05.03.2024 Views

ماكو فضاء حر للابداع -1-2024

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

203


يف العدد القادم<br />

محمد غني حكمت<br />

صالح القرغولي<br />

238


235


من تصاميم وضاح فارس.‏<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

234


من تصاميم وضاح فارس .<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

233


232


231


من تصاميم وضاح فارس.‏<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

230


229


من تصاميم وضاح فارس.‏ ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

228


227


من تصاميم وضاح فارس.‏ ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

226


225


من تصاميم وضاح فارس.‏ ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

224


223


من تصاميم وضاح فارس.‏ ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

222


من تصاميم وضاح فارس.‏<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

221


220


219


مجلة كونتاكت.‏ من تصاميم وضاح فارس .<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

218


217


216<br />

مجلة كونتاكت.‏ من تصاميم وضاح فارس .<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن


215


وضاح فارس يف معرض ( بيروت مدينة من رغبات العالم (.<br />

كالري صالح بركات<br />

مجلة كونتاكت.‏ من تصاميم وضاح فارس.‏<br />

ارشيف ضياء العزاوي.‏ لندن<br />

214


معرض ( مدن عربية(‏ لوضاح فارس وجاسم الزبيدي.‏ املركز<br />

الثقايف لندن.‏ ١٩٨١ ارشيف ضياء العزاوي<br />

213


212


من صور وضاح فارس يف معرض ( مدن عربية(.‏ املركز الثقايف<br />

لندن.‏ ١٩٨١، ارشيف ضياء العزاوي<br />

211


210


الدفتر البيروتي.‏ ٢٠١٢<br />

من ارشيف رافع الناصري.‏ عمان<br />

209


208


وضاح استقباال حميما كما اعتاد،‏ واستقبل<br />

رافع بشيء من البرود والتوتر سرعان ما ذاب<br />

عقب احلوار الذي دار بسالسة.‏ كانت لدى<br />

الطرفني رغبة يف اللقاء،‏ وطلب وضاح أن<br />

نلتقي يف البوم التالي،‏ لكن ضرورة عودتنا إلى<br />

عمان فورا من أجل اخلضوع للعالج الكيماوي،‏<br />

حالت دون ذلك.‏<br />

بعد أشهر من ذلك اللقاء،‏ بدأ خبر املرض<br />

الذي <strong>حر</strong>ص رافع التكتم عليه،‏ ينتشر بني<br />

املقربني.‏ فعاد وضاح إلى عمّان يبحث عن<br />

رافع ويزوره برفقة األخ فيصل اجلبوري الذي<br />

نقل لنا بعدها عن الراحة الكبيرة التي شعر<br />

بها وضاح آنذاك،‏ بقوله كانت الزيارة واحدة<br />

من أسعد حلظات حياته..‏<br />

ال أعتقد أن رافع أعجب بأي صديق وأحبه<br />

قدر وضاح،‏ وهو شعور متبادل طاملا عبر عنه<br />

وضاح من خالل تلك الراحة التي كان يشعر<br />

بها معا.‏ ذلك ما أكده بشهادة أدلى بها يف<br />

املقابلة التلفزيونية التي أجراها اإلعالمي<br />

ريكاردو كرم مع رافع يف بيروت نهاية 2012:<br />

« أسميه الفنان األنيق،‏ فهو أنيق بشكله ومع<br />

نفسه وغيره،‏ ال يقيم اية مقارنة بينه وبني<br />

غيره،‏ ظل فنانا مستقال شديد االحترام لعمله<br />

واثقا من نفسه،‏ يحترم أساتذته ويعترف<br />

بفضلهم عليه،‏ كما يحترم مجايليه وإجنازاتهم.‏<br />

وأنهى قائال:‏ ‏»احبه جدا،‏ شخصا وفنانا«.‏<br />

صور من معرض<br />

( بيروت مدينة من رغبات العالم ) لوضاح فارس<br />

كالري صالح بركات.‏<br />

عمان – 10 شباط ‏)فبراير(‏ <strong>2024</strong><br />

207


الفنية وجماعاتها الرائدة يف حداثتها يف العالم<br />

العربي،‏ ولم يفوت فرصة توثيقها.‏ ففي واحدة<br />

من زياراته،‏ اصطحب معه مصورا بارعا لتوثيق<br />

مجموعة األعمال الفنية املوجودة يف متحف<br />

الفن احلديث آنذاك.‏<br />

مع إقامة بينالي بغداد العاملي الثاني يف<br />

1988، وباقتراح من رافع الذي كان يف اللجنة<br />

التنظيمية العليا،‏ اختير وضاح ليكون يف جلنة<br />

التحكيم العاملية،‏ فكان آخر لقاءاتنا يف بغداد<br />

وأكثرها غنىً‏ وبهجة بفضل احلضور املتنوع،‏<br />

وكثرت الدعوات والوالئم اخلاصة التي أقامها<br />

األصدقاء،‏ واستضافت دارنا ما يزيد على<br />

أربعني شخصا من مختلف اجلنسيات.‏<br />

بعد االحتالل يف 2003 بدأ وضاح يتردد ثانية<br />

إلى بغداد من أجل تصفية أمور عائلية.‏ ولم<br />

يفوّت الفرصة لتفقد أوضاع الفن والفنانني،‏<br />

وصُ‏ دم مبرأى ما آلت إليه مجموعة املتحف<br />

الوطني،‏ تلك التي سبق أن وثّقها قبل سنوات.‏<br />

فطلب مقابلة وزير الثقافة،‏ كما روى،‏ وطرح<br />

عليه فكرة استنساخ صور األعمال األصيلة<br />

املوثّقة لديه،‏ وإخراجها بطباعة راقية يف<br />

إيطاليا،‏ لتغدوا مرجعا تاريخيا ملا فُقد.‏ وذلك<br />

ما لم يحصل بطبيعة احلال،‏ واعتذر الوزير<br />

بسبب العجز املالي للوزارة.‏<br />

كانت مكاتب وزارة الثقافة قد انتقلت بعد<br />

االحتالل إلى مبنى متحف الفن احلديث يف<br />

شارع حيفا.‏ حدّثني وضاح عن واحدة من<br />

نتائج زياراته تلك إلى املتحف وخرج بخفي<br />

حنني،‏ فيقول:‏ إنه صادف لدى خروجه من<br />

مكتب الوزير بابا مواربة استثارت فضوله،‏<br />

ولدى دخوله القاعة الكبيرة فوجئ بأكوام<br />

األعمال الفنية ملقاة بعشوائية وبحالة مزرية،‏<br />

بعضها كان من جواهر ما ميلك املتحف.‏<br />

فطلب من مرافقه إحضار سطل ماء وقماش،‏<br />

وشرعا بتنظيفها قبل أن تداهمهما إحدى<br />

موظفات املتحف.‏ سألت باستنكار عمن يكونا<br />

وماذا يفعالن هنا.‏ فرد عليها وضّ‏ اح بهدوء:‏<br />

كما ترين نحاول إزالة األوساخ املتراكمة فوق<br />

هذه الكنوز.‏ فطردتهما ألن الدخول إلى هذه<br />

القاعة ممنوع.‏ وهذا غيض من فيض،‏ فلوضاح<br />

مواقف طريفة وغريبة جدا ال تعد وال حتصى.‏<br />

بعد عزوبية طويلة تخللها يف السبعينات زواج<br />

لم يكن موفقا،‏ تزوج وضاح يف 1988 من<br />

الفنانة اإلسبانية املبدعة أسمبسيو ماتيو التي<br />

التقاها يف برشلونة.‏ كان قد عشق فنها قبل<br />

أن يتعرف إليها شخصيا.‏ استقبل رافع اخلبر<br />

بفرح وحدثني عن معرضها الشخصي الذي<br />

زاره يف رحلته إلى برشلونة نهاية الثمانينات.‏<br />

آثرت أسمبسيو اإلقامة يف برشلونة مدينتها<br />

األثيرة،‏ وآثر وضاح البقاء يف بيروت التي ال<br />

يرى بديال عنها.‏ وباتفاق متوازن بني الزوجني<br />

توزعت إقامتهما بني املدينتني.‏<br />

يف خريف 2010، ومن أجل إجراء استشارات<br />

طبية ذهبنا إلى بيروت.‏ عقب انقطاع طويل<br />

التقينا وضاح عن طريق الصدفة يف قاعة<br />

أجيال.‏ كان برفقة زوجته،‏ وتعرفنا إلى<br />

شخصيتها املتواضعة السا<strong>حر</strong>ة.‏ استقبلني<br />

206


من اعمال وضاح فارس،‏ السبعينات<br />

وكان رافع قد حلّ‏ ضيفا يف سكن وضاح،‏<br />

فطلب منه أن ميدد إقامته من أجل حضور<br />

الدعوة اخلاصة التي أقامها الحقا إكراما<br />

لرئيس الوزراء اللبناني رفيق احلريري بحضور<br />

صديقه األثير الشاعر يوسف اخلال الذي كان<br />

مصابا بالسرطان وبحاجة إلى عناية صحية.‏<br />

لم يكتف بالدعوة،‏ بل أهدى إلى احلريري<br />

لوحة كبيرة للفنان شفيق عبود،‏ كما استضاف<br />

صديقه الفنان العراقي سعدي احلديثي املقيم<br />

يف لندن إلحياء أمسية غنائية يف تلك الليلة.‏<br />

آثر وضاح العيش يف بيروت التي ترعرع فيها<br />

وألفها وتعلق بها.‏ يقول:‏ ‏»ال بديل لبيروت مكانا<br />

ففيها تاريخي.‏ حني أسير يف شوارعها وأتلقى<br />

<strong>حر</strong>ارة السالم من ناسها أينما سرت،‏ يغمرني<br />

الشعور باأللفة واالنتماء«.‏ انصب جل اهتمامه<br />

على توثيق تفاصيل احلياة فيها فوتوغرافيا،‏<br />

أمكنتها وناسها وأبرز شخصياتها الفكرية<br />

واألدبية والفنية.‏ ويف نهاية األمر قدم لها<br />

هديته الثمينة معرض الفوتوغراف التوثيقي<br />

حلقبتي الستينات والسبعينات،‏ وأقيم املعرض<br />

يف قاعة صالح بركات،‏ ومن ثم غادرها لينهي<br />

حياته يف برشلونه.‏<br />

لكن وضاح احملب لبغداد واقترابه الشديد من<br />

فنانيها ومثقفيها،‏ أولى اهتماما كبيرا لل<strong>حر</strong>كة<br />

205


وعززت إمكانياته الفنية.‏<br />

عشق بيتنا الصغير ‏)الكوخ(‏ يف بغداد،‏ وغالبا<br />

ما كان ميضي معنا األوقات التي يت<strong>حر</strong>ر فيها<br />

من أي التزام،‏ فتدور األحاديث ب<strong>حر</strong>ية وانفتاح،‏<br />

العامة منها أو اخلاصة.‏ هكذا عرفناه إنسانا<br />

رقيقا كما عرفناه متشددا،‏ مليئا بالطاقة<br />

واحليوية،‏ كرمي اليد والنفس،‏ اجتماعيا ذا<br />

معرفة وجتارب متنوعة،‏ مغامرا يسعى إلى<br />

حتقيق أحالمه مهما كانت بعيدة.‏<br />

مع تغير األوضاع يف لبنان،‏ غادرها وضاح<br />

بحثا عن مكان عمل آمن.‏ التقيناه يف لندن<br />

صيف 1976 عدة مرات،‏ أسعده أن يرى رافع<br />

ينتج آنذاك أعمال الغرافيك يف محترف The<br />

Art Center وزاره هناك.‏ لطاملا كان وضاح<br />

منحازا ألعماله الغرافيكيه ويعدّه رائدا فيها.‏<br />

فحثّه على انتاج أعمال بأحجام كبيرة.‏ حني<br />

استقر بعد ذلك يف باريس وأسس قاعته الفنية<br />

Gallery« »Faris يف 1979 بأرقى أحيائها،‏<br />

شرع بتنظيم معارض للفنانني العرب كان يف<br />

طليعتهم معرض للفنان ضياء العزاوي.‏ وحني<br />

التقينا ثانية يف لندن يف 1982، اتفق مع رافع<br />

على إقامة معرض شخصي له يف السنة<br />

القادمة يف باريس.‏ إكراما لوضاح قام رافع<br />

بتأجير محترف للغرافيك يف لندن مبكبس<br />

كبير،‏ وأجنز على مدى يومني ثالثة أعمال<br />

بحجم كبير وبطبعة واحدة ( مونوبرنت(،‏<br />

أهداهما له لتكونا باكورة معرضه.‏ ويف أوان<br />

املعرض تلقى رافع الدعوة حلضور االفتتاح،‏<br />

واستضافه يف داره.‏<br />

لم يكن وضاح ليكتفي بإقامة معرض للفنان<br />

املستضاف،‏ بل كان يسعى إلى الترويج له<br />

ودعمه إعالميا وفنيا.‏ شهد االفتتاح حضورا<br />

كبيرا،‏ تاله دعوة عشاء يف واحد من أرقى<br />

مطاعم باريس بحضور الناقد الفني املعروف<br />

Claude Dorval الذي كتب مقالة جميلة عن<br />

املعرض نشرت يف إحدى الصحف الفرنسية.‏<br />

204


فتحت مجاال أوسع لتبادل األفكار وإثارة<br />

نقاشات طاملا أشعلت اجلدل بني املشاركني.‏<br />

غالبا ما كانت هذا احلوارات متتد من قاعات<br />

االجتماع إلى اجملالس اخلاصة وبشكل أكثر<br />

انفتاحا.‏ لطاملا وجدت يف منطق وضاح وحتليله<br />

ألعمال الفنانني ما يشير إلى اطالع وفهم<br />

لل<strong>حر</strong>كات الفنية عامة،‏ وأن تقوميه الفني ينبع<br />

من قلب العمل.‏ جتده يستعيد الصورة بصريا<br />

قبل أن يدخل يف حتليل تفاصيلها كما لو أنه<br />

يقيم فيها قبل أن يحكم عليها.‏ وعلى الرغم<br />

مما يحمل رأيه من تسويغ،‏ فإن استنتاجه<br />

يف بعض األحيان قد يصدم الفنان،‏ إن لم<br />

يزعجه.‏ مع ذلك،‏ غالبا ما يؤدي ذلك التجاذب<br />

بني الطرفني إلى إغناء احلوار ويزيده عمقا.‏<br />

هكذا تعرفت إلى الناقد الفني املطّ‏ لع،‏ صاحب<br />

اخلبرة العملية والنظرية معا.‏ فوضاح ابن<br />

ثقافة غربية أوال،‏ نشأ يف أوساط بيروت<br />

املنفتحة على العالم،‏ فهيأت له االطالع الواسع<br />

وضاح فارس،‏ الثمانينات<br />

203


يف صيف 1969، وبعد االنتهاء من قراءة<br />

نصوصي القصصية القصيرة،‏ أشار عليّ‏<br />

الشاعر الراحل توفيق صائغ بنشرها يف امللحق<br />

الثقايف جلريدة النهار،‏ وأوصاني بالذهاب إلى<br />

مكاتبهم والسؤال عن وضّ‏ اح فارس املصمم<br />

الغرافيكي للملحق من أجل تقدميي إلى<br />

الشاعر أنسي احلاج،‏ رئيس حترير الصفحة.‏<br />

وزاد قائال وضّ‏ اح فنان عراقي رائع جدا<br />

وموهوب،‏ ثم ضحك وحكى لي عن واحدة من<br />

قصصه الطريفة.‏<br />

ما زلت أذكر تلك اللحظة التي استقبلني فيها<br />

وضاح بود وانفتاح بلهجة بغدادية خالصة<br />

أزال فيها خجلي وترددي.‏ وضع ذراعه على<br />

كتفي ومضى بي إلى مكتب الشاعر أنسي<br />

احلاج رئيس حترير امللحق الثقايف:‏ ‏»هذه<br />

شاعرة وأديبة عراقية«،‏ هكذا قدمني بكل ثقة.‏<br />

استقبلني الشاعر الكبير بتواضعه اجلميل<br />

وأدبه اجلم،‏ وتبادل املزاح مع وضاح.‏ ثم بدأ<br />

يقلب أوراقي ويبدي بني حني وآخر عالمات<br />

الرضى.‏ اختار نصّ‏ ني وقال:‏ ‏»سأنشرهما<br />

تباعا«،‏ وذلك ما حصل على الرغم من أن<br />

اسمي لم يكن معروفا يف الوسط اللبناني الذي<br />

شاعت فيه آنذاك أسماء الشعراء والفنانني<br />

العراقيني من رواد احلداثة قد مأل إبداعهم<br />

<strong>فضاء</strong> بيروت،‏ عاصمة الثقافة العربية بامتياز.‏<br />

ال أدعي أن بإمكاني أن أويف حق هذه<br />

الشخصية الغنية.‏ لذلك آثرت أن يقتصر<br />

حديثي على ما خبرته من خالل العالقة<br />

اجلميلة التي جمعت بني وضاح ورافع،‏ عالقة<br />

سادها اإلعجاب املتبادل والتفاهم والتسامح<br />

على مدى عقود وإن تعرضت بعض الوقت<br />

لسوء فهم انتهى بكل الرضا.‏<br />

« وضاح فارس شخصية معروفة يف الوسط<br />

الفني اللبناني والعربي،‏ ترك أثرا كبيرا يف<br />

وضاح فارس كما عّرفته<br />

مي مظفر<br />

عالم الفن والثقافة.‏ عرف بجاذبيته الكبيرة<br />

وشخصيته االستثنائية.‏ لم يكن فقط مؤثرا يف<br />

املشهد الثقايف اللبناني والعربي،‏ وإمنا ترك<br />

بصمته يف الساحة العاملية أيضا«‏ .<br />

ولد وضاح فارس يف حلب 1940 ألب عراقي<br />

وأم حلبية من أصول شركسية.‏ أمضى عددا<br />

من سنوات طفولته يف بغداد قبل أن ينتقل<br />

والده إلى بيروت للعمل يف السفارة العراقية.‏<br />

بعد انقالب متوز 1958 آثرت العائلة االستقرار<br />

يف مدينة احلرية واالنفتاح،‏ ليترعرع فيها<br />

وضاح مع أخيه وأخته األصغر سنا.‏ اختار<br />

وضاح يف البداية دراسة فنون العمارة يف<br />

إنكلترا 1959، وبعد عامني ( 1961( اختار<br />

التخصص الفنون الغرافيكية التطبيقية األقرب<br />

إلى نفسه،‏ وعاد يف 1963 ليستقر بيروت.‏<br />

إلى جانب تخصصه يف التصميم الغرافيكي<br />

كان فوتوغرافيا بارعا،‏ وناقدا حداثيا ومؤرخ<br />

فن.‏ دفعته ميوله القومية إلى االهتمام<br />

باحلركة الفنية العربية التي استقبلتها بيروت<br />

بكل ترحاب.‏ بدأ حياته العملية مصمما يف<br />

دور النشر والصحافة،‏ لكن طموحه األوسع<br />

وضيق صدره بااللتزام الوظيفي قاده إلى<br />

الت<strong>حر</strong>ر منه،‏ والتفرغ للعمل الفني،‏ وكان له<br />

دور فعّال يف الترويج للفنانني العرب،‏ وتعاونه<br />

مع شاعر احلداثة الرائد يوسف اخلال.‏ يف<br />

مطلع السبعينات أقام قاعة عرض بيروت<br />

مع صديقه املقرب الفنان سيزار منّ‏ ور باسم<br />

غاليري كونتاكت.‏ لم تقتصر تلك القاعة على<br />

عرض األعمال الفنية ألبرز الفنانني العرب،‏<br />

وإمنا غدت منبرا ثقافيا متنوعا استضاف<br />

شخصيات ثقافية كبيرة يف طليعتهم الشاعر<br />

يوسف اخلال وهيلني اخلال إلى جانب<br />

القراءات الشعرية واحلفالت املوسيقية<br />

اخملتلفة.‏ بعد سنوات قليلة دفعته الظروف<br />

الصعبة التي حلت بلبنان إلى مغادرة مدينته<br />

األثيرة وليستقر يف باريس،‏ أسس فيها قاعة<br />

فارس Faris Gallery ليصبح أول مالك قاعة<br />

يشارك بعرض أعمال فنانني عرب يف املعرض<br />

العاملي للفنون املعاصرة FIAC يف باريس<br />

.)Foire Internationale D’Art Contemporain (<br />

ومن ثم يف سويسرا ،Art Basel وفتح بابا<br />

لنشرها على الساحة العاملية.‏<br />

ثم شاءت الظروف أن جتمعنا وتزيدنا قربا<br />

فيما بعد من خالل صداقته احلميمة مع<br />

رافع الناصري امتدت حتى لقائي األخير به<br />

يف بيروت 2017. أما لقاؤنا األول برفقة رافع<br />

فيعود إلى صيف 1974، حني كنا يف طريقنا<br />

إلى سالزبورغ.‏ فعلى الرغم من ضيق الوقت،‏<br />

أصر رافع على لقائه،‏ ألن بيروت عنده تعني<br />

وضاح فارس.‏ نشأت عالقتهما عندما نشط<br />

الفنانون العراقيون بعرض أعمالهم يف بيروت<br />

منذ منتصف الستينات،‏ واستُقبلوا بترحاب<br />

بدءا من گاليري ون Gallery One القاعة<br />

التي أسسها الشاعر الكبير يوسف اخلال<br />

وزوجته هيلني.‏ وكان وضاح فارس بحضوره<br />

البارز يف الوسط الثقايف اللبناني يف طليعة<br />

املتحمسني واملروجني لتجاربهم التي أبهرته،‏<br />

وجنمت عنها صداقات شخصية.‏<br />

كثرت زيارات وضاح لبغداد ونشطت لقاءاته<br />

مع مثقفيها يف مطلع السبعينات من القرن<br />

املاضي،‏ مع ازدهار النشاطات الفنية العربية<br />

يف بغداد وتنظيم معارض متالحقة بدءا<br />

من ‏»جماعة البعد الواحد«‏ 1971، ومعرض<br />

الواسطي األول 1972 الذي عقبه تأسيس<br />

احتاد الفنانني العرب وإقامة البينالي العربي<br />

األول يف 1974، لتصبح بغداد أوسع ساحة<br />

لنشاط الفنانني العرب وتعارفهم.‏ غالبا ما<br />

كان يصاحب تلك اللقاءات ندوات ومحاضرات<br />

202


الصحايف فرنسيس عقل 1973 والصحايف<br />

غسان ثويني.‏ 1972<br />

الفنان الفرنسي اندريه ماسو والفنان الفرنسي ماكس<br />

ارنست مع الشاعر اللبناني جورج شحاده 1969<br />

201


يتحدّث بالهاتف بجدّية،‏ شفيق عبّود مبتسماً،‏<br />

سلوى روضة شقير ضاحكةً،‏ ماكس إرنست يف<br />

سوق النحاس يف البسطة،‏ هوغيت كاالن وسيتا<br />

مانوكيان غارقتني يف التفكير العميق،‏ رفيق<br />

شرف متحدّياً،‏ هيلني اخلال منفرجة األسارير،‏<br />

أمني الباشا منكبّاً‏ على عمل فني،‏ وجانني ربيز<br />

بأناقتها البورجوازية ولوحات زيتية نادرة تصوّر<br />

البقاع للفنان ومصمم امللصقات اللبناني رفيق<br />

شرف،‏ إلى جانب جتهيز ضوئي لناديا صيقلي،‏<br />

واللوحات النسوية الرائدة ألوغيت كاالن،‏<br />

