17.08.2017 Views

العمدة في إعداد العدة

Mektebe -> Arapça Kitablar -> Cihad

Mektebe -> Arapça Kitablar -> Cihad

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

2


المقدمة<br />

إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره،‏ ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،‏ من يهده هللا فال مضل له،‏<br />

ومن يضلل فال هادي له.‏<br />

وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له،‏ وأشهد أن حممدا عبده ورسوله.‏<br />

‏}يا أيها الَّذِينَ‏ آمَنُوا اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ حَقَّ‏ ثقاتهِ‏ وَ‏ ال تَمُوتُنَّ‏ إِالَّ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ مُسْلِمُونَ{.‏<br />

‏}يا أيها النَّاسُ‏ اتَّقُوا رَ‏ بَّكُمْ‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ مِنْ‏ نَفْسٍ‏ وَ‏ احِ‏ دَةٍ‏ وَ‏ خَلَقَ‏ مِنْهَا زَ‏ وْ‏ جَهَا وَ‏ بَثَّ‏ مِنْهُمَا رِ‏ جَاال ً كَثِير ً ا وَ‏ نِسَاء ً وَ‏ اتَّقُووا<br />

‏َّللاَّ‏ َ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ‏ بِهِ‏ وَ‏ األَرْ‏ حَامَ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ كَانَ‏ عَلَيْكُمْ‏ رَ‏ قِيب ‏ًا{‏<br />

‏}يا أيها الَّذِينَ‏ آمَنُوا اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ قُولُوا قَوْ‏ ال سَدِيد ‏ًا يُصْلِحْ‏ لَكُمْ‏ أَعْمَالَكُمْ‏ وَ‏ يَغْفِرْ‏ لَكُمْ‏ ذُنُوبَكُمْ‏ وَ‏ مَنْ‏ يُِِْْ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ قَقَو ‏ْد<br />

قَازَ‏ قَوْ‏ ز ً ا عَظِيم ‏ًا{.‏<br />

أما بعد<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

«:<br />

إَِّنمَا األَعْمَالُ‏ ابِلنِّيّات وَإَِّنمَا لكل امْرِئٍ‏ مَا ن ‏َوَى فَمَنْ‏ كَانَتْ‏ هِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ اَّللمِ‏<br />

وَرَسُولِهِ‏ فَهِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ اَّللمِ‏ وَرَسُولِهِ‏ وَمَنْ‏ كَانَتْ‏ هِجْرَتُهُ‏ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ‏ امْرَأَةٍ‏ ينْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ مَا هَاجَرَ‏ إِلَيِْه«‏ . 1<br />

وبعد:‏ فقد ذكرت يف الرسالة الثانية من هذه السلسلة.‏ وهي رسالة ‏)دعوة التوحيد(،‏ أن توحيد الربوبية يقتضي إِفْرَادَ‏ هللا<br />

تعاَل وحده ابألمر ومنه التشريع خللقه كما يقتضي إِفْرَادَهُ‏ ابخللق،‏ قال تعاَل:‏ ‏}أَالَ‏<br />

الخَلْ‏ ‏ُق لَهُ‏<br />

وَ‏ األَمْر{‏ ، 2 وأن<br />

توحيد األلوهية يقتضي امتثال أمره سبحانه وشرعه الذي أرسل به رسله،‏ وقد ختمهم سبحانه مبحمد صلى هللا عليه<br />

وسلم فبعته بشريعة كاملة مفصلة وا<strong>في</strong>ة مبا يُصْلِحُ‏ اخللق يف دنياهم وأخراهم إَل يوم القيامة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْ‏ ‏ُت<br />

4<br />

3<br />

لَكُمْ‏ دِينَكُمْ{‏ ، وقال تعاَل:‏ { وَ‏ نَزَّ‏ لْنَا عَلَيْكَ‏ الْكِتَابَ‏ تِبْيَانًا ِ لِكُل شَيْءٍ{‏ ‏،وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا اخْتَلَفْتُمْ‏ قِيهِ‏ مِنْ‏ شَيْءٍ‏<br />

5<br />

قَحُكْمُهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، فلم يبق شيء إال وهلل تعاَل <strong>في</strong>ه حكم ال حيتاج معه اخللق إَل حكم غريه.‏<br />

3<br />

- 1<br />

2<br />

متفق عليه.‏<br />

- سورة األعراف.‏ اآلية<br />

.54<br />

- 3<br />

- 4<br />

- 5<br />

سورة املائدة.‏ اآلية<br />

سورة النحل.‏ اآلية<br />

سورة الشورى اآلية<br />

.3<br />

.98<br />

.11


فمن عَدَلَ‏ عن حكم هللا تعاَل إَل حكم غريه فقد اختذ إهلا مع هللا،‏ إذ مل يُفرد هللا تعاَل ابألمر واحلكم كما قضى<br />

سبحانه بقوله:}إِنْ‏ الْحُكْمُ‏ إِالَّ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ أَمَرَ‏ أَالَّ‏ تَعْبُدُوا إِالَّ‏<br />

إِيَّاهُ{‏ 1 ‏.ومن أسبغ هذا احلق الإهلي اخلال وهو حق التشريع<br />

على أحد من اخللق،‏ فقد جعل هلل عَدْالً‏ ونظريا،‏ وهذا الشك يف كفره لقوله تعاَل:}‏<br />

2<br />

يَعْدِلُونَ{‏ . أي جيعلون هلل عَدْالً‏ ونظرياً‏ يف صفاته وأفعاله ومنها التشريع.‏<br />

ثُمَّ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا بِرَ‏ ب ‏ِهِ‏ ‏ْم<br />

ومن هذا تدرك اي أخي املسلم أن النظم البشرية املخرتعة من قوانني وضعية ودميقراطية واشرتاكية وشيوعية وغريها من<br />

الضالالت اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان هي كلها كفر بواح،‏ وتدرك أيضا أن حكم الطواغيت القائم بكثري من<br />

بلدان املسلمني على هذه النظم هو عدوان صارخ على ألوهية هللا تعاَل خللقه<br />

يف هذه األرض،‏ قال تعاَل:}وَ‏ هُ‏ ‏َو<br />

3<br />

الَّذِي قِي السَّمَاءِ‏ إِلَهٌ‏ وَ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ إِلَهٌ{‏ ، أي املعبود يف السماء واألرض،‏ ذلك العدو لن الذي يوجب على املسلمني<br />

أن ي ‏َهُبُّوا ليدفعوا عن ألوهية رهبم سبحانه،‏ وهذا هو معىن نصرة هللا تعاَل املذكورة يف قوله سبحانه:‏ ‏}إِ‏ ‏ْن تَنصُرُ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ<br />

4<br />

يَنصُرْ‏ كُمْ{‏ ، ويُطْلَقُ‏ على هذا شرعاً‏ اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل.‏<br />

إن هللا تعاَل غين عن خلقه،‏ وقال سبحانه:‏ ‏]اي عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروين ولن تبلغوا نفعي فتنفعوين[‏<br />

وهو سبحانه إَّنا ابتالان يف هذه الدنيا ابلكافرين فتنة واختبارا لنا،‏<br />

5<br />

.<br />

وأمران جبهادهم ودفعهم،‏ ليعلم سبحانه صادق<br />

الإميان الذي سيمتثل أمره ابجلهاد من كاذب الإميان القاعد عن اجلهاد،‏ قال تعاَل}وَ‏ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ‏ لِبَعْضٍ‏ قِتْنَةً‏<br />

7<br />

6<br />

أَتَصْبِرُ‏ ونَ‏ وَ‏ كَانَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ بَصِ‏ ً يرا{‏ ، وقال سبحانه:‏ ‏}وَ‏ لَنَبْلُوَ‏ نَّكُمْ‏ حَتَّى نَعْلَمَ‏ الْمُجَاهِدِينَ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ الصَّابِرِ‏ ي ‏َن{‏ . مع قدرته<br />

سبحانه اليت ال يشك <strong>في</strong>ها على إهالك الكافرين ب ‏“كن <strong>في</strong>كون”،‏ وإَّنا أراد سبحانه اختبار صدق إمياننا كما قال<br />

9<br />

تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ وَ‏ لَوْ‏ يَشَاءُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ النتَصَرَ‏ مِنْهُمْ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ لِيَبْلُوَ‏ بَعْضَكُمْ‏ بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ جَاهَدَ‏ قَإِنَّمَا يُجَاهِ‏ ‏ُد<br />

8<br />

لِنَفْسِهِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَغَنِيٌّ‏ عَنْ‏ الْعَالَمِينَ‏ } .<br />

وهنا البد أن يربز لكل منا السؤال التايل:‏ كيف يتأتى لنل القيام بواجب اجلهاد وحنن يف هذا احلال من الضعف<br />

والتفرق وقِلمة احليلة؟ واجلواب هو قوله تعاَل:}‏<br />

‏َوأَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا<br />

4<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

- 6<br />

7<br />

9<br />

8<br />

- سورة يوسف اآلية:‏‎41‎‏.‏<br />

- سورة األنعام اآلية‎1‎‏.‏<br />

- سورة الزخرف،‏ اآلية:‏‎94‎<br />

- سورة حممد،‏ اآلية:‏‎7‎‏.‏<br />

- رواه مسلم عن أيب ذر مرفوعا<br />

سورة الفرقان،‏ اآلية:‏<br />

- سورة حممد،‏ األية:‏<br />

- سورة حممد،‏ األية:‏<br />

- سورة العنكبوت،‏ اآلية:‏‎6‎<br />

.21<br />

.31<br />

4


إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الصَّابِرِ‏ ينَ{‏ ، 1 وقوله تعاَل:}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، 2 وقال ابن تيمية رمحه هللا:)كما جيب<br />

االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز،‏ فإنه ماال يتم الواجب إال به فهو واجب(‏ ، 3<br />

فجواب السؤالِ‏ السابقِ‏ هو أن القيام بواجب اجلهاد يتأتى ابل<strong>إعداد</strong>،‏ ذلك ال<strong>إعداد</strong> الذي جعله هللا تعاَل فرقاان بني<br />

املؤمن واملنافق يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَرَ‏ ادُوا الْخُرُ‏ وجَ‏ ألَعَدُّوا لَهُ‏ عُدَّةً‏ وَ‏ لَكِنْ‏ كَرِ‏ هَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَاثَهُمْ‏ قَثَبََِّهُمْ‏ وَ‏ قِيلَ‏ اقْعُدُوا مََْ‏<br />

4<br />

الْقَاعِدِينَ{‏ ، وهذا ال<strong>إعداد</strong> الواجب هو موضوع هذه الرسالة،‏ رسالة ‏)<strong>العمدة</strong> يف <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>(.‏<br />

وال<strong>إعداد</strong> للجهاد يبدأ بتكوين مجاعة مسلمة كما قال صلى هللا عليه وسلم ‏:»وَأَانَ‏ آمُرُكُمْ‏ ‏ِبَِمْسٍ‏ اَّللمُ‏ أَمَرَينِ‏ هبِِنم ابِجلَْمَاعَِة<br />

5<br />

وَالسممْعِ‏ وَالطماعَةِ‏ وَاهلِْجْرَةِ‏ وَاجلِْهَادِ«‏ ، فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين مجاعة من املؤمنني بوجوب اجلهاد يدعون غريهم للقيام<br />

6<br />

هبذا الواجب}حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَى الْقِتَا ‏ِل{‏ ، ويُعِدُّونَ‏<br />

وال<strong>إعداد</strong> للجهاد نوعان:‏ مادي وإمياين:‏<br />

لألمر عُدمته على خري وجهٍ‏ مستطاع.‏<br />

أما ال<strong>إعداد</strong> املادي،‏ فهو <strong>إعداد</strong> يف احملور األفقي ‏)حمور الكَمِّ(،‏ وله شِ‏ قمان،‏ شِ‏ قٌّ‏ شرعي يتعلق بتكوين اجلماعة والسياسة<br />

الشرعية املتبعة يف إدارهتا وعالقات أفرادها،‏ وشقّ‏ فردي يتعلق ابلفنون العسكرية.‏<br />

وأما ال<strong>إعداد</strong> الإمياين،‏ فهو <strong>إعداد</strong> يف احملور الرأسي ‏)حمور الكَيْف(،‏ ويتعلق بتَنْشِ‏ ئَة هذه اجلماعة على أصول شرعية<br />

مستقيمة وكي<strong>في</strong>ة <strong>إعداد</strong> الفرد اجملاهد إميانيا.‏<br />

وهذه الرسالة تتناول الشق الشرعي من ال<strong>إعداد</strong> املادي وقسطاً‏ كبرياً‏ من ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏<br />

وقد واكب تصنيف هذه الرسالة أن طلب مين بعض الإخوة األفاضل الذين مارسوا التدريب العسكري واجلهاد عمليا<br />

أن أكتب هلم رسالة يف بعض مسائل السياسة الشرعية املتعلقة بعالقة الإخوة بعضهم ببعض يف معسكرات التدريب<br />

ويف ساحات اجلهاد،‏ فعزمت بعد استخارة املوَل جل شأنه على<br />

أن أصوغ هذه الرسالة مبا يؤدي الغرضني:‏ غرض<br />

حبث مسألة <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> وغرض كتابة رسالة إَل معسكرات التدريب الإسالمية،‏ خاصة وأن التدريب جزء أساسي من<br />

ال<strong>إعداد</strong>،‏ وعرضت الغرض من خالل الثاين،‏ فصغت الرسالة كرسالة موجهة إَل معسكرات التدريب ومن خالل ذلك<br />

تناولت مسألة <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>،‏ ابعتبار معسكر التدريب أَّنوذجاً‏ مصغراً‏ للعمل الإسالمي اجلماعي،‏ وما ينطبق على هذا<br />

املعسكر من ضوابط شرعية ينطبق كذلك على أي جمتمع إسالمي.‏<br />

وقد اجتهدت يف تقسيم هذه الرسالة بعد املقدمة إَل مخسة أبواب،‏ وهي:‏<br />

- سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

- سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

- جمموع الفتاوى:‏<br />

.46<br />

.61<br />

258/29<br />

-<br />

سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

.46<br />

- رواه أمحد عن احلارث األشعري،‏ والرتمذي وصححه.‏<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

.65<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

5


الباب األول:‏ تَذْكِرة يف الإخالص واالحتساب.‏<br />

الباب الثاين:‏ حكم التدريب العسكري للمسلمني.‏<br />

الباب الثالث:‏ الإمارة.‏<br />

الباب الرابع:‏ واجبات األمري.‏<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

أ<br />

<br />

-<br />

الباب اخلامس:‏ واجبات األعضاء.‏<br />

وابلنظر إَل املوضوعات اليت حتدثت <strong>في</strong>ها فقد جاءت هذه الرسالة مشتملة على:‏<br />

مسائل متعلقة ابلسياسة الشرعية وهي صلب الرسالة،‏ وتبحث يف عالقة املسلم أمريا كان أو مأمورا إبخوانه يف<br />

العمل الإسالمي.‏<br />

ب<br />

ج<br />

-<br />

-<br />

مسائل متعلقة ابجلهاد،‏ وليس الغرض منها استيعاب أحكام اجلهاد الفقهية،‏ ولكن أردت التنبيه على موقع<br />

اجلهاد من هذا الدين وهو ما مسيته ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(،‏ مع بعض مسائل متفرقة من فقه اجلهاد.‏<br />

مسائل متعلقة بضوابط فهم هذا الدين احلنيف،‏ ضمنتها <strong>في</strong>ما مسيته ‏)أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة أو منهج<br />

أهل السنة واجلماعة(.‏<br />

- د<br />

مسائل متعلقة ابآلداب الإسالمية خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق بعالقة املسلم إبخوانه.‏ وقد تبدو هذه املسائل غري مرتابطة،‏<br />

ولكنها يف احلقيقة ختدم هدفا واحدا وهو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل،‏ دوافعه،‏ ال<strong>إعداد</strong> له،‏ وغايته،‏ وكيف حنافظ عليه<br />

من استغالل املنافقني وقطاع الطريق إَل هللا تعاَل.‏ هذا وقد اضطررت لالستطراد يف بعض املواضع للرد على بعض<br />

الشبهات املتعلقة مبوضوعنا وركزت يف هذا على الشبهات الصادرة من الوسط الإسالمي لكوهنا أخطر يف تقديري<br />

على املسلمني من الشبهات الصادرة من غري املسلمني كاملستشرقني وحنوهم،‏ هذا ابلإضافة إَل قيام كتاب أفاضل ابلرد<br />

على شبهات هؤالء املستشرقني وتالميذهم.‏<br />

كذلك فقد فصلت القول يف مواضع إذ إنين أردت أن تكون هذه الرسالة ذات هدف تعليمي لإلخوان املسلمني.‏<br />

وقد التزمت قدر االستطاعة أال أذكر قوال أو حكما إال مقرتان أبدلته الشرعية من الكتاب والسنة.‏ حىت يرتسخ هذا<br />

املنهج يف نفوس العامني لنصرة دين هللا تعاَل خاصة ويف نفوس املسلمني عامة،‏ وهو أال يقبلوا قوال من أحد إال بدليل<br />

شرعي فنحن نتعبد بكالم هللا تعاَل وكالم رسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ قال تعاَل:}وَ‏ مَنْ‏ يُِِْْ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ يُدْخِ‏ لْهُ‏<br />

جَنَّاتٍ‏ تَجْرِ‏ ي مِنْ‏ تَحْتِهَا األَنْهَارُ‏ خَالِدِينَ‏ قِيهَا وَ‏ ذَلِكَ‏ الْفَوْ‏ زُ‏ الْعَظِيمُ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَعْصِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ يَتَعَدَّ‏ حُدُودَهُ‏ يُدْخِ‏ لْهُ‏<br />

ً نَارا خَالِد ‏ًا قِيهَا وَ‏ لَهُ‏ عَذَابٌ‏ مُهِي ‏ٌن{‏ ، 1 والعصمة يف قول هللا تعاَل وقول رسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ إذ جعل هللا تعاَل<br />

الرد عند التنازع إليه سبحانه وإَل رسوله صلى هللا عليه وسلم فال معصوم بعد ذلك،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

.14 13<br />

1<br />

6


شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏<br />

إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُو ‏ِل{‏ ، 1 فال ي ‏ُقْبَل قول يف دين هللا من أحد إال إذا كان مستندا إَل ن كتاب أو سنة أو<br />

إمجاع معترب أو قياس صحيح،‏ وذلك حىت ال يقع املسلم يف حبائل قطاع الطرق إَل هللا ابسم الدعوة إَل هللا عز وجل.‏<br />

وكنت قد شرعت يف إصدار سلسلة من الكتب ابسم ‏)سلسلة دعوة التوحيد(‏ فجعلت هذه الرسالة إحدى حلقات<br />

هذه السلسلة،‏ وحري هبا أن تكون كذلك،‏ وكيف ال واجلهاد إَّنا شُرِعَ‏ لنشر دعوة التوحيد ولنصرهتا ومحايتها،‏ أمل يقل<br />

2<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:»أُمِرْتُ‏ أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا...«‏ ،<br />

وقال صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

واجلهاد من وسائل حتقيقها.‏<br />

«<br />

بُعِثْتُ‏ ابلسيف بني يدي الساعة حىت يعبد هللا وحده ال شريك له<br />

3<br />

» . فالتوحيد غاية<br />

وأنبه القارئ إَل أنين جلأت إَل تقطيع احلديث لالستدالل ببعضه يف مواضع من هذه الرسالة أخذاً‏ مبذهب من جييز<br />

ذلك من أهل العلم كالبخاري رمحه هللا وغريه.‏<br />

4<br />

كما أنبه إَل أن اخلط الذي يوضع للتنبيه على الكالم املهم،‏ قد جعلته أعلى الكالم جراي على طريقة السلف وليس<br />

أسفل الكالم كما هي عادة الإفرنج.‏<br />

وقد كتبت هذه الرسالة احتسااب عند هللا تعاَل،‏ راجيا القبول والثواب،‏ وجزى هللا كل من ساهم يف نشرها خريا،‏ آمني.‏<br />

كتبها إيمانا واحتسابا<br />

عبد القادر بن عبد العزيز.‏<br />

7<br />

1<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

.58<br />

2<br />

3<br />

4<br />

- احلديث متفق عليه عن ابن عمر<br />

- رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر<br />

- يف هذه النسخة كتب ‏ِبط غليض.‏


8


الباب األول:‏<br />

تَذْ‏ كِرَة <strong>في</strong> اإلخالص<br />

واالحتساب.‏<br />

9


الباب األول:‏ تَذْ‏ كِرَة <strong>في</strong> اإلخالص<br />

واالحتساب<br />

اإلخالص هو قصد هللا تعاىل وحده ال شريك له ابلعبادة ابلتربي عن كل ما دون هللا،‏ وختلي القصد والنية من كل<br />

غرض دنيوي،‏ فالإخالص هو ختلي النية والعمل من شوائب الشرك.‏ فعن عمر بن اخلطاب أن رسول هللا صلى<br />

هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»إَِّنمَا األَْعْمَالُ‏ ابِلنِّيّات وَإَِّنمَا لكل امْرِئٍ‏ مَا ن ‏َوَى فَمَنْ‏ كَانَتْ‏ هِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ اَّللمِ‏ وَرَسُولِهِ‏ فَهِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ اَّللمِ‏<br />

1<br />

وَرَسُولِهِ‏ وَمَنْ‏ كَانَتْ‏ هِجْرَتُهُ‏ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ‏ امْرَأَةٍ‏ ينْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ‏ إَِلَ‏ مَا هَاجَرَ‏ إِلَيْهِ«‏ .<br />

وعن أيب موسى األشعري<br />

<br />

<br />

أن أعرابيا أتى النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ اي رسول هللا الرجل يقاتل للمغنم،‏ والرجل<br />

يقتل ليُذْكَر،‏ والرجل يقاتل لريُى مكانه؟ ويف رواية يقاتل شجاعة،‏ ويقاتل محية فمن يف سبيل هللا؟ فقال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا«‏ . 2<br />

والتدريب العسكري من مقدمات اجلهاد وله نفس مقاصده،‏<br />

واألخ املسلم معرض لإلصابة أو الشهادة أثناء<br />

التدريب،‏ فالواجب عليه إخالص نيته وأن يكون قصده من التدريب هو اجلهاد لتكون كلمة هللا هي العليا حىت<br />

حيتسبَ‏ له أجره كامال إن شاء هللا،‏ فالثواب املوعود للمجاهدين معلقٌ‏ كل على شرط أن يكون العمل ‏)يف سبيل هللا(.‏<br />

فال يتدرب أو جياهد بغرض أن يُذكَر ويُرى مكانه <strong>في</strong>قال عنه إنه شجاع،‏ وال بغرض أن يعود إَل بلده <strong>في</strong>قوم مقام<br />

مسعته ليُقَال عنه اجملاهد الشجاع الذي فاق أقرانه فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم أَوملَ‏ النماسِ‏ ي ‏ُقْضَى<br />

ي ‏َوْمَ‏ الْقِيَامَةِ‏ عَلَيْهِ‏ رَجُلٌ‏ اسْتُشْهِدَ‏ فَأُِتِ‏ َ بِهِ‏ فَعَرمفَهُ‏ نِعَمَهُ‏ فَعَرَفَهَا قَالَ‏ فَمَا عَمِلْتَ‏ فِيهَا قَالَ‏ قَاتَلْتُ‏ فِيكَ‏ حَىتم اسْتُشْهِدْ‏ ‏ُت قَاَل<br />

3<br />

أُلْقِي يفِ‏ النماِر«‏ .<br />

كَذَبْتَ‏ وَلَكِنمكَ‏ قَاتَلْتَ‏ ألَِنْ‏ ي ‏ُقَالَ‏ جَرِيءٌ‏ فَقَدْ‏ قِيلَ‏ ‏ُثُم أُمِرَ‏ بِهِ‏ فَسُحِ‏ بَ‏ عَلَى وَجْهِهِ‏ حَىتم َ<br />

وال يتدرب املسلمُ‏ أو جياهدْ‏ بغرض التوصلِ‏ إَل نفعٍ‏ مايل أو رائسة وتَقَدُّم على غريه،‏ فقد يُقتل قبل أن حيصل له شيءٌ‏<br />

من ذلك <strong>في</strong>كون قد خسر الدنيا واآلخرة،‏ وذلك هو اخلسران املبني،‏ وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَا<br />

ذِئْبَانِ‏ جَائِعَانِ‏<br />

4<br />

أُرْسِ‏ ال يفِ‏ غَنَمٍ‏ أبَِفْسَدَ‏ هلََا مِنْ‏ حِ‏ رْصِ‏ الْمَرْءِ‏ عَلَى الْمَالِ‏ وَالشمرَفِ‏ لِدِينِِه«‏ . ومعناه أن احلرص على املال<br />

والشرف وهو الرايَسَةُ‏ يفسد الدين أشد من إفساد الذئبني اجلائعني حلظرية الغنم،‏ فما يبقى منه بعد هذا؟<br />

وال يتدرب املسلم أو جياهد بغرض نصر مجاعة أو حزب خاص فإذا كان اجلهاد مع غري طائفته تركه،‏ فهذا ال يقاتل<br />

لتكون كلمة هللا هي العليا بل لتكون كلمة احلزب أو اجلماعة هي العليا،‏ وهذه هي العصبية اليت قال عنها رسول هللا<br />

01<br />

1<br />

2<br />

- 3<br />

4<br />

- متفق عليه.‏<br />

- متفق عليه.‏<br />

من حديث طويل رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- رواه أمحد والرتمذي إبسناد صحيح عن كعب بن مالك .


صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ما ابل دعوى اجلاهلية؟ .. دعوها فإهنا مُنْتِنة«‏ ، 1 وقال صلى هللا عليه وسلم ‏:»مَنْ‏ قُتِلَ‏ حتَْتَ‏<br />

رَايَةٍ‏ عِمِّيمةٍ‏ يَدْعُو عَصَبِيمةً‏ أَوْ‏ ي ‏َنْصُرُ‏ عَصَبِيمةً‏ فَقِتْلَةٌ‏ جَاهِلِيمةٌ«‏ . 2<br />

قلت:‏ وأمثال هؤالء ال خالق هلم يف اآلخرة،‏ ومع ذلك فقد يكون هلم بالء حسن يف القتال ونصرة الدين،‏ كما قال<br />

3<br />

رسول هللا صلى هللا عليه ‏»إِنم هللا عَزم وَجَل سَيُؤَيدُ‏ هَذَا الدِّين أبَقْوامٍ‏ الَ‏ خَالَقَ‏ هلَُم«‏ .<br />

وسلم :<br />

ومن هؤالء من جاهد مع النيب صلى هللا عليه وسلم كهذا الذي قاتل قتاال شديدا ومل يصرب على جرحه فَقَتَل نفسه،‏<br />

4<br />

فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‏:»وَإِنم اَّللمَ‏ لَيُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ ‏ِر«‏ . وعن عمر بن اخلطاب قال ملا<br />

كان يوم خيرب أقبل نفر من أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم فقالوا:‏ فالن شهيد وفالن شهيد وفالن شهيد حىت<br />

مروا على رجل فقالوا:‏ فالن شهيد.‏ فقال النيب صلى هللا عليه وسلم ‏:»كال إين رأيته يف النار يف بُردة غَلمها أو عباءة<br />

6 5<br />

» . وعن عبد هللا بن عمرو قال:»كَانَ‏ عَلَى ث ‏َقَلِ‏ النميبِ‏ ِّ صلى هللا عليه وسلم رَجُلٌ‏ ي ‏ُقَالُ‏ لَهُ‏ كِرْكِرَةُ‏ فَمَاتَ‏ فَقَالَ‏ رَسُولُ‏<br />

7<br />

اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم ‏)هُوَ‏ يفِ‏ النمارِ(‏ فَذَهَبُوا ي ‏َنْظُرُونَ‏ إِلَيْهِ‏ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً‏ قَدْ‏ غَلمهَا«‏ ، وذكر الواقدي أن هذا الرجل<br />

كان أسود ميسك دابة الرسول صلى هللا عليه وسلم يف القتال،‏ وهو يف النار بسبب الغُلُول وهو السرقة من الغنيمة.‏<br />

وقد كان املنافقون خيرجون للغزو وي ‏ُنْفِقون على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كهذا الذي قال يف غزوة بين<br />

9<br />

املصطلق}لَئِنْ‏ رَ‏ جَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ‏ لَيُخْرِ‏ جَنَّ‏ األَعَزُّ‏ مِنْهَا األَذَ‏ ‏َّل{‏ . وكهؤالء الذين ملزوا الصحابة يف غزوة تبوك فنزل<br />

8<br />

<strong>في</strong>هم}وَ‏ لَئِنْ‏ سَأَلْتَهُمْ‏ لَيَقُولُنَّ‏ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ‏ وَ‏ نَلْعَبُ‏ قُلْ‏ أَبِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ آيَاتِهِ‏ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه كُنتُمْ‏ تَسْتَهْزِ‏ ئُو ‏َن{‏ . وأما نفقتهم فقد<br />

11<br />

قال هللا تعاَل <strong>في</strong>ها:}‏ قُلْ‏ أَنفِقُوا ‏َِوْ‏ ع ‏ًا أَوْ‏ كَرْ‏ ه ‏ًا لَنْ‏ يُتَقَبَّلَ‏ مِنْكُمْ‏ إِنَّكُمْ‏ كُنتُمْ‏ قَوْ‏ م ‏ًا قَاسِقِي ‏َن{‏ . وهم مع جهادهم<br />

11<br />

وإنفاقهم ‏}قِي الدَّرْ‏ كِ‏ األَسْفَلِ‏ مِنْ‏ النَّارِ‏ وَ‏ لَنْ‏ تَجِ‏ دَ‏ لَهُمْ‏ نَ‏ ً ‏ِصيرا{‏ . وأنخذ من هذا كثريا من العِربَ‏ منها أن ساحة<br />

اجلهاد قد جتمع املنافق والفاجر وفاسد النية وأقواما الخالق هلم،‏ وكل هؤالء كانوا على عهد رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم،‏ ومن العِربَ‏ أيضاً‏ أن وجود هؤالء بساحة اجلهاد ليس مبربر للقعود عن اجلهاد حبجة أن ابلصف جمروحني<br />

00<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

- 6<br />

7<br />

- 9<br />

- رواه البخاري عن جابر بن عبد هللا.‏<br />

- رواه مسلم عن جندب بن عبد هللا.‏<br />

- رواه أمحد والطرباين عن أيب بكرة ورجاهلما ثقات ‏)جممع الزوائد 315/5(.<br />

- رواه البخاري عن أيب هريرة.‏<br />

- رواه مسلم.‏<br />

الث مقَل:‏ هو العيال وما يثقل محله من األمتعة.‏<br />

- رواه البخاري.‏<br />

سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

.9<br />

8<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

.65<br />

- 11<br />

سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

.53<br />

11<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

.145


فقد قام اجلهاد على عهد النيب صلى هللا عليه وسلم مع وجود هؤالء،‏ وسيأِت مزيد بيان هلذا وفتوى ابن تيمية <strong>في</strong>ه،‏<br />

ومن العِربَ‏ كذلك أن كون الرجل من اجملاهدين واملنفقني غريُ‏ كاف لتعديله خاصة إذا قامت قرائنُ‏ على جترحيه،‏ فقد<br />

رأينا آنفاً‏ أصنافا من اجملروحني جياهدون وي ‏ُنْفِقون.‏<br />

وإذا كان كل هذا قد حدث يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم ومعه،‏ فما ابلك ابحلال اآلن؟ وقد قال صلى هللا عليه<br />

وسلم ‏:»ال ‏َيَِْتِ‏ عَلَيْكُمْ‏ زَمَانٌ‏ إِالم<br />

1<br />

المذِي ب ‏َعْدَهُ‏ شَرٌّ‏ مِنْهُ‏ حَىتم تَلْقَوْا رَبمكُ‏ ‏ْم«‏ . واملقصود من هذا أن حيتاط املسلم لنفسه<br />

من شر نفسه ومن فساد النية،‏ ومن داخَلَه شيء من فساد أو اختالط ابلنية فلْيبادر بتصحيحها وال جيعل للشيطان<br />

على نفسه سبيال يفسد به عمله وجهاده،‏ فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد قال:»إِنم الشميْطَانَ‏ جيَْرِي من ابْنِ‏<br />

3<br />

2<br />

آدَمَ‏ جمَْرى الدمم«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم ‏:»ُثُم ي ‏ُبْعَثُونَ‏ على نِيَاهتِِم«‏ . وانظر إَل حديث أنس التايل يَدُلُّك على<br />

تصحيح النية،‏ حيث قال:‏ ‏»وَإِنْ‏ كَانَ‏ الرمجُلُ‏ لَيُسْلِمُ‏ مَا يُرِيدُ‏ إِالم الدُّنْيَا فَمَا يلبَثُ‏ إِالم يَسِ‏ رياً‏ حَىتم يَكُونَ‏ الإِسْالمُ‏ أَحَ‏ مب<br />

4<br />

إِلَيْهِ‏ مِنَ‏ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا«‏ . فاحرص على النية الصاحلة كي تنتفع بعملك وجهادك.‏ فإن الشريعة علقت أجر اجلهاد<br />

على صالح نية صاحبه،‏ كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

‏:»تَضَمنَ‏ اَّللمُ‏ لِمَنْ‏ خَرَجَ‏ يفِ‏ سَبِيلِهِ‏ ال خيُْرِجُهُ‏ إِالم<br />

جِ‏ هَادًا يفِ‏ سَبِيلِي عَلَي ضَامِنٌ‏ أَنْ‏ أُدْخِ‏ لَهُ‏ اجلَْنمةَ‏ أَوْ‏ أَرْجِ‏ عَهُ‏ إَِلَ‏ مَسْكَنِهِ‏ المذِي خَرَجَ‏ مِنْهُ‏<br />

وَإِميَاانً‏ يبِ‏ وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ‏ م<br />

5<br />

انَئِالً‏ مَا انَلَ‏ مِنْ‏ أَجْرٍ‏ أَوْ‏ غَنِيمٍَة«‏ .<br />

وقال تعاَل:}‏ قُلْ‏ إِنْ‏ ختُْفُوا مَا يفِ‏ صُدُورِكُمْ‏ أَوْ‏ ت ‏ُبْ‏ ‏ُد وهُ‏ ي ‏َعْلَمْهُ‏ اَّللمُ‏ وَي ‏َعْلَمُ‏ مَا يفِ‏ السممَاوَاتِ‏ وَمَا يفِ‏ األَرْضِ‏ وَاَّللمُ‏ عَلَى كُل<br />

ّ<br />

ِ<br />

. 6<br />

شَيْءٍ‏ قَدِيرٌ‏ أَمَدًا بَعِيًدا<br />

ي ‏َوْمَ‏ جتَِدُ‏ كُلُّ‏ ن ‏َفْسٍ‏ مَا عَمِلَتْ‏ مِنْ‏ خَريٍْ‏ حمُْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ‏ مِنْ‏ سُوءٍ‏ تَوَدُّ‏ لَوْ‏ أَنم ب ‏َيْنَهَا وَب ‏َيْنَهُ‏<br />

وَحيَُذِّرُكُمْ‏ اَّللمُ‏ ن ‏َفْسَهُ‏ وَاَّللمُ‏ رَءُوفٌ‏ ابِلْعِبَادِ{‏<br />

وتدبر اي أخي املسلم اآلية التالية لتعلم أثر صدقِ‏ النية يف الثبات عند قتال العدو ويف تنزيل النصر،‏ قال<br />

هللا عز وجل:}‏<br />

وَأََثَهبَُمْ‏ فَتْحًا قَرِيبًا<br />

لَقَدْ‏ رَضِيَ‏ اَّللمُ‏ عَنْ‏ الْمُؤْمِنِنيَ‏ إِذْ‏ ي ‏ُبَايِعُونَكَ‏ حتَْتَ‏ ال مشجَرَةِ‏ فَعَلِمَ‏ مَا يفِ‏ قُلُوهبِِمْ‏ فَأَنْزَلَ‏ السمكِينَةَ‏ عَلَيْهِ‏ ‏ْم<br />

وَمَغَاِنَِ‏ كَثِريَةً‏ ‏َيَْخُذُوهنََا وَكَانَ‏ اَّللمُ‏ عَزِيزًا حَكِيمًا{‏ . 7 فقوله تعاَل:‏ ‏}فَعَلِمَ‏ مَا يفِ‏ قُلُوهبِِمْ{‏ أي من<br />

صدق النية على الوفاء هبذه البيعة،‏ بيعة الرضوان ابحلديبية وكانت على الصرب وعدم الفرار وإن قُتِلوا،‏<br />

فكان ثواب صدق النية هو ‏}فَأَنْزَلَ‏ السمكِينَةَ‏ عَلَيْهِ‏ ‏ْم{‏ والسكينة هي الطمأنينة يف موقف احلرب،‏ فدل<br />

- رواه البخاري عن أنس.‏<br />

- متفق عليه.‏<br />

- متفق عليه.‏<br />

- رواه مسلم.‏<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

.31<br />

28<br />

.18 19<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

02


ذلك على أهنم أضمروا يف قلوهبم أن ال يفروا فأعاهنم على ذلك ، 1 ومع السكينة ‏}وَأََثَهبَُمْ‏ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَاِنَِ‏<br />

كَثِريَةً‏ } وهو واضح.‏ وهذه اآلية دليل على أن هللا يثيب صادق النية يف الدنيا إبعانته على الطاعة وغري<br />

ذلك من الثواب فضال عن ثواب اآلخرة.‏<br />

ومن عالمات صدق النية أال يتغري ثباتُك على الطاعة مبدح الناسِ‏ لك أو بذمهم،‏ وأال يتغري ثباتُك ابملنع والعطاء،‏<br />

وأال يتغري ثباتُك وإن تفرق عنك السائرون معك على درب اجلهاد،‏ وأال تستوحش من قلة السالكني.‏ قال هللا<br />

تعاَل:}‏ وَ‏ مَا مُحَمَّدٌ‏ إِالَّ‏ رَ‏ سُولٌ‏ قَدْ‏ خَلَتْ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِ‏ الرُّ‏ سُلُ‏ أَقَإِن مَاتَ‏ أَوْ‏ قُتِلَ‏ انْقَلَبْتُمْ‏ عَلَى أَعْقَابِكُمْ‏ وَ‏ مَ‏ ‏ْن يَنْقَلِبْ‏ عَلَى<br />

2<br />

عَقِبَيْهِ‏ قَلَنْ‏ يَضُرَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ شَيْئًا وَ‏ سَيَجْزِ‏ ي ‏َّللاَّ‏ ُ الشَّاكِرِ‏ ينَ{‏ . فإن أتثر عزمُك وثباتُك بشيء من هذا،‏ فأنت لغري هللا تعاَل<br />

تعمل.‏<br />

. 3<br />

ومع حسن النية يلزم املسلم يف هذا املقام أن يعلم أن أي جهدد يبللده يف اجلهداد،‏ ق دل أو ك ‏َدُدر هدو عمدل صدام مَُدا<br />

عليه صاحبه إن شاء هللا،‏ أدرك غاية النصر والتمكني أو مل يدركها قال تعاَل:}ذَلِكَ‏ بِأَنَّهُمْ‏ ال يُصِ‏ يبُهُمْ‏ ظَمَأٌ‏ وَ‏ الَ‏ نَصَبٌ‏<br />

وَ‏ ال مَخْمَصَةٌ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال يََِئُونَ‏ مَوْ‏ ‏ِِئًا يَغِيظُ‏ الْكُفَّارَ‏ وَ‏ ال يَنَالُونَ‏ مِنْ‏ ٍ عَدُو نَيْال إِالَّ‏ كُتِبَ‏ لَهُمْ‏ بِوهِ‏ عَمَولٌ‏ صَوالِحٌ‏<br />

إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُضِ‏ يُْ‏ أَجْرَ‏ الْمُحْسِنِينَ‏ وَ‏ ال يُنفِقُونَ‏ نَفَقَةً‏ صَغِيرَ‏ ةً‏ وَ‏ ال كَبِيرَ‏ ةً‏ وَ‏ ال يَقَِْعُونَ‏ وَ‏ ادِيًوا إِالَّ‏ كُتِوبَ‏ لَهُومْ‏ لِيَجْوزِ‏ يَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

أَحْسَنَ‏ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{‏<br />

والتدريب العسكري داخل يف هذه اآلية فهو نصب يف سبيل هللا وإنفاق وقطع أودية يف سبيل هللا وهو بال ش ‏َك<br />

موطئ يغيض الكفار،‏ ولذلك فنحن املسلمني نتعبد هلل ابل<strong>إعداد</strong> والتدريب متاما كما نتعبد له سبحانه ابلقتال ذاته<br />

وابلصالة والصيام،‏ وهذا املعىن ينبغي أن يكون حاضراً‏ يف نفس كل أخ مسلم مقدم على التدريب طاعة وامتثاال لقول<br />

هللا تعاَل:}‏ وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{.‏<br />

والتدريب واجلهاد من أفضل القرابت إىل هللا وأفضل من مجيع النوافل،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

يَامِ‏ شَهْرٍ‏ وَقِيَامِهِ‏ وَإِنْ‏ مَاتَ‏ جَرَى عَلَيْهِ‏ عَمَلُهُ‏ المذِي كَانَ‏ ي ‏َعْمَلُهُ‏ ‏َوْمٍ‏ وَلَيْلَةٍ‏ خَريٌْ‏ مِنْ‏ صِ‏ وَأُجْرِيَ‏ عَلَيْهِ‏ رِزْقُهُ‏ وَأَمِ‏ ‏َن<br />

‏:»رِابَطُ‏ ي<br />

الْفَتمانَ«‏ . 4 وقال صلى هللا عليه وسلم ملن أراد أن يعتزل الناس ويتعبد ‏»ال تَفْعَلْ‏ فَإِنم مُقَامَ‏ أَحَدِكُمْ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ أَفْضَل<br />

مِنْ‏ صَالتِهِ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتِهِ‏ سَبْعِنيَ‏ عَامًا أَال حتُِبُّونَ‏ أَنْ‏ ي ‏َغْفِرَ‏ اَّللمُ‏ لَكُمْ‏ وَيُدْخِ‏ لَكُمُ‏ اجلَْنمةَ‏ اغْزُو يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ مَنْ‏ قَاتَلَ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏<br />

ُ<br />

5<br />

فَوَاقَ‏ انَقَةٍ‏ وَجَبَتْ‏ لَهُ‏ اجلَْنمةُ«‏ . وعنه قال:‏ قيل اي رسول هللا ما يعدل اجلهاد يف سبيل هللا؟ قال ‏»ال تستطيعونه«‏ فأعادوا<br />

03<br />

- 1<br />

فتح الباري ج 6<br />

/ ص .119<br />

- 2<br />

سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

.144<br />

3<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

.121<br />

121<br />

4<br />

5<br />

- رواه مسلم عن سلمان<br />

- رواه الرتمذي وحسنه عن أيب هريرة.‏


عليه مرتني أو ثالَث كل ذلك يقول ‏»ال تستطيعونه«،‏ ‏ُث قال:»‏ مَثَلُ‏ الْمُجَاهِدِ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ كَمَثَلِ‏ الصمائِمِ‏ الْقَائِمِ‏<br />

الْقَانِتِ‏ ‏ِبِايَتِ‏ اَّللمِ‏ ال ي ‏َفْرتُُ‏ مِنْ‏ صِيَامٍ‏ وَال صَالةٍ‏ حَىتم ي ‏َرْجِ‏ عَ‏ الْمُجَاهِدُ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ تَعَاََل«‏ . 1<br />

وقال شيخ الإسالم ابنُ‏ تيمية ‏:]إن اجلهاد أفضل من احلج والعمرة ومن التعبد يف املسجد احلرامِ‏ الذي تعدلُ‏ الصالة<br />

<strong>في</strong>ه مائةَ‏ ألف صالة يف غريه من املساجد،‏ وقد استدل على ذلك بقوله تعاَل:}‏<br />

أَجَعَلْتُمْ‏ سِقَايَةَ‏ الْحَاج ِ وَ‏ عِمَارَ‏ ةَ‏<br />

3 2<br />

الْمَسْجِ‏ دِ‏ الْحَرَ‏ امِ‏ كَمَنْ‏ آمَنَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ رِ‏ وَ‏ جَاهَدَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال يَسْتَوُ‏ ونَ‏ عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ .[ . وقد ورد يف تفسري<br />

هذه اآلية ويف سبب نزوهلا احلديث الذي رواه مسلم عن النعمان بن بشري عندما اختلف الصحابة<br />

أفضل؟ فنزلت اآلية فحكمت بينهم.‏<br />

يف أي العمل<br />

وقال ابن تيمية يف موضع آخر:]‏ وكذلك اتفق العلماء <strong>في</strong>ما أعلم على أنه ليس يف التطوعات أفضل من اجلهاد.‏ فهو<br />

أفضل من احلج،‏ وأفضل من الصوم التطوع،‏ وأفضل من الصالة التطوع.‏<br />

واملرابطة يف سبيل هللا أفضل من اجملاورة مبكة واملدينة وبيت املقدس،‏ حىت قال أبو هريرة : ألن أرابط ليلة يف سبيل<br />

هللا أحب إيل من أن أوافق ليلة القدر عند احلجر األسود.‏ فقد اختار الرابط ليلة على العبادة يف أفضل الليايل عند<br />

أفضل البقاع،‏ وهلذا كان النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يقيمون ابملدينة دون مكة،‏ لِمَعَانٍ‏ منها أهنم كانوا<br />

مرابطني ابملدينة.‏ فإن الرابط هو املقام مبكان خييفه العدوُ‏ وخييف العدوَ.‏<br />

فمن أقام <strong>في</strong>ه بنية دفع العدو فهو مرابط،‏ واألعمال ابلنيات.‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‏:»رِابَطُ‏ ي ‏َوْمٍ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏<br />

4<br />

اَّللمِ‏ خَريٌْ‏ مِنْ‏ أَلْفِ‏ ي ‏َوْمٍ‏ فِيمَا سِ‏ وَاهُ‏ مِنَ‏ الْمَنَازِِل«‏ . ويف صحيح مسلم عن سلمان،‏ أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:»‏<br />

رِابَطُ‏ ي ‏َوْمٍ‏ وَلَيْلَةٍ‏ خَريٌْ‏ مِنْ‏ صِيَامِ‏ شَهْرٍ‏ وَقِيَامِهِ،‏ وَمَنْ‏ مَاتَ‏ مُرَابِطًا أُجْرِيَ‏ عَلَيْهِ‏ عَمَلُهُ‏ وَأُجْرِيَ‏ عَلَيْهِ‏ رِزْقُهُ‏ مِنَ‏ اجلَنمةِ،‏ وَأَِم ‏َن<br />

5<br />

الْفَتمانَ«‏ يعين منكرا ونكريا.‏ فهذا يف الرابط فكيف اجلهاد؟.‏<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]قال أبو عبد هللا أمحدُ‏ بن حنبلٍ‏ ال أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من<br />

اجلهاد[‏ ، 6 قال األثرم:‏ قال أمحد ال نعلم شيئا من أبواب الرب أفضل من السبيل،‏ وقال الفضل بن زايد:‏ مسعت أاب عبد<br />

هللا وذُكِرَ‏ له أمرُ‏ الغزو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال الرب أفضلُ‏ منه،‏ وقال عنه غريه:‏ ليس ي ‏َعْدِل لقاء العدو شيءٌ‏<br />

ومباشرة القتال بنفسه أفضل األعمال،‏ والذين يقاتلون العدوَ‏ هم الذين يَدْفَعون عن الإسالم وعن حرميهم فأي عمل<br />

أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفونَ‏ قد بذلوا مُهَجَ‏ أنفسهم إَل قوله وألن اجلهادَ‏ بذلُ‏ املهجةِ‏ واملال ونفعه يعم<br />

04<br />

1<br />

2<br />

- متفق عليه وهذا لفظ مسلم.‏<br />

18. التوبة اآلية - سورة<br />

- 3<br />

انظر ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج<br />

29 ص ،5<br />

161. وج‎35‎ ص<br />

4<br />

5<br />

6<br />

- رواه أهل السنن وصححوه.‏<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 419<br />

- روى هذه املسألة عن أمحد مجاعة من أصحابه.‏


املسلمني كلهمْ‏ صغريَهم وكبريَهم،‏ قويَهم وضعيفَهم،‏ ذكرَهم وأنثَاهم،‏ وغريه ال يساويه يف نفعه وخطره فال يساويه يف<br />

فضله وأجره<br />

1<br />

.<br />

وقال الإمام السَرخسيُّ‏ يف شرحه لكتاب ‏)السري الكبري(‏ لإلمام حممد بن حسن الشيباين أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

قال <strong>في</strong>ما رواه معاوية بن قرة:‏<br />

‏»يف كل أمة رهبانية،‏ ورهبانية هذه األمة اجلهاد«،‏ قال السَرخسي:‏ ‏]ومعىن الرهبانية<br />

التفرغُ‏ للعبادة،‏ وترك االشتغالِ‏ بعملِ‏ الدنيا،‏ وكان ذلك يف األمم اخلالية ابالعتزال عن الناس وال مُقَامِ‏ يف الصوامع،‏ فقد<br />

كانت العزلة <strong>في</strong>هم أفضل من العِشْرة،‏ ‏ُث نفى النيب صلى هللا عليه وسلم ذلك بقوله:‏ ‏»ال رهبانية يف الإسالم«‏ وبني<br />

طريق الرهبانية هلذه األمة ابجلهاد ف<strong>في</strong>ه العِشْرة مع الناس،‏ والتفرغ عن عمل الدنيا واالشتغال مبا <strong>في</strong>ه سنام الدين،‏ وقد<br />

مسى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اجلهاد سنام الدين،‏ و<strong>في</strong>ه أمر ابملعروف وهني عن املنكر وهو صفة هذه األمة،‏<br />

و<strong>في</strong>ه تعرض ألعلى الدرجات وهو الشهادة فكان أقوى وجوه الرهبانية.‏ أ ه [.<br />

ولذلك ينبغي أال يتعلل مسلم ابنشغاله يف الطاعات األخرى للقعود عن التدريب واجلهاد،‏ بل هذا من تلبيس<br />

الشيطان،‏ وهي العقبة السادسة من العقبات اليت يضعها الشيطان يف طريق العبد كما ذكرها ابن القيم،‏ فالعقبة األوَل<br />

حماولة ايقاعه يف الكفر،‏ والثانية يف البدع،‏ والثالثة يف الكبائر،‏ والرابعة يف الصغائر،‏ واخلامسة يف شغله ابملباحات عن<br />

الطاعات،‏ قال ابن القيم:‏ ‏]العقبة السادسة:‏ وهي العقبة املرجوحة املفضولة من الطاعات،‏ فأمره هبا،‏ وحَسمنها يف<br />

عينه،‏ وزَيمنها له،‏ وأراه ما <strong>في</strong>ها من الفضل والربح،‏ ليشغله هبا عما هو أفضل منها وأعظم كسبا ورحبا،‏ ألنه لَما عجز<br />

عن ختسريه أصل الثواب طمع يف ختسريه كَمَاله وفضله،‏ ودرجاته العالية،‏ فشغله ابملفضول عن الفاضل وابملرجوح عن<br />

الراجح وابحملبوب هلل عن األحب إليه وابملرضي عن األرضى له إَل قوله ويف احلديث اآلخر ‏»اجلهاد ذروة سنام<br />

األمر«‏<br />

إَل قوله وال يقطع هذه العقبة إال أهل البصائر والصدق من أويل العزم،‏ السائرون على جادة التو<strong>في</strong>ق قد<br />

أنزلوا األعمال منازهلا وأعطوا كل ذي حق حقه[‏ . 2<br />

فهذا إيضاح يف مسألة تفاضل األعمال وهو أصل مقرر يف عقيدة أهل السنة،‏ يدل عليه قول رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم : ‏»الإِميَانُ‏ بِضْعٌ‏ وَسَبْعُونَ‏ أَوْ‏ بِضْعٌ‏ وَسِ‏ تُّونَ‏ شُعْبَةً‏ فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ‏ ال إِلَهَ‏ إِالم اَّللمُ‏ وَأَدْانَهَا إِمَاطَةُ‏ األَذَى عَنِ‏ الطمرِيِق<br />

3<br />

وَاحلَْيَاءُ‏ شُعْبَةٌ‏ مِنَ‏ الإِميَانِ«‏ . والإيضاح الثاين هو أنه ال ينبغي للمسلم أن حيزن إذا عجز حني التدريب واجلهاد عن<br />

املواظبة على ما اعتاده من النوافل كالتالوة والذكر والصالة والصيام،‏ فأجر ذلك كله جيري عليه إن شاء هللا،‏ لقول<br />

4<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِذَا مَرِضَ‏ الْعَبْدُ‏ أَوْ‏ سَافَرَ‏ كُتِبَ‏ لَهُ‏ مِثْلُ‏ مَا كَانَ‏ ي ‏َعْمَلُ‏ مُقِيمًا صَحِ‏ يحًا«‏ .<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />

- ‏)مدارج السالكني(‏ ج 1 ص 222<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- رواه البخاري عن أيب موسى األشعري.‏<br />

.368 369<br />

226<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

05


أال<br />

وجيب على كل من يسر هللا له أمر التدريب واجلهاد أن حيمد هللا على هذه النعمة اليت حُرِمَ‏ منها األكثرون،‏ وقد قال<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَا اغْربَمتْ‏ قَدَمَا عَبْدٍ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ فَتَمَسمهُ‏ النمارُ«‏ . 1 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏»مَنْ‏ قَاتَلَ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ مِنْ‏ رَجُلٍ‏ مُسْلِمٍ‏ فَوَاقَ‏ انَقَةٍ‏ وَجَبَتْ‏ لَهُ‏ اجلَْنمةُ«‏ ، إال أن الثواب يف هذه األحاديث معلق على<br />

انتفاء املانع يف حق صاحبه،‏ فقد رأينا آنفا رجاال قاتلوا يف حضرة النيب صلى هللا عليه وسلم وقال عنهم إهنم يف<br />

النار،‏ وكذلك حديث الذي قاتل ليقال عنه أنه جريء،‏ واملانع قد يكون حَاالً‏ يعرض للمسلم حال جهاده كالرايء<br />

والعجب واملن واخليانة والغلول،‏ وقد يكون آجال يعرض له بعد اجلهاد <strong>في</strong>ما بقي من حياته،‏ كما ورد يف حديث<br />

الصادق املصدوق عن ابن مسعود مرفوعا ‏»فَوَهللا المذِي الَ‏ إِلَهَ‏ غَريُْهُ‏ إِنم أَحَدَكُمْ‏ لَيَعْمَلُ‏ بِعَمَلِ‏ أَهْلِ‏ اجلَْنمةِ‏ حَىتم مَا يَكُونُ‏<br />

ب ‏َيْنَهُ‏ وَب ‏َيْنَهَا إِالم ذِرَاعٌ‏ فَيَسْبِقُ‏ عَلَيْهِ‏ الْكِتَابُ‏ فَيَعْمَلُ‏ بِعَمَلِ‏ أَهْلِ‏ النمارِ‏ فَيَدْخُلُهَا وَإِنم أَحَدَكُمْ‏ لَيَعْمَلُ‏ بِعََملِ‏ أَهْلِ‏ النمارِ‏ حَ‏ مىت<br />

3<br />

فَيَعْمَل بِعَمَلِ‏ أَهْلِ‏ اجلَْنمةِ‏ فَيَدْخُلُهَا«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

مَا يَكُونُ‏ ب ‏َيْنَهُ‏ وَب ‏َيْنَهَا إِالم ذِرَاعٌ‏ فَيَسْبِقُ‏ عَلَيْهِ‏ الْكِتَابُ‏ ُ<br />

‏»إِنم الْعَبْدَ‏ لَيَعْمَلُ‏ عَمَلَ‏ أَهْلِ‏ النمارِ‏ وَإِنمهُ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ اجلَْنمةِ‏ وَي ‏َعْمَلُ‏ عَمَلَ‏ أَهْلِ‏ اجلَْنمةِ‏ وَإِنمهُ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ النمارِ‏ وَإَِّنمَا األَعْمَاُل<br />

ابِخلَْوَاتِيِم«‏ . 4 وقال ابن حجر يف شرحه:‏ [ قال ابن بطال:‏ يف تَغْيِيب خامتة العمل عن العبد حكمة ابلغة وتدبري<br />

لطيف،‏ ألنه لو علم وكان انجيا أُعْجِ‏ بَ‏ وكسل،‏ وإن كان هالكا ازداد عتوا،‏ فَحُجِ‏ بَ‏ عنه ذلك ليكون بني اخلوف<br />

5<br />

والرجاء[‏ . فاحرص على أال يعرض لك ما يضيع ثواب جهادك.‏<br />

ترى إَل قوم جاهدوا مع النيب صلى هللا عليه وسلم وأخرب عنهم إهنم يف النار،‏ وقوم صحبوه صلى هللا عليه وسلم<br />

‏ُث ارتدوا بعد مماته.‏ فهذا يف سوء اخلامتة بعد عمل الصاحلات.‏<br />

‏ُث انظر كذلك إَل قاتل املائة كيف اتب هللا عليه وطوى له األرض،‏ وإَل سحرة فرعون قال ابن كثري:]فكانوا يف أول<br />

6<br />

النهار سَحَرَة،‏ فصاروا يف آخره شهداء بررة[‏ ، وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم.‏ وهذا يف حسن<br />

اخلامتة بعد عمل السيئات.‏<br />

وقد قال هللا تعاَل:}‏<br />

وَالمذِينَ‏ ي ‏ُؤْتُونَ‏ مَا آتَوا وَقُلُوهبُُمْ‏ وَجِ‏ لَةٌ‏ أَهنمُمْ‏ إَِلَ‏ رَهبِِّمْ‏ رَاجِ‏ عُوَن{‏ . 7<br />

قال ابن كثري يف تفسريها:‏ ‏]روى<br />

الإمام أمحد عن عائشة أهنا قالت:‏ اي رسول هللا ‏}وَالمذِينَ‏ ي ‏ُؤْتُونَ‏ مَا آتَوا وَقُلُوهبُُمْ‏ وَجِ‏ لَةٌ{‏ هو الذي يسرق ويزين ويشرب<br />

اخلمر وهو خياف هللا عز وجل؟ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال اي بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق<br />

06<br />

1<br />

2<br />

- 3<br />

5<br />

ج-‏ 6<br />

- رواه البخاري عن عبد الرمحن بن جبري.‏<br />

- رواه أبو داود والرتمذي وحسنه عن معاذ.‏<br />

متفق عليه<br />

- 4 رواه البخاري عن سهل بن معاذ<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 11 ص 331<br />

2 ص 239<br />

7<br />

- سورة املؤمنون،‏ اآلية:‏‎61‎


وهو خياف هللا عز وجل«.‏<br />

وهكذا رواه الرتمذي وابن أيب حامت من طريق مالك بن مِغْوَل به حنوه قال ‏»ال اي بنت<br />

الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم خيافون أال يتقبل منهم«‏ أ ه [. فهؤالء املوصوفون خيشون<br />

أال تقبل أعماهلم لسببني:‏<br />

األول:‏ أن ‏)األعمال ابخلواتيم(‏ وهم ال يدرون مب سوف خيتم هلم.‏<br />

الثاين:‏ أنه وإن ختم هلم ‏ِبري فإهنم ال يدرون هل سيقبل هللا عملهم أم ال؟ فإن العمل قد يكون ظاهره اخلري والتمام،‏<br />

إال أن هناك عِلمة خ<strong>في</strong>ة متنع قبوله عند هللا كالرايء والعجب واملن واألذى وأكل احلرام،‏ وغريها.‏ وإن خل العمل من<br />

علل عدم القبول فاألمر بعد ذلك موقوف على رمحة هللا تعاَل للعبد،‏ كما قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»لن ينجو أحد<br />

1<br />

منكم بعمله«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم ‏:»سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِ‏ رُوا فَإِنمهُ‏ ال يُدْخِ‏ لُ‏ أَحَدًا اجلَْنمةَ‏ عَمَلُهُ‏ قَالُوا وَال أَنْتَ‏ ‏َاي<br />

2<br />

رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ قَالَ‏ وَال أَانَ‏ إِال أَنْ‏ ي ‏َتَغَمدَينِ‏ اَّللمُ‏ مبَِغْفِرَةٍ‏ وَرَمحَْةٍ«‏ . وقال ابن حجر:‏ [ وأن اجلنة ال يدخلها أحد بعمله بل<br />

برمحة هللا إَل قوله وقال ابن اجلوزي:‏ يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة:‏ األول:‏ أن التو<strong>في</strong>ق للعمل من رمحة هللا،‏ ولوال<br />

رمحة هللا السابقة ما حصل الإميان وال الطاعة اليت حيصل هبا النجاة،‏ الثاين:‏ أن منافع العبد لسيده<br />

فعمله مستحق<br />

ملواله،‏ فمهما أنعم هللا عليه من اجلزاء فهو من فضله،‏ الثالث:‏ جاء يف بعض األحاديث أن نفس دخول اجلنة برمحة هللا<br />

واقتسام الدرجات ابألعمال،‏ الرابع:‏ أن أعمال الطاعات كانت يف زمن يسري والثواب ال ينفذ،‏ فالإنعام الذي ال ينفذ<br />

3<br />

يف جزاء ما ينفذ ابلفضل ال بقابلة األعمال.‏ أ ه ] .<br />

املقصد من هذا:‏ أن املسلم القاصد للجهاد يف سبيل هللا،‏ عليه أن حيرص أشد احلرص على أال يفسد ثواب جهاده<br />

أبي شيء من األعمال الظاهرة أو القلبية سواء وهو يف ميدان اجلهاد أو <strong>في</strong>ما يَسْتَقْبِل من عمره حىت يلقى هللا تعاَل.‏<br />

نسأل هللا لنا ولكم حسن اخلامتة وقبول األعمال الصاحلة.‏<br />

مسألة:‏<br />

سألين أحد الإخوة،‏ قال:‏ إذا أخل اجملاهد عطاءا ‏)أي معاشا ماليا(‏ لينفق على نفسه أو على عياله،‏ أو إذا غزا فنال<br />

شيئا من الغنيمة،‏ هل ينقص ذلك من ثوا<br />

هللا هي العليا؟<br />

اجلواب:‏ نعم،‏ كل نفع دنيوي حيصل للمجاهد يف سبيل هللا ضِمْناً‏ ال قصدا ينق<br />

أن اخلارج للجهاد ال ختلوا نيته عن حال من أربع:‏<br />

جهاده عند هللا شيئا،‏ مع العلم أبنه ما خرج للجهاد إال لتكون كلمة<br />

من أجره عند هللا.‏ وتفضيل ذلك<br />

األوَل:‏ رجل خرج للغزو وليس قصده أن تكون كلمة هللا هي العليا،‏ بل قصده املال أو الرايسة أو السمعة أو غري<br />

ذلك من حظوظ الدنيا،‏ أو التجسس على املسلمني أو ليخلو برجل من املسلمني ليقتله أثناء احلرب.‏ فهذا يف النار،‏<br />

- رواه مسلم عن أليب هريرة<br />

- رواه البخاري عن عائشة<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 11 ص 285<br />

286<br />

1<br />

2<br />

3<br />

07


حلديث أيب هريرة الذي ذكرته من قبل،‏ و<strong>في</strong>ه:‏<br />

‏»قَالَ‏<br />

قَاتَلْتُ‏ فِيكَ‏ حَىتم اسْتُشْهِدْتُ‏ قَالَ‏ كَذَبْتَ‏ وَلَكِنمكَ‏ قَاتَلْتَ‏ ألَ‏ ‏ْن<br />

ي ‏ُقَالَ‏ جَرِيءٌ‏ فَقَدْ‏ قِيلَ‏ ‏ُثُم أُمِرَ‏ بِهِ‏ فَسُحِ‏ بَ‏ عَلَى وَجْهِهِ‏ حَىتم أُلْقِيَ‏ يفِ‏ النمار«‏ . 1 ومع ذلك أي مع فساد نية هذا قد<br />

حيدث على يديه إعالء كلمة هللا ضمنا،‏ وهذا هو املقصود بقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَإِنم اَّللمَ‏ لَيُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏<br />

3<br />

2<br />

ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ رِ«‏ ‏.ويف رواية:‏ ‏»وَأبَِقْوامٍ‏ الَ‏ خَالَقَ‏ هلَُم«‏ .<br />

الثانية:‏ رجل خرج للغزو وقصده إعالء كلمة هللا،‏ وقصده أيضا حظ نفسه من مال أو مسعة أو رايسة،‏ فهذا ال أجر<br />

له،‏ ملا رواه أبو داود والنسائي من حديث أيب أمامة إبسناد جيد،‏ قال:»جاء رجل فقال:‏ اي رسول هللا،‏ أَرَأَيْتَ‏ رَجُال<br />

غَزَا ي ‏َلْتَمِسُ‏ األَجْرَ‏ وَالذِّكْرَ‏ مَالَهُ‏ فَقَالَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم ال شَيْءَ‏ لَهُ‏ فَأَعَادَهَا ثَالثَ‏ مَرماتٍ‏ ي ‏َقُولُ‏ لَهُ‏ رَسُوُل<br />

اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم ال شَيْءَ‏ لَهُ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ إِنم اَّللمَ‏ ال ي ‏َقْبَلُ‏ مِنَ‏ الْعَمَلِ‏ إِال مَا كَانَ‏ لَهُ‏ خَالِصًا وَابْتُغِيَ‏ بِهِ‏ وَجْهُهُ«.‏<br />

الثالثة:‏ رجل خرج للغزو وقصده إعالء كلمة هللا،‏ ال قصد له غري هذا،‏ ‏ُث حصل له شيء من املغنم ضِمْناً‏ ال قصدا،‏<br />

فهذا له أجر اجلهاد يف سبيل هللا،‏ ولكن نق<br />

هو موضع السؤال،‏ فكل نفع دنيوي ي ‏ُنْقِ‏<br />

ُ األجر.‏<br />

أجره بسبب ما انله من غنيمة ‏ِبالف احلال الرابع.‏ وهذا احلال الثالث<br />

الرابعة:‏ رجل خرج للغزو،‏ وقصده إعالء كلمة هللا،‏ ال قصد له غري هذا،‏ ومل حيصل له شيء من حظوظ الدنيا،‏ فهذا له<br />

األجر كامال،‏ وهؤالء درجات،‏ أدانهم من رجع من الغزو ساملا بال غنيمة وأعالهم من أهريق دمُه وعُقِرَ‏ فرسُه وذَهَبَ‏<br />

مالُه يف سبيل هللا،‏ وبينهما املصاب والشهيد.‏<br />

ودليل احلالتني الثالثة والرابعة،‏ هو حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»مَا مِنْ‏<br />

غَازِيَةٍ‏ تَغْزُو يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ فَيُصِيبُونَ‏ الْغَنِيمَةَ‏ إِال تَعَجملُوا ث ‏ُلُثَيْ‏ أَجْرِهِمْ‏ مِنَ‏ اآلخِ‏ رَةِ‏ وَي ‏َبْقَى هلَُمُ‏ الث ‏ُّلُثُ‏ وَإِنْ‏ ملَْ‏ يُصِيبُوا غَنِيمَةً‏ متَم<br />

4<br />

هلَُمْ‏ أَجْرُهُمْ«‏ . وله يف رواية أخرى:‏ ‏»مَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ تَغْزُو فَتَغْنَمُ‏ وَتَسْلَمُ‏ إِال كَانُوا قَدْ‏ تَعَجملُوا ث ‏ُلُثَيْ‏ أُجُورِهِمْ‏ وَمَا<br />

مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ ختُْفِقُ‏ وَتُصَابُ‏ إِال متَم أُجُورُهُمْ«؛ والإخفاق هو أن يغزو فال يغنموا شيئا.‏<br />

فهذا ن واضح صريح يف أن من غزا ونيته صاحلة ‏)يف سيبل هللا(‏ إن رجع بشيء من الغنيمة نق ذلك ثلثي أجره<br />

األخروي ‏)وهي احلالة الثالثة اليت ذكرهتا،‏ وهي موضع السؤال وإن مل يرجع بشيء مت له أجره يف اآلخرة ‏)وهي احلالة<br />

الرابعة(.‏<br />

وقد أورد البخاري رمحه هللا هذه املسألة يف كتاب فرض اخلمس من صحيحه يف ابب ‏)من قاتل للمغنم هل ينق<br />

أجره؟(‏ هكذا معلقا احلكم ومل جيزم <strong>في</strong>ه بشيء.‏ وأورد <strong>في</strong>ه حديث أيب موسى األشعري ‏»من قاتل لتكون كلمة<br />

من<br />

- رواه مسلم<br />

- رواه البخاري<br />

- رواه أمحد والطرباين عن أيب بكرة<br />

- رواه مسلم<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

08


هللا هي العليا«.‏ وفَصمل ابن حجر األحوال املختلفة ومل جيزم يف احلكم ، 1 ‏ِبالف النووي الذي جزم يف احلكم يف هذه<br />

املسألة فقال يف شرح حديث عبد هللا بن عمر السابق ‏»مَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ تَغْزُو...«‏ قال النووي:]فالصوا اللي ال جيوز<br />

غريه أن الغزاة إذا س لِموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من مل يسلم ، أو سلم ومل يغنم،‏ وأن الغنيمة هي يف<br />

امل<br />

مقابلة جزء من أجر غزوهم،‏ فإذا حصلت هلم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم رتتب على الغزو،‏ وتكون هذه الغنيمة من<br />

مجلة األجر،‏ وهذا موافق لألحاديث الصحيحة املشهورة عن الصحابة،‏ كقوله ‏»مِنما من مات ومل ‏َيكل من أجره شيئا،‏<br />

ومنا من أينعت له مثرته فهو ي ‏َهْذِهبَُا«‏ أي جيَْتَنِيها فهذا الذي ذكران هو الصواب وهو ظاهر احلديث ومل ‏َيت حديث<br />

صريح صحيح خيالف هذا فتعني محله على ما ذكران وقد اختار القاضي عياض معىن هذا الذي ذكرانه بعد حكايته يف<br />

تفسريه أقواال منها قول من زعم أن هذا احلديث ليس بصحيح وال جيوز أن ينق<br />

ثواب أهل بدر،‏ وهم أفضل<br />

اجملاهدين وهي أفضل الغنيمة،‏ قال وزعم بعض هؤالء أن أاب هانئ محيد بن هانئ رَاوِية جمهول ورَجمحوا احلديث السابق<br />

يف أن اجملاهد يرجع مبا انل من أجر وغنيمة فرَجمحوه على هذا احلديث لشهرته وشهرة رجاله وألنه يف الصحيحني<br />

وهذا يف مسلم خاصة،‏ وهذا القول ابطل من أوجه فإنه ال تعارض بينه وبني احلديث املذكور،‏ فإن الذي يف احلديث<br />

السابق رجوعه مبا انل من أجر وغنيمة ومل يقل أن الغنيمة تنق األجر أم ال،‏ وال قال أجره كأجر من مل يغنم فهو<br />

مطلق وهذا مقيد فوجب محله عليه.‏ وأما قوهلم أبو هانئ جمهول فغلط فاحش بل هو ثقة مشهور روى عنه الليث بن<br />

سعد وحَيْوة وابن وهب وخالئق من األئمة ويك<strong>في</strong> يف توثيقه احتجاج مسلم به يف صحيحه.‏ وأما قوهلم إنه ليس يف<br />

الصحيحني فليس الزما يف صحة احلديث كونه يف الصحيحني وليس يف أحدمها.‏ وأما قوهلم يف غنيمة بدر،‏ فليس يف<br />

غنيمة بدر ن<br />

أهنم لو مل يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط،‏ وكوهنم مغفورا هلم مرضيا عنهم ومن<br />

أهل اجلنة ال يلزم أن ال تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه مع أنه شديد الفضل عظيم القدر.‏ من األقوال<br />

الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال لعل تعجل ثلثي أجره إَّنا هو يف غنيمة أخذت على غري وجهها وهذا<br />

غلط فاحش إذ لو كانت على خالف وجهها مل يكن ثلث األجر.‏ وزعم بعضهم أن املراد أن اليت أخفقت يكون هلا<br />

األجر ابألسف على ما فاهتا من الغنيمة <strong>في</strong>ضاعف ثواهبا كما يضاعف ملن أصيب يف ماله وأهله وهذا القول فاسد<br />

مباين لصريح احلديث.‏ وزعم بعضهم أن احلديث حممول على من خرج بِنِيمة الغزو والغنيمة معاً‏ فنق<br />

2<br />

ضعيف.‏ والصواب ما قدمناه وهللا أعلم.[‏ .<br />

ثوابه وهذا أيضا<br />

3<br />

قلت:‏ وقد ورد يف كتاب ‏)نيل األوطار(‏ ابب مستقل لبحث هذه املسألة،‏ وهو ابب ‏)ما جاء يف إخالص النية يف<br />

اجلهاد وأخل األجرة عليه واإلعانة<br />

‏ِبالف النووي.‏<br />

) حيث ذكر جمموع األدلة السابقة وما ذكره ابن حجر،‏ ومل جيزم يف املسألة<br />

- فتح الباري ج 6 ص 226 ،28 ،29<br />

- ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 13 ص 52<br />

- للشوكاين ج 9 ص 32 وما بعدها<br />

53<br />

1<br />

2<br />

3<br />

09


وهذا ما تيسر من الكتابة عن الإخالص والإحتساب،‏ عسى هللا أن ينفعنا به والقارئ الكرمي.‏ آمني.‏<br />

21


الباب الثاني:‏<br />

حكم التدريب العسكري<br />

للمسلمين<br />

و<strong>في</strong>ه املسائل التالية:‏<br />

أوال أمهية التدريب العسكري للمسلمني.‏<br />

‏َثنيا حكم التدريب العسكري للمسلمني.‏<br />

‏َثلثا على من جيب التدريب العسكري؟.‏<br />

رابعا أصحاب األعذار الشرعية.‏<br />

خامسا النفقة يف سبيل هللا.‏<br />

20


الباب الثاني:‏<br />

حكم التدريب العسكري للمسلمين<br />

أوال:‏ أهمية التدريب العسكري للمسلمين<br />

«<br />

قال صلى هللا عليه وسلم : يُوشِ‏ كُ‏ أَنْ‏ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ‏ األُمَمُ‏ مِنْ‏ ِ كُل أُفُقٍ‏ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ‏ عَلَى قَصْعَتِهَا«‏ قُلْنَا:‏ ايَ‏<br />

رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ أَمِنْ‏ قِلمةٍ‏ بِنَا ي ‏َوْمَئِذٍ‏ قَالَ‏ ‏:»أَنْتُمْ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ كَثِريٌ‏ وَلَكِنمكُمْ‏ غُثَاءٌ‏ كَغُثَاءِ‏ السميْلِ‏ تُنزعُ‏ الْمَهَابَةَ‏ مِنْ‏ قُلُوبِ‏ عَدُوِّكُمْ‏ وَجيُْعَل<br />

1<br />

يفِ‏ قُلُوبِكُمُ‏ الْوَهْنَ«‏ قَالُوا وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ‏ : ‏»حُبُّ‏ احلَْيَاةِ‏ وَكَرَاهِيَةُ‏ الْمَوْتِ‏ » .<br />

ّ<br />

وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِذَا تَبَاي ‏َعْتُمْ‏ ابِلْعِينَةِ‏ وَأَخَذْمتُْ‏ أَذْانَبَ‏ الْبَقَرِ‏ وَرَضِيتُمْ‏ ابِلزمرْعِ‏ وَتَرَكْتُمُ‏ اجلِْهَادَ‏ سَلمطَ‏ اَّللمُ‏ عَلَيْكُ‏ ‏ْم<br />

2<br />

ذُالا ال ي ‏َنْزِعُهُ‏ حَىتم تَرِْجعُوا إَِلَ‏ دِينِكُ‏ ‏ْم«‏ .<br />

واحلديثان مبعىن واحد،‏ ومها والشك يصفان حال املسلمني اليوم،‏ أحبوا الدنيا وكرهوا املوت وتركوا اجلهاد،‏ فسَلمط هللا<br />

عليهم األمم الكافرة تسومهم الذل واهلوان وهذه عقوبة قدرية واقعة ال حمالة بتاركي اجلهاد،‏ كما قال احلق جل وعال:‏<br />

‏}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا مَا لَكُمْ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَكُمْ‏ انفِرُ‏ وا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ اثَّاقَلْتُمْ‏ إِلَى األْ‏ ‏َرْ‏ ضِ‏ أَرَ‏ ضِ‏ يتُ‏ ‏ْم بِالْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا مِنْ‏ اآلْ‏ خِ‏ رَ‏ ةِ‏<br />

قَمَا مَتَاعُ‏ الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا قِي اآلْ‏ خِ‏ رَ‏ ةِ‏ إِالَّ‏ قَلِيلٌ‏ إِالَّ‏ تَنفِرُ‏ وا يُعَ‏ ‏ِذبْكُمْ‏ عَذَابًا أَلِيم ‏ًا وَ‏ يَسْتَبْدِلْ‏ قَوْ‏ م ‏ًا غَيْرَ‏ كُمْ‏ وَ‏ الَ‏ تَضُرُّ‏ وهُ‏ شَيْئًا<br />

وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ قَدِيرٌ‏ } 3 . فالعذاب األليم يف اآلية،‏ منه الذل املذكور يف حديث ابن عمر،‏ ومنه تداعي األمم<br />

علينا املذكور يف حديث ثوابن.‏ واخلَالَص من هذا يكون كما أخرب النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال ينزعه حىت ترجعوا<br />

إَل دينكم«‏<br />

وهذا يكون ابلعودة إَل اجلهاد املذكور يف أول احلديث،‏ وهذا يتفق مع قول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوا<br />

الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ كَاقَّة ً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ‏ كَاقَّة ً وَ‏ اعْلَمُوا أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الْمُتَّقِي<br />

وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{ 5 .<br />

4<br />

‏َن{‏ . وقول هللا تعاَل:}وَ‏ قَاتِلُوهُمْ‏ حَتَّى ال تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏<br />

والشك أن هذا األمر الرابين سيثري سؤاال.‏ وهو كيف لنا بتن<strong>في</strong>ذ هذا األمر،‏ وحنن املسلمني قد بلغنا من العجز<br />

والفرقة والفنت جتعل احلليم حريان؟<br />

22<br />

1<br />

2<br />

3<br />

- رواه أمحد عن ثوابن،‏ ورواه أبو داود كذلك عنه،‏ وصححه الشيخ األلباين<br />

- رواه أبو داود عن ابن عمر إبسناد حسن،‏ وصححه األلباين.‏<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏‎39‎<br />

38<br />

4<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

36<br />

- 5<br />

سورة اآلنفال،‏ اآلية:‏<br />

38


وُنُ‏ يب بقول ابن تيمية:‏ ‏]جيب االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز،‏ فإن ما ال يتم<br />

1<br />

الواجب إال به فهو واجب[‏ .<br />

واإلعداد للجهاد نوعان:‏ <strong>إعداد</strong> إمياين ابلعلم الشرعي،‏ والتزكية ‏}يَتْلُو عَلَيْهِمْ‏ آيَاتِهِ‏ وَ‏ يُزَ‏ كِيهِمْ‏ وَ‏ يُعَلِمُهُمْ‏ الْكِتَابَ‏<br />

2<br />

وَ‏ الْحِ‏ كْمَةَ{‏ . و<strong>إعداد</strong> مادي إبعداد القوة والتدرب عليها وابلنفقة يف سبيل هللا.‏ وسنرجئ الكالم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين،‏<br />

ونبدأ بضوابط ال<strong>إعداد</strong> املادي للجهاد،‏ إذ أنه سبب كتابة هذه الرسالة،‏ فنقول قد أمر هللا تعاَل به يف قوله تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏<br />

قُوَّ‏ ةٍ‏ وَ‏ مِنْ‏ رِ‏ بَاِِ‏ الْخَيْلِ‏ تُرْ‏ هِبُونَ‏ بِهِ‏ عَدُوَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ عَدُوَّ‏ كُمْ‏ وَ‏ آخَرِ‏ ينَ‏ مِنْ‏ دُونِهِمْ‏ ال<br />

تَعْلَمُونَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْلَمُهُمْ‏ وَ‏ مَا تُنفِقُوا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُوَ‏ فَّ‏ إِلَيْكُمْ‏<br />

حديث عقبة بن عامر<br />

<br />

3<br />

وَ‏ أَنْتُمْ‏ ال تُظْلَمُو ‏َن{‏ . وورد يف تفسري هذه اآلية<br />

قال:‏ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو على املنرب يقول:‏<br />

‏»}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا<br />

اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{،‏ أال إن القوة الرمي،‏ أال إن القوة الرمي،‏ أال إن القوة الرمي«‏ . 4 وهذا التفسري من النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم لآلية هو ن<br />

يف موضع النزاع بني من يقول إن ال<strong>إعداد</strong> للجهاد يكون ابلتدريب على السالح وبني من<br />

يقول ال<strong>إعداد</strong> يكون ابلرتبية والتزكية،‏ إذ إن احلديث يبني أن القوة اليت أمر هللا إبعدادها هي القوة املادية من خمتلف<br />

أسلحة الرماية مع التدريب عليها،‏ وهذا مما ال يسع املسلم تركهكما سنذكر يف حكم التدريب.‏<br />

أما الرتبية والتزكية فهي داخلة يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد وهو واجب أيضا وسنذكر دليل ذلك <strong>في</strong>ما بعد،‏ ومعسكرات<br />

التدريب وساحات اجلهاد لو أُحْسِ‏ نَ‏ رعايتها تكون خري مكان لرتبية الرجال والكشف عن معادهنم وسلوكهم،‏ مبا توفره<br />

من طول املعاشرة والتعرض للمشاقّ‏ واألسفار.‏ وسنتكلم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين يف أكثر من موضع يف هذه الرسالة إن<br />

شاء هللا تعاَل.‏ فال خالف على ضرورة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين مع ال<strong>إعداد</strong> املادي،‏ أما أن يُصْرَف معىن ال<strong>إعداد</strong> يف اآلية على<br />

ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وحده،‏ أو اختاذ ال<strong>إعداد</strong> الإمياين ذريعة للقعود عن ال<strong>إعداد</strong> املادي والتدريب فهذا ما ‏َيابه الن القرآين<br />

واحلديث،‏ وحنن ابلتايل ال نرضى بذلك.‏<br />

واخلالصة:‏ إن أمهية التدريب العسكري أتِت من كونه أحد صور ال<strong>إعداد</strong> للجهاد،‏ واجلهاد هو طريق اخلالص<br />

للمسلمني من غضب الرب سبحانه وتعاَل،‏ ومن حياة الذل واملهانة اليت حييوهنا يف هذا الزمان.‏<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 258<br />

- سورة اجلمعة،‏ اآلية:‏<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- رواه مسلم<br />

2<br />

61<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

23


ر-‏<br />

ثانيا:‏ حكم التدريب العسكري للمسلمين.‏<br />

هو واجب على كل مسلم مكلف من غري أصحاب األعذار الشرعية،‏ إذ إنه مقدمة من مقدمات اجلهاد،‏ وأدلة<br />

وجوب التدريب هي:‏<br />

= 1<br />

من املعلوم أن اجلهداد يكدون فدرني عدني علدى كدل مسدلم يف مواض ع مبين ة يف كت ب الفق ه،‏ وه ي كم ا ذكره ا اب ن<br />

قدامة احلنبلي يف كتابِهِ‏ املُغين قال:‏ ‏]ويتعني اجلهاد يف ثالثة مواضع:‏<br />

ُ<br />

أحدها:‏ إذا التقى الزحفان وتقابل الصمفان حَرُمَ‏ على من حضر االنصراف وتعني عليه املقام لقول هللا<br />

تعاَل:‏ {<br />

ايَ‏ أَي ‏ُّهَا المذِينَ‏ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ‏ فِئَةً‏ فَاثْبُتُوا وَاذْكُروا اَّللمَ‏ كَثِريًا لَعَلمكُمْ‏ ت ‏ُفْلِحُوَن<br />

وَأَطِيعُوا اَّللمَ‏ وَرَسُولَهُ‏ وَال تَنَازَعُوا<br />

فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ‏ رِحيُكُمْ‏ وَاصْربُِوا إِنم اَّللمَ‏ مَعَ‏ الصمابِرِينَ{‏ ، 1 وقوله تعاَل:‏ ‏}ايَ‏ أَي ‏ُّهَا المذِينَ‏ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ‏ المذِينَ‏ كَفَرُوا<br />

زَحْفًا فَال ت ‏ُوَلُّوهُمْ‏ األَدْابَرَ‏ وَمَنْ‏ ي ‏ُوَهلِِّمْ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ دُب ‏ُرَهُ‏ إِالم مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ‏ أَوْ‏ مُتَحَيِّزًا إَِلَ‏ فِئَةٍ‏ فَقَدْ‏ ابَءَ‏ بِغَضَبٍ‏ مِنْ‏ اَّللمِ{‏ . 2<br />

الثاين:‏ إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم.‏<br />

الثالث:‏ إذا استنفر الإمامُ‏ قوماً‏ لزمهم النفري معه،‏ لقول هللا تعاَل:‏ ‏}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا مَا لَكُمْ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَكُمْ‏ انفِرُ‏ وا قِي<br />

سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ اثَّاقَلْتُمْ‏ إِلَى األَرْ‏ ضِ‏<br />

‏{اآلية واليت بعدها،‏ وقال النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

4 3<br />

‏»وإذا استنفرمت فانفروا«‏ ] .<br />

ويتضح من هذا أن اجلهاد يكاد أن يكون فرض عني على مجيع املسلمني اآلن،‏ خاصة املوضع الثاين ‏)إذا نزل الكفار<br />

ببلد(‏ فمعظم بلدان املسلمني اآلن حيكمها ويتسلط عليها الكفار،‏ إما مستعمر أجنيب كافر وإما حكومة حملية كافرة.‏<br />

وإذا تعني اجلهاد فإن تركه يكون من الكبائر للوعيد الوارد <strong>في</strong>ه،‏ بل من السبع املوبقات بن حديث النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم .<br />

ومن هنا يتبني وجو التدريب العسكري لكونه من اإلعداد للجهاد الذي ميكن أن يتعني على كل مسلم يف أي<br />

وقت،‏ وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.‏<br />

= 2<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِونْ‏ قُو ‏َّوةٍ{‏ ، 5 م ع ح ديث عقب ة ب ن ع امر مرفوع ا ‏»أال إن الق وة الرم ي«‏ . 6<br />

فاألمر للوجوب مع عدم وجود قرينة صارفة إَل الندب،‏ فإذا وج ب الإع داد،‏ فق د وج ب الت دريب إذ أن ه ج زء ه ام م ن<br />

ال<strong>إعداد</strong>.‏<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

45<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏ 15<br />

- متفق عليه<br />

16<br />

- ‏)كتاب املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص 365<br />

- سورة األنفال:‏ اآلية<br />

واه مسلم وقد سبق<br />

366<br />

61<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

24


وقال الصنعاين يف شرح حديث عقبة هذا:‏ ‏]أفاد احلديث تفسري القوة يف اآلية ابلرمي ابلسهام ألنه املعتاد يف عصر<br />

النبوة،‏ ويشتمل الرمي ابلبنادق للمشركني والبغاة،‏ ويؤخذ من ذلك شرعية التدريب <strong>في</strong>ه،‏ ألن ال<strong>إعداد</strong> إَّنا يكون مع<br />

االعتياد إذ من مل حيسن الرمي ال يسمى معدا للقوة<br />

1<br />

.<br />

. 3 »<br />

= 3<br />

ق ول هللا تع اَل:‏ ‏}وَ‏ لَوووْ‏ أَرَ‏ ادُوا الْخُوورُ‏ وجَ‏ ألَعَوودُّوا لَووهُ‏ عُوودَّةً‏ وَ‏ لَكِوونْ‏ كَوو ‏ِرهَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَوواثَهُمْ‏ قَثَووبََِّهُمْ‏ وَ‏ قِيوولَ‏ اقْعُوودُوا مَووَْ‏<br />

الْقَاعِدِينَ{‏ . 2 فجعل سبحانه ترك <strong>إعداد</strong> الع دة اجله اد ‏)ومن ه الت دريب(‏ م ن ص فات املن افقني،‏ وه ذا يؤك د م ا ذهبن ا إلي ه<br />

من أن األمر يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِودُّوا لَهُومْ‏ مَوا اسْوتََِعْتُمْ‏ مِونْ‏ قُووَّ‏ ةٍ{‏ ه و للوج وب لوق وع ال ذم عل ى ترك ه،‏ وه ذا يتض ح<br />

أيض ا م ن ق ول رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : ‏»مَ‏ نْ‏ مَ‏ اتَ‏ وَملَْ‏ ي ‏َغْ‏ زُ‏ وَملَْ‏ حيَُ‏ دِّثْ‏ ن ‏َفْسَ‏ هُ‏ ابِلغَ‏ زْوِ‏ مَ‏ اتَ‏ عَلَ‏ ى شُ‏ عْبَةٍ‏ مِ‏ نَ‏<br />

النِفَاقٍ‏<br />

قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»م نْ‏ ع لِم الر مْي ‏ُثُ‏ تد ر ك هُ‏ فد ليْس مِن ا<br />

عظيم يف نسيان الرمي بعد علمه،‏ وهو مكروه كراهة شديدة ملن تركه بال عذر[.‏<br />

4<br />

أَوْ‏ قَدْ‏ عَصَى«‏ . وقال النووي:‏ ‏]هذا تشديد<br />

قلت فإذا كان هذا الزجر والوعيد يف حق من تعلم الرماية ‏ُث مل يواظب على التدريب حىت ال ينساها،‏ فكيف مبن مل<br />

يتعلمها ابتداء ؟.‏<br />

وهناك أدلة أخرى،‏ فنكت<strong>في</strong> مبا سبق خشية الإطالة.‏ واخلالصة أن التدريب العسكري واجب على كل مسلم مكلف<br />

من غري ذوي األعذار.‏<br />

ويقول األستاذ حممد شيت خطاب الكاتب يف العسكرية الإسالمية:‏ ‏])التدريب على السالح(‏ ال قيمة ألي سالح<br />

من األسلحة إال ابستعماله،‏ والتدريب على استعمال السالح تدريبا راقيا دائبا هو الذي يؤدي إَل استعماله بكفاية،‏<br />

واملقاتل املُدَرمب على استعمال سالحه هو وحده يستطيع استعماله بنجاح،‏ أما املقاتل غري املُدَرمب فال يست<strong>في</strong>د من<br />

سالحه كما ينبغي،‏ واملُدَرمب يستطيع التغلب على غري املُدَرمب بسهولة ويسر إَل قوله وقدكان العرب قبل الإسالم<br />

يتدربون على استعمال السالح ولكن مل يكن تدريبهم إلزاميا،‏ فكان منهم من ال يتدرب حبسب رغبته وهواه.‏ فلما<br />

جاء الإسالم أمر ابلتدريب وحث عليه،‏ ألن اجلهاد فرض على كل مسلم قادر على محل السالح.‏ فاملسلمون كلهم<br />

جند يف جيش املسلمني،‏ جياهدون يف سبيل هللا لتكون كلمة هللا هي العليا.‏<br />

وقد وردت أحاديث كثرية يف احلث على الرمي وساق مجلة منها إَل قوله وقال عليه الصالة والسالم:‏ ‏»مَنْ‏ عَلِمَ‏<br />

5<br />

الرممْيَ‏ ‏ُثُم تَرَكَهُ‏ فَلَيْسَ‏ مِنما«‏ ، وقد شوهد كثري من األئمة وكبار العلماء ميارسون الرمي بعد أن بلغوا الشيخوخة املتقدمة،‏<br />

- ‏)سبل السالم(‏ ج 4 ص 1374 حديث 1236<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- رواه مسلم عن عقبة بن عامر<br />

- رواه أمحد<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

25


ص-‏<br />

ومنهم أمحد بن حنبل رضي هللا عنه،‏ فإذا سئلوا عن سبب هذه املمارسة أو حملوا استغراب الناس مما يفعلون أجابوا<br />

املتسائلني واملستغربني هبذا احلديث النبوي الشريف.[‏ 1<br />

قلت:‏ ومن الذين استمروا يف التدريب على الرمي حىت الشيخوخة عقبة بن عامر الصحايب،‏ راوي احلديث،‏ وقد قال<br />

هذا احلديث ملا استغرب الراوي عند تَدَرُّبَه يف شيخوخته،‏ فروى له احلديث كما يف صحيح مسلم.‏<br />

26<br />

148<br />

146 ‏)كتاب العسكرية العربية الإسالمية(‏ حملمود شيت خطاب ط مؤسسة الرسالة ‎1415‎ه<br />

1


الضرر<br />

ثالثا:‏ على مَنْ‏ يجب التدريب العسكري؟<br />

قال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]ويشرتط لوجوب اجلهاد سبعة شروط:‏ الإسالم والبلوغ والعقل واحلرية والذكورية والسالمة من<br />

1<br />

ووجود النفقة[‏ . ويضاف إَل هذا شرطان آخران:‏ إذن الوالدين وإذن الدائن للمدين<br />

الشروط تسعة.‏<br />

2<br />

<strong>في</strong>كون جمموع ،<br />

قلت:‏ هذا إذا كان اجلهاد فرض كفاية،‏ فإذا تعني اجلهاد تسقط أربعة شروط من هذه التسعة وهي:‏ احلرية والذكورية<br />

وإذن الوالدين وإذن الدائن،‏ وتكون شروط وجوب اجلهاد العيين مخسة فقط وهي:‏ الإسالم والبلوغ والعقل والسالمة<br />

من الضرر ووجود النفقة،‏ ويسقط كذلك شرط وجود النفقة وتصري الشروط أربعة فقط إذا دهم العدو بالد املسلمني<br />

ومل يكن هناك خروج إليه،‏ وهذا أحد مواضع اجلهاد العيين.‏<br />

وقد قرر هذا فقهاء املذاهب املشهورة،‏ فمن األحناف قال عالء الدين الكاساين:‏ ‏]فأما إذا عم النفري أبن هجم العدو<br />

على البلد،‏ فهو فرض عني،‏ يفرتض على كل واحد من آحاد املسلمني ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه<br />

وتعاَل:}انفِرُ‏ وا خِ‏ فَاقًا وَ‏ ثِقَاالً{‏ ، 3 <strong>في</strong>خرج العبد بغري إذن مواله،‏ واملرأة بغري إذن زوجها،‏ وكذا يباح للولد أن خيرج بغري<br />

إذن والديه[‏ ، 4 وقال الرملي من الشافعية:‏ ‏]فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر <strong>في</strong>لزم أهلها الدفع<br />

حىت من ال جهاد عليهم من فقري وولد وعبد ومدين وامرأة[‏ . 5 وأمثلة هذه األقوال لعلماء املذاهب كثرية ومشهورة.‏<br />

وقد خالف ابن حزم اجلمهور يف مسألة إذن الوالدين يف جهاد العني،‏ فقال ال يعترب إذهنما يف جهاد العني إال أن<br />

يهلكا ‏ِبروجه،‏ كأن ال يكون هلما عائل غريه،‏ قال ابن حزم رمحه هللا:‏ ‏]وال جيوز اجلهاد إال إبذن األبوين إال أن ينزل<br />

العدو بقوم من املسلمني ففرض على كل من ميكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا هلم،‏ أَذِنَ‏ األبوان أم مل ‏َيذان،‏ إال أن<br />

فاهلل أعلم.‏<br />

يُض ي عا أو أحدمها بعده فال حيل له ترك من ي ضِيع منهما[‏ 6<br />

قلت:‏<br />

وما ذكره السادة الفقهاء من وجو اجلهاد العيين على املرأة <strong>في</strong>ه نظر،‏ وقد يَظُن البعض أن هذه املسألة<br />

أمجع عليها العلماء أو هي قول مجهور الفقهاء،‏ وليس األمر كذلك.‏<br />

فالذين قالوا بوجوب اجلهاد على املرأة يف كل مواضع اجلهاد العيين،‏ أخذوا هذا من القاعدة الفقهية القاضية أبن<br />

فروض العني جتب على كل مسلم مكلف ‏)ابلغ عاقل(‏ بال تفريق بني الذكر واألنثى.‏ كما نقلته عن الكاساين من<br />

األحناف والرملي من الشافعية.‏<br />

- ‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص 366<br />

- نفس املصدر ص 391<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية<br />

41<br />

- ‏)بدائع الصنائع(‏ ج<br />

- ‏)هناية احملتاج(‏ ج<br />

- ‏)احمللى(‏ ج 7 ص<br />

4311 ص 8<br />

59 ص 9<br />

282 مسألة 822<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

27


إال أن النصوص الشرعية اخلاصة جبهاد النساء ختالف هذه القاعدة وجيب األخذ هبا.‏ وتفصيلها كالتايل:‏<br />

روى البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه ‏)ابب جهاد النساء(‏ عن عائشة ‏»استأذنت النيب صلى هللا عليه وسلم يف<br />

اجلهاد،‏ فقال جهادكن احلج«.‏ قال ابن حجر:‏ ‏]وقال ابن بطال:‏ دل حديث عائشة على أن اجلهاد غري واجب على<br />

النساء،‏ ولكن ليس يف قوله:‏<br />

عائشة قالت:‏<br />

‏»جهادكن احلج«‏<br />

1<br />

أنه ليس هلن أن يتطوعن ابجلهاد[‏ ، ويف رواية أمحد بن حنبل عن<br />

2<br />

‏»قلت:‏ اي رسول هللا هل على النساء جهاد؟ قال:‏ جهاد ال قتال <strong>في</strong>ه:‏ احلج والعمرة«‏ ، فهذا احلديث<br />

بَنيم أن املرأة غري خماطبة ابجلهاد بدون تفريق بني ما هو فرض كفاية وما هو فرض عني.‏ وكذلك مل يفرق الشراح ‏)ابن<br />

حجر وابن بطال(‏ بني الفرضني يف حق النساء.‏<br />

وقد كان اجلهاد يتعني كَريا على عهد النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ ومل يَرِد إلينا ن ولو ضعيف يف أن النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم أمر النساء ابلقتال حىت نعترب هذا الن<br />

خمَُصمصا حلديث عائشة السابق.‏<br />

فمن املواضع اليت يتعني <strong>في</strong>ها اجلهاد،‏ إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفري،‏ ومن ذلك غزوة تبوك مل يستنفر النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم قوما دون قوم بل كان النفري عاما بداللة قوله تعاَل يف شأن هذه الغَزَاة:‏ ‏}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا مَا لَكُمْ‏<br />

إِذَا قِيلَ‏ لَكُمْ‏ انفِرُ‏ وا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ اثَّاقَلْتُمْ‏ إِلَى األَرْ‏ ضِ‏<br />

} 3 ، ومعلوم أن اخلطاب ب}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا{‏ يشتمل<br />

الرجال والنساء،‏ إال أن النساء مل خيرجن يف هذه الغزوة بدليل قول علي بن أيب طالب ملا استخلفه النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم على املدينة يف هذه الغزوة قال علي ‏)أختل<strong>في</strong>ن يف النساء والصبيان(‏ . 4 وهذا يدل على أن النفري العام ال<br />

يشمل النساء،‏ وابلتايل يبقى حديث عائشة السابق على عمومه دون ختصي .<br />

وأيضا من املواضع اليت يتعني <strong>في</strong>ها اجلهاد،‏ إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم،‏ وهذا حدث على عهد<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم يف غزوة اخلندق،‏ قال تعاَل:}‏<br />

6<br />

للقتال يف هذه الغزوة بل جُعِلْن يف اآلطام واحلصون .<br />

إِذْ‏ جَاءُوكُمْ‏ مِنْ‏ قَوْ‏ قِكُمْ‏ وَ‏ مِنْ‏ أَسْفَلَ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ ، 5 ومل خترج النساء<br />

وقول ابن قدامة احلنبلي مشعر هبذا قال:‏ ‏]مسألة ‏“وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا املقل منهم واملكثر،‏<br />

وال خيرجوا إَل العدو إال إبذن األمري،‏ إال أن ي ‏َفْجَأهُم عدو غالب كَلَبَه فال ميكنهم أن يستأذنوه”‏<br />

قوله املقل منهم<br />

واملكثر:‏ يعين به وهللا أعلم الغين والفقري،‏ أي املقل من املال ومكثر منه،‏ ومعناه أن النفري يعم مجيع الناس ممن كان من<br />

أهل القتال حني احلاجة إَل نفريهم جمليء العدو إليهم وال جيوز ألحد التخلف إال من حيُ‏ تاج إَل ختلفه حلفظ املكان<br />

- فتح الباري ج 6 ص<br />

76<br />

75<br />

- صححه األلباين ‏)إرواء الغليل ج ‎5‎حديث<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية<br />

)1195<br />

39<br />

- رواه البخاري )4416(<br />

- سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

- سرية ابن هشام ط صبيح<br />

1381 ص 715،711:<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

28


واألهل واملال....[‏ . 1 فقول ابن قدامة ‏)حلفظ املكان واألهل(‏ مشعر أبنه ليس على النساء خروج إذا دهم العدو<br />

البلدة.‏<br />

وكذلك قال ابن تيمية:‏ ‏]ونظريها:‏ أن يهجم العدو على بالد املسلمني،‏ وتكون املُقَاتِلة أقل من النصف،‏ فإن انصرفوا<br />

2<br />

استولوا على احلرمي.‏ فهذا وأمثاله قتال دفع،‏ ال قتال طالب،‏ ال جيوز االنصراف <strong>في</strong>ه حبال.‏ ووقعة أحد من هذا الباب ،<br />

وقوله أقل من النصف أي جند املسلمني أقل من جند العدو،‏ وقوله ‏)فإن انصرفوا استولوا على احلرمي(‏ يدل على أنه ال<br />

يرى خروج النساء للقتال يف هذا املوضع من مواضع اجلهاد العيين.‏<br />

وهبذا أقول أبن اجلهاد ال جيب على املرأة يف كل مواضع اجلهاد العيين،‏ وقد جيب يف حالة واحدة وهي إذا ما داهم<br />

العدو بلدا وخل إَل البيوت والنساء،‏ فللمرأة أن تقاتله دفاعا عن نفسها وعمن معها.‏ وقد روى مسلم عن آنس<br />

قال:‏ ‏»أَنم أُم سُلَيْمٍ‏ اختمَذَتْ‏ ي ‏َوْمَ‏ حُنَنيٍْ‏ خِ‏ نْجَرًا فَكَانَ‏ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ‏ فَقَالَ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ هَذِهِ‏ أُمُّ‏ سُلَيٍْم مَعَهَا خِ‏ نْجٌَر<br />

فَقَالَ‏ هلََا رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم مَا هَذَا اخلِْنْجَرُ‏ قَالَتِ‏ اختمَذْتُهُ‏ إِنْ‏ دَانَ‏ مِينِّ‏ أَحَدٌ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِكِنيَ‏ ب ‏َقَرْتُ‏ بِهِ‏ بَطْنَهُ‏<br />

فَجَعَلَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم يَضْحَكُ‏ » احلديث.‏ ومن هذا الباب أيضا ما فعلته ص<strong>في</strong>ة بنت عبد املطلب يف<br />

غزوة اخلندق،‏ كما ورد يف السرية إن صحت الرواية<br />

3<br />

.<br />

ومع القول بعدم وجوب اجلهاد على املرأة إال يف حالة معينة،‏ إال أنه جيوز هلا أن خترج متطوعة يف الغزو إبذن األمري،‏<br />

فقد روى مسلم عن آنس قال:‏ ‏)كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يغزو أبم سُليم ونسوة من األنصار معه إذا غزا،‏<br />

<strong>في</strong>َسْقني املاء ويداوين اجلرحى(‏ وروى مسلم عن مثله عن ابن عباس،‏ وقيد الفقهاء ابملرأة الكبرية ومنعوا الشابة<br />

واجلميلة،‏ قال ابن قدامة:‏ ‏]قال اخلرقي:‏ وال يدخل مع املسلمني من النساء إَل أرض العدو إال الطاعنة يف السن،‏<br />

4<br />

لسَقْي املاء ومعاجلة اجلرحى،‏ كما فعل النيب صلى هللا عليه وسلم ] .<br />

واخلالصة:‏ أنه إذا وجب اجلهاد على املرأة يف حالة معينة،‏ فقد وجب االستعداد لذلك ابلتدرب على استعمال<br />

السالح،‏ ويكت<strong>في</strong> يف هذا أبنواع السالح املستخدم يف محاية النفس،‏ ويدرهبا زوجها أو حمارمها أو امرأة مدربة.‏ صحيح<br />

مل ينقل إلينا ن<br />

يف ذلك،‏ ولكنا نستنبطه من إقرار النيب صلى هللا عليه وسلم ألم سليم ابستخدام اخلنجر يف قتال<br />

العدو،‏ فإذا تقرر لدينا استخدام املرأة للسالح فقد وجب تدرهبا عليه،‏ إذ ماال يتم الواجب إال به فهو واجب،‏ وهللا<br />

تعاَل أعلم ابلصواب.‏<br />

29<br />

- 1<br />

املغين والشرح الكبري ج<br />

11 ص 398<br />

- 2<br />

االختيارات الفقية ط دار املعرفة ص<br />

311<br />

3<br />

4<br />

- سرية ابن هشام ج 2 ص<br />

- ‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص<br />

711 ط صبيح ‎1381‎ه<br />

381


أما سن وجو التدريب العسكري،‏ فهو سن التكليف الشرعي،‏ وهو سن البلوغ لقول رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم :<br />

1<br />

‏»رُفِعَ‏ الْقَلَمَ‏ عَنْ‏ ثَالَ‏ ثَةٍ:‏ عَنِ‏ الصميبِ‏ ِّ حَىتم ي ‏َبْلُغَ،‏ وَعَنِ‏ النمائِمِ‏ حَىتم يَسْتَيْقِظَ‏ وَعَنِ‏ الْمَجْنُونِ‏ حَىتم يَفِي ‏َق«‏ .<br />

وحتديد سن البلوغ يكون ابالحتالم أو اإلنبات أو السن.‏<br />

فاالحتالم أبن خيرب الصيب عن نفسه بذلك ويصعب التحقق منه.‏<br />

ِ<br />

«<br />

صلى هللا عليه<br />

والإنبات هو نبات الشعر اخلشن حول الفرج،‏ ودليله حديث عطية القرظي قال:‏ عُرِضْنَا عَلَى النميبِ‏ ّ<br />

وسلم ي ‏َوْمَ‏ قُرَيْظَةَ،‏ فَأَمَرَ‏ مَنْ‏ ي ‏َنْظُرُوا:‏ ‏َمنْ‏ أَنْبَتَ‏ قُتِلَ‏ وَمَنْ‏ ملَْ‏ ي ‏ُنْبِتْ‏ خُلِّيَ‏ سَبِيلُهُ‏ فَكُنْتُ‏ ممِمنْ‏ ملَْ‏ ي ‏ُنْبِتْ‏ فَخُلِّيَ‏ سَبِيلِي«‏<br />

وأما السن فهو بلوغ السن اخلامسة عشرة حلديث انفع عن ابن عمر قال:‏ ‏»عَرَضَينِ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم<br />

.<br />

2<br />

ي ‏َوْمَ‏ أُحُدٍ‏ يفِ‏ الْقِتَالِ‏ وَأَانَ‏ ابْنُ‏ أَرْبَعَ‏ عَشْرَةَ‏ سَنَةً‏ فَلَمْ‏ جيُِزْينِ‏ وَعَرَضَينِ‏ ي ‏َوْمَ‏ اخلَْنْدَقِ‏ وَأَانَ‏ ابْنُ‏ مخَْسَ‏ عَشْرَةَ‏ سَنَةً‏ فَأَجَازَينِ‏ قَالَ‏ انَفٌِع<br />

فَقَدِمْتُ‏ عَلَى عُمَرَ‏ بْنِ‏ عَبْدِ‏ الْعَزِيزِ‏ وَهُوَ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ خَلِيفَةٌ‏ فَحَدمثْتُهُ‏ هَذَا احلَْدِيثَ‏ فَقَالَ‏ إِنم هَذَا حلََدٌّ‏ بَنيَْ‏ الصمغِريِ‏ وَالْكَبِ‏ ‏ِري<br />

فَكَتَبَ‏ إَِلَ‏ عُمالِهِ‏ أَنْ‏ ي ‏َفْرِضُوا لِمَنْ‏ كَانَ‏ ابْنَ‏ مخَْسَ‏ عَشْرَةَ‏ سَنَةً‏ وَمَنْ‏ كَانَ‏ دُونَ‏ ذَلِكَ‏ فَاجْعَلُوهُ‏ يفِ‏<br />

الْعِيَاِل«‏ . 3 وقال النووي:‏<br />

‏])ابب بيان سن البلوغ(‏ وهو السن الذي جيعل صاحبه من املقاتلني وجيري عليه حكم الرجال يف أحكام القتال وغري<br />

ذلك،‏ قوله عن ابن عمر وساق احلديث السابق هذا دليل لتحديد البلوغ ‏ِبمس عشرة سنة،‏ وهو مذهب الشافعي<br />

واألوزاعي وابن وهب وأمحد وغريهم قالوا:‏ ابستكمال مخس عشرة سنة يصري مكلفا وإن مل حيتلم فتجري عليه األحكام<br />

من وجوب العبادة وغريه،‏ ويستحق سهم الرجل من الغنيمة وي ‏ُقْتَل إن كان من أهل احلرب إَل قوله ‏»ملَْ‏ جيُِزْينِ‏<br />

» وَأَجَازَينِ‏<br />

املراد جعله رجال له حكم الرجال املقاتلني<br />

. 4<br />

فسن مخس عشرة سنة كقرينة على البلوغ واالحتالم هو سن التكليف الشرعي،‏ جتب عنده فروض العني،‏ ومنها جهاد<br />

العني إن تعني،‏<br />

وابلتايل فهو السن اللي جيب عنده التدريب<br />

العسكري على املسلمني.‏ ووجدت الشيخ أاب بكر<br />

اجلزائري يف كتابه منهاج املسلم يقول أن التجنيد الإجباري جيب على املسلم إذا بلغ الثامنة عشرة من عمره،‏ ومل يذكر<br />

مستندا أو دليال لتحديده هذا السن،‏ وال استحضر له دليال،‏ فاهلل أعلم<br />

5<br />

.<br />

ومما يؤيد سن الوجوب الذي ذهبنا إليه ما ذكره ابن عبد الرب يف خمتصر السرية قال:‏ ‏]وأجاز رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم يومئذ يف غزوة أحد مسَُرَة بن جندب الفزَاري ورافع بن خديج ولكل واحد منهما مخس عشرة سنة،‏ وكان<br />

رافع راميا،‏ ورد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يومئذ عبد هللا بن عمر وزيد بن ‏َثبت وأسامة بن زيد والرباء بن عازب<br />

31<br />

-<br />

1<br />

ورد من حديث عائشة وعلي بن أيب طالب وأيب قتادة األنصاري،‏ وقد روى حديث عائشة أبو داود والنسائي والدارمي وابن حبان واحلاكم وقال<br />

صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهيب،‏ وصححه األلباين يف عدة مواضع من كتابه ‏)إرواء الغليل ختريج أحاديث منار السبيل(‏ منها حديث<br />

رواه البخاري عن علي تعليقا يف كتاب احلدود.‏<br />

287، وقد<br />

2<br />

3<br />

4<br />

- رواه اخلمسة وقال الرتمذي حديث حسن صحيح.‏<br />

- رواه مسلم،‏ ورواه البخاري مع اختالف يف اللفظ.‏<br />

- ‏)شرح النووي على مسلم(‏ ج 13 ص<br />

12<br />

- 5<br />

انظر منهاج املسلم ط<br />

9<br />

دار الفكر ‎1386‎ه ص<br />

313


وأسيد بن ظهري وعرابة بن أوس بن أرقم وأاب سعيد اخلدري،‏ ‏ُث أجازهم كلهم عليه السالم يوم اخلندق أي بعد ذلك<br />

بعام إَل قوله وإَّنا رد من مل يبلغ مخس عشرة سنة وأجاز من بلغها[‏ . 1<br />

ومن أتمل قول ابن عبد الرب،‏ إن الصحايب رافعا بن خديج عندما أُجِ‏ يز للقتال يف هذا السن كان راميا،‏ أي متقنا<br />

للرماية،‏ أدرك أنه تدرب على الرماية حىت أتقنها قبل سن اخلامسة عشرة،‏ وأدرك أن الصحابة كانوا يتدربون قبل<br />

بلوغهم هذا السن ليصبحوا مؤهلني للقتال عندها.‏<br />

والخالصة:‏ على من يجب التدريب العسكري؟<br />

جيب على كل مسلم بلغ اخلامسة عشرة من عمره وهو عاقل سامل من العاهات واألمراض املانعة من التدريب،‏ واحداً‏<br />

للنفقة إذا مل يتم التدريب إال هبا.‏<br />

ومعىن هذا أننا<br />

وذكرت ما خي<br />

جعلنا التدريب فرني عني على املسلمني،‏ <strong>في</strong>سقط اعتبار احلرية والذكورية وإذن الوالدين وإذن الدائن.‏<br />

املرأة على التفصيل من قبل.‏<br />

واألمة املسلمة أمة جماهدة،‏ وهي الوحيدة من أمم األنبياء املكلفة بنشر دينها يف الناس كافة،‏ فقد قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

وسلم :<br />

2<br />

‏»وَكَانَ‏ النميبِ‏ ُّ ي ‏ُبْعَثُ‏ إَِلَ‏ قَوْمِهِ‏ خَا مصةً‏ وَبُعِثْتُ‏ إَِلَ‏ النماسِ‏ عَامةً«‏ ، ولذلك قال صلى هللا عليه<br />

3<br />

‏»أُمِرْتُ‏ أَنْ‏ أُقَاتِلَ‏ النماسَ‏ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ‏ الَ‏ إِلَهَ‏ إِالم اَّللمُ‏ وَأَنم حمَُمدًا رَسُولُ‏ اَّللمِ«‏ ، وذلك استجابة لقوله تعاَل:‏<br />

4<br />

‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُو ‏َن{‏ . وهذه النصوص<br />

الشرعية تبني عِظَم التمبِعَة املُلقاة على عاتق املسلمني يف كل جيل،‏ فاألمر جد ال هزل <strong>في</strong>ه.‏<br />

وقد كان التدريب قدميا ميسرا لكل مسلم وذلك لبساطة األسلحة كما<br />

وكيفا،‏ ولكن مع تطور األسلحة ابكتشاف<br />

البارود وظهور األسلحة الفتاكة والثقيلة،‏ خشي احلكام الظاملون من حماسبة الشعوب هلم،‏ فَقَصَرُوا<br />

محل السالح<br />

والتدر عليه على فئة حمدودة موالية هلم من الشعب ومن الفئة املسماة ابجليش،‏ وظلت بقية الشعب حمرومة من<br />

ذلك،‏ بل ومقهوره يف أغلب األحيان ابألقلية املسلحة،‏ وحىت ال تشعر الشعوب ابلقهر احلقيقي الذي يكتنفها،‏ أغرقها<br />

احلكام الظاملون<br />

يف كل ما يلهيها عن ذلك:‏ من صراع على لقمة العيش إَل مالهي وطرب إَل مسرح وسينما إَل<br />

مالعب ومبارايت إَل أندية ومسابقات إَل خِ‏ دَع صح<strong>في</strong>ة إَل أحزاب وانتخاابت وبرملاانت وغري ذلك من األساليب<br />

الشيطانية خلِدَاع الشعوب.‏<br />

30<br />

1<br />

- ‏)كتاب الدرر يف اختصار املغازي والسري(‏ البن عبد الرب.‏ ط 2 دار املعارف ص<br />

147<br />

2<br />

- 3<br />

4<br />

- رواه البخاري عن جابر<br />

احلديث متفق عليه عن ابن عمر<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

33<br />

وسورة الصف،‏ اآلية<br />

8


فإلحباط هذه السياسات الشيطانية جيب على كل مسلم أن يغتنم أي فرصة تتاح له للتدريب<br />

وعليه أن يسعى<br />

1<br />

لللك:‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ أَرَ‏ ادَ‏ اآلخِ‏ رَ‏ ةَ‏ وَ‏ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ‏ هُوَ‏ مُؤْ‏ مِنٌ‏ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ كَانَ‏ سَعْيُهُمْ‏ ً مَشْكُورا{‏ ، فإن ترك<br />

السعي يف هذا األمر أي ترك <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> للجهاد هو من صفات املنافقني،‏ كما قال احلق جل وعال:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَرَ‏ ادُوا<br />

الْخُرُ‏ وجَ‏ ألَ‏ ‏َعَدُّوا لَهُ‏ عُدَّة ً وَ‏ لَكِنْ‏ كَرِ‏ هَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَاثَهُمْ‏ قَثَبََِّهُمْ‏ وَ‏ قِيلَ‏ اقْعُدُوا مََْ‏<br />

3<br />

أقصى قدر متيسر من التدريب،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ{‏ ، وللحديث:‏<br />

2<br />

الْقَاعِدِي ‏َن{‏ ، وعلى املسلم أن حيصل على<br />

‏»وَمَا أَمَرْتُكُمْ‏ بِهِ‏<br />

فأتوا<br />

4<br />

مِنْهُ‏ م ا اسْت ط عْتُمْ«‏ . وعلى املسلمني أن يتعاونوا على حتقيق هلا الواجب الشرعي،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى<br />

الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى{،‏ ويكون ذلك بتيسري وصول املسلمني إَل ميادين التدريب واجلهاد،‏ وإمدادهم ابملال الالزم ورعاية<br />

أسرهم ومن يعوهلم يف غياهبم وغري ذلك من صور املعونة،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ جَهمزَ‏ غَازِايً‏<br />

5<br />

، وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ ملَْ‏ ي ‏َغْزُ‏ أَهْلِهِ‏ ‏ِبَِريٍْ‏ فَقَدْ‏ غَزَا«‏ أَوْ‏ جيَُهِّزْ‏ غَازِايً‏ أَوْ‏ خيَْلُفْ‏<br />

فَقَدْ‏ غَزَا وَمَنْ‏ خَلَفَ‏ غَازِايً‏ يفِ‏<br />

6<br />

غَازِايً‏ يفِ‏ أَهْلِهِ‏ ‏ِبَِريٍْ‏ أَصَابَهُ‏ اَّللمُ‏ بِقَارِعَةٍ‏ قَبْلَ‏ ي ‏َوْمِ‏ الْقِيَامَةِ«‏ . وتتأكد هذه املعاونة خاصة يف حق من مل خيرج بنفسه،‏ و ‏}ال<br />

يُكَلِفُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ نَفْس ‏ًا إِالَّ‏ وُ‏ سْعَهَا{.‏<br />

واحلد األدىن من التدريب إن عُدِمَ‏ السالح هي الرايضة البدنية العنيفة،‏ فهي تنفع إن شاء هللا مع النية الصاحلة،‏<br />

وهي أساس أي تدريب عسكري،‏ وهي متيسرة جلميع املسلمني ولو يف<br />

البسيطة فال ينبغي أن ي ‏ُغْفَلَ‏ عن هذا.‏<br />

غرفة ضيقة مع بعض األدوات الرايضية<br />

32<br />

- 1<br />

سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

18<br />

2<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

3<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

61<br />

4<br />

5<br />

6<br />

- متفق عليه.‏<br />

- متفق عليه عن زيد بن خالد<br />

- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أيب أمامة


رابعا:‏ أصحاب األعذار الشرعية<br />

أقصد املعذورين من املكلفني أما غري املكلف ‏)وهو غري املسلم وغري البالغ وغري العاقل أي الكافر أو الصيب أو<br />

اجملنون(‏ فال نتكلم عنه هنا.‏<br />

وإذا كنا قد ذكران من قبل أن التدريب جيب على كل مسلم ابلغ عاقل سامل من الضرر واجد للنفقة،‏ ذكر أو أنثى على<br />

احتياط بشأن تدريب املرأة ذكرته من قبل.‏<br />

فما هي األعذار الشرعية املُسْقِطة لوجوب التدريب؟.‏ هي إما عجز من جهة القوة ‏)عمى أو عرج أو عجز(‏ أو عجز<br />

من جهة املال ‏)عدم وجود النفقة(‏ واآلايت اليت وردت <strong>في</strong>ها هذه األعذار هي:‏<br />

= 1<br />

آي ة النس اء ‏}ال يَسْووتَوِي الْقَاعِوودُونَ‏ مِوونْ‏ الْمُووؤْ‏ مِنِينَ‏ غَيْوورُ‏ أُوْ‏ لِووي الضَّوورَ‏ رِ‏ وَ‏ الْمُجَاهِودُونَ‏ قِوي سَوبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ بِووأَمْوَ‏ الِهِ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ أَنفُسِهِمْ{‏ ، 1 وأولوا الضرر هم أصحاب األعذار.‏<br />

= 2<br />

آية براءة ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرْ‏ ضَى وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ ال يَجِ‏ دُونَ‏ مَا يُنفِقُوونَ‏ حَورَ‏ جٌ‏ إِذَا نَصَوحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ<br />

وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ مَوا عَلَوى الْمُحْسِونِينَ‏ مِونْ‏ سَوبِيلٍ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ غَفُوورٌ‏ رَ‏ حِ‏ ويمٌ‏ وَ‏ ال عَلَوى الَّوذِينَ‏ إِذَا مَوا أَتَووْ‏ كَ‏ لِوتَحْمِلَهُمْ‏ قُلْوتَ‏ ال أَجِ‏ ودُ‏ مَوا<br />

أَحْمِلُكُمْ‏ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ أَعْيُنُهُمْ‏ تَفِيضُ‏ مِنْ‏ الدَّمِْْ‏ حَزَ‏ نًا أَالَّ‏ يَجِ‏ دُوا مَا يُنفِقُو ‏َن{‏<br />

. 2<br />

= 3<br />

= 4<br />

آية الفتح ‏}لَيْسَ‏ عَلَى األَعْمَى حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ ال عَلَى األَعْرَ‏ جِ‏ حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرِ‏ يضِ‏ حَرَ‏ ‏ٌج{‏ . 3<br />

أما آية النور ف<strong>في</strong>ها خالف،‏ هل هي خاصة ابجلهاد أم ابملطاعم؟.‏ وهي قوله تعاَل:‏ ‏}لَويْسَ‏ عَلَوى األَعْمَوى حَورَ‏ ‏ٌج<br />

وَ‏ ال عَلَى األَعْرَ‏ جِ‏ حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرِ‏ يضِ‏ حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ ال عَلَى أَنفُسِكُمْ‏ أَنْ‏ تَأْكُلُوا{‏ . 4<br />

وقد ذكر ابن قدامة احلنبلي أصحاب األعذار أثناء كالمه عن شروط وجوب اجلهاد،‏ فقال:‏ ‏]وأما السالمة من الضرر<br />

فمعناه السالمة من العمى والعرج واملرني وهو شرط لقول هللا تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى األْ‏ ‏َعْمَى حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ الَ‏ عَلَى األْ‏ ‏َعْرَ‏ جِ‏<br />

حَرَ‏ جٌ‏ وَ‏ الَ‏ عَلَى الْمَرِ‏ يضِ‏ حَرَ‏ جٌ{‏ وألن هذه األعذار متنعه من اجلهاد،‏ وأما العمي فهو معروف،‏ وأما العرج فاملانع منه<br />

هو الفحش الذي مينع املشي اجليد والركوب كالزممانة وحنوها،‏ وأما اليسري الذي يتمكن معه من الركوب واملشي وإَّنا<br />

يتعذر عليه شدة العَدْو فال ميَْنَع وجوب اجلهاد ألنه ممُْكن منه فشابَهَ‏ األعور،‏ وكذلك املرض املانع هو الشديد فأما<br />

اليسري منه الذي ال مينع إمكان اجلهاد كوجع الضرس والصداع اخل<strong>في</strong>ف فال مينع الوجوب ألنه ال يتعذر معه اجلهاد<br />

فهو كالعور،‏ وأما وجود النفقة <strong>في</strong>شرتط لقول هللا تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرْ‏ ضَى وَ‏ ال عَلَى الَّذِي ‏َن<br />

5<br />

ال يَجِ‏ دُونَ‏ مَا يُنفِقُونَ‏ حَرَ‏ جٌ‏ إِذَا نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ{‏ ، وألن اجلهاد ال ميكن إال ‏ِبلة <strong>في</strong>عترب القدرة عليها،‏ فإن كان<br />

33<br />

- 1<br />

النساء،‏ اآلية:‏<br />

85<br />

2<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

82<br />

81<br />

- الفتح،‏ اآلية:‏ 17<br />

3<br />

4<br />

5<br />

- النور،‏ اآلية:‏‎61‎<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

81


اجلهاد على مسافةٍ‏ ال ت ‏ُقْصَر <strong>في</strong>ها الصالة اشرتط أن يكون واجداً‏ للزاد ونفقة عائلته يف مدة غيبته وسالح ي ‏ُقَاتِل به وال<br />

ت ‏ُعْتَربَ‏ الراحلة ألنه سفر قريب،‏ وإن كانت املسافة تقصر <strong>في</strong>ها الصالة اعترب مع ذلك الراحلة لقول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال<br />

عَلَى الَّذِينَ‏ إِذَا مَا أَتَوْ‏ كَ‏ لِتَحْمِلَهُمْ‏ قُلْتَ‏ ال أَجِ‏ دُ‏ مَا أَحْمِلُكُمْ‏ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ أَعْيُنُهُمْ‏ تَفِيضُ‏ مِنْ‏ الدَّمِْْ‏ حَزَ‏ نًا أَالَّ‏ يَجِ‏ دُوا مَا<br />

] 2 . يُنفِقُونَ{‏<br />

1<br />

قلت:‏ ويلحق مبا ذكره ابن قدامة الشيخ اهلرم اللي ال قوة <strong>في</strong>ه،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ{‏ ، 3 فهو من<br />

الضعفاء.‏<br />

األعذار غير الشرعية.‏<br />

قَلمما يتعذر املتخلفون عن اجلهاد أبحد األعذار الشرعية السابقة،‏ بل جُلّ‏ أعذارهم غري شرعية ردها عليهم وأبطلها.‏<br />

ومنها:‏<br />

= 1<br />

ما ذكره هللا عز وج ل يف آي ة التوب ة:‏ ‏}قُو ‏ْل إِنْ‏ كَوانَ‏ آبَواؤُكُمْ‏ وَ‏ أَبْنَواؤُكُمْ‏ وَ‏ إِخْووَ‏ انُكُمْ‏ وَ‏ أَزْ‏ وَ‏ اجُكُومْ‏ وَ‏ عَشِويرَ‏ تُكُمْ‏ وَ‏ أَمْووَ‏ ا ‏ٌل<br />

اقْتَرَ‏ قْتُمُوهَا وَ‏ تِجَارَ‏ ةٌ‏ تَخْشَوْ‏ نَ‏ كَسَادَهَا وَ‏ مَسَاكِنُ‏ تَرْ‏ ضَوْ‏ نَهَا أَحَبَّ‏ إِلَيْكُمْ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُوولِهِ‏ وَ‏ جِ‏ هَوادٍ‏ قِوي سَوبِيلِهِ‏ قَتَرَ‏ بَّصُووا<br />

حَتَّووى يَووأْتِيَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِووأَمْرِ‏ هِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ال يَهْوودِي الْقَوووْ‏ مَ‏ الْفَاسِووقِينَ{‏ ، 4 وه ذه اآلي ة يس ميها بع ض العلم اء آي ة األع ذار الثماني ة،‏<br />

وأُ‏ ‏َسمِّيها آية إبطال األعذار الثمانية،‏ فلم يقبل هللا تعاَل هذه األعذار للقعود عن اجلهاد.،‏ ومسى هللا تعاَل املعت ذر هب ذ ه<br />

األعذار فاسقا،‏ وتَوَعم ده س بحانه وتع اَل ابلض الل يف قول ه:‏ { وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ال يَهْودِي الْقَووْ‏ مَ‏ الْفَاسِوقِين{‏ كم ا ق ال تع اَل:‏ ‏}قَلَمَّوا<br />

زَ‏ اغُوا أَزَ‏ اغَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قُلُوبَهُمْ{‏ ، 5 وتَوَعمده سبحانه ابلعذاب والنكال يف قول ه تع اَل:‏ ‏}قَتَرَ‏ بَّصُووا حَتَّوى يَوأْتِيَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِوأَمْرِ‏ ‏ِه{‏ ، 6<br />

وهذا كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِذَا تَبَاي ‏َعْتُمْ‏ ابِلْعِينَ‏ ةِ‏ وَأَخَ‏ ذْمتُْ‏ أَذْانَبَ‏ الْبَقَ‏ رِ‏ وَرَضِ‏ يتُمْ‏ ابِل زمرْعِ‏ وَتَ‏ رَكْتُمُ‏ اجلِْهَ‏ ادَ‏<br />

سَ‏ لمطَ‏ اَّللمُ‏ عَلَ‏ يْكُمْ‏ ذُالا الَ‏ ي ‏َنْزِعُ‏ هُ‏ حَ‏ ىتم تَرْجِ‏ عُ‏ وا إَِلَ‏ دِي نِكُمْ«‏ . 7 وه ذه العق وابت قدري ة الب د أن حتم ل بك ل متخل ف ع ن<br />

اجلهاد.‏ وكل من آثر شيئا على طاعة هللا عز وجل عل به هللا به،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}قَال تُعْجِ‏ بْكَ‏ أَمْووَ‏ الُهُمْ‏ وَ‏ ال أَوْ‏ الدُهُومْ‏<br />

إِنَّمَا يُرِ‏ يدُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِيُعَذِبَهُمْ‏ بِهَا قِي الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا{‏ ، 9 فليس ح ب البق اء يف األه ل بع ذر،‏ وال اخل وف عل ى األم وال والتج ارة،‏<br />

وال الوظيفة والدراسة،‏ قد أبطل هللا سبحانه هذه األعذار.‏ فالواجب أن يتكافل املسلمون <strong>في</strong>م ا بي نهم،‏ فم ن خ رج م نهم<br />

إَل اجلهاد والتدريب وَجَبَ‏ على الباقني كفالة أهله ورعايتهم،‏ وهكذا يتناوبون األمر بينهم،‏ كما قال أبو س عيد اخل دري<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

82<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

367<br />

81<br />

24<br />

- الصف،‏ اآلية:‏ 5<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

24<br />

- رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر،‏ وصححه األلباين<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

55<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

9<br />

34


إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعثنا إَل بين حلَْيان فقال:‏<br />

رواي ة<br />

ّ<br />

«<br />

لِيَنْبَعِثْ‏ مِنْ‏ ِ كُل رَجُلَ‏ نيِْ‏ أَحَ‏ دُمهَُا وَاألَْجْ‏ رُ‏ ب ‏َيْنَهُمَ‏ ا<br />

» 1 ، ويف<br />

ّ ِ رَجُلَ‏ نيِْ‏<br />

«<br />

اخلارج«.‏<br />

لِيَخْ‏ رُج مِ‏ نْ‏ كُ‏ ل<br />

»<br />

= 2<br />

= 3<br />

‏ُث ق ال للقاع د:‏ ‏»أيك م خَلَ‏ فَ‏ اخل ارج يف أهل ه ومال ه ‏ِب ري كان ل ه مث ل نص ف أج ر<br />

ومن األعذار الباطلة ما ذكره هللا عز وجل يف قوله تعاَل:‏ ‏}قَرِ‏ حَ‏ الْمُخَلَّفُونَ‏ بِمَقْعَدِهِمْ‏ خِ‏ الفَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ كَرِ‏ هُووا<br />

أَنْ‏ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِمْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ قَالُوا ال تَنفِرُ‏ وا قِي الْحَرِ‏ قُلْ‏ نَارُ‏ جَهَنَّمَ‏ أَشَدُّ‏ حَرًّ‏ ا لَوْ‏ كَانُوا يَفْقَهُو ‏َن{‏ . 2<br />

فال احلر الشديد بعذر وال الربد الشديد.‏<br />

وم ن األع ذار الباطل ة،‏ الق ول أبن الق ائمني عل ى أم ر اجله اد ليس وا عل ى املس توى اخللق ي والرتب وي والش رعي<br />

املطل وب،‏ وابلت ايل ال جي وز العم ل معه م!،‏ وه ذه ش بهة وجواهبا أن ه ل و أن أم ري اجله اد رج ل ف اجر وك ذلك كث ري م ن<br />

أتباع ه،‏ لك نهم يس عون لقت ال الك افرين،‏ فالواج ب ش رعا العم ل معه م ومع اونتهم،‏ وه ذا أص ل مق رر عن د أه ل الس نة<br />

واجلماعة،‏ وسأش ري إلي ه ابلتفص يل يف الب اب الثال ث،‏ وأذك ر هن ا بع ض م ا قال ه ش يخ الإس الم اب ن تيمي ة يف ه ذا املس ألة<br />

قال:‏ ‏]وهللا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر،‏ ف إن هللا يؤي د ه ذا ال دين ابلرج ل الف اجر،‏<br />

وأبق وام الخ الق هل م،‏ كم ا أخ رب الن يب ص لى هللا علي ه وس لم،‏ ألن ه إذا مل يتف ق الغ زو إال م ع األمددراء الفجددار،‏ أو مددع<br />

عسكر كَري الفجور،‏ فأنه البد من أحد أمرين:‏ إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذل ك اس تيالء اآلخ رين ال ذين ه م أعظ م<br />

ضررا يف الدين والدنيا،‏ وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين،‏ وإقامة أكثر شرائع الإس الم،‏ وإن مل<br />

ميك ن إقام ة مجيعه ا،‏ فه ذا ه و الواج ب يف ه ذه الص ورة،‏ وك ل م ا أش بهها،‏ بدل كَددري مددن الغددزو ا اصدل بعددد افلفدداء<br />

الراشدين مل يقع إال على هلا الوجه[‏ . 3<br />

وقد كان املنافقون يغزون مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومل يقل أحد ال نغزو مع النيب صلى هللا عليه وسلم طاملا<br />

خرج املنافقون،‏ ومنهم الذي قال يف غزوة بين املصطلق ‏}لَئِنْ‏ رَ‏ جَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ‏ لَيُخْ‏ ‏ِرجَنَّ‏ األَعَزُّ‏ مِنْهَا<br />

4<br />

األَذَ‏ ‏َّل{‏ ،<br />

5<br />

ومنهم الذين قالوا يف غزوة اخلندق ‏}إِنَّ‏ بُيُوتَنَا عَوْ‏ رَ‏ ةٌ{‏ ، ومنهم الذين سخروا من علماء الصحابة يف غزوة تبوك<br />

6<br />

فأنزل هللا <strong>في</strong>هم ‏}وَ‏ لَئِنْ‏ سَأَلْتَهُمْ‏ لَيَقُولُنَّ‏ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ‏ وَ‏ نَلْعَ‏ ‏ُب{‏ . وكان خلفاء بين أمية يؤخرون الصلوات وما قال<br />

أحد ال جيوز الغزو معهم<br />

7<br />

‏،واألمثلة كثرية.‏ فهذه بعض األعذار الباطلة اليت ال تبيح التخلف عن اجلهاد والتدرب له.‏<br />

- رواه مسلم<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

91<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص<br />

517<br />

516<br />

- املنافقون،‏ اآلية:‏ 9<br />

- األحزاب،‏ اآلية:‏ 13<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

65<br />

- ‏)انظر كتاب مواقيت الصالة ابلبخاري حديث:‏ 548 531، 521، وشروحها(‏<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

35


ثواب أصحاب األعذار الشرعية.‏<br />

من كان ذا رغبة صادقة يف التدرب واجلهاد،‏ وعجز عن الوصول إَل ساحات اجلهاد بسبب أحد األعذار الشرعية<br />

املذكورة سابقا،‏ أو بسبب إكراه أو حبس،‏ فإين أرجو أن يكتب هللا له أجر اجلهاد كامال،‏ على مقتضى الوعد الذي<br />

أخربان به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله:‏ ‏»إِنم ابِلْمَدِينَةِ‏ أَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ‏ وَادِايً‏ وَال سِ‏ رْمتُْ‏ سريًْا إِالم وَهُمْ‏ مَعَكُ‏ ‏ْم<br />

قَالُوا:‏ وَهُمْ‏ ابِلْمَدِينَةِ‏ قَالَ‏ ن ‏َعَم حَبَسَهُمُ‏ الْعُذْ‏ ‏ُر«‏ ، 1 وقال النيب صلى هللا عليه وسلم هذا احلديث يف مرجعه من غزوة<br />

تبوك،‏ ورواه أمحد ومسلم عن جابر مرفوعا بلفظ ‏»لَقَدْ‏ خَلمفْتُمْ‏ ابِلْمَدِينَةِ‏ رِجَاال مَا قَطَعْتُمْ‏ وَادِايً‏ وَال سَلَكْتُمْ‏ طَرِيقًا إِال<br />

ش ر كُوكُمْ‏ يفِ‏ األ جْرِ‏ ح ب س هُمُ‏ الْم ر ‏ُني«‏ ورواه أبو داود عن أنس وزاد <strong>في</strong>ه ‏»وَال أَنْفَقْتُمْ‏ ن ‏َفَقَةٍ«‏ قال ابن حجر:‏ ‏]واملراد<br />

ابلعذر ما هو أعم من املرض وعدم القدرة على السفر،‏ وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏»حَبَسَهُمُ‏ الْمَرَضُ«‏<br />

وكأنه حممول على األغلب إَل قوله و<strong>في</strong>ه أن املرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العلر<br />

يشبه قول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

عن العمل[‏ . وهذا احلديث<br />

‏»مَنْ‏ سَأَلَ‏ اَّللمَ‏ الشمهَادَةَ‏ بِصِدْقٍ‏ ب ‏َلمغَهُ‏ اَّللمُ‏ مَنَازِلَ‏ الشُّهَدَاءِ‏ وَإِنْ‏ مَاتَ‏ عَلَى<br />

3<br />

فِرَاشِ‏ هِ«‏ . فكالمها صدق يف الطلب وعجز عن العمل فنال األجر،‏ فضال من هللا وكرما.‏<br />

وقال القرطيب يف شرح حديث ‏»حَبَسَهُمُ‏ الْعُذْرُ«:‏ ‏]فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطي أجر الغازي،‏ فقيل:‏ حيتمل<br />

أن يكون أجره مساواي،‏ ويف فضل هللا متسع،‏ وثوابه فضل االستحقاق <strong>في</strong>ثيب على النية الصادقة ماال<br />

4<br />

الفعل.‏ وقيل:‏ يعطي أجره من غري تضعيف <strong>في</strong>فضله الغازي ابلتضعيف للمباشرة[أه .<br />

قلت:‏<br />

تضعيف األجر للغازي وعدم التضعيف للمعلور<br />

يثيب على<br />

قد يستدل له حبديث ابن عباس مرفوعا ‏»فَمَنْ‏ هَم حبَِسَنَةٍ‏<br />

فَلَمْ‏ ي ‏َعْمَلْهَا كَتَبَهَا اَّللمُ‏ لَهُ‏ عِنْدَهُ‏ حَسَنَةً‏ كَامِلَةً،‏ وَإِنْ‏ هَم هبَِا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اَّللمُ‏ لَهُ‏ عِنْدَهُ‏ عَشْرَ‏ حَسَنَاتٍ‏ إَِلَ‏ سَبْعِ‏ مِائَِة<br />

5<br />

ضِعْفٍ‏ إَِلَ‏ أَضْعَافٍ‏ كَثِريَةٍ«‏ . وأما من ذهب إَل أجر املعذور مثل أجر الغازي متاما <strong>في</strong>ستدل له بقول النيب صلى هللا<br />

‏ْم يفِ‏ األَْجْ‏ ‏ِر«‏ وإن كانت املشاركة ال تقتضي املساواة،‏ أما ما يدل على<br />

عليه وسلم يف حديث أنس ‏»إِالم شَرَكُو<br />

املساواة يف األجر فهو حديث أيب كبشة األَّناري مرفوعا ‏»إَِّنمَا الدُّنْيَا ألَِرْب ‏َعَةِ‏ ن ‏َفَرٍ‏ عَبْدٍ‏ رَزَقَهُ‏ اَّللمُ‏ مَاالً‏ وَعِلْمًا فَهُوَ‏ ي ‏َتمقِي<br />

فِيهِ‏ رَبمهُ‏ وَيَصِلُ‏ فِيهِ‏ رَمحَِهُ‏ وَي ‏َعْلَمُ‏ ‏َّللِمِ‏ فِيهِ‏ حَقاا فَهَذَا أبَِفْضَلِ‏ الْمَنَازِلِ‏ وَعَبْدٍ‏ رَزَقَهُ‏ اَّللمُ‏ عِلْمًا وَملَْ‏ ي ‏َرْزُقْهُ‏ مَاًال فَهُوَ‏ صَادِقُ‏ النِّيمِة<br />

6<br />

ي ‏َقُولُ‏ لَوْ‏ أَنم يلِ‏ مَاالً‏ لَعَمِلْتُ‏ بِعَمَلِ‏ فُالَ‏ نٍ‏ فَهُوَ‏ بِنِيمتِهِ‏ فَأَجْرُمهَُا سَوَاءٌ«‏ . ورجح القرطيب املساواة يف األجر.‏ فاهلل أعلم.‏<br />

- متفق عليه عن أنس<br />

-<br />

فتح الباري ج 6 ص<br />

رواه مسلم عن سَهْلِ‏ بْنِ‏ حُنَيْفٍ‏<br />

47<br />

-<br />

- ‏)تفسري القرطيب(‏ آية النساء 85 ج 5 ص<br />

- احلديث متفق عليه.‏<br />

342<br />

- احلديث رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

36


شروط رفع الحرج واستحقاق الثواب ألصحاب األعذار<br />

قال هللا عز وجل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرْ‏ ضَى وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ ال يَجِ‏ دُونَ‏ مَا يُنفِقُونَ‏ حَرَ‏ جٌ‏ إِذَا<br />

نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏ مِنْ‏ سَبِيلٍ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ غَفُورٌ‏ رَ‏ حِ‏ ي ‏ٌم وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ إِذَا مَا أَتَوْ‏ كَ‏ لِتَحْمِلَهُمْ‏ قُلْتَ‏ ال<br />

أَجِ‏ دُ‏ مَا أَحْمِلُكُمْ‏ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ أَعْيُنُهُمْ‏ تَفِيضُ‏ مِنْ‏ الدَّمِْْ‏ حَزَ‏ نًا أَالَّ‏ يَجِ‏ دُوا مَا يُنفِقُو ‏َن{‏<br />

علق هللا تعاَل رفع احلرج عن أصحاب األعذار يف هذه اآلية على شرطني:‏<br />

. 1<br />

= 1<br />

= 2<br />

‏}إِذَا نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ{،‏ وإذا من أدوات الشرط:‏ فهذا شرط النصح.‏<br />

‏}مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏ مِنْ‏ سَبِيلٍ{:‏ وهذا شرط الإحسان الذي هو ضد الإساءة.‏<br />

قال ابن كثري:‏ ‏]فليس على هؤالء حرج إذا قعدوا ونصحوا يف حال قعودهم ومل يرجفوا ابلناس ومل يثبطوهم وهم حمسنون<br />

يف حاهلم هذا[‏<br />

قال القرطيب:]‏ ‏}إِذَا نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه{،‏ إذا عرفوا احلق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه ‏ُث قال قال العلماء:‏<br />

النصيحة هلل:‏ إخالص االعتقاد يف الوحدانية،‏ ووصفه بصفات األلوهية،‏ وتنزيهه عن النقائ ، والرغبة يف حمابه والبعد<br />

عن مساخطه.‏ والنصيحة لرسوله:‏ التصديق بنبوته واِلتزام طاعته يف أمره وهنيه،‏ ومواالة من وااله ومعاداة من عاداه،‏<br />

وتوقريه،‏ وحمبته وحمبة آل بيته،‏ وتعظيمه وتعظيم سنته،‏ وإحياؤها بعد موته ابلبحث عنها والتفقه <strong>في</strong>ها والذب عنها<br />

2<br />

ونشرها والدعاء إليها،‏ والتخلق أبخالقه الكرمية صلى هللا عليه وسلم ] .<br />

وميكن ترمجة هذا عمليا يف أمر اجلهاد،‏ أبن الواجب على أصحاب األعذار هو ما يلي:‏<br />

= 1<br />

إخالص النية وصدقها:‏ أبن تكون نفسه تَوماقة حقا للجهاد،‏ كهؤالء الذين وصفهم هللا بقول ه:‏ ‏}تَوَ‏ لَّووا وَ‏ أَعْيُونُهُ‏ ‏ْم<br />

تَفِويضُ‏ مِونْ‏ الودَّمِْْ{‏ واحل ق أن املع ذور ال ذي ال يغ زو إن مل حتدث ه نفس ه ابلغ زو فإن ه خيش ى علي ه م ن النف اق،‏ كم ا ق ال<br />

رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : ‏»مَ‏ نْ‏ مَ‏ اتَ‏ وَملَْ‏ ي ‏َغْ‏ زُ‏ وَملَْ‏ حيَُ‏ دِّثْ‏ ن ‏َفْسَ‏ هُ‏ ابِلغَ‏ زْوِ‏ مَ‏ اتَ‏ عَلَ‏ ى شُ‏ عْبَةٍ‏ مِ‏ نَ‏ النِفَ‏ اقٍ‏<br />

» 3 . والني ة<br />

عمل فهي من أعمال القلب،‏ والعمل الصحيح البد أن يسبقه العلم الصحيح،‏ والعلم املقصود هنا هو أن يعلم املع ذور<br />

وأوَل منه الغازي مل اذا جياه د اجملاه دون وأحقي ة قض يتهم وبط الن قض ية خص ومهم؟ وه ذا الزم وق د أورد البخ اري يف<br />

[، وساق األدلة على ذلك.‏<br />

كتاب العلم من صحيحه [ ابب العلم قبل القول والعمل 4<br />

= 2<br />

الدعاء من أعظم ما يعني به املعذورون إخواهنَم الغزاة هو الدعاء هلم ابلنصر ولع دوهم ابخل ذالن.‏ فق د ق ال رس ول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»هَلْ‏ ت ‏ُنْصَرُونَ‏ وَت ‏ُرْزَقُونَ‏ إِالم بِضُعَفَائِكُمْ«‏ ، 5 وروى النسائي بسند صحيح عن مص عب ب ن أيب<br />

37<br />

1<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

82<br />

81<br />

2<br />

- القرطيب ج 9 ص<br />

227<br />

226<br />

3<br />

4<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- فتح الباري ج 1 ص<br />

158<br />

- رواه البخاري 5


وق اص:‏ أن أابه رأى أن ل ه فض ال عل ى م ن دون ه م ن أص حاب الن يب ص لى هللا علي ه وس لم،‏ فق ال رس ول هللا ص لى هللا<br />

عليه وسلم : ‏»إَِّنمَا ي ‏َنْصُرُ‏ اَّللمُ‏ هَذِهِ‏ األُمةَ‏ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَهتِِمْ‏ وَصَالَ‏ هتِِمْ‏ وَإِخْالصِهِمْ«.‏<br />

وقال ابن القيم رمحه هللا يف قصيدته النونية املوسومة ابلكا<strong>في</strong>ة الشا<strong>في</strong>ة يف االنتصار للفرقة الناجية،‏ قال:‏<br />

هذا ونص ر الدين فرض الزم<br />

ب ي د وإما ابللسان فإن عجز<br />

ما بعد ه ذا وهللا لألي م ان<br />

حبي اة وجهك خري مسؤول به<br />

ال لل ك فاية بل ع لى األع ي ان<br />

ت ف بال توج ه والدعا ب ج نان<br />

ح ب ة خردل اي ن اصر الإي م ان<br />

وب نور وجهك اي عظيم الش أن<br />

= 3<br />

النفقددة يف سددبيل هللا:‏ أص حاب األع ذار غ ري الفق راء جي ب عل يهم اجله اد ابمل ال،‏ بتجهي ز الغ زاة وإم دادهم ابمل ال<br />

