br />

اقتنى جاسم كاميرا بسيطة بدأ منها رحلته<br />

مع التصوير.‏ وما إن أجرى جتاربه األولى حتى<br />

عشق هذه املهنة،‏ وهي كانت،‏ على أية حال،‏<br />

تسدّ‏ جزءاً‏ من متطلبات عيشه،‏ فضالً‏ عن<br />

إشباع رغبته بإنتاج صور جتعله يفتخر بها،‏<br />

فقد آمن مبكراً‏ أن هذه اآللة البسيطة قادرة<br />

على تسجيل خباياه ومشاعره الشخصية.‏<br />

يف الشوارع والساحات،‏ مع كاميرا محمولة،‏<br />

راح جاسم يتجول ويلتقط صوراً‏ تذكارية<br />

145


الفوتوغرايف جاسم الزبيدي<br />

ولد فقيراً‏ وظل يبحث عن أقرانه<br />

هيثم فتح اهلل عزيزة<br />

ولد جاسم محمد مطر الزبيدي يف عائلة<br />

فقيرة،‏ واضطر معها،‏ يف صغره وشبابه،‏ إلى<br />

الكفاح املرير لتأمني متطلبات العيش.‏<br />

ولد يف بغداد عام 1940، من أبوين كادحني<br />

نزحا من مدينة العمارة جنوب العراق مع<br />

جموع النازحني بسبب الفقر والهرب من الظلم<br />

اإلقطاعي،‏ ليشكلوا خط الفقر الظاهر الذي<br />

أحاط يف مدينة بغداد منذ نهاية األربعينيات<br />

من القرن املاضي.‏<br />

بدأت رحلة جاسم مع شظف العيش والبحث<br />

عن العمل يف سن مبكرة،‏ فهو جزء من عائلة<br />

كبيرة شملت أخوة وأقارب،‏ وكل فرد فيها كان<br />

144


143


142


141


140


139


. مبعنى خضعت الصورة إلى فحص نقدي<br />

رؤيوي شأنها شأن األجناس األخرى . فهي متتلك<br />

شفرات ال تختلف عن لوّحة الفن التشكيلي مثالً‏<br />

يف تباين مستويات النظر ، مبا تضمره خارج ما<br />

هو مكشوف للرائي ، فهي حتتوي على مستويني<br />

من الداللة ، ظاهر ومضمر ، ألنها ارتبطت أساساً‏<br />

بالظواهر . وبالتالي أصبحت وثيقة تاريخية مهمة<br />

، يعوّل عليها يف فحص مستويات طبيعة األزمنة<br />

واألمكنة وما حصل ضمن دائرتيهما من بنى تؤشر<br />

احلُ‏ قب و<strong>حر</strong>اكها ، تقدمها وتخلفها ، تدهورها<br />

وتطورها ... الخ .<br />

وصورة الفنان ( ناظم رمزي(‏ خضعت إلى هذا<br />

املكوّن أو التشكيل ، ألنها ارتبطت أساساً‏ بالعلّة<br />

واملعلول ، السبب والنتيجة . فهي حتاكي األزمنة<br />

واألمكنة وحيواتها وفق متون تاريخية .<br />

138


جُهدها يف حقل التدوين باعتبارها لغة مضافة<br />

. وباعتبار اللقطة جزء من جتسيده حلركة<br />

األشياء التي قد تغفل عن مدوّن آخر له سُ‏ بل<br />

خاصة . واقع البد من تدوينه على صعيد الفن<br />

. فقط حتكمت يف لقطاته العفوية واملدروسة<br />

، أوالنابعة أصالً‏ من عمق النظرة الشمولية<br />

للواقع وما يدور فيه من جدلية الوجود ،<br />

منطلقاً‏ من مفردات احلركة يف التاريخ الذي<br />

اشترطته بنى سائدة ، معلنة وخفية.‏ فالتاريخ<br />

شاغل متواصل لنظراته وجتاربه اليومية .<br />

وقد أخضعها إلى مبدأ تذليل الصعوبات ، أي<br />

التقشير للظواهر ضمن حقل االنتقاء ، من<br />

أجل الوصول إلى مشغوالت أساسية تُرصّ‏ ن<br />

الفن على كافة أصعدته . كما وأنه ضمن<br />

هذا االختيار خضع للنادر من اللقطات ،<br />

التي قد تكون من ضمن ما تطرق إليه غيره<br />

من الفنانني ، لكن اخلصوصية الذاتية الفنية<br />

من حتكّم وأبرز التميّز بني هذه اللقطات<br />

ذات التشابه يف البنية العامّة ، أما يف بنيتها<br />

اخلاصة ، فأنها خضعت للسبب والنتيجة.‏<br />

فلقطاته خضعت كما ذكرنا إلى مكوّنه املعريف<br />

للظاهرة االجتماعية ، مبا فيها عوامل االنتاج<br />

التي حصرناها يف محوّر املهن واحلِ‏ رف .<br />

والذي يرفد جتربته واهتمامه باحلياة من<br />

أجل إزالة تراكم احليّف على سطحها وعمقها<br />

، كما جنده قد فعّل جُهده يف رصد حياة<br />

الطفولة ومحتوى األزقة واملنعطفات الشعبية<br />

. كذلك يف مجال االهتمام باإلنسان وجتسيد<br />

مشاعره وأحاسيسه عبر لقطات البورتريت<br />

، التي متيّزت يف معظمها،‏ يف عكسها للوجع<br />

الظاهر واملضمر . إن مالحقة حياة اإلنسان لم<br />

تقتصر على صورة اإلنسان املقهور ، بل تعدت<br />

إلى اإلنسان بشكل عام . وهذا ما اشّ‏ ره عبر<br />

استكمال دائرة عالقاته االجتماعية واألسرية<br />

والثقافية ، الفنية منها واألدبية . فذاكرته<br />

خضعت للغنى اجملسّ‏ د يف صوّر معظم املهتمني<br />

يف الثقافة من خالل العالقة املباشرة بهم ‏.مما<br />

صعّد وتيرة ذاكرته احملتشدة باجلمال والرفعة<br />

‏.دراستنا تكون موزعة على أساس احملاور ،<br />

ألنها تقدم لنا األغنى واألوفر تركيزاً‏ من جهة<br />

، وتؤشر أمامنا دائرة جتربته الفنية يف مجال<br />

الفوتوغراف من جهة أخرى . فنحن بطبيعة<br />

احلال نتقصى البنى العامّة يف الوجود ، كذلك<br />

البنى الفنية املشكِ‏ لة للصورة ، ومن ثم ما<br />

يتوارى خلف كادر الصورة من بنى مضمرة .<br />

إن التقسيم كما يُسهم يف اتاحة اجملال لدراسة<br />

اخلصائص الذاتية للصورة ، عبر مكوّنها<br />

احليوي ، فمثالً‏ جند أن اإلنسان يف الفراغ<br />

يعني الكثير من فلسفة الوجود يف املكان ،<br />

والعالقة اجلدلية بني السعة ( الفرا(‏ والوجود<br />

املادي لإلنسان ‏.كذلك الشيخوخة ودالالتها<br />

االنثربولوجية واإلنسانية بعامّة . كل هذا بلوّر<br />

رؤيتنا لصورة الفنان كعطاء معريف ثقايف .<br />

األثر والتأثير<br />

لكل نص من األجناس مؤثر ، وهذا املؤثر يترك<br />

أثراً‏ يخضع للنسبية يف التأثير على املتلقي<br />

. إذ يخضع إلى طبيعة اإلنسان وتشكالته<br />

البنيوية ، التي تخص وعيه الذي يقوده إلى<br />

إدراك الظواهر وحساباتها . وهذا يقود إلى<br />

حساسية املرء إزاء ما يتلقى من أفعال ومعارف<br />

. والصورة الفوتوغرافية لها محموالت كهذه<br />

شأنها شأن األجناس األخرى ، فهي تخضع<br />

إلى القدرة على فسح اجملال لتحليل محتواها<br />

، السيّما ما رافق الصورة من تطور يف التقنية<br />

‏،وتأثير املهارات وسعة الرؤى ، وغنى جتربة<br />

الفنان املصوِر يف احلياة وتنوّعها كالفنان<br />

‏)رمزي(‏ األمر الذي اجتزأ النسبية تلك إلى<br />

التأثير الذي يتركه األثر ( محتوى الصورة(‏<br />

على الرائي . ورمبا يكون أكثر وقعاً‏ ، ألن<br />

الصورة خطاب مباشر ، يسمي األشياء<br />

مباشرة ، وال نقول نقالً‏ للمشهد فحسب ، ألن<br />

اللقطة تأتي ويتم احتواؤها عبر منظور ثقايف<br />

وفكري مدروس ، ألن التقنية ، ووجهة النظر<br />

، وطبيعة الرؤى تداخلت يف فحص املستوى<br />

الذي عليه الواقع يف احلياة ، واملنقول عبر<br />

الصورة . ولكن عموماً‏ أن الصورة خضعت إلى<br />

فحص مباشر ، وهذا الفعل ارتبط باملؤثر<br />

مبقدار ما تركه من أثر جمالي ونفسي ومعريف<br />

137


136


سجّ‏ ل جمهرة الفنانني الفوتوغرافيني يف العراق<br />

والوطن العربي ، بل يف العالم . فلقطاته الفنية<br />

التي اتسمت بالتنوّع والشمولية ساهمت يف<br />

ابراز قدرته ، حيث سجّ‏ لت عني كاميرته معظم<br />

املشاهدات اليومية ، ذات الصلة بالتاريخ<br />

الناصع للبلد . وتنوّعها متأتي من مجال تأكيده<br />

على سعة القاعدة التي اعتمد عليها يف انتاج<br />

الصورة ، باعتبارها تاريخ لكل مكوّنات احلياة<br />

، بل تعدى ذلك إلى حتقيق جدلية فلسفية ،<br />

السيّما يف تلك اللقطات التي حاكت الطبيعة<br />

، والوجود اليومي لإلنسان على كل األصعدة .<br />

فما توفر ل ( رمزي(‏ قد ال يتوفر لغيره . لكنه<br />

يف اخلصوصية الذاتية ، خضع إلى االختيار<br />

الرؤيوي الذي ألزم الفنان على التدقيق<br />

يف الظواهر املعاشة ، وااللتزام بشروطها<br />

املوضوعية دون مبالغة تُذكر،‏ أو زيادة يف كادر<br />

الصورة وعناصرها املوجبة . فالصورة لديه<br />

تذهب مباشرة إلى جتلي املعنى الذي ألزمت<br />

135


134


الطباعة من خالل مالحقة التجارب يف العالم<br />

أتاح له قدرة حتقيق جُ‏ هد طباعي فني راق<br />

تشهد له مدوّنة التاريخ الشفاهية واحملررة .<br />

كان رائده وبشهادة من عمل معه،‏ كوّنه وفّر<br />

مستلزمات النهوض بهذا احلقل لآلخرين .<br />

والدليل على ذلك عدم توّقف وتيرة العمل<br />

يف هذا املضمار،‏ بل إن تالميذه وصحبه من<br />

تبنى مثل هذا يف حياته وبعد رحيله،‏ من<br />

أجل تصعيد وتيرة العمل ‏.ومن بينهم الفنان (<br />

مريوش فالح الربيعي )<br />

إن جتربة الفنان ( ناظم رمزي ) الفوتوغرافية<br />

، وهو موضوع دراستنا ؛ تُعد جتربة غنية<br />

، بسبب شموليتها وسعة أفقها من جانب<br />

، وعمق تفاصيل لقطاته وإشاراتها التي<br />

وفرتها عينه متحدة مع عني الكاميرا . فهو<br />

فنان يعتني باختياراته ، بل يُخضعها لتجاربه<br />

الغنية ، واملفعمة بالتجدد والريادة . وهذا<br />

نابع من <strong>حر</strong>صه على أن يكون اخللود نصيب<br />

ما يقدمه من إنتاج ، شأنه شأن فنانني كبار<br />

ك ( مراد الداغستاني،‏ إمري سليم،‏ لطيف<br />

العاني،آرشاك ‏،جاسم الزبيدي،‏ هيثم فتح اهلل<br />

‏،فؤاد شاكر ، عادل قاسم ، عبد علي مناحي ،<br />

كفاح األمني ، ناصر عساف ) وغيرهم . فقد<br />

أضاف مبكراً‏ وبريادية عالية وجوده ضمن<br />

133


132


جتاربه االنتاجية ضمن دائرة التجديد والتنوّع<br />

. فهو يستقبل احلياة ، ويصنع بهجتها . وهذا<br />

ما ‏َّمنَ‏ عنه كتاب ( من الذاكرة(‏ الذي عكس ما<br />

أشرناه وما سوف نشير إليه . فهو فعالً‏ ذاكرة<br />

احتوّت صفحاتها على حشد من العالقات<br />

مع الفنانني الكبار،‏ ومع العاملني معه يف حقل<br />

الطباعة ، مما صعّد من وتيرة العمق يف نتاجه<br />

الفني . فهو فنان الفوتوغراف ، ومبدع سُ‏ بل<br />

الطباعة،‏ وفنان تشكيلي له اجتراحاته الفنية<br />

، السيّما توظيف احلرف العربي بكل ما يشكّله<br />

من رشاقة وطواعية . كذلك سمة اللوّن على<br />

لوّحاته ، التي متيّزت بالسطوع إلى جانب<br />

األلفة بني عناصرها ودالالتها . وهذا املنهج يف<br />

الفن أتاح له سُ‏ بل حتقيق رؤاه الفنية . واألهم<br />

يف كل ما عمل يف حقله؛ كوّنه عمّق دأبه يف<br />

كل مضمار يلج متسعه،‏ مما زاد من املعرفة<br />

وسبل احلِ‏ رفة املتعلقة به . قاده هذا إلى طريق<br />

اخلوض يف عمق احلياة . فقد أسفر عطاءه<br />

وسيرته املعرفية والثقافية واإلنتاجية عن<br />

صورة هذا الدأب والنشاط.‏<br />

ما نستطيع أن جنزم فيه،‏ كوّنه فنان وإنسان<br />

انهمك وركّز على جتميع ما تطلبت جتربته<br />

الفنية . فهو لم يبخل عليها بشيء ، فقد<br />

خاض غمار التجريب ، ليس بالنتاج الفني<br />

يف الفوتو والتشكيل فحسب ، بل مبكمالت<br />

عناصر اإلبداع . ولعله وجد يف تأسيس قاعدة<br />

رمزي،‏ بدون عنوان ٢٥ ط ٣٠ سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ بدون عنوان ٥٠ ط ٣٠ سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ بدون عنوان ٣٥ ط ٤٠ سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

131


الفنان متشكلة من حشد التجارب الشخصية،‏<br />

مضاف إليها جتارب اآلخرين . فهو فنان<br />

واسع العالقات ، كثير التجوّال يف األمكنة ،<br />

ميتلك موهبة االلتقاط واحلفظ ( اخلزن(‏<br />

تأثر بتجارب الفنانني والكُتّاب من باب توسيع<br />

جتربته،‏ وتعميق خبرته،‏ سواء يف الفوتو أو<br />

التشكيل أو الطباعة . وعنده كما أجد يف<br />

جتاربه الطباعية أنه معني برؤى اآللة<br />

، وقدرتها على صياغة الشكل يف الناجت ،<br />

من خالل تطوّر تقنياتها،‏ وما يضفيه عقل<br />

اإلنسان على فعالياتها وقدراتها الذاتية.‏ لذا<br />

وجدناه شديد احلماس يف جتديد مستلزمات<br />

الطباعة،‏ وجتاوز التقنيات احلاصل عليها<br />

بالتجربة نحو أخرى أكثر حداثة.‏ مما طوّرت<br />

جتربته هذه جتارب الطباعة يف البلد،‏ وعمل<br />

على إعداد كوادر ذات استلهام قوي من لدن<br />

تشكالته الذاتية ، فهي أي الكوادر العاملة<br />

معه عمدت على متثل جدّية العمل ، والنظر<br />

إلى األبعد ، واحلرص على جمالية املطبوع<br />

. كل هذا ساهم يف رقيّ‏ اإلخراج . وهو<br />

جزء من اإلبداع العام . من هذا تُعَد جتاربه<br />

املتنوّعة كوّنها متتلك املقوّمات التي شكّلت<br />

يف حياته موقع الريادة يف كوّنها خضعت<br />

جملموع التجارب ، سواء يف العالقات العامّة<br />

مع اآلخرين ، أو البحث املتواصل عن منافذ<br />

ترصني الرؤى الفنية ومتتني نتاجها اإلبداعي<br />

. وهذا التنوّع هو السمة التي وضعت مجمل<br />

130


رمزي،‏ عبد الكرمي قاسم،‏ بغداد ٥٠ ١٩٦٢ ط ٣٥ سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

129


128


127<br />

الذي من خالل صفحاته تتبلوّر محتويات<br />

الصورة احلقيقية التي ورثناها عن األسالف،‏<br />

مستحضرة كل التفاصيل عبر مجموعة<br />

املَشاهد التي جتُ‏ سّ‏ د ما هو ظاهر يقود إلى ما<br />

هو مضمر بالداللة التي متنحها الصورة من<br />

خالل اإلشارات.‏ وهنا البد من القول إن هذه<br />

االستعادة التي تبدو ساكنة من منطلق سكون<br />

الصورة الظاهر،‏ وما يتوجب بتأثير صيرورتها<br />

الذاتية،‏ أي عمقها الداللي أن يتم البحث عن<br />

ما تضمره من تفاصيل يف طبقاتها السفلى<br />

، والبحث والتقصّ‏ ي يف دالالت إشاراتها<br />

الظاهرة يف كادر الصورة . ولعل التقنية التي<br />

أنتجت الصورة ، تلعب دوراً‏ أساسياً‏ يف بلوّرة<br />

احملتوى . إن أهّ‏ م ما يبرز على سطحها هي<br />

عالمات الزمان واملكان وما بينهما من حيوات,‏<br />

ذلك ألنهما يشكّالن احلواضن التي حتتوي<br />

كل الفعاليات والنشاطات وأشكال الظواهر<br />

واحلاالت اإلنسانية على كامل فتوتها.‏ كذلك<br />

التشكالت الفنية التي تبني احملتوى.‏ ويتم هذا<br />

عبر األشكال والعالمات القارّة . وهي عالمات<br />

تؤشر الزمان واملكان،‏ السيّما األبيض واألسوّد<br />

وامكانياتهما يف عكس مستوى البالغة الفنية<br />

، وطبيعة استقالليتهما عن بعض وتأثيراتهما<br />

على بعض أيضاً،‏ من باب جدلية العالقة،‏<br />

وليس التذويب والطرد . من هذا نرى أن<br />

صورة الفنان ( ناظم رمزي(‏ حتتفظ مبثل<br />

هذه الكينونات التي تتعدد تفاصيل أجزاءها<br />

املتفرعة واملتالزمة يف كلٍ‏ فنيٍ‏ متماسك .<br />

فذاكرة الصورة من ذاكرة الفنان . وذاكرة<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 30 x 40 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي


تشكّ‏ الت الصورة ودالالتها يف فوتوغرايف<br />

الفنان ناظم رمزي<br />

جاسم عاصي<br />

لعل العالقة بني الصورة والذاكرة،‏ تتأكد يف<br />

كوّنها سجّل يُمنح تأريخ األشياء والظواهر<br />

املاضية واملنسية حيويتها من بعد أن<br />

عزلها العقل الفردي املتسلط بسبب زحمة<br />

احلياة وتراكم أحداثها،‏ أو قد تكون العفوية<br />

من يجعل صورة املاضي مغيّبة.‏ لكن العقل<br />

اجلمعي وذاكرة املُدن احتفظت بتفاصيلها<br />

ومؤشرات حيويتها وحوّلتها إلى مرويات<br />

شفاهية مرئية،‏ تتجسّ‏ د آثارها يف بقايا املكان<br />

القدمي والوجدان اإلنساني . من هنا يكون دور<br />

الفن أو سواه من األجناس فاعال ً من خالل<br />

االستعادة املمكنة ملثل هذه املفردات التي<br />

تعتمد أكثر ما تعتمد على الصفاء والشفافية<br />

الشعرية التي تتحلى بها الذاكرة ، وهي واحدة<br />

من سماتها باعتبارها الوعاء أو السجّل<br />

126


متاس مباشر مع جماليات الفنون اإلسالمية<br />

بزخرفتها وتوريقها وتذهيبها،‏ وتوغل عميق<br />

يف أسرار تلك األشكال املتوالدة واملتداخلة بال<br />

حدود.‏ ولدى االنتهاء من ذلك املشروع،‏ ورمبا<br />

من شدة اإلدمان على التعامل مع لغة اجلمال<br />

الفياض،‏ بدأ رمزي ينفّذ مشروعه اخلاص،‏<br />

فطلب من اخلطاط العراقي البارع عبد الرضا<br />

بهية ‏)روضان(‏ بخط صفحاته البالغة 680،<br />

وقام هو بالعمل على تنفيذ ما ميليه عليه حسه<br />

اخلاص وخبرته الطويلة يف التصميم واإلنشاء.‏<br />

استغرق إجناز العمل،‏ خطا وتصميما وإعدادا،‏<br />

اثنتا عشرة سنة،‏ ظل رمزي خاللها عاكفا<br />

على إخراج عمله األخاذ حتى أنهك قواه.‏ كان<br />

هذا العمل الذي حصل على موافقة األزهر<br />

الشريف لنشره بعد دراسة عميقة،‏ ذروة أعمال<br />

رمزي وخامتة إبداعاته التي ‏‘دفع حياته ثمنا<br />

لها’‏ على حد تعبير صديق عمره محمود أحمد<br />

عثمان.‏ غير أن نشره وإخراجه إلى النور بات<br />

عصيّا حني عزّ‏ على أي مؤسسة تبنى هذا<br />

املشروع النبيل.‏<br />

اإلحساس بالفقدان مر،‏ واألمرُ‏ منه ضياع<br />

األثر وفقدانه.‏ شعور يالزمنا نحن العراقيني،‏<br />

نعيش هاجسه منذ سنني.‏ من باريس كتب<br />

نوري الراوي رسالة إلى رمزي يف 26 كانون<br />

الثاني 1996، قال فيها:’قبل أن أبدأ احلديث<br />

معك وكأنك غادرتنا البارحة،‏ فكرت طويال يف<br />

هذه املواقع التي وضعتنا احلياة فيها مسيّرين<br />

ال مخيّرين.‏ وكنت باألمس أعد األيام على<br />

أصابعي،‏ وكذلك أعد أحبابي وأصحابي،‏<br />

ولكنني يف نفس الوقت أخشى من ذلك اليوم<br />

الذي ال أعد فيه سوى أصابعي على أصابعي!!‏<br />

عمّان:‏ أيلول 2013<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 50 x 40 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ لعبة الساس،‏ بغداد 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

125


لشريكه،‏ ومغادرة العراق إلى غير عودة<br />

)1988(. هكذا بدأ رمزي حياة جديدة يف<br />

لندن بإقامة مكتب باسم آرت سكان Art<br />

،Scan ميارس فيه نشاطه الفني يف التصميم<br />

والطباعة والرسم.‏<br />

يف السنوات األولى من نشأته،‏ تعلم رمزي شيئا<br />

من كل مكان أقام فيه مع والده.‏ كان عشقه<br />

الفني األول قد جتلى يف رسم الزخارف يف<br />

اليوسفية عندما كان والده مديرا للناحية.‏<br />

وحني رأى حائك السجاد يصبغ خيوطه<br />

باأللوان الزاهية التي اشتهرت بها البسط<br />

العراقية،‏ صار يجلس أمامه ساعات يراقب<br />

عمله على اجلومة وهو ينسج األشكال<br />

الهندسية امللونة الصغيرة ويجاور بعضها<br />

بعضا.‏ من هذا املدخل البسيط توغل رمزي<br />

إلى عالم التصميم والزخرفة واخلط اجلميل.‏<br />

رمبا ما كان يف حسبانه أن هذا الطريق<br />

سيأخذه يف احلقبتني األخيرتني من حياته إلى<br />

تكريس وقته وحياته لتحقيق أكبر إجناز فني<br />

إسالمي.‏<br />

كان آخر لقاء لي ورافع مع رمزي يف لندن<br />

1990. يومها كان منغمرا بالعمل على مشروع<br />

خاص به إلجناز نسخة مبتكرة من املصحف<br />

الشريف بتقدمي:’تصميم جديد غير مسبوق’،‏<br />

كما قال.‏ ولعلمي أنه رجل دنيا،‏ سألته عن<br />

سر هذا الولع.‏ فأخبرني أنه يف أثناء العمل<br />

على فرز نسخة من املصحف الكرمي،‏ املعروف<br />

بنسخة روزبهان،‏ للخطاط محمد الطبعي<br />

)894 صفحة(،‏ كانت قد عهدت به إليه<br />

مؤسسة ‏‘اقرأ’،‏ وجد نفسه للمرة األولى على<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي،‏<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 50 x 40 سم<br />

مجموعة االبراهيمي،‏<br />

124


رمزي،‏ سوق يف مدينة احللة 50 x 40 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 40 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي<br />

123


122


رمزي،‏ االسكندرية،‏ مصر 40 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

121


رمزي،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي،‏<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 40 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي،‏<br />

رمزي،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي،‏<br />

120


كانت تقدم للمرة األولى يف العراق.‏ واستقطبت<br />

أعماله جمهور املشاهدين بتكويناتها التجريدية<br />

اخلالصة،‏ أو تلك التي حتمل يف ثناياها وجوها<br />

مموهة مغمورة يف ألوانها املتداخلة الصارخة.‏<br />

مرة أخرى جند يف هذه اللوحات غزارة األلوان<br />

وتداخلها كما عشقها رمزي منذ أن كان فتى<br />

يراقب باندهاش حائك البسط يف ناحية<br />

اليوسفية.‏<br />

أحالم رمزي ومشاريعه الفنية لم يكن لها<br />

حدود وما كانت لتقف عند شكل واحد.‏ يف<br />

نهاية السبعينيات من القرن املاضي،‏ أسس<br />

يف بغداد الدار العربية للطباعة والنشر،‏<br />

وبدأ مع نخبة من املبدعني العراقيني حتقيق<br />

حلم كبير طاملا راوده هو إصدار مطبوعات<br />

وكتب فنية مرموقة،‏ وحتقيق ما راوده دائما<br />

من إصدار مجلة عربية متخصصة بالفنون.‏<br />

ولضمان جودة الطباعة باملستوى الذي يتطلبه<br />

إصدار مجلة كهذه،‏ أقيم للدار فرعا يف لندن<br />

مع اختيار فريق عمل يف لندن يتكون من بلند<br />

احليدري وضياء العزاوي وهاشم سمرجي<br />

ومحمد كامل عارف وكاميران قره داغي وملعان<br />

البكري،‏ ورأس حتريرها جبرا إبراهيم جبرا<br />

الذي كان مقيما يف بغداد.‏ صدر العدد األول<br />

من اجمللة يف 1981، وتلته سبعة أعداد ‏)رمزي<br />

يذكر أن مجموعها تسعة(‏ قبل أن تتوقف<br />

اجمللة نتيجة الصعوبات املالية التي أوجدها<br />

اندالع احلرب العراقية اإليرانية.‏ يف هذه<br />

املرحلة أصبح رمزي يواجه صعوبات وضغوطات<br />

أخرى يف بغداد تهدد <strong>حر</strong>يته الشخصية،‏ األمر<br />

الذ اضطره إلى التنازل عن حصته يف املطبعة<br />

رمري،‏ بدون عنوان 50 x 40 سم<br />

مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمري،‏ بدون عنوان 35 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمري،‏ بدون عنوان 40 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمري،‏ بدون عنوان 40 x 50 سم<br />

مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

119


وموضوعات محض عراقية،‏ خاصة يف<br />

استخدامه تقنيات الظل والضوء،‏ قد أهّ‏ له<br />

للمشاركة يف اجلناح العراقي ملعرض اليونيسكو<br />

يف بيروت 1954 إلى جانب نخبة من الفنانني<br />

البارزين.‏ أيضا،‏ كان أول مصور فوتوغرايف<br />

يقيم معرضا شخصيا يف مطلع عام 1959<br />

حتت عنوان ‏‘العراق..‏ األرض والناس’،‏ بافتتاح<br />

رسمي من قبل رئيس الوزراء الزعيم عبد<br />

الكرمي قاسم.‏<br />

يغادر رمزي بغداد إلى باريس )1964(<br />

ليمضي فيها سنتني،‏ ذهب خاللها إلى براغ<br />

عند محمود صبري ومنها إلى أمكنة مختلفة<br />

لالطالع على طرق الطباعة وتقنياتها.‏ حني<br />

عاد إلى بغداد أسس مطبعته اخلاصة ‏‘مطبعة<br />

رمزي’‏ مبساعدة صديقه مريوش فالح<br />

وأصحابه.‏<br />

لم يكن ملطبعة رمزي دورها الرائد بنقل فن<br />

الطباعة يف العراق إلى مستويات فنية مرموقة<br />

فقط،‏ وإمنا كانت أبوابها مشرعة أمام الفنانني<br />

من األجيال الالحقة أيضا الذين كانوا يترددون<br />

عليها ويعملون فيها وينفذون مشاريعهم التي<br />

يتطلب تصميمها وتنفيذها أداء راقيا.‏ ومن<br />

خالل هذه العالقات احلميمة،‏ واإلحلاح<br />

الشديد على الفنان،‏ شاهد جمهور املعارض<br />

الفنية وألول مرة لوحات مرسومة لناظم<br />

رمزي شارك فيها يف معرض السبعة جلماعة<br />

الرؤية اجلديدة ‏)املتحف الوطني للفن احلديث<br />

‏-كولبنكيان(‏ يف بغداد ثم يف لندن 1977. قدّم<br />

رمزي يف هذا املعرض أعماال كبيرة احلجم<br />

منفذة بالريشة الهوائية brush( )air أعتقد أنها<br />

118


قد الحظا طبيعة التصوير الفوتوغرايف الذي<br />

ميارسه ناظم رمزي،‏ وحثاه على تصوير<br />

موضوعاته بحس إنشائي تعبيري.‏ كانت رغبته<br />

يف التصوير تدفعه إلى السفر إلى مناطق عديدة<br />

يف العراق ودائما بصحبة فنانني ومعماريني.‏<br />

هكذا اكتسب رمزي خبرته املعرفية والعملية<br />

من خالل التجارب الشخصية أوال،‏ ومن خالل<br />

زمالئه ورفاقه املبدعني.‏ كما هيأ له تغلغله بني<br />

الناس معرفة اجملتمع العراقي بجميع طبقاته<br />

وشرائحه.لم يكن منفتحا على الناس فقط وإمنا<br />

على املعارف شتى،‏ يتلقفها من العلماء بقدر ما<br />

يتلقفها من البسطاء الذين يجالسهم،‏ فجاء<br />

عطاؤه انعكاسا لتجربته الفذة التي جعلته<br />

منوذجا عراقيا بامتياز.‏<br />

يعد ناظم رمزي أول مصور فوتوغرايف عراقي<br />

نقل الفوتوغراف من مجرد توثيق جمالي<br />

إلى فن تعبيري.‏ كان ملعرفته بفنون الرسم<br />

الزيتي وممارسته له،‏ ثم اقترابه الشديد من<br />

كبار الفنانني العراقيني الذين ملسوا لديه<br />

القدرة واملوهبة على تقدمي فن فوتوغرايف<br />

راق،‏ وقدرته على التقاط التعبيرات الدرامية<br />

واملشاهد التي ال تخلو من إنشاء تصويري<br />

رمري،‏ 40 x 50 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمزي،‏ 50 x 40 1961, سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

117


116


رمري،‏ عيد‎50‎ 40 x سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمري،‏ بدون عنوان 50 x 40 سم مجموعة<br />

االبراهيمي.عمان<br />

115


يف حياة الريف ورعي األغنام:’كانت لهذه<br />

القرية الصغيرة تأثير كبير على منط حياتي<br />

وسلوكي ولهوي وطبيعة املعيشة..’‏ كان رفاقه<br />

من أسر فالحية فقيرة ‏‘وقد قدر لي أن أصبح<br />

وكأني واحد منهم .. كان يصعب ملن يراني أن<br />

يكتشف أنني ابن مدير الناحية،‏ فال فرق بيني<br />

وبني أبناء الفالحني،‏ وكان ذلك يسعدني.')من<br />

الذاكرة ص 20( ويف ناحية ‏‘احملاويل’‏ كان<br />

يتنقل بني التالل ويعايش عن قرب ما فيها من<br />

آثار احلضارة البابلية.‏<br />

حياة اللهو قادته إلى العمل اجلاد الذي كرّس<br />

له نفسه منذ وقت مبكر من سنوات عمره.‏<br />

بدايات كان فيها من العمل البناء بقدر ما فيها<br />

من العبث واللهو،‏ كان االثنان ميضيان معا<br />

ويغذيان جتربته الفنية واحلياتية معا.‏<br />

يف كلية فيصل الثانوية أجنز أول رسم له،‏<br />

وشاهده منشورا يف اجمللة.‏ ثم بدأ يتردد على<br />

مرسم دار املعلمني ويحضر املعارض الفنية.‏<br />

ارتبط بعالقات وثيقة مع رواد الفن آنذاك.‏<br />

ثم وجد نفسه منغمرا يف الرسم والتصميم<br />

واخلط،‏ فتعرف على الفنانني هاشم البغدادي،‏<br />

وكان ميضي الساعات يف مراقبة عمله الدقيق،‏<br />

كما تعرف إلى جل اخلطاطني الكبار آنذاك.‏<br />

ذلك ما قاده إلى للتوغل يف ممارسة اخلط<br />

ورسم االعالنات وتزيني الواجهات.‏ ومن هذا<br />

الباب دخل عالم الطباعة وتعلم الطباعة<br />

بالشاشة احلريرية،‏ وكانت تقنية جديدة تعلمها<br />

الفنان عيسى حنا يف أمريكا،‏ حتى تهيأت له<br />

فرصة الدخول شريكا يف مطبعة يحيى ثنيان،‏<br />

فعرفت بعد ذلك باسم مطبعة رمزي وثنيان.‏<br />

هناك تعرف إلى شخصيات عراقية مرموقة<br />

تعمل يف حقلي التجارة والصناعة مما وسع<br />

أعماله وشهرته.‏ لقد قربه عالم الطباعة<br />

والزنكوغراف من اخلطاطني والصحفيني<br />

والكتاب فضال عن الفنانني احملدثني الكبار<br />

الذين وجد نفسه قريبا منهم يستفيد من<br />

جتاربهم ومالحظاتهم.‏ بل وجد رمزي نفسه<br />

منغمرا يف العمل السينمائي حيث أسهم يف<br />

إعداد الديكورات لفيلم عليا وعصام،‏ أول أنتاج<br />

لستوديو بغداد يف نهاية األربعينيات من القرن<br />

املاضي.‏<br />

كان كل من الفنانني فائق حسن وجواد سليم<br />

114


رمري ‏،بدون عنوان.‏<br />

50 x 40 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

113


رمري ‏،بدون عنوان.‏<br />

50 x 40 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

112


رمري . اربعة قطط.‏<br />

40 x 50 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمزي،‏ ‏.بدون عنوان<br />