وأخرى للشاعر الراحل سعيد عقل وبدايات<br />

نبيل نحاس ونزيه خاطر وشفيق عبود وحسني<br />

ماضي،‏ وفاحت املدرس ومنحوتات األخوة<br />

بصبوص...‏<br />

صوره سرد اجتماعي وسياسي وثقايف عن<br />

فترة ما قبل احلرب وما بعدها يف بيروت<br />

من الوجوه التي صوّرها أيضاً:‏ منى حاطوم،‏<br />

ونهاد الراضي،‏ وفريد حداد،‏ وبول طنوس،‏<br />

وعجاج العراوي رئيس قسم اإلخراج يف جريدة<br />

‏»النهار«،‏ والكاتب عصام محفوظ،‏ والروائية<br />

حنان الشيخ يف حلظة حميمية مع زوجها<br />

فؤاد معلوف،‏ والرسامة جناح طاهر،‏ وغيرهم<br />

من الوجوه التي مرت يف بيروت أو تركت أثراً‏<br />

يف تلك املدة املضيئة اللبنانية.‏ تتخذ الصور<br />

شكل حديث بسيط يجري بني شخصني يف<br />

مقهى،‏ أو حوار صامت بني املمثلة رينيه الديك<br />

وخيالها املنعكس على الزجاج يف ال ‏»هورس<br />

شو«.‏ ألبوم فارس سرد اجتماعي وسياسي<br />

وثقايف عن فترة ما قبل احلرب وما بعدها.‏<br />

كما نرى واجهة بيروت الب<strong>حر</strong>ية التي اختفت<br />

كلياً،‏ وزوايا من شارع احلمرا وقد تبدّلت<br />

مالمحها،‏ وأماكن جنهلها متاماً،‏ ووجوهاً‏<br />

صارت بعيدة،‏ وأحاديث خافتة يف ‏»متحف<br />

سرسق«‏ ألشخاص غابوا كلياً.‏<br />

يف أحد مقاالته يف مجلة ‏»العربي«،‏ يقول<br />

الفنان العراقي ضياء العزاوي:‏ ‏»لعب أبو<br />

صادق ‏)وهذه تسمية مجموعة من العراقيني<br />

لوضاح فارس لكثرة أكاذيبه الطريفة(‏ بأفكاره<br />

التمرّديّة دوراً‏ كبيراً‏ يف تقدمينا لبيروت<br />

ومعه اختفت العشرات من أعمالنا ولم نكن<br />

باملبالني بسبب روح الصداقة التي جمعتنا«.‏<br />

ويقول الناقد فاروق يوسف:‏ ‏»وضاح وهو ابن<br />

الترف البغدادي،‏ واحد من مدوزني إيقاع تلك<br />

املرحلة التي شهدت وفرة يف احلب والشغب<br />

واالختالف والشغف والنزاهة يف الفن كما<br />

العفة يف اجلمال.‏ سجالت وضاح فارس<br />

واحدة من أعظم وثائق عصرنا العربي الذي<br />

وأده الظالميّون مبختلف توجهاتهم وأهدافهم<br />

العقائدية.‏ فالزمن الذي تضعه صور فارس<br />

وتسجيالته ومقتنياته الفنية أمام عيوننا،‏ هو<br />

زمن التنوير العربي الذي صارت استعادته<br />

اليوم أشبه باملستحيل«.‏ عشية احلرب األهلية،‏<br />

كان وضّ‏ اح فارس يطمح إلى افتتاح صالة<br />

ثانية يف الرملة البيضاء باسم ‏»الرواق«‏ حتى<br />

إنّه أعدّ‏ اللوغو اخلاص بها وجال يف البلدان<br />

العربية الستقدام املواهب والتجارب الفنية<br />

العربية إلى بيروت.‏ إال أن اندالع احلرب عام<br />

1975، أجهز على هذا احللم مثل آالف األحالم<br />

التي أجهضت.‏ غاب صاحب الضحكة املبهجة<br />

والكاريزما احملبّبة،‏ الذي عاش <strong>حر</strong>ّاً‏ من أجل<br />

الفن،‏ فنّه وفنّ‏ اآلخرين،‏ عاشقاً‏ لبيروت وركيزةً‏<br />

من ركائزها الثقافية.‏ بغيابه،‏ يغيب وجه مشرق<br />

من تاريخ بيروت زمن كانت موئالً‏ وحاضناً‏<br />

للفن العربيّ‏ والثقافة العربية...‏ إلى ذاك<br />

الزمن كان وضاح فارس ينتمي.‏<br />

االخبار.‏ 19 كانون الثاني <strong>2024</strong><br />

200


وضاح فارس<br />

فوتغّرايف التنويّر<br />

العّربي<br />

الشاعر يوسف اخلال.‏‎1975‎<br />

تصوير وضاح فارس.‏<br />

بوستر من وضاح فارس 1972<br />

مجلة شعر،‏ تصميم وضاح فارس 1970<br />

رمي النخل<br />

اخلسارات كثيرة مع بداية هذا العام.‏ قبل<br />

حسني ماضي،‏ فُقد احملترف التشكيليّ‏ الفنان<br />

العراقيّ‏ وضّ‏ اح فارس )1940 <strong>2024</strong>(،<br />

املولود يف بيروت ألب عراقيّ‏ وأمّ‏ حلبية.‏<br />

أمضى فارس حياته يف لبنان ولم يغادره سوى<br />

لرحالت فنية إلى باريس أو لندن،‏ كي يؤوب<br />

كل مرة إلى املدينة التي يعشقها...‏ بيروت.‏<br />

يف مطلع الستينيات من القرن املاضي،‏ سعى<br />

فارس إلى دراسة الهندسة يف إنكلترا.‏ عمل<br />

يف شبابه مصمّماً‏ يف جريدة ‏»النهار«‏ ومجالت<br />

‏»احلريَة«،‏ و»احلوار«‏ و»شعر«،‏ ورسم غالف<br />

ولوحات مجموعة ‏»موت سرير رقم 12«<br />

القصصية للكاتب الشهيد غسان كنفاني.‏ تروي<br />

معارضه نزوات رجل عايش بعمق مراحل بناء<br />

احلياة احلديثة يف بيروت الكوسموبوليتية التي<br />

عشقها.‏ يف أيام مقاهي الستينيات ‏)»الهورس<br />

شو«‏ حتديداً(،‏ كان يرصد األشخاص الذين<br />

كانوا ميرون أمامه يف شارع احلمرا،‏ ويرفق<br />

صورهم ببعض األخبار والتعليقات.‏<br />

ظهرت أول رسومه التجريدية يف األعداد<br />

األخيرة من مجلة ‏»شعر«‏ عام 1968، إضافة<br />

إلى تعاونه مع ‏»غاليري بريجيت شحادة«‏ التي<br />

استقدمت عام 1969 معارض لفنانني أجانب،‏<br />

بينهم الشاعر والنحات والفنان األملاني ماكس<br />

إرنست وأندريه ماسون كرائدين من رواد<br />

السوريالية يف العالم.‏ صوّر ماسون يف زيارته<br />

إلى أروقة قصر بيت الدين،‏ وقدم اللقطات<br />

التذكارية النادرة التي جمعت الشاعر جورج<br />

شحادة وزوجته بريجيت يف دارتهما مع ماكس<br />

إرنست وزوجته دوروثي تاننغ،‏ وجوالتهم يف<br />

أحياء بيروت القدمية وأوقات السمر التي<br />

أمضوها يف مراقصها الليلية،‏ فضالً‏ عن<br />

الرسم الذي أهداه إرنست لوضّ‏ اح فارس<br />

كعربون صداقة.‏ يخبرنا يف أحد معارضه عن<br />

إحساس ماكس إرنست بأنه كان ال يزال يفتقد<br />

شيئاً‏ قبل مغادرته لبنان.‏ الوجهة كانت ‏»كباريه<br />

فونتانا«‏ ملشاهدة الرقص الشرقي وتعلّمه.‏<br />

التقط فارس صوراً‏ إلرنست مع الراقصة<br />

الشرقية التي رفضت أن تأخذ بدل أتعابها<br />

‏»ألننا فنانون بني بعض«‏ كما يروي فارس.‏ يف<br />

هذا اإلطار،‏ يقول الشاعر الراحل أنسي احلاج<br />

يف أحد معارض وضّ‏ اح فارس إنَ‏ العالقة بني<br />

الكاميرا والتصوير لم تتخذ شكل االحتراف<br />

بل احلبّ‏ . ظهرت تصاميم فارس أيضاً‏ يف<br />

منشورات وملصقات غاليري ‏»كونتاكت«‏ ‏)يف<br />

عام 1972( التي أسهم يف تأسيسها وإدارتها<br />

إلى جانب سيزار منّ‏ ور وميراي تابت.‏ تعاون<br />

يف عام 1974 مع جلنة ‏»مهرجانات بعلبك«‏ يف<br />

تصميم منشوراتها،‏ حني كان لبنان يستقبل<br />

عمالقة عالم اجلاز،‏ وقد رافقهم وضاح فارس<br />

بعدسته،‏ بينهم عازف الكونترباص األميركي<br />

تشارلز مينغس وحفلة كارلهاينز شتوكهاوزن<br />

واملغنية الفرنسية فرنسواز هاردي إحدى أبرز<br />

جنمات األغنية الشبابية يف ذلك الزمن.‏<br />

كان وضّ‏ اح فارس صديقاً‏ حميماً‏ لكبار الفنانني<br />

واملثقفني يصوّرهم بشغف الهواية:‏ غسّ‏ ان<br />

تويني يدخّ‏ ن سيجارته،‏ فرنسوا عقل يدخّ‏ ن<br />

سيجاراً،‏ رياض الريس يقود الدراجة النارية،‏<br />

شوقي أبي شقرا بعينني شبه مغمضتني،‏<br />

يوسف اخلال يتطلّع جانباً،‏ ميشال أبو جودة<br />

199


198


197


الناقد اللبناني جوزيف طراب ، 1974 الناقد نزيه خاطر 1972<br />

والفنان السوري غياث االخرس 1975.<br />

تصوير وضاح فارس.‏<br />

196


وهو موصوف بأنه مُ<strong>حر</strong>ِك لألفكار اجلديدة<br />

وطاقات اإلبداع لدى املواهب الفنية،‏ ومن صور<br />

صور املاضي اجلميلة التي ال ميكن ان ندرك<br />

قيمتها اال يف غيابها.‏ عاشق لبيروت هو وضّ‏ اح<br />

فارس.‏ أهدى اليها قبيل رحيله هدية ثمينة،‏<br />

عبارة عن أرشيف من الصور الفوتوغرافية<br />

النادرة باألسود واألبيض التقطها بعدسته<br />

ما بني أعوام 1960- 1975، كانت مخبأة يف<br />

محفوظاته ‏)سلبيات-‏ نيغاتيف(‏ طوال أربعني<br />

عاماً،‏ وطبعها يف برشلونة،‏ كي يعيدنا بالذاكرة<br />

الى مرحلة بيروت الذهبية وهي يف ذروة<br />

غليانها الثقايف،‏ قبيل اندالع احلرب االهلية<br />

التي مزقت أوصالها.‏ شكلت تلك الصور<br />

معرضاً‏ قيّماً‏ نظّ‏ مه باحترافية عالية صالح<br />

بركات ‏)يف مقر الغاليري-‏ شارع كليمنصو(‏<br />

يف العام 2017 حتت عنوان ‏»بيروت:‏ املدينة<br />

التي يرغب بها العالم«،‏ عرض فيه يف موازاة<br />

الصور وامللصقات التذكارية،‏ أعماالً‏ جليل<br />

من مؤسسي احلداثة،‏ بني لوحات ومنحوتات<br />

شهدت للجدال الفكري والتنوع يف مرحلة من<br />

أنضج املراحل الفنية وأعمقها وأكثرها جرأة<br />

وحترراً.زمن يف حلظات خاطفةما يقرب من<br />

200 صورة فوتوغرافية كان قد التقطها وضّ‏ اح<br />

فارس يف جلساته يف مقهى ‏»هورس شو«‏ يف<br />

احلمرا وخالل تردده على دور النشر وتعاونه<br />

مع...‏<br />

195


مجلة حوار البيروتية،‏<br />

تصميم وضاح فارس<br />

مهى سلطان<br />

ما من قصة واحدة مهما كانت مغرية بأحداثها<br />

وتفاصيلها ميكن ان نرويها عن ‏#وضّ‏ اح فارس<br />

)1940- <strong>2024</strong>( الذي رحل عن اربعة وثمانني<br />

عاماً‏ يف برشلونة ‏)اسبانيا(‏ مقر إقامته،‏ تاركاً‏<br />

منجزات أضحت جزءاً‏ ال يتجزأ من تاريخ<br />

احلداثة العربية،‏ وهو أحد مكوّناتها إن لم<br />

يكن وميضها البارق،‏ يف الفن والشعر واألدب<br />

املسرح والعمل الصحايف والكتابة النقدية<br />

والتصوير الفوتوغرايف واألرشفة.‏ ما من<br />

مكانٍ‏ محدد تقف عنده آفاق هذه الشخصية<br />

بقدراتها االستثناية واملعرفية،‏ وكذلك بانتمائها<br />

الثقايف والفكري،‏ لفرط تشعبها وشموليتها<br />

وتداخلها.‏ هل ألن وضّ‏ اح فارس مزيج من<br />

أصول عربية متشعبة اجلذور أم ألنه عاش بني<br />

حواضر الشرق والغرب؟ هذا الرجل العصيّ‏<br />

على التصنيف،‏ كان ظاهرة فنية حداثية<br />

يصعب ان تتكرر؛ رساماً‏ ومصممّاً‏ غرافيكياً‏<br />

ومصوراً‏ فوتوغرافياً‏ ومؤرخاً‏ وناقداً‏ فنياً،‏ وكان<br />

اكثر من وسيط أو ناشط ثقايف،‏ ألنه لم يواكب<br />

االحداث فحسب بل كان صانعها وموثّقها،‏<br />

194


193


شّربل داغّر<br />

تأكدَ‏ غيابه عني،‏ ونهائياً‏ هذه املرة،‏ بعد أن<br />

كنتُ‏ أتوقع أو آمل حضوره يف زيارة جديدة،‏<br />

مثلما حدث لي معه غير مرة يف بيروت.‏<br />

كنتُ‏ قد حادثتُه يف مرتني على األقل عن لزوم<br />

إصدار كتاب عنه،‏ وكان موافقاً‏ من دون أي<br />

موعد الحق.‏ كنتُ‏ قد نسيتُ‏ مشروعنا،‏ يف<br />

مطالع الثمانينيات بباريس،‏ إلصدار مجلة<br />

تعنى بالفنون التشكيلية:‏ ‏»مقامات«.‏<br />

من أصول عراقية،‏ لكنه استقر يف بيروت.‏<br />

خرج من بيروت،‏ ليستقر يف باريس.‏<br />

خرج من باريس،‏ ليستقر يف برشلونة.‏<br />

لكنه كان يعود إلى بيروت أحياناً،‏ يف زيارات<br />

قليلة:‏ كانت قد تغيرت.‏ كان قد تغير.‏<br />

الفنان الذي جمع يف شخصه،‏ يف خبرته،‏ يف<br />

أعماله،‏ صاحبَ‏ صالة العرض املثير أحياناً‏<br />

أكثر من فنانينه الذين يَعرض أعمالهم.‏<br />

الذي واكبَ‏ مجلة ‏»شعر«،‏ وصنع تصاميم<br />

مدهشة لكتب شعرية وقصصية،‏ ومنها لغسان<br />

كنفاني.‏<br />

الذي افتتح صالة عرض:‏ ‏»كونتاكت«،‏ فلمعت<br />

بفنانيها،‏ مثلما ملع بدوره يف <strong>فضاء</strong> بيروت<br />

املتوقد بني الستينيات ومطالع السبعينيات.‏<br />

الذي حملَ‏ حقيبة صغيرة وأحالماً‏ كبيرة إلى<br />

باريس،‏ عندما تأكد من وقوع بيروت حتت<br />

قبضة خانقة.‏<br />

الذي افتتح صالة عرض ثانية،‏ ‏»غاليري<br />

فارس«،‏ يف أحد أعرق الشوارع الباريسية،‏<br />

وعرض فيها:‏ محمد املليحي،‏ وآدم حنني،‏<br />

وفربد بلكاهية،‏ ورافع الناصري،‏ وضياء<br />

العزاوي،‏ وفريد عواد وكثيرين غيرهم ممن<br />

كانوا يَخرجون للمرة األولى إلى عاصمة النور.‏<br />

الذي ساهم يف أسواق الفن العاملية ‏)بني<br />

‏»الفياك«‏ و«بازل«‏ وغيرها(،‏ حيث طلبَ‏ - ألول<br />

مرة للفنانني العرب-‏ أن يتباروا مع أقرانهم يف<br />

العالم يف القيمة واأللق.‏ كيف ال،‏ وقد صاحبَ‏<br />

تقدمُه يف هذا ال<strong>فضاء</strong> فتحَ‏ عالقات واسعة مع<br />

أهل الذوق ومحبي الفن وكبار املقتنني،‏ بني<br />

عرب وأجانب.‏<br />

الذي لم تفارقه كاميرته،‏ أينما كان،‏ جنحَ‏ صالح<br />

بركات،‏ يف صالة عرضه،‏ قبل سنوات قليلة،‏ يف<br />

إعادته إلى بيروت،‏ ويف الكشف عن مخزونه<br />

الصوري الهائل،‏ يف معرض بعنوان:‏ ‏»بيروت<br />

مدينة من نسيج رغبات العالم:‏ يوميات وضاح<br />

فارس«.‏<br />

ذلك أنه كان مبادراً،‏ ومغامراً‏ يف آن.‏ كرمياً‏<br />

ومبذراً‏ يف آن.‏ كأنه صنيع نفسه،‏ فلم يرَ‏ إلى<br />

اخللف يف الغالب.‏<br />

مضى يف حياته،‏ مختاراً‏ لها،‏ من دون إكراه،‏<br />

من دون حنني،‏ من دون حزن:‏ نحن من<br />

نفتقده،‏ إذ نفتقد بيروت املشعة التي كان أحد<br />

‏»جنومها«‏ الالمعة.‏<br />

ذلك أنه خرجَ،‏ ولم يَعُد.‏<br />

الفنان امني الباش 1971، الفنان رفيق شرف 1972<br />

والفنان عارف الريس 1972. تصوير وضا ح فارس<br />

192


191


الفنان شفيق عبود 1972. تصوير وضاح فارس.‏<br />

دليل املعرض الشخصي للفنان شفيق عبود.‏<br />

الفياك 1984. ارشيف العزاوي،‏ لندن<br />

190


189


188


صالة بركات.‏ معرض بيروت 1975-1960<br />

نوري الراوي 2006 ازادور بزدكيان 2016<br />

ومنى حاطوم 1973. تصوير وضاح فارس صالة بركات.‏ معرض<br />

بيروت 1975-1960،<br />

187


186


185


وضاح فارس،‏ ادم حنني وضياء العزاوي،‏<br />

املعرض الدولي فياك 1981<br />

ارشيف ضياء العزاوي،‏ لندن<br />

مجلة حوار البيروتية<br />

184


183


182


مجلة حوار البيروتية<br />

من اليمني،‏ ضياء العزاوي،‏ محمد املليحي<br />

‏،وضاح فارس ، مديرة كالري فارس وادم حنني .<br />

املعرض الدولي فياك 1981<br />

ارشيف ضياء العزاوي،‏ لندن<br />

جناح كالري فارس يف الفياك .<br />

ارشيف ضياء العزاوي،‏ لندن<br />

181


180


179


178


177


176<br />

مجلة الدستور اللندنية.‏<br />

ارشيف ضياء العزاوي،‏ لندن


فائق حسن ،1972 رافع الناصري 1974<br />

ونهى الراضي 1974،<br />

تصوير وضاح فارس<br />

175


عمان 25.1.<strong>2024</strong><br />

استكشاف اجليد واألصيل،‏ وقد يدعو إلى شطح<br />

ساخر متهكم لكنه غريب وملهم.‏<br />

كتبت األديبة املعروفة غادة السمان حول شطحات<br />

وضاح يف بيروت:‏<br />

‏»تلك الليلة البغدادية الال منسية«‏<br />

‏)مشينا على شاطئ الب<strong>حر</strong> يف اجتاه الروشة حني<br />

شاهدنا باباً‏ حديدياً‏ عتيقاً‏ ودفعه وضاح فانفتح<br />

ودخلنا،‏ رافع ووضاح وأنا،‏ فوجدنا أنفسنا يف<br />

مقبرة ‏)لم تعد موجودة بعد احلرب اللبنانية(‏<br />

ودخلناها وتسكعنا بني القبور،‏ وهذه الزيارات<br />

الليلية إلى املقبرة أوحت للفنان رافع بعدة لوحات<br />

أهداني بعضها،‏ وما تزال بحوزتي،‏ واحترق بعضها<br />

اآلخر يف مكتبتي أيام احلرب اللبنانية.‏ وأدمنت<br />

السهر يف املقبرة،‏ فقد كان عاملي العربي يف نظري<br />

قد حتول إلى مقبرة بعد هزميتنا أمام إسرائيل يف<br />

5 حزيران ‏)يونيو(.‏ كما أوحت لي بقصة قصيرة<br />

بعنوان ‏»الرفاق واملقبرة«‏ نشرتها يف كتابي ليل<br />

الغرباء(.‏<br />

وداعاً‏ صديقنا الفذ وضاح فارس .<br />

174


173<br />

صرف الكثير يف أحيائها،‏ وبتأثيث الكترونياتها<br />

والكاميرات ملمارسة عمله الفني املتنوع.‏ لم يقم<br />

فيها كثيراً‏ فقفل عائداً‏ إلى برشلونة.‏<br />

تلفن لي واعداً‏ باملرور إلى اجلزيرة،‏ وزارني<br />

مراراً،‏ إلى أن أصابته الكورونا القاتلة وأقعدته<br />

لفترة طويلة،‏ بل لم يقم منها.‏ كلمني بصوت<br />

محشرج لم أفهم منه.‏<br />

لوضاح قصص كثيرة تنم عن شخصية فذة،‏ فهو<br />

ذو صداقات متنوعة االهواء الثقافية.‏ رحيله أحزن<br />

العراقيني واللبنانيني على حد سواء.‏<br />

نعاه األخ الناقد فاروق يوسف يف جريدة العرب<br />

قائالً‏ :<br />

التشكيلي العراقي الراحل ميلك الرغبة يف أن<br />

يفتح الطرق أمام اآلخرين واستقبال أعمال فناني<br />

جيله الذين كانوا يومها مغمورين،‏ لم يسمع بهم<br />

أحد!.‏<br />

ونعته جريدة املدن :<br />

رحيل الفنان وضاح فارس...مُصوّر مثقفي<br />

الستينات يف حلظاتهم احلميمة..‏ ظهرت أول<br />

رسومه التجريدية يف األعداد األخيرة من مجلة<br />

‏»شعر«‏ العام 1968، هذا باإلضافة إلى تعاونه<br />

مع غاليري بريجيت شحادة التي استقدمت يف<br />

العام 1969 معارض لفنانني أجانب،‏ بينهم الشاعر<br />

والنحات والفنان األملاني ماكس ارنست واندريه<br />

ماسون كزعيمني من زعماء السوريالية يف العالم.‏<br />

صوّر أندريه ماسون يف زيارته ألروقة قصر بيت<br />

الدين.‏ وقدم اللقطات التذكارية النادرة التي<br />

جمعت الشاعر جورج شحادة وزوجته بريجيت<br />

يف دارتهما مع ماكس ارنست وزوجته دوروثي<br />

تاننغ،‏ وجوالتهم يف أحياء بيروت القدمية وأوقات<br />

السمر التي قضوها يف مراقصها الليلية،‏ فضالً‏<br />

عن الرسم الذي أهداه ماكس لوضاح كعربون<br />

صداقة.‏ يخبرنا يف أحد معارضه عن إحساس<br />

ماكس ارنست بأنه كان ال يزال يفتقد شيئاً‏ قبل<br />

مغادرته لبنان.‏ الوجهة كانت ‏»كباريه فونتانا«،‏<br />

لرؤية الرقص الشرقي وتعلّمه.‏ التقط فارس صوراً‏<br />

ألرنست مع الراقصة الشرقية التي رفضت أن<br />

تأخذ بدل أتعابها ألننا ‏»فنانون بني بعض«‏ كما<br />

يروي وضاح .<br />

ويف هذا اإلطار يقول الشاعر أنسي احلاج يف<br />

واحدٍ‏ من معارض وضّ‏ اح،‏ إنَ‏ العالقة بني الكاميرا<br />

والتصوير لم تتخذ شكل االحتراف،‏ بل احلب.‏<br />

وكتب األستاذ الشاعر والناقد شربل داغر نصا<br />

جميال يفتقد فيه الصديق وضاح قائالً‏ :<br />

تأكدَ‏ غيابه عني،‏ ونهائياً‏ هذه املرة،‏ بعد أن كنتُ‏<br />

أتوقع أو آمل حضوره يف زيارة جديدة.‏ لي معه<br />

غير مرة يف بيروت كنتُ‏ قد حادثتُه يف مرتني على<br />

األقل عن لزوم إصدار كتاب عنه،‏ وكان موافقاً‏ من<br />