والسالح واملؤن،‏ وبرعاية أسر اجملاهدين والشهداء واألسرى،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وس لم : ‏»مَ‏ نْ‏ ملَْ‏ ي ‏َغْ‏ زُ‏ أَوْ‏<br />

جيَُهِّزْ‏ غَازِايً‏ أَوْ‏ خيَْلُفْ‏ غَ‏ ازِايً‏ يفِ‏ أَهْلِ‏ هِ‏ ‏ِبَِ‏ ريٍْ‏ أَصَ‏ ابَهُ‏ اَّللمُ‏ بِقَارِعَ‏ ةٍ‏ قَبْ‏ لَ‏ ي َ وْمِ‏ الْقِيَامَ‏ ةِ«‏ . 1 واحل ديث <strong>في</strong> ه وع د ش ديد،‏ فم ن حبس ه<br />

العذر عن اجلهاد بنفسه وله مال،‏ وجب عليه أن ينتقل إَل البَدَل،‏ وه و جتهي ز الغ زاة ورعاي ة أهله م،‏ ول ه يف ه ذا األج ر<br />

احلسن لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ جَهم زَ‏ غَ‏ ازِايً‏ يفِ‏ سَ‏ بِيلِ‏ هللا فَقَ‏ دْ‏ غَ‏ زَا،‏ وَمَ‏ نْ‏ خَلَ‏ فَ‏ غَ‏ ازِايً‏ يفِ‏ أَهْلِ‏ هِ‏ ‏ِبَِ‏ ريٍْ‏<br />

فَقَدْ‏ غَزَا«‏ . 2<br />

وقال ابن حجر يف فريضة اجلهاد ‏]والتحقيق أيضا أن جنس جهاد الكفار متعني على كل مسلم إما بيده وإما<br />

3<br />

بلسانه وإما مباله وإما بقلبه وهللا أعلم[‏ .<br />

= 4<br />

الدعايدة لقضدية اجلهداد:‏ ببي ان احل ق ال ذي يقات ل علي ه اجملاه دون ووج وب نص رهتم عل ى املس لمني،‏ وبي ان الباط ل<br />

الذي عليه املشركون وما يرتكبونه من فظائع ضد املسلمني وبيان املخططات الشيطانية لصرف املس لمني ع ن دي نهم يف<br />

معظم بلدان املسلمني وكي<strong>في</strong>ة التصدي هلا،‏ وهذه الدعاية ممكنة لكل مسلم خاصة أصحاب األع ذار للم رض أو الفق ر،‏<br />

وه ي اجلهددداد ابللسدددان امل ذكور يف قول ه رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : ‏»جاه دوا املش ركني أبم والكم وأنفس كم<br />

وألسنتكم«‏ ، 4 وكان حسان بن ‏َثبت من شعراء النيب صلى هللا عليه وسلم يهجو املش ركني ويعي بهم أبم ر الن يب ص لى<br />

38<br />

1<br />

2<br />

- 3<br />

- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أيب أمامة .<br />

- متفق عليه عن زيد بن خالد.‏<br />

‏"فتح الباري"‏ ج<br />

6 ص 39<br />

4<br />

- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أنس


ويف<br />

هللا عليه وسلم حيث قال له:‏ ‏»اي حسان أج ب ع ن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم،‏ الله م أي ده ب روح الق دس«‏ 1<br />

رواية أنه صلى هللا عليه وسلم قال حلسان:‏ ‏»اهجهم وجربيل معك«‏ . 2<br />

= 5<br />

تُكَلَّفُ‏ إِالَّ‏<br />

حتدري املدنمنني علدى اجلهداد:‏ الع اجز ع ن اجله اد،‏ علي ه أن حيَُ‏ رِّض غ ريه لقول ه تع اَل:‏ ‏}قَقَاتِولْ‏ قِوي سَوبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال<br />

نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، 3 ولقوله تع اَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَوى الْقِتَوالِ{‏ ، 4 وه ذا واج ب<br />

على القادر والعاجز وعلى كل مسلم أن حيرض إخوانه على قتال املشركني،‏ وحنن يف زماننا هذا أحوج م ا نك ون للعم ل<br />

هب ذه اآلايت ويف ه ذا أج ر عظ يم،‏ فق د ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : ‏»مَ‏ نْ‏ دَلم عَلَ‏ ى خَ‏ ريٍْ‏ فَلَ‏ هُ‏ مِثْ‏ لُ‏ أَجْ‏ رِ‏<br />

فَاعِلِهِ«‏ . 5<br />

= 6<br />

النصح للمسلمني واجملاهدين:‏ وله صور ال تعد وال حتصى،‏ فمنه ا نق ل أخب ار املش ركني وخمطط اهتم إَل املس لمني<br />

ليحذروها،‏ ومن ذلك قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ جَواءَ‏ رَ‏ جُولٌ‏ مِونْ‏ أَقْصَوى الْمَدِينَوةِ‏ يَسْوعَى قَوالَ‏ يَوا مُوسَوى إِنَّ‏ الْمَوَِ‏ يَوأْتَمِرُ‏ ونَ‏ بِو ‏َك<br />

لِيَقْتُلُوكَ‏ قَاخْرُ‏ جْ‏ إِن ‏ِي لَكَ‏ مِنْ‏ النَّاصِ‏ وحِ‏ ينَ{‏ ، 6 فف ي ه ذه اآلي ة حت ذير امل ؤمنني مم ا ي دبره هل م الك افرون م ن املك ر والكي د،‏<br />

وم ن النص ح للمجاه د أن تعين ه عل ى التخف ي م ن ع دوه،‏ وتس اعده يف ذل ك م ا اس تطعت إذا احت اج إَل ذل ك،‏ ومنه ا<br />

تزويد املسلمني بكل ما يعينهم على قتال عدوهم من معلومات وخربات،‏ مع كتمان أسرار املسلمني.‏<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية يف سياق كالمه عن جهاد املرتدين:‏ ‏]وجيب على كل مسلم أن يقوم يف ذلك حبسب ما<br />

يقدر عليه من الواجب فال حيل ألحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم،‏ بل يفشيها ويظهرها ليعرف املسلمون حقيقة<br />

حاهلم،‏ وال حيل ألحد أن يعاوهنم على بقائهم يف اجلند واملستخدمني،‏ وال حيل ألحد السكوت عن القيام عليهم مبا<br />

أمر هللا به رسوله،‏ وال حيل ألحد أن ينهى عن القيام مبا أمر به هللا رسوله،‏ فإن هذا من أعظم أبواب األمر ابملعروف<br />

والنهي عن املنكر واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل،‏ وقد قال هللا لنبيه صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏}يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ‏ جَاهِدْ‏ الْكُفَّا ‏َر<br />

7<br />

وَ‏ الْمُنَاقِقِينَ‏ وَ‏ اغْلُظْ‏ عَلَيْهِمْ{‏ وهؤالء ال خيرجون عن الكفار واملنافقني[‏ . 9<br />

= 7<br />

ختليل املشركني:‏ من خالط املشركني من املؤمنني لعذر شرعي عليه أن خيذل املشركني عن إيذاء املسلمني وقت اهلم<br />

م ا أمكن ه ذل ك،‏ كم ا فع ل ن ‏ُعَ‏ يْم ب ن مس عود م ع األح زاب وم ع يه ود ب ين قريظ ة ي وم اخلن دق،‏ وكم ا فع ل م ؤمن آل<br />

39<br />

- 1 رواه البخاري<br />

2<br />

3<br />

- رواه البخاري عن الرباء<br />

- النساء،‏ اآلية:‏‎94‎<br />

- 4 األنفال،‏ اآلية:‏ 65<br />

5<br />

6<br />

- رواه مسلم عن أيب مسعود البدري<br />

- القص ، اآلية:‏ 21<br />

- التوبة،‏ اآلية:‏ 73<br />

7<br />

التحرمي،‏ اآلية:‏<br />

- 9 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 35 ص<br />

8<br />

158


1<br />

فرع ون يف قول ه تع اَل:‏ { وَ‏ قَوالَ‏ رَ‏ جُولٌ‏ مُوؤْ‏ مِنٌ‏ مِونْ‏ آلِ‏ قِرْ‏ عَووْ‏ نَ‏ يَكْوتُمُ‏ إِيمَانَوهُ‏ أَتَقْتُلُوونَ‏ رَ‏ جُوال أَنْ‏ يَقُوولَ‏ رَ‏ ب ‏ِوي ‏َّللاَّ‏ ُ{ وم ا<br />

بعدها بسورة غافر.‏<br />

وختذيل املشركني يقتضي ابلضرورة عدم إعانتهم أبي كي<strong>في</strong>ة على املسلمني،‏ فإن فاعل هذا قد يؤول به فعلُه إَل الكفر<br />

2<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

وهبذا ترى أن صورة املشاركة يف اجلهاد املتاحة لذوي األعذار وغريهم كثرية و<strong>في</strong>ها نفع عظيم لقضية اجلهاد،‏ كالدعاء،‏<br />

والنفقة،‏ والدعاية،‏ وحتري<br />

املنمنني على القتال،‏ والنصح للمسلمني.‏ وهي واجبة على ذوي األعذار كل حسب<br />

3<br />

طاقته لرفع احلرج عنهم املشروط بقوله تعاَل:‏ ‏}إِذَا نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏ مِنْ‏ سَبِي ‏ٍل{‏ .<br />

- غافر،‏ اآلية:‏ 29<br />

- املائدة،‏ اآلية:‏ 51<br />

- التوبة،‏ اآلية:‏ 81<br />

1<br />

2<br />

3<br />

41


خامسا:‏ النفقة <strong>في</strong> سبيل هللا.‏<br />

يكت<strong>في</strong> يف بيان أمهية النفقة أن اجلهاد يسقط عن فاقد النفقة،‏ كما سبق يف األعذار الشرعية املبيحة لرتك اجلهاد،‏<br />

وذلك ابلن كما قال تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ‏ وَ‏ ال عَلَى الْمَرْ‏ ضَى وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ ال يَجِ‏ دُونَ‏ مَا يُنفِقُونَ‏ حَرَ‏ ‏ٌج<br />

إِذَا نَصَحُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ‏ مِنْ‏ سَبِيلٍ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ غَفُورٌ‏ رَ‏ حِ‏ ي ‏ٌم وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ إِذَا مَا أَتَوْ‏ كَ‏ لِتَحْمِلَهُمْ‏ قُلْ‏ ‏َت<br />

ال أَجِ‏ دُ‏ مَا أَحْمِلُكُمْ‏ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ أَعْيُنُهُمْ‏ تَفِيضُ‏ مِنْ‏ الدَّمِْْ‏ حَزَ‏ نًا أَالَّ‏ يَجِ‏ دُوا مَا يُنفِقُو ‏َن{‏ وهلا يعين ابختصار أنه<br />

.<br />

1<br />

إذا كان ال مال فال جهاد،‏ ويعين أيضا أن حبس األغنياء أمواهلم عن اجملاهدين معناه الصد عن سبيل هللا تعاَل<br />

وإعالء سلطان الكافرين،‏ وحبس األموال عن أهل الإميان واجلهاد هو من صفات املنافقني كما قال تعاَل:‏ ‏}هُمْ‏ الَّذِي ‏َن<br />

يَقُولُونَ‏ ال تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ‏ عِنْدَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

. يَفْقَهُونَ{‏<br />

2<br />

=<br />

1<br />

حَتَّى يَنْفَضُّوا وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ خَزَ‏ ائِنُ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ الْمُنَاقِقِينَ‏ ال<br />

ولذلك فإن من األسرار اللطيفة يف آايت اجلهاد ابلقرآن،‏ تقدمي اجلهاد ابملال على اجلهاد ابلنفس يف مجيع اآلايت اليت<br />

مجعت بينهما إال آية ب ‏َيْعة اجلهاد بسورة التوبة،‏ وهي على وجه احلصر عشر آايت كالتايل حسب ترتيب السور:‏<br />

النساء قوله تعاَل:‏ ‏}ال يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ‏ مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ غَيْرُ‏ أُوْ‏ لِي الضَّرَ‏ رِ‏ وَ‏ الْمُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِمْ‏ قَضَّلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الْمُجَاهِدِينَ‏ بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ . 3<br />

= 2<br />

=<br />

3<br />

األنفال قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ هَاجَرُ‏ وا وَ‏ جَاهَدُوا بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ . 4<br />

التوبة قوله تعاَل:‏ ‏}الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ هَاجَرُ‏ وا وَ‏ جَاهَدُوا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِ‏ ‏ِه<br />

و‎44‎ و‎91‎ و‎99‎<br />

‏ْم{‏ ، 5 واآلايت 41<br />

4<br />

5<br />

ابلتوبة.‏<br />

= احلجرات:‏ قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّمَا الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ ثُمَّ‏ لَمْ‏ يَرْ‏ تَابُوا وَ‏ جَاهَدُوا بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏<br />

وَ‏ أَنفُسِهِمْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الصَّادِقُونَ{‏ . 6<br />

= احلديد:‏ قوله تعاَل:‏ ‏}ال يَسْتَوِي مِنْكُمْ‏ مَنْ‏ أَنْفَقَ‏ مِنْ‏ قَبْلِ‏ الْفَتْحِ‏ وَ‏ قَاتَلَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ أَعْظَمُ‏ دَرَ‏ جَة ً مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَنْفَقُوا<br />

مِنْ‏ بَعْدُ‏ وَ‏ قَاتَلُوا{‏ . 7<br />

40<br />

- 1 التوبة،‏ اآلية:‏ 81<br />

- 2 املنافقون،‏ اآلية:‏ 7<br />

- 3 النساء،‏ اآلية:‏ 85<br />

- 4 األنفال،‏ اآلية:‏ 72<br />

- 5 التوبة،‏ اآلية:‏ 21<br />

- 6 احلجرات،‏ اآلية:‏ 15<br />

- احلديد،‏ اآلية:‏ 11<br />

7


6<br />

= الصف:‏ قوله تعاَل:‏ ‏}تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ تُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

بِأَمْوَ‏ الِكُمْ‏ وَ‏ أَنفُسِكُ‏ ‏ْم{‏ . 1 أما اآلية<br />

الفريدة اليت قُدمت <strong>في</strong>ها النفس على املال فهي قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُ‏ ‏ْم<br />

بِأَنَّ‏ لَهُمْ‏ الْجَنَّةَ{‏ . 2<br />

فتقدمي املال على النفس يف معظم اآلايت ليس لفضله على النفس،‏ بل إن اجلهاد ابلنفس أعظم ولكنه ال يتم إال<br />

ابملال،‏ فالإنفاق يف سبيل هللا الزم ل<strong>إعداد</strong> اجليوش وال يتم اجلهاد ابلنفس إال بعد اجلهاد ابملال،‏ أما آية ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ<br />

اشْتَرَ‏ ى{‏ فهذا مقام املبايعة مع هللا وقد عرض هللا سلعة غالية فوجب على العبد أن يقدم يف شرائها أغلى ما ميلك<br />

وهي النفس،‏ فلذلك قدمت النفس على املال يف هذه اآلية اليت ت ‏ُبَنيِّ‏ كرم هللا عز وجل فإنه ميلك نفوس اخللق مجيعا<br />

ومع ذلك فقد اشرتاها من املؤمنني ابلعِوض وهو اجلنة.‏<br />

ولذلك أقول إن تقدمي املال على النفس يف معظم اآلايت<br />

هو تقدمي ترتيب<br />

املال،‏ أما تقدمي النفس على املال يف آية املبايعة فهو تقدمي تفضيل،‏ كما قال الشاعر:‏<br />

اجلود ابملال جود <strong>في</strong>ه مكرمة<br />

إذ ال يتم اجلهاد ابلنفس إال بعد بذل<br />

واجلود ابلنفس أقصى غاية اجلود.‏<br />

ومعلوم كذلك أن النفس مقدمة على املال يف الضرورايت الشرعية اخلمس،‏ وقد أشار إَل هذا التقدمي والتأخري العالمة<br />

الشنقيطي يف تفسريه ‏)أضواء البيان(‏ عند تفسري آية الصف،‏ فقال:‏ ‏]يف هذه اآلية الكرمية تقدمي اجلهاد ابملال على<br />

3<br />

اجلهاد ابلنفس يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ بِأَمْوَ‏ الِكُمْ‏ وَ‏ أَنفُسِكُ‏ ‏ْم{‏ . ويف آية إن هللا اشرتى من املؤمنني،‏<br />

قدم النفس على املال فقال:‏ ‏}اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُ‏ ‏ْم {، ويف ذلك سر لطيف.‏ أما يف آية الصف،‏<br />

فإن املقام تفسري وبيان ملعىن التجارة الراحبة ابجلهاد يف سبيل هللا.‏<br />

وحقيقة اجلهاد بذل اجلهد والطاقة،‏<br />

واملال هو عصب ا ر ، وهو مدد اجليش.‏ وهو<br />

أهم من اجلهاد ابلسالح،‏<br />

فباملال يُشرتى السالح،‏ وقد تُستأجر الرجال كما يف اجليوش احلديثة من الفرق األجنبية،‏ وابملال جيَُهز اجليش،‏ ولذا ملا<br />

جاء الإذن ابجلهاد أعذر هللا املرضى والضعفاء،‏<br />

وأ عْل ر معهم الفقراء اللين ال يستطيعون جتهيز أنفسهم،‏ وأَعْذََر<br />

معهم الرسول صلى هللا عليه وسلم إذ مل يوجد عنده ما جيهزهم به كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ عَلَى الضُّعَفَاءِ‏ وَ‏ ال عَلَى<br />

الْمَرْ‏ ضَى{‏ إلى قوله:‏ ‏}وَ‏ ال عَلَى الَّذِينَ‏ إِذَا مَا أَتَوْ‏ كَ‏ لِتَحْمِلَهُمْ‏ قُلْتَ‏ ال أَجِ‏ دُ‏ مَا أَحْمِلُكُمْ‏ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ أَعْيُنُهُمْ‏ تَفِيضُ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

الدَّمِْْ‏ حَزَ‏ نًا أَالَّ‏ يَجِ‏ دُوا مَا يُنفِقُو ‏َن{.‏<br />

وكذلك من جانب آخر،‏ قد جيَُاهِد ابملال من ال يستطيع ابلسالح كالنساء والضعفاء،‏ كما قال صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»مَنْ‏ جَهمزَ‏ غَازِايً‏ فَقَدْ‏ غَزَا«.‏<br />

42<br />

- 1 الصف،‏ اآلية:‏ 11<br />

- 2 التوبة،‏ اآلية:‏ 111<br />

- 3 الصف،‏ اآلية:‏ 11


أما اآلية الثانية،‏ فهي يف معرض االستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى ابملساومة،‏ فقدم النفس ألهنا أعز ما ميلك<br />

احلي،‏ وجعل يف مقابلها اجلنة وهي أعز مايو هب[‏ . 1<br />

قلت:‏ وإذا أتملت آية األمر ابل<strong>إعداد</strong> وهي قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ جتدها قد<br />

خُتِمَت ابلنفقة،‏ فقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا تُن ‏ِفقُوا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُوَ‏ فَّ‏ إِلَيْكُ‏ ‏ْم وَ‏ أَنْتُمْ‏ الَ‏ تُظْلَمُو ‏َن{‏ مما يدل على<br />

أمهية املال لإلعداد للجهاد.‏<br />

وهلذه األمهية خُصمت النفقة يف سبيل هللا بتضعيف ثواهبا إَل سبعمائة ضعف إَل أضعاف كثرية،‏ قال<br />

تعاَل:‏ ‏}مَثَلُ‏ الَّذِينَ‏ يُنفِقُونَ‏ أَ‏ ‏ْم وَ‏ الَهُمْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ كَمَثَلِ‏ حَبَّةٍ‏ أَنْبَتَتْ‏ سَبَْْ‏ سَنَابِلَ‏ قِي ِ كُل سُنْبُلَةٍ‏ مِائَةُ‏ حَبَّةٍ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

يُضَاعِفُ‏ لِمَنْ‏ يَشَاءُ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ اسٌِْ‏ عَلِيمٌ{‏ . 2<br />

وقد تكلم إمام احلرمني اجلويين يف هذه املسألة وقال إن <strong>إعداد</strong> املال للجهاد يتنزل منزلة <strong>إعداد</strong> الرجال،‏ وأوجب على<br />

املوسرين أن يقوموا بكفاية اجلند إن مل يف بيت املال بذلك وأن على الإمام أن يفرض على األغنياء ما يسد به<br />

3<br />

الكفاية .<br />

فأقول جيب على املسلمني جتهيز كل من يريد قصد ميادين التدريب واجلهاد،‏ ابملال والسالح وجيب على املسلمني<br />

كفالة أسر اجملاهدين خاصة أسر الشهداء واألسرى واجلرحى واملعوقني وكل من أوذي يف سبيل هللا إيذاء منعه من<br />

التكسب لعياله،‏<br />

فإن قعود املسلمني عن معاونة هنالء هو من أعظم أسبا الصد عن سبيل هللا،‏ فإن الرجل إذا<br />

تيقن ضياع عياله من بعده صده ذلك عن اجلهاد يف سبيل هللا،‏ وترك إعانة اجملاهدين هو من صفات املنافقني كما قال<br />

تعاَل:‏ ‏}هُمْ‏ الَّذِينَ‏ يَقُولُونَ‏ الَ‏ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ‏ عِنْدَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ خَزَ‏ ائِنُ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ لَكِ‏ ‏َّن<br />

4<br />

الْمُنَاقِقِينَ‏ ال يَفْقَهُونَ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}هَاأَنْتُمْ‏ هَؤُالءِ‏ تُدْعَوْ‏ نَ‏ لِتُنفِقُوا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَمِنْكُمْ‏ مَنْ‏ يَبْخَلُ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَبْخَلْ‏ قَإِنَّمَا<br />

يَبْخَلُ‏ عَنْ‏ نَفْسِهِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الْغَنِيُّ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ الْفُقَرَ‏ اءُ‏ وَ‏ إِنْ‏ تَتَوَ‏ لَّوْ‏ ا يَسْتَبْدِلْ‏ قَوْ‏ م ‏ًا غَيْرَ‏ كُمْ‏ ثُمَّ‏<br />

ال يَكُونُوا أَمْثَالَكُ‏ ‏ْم{‏ . 5<br />

مسألة:‏<br />

هذا،‏ وكان أحد الإخوة قد سألين عن رجل أصاب ماال حراما،‏ أو يغلب على كسبه احلرام،‏ هل يقبل منه تربعات<br />

للجهاد مع العلم هبذا؟.‏<br />

273<br />

1<br />

- ‏)أضواء البيان(‏ ج 9 ص<br />

.195<br />

194<br />

- البقرة،‏ اآلية:‏ 261<br />

2<br />

- 3 ‏)الغياثي(‏ ط 2 حتقيق د/عبد العظيم الديب ص<br />

256<br />

- 4 املنافقون،‏ اآلية:‏ 7<br />

- 5 حممد،‏ اآلية:‏ 39<br />

43


فأجبته مبا قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف هذا الشأن،‏ قال:‏ ‏]حىت لو كان الرجل قد محل بيده مال حرام وقد<br />

تعذر رده إَل أصحابه<br />

سبيل هللا،‏ فإن ذلك مصرفها.‏<br />

جلهله هبم وحنو ذلك،‏ أو كان بيده ودائع أو رهوان أو عوار قد تعذر معرفة أصحاهبا فلينقها يف<br />

ومن كان كثري الذنوب فأعظم دوائه اجلهاد،‏ فإن هللا عز وجل يغفر ذنوبه،‏ كما أخرب هللا يف كتابه بقوله سبحانه<br />

1<br />

وتعاَل:‏ ‏}يَغْفِرْ‏ لَكُمْ‏ ذُنُوبَكُ‏ ‏ْم{‏ . ومن أراد التخل من احلرام والتوبة وال ميكن رده إَل أصحابه فلينفقه يف سبيل هللا<br />

2<br />

عن أصحابه،‏ فإن ذلك طريق حسنة إَل خالصه،‏ مع ما حيصل له من أجر اجلهاد[‏ .<br />

قلت واآلية املذكورة بتمامها هي قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آَمَنُوا هَلْ‏ أَدُلُّكُمْ‏ عَلَى تِ‏ ‏َجارَ‏ ةٍ‏ تُنجِ‏ يكُمْ‏ مِنْ‏ عَذَابٍ‏ أَلِي ‏ٍم<br />

تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ تُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ بِأَمْوَ‏ الِكُمْ‏ وَ‏ أَنفُسِكُمْ‏ ذَلِكُمْ‏ خَيْرٌ‏ لَكُمْ‏ إِنْ‏<br />

وَ‏ يُدْخِ‏ لْكُمْ‏ جَنَّاتٍ‏ تَجْرِ‏ ي مِنْ‏ تَحْتِهَا األَنْهَارُ‏ وَ‏ مَسَاكِنَ‏ ‏َِي ‏ِبَةً‏ قِي جَنَّاتِ‏ عَدْنٍ‏ ذَلِكَ‏ الْفَوْ‏ زُ‏ الْعَظِي ‏ُم{‏<br />

كُنتُمْ‏ تَعْلَمُو ‏َن يَغْفِرْ‏ لَكُمْ‏ ذُنُوبَكُ‏ ‏ْم<br />

وجل أن اجلهاد ابملال والنفس من أسباب غفران الذنوب،‏ وما يتبع ذلك من دخول اجلنات.‏<br />

. 3 فبني هللا عز<br />

والكالم السابق لشيخ الإسالم <strong>في</strong>ه الإجابة على األخ السائل،‏ وقد ذكرته هنا لينتفع به غريه،‏ وهو أنه جيوز أن يقبل<br />

املال احلرام للنفقة يف سبيل هللا.‏<br />

ولكن هل من أَعْطَى هذا املال احلرام يرتفع بذلك إمثه أو يثاب مع ذلك؟ يتوقف هذا على أمرين:‏<br />

األول:‏ هل هذا املال احلرام من حقوق الناس ومظاملهم أم معصية يف حق هللا تعاَل بني العبد وربه؟<br />

الثاين:‏ هل هذه العطية مقرتنة ابلتوبة ونية التخل<br />

وقد قرر شيخ الإسالم األصل السابق يف أكثر من موضع يف فتاويه:‏<br />

من احلرام أم ال؟ على تفصيل ليس هذا موضعه.‏<br />

أن املال ا رام أو اللي ال يدُعْر ف صاحبه<br />

يتصدق به ويصرف يف مصام املسلمني،‏ وتقرأ يف اجمللد التاسع والعشرين يف ص 262 كالمه عن مال الغُلُول من<br />

الغنيمة،‏ ويف ص‎262‎ عن ما أخذ ظلما ويف ص‎251‎ عن اللقطة،‏ ص‎276‎ املال املغصوب،‏ ص‎281‎ ربح البيع املنهي عنه،‏<br />

ص‎317‎<br />

مال الراب،‏ ص‎317‎ مال املُغَنية،‏ ص‎318‎ مال البَغِيّ‏ ‏)املومسة(‏ واخلمار،‏ وغريها من املواضع ص‎261‎‏،‏<br />

،311 ،263<br />

.363 ،361 ،321 وذكر<br />

أن هذا هو قول مجهور الفقهاء.‏<br />

ومثل هذا ما ذكره ابن رجب احلنبلي يف كتابه ‏)جامع العلوم واحلكم(‏ يف شرح احلديث العاشر ‏»إن هللا طيب ال يقبل<br />

إال طيبا«.‏<br />

قال:‏ ‏]الوجه الثاين من تصرفات الغاصب يف املال املغصوب أن يتصدق به على صاحبه إذا عجز عن رده<br />

إليه وإَل ورثته،‏ فهذا جائز عند أكثر العلماء:‏ منهم مالك وأبو حنيفة وأمحد وغريهم.‏ قال ابن عبد الرب ذهب الزهري<br />

ومالك والثوري واألوزاعي والليث إَل أن الغَالّ‏ إذا تفرق أهل العسكر ومل يَصِل إليهم أنه يدفع إَل الإمام مخسه<br />

ويتصدق ابلباقي،‏ رُوِيَ‏ ذلك عن عبادة بن الصامت ومعاوية واحلسن البصري،‏ وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن<br />

422<br />

- الصف،‏ اآلية:‏ 12<br />

1<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص<br />

421<br />

12 11<br />

- 3 الصف،‏ اآلية:‏ 11<br />

44


عباس رضي هللا عنهما أهنما كان يراين أن يتصدق ابملال الذي ال يعرف صاحبه.‏ إَل أن قال واملشهور عن<br />

الشافعي رمحه هللا يف األموال احلرام أهنا حتفظ وال يتصدق هبا حىت يظهر مستحقها.‏ وكان الفضيل بن عياض يرى أن<br />

من عنده مال حرام ال يعرف أراببه أنه ي ‏ُتْلِفه ويلقيه يف البحر وال يتصدق به،‏ وقال:‏ ال يتقرب إَل هللا إال ابلطيب،‏<br />

والصحيح الصدقة به ألن إتالف املال وإضاعته منهي عنه،‏ وإرصاده أبدا تعريض له لإلتالف واستيالء الظلمة عليه،‏<br />

والصدقة به ليست عن مكتسبه حىت يكون تقراب منه ابخلبيث،‏ وإَّنا هي صدقة عن مالكه ليكون نفعه له يف اآلخرة<br />

1<br />

حيث يتعذر عليه االنتفاع به يف الدنيا[‏ . وهللا تعاَل املستعان.‏<br />

‏)فصل(:‏ وكما أن املال خري عظيم للجهاد،‏ فقد يكون شرا مستطريا عليه وذلك عندما يستخدم املال لشراء الذمم<br />

وبيع القضااي الإسالمية وحتويل مسار اجلهاد أو التخلي عن بعض املبادئ،‏ وقد تعرض النيب<br />

للحصار الإقتصادي مدة ثالث سنوات قضاها يف شِ‏ عْب أىب طالب،‏ وتعرض<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

صلى هللا عليه وسلم لإلغراء املايل<br />

حيث عَرَضَ‏ عليه مشركو مكة أن جيمعوا له من أمواهلم حىت يصري أغناهم على أن يتخلى عن دعوته صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏<br />

وما من قضية إسالمية إال والبد أن تتعرني لإلغراء والتهديد<br />

كأساليب للضغط واملساومات وطلب<br />

التنازالت،‏ فهله سنة قدرية البد أن تقعكما قال تعاَل:‏ ‏}أَحَسِبَ‏ النَّاسُ‏ أَنْ‏ يُتْرَ‏ كُوا أَنْ‏ يَقُولُوا آمَنَّا وَ‏ هُمْ‏ الَ‏ يُفْتَنُو ‏َن<br />

وَ‏ لَقَدْ‏ قَتَنَّا الَّذِينَ‏ مِنْ‏<br />

قَبْلِهِمْ‏ قَلَيَعْلَمَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَّذِينَ‏ صَدَقُوا وَ‏ لَيَعْلَمَنَّ‏ الْكَاذِبِي ‏َن{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}مَا كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِيَذَرَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏<br />

عَلَى مَا أَنْتُمْ‏ عَلَيْهِ‏ حَتَّى يَمِيزَ‏ الْخَبِيثَ‏ مِنْ‏ الَِّي ‏ِبِ{‏ . 3 وكم من قضية رُفعت <strong>في</strong>ها الراية الإسالمية ويقاتل املسلمون<br />

حتتها لتنتهي القضية برفع الراية العلمانية بعد سقوط اآلالف من القتلى.‏<br />

وقد يُستخدم املال لشق الصف الإسالمي،‏ <strong>في</strong>غفل املسلمون عن السالح ويلتفتون إَل املال وقد حدث قريب من هذا<br />

من الرماة يف غزوة أحد حىت كان ما كان،‏ ومع الإلتفات إَل املال يدخل حب الدنيا وكراهة املوت وهو الوهن إَل<br />

القلوب وينتهي األمر ابهلزمية،‏ ومع الإلتفات إَل املال يدخل احلسد بني املسلمني <strong>في</strong>تباغضون ويفرتقون وقد يتقاتلون<br />

<strong>في</strong>ما بينهم.‏ وكل ما سبق ي ‏ُنْهِي قضية اجلهاد بشر هزمية.‏ بعث سعد بن أيب وقاص مخُْسَ‏ غنائم وقعة جلوالء إَل عمر<br />

بن اخلطاب،‏ قال ابن كثري:‏ [ فلما نَظَرَ‏ عمر إَل ايقوته وزبرجده وذهبه األصفر وفضته البيضاء،‏ بكى عمر،‏ فقال له<br />

عبد الرمحن بن عوف:‏ ما يُبكيك اي أمري املؤمنني؟ فوهللا إن هذا ملوطن شكر،‏ فقال عمر:‏ وهللا ما ذاك يبكيين،‏ واتهلل<br />

ما أعطى هللا هذا قوما إال حتاسدوا وتباغضوا،‏ وال حتاسدوا إال ألقى البغضاء بينهم،‏ ‏ُث قسمه كما قسم أموال<br />

4<br />

القادسية ‏.وقول عمر السابق مستفاد من حديث النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»أَبْشِ‏ رُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ‏ فَوَاَّللمِ‏ مَا الْفَقْرَ‏<br />

45<br />

1<br />

- ‏)جامع العلوم واحلكم(‏ ص<br />

81 ،28<br />

3<br />

- 2 العنكبوت،‏ اآلية:‏ 2<br />

- 3 آل عمران،‏ اآلية:‏ 178<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 7 ص<br />

71


أَخْشَى عَلَيْكُمْ‏ وَلَكِين أَخَشَى أَنْ‏ ت ‏ُبْسَطَ‏ الدُّنْيَا عَلَيْكُمُ‏ كَمَا بُسِ‏ طَتْ‏ عَلَى مَنْ‏ كَانَ‏ قَبْلَكُمْ‏ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا<br />

وَهتُْلِكَكُمْ‏ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ«‏ . 1 نسأل هللا لنا ولكم العا<strong>في</strong>ة.‏<br />

ومن األساليب الشيطانية لشراء احلركات اجلهادية واحتوائها،‏ سياسة اإلغراق املايل،‏ فتغدق اجلهة أو الدولة اليت تريد<br />

شراء احلركة،‏ األموال على احلركة بال حساب وبال شروط،‏ حىت إذا تضخمت أنشطة احلركة اجلهادية وكثر أتباعها<br />

وصارت ال تستغين عن أموال هذه اجلهة،‏ أخذت هذه اجلهة يف فرض شروطها مقابل استمرار الدعم املايل،‏ فإذا قبلت<br />

احلركة اجلهادية هذا،‏ فمعناه أهنا تتمول تلقائيا إَل العَمَالَة،‏ ويتحول اجملاهدون إَل عمالء ال يفعلون إال ما تسمح به<br />

اجلهة املمولة وما يتفق مع سياستها،‏ وتُشَلّ‏ األعمال القتالية للحركة ولكن ال أبس من استمرار رفع الشعارات لسرت<br />

2<br />

العورة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ كَانَ‏ مَكْرُ‏ هُمْ‏ لِتَزُ‏ ولَ‏ مِنْهُ‏ الْجِ‏ بَا ‏ُل{‏ ، فالواجب على اجملاهدين الذين وهبوا أنفسهم لنصرة هللا<br />

بصدق أال يسقطوا يف هذه املكيدة وأال يعتمدوا يف الإنفاق إال على<br />

ينبغي أن<br />

مواردهم اللاتية فقط.‏ وأهم موارد اجملاهدين<br />

تكون الغنيمة من عدوهم،‏ وهكذا كل طائفة البد أن تسعى لتأمني احتياجاهتا املادية من عدوها،‏ قال<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»جُعِلَ‏ رزقي حتت ظل رحمي«‏ من حديث:‏<br />

وقال صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

‏»بعثت ابلسيف بني يدي الساعة«‏ .<br />

4<br />

‏»وأحلت يل املغاِن ومل حتل ألحد قبلي«‏ ، وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»اخليل معقود يف<br />

6<br />

5<br />

نواصيها اخلري إَل يوم القيامة:‏ األجر واملغنم«‏ ، وعن عائشة قالت:‏ ‏)ملا فُتِحَت خيرب قلنا:‏ اآلن نشبع من التمر(‏ ،<br />

7<br />

وروي عن ابن عمر قال:‏ ‏)ما شبعنا حىت فتحت خيرب(،‏ وقد قال هللا عز وجل:‏ ‏}قَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ‏ حَالال ‏َِي ‏ِبًا{‏ .<br />

والغنيمة هي ما أخذه املسلم من الكافر احلريب عَنْوَة ابلقهر،‏ وال<strong>في</strong>ء هو ما أخذه املسلم من الكافر احلريب بغري قتال<br />

كاملال الذي يهرب عنه الكافر أو املال الذي ‏َيخذه املسلم حبيلة من الكافر وهكذا.‏ وتقسيم كل من الغنيمة وال<strong>في</strong>ء<br />

ومصارفهما مفصل يف فقه اجلهاد.‏<br />

وكان النيب صلى هللا عليه وسلم قد خرج وصحابته يوم بدر قاصدين أخذ عري قريش اليت كان عليها أبو س<strong>في</strong>ان<br />

9<br />

وكانت ألف بعري واملال مخسني ألف دينار ، غنيمة يستغين هبا املسلمون،‏ ولكن شاء هللا أن هترب العري وأن يدركوا<br />

النفري،‏ نفري قريش الستنقاذ أمواهلم،‏ فكانت املوقعة ‏ُث النصر والغنيمة،‏ روى البخاري عن كعب بن مالك<br />

قال:‏ ‏)مل <br />

- 1 متفق عليه عن عمرو بن عوف األنصاري<br />

46<br />

- 2 إبراهيم،‏ اآلية:‏ 46<br />

- 3 رواه امحد إبسناد صحيح عن ابن عمر.‏<br />

- 4 رواه البخاري عن جابر<br />

- 5 متفق عليه<br />

- 6 رواه البخاري<br />

- 7 األنفال،‏ اآلية:‏ 68<br />

- 9 فتح الباري 296 / 7


أختلف عن رسول هللا يف غزوة غزاها إال يف تبوك،‏ غري أين ختلفت عن غزوة بدر ومل يعاتب أحد ختلف عنها،‏ إَّنا خرج<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يريد عري قريش،‏ حىت مجع هللا بينهم وبني عدوهم على غري ميعاد(‏ . 1<br />

وهلذا فإن االعتماد على املوارد الذاتية حيمي اجملاهدين من السقوط يف أغالل التبعية جلهات التمويل والضغط،‏ ويكفل<br />

هلم حرية واستقالل القرار.‏<br />

47<br />

- 1 حديث 3851


48


و<strong>في</strong>ه املسائل التالية:‏<br />

الباب الثالث<br />

اإلمارة<br />

أوالً‏ := الإمارة واجبة.‏<br />

‏َثنياً‏ := التأمري موكول إَل ويل األمر املسؤول إن وُجِ‏ دَ.‏<br />

‏َثلثاً‏ := ولويل األمر أن يؤمر عدة أمراء على الرتتيب.‏<br />

رابعاً‏ := مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟.‏<br />

خامساً:=‏ شروط هذه الإمارة.‏<br />

سادساً:=‏ الغزو مع األمري الفاجر.‏<br />

سابعاً‏ := الرد على شبهة متعلقة ابلإمارة.‏<br />

49


الباب الثالث:‏ اإلمارة<br />

أوال:‏ اإلمارة واجبة.‏<br />

- أ<br />

ب<br />

ج<br />

-<br />

-<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ ‏ُسولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ . 1<br />

وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا جَاءَهُمْ‏ أَمْرٌ‏ مِنَ‏ األْ‏ ‏َمْنِ‏ أَوْ‏ الْخَوْ‏ فِ‏ أَذَاعُوا بِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األْ‏ َ ‏ْم<br />

مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ . 2 فدلت اآليتان<br />

مصاحلهم،‏ وذلك بداللة إشارة الن .<br />

قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

‏ِر<br />

على أنه البد للناس من ويل أمر يتوَل شؤوهنم ويدبر<br />

‏»ال حي ‏ِلُّ‏ لَِ‏ الث ةِ‏ ند ف ر ي كُونُون بِف ال ة مِن األ رْنيِ‏ إِال<br />

أ م رُوا ع ل يْهِ‏ ‏ْم<br />

4<br />

3<br />

أ ح د هُمْ«‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إِذ ا خ ر ج ث الث ةٌ‏ يفِ‏ س ف ر فد لْيدُن مِرُوا أ ح د هُمْ«‏ .<br />

وقال الشوكاين يف نيل األوطار"‏ [ ‏)اب وجو نصبة القضاء واإلمارة وغريها(‏ وذكر األحاديث السابقة ‏ُث قال<br />

حديث عبد هللا بن عمرو وحديث أيب سعيد قد أخرج حنومها البزار إبسناد صحيح من حديث عمر بن اخلطاب بلفظ<br />

‏»إذا كنتم ثالثة يف سفر فأمروا أحدكم ذاك أمري أمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأخرج البزار أيضا إبسناد<br />

صحيح من حديث عبد هللا بن عمر مرفوعا بلفظ ‏»إذا كانوا ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏ وأخرجه هبذا اللفظ<br />

الطرباين من حديث ابن مسعود إبسناد صحيح.‏ وهذه األحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود واملنذري<br />

.»<br />

عن حديث أيب سعيد وأيب هريرة وكالمها رجاهلما رجال الصحيح إال عليّ‏ بن حبر وهو ثقة.‏ ولفظ حديث أيب هريرة<br />

‏»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏<br />

عليهم أحدهم<br />

- د<br />

و<strong>في</strong>ها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعد أن ينمروا<br />

ألن يف ذلك السالمة من اخلالف الذي يؤدي إَل التالف فمع عدم التأمري يستبد كل واحد برأيه<br />

ويفعل ما يطابق هواه <strong>في</strong>هلكون،‏ ومع التأمري يقل االختالف وجتتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من<br />

األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكَر يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوىل<br />

وأحرى ويف ذلك دليل لقول من قال إنه جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام ] 5 .<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ [ جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل ال قيام للدين<br />

وال للدنيا إال هبا.‏ فإن بين آدم ال تتم مصلحتهم إال ابالجتماع حلاجة بعضهم إَل بعض والبد هلم عند االجتماع من<br />

51<br />

- النساء،‏ اآلية:‏ 58<br />

- النساء،‏ اآلية:‏ 93<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

- رواه أمحد عن عبد هللا بن عمرو<br />

- رواه أبو داود عن أيب سعيد،‏ وله من حديث أيب هريرة مثله<br />

- 5 ‏)نيل األوطار(‏ ج 8 ص<br />

157


- ه<br />

رأس حىت قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏ . 1 وروى الإمام أمحد يف املسند<br />

عن عبد هللا بن عمرو،‏ أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال حيَِلُّ‏ لِثَالثَةِ‏ ن ‏َفَرٍ‏ يَكُونُونَ‏ بِفَالةٍ‏ مِنَ‏ األَرْضِ‏ إِالم أَمرُوا<br />

عَلَيْهِمْ‏ أَحَدَهُمْ«‏ فأوجب صلى هللا عليه وسلم أتمري الواحد يف االجتماع القليل العارض يف السفر،‏ تنبيها بذلك على<br />

سائر أنواع االجتماع.‏ وألن هللا تعاَل<br />

أوجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة.‏<br />

وكللك سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإقامة احلج واجلمع واألعياد ونصر املظلوم.‏ وإقامة احلدود ال تتم إال ابلقوة<br />

والإمارة إَل قوله فالواجب اختاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب هبا إَل هللا،‏ فإن التقرب إليه <strong>في</strong>ها بطاعته وطاعة رسوله من<br />

أفضل القرابت وإَّنا يفسد <strong>في</strong>ها حال أكثر الناس البتغاء الرايسة أو املال هبا.‏ وقد روى كعب بن مالك عن النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم أنه قال : ‏»مَا ذِئْبَانِ‏ جَائِعَانِ‏ أُرْسِ‏ ال يفِ‏ زَرِيبَةِ‏ غَنَمٍ‏ أبَِفْسَدَ‏ هلََا مِنْ‏ حِ‏ رْصِ‏ الْمَرْءِ‏ عَلَى الْمَالِ‏ وَال مشرَ‏ ‏ِف<br />

3<br />

2<br />

لِدِينِهِ«‏ ، فأخرب أن حرص املرء على املال والرايسة يفسد دينه مثل أو أكثر من فساد الذئبني اجلائعني لزريبة الغنم[‏ .<br />

وروى ابن عبد الرب يف ‏)جامع بيان العلوم(‏ قال حدثنا أبو القاسم خلف ابن القاسم حدثنا أبو صاحل أمحد بن<br />

عبد الرمحن مبصر حدثنا أبو بكر حممد بن احلسن البخاري حدثنا احلسني بن احلسن بن وضاح البخاري السمسار<br />

حدثنا حف<br />

بن داود الربعي قال حدثنا خالد قال حدثنا بقية قال حدثنا صفوان بن رستم أبو كامل حدثنا عبد<br />

الرمحن بن ميسرة عن عبد الرمحن عن متيم الداري قال:‏ تطاول الناس يف البنيان زمن عمر بن اخلطاب فقال:‏ ‏)اي معشر<br />

العرب األرض األرض إنه ال إسالم إال جبماعة وال مجاعة إال إبمارة وال إمارة إال بطاعة أال من سوده قومه على فقه<br />

كان ذلك خريا له،‏ ومن سَومدَهُ‏ قومه على غري فقه كان ذلك هالكا له وملن اتبعه(‏ . 4<br />

ف<strong>في</strong> قول عمر<br />

<br />

وجوب اجلماعة والإمارة والطاعة لإقامة شرائع الإسالم.‏<br />

- رواه أبو داود من حديث أيب سعيد وأيب هريرة.‏<br />

- قال الرتمذي حديث حسن صحيح<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص<br />

381<br />

- ‏)جامع بيان العلم وفضله(‏ ج 1 ص<br />

382<br />

63، ورواه الدارمي بسند ضعيف.‏<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

50


ثانيا:‏ التأمير موكول إلى ولي األمر المسؤول إن وجد<br />

حلديث بريدة<br />

<br />

1<br />

ومبن معه من املسلمني خريا(‏ .<br />

( كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أمر أمريا على جيش أو سرية أوصاه يف خاصته بتقوى هللا،‏<br />

قال ابن قدامة:‏ ‏]وأمر اجلهاد موكول إَل الإمام واجتهاده إَل قوله وي ‏ُؤَمِّر يف كل انحية أمريا يقلده أمر احلروب<br />

وتدبري اجلهاد ويكون ممن له رأي وعقل وُندة وبصر ابحلرب ومكايدة العدو،‏ ويكون <strong>في</strong>ه أمانة ورفق ونصح<br />

2<br />

للمسلمني[‏ .<br />

-<br />

-<br />

رواه مسلم يف كتاب اجلهاد والسري من صحيحه،‏ ‏)ابب أتمريالإمام األمراء على البعوث(‏<br />

املغين كتاب اجلهاد<br />

1<br />

2<br />

52


ثالثا:‏ ولولي األمر أن يؤمر عدة أمراء على الترتيب<br />

لفعل النيب صلى هللا عليه وسلم يف غزوة مؤتة ‏)بعث األمراء(‏ حيث رتب ثالثة أمراء على التوايل متفق عليه عن<br />

أنس.‏ إن أصيب األول خلفه الثاين وهكذا.‏<br />

روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال:‏ ‏)أَمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف غزوة مؤتة زيدَ‏ بن<br />

حارثة،‏ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : إن قتل زيد فجعفر،‏ وإن قتل جعفر،‏ فعبد هللا بن رواحة،‏ قال ابن<br />

عمر:‏ كنت <strong>في</strong>هم يف تلك الغزوة،‏ فالتمسنا جعفر بن أيب طالب،‏ فوجدانه يف القتلى،‏ ووجدان ما يف جسده بضعا<br />

وتسعني من طعنة ورمية(.‏<br />

وال تنعقد الإمارة للثاين إال إذا مات األول أو أصيب مبا ي ‏ُعْجِ‏ زه عن القيام بعمله،‏ وليس للثاين أن ينازع األول يف<br />

األعمال حبجة أن له إمارة حمتملة أو حنوه،‏ مادام األمري هو األول،‏ بل على اجلميع السمع والطاعة له.‏<br />

ويف يوم وقعة اجلسر الشهرية مع الفرس كان األمري أبو عبيد بن مسعود الثق<strong>في</strong> أوصى ابلإمارة على اجليش لثمانية من<br />

بعده على الرتتيب إن قُتِل،‏ فقُتِل هو وسبعة من األمراء من ثقيف من بعده حىت انتهت الإمارة إَل الثامن وهو املثىن<br />

بن حارثة وكانت دَوْمَة امرأة أيب عبيد رأت مناما يدل على ما وقع سواء بسواء . 1<br />

وكانت هذه الواقعة سنة<br />

13<br />

يف خالفة عمر وتوافر الصحابة بال نكري منهم.‏<br />

ه يف خالفة عمر بن اخلطاب . وهذا أكرب عدد يعرف يف عَهْدِ‏ األمري لِمَنْ‏ بعده،‏ وذلك<br />

-<br />

‏)البداية والنهاية(‏ البن كثري ج<br />

7 ص 29<br />

وانظر ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص<br />

26<br />

1<br />

53


رابعا:‏ متى تؤول سلطة التأمير إلى الرعية؟<br />

-<br />

بينت <strong>في</strong>ما سبق وجوب الإمارة وأن التأمري من حق إمام املسلمني ومن حيل حمله كويل أمر مسئول عن عمل من<br />

األعمال.‏ إال أنه يف بعض األحوال يتعني على مجاعة املسلمني أن خيتاروا األمري أبنفسهم،‏ ومن أمثال هذا:‏<br />

إذا فقد األمري املُعَنيم من جهة الإمام ‏)بقَتْل أو أَسْر أو عَجْز(‏ ومل يتمكن املسلمون من مراجعة الإمام،‏ ومل يكن هلم<br />

عدة أمراء على الرتتيب أو انتهوا.‏<br />

-<br />

إذا شرع املسلمون أو طائفة منهم يف عما من العمال اجلماعية ‏)خاصة التدريب و اجلهاد(‏ ومل يكن للمسلمني<br />

إمام.‏ كما هو احلال يف زماننا اآلن.‏<br />

فعلى املسلمني أن خيتاروا أحدهم لإلمارة وال يصح أن يعملوا بدون إمارة،‏ وقد أعطاهم النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

سلطة التأمري هله بقوله ‏»فليؤمِّروا«‏ من حديث ‏»إِذَا خَرَجَ‏ ثَالثَةٌ‏ يفِ‏ سَفَرٍ‏ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُ‏ ‏ْم«‏ فأسند صلى هللا عليه<br />

وسلم سلطة التأمري إَل هذا اجلمع الذي اجتمع على أمر مشرتك بينهم وهو السفر،‏ وقد سبق شرح هذا احلديث.‏<br />

ويستدل أيضا بفعل الصحابة رضوان هللا عليهم يف غزوة مؤتة بعد مقتل األمراء الثالثة الذين أمرهم النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ فاتفقوا على أتمري خالد بن الوليد،‏ وقد رَضِيَ‏ النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعهم هذا.‏<br />

روى البخاري بسنده عن أنس : قال خَطَبَ‏ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ ‏»أخذ الراية زيد فأصيب،‏ ‏ُث<br />

أخذها جعفر فأصيب،‏ ‏ُث أخذها عبد هللا بن رواحة فأصيب،‏ ‏ُث أخذها خالد بن الوليد عن غري إمرة ففتح هللا عليه،‏<br />

وما يسرهم أهنم عندان«‏<br />

2<br />

من سيوف هللا حىت فتح هللا عليهم«‏ .<br />

1<br />

قال أنس ‏)وإن عينه لتَذْرِفان(‏ ، ويف رواية أخرى للبخاري عن أنس ‏»حىت أخذ الراية سيف<br />

قال ابن حجر ملا قُتِل ابن رواحة ‏]ُث أخذ الراية ‏َثبت بن أقرم األنصاري،‏ فقال اصطَلِحوا على رجل،‏ فقالوا:‏ أنت<br />

هلا،‏ فقال:‏ ال،‏ فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطرباين من حديث أيب اليسر األنصاري قال:‏ أان دفعت الراية<br />

إَل ‏َثبت بن أقرم ملا أصيب عبد هللا بن رواحة،‏ فدفعها إَل خالد بن الوليد،‏ وقال له أنت أعلم ابلقتال مين[‏ . 3<br />

وقال ابن حجر أيضا:‏ و<strong>في</strong>ه جواز التأمر يف احلرب بغري أتمري أي بغري ن من الإمام ، قال الطحاوي:‏ ‏]هلا أصل<br />

4<br />

ينخل منه على املسلمني أن يقدموا رجال إذا غا اإلمام يقوم مقامه إىل أن حيضر[‏ . وقال ابن حجر كذلك:‏<br />

- حديث 3163<br />

- حديث 4362<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 7 ص 512<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 7 ص 513<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

54


قال ابن املنريم : ‏]يؤخذ من حديث الباب أن<br />

من تعني لوالية وتعلرت مراجعة اإلمام أن الوالية تَبت لللك املعني<br />

1<br />

شرعا وجتب طاعته حكما[‏ كذا قال،‏ وال خيفى أن حمله ما إذا اتفق احلاضرون عليه .<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]فإن عدم اإلمام مل يُنخ ر اجلهاد ألن مصلحته تفوت بتأخريه وإن حصلت غنيمة قسمها<br />

أهلها على موجب الشرع،‏ قال القاضي ويؤخر قسمة الإمام حىت يظهر إمام احتياطا للفروج،‏ فإن بعث الإمام جيشا<br />

وأَمر عليهم أمريا فقُتل أو مات،‏ فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف جيش<br />

مؤتة ملا قتل أمراؤهم الذين أمرهم النيب صلى هللا عليه وسلم أمروا عليهم خالد بن الوليد،‏ فبلغ النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم فرَضِيَ‏ أَمرهم وصَومبَ‏ رأيهم،‏ ومسى خالدا ‏“سيف هللا”‏<br />

2<br />

.]<br />

تنبيه:‏ الرد على شبهة ‏)ال جهاد بال إمام(.‏<br />

يَري البع شبهة وهي كيف جناهد وليس للمسلمني خليفة؟ وهي شبهة أوحى هبا الشيطان للمخذلني واملثبطني<br />

عن اجلهاد يف هذا الزمان.‏ قال<br />

تعاَل:‏ { وَ‏ كَذَلِكَ‏ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ‏ ا شَيَاِِينَ‏ اإلِ‏ نسِ‏ وَ‏ الْجِ‏ ‏ِن يُوحِ‏ ي بَعْضُهُمْ‏ إِلَى<br />

بَعْضٍ‏ زُ‏ خْرُ‏ فَ‏ الْقَوْ‏ لِ‏ غُرُ‏ ً ورا وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ مَا قَعَلُوهُ‏ قَذَرْ‏ هُمْ‏ وَ‏ مَا يَفْتَرُ‏ ونَ‏ وَ‏ لِتَصْغَى إِلَيْهِ‏ أَقْئِدَةُ‏ الَّذِينَ‏ ال يُ‏ ‏ْؤمِنُو ‏َن<br />

بِاآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ وَ‏ لِيَرْ‏ ضَوْ‏ هُ‏ وَ‏ لِيَقْتَرِ‏ قُوا مَا هُمْ‏ مُقْتَرِ‏ قُونَ{‏ . 3 ‏ُث نقل هذه الشبهة آخرون حبسن نية جهال منهم.‏<br />

و<strong>في</strong>ما ذكرته آنفا يف املسألة الرابعة ‏)مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟(‏ رد كاف على هذه الشبهة.‏ وهو انه جيب على<br />

املسلمني أن يؤمروا أحدهم عليهم للجهاد يف غياب الإمام،‏ وهذا قول البخاري . 4 وقول ابن حجر والطحاوي وابن<br />

املنريّ‏ وابن قدامة وشيخ الإسالم ابن تيمية كما ذكرته يف أول الباب،‏ وأقواهلم مثبتة يف املسألة الرابعة السابقة.‏ وعمدة<br />

هله املسألة هو حديث غزوة ومنتة حيث أمر الصحابة خالدا عليهم ملا قُتِل أمراؤهم وهم يف غيبة عن الإمام ‏)النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم ) فرَضِيَ‏ النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعهم هذا.‏ وهناك شبهة تثار حول االستدالل هبذا<br />

احلديث وهو أنه يف مؤتة كان الإمام غائبا أما اآلن فهو معدوم؟ وسأرد على هذه الشبهة أيضا <strong>في</strong>ما ‏َيِت إن شاء هللا.‏<br />

وهناك دليل آخر،‏ وهو حديث عبادة بن الصامت ‏»دعاان النيب صلى هللا عليه وسلم فَبَاي ‏َعْنَاهُ‏ فَكَانَ‏ فِيمَا أَخَذَ‏ عَلَيْنَا<br />

أَنْ‏ ابَي ‏َعَنَا عَلَى السممْعِ‏ وَالطماعَةِ‏ يفِ‏ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِانَ‏ وَيُسْرِانَ‏ وَأَث ‏َرَةٍ‏ عَلَيْنَا وَأَنْ‏ ال ن ‏ُنَاِزعَ‏ األَمْرَ‏ أَهْلَهُ‏ قَالَ‏ إِالم أَنْ‏ تَرَوْا<br />

كُفْرًا ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُمْ‏ مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَانٌ«‏ . 5 فهاهو افليفة أو اإلمام قد ك ف ر وسقطت واليته.‏ وجيب اخلروج عليه وقتاله<br />

وعزله ونصب إمام عادل،‏ وهذا واجب إبمجاع الفقهاء كما نقل ذلك النووي وابن حجر . 6 فهل نقول ال خنرج على<br />

-<br />

-<br />

-<br />

‏)فتح الباري(‏ ج<br />

6 ص 191<br />

‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج<br />

األنعام،‏ اآلية:‏<br />

11 ص 374<br />

.113 112<br />

- كتاب اجلهاد ابب من أتمر يف ا حلرب بغري إمرة ج<br />

6 ص 191<br />

-<br />

-<br />

متفق عليه وهذا لفظ مسلم<br />

‏)صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />

12 ص<br />

228( و ‏)فتح الباري ج ‎13‎ص‎7‎‏،‏<br />

)123 ،9<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

55


احلاكم الكافر إذ ال إمام،‏ ومن أين لنا الإمام وقد كَفَر ووجب اخلروج عليه،‏ أم ننتظر إماماً‏ مُغَيمبا ونرتك املسلمني لفتنة<br />

الكفر والفساد؟ أيقول هبذا مسلم؟ إن احلديث السابق <strong>في</strong>ه تصريح من النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

مبقاتلة الإمام<br />

واخلروج عليه إذا كَفَر.‏ فنحن نسأل أصحاب هذه الشبهة كيف يُقاتِل املسلمون يف هذه احلالة حيث ال إمام؟ والرد<br />

الشرعي هو أن يفعلوا كما فعل الصحابة يف مؤتة <strong>في</strong>ؤمروا أحدهم.‏<br />

وهله الشبهة هي من صميم اعتقاد الشيعة وَرَدَ‏ يف العقيدة الطحاوية ‏])واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من<br />

املسلمني....(‏ قال الشارح:‏ يشري الشيخ رمحه هللا إَل الرد على الرافضة حيث قالوا:‏ ال جهاد يف سبيل هللا حىت خيرج<br />

الرضا من آل حممد،‏ وينادي مناد من السماء:‏ اتبعوه!!‏<br />

1<br />

وبطالن هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل[‏ . ومع<br />

أن الشيعة خالفوا هذه العقيدة مع بَدء ثورة اخلميين وهذا من أظهر األدلة على فساد هذا االعتقاد الذي مازال مكتواب<br />

يف كتبهم،‏ فالعجيب هو أن تعلق هذه الشبهة ببعض املنتسبني إَل أهل السنة،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏»لن يربح هذا الدين قائما يُقاتِل عليه عصابة من املسلمني حىت تقوم الساعة«‏ .<br />

أليس ‏»لن يربح،‏ وال تزال«‏ أفعال ت<strong>في</strong>د االستمرار؟،‏ أي استمرار القتال على الدين،‏ ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

قد أشار إَل أنه سيأِت على املسلمني زمان ال يكون هلم <strong>في</strong>ه إمام،‏ ومع ذلك فقد ن<br />

صلى هللا عليه وسلم على<br />

استمرار القتال.‏ فاجلهاد يف سبيل هللا ال يتوقف بسبب غياب الإمام،‏ بل يؤمِّر املسلمون أحدَهم كما يف حديث مؤتة،‏<br />

بل إن غياب الإمام هو من دوافع اجلهاد لِنُصْبَة الإمام الذي يقيم الشريعة وحيوط امللة،‏ وعلى كل مسلم يف هذه احلالة<br />

أن يعتصم هبذه العصابة املذكورة يف حديث جابر بن مسَُرة وهي الطائفة املنصورة.‏<br />

وقد يظن البعض أنه<br />

مل يكن املسلمون بال خليفة إال يف زماننا هذا،‏ وهذا خطأ،‏ بل قد مرت على املسلمني أزمنة مل<br />

يكن هلم <strong>في</strong>ها خليفة،‏ ومن أشهر تلك األزمنة السنوات الثالث من<br />

ببغداد(‏ إَل<br />

656<br />

658<br />

ه ‏)و<strong>في</strong>ها قَتَلَ‏ التتار اخلليفة العباس املستعصم<br />

3<br />

ه ‏)و<strong>في</strong>ها بويع أول خليفة عباسي مبصر(‏ ، ورغم انعدام الإمام إذ ذاك فقد خاض املسلمون معركة<br />

هي من مفاخر املسلمني إَل اليوم وهي معركة عني جالوت ضد التتار يف<br />

659<br />

ه ، حدث هذا يف توافر أكابر العلماء<br />

كعز الدين بن عبد السالم وغريه ومل يقل أحد كيف ‏ُناهد وليس لنا خليفة؟،‏ بل إن قائد املسلمني يف هذه املعركة<br />

‏)سيف الدين قطز(‏ كان قد نَصَبَ‏ نفسه بنفسه سلطاان على مصر بعد أن عزل ابن أستاذه من السلطنة لكونه صبيا<br />

صغريا،‏ ورضي بذلك القضاة والعلماء وابيعوا قطزا سلطاان،‏ وعَدم ابن كثري فعل قطز هذا نعمة من هللا على املسلمني إذ<br />

به كسرَ‏ هللا شوكةَ‏ التتار ، 4 كما عد ابن تيمية هذه الطوائف اليت قاتلت التتار يف تلك األزمنة من الطائفة املنصورة،‏<br />

56<br />

-<br />

-<br />

1<br />

2<br />

3<br />

‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ طبع املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ‎437‎ص<br />

- حديث جابر بن مسَُرة عند مسلم.‏<br />

البداية والنهاية<br />

231 /13<br />

- 4 البداية والنهاية 216/13


فقال ‏)أما الطائفة ابلشام ومصر وحنومها فهم يف هذا الوقت املقاتلون عن دين الإسالم وهم من أحق الناس دخوال يف<br />

الطائفة املنصورة(‏ . 1<br />

وهذه القصة،‏ من سرية السلف الصاحل <strong>في</strong>ها رد على شبهة ‏)ال جهاد بال إمام(‏ ابلإضافة إَل األدلة النمصمية وهي<br />

حديث غزوة مؤتة وحديث عبادة بن الصامت <strong>في</strong>ما إذا كفر الإمام.‏<br />

وهذه الشبهات سنة قدرية كانت ومازالت ولن تزال طاملا وُجِ‏ دت طائفة جماهدة قائمة أبمر هللا وهي ابقية إَل نزول<br />

عيسى<br />

قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />

‏َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس<br />

»<br />

3<br />

2<br />

، وقال تعاَل:‏ ‏}يُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال يَخَاقُونَ‏ لَوْ‏ مَةَ‏ الئِمٍ‏ } . وقد<br />

بشر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اجملاهدين ابلظهور أبن املخذلني واملخالفني لن يضروهم،‏ وإَّنا هي فنت تتميز هبا<br />

الصفوف.‏<br />

=<br />

1<br />

خالصة ما سبق<br />

ال حيل لثالثة فما فوق من املسلمني أن جيتمعوا على أمر ما،‏ إال كان هلم أمري فالإمارة واجبة للجماعة،‏ صغرية<br />

كانت أو كبرية،‏ عارضة كانت أو دائمة.‏ وذلك هام لتنسيق العمل داخل اجملموعة <strong>في</strong>أِت ابلتمرة املطلوبة وملنع التعارض<br />

يف األعمال وملنع الشقاق بني االخوة.‏ ويف احلديث الصحيح ‏»إَّنا الإمام جنة«‏ أي وقاية.‏<br />

= 2<br />

= 3<br />

أتمري األمري موكول إَل املسؤول األول عن العمل،‏ فإن اجتمعت طائفة على عمل ما ومل يكن هناك مسؤول من<br />

قبل أو كان غائبا اختاروا رجال منهم كما سبق،‏ لفعل الصحابة يف غزوة مؤتة وإقرار النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

هلم.‏<br />

تنطبق على هذه اجلماعة وعلى أمريها أحكام الإمارة الشرعية على التفصيل الوارد يف األبواب التالية.‏ من حيث<br />

واجبات األمري وواجبات األعضاء.‏ لقول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

4<br />

: ‏»كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«‏ ، وقال<br />

شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]و)أولوا األمر(‏ أصحاب األمر وذووه،‏ وهم الذين ‏َيمرون الناس،‏ وذلك يشرتك <strong>في</strong>ه أهل اليد<br />

والقدرة وأهل العلم والكالم،‏ فلهذا كان أولوا األمر صنفني:‏ العلماء واألمراء فإذا صلحوا صلح الناس،‏ وإذا فسدوا<br />

فسد الناس،‏ كما قال أبو بكر الصديق<br />

أئمتكم.‏<br />

<br />

لألَمحُسِ‏ يمة ملا سألته:‏ ما بقاؤان على هذا األمر؟ قال:‏ ما استقامت لكم<br />

57<br />

- 1 جمموع الفتاوى 531/29<br />

- 2 متفق عليه<br />

- 3 املائدة،‏ األية:‏ 54<br />

- 4 متفق عليه


ويدخل <strong>في</strong>هم امللوك واملشايخ وأهل الديوان،‏ وكل من كان متبوعا فإنه من أوىل األمر،‏ وعلى كل واحد من هؤالء أن<br />

‏َيمر مبا أمر هللا به،‏ وينهى عما هنى عنه،‏ وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه يف طاعة هللا،‏ وال يطيعه يف معصية<br />

1<br />

هللا[‏ .<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج<br />

58<br />

29 ص 171


ص)‏<br />

خامسا:‏ شروط هذه اإلمارة<br />

إمارة معسكر التدريب هي فرع من إمارة اجلهاد،‏ هلا نفس املهام وإن كانت يف جمال أضيق،‏ وابلتايل هلا نفس<br />

الشروط.‏<br />

قال القاضي أبو ي ‏َعْلى:‏ ‏]فأما الإمارة على اجلهاد فهي خمتصة بقتال املشركني وهي على ضربني.‏ أحدمها:‏ أن تكون<br />

مقصورة على سياسة اجليش وتدبري احلرب <strong>في</strong>عترب <strong>في</strong>ها شروط اإلمارة افاصة والثاين:‏ أن ي ‏ُفَومض إَل األمري <strong>في</strong>ها مجيع<br />

أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح،‏ <strong>في</strong>عترب <strong>في</strong>ها شروط اإلمارة العامة.)ص<br />

.)38<br />

وقال أبو ي ‏َعْلى يف موضع آخر:‏ ويعترب يف والية هذه الإمارة ‏)أي اخلاصة(‏ الشروط املعتربة يف وزارة التن<strong>في</strong>ذ وزايدة<br />

شرطني،‏ مها:‏ الإسالم واحلرية ألجل ما تضمنتها من الوالية على األمور الدينية اليت ال تصح مع الكفر والرق،‏ وال يعترب<br />

<strong>في</strong>ها العلم والفقه فإن كان فزايدة فضل ‏)ص<br />

.)37<br />

وقال أبو ي ‏َعْلى يف الفرق بني الإمارة اخلاصة والعامة:‏ ‏]وشروط اإلمارة افاصة تد قْصُر عن شروط اإلمارة العامة<br />

بشرط واحد وهو العلم،‏ ألن ملن عَمت إمارته أن حيكم وليس ذلك ملن خصت إمارته[‏ . 1<br />

خنَْلُ‏ من هذا إَل أن إمارة معسكر التدريب هي إمارة خاصة يف عمل خاص إذ إن أمريها غري مكلف بقَسْم<br />

الغنائم أو عقد الصلح مع العدو.‏ فشروطها هي شروط وزارة التن<strong>في</strong>ذ وقد ذكرها أبو يعلى يف ص من كتابه،‏<br />

ابلإضافة إَل الإسالم واحلرية،‏ فتكون جمموع الشروط املطلوبة يف هذه الإمارة ما يلي:‏<br />

31<br />

= 0 الإسالم<br />

= 2 احلرية<br />

= 3 البلوغ<br />

= 4 العقل<br />

= 5 الذكورية<br />

= 6 سالمة احلواس واألعضاء ‏)وهو شرط لوجوب اجلهاد(‏<br />

= 7 العدالة<br />

8<br />

= اخلربة والتجربة يف جمال عمله.‏ وال يشرتط يف هذه الإمارة أن يكون األمري عاملا فقيها،‏ وإن كان فزايدة فضل وإال<br />

استعان مبن معه من أهل العلم.‏<br />

وسنتكلم عن هذه الشروط <strong>في</strong>ما يلي:‏<br />

37(. من األحكام السلطانية أليب ي ‏َعْلى.‏<br />

- 1<br />

59


اإلسالم:‏<br />

وذلك ألنه ال والية لكافر على مسلم،‏ وال جيوز أن ميَُكمن من هذا شرعا.‏ أ(‏ قال تعاَل:}‏ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا<br />

1<br />

‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُمْ{‏ ، فقوله تعاَل:‏ { مِنْكُمْ‏<br />

} أي من الذين آمنوا،‏ وهم املخاطبون يف أول<br />

اآلية.‏ ب(‏ وكذلك لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنْ‏ يَجْعَلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِلْكَاقِرِ‏ ينَ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ سَبِيال ً{ 2 ، فال جيوز أن ميَُكمن الكافر من<br />

الوالية والرايسة على مسلم،‏ ذكره القرطيب يف الوجه الرابع يف أتويل هذه اآلية،‏ ج(‏ وكذلك لقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِي ‏َن<br />

آمَنُوا إِنْ‏ تُِِيعُوا الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا يَرُ‏ دُّوكُمْ‏ عَلَى أَعْقَابِكُمْ‏ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، 3 ومقتضى الإمارة طاعة األمري وال جتوز<br />

طاعة الكافر كما يف هذه اآلية فال جتوز واليته على مسلم.‏ د(‏ وكذلك لقول رسول هللا<br />

4<br />

‏»الإسالم ي ‏َعْلُو وال ي ‏ُعْلَى«‏ ، والإمارة عُلُوّ‏ فال جيوز أن ي ‏َعْلُوَ‏<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ جَعَلَ‏ كَلِمَةَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا السُّفْلَى وَ‏ كَلِمَةُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هِيَ‏ الْعُلْيَا{‏<br />

والشرعي.‏<br />

5<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

الكافر على املسلم،‏ وهذا املعىن يستفاد أيضا من قوله<br />

إذ ينبغي محل هذه اآلية على الوجهني:‏ القدري<br />

هذا يف الإسالم كشرط يف مجيع الوالايت على املسلمني،‏ ومنها إمارة اجلهاد وإمارة معسكر التدريب.‏<br />

وهنا تربز لنا مسألة االستعانة ابملشرك يف اجلهاد.‏ هل جيوز؟ وما حدود هله االستعانة؟ هذه املسألة ورد <strong>في</strong>ها ما<br />

6<br />

يدل على املنع وهو حديث عائشة مرفوعا ‏)ارجع فلن أستعني مبشرك(‏ وذلك يوم بدر.‏<br />

وورد <strong>في</strong>ها ما يدل على اجلواز وهو استعانة النيب صلى هللا عليه وسلم بعبد هللا بن أريقط وهو مشرك ليدله على طريق<br />

اهلجرة من مكة إَل املدينة ، 7 وكذلك استعانته صلى هللا عليه وسلم ابستعارة ذروع وسالح من صفوان بن أمية وهو<br />

مشرك يوم حنني ، 9 ووردت أحاديث دلت على استعانة النيب صلى هللا عليه وسلم ابملشركني يف القتال نفسه إال أهنا<br />

ال تقوم هبا حجة<br />

. 8<br />

قلت:‏ ولذلك اختلفت أقوال العلماء يف مسألة االستعانة ابملشرك يف الغزو تبعا لتعارض األدلة:‏<br />

61<br />

- 1 النساء،‏ اآلية:‏‎58‎<br />

- 2 النساء،‏ اآلية:‏ 141<br />

- 3<br />

آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

148<br />

4<br />

- 5<br />

- رواه الدارقطين وغريه عن عائذ بن عمرو وحسنه األلباين ‏)إرواء الغليل ج 5 ص ‎116‎حديث 1269(<br />

التوبة:‏ اآلية:‏<br />

41<br />

6<br />

7<br />

9<br />

ج<br />

- رواه مسلم<br />

-<br />

- رواه البخاري عن عائشة برقم 3815<br />

وهذا احلديث قال الزيلعي عنه:‏ أخرجه أبو داود والنسائي وأمحد واحلاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه نصب الراية للزيلعي<br />

3 ص 377<br />

-<br />

8<br />

منها مرسل للزهري رواه أبو داود والرتمذي،‏ وقال الشوكاين:‏ ‏]واليصلح مرسل الزهري ملعرضة ذلك ملا تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة،‏ واملسند<br />

مبعناه <strong>في</strong>ه احلسن بن عمارة وهو ضعيف ‏)نيل األوطار(‏ ج<br />

9 ص 45


- أ<br />

فذهبت طائفة من أهل العلم إَل القول<br />

أستعني مبشرك«‏<br />

وقالوا هذا حديث<br />

2<br />

قال هبذا ابن املنذر واجلوزجاين وغريهم .<br />

- ب<br />

وذهبت طائفة إَل القول<br />

مبنع االستعانة ابملشركني مطلقا،‏ أخذا حبديث عائشة<br />

‏»ارجع فلن<br />

1<br />

‏َثبت وما يعارضه ال يوازنه يف الصحة والثبوت فتعذر ادعاء النسخ هلذا ، وممن<br />

أبن حديث االستعانة بصفوان انسخ ديث<br />

‏»ارجع فلن أستعني مبشرك«‏ ألن<br />

حديث صفوان متأخر وكان يوم حنني واآلخر يوم بدر،‏ ومنهم من مل يقل ابلنسخ ولكن قال ابإلابحة بعد املنع.‏ قال<br />

أبو بكر احلازمي ‏]وذهبت طائفة إَل أن لإلمام أن ‏َيذن للمشركني أن يغزوا معه ويستعني هبم ولكن بشرطني أحدمها<br />

أن يكون يف املسلمني قِلمة وتدعو احلاجة إَل ذلك،‏ والثاين أن يكون ممن يوثق هبم فال ختُ‏ شى ‏َثئرهتم فمىت فُقِد هذان<br />

الشرطان مل جيز لإلمام أن يستعني هبم،‏ قالوا ومع وجود الشرطني جيوز االستعانة هبم ومتسكوا يف ذلك مبا رواه ابن<br />

عباس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

هوازن يوم حنني،‏ قالوا وتعني املصري<br />

استعان بيهود بين قينقاع ورضخ هلم،‏ واستعان بصفوان بن أمية يف قتال<br />

إَل هذا ألن حديث عائشة رضي هللا عنها كان يوم بدر وهو متقدم <strong>في</strong>كون<br />

منسوخا ] 3 . قلت:‏ حديث ابن عباس يف االستعانة ابليهود يف سنده احلسن بن عمارة وهو ضعيف فال يكون انسخا<br />

للحديث الصحيح،‏ أما حديث صفوان فحديث ‏َثبت غري أن صفوان مل يقاتل بنفسه.‏<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]وعن أمحد ما يدل على جواز االستعانة به،‏ وكالم اخلرقي يدل عليه أيضا عند احلاجة،‏ وهو<br />

مذهب الشافعي حلديث الزهري الذي ذكرانه وخرب صفوان بن أمية،‏ ويشرتط أن يكون من يُستعان به حسن الرأي يف<br />

املسلمني،‏ فإن كان غري مأمون عليهم مل جتزئه االستعانة به ألننا إذا منعنا االستعانة مبن ال ي ‏ُؤْمَن من املسلمني مثل<br />

املخذل واملُرْجِ‏ ف فالكافر أَوَْلَ‏ ] 4 .<br />

ومثل كالم ابن قدامة هذا ما ذكره النووي يف شرح حديث ‏»لن أستعني مبشرك«‏ إذ أورده يف ابب ‏)كراهة االستعانة<br />

يف الغزو بكافر إال حلاجة أو كونه حسن الرأي يف املسلمني(‏ وذكر النووي أن هو قول الشافعي<br />

قال الشوكاين:‏ ‏]ومنها أن االستعانة<br />

5<br />

.<br />

كانت ممنوعة ‏ُث رخص <strong>في</strong>ها،‏ قال احلافظ يف التلخي وهذا أَقْرَهبُا وعليه ن<br />

الشافعي،‏ وإَل عدم جواز االستعانة ابملشركني ذهب مجاعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي،‏ وحكى يف البحر<br />

عن العرتة وأيب حنيفة وأصحابه أهنا جتوز االستعانة ابلكفار والفُسماق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا<br />

ابستعانته صلى هللا عليه وسلم<br />

بصفوان بن أمية يوم حنني وإبخباره صلى هللا عليه وسلم أبهنا ستقع من املسلمني<br />

مصاحلة الروم ويغزون مجيعا عدوا من وراء املسلمني.‏ قال يف البحر:‏ وجتوز االستعانة ابملنافق إمجاعا الستعانته صلى هللا<br />

- االعتبار يف الناسخ واملنسوخ من األَثر أليب بكر احلازمي اهلمذاين ص 219<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />

- كتاب االعتبار يف الناسخ واملنسوخ ص<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />

218<br />

- صحيح مسلم بشرح النووي كتاب اجلهاد ج<br />

12 ص 189<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

60


- ج<br />

عليه وسلم بعبد هللا بن أُيبَّ‏ وأصحابه،‏ وجتوز االستعانة ابلفُسماق على الكفار إمجاعا إَل أن قال وشرط بعض أهل<br />

العلم ومنهم اهلادوية أهنا ال توجد االستعانة ابلكفار والفساق إال حيث مع الإمام مجاعة من املسلمني يستقل هبم يف<br />

إمضاء األحكام الشرعية على الذين استعان هبم ليكونوا مغلوبني ال غالبني كما كان عبد هللا بن أُيبَّ‏ ومن معه من<br />

1<br />

املنافقني خيرجون مع النيب صلى هللا عليه وسلم وهم كذلك .<br />

الذي أراه وهللا أعلم ابلصواب،‏ أنه ال تعارض بني النصوص الواردة يف االستعانة ابلكافر يف الغزو،‏ وكل ن<br />

منها ينبغي أن حيُْمَلَ‏ على كي<strong>في</strong>ة معينة لالستعانة.‏<br />

قال:‏ الرباء<br />

فحديث عائشة حيمل على منع االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه،‏ وهو صيغة عموم ‏)نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>(‏ وهي<br />

‏»لن أستعني مبشرك«،‏ وقلت يف القتال نفسه ألن ن احلديث يدل عليه وهو:‏ ‏»خرج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

قِبَلَ‏ بدر فلما كان حبَِرمة الوبرة أدركه رجل قد كان يُذكر منه جرأة وُندة ففرح أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

حني رأوه،‏ فلما أدركه قال لرسول هللا جئت ألتبعك وأصيب معك،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : تؤمن ابهلل<br />

2<br />

ورسوله؟ قال:‏ ال،‏ قال فارجع فلن أستعني مبشرك«‏ . وهلا ا ديث له شواهد تُعضِّده منها ما رواه البخاري عن<br />

‏»أتى النيبَِ‏ صلى هللا عليه وسلم رجلٌ‏ مقنمع ابحلديد فقال:‏ اي رسول هللا،‏ أقاتِلُ‏ وأُسلِمُ؟ قال:‏ أَسلِم ‏ُث<br />

قاتِل.‏ فأسلَم ‏ُث قاتَل فقُتِل،‏ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

عَمِلَ‏ قليال وأُجِ‏ رَ‏ كثرياً«‏ ، وعن خبيب بن يساف<br />

قال:»أتيتُ‏ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو يريد غزوا أان ورجلٌ‏ من قومي ومل نُسلم،‏ فقلنا إانم نستحي أن<br />

يشهد قومنا مشهدا ال نشهده معهم،‏ قال أَوَ‏ أَسْلَمْتُمَا؟،‏ قلنا:‏ ال،‏ قال:‏ إان ال نستعني ابملشركني على املشركني،‏ قال<br />

فأسلمنا وشهدان معه«‏<br />

احلديث ، 4 وعن<br />

أيب محيد الساعدي ‏»أن النيب صلى هللا عليه وسلم خرج يوم أحد حىت إذا<br />

جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خَشْنَاء،‏ فقال من هؤالء،‏ قالوا عبد هللا بن أُيبَّ‏ يف ستمائة من مواليه من بين قينقاع،‏<br />

فقال وقد أسلموا؟،‏ قالوا<br />

ال اي رسول هللا،‏ قال:‏ مروهم فلريجعوا فإان ال نستعني ابملشركني على املشركني«‏ . 5 فهذه<br />

النصوص واضحة الداللة يف منع االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه،‏ وليس هلا معارض فحديث صفوان ليس <strong>في</strong>ه<br />

االستعانة بصفوان نفسه يف القتال،‏ بل ابستعارة السالح منه <strong>في</strong>نبغي أن حيمل على جواز نوع معني من االستعانة<br />

ابلكافر،‏ وحيتج البعض حبديث ‏»إِنم اَّللمَ‏ ي ‏ُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ رِ«‏ وأن هذا الفاجر قاتل مع املسلمني،‏ وليس يف<br />

هذا احلديث حجة يف االستعانة ابملشرك إذ الفجور ال يعين الشرك وحده،‏ وقد ثبت ابلنصوص األخرى الواردة يف<br />

- ‏)نيل األوطار(‏ ج 9 ص 44<br />

- احلديث رواه مسلم<br />

62<br />

1<br />

2<br />

- 3 حديث 2919<br />

4<br />

- 5<br />

- قال اهليثمي:‏ رواه أمحد والطرباين ورجاألمحد ثقات ‏)جممع الزوائد 316/5(<br />

قال اهليثمي:‏ رواه الطرباين يف ا لكبري واألوسط و<strong>في</strong>ه سعد بن املنذر بن أيب محيد ذكره ابن حبان يف الثقات،‏ فقال سعد بن أيب محيد فنسبه إَل<br />

جده وبقية رجاله ثقات ‏)جممع الزوائد<br />

)316/5


قصة هذا الفاجر أنه كان يُظهِر الشرك،‏ وأحكام الدنيا جتري على الظاهر،‏ فقد روى البخاري عن أيب هريرة قال:‏<br />

‏»فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لرجل ممن معه يَدمعي الإسالم:‏ هذا من أهل النار«‏ ، 1 وقال ابن حجر يف نفس<br />

هذا الرجل ‏]ويف حديث أكثم بن أيب اجلون اخلزاعي عند الطرباين ‏»قال قلنا اي رسول هللا فالن جيزئ يف القتال،‏ قال:‏<br />

هو يف النار،‏ قلنا:‏ اي رسول هللا إذا كان فالن يف عبادته واجتهاده ولني جانبه يف النار فأين حنن؟ قال صلى هللا عليه<br />

2<br />

وسلم : ذلك أخبث النفاق،‏ قال:‏ فكنا نتحفظ عليه يف القتال«[‏ .<br />

قلت:‏ وال يشكل على األدلة السابقة يف منع االستعانة ابلكافر يف الغزو إال حديث ذِي خمَِْرب<br />

صلى هللا عليه وسلم يقول<br />

<br />

قال:‏ مسعت رسول هللا<br />

3<br />

‏»ستصاحلون الروم صلحا وتغزون أنتم وهُم عدوا من ورائكم«‏ . قلت:‏ ورغم ورود هذا<br />

احلديث يف ابب ‏)ما جاء يف االستعانة ابملشركني(‏ إال أن الشوكاين قال يف حتقيقه لألدلة ( واحلاصل أن الظاهر من<br />

4<br />

األدلة عدم جواز االستعانة مبن كان مشركا مطلقا(‏ وسيأِت بقية قوله السابق،‏ أي إن الشوكاين مل يعترب حديث ذِي<br />

خمِْربَ‏ مُشْكِال على أدلة املنع،‏ ومل يعتربه دليل إابحة،‏ ولعل سبب ذلك أن حديث ذِي خمِْرب ورد بصيغة اخلرب وهي ال<br />

ت<strong>في</strong>د أمرا أو هنيا إال إذا اقرتنت مبدح أو ذم على الرتتيب.‏ واحلق أن حديث ذي خمرب له تكملة تضمنت املدح والذم<br />

معا،‏ وهي كالتايل:‏ ‏»سَتُصَاحلُِونَ‏ الرُّومَ‏ صُلْحًا أمنًا ‏ُثُم تَغْزُونَ‏ أَنْتُمْ‏ وَهُمْ‏ عَدُواا فَتُنْصَرُونَ‏ ‏ُثُم تَنْزِلُونَ‏ مَرْجاً،‏ فَريَْفَ‏ ‏ُع رَجُلٌ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

أَهْلِ‏ الصملِيب الصملِيبَ‏ فَيَقُولُ‏ غَلَبَ‏ الصملِيبُ‏ فَيَغْضَبُ‏ رَجُلٌ‏ مِنَ‏ الْمُسْلِمِنيَ‏ فَيَقُومُ‏ إِلَيْهِ‏ فَيَدْفَعهُ،‏ فَعِنْدَ‏ ذَلِكَ‏ تَغْدِرُ‏ الرُّوُم<br />

5<br />

وَجيَْمِعُونَ‏ لِلْمَلْحَمَةِ«‏ ، فاحلديث خرب و<strong>في</strong>ه مدح ‏»فَتُنْصَرُونَ«‏ وذم<br />

يعارض أحاديث املنع الصرحية.‏<br />

‏»تَغْدِرُ‏<br />

الرُّومُ‏ وَجيَْمِعُونَ‏ لِلْمَلْحَمَِة«،‏ فهذا احلديث ال<br />

ولذلك فقد قال الشوكاين بعد ما ذكر أدلة املنع وأدلة اجلواز وأقوال العلماء <strong>في</strong>ها،‏ قال:‏ ‏]واحلاصل أن الظاهر من األدلة<br />

عدم جواز االستعانة مبن كان مشركا مطلقا،‏ ملا يف قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»إان ال نستعني ابملشركني«‏ من العموم،‏<br />

وكذلك قوله:‏ ‏»أان ال أستعني مبشرك«،‏ وال يصلح مرسل الزهري ملعارضة ذلك ملا تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة،‏<br />

واملسند <strong>في</strong>ه احلسن بن عمارة وهو ضعيف،‏ ويؤيد هذا قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنْ‏ يَجْعَلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِلْكَاقِرِ‏ ينَ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن<br />

سَبِيال{،‏ وقد أخرج الشيخان عن الرباء قال ‏»جاء رجل مقنع ابحلديد،‏ فقال اي رسول هللا:‏ أُقَاتِل أَو أُسْلِم،‏ قال صلى<br />

هللا عليه وسلم : أَسْلِم ‏ُث قَاتِل،‏ فَأَسْلَمَ‏ ‏ُثُ‏ قَاتَل،‏ فَقُتِل،‏ فقال رسول هللا<br />

6<br />

عَمِلَ‏ قليال وأُجِ‏ رَ‏ كثرياً«‏ .<br />

63<br />

- حديث 4213<br />

1<br />

2<br />

- فتح الباري ج 7 ص 472<br />

.473<br />

- 3<br />

رواه أمحد وأبو داود وقال الشوكاين <strong>في</strong>ه ‏)حديث ذِي خمِْربَ‏ أخرجه أيضا ابن ماجة وسكت عنه أبوداود واملنذري،‏ ورجال إسناد أيب داود رجال<br />

الصحيح(‏ نيل الوطار<br />

43/9<br />

- نيل األوطار 45/9<br />

4<br />

5<br />

6<br />

- احلديث رواه أبو داود<br />

- ‏)نيل األوطار(‏ ج 9 ص 45


خالصة القول <strong>في</strong> هذه المسألة:‏<br />

إن حديث عائشة ‏)لن أستعني مبشرك(‏ ن عام يف منع االستعانة ابملشرك أبي كي<strong>في</strong>ة يف القتال أو يف <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> أو<br />

غريه،‏ إال أنه يستثىن من هذا املنع بعض أنواع االستعانة ابملشرك اليت ثبتت ابلنصوص،‏ وهي:‏<br />

أوال:‏ االستعانة خبربة الكافر <strong>في</strong>ما يشابه استعانته صلى هللا عليه وسلم بعبد هللا بن أريقط يف اهلجرة،‏ وميكن أن نعترب<br />

هذا الن خمَُصِّصاً‏ لعموم حديث عائشة السابق ألنه متقدم عليه زمنا،‏ ويؤيد هذا التخصي استعانته صلى هللا عليه<br />

وسلم أبسرى بدر يف تعليم أبناء املسلمني الكتابة كفداء،‏ وهذه قصة متأخرة عن حديث ‏)لن أستعني مبشرك(،‏ ويف<br />

قصة أسرى بدر قال صاحب تكملة أضواء البيان الشيخ عطية بن حممد بن سامل ‏]يدل على أمرين أوهلما:‏ شدة وزايدة<br />

العناية ابلتعليم،‏ وَثنيهما:‏ جواز تعليم الكافر للمسلم مَاالَ‏ تعلق له ابلدين،‏ كما يوجد اآلن من األمور الصناعية يف<br />

اهلندسة والطب والزراعة والقتال وحنو ذلك[‏ . 1<br />

وذكر ابن القيم صورة أخرى لالستعانة ‏ِبربة الكافر يف التجسس على العدو،‏ فقال يف الفوائد الفقهية يف قصة احلديبية<br />

‏)ومنها أن االستعانة ابملشرك املأمون يف اجلهاد جائزة عند احلاجة،‏ ألن عيينة اخلزاعي العني ‏)اجلاسوس(‏ كان كافرا إذ<br />

ذاك،‏ و<strong>في</strong>ه من املصلحة أنه أقرب من اختالطه ابلعدو وأخذه أخبارهم(‏ . 2 قلت:‏ وخزاعة مسلمهم وكافرهم كانوا أهل<br />

نصح للنيب صلى هللا عليه وسلم .<br />

خنل<br />

=<br />

=<br />

اثنيا:‏ االستعانة بسالح الكافر ابإلستعارة أو الشراء،‏ حلديث صفوان وهذا احلديث نظرا لرتاخيه زمنا عن حديث<br />

‏)لن أستعني مبشرك(‏ فليس مبخص له بل نَسَخَهُ‏ نسخا جزئيا وليس كليا،‏ إذ إنه أابح بعض أنواع االستعانة املمنوعة<br />

ومل يبحها كلها،‏ ومن اخلطأ اعتباره انسخا نسخا كليا حلديث ‏)لن أستعني مبشرك(.‏<br />

من هذا:‏<br />

عدم جواز االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه أو التخطيط للمعارك أو الإشراف عليها.‏<br />

وجواز االستعانة ابلكافر يف الداللة على الطريق،‏ أو تعليم بعض فنون القتال للمسلمني يف غري املعارك أي يف<br />

معسكرات التدريب،‏ وجواز شراء السالح والذخرية منه أو استعارهتا وأشباه هذا مما ال تعلق له ابلقتال نفسه أو<br />

التخطيط له.‏ ويشرتط <strong>في</strong>من يستعان به الشروط اليت ذكرها الفقهاء من كونه حسن الرأي يف املسلمني وأن<br />

تدعو لللك وأال تكون له والية على املسلم.‏<br />

ا اجة<br />

فتَنَبمه ملا جيوز وما ال جيوز من أنواع االستعانة،‏ وما ذكره ابن قدامة من أن أمحد بن حنبل أجاز االستعانة ابملشرك<br />

3<br />

خالفه القاضي أبو يعلى بقوله يف قتال البغاة ‏]وال يستعني على قتاهلم مبشرك معاهد وال ذمي،‏ وقد منع أمحد من ذلك<br />

1<br />

يف قتال أهل احلرب،‏ فأوَل يف قتال البغاة[‏ .<br />

- ‏)أضواء البيان(‏ تفسري سورة العلق ج 8 ص 357<br />

- زاد املعاد ج 2 ص 127<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />

1<br />

2<br />

3<br />

64


وعلى هذا ينبغي أن حتمل رواية ابن قدامة عن أمحد على ما جيوز من أنواع االستعانة ابملشرك ال مطلق االستعانة به.‏<br />

إذ مل يثبت لدينا ابلنقل الصحيح أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏<br />

تعاَل:}‏<br />

استعان بكافر يف القتال نفسه،‏ كيف وقد قال تعاَل:‏<br />

3<br />

2<br />

} ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوا الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ كَاقَّةً‏ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ‏ كَاقَّةً{‏ ، وقال<br />

4<br />

إِنْ‏ يَثْقَفُوكُمْ‏ يَكُونُوا لَكُمْ‏ ً أَعْدَاء وَ‏ يَبْسُُِوا إِلَيْكُمْ‏ أَيْدِيَهُمْ‏ وَ‏ أَلْسِنَتَهُمْ‏ بِالسُّوءِ‏ وَ‏ وَ‏ دُّوا لَوْ‏ تَكْفُرُ‏ و ‏َن{‏ ، ولذلك فإن<br />

ما يُنقل يف كتب فقهاء املذاهب رمحهم هللا من جواز االستعانة ابلكافر يف القتال ال نسلم به هكذا مطلقا.‏ والقتال<br />

أخ من اجلهاد ومن الغزو فتجوز االستعانة بكي<strong>في</strong>ة معينةكما أسلفت ال االستعانة املطلقة.‏<br />

قلت:‏ إال أن أاب حممد بن حزم أجاز االستعانة ابلكافر يف الغزو ليس من جهة األحاديث املبيحة لذلك فهي ال تقوم<br />

هبا حجة ولكن من جهة االضطرار مستدال ‏ِبية رخصة املضار،‏ فقال:‏ ‏]وقد ذكران هذا يف كتاب اجلهاد من قول<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أننا ال نستعني مبشرك،‏ وهذا عموم مانع من أن يُستعان به يف والية أو قتال أو شيء<br />

من األشياء إال ما صح الإمجاع على جواز االستعانة به <strong>في</strong>ه كخدمة الدابة أو االستئجار،‏ أو قضاء احلاجة وحنو ذلك<br />

مما ال خيرجون <strong>في</strong>ه عن الصمغَار،‏ واملشرك اسم يقع على الذمي واحلريب قال أبو حممد رمحه هللا:‏ هذا عندان مادام يف أهل<br />

العدل مَنَعَة فإن أشفوا على اهلَلَكَة واضطروا ومل تكن هلم حيلة فال أبس أبن يلجئوا إَل أهل احلرب وأن ميتنعوا أبهل<br />

الذمة ما أيقنوا أهنم يف استنصارهم ال يؤذون مسلما وال ذميا يف دم أو مال أو حرمة مما ال حيل برهان ذلك قول هللا<br />

تعاَل:‏ ‏}و ق دْ‏ ف ص ل ل كُمْ‏ م ا ح ر م ع ل يْكُمْ‏ إِال م ا اضْطُرِرُْتُْ‏ إِل يْهِ{‏ وهلا عموم لكل من اضطر إليه إال ما منع منه ن<br />

أو إمجاع،‏ فإن علم املسلم واحدا كان أو مجاعة أن من استنصر به من أهل احلرب أو الذمة يؤذون مسلما أو ذميا<br />

<strong>في</strong>ما ال حيل فحرام عليه أن يستعني هبما وإن هلك لكن يصرب ألمر هللا تعاَل وإن تلفت نفسه وأهله وماله أو يقاتل<br />

5<br />

حىت ميوت شهيدا كرميا،‏ فاملوت البد منه وال يتعدى أحد أجله،‏ أ ه ] .<br />

كذلك ال يُعرتض على ما سبق مبا ذكره الإمام املاوردي يف أحكامه السلطانية من أن الذمي جيوز أن يتوَل وزارة<br />

التن<strong>في</strong>ذ ‏)ص‎27‎‏(،‏ وذكره أيضا القاضي أبو يعلى بصيغة تضعيف ‏ُث انتقده أيضا بقول الإمام أمحد.‏ قال أبو يعلى:‏<br />

‏]وقد قيل:‏ إنه جيوز أن يكون هذا الوزير أي وزير التن<strong>في</strong>ذ من أهل الذمة،‏ وإن مل يكن وزير التفويض منهم،‏ إال أن<br />

يستطيلوا <strong>في</strong>كونوا من الإستطالة ‏ُث قال ورُوِي عن أمحد ما يدل على املنع،‏ ألنه قال يف رواية أيب طالب وقد سئل:‏<br />

نستعمل اليهودي والنصراين يف أعمال املسلمني مثل اخلراج؟ فقال ‏)ال يُستعان هبم يف شيء(‏ قال أبو يعلى:‏ ويكون<br />

الوجه <strong>في</strong>ه قوله تعاَل:‏ {<br />

ال تَتَّخِ‏ ذُوا بَِِانَة ً مِنْ‏ دُونِكُ‏ ‏ْم<br />

ال يَأْلُونَكُمْ‏ خَبَاال<br />

}<br />

، 6 وقوله تعاَل:‏ ‏}ال تَتَّخِ‏ ذُوا عَدُو ‏ِي<br />

- األحكام السلطانية ص 55<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

73<br />

36<br />

- سورة املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

2<br />

- احمللى 113 / 11<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

119<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

65


وَ‏ عَدُوَّ‏ كُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءَ{‏ ، 1 وقوله عليه الصالة والسالم:‏ ‏»ال أتمنوهم إذ خَومهنَم هللا«[‏ . 2 فهذه كبوة من املاوردي على منزلته،‏<br />

وكل يؤخذ من قوله وي ‏ُرَد إال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ وقد محل عليه اجلويين محلة عنيفة فقال:‏ ‏]وذكر مصنف<br />

الكتاب املرتجم ابألحكام السلطانية أن صاحب هذا املنصب جيوز أن يكون ذميا،‏ وهذه عثرة ليس هلا مقيل إَل قوله<br />

وقد توافت شهادة نصوص الكتاب والسنة على النهي عن الركون إَل الكفار واملنع من ائتماهنم وإطالعهم على<br />

الإسرار،‏ قال هللا تعاَل:‏ { ال تَتَّخِ‏ ذُوا بَِِانَةً‏ مِنْ‏ دُونِكُمْ‏ ال يَأْلُونَكُمْ‏ خَبَاال{‏ وقال تعاَل:‏ { ال تَتَّخِ‏ ذُوا الْيَهُودَ‏<br />

3<br />

وَ‏ النَّصَارَ‏ ى أَوْ‏ لِيَاءَ{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : أَانَ‏ بَريءٌ‏ مِن ِ كُل مُسْلِمٍ‏ مَعَ‏ مُشْرِكٍ‏ الَ‏ تَرتََاءَى انَ‏ رَمهَُا«،‏<br />

واشتد نكري عمر على أيب موسى األشعري ملا اختذ كاتبا نصرانيا،‏ وقد ن الشافعي على أن املرتجم الذي ي ‏ُنْهِى إَل<br />

ّ<br />

«<br />

القاضي معاين لغات املُدمعني جيب أن يكون مسلما عدال رضا،‏ ولست أعرف يف ذلك خالفا بني علماء األقطار،‏<br />

4<br />

فكيف يسوغ أن يكون السفري بني الإمام واملسلمني من الكفار[‏ . أ ه<br />

قلت:‏ فانتبه هلذا،‏ وال تقبل قوال من أحد كائنا من كان إال بدليل من الكتاب أو السنة فإذا طبقنا هذا على موضوعنا<br />

األصلي وهو معسكر التدريب،‏ فأقول،‏ إذا دعت احلاجة إَل االستعانة مبدرب كافر مأمون الضرر،‏ فال أبس به يف<br />

جمال خربته الفنية على أن تكون له إمارة أو رايسة على مسلم.‏ ومع ذلك <strong>في</strong>جب على املسلمني السعي يف استكمال<br />

اخلربات الناقصة لديهم حىت يستغنوا عن هذا.‏ واستكمال ما البد منه للمسلمني هو من فروض الكفاية اليت ‏َيُث<br />

املسلمون مجيعا إن مل يستوفوها.‏<br />

الذكورية<br />

من شروط الإمارة أن يكون األمري ذكرا،‏<br />

قَضَّلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بَعْضَهُمْ‏ عَلَى بَعْضٍ‏<br />

وهلا إمجاع،‏ وقد قال هللا تعاَل:}‏<br />

الرِ‏ جَالُ‏ قَوَّ‏ امُونَ‏ عَلَى الن ‏ِسَاءِ‏ بِمَا<br />

} 5 ، وقال صلى هللا عليه وسلم ‏:»لن ي ‏ُفْلِح قوم وَلموْا أَمْرَهم امرأة«‏ ، 6 وهذا واضح.‏<br />

والذي أنبه عليه خاصة يف هذا الشأن،‏ ليس منع النساء من اإلمارة والوالية الظاهرة فهذا واضح،‏ ولكن أنبه على<br />

ضرورة منعها من الوالية اف<strong>في</strong>ة<br />

وهذه تكون أبن يفضي األمري إَل نسائه أبسرار عمله ويستشريهن <strong>في</strong>ه،‏ <strong>في</strong>شرن عليه<br />

<strong>في</strong>عمل مبشورهتن فتكون هلن والية خَفِيمة على املسلمني،‏ وهذا شائع ومنتشر،‏ والناظر يف سري احلكام قدميا وحديثا يرى<br />

أمثلة هلذا،‏ فليحذر منه،‏ وهذا من جهة األمري يعد خيانة لألمانة اليت توالها،‏ وقد قال هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا<br />

ال تَخُونُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ تَعْلَمُونَ{‏ ، 7 وال يشكل على هذا مشورة السيدة أم سلمة رضي هللا<br />

66<br />

1<br />

- سورة املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

1<br />

2<br />

3<br />

- ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص 32<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

51<br />

4<br />

- ‏)غياث األمم(‏ حتقيق د.‏ عبد العظيم الديب ط 1411 ص 155<br />

157<br />

- 5<br />

النساء،‏ اآلية:‏<br />

34<br />

6<br />

7<br />

- متفق عليه عن أيب بكرة<br />

- األنفال،‏ اآلية:‏ 27


عنها يوم احلديبية،‏ إذ إن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يبدأها بطلب املشورة،‏ وكان ما تكلمت به رضي هللا عنها من<br />

ابب النصيحة،‏ وهي مشروعة جلميع املسلمني مع التسليم بعصمته صلى هللا عليه وسلم من أن ي ‏ُقَر على خطأ،‏ وهو<br />

ما ميتنع يف حق غريه.‏ ولذلك مل يلتفت صلى هللا عليه وسلم يف مرضه ملشورة عائشة وحفصة أبن يصلي عمر ابلناس.‏<br />

ومن احملظور واحملذور هو تدخل النساء يف الشئون العامة للمسلمني.‏ قال عمر بن اخلطاب ‏)كُنما يف اجلاهلية ال ن ‏َعُ‏ مد<br />

النساء شيئا،‏ فلما جاء الإسالم وَذَكَرَهُنم هللاُ‏ رأينا هلن بذلك علينا<br />

1<br />

أموران(‏ .<br />

حقا،‏<br />

من غري أن ندخلهن يف شيء من<br />

ومع مراعاة بقية شروط هذه الإمارة املذكورة آنفا ‏)وهي:‏ احلرية والبلوغ والعقل وسالمة احلواس واألعضاء والعدالة<br />

واخلربة ابلإضافة إَل الإسالم والذكورية(‏ جيب كذلك يف اختيار هذا األمري)ملعسكر التدريب وغريه(‏ مراعاة القواعد<br />

املذكورة <strong>في</strong>ما يتعلق بتولية أمراء اجملموعات يف الباب الرابع،‏ وهي:‏ اختيار أصلح املوجودين للعمل،‏ وجواز تولية<br />

املفضول جللب مصلحة أو دفع مفسدة،‏ وعدم تولية من حيرص على الإمارة،‏ ومراعاة السن يف االختيار وهذه الظوابط<br />

ستأِت مفصلة أبدلتها يف الباب الرابع إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

- رواه البخاري عن ابن عباس حديث 5943<br />

1<br />

67


سادسا:‏ مسألة الغزو مع األمير الفاجر.‏<br />

1<br />

2<br />

الفاجر هو غري العدل،‏ والعدالة هي ‏)استواء أحواله يف دينه،‏ وقيل من مل تظهر منه ريبة .... ويعترب له شيئان:‏<br />

= الصالح يف الدين:‏ وهو أداء الفرائض برواتبها،‏ واجتناب احملرم أبن ال ‏َيِت كبرية وال يُدْمِن على صغرية.‏<br />

1<br />

= استعمال املروءة:‏ بفعل ما جيَُمِّلُهُ‏ وي ‏ُزَيِّنُه وترك ما يُدَنِّه ويشينه(‏ .<br />

فقد حيدث أن يلتحق األخ املسلم مبعسكر للتدريب أو جبهة للقتال <strong>في</strong>جد أن األمري به فجور،‏ فهل يستمر األخ يف<br />

مثل هذا احلال،‏ وهل طاعة مثل هذا األمري واجبة؟<br />

اجلواب:‏ يكون التصرف على النحو التايل:‏<br />

أوال:‏ الواجب على املسئول عن األمر ككل أال يُؤمِرَ‏ إال رجال صاحلا ذا كفاءة،‏ لقوله تعاَل:}‏ إِنَّ‏ خَيْرَ‏ مَنْ‏ اسْتَأْجَرْ‏ تَ‏<br />

2<br />

الْقَوِيُّ‏ األَمِينُ{‏ . وقال شارح العقيدة الطحاوية ‏]أن من أظهر بدعة أو فجورا<br />

يستحق التعزير حىت يتوب،‏ فإن<br />

3<br />

أمكن هجره حىت يتو كان حسنا[‏ .<br />

ال يدُر تب إماما للمسلمني ، فإنه<br />

واألصل يف هذا قول هللا تعاَل:‏ { وَ‏ إِذْ‏ ابْتَلَى إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ رَ‏ بُّهُ‏ بِكَلِمَاتٍ‏ قَأَتَمَّهُنَّ‏ قَالَ‏ إِن ‏ِي جَاعِلُكَ‏ لِلنَّاسِ‏ إِمَام ‏ًا قَا ‏َل<br />

وَ‏ مِنْ‏ ذُرِ‏ يَّتِي قَالَ‏ الَ‏ يَنَالُ‏ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{‏ . 4 فال ينبغي<br />

أن يرتب إماما أو أمريا من به ظلم وفجور،‏<br />

فالواجب على اإلخوة نصح املسئول عن هلا األمري أن يستبدله ‏ِبخر صاحل.‏<br />

اثنيا:‏ فإن مل يتيسر هذا،‏ وُث ابلفعل أتمري فاجر،‏ فالقول عندي أن األخ املسلم القادم للجهاد إن وجد مندوحة يف<br />

ترك العمل مع هلا األمري<br />

أبن جيد معسكرا أو<br />

جبهة أخرى هبا أمري صاحل من هذا <strong>في</strong>جب عليه عدم العمل مع<br />

الفاجر.‏ إذ إنه حيقق بذلك مصلحتني:‏ األوَل أداء التدريب أو اجلهاد حتت إمرة صاحلة ال فاجرة،‏ والثانية:‏ أتديب<br />

األمري الفاجر<br />

هب جْرِه والبعد عنه،‏ فإنه إن وجد أن الكل يهجرونه لفجوره قد ينزجر هبذا،‏ كما قال شارح العقيدة<br />

الطحاوية ‏]ومن ذلك:‏ ‏]أن من أظهر بدعة و فجورا ال يرتب إماما للمسلمني،‏ فإنه يستحق التعزير حىت يتوب،‏ فإن<br />

أمكن هجره حىت يتوب كان حسنا،‏ وإن كان بعض الناس إذا ترك الصالة خلفه وصلى خلف غريه أَثمر ذلك يف إنكار<br />

املنكر حىت يتوب أو يُعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه : فمثل هذا إذا ترك الصالة خلفه كان يف ذلك مصلحة<br />

5<br />

شرعية،‏ ومل تفت املأموم مجعة وال مجاعة[‏ .<br />

68<br />

- 1<br />

- 2<br />

منار السبيل ط املكتب الإسالمي ‎1414‎ه ص<br />

سورة القص ، اآلية:‏<br />

499<br />

497<br />

26<br />

- 3<br />

‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص<br />

423<br />

4<br />

ص-‏ 5<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

124<br />

423


اثلَا:‏<br />

فإن كان األمري فاجرا،‏ ومل يوجد غريه،‏ أو مل يتيسر العمل مع غريه إما بسبب عدم العلم بوجود األصلح أو<br />

املشقة الشديدة يف الإلتحاق ابألصلح،‏ وابلتايل فإن ترك العمل مع الفاجر ي ‏ُفَوِّت املصلحة الشرعية يف التدريب أو<br />

اجلهاد،‏ فالكالم هنا من وجهني،‏ وينبين على سؤال وهو<br />

واملسلمني؟<br />

هل فجوره يف نفسه أو <strong>في</strong>ما يتعلق مبصام اإلسالم<br />

الوجه األول:‏<br />

وهو إذا كان فجوره يف نفسه،‏ كمن يشرب اخلمر أو املخدرات أو ي ‏َغُل من الغنيمة أو به فسق أو بدعة،‏ فهذا ي ‏ُغْزَى<br />

معه،‏ طاملا فجوره هذا ال خيُِل بقتالِه للعدو وال يُضَيِّع قضية اجلهاد،‏ مع االستمرار يف نصحه ووعظه وتعليمه مبا يناسب<br />

مثله لعل هللا يصلح حاله،‏ وهذا الذي ذكرته أصل مقرر يف اعتقاد أهل السنة واجلماعة،‏ ومذكور يف فقه اجلهاد،‏ وهذا<br />

الوجه األول هو املقصود ابلغزو مع الرب والفاجر،‏ وهو من كان فجوره يف نفسه ليس <strong>في</strong>ما يتعلق مبصاحل الإسالم<br />

واملسلمني كما سنبينه يف الوجه الثاين.‏ ودليل ما ذكران من الغزو مع الفاجر يف نفسه،‏ ما يلي:‏<br />

ما ذكره ابن قدامة احلنبلي قال:‏<br />

‏)مسألة(‏ قال ‏)وي ‏ُغْزى مع كل بر وفاجر(‏<br />

يعين مع كل إمام قال أبو عبد هللا وسئل عن الرجل يقول أان ال أغزو وَيخذه ولد العباس إَّنا ال<strong>في</strong>ء عليهم،‏ فقال<br />

سبحان هللا هؤالء قوم سوء هؤالء القَعَدَة مثبطون جُهمال،‏ <strong>في</strong>قال:‏ أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدمت من كان<br />

يغزو؟ أليس كان قد ذَهَب الإسالم؟ ما كانت تصنع الروم وقد روى أبو داود إبسناده عن أيب هريرة قال قال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو فاجرا«،‏ وإبسناده عن أنس قال قال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ثالث من أصل الإميان:‏ الكف عمن قال ال إله إال هللا ال تكفره بذنب وال خترجه من<br />

الإسالم بعمل واجلهاد ماض منذ بعثين هللا إَل أن يقاتل آخر أميت الدجال والإميان ابألقدار«،‏ وألن ترك اجلهاد مع<br />

الفاجر يدُفْضِي إىل قطع اجلهاد وظهور الكفار على املسلمني واستئصاهلم وظهور كلمة الكفر و<strong>في</strong>ه فساد عظيم قال<br />

هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ الَ‏ دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَفَسَدَتْ‏ األَرْ‏ ‏ُض{[‏ . 1<br />

قلت بل قد ذكر ابن تيمية عن امحد كالما أشد من هذا يف املفاضلة بني األمري الفاجر القوي والصاحل الضعيف،‏ فقال<br />

ابن تيمية:‏ ‏]اجتماع القوة واألمانة يف الناس قليل،‏ وهلذا كان عمر ابن اخلطاب<br />

<br />

يقول : اللهم إليك أشكو جَلََد<br />

الفاجر،‏ وعجز الثقة.‏ فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها.‏ فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة،‏<br />

قُدِم أنفعهما لتلك الوالية:‏ وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها <strong>في</strong>قدم يف إمارة احلروب الرجل القوي الشجاع وإن كان <strong>في</strong>ه فجور<br />

على الرجل الضعيف العاجز،‏ وإن كان أمينا،‏ وقد سُئل الإمام أمحد:‏ عن الرجلني يكوانن أمريين يف الغزو،‏ وأحدمها<br />

قوي فاجر واآلخر صاحل ضعيف،‏ مع أيهما ي ‏ُغْزَى؟ فقال أما الفاجر القوي فقوته للمسلمني،‏ وفجوره على نفسه،‏<br />

وأما الصاحل الضعيف فصالحه لنفسه وضعفه على املسلمني.‏ <strong>في</strong>ُغزى مع القوي الفاجر وقد قال النيب صلى هللا عليه<br />

- 1 ‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص 371<br />

69


وسلم :<br />

‏»َإِنم اَّللمَ‏ ي ‏ُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ رِ«.‏ وروي ‏»أبَِقْوَامٍ‏ الَ‏ خَالَ‏ قَ‏ هلَُمْ«.‏ وإن مل يكن فاجرا،‏ كان أوَل إبمارة<br />

احلرب ممن هو أصلح منه يف الدين إذا مل يسد مَسَدمه[‏ . 1<br />

قلت:‏ الحظ يف كالم الإمام أمحد السابق أنه قيد فجور األمري أبنه ‏)فجوره على نفسه(،‏ لتعلم صحة التقسيم الذي<br />

قسمته إَل من يكون فجوره على نفسه ومن يكون فجوره يضر ابلإسالم واملسلمني،‏ وسنذكر كالم الإمام أمحد يف<br />

الصنف الثاين عند الكالم عنه حيث قال:‏ ‏]ال يعجبين أن خيرج مع الإمام أو القائد إذا عرف ابهلزمية وتضييع<br />

املسلمني[‏ وسيأِت.‏<br />

وابن تيمية يف فتواه بقتال التتار،‏ ذكر الغزو مع األمري الفاجر فقال:‏ ‏]فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو<br />

الغاية يف رضوان هللا،‏ وإن كان <strong>في</strong>هم من <strong>في</strong>ه فجور وفساد نية أبن يكون يقاتل على الرايسة أو يتعدى عليهم يف بعض<br />

األمور،‏ وكانت مفسدة ترك قتاهلم أعظم على الدين من مفسدة قتاهلم على هذا الوجه:‏ كان الواجب أيضا قتاهلم<br />

دفعا ألعظم املفسدتني ابلتزام أدانمها،‏ فإن هذا من أصول الإسالم اليت ينبغي مراعاهتا.‏<br />

وهلذا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر،‏ فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر،‏ وأبقوام<br />

الخالق هلم،‏ كما أخرب بذلك النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار،‏ أو مع عسكر<br />

كَري الفجور،‏ فإنه البد من أحد أمرين:‏ إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف<br />

الدين والدنيا،‏ وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين،‏ وإقامة أكثر شرائع الإسالم،‏ وإن مل يكن<br />

إقامة مجيعها.‏ فهذا هو الواجب يف هذه الصورة،‏ وكل ما أشبهها،‏ بل كَري من الغزو ا اصل بعد افلفاء الراشدين<br />

مل يقع إال على هذا الوجه.‏<br />

وَالْمَغْنَم«‏ فهذا احلديث<br />

وثبت عن النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»اخلَْيْلُ‏ مَعْقُودٌ‏ يفِ‏ ن ‏َوَاصِيهَا اخلَْريُْ‏ إِىل يد وْمِ‏ الْقِي امِة األَْجْرُ‏ ُ<br />

الصحيح يدل على معىن ما رواه أبو داود يف سننه من قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»و الْغ زْ‏ م اني مُنْذُ‏ ب ‏َعَثَينِ‏ اَّللمُ‏ إَِلَ‏ أَ‏ ‏ْن<br />

ي ‏ُقَاتِلَ‏ الدمجمالَ‏ الَ‏ ي ‏ُبْطِلُهُ‏ آخِ‏ رُ‏ أُميتِ‏ جَوْرُ‏ جَائِرٍ‏ وَالَ‏ عَدْلُ‏ عَادٍِل«‏ وما استفاض عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال:‏ ‏»الَ‏<br />

تَزَالُ‏ طَائِفَةٌ‏ مِنْ‏ أُميتِ‏ ظَاهِرِينَ‏ عَلَى احلَْقِّ‏ ، الَ‏ يَضُرُّهُم مَنْ‏ خَالَفَهُم إَِلَ‏ ي ‏َوْمِ‏ الْقِيَامَةِ«‏ إَل غري ذلك من النصوص اليت اتفق<br />

أهل السنة واجلماعة مع مجيع الطوائف على العمل هبا يف جهاد من يستحق اجلهاد مع األمراء أبرارهم وفجارهم،‏<br />

‏ِبالف الرافضة واخلوارج اخلارجيني عن السنة واجلماعة.‏<br />

هذا مع إخباره صلى هللا عليه وسلم أبنه<br />

‏»س ي لي أمراء ظلمة خونة فجرة.‏ فمن صَدمقهم بكذهبم وأعاهنم فليس مين<br />

ولست منه،‏ وال يَرِد احلوض.‏ ومن مل يصدقهم بكذهبم ومل يعنهم على ظلمهم فهو مين وأان منه.‏ وسريَِد عليّ‏ احلوض«.‏<br />

فإذا أحاط املرء علما مبا أمر به النيب صلى هللا عليه وسلم من اجلهاد الذي يقوم به األمراء إَل يوم القيامة،‏ ومبا هنى<br />

عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم:‏ عَلِمَ‏ أن الطريقة الوسطى اليت هي دين الإسالم احملض جهاد من يستحق اجلهاد،‏<br />

كهؤالء القوم املسئول عنهم،‏<br />

مع كل أمري وطائفة وهي أوىل ابإلسالم منهم،‏ إذا مل ميكن جهادهم إال كذلك،‏<br />

71<br />

- 1 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 255 ،254


واجتناب إعانة الطائفة اليت يغزو معها على شيء من معاصي هللا،‏ بل يطيعهم يف طاعة هللا،‏ وال يطيعهم يف معصية<br />

هللا،‏ إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق.‏<br />

وهذه طريقة خيار هله األمة قدميا وحديثا.‏ وهي واجبة على كل مكلف.‏ وهي متوسطة بني طريق احلرورية وأمثاهلم<br />

ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم،‏ وبني طريق املرجئة وأمثاهلم ممن يسلك مسلك طاعة األمراء<br />

مطلقا وإن مل يكونوا أبرارا.‏ ونسأل هللا أن يوفقنا وإخواننا املسلمني ملا حيبه ويرضاه من القول والعمل.‏ وهللا أعلم.‏<br />

1<br />

وصلى هللا وسلم على نبينا حممد وآله وصحبه وسلم[‏ .<br />

وقال شارح العقيدة الطحاوية:‏ ‏]قوله ‏)واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من املسلمني برهم وفاجرهم إَل قيام<br />

الساعة ال يُبطلهما شيء وال ينقضهما(‏ الشرح:‏ يشري الشيخ رمحه هللا إَل الرد على الرافضة حيث قالوا الرافضة حيث<br />

قالوا:‏ ال جهاد يف سبيل هللا حىت خيرج الرضا من آل حممد صلى هللا عليه وسلم،‏ وينادي مناد من السماء:‏ اتبعوه!!‏<br />

وبطالن هذا القول أظهر من أن يستدل عليه.‏ وهم شرطوا يف الإمام أن يكون معصوماً،‏ اشرتاطا من غري دليل!‏ بل يف<br />

صحيح مسلم عن عوف بن مالك األشجعي قال:‏ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏»خِ‏ يَارُ‏ أَئِمتِكُمِ‏<br />

المذِينَ‏ حتُِبُّوهنَُمْ‏ وَحيُِبُّونَكُمْ‏ وَتُصَلُّونَ‏ عَلَيْهِمْ‏ وَيُصَلُّونَ‏ عَلَيْكُمْ‏ وَشِ‏ رَارُ‏ أَئِمتِكُمِ‏ المذِينَ‏ ت ‏ُبْغِضُوهنَُمْ‏ وَي ‏ُبْغِضُونَكُمْ‏ وَتَلْعَنُوهنَُْم<br />

وَي ‏َلْعَنُونَكُمْ«‏ قَالَ‏ : قُلْتُ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ أَفَال ن ‏ُنَابِذُهُمْ‏ عِنْدَ‏ ذَلِكَ‏ قَالَ‏ : ال،‏ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ‏ الصمالةَ،‏ أَال مَنْ‏ وَيلِ‏ َ عَلَيْهِ‏ وَاٍل<br />

فَرَآهُ‏ ‏َيَِْتِ‏ شَيْئًا مِنْ‏ مَعْصِيَةِ‏ اَّللمِ‏ فَلْيَكْرَهْ‏ مَا ‏َيَِْتِ‏ مِنْ‏ مَعْصِيَةِ‏ اَّللمِ‏ وَال ي ‏َنْزِعَنم يَدًا مِنْ‏ طَاعٍَة«‏ وقد تقدم بعض نظائر هذا<br />

احلديث يف الإمامة.‏ ومل يقل إن الإمام جيب أن يكون معصوما[‏<br />

«<br />

. 2<br />

وقد أفرد اإلمام البخاري رمحه هللا هلله املسألة اباب مستقال،‏ وملا كانت األحاديث اليت نَصمت على الغزو مع الرب<br />

والفاجر ال ختلو من مقال فضال عن أن تكون على شروطه يف الصحة فقد استنبط رمحه هللا هذا احلكم جراي على<br />

عادتِه يف دِقة الإستنباط من حديث ‏»اخليل معقود يف نواصيها اخلري«،‏ فقال رمحه هللا يف كتاب اجلهاد من صحيحه،‏<br />

‏)ابب اجلهاد ماض مع الرب والفاجر لقول النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»اخليل معقود يف نواصيها اخلري إَل يوم<br />

القيامة«(‏ ‏ُث روى البخاري عن عروة البارقي أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»اخليل معقود يف نواصيها اخلري إَل<br />

يوم القيامة:‏ األجر واملغنم«.‏ وقال ابن حجر يف الشرح ‏]قوله ‏)ابب اجلهاد ماض مع الرب والفاجر(‏ هذه الرتمجة لفظ<br />

حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أيب هريرة،‏ وال أبس برواته،‏ إال أن مكحوال مل يسمع من<br />

أيب هريرة.‏ ويف الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا ويف إسناده ضعف.‏ قوله ‏)لقول النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم اخليل معقود إخل(‏ سبقه إَل الإستدالل هبذا الإمام أمحد،‏ ألنه صلى هللا عليه وسلم ذكر بقاء اخلري يف<br />

نواصي اخليل إىل يوم القيامة،‏ وفسره ابألجر واملغنم،‏ واملغنم املقرتن ابألجر إَّنا يكون من اخليل ابجلهاد،‏ ومل يقيد ذلك<br />

مبا إذا كان اإلمام عادال فدل على أن ال فرق يف حصول هلا.‏<br />

ص-‏<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 516<br />

519، وراجع كالم ابن تيمية رمحه هللا يف آخر ص<br />

212 ج 29<br />

437<br />

من جمموع الفتاوى.‏<br />

1<br />

2<br />

70


الفضل بني أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو اجلائر.‏ ويف احلديث الرتغيب يف الغزو على اخليل،‏ و<strong>في</strong>ه أيضا بشرى<br />

ببقاء اإلسالم وأهله إىل يوم القيامة،‏ ألن من الزم بقاء اجلهاد<br />

اآلخر ‏»ال تزال طائفة من أميت قائمة على احلق«‏ احلديث<br />

قلت ‏:واألمري الفاجر كما جيب اجلهاد معه،‏<br />

1<br />

.<br />

بقاء اجملاهدين<br />

وهم املسلمون،‏ وهو مثل احلديث<br />

كللك جتب الصالة خلفه،‏ ويف هذا قال شارح العقيدة الطحاوية:‏<br />

‏]اعلم،‏ رمحك هللا وإايان:‏ أنه جيوز الرجل أن يصلي خلف من مل يعلم منه بدعة وال فسقا،‏ ابتفاق األئمة،‏<br />

وليس من<br />

شرط االئتمام أن يعلم املأموم اعتقاد إمامه،‏ وال أن ميتحنه،‏ <strong>في</strong>قول:‏ ماذا تعتقد؟!‏ بل يصلي خلف املستور احلال،‏<br />

ولو صلى خلف مبتدع يدعو إَل بدعته،‏ أو فاسق ظاهر الفسق،‏ وهو الإمام الراتب الذي ال ميكنه الصالة إال خلفه<br />

كإمام اجلمعة<br />

والعيدين،‏ والإمام يف صالة احلج بعرفة،‏ وحنو ذلك :<br />

فإن املأموم يصلي خلفه،‏ عند عامة السلف<br />

وافلف.‏ ومن ترك اجلمعة واجلماعة خلف الإمام الفاجر،‏ فهو مبتدع عند أكثر العلماء.‏ والصحيح أنه يصليها وال<br />

يُعيدها،‏ فإن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا يصلون اجلمعة واجلماعة خلف األئمة الفجار وال يُعيدون،‏ كما كان عبد<br />

هللا بن عمر يصلي خلف احلجاج بن يوسف،‏ وكذلك أنس ، كما تقدم،‏ وكذلك عبد هللا بن مسعود<br />

وغريه يُصلون <br />

خلف الوليد بن عقبة بن أيب مُعَيْط،‏ وكان شارب اخلمر،‏ حىت أنه صلى هبم الصبح أربعا،‏ ‏ُث قال:‏ أزيدكم؟ فقال له<br />

ابن مسعود:‏ مازلنا معك منذ اليوم يف زايدة!!‏<br />

ويف الصحيح أن عثمان بن عفان<br />

<br />

ملا حُصِرَ‏ صلى ابلناس شخ ،<br />

فسأل سائل عثمان:‏ إنك إمام عامة،‏ وهذا الذي صلى ابلناس إمام فتنة؟ فقال:‏ اي ابن أخي،‏ إن الصالة من أحسن<br />

ما يعمل الناس،‏ فإذا أحسنوا فأحسن معهم،‏ وإذا أساؤوا فاجتنب إساءهتم<br />

إَل قوله وأما إذا كان ترك الصالة خلفه<br />

يفوت املأموم اجلمعة واجلماعة،‏ فهنا ال يرتك الصالة خلفه إال مبتدع ‏»خمالف«‏ للصحابة رضي هللا عنهم.‏ وكذلك إذا<br />

كان الإمام قد رتبه والة األمور،‏ ليس يف ترك الصالة خلفه مصلحة شرعية،‏ فهنا ال يرتك الصالة خلفه،‏ بل الصالة<br />

خلفه أفضل،‏ فإذا أمكن اإلنسان أن ال يقدم مظهرا للمنكر يف اإلمامة،‏ وجب عله ذلك،‏ لكن إذا واله غريه،‏ ومل<br />

ميكنه صرفه عن الإمامة،‏ أو كان ال يتمكن من صرفه عن الإمامة إال بِشَر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من املنكر :<br />

فال جيوز دفع الفساد القليل ابلفساد الكثري،‏ وال دفع الضررين حبصول أعظمهما،‏ فإن الشرائع جاءت بتحصيل<br />

املصاحل وتكميلها،‏ وتعطيل املفاسد وتقليلها،‏ حبسب الإمكان.‏ فتفويت اجلمع واجلماعات أعظم فسادا من الإقتداء<br />

<strong>في</strong>هما ابلإمام الفاجر،‏ ال سيما إذا كان التخلف عنها ال يدفع فجورا <strong>في</strong>بقى تعطيل املصلحة الشرعية بدون دفع تلك<br />

املفسدة[‏ . 2<br />

قلت:‏ ما سبق تدرك أن هذه املسألة مبنية على عدد من النصوص والقواعد الشرعية،‏ منها:‏<br />

72<br />

1<br />

- 2<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 6 ص 56<br />

ط املكتب الإسالمي<br />

ه ص 1413<br />

423 422


= 1<br />

قاعدة ‏)الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف(‏ ومعلوم بداهة أنه إذا مل يثري إال هكذا،‏ فالعدو الكافر وهو الضرر<br />

األشد يدفع ابألمري املسلم الفاجر وهو الضرر األخف.‏ وتُصاغ هذه القاعدة أحياان بلفظ ‏)خيُ‏ تار أهون الشرين(‏<br />

1<br />

.<br />

حديث = 2<br />

2<br />

‏»إَِّن ا األْ‏ عْم الُ‏ ابِلنِي اتِ‏ و إَِّن ا لِكُلِ‏ امْرِئ م ا ند و ى«‏ ، فإذا كانت نيتك صاحلة وهي أنك جتاهد لتكون<br />

كلمة هللا هي العليا،‏ فال يضرك أن تكون نية األمري فاسدة،‏ فلكلٍ‏ نيته وأجره حبسبها،‏ كأن يكون األمري يُقاتِل لنصرة<br />

عصبة،‏ أو من أجل الرايسة،‏ أو من أجل املال وحنو ذلك.‏<br />

= 3<br />

معه.‏<br />

قول هللا تعاَل:}‏<br />

3<br />

وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى وَ‏ الَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى اإلْ‏ ِ ثْمِ‏ وَ‏ الْعُدْوَ‏ ا ‏ِن{‏ . فتُعَاوِن األمري الفاجر<br />

يف الطاعة،‏ وال تطيعه وال تعاونه يف معصية.‏ وفِعْلُه املعاصي كما سبق ليس مبربر لرتك معاونته على الطاعة ابجلهاد<br />

قلت:‏ هذا كله يف الوجه األول وهو إذا مل يكن اجلهاد إال مع األمري الفاجر يف نفسه أما إن كان فجوره ي ‏َتَعَدمى إَل<br />

الإضرار ابلإسالم واملسلمني،‏ فهو الوجه الثاين.‏<br />

الوجه الثاني:‏<br />

وهو األمري الذي يَضرُ‏ فجوره ابلإسالم واملسلمني،‏ كمن ال يبايل بتضييع املسلمني بال مصلحة،‏ أو من ميالئ العدو يف<br />

الباطن وخيون قضية اجلهاد،‏ فالقول عندي يف هذا أال خيُْرَج معه للجهاد،‏ إذا كانت مفسدة اخلروج معه مثل أو أشد<br />

من مفسدة العدو،‏ إذ إن اخلروج معه مضرة حمضة أو ال مصلحة <strong>في</strong>ه،‏ كهؤالء الذين حيشدون الناس ويثريوهنم ابسم<br />

الإسالم واجلهاد يف سبيل هللا،‏ أما حلماية أنظمة حكمهم العلمانية وإما ملقاومة عدو أجنيب لينتهي األمر إبقامة حكم<br />

عِلماين كافر،‏ وأمثله هذا يف زماننا املعاصر كثرية.‏<br />

قال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏])فصل(‏ قال أمحد ال يعجبين أن خيرج مع الإمام أو القائد إذا<br />

عرف ابهلزمية وتضييع<br />

املسلمني وإَّنا ي ‏َغْزُو مع من له شفقة وحيطة على املسلمني،‏ فإن كان القائد يعرف بشرب اخلمر والغلول يغزى معه<br />

إَّنا ذلك يف نفسه،‏ ويُروى عن النيب صلى هللا عليه وسلم ‏»إِنم اَّللمَ‏ لَيُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ ‏ِر«.‏<br />

‏ُث قال ابن قدامة ‏)فصل(‏ وال يستصحب األمري معه خمذال وهو الذي يثبط الناس عن الغزو ويزهدهم يف اخلروج إليه<br />

والقتال واجلهاد،‏ مِثْل أن يقول احلر أو الربد شديد واملشقة وال تؤمن هزمية هذا اجليش وأشباه هذا،‏ وال مُرْجِ‏ فاً‏ وهو<br />

الذي يقول قد هلكت سرية املسلمني ومَاهلَم مدد وال طاقة هلم ابلكفار،‏ والكفار هلم قوة ومدد وصرب،‏ وال يثبت هلم<br />

أحد وحنو هذا،‏ وال من يعني على املسلمني ابلتجسس للكفار إَل قوله<br />

اخلروج معه ألنه إذا مُنِع خروجه تبعا فمتبوعا أوَل وألنه ال تؤمن املضرة على من صحبه . 4<br />

وإن كان األمري أحد هؤالء مل يستحب<br />

73<br />

- 1<br />

انظر جمموع الفتاوى ج<br />

29 ص 212<br />

- 2<br />

3<br />

4<br />

متفق عليه<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏‎2‎<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 371<br />

372


وأختتم هذه املسألة بتنبيه الإخوة املسلمني إَل أنه قلما يشري املُصَنِّفون إَل التفريق بني األمري الفاجر يف نفسه،‏ ومن<br />

يضر فجوره ابلإسالم واملسلمني،‏ <strong>في</strong>جب أال يُغفل هذا الفرق.‏<br />

كما جيب أن حتُ‏ مل املسألة املشهورة يف كتب العقائد والفقه وهي ‏)الغزو مع الفاجر(‏ على الوجه األول فقها مما<br />

ذكرته،‏ وأن املقصود ابلفاجر يف هذه املسألة هو من فجوره يف نفسه ومل ميُكن الغزو معه،‏ أما من <strong>في</strong>ه ضرر ابملسلمني<br />

أو خيانة لإلسالم فال يدخل يف هله املسألة.‏ وهللا تعاَل أعلم<br />

74


سابعا:‏ الرد على شبهة متعلقة باإلمارة.‏<br />

قرأت كتااب امسه ‏)البيعة بني السنة والبدعة عند اجلماعات الإسالمية(‏ لألستاذ علي بن حسن بن علي بن عبد احلميد<br />

طبع املكتبة الإسالمية بعمان األردن<br />

1416<br />

ه . وقد كتب هذا الكتاب لنقد إحدى اجلماعات الإسالمية،‏ مبينا أن<br />

مسألة البيعة لديهم من البدع،‏ واألستاذ املؤلف قد جَانَبَ‏ الصواب ومل حيَُالفه التو<strong>في</strong>ق يف معظم الكتاب.‏ وسأذكر الرد<br />

عليه <strong>في</strong>ما يتعلق ابلبيعة يف كالمي القادم عن ‏)قَسَم معسكر التدريب(‏ إن شاء هللا ملناسبة املقام.‏ وكان األوَل ابألستاذ<br />

املؤلف أن خيتار وجها آخر أو وجوها أخر لفساد هذه اجلماعة لنقدها،‏ وما أكثرها.‏<br />

أما هنا فأرد على إنكاره ملبدأ الإمارة يف هذه اجلماعة وأمثاهلا،‏ لتعلق هذا مبا ذكرته من وجو اإلمارة على أي جتمع<br />

إسالمي جتمعه مصلحة ما،‏ كما يف اخلالصة السابقة.‏ قال املؤلف يف ص<br />

كانت الإمارة يف السفر واجبة لقوله<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

38<br />

39<br />

من كتابه ‏]الشبهة اخلامسة:‏ إذا<br />

‏:»إذا كان ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏<br />

أفال تكون<br />

الإمارة لدعوة تريد أن تُعيد دين هللا إَل األرض أوجب،‏ والعهد والبيعة على الطاعة أوَل؟ واجلواب من ستة وجوه:‏<br />

1= إمارة السفر <strong>في</strong>ها ن صريح صحيح،‏ أما هذه الإمارة فال ن عليها،‏ والقياس بعيد النتفاء العلة،‏ وال يكون إال<br />

جملتهد،‏ كما ن<br />

األصوليون.‏<br />

2= تنتهي إمارة السفر ابنتهائه،‏ ‏ِبالف الإمارات االستثنائية ذات ‏]كمال الطاعة[!‏<br />

3= إمارة السفر مصلحة كلها،‏ أما الإمارة االستثنائية األخرى فهي تفرق وتفسد فالقياس ظاهر ابلبطالن!!‏<br />

4= لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة احلدود على شارب اخلمر والزاين وغري ذلك،‏ فهل هذا ي ‏ُقْبَل؟ هو ابطل<br />

إبمجاع األمة من احملالفني واملخالفني فهذا قياس يبطل ذلك القياس!‏ !<br />

5= إمارة السفر حمدودة أبمور،‏ فهي للرتتيب،‏ ال للسمع والطاعة بكماهلما!‏ !<br />

6= أما أهنا ‏)عهد(‏ فهذا مل يكن من منهاج السلف الصاحل رضوان هللا تعاَل عليهم،‏ بل كان واقعهم خالف ذلك<br />

متاما...‏ إخل.‏ انتهى كالم األستاذ علي بن حسن[.‏<br />

الرد على كالم األستاذ علي بن حسن<br />

رقم )2= أن إمارة السفر تنتهي ابنتهائه...‏ اخل(‏ حجة على األستاذ إذ إن اجلماعة الدائمة أوَل ابلإمارة لضبط أحواهلا<br />

من اجلماعة املؤقتة العارضة كجماعة السفر.‏<br />

رقم )3= أم إمارة السفر مصلحة كلها ‏ِبالف غريها(‏ كالم مل يثبته بدليل شرعي وهو ما جيب الرد إليه عند التنازع،‏<br />

وابلتايل هو قولٌ‏ مردود عليه،‏ وتعميم ال أساس له من الشرع وهو قوله:‏ إن الإمارات األخرى تُفرق وتُفسد.‏ نريد دليال<br />

شرعيا ال من الواقع.‏<br />

رقم )5= إمارة السفر حمددة أبميال،‏ فهي للرتتيب ال للسمع والطاعة بكماهلما(‏ وهذا مثل الذي قبله كالم مل يثبته<br />

بدليل شرعي،‏ ومعلوم أن السمع والطاعة من مقتضيات أي إمارة صغرت أم كربت واللغة تدل على ذلك:‏ ‏)األمري<br />

75


هو ذو األَمْر،‏ وقد أَمَرَ‏ ‏َيمر ابلضم:‏ خمتار الصحاح للرازي(،‏ أما أن حيصرها املؤلف يف الرتتيب فقط فهذا تقييد منه<br />

بال دليل شرعي،‏ ‏ُث إنه مل يوضح ماذا يقصد ابلرتتيب؟ فإن كان يقصد كما يتبادر إَل الذهن أن عمل أمري السفر<br />

هو أن حيدد ملن معه ماذا يفعلون يف اليوم األول مرتبا ‏ُث اليوم الثاين وهكذا،‏ فنقول لألستاذ املؤلف إن أَتْبَاع األمري إن<br />

ن ‏َفمذوا ما رَتمبه هلم فهم بذلك قد مسعوا له وأطاعوا،‏ فآل األمر إىل أن مقتضى اإلمارة هو السمع والطاعة.‏<br />

رقم )6= أما أهنا عهد...‏ اخل(‏ نرد عليه يف الباب الرابع إن شاء هللا عند الكالم عن قَسَم معسكر التدريب.‏<br />

وابلتايل سنرد هنا على األول والرابع من أجوبته السابقة.‏<br />

الرد على االعتراض األول:‏<br />

قال األستاذ املؤلف ‏)إن إمارة السفر <strong>في</strong>ها ن<br />

صريح ‏ِبالف الإمارة على اجلماعات وال تقاس الثانية على األوَل<br />

النتفاء العلة،‏ والقياس ال يكون إال جملتهد(‏ انتهى كالمه والرد عليه من عدة وجوه أمجلها ‏ُث أشرحها.‏<br />

األول:‏ أن إمارة اجلماعات ال ترتكن على إمارة حديث السفر فقط بل هناك أدلة أخر.‏<br />

الثاين:‏ أن قياس إمارة اجلماعات على إمارة السفر هو قياس صحيح للعلة املشرتكة.‏<br />

الثالث:‏ أن هذا القياس قد ذكره أكثر من جمتهد.‏<br />

أما األول:‏ وهو أن هناك أدلة أخر على شرعية إمارة الجماعات<br />

سبب نشأة هذه اجلماعات اليت يعنيها األستاذ املؤلف هو غياب احلكم الإسالمي وعدم وجود إمام للمسلمني،‏ فلو<br />

اجتمعت طائفة من املسلمني يف مثل هذا احلال على القيام بواجبات الدين،‏ وهذا واجب يف حد ذاته،‏ لوجب على<br />

هذه الطائفة أتمري أحدهم عليهم<br />

أ=‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}ايَأَي ‏ُّهَا المِذينَ‏ آمَنُوا أَطِيعُوا اَّللمَ‏ وَأَطِيعُوا الرمسُولَ‏ وَأُوْيلِ‏ األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ ، 1 ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَلَوْ‏ رَدُّوهُ‏<br />

إَِلَ‏ الرمسُولِ‏ وَإَِلَ‏ أُوْيلِ‏ األَْمْرِ‏ مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ المذِينَ‏ يَسْتَنْبِطُونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ . 2 فال بد للناس من والة جيَْمَعون مشلهم ويقومون<br />

بشئوهنم وينظمون أعماهلم بداللة الإشارة إَل هاتني اآليتني.‏ وال حيل للمسلمني أن يبقوا يف طاعة احلكام الكافرين ما<br />

استطاعوا ذلك،‏ كما ذكرت يف شروط الإمارة أنه ال والية لكافر على مسلم.‏<br />

وكل متبوع من السلطان أو العلماء أو أمراء اجلماعات أو غريها فهو داخل يف هله اآليةكما قال شيخ الإسالم ابن<br />

تيمية ‏]وكل من كان متبوعا فإنه من أويل األمر،‏ وعلى كل واحد من هؤالء أن ‏َيمر مبا أمر هللا به وينهى عما هنى<br />

عنه،‏ وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه يف طاعة هللا،‏ وال يطيعه يف معصية هللا[‏ . 3<br />

ب=‏ فإذا كانت مجاعة من اجلماعات قائمة ألجل اجلهاد يف سبيل هللا،‏ فال حاجة لنا يف اللجوء إَل القياس على إمارة<br />

السفر طاملا لدينا نص خاص يف املسألة،‏ إذ القياس اجتهاد وال اجتهاد مع الن . والنص املقصود هو حديث غزوة<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

58<br />

93<br />

29 ص 191<br />

1<br />

2<br />

3<br />

76


منتة<br />

وأتمري الصحابة خلالد بن الوليد كما ذكرته يف املسألة الرابعة من هذا الباب،‏ فراجعها،‏ وإليك أقوال العلماء يف<br />

فقه هذا احلديث.‏<br />

‏]قال ابن حجر:‏ و<strong>في</strong>ه جواز التأمر يف احلرب بغري أتمري أي بغري ن<br />

منه أن على املسلمني أن يقدموا رجال إذا غا اإلمام<br />

املنري:‏ ‏)يؤخذ من حديث الباب<br />

من الإمام ، قال الطحاوي:‏ ‏)هذا أصل يؤخذ<br />

1<br />

يقوم مقامه إَل أن حيضر(‏ . قال ابن حجر كذلك:‏ قال ابن<br />

أن من تعني لوالية وتعلرت مراجعة اإلمام أن الوالية تَبت لللك املعني شرعا<br />

2<br />

وجتب طاعته حكما(‏ كذا قال،‏ وال خيفى أن حمله ما إذا اتفق احلاضرون عليه[‏ .<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]فإذا عُدِم اإلمام مل ينخر اجلهاد ألن مصلحته تفوت بتأخريه،‏ وإن حصلت غنيمة قسمها<br />

وأمر<br />

َ<br />

أهلها على موجب الشرع،‏ قال القاضي ويؤخر قسمة الإماء حىت يظهر احتياطا للفروج،‏ فإن بعث الإمام جيشا<br />

عليهم أمريا فقُتل أو مات،‏ فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف جيش مُؤتة<br />

لَما قُتِل أمراؤهم الذين أمّرهم النيب صلى هللا عليه وسلم أمّروا عليهم خالد بن الوليد،‏ فبلغ النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

فرَضِيَ‏ أَمْرهم وَصَومبَ‏ رأيهم ومسي خالدا يومئذ ‏"سيف هللا"‏ ] .<br />

وهذا احلديث وما ورد يف فقهه هو نص يف موضع النزاع يف هذه املسألة ويبني وجوب الإمارة على اجلماعات القائمة<br />

أبمر الدين واجلهاد،‏ وال حاجة بنا إَل القياس على حديث إمارة السفر،‏ مع صحة هذا القياس كما سأذكره إن شاء<br />

هللا تعاَل.‏<br />

وقد يقول قائل إن حديث منتة ال ينطبق على حالنا اآلن،‏ ف<strong>في</strong> مؤتة كان الإمام النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

غائبا،‏ فلما رجعوا إليه صَومبَ‏ صنيعهم.‏ أما اليوم فال إمام البتة.‏ فال تصح إمارة هذه اجلماعات الفتقاد الإمام.‏ وحنن<br />

نؤكد صحة ما ذهبنا إليه من االستدالل هبذا احلديث.‏ إذ إن العلة املشرتكة بني احلالتني هي اجتماع طائفة من<br />

املسلمني على عمل مشرتك وهو اجلهاد مبِ‏ عزل عن الإمام،‏ سواء كان الإمام غائبا أم معدوما،‏ ف<strong>في</strong> كال ا الني هو<br />

غائب عن صنيعهم،‏ واملستفاد من حياة النيب صلى هللا عليه وسلم إذ ذاك وهو تقريره لفعلهم ‏»السنة التقريرية«‏ هو<br />

تشريع ال يستفاد من أحد<br />

بعده صلى هللا عليه وسلم من إمام أو غريه.‏ وحنن حنيل قائل هذا القول إَل كالم ابن<br />

املنري السابق حيث قال:‏ ‏)وتعلرت مراجعة اإلمام(‏ وهذا التعذر يشمل غياب الإمام أو عدمه،‏ وكالم ابن قدامة أكثر<br />

وضوحا حيث قال:‏ ‏)فإن عُدِم الإمام مل يؤخر اجلهاد...اخل(.‏<br />

ومقتضى قول هذا القائل أن اجلهاد أبفغانستان أو مبثلها ال جيوز وابطل ألن اجلماعات واألحزاب املقاتلة غري شرعية<br />

لعدم صحة الإمارة عليها.‏ وهذا يقتضي أن من أقدم على هذا اجلهاد حتت هذه الإمارات هو آُث،‏ وأن املسلمني<br />

عليهم أن يقفوا مكتويف األيدي وهم يرون دايرهم ونسائهم وأمواهلم تُغتصب حىت ينزل عليهم إمام من السماء.‏ فهل<br />

- فتح الباري ج 7 ص 513<br />

- فتح الباري ج 6 ص 191<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 374<br />

1<br />

2<br />

3<br />

77


يقول هبذا مسلم؟،‏ أم هل يقول هبذا من <strong>في</strong>ه مُسْكَةٌ‏ من عقل؟.‏ ومن بقى يف نفسه أثر من هذه الشبهة فالدليل التايل<br />