50 x 40 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

111


110


رمري ‏،بدون عنوان.‏<br />

40 x 50 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

109


108


رمري ‏،بدون عنوان.‏<br />

50 x 35 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

رمري بنت تتطلع نحو الكامير<br />

45 x 40 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

107


106<br />

واملشاهد اخملتلفة،‏ كانت منذ املراحل األولى<br />

لنشاطه تذهب إلى أبعد من الواقع الذي<br />

متثله.‏ بابتسامة غامضة،‏ أو نظرة متحدية،‏ أو<br />

تساؤل ال يخلو من فضول،‏ كانت هذه املوديالت<br />

التي التقطها يف األربعينيات أو اخلمسينيات<br />

من القرن املاضي،‏ تقف أمام عدسته بطواعية<br />

ورضا ال يخلو من فرح.‏ كان يعشق موضوعته،‏<br />

فيرسل عدسته لتتوغل إلى ما بعد هذا<br />

الظاهر الذي أمامه،‏ وتسعى أبدا للتسلل إلى<br />

أسرار هذه الكائنات التي تبادله احملبة فتخبره<br />

همسا مبا ال تقدر على االفصاح به جهرا.‏<br />

وذلك سر عظمة صور مجموعته ‏‘العراق..‏<br />

األرض والناس’‏ أو بعض ما جنا منها.‏<br />

بدأ رمزي التصوير هاويا عندما امتلك يف<br />

صباه كاميرا بوكس فبدأ يلتقط صور مَن<br />

حوله من املشاهد الغنية باإلنسان واملتعة<br />

والفرح البريء؛ احمليط الذي ألقى بنفسه يف<br />

جلته هربا من املدرسة األمريكية أو حتى كلية<br />

فيصل التي كانت ال تقبل إال املتفوقني من<br />

خريجي االبتدائية.‏ أراد والده أن يحظى ابنه<br />

بأعلى درجات التعليم املدرسي،‏ وآثر هو أن<br />

ينتمي إلى مدرسة احلياة،‏ ومالمسة األرض<br />

والناس من كثب،‏ يصنع نفسه بنفسه كما<br />

يحب.‏ لقد عشق احلياة احلرة،‏ وحافظ عليها<br />

قدر اإلمكان حتى لو اضطر إلى التنازل عما<br />

ميلك.‏<br />

تهيأ لرمزي يف سنوات طفولته وصباه أن<br />

يتعرف إلى الطبيعة العراقية وناسها يف<br />

مختلف أنحاء العراق بحكم انتقاله مع والده<br />

الذي كان موظفا إداريا خالل السنوات<br />

1944-1934. أحب صيد الطيور وتعلم فنون<br />

صيدها،‏ كما أحب البرية واقترب منها ومن<br />

ناسها حتى أصبح واحدا من أهلها،‏ ومارس<br />

شتى ألعاب الصبية التي متارس يف احلارات.‏<br />

من كل مكان حلّ‏ فيه اكتسب عاداته،‏ وعلقت<br />

يف قلبه هوايات أصبح لها شأن يف مستقبله.‏<br />

يف ‏‘اليوسفية’‏ بدأ ميارس رسم الزخارف التي<br />

استهوته،‏ ويف ‏‘خان بني سعد’‏ وجد سعادته


رمري ‏،جامع النبي يونس.‏ املوصل.‏<br />

30 x 35 سم مجموعة االبراهيمي.عمان<br />

ناظم رمزي:‏<br />

يف عشق األرض والناس<br />

لم يختلف على حبه اثنان؛ فهو احملب املعطاء<br />

النقي بال حدود؛ وهو العراقي حتى النخاع.‏<br />

كرّس سنوات حياته كله إليجاد مكانة للجمال<br />

يف حياة الناس.‏ ناظم رمزي )2013-1928( من<br />

جيل الفنانني العراقيني احملدثني الذين أرسوا<br />

قواعد فنية ومهنية عالية يف السلوك والعطاء<br />

واإلبداع.‏ برحيله يف صباح الثامن من أيلول<br />

2013 يف لندن،‏ فقد العراق إنسانا وفنانا قلما<br />

يجود به الزمن مرتني؛ رجل جمع يف شخصه<br />

العظمة والتواضع،‏ نكران الذات والعطاء.‏<br />

إنه عالَم قائم بذاته،‏ لكن أبوابه مشرعة أبدا<br />

أمام اجلميع.‏ بفقدانه لفظ العراق من أنفاسه<br />

املتردية بقايا ما ظلّ‏ من أنفس عراقية متقدة<br />

مشتتة يف أرجاء الدنيا شرقا وغربا.‏<br />

بابتسامة ال تفارق شفتيه،‏ حتى عندما يكون<br />

يف لب احملنة،‏ كان رمزي،‏ قادرا على أن يحوّل<br />

كل كرب إلى انفراج،‏ وكل همّ‏ إلى ضحكة.‏<br />

اشتد به املرض يف األشهر األخيرة،‏ وفقد،‏ مع<br />

ما فقد من طاقاته الفذة،‏ رغبته يف الكالم<br />

باستثناء مشاعر احلب لألصدقاء يبثها بعجالة<br />

واعتذار.‏<br />

غالبا ما يشعر الواحد منا لدى تلقيه نبأ<br />

وفاة شخص عزيز بفراغ مهول يكاد يلتهمه،‏<br />

فيبحث عن جدار يستند إليه.‏ هكذا وجدتني<br />

أسعى إلى مالذ.‏ هرعت إلى كتاب رمزي ‏‘من<br />

الذاكرة’‏ ‏)الدار العربية للعلوم-ناشرون بيروت<br />

2008(. أمعنت النظر يف صوره املعبرة األخاذة<br />

باألبيض واألسود،‏ والتي متثل جزءا يسيرا<br />

مما التقطت كاميرته على مدى عقود.‏ انغمرت<br />

يف الكتاب أعيد قراءة سيرة الفنان املكتوبة<br />

بأسلوب حيوي وجمل مقتضبة قادرة على<br />

تصوير املكان واحلدث بأقل ما ميكن من كالم؛<br />

أسلوب ال ميثل سوى شخصية رمزي املتواضعة<br />

وعزوفه عن التكلف.‏<br />

كانت لوحات رمزي الفوتوغرافية يف بغداد<br />

حاضرة دائما أمامنا،‏ خاصة البورتريهات<br />

التي التقطها لوجوه الفالحني والفالحات<br />

والصيادين والباعة يف األسواق الشعبية<br />

واألطفال أين ما وجدوا،‏ من جنوب العراق إلى<br />

شماله.‏ ما بالها اليوم تخاطبني بلغة مختلفة!‏<br />

سواء أكان رمزي واعيا أم غير واع،‏ تنبهت<br />

إلى حقيقة أن الوجوه العراقية التي صورها<br />

105


104


كل فنان حقيقي يعيش عالقة وطيدة مع إرثه<br />

احلضاري،‏ والداغستاني الذي كان مبدعاً‏<br />

حقيقياً،‏ وكان يعشق تاريخه وحضارته ‏)سأقول<br />

لك شيئاً‏ مهماً‏ ورمبا تراه غريباً،‏ حني زرت<br />

أسبانيا ودخلت املساجد والعمارات العربية<br />

كنت أحس بأنني أحتدث مع الفرسان العرب<br />

القدامى الذين افتتحوا األندلس،‏ كنت أشعر<br />

أن أرواحهم معي،‏ كنت أراهم يف كل جسر،‏ كل<br />

شجرة،‏ كل نافذة،‏ وباب،‏ وكنت أبكي،‏ أبكي(‏<br />

)34(. وهذا الولع باحلضارة العربية اإلسالمية<br />

يف اخلارج قد دفع بهذا الفنان الكبير إلى<br />

تصوير معطيات تلك احلضارة فقدم مئات<br />

الصور النادرة عنها،‏ كانت صوراً‏ مشحونة<br />

بقدرة هذه املعطيات على مقاومة الزمن،‏ وكان<br />

معنياً‏ بالتفاصيل فهو يصور القباب واألهلة<br />

واملنائر واملقرنصات والزخرفة اإلسالمية حتى<br />

لتبدو بعض أعماله ناطقة باحلياة ‏)إن وراء<br />

كل باب،‏ ويف داخل كل مسجد،‏ تشمخ أرواح<br />

أسالفنا العظام،‏ إن روحهم هي التي دفعتني<br />

كي أصور ما تركوا لنا وللبشرية جمعاء(‏ )35(.<br />

ويف لندن متكن مراد الداغستاني من الدخول<br />

الى بيت عربي إسالمي قدمي وصوره من خالل<br />

لقطات عظيمة ولم يأبه ألوامر املنع بالتصوير<br />

ألنه لم يكن يفهم كيف مينع العربي من تصوير<br />

تراث أجداده!‏<br />

إن عدسة الداغستاني قد قدمت لنا لقطات<br />

عن معطيات احلضارة العربية اإلسالمية<br />

يف اخلارج على املستوى املادي،‏ وكانت هذه<br />

اللقطات تدلل من خالل لغة إنسانية مشتركة،‏<br />

أن إجنازات العرب املسلمني كانت كبيرة<br />

ومتطورة وقد نقلت حياة الشعوب األخرى<br />

إلى األمام،‏ وبقدر ما كانت هذه األعمال<br />

الفنية للداغستاني عفوية وبسيطة فإنها كانت<br />

غنية بالدالالت التاريخية والرموز احلضارية،‏<br />

وكانت تؤشر حب هذا الفنان إلرثه احلضاري<br />

وتواصله العميق مع روح األجداد العظام.‏<br />

12- احليوان يف عالم مراد الداغستاني:‏<br />

إذا كان مراد الداغستاني قد أنسن الطبيعة-‏<br />

أضفى عليها مالمح إنسانية-‏ فإنه يف تعامله<br />

مع كائناتها قد اعتمد هذه النظرة.‏ ومن<br />

هنا جند أن صوره عن احليوان ذات مالمح<br />

إنسانية،‏ فصورة احلمامتني ال توحي بلحظة<br />

حب وغزل بني الكائنني فقط بل تشير إلى<br />

بعد إنساني حتى ليحس املشاهد أنه يرقب<br />

رجالً‏ وامرأة يف حالة حب،‏ وصورة صغار البقر<br />

جتعلنا نشعر بألفة مع الكائنني حتى ليمتد<br />

جسر نفسي بيننا،‏ بينما كان تصويره للطيور<br />

وحيدة تقبع حتت قدمي الكراسي،‏ أو تتخذ<br />

من سياج اجلسر مكان راحة،‏ يحمل إشارات<br />

واضحة إلى أن هذه اخمللوقات البائسة،‏ منفية<br />

غريبة تشترك مع اإلنسان يف هم الوقوف<br />

وحيداً،‏ منفياً‏ أمام غربة العالم واألشياء،‏<br />

فتصوير احليوان هنا ليس ديكوراً‏ بقدر ما هو<br />

داللة على التقاء مع اإلنسان يف مشاعر احلب<br />

والوحشة،‏ حاالت االندماج واالفتراق,‏ إال أن<br />

هذا ال يعني أن الفنان الداغستاني لم يصور<br />

احليوان يف لقطات جمالية مستقلة بحد ذاتها<br />

ومعبرة عن تواصل الكائنات احلية مع الطبيعة<br />

فلقطاته الكثيرة عن البط النهري قد جاءت<br />

أشبه بلوحات مفعمة بالضوء واللون والظالل<br />

الغنية،‏ فمرة جند نزق البط البري ومرحه<br />

اجلميل،‏ وأخرى جند استرخاءه على صفحات<br />

املاء الشبيه بالسلسبيل،‏ وثالثة نراه برفقة<br />

الريح واملطر،‏ ال بل جند قطيعاً‏ من األغنام<br />

يرعى يف البرية بالقرب من خيم األعراب يف<br />

حالة أمان نفسي.‏ وتركيز الفنان الداغستاني<br />

على احليوان يف صوره يندرج كسمة إبداعية<br />

تؤشر حقيقة بسيطة تتلخص يف شمولية عالم<br />

هذا املبدع الذي تؤكد أعماله أنها نشيد حب<br />

لكل ما على األرض من أشياء نظيفة وجميلة<br />

وإنسانية.‏<br />

13- العمل اإلنساني:‏<br />

ال أعتقد أن هنالك من مَجّ‏ د عمل اإلنسان<br />

املتعب على مستوى الفوتوغراف مثلما مجّ‏ ده<br />

مراد الداغستاني،‏ فقد التقط عشرات الصور<br />

للعمل،‏ وعمل اإلنسان البسيط الذي ميتهن<br />

<strong>حر</strong>فاً‏ شعبية ، وكأنه بذلك يريد أن يؤكد أن<br />

قيمة املرء تتحدد من خالل العمل الذي يطور<br />

عقل وروح اإلنسان ومينحه احلرية،‏ وهكذا<br />

جاءت مناذجه متفردة،‏ استثنائية،‏ بقدر ما<br />

هي واقعية واعتيادية.‏ فصوّر لنا النجار وهو<br />

منهمك يف عمله،‏ متوحد فيه،‏ وصور لنا<br />

احلائك وهو يواصل انتزاع لقمة العيش من<br />

براثن آلة بدائية بسيطة،‏ وعامل الكور-‏ محل<br />

لصنع اجلص-‏ وهو يرقب الدخان املتصاعد<br />

مثل بطل منفي ملقى يف عراء هذا العالم<br />

الواسع،‏ كما قدم لنا لقطات عديدة عن<br />

العمال الذين يتواجدون يف أسواق الفواكه<br />

واخلضراوات القدمية يف املوصل،‏ وباعة<br />

األغنام من األعراب وهم يعيشون طقوسهم<br />

يف محل بيع األغنام املطوقة بالغبار وبرد<br />

الطبيعة،‏ كما كانت أعماله عن احلمالني<br />

وقادة العربات الشعبية-‏ الطنابر-‏ شهادة<br />

على قوة نفوس هؤالء البشر الذين يرون إن<br />

احلياة معركة قاسية،‏ وامتازت أعماله عن<br />

رعاة اجلواميس بتصوير حياتهم الشديدة<br />

وألفتهم مع الكائنات التي يرعونها إضافة<br />

إلى عالقتهم احلميمة مع النهر،‏ بينما كانت<br />

صور عمال الصناعات الفخارية تتغنى بنبل<br />

روحهم ورشاقتهم يف العمل.‏ واحلق إن مراد<br />

الداغستاني قد امتلك فضيلة تقدمي مناذج<br />

إنسانية يف هذا اجملال،‏ مناذج امتهنت أعماالً‏<br />

انقرض بعضها بفعل املدنية وصار بعضها<br />

اآلخر إلى طريق االنقراض،‏ فكان هذا الفنان<br />

املبدع قد أرّخ لها وسجنها ضمن عدسته<br />

<strong>حر</strong>صاً‏ على هذا اإلرث الشعبي من االنقراض<br />

واالندثار،‏ وكان معبراً‏ عن تعاطفه اإلنساني<br />

العميق معها،‏ عن تضامنه احلميم املنطلق<br />

من رؤية أخالقية وفلسفية يف نفس الوقت.‏<br />

إن تعاطف الداغستاني الفني مع العمال<br />

واحلرفيني البسطاء يلتقي مع موقفه الواقعي<br />

منهم،‏ فقد كانت له عالقاته الواسعة معهم،‏<br />

وكانت هذه العالقات دافئة،‏ حقيقية،‏ تسعى<br />

جاهدة الستبطان مشاعرهم وتصوراتهم عن<br />

العمل واحلياة.‏<br />

الهوامش:‏<br />

من - 1 35 كلمات الفنان الداغستاني التي<br />

استطعت أن أسجلها عبر أكثر من عشرين لقاء<br />

امتدت ألشهر عديدة.‏<br />

103


من قسوته وشراسته ومتنحه سمة مرهفة<br />

ذات طابع تلطيفي إذ يصبح الزمن يف أكثر من<br />

لقطة حالة إشراق مندغمة بالطبيعة.‏ ولعل<br />

هذه اجلمالية التي مينحها مراد الداغستاني<br />

للزمن تندرج ضمن رغبته يف إيجاد مالذ<br />

مؤقت أيضاً‏ من سطوته ووحشيته ضد<br />

اإلنسان.‏<br />

مرة قال مراد:‏ ‏)إن الزمن ال يرحم،‏ لو أن العمر<br />

يطول لكنا سنبدع أشياء أكثر جمالية(‏ )31(<br />

ومع أن الزمن أخذ مراد الداغستاني،‏ فإن<br />

مراداً‏ لم يكن حلظة عابرة فيه،‏ بل كان ظاهرة<br />

اخترمت قشرته اخلارجية وعبرت عن التدفق<br />

واحلياة الثرية املتجهة نحو املستقبل دوماً.‏<br />

بحيث يصح القول بأنه قد حقق سواء أدرك<br />

ذلك أم لم يدرك احلياة اإلبداعية اخلالدة<br />

التي وقفت ضد قهر الزمن.‏<br />

-10 الطفولة :<br />

حتتل الطفولة مساحة مهمة يف عالم مراد<br />

الداغستاني،‏ فهي من جهة تعبر عن حنني<br />

الفنان إلى املاضي،‏ رغبته يف العودة إلى<br />

البراءة األولى والنبع األول،‏ ومن جهة أخرى<br />

حتقق عفوية عالم األطفال بانكساراتهم<br />

وصبواتهم وأالعيبهم البسيطة والشعبية.‏<br />

إن األطفال عند مراد الداغستاني يجلبون<br />

معهم قواعدهم وقوانينهم اخلاصة املنبثقة<br />

عن مملكة األعماق والنفس البشرية بعيداً‏<br />

عن رؤى وتصورات وقوانني اخلارج القسرية<br />

واملفروضة عليهم.‏ إنهم ميثلون الدهشة وبكارة<br />

األشياء ويرحلون حتت ملكوت اهلل يف رفقة<br />

املطر والريح والطبيعة،‏ والداغستاني يعبر عن<br />

ولعه بالطفولة قائالً‏ : ‏)أحس أنني طفل،‏ ليس<br />

طفالً‏ كبيراً،‏ بل طفل صغير.‏ تصور عندما<br />

أرى األطفال أمتنى أن اجلس بينهم وأشاركهم<br />

ألعابهم..‏ إن الطفل هو الصدق والرجل قد<br />

يكون نظيفاً‏ لكن نظافة الطفل ال تضاهى أبداً(‏<br />

)32( ومن هنا فهو يرصد األطفال ويصورهم<br />

وهم يلعبون،‏ يحتجون،‏ يرفضون،‏ يدخلون<br />

<strong>فضاء</strong> الغرابة واخلرافة،‏ يحترقون يف الفقر،‏<br />

ويتخلقون من لهيب املعاناة والشقاء اإلنساني<br />

وروح التحدي تنبض يف داخلهم.‏ الطفل<br />

عند مراد الداغستاني مشروع دائم لل<strong>حر</strong>ية<br />

ولتحطيم األعراف اجلامدة الباردة،‏ بقدر<br />

ما هو تعبير عن التماسك واأللفة مع الناس<br />

والطبيعة،‏ ال بل إن الطفل يصبح جزءاً‏ من<br />

الطبيعة ويشكل امتداداً‏ جلمالها احلي..‏ إن<br />

األطفال هم أصدقاء الداغستاني،‏ ألنهم حلمه<br />

املستعاد وصوت املستقبل،‏ وأذكر أنني كنت<br />

ذات يوم مع احد الطالئع الذين عملوا معي<br />

يف منظمة الطالئع،‏ وما إن رآه مراد حتى قام<br />

بتصوير أكثر من لقطة له وقال:‏ ‏)هؤالء هم<br />

الذين سيحققون النجاح ألننا قد فشلنا بسبب<br />

ظروف صعبة(‏ )33(. وإذا كان الداغستاني<br />

قد صور أكثر من لقطة بارعة لألطفال فإنه<br />

كان يحب اإلصغاء إلى أحاديثهم ويشاركهم<br />

همومهم وأحالمهم البسيطة املمتنعة غالباً،‏<br />

ولشد ما كنت أعجب منه حني أراه قد تقمص<br />

روح طفل مدهش وهو يحاورهم ولعل هذا<br />

التطابق النفسي والواقعي مع الطفولة قد<br />

مكنه من أن يعبر عن عالم الطفولة مبهارة<br />

وحب وبراءة عميقة.‏<br />

11- احلضارة العربية اإلسالمية يف اخلارج:‏<br />

102


101<br />

التعامل مع املرأة املثال ال يفسر املرأة يف عالم<br />

مراد الداغستاني فهو ال ينظر إليها كمطلق<br />

وينسى الواقع القاسي الذي يحجر على <strong>حر</strong>ية<br />

املرأة ويستلب إنسانيتها بل يتغلغل وميتد إلى<br />

املرأة يف وضعها اإلنساني الشرس ليقدم صورة<br />

نابضة باإلدانة واالحتجاج اإلنساني،‏ ويعلن<br />

صرخة رفض لهذا الواقع غير النظيف معتمداً‏<br />

التعامل الواقعي مع املرأة.‏ التعامل الواقعي<br />

مع األشياء والوصول إلى الواقع الداخلي دون<br />

االكتفاء بالسطح،‏ التعامل الذي يكتشف الواقع<br />

احملتدم ال الواقع الطايف على السطح متبيناً‏<br />

معرفة القوانني الراسخة يف األعماق والتي<br />

تشكل جوهر وجذر الواقع احلقيقي الذي<br />

يحكم على املرأة بالقهر واحلرمان،‏ ولتحقيق<br />

هذا يعتمد إلى تصوير القرويات،‏ املنفيات<br />

من النساء يف األماكن املعتمة،‏ يف احلقول،‏ يف<br />

الشوارع الطينية،‏ يف ظالم الزوايا الداكنة،‏<br />

مقدماً‏ تسجيالً‏ دقيقاً‏ لوضع إنساني قاس<br />

يدفن اإلبداع ويقف ضد <strong>حر</strong>كة احلياة والتاريخ<br />

ففي ‏–العبء-‏ وهي من أحدث صوره يبرز<br />

قسوة العالم من خالل املواضعات واإلشكاالت<br />

االجتماعية الرهيبة حيث جند املرأة القروية<br />

املنحنية تنوء بحملها الظالم والذي جاء عبر<br />

عصور االضطهاد والتخلف يف سحق إنسانية<br />

املرأة التي أظهرها مقوسة الظهر تكاد تنهار<br />

على األرض مبرزاً‏ طابع االحتجاج واإلدانة<br />

وهو يصور بصدق قطاعاً‏ واسعاً‏ من النساء<br />

املتعبات اللواتي يعشن يف بؤس وشظف إنساني<br />

مرعب،‏ والصورة تقترب بتكنيكها من اللوحة<br />

الزيتية أكثر مما تشير إلى كونها فوتوغراف<br />

‏)يف احللم خرجت القروية التي حتمل العبء<br />

وبدأت حتدثني عن أوجاعها..‏ اسمع هذه<br />

الصورة قريبة مني،‏ قريبة كحبل الوريد،‏ أشعر<br />

أنني أعرفها بدمي(‏ )28(. ومع هذا فقد بقي<br />

الداغستاني يصر على أنه مصور وليس فناناً.‏<br />

أليس هذا غريباً؟.....‏<br />

8- حضور التاريخ وتسجيل متغيرات احلياة<br />

اليومية:‏<br />

‏)التاريخ هو وجه اإلنسان،‏ والتاريخ العربي<br />

واإلسالمي ذاكرة انساننا املعاصر،‏ من<br />

ال تاريخ له ال وجود له(‏ )29( هكذا يفهم<br />

الداغستاني التاريخ وهذا الفهم هو الذي<br />

يفسر عالقته اإلبداعية معه والتي تتمثل يف<br />

استكناه معطياته احلضارية عبر التغلغل يف<br />

رحابه الفسيحة،‏ وهو الذي يجعله يجوس يف<br />

ظلمات ودهاليز التاريخ الغامضة،‏ يف نهره<br />

املتدفق الكبير وصوالً‏ إلى إستبطان أدق<br />

النأمات واحلركة التي حتكمه،‏ وهو يف تصويره<br />

خمللفات التاريخ يحترم وجودها اخلارجي وال<br />

يكتفي بتسجيل املالمح التسجيلية حتى ليكاد<br />

يعيد تشكيل جوهرها احلقيقي مدفوعاً‏ بقوة<br />

خفية للغوص يف عوالم سرية وغامضة،‏ عوالم<br />

يريد لها أن تتشكل على يديه نابضة باجلدة<br />

والشموخ.‏ أي ان محاوالته يف تصوير التاريخ<br />

ذات سمة إبداعية أكثر مما هي تسجيلية،‏<br />

محاولة طموحة تعتمد اخللق وتغامر بإعادة<br />

خلق أشياء التاريخ املندثرة عن طريق التفنن<br />

باحليل التصويرية وجتاوز الناحية الواقعية<br />

البحتة وإضفاء طابع التشكيل ذي اجلمالية<br />

العالية،‏ محاولة تطمح أن تأسر حلظة التنوير<br />

والتألق يف التاريخ،‏ وهذه املغامرة املستحيلة<br />

تدفعه إلى الت<strong>حر</strong>ك على مراحل تاريخية<br />

عديدة يعيد يف التاريخ لها أكثر من لقطة فهو<br />

مسكون يف الكشف عن معطيات الدول العربية<br />

واإلسالمية كالدولة االتابكية أو احلمدانية<br />

وذلك بتصوير مخلفاتها التي تتجسد يف القالع<br />

أو األسوار املرتفعة واملراقد يف القصور ذات<br />

الطابع اإلسالمي،‏ وهو يف هذا ال ينحو صوب<br />

التقليد وإمنا يريد ألعماله عنها أن تكون ذات<br />

سمة أسطورية مليئة باجلالل.‏ ففي تصويره<br />

لقلعة ‏–باشطابيا-‏ و)قره سراي(‏ تتضح<br />

محاوالته الضاجة بالعذاب وهو يصور أكثر<br />

من لقطة لهما كي يحقق تصوره املنشود ولذا<br />

نراه يستخدم التشكيل املتفرد حتى لتتحول<br />

الصورة على يديه إلى عالم مغاير للواقع،‏<br />

عالم يريد أن يظهر الصوت الداخلي الذي<br />

يهجس به التاريخ،‏ ويف هذا مينح الداغستاني<br />

أعماله مالمح االبتكار واخللق فتتناثر األضواء<br />

وتتعانق الظالل يف أجواء الصورة لتقترب<br />

من اللوحة،‏ وال يقتصر تعامل الداغستاني<br />

مع التاريخ اإلسالمي والعربي وإمنا يتعداه<br />

إلى التركيز على اجلانب القدمي حيث يصور<br />

مخلفات احلضارة االشورية بجانبها اإلبداعي<br />

ال احلربي متوغالً‏ إلى أعماق ذلك العصر<br />

بطريقة تظهره مجسداً‏ وحاضراً‏ يف وجودنا<br />

املعاصر،‏ ال بل ان هذا االهتمام بالتاريخ<br />

القريب او البعيد ال يتناوله ضمن ارض<br />

الوطن فحسب وامنا ميتد الى اخلارج ايضاً،‏<br />

فالداغستاني من خالل أسفاره إلى أوربا<br />

أستطاع أن يقتنص الكثير من الصور اخلاصة<br />

باحلضارة القدمية التي عاشت وشمخت يف<br />

العراق،‏ ويف هذا كانت املغامرة رائده دومنا<br />

اعتبار ألوامر املنع يف املتاحف العاملية!‏ ومن<br />

الطريف أن الداغستاني قد أكتشف بيتاً‏ عربياً‏<br />

وإسالمياً‏ يف لندن خالل رحلته عام 1975<br />

وأراد أن يصوره فمنعه املسؤول عن البيت غير<br />

أن فناننا قال بسخرية:‏ تسرقون حضارتنا<br />

وحتجبون رؤيتها عنا!..‏ مستحيل.‏ وكان أن<br />

صور البيت بأشكال مختلفة!..‏ أما كيف حدث<br />

ذلك فالداغستاني وحده يعرف....‏<br />

أما التغير الذي يحدث يف احلياة اليومية،‏<br />

كظهور أشياء جديدة،‏ وأختفاء أمور أخرى،‏<br />

وأندثار مهن وعادات،‏ بزوغ قيم وأعمال،‏<br />

فالداغستاني يرمي بثقله يف أسرها خوفاً‏<br />

عليها من الضياع أو رغبة يف تصوير معطيات<br />

احلياة الزاخرة باجلدة كل حلظة فهو يصور<br />

‏–غساالت الصوف-‏ اللواتي كن ينظفن<br />

الصوف يف مياه دجلة بشكل آسر يكاد ينطق<br />

مبواويل وأحاديث النسوة الشعبيات أو يرصد<br />

األحياء الشعبية التي زالت من الوجود.‏ أو<br />

يتناول تصوير منطقة اجلسر القدمي بشعبيته<br />

وبروحيته املمتلئة باحلركة،‏ والتأكيد على<br />

عربات اخليل،‏ كأسلوب لعبور اجلسر يف تلك<br />

الفترة مع اعتماد إظهار املقاهي القدمية<br />

والشهيرة يف احملافظة والتي أزيلت بفعل<br />

<strong>حر</strong>كة البناء اجلديد وبقيت أعمال الداغستاني<br />

لتشير إلى حضورها املستمر،‏ وهو يف تعامله<br />

هذا مينحها غالباً‏ رؤية شبيهة بسمات غموض<br />

وسرية أعماله عن التاريخ ويضفي عليها نكهة<br />

أليفة معبرة.‏<br />

9- الزمن:‏<br />

على الرغم من أن مراد الداغستاني ال يهتم<br />

كثيراً‏ بالزمن النفسي الداخلي ويركز على<br />

الزمن اخلارجي ‏–اآللي-‏ فإن الزمن يكتسب<br />

عنده دالالت عديدة وغنية،‏ فهو يخشى الزمن<br />

حد الرعب ‏)أتعرف يا صديقي إن الزمن<br />

طاحونة تسحقنا.‏ لو لم يكن املوت هنالك<br />

رمبا كانت احلياة أجمل(‏ )30( وقد عبر بدقة<br />

عن الزمن الذي يفتك باإلنسان حني صور<br />

شيخاً‏ مقوس الظهر وكأن ثمة قوة عاتية تدفع<br />

جسده نحو األرض كي تتلقفه وتعيده إلى<br />

جذره الذي جاء منه،‏ وخوف الفنان من الزمن<br />

جعله يلجأ إلى االحتيال عليه مؤقتاً‏ رغبة يف<br />

بث السكينة والطمأنينة وخلق وهم االعتقاد<br />

باخلالص.‏ فعمد إلى تصوير املدينة يف لقطة<br />

هيمن الصمت فيها بحيث بدت احلياة فيها<br />

بدائية وكأن الفنان يريد إيقاف الزمن وإعطاء<br />

الصمت والهدوء بديالً‏ عنه،‏ ومثلما كان مراد<br />

الداغستاني قد اعتمد إبراز جو التناقض<br />

يف صوره،‏ فإنه اعتمد إبراز التناقض يف<br />

الزمن ففي لقطة له اسمها ‏–الزمن-‏ جند<br />

حيوية الطفولة والنضارة واحلياة املتدفقة<br />

إزاء الشيخوخة والتغضن واإلعياء،‏ وإذا كانت<br />

الشيخوخة تعبر عن فعل الزمن والضعف<br />

اإلنساني فإن الطفولة تعبر عن امتداد احلياة<br />

وتواصلها من خالل التناقض.‏ ومع أن الزمن<br />

يجثم ثقيالً‏ على كاهل الفنان،‏ فإنه يحاول<br />

أحياناً‏ أن يضفي عليه مسحة شاعرية تخفف


الزائلة واملوت فيظهر الفزع وتختلف احلالة<br />

فأصوره ثانية،‏ أي أقوم بإيحاء نفسي قبل<br />

التصوير.‏ الوجه لغة إنسانية تعبر عن الكثير<br />

من األشياء(‏ )26(. ويبرز الوجه املنفي يف –<br />

الفران-‏ ليشير بانسيابية إلى الوداعة والبعد<br />

عن الشر من خالل النظرة الذكية املمتزجة<br />

برومانسية حزينة أسيانة تكشف صفاء<br />

النفس،‏ أما اجملنون فيصوره الداغستاني<br />

بعينيه اجلاحظتني يف قلب األطراف املظلمة،‏<br />

عيناه مشتعلتان تدالن على االحتدام الداخلي<br />

وتضمان التساؤل والقلق مع إيحاء طفيف يف<br />

مالمح اجملنون يرفعه إلى مصاف النبوة،‏ بينما<br />

يظهر وجه الفنان والشاعر والنقمة بادية فيه<br />

وسمات الغضب واحلس بالغنب واالضطهاد وعدم<br />

التكيف مع العالم اخلارجي أمور جلية فيه إضافة<br />

إلى خلق اإلحساس بالبوهيمية وافتراس احلياة<br />

والرغبة يف أن يعيش احلاضر ممتلئاً‏ بفعل اللحظة<br />

دون تأجيل األشياء.‏ وإذا كانت وجوه اجملانني<br />

الغارقة يف الظالم واحلزن ووجوه الشيوخ التي<br />

تثير اليأس واملوت اخملتلط بجالل الشيخوخة<br />

تظهر يف أعمال الداغستاني فإن الوجوه الناعسة<br />

احلاملة حتتل نفس االهتمام،‏ ففي – فتاة-‏ مترح<br />

العني يف الوجه وتشي بأحاسيس شتى تزاوج بني<br />

الغموض والتطلع،‏ بني إظهار األنوثة الطاغية<br />

واجلاذبية اجلنسية املندغمة مع املوقف الصويف،‏<br />

وفيها س<strong>حر</strong> خفي،‏ س<strong>حر</strong> البراءة وس<strong>حر</strong> األنوثة،‏<br />