دون أي موعد الحق.‏ كنتُ‏ قد نسيتُ‏ مشروعنا،‏<br />

يف مطالع الثمانينيات بباريس،‏ إلصدار مجلة<br />

تعنى بالفنون التشكيلية:‏ ‏»مقامات«الذي لم تفارقه<br />

كاميرته،‏ أينما كان،‏ وجنحَ‏ صالح بركات،‏ يف صالة<br />

عرضه،‏ قبل سنوات قليلة،‏ يف إعادته إلى بيروت،‏<br />

ويف الكشف عن مخزونه الصوري الهائل،‏ يف<br />

معرض بعنوان:‏ ‏»بيروت مدينة من نسيج رغبات<br />

العالم:‏ يوميات وضاح فارس«‏<br />

يف 2018 قادته هذه اليوميات إلى إخراج فلم<br />

وثائقي مع ولده تيمور حول بيروت وما سجلته<br />

كاميرته وكاميرة تيمور ولده:‏<br />

The Times and Tales of Two Beiruts<br />

أعتقد أنه بعد هذا العمل توعكت صحته والتزم<br />

البيت يف موئله األخير ‏»منفاه«‏ يف برشلونة.‏<br />

كان وضاح أصيالً‏ يف طروحاته الفنية،‏ مجدداً،‏<br />

وثائراً‏ مخلصاً‏ للعراق.‏ كان كوزموبوليتي،‏ متعدد<br />

اللغات والثقافات التي تتفاعل مع اآلخرين<br />

وتساعدهم،‏ ودائماً‏ لديه شعور أن وطنه بيئات<br />

مختلفة،‏ أين ما حل أو عمل،‏ منسجما مع نفسه<br />

وما يؤمن به.‏ عانى كثيراً‏ يف سبيل هذا املعتقد،‏<br />

والسبب أن الكثيرين من األصحاب والفنانني<br />

وأهل الثقافة أساء فهمه ولم يتفاعلوا مع أفكاره<br />

املتجددة.‏<br />

كان يدعو إلى التفكير احلر غير املقيد،‏ بغية<br />

دليل معرض الفن العراقي،‏ كالري وان.‏ 1965<br />

ارشيف ضياء العزاوي،‏ لندن<br />

ضياء العزاوي،‏ 1976،<br />

تصوير وضاح فارس


172


‏»الهورس شو واالكسبريس«،‏ مرتع جريدة<br />

النهار بعزّها وألقها بريادة غسان تويني.‏<br />

هناك تعرفت على وضاح صداقة دامت<br />

أكثر من ستة عقود أفتخر بها.‏ صداقة<br />

مليئة باأللوان واحلرف واملسرح واملوسيقى.‏<br />

كان گاليرى كونتاكت يف ألقه قبلة الثقافة<br />

البيروتية:‏ جلسات نقاش وشعر وموسيقى<br />

. كان مركزا لنا نحن أبناء رافدين الفن<br />

والتاريخ..‏ مجموعة عراقية فذة جمعت<br />

بني اخلزافة نهى الراضي،‏ واملصور وسيم<br />

اجلوربجي.‏ يف هذا الگاليري كان احلضور<br />

العراقي مميزاً،‏ متبنياً‏ لكل ما هو جميل<br />

وأصيل.‏<br />

كان وضاح لولباً‏ فنياً،‏ ومنتجاً‏ لكل ما هو<br />

مبتدع وجميل.‏ اشتغل يف تصميم املطبوعات<br />

يف جريدة النهار وجرائد أخرى،‏ وأخرج بعض<br />

الدواوين مع تخطيطات جميلة وتصاميمه نالت<br />

اخلصوصية وكل اإلعجاب والتقدير.‏<br />

أهم إنتاجه مجموعة كاتلوكات مهرجان بعلبك<br />

الدولي،‏ وهي مجموعة توثيقية قيمة ملشاركي<br />

املهرجان،‏ ومطبوعات أخرى،‏ ثم مجلة كونتاكت<br />

الفنية الصادرة من الگاليري ذاته،‏ وكانت<br />

بقطع طويل،‏ وبتصميم أنيق،‏ وتصوير عالي<br />

اجلودة ملواضيع ثقافية وفنية.‏<br />

اذن وجدت ضالتي يف بيروت ومجموعة<br />

وضاح وعراقيي بيروت.‏ كان هو من رحب<br />

بي يف هجرتي األولى إلى بيروت،‏ يف 1974<br />

قبيل احلرب العابثة بني األخوة اللبنانيني،‏<br />

تلك احلرب القبيحة التي أفسدت األجواء<br />

وهرب على إثرها الكثير من مثقفي املدينة<br />

ومن ضمنهم نحن أبناء هذا التجمع والعيش<br />

البيروتي اجلميل.‏<br />

يف سنة 1976 تفرقنا يف رحاب هذه األرض<br />

الواسعة ، أنا إلى أثينا ووضاح إلى لندن.‏<br />

يف لندن ويف ستوديو الصحفي البريطاني<br />

املعروف باترك سيل يف سنة 1977 دعاني<br />

وضاح حلضور معرض صديقنا املشترك ضياء<br />

العزاوي.‏ رمبا كان أول معارض صديقنا يف<br />

أوروبا ، ال أقول خارج العراق،‏ فقد أقام قبل<br />

ذلك معرضاً‏ يف الكويت يف گاليري سلطان<br />

يف 1976، ويف الدار البيضاء 1975.<br />

يف هذا اللقاء اللندني،‏ أعلن الصديق ضياء<br />

عن حاجته لالنتقال إلى بيئة فنية توفر له<br />

املساحة األوسع يف األبداع،‏ وهو ما حدث<br />

. ويف أثينا التقينا جميعا يف املهجر نعاني<br />

االغتراب.‏<br />

لم يكتف وضاح بأجواء لندن،‏ فانتقل بعد مدة<br />

إلى باريس وأسس هناك گاليري جديد يف<br />

سان ميشيل.‏ ويا له من گاليري مبستوى<br />

مدينة مثل باريس وفنونها،‏ ضاهي بيوت<br />

الفن يف مدينة الفن،‏ وبالطبع افتتح مبعرض<br />

للصديق ضياء العزاوي،‏ ومن بعده رافع<br />

الناصري وليزا فتاح وإسماعيل فتاح،‏ ومن<br />

اللبنانيني أمني الباشا وشفيق عبود،‏ واملصري<br />

ادور حنني،‏ ومن املغرب العربي بلكهية واملليحي<br />

والقريشي التونسي.‏ هذا الگاليري أصبح<br />

الساحة اخملتصة بتعريف الفن العربي،‏ لذا<br />

أسميت وضاحاً‏ بعراب الفن العربي.‏<br />

البد أن أشير إلى أن صديقي وضاح هو<br />

أول من شدّ‏ الرحال بالفن العراقي إلى ربوع<br />

السعودية واخلليج،‏ حيث انطلق ضمن نطاق<br />

محترف واسع يف تأثيث وجتهيز الفن يف مراكز<br />

احلياة العامة،‏ كاملطارات والوزارات واملتاحف<br />

اخلليجية.‏<br />

كان لوضاح عالقات متميزة مع الثقافة العربية<br />

احلديثة،‏ ومؤخراً‏ يف برشلونة حيث أقام بعد<br />

أن هجر بيروت ثم عاد إليها مؤخراً،‏ مراهناً‏<br />

على أنها املدينة نفسها التي عرفناها والتي<br />

أعطتنا الكثير.‏<br />

التقيته يف برشلونة،‏ وأردت أن أفاجئه،‏ لكنه<br />

هو من فاجأني.‏ كنت قد<br />

وصلت إلى الفندق الذي عينته لي الهابيتات<br />

األممية ، الجتماع الفوروم التي تقيمه األمم<br />

املتحدة.‏ كنت أحاول تسجيل دخولي يف<br />

استعالمات الفندق فإذا مبوظف االستقبال<br />

يناد يني باسمي:‏ سنيور آلوسي..‏ لك نداء<br />

تلفوني!‏<br />

استغربت فقد وصلت للتو،‏ ولم أحصل على<br />

غرفة لي.‏ أصرّ‏ موظف االستقبال،‏ فتسلمت<br />

الهاتف وإذا بوضاح بصوته اجلهوري اخلشن<br />

النبرة يرحب بوصولي مهلهال ويطلب جدول<br />

وجودي الزمني.‏<br />

التقينا يف ذات الليلة يف مقهى االوبرا يف<br />

‏»الرامبلر«‏ املشهور،‏ وتوالت ضيافة صديقي لي<br />

وملن رافقني،‏ وزيادة على ذلك رتّب لي لقاءً‏ يف<br />

إحدى اجملالت الكتالونية لتأبني صديقتي نهى<br />

الراضي الذي يعلم مدى قربها لي ، وكانت قد<br />

غادرتنا يف بيروت قبل أيام قليلة من سفرتي<br />

إلى برشلونة.‏ كان هذا وفاءً‏ مضاعفاً‏ منه<br />

لكلينا.‏<br />

التقيته يف بيروت مراراً‏ وهو يؤسس إلقامة<br />

دائمة،‏ حاملاً‏ ببيروت وبعراق األمس.‏ إال أن<br />

خيبة أمله باتت كبيرة وشاركته اخليبة يف<br />

اتصال هاتفي.‏ قرّر الطالق بالثالثة.‏ لقد جرب<br />

تصرفات سيئة من بعض الفنانني يف بغداد،‏<br />

، كما امتأل مرارة من خواء الدوائر املسؤولة<br />

عن رعاية الفن والثقافة.‏ وباملناسبة أذكر أنه<br />

قضى ليلة كابوسيه يف املوقف حليازته منحوتة<br />

خشبية لصديقه النحات العراقي محمد غني<br />

حكمت،‏ ويبدو أن املسؤول عن توقيفه اجلاهل<br />

اعتقد أن املنحوتة صنعت قبل 3000 سنه<br />

قبل امليالد،‏ وهي سومرية األصل،‏ وأن وضاح<br />

يحاول تهريبها إلى خارج العراق!‏<br />

يف النهاية ترك الشقة اجلميلة،‏ املوروثة ،<br />

يف نهاية شارع بلس يف راس بيروت،‏ بعد ان<br />

171


معاذ اآللوسي<br />

يف رحيل الصديق وضّ‏ اح فارس<br />

رحل إلى موئله األخير،‏ رحل من خلوته<br />

الطويلة،‏ منعزالً‏ مع عائلته الصغيرة.‏ رحل بعد<br />

معاناة طويلة من املرض عن األصدقاء احملبني<br />

من دون وداع يليق به.‏ كنا أصدقاءه،‏ ومن القلة،‏<br />

نتصل به ، ونسمع أخباره عن طريق ولده<br />

طارق الذي ظل إلى جانبه مدة مرضه،‏ مع<br />

اخمللصة زوجته الكتالونية وولده اآلخر تيمور.‏<br />

رحل وضاح فارس تاركاً‏ موسوعة من األفكار<br />

الفنية اجلريئة،‏ وأرشيفاً‏ ووثائق فنية قيّمة،‏<br />

غنية وثرة بثراء منط العيش الذي عاشه يف<br />

حياته غير االعتيادية.‏ حياة هي متعة ومعاناة<br />

، <strong>حر</strong>وب وهجرات،‏ ترحال مستمر بدأ منذ<br />

طفولته جراء عمل والده ، يف وزارة اخلارجية<br />

العراقية.‏<br />

يف نهاية الستينات،‏ شددنا الرحال أنا وضياء<br />

العزاوي ورافع الناصري إلى سورية،‏ شخصياً‏<br />

ألحاضر يف قسم العمارة يف جامعة دمشق.‏<br />

وبالطبع مررنا ببيروت.‏ هناك كانت نقطة<br />

انطالقنا إلقامة معرض معماري فني يف<br />

گاليري كونتاكت،‏ الواقع يف درب غير نافذ<br />

متفرع من شارع احلمرا راس بيروت.‏ كان<br />

وضاح هو من ساهم بتأسيسه وإدارته إلى<br />

جانب سيزار منور وميراي تابت.‏<br />

وضاح فارس،زرشيفه الشخصي،‏ برشلونه<br />

كانت بيروت تفيض باأللق الثقايف العربي،‏ ولها<br />

تعود الريادة يف التجريب والتجديد،‏ والبحث<br />

عن الهوية.‏ بيروت ليلى بعلبكي وغادة السمان<br />

وديزي األمير ‏)روائيات(،‏ وخليل حاوي ونزار<br />

قباني وادونيس ويوسف اخلال ‏)شعراء(،‏<br />

وعاصم سالم وخليل خوري ‏)معماريون(،‏<br />

ونضال األشقر وفؤاد نعيم وانطوان كرباج<br />

‏)مسرحيون(،‏ أمني الباشا وبول غرغوسيان<br />

وهلن اخلال وايتيل عدنان ‏)رسامون(،‏ واألخوة<br />

الفريد وميشيل ويوسف بصبوص وبيار خوري<br />

وحليم جرداق ‏)نحاتون(،‏ وشلة النهار يف مقهى<br />

170


وضاح فارس،‏ مبدعاً‏ وصديقاً‏<br />

جبرا ابراهيم جبرا،‏ وضاح فارس،‏ ضياء العزاوي،‏<br />

السبعينات<br />

آرشيف وضاح فارس،‏ برشلونه<br />

بتقدم سنوات العمر يعتاد املرء حتمية املوت،‏<br />

ويراه على حقيقته،‏ فهو ظلنا الذي ميشي معنا<br />

منذ الوالدة.‏ نتناساه بني احلني واآلخر عندما<br />

حتيطنا احلياة بضجيجها السا<strong>حر</strong> وكثافتها<br />

اآلسرة،‏ ثم فجأة ، يف صباح رائق يشعرنا<br />

بالطمأنينة والدميومة،‏ يأتينا خبر موت قريب<br />

حبيب أو صديق عزيز.‏<br />

يف سن متقدمة ينام املوت على أسرتنا،‏ الغد<br />

مكسب،‏ وما من مفاجآت.‏ لم أفاجأ مرتني إذن<br />

عندما أخبرت بوفاة صديقي وضاح فارس،‏<br />

فهو مريض،‏ وألني قبل أشهر حتدثت معه<br />

وكانت كلماته غير مفهومة.‏ لقد اختفى صوته<br />

الواضح واحلاد الذي عرفته وبدالً‏ من ذلك<br />

سمعت حشرجة خشنة.‏<br />

تعود صداقتي بوضاح فارس إلى نهاية<br />

الستينات،‏ وخالل كل تلك السنوات كانت بيننا<br />

الكثير من األحالم واملشاريع املشتركة،‏ البعض<br />

منها حتقق،‏ وفرحنا بذلك،‏ والبعض اآلخر مرّ‏<br />

مرور الكرام يف ذاكرتنا،‏ وهذا ما يحدث يف<br />

احلياة من دون كثير أسف أو انفعاالت غير<br />

نافعة.‏<br />

يف منتصف الستينات أقمت يف بغداد معرضي<br />

الشخصي األول الذي شاهده الشاعر يوسف<br />

اخلال أثناء زيارته للمدينة،‏ فأعجب بأعمالي<br />

وقرر إقامة معرض لي يف بيروت عام 1966.<br />

ثم أقيم مهرجان الواسطي يف بغداد بافتتاح<br />

معرض للفن العراقي امتاز بالقوة،‏ ما أغرى<br />

اخلال بإقامة سلسلة من املعارض للفن<br />

العراقي يف صالته ‏)كاليري وان(.‏ عن طريق<br />

هذه املناسبات أبدى وضاح فارس الذي كان<br />

يعيش يف بيروت،‏ كناشط ثقايف استثنائي،‏<br />

ومهووساً‏ بأصوله العراقية،‏ إعجابه الشديد<br />

بأعمالي الفنية.‏ واحلال كانت املغامرة<br />

البيروتية األولى،‏ مع حماسة اخلال ووضاح،‏<br />

عتبة لترويج أعمال الفنانني رافع الناصري،‏<br />

سالم الدباغ،‏ فائق حسني،‏ إسماعيل فتاح،‏<br />

كاظم حيدر.‏<br />

كتب وضاح فارس عن الفن العراقي يف مجلة<br />

‏)حوار(‏ كما عرّف بيروت بأعمال السوداني<br />

إبراهيم الصلحي وآدم حنني،‏ وأقنع العديد من<br />

جامعي األعمال للذهاب بعيدا عن احمللية،‏ كما<br />

جمع أعماالً‏ فنية من دون النظر إلى جوازات<br />

ضياء العزاوي<br />

الفنانني،‏ فاملهم عنده اجلمال والتجديد،‏ ناقالً‏<br />

هذه العدوى حينذاك إلى املعماري الكويتي<br />

سلطان.‏<br />

ما كان وضاح فارس يخفي مالحظاته النقدية<br />

واقتراحاته للفنانني،‏ وال يتردد باملكاشفة<br />

عندما يجد هناك فجوة أو نقص أو خطأ.‏<br />

كانت صراحته بناءة،‏ وخبرته التنظيمية يف<br />

احلقل الثقايف والفني التي لم يبخل بها استفاد<br />

منها الكثيرون.‏<br />

مع اقتراب لبنان من احلرب األهلية حمل<br />

أفكاره وخبراته إلى لندن،‏ وهناك التقيته<br />

مصادفة يف أيامي األولى يف هذه املدينة،‏ ويف<br />

شارع فرعي منها.‏ لم نصدق هذه املصادفة<br />

ويف مكان غير متوقع،‏ صرخ بكلمته التي<br />

يرددها يف الكثير من احلاالت عجباً‏ أو<br />

استنكاراً‏ ( معقولة...‏ !!(. حملت حقيبتي<br />

وسكنا معاً‏ يف كوخ إنكليزي يقع عند اطراف<br />

مدينة اوكسفورد.‏<br />

كان يختفي أليام مالحقاً‏ أحالمه ومشاريعه .<br />

أخبرته يف أحد األيام عن مباشرتي مبجموعة<br />

املعلقات السبع،‏ فصرخ بسعادة قائالً‏ إن<br />

هذا مشروع طباعي مذهل.‏ وبعد إجنازي<br />

هذه اجملموعة،‏ أحلقتها مبجموعة النشيد<br />

اجلسدي.‏ وكان معي يف اجملموعتني.‏<br />

لم يجد يف لندن ما يغنيه فانتقل إلى باريس،‏<br />

وهناك،‏ باالشتراك مع الفنان اللبناني ستيليو<br />

سكمنكا،‏ روجا ألعمال الفنانني العرب،‏ وعدد<br />

منها انتقلت إلى مطارات السعودية.‏ فيما بعد<br />

قام مبشروع جديد بافتتاحه كاليري فارس<br />

يف باريس.‏ وعبر هذه الصالة متكن من إجراء<br />

حتويالت مدهشة يف حياة الفنانني اللبنانيني<br />

شفيق عبود وآدم حنني . لقد عرض أعماالً‏<br />

مدهشة وكبيرة لم يتعود شفيق على إنتاجها<br />

سابقا وكذا آدم حنني ، ثم قدم أعمالنا يف<br />

معرض فياك الدولي،‏ وأقام لي معرضاً‏<br />

شخصياً‏ يف بازل.‏<br />

كان داينميكياً،‏ يجد افكاراً‏ وينفذها من دون<br />

تأخير،‏ ولم يتردد حلظة من أي مغامرة يجد<br />

فيها التسلية واكتشاف اجلديد وما يرضي<br />

طموحه.‏ ويف الوقت الذي كان يعمل فيه على<br />

تنظيم املعارض،‏ وأغلبها مدروسة بعناية،‏ كان<br />

ينجز تصاميم كرافيكية غنية ومبهرة،‏ كدليل<br />

مهرجان بعلبك،‏ ومجلة كونتاكت التي صدرت<br />

عن الكاليري الذي يحمل االسم نفسه.‏<br />

هناك الكثير مما ميكن كتابته عنه كمبدع<br />

وصديق.‏ اتفقنا كثيراً‏ واختلفنا يف العديد من<br />

املرات،‏ وأظن بسبب روحه املغامرة سريعة<br />

التحول.‏ لكنه ظل صديقاً‏ مخلصاً‏ وواصلت<br />

اإلعجاب بحماسته ونشاطه اإلبداعي.‏<br />

169


128 168 116


أرداش كاكافيان<br />

البحث عن هوية مضاعة<br />

الكتاب : باحلجم املتوسط.‏<br />

عدد الصفحات : ٦٤ صفحة.‏<br />

صدرعن جمعية الفنانني التشكيلني العراقني،‏<br />

وضمن سلسلة ‏»فنانون عراقيون«‏ ، كتاب حتت<br />

عنوان:‏ ‏»أرداش كاكافيان،‏ البحث عن هوية<br />

مضاعة«،‏ حمل الرقم )12( من أصدارات<br />

السلسلة املذكورة،‏ للناقد والفنان د.‏ عاصم<br />

عبد االمير،‏ والذي أضاء فيه جتربة فنان<br />

عراقي،‏ كانت أعماله مفعمة بالطليعية<br />

والتجريب،‏ وهو من فناني جيل الستينيات يف<br />

العراق.‏<br />

جاء يف فصل منفى الواقع منفى الفن،‏ الذي<br />

تضمنه املؤلف « لم يكن أرداش كاكافيان<br />

أمثولة ملعنى التشارك الوجداني لفكرة االنتماء<br />

للوطن حسب،‏ امنا هو كمن يلوذ بتجربته من<br />

دون توقع أدنى خسارة لكينونته الوجودية،‏<br />

لهذا يقترح أنظمة بنائية تشده شدا الى<br />

فكرة الوطن التي جتذب معها كل الشحنات<br />

العاطفية الالزمة مبامينح خطابه الرسومي<br />

تفرداً‏ وحمولة داللية«.‏ عنيّ‏ الناقد عاصم<br />

أن مغادرة الفنان لبلده بشكل مبكر مثّل لديه<br />

صورة مالزمة للفقد تلك التي جتلّت يف ذلك<br />

احلس التراجيدي التي حملته العديد من<br />

أعمال الفنان،‏ وبقدر من الدافعية النفسية<br />

والعاطفية،‏ والتي متثلت بشكل اسئلة للمنفى<br />

يف مسيرته االبداعية.‏<br />

ويف فصل آخر جاء بعنوان ممالك الذاكرة،‏<br />

يكتب االكادميي د.‏ فرمان:«‏ يبدو أن السنوات<br />

التي قضاها يف العراق كانت كافية جلعلها<br />

مصدر غواية ال ينفد،‏ فهو أقرب الى ‏)جواد<br />

سليم(‏ الذي غادرنا هو اآلخر مبكراً،‏ متخذاً‏<br />

من موروثه الثقايف مسوغاً‏ منطقياً‏ إل<strong>حر</strong>از<br />

جناحات تدشينية وضعت الفن العراقي يف<br />

املسار الصحيح عبر اشتغاالته البارعة يف<br />

معادلة التراث-‏ األصالة-‏ التي جلبت معها<br />

موجة من نفائس الرسم والنحت يف ما<br />

يعرف بالبغداديات«.‏ حيث يكشف الناقد تلك<br />

املرجعيات التي الهمت الفنان كاكافيان جلهة<br />

منجزه االبداعي وخبرته اجلمالية.‏<br />

الفنان ارداش كاكافيان،‏ فنان عراقي من اصول<br />

أرمنية،‏ ولد يف املوصل عام 1941 وتويف يف<br />

العام 2000، كان عضواً‏ يف جماعة بغداد للفن<br />

احلديث،‏ وجماعة االنطباعيني،‏ شارك يف<br />

املعارض الوطنية منذ اخلمسينياتن سافر الى<br />

باريس لدراسة الهندسة املعمارية،‏ يف العام<br />

1960. اقام عدداً‏ من املعرض يف باريس وبعض<br />

العواصم االوربية،‏ وحتتفظ بعض املتاحف<br />

بعدد من اعماله الفنية.‏<br />

167


166


165


164


163


162


161


160


159


158


157


156


105


104 154


103


152 102


منزل الفنان ارداش كاكافيان،‏ فرنس<br />

الفنان ارداش كاكافيان مع الفنان عالء بشير،‏<br />

السبعينات<br />

151


150


149


98<br />

98<br />

148


147


146


145


144


ارداش كاكافيان،‏ اخلمسينات<br />

ارداش كاكافيان مع الفنان<br />

والناقد املصري احمد مرسي<br />

ارداش كاكافيان ، صورة عائلية.‏<br />

االول من اليمني<br />

143


142


141


140


139


138


ملصق من تصميم الفنان أرداش كاكافيان.‏<br />

ارشيف ضياد العزاوي،‏ لندن<br />

137


136<br />

وثائق


135


ارداش كاكافيان.‏ 1987، القارب<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 80 x 50 سم.‏<br />