يزيلها إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

ج=‏ عن جابر بن عبد هللا قال مسعت النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

إَل يوم القيامة،‏ قال:‏ <strong>في</strong>نزل عيسى بن مرمي صلى هللا عليه وسلم<br />

بعضكم على بع<br />

فهذا ن<br />

أمراء تكرمة هللا هذه األمة«‏<br />

‏»ال تزال طائفة من أميت يقاتلون على ا ق ظاهرين<br />

<strong>في</strong>قول أمريهم<br />

صَل<br />

ّ<br />

تعال ِ<br />

1<br />

.<br />

واضح صريح من النيب صلى هللا عليه وسلم يبني:‏<br />

1= استمرارية وبقاء الطائفة املنصورة املقاتلة على احلق حىت نزول عيسى<br />

املؤمنني مجيعا<br />

<br />

2<br />

.<br />

لنا،‏ <strong>في</strong>قول:‏ ال،‏<br />

إن<br />

وهبوب الريح الطيبة اليت تقبض أرواح<br />

2= صحة وشرعية الإمارة على هذه الطائفة على لسان نبينا صلى هللا عليه وسلم حيث قال:‏ ‏»<strong>في</strong>قول أمريهم«‏ وعلى<br />

لسان عيسى : ‏)إن بعضكم على بعض أمراء(‏ وال ينبغي أن حيمل هذا ‏)أي صحة الإمارة(‏ على أخر الطائفة وقت<br />

نزول عيسى<br />

<br />

دون ما قبله من األزمنة،‏ فإن إضافة األمري إَل الطائفة ‏)أمريهم(‏ مع بيان أن صفة هذه الطائفة هي<br />

الإستمرارية ‏)ال تزال(‏ يبني استمرارية هذه الإمارة وصحتها،‏ وأن الإمارة صفة الزمة هلذه الطائفة يف كل زمان ‏)ال تزال<br />

‏...أمريهم(‏ فإذا ثبت أنه أتِت على املسلمني أزمنة يفتقدون <strong>في</strong>ها الإمامة الكربى ‏)اخلالفة(‏ وثبت صحة واستمرارية<br />

الإمارة على الطائفة املنصورة،‏ فتكون األمارة على هذه الطائفة يف حالة انعدام الإمام صحيحة إن شاء هللا.‏<br />

3= كي<strong>في</strong>ة عقد الإمارة على هذه الطائفة،‏ بتأمريهم أحدهم عليهم ‏)إن بعضكم على بعض أمراء<br />

تكرمة هللا هله<br />

األمة(‏ فهذا مما كَرمم هللا به املسلمني،‏ وهذا يتفق متاما مع صنيع الصحابة يوم مؤتة.‏ ويدل على أن هذا الصنيع ‏)أتمري<br />

املسلمني ألحدهم(‏ ليس خاصا بزمن النيب صلى هللا عليه وسلم لبقاء هذا احلكم حىت نزول عيسى<br />

.<br />

د=‏ قوله تعاَل:‏ ‏}أَلَمْ‏ تَرَ‏ إِلَى الْمَِِ‏ مِنْ‏ بَنِي إِسْرَ‏ ائِيلَ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مُوسَى إِذْ‏ قَالُوا لِنَبِي ٍ لَ‏ ‏ُهمْ‏ ابْعَثْ‏ لَنَا مَلِك ‏ًا نُقَاتِلْ‏ قِي<br />

سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَالَ‏ هَلْ‏ عَسَيْتُمْ‏ إِنْ‏ كُتِبَ‏ عَلَيْكُمْ‏ الْقِتَالُ‏ أَالَّ‏ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَ‏ مَا لَنَا أَالَّ‏ نُقَاتِلَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ قَدْ‏ أُخْرِ‏ جْنَا مِ‏ ‏ْن<br />

دِيَارِ‏ نَا وَ‏ أَبْنَائِنَا قَلَمَّا كُتِبَ‏ عَلَيْهِمْ‏ الْقِتَالُ‏ تَوَ‏ لَّوْ‏ ا إِالَّ‏ قَلِيال مِنْهُمْ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلِيمٌ‏ بِالظَّالِمِي ‏َن{‏<br />

. 3<br />

وهذه اآلية عندي من أوضح األدلة على وجو اإلمارة من أجل اجلهاد،‏ فهذه أمة مهزومة مطرودة من دايرها<br />

أرادت اجلهاد،‏ فبدأت بطلب القائد الذي ستقاتل حتت إمرته.‏ وقد بعث هللا<br />

<br />

لصحة مطلبهم.‏ <br />

هلم طالوت ملكا،‏ وهلا تقرير من هللا<br />

- رواه مسلم يف كتاب الإميان ج 183/2<br />

- حديث عبدهللا بن عمرو وعقبة بن عامر رواه مسلم أبخر كتاب الإمارة ج<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

69/13<br />

246<br />

1<br />

2<br />

3<br />

78


وهذا هو حالنا اليوم مسلمون مستضعفون ال عزة هلم إال ابجلهاد كما يف حديث العينة،‏ ومن مقتضيات اجلهاد نصب<br />

األمري،‏ أما كي<strong>في</strong>ة نَصْبِهِ‏ يف هذا الزمان فتكون ابتفاق اجلماعة عليه كما يف حديث غزوة مؤتة،‏ وحديث جابر بن عبد<br />

هللا السابق ‏»إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة هللا هذه األمة«.‏<br />

ه = قال إمام احلرمني اجلويين:‏ ‏]وإذا مل يصادف الناس قَوماماً‏ أبمورهم يلوذون به <strong>في</strong>ستحيل أن يُؤمروا ابلقعود عما<br />

يقتدرون عليه من دفع الفساد،‏ فإهنم لو تقاعدوا عن املمكن،‏ عم الفساد البالد والعباد إَل قوله وقد قال بعض<br />

العلماء:‏ لو خال الزمان عن السلطان<br />

فحق على قطان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوي األحالم<br />

والنهي وذوي العقول واحلجا،‏ من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره،‏ وينتهون عند مناهيه ومزاجره فإهنم لو مل يفعلوا ذلك،‏<br />

1<br />

ترددوا عند إملام املهمات وتبلدوا عند إطالل الواقعات ] .<br />

وعندما قدم التتار لغزو الشام وأتخر السلطان عن نصرة الشام رحل إليه شيخ الإسالم ابن تيمية مبصر ليستحثه على<br />

‏ُندة الشام،‏ وقال للسلطان وأعوانه]إن كنتم أعرضتم عن الشام ومحايته<br />

أقمنا له سلطاان حيوطه وحيميه ويستغله يف<br />

زمن األمن،‏ ومل يزل هبم حىت جُرِّدَت العساكر إَل الشام،‏ ‏ُث قال هلم:‏ لو قدر لكم أنكم لستم حكام الشام وال ملوكه<br />

واستنصركم أهله وجب عليكم النصر،‏ فكيف وأنتم حكامه وسالطينه وهم رعاايكم وأنتم مسؤولون عنهم،‏ وقَومى<br />

جأشهم وضمن هلم النصر هذه الكَرمة،‏ فخرجوا إَل الشام،‏ فلما تواصلت العساكر إَل الشام فرح الناس فرحا شديدا<br />

بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأمواهلم ] 2 .<br />

قلت:‏ فاتفق اجلويين وابن تيمية على أنه لو خال بلد عن السلطان أقام الناس أبنفسهم من يلتزمون قوله وأمره.‏ وهذا<br />

أيضا يتنزل يف حق كل مجاعة أو طائفة اتفقت على القيام أبمور الدين يف غيبة إمام املسلمني.‏<br />

وأما الوجه الثاني:‏ وهو أن قياس إمارة الجماعات على إمارة السفر هو<br />

قياس صحيح للعلة المشتركة.‏<br />

فنقول القياس هو إثبات حكم مثل حكم األصل يف الفرع بعلة متحدة ، واألصل هو الواقعة اليت ورد حكمها ابلن<br />

3<br />

الشرعي،‏ والفرع:‏ اليت مل يرد حبكمها ن شرعي،‏ والعلة هي الوصف الظاهر املنضبط املناسب املتعدى الذي بُين عليه<br />

حكم األصل وبتحقق هذا الوصف يف الفرع يثبت له مثل حكم األصل.‏<br />

ويف موضوعنا:‏<br />

أحدهم عليهم(،‏ والفرع هو<br />

ال؟.‏<br />

األصل املنصوص على حكمه هو اجتماع ثالثة على سفر،‏ واحلكم هو وجوب الإمارة ‏)وجوب أتمري<br />

إمارة اجلماعات،‏ فهل علة حكم األصل متحققه يف الفرع حىت يثبت له نفس احلكم أم<br />

فالبحت اآلن هو يف:‏ ما هي العلة يف إمارة السفر؟ وهي اليت مل يلكرها األستاذ املنلف.‏<br />

- غياث األمم ط ‎1411‎ه حتقيق د.‏ عبدالعظيم الديب ص 399397<br />

- البداية والنهاية البن كثري ج 14 ص 15، أحداث سنة ‎711‎ه<br />

- شرح التلويح على التوضيح للتفتازاين ج<br />

2 ص 52<br />

1<br />

2<br />

3<br />

79


واحلق أن العلة ‏َثبتة ابلن<br />

يف نفس احلديث ولكنها مفتقرة إَل تنقيح املناط لتعدد األوصاف املرتتب عليها احلكم يف<br />

احلديث.‏ <strong>في</strong>جب حتديد أي هذه األوصاف هو املؤثر يف احلكم؟.‏<br />

واألوصاف اليت انبىن عليها احلكم يف حديث إمارة السفر،‏ هي وصفان:‏ السفر واجتماع ثالثة من الناس على أمر<br />

جامع بينهم.‏<br />

فإذا أثبتنا ابلن<br />

أن إمارة السفر ال جتب ملا دون الثالثة كما يف سفر اثنني من الناس،‏ <strong>في</strong>كون الوصف املؤثر يف احلكم<br />

هو العدد ‏)الثالثة(‏ لوجود وصف السفر يف سفر الإثنني وختلف احلكم وهو وجوب الإمارة،‏ فلو كان السفر هو العلة<br />

لوجب حكم الإمارة يف سفر الإثنني،‏ وابلتايل ندرك أن احلكم ‏)الإمارة(‏ مرتتب على العدد ‏)الثالثة كحد أدىن(‏ وليس<br />

على السفر.‏<br />

فما هي النصوص اليت وجد <strong>في</strong>ها سفر مادون الثالثة ومل جتب <strong>في</strong>ها الإمارة؟<br />

نقول منها ما روى البخاري يف كتاب اجلهاد<br />

-<br />

‏)ابب سفر اثنني(،‏ عن مالك بن احلويرث قال:‏ ‏»انصرفت من عند<br />

1<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم فقال لنا،‏ أان وصاحب يل،‏ أذان وأقيما وليؤمكما أكربكما«‏ ، فهذا<br />

احلديث وجد <strong>في</strong>ه<br />

وصف السفر ومل يوجد <strong>في</strong>ه وصف العدد وهو الثالثة،‏ ومل يوجد <strong>في</strong>ه احلكم ابلإمارة أي مل ي ‏ُؤَمِّر الرسول صلى هللا عليه<br />

وسلم أحدمها وال أوكل هذا إليهما،‏ وال جيوز أتخري البيان عن وقت احلاجة،‏ فدل هذا على أن اإلمارة كحكم<br />

مرتبطة ابلعدد ‏)الَالثة كحد أدىن(‏ وليست مرتبطة ابلسفر.‏<br />

ومما يدل على تعلق اإلمارة ابلعدد ال ابلسفر قول النيب صلى هللا عليه وسلم أليب ذر:‏ ‏»اي أاب ذر إين أراك ضعيفا،‏<br />

وإين أحب لك ما أحب لنفسي،‏ ال أت م ر ن على اثنني<br />

2<br />

وال تَولمني مال يتيم«‏ ، فقول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»ال<br />

أتَمرَن على اثنني«‏ يدل على أن اإلمارة جتب على الَالثة فصاعدا،‏ وهذا يرجح أن وجوب الإمارة يف حديث السفر<br />

متعلق ابلعدد وليس ابلسفر.‏ قال صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»إذا كنتم ثالثة يف سفر فأمِّروا«‏ فالإمارة ال جتب إال على<br />

ثال<br />

ثالثة فصاعدا.‏ ويعضد هذا وهو ارتباط الإمارة ابلعدد وأقله ثة ما رواه البخاري عن أسامة بن زيد قال:‏ ‏»وما<br />

أان ابلذي أقول لرجل<br />

بعد أن يكون أمريا على رجلني<br />

أنت خري،‏ بعد ما مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

يقول:‏ ‏»جيُ‏ اء برجل <strong>في</strong>طرح يف النار <strong>في</strong>طحن <strong>في</strong>ها كما يطحن احلمار بِرَحَاه،‏ <strong>في</strong>طيف به أهل النار <strong>في</strong>قولون:‏ أي فالن،‏<br />

3<br />

ألست كنت أتمر ابملعروف وتنهى عن املنكر؟ <strong>في</strong>قول:‏ إين كنت آمر ابملعروف وال أفعله،‏ وأهنى عن املنكر وأفعله«‏ ،<br />

وأسامة كان ين<strong>في</strong> هبذا هتمة املداهنة عن نفسه كما يف شرح احلديث<br />

4<br />

، والشاهد من كالمه قوله:‏ ‏»أقول لرجل بعد<br />

أن يكون أمريا على رجلني«‏ فبني أقل ما جتب <strong>في</strong>ه اإلمارة،‏ وهو ثالثة،‏ أمري واتبعان.‏ كما أن اللغة تعضد ما ذهبنا<br />

- حديث 2949<br />

- رواه مسلم<br />

- حديث 7189<br />

- فتح الباري ج 13 ص 52 51،<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

81


إليه من تعلق الإمارة ابلعدد وليس ابلسفر،‏ فقد قال الراغب األصفهاين:‏ ‏]وقيل أَمِرَ‏ القوم هبمزة مفتوحة وميم<br />

مكسورة وراء مفتوحة كَثُروا،‏ وذلك ألن القوم<br />

1<br />

يسوسُهم،‏ ولذلك قال الشاعر:‏ ال يصلح الناس فوضى ال سُراة هلم[‏ .<br />

إذا كَروا صاروا ذا أمري،‏ من حيث أهنم البد هلم من سائِس<br />

نتوصل مما سبق إلى حقيقتين:‏<br />

إحدامها:‏ أن إمارة السفر ال جتب ملا دون الثالثة،‏ فال جتب يف سفر االثنني،‏ فالإمارة متعلقة ابلعدد وليس ابلسفر.‏<br />

الثانية:‏ أن أقل عدد جتب <strong>في</strong>ه الإمارة هو ثالثة،‏ حلديث أيب ذر»ال أتمرن على اثنني«‏ وحلديث أسامة بن زيد ‏»لرجل<br />

أن يكون أمريا على رجلني«‏<br />

ابلسفر وهلا هو تنقيح املناط.‏<br />

وهذا العدد هو نفسه املذكور يف حديث إمارة السفر.‏ فهله اإلمارة متعلقة ابلعدد ال<br />

فإذا توصلنا أن العلة هي العدد أي اجتماع ثالثة من الناس على أمر جامع بينهم فهذه العلة متحققة والشك يف سائر<br />

اجلماعات،‏ فتقاس بذلك إمارة اجلماعات على إمارة السفر.‏<br />

فإن قيل:‏ فما احلكمة من ذكر السفر يف احلديث؟ فنقول إن املسافرين ينقطعون ابلسفر عن نظر الإمام أو وايل البلدة<br />

الذي يلي أمر املقيمني،‏ <strong>في</strong>جب على املسافرين أن يؤمروا منهم من يلي أمرهم،‏ فاالنقطاع عن نظر الإمام ابلسفر<br />

وحنوه من دواعي نصب األمري،‏ وهذا ميكن أن يكون عِلمة ‏َثنية للحكم لوال أنه مل يستقل ابلتعليل لوجود وصف<br />

االنقطاع عن نظر الإمام يف سفر االثنني مع ختََلُّف احلكم بوجوب الإمارة.‏ وعلى أي حال فإن هذا الوصف وهو<br />

االنقطاع عن نظر الإمام النعدامه اآلن هذا الوصف موجود ابلنسبة للجماعة الإسالمية املعاصرة مما يزيد وجوب<br />

الإمارة عليهم توكيدا.‏<br />

وأما الوجه الثالث:‏ وهو أن هذا القياس صححه أكثر من مجتهد<br />

فقد ذكرت يف أول الباب مسألة أن الإمارة واجبة،‏ ودلّلت على ذلك:‏<br />

يقول = 1<br />

الإمام الشوكاين،‏ حيث استدل حبديث إمارة السفر على وجوب نصبة والية القضاء والإمارة وغريها،‏ ومل<br />

يلكر يف هلا البا حديَا غريه،‏<br />

وقد قاس هله الوالايت على إمارة السفر،‏ فقال بعد أن ذكر رواايت حديث<br />

إمارة السفر ‏]و<strong>في</strong>ها دليل على أنهُ‏ يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم ألن يف ذلك السالمة<br />

من اخلالف الذي يؤدي إَل التالف فَمَعَ‏ عدم التأمري يستبد كل واحد برأيه وبفعل ما يطابق هواه <strong>في</strong>هلكون،‏ ومع<br />

التأمري يقل الإختالف وجتتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد<br />

أكَر يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوَل وأحرى ويف ذلك دليل لقول من قال إنه<br />

جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام[‏<br />

. 2<br />

- ‏)املفردات يف غريب القرآن(‏ للراغب مادة ‏)أمر(‏<br />

- نيل األوطار ج ‎8‎ص‎157‎<br />

1<br />

2<br />

80


=<br />

2<br />

فذكر أن احلكم ‏)وجوب الإمارة(‏ مرتتب على العدد حيث قال:‏ ‏)يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم<br />

أحدهم(.‏ وذكر الشوكاين أن هذا جيب على املقيمني من ابب التنبيه ابألدىن على األعلى.‏<br />

وذكرت كذلك يف أول الباب استدالل شيخ الإسالم ابن تيمية حبديث إمارة السفر على وجوب الإمارة يف<br />

سائر أنواع االجتماع،‏<br />

فهو ينص بللك على أن علة اإلمارة هي اجتماع،‏ وقد ذكر هذا يف أكثر من موضع من<br />

فتاويه فقال يف رسالة ‏)احلسبة(‏ ‏]وكل بين آدم ال تتم مصلحتهم ال يف الدنيا وال يف اآلخرة إال ابالجتماع والتعاون<br />

والتناصر،‏ فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم،‏ والتناصر لدفع مضارهم،‏ وهلذا يقال:‏ الإنسان مدين ابلطبع.‏ فإذا<br />

اجتمعوا فالبد هلم من أمور يفعلوهنا وجيتلبون<br />

هبا املصلحة.‏ وأمور جيتنبوهنا ملا <strong>في</strong>ها من املفسدة:‏ ويكونون مطيعني<br />

لآلمر بتلك املقاصد،‏ والناهي عن تلك املفاسد،‏ فجميع بين آدم ال يد هلم من طاعة آمر وانه.‏ إَل أن قال وهلذا<br />

أمر النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم أمته بتولية والة أمور عليهم،‏ وأمر والة األمور أن يردوا<br />

األماانت إَل أهلها،‏ وإذا<br />

حكموا بني الناس أن حيكموا ابلعدل،‏ وأمرهم بطاعة والة األمور يف طاعة هللا تعاَل،‏ ف<strong>في</strong> سنن أيب داود عن أيب سعيد<br />

أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

‏»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏ ويف سننه أيضا عن أيب هريرة<br />

مثله.‏ ويف مسند الإمام أمحد عن عبد هللا بن عمرو أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال حيل لثالثة يكونون بفالة<br />

من األرض إال أمروا أحدهم«.‏<br />

فإذا كان قد أوجب يف أقل اجلماعات وأقصر االجتماعات أن يويل أحدهم:‏ كان هذا تنبيها على وجو ذلك <strong>في</strong>ما<br />

1<br />

هو أكَر من ذلك[‏ .<br />

وقال رمحه هللا يف رسالة ‏)السياسة الشرعية(:‏ ‏]جيب أن ي ‏ُعْرَف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل ال قيام<br />

للدين وال للدنيا إال هبا،‏ فإن بين آدم ال تتم مصلحتهم إال ابالجتماع حلاجة بعضهم إَل بعض،‏ والبد هلم<br />

االجتماع من رأس حىت قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«‏ . 2<br />

عند<br />

وروى الإمام أمحد يف املسند عن عبد هللا بن عمرو،‏ أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال حيل لثالثة يكونون بفالة<br />

من األرض إال أمروا عليهم أحدهم«‏<br />

فأوجب صلى هللا عليه وسلم أتمري الواحد يف<br />

االجتماع القليل العارني يف<br />

السفر،‏ تنبيها بللك على سائر أنواع االجتماع.‏ وألن هللا تعاَل أوجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر.‏ وال يتم<br />

ذلك إال بقوة وإمارة.‏ وكذلك سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإقامة احلج واجلمع واألعياد ونصر املظلوم.‏ وإقامة<br />

احلدود ال تتم إال ابلقوة واإلمارة[‏ . 3<br />

قلت:‏ فانظر إَل قول شيخ الإسالم ‏]فهو تنبيه على أنواع االجتماع[‏ وقد كرر هذا يف سائر املواضع،‏ فهو ين على<br />

أن اإلمارة لالجتماع ال جملرد السفر.‏<br />

82<br />

- 1<br />

جمموع الفتاوى ج<br />

29 ص 65 62<br />

2<br />

3<br />

- رواه أبوداود،‏ من حديث أيب سعيد،‏ وأيب هريرة.‏<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

29 ص 381


وهذان جمتهدان ‏)ابن تيمية والشوكاين(‏ ال خالف بني املسلمني على إمامتهما ومنزلتهما يف العلم،‏ قد نَصما على أن<br />

عِلة الإمارة هو االجتماع وقاسا إمارة<br />

إليه.‏<br />

سائر أنواع االجتماع على إمارة السفر.‏ وأهنا من ابب التنبيه ابألدىن على<br />

األعلى.‏ ابلإضافة إَل ما سبق فإن إيراد أيب داود هلذا احلديث يف كتاب اجلهاد من سننه <strong>في</strong>ه إشارة منه إَل ما ذهبنا<br />

وهبذا نكون قد استكملنا األوجه الثالثة يف الرد على األول من اعرتاضات مؤلف كتاب ‏)البيعة(.‏<br />

فائدة ‏)<strong>في</strong> وجوب الجماعة لنصرة الدين <strong>في</strong> هذا الزمان(‏<br />

ذكرت يف أول كالمي يف الرد على هذه الشبهة املتعلقة ابلإمارة قوال أَوَدُّ‏ أن أدَلِّل عليه،‏ وهو قويل ‏)إنه يف غياب احلكم<br />

الإسالمي واخلالفة لو اجتمعت طائفة من املسلمني على القيام بواجبات الدين،‏ فهذا واجب يف حد ذاته(‏ انتهى.‏<br />

وبيان ذلك أن الواجبات الشرعية كاجلهاد واملر ابملعروف والنهي عن املنكر وحنوها مل يقم دليل على أهنا تسقط عن<br />

املسلمني ابنعدام الإمام،‏ بل قد نبه ابن قدامة على هذا فقال:‏ ‏]فإن عُدِمَ‏ الإمام مل يؤخر اجلهاد[،‏ وهذه الواجبات كما<br />

قال ابن<br />

تيمية يف كالمه املذكور أعاله ‏]ال تتم إال ابلقوة والإمارة[،‏ قلت:‏ والقوة منها ا جلماعة،‏ قال تعاَل:‏<br />

2<br />

1<br />

‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ ال تَفَرَّ‏ قُوا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ{‏ ، وقد ورد<br />

األمر ابجلماعة صرحيا يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَأَانَ‏ آمُرُكُمْ‏ ‏ِبَِمْسٍ‏ اَّللمُ‏ أَمَرَينِ‏ هبِِنم ابِجلَْمَاعَةِ‏ وَالسممْعِ‏<br />

وَالطماعَةِ‏ وَاهلِْجْرَةِ‏ وَاجلِْهَادِ«‏ . 3 ومع ذلك،‏ فقد ذهب البعض إَل أن اجتماع املسلمني يف مجاعة للقيام بواجبات الدين<br />

يف هذا الزمان حيث<br />

ال إمام للمسلمني ليس بواجب بل الواجب العزلة وأن يهتم املرء بشأن خاصته.‏ وهذا القول<br />

يؤدي إَل اصطالم الإسالم وأهله.‏ وهلم يف قوهلم هذا شبهة،‏ حيث استدلوا حبديث حذيفة بن اليمان مرفوعا:‏ ‏»فإن<br />

مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال صلى هللا عليه وسلم :<br />

قلت:‏ واحلديث بنصه كما يلي عن حذيفة<br />

<br />

4<br />

فاعتزل تلك الفرق كلها«‏ .<br />

قال:‏ ‏»كان الناس يسألون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن اخلري،‏<br />

وكنت أسأله عن الشر خمافة أن يدركين،‏ فقلت اي رسول هللا إانّ‏ كنا يف جاهلية وشر،‏ فجاءان هللا هبذا اخلري فهل بعد<br />

هذا اخلري من شر؟ قال:‏ نعم.‏ قلت:‏ وهل بعد ذلك الشر من خري؟ قال:‏ نعم و<strong>في</strong>ه دَخَن،‏ قلت:‏ ومادَخَنُه؟ قال:‏ قوم<br />

يهدون بغري هدى،‏ تعرف منهم وتنكر.‏ قلت:‏ فهل بعد ذلك اخلري من شر؟ قال:‏ نعم،‏ دعاة على أبواب جهنم،‏ من<br />

أجاهبم إليها قذفوه <strong>في</strong>ها.‏ قلت:‏ اي رسول هللا صفهم لنا،‏ قال:‏ هم من جلدتنا ويتكلمون أبلسنتنا.‏ قلت:‏ فما أتمرين إن<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

113<br />

46<br />

- رواه أمحد والرتمذي وصححه عن احلارث األشعري.‏<br />

- متفق عليه<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

83


أدركين ذلك؟ قال:‏ تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم.‏ قلت:‏ فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال:‏ فاعتزل تلك الفرق<br />

كلها ولو أن تعض أبصل شجرة حىت يدركك املوت وأنت على ذلك«‏ . 1<br />

والرد على هذه الشبهة من وجهني:‏<br />

الوجه األول:‏ أنه كما يتضح من ن احلديث أن الفرق اليت أمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابعتزاهلا هي فرق الضاللة<br />

املذكورة يف قوله<br />

‏»دعاة على أبواب جنهم...«‏<br />

ويدل على هذا:‏ أ=‏ اسم إشارة ‏)تلك(‏ عائد على مذكور قبله يف<br />

الن . ب=‏ األلف والالم يف ‏)الفرق(‏ للعهد،‏ وتدل على مذكور من قبل،‏ معهود يف الذهن،‏ وال يصح أن تكون<br />

للجنس وإال دخلت يف الفرقِ‏ الفرقةُ‏ الناجية وهذا ابطل ابلإمجاع.‏ ومن هذا ترى أن لفظ الفرق املأمور ابعتزاهلا وإن<br />

كانت صيغة العموم إال أنه من العام الذي يراد به اخلصوص،‏ فالفرق املشار إليها هي فرق الضاللة ال غري،‏ كما وردت<br />

يف رواية أخرى لنفس احلديث<br />

2<br />

‏»ُث تنشأ دعاة الضاللة«‏ .<br />

الوجه الَاين:‏ وهو الذي ن ‏ُنَبِّه عليه ابستمرار أن األحكام الشرعية ال تؤخذ من ن واحد إال إذا مل يكن هناك غريه<br />

ولكن تؤخذ من جمموع أدلة املسألة ابجلمع بينها وابلتخصي<br />

أو التقييد أو النسخ أو غري ذلك من أساليب مجع<br />

األدلة.‏ ويف هذه املسألة:‏ نقول إن االعتزال الوارد يف قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»فاعتزل تلك الفرق«‏ إن افرتضنا<br />

جدال أنه على عمومه رغم انه من العام الذي يراد به اخلصوص فنقول إنه خمَُصم أيضا بعدة نصوص منها حديث<br />

الفرقة الناجية ومنها حديث الطائفة املنصورة.‏<br />

أ =<br />

أما حديث الفرقة الناجية،‏ فقد قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إن هذه األمة ستفرتق على ثالث وسبعني فرقة،‏ يف<br />

األهواء كلها يف النار إال واحدة،‏ وهي اجلماعة«‏ ، 3 ويف رواية أخرى أن الناجية هي»ما أان عليه اليوم وأصحايب«‏ . 4<br />

فقوله صلى هللا عليه وسلم يف حديث حذيفة<br />

حديث الفرق<br />

‏»دعاة على أبواب جنهم«‏ هو نفس قوله صلى هللا عليه وسلم يف<br />

‏»كلها يف النار«‏ ‏ُث استثىن فقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إال واحدة«‏ وهذه الواحدة وهي الناجية<br />

خمَُصِّصة لعموم االعتزال املأمور به أي اعتَزِلْ‏ فرق الضاللة والتَزِمْ‏ الفرقة الناجية اليت منهجها<br />

‏»ما أان عليه اليوم<br />

5<br />

وأصحايب«،‏ وهي أيضا اجلماعة ألن ‏)اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك(‏ . وسيأِت بيان منهج الفرقة الناجية يف<br />

مسألة ‏)أصول االعتصام ابلكتاب والسنة(‏ يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

ب =<br />

وأما حديث الطائفة املنصورة.‏<br />

84<br />

1<br />

2<br />

- 3<br />

- متفق عليه<br />

- رواه أمحد وأبوداود وإسناده حسن<br />

رواه ابن أيب عاصم وغريه عن معاوية وصححه األلباين ‏)كتاب السنة البن أيب عاصم حديث<br />

)2<br />

4<br />

5<br />

- عن عبدهللا بن عمرو وهو حديث حسن لغريه بشواهده<br />

- رواه ابن عساكر بسند صحيح عن ابن مسعود موقوفا


قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />

‏َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس«‏ . 1 وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»لن يربح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة<br />

2<br />

من املسلمني حىت تقوم الساعة«‏ . وهو حديث مشهور بل متواتر كما ذكر ابن تيمية رمحه هللا يف ‏)اقتضاء الصراط<br />

املستقيم(‏ مروي عن مخسة عشر صحابيا وأخرجه أصحاب ا لكتب الستة واملعاجم واملسانيد ويف كتب السنة وسائر<br />

كتب السلف الصاحل رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

فهذه طائفة قائمة أبمر الدين تقاتل عليه،‏ موعودة ابلنصر والظهور،‏ مُبَشمرة أبهنا ال يضرها من خالفها وال من خذهلا،‏<br />

ابقية بال انقطاع من لدن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل أن يقاتل آخرها الدجال مع عيسى . فهل ‏َيمر النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم املسلمني ابعتزال هذه الطائفة القائمة أبمر الدين؟ ولذلك فنحن نقول إنه إذا محُِلَ‏ قوله صلى<br />

هللا عليه وسلم : ‏»فاعتزل تلك الفرق كلها«‏ على العموم،‏ فإنه خمَُصم هلذا احلديث كما أنه خمَُصم حبديث الفرقة<br />

الناجية،‏ فإذا افرتق الناس شيعا يف غيبة الإمام <strong>في</strong>نظر املسلم أي الفرق تَتمبِعُ‏ منهج الفرقة الناجية وتقوم حبمل أمانة<br />

هذا الدين وجتاهد على ذلك <strong>في</strong>لتزمها،‏ خاصة وقد دلت النصوص اليت وردت يف مسألة ‏)الغزو مع األمري الفاجر(‏ على<br />

أن اجلهاد ماض ال ينقطع،‏ وقال ابن قدامة ‏]فإن عدم الإمام ال يؤخر اجلهاد[‏ فكيف يقوم اجلاهد بال مجاعة؟<br />

نعم قد قال ابن حجر يف شرح حديث ‏»فاعتزل تلك الفرق كلها«:‏ ‏]ويف احلديث أنه مىت مل يكن للناس إمام فافرتق<br />

3<br />

الناس أحزااب فال يتبع أحدا يف الفرقة ويعتزل اجلميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع يف الشر[‏ . إال أنين قلت من<br />

قبل إن حديث الطائفة املنصورة خيص<br />

كثريا من أحاديث الفنت،‏ ومثال ذلك ما ذكره ابن حجر يف ابب ‏)تَغَريُّ‏ الزمان<br />

حىت تعبد األوَثن(‏ قال:]قال ابن بطال:‏ هذا احلديث وما أشبهه ليس املراد به أن الدين ينقطع كله يف مجيع أقطار<br />

األرض حىت ال يبقى منه شيء،‏ ألنه ثبت أن الإسالم يبقى إَل قيام الساعة،‏ إال أنه يضعف ويبقى غريبا كما بدأ.‏ ‏ُث<br />

ذكر حديث ‏»ال تزال طائفة من أميت يقاتلون على احلق«‏ احلديث،‏ قال:‏ فتبني يف هلا ا ديث ختصيص األخبار<br />

األخرى . 4<br />

ولذلك أقول<br />

إن حديث الطائفة املنصورة ‏ُمُ‏ صِص ديث ‏)فاعتزل تلك الفرق كلها(.‏ وميكن كذلك القول أبن<br />

االعتزال يف احلديث معلق على شرطني ومها:‏ غياب اجلماعة وغياب الإمام<br />

‏»فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام<br />

فاعتزل«‏ وأنه إذا غاب الإمام ووُجِ‏ دت اجلماعة بطل االعتزال ألنه معلق على شرطني وليس شرطا واحدا.‏ إال أن هذا<br />

االستنباط غري مستقيم،‏ ألن اجلماعة يف حديث حذيفة ي ‏ُقْصَد هبا مجاعة املسلمني اليت هي يف طاعة الإمام<br />

‏»تلزم<br />

- رواه مسلم عن معاوية<br />

- رواه مسلم عن جابر بن مسَُرة<br />

- فتح الباري ج 13 ص 37<br />

- فتح الباري ج 13 ص/‏<br />

77 ،76<br />

وذكر مثل ذلك يف ج ‎13‎ص‎18‎<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

85


مجاعة املسلمني وإمامهم«‏<br />

وإذا غاب الإمام غابت ابلتبعية اجلماعة هبذا املعىن.‏ فال يستقيم هذا االستنباط،‏ والقول<br />

أبن حديث الطائفة املنصورة خمص حلديث حذيفة أوَل منه.‏<br />

واملقصد من الكالم السابق هو أن املسلم مأمور ابتّباع احلق،‏ ومأمور ابتباع إمام املسلمني إن وُجِ‏ دَ‏ ‏»تلزم مجاعة<br />

املسلمني وإمامهم«،‏ يطيعه يف طاعة هللا وال يطيعه يف معصية هللا،‏ فإن مل يكن إمام للمسلمني.‏ فما زال املسلم مأمورا<br />

ابتباع احلق،‏ وقد بَنيمَ‏ النيب صلى هللا عليه وسلم أنه ال تزال طائفة من أمته على احلق،‏ ف<strong>في</strong> غياب الإمام جيب على<br />

املسلم التزام هذه الطائفة القائمة أبمر الدين علما ودعوة وجهادا،‏ وقد قال هللا تعاَل ‏}وَ‏ اتَّبِْْ‏ سَبِيلَ‏ مَنْ‏ أَنَا ‏َب<br />

1<br />

إِلَيَّ{‏ .<br />

والبدع<br />

قال ابن القيم رمحه هللا ‏]وما أحسن ما قال أبو حممد عبد الرمحن بن إمساعيل املعروف أبيب شامة يف كتاب احلوادث<br />

‏)حيث جاء األمر بلزوم اجلماعة<br />

فاملراد به لزوم<br />

ا ق<br />

وأتباعه،‏ وإن كان املتمسك به قليال واملخالف له<br />

كَريا(‏ ألن احلق هو الذي كانت عليه اجلماعة األوىل من عهد النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه،‏ وال نظر إَل<br />

كثرة أهل البدع بعدهم.‏ قال عمرو بن ميمون األودي:َ‏ صحِ‏ بْت معاذا ابليمن،‏ فما فارقته حىت واريته يف الرتاب<br />

ابلشام،‏ ‏ُث صحبت بعده أفقه الناس عبد هللا بن مسعود<br />

، فسمعته يقول:‏ عليكم ابجلماعة،‏ فإن يد هللا<br />

على<br />

اجلماعة،‏ ‏ُث مسعته يوما من األايم وهو يقول:‏ سيلي عليكم والة يؤخرون الصالة عن مواقيتها،فصلوا الصالة مليقاهتا،‏<br />

فهي الفريضة،‏ وصلوا معهم فإهنا لكم انفلة،‏ قال قلت:‏ اي أصحاب حممد،‏ ما أدري ما حتدثوان؟ قال:‏ وما ذاك؟ أتمرين<br />

ابجلماعة وحتضين عليها.‏ ‏ُث تقول:‏ صلي الصالة وحدك،‏ وهي الفريضة،‏ وصل مع اجلماعة وهي انفلة؟ قال اي عمرو<br />

بن ميمون،‏ قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية،‏ تدري ما اجلماعة؟ قلت:‏ ال،‏ قال:‏ إن مجهور اجلماعة:‏ الذين<br />

فارقوا اجلماعة.‏ اجلماعة ما وافق ا ق،‏ وإن كنت وحدك(‏ ويف طريق أخرى ‏)فضرب على فخذي وقال:‏ وحيك،‏ إن<br />

مجهور الناس فارقوا اجلماعة.‏ وإن اجلماعة ما وافق طاعة هللا<br />

(، قال نعيم بن محاد)‏<br />

فعليك مبا كانت عليه اجلماعة قبل أن تفسد،‏ وإن كنت وحدك،‏ فإنك أنت اجلماعة حينئل(.‏ 2<br />

‏)تنبيه(:‏ راجع معاين كلمة ‏)اجلماعة(‏ على الإمجال يف الباب الرابع ‏)ص<br />

.)162<br />

يعين إذا فسدت اجلماعة<br />

‏)تنبيه(:‏ من هم الطائفة المنصورة؟<br />

ذهب أكثر السلف إَل أن الطائفة املنصورة هم العلماء وأهل احلديث كما قال البخاري وأمحد بن حنبل ولكن يُشكل<br />

عليهم قوله صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»هذا الدين قائما يقاتل عليه«وغريها من الرواايت اليت تذكر صراحة أن القتال هو<br />

من خصائ هذه الطائفة كرواية جابر بن عبد هللا وعمران بن حصني ويزيد بن األصم عن معاوية وعقبة بن عامر.‏<br />

فال ميكن الطائفة يف العلماء فقط بل هم أهل العلم واجلهاد،‏ وهلذا فقد ذكر النووي أقوال البخاري وأمحد وغريهم<br />

‏ُث قال]وحيتمل أن هذه الطائفة مفرقة بني أنواع املؤمنني منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم حمَُدثون ومنهم<br />

- سورة لقمان،‏ اآلية:‏<br />

15<br />

- ذكره البيهقي وغريه.‏ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ‏)البن القيم(‏ ط دار الكتب العلمية ‎1417‎ه ص 93 92،<br />

1<br />

2<br />

86


زهاد وآمرون ابملعروف وانهون عن املنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من اخلري وال يلزم أن يكونوا جمتمعني،‏ بل قد<br />

يكونون متفرقني يف أقطار األرض 1 وكذلك شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف فتواه بقتال التتار الناطقني ابلشهادتني<br />

احلاكمني بغري شريعة الإسالم،‏ قال إن أهل اجلهاد من أحق الناس دخوال يف الطائفة املنصورة حيث قال ‏]أما الطائفة<br />

ابلشام ومصر وحنومها،‏ فهم يف هذا الوقت املقاتلون عن دين الإسالم،‏ وهم من أحق الناس دخوال يف الطائفة املنصورة<br />

اليت ذكرها النيب صلى هللا عليه وسلم بقوله يف األحاديث الصحيحة املست<strong>في</strong>ضة عنه:»ال تزال طائفة من أميت ظاهرين<br />

على احلق،‏ ال يضرهم من خالفهم وال من خذهلم،‏ حىت تقوم الساعة«‏ ويف رواية ملسلم:‏<br />

2<br />

‏»ال يزال أهل الغرب«[.‏<br />

وال شك أن العلماء العاملني هم أول الناس دخوال يف هذه الطائفة وبقية الناس من اجملاهدين وغريهم تبع هلم.‏<br />

والذي حدا ابلسلف إَل القول أبن الطائفة هم العلماء هو أن اجلهاد مل يكن عليه خالف بني املسلمني،‏ وكانت<br />

الثغور مشحونة ابجلند واجليوش موجهة إَل داير احلرب،‏ وكان أكثر ما خيل ابلدين يف زماهنم هي البدع والضالالت<br />

الكربى وفرسان هذا امليدان هم العلماء.‏<br />

..<br />

أما حنن اليوم فبحاجة إَل جهود العلماء واجملاهدين كل يف ميدانه.‏ فالدين ال يقوم ابلعلم وحده وال ابجلهاد وحده بل<br />

هبما معا كما قال تعاَل يف آية احلديد ‏}لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا رُ‏ سُلَنَا بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا مَعَهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ وَ‏ الْمِيزَ‏ انَ‏ لِيَقُومَ‏ النَّا<br />

‏ُس<br />

3<br />

بِالْقِسِِْ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا الْحَدِيدَ‏ قِيهِ‏ بَأْسٌ‏ شَدِيدٌ‏ وَ‏ مَنَاقُِْ‏ لِلنَّاسِ‏ وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنْصُرُ‏ هُ‏ وَ‏ رُ‏ سُلَهُ‏ بِالْغَيْبِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَوِيٌّ‏ عَزِ‏ ي ‏ٌز{‏<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان واحلديد،‏ كتاب يهدي به وحديد ينصره،‏ كما<br />

قال تعاَل}لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا رُ‏ سُلَنَا اآلية{‏ فالكتاب به يقوم العلم والدين،‏ وامليزان به تقوم احلقوق قي العقود املالية<br />

4<br />

والقبوض،‏ واحلديد به تقوم احلدود ، وقال أيضا:‏ وسيوف املسلمني تنصر هذا الشرع وهو الكتاب والسنة،‏ كما قال<br />

جابر بن عبد هللا)أمران رسول اللهصلى هللا عليه وسلم أن نضرب هبذا يعين السيف من خرج عن هذا يعين<br />

6<br />

5<br />

املصحف ) ، وقال أيضا:‏ فإن قوام الدين ابلكتاب اهلادي واحلديد الناصر كما ذكره هللا تعاَل .<br />

قلت ولذلك ميكن القول الطائفة املنصورة هي الطائفة اجملاهدة املتبعة للمنهج الشرعي املستقيم،‏ منهج أهل السنة<br />

واجلماعة،‏ وسأذكر معامل هذا املنهج إن شاء هللا تعاَل يف مسألة)‏ أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة(.‏<br />

- صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

- سورة احلديد،‏ اآلية:‏<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

- جمموع الفتاوى ج<br />

13 ص 67<br />

29 ص .531<br />

25<br />

35 ص 36<br />

25 ص .365<br />

29 ص<br />

386. وغريها من املواضع.‏<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

87


‏)تنبيه(‏ هل الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة؟<br />

ورد يف معظم كتب العقيدة أن الفرقة الناجية ‏)أهل السنة واجلماعة(‏ هي الطائفة املنصورة ‏]على سبيل املثال:‏ انظر<br />

الباب األخري من العقيدة الواسطية البن تيمية،‏ وكذلك مقدمة كتاب معارج القبول حلافظ حكمي،‏ وغريها[،‏ والذي<br />

يرتجح عندي أن الفرقة والطائفة ليستا مرتادفتني،‏ وأن الطائفة جزء من الفرقة،‏ فالطائفة املنصورة هي اجلزء أو البعض<br />

القائم بنصرة الدين<br />

علما وجهادا من الفرقة الناجية اليت هي على املنهج واالعتقاد الصحيح،‏ وتفريعا من ذلك نقول<br />

أيضا إن اجملدد هو أحد أفراد الطائفة املنصورة الذي قام أبهم واجبات الدين يف زمنه،‏ على قول اجلمهور أبن اجملدد<br />

فرد واحد.‏ ودليلي يف هذا ما يلي:‏<br />

=<br />

1<br />

قول هللا تعاَل ‏}قَلَوْ‏ ال<br />

نَفَرَ‏ مِنْ‏ ِ كُل قِرْ‏ قَةٍ‏ مِنْهُمْ‏ ‏َِائِفَةٌ‏ لِيَتَفَقَّهُوا قِي الدِي ‏ِن{‏‎1‎<br />

فهذه اآلية فَرمقت بني الفرقة<br />

والطائفة،‏ وبينت أن الطائفة جزء من الفرقة،‏ وأهنا هي اجلزء القائم ابلعلم واجلهاد من الفرقة.‏ كما يف تفسري هذه اآلية<br />

‏)راجع ابن كثري(.‏<br />

= 2<br />

العلم واجلهاد،‏ ومها أهم صفات الطائفة املنصورة،‏ أصل مشروعيتهما أهنما من فروض الكفاية،‏ جيب على البعض<br />

دون الكل من أبناء األمة القيام هبما،‏ وهذا البعض القائم ابلعلم واجلهاد من األمة هم الطائفة املنصورة.‏<br />

= 3<br />

وقول أئمة احلديث كالبخاري وأمحد،‏ إن الطائفة هم أهل احلديث أو أهل العلم كما ب ‏َومب البخاري على هذا يف<br />

كتاب االعتصام من صحيحه،‏ مشعر هبذا الفرق،‏ فإنه ليس كل من كان من أهل السنة ‏)الفرقة الناجية(‏ فهو من أهل<br />

احلديث.‏ أما ما نقله النووي عن الطائفة ‏]قال أمحد بن حنبل:‏ إن مل يكونوا أهل احلديث فال أدري من هم،‏ قال<br />

القاضي عياض:‏ إَّنا أراد أمحد أهل السنة واجلماعة ومن يعتقد مذهب أهل احلديث[‏ فقول القاضي عياض إن أهل<br />

احلديث أي أهل السنة مجيعا،‏ ال يستقيم،‏ إال أن يقال ابلتبعية وهو ما أشار إليه بقوله ‏)ومن يعتقد مذهب أهل<br />

احلديث(‏ فإن العامة ينبغي أن يكونوا تبعا لعلمائهم،‏ فالعلماء هم من أويل األمر املذكورين يف قوله تعاَل ‏}أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ<br />

وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُمْ{‏ ، 2 وأوضح من ذلك قوله تعاَل:}‏ وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏<br />

3<br />

مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ ، ف<strong>في</strong> هذه اآلية مسى هللا تعاَل العلماء ‏)وهم الذين يستنبطونه(‏ مساهم أويل<br />

األمر،‏ وهذا ن<br />

يف كون العلماء من أويل األمر و<strong>في</strong>ه إشارة إَل وجوب تسويدهم،‏ كما وردت الإشارة إَل ذلك<br />

4<br />

أيضا يف حديث قبض العلم.‏ فالعامة تبع للعلماء،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَوْ‏ مَ‏ نَدْعُو كُلَّ‏ أُنَاسٍ‏ بِإِمَامِهِ‏ ‏ْم{‏<br />

وأهل السنة<br />

واجلماعة تبع لعلمائهم الذين هم الطائفة املنصورة القائمة يف األمة مقام النيب صلى هللا عليه وسلم . فإذا قيل إن أهل<br />

السنة ‏)الفرقة الناجية(‏ هم الطائفة املنصورة أي ابلتبعية وإال فإن الطائفة أخ<br />

من الفرقة.‏ وهللا تعاَل أعلم.‏<br />

88<br />

1<br />

2<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏‎122‎<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

58<br />

93<br />

- 3<br />

- 4<br />

سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

71


واملقصد من هذا أن يسعى كل مسلم ألن يكون من هذه الطائفة املنصورة القائمة بنصرة الدين ابلعلم والدعوة<br />

واجلهاد،‏ قال تعاَل ‏}وَ‏ قِي ذَلِكَ‏ قَلْيَتَنَاقَسْ‏ الْمُتَنَاقِسُو ‏َن{‏ ، 1 قلت:‏ ومع ذلك فإن الطائفة قد تكون هي الفرقة أبكملها<br />

وذلك يف آخر الزمان حينما ينحاز املؤمنون إَل الشام وعليهم ينزل عيسى بن مرمي<br />

<br />

لقتال الدجال كما يف األحاديث<br />

2<br />

الصحيحة.‏ وعلى هذا تنزل الرواايت اليت ذكرت أن الطائفة تكون ابلشام أو ببيت املقدس وأن هذا يكون ابلنسبة<br />

3<br />

آلخر هذه الطائفة إبطالق،‏ أما قبل ذلك من األزمنة فالطائفة قد تكون ابلشام أو بغريه . وهللا تعاَل أعلم.‏<br />

تنبيه:‏ على أهم واجبات الطائفة المنصورة <strong>في</strong> هذا الزمان.‏<br />

هذا وإن من أعظم واجبات الطائفة املنصورة يف هلا الزمان هو جهاد ا كام املرتدين املبدلني لشرع هللا الذين<br />

حيكمون املسلمني ابلقوانني الوضعية الكفرية،‏ كما قال ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل ‏}أَقَحُكْمَ‏ الْجَاهِلِيَّ‏ ‏ِة<br />

يَبْغُو ‏َن{‏‎4‎<br />

‏]ينكر تعاَل على من خرج عن حكم هللا املشتمل على كل خري،‏ الناهي عن كل شر وعدل إَل ما سواه من اآلراء<br />

واألهواء واالصطالحات اليت وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا إَل قوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر جيب<br />

قتاله حىت يرجع إَل حكم هللا ورسوله،‏ فال حيكم سواه يف قليل أو كثري[.‏<br />

وقد علق كثري من العلماء املعاصرين على كالم ابن كثري السابق مُبَيِّنني أن هذا هو حال احلكام الذين حيكمون<br />

املسلمني ابلقوانني الوضعية اآلن.‏<br />

فقال الشيخ أمحد شاكر رمحه هللا ‏]أ<strong>في</strong>جوز مع هذا يف شرع هللا أن حيكم املسلمون يف بالدهم بتشريع مقتبس عن<br />

تشريعات أوربة الوثنية امللحدة؟ بل تشريع تدخله األهواء واآلراء الباطلة،‏ يغريونه ويبدلونه كما يشاءون،‏ ال يبايل واضعه<br />

أوافق شرعة الإسالم أم خالفها؟ إَل قوله<br />

بواح ال خفاء <strong>في</strong>ه وال مداورة<br />

5<br />

إقرارها[‏ .<br />

إن األمر يف هله القوانني الوضعية واضح وضوح الشمس،‏ هي كفر<br />

وال عذر ألحد ممن ينتسب لإلسالم كائنا من كان يف العمل هبا أو اخلضوع هلا أو<br />

ويقول العالمة حممد حامد الفقي رمحه هللا معلقا على كالم ابن كثري رمحه هللا ومثل هذا وشر منه من اختذ كالم<br />

الفرُنة قوانني يتحاكم إليها يف الدماء والفروج واألموال ويقدمها على ما علم وتبني له من كتاب هللا وسنة رسوله صلى<br />

هللا عليه وسلم،‏ فهو بال شك كافر مرتد إذا أصر عليها ومل يرجع إَل احلكم مبا أنزل هللا.‏ وال ينفعه أي اسم تَسَمى به<br />

وال أي عمل من ظواهر أعمال الصالة والصيام واحلج وحنوها[‏ . 6<br />

- سورة املطففني،‏ اآلية:‏<br />

- حديث أيب أمامة<br />

26<br />

- وانظر كالم صاحب كتاب فتح اجمليد شرحكتاب التوحيد يف شرح حديث الطائفة ‏)ط أنصار السنة ص 278 279،<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

51<br />

- عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري ألمحد شاكر ط دار املعارف ج 4 ص 173<br />

- كتاب فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد ط أنصار السنة هامش ص<br />

174<br />

386<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

89


ويقول الشيخ حممد بن إبراهيم آل<br />

أكرب خمرجا من امللة يف ستة أنواع،‏ اخلامس منها<br />

الشيخ م<strong>في</strong>ت السعودية السابق رمحه هللا:‏ إن احلكم بغري ما أنزل هللا يكون كفرا<br />

يصف حال بالد املسلمني اآلن وصفا دقيقا،‏ وقال <strong>في</strong>ه ‏]وهو<br />

أعظهما وأمشلها وأظهرها معاندة للشرع،‏ ومكابرة ألحكامه،‏ ومشاقة هلل ورسوله ومضاهاة ابحملاكم الشرعية <strong>إعداد</strong>ا<br />

وإمدادا وإرصادا وأتصيال،‏ وتقريعا وتشكيال وتنويعا وحكما وإلزاما،‏ ومراجع ومستندات.‏ فكما أن للمحاكم الشرعية<br />

مراجع مستمدات مرجعها كلّها إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ فلهذه احملاكم مراجع،‏ وهي:‏<br />

القانون امللفق من شرائع شىتّ‏ ، وقوانني كثرية،‏ كالقانون الفرنسي،‏ والقانون األمريكي والقانون الربيطاين،‏ وغريها من<br />

القوانني،‏ ومن مذاهب بعض البدعيني املنتسبني إَل الشريعة وغري ذلك.فهذه احملاكم يف كثري من أمصار الإسالم مهيأة<br />

مكملة،‏ مفتوحة األبواب،‏ والناس إليها أسراب إثر أسراب،‏ حيكم حكامها بينهم مبا خيالف حكم السنة والكتاب،‏ من<br />

أحكام ذلك القانون وتلزمهم به،‏ وتقرهم عليه،‏ وحتتمه عليهم.‏ فأي كفر فوق هلا الكفر،‏ وأي مناقضة للشهادة أبن<br />

1<br />

حممداً‏ رسول هللا بعد هذه املناقضة .<br />

فهذه بعض أقوال أهل العلم يف هؤالء احلكام،‏ ولتفصيل هذه املسألة موضع آخر.‏<br />

أما عن واجب املسلمني حنو هؤالء احلكام املرتدين،‏ فهو كما قال القاضي عياض رمحه هللا ‏]فلو طرأ عليه كفر وتغيري<br />

للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن<br />

أمكنهم ذلك،‏ فإن مل يقع ذلك إال لطائفة وجب عليهم القيام خبلع الكافر،‏ وال جيب يف املبتدع إال إذا ظنوا القدرة<br />

2<br />

عليه،‏ فإن حتققوا العجز مل جيب القيام وليهاجر املسلم عن أرضه إَل غريها ويفر بدينه . هذا وقد ذكرت من قبل كالم<br />

شيخ الإسالم ابن تيمية ‏]كما جيب االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز،‏ فإن ما ال<br />

4<br />

3<br />

يتم الواجب إال به فهو واجب[‏ . ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، فال<strong>إعداد</strong> جلهاد هؤالء<br />

املرتدين من أوجب الواجبات على املسلمني اآلن خاصة وأنه ال توجد الدار الصاحلة للهجرة،‏ واهلجرة غري متيسرة<br />

ألغلب املسلمني بسبب أحواهلم اخلاصة وأحوال بالدهم وأنظمتها.‏<br />

هذا <strong>في</strong>ما يتعلق أبعظم واجبات الطائفة املنصورة يف هذا الزمان.‏<br />

وهذه املسألة،‏ أال وهي كفر احلكام احلاكمني بغري شريعة الإسالم ووجوب جهادهم،‏ هي عندي يف خطرها<br />

تضارع<br />

حادثة الردة بعد وفاة النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ إذ إن هذه املسألة هتدد مجاهري غفرية من املسلمني وأبنائهم ابلردة<br />

الشاملة إذا تُرِك احلال على ما هو عليه من فساد وإفساد هؤالء احلكام وتبديلهم للشرائع واملفاهيم وإشاعتهم<br />

- رسالة حتكيم القوانني<br />

- ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ كتاب الإمارة ج 12 ص 228<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 258<br />

- سورة األنفال،‏ اآلية:‏ 61<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

91


للفواحش يف املسلمني،‏<br />

ولو كان الصحابة رضي هللا عنهم أحياء اليوم لكان أعظم أعماهلم هو جهاد هنالء<br />

ا كام.‏ وهذه املسألة تفوق يف فتنتها فتنة خلق القرآن أضعافا مضاعفة.‏<br />

1<br />

وما أرى من أحد من املنتسبني إىل العلم الشرعي يف زماننا هذا مل يتكلم يف هذه املسألة مُنْكِراً‏ وحمَُرِّضًا املسلمني<br />

على اجلهاد ما أرى مثل هذا يلقى هللاَ‏ إال وهللاُ‏ تعاَل ساخطا عليه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ يَكْتُمُونَ‏ مَا أَنزَ‏ لْنَا مِ‏ ‏ْن<br />

الْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ الْهُدَى مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا بَيَّنَّاهُ‏ لِلنَّاسِ‏ قِي الْكِتَابِ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ يَلْعَنُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ يَلْعَنُهُمْ‏ الالَّعِنُو ‏َن إِالَّ‏ الَّذِينَ‏ تَابُوا وَ‏ أَصْلَحُوا<br />

وَ‏ بَيَّنُوا قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ أَتُوبُ‏ عَلَيْهِمْ‏ وَ‏ أَنَا التَّوَّ‏ ابُ‏ الرَّ‏ حِ‏ ي ‏ُم{‏ ، والعامل مطالب شرعا ببيان احلق يف هذه األحوال قبل أن يُسْأَلَه،‏<br />

2<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ تَعَالَوْ‏ ا أَتْلُ‏ مَا حَرَّ‏ مَ‏ رَ‏ بُّكُمْ‏ عَلَيْكُ‏ ‏ْم{‏ ، فالعامل مطالب أبن يدعوا الناس ‏}تَعَالَوْ‏ ا{‏ ليعرفهم احلق من<br />

الباطل قال القرطيب يف تفسريها:‏ ‏]وهكذا جيب على من بعده صلى هللا عليه وسلم من العلماء أن يبلغوا الناس وي ‏ُبَيمنوا<br />

3<br />

هلم ما حرم هللا عليهم مما حل،‏ قال هللا تعاَل}لَتُبَي ‏ِنُنَّهُ‏ لِلنَّاسِ‏ وَ‏ ال تَكْتُمُونَهُ{‏ [. قلت:‏ وال جيوز أتخري البيان عن وقت<br />

4<br />

احلاجة.‏ فإن قال العامل خشيت الناس،‏ فإن هللا تعاَل يقول:‏ ‏}أَتَخْشَوْ‏ نَهُمْ‏ قَاّلِلَّ‏ ُ أَحَقُّ‏ أَنْ‏ تَخْشَوْ‏ هُ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ .<br />

هذا <strong>في</strong>من سكت من العلماء،‏<br />

يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُمْ{‏ . 5<br />

فكيف مبن د اه ن،‏<br />

فكيف مبن ر ضِي،‏<br />

فكيف مبن ع او ن ؟<br />

قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَ‏ ‏ْن<br />

‏)مسألة(‏ ‏)ما الموقف من تعدد الجماعات العاملة لإلسالم؟(.‏<br />

إذا كان الواجب يف هذا الزمان هو العمل اجلماعي لنصرة الدين وليس االعتزال،‏ فما املوقف من تعدد اجلماعات ومع<br />

مَنْ‏ يعمل املسلم؟<br />

سُئِلْت هذا السؤال غري مرة.‏ وأُثْبِتُ‏ هنا جوايب عنه لعموم الفائدة.‏ قلت:‏ أوجب الواجبات الشرعية<br />

يف هذا الزمان هو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل نصرة لدين هللا سبحانه وإنقاذا لألمة من املذلة واهلوان،‏ ولإقامة اخلالفة<br />

الإسالمية تلك الفريضة اليت ‏َيُث املسلمون مجيعا بغياهبا لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من مات وليس يف<br />

7<br />

6<br />

عنقه بيعة مات ميتة جاهلية«‏ ، واملقصود بيعة الإمام ال غري . وسيأِت احلديث عن اجلهاد بشيء من التفصيل يف<br />

مسألة ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ إن شاء هللا.‏ هذا هو الواجب احلق املُضَيمق الوقت.‏<br />

السبيل<br />

9<br />

هي خمُْطِئة ومُقَصِّرَة وإن قامت ببعض واجبات الدين األخرى .<br />

وأي مجاعة ال تعمل يف هلا<br />

ج-‏<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

161<br />

158<br />

151<br />

7 ص 131<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية<br />

13<br />

51<br />

- رواه مسلم عن ابن عمر<br />

- انظر ص ** هبذه الرسالة ؟؟؟<br />

- انظر العقبة السادسة للشيطان:‏ وهي شغل العبد ابألعمال املفضولة ص 13 نقال عن مدارج السالكني 222/1<br />

226<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

9<br />

90


فالواجب على املسلم أن ينصر اجلماعة اليت جتاهد يف سبيل هللا،‏ أما اجلماعات األخرى فال أبس مبعاونتها بشرطني:‏<br />

أحدمها:‏ أال يتخذ هذه املعاونة ذريعة للقعود عن اجلهاد الواجب،‏ وَثنيهما:‏ أال تتعارض معاونته هلذه اجلماعة مع عمله<br />

اجلهادي.‏ وعلى أن يستمر يف نصحه هلم بوجوب اجلهاد.‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى وَ‏ ال تَعَاوَ‏ نُوا<br />

1<br />

عَلَى اإلِ‏ ثْمِ‏ وَ‏ الْعُدْوَ‏ انِ‏ } .<br />

واجلماعات اليت ال تشتغل ابجلهاد ال أبس بتعددها<br />

2<br />

إال إذا أضَرمت ببعضها البعض أما اجلماعات اليت تشتغل<br />

ابجلهاد <strong>في</strong>حرم تعددها،‏ ألن اجلهاد ال يقوم إال ابلشوكة والقوة،‏ والتعدد يذهب ابلشوكة.‏<br />

ويف القول مبنع تعدد اجلماعات بل حرمته أدلة كثرية،‏ منها قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيع ‏ًا وَ‏ ال<br />

3<br />

تَفَرَّ‏ قُوا{‏ ، وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اخْتَلَفُوا مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا<br />

جَاءَهُمْ‏ الْبَي ‏ِنَاتُ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمْ‏ عَذَا ‏ٌب<br />

5<br />

4<br />

عَظِيمٌ{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال ضرر وال ضرار«‏ ، قلت فأي ضرر أشد ابملسلمني وأعم من<br />

تفرقهم،‏ وإذا كان املسلمني مفرقني بني عشرات اجلماعات فكيف تتكون هلم قوة وشوكة يواجهون هبا أعداءهم،‏<br />

وشوكة اإلسالم ال تتكون إال ابلوالء اإلمياين مبواالة املسلمني بعضهم بعضا،‏ كما قال املوَل جل وعال:‏ ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُو ‏َن<br />

وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ وَ‏ يُقِيمُونَ‏ الصَّالةَ‏ وَ‏ يُؤْ‏ تُونَ‏ الزَّ‏ كَاةَ‏<br />

وَ‏ يُِِيعُونَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ سَيَرْ‏ حَمُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَزِ‏ يزٌ‏ حَكِي ‏ٌم{‏ . وتدبر هذه اآلية جتد أن هللا سبحانه قدمم األمر<br />

6<br />

ابملعروف والنهي عن املنكر على إقام الصالة وإيتاء الزكاة مع أهنما من أركان الإسالم اخلمس،‏ ولعل السر يف هذا أن<br />

الصالة والزكاة ميكن للمسلم أداؤها منفردا أو يف مجع قليل،‏ أما األمر والنهي <strong>في</strong>لزمه قوة وشوكة ال تتم إال مبواالة<br />

املؤمنني بعضهم بعضا وملا افتتحت اآلية بذكر مواالة املؤمنني انسب أن يتقدم األمر والنهي على الصالة والزكاة للتنبيه<br />

على أمهية املواالة للقيام ابإلمر والنهي،‏ وهذا يشبه قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ إِالَّ‏ تَفْعَلُوهُ‏<br />

تَكُنْ‏ قِتْنَةٌ‏ قِي األْ‏ ‏َرْ‏ ضِ‏ وَ‏ قَسَادٌ‏ كَبِيرٌ‏ } 7 ، أي إن مل يوال املؤمنون بعضهم بعضا كما يفعل الكافرون تكن فتنة وفساد<br />

92<br />

1<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

2<br />

- انظر ص 138<br />

2<br />

3<br />

4<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏‎113‎<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

115<br />

-<br />

5<br />

رواه الدارقطين عن أيب سعيد،‏ ورواه احلاكم عنه،‏ وزاد <strong>في</strong>ه:‏ ‏»من ضَار ضره هللا،‏ ومن شَاقم شَقم هللا عليه«‏ ‏]قلت:‏ هذا احلديث خلتلف يف احلكم<br />

عليه،‏ وهو مروي عن عدد من الصحابة،‏ ذكر الزيلعي طرقه ومل حيكم عليه ‏)نصب االراية ج<br />

4 ص 396 394<br />

(، أما الذين حكموا عليه،‏ فمنهم من قال<br />

مل يصح مسندا وغنما هو مرسل كما رواه مالك عن حيىي املاوين مرسال،‏ وممن قال هبذا أبو عمر بن عبد الرب،‏ ومنهم من قال هو حديث حسن لكثرة<br />

طرقه اليت يقوي بعضها بعضا،‏ قال هذا ابن الصالح والنووي وابن رجب ‏)جامع العلوم واحلكم ص 266(، وقال احلاكم صحيح على شرط مسلم وأنكر<br />

األلباين عليه ذلك،‏ ‏ُث صححه الشيخ األلباين لكثرة طرقه وأشار إَل مانقله املناوي يف <strong>في</strong>ض القدير عن النووي وعن احلافظ العالئي ‏)إرواء الغليل ختريخ<br />

أحاديث منار السبيل ج<br />

3 ص 414 419 حديث .)986<br />

6<br />

- سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

71<br />

7<br />

- سورة األنفال،‏ األية:‏<br />

73


كبري،‏ وذلك ألن الكافرين جمتمعني يواجهون املؤمنني فرادى <strong>في</strong>قتلوهنم ويعذبوهنم ويفتنوهنم عن دينهم وي ‏ُعْلُون أحكام<br />

الكفر فأي فتنة وفساد أعظم من هذا،‏ وقد قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَفَسَدَ‏ ‏ْت<br />

1<br />

األَرْ‏ ضُ‏ } ، فكيف تتأتى للمسلمني القوة الالزمة لدفع الكافرين وفسادهم واملسلمون متفرقون،‏ فال شك أن املسلمني<br />

بتفرقهم مسئولون عن قدر كبري من هذا الفساد،‏ وقد قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَ‏ ‏ْت<br />

2<br />

أَيْدِيكُمْ{‏ .<br />

فما العمل إذا كان التعدد واقعا؟ الذي أراه وهللا تعاَل أعلم أن تُضَم اجلماعات احلديثة إَل اجلماعة األقدم،‏ كذلك<br />

فإن الواجب على كل مسلم أن يعمل مع أقدم مجاعة من املشتغلني ابجلهاد وبيعة أي مجاعة أحدث هي ابطلة وإن<br />

جهلت بوجود اجلماعة األقدم،‏ ودليلي يف هذا حديث أيب هريرة مرفوعا ‏»كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما<br />

هلك نيب خلفه نيب،‏ وألنه ال نيب بعدي وستكون خلفاء فتكثر،‏ قالوا:‏ فما أتمران؟ قال:‏<br />

فوا ببيعة األول فاألول،‏<br />

3<br />

وأعطوهم حقهم،‏ فإن هللا سائلهم عما اسرتعاهم«‏ ، وقد استندت <strong>في</strong>ما قلت إَل هذا احلديث،‏ إذ إن سبب منع<br />

تعدد األئمة هو سبب منعنا لتعدد اجلماعات،‏ وهو ا فاظ على وحدة املسلمني،‏ وبَنيمَ‏ صلى هللا عليه وسلم هذا<br />

السبب يف أكثر من حديث،‏ منها ما رواه مسلم عن عرفجة مرفوعا ‏»إنه ستكون هَنَاتٌ‏ وهَنَاتٌ،‏ فمن أراد أن يفرق<br />

أمر هذه األمة وهي مجيع فاضربوه ابلسيف كائنا من كان«‏<br />

ورَوَى أيضا مرفوعا ‏»من أاتكم وأمركم مجيع على رجل<br />

واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه«.‏ وروى مسلم عن أيب سعيد مرفوعا ‏»إذا بويع خلليفتني فاقتلوا<br />

اآلخر منهما«.‏<br />

فانظر إَل هذه األحاديث اليت أمرت بقتل اآلخر ‏]إذا مل يندفع شره إال بقتله[‏ فإنه يقتل وإن كان<br />

أفضل من اخلليفة األول،‏ فإن ظهور الفاضل ال يدُبْطل بيعة املفضول املنعقدة ، 4 وقتل اخلليفة اآلخر هو يف ظاهره<br />

ضرر ومفسدة إذ إن قتل إنسان مستجمع لصفات الكمال مستحق ملرتبة اخلالفة،‏ ولكن ورد األمر ابرتكاب هذا<br />

لدفع ضرر هو أشد وهو تفريق كلمة املسلمني،‏ مما يبني لك عظم قدر هله املصلحة الشرعية أال وهي ا فاظ<br />

على وحدة املسلمني.‏ وهذا أحد األمثلة التطبيقية لعدد من القواعد الفقهية منها قاعدة ‏)ي ‏ُتَحمل الضرر اخلاص لدفع<br />

الضرر العام(‏ وقاعدة ‏)الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف(‏ وقاعدة ‏)إذا تعارض مفسداتن روعي أعظمهما ضررا متُنع<br />

ابرتكاب أخفهما(‏ وقاعدة ‏)خيُ‏ تار أهون الشرين(‏ . 5<br />

قال النووي يف شرح حديث<br />

فاألول«‏<br />

أيب هريرة السابق<br />

‏]»وستكون خلفاء فتكْثُر،‏ قالوا:‏ فما أتمران؟ قال:‏ فوا ببيعة األول<br />

قال:‏ ويف هذا احلديث معجزة ظاهرة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ ومعىن هذا احلديث إذا بويع خلليفة<br />

93<br />

1<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

251<br />

- 2<br />

- 3<br />

- 4<br />

سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

متفق عليه<br />

31<br />

املاوردي األحكام السلطانية ص<br />

9<br />

5<br />

- شرح القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا طبعة<br />

ه قاعدة 1413<br />

29 25


بعد خليفة،‏<br />

فبيعة األول صحيحة جيب الوفاء هبا وبيعة الَاين ابطلة حيرم الوفاء هبا،‏<br />

وحيرم عليه طلبها،‏ وسواء<br />

عقدوا للثاين عاملني بعقد األول أو جاهلني،‏ وسواء كاان يف بلدين أو بلد،‏ أو أحدمها يف بلد الإمام املنفصل واآلخر<br />

يف غريه،‏ هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا ومجاهري العلماء،‏ وقيل تكون ملن عُقِدت له يف بلد الإمام،‏ وقيل ي ‏ُقْرَع<br />

بينهم،‏ وهذان فاسدان،‏ واتفق العلماء على أنه ال جيوز أن يعقد خلليفتني يف عصر واحد،‏ سواء اتسعت دار الإسالم<br />

1<br />

أم ال[‏ .<br />

وقال املاوردي يف األحكام السلطانية:‏ ‏]ص 8: والصحيح يف ذلك أن اإلمامة ألسبقهما بيعة وعقدا[.‏<br />

قال أبو يعلى يف األحكام السلطانية:‏ ‏]ص<br />

السابق منهما ب طل عقد الَاين[.‏<br />

25: وإن كان العقد<br />

لكل واحد منهما على االنفراد نظرت،‏ فإن عُلِم<br />

من أجل هذا ذهبت إَل املنع من تعدد هذه اجلماعات ملا <strong>في</strong>ه من تشتيت لشمل املسلمني وإهدار لطاقاهتم وحتزيبهم<br />

وإَثرة العداوة والبغضاء بينهم،‏ وإذا أضفنا إَل هذا خمططات أعداء الإسالم اكتملت للمسلمني مجيع مقومات الفشل،‏<br />

وهذا هو الواقع فعال.‏<br />

ولعل القارئ الكرمي يالحظ أنين مل أقل مبنع تعدد اجلماعات قياسا على منع تعدد اخللفاء،‏ إذ إن القياس ال يصح ها<br />

هنا ألن صفة اخلليفة منت<strong>في</strong>ة يف حق أمراء اجلماعات،‏ وهذه الصفة هي عموم النظر يف مصاحل املسلمني،‏ فهذا للخليفة<br />

دون غريه،‏ وهلذا مل أُصَرِّح ابلقياس لعدم اكتمال العلة.‏ ولكين استندت إَل هذا احلديث ‏»فوا ببيعة األول فاألول«‏ من<br />

انحية اعتبار مقاصد الشريعة،‏ أي مقصد الشارع من هلا ا كم،‏ وهو ما جيب مراعاته يف استنباط األحكام <strong>في</strong>ما ال<br />

ن <strong>في</strong>ه،‏ ومقصد الشارع من منع تعدد اخللفاء هو ا فاظ على وحدة األمة،‏ وهذا هو ما استندان إليه يف القول مبنع<br />

تعدد اجلماعات ومن وجوب انضمام الالحق إَل السابق،‏ ملا يف التعدد من مفاسد ال ختفى على أحد،‏ ويقول<br />

الشاطيب رمحه هللا:‏ ‏]النظر يف مآالت األفعال معترب مقصود شرعا،‏ كانت األفعال موافقة أو خمَُالِفة أي مأذوان <strong>في</strong>ها<br />

أو منهيا عنها،‏ وذلك أن اجملتهد ال حيكم على فعل من األفعال الصادرة عن املكلفني ابلإقدام أو الإحجام إال بعد<br />

نظره إَل ما يؤول إليه ذلك الفعل أ ه . وساق رمحه هللا األدلة الدالة على أن املآالت معتربة يف أصل املشروعية . 2<br />

وما ذكرته سابقا يف العمل<br />

عند تعدد اجلماعات من وجوب انضمام الالحق للسابق،‏ واجلديد للقدمي أرى أن يكون<br />

أصال يُعمل به،‏ وال يصح اعتبار صفة أخرى كالكثرة أو زايدة العلم فهذه صفات متغرية،‏ فالطائفة الكثرية ميكن أن<br />

تقوم بعدها طائفة أكثر منها عددا،‏ والطائفة اليت تضم بعض العلماء ميكن أن تكون<br />

بعدها،‏ فهذه أوصاف متغرية<br />

هناك أخرى مثلها أو تقوم<br />

وقاعدة الشريعة اإلتيان مبا ينحصر وينضبط،‏ ومن هنا قلنا إن العربة ابألقدمية فهذا<br />

وصف ينحصر وينضبط،‏ ويتفق مع فضيلة السبق واملبادرة كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}ال يَسْتَوِي مِنْكُمْ‏ مَنْ‏ أَنْفَقَ‏ مِنْ‏ قَبْ‏ ‏ِل<br />

- ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 12 ص 222 221،<br />

- ‏)املوافقات يف أصول الشريعة(‏ ط دار املعرفة ج 4 ص 184<br />

189<br />

1<br />

2<br />

94


الْفَتْحِ‏<br />

وَ‏ قَاتَلَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ أَعْظَمُ‏ دَرَ‏ جَةً‏ مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَنْفَقُوا مِنْ‏ بَعْدُ‏ وَ‏ قَاتَلُوا{‏ ، 1 على أن يكون األقدم ذا أصول شرعية<br />

صحيحة ، 2 وأن يكون صادقا يف تن<strong>في</strong>ذها،‏ وإذا اختُلِفَ‏ يف األقدمية يُصَار إَل التحكيم.‏ وهذا يف سد لذريعة التحزب<br />

والتعدد الذي يذهب بشوكة املسلمني،‏ وحمال أن ختلو الشريعة من حكم ملثل هذه املُلِمة،‏ وقد قال تعاَل:‏ ‏}قَإِ‏ ‏ْن<br />

3<br />

تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ{‏ ، وهذه صيغة عموم تشمل كل ما ي ‏ُتَنَازَع <strong>في</strong>ه.‏<br />

هذا ما أراه يف مسألة تعدد اجلماعات يف البلد الواحد خاصة،‏ أما إذا تعدد البلدان فقد يكون هناك متسع لتعدد<br />

اجلماعات العامة بقدر هذه البلدان،‏ فقد قال النووي يف صفة الطائفة املنصورة:‏ ‏]وال يلزم أن يكونوا جمتمعني بل قد<br />

4<br />

يكونوا متفرقني يف أقطار األرض[‏ ، فإذا تعددت اجلماعات بتعدد البلدان ‏ُث غلبت إحداها على بلد وصار منها إمام<br />

املسلمني،‏ <strong>في</strong>جب على كافة اجلماعات األخرى الدخول يف طاعته واهلجرة إليه لنصرته وشد أزره،‏ قال أمحد بن حنبل:‏<br />

‏]ومن غلب عليهم ابلسيف حىت صار خليفة،‏ ومسي أمري املؤمنني،‏ فال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يبيت وال<br />

يراه إماما<br />

6<br />

5<br />

. وهذا الذي قاله الإمام أمحد نقل ابن بطال الإمجاع عليه .<br />

قلت:‏ فال يصح تعدد اجلماعات يف ببلد واحد،‏ وحيتمل التعدد بتعدد البلدان وإن كان االحتاد هو األوَل،‏ وإن حالت<br />

األحوال دونه فليس أقل من أن تتعاون اجلماعات يف البلدان املتعددة يف جماالت اخلربة و<strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>،‏ كذلك إذا<br />

7<br />

كانت مجاعة قد حتققت العجز عن التغيري ببلدها فعليها اهلجرة ، وهتاجر لتساعد إخواهنا ابلبلد الذي يغلب على<br />

الظن ‏ُناح التغيري الإسالمي <strong>في</strong>ه،‏ إال أن ‏َيمرَ‏ أمريُ‏ هذه الطائفةِ‏ القويةِ‏ الطائفةَ‏ العاجزةَ‏ ابلبقاء يف بلدها لغرض شرعي<br />

صحيح من دعوة وحنوها،‏ كما أمر النيب صلى هللا عليه وسلم أاب ذر بذلك<br />

9<br />

. وإذا غلبت مجاعة على بلد من البلدان<br />

ونصبت إماما للمسلمني،‏ وجب على الكل اهلجرة إليه ونصرته وطاعته،‏ هذا ما أراه وهللا أعلم ابلصواب.‏<br />

وغين عن الذكر أن القدمي الذي يضم إليه شرطه أن يكون على احلق،‏ مستمسكا ابلشريعة عامال هبا جماهدا من أجل<br />

ظهورها على الدين كله،‏<br />

وال يدخل يف هلا:‏<br />

اجلماعات املتالعبة بشرع هللا كاليت تسعى إىل حكم اإلسالم عن<br />

طريق الدميقراطية الشركية والربملاانت العِلمانية وأشباه ذلك مما سقط <strong>في</strong>ه الكثريون ابسم الدعوة إَل الإسالم فَضَلّوا<br />

8<br />

وأضَلّوا كثريا من الناس واتبعوا خطوات الشيطان وهو ‏}يَعِدُهُمْ‏ وَ‏ يُمَن ‏ِيهِمْ‏ وَ‏ مَا يَعِدُهُمْ‏ الشَّيَِْانُ‏ إِالَّ‏ غُرُ‏ ً ورا{‏ ، فأهدروا<br />

95<br />

1<br />

- سورة احلديد،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

2<br />

- 3<br />

- راجع مسألة أصول االعتصام ابلكتاب والسنة يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين<br />

سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

58<br />

4<br />

5<br />

6<br />

7<br />

9<br />

- ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 13 ص 67<br />

- ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص 23<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 7<br />

- قاله القاضي عياض،‏ ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 12 ص 228<br />

- رواه البخاري حديث 3961<br />

8 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

121


طاقات آالف الشباب جبعلهم مستكينني مساملني للحكام الطواغيت خالفا ملا يقتضيه الشرع من وجوب قتاهلم،‏ فأي<br />

ضالل بعد هذا؟<br />

وهذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابلرد على اعرتاض مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(‏ على<br />

إمارة اجلماعات الإسالمية.‏ وهو<br />

األول من اعرتاضاته،‏ وب ‏َيمنت يف ردي عليه أن هناك نصوصاً‏ أخرى تثبت صحة وجوب هذه الإمارة،‏ وأن قياسها على<br />

1<br />

إمارة السفر هو قياس صحيح،‏ وقد ذكر أكثر من جمتهد ، وب ‏َيمنت كذلك أن قيام هذه اجلماعات أبمر الدين هو<br />

واجب،‏ خاصة يف غياب الإمامة واخلالفة الإسالمية،‏ واستطردت يف بعض ما أظنه انفعا للمسلمني،‏ واحلمد هلل رب<br />

العاملني.‏<br />

و<strong>في</strong>ما يلي الرد على الرابع من اعرتاضاته<br />

االعتراض الرابع:‏<br />

وهو قول األستاذ علي بن حسن ‏]لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة احلدود إَل قوله هو ابطل إبمجاع األمة[‏<br />

وأقول يف الرد عليه:‏ لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة األحكام الشرعية،‏ فال خيلو أن يكون حاهلم أحد ا التني:‏<br />

األول أن يكونوا يف<br />

مسلم وال حتكمه الشريعة.‏<br />

<br />

بلد حيكمه إمام مسلم<br />

وجتري عليه أحكام الشريعة،‏ والثاين:‏ أن يكونوا يف<br />

بلد ليس له إمام<br />

ف<strong>في</strong> الحال األول:‏ <strong>في</strong> دار اإلسالم التي تعلو أحكام الشريعة ويحكمها<br />

إمام مسلم<br />

ويتوَل <strong>في</strong>ها القضاة املُعيمنون من قِبَل الإمام احلُكْمَ‏ بني الناس،‏ أقول حىت يف هذه احلالة جيوز للناس أن يتحاكموا إىل<br />

رجل منهل للقضاة برضاهم خبالف قاضي اإلمام وتلزمهم أحكامه،‏ وهذا ما قرره السادة الفقهاء كما يلي:‏<br />

قال ابن ضواين يف شرح الدليل:‏ ‏])فلو حَكممَ‏ اثنان فأكثر بينهما ما شخصا صاحلا للقضاء:‏ ن ‏َفَذَ‏ حُكْمُه يف كل ما<br />

ينفذ <strong>في</strong>ه حكم من وَالمه الإمام أو انئبه(‏ حلديث أيب شريح،‏ و<strong>في</strong>ه أنه قال ‏»اي رسول هللا إن قومي إذا اختلفوا يف شيء<br />

أتوين فحكمت بينهم،‏ فَرَضِيَ‏ كال الفريقني.‏ قال ما أحسن هذا!(‏ ، 2 ‏)وحتاكم عمر وأُيبٌَ‏ إَل زيد بن ‏َثبت،‏ وحتاكم<br />

عثمان وطلحة إَل جبري بن مطعم،‏ ومل يكن أحد منهما قاضيا(‏ قال يف املنت ‏)وي ‏َرْفَعُ‏ اخلِالفَ‏ ، فال حيل ألحد نقضه<br />

حيث أصاب احلق(‏ قال يف الشرح ألن من جاز حكمُه لَزِمَ‏ كقاضي الإمام . 3 وحديث أيب شريح صححه الشيخ<br />

األلباين . 4<br />

1 ابن تيمية والشوكاين<br />

96<br />

2<br />

3<br />

4<br />

- رواه النسائي<br />

- منار السبيل شرد الدليل ج 2 ص 458 ط املكتب الإسالمي ‎1414‎ه.‏<br />

- ‏)إرواء الغليل ج ‎9‎حديث 2615(.


وفَصمل ابن قدامة هذه املسألة يف كتابه الكايف ، 1 ويف كتابه املغين ، 2 وإليك كالمه يف املغين:‏ ‏])فصل(‏ وإذا حتاكم<br />

رجالن إَل رجل حَكمماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح للقضاء فحكم بينهما،‏ جاز ذلك ونفل حكمه عليهما،‏<br />

وهبذا قال أبو حنيفة وللشافعي قوالن ‏)أحدمها(‏ ال يلزمهما حكمه إال برتاضيهما،‏ ألن حكمه غنما ابلرضى به وال<br />

يكون الرضى إال بعد املعرفة حبكمه.‏<br />

ولنا ما روى أبو شريح أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال له ‏»إن هللا هو احلَكَم فلِم تُكَىنم أاب احلكم؟«‏ قال إن<br />

قومي إذا اختلفوا يف شيء أتوين فحكَمْتُ‏ بينهم ورَضِيَ‏ م عَلَي الفريقان،‏ قال ‏»ما أحسن هذا فمن أكرب ولدك؟«‏ قال<br />

شريح قال ‏»فأنت أبو شريح«‏ . 3<br />

ورُوِي عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‏»من حكم بني اثنني تَرَاضيَا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون«‏ ولوال أنه<br />

حكمه يلزمهما ملا حلَِقَه هذا الذم.‏ وألن عمر وأُب ‏َياا حتاكما إَل شريح قبل أن يوليه،‏ وحتاكم عثمان وطلحة إَل جبري بن<br />

مطعم ومل يكونوا قضاة.‏<br />

فإن قيل فعمر وعثمان كاان إمامني فإذا ردا احلكم إَل رجل صار قاضيا.‏ قلنا مل ينقل عنهما الرضى إال بتحكيمه<br />

خاصة وهبذا ال يصري قاضيا،‏ وما ذكره مبا إذا رضي بتصرف وكيله فإنه يلزمه قبل املعرفة به،‏ إذا ثبت هذا فإنه ال جيوز<br />

نقض حكمه <strong>في</strong>ما ال ينقض <strong>في</strong>ه حكم من له والية.‏ وهبذا قال الشافعي.‏ وقال أبو حنيفة:‏ للحاكم نقضه إذا خالف<br />

رأيه ألن هذا عقد يف حق احلاكم فمَلَك فسخه كالعقد املوقوف يف حقه.‏ ولنا أن هذا حكم صحيح الزِمٌ‏ فلم جيز<br />

فسخه ملخالفته رأيه كحكم من له والية،‏ وما ذكروه غري صحيح فإن حكمه الزم للخصمني فكيف يكون موقوفا؟<br />

ولو كان كذلك مللك فسخه وإن مل حيالف رأيه وال نسلم الوقوف يف العقود.‏<br />

إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من اخلَصْمني الرجوع عن حتكيمه قبل شروعه يف احلكم ألنه ال يثبت إال برضاه،‏ فأشبه<br />

ما لو تراجع عن التوكيل قبل التصرف،‏ وإن رجع بعد شروعه ف<strong>في</strong>ه وجهان ‏)أحدمها(‏ له ذلك ألن احلكم مل يتم أشبه<br />

قبل الشروع ‏)والثاين(‏ ليس له ذلك ألنه يؤدي إَل أن كل واحد منهما إذا رأى من احلَكَم ما ال يوافقه رجع فبطل<br />

املقصود به.‏<br />

‏)فصل(‏ قال القاضي:‏ وينفذ حُكْمُ‏ من حَكمماه يف مجيع األحكام إال أربعة أشياء:‏ النكاح واللعان والقذف والقصاص<br />

ألن هذه األحكام مَزِيمة على غريها فاخت<br />

الإمام ابلنظر <strong>في</strong>ها وانئبه يقوم مقامه،‏ وقال أبو اخلطاب ظاهر كالم أمحد<br />

أنه ينفل حكمه <strong>في</strong>ها وألصحاب الشافعي وجهان كهذين،‏ وإذا كتب هلا القاضي مبا ح ك م به كتااب إىل قاني من<br />

كتابه<br />

قضاة املسلمني لزمه قبوله وتن<strong>في</strong>ل ، ألنه حاكم انفذ األحكام،‏ فلزم قبول كتابه كحاكم الإمام[.‏ انتهى كالم ابن<br />

قدامة يف املغين.‏<br />

4 ص ج-‏<br />

436 ط املكتب الإسالمي ‎1412‎ه<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 493<br />

- أخرجه النسائي<br />

494<br />

1<br />

2<br />

3<br />

97


وقال ابن قدامة يف ‏:الكايف ‏]واختلف أصحابنا <strong>في</strong>ما جيوز <strong>في</strong>ه التحكيم.‏ فقال أبو اخلطاب:‏ ظاهر كالم أمحد أن<br />

حتكيمه جيوز يف كل ما حتاكم <strong>في</strong>ه افصمان،‏ قياسا على قاضي اإلمام.‏ وقال القاضي:‏ جيوز حكمه يف األموال<br />

اخلاصة،‏ فأما النكاح والقصاص،‏ وحد القذف،‏ فال جيوز التحكيم <strong>في</strong>ها ألهنا مبنية على االحتياط،‏ <strong>في</strong>عترب للحكم <strong>في</strong>ها<br />

قاضي الإمام كاحلدود[‏<br />

قلت:‏ وقول ابن املنذر<br />

1<br />

.<br />

<br />

وسيأِت يشبه قول أمحد بن حنبل يف أنه جيوز التحكيم يف مجيع اخلصومات،‏ ونقل اإلمجاع<br />

على ذلك.‏ وسبق قول صاحب منار السبيل أن حُكْمْ‏ احلَكَم ينفذ يف كل ما ينفذ <strong>في</strong>ه حكم قاضي الإمام ومل يذكر<br />

اخلالف يف ذلك،‏ فدل على أن هذا هو القول الراجح عند احلنابلة.‏<br />

وقصة حتاكم عمر واألعرايب إَل شريح اليت ذكرها ابن قدامة،‏ أوردها ابن القيم يف أعالم املوقعني ‏)ج<br />

1 ص )95<br />

<br />

قال:‏ ‏]قال علي بن اجلعد:‏ أنبأان شعبة عن سيار عن الشمعيب قال أخذ عمر فرسا من رجل على سوم،‏ فحمل عليه<br />

فعطب،‏ فخاصمه الرجل،‏ فقال عمر:‏ اجعل بيين وبينك رجال،‏ فقال الرجل:‏ إين أرضى بشريح العراقي،‏ فقال شريح:‏<br />

أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حىت ترده صحيحا سليما،‏ قال:‏ فكأنه أعجبه فبعثه قاضيا،‏ وقال:‏ ما استبان<br />

لك من كتاب هللا فال تسأل عنه،‏ فإن مل يستنب من كتاب هللا فمن السنة،‏ فإن مل جتده يف السنة فاجتهد رأيك.‏ أ.ه [.<br />

وقال إما احلرمني اجلويين:‏ ‏]وقد اختلف قول الشافعي رمحه هللا يف أن من حَكمم جمتهدا يف زمان قيام الإمام أبحكام<br />

أهل الإسالم،‏ فلم ينفذ ما حكم به احملكم؟ فأد قوليه،‏ وهو ظاهر مذهب أيب حنيفة رمحه هللا أنه ينفل من حكمه ما<br />

ينفل من حكم القاضي اللي يتوىل منصبه من تولية اإلمام.‏ وهذا قول متجه يف القياس،‏ لست أرى الإطالة بذكر<br />

توجهه<br />

2<br />

.<br />

<br />

وما ادمعاه األستاذ املؤلف من بطالن التحاكم لغري القاضي إبمجاع األمة،‏ هو مردود عليه،‏ بل قد ذكر الإمام أبو<br />

بكر بن املنذر يف كتابه ‏)الإمجاع(‏ عكس ما قاله األستاذ املؤلف،‏ فقال:‏ ‏]إمجاع<br />

قاضي غري قاني،‏ جائز إذا كان مما جيوز[‏<br />

254<br />

وأمجعوا على أن ما قضي<br />

3<br />

، ومعىن قوله ‏)قاضي غري قاض(‏ أي قاضي غري معني من جهة الإمام،‏<br />

وقوله:‏ ‏)إذا كان مما جيوز(‏ أي إذا كان ما حكم به هذا القاضي مما جيوز يف الشريعة.‏ وقد قال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏<br />

‏]والقاضي اسم لكل من قضى بني اثنني وحكم بينهما.‏ سواء كان خليفة،‏ أو سلطاان،‏ أو انئبا،‏ أو واليا،‏ أو كان<br />

منصواب ليقضي ابلشرع أو انئبا له،‏ حىت من حيكم بني الصبيان يف اخلطوط إذا ختايروا،‏ هكذا ذكر أصحاب رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم وهو ظاهر[‏ . 4<br />

- ‏)الكايف(‏ البن قدامة ط املكتب الإسالمي ج 4 ص 436<br />

- الغياثي ط‎2‎ حتقيق د/عبد العظيم الديب‎1411‎ه<br />

- ‏)كتاب الإمجاع(‏ ط دارطيبة 1412 ه ص 95<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 254<br />

398 ص<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

98


=<br />

=<br />

=<br />

<br />

0<br />

2<br />

3<br />

ومن األدلة على جواز التحكيم وسراين أحكام غري الإمام وقضاته،‏ أن البغاة إذا استولوا على بلد وحكموه ابلشرع<br />

وجبوا منه األموال على مقتضى الشرع فإن أحكامهم هذه انفذة وال ينقضها الإمام العدل إذا ظهر على هذا البلد.‏<br />

فقد قال ابن قدامة:‏ ‏]إذا نصب أهل البغي قاضيا يصلح للقضاء فحكمه حكم أهل العدل ينفذ من أحكام أهل<br />

1<br />

العدل ويرد منه ما يرد ...[ . وقال ابن قدامة أيضا:‏ ‏]وإن استولوا أي البغاة على بلد فأقاموا <strong>في</strong>ها احلدود،‏ وأخذوا<br />

الزكاة واجلزية واخلراج واحتُسِ‏ ب به،‏ ألن عليا مل يتتبع ما فعله أهل البصرة وأخذوه،‏ وكان ابن عمر يدفع زكاته إَل ساعي<br />

3<br />

2<br />

‏ُندة احلروري ..[ . وهذا ما قرره اجلويين أيضا .<br />

فهذه أدلة جواز حتاكم الناس برضاهم إَل رجل مؤهل للحكم،‏ ‏ِبالف قاضي الإمام يف دار الإسالم،‏ حيث للمسلمني<br />

إمام حيكمهم وشريعة إسالمية تعلوهم،‏ وقد نقل أبو بكر بن املنذر الإمجاع على جواز ذلك،‏ خالفا ملا زعمه مؤلف<br />

كتاب ‏)البيعة(‏ من الإمجاع على بطالنه.‏<br />

تنبيه:‏ الفرق بين الحَكَم والقاضي من عدة أوجه:‏<br />

احلَكَم ال يفتقر إَل والية من إمام مؤقت،‏ ‏ِبالف القاضي الذي ال يتوَل إال بوالية من الإمام.‏<br />

احلَكَم ال حيكم بني اثنني من الناس إال برضامها وحتاكمهما إليه خمتارين،‏ ‏ِبالف قاضي الإمام الذي حيكم بني<br />

اخلصوم رضوا أم مل يرضوا،‏ وله أن جيربهم على احلضور إَل جملس القضاء وإن مل خيتاروا،‏ طاملا بلغته الدعوة.‏<br />

احلَكَم ليس له عموم النظر يف اخلصومات وال استدامته،‏ إذ إن عموم النظر واستدامته معناه أنه ذو والية،‏ فهذا<br />

للقاضي املتويل من جهة الإمام.‏<br />

<br />

ويتفق احلَكَم والقاضي يف وجوب استيفائهما لشروط القضاء،‏ ويف أن حكمهما مُلزِم للخصوم.‏ إال أن القاضي ميلك<br />

سلطة تن<strong>في</strong>ذ حكمه ابلشرطة،‏ واحلَكَم قد ال ميلك القوة إن لزمت هذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابحلال األول من هذه املسألة.‏<br />

أما ا ال الَاين:‏ وهو إذا مل يكن للمسلمني إمام حيكمهم وال قضاء شرعي يتحاكمون إليه،‏ وهلا هو حال أغلب<br />

املسلمني اليوم،‏ فال أقول جيوز هلم،‏ بل أقول جيب عليهم أن يرجعوا إَل من يصلح للقضاء الشرعي منهم ليحكم<br />

بينهم بشرع هللا فإن مل جيدوا مؤهال للقضاء اختاروا األمثل فاألمثل وحيرم عليهم التحاكم إَل القوانني الوضعية الكفرية.‏<br />

والدليل على صحة هذا:‏ مجيع ما ذكرته يف ا ال األول،‏ خاصة كالم الشيخ ابن ضواين يف كتابه ‏)منار السبيل(‏<br />

وكالم ابن قدامة يف املغين،‏ وابلإضافة إَل هذا:‏<br />

قال القاضي أبو يعلى:‏ ‏]ولو أن أهل بلد قد خال من قاضي أمجعوا على أن قلدوا عليها قاضيا،‏ نظرت:‏ فإن كان<br />

الإمام موجودا بطل التقليد،‏ وإن كان مفقودا صح،‏ ونفلت أحكامه عليهم.‏ فإن جتدد بعد نظره إمام،‏ مل يستدم<br />

النظر إال بعد إذنه،‏ ومل ينقض ما تقدم من حكمه.‏ وقد ن<br />

أمحد رمحه هللا تعاَل على أن نفسَني لو حَكمما عليهما<br />

- ‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص 91<br />

- ‏)الكايف(‏ ج 4 ص 152<br />

- الغياثي ص 374<br />

1<br />

2<br />

3<br />

99


نفذ حكمُه عليهما[‏ . 1 وموضع االستشهاد هو قوله إذا كان الإمام مفقودا صح أن يويل الناس عليهم قاضيا.‏ أما قوله<br />

إن كان الإمام موجودا بطل التقليد فال ينقض ما ذهبنا إليه يف احلال األول إذ إن تقليد القضاة من حقوق الإمام،‏ وما<br />

ذكرانه يف احلال األول هو حتكيم حكم وليس تولية قاض،‏ وقد ذكرت أوجه االختالف بني احلكم وبني القاضي<br />

أعاله.‏<br />

<br />

وقد تكلم إمام احلرمني اجلويين عن هذه املسألة إبسهاب فقال:‏ ‏]وقد حان اآلن أن أفرض خلو الزمان عن الكفاة<br />

ذوي الصرامة،‏ خلوه عمن يستحق الإمامة إَل قوله أما ما يسوغ استقالل الناس <strong>في</strong>ه أبنفسهم،‏ ولكن األدب<br />

يقتضي <strong>في</strong>ه مطالعة ذوي األمر،‏ ومراجعة مرموق العصر،‏ كعقد اجلُمَع وجر العساكر إَل اجلهاد،‏ واستيفاء القصاص يف<br />

النفس والطرف،‏ <strong>في</strong>تواله الناس عند خلو الدهر<br />

إَل قوله وإذا مل يصادف الناس قواما أبمورهم يلوذون به <strong>في</strong>ستحيل<br />

أن يؤمروا ابلقعود عما يقدرون عليه من دفع الفساد فإهنم لو تقاعدوا عن املمكن،‏ عم الفساد البالد والعباد إَل قوله<br />

وقد قال بعض العلماء:‏ لو خال الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من<br />

ذوي األحالم والنهي وذوي العقول واحلجا،‏ من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره،‏ وينتهون عند مناهيه ومزاجره فإهنم لو<br />

مل يفعلوا ذلك،‏ ترددوا عند إملام املهمات وتبلدوا عند إطالل الواقعات إَل قوله ‏ُث كل أمر يتعاطاه الإمام يف األمور<br />

املفوضة إَل األئمة فإذا شغر الزمان عن الإمام،‏ وخال عن سلطان ذي ‏ُندة وكفاية ودراية/‏ فاألمور<br />

موكولة إىل<br />

العلماء،‏ وحق على اخلالئق على اختالف طبقاهتم أن يرجعوا إَل علمائهم ويصدروا يف مجيع قضااي الوالايت عن<br />

رأيهم،‏ فإن فعلوا ذلك،‏ فقد هدوا إَل سواء السبيل،‏ وصار علماء البالد والة العباد.‏ فإن عسر مجعهم على واحد<br />

استبد أهل كل صقع وانحية ابتباع عاملهم،‏ وإن كثر العلماء يف الناحية،‏ فاملهم أعلمهم،‏ وإن فرض استواؤهم،‏ ففرضهم<br />

اندر ال يكاد يقع،‏ فإن اتفق فإصدار الرأي عن مجيعهم<br />

مع تناقض املطالب واملذاهب حمال،‏ فالوجه أن يتفقوا على<br />

تقدمي واحد منهم.‏ فإن تنازعوا ومتانعوا وأفضى األمر إَل شجار وخصام فالوجه عندي يف قطع النزاع الإقراع،‏ فمن<br />

خرجت له القرعة قُدِّم[‏<br />

. 2<br />

<br />

<br />

‏ُث قال اجلويين إنه إذا خال الزمان عن العلماء اجملتهدين ومل يبق إال نقلة<br />

3<br />

وصفناه حيل يف حق املست<strong>في</strong>ت حمل الإمام اجملتهد الراقي إَل رتبة العليا يف اخلالل املرعية[‏ .<br />

مذاهب األئمة قال:‏ ‏]إن الفقيه الذي<br />

وما ذكره اجلويين من توَل نقلة املذاهب للفتوى عند خلو الزمان عن اجملتهدين قرره ابن القيم فقال:‏ ‏]إذا تفقه<br />

الرجل وقرأ كتااب من كتب الفقه<br />

أو أكثر،‏ وهو مع ذلك قاصر يف معرفة الكتاب والسنة وآَثر السلف واالستنباط<br />

والرتجيح،‏ فهل يسوغ تقليده يف الفتوى؟ <strong>في</strong>ه للناس أربعة أقوال:‏ اجلواز مطلقا،‏ واملنع مطلقا،‏ واجلواز عند عدم اجملتهد<br />

وال جيوز مع وجوده،‏ واجلواز إن كان مطالعا على مأخذ من ي<strong>في</strong>ت بقوهلم واملنع إن مل يكن مطالعا.‏<br />

ص-‏<br />

ص-‏<br />

- ‏)األحكام السلطانية(‏ ص 73<br />

381<br />

395<br />

427<br />

‏)الغياثي(‏ ط‎2‎ حتقيق د/عبد العظيم الديب‎1411‎ه<br />

1<br />

2<br />

3<br />

011


والصواب <strong>في</strong>ه تفصيل،‏ وهو أنه إذا كان السائل ميكنه التوصل إَل عامل يهديه السبيل مل حيل له استفتاء مثل هذا،‏ وال<br />

حيل هلذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العامل،‏ وإن مل يكن يف بلده أو انحيته غريه حبيث ال جيد املستفىت من<br />

يسأله سواه فال ريب أن رجوعه إليه أوَل من أن يقدم على العمل بال علم أو يبقى مرتبكا يف حريته مرتددا يف عَمَاه<br />

وجهالته،‏ بل هذا هو املستطاع من تقواه املأمور هبا،‏ ونظري مثل هذه املسألة إذا مل جيد السلطان من يوليه القضاء إال<br />

قاضيا عاراي من شروط القضاء مل يعطل البلد عن قاني ووىل األمَل[‏<br />

1<br />

.<br />

فهذه هي أقوال السلف <strong>في</strong>ما إذا خال الزمان عن الإمام األعظم أنه جيب على أهل كل بلد وانحية أن يتحاكموا إَل<br />

أهل العلم <strong>في</strong>هم من اجملتهدين فإن عُدِموا <strong>في</strong>حتكموا إَل األمثل فاألمثل.‏<br />

جمموع األمة<br />

وخطا<br />

هللا إبقامة األحكام موجه إىل<br />

3<br />

2<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ السَّارِ‏ قُ‏ وَ‏ السَّارِ‏ قَةُ‏ قَاقَِْعُوا أَيْدِيَهُمَا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}الزَّ‏ انِيَةُ‏ وَ‏ الزَّ‏ انِي قَاجْلِدُوا{‏<br />

وغريها،‏ وينوب الإمام عن األمة يف تن<strong>في</strong>ذ هذا،‏ كما يف احلديث الصحيح<br />

‏»إَّنا الإمام جُنمة«‏<br />

و<strong>في</strong>ه أيضا<br />

‏»فالإمام<br />

األعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته«‏ فإذا فُقِد اإلمام يرجع افطا إىل جمموع األمة <strong>في</strong>قدم الناس<br />

4<br />

من يتحاكمون إليه ممن يصلح هللا.‏ وقال أمحد بن حنبل:‏ ‏]البد للناس من حاكم،‏ أفتذهب حقوق الناس؟[‏ .<br />

وذلك ألن نُصْب ة القضاة من فروني الكفاية فظ العدل وإن مل يقم به البع أُث الكل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا<br />

5<br />

الَّذِينَ‏ آمَنُوا كُونُوا قَوَّ‏ امِينَ‏ بِالْقِسِِْ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا رُ‏ سُلَنَا بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا مَعَهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ وَ‏ الْمِيزَ‏ انَ‏<br />

لِيَقُومَ‏ النَّاسُ‏ بِالْقِسِِْ{‏ ، 6 وقد أشار شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا إَل هذا املعىن أوضح إشارة،‏ وهو أن األحكام<br />

واحلدود خماطب هبا مجيع األمة،‏ ويقيمها السلطان ذو القدرة،‏ فإن عُدِم السلطان وأمكن إقامتها إذا مل يكن يف<br />

إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فهذا هو الواجب،‏ فقال رمحه هللا:‏ ‏]خاطب هللا املؤمنني ابحلدود واحلقوق خطااب<br />

مطلقا،‏ كقوله:‏ ‏}وَ‏ السَّارِ‏ قُ‏ وَ‏ السَّارِ‏ قَةُ‏<br />

قَاقَِْعُوا{‏ وقوله:‏ ‏}الزَّ‏ انِيَةُ‏ وَ‏ الزَّ‏ انِي قَاجْلِدُوا{‏ وقوله:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ يَرْ‏ مُونَ‏<br />

9<br />

7<br />

الْمُحْصَنَاتِ‏ ثُمَّ‏ لَمْ‏ يَأْتُوا بِأَرْ‏ بَعَةِ‏ شُهَدَاءَ‏ قَاجْلِدُوهُمْ{‏ وكذلك قوله:‏ ‏}وَ‏ الَ‏ تَقْبَلُوا لَهُمْ‏ شَهَادَةً‏ أَبَد ‏ًا{‏ ، لكن قد علم أن<br />

املخاطب ابلفعل البد أن يكون قادرا عليه،‏ والعاجزون ال جيب عليهم،‏ وقد عُلِمَ‏ أن هلا فرني على الكفاية،‏ وهو<br />

مثل اجلهاد،‏ بل هو نوع من اجلهاد.‏ فقوله:‏ ‏}كُتِبَ‏ عَلَيْكُمْ‏ الْقِتَا ‏ُل{،‏ وقوله:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ وقوله:‏ ‏}إِالَّ‏<br />

010<br />

1<br />

- ‏)إعالم املوقعني(‏ ج 4 ص 186<br />

187<br />

2<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

39<br />

3<br />

- سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

2<br />

4<br />

5<br />

- ذكره أبو يعلى يف األحكام السلطانية ص 24،71<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

135<br />

6<br />

- سورة احلديد،‏ اآلية:‏<br />

25<br />

7<br />

9<br />

- سورة النور،‏ اآلية:‏‎4‎<br />

- سورة النور،‏ اآلية:‏‎4‎


تَنفِرُ‏ وا يُعَذِبْكُمْ{‏ وحنو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين.‏ و”القدرة“‏ هي السلطان،‏ فلهذا:‏ وجب إقامة احلدود<br />

على ذي السلطان ونوابه.‏<br />

والسنة أن يكون للمسلمني إمام واحد،‏ والباقون نوابه،‏ فإذا فرض أن األمة خرجت عن ذلك ملعصية من بعضها،‏<br />

وعجز من الباقني،‏ أو غري ذلك فكان هلا عدة أئمة.‏ لكان جيب على كل إمام أن يقيم احلدود،‏ ويستويف احلقوق،‏<br />

وهلذا قال العلماء إن أهل البغي ي ‏َنْفُذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل،‏ وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا<br />

أحزااب لوجب على كل حز فعل ذلك يف أهل طاعتهم،‏ فهذا عند تفرق األمراء وتعددهم،‏ وكذلك لو مل يتفرقوا،‏<br />

لكن طاعتهم لألمري الكبري ليست طاعة اتمة،‏ فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامَهم بذلك مل يسقط عنهم القياُم<br />

بذلك،‏ بل عليهم أن يقيموا ذلك،‏ وكذلك لو فرض عجز بعض األمراء عن إقامة احلدود واحلقوق،‏ أو إضاعته لذلك:‏<br />

لكان ذلك الفرني على القادر عليه.‏<br />

وقول من قال:‏ ال يقيم ا دود إال السلطان ونوابه.‏ وإذا كانوا قادرين فاعلني ابلعدل كما يقول الفقهاء:‏ األمر إَل<br />

احلاكم.‏ إَّنا هو العادل القادر،‏ فإذا كان مُضَيِّعا ألموال اليتامى،‏ أو عاجزا عنها:‏ مل جيب تسليمها إليه مع إمكان<br />

حفظها بدونه وكذلك األمري<br />

إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها مل جيب تفويضها<br />

إليه مع إمكان إقامتها<br />

بدونه.‏ واألصل أن هذه الواجبات تُقام على أحسن الوجوه.‏ فمىت أمكن إقامتها مع أمري مل حيتج إَل اثنني،‏ ومىت مل<br />

يقم إال بعدد<br />

ومن غري سلطان أقيمت إذا مل يكن يف إقامتها فساد يزيد على إضاعتها،‏ فإهنا من ‏"ابب األمر<br />

ابملعروف والنهي عن املنكر"‏ فإن كان يف ذلك من فساد والة األمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها مل يدفع أبفسد<br />

1<br />

منه.‏ وهللا أعلم[‏ .<br />

فهذه هي األدلة الشرعية وأقوال علماء األمة تثبت صحة حتاكم الناس إَل غري قاضي الإمام ممن يصلح للقضاء زمن<br />

قيام الإمام،‏ ونقل ابن املنذر الإمجاع على صحة هذا،‏ وها هي أقواهلم تثبت صحة بل وجوب اتفاق الناس على<br />

إقامة األحكام بينهم ما أمكنهم ذلك زمن غياب الإمام،‏ على أن حيَُكِّموا بينهم من يصلح للقضاء الشرعي األمثل<br />

فاألمثل.‏ ويف هذا رد كاف شاف،‏ وإبطال ملا ذكره مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(.‏<br />

والواجب على األستاذ املؤلف وسائر املهتمني ابلدعوة الإسالمية دعوة املسلمني إَل هذا ال صدهم عنه،‏ فتحاكم<br />

املسلمني إَل عامل منهم واجب عليهم ما أمكنهم ذلك وخري هلم يف الدنيا واآلخرة من التحاكم إَل الطواغيت<br />

وأحكامهم الكافرة اليت يستطل هبا معظم املسلمني اآلن <strong>في</strong>أكلون أمواهلم بينهم ابلباطل،‏ وتستباح هبا الدماء والفروج.‏<br />

وال حيل ألحد دعى إىل التحاكم إىل الشرع أن يُعرني عنه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَهُمْ‏ تَعَالَوْ‏ ا إِلَى مَا<br />

أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ رَ‏ أَيْتَ‏ الْمُنَاقِقِينَ‏ يَصُدُّونَ‏ عَنْكَ‏ صُدُود ‏ًا{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا دُعُوا إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه<br />

لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ‏ إِذَا قَرِ‏ يقٌ‏ مِنْهُمْ‏ مُعْرِ‏ ضُونَ‏<br />

وَ‏ إِنْ‏ يَكُنْ‏ لَهُمْ‏ الْحَقُّ‏ يَأْتُوا إِلَيْهِ‏ مُذْعِنِي ‏َن أَقِي قُلُوبِهِمْ‏ مَرَ‏ ضٌ‏ أَمْ‏ ارْ‏ تَابُوا أَ‏ ‏ْم<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 34 ص 176 175،<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏ 61<br />

1<br />

2<br />

012


يَخَاقُونَ‏<br />

أَ‏ ‏ْن يَحِ‏ يفَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَيْهِمْ‏ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ بَلْ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الظَّالِمُو ‏َن إِنَّمَا كَانَ‏ قَوْ‏ لَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ إِذَا دُعُوا إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه<br />

لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ‏ أَنْ‏ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ‏ أََِعْنَا وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْمُفْلِحُونَ{‏<br />

. 1<br />

فتحاكم املسلمني إَل الشريعة بعيدا عن احملاكم الكافرة واجب عليهم،‏ وحنن ندعو الناس إليه بقوة،‏ ما أمكن ذلك،‏<br />

وإن تَعَذمر يف احلدود فليكن يف األموال وهكذا،‏ وكل هذا يدخل يف تقوى هللا املستطاعة للعبد،‏ ويدخل حتت القاعدة<br />

الفقهية ‏)امليسور ال يسقط ابملعسور(‏ وصاغها عز الدين بن عبد السالم هكذا:‏ ‏]إن من كُلف بشيء من الطاعات<br />

2<br />

فَقَدَر على بعضه وعجز عن بعضه،‏ فإنه مبا قدر عليه،‏ ويسقط عنه ما عجز عنه[‏ وهذه القاعدة مستفادة من قوله<br />

3<br />

تعاَل ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ مَا اسْتََِعْتُ‏ ‏ْم{‏ ، ومن قول رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»وما أمرتكم به فأتوا منه ما<br />

4<br />

استطعتم«‏ . ومما يدخل يف االستطاعة إخراج الزكاة وإن عطلها احلكام،‏ وأداء الدايت وأروش اجلراحات والكفارات<br />

وإن مل حتكم هبا احملاكم الكافرة،‏ وحُرْمَة الراب،‏ ومما يتعلق هبذا مراعاة القيمة يف القروض ويف البيع ابألجل وذلك ألن<br />

قيمة األوراق املالية تتغري كثريا ابلزمن،‏ فالواجب جعل أحد النقدين املعتربين يف الشريعة ‏)الفضة واللهب(‏ أساس<br />

هله التعامالت،‏ فمثال إذا أقرضك رجل ألف لرية اليوم وكان جرام الذهب اليوم مبائة لرية فأنت اقرتضت عشرة<br />

جرامات،‏ فإذا كان أجل القرض سنة وكان جرام الذهب بعد سنة مبائيت لرية ورددت إليه األلف لرية فقد رددت إليه<br />

مخسة جرامات وظلمته ظلما فاحشا،‏ والواجب عليك أن ترد إليه أل<strong>في</strong> لرية وعكسه إذا زادت قيمة اللرية ترد إليه أقل<br />

من األلف األصلية كاحلساب السابق،‏ وهذا ليس من الراب يف شيء بل هو رجوع إَل النقد املعترب شرعا،‏ فهذه األوراق<br />

ال اعتبار هلا شرعا إال بتقييمها ابلذهب أو الفضة،‏ وهو ما يفعله كل مسلم عند<br />

التجارة،‏ وال يُفهم من قويل السابق إابحة برا البنوك على هذه األوراق حبجة تعويض نق<br />

إخراج زكاة املال وزكاة عروض<br />

القيمة،‏ فهذا راب مكتمل<br />

األركان حمدد الفائدة سلفا حرام حرام.‏ وما سبق من اعتبار القيمة ال يسري على الودائع فهذه ترد كما هي،‏ وقد أشار<br />

الشيخ أمحد الزرقا إَل هذه املسألة يف كتابه القواعد الفقهية،‏ يف قاعدة ‏)ال ضرر وال ضرار(‏ ونَسَبَ‏ هذا القول إَل<br />

القاضي أيب يوسف . 5 وهبذا كنت وما زلت أنصح إخواين املسلمني.‏ وأرى أن هللا تعاَل ال مين على املسلمني حبكم<br />

إسالمي إال إذا حتاكموا إَل الشرع ابلقدر املستطاع يف الظروف<br />

وعده كما قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ . 6<br />

احلالية فإن سعوا يف هذا فلعل هللا تعاَل أن ينجز<br />

ويف حتاكم املسلمني إَل الشرع يف هذا الزمان فائدة أخرى وهي بقاء هله الشريعة حية ‏ِبالف ما يريده الطواغيت من<br />

إماتة الشريعة ومحلتها،‏ وكل هذا ميهد للحكم الإسالمي.‏<br />

- سورة النور،‏ اآلايت:‏<br />

51<br />

49<br />

- ‏)قواعد األحكام(‏ 6/2 و 18<br />

- سورة التغابن،‏ اآلية:‏<br />

- متفق عليه<br />

- شرح القواعد ص<br />

- سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

16<br />

121<br />

11<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

013


إن هذه القوانني الطاغوتية هي كفر أكرب خمُْرِج ملن وَضَعَها وملن حَكَمَ‏ هبا وملن حتََاكَم إليها راضيا خمتارا من ملة<br />

الإسالم،‏ وهي من أنكر املنكرات،‏ وأضعف الإميان وهو الإنكار ابلقلب يستوجب على املسلمني مقاطعة هذه<br />

القوانني وحماكمها وقضاهتا والرباءة منهم،‏ وأن ميتنعوا عن الدراسة يف كليات احلقوق اليت تدرس القوانني الكافرة،‏ أما<br />

الإنكار ابللسان فمنه هذا الكالم،‏ وأما الإنكار ابليد هلذه القوانني الكافرة وملن ي ‏َعْمل هبا وحيَْمِيَها فهو املوضوع<br />

األساسي هلذه الرسالة وهو التدريب العسكري.‏ وهذا ما دعاان إَل االستطراد يف الرد على األستاذ مؤلف كتاب<br />

‏)البيعة(‏ لتعلق املوضوعات بعضها ببعض.‏ واحلمد هلل رب العاملني.‏<br />

014


015


016


الباب الرابع<br />

واجبات أمير المعسكر.‏<br />

و<strong>في</strong>ه مسائل:‏<br />

املسئولية العامة عن أتباعه.‏<br />

أن خيتار لنفسه جملس شورى.‏<br />

ق س م معسكر التدريب.‏<br />

أتمري أمراء اجملموعات والعمال.‏<br />

الرفق واألانة يف األمور كلها.‏<br />

احملافظة على وحدة اجلماعة.‏<br />

تقييم كفاءات أتباعه.‏<br />

اإلعداد اإلمياين للجهاد.‏<br />

= 0<br />

= 2<br />

= 3<br />

= 4<br />

= 5<br />

= 6<br />

= 7<br />

= 8<br />

تنبيه:‏ هله املسائل منها ما هو واجب شرعي ومنها ما هو مندو ، وكل مفصل يف موضعه<br />

017


األول من واجبات<br />

األمير:‏ المسئولية العامة عن أتباعه:‏<br />

لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»كُلُّكُمْ‏ رَاعٍ‏ وَكُلُّكُمْ‏ مَسْئُولٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهِ‏ الإِمَامُ‏ رَاعٍ‏ وَمَسْئُولٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهِ‏ وَالرمجُلُ‏ رَاعٍ‏ يفِ‏ أَهْلِِه<br />

وَهُوَ‏ مَسْئُولٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهِ‏ وَالْمَرْأَةُ‏ رَاعِيَةٌ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتِ‏ زَوْجِ‏ هَا وَمَسْئُولَةٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهَا وَاخلَْادِمُ‏ رَاعٍ‏ يفِ‏ مَالِ‏ سَيِّدِهِ‏ وَمَسْئُولٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهِ،‏<br />

1<br />

وَكُلُّكُمْ‏ رَاعٍ‏ وَمَسْئُولٌ‏ عَنْ‏ رَعِيمتِهِ«‏ .<br />

<br />

قال النووي:‏ ‏]قال العلماء:‏ الراعي هو احلافظ املؤمتن امللتزِم صالح ما قام عليه وما هو حتت نظره،‏ ف<strong>في</strong>ه أن كل من<br />

كان حتت نظره شيء فهو مطالب ابلعدل <strong>في</strong>ه والقيام مبصاحله يف دينه ودنياه ومتعلقاته[.‏<br />

عن أيب هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ‏»ما من أمري عشرة إال يؤتى به يوم القيامة مغلوال،‏ حىت<br />

يفكه العدل أو يوثقه اجلور«‏ ويف رواية ‏»وإن كان مُسيئا زِيدَ‏ غِالم إَل غِلِّه«‏<br />

2<br />

.<br />

<br />

وعن ابن عباس عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ‏»ما من رجل وَيلِ‏ َ عشرة إال جيء يوم القيامة مغلولة يده إَل<br />

عنقه حىت يقضى بينهم وبينه«‏<br />

3<br />

.<br />

ويدخل <strong>في</strong> هذه المسئولية<br />

= 0 إقامة الصالة بنفسه أو مبن ينيبه،‏ وقال ابن تيمية ‏]وقد كانت السنة أن الذي يصلي ابملسلمني اجلمعة واجلماعة<br />

وخيطب هبم هم أمراء احلرب إَل قوله<br />

وذلك ألن أهم أمر الدين:‏ الصالة واجلهاد<br />

إَل قوله وملا بعث النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم معاذا إَل اليمن قال ‏»اي معاذ إن أهم أمرك عندي الصالة«.‏ وكذلك كان عمر بن اخلطاب يكتب إَل<br />

عماله ‏)إن أهم أموركم عندي الصالة فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه،‏ ومن ضَيمعها كان ملا سواها من عمله<br />

أشد إضاعة(،‏ وذلك ألن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

‏»الصالة عماد الدين«‏<br />

فإذا قام املتويل عماد الدين:‏<br />

فالصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر،‏ وهي اليت تعني الناس على ما سواها من الطاعات،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}اسْتَعِينُوا<br />

بِالصَّبْرِ‏ وَ‏ الصَّالةِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الصَّابِرِ‏ ينَ‏ } وقال لنبيه ‏}وَ‏ أْمُرْ‏ أَهْلَكَ‏ بِالصَّالةِ‏ وَ‏ اصَِْبِرْ‏ عَلَيْهَا ال نَسْأَلُكَ‏ رِ‏ زْ‏ ق ‏ًا نَحْنُ‏<br />

نَرْ‏ زُ‏ قُكَ‏ وَ‏ الْعَاقِبَةُ‏ لِلتَّقْوَ‏ ى{[‏ . 4<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ي ‏َتَعَاقَبُونَ‏ فِيكُمْ‏ مَالَ‏ ئِكَةٌ‏ ابِللميْلِ‏ وَمَالَ‏ ئِكَةٌ‏ ابِلنمهَارِ‏ وَجيَْتَمِعُونَ‏ يفِ‏ صَالَ‏ ةِ‏ الْفَجْرِ‏<br />

وَصَالَ‏ ةِ‏ الْعَصْرِ‏ ‏ُثُم ي ‏َعْرُجُ‏ المذِينَ‏ ابَتُوا فِيكُمْ‏ فَيَسْأَهلُُمْ‏ وَهُوَ‏ أَعْلَمُ‏ هبِِمْ‏ كَيْفَ‏ تَرَكْتُمْ‏ عِبَادِي فَيَقُولُونَ‏ تَرَكْنَاهُمْ‏ وَهُمْ‏ يُصَلُّوَن<br />

- متفق عليه عن ابن عمر.‏<br />

- رواه البزار والطرباين يف األوسط ابألول ورجال األول يف البزار رجال الصحيح.‏ ‏)جممع 219/5(<br />

- رواه الطرباين يف األوسط والكبري ورجاله ثقات ‏)جممع 218/5(.<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 261<br />

261<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

018


=<br />

2<br />

وَأَتَيْنَاهُمْ‏ وَهُمْ‏ يُصَلُّونَ«‏ ، 1 قال ابن حجر ‏]يستفاد منه<br />

أن الصالة أعلى العبادات<br />

و<strong>في</strong>ه إشارة إَل عِظَمِ‏ هاتني الصالتني،‏ لكوهنما جتتمع <strong>في</strong>هما الطائفتان ويف غريمها طائفة واحدة[‏ . 2<br />

ألنه عنها وقع السؤال واجلواب،‏<br />

أخل أتباعه بطاعة هللا ومنعهم من املعاصي.‏ وكتب عمر بن اخلطاب إَل سعد بن أيب وقاص،‏ رضي هللا<br />

عنهما،‏ ومن معه من األجناد،‏ يف مسريهم لقتال الفرس،‏ أما بعد:‏ ‏)فإين آمرك ومن معك من األجناد بتقوى هللا على<br />

كل حال،‏ فإن تقوى هللا أفضل <strong>العدة</strong> على العدو،‏ وأقوى مكيدة<br />

يف احلرب،‏ وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد<br />

احرتاسا من املعاصي منكم من عدوكم،‏ فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم،‏ وإَّنا يُنصر املسلمون مبعصية<br />

عدوهم هلل،‏ ولوال ذلك مل تكن لنا هبم قوة ألن عددان ليس كعددهم،‏ وال عدتنا كعدهتم،‏ فإن استوينا يف املعصية كان<br />

هلم الفضل علينا يف القوة،‏ وإال ن ‏ُنْصر عليهم بفضلنا،‏ مل نغلبهم بقوتنا،‏ فاعلموا أن عليكم يف سريكم حفظة من هللا يعلم<br />

ما تفعلون،‏ فاستحيوا منهم،‏ وال تعملوا مبعاصي هللا وأنتم يف سبيل هللا،‏ وال تقولوا أن عدوان شر منا،‏ فلن يُسَلمط علينا<br />

فرب قوم سُلِّط عليهم شرٌ‏ منهم،‏ كما سُلِّط على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا كفارُ‏ اجملوس فجاسوا خالل<br />

الداير،‏ وكان وعدا مفعوال،‏ اسألوا هللا العون على أنفسكم،‏ كما تسألونه النصر على عدوكم.‏ أسأل هللا ذلك لنا<br />

3<br />

ولكم .<br />

= 3<br />

= 4<br />

=<br />

5<br />

ويدخل يف هذا أن يتفقد بنفسه مهماهتم وأسلحتهم من حيث كفايتها وصالحيتها.‏<br />

ويدخل <strong>في</strong>ه أيضا أن يتفقد بنفسه مكان إقامتهم ومبيتهم.‏<br />

وعلى األمري أن يعني عددا كا<strong>في</strong>ا من ا رس للمعسكر ابلليل والنهار،‏ ويتناوب أكثرُ‏ من فرد احلراسةَ‏ ليال<br />

خشية النعاس.‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»عَيْنَانِ‏ ال متََسُّهُمَا النمارُ‏ عَنيٌْ‏ بَكَتْ‏ مِنْ‏ خَشْيَةِ‏ اَّللمِ‏ وَعَنيٌْ‏ ابَتَ‏ ‏ْت<br />

4<br />

حتَْرُسُ‏ يفِ‏ سَبِيلِ‏ اَّللمِ«‏ . وكتب أبو بكر الصديق إَل يزيد بن أيب س<strong>في</strong>ان يف مسريه ابجليش لقتال الروم قال:‏ ‏)وأكثر<br />

= 6<br />

حرسك وبددهم يف عسكرك،‏ وألكثر مفاجأهتم يف حمارسهم بغري علم منهم بك،‏ فمن وجدته غَفَل عن حمرسه أدِّبه<br />

وعاقبه يف غري إفراط،‏ واعقب بينهم ابلليل واجعل النوبة األوَل أطول من األخرية فإهنا أيسرمها لقرهبا من النهار(‏ . 5<br />

ويدخل يف املسئولية العامة أن بصاحب األمري معه مشرفا طبيا،‏ وهذا عليه <strong>إعداد</strong> ما يلزم من األدوات الطبية.‏<br />

وي ‏َلْزم األمري واملدربني أن يرشدوا الطالب إَل احتياطات األمن يف استخدام األسلحة لتقليل ما ينشأ من الإصاابت.‏<br />

= 7<br />

ويدخل يف املسئولية العامة أن جيتهد األمري يف تدريب طالبه على خري وجه وعليه أن يعقد له من االختبارات<br />

النظرية والعملية أثناء ويف هناية التدريب ما يضمن به جَوْدة.‏<br />

- رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 2 ص 37<br />

- ‏)العقد الفريد(‏ البن عبدربه كتاب احلروب<br />

- رواه الرتمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن<br />

- الكامل يف التاريخ البن األثري ج 2 ص 276<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

019


= 9<br />

ويدخل يف املسئولية العامة أن يفضي األمري النزاعات بني أتباعه أو يعني هلذا من ينوب عليه،‏ وعليه أن يعاقب<br />

املسيء وحده ال يتعداه إَل غريه،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَزِ‏ رُ‏ وَ‏ ازِ‏ رَ‏ ةٌ‏ وِزْ‏ رَ‏ أُخْرَ‏ ى{.‏ وسيأِت تفصيل هلذه املسألة يف<br />

الواجب السادس من واجبات األمري.‏<br />

001


الثاني من واجبات األمير:‏<br />

أن يتخذ<br />

لنفسه مجلس شورى<br />

تعريف الشورى:‏ ‏]التشاور واملشاورة واملشورة:‏ استخراج الرأي مبراجعة البعض البعض من قوهلم:‏ شرت العسل إذا<br />

اختذته من موضعه واستخرجته منه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْ‏ ‏ِر{‏ والشورى:‏ األمر الذي يتشاور <strong>في</strong>ه،‏ قال<br />

1<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَمْرُ‏ هُمْ‏ شُورَ‏ ى بَيْنَهُ‏ ‏ْم{[‏ .<br />

<strong>في</strong>تشاور األمري أهل العلم والصالح،‏ ويسأل ذوي الرأي <strong>في</strong>ما أعضل من األمور،‏ ويرجع إَل أهل العزم <strong>في</strong>ما أشكل،‏<br />

ليأمن مِن اخلطأ ويسلم من الزلل،‏ <strong>في</strong>كون إَل الصواب أقرب قال تعاَل لنبيه ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْرِ‏ قَإِذَا عَزَ‏ مْ‏ ‏َت<br />

2<br />

قَتَوَ‏ كَّلْ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{ فقد أمره ابملشاورة مع ما أمده من التو<strong>في</strong>ق . 3<br />

وقال الإمام البخاري ‏)وكانت األمة بعد النيب<br />

املباحة<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

يستشريون األمناء من أهل العلم<br />

4<br />

ليأخذوا أبسهلها،‏ فإذا وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إَل إقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم ) .<br />

يف األمور<br />

وقد جعل هللا تعاَل الشورى من أسباب أتليف القلوب والتفاف اجلند حول قائدهم كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}قَبِمَا رَ‏ حْمَ‏ ‏ٍة<br />

5<br />

مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لِنْتَ‏ لَهُمْ‏ وَ‏ لَوْ‏ كُنْتَ‏ قَظًّا غَلِيظَ‏ الْقَلْبِ‏ الَ‏ نْفَضُّوا مِنْ‏ حَوْ‏ لِكَ‏ قَاعْفُ‏ عَنْهُمْ‏ وَ‏ اسْتَغْفِرْ‏ لَهُمْ‏ وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْ‏ ‏ِر{‏<br />

فقد جعل هللا مشاورهتم يف األمر من أسباب عدم انفضاضهم من حوله صلى هللا عليه وسلم<br />

وحسما للنزاع بني الإخوة املسلمني أنبه على أمور متعلقة ابلشورى:‏<br />

. 6<br />

األول:‏ موضوع الشورى:‏ هو األمور املباحة أساسا كما ذكر البخاري حيث ال ن شرعي ابألمر أو النهي،‏ لقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ ً أَمْرا أَنْ‏ يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَعْصِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ<br />

وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ قَقَدْ‏ ضَلَّ‏ ضَالال مُبِينًا{‏ . 7<br />

ويشاور األمري كذلك عندما خيفى عليه احلكم الشرعي كما سيأِت <strong>في</strong>ما رواه ميمون بن مهران عن أيب بكر وعمر رضي<br />

هللا عنهما.‏<br />

- 1 قاله الراغب األصفهاين يف كتابه ‏)املفردات يف غريب القرآن(‏ مادة شور<br />

000<br />

- 2<br />

سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

158<br />

3<br />

4<br />

- أبو يعلىى ص 45<br />

- كتاب االعتصام ابلصحيح،‏ ابب<br />

29<br />

5<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

158<br />

6<br />

7<br />

- عن ابن كثري مبعناه.‏<br />

- سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

36


ويشاور األمري كذلك عند وضوح احلكم الشرعي الختيار الزمان أو املكان املناسبني وحنو ذلك كما شاور النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم يف غزواته،‏ كبدر وأحد واخلندق وغريها.‏<br />

الَاين:‏ لألمري أن خيتار أهل مشورته اثبتني أو متغريين،‏ وعلى أي حال فعليه مشاورة أهل العلم والصالح وافربة<br />

من أتباعه.‏ وذكرت هذا حىت ال يقول قائل ملاذا مل يشاورين األمري؟ أو ملاذا أخذ فالن يف الشورى ومل ‏َيخذين؟ ومع<br />

ذلك فلكل أخ حق النصح،‏ بل النصح واجب خاصة إذا خ<strong>في</strong> وجه الصواب واملصلحة على األمري وعلى أهل<br />

مشورته.‏<br />

ويف اختيار األمري ألهل مشورته،‏ روى البخاري عن ابن عباس مشاورة عمر ألصحابه ملا قدم إَل الشام فوجد الطاعون<br />

قد وقع هبا.‏ قال عبد هللا بن عباس ‏)إنم عُمَرَ‏ بْنَ‏ اخلَْطمابِ‏<br />

خَرَجَ‏ إَِلَ‏ الشمأْمِ،‏ حَىتم إِذَا كَانَ‏ بِسَرْغَ‏ لَقِيَهُ‏ أُمَرَاءُ‏ األَجْنَادِ‏ أَبُو<br />

عُبَيْدَةَ‏ بْنُ‏ اجلَْرماحِ‏ وَأَصْحَابُهُ‏ فَأَخْربَُوهُ‏ أَنم الْوَابَءَ‏ قَدْ‏ وَقَعَ‏ أبَِرْضِ‏ الشمأْمِ‏ قَالَ‏ ابْنُ‏ عَبماسٍ‏ فَقَالَ‏ عُمَرُ‏ ادْعُ‏ يلِ‏ الْمُهَاجِ‏ رِينَ‏ األَوملِ‏ ‏َني<br />

فَدَعَاهُمْ‏ فَاسْتَشَارَهُمْ‏ وَأَخْربََهُمْ‏ أَنم الْوَابَءَ‏ قَدْ‏ وَقَعَ‏ ابِلشمأْمِ‏ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ قَدْ‏ خَرَجْتَ‏ ألَمْرٍ‏ وَال ن ‏َرَى أَنْ‏ تَرْجِ‏ عَ‏ عَنْهُ‏<br />

وَقَالَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ مَعَكَ‏ بَقِيمةُ‏ النماسِ‏ وَأَصْحَابُ‏ رَسُولِ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم وَال ن ‏َرَى أَنْ‏ ت ‏ُقْدِمَهُمْ‏ عَلَى هَذَا الْوَابَءِ‏ فََقاَل<br />

ارْتَفِعُوا عَينِّ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ ادْعُوا يلِ‏ األَنْصَارَ‏ فَدَعَوْهتُُمْ‏ فَاسْتَشَارَهُمْ‏ فَسَلَكُوا سَبِيلَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِينَ‏ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِالفِهِمْ‏ فَقَالَ‏ ارْتَفِعُوا<br />

عَينِّ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ ادْعُ‏ يلِ‏ مَنْ‏ كَانَ‏ هَا هُنَا مِنْ‏ مَشْيَخَةِ‏ قُرَيْشٍ‏ مِنْ‏ مُهَاجِ‏ رَةِ‏ الْفَتْحِ‏ فَدَعَوْهتُُمْ‏ فَلَمْ‏ خيَْتَلِفْ‏ مِنْهُمْ‏ عَلَيْهِ‏ رَجُالَ‏ نِ‏ فَقَالُوا<br />

ن ‏َرَى أَنْ‏ تَرْجِ‏ عَ‏ ابِلنماسِ‏ وَال ت ‏ُقْدِمَهُمْ‏ عَلَى هَذَا الْوَابَءِ‏ فَنَادَى عُمَرُ‏ يفِ‏ النماسِ‏ ِ إِينّ‏ مُصَبِّحٌ‏ عَلَى ظَ‏ هْرٍ‏ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ‏ قَالَ‏ أَبُو<br />

عُبَيْدَةَ‏ بْنُ‏ اجلَْرماحِ‏ أَفِرَارًا مِنْ‏ قَدَرِ‏ اَّللمِ‏ فَقَالَ‏ عُمَرُ‏ لَوْ‏ غَريُْكَ‏ قَاهلََا ايَ‏ أَابَ‏ عُبَيْدَةَ‏ ن ‏َعَمْ‏ نَفِرُّ‏ مِنْ‏ قَدَرِ‏ اَّللمِ‏ إَِلَ‏ قَدَرِ‏ اَّللمِ‏ أَرَأَيْتَ‏ لَْو<br />

كَانَ‏ لَكَ‏ إِبِلٌ‏ هَبَطَتْ‏ وَادِايً‏ لَهُ‏ عُدْوَاتَنِ‏ إِحْدَامهَُا خَصِبَةٌ‏ وَاألُخْرَى جَدْبَةٌ‏ أَلَيْسَ‏ إِنْ‏ رَعَيْتَ‏ اخلَْصْبَةَ‏ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ‏ اَّللمِ‏ وَإِ‏ ‏ْن<br />

رَعَيْتَ‏ اجلَْدْبَةَ‏ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ‏ اَّللمِ‏ قَالَ‏ فَجَاءَ‏ عَبْدُ‏ الرممحَْنِ‏ بْنُ‏ عَوْفٍ‏ وَكَانَ‏ مُتَغَيِّبًا يفِ‏ ب ‏َعْضِ‏ حَاجَتِهِ‏ فَقَالَ‏ إِنم ‏ِعنْدِي يفِ‏ هَذَا<br />

عِلْمًا مسَِعْتُ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم ي ‏َقُولُ‏ إِذَا مسَِعْتُمْ‏ بِهِ‏ أبَِرْضٍ‏ فَال تَقْدَمُوا عَلَيْهِ‏ وَإِذَا وَقَعَ‏ أبَِرْضٍ‏ وَأَنْتُمْ‏ هبَِا فَال<br />

ختَْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ‏ قَالَ‏ فَحَمِدَ‏ اَّللمَ‏ عُمَرُ‏ ‏ُثُم انْصَرَفَ‏ ) 1 .<br />

فهذا احلديث يبني أن اختيار أهل الشورى من حق األمري،‏ وأنه ال يشرتط أن يكونوا ‏َثبتني أبشخاصهم،‏ بل املعترب<br />

<strong>في</strong>هم الصفة،‏ وهو أهل العلم والصالح ‏)وهم يف احلديث:‏ املهاجرون األولون واألنصار(‏ وأهل افربة والتجربة ‏)وهم<br />

يف احلديث:‏ مشيخة قريش(‏ فإذا أَمَرَ‏ األمِريُ‏ العام أمريَ‏ املعسكر مبشاورة قوم معينني لزمه ذلك طاعة ألمريه،‏ بعث عمر<br />

بن اخلطاب جيشا إَل العراق وأمر عليه أاب عبيدة بن مسعود الثق<strong>في</strong> ومل يكن صحابيا،‏ قال ابن كثري:‏ ‏]فقيل لعمر:‏<br />

هال أمرت عليه رجال من الصحابة؟ فقال إَّنا أؤمر أول من استجاب،‏ إنكم إَّنا سبقتم الناس بنصرة هذا الدين،‏ وإن<br />

هذا هو الذي استجاب قبلكم،‏ ‏ُث دعاه فوصاه يف خاصة نفسه بتقوى هللا ومبن معه من املسلمني خريا،‏ وأمره أن<br />

يستشري أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأن يستشري سليط بن قيس فإنه رجل ابشر احلروب[‏ . 2<br />

- رواه البخاري ‏)حديث 5728(<br />

- البداية والنهاية ج 7 ص 26<br />

1<br />

2<br />

002


أ =<br />

الَالث:‏ حكم الشورى:‏ وتتفرع منه مسألتان قلما ي ‏ُفَرِّق بينهما املصنفون،‏ ومها:‏<br />

حكم مبدأ الشورى ‏)مشروعية الشورى(‏ أي هل جيب على األمري أن يشاور من معه؟<br />

حكم إلزام الشورى:‏ أي إذا شاور فاتفق أهل الشورى كلهم أو أغلبهم على رأي فهل جيب على األمري العمل هبذا<br />

الرأي أم ال يلزمه،‏ وله خمالفته رغم اتفاقهم؟ والشك أن هذا يف االجتهاد حيث ال ن وال حكم شرعي ‏َثبتاً‏ مقرراً.‏<br />

ويراعى أننا نتكلم عن حكم الشورى<br />

<strong>في</strong>ما يتعلق بسياسة الراعي ‏)اإلمام أو من دونه(‏ للرعية،‏ وليس <strong>في</strong>ما يتعلق<br />

بتنصيب الإمام السابق أو ابالستيالء.‏ وبناء عليه فسوف نتكلم هنا إن شاء هللا عن حكم الشورى ‏)مشروعيته وإلزامه(‏<br />

<strong>في</strong>ما يتعلق بسياسة الراعي للرعية:‏<br />

أ = مشروعية الشورى:‏<br />

رأي مجهور علماء السلف أن الشورى مندوبة مستحبة وليست واجبة على األمري.‏ ومل يَرِد إلينا نقل صحيح صريح<br />

يف األمر ابلشورى إال نصا واحدا وهو آية آل عمران ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األْ‏ ‏َمْ‏ ‏ِر{‏ ويرد <strong>في</strong>ها تساؤالن:‏ هل األمر يف اآلية<br />

من خصائص النيب<br />

1<br />

صلى هللا عليه وسلم أم عام له صلى هللا عليه وسلم وألمته؟ <strong>في</strong>ها خالف ولو سلمنا أنه عام،‏<br />

فريد التساؤل الثاين وهو:‏ هل األمر يف اآلية للوجو أم للند ؟ واألصل أن األمر للوجوب ما مل تصرفه قرينة إَل<br />

الندب.‏<br />

والذي عليه مجهور علماء السلف أن األمر يف هله اآلية هو للند<br />

يف حق األمة والذي يُفهم من كالم السلف<br />

رمحهم هللا أن القرينة الصارفة هلذا األمر ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُ‏ ‏ْم{‏ من الوجوب إَل الندب هي أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

ليس حباجة إَل املشاورة الستغنائه عنها ابلوحي،‏ فكانت على الندب يف حقه صلى هللا عليه وسلم وابلتايل فهذا هو<br />

حكمها ألمته.‏<br />

وللتأكد من هذا يلزمنا النظر يف حال والة األمور يف حياته صلى هللا عليه وسلم . كأُمراء السرااي والبعوث،‏ هل أَمَرَهم<br />

مبشاورة أتباعهم؟ الثابت لدينا أنه كان ‏َيمر األجناد بطاعة األمراء كما يف قوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من أطاعين فقد<br />

2<br />

أطاع هللا،‏ ومن عصاين فقد عصا هللا،‏ ومن أطاع أمريي فقد أطاعين،‏ ومن عصى أمريي فقد عصاين«‏ . فنقول لعل<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم مل ‏َيمر أمراءه ابلشورى اكتفاء أبمر هللا تعاَل يف قوله تعاَل ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْ‏ ‏ِر{‏ <strong>في</strong>لزمنا<br />

النظر يف سرية أمراءه صلى هللا عليه وسلم،‏ وسيأِت يف سياق هذه الرسالة هني عمرو بن العاص ملن معه يف غزوة ذات<br />

السالسل عن إشعال النار وعن تتبع العدو دون مشاورهتم رغم توسط الصديق عنده،‏ ومحد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

فعل عمرو.‏ ومل يقل له ملَِ‏ ملَْ‏ تشاورهم ولو لتطييب أنفسهم؟ ومل يقل له الصديق جيب أن تشاوران؟<br />

. 3<br />

003<br />

- 1<br />

‏)انظر نيل األوطار للشوكاين ج<br />

9 ص )46<br />

2<br />

3<br />

- متفق عليه<br />

-<br />

هذا احلديث أورده اهليثمي يف جممع الزوائد وقال:‏ أورده الطرباين إبسنادين ورجال األول رجال الصحيح ‏)جممع 322/5( وسيأِت احلديث بتمامه إن<br />

شاء هللا،‏ وهو يشري إَل أن الشورى ليست واجبة.‏


وقال ابن حجر:‏ ‏]وعَدّ‏ كثري من الشافعية املشاورة<br />

اإلستحبا<br />

يف افصائص،‏ واختلفوا يف وجوهبا فنقل البيهقي يف املعرفة<br />

1<br />

عن الن ، وبه جزم أبو نصر القشريي يف تفسريه،‏ وهو املرجمح[‏ وصرح ابن حجر يف موضع آخر<br />

‏]أبن حكم الشورى هو االستحباب فقال:‏ ‏]وجاء يف<br />

استحبا<br />

االستشارة<br />

آَثر جياد.‏ وأخرج يعقوب بن س<strong>في</strong>ان<br />

2<br />

بسند جيد عن الشمعيب قال:‏ من سَرمه أن ‏َيخذ ابلوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر،‏ فإنه كان يستشري[‏ .<br />

ونقل النووي الإمجاع على أن الشورى مستحبة غري واجبة يف حق األمة،‏ حيث قال يف شرح حديث تشاور الصحابة<br />

يف كي<strong>في</strong>ة الإعالم بوقت الصالة وبَدْء األذان،‏ قال:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه التشاور يف األمور السيما املهمة وذلك مستحب يف حق<br />

األمة إبمجاع العلماء،‏ واختلف أصحابنا هل كانت املشاورة واجبة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أم كانت سنة<br />

يف حاله صلى هللا عليه وسلم<br />

كما يف حقنا،‏ والصحيح عندهم وجوهبا وهو املختار قال هللا تعاَل ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي<br />

األَمْرِ‏ } واملختار الذي عليه مجهور الفقهاء وحمققو أهل األصول أن األمر للوجوب و<strong>في</strong>ه أنه ينبغي للمتشاورين أن<br />

يقول كل منهم ما عنده<br />

3<br />

‏ُث صاحب األمر يفعل ما ظهرت له مصلحة.‏ وهللا أعلم[‏ .<br />

فالنووي فَرمق بني حكم الشورى ابلنسبة لألمة وابلنسبة للنيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فقال إهنا مستحبة يف حق األمة<br />

إبمجاع العلماء أي أهنا سنة يف حقنا،‏ أما يف حق النيب صلى هللا عليه وسلم فهي واجبة،‏ ‏ُث ختم كالمه ببيان أهنا غري<br />

ملزمة بقوله ‏]إن صاحب األَمْر يفعل ما ظهرت له مصلحة[.‏ والنووي هبذا جعل الوجوب من خصائ<br />

عليه وسلم وحكم بندهبا لألمة.‏<br />

النيب صلى هللا<br />

وقد قال اجلويين وابن تيمية وابن القيم إن حكم الشورى هو االستحباب،‏ وستأِت أقواهلم إال أن القرطيب نقل القول<br />

ابلوجوب يف حق األمة عن ابن عطية وابن خُوَيْز مَنْدَاد يف تفسريه آلية آل عمران<br />

4<br />

فقال ابن خُوَيْز مَنْدَاد ‏)واجب<br />

على الوالة مشاورة العلماء <strong>في</strong>ما ال يعلمون و<strong>في</strong>ما أشكل عليهم(،‏ وقول ابن عطية أشد،‏ وهو ‏)والشورى من قواعد<br />

الشريعة وعزائم األحكام،‏ ومن ال يستشري أهل العلم والدين فعزله واجب،‏ هذا ماال خالف <strong>في</strong>ه(.‏ قلت:‏ أما اجياهبما<br />

املشاورة على الوالة فهذا معرتض مبا نقلته عن ابن حجر والنووي آنفا أن املشاورة مستحبة ليست واجبة،‏ وأما قول<br />