امتزاج الطفولة بالنضج والشفافية.‏ إن – فتاة-‏<br />

جتعلنا نتساءل:‏ هل أن نظرتها هي التعطش للحب<br />

أم هي نظرة احليرة؟.‏ تقول لنا شيئاً‏ وال تقول<br />

أي شيء.‏ أما وجوه األطفال فتضج باحليوية<br />

والدفء وحتمل طاقة كبيرة من البراءة والغموض<br />

السري الوديع حيث ألق األمل واالنفتاح على<br />

احلياة،‏ وكثيراً‏ ما يرافق الداغستاني بني<br />

الوجه اإلنساني واجلسد متناوالً‏ <strong>حر</strong>كة وحاالت<br />

اجلسد اخملتلفة فهذا رجل بيده فأس والتركيز<br />

على الوجه واليدين الصلبتني واملتوترتني<br />

بقوة تعبيراً‏ عن القوة،‏ وهنا تصوير حلاالت<br />

عديدة لأليدي،‏ املنفعلة وسط اجلماعة<br />

واأليدي املتصلبة بفعل األزمة،‏ واأليدي<br />

الفرحة يف اندماجها جماعياً‏ خالل املظاهرات<br />

اجلماهيرية.‏<br />

-7 املرأة :<br />

‏)املرأة مخلوق رقيق شفاف،‏ هي املاء والهواء،‏<br />

طرية مشتهاة متنح الرجل الفرح،‏ متنحه الفرح<br />

وهي حزينة،‏ تصور جدول حزن يصب الفرح<br />

يف قلب الرجل،‏ جدول حب حزين(‏ )27( من<br />

هنا نستطيع أن نفهم ذلك الولع الشديد عند<br />

الداغستاني يف تصويره املرأة بشكل يقربها<br />

من املثال عنده،‏ فهو يف تصويره للمرأة يركز<br />

بإحلاح على مكامن األنوثة واجلمال الذي يشاء<br />

له أن يتحول إلى مطلق،‏ فمن خالل عشرات<br />

الصور التي التقطها الفنان يف أوضاع مختلفة<br />

نلمس عنده تعطشاً‏ رهيباً‏ للخروج من نسبية<br />

الواقع وصوالً‏ إلى املطلق حتى لتبدو املرأة وقد<br />

صورها بشكل مدهش ناقصة وغير مكتملة<br />

كمطلق،‏ أي ال زالت أسيرة الواقع،‏ ومن هنا<br />

نفهم محاوالت الداغستاني وهوسه يف تصوير<br />

املرأة املثال حتى ليكاد يف محاوالته يحطم كل<br />

معطيات الكاميرا وصوالً‏ إلى ما يريد،‏ ولكنه ال<br />

يصل يف تصوره على األقل إلى املرأة النموذج،‏<br />

وغالباً‏ ما يعيش الفنان حالة من الوجد<br />

الصويف والفقدان وهو يصور املرأة التي يريد<br />

أن يهتك احلجب بينه وبينها وأن يحقق احللول<br />

وإياها وفق موقف صويف أثيل..‏ لكن هذا<br />

100


99


98


97<br />

6- الوجه االنساني:‏<br />

عديدة هي الوجوه اإلنسانية التي نقابلها<br />

يف عالم مراد الداغستاني،‏ وجوه خائفة،‏<br />

منفية،‏ معذبة،‏ قلقة،‏ وديعة وحاملة،‏ وجوه<br />

يسكنها األمل،‏ أخرى يلونها اخلوف احلاد<br />

والتطلع،‏ وجوه يائسة وثانية ذات مالمح ذكية<br />

وعميقة،‏ وإذا كان الوجه اإلنساني بانفعاالته<br />

الدقيقة واملعبرة لغة إنسانية مشتركة فإن<br />

وجوه الداغستاني حتقق هذه اللغة احلارة<br />

من خالل وجه املرأة،‏ الطفل،‏ اجملنون،‏ الشيخ<br />

املتصوف أو الشاعر والفنان ‏)الوجه اإلنساني<br />

كما أرى ليس مرآة ألعماقه كما يقال،‏ الكثير،‏<br />

الكثير من الناس عندما يرون وجهاً‏ بريئاً‏<br />

يعتقدون أنه وديع ولطيف وقد يظهر العكس<br />

ولذا تراني أحاول تعرية الوجه البشري من<br />

الداخل()‏‎25‎‏(.‏ وبهذا تفصح الوجوه عن مكنون<br />

النفس البشرية.‏ ففي ‏)صورة نصفية(‏ نكون<br />

أمام الزهد والتصوف وإذ متتزج النظرة<br />

الذكية بكبرياء وجالل الشيخوخة والنظرة<br />

التأملية تنطق الصورة بأكثر من معنى<br />

‏)صورة عبد الرحمن األفغاني لها حكاية،‏ كان<br />

شريداً‏ متصوفاً،‏ زاهداً،‏ عندما كنت أحتدث<br />

معه عن املال والذهب كانت عيناه تبرقان<br />

ملتمعتني فأصوره..‏ أحتدث معه عن الدنيا


العاصفة إشارة للبقاء واملقاومة.‏<br />

5- عالم الصيادين والزوارق :<br />

يظهر الصيادون والنهر يف الكثير من صور<br />

الداغستاني،‏ وهم يرمزون إلى كفاح اإلنسان<br />

ضد الطبيعة،‏ وحتديه لظروف البيئة من برد<br />

ومطر وضباب،‏ ومن <strong>حر</strong>ارة قاسية.‏<br />

الصور تظهر الصياد مبثابة مكتشف،‏ وصيادو<br />

الداغستاني يواجهون مخاطر وغضب النهر،‏<br />

وهي وإن كانت أقل من مخاطر الب<strong>حر</strong>،‏ إال أنهم<br />

يواجهون قدرهم ومصيرهم بشجاعة ونبل.‏<br />

‏)الصيادون عندي ليسوا كصيادي الب<strong>حر</strong>،‏<br />

ولكنهم شجعان ويعملون بدأب النتزاع لقمتهم<br />

من فم الطبيعة(‏ )23(.<br />

والصياد يف معركته القاسية ضد املناخ والبيئة<br />

الصعبة،‏ يخسر يف أحيان كثيرة،‏ ويكسب يف<br />

بعض األحيان،‏ ويعود إلى بيته بعد رحلة أيام<br />

يف النهر،‏ بالرزق أو بال شيء،‏ لكنه ال يقنط وال<br />

يصاب باليأس.‏<br />

ويتجسد هذا املوقف يف صورة-‏ على باب<br />

اهلل-‏ بشكل جلي،‏ حيث ينتظر الصياد بصبر،‏<br />

أسماكه حتت هدير املوج،‏ علّ‏ احلظ يأتي.‏<br />

وهنالك أمل يف قلب الصياد.‏ ففي صورة<br />

اإلنسان والب<strong>حر</strong>-‏ ثمة قصة عن الهزمية<br />

املؤقتة،‏ التي ال جتعل الصياد ينكسر،‏ فهو<br />

يؤوب من رحلته وقد عقد العزم على القيام<br />

برحلة أخرى،‏ فقدره هو مواصلة التحدي.‏<br />

وثمة غيوم وضباب وبقعة سوداء داكنة،‏ حتيط<br />

بقارب الصياد،‏ ولكنه ال يأبه لها ويستمر يف<br />

بسالته الدؤوبة وال يقع يف خطيئة اليأس<br />

وإثم القنوط:‏ هم يصطادون السمك،‏ وأنا<br />

اصطادهم )24(.<br />

إن صورة-‏ الصيد يف دجلة-‏ تظهر الصياد<br />

والقارب،‏ بشكل جتريدي يقترب يف رمزيته<br />

وتشكيله من اللوحة الفنية،‏ أكثر مما ينتسب<br />

إلى عالم الفوتوغراف.‏<br />

ومراد الداغستاني ال يركز على الصياد<br />

يف النهر فقط،‏ ال يتناوله كشخص يواصل<br />

سفره املرهق مع أشيائه،‏ أي ال يؤكد حضوره<br />

احلقيقي فحسب وإمنا يتناول اإلشارة إلى<br />

حضوره حتى يف حالة الغياب وذلك من خالل<br />

تناول األشياء التي توحي بحضور الصياد<br />

والتي تتمثل بإبراز الزوارق التي حتمل أكثر<br />

من داللة.‏ ففي-‏ يف ال<strong>فضاء</strong>-‏ ثمة زوارق<br />

غاطسة يف املاء واإلجادة تكمن يف إظهارها<br />

عائمة يف شبه مرح وسط كتلة من الغيوم<br />

البيض بحيث يخيل للمشاهد أن الزوارق<br />

تطفو يف هذه الغيوم،‏ والتشكيل هنا مرهف<br />

ودقيق يف مراعاة البعد وزاوية االلتقاط<br />

والنسب وقد منح الصورة جمالية وشاعرية،‏<br />

أما يف ‏–زوارق-‏ القريبة من النحت واجملسمة<br />

بشكل يكاد يجعلها تندفع خارج اللوحة فإن<br />

االهتمام باألرضية السوداء ‏–املاء-‏ قد رسم<br />

بدقة بالغة ظل الزوارق يف املاء فالتقى جانب<br />

الصنعة واملهارة مع اإلبداع الفني..‏ وأمام وجود<br />

الزوارق يظل الصياد حاضراً‏ بشكل خفي غير<br />

مرئي ولكنه محسوس ويظل السؤال يواجهنا:‏<br />

أين هو الصياد وما قيمة هذه الزوارق املهملة<br />

واجلاثمة بإعياء دون وجود الصياد؟<br />

96


95


94


93


اخلوذ-‏ وقد حتولت إلى دمى بيد األطفال،‏<br />

هنا تقف البراءة أمام جرائم املاضي لتحمل<br />

طابع اإلدانة واالستمرار يف التلوث بجرثومة<br />

احلرب التي زرعها اآلباء.‏ نحن هنا نتساءل<br />

بقوة الصورة:‏ أين أصحاب اخلوذ الفوالذية؟<br />

كم منهم على قيد احلياة؟ ملاذا يلعب األطفال<br />

باخلوذ؟ ترى هل سيرتدي هؤالء األطفال هذه<br />

اخلوذ ذات يوم؟ وهل ستدفع الرأسمالية بهم<br />

إلى أتون <strong>حر</strong>ب جديدة؟<br />

أكثر من سؤال يواجهنا ونحن نتأمل الصورة..‏<br />

‏)ترى ألم يكن رائعاً‏ أن يحيا اإلنسان دون<br />

احلرب!‏ لو مت التعاون كيف ميكن أن يكون<br />

األمر؟!(‏ )15(.<br />

ويف-‏ القطار-‏ يهتم الداغستاني بإبراز<br />

سيكلوجية الصورة من خالل االندفاع والتطلع<br />

يف وجه ونظرات وجسد الصبي الذي يروم<br />

اخلروج بينما العجوز متجهم الوجه ونظراته<br />

عميقة،‏ هنا يلتقي اندفاع الشباب وهدوء<br />

وتأمل الكبير ويتضح أيضا عمل الفنان يف<br />

إبراز التناقض إضافة إلى حصر املوضوع<br />

داخل نافذة القطار تعبيراً‏ عن التضامن يف<br />

األسرة.‏<br />

3- اإلنسان أمام الوجود :<br />

إذا كنا جند لدى الداغستاني وعياً‏ اجتماعياً‏<br />

وثورياً‏ يف أغلب نتاجه،‏ وإذا كنا نلمس ولعه<br />

الشديد يف إبراز البيئة احمللية والتضامن مع<br />

قضية اإلنسان يف نضاله ضد أعداء التقدم<br />

واحلياة فنحن ال نعدم وجود مواقف وجودية<br />

من اإلنسان،‏ مواقف تؤكد نفيه وغربته يف<br />

هذا الكون،‏ مواقف جتعله يقف أمام غموض<br />

الوجود واحلياة مضيع املالمح،‏ مرجتف<br />

القلب.‏ لكن هذه املواقف ال تسقط يف اليأس<br />

أو العدمية وإمنا تظهر نبل القلب اإلنساني<br />

وصراعه ضد القنوط،‏ مواقف تؤمن أن إصرار<br />

اإلنسان ميكن أن يقهر حتى املستحيل ومينح<br />

الوجود وجهاً‏ مشرقاً،‏ ففي-نداء النهر-‏ يكون<br />

اإلنسان يف حضرة النهر ‏)النهر هو العطاء<br />

والرحيل إلى املستقبل(‏ )16(، ليغتسل من<br />

أدران العالم،‏ منحنياً‏ بكل جوارحه ليتطهر<br />

من أجل القدرة على التجدد،‏ ويكون النهر<br />

نداء احلياة الذي يحطم الفزع.‏ وإذ تظهر<br />

االلتماعات البراقة يف الصورة فإمنا لتشير<br />

إلى األمل،‏ ولتتجانس مع األجزاء الكامدة رغم<br />

التناقض الذي يظهر للوهلة األولى.‏ وتتضح<br />

الغربة الوجودية والشعور بصالبة أشياء العالم<br />

يف ‏–األسالك-‏ التي تظهر ظالالً‏ مغبشة<br />

لنماذج إنسانية يقترب أولها من الوضوح ثم<br />

تنطمس معالم اآلخرين ‏–األبعد-‏ تدريجياً‏<br />

حتى تتالشى يف خلفية الصورة مما يخلق<br />

الشعور بضياع وحصار اإلنسان يف العالم،‏ هذا<br />

اإلنسان يعود من جديد يف ‏–املنفى-‏ حيث<br />

املرأة الوحيدة التي تسير وراء شبكة من<br />

األسالك حاملة جراحها،‏ معذبة منفية لكنها<br />

تواصل املسيرة،‏ ويتكرر ظهور اإلنسان يف-‏<br />

ملكوت اهلل-‏ عندما يقف أمام الوجود ‏)املاء،‏<br />

السماء،‏ األرض(‏ فيبدو كذرة ضئيلة لكنها جزء<br />

من الوجود.‏ اإلنسان هنا كائن صغير لكنه<br />

موجود وحاضر أمام الطبيعة،‏ وهذا الوجود هو<br />

الذي ينفي العجز واإلحساس بالضآلة وصوالً‏<br />

إلى اندغام اإلنسان يف <strong>حر</strong>كة الطبيعة ولذا<br />

يظهر التركيز على أن الكون يلتم يف حلظة<br />

ونقطة واحدة.‏<br />

-4 الطبيعة :<br />

حتتل الطبيعة يف أعمال مراد الداغستاني<br />

أهمية استثنائية مقارنة باهتماماته العديدة<br />

األخرى ‏)أشعر بشفافية وهدوء الطبيعة<br />

مقارنة بصخب العالم،‏ أحب املطر،‏ السماء،‏<br />

األرض،‏ األشجار.‏ املاء فهو رمز احلياة(‏ )17(.<br />

ويتضح التناقض يف الطبيعة عنده مثلما<br />

يتضح التركيز على احلركة،‏ وهو يف تصويره<br />

الطبيعة يظهر غالباً‏ جانب املفارقة وكثيراً‏ ما<br />

جند األرض وقد اتخذت أشكاالً‏ مختلفة فهي<br />

مرة جدباء متشققة العروق وأخرى زاهية<br />

متألقة معطاء ‏)اإلنسان ابن األرض،‏ هي األم<br />

وسنرجع إلى أحضانها ذات يوم،‏ أحياناً‏ أُفكر<br />

بأن حتت أقدامي أجداث املوتى وأنا امشي<br />

فوقهم،‏ األرض هي التي حتتضن اجلميع يف<br />

النهاية(‏ )18(. ولعل هذا املوقف هو الدافع إلى<br />

تصويره األرض ضارعة وذات طابع بكائي يف<br />

أكثر من لوحة،‏ والفنان الداغستاني يف التجائه<br />

إلى الطبيعة ال يعبر عن موقف رومانسي<br />

سلبي بقدر تعبيره - يف أسوأ األحوال-‏ عن<br />

رومانسية ثورية تتصاعد يف الغالب وتتحول<br />

إلى موقف حلولي وثوري موقف يستبطن<br />

دقائق واغتالم الطبيعة.‏ ومقابل التركيز على<br />

األرض جند التركيز على السماء والغيوم<br />

‏)أفكر هذه األيام كثيراً‏ بإبراز السماء ألنها<br />

أكبر وأشمل من األرض(‏ )19(. وحتى يف<br />

تصويره للطبيعة واإلنسان يهتم بإظهار السماء<br />

كما يف-‏ نداء النهر-‏ فالرجل الذي يعصر<br />

املنديل أخذت صورته من األعلى ولو كانت من<br />

األسفل ملا ظهرت الغيوم،‏ والغيوم هي األخرى<br />

تظهر باستمرار عند الداغستاني بشكل آسر<br />

فمرة تصبح مثل ندف الثلج املتطاير،‏ وأخرى<br />

بشكل قامت يحبس األنفاس،‏ ولكن السمة<br />

العامة للسماء والغيوم تظهر بأشكال بلورية<br />

شفافة ملتمعة ذات رونق صاف ‏)عندما أرى<br />

غيمة اترك العمل وأخرج ألصور مدفوعا بقوة<br />

خفية(‏ )20(. وتصوير الفنان للطبيعة يتم عادة<br />

من األعلى،‏ من على جسر،‏ أو جرف كرغبة<br />

يف امتالك األشياء والهيمنة عليها مع مراعاة<br />

البعد،‏ وتظهر السماء يف عدة صور منعكسة<br />

يف املاء إشارة للتواصل بني األرض والسماء<br />

واملاء ‏)عندما كنت طفالً‏ كان املطر يستهويني<br />

وكنت أسير حتت املطر،‏ ومن هنا ترى أن أكثر<br />

صوري حول املاء والنهر واملطر()‏‎21‎‏(.‏ ومع املاء<br />

يحقق الداغستاني االحتفاء والفرح بالطبيعة<br />

مبرزاً‏ متوجات املاء كما يف-‏ نشوان-‏ ومجسداً‏<br />

االنسيابية واالستغراق الشبيه بحلم يف<br />

صور البط النهري الذي يفنت الفنان ويجعله<br />

يصور رحلة البط وعامله اجلميل يف عشرات<br />

اللقطات،‏ ويف ذات الوقت يتعامل الداغستاني<br />

مع املطر بإحلاح ودأب ويظهر التماعات<br />

قطرات املطر الهاطل بشدة،‏ واملطر املنساب<br />

بهدوء وشاعرية على شكل خيوط وذرات براقة<br />

تنثال بشفافية ‏)عند سقوط املطر تنتابني<br />

مشاعر غريبة واشعر بسعادة واملاء يسيح على<br />

وجهي وأنا أرقب أضواء األعمدة امللتمعة على<br />

اجلانبني،‏ أحسّ‏ بالتالحم مع املاء،‏ استغرق<br />

وتأخذني النشوة،‏ يستبد الوجد بي كالصويف(‏<br />

)22( واملاء يتكرر عند الداغستاني بشكل<br />

واضح يف-‏ صياد السمك-‏ و-‏ جواميس-‏ التي<br />

تظهر التماع املاء زمن القيلولة واالنسجام<br />

بني اجلالسني فتبدو اجلواميس وسط املاء<br />

مثل كائنات خرافية لكنها بسيطة وأليفة يف<br />

انسجامها األخاذ.‏ وواضح أن احلركة حتتل<br />

حيزءاً‏ يف أعمال الفنان،‏ ف<strong>حر</strong>كة الطبيعة<br />

يف ‏–صياد السمك-‏ بارزة إذ تبدأ العني<br />

احلركة من بداية القدمني واجلرف وتتضح<br />

االستمرارية فتحمل اللوحة اإليحاء اخلارجي<br />

للمشاهد باحلركة واإليحاء الداخلي النابع<br />

من أرضيتها الزاهية الباهرة،‏ ومثلما يتعامل<br />

الفنان مع خصب وعطاء الطبيعة وإشراقاتها<br />

البكر فإنه مينحها بعداً‏ مغايراً‏ يف صور أخرى.‏<br />

بعداً‏ يركز على التناقض ففي ‏–الصمت-‏ نكون<br />

أمام فوتوغراف أقرب إلى التجريد-‏ أمام<br />

محاولة جادة لتحطيم الفوتوغراف التقليدي<br />

بحيث تتحول اللقطة الى لوحة تتناثر األضواء<br />

والظالل يف أرجائها لتمنحها بعداً‏ تشكيلياً‏<br />