مجموعة تالة العزاوي،‏ بورمنوث<br />

ارداش كاكافيان.‏ 1987، بدون عنوان<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 80 x 50 سم.‏<br />

مجموعة تالة العزاوي،‏ بورمنوث<br />

134


133


ارداش كاكافيان.‏ 1987، القارب<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 80 x 50 سم.‏<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ 1987،<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 50 x 80 سم.‏<br />

مجموعة خاصة.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏<br />

طباعة حفر على النحاس على الورق 76 x 56 سم.‏<br />

مجموعة تالة العزاوي،‏ بورمنوث<br />

ارداش كاكافيان.‏<br />

طباعة حفر على النحاس على الورق 56 x 76 سم.‏<br />

مجموعة تالة العزاوي،‏ بورمنوث<br />

132


131


ارداش كاكافيان.‏ 1989، الزهرة<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 80 x 50 سم.‏<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ 1987، بدون عنوان<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 75 x 60 سم.‏<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ 1987، الصديقتان<br />

طباعة ليثوغراف على الورق 66 x 90 سم.‏<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

130


128


أرداش كاكافيان،‏ امرأتان،‏<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش<br />

أرداش كاكافيان،‏ امرأة مع طائر،‏<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش<br />

128


127


أرداش كاكافيان،ثالثة شياطني،‏<br />

130 x 74 سم.‏ زيت على القماش<br />

126


125


أرداش كاكافيان،‏ رامبو يذهب الى<br />

املدرسة،‏ 46 x 76 سم.‏ زيت على<br />

القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ املوتى خلف<br />

اجلدار،‏ 35 x 58 سم.‏ زيت على<br />

القماش<br />

124


أرداش كاكافيان،‏ باندى،‏ 32 x 40 سم.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ بروميثيوس،‏ 90 x 78 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

123


122


أرداش كاكافيان،‏ امرأة عارية مع طائرين،‏ 38 x 57 سم.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ ام وابنها،‏ 47 x 47 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

121


120


119


أرداش كاكافيان،‏ موبيدك،‏ 145 x 50 سم.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ امراة،‏ رجل مع وجهني،‏<br />

47 x 47 سم.‏ زيت على القماش<br />

أرداش كاكافيان،‏ ، حوض املرأة االرجواني،‏<br />

64 x 44 سم.‏ زيت على القماش<br />

118


117


أرداش كاكافيان،‏ جني االم امليته،‏ 50 x 38 سم.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ راقصة شرقية.‏<br />

45 x 75 سم.‏ زيت على القماش<br />

116


115


أرداش كاكافيان،‏ أنا أمرأة.‏<br />

60 x 45 سم.‏ زيت على القماش<br />

114


أرداش كاكافيان،‏ صبي ابيض رمادي مع الوالدين<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ امرأة بيضاء<br />

50 x 62 سم.‏ زيت على القماش<br />

113


112


111


110<br />

أرداش كاكافيان،‏ ارجل خضراء يف القارب،‏<br />

125 x 78 سم.‏ زيت على القماش.‏


109


أرداش كاكافيان،‏ ديك،‏ 41 x 40 سم.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ احتضان شخص ازرق.‏<br />

28 x 58 سم.‏ زيت على القماش<br />

108


أرداش كاكافيان،‏ احتظان زوجني .<br />

42 x 40 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

107


106<br />

أرداش كاكافيان،‏ صبي مع وعاء زهور على راسه.‏<br />

30 x 45 سم.‏ زيت على القماش.‏


أرداش كاكافيان،‏ صبي برتقالي.‏<br />

38 x 50 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

105


104<br />

أرداش كاكافيان،‏ امراة زرقاء مع شغة وردية.‏<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش.‏


103


أرداش كاكافيان،‏ صبي ازرق يحتضن امراة،‏<br />

40 x 82 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان،‏ ام زرقاء مع ابنتها.‏<br />

45 x 75 سم.‏ زيت على القماش<br />

102


صلوب.‏<br />

ش.‏<br />

101


أرداش كاكافيان،الصبي االزرق امل<br />

٣٨ ط ٥٨ سم.‏ زيت على القما<br />

أرداش كاكافيان،الصبي االزرق املصلوب.‏<br />

58 x 38 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

100


أرداش كاكافيان،‏ صبية سوداء بالبرتقالي.‏<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

99


98<br />

أرداش كاكافيان،‏ صبية سوداء.‏<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش.‏


97


أرداش كاكافيان،املستحمني،‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان.‏ شخص اصفر مع أرداش،‏<br />

40 x 60 سم<br />

96


ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان.‏<br />

زيت على القماش . مجموعة متحف الفن احلديث،‏ بغداد<br />

95


94


ارداش كاكافيان.‏ تكوين .1977<br />

35 x 50 سم.‏<br />

الوان مائية على الورق<br />

ارداش كاكافيان.‏ تكوين 1977.<br />

x.50 35 سم.‏<br />

الوان مائية على الورق<br />

93


92


91


ارداش كاكافيان.‏ امرأة ذات الشعر االصفر مع ابنتها.‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان .1990<br />

‎100‎سم.‏ x 100 زيت على القماش .<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏<br />

90


ارداش كاكافيان.‏ تكوين .130 89 x سم.‏<br />

الوان مائية على الورق<br />

ارداش كاكافيان.‏ تكوين .110 96 x سم.‏<br />

زيت على الورق . مجموعة متحف الفن احلديث،‏ بغداد<br />

89


88


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

87


86<br />

ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏<br />

زيت على القماش.‏


85


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏<br />

زيت على القماش.‏<br />

84


أرداش كاكافيان صبي اصفر يتطلع<br />

38 x 58 سم.‏ زيت على القماش<br />

83


82<br />

أرداش كاكافيان صليب عباد الشمس<br />

40 x 60 سم.‏ زيت على القماش


81


صالون اجمللة<br />

ارداش كاكافيان.الصليب.‏<br />

82 x 22 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان.‏<br />

92 x 19 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

أرداش كاكافيان.صبي عيد الفصح مع امه<br />

40 x 60 سم.‏ زيت على القماش.‏<br />

80


شهادات.‏<br />

بلند احليدري<br />

إنه واحد من فنانني عرب قالئل استطاعوا<br />

أن يخترقوا دفتي معجم الروس ليدرج اسمه<br />

وانتماءه القومي بني نخبة من أسماء كبار<br />

الفنانني احلاملني صفة الفرادة األدائية<br />

واصالة العطاء.‏<br />

وعلى الرغم من أن أرداش كاكافيان قد عاش<br />

فترة نضوجه الفني يف باريس وعلى مقربة<br />

من الصراع الهائل لتيارات الفن املعاصر،‏ وأنه<br />

تعرف إلى الكثيرين من املغامرين اجلدد يف<br />

مجال الرسم ، فقد بقي أميناً‏ ألدائيته املتميزة<br />

بتأكيده على صراع الكتل من خالل منظورين،‏<br />

أفقي و شاقولي،‏ تتضاءل بأثر منهما حجوم<br />

بعض الكتل أو تستطيل وتستدق بينما يكون<br />

لغيرها أن تفرط يف الضخامة وتفقد وضوحها<br />

التشخيصي يف التفاصيل وتختزل مظاهرها<br />

إلى حد احلافة احلادة ما بني التجريد<br />

والتشخيص املتمثل بإمياءة صغيرة من رأس<br />

طائر أو يد أو نحت صخري لوجه بدون معالم<br />

سرعان ما يكون لها أن تستقطب اللوحة<br />

من جميع أطرافها ومتد مبغزاها الدرامي<br />

إلى جميع مكوناتها ومقوماتها رغم تبسيطه<br />

ألشكاله وذلك عن طريق التأكيد على كثافة<br />

الكتلة والتركيز على أبعاد اجلسد اإلنساني<br />

ومن دون التصريح بها .. وهكذا قد تستحيل<br />

املرأة ، كما يف لوحتني من لوحات معرضه<br />

هذا ، إلى مجرد إمياء نابع من اإلحساس<br />

بوقعها النفسي على املتفرج وهو ما يبقى<br />

ألعماله دائما ما تتوهج به يف الداللة الذهنية<br />

أو العاطفية على مثل ما متثلها بعض أعمال<br />

السرياليني.‏<br />

وإذا كانت طبيعة العالقات الثنائية أو الثالثية<br />

، عادة ، بني حجوم صوره تعزز من تأثيرها<br />

الدرامي بالتكافؤ فيما بينها حينا أو عدم<br />

التكافؤ يف أغلب األحيان ، فإنه يف العديد من<br />

لوحاته يبدي زهداً‏ شديدا يف استخدام ألوانه<br />

مفترضاً‏ لكل شكل من أشكاله وحدة أساسية<br />

ذات تدرجات لونية متالحقة تتخللها إضاءات<br />

متساوقة متازج بني الظل والضوء وتختزل<br />

دورها بشكل رئيسي يف قدرتها على إبراز أثر<br />

الكتل على املتفرج بحيث ال يكون لأللوان ما<br />

يشابه ثرثرة التفاصيل الزائدة التي ال بد وأن<br />

تنال من قدرة إيصالها لألثر االنفعالي املتشبث<br />

بأشكال صوره يف الدرجة األولى.‏<br />

ومن مميزات الفنان أرداش كاكافيان قدرته<br />

على تقليص عدد الرموز التشكيلية التي<br />

يتعامل معها،‏ والتأكيد عليها حتى تتحول<br />

مبرمى من ذلك إلى رمز على شيء كبير من<br />

اخلصوصية،‏ وأن محاولة استقراء مداخيلها<br />

ومالحقتها ال بد وأن متدنا بوضوح أكبر يف<br />

تبني أبعاد لوحاته املضمونية،‏ وقد اضاف<br />

مؤخراً‏ إلى وجوهه املسحوقة وأجساده<br />

املشوهة والكتل احلجرية الشفافة ، أسيجة<br />

الساللم ومطالت ودوراً‏ ضمن تشكيالت<br />

هندسية وبوعي تصميمي يتجاوز بها تلك<br />

العفوية املبسطة يف أعماله األخرى،‏ ما يهبها<br />

مزيداً‏ من دالالت الرمز الذهني والتعبير من<br />

خالل التفاصيل ذات الطابع الشعري والذي<br />

ال يخلو من نزعة شرقية وتعبيرية متطورة،‏ مع<br />

التأكيد على الكتل اللونية الكبيرة التي تبرز<br />

أهمية التفاصيل القليلة التي حتاورها بشكل<br />

مباشر.‏<br />

ويبقى أن نقول إن ثمة عمقاً‏ إنسانيا يظل<br />

يشدنا إلى لوحات أرداش كاكافيان،‏ ألنه<br />

استطاع أن يعي الكيفية التي يعبر بها عن ما<br />

هو إنساني وراء مظاهر األشياء واألشكال<br />

وبأثر من حساسية عالقته بها.‏<br />

شربل داغر<br />

هناك لون وإشارة مساحة وعالمة.‏ اللون غامق،‏<br />

معتم،‏ منطفئ،‏ تخرج منه عالمة متعددة<br />

األلوان مضيئة،‏ فاحتة ومشعة.‏ كما الفجر من<br />

العتمة.‏ كما الطفل من ضباب اخلصب.‏ كنور<br />

يلمع يف غابة.‏ كجسد مقيّد ينبثق من غمار<br />

األسر.‏ كغريب يطلع من العزلة قليالً‏ ليبلغنا<br />

حتية احلب....‏<br />

أرداش يعود إلى ألف باء اللون،‏ إلى عناصر<br />

الوجود األولى،‏ مثلما يعود البناء إلى مقالع<br />

احلجارة،‏ مثلما يعود الشاعر إلى <strong>حر</strong>وف<br />

اللغة إلى أصواتها وإيقاعاتها،‏ ال إلى جملها<br />

وأنساقها.‏ يعيد للون <strong>حر</strong>مته،‏ بكارته األصلية،‏<br />

مثل لبنة مكونة للمعمار،‏ فال يبتذله وال يوظفه<br />

ألداء أدوار محدودة شرحية او فولكلورية.‏<br />

مثلما يفتح الطفل الصفحة األولى من دفتره<br />

األول،‏ وألول مرة.‏ بالزخم نفسه،‏ وبأقصى<br />

الطموح واحملاوالت ال يتأخر عن بسط اللون<br />

بيد مرتاحة كمن ميهد أرضاً‏ للبناء.‏ ألوانه<br />

محدودة،‏ يبحث عن الشكل،‏ ال عن الزخرفة<br />

‏،عن مكونات العالم وظاهراته ال عن مظاهره<br />

اخلارجية اخلادعة يف أحيان كثيرة.‏ أرداش<br />

يعيد للتجريدية بكارتها األولى،‏ نفسها األصيل،‏<br />

طموحها األصلي،‏ وهوسها العظيم بالنفاذ إلى<br />

جوهر الشكل عبر اللون،‏ وذلك بعد أن ابتذلت<br />

عربيا.‏<br />

أرداش،‏ كأي رافديني متجذر يف تراثه<br />

األسطوري،‏ يعود يف معرضه اجلديد بصالة<br />

غوركي بسمدجيان بباريس،‏ إلى لعبة االبتكار،‏<br />

إلى تأسيس العناصر،‏ إلى تكون املشهد األول.‏<br />

مثل جلجامش الباحث عن نبتة اخللود.‏ هناك<br />

والدة دائمة يف لوحات أرداش،‏ انبثاق خروج،‏<br />

تكون وإطاللة مبهمة الوجوه اخلارجة من عدم<br />

الشكل،‏ غامضة مثل وليد لم يغتسل بعد،‏ مثل<br />

خارج من القبر بأكفانه،‏ مثل سواد القصيدة<br />

من بياض الصمت.‏<br />

أرداش ال يتوقف مثل غيره أمام املعاني<br />

الطارئة،‏ أمام األشكال الزائلة،‏ يعود إلى<br />

لعبة التكوين،‏ إلى اللعبة السامية،‏ بحثاً‏ عن<br />

اإلنساني فينا،‏ فيما يتعدى أي تصنيفات زمنية<br />

ضيقة مقيدة لنا.‏<br />

أرداش نسمة <strong>حر</strong>ية يف عالم فني يتقيد<br />

ويتصنف ويتقولب بسرعة مذهلة مريبة،‏ لتعود<br />

بفننا إلى اللعبة األصلية.‏<br />

أرداش كاكافيان.امرأة زرقاء بدون رأس<br />

28 x 58 سم.‏ زيت على القماش<br />

79


78


ارداش كاكافيان.‏ عارية بيير بونارد<br />

زيت على القماش<br />

77


ارداش كاكافيان.فرانشيسكو كليمنتي يحاورها<br />

زيت على القماش<br />

76


الكبيرة..‏ لكنهم،‏ ايضا،‏ يعانون االضطهاد،‏<br />

ويعيشون املعاناة يف حياتهم.‏<br />

عملي الفني ليس عمالً‏ جتميلياً‏ وال تزيينياً،‏<br />

وال ميكن أن يكون قطعة مضافة إلى ديكور..‏<br />

بل هو تعبير عن إحساس متمرد،‏ عن إحساس<br />

بالوحدة،‏ بوعي،‏ وبعدم انسجام مع ما يجري<br />

يف اخلارج.‏ وبالتالي فهو تعبير عن مجموعة<br />

متناقضات يعاني منها الفرد احلساس على<br />

هذه األرض.‏<br />

حني تريد أن حترث أرضا فإنك حتتاج<br />

احملراث.‏<br />

• من األرض هنا؟ ومن احملراث؟<br />

- األرض عندي هي الفنان بإحساساته<br />

ومشاعره وتكوينه الذاتي وقدرة اخللق داخل<br />

نفسه.‏ أما احملراث الذي يظهر هذا كله فهو<br />

اآلخر الذي اصطدم به:‏ اصطدام اتفاق أو<br />

اصطدام تناقض.‏ إن هذا االصطدام هو<br />

املفجر ملا تختزنه األرض.‏<br />

• وهل لآلخر مثل هذا الدور يف فنك؟<br />

- بدون اآلخر ال أستطيع اكتشاف<br />

شيء،‏ ال من واقعي وال من ذاتي.‏ لست فناناً‏<br />

مساملاً‏ ألرسم مشهداً‏ طبيعياً،‏ أنا فنان يبحث<br />

عن االحتكاك عما يشعل داخله ويفجر هذا<br />

الداخل باالجتاهات التي تتوزع عليها الذات<br />

– ذاتي أنا.‏<br />

• وعم تبحث؟ ماذا تريد؟ وما الذي<br />

تريد قوله؟<br />

- أمام أسئلة كهذه،‏ أضطر إلى الرجوع<br />

إلى أعمالي،‏ وليس إلى ثقافتي!‏<br />

ارداش كاكافيان.احتضان ازرق مع شخص قهوائي<br />

50 x 64 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.امرأتان ملونتان 50 x 64 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