ابن عطية:‏ بعزل الوايل الذي ال يستشري،‏ فهذا مل يقل به أحد،‏ والعجب أنه يقول:‏ إن هذا مما ال خالف <strong>في</strong>ه والكل<br />

على خالفه،‏ وحيتاج الدليل من كتاب أو سنة أو إمجاع يؤيد الوجوب الذي قاله يف العزل،‏ حيث قال ‏)فعزله واجب(‏<br />

فكيف حكم ابلوجو بال دليل؟،‏ وقد دلت النصوص على أن احلاكم ينعزل ابلكفر إمجاعا فهل ترى الشورى كفر<br />

أو حىت فسق،‏ وراجع ما ينعزل به الإمام يف األحكام السلطانية للماوردي ص<br />

21<br />

17<br />

فلن جتد <strong>في</strong>ها ترك الشورى،‏<br />

وقال ابن حجر يف شرح حديث ‏»من كره من أمريه شيئا فليصرب،‏ فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية«‏<br />

004<br />

1<br />

- 2<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 341<br />

‏)فتح الباري(‏ ج<br />

13 ص 148<br />

3<br />

4<br />

- ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 4 ص 76<br />

251<br />

- القرطيب 248 / 4


، 1 قال ابن حجر ‏]قال ابن بطال:‏ يف احلديث حجة يف ترك افروج على السلطان ولو جار،‏ وقد أمجع الفقهاء على<br />

وجوب طاعة السلطان املتغلب واجلهاد معه وأن طاعته خري من اخلروج عليه لِمَا يف ذلك من حَقْن الدماء وتسكني<br />

الدَمهْ‏ اء وحجتهم هذا اخلرب وغريه مما يساعده ومل يستثنوا من ذلك إال إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فال جتوز<br />

طاعته يف ذلك بل جتب جماهدته ملن قدر عليها،‏ وقال ابن حجر أيضا:‏ فال<br />

2<br />

ارتكب الكفر[‏ .<br />

ينازعه مبا يقدح يف الوالية إال إذا<br />

خالصة القول:‏ إن قول ابن عطية بوجوب عزل الوايل الذي ال يستشري هو خمالف لقول مجهور العلماء،‏ وليس معه<br />

دليل يعضده.‏ أما ما ذكره ابن خُوَيْز منداد وابن عطية ‏)من وجوب مشاورة الوالة للعلماء <strong>في</strong>ما ال يعلمون(‏ فهذا ال<br />

خالف <strong>في</strong>ه،‏ خاصة <strong>في</strong>ما خيفى على الوايل من أحكام الشريعة،‏ وكان أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما يستشريان يف<br />

ذلك،‏ وقد قال هللا تعاَل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{.‏ وحنن هنا نتكلم عن الشورى يف املباحات<br />

ومسائل االجتهاد ال يف املسائل القطعية.‏<br />

قتله 3<br />

فالصواب:‏ أن الشورى مندوبة مستحبة غري واجبة،‏ وأقصى ما يقال إهنا سنة منكدة ويندر أن جتد عاقال جمراب عركته<br />

األايم والتجارب ال يشاور من معه،‏ يك<strong>في</strong> أنك ابملشاورة أتخل خالقة عقول الرجال،‏ وتضيف إىل عمرك أعمارا<br />

أخر،‏ أال ترى أن احلكيم اجملرب يعطيك خالصة جتربة عمره يف كلمات يف دقائق؟ أال ترى أن الشريعة وردت ابلنهي<br />

عن قتل املرأة والشيخ الفاين واألعمى واملريض والراهب؟ إال من كان من هؤالء املذكورين ذا رأي يعني يف احلرب جاز<br />

وقال املتنيب:‏<br />

الرأي قبل شجاعة الشجعان هو األول وهي قي المَحِ‏ ل الثاني<br />

وقال ابن قدامة:‏ ‏]ومن كان ذا رأي يعني يف ا ر جاز قتله،‏ ألن الرأي يف احلرب أبلغ يف القتال وعنه يصدر<br />

القتال[‏ . 4 وهذا احلكم مستفاد من عدم إنكار النيب صلى هللا عليه وسلم قَتْلَ‏ دريد بن الصُمّة يف غزوة حنني،‏ وكان<br />

شيخا فانيا لكنه كان ذا رأي يف القتال.‏<br />

أما عن صفات املشري،‏ فقد خلصها البخاري بقوله إهنم ‏)األمناء من أهل العلم(.‏ وقد قال هللا تعاَل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏<br />

6<br />

5<br />

الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُونَ‏ } ، وقال سبحانه:‏ { وَ‏ ال يُنَب ‏ِئُكَ‏ مِثْلُ‏ خَبِيرٍ‏ } ، وذكر املاوردي يف كتابه ‏)أدب الدنيا<br />

والدين(‏ يف ابب الشورى صفات املشري،‏ فقال هي مخس خصال ‏]إحداهن:‏ عقل كامل مع جتربة سالفة،‏ الثانية:‏ أن<br />

005<br />

1<br />

2<br />

- رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعا<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 9 7،<br />

3<br />

4<br />

- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 543<br />

- ‏)الكايف(‏ ج 4 ص 267<br />

- 5<br />

سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

43<br />

وسورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

6<br />

- سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

14


يكون<br />

ذا دين وتقي<br />

فإن ذلك عماد كل صالح،‏ الثالثة:‏ أن يكون<br />

انصحا ودودا غري حسود<br />

وال حقود وإايك<br />

ومشاورة النساء،‏ الرابعة:‏ أن يكون سليم الفكر مَن هَمٍّ‏ قاطع وغَمٍّ‏ شاغل،‏ واخلامسة:‏ أال يكون له يف األمر ا ملستشار<br />

غرني يتابعه وال هوى يساعده.‏ أ ه ابختصار[.‏<br />

والنهي عن مشاورة النساء يدخل حتت احلديث الصحيح<br />

‏»لن ي ‏ُفْلِح قوم وَلموْا أَمْرَهم امرأة«‏<br />

وال يشكل على هذا<br />

احلديث ما أشارت به السيدة أم سلمة على النيب صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية،‏ إذ إن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

مل يبدأها بطلب املشورة،‏ وما أشارت به رضي هللا عنها يدخل حتت حديث ‏»الدين النصيحة«.‏ مع التسليم بعصمته<br />

صلى هللا عليه وسلم من أن ي ‏ُقَر على خطأ سواء كان املُشري به رجال أم امرأة،‏ يدل على ذلك قوله صلى هللا عليه<br />

وسلم لعائشة وحلفصة رضي هللا عنهما<br />

1<br />

‏»إنكن ألننت صواحب يوسف«‏ . وذلك لَما أَمَر صلى هللا عليه وسلم أن<br />

يُصَلِّي أبو بكر ابلناس يف مرضه صلى هللا عليه وسلم،‏ فأشرن عليه بعمر،‏ كذلك ينبغي التفريق بني ما شاع من األمور<br />

وعرفه اخلاص والعام وبني ما خ<strong>في</strong> منها.‏<br />

برأيه.‏<br />

وقد ورد منع إدخال النساء يف األمور العامة صرحيا <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال:‏ ‏)لَبِثْ‏ ‏ُت<br />

صلى هللا عليه وسلم فَجَعَلْتُ‏ أَهَابُهُ‏ فَنَزَلَ‏ ي ‏َوْمًا<br />

سَنَةً‏ وَأَانَ‏ أُرِيدُ‏ أَنْ‏ أَسْأَلَ‏ عُمَرَ‏ عَنِ‏ الْمَرْأَتَنيِْ‏ اللمتَنيِْ‏ تَظَاهَرَاتَ‏ عَلَى النميبِ‏ ّ<br />

مَنْزِالً‏ فَدَخَلَ‏ األَرَاكَ‏ فَلَما خَرَجَ‏ سَأَلْتُهُ‏ فَقَالَ‏ عَائِشَةُ‏ وَحَفْصَةُ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ كُنما يفِ‏ اجلَْاهِلِيمةِ‏ ال ن ‏َعُدُّ‏ النِّسَاءَ‏ شَيْئًا فَلَما جَاءَ‏<br />

الإِسْالمُ‏ وَذَكَرَهُنم اَّللمُ‏ رَأَيْنَا هلَُنم بِذَلِكَ‏ عَلَيْنَا حَقاا مِنْ‏ غَريِْ‏ أَنْ‏ نُدْخِ‏ لَهُنم يفِ‏ شَيْءٍ‏ مِنْ‏ أُمُورِانَ(‏ . 2<br />

ِ<br />

ب - هل الشورى إذا تمت ملزمة لألمير؟<br />

أي إذا اتفق أهل الشورى كلهم أو أغلبهم على رأي،‏ فهل جيب على األمري العمل هبذا الرأي أم يسعه خمالفته والعمل<br />

اجلواب:‏ إن الشورى وإن كانت إمجاعية فهي غري ملزمة لألمري،‏ وقد أَثر املعاصرون جدال كثريا حول هذه املسألة<br />

بَدْءا من الشيخ حممد عبده إَل يومنا هذا،‏ والشيخ حممد عبده كان مفتوان ابملدنية األوربية،‏ هو وتالميذه من مدرسة<br />

3<br />

اللورد كرومر أول مندوب سامي بريطاين مبصر وسبب حبثهم يف هذه املسألة وهي إلزام الشورى،‏ هو تقليد النظام<br />

الدميقراطي الغريب حيث يقضي هذا ابلعمل برأي أغلبية أعضاء الربملان،‏ الذين ينوبون عن األمة،‏ تطبيقا ملبدأ سيادة<br />

األمة الذي تقوم عليه الدميقراطية،‏ والنظام الدميقراطي هو نظام وضعي بشري يعين حكم الشعب ابلشعب أو<br />

‏"حاكمية اجلماهري"‏ كما مساها أبو األعلى املودودي<br />

4<br />

ابلربملان،‏ وما يُشَرِّعونه يصبح تشريعا ملزما جلميع الشعب،‏ ولذلك<br />

فاملُشَرِّع يف النظام الدميقراطي هو الشعب ممثال يف أغلبية نوابه<br />

فالدميقراطية شرك ابهلل وكفر أكرب صريح،‏ إذ<br />

- رواه البخاري<br />

- كتاب اللباس ابلبخاري،‏ حديث<br />

5943<br />

- يراجع كتاب ‏)الإجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر(‏ للدكتور حممد حممد حسني ج 2 ص 317271،272<br />

- رسالة الإسالم واملدنية احلديثة أليب األعلى ص 33، حيث قال أبو األعلى:‏ إن الدميقراطية:‏ هي أتليه الإنسان،‏ وهي حاكمية اجلماهري.‏ أ ه<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

006


تسلب حق التشريع من هللا وتعطيه للبشر،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ الْحُكْمُ‏ إِالَّ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ أَمَرَ‏ أَال تَعْبُدُوا إِال إِيَّاهُ{‏ ، 1 ويك<strong>في</strong> يف كفر<br />

الدميقراطية أن قرارات<br />

الربملان خترج مُصَدمرَة ‏)ابسم الشعب(‏ وليس ‏)ابسم هللا(‏ فهم قد وضعوا الشعب موضع هللا<br />

سبحانه،‏ وهلذا فإن الدميقراطية هي من صور أتليه البشر من دون هللا،‏ وقد حرمها هللا يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَتَّخِ‏ ذَ‏<br />

2<br />

بَعْضُنَا بَعْض ‏ًا أَرْ‏ بَابًا مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ . وهذا النظام الشركي قد جلأت إليه األمم الكافرة كاليهود والنصارى بعد ما<br />

بَدملوا دينهم ومل يبق هلم شرع صحيح وهو أفضل هلم من احلكم الفردي االستبدادي.‏ أما ابلنسبة للمسلمني فالتشريع<br />

هلل ‏ُث لرسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ والسلطان إَّنا هو منفذ هلذه األحكام،‏ وقلما جتد انزلة ليس هلا حكم يف الشريعة<br />

إما نصا وإما استنباطا.‏ وما ال حكم له أو ما كان مباحا فأمره إَل الإمام له أن يشاور وبتخيري من آراء أهل الشورى<br />

أو يدعها ويعمل بنظره هو،‏ وليس ألحد أن يلزمه ابلعمل برأي أهل الشورى وإن اتفقوا،‏ وعلى األمة طاعة الإمام <strong>في</strong>ما<br />

يراه ما مل يكن معصية.‏ والدليل على هلا ما يلي:‏<br />

أوال:‏ لو افرتضنا جدال أن األمر يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْرِ‏ } هو للوجوب،‏ فهذا يف مشروعية الشورى،‏<br />

ومل يرد نص إبلزام الشورى:‏ أي بوجوب طاعة الإمام ألهل الشورى ومن قال إن الإلزام يُستفاد من الن السابق<br />

استنباطا وإال لكان<br />

األمر ابملشاورة عبثا،‏ فنقول له أنت هبذا قد أتيت بزايدة مل تَرِد يف الن ، وكأن الن<br />

يقول:‏<br />

‏)وَشَاوِرْهُمْ‏ يفِ‏ األَمْرِ‏ ‏ُثُم أَطِعْهُم(‏ وهذا هو العبث،‏ فال يصح أن يكون هذا دليال على الوجوب.‏ وحىت لو أجزان هذا<br />

االستنباط كدليل لوجوب إلزام الشورى فإنه ال يقوى على معارضة األمر بطاعة الإمام الواجبة ابلنصوص القطعية.‏<br />

<strong>في</strong>سقط ما ثبت ابالستنباط واإلشارة عندما يتعارني مع ما ثبت ابلنص القطعي،‏ والثابت ابلنصوص الصرحية<br />

القطعية أن الشريعة أمرت الرعية بطاعة األمري،‏ ومل أتمر األمري بطاعة الرعية وال بطاعة أهل الشورى.‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ ، 3 فما مل يكن <strong>في</strong>ه حكم هلل ورسوله صلى هللا<br />

عليه وسلم جيب طاعة أويل األمر <strong>في</strong>ه والنزول على اجتهادهم ورأيهم <strong>في</strong>ه.‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من<br />

أطاعين فقد أطاع هللا،‏ ومن عصاين فقد عصا هللا،‏ ومن أطاع أمريي فقد أطاعين،‏ ومن عصى أمريي فقد عصاين«‏ . 4<br />

وعن ابن عمر مرفوعا:‏ ‏»السمع والطاعة على املرء <strong>في</strong>ما أحب أو كره،‏ ما مل يؤمر مبعصية،‏ فإذا أمر مبعصية فال مسع وال<br />

طاعة«‏ ، 5 قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»وكَرِه«‏<br />

يف هذا احلديث معناه:‏ <strong>في</strong>ما ‏َيمر به األمري من التكاليف الثقيلة<br />

على النفس مما ليس مبعصية كما يف حديث عبادة مرفوعا ‏»مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا«‏ ، 6 واألمري إَّنا يُبايع على الطاعة له.‏<br />

- سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

41<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

64<br />

58<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- متفق عليه<br />

- متفق عليه<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

007


بل إن األحاديث اآلمرة بطاعة األئمة متواترة وابلتايل هي نصوص قطعية،‏ كما قال العالمة حممد بن جعفر الكتاين يف<br />

كتابه ‏)نظم املتناثر من احلديث املتواتر(‏ يف أبواب الإمامة قال:‏ [<br />

176<br />

أحاديث األمر ابلطاعة لألئمة والنهي عن<br />

اخلروج عليهم:‏ ذكر أبو الطيب القنوجي يف أتليف له مساه ‏)العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة(‏ أهنا متواترة،‏<br />

ونصه:‏ طاعة األئمة واجبة إال يف معصية هللا ابتفاق السلف الصاحل لنصوص الكتاب العزيز واألحاديث املتواترة يف<br />

وجوب طاعة األئمة وهي كثرية،‏ وال جيوز اخلروج عن طاعتهم بعدما حصل االتفاق عليهم ما أقاموا الصالة ومل يُظهروا<br />

كفرا بواحا إَل قوله وقد تواترت األحاديث يف النهي عن اخلروج على األئمة ما مل يظهر منهم الكفر البواح أو ترك<br />

الصالة،‏ فإذا مل يظهر من الإمام األول أحد األمرين مل جيز افروج عليه وإن ابلغ يف الظلم أي مبلغ لكنه جيب أمره<br />

ابملعروف وهنيه عن املنكر حبسب االستطاعة أ ه [.<br />

ومن أصرح ما ورد يف هذا كالم شارح العقيدة الطحاوية حيث<br />

قال:‏ ‏]وقد دلت نصوص الكتاب والسنة<br />

وإمجاع<br />

سلف األمة أن ويل األمر،‏ وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع يف مواضع االجتهاد،‏ وليس عليه<br />

أن يطيع أتباعه يف موارد االجتهاد،‏ بل عليهم طاعته يف ذلك،‏ وترك رأيهم لرأيه،‏ فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف،‏<br />

ومفسدة الفرقة واالختالف،‏ أعظم من أمر املسائل اجلزئية[‏ . 1<br />

اثنيا:‏ وردت الشريعة بتعيني إمام واحد للمسلمني،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إذا بويع خلليفتني فاقتلوا<br />

2<br />

اآلخر منهما«‏ . وملسلم عن عبد هللا بن عمرو مرفوعا<br />

‏»ومن ابيع إماما فأعطاه صفقة يده ومثره قلبه فليطعه<br />

إن<br />

استطاع،‏ فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق اآلخر«،‏ وملسلم أيضا عن عرفجة مرفوعا ‏»من أاتكم وأمركم مجيع على<br />

رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه«.‏ والإمام هو السلطة اآلمرة العليا يف األمة املسلمة،‏ فلو<br />

قلنا أبن الشورى ملزمة له وابلتايل لألمة،‏ لقلنا جبواز تعدد السلطة العليا يف األمة وجبواز تعيني خليفتني،‏ وهذا خالف<br />

مقتضى الشريعة.‏<br />

فالقول ببطالن إلزام الشورى بناء على القول ببطالن تعيني إمامني للمسلمني هو عندي استنباط جيد يدل على<br />

أن الشورى غري ملزمة لإلمام،‏ بل على األمة وأهل الشورى إلزام أمر الإمام وهنيه.‏ ومل أجد من نبه على هذا الإستنباط<br />

من قبل <strong>في</strong>ما أعلم.‏ فلله احلمد واملنة.‏<br />

اثلَا:‏ علماء السلف الذين أفردوا السياسة الشرعية ابلتصنيف مل يتكلم أحد منهم عن كون الشورى ملزمة لإلمام،‏ نعم<br />

منهم من تكلم عن مشروعية الشورى ورأي اجلمهور أهنا مندوبة مستحبة،‏ أما إلزام الشورى فلم يبحَوه.‏<br />

فالإمام املاوردي كان إمام الشافعية يف عصره وتوَل منصب قاضي القضاة،‏ وكذلك القاضي أبو يعلى إمام احلنابلة يف<br />

زمانه،‏ كالمها عاش يف القرن اخلامس اهلجري أي كان عمر دولة الإسالم ما يزيد عن أربعة قرون،‏ وكالمها صنف كتااب<br />

يف األحكام السلطانية،‏ ومل يتكلما عن الشورى كواجب على اإلمام أو عن كوهنا ملزمة له،‏ وإَّنا ذكراها <strong>في</strong>ما يلزم<br />

- ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص 424<br />

- رواه مسلم عن أيب سعيد<br />

1<br />

2<br />

008


أمري اجليش من سياسة اجلند . 1 بل قد قال املاوردي ما يدل على أن الشورى مستحبة غري واجبة لإلمام،‏ فقال:‏ ‏]فإذا<br />

أراد الإمام أن يعهد هبا أي ابلإمامة من بعده فعليه أن جيهد رأيه يف األحق هبا واألقوم بشروطها،‏ فإذا تعني له<br />

االجتهاد يف واحد نظر <strong>في</strong>ه،‏ فإن مل يكن ولدا وال والدا جاز له أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه وغن مل<br />

2<br />

يستشر <strong>في</strong>ه أحدًا من أهل الإختيار[‏ .<br />

وإما احلرمني اجلويين كان معاصرا هلما وصنف كتااب على ‏َّنط آخر يف السياسة الشرعية وهو ‏)الغِياثي أو غِيَاث األمم<br />

3<br />

يف التياث الظلم(،‏ وقد هاجم يف كتابه هذا املاوردي هجوما شديدا ، ورغم تتبعه ألخطاء املاوردي كتجويزه تولية<br />

الذمي وزارة التن<strong>في</strong>ذ،‏ إال أن اجلويين مل يستدرك على املاوردي عدم حبثه ملسألة الشورى يف حق الإمام،‏ واجلويين نفسه<br />

لن يوجب الشورى على الإمام وال ألزمه ابلعمل مبقتضاها،‏ كما يتضح من كالمه التايل:‏ قال ‏]وقد نَدَبَ‏ هللا رسوله<br />

عليه السالم إَل الإستشارة فقال ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األْ‏ ‏َمْ‏ ‏ِر{!!‏<br />

والتشاور يف املعضالت.‏<br />

وحنن نرى لإلمام<br />

وال منافاة بني بلوغ الرتبة العليا يف العلوم وبني التناظر<br />

املستجمع خالل الكمال،‏ البالغ مبلغ االستقالل أال يغقل االستضاءة يف الإابلة وأحكام الشرع<br />

بعقول الرجال فإن صاحب االستبداد ال ‏َيمن احلَيْدَ‏ عن سَنَن السداد،‏ ومن وُفِّق لإلستعداد من علوم العلماء،‏ كان<br />

حراي ابالستداد،‏ ولزوم طريق االقتصاد.‏<br />

وسر الإمامة استتباع اآلراء،‏ ومجعها على رأي صائب ومن ضرورة ذلك استقالل الإمام،‏ ‏ُث هو حمثوث على استفادة<br />

مزااي القرائح،‏ وتلقي الفوائد والزوائد منها،‏ فإن يف كل عقل مزية،‏ ولكن اختالف اآلراء مفسدة لإمضاء األمور،‏ فإذا<br />

حبث عن اآلراء إمام جمتهد،‏ وعرضها على علمه الغزير،‏ ون ‏َقَدَها ابلسرب والفكر األصوب من وجوه الرأي كان جالبا إَل<br />

املسلمني مثرات العقول،‏ ودافعا عنهم غائلة التباين واالختالف فكأن املسلمني يتحدون بنظر الإمام وحسن تدبريه،‏<br />

وفحصه وتنقريه،‏ والبد على كل حال من كون الإمام متبوعا غري اتبع ولو مل يكن يف دين هللا،‏ للزمه تقليد العلماء<br />

4<br />

واتباعهم،‏ وارتقاب أمرهم،‏ وهنيهم وإثباهتم،‏ ون<strong>في</strong>هم وهذا يناقض منصب الإمامة،‏ ومرتبة الزعامة[‏ .<br />

فقد ذكر اجلويين كجمهور العلماء أن األمر يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُ‏ ‏ْم{‏ هو للندب،‏ هذا يف مشروعية الشورى،‏<br />

أما إلزام الإمام ابلعمل برأي الشورى فقد أنكره اجلويين بقوله:‏ ‏]والبد على كل حال من كون الإمام متبوعا غري اتبع[.‏<br />

وشيخ الإسالم ابن تيمية على علو منزلته يف كتابه عن السياسة الشرعية،‏ ورغم أنه عاش يف القرنني السابع والثامن<br />

اهلجري،‏ وعاصر زوال اخلالفة العباسية من بغداد على أيدي الترت وعاصر الكثري من الفنت اليت كانت بني األمراء،‏<br />

أقول رغم ذلك فإنه مل يتكلم عن مسألة إلزام الشورى وإَّنا تكلم عن مسألة مشروعية الشورى ومل يوجبها على األمري،‏<br />

009<br />

1<br />

11 ص-‏ 2<br />

3<br />

- األحكام السلطانية للماوردي ص 43، األحكام السلطانية أليب يعلى ص 45<br />

432<br />

313<br />

- الفقرات 232<br />

2 طبعة<br />

99 96 ص - 4<br />

حتقيق د عبد العظيم الديب


وأقصى ما قاله يف ذلك ‏]ال غِىنَ‏<br />

استحباب[‏<br />

لوال األمر عن املشاورة...[‏<br />

1<br />

. 2<br />

على أنه صرح يف موضع آخر على أنه:‏ ‏]أمر<br />

3<br />

وابالستحباب قال ابن القيم،‏ حيث ذكر يف الفوائد الفقهية لقصة احلديبية قال رمحه هللا:‏ ‏]ومنها استحبا مشورة<br />

الإمام رعيته وجيشه استخراجا لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم،‏ وأَمْنا لعَتَبِهم،‏ وتعرفا ملصلحة خيت<br />

بعلمها بعضهم<br />

دون البعض،‏ وامتثاال لقول الرب يف قوله:‏ ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْ‏ ‏ِر{‏ وقد مدح سبحانه وتعاَل عباده بقوله:‏ ‏}وَ‏ أَمْرُ‏ هُ‏ ‏ْم<br />

شُورَ‏ ى بَيْنَهُمْ{‏ [.<br />

وأمهات كتب الفقه مل تتكلم عن الشورى يف حق الإمام،‏ وإَّنا ذكرهتا يف حق القاضي على وجه االستحباب أيضا،‏<br />

وهذا يف املشروعية ال الإلزام حيث قال ابن قدامة:‏ [ ‏)مسألة(‏ ‏)قال وإذا نزل به األمر املُشكِل عليه مثلُه شاور <strong>في</strong>ه أهل<br />

العلم واألمانة(‏ إَل قوله فإن<br />

4<br />

األَمْرِ‏ ]..} .<br />

احتاج إىل االجتهاد استحب له أن يشاور<br />

لقول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي<br />

رابعا:‏ ذكرت يف ‏)َثلثا(‏ أن علماء السلف مل يتكلموا عن إلزام الشورى لإلمام،‏ وأقول هنا بل الثابت عنهم خالف<br />

ذلك وهو إلزام رأي اإلمام يف األمور افال<strong>في</strong>ة االجتهادية لألمة مجيعا،‏<br />

ويد لْز م األمة وأهل الشورى النزول على<br />

اجتهاده<br />

رأيه وطاعته يف ، ومن ذلك ما ذكره ابن أيب العز احلن<strong>في</strong> شارح العقيدة الطحاوية،‏ حيث قال ‏]وقد دلت<br />

نصوص الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر،‏ وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع<br />

يف مواضع االجتهاد،‏ وليس عليه أن يطيع أتباعه يف موارد االجتهاد،‏ بل عليهم طاعته يف ذلك،‏ وترك رأيهم لرأيه،‏<br />

5<br />

فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف،‏ ومفسدة الفرقة واالختالف،‏ أعظم من أمر املسائل اجلزئية[‏ .<br />

أال ترى قول الشارح أن الكتاب والسنة والإمجاع قد قرروا على أن األتباع طاعة ويل األمر يف موارد االجتهاد ‏)أي<br />

حيث ال حكم شرعي ‏َثبتًا مقررًا(‏ وأن عليهم ترك رأيهم لرأيه.‏<br />

فمن قال بعد ذلك إن الشورى ملزمة فاعلم أنه ‏ُمالف للكتا والسنة وإمجاع السلف هذا يف الإلزام،‏ أما من قال<br />

ابلوجوب فهذا أمر قد اختلف <strong>في</strong>ه علماء السلف واجلمهور على االستحبا<br />

.<br />

021<br />

1<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 396<br />

397<br />

الفتاوى ج - 2<br />

16 ص 37<br />

3<br />

- زاد املعاد ج 2 ص 127<br />

- 4 ‏)املغين والشرح الكبري(‏ كتاب القضاء ج 11 ص 385<br />

389<br />

5<br />

- ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ ط 7 املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص 424


تنبيه:‏<br />

املُحْدَثون الذين ينادون إبلزام الشورى لإلمام ويتحايلون على األدلة الشرعية لإثبات ذلك يعللون مذهبهم ابلرغبة يف<br />

احلد من استبداد احلكام.‏ وكأهنم يستدركون على هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ‏}وَ‏ مَا كَا ‏َن<br />

1<br />

رَ‏ بُّكَ‏ نَسِيًّا{‏ ، وقال<br />

تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُ‏ ‏ْم{‏ ، 2 واحلاكم الطاغية املستبد لن يوقفه إلزام الشورى وال غريه،‏ بل حنن نرى الطواغيت<br />

الذين حيكمون املسلمني ابلشرائع الكفرية يدعون أهنم يستندون يف شرعية حكمهم على رأي الشورى وأهنم حيرتمون<br />

الدميقراطية،‏ وهم يصنعون الربملاانت واألغلبية ابلتزوير،‏ واخلداع وإذا أعياهم هذا جلأوا إَل البطش والتنكيل واألحكام<br />

العر<strong>في</strong>ة.‏ فما فائدة الشورى مع هؤالء؟.‏<br />

فإذا حتدثنا عن دولة الإسالم نقول إن تقرير مبدأ إلزام الشورى هبا يفتح أبوااب للشر أشد من جَوْر احلاكم.‏ إذ إنه<br />

سيندي إىل تعدد السلطة اآلمرة العليا يف األمة،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}لَوْ‏ كَانَ‏ قِيهِمَا آلِهَةٌ‏ إِالَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لَفَسَدَتَا{‏ ، 3 واستدل<br />

املاوردي ابآلية على إبطال نصب إمامني للمسلمني . 4 فتعدد السلطة يؤدي إَل التعارض والفساد وتظهر تبعا لذلك<br />

الدسائس احلزبية املختلفة يف جملس الشورى لضمان األغلبية لرأي ما،‏ وهذا نراه حىت يف التجمعات الإسالمية اليت<br />

تعتمد مبدأ األغلبية للبث يف األمور،‏ ويرتتب على التمحَزُّب داخل جملس الشورى التحزب يف األمة إذ كل رأي سيجد<br />

له أنصارا ‏ُث العداوة والتناحر بني األحزاب وغري ذلك من املفاسد احلزبية املعروفة.‏ وأختم هذه العجالة بقويل إن ويل<br />

األمر املسلم يعلم أنه مُقَيمد يف أغلب تصرفاته يف الرعية أبحكام شرعية مستقرة.‏ وأن ما هو ‏ُمري <strong>في</strong>ه مقيد مبصلحة<br />

الرعية ال هبوى نفسه.‏ كما اتفق الفقهاء على أن الإمام يكون خمريا يف التصرف يف األسرى ختيري مصلحة ال ختيري<br />

شهوة وهوى.‏ والقاعدة الشرعية تقول:‏ ‏]التصرف على الرعية منوط ابملصلحة[‏ أي إن نفاذ تصرفات الراعي ولزومه<br />

عليهم شاؤوا أو أَبَوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة واملنفعة يف ضمن تصرفه،‏ دينية كانت أو دنيوية.‏ فإن تضمّن<br />

منفعةً‏ ما وجب عليهم تن<strong>في</strong>ذه،‏ وإال رُدّ‏ ألن الراعي انظر،‏ وتصرفه حينئذ مرتدد بني الضرر والعبث،‏ وكالمها ليس من<br />

النظر يف شيء.‏ واملراد ابلراعي:‏ كل من وَيلِ‏ َ أَمرا من األمور العامة،‏ عاما كان كالسلطان األعظم،‏ أو خاصا كمن دونه<br />

من العمال،‏ فإن نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مرتتب على وجود املنفعة يف ضمنها،‏ ألنه مأمور من قِبَل الشارع<br />

صلى هللا عليه وسلم أن حيوطهم ابلنصح،‏ ومُتَوَعمد من قبله على ترك ذلك أبعظم وعيد،‏ ولفظ احلديث أو معناه<br />

‏»من وَيلِ‏ َ من أمور هذه األمة عمال فلم حيطها بنصح مل ي ‏َرَح رائحة اجلنة«‏<br />

5<br />

اه .<br />

1<br />

- سورة مرمي،‏ اآلية<br />

64<br />

2<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

3<br />

3<br />

- سورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

22<br />

4<br />

5<br />

- األحكام السلطانية ص 27<br />

-<br />

‏)حديث<br />

من كتاب ‏)شرح القواعد الفقهية(‏ للشيخ أمحد الزرقا،‏ ط<br />

1، القاعدة 57 ص 247 واحلديث املذكور مبعناه رواه البخاري عن معقل بن يسار<br />

) 7151<br />

7151<br />

020


وافالصة:‏ أن الشورى سنة مؤكدة ومن هدي النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ وعلى ويل األمر أن يتخري من اآلراء ما <strong>في</strong>ه<br />

اخلري واملصلحة للرعية حسب القاعدة الفقهية السابقة.‏ أما من حيث الوجوب والإلزام،‏ فالشورى مندوبة غري واجبة<br />

وغري ملزمة بل على الرعية طاعة ويل األمر يف رأيه واجتهاده ما مل يكن معصية صرحية،‏ وذلك بنصوص الكتا<br />

والسنة واتفاق سلف األمة.‏<br />

مالحظة:‏ ليس الغرض من العجالة السابقة حبث موضوع الشورى على التفصيل الذي يقتضي ذكر أدلة املخالف والرد<br />

عليها،‏ ولعلي أفعل إن شاء هللا،‏ والذي جيب أن يعرفه األخ املسلم أن عشرات الكتب املعاصرة اليت حبثت املوضوع قد<br />

استدلت أبدلة عقلية ال ت<strong>في</strong>د حالال أو حراما أو أبدلة شرعية وهذه ابلتايل إما ليست على صلة مبوضوع الشورى فال<br />

تلزمنا وإما على صلة مباشرة وهذه ليس <strong>في</strong>ها دليل صحيح النقل بصيغة األمر إال آية آل عمران كما ذكرت،‏ أما آية<br />

سورة الشورى ‏}وَ‏ أَمْرُ‏ هُمْ‏ شُورَ‏ ى بَيْنَهُ‏ ‏ْم{‏ فهذه صيغة خربية وليست صيغة أمر،‏ وردت مبدح املتشاورين وليست<br />

صيغة طلب صريح كما هي آية آل عمران.‏<br />

وما نُقل عن علماء السلف من وجوب الشورى كما نقله القرطيب عن ابن عطية وابن خُوَيْز مَنْداد<br />

1<br />

فهو معارَض برأي<br />

مجهور العلماء كما قال النووي وابن حجر وابن تيمية وابن القيم واجلويين حيث اتفقوا مجيعا على أن الشورى<br />

مستحبة غري واجبة،‏ وهذا اخلالف كما ذكرت من قبل هو يف مشروعية الشورى ال إلزامها.‏<br />

وسرتى يف كتب بعض املعاصرين ضجيجا وصخبا واستدالالت عقلية حملاولة جعل الشورى واجبة على احلاكم وملزمة<br />

له،‏ تَشَبُّها أبشياعهم من الفرُنة،‏ ودفعا لتهمة الرجعية واالستبداد عن الإسالم،‏ ولثبتوا للفرُنة أن الإسالم كان سَبماقا<br />

إَل األخذ ابلدميقراطية،‏ حىت إن بعض هؤالء صنف كتااب ابسم ‏)دميقراطية الإسالم(،‏ وسرتى يف كتبهم كالما مُنَمقا<br />

مثل ‏)نظرية سيادة األمة واألمة مصدر السلطات،‏ ومبدأ الفصل بني السلطات،‏ وتوازن القوى داخل الدولة..‏ اخل،‏ فال<br />

ي ‏َهُولَنمك ضجيج هؤالء وال كالمهم املنمق،‏ ولكن أحبث يف كالمهم عما استدلوا به من األدلة الشرعية،‏ وما عداها من<br />

كالم الرجال فال حجة <strong>في</strong>ه وال نتعبد به ربنا،‏ فإن وجدت مثَمت دليل شرعي،‏ فلن خيرج عما قلت أعاله.‏ ويف شأن<br />

هنالء املتفرجنني يقول العالمة أمحد شاكر رمحه هللا ‏]وهذه اآلية ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْ‏ ‏ِر{،‏ واآلية ‏}وَ‏ أَمْرُ‏ هُمْ‏ شُورَ‏ ى<br />

بَيْنَهُمْ{،‏ اختذمها الالعبون ابلدين يف هلا العصر من العلماء وغريهم عدهتم يف التضليل ابلتأويل،‏ ليواطؤا صنع<br />

الإفرنج يف منهج النظام الدستوري الذي يزعمونه،‏ واللي خيدعون الناس بتسميته ‏"النظام الدميقراطي"‏ فاصطنع<br />

هؤالء الالعبون شعارا من هاتني اآليتني،‏ خيدعون به الشعوب الإسالمية أو املنتسبة لإلسالم.‏ يقولون كلمة حق يراد<br />

هبا الباطل:‏ ‏"الإسالم ‏َيمر ابلشورى"‏ وحنو ذلك من األلفاظ.‏<br />

وحقا إن الإسالم ‏َيمر ابلشورى.‏ ولكن أي شورى ‏َيمر هبا الإسالم؟ إن هللا سبحانه يقول لرسوله صلى هللا عليه وسلم<br />

: ‏}وَ‏ شَاوِرْ‏ هُمْ‏ قِي األَمْرِ‏ قَإِذَا عَزَ‏ مْتَ‏ قَتَوَ‏ كَّلْ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{. ومعىن اآلية واضح صريح،‏ ال حيتاج إَل تفسري،‏ وال حيتمل<br />

التأويل.‏ فهو أَمرٌ‏ للرسول صلى هللا عليه وسلم،‏ ‏ُث يكون ملن ويل األمر من بعده:‏ أن يستعرني آراء أصحابه اللين<br />

251<br />

- القرطيب 248 /4<br />

1<br />

022


يراهم موضع الرأي الذين هم أولوا األحالم والنهى،‏ يف املسائل اليت تكون موضع تبادل اآلراء وموضع االجتهاد<br />

يف التطبيق ‏ُث خيتار من بينها ما يراه حقا أو صوااب أو مصلحة،‏ <strong>في</strong>عزم على إنفاذه،‏ غري متقيد برأي فريق معني،‏ وال<br />

برأي عدد حمدود،‏ وال برأي أكثرية،‏ وال برأي أقلية،‏ فإذا عزم توكل على هللا،‏ وأنفذ العزم على ما ارهآه.‏<br />

ومن املفهوم البديهي الذي ال حيتاج إَل دليل أن الذين أمر الرسول مبشاورهتم وَيِت به <strong>في</strong>ه من يلي األمر من بعده هم<br />

الرجال الصا ون<br />

القائمون على حدود هللا املتقون هلل املقيمو الصالة،‏ املؤدو الزكاة،‏ اجملاهدون يف سبيل هللا،‏ الذين<br />

قال <strong>في</strong>هم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ليلين منكم أولو األحالم والنهى«‏ ليسوا هم امللحدين وال احملاربني لدين<br />

هللا وال الفجار الذين ال يتورعون عن منكر،‏ وال الذين يزعمون أن هلم أن يضعوا شرائع وقوانني ختالف دين هللا،‏ وهتدم<br />

شريعة الإسالم.‏ هؤالء وأولئك<br />

وتبادل اآلراء.‏<br />

من بني كافر وفاسق<br />

موضعهم حتت السيف أو السوط،‏<br />

ال موضع االستشارة<br />

واآلية األخرى،‏ آية سورة الشورى كمثل هذه اآلية وضوحا وبياان وصراحة:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ اسْتَجَابُوا لِرَ‏ ب ‏ِهِمْ‏ وَ‏ أَقَامُوا الصَّالةَ‏<br />

1<br />

وَ‏ أَمْرُ‏ هُمْ‏ شُورَ‏ ى بَيْنَهُمْ‏ وَ‏ ‏ِممَّا رَ‏ زَ‏ قْنَاهُمْ‏ يُنْفِقُو ‏َن{‏ . ‏ُث هي ما كانت خاصة بطرق احلكم وأنظمة الدولة.‏ إَّنا هي يف<br />

خلق املؤمنني الطائعني املتبعني أمر رهبم:‏ أن من خلقهم أن يتشاوروا يف شؤوهنم اخلاصة والعامة،‏ ليكون ديدهنم التعاون<br />

والتساند يف شأهنم كله.‏ وجمال القول ذو سعة و<strong>في</strong>ما قلنا عربة وعظة وكفاية،‏ إن شاء هللا[‏ أ ه<br />

2<br />

.<br />

تنبيه:‏ عن تطبيق الشورى <strong>في</strong> دولة اإلسالم.‏<br />

قد يتساءل القارئ الكرمي بعد ما ذكرته يف حكم الشورى.‏ هل معىن هذا أن تقوم دولة الإسالم إن شاء هللا تعاَل على<br />

غري شورى؟<br />

وأجيب بعون هللا وتو<strong>في</strong>قه:‏ ال،‏<br />

للحاكم املسلم يلزمه لإبداء الرأي جملسني:‏<br />

جملسا للخرباء<br />

بل الرأي عندي وهللا أعلم ابحلق أنه ابلإضافة إَل السلطة التن<strong>في</strong>ذية ‏)الوزراء(‏ املعاونة<br />

يضم خنبة العلماء املتخصصني يف الدولة،‏ وجملسا للعرفاء يضم رؤساء الناس وممثلني عن مجيع أبناء<br />

األمة.‏ ومن جمموع هلين اجمللسني يتكون جملس الشورى اإلسالمي.‏<br />

األول:‏ جملس افرباء:‏ من العلماء املتخصصني يف علوم الدين وعلوم الدنيا،‏ ودليله سنة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

يف الشورى وسنة اخللفاء الراشدين املهديني كما قال البخاري رمحه هللا ‏)وكانت األمة بعد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا أبسهلها،‏ فإذا وضح الكتاب والسنة مل يتعدوه إَل غريه<br />

3<br />

إقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم ) .<br />

023<br />

- 1<br />

2<br />

سورة الشورى،‏ اآلية:‏ 39<br />

- ‏)عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري(‏ ج 3 ص 64<br />

65<br />

3<br />

- ابب 29 من كتاب االعتصام بصحيح البخاري.‏


و)كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر يف كتاب هللا،‏ فإن وجد <strong>في</strong>ه ما يقضي به قضى بينهم،‏ وإن علمه من<br />

سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قضى به،‏ وإن مل يعلم خرج فسأل املسلمني عن السنمة،‏ فإن أعياه ذلك دعا<br />

1<br />

رؤوس املسلمني وعلماءهم واستشارهم،‏ وأن عمر بن اخلطاب كان يفعل ذلك(‏ .<br />

2<br />

وقال البخاري ‏)وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهوال كانوا أو شباان،‏ وكان وَقمافا عند كتاب هللا عز وجل(‏ .<br />

فالشورى يف اإلسالم ألهل العلم ال للعامة،‏ لألدلة السابقة حيث قال ‏)يستشريون األمناء من أهل العلم(،‏ وقال عن<br />

أيب بكر ‏)دعا رؤوس املسلمني وعلماءهم(،‏ وقال عن عمر)وكان القراء(‏ وهم علماء الصحابة.‏ وهناك أدلة أخر تبني<br />

أنه ال يستشار إال أهل العلم واخلربة منها:‏<br />

= 1<br />

= 2<br />

=<br />

3<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ 3<br />

قوله تعاَل:‏ { وَ‏ ال يُنَب ‏ِئُكَ‏ مِثْلُ‏ خَبِي ‏ٍر{‏‎4‎<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا جَاءَهُمْ‏ أَمْرٌ‏ مِنَ‏ األَمْنِ‏ أَوْ‏ الْخَوْ‏ فِ‏ أَذَاعُوا بِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي<br />

األَمْ‏ ‏ِر<br />

مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ ، 5 إذ الرد إَل الكتاب والسنة معناه الرد إَل العلماء املتفقهني <strong>في</strong>هما،‏<br />

ونفس املعىن يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا اخْتَلَفْتُمْ‏ قِيهِ‏ مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قَحُكْمُهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{ 6 .<br />

= 4<br />

وروى البخاري عن ابن عباس:‏ أن عبد الرمحن بن عوف قال له مبىن يف آخر حجة حجها عمر ‏)لَوْ‏ شَهِدْ‏ ‏َت<br />

أَمِريَ‏ الْمُؤْمِنِنيَ‏ أَاتَهُ‏ رَجُلٌ‏ قَالَ‏ إِنم فُالانً‏ ي ‏َقُولُ‏ لَوْ‏ مَاتَ‏ أَمِريُ‏ الْمُؤْمِنِنيَ‏ لَبَاي ‏َعْنَا فُالانً‏ فَقَالَ‏ عُمَرُ‏ ألَقُومَنم الْعَشِ‏ يمةَ‏ فَأُحَذِّرَ‏ هَؤُالِء<br />

الرمهْطَ‏ المذِينَ‏ يُرِيدُونَ‏ أَنْ‏ ي ‏َغْصِبُوهُمْ‏ قُلْتُ‏ أي ابن عوف<br />

ال تد فْع لْ‏ ف إِن الْم وْسِ‏ م جي ‏ْم عُ‏ ر ع اع الن ا ‏ِس<br />

ي ‏َغْلِبُونَ‏ عَلَى<br />

جمَْلِسِ‏ كَ‏ فَأَخَافُ‏ أَنْ‏ ال ي ‏ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِريُ‏ هبَِا كُلُّ‏ مُطِريٍ‏ فَأَمْهِلْ‏ حَىتم تَقْدَمَ‏ الْمَدِينَةَ‏ دَارَ‏ اهلِْجْرَةِ‏ وَدَارَ‏ السُّنمِة<br />

مِن الْمُه اجِ‏ رِين و األ نْص اِر فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ‏ وَي ‏ُنْزِلُوهَا ِ اّلل صلى هللا عليه وسلم عَلَى وَجْهِهَا<br />

فد ت خْلُص أبِ‏ صْح ا ِ ر سُولِ‏<br />

7<br />

فَقَالَ‏ وَاَّللمِ‏ ألَقُومَنم بِهِ‏ يفِ‏ أَوملِ‏ مَقَامٍ‏ أَقُومُهُ‏ ابِلْمَدِينَةِ(‏ . ووجه الداللة يف هذا احلديث هو نصيحة ابن عوف لعمر بن<br />

اخلطاب بعدم الكالم يف هذا األمر يف موسم احلج أمام العامة،‏ وأن ينتظر حىت يعود إَل املدينة <strong>في</strong>تكلم <strong>في</strong>ه مع<br />

024<br />

-<br />

1<br />

أخرجه البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران كما قال ابن حجر ‏)فتح الباري ج<br />

13 ص 342<br />

-<br />

29 ابب 2<br />

من كتاب االعتصام ابلصحيح،‏ وهو جزء من حديث ابن عباس<br />

اخلوارج إال أهنم مل يكونوا قد ظهروا بعد يف خالفة عمر.‏ انظر حديث<br />

7296<br />

7112<br />

والقراء هم علماء الصحابة،‏ ‏]ويطلق هذا اللفظ أيضا على<br />

ابلبخاري وشرحه ‏)فتح الباري ج<br />

13 ص .)73 ]<br />

3<br />

- سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

43 واألنبياء،‏ اآلية:‏ 7<br />

4<br />

- سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

14<br />

5<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

93<br />

- 6<br />

سورة الشورى:‏ اآلية:‏<br />

11<br />

- حديث 7323 6931<br />

7


الصحابة من املهاجرين واألنصار،‏ فهم أهل العلم املؤهلني للشورى بداللة<br />

مَقَالَتَكَ‏ وَي ‏ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا(‏ رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

= 5<br />

وصف ابن عوف هلم بقوله ‏)فَيَحْفَظُوا<br />

وقريب من احلديث السابق،‏ حديث مشاورة عمر ملن معه بشأن الطاعون الذي وقع ابلشام عند مقدمِه إليها،‏<br />

وقد سبق احلديث بتمامه.‏<br />

و<strong>في</strong>ه أن عمر استشار املهاجرين األولني واألنصار وهم<br />

املُسِ‏ نُّون أهل افربة والتجار<br />

1<br />

.<br />

= 6<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ‏ إِلَى أَهْلِهَا{‏<br />

ضُيِّعَتِ‏ األَمَانَةُ‏ فَانْتَظِرِ‏ السماعَةَ‏ قِيلَ‏ وَكَيْفَ‏ إِضَاعَتُهَا؟<br />

العلماء املختصون كما سبق.‏<br />

= 7<br />

أهل الفضل يف العلم والدين،‏ واستشار مشيخة قريش وهم<br />

2<br />

، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إِذَا<br />

3<br />

قَالَ‏ إِذَا وُسِّ‏ دَ‏ األَمْرُ‏ إَِلَ‏ غَريِْ‏ أَهْلِِه«‏ . وأهل أمانة الشورى مها<br />

ولقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم اَّللمَ‏ ال ي ‏َقْبِضُ‏ الْعِلْمَ‏ انْتِزَاعًا ي ‏َنْتَزِعُهُ‏ مِنَ‏ الْعِبَادِ‏ وَلَكِنْ‏ ي ‏َقْبِضُ‏ الْعِلْمَ‏ بِقَبْضِ‏ الْعُلَمَاِء<br />

حَىتم إِذَا ملَْ‏ ي ‏ُبْقِ‏ عَالِمًا اختمَذَ‏ النماسُ‏ رُءُوسًا جُهماال فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَريِْ‏ عِلْمٍ‏ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا«‏ . ف<strong>في</strong> هذا احلديث أنه ال<br />

يُسأل إال العلماء،‏ وأن تَصَدُّرَ‏ اجلهال ألمور الناس هو الضالل.‏<br />

4<br />

هذا <strong>في</strong>ما يتعلق مبجلس اخلرباء وصفة أعضائه اليت تؤهلهم للشورى وهي صفة العلم واخلربة.‏<br />

الَاين:‏<br />

جملس العرفاء أو النقباء،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

وهذا اجمللس يضم<br />

5<br />

‏»ارْجِ‏ عُوا حَىتم ي ‏َرْفَعَ‏ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ‏ أَمْرَكُمْ«‏ ،<br />

ممثلني جلميع أبناء األمة،‏ وعن طريقه يتعرف احلاكم على مطالب الناس واحتياجاهتم ورأيهم يف<br />

أعمال احلكومة ومشاريعها ووجه النفع أو الضرر <strong>في</strong>ها،‏ <strong>في</strong>تعرف بذلك على النافع للناس وحيدد أولوايته حسب<br />

أولوايته وما إَل ذلك.‏<br />

وخيتلف جملس العرفاء عن جملس افرباء<br />

يف أن األول<br />

الناس،‏ ‏ِبالف الثاين فإن اخلرباء ليسوا ممثلني عن األمة بل ممثلني لقِمة التخص<br />

يضم ممثلني لألمة وال يشرتط <strong>في</strong>هم العلم بل الدراية أبحوال<br />

يف شىت فروع العلم الديين والدنيوي.‏<br />

ويشبه جملس العرفاء جملس النواب اجلاهلي يف وجه وهو أن أعضاءه ممثلون جلميع األمة،‏ وخيتلف عنه يف أربعة أوجه<br />

وهي صفات األعضاء وكي<strong>في</strong>ة اختيارهم ومن له حق اختيارهم وسلطاهتم:‏<br />

فمن انحية صفات األعضاء يشرتط يف العرفاء العدالة بشروطها اجلامعة فهم سفراء بني الإمام والرعية وال نصيب <strong>في</strong>ها<br />

المرأة وال لكافر ‏)أو ذمي(‏ وال لفاسق،‏ وكل هذا ال يراعى يف صفات النواب.‏<br />

025<br />

1<br />

2<br />

- انظر فتح الباري ج 11 ص 181<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

59<br />

3<br />

4<br />

- 5<br />

- راوه البخاري عن أيب هريرة<br />

- متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو<br />

رواه البخاري


ومن انحية كي<strong>في</strong>ة االختيار،‏ فالعرفاء هلم حاالن:‏ أ=‏ أن يكون ال خالف يف فضلهم وتقدميهم يف مناطقهم فهؤالء<br />

ي ‏ُعَيمنون من جهة الإمام.‏ ب=‏ أن يتعدد الصاحلون ويتكافاؤا،‏ <strong>في</strong>ختار الإمام أحدهم وإذا ختلى الإمام عن حقه يف هذا،‏<br />

<strong>في</strong>ُختار أحدهم إما ابلقرعة وإما ابالنتخاابت ‏)التصويت(‏ على أال يشارك يف االنتخاب إال العدول،‏ ستأِت األدلة على<br />

شرعية القرعة واالنتخاب.‏ أما النواب <strong>في</strong>ختارون ابالنتخاب إلزاما.‏<br />

ومن انحية من له حق االختيار،‏ فالعرفاء خيتارهم الإمام وإذا فوض ذلك إَل الرعية ابالنتخاب يف بعض املناطق فال<br />

يشارك يف االنتخاب إال العدول من الرجال،‏ أما النواب <strong>في</strong>ختارهم الشعب ابالنتخاب وال يراعون العدالة يف املشاركني<br />

يف االنتخاب.‏<br />

ومن انحية السلطات فهلا هو أهم الفروق بني العرفاء والنوا<br />

، فالعرفاء ما هم إال سفراء بني الإمام والرعية كما<br />

ب ‏َيمنْتُه يف عمل هذا اجمللس أعاله،‏ أما النواب يف الربملاانت اجلاهلية فهم آهلة وهم األرابب للناس من دون هللا املذكورون<br />

1<br />

يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَتَّخِ‏ ذَ‏ بَعْضُنَا بَعْض ‏ًا أَرْ‏ بَابًا مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، فهم السلطة التشريعية يف األمة وما يصدرونه من<br />

تشريعات أاي كانت تصبح شرعا مُلْزِما جلميع األمة كما تقضي بذلك الدميقراطية،‏ ذلك الدين اجلديد الذي ارتد<br />

كثري من الناس ابعتناقه.‏<br />

وهللا فنحن نقطع بتحرمي املشاركة<br />

يف انتخاابت هذه الربملاانت أبي شكل سواء كان<br />

ابلرتشيح هلا أو املشاركة يف التصويت أو ابلدعاية للمرشحني وغري ذلك،‏ ففاعل هذا هو إما واقع يف الكفر،‏ أو موال<br />

2<br />

للكافرين انصر ألنظمتهم وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُ‏ ‏ْم{‏ ، أو معني على الإُث وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال<br />

3<br />

تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى اإلِ‏ ثْمِ‏ وَ‏ الْعُدْوَ‏ انِ‏ } . وال ي ‏ُقْبَل يف هذا أي أتوّل كالقول ابملصلحة إذ املصلحة ولو حتققت شروطها<br />

الشرعية اجتهاد،‏ وال اجتهاد مع الن ، أو القول حبسن نية املشارك يف هذه االنتخاابت،‏ إذ قد أمجع أهل العلم على<br />

أن النية ال حتُ‏ ل احلرام ولبسط القول يف هذه املسألة موضع آخر إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

أما عن دليلي على تشكيل جملس العرفاء وتسميته،‏ فهو ما ذكره البخاري يف كتاب األحكام ‏)ابب العرفاء على<br />

الناس(‏ حيث قال هلم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم للناس ملا حَثمهم على رد سيب هوزان بعد غزوة حنني ِ ‏)إِينّ‏ ال<br />

أَدْرِي مَنْ‏ أَذِنَ‏ مِنْكُمْ‏ ممِمنْ‏ ملَْ‏ ‏َيَْذَنْ‏ فَارْجِ‏ عُوا حَىتم ي ‏َرْفَعَ‏ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ‏ أَمْرَكُمْ‏ فَرَجَعَ‏ النماسُ‏ فَكَلممَهُمْ‏ عُرَفَاؤُهُمْ‏ فَرَجَعُوا إََِل<br />

رَسُولِ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم فَأَخْربَُوهُ‏ أَنم النماسَ‏ قَدْ‏ طَيمبُوا وَأَذِنُوا(.‏<br />

والعريف<br />

هو القائم أبمر الناس،‏ ومسي بذلك<br />

لكونه يتعرف أمورهم حىت ي ‏ُعَرِّف هبا من فوقه عند االحتياج،‏ قال ابن حجر ‏]قال ابن بطال يف احلديث مشروعية<br />

إقامة العرفاء ألن الإمام ال ميكنه أن يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه،‏ قال،‏<br />

واألمر والنهي إذا توجمه إَل اجلميع يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط،‏ فإذا أقام على كل قوم عريفا مل يسع<br />

026<br />

1<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

64<br />

- 2<br />

سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

51<br />

3<br />

- سورة املائدة،‏ اآلية:‏‎2‎


كل أحد إال القيام مبا أُمِرَ‏ به ، 1<br />

ومطالبهم،‏ ويبلغون الناس تعليمات احلاكم.‏<br />

فالعرفاء هم رؤساء الناس وهم الواسطة بينهم وبني ا كام،‏ يبلغونه آراء الناس<br />

فهذا هو الشكل املقرتح عندي جمللس الشورى اإلسالمي أن يتكون من شِ‏ قمني،‏ شِ‏ ق اخلرباء،‏ وشِ‏ ق العرفاء وأحدمها ال<br />

يغين عن اآلخر،‏<br />

فال بد للحاكم من معرفة أحوال الناس وما ينفعهم وهذا موكول إَل العرفاء،‏ والبد له من تقييم<br />

األعمال املختلفة مبيزان الشريعة والعلوم الدنيوية وهذا موكول إَل اخلرباء.‏ وهللا أعلم ابحلق.‏ وهذان الفريقان ‏)اخلرباء<br />

والعرفاء(‏ يف جمموعهما يشكالن أهل ا ل والعقد يف األمة وأكابر علمائها.‏<br />

تنبيه آخر:‏ ذكرت آنفا عبارة ‏)علوم الدين وعلوم الدنيا(،‏ وكثريون ال حيبون هذا التقسيم ويقولون كل ما خدم الإسالم<br />

واملسلمني من علم فهو من الدين.‏<br />

وال شك أن الإنسان يُثاب ابلنية احلسنة على فعله املباحات فكيف مبا هو من فروض الكفاية وقد يرتقي إَل فرض ا<br />

لعني من علوم الدنيا الالزمة للمسلمني؟<br />

ولكن هذا ال مينع من تقسيم العلوم إَل دينية ودنيوية<br />

فهلا التقسيم ورد<br />

ابلنص عن النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ <strong>في</strong>ما رواه مسلم عن أنس يف قصة تلقيح ‏)أتبري(‏ النخل،‏ أن النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم مَرم بِقَوْمٍ‏ ي ‏ُلَقِّحُونَ‏ فَقَالَ‏ لَوْ‏ ملَْ‏ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ‏ قَالَ‏ فَخَرَجَ‏ شِ‏ يصًا فَمَرم هبِِمْ‏ فَقَالَ‏ مَا لِنَخْلِكُمْ‏ قَالُوا قُلْتَ‏ كَذَا وَكَ‏ ‏َذا قَاَل<br />

أَنْتُمْ‏ أَعْلَمُ‏ أبَِمْرِ‏ دُندْي اكُ‏ ‏ْم.‏ ويف رواية أخرى عند مسلم عن رافع بن خديج،‏ فقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إَِّنمَا أَانَ‏ بَشَرٌ‏ إِذَا<br />

أَمَرْتُكُمْ‏ بِشَيْءٍ‏ مِنْ‏ دِينِكُ‏ ‏ْم فَخُذُوا بِهِ‏ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ‏ بِشَيْءٍ‏ مِنْ‏ رَأْيٍ‏ فَإَِّنمَا أَانَ‏ بَشٌَر«‏ قلت:‏ ففرق صلى هللا عليه وسلم بني<br />

علوم الدين وعلوم الدنيا.‏<br />

وكذلك قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»من يرد هللا به خريا يفقهه يف الدين«‏ . 2 ففرق بني الفقه يف الدين والعلم<br />

أبمور الدنيا.‏ قلت وال خيفى أن ما نسميه بعلوم الدنيا يشرتك <strong>في</strong>ه املؤمن والكافر،‏ ‏ِبالف الفقه يف الدين.‏<br />

وليس معىن هذا أن من كان عاملا ابلدنيا فال شأن له ابلدين أو العكس،‏ بل قد يكون عاملا هبما،‏ ويف فضل هللا<br />

متسع،‏ كما ال خيفى أن العامل املتخص يف علوم الدنيا البد من أن يستويف شروط العدالة الشرعية حىت يكون أهال<br />

للشورى يف جمال ختصصه،‏ وهللا تعاَل أعلم.‏ على أن فريقا من الناس أدخل يف علوم الدنيا ما ليس منها،‏ بل ما هو<br />

من صميم الدين وهؤالء هم العِلمانيون واملالحدة الذين يتسربلون برداء الإسالم،‏ يقولون الراب من ضرورات النظم<br />

االقتصادية احلديثة،‏ فإذا أنكرت عليهم،‏ قالوا لك:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أَنْتُمْ‏ أَعْلَمُ‏ أبَِمْرِ‏ دُنْيَاكُمْ«،‏<br />

وهكذا ابلنسبة لالشرتاكية والدميقراطية ونظم التعليم والإعالم العلمانية يستحلون احملرمات حتت غطاء ‏»أَنْتُمْ‏ أَعْلَمُ‏ أبَِمْرِ‏<br />

دُنْيَاكُمْ«،‏ وي ‏ُلَبِّسون بذلك على العامة واجلهلة.‏ وحكاية مثل هذا الكالم يغين عن الرد عليه.‏ فقد قال هللا تعاَل:‏<br />

3<br />

‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تُقَدِمُوا بَيْنَ‏ يَدَيْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏<br />

لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 168<br />

- متفق عليه عن معاوية<br />

- سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

1<br />

1<br />

2<br />

3<br />

027


وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ أَمْر ً ا أَنْ‏ يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَعْصِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ قَقَدْ‏ ضَلَّ‏ ضَالال ً<br />

‏}قُلْ‏ أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ قَإِنْ‏ تَوَ‏ لَّوْ‏ ا قَإِنَّ‏<br />

‏َّللاَّ‏ َ ال يُحِ‏ بُّ‏ الْكَاقِرِ‏ ي ‏َن{‏ . 2<br />

مُبِينًا{‏ ، 1 وقال تعاَل:‏<br />

مسألة أخيرة:‏ أثر األغلبية <strong>في</strong> الشورى.‏<br />

أي هل هناك اعتبار لرأي األغلبية يف الشورى،‏ وما هو موقع هذا االعتبار؟<br />

اجلواب عن هذا السؤال يتناول:‏ ما هي األغلبية املعتربة شرعا؟ وما هي شروط اعتبارها؟ وما هو أثرها؟<br />

أول:‏ ما هي األغلبية المعتبرة شرعا؟<br />

األغلبية هي أغلبية أهل العلم الذين هم أهل الشورى،‏ ال أغلبية العامة.‏ ألن هللا تعاَل أمر برد املشكالت إَل أهل<br />

العلم،‏ فقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْ‏ ‏ُه<br />

3<br />

‏ْم{‏ ، مع قوله تعاَل<br />

يف شأن عموم الناس ‏}وَ‏ إِنْ‏ تُِِْْ‏ أَكْثَرَ‏ مَنْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ يُضِ‏ لُّوكَ‏ عَنْ‏ سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِنْ‏ يَتَّبِعُونَ‏ إِال الظَّنَّ‏ وَ‏ إِنْ‏ هُمْ‏ إِال<br />

يَخْرُ‏ صُونَ{‏ . 4<br />

وقد ورد هذا التفريق واضحا يف حديث ابن عباس الذي ذكرته آنفا بشأن ما دار بني عبد الرمحن بن عوف وعمر،‏<br />

حيث نصح عبد الرمحن عمرَ‏ أبال يتكلم أمام عامة الناس يف موسم احلج،‏ بل ينتظر حىت يرجع إَل املدينة ويكلم<br />

الصحابة،‏ قال عبد الرمحن لعمر ‏)ال تَفْعَلْ‏ فَإِنم الْمَوْسِ‏ مَ‏ جيَْمَعُ‏ رَعَاعَ‏ النماسِ‏ ي ‏َغْلِبُونَ‏ عَلَى جمَْلِسِ‏ كَ‏ فَأَخَافُ‏ أَنْ‏ ال ي ‏ُنْزِلُوهَا<br />

عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِريُ‏ هبَِا كُلُّ‏ مُطِريٍ‏ فَأَمْهِلْ‏ حَىتم تَقْدَمَ‏ الْمَدِينَةَ‏ دَارَ‏ اهلِْجْرَةِ‏ وَدَارَ‏ السُّنمةِ‏ فَتَخْلُ‏ َ أبَِصْحَابِ‏ رَسُولِ‏ اَّللمِ‏ صلى<br />

هللا عليه وسلم مِنَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِينَ‏ وَاألَنْصَارِ‏ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ‏ وَي ‏ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَقَالَ‏ وَاَّللمِ‏ ألََقُومَنم بِهِ‏ يفِ‏ أَوملِ‏ مَقَاٍم<br />

5<br />

أَقُومُهُ‏ ابِلْمَدِينَةِ(‏ .<br />

ولذلك فال أرى لإلستفتاء الشعيب موضعا يف دار السالم،‏ ويف النظم اجلاهلية يعترب هذا االستفتاء أقوى دستوراي من<br />

قرارات النواب ابلربملان،‏ إذ إن االستفتاء هو أَّنوذج للدميقراطية املباشرة،‏ أما الربملان فأَّنوذج للدميقراطية الغري مباشرة،‏<br />

واألوَل أقوى من الثانية عندهم.‏<br />

وال يُعرتَض على إنكاري لإلستفتاء الشعيب حبديث سيب هوزان الذي ذكرته يف مسألة العرفاء على الناس،‏ ألن النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم طلب رأي اجلند <strong>في</strong>ما هو خالص هلم وهو السيب الذي كانوا قد غنموه يف غزوة حنني،‏ فلما<br />

أسلم أهل هوزان ووفدوا على النيب صلى هللا عليه وسلم سألوه أن ميَُنم عليهم بنسائهم وأمواهلم،‏ فخريهم صلى هللا عليه<br />

وسلم بني السيب وبني األموال فاختاروا رد السيب،‏ فَرَدم النيب صلى هللا عليه وسلم نصيبه وتبعه الناس على ذلك إال<br />

028<br />

1<br />

2<br />

3<br />

- سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

36<br />

32<br />

93<br />

- 4<br />

سورة األنعام،‏ اآلية<br />

116<br />

- 5 حديث 7323 6931


من أىب منهم فأمرهم النيب صلى هللا عليه وسلم برَدِّ‏ السيب وعوضهم عنه.‏ وهذا واضح <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن مروان<br />

واملسور بن خمرمة،‏ و<strong>في</strong>ه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال لوفد هوزان:‏ ‏»اخْتَارُوا إِحْدَى الطمائِفَتَنيِْ‏ إِما السميبَْ‏ وَإِما<br />

الْمَالَ‏ إَل قوله فَإِانم خنَْتَارُ‏ سَبْيَنَا فَقَامَ،‏ فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فَأَثْىنَ‏ عَلَى اَّللمِ‏ مبَِا هُوَ‏ أَهْلُهُ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ أَما<br />

ِ وَإِينّ‏ رَأَيْتُ‏ أَ‏ وَمَ‏ ‏ْن<br />

ب ‏َعْدُ‏ فَإِنم إِخْوَانَكُمْ‏ هَؤُالءِ‏ جَاءُوانَ‏ اتَئِبِنيَ‏ نْ‏ أَرُدم إِلَيْهِمْ‏ سَبْيَهُمْ‏ فَمَنْ‏ أَحَبم مِنْكُمْ‏ أَنْ‏ يُطَيِّبَ‏ ذَلِكَ‏ فَلْيَفْعَلْ‏<br />

أَحَبم أَنْ‏ يَكُونَ‏ عَلَى حَظِّهِ‏ حَىتم ن ‏ُعْطِيَهُ‏ إِايمهُ‏ مِنْ‏ أَوملِ‏ مَا يُفِيءُ‏ اَّللمُ‏ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَل«‏ . 1<br />

ْ<br />

ثانيا:‏ ما هي شروط اعتبار رأي أغلبية أهل الشورى؟<br />

سبق أن ذكرت كالم شارح العقيدة الطحاوية يف طاعة األمري يف مواضع االجتهاد،‏ حيث قال:‏ ‏]وقد دلت نصوص<br />

الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر،‏ وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع يف مواضع<br />

االجتهاد،‏ وليس عليه أن يطيع أتباعه يف<br />

موارد االجتهاد،‏<br />

بل عليهم طاعته يف ذلك،‏<br />

وترك رأيهم لرأيه،‏ فإن<br />

مصلحة اجلماعة واالئتالف،‏ ومفسدة الفرقة واالختالف،‏ أعظم من أمر املسائل اجلزئية[‏ . 2 وقد ذكرت من قبل أيضا<br />

أدلة هذا الكالم من الكتاب والسنة.‏<br />

فاحلاصل أن رأي األغلبية يعترب بشرطني:‏<br />

= 0 يف مواضع االجتهاد حيث ال ن<br />

= 2<br />

شرعي واضحا حيسم اخلالف.‏<br />

إذا مل يبت األمري يف موضع االجتهاد برأيه،‏ وفَومض األمر إَل أهل الشورى.‏<br />

ثالثا:‏ ما هو أثر رأي األغلبية؟<br />

رأي األغلبية ي<strong>في</strong>د الرتجيح،‏ وهذا ما ذكره ابن حجر يف شرح حديث استشارة عمر ملن معه عندما قدم الشام فوجد<br />

الطاعون قد وقع هبا،‏ وقد سبق احلديث بتمامه.‏<br />

قال ابن حجر يف فوائد هذا احلديث ‏]و<strong>في</strong>ه الرتجيح ابألكَر عددا واألكَر جتربة لرجوع عمر لقول مشيخة قريش مع<br />

ما انضم إليهم ممن وافق رأيهم من املهاجرين واألنصار،‏ فإن جمموع ذلك أكثر من عدد من خالفه من كل من<br />

املهاجرين واألنصار،‏ وَوَازَنَ‏ ما<br />

والتجارب،‏<br />

لذلك[‏ . 3<br />

عند الذين خالفوا ذلك من مزيد الفضل يف العلم والدين ما عند املشيخة من السن<br />

فلما تعادلوا من هله ا يَية رجح ابلكَرة<br />

قلت:‏ ففائدة األغلبية هي الرتجيح عندما ال يستطيع األمري أن ي ‏َبُثم يف<br />

ووافق اجتهادُه الن م،‏ فلذلك محد هللا تعاَل على تو<strong>في</strong>قه<br />

األمر برأيه،‏ وال أن نقول إهنا ملزمة له،‏ ملا<br />

فصلناه من قبل.‏ ويدل على هذا أيضا أن أاب بكر مل يلتفت إَل املشورة عندما عزم على قتال مانعي الزكاة ملا قويت<br />

عنده احلجة على ذلك وقد كانت حجة أيب بكر يف قتاهلم اجتهادية،‏ إذ مل حيضره الن<br />

الوارد يف قتاهلم وهو حديث<br />

)829<br />

029<br />

احلديث -<br />

4318<br />

4319<br />

وأورده ابن إسحق مفصال ‏)سرية ابن هشام ط صبيح ‎1381‎ه ج<br />

- ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص 424<br />

- ‏)فتح الباري(‏ ج 11 ص 181<br />

4 ص 825<br />

1<br />

2<br />

3


ابن عمر مرفوعا:‏ ‏»أُمِرْتُ‏ أَنْ‏ أُقَاتِلَ‏ النماسَ‏ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ‏ ال إِلَهَ‏ إِالم اَّللمُ‏ وَأَنم حمَُمدًا رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ وَيُقِيمُوا الصمالةَ‏ وَي ‏ُؤْتُوا<br />

الزمكَاةَ«‏ ، 1 حىت لقد شَكمك البعض يف صحة هذا احلديث أبنه لو كان صحيحا لعرفه أبو بكر وعمر والحتج أبو بكر<br />

2<br />

به حلَسْم اخلالف،‏ ورد ابن حجر على هذا أبن ‏]السُّنة قد ختفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها أحادهم[‏ .<br />

وقد عقد البخاري رمحه هللا اباب مستقال يف كتاب االعتصام من صحيحه هلذه املسألة وهو ‏)ابب<br />

22<br />

احلجة على من<br />

قال إن أحكام النيب صلى هللا عليه وسلم كانت ظاهرة،‏ وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

وأمور الإسالم(‏ وقوله ‏)بعضهم(‏ أي بعض الصحابة،‏ ‏ُث ساق رمحه هللا األدلة على ذلك .<br />

وإليك عبارة البخاري يف عدم التفات أيب بكر إَل الشورى ملا قويت عنده احلجة،‏ كما أوردها يف كتاب االعتصام<br />

‏)ابب 29(، قال رمحه هللا:‏ ‏]ورأي أبو بكر قتال من مَنَعَ‏ الزكاة فقال عمر:‏ كيف تقاتل وقد قال رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم:‏ ‏»أُمِرْتُ‏ أَنْ‏ أُقَاتِلَ‏ النماسَ‏ حَىتم ي ‏َقُولُوا ال إِلَهَ‏ إِالم اَّللمُ‏ فَإِذَا قَالُوا ال إِلَهَ‏ إِالم اَّللمُ‏ عَصَمُوا مِينِّ‏ دِمَاءَهُمْ‏ وَأَمْوَاهلَُمْ‏ إِالم<br />

حبَِقِّهَا وَحِ‏ سَاهبُُمْ‏ عَلَى اَّللمِ‏ فَقَالَ‏ أَبُو بَكْرٍ‏ وَاَّللمِ‏ ألُقَاتِلَنم مَنْ‏ فَرمقَ‏ بَنيَْ‏ مَا مجََعَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم ‏ُثُم اتَب ‏َعَهُ‏ ب ‏َعْ‏ ‏ُد<br />

عُمَرُ‏ فَلَمْ‏ ي ‏َلْتَفِتْ‏ أَبُو بَكْرٍ‏ إَِلَ‏ مَشُورَةٍ‏ إِذْ‏ كَانَ‏ عِنْدَهُ‏ حُكْمُ‏ رَسُولِ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم يفِ‏ المذِينَ‏ فَرمقُوا بَنيَْ‏ الصمالِة<br />

وَالزمكَاةِ‏ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ‏ الدِّينِ‏ وَأَحْكَامِهِ«‏ أ ه . علما أبن حجة أيب بكر كانت اجتهادية ومل تكن نَصِّية كما سبق.‏<br />

وإضافة إَل استدالل ابن حجر حبديث شورى عمر يف الطاعون على أن الكَرة ت<strong>في</strong>د الرتجيح،‏ عندي دليل آخر وهو<br />

قصة مبايعة عَمان بن العفان ابفالفة رضي هللا عنه.‏ فقد ورد يف حديث البخاري عن املِسْوَر بن خمَْرَمة قال:‏ ‏»وَمَالَ‏<br />

النماسُ‏ عَلَى عَبْدِ‏ الرممحَْنِ‏ يُشَاوِرُونَهُ‏ تِلْكَ‏ اللميَايلِ‏ إَل قوله فَلَما اجْتَمَعُوا تَشَهمدَ‏ عَبْدُ‏ الرممحَْنِ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ أَما ب ‏َعْدُ‏ ايَ‏ عَلِ‏ ‏ُّي إِِين<br />

ق دْ‏ ن ظ رْتُ‏ يفِ‏ أ مْرِ‏ الن اسِ‏ فد ل مْ‏ أ ر هُمْ‏ يد عْدِلُون بِعَُْم ان«‏<br />

اعتبار رأي األغلبية،‏ وهو<br />

أن يكون يف<br />

<br />

أمر اجتهادي<br />

4<br />

. ف<strong>في</strong> هذه القصة توفر الشرطان اللذان أشرت إليهما يف<br />

<strong>في</strong>ه،‏ وأن ال ن<br />

األمري مل يد بُت<br />

برأيه ووكل األمر إَل أهل<br />

عمر<br />

الشورى ف<strong>في</strong> هذه القصة مل يبت برأيه ووَكَلَ‏ إليهم االختيار.‏ وموضع الداللة من احلديث هو قول عبد الرمحن<br />

بن عوف ِ ‏)إِينّ‏ قَدْ‏ نَظَرْتُ‏ يفِ‏ أَمْرِ‏ النماسِ‏ فَلَمْ‏ أَرَهُمْ‏ ي ‏َعْدِ‏ لُونَ‏ بِعُثْمَانَ(‏ ومتت بيعة عثمان على هذا.‏ ف<strong>في</strong> هذا الرتجيح برأي<br />

األغلبية ووافقه على ذلك بقية الصحابة حىت علي بن أيب طالب رضي هللا عنهم.‏ فهلا ا ديث يعترب حجة يف<br />

الرتجيح ابألغلبية ابلشروط اليت أشرت إليها،‏ كما أ،‏ هذه املسألة ميكن أن تدخل يف إمجاعات الصحابة رضي هللا<br />

عنهم هللا ا ديث.‏ ومل أر من نبه على هذا من قبل <strong>في</strong>ما أعلم،‏ فللّه احلمد واملنة.‏ وقد أورد البخاري يف حديث<br />

املسور بن خمرمة حديثا رواه الدار قطين يف ‏)غرائب مالك(،‏ و<strong>في</strong>ه<br />

أن عمر قال ألصحا<br />

الشورى ‏)ويتبع األقل<br />

031<br />

1<br />

2<br />

- احلديث متفق عليه<br />

323<br />

- فتح الباري 76/1<br />

- فتح الباري 321/13<br />

3<br />

7217 احلديث - 4


األكَر(،‏ فإن صحت هذه الرواية<br />

املهديني[‏<br />

1<br />

.<br />

فهي حجة أخرى يف<br />

الرتجيح ابألغلبية ألهنا سنة أحد افلفاء الراشدين<br />

هذا <strong>في</strong>ما يتعلق مبسألة األغلبية،‏ ومن هم املُعْتَرب رأيهم شرعا؟ وما هي شروط اعتبار رأي األغلبية؟ وما هو أثر رأيهم؟.‏<br />

أضف إَل هذا فإن الكثرة هلا اعتبار يف العلوم الشرعية من وجوه متعددة:‏ ف<strong>في</strong> علم احلديث الكثرة تنقل اخلرب من<br />

اآلحاد إَل املتواتر ومن الظنية إَل القطعية،‏ والكثرة ترفع الضعيف إَل احلسن وترفع احلسن إَل الصحيح بكثرة الطرق<br />

من املتابعات والشواهد،‏ والكثرة هي اليت جتعل إحدى رواييت احلديث حمفوظة واألخرى شاذة أو معروفة ومنكرة.‏<br />

والكثرة هي اليت بىن عليها الإمام مالك مذهبه يف األخذ بعمل أهل املدينة على خرب اآلحاد.‏ والكثرة هي اليت جتعل<br />

أحد القولني يف املسألة هو قول املشهور واآلخر قول املخالف.‏ هبذا تعلم أن الكثرة هلا اعتبار يف الشريعة ولكن<br />

بشروط.‏<br />

وقد ذكرت أثناء كالمي عن تشكيل جملس العرفاء أحد شِ‏ قي جملس الشورى الإسالمي.‏ أنه إذا تعدد الصاحلون يف<br />

منطقة ما،‏ ميكن اختيار أحدهم إذا تشاحوا ابالنتخاب أو ابلقرعة،‏ وشرعية االنتخاابت مبينة على املسألة السابقة<br />

وهي أن رأي األغلبية ي<strong>في</strong>د الرتجيح ابلشروط املذكورة على أن يراعى <strong>في</strong>من يُدْلون أبصواهتم االنتخابية من العامة شروط<br />

عدالة الشهود األمثل فاألمثل فليس<br />

الدميقراطية.‏<br />

المرأة أو لكافر ‏)أو ذمي(‏ أو لفاسق رأي يف هذا ‏ِبالف املعمول به يف<br />

وقد ذكر الشيخ مقبل بن هادي الوادعي يف كتابه ‏)املَخرج من الفتنة(‏ قال:‏ ‏]سؤال:‏ هذا التصويت الذي تقوم عليه<br />

هذه احلكومات هل له أصل من الشرع.‏ واجلواب:‏<br />

التصويت يعترب طاغوات،‏ وقال أيضا:‏ وال اعتبار ابلكثرة فإن هللا<br />

سبحانه وتعاَل يقول:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ تُِِْْ‏ أَكْثَرَ‏ مَنْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ يُضِ‏ لُّوكَ‏ عَنْ‏ سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{، وقال أيضا:‏ فالواجب أن ترد<br />

املسألة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم بواسطة العلماء،‏ وملا أعرض الناس عن العلماء ختبطوا وانتشرت<br />

2<br />

الفوضى[‏ . أ ه<br />

<br />

= 1<br />

= 2<br />

= 3<br />

قلت:‏ و<strong>في</strong>ما قاله نظر،‏ فقوله ‏]التصويت يعترب طاغوات[‏ هكذا إبطالق غري صحيح،‏ إذ كان ينبغي له التفصيل وبيان ما<br />

جيوز من هذا كما فصلته يف مسألة ‏)أثر األغلبية يف الشورى(‏ كذلك قوله ‏]وال اعتبار ابلكثرة[‏ أيضا يف إطالقه خطأ،‏<br />

ومردود عليه بقول عبد الرمحن بن عوف ‏)أَما ب ‏َعْدُ‏ ايَ‏ عَلِيُّ‏ ِ إِينّ‏ قَدْ‏ نَظَرْتُ‏ يفِ‏ أَمْرِ‏ النماسِ‏ فَلَمْ‏ أَرَهُمْ‏ ي ‏َعْدِلُونَ‏ بِعُثْمَانَ(‏<br />

فهذا القول حجة إبمجاع الصحابة يف األخذ برأي األغلبية ابلشروط اليت ذكرهتا،‏ وهي:‏<br />

أن يكون أصحاب الرأي يف املسألة من أهل العلم املختصني يف هذا األمر.‏<br />

أن تكون املسألة من مسائل االجتهاد حيث ال ن<br />

شرعي حيسم اخلالف.‏<br />

أن ال يبت األمري برأيه يف موضع االجتهاد،‏ وفَومض األمر إَل هؤالء.‏<br />

186<br />

ص-‏<br />

انظر فتح الباري ج<br />

13 ص 185<br />

96<br />

- 1<br />

2<br />

030


؛‎1‎<br />

= 4<br />

أن ال يكون مع املخالف لألغلبية حجة قوية.‏<br />

أما قول الشيخ ‏]فالواجب أن ترد املسألة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم[‏ فال خالف يف هذا،‏ ولكنا<br />

نتكلم عن التصويت ورأي األغلبية يف جمال االجتهاد حيث ال ن واضحا.‏ وأما شرعية القرعة فستأِت يف الفصول<br />

التالية إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

الثالث من واجبات األمير:‏<br />

قَسَ‏ م معسكر التدريب<br />

‏)مسألة عهود الطاعات بين المسلمين(‏<br />

سبب إدراجي هلذه املسألة يف هذه الرسالة هو اللغط الدائر حوهلا،‏ فمن قائل إن العهود والبيعات بني املسلمني على<br />

فعل الطاعات واجبة،‏ ومن قائل إهنا بدعة.‏ ومن هنا رأيت حبثها بشيء من التفصيل لإزالة اللمبس عنها.‏<br />

والقول عندي وهللا أعلم ابلصواب<br />

إن العهود بني املسلمني على فعل الطاعات جائزة،‏ ويدخل <strong>في</strong>ها قَسَم معسكر<br />

التدريب،‏ وعهود وبيعات اجلماعات العاملة لإلسالم واجلهاد.‏ فإن رأى القائم على العمل أال يُدْخِ‏ ل أحدا معه يف هذا<br />

العمل إال بعد أن ‏َيخذ عليه العهود واملواثيق اباللتزام أبمور معينة ‏)ما مل تكن معصية(‏ <strong>في</strong>جوز له أن يفعل هذا.‏<br />

وبناء على ما ذكرت يف الباب الثالث من هذه الرسالة ‏)الإمارة(‏ من أن هذه الإمارات على اجلماعات العاملة لإلسالم<br />

واجلهاد مشروعة وواجبة،‏ وتدخل <strong>في</strong>ها إمارة معسكر التدريب،‏ فإن هله اإلمارة توجب:‏<br />

أوال:‏ على األمري:‏ أن يُدَبِّر أمور املعسكر وشئون األعضاء على مقتضى الشرع.‏<br />

الثاين:‏ على األعضاء:‏ السمع والطاعة لألمري يف املنشَطِ‏ واملكرَهِ‏ والعُسْرِ‏ واليُسْرِ‏ يف غري معصية،‏ <strong>في</strong>ما استطاعوا.‏<br />

وهذه الواجبات على كل من األمري واألعضاء واجبة مبقتضى الشرع ابتداء،‏ وإن مل يدُقْسِ‏ موا عليها أو يدُعْطوا هبا<br />

عهدا،‏ طاملا قبلوا املكث يف هذا املعسكر وإمرة أمريه،‏ فإذا أقسموا وعاهدوا على ذلك كان هلا توكيدا ملا وجب<br />

عليهم مبقتضى الشرع أصال وهو طاعة أويل األمر.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ‏ إِلَى أَهْلِهَا وَ‏ إِذَا حَكَمْتُمْ‏ بَيْنَ‏ النَّاسِ‏ أَنْ‏ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ نِعِمَّا<br />

يَعِظُكُمْ‏ بِهِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ كَانَ‏ سَمِيعًا بَصِ‏ ً يرا{‏ هذا أمر للحكام والوالة أبداء األماانت من الوالايت واألموال إَل أهلها<br />

على مقتضى الشرع وأبن حيكموا الرعية ابلعدل،‏ ‏ُث قال تعاَل خماطبا الرعية:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

59<br />

1<br />

032


ج)‏<br />

. 1<br />

وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ ‏ِم<br />

اآلخِ‏ رِ‏ ذَلِكَ‏ خَيْرٌ‏ وَ‏ أَحْسَنُ‏ تَأْوِيال{‏ وانظر شرحها أبول كتاب األحكام من فتح الباري . 2 وقد صنف شيخ الإسالم<br />

ابن تيمية رمحه هللا رسالَتَه ‏)السياسة الشرعية يف إصالح الراعي والرعية(‏ يف شرح هاتني اآليتني لبيان واجبات الراعي<br />

والرعية.‏<br />

ويف السنة،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من أطاعين فقد أطاع هللا،‏ ومن عصاين فقد عصا هللا،‏ ومن أطاع<br />

األمري فقد أطاعين،‏ ومن عصى األمري فقد عصاين«‏ ، 3 ولفظ البخاري ‏)أمريي(‏ بدل ‏)األمري(.‏ واألمري هنا يشمل<br />

الإمام األعظم،‏ واألمري املُؤَمر من قِبَل الإمام ، 4 واألمري الذي اصطلح الناس على أتمريه يف غيبة الإمام،‏ كما حدث يف<br />

غزوة مؤتة،‏ وكما يف حديث إمارة السفر حيث أَوْكَلَ‏ صلى هللا عليه وسلم التأمري إَل الناس،‏ ‏»إذا كنتم ثالثة يف سفر<br />

فأمروا أحدكم«‏ ومع كون هذا األمري غريَ‏ مُؤَمر من قبَل الإمام إال أن الشارع مسماه أمريا،‏ كما قال عمر بن اخلطاب<br />

راوي احلديث ‏)ذاك أمري أمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ) 5 .<br />

املقصد مما سبق أن أمري املعسكر هو أمري شرعي،‏ ومن أويل األمر يف دائرة اختصاصه.‏ ويف بيان أن طاعة والة األمور<br />

واجبة وإن مل يعادهم األفراد عليها،‏ قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وما أمر هللا به ورسوله من طاعات والة<br />

األمور ومناصحتهم واجب على اإلنسان وإن مل يعاهدهم عليه،‏ وإن مل حيلف هلم اإلميان املنكدة،‏ كما جيب عليه<br />

الصلوات اخلمس،‏ والزكاة،‏ والصيام،‏ وحج البيت،‏ وغري ذلك مما أمر هللا به ورسوله من الطاعة،‏ فإذا حلف على ذلك<br />

كان توكيدا وتَبيتا ملا أمر هللا به ورسوله من طاعة والة األمور ومناصحتهم.‏ فاحلالف على هذه األمور ال حيل له أن<br />

يفعل خالف احمللوف عليه،‏ سواء حلف ابهلل أو غري ذلك من األميان اليت حيلف هبا املسلمون،‏ فإن ما أوجبه هللا من<br />

طاعة والة األمور ومناصحتهم واجب وإن مل حيلف عليه،‏ فكيف إذا حلف عليه؟!‏ وما هنى هللا ورسوله عن<br />

معصيتهم وغشهم حمرم وإن مل حيلف على ذلك إَل قوله وهلذا من كان حالفا على ما أمر هللا به ورسوله من طاعة<br />

والة األمور ومناصحتهم،‏ أو الصالة،‏ أو الزكاة،‏ أو صوم رمضان،‏ أو أداء األمانة،‏ والعدل وحنو ذلك:‏ ال جيوز ألحد<br />

أن يفتيه مبخالفة ما حلف عليه،‏ واحلنث يف ميينه،‏ وال جيوز أن يستفىت يف ذلك.‏ ومن أفىت مَل هنالء مبخالفة ما<br />

حلفوا عليه،‏ وا نث يف أمياهنم:‏ فهو مفرت على هللا الكل<br />

،<br />

مفت بغري دين اإلسالم:‏ بل لو أفىت آحاد العامة أبن<br />

يفعل خالف ما حلف عليه من الوفاء يف عقد البيع،‏ أو نكاح،‏ أو إجارة،‏ أو غري ذلك مما جيب عليه الوفاء به من<br />

العقود،‏ اليت جيب الوفاء هبا وإن مل حيلف عليها،‏ فإذا حلف كان أوكد فمنْ‏ أفىت مثل هذا جبواز نقض مثل هذه<br />

- سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

58<br />

13 ص )112 ،111<br />

-<br />

- رواه مسلم<br />

- ‏)فتح الباري ج 13 ص 122(<br />

- أخرجه البزار إبسناد صحيح<br />

1<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

033


1<br />

العقود.‏ واحلنث يف ميينه:‏ كان مفرتاي على هللا الكذب.‏ مفتيا بغري دين الإسالم،‏ فكيف إذا كان ذلك يف معاقدة والة<br />

األمور اليت هي أعظم العقود اليت أمر هللا ابلوفاء هبا[‏ . 1<br />

هذا يف بيان أن طاعة والة األمور واجبة وإن مل يعاهدهم األفراد على ذلك.‏ فإذا أراد األمري أن ‏َيخذ عهدا وقسما<br />

على أتباعه،‏ فإن البحث يف هذا املوضوع <strong>في</strong>ه عدة مسائل،‏ وهي:‏ مشروعيته،‏ وفائدته،‏ وهل جيوز أن يؤقت أبجل،‏<br />

وهل جيوز تسمية هذا العهد بيعة،‏ وما الفرق بينها وبني بيعة اخلليفة،‏ وما حكم نكث هذا العهد؟ وسوف أتبع هذه<br />

املسائل ابلرد على شبهة أوردها مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(‏ إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

أوال:‏ مشروعية هذا العهد<br />

=<br />

تعريفات:‏<br />

الق س م وهو اليمني:‏ قال الراغب:‏ ‏]أَقْسَمَ‏ حَلَفَ‏ ، وأصله من القَسَاَمة وهي أميان تقسم على أولياء املقتول،‏ ‏ُث صار<br />

امسا لكل حلف،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَقْسَمُوا بِاّلِلَّ‏ ِ جَهْدَ‏ أَيْمَانِهِ‏ ‏ْم{‏ [.<br />

العهد:‏ قال الراغب:‏ ‏]العهد حفظ الشيء ومراعاته حاال بعد حال،‏ ومسُِّي املَوْثِق الذي يلزم مراعاته عهدا،‏ قال<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِالْعَهْدِ‏ إِنَّ‏ الْعَهْدَ‏ كَانَ‏ مَسْئُوال{‏ أي أوفوا حبفظ األميان[.‏<br />

امليَاق:‏ قال الراغب:‏ ‏]أوثقته شددته،‏ وقال:‏ امليَاق عقد منكد بيمني وعهد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذْ‏ أَخَذَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مِيثَاقَ‏<br />

2<br />

النَّبِي ‏ِينَ‏ {... واملَوْثِق الإسم منه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}حَتَّى تُؤْ‏ تُونِي مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ إَل قوله:‏ ‏}مَوْ‏ ثِقَهُمْ{[‏ .<br />

ومن الناحية الشرعية نقول إن العهود على الطاعات بني املسلمني جائزة لألدلة التالية:‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِعَهْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِذَا عَاهَدْتُمْ‏ وَ‏ ال تَنقُضُوا األَيْمَانَ‏ بَعْدَ‏ تَوْ‏ كِيدِهَا وَ‏ قَدْ‏ جَعَلْتُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَلَيْكُمْ‏ كَفِيال إِ‏ ‏َّن<br />

‏َّللاَّ‏ َ يَعْلَمُ‏ مَا تَفْعَلُونَ‏ وَ‏ ال تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ‏ غَزْ‏ لَهَا مِنْ‏ بَعْدِ‏ قُوَّ‏ ةٍ‏ أَنكَاثًا تَتَّخِ‏ ذُونَ‏ أَيْمَانَكُمْ‏ دَخَالً‏ بَيْنَكُمْ‏ أَنْ‏ تَكُونَ‏ أُمَّةٌ‏<br />

هِيَ‏ أَرْ‏ بَى مِنْ‏ أُمَّةٍ‏ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِهِ‏ وَ‏ لَيُبَي ‏ِنَنَّ‏ لَكُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْقِيَامَةِ‏ مَا كُنْتُمْ‏ قِيهِ‏ تَخْتَلِفُو ‏َن{‏ وكانوا يف اجلاهلية حيالف<br />

. 3<br />

الرجل أو القبيلة قبيلة فإذا وجد أقوى منها نقض عهد األوَل وعاهد الثانية وهكذا،‏ فأمرهم املوَل جل وعال ابلوفاء<br />

ابلعهود،‏ وحذرهم من نقضها وضرب هلم مثال ابملرأة اليت كانت تغزل الغَزْل حىت إذا اشتد حَلمته،‏ وهو مَثَلٌ‏ يُضرب<br />

للحمق والسمفه.‏<br />

قد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية هذه اآلية أثناء حديثه عن العهود بني التالميذ ومعلميهم الذين يدربوهنم على القتال،‏<br />

وأنه ال جيوز للتلميذ أن ينقض عهد أستاذه ويعاهد غريه،‏ فقال:‏ ‏]كان املنتقل عن األول إَل الثاين ابغيا انقضا لعهده<br />

غري موثوق بعقده،‏ وهذا أيضا حرام وإُث،‏ هذا أعظم من إُث من مل يفعل مثل فعله،‏ بل مثل هذا إذا انتقل إَل غري<br />

أستاذه وحالفه كان قد فَعَل حراما،‏ <strong>في</strong>كون مثل حلم اخلنزير امليت!‏ فإنه ال بعهد هللا ورسوله أوىف وال بعهد األول،‏ بل<br />

- ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 35 ص 8<br />

11<br />

- املفردات يف غريب القرآن للراغب األصفهاين<br />

- سورة النحل،‏ اآلية:‏‎81‎<br />

82<br />

1<br />

2<br />

3<br />

034


كان مبنزلة املتالعب الذي ال عهد له،‏ وال دين له وال وفاء.‏ وقد كانوا يف اجلاهلية حيالف الرجل قبيلة فإذا وجد أقوى<br />

منها نقض عهد األوَل وحالف الثانية وهو شبيه حبال هؤالء فأنزل هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَنقُضُوا األَيْمَانَ‏ بَعْدَ‏ تَوْ‏ كِيدِهَا<br />

وَ‏ قَدْ‏ جَعَلْتُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَلَيْكُمْ‏ كَفِيال إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَعْلَمُ‏ مَا تَفْعَلُو ‏َن وَ‏ ال تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَ‏ ‏ْت غَزْ‏ لَهَا مِ‏ ‏ْن بَعْدِ‏ قُوَّ‏ ةٍ‏ أَنكَاثًا{‏ ‏)اآلية(‏<br />

إَل أن قال ومن حالف شخصا على أن يوايل من وااله ويعادي من عاداه كان من جنس الترت اجملاهدين يف سبيل<br />

الشيطان،‏ ومثل هذا ليس من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاَل،‏ وال من جند املسلمني،‏ وال جيوز أن يكون مثل هؤالء من<br />

عسكر املسلمني،‏ بل هؤالء من عسكر الشيطان،‏ ولكن حيسن أن يقول لتلميذه:‏ عليك عهد هللا وميثاقه أن توايل من<br />

واَل هللا ورسوله،‏ وتعادي من عادى هللا ورسوله،‏ وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على الإُث والعدوان،‏ وإن كان<br />

احلق معي نصرت احلق،‏ وإن كنت على الباطل،‏ مل تنصر الباطل فمن التزم هذا كان من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاَل،‏<br />

1<br />

الذين يريدون أن يكون الدين كله هلل وتكون كلمة هللا هي العليا[‏ .<br />

= 2<br />

2<br />

قول هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَوْ‏ قُوا بِالْعُقُو ‏ِد{‏ ، قال القرطيب يف تفسريها:‏ ‏]قال الزجاج:‏ املعىن أوفوا بعقد<br />

هللا عليكم وبعقدكم على بعض وهذا كله راجع إَل القول ابلعموم وهو الصحيح يف الباب،‏ قال صلى هللا عليه وسلم<br />

:<br />

‏»املؤمنون عند شروطهم«‏ وقال:‏ ‏»كل شرط ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن كان مائة شرط«‏ فبني أن الشرط أو<br />

العقد الذي جيب الوفاء به ما وافق كتاب هللا أي دين هللا،‏ فإن ظهر <strong>في</strong>ها ما خيالف رُدم،‏ كما قال صلى هللا عليه وسلم<br />

: ‏»من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رَدٌّ«‏ أ ه .<br />

= 3<br />

وقد وردت آايت كثرية يف األمر ابلوفاء ابلعهود وبيان أن هذه هي صفة املؤمنني قال تعاَل:‏ ‏}لَيْسَ‏ الْبِرَّ‏ أَ‏ ‏ْن<br />

تُوَ‏ لُّوا وُ‏ جُوهَكُمْ‏ قِبَلَ‏ الْمَشْرِ‏ قِ‏ وَ‏ الْمَغْرِ‏ بِ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ الْبِرَّ‏ مَنْ‏ آمَنَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ إَل قوله تعاَل وَ‏ الْمُوقُونَ‏ بِعَهْدِهِمْ‏ إِذَا عَاهَدُوا{‏ . 3<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِالْعَهْدِ‏ إِنَّ‏ الْعَهْدَ‏ كَانَ‏ مَسْئُوال{‏ . 4<br />

ويف مقابل هذا،‏ وَرَدَ‏ أن نقض العهود من صفة املنافقني و<strong>في</strong>ه وعيد شديد:‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا يُضِ‏ لُّ‏ بِهِ‏ إِالَّ‏ الْفَاسِقِي ‏َن الَّذِينَ‏ يَنقُضُونَ‏ عَهْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مِيثَاقِهِ‏ وَ‏ يَقَِْعُونَ‏ مَا أَمَرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِهِ‏ أَنْ‏ يُوصَ‏ ‏َل<br />

وَ‏ يُفْسِدُونَ‏ قِي األْ‏ ‏َرْ‏ ضِ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْخَاسِرُ‏ ونَ{‏ . 5<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ يَنقُضُونَ‏ عَهْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مِيثَاقِهِ‏ وَ‏ يَقَِْعُونَ‏ مَا أَمَرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِهِ‏ أَنْ‏ يُوصَلَ‏ وَ‏ يُفْسِدُونَ‏ قِي األَرْ‏<br />

أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمُ‏ اللَّعْنَةُ‏ وَ‏ لَهُمْ‏ سُوءُ‏ الدَّا ‏ِر{‏ . 6<br />

‏ِض<br />

035<br />

21<br />

- 1 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 18<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

1<br />

3<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية<br />

- 4 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

177<br />

24<br />

5<br />

- سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

27<br />

26<br />

6<br />

- سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

25


=<br />

4<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أربع من كن <strong>في</strong>ه كان منافقا خالصا،‏ ومن كانت <strong>في</strong>ه خَصْلة منهن كانت <strong>في</strong>ه<br />

خصلة من النفاق حىت يدعها،‏ إذا ائتمن خان،‏ وإذا حدث كذب،‏ وإذا عاهد غدر،‏ وإذا خاصم فجر«‏ . 1<br />

وال شك أن العهود املذكورة يف األدلة السابقة يدخل <strong>في</strong>ها العهود بني الناس على الطاعات للدليل اآلِت:‏<br />

قول هللا تعاَل عن يعقوب : ‏}قَالَ‏ لَنْ‏ أُرْ‏ سِلَهُ‏ مَعَكُمْ‏ حَتَّى تُؤْ‏ تُونِي مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ‏ إِالَّ‏ أَنْ‏ يُحَاَِ‏<br />

بِكُمْ‏ قَلَمَّا آتَوْ‏ هُ‏ مَوْ‏ ثِقَهُمْ‏ قَالَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى مَا نَقُولُ‏ وَ‏ كِي ‏ٌل{‏ ، 2 فلما طلب يوسف من إخوته أن ‏َيتوه أبخ هلم من أبيهم،‏<br />

مل ‏َيمنهم أبوهم عليه ورفض أن يرسله معهم حىت يؤتوه ميثاقا،‏<br />

‏}مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{، ولبيان غلظ هذه املواثيق قال كبريهم ملا احتجز يوسف أخاه<br />

وهلا امليَاق يف معامالت الناس قد مساه هللا تعاىل<br />

‏}قَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ‏ خَلَصُوا<br />

نَجِ‏ يًّا قَالَ‏ كَبِيرُ‏ هُمْ‏ أَلَمْ‏ تَعْلَمُوا أَنَّ‏ أَبَاكُمْ‏ قَدْ‏ أَخَذَ‏ عَلَيْكُمْ‏ مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ مِنْ‏ قَبْلُ‏ مَا قَرَّ‏ ‏ِتُمْ‏ قِي يُوسُفَ‏ قَلَنْ‏ أَبْرَ‏ ‏َح<br />

األْ‏ ‏َرْ‏ ضَ‏ حَتَّى يَأْذَنَ‏ لِي أَبِي أَوْ‏ يَحْكُمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِي وَ‏ هُوَ‏ خَيْرُ‏ الْحَاكِمِي ‏َن{‏<br />

قول هللا تعاَل يف الشرط الذي أخذه اخلضر على موسى ليصحبه،‏ والشرط الذي اشرتطه موسى على نفسه.‏<br />

أما شرط اخلضر ف<strong>في</strong> قوله تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ قَإِنْ‏ اتَّبَعْتَنِي قَال تَسْأَلْنِي عَنْ‏ شَيْءٍ‏ حَتَّى أُحْدِثَ‏ لَكَ‏ مِنْهُ‏ ً ذِكْرا{‏ . 4<br />

. 3<br />

<br />

= 5<br />

وأما ما اشرتطه موسى على نفسه ف<strong>في</strong> قوله تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ إِنْ‏ سَأَلْتُكَ‏ عَنْ‏ شَيْءٍ‏ بَعْدَهَا قَال تُصَاحِ‏ بْنِي قَدْ‏ بَلَغْتَ‏ مِنْ‏<br />

لَدُن ‏ِي ً عُذْرا{‏ . 5<br />

وقد عقد البخاري رمحه هللا هلذه املسألة اباب يف كتاب الشروط من صحيحه،‏ وهو ‏)ابب الشروط مع الناس ابلقبول(.‏<br />

وأورد <strong>في</strong>ه حديث ابن عباس عن أيبّ‏ بن كعب رضي هللا عنهما عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

اخلضر عليهما السالم،‏ ‏)كانت األوَل نسياان والوسطى شرطا والثالثة عمدا(‏ حديث<br />

.2729<br />

يف قصة موسى مع<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]وأشار ابلشرط إَل قوله:‏ ‏}إِنْ‏ سَأَلْتُ‏ ‏َك عَنْ‏ شَيْءٍ‏ بَعْدَهَا قَالَ‏ تُصَاحِ‏ بْنِي{‏ والتزام موسى بذلك،‏ ومل<br />

ي كتبا ذلك ومل يُشهِدا أحدا ، و<strong>في</strong>ه داللة على العمل مبقتضى ما دل عليه الشرط،‏ فإن اخلضر قال ملوسى ملا أخلف<br />

{<br />

الشرط هَذَا قِرَ‏ اقُ‏ بَيْنِي وَ‏ بَيْنِ‏ ‏َك{‏ ومل ينكر موسى <br />

فهذه األدلة السابقة ت ُ بَنيّ‏ جواز العهود واملواثيق والشروط بني الناس على فعل الطاعات،‏ وأَزِيدُ‏ هذا بياانً‏ ببعض ما<br />

يؤثر عن الصحابة والسلف الصاحل يف العهود واملواثيق:‏<br />

ذلك[‏ . 6<br />

ِ<br />

- 1 رواه البخاري عن عبد هللا بن عمرو<br />

- 2 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

036<br />

66<br />

91<br />

71<br />

76<br />

- 6 فتح الباري ج 5 ص 326


= 1<br />

منها ما رواه البخاري يف كتاب املناقب ‏)ابب إسالم أيب ذر الغفاري(‏ عن ابن عباس:‏ أن أاب ذر ملا بلغه مبعث<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم قَدِم مكة،‏ فرآه عَلِيٌّ‏ فعرف أنه غريب فقال له عَلِيٌّ:‏ أال حتدثين ما الذي أقدمك؟ قال أبو<br />

ذر:‏ إن أعطيتين عهدا وميَاقا لرتشدين فعلت.‏ فعل،‏ فأخربه أبو ذر،‏ قال عَلِيٌّ:‏ فإنه حق،‏ وهو رسول هللا صلى هللا<br />

1<br />

عليه وسلم .<br />

= 2<br />

جَعْلُ‏ عمر<br />

ومنها ما رواه البخاري أيضا يف كتاب فضائل الصحابة ‏)ابب قصة البيعة واالتفاق على عثمان بن عفان(،‏ و<strong>في</strong>ه<br />

اخلالفة بعده يف أصحاب الشورى الستة،‏ فتنازل ثالثة وبقي عبد الرمحن بن عوف وعثمان وعَلِيّ،‏ قال<br />

عمرو بن ميمون راوي احلديث ‏)فقال عبد الرمحن:‏ أيكما تربأ من هذا األمر فنجعله إليه،‏ وهللا عليه والإسالم لينظرمن<br />

أفضلهم يف نفسه؟ فأسكت الشيخان.‏ فقال عبد الرمحن:‏ أفتجعلونه إيلم وهللا ع ل ي أن ال آلو عن أفضلكم؟ قاال نعم.‏<br />

فأخذ بيد أحدمها فقال:‏ لك قرابة من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والقِدَم يف الإسالم ما قد علمت،‏ فاهلل عليك<br />

لئن أَمرتُك لتعدلن،‏ وإن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن.‏ ‏ُث خال ابآلخر فقال مثل ذلك.‏ فلما أخل امليَاق قال:‏ ارفع<br />

يدك اي عثمان،‏ فبايعه فبايع له عَلِيٌّ،‏ ووجل أهل الدار فبايعوه(‏ . 2<br />

والشاهد مما سبق إقرار الصحابة وتعاملهم <strong>في</strong>ما بينه ابلعهود واملواثيق،‏ ف<strong>في</strong> قصة أيب ذر عهد وميثاق بينه وبني عَلِيّ،‏<br />

ويف قصة بيعة عثمان عهد وميثاق أخذه عبد الرمحن بن عوف عَلَى عثمان وعَلِيّ‏ رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

وقد أطلق نفر من الصحابة لفظ البيعة على هله العهود واملواثيق،‏ فمن ذلك:‏<br />

= 1<br />

ما صنعه عِكْرمة بن أيب جهل يوم الريموك.‏ قال ابن كثري:‏ ‏]وقال سيف بن عمر عن أيب عثمان الغَسماين عن<br />

أبيه.‏ قال:‏ قال عكرمة بن أيب جهل يوم الريموك:‏ قاتلتُ‏ رسولُ‏ هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

‏ُث اندى:‏ من يبايع على املوت؟<br />

فبايع عَمُّه احلارث بن هشام،‏ وضرار بن األزور يف<br />

يف مواطن وأفر منكم اليوم؟<br />

أربعمائة من وجوه املسلمني<br />

وفرساهنم،‏ فقاتلوا قُدمام فسطاط خالد حىت أُثبتوا مجيعا جراحا،‏ وقُتِل منهم خَلْقٌ‏ منهم ضرار بن األزور رضي هللا عنهم.‏<br />

وقد ذكر الواقدي وغريه أهنم ملا صرعوا من اجلراح استسقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إَل أحدهم نظر إليه<br />

اآلخر فقال:‏ ادفعها إليه،‏ فلما دفعت إليه نظر إليه اآلخر فقال:‏ ادفعها إليه،‏ فتدافعوها كلهم من واحد إَل واحد حىت<br />

ماتوا مجيعا ومل يشرهبا أحد منهم،‏ رضي هللا عنهم مجيعا[‏ . 3<br />

وقال ابن كثري:‏ ‏]قال سيف بن عمر إسناده عن شيوخه:‏ إهنم قالوا كان يف ذلك اجلمع جيش املسلمني ابلريموك<br />

ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر[‏<br />

. 4<br />

037<br />

- 1 حديث 3961<br />

- 2 حديث 3711<br />

- 3 البداية والنهاية ج 7 ص - 11 12<br />

- 4 البداية والنهاية ج 7 ص 8


فهذه بيعة بني رجل ليس هو أمري اجليش وبني طائفة من اجلند على طاعة من الطاعات،‏ وهو عكرمة الصحايب اجلليل<br />

وكان <strong>في</strong>من ابيعه صحابة أجالء،‏ وحدث هذا أمام خالد أمري اجلند،‏ وكما نقل ابن كثري<br />

صحايب،‏ ومل يُنقل إنكار أحد منهم على عكرمة<br />

على إقرارهم لذلك.‏<br />

= 2<br />

فقد حضر الواقعة ألف<br />

فعله هذا،‏ فحدوث مثل هذه البيعة مبحضر من هذا اجلمع دليل<br />

ويف صِفِّني،‏ يف احلرب بني عَلِيّ‏ بن أيب طالب ومعاوية بن أيب س<strong>في</strong>ان رضي هللا عنهما،‏ كان على مقدمة جيش<br />

علي ‏)أهل العراق(‏ قيس بن سعد بن عبادة رضي هللا عنهما،‏ وأخرج الطربي بسند صحيح<br />

الزهري قال:‏ جعل عَلِيُّ‏ عَلَى مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا<br />

عن يونس بن زيد عن<br />

1<br />

أربعني ألفا ابيعوه على املوت .<br />

وما قيل يف بيعة عكرمة يقال يف بيعة قيس رضي هللا عنهما وكالمها مل يكن األمري العام للجند وال خليفة املسلمني،‏<br />

بل أمري طائفة من اجلند.‏<br />

أردت من كل ما سبق بيان أن العهود واملواثيق،‏ وقد تسمى بيعة،‏ بني املسلمني جائزة على فعل الطاعات،‏ وذكرت ما<br />

وقع بني نيب هللا يعقوب<br />

<br />

وأبناءه،‏ وبني ما وقع بني موسى واخلضر وذكرت ما وقع بني الصحابة يف حياة النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم من العهود،‏ وما وقع بينهم بعد وفاته صلى هللا عليه وسلم<br />

بال إنكار من أحد مما جيعلنا ندرج هلا<br />

يف قائمة إمجاع الصحابة،‏ كامليثاق الذي أخذه عبد الرمحن بن عوف عَلَى عثمان وعَلِيّ،‏ وكبيعة عكرمة وقيس بن<br />

سعد رضي هللا عنهم.‏ ونقلت كذلك ما ذكره شيخ الإسالم ابن تيمية من مشروعية العهود بني املعلمني وتالميذهم<br />

ووجوب الوفاء هبا مادامت على فعل الطاعات وذكر رمحه هللا صيغة للعهد على سبيل املثال.‏<br />

وهذا كله <strong>في</strong> بيان مشروعية هذه العهود.‏<br />

تنبيه:‏ قد يقول قائل:‏ إن كالمك السابق يف مشروعية العهود بني املسلمني على فعل الطاعات مُعْرت ني حبديث النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

‏)ال حلف يف اإلسالم(؟.‏<br />

اجلواب:‏ ال تعارض إن شاء هللا بينهما،‏ بل إن حديث ‏)ال حلف يف الإسالم(‏ هو يف ذاته حجة قوية ملا ذكرته من<br />

مشروعية العهود بني املسلمني على الطاعات.‏<br />

قال الراغب:‏ ‏]احلِلْف:‏ العهد بني القوم،‏ واحملالفة املعاهدة،‏ وجُعِلت للمُالزَمَة اليت تكون مبعاهدة.‏ وقال:‏ واحللف:‏ أصله<br />

اليمني الذي ‏َيخذ بعضهم من بعض هبا العهد ‏ُث عُربِّ‏ به عن كل ميني[‏<br />

2<br />

.<br />

أما األحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها احللف،‏ فهي حديث جُبَريِ‏ يف ن<strong>في</strong> احلِلف وحديث أنس يف إثباته:‏<br />

= 1<br />

عن جُبَريِ‏ بن مُطْعِم:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم،‏ وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل<br />

يزده الإسالم إال شدة«‏ . 3<br />

038<br />

- 1 فتح الباري ج 13 ص 63<br />

- 2 ‏)املفردات يف غريب القرآن(‏ للراغب األصفهاين مادة حلف<br />

- 3 رواه مسلم يف كتاب الفضائل ابب ‏)مؤاخاة النيب بني أصحابه رضي هللا عنهم(‏


= 2<br />

عن عاصم األحول قال قلت ألنس أب ‏َلَغَك أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال حلف يف الإسالم«؟ فقال<br />

أنس بن مالك:‏ ‏)قد حَالَفَ‏ النيب صلى هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار يف داري(‏ . 1<br />

اجلمع بني األحاديث،‏ حيث أن ظاهرها التعارض:‏<br />

= 1<br />

<br />

قال ابن األثري:‏ ‏]مادة ‏)حلف(‏ <strong>في</strong>ه ‏»أنه عليه السالم حالف بني قريش واألنصار«‏ ويف حديث آخر ‏»قال آنس<br />

: حالف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني املهاجرين واألنصار يف داران مرتني«‏ أي آخى بينهم وعاهد.‏<br />

ويف حديث آخر ‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم«‏ أصل احلِلف:‏ املعاقدة واملعاهدة على التعاضد والتساعد واالتفاق،‏ فما<br />

كان منه يف اجلاهلية على الفنت والقتال بني القبائل والغارات فذلك اللي ورد النهي عنه يف اإلسالم بقوله صلى<br />

هللا عليه وسلم<br />

‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم«‏ وما كان منه يف اجلاهلية على نصر املظلوم وصلة األرحام كحلف املطيمبني وما<br />

جرى جمراه،‏ فذلك الذي قال <strong>في</strong>ه صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل يزده الإسالم إال شدة«‏ يريد<br />

من املعاقدة على اخلري ونصرة احلق،‏ وبللك جيتمع ا ديَان،‏ وهذا هو احللف الذي يقتضيه الإسالم،‏ واملمنوع منه ما<br />

خالف حكم الإسالم.‏<br />

وقيل احملالفة كانت قبل الفتح.‏<br />

وقوله:‏ ‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم«‏ قاله زمن الفتح،‏ فكان انسخا<br />

2<br />

.<br />

=<br />

=<br />

=<br />

قلت:‏ ذكر ابن األثري كي<strong>في</strong>ة اجلمع بني احلديثني قال ‏)وبذلك جيتمع احلديثان(،‏ ‏ُث ذكر احتمال النسخ بصيغة تضعيف<br />

فقال:‏ ‏]وقيل احملالفة كانت قبل الفتح إَل قوله فكان انسخا[‏ وحَقٌ‏ للنسخ أن ي ‏ُنْكَر ال أن يُضَعمف،‏ ملا يلي:‏<br />

ألن النسخ ال يصار إليه ابالحتمال،‏ فالنسخ معناه تعطيل أحد النصني املتعارضني ومنع العمل به،‏ وتعطيل دليل<br />

شرعي ال يكون ابالحتمال خاصةً‏ مع عدم اجلزم مبعرفة التاريخ.‏<br />

وألن النسخ ال يصار إليه اجتهادا،‏ إال مع استحالة اجلمع بني النصني املتعارضني،‏ واجلمع هنا ممكن ومُتمجِ‏ ه،‏ كما<br />

قال ابن األثري،‏ وستأِت أقوال النووي وابن حجر إن شاء هللا.‏<br />

ويك<strong>في</strong>ك يف إنكار دعوى النسخ،‏ إنكار أنس على عاصم األحول ما فهمه من النهي عن احللف وهذا ن<br />

واضح<br />

صريح من الصحايب بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم وانقطاع التشريع يثبت <strong>في</strong>ه احللف واحملالفة،‏ وأكد أنس<br />

قوله أبن احملالفة وقعت مرتني أو ثالَث،‏ كما يف رواية أيب داود.‏<br />

يفهم من هذا أن احلِلف املنهي عنه شيء،‏ وأن احلِلف الذي أثبته شيء آخر،‏ ألن أنس مل يقل لعاصم:‏ إن النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم مل حيَُدِّث هبذا احلديث،‏ وإَّنا ذكر له نوع احملالفة اليت عقدها النيب صلى هللا عليه وسلم بني أصحابه.‏<br />

039<br />

- 1<br />

متفق عليه،‏ ووقع ملسلم من ثالث طرق:‏ طريق شيخ البخاري حممد بن الصبماح ومن طريق أيب بكر بن أيب شيبة ومن طريق حممد بن عبد هللا بن<br />

‏َّنَُري.‏ ورواه مسلم يف نفس الباب السابق،‏ وبن عيينة عن عاصم قال ‏)مسعت أنس بن مالك يقول حالف...(‏ فذكره بلفظ املهاجرين بدل قريش،‏ فقيل له:‏<br />

أليس قال الحلف يف الإسالم؟ قال قد حَالَفَ‏ فذكر مثله،‏ وزاد مرتني او ثالَث.‏ ‏]فتح الباري ج<br />

- 2 ‏)النهاية يف غريب احلديث(‏ البن األثري ج 1 ص 425 424،<br />

.]512<br />

11 ص 511


فاحملالفة منها ما هنى عنه ومنها ما أبيح،‏ وصفة كل نوع منهما هي كما ذكر ابن األثري من قبل،‏ وكما سيأِت يف كالم<br />

النووي وابن حجر إن شاء هللا.‏ وسيأِت كذلك حديث ابن عباس يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُ‏ ‏ْم{‏ . 1<br />

وسرتى أن احتمال النسخ مل يشر إليه ال النووي وال ابن حجر.‏<br />

= 2<br />

وقال ابن حجر:‏ ‏]تضمن جواب أنس إنكار صدر احلديث ألن <strong>في</strong>ه ن<strong>في</strong> احللف و<strong>في</strong>ما قاله هو إثباته،‏ وميكن<br />

اجلمع أبن املن<strong>في</strong> ما كانوا يعتربونه يف اجلاهلية من نصر احلليف ولو كان ظاملا ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل<br />

واحد منها ومن التوارث وحنو ذلك،‏ واملَُبت<br />

ما عدا ذلك من نصر املظلوم والقيام يف أمر الدين وحنو ذلك من<br />

املستحبات الشرعية كاملصادقة واملواددة وحفظ العهد،‏ وقد تقدم حديث ابن عباس يف نسخ التوارث بني املتعاقدين<br />

وذكر الداودي أهنم كانوا يورثون احلليف السدس دائما فنسخ ذلك إَل أن قال قال النووي املن<strong>في</strong> حلف التوارث وما<br />

مينع منه الشرع،‏ وأما التحالف على شرع هللا ونصر املظلوم واملناخاة يف هللا تعاىل فهو أمر مرغب <strong>في</strong>ه[‏<br />

2<br />

.<br />

= 3<br />

وقال النووي:‏ ‏]قال القاضي:‏ قال الطربي:‏ ال جيوز احللف اليوم فإن املذكور يف احلديث واملوارثة به واملؤاخاة كله<br />

منسوخ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُوا األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏ وقال احلسن:‏ كان التوارث ابحللف فنُسخ ‏ِبية املواريث<br />

قلت أما ما يتعلق ابلإرث <strong>في</strong>ستحب <strong>في</strong>ه املخالفة عند مجاهري العلماء،‏ وأما املؤاخاة يف الإسالم واحملالفة على طاعة هللا<br />

تعاَل والتناصر والتعاون على الرب والتقوى وإقامة ا ق فهلا ابق مل ينسخ وهذا معىن قوله صلى هللا عليه وسلم يف<br />

هذه األحاديث وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل يزده الإسالم إال شدة،‏ وأما قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال حِ‏ لْف يف<br />

الإسالم«‏<br />

3<br />

فاملراد به حلف التوارث واحللف على ما منع الشرع منه وهللا أعلم .<br />

قلت:‏ فهذه أقوال ابن حجر والنووي يف اجلمع بني احلديثني،‏ تبني أن املن<strong>في</strong> هو حلف التوارث وما مينع منه الشرع<br />

‏)وهو حديث جبري بن مطعم(‏ وأن املثبت وهو حديث أنس وهو احملالفة على طاعة هللا تعاَل والتناصر يف الدين<br />

والتعاون على الرب والتقوى وإقامة احلق،‏ وهذا الكالم يؤيد ما قلته من قبل يف مشروعية العهد بني املسلمني على<br />

الطاعات.‏<br />

= 3<br />

4<br />

ما ورد يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ‏ قَآتُوهُمْ‏ نَصِ‏ يبَهُ‏ ‏ْم{‏ . ورد يف كالم النووي أن احللف املن<strong>في</strong><br />

‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم«‏ منه حلف التوارث كالم ابن حجر قال:‏ ‏]وقد تقدم حديث ابن عباس يف نسخ التوارث بني<br />

املتعاقدين[.‏<br />

وهذه املسألة وهي نسخ التوارث بني املتحالفني وردت يف اآلايت التالية:‏<br />

041<br />

- 1<br />

النساء،‏ اآلية:‏‎33‎<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 11 ص 512<br />

- 3 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ ج 16 ص 92 91،<br />

- 4 النساء،‏ اآلية:‏ 33


=<br />

آية النساء:‏ قوله تعاَل<br />

{ وَ‏ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ‏ الِيَ‏<br />

نَصِ‏ يبَهُمْ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ كَانَ‏ عَلَى كُل ِ شَيْءٍ‏ شَهِيد ‏ًا{‏<br />

. 1<br />

=<br />

=<br />

مِمَّا تَرَ‏ كَ‏ الْوَ‏ الِدَانِ‏ وَ‏ األَقْرَ‏ بُونَ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ‏ قَآتُوهُ‏ ‏ْم<br />

آية األنفال:‏ قوله تعاَل ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُوا األْ‏ ‏َرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْضٍ‏ قِي كِتَابِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 2 .<br />

آية األحزاب:‏ قوله تعاَل ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُو األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْضٍ‏ قِي كِتَابِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِ‏ ينَ‏ إِالَّ‏ أَ‏ ‏ْن<br />

تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ‏ لِيَائِكُمْ‏ مَعْرُ‏ وقًا{‏ . 3<br />

قلت:‏ يراجع تفسري هذه اآلايت ابلتفاسري املشهورة كالطربي والقرطيب وابن كثري،‏ وسأمجل لك هنا ما يتعلق مبوضوعنا<br />

وهو نسخ التوارث ابحللف،‏ فأقول:‏<br />

كان الرجالن يتحالفان يف اجلاهلية على أن يتناصرا ويتوارَث،‏ ويف أول الإسالم وبعد اهلجرة كان املهاجر يرث<br />

األنصاري لألخوة اليت آخى النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

ذوي رحم امليت،‏ فتم نسخ هلا على مرحلتني:‏<br />

األوَل:‏ بقوله تعاَل { وَ‏ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ‏ الِ‏ ‏َي<br />

إَل قوله<br />

بينهم،‏ فكان احلليف حيتاز املرياث كله إذا مات حليفه دون<br />

وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ‏ قَآتُوهُمْ‏ نَصِ‏ يبَهُ‏ ‏ْم{‏ فهذه اآلية جعلت<br />

املرياث مشرتكا بني ذوي رحم امليت { وَ‏ ٍ لِكُل جَعَ‏ ‏ْلنَا مَوَ‏ الِ‏ ‏َي{‏ وبني احلليف وهو ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُ‏ ‏ْم{.‏ وأصبح<br />

للحليف سدس الرتكة وليس كل الرتكة.‏<br />

الثانية:‏ بقوله تعاَل ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُوا األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏ هذه اآلية نسخت احلليفة كليا ومل يبق له نصيب يف<br />

الرتكة،‏ وميكن أن يُوصَى له.‏ ورغم نسخ املرياث إال أنه يبقى للحليف حق النصرة كما سيأِت قول ابن عباس.‏<br />

وهذا يبني لك ا لف املن<strong>في</strong> ‏)ومنه نسخ التوارث ابحللف(‏ وا لف املَبت ‏)وهو النصرة(‏<br />

وأنقل لك <strong>في</strong>ما يلي أقوال السادة العلماء <strong>في</strong>ما يتعلق مبا ذكرته من قبل،‏ ومن أحسن ما قيل يف هذه املسألة ما مجعه<br />

ابن حجر <strong>في</strong>ها.‏ فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال:‏ ]} وَ‏ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ‏ الِ‏ ‏َي{‏ قال:‏ ورثة ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏<br />

عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ‏ } كان املهاجرون ملا قدموا املدينة يرثوا املهاجر األنصاري دون ذوي رمحه لألخوة اليت آخى النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم<br />

بينهم،‏ فلما نزلت { وَ‏ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ‏ الِ‏ ‏َي{‏ نسخت.‏ ‏ُث قال ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ{‏ من النصر<br />

4<br />

والرفادة والنصيحة وقد ذهب املرياث ويوصى له[‏ . قال ابن حجر ‏]قوله ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ{‏ ‏)كان املهاجرون<br />

ملا قدموا املدينة يرث املهاجري<br />

هللا عليه وسلم<br />

األنصاري دون ذوي رمحه األخوة(‏ هكذا محلها ابن عباس على من آخى النيب صلى<br />

بينهم،‏ ومحلها غريه على أعم من ذلك فأسند الطربي عنه قال:‏ كان الرجل حيالف الرجل ليس بينهما<br />

نسب فريث أحدمها اآلخر،‏ فنسخ ذلك.‏ ومن طريق سعيد بن جبري قال:‏ كان الرجل يعاقد الرجل فريثه،‏ وعقد أبو<br />

040<br />

- 1 النساء،‏ اآلية:‏ 33<br />

- 2 األنفال،‏ اآلية:‏ 75<br />

- 3 األحزاب،‏ اآلية:‏ 6<br />

- 4 حديث 4591<br />

بكتاب التفسري


بكر موَل فورثه.‏ قوله:‏ ‏)فلما نزلت { وَ‏ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ‏ الِ‏ ‏َي{‏ نسخت(‏ هكذا وقع يف هذه الرواية أن انسخ مرياث<br />

احلليف هذه اآلية.‏ وروى الطربي من طريق علي بن أيب طلحة عن ابن عباس قال:‏ ‏]كان الرجل يعاقد الرجل،‏ فإذا<br />

مات ورثه اآلخر،‏ فأنزل هللا ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُو األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْضٍ‏ قِي كِتَابِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِ‏ ينَ‏ إِالَّ‏<br />

أَنْ‏ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ‏ لِيَائِكُمْ‏ مَعْرُ‏ وقًا{‏ يقول إال أن توصوا ألوليائكم الذين عاقدمت.‏ ومن طريق قتادة كان الرجل يعاقد<br />

الرجل يف اجلاهلية <strong>في</strong>قول دمي دمك وترثين وأرثك،‏ فلما جاء الإسالم أُمِروا أن يؤتوهم نصيبهم من املرياث وهو<br />

السدس،‏ ‏ُث نُسِ‏ خَ‏ ابملرياث فقال:‏ ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُو األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْ‏ ‏ٍض{،‏ ومن طرق شىت عن مجاعة من العلماء<br />

كذلك،‏ وهذا هو املعتمد.‏<br />

وحيتمل أن<br />

يكون النسخ وقع مرتني:‏ األوَل حيث كان املعاقِد يرث وحده دون العصبة فنزلت { وَ‏ لِكُل ٍ{ وهي آية<br />

الباب فصاروا مجيعا يرثون،‏ وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس،‏ ‏ُث نَسَخَ‏ ذلك آية األحزاب وخ<br />

املرياث ابلعصبة<br />

وبقي للمعاقد النصر والإرفاد وحنومها،‏ وعلى هذا يتنزل بقية اآلَثر.‏ وقد تعرض له ابن عباس يف حديثه أيضا لكن مل<br />

يذكر الناسخ الثاين.‏ والبد منه وهللا أعلم.‏<br />

1<br />

.<br />

قوله:‏ ‏]ُث قال:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُ‏ ‏ْم{‏ من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب املرياث ويوصى له[‏ كذا وقع <strong>في</strong>ه،‏<br />

وسقط منه شيء بينه الطربي يف روايته عن أيب كريب عن أيب أسامة هبذا الإسناد ولفظه:‏ ‏ُث قال ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَ‏ ‏ْت<br />

أَيْمَانُكُمْ‏ قَآتُوهُمْ‏ نَصِ‏ يبَهُمْ{‏ من النصر إخل<br />

وقد استحسن الشيخ أمحد شاكر كالم ابن حجر هذا وهو أن نسخ مرياث احلليف وقع مرتني،‏ قال:‏ ‏]وهذا حتقيق<br />

جيد ر<strong>في</strong>ع من احلافظ ابن حجر،‏ والناسخ الثاين أي ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُوا األَرْ‏ ‏َحامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏ ذكره ابن عباس<br />

أيضا يف الروايتني األخريني عند الطربي الدالتني على أن الرواية األوَل،‏ رواية البخاري،‏ <strong>في</strong>ها اختصار إَل أن قال<br />

أمحد شاكر ويكون معىن حديث ابن عباس،‏ مبا جيتمع من رواايته:‏ أن قوله ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ عَقَدَتْ‏ أَيْمَانُكُمْ‏ قَآتُوهُ‏ ‏ْم<br />

نَصِ‏ يبَهُمْ{‏ يعين نصيبه من املرياث،‏ فجاءت آية األحزاب:‏ ‏}وَ‏ أُوْ‏ لُو األَرْ‏ حَامِ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لَى بِبَعْضٍ‏ قِي كِتَابِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

مِ‏ ‏ْن<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِ‏ ينَ‏ إِال أَنْ‏ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ‏ لِيَائِكُمْ‏ مَعْرُ‏ وقًا{‏ فذهب املرياث،‏ وبقي أن يفعلوا هلم املعروف،‏ من الوصية،‏<br />

ومن النصر والرفادة والنصيحة وذلك هو املعروف اللي بقي بعد ذهاب املرياث[‏ . 2<br />

واخلالصة:‏ من كل ما سبق،‏ أنه ال تعارض بني حديث ‏»ال حِ‏ لْف يف الإسالم«‏ وحديث أنس ‏»قد حَالَفَ‏ النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار«،‏ فامل نْفِي هو حلف التوارث واحملالفة على ما مينعه الشرع،‏ واملَُدْب ت هو احملالفة<br />

على القيام بواجبات الدين،‏ وهذا هو اجلمع بني احلديثني الذي اختاره النووي وابن حجر وابن األثري.‏ وملا كان قوله<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

العموم.‏ وهللا أعلم.‏<br />

‏»ال حِ‏ لْف«‏<br />

نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>،‏ وهي صيغة عموم،‏ فنقول إن حديث أنس خمص هلذا<br />

042<br />

248<br />

- 1 ‏)فتح الباري(‏ ج 9 ص 247<br />

- 2 ‏)عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري(‏ ج 3 ص 163


وهذا كله يف بيان مشروعية العهود بني املسلمني على الطاعات.‏<br />

ثانيا:‏ فائدة هذا الغرض منه<br />

العهد الذي يعطيه الإنسان على نفسه ال خيلو غرضه من أن يكون أحد أمرين أو كليهما:‏<br />

األول:‏ توكيد ما ثبت وجوبه بالشرع ابتداء:‏<br />

ف<strong>في</strong> املثال الذي بني أيدينا وهو معسكر التدريب،‏ قد أمر هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم ابجلهاد يف سبيل<br />

هللا وطاعة والة األمور وحفظ األسرار وأداء األماانت والنصح للمسلمني والإحسان إليهم،‏ فهذه األمور واجبة ابلشرع<br />

أصال سواء تعهد الإنسان ابلتزامها أم مل يتعهد،‏ فإذا تعهد ابلتزامها وأقسم على هذا،‏ فإن هذه األمور تصري واجبة من<br />

وجهني أوالمها:‏ وجوهبا ابلشرع ابتداء،‏ وَثنيهما:‏ العهد والقسم على التزامها.‏ فتكون فائدة العهد يف هله األمور<br />

هو توكيد ما وجب ابلشرع ابتداء.‏<br />

ويف هذا يقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وما أمر هللا به ورسوله من طاعات والة األمور ومناصحتهم واجب<br />

على الإنسان وإن مل يعاهدهم عليه،‏ وإن مل حيلف هلم الإميان املؤكدة،‏ كما جيب عليه الصلوات اخلمس،‏ والزكاة،‏<br />

والصيام،‏ وحج البيت،‏ وغري ذلك مما أمر هللا به ورسوله من الطاعة،‏ فإذا حلف على ذلك كان توكيدا وتثبيتا ملا أمر<br />

هللا به ورسوله من طاعة والة األمور ومناصحتهم.‏ فاحلالف على هذه األمور ال حيل له أن يفعل خالف احمللوف عليه،‏<br />

سواء حلف ابهلل أو غري ذلك من األميان اليت حيلف هبا املسلمون،‏ فإن ما أوجبه هللا من طاعة والة األمور ومناصحتهم<br />

واجب وإن مل حيلف عليه،‏ فكيف إذا حلف عليه؟!‏ وما هنى هللا ورسوله عن معصيتهم وغشهم حمرم وإن مل حيلف على<br />

ذلك[‏ . 1<br />

قلت:‏ ومثال هذا،‏ حديث مبايعة الصحايب جرير بن عبد هللا البجلي<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

قلت:‏ أابيعك على الإسالم،‏ فَشَرَطَ‏ عَلَ‏ م ي<br />

<br />

للنيب صلى هللا عليه وسلم،‏ قال جرير:‏ أتيت<br />

2<br />

‏»والنصح لكل مسلم«،‏ فبايعته على هذا ، ويف<br />

لفظ آخر قال جرير:‏ ‏]ابيعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على إقام الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم[‏ . 3<br />

فأصل املبايعة على الإسالم وهو يشتمل على الصالة والزكاة حلديث ‏»بين الإسالم على مخس«‏ وكذلك النصيحة من<br />

الإسالم حلديث ‏»الدين النصيحة«،‏ فإذا ذُكِرَت النصيحة مثال كشرط مستقل يف ا ملبايعة،‏ فهذا يزيد وجوب النصيحة<br />

توكيدا،‏ إذ إهنا يف هذا احلال جتب ألمرين أوهلما:‏ ألهنا من واجبات الإسالم املبايَع عليه،‏ ‏َثنيهما:‏ للمبايعة عليها<br />

كشرط مستقل يف عقد املبايعة.‏ فهي واجبة ابلشرع وواجبة ابلعهد عليها.‏<br />

ويف احلكمة من اشرتاط هذه الشروط يف مبايعة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

لبعض املسلمني مع كوهنا من واجبات<br />

الدين وإن مل تُشْرتَ‏ ط قال ابن حجر:‏ ‏]واملراد ابلبيعة املبايعة على الإسالم،‏ وكان النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

أول ما<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج 11<br />

35 ص 8<br />

- 2 رواه البخاري 59<br />

- 3 رواه البخاري 57<br />

043


يشرتط بعد التوحيد إقامة الصالة ألهنا رأس العبادات البدنية،‏ ‏ُث أداء الزكاة ألهنا رأس العبادات املالية،‏ ‏ُث ي ‏ُعَلِّم كل قوم<br />

ما حاجتهم إليه أمس،‏ فبايع جريرا على النصيحة ألنه كان سيد قومه فأرشده إَل تعليمهم أبمْرِه ابلنصيحة هلم،‏ وابيع<br />

1<br />

وفد عبد قيس على أداء اخلمس لكوهنم كانوا أهل حماربة مع من يليهم من كفار مضر[‏ .<br />

وقال القرطيب:‏ ‏]كانت مبايعة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

2<br />

أمر،‏ فلذلك اختلفت ألفاظهم[‏ .<br />

ألصحابه حبسب ما حيتاج إليه:‏ من جتديد عهد أو توكيد<br />

هذا يف بيان أن العهد أو البيعة على الطاعة الواجبة أبصل الشرع،‏ يزيد وجوب هذه الطاعة توكيدا،‏ وهذا هو الغرض<br />

األول من العهد.‏<br />

والغرض الثاني:‏ التزام العبد ما أوجبه على نفسه مما لم يوجبه الشرع<br />

ابتداء:‏<br />

مثال ذلك النذر مل يوجبه الشرع ابتداء،‏ ولكن إذا أوجبه العبد على نفسه أبن نذر هلل تعاَل إن حدث له كذا،‏ فعل<br />

3<br />

كذا،‏ صار واجبا عليه الوفاء هبذا النذر،‏ ألن هللا تعاَل أمر ابلوفاء ابلنذر،‏ ‏}يُوقُونَ‏ بِالنَّذْ‏ ‏ِر{‏ ، وإن مل يوجب هللا النذر<br />

على الناس ابتداء.‏<br />

مثال آخر:‏ البيع من املباحات،‏ فإذا كانت عندك سلعة معينة،‏ مل ‏َيمرك الشرع ببيعها وإذا أردت بيعها مل ‏َيمرك ببيعها<br />

لشخ معني،‏ وإذا مل بعتها لشخ معني مل ‏َيمرك بثمن معني أو ابلبيع يف وقت معني.‏ ولكن إذا تعهدت على<br />

نفسك أن تبيع هذه السلعة لشخ<br />

معني يف وقت معني بثمن معني صار كل هذا واجبا عليك ابلعهد الذي قطعته<br />

4<br />

على نفسك لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِالْعَهْدِ‏ إِنَّ‏ الْعَهْدَ‏ كَانَ‏ مَسْئُوالً{‏ ، فمثل هذا البيع مل جيب ابلشرع ابتداء وإَّنا<br />

وجب ابلعهد إذ إن هللا أمر ابلوفاء ابلعهد،‏ ولوال العهد ملا وجب عليك هذا البيع،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا<br />

5<br />

أَوْ‏ قُوا بِالْعُقُودِ{‏ .<br />

ويقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف بيان ما جيب ابلشرع ابتداء وما جيب ابلعهد ‏]والذي يوجبه هللا على العبد<br />

قد يوجبه ابتداء،‏ كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد.‏ وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه على نفسه،‏ ولوال ذلك<br />

مل يوجبه،‏ كالوفاء ابلنذر للمستحبات.‏ ومبا التزمه يف العقود املباحة:‏ كالبيع والنكاح والطالق وحنو ذلك.‏ وإذا مل يكن<br />

044<br />

- 1 فتح الباري ج 2 ص 7<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 1 ص 138<br />

- 3 الإنساء،‏ اآلية:‏ 7<br />

- 4 الإسراء،‏ اآلية 24<br />

- 5 املائدة،‏ اآلية:‏ 1


واجبا.‏<br />

املسلمني<br />

وقد يوجبه ألمرين.‏ كمبايعة الرسول<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

1<br />

كتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله .<br />

على السمع والطاعة له،‏ وكذلك مبايعة أئمة<br />

وقال رمحه هللا يف موضع آخر مبينا نفس املسألة:‏ ‏]وأصل العقود أن العبد ال يلزمه شيء إال ابلتزامه،‏ أو إبلزام الشارع<br />

له،‏ فما التزمه فهو ما عاهد عليه،‏ فال ينقض العهد،‏ وال يغدر.‏ وما أمره الشارع به فهو مما أوجب هللا عليه أن يلتزمه<br />

وإن مل يلتزمه،‏ كما أوجب عليه أن يَصِلَ‏ ما أمر هللا به أن يوصل من الإميان ابلكتب والرسل،‏ ومن صلة األرحام،‏ وهلذا<br />

يذكر هللا يف كتابه هذا وهذا،‏ كقوله:‏ ‏}الَّذِينَ‏ يُوقُونَ‏ بِعَهْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال يَنقُضُونَ‏ الْمِيثَا ‏َق وَ‏ الَّذِينَ‏ يَصِ‏ لُونَ‏ مَا أَمَرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِ‏ ‏ِه<br />

أَنْ‏ يُوصَلَ{‏ . 2 فما أمر هللا به أن يوصل فهو إلزام من هللا به،‏ وما عاهد عليه الإنسان فقد التزمه فعليه أن يويف بعهد<br />

3<br />

هللا،‏ وال ينقض امليثاق،‏ إذا مل يكن ذلك خمالفا لكتاب هللا[‏ .<br />

وبناء على ما سبق ميكن أن يشتمل العهد بني األمري واألعضاء على أمور واجبة ابلشرع ابتداء لتوكيدها كاجلهاد<br />

وطاعة األمري وحفظ األسرار وأداء األماانت والنصح للمسلمني،‏ وأمور مل جتب ابلشرع ابتداء ليلتزمها األعضاء<br />

ابلعهد مثل أن يشرتط األمري عليهم عمال معينا أو عدم مغادرة املعسكر إال يف مدد معدودة أو حتديد مواعيد للنوم<br />

واليقظة والطعام والتدريبات وحنو ذلك من الشروط ما مل تكن معصية.‏<br />

وهذه الشروط اليت تشرتط يف العهد تشكل أساس الالئحة الداخلية للمعسكر ونظامه،‏ منها شروط واجبة ابلشرع<br />

يؤكدها العهد ومنها شروط غري واجبة ابلشرع ابتداء يوجبها العهد.‏<br />

ويف شروط العهود يقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]ويف السنن عنه قال ‏"املسلمون عند شروطهم:‏ إال شرطا<br />

أحل حراما ما أو حرم حالال"‏ وكل ما كان من الشروط اليت بني القبائل وامللوك والشيوخ واألحالف وغري ذلك فإهنا<br />

على هذا احلكم ابتفاق علماء املسلمني[‏ . 4<br />

وقال رمحه هللا يف موضع آخر:‏ ‏]وابجلملة فجميع ما يقع بني الناس من الشروط والعقود واحملالفات يف األخوة وغريها<br />

ت ‏ُرَد إَل كتاب هللا وسنة رسوله،‏ فكل شرط يوافق الكتاب والسنة يوىف به،‏ و»من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو<br />

ابطل وإن كان مائة شرط.‏ كتاب أحق،‏ وشرطه أوثق«‏ فمىت كان الشرط خيالف شرط هللا ورسوله كان ابطال.‏ وكذا يف<br />

شروط البيوع،‏ واهلبات،‏ والوقوف،‏ والوقوف،‏ والنذور،‏ وعقود البيعة لألئمة،‏ وعقود املشايخ،‏ وعقود املتآخيني،‏ وعقود<br />

أهل األنساب والقبائل،‏ وأمثال ذلك[‏<br />

. 5<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج<br />

045<br />

28 ص 346 345<br />

21<br />

- 2 الرعد،‏ اآلية:‏ 21<br />

- 3 جمموع الفتاوى ج<br />

- 4 جمموع الفتاوى ج<br />

- 5 جمموع الفتاوى ج<br />

342<br />

81<br />

341<br />

98<br />

89 87<br />

28 ص<br />

11 ص<br />

35 ص


قلت:‏ و<strong>في</strong>ما قاله شيخ الإسالم كالم مشكل،‏ وهو ما ورد يف حديث عائشة مرفوعا ‏»من اشرتط شرطا ليس يف كتاب<br />

هللا فهو ابطل«‏<br />

فهذا معناه أنه إذا اشرتط األمري على األعضاء عدم مغادرة املعسكر إال مرة واحدة كل شهرين فهذا<br />

ابطل ألنه ليس يف كتاب هللا.‏ وليس املعىن كذلك فليس املراد أن يرد الشرط بعينه يف الكتاب والسنة بل املراد أال<br />

خيالف الشرط الكتا والسنة.‏ وقد بني شيخ الإسالم هذا دفعا لإليهام يف كالمه السابق،‏ فقال:‏ ‏]فمىت كان الشرط<br />

خيالف شرط هللا ورسوله كان ابطال[‏ وبينه يف موضع آخر فقال رمحه هللا:‏ ‏]فإن القاعدة أيضا:‏ أن األصل يف الشروط<br />

الصحة واللزوم إال ما دل الدليل على خالفه.‏ وقد قيل:‏ بل األصل <strong>في</strong>ها عدم الصحة،‏ إال ما دل الدليل على صحته:‏<br />

حلديث عائشة.‏ واألول هو الصحيح،‏ فإن الكتاب والسنة قد دَالم على الوفاء ابلعقود والعهود،‏ وذم الغدر والنكث،‏<br />

ولكن إذا مل يكن املشروط ‏ُمالفا<br />

لكتاب هللا وشرطه،‏ فإذا كان<br />

املشروط ‏ُمالفا لكتا<br />

الشرط وشرطه كان هللا<br />

ابطال.‏ وهذا معىن قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن كان مائة شرط.‏<br />

كتاب أحق،‏ وشرطه أوثق«.‏<br />

فإن قوله:‏<br />

‏»من اشرتط شرطا«‏<br />

املشروط يف كتاب هللا،‏ فليس هو مما أابحه هللا إَل أن قال<br />

أي مشروطا،‏ وقوله:‏<br />

‏»ليس يف كتاب هللا«‏<br />

أي ليس<br />

وأما إذا كان نفس الشرط واملشروط مل ينص هللا على<br />

حِ‏ لِه،‏ بل سكت عنه.‏ فليس هو مناقضا لكتا هللا وشرطه.‏ حىت يقال:‏ ‏»كتاب أحق،‏ وشرطه أوثق«‏ فقوله:‏ ‏»من<br />

اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا«‏ أي ‏ُمالفا لكتا هللا[‏<br />

1<br />

.<br />

الخالصة:‏<br />

أن العهود جائزة بني املسلمني،‏ وهي تنكد ما وجب ابلشرع ابتداء أو توجب أموراً‏ مل جتب ابلشرع ابتداء مادامت ال<br />

ختالف الشرع.‏<br />

وقد ذكر شيخ الإسالم رمحه هللا قوال أريد ألن أبينه،‏ وهو قوله املذكور آنفا ‏]والذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه<br />

ابتداء،‏ كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد.‏ وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه على نفسه ولوال ذلك مل يوجبه إَل<br />

أن قال وقد يوجبه<br />

املسلمني،‏<br />

األمرين،‏ كمبايعة الرسول صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة له،‏ وكذلك مبايعة أئمة<br />

2<br />

وكتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[‏ . فقوله ‏]وقد يوجبه لألمرين[‏ أي يوجب هللا األمر على<br />

الناس لكونه واجبا ابلشرع ابتداء ولكون الناس تعاقدوا على العمل به،‏ وضرب هلذا أمثلة منها قوله:‏ ‏]وكتعاقد الناس<br />

على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[،‏ <strong>في</strong>دخل يف هذا االلتحاق مبعسكرات التدريب ويدخل <strong>في</strong>ه قيام اجلماعات<br />

الإسالمية ابلعمل لإلسالم،‏ وهي اجلماعات اليت أنكر إمارهتا من قبل مؤلف كتاب البيعة بني السنة والبدعة،‏ وقد<br />

رددت يف الباب الثالث من هذه الرسالة على إنكاره لإلمارة.‏ وسأرد بعد قليل إن شاء هللا تعاَل على إنكاره البيعة.‏<br />