يولد اإلحساس الذي تنقله اللوحة يف إبراز<br />

جو السكون املقيت للمدينة وإدانة اجلمود<br />

واالستكانة،‏ الصمت هنا هو سيد املوقف.‏<br />

ويكتمل هذا البعد يف تناول صمت وسكون<br />

الطبيعة النابض بهاجس داخلي يف تناول<br />

جدب أو خريف الطبيعة ووحشتها املرعبة عبر<br />

التركيز على صور األشجار التي تكون-غالباً-‏<br />

غير مخضرة رمزاً‏ للخواء والوحدة،‏ واألشجار<br />

الشامخة املتحدية والواقفة بصالبة يف وجه<br />

92


91 81


إلى من يعيش وراء الباب حياة البؤس والشقاء،‏<br />

وهنا تنطق الصورة باالحتجاج اإلنساني،‏<br />

ويف-‏ طنبر-‏ ينقل لنا لغة مشتركة مراوغة بني<br />

الرجل واحلصان وينضج هذا التناول أكثر يف<br />

صورة-‏ مطر وسرعة-‏ التي جاءت مشحونة<br />

باحلركة بالرغم من صعوبة التقاطها،‏ فهي<br />

لقطة سريعة جداً‏ وسط جو ممطر وغائم<br />

واحلصان فيها أمام قوتني،‏ االندفاع بفعل<br />

سوط احلوذي وبني التلكؤ بفعل تطاير رذاذ<br />

املاء املتأتية من حوافر احلصان مما مينح<br />

الصورة توتراً‏ واضحاً‏ ‏)احلصان إنسان ينوء<br />

بجر عربة ثقيلة،‏ احلوذي هو اآلخر ينوء بثقل<br />

احلياة(‏ )13(.<br />

أما يف-‏ الهودج-‏ فيضعنا الفنان مباشرة يف<br />

قبضة اإلدانة ونحن نراقب ذلك الشارع املبلط<br />

الصقيل الذي حتتله امرأة بدوية تعتلي جمال<br />

كوسيلة مواصالت وال منلك إال أن نسأل<br />

أنفسنا أال زال يوجد أناس يف هذا العصر<br />

يعيشون هذه احلياة الضائعة؟..‏ إن التناقض هو<br />

اجلوهر يف هذه الصورة،‏ ومسألة التناقض بني<br />

األشياء تظهر كثيراً‏ يف أعمال الداغستاني وقد<br />

أشار إلى هذه النقطة دليل-‏ رحلة إلى أملانيا<br />

االحتادية عام 1961- حيث قال الناقد الفني:‏<br />

‏)من لقطات الداغستاني التصويرية البارعة<br />

املقارنات العجيبة الصعبة فهذا طفل مير يف<br />

شارع عام بوجهه الهادئ وبجانبه جلس شيخ<br />

حفرت السنون فوق وجهه آالف اخلطوط،‏ وهذا<br />

وجه فتاة مهاجرة رسمت أهوال احلرب األخيرة<br />

فوقه آثاراً‏ ال متحى،‏ وعلى مقربة منها وجوه<br />

صبيحة من وجوه جيل ما بعد احلرب(‏ ويتغلغل<br />

الفنان إلى أعماق اجلو الشعبي يف ‏–الكور-‏<br />

التي متجد العمل وتبرز نشوته من خالل احلس<br />

اجلماعي مع مراعاة االندماج واللهفة والتركيز<br />

على االستمرارية والتي جندها أيضاا يف-‏<br />

اللعب-‏ حيث بساطة لعب أوالد الفقراء،‏ وحيث<br />

احلركة يف العربة وشعر الطفل والقدمني.‏<br />

ويف ‏-القطيع-‏ يخلق جواً‏ غريباً‏ عبر خلفية<br />

الصورة املغبرة ومظهر األشجار التي تنقل<br />

اإلحساس بخريف احلياة وزوال األشياء،‏ أما<br />

يف-‏ العرضحاجلي-‏ فيجسد ذلك االستغراق<br />

بني األعرابي والعرضحاجلي مركزاا على<br />

إبراز العروق النافرة يف اليدين ووقوف الذبابة<br />

والتالقي يف الهم املشترك،‏ العرضحاجلي هنا<br />

وجه متعب،‏ مهموم يذكرنا بأبطال تشيخوف<br />

املنسحقة البائسة،‏ متعب لكنه ال ميلك إال أن<br />

يواصل رحلته املرهقة ‏)كاتب العرائض شتمني<br />

أكثر من مرة وحاول اإلعتداء عليّ‏ بيد أني<br />

هربت بعد ان أخذت له عدة لقطات(‏ )14(.<br />

2- حاالت إنسانية أخرى:‏<br />

وإذا كان الداغستاني قد أبرز األجواء الشعبية<br />

وأكد الرائحة احمللية فإنه باملقابل لم ينس<br />

املواقف اإلنسانية الفريدة التي اقتنصها من<br />

خالل أسفاره إلى العديد من البلدان األوربية<br />

وإن كان هذا االهتمام أقل بكثير من تركيزه على<br />

نقل وجتسيد مالمح احلياة واإلنسان العربي،‏<br />

ومع هذا فقد صور أكثر من لقطة جميلة<br />

خارج أرض الوطن،‏ أكثر من لقطة ذات ثراء<br />

إنساني عميق فصورة )1+ 1=1( تتفجر شاعرية<br />

سواء يف زاوية االلتقاط أو يف طبيعة احلدث<br />

إذ تنقل حلظة حميمة بني رجل وامرأة يف<br />

تآلف وانسجام..‏ اليد يف اليد،‏ األقدام متسقة<br />

واحلركة شفافة،‏ وخروج الرجل واملرأة من وسط<br />

دائرة العتمة،‏ من النفق إلى الضوء وإظهارهما<br />

وسط كتلة الضوء املندفعة يف الظالم توحي<br />

أن اخلروج إلى ضوء العالم يتم بقوة احلب،‏<br />

احلب الذي يقهر الظالم ومينح الوجود التألق<br />

والبهجة.‏<br />

ويف ‏)امليدان(‏ سوق شعبي يضم مخلفات –<br />

90


89<br />

إنسانية مشتركة تعبر عن األشياء بدقة،‏ مقدماً‏<br />

مواضيعه القريبة واألليفة واملعبرة عن جوانب<br />

عديدة من الوضع البشري.‏ وألن الفوتوغراف<br />

يرتبط بالعلم من جهة - العدسة واملثبت-‏<br />

ويعتمد على اإلبداع واخللق من جهة أخرى<br />

فقد تطلب األمر أن يكون املصور الفوتوغرايف<br />

ممتلكاً‏ للناحيتني لكي يخرج عن الناحية<br />

التسجيلية البحتة ‏)يفترض يف املصور أن<br />

يكون مثقفاً‏ ومدركاً‏ ملسألة اإلبداع يف التصوير<br />

الفوتوغرايف وأن ميتلك التجربة واملمارسة(‏<br />

)2(. وحني نتأمل أعمال الداغستاني نستطيع<br />

وبسهولة أن نقرر امتالكه للشرطني السابقني<br />

وأن نفهم سر اإلبداع عنده ‏)كل نتاج يبدعه<br />

الفنان هو وليد الشعور واملعاناة،‏ والفنان<br />

يجسد األشياء بشكلها االنطباعي الواقعي،‏ كل<br />

عمل جيد يأتي من خالل القناعة،‏ من التطابق<br />

بني املوقف الداخلي والعالم اخلارجي،‏ ومن<br />

التجربة العميقة والصبرالطويل ) )3(.<br />

احلب هو الذي ي<strong>حر</strong>ك مراد الداغستاني،‏ حب<br />

األرض،‏ البسطاء واملتعبني،‏ الطبيعة،‏ اإلنسان،‏<br />

وهذا احلب هو الذي أورثه املرض،‏ فإن<br />

إخالص الرجل للعمل واندفاعه الشديد جعاله<br />

ال يرأف بنفسه ‏)حبي كان كبيراً‏ للفوتوغراف<br />

سابقاً،‏ أما اآلن فال..‏ أمتنى لو لم أكن مصوراً‏<br />

واألفضل لإلنسان أال يكون مشهوراً‏ ومعرضاً‏<br />

للضوء.‏ يف البداية اندفعت كاجملنون(‏ )4(. لعل<br />

املرض هو سبب هذا املوقف،‏ ولعله اخلوف من<br />

أن يستيقظ ذات يوم فيجد األشياء تتسرب من<br />

بني أصابعه كقطرات املاء ‏)رغم املرض ال أفكر<br />

بأني سأموت بسرعة،‏ مع هذا أعرف أني لن<br />

أعيش طويالً‏ ) )5(. ولكن هل أفلح املرض يف<br />

قهر شهوة اإلبداع عند مراد الداغستاني؟<br />

أبداً‏ فالرجل استمر مع كاميرته الشهيرة<br />

يقتنص أجمل وأغرب اللقطات...‏ ‏)لو استطعت<br />

أن أعيش سنتني حلققت شيئاً‏ مهماً‏ لم استطع<br />

الوصول إليه سابقاً..‏ سنتان وسأنفذ حلم<br />

الوصول إلى شيء كبيرانتبهت إليه مؤخراً(‏<br />

.)6(<br />

وقبل الدخول إلى عالم مراد الداغستاني ال<br />

بد من اإلشارة إلى كيفية تعامله مع الكاميرا<br />

عند التقاط الصورة فهو يقدم املدهش<br />

واالستثنائي غالباً‏ من دون أن يقع أسير<br />

التقليد أو االعتيادية التسجيلية ‏)ال توجد لديّ‏<br />

قاعدة ثابتة يف التقاط الصورة ودائماً‏ ألتقط<br />

صوري يف الصباح مع تنفس ويقظة احلياة،‏ أنا<br />

دائماً‏ أشذ عن القواعد املعروفة يف التصوير،‏<br />

فعندما تعجبني لقطة بعيدة عن الضوء ال<br />

أراعي هذا األمر.‏ اتباع القاعدة يعني اجلمود(‏<br />

)7(. وألن ريشة املصور هي الضوء وبواسطته<br />

تظهر الهمسات والضربات يف الصورة فإن<br />

الداغستاني يتفنن ويبرع يف السيطرة على<br />

الضوء ‏)أحيانا عندما يصبح الضوء أكثر أو<br />

اقل من الواقع فإنه مينحنا أشياء جديدة تثير<br />

الغرابة والدهشة(‏ )8(. وإذا كان الداغستاني<br />

يفعل هذا أثناء االلتقاط فإنه يحقق اجلانب<br />

التطبيقي أثناء إظهاره الصورة واستخدامه<br />

الورق ‏)اختار الورق املالئم للمسودة وقبل<br />

التكبير النهائي أطبع منها حجماً‏ متوسطاً‏<br />

وأفكر يف األجزاء التي يجب أن أحذفها وصوالً‏<br />

إلى التكوين النهائي،‏ وبرغم أن الرأي النهائي<br />

لي إال أني استشير بعض الرسامني واملثقفني<br />

فنياً‏ قبل وضع اللمسات األخيرة،‏ وقد أعمد<br />

أحيانا إلى تعميق وتخفيف الضوء بحيلة فنية،‏<br />

وكثيراً‏ ما أبدل يف تركيب احملاليل وأخالف يف<br />

استخدام الورق ألني أرى ذلك ضرورياً(‏ )9(.<br />

وهنا نلتقي ثانية بترافق املهارة واإلبداع عند<br />

الداغستاني.‏<br />

إن احلساسية املفرطة واالنتقاء يف زوايا<br />

االلتقاط،‏ البحث عن املدهش واملثير أمور<br />

بارزة يف صور الداغستاني،‏ متجسدة يف<br />

التعامل مع اإلنسان،‏ وإنسان مراد الداغستاني<br />

هو اإلنسان املتعب وامللقى يف عتمة املدن<br />

التي ال ينوشها الضوء-‏ اخلانات واألقبية-‏<br />

والواقف بوجه الطبيعة مغامراً‏ باحثاً‏ عن سر<br />

وجوده ‏)الصياد(‏ امللتحم بالطبيعة واالستعداد<br />

لالقتناص..‏ ومن املهم اإلشارة إلى إن عالم<br />

الصيادين يف النهر يأخذ اهتماماً‏ واسعا<br />

عنده مثلما حتتل صور الفقراء واجملانني<br />

واملتعبني واملنفيني نفياً‏ معذباً‏ األهتمام األكبر<br />

يف أعماله.‏ إن التركيز على جانب البطولة<br />

والنبل عند الصياد واحلريف والعامل وغيرهم<br />

من الطبقات املعدمة هي املوضوعات األثيرة<br />

والقريبة إليه،‏ ولو كان الداغستاني كاتباً‏ لطرح<br />

مناذجه البطولية الشبيهة بأبطال همنغواي<br />

وجاك لندن يف فشلهم البطولي العظيم،‏ ولذا<br />

جند ولعه الواضح يف إبراز صورة اإلنسان<br />

مواجهاً‏ قدره الطبيعي واالجتماعي ورافضاً‏<br />

كل اإلشكاالت التي من شأنها أن جتعله ينهار.‏<br />

يظل إنسان الداغستاني مليئاً‏ باإلصرار<br />

وعاشقاً‏ حياته على الرغم من املصاعب،‏<br />

ومقاوماً‏ أبداً،‏ يظل يتحدى انكسارات الداخل<br />

واخلارج،‏ وإذا كان إنسان الداغستاني قد<br />

وقف ضد شراسة الطبيعة،‏ فإنه يقف مترهباً‏<br />

خاشعاً‏ أيضاً‏ يف م<strong>حر</strong>ابها الرحيب ‏)أحسّ‏<br />

أني صغير جداً‏ يف حضور الطبيعة،‏ اشتم<br />

رائحة األرض بعد أول املطر وأشعر بنشوة<br />

كبيرة وعظيمة(‏ )10(. يظل مراقباً‏ إياها يف<br />

إشراقاتها البكر وتفتحها املتألق ضمن موقف<br />

حلولي مع أشيائها وصوفية ثورية أثيلة حتقق<br />

االندغام مع دقائقها املتشابكة.‏ إن هذا التغلغل<br />

يف أحشاء الطبيعة ومحاولة اكتناه أبسط<br />

الدقائق والنأمات فيها ورصد التحوالت يف<br />

محاولة لقهر الزمن يتم عن طريق احلساسية<br />

الشديدة يف استخدام زاوية االلتقاط ومراعاة<br />

الظل والنور،‏ وبذلك يشعرنا الفنان كم هو<br />

عاشق لألرض وصديق للطبيعة يف <strong>حر</strong>كاتها<br />

واندفاعاتها أو يف هدوئها املتضمن معنى<br />

احلركة ‏)كل األشياء تت<strong>حر</strong>ك من خالل عملية<br />

الهدم والبناء،‏ داخل اجلسد اإلنساني تكون<br />

احلركة،‏ يف اخلشب،‏ يف احلديد،‏ الطبيعة،‏ يف<br />

الفكر تكون احلركة،‏ يف اجملتمع،‏ احلركة هي<br />

جوهر الوجود()‏‎11‎‏(.‏<br />

محاولة للدخول يف تفاصيل عالم الداغستاني<br />

أمام مئات الصور التي التقطها الفنان يثار<br />

أكثر من إشكال عند تناول عامله إذ تواجهنا<br />

من ناحية صعوبة االنتقاء،‏ ومن ناحية أخرى<br />

نضطر إلى التضحية بلقطات ثرية ميكن أن<br />

تسهم يف إنارة هذا العالم الشمولي مما يجعل<br />

احملاولة غير مكتملة،‏ وألنه ليس يف اإلمكان<br />

أفضل مما كان كما يقال فال بأس أن نلج عالم<br />

الداغستاني الفسيح والذي ميكن أن نوزعه<br />

على الشكل التالي:‏<br />

1- إنسان األماكن املعتمة واألجواء الشعبية :<br />

للفنان مراد الداغستاني ولع يصل حد الهوس<br />

يف إبراز اجلوانب الشعبية التي حتمل نكهة<br />

محلية راسخة،‏ ولع واضح يف تسجيل <strong>حر</strong>كة<br />

وعالقات اإلنسان البسيطة املتشابكة يف قلب<br />

األجواء الشعبية وتأكيد مالمح التغير يف<br />

املدينة،‏ أو يف األماكن املظلمة والزوايا اخلفية<br />

منها والتي تغيب عن أذهان الكثيرين لتتحول<br />

على يديه إلى وجود زاخر باحلركة والتداخل<br />

‏)أصور كل ما اشعر به يف محيطي والنصيحة<br />

التي أسديها لكل فنان هي تصوير اجلانب<br />

احمللي ألنه الطريق إلى العاملية،‏ الرائحة<br />

احمللية هي األساس يف األعمال الناضجة(‏<br />

)12(. فصورة-‏ سوق العتق-‏ مأخوذة يف مكان<br />

مظلم حيث الضوء قليل جداً‏ مما دفع الفنان<br />

إلى االعتماد على احلزم الضوئية املتسربة<br />

من الطاقات العليا والتي تكشف بساطة<br />

وشعبية اجلو وتقدم كشفاً‏ حلاالت إنسانية<br />

صعبة تواصل العمل يف ظل ظروف غير<br />

صحية،‏ متحدية الفناء.‏ أما يف صورة حتمل<br />

عنوان-‏ مسكن-‏ فيواجهنا بشكل جارح بافتقاد<br />

التوازن يف الباب،‏ افتقاده يف حامل املاء مما<br />

يوحي بضياع االنسجام ويشير بإيحاء خفي


مدخل إلى جدل اإلنسان والطبيعة يف اعمال<br />

مراد الداغستاني<br />

الدكتور جنمان ياسني<br />

قبل أكثر من ستني عاماً‏ صور فنان مغمور-‏<br />

كتب له فيما بعد أن يكون واحداً‏ من أبرز<br />

فناني الوطن العربي والعالم يف مجال<br />

الفوتوغراف.‏ جمجمة ناتئة وسط حفنة من<br />

النقود الورقة واملعدنية.‏ فكان أن غضبت<br />

املدينة عليه واهتاجت الطبقة البورجوازية<br />

وترتب على هذا أن قاطعه أبناؤها إذ لم ترق<br />

الفكرة لهم.‏ لكن الفنان لم يأبه وظلت القناعة<br />

رائده وهو يواصل مسيرته اإلبداعية ورأسماله<br />

الوحيد إقبال الفقراء الذين أحبوه وأحبهم...‏<br />

‏)اإلجادة تأتي من خالل صدق املشاعر،‏<br />

الصدق يف التعامل دون انتباه لآلخرين(‏ )1(.<br />

ترى كيف ميكن للمرء أن يبدأ احلديث<br />

حني يريد الكتابة عن فنان كبير كمراد<br />

الداغستاني؟..‏ هل يكفي أن نورد قصة<br />

اجلمجمة والنقود لندلل على إخالصه يف<br />

العمل؟ أم نشير إلى مغامرات ذلك الشاب<br />

املتأجج العاطفة والذي كان يسترخي يف<br />

آخر الليل يف عربة جترها اخليل وهو يراقب<br />

احلوذي واحلصان وعندما ينهمر املطر ويعنف<br />

البرد يدس يف يد احلوذي نصف دينار ويأخذ<br />

مكانه ليقود العربة بهدوء تارة،‏ وبرعونة<br />

خطيرة تارة أخرى مستغرقاً‏ يف حلم جميل وهو<br />

يتأمل اخليول وحوافرها التي ترتطم باألرض<br />

فيتطاير الشرر وسط شتاء الليل ومطر السماء<br />

الغاضبة؟..‏ يقود العربة من دون إن يستخدم<br />

السوط،‏ يقودها ليستبطن التجربة ذاتياً‏ ثم<br />

يعود ثانية ليصور اخليل!...‏<br />

هل يكفي هذا كمدخل لفهم عالم مراد<br />

الداغستاني الرحيب؟<br />

بدأ الفنان مراد الداغستاني رحلته اإلبداعية<br />

بكاميرا بدائية بسيطة ولكنه استطاع بحدس<br />