75


74


تعبيره عنها صياغة جمالية رفيعة.‏ أما الفكرة<br />

فهي ال ميكن أن تكون مجردة،‏ وإمنا هي فكرة<br />

ارتباط بوجود،‏ وانبثاق من وجود،‏ وتعبير عن<br />

صلة بهذا الوجود.‏<br />

• ومن هنا تأكيدك على هذا الفكر<br />

الرافديني؟<br />

- بالتأكيد فأنت جتدني يف تأكيدي على<br />

الفكر الرافديني،‏ بكل ما له من أعماق،‏ محاوالً‏<br />

استيعاب بُعد الصراع فيه،‏ وعمق هذا الصراع.‏<br />

وهكذا تلتقي عندي الفكرة بالبعد اجلمالي<br />

لها،‏ بواقع الصراع الذي جتسده،‏ وتعبر عنه.‏<br />

فاجلمال عندي غير مرتبط مبفهوم ستاتيكي.‏<br />

إنه عندي هذا ال<strong>فضاء</strong> الذي يجسد ما للعمل<br />

من قيمة معنوية..‏ وهو يوحّ‏ د متناقضات<br />

هذا الوجود اإلنساني عبر استقطاب عنصر<br />

الصراع فيها.‏<br />

• لنتحدث يف إطار فنك بوجه عام..‏<br />

إنني أجد وعيك هذا مرتبطا بثقافتك املتعددة<br />

املصادر!‏<br />

- وعيي ليس وعياً‏ محدداً.‏ إنه وعي<br />

يخرج من محيطه ومن نطاقه احملدود إلى<br />

قضايا أوسع وأشمل.‏<br />

• هل ميكن ان نتحدث عن اإلنسان يف<br />

لوحتك هذه؟<br />

- إنه مرتبط بهذا الوعي،‏ معبر عنه،‏<br />

ومحاصر به،‏ لكنه يعاني هذا كله كما يعانيه<br />

الشاعر،‏ وليس معاناة اإلنسان االجتماعي،‏<br />

لذلك فهو يجمع هذا الواقع داخل مخيلته<br />

وضمن رؤياه.‏ فاإلنسان يف لوحتي يعاني<br />

مشكالته مثله مثل أي شاعر.‏ ومن هنا ما رآه<br />

أحد النقاد يف أعمالي من أن الشخص فيها<br />

قريب الشبه برامبو يوم كانوا يفرضون عليه<br />

الذهاب إلى املدرسة.‏<br />

• ومن أين ينبع هذا اإلحساس؟<br />

- أتصور أن جانباً‏ من هذا اإلحساس<br />

متأت من محاولة الربط،‏ على املستوى الذاتي،‏<br />

بني الداخل - داخلي انا - واخلارج / احمليط.‏<br />

• أنت ترسم،‏ حني ترسم كمن يختار<br />

موضوعاته من ‏)احلياة اليومية(!‏<br />

- التكوين الذي أراه يف احلياة اليومية<br />

يغريني.‏ ومع استمرار العمل واملمارسة كنت<br />

أكتشف بعض الرموز املتناقضة يف التكوين<br />

نفسه.‏ يف باريس بسبب االنتقال عبر مدارس<br />

فنية مختلفة،‏ اكتشفت،‏ من خالل هذا<br />

االنتقال،‏ أن ما يصمد على مرّ‏ الزمن أن تعتبر<br />

ذاتك مشكلة حقيقية.‏<br />

• الكتشاف هذه الذات؟ أم لتأكيد هذه<br />

الذات؟<br />

- الذات عميقة،‏ مثل منجم ال ينتهي،‏<br />

كلما حفرت غصت أعمق،‏ واكتشفت ما هو<br />

جديد.‏ لكن هذا املنجم يحتاج إلى معاملة<br />

خاصة،‏ يجب أن يراعى،‏ فتعامله مثل كائن<br />

تعقد معه اتصاالً‏ مستمراً‏ وحواراً‏ دائماً.‏<br />

• ومن خالل ذلك؟<br />

- إن هذا األمر يخلق وعياً‏ جديداً..‏<br />

وعياً‏ يتجدد باستمرار.‏ وعلى هذا األساس<br />

أتصور الفرق بني شخص يخلق شيئاً‏ وآخر<br />

يعيش حياته جاعالً‏ من اجلانب ‏)احلياتي(‏<br />

وليس ‏)امليتافيزيقي(‏ هو األساس..‏ الفرق بني<br />

االثنني هو يف طبيعة العالم الداخلي.‏ فالعالم<br />

الداخلي للمبدع يفرض عليه أن يقول ما<br />

ميتلكه يف الداخل،‏ وإال جن...‏ الشيء الذي<br />

يحقق لي توازني الداخلي هو التعبير عن هذه<br />

األشياء التي تعتمل يف هذا الداخل.‏ لذلك<br />

يتحول عندي كل ما هو ‏»مشكلة«‏ إلى ‏»مشكلة<br />

خاصة«،‏ يصبح مشكلتي أنا،‏ وهذا ما يجعلني<br />

أتصور أن كل شاعر،‏ كل رسام،‏ كل فنان،‏ إمنا<br />

يكتب ‏»حاجة نفسه«،‏ وهذه هي نقطة البداية<br />

يف كل فن حقيقي.‏<br />

ملاذا كان إنسان العصر احلجري يرسم؟<br />

• ملاذا..‏ هل فكرت يف اجلواب؟<br />

- ألنه كان يريد التعبير عن موقفه من<br />

هذا العالم اخلارجي احمليط به،‏ مبدداً‏ خوفه<br />

منه..‏ وبالتالي فهو يرسم هواجس داخله.‏<br />

• أمامي بعض أعمالك،‏ وأجد فيها حالة<br />

تتردد،‏ فالليل فيها عميق،‏ واإلنسان يصطدم<br />

باجلدار،‏ جدار الواقع،‏ أو جدار الظالم،‏ وهي<br />

حالة تشمل العديد من أعمالك.‏<br />

- تعجبني هذه العالقة التي كانت<br />

متحققة بني اإلنسان البدائي والرسم،‏ وحتى<br />

بداية عصر النهضة..‏ فهي لم تكن ‏)عالقة<br />

وعي(‏ بل ‏)عالقة هاجس(،‏ عالقة انفعال<br />

واميان.‏ بعد عصر النهضة حتول العمل<br />

الفني إلى تنظير،‏ وإلى اجتاهات،‏ حتى جاءت<br />

السريالية فحاولت تخليص الفن من هذا<br />

العالم املقنن.‏<br />

• وبالنسبة لك؟<br />

- بالنسبة لي مررت بفترة استمرت<br />

سنتني،‏ كنت فيها أركز على اجلدار،‏ فاجلدار<br />

يفصل مرة بني عاشقني،‏ ومرة يفصل بني<br />

اإلنسان وحلمه،‏ أو بني اإلنسان وصبوته،‏<br />

وقليلون هم الذين الحظوا أن موضوعاتي هذه<br />

كانت بغدادية صرفا.‏ إن بيوتنا محاطة مبثل<br />

هذه اجلدران التي تعزلها عن بعضها البعض.‏<br />

لكنك،‏ مع ذلك،‏ ومع وجود هذا اجلدار،‏ جتد<br />

أشخاص لوحاتي مليئني برغبة التواصل<br />

واحلوار.‏<br />

• واللون؟ هذا اللون الساخن العميق<br />

الذي يجعل للوحتك بعداً‏ آخر لدى مشاهديك<br />

يف األقل؟<br />

- ألواني،‏ كما يقول النقاد،‏ تعود بي،‏ أو<br />

أعود بها إلى حقيقتها..‏ إلى حقيقة اللون.‏<br />

• ماذا تعني بذلك؟<br />

- لو عدنا إلى الفنانني القدماء<br />

‏)الواسطي مثال(‏ لوجدناهم يأتون باأللوان<br />

على حقيقتها.‏ فاللون عند الرسام هو التعبير<br />

الرمزي أو التعبير الروحي عن الفكرة.‏ ولكل<br />

حالة ‏)داللتها اللونية(..‏ فالتخطيط والتكوين<br />

يعكسان الفكرة،‏ أما اللون فهو ‏)التعبير(‏ عن<br />

هذه الفكرة - وهو جانب ذاتي وروحي يف أن<br />

معا.‏ لكنني أتصور أن الشكل هو األساس يف<br />

اللوحة،‏ لذلك من املمكن أن تأخذ التكوين<br />

نفسه وتغير ألوانه تغييرات عديدة..‏ وعلى هذا<br />

فإن اللون عندي ليس أكثر من ‏)واجهة(.‏<br />

الرسامون،‏ كما أراهم،‏ يشبهون نوعني من<br />

الطيور.‏ فهناك طيور ليلية مفترسة،‏ وأخرى<br />

وديعة،‏ والفرق بني الصقر واحلمام كبير جداً.‏<br />

هناك رسامون من عائلة الصقر،‏ ورسامون من<br />

عائلة احلمام،‏ رسامون جتد لوحتهم وديعة،‏<br />

جميلة،‏ مريحة..‏ ورسامون ترى لوحتهم فتحسّ‏<br />

أنهم يخترقون الليل ويفترسونه.‏<br />

• وأنت؟ من أي من هؤالء؟<br />

- حني أرسم املرأة العاشقة أرسمها<br />

ال بصيغتها السهلة بل أرسمها وهي تخترق<br />

اجلدران..‏ تخترق عاملاً‏ من احلنني.‏ فأبطالي<br />

ال يعيشون حياة سهلة.‏ أن لهم قوتهم..‏ وقلوبهم<br />

73


ارداش كاكافيان.فرنشسكو كلمنتي<br />

زيت على القماش<br />

72


ارداش كاكافيانام زرقاء مع ابنته<br />

40 x 52 سم.‏ زيت على القماش<br />

71


ارداش كاكافيان.صبي اعمى مع يد مدماة<br />

29 x 62 سم.‏ زيت على القماش<br />

70


69


ارداش كاكافيان.بدون عنوان 1971.<br />

78 x 78 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ رقص الدراويش<br />

28 x 50 سم.‏ زيت على القماش<br />

تخلق <strong>فضاء</strong>ها أمام املشاهد.‏ فالعالقة بني<br />

اللوحة واملشاهد هي،‏ دائما،‏ عالقة رؤية<br />

وحوار.‏ أما يف النصب فهي عالقة متثل<br />

لوجود.‏<br />

• وما ينابيع هذه األفكار التي ترسم<br />

لعملك مساره هذا؟<br />

- أنا شخصياً‏ ابن حضارة وادي<br />

الرافدين،‏ وانتمائي هذا ميدني بالوعي،‏<br />

فيجعل من انتمائي - الذي اصطدم بحضارات<br />

وثقافات أخرى عشتها وتعرفت إليها خالل<br />

فترة اغترابي هذه - أقول يجعل من انتمائي<br />

انتماءً‏ واعياً،‏ ال يرتبط شكلياً‏ مبسقط الرأس<br />

ومسرح النشأة،‏ بل يرتبط بعمق التكوين.‏ لذلك<br />

أقول باستمرار أن عملي من خالل هذه األبعاد<br />

وبهذا العمق هو الذي يجعل من عراقيتي بابا<br />

انفتاحيا على العالم،‏ وطريق خروجي إليه.‏<br />

ومن هنا حديثي عن ‏»الفكرة«‏ و ‏»اجلمال«.‏<br />

فأنا اتخذ من الفكرة نقطة انطالق نحو<br />

اجلمال الذي أعتبره شيئاً‏ خالداً‏ ‏)وهو هديف<br />

يف كل عمل فني(.‏ إال أن هذا اجلمال ال ميكن<br />

أن يخلد ما لم يستوعب هذه الفكرة ويصوغ<br />

68


عمل واحد ميكن أن نقول عنه أنه عمل فني<br />

كبير،‏ أو خالد.‏<br />

• والفكرة؟ ماذا عن الفكرة؟ باي معيار<br />

تأخذها؟<br />

- الفكرة وحدها ليست كافية.‏ عندي أن<br />

الفكرة يف مجال النصب،‏ بشكل خاص،‏ يجب<br />

أن تأخذ بعدها احلضاري وعمقها اإلنساني.‏<br />

وهذا ال<strong>فضاء</strong> يتحقق عندي معمارياً،‏ فأنا<br />

أعتمد فن النحت باملعمار،‏ وأجد العمل النحتي<br />

وحده الذي مينح هذا املعمار خلوده.‏<br />

أما الفكرة لوحدها فهي أقرب ما تكون،‏ يف<br />

تصوري لها،‏ إلى التفكير اجملرد..‏ لكن البد<br />

لكل صرح معماري من فكرة تعززه،‏ فهو بدون<br />

هذه الفكرة مجرد كتلة يف فراغ.‏<br />

• وهل من صلة بينك رساماً‏ وبني هذا<br />

العمل؟<br />

- هذا العمل،‏ بهذه األفكار،‏ يختلف<br />

بطبيعة احلال اختالفاً‏ كلياً‏ عما أنا عليه<br />

رساماً.‏ ففي الرسم تهمني الفكرة والتعبير<br />

عن الفكرة.‏ وهذا التعبير قد يتخذ عندي<br />

صيغة رمزية،‏ كما قد يكون تعبيرياً.‏ والفكرة<br />

يف اللوحة وحدها من خالل وجودها املشخص<br />

‏)رمزياً‏ أو تعبيرياً(،‏ وهي،‏ على هذا النحو،‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ شخص بخلفية زرقاء.‏<br />

100 x 60 سم.‏ اكريلك على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ صبي على الشرفة<br />

. زيت على القماش<br />

67


66


عن النصب العراقية،‏ أفهم أن لك نظرتك<br />

اخلاصة إلى عمل من هذا النوع!‏<br />

- النصب،‏ أي نصب فني،‏ ال ميكن أن<br />

يظل خالداً‏ ويتجدد بتجدد احلياة إال إذا جعلنا<br />

من اجلانب الفني / اجلمالي فيه رديفاً‏ للفكرة<br />

التي يعبر عنها أو يجسدها.‏ خذ هذا الفن<br />

العربي اإلسالمي يف شواخصه اخلالدة:‏ ما<br />

عنصر اخللود فيها؟ هل هو قدمها؟ هل هو<br />

انتماؤها إلى تاريخ قدمي جند أنفسنا جزءا<br />

منه؟ اعتقد أن هذا هو اجلانب األضعف<br />

يف املوضوع.‏ فاملهم فيه هو اجلانب الفني<br />

/ اجلمالي الذي عبر املهندس املعماري من<br />

خالله عن الفكرة..‏ ولنا أمثلة على هذا مما<br />

هو أبعد من حضارة بابل وأكد،‏ وآشور.‏<br />

• قل لي:‏ كيف متزج بني الفن واملعمار؟<br />

بني الفكرة والتعبير عنها؟<br />

- لنأخذ منوذجاً‏ من الواقع،‏ لعله األقرب إليك<br />

تصوراً‏ وتاريخاص..‏ هذا النموذج هو ‏)ملوية<br />

سامراء(..‏ فأنت جتد أن هذا األثر الفني /<br />

املعماري ما يزال شاخصاً‏ ومحتفظاً‏ بجماليته<br />

وبأبعاده املعمارية التي هي اليوم موضع<br />

اهتمام الفنانني املعماريني ال العرب وحدهم<br />

بل األجانب أيضاً.‏ الفنان املعماري الذي وضع<br />

هندسة هذا األثر ونفّذه كان قد حافظ على<br />

اجلانب املعماري لألثر من حيث وظيفته.‏<br />

ولكنه مع احملافظة على هذه الوظيفية،‏ أعطاه<br />

بعداً‏ جمالياً‏ وعمقاً‏ فنياً‏ جعال منه ‏)أثراً‏ فنياً(.‏<br />

فهو من جهة،‏ مرتبط بوظيفة..‏ ومن جهة<br />

اخرى هو أثر فني له خصائصه ومميزاته.‏<br />

بالنسبة لي أحاول أن أضع عملي يف مثل<br />

هذا السياق حتقيقاً‏ لهذين البعدين:‏ اجلمال<br />

والوظيفية.‏ فحني يتزاوج اجلمال والوظيفية يف<br />

65


ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان 1971.<br />

78 x 78 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان ‏.تكوين 1970.<br />

70 x 70 سم.‏ زيت على القماش<br />

النخيل(‏ خلفية طبيعية لهذا النصب،‏ فالنخلة<br />

يف شموخها تلتقي وتتناغم مع البطولة يف<br />

بسالتها وصمودها.‏ أما القوس الذي يعلو<br />

النصب ‏)قوس النصر(‏ فجعلته مشدوداً‏ إالى<br />

ذراعني من االسمنت تتدفق منهما املياه،‏ تعبيراً‏<br />

عن النهرين العظيمني:‏ دجلة والفرات.‏ وحتت<br />

القوس هناك رأس مقاتل خارج من اخلندق<br />

وهو يراقب األعداء.‏ أما الساللم الثالثة التي<br />

تصل النصب بقاعدته فهي رمز للفيالق الثالثة<br />

التي قاتلت دفاعاً‏ عن هذه املدينة و<strong>حر</strong>رت<br />

أرض الفاو.‏<br />

• وعلى أي نحو ستتعامل مع هذه<br />

األفكار أثناء التنفيذ؟<br />

- ما يهمني يف هذا النصب،‏ إذا ما<br />

نفذته،‏ هو أن أجعل منه صرحاً‏ معمارياً‏ خالداً‏<br />

يعبر عن حالة عراقية،‏ جديرة بالتخليد،‏ بحيث<br />

أجعل من هذا النصب فكرة ترتبط بوجود<br />

وتعبر عن هذا الوجود،‏ بكل ما بذل هذا<br />

الشعب العظيم من دماء يف سبيل تعزيزه.‏<br />

• من مالحظتك التي قلتها يف البداية<br />

64


63


ارداش كاكافيان.‏ تكوين 1969.<br />

48 x 94 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ تكوين.‏<br />

60 x 100 سم.‏ زيت على القماش<br />

الزقورة مساراً‏ أقرب ما يكون إلى شكل السيف<br />

يخترق الزقورة إلى عمق هذا البناء اجلديد.‏<br />

• وأية داللة ملثل هذا الرمز؟<br />

- لقد أردت بهذا الرمز إلى أن طريق<br />

النصر ممتد من املاضي إلى احلاضر،‏ وأن<br />

نصر احلاضر معزّز مبجد املاضي،‏ يف نفوسنا<br />

ويف الواقع.‏<br />

• وماذا عن النصب اآلخر؟<br />

- النصب اآلخر يعبّر عن فكرة ترتبط<br />

بوجود مدينتني أبدتا من بسالة،‏ وعانتا الكثير<br />

خالل سنوات احلرب،‏ وهما:‏ البصرة والفاو.‏<br />

يف تخطيط هذا النصب جعلت من التعبير<br />

الفني محاولة لتجسيد معنى البطولة وروح<br />

القتال العالية التي امتاز بها املقاتل العراقي<br />

- فأعطيت بُعد الصمود يف اجملابهة شكله<br />

ومعناه،‏ وجعلت من الطبيعة البصرية ‏)غابات<br />

62


ارداش كاكافيان.‏ حتول 1990.<br />

89 x 212 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ تكوين 40.x 1968. 50 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

61<br />

محل،‏ مثال،‏ من عجائب الدنيا؟ إنه،‏ بجماله،‏<br />

يعطيك نوعا من التعبير عن ‏)فكرة اخللود(‏<br />

التي بحث عنها اإلنسان..‏ لتجد نفسك أمام<br />

واقع يعبر لك عن هذه الفكرة بجميع ما لها<br />

من تفاصيل.‏<br />

• ومن هذه الفكرة كان اجتاه أفكارك يف<br />

هذا املشروع؟<br />

- حني طرحت أمامي فكرة إقامة<br />

‏)نصب النصر(‏ تلقيتها من خالل بعدها هذا،‏<br />

وقلت:‏ إن التعبير عن موضوع النصر الذي<br />

صنعه هذا الشعب العظيم،‏ وارتبط بوجود هذا<br />

الوطن،‏ مبا له من تاريخ وحضارات يف هذا<br />

التاريخ..‏ البد أن يأتي العمل مرتبطاً‏ بهذا كله،‏<br />

ومعبراً‏ عنه.‏<br />

فكرت يف أن أقرن موضوع النصر بالتعبير<br />

اجلمالي من جهة،‏ ومن جهة أخرى أربط هذا<br />

التعبير بالبعد احلضاري الذي متثل أرض<br />

العراق العمق احلقيقي له.‏<br />

من هنا مبعت الفكرة:‏ فعبرت عن النصر من<br />

خالل شكل ‏)الزقورة البابلية(‏ بكل ما يجتمع<br />

حولها من أفكار،‏ فجعلتها حتيط بالفكرة<br />

اجلديدة،‏ وبالوجود اجلديد النابع من وجودنا<br />

احلاضر،‏ املرتبط بفكرة النصر.‏ فالزقورة<br />

حتيط ب هذا البناء وتعززه،‏ أي أنني جعلت<br />

من النصر واحلاضر بناءً‏ معززاً‏ مبجد املاضي<br />

على هذه األرض الواحدة..‏ واتخذت من


60


59


أرداش كاكافيان إزاء أعماله الفنية<br />

حوار:‏ ماجد السامرائي<br />

ثالثون عاماً‏ يف الغربة لكن جذوري ما تزال يف األرض العراقية<br />

عملي الفني تعبير عن إحساس متمرد،‏ إحساس بالوحدة،‏ وبعدم انسجام<br />

مع ما يجري يف اخلارج<br />

حينما أرسم امرأة عاشقة أرسمها مخترِ‏ قة اجلدران<br />

عنصر اجلمال عندي يوحّ‏ د متناقضات الوجود اإلنساني<br />

يف الرسم تهمني الفكرة والتعبير عن الفكرة<br />

الرسامون يشبهون نوعني من الطيور:‏ طيور ليلية مفترسة وأخرى وديعة!‏<br />

منذ ثالثني عاماً‏ والفنان ‏)ارداش كاكافيان(،‏<br />

ميضي بخطواته على أرض الغربة..‏ ولكنها لم<br />

تكن ‏)خطوات ضائعة(،‏ بل هي خطوات إنسان<br />

يريد أن يترك ‏)أثرا يف األرض(‏ يدل عليه،‏<br />

ويشير إلى املسار الذي اتخذه.‏<br />

وإذا كان،‏ يوم كان يف بغداد اخلمسينات،‏ قد<br />

سمع من فنان العراق الكبير املرحوم جواد<br />

سليم كلمات اهتمام بأعمال ذلك الفتى وتأكيد<br />

على أهمية املسار الذي اتخذ لنفسه وفنه فإنه<br />

ظل وفياً‏ لتلك الكلمات،‏ ويعمل على أن اليخذل<br />

ما كان لها من وقع يف نفسه من خالل اإلجناز<br />

الفني..‏ وقد ظل هذا اإلجناز،‏ على امتداد<br />

سنوات الغربة هذه،‏ اجنازاً‏ مرتبطاً‏ بشخصه،‏<br />

وبحالة من فكر يف احلياة،‏ وفكر عن احلياة.‏<br />

أما ‏)االسم(‏ منه فهو لم ينفصل عن ‏)عراقيته(،‏<br />

ولو للحظة واحدة،‏ وال استبدل هذا االنتماء<br />

إلى األرض التي انشد اليها وجوداً،‏ وتكاملت<br />

به يف هذا الوجود،‏ حتى يف ما كان من هذا<br />

‏)االستبدال اسميا(.‏<br />

لذلك ظل على صلة بالوطن،‏ وعلى اتصال<br />

به،‏ يعمل باستمرار باحثاً‏ عما يف أعماقه من<br />

‏)تاريخه(‏ و ‏)حضاراته(،‏ التي راح يعبر عنها<br />

بأشكال وأساليب مختلفة،‏ وإن كان ما يجمعها<br />

هو فكرة ‏)الدفاع عن الوجود(‏ الذي يتمثله،‏<br />

باستمرار،‏ من خالل اإلنسان:‏ حياة،‏ و<strong>حر</strong>كة،‏<br />

ومعنى وجود،‏ وارتباطاً‏ بهذا الوجود.‏<br />

يف كل مرة يعود فيها إلى بغداد جنده يتحسس<br />

‏)لغته(‏ التي لم يتسرب شيء إلى ‏)أصواتها(‏<br />

من أصداء اآلخرين،‏ ويف كل مرة يعود يأتي<br />

معه بشي جديد،‏ وكأنه يقايض احملبة باإلبداع،‏<br />

أو يعزّز هذه احملبة بتواصل اإلبداع من خالل<br />

أعمال جديدة،‏ أو أفكار جديدة.‏<br />

• فماذا جئت حتمل إلينا هذه املرة يا<br />

أرداش؟<br />

- جئت أحمل مخططاً‏ أولياً‏ لعملني فنيني<br />

أمازج فيهما بني التشكيل واملعمار،‏ بصفتي<br />

مهندساً‏ معمارياً‏ وفناناً‏ تشكيلياً.‏<br />

• وما هو األساس الذي أقمت عليه<br />

رؤيتك املعمارية التشكيلية هذه؟<br />

- على الرغم من أن عامي الثالثني يف<br />

الغربة يكاد ينقضي فإن جذوري ما تزال هنا،‏<br />

يف هذه األرض العراقية:‏ امتد بها،‏ ومتتد<br />

بي يف واقع هذه األرض،‏ ويف مسارات حياة<br />

إنسانها.‏ وهذه مسألة أساسية عندي يف تكوين<br />

عملي،‏ ويف تشكيل رؤيتي الفنية،‏ يف هذا العمل<br />

بالذات.‏<br />

الشي الذي الحظته يف النصب والتماثيل<br />

العراقية أن التركيز فيها يتم على الشخص<br />

وعلى الفكرة مبحدوديتها،‏ بعيداً‏ عما ينبغي<br />

أن يكون هناك من ربط بني الشخص والفكرة<br />

وما يحيط بهما من <strong>فضاء</strong> حضاري وانساني.‏<br />

أما فكرتي أنا يف هذا النصب،‏ فهي أن أجعل<br />

من النصب واقعاً‏ يرتبط به املشاهد من خالل<br />

ما أحيطه به من <strong>فضاء</strong>.‏ أي أن أخلق اجلو<br />

املناسب الذي يقود املشاهد إلى الدخول يف<br />

عالم الفكرة قبل تسلمه الفكرة - وهذه نظرة<br />

عربية صميمة.‏ فأنت حني تدخل جامعاً‏<br />

إسالمياً‏ جتد ال<strong>فضاء</strong> فيه هو ما يعطيك جوه.‏<br />

وقد تساءلت،‏ كما تساءل غيري:‏ ملاذا يعد تاج<br />

58


شجرة حيناً،‏ أو كائن عضوي،‏ زورق راسٍ‏ على<br />

ضفة نهر،‏ رأس طائر ، أجزاء من سلّم،‏ أو<br />

أطراف غير مكتملة،‏ أوحتى أجزاء من جسد<br />

مجهول.‏ مشاهد وكأنها قادمة من حلم ما،‏ أو<br />

بقايا حلم لم يكتمل،‏ لكنه يعاود حضوراً‏ شديد<br />

الغموض برمزيته وإخفائه لدالالتها.‏<br />

يكاد اللون يف لوحات آرداش أن يحتفظ بقدر<br />

من أستقالليته جلهة موضوعة العمل الفني،‏<br />

فهو بخالف املبدأ التعبيري،‏ الذي يطغي<br />

على الكثير من أعماله،‏ اليفترض تباين لوني<br />

صارخ،‏ أو تضاد بني ألوان صريحة،‏ أو حتى<br />

حتقيق كثافة مضافة للمادة اللونية،‏ بل يثري<br />

من حساسيته بذريعة تناغم لوني،‏ غالباً‏ ما<br />

يكون أحادياً،‏ ويفترض بذريعته وجود ذي<br />

طبيعة حلمية ومتخيلة لفحوى تصورات موغلة<br />

بالفرادة واخلصوصية.‏<br />

أعمال كان ينسجها أرداش كاكافيان بصبر<br />

وخبرة ذات تؤمن بأحالمها،‏ والتي كانت يف<br />

صورة رغبة مضاعفة يف الوجود،‏ كما يف كونها<br />

أمنيات لم حتققها الغربة وال زمنها املوحش.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان<br />