فقيام هذه املعسكرات واجلماعات لنصرة احلق وللعمل لتكون كلمة هللا هي العليا واجب من وجهني:‏<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج 28 ص<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

046<br />

347 346<br />

28 ص 346 345


األول:‏ لوجو هلا ابلشرع ابتداء،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى{‏ ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لْتَكُنْ‏ مِنْكُمْ‏ أُمَّةٌ‏<br />

يَدْعُونَ‏ إِلَى الْخَيْرِ‏ وَ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنْكَرِ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْمُفْلِحُونَ{‏ ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏<br />

وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ وَ‏ يُقِيمُونَ‏ الصَّالَ‏ ةَ‏ وَ‏ يُؤْ‏ تُونَ‏ الزَّ‏ كَاةَ‏<br />

وَ‏ يُِِيعُونَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ سَيَرْ‏ حَمُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَزِ‏ ي ‏ٌز حَكِي ‏ٌم{.‏ واآلية األخرية تبني أمهية املواالة بني املؤمنني<br />

للقيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ووصفهم سبحانه أبهنم املفلحون وأبنه سبحانه سيدخلهم يف رمحته،‏ وقد<br />

ذكرت من قبل أن شوكة الإسالم وقوته ومنعته ال تقوم إال ابلوالء الإمياين،‏ بتجميع املؤمنني<br />

بواجبات الدين.‏<br />

الوجه الثاين لقيام هذه اجلماعات هبذا،‏<br />

وتعاوهنم على القيام<br />

هو تعاهدهم وتعاقدهم على هله الطاعات،‏ وهذا جائز،‏ فقيامهم هبذه<br />

الطاعات من الدعوة واألمر والنهي واجلهاد،‏ هو واجب ابلشرع وواجب ابلعهد عليه ‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِالْعَهْدِ‏ إِنَّ‏ الْعَهْدَ‏ كَا ‏َن<br />

مَسْئُوال ً{،<br />

فهو واجب ألمرين.‏<br />

ثالثا:‏ هل يجوز أن يؤقت العهد بأجل؟<br />

واجلواب:‏ نعم جيوز أن يكون العهد بني املسلمني مؤقتا أبجل،‏ <strong>في</strong>جوز أن يؤقت بزمن معني،‏ كما جيوز أن يكون العهد<br />

على عمل معني أو شرط معني.‏<br />

فالزمن املعني،‏ مثل أن ‏َيخذ األمري على أعضاء املعسكر عهدا ابالستمرار يف التدريب ملدة ثالثة أشهر مثال،‏ فهذا<br />

العهد ينتهي إلزامه لألعضاء بعد هذه املدة،‏ فإذا كانت املصلحة تقتضي زمنا أطول فعلى األمري جتديد العهد<br />

والعمل املعني،‏ مثل أن ‏َيخذ األمري على األعضاء عهدا ابالستمرار يف التدريب على عدد معني من األسلحة طالت<br />

املدة أو<br />

<br />

قصرت،‏ فال جيوز له إدخال تدريب آخر إال بعهد آخر.‏ وإذا كانت املدة جمهولة،‏ وأحد األعضاء ال ميكنه<br />

املكث يف املعسكر أكثر من شهرين مثال،‏ فلهذا العضو أن يشرتط لنفسه أنه إذا طالت املدة عن شهرين فله احلق يف<br />

االنصراف عند ذلك واألمري ابلتايل له أن يقبل هذا الشرط من العضو أو يرفضه،‏ وقبول األمري أو رفضه للشرط جيب<br />

أن ينبين على وجه صحيح من املصلحة العامة للتدريب ولبقية األعضاء وال ينبين على اهلوى والشهوة.‏ وقد ذكرت يف<br />

مسألة الشورى أن قيام الراعي على الرمعية منوط ابملصلحة.‏<br />

والدليل على أن العهد جيوز أن يؤقت،‏ هو ما ذكرته يف مسألة مشروعية العهد من أدلة مثل:‏<br />

= 1<br />

= 2<br />

العهد بني يعقوب وبنيه كان على عمل معني بشرط معني،‏ وهو أن يرسل أخاهم بشرط أن يقسموا أن ‏َيتوه<br />

به إال أن حياط هبم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ لَنْ‏ أُرْ‏ سِلَهُ‏ مَعَكُمْ‏ حَتَّى تُؤْ‏ تُونِي مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ‏ إِالَّ‏ أَنْ‏ يُحَاَِ‏ بِكُ‏ ‏ْم{‏ . 1<br />

والعهود بيم موسى واخلضر عليهما السالم كانت على عمل معني وشروط حمددة،‏ قال تعاَل عن اخلضر:‏ ‏}قَا ‏َل<br />

قَإِنْ‏ اتَّبَعْتَنِي قَال تَسْأَلْنِي عَنْ‏ شَيْءٍ‏ حَتَّى أُحْدِثَ‏ لَكَ‏ مِنْهُ‏ ً ذِكْرا{‏ ، 1 وقال تعاَل عما شرطه موسى على نفسه:‏ ‏}قَا ‏َل<br />

إِنْ‏ سَأَلْتُكَ‏ عَنْ‏ شَيْءٍ‏ بَعْدَهَا قَالَ‏ تُصَاحِ‏ بْنِي قَدْ‏ بَلَغْتَ‏ مِنْ‏ لَدُن ‏ِي ً عُذْرا{‏ . 2<br />

047<br />

- 1 يوسف،‏ اآلية:‏ 66


=<br />

3<br />

والعهد بني أيب ذر وعَلِيّ‏ رضي هللا عنهما كان على عمل معني وشرط معني،‏ وهو أن يرشد عَلِيٌّ‏ أاب ذر ملا<br />

يريده،‏ إذا أخربه أبو ذر بسبب مقدمه إَل مكة.‏<br />

= 4<br />

والعهد الذي قطعه عبد الرمحن بن عوف على نفسه أمام عثمان وعَلِيّ،‏ وهو أن خيتار أحدمها قال:‏ ‏)وهللا على<br />

أن ال آلو عن أفضلكم(.‏ فهذا العهد مؤقت بعمل معني وهو أن اختيار أحدمها رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

فهذه كلها أمثلة للعهود املؤقتة بعمل معني،‏ وينتهي أثر العهد وإلزامه للطرفني أو أحدمها ابنقضاء العمل.‏<br />

ومن أمثلة العهود والعقود املؤقتة بعمل معني:‏<br />

= 5<br />

العقد بني موسى وبني الرجل الصاحل مبَدْيَن ‏)شعيب<br />

<br />

. 3<br />

على ترجيح القرطيب(‏ كان منقتا أبجل مع إهبام العمل،‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ إِن ‏ِي أُرِ‏ يدُ‏ أَنْ‏ أُنكِحَكَ‏ إِحْدَى ابْنَتَيَّ‏ هَاتَيْنِ‏ عَلَى أَنْ‏ تَأْجُرَ‏ نِي ثَمَانِيَةَ‏ حِ‏ جَجٍ‏ قَإِنْ‏ أَتْمَمْتَ‏ ً عَشْرا قَمِ‏ ‏ْن<br />

عِنْدِكَ‏ وَ‏ مَا أُرِ‏ يدُ‏ أَنْ‏ أَشُقَّ‏ عَلَيْكَ‏ سَتَجِ‏ دُنِي إِنْ‏ شَاءَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مِنْ‏ الصَّالِحِ‏ ينَ‏ قَالَ‏ ذَلِكَ‏ بَيْنِي وَ‏ بَيْنَكَ‏ أَيَّمَا األَجَلَيْنِ‏ قَضَيْتُ‏ قَال<br />

عُدْوَ‏ انَ‏ عَلَيَّ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى مَا نَقُولُ‏ وَ‏ كِي ‏ٌل{‏ وعقد البخاري رمحه هللا اباب هلذا يف كتاب الإجارة وهو ‏)ابب إذا استأجر<br />

أجريا فبني له األجل ومل يبني العمل لقوله<br />

وَ‏ كِيل{(‏ . 4<br />

‏}إِن ‏ِي أُرِ‏ يدُ‏ أَنْ‏ أُنكِحَكَ‏ إِحْدَى ابْنَتَيَّ‏ هَاتَيْنِ‏<br />

فهذه أمثلة تبني أن العهود جيوز أن تؤقت بعمل معني أو أبجل معني.‏<br />

إَل قوله<br />

وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى مَا نَقُو ‏ُل<br />

رابعا:‏ هل تجب كتابة العهود أو اإلشهاد عليها؟<br />

األصل يف كتابة العقود والإشهاد عليها هو الندب واجلواز ال الوجوب،‏ إال ما دلت النصوص على أن الإشهاد من<br />

شروط صحته كعقد النكاح مثال.‏ وال يتسع املقام لتفصيل أدلة ذلك،‏ وهلذا سنعرج على مسألتنا األصلية وهي عهود<br />

الطاعات بني املسلمني،‏ فنقول هي صحيحة بدون كتابة وبدون إشهاد،‏ وجيوز الكتابة والإشهاد.‏<br />

ودليل هذا:‏ ما ذكران من أدلة يف ‏)مشروعية العهود(‏ فلم يكن <strong>في</strong>ها كتابة وال إشهاد<br />

= 1<br />

= 2<br />

مثل العهد بني يعقوب وبنيه.‏<br />

والعهد بني موسى واخلضر عليهما السالم،‏ وقد أخرجه البخاري رمحه هللا يف كتاب الشروط ‏)ابب الشروط مع<br />

الناس ابلقول(‏ وقال ابن حجر يف شرح احلديث ‏]وأشار ابلشرط إَل قوله ‏}إِنْ‏ سَأَلْتُكَ‏ عَنْ‏ شَيْءٍ‏ بَعْدَهَا قَال<br />

تُصَاحِ‏ بْنِي{‏ والتزام موسى بذلك ومل يكتبا ذلك ومل يُشهِدا<br />

أحدا.‏ أ ه ] 5 .<br />

048<br />

29<br />

- 1 الكهف،‏ اآلية:‏ 71<br />

- 2 الكهف،‏ اآلية:‏ 96<br />

- 3 القص ، اآلية:‏ 27<br />

- 4 انظر فتح الباري ج 4 ص 444<br />

- 5 فتح الباري ج 5 ص 326


= 3<br />

والعهد بني موسى والرجل الصاحل مبَِدْين،‏ قال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بَيْنِي وَ‏ بَيْنَكَ‏ أَيَّمَا األَجَلَيْنِ‏ قَضَيْتُ‏ قَالَ‏ عُدْوَ‏ انَ‏ عَلَيَّ‏<br />

وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى مَا نَقُولُ‏ وَ‏ كِيلٌ{‏ ، 1<br />

قال القرطيب:‏<br />

‏]}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى مَا نَقُولُ‏ وَ‏ كِيلٌ{‏<br />

قيل هو من قول موسى،‏ وقيل هو من<br />

قول والد املرأة.‏ فاكتفى الصاحلان صلوات هللا عليهما يف اإلشهاد عليهما ابهلل ومل يشهدا أحدا من افلق.‏ أ ه ] فلئن<br />

صح هذا يف شرع من قبلنا فقد جاء شرعنا ‏ِبالفه.‏<br />

= 4<br />

والعهد بني أيب ذر وعلي رضي هللا عنهما مل يكتباه ومل يشهدا عليه...‏ وهكذا.‏<br />

فائدة:‏ تغليظ العهود والمواثيق:‏<br />

جيوز تغليظ العهود واملواثيق بني املسلمني مبا ت ‏ُغَلمظ به أميان الشهود يف القضاء<br />

ابللفظ أو ابلزمان أو ابملكان،‏ أبحدمها أو ببعضها أو هبا كلها.‏<br />

وليس بواجب،‏ ويكون التغليظ<br />

واألصل يف التغليظ قول هللا تعاىل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا شَهَادَةُ‏ بَيْنِكُمْ‏ إِذَا حَضَرَ‏ أَحَدَكُمْ‏ الْمَوْ‏ تُ‏ حِ‏ ينَ‏ الْوَ‏ صِ‏ يَّةِ‏ اثْنَا ‏ِن<br />

ذَوَ‏ ا عَدْلٍ‏ مِنْكُمْ‏ أَوْ‏ آخَرَ‏ انِ‏ مِنْ‏ غَيْرِ‏ كُمْ‏ إِنْ‏ أَنْتُمْ‏ ضَرَ‏ بْتُمْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ قَأَصَابَتْكُمْ‏ مُصِ‏ يبَةُ‏ الْمَوْ‏ تِ‏<br />

الصَّالةِ‏ قَيُقْسِمَانِ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ{<br />

. 2<br />

= 1<br />

تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ‏ بَعْ‏ ‏ِد<br />

فالتغليظ ابللفظ يكون أبن يقسم مبزيد من أمساء الر تعاىل وصفاته مثل ‏)وهللا الذي ال إله إال هو عامل الغيب<br />

والشهادة الرمحن الرحيم،‏ الطالب الغالب،‏ الضار النافع،‏ الذي يعلم خائنة األعني وما خت<strong>في</strong> الصدور(‏ رُوِيَ‏ هذا عن<br />

ابن عباس رضي هللا عنهما.‏<br />

= 2<br />

والتغليظ ابلزمان:‏ أبن يقسم بعد صالة العصر،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ‏ بَعْدِ‏ الصَّالةِ‏ قَيُقْسِمَانِ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ{<br />

وأكثر العلماء على أن الصالة يف اآلية هي صالة العصر،‏ وقد ورد هذا صرحيا يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

: ‏»ثالثة ال<br />

=<br />

3<br />

يكلمهم هللا إَل قوله ورجل ابيع رجال بسلعة بعد العصر،‏ فحلف ابهلل لقد أعطى هبا كذا وكذا فصدقة<br />

3<br />

أخذها،‏ ومل ي ‏ُعْطَ‏ هبا«‏ ، وروى البخاري أيضا عن أيب هريرة مرفوعا:‏ ‏»ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة إَل قوله<br />

4<br />

ورجل حلف عن ميني كاذبة بعد العصر ليقتطع هبا مال امرئ مسلم«‏ .<br />

والتغليظ<br />

ابملكان:‏ بني الركن واملقام مبكة،‏ والقدس عند الصخرة،‏ وعند املنرب يف سائر البالد،‏ ملا رَوَى مالك<br />

والشافعي وأمحد عن جابر مرفوعا:‏ ‏»من حلف على منربي هذا ميينا آمثة فليتبوأ مقعده من النار«،‏ وقِيس عليه ابقي<br />

منابر املساجد . 5 وتفصيل ما سبق بكتب القضاء والشهادات يف كتب الفقه.‏<br />

049<br />

29<br />

- 1 القص ، اآلية:‏ 27<br />

- 2 املائدة،‏ اآلية:‏ 116<br />

- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة،‏ حديث 7212<br />

- 4 احلديث 7446<br />

- 5 وحديث جابر هذا صححه الشيخ األلباين يف إرواء الغليل حديث 2687


خامسا:‏ خل يجوز تسمية هذا العهد بيعة؟<br />

تعريف البيعة:‏<br />

قال ابن األثري:‏ إن البيعة عبارة عن املعاقدة واملعاهدة،‏ كأن كل واحد منهما ابع ما عنده من صاحبه،‏ وأعطاه خالصة<br />

1<br />

نفسه وطاعته ودخليه أمره .<br />

=<br />

=<br />

2<br />

وقال الراغب:‏ وابيع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له،‏ مبا رضخ له،‏ ويقال لذلك ب ‏َيْعَة ومُبَايَعة .<br />

وقال ابن خلدون:‏ ‏]اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة،‏ كأن املبايِع يعاهد أمريه على أنه يسلم له النظر يف أمر<br />

نفسه وأمور املسلمني،‏ ال ينازعه يف شيء من ذلك،‏ ويطبعه <strong>في</strong>ما يكلفه به من األمر على املنشط واملكره،‏ وكانوا إذا<br />

ابيعوا األمري وعقدوا عهده جعلوا أيديهم يف يده أتكيدا للعهد،‏ فأشبه ذلك فعل البائع واملشرتي،‏ فسمى بيعة مصدر<br />

ابع وصارت البيعة مصافحة ابأليدي،‏ هذا مدلوهلا يف عرف اللغة ومعهود الشرع،‏ وهو املراد يف احلديث يف بيعة النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

ليلة العقبة وعند الشجرة[‏<br />

3<br />

.<br />

قلت:‏ فالبيعة إذن عقد أو عهد،‏ ولكن غلب استعماهلا يف معاهدة السلطان على السمع والطاعة له،‏ مادام السلطان<br />

حيكم ابلكتاب والسنة.‏<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]واألصل يف مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل ابحلق ويقيم احلدود وَيمر ابملعروف وينهى عن<br />

4<br />

املنكر[‏ . وروى البخاري أن عبد هللا بن عمر كتب إَل عبد امللك بن مروان يبايعه ‏)وأقر لك ابلسمع والطاعة على<br />

5<br />

سنة هللا وسنة رسوله <strong>في</strong>ما استطعت(‏ .<br />

فهل يجوز تسمية العهود بين الناس بيعة؟<br />

فالعهد الذي ‏َيخذه أمري املعسكر على األعضاء،‏ أو أمري مجاعة من اجلماعات الإسالمية على أفرادها،‏ هل جيوز<br />

تسميته بيعة؟<br />

=<br />

=<br />

الذي جييز هذا ‏َيخذ ابألصل اللغوي للبيعة،‏ وأهنا املعاقدة واملعاهدة.‏<br />

والذي مينع هذا ‏َيخذ مبا غلب على الكلمة من االستعمال،‏ وأهنا معاهدة السلطان إمام املسلمني خاصة.‏<br />

والظاهر أن املنع أوَل دفعا لإليهام،‏ وهذا ما يتبادر إَل الذهن،‏ ولكن سرية الصحابة تدل على اجلواز،‏ أي جواز<br />

تسمية العهود بني املسلمني بيعة،‏ وأمثلة ذلك:‏<br />

051<br />

- 1 النهاية البن األثري 174 / 1<br />

- 2 مفردات يف غريب القرآن الراغب األصفهاين مادة بيع<br />

- 3 مقدمة ابن خلدون ص 218<br />

- 4 فتح الباري ج 13 ص 213<br />

- 5 حديث 7272


= 1<br />

=<br />

2<br />

دعوة عكرمة بن أيب جهل الناس ملبايعته على املوت يوم الريموك،‏ وقد ذكرت القصة يف مشروعية العهد من قبل<br />

. 1 وداللتها يف أن عكرمة مل يكن إمام املسلمني وال أمري اجليش،‏<br />

وأن دعوته هلذه املبايعة متت مبحضر من ألف<br />

صحايب منهم مائة من البدريني،‏ كما نقل ابن كثري إبسناده،‏ ومل ينكر عليه أحد من الصحابة،‏ فدل هذا على جواز<br />

تسمية العهود بني املسلمني على الطاعات بيعة.‏<br />

2<br />

مبايعة قيس بن سعد ألربعني ألفا هم مقدمة جيش علي بن أيب طالب على املوت يف صفني<br />

مشروعية العهد.‏ ويقال يف هذه القصة ما قيل يف بيعة عكرمة.‏<br />

= 3<br />

روى البخاري عن عبد هللا بن زيد<br />

<br />

3<br />

املوت،‏ فقال:‏ ال أابيع على هذا أحدا بعد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(‏ .<br />

هذه القصة يف وقعة احلَرمة وهو مكان معروف ابملدينة،‏<br />

63<br />

وذكرهتا يف<br />

قال:‏ ‏)ملا كان زمن احلَرمة أاته آت فقال له إن ابن حنظلة يبايع الناس على<br />

ه ، ملا خلع أهل املدينة يزيد بن معاوية لِمَا أُشيع عنه من<br />

املعاصي،‏ فبايعوا عبد هللا بن حنظلة أمريا على األنصار وعبد هللا بن مطيع أمريا على قريش،‏ وعبد هللا بن حنظلة<br />

صحايب،‏ وأبوه الصحايب حنظلة غسيل املالئكة قُتِلَ‏ أبُحُد،‏ وقد ابيع ابنَ‏ حنظلة الناس على قتال جيش يزيد،‏ والذي<br />

أنكره عبد هللا بن يزيد وهو صفة املبايعة ‏)على املوت(‏ ومل ينكر أصل هذه املبايعة.‏ وكان ممن أنكر على الناس خلع<br />

يزيد،‏ عبد هللا بن عمر وعلي بن احلسني وحممد بن احلن<strong>في</strong>ة،‏ ولكن الذين ابيعوا وخرجوا على يزيد كانوا أكثر ممن امتنع،‏<br />

فقد قال ابن كثري:‏ ‏]قال املدائين عن شيخ من أهل املدينة:‏ سألت الزهري عن كم كان القتلى يوم احلرة؟ قال سبعمائة<br />

4<br />

من وجوه الناس من املهاجرين واألنصار ووجوه املوايل وممن ال أعرف من حر وعبد وغريهم عشرة آالف .<br />

وسيأِت مزيد أمثلة هلذه البيعات وبيان موقف السلف من أئمة اجلور <strong>في</strong>ما ‏َيِت.‏<br />

واملقصد مما سبق أن تسمية العهود بيعة كان معموال به يف عهد الصحابة بال إنكار من أحد،‏ مما جيعل هذه املسألة<br />

ميكن أن تدخل يف إمجاعات الصحابة،‏ أما من أنكر فلم ينكر التسمية وإَّنا أنكر صفة معينة يف هذه البيعات،‏ فعبد<br />

هللا بن زيد أنكر املبايعة على املوت وقال إهنا خاصة برسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ ونفس قول عبد هللا بن زيد هذا<br />

معرتض مببايعة عكرمة ملن معه على املوت وكذلك قيس بن سعد،‏ هذا إذا سلمنا أن بيعة الرضوان كانت على<br />

املوت ، 5 وكذلك إنكار ابن عمر على أهل املدينة ليس بسبب اسم البيعة ولكن بسبب خلعهم ليزيد بعد أن ابيعوه . 6<br />

118<br />

- 1 وراجع ‏)البداية والنهاية(‏ ج 7 ص 11،12<br />

- 2 فتح الباري ج 13 ص 63<br />

- 3 حديث 2858<br />

- 4<br />

‏)البداية والنهاية(‏ ج<br />

بكتاب اجلهاد ‏)ابب البيعة يف احلرب أال يفروا(‏<br />

9 ص<br />

221. وراجع يف ذلك ‏)البداية والنهاية(‏ ج<br />

9 ص 217<br />

وما بعدها،‏ و)فتح الباري(‏ ج<br />

69 وج‎13‎ ص<br />

6 ص 117<br />

.71<br />

- 5 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 69<br />

- 6 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 69<br />

050


ولذلك مل ينكر مثل هذا الإنكار عَلَى احلسني بن عَلِيّ‏ ملا ابيعه أهل الكوفة إذ إن احلسني كان قد امتنع من مبايعة<br />

يزيد،‏ ومل يزد ابن عمر مع احلسني على أن نصحه أال خيرج إَل العراق . 1 وكذلك فعل ابن عباس وزاد ‏]وإال فَسِ‏ ر إَل<br />

اليمن فإن به حصوان وشعااب،‏ وألبيك به شيعة،‏ وكن عن الناس يف مَعْزِلٍ‏ واكتب إليهم وبث دعاتك <strong>في</strong>هم،‏ فإين أرجو<br />

2<br />

إذا فعلت ذلك أن يكون ما حتب[‏ .<br />

052<br />

- 1 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 9 ص 161<br />

- 2 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 9 ص 161


سادسا:‏ ما الفرق بين هذه البيعات وبيعة اإلمام؟<br />

الفرق من عدة وجوه،‏ أذكر أمهها<br />

األول:‏ العاقد للبيعة:‏ بيعة إمام املسلمني يعقدها أهل احلل والعقد يف األمة أو اخلليفة بعهد منه،‏ إال إذا غلبهم أحد<br />

ابلسيف.‏ أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ على الطاعات فال تفتقر إَل هذا،‏ فللعامة أن يتعاهدوا <strong>في</strong>ما بينهم على فعل<br />

الطاعات.‏<br />

الَاين:‏ املبايع له:‏ يف بيعة الإمامة جيب أن يكون املبايع<br />

1<br />

له مستو<strong>في</strong>ا لشرائط الإمامة ، وقد تستثىن بعض الشروط ملن<br />

غلب ابلقهر،‏ أما يف بيعات الناس ‏)عهودهم على الطاعات(‏ فال تلزم هذه الشروط،‏ فللعامة أن يتعاهدوا.‏<br />

وتلزم<br />

الَالث:‏ املبايع عليه:‏ بيعة الإمامة ت ‏ُلْزِم الإمام بواجبات هي يف جمملها تطبيق أحكام الشريعة يف األمة املسلمة 2<br />

هذه البيعة األمة ابلسمع والطاعة لإلمام ونصرته ما مل يتغري حاله ، 3 أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ فلهم أن يتعاهدوا على<br />

فعل أي طاعة من الطاعات دون حتديد كاجلهاد والدعوة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر وإغاثة امللهوف ونصرة<br />

املظلوم حىت إماطة األذى من الطريق هلم أن يتعاهدوا عليها فهي شُعبة من شعب الإميان.‏<br />

الرابع:‏ الوجو واإللزام:‏ بيعة إمام املسلمني واجبة على كل مسلم،‏ حلديث النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»مَنْ‏ مَاتَ‏<br />

5<br />

4<br />

وَلَيْسَ‏ يفِ‏ عُنُقِهِ‏ ب ‏َيْعَةٌ‏ مَاتَ‏ مِيتَةً‏ جَاهِلِيمةً«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»تَلْزَم مجاعَةَ‏ املسلمني وإمامهم«‏ ، وقال أمحد<br />

بن حنبل:‏ ‏]ومن غلبهم ابلسيف حىت صار خليفة ومسُ‏ ي أمري املؤمنني،‏ ال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يبيت<br />

6<br />

وال يراه إماما عليه،‏ برا كان أو فاجرا،‏ فهو أمري املؤمنني حىت صارت هذه املسألة ت ‏ُقَيمد يف كتب اعتقاد أهل السنة.‏<br />

أما بيعات الناس ‏)عهودهم على الطاعات(‏ فال جتب إال على من دخل <strong>في</strong>ها برضاه،‏ فتجب عليه ابلعهد الذي ألزم به<br />

نفسه،‏ كأن يتعاهد اثنان على حفظ القرآن أو بعضه،‏ فحفظ القرآن ليس بفرض عني،‏ أي ال جيب على كل مسلم،‏<br />

أما إذا تعهد إنسان هبذا فقد وجب عليه.‏<br />

فاخلالصة أن بيعة إمام املسلمني واجبة ابلشرع ابتداء،‏ أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ فواجبة ابلعهد ملن ألزم نفسه هبا.‏<br />

كما سبق بيانه <strong>في</strong>ما جيب ابلشرع وما جيب ابلعهد وما جيب هبما.‏<br />

وبيعة إمام املسلمني واجبة على كل مسلم ‏»تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم«،‏ أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ فال جتب<br />

على كل مسلم بل على من ألزم نفسه هبا.‏<br />

16<br />

- 1 األحكام السلطانية للماوردي ص 7<br />

- 2 وقد فصلها املاوردي يف عشرة واجبات ص<br />

15<br />

- 3 املاوردي ص 17<br />

- 4 رواه مسلم عن ابن عمر<br />

- 5 متفق عليه عن حذيفة<br />

- 6 األحكام السلطانية أليب يعلى ص<br />

23 21<br />

053


وهنا مسألة جيب التنبيه عليها،‏ قد فصلتها من قبل،‏ وهي أن اجلهاد يف سبيل هللا يكاد أن يكون فرض عني على كل<br />

مسلم اآلن،‏ فهو واجب ابلشرع ابتداء،‏ فإذا وَجَدَ‏ املسلم طائفة جتاهد يف سبيل هللا،‏ فقد وجب عليه التزامها،‏ فإن<br />

تعددت هذه الطوائف<br />

نق<br />

يف بلد واحد فقد ذكرت من قبل أن األَوَْلَ‏ اباللتزام هي أقدم الطوائف اليت على احلق وإذا<br />

تعددت الطوائف بتعدد البلدان نظر إَل اليت تواجه خطرا أشد ويغلب على الظن ظهورها <strong>في</strong>نصروهنا.‏<br />

افامس:‏ املدة:‏ بيعة الإمام دائمة ال تنقطع إال إذا مات الإمام أو طرأ عليه سبب يوجب العزل من نق<br />

يف البدن<br />

1<br />

مدهتا ‏ِبالف بيعة الإمام.‏<br />

يف الدين أو<br />

. أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ فقد ذكرت من قبل أهنا ميكن أن تؤقت أبجل فلهم االختيار يف قدر<br />

السادس:‏ التعدد:‏ ال يصح أن تعقد الإمامة لإمامني للمسلمني،‏ وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»فوا ببيعة<br />

3<br />

2<br />

األول فاألول«‏ ، وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا بويع خلليفتني فاقتلوا اآلخر منهما«‏ . فال يصح تعدد األئمة وال<br />

يصح أن يعطي املسلم بيعتني لإمامني.‏<br />

أما بيعات الناس ‏)عهودهم(‏ <strong>في</strong>جوز <strong>في</strong>ها التعدد إذا احتمل املُبَايَع عليه التعدد،‏ <strong>في</strong>جوز للفرد أن يعاهد طائفة على<br />

حفظ القرآن،‏ وجيوز لنفس الفرد أن يعاهد طائفة أخرى على حفظ حديث النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ بل جيوز له أن<br />

يعاهد أكثر من طائفة على حفظ احلديث إذا كانت طائفة منها ستحفظ من البخاري واألخرى من مسلم وهكذا<br />

طاملا كان يف قدرته الوفاء بكل هذا.‏ أم ما ال حيتمل التعدد وهو اجلهاد كما ذكرت من قبل فال يصح أن يعاهد أكثر<br />

من طائفة<br />

وال يصح أن تتعدد الطوائف العاملة يف اجلهاد،‏ ألن اجلهاد ال يقوم إال ابلشوكة<br />

اليت مثرة االجتماع<br />

واملواالة ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْ‏ ‏َهوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَ‏ ‏ِر{‏ والتعدد ينايف<br />

املواالة بل يؤدي إَل ذَهَاب الشوكة ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا{،‏ كما يؤدي التعدد إَل أضرار<br />

كل طائفة أبخرى لتعارض اخلطط وانعدام التنسيق،‏ فقد تقوم طائفة بعمل عسكري يؤدي إَل أن يوجه العدو ضربة<br />

لطائفة أخرى غري مهيأة للمواجهة،‏ والقاعدة الشرعية أن ‏)الضرر يزال(،‏ كل هذا من سيئات التعدد.‏<br />

هذا وقد ذكرت عالج هذه اآلفة يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة.‏<br />

السابع:‏ أحاديث البيعة:‏ األحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها ذكر البيعة جيب أن حتمل مجيعها ابستثناء ما وقع من بيعات بني<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته على بيعة إمام املسلمني ‏)اخلليفة أو أمري املؤمنني أو السلطان(،‏ وقد ثبت هذا<br />

لدينا ابالستقراء <strong>في</strong>ما أطلعنا،‏<br />

عهودهم بيعات،‏ وهذا جائز كما ذكرت من قبل.‏<br />

وال يصح محل هله األحاديث حبال من األحوال على عهود اجلماعات<br />

وإن مسوا<br />

- 1 انظر مسببات العزل ابألحكام السلطانية للماوردي ص 17<br />

- 2 متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 3 رواه مسلم عن أيب سعيد اخلدري<br />

054<br />

21


ر-‏<br />

<br />

واألحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها ذكر البيعة،‏ وردت إما مقيدة ببيعة الإمام وإما مطلقة دون ذكر الإمام،‏ فالواجب محل املطلق<br />

على املقيد خاصة إذا احتد احلكم والسبب عند مجهور أهل العلم.‏<br />

فمن األحاديث اليت وردت هبا البيعة مقيدة ابإلمام:‏<br />

«<br />

<br />

<br />

1<br />

قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وستكون خلفاء فتكثر،‏ قالوا:‏ فما أتمران؟ قال:‏ فوا ببيعة األول فاألول«‏ .<br />

2<br />

وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِذَا بُويِعَ‏ خلَِلِيفَتَنيِْ‏ فَاقْتُلُوا اآلخَرَ‏ مِنْهُمَا«‏ .<br />

وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : مَنْ‏ ابَيَعَ‏ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ‏ صَفْقَةَ‏ يَدِهِ‏ وَمثََر ةَ‏ قَلْبِهِ‏ فَلْيُطِعْهُ‏ مَا اسْتَطَاعَ‏ فَإِنْ‏ جَاءَ‏ آخَر<br />

ي ‏ُنَازِعُهُ‏ فَاضْرِبُوا عُنُقَ‏ اآلخَرِ«‏ . 3<br />

ُ<br />

َ<br />

أما األحاديث اليت ورد هبا ذكر البيعة املطلقة،‏ فأمهها حديث ابن عمر عن النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ مَاتَ‏<br />

وَلَيْسَ‏ يفِ‏ عُنُقِهِ‏ ب ‏َيْعَةٌ‏ مَاتَ‏ مِيتَةً‏ جَاهِلِيمةً«‏ ، 4 والذي دعاان إَل القول أبن هذه البيعة هي بيعة إمام املسلمني،‏ وإن وردت<br />

مطلقة،‏ هو حديث ابن عباس مرفوعا:‏ ‏»مَنْ‏ كَرِهَ‏ مِنْ‏ أَمِريِهِ‏ شَيْئًا فَلْيَصْربِْ‏ فَإِنمهُ‏ مَنْ‏ خَرَجَ‏ مِنَ‏ السُّلْطَانِ‏ شِ‏ ربًْا مَاتَ‏ مِيتَةً‏<br />

جَاهِلِيمةً«‏ . 5 واخلروج من السلطان هو السعي يف نقض بيعته . 6 فاحتد السبب يف احلديثني ‏)حديث ابن عمر وحديث<br />

ابن عباس(‏ وهو اخلروج من بيعة السلطان أو ترك مبايعته بعد اتفاق الناس عليه.‏ واحتد ا كم يف احلديثني وهو املِيتَة<br />

اجلاهلية لفاعل هذا ‏)سيأِت توضيح معناها(‏ فوجب لللك محل املطلق ‏)حديث ابن عمر(‏ على املقيد ‏)حديث ابن<br />

عباس(‏ وأن البيعة املقصودة يف حديث ابن عمر هي بيعة إمام املسلمني إن وجد،‏ ألن حديث ابن عباس ذكر أن<br />

هذا حكم من خرج على السلطان <strong>في</strong>قتضي هذا وجود سلطان قد خرج عليه.‏<br />

قلت:‏ ولذلك أورد ابن حجر حديث ابن عمر السابق يف شرح حديث ابن عباس املشار إليه فلرياجع الشرح . 7<br />

وقد أوردت توضيح هذا،‏ ألن بعض اجلماعات القائمة اآلن تستخدم حديث ابن عمر هذا يف دعوة الناس ملبايعة<br />

أمريهم،‏ ويقولون للمدعو ‏»مَنْ‏ مَاتَ‏ وَلَيْسَ‏ يفِ‏ عُنُقِهِ‏ ب ‏َيْعَةٌ‏ مَاتَ‏ مِيتَةً‏ جَاهِلِيمةً«‏ ي ‏ُرْهِبُونه هبذا احلديث أيضا.‏ وليس األمر<br />

كذلك كما فَصملتُه،‏ فالبيعة يف حديث ابن عمر هي بيعة إمام املسلمني وال ينبغي محلها على غري هلا الوجه،‏ فإن<br />

هذا حتريف للنصوص كفِعل اليهود،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يُحَرِ‏ قُونَ‏ الْكَلِمَ‏ عَنْ‏ مَوَ‏ اضِ‏ عِ‏ ‏ِه{‏ ، 9 وقال تعاَل:‏ ‏}يُحَرِ‏ قُونَ‏ الْكَلِمَ‏ مِنْ‏<br />

- 1 متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 2 رواه مسلم عن أيب سعيد<br />

- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو<br />

055<br />

- 4 رواه مسلم<br />

واه البخاري 5<br />

7<br />

- 6 فتح الباري ج 13 ص 7<br />

- 7 فتح الباري ج 13 ص 6<br />

- 9 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

وسورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

13


بَعْدِ‏ مَوَ‏ اضِ‏ عِهِ{‏ . 1 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»لَتَتْبَعُنم سَنَنَ‏ مَنْ‏ كَانَ‏ قَبْلَكُمْ‏ شِ‏ ربًْا شِ‏ ربًْا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ‏ حَ‏ مىت<br />

لَوْ‏ دَخَلُوا جُحْرَ‏ ضَبٍّ‏ تَبِعْتُمُوهُمْ‏ قُلْنَا ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ الْيَهُودُ‏ وَالنمصَارَى؟ قَالَ‏ : فَمَنْ؟«‏ . 2<br />

فهل كالمي السابق،‏ وهو أن البيعة يف حديث ابن عمر هي بيعة اخلليفة،‏ معناه رفع احلرج عن املسلمني،‏ إذ ال خليفة<br />

هلم اآلن؟ أقول:‏ ال،‏ بل إن هلا ا ديث<br />

عندي<br />

من أقوى األدلة على وجو سعي املسلمني يف نصب خليفة<br />

هلم،‏ وهذا ال يتأتى إال ابجلهاد غالبا،‏ وابلتايل فأرى وهللا أعلم ابحلق أن كل مسلم ميوت اآلن حيث ال خليفة<br />

للمسلمني هو آُث ويلحقه الذم الوارد يف حديث ابن عمر ‏»مَاتَ‏ مِيتَةً‏ جَاهِلِيمةً«‏<br />

لقوله<br />

أي على معصية وليس على الكفر<br />

كما سيأِت بيانه إال أن يكون من الساعني يف هذا الشأن وإن مل يدرك الغاية وهي قيام دولة الإسالم ونصب اخلليفة،‏<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَخْرُ‏ جْ‏ مِنْ‏ بَيْتِهِ‏ مُهَاجِ‏ ر ً ا إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ ثُمَّ‏ يُدْرِ‏ كْهُ‏ الْمَوْ‏ تُ‏ قَقَدْ‏ وَ‏ قََْ‏ أَجْرُ‏ هُ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{ 3 ، أو<br />

يكون عاجزا عن السعي يف هذا الشأن لكنه صادق النية يف طلبه،‏ للحديث الذي سبق ذكره يف أصحاب األعذار،‏<br />

قال رسول هللا يف غَزَاةٍ:‏<br />

وسبق شرحه يف الباب الثاين.‏<br />

4<br />

‏»إِنم ابِلْمَدِينَةِ‏ لَرِجَاالً‏ مَا سِ‏ رْمتُْ‏ مَسِ‏ ريًا،‏ وَال قَطَعْتُمْ‏ وَادِايً‏ إِالم شَرَكُوكُم يفِ‏ األَجْرِ‏ حَبَسَهُمُ‏ الْمَرَ‏ ‏ُض«‏ ،<br />

وال يُعرتض على ما سبق حبديث ‏»فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال:‏ فاعتزل تلك الفرق كلها«‏ ، 5 فقد ب ‏َيمنت من<br />

قبل أن حديث الطائفة املنصورة خيص<br />

عموم هذا االعتزال،‏ كما ذكرت يف أواخر الباب الثالث.‏ خاصة وقد دلت<br />

النصوص على أن هناك خالفة راشدة قادمة إن شاء هللا تعاىل،‏ <strong>في</strong>جب السعي من أجل ذلك.‏ ومن هذه النصوص<br />

حديث أيب هريرة مرفوعا ‏»كَيْفَ‏ أَنْتُمْ‏ إِذَا ن ‏َزَلَ‏ ابْنُ‏ مَرْميََ‏ فِيكُمْ‏ وَإِمَامُكُمْ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم«‏ . 6 وتواترت األحاديث بظهور اخلليفة<br />

7<br />

املهدي وقيل إنه هو الإمام الذي يصلي عيسى خلفه . ومنها أيضا حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا ‏»تَكُونُ‏<br />

9<br />

النُّبُومةُ‏ فِيكُمْ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ«‏ احلديث سيأِت بتمامه قريبا،‏ وهناك أحاديث دلت على أن املهدي يظهر عند موت خليفة<br />

فهناك إذا خالفة قبل ظهور املهدي.‏ فهذه النصوص مع ما يدل عليه حديث ابن عمر ‏»مَنْ‏ مَاتَ‏ وَلَيْسَ‏ يفِ‏ عُنُقِهِ‏<br />

.<br />

ب ‏َيْعَةٌ«‏ جيعلنا نقول بوجوب السعي لإقامة اخلالفة.‏ مع العلم أبن بيعات اجلماعات الإسالمية اآلن ال ترفع هذا احلرج،‏<br />

حيث ذهب البعض إَل أنه إذا ابيع أمري مجاعة من اجلماعات ارتفع عنه احلرج يف حديث ‏»مَنْ‏ مَاتَ‏ وَلَيْسَ‏ يفِ‏ عُنُقِهِ‏<br />

124<br />

- 1 سورة املائدة،‏ اآلية:‏‎41‎<br />

- 2 متفق عليه عن أيب سعيد اخلدري<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 رواه مسلم عن جابر<br />

- 5 متفق عليه عن حذيفة<br />

111<br />

- 6 متفق عليه<br />

- 7<br />

كثري ج<br />

‏)فتح الباري(‏ ج<br />

6 ص<br />

484، وكتاب ‏)الإذاعة ملا كان ويكون بني يدي الساعة(‏ للقنوجي ص<br />

123 وكتاب ‏)النهاية أو الفنت واملالحم(‏ البن<br />

1 ص 27<br />

- 9 حديث أم سلمة رواه أمحد وأبو داود انظر ‏)الإذاعة ص<br />

والنهاية ج 129<br />

1 ص )28<br />

056


ب ‏َيْعَةٌ«،‏ فالبيعة يف هذا احلديث هي بيعة الإمام األعظم كما سبق بيانه<br />

هلا اإلمام وهللا تعاَل أعلم.‏<br />

وال يرتفع ا رج عن املسلمني إال بنصب<br />

الَامن:‏ حكم الناكث:‏ أي هل حكم من ينكث بيعة إمام املسلمني كحكم من ال ي<strong>في</strong> بعهده مع طائفة أو مع رجل<br />

من املسلمني؟<br />

‏َيِت بيان ذلك يف املسألة التالية إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

فائدة:‏ و<strong>في</strong>ما يتعلق مبا ذكرته أعاله من أن هناك خالفة راشدة قادمة إبذن هللا تعاَل،‏ أذكر ما قاله الشيخ األلباين يف<br />

مقدمة كتاب ‏)احلكم اجلديرة ابلإذاعة من قول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

1<br />

‏»بُعثت ابلسيف بني يدي الساعة«(‏ ،<br />

قال:‏ ‏]"املستقبل لإلسالم"‏ قال هللا عز وجل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ الْحَق ِ لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِ‏ ‏ِه<br />

وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُونَ‏ } تبشران هذه اآلية الكرمية أبن املستقبل لإلسالم بسيطرته وظهوره وحكمه على األداين كلها،‏<br />

وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد حتقق يف عهده صلى هللا عليه وسلم وعهد اخللفاء الراشدين وامللوك الصاحلني،‏<br />

وليس كذلك،‏ فالذي حتقق إَّنا هو جزء من هذا الوعد الصادق،‏ كما أرشد إَل ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

بقوله:‏<br />

{<br />

-<br />

1<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال يَذْهَبُ‏ اللميْلُ‏ وَالنمهَارُ‏ حَىتم ت ‏ُعْبَدَ‏ الالتُ‏ وَالْعُزمى فَقَالَتْ‏ عَائِشَة:‏ ايَ‏<br />

رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ إِنْ‏ كُنْتُ‏ ألَظُنُّ‏ حِ‏ نيَ‏ أَنْزَلَ‏ اَّللمُ‏ هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏<br />

وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُونَ‏ } أَنم ذَلِكَ‏ اتَماا،‏ فَقَاَل صلى هللا عليه وسلم : إِنمهُ‏ سَيَكُونُ‏ مِنْ‏ ذَلِكَ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ ‏ُثُم ي ‏َبْعَثُ‏ اَّللمُ‏<br />

رِحيًا طَيِّبَةً‏ فَتَوَىفم كُلم مَنْ‏ يفِ‏ قَلْبِهِ‏ مِثْقَالُ‏ حَبمةِ‏ خَرْدَلٍ‏ مِنْ‏ إِميَانٍ‏ فَيَبْقَى مَنْ‏ ال خَريَْ‏ فِيهِ‏ فَريَْجِ‏ عُونَ‏ إَِلَ‏ دِينِ‏ آابَئِهِ‏ ‏ْم«‏ . 2<br />

وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسالم ومدى انتشاره،‏ حبيث ال يدع جماال للشك يف أن املستقبل<br />

لإلسالم إبذن هللا وتو<strong>في</strong>قه،‏ وها أان أسوق ما تيسر من األحاديث عسى أن تكون سببا لشحل مهم العاملني لإلسالم<br />

وحجة على اليائسني املتواكلني:‏<br />

- 2<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم اَّللمَ‏ زَوَى يلِ‏ َ األَرْضَ‏ فَرَأَيْتُ‏ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِهبََا وَإِنم أُميتِ‏ سَيَبْلُغُ‏ مُلْكُهَا<br />

3<br />

مَا زُوِيَ‏ يلِ‏ مِنْهَا«‏ .<br />

- 3<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»لَيَبْلُغَنم هَذَا األَمْرُ‏ مَا ب ‏َلَغَ‏ اللميْلُ‏ وَالنمهَارُ‏ وَال يَرتُْكُ‏ اَّللمُ‏ ب ‏َيْتَ‏ مَدَرٍ‏ وَال وَبَرٍ‏ إِالم<br />

أَدْخَلَهُ‏ اَّللمُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ بِعِزِّ‏ عَزِيزٍ‏ أَوْ‏ بِذُلِّ‏ ذَلِيلٍ‏ عِزاا يُعِزُّ‏ اَّللمُ‏ بِهِ‏ الإِسْالَ‏ مَ‏ وَذُالا<br />

4<br />

يُذِلُّ‏ اَّللمُ‏ بِهِ‏ الْكُفَْر«‏ . ومما ال شك <strong>في</strong>ه أن<br />

- 1 البن رجب احلنبلي طبعة دار املرجان<br />

- 2 رواه مسلم بسنده عن عائشة<br />

- 3 احلديث رواه مسلم وأبو داود والرتمذي عن ثوابن<br />

- 4 رواه مجاعة ذكرهتم يف ‏)حذير الساجد(ص 121<br />

057


حتقيق هذا االنتشار يستلزم أن يعود املسلمون أقوايء يف معنوايهتم ومادايهتم وسالحهم حىت يستطيعوا أن يتغلبوا على<br />

قوى الكفر والطغيان،‏ وهذا ما يبشران به احلديث:‏<br />

- 4<br />

عن أيب قيبل قال:‏ كنا عند عبد هللا بن عمرو بن العاص،‏ وسئل أي املدينتني تفتح أوال القسطنطينية أم رومية؟<br />

فدعا عبد هللا بصندوق له حلق،‏ قال فأخرج منه كتااب قال:‏ فقال عبد هللا:‏ بينما حنن حول رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم نكتب إذ سُئِلَ‏ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : أي املدينتني تفتح أوال القسطنطينية أم رومية؟ فقال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

1<br />

‏»مدينة هرقل تفتح أوال.‏ يعين قسطنطينية«‏ . وهو كما قاال.‏ و)رومية(‏ هي روما كما يف<br />

‏)معجم البلدان(‏ وهي عاصمة إيطاليا اليوم.‏ وقد حتقق الفتح األول على يد حممد الفاتح العثماين كما هو معروف،‏<br />

وذلك بعد أكثر من مثاَّنائة سنة من إخبار النيب صلى هللا عليه وسلم ابلفتح،‏ وسيتحقق الفتح الثاين إبذن هللا تعاَل<br />

والبد،‏ ولتعلمن نبأه بعد حني.‏<br />

والشك أيضا أن حتقيق هذا الفتح الثاين فتح روما يستدعي<br />

يبشران بقوله يف احلديث:‏<br />

- 5<br />

أن تعود اخلالفة الراشدة إَل األمة املسلمة وهذا مما<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»تَكُونُ‏ النُّبُومةُ‏ فِيكُمْ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ أَنْ‏ تَكُونَ‏ ‏ُثُم ي ‏َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ‏ أَنْ‏ ي ‏َرْفَعَهَا،‏ ‏ُثُم<br />

تَكُونُ‏ خِ‏ الفَةٌ‏ عَلَى مِنْهَاجِ‏ النُّبُومةِ‏ فَتَكُونُ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ أَنْ‏ تَكُونَ‏ ‏ُثُم ي ‏َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ أَنْ‏ ي ‏َرْفَعَهَا،‏ ‏ُثُم تَكُونُ‏ مُلْكًا عَاضاا<br />

فَيَكُونُ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ أَنْ‏ يَكُونَ‏ ‏ُثُم ي ‏َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ‏ أَنْ‏ ي ‏َرْفَعَهَا،‏ ‏ُثُم تَكُونُ‏ مُلْ‏ ‏ًكا جَربِْيمةً‏ فَتَكُونُ‏ مَا شَاءَ‏ اَّللمُ‏ أَنْ‏ تَكُونَ‏ ‏ُثُم<br />

2<br />

ي ‏َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ‏ أَنْ‏ ي ‏َرْفَعَهَا ‏ُثُم تَكُونُ‏ خِ‏ الفَةً‏ عَلَى مِنْهَاجِ‏ النُّبُومةِ‏ ‏ُثُم سَكَتَ‏ » .<br />

هذا وإن املبشرات بعودة القوة إَل املسلمني واستثمارهم األرض استثمارا يساعدهم على حتقيق الغرض،‏ وتنبئ عن أن<br />

هلم مستقبال ابهرا حىت من الناحيتني االقتصادية والزراعية قوله صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

- 6<br />

<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

: ‏»ال تَقُومُ‏ السماعَةُ‏ حَىتم تَعُودَ‏ أَرْضُ‏ الْعَرَبِ‏ مُرُوجًا وَأَهنَْارًا«‏ .<br />

وقد بدأت تباشري هذا احلديث تتحقق يف بعض اجلهات من جزيرة العرب مبا أفاض هللا عليها من خريات وبركات<br />

وآالت انضحات تستنبط املاء الغزير من بطن أرض الصحراء.‏<br />

هذا وما جيب أن يعلم هبذه املناسبة أن قوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ال ‏َيَِْتِ‏ عَلَيْكُمْ‏ زَمَانٌ‏ إِالم المذِي ب ‏َعْدَهُ‏ شَرٌّ‏ مِنْهُ‏ حَ‏ مىت<br />

4<br />

تَلْقَوْا رَبمكُ‏ ‏ْم«‏ ، فهذا احلديث ينبغي أن يُفهم على ضوء األحاديث املتقدمة وغريها مثل أحاديث املهدي ونزول عيسى<br />

فإهنا تدل على أن هذا احلديث ليس على عمومه بل هو من العام املخصوص فال جيوز إفهام الناس أنه على<br />

عمومه <strong>في</strong>قعوا يف اليأس الذي ال يصح أن يتصف به املؤمن ‏}إِنَّهُ‏ ال يَيْئَسُ‏ مِنْ‏ رَ‏ وْ‏ حِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِالَّ‏ الْقَوْ‏ مُ‏ الكَاقِرُ‏ و ‏َن{.‏<br />

- 1 رواه أمحد والدارمي وصححه احلاكم ووافقه الذهيب<br />

- 2 ذكره حذيفة مرفوعا،‏ ورواه احلافظ العراقي من طريق أمحد وقال هذا حديث صحيح<br />

- 3 رواه مسلم وأمحد واحلاكم من حديث أيب هريرة<br />

- 4 رواه البخاري يف ‏"الفنت"‏ من حديث أنس مرفوعا<br />

058


أسأل هللا أن جيعلنا به مؤمنني حقا.‏ أ.‏ ه حممد انصر الدين األلباين[‏ . 1<br />

قلت:‏ وهذا آخر ما نذكره يف الفرق بني بيعات اجلماعات وبني بيعة إمام املسلمني.‏<br />

سابعا:‏ حكم ناكث العهد:‏<br />

نكث العهد أايكان هو كبرية من كبائر الذنوب للوعيد الوارد يف ذلك،‏ ومنه:‏<br />

= 1<br />

قول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ يَنقُضُونَ‏ عَهْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مِيثَاقِهِ‏ وَ‏ يَقَِْعُونَ‏ مَا أَمَرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِهِ‏ أَنْ‏ يُوصَلَ‏ وَ‏ يُفْسِدُونَ‏ قِي<br />

األَرْ‏ ضِ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمُ‏ اللَّعْنَةُ‏ وَ‏ لَهُمْ‏<br />

= 2<br />

سُوءُ‏ الدَّا ‏ِر{‏ . 2<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آَمَنُوا لِمَ‏ تَقُولُونَ‏ مَا ال تَفْعَلُونَ‏ كَبُرَ‏ مَقْتًا عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَنْ‏ تَقُولُوا مَا ال تَفْعَلُو ‏َن{‏ ، 3 فمن<br />

عاهد ومل يف فهو من الذين يقولون ما ال يفعلون.‏<br />

= 3<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أربع من كن <strong>في</strong>ه كان منافقا،‏ ومن كانت <strong>في</strong>ه خَصْلة منهن كانت <strong>في</strong>ه<br />

خصلة من النفاق حىت يدعها،‏ إذا حدمث كذب،‏ وإذا وعد أخلف،‏ وإذا خاصم فجر،‏ وإذا عاهد غدر«‏ . 4<br />

وقال ابن رجب احلنبلي يف شرح هذا احلديث:‏ [ والغدر حرام يف كل عهد بني املسلم وغريه،‏ ولو كان املعاهد كافرا<br />

وهلذا يف حديث عبد هللا بن عمرو عن النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»من قتل نفسا معاهدة بغري حقها مل ي ‏َرَح رائحة<br />

5<br />

اجلنة،‏ وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعني عاما«‏ . وقد أمر هللا تعاَل يف كتابه ابلوفاء بعهود املشركني إذا أقاموا على<br />

عهودهم ومل ينقضوا منها شيئا.‏ وأما عهود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم فالوفاء هبا أشد ونقضها أعظم إمثا ومن أعظمها عهد<br />

الإمام على من اتبعه ورضي به.‏ ويف الصحيحني عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ثالثة ال يكلمهم<br />

هللا يوم القيامة وال يزكيهم وهلم عذاب أليم،‏ فذكر منهم:‏ ورجل ابيع إماما ال يبايعه إال لدنيا،‏ فإن أعطاه ما يريد وَىفَ‏ له<br />

وإال مل يَفِ‏ له«.‏<br />

ويدخل يف العهود اليت جيب الوفاء هبا وحيرم الغدر يف مجيع عقود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم إذا تراضوا<br />

عليها من املبايعات واملناكحات وغريها من العقود الالزمة اليت جيب الوفاء هبا وكذلك ما جيب الوفاء به هلل عز وجل<br />

6<br />

ومما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التربر وحنوه[‏ .<br />

والكالم السابق يشمل مجيع العهود ومنها بيعة إمام املسلمني،‏ إال أن نقض هذه البيعة ورد <strong>في</strong>ه وعيد خاص لعظم<br />

خطره،‏ كما قال ابن رجب يف كالمه السابق ‏]وأما عهود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم فالوفاء هبا أشد ونقضها أعظم إمثا ومن<br />

أعظمها عهد الإمام على من اتبعه ورضي به[.‏<br />

- 1 من مقدمة كتاب ‏)احلكم اجلدير ابلإذاعة من قول النيب : ‏»بعثت ابلسيف بني يدي الساعة«‏ البن رجب احلنبلي،‏ ط.‏ دار املرجان<br />

- 2 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

059<br />

3<br />

25<br />

- 3 سورة الصف،‏ اآليتان:‏ 2<br />

- 4 متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو.‏<br />

- 5 خَرمجه البخاري<br />

- 6 ‏)جامع العلوم واحلكم(‏ ص 376<br />

377


أ<br />

وقد أفرد الإمام<br />

-<br />

- ب<br />

-<br />

<br />

البخاري رمحه هللا عدة أبوا<br />

يف صحيحه <strong>في</strong>ما يتعلق ابلوفاء<br />

سأذكرها جمملة وأنصح األخ القارئ مبراجعتها يف الصحيح وشرحه فإهنا عظيمة الفائدة.‏<br />

منها يف كتاب الشهادات:‏ ‏)ابب<br />

1<br />

من أمر إبُناز الوعد(‏ .<br />

ابلعهود وإُث الناكث والغادر،‏<br />

ويف كتاب اجلزية واملوادعة:‏ ‏)ابب فضل الوفاء ابلعهد(‏ و ‏)ابب ما حيذر من الغدر(‏ و ‏)ابب إُث من عاهد ‏ُث<br />

2<br />

غدر(‏ و ‏)ابب إُث الغادر للرب والفاجر(‏ .<br />

<br />

<br />

3<br />

ج ويف كتاب الإميان والنذور:‏ ‏)ابب عهد هللا عز وجل(‏ ، و)ابب قول هللا عز وجل ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ يَشْتَرُ‏ ونَ‏ بِعَهْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

4<br />

ثَمَنًا قَلِيال{‏ .<br />

أما عن الوعيد اخلاص الوارد يف نق بيعة إمام املسلمني،‏ فمن ذلك:‏<br />

5<br />

حديث ابن عمر مرفوعا ‏»من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية«‏ .<br />

6<br />

وحديث ابن عباس مرفوعا ‏»من كره من أمريه شيئا فليصرب،‏ فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية«‏ .<br />

ويف رواية أخرى البن عباس مرفوعا ‏»من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه،‏ فإنه من فارق اجلماعة شربا<br />

7<br />

فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ .<br />

قال ابن حجر يف شرحه هلذا احلديث قوله ‏»من كره من أمريه شيئا فليصرب«‏ زاد يف الرواية الثانية ‏»عليه«‏ قوله ‏»فإنه<br />

من خرج من السلطان«‏ أي من طاعة السلطان،‏ ووقع عند مسلم ‏»فإنه ليس أحد من الناس خيرج من السلطان«‏ ويف<br />

الرواية الثانية ‏»من فارق اجلماعة«‏ وقوله ‏»شربا«‏ بكسر املعجمة وسكون املوحدة وهي كناية عن معصية السلطان<br />

وحماربته،‏ قال ابن أيب محزة:‏ املراد ابملفارقة السعي يف حل عقد البيعة اليت حصلت لذلك األمري ولو أبدىن شيء،‏ فكىن<br />

عنها مبقدار الشرب،‏ ألن األخذ يف ذلك يؤول إَل سفك الدماء بغري حق،‏ قوله ‏»مات ميتة جاهلية«‏ يف الرواية األخرى<br />

‏»فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ ويف رواية ملسلم ‏»فمِيتته ميتة جاهلية«‏ وعنده يف حديث ابن عمر رفعه ‏»من خلع يدا<br />

من طاعة لقي ا هلل وال حجة له،‏ ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية«‏ قال الكرماين:‏ االستثناء هنا مبعىن<br />

االستفهام الإنكاري أي ما فارق اجلماعة أحد إال جرى له كذا،‏ أو حذفت ‏»ما«‏ فهي مقدرة أو<br />

عاطفة على رأي الكو<strong>في</strong>ني،‏ واملراد ابمليتة اجلاهلية وهي بكسر امليم<br />

زائدة أو « الإ »<br />

حالة املوت كموت أهل اجلاهلية على ضالل<br />

061<br />

293<br />

- 1 ‏)فتح الباري(‏ 298 / 5<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ 276 / 6<br />

- 3 ‏)فتح الباري(‏ 544 / 11<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ 557 / 11<br />

- 5 رواه مسلم<br />

- 6 متفق عليه<br />

- 7 متفق عليه


وليس له إمام مطاع،‏ ألهنم كانوا ال يعرفون ذلك،‏ وليس املراد أن ميوت كافرا بل ميوت عاصيا،‏ وحيتمل أن يكون<br />

التشبيه على ظاهره ومعناه أنه ميوت مثل موت اجلاهلي وإن مل يكن هو جاهليا،‏ أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفري<br />

وظاهره غري مراد،‏ ويؤيد أن املراد ابجلاهلية التشبيه قوله يف احلديث اآلخر ‏»من فارق اجلماعة شربا فكأَّنا خلع ربقة<br />

1<br />

الإسالم من عنقه .<br />

فهذه بعض النصوص الواردة يف إُث انكث بيعة إمام املسلمني ومعىن ‏»مات ميتة جاهلية«‏ أي على معصية كما قال<br />

ابن حجر ‏]وليس املراد أن ميوت كافرا بل ميوت عاصيا[.‏ وذلك ألن ‏»اجلاهلية«‏ لفظ مشرتك حيتمل معان متعددة،‏<br />

فقد يعىن املعاصي،‏ كما يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

أليب ذر ‏»إنك امرؤ <strong>في</strong>ك جاهلية«‏ وأورد البخاري هذا<br />

احلديث يف كتاب الإميان من صحيحه يف ابب ‏)املعاصي من أمر اجلاهلية وال يكفر صاحبها إال ابلشرك(.‏ وقد يكون<br />

2<br />

معىن اجلاهلية كفر،‏ كما يف حديث حذيفة ‏»إِانم كُنما يفِ‏ جَاهِلِيمةٍ‏ وَشَرٍّ‏ فَجَاءَانَ‏ اَّللمُ‏ هبَِذَا اخلَْريِْ‏ فَنَحْنُ‏ فِيه«‏ . والبد من<br />

وجود قرينة من نفس الن أو من خارجه تبني املعىن املراد من اللفظ املشرتك،‏ وليس هنا موضع تفصيل هذا:‏<br />

تنبيه حديث ابن عباس السابق،‏ ورد يف رواية له ‏»فإنه من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية«‏ ويف الرواية<br />

األخرى ‏»فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ فكلمة ‏»اجلماعة«‏ يف الرواية الثانية معناها مجاعة<br />

املسلمني اليت يف طاعة السلطان،‏ وليس املراد هبا أي مجاعة،‏ والذي دعاان إَل هذا الفهم أمران:‏<br />

األول:‏ وجوب محل املطلق يف الرواية الثانية ‏»اجلماعة«‏ على املقيد يف الرواية األوَل ‏»السلطان«‏ وذلك الحتاد احلكم<br />

والسبب يف الروايتني،‏ فاجلماعة املراد هبا اجتماع الناس على السلطان،‏ وهذا الذي يفهم من شرح ابن حجر للحديث<br />

كما سبق.‏ ويؤيد هذا الفهم أحاديث عرفجة عند مسلم <strong>في</strong>من خيرج على إمام املسلمني،‏ فوصفه رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم أبنه يشق عصا املسلمني،‏ ويفرق مجاعتهم،‏ وهذا معناه أن اخلروج على السلطان هو اخلروج على مجاعة<br />

املسلمني.‏<br />

عن عرفجة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إنه ستكون هَنَاتٌ‏ وهَنَاتٌ،‏ فمن أراد أن يفرق أمر هذه األمة وهي<br />

مجيع فاضربوه ابلسيف كائنا من كان«‏ . 3 وأوضح من هذا الرواية التالية عن عرفجة أيضا أنه مسع رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم يقول:‏ ‏»من أاتكم وأمركم مجيع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه«‏ . 4<br />

الثاين:‏ الالم يف ‏»اجلماعة«،‏ للعهد وليست للجنس،‏ أي أن هذا الوعيد يف احلديث يف حق من خرج على مجاعة<br />

معينة وليس أي مجاعة،‏ فما هي القرينة اليت وردت بسياق احلديث واليت ت ِ ‏ُرَجّح هذا؟ هي قوله صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

‏»من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب«،‏ فإضافة األمري إَل الضمري هي خماطبة النيب صلى هللا عليه وسلم عموم<br />

- 1 أخرجه الرتمذي وابن خزمية وابن حبان ومصححا من حديث احلارث بن احلارث األشعري ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 6<br />

- 2 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />

7<br />

060<br />

- 3 رواه مسلم<br />

- 4 رواه مسلم


املسلمني معناه أن هذا هو أمري مجاعة املسلمني وهو السلطان كما مساه يف الرواية األوَل.‏ فاجلماعة املرادة هي مجاعة<br />

املسلمني اليت يف طاعة السلطان.‏ كما يف حديث حذيفة ‏»تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم«‏ . 1<br />

ومن أوضح تلك النصوص يف هذا الشأن حديث أيب هريرة مرفوعا ‏»من خرج من الطاعة وفارق اجلماعة ‏ُث مات<br />

2<br />

مات ميتة جاهلية«‏ . قال الصنعاين:‏ ‏]عن الطاعة:‏ أي طاعة اخلليفة الذي وقع االجتماع عليه.‏ وقال<br />

اجلماعة«‏<br />

عدوهم.‏ أ ه ]<br />

3<br />

.<br />

‏»وفارق<br />

أي خرج عن اجلماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به مشلهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن<br />

أردت من هذا التنبيه أال تضع مجاعة من اجلماعات اإلسالمية د كما حيدث ابلفعل د هلا ا ديث يف غري موضعه<br />

فتصف من خرج عليها أبنه ميوت ميتة جاهلية،‏ يقولون ملن يرتكهم حبق أو بباطل:‏ أنت فارقت اجلماعة والرسول<br />

صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏»من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية«.‏ فهذا وضع للنصوص يف غري<br />

موضعها،‏ واجلماعة يف هذا احلديث هي مجاعة املسلمني اليت يف طاعة السلطان الشرعي،‏ كما سبق بيانه،‏ وليست أي<br />

مجاعة.‏ صحيح إن ابن األثري رمحه هللا محل معىن اجلماعة على املعىن العام،‏ فهو اعترب الالم <strong>في</strong>ها للجنس،‏ <strong>في</strong>صح<br />

عندئذ محلها على أي مجاعة،‏ فقد قال رمحه هللا:‏ ‏]»من فارق اجلماعة فميتته جاهلية«‏ معناه كل مجاعة عقدت عقدا<br />

يوافق الكتاب والسنة،‏ فال جيوز ألحد أن يفارقهم يف ذلك العقد،‏ فإن خالفهم <strong>في</strong>ه استحق الوعيد،‏ ومعىن قوله<br />

‏»فميتته جاهلية«‏ أي ميوت على ما مات عليه أهل اجلاهلية من الضالل واجلهل[‏ . 4 وليس األمر كما قال رمحه هللا من<br />

أن هذا الوعيد اخلاص يلزم كل من خرج على أي مجاعة جمتمعة على طاعة من الطاعات،‏ بل الصواب إن شاء هللا<br />

تعاَل هو ما حققته أعاله من أن اجلماعة يف هذا احلديث هي مجاعة املسلمني اليت يف طاعة السلطان ال غري.‏ وليس<br />

معىن هلا أن من نق<br />

عهده جلماعة على ا ق ال يلزمه شيء من الوعيد بل الصواب أنه يلزمه الذم والوعيد الوارد<br />

يف عموم نقض العهود كما ذكرته يف أول هذه املسألة.‏<br />

واجلماعات اليت تنزل هذا احلديث على نفسها،‏ منها من أتول من احلديث كلمة واحدة ومنها من أتول كلمتني.‏<br />

فاللين أتولوا منه كلمة واحدة أتولوا كلمة ‏»اجلماعة«‏ على أهنا تعين أي مجاعة وابلتايل مجاعتهم،‏ فمن خرج عليهم<br />

لزمه الوعيد املذكور،‏ وقد سبق الرد على هذا.‏<br />

واللين أتولوا كلمتني،‏ أتولوا كلمة ‏»اجلماعة«‏ كما سبق،‏ وأتولوا كلمة ‏»جاهلية«‏ فقالوا معناها الكفر،‏ ولذلك قالوا<br />

بتكفري كل من خرج على مجاعتهم وابستحالل دمه،‏ فهم يعتربون أنفسهم مجاعة املسلمني ومن خرج عليهم صار<br />

مرتدا،‏ وقتال املرتد صار مقدم على قتال الكافر األصلي،‏ وهذا هو اعتقاد اخلوارج الذين تعتقده بعض اجلماعات<br />

062<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 رواه مسلم<br />

- 3 ‏)سبل السالم(‏ ج 3 ص 1229 ابب قتال أهل البغي.‏<br />

- 4 ‏)النهاية يف غريب احلديث(‏ ج 3 ص 438<br />

مادة ‏)فرق(.‏


أحياان<br />

<strong>في</strong>ستحلون من خمالفهم الرتداده عندهم ما ال يستحلونه من الكافر األصلي،‏ كما قال النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم <strong>في</strong>هم:‏ ‏»يقتلون أهل الإسالم ويَدَعُون أهل األوَثن«‏ . 1<br />

واحلق أن اخلطأ لديهم جاء من محل اللفظ املشرتك على أحد معانيه دون قرينة مساعدة،‏ فكلمة ‏»جاهلية«‏ قد تعين<br />

2<br />

الكفر،‏ كما يف حديث حذيفة ‏»إِانم كُنما يفِ‏ جَاهِلِيمةٍ‏ وَشَرٍّ‏ فَجَاءَانَ‏ اَّللمُ‏ هبَِذَا اخلَْريِْ‏ فَنَحْنُ‏ فِيه«‏ ، فاجلاهلية يف حديث<br />

حذيفة معناها الكفر الذي كان قبل الإسالم،‏ ونفس الكلمة قد تعين املعصية كما يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

. والبد من قرينة إما من نفس الن أو من خارجه تبني<br />

أليب ذر ‏»إنك امرؤ <strong>في</strong>ك جاهلية«‏ ، وأبو ذر هُوَ‏ مَنْ‏ هُوَ‏<br />

أن أي املعنيني أو املعاين هو املراد من الكلمة.‏<br />

ويف حديث ‏»من فارق اجلماعة فمات مات مِيتة جاهلية«‏ قلنا إن اجلماعة هي اليت طاعة السلطان،‏ ونقول اجلاهلية<br />

هنا هي املعصية وليس الكفر كما سبق يف شرح ابن حجر له.‏<br />

قوله<br />

ولدينا دليل آخر:‏ وهو أن البغاة خارجون طاعة الإمام،‏ وقد مساهم هللا مؤمنني فقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ ‏َِائِفَتَانِ‏ مِنْ‏<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ اقْتَتَلُوا قَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا قَإِنْ‏ بَغَتْ‏ إِحْدَاهُمَا عَلَى األُخْرَ‏ ى قَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ‏ إِلَى أَمْرِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

إَل<br />

إِنَّمَا الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ إِخْوَ‏ ةٌ{‏ ، 4 فسماهم هللا مؤمنني رغم البغي والقتال.‏ فهم خرجوا على مجاعة املسلمني ومل يكفروا.‏<br />

ولدينا دليل ‏َثلث:‏ هو أن ابن عمر راوي حديث ‏»من مات وليس يف عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية«‏ قد ذكر ابن<br />

حجر يف شرح حديث بيعة ابن عمر لعبد امللك بن مروان قال:‏ ‏]وكان عبد هللا بن عمر يف تلك املدة امتنع أن يبايع<br />

البن الزبري أو لعبد امللك،‏ كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ‏ُث ابيع ملعاوية ملا اصطلح مع احلسن ابن علي<br />

واجتمع عليه الناس،‏ وابيع يزيد بعد موت معاوية الجتماع الناس عليه،‏ ‏ُث امتنع من املبايعة ألحد حال االختالف إَل<br />

5<br />

أن قُتِلَ‏ ابن الزبري وانتظم امللك كله لعبد امللك فبايع له حينئذ ، قلت:‏ وابلرغم من هذا املوقف من ابن عمر ، إال أن<br />

مجهور الصحابة والتابعني وأهل السنة قد ذهبوا إَل وجوب نصر احملق وقتال الباغي،‏ مع عدم ختطئة أحد من الصحابة<br />

ممن تركوا قتال البغاة لكوهنم جمتهدين يف موقفهم هذا،‏ وقد سبق بيان هذا يف آخر الباب الثالث.‏ إال أن الشاهد من<br />

فعل ابن عمر مع كونه راوي حديث ‏»من مات وليس يف عنقه بيعة«‏<br />

يبايع أقرهبما إَل احلق،‏ مع أنه كان له أتويل يف ترك البيعة وهو اختالف الناس.‏<br />

فهذا وغريه يدل على أن اجلاهلية يف حديث<br />

بعض اجلماعات.‏<br />

‏»من فارق اجلماعة«‏<br />

أنه لو كانت اجلاهلية هي الكفر ملا وسعه أن<br />

هي املعصية وليس الكفر كما ذهبت إَل ذلك<br />

063<br />

- 1 انظر جمموع الفتاوى 355 / 3<br />

- 2 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />

- 3 رواه البخاري<br />

- 4 سورة احلجرات،‏ اآليتان:‏<br />

- 5 فتح الباري ج<br />

11<br />

8<br />

13 ص 185


وهناك من يُكَفِّر من خرج على مجاعتهم بتأويل حلديث ابن مسعود مرفوعا<br />

‏»ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى<br />

ثالث:‏ الثيِّب الزاين،‏ والنفس ابلنفس،‏ والتارك لدينه املفارق للجماعة«‏ . 1 والتأويل الفاسد،‏ هو اهنم جعلوا ‏»التارك<br />

وصفا لدينه«‏<br />

‏»للمفارق للجماعة«‏<br />

ومع اعتبار أن مجاعتهم هي مجاعة املسلمني،‏ <strong>في</strong>كون املفارق هلم اتركا لدينه،‏<br />

والصواب هو أن ‏»املفارق للجماعة«‏ صفة ‏»للتارك لدينه«‏ وليس العكس،‏ وذلك ألن من ارتد عن دينه فقد فارق<br />

اجلماعة.‏ ‏ِبروجه عن اآلصرة اليت جتمعه ابملسلمني وهي آصرة الإسالم والإميان.‏ وهذا هو ما ذكره ابن حجر يف شرح<br />

حديث ابن مسعود<br />

ابالرتداد،‏ فهي صفة للتارك<br />

‏»ال حيل دم امرئ..«‏<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]واملراد ابجلماعة<br />

مجاعة املسلمني،‏ أي فارقهم أو تركهم<br />

2<br />

أو املفارق ال صفة مستقلة وإال لكانت اخلصال أربعا[‏ . قلت:‏ ولذلك ميكن القول أبن<br />

كل من ترك دينه ‏)املرتد(‏ فهو املفارق للجماعة،‏ وليس كل من فارق اجلماعة فهو اترك لدينه ‏)كالباغي(‏ وقد وردت<br />

رواايت أخر لنفس احلديث بدون ذكر لفظ اجلماعة،‏ مثل رواية الرتمذي عن عثمان بن عفان<br />

<br />

مرفوعا ‏»ال حيل دم<br />

امرئ مسلم إال إبحدى ثالث:‏ رجل كَفَرَ‏ بعد إسالمه،‏ أو زىن بعد إحصانه،‏ أو قتل نفسا بغري نفس«‏ فهذه الرواية<br />

تبني أن املقصود يف الرواية األوَل هو املرتد.‏<br />

استدراك:‏<br />

ال ينبغي أن ي ‏ُفْهَم من كالمي السابق أن لفظ ‏»اجلماعة«‏ إذا ورد يف أي حديث فمعناه مجاعة املسلمني اليت يف طاعة<br />

اخلليفة.‏ وليس األمر كذلك،‏ إذ إن ‏»اجلماعة«‏ لفظ مشرتك يطلق على معان متعددة،‏ يعرف املراد منها ابلقرائن من<br />

نفس الن<br />

أو من نصوص أخر،‏ ولذلك فقد محلت معىن ‏»اجلماعة«‏ يف بعض األحاديث على مجاعة املسلمني اليت<br />

يف طاعة السلطان للقرينة املوجودة وهي وجوب محل املطلق على املقيد إذا احتد احلكم والسبب <strong>في</strong>هما.‏ ولكن للجماعة<br />

معان أخر ليس ههنا موضع تفصيلها،‏ ولكن ال أبس ابلإشارة إَل معانيها على وجه الإمجال.‏<br />

قال الراغب األصفهاين:‏ ‏)مجََعَ:‏ اجلَمْع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض،‏ يقال مجََعْتُه فاجتمع إَل أن قال ويقال<br />

للمجموع مجَْعٌ‏ ومجَِيعٌ‏ ومجََاعَة(‏ . 3<br />

واجلماعة هبذا اللفظ مل ترد يف القرآن،‏ وإَّنا وردت يف احلديث مبعنيني:‏<br />

األول:‏ املعىن اللغوي للكلمة،‏ أي االجتماع اللي هو ضد التفرق،‏ ويطلق على اثنني فما فوقهما أو على ثالثة<br />

فما فوقهما على خالف بني األصوليني والنحويني،‏ ومن هذا الباب قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»صالة اجلماعة<br />

064<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 فتح الباري 211 / 12 و 212<br />

- 3 املفردات للراغب


أ<br />

أفضل من صالة الفذ بسبع وعشرين درجة«‏<br />

مجاعة(،‏ ويروى هذا مرفوعا<br />

. 2<br />

-<br />

-<br />

، 1 فاجلماعة هنا املراد منها العدد،‏ وقال البخاري ‏)اثنان فما فوقهما<br />

الَاين:‏ املعىن االصطالحي للكلمة:‏ ويراد به أحد أمرين مها على الرتتيب من حيث األمهية:‏<br />

اجلماعة مبعىن ا ق والدين،‏ كما يف حديث الفرق كلها يف النار إال واحدة وهي اجلماعة وسبق شرحه،‏ فاجلماعة<br />

هنا هي احلق وأوَل الناس به النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته ولذلك ف<strong>في</strong> الرواية األخرى هلذا احلديث ‏»ما أان<br />

عليه وأصحايب«.‏ ومن هنا قال ابن مسعود ‏»اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك«.‏ واجلماعة ترد مبعىن أهل دين<br />

اإلسالمكما يف احلديث ‏»والتارك لدينه املفارق للجماعة«.‏ وترد أيضا مبعىن أهل العلم وأهل احلل والعقد.‏<br />

اجلماعة مبعىن مجاعة املسلمني اللين هم يف طاعة السلطان،‏ كما يف احلديث ‏»من رأى من أمريه شيئا يكرهه<br />

3<br />

فليصرب عليه،‏ فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ .<br />

وابلنسبة هلذين املعنيني االصطالحيني جيب على املسلم اتباع احلق دائما،‏ فإن وُجد للمسلمني سلطان،‏ جيب اتباعه<br />

<strong>في</strong>طاع يف احلق ويُعصى يف الباطل ومن هنا رتبنا املعنيني االصطالحيني هبذا الرتتيب احلق أَقْدَم وأَوَْلَ‏ ، وإن مل يوجد<br />

سلطان كما يف زماننا تبقى اجلماعة ابملعىن األول احلق وأهله واجبة االتباع كما سبق يف الباب الثالث.‏<br />

وتَتَبمع لفظ اجلماعة يف األحاديث جتدها ميكن ردها مجيعا إَل هذه املعاين ‏)العدد احلق مجاعة السلطان(.‏ أما<br />

اجلماعات الإسالمية املعاصرة فمنها ما نصيبه من هذه املعاين:‏ العدد فقط ومنها ما يدخل حتت اجلماعة مبعىن احلق<br />

على تفاوت.‏<br />

<br />

ثامنا:‏ الرد على شبهة متعلقة بالعهود.‏<br />

ذكرت يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة الرد على شبهة متعلقة ابلإمارة على اجلماعات الإسالمية،‏ حيث أنكرها<br />

األستاذ علي بن حسن بن عبد احلميد مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(،‏ وهنا أرد بعون هللا تعاَل على<br />

إنكاره للبيعة اليت أتخذها هذه اجلماعات من أتباعها،‏ حيث أنكر شرعية هذه البيعات وعَدمها من البدع،‏ وأراد بذلك<br />

نقد مجاعة معينة استخدمت البيعة والسمع والطاعة يف تسخري أتباعها وعصمة أمرائها.‏ ولكين أقول إن البيعة حق<br />

والسمع والطاعة حق،‏ وسوء استخدام احلق جيب أال جيعلنا ننكره،‏ بل الواجب إنكار إساءة استخدامه.‏<br />

وسأذكر <strong>في</strong>ما يلي بعض ما قاله يف إنكار هذه البيعات،‏ ‏ُث أرد عليه إن شاء هللا تعاَل:‏<br />

قال املؤلف يف<br />

ص‎22‎<br />

‏]ومما يؤكد بطالن البيعات االستثنائية الزائدة على بيعة أمري املؤمنني ولو يف غيابه هو<br />

تنصي العلماء رمحهم هللا تعاَل أنه يشرتط يف البيعة:‏ أن جيتمع أهل احلل والعقد،‏ ويعقدوا الإمامة ملن يستجمع<br />

شرائطها[‏ أ ه .<br />

065<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 انظر فتح الباري 132 / 2<br />

- 3 متفق عليه


وقال يف<br />

ص‎23‎<br />

‏]مما سبق علمنا شيئني مهمني:‏ 1= ال تكون البيعة إال ألمري املؤمنني فقط 2= والطاعة انشئة عن<br />

البيعة اليت هي له وحده حسب.‏ فعلى ذلك تبطل مجيع البيعات اليت تكون ألي إنسان ما مل يكن إماما على أي<br />

صورة،‏ سواء يف وجود الإمام أم يف غيابه لواحد أم ألكثر[‏ وقال يف هامش نفس الصفحة:‏ ‏]فالواجب على من تلبس<br />

مبثل هذه البيعات املبتدعة أن يرتكها،‏ ويفسخها فإهنا ابطلة،‏ حرصا على دينه واتباعه[‏ أ ه .<br />

وقال يف ص‎32‎ ‏]إن سائر كالم املتقدمني من أهل العلم والفقه كان حول بيعة اخلليفة املسلم،‏ ومل يتطرق أحد منهم<br />

<strong>في</strong>ما اطلعت إَل هذه البيعات االستثنائية اليت تعطي لغري إمام املسلمني ومن ادعى خالف ذلك فعليه الدليل!!‏<br />

] أ<br />

ه .<br />

<br />

<br />

وقال يف<br />

ص‎33‎<br />

‏]أين كان سلف هذه األمة عن مثل هذه البيعات االستثنائية؟ وهل نستطيع أن نصل بعقولنا<br />

وأهوائنا إَل خري نظنه فات صاحلي هذه<br />

األمة من السلف واألئمة رضوان هللا تعاَل عليهم أمجعني،‏ وصدق النيب<br />

املصطفى صلوات هللا وسالمه عليه:‏ ‏»من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد«،‏ فمثل هذه البيعات االستثنائية<br />

اليت مل ترد يف ن قرآين أو حديث نبوي،‏ أو فعل أحد من السلف الصاحل،‏ تعد بدعة حمدثة[‏ أ ه .<br />

وقال يف<br />

ص‎36‎<br />

‏]ما أشار إليه شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا تعاَل يف جمموع الفتاوى )19/29( من أنه إذا كان<br />

مقصودهم هبذا االتفاق واالنتماء والبيعة التعاون على الرب والتقوى،‏ فهذا قد أمر هللا به ورسوله له ولغريه،‏ دون ذلك<br />

االتفاق،‏ وإن كان املقصود به التعاون على الإُث والعدوان،‏ فهذا قد حرمه هللا ورسوله،‏ فما قصد هبذا من خري ف<strong>في</strong> أمر<br />

هللا ورسوله بكل معروف،‏ استغناء عن ذلك االتفاق،‏ وما قصد هبذا من شر فقد حرمه هللا ورسوله<br />

!!<br />

<br />

<br />

وقال املؤلف يف<br />

ص‎37‎<br />

‏[أ ه .<br />

نقال عن شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا قوله:‏ ليس ألحد أن ‏َيخذ على أحد<br />

عهدا<br />

مبوافقته على كل ما يريد،‏ ومواالة من يواليه،‏ ومعاداة من يعاديه،‏ بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله<br />

الذين جيعلون من وافقهم صديقا واليا،‏ ومن خالفهم عدوا ابغيا.‏ أ ه<br />

وقال املؤلف غي ص‎38‎‏،‏<br />

41<br />

‏]أما إهنا ‏»عهد«‏ فهذا مل يكن من منهج السلف الصاحل رضوان هللا تعاَل عليهم،‏ بل<br />

1<br />

كان واقعهم خالف ذلك متاما،‏ فقد روى أبو نعيم احلافظ األصبهاين ؛ إبسناده الصحيح إَل مُطَرِّف بن عبد هللا بن<br />

الشخري قال:‏ ‏"كنا أنِت زيد بن صوحان،‏ وكان يقول اي عباد هللا أكرموا،‏ وأمجلوا،‏ فإن وسيلة العباد إَل هللا ‏ِبصلتني:‏<br />

اخلوف والطمع،‏ فأتيته ذات يوم وقد كتب كتااب فنسقوا كالما من هذا النحو:‏ ‏)إن هللا ربنا،‏ وحممدا نبينا،‏ والقرآن<br />

إمامنا،‏ ومن كان معنا كنا،‏ وكنا له،‏ ومن خالفنا كانت يدان عليه،‏ وكنا وكنا(،‏ قال:‏ فجعل يعرض الكتاب عليهم رجال<br />

رجال،‏ <strong>في</strong>قولون أقررت اي فالن؟..‏ حىت انتهوا إَل،‏ فقالوا:‏ أقررت اي غالم؟ قلت:‏ ال،‏ قال:‏ ال تعجلوا على الغالم،‏ ما<br />

تقول اي غالم؟ قال:‏ قلت:‏ إن هللا قد أخذ عَلَي م عهدا يف كتابه،‏ فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه هللا عز<br />

وجل!!‏<br />

رجال".‏<br />

قال:‏ فرجع القوم من عند آخرهم،‏ ما أَقَرم بِهِ‏ أحد منهم:‏ قال:‏ قلت ملطرف:‏ كم كنتم؟ قال:‏ زهاء ثالثني<br />

- 1 يف ‏)حلية األولياء(‏<br />

066<br />

214 / 2


فانظر رمحك هللا إَل واقعهم،‏ وإَل أحوال قلوهبم يف قبول احلق واالنقياد إليه وإَل رفضهم أي أمر ولو كان ظاهره<br />

صدقا وحقا وعدال إذا مل يكن واردا بكي<strong>في</strong>ته يف كتاب هللا سبحانه،‏ أو ‏َثبتا يف سنة رسوله صلى هللا عليه وسلم<br />

وإذا كان مُفَرِّقا لألمة أي تف ريق،‏ ولو صَغُر![‏ أ ه .<br />

َ<br />

<br />

‏ُث ختم املؤلف كتابه بنصيحة للدعاة قائال يف ص<br />

41<br />

‏]إن هذا البحث على وجازته يعد فرصة للدعاة لكي<br />

ينتبهوا بعد غفلة،‏ ويستيقظوا بعد سبات،‏ ولكي ال يقدموا على أي عمل أو قول إال بعد علم،‏ وبينة،‏ ودراية،‏<br />

وتثبت.[‏<br />

هذا جممل ما كتبه األستاذ علي بن حسن،‏ ولقد أطال يف غري طائل وأتى بغري الصواب،‏ ومل يتثبت ومل يتبني كما أخذ<br />

على نفسه يف أول كتابه ص‎5‎‏،‏ وكما نصح غريه يف آخر كتابه ص‎41‎‏.‏<br />

واحلق أن ما ذكرتُه يف هذا الفصل من مسائل بَدءاً‏ من مشروعية العهد إَل حكم انكثه . <strong>في</strong>ه رد كاف على كالم<br />

مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(،‏ ومع ذاك سوف أمجل ما سبق يف عدة أمور:‏<br />

أوال:‏ إن الإمارة على اجلماعات الإسالمية اليت قامت على التعاون على الرب والتقوى هي إمارة شرعية صحيحة،‏ كما<br />

سبق تفصيل هذا يف الباب الثالث مع الرد على شبهة املؤلف حول الإمارة.‏<br />

اثنيا:‏ إذا ثبت شرعية هذه الإمارة،‏ <strong>في</strong>جب على كل من قبلها السمع والطاعة لألمري يف غري معصية وإن مل يعاهده<br />

على هذا.‏ إذ إن هلا جيب ابلشرع ابتداء بدون عهد،‏ وقد سبق بيان هذا يف أول الفصل وذكرت هناك كالم شيخ<br />

الإسالم ابن تيمية يف وجوب طاعة والة األمور وإن مل يعادهم الإنسان أو حيلف هلم،‏ فراجعه<br />

1<br />

هناك ، وذكرت كذلك<br />

2<br />

من قبل قوله ‏)أويل األمر منكم(‏ يدخل <strong>في</strong>هم كل متبوع،‏ قال ‏)وكل من كان متبوعا فهو من أويل األمر(‏ ، ويدخل<br />

يف هذا أمراء اجلماعات املشار إليها.‏<br />

اثلَا:‏ ذكرت يف مسألة ‏)فائدة العهد والغرض منه(‏ وهي الثانية من هذا الفصل،‏ أن العهد له فائداتن،‏ األوَل:‏ توكيد ما<br />

وجب ابلشرع ابتداء وهي طاعة والة األمور ومعاونتهم على احلق ومناصحتهم إَل غري ذلك مما أمر به هللا تعاَل<br />

ورسوله<br />

صلى هللا عليه وسلم . والثانية:‏ االلتزام بشروط أخرى مل يوجبها الشرع ابتداء وإَّنا جتب وفاءً‏ ابلعهد ما مل<br />

ختالف الكتاب والسنة.‏ وذكرت هناك كالم شيخ الإسالم ابن تيمية يف هذا الشأن نقال عن جمموع الفتاوى<br />

345 ص‎341‎‏،‏<br />

ومن املواضع اليت ن<br />

شيخ الإسالم على أهنا<br />

ج‎28‎<br />

جتب على العبد لألمرين،‏ قوله ‏]وكتعاقد الناس على<br />

3<br />

العمل مبا أمر هللا به ورسوله[‏ ، وهذه العبارة ابلذات تنطبق متاما على اجلماعات اليت نتحدث عنها،‏ فإذا قامت<br />

مجاعة بغرض نصرة الدين،‏ <strong>في</strong>جب على كل مسلم معاونة هذه اجلماعة،‏ عاهدها أم مل يعادها،‏ إذ إن هذا واجب<br />

- 1 نقال عن جمموع الفتاوى ج 35 ص 8<br />

067<br />

11<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 171<br />

- 3 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 28 ص 346


ابلشرع ابتداء لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى{،‏ فإذا عاهدها أتكد هذا الوجوب لوجوب الوفاء ابلعهد<br />

‏}وَ‏ أَوْ‏ قُوا بِالْعَهْدِ‏ إِنَّ‏ الْعَهْدَ‏ كَانَ‏ مَسْئُوال{.‏<br />

وكذلك السمع والطاعة واجبان على كل فرد يف مثل هذه اجلماعات ألُويلِ‏ األمر منهم،‏ عاهد على هذا أم مل يعاهد،‏<br />

فإن عاهد أتكد الوجوب.‏<br />

رابعا:‏ أن العهود جائزة بني املسلمني على الطاعات،‏ وما ذكرته يف مسألة ‏)مشروعية العهد(‏ يغين عن الإعادة هنا،‏<br />

حيث ذكرت أدلة املشروعية من القرآن والسنة وسرية الصحابة رضي هللا عنهم.‏<br />

خامسا:‏ أنه جيوز أن تُس م ى هله العهود بيعات،‏ كما ذكرته يف املسألة اخلامسة من هذا الفصل وهي ‏)هل جيوز<br />

تسمية هذا العهد بيعة؟(.‏ وأن هذا مما ميكن إدخاله يف إمجاعات الصحابة،‏ لفعل عِكرمة يوم الريموك وعدم إنكار<br />

أحد من الصحابة عليه،‏ ‏ُث فعل قيس بن سعد يوم صِفِّني،‏ إَل آخر ما ذكرته هناك،‏ مما يدل على جواز هذه التسمية<br />

<strong>في</strong>سقط كالم األستاذ علي بن حسن يف<br />

االستثنائية[‏ ويف ص<br />

33<br />

ص‎32‎<br />

حيث قال:‏ ‏]ومل يتطرق أحد منهم <strong>في</strong>ما اطلعت إَل هذه البيعات<br />

حيث قال:‏ ‏]أين كان سلف هذه األمة عن مثل هذه البيعات االستثنائية[‏ والحظ أنين قلت<br />

إن سرية الصحابة تدل على جواز وليس وجوب هذه التسمية،‏ ولذلك ورغم جواز تسمية هذه العهود بيعات،‏ إال أنين<br />

أرى أال تسمى عهود اجلماعات اآلن ابلبيعة وأن ي ‏ُقْتَصَر على تسميتها ابلعهد حىت ال تلتبس ببيعة اخلليفة،‏ وحىت يظل<br />

هذا اجليل من املسلمني مدركا أنه ليست يف عنقه بيعة لإمام املسلمني،‏ <strong>في</strong>سعوا يف هذا الشأن.‏<br />

ومن ابب الرد على كالم املؤلف يف ص‎32‎‏،‏<br />

38 ،33<br />

= 1<br />

وقوله إن هذه البيعات مل تكن من منهج السلف الصاحل،‏ سأذكر<br />

<strong>في</strong>ما يلي بعض البيعات اليت وقعت بني املسلمني يف القرون الثالثة اخلريية من هذه األمة،‏ ليعلم املسلم أن العهد أو<br />

البيعة على الطاعات ورأسها األمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد،‏ كان أمرا متعارفا عليه بني السلف<br />

الصام من الصحابة والتابعني فمن بعدهم،‏ ومن ذلك:‏<br />

مبايعة الصحايب عِكرمة بن أيب جهل<br />

<br />

والتعليق عليها . 1<br />

= 2<br />

= 3<br />

ألربعمائة من وجوه املسلمني على املوت يوم الريموك.‏ وقد سبق ذكرها<br />

مبايعة الصحايب قيس بن سعد ألربعني ألفا على املوت يوم صِفِّني،‏ وقد سبق ذكرها . 2<br />

مبايعة أهل الكوفة للحسني بن علي بن أيب طالب رضي هللا عنهما سنة<br />

‎61‎ه<br />

بن معاوية،‏ وقد أرسل احلسني ابن عمه مُسلمًا بن عقيل ألخذ البيعة له فبايعه مثانية عشر ألفا . 3<br />

= 4<br />

مبايعة أهل املدينة للصحايب عبد هللا بن حنظلة سنة<br />

وقد سبق ذكرها<br />

63<br />

. 1<br />

للخروج على خليفة الوقت يزيد<br />

ه للخروج على يزيد بن معاوية،‏ فكانت وقعة احلَرمة،‏<br />

068<br />

- 1 البداية النهاية 11 / 7<br />

- 2 فتح الباري ج 13 ص 63<br />

- 3 انظر البداية والنهاية ج 9 ص 152 وما بعدها


= 5<br />

طلب عبد هللا بن الزبري الصحايب البيعة لنفسه بعد موت يزيد بن معاوية،‏ وقد ابيعه مجيع األمصار إال األردن<br />

ومن هبا من بين أمية وعلى رأسهم املروان بن احلكم فبايعوا مروان وحاربوا أهل الشام ‏ُث مصر ‏ُث العراق إَل أن انتهى<br />

األمر بقتل ابن الزبري سنة<br />

73<br />

ه ، وقد مسي ابن الزبري أبمري املؤمنني ودامت خالفته من<br />

ه 73 ه إَل سنة 64<br />

2<br />

.<br />

= 6<br />

وذكر ابن كثري أن أهل دمشق ملا مات خليفة الوقت معاوية بن يزيد سنة ‎64‎ه،‏ ابيعوا الضحاك بن قيس على أن<br />

يُصلح بينهم ويقيم هلم أمرهم حىت جيتمع الناس على إمام<br />

3<br />

.<br />

= 7<br />

وذكر ابن كثري يف أحداث سنة<br />

64<br />

=<br />

9<br />

ه قال:‏ ‏]و<strong>في</strong>ها اجتمع مأل الشيعة على سليمان بن صرد وهو صحايب جليل<br />

كما قال ابن كثري ابلكوفة،‏ وتواعدوا النخيلة ليأخذوا بثأر احلسني بن علي بن أيب طالب إَل أن قال فاجتمعوا<br />

4<br />

كلهم بعد خطب ومواعظ على أتمري سليمان بن صرد عليهم،‏ فتعاهدوا وتعاقدوا وتواعدوا النمخِ‏ يلةَ‏ . قلت:‏ مل يكن<br />

الشيعة مسوا إذ ذاك ابلرافضة،‏ ومل يسموا بذلك إال يف زمن زيد بن عَلِيّ‏ كما سيأِت.‏<br />

خروج عبد الرمحن بن األشعث على احلجاج الثق<strong>في</strong> ‏ُث اخلليفة عبد امللك بن مروان )91<br />

‎92‎ه(‏ وكان ابن<br />

األشعث على رأس اجليش للحجاج بفارس،‏ فنقم منه أمورا،‏ قال ابن األشعث ملن معه:‏ ‏]اخلعوا عدو هللا احلجاج ومل<br />

يذكر خلع عبد امللك وابيعوا ألمريكم عبد الرمحن بن األشعث فإين أشهدكم أين أول خالع للحجاج،‏ فقال الناس من<br />

كل جانب:‏ خلعنا عدو هللا احلجاج ووثبوا إَل عبد الرمحن بن األشعث فبايعوه عوضا عن احلجاج،‏ ومل يذكروا خلع<br />

عبد امللك بن مروان إَل أن قال<br />

فلما توسطوا الطريق قالوا:‏ إن خلعنا للحجاج خلع البن مروان فخلعومها وجددوا<br />

5<br />

البيعة البن األشعث فبايعهم على كتاب هللا وسنة رسوله وخلع أئمة الضالل وجهاد امللحدين ، وقال ابن كثري:‏ ووافقه<br />

6<br />

على خلعهما مجيع من يف البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب ، وقال ابنكثري وجعل الناس يلتقون على ابن<br />

7<br />

األشعث من كل جانب،‏ حىت قيل إنه سار معه ثالثة وثالثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل . وقال ابن<br />

9<br />

كثري:‏ ودخل ابن األشعث الكوفة فبايعه أهلها على خلع احلجاج وعبد امللك بن مروان . وقال ابن كثري:‏ وكان مجلة<br />

8<br />

من اجتمع مع ابن األشعث مائة ألف مقاتل ممن ‏َيخذ العطاء ومعهم مثلهم من مواليهم ، وقال ابن كثري:‏ وجعل ابن<br />

األشعث على كثيبة القراء العلماء جبلة بن زحر،‏ وكان <strong>في</strong>هم سعيد بن جبري وعامر الشعيب وعبد الرمحن بن أيب ليلى<br />

069<br />

69 / 13<br />

- 1 ‏)البداية والنهاية(‏ ،217 / 9 ‏)فتح الباري(‏ 119 / 6<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 68 وص‎184‎ و)البداية والنهاية(‏ ج 9 ص 239 وما بعدها<br />

- 3 ‏)البداية والنهاية(‏ 238 / 9<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 9 ص 247<br />

: 36 ص-‏ 5<br />

: 37 ص-‏ 6<br />

: 36 ص-‏ 7<br />

: 41 ص-‏ 9<br />

: 41 ص-‏ 8


ج)‏<br />

ج)‏<br />

ج)‏<br />

وكميل بن زايد وكان شجاعا فاتكا على كرب سنه وأبو البحرتي الطائي وغريهم ، 1 ومما قاله الشعيب:‏ قاتلوهم على<br />

جورهم واستدالهلم الضعفاء وإماتتهم الصالة ] 2 3 .<br />

= 8<br />

خروج زيد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب سنة ‎121‎ه على خليفة الوقت هشام بن عبد امللك،‏ وزيد<br />

4<br />

هو الذي تنسب إليه الطائفة الزيدية من الشيعة،‏ قال ابن كثري:‏ ابيعه على ذلك أربعون ألفا من أهل الكوفة .<br />

= 11<br />

خروج يزيد بن الوليد على ابن عمه خليفة الوقت الوليد بن يزيد بن عبد امللك سنة ‎162‎ه،‏ قال ابن كثري:‏ ‏]قد<br />

ذكران بعض أمر الوليد بن يزيد وخَالَعته وجمََانته وفسقه وما ذُكر عن هتاونه ابلصلوات واستخفافه أبمر دينه قبل<br />

5<br />

خالفته وبعدها،‏ فإنه مل يزدد يف اخلالفة إال شرا[‏ ، فقام يزيد بن الوليد يف خلعه وابيعه الناس على ذلك،‏ وكثرت<br />

6<br />

اجليوش حوله كلهم قد ابيعه ابخلالفة،‏ وطلب الوليد بن يزيد فقتله .<br />

= 11<br />

بيعة معاوية بن عبد هللا بن جعفر بن أيب طالب،‏ قال ابن كثري:‏ ‏]ويف هذه السنة<br />

‎127‎ه<br />

خرج ابلكوفة معاوية بن<br />

عبد هللا،‏ فدعا إَل نفسه وخرج إَل حماربة أمري العراق عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز،‏ فجرت بينهما حروب يطول<br />

7<br />

ذكرها .<br />

= 12<br />

قيام دولة العباسيني منذ بدء دعوهتم سنة<br />

‎111‎ه<br />

إَل بدء خالفة السفاح أول خلفائهم<br />

‎132‎ه<br />

قال ابن كثري:‏ ‏]يف<br />

سنة ‎119‎ه:‏ و<strong>في</strong>ها وفاة علي بن عبد هللا بن عباس،‏ وقد ابيع كثري من الناس البنه حممد ابخلالفة قبل أن ميوت عَلِ‏ ‏ٌّي<br />

هذا قبل هذه السنة بسنوات ولكن مل يظهر أمره حىت مات فقام ابألمر من بعده ولده عبد هللا أبو العباس السفاح<br />

وكان ظهوره يف سنة<br />

‎132‎ه[‏<br />

أموية شرعية.‏ وملا تويف حممد بن علي سنة<br />

اخلرساين سنة<br />

125<br />

128<br />

9<br />

. فهنا الناس قد ابيعوا حممدًا بن علي بن عبد هللا بن عباس ابخلالفة يف وجود خالفة<br />

8<br />

بن عبد هللا أوصى من بعده البنه إبراهيم ، فكتب إبراهيم أليب مسلم<br />

11<br />

أبن يظهر الدعوة فأقبل الناس من كل جانب إَل أيب مسلم وكثر جيشه ، ‏ُث قُتِل إبراهيم سنة 132<br />

11<br />

وأوصى من بعده ألخيه أيب العباس السفاح ، وذلك يف خالفة مروان بن حممد آخر خلفاء بين أمية،‏ فدخل أبو<br />

071<br />

: 42 ص-‏ 1<br />

ص-‏ 2<br />

42<br />

41 :<br />

- 3 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 35<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 237<br />

ص-‏ 5<br />

11<br />

9 :<br />

- 6 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 9<br />

- 7 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 25<br />

- 9 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 321<br />

11 ص )5<br />

11 ص )31<br />

11 ص 39<br />

- 8<br />

- 11<br />

- 11<br />

و‎38‎‏(‏


ج)‏<br />

العباس الكوفة وسلموا عليه ابخلالفة وصعد املنرب وابيعه الناس وهو على املنرب ، 1 ‏ُث انتدب عمه عبد هللا بن عَلِي لقتال<br />

اخلليفة مروان بن حممد إَل أن قُتِل مروان واستقرت اخلالفة أليب العباس السفاح<br />

دعوة بين العباس لدولتهم استمرت<br />

32<br />

سنة‎132‎ . 2 ومما هو جدير ابلذكر أن<br />

سنة أو أكثر أثناء خالفة بين أمية،‏ وكانوا ‏َيخذون البيعة من الناس رغم وجود<br />

خالفة أموية شرعية،‏ ومما جيدر ابلذكر كذلك أهنم أخذوا البيعة من الناس لفرد مُبْهَم وهو ‏)الرضا من آل حممد صلى<br />

3<br />

هللا عليه وسلم ) ‏.ومعناه من يرضى عنه آل حممد ويتفقون عليه،‏ وذلك مَنْعا للشقاق بني العلويني والعباسيني ليصريوا<br />

يدا واحدة على بين أمية.‏<br />

= 13<br />

بيعة أيب حممد الس<strong>في</strong>اين.‏ قال ابن كثري يف ‎132‎ه:‏ ‏]وتفاقم األمر على عَلَي عبد هللا بن علي عم اخلليفة السفاح<br />

وذلك أن أهل قِنسِ‏ رِّين تراسلوا مع أهل مح<br />

وتزمروا واجتمعوا على أيب حممد الس<strong>في</strong>اين وهو أبو حممد عبد هللا بن<br />

يزيد بن معاوية بن أيب س<strong>في</strong>ان،‏ فبايعوه ابخلالفة وقام معه حنو من أربعني ألفا فقصدهم عبد هللا بن علي فالتقوا مبرج<br />

4<br />

األخرم،‏ فاقتتلوا مع مقدمة الس<strong>في</strong>اين وعليها أبو الورد فاقتتلوا قتاال شديدا...‏ .<br />

= 14<br />

قد<br />

بيعة عبد الرمحن الداخل اخلليفة األموي ابألندلس يف زمن العباسيني،‏ قال ابن كثري يف سنة<br />

‏]و<strong>في</strong>ها كانت ‎139‎ه<br />

خالفة الداخل من بين أمية إَل بالد األندلس،‏ وهو عبد الرمحن بن معاوية بن هشام بن عبد امللك بن مروان.‏ وكان<br />

دخل إَل بالد املغرب فرارا من عبد هللا بن علي،‏ فاجتاز مبن معه من أصحابه الذين فروا معه بقوم يقتتلون على<br />

عصبية اليمانية واملضرية،‏ فبعث مواله بدرا إليهم فبايعوه،‏ ودخل هبم ففتح بالد األندلس،‏ واستحوذ عليها وانتزعها من<br />

انئبها يوسف بن عبد الرمحن بن حبيب بن أيب عبيده بن عقبة بن انفع الفهري وقتله،‏ وسكن عبد الرمحن قرطبة<br />

واستمر يف خالفته يف تلك البالد من هذه السنة إَل سنة<br />

5<br />

‎172‎ه[‏ .<br />

= 15<br />

‎145‎ه سنة<br />

بيعة حممد النفس الزكية وخروجه على اخلليفة العباسي أيب جعفر املنصور سنة<br />

فمما كان <strong>في</strong>ها من األحداث<br />

‎145‎ه<br />

قال ابن كثري:‏ ‏]ُث دخلت<br />

خنرج حممد بن عبد هللا بن احلسن ‏)النفس الزكية(‏ ابملدينة وأخيه إبراهيم<br />

6<br />

ابلبصرة[‏ . وقال ابن كثري:‏ ‏]وأصبح حممد بن عبد هللا بن حسن وقد استظهر على املدينة ودان له أهلها.‏ فصلى<br />

ابلناس الصبح وقرأ <strong>في</strong>ها سورة إن فتحنا لك فتحا مبينا.‏ وأسفرت هذه الليلة عن مستهل رجب من هذه السنة.‏ وقد<br />

خطب حممد بن عبد هللا أهل املدينة يف هذا اليوم،‏ فتكلم يف بين العباس وذكر عنهم أشياء ذمهم هبا،‏ وأخربهم أنه مل<br />

ينزل بلدا من البلدان إال وقد ابيعوه على السمع والطاعة،‏ فبايعه أهل املدينة كلهم إال القليل.‏<br />

070<br />

11 ص )41<br />

- 1<br />

- 2 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 321 وج 11 ص 42 ،38 ،31 ،31 ،25 ،5<br />

- 3 انظر ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 31<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 52<br />

- 5 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 74<br />

: 92 ص-‏ 6


وقد روى ابن جرير عن الإمام مالك أنه أفىت مببايعته،‏ فقيل له إن يف أعناقنا بيعة للمنصور،‏ فقال:‏ إَّنا كنتم مكرهني<br />

وليس ملكره بيعة.‏ فبايعه الناس عند ذلك عن قول مالك،‏ ولزم مالك بيته[‏ . 1 وقال ابن كثري إن أاب جعفر املنصور<br />

اخلليفة كتب إليه قال:‏ ‏)فلك عهد هللا وميثاقه وذمته وذمة رسوله،‏ إن أنت رجعت إَل الطاعة<br />

2<br />

ألؤمنك ومن اتبعك(‏ ،<br />

وقال ابن كثري:‏ إنه ملا أرسل املنصور جيشه لقتال حممد،‏ صعد حممد بن عبد هللا على املنرب فخطب الناس وحثهم على<br />

4 3<br />

اجلهاد وكانوا قريبا من مائة ألف .[ .<br />

= 16<br />

بيعة إبراهيم بن عبد هللا بن حسن ‏)أخي حممد النفس الزكية(‏ وكان يدعو يف السر إَل أخيه فلما قُتل أخوه<br />

‏)حممد النفس الزكية(‏ ‎145‎ه أظهر الدعوة إَل نفسه،‏ وقَدِمَ‏ البصرة وابيعه فئام من الناس،‏ وجعل الناس يقصدون من كل<br />

فج ملبايعته ودانت له البصرة واألهواز وفارس واملدائن وأرض السواد،‏ وخرج من البصرة يف مائة ألف مقاتل قاصدا<br />

الكوفة لقتال جيش اخلليفة أيب جعفر<br />

5<br />

املنصور .<br />

وقال ابن كثري عن حممد وأخيه إبراهيم:‏ ‏]قد حُكِيَ‏ عن مجاعة من العلماء واألئمة أهنم مالوا إَل ظهورمها[‏<br />

6<br />

. وممن مال<br />

إَل ظهور حممد:‏ الإمام مالك ابملدينة كما سبق،‏ وممن مال إَل ظهور إبراهيم:‏ األمام أبو حنيفة وشعبة بن احلجاج<br />

وهشيم وكالمها من أئمة احلديث.‏<br />

= 17<br />

أمحد<br />

بيعة أمحد بن نصر اخلزاعي سنة<br />

231<br />

لألمر ابملعروف والنهي عن املنكر عموما،‏ ‏ُث مبايعته للخروج على اخلليفة<br />

الواثق لفسقه وبدعته.‏ قال ابن كثري:‏ ‏]ُث دخلت سنة 231، و<strong>في</strong>ها كان مقتل أمحد بن نصر اخلزاعي رمحه هللا واكرم<br />

مثواه إَل قوله وقد ابيعه العامة يف سنة إحدى ومائتني على القيام ابألمر والنهي حني كثرت الشُّطار والدُّعار يف<br />

غيبة املأمون عن بغداد كما تقدم ذلك،‏ وبه تُعرف سويقة نصر بغداد،‏ وكان أمحد بن نصر هذا من أهل العلم والداينة<br />

والعمل الصاحل واالجتهاد يف اخلري،‏ وكان من أئمة السنة اآلمرين ابملعروف والناهني عن املنكر،‏ وكان ممن يدعو إَل<br />

القول أبن القرآن كالم هللا منزل غري خملوق،‏ وكان الواثق من أشد الناس يف القول ‏ِبلق القرآن،‏ يدعو إليه ليال وهنارا،‏<br />

اعتمادا على ما كان عليه أبوه قبله وعمه املأمون،‏ من غري دليل وال برهان،‏ وال حجة وال بيان،‏ وال سنة وال قرآن.‏ فقام<br />

بن نصر هذا يدعو إَل هللا وإَل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر والقول أبن القرآن كالم هللا منزل غري خملوق،‏<br />

يف أشياء كثرية دعا الناس إليها.‏ فاجتمع عليه مجاعة من أهل بغداد،‏ والتف عليه من األلوف أعداد وانتصب للدعوة<br />

إَل أمحد بن نصر هذا رجالن ومها أبو هارون السراج يدعو اجلانب الشرقي،‏ وآخر يقال له طالب يدعو أهل اجلانب<br />

072<br />

: 93 94 ص-‏ 1<br />

: 94 95 ص-‏ 2<br />

: 99 ص-‏ 3<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 81 / 92<br />

84<br />

- 5 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 81<br />

- 6 البداية ج 11 ص 85


الغريب فاجتمع عليه من اخلالئق ألوف كثرية،‏ ومجاعات غزيرة،‏ فلما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة<br />

ألمحد بن نصر اخلزاعي يف السر على القيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ واخلروج على السلطان لبدعته ودعوته<br />

1<br />

إَل القول ‏ِبلق القرآن،‏ وملا هو عليه هو وأمراؤه وحاشيته من املعاصي والفواحش وغريها[‏ .<br />

قلت:‏ انظر أيها القارئ الكرمي إَل هذه البيعات اليت ذكرهتا،‏ واليت كان يدخل <strong>في</strong>ها ألوف الناس،‏ واليت استحسنها كثري<br />

من التابعني ودخلوا <strong>في</strong>ها،‏ وحَرمض الناس عليها الإمامان مالك وأبو حنيفة.‏ ‏ُث انظر إَل كالم مؤلف كتاب ‏)البيعة بني<br />

السنة والبدعة(‏ وقال:‏ ‏]مل يتطرق أحد من املتقدمني إَل مثل هذه البيعات[‏ وقال:‏ ‏]أين كان سلف هذه األمة عن مثل<br />

هذه البيعات االستثنائية؟[‏<br />

2<br />

.<br />

=<br />

0<br />

وهذه البيعات التي ذكرتها آنفا منها:‏<br />

بيعات على اجلهاد واالستشهاد:‏ كمبايعة عكرمة بن أيب جهل وقيس بن سعد ملن معهما،‏ ومها صحابيان<br />

رضي هللا عنهما.‏<br />

= 2<br />

بيعات على األمر ابملعروف والنهي عن املنكر:‏ كمبايعة أهل املدينة ألمرائهم يف وقعة احلَرمة،‏ وبيعة سليمان بن<br />

صرد،‏ وبيعة أمحد بن نصر اخلزاعي.‏<br />

= 3<br />

= 4<br />

بيعات على القيام أبمر طائفة من املسلمني حىت يظهر خليفة:‏ كمبايعة أهل دمشق للضحاك بن قيس.‏<br />

بيعات على املنازعة يف افالفة خروجا على أئمة اجلور:‏ كبيعات احلسني بن علي وعبد هللا بن الزبري وابن<br />

األشعث وزيد بن علي ويزيد بن الوليد ومعاوية بن عبد هللا بن جعفر والعباسيني وأيب حممد الس<strong>في</strong>اين وعبد الرمحن<br />

الداخل وحممد النفس الزكية وأخيه إبراهيم.‏<br />

واألنواع الثالثة األُوَل من هذه البيعات ليست بيعات خالفة،‏ وهي اليت مساها مؤلف كتاب البيعة ‏)البيعات<br />

االستثنائية(‏ ون ‏َفَى وقوعها يف السلف.‏ وأما النوع الرابع،‏ فهي أيضا ليست بيعات خالفة بل بيعات لطلب اخلالفة<br />

ومنازعة خليفة الوقت،‏ وال تعترب أي بيعة من هذه بيعة خالفة إال ابسقرار اخلالفة لطالبها ودخول مجهور املسلمني يف<br />

بيعته،‏ أما قبل ذلك فالبيعة الشرعية هي بيعة خليفة الوقت املخروج عليه.‏ ومن اخلارجني الذين استقرت هلم اخلالفة<br />

عبد هللا بن الزبري ويزيد بن الوليد والعباسيني وعبد الرمحن الداخل.‏ فبيعات كل هؤالء<br />

االستَنائية(‏ قبل استقرار افالفة هلم،‏ سواء منهم من استقرت له أو مل تستقر.‏<br />

تدخل حتت اسم ‏)البيعات<br />

وقد يقول قائل:‏ ما حكم خروج هؤالء اخلارجني على اخللفاء؟ قلت:‏ اخلروج على احلاكم الكافر ال خالف يف وجوب<br />

على من قدر عليه،‏ أما الفاسق أو الظامل وهو احلال يف معظم البيعات املذكورة أعاله،‏ كان <strong>في</strong>ه خالف بني سلف األمة<br />

فمنهم من أوجبه لعموم أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ ومنهم من هنى عنه ألحاديث ‏»من كره من أمريه<br />

شيئا فليصرب«‏ فهذه البيعات املذكورة أعاله كانت من ابب األخذ بعموم واجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر.‏ ‏ُث<br />

073<br />

314<br />

- 1 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 11 ص 313<br />

: 32 33 ص-‏ 2


حدث بعد هذه الفنت أن استقر رأي مجهور أهل السنة واجلماعة على األخل ابلصرب على أئمة اجلور ومنع افروج<br />

عليهم.‏ وقد ذكر هذا اخلالف ا لقدمي وما استقر عليه الرأي الإمام النووي فقال:‏ ‏]قال القاضي عياض:‏ فلو طرأ على<br />

اخلليفة فسق قال بعضهم جيب خلعه إال أن ترتتب عليه فتنة وحرب.‏ وقال مجاهري أهل السنة من الفقهاء واحملدِّثني<br />

واملتكلمني ال ينعزل ابلفسق والظلم وتعطيل احلقوق وال خيلع وال جيوز اخلروج عليه بذلك بل جيب وعظه وختويفه<br />

لألحاديث الواردة يف ذلك،‏ قال القاضي:‏ وقد ادعى أبو بكر بن جماهد يف هذا الإمجاع وقد رَدم عليه بعضُهم هذا<br />

بقيام احلسني وابن الزبري وأهل املدينة على بين أمية وبقيام مجاعة عظيمة من التابعني والصدر األول على احلجاج مع<br />

ابن األشعث وأتول هذا القائل قوله أن ال ننازع األمر أهله يف أئمة العدل وحجة اجلمهور أن قيامهم على احلجاج<br />

ليس مبجرد الفسق بل ملا غَريم من الشرع وظَاهَر من الكفر،‏ قال القاضي:‏ وقيل إن هذا اخلالف كان أوال ‏ُث حصل<br />

الإمجاع على منع اخلروج عليهم وهللا أعلم . 1<br />

وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا أن الصرب على أئمة اجلور وعدم اخلروج عليهم هو ما استقر عليه رأي أهل<br />

السنة بعد اخلالف القدمي يف هذه املسألة<br />

. 2<br />

قلت:‏ وقد صارت هذه املسألة تُدومن ضمن اعتقاد أهل السنة واجلماعة كما هو مثبت يف العقيدة املتداولة،‏ قال<br />

صاحب العقيدة الطحاوية:‏ ‏]وال نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران وإن جاروا وال ندعوا عليهم،‏ وال ننزع يدا من<br />

طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة هللا فريضة،‏ ما مل ‏َيمروا مبعصية،‏ وندعوا هلم ابلصالح واملعافاة[‏<br />

. 3<br />

وقد نقل ابن حجر عن ابن بطال الإمجاع على هذا أيضا،‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]ونقل ابن التني عن الداودي قال:‏ الذي<br />

عليه العلماء يف أمراء اجلور أنه إن قدر على خلعه بغري فتنة وال ظلم وَجَب،‏ وإال فالواجب الصرب.‏ وعن بعضهم ال<br />

جيوز عقد الوالية لفاسق ابتداء،‏ فإن أحدث جورا بعد أن كان عدال فاختلفوا يف جواز اخلروج عليه،‏ والصحيح املنع<br />

إال أن يكفر <strong>في</strong>جب اخلروج عليه[‏ . 4<br />

ومع هذا فقد أخذ ابن حزم ابلقول بعموم أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وأهنا انسخة لألحاديث اآلمرة<br />

ابلسكوت ، 5 وهو حمجوج ابلإمجاع املنعقد على الصرب على أئمة اجلور،‏ وقوله ابلنسخ يفتقر إَل معرفة التاريخ،‏<br />

والصواب هو القول ابلعام واخلاص وأن اخلاص ‏)وهي أحاديث الصرب على أئمة اجلور(‏ مقدم على العام ‏)وهي عموم<br />

أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر(‏ حسب القواعد األصولية.‏<br />

- 1 ‏)شرح النووي لصحيح مسلم(‏ ج 12 ص 228<br />

074<br />

- 2 ‏)منهاج السنة(‏ ج 2 ص 241<br />

- 3 ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ ط.‏ املكتب الإسالمي ‎1414‎ه ص 378<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 9 ،7<br />

- 5 احمللى ج 8 ص 362


سادسا:‏ نقل مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(‏ كالما مبتورا لشيخ الإسالم ابن تيمية،‏ فنقل عن شيخ اإلسالم<br />

ما ينيد رأيه وهو أن هله العهود بدعة ابطلة وترك من كالم شيخ اإلسالم ما خيالف رأيه.‏ ومل يكتف املؤلف أبن<br />

‏َيخذ ما يريد ويدع ما يريد من كالم ابن تيمية،‏ بل جتاوز هذا،‏<br />

اإلسالم اب لف واإلضافة ليوهم<br />

فقد تصر ف <strong>في</strong>ما نقله املنلف <strong>في</strong>ما نقله عن شيخ<br />

القارئ<br />

أن شيخ الإسالم ينكر تعاهد الناس واتفاقهم على التعاون على الرب<br />

والتقوى،‏ وهلا التحريف يف نقل فتاوى العلماء ليس من األمانة العلمية يف شيء.‏<br />

فقد نقل املؤلف يف ص<br />

36<br />

من كتابه كالما لشيخ الإسالم من اجمللد<br />

29 ص<br />

19، تَصَرمف <strong>في</strong>ه ابحلذف والإضافة<br />

ليطَوِّعه لرأيه.‏ وكان شيخ الإسالم رمحه هللا يتحدث عن تعصب التالميذ ملعلميهم يف صورة شد الوسط وغريه،‏ فنهى<br />

عن ذلك.‏<br />

قال ابن تيمية:‏ ‏]فإن كان املقصود هبذا الشد واالنتماء التعاون على الرب[‏ إال أن املؤلف كتب هذه العبارة هكذا ‏)من<br />

أنه إذا كان مقصودهم هبذا االتفاق واالنتماء والبيعة التعاون على الرب(،‏ وكما ترى فقد أدخل املنلف كلمة ‏)البيعة(‏<br />

ضمن كالم ابن تيمية لينصر رأيه،‏ فَقَومل ابن تيمية رمحه هللا ما مل ي ‏َقُله،‏ وكذلك حذف كلمة ‏)الشد(‏ وأضاف كلمة<br />

‏)االتفاق(.‏<br />

كذلك فقد نقل املؤلف يف ص‎37‎<br />

من كتابه،‏ أن شيخ الإسالم رمحه هللا قال:‏ ليس ألحد أن يقول ‏َيخذ على أحد<br />

عهدا مبوافقته على كل ما يريد،‏ ومواالة من يواليه،‏ ومعاداة من يعاديه بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان<br />

وأمثاله الذين جيعلون من وافقهم صديقا واليا،‏ ومن خالفهم عدوا ابغيا . 1<br />

وهذا النقل أيضا يوهم القارئ أن شيخ الإسالم ميكر تعاهد الناس على أعمال الرب.‏ واحلق أن كالم شيخ الإسالم<br />

السابق ورد يف معرض جوابه عن سؤال جاء <strong>في</strong>ه ‏)وهل للمبتدئ أن يقوم وسط مجاعة من األستاذين واملتعلمني ويقول:‏<br />

اي مجاعة اخلري،‏ أسأل هللا تعاَل وأسألكم أن تسألوا فالان أن يقبلين أن أكون له أخا أو ر<strong>في</strong>قا أو غالما أو تلميذا أو ما<br />

أشبه ذلك،‏ <strong>في</strong>قوم أحد اجلماعة <strong>في</strong>أخذ عليه العهد ويشرتط عليه ما يريده ويشد وسطه مبنديل أو غريه،‏ فهل يسوغ<br />

2<br />

هذا الفعل أم ال؟[‏ .<br />

فأجاب شيخ الإسالم ببيان ماال جيوز من هذا،‏ وهو شد الوسط والتعصب للمُعَلم حبق أو بباطل وهو ما نقله مؤلف<br />

كتاب ‏)البيعة(،‏ وكذلك بَنيم شيخ الإسالم ما جيوز من هذا،‏ وهو أن العهد جائز بني املعلم والتلميذ وذكر صيغة هللا<br />

العهد،‏ وهو ما مل ينقله منلف كتا<br />

‏)البيعة(‏ ألنه لو ند ق ل هلا<br />

اجلزء من جوا<br />

شيخ اإلسالم هلدم كتابه من<br />

أساسه،‏ وأهل العلم ينقلون ما هلم وما عليهم،‏ قال شيخ الإسالم رمحه هللا عن العهد بني املعلم وتلميذه:‏ ‏]ولكن<br />

حيسن أن يقول لتلميذه:‏ عليك عهد هللا وميثاقه أن تُوايل من واَل هللا ورسوله،‏ وتعادي من عادى هللا ورسوله،‏ وتُعاون<br />

على الرب والتقوى وال تُعاون على الإُث والعدوان،‏ وإذا كان احلق معي نصرت احلق،‏ وإن كنت على ابطل مل تنصر<br />

075<br />

ج-‏ 1<br />

9<br />

39 ص 16<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 7


الباطل،‏ فمن التزم هلا كان من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاىل،‏ الذين يريدون أن يكون الدين كله هلل،‏ وتكون كلمة<br />

1<br />

هللا هي العليا[‏ .<br />

وقد ذكرت كالمَه هذا من قبل يف ‏)مشروعية العهد(،‏ فراجعه هناك.‏<br />

وهنا فائدة لطيفة:‏ وهي أن جواب شيخ الإسالم عن جواز العهد وحرمة االنتقال من معلم إَل غريه بال سبب،‏ هو<br />

متعلق ابلتدريب العسكري،‏ حيث أن السؤال كان عن معلم الرماية وتلميذه،‏ وَرَدَ‏ يف السؤال ‏]وإذا عَلممَ‏ رجل رجال<br />

الرمي أو الطعن وغريها من آالت احلرب واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل وجحد تعليمه،‏ وانتقل إَل غربه وانتمى إليه،‏ هل<br />

‏َيُث بذلك أم ال؟ . 2 فأجاب رمحه هللا مبا سبق مُبَيِّنا ما جيوز وماال جيوز.‏<br />

وأورد شيخ اإلسالم رمحه هللا يف أكَر من موضع ما يدل على جواز العهود<br />

بني الناس على الطاعات،‏ وبَنيم ما<br />

جيوز من الشروط يف هذه العهود.‏ وقد ذكرتُ‏ كالمَه يف هذا الشأن يف مسألة ‏)فائدة العهد والغرض منه(،‏ خاصة قوله<br />

‏]والذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه ابتداء،‏ كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد.‏ وقد يوجبه،‏ ألن العبد التزمه<br />

وأوجبه على نفسه،‏ ولوال ذلك مل يوجبه،‏ كالوفاء ابلنذر للمستحبات،‏ ومبا التزمه يف العقود املباحة:‏ كالبيع والنكاح<br />

والطالق،‏ وحنو ذلك،‏ إذ مل يكن واجبا.‏ وقد يوجبه ألمرين،‏ كمبايعة الرسول على السمع والطاعة له،‏ وكذلك مبايعة<br />

أئمة املسلمني<br />

3<br />

وكتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[‏ .<br />

فذكر رمحه هللا أن ‏]تعاقد الناس مبا أمر هللا به ورسوله[‏ جيب عليهم القيام به ألمرين:‏ لوجوبه ابلشرع ابتداء ولوجوبه<br />

ابلتعاقد والتعاهد عليه.‏ فأي كالم أوضح من هذا.‏<br />

4<br />

وذكر يف الشروط أن هذا الشرط ينطبق على ‏)عقود املشايخ وعقود املتآخني(‏ .<br />

عليه.‏<br />

سابعا:‏ وما نقله مؤلف كتاب ‏)البيعة(‏ عن أيب نعيم يف ‏)احللية(‏ من رفض مطرف بن عبد هللا ملثل هذا الكالم الذي<br />

عرضوه عليه،‏ فهذا الكالم الذي كتبوه ابطل وحَرِيٌّ‏ به أن يُرفَض،‏ فهو يشبه ما أنكره ابن تيمية رمحه هللا من التناصر<br />

حبق أو ابطل،‏ فهم قالوا:‏ ‏)ومن كان معنا كنا وكنا،‏ ومن خالفنا كانت يدان عليه(‏ هذا ابطل،‏ والصواب أن يقال:‏ ‏)ومن<br />

كان على احلق نصرانه،‏ ومن خالف احلق كانت يدان عليه(.‏ فشرطهم كان خمالفا للكتاب والسنة فال جيوز العهد<br />

أما أن يريد املؤلف االستدالل برفض مطرف هلذا العهد على بطالن مبدأ العهود بني الناس،‏ فهذا ال يستقيم بعد ما<br />

ذكرته من أدلة يف ‏)مشروعية العهد(‏ من كتابٍ‏ وسنةٍ‏ وسرية الصحابة<br />

االستدالل به<br />

يف وجه هله األدلة؟<br />

فكيف ينته<br />

فعل أحد التابعني<br />

إن صح<br />

076<br />

- 1 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 21<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 7<br />

- 3 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 28 ص 346 ،345<br />

35 ص 89 ج-‏ 4<br />

وقد سبق


وإذا كان قول الصحايب ي ‏ُرَدُّ‏ إذا خالف الكتاب والسنة،‏ فكيف بفعل أحد التابعني؟ ، 1 وقد ذكرت أن صيغة العهد<br />

اليت عُرِضَت على مطرف ابطلة،‏ وميكن أن يؤول رفضه من هذا الوجه.‏<br />

ويك<strong>في</strong>نا أن مؤلف كتاب ‏)البيعة(‏ مل جيد دليال يعضد رأيه من القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة وسريهتم،‏ فلجأ إَل<br />

فعل ألحد التابعني حمُْتَمَلٍ‏ للتأويل،‏ ومل يكفه هذا فلجأ إَل التصرف يف كالم ابن تيمية رمحه هللا اب لف واإلضافة<br />

والكتمان لينصر رأيه.‏<br />

وال ينبغي ألحد أن يفهم من كالمي السابق أنين أنكر االستدالل أبقوال التابعني،‏ بل أرى االستدالل هبا ما مل ختالف<br />

كتااب أو سنة أو قول صحايب أو اتبعي،‏ فكيف وقول مطرف هنا خيالف األدلة اليت ذكرهتا يف ‏)مشروعية العهد(؟<br />

هذا إذا محُ‏ ل كالمه على إنكار العهود إبطالق.‏<br />

وعن األخذ أبقوال التابعني،‏ قال ابن القيم:‏ ‏]اختلف السلف يف ذلك،‏ فمنهم من يقول:‏ جيب اتِّباع التابعي <strong>في</strong>ما أفىت<br />

به ومل خيالفه <strong>في</strong>ه صحايب وال اتبعي،‏ وهذا قول بعض احلنابلة والشافعية،‏ وقد صرح الشافعي يف موضع أبنه قال تقليدا<br />

لعطاء،‏ وهذا من كمال علمه وفقهه رمحه هللا،‏ فإنه مل جيد يف املسألة غري قول عطاء،‏ فكان قوله عنده أقوى ما وجد<br />

يف املسألة ]...... 2 .<br />

قلت:‏ ويف مسألة االحتجاج بقول التابعي كالم آخر مثل العمل عند اختالف أقوال التابعني وكذلك إذا خالف قول<br />

التابعي القياس.‏ فريُجع إَل كتب األصول يف هذا.‏<br />

وهناك كالم آخر ذكره مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(‏ يستوجب الرد عليه وبيان خطئه <strong>في</strong>ه،‏ إال أنين سأعرض<br />

عنه لعدم تعلقه مبوضوعنا،‏ ومن هذا قوله يف ص‎41‎ إن السلف يرفضون أي أمر ما مل يكن واردا بكي<strong>في</strong>ته يف الكتاب<br />

والسنة،‏ وال شك أن هذا افرتاء على السلف،‏ فجمهور السلف يعتربون الإمجاع والقياس بعد الكتاب والسنة،‏ وقوله<br />

هذا ‏)بكي<strong>في</strong>ته(‏ مل يقل به غالة املذهب الظاهري الذي يعده كثري من السلف بدعة . 3 ومثل قوله إن البيعة تبطل إذا مل<br />

جيتمع أهل احلل والعقد ويعقدوا الإمامة ملن يستجمع شرائطها ‏)ص‎22‎‏(‏ وهذا الكالم يف تعميمه خطأ،‏ إذ إن عقد أهل<br />

احلل والعقد هو أحد وسائل عقد الإمامة،‏ وهناك العهد من اخلليفة السابق ‏)االستخالف(،‏ وهناك الغلبة واالستيالء<br />

ومَنْ‏ تَغَلمب وتَسَمى أبمري املؤمنني ال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يَبِيتَ‏ وال يراه أمريا للمؤمنني كما قال أمحد<br />

بن حنبل . 4<br />

هذا ما يتعلق ابلرد على شبهات مؤلف كتاب ‏)البيعة بني السنة والبدعة(،‏ وما رددت عليها إال لإزالة التلبيس الذي<br />

قد يُصاب به البعض بقراءة مثل هذه الكتاب،‏ يف وقت حنن أحوج ما نكون <strong>في</strong>ه إىل تعاقد املسلمني وتعاهدهم<br />

- 1 ‏)انظر حكم أقوال الصحابة،‏ يف إعالم املوقعني البن القيم ج 4 ص 119 وما بعدها(‏<br />

077<br />

- 2 ‏)إعالم املوقعني(‏ ج 4 ص 156<br />

- 3 انظر االعتصام للشاطيب ط 1412 ه 171 / 1<br />

- 4 اآلحكام السلطانية أليب يعلى ص 23 21،


ابملواثيق املغلظة من أجل نصرة دين هللا وإنقاذ املستضعفني من الرجال والنساء والولدان،‏ حىت ال تكون فتنة ويكون<br />

الدين كله هلل كما حيب ربنا ويرضى.‏<br />

الرد على شبهة أخرى:‏<br />

1<br />

ذكر الشيخ مقبل بن هادي الوادعي من أهل السنة ابليمن يف كتابه ‏)املخرج من الفتنة(‏ ، يف سياق نقده لنفس<br />

اجلماعة اليت تكلم عنها مؤلف كتاب ‏)البيعة(‏ قال الشيخ مقبل:‏ ‏]أَتَصِحُّ‏ البيعة جملهول ال يُدرى أصاحل أم طاحل،‏ أعامل<br />

2<br />

أم جاهل،‏ أقرشي أم غري قرشي،‏ أشجاع أم جبان؟[‏ أ ه .<br />

قلت:‏ فهل جيوز أن يبايع املسلم ألمري ال يعرف عينه وال امسه؟<br />

اجلواب:‏ إن مؤل<strong>في</strong> األحكام السلطانية 3<br />

اتفقا على جواز هلا،‏ وهو أنه ال يلزم أن يعرف كل مسلم الإمام بعينه<br />

وامسه،‏ إال أهل احلل والعقد الذين تقوم هبم احلجة،‏ أما ما يلزم الكافة فهو أن يعرفوا أن اخلالفة آلت إَل مستحقها.‏<br />

قال املاوردي:‏ ‏])فصل(‏ فإذا استقرت اخلالفة ملن تقلدها إما بعهد أو اختيار لزم كافة األمة أن يعرفوا إفضاء اخلالفة إَل<br />

مستحقها بصفاته،‏ وال يلزم أن يعرفوه بعينه وامسه إال أهل االختيار الذين تقوم مب حجة وببيعتهم تنعقد اخلالفة.‏<br />

وقال سليمان بن جرير:‏ واجب على الناس كلهم معرفة الإمام بعينه وامسه كما معرفة هللا ومعرفة رسوله.‏ واللي عليه<br />

مجهور الناس أن معرفة اإلمام تلزم الكافة على اجلملة دون التفصيل،‏ وليس على كل أحد أن يعرفه بعينه وامسه<br />

إال عند النوازل اليت حت ‏ِوج إليه،‏ كما أن معرفة القضاة الذين تنعقد هبم األحكام،‏ والفقهاء الذين يفتون يف احلالل<br />

واحلرام تلزم العامة على اجلملة دون تفصيل إال عند النوازل احملوجة إليهم،‏ ولو لزم كل واحد من األمة أن يعرف الإمام<br />

بعينه وامسه للزمت اهلجرة إليه وملا جاز ختلف األابعد وألفضى ذلك إَل خلو األوطان ولصار من العرف خارجا<br />

وابلفساد عائدا[‏<br />

4<br />

.<br />

وقال أبو يعلى:‏ ‏]وال جيب على كافة الناس معرفة اإلمام بعينه وامسه،‏ إال من هو من أهل االختيار الذين تقوم هبم<br />

احلجة وتنعقد هبم اخلالفة[‏ . 5<br />

قلت:‏ ومن البيعات<br />

العباسيني،‏ كما يلي:‏<br />

= 1<br />

اليت وقعت هبذه الكي<strong>في</strong>ة أذكر:‏ بيعة عمر بن عبد العزيز وهو أحد الراشدين،‏ وبيعة دعوة<br />

بيعة اخلالفة لعمر بن عبد العزيز اخلليفة الراشد:‏ عَهِدَ‏ اخلليفة عبد امللك بن مروان لبنيه ابخلالفة من بعده ، 1 فتوَل<br />

الوليد ‏ُث سليمان،‏ فلما حُضِرَ‏ سليمان أشار عليه التابعي اجلليل رجاء بن حَيْوَة أبن ي ‏َعْهَد إَل عمر بن عبد العزيز،‏<br />

078<br />

- 1 طبعة<br />

69 ص ‎1413‎ه<br />

- 2 وكرر هذا يف هامش ص 89<br />

- 3 املاوردي وأيب يعلى<br />

- 4 ‏)األحكام السلطانية(‏ للماوردي ص 15<br />

- 5 ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص 27


عمر<br />

قال السيوطي:‏ ‏]قال رجاء تستخلف عمر بن عبد العزيز،‏ قال سليمان أختوف إخوِت ال يرضون قال:‏ ت ِ ‏ُوَيلّ‏ َ<br />

ومن بعده يزيدَ‏ بن عبد امللك،‏ وتكتب كتااب وختتم عليه وتدعوهم إَل بيعته خمتوما،‏ قال:‏ لقد رأيت[‏ ، 2 وقال ابن كثري<br />

إن سليمان كتب:‏ ‏]بسم هللا الرمحن الرحيم،‏ هذا كتاب من عبد هللا سليمان بن عبد امللك لعمر بن عبد العزيز،‏ إين قد<br />

وَلميته اخلالفة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد امللك،‏ فامسعوا له وأطيعوا،‏ واتقوا هللا وال ختتلفوا <strong>في</strong>طمع <strong>في</strong>كم عدوكم.‏<br />

وختم الكتاب وأرسل إَل كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة،‏ فقال له:‏ أمجع أهل بييت فمرهم فليبايعوا على ما<br />

يف هذا الكتاب خمتوما،‏ فمن أيب منهم ضرب عنقه.‏ فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمري املؤمنني،‏ فقال هلم،‏<br />

هذا الكتاب عهدي إليكم،‏ فامسعوا له وأطيعوا من وليت <strong>في</strong>ه،‏ فبايعوا لذلك رجال،‏ إَل أن قال ابن كثري قال رجاء<br />

بن حَيْوَة فَحَرمفته إَل القبلة فمات رمحه هللا،.‏ فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت عليه وأرسلت إَل كعب بن حامد<br />

فجمع الناس يف مسجد دابق،‏ فقلت:‏ ابَيِعوا ملن يف هذا الكتاب،‏ فقالوا قد ابيعنا،‏ فقلت:‏ ابيعوا ‏َثنية،‏ ففعلوا،‏ ‏ُث<br />

3<br />

قلت قوموا إَل صاحبكم فقد مات،‏ وقرأت الكتاب عليهم[‏ .<br />

4<br />

ورجاء بن حَيْوَة الذي أشار بذلك على سليمان بن عبد امللك،‏ هو اتبعي جليل . وقال ابن كثري:‏ ‏]وهو اتبعي جليل،‏<br />

كبري القدر،‏ ثقة فاضل عادل،‏ وزير صدق خللفاء بين أمية،‏ وكان مكحول إذا سئل يقول:‏ سلوا شيخنا وسيدان رجاء<br />

5<br />

بن حَيْوَة،‏ وقد أثىن عليه غري واحد من األئمة ووثقوه يف الرواية[‏ .<br />

= 2<br />

بيعة الدعوة إَل إقامة دولة العباسيني:‏<br />

ابتدأ هذه الدعوة حممد بن علي بن عبد هللا بن عباس،‏ كما ذكرت من قبل،‏ ودعوا الناس إَل بيعتهم،‏ وكانت البيعة<br />

للرضى من آل حممد صلى هللا عليه وسلم،‏ هكذا دون حتديد لشخصية أمري هذه الدعوة،‏ وكان هذا متعمدا،‏ حلرص<br />

العباسيني على كسب شيعة العلويني إَل دعوهتم،‏ وآل حممد صلى هللا عليه وسلم<br />

تشتمل العلويني والعباسيني،‏ فاملبايع<br />

له يف هذه الدعوة هو شخ جمهول ابلنسبة ألغلبية من ابيع ابستثناء النقباء وكبار الدعاة الذين كانوا يعرفون<br />

صاحب الدعوة ابمسه وعينه<br />

حممد صلى هللا عليه وسلم<br />

6<br />

. وقال السيوطي:‏ ‏]بعث حممدٌ‏ رجال إَل خراسان وأمره أن يدعو إَل الرضى من آل<br />

7<br />

وال يسمي أحدا،‏ ‏ُث وجه أاب مسلم اخلراساين وغريه،‏ وكتب إَل النقباء فقبلوا كتبه[‏ .<br />

قلت:‏ فهذا هو ما تيسر لنا من القول يف مسألة هل جتوز البيعة جملهول؟ والذي يظهر من النقول السابقة أن هذا جائز<br />

طاملا كان أهل احلل والعقد يعرفون املبايع له.‏ وهللا أعلم.‏<br />

079<br />

- 1 ‏)البداية والنهاية(‏ 57 / 8<br />

- 2 ‏)اتريخ اخللفاء(‏ للسيوطي ص 226<br />

- 3 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 192<br />

- 4 انظر اجلرح والتعديل البن أيب حامت ج 3 ص 511<br />

42<br />

- 5 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص 314<br />

- 6 انظر ‏)البداية والنهاية(‏ ج 8 ص ،321 ج 11 ص 38 ،31 ،31 ،25 ،5<br />

- 7 ‏)اتريخ اخللفاء(‏ ص 257


كذلك فقد أورد الشيخ مقبل كالما مفاده النهي عن االنضمام إَل اجلماعات الإسالمية قال يف نفس الكتاب:‏ ‏]هل<br />

بيعتهم الزمة؟ فاجلواب:‏ أهنا ليست الزمة ألنه يشرتط يف الإمام أن يكون قرشيا متمكنا،‏ وكثريا ما يدندنون حبديث<br />

‏»من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية«‏<br />

هذا إذا وجد إمام،‏ إما إذا مل يوجد إمام وال مجاعة ترتضى،‏<br />

فالرسول صلى هللا عليه وسلم يقول يف حديث حذيفة:‏ ‏»فإن مل يكن هلم إمام وال مجاعة فاعتزل تلك الفرق كلها«[‏ إ<br />

1<br />

ه ، وكرر االستدالل حبديث حذيفة يف ص 89 من نفس الكتاب.‏<br />

واجلواب عن هذا:‏ هو أنين فرقت من قبل بني إمام املسلمني وبيعات الطاعات بني املسلمني،‏ أما عن استدالله حبديث<br />

حذيفة فهو مُعْرتَ‏ ض حبديث الطائفة املنصورة وقد فصلت هذا من قبل،‏ وأن هذه الطائفة هم أهل العلم واجلهاد وأن<br />

الإمارة من صفات هذه الطائفة حلديث جابر بن عبد هللا عند مسلم وقد سبق،‏ وأن هذه الطائفة ال خيلو منها زمان<br />

حىت يقاتل آخرهم املسيح الدجال،‏ ولذلك فال يصح حصر الطائفة من أهل العلم فقط،‏ كما استدركه النووي على<br />

أقوال البخاري وأمحد بن حنبل وغريهم رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

‏ُث إن الشيخ نقض كالمه بنفسه يف أكثر من موضع،‏ فقال يف كالمه السابق ‏)وال مجاعة ترتضى(‏ وهذا معناه أن<br />

االعتزال الوارد يف حديث حذيفة مقيد بوجود مثل هذه اجلماعة املرضية وهذا يتفق مع حديث الطائفة املنصورة كما<br />

فصلته من قبل.‏<br />

وقال الشيخ مقبل أيضا:‏ يف جوابه ملن سأله عن مبايعة اجلماعات،‏ قال:‏ ‏]أما على السمع والطاعة فال،‏ وأما أن<br />

تعاهدهم ويعاهدوك على الدعوة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم فال أرى مانعا[‏<br />

2<br />

، وهذه املعاهدة<br />

على الطاعات اليت أقرها تنقض استدالله حبديث حذيفة،‏ إذن فاالعتزال املأمور به ليس على إطالقه بل مقيد،‏ وأنه<br />

مىت وجد املسلم طائفة على احلق فعليه أن يلتزمها ويشد أزرها.‏ أما إنكاره للسمع والطاعة فلم يسق له دليال،‏ خالفا<br />

ملا نصح به املسلمني يف آخر كتابه حيث قال:‏ ]5<br />

3<br />

صلى هللا عليه وسلم ] .<br />

كذلك فقد نصح الشيخ مقبل املسلمني ابجلهاد يف سبيل هللا<br />

أن تلزم نفسك أال تعمل إال بدليل من كتاب هللا وسنة رسوله<br />

4<br />

، فنسأله هل جيوز أن يقوم اجلهاد بدون إمارة،‏ وهل<br />

تكون الإمارة بدون السمع والطاعة؟ وقد فصلت هذه املسألة يف الباب الثالث اخلاص ابلإمارة من هذه الرسالة.‏<br />

وقال الشيخ كالما متناقضا،‏ مثل قوله:‏ ‏]وإين ال أرى لطالب العلم أن يرتبط أبي مجاعة أما الدعوة إَل الكتاب والسنة<br />

1<br />

<strong>في</strong>عترب نفسه فردا من أفراد كل مجاعة تدعو إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم[‏ ، وال خيفى ما يف هذا<br />

الكالم من التضارب،‏ فهو قد هنى طالب العلم أن يكون يف مجاعة ‏ُث نصحه أبن يكون يف كل مجاعة.‏<br />

081<br />

- 1 الصفحة 69<br />

2 الصفحة 69<br />

- 3 الصفحة 89 من نفس الكتاب<br />

- 4 الصفحة 89 من نفس الكتاب


وقال أيضا إنه وإخوانه من أهل العلم مسَُّوا أنفسهم أهل السنة ليتميزوا عن غريهم،‏ ‏ُث صرح أبهنم مجاعة،‏ قال:‏ ‏]أما أهل<br />

السنة فإهنم ألزموا أنفسهم ابلعمل بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل قوله وليس هلم رئيس،‏ فهم يقولون<br />

رئيسنا رئيس الدولة مهما كان مسلما وليس هلم أمري ولكنهم يقولون:‏ سنتشاور يف تسيري الدعوة ونتطاوع وال<br />

نتخالف[‏<br />

2<br />

، وال خيفى التضارب بني قوله ‏)رئيسنا...(‏ وقوله ‏)وليس هلم أمري(،‏ وال خيفى كذلك التضارب بني قوله<br />

‏)رئيسنا رئيس الدولة(‏ مع نصحه للسائل أال يعاهد أحدا على السمع والطاعة،‏ إذ إن قبوله ملبدأ الرايسة على نفسه<br />

وعلى من معه هو إقرار ابلسمع والطاعة هلذا الرئيس،‏ وال خيفى التضارب بني قوله ‏)رئيسنا رئيس الدولة(‏ وقوله ‏)إنه<br />