ووعي الفنان أن يلتقط يف األربعينيات لقطات<br />

رائعة محطماً‏ القانون وما هو مألوف ومتعارف<br />

عليه،‏ وإذا كان الفن التشكيلي قد عاش مع<br />

والدة اإلنسان بشكل أولي من خالل رسوم<br />

الكهوف واألشجار وتعاويذ الس<strong>حر</strong>ة وحتى<br />

رسوم األطفال وصوالً‏ إلى تطوره الهائل يف<br />

عصرنا،‏ فإن الفوتوغراف من الفنون احلديثة<br />

التي جاءت بعد الثورة الصناعية،‏ ولقد ترتب<br />

على هذا أن وجد الداغستاني نفسه ي<strong>حر</strong>ث<br />

يف أرض بكر لكي يجعل من الفوتوغراف لغة<br />

88


87


التكوين الصامت لوحة فوتوغرافية جميلة<br />

فقام بتسليط اإلنارة كبقعة ضوء ساقطة من<br />

األعلى على األشياء الصامتة ليجعلها تنطق<br />

مبسمياتها وظاللها ليؤكد حضورها الفني<br />

والبصري يف آن واحد . إذاً‏ مراد فنان تشكيلي<br />

بالفطرة وقد انعكس ذلك على مجمل أعماله<br />

الفنية التي القت استحسان جميع من شاهدها يف<br />

داخل العراق وخارجه ومنحته العديد من اجلوائز<br />

والشهادات التقديرية يف املعارض واملسابقات التي<br />

شارك بها كما حظيت صوره بالنشر يف مجلة هواة<br />

التصوير<br />

( Photographer ) Amateur اللندنية عام<br />

1962. وقد تولى إيصال نسخ الصور الفوتوغرافية<br />

إلى اجمللة اللندنية السيد سالم احلسو*‏ نتيجة<br />

عالقته الطيبة بالداغستاني وانبهاره بأعماله.‏<br />

ورغم ذلك لم يكن مراد يعترف انه مصور وفنان<br />

بارع بل كان يصر أنه <strong>حر</strong>يف تصوير ‏)أسطه(‏<br />

فقط وبعيد عن الفنون التشكيلية والبصرية.‏ أنا<br />

استغرب من رأيه هذا ألن الكثير من صوره تأخذ<br />

منحى الفن التشكيلي البصري ملا حتتويه من<br />

أفكار وطريقة تصوير وعرض وإنارة .<br />

ولو توفر للداغستاني ما متوفر اليوم من<br />

برامج الكمبيوتر وبرامج التصحيح واإلضافة<br />

الصورية والكاميرات الرقمية وفلترات<br />

التصوير وأجهزة اإلنارة مبختلف أشكالها التي<br />

تستخدم اليوم بالتصوير احلديث ألنتج لوحات<br />

بصرية تفوق مستوى اخليال ملا ميتلكه من<br />

حس فني وثقافة بصرية تسمح له أن يتفوق<br />

على الكثير من مبدعي التصوير يف عصرنا<br />

هذا .<br />

يف اخلمسينات والستينات من القرن العشرين<br />

كان عدد املصورين املاهرين واملعروفني يف<br />

جميع أنحاء العراق ال يتعدى عدد أصابع<br />

اليدين نذكر منهم ارشاك يانكيان ‏)مصور<br />

أرشاك(،‏ ناظم رمزي،‏ لطيف العاني،‏ حازم<br />

باك،‏ إمري سليم،‏ احمد القباني،‏ اواديس<br />

سركيس ‏)مصور كوفاديس(،‏ جان كريكور<br />

‏)مصور بابل(،‏ بيزانت ‏)مصور الدور ادو(،‏ آرام<br />

هاكوب واملصور عبوش جميعهم عملوا على<br />

توثيق حياة وواقع العراقيني كل حسب طريقته<br />

وثقافته وزوايا رؤيته للمجتمع العراقي وكان ال<br />

بد يف ذلك الزمن أن يؤثر البعض منهم على<br />

اآلخر على األقل يف تقنية التقاط وإخراج<br />

الصورة إلى العلن .<br />

من خالل دراستي لصور الفنان الراحل ناظم<br />

رمزي ومقارنتها بأعمال مراد الداغستاني<br />

وجدت بعض الصور التقطها االثنان بنفس<br />

الرؤية ونفس الروحية ونفس املوضوع تقريباً‏<br />

فصورة ظل الدراجة التي صورها مراد<br />

باملوصل وصورة ظل الدراجة التي التقطها<br />

رمزي يف فرنسا عام 1965 تعطي نفس الفكرة<br />

والرؤية التسجيلية.‏ وتكرر املوضوع بصورة<br />

أخرى للداغستاني بلقطة على نهر دجلة يف<br />

املوصل ولقطة مشابهة التقطها ناظم رمزي<br />

يف بيروت عام 1975. أما الصورة املثيرة<br />

للجدل والتي وثقها ناظم رمزي خالل زيارته<br />

لإلسكندرية مبصر عام 1958 واملأخوذة من<br />

األعلى للعربات واخليول فهي نفس اللقطة<br />

التي وثقها مراد من األعلى لعربات اخليول<br />

يف املوصل وان كان الداغستاني قد تالعب<br />

بالصورة أثناء الطباعة حيث دمج الفلم<br />

السالب ( Negative ) مع الفلم املوجب (<br />

) Positive املستخرج مسبقا من الفلم السالب<br />

بتغيير بسيط ثم انتج الصورة لكن املنظور<br />

واحد للصورتني،‏ وهنا يبرز سؤال كبير عن<br />

مدى تأثر ناظم رمزي بأعمال مراد...؟ كون<br />

الداغستاني رائداً‏ فوتوغرافياً‏ مشى على خطى<br />

إبداعاته العديد من املصورين احملليني،‏ رمبا<br />

جند اإلجابة يف التشابه بني األفكار واألسلوب<br />

يف هذه الصور.‏<br />

86


85


84


دجلة(‏ فاقتناها مببلغ عشرة دنانير وهذا<br />

مبلغ كبير يف تلك املرحلة مما يدل على عمق<br />

اإلحساس الفني الذي ميتلكه مراد وعشقه<br />

وارتباطه روحيا بالرسم والفن التشكيلي الذي<br />

حاول ببعض صوره تقريب فن الفوتوغراف إلى<br />

فن التشكيل ولو بدرجة قليلة ضمن اإلمكانيات<br />

املتاحة يف حينها.‏ يا ترى هل اعجب مراد<br />

بالصورة واقتناها ألنها تشبه صورته أم تأثر<br />

مراد برسمة الشيخ وبحث عن موقع الغساالت<br />

لكي يوثقهم بعدسته . تقديري الشخصي أن<br />

مراد تأثر برسمة لقمان الفنية وحاول أن<br />

يصور لوحة فوتوغرافية بنفس املضمون الذي<br />

عبّر عنه لقمان ولكن بطريقته ألن صورة مراد<br />

شاملة للموقع وال تُظهر التفاصيل كما اعتدنا<br />

أن نشاهدها يف صوره باإلضافة إلى روحية<br />

وشفافية الصورة التي توحي بأنها مرسومة<br />

فعالً‏ ضمن املنظور العام للصور الطبيعية<br />

. الصورة مأخوذة أيضا من مستوى أعلى<br />

وبكاميرا 135 ملم وغالباً‏ ما تكون اما اليكا او<br />

بنتاكس حسب ما كان ميتلك مراد من كاميرات<br />

. وملراد العديد من صور التكوين الصامتة (<br />

) Still Life التي كان فنانو التشكيل يحاولون<br />

رسمها وتقريبها إلى الواقع بينما كان مراد<br />

يحاول أن ينقل الواقع من خالل صوره إلى<br />

تشكيل فوتوغرايف له سمة ريشة الرسام كما<br />

توضح لنا الصورة املقابلة.‏ جعل مراد من<br />

83


82


81


إبداعاته الفنية .<br />

• سألت بعض من يعرف مراد عن إمكانيته<br />

بإجراء الرتوش على السوالب فأكّدوا لي انه ال<br />

يقوم بالرتوش بل كان هناك أكثر من شخص<br />

يقوم بعملية رتوش سوالب صور االستوديو<br />

التجارية من أمثال ( زاريه امللقب بأبو ارام<br />

وسامي األحدب وعلي درويش (*<br />

• كان مراد يبحث داخل الغرفة املظلمة عن<br />

بدائل للصورة الفوتوغرافية العادية فكان<br />

حينها يبدل املواد الكيمياوية لغسل األفالم أو<br />

الصور لكي يزيد من التباين اللوني للصورة أو<br />

إعطائها مسحة لون بني بدل األسود واألبيض<br />

( color ) Sepia كما كان يستخدم تقنية دمج<br />

الفلم السالب مع الفلم املوجب الذي يحصل<br />

عليه من التالمس املباشر بني الفلمني ومن ثم<br />

يحذف بعض األجزاء ليدمجهم مع بعض<br />

( Film ) Sandwich ليحصل على صورة فنية<br />

مغايرة لألصل بالتونات اقرب إلى اللوحة<br />

الفنية منها إلى الصورة الفوتوغرافية املباشرة<br />

.<br />

• كان مراد شخصية مزاجية يف اختيار من<br />

يصوره فإذا ما وجد بالشخص املقابل إمكانية<br />

إخراج ما بداخل هذه الشخصية قام بتصويره<br />

وإذا ما شعر بعدم ارتياحه للشخص الذي<br />

أمامه اعتذر منه عن التصوير بشتى الوسائل<br />

ومنتهى األدب،‏ رمبا كان لتأثير مرضه<br />

وانعكاسه على شخصيته السبب الرئيسي لهذا<br />

التصرف .<br />

سنترك االستوديو ونصطحب مراد إلى الهواء<br />

الطلق … إلى الطبيعة وحياة الناس … إلى<br />

األرض والسماء … إلى النهر والغيوم … يقول<br />

مراد ( أشعر بشفافية وهدوء الطبيعة مقارنة<br />

بصخب العالم،‏ أحب املطر،‏ السماء،‏ األرض،‏<br />

األشجار،‏ واملاء فهو رمز احلياة (*<br />

إذاً‏ مراد مغرم بالطبيعة وأدواتها وهنا<br />

أثارت أدوات الطبيعة نزوات الداغستاني<br />

ليقوم بتسجيل س<strong>حر</strong> الطبيعة كما يراها من<br />

خالل عدسته املتواضعة واقصد باملتواضعة<br />

هنا اإلمكانية الفنية املتوفرة يف عدسات<br />

ذلك الزمن فلو تخيلنا أن الداغستاني<br />

ميتلك عدسات التقريب ( Lens Telephoto<br />

) وعدسات التقريب واألبعاد ( Zoom<br />

Wide ( وعدسات الزوايا املنفرجة ) Lens<br />

) Angle Lens املتوفرة اليوم ألعطانا بدعاً‏<br />

فوتوغرافية تفوق ما سجله بكاميرته التي<br />

أصبحت جزءاً‏ من التأريخ . وهذا ما يؤكده<br />

الداغستاني بقوله ( إن الزمن ال يرحم،‏ لو أن<br />

العمر يطول لكنا سنبدع أشياءاً‏ اكثر جمالية(*‏<br />

إن دراسة صور الداغستاني للطبيعة تعكس<br />

مدى رهافة حسه يف اصطياد هدوء الطبيعة<br />

على الرغم من وجود كائنات حية تتوسط<br />

موضوع الصورة لكن السكون والهدوء هو ما<br />

يطغى على روح الصورة وبالتالي يبرز جمالية<br />

الطبيعة الهادئة.‏ عندما يقف على اجلسر<br />

لتوثيق شيء ما يسير حتته يف النهر،‏ أو على<br />

ضفافه فإنه يوثق احلركة من كل جوانبها<br />

ومبختلف الزوايا ويسجل عدة لقطات ملوضوع<br />

واحد ثم يختار األفضل منها ليقوم بدوره<br />

داخل الغرفة املظلمة وليحدد أياً‏ من هذه<br />

اللقطات تصلح لإلظهار والعرض للعامة.‏ هنا<br />

يقول مراد ‏)اختار الورق املالئم للمسودة وقبل<br />

التكبير النهائي اطبع منها حجما متوسطا<br />

وافكر يف األجزاء التي يجب أن احذفها وصوالً‏<br />

إلى التكوين النهائي،‏ ورغم أن الرأي النهائي<br />

لي فأني استشير بعض الرسامني واملثقفني<br />

فنياً‏ قبل وضع اللمسات األخيرة،‏ وقد اعمد<br />

أحياناً‏ إلى تعميق وتخفيف الضوء بحيلة فنية،‏<br />

وكثيرا ما أبدل يف تركيب احملاليل وأخالف يف<br />

استخدام الورق ألني أرى ذلك ضرورياً‏ (*<br />

وهذا حتصيل حاصل لكل مصور فنان يعمل<br />

بيده إلبراز مفاتن وجماليات أعماله فنحن<br />

املصورون عادةً‏ ما نلتقط العديد من الصور<br />

لنفس املوضوع بزوايا مختلفة وفتحات عدسات<br />

متباينة من اجل احلصول على التعريض<br />

املناسب للضوء واختيار الزاوية الناجحة وبعد<br />

التوثيق الفلمي بالكاميرا تأتي عملية التفنن<br />

بالتقطيع بالطباعة لعرض الصورة بشكلها<br />

النهائي .<br />

هنا البد من سؤال:‏ ملاذا يستأنس مراد برأي<br />

بعض الرسامني وبعض املثقفني فنيا قبل نشر<br />

الصورة؟<br />

يقول الفنان لقمان الشيخ*:‏ يف املعرض األول<br />

لرواد الفن التشكيلي ملدينة املوصل عام 1956<br />

زار الفنان مراد الداغستاني املعرض واعجب<br />

بإحدى لوحاتي ‏)غساالت الصوف على نهر<br />

80


79


78


السالب ومن ثم طباعة الصورة بنفسه ليجعل<br />

العمل متكامالً‏ خارجاً‏ من بني يديه.‏<br />

وما يؤكد ذلك أن اغلب الصور املنشورة تأخذ<br />

شكل املربع نسبة إلى شكل الفلم املربع الذي<br />

ينتج من كاميرا الرول فليكس 6 x 6 سم .<br />

وهناك صور استخدم فيها شريحة األفالم<br />

املفردة Film( )Sheet مقاس 15 x 10 سم<br />

والتي تستخدم مع مخزن كاميرا االستوديو<br />

وتكون خالية من الرتوش متاماً‏ .<br />

• كان لدى مراد الداغستاني شخص<br />

متخصص لطباعة صور االستوديو التجارية<br />

يدعى حسني علي حامد ( أبو علي ) يدخل<br />

الغرفة املظلمة الستوديو مراد صباحا ويخرج<br />

منها عصرا وهو شخص ويف تتلمذ على يد<br />

مراد وكان يعتبر الداغستاني عرابه وأستاذة<br />

يف كل مفاصل احلياة واعتمد عليه مراد طيلة<br />

فترة حياته يف غسيل األفالم وطباعة الصور<br />

التجارية ولهذا لم يشغل مراد نفسه بتقنية<br />

إعداد وإخراج الصور التي ينتجها االستوديو<br />

بشكل دائم . بل كان مراد ينشغل بالصور<br />

الفنية التي يلتقطها إلى من تستهويه شخصيته<br />

ليعريها ويبرز جوانبها السلبية واإليجابية<br />

ليقوم بعد توثيقها بعدسته بغسل وطبع وتكبير<br />

اللقطة املناسبة بنفسه ليظهرها للعالم كإحدى<br />

77


هو توزيع اإلنارة والتقاط الصورة.‏ واملفصل<br />

اآلخر هو غسل الفلم وطبع الصورة أما خارج<br />

االستوديو فكان شاغله األول هو الضوء ومن<br />

ثم املوضوع وسنتكلم عن تفاصيل هذه الصور<br />

عند كل حالة من هذه احلاالت.‏<br />

لندخل إلى استوديو مراد الداغستاني الذي<br />

أنشأه يف املوصل بعد أن اشترى العدة<br />

الفوتوغرافية الكاملة من نعوم الصائغ .<br />

الصور التي أحتفنا بها مراد كانت حصيلة<br />

بعض مما صوره داخل االستوديو والتي ملس<br />

فيها نفسية صاحب الصورة ونواياه وأفكاره<br />

ووثقها بكاميرا االستوديو أو بكاميرته احملمولة<br />

الرول الفلكس حجم 6 x 6 سم .<br />

خالل االستقصاء عن دور مراد داخل<br />

االستوديو من الذين يعرفون مراد:‏ هل كان<br />

مراد الداغستاني يقوم بالتصوير ومن ثم<br />

يرتش ويعدل الفيلم السالب قبل الطبع؟<br />

جاءت األجوبة التالية:‏<br />

• كان مراد يصور الشخصيات حسب الطلب<br />

من صور صغيرة أو مكبرة وهو يقوم بالتصوير<br />

وتوزيع اإلنارة والتقاط الصورة ومن ثم يترك<br />

الباقي لينجز من قبل مساعديه بالغسل<br />

والتحميض والطباعة هذا بالنسبة للصور التي<br />

ميكن أن نطلق عليها جتارية لعمل االستوديو<br />

اليومي.‏<br />

• لم أجد يف جميع صور مراد املنشورة<br />

واملأخوذة داخل االستوديو أي أثر للرتوش<br />

اليدوية وهذا ما يعطي انطباعاً‏ أن الصور التي<br />

بحوزتنا أغلبها مأخوذة بكاميرا الرول فلكس<br />

التي بحوزته ولم يستخدم كاميرا االستوديو إال<br />

قليالً‏ . رمبا كان ذلك لسهولة احلركة بالكاميرا<br />

احملمولة أو لكي يقوم هو شخصياً‏ بغسل الفلم<br />

76


75


74


73


الدهر . مثلما حدث مع يوسف كارش عندما<br />

اجبر رئيس وزراء إنكلترا السير وينستون<br />

تشرشل أن يتخلى عن السيكار الذي كان<br />

جزءاً‏ من شخصيته ومالزماً‏ له طيلة فترة<br />

حياته لتظهر صوره إلى العلن بدون السيكار<br />

وكأن الصورة ينقصها عنصر مهم يف حياة<br />

وينستون تشرتشل.‏ أثارت هذه اللقطة الغريبة<br />

اهتمام وسائل الصحافة واإلعالم واعتبرتها<br />

حلظة توثيق تاريخية حلدث غير مألوف يف<br />

حياة تشرتشل مما جعل املصور كارش يتبوأ<br />

عرش التصوير يف كندا وأصبح كل من مير<br />

عبر برملان كندا يف مدينة اوتاو يجب أن يزور<br />

استوديو يوسف كارش وينصت إلى تعليماته<br />

ليوثق حلظة من حياته بعدسة كارش .<br />

يقول مراد عن جتربته أثناء تصوير الشخوص<br />

( أحاول تعرية الوجه البشري من الداخل(*‏<br />

حاولت أن أجد الرابط بني إنتاجات املصور<br />

يوسف كارش وإنتاجات املصور مراد<br />