65 x 94.5 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان<br />

146.x 97 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان<br />

65 x 94.5 سم.‏ زيت على القماش<br />

56


55<br />

يف أوضاع تعبيرية وشكلية تؤثر فعلي االختزال<br />

والتحوير يف املمارسة الفنية،‏ والتي تتداخل<br />

أحياناُ‏ مع أشكال أخرى ذي طبيعة تهوميية،‏<br />

غير محددة،‏ تتخذ موقعاً‏ مركزياً‏ يف <strong>فضاء</strong><br />

السطح التصويري الذي يكون غالباً‏ منتظماً‏<br />

بخطوط شبه مستقيمة متنح للمشهد أثراً‏<br />

تصميمياً‏ ما،‏ أو حتكم بفعل هذا االنتظام<br />

دالالته التصويرية وفرادتها.‏<br />

بتأثير دراسته للهندسة املعمارية،‏ ورمبا<br />

التصميم الداخلي حتديداً،‏ تتأثث لوحات<br />

آرداش وفق عالقة مشهدية،‏ يتمثلها <strong>فضاء</strong><br />

مفتوح ذي أبعاد ثالثة معتم أو أحادي اللون،‏<br />

فيما يظل شكل أو أثنان،‏ املرأة الغائبة املالمح،‏<br />

املتخفية،‏ وشكل آخر يف هيئة إنسان عار<br />

وبأوضاع توحي باالنتظار أو املضي باجتاه<br />

لقاء ما،‏ يتداخالن مع مفردات تصويرية،‏ هي<br />

ارداش كاكافيان.‏ 1971 بدون عنوان<br />

.30 60 x سم.‏ اكريلك على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ صبي مع ام بدون رأس<br />

40 x 22 سم.‏ اكريلك على القماش


والباعث على السؤال والتأمل،‏ واملفعم بسرية<br />

تتناسل من ذاتها،‏ مثل حكايات دائمة،‏ لديها<br />

رغبة البوح عن هواجس،‏ وذكريات مخبئة يف<br />

املاضي،‏ وأحالم باعثة على احلزن ومشغولة<br />

بالفقدان.‏<br />

إن لوحات أرداش تعترف عن وجودها بلوعة،‏<br />

حيث ثمة ماهو يدعو إليها.‏ كان الفنان قد<br />

اغترب مبكراً‏ بذريعة إمتام درسته يف هندسة<br />

العمارة،‏ ولم يعد بعدها إلى وطنه،‏ عدا تلك<br />

السردية التاريخية بانتمائه إلى طائفة األرمن<br />

الذين نزحوا عن أرضهم جرّاء احلرب وتنكيل<br />

العثمانيني بهم،‏ لكنه،‏ أيضاً،‏ كان قد فقد أمه<br />

يف زمن مبكر من طفولته،‏ والذي لم يتذكر من<br />

مالمحها شيئاً.‏ لقد ذكر يف إحدى حواراته:‏<br />

« أحاول أن ابحث عن أمومة اجلسد يف فكرة<br />

تشكيلية جديدة«.‏<br />

مغزى ودافع كهذا هو األشد حضوراً‏ يف<br />

لوحاته.‏<br />

يف إحدى أعماله « بدون عنوان«،‏ ثمة كائن يف<br />

هيئة امرأة غائبة املالمح تتلفع بعباءة سوداء،‏<br />

منحنياً‏ عليها،‏ ومشدود لها باستعطاف شبح<br />

كائن غائب املالمح،‏ أيضاً،‏ فيما يتمسك<br />

بأذيالها شكل طفل صغير،‏ يخطو معهم.‏ ثالثة<br />

اشكال متالصقة،‏ من دون مالمح واضحة،‏<br />

مكتفية بظهور شبحي،‏ شاخصة يف مدخل<br />

ميثل باباً،‏ وهي تسعى يف الدخول إلى <strong>فضاء</strong><br />

مغلق تدل عليه بالطات تصطف بشكل مائل.‏<br />

ال داللة تصويرية تعرّف عن املكان،‏ سوى<br />

امتدادات يف هيئة غيوم صغيرة حتلّق يف<br />

األعلى ويف بياض ال<strong>فضاء</strong> الذي يؤطّ‏ رهذا<br />

املشهد التصويري،‏ واملفعم باختزال شكلي<br />

وعبر صياغة تعبيرية تؤثر حتويراً‏ شكلياً‏ معلناً‏<br />

للشخوص ولتفاصيل املشهد التصويري،‏ شديد<br />

الثراء سواء يف بعده التعبيري،‏ ويف فضائه<br />

الباعث على التأويل بأسباب غرابته.‏<br />

تعاود مثل هذه الثيمات التصويرية،‏ حضورها<br />

يف أعمال كاكافيان،‏ بإنشائية تصويرية<br />

مختلفة،‏ لكنها شديدة التماثل يف مفرداتها.‏<br />

<strong>فضاء</strong> تصويري مفتوح يضم أشكاالً‏ آلدميني،‏<br />

54


ارداش كاكافيان،‏ ولد ازرق مع امراة<br />

40 x 52 سم،‏ زيت على القماش<br />

53


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان 40 x 52 سم<br />

زيت على القماش<br />

52


51


يف موازاة ذلك،‏ كان البد من كونه حامالً‏<br />

معه ماضٍ‏ شديد االختالف،‏ ذاك الذي أدام<br />

لديه الشعور الثقيل والدائم بوطئة االغتراب<br />

والفقدان.‏ لقد أستدل كاكافيان على وجوده<br />

هناك من خالل اخليال،‏ وخزانة الذاكرة،‏<br />

وأحداث ذلك الزمن البعيد يف وطنه.‏<br />

تخطيطاته لبساتني كرادة مرمي،‏ جلوسه<br />

على ضفة دجلة يحدق يف زوارقها،‏ جتاربه<br />

احلياتية والفنية األخرى،‏ عوامله املتخيلة،‏<br />

مشاركته املبكرة يف املعارض الفنية يف بغداد،‏<br />

ويف عمر مبكرال يتجاوز اخلامسة عشر،‏<br />

انتمائه لعضوية جماعة بغداد للفن احلديث،‏<br />

وبتزكية من الرحل جواد سليم،‏ أو عضويته يف<br />

جماعة االنطباعيني،‏ كل تلك جعلت منه ستينياً‏<br />

متأخراً،‏ منتمياً‏ زمنياً‏ إليه،‏ ولكنه لم يحمل<br />

منه،‏ ومعه إالّ‏ تلك الذكريات عن ذلك الزمن<br />

البعيد.‏<br />

ليس غريباً،‏ وبدافعية هذا التواشج،‏ بني ذاكرة<br />

حافلة باحلنني،‏ وحاضر مترع باالجتهاد،‏ أن<br />

يكون الفنان أرداش كاكافيان راوي حلكايات<br />

تصويرية غامضة،‏ ولكنها تبقى حكاياته<br />

الشخصية دائماً.‏ كثافة ماهو حياتي ووجودي،‏<br />

واملشتبك دائماً‏ مع ماهو جمالي ومتخيّل.‏<br />

عالقة دائمة،‏ والتي ستحضر من خالل<br />

لوحاته،‏ بصفة واقعة جمالية وفنية شديدة<br />

اخلصوصية،‏ تؤثر إخفاء املعنى وتنشئ أشكاالً‏<br />

غريبة لتفسيرها.‏ العوالم الفنية لهذه األعمال<br />

جتدها وكأنها تتشكل من نسيج تعبيري خبيء<br />

وغير معلن،‏ بل ال تصرّح حتى بتأثيراتها<br />

وآثارها.‏ جند ثمة مقاربة تتأتى من مرجعيات<br />

سوريالية،‏ أو تعبيرية ، وحتى رمزية.‏ قد<br />

يحضر أثر واحد منها يف لوحاته،‏ أوتتماهى<br />

مع بعضها معاً‏ يف إنشاء سطحها التصويري،‏<br />

وكأنها تداعيات صورية لعالم مكتف بذاته،‏<br />

اليشبه إالّ‏ نفسه،‏ واليكشف سوى عن وجوده<br />

اخلاص.‏<br />

عالم <strong>حر</strong>،‏ مبتكر،‏ لكنه شديد الغرابة والوحشة،‏<br />

ووحيد،‏ الميكن االستدالل على هوية ال<strong>فضاء</strong><br />

فيه،‏ والذي ينشأ من أشكال وسطوح متداخلة<br />

وغير محددة،‏ تقيم يف أبعاد مكانية متخيلة وال<br />

متعينة،‏ هي صنيعة أحالم يغمرها الشجن.‏<br />

لكن الميكن لنا إالّ‏ أن نقرّ‏ باحلرية الالمحدودة<br />

والطليقة التي تنطوي عليها،‏ واملفتونة<br />

بغرائبيتها وامتثالها العجيب للدهشة.‏ إن س<strong>حر</strong><br />

أعماله وفرادتها تأتي من ذلك الال توقع،‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان.‏<br />