يشرتط يف الإمام أن يكون قرشيا متمكنا(.‏ وال ننكر فضله وجهده يف نشر السنة.‏<br />

وهذا ما تيسر من الكتابة يف مسألة العهود بني املسلمني على الطاعات أدرجتها يف فصل ‏)قسم معسكر التدريب(‏<br />

لبيان مشروعية هذا وما يتعلق به من أمور.‏<br />

- 1 الصفحة 68 من نفس الكتاب<br />

- 2 الصفحة 71 من نفس الكتاب<br />

080


الرابع من واجبات األمير:‏<br />

تأمير أمراء المجموعات واألعمال<br />

على أمري معسكر التدريب أن ينصب املسؤولني عن األعمال املختلفة ابملعسكر سواء األعمال الإدارية أو العسكرية<br />

أو الشرعية،‏ وكذلك أمراء جمموعات التدريب،‏ وعليه أن يوصي أتباعه بطاعة من والهم.‏<br />

وهنا عدة مسائل ينبغي التنبيه عليها يف هذا الشأن:‏<br />

أوال:‏ تأمير أمراء مجموعات التدريب ‏)العرفاء(‏<br />

إذا كان عدد الطالب مبعسكر التدريب كثريا.‏ ويؤمر على كل جمموعة عرفا من أفضلهم وأكثرهم خربة وذلك ألن<br />

األمري ال ميكنه أن يتابع الطالب فردا فردا بنفسه فالبد من أن ينوب عنه من يتابع تدريبات الطالب وهم عرفاء<br />

اجملموعات.‏<br />

ويستدل هلذا:‏<br />

بقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

1<br />

‏»ارْجِ‏ عُوا حَىتم ي ‏َرْفَعَ‏ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ‏ أَمْرَكُ‏ ‏ْم«‏ ، وقال ابن حجر:‏ ‏]قال ابن بطال:‏<br />

يف احلديث مشروعية إقامة العرفاء،‏ ألن الإمام ال ميكنه أن يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه<br />

ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه،‏ وقال:‏ واألمر والنهي إذا توجه إَل اجلميع يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط،‏ فإذا أقام<br />

على كل قوم عريفا مل يسع كل أحد إال القيام مبا أُمِرَ‏ به[‏<br />

2<br />

.<br />

. 4<br />

ويراعى عند تقسيم الطالب إَل جمموعات أن جيمع املتقاربني مع بعضهم،‏ كأهل البلد الواحد أو القبيلة الواحدة أو<br />

اللغة الواحدة وما شابه ذلك،‏ فالسنة أن يقاتل الرجل مع قومه،‏ قال اهليثمي يف جممع الزوائد:‏ [ ‏)اب قتال الرجل<br />

حتت راية قومه(‏ عن املخارق قال لقيت عمارًا يوم اجلمل يبول يف قرن،‏ فقلتُ‏ أقاتلُ‏ معك،‏ فقال قاتِل حتت راية<br />

قومك فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتِل حتت راية قومه . 3 ومن هذا ما ذكره ابن<br />

كثري يف كالمه عن وقعة شقحب ‏)‏‎712‎ه ) بني املسلمني والترت،‏ حيث طلب السلطان من ابن تيمية رمحه هللا أن يقف<br />

معه يف املعركة،‏ فقال له ابن تيمية ‏]السنة أن يقف الرجل حتت راية قومه،‏ وحنن من جيش الشام ال نقف إال معهم[‏<br />

- 1 رواه البخاري وذلك بشأن سيب هوزان<br />

082<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 168<br />

- 3<br />

رواه أمحد وإسناده منقطع وأبو يعلى والبزار والطرباين و<strong>في</strong>ه إسحاق بن أيب إسحاق الشيباين روى عنه مجاعة ومل يضعفه أحد،‏ وبقية رجال أحد<br />

أسانيد الطرباين ثقات ‏)جممع الزوائد(‏ ج<br />

5 ص 328<br />

- 4 ‏)البداية والنهاية(‏ ج 14 ص 26


ر-‏<br />

ثانيا:‏ نصب والة األعمال:‏<br />

بعد نصب العرفاء يلزم األمري نصب الوالة على األعمال املختلفة ابملعسكر،‏ وهذه ختتلف حسب عدد األفراد ومدة<br />

التدريب،‏ وميكن أن يتوَل فرد واحد عدة أعمال.‏ وأهم هذه األعمال:‏ األعمال الدينية واألعمال الفنية واألعمال<br />

الإدارية.‏<br />

ثالثا:‏ تأمير العرفاء والوالة من حق األمير:‏<br />

أنبه على هذا حىت ال ينازعه أحد يف اختيار الوالة،‏ وذلك ألن األمري غالبا ما يكون أعلم بكفاءات أتباعه وقدراهتم،‏<br />

وعليه أن يستشري من معه،‏ للكل حق إبداء النصح.‏ ودليل قولنا هذا هو:‏<br />

= 1<br />

حديث أيب ذر قال:‏ قلت:‏ اي رسول هللا أ ال ت سْتد عْمِلُِين؟ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنمكَ‏ ضَعِيفٌ‏ وَإِهنمَا أَمَانَةُ‏<br />

وَإِهنمَا ي ‏َوْمَ‏ الْقِيَامَةِ‏ خِ‏ زْيٌ‏ وَنَدَامَةٌ‏ إِال مَنْ‏ أَخَذَهَا حبَِقِّهَا وَأَدمى المذِي عَلَيْهِ‏ فِيهَا«‏<br />

1<br />

.<br />

= 2<br />

عن أسيد بن حضري<br />

<br />

قال:‏ أن رجال أتى النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ اي رسول هللا استعملت فالان ومل<br />

تستعملين؟ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنمكُم سَتَلْقَوْنَ‏ ب ‏َعْدِي أُثْرَةً‏ فَاصْربُِوا حَىتم تَلْقَوِْين«‏<br />

2<br />

.<br />

فدلت األحاديث على أن استعمال العمال والوالة من حق الإمام،‏ واألدلة كثرية يف هذا ومع ذلك فللرعية إبداء<br />

النصح يف هذا الشأن،‏ وإن مل تكن هلم سلطة التأمري،‏ ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد هللا بن الزبري قال:‏ ‏»قدم<br />

ركب من بين متيم على النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فقال أبو بكر:‏ أَمِّر القعقاع بن معبد،‏ وقال عمر:‏ بل أَمِّر األقرع بن<br />

حابس«‏<br />

3<br />

.<br />

= 1<br />

رابعا:‏ على األمير اختيار أصلح الموجودين للعمل.‏<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏ تُؤَدُّوا األَمَانَا ‏ِت إِلَى أَهْلِهَا{‏ . 4 قال ابن تيمية:‏ ‏]قال العلماء:‏ نزلت يف والة<br />

األمور عليهم أن يؤدوا األماانت إَل أهلها إَل قوله أما أداء األماانت ف<strong>في</strong>ه نوعان:‏ أحدمها الوالايت،‏ وهو كان<br />

سبب نزول اآلية فإن النيب صلى هللا عليه وسلم ملا فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بين شيبة،‏ طلبها منه العباس.‏<br />

ليجمع له بني سقاية احلاج وسدانة البيت،‏ فأنزل هللا هذه اآلية،‏ فدفع مفاتيح الكعبة إَل بين شيبة <strong>في</strong>جب على من<br />

ويل األمر أن يويل على كل عمل من أعمال املسلمني أصلح من جيده لللك،‏ قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»من<br />

ويل من أمر املسلمني شيئا فوَلم رجال وهو جيد من هو أصلح للمسلمني منه فقد خان هللا ورسوله«،‏ ويف رواة:‏ ‏»من<br />

وَلم رجال على عصابة،‏ وهو جيد يف تلك العصابة من هو أرضى هلل منه،‏ فقد خان هللا ورسوله وخان املؤمنني«[‏<br />

. 5<br />

083<br />

- 1 رواه مسلم<br />

واه البخاري 2<br />

- 3 احلديث 4947<br />

- 4 النساء،‏ اآلية:‏ 59<br />

- 5 رواه احلاكم يف صحيحه،‏ وروى بعضهم أنه من قول عمر.‏ أ ه من ‏)رسالة السياسة الشرعية(‏ ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 245<br />

247


= 2<br />

روى البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»إِذَا ضُيِّعَتِ‏ األَْمَانَةُ‏ فَانْتَظِرِ‏<br />

السماعَةَ«‏ قِيلَ‏ وَكَيْفَ‏ إِضَاعَتُهَا؟ قَاَل صلى هللا عليه وسلم : إِذَا وُسِّ‏ دَ‏ األَْمْرُ‏ إَِلَ‏ غَريِْ‏ أَهْلِهِ«.‏ فدل هذا احلديث،‏<br />

واآلية قبله،‏ على أن الوالايت أماانت جيب أن توكل إَل أهلها.‏<br />

«<br />

= 3<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ خَيْرَ‏ مَنْ‏ اسْتَأْجَرْ‏ تَ‏ الْقَوِيُّ‏ األَمِينُ{‏ . 1 وهذه اآلية ترشد إَل أهم صفات الوالة وهي القوة<br />

على العمل املوكل إليه،‏ واألمانة يف أداء هذا العمل كامال غري منقوص.‏ قال ابن تيمية:‏ ‏]فإن الوالية هلا ركنان:‏ القوة<br />

واألمانة لآلية السابقة[‏<br />

2<br />

. والقوة ختتلف حبسب نوع الوالية،‏ ف<strong>في</strong> احلرب هي الشجاعة واخلربة واخلِداع ويف القضاء<br />

هي العلم والعدل.‏ أما األمانة فهي خشية هللا وأداء حقوق الناس.‏ ومع ذلك فقد قال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]اجتماع<br />

القوة واألمانة يف الناس قليل،‏ وهلذا كان عمر بن اخلطاب<br />

<br />

يقول:‏ اللهم أشكو إليك جَلَد الكافر،‏ وعجز الثقة،‏<br />

فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها.‏ فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة،‏ قُدِم أنفعهما لتلك<br />

الوالية:‏<br />

3<br />

وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها[‏ .<br />

‏)فصل(‏ وإذا مل تكتمل الكفاءة املطلوبة لعمل ما يف أحد املوجودين،‏ خيتار األمري أصلحهم هلذا العمل.‏ قال ابن تيمية<br />

رمحه هللا:‏ ‏]ومع أنه<br />

جيوز تولية غري األهل للضرورة إذا كان أصلح املوجود،‏ <strong>في</strong>جب مع ذلك السعي يف إصالح<br />

4<br />

األحوال حىت يكتمل للناس ما البد هلم منه من أمور الوالايت والإمارات وحنوها[‏ .<br />

قلت:‏ ودليل القول السابق واضح،‏ وهو قول هللا تعاَل:‏ ‏}فَاتَّقُوا ‏ّللاَّ‏ َ مَا اسْتَطَعْتُ‏ ‏ْم{‏ وقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

5<br />

‏»وَمَا أَمَرْتُكُمْ‏ بِهِ‏ فأتوا مِنْهُ‏ م ا اسْت ط عْتُ‏ ‏ْم«‏ . وقول ابن تيمية:‏ ‏]<strong>في</strong>جب مع ذلك السعي يف إصالح احلال ...[ هذا من<br />

ابب وجوب القيام بفروض الكفاية اليت البد منها لألمة.‏<br />

قلت:‏ واملسلمون اليوم بعيدون عن<br />

ممارسة القيادة والعمل اجلماعي على أسس شرعية صحيحة،‏ وذلك لذهاب دولة<br />

الإسالم والقعود عن أداء فريضة اجلهاد،‏ فلتكن ميادين التدريب واجلهاد املتاحة اليوم ساحة ملمارسة القيادة والعمل<br />

اجلماعي عمليا،‏<br />

واملمارسة تُكْسِ‏ ب افربة وتدُب نيِ‏ نواحي القصور،‏ وهذه تُسد وتُستكمل أوال أبول،‏ حىت يصل<br />

املسلمون بذاك إَل أرقى درجات الكفاية واألداء يف هذا اجملال،‏ وهلا واجب.‏ وإذا حدثت أخطاء وظهر قصور أثناء<br />

املمارسة فال ينبغي أن يكون هذا مثبطا عن االستمرار،‏ فإنه قد رُوِيَ‏ ‏»ال حليم إال ذو عثرة وال حكيم إال ذو جتربة«،‏<br />

بل ينبغي أن يكون هذا حافزا على السعي يف إصالح األحوال،‏ كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»فسددوا<br />

084<br />

- 1 القص ، اآلية:‏ 26<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 253<br />

- 3 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 254<br />

- 4 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 258<br />

5 متفق عليه عن أيب هريرة.‏


وقاربوا وأبشروا«‏ ، 1 أي الزموا السداد،‏ فإن مل تستطيعوا فقاربوه أي اقرتبوا من السداد،‏ وأبشروا مع ذلك.‏ وقد حدثت<br />

أخطاء من الصحابة يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ وكان مع ذلك دائم التوجيه والإصالح هلم صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ ومن ذلك ما صنع خالد مع بين جذمية،‏ وأَمْر عبد هللا بن حذافة أصحابه بدخول النار،‏ فال ينبغي أن يكون<br />

افطأ مَبطا عن العمل بل حافزا لإلصالح.‏<br />

خامسا:‏ يجوز تولية المفضول مع وجود األفضل لجلب منفعة أو لدفع<br />

مفسدة.‏<br />

املقصود ابألفضل أي يف العلم والإميان واملنزلة الدينية وذلك حبسب احلكم على الظاهر قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ أَكْرَ‏ مَكُمْ‏ عِنْ‏ ‏َد<br />

3<br />

2<br />

‏َّللاَّ‏ ِ أَتْقَاكُمْ{‏ ، وسُئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : من أكرم الناس؟ قال:‏ ‏»أتقاكم«‏ . وهذا خالفا لإمام احلرمني<br />

اجلويين الذي اعترب األفضل ‏]عَنَيْنَا به األصلح للقيام على اخللق مبا يستصلحهم وهذا تنبيه على معىن التفضيل[‏<br />

. 4<br />

<strong>في</strong>نبغي التفريق بني األفضل واألصلح،‏ وليس األفضل هو األصلح دائما،‏ فقد يكون أفضل الناس هو األصلح كما<br />

كان اخللفاء الراشدون األربعة،‏ وقد يكون الرجل فاضال وال يصلح للوالية كأيب ذر<br />

،<br />

قال ابن تيمية:‏ ‏]وكان أبو ذر<br />

، أصلح منه أي من خالد بن الوليد يف األمانة والصدق،‏ ومع هذا فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»اي أاب ذر<br />

5<br />

إين أراك ضعيفا،‏ وإين أحب لك ما أحب لنفسي،‏ ال أتََمرن على اثنني وال تَوَلمني مال يتيم«‏ . هنى أاب ذر عن الإمارة<br />

والوالية،‏ ألنه رآه ضعيفا،‏ مع أنه قد رُوِيَ‏ ‏)ما أظلت اخلضراء وال أقلت الغرباء أصدق هلجة من أيب ذر([‏ . 6<br />

ومجهور العلماء على أنه جتوز تولية املفضول مع وجود الفاضل إما جللب منفعة أو لدفع مفسدة،‏ وهذا الكالم ينطبق<br />

على الإمامة الكربى وعلى سائر الوالايت.‏<br />

قال القاضي أبو يعلى:‏ ‏]فإن كان أفضل اجلماعة ممن مجعوا شروط الإمامة فبايعوه ‏ُث حَدَثَ‏ من هو أفضل منه مل<br />

جيز العدول عنه إَل من هو أفضل منه.‏ ويف االبتداء لو عدلوا عن األفضل لغري علر مل جيز،‏ وإن كان لعلر من كون<br />

األفضل غائبا أو مريضا أو كان املفضول أطوع يف الناس جَازَ[‏<br />

. 9 السلطانية<br />

، 7 وقال املاوردي كالما قريبا من هذا يف أحكامه<br />

085<br />

- 1 رواه البخاري<br />

- 2 احلجرات،‏ اآلية:‏ 13<br />

- 3 متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 4 ‏)الغياثي(‏ ط 2 ص 165 حتقيق د / عبد العظيم الديب<br />

- 5 رواه مسلم<br />

- 6 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 256، واحلديث األخري رواه الرتمذي وحسنه برقم ‎3916‎كتاب املناقب.‏<br />

- 7 ‏)األحكام السلطانية(‏ ص 33<br />

- 9 الصفحة 9


وقال اجلويين:‏ ‏]فلو فرضنا مستجمعا للشرائط أي شرائط الإمامة ابلغا يف الورع الغاية القصوى،‏ وقدران آخر أكفأ<br />

منه،‏ وأهدى إَل طرق السياسة والرايسة،‏ وإن مل يكن يف الورع مثله،‏ فاألكفأ أوىل ابلتقدم[‏<br />

مما سبق يتبين لنا أنه يجوز تولية المفضول ألسباب:‏<br />

األول:‏ غيا الفاضل،‏ ويف معناه أسْرَه،‏ أو مرضه مبا يقعده عن القيام ابألعباء.‏<br />

. 1<br />

الَاين:‏ جلب املنفعة،‏ ككون املفضول أصلح للوالية أو أمجع لقلوب الناس،‏ ويف هذا قال ابن حجر:‏ ‏]والذي يظهر<br />

من سرية عمر يف أُمَرَائِه الذين كان<br />

.<br />

3<br />

يُؤمِّرهم يف البالد أنه كان ال يراعي األفضل يف الدين فقط،‏ بل يضم إليه مزيد<br />

املعرفة ابلسياسة مع اجتناب ما خيالف الشرع منها،‏ فألجل هذا استخلف معاوية واملغرية بن شعبة وعمرو بن العاص<br />

مع وجود من هو أفضل منهم يف أمر الدين والعلم كأيب الدرداء ابلشام،‏ وابن مسعود ابلكوفة[‏<br />

2<br />

، وقال ابن تيمية:‏<br />

‏]فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها،‏ فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة:‏ قُدِّم أنفعهما لتلك<br />

الوالية،‏ وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها،‏ <strong>في</strong>ُقَدم يف إمارة احلروب الرجل القوي الشجاع وإن كان <strong>في</strong>ه فجور على الرجل الضعيف<br />

العاجز وإن كان أمينا،‏ كما سئل الإمام أمحد:‏ عن رجلني يكوانن أمريين يف الغزو،‏ وأحدمها قوي فاجر واآلخر صاحل<br />

ضعيف،‏ مع أيهما يُغزى؟ فقال:‏ أما الفاجر القوي فقوته للمسلمني وفجوره على نفسه،‏ وأما الصاحل الضعيف<br />

فصالحه لنفسه وضعفه على املسلمني،‏ <strong>في</strong>غزى مع القوي الفاجر،‏ وقد قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»إن هللا يؤيد<br />

هذا الدين ابلرجل الفاجر«‏ ورُوِيَ‏ ‏»أبقوام ال خالق هلم«.‏ وإن مل يكن فاجرا كان أوَل إبمارة احلرب ممن هو أصلح منه<br />

يف الدين إذا مل يَسُد مَسَدمه[‏<br />

الَالث:‏<br />

دفع املفسدة ودرء الفتنة،‏ ككون املفضول حازما يف سياسة القوم وإقامة احلدود وغريها،‏ ويف هذا يقول<br />

القرطيب:‏ ‏]جيوز نصب املفضول مع وجود الفاضل خوف الفتنة وأال يستقيم أمر األمة،‏ وذلك أن الإمام إَّنا نصب<br />

لدفع العدو ومحاية البَيْضة وسد اخللل واستخراج احلقوق وإقامة احلدود وجباية األموال لبيت املال وقسمتها على<br />

أهلها.‏ فإذا خيف إبقامة األفضل اهلرج والفساد وتعطيل األمور اليت ألجلها ي ‏ُنْصَب الإمام كان ذلك علرا ظاهرا يف<br />

العدول عن الفاضل إىل املفضول،‏ ويدل على ذلك أيضا عِلْمُ‏ عمر وسائر األمة وقت الشورى أبن الستة <strong>في</strong>هم فاضل<br />

ومفضول،‏ وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدى املصلحة إَل ذلك واجتمعت كلمتهم عليه من غري إنكار أحد<br />

عليهم،‏ وهللا أعلم[‏<br />

. 4<br />

ومن أمثلة تولية املفضول لِدَرْءِ‏ الفتنة عزل عمر بن اخلطاب لسعد بن أيب وقاص من إمارة الكوفة وتولية غريه عليها،‏<br />

مع كون سعد من العشرة املبشرين ابجلنة ومن أصحاب الشورى الذين استخلفهم عمر،‏ وقال عمر عنه:‏ ‏)فإين مل أعزله<br />

086<br />

- 1 ‏)الغياثي(‏ ص 191<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 189<br />

- 3 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 255<br />

- 4 تفسري القرطيب ج 1 ص 221


عن عجز وال خيانة(‏ فتبني أنه ما عزله إال لِدَرْءِ‏ الفتنة لَما اشتكاه أهل الكوفة.‏ ومن أمثلة ذلك أيضا عزل عمر بن<br />

اخلطاب خلالد بن الوليد من إمارة اجليوش خشية أن ي ‏ُفْنتَ‏ الناس به وينسبوا الظفر إليه قال ابن كثري:‏ ‏]كتب عمر إَل<br />

أهل األمصار:‏ إين مل أعزل خالدا<br />

1<br />

الصانع[‏ .<br />

أ<br />

عن سخطة وال خيانة،‏ ولكن الناس فُتِنُوا به،‏ فأحببت أن يعلموا أن هللا هو<br />

فهذه هي أهم األسباب اليت جتَُوِّز تولية املفضول بال خالف بني العلماء.‏ ولكن إذا مل تكن هله األعلار قائمة فهل<br />

جيوز تولية املفضول؟ <strong>في</strong>ها خالف:‏<br />

فقال اجلويين:‏ ‏]إالم أَمان نقطع بتحرمي تقدمي املفضول مع التمكن من تقدمي الفاضل[‏<br />

األكَر من الفقهاء واملتكلمني جتوز<br />

-<br />

2<br />

. إال أن املاوردي قال:‏ ‏]وقال<br />

إمامته وصحت بيعته وال يكون وجود األفضل مانعا من إمامة املفضول إذا مل<br />

يكن مقصرا عن شروط الإمامة،‏ كما جيوز يف والية القضاء تقليد املفضول مع وجود الفاضل،‏ أن زايدة الفضل مبالغة<br />

يف االختيار وليست معتربة يف شروط االستحقاق[‏<br />

. 3 قلت:‏ وما قاله املاوردي من أن أكثر الفقهاء على جواز<br />

وصحة والية املفضول ما مل يكن مقصرا عن شروط الإمامة،‏ ذكره ابن حجر عند كالمه عن تنازل احلسن بن علي عن<br />

اخلالفة ملعاوية قال:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه والية املفضول اخلالفة مع وجود األفضل،‏ ألن احلسن ومعاوية وَيلِ‏ َ كل منهما اخلالفة وسعد<br />

بن أيب وقاص وسعيد بن زيد يف احلياة ومها بدراين قاله ابن التني[‏<br />

فهذا ما تيسر يف مسألة تولية املفضول والغرض من ذكرها هو:‏<br />

رفع<br />

4<br />

، وسعد وسعيد كالمها من العشرة املبشرين ابجلنة.‏<br />

ا رج عن األمري:‏ فقد يتحرج من تولية املفضول األصلح للعمل على األفضل دينا وورعا.‏ فبَيمنَا له جواز<br />

ذلك،‏ بل قد جيب عليه ذلك.‏<br />

-<br />

دفع الشحناء بني اإلخوة:‏ حىت ال يقول الفاضل ملاذا اختار األمري فالان املفضول وتركين وأان خري منه؟ <strong>في</strong>علم<br />

5<br />

أن هذا هو حكم الشريعة.‏ وقال هللا تعاَل:‏ ‏}قَال تُزَ‏ كُّوا أَنفُسَكُمْ‏ هُوَ‏ أَعْلَمُ‏ بِمَنْ‏ اتَّقَى{‏ . وينبغي للفاضل أن يتقي هللا<br />

ويطيع املفضول طاملا كان املفضول أكفأ ملصاحل هذه الوالية،‏ وُث اختياره بواسطة األمري.‏<br />

سادسا:‏ وعلى األمير أال يولي من يحرص على اإلمارة والوالية<br />

وذلك حلديث أيب موسى األشعري قال:‏ دخلت على النيب صلى هللا عليه وسلم أان ورجالن من بين عمى،‏ فقال<br />

أحدمها اي رسول هللا أَمِّران على بعض ما والك هللا عز وجل،‏ وقال اآلخر مثل ذلك،‏ فقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

« 1 انإ<br />

087<br />

-<br />

‏)البداية والنهاية(‏ ج<br />

7 ص 91<br />

- 2 ‏)الغياثي(‏ ص 168<br />

- 3 ‏)األحكام السلطانية(‏ ص 9<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 67<br />

- 5 سورة النجم،‏ اآلية:‏<br />

32


وهللا ال نويل هلا العمل أحدا يسأله أو أحدا حرص عليه«‏<br />

. 1 وورد هذا<br />

احلديث عند الإمام أمحد و<strong>في</strong>ه:‏<br />

« نإ<br />

أ خْو ن كم عندان من يطلبه،‏ فلم ي سْت عِن هبما يف شيء حىت مات صلى هللا عليه وسلم «. فدلت رواية أمحد هذه على<br />

أن احلكمة يف منع تولية احلري<br />

يكون حمروما من التو<strong>في</strong>ق والإعانة الإهلية حلديث عبد الرمحن بن مسَُرَة<br />

<br />

أنه متهما ابلغرض الدنيوي من طَلَب العُلُوّ‏ واملال هبذه الوالية،‏ وأهم من ذلك أنه<br />

قال:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»اي<br />

عبد الرمحن بن مسرة ال تسأل الإمارة،‏ فإنك إن أُعْطِيتها عن غري مسألة أُعِنت عليها،‏ وإن أعطيتها عن مسألة وكلت<br />

2<br />

إليها«‏ . ومعىن ‏»وكلت إليها«‏<br />

أي حرمت من العناية الإهلية وهذا هو اخلسران له وملن أتمر عليهم،‏ فإن من دعاء<br />

املؤمن ‏)اللهم رمحتك أرجو فال تكلين إَل نفسي طرفة عني(،‏ ومعىن ‏»أُعِنت عليها«‏ ورد تفسري ذلك يف حديث أنس<br />

مرفوعا ‏»من سأل القضاء وُكِلَ‏ إَل نفسه،‏ ومن جُربَِ‏ عليه،‏ ينزل عليه ملكا يسدده«‏<br />

واحلرص على<br />

3<br />

.<br />

الرايسة والوالية هو شأن معظم الناس،‏ كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إنكم ستحرصون على<br />

4<br />

الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة«‏ .<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]قال املهلب:‏ احلرص على الوالية هو السبب يف اقتتال الناس عليها حىت سُفِكَت الدماء واستُبيحت<br />

األموال والفروج وعظم الفساد يف األرض بذلك،‏ ووجه الندم أي يف حديث ‏»وستكون ندامة«‏<br />

أنه قد يُقتل أو يُعزل<br />

أو ميوت <strong>في</strong>ندم على الدخول <strong>في</strong>ها ألنه يُطالب ابلتبعات اليت ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه مبفارقته،‏ قال:‏ ويستَىن<br />

من ذلك من تد ع ني عليه كأن ميوت الوايل وال يوجد بعده من يقوم ابألمر<br />

غريه،‏ وإذا مل يدخل يف ذلك حيصل<br />

الفساد بضياع األحوال ‏ُث قال ابن حجر إن من قام ابملر عند خشية الضياع يكون كمن أُعْطِيَ‏ بغري سؤال لفقد<br />

5<br />

احلرص غالبا عمن هذا شأنه،‏ وقد يغتفر احلرص يف حق من تعني عليه لكونه يصري واجبا عليه[‏ .<br />

تنبيه:‏<br />

قد ي ‏ُعْرتَ‏ ض على أحاديث النهي عن طلب الإمارة بقول يوسف عليه السالم ‏}اجْعَلْنِي عَلَى خَزَ‏ ائِنِ‏ األَرْ‏ ضِ‏ إِن ‏ِي<br />

حَفِيظٌ‏ عَلِيمٌ{‏ ، 6 واجلواب من عدة أوجه:‏<br />

= 0<br />

يوسف<br />

افصوصية:‏ أن طلب الوالية خاص ابألنبياء ألمنهم من الزلل،‏ للعصمة وهذا ينت<strong>في</strong> يف حق غريهم،‏ ومثل طلب<br />

دعاء سليمان<br />

<br />

‏}قَالَ‏ رَ‏ ب ِ<br />

7<br />

اغْفِرْ‏ لِي وَ‏ هَبْ‏ لِي مُلْك ‏ًا ال يَنْبَغِي ألَحَدٍ‏ مِنْ‏ بَعْدِي{‏ .<br />

088<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 رواه اخلمسة إال النسائي<br />

- 4 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

- 5 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 126<br />

- 6 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

55<br />

- 7 سورة ص ، اآلية:‏ 35


التد ع نيُّ‏ = 2<br />

: أن يوسف <br />

إَّنا طلب الوالية ألنه أعلم أنه ال أحد يقوم مقامه يف العدل والإصالح وتوصيل الفقراء<br />

إَل حقوقهم فرأى أن ذلك فرض متعني عليه،‏ فإنه مل يكن هناك غريه،‏ وهكذا احلكم اليوم،‏ فأما لو كان هناك من<br />

يقوم هبا ويصلح هلا وعلم بذلك فاألَوَْل أال يطلب حلديث عبد الرمحن بن مسرة السابق،‏ وهذا التأويل جيمع بني الن<br />

الوارد يف النهي وبني اآلية وذكر املهلب كما نقلته عنه ابن حجر ووافقه أن من تَعَنيم عليه املر يُستثىن من أحاديث<br />

النهي عن طلب الوالية.‏ وعلى هذا تكون اآلية خمصصة لعموم النهي عن طلب الوالية يف احلديث.‏<br />

= 3<br />

السابقة.‏<br />

النسخ:‏ أبن يقال إن طلب يوسف كان جائز يف شرع من قبلنا،‏ لكنه منسوخ يف شرعنا أبحاديث النهي<br />

1<br />

والوجه الثاين:‏ وهو جواز طلب الوالية ملن يَتعنيم عليه ذلك هو الذي رجحه القرطيب .<br />

قلت:‏ فالعجب أن قوما ال يتبعون األمري وال يطيعونه إال على شرط أن يوليهم أو على قدر من املال أو املتاع،‏ ومع<br />

النهي الوارد عن تولية مثل هذا،‏ قد ورد الوعيد الشديد لفاعله حيث قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ثَالثَةٌ‏ ال<br />

يُكَلِّمُهُمُ‏ اَّللمُ‏ ي ‏َوْمَ‏ الْقِيَامَةِ‏ وَال ي ‏ُزَكِّيهِمْ‏ وَهلَُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِيمٌ‏ رَجُلٌ‏ عَلَى فَضْلِ‏ مَاءٍ‏ ابِلطمرِيقِ‏ ميَْنَعُ‏ مِنْهُ‏ ابْنَ‏ السمبِيلِ‏ وَرَ‏ ‏ُجلٌ‏ ابَيَعَ‏ إِمَامًا<br />

ال ي ‏ُبَايِعُهُ‏ إِالم لِدُنْيَا إِنْ‏ أَعْطَاهُ‏ مَا يُرِيدُ‏ وَىفَ‏ لَهُ‏ وَإِالم ملَْ‏ يَفِ‏ لَهُ‏ وَرَجُلٌ‏ ي ‏ُبَايِ‏ عُ‏ رَجُال بِسِ‏ لْعَةٍ‏ ب ‏َعْدَ‏ الْعَصْرِ‏ فَحَلَفَ‏ ابَِّللمِ‏ لَقَدْ‏ أُعْطِي<br />

هبَِا كَذَا وَكَذَا فَصَدمقَهُ‏ فَأَخَذَهَا وَملَْ‏ ي ‏ُعْطَ‏ هبَِا«‏<br />

َ<br />

. 2<br />

= 1<br />

= 2<br />

سابعا:‏ مسألة مراعاة السن <strong>في</strong> الواليات:‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ كَبِيرُ‏ هُمْ‏ أَلَمْ‏ تَعْلَمُوا أَنَّ‏ أَبَاكُمْ‏ قَدْ‏ أَخَذَ‏ عَلَيْكُمْ‏ مَوْ‏ ثِقًا مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 3 .<br />

عن أيب مسعود البدري عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ي ‏َؤُمُّ‏ الْقَوْمَ‏ أَقْرَؤُهُمْ‏ لِكِتَابِ‏ اَّللمِ‏ فَإِنْ‏ كَانُوا يفِ‏ الْقِرَاءَةِ‏<br />

سَوَاءً‏ فَأَعْلَمُهُمْ‏ ابِلسُّنمةِ‏ فَإِنْ‏ كَانُوا يفِ‏ السُّنمةِ‏ سَوَاءً‏ فَأَقْدَمُهُمْ‏ هِجْرَةً‏ فَإِنْ‏ كَانُوا يفِ‏ اهلِْجْرَةِ‏ سَوَاءً‏ فَأَقْدَمُهُمْ‏ سِ‏ لْمًا وَال ي ‏َؤُم من<br />

الرمجُلُ‏ الرمجُلَ‏ يفِ‏ سُلْطَانِهِ‏ وَال ي ‏َقْعُدْ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتِهِ‏ عَلَى تَكْرِمَتِهِ‏ إِالم إبِِذْنِِه«‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أَرَاينِ‏ يفِ‏ الْمَنَامِ‏ أَتَسَومكُ‏ بِسِ‏ وَاكٍ‏ فَجَاءَينِ‏ رَجُالنِ‏ أَحَدُمهَُا أَكْربَُ‏ مِنَ‏ اآلخَ‏ ‏ِر<br />

4<br />

.<br />

= 3<br />

فَنَاوَلْتُ‏ السِّ‏ وَاكَ‏ األَصْغَرَ‏ فَقِيلَ‏ يلِ‏ كَربِّْ‏ فَدَفَعْتُهُ‏ إَِلَ‏ األَكْربَِ‏ مِنْهُمَا«‏ . 5<br />

- 1 انظر تفسري القرطيب ج 8 ص 216، ج 15 ص 214، وفتح الباري ج 13 ص 125<br />

- 2 رواه البخاري عن أيب هريرة يف كتاب األحكام ابب ‏)من ابيع رجال اليبايعه إال للدنيا(‏<br />

089<br />

- 3 يوسف،‏ اآلية:‏ 91<br />

- 4 رواه مسلم<br />

- 5 متفق عليه عن ابن عمر


=<br />

4<br />

ويف احلديث القَسَامة يف مقتل عبد هللا بن سهل ‏ِبيرب،‏ ذهب صاحبُه حمَُيْصَة وأخوه األكرب حُوَيْصَة إَل النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم،‏ فأراد حمَُيْصَة أن يتكلم،‏ فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»ك ربِْ‏ ك ربِْ،‏ يُرِيدُ‏ السِ‏ ن<br />

حُوَيِّصَةُ،‏ ‏ُثُم تَكَلممَ‏ حمَُيِّصَةُ«‏ . 1<br />

فَتَكَلمم<br />

َ<br />

،<br />

2<br />

.<br />

=<br />

5<br />

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»لَيْسَ‏ مِنما مَنْ‏ ملَْ‏ ي ‏َرْحَمْ‏<br />

صَغِريَانَ‏ و يد عْرِفْ‏ ش ر ف ك بِريِان«‏<br />

قلت:‏ أردت من هذه النصوص بيان مراعاة السن يف الوالايت،‏ وحمل ذلك ما إذا تساوى رجالن يف الكفاءة للقيام<br />

بعمل من األعمال،‏ فاألوىل تقدمي أكربمها،‏ كما يف حديث مالك بن حويرث مرفوعا<br />

كاان يف القراءة والفضل سواء،‏<br />

3<br />

‏»وليؤمكما أكربكما«‏ ، حيث<br />

ما مل تكن هناك مصلحة شرعية يف تقدمي األصغر،‏ كما فعل النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم يف بعث أسامة إَل الروم،‏ حيث أمر أسامة بن زيد عَلَى مَنْ‏ هم أكرب منه سِ‏ ناا وفضال من أكابر الصحابة.‏<br />

وحديث أيب مسعود البدري هو يف إمامة الصالة خاصة،‏ ليس يف الوالايت العامة اليت يراعى <strong>في</strong>ها اخلربة والكفاءة قبل<br />

الفضل يف الدين،‏ كما سبق يف ‏)جواز والية املفضول(،‏ وإَّنا أوردته هذا لبيان أنه إذا تساوى رجالن يف استحقاق<br />

والية يقدم أكربمها سنا،‏ فهذا أمكن لنفوس أتباعه و<strong>في</strong>ه تواب األخذ بسنة النيب صلى هللا عليه وسلم.‏<br />

وقد أورد البخاري رمحه هللا يف كتاب الفنت من صحيحه حديثا يشري إَل هذا املعىن،‏ فقال:‏ ‏)ابب قول النيب صلى هللا<br />

إِمسَْاعِيل حَدمث ‏َنَا عَمْرُو بْنُ‏ حيََْىي<br />

عليه وسلم : هالك أميت على يدي أغيلمة سفهاء(‏ ‏ُث قال البخاري:‏ حَدمث ‏َنَا مُوسَى بْنُ‏ َ<br />

صلى هللا عليه وسلم ابِلْمَدِينَةِ‏ وَمَعَنَا<br />

بْنِ‏ سَعِيدِ‏ قَالَ‏ أَخْربََينِ‏ جَدِّي قَالَ‏ كُنْتُ‏ جَالِسًا مَعَ‏ أَيبِ‏ هُرَيْرَةَ‏ يفِ‏ مَسْجِ‏ دِ‏ النميبِ‏ ّ<br />

مَرْوَانُ‏ قَالَ‏ أَبُو هُرَيْرَةَ‏ مسَِعْتُ‏ الصمادِقَ‏ الْمَصْدُوقَ‏ ي ‏َقُولُ‏ هَلَكَةُ‏ أُميتِ‏ عَلَى يَدَيْ‏ غِلْمَةٍ‏ مِنْ‏ قُرَيْشٍ‏ فَقَالَ‏ مَرْوَانُ‏ لَعْنَةُ‏ اَّللمِ‏<br />

‏َني<br />

مَعَ‏ جَدِّي إَِلَ‏ بَينِ‏ مَرْوَانَ‏ حِ‏<br />

ِ<br />

عَلَيْهِمْ‏ غِلْمَةً‏ فَقَالَ‏ أَبُو هُرَيْرَةَ‏ لَوْ‏ شِ‏ ئْتُ‏ أَنْ‏ أَقُولَ‏ بَينِ‏ فُالنٍ‏ وَبَينِ‏ فُالنٍ‏ لَفَعَلْتُ‏ فَكُنْتُ‏ أَخْرُجُ‏<br />

مُلِّكُوا ابِلشمأْمِ‏ فَإِذَا رَآهُمْ‏ غِلْمَاانً‏ أَحْدَاَثً‏ قَالَ‏ لَنَا عَسَى هَؤُالءِ‏ أَنْ‏ يَكُونُوا مِنْهُمْ‏ قُلْنَا أَنْتَ‏ قال ابن حجر يف<br />

شرحه:‏ ‏]قال ابن األثري املراد ابألغيلمة هنا الصبيان ولذلك صَغمرهم.‏ قلت:‏ وقد يطلق الصيب والغُليم ابلتصغري على<br />

أَعْلَم«.‏<br />

ُ<br />

الضعيف العقل والتدبري والدين ولو حمتلما وهو املراد هنا،‏ فإن اخللفاء من بين أمية مل يكن <strong>في</strong>هم من استُخلِف وهو<br />

دون البلوغ وكذلك من أمروه على األعمال،‏ إال أن يكون املراد ابألغيلمة أوالد بعض من استخلف فوقع الفساد<br />

بسببهم فنُسِ‏ ب إليهم،‏ واألوَل احلمل على أعم من ذلك ‏ُث قال ابن حجر ويف رواية ابن أيب شيبة ‏»أن أاب هريرة كان<br />

ميشي يف السوق ويقول:‏ اللهم ال تدركين سنة ستني وال إمارة الصبيان«‏ ويف هذا إشارة إَل أن أول األغيلمة كان يف<br />

سنة الستني وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف <strong>في</strong>ها.‏ إَل أن قال ابن حجر وأن أوهلم يزيد كما دل عليه قول<br />

091<br />

- 1<br />

رواه البخاري يف الدايت )6989( واألحكام )7182( وهذا لفظه،‏ ورواه يف األدب ‏)اب إكرام الكبري ويبدأ األكرب ابلكالم والسنال(،‏ وراه<br />

كذلك يف األدب املفرد.‏<br />

- 2<br />

قال النووي:‏ حديث صحيح رواه أبو داود والرتمذي،‏ وقال الرتمذي:‏ حديث حسن صحيح،‏ ويف رواية أيب داود ‏)حق كبريان(.‏<br />

- 3 رواه البخاري


أيب هريرة رأس الستني وإمارة الصبيان فإن يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها األصاغر<br />

1<br />

من أقاربه[‏ .<br />

قلت:‏ ويف هذا احلديث التحلير من أتمري صغار السن،‏ وإيراد البخاري هلذا احلديث يف كتاب الفنت يشري إَل أن من<br />

أسباب الفنت أتمري الصغار ملا <strong>في</strong>هم من الطيش والتهور وفقدان الر وِية وا نكة والتجربة والنظر يف العواقب.‏ ويف<br />

احلديث إشارة إَل تولية الكبار والشيوخ ما مل تستوجب املصلحة الشرعية تولية األصغر كما سبق تفصيله.‏<br />

«<br />

ثامنا:‏ وعلى األمير محاسبة عماله الذين يوليهم على األعمال المختلفة.‏<br />

ودليل ذلك:‏<br />

عَنْ‏ أَيبِ‏ محَُيْدٍ‏ السماعِدِيِّ:‏ أَمن النيب صلى هللا عليه وسلم اسْتَعْمَلَ‏ ابْنَ‏ الْلمتَبِيمة عَلَى صَدَقَاتِ‏ بَينِ‏ سُلَيْمٍ،‏ فَلَما جَاءَ‏ إََِل<br />

رَسُولِ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم وَحَاسَبَهُ‏ قَالَ‏ هَذَا المذِي لَكُمْ‏ وَهَذِهِ‏ ‏َهدِيمةٌ‏ أُهْدِيَتْ‏ يلِ‏ فَقَالَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه<br />

وسلم:‏ ‏»فَهَالم جَلَسْتَ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتِ‏ أَبِيكَ‏ وَب ‏َيْتِ‏ أُمِّكَ‏ حَىتم أتَْتِيَكَ‏ هَدِي متُكَ‏ إِنْ‏ كُنْتَ‏ صَادِقًا؟«‏ ‏ُثُم قَامَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا<br />

عليه وسلم فَخَطَبَ‏ النماسَ‏ وَمحَِدَ‏ اَّللمَ‏ وَأَثْىنَ‏ عَلَيْهِ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ : أَما ب ‏َعْدُ‏ ِ فَإِينّ‏ أَسْتَعْمِلُ‏ رِجَاال مِنْكُمْ‏ عَلَى أُمُورٍ‏ ممِما وَالم ينِ‏ اَّللمُ‏<br />

فَيَأِْتِ‏ أَحَدُكُمْ‏ فَيَقُولُ‏ هَذَا لَكُمْ‏ وَهَذِهِ‏ هَدِيمةٌ‏ أُهْدِيَتْ‏ يلِ‏ فَهَالم جَلَسَ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتِ‏ أَبِيهِ‏ وَب ‏َيْتِ‏ أُمِِّه حَىتم أتَْتِيَهُ‏ هَدِي متُهُ‏ إِنْ‏ كَا ‏َن<br />

صَادِقًا فَوَاَّللمِ‏ ال ‏َيَْخُذُ‏ أَحَدُكُمْ‏ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ‏ هِشَامٌ‏ بِغَريِْ‏ حَقِّهِ‏ إِالم جَاءَ‏ اَّللمَ‏ حيَْمِلُهُ‏ ي ‏َوْمَ‏ الْقِيَامَةِ‏ أَال فَألَعْرِفَنم مَا جَاءَ‏ اَّللمَ‏<br />

رَجُلٌ‏ بِبَعِريٍ‏ لَهُ‏ رُغَاءٌ‏ أَوْ‏ بِبَقَرَةٍ‏ هلََا خُوَارٌ‏ أَوْ‏ شَاةٍ‏ تَيْعَرُ‏ ‏ُثُم رَفَعَ‏ يَدَيْهِ‏ حَىتم رَأَيْتُ‏ ب ‏َيَاضَ‏ إِبْطَيْهِ‏ أَال هَلْ‏ ب ‏َلمغْتُ‏ ؟«‏ ، 2 وقوله ‏»بغري<br />

حق«‏ رجح ابن حجر كوهنا مُدْرَجَة من كالم هشام.‏ ويف احلديث أن على الإمام حماسبة عماله وتبيني أخطائهم<br />

لتحذر،‏ وجواز إشهار هذا يف الناس لئال يقلده غريه،‏ و<strong>في</strong>ه أيضا كما قال ابن حجر:‏ ‏]جواز توبيخ املخطئ واستعمال<br />

املفضول يف الإمارة والإمامة واألمانة مع وجود من هو أفضل منه[‏ . 3 وقوله ‏»استعمال املفضول«‏ إذ إن النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم استعمل ابن اللتبية ومل يكن من الصحابة املشهورين ومع وجود أكابر الصحابة.‏<br />

ويراجع كذلك حماسبة عمر<br />

<br />

لعماله ومواقفه مع خالد بن الوليد وسعد بن أيب وقاص وعمرو بن العاص وأيب هريرة<br />

وغريهم،‏ حيث عزل بعضهم وشاطر آخرين أمواهلم وعَنمف آخرين،‏ رضي هللا عنهم أمجعني.‏ وهذا آخر ما نذكره يف<br />

الواجب الرابع من واجبات األمري.‏<br />

090<br />

11<br />

- 1 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 8<br />

- 2 رواه البخاري يف ابب ‏)حماسبة الإمام عماله(‏ يف كتاب األحكام من صحيحه،‏ ورواه مسلم.‏ وهشام هو ابن عروة أحد رجال السند.‏<br />

- 3 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 167


الخامس من واجبات األمير:‏<br />

الرفق بمن معه واألناة <strong>في</strong> األمور كلها<br />

= 1<br />

= 2<br />

لقول هللا تعاَل:‏ ‏}قَبِمَا رَ‏ حْمَةٍ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لِنْتَ‏ لَهُمْ‏ وَ‏ لَوْ‏ كُنْتَ‏ قَظًّا غَلِيظَ‏ الْقَلْبِ‏ النْفَضُّوا مِنْ‏ حَوْ‏ لِكَ‏ } 1 .<br />

وحلديث عائشة مرفوعا:‏ ‏»اللهم من ويل من أمر أميت شيئا فَشَقم عليهم فاشقق عليه،‏ ومن ويل من أمر أميت شيئا<br />

فرفق هبم فأرفق به«‏ . 2<br />

= 3<br />

وعنها رضي هللا عنها قال:‏ ‏»مَا خُريَِّ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم بَنيَْ‏ أَمْرَيْنِ‏ قَطُّ‏ إِالم أَخَذَ‏ أَيْسَرَمهَُا مَا ملَْ‏ يَكُ‏ ‏ْن<br />

إِمثًْا فَإِنْ‏ كَانَ‏ إِمثًْا كَانَ‏ أَبْعَدَ‏ النماسِ‏ مِنْهُ‏ وَمَا انْتَقَمَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم لِنَفْسِ‏ هِ‏ يفِ‏ شَيْءٍ‏ قَطُّ‏ إِالم أَنْ‏ ت ‏ُنْتَهَ‏ ‏َك<br />

حُرْمَةُ‏ اَّللمِ‏ فَيَنْتَقِمَ‏ هبَِا ‏َّللِمِ‏ تَعَاَلَ‏<br />

<br />

3<br />

. »<br />

= 4<br />

وعن احلسن البصري أن عَائِذَ‏ بن عمرو دخل على عبيد بن هللا بن زايد وهو وال على العراق فقال:‏ أي بُينَّ‏<br />

إين مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏»إِنم شَرم الرعاء احلُطَمَة«‏ فإايك أن تكون منهم<br />

.<br />

4<br />

= 5<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألَشَجِّ‏<br />

عَبْدِ‏ الْقَيْ‏ ‏ِس:‏ ‏»إِنم فِيكَ‏ خَصْلَتَنيِْ‏ حيُِبُّهُمَا اَّللمُ‏ احلِْلْمُ‏ وَاألَانَةُ«‏<br />

5<br />

.<br />

= 6<br />

وقال عمر بن اخلطاب:‏ ‏»وما ميَْنَعُين أن أُؤَمر سليط بن قيس إال سرعته إَل احلرب،‏ فإن احلرب ال يصلحها إال<br />

6<br />

الرجل املكيث«‏ .<br />

ويدخل يف هذا:‏<br />

= 1<br />

=<br />

أن 2<br />

أن يعرف قدرات مَنْ‏ معه من األعضاء وال حيَُمِّل أحدهم فوق ما حتمله طاقته النفسية أو العقلية أو اجلسمية<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}ال يُكَلِفُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ نَفْس ‏ًا إِالَّ‏ وُ‏ سْعَهَا{‏ وقوله:‏ ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ مَا اسْتََِعْتُمْ{.‏ <strong>في</strong>كلفهم ابألعمال حسب قدراهتم.‏<br />

ال جيمع املبتدئ ‏)املستجد(‏ مع الطال<br />

القدامى<br />

بل جيعل لكل منهما تدريبا مستقال حىت ي ‏ُؤَهمل<br />

املستجدون للتدريبات املشرتكة مع القدامى،‏ وال أبس جبعل التدريب مستوايت.‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

092<br />

- 1 آل عمران،‏ اآلية:‏ 158<br />

- 2 رواه مسلم<br />

- 3 متفق عليه<br />

- 4 رواه مسلم الرعاء:مجع راع،‏ واحلطمة:‏ الذي حيطم رعيته ويسوسهم بعنف.‏<br />

- 5 رواه مسلم عن ابن عباس<br />

- 6 ذكره ابن عبد ربه يف ‏)العقد الفريد(‏ كتاب احلروب


وسلم:‏ ‏»أنزلوا الناس منازهلم«‏ . 1 وهذا يشمل الدروس العملية والنظرية،‏ وهو من خماطبة الناس على قدر عقوهلم،‏ كما<br />

قال ابن مسعود : ‏)مَا أَنْتَ‏ حمَُدَِّثً‏ قَوْمًا حَدِيثًا الَ‏ تَبْلُغُهُ‏ عُقُوهلُُمْ‏ إِالم كَانَ‏ لِبَعْضِهِمْ‏ فِتْنَةً(‏ . 2 وهذا كله يدخل يف الرفق.‏<br />

= 3 أن يكون دأب األمري التيسري على من معه يف التدريب والتعليم واملعيشة ما مل يكن إمثا:‏ فقد قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»يَسِّ‏ رُوا وَال ت ‏ُعَسِّ‏ رُوا وَبَشِّ‏ رُوا وَال ت ‏ُنَفِّرُوا«‏‎3‎ ، قال ابن حجر:‏ ‏]واملراد أتليف من قَرب إسالمه وترك<br />

التشديد عليه يف االبتداء،‏ وكذلك الزجر عن املعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل،‏ وكذلك تعليم العلم ينبغي أن<br />

يكون ابلتمدرُّج،‏ ألن الشيء إذا كان يف ابتدائه سهال حُبِّب إَل من يدخل <strong>في</strong>ه وتَلَقماه ابنبساط،‏ وكانت عاقبته غالبا<br />

الإزدايد،‏ ‏ِبالف ضده،‏ وهللا أعلم[‏ . 4<br />

= 4<br />

أن ي ‏ُعَلِّم كل تلميل ما يراه مائال إليه من الفنون احلربية املختلفة،‏ بعد أن حيصل اجلميع على القدر األساسي<br />

من هذه الفنون،‏ وقد أشار ابن حجر إَل هذا يف شرحه حلديث حذيفة بن اليمان : ‏»كان الناس يسألون رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم عن اخلري،‏ وكنت أسأله عن الشر خمافة أن يدركين...«‏ احلديث . 5 قال ابن حجر:‏ ‏]قال ابن أيب<br />

مجرة:‏ يف احلديث حكمة هللا يف عباده كيف أقام كال منهم <strong>في</strong>ما شاء،‏ فحبّب إَل أكثر الصحابة السؤال عن وجوه<br />

اخلري ليعملوا هبا ويبلغوها غريهم،‏ وحبمب حلذيفة<br />

السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببا يف دفعه عمن أراد هللا له<br />

النجاة،‏ و<strong>في</strong>ه سعة صدر النيب صلى هللا عليه وسلم ومعرفته بوجوه احلكم كلها حىت كان جييب على مل من سأله مبا<br />

يناسبه،‏ ويؤخذ منه أن كل من حُبِب إليه شيء فإنه يفوق <strong>في</strong>ه غريه،‏ ومِنْ‏ ‏ُثَم كان حذيفة صاحب السر الذي ال<br />

يعلمه غريه،‏ حىت خُ‏ م مبعرفة أمساء املنافقني وبكثري من األمور اآلتية،‏ ويُؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميل<br />

من أنواع العلوم ما يراه مائال إليه من العلوم املباحة،‏ فإنه أجدر أن يسرع إىل تفهمه والقيام به[‏<br />

أن يستدل هلذه املسألة أيضا بقوله صلى هللا عليه وسلم :<br />

7<br />

‏»كل ميسر ملا خلق له«‏ .<br />

6<br />

. قلت:‏ وميكن<br />

= 5<br />

أن يتخلل التدريب اليومي قسط من الراحة،‏ وأن تكون هناك راحة يوما يف األسبوع وقال عمر بن اخلطاب يف<br />

وصاايه لسعد بن أيب وقاص رضي هللا عنهما:‏ ‏)وَتَرَفمق ابملسلمني يف سريهم،‏ وال جتشمهم سريا يتعبهم،‏ وال تقصر هبم<br />

- 1 رواه أبو داود عن عائشة<br />

093<br />

- 2 رواه مسلم<br />

- 3 رواه البخاري عن أنس<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ ج 1 ص 163<br />

- 5 متفق عليه<br />

- 6 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 37<br />

- 7 متفق عليه


عند منزل يرفق هبم حىت يبلغوا عدوهم والسفر مل ينق<br />

= 6<br />

قوهتم،‏ فإهنم سائرون إَل عدو مقيم،‏ حامي األنفس والكراع،‏<br />

وأقم مبن معك يف كل مجعة يوما وليلة،‏ حىت تكون هلم راحة حيُْيُون <strong>في</strong>ها أنفسهم،‏ وي ‏َرُمُّون أسلحتهم وأمتعتهم(‏ . 1<br />

وأنبه على أن الرفق ليس معناه رفع املشقة بل رفع ا رج،‏ ولألمري أن يدرب أتباعه وخيتربهم ابلتدريبات الشاقة<br />

كما اخترب طالوت جنوده،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَلَمَّا قَصَلَ‏ ‏َِالُوتُ‏ بِالْجُنُودِ‏ قَالَ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مُبْتَلِيكُمْ‏ بِنَهَرٍ‏ قَمَنْ‏ شَرِ‏ بَ‏ مِنْهُ‏ قَلَيْ‏ ‏َس<br />

مِن ‏ِي وَ‏ مَنْ‏ لَمْ‏ يَِْعَمْهُ‏ قَإِنَّهُ‏ مِن ‏ِي إِالَّ‏<br />

الطالب إَل مستوايت من حيث املهارات القتالية.‏<br />

= 7<br />

2<br />

مَنْ‏ اغْتَرَ‏ فَ‏ غُرْ‏ قَةً‏ بِيَدِ‏ ‏ِه{‏ . خاصة إذا كان الغرض من التدريبات العنيفة تقسيم<br />

ومن الرفق أن ‏َيمر األمري إمام الصالة سواء كان هو األمري نفسه أو مندواب عنه<br />

«<br />

ابلتخ<strong>في</strong>ف يف الصالة،‏ خاصة<br />

بعد التدريبات الشاقة،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إِذَا صَلمى أَحَدُكُمْ‏ لِلنماسِ‏ فَلْيُخَفِّفْ‏ فَإِنم مِنْهُم<br />

3<br />

الضمعِيفَ‏ وَالسمقِيمَ‏ وَالْكَبِريَ‏ وَإِذَا صَلمى أَحَدُكُمْ‏ لِنَفْسِ‏ هِ‏ فَلْيُطَوِّلْ‏ مَا شَاءَ«‏ ، وعَنْ‏ أَيبِ‏ مَسْعُودٍ‏ قَالَ‏ قَالَ‏ رَجُلٌ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏<br />

ِ عَنِ‏ الصمالةِ‏ يفِ‏ الْفَجْرِ‏ ممِما يُطِيلُ‏ بِنَا فُالنٌ‏ فِيهَا فَغَضِبَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وس ‏ِيف<br />

لم مَا رَأَيْتُهُ‏ غَضِبَ‏<br />

إِينّ‏ ألَأتََخمرُ‏<br />

مَوْضِعٍ‏ كَانَ‏ أَشَدم غَضَبًا مِنْهُ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ ‏ُثُم قَالَ‏ : ‏»ايَ‏ أَي ‏ُّهَا النماسُ‏ إِنم مِنْكُمْ‏ مُنَفِّرِينَ‏ فَمَنْ‏ أَم النماسَ‏ فَلْيَتَجَومزْ‏ فَإِنم خَلْفَهُ‏ الضمعِي ‏َف<br />

وَالْكَبِريَ‏ وَذَا احلَْاجَةِ«‏ . 4 وروى البخاري أيضا عن جابر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ملعاذ بن جبل ‏»أَفَتمانٌ‏<br />

ُ<br />

أَنْتَ‏ ‏)ثالث مرات(،‏ فَلَوْال صَلميْتَ‏ بِسَبِّحِ‏ اسْمَ‏ رَبِّكَ‏ وَالشممْسِ‏ وَضُحَاهَا وَاللميْلِ‏ إِذَا ي ‏َغْشَى فَإِنمهُ‏ يُصَلِّي وَرَاءَكَ‏ الْكَبِريُ‏<br />

وَالضمعِيفُ‏ وَذُو احلَْاجَةِ«‏ وكان معاذ قد قرأ يف العشاء ابلبقرة فرتكه رجل وانصرف ‏ُث شكاه إَل النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم . 5<br />

= 9<br />

ويدخل يف الرفق واألانة ضبط النفس إذا أغضبه أحد أتباعه،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

َ<br />

لَيْس «<br />

6<br />

الشمدِيدُ‏ ابِلصُّرَعَةِ‏ إَِّنمَا الشمدِيدُ‏ المذِي ميَْلِكُ‏ ن ‏َفْسَهُ‏ عِنْدَ‏ الْغَضَبِ‏ » . واحلِلْم كخلق ال يظهر إال عند الغضب،‏ وينبغي أن<br />

يكون األمري قدوة يف عدم الغضب لنفسه،‏ فإذا غضب ملا ميس املصلحة العامة <strong>في</strong>جب عليه أال يتخل أي إجراء ضد<br />

املسيء حالة غضبه<br />

7<br />

غَضْبَانُ«‏ .<br />

بل يتمهل حىت تسكن نفسه،‏ ملا روي عن أيب بكرة مرفوعا<br />

‏»ال حيَْكُمْ‏ أَحَدٌ‏ بَنيَْ‏ اثْنَنيِْ‏ وَهُوَ‏<br />

- 1 ‏)العقد الفريد(‏ البن عبد ربه كتاب احلروب<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏ 248<br />

- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

094<br />

715<br />

714<br />

- 4 رواه البخاري<br />

- 5 أحاديث 713<br />

- 6 متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 7 متفق عليه<br />

ابلبخاري


= 8<br />

وتظهر احلاجة املاسة إَل احللم واألانة إذا واجه األمري أمرا غري معهود وحداث مل يكن يف ا سبان،‏ فإذا جزع<br />

وفزع أفسد أمره وأمر من معه وإذا أتىن وتروى فهذا مظنة التو<strong>في</strong>ق إبذن هللا،‏ فإذا احتمل الوقت املشاورة فعليه مبشاورة<br />

ذوي التجربة السابقة،‏ ولنا عربة يف مواقف الرسول صلى هللا عليه وسلم يف أُحد واحلديبية وحُنَني،‏ ومواقف أيب بكر <br />

لَما تويف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وارتدت العرب،‏ وموقف خالد بن الوليد<br />

<br />

يوم مُؤتة،‏ ويوم الريموك ملا غري<br />

تعبئة جند املسلمني إَل كراديس لتناسب تعبئة الروم،‏ وملا تلقى رسالة عمر إليه بوفاة أيب بكر وبعزل خالد من الإمارة<br />

وأتمري أيب عبيدة رضي هللا عنهم فتلقاها خالد واملعركة دائرة فكتمها حىت انتصر املسلمون كيال يفت يف عضدهم<br />

1<br />

.<br />

‏)فائدة <strong>في</strong> تهذيب النفس(‏<br />

قد يقول قائل:‏ أنت تطالب الناس ‏ِبالف ما جُبِلُوا عليه،‏ فهذا يكون طبعة الرفق واألانة،‏ وهذا يكون طبعة والغضب<br />

والعجلة،‏ فكيف هلذا األخري ابلتمخلُّق ‏ِبالف طبعه الذي جُبِل عليه؟<br />

فأقول وابهلل التو<strong>في</strong>ق:‏ إن األخالق احلميدة والفضائل منها ما هو خَلْقِي،‏ ومنها ما يُكْتسب ابلعلم واجملاهدة،‏ وكذلك<br />

األخالق املذمومة يتخل<br />

منها املرء ابجملاهدة والصرب.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ نَفْسٍ‏ وَ‏ مَا سَوَّ‏ اهَا قَأَلْهَمَهَا قُجُورَ‏ هَا وَ‏ تَقْ‏ ‏َواهَا قَدْ‏ أَقْلَحَ‏ مَنْ‏ زَ‏ كَّاهَا<br />

وَ‏ قَدْ‏ خَابَ‏ مَنْ‏ دَسَّاهَا{‏ . 2<br />

فقد جعل<br />

املوَل سبحانه الفجور والتقوى يف كل نفس ابتالء منه سبحانه،‏ فمن جاهد نفسه ليخلصها من الفجور وحيليها<br />

ابلفضائل فهو من الفاحلني وعكسه بعكسه،‏ وقال تعاَل يف موضع آخر:‏<br />

قَصَلَّى{‏ . 3<br />

‏}قَدْ‏ أَقْلَحَ‏ مَنْ‏ تَزَ‏ كَّى<br />

وَ‏ ذَكَرَ‏ اسْمَ‏ رَ‏ ب ِ ‏ِه<br />

واألخالق احملمودة تكتسب بوسائل،‏ نذكر منها العلم واجملاهدة والدعاء والصحبة الصاحلة:‏<br />

العلم:‏ األصل يف الإنسان اجلهل قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ أَخْرَ‏ جَكُمْ‏ مِنْ‏ بُُِونِ‏ أُمَّهَاتِكُمْ‏ ال تَعْلَمُونَ‏ شَيْئًا وَ‏ جَعَلَ‏ لَكُمْ‏ السَّمَْْ‏<br />

وَ‏ األْ‏ ‏َبْصَارَ‏ وَ‏ األْ‏ ‏َقْئِدَةَ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَشْكُرُ‏ ونَ{‏ . 4<br />

قوله:‏ ‏}ال تَعْلَمُونَ‏ شَيْئ ‏ًا{‏ تدل على أن األصل اجلهل،‏ وإَّنا يُالم الإنسان<br />

بعد ذلك إذا ظل جاهال لتعطيلة الوسائل اليت أمدمه هللا هبا ليتعلم،‏ ولرتَْكِه العلم املفروض واملندوب،‏ أما الوسائل فهي<br />

‏}وَ‏ جَعَلَ‏ لَكُمْ‏ السَّمَْْ‏ وَ‏ األَبْصَارَ‏ وَ‏ األَقْئِدَةَ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَشْكُرُ‏ ونَ‏ {، ويتفاوت اخللق يف االستفادة من هذه الوسائل.‏<br />

فالكافر مل ينتفع هبا البتة:‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالُوا لَوْ‏ كُنَّا نَسْمَُْ‏ أَوْ‏ نَعْقِلُ‏ مَا كُنَّا قِي أَصْحَابِ‏ السَّعِيرِ‏ قَاعْتَرَ‏ قُوا بِذَنْبِهِ‏ ‏ْم<br />

قَسُحْقًا ألِ‏ ‏َصْحَابِ‏ السَّعِيرِ‏ } 5 ،<br />

وقال تعاَل:‏<br />

وَ‏ لَهُمْ‏ أَعْيُنٌ‏ ال يُبْصِ‏ رُ‏ ونَ‏ بِهَا وَ‏ لَهُمْ‏ آذَانٌ‏ ال يَسْمَعُونَ‏ بِهَا أُوْ‏ لَئِكَ‏<br />

{ وَ‏ لَقَدْ‏ ذَرَ‏ أْنَا لِجَهَنَّمَ‏ ً كَثِيرا مِنْ‏ الْجِ‏ ‏ِن وَ‏ اإلِ‏ نسِ‏ لَهُمْ‏ قُلُوبٌ‏ ال يَفْقَهُونَ‏ بِهَا<br />

كَاألَنْعَامِ‏ بَلْ‏ هُمْ‏ أَضَلُّ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْغَاقِلُو ‏َن{‏ . 1<br />

- 1 انظر ‏)البداية والنهاية(‏ البن كثري ج 7 ص 12<br />

- 2 سورة الشمس،‏ اآلايت:‏<br />

- 3 سورة األعلى،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة امللك،‏ اآليتان<br />

095<br />

16<br />

11<br />

15<br />

7<br />

14<br />

79<br />

11 11


أما املؤمن فقد استفاد من هذه الوسائل يف حتصيل الإميان،‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}رَ‏ بَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِي ‏ًا يُنَادِي لِإلِيمَانِ‏ أَنْ‏<br />

آمِنُوا بِرَ‏ ب ‏ِكُمْ‏ قَآمَنَّا{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}قَبَشِرْ‏ عِبَادِي الَّذِينَ‏ يَسْتَمِعُونَ‏ الْقَوْ‏ لَ‏ قَيَتَّبِعُونَ‏ أَحْسَنَهُ{‏ . 3<br />

واجلهل أصل كل شر ومنه الكفر،‏ إذ إن الإنسان عدو ما جيهل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}بَلْ‏ أَكْثَرُ‏ هُمْ‏ ال يَعْلَمُونَ‏ الْحَقَّ‏ قَهُ‏ ‏ْم<br />

4<br />

مُعْرِ‏ ضُونَ{‏ .<br />

-<br />

-<br />

وعالجه ابلتعلم ومنه السنال،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»اي أيها الناس تعلموا،‏ إَّنا العلم ابلتعلم،‏ والفقه ابلتفقه،‏<br />

5<br />

ومن يرد هللا به خريا يفقهه يف الدين«‏ .<br />

وقد ختم هللا كثريا من اآلايت الداعية بقوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تَعْلَمُو ‏َن{‏ وقوله ‏}لَوْ‏ كُنتُمْ‏ تَعْلَمُونَ‏ } إشارة إَل أن<br />

= 2<br />

العلم<br />

ابعث على العمل هبا،،‏ ومثله قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»لَوْ‏ تَعْلَمُونَ‏ مَا أَعْلَمُ‏ لَضَحِ‏ كْتُمْ‏ قَلِيال وَلبَكَيْتُمْ‏ كَثِريًا«‏ . 6<br />

و<strong>في</strong>ما يتعلق ابألخالق احملمودة،‏ فإن العلم هبا ذو حقني:‏<br />

أ العلم بفضلها،‏ كما يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»مَا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ أَثْقَلُ‏ يفِ‏ مِيزَانِ‏ الْعَبْدِ‏ الْمُؤْمِنِ‏ ي ‏َوَْم<br />

الْقِيَامَةِ‏ مِنْ‏ حُسْنِ‏ اخلُلُق«‏ ، 7 وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم الْمُؤْمِنَ‏ لَيُدْرِكُ‏ حبُِسْنِ‏ خُلُقِهِ‏ دَرَجَةَ‏ الصمائِمِ‏ الْقَائِمِ«‏ . 9<br />

وأمثال هذه.‏ ويدخل يف ذلك العلم بسوء مآل من فرط <strong>في</strong>ها.‏<br />

ب العلم أبفرادها:‏ أي ما األخالق املذمومة ليتخلى عنها،‏ وما األخالق واآلداب احملمودة ليتحلى هبا؟.‏ وهذه<br />

األفراد مثبتة يف كتب األدب والرقاق ‏)الرقائق(‏ من دواوين السنة كصحيح البخاري وغريه.‏<br />

اجملاهدة واالكتسا : وكي<strong>في</strong>ة ذلك أن يعرف املرء من نفسه الغضب مثال،‏ <strong>في</strong>جاهد نفسه للتخل من الغضب<br />

واكتساب احلِلْم،‏ ويكون ذلك ابحملاولة،‏ فإذا عَرَض له ما يُغضبه كظم غيظه ولو بنصف املطلوب،‏ ‏ُث يف املرة التالية<br />

يضبط نفسه بقدر أكرب،‏ وهكذا حىت يصري احللم خلقا الزما له،‏ وهذا شيء جمرب وطريقة انجحة إن شاء هللا،‏ والذي<br />

يعينه على ضبط نفسه معرفة ما أعده هللا من الثواب على ذلك،‏ ومعرفة مَغَبمة إنفاذ غضبه يف الدنيا واآلخرة.‏<br />

- 1 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة الزمر،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

096<br />

178<br />

183<br />

19<br />

17<br />

24<br />

- 5 رواه الطرباين إبسناد حسن عن معاوية.‏<br />

- 6 رواه البخاري<br />

- 7 رواه الرتمذي عن أيب الدرداء وقال حديث حسن صحيح<br />

- 9 رواه أبو داود عن عائشة


- ب<br />

-<br />

والدليل على أن الفضائل تحصل للمرء باالكتساب والمجاهدة،‏<br />

أ قول هللا : ‏}ال أُقْسِمُ‏ بِيَوْ‏ مِ‏ الْقِيَامَةِ‏ وَ‏ الَ‏ أُقْسِمُ‏ بِالنَّفْسِ‏ اللَّوَّ‏ امَ‏ ‏ِة{‏ ، 1 ويف تفسري ‏}بِالنَّفْسِ‏ اللَّوَّ‏ امَةِ{‏ قال احلسن<br />

البصري:‏ ‏]إن املؤمن وهللا ما نراه إال يلوم نفسه:‏ ما أردت بكلميت،‏ ما أردت أبكليت،‏ ما أردت حبديث نفسي،‏ وإن<br />

الفاجر ميضي قُدُما ما يعاتب نفسه[،‏ قال جماهد:‏ ‏]تندم على ما فات وتلوم عليه[‏ وهذا هو اختيار ابن جرير<br />

2<br />

الطربي . ويتجلى دور النفس اللوامة واضحا يف اجملاهدة،‏ فإن حماسبة النفس ولومها علة التقصري والندم على التفريط<br />

هو مبدأ الإصالح،‏ إذا ترتب على هذا اللوم والندم العزم على عدم تكرار اخلطأ والتزام السداد.‏ فإذا حاسب املرء<br />

نفسه والمها على كل تقصري اكتسب بعون هللا وتو<strong>في</strong>قه الفضائل اترة فتارة.‏<br />

وقال النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ومن يستعفف يعفه هللا،‏ ومن يستغن يغنه هللا،‏ ومن يتصرب يصربه هللا«‏<br />

3<br />

.<br />

وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»اي أيها الناس تعلموا،‏ إَّنا العلم ابلتعلم والفقه ابلتفقه،‏ ومن يرد هللا به خريا يفقه يف<br />

4<br />

الدين«‏ . فهذا دليل على أن الفضائل حتصل ابجملاهدة،‏ فالصرب يصبح خلقا الزما للمرء ابلتصرب وهو التحلي ابلصرب<br />

والتظاهر به اترة فتارة حىت تتعوده النفس،‏ وهكذا العفة والغىن،‏ والعلم ابلتعلم،‏ واحللم ابلتحلم،‏ ومن علم منه صدق<br />

نيته أعانه سبحانه على الطاعة.‏<br />

- ج<br />

وقال البخاري ‏)قال معاوية:‏ ال حكيم إال ذو جتربة(.‏ قال ابن حجر:‏ ‏]وهذا األثر وصله أبو بكر بن أيب شيبة<br />

يف مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال:‏ معاوية ‏)ال حِ‏ لْم إال ابلتجار<br />

) ‏ُث قال ابن حجر<br />

وأخرج البخاري يف األدب املفرد من حديث أيب سعيد مرفوعا ‏)ال حليم إال ذو عَرة،‏ وال حكيم إال ذو جتربة(‏ . 5<br />

قال ابن األثري:‏ معناه ال حيصل احللم حىت يرتكب األمور ويعثر <strong>في</strong>ها <strong>في</strong>عترب هبا ويستبني مواضع اخلطأ وجيتنبها إَل قوله<br />

وكذلك من جَرمب األمور علم نفعها وضررها فال يفعل شيئا إال عن حكمة ، 6 وقد أورد البخاري مع ا األثر احلديثَ‏<br />

الصحيحَ‏ عن أيب هريرة أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال ي ‏ُلْدَغُ‏ الْمُؤْمِنُ‏ مِنْ‏ جُحْرٍ‏ وَاحِ‏ دٍ‏ مَرمتَنيِْ«‏ وقال أبو عبيد:‏<br />

‏)معناه ال ينبغي للمؤمن إذا نُكِبَ‏ من وجه أن يعود إليه(.‏ وعالقة هذه األحاديث مبوضوعنا أن الفضائل تُكْتَسَب<br />

ابملمارسة والتجربة خيطئ املرء مرة ويصيب مرات.‏<br />

ومما حيصل يف حتصيل الفضائل ابجملاهدة والإكتساب،‏ ما رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

عليه وسلم:‏<br />

<br />

: قال رسول هللا صلى هللا<br />

‏»ما ب ‏َعَث هللاُ‏ نبيا إال رعى الغنم،‏ فقال أصحابه:‏ وأنت؟،‏ فقال:‏ نعم،‏ كنت أرعاها على قراريط ألهل<br />

- 1 سورة القيامة،‏ اآليتان:‏<br />

- 2 تفسري ابن كثري<br />

097<br />

2<br />

1<br />

- 3 متفق عليه<br />

- 4 ررواه الطرباين إبسناد حسن عن معاوية<br />

- 5 وأخرجه أمحد وصححه ابن حبان<br />

531<br />

- 6 ‏)فتح الباري(‏ ج 11 ص 528


مكة«‏ . 1<br />

قال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]قال العلماء:‏ احلكمة يف إهلام األنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن حيصل هلم<br />

التمرين برعيها على ما يُك ل فونه من القيام أبمر أمتهم،‏ وألن يف خمالطتها ما حيصل هلم احللم والشفقة ألهنم إذا صربوا<br />

على رعيها ومجعها بعد تفرقها يف املرعى ونقلها من مسرح إَل مسرح ودفع عدوها من سَبْع وغريه كالسارق وعلموا<br />

اختالف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إَل املعاهدة أَلِفُوا من ذلك الصرب على األمة وعرفوا اختالف<br />

طباعها وتفاوت عقوهلا فجربوا كَسْرَها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد هلا <strong>في</strong>كون حتكمهم ملشقة ذلك أسهل مما لو<br />

كلفوا القيام بذلك يف أول وهلة ملا حيصل هلم من التدريج على ذلك برعي الغنم[‏ . 2<br />

قلت:‏ ومن أساليب جماهدة النفس أن يسارع املرء إَل حمو سيئاته أوال أبول حىت يعتاد ذلك،‏ وحىت ال ترتاكم املعاصي<br />

على قلبه <strong>في</strong>صدأ،‏ فإذا ارتكب سيئة يف حق هللا وظلم نفسه سارع إَل االستغفار وإَل الصالة ‏}وَ‏ أَقِمْ‏ الصَّالةَ‏ ‏َِرَ‏ قِي<br />

3<br />

النَّهَارِ‏ وَ‏ زُ‏ لَفًا مِ‏ نْ‏ اللَّيْلِ‏ إِنَّ‏ الْحَسَنَاتِ‏ يُذْهِبْنَ‏ السَّيِئَا ‏ِت{‏ ، وسارع إَل فعل احلسنة وإَل الصدقة ليمحو خطيئته،‏ لقول النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

4<br />

‏»واتبع السيئة احلسنة متحها«‏ ، وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»والصدقة تطفئ اخلطيئة<br />

5<br />

كما يطفئ املاء النار«‏ .<br />

أما إذا ارتكب املسلم سيئة يف حق أخيه املسلم فعليه ابلتوبة ورد املظلمة إَل أخيه كما قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم :<br />

‏»مَنْ‏ كَانَتْ‏ لَهُ‏ مَظْلَمَةٌ‏ ألَخِ‏ يهِ‏ مِنْ‏ عِرْضِهِ‏ أَوْ‏ شَيْءٍ‏ فَلْيَتَحَلملْهُ‏ مِنْهُ‏ الْيَوْمَ‏ قَبْلَ‏ أَنْ‏ ال يَكُونَ‏ دِينَارٌ‏ وَالَ‏ ‏ِدرْهَمٌ‏ إِنْ‏ كَا ‏َن<br />

6<br />

لَهُ‏ عَمَلٌ‏ صَالِحٌ‏ أُخِ‏ ذَ‏ مِنْهُ‏ بِقَدْرِ‏ مَظْلَمَتِهِ‏ وَإِنْ‏ ملَْ‏ تَكُنْ‏ لَهُ‏ حَسَنَاتٌ‏ أُخِ‏ ذَ‏ مِنْ‏ سَيِّئَاتِ‏ صَاحِ‏ بِهِ‏ فَحُمِلَ‏ عَلَيِْه«‏ . ومما يهون<br />

هذا على النفس،‏ النظر يف قدر الدنيا وزواهلا وحال من غَربَ‏ ، وزايرة القبور فهذا كله مما يرفق القلب.‏<br />

قال ابن حجر ‏]نقل القشريي عن شيخه أيب على الدقاق:‏<br />

الطريق ‏َش ة.‏ وعن أيب عمرو بن جبيدة:‏ من كَرُمَ‏ عليه دينه هانت عليه نفسه[‏ . 7<br />

من مل يكن يف بدايته صاحب جماهدة مل جيد من هله<br />

قلت:‏ ومن ص د ق يف اجملاهدة أعانه هللا على نفسه وعلى فعل الطاعات،‏ فثواب اجملاهدة هو التو<strong>في</strong>ق واملدد واملعونة<br />

من هللا تعاَل،‏ ودليل هذا:‏ قول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث السابق ‏»يعفه هللا ملن يستعفف،‏ وقوله<br />

‏»يصربه هللا«‏ ملن يتصرب،‏ وهكذا.‏<br />

»<br />

098<br />

- 1 حديث 2262<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ 441/4<br />

- 3 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

114<br />

- 4 رواه الرتمذي وحَسمنه عن أيب ذر<br />

- 5 رواه الرتمذي عن معاذ بن جبل وقال حديث حسن صحيح<br />

- 6 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

- 7 ‏)فتح الباري(‏ 339 / 11


هللا وقول<br />

: ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ جَاهَدُوا قِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ‏ سُبُلَنَا وَ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ<br />

نفسه يف طاعة هللا،‏ كقوله تعاَل:‏<br />

لَمََْ‏ الْمُحْسِنِي ‏َن{‏ ، 1<br />

‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ اهْتَدَوْ‏ ا زَ‏ ادَهُمْ‏ هُد ‏ًى وَ‏ آتَاهُمْ‏ تَقْواهُمْ{‏<br />

. 2<br />

فهذا وعد ابلتو<strong>في</strong>ق من هللا ملن جاهد<br />

وقول هللا يف احلديث القدسي:‏ ‏»إِذَا تَقَرمبَ‏ الْعَبْدُ‏ إِيلَم شِ‏ ربًْا تَقَرمبْتُ‏ إِلَيْهِ‏ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرمبَ‏ مِينِّ‏ ذِرَاعًا تَقَرمبْتُ‏ مِنْهُ‏ ابَعًا<br />

3<br />

وَإِذَا أَاتَينِ‏ مَشْيًا أَتَيْتُهُ‏ هَرْوَلَةً«‏ .<br />

4<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ سَيَجْعَلُ‏ لَهُمْ‏ الرَّ‏ حْمَانُ‏ وُ‏ دًّا{‏ . وأمثال هذه النصوص كثرية،‏ فمن<br />

ثواب الطاعة أن يوفق هللا فاعلها لفعل الطاعة بعدها،‏ فالطاعة تولد الطاعة،‏ ومن ثواهبا التثبيت على الصراط املستقيم،‏<br />

قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَنَّهُمْ‏ قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ‏ بِهِ‏ لَكَانَ‏ ً خَيْرا لَهُمْ‏ وَ‏ أَشَدَّ‏ تَثْبِيتًا وَ‏ إِذًا آلَ‏ تَيْنَاهُمْ‏ مِنْ‏ لَدُنَّا ً أَجْرا عَظِيم ‏ًا<br />

5<br />

وَ‏ لَهَدَيْنَاهُمْ‏ صِ‏ رَ‏ اِ‏ ‏ًا مُسْتَقِيم ‏ًا{‏ .<br />

وكذلك فإن من عقوبة السيئة فعل السيئة بعدها،‏ ويتوب هللا على من اتب.‏<br />

= 3<br />

الدعاء:‏ مع اجملاهدة تكل أمرك كله إَل هللا وتتربأ من حولك وقوتك إَل حوله سبحانه وقوته،‏ وتسأله أن يعينك<br />

على نفسك وعلى شيطانك،‏ فتقول:‏ ‏»اللهم رمحتك أرجو فال تكلين إَل نفسي طرفة عني أصلح يل شأين كله ال إله<br />

7<br />

6<br />

إال أنت«‏ ، وتقول:‏ ‏»اللهم آت نفسي تقواها وزَكِّها أنت خري من زكاها،‏ أنت وليها وموالها«‏ ، وتقول:‏ ‏»اللهم إين<br />

9<br />

أعوذ بك من شر مسعي،‏ ومن شر بصري،‏ ومن شر لساين،‏ ومن شر مَنِيِّي«‏ . وأمثال هذه األدعية اليت تستعيد <strong>في</strong>ها<br />

من شرور النفس وتسأل هللا تعاَل حماسن األخالق.‏ والدعاء مخ العبادة وهو سالح املؤمن.‏<br />

وقد قدمت اجملاهدة على الدعاء لقوله تعاَل:‏<br />

= 4<br />

‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{‏ . 8<br />

الصحبة الصا ة:‏ الصحبة صاحلة أو سيئة هلا أثر عظيم يف سلوك العبد،‏ ولذلك أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

ابالحتياط يف الصحبة فقال:‏ ‏»ال تُصَاحِ‏ بْ‏ إِالم مُؤْمِنًا وَال ‏َيَْكُلْ‏ طَعَامَكَ‏ إِالم تَقِ‏ ‏ٌّي«‏ ، 11 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»الرمجُلُ‏ عَلَى<br />

دِينِ‏ خَلِيلِهِ‏ فَلْيَنْظُرْ‏ أَحَدُكُ‏ ‏ْم<br />

خيَُالِل«‏ ، 11 وعن أيب موسى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

مَنْ‏ ُ<br />

- 1 سورة العنكبوت،‏ اآلية<br />

- 2 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

68<br />

17<br />

- 3 وراه البخاري عن أنس<br />

- 4 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

69<br />

66<br />

86<br />

- 6 رواه أبو داود إبسناد حسن عن أيب بكرة مرفوعا<br />

- 7 رواه مسلم عن زيد بن أرقم مرفوعا<br />

- 9 رواه الرتمذي وحسنه<br />

- 8 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

- 11 رواه أبو داود والرتمذي عن أيب سعيد وإسناده ال أبس به<br />

- 11 رواه أبو داود والرتمذي عن أيب هريرة<br />

099


‏»إَِّنمَا مَثَلُ‏ اجلَْلِيسِ‏ الصمالِحِ‏ وَجَلِيسِ‏ السموْءِ‏ كَحَامِلِ‏ الْمِسْكِ‏ وَانَفِخِ‏ الْكِريِ‏ فَحَامِلُ‏ الْمِسْكِ‏ إِما أَنْ‏ حيُْذِيَكَ‏ وَإِما أَنْ‏ تَبْتَا ‏َع<br />

مِنْهُ‏ وَإِما أَنْ‏ جتَِدَ‏ مِنْهُ‏ رِحيًا طَيِّبَةً‏ وَانَفِخُ‏ الْكِريِ‏ إِما أَنْ‏ حيُْرِقَ‏ ثِيَابَكَ‏ وَإِما أَنْ‏ جتَِدَ‏ مِنْهُ‏ رِحيًا مُنْتِنَة«‏ . 1 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَوْ‏ مَ‏<br />

يَعَضُّ‏ الظَّالِمُ‏ عَلَى يَدَيْهِ‏ يَقُولُ‏ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ‏ مََْ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ سَبِيال يَا وَ‏ يْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ‏ أَتَّخِ‏ ذْ‏ قُالنًا خَلِيال لَقَ‏ ‏ْد<br />

أَضَلَّنِي عَنْ‏ الذِكْرِ‏ بَعْدَ‏ إِذْ‏ جَاءَنِي وَ‏ كَانَ‏ الشَّيَِْانُ‏ لِإلِنسَانِ‏ خَذُوال{‏<br />

وهبذا ترى أثر الصحبة على الإنسان سلبيا أو إجيااب.‏ والصحبة الصاحلة الزمة لإلنسان من أجل دينة،‏ ومن أدلة هذا:‏<br />

قول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْعَصْرِ‏ إِنَّ‏ اإلْ‏ ِ نسَانَ‏ لَفِي خُسْ‏ ‏ٍر إِالَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا ِ بِالْحَق<br />

وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِالصَّبْرِ‏ } 3 ،<br />

.<br />

2<br />

فعَلمق سبحانه النجاة من اخلسران على أربع خصال:‏ خصلتني منهم يؤديهما الإنسان منفردا<br />

ومها الإميان والعمل الصاحل،‏ وخصلتني ال يؤديهما إال يف اجلماعة ومها التواصي ابحلق والتواصي ابلصرب.‏ وال شك أن<br />

التواصي ابحلق يدخل يف العمل الصاحل،‏ ولكنه أفرد عنه لكونه عمال صاحلا <strong>في</strong>ه تفاعل متارسه اجلماعة املسلمة <strong>في</strong>ما<br />

بينها ال الفرد منفردا،‏ ومن ابب عطف اخلاص على العام من أجل التنبيه على أمهيته،‏ وهذا ينطبق على التواصي<br />

ابلصرب كذلك،‏ فالنجاة من اخلسران مرتتبة على خصال منها ما يؤديه الإنسان منفردا ومنها ماال يؤديه إال يف اجلماعة.‏<br />

وهذا دليل على أمهية اجلماعة يف حياة الإنسان.‏<br />

4<br />

وقد قال الشافعي عن هذه السورة:‏ لو تدبر الناس هذه السورة لوَسِ‏ عَتْهم .<br />

واملسلم املُقْدِم على التدريب العسكري واجلهاد هو مِنْ‏ أَوَْل الناس ابلسعي يف تزكية نفسه خاصة إذا كان أمريا أو<br />

قدوة فهو مُقْدِم على مظان القتل،‏ فالواجب عليه تزكية نفسه قبل أن يسلمها إَل ابرئها جل وعال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَوْ‏ ‏َم<br />

ال يَنْفَُْ‏ مَالٌ‏ وَ‏ ال بَنُو ‏َن إِالَّ‏<br />

5<br />

مَنْ‏ أَتَى ‏َّللاَّ‏ َ بِقَلْبٍ‏ سَلِي ‏ٍم{‏ ، والقلب السليم هو السامل من الشرك والنفاق واملعاصي.‏ وقال<br />

6<br />

تعاَل:‏ { وَ‏ أَمَّا مَنْ‏ خَافَ‏ مَقَامَ‏ رَ‏ ب ‏ِهِ‏ وَ‏ نَهَى النَّفْسَ‏ عَنْ‏ الْهَوَ‏ ى قَإِنَّ‏ الْجَنَّةَ‏ هِيَ‏ الْمَأْوَ‏ ى{‏ .<br />

وإذا كان الفوز والفالح يف اآلخرة مُعَلمقَني على التزكية مع بقية شعب الإميان،‏ فإن النصر والغلبة يف الدنيا مها أيضا<br />

معلقان على استكمال الفئة اجملاهدة لشعب الإميان،‏ كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَّذِينَ‏ آمَنُوا مِنْكُمْ‏ وَ‏ عَمِلُوا<br />

الصَّالِحَاتِ‏ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ‏ ضِ‏ كَمَا اسْتَخْلَفَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِمْ‏ وَ‏ لَيُمَكِنَنَّ‏ لَهُمْ‏ دِينَهُمْ‏ الَّذِي ارْ‏ تَضَى لَهُمْ‏ وَ‏ لَيُبَدِلَنَّهُ‏ ‏ْم<br />

211<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 سورة الفرقان،‏ اآلايت:‏<br />

28<br />

27<br />

- 3 سورة العصر<br />

- 4 ابن كثري<br />

- 5 سورة الشعراء،‏ اآليتان:‏<br />

6 سورة النازعات،‏ اآليتان:‏<br />

98<br />

99<br />

41 41


مِنْ‏ بَعْدِ‏ خَوْ‏ قِهِمْ‏ أَمْنًا{‏ ، 1 وقال جل شأنه:‏ ‏}وَ‏ قَالَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لِرُ‏ سُلِهِمْ‏ لَنُخْرِ‏ جَنَّكُمْ‏ مِنْ‏ أَرْ‏ ضِ‏ نَا أَوْ‏ لَتَعُودُنَّ‏<br />

قَأَوْ‏ حَى إِلَيْهِمْ‏ رَ‏ بُّهُمْ‏ لَنُهْلِكَنَّ‏ الظَّالِمِينَ‏<br />

وَ‏ لَنُسْكِنَنَّكُمْ‏ األَرْ‏ ضَ‏ مِنْ‏ بَعْدِهِمْ‏ ذَلِكَ‏ لِمَنْ‏ خَافَ‏ مَقَامِي وَ‏ خَافَ‏ وَ‏ عِي ‏ِد{‏ . 2<br />

وسيأِت مزيد بيان هلذا يف مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد،‏ إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

قِي مِلَّتِنَا<br />

1 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

210<br />

55<br />

2 سورة ابراهيم،‏ اآليتان:‏<br />

14 13


السادس من واجبات األمير:‏<br />

المحافظة على وحدة الجماعة<br />

<br />

احملافظة على مجاعة ما.‏ هي فرع من احملافظة على وحدة األمة املسلمة.‏ واحلفاظ على وحدة املسلمني مقصد هام من<br />

مقاصد الشريعة ومن اجل هذا شُرِعَت أحكام قتال البغاة واخلوارج واملرتدين املهددين لوحدة األمة،‏ ومن أجل هذا<br />

ورد يف الصحيح ‏»إِذَا بُويِعَ‏ خلَِلِيفَتَنيِْ‏ فَاقْتُلُوا اآلخَرَ‏ مِنْهُمَا«.‏ وغري ذلك من األحكام الكثرية هبدف وحدة األمة.‏<br />

1<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ الَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم اَّللمَ‏ ي ‏َرْضَى لَكُمْ‏<br />

ثَالَ‏ ‏َثً‏ وَيَسْخَطُ‏ لَكُمْ‏ ثَالَ‏ ‏َثً‏ ي ‏َرْضَى لَكُمْ‏ أَنْ‏ تَعْبُدُوهُ‏ وَالَ‏ تُشْرِكُوا بِهِ‏ شَيْئًا وَأَنْ‏ تَعْتَصِمُوا حبَِبِْل اَّللمِ‏ مجَِيعًا وَال تَفَرمقُوا وَأَ‏ ‏ْن<br />

2<br />

تَنَاصَحُوا مَنْ‏ وَالمهُ‏ اَّللمُ‏ أَمْرَكُم،‏ وَيَسْخَطُ‏ لَكُمْ‏ ثَالََثً:‏ قِيلَ‏ وَقَالَ‏ وَكَثْرَةَ‏ السُّؤَالِ‏ وَإِضَاعَةِ‏ الْمَاِل«‏ .<br />

ومن أسباب العصمة من االختالف ما ذكره النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث املشهور:‏ ‏»أُوصِيكُمْ‏ بِتَقْوَى اَّللمِ‏<br />

وَالسممْعِ‏ وَالطماعَةِ‏ وَإِنْ‏ أتَمرَ‏ عَلَيْكُم عَبْدٌ،‏ فَإِنمهُ‏ مَنْ‏ يَعِشْ‏ مِنْكُمْ‏ ي ‏َرَى ا ‏ْختِالَ‏ فًا كَثِريًا فَعَلَيْكُم بِسُنميتِ‏ وَسُنمةِ‏ اخلُْلَفَاِء<br />

الرماشِ‏ دِينَ‏ الْمَهْدِيِّنيَ‏ عَضُّوا عَلَيْهَا ابِلنموَاجِ‏ ذِ‏ وَإِايمكُمْ‏ وَحمُْدََثَتِ‏ األُمُورِ‏ فَإِنم كُلم حمُْدَثَةٍ‏ بِدْعَةٌ‏ وَكُلم بِدْعَةٍ‏ ضَاللَةٌ‏ وَكُلم ضَاللَة<br />

يفِ‏ النمارِ«‏ . 3<br />

وأسباب العصمة من االختالف المذكورة <strong>في</strong> هذا الحديث هي:‏<br />

تقوى هللا ، وأصلها اخلشية واملراقبة،‏ وهي أصل السببني التاليني ومها السمع والطاعة لوالة األمور والتمسك<br />

ابلسنة.‏ والتقوى يف ذاهتا عالج لبغي النفوس الذي هو من أعظم أسباب التفرق واخلالف،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا<br />

= 0<br />

اخْتَلَفَ‏ الَّذِينَ‏ أُوتُوا الْكِتَابَ‏ إِالَّ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَهُمْ‏ الْعِلْمُ‏<br />

بَغْيًا بَيْنَهُ‏ ‏ْم{‏ . 4 والتقوى تُكتسب ابالجتهاد يف الطاعة<br />

5<br />

وجماهدة النفس،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا النَّاسُ‏ اعْبُدُوا رَ‏ بَّكُمْ‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَ‏ ‏ْبلِكُمْ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَتَّقُو ‏َن{‏ .<br />

= 2<br />

السمع والطاعة لوالة األمور:‏ ولو لعبد حبشي كما يف حديث أنس عند البخاري،‏ ما قام بكتاب هللا،‏ يف غري<br />

معصية.‏ وذلك ألن اخلروج على األئمة من أعظم أسباب الفنت يف األمة،‏ حىت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

- 1 آل عمران،‏ اآلية:‏‎113‎<br />

- 2 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- 3 رواه الرتمذي عن العرابض بن سارية وقال حديث حسن صحيح<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

212<br />

18<br />

21


‏»من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه،‏ فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ . 1 فطاعة أويل<br />

األمر واألمراء يف غري معصية من أهم أسباب حفظ وحدة اجلماعة واألمة.‏<br />

= 3 اإلتِباع ‏)اتِباع السنة(‏ ونبذ االبتداع،‏ كما يف احلديث:‏ ‏»فَعَلَيْكُم بِسُنميتِ‏ إَل قوله وَإِايمكُم وَحمُْدََثَتِ‏ األُْمُوِر«.‏<br />

ذلك ألن احلق واحد والباطل يتشعب،‏ كما يف حديث عبد هللا بن مسعود يف تفسري ‏}وَ‏ أَنَّ‏ هَذَا صِ‏ رَ‏ اِِي مُسْتَقِيم ‏ًا<br />

قَاتَّبِعُوهُ‏ وَ‏ الَ‏ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ‏ قَتَفَرَّ‏ قَ‏ بِكُمْ‏ عَنْ‏ سَبِيلِهِ{.‏ فإذا اتبع الناسُ‏ احلقم اجتمعوا يف سبيل واحد،‏ وإذا حادوا عنه<br />

تفرقت هبم سبل الشيطان.‏ ووقعت الفرقة واخلصومات بينهم.‏<br />

الشريعة<br />

وهله عقوبة قدرية واقعة ال حمالة بكل من خالفوا<br />

2<br />

كما قال تعاَل:‏ ‏}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ‏ وا بِهِ‏ قَأَغْرَ‏ يْنَا بَيْنَهُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةَ‏ وَ‏ الْبَغْضَا ‏َء{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}قَلْيَحْذَرْ‏<br />

الَّذِينَ‏ يُخَالِفُونَ‏ عَنْ‏ أَمْرِ‏ هِ‏ أَنْ‏ تُصِ‏ يبَهُمْ‏ قِتْنَةٌ‏ أَوْ‏ يُصِ‏ يبَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِيمٌ{‏ ، 3 وقال تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ آمَنُوا بِمِثْلِ‏ مَا آمَنتُمْ‏ بِهِ‏ قَقَدْ‏<br />

اهْتَدَوا وَ‏ إِنْ‏ تَوَ‏ لَّوْ‏ ا قَإِنَّمَا هُمْ‏ قِي شِقَاقٍ‏ قَسَيَكْفِيكَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ هُوَ‏ السَّمِيُْ‏ الْعَلِي ‏ُم{‏ ، 4 وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ نَزَّ‏ لَ‏ الْكِتَابَ‏<br />

ِ بِالْحَق وَ‏ إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ اخْتَلَفُوا قِي الْكِتَابِ‏ لَفِي شِقَاقٍ‏ بَعِيدٍ{‏ . 5<br />

فكل من تولوا عن احلق أو خالفوا الكتاب أو نسوا حظا مما ذكروا به،‏ فإَّنا هم يف شقاق وعداء،‏ وبغضاء،‏ وهذه<br />

عقوبة قدرية،‏ فَأَىنم ملثل هؤالء أن ي ‏َثْبُتوا يف قتال.‏<br />

كذلك فإن األلفة واالجتماع إَّنا تكون ابتباع السنن واالنقياد حلكم هللا تعاَل ابطنا وظاهرا،‏ وهذه مثوبة قدرية،‏ قال<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اذْكُرُ‏ وا نِعْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِكُمْ‏ قَأَصْبَحْتُمْ‏ بِنِعْمَتِهِ‏ إِخْوَ‏ انًا{‏ ، 6 وقال سبحانه:‏<br />

‏}وَ‏ أَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ لَوْ‏ أَنفَقْتَ‏ مَا قِي األَرْ‏ ضِ‏ جَمِيع ‏ًا مَا أَلَّفْتَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ أَلَّفَ‏ بَيْنَهُمْ‏ إِنَّهُ‏ عَزِ‏ يزٌ‏ حَكِي ‏ٌم{‏ . 7<br />

وسيأِت مزيد بيان هلذا يف مسألة ‏)أصول االعتصام ابلكتاب والسنة(‏ إن شاء هللا.‏<br />

أردت من هذه العجالة التنبيه على عِظَم شأن هذا املقصد الشرعي وهو احلفاظ على وحدة الصف املسلم كأنه بنيان<br />

9<br />

مرصوص كما حيب املوَل جل وعال:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يُحِ‏ بُّ‏ الَّذِينَ‏ يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِهِ‏ صَفًّا كَأَنَّهُمْ‏ بُنيَانٌ‏ مَرْ‏ صُو ‏ٌص{‏ ، وهذا<br />

- 1 متفق عليه عن ابن عباس<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

213<br />

14<br />

63<br />

137<br />

176<br />

- 6 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة الصف،‏ اآلية:‏<br />

113<br />

63<br />

4


التماسك من ضرورات اجلهاد ومن أسباب النصر ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُ‏ ‏ْم{‏ ، 1 وإغفال هذا األصل هو<br />

من أهم أسباب هوان املسلمني.‏<br />

فالواجب على كل مسلم أمريا كان أو مأمورا أن يقوم مبا جيب عليه لتحقيق هذا املقصد الشرعي و<strong>في</strong>ما خيت<br />

التدريب عليه التزام النصائح التالية لتحقيق هذا اهلدف:‏<br />

= 4<br />

أبمري<br />

أن ال ميالئ من انسبه أو وافق رأيه ومذهبه على من ابينه يف نسب أو خالفه يف رأي ومذهب حىت ال تفرتق<br />

الكلمة.‏ بل يسوي بني أتباعه يف املعاملة.‏ وال يقرب منه أهل الشرف والوجاهة وجيايف مَنْ‏ دُوهنَم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}عَبَ‏ ‏َس<br />

وَ‏ تَوَ‏ لَّى أَنْ‏ جَاءَهُ‏ األْ‏ ‏َعْمَى وَ‏ مَا يُدْرِ‏ يكَ‏ لَعَلَّهُ‏ يَزَّ‏ كَّى أَوْ‏ يَذَّكَّرُ‏ قَتَنْفَعَهُ‏ الذِكْرَ‏ ى أَمَّا مَنْ‏ اسْتَغْنَى قَأَنْتَ‏ لَهُ‏ تَصَدَّى وَ‏ مَا<br />

عَلَيْكَ‏ أَالَّ‏ يَزَّ‏ كَّى وَ‏ أَمَّا مَ‏ ‏ْن جَاءَكَ‏ يَسْعَى وَ‏ هُوَ‏ يَخْشَى قَأَنْتَ‏ عَنْهُ‏ تَلَهَّى كَالَّ‏ إِنَّهَا تَذْكِرَ‏ ةٌ‏ }<br />

أال ينساق مع الوشاايت إن حدثت بل إن بلغته هتمة فَعَلَيْه أن يتحقق <strong>في</strong>ها بنفسه أو مبن ينيبه،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏<br />

‏َني<br />

جَاءَكُمْ‏ فَاسِ‏ قٌ‏ بِنَبَإٍ‏ فد تد بد يد نُوا أ نْ‏ تُصِيبُوا قد وْم ا ‏ِبِ‏ ه ال ة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ‏ انَدِمِ‏<br />

عليه أن يبني ألتباعه ما التبس من األمور حىت يقطع القيل والقال.‏ ومن هذا فِعْل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

.<br />

2<br />

. 3 }<br />

= 5<br />

ملا قسم غنائم حنني فأعطى املؤلفة قلوهبم ومل يعط األنصار،‏ فوجدوا يف أنفسهم،‏ فخطبهم النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

وبَنيم هلم احلكمة <strong>في</strong>ما فعله،‏ كما روى البخاري عن أنس<br />

<br />

قال:‏ ‏»قال انس من األنصار حني أفاء هللا على رسوله<br />

صلى هللا عليه وسلم ما أفاء من أموال هوزان،‏ فطفق النيب صلى هللا عليه وسلم يعطي رجاال املائة من الإبل فقالوا<br />

يغفر هللا لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم يعطي قريشا ويرتكنا،‏ وسيوفنا تقطر من دمائهم.‏ قال أنس:‏ فحُدِّث رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم مبقالتهم،‏ فأرسل إَل األنصار فجمعهم يف قُبمة من أَدَم،‏ ومل يَدْعُ‏ معهم غريهم،‏ فلما اجتمعوا قام<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ ما حديث بلغين عنكم؟ فقال فقهاء األنصار:‏ أما رؤساؤان اي رسول هللا فلم يقولوا<br />

شيئا،‏ وأما انس منا حديثة أسناهنم فقالوا يغفر هللا لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ يعطي قريشا ويرتكنا،‏ وسيوفنا تقطر<br />

من دمائهم.‏ فقال النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ فإين أعطي رجاال حديثي عهد بكفر أأتلفهم،‏ أما ترضون أن يذهب<br />

الناس ابألموال وتذهبون ابلنيب صلى هللا عليه وسلم إَل رحالكم؟ فوهللا ملا تنقلبون به خري مما ينقلبون به.‏ قالوا اي<br />

4<br />

رسول هللا،‏ قد رضينا«‏ .<br />

ويف رواية أخرى للبخاري عن أنس ‏»فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إن قريشا حديثُ‏ عهد جباهلية ومصيبة،‏<br />

5<br />

وإين أردت أن أَجْربَُهم وأأتلفهم«‏ .<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة عبس،‏ اآلايت:‏<br />

214<br />

11<br />

46<br />

1<br />

- 3 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏ 6<br />

- 4 حديث 4331<br />

- 5 حديث 4334


ويف رواية أخرى للبخاري عن عبد هللا بن زيد أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال بعد ذلك:‏ ‏»لوال اهلجرة لكنت<br />

امرءا من األنصار،‏ ولو سلك الناس واداي وشِ‏ عْبا لَسَلَكْت وادي األنصار وشعبها،‏ األنصار شِ‏ عَار والناسُ‏ دَِثَر،‏ إنكم<br />

1<br />

ستلقون بعدي أثرة،‏ فاصربوا حىت تلقوين على احلوض«‏ .<br />

وقال ابن حجر يف الفتح:‏ ‏]ويف احلديث:‏ أن الكبري ينبه الصغري على ما يغفل عنه،‏ ويوضح له وجه الشبهة لريجع<br />

إىل ا ق،‏ قال:‏ ومشروعية اخلطبة عند األمر الذي حيدث سواء كان خاصا أم عاما،‏ قال:‏ و<strong>في</strong>ه تسلية من فاته شيء<br />

من الدنيا مما حصل له من ثواب اآلخرة إَل قوله وتقدمي جانب اآلخرة على الدنيا،‏ والصرب عما فات منها ليُدمخر<br />

2<br />

ذلك لصاحبه يف اآلخرة،‏ واآلخرة خري وأبقى[‏ .<br />

ومثل هذا خطاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف األوس واخلزرج لَما أوقع بينهم اليهودي إذ ذكرهم حبروهبم يف<br />

اجلاهلية،‏ فحميت نفوسهم وكادوا يقتتلون.‏ فقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»أبدعوى اجلاهلية وأن بني أظهركم؟«‏ فندموا<br />

واصطلحوا وتعانقوا<br />

. 3<br />

= 6<br />

وعلى األمري أال يسمح ابجلدال والنقاش اللي يندي إىل تفرقة الكلمة،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

‏»اقْرَءُوا الْقُرْآنَ‏ مَا ائْتَلَفَ‏ ‏ْت<br />

=<br />

7<br />

4<br />

عَلَيْهِ‏ قُلُوبُكُمْ‏ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ‏ فَقُومُوا عَنْهُ«‏ . فإذا ورد األمر ابلقيام عند االختالف يف القرآن<br />

فغري القرآن من علوم الشريعة أو أمور الدنيا أحرى بذلك،‏ فهو من ابب التنبيه ابألعلى على األدىن.‏<br />

واألمور افال<strong>في</strong>ة بني اإلخوة تدُر د إىل األمري ومن معه من أهل العلم،‏ وال ي ‏َتَمَارَوا <strong>في</strong>ها لقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا جَاءَهُمْ‏ أَمْرٌ‏ مِنَ‏ األَمْنِ‏ أَوْ‏ الْخَوْ‏ فِ‏ أَذَاعُوا بِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األَمْ‏ ‏ِر مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏<br />

الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ ، 5<br />

وروى الإمام أمحد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بعض الصحابة متاروا يف<br />

آية من القرآن حىت ارتفعت أصواهتم فخرج رسول هللا مغضبا وقال:‏ ‏»مَهْال ايَ‏ قَوْمِ‏ هبَِذَا أُهْلِكَتِ‏ األُمَمُ‏ مِنْ‏ قَبْلِكُمْ‏<br />

ابِخْتِالفِهِمْ‏ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ‏ وَضَرْهبِِمُ‏ الْكُتُبَ‏ ب ‏َعْضَهَا بِبَعْضٍ‏ إِنم الْقُرْآنَ‏ ملَْ‏ ي ‏َنْزِلْ‏ يُكَذِّبُ‏ ب ‏َعْضُهُ‏ ب ‏َعْضًا إَّنا نزل يُصَدِّقُ‏ ب ‏َعْضُهُ‏<br />

ب ‏َعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ‏ مِنْهُ‏ فَاعْمَلُوا بِهِ‏ و م ا ج هِلْتُمْ‏ مِنْهُ‏ فد رُدُّوهُ‏ إِىل ع الِمِ‏ ‏ِه«‏ أو كما قال صلى هللا عليه وسلم‎6‎<br />

قلت:‏ ومن ذلك ما رواه البخاري بسنده عن عبيد هللا بن عبد هللا<br />

.<br />

‏»أن ابن عباس متََارَى هو واحلُرُّ‏ بن قيس يف<br />

صاحب موسى،‏ قال ابن عباس:‏ هو خضر.‏ فمر هبما أُيبٌَّ‏ بن كعب،‏ فدعاه ابن عباس فقال:‏ إين متاريت أان وصاحيب<br />

215<br />

- 1 حديث 4331<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ ج 9 ص 52<br />

- 3 انظر تفسري ‏}وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ‏ اَّللمِ‏ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ أَعْدَاءً{‏ من سورة آل عمران البن كثري.‏<br />

- 4 رواه البخاري عن جندب بن عبد هللا<br />

- 5 سورة النساء،‏ االية:‏<br />

93<br />

- 6<br />

وهذا احلديث صححه أمحد شاكر يف تعليقه على مسند الإمام أمحد ‏)حديث<br />

ط ‎1413‎ه ، ص 219( وحسن بعضها ‏)مشكاة املصابيح بتحقيقه<br />

6945(، وصحح<br />

)36 / 1<br />

الشيخ األلباين بعض طرقه ‏)شرح العقيدة الطحاوية


هذا يف صاحب موسى الذي سأل موسى الذي سأل موسى السبيلَ‏ إَل لُقِيِّه،‏ هل مسعت النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

يلكر شأنه؟ قال أُيب<br />

التجادل يف العلم إذا كان بغري تعنت،‏<br />

نعم،‏ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول<br />

1<br />

»...<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]ويف احلديث جواز<br />

2<br />

والرجوع إىل أهل العلم عند التنازع،‏ والعمل ‏ِبري الواحد الصادق ...[ .<br />

قلت:‏ فإذا مل يكن لدى املسئولني يف املعسكر جواب لألمور اخلال<strong>في</strong>ة،‏ تؤجل هذه إَل حني سؤال املختصني إما<br />

مبراسلتهم أو ابلرجوع إليهم،‏ كما حدث من الصحابة ملا اختلفوا مع أمرائهم فرجعوا إىل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

فأفتاهم.‏ ومن أمثلة هذا:‏ لَما أَمَرَ‏ عبد هللا بن حذافة أصحابه أن يُوقدوا انرا ‏ُث يدخلوها فامتنعوا ، وكذلك ملا أمر<br />

4<br />

خالد بن الوليد أصحابه بقتل األسرى من بين جذمية فامتنعوا ، وكان األمراء على خطأ يف هذين املثالني.‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ{‏ أي الكتاب والسنة إمجاعا.‏<br />

= 8<br />

وعلى األمري أال يسمح بتكوين حتزابت داخل اجلماعة،‏ مبا يفرق الشمل ويزرع اخلصومات وهنا تنبيه هام<br />

فالتجمعات داخل مجاعةٍ‏ ما نوعان:‏ جائز حممود،‏ ومنهي عنه مذموم.‏<br />

فاجلائز احملمود:‏ هو اجتماع كل فئة تربطها رابطة،‏ مثل جتمع أهل البلد الواحد أو القبيلة الواحدة أو اللغة الواحدة وما<br />

شابه ذلك،‏ فالسنة أن يقاتل كل رجل مع قومه،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ جَعَلْنَاكُمْ‏ شُعُوب ‏ًا وَ‏ قَبَائِلَ‏ لِتَعَارَ‏ قُوا{‏ . 5 وعلى األمري<br />

أن جيعل على كل طائفة عريفا يرفع إليه أخبارهم وينقل إليهم توجيهات األمري،‏ وروى أبو داود من طريق املقدام مب<br />

معد يكرب رفعه ‏»العَرَافَة حق والبد للناس من عريف«،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ارْجِ‏ عُوا حَىتم ي ‏َرْفَعَ‏<br />

إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ‏ أَمْرَكُمْ«‏ ، 6 وقال ابن حجر:‏ ‏]قال ابن بطال:‏ يف احلديث مشروعية إقامة العرفاء ألن الإمام ال ميكنه أن<br />

يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه،‏ قال:‏ واألمر والنهي إذا توجه إَل اجلميع<br />

يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط،‏ فإذا أقام على كل قوم عريفا مل يسع كل أحد إال القيام مبا أُمِر به[‏ . 7<br />

وعلى األمري ‏]أن جيعل لكل طائفة شعارا ي ‏َتَدَاعَون إليه ليصريوا به متميزين،‏ وابالجتماع <strong>في</strong>ه متظاهرين.‏ وقد عروة بن<br />

الزبري عن أبيه ‏)أن النيب صلى هللا عليه وسلم جعل شعار املهاجرين:‏ اي بين عبد الرمحن،‏ وشعار اخلزرج:‏ اي بين عبد<br />

هللا،‏ وشعار األوس:‏ اي بين عبيد هللا،‏ وسعى خيله خيل هللا(‏<br />

. 8 ] 9<br />

216<br />

- 1 احلديث رقم 74<br />

- 2 ‏)فتح الباري )168 / 1<br />

- 3 رواه البخاري عن علي،‏ حديث:‏ 7145<br />

- 4 رواه البخاري عن ابن عمر،‏ حديث 7198<br />

- 5 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

13<br />

- 6 رواه البخاري<br />

- 7 ‏)فتح الباري(‏ ج 13 ص 168<br />

- 9 رواه البيهقي<br />

- 8 ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص 41


أما التجمعات امللمومة:‏ فأنواع منها:‏ التجمعات العصبية اليت ت ‏ُعْلِي رابطة النسب أو غريها على رابطة الإسالم،‏<br />

وهي اليت قال <strong>في</strong>ها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

«<br />

= 8<br />

من قاتل حتت راية عُمِّية يغضب لعصبة أو يدعو عصبة أو<br />

جاهلية<br />

1<br />

ينصر عصبة فقُتِل فقِتْلَةٌ‏ » . ومن التجمعات املذمومة:‏ التحزابت الدينية:‏ كالتعصب ملذهب فقهي أو شيخ<br />

2<br />

أو رأي يف الدين ومثل ذلك،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ ال تَفَرَّ‏ قُوا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}أَنْ‏ أَقِيمُوا<br />

3<br />

الدِينَ‏ وَ‏ الَ‏ تَتَفَرَّ‏ قُوا قِيهِ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ قَرَّ‏ قُوا دِينَهُمْ‏ وَ‏ كَانُوا شِيَعًا لَسْتَ‏ مِنْهُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ إِنَّمَا أَمْرُ‏ هُمْ‏ إِلَى<br />

4<br />

‏َّللاَّ‏ ِ ثُمَّ‏ يُنَب ‏ِئُهُمْ‏ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{‏ . فالواجب على األمري منع هذه التحزابت املذمومة اليت هتدد وحدة الصف.‏<br />

ومما جيب على األمري احلفاظ على وحدة اجلماعة أن يبعد من خيشى ضرره ممن معه من األعضاء،‏ بعد استشارة<br />

أهل مشورته،‏ كمن يسعى ابلنميمة والوقيعة بني الناس أو مَنْ‏ يسبب ضررا الستمرار املهمة التدريبية وحنو ذلك.‏ وقال<br />

الفقهاء إن على األمري ‏]أن يتصفح اجليش ومن <strong>في</strong>ه،‏ <strong>في</strong>خرج منهم من كان <strong>في</strong>ه ختذيل للمجاهدين،‏ وإرجاف<br />

للمسلمني أو عني عليهم للمشركني.‏ قد رَدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عبد هللا بن أيب بن سلول يف بعض غزواته<br />

لتخذيله املسلمني[‏ . 5<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏])فصل(‏<br />

وال يستصحب األمري معه ‏ُملال<br />

وهو الذي يثبط الناس عن الغزو ويزهدهم يف<br />

اخلروج إليه والقتال واجلهاد مثل أن يقول احلر والربد شديد واملشقة شديدة وال يؤمن هزمية هذا اجليش وأشباه هذا.‏<br />

وال مرجفا وهو اللي<br />

يقول قد هلكت سرية املسلمني وما هلم مدد وال طاقة هلم ابلكفار،‏ والكفار هلم قوة ومدد<br />

وصرب وال يثبت هلم أحد وحنو هذا،‏ وال من يعني على املسلمني ابلتجسس للكفار وإطالعهم على عورات املسلمني<br />

ومكاتبتهم أبخبارهم وداللتهم على عوراهتم أو إيواء جواسيسهم وال من يوقع العدواة بني املسلمني ويسعى ابلفساد<br />

لقول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَكِنْ‏ كَرِ‏ هَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَاثَهُمْ‏ قَثَبََِّهُمْ‏ وَ‏ قِيلَ‏ اقْعُدُوا مََْ‏ الْقَاعِدِي ‏َن لَوْ‏ خَرَ‏ جُوا قِيكُمْ‏ مَا زَ‏ ادُوكُمْ‏ إِالَّ‏ خَبَاال<br />

وَ‏ ألَوْ‏ ضَعُوا خِ‏ الَ‏ لَكُمْ‏ يَبْغُونَكُمْ‏ الْفِتْنَةَ{‏ وألن هؤالء مضرة على املسلمني <strong>في</strong>لزمه منعهم،‏ وإن خرج معه أحد هؤالء مل<br />

يُسْهم له ومل يرضخ وإن أظهر عون املسلمني ألنه حيتمل أن يكون أظهره نفاقا وقد ظهر دليله <strong>في</strong>كون جمرد ضرر فال<br />

يستحق مما غنموا شيئا وإن كان األمري أحد هنالء مل يستحب افروج معه ألنه إذا منع خروجه تبعا فمتبوعا أوَل<br />

6<br />

وألنه ال تؤمن املضرة على من صحبه[‏ .<br />

- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- 2 آل عمران،‏ اآلية:‏‎113‎<br />

- 3 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

217<br />

13<br />

158<br />

- 5 ‏)األحكام السلطانية(‏ أليب يعلى ص 41<br />

- 6 ‏)املغين و الشرح الكبري(‏ ج 11 ص 372


=<br />

11<br />

وعلى األمري<br />

أن ينصف أتباعه بعضهم من بع<br />

، فإذا وقعت خصومات بني أتباعه فعليه أن يفصل <strong>في</strong>ها<br />

بنفسه،‏ أو يعني انئبا عنه للمظامل ينصف املظلوم وَيخذ على يد الظامل ابلزجر والتعزير،‏ لتصري األمور ابلعدل منضبطة،‏<br />

ونقمة الرب عن اجلند مرتفعة،‏ مع االحرتاز من توقيع العقوابت البليغة إذا كان اجلند أبرض العدو،‏ بدار احلرب حلديث<br />

1<br />

‏»ال تُقطع األيدي يف الغزو«‏ ، والعمل عليه عند بعض أهل العلم،‏ منهم األوزاعي أن ال يقام احلد يف الغزو حبضرة<br />

2<br />

العدو،‏ وخمافة أن ي ‏َلْحَق مَن يُقام عليه احلد ابلعدو،‏ فإذا رجع الإمام إَل دار الإسالم أقام عليه احلد . وقال ابن قدامة<br />

إن هذه املسألة عليها إمجاع من الصحابة وقال هبا األوزاعي وإسحاق وخالف <strong>في</strong>ها مالك والشافعي وأبو ثور وابن<br />

3<br />

املنذر .<br />

قلت:‏ فإذا كانت اخلصومة<br />

بني الإخوة املسلمني يف حق بعضهم بعضا،‏ فالإصالح أوَل من العقوبة،‏ وعلى األمري أو<br />

انئبه أن يعظ املتخاصمني ويذكرهم أبم يتعارفوا <strong>في</strong>ما بينهم وأن يتناسوا حظوظ أنفسهم خاصة يف ساحة اجلهاد،‏<br />

4<br />

والإصالح أنفع من العقوبة يف إزالة الشحناء والبغضاء،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَصْلِحُوا ذَاتَ‏ بَيْنِكُ‏ ‏ْم{‏ ، وقال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أال أخربكم أبفضل من درجة الصوم والصالة والصدقة؟«‏ قالوا بلى اي رسول هللا؟ قال:‏<br />

5<br />

‏»إصالح ذات البني،‏ وفساد ذات البني احلالقة«‏ .<br />

= 11<br />

وعلى األمري أال يستأثر بشيء دون أتباعه حىت ال تتغري القلو عليه،‏ فعليه أن ‏َيكل مما ‏َيكلون وينام كما<br />

ينامون ويركب كما يركبون أو دوهنم،‏ وال خيص نفسه بشيء من املتاع دوهنم إال ما تستدعيه ضرورة عمله.‏ وعليه أن<br />

يشاركهم يف التدريبات املختلفة فذلك أنشط هلم وأكثر فائدة له ما أمكنه ذلك.‏<br />

= 02<br />

وجيوز لألمري أن يسوس أتباعه ابألمر املفضول إذا دعت املصلحة إىل ذلك،‏ ما مل يكن حمرما،‏ ودليل ذلك<br />

ما رواه البخاري بسنده عن األسود بن يزيد:‏ كانت عائشة تُسِ‏ رُّ‏ إليك كثريا،‏ فما حدثتك يف الكعبة؟ قلت:‏ قالت يل:‏<br />

قال النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

: ‏»اي عائشة لوال قومك حديث عهدهم قال ابن الزبري:‏<br />

بكفر لنقضت الكعبة<br />

فجعلت هلا اببني:‏ ابب يدخل الناس،‏ وابب خيرجون«‏ ففعله ابن الزبري . 6 وقال ابن حجر:‏ ‏]يف احلديث معىن ما ترجم<br />

له أن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا،‏ فخشي صلى هللا عليه وسلم أن يظنوا ألجل قرب عهدهم ابلإسالم أنه<br />

غَريم بناءها لينفرد ابلفخر عليهم يف ذلك،‏<br />

ويستفاد منه ترك املصلحة ألمن الوقوع يف املفسدة،‏ ومنه ترك إنكار<br />

218<br />

- 1<br />

رواه أبو داود والرتمذي والنسائي عن بشر بن أرطأة ‏)ويقال بسر بن أرطأة،‏ أو ابن أيب أرطأة،‏ ويف صحبته ومساعه من النيب خالف.‏ قال<br />

الرتمذي:‏ حديث غريب<br />

- 2 ‏)نصب الراية(‏ للزيلعي ج 3 ص 344<br />

- 3 ‏)املغين والشرح الكبري(‏ ج 11 ص 537<br />

- 4 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

539<br />

1<br />

- 5 رواه الرتمذي وصححه عن أيب الدرداء،‏ واحلالقة أي اليت حتلق الدين<br />

- 6<br />

روى الإمام البخاري هذا احلديث يف كتاب العلم من صحيحه ‏)ابب من ترك بعض االختيار خمافة أن ي ‏َقْصُر فَهْمُ‏ بعض الناس عنه <strong>في</strong>قعوا يف أشد<br />

منه(‏ وكلمة االختيار تعىن املباحات واملستحبات ال األوامر والنواهي حيث ال اختيار.‏


املنكر خشية الوقوع يف أنكر منه،‏ وأن اإلمام يسوس رعيته مبا <strong>في</strong>ه إصالحهم ولو كان مفضوال ما مل يكن حمرما[‏<br />

، 1<br />

والشاهد من احلديث أن األمر األفضل هو تعديل بناء الكعبة واملفضول تركها على حاهلا،‏ فالنيب صلى هللا عليه وسلم<br />

ترك األفضل واكتفى ابملفضول إذ كان هو األصلح يف سياسة الناس،‏ وهذا كما قلنا يف االختيار أي ما يسع املرء فعله<br />

أو تركه وال يرتتب على تركه إُث.‏<br />

وذكرت مسألة سياسة الرعية ابألمر املفضول يف ابب وحدة اجلماعة إذ احلكمة من ترك األفضل هو االحرتاز من<br />

الشقاق وافالف.‏ وال ينبغي آلحاد الرعية أن يطالب األمري ابألفضل طاملا أداه اجتهاده إَل أن العمل ابملفضول<br />

أصلح للناس وأمجع لشملهم<br />

من االختالف والتفرق وهذا يدخل يف قاعدة ‏)درء املفاسد أوَل من جلب املنافع(‏<br />

وقال الشيخ أمحد الزرقا يف شرح هذه القاعدة:‏ ‏]فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قُدِّم دفع املفسدة غالبا ألن اعتناء<br />

الشارع ابملنهيات أشد من اعتنائه ابملأمورات،‏ قال عليه الصالة والسالم:‏ ‏»ما هنيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا<br />

3 2<br />

منه ما استطعتم«‏ ] .<br />

وال يسوغ آلحاد الرعية خمالفة األمري يف هذا ما مل يكن املفضول<br />

إمثا،‏ بل على الكل اتباع األمري حفاظا على وحدة<br />

اجلماعة.‏ ومن أمثلة هذا متابعة عبد هللا بن مسعود وعبد هللا بن عمر ألمري املؤمنني عثمان بن عفان لَما أمت الصالة<br />

مبِِىنَ‏ يف موسم احلج،‏ رضي هللا عنهم،‏ خالفا لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم وسنة أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما يف<br />

ذلك،‏ إذ كانوا ي ‏ُقْصِرون الصالة مبىن.‏ روى مسلم عن انفع عن ابن عمر قال:‏ ‏)صَلمى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

مبىن ركعتني،‏ وأبو بكر بعده،‏ وعمر بعده،‏ وعثمان صدرا من خالفته،‏ ‏ُث إن عثمان صَلمى ب ‏َعْدُ‏ أربعا،‏ فكان ابن عمر<br />

إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتني(.‏ وروى البخاري ومسلم قريبا من هذا عن عبد هللا بن<br />

مسعود فعن عبد هللا بن زيد قال:‏ ‏)صلى بنا عثمان بن عفان مبىن أربع ركعات،‏ فقيل ذلك لعبد هللا بن مسعود ،<br />

فاسرتَْجَع ‏ُث قال:‏ صليت مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مبِىن ركعتني،‏ وصليت<br />

وصليت مع عمر<br />

مع أيب بكر<br />

<br />

مبِىن ركعتني،‏<br />

مبِىن ركعتني،‏ فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(.‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]وإَّنا اسرتجع ابن<br />

مسعود ملا وقع عنده من خمالفة األَوَْلَ‏ ، ويؤيده ما رواه أبو داود ‏)أن ابن مسعود صلى أربعا،‏ فقيل له:‏ عِبْتَ‏ عَلَى<br />

عثمان ‏ُث صليت أربعا،‏ فقال اخلالف شر(‏ ويف رواية البيهقي ‏)إين ألكره اخلالف([‏ . 4<br />

قلت:‏ فهنا اتبع الصحابة عثمان يف العمل ابملفضول ‏)وهو إمتام الصالة(‏ وترك األفضل ‏)وهو قصرها(‏ سدا لذريعة<br />

االختالف كما قال ابن مسعود.‏ وقد كان عثمان<br />

<br />

متأوِّال يف إمتامه . 5<br />

219<br />

225 حديث 126<br />

- 1 ‏)فتح الباري(‏ ج 1 ص 224<br />

- 2 متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 3 ‏)شرح القواعد الفقهية(‏ ط 1 ص 151<br />

28 قاعدة<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ 564 / 2<br />

- 5 انظر فتح الباري 571 / 2


= 13<br />

أعمال الرب اليت جيوز <strong>في</strong>ها التنافس والتسابق بني املسلمني مبا يؤدي إَل التنازع يدُعْم ل <strong>في</strong>ها ابلقرعة الختيار من<br />

يقوم ابلعمل.‏ واألصل يف هذا حديث النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»لَوْ‏ ي ‏َعْلَمُ‏ النماسُ‏ مَا يفِ‏ النِّدَاءِ‏ وَالصمفِّ‏ األَوملِ‏ ‏ُثُم ملَْ‏<br />

1<br />

جيَِدُوا إِالم أَنْ‏ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ‏ السْتَهَمُوا«‏ ، والنداء هو األذان،‏ والإسهام هو القرعة وال خيفى أن حمل هذا إذا تكافأ<br />

رجالن أو أكثر يف استيفاء شروط هذا العمل كإمامة الصالة واألذان،‏ وكان النيب صلى هللا عليه وسلم ي ‏ُقْرِعُ‏ بني<br />

نسائه يف السفر،‏ وقال ابن تيمية:‏ ‏]فإذا تكافأ رجالن وخ<strong>في</strong> أصلحهما أقرع بينهما،‏ كما أقرع سعد بن أيب وقاص بني<br />

الناس يوم القادسية ملا تشاجروا على األذان متابعة لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»لَوْ‏ ي ‏َعْلَمُ‏ النماسُ‏ مَا يفِ‏<br />

النِّدَاءِ«‏<br />

2<br />

احلديث[‏ . أما الوالايت واألعمال اليت من حق األمري أن يقطع <strong>في</strong>ها برأيه فليس <strong>في</strong>ها اقرتاع.‏<br />

وقد أفرد البخاري رمحه هللا اباب يف كتاب الشهادات من صحيحه بعنوان ‏)ابب القُرعة يف املُشْكِالت(‏ وذكر <strong>في</strong>ه قولَه<br />

4<br />

3<br />

تعاَل:‏ ‏}إِذْ‏ يُلْقُونَ‏ أَقْالمَهُمْ‏ أَيُّهُمْ‏ يَكْفُلُ‏ مَرْ‏ يَ‏ ‏َم{‏ ، وقوله تعاَل:‏ ‏}قَسَاهَمَ‏ قَكَانَ‏ مِنْ‏ الْمُدْحَضِ‏ ينَ{‏ ، ‏ُث ذكر مخسة<br />

أحاديث:‏ األول حديث أيب هريرة يف القرعة على اليمني،‏ والثاين حديث النعمان بن بشري ‏»كَمَثَلُ‏ قَوْمٍ‏ اسْتَهَمُوا عَلَى<br />

سَفِينَةً‏ فَصَارَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ يفِ‏ أَسْفَلِهَا وَب ‏َعْضُهُمْ‏ يفِ‏ أَعْالهَا«،‏ والثالث حديث أم العالء يف قرعة األنصار على سكىن<br />

املهاجرين،‏ والرابع حديث عائشة يف أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بني نسائه،‏ واخلامس<br />

حديث أيب هريرة يف القرعة على األذان والصف األول.‏ ‏ُث قال ابن حجر يف الشرح:‏ ‏])ابب القرعة يف املشكالت(‏ أي<br />

مشروعيتها،‏ ووجه إدخاهلا والنزاع ابلبينة،‏ كذلك ت ‏ُقْطَع ابلقرعة إَل قوله<br />

القرعة مما اختلف <strong>في</strong>ه،‏ واجلمهور على القول<br />

هبا يف اجلملة،‏ وأنكرها بعض احلن<strong>في</strong>ة،‏ وحكى ابن املنذر عن أيب حنيفة القول هبا،‏ وجعل املصنف البخاري ضابطها<br />

األمر املُشكِل،‏<br />

5<br />

وفسرها غريه مبا ثبت <strong>في</strong>ه ا ق الثنني فأكَر وتقع املشاححة <strong>في</strong>ه،‏ <strong>في</strong>قرع لفصل النزاع[‏ .<br />

قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يُحِ‏ بُّ‏ الَّذِينَ‏ يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِهِ‏ صَفًّا كَأَنَّهُمْ‏ بُنيَانٌ‏ مَرْ‏ صُو ‏ٌص{‏ وقوة الصف املنمن تكون بقوة<br />

الصِالت بني أفراده كما يف حديث أيب موسى مرفوعا:‏<br />

‏»املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا«‏<br />

وشَبمك بني<br />

7<br />

6<br />

أصابعه ، وحديث النعمان بن بشري مرفوعا:‏ ‏»مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم«‏ . فكلما ازدادت الصالت الإميانية<br />

بني املسلمني كلما ازدادت قوة صفهم القتايل.‏ وواجب األمري رعاية األوَل ليحقق الثانية.‏<br />

- 1 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

201<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى(‏ ج 29 ص 264<br />

- 3 سورة آل عمران،‏<br />

44<br />

- 4 سورة الصافات،‏ اآلية:‏<br />

284<br />

141<br />

- 5 ‏)فتح الباري(‏ ج 5 ص 282<br />

6 متفق عليه<br />

7 احلديث متفق عليه


الواجب السابع من واجبات األمير:‏<br />

تقييم كفاءات أتباعه<br />

معسكرات التدريب مرحلة من مراحل اجلهاد،‏<br />

أو هي املرحلة األوَل منه،‏ <strong>في</strong>نبغي أن خيرج األمري من املعسكر بتقييم<br />

ألتباعه من كافة الوجوه،‏ وهذا التقييم على درجة عالية من األمهية يف تكليف األتباع ابملهام املختلفة يف املراحل<br />

اجلهادية املختلفة.‏<br />

وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إَِّنمَا النماسُ‏ كَالإِبِلِ‏ الْمِائَةِ‏ ال تَكَادُ‏ جتَِدُ‏ فِيهَا رَاحِ‏ لَةً«‏ ، 1 والراحلة هي اليت<br />

تصلح للركوب،‏ ألن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئا سهل االنقياد،‏ ومعىن احلديث أن أكثر الناس أهل<br />

2<br />

نق ، أما أهل الفضل فعددهم قليل،‏ وأن م املَرْضِي األحوال من الناس الكامل األوصاف قليل . وهلا ا ديث يدل<br />

على اختالف كفاءات الناس،‏ وأن املرضي قليل،‏ مما يبني أمهية التقييم واالختيار احلسن.‏<br />

وقد ذكرت من قبل قول هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ‏ إِلَى أَهْلِهَا{‏ ، 3 وقول النيب صلى هللا عليه<br />

و كَيْفَ‏ إِضَاعَتُهَا،‏ قال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إِذَا وُسِّ‏ دَ‏ األَمْرُ‏ لِغَريِْ‏<br />

َ<br />

‏»إِذَا ضُيِّعَتِ‏ األَمَانَةُ‏ فَانْتَظِرِ‏ السماعَةَ«‏ قيل:‏<br />

<br />

وسلم :<br />

أَهْلِهِ«‏ . 4<br />

=<br />

1<br />

=<br />

=<br />

=<br />

والوالايت واألعمال أماانت وذلك ابلن ، لقول النيب صلى هللا عليه وسلم أليب ذر عندما سأله العمل ‏»ايَ‏ أَابَ‏<br />

ذَرٍّ‏ إِنمكَ‏ ضَعِيفٌ‏ وَإِهنمَا أَمَانَةُ«،‏ فمِنَ‏ الواجب معرفة أهلها،‏ أي جيب معرفة الكفء لكل عمل من األعمال حىت يتسىن<br />

أداء األماانت يف الوالايت واألعمال كما أمر هللا تعاَل به ورسوله صلى هللا عليه وسلم ولذلك فإن معرفة كفاءات<br />

األفراد ومستوايهتم ينبغي أن يكون من األهداف الرئيسية ألي معسكر.‏<br />

وللوصول إَل تقييم جيد للفرد ميكن اتباع الوسائل التالية.‏<br />

<strong>إعداد</strong> بيان عضوية لكل فرد:‏ ميكن <strong>إعداد</strong> بيان عضوية لكل فرد يلتحق مبعسكر التدريب يُعِدُّه الفرد بنفسه،‏<br />

على أن يشمل هذا البيان على ما يلي:‏<br />

إمسه وكنيته<br />

أمساء أقاربه وعناوينهم ليتسىن إبالغهم يف حالة ما إذا استشهد العضو أو أصيب.‏<br />

اتريخ ميالده ‏)وقد ذكرت مسألة مراعاة السن يف الوالايت من قبل(.‏<br />

- 1 رواه البخاري عن ابن عمر<br />

200<br />

- 2 ‏)فتح الباري(‏ 335 / 11<br />

- 3 النساء،‏ اآلية:‏ 59<br />

- 4 رواه البخاري


=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

املراحل الدراسية اليت قطعها.‏<br />

العلوم الشرعية اليت درسها،‏ مع بيان حمفوظاته.‏<br />

اخلربات واملهارات اخلاصة.‏<br />

اخلربات العسكرية السابقة.‏<br />

اللغات اليت جييدها.‏<br />

املهنة احلالية واملهن السابقة.‏<br />

احلالة الصحية مع ذكر العاهات واألمراض املزمنة إن وجدت.‏<br />

عدد األفراد الذين يعوهلم العضو وأعمارهم إذا كان سيصرف هلم عطاء.‏<br />

األماانت اليت أودعها يف إدارة املعسكر.‏<br />

الوصية،‏ لتن<strong>في</strong>ذها يف حالة استشهاده.‏<br />

وميكن إضافة بياانت أخرى إذا رأى املسئول عن املعسكر ذلك.‏<br />

واألصل الشرعي ل<strong>إعداد</strong> هذه البياانت مأخوذ من سنة أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب<br />

1<br />

اجلند،‏ قيل مبشورة خالد بن الوليد،‏ وذلك سنة عشرين هجرية .<br />

<br />

= 2<br />

عن ذلك.‏<br />

يف إنشاء الدواوين لتسجيل<br />

سنال العضو عن نفسه إذا أراد األمري معرفة بياانت أخرى أو الإستفسار عما كتبه العضو،‏ فلألمري أن يسأله<br />

فقد روى الرتمذي عن أيب هريرة قال:‏ ‏)بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم،‏ فاستقرأ<br />

كل واحد منهم ما معه من القرآن،‏ فأتى على رجل من أحدثهم سنا،‏ فقال ما معك ايفالن؟ فقال معي كذا وكذا<br />

2<br />

وسورة البقرة فقال:‏ أمعك سورة البقرة؟ قال:‏ نعم،‏ قال صلى هللا عليه وسلم : اذهب فأنت أمريهم(‏ . وتولية مثل هذا<br />

حممول على استوائهم يف الكفاءات األخرى،‏ وإال فقد ذكرت من قبل جواز تولية املفضول دينا إذا كان أصلح من<br />

غريه للعمل.‏<br />

= 3<br />

مراقبة سلوك العضو:‏ املعسكرات من أفضل األماكن ملراقبة سلوك العضو من وجهني:‏<br />

األول:‏ سلوكه يف خاصة نفسه:‏ أدبه عبادته ورعه إتقانه لعمله.‏<br />

الثاين:‏ سلوكه يف حق إخوانه:‏ وسوف أحتدث عن هذه املسألة يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل،‏ حيث أبني أن<br />

سلوك الفرد يف حق إخوانه له شقان:‏ كف األذى عنهم وجلب النفع هلم.‏<br />

243<br />

- 1 انظر األحكام السلطانية للماوردي ص 213<br />

216، األحكام السلطانية أليب يعلى ص<br />

- 2 قال الرتمذي هذا حديث حسن.‏ وذكره ابن كثري يف فضائل سورة البقرة<br />

241<br />

202


وهذا األثر التايل يبني أمهية املعسكرات يف تقييم سلوك الفرد.‏ روى سليمان بن حرب قال:‏ ‏)شهد رجل عند عمر بن<br />

اخلطاب ، فقال له عمر إين لست أعرفك وال يضرك أين ال أعرفك،‏ فائتين مبن يعرفك.‏ فقال رجل:‏ أان أعرفه اي أمري<br />

املؤمنني،‏ قال:‏ أبي شيء تعرفه؟ فقال:‏ ابلعدالة.‏<br />

قال عمر:‏ هو جارك األدىن تعرف ليله وهناره ومدخله وخمرجه؟ قال:‏ ال.‏<br />

قال عمر:‏ فعاملك ابلدرهم والدينار الذي يستدل هبما على الورع؟ قال:‏ ال.‏<br />

قال عمر:‏ فصاحَبَك يف السفر الذي يستدل به على مكارم األخالق؟ قال:‏ ال.‏<br />

قال عمر:‏ فلست تعرفه،‏ ‏ُث قال للرجل إئتين مبن يعرفك(‏<br />

1<br />

.<br />

قلت:‏ هذا األثر يورده الفقهاء يف أبواب القضاء والشهود وقد ذكر عمر<br />

وهو اجلوار واملعاملة املالية والصحبة يف السفر.‏<br />

<br />

أمورا يستدل هبا على العدالة وحسن السرية<br />

وال شك أن املعسكرات توفر هذه املعطيات بعضها أو كلها ‏)اجلوار واملعاملة أو الصحبة يف السفر(‏ وابلتايل فهي من<br />

أفضل األماكن لتقييم األفراد واحلكم على سلوكهم.‏<br />

= 4<br />

اإلختبارات:‏ لألمري أن يعقد الإختبارات ألتباعه ملعرفة مستوى حتصيلهم وقدراهتم،‏ وقد تكون هذه االختبارات<br />

نظرية أو عملية أو حىت نفسية كما اخترب طالوت جنوده.‏<br />

= 5<br />

سنال الناس عن العضو:‏ وهذا يدخل يف ابب املشورة،‏ <strong>في</strong>سأل عنه من يعرفه،‏ ومن خالطه من قبل،‏ خاصة من<br />

عاشره مدة طويلة،‏ فإن هناك من اخلصال ما ال يظهر على الإنسان إال بطول املعاشرة،‏ واملعسكرات ال توفر طول<br />

املعاينة،‏ <strong>في</strong>سأل عنه من عايشه من قبل إن لزم هذا.‏<br />

ومن سئل عن شخ عليه أن خيرب مبا سأل عنه،‏ ملا يف ذلك من املصلحة العامة.‏<br />

فعن فاطمة بنت قيس رضي هللا عنها قالت:‏ أتيت النيب صلى هللا عليه وسلم فقلت:‏ إن أاب اجلهم ومعاوية خطباين؟<br />

فقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏»أما معاوية فصعلوك ال مال له،‏ وأما أبو اجلهم فال يضع العصا من عاتقه«‏ .<br />

وقد استشار عبد الرمحن بن عوف أغلب أهل املدينة من املهاجرين واألنصار وأمراء األجناد قبل أن يقدم على تقدمي<br />

عثمان عَلَى عَلِيّ‏ يف اخلالفة،‏ قال عبد الرمحن بن عوف ‏)أما بعد اي عَلِيّ،‏ إين نظرت يف أمر الناس فلم أرهم يعدلون<br />

3<br />

بعثمان(‏ .<br />

فهذه بعض الوسائل اليت يسلكها األمري لتقييم مستوايت أتباعه وكفاءاهتم،‏ ليضعهم يف مواضعهم،‏ ويوكل إليهم أماانت<br />

األعمال كما أمر هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

203<br />

- 1<br />

قال األلباين صحيح أخرجه العقيلي )354( والبيهقي )125/11( من طريق داود بن رشيد حدثنا الفضل بن زايد حدثنا شيبان عن األعمش عن<br />

سليمان بن مُسْهِر عن خرشة بن احلُر،‏ قال:‏ فذكره.‏ ‏)إرواء الغليل ختريج أحاديث منار السبيل(‏ ج<br />

- 2 متفق عليه وذكره النووي رمحه هللا يف ابب ‏)ما يباح من الغيبة(‏ يف كتابه ‏)رايض الصاحلني(‏<br />

2637 أثر رقم 9 ص 261<br />

- 3 رواه البخاري حديث 7217


وأهم اخلصال املساعدة يف التقييم هي:‏ ‏)العمر العلم الشرعي املستوى التعليمي العلم اخلربة العسكرية احلالة<br />

الصحية السلوك الشخصي السلوك مع إخوانه احلالة العائلية(.‏ وذكرت وسائل معرفة وتقييم هذه اخلصال كما<br />

سلف.‏<br />

204


الثامن من واجبات األمير:‏<br />

اإلعداد اإليماني للجهاد.‏<br />

تشكل املعسكرات الإسالمية بوجه عام ومعسكرات التدريب على وجه اخلصوص ساحة خصبة للرتبية الإميانية،‏ مبا<br />

توفره من توجيه وتقومي من الإخوة بعضهم لبعض وممارسة للسلوك اجلماعي.‏<br />

وال<strong>إعداد</strong> الإمياين هو أحد الشروط الالزمة لتحقيق سنة هللا لتحقيق القدرية بنصر املؤمنني قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا<br />

عَلَيْنَا نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 1 فجعل سبحانه النصر خاصا ابملؤمنني.‏<br />

ويف هذا الفصل ندرس املوضوعات التالية:‏<br />

أوال:‏ األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر أو ختلفها.‏<br />

‏َثنيا:‏ أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏<br />

‏َثلثا:‏ معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏<br />

رابعا:‏ واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏<br />

خامسا:‏ ‏)ملحق 1( أصول االعتصام ابلكتاب والسنة ‏)منهج أهل السنة واجلماعة(.‏<br />

سادسا:‏ ‏)ملحق 2( معامل أساسية يف اجلهاد.‏<br />

سابعا:‏ ‏)ملحق 3( حكم طلب العلم للمسلم اجملاهد.‏<br />

‏َثمنا:‏ ‏)ملحق 4( عن املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد،‏ وهل العدالة شرط لوجوب اجلهاد؟<br />

األصول الخمسة لتحقق سنة النصر أو تخلفها.‏<br />

وهي:‏ األول:‏ أن النصر بيد هللا تعاَل وحده،‏ والثاين:‏ أن هللا تعاَل وعد عباده املؤمنني ابلنصر على عدوهم يف الدنيا،‏<br />

والثالث:‏ أن هذا الوعد ابلنصر إَّنا هو ألهل الإميان الكامل،‏ ولكل مؤمن نصيبه من هذا الوعد بقَدْر إميانه،‏ والرابع:‏<br />

أن ختلف هذا الوعد معناه ختلف شروطه الإميانية،‏ واخلامس،‏ أنه إذا ختلف هذا الوعد فال يصري العبد مستحقا له إال<br />

إذا غري حاله ليستكمل شروط هذا الوعد.‏ وبيان هذه األصول كما يلي:‏<br />

لألصل األول:‏ ‏)أن النصر بيد هللا تعاَل وحده(‏ لقول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِالَّ‏<br />

مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَزِ‏ ي ‏ٌز<br />

2<br />

حَكِيمٌ{‏ ، وقد اشتملت هذه اآلية على ما يعترب أقوى أساليب احلصر وهو الن<strong>في</strong> ‏)ما(‏ املتبوع ابالستثناء ‏)إال(،‏ وهذا<br />

املعىن يُسْتفاد أيضا من قوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ يَنْصُرْ‏ كُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَال غَالِبَ‏ لَكُمْ‏ وَ‏ إِنْ‏ يَخْذُلْكُمْ‏ قَمَنْ‏ ذَا الَّذِي يَنْصُرُ‏ كُمْ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

- 1 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

205<br />

47<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

126<br />

وسورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

11


بَعْدِهِ{‏ ، 1 وملا غاب هذا املعىن عن بعض الصحابة رضي هللا عنهم يف غزوة حنني وأعجبوا بكثرهتم كانت اهلزمية ليعلموا<br />

أن العدد و<strong>العدة</strong> ال تغين شيئا إال إبذن هللا.‏ قال تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ نَصَرَ‏ كُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قِي مَوَ‏ اِِنَ‏ كَثِيرَ‏ ةٍ‏ وَ‏ يَوْ‏ مَ‏ حُنَيْنٍ‏ إِذْ‏ أَعْجَبَتْكُ‏ ‏ْم<br />

كَثْرَ‏ تُكُمْ‏ قَلَمْ‏ تُغْنِ‏ عَنْكُمْ‏ شَيْئًا وَ‏ ضَاقَتْ‏ عَلَيْكُمْ‏ األَرْ‏ ضُ‏ بِمَا رَ‏ حُبَتْ‏ ثُمَّ‏ وَ‏ لَّيْتُمْ‏ مُدْبِرِ‏ ي ‏َن ثُمَّ‏ أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ سَكِينَتَهُ‏ عَلَى رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه<br />