الداغستاني فوجدت أن توزيع اإلنارة من ظل<br />

وضوء يف إنتاجهما هو واحد بإستخدام ثالثة<br />

مصادر للضوء،‏ مصدر إضاءة رئيسي Main(<br />

)Fill Light( ومصدر إضاءة جانبي )Light<br />

ومصدر إنارة خلفي Light( )Back ويف بعض<br />

األحيان يستخدم مراد مصدراً‏ ضوئياً‏ واحداً‏<br />

للحصول على صورة البورتريت كإستثناء.‏<br />

هناك صورة معبرة ليوسف كارش ومثلها<br />

ملراد الداغستاني تشترك بها األفكار وطريقة<br />

التصوير،‏ هي صورة املمثل األمريكي همفري<br />

دي فورست بوكارت ( DeForst Humphrey<br />

) Bogart املأخوذة عام 1946 من قبل يوسف<br />

كارش وصورة األفغاني املأخوذة داخل<br />

االستوديو من قبل مراد الداغستاني واملشترك<br />

بينهما دخان السيكارة املتناثر بالهواء بنفس<br />

الطريقة وهذا يؤكد تأثُر وإعجاب الداغستاني<br />

بيوسف كارش.‏<br />

أعود إلى تقنية مراد الداغستاني بالتصوير…‏<br />

ميكن جتزئة هذه التقنية إلى جزئني األول<br />

داخل االستوديو والثاني خارج االستوديو،‏<br />

داخل االستوديو كان مراد أمام مفصلني،‏ األول<br />

72


61<br />

71


60<br />

70


69<br />

من خالل هذه الصورة امللتقطة على جسر نهر<br />

الزاب الكبير بني املوصل وأربيل.‏<br />

لقد سبقني الداغستاني بعشرات السنني<br />

لتوثيق مثل هذه الصورة لكن احملصول العلمي<br />

والبصري لكال الصورتني هو واحد بوجود املاء<br />

والظالل وانعكاس أشعة الشمس .<br />

ال مجال هنا للمقارنة بني ما كان يفعله<br />

مراد وما كنا نفعله نحن مجموعة مصوري<br />

جيل الثمانينات حيث تطورت لدينا تقنية<br />

الفوتوغراف كثيرا عن ما كان ميتلكه مراد يف<br />

ذلك الزمن الذي حتدى به عصره بل وسبقه<br />

يف إنتاج صور كان من الصعب احلصول<br />

عليها دون دراية علمية يف فن الفوتوغراف<br />

وعلم الضوء.‏ من هنا يجب القول أن مراد<br />

كان على اطالع دائم مبا يحدث من أفكار<br />

علمية يف عالم الفوتوغراف وأغلب الظّ‏ ن كان<br />

لديه مصدر للحصول على اجملالت العاملية<br />

املتخصصة بالفوتوغراف والتي أتاحت له<br />

أن يشارك باملعارض الفوتوغرافية العاملية<br />

ويحصل عل شهادات وجوائز تقديرية<br />

إلبداعاته الفوتوغرافية وكذلك أسفاره إلى<br />

العديد من دول أوروبا التي أغنت ثقافته<br />

البصرية إضافةً‏ ملا ميتلكه وبالتالي أغنى<br />

معلوماتنا بالعديد من الصور عن احلياة يف<br />

العالم الغربي يف حينها .<br />

مبن تأثر مراد الداغستاني ليقدّم لنا هذه<br />

اإلبداعات الفوتوغرافية ؟<br />

يقول املصور الفوتوغرايف الراحل فؤاد شاكر<br />

عن لقائه بشيخ املصورين مراد الداغستاني<br />

عام 1975 وسؤاله عن مدى تأثره بكبار<br />

مصوري العالم املشهورين*:‏ قال الداغستاني<br />

انه يوسف كارش ( 1908 - 2002 ) املصور<br />

األرمني الذي هاجر من تركيا إلى كندا ليبدع<br />

بتصوير كبار رجال السياسة وفناني ذلك<br />

العصر.‏ ترى من أين حصل مراد على نتاج<br />

يوسف كارش يف زمانه دون أن يكون هناك<br />

برامج للتواصل اإلجتماعي أو اإلنترنت ؟!‏<br />

بالتأكيد حصل على هذه املعلومات من خالل<br />

اجملالت الفوتوغرافية التي كانت تهتم بنشر<br />

إبداعات الفوتوغرافيني العاملني،‏ وكذلك<br />

أسفار الداغستاني إلى أوروبا وخصوصاً‏ لندن<br />

العاصمة التي كانت تصدر بها اكثر اجملالت<br />

املتخصصة بفن الفوتوغراف ..<br />

إذن ما هو تأثير يوسف كارش على مراد ؟<br />

إن دراسة صور الشخصيات التي صوّرها<br />

كارش تقارب طريقة تصوير مراد لشخصيات<br />

املوصل مبختلف طبقاتها فيبدو أن االثنني<br />

يدرسان شخصية املراد تصويره إلبراز<br />

اجلوانب اخلفية بشخصية كل إنسان ومن<br />

ثم استفزازه للحصول على لقطة تصبح<br />

فريدة يف تاريخ ذلك الشخص وتخلّده مدى


68


67


66


65


64


63


62


61


60


59<br />

عن التقنية التي اتبعها مراد الداغستاني يف<br />

إنتاج إبداعاته الفوتوغرافية،‏ وكيف يتعامل مع<br />

الكاميرا و مع مسودة الفلم Negative( )The<br />

ومن ثم إظهار الصورة إلى العلن لتبيح بأسرار<br />

التقنية التي ميتلكها الداغستاني من معرفة<br />

علمية بالضوء وانعكاساته ومحاليل املواد<br />

الكيميائية التي يتالعب مبكوناتها إلخراج<br />

الصور بأبهى ما تكون.‏ لقد كان توهج اإلبداع<br />

عند مراد الداغستاني يف فترة اخلمسينات<br />

والستينات من القرن العشرين والتي أشار<br />

إليها الداغستاني عندما اندفع كاجملنون يف<br />

البداية*‏ حيث وثّق الكثير من حياة عامة<br />

الناس ومشاغلهم يف مدينته املوصل وما حولها<br />

من القرى واألرياف.‏<br />

عندما دخلتُ‏ معترك التصوير الفوتوغرايف<br />

وبالتحديد عام 1979 كان الداغستاني<br />

يعيش آخر سنني عمره تاركا التصوير بعد<br />

أن أتعبه املرض وعند رحيله عن عاملنا عام<br />

1982 كان توهجي الفوتوغرايف قد بدأ ولم<br />

اكن اعرف الكثير عن اإلنتاج الفوتوغرايف<br />

للفنان الداغستاني إال ما ينشر على صفحات<br />

اجلرائد واجملالت التي كانت مبستوى طباعي<br />

دون املتوسط ولم تُعطِ‏ نا صوراً‏ دقيقة وواضحة<br />

ملا كان يبدعه مراد يف إخراج تقنية الصورة<br />

وما يصلنا منها األفكار التي كان يضعها<br />

الداغستاني على ورق التصوير فقط.‏<br />

يف عام ١٩٨٥ أقمت أول معرض فوتوغرايف<br />

يف قاعة األورفلي للفنون يف بغداد وعرضت<br />

مجموعة صور باألسود واألبيض وبأحجام<br />

كبيرة التقطتها خالل زيارة إلى مسقط رأسي<br />

يف املوصل وثّقت بها جانباً‏ من محالت املوصل<br />

القدمية التي أثارتني بطريقة بنائها وأزقتها<br />

ودرابينها العجيبة واملتداخلة مع بعضها وطرق<br />

العيش البدائية التي كان ميارسها سكان<br />

املوصل القدمية آنذاك وسواحل أنهارها وقبور<br />

موتاها . عدت بذاكرتي إلى ذلك املعرض بعد<br />

أن شاهدت توثيق مراد الداغستاني ألنهر<br />

وسواحل املوصل فوجدت لقطة قد تكون<br />

مشابهةً‏ لتأثير الضوء وانعكاساتهِ‏ لدى مراد<br />

الداغستاني.‏ كما موضح يف الصورة املقابلة.‏<br />

إن تأثير الضوء وانعكاساته علي أنا الدارس<br />

للفيزياء وبالتحديد دراسة الضوء )Optics(


خاص به يف مركز مدينة املوصل .<br />

وال بد من سؤال .. هل االستوديو لسد رمق<br />

العيش من الواردات اليومية أم إلشباع رغبة<br />

الهواية واإلبداع التي ميتلكها الداغستاني<br />

يف داخله ؟ ! اشترى الداغستاني معدات<br />

االستوديو كاملة من املرحوم نعوم داوود<br />

الصائغ الذي كان قد تعلم فنون التصوير وطبع<br />

وتكبير الصور من جماعة اآلباء الدومنيكان<br />

الذين قدموا إلى املوصل يف القرن التاسع<br />

عشر وكذلك معاشرة اآلثاريني األملان الذين<br />

كانوا ينقبون عن اآلثار يف نينوى التاريخية،‏<br />

وكان الصائغ قد استورد كاميرا االستوديو<br />

من أملانيا عام ١٨٩٢ مبساعدة اآلثاريني<br />

األملان،‏ وكان يساعد نعوم الصائغ السيد<br />

أكوب خال مراد الداغستاني والذي تعلم فنون<br />

التصوير الفوتوغرايف من نعوم الصائغ أثناء<br />

تصوير املناسبات يف املوصل وهذا ما يؤكد<br />

تأثر مراد بخاله أكوب مما جعله يعشق فن<br />

الفوتوغراف وينهل من خاله أسرار الطبع<br />

والتحميض لألفالم والصور . العدة التي<br />

اشتراها مراد من نعوم الصائغ كانت عبارة<br />

عن جهاز تكبير الصور نوع أملاني وكاميرا<br />

استوديو داخلية وكاميرا ذات احلجم املتوسط<br />

)TLR( نوع رول فليكس )Medium Format(<br />

ذات العدستني مع كاميرا نوع اليكا حجم 135<br />

فكانت هذه النواة األولى ملراد لكي يبدأ رحلته<br />

مع الفوتوغراف وفنونه.‏<br />

تناول العديد من الكتاب والباحثني سيرة<br />

الداغستاني احلياتية والفوتوغرافية ولعل<br />

اهم دراسة عن الداغستاني كما اسلفنا هي<br />

ما كتبه الدكتور جنمان ياسني يف كتابه (<br />

مراد الداغستاني .. جدل اإلنسان والطبيعة<br />

) حيث اشتق من صوره ومن حواراته مع<br />

مراد نسق حياة الداغستاني وطريقة تفكيره<br />

وفلسفته احلياتية وانعكاساتها على نتاج توثيقه<br />

الفوتوغرايف.‏ يف هذا الكتاب سوف احتدت<br />

58


الفوتوغرايف مراد الداغستاني<br />

هيثم فتح اهلل عزيزة<br />

لم يكن اهتمام الداغستاني بالفوتوغراف وليد<br />

الصدفة أو إشباعاً‏ لهواية الصبا والشباب<br />

بقدر ما كان مرتبطا بتأثيرات والده ‏)عبداهلل(‏<br />

الذي مارس التصوير الفوتغرايف أثناء<br />

دراسته الهندسة يف أملانيا.‏ أو رمبا تأثر بصور<br />

أجداده التي تبني مدى اهتمام العائلة بالتوثيق<br />

الفوتوغرايف يف ذلك الزمن.‏<br />

كما كان لتأثير خاله املصور األرمني ‏)اكوب<br />

كريكور بنجويان(.‏ الذي هاجر مع شقيقته إلى<br />

املوصل بعد االضطهاد الذي تعرض له األرمن<br />

وتشتيتهم إلى بقاع العالم اخملتلفة،‏ الشقيقة<br />

التي ارتبطت الحقاً‏ بعبد اهلل خلساي املهندس<br />

القادم من أملانيا للعمل مع فريق إنشاء خط<br />

سكة حديد برلني - بغداد ليستقروا يف املوصل<br />

وينجبوا ولداً‏ عام ١٩١٧ عرف باسم مراد<br />

الداغستاني.‏ بعد عشرين عاماً‏ من والدته<br />

بدأ الداغستاني رحلته مع عالم الفوتوغراف<br />

بتصوير وتوثيق ما يشاهد حوله من واقع<br />

حياة اإلنسان املكافح من اجل لقمة العيش يف<br />

ظروف كانت فيها مدينة املوصل تعيش حتت<br />

أنني الفقر وضنى العيش بعد أن حطّ‏ ت احلرب<br />

العاملية الثانية أوزارها.‏ هنا حصل مفترق<br />

طرق يف حياة الداغستاني بحصوله على أول<br />

كاميرا يف حياته مما أسس لفكرة فتح استوديو


55


54


53


52


51


50


49


48


47


46


بإبعاده عن العراق،‏ بسبب نشاطه السياسي<br />

أوائل الثالثينيات،‏ توفّرت للجادرجي فرصة<br />

السياحة الثقافية يف سورية ولبنان وفلسطني،‏<br />

وعدسته كانت ترافقه هناك،‏ فسجل مبجسات<br />

وعيه املتقدم،‏ مالمح التغلغل ‏)اليهودي(‏ يف<br />

احلياة االجتماعية ملدينة القدس،‏ صوره عن<br />

هذه املشاهد،‏ حتمل تاريخ أوائل الثالثينات،‏<br />

وكأنه يف ذلك كان يقرأ يف وقائع قادمة،‏ لكنه<br />

كان يراها ماثلة أمامه.‏<br />

يكتب علي عبد االمير أيضا بأن بدايات كامل<br />

اجلادرجي يف ضلوعه بهذا الفن ال تعرف ،<br />

حتى أن رفعت االبن،‏ ال يذكر حتديدا ، لكنه<br />

يذكر حادثة إيداع أحد االجنليز لصندوق<br />

من الصور الفوتوغرافية عند اجلادرجي<br />

قبيل رحيله الى خارج العراق بسبب اشتعال<br />

احلرب العاملية األولى،‏ وكان ذلك الرجل قد<br />

اخبر اجلادرجي،‏ بانه الوحيد القادر على<br />

العناية بتلك الصور/‏ الوثائق،‏ ليحمل معه هذا<br />

الصندوق الى ‏)بومياي(‏ بعيد احلرب ولكنه<br />

اضاعه هناك.‏ وظل يقول أنه أضاع أهم شيء<br />

يف حياته!‏<br />

إزاء ذلك يشير ، نقالً‏ عن اجلادرجي االبن،‏<br />

إلى وجود غرفة يف بيته ملعدات التصوير،‏<br />

التحميض،‏ والتكبير.‏ ‏»فكانت هذه نوازع<br />

اهتمام قل مثيله هذه االيام،‏ ولكنه لم يكن<br />

بالغريب على اجلادرجي املعريف املدهش،‏<br />

وصاحب املعترك السياسي الضخم«.‏<br />

ويف هامش الكتاب نكتشف أن االمكنة التي<br />

حتتفظ بإجناز اجلاردجي يف الفوتوغراف<br />

عديدة ومنها:‏<br />

‏*متحف الفن احلديث-‏ نيويورك.‏<br />

‏*متحف املتروبوليتان/نيويورك.‏<br />

‏*اجلمعية امللكية للفوتوغراف/‏ بريطانيا.‏<br />

45


التاريخي،‏ فبعضها يشير إلى أوائل<br />

العشرينيات كسنة 1923 وأخرى الى سنة<br />

1931، يشير الكاتب إلى أن للصور تأثيرا<br />

ملراحل الحقة،‏ ملا حققته من امتياز جمالي<br />

يف تقنيتها الفوتوغرافية،‏ وهي زاخرة بعناصر<br />

تكوين فنية لم حتققها أحيانا حتى جتارب<br />

من احترف الفوتوغراف الفني حسب تعبير<br />

الكاتب.‏<br />

‏»كامل اجلادرجي،‏ املولود ببغداد عام 1897،<br />

نشأ يف عائلة موسورة،‏ ناشطة يف اجتاهاتها<br />

السياسية،‏ واحلياة االجتماعية بشكل عام،‏<br />

ومنذ بداية عشريناته،‏ التحق اجلادرجي<br />

الشاب بحياة البالد السياسية،‏ وكان عالمة<br />

مهمة يف النضال من أجل الدميقراطية<br />

والت<strong>حر</strong>ر والعدالة االجتماعية«.‏<br />

ويشير الكاتب إلى تكامل املواقف والصراعات<br />

السياسية مبا هو ثقايف ومعريف عند كامل<br />

اجلادرجي،‏ إذ فتح صفحات جريدته<br />

‏»االهالي«،‏ للدراسات احلديثة يف علم<br />

االجتماع،‏ االقتصاد واألدب,‏ وقدم منوذجا<br />

للمثقف صاحب ‏)الرسالة(:‏ معرفة غنية<br />

باجتاهات التحديث،‏ ونشاطات الثقافة<br />

املعاصرة.‏ بيته الشخصي على سبيل املثال،‏<br />

صممه وفق احدث الطرز بل كان يف حينه<br />

‏)طليعيا(،‏ وكانت ملساته تتسع يف ذلك املكان<br />

الشخصي،‏ حيث صمم املكتبة،‏ جناح النوم،‏<br />

الديوان،‏ الطاوالت وحتى آرائك اجللوس يف<br />

احلديقة التي صمم اركانها ايضا.‏<br />

من هذه االهتمامات برز االهتمام األكبر يف<br />

الصورة الفوتوغرافية،‏ فوضع امامنا،‏ توزيعات<br />

للضوء متقنة وتلعب على تأثيرات احلنني التي<br />

نكنها اآلن جلوانب من بغداد القدمية،‏ وحياتها<br />

االجتماعية.‏ صوره ايضا أشّ‏ رت للحياة<br />

االقتصادية يف الريف.‏<br />

44


43


42


41


كامل اجلادرجي .. مصوراً‏ فوتغرافياً‏<br />

حتت هذا العنوان كتب علي عبد األمير<br />

عرضاً‏ عن كتاب صدر يف لندن عن دار نشر<br />

‏»الم«‏ <strong>حر</strong>ره رفعت اجلاردجي،‏ الذي الحق<br />

فيه اهتمامات أبيه يف فن الفوتغراف جامعاً‏<br />

فيه صوره امللتقطة ، داعماً‏ بذلك ما أجنزه<br />

سابقاً‏ يف كتاب ‏»صورة اب«.‏ نشر العرض<br />

يف مجلة الرافدين البغدادية عام 1992<br />

كتاب اجلادرجي االبن مجموعة من الصور<br />

الفوتوغرافية التي التقطها السياسي<br />

العراقي املعروف كامل اجلادرجي،‏ ويصفها<br />

علي عبد االمير بأنها سجلت يف مالمحها<br />

فترة تقارب ال‎20‎ عاما،‏ وتلخص األوجه<br />

املتعددة للحياة االجتماعية يف الشرق<br />

االوسط والعراق بشكل خاص.‏<br />

ويؤكد الكاتب امليزة الفريدة للصور<br />

كونها التقطت من قبل سياسي كانت<br />

تشغله ‏)الدميقراطية(‏ وملدة أربعة عقود،‏<br />

وقد أبرزت ، كوثائق تسجيلية،‏ احلياة<br />

االجتماعية للعراق بني العشرينات<br />

واألربعينات .<br />

وفضالً‏ عن اندراجها يف مهمة التسجيل<br />

40


ساحة البصرة،‏ مدينة البصرة<br />