زيت على القماش . مجموعة متحف الفن احلديث،‏ بغداد<br />

50


أرداش كاكاكفيان.‏ ولد صغير وطائر كبير<br />

45 x 76 سم.‏ زيت على القماش<br />

49


أرداش كاكافيان:هذا الّراوي حلكايات تصويّرية<br />

غامضة،‏ وشخصية دائماً‏<br />

سعد القصاب<br />

حينما رحل الفنان أرداش يف العام »2000«، ومت ذرّ‏ رماده يف نهر دجلة،‏<br />

من على جسر اجلمهورية ببغداد ‏»كما أوصى بذلك«،‏ كان قد أنقضى<br />

أربعون عاماً،‏ منذ أن ترك بغداد ألكمال دراسته يف الهندسة املعمارية<br />

يف باريس.‏ كان،‏ أيضاً،‏ حدثاً‏ على قدر من املفارقة،‏ أن يلتقي مع مدينته<br />

التي غادرها ليس بصفة عودة كأحد أبنائها،‏ بل مغادراً‏ لهذه احلياة بشكل<br />

نهائي!؟<br />

ويف ظني أن الوسط الفني والثقايف العراقي<br />

يف الداخل لم ينتبه كثيراً‏ ملثل هذا الرحيل.‏<br />

رمبا هو من القلة من اجليل الستيني،‏ من<br />

الفنانني حتديداً،‏ من الذين غادروا العراق يف<br />

ذلك الوقت ولم يعودوا.‏ الغالب منهم قد عاد<br />

بعد إنهاء دراسته الفنية واالنخراط الفاعل يف<br />

احملترف الفني احمللي.‏ بذلك يبقى تقديرنا<br />

وإعادة االهتمام بهذ الفنان،‏ جلهة التأثر<br />

والتأثير يف املشهد الفني العراقي،‏ رمبا ال<br />

يخلو من التباس ما.‏ مرة بأسباب ذاك الغياب<br />

الطويل،‏ ومرة أخرى بشكل مضاعف،‏ يتمثل<br />

بندرة املعلومة والوثيقة ملا دوّن عنه.‏ واألخيرة<br />

باتت الزمة،‏ بل إحدى شجون احملترف<br />

العراقي.‏<br />

لكني سأفترض أن املدخل للتعرّف على جتربة<br />

كاكافيان سيكون من صلب التباس كهذا.‏<br />

تعّرض أرداش لتجربة حياة معاشة،‏ لم تكن<br />

هانئة متاماً،‏ والتي كانت يف البدء فقدانه ألمه<br />

يف وقت مبكر،‏ وتالياً‏ يف صورة غربة مبكرة،‏<br />

جاءت باالبتعاد عن وطنه وحلني رحيله.‏ مثل<br />

هذا الفقدان املالزم أو ما مياثله،‏ البد من<br />

أن يلقي مساحات من ظالل كثيفة على خبرة<br />

الفنان وتفضيالته.‏ إن ماهو وجودي هنا ال<br />

ينفصل عما هو جمالي وفني يف جتربته،‏ حيث<br />

تتجلى هذه العالقة،‏ واملتمثلة بجدلية التعبير<br />

واملعنى،‏ غير احملددة جراء تشكالها السري،‏<br />

وتعيّنها يف نتاجه.‏ أن موضوعات كاكافيان يف<br />

لوحاته ليست سوى حالة تفاوض يف التعبير<br />

عن الذات بذريعة عمل فني،‏ والتي تتعدد صور<br />

ومسافات هذا التعبير ببعده الذاتي:‏ يف صيغة<br />

حلم،‏ أو رغبة،‏ أو استعادة ألمنية مفقودة.‏<br />

جتربة جلوجة،‏ وطموحة،‏ يف جتاوز حقيقة<br />

ماهو واقعي،‏ موضوعي،‏ للمضي لألبعد،‏ إلى<br />

ذلك الغامض،‏ النائي،‏ الغرائبي،‏ والال متعني.‏<br />

رمبا عبر هذا التصور واالمتثال الهتمام كهذا،‏<br />

سيجعله قريباً‏ جداً‏ للمحترف الفني العراقي،‏<br />

ملرة واحدة وأخيرة،‏ وذلك باتخاذ مبدأ التعبير<br />

بوصفه موضوعاً‏ فنياً،‏ وهي أحدى فضائل<br />

وتفضيالت هذا احملترف،‏ خاصة لدى اجليل<br />

الستيني،‏ التجرييبي بامتياز،‏<br />

حينما يكون الولع بالتعبير يتقدم مبسافة على<br />

املعنى،‏ بل يكاد يكون هو املعنى ذاته بذريعة<br />

التجريب جلهة االنشغال التصويري والشكلي،‏<br />

وليس جلهة املوضوعات،‏ واللتان ستأتيان<br />

الحقاً‏ يف صيغة عنوان غامض للعمل الفني.‏<br />

ليس غريباً‏ غياب العناوين يف الكثير من<br />

لوحات أرداش،‏ تلك التي تسمّي العمل الفني<br />

وتعنيّ‏ مغزاه وموضوعته.‏ وهو تقليد أنتهجه<br />

الفن األوربي الذي درسه وتعرفّ‏ عليه الفنان<br />

يف املدرسة العليا للفنون اجلميلة يف باريس<br />

والذي سيتحصّ‏ ل على شهادتها«‏ الدبلوم«‏ يف<br />

العام 1968، ومكوثه يف تلك املدينة منذ العام<br />

.1961<br />

لكن ماجعله على مسافة،‏ بعيدة قليالً‏ عن ذلك<br />

احملترف،‏ هو البقاء بقوة يف صلب خصوصيته<br />

املفعة بالرؤية والهواجس الشخصية،‏ وجلهة ما<br />

تنطوي عليه من اختالف يف مبدئها التعبيري<br />

مع السائد يف احملترف الفني العراقي أو<br />

الغربي.‏ إن جتريبيته قد امتثلت إلى دأبه<br />

وبحثه اللجوج عن فرديته ودوافعها من خالل<br />

الفن وليس العكس،‏ وذلك ما سيشكّل فرادة<br />

جمالية الفتة يف جتربة الفنان.‏<br />

إن ما كرّس مثل هذا التمايز،‏ كذلك،‏ مكوثه<br />

الطويل يف الغرب،‏ ويف عقد كان تاريخياً‏<br />

وطليعياً‏ معا.‏ عقد الستينيات الثوري،‏ واملتأزم،‏<br />

الكثير االبتكار يف الشعر«‏ الذي آثره كاكافيان<br />

بقوة«،‏ وكما يف األدب والفكر والفن.‏ الكثير<br />

الثورات،‏ والرفض،‏ كما يف الثورة الطالبية يف<br />

فرنسا يف العام 1968، وثورات العالم الثالث.‏<br />

كان ذلك العقد الستيني عقداً‏ آيديولوجياً،‏<br />

أيضاً،‏ وبامتياز.‏<br />

48


47


اثناء عمله،‏ بل أميل الى أن الصورة هذه<br />

تكونت رمزياً‏ لتستدعي معنى انفصال أرداش<br />

عن أمه،‏ فهذه اللوحة برمتها تستدعي رمزية<br />

التصدع بعد فقدان االم،‏ رمزية انفصال<br />

الطفل عن أمه التي اخذها املوت القاسي على<br />

الطفل ومصيره.‏ أن التصدعات والتشققات<br />

والفجوات هنا ليست تصدعات وتشققات،‏ بل<br />

هي املوت عينه يف صورة هوة سحيقة.‏ ومما<br />

يزيد من ذلك التأثير الغامض،‏ ذلك الطائر<br />

املرعوب،‏ الغريب،‏ الذي ال يكاد يقف مستقراً‏<br />

مبحاذاة الهوة التي جتذبه إلى حافتها وقعرها<br />

املفتوح كثغر وحش كاسر،‏ الطائر اجلاحظ<br />

العني،‏ األحمر الرأس،‏ الضخم اجلثة،‏ الناعق،‏<br />

الذي يبدو بال جناح،‏ كل هذا سيزيد من تدفق<br />

الطاقة الرمزية والتعبيرية الشديدة لهذا العمل<br />

الكابوسي.‏<br />

غالباً‏ ما حتيط شخوص أرداش مساحات من<br />

األراضي املقفرة،‏ ونباتات،‏ اتخذ الفنان لها<br />

اشكال غريبة،‏ و ساللم تصعد إلى اجملهول،‏<br />

وزوارق مركونة،‏ و أفراد بقرب أسوار وحواجز،‏<br />

يرسم أرداش وجوههم،‏ غير آبه مبالمحها<br />

املطموسة،‏ بل بكمية الشحنات املوحية التي<br />

تطلقها،‏ والتي تستثير املناطق النفسية املتوارية<br />

يف العقل الباطن.‏<br />

كان ملوت أرداش نبرة رمزية عميقة،‏ فقد طلب<br />

ان يتحول الى رماد وأن يذر رماد جسده يف<br />

نهر دجلة،‏ متاماً‏ كما مت ذر رماد احلالج يف<br />

ذات النهر من قبله.‏<br />

وقد كتب أرداش مرة:‏ ‏»النهر يف املَصَ‏ ب يفقد<br />

اسمه وينت<strong>حر</strong>«‏<br />

أرداش كاكاكفيان.يف احلمام.‏ زيت على<br />

القماش<br />

أرداش كاكاكفيان.ولد صغير وطائر كبير<br />

29 x 63 سم.‏ زيت على القماش<br />

46


من منتجات الالشعور،‏ حتى مت النظر إليه يف<br />

النهاية على أنه أحد قادة نزعة ‏»العودة إلى<br />

التشكيل«‏ املعروفة بال)‏Transavanguardia‏(‏<br />

يف إيطاليا و«التعبيرية اجلديدة«‏ يف الواليات<br />

املتحدة،‏ والتي نشأت كرد فعل على التيارات<br />

املفاهيمية السائدة آنذاك يف الفن البصري.‏<br />

وأحسب أن هناك ايضاً‏ قرابة فيما يتعلق<br />

باألنساق التكوينية بني كليمنتي وأرداش،‏ حيث<br />

يشتركان يف الولع بإحداث حتويرات منظورية<br />

يف رسم األشكال البشرية.‏ وهي حتويرات<br />

تعكس وتعزز اجلانب الوجداني والعاطفي<br />

املفعم بالقلق والتوتر.‏<br />

ولكن،‏ كيف يدفع املنظور احملور يف أعمال<br />

أرداش كاكافيان إلى تغيير عاداتنا يف إدراك<br />

املشهد بصرياً؟ فنحن جند أنفسنا داخل<br />

أحياز مشحونة مبناخات مرتبكة وغير واقعية،‏<br />

وبسبب تلك التغييرات التي يحدثها الرسام يف<br />

احلجوم املتباينة لألشياء وعالقاتها ببعضها،‏<br />

واختالف مستويات السطوح والنسب فيما<br />

بينها،‏ وهي ما يوحي بسمات ملكان مقلق ومثير<br />

للريبة والشك.‏ ولعل ما يستعرض ذلك بشكل<br />

جلي،‏ هو لوحته املعنونة ب«امرأة خلف الساللم<br />

الذهبية«،‏ حيث تلتوي الساللم املرسومة يف<br />

اللوحة بشكل غير منتظم،‏ ويتعمد الفنان أن<br />

يرسم خطوة القدم اخللفية للمرأة بطريقة<br />

جتعلها كما لو كانت ماتزال تطأ األفق البعيد<br />

للمشهد،‏ يف الوقت الذي جند فيه أن جسدها<br />

يتقدم إلى األمام باجتاهنا.‏ وتتخذ الساللم<br />

الذهبية اللون موقعها وكأنها من صلب <strong>فضاء</strong><br />

سماوي قريب جدا.‏ وميكن بالتالي أن نصف<br />

هذا العمل الفني - من جهة سمات املنظور<br />

- أنه يحتوي على عدة مستويات،‏ ليست<br />

مشروطة بسياقات املنظور الواقعية.‏<br />

يف مشهد آخر للوحة أخرى نالحظ هذه املرة<br />

أن الشخص املرسوم يظهر أسفل مستوى<br />

النظر،‏ ويتعمد الفنان إلى ترقيق قدميه<br />

وتضخيم اجلزء العلوي من جسمه لترسيخ<br />

هذا النمط من املنظور الذي اختاره.‏ وهي ذات<br />

املعاجلة املنظورية التي يتقاسم حلولها مع عمل<br />

لفرانسيسكو كليمنتي كما يف الصورة املرفقة<br />

مع النص.‏<br />

يف لوحة املرأة وإناء الزهور األرجوانية،‏ وضع<br />

الرسام مقدمة جسد املرأة يف مواجهتنا،‏ للحد<br />

الذي جعل رأسها وعنقها يخرجان من حدود<br />

الصورة.‏ أننا هنا إزاء استخدام الرسام ملقطع<br />

قد يبدو مستفزا للنظر بسبب تلك الصياغة<br />

املقطعية للجسد.‏ وتذكرنا هذه املعاجلة بنفس<br />

الطريقة التي ينتهجها بيير بونار يف عدد من<br />

لوحاته.‏<br />

وثمة شعور بانعكاس عدد من صور شخصياته<br />

يف مرايا مشوهة،‏ ففي احدى أعماله يظهر<br />

صبي قادم من اجلهة اليمنى للصورة،‏ وكأنه<br />

خرج لتوه من مرآة مشوهة،‏ دمغته مبالمح<br />

شكل محور،‏ ونرى ذلك الصبي يسارع<br />

بخطواته يف مشهد ملتهب بلون أحمر قرمزي<br />

يصاحبه لون بنفسجي.‏ وثمة رأس أفعى<br />

متوارية خلف حاجز من ساللم غامقة اللون.‏<br />

ومتنح هذه املعاجلات لطقس اللوحة املزيد<br />

من الدراماتيكية.‏ خصوصا حني يسير الصبي<br />

ورأسه احملور يبدو مسحوباً‏ باجتاه لهيب تلك<br />

السماء العريضة،‏ التي تبدو كما لو أنها تصب<br />

شالالت من السنة النار على خط األفق.‏ ولم<br />

يقتصر األمر على هذا الصبي فقط،‏ بل عدة<br />

شخصيات يف لوحات أرداش،‏ حني يظهرون<br />

وكأن السماء واآلفاق جتذبهم إليها أو تبتلعهم.‏<br />

وهناك أشجار وأغصان وجمادات تن<strong>حر</strong>ف<br />

باجتاهات غير مألوفة نحو األفق،‏ أو تتشظى<br />

هائمة يف <strong>فضاء</strong> السماوات الواسعة.‏<br />

شخوص لوحات أرداش تظهر معزولة<br />

ومنفصلة،‏ تنخرط يف أفعال غالباً‏ ما ال يكون<br />

لها معنى واضح،‏ اال اذا استعنا باالحالم<br />

وتداعياتها.‏ فهل كان أرداش سوريالياً‏ ايضاً؟<br />

خصوصاً‏ حني تتواجد شخصياته يف أماكن<br />

غامضة عصية على التصنيف وتفلت من<br />

املواضيع املألوفة يف السياقات الواقعية.‏<br />

وهل كان ذلك الطفل الناظر إلى األعلى<br />

واملشبك اليدين يف إحدى لوحاته هو أرداش<br />

الطفل نفسه؟ حيث يقف على أرض ال تبدو<br />

مرحبة مبن يطؤها بسبب ميالنها املقلق<br />

وما يتوسطها من صدع كبير اتخذ لنفسه<br />

شكل فجوة مرعبة،‏ واسعة،‏ وطويلة،‏ يتفرع<br />

منها شق آخر يف األفق،‏ يترك الفنان خليال<br />

وحدس املشاهد تقدير سعته وطوله ومعناه.‏<br />

ولقد لعبت طريقة الرسام يف عرض الشق<br />

يف الصورة هذه،‏ دوراً‏ عزز شعورنا باملسطح<br />

األرضي كشيء مثير للفزع والرهبة،‏ فهل<br />

حدث هذا يا ترى بسبب اختالل يف النشاط<br />

التكتوني أو االنزالقات األرضية،‏ أم نتيجة<br />

جفاف شديد وتقلص التربة العظيم الهول؟ ال<br />

اعتقد ان هذا ما كان يدور يف ذهن الرسام<br />

أرداش كاكاكفيان.‏ املرأة الرمادية املنحنية،‏<br />

زيت على القماش<br />

45


44


43


أرداش كاكاكفيان.‏<br />

كليمنتي زيت على القماش<br />

42


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏ زيت على القماش<br />

41


وسياقاته السائدة،‏ والتي كانت يف املاضي<br />

تأخذ باملعاجلات اإلنشائية ‏)املثالية(‏ للصورة<br />

مثل:‏ التوازن يف اإلنشاء التصويري،‏ و النزعة<br />

العاطفية يف احلدود غير املبالغ بها.‏<br />

يف إبان فترة ما قبل التعبيرية اجلديدة،‏ كان<br />

التعبيريون القدماء،‏ على الرغم من حتويراتهم<br />

املشوهة للموضوعات البصرية،‏ يلتزمون<br />

باالنشاء املعتمد على التوازن داخل السياق<br />

التكويني للصورة.‏ وحصر عناصر املوضوعات<br />

داخل حدود <strong>فضاء</strong> السطح التصويري وما<br />

يقترحه من محاور،‏ و الت<strong>حر</strong>ز من سقوط تلك<br />

املوضوعات خارج حدود ذلك السطح،‏ وااللتزام<br />

عادة بإنشاء يتم فيه توزيعها بالتساوي عليه،‏<br />

لتبدو مستقرة ومريحة لعني الناظر.‏<br />

وسنجد انعكاسات احللول اإلنشائية والتعبيرية<br />

املبتدعة يف ‏»التعبيرية اجلديدة«‏ واضحة يف<br />

فن أرداش كاكافيان،‏ وباألخص حني ال يهتم<br />

بوضع العديد من مفرداته البصرية داخل<br />

اجملال ‏)املريح(‏ للسطح التصويري،‏ وعدم<br />

تردده يف إسقاط جزء أو أجزاء من احلدود<br />

اخلارجية لهذه املفردات،‏ فهي غالباً‏ ما تظهر<br />

على شكل مقاطع أو شظايا منتشرة يف <strong>فضاء</strong><br />

الصورة،‏ أو أن حدود الصورة ذاتها تتسبب<br />

بتقطيعها أو جتزئتها،‏ وهي بذلك تبدو وكأنها<br />

خارجة لتوها من إطار املشهد،‏ األمر الذي<br />

يحدث عادة يف املشاهد السينمائية،‏ حيث<br />

يخرج املمثل من اإلطار املكاني للحدث.‏<br />

يُالحظ أيضً‏ ا أن أرداش يهتم بتقدمي اشياءه<br />

وشخوصه داخل أجواء مليئة بالغرابة،‏<br />

رغم أننا نلمح فيها مفردات عادية لتالل<br />

وأشجار وأسوار وشرفات وانهار وزوارق<br />

وساللم وغرف…‏ إال أنها تنتظم يف سياقات<br />

غير مألوفة،‏ حتى تدفع بنا إلى الشعور<br />

بنبرة وجدانية مشحونة باالغتراب والتوتر<br />

واالضطراب الداخلي والغموض.‏<br />

وعلى ما يبدو لي،‏ فإنني أجد قرابة بني بعض<br />

املعاجلات التكوينية وطرق عرض املفردات<br />

ما بني أرداش كاكافيان والفنان اإليطالي<br />

فرانشيسكو كليمنتي الذي قدم يف حقبة<br />

الثمانينات مجموعة من أعماله على الورق،‏<br />

متحورت حول الشكل البشري،‏ وخاصة أجساد<br />

النساء،‏ وصورته الذاتية،‏ واحلياة اجلنسية،‏<br />

واألساطير،‏ والرموز ذات املراجع الغير<br />

الغربية،‏ وايضا الرؤى احللمية وما يتعلق بها<br />

40


أرداش كاكاكفيان.الشوق لألخ<br />

.45 65 x سم.‏ زيت على القماش<br />

39


38


أرداش كاكاكفيان.‏ إمراة خلف درجات ذهبية.‏<br />

44 x 62 سم زيت على القماش<br />

أرداش كاكاكفيان.‏ إمراة مع وعاء لزهرة ارجوانية .<br />

45 x 85 سم.‏ زيت على القماش<br />

هل كان أرداش كاكافيان يا ترى رساماً‏<br />

تعبيرياً‏ تقليدياً‏ فحسب؟ هذا السؤال كان<br />

يحتل تفكيري منذ أن أدركت وجود جتليات<br />

تعبيرية واضحة وراسخة يف أعماله.‏ ومع<br />

ذلك،‏ وبعد مشاهدة العديد منها،‏ أدركت أنه<br />

قد يكون من الصعب تصنيفها حتت مظلة<br />

‏»التعبيرية التقليدية«.‏ ولرمبا لن أبالغ إذا قلت<br />

إن العديد مظاهرها ميكننا تصنيفها ضمن<br />

ما يُعرف ب ‏»التعبيرية اجلديدة«‏ التي ظهرت<br />

منذ الثمانينات وضمت بعض الشخصيات<br />

املعروفة يف تاريخ الفن املعاصر،‏ مثل الفنانني<br />

األمريكيني جوليان شنابل،‏ ديفيد سال،‏<br />

وميشيل باسكه،‏ إلى جانب الفنانني اإليطاليني<br />

ساندرو تشيا،‏ فرانشيسكو كليمنتي،‏ وميمو<br />

باالدينو،‏ والفنانني األملان أنسيلم كيفر،‏ جورج<br />

باسيليتز،‏ وغيرهم.‏<br />

وعلى الرغم من تباين معاجلات أرداش من<br />

حيث مواضيعه وأساليبه التقنية،‏ إال أنه<br />

قد أظهر لنا بعض األساليب املغايرة يف<br />

عمله البصري،‏ والتي تقترب بشكل كبير<br />

من مصاديق تلك التعبيرية اجلديدة،‏ ومنها<br />

نزعته العاطفية الشديدة،‏ ومترده على ما<br />

كان معتمداً‏ من شروط اإلنشاء التصويري<br />

أرداش كاكافيان:‏<br />

تعبيّرية التالعب<br />

باملنظور وزوايا<br />

النظّر<br />

عمار داود<br />

37


36


35


وما تالهنَ‏ من رموز يف التاريخ األُسطوري.‏<br />

إن اللون وشفافيته خاصة األبيض ساعد على<br />

منو الرموز وفك اشتباك الوحدات الفنية<br />

واملوضوعية.‏ لم يترك األُسس التي بني التاريخ<br />

معماره عليها،‏ وهو الصراع بني األطراف،‏<br />

صراع يستوجبه الوجود منذ بدء اخلليقة<br />

وتناميه عبر تنامي الوجود اإلنساني الذي<br />

فرض صراعاً‏ متعدد األطراف والبنى.‏<br />

البناء واملؤشرات األُخرى:‏<br />

التطور الذي حصل على مسعاه الفني بتوجهه<br />

نحو اخلط الدرامي من خالل تشييد بانوراما<br />

لرموزه املتعددة واملتضافرة لعبت األلوان<br />

املعتقة دوراً‏ أساسياً‏ يف حتريك التنامي<br />

البانورامي عبر سردية اللوحة لدراما مؤثرة.‏<br />

وشمل هذا حضور رموز املقدس كالقباب<br />

واحلروف،‏ وحضور الطير كرمز يُشير إلى<br />

االطمئنان وفك اشتباك الوجود.‏<br />

لقد كسر النمط بعكس صور وهيئات<br />

مخلوقات متخيلة أضفت على السطح ظاهرة<br />

الدهشة وكشفت عن قدرة املتخيّل الفني<br />

يف صياغة تفاصيل السطح.‏ إن مثل هذه<br />

االستعماالت الفنية عبّرت ببساطة عن وجوه<br />

احلياة التي شوهتها احلروب والتسلط غير<br />

الشرعي على وجود اإلنسان.‏ فهو نتاج أزمات<br />

منذ هجرته من تركيا على أثر اجملزرة املروعة<br />

التي حلّت باألرمن،‏ كذلك رحلته مجدداً‏ إثر<br />

تدهور املناخ السياسي،‏ وبدوافع امليل إلى<br />

التطور وحتقيق الذات،‏ فهو يدرك مدى قدرته<br />

على العطاء املتجدد،‏ ألنه يشعر مبسؤولية<br />

انتمائه إلى جيل معطاء داخل العراق،‏ لذا نرى<br />

أننا أمام فنان حقق منجزاً‏ باهراً‏ بالرغم من<br />

رحيله املبكر.‏<br />

أرداش كاكاكفيان<br />

‏.بدون عنوان.‏ زيت على القماش<br />

أرداش كاكاكفيان.عجالت املياه االربعة<br />

.116 89 x سم.‏ زيت على القماش<br />

34


يف كل احلضارات سواء كانت الرافدينية أو<br />

اإلنسانية عامّة،‏ فتعامله مع الذاكرة أتاح له<br />

فرصة حوارات ذاتية وموضوعية،‏ كانت عوناً‏<br />

له يف إجناز أعماله الفنية.‏ إنه يستحضر ما<br />

عاش مبكراً‏ يف الوطن وطوّره وفق فهمه ووعيه<br />

لألُ‏ سطورة وتعدد مناحيها يف املهجر.‏<br />

يف مجال رمزه القار واملرافق للوحاته جنده<br />

ارتبط مبخصب أزلي،‏ وهو املاء الذي شكّل<br />

عالمة دالة على النشاط اخلاص والعام،‏<br />

فهو رمز رافق النشأة األُولى للخلق سواء يف<br />

األساطير أو الكتب السماوية،كما جتسد خالل<br />

طقوس الصابئة املندائيني،أو وروده يف القرآن<br />

‏)وخلقنا من املاء كل شيء حيّ‏ ‏(.لذا نرى للرمز<br />

حيّزاً‏ كبيراً‏ داالً‏ على معاني متعددة تصب يف<br />

متحقق إخصاب احلياة.‏ أما بصدد اجلسد<br />

األُنثوي فنرى ثمة عناية برشاقته وتفرده سواء<br />

يف ما يضفيه الفنان من ألوان دالة على توقيره<br />

ومنحه دالالت متعددة،‏ إلى جانب الشكل<br />

للجسد برز اللون كمعني على إظهار سماته<br />

اخلاصة والعامّة.‏ ويف هذا اجلانب الذي<br />

يخص التعامل مع احلضور على السطح،‏ ثمة<br />

إضفاء تأثيرات املتخيّل الفني الذي يذهب<br />

بعيداً‏ يف ما يخص الداللة وبلورة املعنى العام،‏<br />

فهو غير معني بتفاصيل اجلسد،‏ بقدر ما<br />

يجسد طبيعة داللته األُسطورية املتوارثة.‏ إن<br />

فعل املتخيل يضيف سمات الدهشة التي هي<br />

اخلطوة األُولى للتعامل مع موجودات السطح،‏<br />

كما ذكرت نظرية ‏)اجلشتالت(‏ فهناك كل وثمة<br />

أجزاء تكشف املعاني النفسية.‏ كذلك تضفي<br />

عليه التوائم بني األلوان واخلطوط املتضامنة<br />

على جتسيد املعنى العام،‏ فالرائي البصري<br />

تأخذه الدهشة كخطوة أُولى يف التعامل،ثم<br />

محاولة استيعاب التفاصيل،وهو متحقق<br />

لصالح منجز الفنان يف معظم لوحاته.‏<br />

إن الفنان يتميز بخصوصية ذاتية أضافتها<br />

سيرته الشخصية،فهو محكوم بذاكرة يقظة<br />

تساعده،بل تضغط عليه كما هو منعكس يف<br />

لوحاته،‏ ونقصد بها رموز النشأة وتأثيرات<br />

املتغيرات يف حياته،‏ سواء داخل الوطن أو<br />

املهجر،‏ وحصراً‏ وجوده يف فرنسا الذي منحه<br />

احلرية يف تطوير أدواته املعرفية والفنية<br />

خصوصاً‏ دراسته فن العمارة التي ساعدته<br />

على تشكيل عمارة اللوحة مبحتواها املتعدد<br />

التركيب.‏ فالذاكرة يف لوحاته لعبت دوراً‏<br />

مركزياً‏ يف منجزه الفني،‏ وهي عامل ساعده<br />

على بلورة وجتاوز ملا نطلق عليه نقدياً‏ بالتحول<br />

الذي ال يُبقي الفنان ضمن حيّز التقليد<br />

والتكرار.‏ ولعل تعامله مع األنوثة ‏)جسداً(‏<br />

وضعه ضمن هذا اجملال احليوي يف حتقيق<br />

املنجز.‏ ولعل التنوع يف النظر إلى اجلسد<br />

بوقار هو العامل األهم،‏ كذلك مراعاة دالالته<br />

الرمزية كما ذكرنا،‏ ممزوج كل هذا بطبيعة<br />

احللم وفضائه املتسع واخلالق جملاالت رحبة.‏<br />

وهذا أيضاً‏ ارتبط باللون ومشتقاته،‏ مبا حقق<br />

نوعاً‏ من شعرية األداء،‏ السيما التوائم بني<br />

األلوان ودرجاتها التي دلت على <strong>حر</strong>ية التعامل<br />

والرصانة يف الكشف عن حموالت اللون.‏<br />

لقد عمل الفنان وهو ميارس خلق مناذجه على<br />

تأكيد الداللة الرمزية وخلق االشتباك وفك<br />

عُقَدِ‏ هِ‏ بوحدات ساعدت على تعميق املعنى من<br />

خالل تعميق الوحدات الفنية واملوضوعية،‏ كما<br />

هو الصراع بني الذكورة واألُنوثة التأريخي،‏<br />

مجسداً‏ يف شخصية ‏)حواء وعشتار وتيامات(‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ تكوين<br />

77.x 42 سم.‏ زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ امراة عارية ضخمة<br />