وَ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ أَنزَ‏ لَ‏ جُنُود ‏ًا لَمْ‏ تَرَ‏ وْ‏ هَا وَ‏ عَذَّبَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا وَ‏ ذَلِكَ‏ جَزَ‏ اءُ‏ الْكَاقِرِ‏ ينَ{‏ ، 2 فذكمرهم سبحانه أنه نصرهم<br />

يف مواطن كثرية دون هذه الكثرة اليت أعجبوا هبا،‏ وأهنم ملا أعجبوا وركنوا إَل الكثرة مل تغن عنهم شيئا فهُزِموا،‏ ‏ُث نصرهم<br />

هللا بعد اهلزمية ليبني هلم أن النصر من عنده ال ابلكثرة اليت مل تغن،‏ فردهم سبحانه ابهلزمية إَل األمر الذي غاب عن<br />

البعض،‏ ذلك األمر هو ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِالَّ‏ مِنْ‏ عِنْ‏ ‏ِد ‏َّللاَّ‏ ِ{.<br />

األصل الَاين:‏ أن هللا تعاَل وعد عباده املؤمنني ابلنصر على عدوهم يف الدنيا،‏ وعداً‏ صادقاً‏ ال ريب <strong>في</strong>ه،‏ وسنة قدرية<br />

ال تتخلف.‏<br />

قال تعاَل:‏<br />

{ وَ‏ لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ رُ‏ ً سُال إِلَى قَوْ‏ مِهِمْ‏ قَجَاءُوهُمْ‏ بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ قَانتَقَمْنَا مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَجْرَ‏ مُوا وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا عَلَيْنَا<br />

نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 3 وقال سبحانه:‏ ‏}وَ‏ لَقَدْ‏ كُذِبَتْ‏ رُ‏ سُلٌ‏ مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ قَصَبَرُ‏ وا عَلَى مَا كُذِبُوا وَ‏ أُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ‏<br />

نَصْرُ‏ نَا وَ‏ ال مُبَدِلَ‏ لِكَلِمَاتِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ لَقَدْ‏ جَاءَكَ‏ مِنْ‏ نَبَإِ‏ الْمُرْ‏ سَلِي ‏َن{‏ ، 4 ‏}ال مُبَدِلَ‏ لِكَلِمَاتِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ أي كلماته القدرية الواقعة<br />

ال حمالة بقوله تعاَل ‏"كُنْ‏ <strong>في</strong>كون"‏ ومن هذه الكلمات القدرية وعده بنصر املؤمنني ‏}حَتَّى أَتَاهُمْ‏ نَصْرُ‏ نَا{.‏<br />

وهذا الوعد ابلنصر هو يف الدنيا ليس يوم القيامة فقط،‏ كما يف اآلايت السابقة،‏ ولقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّا لَنَنصُرُ‏ رُ‏ سُلَنَا<br />

وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قِي الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا وَ‏ يَوْ‏ مَ‏ يَقُومُ‏ األَشْهَادُ{‏ ، 5<br />

ظَاهِرِ‏ ينَ{‏ . 6<br />

ولقوله تعاَل:‏<br />

‏}قَأَيَّدْنَا الَّذِينَ‏ آَمَنُوا عَلَى عَدُو ‏ِهِمْ‏ قَأَصْبَحُوا<br />

ومقتضى هذا الوعد القدري ابلنصر هو التمكني للمؤمنني يف األرض والتمكني هو االستخالف وذلك لقوله تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَّذِينَ‏ آمَنُوا مِنْكُمْ‏ وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ‏ ضِ‏ كَمَا اسْتَخْلَفَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِ‏ ‏ْم{‏ ، 7 ولقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لِ‏ ‏ُرسُلِهِمْ‏ لَنُخْرِ‏ جَنَّكُمْ‏ مِنْ‏ أَرْ‏ ضِ‏ نَا أَوْ‏ لَتَعُودُنَّ‏ قِي مِلَّتِنَا قَأَوْ‏ حَى إِلَيْهِمْ‏ رَ‏ بُّهُمْ‏ لَنُهْلِكَ‏ ‏َّن<br />

الظَّالِمِينَ‏<br />

وَ‏ لَنُسْكِنَنَّكُمْ‏ األَرْ‏ ضَ‏ مِنْ‏ بَعْدِهِمْ‏ ذَلِكَ‏ لِمَنْ‏ خَافَ‏ مَقَامِي وَ‏ خَافَ‏ وَ‏ عِي ‏ِد{‏ ، 9<br />

وهذه اآلية وآية النور قبلها نص<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ األية:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الصف،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

206<br />

161<br />

26 25<br />

34<br />

14<br />

47<br />

51<br />

55<br />

- 9 سورة ابراهيم،‏ اآليتان:‏<br />

14 13


يف سنة االستخالف القدرية،‏ وبيان لشروط استحقاقها<br />

خَافَ‏ مَقَامِي وَ‏ خَافَ‏ وَ‏ عِيدِ{،‏<br />

‏}الَّذِينَ‏ آمَنُوا مِنْكُمْ‏ وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ{‏<br />

و}ذَلِكَ‏ لِمَنْ‏<br />

وقوله تعاَل يف أية النور ‏}كَمَا اسْتَخْلَفَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِ‏ ‏ْم{‏ هو زايدة توكيد وبيان<br />

هلذه السنة القدرية اليت ال تتخلف،‏ أي كما أهنا حتققت للذين من قبلكم ستحقق لكم بشروطها.‏<br />

األصل الَالث:‏ أن هذا الوعد ابلنصر إَّنا هو ألهل الإميان الكامل،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‏<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ . 1 وعلى قدر إميان العبد يكون نصيبه من النصر،‏ فكلما ازداد إميانه زاد حظه من الوعد القدري ابلنصر،‏<br />

وإذا نق<br />

إميانه ن ‏َقَ‏ َ حظُّه من النصر.‏<br />

وهذا األصل مبين على القول أبن الإميان ي ‏َتَبَعمض،‏ وأنه يزيد وينق ، وهو اعتقاد أهل السنة واجلماعة،‏ لقول رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»الإميان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة،‏ فأعالها شهادة أن ال إله إال هللا،‏ وأدانها<br />

2<br />

إماطة األذى عن الطريق«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ب ‏َيْنَا أان انئم رأيت الناسَ‏ ي ‏ُعْرَضون م عَلَي وعليهم قُمُ‏ ٌ، منها<br />

ما يبلغ الثُّدِيم،‏ ومنها ما دون ذلك.‏ وعُرِضَ‏ عَلَي م عمر بن اخلطاب وعليه قمي<br />

جيَُرُّه،‏ قالوا فما أَوملت ذلك اي رسول<br />

3<br />

هللا؟ قال:‏ الدينَ«‏ . وقال البخاري يف أول كتاب الإميان من صحيحه ‏)الإميان قول وعمل،‏ يزيد وينق ) وقال ابن<br />

حجر:‏ ‏]وكذا نقله أبو القاسم الاللكائي يف ‏"كتاب السنة"‏ عن الشافعي وأمحد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأيب<br />

عبيد وغريهم من األئمة،‏ وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال:‏ لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء ابألمصار<br />

4<br />

فما رأيت أحدا منهم خيتلف يف أن الإميان قول وعمل،‏ ويزيد وينق ] .<br />

قلت:‏ فإذا زاد إميان العبد زاد حظه من الوعد القدري ابلنصر،‏ وعكسه بعكسه.‏ ويف مقام اجلهاد نقول إن النصر<br />

معلق على شرطني:‏ عام وخاص.‏<br />

أما الشرط العام:‏ فهو اإلعداد اإلمياين ابستزادة العبد من شعب الإميان القلبية والظاهرة،‏ العلمية والعملية ليصبح من<br />

أهل الوعد املذكورين يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ . 5<br />

وأما الشرط افاص:‏ فهو اإلعداد املادي<br />

للجهاد:‏ جبمع السالح<br />

وحتريض املؤمنني على القتال والبذل والنفقة،‏<br />

ويدخل يف هذا التدريب العسكري بكل أنواعه.‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَحْسَبَنَّ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ‏ ال يُعْجِ‏ زُ‏ و ‏َن<br />

6<br />

وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ اآلية،‏ فبنيّ‏ احلق جل وعال أنه حميط ابلكافرين قادر عليهم،‏ ال يُعجزونه،‏ إال أنه<br />

سبحانه قد أمران رغم قدرته إبعداد القوة بشىت أشكاهلا،‏ وأن ‏ُنتهد غاية االستطاعة يف هذا ال<strong>إعداد</strong> كشرط لتحقيق<br />

- 1 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

207<br />

47<br />

- 2 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />

- 3 رواه البخاري عن أيب سعيد<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ 47 / 1<br />

- 5 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

47<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61 58


الوعد الإهلي بنصر املؤمنني.‏ ذلك ألن الدنيا دار ابتالء وألمور جتري <strong>في</strong>ها على األسباب،‏ فاهلل يبتلي املؤمن ابلكافر<br />

ليخترب صدقَ‏ إميانه،‏ هل سيجاهد الكافر ويُعِد القوة هلذا كما أمر سبحانه أم ال؟،‏ ويبتلي الكافر ابملؤمن،‏ هل<br />

يستجيب الكافر لدعوة الإميان أم سيدفعها حىت القتال؟ ويف ابتالء الفريقني بعضهم ببعض يقول هللا تعاَل:‏ ‏}ذَلِ‏ ‏َك<br />

وَ‏ لَوْ‏ يَشَاءُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَ‏ نتَصَرَ‏ مِنْهُمْ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ لِيَبْلُوَ‏ بَعْضَكُمْ‏ بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏<br />

1<br />

.<br />

ومما يدخل يف ال<strong>إعداد</strong> املادي توحيد صفوف املسلمني ملواجهة أعدائهم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَ‏ ‏َب<br />

2<br />

رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا{‏ ، فجعل سبحانه التنازع بني املسلمني من أسباب فشلهم،‏ بل من أظهر أسباب الفشل،‏ وذلك<br />

ابلن كما أنه سبحانه قد جعل النصر مرتتبا على مواالة املؤمنني بعضهم بعضا يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ<br />

3<br />

وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَإِنَّ‏ حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏ الْغَالِبُونَ{‏ .<br />

وال شك أن ال<strong>إعداد</strong> املادي هو أيضا من شعب الإميان ألنه استجابة ألمر هللا تعاَل ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

قُوَّ‏ ةٍ{،‏ ولكنا أفردانه كشرط مستقل للتنبيه على أمهيته،‏ فعالقته ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين هي عالقة اخلاص ابلعام.‏<br />

األصل الرابع:‏ أن ختلف هذا الوعد القدري بنصر هللا تعاَل للمؤمنني معناه ختلف شروطه،‏ وذلك بتقصري العبد يف<br />

القيام ابل<strong>إعداد</strong>ين الإمياين واملادي أو يف أحدمها.‏<br />

وختلف هذا الوعد معناه ظهور الكافرين على املسلمني،‏ وأن تكون الدولة للكفر وأهله،‏ وكل هذا بسبب نق الإميان<br />

4<br />

وبسبب املعاصي والذنوب،‏ قال تعاَل:‏ { وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِ‏ ‏َك{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

5<br />

مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْدِيكُمْ‏ وَ‏ يَعْفُو عَنْ‏ كَثِيرٍ‏ } ، وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَمْ‏ يَكُ‏ مُغَي ً ‏ِرا نِعْمَةً‏ أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْ‏ مٍ‏<br />

6<br />

حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{‏ ، قال ابن كثري:‏ ‏]خيرب تعاَل<br />

عن متام عدله وقسطه يف حُكْمِهِ‏ أبنه تعاَل ال يغري نعمة<br />

أنعمها على أحد إال بسبب ذنب ارتكبه[‏ أ ه . وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يَظْلِمُ‏ النَّاسَ‏ شَيْئ ‏ًا وَ‏ لَكِنَّ‏ النَّاسَ‏ أَنْفُسَهُ‏ ‏ْم<br />

7<br />

يَظْلِمُونَ{‏ .<br />

وهذه السنة القدرية ال حتايب أحدا من البشر ولو كان من خِ‏ يَار اخللق،‏ ومن هذا ما أصاب الصحابة يوم أحد من<br />

اهلزمية واجلراح والقتل بسبب معصية بعضهم ألمر النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم،‏ وهذا يؤخذ منه أن معصية البعض يف<br />

العمل اجلماعي تضر الكل،‏ قال تعاَل <strong>في</strong>ما أصاب الصحابة يف أحد ‏}أَوَ‏ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ‏ مُصِ‏ يبَةٌ‏ قَدْ‏ أَصَبْتُمْ‏ مِثْلَيْهَا قُلْتُ‏ ‏ْم<br />

- 1 سورة حممد،‏ لآلية:‏<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

208<br />

46<br />

4<br />

- 5 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

7 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

51<br />

78<br />

31<br />

53<br />

44


أَنَّى هَذَا قُلْ‏ هُوَ‏ مِنْ‏ عِنْدِ‏ أَنْفُسِكُمْ{‏ ، 1 فتسلط العدو على املسلمني إَّنا هو عقوبة قدرية هلم مبعاصيهم،‏ هذا يف العدو<br />

اجلنسي،‏ وهو كذلك ابلنسبة للعدو اجلِينِّ‏ ، كما قال تعاَل:‏ { وَ‏ مَنْ‏ يَعْشُ‏ عَنْ‏ ذِكْرِ‏ الرَّ‏ حْمَانِ‏ نُقَي ‏ِضْ‏ لَهُ‏ شَيَِْانًا قَهُوَ‏ لَهُ‏<br />

2<br />

قَرِ‏ ينٌ{‏ ، فباملعاصي جيعل العبد للشيطان على نفسه سبيال حىت خيذله أمام عدوه الإنسي كما قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏<br />

3<br />

تَوَ‏ لَّوْ‏ ا مِنْكُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏ إِنَّمَا اسْتَزَ‏ لَّهُمْ‏ الشَّيَِْانُ‏ بِبَعْضِ‏ مَا كَسَبُوا{‏ .<br />

وميكننا أن نصوغ هذا األصل بعبارة أخرى وهي أن أسبا فشل املسلمني هي أساسا أسبا ذاتية داخلية،‏ وهذا<br />

واضح <strong>في</strong>ما رواه مسلم عن ثوابن رضي هللا عنه قال:‏ ‏)إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»إِنم اَّللمَ‏ زَوَى يلِ‏ َ<br />

األَْرْضَ‏ فَرَأَيْتُ‏ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِهبََا وَ‏ إِنم أُميتِ‏ سَيَبْلُغُ‏ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ‏ يلِ‏ مِنْهَا وَأُعْطِيتُ‏ الْكَنْزَيْنِ‏ األَمحَْرَ‏ وَاألَبْيَضَ‏ وَإِينّ‏<br />

مْ‏ فَيَسْتَبِ‏ يحَ‏ ب ‏َيْضَتَهُمْ‏ بِسَنَةٍ‏ عَامةٍ‏ وَأَنْ‏ ال يُسَلِّطَ‏ عَلَيْهِمْ‏ عَدُواا مِنْ‏ سِ‏ وَى أَنْفُسِ‏ هِ‏ وَإِنم رَيبّ‏<br />

سَأَلْتُ‏ ِ رَيبّ‏ ألُميتِ‏ أَنْ‏ ال ي ‏ُهْلِكَهَا<br />

قَالَ‏ ايَ‏ حمَُمدُ‏ ِ إِينّ‏ إِذَا قَضَيْتُ‏ قَضَاءً‏ فَإِنمهُ‏ ال ي ‏ُرَدُّ‏ ِ وَإِينّ‏ أَعْطَيْتُكَ‏ ألُِمتِكَ‏ أَنْ‏ ال أُهْلِكَهُمْ‏ بِسَنَةٍ‏ عَامةٍ‏ وَأَنْ‏ ال أُسَلِّطَ‏ عَلَيْهِ‏ ‏ْم<br />

عَدُواا مِنْ‏ سِ‏ وَى أَنْفُسِ‏ هِمْ‏ يَسْتَبِيحُ‏ ب ‏َيْضَتَهُمْ‏ وَلَوِ‏ اجْتَمَعَ‏ عَلَيْهِمْ‏ مَنْ‏ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ ي ‏ُهْلِكُ‏ ب ‏َعْضًا وَيَسِْيب<br />

ب ‏َعْضُهُمْ‏ ب ‏َعْضًا«‏<br />

من الفساد مبلغا،‏ وهذا ن<br />

ِ<br />

ِ<br />

أ ه . فهذا احلديث يبني أن العدو الكافر ‏)من سوى أنفسهم(‏ ال يتسلط على املسلمني إال إذا بلغوا<br />

يف أن سبب فشل املسلمني هو داخلي أساسا.‏<br />

ومن هنا تعلم خطأ من يعزو فشل املسلمني وضعفهم إَل كيد الكافرين وخمططاهتم،‏ كما هو شأن بعض الكتاب الذين<br />

ي ‏ُهَوِّلون من شأن اليهود وخمططاهتم الشيطانية وينسبون كل شر وفساد إليهم.‏ فاحلقيقة اليت جيب أن يعلمها كل مسلم<br />

هي أنه ما من مصيبة<br />

تقع ابملسلمني إال واملسلمون هم املسؤولون عنها يف املقام األول،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَ‏ ‏َك<br />

4<br />

مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِكَ‏ } ، وألن هللا تعاَل أخربان عن ضعف كيد الكافرين أمام املؤمنني الكُمل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}لَنْ‏<br />

5<br />

يَضُرُّ‏ وكُمْ‏ إِالَّ‏ أَذًى وَ‏ إِنْ‏ يُقَاتِلُوكُمْ‏ يُوَ‏ لُّوكُمْ‏ األْ‏ ‏َدْبَارَ‏ ثُمَّ‏ ال يُنْصَرُ‏ و ‏َن{‏ ، واألذى هو الضرر اليسري وهذا واضح من<br />

6<br />

استثنائه من عموم الضرر ‏ُث العاقبة للمتقني،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلُوا أَوْ‏ لِيَاءَ‏ الشَّيَِْانِ‏ إِنَّ‏ كَيْدَ‏ الشَّيَِْانِ‏ كَانَ‏ ضَعِيفًا{‏ ،<br />

وهذا ن يف ضعف كيدهم وتدبريهم،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مَوْ‏ لَى الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ أَنَّ‏ الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ ال مَوْ‏ لَى لَهُمْ{‏ ، 7<br />

ففشل املسلمني هو من عند أنفسهم قبل أن يكون بسبب عدوهم،‏ واملسلمون مبعاصيهم جعلوا ألعدائهم سبيال قدرا.‏<br />

)456<br />

- 1<br />

سورة آل عمران،‏ اآلية 165، انظر تفسري الشنقيطي ‏)أضواء البيان ج<br />

3 ص 452<br />

- 2<br />

سورة الزخرف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

36<br />

155<br />

78<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة حممد اآلية:‏<br />

111<br />

76<br />

11<br />

209


{<br />

وهذا األصل الرابع ينبغي أن يكون معيارا على أساسه<br />

حياسب األفراد والتجمعات الإسالمية أنفسهم،‏ ويراجعون<br />

حساابهتم يف ضوء معرفتهم أبنه ال مصيبة إال بذنب وتقصري،‏ وهذه املراجعة للنفس واجبة لقوله تعاَل:‏ ‏}ظَهَرَ‏ الْفَسَا ‏ُد<br />

1<br />

قِي الْبَرِ‏ وَ‏ الْبَحْرِ‏ بِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْدِي النَّاسِ‏ لِيُذِيقَهُمْ‏ بَعْضَ‏ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ‏ يَرْ‏ جِ‏ عُو ‏َن{‏ ، ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنُذِيقَنَّهُمْ‏<br />

2<br />

مِنْ‏ الْعَذَابِ‏ األَدْنَى دُونَ‏ الْعَذَابِ‏ األَكْبَرِ‏ لَعَلَّهُمْ‏ يَرْ‏ جِ‏ عُونَ{‏ ، وانظر إَل قول أتباع األنبياء السابقني لتعلم أن هذا أصل<br />

مقرر يف مجيع الشرائع فإهنم ملا أُصيبوا يف سبيل هللا علموا أن هذا بذنوهبم فبادروا ابالستغفار والإانبة،‏ قال تعاَل:‏<br />

وَ‏ كَأَي ‏ِنْ‏ مِنْ‏ نَبِي ٍ قَاتَلَ‏ مَعَهُ‏ رِ‏ ب ‏ِيُّونَ‏ كَثِيرٌ‏ قَمَا وَ‏ هَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ مَا ضَعُفُوا وَ‏ مَا اسْتَكَانُوا وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يُحِ‏ ‏ُّب<br />

الصَّابِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ مَا كَانَ‏ قَوْ‏ لَهُمْ‏ إِالَّ‏ أَنْ‏ قَالُوا رَ‏ بَّنَا اغْفِرْ‏ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ‏ إِسْرَ‏ اقَنَا قِي أَمْرِ‏ نَا وَ‏ ثَب ‏ِتْ‏ أَقْدَامَنَا وَ‏ انْصُرْ‏ نَا عَلَى الْقَ‏ ‏ْو ‏ِم<br />

الْكَاقِرِ‏ ينَ{‏ ، 3 وكذلك صَنَعَ‏ أصحاب اجلنمة ملا هلكت جنتهم فعلموا أنه بذنوهبم فتابوا وأانبوا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏<br />

أَوْ‏ سَُِهُمْ‏ أَلَمْ‏ أَقُلْ‏ لَكُمْ‏ لَوْ‏ ال تُسَب ‏ِحُو ‏َن قَالُوا سُبْحَانَ‏ رَ‏ ب ‏ِنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِي ‏َن قَأَقْبَلَ‏ بَعْضُهُمْ‏ عَلَى بَعْضٍ‏ يَتَالَ‏ وَ‏ مُو ‏َن قَالُوا<br />

يَاوَ‏ يْلَنَا إِنَّا كُنَّا ‏َِاغِينَ‏<br />

عَسَى رَ‏ بُّنَا أَنْ‏ يُبْدِلَنَا ً خَيْرا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَ‏ ب ‏ِنَا رَ‏ اغِبُو ‏َن{‏<br />

.<br />

4<br />

األصل افامس:‏ أنه إذا ختلف هذا الوعد ابلنصر،‏ فال يصري العبد مستحقا له إال إذا غري حاله ليستكمل شروط هذا<br />

الوعد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ ، 5 وهذه سنة قدرية ال ختتلف،‏ وتقضي أبنه<br />

البد من أن يبادر العبد إبصالح نفسه لريفع هللا عنه النقمة ويسبغ عليه النعمة،‏ أما أن يبقى على حاله من املعصية<br />

والتفريط ويرجو زوال النقم فهذا ال يكون.‏ وإذا كان األصل الرابع يبني أن سبب فشل املسلمني هو سبب داخلي ذاِت<br />

أساسا،‏ فإن األصل اخلامس يبني أن تغيري هذا الفشل البد أن يبدأ من الذات ومن الداخل أيضا ‏}حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا<br />

بِأَنفُسِهِمْ{.‏<br />

هذه هي األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر القدرية أو ختلفها،‏ وهي أصول ينبغي أال تغيب عن أذهان املسلمني<br />

خاصة العاملني منهم يف ميدان الدعوة واجلهاد.‏<br />

وقد أفاض ابن القيم رمحه<br />

الشايف(‏<br />

انفعة 6<br />

هللا يف تقرير هذه األصول وإن مل حيددها يف كتابه ‏)اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء<br />

حيث بني أثر اللنو على األفراد واألمم،‏<br />

ويف كتابه ‏)إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان(‏ عقد فصوال<br />

يف بيان شروط السنة القدرية بنصر املنمنني وملاذا تتخلف وا كمة يف ذلك؟ كذلك فقد صنف شيخه<br />

شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا كتابَه ‏)احلسنة والسيئة(‏ لبيان هذه املسألة أيضا من خالل تفسريه لقوله تعاَل:‏ ‏}مَا<br />

- 1 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

221<br />

41<br />

- 2 سورة السجدة،‏ اآلية:‏<br />

21<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة ن،‏ اآلايت:‏<br />

- 5 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

147 146<br />

32 29<br />

11<br />

ص-‏ 6<br />

/ 219 199 ج / 2 ط 1417<br />

دارالكتب العلمية.‏


أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ حَسَنَةٍ‏ قَمِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِ‏ ‏َك{‏ . 1 وأدعو كل مسلم خاصة الإخوة العاملني لإلسالم<br />

إَل قراءة وتدبر هذه الكتب السابقة،‏ فإهنا تقرر ما ذكرته من األصول اليت ال غىن ملسلم عن العلم والعمل هبا.‏<br />

قال ابن القيم رمحه هللا : 2 ‏]وهللا سبحانه إَّنا ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمني بدينه علما وعمال،‏ مل يضمن<br />

نصرة الباطل ولو اعتقد صاحبه أن حمق،‏ وكذلك العزة والعُلُوّ‏ إَّنا مها ألهل الإميان الذي بعث هللا به رسله،‏ وأنزل به<br />

3<br />

كتبه،‏ وهو علم وعمل وحال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ نَ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، فللعبد من العلو حبسب ما معه من<br />

4<br />

اإلميان،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ الْعِزَّ‏ ةُ‏ وَ‏ لِرَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ لِلْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ،<br />

فله من العزة حبسب ما معه من اإلميان وحقائقه فإذا<br />

فاته حظ من العلو والعزة،‏ ف<strong>في</strong> مقابلة ما فاته من حقائق الإميان،‏ علما وعمال ظاهرا وابطنا.‏<br />

إميانه.‏<br />

وكللك الدفع عن العبد هو حبسب إميانه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يُدَاقُِْ‏ عَنْ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا{‏ ، 5 فإذا ضَعُفَ‏ الدفع عنه<br />

فهو من نق<br />

نق<br />

وكللك الكفاية وا سْب هي بقدر اإلميان،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ‏ حَسْبُكَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ مَنْ‏ اتَّبَعَكَ‏ مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 6 أس<br />

حَسْبُك وحَسْبُ‏ أتباعك،‏ أي كا<strong>في</strong>ك وكا<strong>في</strong>هم فكفايته هلم حبسب اتِّباعِهم لرسوله،‏<br />

من الإميان عاد بنقصان ذلك كله.‏<br />

ومذهب أهل السنة واجلماعة:‏ أن الإميان يزيد وينق .<br />

وانقيادهم له،‏ وطاعتهم له،‏ فما<br />

وكللك والية هللا تعاىل لعبده حبسب إميانه.‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ لِيُّ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 7 وقال هللا تعاَل:‏ ‏}َّللاَّ‏ ُ وَ‏ لِيُّ‏ الَّذِينَ‏<br />

آمَنُوا{‏ . 9<br />

وكللك معيته افاصة هي ألهل اإلميان،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ } 8 ، فإذا نق الإميان وضعف،‏<br />

كان حظ العبد من والية هللا له ومعصيته اخلاصة بقدر حظه من الإميان.‏<br />

وكذلك النصر والتأييد الكامل،‏ إَّنا هو أهل الإميان الكامل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّا لَنَنصُرُ‏ رُ‏ سُلَنَا وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قِي الْحَيَاةِ‏<br />

الدُّنْيَا وَ‏ يَوْ‏ مَ‏ يَقُومُ‏ األَشْهَادُ{‏ ، 11 وقال:‏ ‏}قَأَيَّدْنَا الَّذِينَ‏ آَمَنُوا عَلَى عَدُو ‏ِهِمْ‏ قَأَصْبَحُوا ظَاهِرِ‏ ينَ‏<br />

. 1 }<br />

185 ج 2<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

78<br />

2<br />

- يف ‏)إغاثة اللهفان(‏ ص<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

183<br />

138<br />

9<br />

64<br />

39<br />

- 7 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

69<br />

257<br />

18<br />

51<br />

220


فمن نق إميانه نق نصيبه من النصر،‏ والتأييد،‏ وهلذا إذا أصيب العبد مبعصية يف نفسه أو ماله،‏ أو إبدالة عدوه<br />

عليه،‏ فإَّنا هي بذنوبه،‏ إما برتك واجب،‏ أو فعل حمُ‏ رم.‏ وهو من نقص إميانه.‏<br />

وهبذا يزول الإشكال الذي يُورِده كثري من الناس على قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنْ‏ يَجْعَلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِلْكَاقِرِ‏ ينَ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن<br />

سَبِيال{‏ ، 2 وجيُِيب عنه كثري منهم أبنه لن جيعل هلم عليهم سبيال يف احلجة.‏<br />

والتحقيق:‏ أهنا مثل هذه اآلايت،‏ وأن انتقاء السبيل عن أهل الإميان الكامل،‏ فإذا ضعف الإميان صار لعدوهم عليهم<br />

من السبيل حبسب ما نق<br />

من إمياهنم،‏<br />

فهم جعلوا هلم عليهم السبيل مبا تركوا من طاعة هللا تعاىل.‏ فاملؤمن عزيز<br />

غالب مؤيد منصور،‏ مك<strong>في</strong>،‏ مدفوع عنه ابلذات أين كان،‏ ولو اجتمع عليه مَنْ‏ أبقطارها،‏ إذا قام حبقيقة الإميان<br />

3<br />

وواجباته ظاهرا وابطنا،‏ وقد قال هللا تعاَل للمؤمنني:‏ ‏}وَ‏ ال تَهِنُوا وَ‏ الَ‏ تَحْزَ‏ نُوا وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ نَ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ،<br />

4<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}قَال تَهِنُوا وَ‏ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ نَ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَعَكُمْ‏ وَ‏ لَنْ‏ يَتِرَ‏ كُمْ‏ أَعْمَالَكُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

فهلا الضمان إَّنا هو إبمياهنم وأعماهلم،‏ اليت هي جند من جنود هللا،‏ حيفظهم هبا،‏ وال يفردها عنهم ويقتطعها عنهم،‏<br />

<strong>في</strong>بطلها عليهم،‏ كما يرت الكافرين واملنافقني أعماهلم إذ كانت لغريه،‏ ومل تكن موافقة ألمره.‏ أ ه .<br />

وقال ابن القيم رمحه هللا يف كتابه ‏)اجلواب الكايف(‏ يف حديثه عن العقوابت القدرية لللنو<br />

، قال:‏ ‏]ومن بعض عقوبة<br />

هذا:‏ أن يرفع هللا عز وجل مهابته من قلوب اخللق،‏ وي ‏َهُون عليهم ويَستَخِ‏ فّون به،‏ كما هان عليه أمره واستخف به،‏<br />

فعلى قدر حمبة العبد هلل حيبه الناس،‏ وعلى قدر خوفه من هللا خيافه اخللق،‏ وعلى قدر تعظيمه هلل وحرماته يعظمه<br />

الناس،‏ وكيف ينتهك عبد حرمات هللا ويطمع أن ال ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف ي ‏َهُون عليه حق هللا وال ي ‏ُهَوّنه هللا<br />

على الناس؟ أم كيف يَسْتَخف مبعاصي هللا وال يستخف به اخللق؟.[‏<br />

وقد أشار سبحانه إَل هذا يف كتابه عند ذكر عقوابت الذنوب،‏ وأنه أركس أرابهبا مبا كسبوا،‏ وغطى على قلوهبم،‏<br />

فطبع عليها بذنوهبم،‏ وأنه نَسِ‏ يَهم كما نسوه،‏ وأهاهنم كما أهانوا دينه،‏ وضَيمعهم كما ضيعوا أمره،‏ وهلذا قال تعاَل يف آية<br />

سجود املخلوقات له:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يُهِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَمَا لَهُ‏ مِنْ‏ مُكْرِ‏ ‏ٍم{‏ ، 5 فإهنم ملا هان عليهم السجود له واستخفوا به ومل يفعلوه<br />

أهاهنم هللا،‏ فلم يكن هلم من مُكْرم بعد أن أهاهنم هللا،‏ ومن ذا يكرم من أهانه هللا؟ أو يهيمن من أكرمه هللا؟ . 6<br />

وقال رمحه هللا يف موضع آخر:‏ ‏]ومن عقوابت الذنوب:‏ أهنا تزيل النعم وحتل النقم فما زالت عن العبد نعمة إال بذنب،‏<br />

وال حلت به نقمة إال بذنب.‏ كما قال علي بن أيب طالب : ‏)ما نزل بالء إال بلنب،‏ وال رُفع إال بتوبة(.‏ وقد قال<br />

- 1 سورة الصف،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

222<br />

14<br />

141<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

138<br />

35<br />

19<br />

: 91 91 ص-‏ 6


تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْ‏ ‏ِديكُمْ‏ وَ‏ يَعْفُو عَنْ‏ كَثِي ‏ٍر{‏ ، 1 وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَمْ‏ يَكُ‏ مُغَي ً ‏ِرا<br />

نِعْمَةً‏ أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{‏ . 2<br />

فأخرب هللا تعاَل أنه ال يغري نِعَمَه اليت أنعم هبا على أحد حىت يكون هو الذي يغري ما بنفسه،‏ <strong>في</strong>غري طاعة هللا مبعصيته،‏<br />

وشكره بكفره،‏ وأسباب رضاه أبسباب سخطه،‏ فإذا غَريم غُريِّ‏ عليه،‏ جزاء وفاقا،‏ وما ربك بِظَالّم للعبيد،‏ فإن غري<br />

املعصية ابلطاعة غري هللا عليه العقوبة ابلعا<strong>في</strong>ة،‏ والذل ابلعز.‏ وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا<br />

4 3<br />

بِأَنفُسِهِمْ‏ وَ‏ إِذَا أَرَ‏ ادَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِقَوْ‏ مٍ‏ سُوء ‏ًا قَال مَرَ‏ دَّ‏ لَهُ‏ وَ‏ مَا لَهُمْ‏ مِنْ‏ دُونِهِ‏ مِنْ‏ وَ‏ الٍ{‏ ] .<br />

قلت:‏ فهذه النقول عن ابن القيم رمحه هللا ت ‏ُبَنيِّ‏ األصول اخلمسة اليت ذكرهتا أوضح بيان.‏ وبعد تقرير هذه األصول<br />

اخلمسة،‏ لنا أن نتساءل أين نقف حنن املسلمني اآلن؟.‏<br />

حنن نزيد عن ألف مليون،‏ وبالد املسلمني هي أغىن بالد العامل ابلثروة،‏ ومتتد من مشارق األرض إَل مغارهبا،‏<br />

وتتحكم يف أغلب املمرات واملضايق البحرية،‏ فما هو احلال هؤالء األلف مليون؟ وما هو مركزهم وأتثريهم يف هذه<br />

الدنيا؟<br />

وكيف يتسلط <br />

شعب ال يزيد عن املليونني،‏ ضربت عليه الذلة واملسكنة والغضب واللعنة قَدَراً‏ وهو الشعب<br />

اليهودي،‏ كيف يتسلط على مائة مليون مسلم عريب؟ وكيف يوجد لنفسه دولة من العدم يف قلب بالد املسلمني وال<br />

أقول داير املسلمني ؟.‏<br />

<br />

<br />

ونقرأ يف كتاب هللا:‏ ‏}قَقَاتِلُوا أَوْ‏ لِيَاءَ‏ الشَّيَِْانِ‏ إِنَّ‏ كَيْدَ‏ الشَّيَِْانِ‏ كَانَ‏ ضَعِيفًا{‏ ، 5 ونقرأ:‏ ‏}لَنْ‏ يَضُرُّ‏ وكُمْ‏ إِالَّ‏ أَذًى<br />

وَ‏ إِنْ‏ يُقَاتِلُوكُمْ‏ يُوَ‏ لُّوكُمْ‏ األَدْبَارَ‏ ثُمَّ‏ ال يُنْصَرُ‏ ونَ{‏ ، 6 ونقرأ:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ قَاتَلَكُمْ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لَوَ‏ لَّوْ‏ ا األَدْبَارَ‏ } 7 ، ونرى واقعنا<br />

خالف ذلك،‏ فالكافرون من الكفار األصليني ومن احلكام املرتدين يسومون املسلمني سوء العذاب،‏ يقتلون الرجال<br />

وي ‏ُغَيِّبوهنم يف السجون ويعذبوهنم،‏ وَيسرون نساء املسلمني ويرتكبون معهن الفاحشة يف سجون الطواغيت،‏ أضف إَل<br />

ذلك قطع األرزاق وهنب الثروات وتبديل الدين وإشاعة الفنت والفواحش لينشأ النشء على غري صله بدينه.‏<br />

ونرى إعالما ونشاطا علميا إسالميا واسعا،‏ بال أثر يف واقع املسلمني،‏ وهذا بسبب حمق بركة العلم 9، فكثري من<br />

هذا العلم والإعالم ال ي ‏ُبْتَغى به وجه هللا تعاَل إما طلب رايسة أو مال أو وظيفة أو أتييد أابطيل السالطني وتثبيت<br />

- 1 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

31<br />

53<br />

11<br />

96 ص-‏ 4<br />

95<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

‏)اجلواب الكايف(‏ ط<br />

1411 دار الندوة اجلديدة.‏<br />

76<br />

- 6 سورة آل عمران،‏ االية:‏<br />

- 7 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

111<br />

22<br />

- 9 انظر اجلواب الكايف ص<br />

و‎86‎ 61<br />

223


‏ُم<br />

<br />

أواتد الكافرين الذين طغوا يف البالد فأكثروا <strong>في</strong>ها الفساد،‏ إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات من أهل العلم وقليل ما<br />

هم.‏ انظر إَل حجم املطبوعات الإسالمية اآلن واألشرطة املسموعة واملرئية والصحف واجملالت والدرجات العلمية اليت<br />

تعطى حبق أو بباطل واملؤمترات الإسالمية واملسابقات واجلامعات واملعاهد الإسالمية والإذاعات والنشرات.‏ حجم<br />

وتَنَوُّع مل يسبق له مثيل،‏ فما العائد من كل هذا؟.‏<br />

ولست بصدد عرض واقع املسلمني اآلن ههنا،‏ فهناك مطوالت أُفْرِدت هلذا<br />

عالقة األصول افمسة اليت ذكرهتا بواقعنا.‏<br />

1<br />

، ولكين أريد هنا أن يعلم كل مسلم<br />

فتخلق النصر والعُلُو عن املسلمني معناه،‏ نق شديد يف الإميان علما وعمال.‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا عَلَيْنَا<br />

نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 2 فأين حنن من هذا الوعد؟ ومن قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَهِنُوا وَ‏ ال تَحْزَ‏ نُوا وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ نَ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏<br />

مُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 3 وهذا هو األصل الثالث.‏<br />

<br />

<br />

وما بنا من بالء وتفرق ومذلة هو بذنوبنا وتقصريان،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَ‏ ‏ْت<br />

أَيْدِيكُمْ{‏ ، 4 وقوله تعاَل:‏ { وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِكَ‏ } 5 ، ومن هذه املعاصي القعود عن اجلهاد،‏ وأقبح منه<br />

تربير هذا القعود وتطويع األدلة الشرعية هلذه التربيرات.‏ وهذا هو األصل الرابع.‏<br />

وهذا احلرمان من التأييد الإهلي وهذه النقم النازلة بنا،‏ لن ترتفع عنا إال إذا غَريم ان حالنا إَل ما حيُِبُ‏ ربُّنا سبحانه<br />

وي ‏َرْضَى،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَ‏ ‏ْو مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ ، 6 وهذا هو األصل اخلامس.‏<br />

ويف ضوء ما سبق نستطيع أن نقول إن التيارات الإسالمية املعاصرة خاصة من يسعى منها لإعادة دولة الإسالم<br />

مل<br />

تستكمل بعد أدىن مقومات النصر والتمكني،‏ على تفاوت شديد بينها يف هذا الشأن،‏ فَمُقِل وُمسْتَكْثِر وحمروم.‏ قال<br />

هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏ّللاَّ‏ َ ال يَظْ‏ ‏ِل<br />

النَّاسَ‏ شَيْئًا وَ‏ لَكِنَّ‏ النَّاسَ‏ أَنْفُسَهُمْْ‏ يَظْلِمُو ‏َن{‏ . 7<br />

ثانيا:‏ أهمية اإلعداد اإليماني للجهاد.‏<br />

ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أساس الزم جلميع التكاليف الشاقة ومنها اجلهاد،‏ ومن ذلك أمر هللا تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم<br />

بقوله:‏<br />

ُ<br />

{<br />

قَوْال ثَقِيال{‏ ، 9<br />

ايَأَي ‏ُّهَا الْمُزممِّل قُمْ‏ اللميْلَ‏ إِالم قَلِيال نِصْفَهُ‏ أَوْ‏ انْقُ‏ ْ مِنْهُ‏ قَلِيال أَوْ‏ زِدْ‏ عَلَيْهِ‏ وَرَتِّلْ‏ الْقُرْآنَ‏ تَرْتِيال إِانم سَنُلْقِي عَلَيْ‏ ‏َك<br />

فأمره سبحانه ابالجتهاد يف العبادة استعدادا لتحمل القول الثقيل وهو أعباء الرسالة.‏<br />

- 1 راجع على سبيل املثال ‏)كتاب حاضر العامل الإسالمي(‏ لألستاذ حممد مجيل املصري.‏<br />

- 2 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

224<br />

47<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

138<br />

31<br />

78<br />

11<br />

- 9 سورة املزمل،‏ األايت:‏<br />

5 1<br />

44


1<br />

وهذه قاعدة عامة وهامة:‏ وهي أن التكاليف الشرعية الشاقة ال بد هلا من <strong>إعداد</strong> إمياين فإذا مت هذا ال<strong>إعداد</strong> صار<br />

املرء مؤهال ألداء التكليف الشاق كاجلهاد وحنوه،‏ وصار مؤهال للتأييد والتثبيت الإهلي قدرا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَنَّ‏ ‏ُه ‏ْم<br />

قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ‏ بِهِ‏ لَكَانَ‏ ً خَيْرا لَهُمْ‏ وَ‏ أَشَدَّ‏ تَثْبِيتًا وَ‏ إِذًا آلتَيْنَاهُمْ‏ مِنْ‏ لَدُنَّا ً أَجْرا عَظِيم ‏ًا وَ‏ لَهَدَيْنَاهُمْ‏ صِ‏ رَ‏ اِ‏ ‏ًا<br />

مُسْتَقِيم ‏ًا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَّقِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَجْعَلْ‏ لَهُ‏ مَخْرَ‏ ج ‏ًا وَ‏ يَرْ‏ زُ‏ قْهُ‏ مِنْ‏ حَيْ‏ ‏ُث ال يَحْتَسِ‏ ‏ُب{‏<br />

.<br />

2<br />

وابل<strong>إعداد</strong> الإمياين يتحقق أحد شرطي السنة القدرية بنصر املؤمنني كما سبق بيانه.‏<br />

واإلعداد اإلمياين جيرب نقص العدد و<strong>العدة</strong> لدى املسلمني ابلنسبة ألعدائهم.‏ قال تعاَل:‏ ‏}كَمْ‏ مِنْ‏ قِئَةٍ‏ قَلِيلَةٍ‏ غَلَبَ‏ ‏ْت<br />

قِئَة ً كَثِيرَ‏ ة ً بِإِذْنِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مََْ‏ الصَّابِرِ‏ ي ‏َن{‏<br />

3<br />

مبنزلة الرأس من اجلسد كما قال على بن أيب طالب<br />

، فالفئة القليلة هنا عَومضت النق<br />

.<br />

العددي لديها ابلصرب وهو من الإميان<br />

وقال عمر بن اخلطاب يف رسالته إَل سعد بن أيب وقاص رضي هللا عنها يف مسري سعد إَل غزو الفرس:‏ ‏)فإن تقوى<br />

هللا أفضل <strong>العدة</strong> على العدو إَل قوله فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم،‏ وإَّنا يُنصر املسلمون مبعصية<br />

عدوهم هلل،‏ ولوال ذلك مل تكن لنا هبم قوة،‏ ألن عددان ليس كعددهم،‏ وال عدتنا كعدهتم،‏ فإن استوينا يف املعصية كان<br />

هلم الفضل علينا يف القوة(‏ وقد ذكرهتا من قبل.‏<br />

واألعمال الصاحلة هي جنود حيفظ هللا هبا صاحبها،‏ ويثبته عند لقاء العدو وعكسه بعكسه،‏ كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏<br />

الَّذِينَ‏ تَوَ‏ لَّوْ‏ ا مِنْكُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏ إِنَّمَا اسْتَزَ‏ لَّهُمْ‏ الشَّيَِْانُ‏ بِبَعْضِ‏ مَا كَسَبُوا{‏<br />

. 4<br />

وكر البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه قال:‏ ‏]اب ‏)عمل صام قبل القتال(.‏ وقال أبو الدرداء:‏ ‏)إَّنا تقتلون<br />

أبعمالكم(.‏ وقال ابن حجر يف الشرح إن األثر ورد عن أيب الدرداء ابنقطاع يف السند كامال هكذا أيها الناس عمل<br />

صاحل قبل الغزو فإَّنا تقاتِلون أبعمالكم([‏ . 5<br />

وابإلعداد اإلمياين يتماسك الصف املسلم كأنه بنيان مرصوص،‏ وبدون ذلك ال يقوى هذا الصف على الثبات<br />

لعدوه،‏ ومتاسك الصف يقوم على قيام املسلمني ابحلقائق الإميانية من املَوَدمة والإيثار والبذل والعفو والرتاحم،‏ فبهذا<br />

يتماسك الصف كأنه جسد واحد،‏ كما يف حديث النعمان بن بشري مرفوعا:‏ ‏»مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهمكمثل<br />

اجلسد الواحد«‏ . 6<br />

225<br />

س-‏ 1<br />

ورة النساء،‏ اآلايت:‏<br />

- 2 سورة الطالق،‏ اآليتان:‏<br />

69<br />

3<br />

66<br />

2<br />

- 3 سورة البقرة،‏ اآلية :248<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

155<br />

- 5 ‏)فتح الباري(‏ ج 6 ص 24<br />

- 6 متفق عليه


واإلعداد اإليماني من أسباب جمع شمل المسلمين.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ ال تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اذْكُرُ‏ وا نِعْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِكُ‏ ‏ْم<br />

قَأَصْبَحْتُمْ‏ بِنِعْمَتِهِ‏<br />

إِخْوَ‏ انًا{‏ ، 1<br />

فالتمسك ابلكتاب والسنة عاصم من التفرق واالختالف،‏ وقد ذَكمرهم هللا تعاَل كيف<br />

كانوا أعداء فألف بني قلوهبم حببل الإميان وأن التفريط يف هذا احلبل يؤدي هبم إَل العداوة والتفرق كما كانوا من قبل،‏<br />

وكما يف قوله تعاَل:‏<br />

‏}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ‏ وا بِهِ‏ قَأَغْرَ‏ يْنَا بَيْنَهُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةَ‏ وَ‏ الْبَغْضَا ‏َء{‏ ، 2 وقوله تعاَل:‏ ‏}قَلْيَحْذَرْ‏<br />

الَّذِينَ‏ يُخَالِفُونَ‏ عَنْ‏ أَمْرِ‏ هِ‏ أَنْ‏ تُصِ‏ يبَهُمْ‏ قِتْنَةٌ‏ أَوْ‏ يُصِ‏ يبَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِيمٌ{‏ ، 3 فنسيان وإمهال بعض الشريعة وخمالفتها جملبة<br />

للعداوة والبغضاء فالتفرق والفنت ال حمالة،‏ وهذا فشل داخلي يعقبه خذالن أمام العدو ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏<br />

رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا{‏ ، 4 فالتفرق عقوبة قدرية ملن حادوا عن الشريعة وهو يف نفسه سبب للخلالن أمام العدو.‏<br />

وهذا يبني أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين يف مجع مشل املسلمني ليقووا على نِزَال عدوهم،‏ وال شيء جيمع مشل املسلمني إال حبل<br />

الإميان واالعتصام ابلكتاب والسنة،‏ فالقلوب بيد هللا تعاَل يصرفها كيف يشاء،‏ وقد جعل سبحانه هذا االعتصام سببا<br />

لتأليف القلوب،‏ فليس هناك سبب غريه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَيَّدَكَ‏ بِنَصْرِ‏ هِ‏ وَ‏ بِالْمُؤْ‏ ‏ِمنِي ‏َن وَ‏ أَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ لَ‏ ‏ْو<br />

5<br />

أَنفَقْتَ‏ مَا قِي األَرْ‏ ضِ‏ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ أَلَّفَ‏ بَيْنَهُمْ{‏ ، فاأللفة واالجتماع من توا الطاعة،‏<br />

والبغضاء والتفرق من عقوبة املعصية،‏ وهله أحكام قدرية ال تتخلف.‏<br />

وألمهية هذا األمر سنفرده ابلبحث يف امللحق األول ‏)وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة(‏ يف هناية هذه املسألة.‏<br />

آية اإلعداد اإليماني للجهاد<br />

ومما يدل على أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد أن هللا عَقمب آية بيعة هللا على اجلهاد والشهادة<br />

‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُمْ‏ بِأَنَّ‏ لَهُمْ‏ الْجَنَّةَ‏ يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَيَقْتُلُونَ‏ وَ‏ يُقْتَلُو ‏َن{‏ ، 6 عَقمبها سبحانه بذكر صفات<br />

هؤالء اجملاهدين يف قوله تعاَل:‏ ‏}التَّائِبُونَ‏ الْعَابِدُونَ‏ الْحَامِدُونَ‏ السَّائِحُونَ‏ الرَّ‏ اكِعُونَ‏ السَّاجِ‏ دُونَ‏ اآلمِرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ و ‏ِف<br />

وَ‏ النَّاهُونَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ وَ‏ الْحَاقِظُونَ‏ لِحُدُودِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ بَشِرْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 7<br />

وقد امشلت هذه اآلية على فضائل األعمال<br />

الظاهرة والباطنة،‏ والذين اجتهدوا يف هذه الطاعات هم الذين قبلوا مبايعة هللا على اجلهاد واالستشهاد.‏<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

226<br />

113<br />

14<br />

63<br />

- 4 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة التوية،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

63 62<br />

111<br />

112


ومن صفات اجملاهدين املذكورة يف هذه اآلية ‏}التَّائِبُونَ‏ الْعَابِدُو ‏َن{‏ إَل آخر اآلية أود أن أنبه على األمر ابملعروف<br />

والنهي عن املنكر،‏ فإن هللا وصف به املؤمنني حال اجلهاد ههنا بقوله ‏}اآلمِرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ النَّاهُونَ‏ عَنْ‏<br />

الْمُنكَرِ‏ {، ووصفهم به بعد النصر والتمكني يف آية احلج ‏}الَّذِينَ‏ إِنْ‏ مَكَّنَّاهُمْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ أَقَامُوا الصَّالةَ‏ وَ‏ آتَوْ‏ ا الزَّ‏ كَاةَ‏<br />

وَ‏ أَمَرُ‏ وا بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ نَهَوْ‏ ا عَنْ‏ الْمُنْكَرِ‏ وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ عَاقِبَةُ‏ األُمُورِ‏ {.<br />

فهو وصف الزم هلم يف كل حال،‏ زمن الضعف وافوف وزمن النصر والتمكني،‏ ال مينعهم هذا وال يطغيهم هذا عن<br />

تركه،‏ كذلك فإنه وصف هلله األمة ‏}كُنْتُمْ‏ خَيْرَ‏ أُمَّةٍ‏ أُخْرِ‏ جَتْ‏ لِلنَّاسِ‏ تَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ تَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏<br />

1<br />

وَ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ{ ، فعلق سبحانه خَريِْية هذه األمة على هذا الشرط وهو القيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏<br />

وهو أيضا صفة نيب هله األمة صلى هللا عليه وسلم ‏}الرَّ‏ سُولَ‏ النَّبِيَّ‏ األُمِيَّ‏ الَّذِي يَجِ‏ دُونَهُ‏ مَكْتُوب ‏ًا عِنْدَهُمْ‏ قِي التَّوْ‏ رَ‏ اةِ‏<br />

2<br />

وَ‏ اإلِ‏ نجِ‏ يلِ‏ يَأْمُرُ‏ هُمْ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَاهُمْ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ } .<br />

فاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر حيفظ للمسلمني أفرادا ومجاعات دينَهم من النق وسلوكَهم من الزلل واالحنراف،‏<br />

وهو أهم عامل يف ا فاظ على استقامة اجملموع على حدود هللا،‏ ولذلك فقد ورد يف آية التوبة بعد ذكر صفة األمر<br />

ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْحَاقِظُونَ‏ ‏ِلحُدُودِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ لكون األمر والنهي حيفظ على الناس دينهم،‏<br />

وأتمل الرتتيب يف اآلية.‏ وختم هللا اآلية بقوله ‏}وَ‏ بَشِرْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ فهذه صفات املؤمنني املوعودين ابلنصر ‏}وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا<br />

عَلَيْنَا نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ } فإن استوفوا هذه الصفات والشروط حتقق الوعد وإال ختلف.‏<br />

وهنا يرد علينا تساؤل وهو<br />

هل ال نشرع يف اجلهاد حىت نستكمل اإلعداد اإلمياين علما وعمال؟ أم ما هو ضابط<br />

ذلك؟ وهو سؤال هام وشبهة تَرِدُ‏ على كثري من املسلمني،‏ ن ‏َرُدُّ‏ عليها إن شاء هللا تعاَل يف امللحقني الثالث والرابع يف<br />

هناية هذه املسألة.‏<br />

ثالثا:‏ معالم اإلعداد اإليماني<br />

هذه املعامل منها العلمي ومنها العملي،‏ وسأورد <strong>في</strong>ما يلي بعض املعامل اليت سَبَقَت يف هذه الرسالة على وجه االختصار،‏<br />

‏ُث أفصل بعضها ألمهيتها يف امللحقني األول والثاين بنهاية هذه املسألة إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

فمن املعامل اهلامة اليت سبقت يف هذه الرسالة،‏ حسب ترتيب ورودها،‏ ما يلي:‏<br />

= 1<br />

= 2<br />

الإخالص واالحتساب.‏<br />

وجوب اجلهاد والتدريب،‏ وأمهيته،‏ وعالقة اجلهاد بنشر عقيدة التوحيد ومحايتها خاصة يف هذا الزمان وسأبني<br />

هذا يف امللحق الثاين بعنوان ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ يف هناية هذه املسألة.‏<br />

= 3<br />

= 4<br />

بيان األعذار الشرعية املبيحة للتخلف عن اجلهاد،‏ وبيان األعذار غري الشرعية.‏<br />

بيان أن املرأة ال نصيب هلا يف الوالايت واألعمال العامة.‏<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة األعالاف،‏ اآلية:‏<br />

227<br />

111<br />

157


= 5<br />

= 6<br />

= 7<br />

= 9<br />

= 8<br />

= 11<br />

= 11<br />

= 12<br />

= 13<br />

= 14<br />

= 15<br />

= 16<br />

= 17<br />

= 19<br />

= 18<br />

النهي عن االستعانة ابلكافر إال ما ورد الشرع ببيانه.‏<br />

وجوب الإمارة يف الإجتماع القليل أو الكثري،‏ العارض أو الدائم.‏<br />

بيان أمهية ووجوب وحدة العاملني لإلسالم والنهي عن تعدد اجلماعات واألحزاب.‏<br />

بيان مسئولية كل مسلم عما يرعاه من أفراد أو عمال أو أموال.‏<br />

بيان أن أهم أمور املسلم هي الصالة.‏<br />

جزء من وصية عمر بن اخلطاب اسعد بن أيب وقاص رضي هللا عنهما،‏ وبيان أن التقوى هي خري العُ‏ مدة.‏<br />

بيان أن الشورى سنة مؤكدة،‏ وممارستها عمليا،‏ ومع ذلك فهي غري ملزمة لألمري.‏<br />

بيان أن العهود بني املسلمني على املصاحل الشرعية جائزة،‏ وأن الوفاء هبا واجب.‏<br />

بيان أن الوالايت أماانت توكل إَل األصلح هلا وإن كان مفضوال.‏<br />

النهي عن احلرص على الإمارة والوالية،‏ وبيان عِظَم خطرها،‏ والنهي عن تولية من حيرص عليها.‏<br />

بيان أمهية الرفق واحللم واألانة يف سياسة الناس ويف التعامل معهم.‏<br />

بيان كي<strong>في</strong>ة اكتساب األخالق احملمودة ابلعلم واجملاهدة والدعاء والصحبة الصاحلة.‏<br />

بيان أثر الصحبة على العبد سلبا وإجيااب،‏ وأمهية الصحبة الصاحلة للمسلم.‏<br />

بيان أن احملافظة على وحدة املسلمني ووحدة اجلماعة من املقاصد الشرعية اهلامة.‏<br />

بيان وجوب اتباع السنة ونبذ البدعة وأثر ذلك يف احلفاظ على وحدة الصف.‏ وسيأِت مزيد بيان هلذا يف امللحق<br />

األول ‏)وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة(‏ يف هناية هذه املسألة.‏<br />

= 21<br />

وجوب السمع والطاعة لوالة األمور،‏ يف غري معصية،‏ وإن كان األمري عبدا حبشيا وأمهية ذلك يف احلفاظ على<br />

وحدة الصف،‏ وَيِت تفصيل هذا يف الباب اخلامس إن شاء هللا.‏<br />

= 21<br />

األصول اخلمسة اليت ذكرهتا يف هذه املسألة،‏ وهي السنة القدرية بنصر املؤمنني واليت ال تتخلف إال لنق يف<br />

الإميان وأن أسباب فشل املسلمني هي أساسا ذاتية داخلية من املسلمني أنفسهم،‏ وال أمل هلم يف النصر على أعدائهم<br />

إال إذا غَريم وا حاهلم إَل ما حيب هللا تعاَل ويرضاه.‏<br />

= 22<br />

<br />

<br />

بيان منزلة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ وبيان أثره يف إصالح الفرد واألمة،‏ وأنه شرط خلريية هذه األمة.‏<br />

وسيأِت مزيد هلذا يف امللحق األول.‏<br />

رابعا:‏ واجبات األمير <strong>في</strong> اإلعداد اإليماني.‏<br />

قال هللا تعاَل:‏ ‏}ي ‏َتْلُوا عَلَيْهِمْ‏ آايَتِهِ‏ وَي ‏ُزَكِّيهِمْ‏ وَي ‏ُعَلِّمُهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ وَاحلِْكْمَةَ{‏ . 1<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته«‏ . 2<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 2 متفق عليه عن ابن عمر.‏<br />

228<br />

164<br />

وسورة اجلمعة،‏ اآلية:‏<br />

2


وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»ما من عبد يسرتعيه هللا رعية فلم حيَُطها مل جيد رائحة اجلنة«‏ . 1<br />

فال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد وإن كان كل فرد مطالبا به يف خاصة نفسه ومطالبا أبن يوصي إخوانه به ‏}وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا ِ بِالْحَق<br />

2<br />

وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِالصَّبْ‏ ‏ِر{‏ ، إال أن األمري مطالب حبكم مسئوليته بواجبات خاصة يف هذا الشأن تدل عليها النصوص<br />

السابقة،‏ ومن ذلك الرعاية والنصح <strong>في</strong>ما يتعلق ابلتزكية.‏<br />

ومن الناحية العملية نقول إن األمري مطالب أبن ي ‏ُفْرِد لإلعداد الإمياين زمنا معينا يوميا وأسبوعيا ضمن خطة املعسكر،‏<br />

وأن يويل أكفاء يقومون بتعليم األعضاء ما يلزمهم من أمر دينهم ويراقبون سلوكهم.‏ وأوجز ما يلزم األمري يف النصائح<br />

التالية:‏<br />

= 1<br />

عليه يف املقام األول أن حييط علما وعمال أبصول الإعتصام ابلكتاب والسنة،‏ وهي منهج أهل السنة واجلماعة<br />

‏)وستأِت يف امللحق األول(‏ وكذلك بعقيدة املسلمني يف اجلهاد ‏)وستأتى يف امللحق الثاين(.‏ وعليه أن ي ‏ُرَسِّ‏ خ هذه<br />

األصول وهذه العقيدة يف<br />

نفوس أتباعه لتكون منهجا موحدا للطائفة اجملاهدة،‏ وهذا يف غاية األمهية للحفاظ على<br />

وحدة الصف للوصول ابلطائفة اجملاهدة إَل غايتها الشرعية دون تفريط أو إفراط.‏<br />

= 2<br />

‏ُث عليه أن يكون قدوة حسنة ألتباعه،‏ فإن أنظارهم معلقة به،‏ <strong>في</strong>كون سباقا يف كل طاعة،‏ قدوة يف كل خلق<br />

محيد،‏ متنزها عما خيل ابملروءة فضال عما خيل ابلعدالة،‏ فصالح الرعية يرجع إَل حد كبري لصالح أمرائهم،‏ والناس<br />

على دين ملوكهم،‏ ويدل على هذا ما رواه البخاري عن قيس<br />

بن أيب حازم أن امرأة من أمحس سألت أاب بكر<br />

فقالت:‏ ‏)ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل الذي جاء هللا به بعد اجلاهلية؟ قال:‏ بقاؤكم عليه<br />

ما استقامت بكم<br />

أئمتكم.‏ قالت وما األئمة؟ قال:‏ أما كان لقومك رؤوس وأشراف ‏َيمروهنم <strong>في</strong>طيعوهنم؟ قالت:‏ بلى.‏ قال:‏ فهم أولئك<br />

على الناس(‏ . 3 قال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل أي دين الإسالم وما اشتمل عليه من<br />

العدل واجتماع كلمة ونصر املظلوم ووضع كل شيء يف حمله.‏ ‏)ما استقامت بكم أئمتكم(‏ أي ألن الناس على دين<br />

ملوكهم.‏ فمن حَادَ‏ من األئمة عن احلال مَالَ‏ وأَمَال[‏<br />

. 4<br />

وقال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]قال رجل لعمر بن اخلطاب:‏ اي أمري املؤمنني لو وَسمعت على نفسك يف النفقة من مَالِ‏ هللا<br />

تعاَل،‏ فقال له عمر:‏ أتدري ما مثلي ومثل هؤالء؟ كمثل قوم كانوا يف سفر فجمعوا منهم ماال،‏ وسلموه إَل واحد<br />

ينفقه عليهم.‏ فهل حيل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أمواهلم؟.‏ ومحُِلَ‏ مرة إَل عمر بن اخلطاب<br />

مَالٌ‏ عظيم من <br />

اخلمس.‏ فقال:‏ إن قوما أدوا األمانة يف هذا ألَُمناء،‏ فقال له بعض احلاضرين إنك أديت األمانة إَل هللا تعاَل،‏ فأدوا<br />

إليك األمانة ولو رتعت لرتعوا.‏<br />

- 1 رواه البخاري عن مَعْقِل بن يَسَار<br />

- 2 سورة العصر،‏ اآلية:‏<br />

229<br />

3<br />

- 3 حديث .3934<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ 151 / 7


وينبغي أن يعرف أن ويل األمر كالسوق،‏ ما نفق <strong>في</strong>ه جلب إليه:‏ هكذا قال<br />

= 3<br />

عمر بن عبد العزيز<br />

. فإن نفق <strong>في</strong>ه<br />

الصدق والرب والعدل واألمانة،‏ جلب إليه ذلك،‏ وإن نفق <strong>في</strong>ه الكذب والفجور واجلور واخليانة،‏ جلب إليه ذلك[‏ . 1<br />

وعليه أن يرتب حلقه أو أكَر يوميا لتالوة القرآن،‏ وأن جيمع كل جمموعة من أَتْبَاعه على أحدهم ممن جيُ‏ يد<br />

التالوة ويعرف قواعدها ليعلم من جيهل ذلك ويقرؤون ابلتناوب.‏<br />

ويف استحباب االجتماع على التالوة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»وَمَا اجْتَمَعَ‏ قَوْمٌ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتٍ‏ مِنْ‏ ب ‏ُيُوتِ‏ اَّللمِ‏<br />

ي ‏َتْلُونَ‏ كِتَابَ‏ اَّللمِ‏ وَي ‏َتَدَارَسُونَهُ‏ ب ‏َيْنَهُمْ‏ إِالم ن ‏َزَلَتْ‏ عَلَيْهِمُ‏ السمكِينَةُ‏ وَغَشِ‏ يَتْهُمُ‏ الرممحَْةُ‏ وَحَفمتْهُمُ‏ الْمَالئِكَةُ‏ وَذَكَرَهُمُ‏ اَّللمُ‏ فِيمَ‏ ‏ْن<br />

2<br />

عِنْدَهُ«‏ . وقال النووي:‏ ‏]يف األوقات املختارة للقراءة:‏ اعلم أن أفضل القراءة ما كان يف الصالة إَل قوله وأما القراءة<br />

يف غري الصالة فأفضلها قراءة الليل،‏ والنصف األخري<br />

منه أفضل من األول،‏ والقراءة بني املغرب والعشاء حمبوبة،‏ وأما<br />

قراءة الصباح فأضلها بعد ما بعد صالة الصبح،‏ وال كراهة يف القراءة يف وقت من األوقات وال يف أوقات النهي عن<br />

3<br />

الصالة[‏ .<br />

= 4<br />

على األمري أن يرتب درسا يف العلوم الدينية والوعظ،‏ على األقل مرة يف األسبوع،‏ وال أبس أبكثر من ذلك إذا<br />

مسح الوقت ورغب يف ذلك أتباعه.‏<br />

وقد روى البخاري عن أيب وائل قال:‏ كان عبد هللا بن مسعود يُذَكِّر الناس كل مخيس،‏ فقال له رجل:‏ اي أاب عبد الرمحن<br />

لَوَدِدْتُ‏ أنك ذكمرتنا كل يوم.‏ قال:‏ ‏)أما إنه مينعين من ذلك أين أكره أن أُمِلمكُم،‏ وإين أختوملكم ابملوعظة كما كان النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

=<br />

5<br />

يتخولنا هبا خمافة السآمة علينا(‏ قال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]يستفاد من احلديث استحباب ترك<br />

املداومة يف اجلد يف العمل الصاحل خشية املَالَل،‏ وإن كانت املواظبة مطلوبة لكنها على قسمني:‏ إما كل يوم مع عدم<br />

التكلف،‏ وإما يوما بعد يوم <strong>في</strong>كون يوم الرتك ألجل الراحة ليقبل على الثاين بنشاط،‏ وإما يوما يف اجلمعة.‏ وخيتلق<br />

ابختالف األحوال واألشخاص،‏ والضابط احلاجة مع مراعاة وجود النشاط[‏ . 4<br />

والواجب أن يُدَرمسَ‏ يف دروس العلم هذه منهج يغطي حاجة الناس من العقائد واألحكام واآلداب وال تكون ارجتالية<br />

عفوية.‏ على أن خيتار هلذه الوظيفة فردا من أعلم املوجودين إذا تعذر توفري متخص .<br />

يعني األمري حمتسبا للمعسكر<br />

على دراية ابألحكام واآلداب الإسالمية،‏ ويكون ر<strong>في</strong>قا،‏ وهذا احملتسب عليه<br />

متابعة سلوك األعضاء وإرشادهم إَل الصواب أمراً‏ مبعروف أو هنياً‏ عن منكر،‏<br />

وعليه نصح إخوانه سرا،‏ وابلنسبة ملا<br />

تَعُم احلاجة إَل النصح به فال أبس أبن يُذَكِّر به اجملموع،‏ وليكن بعد الصالة بدون ذكر ألمساء إخوانه بل يَذْكُر املسألة<br />

268<br />

87<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج<br />

رواه مسلم عَنْ‏ أَيبِ‏ هُرَيْرَةَ‏<br />

‏)كتاب األذكار(‏ ط<br />

29 ص 269<br />

4 ص 85<br />

- 2<br />

- 3<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ ج 1 ص 163<br />

231


مباشرة،‏ أو يقول إن بعض الإخوة يفعلون كذا وكذا والصواب هو كذا،‏ كما كان النيب صلى هللا عليه وسلم يقول:‏<br />

‏»ما ابل أقوام يفعلون كذا«‏ أو كما قال.‏<br />

وليس معىن تعيني حمتسب هلذا ا ألمر أن يسكت الباقون عن األمر والنهي،‏ بل على اجلميع أن يقوموا بذلك فقد يرى<br />

أحدهم ماال يراه احملتسب.‏ وهذا أحد أساليب الرتبية الإميانية وهو أن يُصْلِحَ‏ املسلمون بعضهم البعض،‏ فقد يكون<br />

لدى أحدهم<br />

1<br />

علم ليس لدى أخيه،‏ وقد يغفل العامل،‏ وديل هذا قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا ِ بِالْحَق وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِالصَّبْ‏ ‏ِر{‏ ،<br />

2<br />

وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِالصَّبْرِ‏ وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِالْمَرْ‏ حَمَ‏ ‏ِة{‏ ، فقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَوَ‏ اصَوْ‏ ا{‏ <strong>في</strong>ه مفاعلة أي فعل من<br />

الطرفني،‏ كل منهما يوصي اآلخر.‏<br />

ووظيفة احملتسب هي ترمجة ما حصله األفراد من علم وآدا<br />

نظرية إىل واقع عملي وسلوك ميَُارَس يف كل حني،‏<br />

كما ينبغي أن تكون حياة املسلم ‏}قُلْ‏ إِنَّ‏ صَالتِي وَ‏ نُسُكِي وَ‏ مَحْيَاي وَ‏ مَمَاتِي ‏ّلِلِ‏ َّ ِ رَ‏ ‏ِب الْعَالَمِي ‏َن ال شَرِ‏ يكَ‏ لَهُ‏ وَ‏ بِذَلِ‏ ‏َك<br />

3<br />

أُمِرْ‏ تُ‏ } ، لذلك<br />

فإن وظيفة احملتسب هي يف غاية األمهية للمعسكر وألي جتمع إسالمي إذ هي<br />

مراقبة وتَبيت<br />

للند قْلة من العلم إىل العمل.‏ ولذلك ينبغي أن خيَ‏ تار األمري هلذه الوظيفة فردا من أكربهم سنا وأوفرهم علما وأداب ولني<br />

جانب،‏ فردا ‏َيلف الناس وَيلفونه بال تكلف.‏<br />

= 6<br />

قيام الليل وصيام النفل<br />

من أفضل أساليب جماهدة النفس وتزكيتها،‏ فال ينبغي إغفال ذلك.‏ وال ينبغي على<br />

األمري إلزام اتباعه بذلك خاصة مع التدريب الشاق،‏ بل يندهبم ويرغبهم ويَكل كالً‏ منهم الجتهاده وطاقته،‏ فقد عقد<br />

البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه اببني متعلقني ابلصوم يف الغزو،‏ األول ابب ‏)من اختار الغزو على الصوم(‏<br />

ِ<br />

«<br />

ِ<br />

( :<br />

كَانَ‏ أَبُو طَلْحَةَ‏ ال يَصُومُ‏ عَلَى عَهْدِ‏ النميبِ‏ ّ<br />

والثاين ابب ‏)ف ضْل الصوم يف سبيل هللا(،‏ فروى يف األول عن أنس قال:‏ ملَْ‏ أَرَهُ‏ مُفْطِرًا إِالم ي ‏َوْمَ‏ فِطْرٍ‏ أَوْ‏ أَضْحَى«.‏<br />

صلى هللا عليه وسلم مِنْ‏ أَجْلِ‏ الْغَزْوِ‏ فَلَما قُبِضَ‏ النميبِ‏ ُّ صلى هللا عليه وسلم وروى يف ابب ‏)ف ضْل الصوم يف سبيل هللا(‏ عن أيب سعيد عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»مَنْ‏ صَامَ‏ ي ‏َوْمًا يفِ‏<br />

سَبِيلِ‏ اَّللمِ‏ ب ‏َعمدَ‏ اَّللمُ‏ وَجْهَهُ‏ عَنِ‏ النمارِ‏ سَبْعِنيَ‏ خَرِيفًا«.‏ وروى البخاري أيضا يف ابب ‏)فضل افدمة يف الغزو(‏ عن أنس<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

قَالَ‏ كُنما مَعَ‏ النميبِ‏ ّ<br />

أَكْثَرُانَ‏ ظِال المذِي يَسْتَظِلُّ‏ بِكِسَائِهِ‏ وَأَما المذِينَ‏ صَامُوا فَلَمْ‏ ي ‏َعْمَلُوا شَيْئًا وَأَما<br />

المذِينَ‏ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ‏ وَامْتَهَنُوا وَعَاجلَُوا فَقَالَ‏ النميبِ‏ ُّ صلى هللا عليه وسلم ذَهَبَ‏ الْمُفْطِرُونَ‏ الْيَوْمَ‏ ابِألَجْ‏ ‏ِر(‏ قال ابن<br />

حجر:‏ ‏])فَبَعَثُوا الرِّكَا ‏َب(‏ أي أَثروا الإبل خلدمتها وسقيها وعلفها،‏ قوله ‏)ابِألَجْرِ(‏ أي الوافر،‏ وليس املراد نق أجر<br />

الصُّوام بل املراد أن املُفطّرين حصل هلم<br />

أجر عملهم ومثل أجر الصوام،‏ لتعاطيهم أشغاهلم وأشغال الصوام،...‏ وقال:‏<br />

قال ابن أيب صفرة:‏ <strong>في</strong>ه أن أجر اخلدمة يف الغزو أعظم من أجر الصيام قلت:‏ وليس ذلك على العموم.‏ و<strong>في</strong>ه احلض<br />

- 1 سورة العصر،‏ اآلية:‏<br />

230<br />

3<br />

- 2 سورة<br />

البلد،‏ االية:‏<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

17<br />

163 162


على املعاونة يف اجلهاد،‏ وعلى أن الفطر يف السفر أوَل من الصيام.‏ وأن الصيام يف السفر جائز<br />

. 1 ينعقد[‏<br />

قلت:‏ يتضح من األحاديث الثالثة اليت رواها البخاري،‏ أن الصوم يف السفر والغزو<br />

الصوم عن القيام مبا جيب عليه يف السفر والغزو من التدريب والقتال وحنوها.‏<br />

= 7<br />

خالفا ملن قال ال<br />

جائز،‏ وتركه أوىل ملن يضعفه<br />

وينبغي لألمري أن حيمل أتباعه على خشونة العيش ونبل الرتف،‏ لِمَا للرتف من آَثر ضارة على العبد يف عاجله<br />

وآجله،‏ منها قسوة القلب والكِربْ‏ والركون إَل الدنيا وحبها وكراهة املوت،‏ وما يتبع ذلك من القعود عن اجلهاد بل<br />

والإعراض عن احلق بل والصد عنه.‏<br />

والرتف هو التوسع يف النعمة<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَرْ‏ سَلْنَا قِي قَرْ‏ يَةٍ‏ مِنْ‏ نَذِيرٍ‏ إِالَّ‏<br />

2<br />

، ومل يَرِد الرتف يف القرآن إَل يف معرض الذم.‏<br />

مَا أَرْ‏ سَلْنَا مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ قِي قَرْ‏ يَةٍ‏ مِنْ‏ نَذِيرٍ‏ إِالَّ‏ قَالَ‏ مُتْرَ‏ قُوهَا إِنَّا وَ‏ جَدْنَا<br />

قال تعاَل:‏<br />

ذَلِ‏ ‏َك كَانُوا قَبْلَ‏<br />

‏}وَ‏ اتَّبََْ‏ الَّذِينَ‏ ظَلَمُوا مَا أُتْرِ‏ قُوا قِيهِ‏ وَ‏ كَانُوا مُجْرِ‏ مِينَ{‏ ، 5<br />

مُتْرَ‏ قِي ‏َن{‏ ، 6 وانظر اآلايت:‏ الإسراء 16 واألنبياء 13<br />

الرتف،‏ ومل يرد إال يف مَعْرِض الذم.‏<br />

قَالَ‏ مُتْرَ‏ قُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْ‏ سِلْتُمْ‏ بِهِ‏ كَاقِرُ‏ و ‏َن{‏ ، 3 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَذَلِكَ‏<br />

آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ‏ وَ‏ إِنَّا عَلَى آثَارِ‏ هِمْ‏ مُقْتَدُو ‏َن{‏ ، 4<br />

واملؤمنون<br />

وقال تعاَل عن أصحاب<br />

64 ،33<br />

‏}إِنَّهُمْ‏ الشمال:‏<br />

فهذه مثان آايت وارد <strong>في</strong>ها ذكر<br />

وال يضن أحد أننا هنَُوِّن من قدر املال،‏ فاملال قِوَام احلياة وعصب احلرب،‏ وسبق تفصيل هذا عند الكالم عن النفقة يف<br />

سبيل هللا يف الباب الثاين.‏<br />

ولكنا حنذر من الإسراف يف التنعم خاصة للعاملني يف حقل اجلهاد،‏ لِمَا هلذا من آَثر سيئة رأيناها أبعيننا،‏ آلت<br />

ابلبعض إَل التخلي عن قضية اجلهاد والركون إَل الدنيا،‏ وأقبح من هذا تربير هذا الركون.‏ واعترب حبال من ابتُلِيَ‏ هبذا<br />

ممن تعرفهم من الناس فستجده صوااب.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تُلْهِكُمْ‏ أَمْوَ‏ الُكُمْ‏ وَ‏ ال أَوْ‏ الدُكُمْ‏ عَنْ‏ ذِكْرِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ مَنْ‏ يَفْعَلْ‏ ذَلِكَ‏ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ هُ‏ ‏ْم<br />

الْخَاسِرُ‏ ونَ{‏ ، 7 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَ‏ الُكُمْ‏ وَ‏ أَوْ‏ الدُكُمْ‏ قِتْنَةٌ‏ وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عِنْدَهُ‏ أَجْرٌ‏ عَظِيمٌ{‏ . 9<br />

232<br />

- 1 ‏)فتح الباري )94 / 6<br />

- 2 ‏)املفردات للراغب األصفهاين(‏<br />

- 3 سورة سبأ،‏ اآلية:‏<br />

34<br />

- 4 سورة الزخرف،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الواقعة،‏ اآلية:‏<br />

23<br />

116<br />

- 7 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

45<br />

8<br />

29


وقد عقد ابن خلدون يف مقدمته فصوال انفعة يف بيان مضار الرتف وأثره يف زوال الدول وبَنيم كذلك أثر اخلشونة يف<br />

الغلبة على األعداء.‏ فقال يف الفصل السادس عشر:‏ [ ‏"يف أن األمم الوحشية أقدر على التد غ لُّب ممن سواها"‏ اعلم<br />

أنه ملا كانت البَدَاوَة سببا يف الشجاعة كما قلناه يف املقدمة الثالثة،‏ ال جرم كان هذا اجليل الوحشي أشد شجاعة من<br />

اجليل اآلخر،‏ فهم أقدر على التغلب وانتزاع ما يف أيدي سواهم من األمم،‏ بل اجليل الواحد ختتلف أحواله يف ذلك<br />

ابختالف األعصار،‏ فكلما نزلوا األرايف وتَفَنمقوا يف النعيم،‏ وأَلِفوا عوائد اخلصب يف املعاش والنعيم،‏ نق من<br />

شجاعتهم مبقدار ما نق<br />

من توحشهم وبداوهتم[‏<br />

1<br />

.<br />

وتكلم ابن خلدون عن التيه الذي قَدمره هللا على بين إسرائيل،‏ ورَجمح أن احلكمة منه أن ينشأ جيل قادر على الغلبة،‏<br />

فقال يف الفصل التاسع عشر:‏ ‏]..يف أن من عوائق امللك املللة للقبيل واالنقياد إىل سواهم"‏ وسبب ذلك أن املذلة<br />

واالنقياد كاسران لسورة العصبية وشدهتا،‏ فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقداهنا،‏ فما رئموا للمذلة حىت عجزوا عن<br />

املدافعة،‏ فأوَل أن يكون عاجزا عن املقاومة واملطالبة،‏ واعتَربِ‏ ذلك يف بين إسرائيل لَما دعاهم موسى<br />

إَل مُلْكِ‏ الشام <br />

وأخربهم أبن هللا قد كتب هلم ملكها،‏ كيف عجزوا عن ذلك وقالوا إن <strong>في</strong>ها قوما جبارين إَل قوله فعَاقَبَهم هللا ابلتِّية،‏<br />

وهو أهنم اتهوا يف قفر من األرض ما بني الشام ومصر أربعني سنة مل ‏َيووا <strong>في</strong>ها العمران وال نزلوا مِصْرا وال خالطوا<br />

بشرا،‏ كما قَصمه القرآن لغلظة العمالقة ابلشام والقبط مبصر عليهم،‏ لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه،‏ ويظهر من<br />

مساق اآلية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي الفناء يف اجليل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة<br />

وختلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حىت نشأ يف ذلك التيه جيل آخر عزيز ال يعرف األحكام والقهر وال يُسام ابملذلة،‏<br />

فنشأت بذلك عصبية أخرى اقتدروا هبا[‏ . 2<br />

قلت:‏ وهذا الكالم السابق يصف حال كثري من املسلمني اآلن،‏ فهم يف مذلة وانقياد مهني وهو احلال الذي وصفه<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله:‏<br />

ّ أُ‏<br />

ِ<br />

«<br />

يُوشِ‏ كُ‏ أَنْ‏ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ‏ األُمَمُ‏ مِنْ‏ كُل<br />

فُقٍ‏ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ‏ عَلَى قَصْعَتِهَا«‏<br />

قُلْنَا:‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ أَمِنْ‏ قِلمةٍ‏ مِنَا ي ‏َوْمَئِذٍ؟ قَالَ‏ : ‏»أَنْتُمْ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ كَثِريٌ،‏ وَلَكِنمكُمْ‏ كَغُثَاءِ‏ السميْلِ‏ ، تنزعُ‏ الْمَهَابَةَ‏ مِنْ‏ قُلُوبِ‏ عَدُوِّكُمْ‏<br />

وَجيَْعَلُ‏ يفِ‏ قُلُوبِكُمُ‏ الْوَهْ‏ ‏َن«‏ قَالُوا:‏ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ‏ : ‏»حُبُّ‏ احلَْيَاةِ‏ وَكَرَاهِيَةُ‏ الْمَوْتِ‏ »<br />

.<br />

3<br />

وقال ابن خلدون أيضا يف الفصل الثامن عشر:‏ ‏]"يف أن من عوائق املُلك الرتف وانغماس القبيل يف النعيم"‏ إَل<br />

قوله وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافُهم على الفناء فضال عن املُلك،‏ فإن عوارض الرتف والغرق يف النعيم<br />

كَاسِ‏ ر من سورة العصبية اليت هبا التغلب،‏ وإذا انقرضت العصبية قَصمر القبيل عن املدافعة واحلماية فضال عن املطالبة،‏<br />

والتهمتهم األمم سواهم،‏ فقد تبني أن الرتف من عوائق املُلك،‏ وهللا يؤِت ملكه من يشاء إَل أن قال يف الفصل<br />

العشرين إذا أتذن هللا ابنقراض املُلك من أمة مجلهم على ارتكاب املذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طرقها،‏ فتفقد<br />

233<br />

- 1 املقدمة،‏ ص : 139<br />

- 2 ‏)املقدمة،‏ ص : )141<br />

- 3 رواه أمحد وأبو داود عن ثوابن،‏ وصححه األلباين


الفضائل السياسية منهم مجلة وال تزال يف انتقاص إَل أن خيرج املُلك من أيديهم ويتبدل هبم سواهم،‏ ليكون نعيا عليهم<br />

يف سلب ما كان هللا قد أاتهم من امللك وجعل يف أيديهم من اخلري،‏ وإذا أردان أن هنلك قرية أمران مرت<strong>في</strong>ها ففسقوا <strong>في</strong>ها<br />

فحق عليها القول فدمرانها تدمريا،‏ واستقرئ ذلك وتتبعه يف األمم السابقة جتد كثريا مما قلناه ورمسناه،‏ وهللا خيلق ما<br />

يشاء وخيتار[‏<br />

1<br />

.<br />

قلت:‏ والعصبية اليت يشري إليها ابن خلدون عند القبائل<br />

تقابل العقيدة اجلهادية القتالية عند املسلمني تضعف<br />

ابلرتف واملللة،‏ والبد لبعتها يف النفوس من عالج هذه األسباب وغريها لتنبعث هذه العقيدة حية من جديد يف<br />

نفوس املسلمني.‏<br />

وكلما تقلل العبد من الدنيا ومتاعها،‏ كلما هانت عليه وهان عليه فراقها،‏ وسهل عليه اجلهاد والبذل<br />

وهانت عليه<br />

التضحيات ومصائب الدنيا.‏ ولللك فقد كان املتقللون من الدنيا هم أتباع الرسل،‏ كما ورد يف حديث ابن عباس<br />

يف قصة هرقل مع أيب س<strong>في</strong>ان،‏ فقال هرقل ‏)وَسَأَلْتُكَ‏ أَشْرَافُ‏ النماسِ‏ ات مبَعُوهُ‏ أَمْ‏ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ‏ أَنم ضُعَفَاءَهُمِ‏ ات مبَعُوهُ‏<br />

2<br />

وَهُمْ‏ أَتْبَاعُ‏ الرُّسُلِ‏ ) ‏.وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اصْبِرْ‏ نَفْسَكَ‏ مََْ‏ الَّذِينَ‏ يَدْعُونَ‏ رَ‏ بَّهُمْ‏ بِالْغَدَاةِ‏ وَ‏ الْعَشِي ِ يُرِ‏ يدُونَ‏ وَ‏ جْهَهُ‏ وَ‏ الَ‏ تَعْ‏ ‏ُد<br />

3<br />

عَيْنَاكَ‏ عَنْهُمْ‏ تُرِ‏ يدُ‏ زِ‏ ينَةَ‏ الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا وَ‏ الَ‏ تُِِْْ‏ مَنْ‏ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ‏ عَنْ‏ ذِكْرِ‏ نَا وَ‏ اتَّبََْ‏ هَوَ‏ اهُ‏ وَ‏ كَانَ‏ أَمْرُ‏ هُ‏ قُرُ‏ ِ ‏ًا{‏ ، وقال<br />

تعاَل عن قوم نوح:‏ ‏}قَالُوا أَنُؤْ‏ مِنُ‏ لَكَ‏ وَ‏ اتَّبَعَكَ‏ األَرْ‏ ذَلُو ‏َن قَالَ‏ وَ‏ مَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُو ‏َن إِنْ‏ حِ‏ سَابُهُمْ‏ إِالَّ‏ عَلَى<br />

رَ‏ ب ‏ِي لَوْ‏ تَشْعُرُ‏ ونَ‏<br />

4<br />

وَ‏ مَا أَنَا بَِِارِ‏ دِ‏ ا ‏ْلمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ .<br />

قال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]طالب العلم والدار اآلخرة ال يستقيم له سريه وطلبه إال حب بْس ‏ْني،‏ حبس قلبه يف طلبه<br />

ومطلوبه.‏ وحبسه عن االلتفات إَل غريه وحبس لسانه عما ال ي<strong>في</strong>د وحبسه على ذكر هللا وما يزيد يف إميانه ومعرفته.‏<br />

وحبس جوارحه عن املعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات واملندوابت،‏ فال يفارق احلبس حىت يلقى ربه <strong>في</strong>خلصه<br />

من السحن إَل أوسع فضاء وأطيبه.‏ ومىت مل يصرب على هذين احلبسني وفَرم منهما إَل فضاء الشهوات أعقبه ذلك<br />

احلبس الفظيع عند خروجه من الدنيا،‏ فكل خارج من الدنيا إما متخل<br />

. 5 التو<strong>في</strong>ق[‏<br />

من احلبس وإما ذاهب<br />

إَل احلبس وابهلل<br />

وقال رمحه هللا:‏ ‏]ال تتم الرغبة يف اآلخرة إال ابلزهد يف الدنيا وال يستقيم الزهد يف الدنيا إال بعد نظرين صحيحني:‏<br />

نظر يف الدنيا وسرعة زواهلا وفنائها وخِ‏ سمتها وأمل املزامحة عليها واحلرص عليها.‏ فطالبها ال ينفك من هَمٍّ‏ قبل حصوهلا<br />

وهَمٍّ‏ يف خال الظفر هبا وغَمٍّ‏ وحزن بعد فواهتا فهذا أحد النظرين.‏<br />

- 1 ‏)مقدمة ابن خلدون ص 141<br />

234<br />

144<br />

- 2 رواه البخاري<br />

- 3 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

29<br />

- 4 سورة<br />

الشعراء،‏ اآلايت:‏<br />

114<br />

111<br />

- 5 ‏)الفوائد البن القيم(‏ ط املتنيب ص 54<br />

طبعة دار القلم ‎1879‎م(‏


‏)النظر الثاين(‏ النظر يف اآلخرة وإقباهلا وجميئها والبُد ودوامها وبقائها وشرف ما <strong>في</strong>ها من اخلريات واملَسَرمات والتفاوت<br />

1<br />

الذي بينه وبني ما ههنا،‏ فهي كما قال هللا سبحانه:‏ ‏}وَ‏ اآلخِ‏ رَ‏ ةُ‏ خَيْرٌ‏ وَ‏ أَبْقَى{‏ ، فهي خريات كاملة دائمة وهذه<br />

خياالت انقصة منقطعة مضمحلة،‏ فإذا مت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره وزهد <strong>في</strong>ما يقتضي الزهد <strong>في</strong>ه،‏<br />

فكا أحد مطبوع على أن ال يرتك النفع العاجل واللذة الغائبة املنتظرة إال إذا تَبَنيم له فضل اآلجل على العاجل وقويت<br />

رغبته يف األعلى األفضل فإذا آثر الفاين الناق كان ذلك إما لعدم تَبَنيُّ‏ الفضل له وإما لعدم رغبته يف األفضل.‏<br />

وكل واحد من األمرين يدل على ضعف الإميان وضعف العقل والبصرية،‏ وهلذا نبذها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها قلوهبم وأطرحوها<br />

ومل ‏َيلفوها وهجروها ومل مييلوا إليها وعَدُّوها سجنا ال جنة،‏<br />

فزهدوا <strong>في</strong>ها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها كل حمبوب فقد عُرِضت عليه مفاتيح كنوزها فَرَدمها وفاضت على<br />

أصحابه فآثروا هبا ومل يبيعوا حظهم من اآلخرة هبا،‏ وعلموا أهنا مَعْربَ‏ وممََر ال دار مقام ومستقر،‏ قال النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم:‏<br />

هذا<br />

«<br />

مَا يلِ‏ وَلِلدُّنْيَا إَِّنمَا أَانَ‏ كَرَاكِبٍ‏ قَالَ‏ يفِ‏ ِ ظِل شَجَرَةٍ‏ ‏ُثُم رَاحَ‏ وَتَرَكَهَا<br />

2<br />

» هأ .<br />

ّ<br />

هذا <strong>في</strong>ما يتعلق بنبذ الرتف وأخذ األمري أتباعه ‏ِبشونة العيش،‏ لٍمَا يف ذلك من منافع للعبد يف دنياه وأخراه،‏ ويتأكد<br />

يف حق العاملني يف حقل اجلهاد.‏ أما املنافع الدنيوية خلشونة العيش فهي ما أشران إليه آنفا.‏ وأما املنافع األخروية<br />

فمنها ما يرتتب على املنافع الدنيوية املذكورة ومنها ما يرتتب على ترك احلظ من املتاع الدنيوي لِيُدمخَر لصاحبه يف<br />

اآلخرة،‏ فالراجح أن كل ما حيصل عليه املنمن من حظ يف دنياه ينقص من أجره األخروي وقد أشرت إَل هذا يف<br />

أوائل هذه الرسالة يف شرح النووي حلديث النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»مَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ تَغْزُو فَتَغْنَمُ‏ وَتَسْلَمُ‏ إِالم<br />

كَانُوا قَدْ‏ تد ع ج لُوا ثدُلَُ‏ يْ‏ أُجُورِهِ‏ ‏ْم وَمَا مِ‏ ‏ْن غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ ختُْفِقُ‏ وَتُصَا ‏ُب إِال ‏ُت أُجُورُهُ‏ ‏ْم«‏ ، 3 ويف هذا املعىن خَبماب بن<br />

األَرَتّ‏ ‏)هاجران مع النيب صلى هللا عليه وسلم نريد وجه هللا،‏ فوقع أجران على هللا تعاَل،‏ فَمِنما مَنْ‏ مضى مل أيخل من<br />

أجره شيئا،‏ منهم مصعب بن عمري قُتِلَ‏ يوم أُحُد وترك ‏َّنَِرَة،‏ فإذا غَطمينا رأسه بَدَت رجاله،وإذا غطينا رجاله بدا رأسه<br />

فأمران النيب صلى هللا عليه وسلم أن نغطي رأسه وُنعل على رجليه من الإذخر،‏<br />

4<br />

يد هْدِهبُا(‏ ، والنمرة كساء،‏ ويهدهبا أي يقطفها.‏ وقال ابن حجر يف شرح هذا احلديث:‏ ‏]قوله:‏<br />

ومنا من أينعت له مثرته فهو<br />

‏»مل ‏َيكل من أجره<br />

شيئا«‏ أي من عَرَض الدنيا،‏ وهذا مُشكل على ما تقدم من تفسري ابتغاء وجه هللا،‏ وجيمع أبن إطالق األجر على املال<br />

يف الدنيا بطريق اجملاز لثواب اآلخرة،‏ وذلك أن القصد األول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب<br />

بن عمري ومنهم من عاش إَل أن فُتِح عليهم،‏ ‏ُث انقسموا فمنهم من أعرض عنه وواسى به احملاويج أوال فأوال حبيث<br />

بقي على تلك احلالة األوَل وهم قليل منهم أبو ذر،‏ وهؤالء ملتحقون ابلقسم األول ومنهم من تَبَسمطَ‏ يف بعض املباح<br />

- 1 سورة اآلعلى،‏ اآلية:‏<br />

235<br />

17<br />

- 2 ابختصار من ‏)الفوائد البن القيم(‏ ص 84<br />

- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو<br />

.85<br />

- 4 رواه البخاري


يتعلق بكثرة النساء والسراري أو اخلدم واملالبس وحنو ذلك ومل يستكثر وهم كثري ومنهم ابن عمر،‏ ومنهم من زاد<br />

فاستكثر ابلتجارة وغريها مع القيام ابحلقوق الواجبة واملندوبة وهم كثري أيضا منهم عبد الرمحن بن عوف،‏ وإَل هذين<br />

القسمني أشار خباب،‏ فالقسم األول وما التحق به تَوَفمر له أجره يف اآلخرة،‏ والقسم الثاين مقتضى اخلري أنه حيسب<br />

عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثواهبم يف اآلخرة،‏ ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد هللا بن عمرو<br />

رفعه ‏»مَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ تَغْزُو فَتَغْنَمُ‏ وَتَسْلَمُ‏ إِالم تَعَجملُوا ث ‏ُلُثَيْ‏ أَجْرِهِ‏ ‏ْم«‏ احلديث،‏ ومن ‏ُثَم آثر كثري من السلف قِلمة املال وقنعوا<br />

به إما ليتوفر هلم ثواهبم يف اآلخرة وإما ليكون أقل حلساهبم عليه[‏ أ ه<br />

1<br />

.<br />

<br />

2<br />

قلت:‏ وقد رُوي عن عمر عنه مثل هذا مستدال بقوله تعاَل:‏ { أَذْهَبْتُمْ‏ ‏َِي ‏ِبَاتِكُمْ‏ قِي حَيَاتِكُمْ‏ الدُّنْيَا{‏ .<br />

وهذا هو ما قصدته من أن نبذ الرتف وخشونة العيش خري للعبد يف دنياه وأخراه.‏<br />

وهذا ما تَيَسمر ذَكْره من واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏ ‏ُث أذكر بعض املسائل املتعلقة ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين يف املالحق<br />

األربعة التالية إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

خامسا:‏ ‏)ملحق‎1‎‏(:‏ وجوب االعتصام بالكتاب والسنة ‏)منهج أهل السنة<br />

والجماعة(.‏<br />

االعتصام ابلكتاب والسنة من أهم معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد،‏ فهو الذي يوجه سري احلركة اجلهادية إَل غايتها<br />

الشرعية،‏ ويعصمها من الزلل واالحنراف الذي آلت إليه كثري من احلركات ذات الراية الإسالمية.‏ لذلك فنحن ال نغايل<br />

إذا قلنا إنه أهم معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين إبطالق،‏ والتهاون <strong>في</strong>ه يعصف ابحلركة اجلهادية ككل وحيوهلا إَل مسخ مشوه،‏<br />

ويُضَيِّع تضحيات اجملاهدين،‏ ويسمح لغريه بقطف مثرة اجلهاد،‏ <strong>في</strong>سقط نظام علماين ‏)جاهلي(‏ ليقوم حمله نظام علماين<br />

‏)جاهلي(‏ آخر على جتث الشهداء وأشالء اجلرحى والسعيد من اعترب بغريه.‏<br />

واالعتصام ابلكتا والسنة هو منهج أهل السنة واجلماعة وهم الفرقة الناجية املذكورة يف قول النيب صلى هللا عليه<br />

‏»إِنم هَذِهِ‏ األُمةَ‏ سَتَفْرتَِقُ‏ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِنيَ‏ فِرْقَةٌ‏ كُلُّهَا يفِ‏ النمارِ‏ إِالم وَاحِ‏ دَةٌ‏ وَهِيَ‏ اجلَمَاعَة«‏ . 3 ورواه الرتمذي<br />

وغريه عن عبد هللا بن عمرو بن العاص مرفوعا ‏»لَيَأْتِنيَم عَلَى أُميتِ‏ مَا أَتَى عَلَى بَينِ‏ إِسْرَائِيلَ‏ حَذْوَ‏ النمعْلِ‏ ابِلنمعْلِ‏ حَىتم إِ‏ ‏ْن<br />

وسلم :<br />

كَانَ‏ مِنْهُمْ‏ مَنْ‏ أَتَى أُمهُ‏ عَالَ‏ نِيَةً‏ لَكَانَ‏ يفِ‏ أُميتِ‏ مَنْ‏ يَصْنَعُ‏ ذَلِكَ‏ وَإِنم بَينِ‏ إِسْرَائِيلَ‏ تَفَرمقَتْ‏ عَلَى ثِنْتَنيِْ‏ وَسَبْعِنيَ‏ ‏ِملمةً‏ وَتَفْرتَِ‏ ‏ُق<br />

أُميتِ‏ عَلَى ثَالثٍ‏ وَسَبْعِنيَ‏ مِلمةً‏ كُلُّهُمْ‏ يفِ‏ النمارِ‏ إِال مِلمةً‏ وَاحِ‏ دَةً‏ قَالُوا وَمَنْ‏ هِيَ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ قَالَ‏ مَا أَانَ‏ عَلَيْهِ‏ وَأَصْحَاِيب«‏<br />

وهذه الرواية إسنادها ضعيف،‏ حسن لغريه بشواهده.‏<br />

واملعىن واحد،‏ فالفرقة الناجية هي املتبعة ملا كان عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته،‏ وهم مجاعة احلق األوَل،‏ كما<br />

قال أبو شامة يف كتاب احلوادث والبدع ‏]حيث جاء األمر بلزوم اجلماعة فاملراد به لزوم احلق وأتباعه،‏ وإن كان<br />

236<br />

- 1 ‏)فتح الباري(‏ ج 279 / 11<br />

- 2 سورة األحقاف،‏ اآلية:‏<br />

تفسري ابن كثري 21<br />

161 / 4<br />

3<br />

- رواه ابن أيب عاصم عن معاوية وصححه األلباين ‏)كتاب السنة البن أيب عاصم حديث 65 ص 33(.


يد<br />

املتمسك به قليال واملخالف له كثريا ‏"ألن احلق هو الذي كانت عليه<br />

اجلماعة األوَل من عهد النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم وأصحابه،‏ وال نظر إَل كثرة أهل البدع بعدهم.‏ قال عمرو بن ميمون األودى:‏ صحبت معاذا ابليمن فما فارقته<br />

حىت واريته يف الرتاب ابلشام،‏ ‏ُث صحبت بعده أفقه الناس عبد هللا بن مسعود<br />

<br />

فسمعته يقول:‏ عليكم ابجلماعة،‏ فإن<br />

هللا على اجلماعة،‏ ‏ُث مسعته يوما من األايم وهو يقول:‏ سَيَلِي عليكم والة يؤخرون الصالة عن مواقيتها،‏ فصلوا<br />

الصالة مليقاهتا،‏ فهي الفريضة،‏ وصلوا معهم فإهنا لكم انفلة.‏ قال قلت:‏ اي أصحاب حممد،‏ ما أدري ما حتدثوان؟ قال:‏<br />

وما ذاك؟ قلت أتمرين ابجلماعة وحتضّين عليها.‏ ‏ُث تقول:‏ ِ صَل الصالة وحدك،‏ وهي الفريضة،‏ وصل مع اجلماعة وهي<br />

ّ<br />

النافلة؟ قال:‏ اي عمرو بن ميمون،‏ قد كنت أضنك من أفقه أهل القرية تدري ما اجلماعة؟ قلت:‏ ال.‏ قال إن مجهور<br />

اجلماعة:‏ الذين فارقوا اجلماعة.‏ اجلماعة ما وافق ا ق،‏ وإن كنت وحدك"‏ ويف طريق أخرى.‏ ‏"فضرب على فخدي<br />

وقال:‏ وحيك،‏ إن مجهور الناس قد فارقوا اجلماعة.‏ وإن اجلماعة ما وافق طاعة هللا<br />

<br />

‏"قال نعيم بن محاد"‏ يعين إذا<br />

1<br />

فسدت اجلماعة فعليك مبا كانت عليه اجلماعة قبل أن تفسد،‏ وإن كنت وحدك،‏ فإنك أنت اجلماعة حينئذ"‏ .<br />

وروى البخاري عن عمران بن حصني أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»خَريُْ‏ أُميتِ‏ قَرْينِ‏ ‏ُثُم المذِينَ‏ ي ‏َلُوهنَُمْ‏ ‏ُثُم<br />

المذِينَ‏ ي ‏َلُوهنَُمْ‏ قَالَ‏ عِمْرَانُ‏ فَال أَدْرِي أَذَكَرَ‏ ب ‏َعْدَ‏ قَرْنِهِ‏ قَرْنَنيِْ‏ أَوْ‏ ثَالَثً‏ ‏ُثُم إِنم ب ‏َعْدَكُمْ‏ قَوْمًا يَشْهَدُونَ‏ وَال يُسْتَشْهَدُونَ‏ وَخيَُونُوَن<br />

وَال ي ‏ُؤْمتََنُونَ‏ وَي ‏َنْذُرُونَ‏ وَال ي ‏َفُونَ‏ وَيَظْهَرُ‏ فِيهِمُ‏ السِّ‏ مَ‏ ‏ُن«.‏<br />

ومنهج أهل السنة واجلماعة هو منهج النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته الذين هم خري هذه األمة إَل يوم القيامة<br />

رضي هللا عنهم أمجعني.‏ وتتضح أمهية معرفة هذا املنهج بل وجوب معرفته إذا علمنا أن هذه األمة اختلفت وافرتقت<br />

بعد نبيها صلى هللا عليه وسلم،‏ وسلكت هذه الفرق سُبُال على رأس كل منها شيطان زين لكل منها منهجا فاسدا يف<br />

االستنباط واالستدالل ومل يبق على منهج النيب صلى هللا عليه وسلم الذي هو صراط هللا املستقيم إال فرقة واحدة وهي<br />

الناجية كما يف حديث الفرق السابق،‏ وُناة العبد وفالحه يف الدارين مبعرفة منهجها وأصوله.‏<br />

قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَأَنم هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتمبِعُوهُ‏ وَالَ‏ تَتمبِعُوا السُّبُلَ‏ فَتَفَرمقَ‏ بِكُمْ‏ عَنْ‏ سَبِيلِهِ{‏ ، 2 وحديث ابن مسعود<br />

. 3 يف تفسريها<br />

وقال رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم :<br />

‏»فَإِنمهُ‏ مَنْ‏ يَعِشْ‏ مِنْكُمْ‏ فَسَريََى اخْتِالفًا كَثِريًا فَعَلَيْكُمْ‏ بِسُنميتِ‏ وَسُنمةِ‏ اخلُْلَفَاءِ‏<br />

الرماشِ‏ دِينَ‏ الْمَهْدِيِّنيَ‏ مِنْ‏ ب ‏َعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا ابِلنموَاجِ‏ ذِ‏ وَإِايمكُمْ‏ وَحمُْدََثَتِ‏ األُمُورِ‏ فَإِنم كُ‏ مل بِدْعٍَة ضَاللَةٌ«‏ ، 4 فهذا ن آخر<br />

يف وقوع االختالف وأن العصمة حينئذ يف التمسك ابلسنة،‏ وأن ما عليه املختلفون هي احملدَثت والبدع والضالالت<br />

- 1 ذكره البيهقي وغريه أ ه نقال عن ‏)إغاثة اللهفان(‏ البن القيم ط دار الكتب العلمية 1417 ج 1 ص 93<br />

- 2 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

237<br />

153<br />

- 3 ‏)راجع تفسري ابن كثري(.‏<br />

- 4 رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح عن العرابض بن سارية


وكلها من تزيني الشيطان وكيده،‏ كما قال تعاَل:‏ { وَ‏ مَنْ‏ يَعْشُ‏ عَنْ‏ ذِكْرِ‏ الرَّ‏ حْمَنِ‏ نُقَي ‏ِضْ‏ لَهُ‏ شَيَِْانًا قَهُوَ‏ لَهُ‏ قَرِ‏ ي ‏ٌن<br />

وَ‏ إِنَّهُمْ‏ لَيَصُدُّونَهُمْ‏ عَنْ‏ السَّبِيلِ‏ وَ‏ يَحْسَبُونَ‏ أَنَّهُمْ‏ مُهْتَدُونَ{‏ . 1<br />

قال ابن رجب:‏ ‏]وقد صح عن ابن مسعود<br />

<br />

7<br />

. }<br />

أنه قال:‏ إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة،‏ وإنكم سَتُحْدِثون وحيَْدُث<br />

2<br />

لكم،‏ فإذا رأيتم حمدثة فعليكم ابلعهد األول[‏ .<br />

ِ<br />

وروى البخاري عن حذيفة قال:‏ ( ايَ‏ مَعْشَرَ‏ الْقُرماءِ‏ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ‏ سَبَقْتُمْ‏ سَبْقًا بَعِيدًا فَإِنْ‏ أَخَذْمتُْ‏ ميَِينًا وَمش ‏َاال لَقَدْ‏ ضَلَلْتُ‏ ‏ْم<br />

3<br />

ضَالال بَعِيدًا(‏ ، وأورد الشاطيب عن حذيفة هكذا ‏)اتقوا هللا اي معشر القراء،‏ وخذوا طريق من كان قبلكم،‏ فلعمري لئن<br />

4<br />

تركتموه ميينا ومشاال لقد ضللتم ضالال بعيداً(‏ ، وهذا األثر <strong>في</strong>ه تكذيب ملقولة املالحدة املعاصرين الذين يسمون<br />

الإحلاد تقدماً‏ ويسمون متابعة الدين رجعية،‏ ف<strong>في</strong> أثر حذيفة:‏ السبق وهو التقدم هو متابعة الشريعة،‏ ومصداق هذا<br />

5<br />

قول هللا تعاَل:‏ ً ‏}نَذِيرا لِلْبَشَ‏ ‏ِر لِمَنْ‏ شَاءَ‏ مِ‏ ‏ْنكُمْ‏ أَنْ‏ يَتَقَدَّمَ‏ أَوْ‏ يَتَأَخَّ‏ ‏َر{‏ ، فالتقدم هو متابعة النذير صلى هللا عليه وسلم،‏<br />

والتأخر والرجعية يف خمالفته.‏<br />

ومنهج الفرقة الناجية أهل السنة واجلماعة هو االعتصام ابلكتاب والسنة،‏ وهلذا املنهج معامل أوجزها يف مثانية أصول<br />

أبدلتها،‏ ‏ُث أذكر بعض ما يتفرع عنها.‏ واملقصد من ذر هذه األصول هو أن أتخذ هبا الطائفة اجملاهدة علما وعمال،‏<br />

وأن يتم توحيد الفهم لدى أفراد هله الطائفة وفق هلا املنهج،‏ عسى هللا أن مين على املسلمني ‏ِبالفة على منهاج<br />

النبوة،‏ فإن االعتصام ابلكتاب والسنة كمنهج يؤدي وَحْدَه دون غريه إَل حفظ الدين على أصوله املستقرة اليت كانت<br />

عليها مجاعة احلق األوَل وهم النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته رضي هللا عنهم،‏ وإذا كانت غاية اجلهاد هي إظهار<br />

دين احلق ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُو ‏َن{‏ ، 6 فكيف<br />

يٌظْهِرُ‏ الدين من مل يعرفه حق املعرفة ويعرف ما طرأ عليه من الإفساد؟،‏ وكيف يٌظْهِرُ‏ الدين من مل ي ‏َقُم به علما وعمال؟<br />

إن هذا ال يكون،‏ وهو خالف سنة االستخالف القدرية اليت قررت ‏}وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَّذِينَ‏ آمَنُوا مِنْكُمْ‏ وَ‏ عَمِلُوا ال ‏َّصالِحَا ‏ِت<br />

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ‏ ضِ‏<br />

أما األصول الثمانية ملنهج أهل السنة واجلماعة ‏)أصول االعتصام ابلكتاب والسنة(‏ فهي:‏<br />

- 1 سورة الزخرف،‏ اآليتان:‏<br />

- 2 ‏)جامع العلوم واحلكم ص 235(<br />

238<br />

37<br />

36<br />

- 3 حديث 7292<br />

- 4 ‏)االعتصام للشاطيب )337 / 2<br />

- 5 سورة املدثر،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

37<br />

36<br />

33<br />

55


= 0<br />

األصل األول:‏ إن هذه الشريعة هي دين هللا احلق الذي ارتضاه خللقه إَل يوم القيامة،‏ فهي خامتة الشرائع ال<br />

ت ‏ُنْسَخ بشريعة بعدها،‏ كما أن حممداً‏ صلى هللا عليه وسلم هو خامت األنبياء.‏<br />

أ =<br />

أما كوهنا احلق فمعناه أن ماعداها هو الضالل،‏ ومن ابتغى اهلدى يف غريها أضله هللا،‏ قال تعاَل:‏<br />

ِ الْحَق إِال الضَّاللُ{‏ ، 1<br />

السَّمِيُْ‏ الْبَصِ‏ يرُ‏ } 2 ،<br />

يَعْلَمُونَ{‏ . 3<br />

ب =<br />

وقال تعاَل:‏<br />

وقال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَقْضِ‏ ي بِالْحَق ِ وَ‏ الَّذِينَ‏ يَدْعُونَ‏ مِنْ‏<br />

‏}قَمَاذَا بَعْدَ‏<br />

دُونِهِ‏ ال يَقْضُونَ‏ بِشَيْءٍ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ هُ‏ ‏َو<br />

‏}ثُمَّ‏ جَعَلْنَاكَ‏ عَلَى شَرِ‏ يعَةٍ‏ مِنْ‏ األَمْرِ‏ قَاتَّبِعْهَا وَ‏ ال تَتَّبِْْ‏ أَهْوَ‏ اءَ‏ الَّذِينَ‏ ال<br />

وهي شريعة اخلالق جل وعال،‏ وهو أعلم مبصاحل خلقه يف الدارين،‏ قال تعاَل:‏ ‏}أَال يَعْلَمُ‏ مَنْ‏ خَلَقَ‏ وَ‏ هُوَ‏<br />

اللَِِّيفُ‏ الْخَبِيرُ‏ } 4 ، وقال تعاَل:‏ ‏}أَقَمَنْ‏ يَخْلُقُ‏ كَمَنْ‏ ال يَخْلُقُ‏ أَقَال تَذَكَّرُ‏ ونَ{‏ ، 5 وهي شريعة أحكم احلاكمني:‏<br />

‏}أَلَيْسَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِأَحْكَمِ‏ الْحَاكِمِينَ{‏ ، 6 وهي شريعة أرحم الرامحني:‏ ‏}قَاّلِلَّ‏ ُ خَيْرٌ‏ حَاقِظ ‏ًا وَ‏ هُوَ‏ أَرْ‏ حَمُ‏ الرَّ‏ احِ‏ مِي ‏َن{‏ ، 7 وهي<br />

شريعة العليم القدير:‏ ‏}لِتَعْلَمُوا أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ قَدِيرٌ‏ وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَدْ‏ أَحَاَِ‏ ِ بِكُل شَيْءٍ‏ عِلْم ‏ًا{‏ ، 9 فلهذا ال ينبغي<br />

أن يكون التشريع إال له سبحانه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ الْحُكْمُ‏ إِال ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{ 8 ، وهذا هو توحيد الربوبية.‏<br />

ولكونه جل وعال أعلم مبصاحل خلقه،‏ فإن شريعته مبنية على اعتبار مصاحلهم وخريهم يف الدارين الدنيا واآلخرة،‏<br />

‏ِبالف املناهج البشرية القاصرة اليت ال تعترب أمر اآلخرة فلذلك ال ينبغي أن ت ‏ُقَدمم هذه الشريعة إَل الناس على أن <strong>في</strong>ها<br />

حل مشاكلهم الدنيوية كما يفعل أصحاب املناهج البشرية،‏ بل هي تَعْتَربِ‏ مصاحلهم األخروية والدنيوية الرجعة إليها إذ<br />

11<br />

أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إَل اعتبارها مبصاحل اآلخرة ، قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ هَؤُالءِ‏ يُحِ‏ بُّونَ‏ الْعَاجِ‏ لَةَ‏ وَ‏ يَذَرُ‏ ونَ‏<br />

وَ‏ رَ‏ اءَهُمْ‏<br />

11<br />

يَوْ‏ م ‏ًا ثَقِيال{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}أَكْثَرَ‏ النَّاسِ‏ ال يَعْلَمُونَ‏<br />

يَعْلَمُونَ‏ ظَاهِر ً ا مِنْ‏ الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا وَ‏ هُمْ‏ عَنْ‏ اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏<br />

- 1 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة اجلاثية،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة امللك،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة التني،‏ اآلية:‏<br />

239<br />

32<br />

19<br />

21<br />

14<br />

17<br />

9<br />

- 7 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة الطالق،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة يوسف،‏ اآليتان<br />

67<br />

64<br />

12<br />

41<br />

- 11 ‏)مقدمة ابن خلدون ص 181(<br />

- 11 سورة الإنسان،‏ اآلية:‏<br />

27


هُمْ‏ غَاقِلُونَ{‏ ، 1 وقال تعاَل:‏ ‏}بَلْ‏ تُؤْ‏ ثِرُ‏ ونَ‏ الْحَيَاةَ‏ الدُّنْيَا وَ‏ اآلْ‏ خِ‏ رَ‏ ةُ‏ خَيْرٌ‏ وَ‏ أَبْْ‏ قَى{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}كُلُّ‏ نَفْسٍ‏ ذَائِقَةُ‏<br />

الْمَوْ‏ تِ‏ وَ‏ إِنَّمَا تُوَ‏ قَّوْ‏ نَ‏ أُجُورَ‏ كُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْقِيَامَةِ{‏ ، 3 فالدنيا دار العمل واآلخرة دار اجلزاء.‏<br />

ج = واخلالق جل وعال له وحده أن يُشَرِّع خللقه،‏ فَمَن انزعه يف هذا فقد انزعه يف ربوبيته وألوهيته للناس،‏ قال تعاَل:‏<br />

4<br />

‏}أَال لَهُ‏ الْخَلْقُ‏ وَ‏ األَمْ‏ ‏ُر{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ الْحُكْمُ‏ إِالَّ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ أَمَرَ‏ أَال تَعْبُدُوا إِال إِيَّاهُ‏ ذَلِكَ‏ الدِينُ‏ الْقَي ‏ِمُ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ أَكْثَرَ‏ النَّاسِ‏<br />

5<br />

ال يَعْلَمُونَ{‏ ، أما مَنْ‏ ينازعه سبحانه يف التشريع خللقه فقد وصفهم سبحانه ابلشركاء واألرابب،‏ كما يف قوله تعاَل:‏<br />

6<br />

‏}أَمْ‏ لَهُمْ‏ شُرَ‏ كَاءُ‏ شَرَ‏ عُوا لَهُمْ‏ مِنْ‏ الدِينِ‏ مَا لَمْ‏ يَأْذَنْ‏ بِهِ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ{ ، وقال سبحانه:‏ ‏}اتَّخَذُوا أَحْبَارَ‏ هُمْ‏ وَ‏ رُ‏ هْبَانَهُمْ‏ أَرْ‏ بَابًا<br />

7<br />

مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ . فإفراده سبحانه حبق التشريع وطاعته يف ذلك هو توحيد األلوهية الذي ال يصح إسالم املرء إال به،‏<br />

9<br />

قال تعاَل:‏ ‏}أَقَحُكْمَ‏ الْجَاهِلِيَّةِ‏ يَبْغُونَ‏ وَ‏ مَنْ‏ أَحْسَنُ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ حُكْم ‏ًا لِقَوْ‏ مٍ‏ يُوقِنُو ‏َن{‏ .<br />

د = أما كون هذه الشريعة هي دين هللا الذي ارتضاه خللقه مجيعا ال يقبل منهم غريه،‏ فذلك لعموم بعثة النيب صلى هللا<br />

ً 8<br />

عليه وسلم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ يَاأَيُّهَا النَّاسُ‏ إِن ‏ِي رَ‏ سُولُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِلَيْكُمْ‏ جَمِيعًا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَرْ‏ سَلْنَاكَ‏ إِال كَاقَّة<br />

11<br />

لِلنَّاسِ‏ ً بَشِيرا وَ‏ ً نَذِيرا{‏ ، وقال صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

11<br />

عَامةً«‏ .<br />

‏»وَكَانَ‏ النميبِ‏ ُّ ي ‏ُبْعَثُ‏ إَِلَ‏ قَوْمِهِ‏ خَاصمةً‏ وَبُعِثْتُ‏ إَِلَ‏ النما ‏ِس<br />

ولذلك فقد قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَبْتَغِ‏ غَيْرَ‏ اإلِ‏ سْالَ‏ مِ‏ دِينًا قَلَنْ‏ يُقْبَلَ‏ مِنْهُ‏ وَ‏ هُوَ‏ قِي اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ مِنْ‏ الْخَاسِرِ‏ ينَ{‏ ، 12 وقال<br />

تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ مَنْ‏ يَكْفُرْ‏ بِهِ‏ مِنْ‏ األَحْزَ‏ ابِ‏ قَالنَّارُ‏ مَوْ‏ عِدُهُ{‏ ، 13<br />

وروى مسلم عن أيب هريرة أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

- 1 سورة الروم،‏ اآليتان:‏<br />

241<br />

7<br />

6<br />

- 2 سورة األعلى،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

17<br />

16<br />

195<br />

54<br />

41<br />

21<br />

31<br />

- 8 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة سبأ،‏ اآلية:‏<br />

159<br />

51<br />

29<br />

- 11 رواه البخاري عن جابر<br />

- 12 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 13 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

95<br />

17


قال:‏<br />

‏»وَهللا ال يَسْمَعُ‏ يبِ‏ ي ‏َهُودِيٌّ‏ وَال نَصْرَاينِ‏ ٌّ مِنْ‏ هَذِهِ‏ األُمةِ‏ ‏ُثُم ال ي ‏ُؤْمِنْ‏ يبِ‏ إِال دَخَلَ‏ النمارِ«،‏ وعن ابن عمر مرفوعا<br />

‏»أُمِرْتُ‏ أَنْ‏ أُقَاتِلَ‏ النماسَ‏ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ‏ ال إِلَهَ‏ إِال اَّللمُ‏ ...« احلديث . 1<br />

ه = أما كوهنا الشريعة الباقية إَل يوم القيامة ال ت ‏ُنْسَخ،‏ فألن النيب صلى هللا عليه وسلم هو خامت األنبياء،‏ قال صلى<br />

هللا عليه وسلم:‏<br />

عليه وسلم:‏<br />

2<br />

‏»كَانَتْ‏ ب ‏َنُو إِسْرَائِيلَ‏ تَسُوسُهُمُ‏ األَنْبِيَاءُ‏ كُلممَا هَلَكَ‏ نَيبٌِّ‏ خَلَفَهُ‏ نَيبٌِّ‏ وَإِنمهُ‏ ال نَيبِ‏ م ب ‏َعْدِي«‏ ، وقال صلى هللا<br />

3<br />

‏»بُعِثْتُ‏ ابِلسميْفِ‏ بَنيَْ‏ يَدَيْ‏ السماعَة حَىتم ي ‏ُعْبَدَ‏ هللا وَحْدَهُ‏ الَ‏ شَرِيكَ‏ لَهُ«‏ .<br />

و = ولكوهنا الشريعة اخلامتة الباقية فقد تكفل هللا سبحانه حبفظها من التحريف والتبديل كما فعل اليهود والنصارى<br />

بدينهم،‏ وذلك حىت تبقى حجةُ‏ هللا على خلقه قائمة صحيحة إَل يوم القيامة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّا نَحْنُ‏ نَزَّ‏ لْنَا الذِكْرَ‏ وَ‏ إِنَّا<br />

5<br />

4<br />

لَهُ‏ لَحَاقِظُونَ{‏ ، وقال جل شأنه:‏ ‏}رُ‏ ً سُال مُبَشِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ مُنذِرِ‏ ينَ‏ لِئالَّ‏ يَكُونَ‏ لِلنَّاسِ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ حُجَّةٌ‏ بَعْدَ‏ الرُّ‏ سُ‏ ‏ِل{‏ ،<br />

فالشريعة حمفوظة من التحريف لتظل احلجة قائمة على الناس إَل يوم القيامة،‏ ومن مقتضى ذلك أن قيض هللا تعاَل<br />

هلذه الشريعة محََلَةً‏ يقومون هبا يف الناس،‏ كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تَزَالُ‏ طَائِفَةٌ‏ مِنْ‏ أُميتِ‏ قَائِمَةٌ‏ أبَِمْرِ‏<br />

6<br />

هللا،‏ ال يَضُرُّهُم مَنْ‏ خَذَهلَُم أَو خَالَفَهُم حَىتَ‏ ‏َيَِْتََ‏ أَمْرُ‏ هللا وَهُم ظَاهِرُونَ‏ عَلَى النماس«‏ .<br />

قال الشاطيب:‏ ‏]إن هذه الشريعة املباركة معصومة،‏ كما أن صاحبها صلى هللا عليه وسلم معصوم،‏ وكما كانت أمته <strong>في</strong>ما<br />

7<br />

اجتمعت عليه معصومة[‏ ‏ُث ساق األدلة رمحه هللا .<br />

= 2<br />

األصل الَاين ‏)اكتمال الشريعة(،‏ وهذا األصل مرتتب على األصل األول،‏ ألنه إذا كانت هذه الشريعة عامة<br />

جلميع اخللق ابقية إَل يوم القيامة فإن هذا يقتضي أن تكون هذه الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ه مبا حيتاجه الناس يف حياهتم<br />

ومعادهم.‏ ودليل هذا:‏<br />

<br />

<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُ‏ ‏ْم{‏ . 9<br />

وقوله تعاَل:‏ { وَ‏ نَزَّ‏ لْنَا عَلَيْكَ‏ الْكِتَابَ‏ تِبْيَانًا ِ لِكُل شَيْ‏ ‏ٍء{‏ . 8<br />

240<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 3 رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر،‏ وصححه األلباين.‏<br />

- 4 سورة احلجر،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

8<br />

165<br />

- 6 متفق عليه عن معاوية.‏<br />

- 7 ‏)املوافقات ج 2 ص 95 ومابعدها ط دار املعرفة ‎1385‎ه(‏<br />

- 9 سورة املائدة.‏ اآلية<br />

- 8 سورة النحل.‏ اآلية<br />

.3<br />

.98


ج)‏<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

وروى البخاري عن طارق ب ن ش هاب ق ال:‏ ‏»ق ال رَجُ‏ لٌ‏ مِ‏ نَ‏ الْيَهُ‏ ودِ‏ لعُمَ‏ ر:‏ ايَ‏ أَمِ‏ ريَ‏ الْمُ‏ ؤْمِنِنيَ‏ لَ‏ و أَنم عَلَيْنَ‏ ا ن ‏َزَلَ‏ تْ‏<br />

هَ‏ ذِه اآليَ‏ ة ‏}الْيَ‏ وْمَ‏ أَكْمَلْ‏ تُ‏ لَكُ‏ مْ‏ دِي نَكُمْ‏ وَأَمتَْمْ‏ تُ‏ عَلَ‏ يْكُمْ‏ نِعْمَ‏ يتِ‏ وَرَضِ‏ يتُ‏ لَكُ‏ مُ‏ الإِسْ‏ المَ‏ دِينً‏ ا{‏ الختمَ‏ ذْانَ‏ ذَلِ‏ كَ‏ الْيَ‏ وَْم<br />

عِيدًا،‏ فَقَ‏ الَ‏ عُمَ‏ رُ‏ ِ إِينّ‏ ألَعْلَ‏ م أَيُّ‏ ي َ وْمٍ‏ ن ‏َزَلَ‏ تْ‏ هَ‏ ذِه اآليَ‏ ة،‏ ن ‏َزَلَ‏ تْ‏ ي َ وْمَ‏ عَرَفَ‏ ةَ‏ يف ي َ وْم مجُُعَ‏ ةٍ‏ » 1 ، ورواه الرتم ذي ع ن اب ن<br />

عباس و<strong>في</strong>ه:‏ ‏»فقال:‏ نزلت يف يوم عيدين،‏ يوم مجعة ويوم عرفة«،‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]الختذان ذاك الي وم عي دا،‏ أي<br />

جلعلناه عيدا لنا يف كل سنة لعظم ما حصل <strong>في</strong>ه من إكمال الدين[‏ . 2<br />

وق ال الش اطيب رمح ه هللا:‏ ‏]ق ال اب ن حبي ب:‏ أخ ربين اب ن املاجش ون أن ه مس ع مالك ا يق ول:‏ م ن أح دث يف ه ذه<br />

األم ة ش يئا مل يك ن عليه ا س لفها،‏ فق د زع م أن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم خ ان الرس الة ألن هللا يق ول:‏<br />

‏}الْيَوْمَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُمْ‏ وَأَمتَْمْتُ‏ عَلَيْكُمْ‏ نِعْمَيتِ‏ وَرَضِيتُ‏ لَكُمُ‏ الإِسْالمَ‏ دِينًا{‏ أ ه ] 3 .<br />

وق ال الش اطيب رمح ه هللا:‏ ‏]إن هللا تع اَل أن زل الش ريعة على رس وله ص لى هللا علي ه وس لم <strong>في</strong>ه ا تبي ان ك ل ش يء<br />

حيتاج إليه اخللق يف تكاليفهم اليت أمروا هبا وتعبداهتم ال يت طوقوه ا يف أعن اقهم،‏ ومل مي ت رس ول هللا ص لى هللا علي ه<br />

وس لم ح ىت كَمُ‏ لَ‏ ال دين بش هادة هللا تع اَل ب ذلك حي ث ق ال:‏ ‏}الْيَ‏ وْمَ‏ أَكْمَلْ‏ تُ‏ لَكُ‏ مْ‏ دِي نَكُمْ...{‏ اآلية،‏ فك ل م ن<br />

زعم أنه بقي من الدين شيء مل يكمل فقد كَذمبَ‏ بقوله ‏}الْيَوْمَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُمْ‏ } إَل أن قال ولكن امل راد<br />

كُلِّيماهتا،‏ فلم يبق للدين قاع دة حيت اج إليه ا يف الض رورايت واحلاجي ات أو التكميلي ات إال وق د بُين ت غاي ة البي ان،‏<br />

نعم يبقى تنزيل اجلزئيات على تلك الكليات موكوال إَل نظر اجملتهد،‏ فإن قاعدة الإجتهاد أيض ا ‏َثبت ة يف الكت اب<br />

والسنة فالبد من إعماهلا وال يسع تركها(‏ . 4<br />

وروى البخاري عن مسروق عن عائشة رضي هللا عنها قالت:‏ ‏»من حَدمثك أن النيب صلى هللا عليه وس لم ك تم<br />

شيئا من الوحي فال تص دقه،‏ إن هللا تع اَل يق ول:‏ ‏}ايَأَي ‏ُّهَ‏ ا الرمسُ‏ ولُ‏ ب ‏َلِّ‏ غْ‏ مَ‏ ا أُن زِلَ‏ إِلَيْ‏ كَ‏ مِ‏ نْ‏ رَبِّ‏ كَ‏ وَإِنْ‏ ملَْ‏ تَفْعَ‏ لْ‏ فَمَ‏ ا<br />

ب ‏َلمغْتَ‏ رِسَالَتَهُ{«‏ ، 5 ويف رواية:‏ ‏»من ح دثك أن حمم دا ص لى هللا علي ه وس لم ك تم ش يئا مم ا أن زل علي ه فق د كَ‏ ذَبَ،‏<br />

وهللا يقول:‏ ‏}ايَأَي ‏ُّهَا الرمسُولُ‏<br />

. 6 »}...<br />

<br />

وروى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ق ال:‏ ‏»إِنم هُ‏ ملَْ‏<br />

يَكُنْ‏ نَيبٌِّ‏ قَبْلِي إِال كَانَ‏ حَقاا عَلَيْهِ‏ أَنْ‏ يَدُلم أُمتَهُ‏ عَلَى خَريِْ‏ مَا ي ‏َعْلَمُهُ‏ هلَُمْ‏ وَي ‏ُنْذِرَهُمْ‏ شَرم مَا ي ‏َعْلَمُهُ‏ هلَُْم«‏ . 7<br />

242<br />

- 1 حديث 7269<br />

- 2 ‏)فتح الباري 115 / 1 وكذلك 271 / 9 و )246 / 13<br />

- 3 ‏)االعتصام للشاطيب 19 / 2 دار املعرفة ‎1412‎ه )<br />

- 4 ‏)االعتصام للشاطيب )315 ،314 / 2 وانظر ‏)إعالم املوقعني ج 332 / 1<br />

334( و ‏)املوافقات<br />

)78 / 2<br />

- حديث 7531<br />

- حديث 4612<br />

)233 / 12<br />

-<br />

5<br />

6<br />

7


وروى البخاري عن أيب هريرة أن رسول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ق ال:‏ ‏»بعث ت جبوام ع الكل م«‏ وق ال البخ اري:‏<br />

‏]وبلغين أن جوامع الكلم أن هللا جيمع األمور الكثرية اليت كانت تكتب يف الكت ب قبل ه يف األم ر الواح د واألم رين<br />

وحنو ذلك[‏ . 1 قلت:‏ وحاصل ذل ك أن ه ص لى هللا علي ه وس لم مجُِ‏ عَ‏ ل ه املع ىن الكث ري يف اللف ظ القلي ل،‏ وي دخل <strong>في</strong> ه<br />

الق رآن والس نة،‏ فق د اختُصِ‏ رَ‏ ل ه الك الم اختص ارا.‏ وه ذا جيع ل الش ريعة ميس رة احلف ظ والنق ل وه و مم ا اختص ت ب ه<br />

هذه األمة كما قال تعاَل:‏ ‏}بَلْ‏ هُوَ‏ آايَتٌ‏ ب ‏َيِّنَاتٌ‏ يفِ‏ صُدُورِ‏ المذِينَ‏ أُوتُوا الْعِلْمَ{‏ . 2<br />

يستخلص من األدلة السابقة:‏<br />

= 1 أن هذه الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ة مبا حيتاجه اخللق إَل يوم القيامة مبا يصلح دنياهم وأخراهم.‏<br />

= 2<br />

= 3<br />

أن الرسول صلى هللا عليه وسلم قد بلغ هذه الشريعة بكاملها ومل يكتم منها شيئا.‏<br />

وأنه صلى هللا عليه وسلم ما ترك خريا إال وأرشدان إليه وما ترك شرا إال وحذران منه.‏<br />

يرتتب على هلا األصل الَاين ‏)اكتمال الشريعة(‏ أمور،‏ منها:‏<br />

أ =<br />

ب =<br />

3<br />

اكتمال الشريعة معناه أهنا ال حتتمل الزايدة وال النقصان،‏ ويف هذا إبطال لكافة البدع واحملدَثت قدميها وحديثها .<br />

اكتمال الشريعة وكون الرسول صلى هللا عليه وسلم قد ب ‏َلمغها كاملة معناه أنه ال يوجد يف هذا الدين علم ابطن<br />

خالف الظاهر،‏ أو حقيقة خالف الشريعة،‏ ويف هذا إبطال لكافة املذاهب والتأويالت الباطنية مما يذهب إليه<br />

املالحدة من الإمساعيلية وبعض الصو<strong>في</strong>ة وغريهم،‏ كمن يقول إن الصالة ليست هي الركوع والسجود والقراءة بل شيء<br />

آخر،‏ وأن اجلنة والنار ما هي إال رموز،‏ وهكذا سائر الشريعة،‏ قال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]فإن هذا العلم الباطن الذي<br />

ادعوه هو كفر ابتفاق املسلمني واليهود والنصارى،‏ بل أكثر املشركني على أنه كفر أيضا،‏ فإن مضمونه أن للكتب<br />

4<br />

الإهلية بواطن ختالف املعلوم عند املؤمنني يف األوامر والنواهي واألخبار[‏ .<br />

ج =<br />

اكتمال الشريعة وكماهلا يعين تنزيهها عن التناقض والتضارب قال تعاَل:‏ ‏}أَفَال ي ‏َتَدَب مرُونَ‏ الْقُرْآنَ‏ وَلَوْ‏ كَانَ‏ مِنْ‏<br />

عِنْدِ‏ غَريِْ‏ اَّللمِ‏ لَوَجَدُوا فِيهِ‏ اخْتِالفًا كَثِريًا{‏ ، 5 وقال تعاَل:‏ ‏}وَإِنمهُ‏ لَكِتَابٌ‏ عَزِيزٌ‏ ال ‏َيَْتِيِه الْبَاطِلُ‏ مِنْ‏ بَنيِْ‏ يَدَيْهِ‏ وَال مِنْ‏ خَلْفِِه<br />

تَنزِيلٌ‏ مِنْ‏ حَكِيمٍ‏ محَِيدٍ{‏ ، 6 وقد ترد بعض النصوص متعارضة يف الظاهر،‏ فهذه يفسرها أهل العلم بتنزيل كل ن منزله<br />

كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم الْقُرْآنَ‏ ملَْ‏ ي ‏َنْزِلْ‏ يُكَذِّبُ‏ ب ‏َعْضُهُ‏ ب ‏َعْضًا بَل يُصَدِّقُ‏ ب ‏َعْضُهُ‏ ب ‏َعْضًا فَمَا عَرَفْتُْم<br />

243<br />

- فتح الباري )411 / 12<br />

1<br />

- 2 سورة العنكبوت،‏ اآلية:‏<br />

48<br />

- 3 ( االعتصام للشاطيب ) 49 / 1<br />

- 4 جمموع الفتاوى 132 / 35<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

92<br />

- 6 سورة فصلت،‏ اآليتان:‏<br />

42 41


د =<br />

- ه<br />

مِنْهُ‏ فَاعْمَلُوا بِهِ‏ وَمَا جَهِلْتُمْ‏ مِنْهُ‏ فَرُدُّوهُ‏ إَِلَ‏ عَالِمِهِ«‏ . 1 وقد ذكر أمحد بن حنبل رمحه هللا طائفة من النصوص اليت ظاهرها<br />

التعارض وبني كي<strong>في</strong>ة توجيهها يف كتابه ‏)الرد على الزاندقة واجلهمية(،‏ وكذلك فعل الشاطيب يف أواخر اجلزء الثاين من<br />

كتابه ‏)االعتصام(،‏ ويف كتب أصول الفقه جتد اباب مستقال يف ‏)تعارض األدلة الشرعية(.‏<br />

اكتمال الشريعة معناه أنه ما من أمر إال وللشريعة <strong>في</strong>ه حكم ابألمر أو ابلنهي أو ابلإابحة،‏ وقد يكون حكم هذا<br />

األمر مفصال أو مندرجا حتت قاعدة كلية،‏ واجلهل ابحلكم ال يعين عدم اكتمال الشريعة،‏ بل يعين أن الباحث عن هذا<br />

احلكم عجز عن التوصل إليه <strong>في</strong>نبغي عليه أن يسأل من هو أعلم منه.‏<br />

اكتمال الشريعة معناه استغناؤها عما عداها من الدايانت السابقة املنسوخة أو األوضاع البشرية كالقوانني<br />

الوضعية وحنوها،‏ فمن ادعى أن املسلمني حباجة إَل شيء من هذه القوانني فهو كافر ابهلل العظيم لتكذيبه بقوله تعاَل:‏<br />

2<br />

‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُمْ{‏ وبقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ نَسِيًّا{‏ ، ومثله يف الكفر من ادعى حاجة املسلمني إَل<br />

الدميقراطية أو االشرتاكية أو<br />

غريها من املذاهب الكفرية اليت عاش املسلمون أربعة عشر قران يف غناء عنها،‏ وقامت<br />

<strong>في</strong>هم خالفة النبوة ‏ُث املماليك الإسالمية العظيمة مستغنية عن هذه املذاهب الكفرية ومبعزل عنها،‏ وكان اخللفاء<br />

يسوسون بالدا ممتدة من غرب الصني إَل األندلس تضم شعواب شىت وأجناسا خمتلفة،‏ حيكموهنم بشرع هللا تعاَل،‏<br />

4<br />

3<br />

ويقلدون الوالة والعمال والقضاة واجلباة واحملتسبني ، وجيبون األموال وينفقوهنا على مقتضى الشرع ، ومل يقل أحد ال<br />

سياسة وال اقتصاد يف أحكام الشرع،‏ أو أن أحكام الشرع ال ت<strong>في</strong> هبذه األمور،‏ من قال هذا فقد انتق<br />

الشريعة<br />

الكاملة وهذا كفر.‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما هلك نيب خلفه<br />

نيب،‏ وأنه ال نيب بعدي وستكون خلفاء فتكثر،‏ قالوا:‏ فما أتمران؟ قال:‏ فوا ببيعة األول فاألول،‏ وأعطوهم حقهم،‏ فإن<br />

5<br />

هللا سائلهم عما اسرتعاهم«‏ ، فالسياسة من الدين،‏ من أنكر ذلك فقد كفر،‏ والسياسة ‏]هي القيام على الشيء مبا<br />

7<br />

6<br />

يصلحه[‏ . وقال املاوردي:‏ ‏]الإمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة الدنيا[‏ ، ومثله ابن خلدون يف<br />

8<br />

9<br />

مقدمته ، قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَأْتُونَكَ‏ بِمَثَلٍ‏ إِالَّ‏ جِ‏ ئْنَاكَ‏ ِ بِالْحَق وَ‏ أَحْسَنَ‏ ً تَفْسِيرا{‏ .<br />

- 1 رواه أمحد والبغوي عن عبد هللا بن عمرو،‏ وصححه الشيخ األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية.‏<br />

244<br />

- 2 مرمي،‏ اآلية 64<br />

- 3 ( انظر األحكام السلطانية للماوردي وأليب يعلى )<br />

- 4 ( اننظر اخلراج أليب يوسف،‏ واخلراج ليحىي بن آدم واألموال أليب عبيد )<br />

- 5<br />

متفق عليه عن أيب هريرة<br />

- 6 ( النهاية البن األثري مادة سوس ج 2 ص 421(<br />

- 7 ( األحكام السلطانية ص )5<br />

- 9 ‏)ط دار القلم ‎1879‎م ص 219( 181،<br />

- 8 سورة الفرقان،‏ اآلية:‏<br />

33


فال جيوز استبدال األوضاع البشرية ابلإسالم،‏ وال جيوز خلطه هبا،‏ كالذين يقولون اشرتاكية الإسالم أو دميقراطية<br />

الإسالم،‏ ومنهم من ينتسب إَل العلم الشرعي،‏ فالإسالم يعلو وال يعلى،‏ وال خيلط بغريه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا يُؤْ‏ مِ‏ ‏ُن<br />

1<br />

أَكْثَرُ‏ هُمْ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ إِال وَ‏ هُمْ‏ مُشْرِ‏ كُونَ{‏ ، فخلط الإسالم بغريه شرك ابهلل العظيم،‏ وقال تعاَل يف التممَيُّز واملفاصلة:‏ ‏}قُ‏ ‏ْل<br />

يَاأَيُّهَا الْكَاقِرُ‏ ونَ‏<br />

=<br />

3<br />

إَل قوله<br />

لَكُمْ‏ دِينُكُمْ‏ وَ‏ لِيَ‏ دِي ‏ِن{‏ فال جيوز اخللط،‏ وقال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَنْ‏ احْكُمْ‏ بَيْنَهُمْ‏ بِمَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

2<br />

وَ‏ ال تَتَّبِْْ‏ أَهْوَ‏ اءَهُمْ‏ وَ‏ احْذَرْ‏ هُمْ‏ أَنْ‏ يَفْتِنُوكَ‏ عَنْ‏ بَعْضِ‏ مَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِلَيْ‏ ‏َك{‏ .<br />

األصل الَالث ‏)حترمي تقدمي بني يدي هللا ورسوله<br />

صلى هللا عليه وسلم (، وهو مرتتب على األصل الثاين<br />

‏)اكتمال الشريعة(،‏ فإذا كانت الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ة مبا حيتاجه الناس يف حياهتم ومعاذهم،‏ فإنه ال جيوز ملسلم أن يقطع<br />

أمرا أو يقدم عليه قبل معرفة حكم هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم يف هذا األمر الذي لن ختلُوَ‏ الشريعة من حكمه.‏<br />

3<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تُقَدِمُوا بَيْنَ‏ يَدَيْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه{‏ ، قال القرطيب:‏ ‏]أي ال تقدموا قوال وال فعال بني<br />

يدي هللا وقول رسوله وفعله <strong>في</strong>ما سبيله أن أتخذوه عنه من أمر الدنيا والدين[‏ وقال أيضا:‏ ‏]}ال تُقَدِمُوا بَيْنَ‏ يَدَ‏ ‏ْي<br />

4<br />

‏َّللاَّ‏ ِ{ أصل يف ترك التعرض ألقوال النيب صلى هللا عليه وسلم وإجياب اتباعه والإقتداء به[‏ . وقال ابن القيم:‏ ‏]}ال<br />

تُقَدِمُوا...{‏ أي ال تقولوا حىت يقول،‏ وال أتمروا حىت ‏َيمر،‏ وال ت ‏ُفْتُوا حىت ي<strong>في</strong>ت،‏ وال تقطعوا أمرا حىت يكون هو الذي<br />

حيكم <strong>في</strong>ه وميضيه إَل أن قال والقول اجلامع يف معىن اآلية:‏ ال تعجلوا بقول وال فعل قبل أن يقول رسول هللا صلى<br />

5<br />

هللا عليه وسلم أو يفعل[‏ .<br />

ومما يدخل يف هذا<br />

أ =<br />

حترمي القول يف دين هللا تعاَل بغري علم،‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}قُلْ‏ إِنَّمَا حَرَّ‏ مَ‏ رَ‏ ب ‏ِي الْفَوَ‏ احِ‏ شَ‏ مَا ظَهَرَ‏ مِنْهَا وَ‏ مَا بََِنَ‏<br />

وَ‏ اإلِ‏ ثْمَ‏ وَ‏ الْبَغْيَ‏ بِغَيْرِ‏ ِ الْحَق وَ‏ أَنْ‏ تُشْرِ‏ كُوا بِاّلِلَّ‏ ِ مَا لَمْ‏ يُنَزِ‏ لْ‏ بِهِ‏ سُلَِْانًا وَ‏ أَنْ‏ تَقُولُوا عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ مَا ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ ، 6 وقد بني<br />

احلق جل وعال أن القول يف الدين بغري علم هو من تزيني الشيطان ‏}إِنَّمَا يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ بِالسُّوءِ‏ وَ‏ الْفَحْشَاءِ‏ وَ‏ أَنْ‏ تَقُولُوا عَلَى<br />

‏َّللاَّ‏ ِ مَا ال تَعْلَمُونَ{‏ ، 7<br />

وهذا هو أصل البدع والضالالت قدميا وحديثا.‏ وبعض ما يكتب ابلصحف واجملالت هذه<br />

األايم يدخل يف ابب القول يف الدين بغري علم،‏ فليحذره املسلم . 9 ومن ذلك أنك جتد رجال ال علم له بدين هللا تعاَل<br />

- 1 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

245<br />

116<br />

48<br />

- 3 احلجرات،‏ اآلية:‏ 1<br />

- 4 نفسري القرطيب 312 ،311 / 16<br />

- 5 ‏)إعالم املوقعني )51 / 1<br />

- 6 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

33<br />

168<br />

- 9 ‏)انظر كتاب احلديث حجة بنفسه لأللباين ص 39(


يتكلم يف القضااي العامة من وجهة نظر إسالمية <strong>في</strong>قول هذا ليس من الإسالم يف شيء وحنو ذلك،‏ ومنهم صح<strong>في</strong>ون<br />

ومن يُسَمون ابلكتاب أو املفكرين الإسالميني وحىت غري الإسالميني يتكلمون يف الدين،‏ فاهلل املستعان جيب على كل<br />

مسلم أن حيَْذَرهم وحيَُذِّر غريه منهم،‏ وال يقبل قوال يف دين هللا تعاَل إال من األمناء من أهل العلم وما شهد الدليل<br />

بصحته.‏<br />

ب =<br />

فساد تقدمي العقل ‏)الرأي(‏ على النقل ‏)الشرع(:‏ قال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]أصل كل فتنة إَّنا هو من تقدمي<br />

1<br />

الرأي على الشرع واهلوى على النقل[‏ . وتقدمي الرأي على الشرع هو أساس العلمانية ‏)اجلاهلية(‏ احلديثة الذي طغت<br />

على األرض،‏ ويتفرع منها الدميقراطية واحلكم ابلقوانني الوضعية وفصل السياسة عن الدين كل هذا يقوم على تقدمي<br />

الرأي على الشرع.‏ وفاعل هذا يقول بلسان احلال ورمبا صرح ابملقال ‏)إنه إذا كان هللا يعلم فنحن نعلم أيضا(‏ وهذا كفر<br />

2<br />

ال يرقى إليه شك .<br />

وهذا هو مذهب إبليس لعنه هللا فلما جاءه األمر الشرعي<br />

‏}قَإِذَا سَوَّ‏ يْتُهُ‏ وَ‏ نَفَخْتُ‏ قِيهِ‏ مِنْ‏ رُ‏ وحِ‏ ي قَقَعُوا لَهُ‏<br />

سَاجِ‏ دِينَ{‏ ، 3 عارض الشرع برأيه وقياسه الفاسد ‏}قَالَ‏ أَنَا خَيْرٌ‏ مِنْهُ‏ خَلَقْتَنِي مِنْ‏ نَارٍ‏ وَ‏ خَلَقْتَهُ‏ مِنْ‏ ‏ِِينٍ{‏ . 4<br />

وهذا هو مذهب أهل البدع والضالالت كاجلهمية واملعتزلة وغريهم،‏ حيَُكِّمون العقل يف الشرع،‏ قال شارع العقيدة<br />

الطحاوية:‏ ‏]بل كل فريق من أرابب البدع يعرض النصوص على بدعته،‏ وما ظنه معقوال:‏ فما وافقه قال:‏ إنه حمُْكَم،‏<br />

وقبله واحتج به!!‏<br />

وما خالفه قال:‏ إنه متشابه،‏ ‏ُث رَدمه ومسى رده تفويضا!‏ أو حرفه،‏ ومسى حتريفه أتويال!!‏ فلذلك اشتد<br />

5<br />

إنكار أهل السنة عليهم.‏ وطريق أهل السنة:‏ أن ال ي ‏َعْدِلوا عن الن الصحيح،‏ وال يعارضوه مبعقول،‏ وال قول فالن[‏ .<br />