39


38


شارع يف بغداد<br />

كنيسة بعثة الدومنيك،‏ املوصل<br />

بوابة الدخول جلامع الكاظم<br />

37


36


شارع يف بغداد<br />

بيوت تطل على نهر دجلة.‏<br />

بغداد<br />

بوابة الدخول جلامع الكاظم<br />

35


سوق بغدادي<br />

شيخ عربي<br />

شارع يف بغداد<br />

34


طاق كسرى ، سلمان باك<br />

33


32


إمرأة كردية مبالبسها التقليدية<br />

31


30<br />

رجل كردي مبالبسه التقليدية


29


مدفع ابو خزامة<br />

باب الطلسم،‏ احدى بوابة<br />

بغداد القدمية<br />

28


القباب الذهبية جلامع الكاظم،‏ بغداد


26


محلة الصدرية،‏ بغداد<br />

شارع يف بغدا د من جهة<br />

البوابة الشمالية<br />

25


24


مراسيم تتويج امللك فيصل االول كملك للعراق<br />

23


22


بائع متر يف السوق<br />

مقهى شارع يف بغداد<br />

21


20


قبر زوجة اخلليفة هارون الرشيد،‏ بغداد<br />

مجموعة من املافرين االجانب مع سيارة<br />

شركة النيرن<br />

بائعات الرز،‏ بغداد<br />

19


18


باحة جامع عبد القادر الكيالني،‏ بغداد<br />

جسر يف بغداد بني الرصافة والكرخ<br />

17


16


سوق شعبي يف مدينة بغداد<br />

بائعي اخلبز يف سوق شعبي<br />

جانب من منطقة الرصافة عند نهر دجلة<br />

ملى يعلم الصالة لبعض الشباب<br />

15


تاريخي اجتماعي مدروس حيث جند السمة<br />

االنثروبولوجية املشتركة حلياة العراقيني يف كل<br />

أعماله،‏ وهو ما حقق غايته من وجهة نظري يف<br />

إعطاء صورة فريدة عن الواقع العراقي اجلديد<br />

بعد حترر العراق من احلكم العثماني .<br />

مالحظة:‏ ‏)يف مقدمة كتاب دراسة<br />

أنثروبولوجية للبروفسورهنري فيلد عن وادي<br />

الرافدين نهاية العشرينات ومنتصف الثالثينات<br />

من القرن املاضي يشكر فيها املصور«س . ي .<br />

شوكت«‏ ابن اخت املصورعبد الكرمي ملساعدته<br />

يف التصوير والعمل )<br />

14


مدينة بغداد من اجلو<br />

13


12


جانب الكرخ من بغداد.‏ مقبرة الست زبيدة<br />

11


10


تنوعت الصور ما بني لقطات بانورامية عامة<br />

للحياة العراقية مع لقطات نصف كادر للوجوه<br />

واألجساد مع اختيار زوايا ولقطات من األعلى<br />

لألماكن ويف أزمان متقاربة منحت الصور<br />

الفوتوغرافية انسيابية هارمونية عالية مما<br />

مينحنا الفرصة يف التمعن والتذوق والدراسة<br />

يف اّن واحد .<br />

ما يلفت النظر يف صور هذا األلبوم هي رؤية<br />

املصور يف عرضه حلياة العراقيني وفق منظور<br />

واقعي يبتعد عن اإلثارة واالفتعال والنظرة<br />

االستشراقية التي كانت سائدة يف أعمال<br />

الفوتوغرافيني األوربني عن الشرق،‏ إذ أنه قدم<br />

لوحات وأعمال فوتوغرافية تقترب من املفهوم<br />

االنثربولوجي ملاهية الصورة يف رصدها للمكان<br />

والناس وفق احلقائق املتوفرة دون بهرجة<br />

أوأفتعال املعرفة،‏ حيث أنه قدم لنا تفاصيل<br />

حياتية تقترب من العفوية يف ‏)ديزاينها(‏ لكنها<br />

محبوكة بدقة وصنعة .<br />

ال نعرف وال توجد لدينا معلومات عن طبيعة<br />

وثقافة ‏)عبدالكرمي ) إال أن صوره تشي بنظرة<br />

متزنة متزج بني ( اجلمال والفن والصنعة<br />

وحقيقة املوجود ) ، وهذا يعني أن ‏)عبدالكرمي<br />

) كان قد تشرب بثقافات ورؤى مختلفة مكنته<br />

من إعادة ضخ الواقع بهذه احلرفية واجلمالية<br />

األخاذة .<br />

كما أن أعماله الفوتوغرافية هذه تظهر معرفته<br />

التامة بواقع العراق التاريخي واالجتماعي<br />

حيث تنقلت أعماله بني مدن العراق اخملتلفة،‏<br />

راصداً‏ التنوع األثني العراقي عبر التركيز<br />

على الوجوه واملالبس بشكل يقترب من صور<br />

استديو داخلي،‏ ما يشير إلى قدرته الكبيرة<br />

يف التصوير اخلارجي،‏ وهذا لعمري يحسب<br />

له إذ لم جند يف األرشيف العراقي املصور<br />

قبله هذه الدقة والتكوين واإلنارة يف األعمال<br />

التي طبعت من قبل األوربيني أو العراقيني.‏<br />

يأخذنا البومه هذا يف سياحة بصرية جذابة<br />

وممتعة يف األسواق الضاجة بالناس ، بتنوع<br />

اآلثار واألزياء يف طول البالد وعرضها،‏ التنوع<br />

االثني للمجاميع البشرية العراقية ، الطبيعة<br />

الصامتة واخلالبة ، كل ذلك وفق منهج<br />

بقايا مدينة،‏ بابل<br />

وسائط النقل يف نهر دجلة<br />

مجموعة نساء يغسلن مالبسهن عند نهر دجلبة<br />

9


8


7<br />

والواثق يف عصب اجملتمع العراقي . التوجد<br />

لدينا وثيقة أو أدلة حاسمة عن اسمه ونسبه<br />

ومكان والدته ووفاته ، هناك عدة روايات حول<br />

ذلك وأكثرها أنتشارا تشير إلى أنه يدعى (<br />

عبدالكرمي يوسف تبوني ) من عائلة موصلية<br />

هاجرت إلى البصرة بحثا عن العيش الكرمي.‏<br />

هذه الرواية لم أجد لها تدوين أو إشارة أو<br />

توثيق لها إذ أن املصور ‏)كرمي ) كان يشير إلى<br />

نفسه يف إعالناته الفوتوغرافية بأسماء مثل (<br />

عبدالكرمي املصور(‏ ‏)عبدالكرمي فوتوغرايف )<br />

‏)عبدالكرمي افندي(‏ ( املصورعبدالكرمي ) فيما<br />

كان يوقع أعماله الفوتوغرافية باللغة االنكليزية<br />

. ) A.KERIM (<br />

من طبيعة االعالنات وبعض املقاالت القصيرة<br />

عنه وعن إبداعه الفوتوغرايف ، نعرف أنه<br />

أفتتح محله يف بغداد عام 1920 كما يشير<br />

إلى ذلك يف اإلعالن مضيفا أان محله يحظى<br />

‏)برضى جاللة امللك الذي قبل أن يكون مصوره<br />

كما أشار إلى أن زعماء وأمراء ووزراء البلد<br />

داخل وخارجه قد تصوروا يف هذا احملل (.<br />

كما كتب أحدهم يف إحدى اجلرائد دون ذكر<br />

اسمه ( ملا كان الشئ بالشئ يذكر نقول إنه<br />

يسرنا جداً‏ أن نرى بيننا من تنبهت أفكارهم<br />

إلى هذه احلقيقة كمحل املصور البارع<br />

اخلواجا عبدالكرمي قرب جسر مود،‏ فإننا وأمي<br />

احلق أكبرنا فيه همته للسعي إلى إدخال روح<br />

جديد يف فن التصوير يف هذه البالد وشاهدنا<br />

على ذلك ما جلبه مؤخرا من اآلالت احلديثة<br />

الطراز التي يتمكن بها من التصوير ليالً‏ بالنور<br />

الكهربائي الساطع بخالف العادة املتبعة عند<br />

باقي املصورين الذين ال يتمكنون من التصوير<br />

إال على ضوء الشمس / جريدة العراق عام<br />

(. 1923 فيما يشير يف إحدى إعالناته إلى أنه<br />

الوكيل الوحيد ( حملالت التصوير الشهيرة يف<br />

لندن / جريدة العراق عام ) 1920 .<br />

من بعض اللقطات املتوفرة عن عمله يف<br />

االستديو اخلاص به ، نتعرف على مهارته<br />

العالية يف حبكة اللقطة من إضاءة وكونتراس<br />

وتوزيع العناصر اجلمالية وفق منهج<br />

دقيق وصارم يرتقي إلى مصاف األعمال<br />

الفوتوغرافية األوربية.‏ وهذا مايجعلنا نفترض<br />

أنه قد درس فن الفوتوغراف على يد أساتذة<br />

أوربيني او أجانب مع معرفة تامة بأدوات عمله<br />

ومنها نوع األفالم والكاميرات املفضلة للهواة<br />

واحملترفيني كما يشير إلى ذلك يف أكثر من<br />

إعالن .<br />

مايهمنا هنا هو البومه الفوتوغرايف الصادرعن<br />

شركة حسو إخوان التي ‏)أنشأت من قبل<br />

ناصيف حسو وأخوه بشير يف بداية<br />

عشرينيات القرن الماضي حيث مت<br />

تسجيلها كشركة تجارية محدودة لألدوات<br />

املنزلية والكهربائية(.‏ هذه الشركة أصدرت<br />

البوما فوتوغرافيا عام 1925 بعنوان Camera<br />

)Studies in Iraq ) والذي طبعته شركة<br />

( A.G ) Rotophot يف برلني املانيا والذي<br />

ميكن اعتباره أول البوم مصور عن العراق<br />

صادر من مصور فوتوغرايف عراقي ولرمبا<br />

كذلك هو األوحد يف تلك الفترة حيث لم نر<br />

مثيال ً له سواء من قبل مصورين فوتوغرافيني<br />

عراقيني أو اجانب قبل هذه الفترة .<br />

يضم هذا األلبوم الفوتوغرايف عشرات الصور<br />

املطبوعة على ورق محبب مصقول بلون بنّي<br />

، متثل لقطات للحياة العامة وناسها يف مدن<br />

بغداد ، املوصل ، البصرة ، بابل والعمارة مع<br />

تعليقات باللغة االنكليزية دون العربية حتت كل<br />

صورة يف الكتاب .


عبدالكرمي املصور:‏ اسم من البدايات األولى<br />

أول مصور عراقي أصدر له ألبوما مصور<br />

كفاح األمني<br />

شهد العراق نهاية القرن التاسع عشر وبداية<br />

القرن العشرين حتوالت مجتمعية متاعقبة<br />

تطورت بشكل ملحوظ بعد قيام احلكم الوطني<br />

يف العراق عام 1921 حيث أدى ذلك إلى نشوء<br />

سياقات جديدة يف املشهد العراقي برمته ومنه<br />

املشهد الثقايف باملعنى الواسع للكلمة .<br />

ضمن هذا املشهد الثقايف اجلديد لعب اآلباء<br />

الدومنيكان يف املوصل نهاية القرن العشرين<br />

دوراً‏ رياداً‏ يف مجال الطباعة والتصوير وكانوا<br />

السباقني يف إدخال أجهزة الطباعة والتصوير<br />

وإنشاء مراكز للتدريب والعمل عليها مما ساهم<br />

مع عدد من الرافعات التاريخية يف رفع أوتاد<br />

الدولة العراقية اجلديدة مثل بعض العسكرين<br />

واحلقوقيني الذين لعبوا دوراً‏ تنويراً‏ يف املشهد<br />

العراقي بعد ان درسوا مختلف العلوم يف الكلية<br />

احلربية ومدرسة احلقوق باسطنبول يف تركيا<br />

أضافة إلى عدد من املتعلميني الذين عادوا من<br />

بعض البلدان األوربية مع منو أعداد املدارس<br />

العراقية وازدياد الصحف واجملالت العراقية<br />

وظهور املسارح والسينمات والتجمعات الثقافية<br />

، كل ذلك مع مجموعة من املتغيرات السياسية<br />

واالقتصادية أدى إلى بروز شريحة اجتماعية<br />

مارست دورها ‏)الثقايف االقتصادي(‏ وسط<br />

أجواء من التحوالت الكبرى يف بنية الدولة<br />

واجملتمع العراقي .<br />

ضمن هذا السياق الثقايف اجلديد بدأت<br />

تتسع مدايات التصوير الفوتوغرايف العراقي<br />

والذي كان محصورا بعدد من املصورين<br />

الفوتوغرافيني يف املوصل وبغداد،‏ ومنهم<br />

داود غزالة ، يوسف سنبل ، نعوم الصايغ،‏<br />

ودونتوسيان،‏ أضافة الى بعض املصورين<br />

الفوتوغرافيني الذين جاؤوا مع احلملة أمثال<br />

فكتور وبويسنجر.‏ كما البد من اإلشارة إلى<br />

الدور الريادي الذي لعبه البغدادي الكسندر<br />

جوزيف سفوبودا يف نشر ثقافة البطاقات<br />

البريدية املصورة فوتوغرافيا يف العراق دون<br />

نسيان دور اآلباء الدومنيكان وشركة عبد العلي<br />

أخوان يف ذلك .<br />

مع هذه االسماء ويف بداية دخول االنكليز<br />

الى بغداد برز أسم املصور الفوتوغرايف<br />

‏)كرمي(‏ حيث حتول الى أحد أهم املصورين<br />

الفوتوغرافيني يف بغداد حيث كان املصور<br />

الفوتوغرايف الرسمي لتتويج امللك فيصل<br />

االول بتاريخ /1921، /8 23 وهذا يعني<br />

أهميته وقدراته التصويرية وحضوره القوي<br />

6


تصوير حاسم الزبيد


الغالف االول:‏ جاسم<br />

الزبيدي،‏ متثال االمومة<br />

للفنان خالد الرحال<br />

الغالف الثاني:‏<br />

الفوتغرايف مراد<br />

الدغستاني<br />

كفاح االمني:‏ عبد الكرمي املصور،‏ اسم من البدايات االولى.‏<br />

كامل اجلادرجي،‏ مصورا فوتغرافياً‏<br />

كفاح االمني:‏ الفوتغرايف مراد الدغستاني.‏<br />

الدكتور جنمان ياسني:‏ جدل اإلنسان والطبيعة يف اعمال<br />

مراد الدغستاني .<br />

ناظم رمزي،‏ يف عشق االرض والناس.‏<br />

جاسم عاصي:‏ تشكّ‏ الت الصورة ودالالتها يف فوتوغرافيا الفنان ناظم<br />

رمزي<br />

هيثم عزيزة:‏ الفوتوغرايف،‏ جاسم الزبيدي،‏ ولد فقيراً‏ وظل يبحث عن<br />

أقرانه.‏<br />

<strong>ماكو</strong> 2<br />

مراجعة كتاب علي النجار،‏ نريد وطننا<br />

املعرض الدولي الثاني للملصقات الذي مؤسسة جائزة متيّز - مدينة<br />

كوفنتري ، حتت عنوان معرض ‏)احلدث املدوي بعد عشرين عاماً(‏<br />

كرسنا هذا العدد من ‏»<strong>ماكو</strong>«‏ للتصوير الفوتغرايف يف العراق،‏ التأسيسات األولى للمهنة،‏<br />

والنزعة الفنية والتسجيلية،‏ والكيفية التي خلصت فيها بعض التجارب الفنية يف<br />

التصوير الفوتغرايف إلى تنمية رؤى وتقنيات اقتربت فيها أعمالهم من الفن التشكيلي<br />

، بل وقدمت قيمة فنية جديدة للفنانني التشكيليني أنفسهم وساعدتهم يف تطوير<br />

تشكيالتهم البصرية.‏<br />

واحلال إن اختيارنا لتكريس هذا العدد ال يعني أننا استطعنا تغطية هذا اجلانب من<br />

الناحية التاريخية والفنية متاما،‏ فهذا احلقل ظل يُ‏ حسب على احلرفة على الرغم<br />

من أن إبداعات بعض املصورين جتاوزت ذلك إلى اندماج فني للقيم التسجيلية ورؤاهم<br />

ورموزهم املدعمة بالتقنية.‏ إزاء ذلك فإن الدراسات يف هذا احلقل ظلت فقيرة،‏ سواء يف<br />

املعلومات التاريخية لدخول هذه احلرفة الفنية يف العراق ، أو يف التجديدات التقنية لها<br />

، أو يف التجارب ذات القيم الفنية العالية.‏<br />

هذا العدد حاول أن يسد هذا النقص ، فتحدث عن جتربة ظلت مجهولة مسجلة باسم<br />

املصور عبد الكرمي الذي أسس محترفاً‏ فنياً‏ مبستوى ال يقل عن تراث املصورين األجانب<br />

من حيث جودة اللقطة الفوتغرافية وزاوية التوثيق للمشهد احلياتي يف العراق.‏ ولعلّ‏<br />

ألبومه املدهش الذي أصدرته شركة حسو اخوان يعدّ‏ أول ألبوم مصور عن العراق صادر<br />

من مصور فوتوغرايف عراقي ولرمبا هو األوحد بالنسبة للمصورين يف فترة العشرينيات<br />

من القرن املاضي.‏<br />

إزاء ذلك ننشر هنا دراسة عن املصور مراد الداغستاني الذي فاز بالعديد من اجلوائز<br />

الدولية ولم يحظ بتكرمي عراقي يستحقه،‏ هذا ما حدث للمصورين ناظم رمزي وجاسم<br />

الزبيدي حيث ال تقل مساهمتهما اإلبداعية عن اقرانهم من الفنانني التشكيليني اللذين<br />

يتسيدون املشهد اإلبداعي العراقي.‏<br />

إذن هذه محاولة أولى لتوثيق ابداع أساسي يف مجمل احلياة الفنية والثقافية العراقية،‏<br />

نرجو أن تكون بادرة خلطة أوسع يف البحث والتوثيق عن فنانينا املبدعني يف مختلف<br />

احلقول .<br />

‏»<strong>ماكو</strong>«‏<br />

نشكر الصديق هيثم عزيزة لتعاونه يف اجناز هذا العدد<br />

تشكر مجلة <strong>ماكو</strong> أرشيف كفاح االمني،‏ أرشيف الفوتغرايف مراد الداغستاني،‏ أرشيف كامل اجلادرجي،‏<br />

أرشيف الفنان ناظم رمزي ، أرشيف عائلة الفوتغرايف جاسم الزبيدي،‏ مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

إرشيف الفنان علي النجار،‏ ماملو.‏ مؤسسة جائزة متيز،‏ كونتربري


الفوتغرايف مراد الدغستاني.‏


4-<strong>2023</strong><br />

<strong>2023</strong><br />

<strong>2023</strong><br />

السنه السنه الرابعة،‏ الرابعة،‏ العدد العدد الرابع،‏ الثاني،‏ كانون حزيران االول.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!