57.x 38 سم.‏ زيت على القماش<br />

33


32


ارداش كاكافيان،بدون عنوان،‏ زيت<br />

على القماش<br />

31


بالذاكرة والنشأة األُولى،‏ فهي مفردات جتسدت<br />

يف لوحاته،‏ ولعل ما ذكرناه يف مجال الظواهر<br />

الشعبية ذات العطاء الثر سمة واضحة،‏ كذلك<br />

مسعاه يف جتسيد وحضور املرأة يف لوحاته،‏ وهو<br />

منط فني تأثر مبا حصل يف حياته،‏ وهو فقدان<br />

األُم مبكراً،‏ فهو بهذا االستحضار إمنا يُعيد بوعي<br />

عالي املوازنة للوجود الذي ال يُبنى إال باملرأة كما<br />

تقول أُسطورة حواء وآدم.‏<br />

من هذا وغيره حقق الفنان ما يتوجب حتقيقه يف<br />

مجال االختيار،ما أكسبه سمة الشخصية الفنية<br />

القادرة باستمرار على العطاء املتجدد كما فعل<br />

الفنان)جواد سليم(‏ مثالً‏ .<br />

املؤشرات الفنية:‏<br />

ال شك أن العطاء املعبّر عن الوجود يعتمد على<br />

طبيعة الرؤى املتأثرة باملعارف،والفنان كان قد<br />

ترعرع ضمن حاضنة اهتمت بالثقافة واإلثراء<br />

املعريف الذي أتاح له التعبير عن توجهات اتسعت<br />

وفق سعة احلياة وتعدد مناحيها املشتبكة مع<br />

<strong>حر</strong>اك التاريخ العراقي الذي رافقته حتوالت<br />

مهمة،بلورت املواقف السياسية ومنها الثقافة<br />

والفن الالئي كانا مبستوى هذه التحوالت،إذ شمل<br />

الفن التشكيلي حصراً‏ مبثل ما شمل األجناس<br />

األُخرى،حيث أظهر هذا وكشف عن عالقات بني<br />

تلك األطراف ‏،مما عكس جتاوز املألوف بالتوجه<br />

كما ذكرنا إلى تشكيل جماعة بغداد للفن احلديث<br />

ونشر البيان التأملي للفنان)شاكر حسن آل سعيد(‏<br />

وجماعة األربعة وغيرها من النشاطات الفنية<br />

الدالة على وحدة الكلمة ورصانة املواقف املبدئية.‏<br />

أعقبتها يف األدب توجهات الشعراء ‏)بدر شاكر<br />

السياب،ونازك املالئكة وعبد الوهاب البياتي(.‏<br />

والفنان ‏)أرداش(‏ كان جزءاً‏ من هذه املنظومة<br />

الوطنية واإلبداعية،‏ حيث كانت له ممارسات<br />

فنية انعكست على سطوح لوحاته.‏ فللفنان<br />

رموزه ودالالتها،حيث ركز على رموز اجتمعت<br />

على وجود املرأة بأداء متنوع،‏ فهو مينح أداته<br />

الفنية <strong>حر</strong>ية التصرف يف رمزه املركزي وعلى<br />

أوجه مختلفة،‏ غير أنها جتتمع متكئة على<br />

رموز أُسطورية متوارثة التي عبّرت عنها يف<br />

البدء)حواء(‏ وفعلها املعريف املؤشر بتفاحة<br />

املعرفة.‏ ولعل فقدانه لألُ‏ م مبكراً‏ كما تقول<br />

السيرة،‏ لم تدفعه إلى تشويه منط األُسطورة<br />

يف التعبير،‏ بقدر ما دفعته إلى بلورة الرؤى<br />

اجلديدة يف التعامل مع هذا الكائن املؤثر<br />

30


ارداش كاكافيان.‏ شعور باالنتماء.‏<br />

306 x 184 سم.اكريلك على القماش<br />

29


28


ارداش كاكافيان.‏ تكوين<br />

81.x 65 سم.‏ زيت على القماش<br />

حموالت ذاكرة الفنان أرداش كاكافيان<br />

البحث عن املستقّر الفني<br />

جاسم عاصي<br />

ماذا يعني البحث:‏<br />

البحث على كل األصعدة يعني الدأب العملي<br />

واملعريف من أجل الوصول إلى الصيغة األكثر<br />

استيعاباً‏ للقدرة الذاتية من جهة،واالستعداد<br />

الستقبال ما يعني على بلورة الرؤية لألشياء مبا<br />

فيها العالقات العامّة واخلاصّ‏ ة من جهة أُخرى.‏<br />

أي أنه السبب الذي يخلق األسئلة ويدفع لإلجابة<br />

عليها.وهذا ديدن درج عليه املبدعون يف كل زمان<br />

ومكان.والفنان)أرداش(‏ من خالل تطور حياته<br />

اخلاصّ‏ ة شكّل أمنوذجاً‏ للفنان الذي يبحث عن<br />

مراميه اإلبداعية.فهو فنان جتريبي بامتياز.‏<br />

يبحث عن مستقر فني يخص األُسلوب الذي<br />

يضع شخصيته املبدعة موضع القناعة التي<br />

ال تتوقف عند حد معني،شأنه شأن املبدعني<br />

السابقني له والالحقني أيضاً،مؤمناً‏ أن التجارب<br />

الذاتية لها محموالت تُغني املاحول مشكالً‏ عالمة<br />

تتميّز بخصائصها من خالل عطاءها الدائم.‏<br />

فقد شكّل عالمة ضمن حقل اجلماعات الفنية<br />

التي عاصرها،فهو منتمي مبكراً‏ إلى جماعة<br />

بغداد للفن احلديث،كذلك وعى بجد عبر دراساته<br />

األكادميية ماذا يعني العطاء الفني،مبا ساهم يف<br />

بلورة واستقرار منهجه يف الرسم.‏ ثم أن اهتماماته<br />

خارج الفن وحصراً‏ اهتمامه باألدب والثقافة<br />

العامّة،منحه القدرة على الفرز واألخذ بعلمية<br />

صاعدة وغنية مبا تعنيه الهوية يف اإلنتاج.‏ فهو<br />

من جيل كان ينهل من املعرفة باستمرار وانتقاء<br />

مشفوع باالختيار الواعي الذي يُضيف إلى التجربة<br />

‏،السيما انتمائه إلى جماعة بغداد للفن احلديث.‏<br />

اجليل الذي أغنى جتربته من خالل سعة العالقات<br />

واإلصغاء بجدية لآلراء،لذا تأثر كثيراً‏ بتجربة<br />

‏)جواد سليم وحافظ الدروبي(‏ ومعظم املنضوين<br />

إلى اجلماعة الفنية آنذاك والتي أحدثت <strong>حر</strong>اكاً‏<br />

مهماً‏ يُرقى إلى فعل زحزحةً‏ ثوابت اجملال الفني.‏<br />

والذي دفع الفنان إلى تصعيد وتيرة التحول يف<br />

الشخصية الفنية هي دراساته التي ابتدأها من<br />

فرنسا والتأثر مبا نهله من الدراسة وما راقبه يف<br />

حقول اإلنتاج الفني ‏.فهو فنان دائم البحث عما<br />

يطور أدواته بزيادة معارفه خاصة األكادميية.‏<br />

فالدراسة ساعدته على تنشيط استعمال مخيلته<br />

التي أسهمت الذاكرة يف تكثيف استدعاء ما كان<br />

متأثراً‏ به،وحصراً‏ املوروثات الشعبية التي تُشكّل<br />

احملتوى واإلطار الغني الذي منحته املعارف<br />

تلك ‏،ومنها سعة النظر إلى املاحول من جهة<br />

واستيعاب كينونة األشياء وم<strong>حر</strong>كات الوجود الذي<br />

سبق أن شكّل شخصيته ومكّنها من قدرة ودربة<br />

االستقبال والفرز والبناء من جهة أخرى.‏ من<br />

هذا جند يف رسوماته ظاهرة املزج بني ما تأثر<br />

به أثناء الدراسة والعيش خارج الوطن،‏ وبني ما<br />

ورثه واحتفظت بها ذاكرته اليقظة.‏ مبعنى مزج<br />

يف أعماله بني تأثراته يف الغرب وبني سمات<br />

شرقيته التي منحته األصالة والسعة يف النظر إلى<br />

الظواهر.‏ من هذا جند يف تصنيفه كونه خارج كل<br />

االجتاهات راجع إلى استمراره يف بلورة شخصيته<br />

الفنية.‏ فضمن عطائه الفني الذي أشّ‏ ر تأثره<br />

26


كذلك كنا نتحدث عن الفرنسي اآلخر:‏ بول<br />

سيزان الذي هبط إلى كوكبنا بعينه التي<br />

التقطت العالم اخلارجي ‏)الطبيعة كما لو أنها<br />

ذات شبكية أخرى(‏ - وهذا تشبيه يعود الى<br />

ميرلو - بونتي.‏<br />

إال أن أرداش كانت تتعبه تساؤالت العلم.‏<br />

كذلك لم يرد،‏ غريزياً،‏ أن يترك العالم احلسي<br />

وتلقفه املباشر،‏ وألن اإلنسان ال بد أن ميلك<br />

ما يتحسس به طريقه يف هذا الظالم.‏ وكان<br />

على يقني تام بأن الفن،‏ بعامة،‏ عمل ال عالقة<br />

له بالنشاط العقلي،‏ إذ ليس مبكنة العقل أن<br />

يستوعب الواقع أو أن يفسره.‏ وألن األشياء ال<br />

ميكن إدراكها كما هي بل،‏ نحن الذين ندرك<br />

بعض مناذجها التي اعتدنا عليها ‏)برغسون(.‏<br />

وكان متحمساً‏ الختياري فلسفة هربرت ريد<br />

فيما يخص الدراسة األكادميية.‏ وكان شبه<br />

مأخوذ بفلسفته الفنية والستاتيكية،‏ أي فكرة<br />

ال عقالنية الفن التي يكون أساسها احلدس<br />

والغريزة وتلك القوة احليوية يف اإلنسان،‏ أي<br />

كل ما يشكل الوعي اجلمالي األول.‏ ويف الواقع<br />

ما انشد أرداش غليه أكثر من غيره لدى هذا<br />

الفيلسوف والشاعر والناقد اإلنكليزي هو فكرة<br />

التركيب الهيغلية - املاركسية،‏ أي تركيب ما<br />

أسماه ريد بالعالم احلسي للحقيقة املوضوعية<br />

واآلخر االجتماعي للكينونة االقتصادية<br />

الفعالة من ناحية،‏ وعالم الفنتازيا الذاتية<br />

من الناحية الثانية.‏ وبالفعل انتقل أرداش من<br />

مرحلة التلقف احلسي للعالم ‏)أعماله املبكرة<br />

خاصة إلى مرحلة التركيب تلك.‏ ويف الواقع<br />

كانت املشكلة األكثر جوهرية لدى أرداش هي<br />

اإلسكات األقصى ل ‏)أدبية(‏ التشكيل.‏ واألداة<br />

هنا هي التكرس لتقنيات اللون واخلط..‏ إلخ.‏<br />

وكان مغرماً‏ بشاغال بالرغم من إدراكه املؤلم<br />

لطغيان العنصر ‏)االدبي(‏ يف أعمال هذا<br />

الروسي.‏ كان مدركاً‏ للمستحيل يف التشكيل:‏<br />

التخلص التام من كل ما هو غير تشكيلي.‏<br />

والهاجس عنده كان يقوده إلى نصيحة<br />

كاندنسكي فيما يخص التمييز بني العمل<br />

الناقص تشكيلياً‏ واآلخر املقترب من ‏)جوهر(‏<br />

التشكيل:‏ لنصور،‏ فوتوغرافياً،‏ اللوحة باللونني<br />

األسود واألبيض فقط،‏ حينها نعرف قيمتها<br />

التشكيلية،‏ وهل هي تتكئ على قيم أخرى أم<br />

ال!‏<br />

كان أرداش ينفر من التجريدية الهندسية<br />

بشكل خاص بالرغم من وعيه العميق بجبروت<br />

فلسفة التجريد.‏ وألن لكل شيء يف الفن<br />

احلديث عالقات غير مباشرة،‏ فهل هناك<br />

عالقة ظاهرية بني لوحتي ‏)املسيح األصفر(‏<br />

لغوغان وبووغي - روغي ملوندريان مثال؟<br />

ويف الثمانينات إكتشف أرداش من جديد الفن<br />

الياباني الذي كان قد علم الغرب،‏ بأنه قد<br />

تكون للفن مهمة أخرى غير إعادة خلق املظهر<br />

الواقعي،‏ كأن تكون تنفيذ شيء آخر بعيد<br />

كبعد الصورة احلقيقية للعالم.‏ وكان أرداش<br />

يحب تكرار كلمة غوغان عن وجوب البحث يف<br />

التصوير عن اإليحاء وليس الوصف.‏ وما أذكره<br />

أيضاً‏ أنه لم ميل كثيراً‏ إلى ‏)ادعاء(‏ شاغال<br />

بأنه قاد إلى خلق وحدة ال تنفعل بني الشعر<br />

والتصوير.‏ وبالرغم من انحساره الطفولي<br />

بامليراث واحلياة الشعبية يصعب القول إن يف<br />

فن ارداش تأثرات مباشرة للخط أو الواسطي<br />

أو الرقش أو غيره.‏ وال أجد إال تفسيراً‏ واحداً‏<br />

وهو أن التأثير لم يكن مباشرا.‏ ففي أعماله<br />

الغرافيكية،‏ من الثمانينات مثالً‏ ، نلمس عناية<br />

خاصة بامليل إلى الزخرفة،‏ ولكن يصعب<br />

حتديد هويتها.‏ ونفس احلال أيضاً‏ التكوينات<br />

والشخوص التي قد تذكرنا،‏ بصورة ما،‏ بتلك<br />

الدهشة الدائمة عند شخوص الواسطي أو<br />

تلك العيون من سومر..‏ اال أن هذا كله ال ينفي<br />

متاماً‏ وجود أصول أخرى ايضاً.‏<br />

ال أعرف هل ثمة فرصة واقعية لفكرة إقامة<br />

معرض شامل لفن أرداش قد يساعد على<br />

كشف املوقع احلقيقي لهذا الفنان الذي كان<br />

‏)مجهوال(‏ بالرغم من تلك األضواء التي كانت<br />

تسلط عليه وعلى نتاجه من حني إلى آخر؟<br />

كنا قد اعتدنا على القول عند االفتراق:‏ إلى<br />

اللقاء على مستوى من مستويات الواقع.‏<br />

وال أعرف كم عدد هذه املستويات،‏ وأين هو<br />

املستوى الذي سأعثر فيه على هذا الصديق<br />

والفنان ؟<br />

25


ارداش كاكافيان 1972. تكوين.‏ 80 x 80 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

24


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏ زيت على القماش<br />

23


22<br />

ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏ زيت على القماش


ارداش كاكافيان،بدون عنوان،‏<br />

زيت على القماش<br />

21


20


ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏ زيت<br />

على القماش<br />

ارداش كاكافيان،‏ بدون عنوان،‏ زيت<br />

على القماش<br />

19


18


إال أن جتربة فناننا الكبير دخلت،‏ بصورة<br />

طبيعية،‏ بوتقة أرداش وجاءت بتفاعالتها<br />

غير املباشرة.‏ من ناحية أخرى أيضأ لم ييد<br />

أرداش الضعف السيء الصيت عندنا يف األخذ<br />

بالتقليعات اخلطية والتراثية ‏)ال أعرف إذا<br />

كانت هي تقليعات حقاً،‏ فهي ذاتها منذ عقود(.‏<br />

وما يحزنني حقاً‏ أنني ال أعرف أعماله يف<br />

التسعينات،‏ إال أنني على يقني بأنه بقي يف<br />

مشغله القدمي...‏<br />

كان أرداش طفالً‏ كبيراً‏ أعطوه خامات،‏ وها<br />

هو قد صنع منها أشياء مدهشة.‏ أمر أكيد<br />

أن تكوينه الفكري والثقايف واألدبي بخاصة<br />

ألقي بكامل ثقله على مساره التشكيلي.‏ ومرة<br />

اتفق معي بأن يف أعماله،‏ اجلرافيكية خاصة،‏<br />

ثمة تأثير واضح للفن السابع ‏)<strong>حر</strong>كة الكاميرا<br />

واملونتاج(‏ الذي كان مشغوفاً‏ به ‏)تذكرت اآلن<br />

« رحلتنا«‏ الطويلة عبر باريس لكي نشاهد يف<br />

آخر الليل يف دار للسينما يف الضواحي ‏)درسو<br />

أوزاال(‏ كوروساوا..(.‏<br />

كانت دراسته املعمارية قد قادت يده كمصور<br />

يف ما يخص التشييد واالنتباه إلى كل أشياء<br />

املكان.‏ ومرة اطلعني على دراسة كرسها حلسن<br />

فتحي وكانت من املفاجآت،‏ وهذه كان مغرماً‏<br />

بها طوال حياته.‏ لقد وجد يف املصري فناناً‏<br />

حكيماً‏ <strong>حر</strong>ص على أن ال تضيع بعض كنوز<br />

أرضه.‏ وقدر علمي نشرت الدراسة مجلة<br />

‏)فنون عربية(‏ التي كان يشرف عليها صديقنا<br />

الراحل بلند احليدري.‏<br />

كانت اللغة العربية عند أرداش مثل معشوقة<br />

جامحة تفتقد اخليال الالزم لكشف كل<br />

أسرارها بل حتى االنقياد لنزواتها.‏ واليوم أنا<br />

لست بقادر على تخطي أبسط حواجز الذاكرة<br />

التي هي عندي من أكبر اخلونة،‏ وإال لتذكرت<br />

ولو مقطعاً‏ صغيراً‏ من قصائده العجيبة التي<br />

مارس فيها عمليتني يف آن واحد:‏ كشف السر<br />

ودفعه أعمق يف متاهات لم يكتشف العلم<br />

املعاصر إال بعضها.‏ ولعلّ‏ أكبر سر كان لدى<br />

أرداش هو سر الوجود وغرابته.‏ وكان يأسف<br />

على أن السوريالية لم تطور عمل مختبراتها.‏<br />

يف اخلمسينات كنا نقرأ ألبير كامي الذي بدا<br />

حينها كأنه هبط علينا من كوكب آخر فيه<br />

كائنات زودت بجهاز عصبي ودماغ،‏ بل دستور<br />

أخالقي،‏ أكثر جوهرية من األخرى األرضية.‏<br />

ارداش كاكافيان امرأة االرضية الصفراء.‏ 38 x 58 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان بدون عنوان.‏ 72 x 60 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

17


16


أرداش كاكاكفيان<br />

فتى يف بيت الدعارة.‏ زيت على القماس<br />

15


14


13


ودقة.‏ كان يرد عند السؤال:‏ إنه احلدس!‏<br />

ويف ما بعد كنا نعد معاً‏ يف الثمانينات<br />

أشعار جميلة،‏ للنشر،‏ وكالعادة جذبته خطط<br />

ومشروعات أخرى.‏<br />

كان يكتب إليّ‏ رسائل من طراز غير مألوف<br />

تذكرني مبسودات دوستويفسكي عند كتابته<br />

‎‏)األبالسة(‏ خاصة،‏ ففيها أشعاره وتخطيطاته<br />

وأقوال للكتاب والفالسفة األقرب الينا.‏ األن<br />

بعد رحيله يشتد تأنيب الضمير،‏ فقد بقيت كل<br />

هذه التركة الثمينة وغير االعتيادية يف مكان<br />

آخر.‏<br />

ال أريد هنا أن أطرق باب ‏)البيوغرافيا(‏<br />

‎ فللسيرة مطباتها وأوهامها املزمنة،‏ بل أحتدث<br />

عن فنان من طراز غير مألوف عندنا.‏<br />

كان هاجسه الدائم أال ينسى ماضيه وطفولته<br />

وكل أشياء بلده،.‏ ولم تكن تلك مسالة تخص<br />

ذلك التوق التقليدي أو االنغالق املعتمد على<br />

طقوس وعادات وماض إلخ،‏ بل كان يقينه بأن<br />

ال<strong>فضاء</strong> احليوي واألوكسجني يكمنان هناك.‏<br />

لم تكن ثقافة أرداش ‏)ببغاوية(‏ أو من النوع<br />

الذي يحل محل ‏)منديل جيب الصدر(‏ كما<br />

نقول يف العراق.‏ كان يعيش باستمرارية<br />

مدهشة ما كان قد انفعل معه من نتاجات<br />

وجتارب قبل أعوام طويلة.‏ وكانت هناك ذائقته<br />

واختياراته الفنية ‏)من األوبرا إلى ال<strong>فضاء</strong><br />

الشعبي(‏ الصائبة.‏<br />

أما أرداش التشكيلي فكان يسير إلى النهاية<br />

على دربه األول الذي قد نسميه،‏ بقدر كبير<br />

من التبسيط:‏ التعبيرية.‏ إال آنها كانت تعبيرية<br />

يف حتول دؤوب.‏ س<strong>حر</strong>ته يف البدء أسماء<br />

ومدارس معينة:‏ أدفارد مونخ،‏ غوغان،‏ محمود<br />

سعيد،‏ التراث التشكيلي القدمي،‏ كبار رسامي<br />

املدرسة املكسيكية.‏<br />

ثم جاء دور املدارس الغربية،‏ إال أنه كان<br />

يتناولها عبر هذا املوشور التقني أو ذاك.‏<br />

وكان التأثير السوريالي واضحاً‏ يف أعماله من<br />

السبعينات والثمانينات على سبيل املثال،‏ لكنها<br />

لم تكن مختومة بهذا االسم املعروف أو ذاك.‏<br />

لقد كان يقترب،‏ باأل<strong>حر</strong>ى،‏ من بناء السوريالية<br />

الفلسفي حسب،‏ ولم يقتف أبدآ خطوات<br />

كبارها.‏<br />

من ناحية اخرى:‏ لم يرد أرداش أن يواصل<br />

دهشة االكتشاف لدى جواد سليم عندما<br />

فتح صندوق التراث بشقيه الشعبي واآلخر.‏<br />

ارداش كاكافيان تكوين.‏ 72 x 58 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان مالكني.‏ 72 x 60 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

12


11


ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان<br />

ارداش كاكافيان.‏ بدون عنوان<br />

65 x 94.5 سم.‏ زيت على القماش<br />

سالم عليك يا أرداش يوم<br />

ولدت يف ربوع العراق،‏ ويوم مت يف الغربة،‏<br />

ويوم عاد رفاتك بناء على وصيتك إلى أرض<br />

العراق.‏<br />

وسالم عليك يوم تبعث حياً‏ من أعماق تلك<br />

األرض التي عشقتها ويقيت وفياً‏ لها.‏<br />

علينا اآلن أن نبحث عن لوحات أرداش،‏<br />

ونسجل سيرة حياته،‏ ونضعه يف املكان الالئق<br />

به يف تاريخ الفن التشكيلي العراقي املعاصر،‏<br />

وأن نقيم معرضاً‏ شامالً‏ لفنه،‏ وما أصعب هذه<br />

املهمات يف هذا الزمن الصعب.‏<br />

عرفت أرداش منذ سني البلوغ.‏ وكان واضحاً‏<br />

أنه يفوق سنه يف املنطقتني الذهنية واحلسيّة.‏<br />

كان يلتهم،‏ ني اخلمسينات،‏ الكتب بشراهة<br />

الكاتب احملترف.‏ يطلب مني أن أصحح إلقاء<br />

أشعار اليوت وباوند والسياب وغيرهم.‏<br />

فالعربية كانت لغته الثانية،‏ بالرغم من أن<br />

طرحه لألفكار واملشاعر بها يبدو أكثر اتقانا<br />

10


ارداش كاكافيان.‏ قارب ازرق كبيرء 90 x 60 سم.‏<br />

زيت على القماش<br />

9


8


7


ارداش كاكافيان.‏ رجل ميت يف القارب<br />

. 80 40 x سم زيت على القماش<br />

ارداش كاكافيان.‏ امراة حتدق يف القوارب<br />

البيضاء.‏ 40 x 52 سم زيت على القماش<br />

عدنان املبارك<br />

أرداش<br />

كاكافيان<br />

الطفل الي<br />

أراد فك سّرّ‏<br />

الوجود<br />

جاء هاتف صديقي األستاذ ماجد السامرائي يخبرني<br />

فيه بوفاته ومضمون وصيته ورفاة جسده الذي حملته<br />

زوجته الفرنسية إلى العراق بناء على وصيته.عندما<br />

أغلقت سماعة الهاتف بعد ذلك اخلبر وقفت بخشوع<br />

وعيون دامعة وقرأت سورة الفاحتة على روح هذا الفنان<br />

العراقي األصيل.‏<br />

6


الفنان أرداش كاكاكفيان<br />

بورتريت اشلي كوركي 90 x 122 سم.‏ زيت<br />

على القماس


الغالف االول.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏ زيت على<br />

القماش،‏ مجموعة متحف الفن<br />

احلديث،‏ بغداد<br />

الغالف االول.‏<br />

ارداش كاكافيان.‏‎1987‎<br />

الصديقتان.‏ طباعة ليثوغراف<br />

على الورق<br />

60 x 80 سم.‏ مجموعة<br />

االبراهيمي،‏ عمان<br />

عدنان املبارك : أرداش كاكافيان،‏ الطفل االي أراد فك سر الوجود.‏<br />

جاسم عاصي : حموالت ذاكرة الفنان أرداش كاكافيان.‏<br />

عمار داود : أرداش كاكافيان،‏ تعبيرية التالعب باملنظور وزوايا النظر .<br />

سعد القصاب : أرداش كاكافيان،‏ هذا الراوي حلكايات تصويرية غامضة ،<br />

وشخصية دائماً‏<br />

ماجد السامرائي : أرداش كاكافيان،‏ إزاء أعمال الفنية.‏<br />

شهادات : بلند احليدري ، شربل داغر .<br />

صالون اجمللة<br />

وثائق<br />

<strong>ماكو</strong> ٢<br />

ضياء العزاوي : وضاح فارس،‏ مبدعاً‏ وصديقاً.‏<br />

معاذ االلوسي : رحيل الصديق وضاح فارس .<br />

شربل داغر،‏ مهى سلطان ورمي النخل<br />

مي مظفر : وضاح فارس كما عرفته<br />

تشكر مجلة <strong>ماكو</strong> متحف الفن احلديث،‏ بغداد.‏<br />

مجموعة االبراهيمي،‏ عمان.‏ ارشيف ضياء العزاوي،‏<br />

لندن.‏<br />

اهتم أرداش كاكافيان بتطوير تكويناته يف سياق التأكيد على محورية اجلانب التشخيصي مع<br />

اهتمام لوني محدود.‏<br />

( ال أستطيع أن أغيّب اإلنسان من أعمالي فهو حاضر دائماُ‏ ويف حساسية قاسية وشفافة يف<br />

آن واحد.‏ وهذا اإلنسان هو طفل يف أحيان كثيرة،‏ ألن الطفل يرى األمور على حقيقتها وال<br />

تخضع نظرته إلى التسوية التي يعرفها البالغ(‏<br />

هذا ما صرح به ارداش يف إحدى املقابالت الصحفية،‏ لعله يف ذلك حاول عبر هذا اإلصرار أن<br />

يتعرف على والده الذي جاء إلى املوصل طفالً‏ مشرداً‏ بعد املذابح التي قامت بها السلطات<br />

العثمانية ضد األرمن.‏ تعرف ارداش على جواد بعد أن غادر املوصل إلى بغداد،‏ فيصفه ب ( أنه<br />

ليس أستاذي فقط بل صديقي أيضا،‏ كان دائماً‏ يزورني يف البيت ويرى أعمالي اجلديدة(.‏<br />

انضم أرداش إلى جماعة بغداد،‏ بيد أن هذه العالقة لم تبدل اهتماماته ولم تقربه من جتربة<br />

جواد التي تقع على الضد مما كان يرسمه.‏ كان معجباً‏ بغوغان وفناني املكسيك،‏ وأراد أن يرى<br />

أعمالهم بعينيه،‏ وهذا اإلعجاب،‏ مصحوبة بظروف اخرى،‏ زرع فيه رغبة السفر،‏ فغادر العراق<br />

عام 1961 وعاش يف باريس مع سنوات قليلة يف أميركا.‏<br />

يف سنواته األخيرة فضّ‏ ل االنزواء يف الريف الفرنسي،‏ ويف عمق محافظة النورمندي،‏ إذ وجد<br />

يف تلك الزاوية من الطبيعة ما يقربه من أيام صباه حيث كان يعيش مع أهله يف املوصل<br />

بقرب جامع النبي يونس والنهر،‏ وما يعيد هواجسه الذاتية القدمية،‏ ففي عزلته الريفية<br />

حاول أن يستعيد إحساس الطفل الذي كانه،‏ ولكنها استعادة مستحيلة.‏<br />

يف سنواته األخيرة توقف عن العرض،‏ وفضّ‏ ل أن يعيش عزلة احملترف مثل أي فنان آخر،‏<br />

وكما يقول رمبا أنا أختلف عن البعض يف أنني أعيش حالياً،‏ فنياً‏ وإنسانياً،‏ فترة إعادة النظر<br />

بحياتي كاملة،‏ إعادة النظر بتفاؤلي القدمي وباخلراب الذي أدى إليه.‏<br />

هذا العدد من ‏»<strong>ماكو</strong>«‏ مكرس للفنان أرداش كاكافيان الذي كان قد انقطع عن اإلنتاج الفني<br />

يف عزلته املديدة،‏ على أمل التذكير بفنان تعبيري مهم ، عاش مخلصاً‏ لفنه وألفكاره ورموز<br />

طفولته احلزينة،‏ والستعادة جانب من سيرته احلياتية والفنية.‏ تنشر ‏»<strong>ماكو</strong>«‏ يف هذا السياق<br />

عدداً‏ من املقاالت النقدية التي تناولت هذه السيرة من جوانب مختلفة مصحوبة بصور<br />

ألعماله الفنية . ونذكر بهذا الشأن أن مشاركات أرداش يف املعارض اجلماعية يف اخلمسينات<br />

كانت قد أثارت اهتمام الصحافة وبشكل خاص الفنان والناقد املصري أحمد مرسي الذي<br />

عمل يف بغداد كمدرس للغة اإلنكليزية ونشأت بينهما عالقة صداقة ومراسالت استمرت حلني<br />

وفاته.‏ ومن املؤسف لم نتمكن من العثور على هذه املراسالت يف أرشيف الفنان مرسي بالرغم<br />

من اإلشارة إليها.‏<br />

<strong>ماكو</strong>


أرداش كاكاكفيان<br />

‏.بدون عنوان زيت على القماش


1-<strong>2024</strong><br />

السنه اخلامسة،‏ العدد االول ، اذار <strong>2024</strong>

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!