6<br />

وقريب من هذا ما قاله الشاطيب يف مأخذ أهل البدع يف االستدالل .<br />

وقال ابن القيم:‏ ‏]وكل من له مُسْكَة من عقل يعلم أن فساد العامل وخرابه إَّنا نشأ من تقدمي الرأي على الوحي،‏<br />

واهلوى على العقل،‏ وما استحكم هذان األصالن الفاسدان يف قلب إال استحكم هالكه،‏ ويف أمة إال فسد أمرها أمت<br />

الفساد،‏ فال إله إال هللا كم نُفِيَ‏ هبذه اآلراء من حق،‏ وأُثْبِت هبا من ابطل،‏ وأُميت هبا من هدي،‏ وأُحيي هبا من<br />

ضاللة؟[‏ . 7 وذكر ابن القيم طائفة من أقوال السلف يف الرأي املذموم ، 9 ومما قاله رمحه هللا:‏ ‏]قال هللا:‏ ‏}قَإِنْ‏ لَمْ‏<br />

يَسْتَجِ‏ يبُوا لَكَ‏ قَاعْلَمْ‏ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ‏ أَهْوَ‏ اءَهُمْ‏ وَ‏ مَنْ‏ أَضَلُّ‏ مِمَّنْ‏ اتَّبََْ‏ هَوَ‏ اهُ‏ بِغَيْرِ‏ هُد ‏ًى مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يَهْدِي الْقَوْ‏ ‏َم<br />

246<br />

- 1 ‏)إغاثة اللهفان ) 179 / 2<br />

- 2 انظر االعتصام للشاطيب 48 / 1<br />

- 3 سورة ص ، اآلية:‏ 72<br />

- 4 سورة ص ، اآلية 76<br />

- 5 ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ ط املكتب الإسالمي 1413 ص<br />

388<br />

- 6 ‏)االعتصام )231 / 1<br />

- 7 ‏)إعالم املوقعني ج 1 ص 69(<br />

)48<br />

- 9 ‏)إعالم املوقعني 47 / 1


الظَّالِمِينَ{‏ ، 1 فقسم األمر إَل أمرين ال ‏َثلث هلما،‏ إما االستجابة هلل والرسول وما جاء به،‏ وإما اتباع اهلوى،‏ فكل ما<br />

مل ‏َيت به الرسول فهو من اهلوى إَل أن قال وقال تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم : ‏}ثُ‏ ‏َّم جَعَلْنَاكَ‏ عَلَى شَرِ‏ يعَةٍ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

األَمْرِ‏ قَاتَّبِعْهَا وَ‏ ال تَتَّبِْْ‏ أَهْوَ‏ اءَ‏ الَّذِينَ‏ ال يَعْلَمُونَ‏ إِنَّهُمْ‏ لَنْ‏ يُغْنُوا عَنكَ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ شَيْئًا وَ‏ إِنَّ‏ الظَّالِمِينَ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَا ‏ُء<br />

بَعْضٍ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ لِيُّ‏ الْمُتَّقِينَ{‏ ، 2 فقسم األمر بني الشريعة اليت جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل هبا وأَمَرَ‏ األمة<br />

هبا وبني اتِّباع أهواء الذين ال يعلمون،‏ فَأَمَر ابألول،‏ وهنى عن الثاين[‏ . 3<br />

قلت:‏ وحنن ال حنقر من شأن العقل،‏ فهو مناط التكليف،‏ وقد أثىن هللا سبحانه على أويل األلباب يف ست عشرة آية،‏<br />

وذم سبحانه الذين ال يعقلون،‏ ووصف سبحانه أصحاب النار أبهنم ‏}وَ‏ قَالُوا لَوْ‏ كُنَّا نَسْمَُْ‏ أَوْ‏ نَعْقِلُ‏ مَا كُنَّا قِي<br />

أَصْحَابِ‏<br />

4<br />

السَّعِي ‏ِر{‏ ، فنحن ال حنقر العقل،‏ ولكن نقول إن العقل ال يقدم على الشرع وإال استغىن اخللق عن الرسل،‏<br />

وتقول إن العقل يعمل داخل دائرة الشرع،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَبَشِرْ‏ عِبَادِي الَّذِينَ‏ يَسْتَمِعُونَ‏ الْقَوْ‏ لَ‏ قَيَتَّبِعُونَ‏ أَحْسَنَهُ‏ أُوْ‏ لَئِ‏ ‏َك<br />

5<br />

الَّذِينَ‏ هَدَاهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ أُوْ‏ لُوا األَلْبَا ‏ِب{‏ ، فهؤالء استمعوا ‏ُث أَعْمَلُوا عقوهلم فاتبعوا،‏ وذلك بفضل هللا وتو<strong>في</strong>قه<br />

6<br />

‏}أُوْ‏ لَئِكَ‏ الَّذِينَ‏ هَدَاهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ{ ، ال بفضل عقوهلم،‏ دفعا للعجب.‏<br />

ج =<br />

الن<br />

معرفة مراتب األدلة الشرعية:‏ حرمة التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم تقتضي معرفة مراتب<br />

األدلة الشرعية اليت يستدل هبا على األحكام حىت ال يقدم دليل أدىن على دليل أعلى يف القوة واحلُجِّ‏ ية،‏ فإن هذا حرام<br />

ألنه يدخل يف التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم . ومن هنا قال العلماء ال اجتهاد مع الن .<br />

واألدلة الشرعية هي كما قال الشيخ عبد الوهاب خالف:‏ ‏]األدلة الشرعية ابلإمجال:‏ ثبت ابالستقراء أن األدلة<br />

الشرعية اليت تستفاد منها األحكام العملية ترجع إَل أربعة:‏ القرآن والسنة والإمجاع والقياس،‏ وهذه األدلة األربعة اتفق<br />

مجهور املسلمني على االستدالل هبا،‏ واتفقوا أيضا على أهنا مرتبة يف االستدالل هبا هذا الرتتيب:‏ القرآن،‏ فالسنة<br />

فالإمجاع فالقياس.‏ أي أنه إذا عرضت واقعة،‏ نظر أوال يف القرآن،‏ فإن وجد <strong>في</strong>ه حكمها أُمْضِيَ،‏ وإن مل يوجد <strong>في</strong>ه<br />

حكمها،‏ نظر يف السنة،‏ فإن وجد <strong>في</strong>ه حكمها أُمْضِيَ،‏ وإن مل يوجد <strong>في</strong>ها حكمها،‏ نظر هل أمجع اجملتهدون يف عصر<br />

من العصور على حكم <strong>في</strong>ها،‏ فإن وجد أمضى،‏ وإن مل يوجد اجتهد يف الوصول إَل حكمها بقياسها على ما ورد<br />

حبكمه.‏<br />

247<br />

- 1 سورة القص ، اآلية:‏ 51<br />

- 2 سورة اجلاثية،‏ اآليتان:‏<br />

18<br />

19<br />

- 3 ‏)إعالم املوقعني )47 / 1<br />

- 4 سورة امللك،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة الزمر،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة الزمر،‏ اآلية:‏<br />

19<br />

11<br />

17<br />

19


أما الربهان على االستدالل هبا فهو قوله تعاَل يف سورة النساء:‏<br />

‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏<br />

وَ‏ أُوْ‏ لِي األْ‏ ‏َمْرِ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ رِ‏ ذَلِكَ‏ خَيْ‏ ‏ٌر<br />

. 1 وَ‏ أَحْسَنُ‏ تَأْوِيال{‏<br />

فاألمر إبطاعة هللا وإطاعة رسوله،‏ أمر ابتباع القرآن والسنة،‏ واألمر إبطاعة أوَل األمر من املسلمني أمر ابتباع ما<br />

اتفقت عليه كلمة اجملتهدين من األحكام ألهنم أولوا األمر التشريعي من املسلمني،‏ واألمر برد الوقائع املتنازع <strong>في</strong>ها إَل<br />

هللا والرسول أمر ابتباع القياس حيث ال ن وال إمجاع <strong>في</strong>ه رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل هللا وإَل الرسول ألنه إحلَْاق واقعة مل يرد<br />

<strong>في</strong>ها الن حبكمها يف احلكم الذي ورد به الن لتساوي الواقعتني يف علة احلكم،‏ فاآلية تدل على اتباع هذه األربعة<br />

إَل أن قال وتوجد أدلة أخرى عدا األدلة األربعة مل يتفق مجهور املسلمني على االستدالل هبا،‏ بل منهم من استدل<br />

هبا على احلكم الشرعي،‏<br />

ومنهم من أنكر االستدالل هبا.‏ وأشهر هذه األدلة املختلف يف االستدالل هبا ستة:‏<br />

االستحسان واملصلحة املرسلة،‏ واالستصحاب،‏ والعرف ومذهب الصحايب،‏ وشرع من قبلنا.‏ فجملة األدلة الشرعية<br />

2<br />

عشرة.‏ أربعة متفق من مجهور املسلمني على االستدالل هبا،‏ وستة خمتلف يف االستدالل هبا[‏ أه .<br />

قلت:‏ ومما يتعلق مبعرفة األدلة الشرعية ومراتبها ثالثة أمور<br />

األول:‏<br />

أن هله األدلة ترجع إىل أصلني،‏ ومها الكتا والسنة،‏ ونصوصهما ينبغي أن تفهم كما فهمهما الصحابة<br />

والتابعون هلم إبحسان،‏ فإهنم أعلم ابملراد منها،‏ فعليهم أنزلت،‏ ويف هذا سد لباب التأويل والتالعب ابألدلة الشرعية،‏<br />

وقد بَنيم هذا شيخ الإسالم ابن تيمية يف ‏)العقيدة الواسطية(‏ وقال شارحها الشيخ حممد خليل هراس ‏]هذا بيان ملنهج<br />

أهل السنة واجلماعة يف استنباط األحكام الدينية كلها أصوهلا وفروعها بعد طريقتهم يف مسائل األصول وهذا املنهج<br />

يقوم على أصول ثالثة:‏ أوهلا كتاب هللا<br />

<br />

الذي هو خري الكالم وأصدقه،‏ فهم ال يقدِّمون على كالم هللا أحد من<br />

كالم الناس.‏ وَثنيها سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وما أثر عنه من هَدْي وطريقة ال يقدِّمون على ذلك هَدْي<br />

أحد من الناس.‏ وَثلثها ما وقع عليه إمجاع الصدر األول من هذه األمة قبل التفرق واالنتشار وظهور البدعة<br />

واملقاالت،‏ وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من املقاالت وزنوها هبذه األصول الثالثة اليت هي الكتاب<br />

والسنة والإمجاع،‏ فإن وافقها قَبِلوه وإن خالفها ردوه أاي كان قائله وهذا هو املنهج الوسط والصراط املستقيم الذي ال<br />

يضل سالكه وال يشقى من اتبعه،‏ وسط بني من يتالعب ابلنصوص <strong>في</strong>تأول الكتاب وينكر األحاديث الصحيحة وال<br />

يعبأ إبمجاع السلف،‏ وبَنيْ‏ من خيَْبط خَبْط عشواء <strong>في</strong>تقبل كل رأي وَيخذ بكل قول ال يفرق يف ذلك بني غث ومسني<br />

3<br />

وصحيح وسقيم[‏ .<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

248<br />

58<br />

- 2 علم أصول الفقه ط دار القلم ‎1382‎ه ص<br />

22 -<br />

21<br />

- 3 طبعة الرائسة العامة للبحوث العلمية ‎1412‎ه ص<br />

191 178


قلت:‏ وكل من سلك غري مسلك السلف الصاحل يف فهم النصوص،‏ البد أن حييد عن جادة الصواب،‏ وقد أورد<br />

الشنقيطي رمحه هللا أمثلة هلؤالء ممن هداهم هللا تعاَل إَل منهج أهل السنة بعد أن حادوا عنه،‏ منهم أبو احلسن<br />

األشعري،‏ واجلويين والغزايل والفخر الرازي،‏ فراجع كالمه يف تفسريه أضواء البيان<br />

1<br />

2<br />

الغزايل .<br />

خاصة األصول اليت نقلها عن<br />

وعلوم اللغة العربية وأصول الفقه هي من الوسائل املؤدية إَل فهم النصوص كما فهمها الصحابة ومن بعدهم،‏ ولذلك<br />

3<br />

فقد اعترب الشاطيب هذه الوسائل ضرورية للمجتهد خاصة علوم اللغة ، كما اعترب الشاطيب اجلهل ابللغو من أسباب<br />

4<br />

البدع واحملدَثت ، ومن يطلع على كتاب ‏)احلَيْدة(‏ إن صحت نسبته جيد مناظرة ممتعة بني عبد العزيز الكناين وبني<br />

بشر املريسي حبضرة املأمون،‏ بني <strong>في</strong>ها عبد العزيز جَهْلَ‏ بِشْر ابللغة وأبصول الفقه ‏)خاصة القواعد اللغوية(‏ ذلك اجلهل<br />

6<br />

5<br />

الذي جعله يقول ببدعة خلق القرآن.‏ وقد أشار الشاطيب إَل هذه املناظرة ، وأشار إليها ابن حجر .<br />

األمر الثاين:‏<br />

أنه ال جيوز تقدمي دليل على آخر أقوى منه،‏ فضال عن ما هو ليس بدليل،‏ وهذا هو أساس األقوال<br />

املرجوحة يف املذاهب الفقهية،‏ كما أنه أساس اخللط املوجود بساحة العمل الإسالمي املعاصر.‏ فال يعارض كتاب أو<br />

سنة بقول صحايب أو بفعله،‏ فضال عمن بعده من التابعني وأئمة املذاهب الفقهية،‏ فبعض الناس خيالفون الكتاب<br />

والسنة إَل قول فالن من الفقهاء إذا وافق هذا القول هواهم أو هوى من يفتونه،‏ وكذلك ال يعارض كتاب أو حديث<br />

صحيح حبديث ضعيف،‏ وال يعارض الن<br />

ابلقياس أو ابلقول ابملصلحة وحنوه.‏<br />

وقد ذكر الشيخ األلباين أن من أصول اخللف اليت تُرِكَت السنة بسببها:‏ عدم االحتجاج ‏ِبرب اآلحاد يف العقيدة ‏)وهذا<br />

7<br />

سنفصله بعد ذلك(‏ وتقدمي القياس على خرب اآلحاد وتقدمي عمل أهل املدينة على احلديث الصحيح وغريها .<br />

واملقصود هنا أن نضع األدلة يف مواضعها من حيث االحتجاج وال نقدم دليال على آخر أقوى منه،‏ وال نقدم اجتهادا<br />

على ن حىت ال نقدم بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

األمر الثالث:‏ إن هناك أموراً‏ يعتربها بعض الناس حجة ويستدلون هبا على التحليل والتحرمي أو احلق والباطل،‏ وهله<br />

األمور ليست ضمن األدلة الشرعية املعتربة وابلتايل فهي ليست حبجة يف الفعل أو الرتك،‏ ومنها:‏<br />

= 0<br />

الرؤاي ال ت<strong>في</strong>د حتليالً‏ وال حترمياً‏ أو خمالفةَ‏ ما ثبت ابلشرع . 9<br />

249<br />

476<br />

455 / 7 - 1<br />

474 ص-‏ 2<br />

- 3 املوافقات 119 / 4 وما بعدها<br />

- 4 االعتصام له ج 2 ص 283 وما بعدها<br />

- 5 االعتصام 241 / 1<br />

- 6 فتح الباري 484 / 13<br />

- 7 كتاب احلديث حجة بنفسه ص<br />

- 9 انظر االعتصام للشاطيب 261 / 1 واملوافقات للشاطيب 266 / 2 ،92 / 1 وما بعدها وتفسري القرطيب 316 / 16<br />

41<br />

38


= 2<br />

الكشف وخرق العادة ‏)الكرامة(‏ ال ت<strong>في</strong>د حتليالً‏ وال حترمياً‏ أو خمالفةً‏ للشرع،‏ وال تعطي لصاحبها هذا احلق مما<br />

1<br />

يسبغه عليه اجلهلة ،<br />

= 3<br />

حديث النفس وما يقع يف القلب ‏)اإلهلام(‏ ال ي<strong>في</strong>د حتليالً‏ وال حترمياً‏ أو خمالفةً‏ للشرع،‏ وقال ابن حجر يف شرح<br />

حديث قصة موسى مع اخلضر عليهما السالم ‏]ذهب قوم من الزاندقة إَل سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة<br />

فقالوا:‏ إنه يستفاد من قصة موسى واخلضر أن األحكام الشرعية العامة ختت<br />

ابلعامة واألغبياء،‏ وأما األولياء واخلواص<br />

فال حاجة هبم إَل تلك النصوص،‏ بل إَّنا يراد منهم ما يقع يف قلوهبم،‏ وحيكم عليهم مبا يغلب على خواطرهم إَل أن<br />

قال <strong>في</strong>ستغنون هبا عن أحكام الشرائع الكليات،‏ كما اتفق للخضر،‏ فإنه استغىن مبا ي ‏َنْجلي له من تلك العلوم عما<br />

كان عند موسى،‏ ويؤيده احلديث املشهور ‏»استفت قلبك وإن أفتوك«‏ قال القرطيب:‏ وهذا القول زندقة وكفر،‏ ألنه<br />

إنكار ملا علم من الشرائع فإن هللا قد أجرى سنته وأنفد كلمته أبن أحكامه ال تعلم إال بواسطة رسله السفراء بينه وبني<br />

خلقه املبيِّنني لشرائعه وأحكامه،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}يَصَِْفِي مِنْ‏ الْمَالئِكَةِ‏ رُ‏ سُال وَ‏ مِنْ‏ النَّا ‏ِس{‏<br />

حَيْثُ‏ يَجْعَلُ‏ رِ‏ سَالَتَهُ{‏<br />

2<br />

، وقال:‏ ‏}َّللاَّ‏ ُ أَعْلَمُ‏<br />

، 3 وأمر بطاعتهم يف كل ما جاءوا به،‏ وحث على طاعتهم والتمسك مبا أمروا به فإن <strong>في</strong>ه<br />

اهلدى.‏ وقد حصل العلم اليقني وإمجاع السلف على ذلك،‏ فمن ادعى أن هناك طريقا أخرى ي ‏ُعْرَف هبا أمره وهنيه غري<br />

الطرق اليت جاءت هبا الرسل يستغىن هبا عن الرسول فهو كافر يقتل وال يستتاب.‏ قال:‏ وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة<br />

بعد نبينا ألن من قال إنه ‏َيخذ عن قلبه ألن الذي يقع <strong>في</strong>ه هو حكم هللا وأنه يعمل مبقتضاه من غري حاجة منه إَل<br />

كتاب وال سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة،‏ قال نبينا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إن روح القدس نفث يف روعي«‏<br />

قال:‏ وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال:‏ أان ال آخذ عن املوتى وإَّنا آخذ عن احلي الذي ال ميوت.‏ وكذا قال آخر:‏ أان<br />

آخذ عن قليب عن ريب.‏ وكل ذلك كفر ابتفاق أهل الشرائع،‏ ونسأل هللا اهلداية والتو<strong>في</strong>ق[‏ أ ه . 4<br />

قلت:‏ وقد فصل الشاطيب القول يف هذا األمر ‏)حديث النفس وما يقع يف القلب(‏ فراجعه ابالعتصام له . 5<br />

= 4<br />

استحسان العقل واستقباحه لشيء،‏ فالعقول تتفاوت،‏ فالعقل ال يستدل به على حل أو حرمة،‏ والتحسني<br />

والتقبيح العقلي هو مذهب املعتزلة،‏<br />

= 5<br />

6<br />

وأقبح منه حتكيم العقل يف الشرع .<br />

وال يدخل يف األدلة الشرعية االحتجاج بعمل الكَرة ملخالفة ما تقرر ابلشرع،‏ كقول القائل لو كان هذا األمر<br />

ابطال أو حراما ما عمل به كل هؤالء وحنو ذلك ، 1 بل إن هذا االحتجاج هو من مسائل اجلاهلية ، 2 قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏<br />

- 1 انظر االعتصام للشاطيب 212 / 1 واملوافقات للشاطيب 266 / 2 وما بعدها<br />

- 2 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

251<br />

124<br />

222<br />

162<br />

75<br />

- 4 فتح الباري 221 / 1<br />

- 5 االعتصام 153 / 2<br />

- 6 االعتصام للشاطيب ج<br />

،88 / 2 ج 329 / 2<br />

وما بعدها


=<br />

6<br />

تُِِْْ‏ أَكْثَرَ‏ مَنْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ يُضِ‏ لُّوكَ‏ عَنْ‏ سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِنْ‏ يَتَّبِعُونَ‏ إِالَّ‏ الظَّنَّ‏ وَ‏ إِنْ‏ هُمْ‏ إِالَّ‏<br />

يَخْرُ‏ صُو ‏َن{‏ . 3 قال عبد هللا بن<br />

مسعود ‏)اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك(‏ . 4 وقال الشاطيب أن اجلماعة هي:‏ ‏]املتبعة للسنة وإن كانت رجال<br />

5<br />

واحدا يف العامل[‏ ، وقال ابن القيم:‏ ‏]اعلم أن الإمجاع واحلجة والسواد األعظم هو العامل صاحب احلق وإن كان وحده<br />

6<br />

وإن خالفه أهل األرض[‏ . ويستفاد من هذا أيضا أال يستوحش العبد من طريق احلق لقلة سالكيه.‏<br />

ومن ذلك:‏<br />

تقليد اآلابء واألسالف<br />

7<br />

من غري دليل وال برهان ، وهذا أيضا من مسائل اجلاهلية بل إن أصل<br />

8<br />

9<br />

كفرهم هو هذا التقليد ، قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَهُمْ‏ اتَّبِعُوا مَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَالُوا بَلْ‏ نَتَّبُِْ‏ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ‏ آبَاءَنَا{‏ ،<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَهُمْ‏ تَعَالَوْ‏ ا إِلَى مَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ إِلَى الرَّ‏ سُو ‏ِل<br />

11<br />

آبَاؤُهُمْ‏ ال يَعْلَمُونَ‏ شَيْئًا وَ‏ ال يَهْتَدُونَ{‏ .<br />

= 7<br />

قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَ‏ جَدْنَا عَلَيْهِ‏ آبَاءَنَا أَوَ‏ لَوْ‏ كَا ‏َن<br />

ومن ذلك:‏ أعمال الناس خاصة العلماء،‏ فكثري من العامة حيتجون على جواز الشيء هبذا،‏ ويقولون لو كان<br />

حراما أو مكروها المتنع منه العامل،‏ فقد<br />

11<br />

صار عمل العامل عند العامي حجة كما كان قوله حجة على الإطالق .<br />

ولذلك فقد قيل ‏]ثالث هتدم الدين:‏ زلة عامل،‏ وجدال منافق ابلقرآن،‏ وأئمة ضالون[.‏ وقد حذران هللا تعاَل من فساد<br />

العلماء يف قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا إِنَّ‏ كَثِير ً ا مِنْ‏ األَحْبَارِ‏ ‏َوالرُّ‏ هْبَانِ‏ لَيَأْكُلُونَ‏ أَمْوَ‏ الَ‏ النَّاسِ‏ بِالْبَاِِلِ‏ وَ‏ يَصُدُّو ‏َن<br />

14<br />

13 12<br />

عَنْ‏ سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ] . وقال ابن احلاج : ‏]وهذا هو الذي أذهب شريعة عيسى : أعين التقليد ألحبارهم ورهباهنم<br />

دون دليل يدهلم على ذلك حىت صار أمرهم أنه يف كل مجعة من األحد إَل األحد جيدد هلم القسيس شريعة جديدة<br />

250<br />

- 1 االعتصام للشاطيب 158 / 1<br />

- 2 انظر مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة السابعة<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآلية<br />

116<br />

- 4 رواه ابن عساكر يف اتريخ دمشق وصححه األلباين يف هامش املشكاة 61 / 1<br />

164<br />

- 5 االعتصام 356 / 1<br />

- 6 إعالم املوقعني 387 / 3<br />

- 7 االعتصام للشاطيب 161 / 1<br />

9 مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة الرابعة والسادسة<br />

8 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

171<br />

11 سورة املائدة،‏ اآلية:‏ 114<br />

11 االعتصام للشاطيب 111 / 2<br />

12 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

34<br />

13 مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة اخلامسة<br />

14 يف املدخل ج<br />

1 ص 85 84


-<br />

4<br />

حبسب ما يراه هلم من املصلحة يف وقته على ما يقتضيه نظره وتسديده على زعمه،‏ فتجدهم خيرجون من كنائسهم وهم<br />

يقولون لقد جدد اليوم شريعة مليحة،‏ وقد عصم هللا واحلمد هلل هذه الشريعة فاحلذر من هذا الداء العضال[‏ أ ه .<br />

وابجلملة فأقوال املشايخ والعلماء وأعماهلم ليست حبجة يف خمالفة ما ثبت ابلدليل الشرعي،‏ وال جيوز تقدميها بني يدي<br />

هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ وإال ألدى ذلك والعياذ ابهلل إَل تبديل هذه الشريعة كما بدل اليهود والنصارى مبا<br />

1<br />

شَرَعَه هلم األحبار والرهبان،‏ قال تعاَل:‏ ‏}اتَّخَذُوا أَحْبَارَ‏ هُمْ‏ وَ‏ رُ‏ هْبَانَهُمْ‏ أَرْ‏ بَابًا مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ . ومن أمثلة االحتجاج<br />

أبفعال الناس أن بعض املالحدة يستدلون على فساد هذا الدين مبا وقع بني املسلمني من الفنت على طول اترخيهم،‏<br />

وأن بعض الفسقة يستدلون على إابحة املالهي واملوسيقى مبا كان يقع من بعض املسلمني،‏ أو االستدالل بتخلف<br />

املسلمني على عدم صالحية دينهم هلذا العصر.‏ وكل هذا وما قبله ال يستدل به على حق أو ابطل،‏ أو يف حتليل أو<br />

حترمي خاصة مع خمالفة األدلة الشرعية،‏ بل الشريعة أبدلتهما املعتربة حاكمة على كل هذا ابلصحة أو ابلبطالن.‏<br />

وخالصة هذا األصل الثالث ‏)حرمة التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ) هو أنه جيب على املسلم أن<br />

ميَُيِّز بني ما هو حجة شرعية ‏)دليل معترب(‏ <strong>في</strong>عمل به،‏ وما ليس حبجة فال يلتفت إليه.‏ وال ينخدع به وحيَُذِّر غريه منه،‏<br />

‏ُث عليه أن يعرف مراتب ما حيتج به حىت ال يقدم ما جيب أتخريه منها وال يؤخر ما جيب تقدميه.‏<br />

األصل الرابع:‏ ‏)اإلنقياد التام الكامل(،‏ وهذا مرتتب على األصل الثالث وهو حرمة التقدمي بني يدي هللا<br />

ورسوله صلى هللا عليه وسلم حىت يعلم املرء حكم الشريعة،‏ فإذا علمه وجب عليه االنقياد له،‏ انقيادا اتما ‏)أي ظاهرا<br />

وابطنا(‏ وكامال ‏)أي يف كل األمور ليس بعضها(.‏<br />

فاالنقياد التام معناه االنقياد ظاهرا حلكم الشريعة مبتابعتها،‏ وابطنا ابلإخالص هلل تعاَل مع الرضى والتسليم القليب<br />

حلكمه سبحانه.‏ وهذا الإنقياد الباطن هو الذي جيعل صاحبه ينتفع ابالنقياد الظاهر يف اآلخرة،‏ وهو ال<strong>في</strong>صل بني<br />

املؤمن واملنافق فكالمها منقاد ظاهرا جترى عليه أحكام الإسالم يف الدنيا،‏ وخيتلفان يف الإنقياد الباطن فاملؤمن مصدق<br />

راض،‏ واملنافق مكذب ساخط،‏ فهو وإن كان مسلما معصوما يف الدنيا ‏}اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ‏ جُنَّة ً{، إال أنه يف اآلخرة<br />

كما قال هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الْمُنَاقِقِينَ‏ قِي ال ‏َّدرْ‏ كِ‏ األَسْفَلِ‏ مِنْ‏ النَّا ‏ِر{‏<br />

ودليل وجوب االنقياد التام هو قول هللا تعاَل:‏<br />

قِي أَنفُسِهِمْ‏ حَرَ‏ ج ‏ًا مِمَّا قَضَيْتَ‏ وَ‏ يُسَلِمُوا تَسْلِيم ‏ًا{‏ ، 3<br />

الإنقياد الظاهر.‏<br />

. 2<br />

‏}قَال وَ‏ رَ‏ ب ‏ِكَ‏ ال يُؤْ‏ مِنُونَ‏ حَتَّى يُحَكِمُوكَ‏ قِيمَا شَجَرَ‏ بَيْنَهُمْ‏ ثُمَّ‏ ال يَجِ‏ دُوا<br />

فعلق سبحانه احلكم ابلإميان على الرضى والتسليم القليب مع<br />

أما الإنقياد الكامل فمعناه متابعة الشريعة يف كل أمر،‏ ليس بعض األمر،‏ فالشريعة مكتملة هلا حكم يف كل أمر،‏<br />

ودليله قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ ً أَمْرا أَنْ‏ يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ‏ وَ‏ مَ‏ ‏ْن<br />

1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

252<br />

31<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

145<br />

65


يَعْصِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ قَقَدْ‏ ضَلَّ‏ ضَالال مُبِينًا{‏ ، 1 وقوله تعاَل:‏ ً ‏}أَمْرا{‏ نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>،‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ } فهي<br />

صيغة عموم،‏ وكذلك يف آية النساء السابقة ‏}مَا شَجَ‏ ‏َر{‏ نكرة يف سياق الن<strong>في</strong> ‏}ال وَ‏ رَ‏ ب ِ ‏َك ال يُؤْ‏ مِنُو ‏َن{‏ فهي أيضا<br />

صيغة عموم،‏ أي أن الطاعة واجبة يف كل ما أمر هللا به ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

وهذا هو الإنقياد الكامل،‏ والتقصري <strong>في</strong>ه ينشأ عنه البدع والضالالت واملعاصي أبنواعها.‏<br />

= 2<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

=<br />

والتقصير <strong>في</strong>ه ينشأ عن أسباب كثيرة منها.‏<br />

= 0 أتويل النصوص:‏ والتأويل املقصود هو الفاسد وهو مراتب أشدها التفسريات الباطنية للنصوص.‏ والتأويالت حبر<br />

ال ساحل له به تبدل الشريعة وتستحل احملرمات،‏ وقد أورد الشاطيب أمثلة كثرية لذلك فراجعها يف كتابه ‏)االعتصام(.‏<br />

والتأويل هو يف حقيقته خروج ضمين عن أحكام الشريعة وإخالل بقاعدة الإنقياد،‏ ولكن فاعله ال جيرأ على خمالفة<br />

الشريعة صراحة <strong>في</strong>لجأ إَل املخالفة الضمنية وهي التأويل،‏ <strong>في</strong>ظهر للناس أنه ‏َيخذ ابلنصوص وهو خيالفها حقيقة.‏<br />

األخل ببع النصوص دون البع اآلخر،‏ وهذا خيالف االنقياد الكامل،‏ وله صور منها:‏<br />

كاالستدالل ابلعام والإعراض عما خيصصه،‏ أو تقدمي العام على اخلاص عند التعارض.‏<br />

واألخذ ابملطلق وإغفال املقيد مع احتاد السبب واحلكم.‏<br />

واألخذ ابجململ وترك ما يبينه.‏<br />

والعمل ابملنسوخ مع وجود انسخه.‏<br />

واالستدالل ابملتشابه وترك احملكم.‏<br />

أو رد بعض النصوص واألحكام ابلقواعد الكلية،‏ كالرتخ<br />

مطلقا حبجة ‏»إن الدين يسر«.‏<br />

أو العمل ابلقول املرجوح يف املسألة ابعتبار أن <strong>في</strong>ها خالفا وأن اخلالف يرفع احلرج،‏ وقال ابن عبد الرب:‏ ‏]اخلالف ال<br />

2<br />

يكون حجة يف الشريعة[‏ .<br />

وهذا هو مسلك أهل البدع والضاللة واألهواء قدميا وحديثا،‏ االستدالل الفاسد ابلنصوص واألخذ ببعضها دون<br />

البعض،‏ وصدق هللا تعاَل إذا يقول:‏ ‏}يُضِ‏ لُّ‏ بِهِ‏ كَثِير ً ا وَ‏ يَهْدِي بِهِ‏ كَثِير ً ا وَ‏ مَا يُضِ‏ لُّ‏ بِهِ‏ إِالَّ‏<br />

3<br />

الْفَاسِقِي ‏َن{‏ ، وقال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ نُنَزِ‏ لُ‏ مِنْ‏ الْقُرْ‏ آنِ‏ مَا هُوَ‏ شِفَاءٌ‏ وَ‏ رَ‏ حْمَةٌ‏ لِلْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ ال يَزِ‏ يدُ‏ الظَّالِمِينَ‏ إِالَّ‏<br />

5 4<br />

ً خَسَارا{‏ ] ، ووصف رسول هللا صلى<br />

- 1 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

253<br />

36<br />

2<br />

221 / 1<br />

- ‏)املوافقات للشاطيب 151( / 4 وانظر ‏)إغاثة اللهفان البن القيم 154( / 2 وانظر ‏)كتاب احلديث حجة بنفسه لأللباين(‏ وانظر ‏)االعتصام للشاطيب<br />

وما بعدها ابب يف مأخذ أهل البدع ابالستدالل(.‏<br />

- 3 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

92<br />

26<br />

- 5 انظر االعتصام للشاطيب 295 / 1


هللا عليه وسلم اخلوارج بقوله:‏ ‏»يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم ميرقون من الإسالم«‏ ، 1 فلم ينتفعوا ابلقراءة مع عدم<br />

الفهم فمرقوا من الدين،‏ ولذلك قال شارح العقيدة الطحاوية:‏ ‏]وإذا اجتمعت نصوص الوعد اليت استدلت هبا<br />

املرجئة،‏ ونصوص الوعيد اليت استدلت هبا اخلوارج واملعتزلة تَبَنيم لك فساد القولني!‏ وال فائدة يف كالم هؤالء سوى أنك<br />

2<br />

تست<strong>في</strong>د من كالم كل طائفة فساد مذهب الطائفة األخرى[‏ .<br />

قلت:‏ خالصة ما سبق أن انقياد املسلم ألحكام الشريعة جيب أن يكون اتما يف كل جزئية منها ‏)ظاهرا مبتابعة الشريعة<br />

وابطنا ابلإخالص والرضا والتسليم(‏ وجيب أن يكون كامال أي يف مجيع جزئيات الشريعة.‏ وهذا مبين على العلم أبنه ما<br />

من أمر يلزم املسلم يف دنياه وأخراه إال وهلل تعاَل <strong>في</strong>ه حكم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ إِنَّ‏ صَالتِي وَ‏ نُسُكِي وَ‏ مَحْيَاي وَ‏ مَمَاتِي<br />

‏ّلِلِ‏ َّ ِ رَ‏ ب ِ الْعَالَمِينَ‏<br />

3<br />

ال شَرِ‏ يكَ‏ لَهُ‏ وَ‏ بِذَلِكَ‏ أُمِرْ‏ تُ‏ وَ‏ أَنَا أَوَّ‏ لُ‏ الْمُسْلِمِي ‏َن{‏ .<br />

ومما جيدر التنبيه عليه أن هذا االنقياد واجب على العبد حىت ميوت ويفارق هذه الدنيا فال أحد يسقط عنه التكليف<br />

4<br />

وإن ب ‏َلَغ من العلم والعبادة ما بلغ،‏ كما يدعيه بعض املبتدعة قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْبُدْ‏ رَ‏ بَّكَ‏ حَتَّى يَأْتِيَكَ‏ الْيَقِي ‏ُن{‏ ، واليقني<br />

هو املوت كما روى البخاري عن أم العالء األنصارية أنه ملا ت ِ ‏ُوَيفّ‏ عثمان بن مظعون،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

5<br />

وسلم : ‏»أما هو فقد جاءه اليقني«‏ ، وما مسعنا أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أو أحد من صحابته انقطع عن<br />

العبادة يف وقت ما،‏ وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

وهذه القاعدة ‏)قاعدة االنقياد التام الكامل(‏<br />

6<br />

‏»إن أتقاكم وأعلمكم ابهلل أان«‏ .<br />

7<br />

مراتب،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ أَكْرَ‏ مَكُمْ‏ عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَتْقَاكُ‏ ‏ْم{‏ ، وهذا هو األصل الرابع.‏<br />

= 5<br />

األصل افامس:‏ ‏)وجو الرد إىل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم<br />

هي ميزان ا كم على الناس،‏ فالناس بر تقي وفاجر شقي وبينهما<br />

عند التنازع واالختالف(‏ وهذا مبين على<br />

األصل السابق فمن سلم بوجوب االنقياد التام الكامل البد أن تعرض له آراء وأقوال متباينة،‏ فكل ما <strong>في</strong>ه خالف<br />

وجب رده إَل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

والدليل على هذا قول هللا تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏<br />

اآلخِ‏ رِ‏ ذَلِكَ‏ خَيْرٌ‏ وَ‏ أَحْسَنُ‏ تَأْوِيال{‏<br />

، 1<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا اخْتَلَفْتُمْ‏ قِيهِ‏ مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قَحُكْمُهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ{<br />

{ وَ‏ مَا أَنزَ‏ لْنَا عَلَيْكَ‏ الْكِتَابَ‏ إِال لِتُبَي ‏ِنَ‏ لَهُمْ‏ الَّذِي اخْتَلَفُوا قِيهِ‏ وَ‏ هُد ‏ًى وَ‏ رَ‏ حْمَةً‏ لِقَوْ‏ مٍ‏ يُؤْ‏ مِنُونَ{‏ . 3<br />

وقال تعاَل:‏ ، 2<br />

- 1 رواه البخاري عن سهل بن حنيف )6834(<br />

- 2 ط املكتب الإسالمي ‎1414‎ه ص :<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة احلجر،‏ اآلية:‏<br />

254<br />

322<br />

163 -<br />

162<br />

88<br />

- 5 احلديث:‏ 1243<br />

- 6 رواه البخاري عن عائشة.‏<br />

- 7 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

13


قال ابن القيم:‏ ‏]ومنها أن الناس أمجعوا أن الرد إَل هللا سبحانه هو الرد إَل كتابه،‏ والرد إَل الرسول صلى هللا عليه<br />

وسلم هو الرد إليه نفسه يف حياته،‏ والرد إَل سنته بعد وفاته[‏ . 4<br />

قلت:‏ وآية النساء هذه ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُ‏ ‏ْم{‏ دليل آخر على اكتمال الشريعة،‏ فقوله تعاَل ‏}شَيْءٍ‏ } هي نكرة يف سياق<br />

الشرط ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُ‏ ‏ْم{‏ فهي صيغة عموم،‏ ومثلها آية الشورى،‏ فقال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]أن قوله ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي<br />

شَيْءٍ‏ } نكرة يف سياق الشرط نعم كل ما تنازع <strong>في</strong>ه املؤمنون من مسائل الدين دقه وجله،‏ جليه وخ<strong>في</strong>ه،‏ ولو مل يكن يف<br />

كتاب هللا ورسوله بيان حكم ما تنازعوا <strong>في</strong>ه ومل يكن كا<strong>في</strong>ا مل ‏َيمر ابلرد إليه إذ من املمتنع أن ‏َيمر تعاَل ابلرد عند<br />

5<br />

التنازع إَل من ال يوجد عنده فصل النزاع[‏ .<br />

قلت:‏ ونستنتج من هذا األصل:‏<br />

6<br />

أ = أن الشريعة حاكمة ال حمكوم عليها،‏ وهذه قُومهتُا وحُجِّ‏ يَتها ، ومعىن هذا أن الشريعة حاكمة على أقوال الناس<br />

وأفعاهلم ابلصحة أو ابلبطالن،‏ وأهنا حاكمة بينهم عند تنازعهم<br />

7<br />

كل اختالف نشأ بني املسلمني من لدن الصحابة رضي هللا عنهم إَل من بعدهم .<br />

واختالفهم حتق احلق وتبطل الباطل،‏ ويدخل يف هذا<br />

ومتعصبة املذاهب جعلوا النصوص حمكوما عليها أبقوال أئمتهم،‏ قال ابن القيم:‏ [ وأما املتعصبون فإهنم عكسوا<br />

9<br />

القضية،‏ ونظروا يف السنة فما وافق أقواهلم منها قبلوه،‏ وما خالفها حتََيملوا يف رده أو رد داللته ] . ومن هذا قول أيب<br />

احلسن الكرخي من أئمة األحناف ( ت‎341‎ ه ) قال:‏ ‏]كل آية ختالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة،‏ وكل<br />

8<br />

حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ[‏ .<br />

ومن الصور القبيحة لتحكم الناس يف الشريعة الإهلية<br />

يف زماننا هذا -<br />

‏-استفتاء الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه<br />

‏)ابلربملان(‏ حول تطبيق الشريعة الإسالمية وذلك ابسم الدميقراطية،‏ وهذا معناه أن تطبيق شريعة اخلالق رهن إبرادة<br />

املخلوقني،‏ وأهنم خمريون يف السماح بتطبيقها أو عدمه،‏ وهذا كفر أكرب صريح قال شارح العقيدة الطحاويه يف حال<br />

)547<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الشورى اآلية<br />

- 3 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

58<br />

.11<br />

64<br />

- 4 إعالم املوقعني 48 / 1<br />

- 5 إعالم املوقعني 48 / 1<br />

- 6 انظر املوافقات للشاطيب ج 1 ص 79 و‎78‎‏،‏ ج 2 ص 275<br />

- 7 ( انظر معارج القبول حلافظ حكمى 623/2( و)أضواء البيان للشنقيطي ج<br />

7 ص<br />

- 9 ( إعالم املوقعني ) 76/1<br />

- 8 ‏)كتاب احلديث حجة بنفسه ص<br />

99<br />

نقال عن الدر املختار<br />

/1 ه )4<br />

255


احلاكم بغي ما أنزل هللا:‏ ‏]فانه إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل هللا غري واجب وأنه خمري <strong>في</strong>ه أو استهان به مع تيقنه أنه<br />

حكم هللا،‏ فهذا كفر أكرب ] 1 .<br />

ب ‏=أنه ال أحد معصوم من هله األمة بعد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

صلى هللا عليه وسلم،‏<br />

تعاَل وقول رسوله<br />

إذ أمر هللا ابلرد عند التنازع إَل هللا ورسوله<br />

ومل ‏َيمر ابلرد إَل رأي فالن أو قول فالن،‏ <strong>في</strong>علم بذلك أنه ال عصمة يف قول أحد بعد قول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم .<br />

ويف هذا إبطال ملسألة عصمة األئمة عند الشيعة،‏ ويف هذا أيضا إنكار<br />

ونقض للتعصب املذهيب عند مقلدة املذاهب وقد قال أئمة هذه املذاهب:‏ ‏]كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم ] وهذا مروي عن أيب حنيفة ومالك وأمحد والشافعي وغريهم وإن اختلفت عباراهتم.‏ وقد قال<br />

2<br />

هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ كَانَ‏ مِنْ‏ عِنْدِ‏ غَيْرِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لَوَ‏ جَدُوا قِيهِ‏ اخْتِالقًا ً كَثِيرا{‏ ، قلت والرد إَل الكتاب والسنة كثريا ما يكون<br />

3<br />

ابلرجوع إَل العلماء العاملني ابلكتاب والسنة.‏ لقوله تعايل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ ، وقوله تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ إِذَا جَاءَهُمْ‏ أَمْرٌ‏ مِنَ‏ األَمْنِ‏ أَوْ‏ الْخَوْ‏ فِ‏ أَذَاعُوا بِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِي ‏َن<br />

4<br />

يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ . ومبناسبة سؤال العلماء والرجوع إليهم فإين أحذر الإخوة املسلمني من صنفني من املنتسبني إَل<br />

العلم الشرعي:‏<br />

الصنف األول:‏ العلماء الذين انكبوا على الكتب وانقطعت صلتهم بواقع الناس،‏ قال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]وال يتمكن<br />

امل<strong>في</strong>ت وال احلاكم من الفتوى واحلكم ابحلق إال بنوعني من الفهم:‏ أحدمها:‏ فهم الواقع والفقه <strong>في</strong>ه واستنباط علم حقيقة<br />

ما وقع ابلقرائن واألمارات والعالمات حىت حييط به علما،‏ والنوع الثاين فهم الواجب يف الواقع وهو فهم حكم هللا<br />

5<br />

الذي حكم به يف كتابه أو على لسان رسوله يف هذا الواقع،‏ ‏ُث يطبق أحدمها على اآلخر[‏ . وقال رمحه هللا:‏ ‏]ذكر أبو<br />

عبد هللا بن بطة يف كتابه يف اخللع عن الإمام أمحد أنه قال:‏ ‏]ال ينبغي للرجل إن ينصب نفسه للفتيا حىت يكون قيه<br />

مخس خصال،‏ أوهلا:‏ أن<br />

تكون له نية،‏ فإن مل يكن له نية مل يكن عليه نور وال على كالمه نور والثانية:‏ أن يكون له<br />

علم وحلم ووقار وسكينة الثالثة:‏ أن يكون قواي على ما هو <strong>في</strong>ه وعلى معرفته.‏ الرابعة:‏ الكفاية وإال مضغه الناس.‏<br />

اخلامسة:‏ معرفة الناس [<br />

-<br />

‏ُث قال ابن القيم<br />

-<br />

وأما قوله اخلامسة معرفة الناس فهذا أصل عظيم حيتاج إليه امل<strong>في</strong>ت<br />

واحلاكم فإن مل يكن فقيها <strong>في</strong>ه،‏ فقيها يف األمر والنهى ‏ُث يطبق أحدمها على اآلخر،‏ وإال كان ما يفسد أكثر مما<br />

يصلح،‏ فإنه إذا مل يكن فقيها يف األمر،‏ له معرفة ابلناس تصور له الظامل بصورة املظلوم وعكسه،‏ واحملق بصورة املبطل<br />

وعكسه،‏ ورَاجَ‏ عليه املكرُ‏ واخلداع واالحتيال،‏ وتصور له الزنديق يف صور الصديق،‏ والكاذب يف صورة الصادق،‏ ولبس<br />

- 1 شرح العقيدة الطحاوية ط ‎1414‎ه ص<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

256<br />

323<br />

92<br />

- 3 سورة النحل،‏ اآلية:‏‎43‎ وسورة األنبياء،‏ اآلية:‏‎7‎<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

93<br />

- 5 ( إعالم املوقعني - 97 /1 99 )


كل مبطل ثوب زور حتتها الإُث والكذب والفجور،‏ وهو جلهله ابلناس وأحواهلم وعوائدهم وعر<strong>في</strong>اهتم ال مييز هذا من<br />

هذا،‏ بل ينبغي له أن يكون فقيها يف معرفة مكر الناس وخداعهم واحتياهلم وعوائدهم وعر<strong>في</strong>اهتم،‏ فإن الفتوى تتغري<br />

1<br />

بتغري الزمان واملكان والعوائد واألحوال،‏ وذلك كله من دين هللا كما تقدم بيانه،‏ وابهلل التو<strong>في</strong>ق[‏ .<br />

الصنف الثاين:‏ الذين اشرتوا ‏ِبايت هللا مثنا قليال من مال أو منصب وحنوه،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

: ‏»مَا<br />

2<br />

ذِئْبَانِ‏ جَائِعَانِ‏ أُرْسِ‏ الَ‏ يفِ‏ غَنَمٍ‏ أبَِفْسَدَ‏ هلََا مِنْ‏ حِ‏ رْصِ‏ الْمَرْءِ‏ عَلَى الْمَالِ‏ وَالشمرَفِ‏ لِدِينِهِ«‏ . وقول ابن تيمية <strong>في</strong>ه،‏ وقال ابن<br />

القيم رمحه هللا:‏ ‏]كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها،‏ فالبد أن يقول على هللا غري احلق يف فتواه وحكمه،‏ يف<br />

خربه وإلزامه،‏ ألن أحكام الرب سبحانه كثريا ما أتِت على خالف أغراض الناس والسيما أهل الرايسة والذين يتبعون<br />

الشبهات فإهنم ال تتم هلم أغراض إال مبخالفة احلق ودفعه كثريا فإذا كان العامل واحلاكم حمبني للرايسة متبعني للشهوات<br />

مل يتم هلما ذلك إال بدفع ما يضاده من احلق[‏<br />

وهل أفسد الدين إال امللوك<br />

3<br />

. وقال عبد هللا بن املبارك رمحه هللا:‏<br />

وأحبار سوء ورهباهنا؟<br />

4<br />

قلت:‏ فتحذر من هذين الصنفني من أهل العلم،‏ من انقطعت صلته ابلواقع ومن آثر الدنيا،‏ خاصة يف املسائل املتعلقة<br />

ابجلهاد واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر وكل<br />

ما <strong>في</strong>ه مساس بسلطان الطواغيت.‏ وقد مجع ابن تيمية رمحه هللا<br />

الصنفني يف قوله:‏ ‏]والواجب:‏ أن يعترب يف أمور اجلهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين هلم خربة مبا عليه أهل الدنيا<br />

دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر يف ظاهر الدين فال ‏َيخذ برأيهم،‏ وال برأي أهل الدين الذين ال خربة يف<br />

5<br />

الدنيا[‏ .<br />

= 6<br />

األصل السادس:‏ ( رد وإبطال ما خالف الشريعة(‏<br />

وهذأ مبين علي األصل اخلامس وهو رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل<br />

الكتاب والسنة،‏ فما وافق الكتاب والسنة فهو احلق الذي نقبله ونعمل به،‏ وما خالفهما فهو مردود ال نعمل به وال<br />

يرتتب عليه أثر.‏<br />

ودليل األصل السادس:‏ قول النيب صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

ملسلم:‏ ‏»من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد«‏ ويدخل يف هذا:‏<br />

6<br />

‏»من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ«‏ ، ويف رواية<br />

257<br />

- 1 ( إعالم املوقعني 188 /4 ‏ُث )215214<br />

- 2 رواه أمحد عن كعب بن مالك،‏ وقد سبق شرحه.‏<br />

- 3 ‏)الفوائد البن القيم ص<br />

)111<br />

- 4 ( انظر إغاثة اللهفان البن القيم ط 1417 ه 392( / 1<br />

- 5 ( االختيار الفقهية ط دار املعرفة ص 311(<br />

- 6 متفق عليه عن عائشة


أ =<br />

البدع مبجملها،‏ فكل بدعة ضاللة،‏ منها ما هو فسق ومنها ما هو كفر حبسبها،‏ وكلها حرام.‏ وملعرفة أنواعها<br />

يراجع كتاب ( السنن واملبتدعات(‏ للقشريي،‏ وكتاب ‏)الإبداع يف مضاد االبتداع(‏ لعلي حمفوظ،‏ وقبلهما كتاب<br />

‏)االعتصام(‏ للشاطيب وحنوه.‏<br />

ب =<br />

فتوى امل<strong>في</strong>ت ‏ُمالفة للكتا والسنة مردودة،‏ قال البخاري يف كتاب االعتصام من صحيحة ‏)ابب إذا اجتهد<br />

العامل أو احلاكم فأخطأ خالف الرسول صلى هللا عليه وسلم من غري علم فحكمه مردود لقول النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم :<br />

أجر«‏<br />

ج =<br />

1<br />

‏»من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد«(‏ .<br />

ومع ذلك فقد يكون هذا امل<strong>في</strong>ت مأجورا رغم خطئه،‏ ‏!وذلك إذا كان من أهل االجتهاد وقد بذل ما يف وسعه يف فتواه<br />

حلديث عمرو بن العاص مرفوعا ‏»إذا حكم احلاكم فاجتهد ‏ُث أصاب فله أجران،‏ وإذا حكم فاجتهد ‏ُث اخطأ فله<br />

2<br />

رواه البخاري ، ورغم كونه مأجورا فإنه ال يعمل مبا أفىت به خطأ.‏<br />

األقوال املرجوحة يف امللاهب الفقهية<br />

أاي كان قائلها طاملا ثبت الدليل ‏ِبالفها،‏ وهذا يدخل <strong>في</strong>ما قبله ‏)ب(.‏<br />

ولذلك قال الإمام مالك رمحه هللا:‏ ‏]إَّنا أان بشر أخطئ وأصيب،‏ فانظروا يف رأيي،‏ فكل ما وافق الكتاب والسنة<br />

فخذوه،‏ وكل ما مل يوافق الكتاب والسنة فاتركوه[،‏ وقال الشافعي رمحه هللا:‏ ‏]كل مسألة صح <strong>في</strong>ها اخلرب عن رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

= ه<br />

عند أهل النقل ‏ِبالف ما قلت،‏ فأان راجع عنها يف حياِت،‏ وبعد موِت(،‏ وعنه قال:‏ ( إ ذا<br />

وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

فقولوا بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

ودعوا ما<br />

قلت(.‏ ويف هذا رد كاف على التعصب املذهيب.‏ بل إن التعصب املذهب والقول بوجوب تقليد رجل بعينه أو مذهب<br />

بعينه يف الدين هو يف ذاته بدعة مردودة كما سيأِت التنبيه علي ذلك.‏<br />

د = ويدخل يف هذا العقود والشروط واملصاحلات اليت تقع بنب الناس،‏ ما خالف الشريعة منها فهو مردود.‏<br />

ويدخل يف هلا خطأ القاضي يف القضاء<br />

ي ‏ُنْقَض وال ي ‏ُعْمل حبكمه،‏ قال البخاري يف كتاب الإحكام من<br />

صحيحه:‏ ‏)ابب إذا قضى احلاكم جبور أو خالف أهل العلم فهو رد ) وذكر حديث بعث خالد بن الوليد إَل بين<br />

3<br />

جذمبة . ويف كتاب عمر <br />

يف القضاء قال أليب موسى األشعري<br />

<br />

( وال مينعنك قضاء قضيت <strong>في</strong>ه اليوم فراجعت<br />

<strong>في</strong>ك رأيك فهُدِيتَ‏ <strong>في</strong>ه لرشدك أن تراجع <strong>في</strong>ه احلق،‏ فإن احلق قدمي ال يبطله شيء،‏ ومراجعة احلق خري من التمادي يف<br />

الباطل(‏ . 4<br />

258<br />

- 1 ( فتح الباري )317/13<br />

- 2 ( فتح الباري )319/13<br />

- 3 ‏)فتح الباري )191/13<br />

- 4 نقال عن ‏)إعالم املوقعني 96/1(


وقال ابن قدامة يف كتاب القضاء:‏ ‏]وال ينقض من حكم غريه إذا رفع إليه إال ما خالف ن<br />

إمجاع[‏ . 1<br />

كتاب أو سنة أو<br />

ومما يندرج يف هذا أحكام القضاة يف البلدان اليت حتكم ابلقوانني الوضعية الكافرة - كما هو احلال يف معظم بلدان<br />

- املسلمني<br />

فهذه األحكام ابطلة ومردودة ملخالفتها الشريعة.‏ واآلَثر املرتبة عليها ابطلة،‏ فاحلقوق والتملكات وغريها<br />

مما حيصل عليه الناس أبحكام هذه القوانني كل هذا حرام ال حيل،‏ ومبقتضى هذه القوانني فإن الناس ‏َيكلون أمواهلم<br />

بينهم ابلباطل ويستحلون احلرام،‏ وهذا من أنكر املنكرات اليت سكت عنها مجهور املنتسبني إَل العلم الشرعي يف هذا<br />

الزمان،‏ فإان هلل وإان إليه راجعون.‏<br />

وإذا كان حكم القاضي احلاكم ابلشريعة ال حيل األمر إذا كان يف ابطنه حراما،‏ فكيف مبن ال حيكم ابلشريعة ابتداء،‏<br />

روى البخاري عن أم سلمة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

« قال:‏<br />

=<br />

7<br />

إَّنا أان بشر وإنكم ختتصمون إِيلَم،‏<br />

ولعل بعضكم أن يكون أَحلَْن حبجته من بعض فأقضي له على حنو ما أمسع،‏ فمن قضيت له من أخيه شيئا فال<br />

3<br />

2<br />

‏َيخذه،‏ فإَّنا أقطع له قطعة من النار«‏ ، ويف رواية:‏ « فإَّنا هي قطعة من النار فليأخذها أو ليرتكها«‏ ، أورد البخاري<br />

يف كتاب األحكام من صحيحه ابب ‏)من قُضِيَ‏ له حبق أخيه فال ‏َيخذه فإن قضاء احلاكم ال حيل حراما وال حيرم<br />

حالال(‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه أنه من احتال ألمر ابطل بوجه من وجوه احلِيَل حىت يصري حقا يف الظاهر،‏ وحيُْكَم له<br />

4<br />

به أنه ال حيل تناوله يف الباطن وال يرتفع عنه الإُث ابحلكم[‏ ، وقال ابن حجر:‏ [ ‏»فإَّنا أقطع له قطعة من النار«‏ أي<br />

5<br />

إن أخذها مع علمه أبهنا حرام عليه دخل النار[‏ .<br />

األصل السابع:‏<br />

سد ذرائع اإلحداث يف الدين ‏)الإبتداع(،‏ كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وإايكم<br />

وحمدَثت األمور«،‏ والإحداث يكون ابلزايدة أو ابلنق أو ابلتبديل والتحريف،‏ واحملدثة ‏)البدعة(‏ قد تكون فسقا أو<br />

6<br />

كفرا حبسبها .<br />

روى البخاري عن ابن مسعود:‏ قال النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

«<br />

أان فرطكم على احلوض،‏ لريُ‏ فعن إيل رجال منكم<br />

حىت إذا أهويت ألانَوِهلَم اختلجوا دوين،‏ فأقول:‏ أي رب،‏ أصحايب،‏ <strong>في</strong>قول:‏ ال تدري ما أحدثوا بعدك«‏ . 7 وروى<br />

البخاري عن أىب سعيد مرفوعا بلفظ ‏»إنك ال تدري ما بَدملوا بعدك،‏ فأقول:‏ سُحْقًا سُحْقًا ملن بَدمل بعدي«‏ . 9<br />

- 1 ‏)املغين والشرح الكبري ج<br />

259<br />

)413 / 11<br />

- 2 احلديث 6867<br />

- 3 احلديث 7191<br />

- 4 ( فتح الباري )174 /13<br />

- 5 ( فتح الباري )338/12<br />

- 6 ‏)االعتصام للشاطيب 36/2 وما بعدها(‏<br />

- 7 حديث 7148<br />

9 ‏-حديث 7151


ورواه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ ‏»أال وإنه جيَُاء برجال من أميت <strong>في</strong>ؤخذ هبم ذات الشمال،‏ فأقول:‏ اي رب أصيحايب،‏<br />

<strong>في</strong>قال:‏ إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك،‏ فأقول كما قال العبد الصاحل ‏}وَ‏ كُنتُ‏ عَلَيْهِمْ‏ شَهِيد ‏ًا مَا دُمْتُ‏ قِيهِمْ‏ قَلَمَّا<br />

2<br />

1<br />

تَوَ‏ قَّيْتَنِي كُنتَ‏ أَنْتَ‏ الرَّ‏ قِيبَ‏ عَلَيْهِمْ{‏ ، <strong>في</strong>قال:‏ إن هؤالء مل يزالوا مرتدين على أعقاهبم منذ فارقتهم«‏ ، وقوله صلى هللا<br />

عليه وسلم : ‏»أصيحايب«‏ هكذا ألكثر الرواة بصيغة التصغري،‏ إشارة إَل قلة عدد من وقع هلم ذلك وهم بعض جفاة<br />

األعراب.‏<br />

أورد البخاري رمحه هللا هذا احلديث )7148، 7151( يف أول كتاب الفنت من صحيحه،‏ إشارة منه<br />

ترامجه<br />

-<br />

-<br />

على عادته يف<br />

إَل أن األحداث والتبديل يف الدين من أعظم أسباب الفنت والردة بل هو أصلها،‏ وهو كذلك قدميا وحديثا،‏<br />

3<br />

ومصداقه قوله تعاَل:‏ ‏}قَلْيَحْذَرْ‏ الَّذِينَ‏ يُخَالِفُونَ‏ عَنْ‏ أَمْرِ‏ هِ‏ أَنْ‏ تُصِ‏ يبَهُمْ‏ قِتْنَةٌ‏ أَوْ‏ يُصِ‏ يبَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِي ‏ٌم{‏ ، ف<strong>في</strong> هذه اآلية<br />

الفتنة عقوبة قدرية علي خمالفة أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

4<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ‏ وا بِهِ‏ قَأَغْرَ‏ يْنَا بَيْنَهُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةَ‏ وَ‏ الْبَغْضَا ‏َء{‏ .<br />

ابحلَيْدة عن أحكام شريعته والإحداث يف الدين،‏ كما<br />

وهلذا فقد أتت الشريعة بضوابط لسد ذرائع الإحداث والتبديل يف الدين،‏ ذكرها البخاري رمحه هللا يف كتاب ‏)االعتصام<br />

ابلكتاب والسنة(‏ من صحيحه،‏ ومن ذلك:‏ النهي عن البدع والتحذير منها،‏ والنهي عن ترئيس اجلهال ويقابله احلض<br />

على ترئيس العلماء،‏ وذم الرأي الفاسد والقياس الفاسد،‏ والنهي عن التشدد والتعمق يف الدين،‏ والنهي عن املراء<br />

واالختالف،‏ والنهي عن التشبه أبهل الكتاب واملشركني.‏ وذِكْر أدلة هذه الضوابط كما يلي:‏<br />

أ = النهي عن البدع والتحلير منها:‏<br />

البدعة:‏ ‏)ما أُحْدِثَ‏ مما ال أصل له يف الشريعة يدل عليه،‏ وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا<br />

وإن كان بدعة لغة(،‏ وهدا تعريف ابن رجب احلنبلي،‏ وقال أيضا:‏ [ وأما ما وقع يف كالم السلف من استحسان بعض<br />

البدع،‏ فإَّنا ذلك من البدع اللغوية ال الشرعية[‏ . 5<br />

‏)وكل بدعة ضاللة وإن رآها الناس حسنة(‏ ، 6<br />

وقال الشيخ حافظ حكمي:‏ ‏]ُث اعلم أن البدع كلها مردودة ليس<br />

منها شيء مقبول،‏ وكلها قبيحة ليس <strong>في</strong>ها حسن،‏ وكلها ضالل ليس <strong>في</strong>ها هدى،‏ وكلها أوزار ليس <strong>في</strong>ها أجر،‏ وكلها<br />

7<br />

ابطل ليس <strong>في</strong>ها حق[‏ ، ومصداق هذا قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وإايكم وحمدَثت األمور،‏ فإن كل بدعة<br />

- 1 سورة املائدة اآلية:‏<br />

261<br />

117<br />

- 2 حديث 4625<br />

- 3 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

63<br />

14<br />

- 5 ( جامع العلوم واحلكم،‏ حديث 29 ص<br />

)233<br />

- 6 رواه الاللكائى عن ابن عمر ‏)شرح اعتقاد أهل السنة 82( 1/<br />

- 7 ( معارج القبول ط السل<strong>في</strong>ة 616/2(


ضاللة«‏ . 1 وهبذا تعلم أن تقسيم عز الدين بن عبد السالم رمحه هللا البدعةَ‏ إَل األحكام اخلمسة ( الواجب واملندوب<br />

واملباح واملكروه واحلرام ) هو تقسيم ال أصل له،‏ فكيف يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»كل بدعة ضاللة«‏<br />

3<br />

2<br />

ويقول العز إن هناك بدعة واجبة ، ولذلك قال الشاطيب:‏ ‏]إن هذا التقسيم أمر خمرتع ال يدل عليه دليل شرعي[‏ .<br />

وكل من أحدث حدَث من بدعة أو تبديل للدين فعليه وزره ووزر من عمل به،‏ ويف هذا وعيد شديد لسد ذريعة هذا<br />

الفساد،‏ فروى مسلم عن أيب هريرة مرفوعا ‏»ومن دعا إَل ضاللة كان عليه من الإُث مثل آَثم من تبعه ال ينق من<br />

آَثمهم شيئا«،‏ وروى مسلم عن جرير بن عبد هللا مرفوعا<br />

4<br />

‏»ومن سن يف الإسالم سنة سيئة ..( احلديث .<br />

ولُعِنَ‏ من آوى حمدَث سدا لذريعة الإحداث،‏ فروى مسلم عن عَلِيّ‏ قال:‏ حدثين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أبربع<br />

كلمات:‏<br />

5<br />

األرض«‏ .<br />

‏»لعن هللا من ذبح لغري هللا،‏ لعن هللا من لعن والديه،‏ لعن هللا من آوى حمُْدَِثً،‏ لعن هللا من غري منار<br />

= التحلير عن ترئيس اجلهال<br />

والتحذير من األخذ بقوهلم ورأيهم،‏ وبيان أن هذا من أعظم أسباب الضالل والإحداث يف الدين،‏ وفساد دنيا الناس<br />

وأخراهم،‏ وهذا ال خيفى،‏ ويف هذا ما رواه البخاري عن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال مسعت النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم يقول:‏ ‏»إن هللا ال ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا،‏ ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم،‏ <strong>في</strong>بقى انس<br />

جهال يُسْتَفْتَون <strong>في</strong>ُفْتون برأيهم <strong>في</strong>َضِلُّون ويُضِلُّون«،‏ ويف رواية متفق عليها عنه مرفوعا:‏ ‏»إن هللا ال يقبض العلم انتزاعا<br />

ينتزعه من الناس،‏ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء،‏ حىت إذا مل ي ‏ُبْقِ‏ عاملا اختذ الناس رءوسا جهاال فسئلوا فأفتوا بغري<br />

6<br />

علم فضلوا وأضلوا(‏ .<br />

ج = ا على ترئيس العلماء واألخل عنهم<br />

.<br />

للحديث السابق،‏ ولقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا ضيعت األمانة فانتظر الساعة،‏ قيل:‏ وكيف إضاعتها؟،‏ قال:‏ إذا<br />

أهله«‏‎7‎<br />

وُسِّ‏ د األمر لغري<br />

- 1 رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح عن العرابض بن سارية<br />

- 2 ‏)فتح الباري‎254/13‎‏(‏ و ‏)االعتصام للشاطيب 181/1 ومابعدها(‏<br />

260<br />

- 3 ‏)االعتصام )181/1<br />

- 4 انظر ابب ‏)اُث من دعا إَل ضاللة وسن سنة سيئة(‏ ابالعتصام للبخاري ( فتح الباري 312/13(<br />

- 5 انظر ابب ‏)اُث من آوى حمدَِث(‏ ابالعتصام للبخاري ( فتح الباري 291( 13/<br />

- 6 انظر ( فتح الباري ) ج 1 ص ،185 ج 13 ص 297<br />

- 7 رواه البخاري عن أيب هريرة


د = ذم الرأي الفاسد والقياس الفاسد<br />

وأول من أخذ ابلقياس الفاسد هو إبليس لعنه هللا،‏ كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}قَا ‏َل أَنَا خَيْرٌ‏ مِنْهُ‏ خَلَقْتَنِي مِنْ‏ نَارٍ‏ وَ‏ خَلَقْتَهُ‏<br />

1<br />

مِنْ‏ ‏ِِينٍ{‏ ، فعارَضَ‏ لعنه هللا األمر الرابين،‏ ابلسجود آلدم ابلقياس الفاسد.‏ فكل من فعله - أي القياس الفاسد -<br />

فهو مسنت به لعنه هللا.‏<br />

والقياس الفاسد هو ما يوجد الن<br />

‏ِبالفه،‏ وكذلك الرأي الفاسد<br />

2<br />

، وهذا أصل فاسد رُدمت كثري عن النصوص الشرعية<br />

بسببه،‏ يف العقائد واألحكام،‏ وقد ذكر الشيخ األلباين أمثلة هلذا يف كتابه ( احلديث حجة بنفسه العقائد واألحكام (.<br />

وأخرج البيهقي عن ابن مسعود<br />

<br />

قال:‏ ‏)ليس عام إال الذي بعده شر منه،‏ ال أقول عام خري من عام،‏ وال أمري خرب<br />

من أمري،‏ ولكن ذَهَاب العلم ‏ُث حيَْدُثُ‏ قوم يقيسون األمور ‏ِبرائهم <strong>في</strong>ُهدم الإسالم(‏ ، 3 وحديث قبض العلم شاهد هلذا<br />

القول والقياس الفاسد هو أحد وسائل أهل البدع يف االستدالل،‏ ومن هذا ما ذهب إليه نفاة صفات الرب جل<br />

وعال،‏ قياسا له سبحانه على خلقه . 4<br />

ويدخل يف الرأي الفاسد األقوال املرجوحة يف املذاهب ‏ِبالف الن ، أو القول ابملصلحة ‏ِبالف الن .<br />

روى البخاري عن سهل بن حنيف<br />

<br />

قال:‏ ‏)اي أيها الناس اهتموا رأيكم على دينكم،‏ فقد رأيتُين يوم أيب جندل،‏ ولو<br />

أستطيع أن أرد أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لرددته(‏ احلديث.‏ ويوم أيب جندل أ ي يوم احلديبية وروى الاللكائي<br />

بسنده عن عمر بن اخلطاب<br />

فقالوا ابلرأي فضلوا وأضلوا(‏ . 5<br />

<br />

هد = النهي عن التشدد والتعمق والغلو يف الدين<br />

قال:‏ ‏)إايكم وأصحاب الرأي،‏ فإهنم أعداء السنن،‏ أعيتهم األحاديث أن حيفظوها<br />

عن ابن مسعود عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»هلك املتنطعون<br />

-<br />

6<br />

قاهلا ثالَث«‏ ، قال اخلطايب:‏ ‏]املتنطع املتعمق<br />

يف الشيء اخلائض <strong>في</strong>ما ال تبلغه العقول[‏ وروى أمحد عن ابن عباس مرفوعا ‏»إايكم والغلو يف الدين،‏ فإَّنا هلك من<br />

كان قبلكم ابلغلو يف الدين«‏ ، 7 قال ابن تيمية:‏ ‏]هذا عام يف مجيع أنواع الغلو يف االعتقادات واألعمال[‏ . 9<br />

262<br />

- 1 سورة ص ، اآلية:‏ 76<br />

- 2 ‏)فتح الباري )292/13<br />

- 3 ‏)فتح الباري )293/13<br />

- 4 ‏)االعتصام للشاطيب 241 221/2، ط دار املعرفة ‎1419‎ه(‏<br />

- 5 ‏)شرح اعتقاد أهل السنة ط دار طيبة ج<br />

1 ص<br />

123( وانظر ( إعالم املوقعني البن القيم 77/1( و ( فتح الباري<br />

)296/13<br />

- 6 رواه مسلم<br />

- 7 وصححه ابن خزميه وابن حبان<br />

- 9 ( فتح اجمليد ط أنصار السنة ص<br />

)229


والغلو<br />

هو سبب كفر النصارى،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَهْلَ‏ الْكِتَابِ‏ ال تَغْلُوا قِي دِينِكُمْ‏ وَ‏ ال تَقُولُوا عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ إِال الْحَ‏ ‏َّق{‏ ، 1<br />

فَغَلَوا يف عيسى <br />

حىت جعلوه إهلا،‏ وذكر شيخ الإسالم حممد بن عبد الوهاب يف كتابه التوحيد ‏]ابب ما جاء أن<br />

سبب كفر بىن آدم وتركهم دينهم هو الغلو يف الصاحلني[‏ وذكر <strong>في</strong>ه حديث ابن عباس يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالُوا<br />

2<br />

ال تَذَرُ‏ نَّ‏ آلِهَتَكُمْ‏ وَ‏ ال تَذَرُ‏ نَّ‏ وَ‏ دًّا وَ‏ ال سُوَ‏ اع ‏ًا{‏ .<br />

فالتشدد والتعمق خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق ابجملاهدات الشديدة واالمتناع عن املباحات قد يقضي بصاحبه إَل ترك التكليف<br />

3<br />

مجلة بتأويالت ابطلة،‏ فالتشدد مظنة االنقطاع . وهذا هو حال كثري من املتصوفة.‏<br />

5<br />

4<br />

والغلو هو أساس مذهب الشيعة ، وهو أساس التعصب املذهيب ومن الغلو تعظيم الشيوخ ، وقد يفضي تعظيمهم إَل<br />

عبادهتم من دون هللا،‏ ومنه عبادة املقبورين وتعليق صورهم وحنوه،‏ ومن تعظيمهم والغلو <strong>في</strong>هم تقدمي قوهلم وفعلهم على<br />

األدلة الشرعية وهذا هو أصل التعصب املذهيب . 6<br />

و = النهي عن اجلدال واملراء واالختالف<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

7<br />

‏»اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم،‏ فإذا اختلفتم فقوموا عنه(‏ .<br />

وعن عبد هللا بن عمرو أن نفرا من الصحابة ذكروا آية من القرآن،‏ فتماروا <strong>في</strong>ها حىت ارتفعت أصواهتم،‏ فخرج رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

مغضبا،‏ قد امحر وجهه،‏ يرميهم ابلرتاب،‏ ويقول مهال اي قوم!‏ هبذا أهلكت األمم من قبلكم،‏<br />

ابختالفهم على أنبيائهم وضرهبم الكتب بعضها ببعض،‏ إن القران مل ينزل يكذب بعضه بعضا،‏ بل يصدق بعضه<br />

بعضا،‏<br />

9<br />

فما عرفتم منه فاعملوا به،‏ وما جهلتم منه فردوه إَل عامله(‏ .<br />

وغالبا ما ينشأ املراء بسبب جهل املتمارين أو بعضهم،‏ وبغي بعضهم على بعض كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا اخْتَلَفَ‏ الَّذِي ‏َن<br />

8<br />

أُوتُوا الْكِتَابَ‏ إِال مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَهُمْ‏ الْعِلْمُ‏ بَغْيًا بَيْنَهُمْ{‏ ، والبغي منه اهلوى واحلسد والكرب وما يتبع ذلك من التعنت،‏<br />

والواجب رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل الكتاب والسنة.‏<br />

ز = النهي عن التشبه أبهل الكتا واملشركني أو األخل عنهم.‏<br />

1 ص<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

171<br />

2<br />

- سورة نوح اآلية:‏<br />

- 23<br />

رواه البخاري ( فتح اجمليد ط أنصار السنة ص<br />

219( و ( إغاثة اللهفان البن القيم ط الكتب العلمية<br />

1417<br />

) 219<br />

- 3 ‏)االعتصام للشاطيب ج<br />

1 ص 214<br />

ومابعدها وص<br />

)314<br />

- 4 ‏)االعتصام للشاطيب )258/1<br />

- 5 ‏)االعتصام للشاطيب )259/1<br />

- 6 انظر ابب ‏)ما يكره من التعمق والتنازع ىف العلم والغلو يف الدين والبدع(‏ ابالعتصام للبخاري ‏)فتح الباري 275/13(.<br />

- 7 رواه البخاري عن جندب بن عبد هللا،‏ ابب ‏)كراهية االختالف(‏ ابالعتصام للبخاري ‏)فتح الباري 335/13(.<br />

- 9 رواه أمحد والبغوي،‏ وصححه األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية<br />

- 8 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

18<br />

ه ج<br />

263


وورد يف النهي عن هذا والتحذير منه نصوص كثرية،‏ منها قوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ تُِِيعُوا الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا يَرُ‏ دُّوكُمْ‏ عَلَى<br />

أَعْقَابِكُمْ‏ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ‏ ينَ{‏ ، 1 وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنْ‏ تَرْ‏ ضَى عَنْكَ‏ الْيَهُودُ‏ وَ‏ ال النَّصَارَ‏ ى حَتَّى تَتَّبَِْ‏ مِلَّتَهُمْ{‏ ، 2 وقوله<br />

‏}وَ‏ ال تَزَ‏ الُ‏ تََِّلُِْ‏ عَلَى<br />

تعاَل:‏ ‏}ال تَتَّخِ‏ ذُوا بَِِانَةً‏ مِنْ‏ دُونِكُمْ‏ ال يَأْلُونَكُمْ‏ خَبَاال وَ‏ دُّوا مَا عَنِتُّمْ‏<br />

خَائِنَةٍ‏ مِنْهُمْ‏ إِال قَلِيال مِنْهُمْ{‏ . 4<br />

} 3 ، وقوله تعاَل:‏<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»لتتبعُن سَنَن من كان قبلكم شربا شرا وذراعا ذراعا،‏ حىت لو دخلوا جحر<br />

5<br />

ضب تبعتموهم قلنا:‏ اي رسول هللا:‏ اليهود والنصارى؟ قال:‏ فمن؟«‏ ، وهذا حتذير من متابعتهم كما يف قوله صلى هللا<br />

عليه وسلم :<br />

6<br />

‏»من تشبه بقوم فهو منهم«‏ .<br />

وروى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال:‏ ‏»كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء،‏ وكتابكم الذي أنزل على<br />

رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

أَحْدث،‏ تقرءونه حمضا مل يُشب،‏ وقد حدثكم أن أهل<br />

الكتاب بَدملوا كتاب هللا<br />

وغَريم وه،‏ وكتبوا أبيديهم الكتاب وقالوا هو من عند هللا ليشرتوا به مثنا قليال،‏ ال ينهاكم ما جاءكم من العلم عن<br />

7<br />

مسألتهم،‏ ال وهللا ما رأينا منهم رجال يسألكم عن الذي أنزل عليكم(‏ ، ويف رواية له ( أ و ال ينهاكم..(‏ راجع<br />

االعتصام للبخاري ابب ‏)قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

وسلم<br />

9<br />

: ال تسألوا أهل الكتاب عن شيء(‏ .<br />

لتتبعُن سَنَن من كان قبلكم(‏ وابب ‏)قول النيب صلى هللا عليه<br />

قلت:‏ وابلرغم من هذا،‏ فقد وقعت هذه األمة يف كل ما حذر منه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ أَمْرُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

قَدَر ً ا مَقْدُور ً ا{،‏ وعلى سبيل املثال:‏ عقيدة احللول،‏ والغلو يف الصاحلني وعبادة املقبورين،‏ واختاذ املساجد على القبور،‏<br />

والتفرق واالختالف،‏ وكتمان احلق ولبسه ابلباطل،‏ واختاذ األحبار والرهبان أراباب،‏ واختاذ الناس بعضهم بعضا أراباب<br />

‏)كما يف الدميقراطية(،‏ وفصل السياسة عن الدين،‏<br />

ومتابعتهم يف األنظمة الكفرية ‏)كالقوانني الوضعية واالشرتاكية<br />

والشيوعية وكل هذا كفر أكرب(،‏ وعصبية اجلاهلية ( كالقومية العربية وحنوها(،‏ وإذا سرق الشريف ترك وإذا سرق<br />

الضعيف عوقب وتطبيق مناهجهم يف الرتبية والتعليم على املسلمني،‏ وتقليدهم يف الفنون واملالهي واملسرح والسينما<br />

وغريها من وسائل الإفساد،‏ ومشاركتهم يف أعيادهم،‏ ومشاهبتهم يف العمل ابلتاريخ امليالدي،‏ ومشاهبتهم يف اهلدى<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

264<br />

148<br />

121<br />

- 3 سور آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املائدة،‏ االية:‏<br />

119<br />

13<br />

- 5 متفق عليه عن أيب سعيد<br />

- 6 رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر وصححه األلباين.‏<br />

- 7 حديث 7363<br />

- 9 ‏)فتح الباري ‎311/13‎و‎333‎‏(‏


الظاهر ( لبس مالبسهم<br />

- حلق اللحي -<br />

التخنث ..(، والتعبد ابألغاين واألحلان كما يفعل الصو<strong>في</strong>ة ، 1 وأكل الراب<br />

الذي طبق األرض،‏ وغري ذلك.‏ ومما يدعو إَل األسف يف هذا الزمان تعلم املسلمني دينهم على أيدي اليهود<br />

والنصارى يف جامعات الغرب،‏ ف<strong>في</strong> مصر مثال الرجل الذي أفسد األزهر ون ‏َفمذ قانون تطويره وهو الدكتور حممد البهي<br />

حصل على إجازته العلمية من أملانيا،‏ وكثري من شيوخ األزهر الذين تعاقبوا بعد الشيخ حممود شلتوت حصلوا على<br />

درجاهتم العلمية من جامعات النصارى كالسوربون بفرنسا وحنوها.‏ وهذا الذي وقع ابملسلمني من متابعة أهل الكتاب<br />

واملشركني يف الضاللة هو من عالمات النبوة لوقوعه كما أخرب<br />

ذراعا«‏ كما يف حديث أيب سعيد السابق.‏<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

يف قوله:‏ ‏»شربا شربا،‏ وذراعا<br />

وجتد تفصيال هلذا يف كتاب ‏)اقتضاء الصراط املستقيم(‏ البن تيمية رمحه هللا،‏ وكتاب ( تلبيس إبليس البن اجلوزي(،‏<br />

وكتاب ‏)الإيضاح والتبني ملا وقع <strong>في</strong>ه األكثرون من مشاهبة املشركني(‏ للشيخ محود التوجيري.‏<br />

قلت:‏ وال خيفى أن ما سبق يستثىن منه جواز تعلم ما يشرتك <strong>في</strong>ه البشر من أمور الدنيا كأمور الصنائع والعمران،‏ جيوز<br />

أن يتعلمها املسلم من الكافر إذا أُمِنَت فتنة املسلم يف دينه.‏ والواجب أن تقوم طائفة من املسلمني إبتقان هذه األمور<br />

‏-كبقية فروض الكفاية - حىت يستغين املسلمون عن االحتياج إَل الكفار يف هذا.‏<br />

هذا وقد ب ‏َيمنَت األصول السبعة السابقة سبيل احلق وسبل الضاللة،‏ ليعرف املسلم األوَل <strong>في</strong>لزمها ويوايل أتباعها،‏<br />

وليحذر من سبل الضاللة ويعادي من سلكها ويف هذا يقول ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَذَلِكَ‏ نُفَصِ‏ ‏ُل<br />

2<br />

اآليَاتِ‏ وَ‏ لِتَسْتَبِينَ‏ سَبِيلُ‏ الْمُجْرِ‏ مِينَ{‏ ، وقال:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏<br />

يُشَاقِقْ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا تَبَيَّنَ‏ لَهُ‏ الْهُدَى وَ‏ يَتَّبِْْ‏ غَيْرَ‏ سَبِي ‏ِل<br />

3<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ نُوَ‏ لِهِ‏ مَا تَوَ‏ لَّى{‏ ، وهللا تعاَل قد بني يف كتابه سبيل،‏ املؤمنني مفصلة وسبيل اجملرمني مفصلة وعاقبة هؤالء<br />

مفصلة وعاقبة هؤالء مفصلة،‏ وأعمال هؤالء وأعمال هؤالء وأولياء هؤالء وأولياء هؤالء،‏ وخذالنه هلؤالء وتو<strong>في</strong>قه هلؤالء<br />

واألسباب اليت وفق هبا هؤالء واألسباب اليت خذل هبا هؤالء،‏ وجل سبحانه األمرين يف كتابه وكشفهما وأوضحهما<br />

وبينهما غاية البيان.‏<br />

فالعَالِمون ابهلل وكتابه ودينه عرفوا سبيل املؤمنني معرفة تفصيلة وسبيل اجملرمني معرفة تفصيلة فاستبانت هلم السبيالن،‏<br />

فهؤالء أعلم اخللق وأنفعهم للناس وأنصحهم هلم وهم األدالء اهلداة وبذلك برز الصحابة على مجيع من أتى بعدهم إَل<br />

يوم القيامة فإهنم نشأوا يف سبيل الضالل والكفر والشرك والسبل املوصلة إَل اهلالك وعرفوها مفصلة ‏ُث جاءهم الرسول<br />

فأخرجهم من تلك الظلمات إَل سبيل اهلدى وصراط هللا املستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إَل النور التام ومن<br />

الشرك إَل التوحيد ومن اجلهل إَل العلم ومن الغي إَل الرشاد،‏ فعرفوا مقدار ما انلوه فازدادوا رغبة وحمبة يف ما انتقلوا<br />

- 1 ‏)تلبيس إبليس البن اجلوزي ص<br />

265<br />

318<br />

- 2 سورة األنعام،‏ اآلية:‏ 55<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

115<br />

وما بعدها(‏


إليه ونفرة وبغضا ملا انتقلوا عنه وكانوا أحب الناس يف التوحيد والإميان والإسالم وأبغض الناس يف ضده عاملني ابلسبيل<br />

على التفصيل.‏<br />

وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ يف الإسالم غري عامل تفصيل ضده،‏ فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل<br />

املؤمنني بسبيل اجملرمني فإن اللبس إَّنا يقع إذا ضعف العلم ابلسبيلني أو أحدمها كما قال عمر بن اخلطاب:‏ ‏)إَّنا<br />

ت ‏ُنْقَض عرى الإسالم عروة عروة إذا نشأ يف الإسالم من مل يعرف اجلاهلية(‏ هذا من كمال علم عمر<br />

فإنه إذا مل <br />

يعرف اجلاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم فإنه من اجلاهلية فإهنا منسوبة إَل<br />

اجلهل وكل ما خالف الرسول فهو من اجلهل فمن مل يعرف سبيل اجملرمني ومل تَسْتَنبِ‏ له أوشك أن يظن يف بعض<br />

سبيلهم أهنا من سبيل املؤمنني.‏ كما وقع يف هذه األمة من أمور كثرية يف ابب االعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل<br />

اجملرمني والكفار أدخلها من مل يعرف أهنا من سبيلهم يف سبيل املؤمنني ودعا إليها وكَفمر من خالفها واستحل منه ما<br />

حرمه هللا ورسوله،‏ كما وقع ألكثر أهل البدع من اجلهمية والقدرية واخلوارج والروافض وأشباههم<br />

- ‏-إَل أن قال<br />

واملقصود أن هللا سبحانه حيُ‏ ب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض كما جيب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب<br />

وتسلك ويف هذه املعرفة من الفوائد واألسرار ماال يعلمه إال هللا.‏ أه ابختصار يسري[‏ . 1<br />

= 9<br />

األصل الَامن ‏)األمر ابملعروف والنهي عن املنكر(.‏ هذا هو آخر األصول اليت أذكرها كمعامل ملنهح أهل السنة<br />

واجلماعة،‏ وهي أصول االعتصام ابلكتاب والسنة.‏<br />

فاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر هو مبثابة السياج الذي حيفظ األصول السبعة األوَل ومينع عنها الشوائب أوال أبول<br />

فتظل خاصة حمفوظة من العبث واخللل.‏ ولذلك فقد قرن هللا سبحانه بني األمر والنهي وبني حفظ الدين يف قوله<br />

2<br />

تعاَل:‏ ‏}اآلمِرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ النَّاهُونَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ وَ‏ الْ‏ ‏َحاقِظُونَ‏ لِحُدُودِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ بَشِرْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، لتعلق الثاين<br />

ابألول.‏<br />

واألمر والنهي واجبان،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لْتَكُنْ‏ مِنْكُمْ‏ أُمَّةٌ‏ يَدْعُونَ‏ إِلَى الْخَيْرِ‏ وَ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنْكَرِ‏<br />

وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْمُفْلِحُو<br />

‏َن{‏ ، 3<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من رأى منكم منكرا فليغريه بيده،‏ فإن مل يستطع<br />

فبلسانه،‏ فإن مل يستطع فبقلبه،‏ وذلك أضعف الإميان«‏ ، 4 قال النووي يف شرح هذا احلديث )2/<br />

- 22<br />

24( ‏]وأما قوله<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»فليغريه«‏ فهو أمر إجياب إبمجاع األمة،‏ وقد تطابق على وجوب األمر ابملعروف والنهي عن<br />

املنكر:‏ الكتاب والسنة وإمجاع األمة،‏ وهو أيضا من النصيحة اليت هي الدين.‏<br />

- 1 ‏)الفوائد البن القيم ص<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

266<br />

)111 -<br />

119<br />

112<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

114<br />

- 4 رواه مسلم عن أيب سعيد اخلدري .


وقال أيضا يف حكم وجوبه:‏ ‏]ُث إن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فرض كفاية،‏ إذا قام به بعض الناس سقط احلرج<br />

عن الباقني،‏ وإذا تركه اجلميع أُث كل من متكن منه بال عذر وال خوف،‏ ‏ُث إنه قد يتعني:‏ كما إذا كان يف موضع ال<br />

يعلم به إال هو،‏ أَوْال يتمكن من إزالته إال هو،‏ وكمن يرى زوجته أو ولده أو غالمه على منكر أو تقصري يف املعروف،‏<br />

قال العلماء رضي هللا عنهم وال يسقط عن املكلف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر لكونه ال ي<strong>في</strong>د يف ظنه بل جيب<br />

عليه فعله فإن الذكرى تنفع املؤمنني وقد قدمنا أن الذي عليه األمر والنهى،‏ ال القبول[.‏<br />

وقال يف عدم اشرتاط الوالية ملن ‏َيمر وينهي:‏ ‏]قال العلماء وال خيت<br />

الوالايت بل ذلك جائز آلحاد املسلمني،‏ قال إمام<br />

األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أبصحاب<br />

احلرمني والدليل عليه إمجاع املسلمني فإن غري الوالة يف الصدر<br />

األول والعصر الذي يليه كانوا ‏َيمرون الوالة ابملعروف وينهوهنم عن املنكر مع تقرير املسلمني إايهم وترك توبيخهم على<br />

التشاغل ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر من غري والية،‏ وهللا أعلم[.‏<br />

وقال يف عدم اشرتاط كمال العدالة <strong>في</strong>من ‏َيمر وينهى:‏ ‏]قال العلماء وال يشرتط يف اآلمر والناهي أن يكون كامل احلال<br />

ممتثال ما ‏َيمر به جمتنبا ما ينهى عنه،‏ بل عليه األمر وإن كان خمال مبا ‏َيمر به والنهي وإن كان متلبسا مبا ينهى عنه،‏<br />

فإنه جيب عليه شيئان أن ‏َيمر نفسه وينهاها،‏ وَيمر غريه وينهاه،‏ فإذا أخل أبحدمها كيف يباح له الإخالل ابآلخر[.‏<br />

وقال يف اشرتاط العلم <strong>في</strong>من ‏َيمر وينهى:‏ ‏]ُث إنه إَّنا ‏َيَمر ويَنهى من كان عاملا مبا ‏َيَمر به،‏ وذلك خيتلف ابختالف<br />

الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة واحملرمات املشهورة كالصالة والصيام والزان واخلمر وحنوها فكل املسلمني علماء<br />

هبا،‏ وإن كان من دقائق األفعال واألقوال ومما يتعلق ابالجتهاد مل يكن للعوام مدخل <strong>في</strong>ه،‏ وال هلم إنكاره،‏ بل ذلك<br />

للعلماء،‏ ‏ُث العلماء إَّنا ينكرون ما أُمجع عليه أما املختلف <strong>في</strong>ه فال إنكار <strong>في</strong>ه<br />

النصيحة إَل اخلروج من اخلالف فهو حسن[.‏<br />

- إَل قوله -<br />

لكن إن ندبه على جهة<br />

قلت:‏ قول النووي:‏ ‏]أما املختلف <strong>في</strong>ه فال إنكار <strong>في</strong>ه[‏ ليس إبطالق،‏ فإن الإختالف نوعان اختالف تنوع:‏ ‏]وهو إذا<br />

كان كل واحد من القولني حقا مشروعا،‏ وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل[،‏ وقد تستوي يف الفضل،‏ كوجوه<br />

القراءة للقرآن وأنواع الإحرام ابحلج،‏ فإذا<br />

استوت يف الفضل فال إنكار وإذا اختلفت يف الفضل <strong>في</strong>كون النصح بفعل<br />

1<br />

األفضل.‏ والنوع الثاين هو اختالف التضاد،‏ وهو ما إذا كان أحد األمرين حقا واآلخر ابطال وهذا حيب <strong>في</strong>ه الإنكار .<br />

‏ُث قال النووي رمحه هللا يف حض املسلمني على هذا ‏]واعلم أن هذا الباب أعين ابب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر<br />

قد ضُيِّع أكثره من أزمان متطاولة ومل يبق منه يف هذه األزمان إال رسوم قليلة جدا،‏ وهو ابب عظيم به قوام األمر<br />

ومالكه وإذا كثر اخلبث عم العقاب الصاحل والطاحل،‏ وإذا مل ‏َيخذوا على يد الظامل أوشك أن يعمهم هللا تعاَل بعقابه<br />

‏}قَلْيَحْذَرْ‏ الَّذِينَ‏ يُخَالِفُونَ‏ عَنْ‏ أَمْرِ‏ هِ‏ أَنْ‏ تُصِ‏ يبَهُمْ‏ قِتْنَةٌ‏ أَوْ‏ يُصِ‏ يبَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِي ‏ٌم{‏ ، 2 <strong>في</strong>نبغي لطالب اآلخرة والساعي يف<br />

- 1 ‏)انظر شرح العقيدة الطحاوية ص<br />

- 2 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

514 ط املكتب الإسالمي<br />

1414<br />

267<br />

63<br />

ه<br />

- أنواع الإختالف(‏


حتصيل رضا،‏ هللا عز وجل أن يعتين هبذا الباب،‏ فإن نفعه عظيم السيما وقد ذهب معظمه وخيُْل<br />

ي ‏ُنْكِر عليه الرتفاع مرتبته فإن هللا تعاَل قال:‏ ‏}وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ{[‏ أه . 1<br />

نيته وال ي ‏َهَابَنم من<br />

قلت:‏ هذه نبذه خمتصرة عما قاله النووي رمحه هللا يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وقد جعل هللا عز وجل األمر<br />

ابملعروف والنهي عن املنكر فرقاان بني الإميان والنفاق،‏ فليتنبه هلذا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}الْمُنَاقِقُونَ‏ وَ‏ الْمُنَاقِقَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

بَعْضٍ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمُنْكَرِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمَعْرُ‏ وفِ‏ {، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏<br />

2<br />

يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَرِ‏ } ، قال القرطيب<br />

-<br />

والنهي عن املنكر فرقا بني املؤمنني واملنافقني،‏ فدل على أن أَخَ‏<br />

ورأسها الدعاء إَل الإسالم والقتال عليه[‏<br />

وذكر هاتني اآليتني<br />

-<br />

.<br />

3<br />

أ =<br />

و<strong>في</strong>ما يتعلق ابالعتصام ابلكتاب والسنة فإن األمر والنهي يتخلان صورا،‏ منها:‏<br />

‏]فجعل تعاَل األمر ابملعروف<br />

م أوصاف املؤمن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏<br />

اجلهاد يف سبيل هللا:‏ بقتال الكفار واملرتدين احملاربني هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ املهددين هلذا الدين وأهله،‏<br />

فهذا من أعظم أسباب حفظ الدين،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَفَسَدَ‏ ‏ْت<br />

األَرْ‏ ‏ُض{‏ ، 4 وقال<br />

تعاَل:‏ ‏}الَّذِينَ‏ أُخْرِ‏ جُوا مِنْ‏ دِيَارِ‏ هِمْ‏ بِغَيْرِ‏ حَق ٍ إِال أَنْ‏ يَقُولُوا رَ‏ بُّنَا ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ لَوْ‏ الَ‏ دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَهُدِمَ‏ ‏ْت<br />

صَوَ‏ امُِْ‏ وَ‏ بِيٌَْ‏ وَ‏ صَلَوَ‏ اتٌ‏ وَ‏ مَسَاجِ‏ دُ‏ يُذْكَرُ‏ قِيهَا اسْمُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

كما ذكر القرطيب آنفا،‏ وكما قال ابن تيمية . 6<br />

ب =<br />

ً كَثِيرا{‏ ، 5 واجلهاد هو رأس األمر ابملعروف والنهي عن املنكر<br />

اجلرح والتعديل:‏ وهو العلم الذي اخت هللا تعاَل به املسلمني،‏ وهداهم إليه ليحفظوا به سنة نبيهم صلى هللا<br />

عليه وسلم وابلتايل الشريعة ككل،‏ وقد افتتح معظم<br />

أئمة اجلرح والتعديل كتبهم بقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

7<br />

‏»حيمل هذا العلم من كل خلف عدوله،‏ ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وأتويل اجلاهلني«‏ ، واحلديث وإن<br />

كان بصيغة اخلرب إال أنه ي<strong>في</strong>د األمر بذلك،‏ ووجدت ابن أيب حامت الرازي قد رواه يف كتابه ‏)اجلرح والتعديل(‏ بصيغة<br />

األمر هكذا ‏»ليحمل هذا العلم..«‏<br />

9<br />

احلديث . والذي أحب أن أنبه عليه هنا،‏ هو أن هذا العلم ال يصح أن ي ‏ُغْلق اببه<br />

وإن كان قد أمهل زمنا إذ احلاجة إليه ال تنقطع لوجود الغالني واملبطلني واجلاهلني يف كل جيل ولذلك ن<br />

احلديث<br />

268<br />

.24<br />

- 1 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي(‏ 22 / 2<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

71<br />

- 3 ‏)تفسري القرطيب )47 / 4<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

251<br />

41<br />

- 6 ( جمموع الفتاوى )126 / 29<br />

- 7 وقد صصحه أمحد بن حنبل<br />

- 9 ‏)اجلرح والتعديل ط حيدر آابد الدكن 1371 ه ج<br />

2 ص )17


على وجوب القيام على هؤالء يف كل جيل بقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»من كل خلف«.‏ وحنن يف هذا الزمان أحوج<br />

ما نكون إَل أداء هذا الواجب لتفشي الشبهات والضالالت.‏<br />

ج =<br />

القيام على أهل البدع:‏ قال الشاطيب رمحه هللا يف االعتصام:‏ ‏]احلكم يف القيام على أهل البدع من اخلاصة أو<br />

العامة،‏ وهذا ابب كبري يف<br />

-<br />

-<br />

الفقه،‏ تعلق هبم من جهة جنايتهم على الدين وفسادهم يف األرض وخروجهم عن جادة<br />

الإسالم إَل أن قال فنقول:‏ إن القيام عليهم ابلتثريب أو التنكيل أو الطرد أو الإبعاد أو الإنكار هو حبسب حال<br />

البدعة يف نفسها من كوهنا عظيمة املفسدة يف الدين،‏ أم ال وكون صاحبها مشتهراً‏ هبا أو ال،‏ وداعيا إليها أو ال،‏<br />

ومستظهراً‏ ابألتباع وخارجا عن الناس أو ال،‏ وكونه عامال هبا على جهة اجلهل أو ال.‏<br />

وكل من هذه األقسام له حكم اجتهادي خيصه،‏ إذ مل ‏َيت يف الشرع يف البدعة حَدٌّ‏ ال يُزاد عليه وال يُنق<br />

منه،‏ كما<br />

جاء يف كثري من املعاصي،‏ كالسرقة واحلِرابة والقتل والقذف واجلِراح واخلمر وغري ذلك.‏ ال جرم أن اجملتهدين من األمة<br />

نظروا <strong>في</strong>ها حبسب النوازل،‏ وحكموا ابجتهاد الرأي،‏ تفريعا على ما تقدم هلم يف بعضها من الن ، كما جاء يف اخلوارج<br />

من األثر بقتلهم،‏ وما جاء عن عمر بن اخلطاب يف صبيغ العراقي.‏<br />

فخرج من جمموع ما تكلم <strong>في</strong>ه العلماء أنواع ‏)أحدها(‏ الإرشاد والتعليم وإقامة احلجة كمسألة ابن عباس رضى هللا عنهما<br />

حني ذهب إَل اخلوارج فكلمهم حىت رجع منهم ألفان أو ثالثة آالف.‏ ‏)والثاين(‏ اهلجران وترك الكالم والسالم حسبما<br />

تقدم عن مجلة من السلف يف هجراهنم ملن تلبس ببدعة،‏ وما جاء عن عمر<br />

<br />

من قصة صبيغ العراقي.‏ و)الثالث(كما<br />

غَرمب عمر صبيغا وجيري جمراه السجن وهو.‏ ‏)الرابع(‏ كما سجنوا احلالج قبل قتله سنني عديدة.‏ ‏)واخلامس(‏ ذكرهم مبا<br />

هم عليه وإشاعة بدعتهم كي حيذروا،‏ ولئال يغرت بكالمهم،‏ كما جاء عن كثري من السلف يف ذلك.‏<br />

و)اخلامس(‏ القتال إذا انصبوا املسلمني وخرجوا عليهم كما قاتل علي<br />

<br />

اخلوارج وغريه من خلفاء السنة.‏ ‏)والسابع(‏<br />

القتل إن مل يرجعوا مع االستتابة وهو قد أظهر بدعته وأما من أَسَرمها وكانت كفرا أو ما يرجع إليه فالقتل بال استتابة<br />

وهو ‏)الثامن(‏ ألنه من ابب النفاق كالزاندقة.‏ ‏)والتاسع(‏ تكفري من دل الدليل على كفره،‏ كما إذا كانت البدعة صرحية<br />

يف الكفر كالإابحية والقائلني ابحللول كالباطنية.‏ ( الوجه العاشر(‏ وذلك أنه ال يرثهم ورثتهم من املسلمني وال يرثون<br />

أحدا منهم،‏ وال يغسلون إذا ماتوا،‏ وال يُصَلمى عليهم وال يُدْفَنون يف مقابر املسلمني،‏ ما مل يكن املسترت،‏ فإن املسترت<br />

حيُ‏ كم له حبكم الظاهر،‏ وورثته أعرف ابلنسبة إَل املرياث.‏ ‏)واحلادي عشر(‏ األمر أبن ال يناكحوا،‏ وهو من انحية<br />

اهلجران،‏ وعدم املواصلة.‏ ( والثاين عشر(‏ جترحيهم على اجلملة،‏ فال تُقبل شهادهتم وال روايتهم،‏ وال يكونون والة وال<br />

قضاة،‏ وال ينصبون يف منصب العدالة من إمامة أو خطابة.‏ ‏)والثالث عشر(‏ ترك عيادة مرضاهم،‏ وهو من ابب الزجر<br />

والعقوبة.‏ ‏)والرابع عشر(‏ ترك شهود جنائزهم كذلك.‏ ‏)واخلامس عشر(‏ الضرب كما ضرب عمر رضي هللا عنه صبيغا.‏<br />

وروي عن مالك<br />

<br />

عنه يف القائل ابملَخْلوق:‏ أنه يوجع ضراب ويسجن حىت املوت.‏ ورأيت يف بعض تواريخ بغداد عن<br />

269


الشافعي أنه قال:‏ حُكْمي يف أصحاب الكالم أن يضربوا ابجلرائد،‏ وحيملوا على الإبل،‏ ويطاف هبم يف العشائر<br />

والقبائل ويقال:‏ هذا جزاء عن ترك الكتاب والسنة،‏ وأخذ يف الكالم،‏ يعين أهل البدع.‏ انتهى ابختصار يسري[‏ . 1<br />

قلت:‏ وما ذكره الشاطيب من قتل الزانقة بال استتابة <strong>في</strong>ه خالف يُراجع بكتب الفقه،‏ أبواب الردة.‏ كذلك ما ذكره من<br />

أحكام يف حق املبتدعة<br />

ختتلف حسب حال املبتدع وحال املُنْكِر عليه،‏<br />

فبالنسبة للمبتدع<br />

يُنظر هل هو مظهر<br />

لبدعته أم مسترت هبا؟ وهل هو داعية أم ومُقَلِّد؟ وهل هو ممتنع بشوكة أم مقدور عليه؟ وابلنسبة للمُنْكِر عليه يراعى<br />

أمران القدرة على الإنكار واحتمال أخف املفسدتني فال يدفع املفسدة أبشد منها.‏ وقد فَصمل ابن تيمية رمحه هللا هذه<br />

املسألة فراجعها يف ‏)جمموع الفتاوى<br />

213 / 29<br />

219(. قلت:‏ ويف غياب دولة الإسالم ال أقل من نصح أهل البدع فإن<br />

مل يرجعوا فهجراهنم وبدعهم،‏ مع جترحيهم وحتذير الناس منهم قال تعاَل:‏ ‏}ال تَجِ‏ دُ‏ قَوْ‏ م ‏ًا يُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ ‏ِر<br />

2<br />

يُوَ‏ ادُّونَ‏ مَنْ‏ حَادَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَانُوا آبَاءَهُمْ{‏ اآلية .<br />

وقد وردت طائفة طيبة من أقوال السلف يف ذم املبتدعة ووجوب هجراهنم والتحذير منهم . 3<br />

قلت:‏ وال خيفى أن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أوسع مما ذكرت،‏ وقد اقتصرت هنا على ما يتعلق مبوضوعنا<br />

‏)االعتصام ابلكتاب والسنة(،‏ فالفساد الذي يهدد الدين إما أن ‏َيِت من خارج األمة وهذا يدفع ابجلهاد،‏ وإما أن أبِت<br />

من داخلها من املنتسبني إَل هذا الدين،‏ وهذا يدفع ابجلرح والتعديل ويدفع ابلقيام على أهل البدع على تفصيل وكل<br />

هذا واجب.‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَفَسَدَتْ‏ األَرْ‏ ضُ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ذُو قَضْلٍ‏ عَلَى<br />

الْعَالَمِينَ{‏ . 4<br />

‏)خالصة ) ما سبق،‏ هو أن أصول االعتصام ابلكتا والسنة ‏)وهو منهج أهل السنة واجلماعة(‏ مثانية،‏ وهي مرتتبة<br />

بعضها على بعض،‏ وهي من استنباطي وهللا أعلم ابلصواب وهي:‏<br />

األول:‏ عموم الرسالة،‏ وبقاء الشريعة إىل يوم القيامة،‏ قال تعاَل:‏<br />

يفِ‏ اآلخِ‏ رَةِ‏ مِنْ‏ اخلَْاسِ‏ رِينَ{‏ . 5<br />

الثاين:‏<br />

َ<br />

{<br />

6<br />

اكتمال الشريعة واستغناؤها عما عداها،‏ قال تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُمْ{‏ .<br />

وَمَنْ‏ ي ‏َبْتَغِ‏ غَريَْ‏ الإِسْالمِ‏ دِينًا فَلَنْ‏ ي ‏ُقْبَل مِنْهُ‏ وَهَُو<br />

54<br />

- 1 ‏)االعتصام للشاطيب ج 1 ص<br />

- 2 سورة اجملادلة،‏ اآلية:‏<br />

)177<br />

174<br />

22<br />

3<br />

- تراجع ىف كتاب ‏)شرح اعتقاد أهل السنة للاللكائي،‏ ط دار طيبة ج 1 ص<br />

76( ويف كتاب ‏)تلبيس ابليس،‏ البن اجلوزي،‏ ط مكتبة املدين،‏ ص<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

128<br />

15<br />

22( و ‏)االعتصام للشاطيب<br />

141( ويف كتاب ‏)الشريعة،‏ لآلجري،‏ ط أنصار السنة ص<br />

.)131 / 1<br />

251<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

95<br />

3<br />

271


الثالث:‏<br />

ال حيل ملسلم أن يدُقْدِم على أمر قبل معرفة حكم الشريعة <strong>في</strong>ه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}ال تُقَدِمُوا بَيْنَ‏ يَدَيْ‏<br />

‏َّللاَّ‏ ِ<br />

1<br />

وَ‏ رَ‏ سُولِهِ{‏ ، فال جيوز تقدمي العقل،‏ على النقل ‏)أي النصوص الشرعية(،‏ وال جيوز تقدمي دليل شرعي على آخر أقوي<br />

منه،‏ وال يلتفت إَل ما ليس بدليل شرعي مما أشرت إليه من قبل.‏<br />

الرابع:‏ أنه إذا عَلِمَ‏ حكم الشريعة فليس له إال اإلنقياد التام الكامل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا<br />

قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ ً أَمْرا أَنْ‏ يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ{‏ ، 2 مع قوله تعاَل:‏ ‏}ثُمَّ‏ ال يَجِ‏ دُوا قِي أَنفُسِهِمْ‏ حَرَ‏ ج ‏ًا مِمَّا<br />

قَضَيْتَ‏ وَ‏ يُسَلِمُوا تَسْلِيم ‏ًا{‏ . 3<br />

وجو اخلامس:‏<br />

رد املتنازع<br />

<strong>في</strong>ه إىل الكتا والسنة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

وَ‏ الرَّ‏ سُولِ{‏ ، 4 وأن الشريعة حاكمة على أقوال الناس وأفعاهلم ابلصحة أو ابلبطالن.‏<br />

السادس:‏ رد وإبطال كل ما خالف الشريعة من قول أو فعل أو حكم،‏ لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من<br />

عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد«‏ . 5<br />

السابع:‏ سد ذرائع اإلحداث يف الدين،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»وإايكم وحمدَثت األمور«.‏<br />

الثامن:‏ األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،‏ خاصة ما يتعلق ابالعتصام ابلكتاب والسنة.‏ وهو اجلرح والتعديل،‏ والقيام<br />

على أهل البدع،‏ واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل.‏<br />

ويتفرع من هله األصول الَمانية مسائل مرتتبة عليها،‏ منها ما يتعلق ابلعقائد أو ابألحكام أو هبما.‏ فمما يتعلق<br />

ابلعقائد:‏ وجوب اتباع عقيدة أهل السنة واجلماعة وجتدها يف كتب مثل،‏ ‏)السنة(‏ البن أيب عاصم،‏ و)شرح اعتقاد أهل<br />

السنة(‏ للاللكائي،‏ و)شرح العقيدة الطحاوية(‏ و ( العقيدة الواسطية ) البن تيمية وشروحها،‏ و)معارج القبول(‏ حلافظ<br />

حكمي(،‏ و)‏ فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد(‏ لعبد الرمحن بن حسن.‏ وتوجد مؤلفات لبعض الكتاب املعاصرين<br />

يذكرون مذاهب األشاعرة وغريهم ويسموهنا مذهب أهل السنة،‏ فال يفوتين هنا أن أحذر املسلمني من هذا وعليهم<br />

مبطالعة العقيدة من كتب السلف ‏)كاليت أشرت إليها(‏ قبل مطالعة كتب املعاصرين حىت يعرفوا وجه احلق،‏ والدين<br />

النصيحة.‏<br />

ومما يتعلق ابألحكام:‏ مسألة جواز التقليد وعدم وجوبه،‏ ومسألة االجتهاد،‏ وستأتيان.‏<br />

ومما يتعلق هبما:‏ وجوب األخذ حبديث اآلحاد يف العقائد واألحكام،‏ وستأِت.‏<br />

- 1 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

270<br />

1<br />

36<br />

65<br />

58<br />

- 5 رواه مسلم عن عائشة


‏)مسألة(‏ حديث اآلحاد حجة <strong>في</strong> العقائد واألحكام.‏<br />

هذا أحد املعامل اهلامة يف منهج أهل السنة واجلماعة،‏ وركن من أركان االعتصام ابلكتاب والسنة.‏<br />

يقول شارح العقيدة الطحاوية:‏ ‏]وخرب الواحد إذا تلقته األمة ابلقبول،‏ عمال به وتصديقا له:‏ ي<strong>في</strong>د العلم ‏)اليقيين(‏ عند<br />

مجاهري األمة،‏ وهو أحد قسمي املتواتر.‏ ومل يكن بني سلف األمة يف ذلك نزاع،‏ كخرب عمر بن اخلطاب<br />

‏»إَّنا <br />

األعمال ابلنيات«،‏ وخرب ابن عمر رضي هللا عنهما:‏ ‏»هنى عن بيع الوالء وهبته«،‏ وخرب أيب هريرة:‏ ‏»ال تنكح املرأة<br />

على عمتها وال على خالتها«،‏ وكقوله:‏ ‏»حيرم من الرضاع ما حيرم من النسب«،‏ وأمثال ذلك.‏ وهو نظري خرب الذي<br />

أتى مسجد قباء وأخرب أن القبلة حتولت إَل الكعبة،‏ فاستداروا إليها.‏<br />

وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرسل رسله آحادا،‏ ويرسل كتبه مع اآلحاد،‏ ومل يكن املرسل إليهم يقولون ال<br />

نقبله ألنه خرب واحد!‏<br />

1<br />

وقد قال تعاَل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِ‏ ‏ِه{‏ . فال<br />

2<br />

بد أن حيفظ هللا حججه وبيناته على خلقه،‏ لئال تبطل حججه وبيناته[‏ . ويقول الشيخ األلباين:‏ ‏]حديث اآلحاد<br />

حجة يف العقائد واألحكام:‏ إن القائلني أبن حديث اآلحاد ال تثبت به عقيدة،‏ يقولون يف الوقت نفسه أبن األحكام<br />

الشرعية تثبت حبديث اآلحاد وهم هبذا قد فرقوا بني العقائد واألحكام،‏ فهل جتد هذا التفريق يف النصوص املتقدمة من<br />

الكتاب والسنة؟ كال وألف كال،‏ بل هي بعمومها وإطالقاهتا تشمل العقائد أيضا،‏ وتوجب اتباعه صلى هللا عليه وسلم<br />

<strong>في</strong>ها،‏ ألهنا بال شك مما يشمله قوله:‏ ‏}أمرا{‏ يف آية:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ أَمْر ً ا أَنْ‏<br />

3<br />

يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ{‏ ، وهكذا أَمْرُه تعاَل إبطاعة نبيه صلى هللا عليه وسلم والنهي عن عصيانه،‏ والتحذير<br />

من خمالفته وثناؤه على املؤمنني الذين يقولون عندما يُدْعَون للتحاكم إَل هللا ورسوله:‏ مسعنا وأطعنا،‏ كل ذلك يدل<br />

4<br />

على وجوب طاعته واتباعه صلى هللا عليه وسلم يف العقائد واألحكام،‏ وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا آتَاكُمْ‏ الرَّ‏ سُولُ‏ قَخُذُوهُ{‏<br />

فإن ‏}ما{‏ من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم.‏ وأنت لو سألت هؤالء القائلني بوجوب األخذ حبديث اآلحاد<br />

يف األحكام عن الدليل عليه،‏ الحتجوا هبذه اآلايت السابقة وغريها مما مل نذكره اختصارا،‏ وقد استوعبها الإمام<br />

الشافعي رمحه هللا تعاَل يف كتابه ‏)الرسالة(‏ فلرياجعها من شاء،‏ فما الذي محلهم على استثناء العقيدة من وجوب<br />

األخذ هبا وهي داخلة يف عموم اآلايت؟ إن ختصيصها ابألحكام دون العقائد ختصي<br />

وما لزم منه ابطل فهو ابطل[‏ . 5<br />

بدون خمص ، وذلك ابطل،‏<br />

411<br />

388<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

33<br />

- 2 ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص<br />

- 3 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة احلشر،‏ اآلية:‏<br />

36<br />

7<br />

52 51 ص-‏ 5<br />

272


وقال الشيخ األلباين:‏ ‏]واحلق أن التفريق بني العقيدة واألحكام يف وجوب األخذ <strong>في</strong>ها حبديث اآلحاد فلسفة دخيلة يف<br />

الإسالم،‏ ال يعرفها السلف الصاحل وال األئمة األربعة الذين يقلدهم مجاهري املسلمني يف العصر احلاضر[‏ . 1<br />

وملزيد من التفصيل يراجع كتاب ‏)أخبار اآلحاد(‏ من صحيح البخاري ‏)فتح الباري<br />

وحجيته من ‏)الرسالة(‏<br />

للشافعي،‏ حتقيق أمحد شاكر ص<br />

231 / 13<br />

471<br />

368<br />

ابلقبول،‏ معظم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم اليت مل يتكلم <strong>في</strong>ها أحد من أهل العلم.‏<br />

244( وابب خرب الواحد<br />

ومما بدخل يف خرب الواحد الذي تلقته األمة<br />

‏)مسألة(‏ التقليد المذهبي جائز وليس بواجب على كل أحد.‏<br />

أ = التقليد:‏ هو العمل بقول الغري من غري حجة.‏<br />

ب =<br />

وكونه حائزا ف<strong>في</strong> حق العامي الذي ال ميكنه فهم الدليل،‏ قال الشيخ األلباين:‏ ‏]قال ابن عبد الرب عقب ما سبق<br />

عنه ملخصا:‏ ‏]وهذا كله لغري العامة،‏ فإن العامة البد هلا من تقليد علمائها عند النازلة تنزل هبا،‏ ألهنا ال تتبني موقع<br />

احلجة،‏ والتصل لعدم الفهم إَل علم ذلك،‏ ألن<br />

العلم درجات ال سبيل منها إَل أعالها إال بنيل أسفلها،‏ وهذا هو<br />

احلائل بني العامة وبني طلب احلجة،‏ وهللا أعلم.‏ ومل ختتلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها،‏ وأهنم املرادون بقول<br />

هللا عز وجل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ وأمجعوا على أن األعمى ال بد له من تقليد غريه ممن يتق<br />

مبعرفته ابلقبلة إذا أشكلت عليه،‏ فكذلك من ال علم له،‏ وال بصر مبعىن ما بدين به،‏ البد له من تقليد عامله،‏ وكذلك<br />

مل خيتلف العلماء أنه ال جيوز للعامة الفتيا،‏ وذلك وهللا أعلم جلهلها ابملعاين اليت منها جيوز التحليل والتحرمي والقول<br />

يف العلم[.‏<br />

على أنين أرى أن إطالق الكالم يف العامي،‏ وأنه البد له من التقليد ال خيلو من شيء ألنك،‏ إذا تذكرت أن التقليد<br />

هو العمل بقول الغري من غري حجة،‏ فمن السهل يف كثري من األحيان على بعض أذكياء العامة أن يعرف احلجة<br />

لوضوحها يف الن الذي بلغه،‏ فمن الذي يزعم أن مثل قوله<br />

والكفني«‏<br />

صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»التيمم ضربة واحدة للوجه<br />

ال تبني احلجة <strong>في</strong>ه هلم،‏ بل وملن دوهنم يف الذكاء؟ ولذلك فاحلق أن يقاال:‏ إن من عجز عن معرفة الدليل<br />

فهو الذي جيب عليه التقليد.‏ وال يكلف هللا نفسا إال وسعها[‏ أ ه . 2<br />

ج = فإذا جاز التقليد للعامي،‏ فإنه ال جيب عليه أن يقلد مذهبا بعينه يف كل أمر فإن احلق ليس حمصورا يف مذهب<br />

واحد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ ‏ِر{‏ ، 3 فعلم<br />

من هذه اآلية أنه ال عصمة يف قول أحد بعد هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ بل كل أحد بعد النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم يؤخذ من قوله ويرد.‏ وقال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض املذاهب املعروفة أم ال؟ <strong>في</strong>ه<br />

273<br />

54 ص-‏ 1<br />

نقال عن كتاب ‏)احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام(‏ للشيخ األلباين،‏ وقد أورد األدلة على ما قاله وفند شبهات املخالفني،‏<br />

والكتاب ن<strong>في</strong>س أنصح كل مسلم بقراءته.‏<br />

- 2 نقال عن كتاب ‏)احلديث حجة بنفسه لأللباين ص<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

)96 ،95<br />

58


مذهبان،‏ أحدمها:‏ ال يلزمه،‏ وهو الصواب املقطوع به،‏ إذا ال واجب إال ما أوجبه هللا ورسوله،‏ ومل يوجب هللا وال رسوله<br />

على أحد من الناس أن يتمذهب مبذهب رجل من األمة <strong>في</strong>قلده دينه دون غريه،‏ وقد انطوت القرون الفاضلة مربأة مُربَمأ<br />

أهلها من هذه النسبة،‏ بل ال يصح للعامي مذهب ولو متذهب به،‏ فالعامي ال مذهب له،‏ ألن املذهب إَّنا يكون ملن<br />

له نوع نظر واستدالل،‏ ويكون بصريا ابملذاهب إَل أن قال وال يلزم أحدا قط أن يتمذهب مبذهب رجل من األمة<br />

حبيث ‏َيخذ أقواله كلها ويدع أقوال غريه.‏ وهذه بدعة قبيحة حدثت يف األمة،‏ مل يقل هبا أحد من أئمة الإسالم،‏ وهم<br />

1<br />

أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم ابهلل ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك[أه .<br />

وقال ابن القيم أيضا:‏ ‏]وعلى هذا فله أ ي العامي أن يست<strong>في</strong>ت من شاء من أتباع األئمة األربعة وغريهم،‏ وال جيب<br />

عليه وال على امل<strong>في</strong>ت أن يتقيد أبحد من األئمة األربعة إبمجاع األمة.‏ كما ال جيب على العامل أن يتقيد حبديث أهل بلده<br />

2<br />

أو غريه من البالد،‏ بل إذا صح احلديث وجب عليه العمل به[‏ .<br />

د = وقال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب،‏ فإن اتب وإال قتل،‏ وإن قال:‏ ينبغي،‏ كان<br />

3<br />

جاهال ضاال[‏ .<br />

قلت:‏ وتوجيه هذا القول أنه ال يتبع يف كل أمر إال هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم فمن أسبغ هذه املنزلة ألحد<br />

من الناس مهما بلغ قدره فقد ساواه ابهلل أو برسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ وهذا كفر.‏ قال تعاَل:‏ ‏}ثُمَّ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا<br />

4<br />

بِرَ‏ ب ‏ِهِمْ‏ يَعْدِلُونَ{‏ .<br />

كذلك من أوجب متابعة إمام بعينه يف كل أمر فقد كفر لِرَدِّه قول هللا تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْءٍ‏ قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

وَ‏ الرَّ‏ سُولِ{‏<br />

5<br />

. ومل تذكر اآلية أحدا بعد هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

ويقول الشيخ األلباين يف كلمته إَل الشباب ‏]أن تنتبهوا ألمر خَفِيَ‏ على كثري من الشباب املؤمن املثقف فضال عن<br />

غريهم،‏ وهو أهنم يف الوقت الذي علموا <strong>في</strong>ه بفضل جهود وكتاابت بعض الكتاب الإسالميني،‏ مثل سيد قطب رمحه<br />

هللا تعاَل والعالمة املودودي حفظه هللا وغريمها،‏ أن حق التشريع إَّنا هو هلل تعاَل وحده ال يشاركه <strong>في</strong>ه أحد من البشر<br />

أو اهليآت،‏ وهو ما عربوا عنه ب ‏)احلاكمية هلل تعاَل(‏ وذلك صريح تلك النصوص املتقدمة يف أول هذه الكلمة من<br />

الكتاب والسنة.‏ أقول:‏ يف الوقت هذا نفسه فإن كثريا عن هؤالء الشباب مل ينتبه بعد أن املشاركة املنا<strong>في</strong>ة ملبدأ احلاكمية<br />

274<br />

.333<br />

- 1 ‏)إعالم املوقعني(‏ .262 / 4<br />

- 2 ‏)إعالم املوقعني(‏ 263 / 4<br />

- 3 ( االختيارات الفقهية(‏ ص<br />

- 4 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

1<br />

58


هلل تعاَل،‏ ال فرق <strong>في</strong>ها بني كون البشر املتبع من دون هللا مسلما أخطأ يف حكم من أحكام هللا،‏ أو كافرا نصب نفسه<br />

مشرعا مع هللا،‏ وبني كونه عاملا أو جاهال،‏ كل ذلك ينايف املبدأ املذكور الذي آمن به الشباب واحلمد هلل تعاَل[‏ . 1<br />

وراجع أيضا ابب ‏)من أطاع العلماء واألمراء يف حترمي ما أحل هللا أو حتليل ما حرم هللا،‏ فقد اختذهم أراباب من دون هللا(‏<br />

من كتاب ( فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد(‏ ط أنصار السنة ص<br />

.393<br />

، 3<br />

ه = فاملقلد مىت ظهر له أن احلق يف خالف مذهبه وجب عليه الرجوع إليه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّمَا كَانَ‏ قَوْ‏ لَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏<br />

إِذَا دُعُوا إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ‏ أَنْ‏ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ‏ أََِعْنَا وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏<br />

الْمُفْلِحُو ‏َن{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏<br />

لِمُؤْ‏ مِنٍ‏ وَ‏ ال مُؤْ‏ مِنَةٍ‏ إِذَا قَضَى ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ ً أَمْرا أَنْ‏ يَكُونَ‏ لَهُمْ‏ الْخِ‏ يَرَ‏ ةُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِمْ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَعْصِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ قَقَدْ‏ ضَ‏ ‏َّل<br />

ضَالال مُبِينًا{‏ فإن هللا تعاَل أوجب متابعته سبحانه ومتابعة رسوله صلى هللا عليه وسلم يف كل أمر وهذه منزلة<br />

ليست ألحد بعد النيب صلى هللا عليه وسلم فإن كان قول العامل خمالفا للحق الثابت ابلدليل رددانه ومل ن ‏َعْمل به،‏ وهنََيْنَا<br />

غريان عن العمل به،‏ لقول النيب : ‏»من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد«‏ . 4 وقال الشافعي رمحه هللا:‏ ‏]أمجع<br />

املسلمون على أن من استبان له سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

أئمة املذاهب األربعة املشهورة وغريها.‏<br />

وروي ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم بسنده عن ابن مسعود<br />

<br />

مل حيل له أن يدعها لقول أحد«‏ ، 5 وهذا هو قول<br />

قال:‏ ‏)أال ال يقلدن أحدكم دينه رجال إن آمن<br />

آمن وإن كفر كفر،‏ فإنه ال أسوة يف الشر(‏ وقد ذكر العالمة الشنقيطي فصوال انفعة يف التقليد وما جيوز منه وما يذم<br />

6<br />

يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}أَقَال يَتَدَبَّرُ‏ ونَ‏ الْقُرْ‏ آنَ‏ أَمْ‏ عَلَى قُلُوبٍ‏ أَقْفَالُهَا{‏ ، من سورة حممد صلى هللا عليه وسلم بتفسريه<br />

أضواء البيان ‏)ج وما بعدها(.‏<br />

واملقصد هنا التحذير من التعصب ملذهب أو لرجل حي أو ميت فال ينبغي للمسلم أن يستمسك أبدا إال ابلكتاب<br />

والسنة أي ابلدليل الشرعي،‏ أما التعصب للمذاهب وللرجال حبق وبباطل فهو من خصال اجلاهلية املذمومة،‏ كما قال<br />

7<br />

.<br />

7 ص 429<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا قِي ‏َل لَهُمْ‏ اتَّبِعُوا مَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَالُوا بَلْ‏ نَتَّبُِْ‏ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ‏ آبَاءَنَا{‏<br />

وللشيخ حممد احلامد رسالة بعنوان ‏)لزوم اتباع مذاهب األئمة حسما للفوضى الدينية(‏ أوجب <strong>في</strong>ها تقليد جمتهد<br />

1<br />

9<br />

‏ِبصوصه . واستدل بقوله تعاَل:‏ ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ ، واآلية ليس <strong>في</strong>ها وجوب تقليد عامل<br />

275<br />

.86<br />

59<br />

36<br />

51<br />

24<br />

171<br />

9<br />

- 1 من كتابه ‏)احلديث حجة بنفسه(‏ ص<br />

- 2 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- 4 متفق عليه عن عائشة<br />

- 5 ‏)إيقاظ مهم أويل األبصار(‏ للفالين ص<br />

- 6 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

: 42 ص-‏


بعينه أو مذهب بعينه كما أسلفنا،‏ ومل يستدل على إجيابه للتقليد بغري هذه اآلية يف كل رسالته،‏ فال دليل له.‏ كما قال<br />

ابن القيم:‏ إنه ال يوجد ن كتاب أو سنة يوجب تقليد مذهب بعينه.‏ والرسالة املذكورة . 2 وهبذا تعلم أنه ال يوجد<br />

دليل يوجب تقليد مذهب بعينه.‏<br />

‏)مسألة(‏ ونرى أن االجتهاد ماض ال ينقطع ولن تخلو األرض من قائم هلل<br />

بحجة<br />

لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />

3<br />

‏َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس«‏ ، وروى مسلم عن ثوابن مرفوعا:‏ ‏»»ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق<br />

ال يضرهم من خذهلم حىت ‏َيِت أمر هللا وهم كذلك«.‏<br />

والطائفة تطلق على الواحد فما فوقه،‏ فاحلديث ن<br />

يف أن األرض ال ختلو من قائل ابحلق،‏ قائم ابحلجة،‏ وهذه رمحة<br />

من هللا تعاَل ‏ِبلقه،‏ وحجة على املعاندين الزائغني.‏ وقال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال<br />

تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق«،‏ وقال على بن أيب طالب كرم هللا وجهه ورضي هللا عنه:‏ ‏)لن ختلو األرض من<br />

4<br />

قائم هلل حبجة لكي ال تبطل حجج هللا وب ‏َيِّنَاته([‏ .<br />

ومن املعلوم أن النصوص متناهية،‏ وأن األحداث تتجدد،‏ منها ما حبثه السلف يف الوقائع املُفْرتَ‏ ضة ومنها ما مل يبحثوه،‏<br />

فالبد من وجود اجملتهد الذي يستنبط أحكام هذه األحداث املتجددة،‏ وإال ختبط الناس يف اجلهل وانقطعت حجة هللا<br />

على خلقه.‏<br />

وقال صاحب كتاب فتح اجمليد يف شرح حديث الطائفة املنصورة ‏]واحتج به الإمام أمحد على أن الإجتهاد ال ينقطع<br />

5<br />

مادامت هذه الطائفة موجودة[‏ ، قلت:‏ وهذا هو قول أكثر احلنابلة وآخرين خالفا للجمهور الذين جَومزوا خلو الزمان<br />

عن جمتهد،‏ وحجة اجلمهور حديث عبد هللا بن عمرو يف قبض العلم،‏ مرفوعا ‏»إن هللا ال ينزع العلم بعد أن أعطاكموه<br />

انتزاعا،‏ ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم،‏ <strong>في</strong>بقى انس جهال يُسْتَفْتَون <strong>في</strong>ُفْتون برأيهم <strong>في</strong>َضِلُّون ويُضِلُّون«‏ . 6<br />

قلت:‏ وحجة احلنابلة أقوى فهي مُثْبِتة واجلمع بني احلديثني <strong>في</strong>ما أرى وهللا أعلم ابلصواب أن العلماء الصاحلني يَقِلون<br />

يف كل جيل وكل طبقة عن ذي قبل،‏ ويكثر اجلهال املنتحلون للعلم،‏ ومع ذلك فالبد من وجود العلماء األثبات يف<br />

كل جيل وإن كان بقِلمة عما قبله.‏ وهذا اجلمع بني احلديثني يؤيده حديث أنس مرفوعا ‏»من أشراط الساعة أن يقل<br />

- 1 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

276<br />

43<br />

وسورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 طبع مكتبة املنار ابألردن الطبعة الثانية<br />

- 3 متفق عليه عن معاوية<br />

7<br />

- 4 إعالم املوقعني ج 4 ص 151<br />

- 5 ط أنصار السنة ص<br />

277<br />

- 6 رواه البخاري ‏)انظر فتح الباري ج 13 ص 296


«<br />

العلم ويظهر اجلهل«‏ ، 1 وروى عنه أيضا مرفوعا ‏»الَ‏ ‏َيَِْتِ‏ عَلَيْكُمْ‏ زَمَانٌ‏ إِالم المذِي ب ‏َعْدَهُ‏ شَرٌّ‏ مِنْهُ‏ حَىتم تَلْقَوْا رَبمكُ‏ ‏ْم«،‏ وقد<br />

ورد يف شرح هذا احلديث ما يبني املراد ابلشر،‏ فقال ابن حجر:‏ ‏]وقد استُشْكِل هذا الإطالق مع بعض األزمنة تكون<br />

يف الشر دون اليت قبلها ولو مل يكن يف ذلك إال زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد زمن احلجاج بيسري إَل أن قال ‏ُث<br />

وَجَدت عن عبد هللا بن مسعود التصريح ابملراد وهو أوَل ابلإتباع إَل أن قال ومن طريق الشعيب عن مسروق عنه<br />

ِ إِينّ‏ ال أَعْ‏ مِنْ‏ عَامٍ،‏<br />

قال ال ‏َيَِْتِ‏ عَلَيْكُمْ‏ زَمَانٌ‏ إِال وَهُوَ‏ أَرٌّ‏ ممِما كَانَ‏ قَبْلَهُ‏ أَمَا ينِ‏ أَمِريًا خَريًْا مِنْ‏ أَمِريٍ‏ وَال عَامًا أَخْصَبَ‏<br />

وَلَكِنْ‏ عُلَمَاؤُكُمْ‏ وَفُقَهَاؤُكُمْ‏ يَذْهَبُونَ‏ ‏ُثُم ال جتَِدُونَ‏ مِنْهُمْ‏ خَلَفًا وَجيَِيءُ‏ قَوْمٌ‏ ي ‏ُفْتُونَ‏ بِرَأْيِهِمْ«‏ ويف لفظ عنه من هذا الوجه<br />

‏»وما ذاك بكثرة األمصار وقلتها ولكن بذهاب العلماء،‏ ‏ُث حيدث قوم يُفتون يف األمور برأيهم فَيَثْلمون الإسالم<br />

2<br />

ويهدمونه«‏ .<br />

قلت:‏ أَما قبض العلماء إبطالق فال يكون إال مع هبوب الريح الطيبة اليت تقبض أرواح املؤمنني من األرض،‏ وذلك<br />

بعد نزول عيسى<br />

<br />

وموته،‏ <strong>في</strong>بقى شِ‏ رار اخللق عليهم تقوم الساعة،‏ وهبوب الريح هو أمد هذه الطائفة املنصورة،‏ وهكذا<br />

3<br />

كما رواه مسلم يف احملاورة اليت دارت بني عبد هللا بن عمرو وعقبة بن عامر رضي هللا عنهم .<br />

4<br />

وانظر كذلك اجلمع بني احلديثني يف كتاب ‏)الروض الباسم(‏ حملمد بن إبراهيم الوزير اليماين .<br />

وهناك فائدة أخرى يف اجلمع بني حديثي الطائفة املنصورة وقبض العلم÷،‏ وهو وجوب قيام العلماء األثبات املشار<br />

إليهم يف حديث الطائفة املنصورة بكشف ضالالت املضلني املذكورين يف حديث قبض العلم الذين يُضِلُّون الناس<br />

أبهوائهم وآرائهم،‏ وهكذا يستفاد أيضا من قول النيب صلى هللا عليه وسلم ‏»حيمل هذا العلم من كل خَلَفٍ‏ عدوله،‏<br />

ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وأتويل اجلاهلني«‏ وقد سبق الكالم <strong>في</strong>ه.‏<br />

وذهب الشيخ حممد احلامد يف رسالته املشار إليها آنفا إَل منع االجتهاد فقال:‏ ‏]والذي علينا علمه والعمل به،‏ وهو ما<br />

قرره فقهاؤان رمحهم هللا تعاَل من أن االجتهاد املطلق يف األحكام ممنوع بعد أن مَضَت أربعمائة سنة من هجرة سيدان<br />

وموالان حممد صلى هللا عليه وسلم ص 8[، وهو هنا ما يشري إليه ما ذكره ابن عابدين يف حاشيته 55/1، وال خيفى أن<br />

هذا القول خاصة حتديد هذا التاريخ ال يدل عليه كتاب أو سنة أو إمجاع،‏ بل هو معرتض حبديث الطائفة املنصورة<br />

وحديث اجملدد.‏ وقال الشيخ احلامد أيضا:‏ ‏]وال يَدمعِي االجتهاد املطلق يف زماننا إال انق<br />

العقل،‏ قليل العلم،‏ رقيق<br />

الدين ص‎11‎‏،‏ 12[، ‏ُث قال بعد ذلك:‏ ‏]على أنه ال مانع من االجتهاد للتعرف إَل أحكام جزئيه فرضية طارئة،‏ ولكن ال<br />

69<br />

- 1 رواه البخاري<br />

- 2 ‏)فتح الباري ج / 13 ص )21<br />

- 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />

- 4 ط دار املعرفة ‎1388‎ه ج<br />

13 ص 67<br />

1 ص 39<br />

277


يتقنه إال أفراد معدودون اآلن تتمخض عنهم<br />

البسطاء من الناس عاملا ص<br />

. 1 ]12<br />

بالد الإسالم وأقطاره،‏ وليس هو لكل من يرى نفسه عاملا أو يزعمه<br />

قلت:‏ وكما ترى فإن الشيخ احلامد مل يستطع أن ينكر مبدأ االجتهاد إبطالق،‏ فهذا ال جيوز ال شرعا لوجود النصوص<br />

املثبتة لذلك كما سبق،‏ وال عقال لتجدد احلوادث خاصة مع تطور املخرتعات احلديثة اليت تستلزم وجود جمتهد ي<strong>في</strong>ت<br />

الناس يف النوازل،‏ أضف إَل ذلك حسم اخلالف الفقهي يف كثري من املسائل،‏ وحنو ذلك.‏<br />

خاتمة<br />

أختم هذا املوضوع وهو ‏)وجوب الإعتصام ابلكتاب والسنة(‏ بقويل إن الغرض من إدراجي له يف هذه الرسالة،‏ هو أال<br />

ينخدع املسلمون بكل من رفع راية اجلهاد وإن مساها إسالمية حىت ينظروا يف عقيدته ومنهجه ومطابقة ذلك ملنهج<br />

أهل السنة واجلماعة الذي ذكرت أصوله <strong>في</strong>ما سبق،‏ فما خالف الدليل فهو رد.‏ فإذا صح املنهج ينظر بعد ذلك يف<br />

عملِهِ‏ هل يوافق قوله أم ال،‏ وهي قاعدة ‏)الإنقياد التام(‏ وقد سبق ذكرها،‏ فإن وافق العملُ‏ القولَ‏ فصاحبه حنسبه صادقا<br />

إن شاء هللا تعاَل،‏ وإن خالفه فهو كاذب متالعب بدين هللا خيادع الناس بقوله احلسن ويكذب فعلُه قولَه،‏ وهو من<br />

أهل مقت هللا وغضبه الذين يقولون ماال يفعلون،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يُخَادِعُونَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ مَا يَخْدَعُونَ‏ إِال أَنفُسَهُ‏ ‏ْم<br />

2<br />

وَ‏ مَا يَشْعُرُ‏ ونَ{‏ ، وروى الاللكائي بسنده عن الإمام مالك بن أنس قال:‏ ‏]مهما تالعبت به من شيء فال تالعَنبَم<br />

3<br />

أبمر دينك[‏ .<br />

وما ذكره يف هذه اخلامتة يقال أيضا يف املوضوع التايل ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ أعين صحة املنهج وموافقة العمل له.‏<br />

وأعود فأكرر وأقول إن اتباع منهج أهل السنة واجلماعة وهو االعتصام ابلكتاب والسنة هو وحده الذي حيفظ هذا<br />

الدين على أصوله املستقرة اليت كانت عليها مجاعة احلق األوَل والقرون املُفَضملة.‏ وتتضح أمهية ذلك إذا علمنا أن كثريا<br />

من املبادئ الكافرة يتم متريرها لدى املسلمني يف هذا الزمان عن طريق االستدالل الفاسد ابلنصوص،‏ والتأويل،‏ والعمل<br />

ابألقوال املرجوحة من أجل تغليف الكفر أبغلفة إسالمية ليُمَرمر لدى العامة واجلهلة،‏ من ذلك:‏<br />

أن الدميقراطية ال تتعارض مع الإسالم لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَمْرُ‏ هُمْ‏ شُورَ‏ ى بَيْنَهُ‏ ‏ْم{،‏ وأن االشرتاكية من<br />

الإسالم لقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَسْأَلُونَكَ‏ مَاذَا يُنفِقُونَ‏ قُلْ‏ الْعَفْ‏ ‏َو{،‏ وأن القوانني الوضعية ال أبس هبا ألن احلكمة ضالة املؤمن أىن وجدها<br />

فهو أوَل هبا،‏ وأن الراب جائز ألنه يدخل يف قوله صلى هللا عليه وسلم<br />

:<br />

‏»أَنْتُمْ‏ أَعْلَمُ‏ أبَِمْرِ‏ دُنْيَاكُمْ«،‏ وأنه ال جيوز التفريق<br />

بني الناس على أساس الدين وابلتايل ال تلزم اجلزية ألن ‏»الناس سواسية كأسنان املشط«‏ وهذا حبر ال ساحل،‏ وصدق<br />

هللا إذ يقول:‏ ‏}يُضِ‏ لُّ‏ بِهِ‏ كَثِير ً ا وَ‏ يَهْدِي بِهِ‏ كَثِير ً ا وَ‏ مَا يُضِ‏ لُّ‏ بِهِ‏ إِال الْفَاسِقِي ‏َن{‏ . 4<br />

- 1 رسالة لزوم اتباع مذاهب األئمة ط 2 مكتبة املنار ابألردن<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

278<br />

8<br />

- 3 ‏)شرح اعتقاد أهل السنة ط دار طيبة 145( / 1<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

26


والضابط يف االستدالل ابلنصوص هو فهم السلف الصاحل من الصحابة فمن بعدهم هلا،‏ وقواعد اللغة العربية من حنو<br />

وصرف وبالغة،‏ وقواعد أصول الفقه.‏ حىت ال حيَُرمف الكلم عن مواضعه.‏<br />

279


سادسا ‏)ملحق<br />

2(: معالم أساسية <strong>في</strong> الجهاد<br />

1<br />

إذا كان الإعتصام ابلكتاب والسنة حيفظ هذا الدين على أصوله املستقرة وحيميه من عبث املنتسبني إليه،‏ فإن اجلهاد<br />

يدفع عن هذا الدين وأهله أبس احملاربني له واخلارجني عليه،‏ وقد مجعتها آية احلديد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا رُ‏ سُلَنَا<br />

بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا مَعَهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ وَ‏ الْمِيزَ‏ انَ‏ لِيَقُومَ‏ النَّاسُ‏ بِالْقِسِِْ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا الْحَدِيدَ‏ قِيهِ‏ بَأْسٌ‏ شَدِيدٌ‏ وَ‏ مَنَاقُِْ‏ لِلنَّاسِ‏ وَ‏ لِيَعْلَ‏ ‏َم<br />

‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنْصُرُ‏ هُ‏ وَ‏ رُ‏ سُلَهُ‏ بِالْغَيْبِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَوِيٌّ‏ عَزِ‏ يزٌ‏ } . قال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان<br />

واحلديد،‏ كتاب يهدي به وحديد ينصره[‏<br />

2<br />

. وكرر رمحه هللا هذا الكالم يف عدة مواضع أشرت إليها من قبل.‏<br />

وسأذكر هنا إن شاء هللا تعاَل مَعَالِماً‏ تتناول دوافع اجلهاد وغايته وأمهيته يف قيام هذا الدين.‏ وبعض هذه املعامل خاصة<br />

اخلمسة األول هي يف حقيقتها جزء من عقيدة املسلمني تتعلق بقضاء هللا تعاَل وقدره،‏ وهي معامل البد أن يُلِم املسلم<br />

هبا ليدرك أساس صراعه مع الكافرين،‏ والغاية من جهاده وقتاله.‏ وميكننا أن نسمي هذه املعامل ابلعقيدة اجلهادية<br />

للمسلمني.‏<br />

فأي جيش ولو كان كافرا البد له من عقيدة قتالية<br />

على أساسها يقاتل اآلخرين،‏ ومن هنا كان جهاز التوجيه<br />

املعنوي أحد األجهزة الرئيسية يف كل اجليوش وإن اختلف امسه.‏ ومهمة هذا اجلهاز هي غرس هذه العقيدة يف نفوس<br />

اجلنود،‏ حىت إن اجليوش امللحدة والعلمانية خترتع لنفسها اعتقادا دافعا من وساوس الشياطني ‏}أَلَمْ‏ تَرَ‏ ى أَنَّا أَرْ‏ سَلْنَا<br />

3<br />

الشَّيَاِِينَ‏ عَلَى الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ تَؤُزُّ‏ هُمْ‏ أَزًّ‏ ا{‏ ، كاستعالء جنسيتهم على بقية األجناس،‏ وكنشر مبادئهم وحضارهتم يف<br />

الناس،‏ أو الدفاع عن األرض والقومية وحنو ذلك مما يدفعون به جنودهم إَل القتال.‏<br />

وهذه االعتقادات ألي جيش مؤمنا كان أو كافرا تصب يف هدف واحد،‏ وهو أن يؤمن اجلندي املقاتل أنه على ا ق<br />

وأن عدوه على الباطل<br />

<strong>في</strong>جب أن يقاتله.‏ انظر إَل ما قاله عمر بن اخلطاب<br />

<br />

للنيب صلى هللا عليه وسلم يوم<br />

4<br />

احلديبية،‏ قال عمر:‏ ‏)ألسنا على احلق وعدوان على الباطل قال صلى هللا عليه وسلم : بلى(‏ . وانظر كذلك إَل اعتقاد<br />

الكافرين أبهنم على احلق يف قوله تعاَل:‏ ‏}قَالُوا إِنْ‏ هَذَانِ‏ لَسَاحِ‏ ‏َرانِ‏ يُرِ‏ يدَانِ‏ أَنْ‏ يُخْرِ‏ جَاكُمْ‏ مِنْ‏ أَرْ‏ ضِ‏ كُمْ‏ بِسِحْرِ‏ هِمَا<br />

5<br />

وَ‏ يَذْهَبَا بَِِرِ‏ يقَتِكُمْ‏ الْمُثْلَى{‏ .<br />

أما عن اعتقادان يف اجلهاد كمسلمني فهو يتلخص <strong>في</strong>ما يلي:‏ إن هللا جل شأنه خلق اخللق،‏ وأمرهم مجيعا بعبادته<br />

أمرا شرعيا على ألسنة رسله،‏ فمنهم من آمن ومنهم من كفر،‏ وهكذا شاء سبحانه قدرا أن ينقسم خلقه إَل مؤمن<br />

281<br />

- 1 احلديد،‏ اآلية:‏ 25<br />

- 2 ( جمموع الفتاوي ) 36 /35<br />

- 3 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

93<br />

- 4 رواه البخاري 2732 ،2731<br />

- 5 سورة طه،‏ اآلية:‏<br />

63


وكافر،‏ ‏ُث سَلمط هللا سبحانه الفريقني بعضهم على بعض،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ‏ لِبَعْضٍ‏ قِتْنَة ً أَتَصْبِرُ‏ ونَ‏ وَ‏ كَا ‏َن<br />

رَ‏ بُّكَ‏ بَصِ‏ ً يرا{‏ ، 1 فسَلمط سبحانه الكافرين على املؤمنني ابألم ر القدري يفتنوهنم ويقاتلوهنم،‏ وسلط سبحانه املؤمنني<br />

على الكافرين ابألمر الشرعي يدعوهنم إَل اهلدى فمن أىب قوتل على هذا لتكون كلمة هللا هي العليا ويكون الدين كله<br />

هلل،‏ وحىت ال يُعبد يف األرض إال هللا وحده ال شريك له،‏ فصراع املؤمن ض د الكافر إَّنا هو لتحقيق ‏)ال اله إال هللا(.‏<br />

كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول<br />

3<br />

2<br />

هللا«‏ . وقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»بعثت بني يدي الساعة ابلسيف حىت يعبد هللا وحده ال شريك له«‏ . فاجلهاد<br />

وسيلة لتحقيق التوحيد.‏ وهكذا أراد املوَل سبحانه أن تكون هذه الدنيا دار ابتالء خيترب <strong>في</strong>ها خلق ه ليجازيهم أبعماهلم<br />

4<br />

يوم القيامة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ وَ‏ لَوْ‏ يَشَاءُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ النتَصَرَ‏ مِنْهُمْ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ لِيَبْلُوَ‏ بَعْضَكُمْ‏ بِبَعْ‏ ‏ٍض{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تُنْذِرَ‏ يَوْ‏ مَ‏<br />

الْجَمِْْ‏ ال رَ‏ يْبَ‏ قِيهِ‏ قَرِ‏ يقٌ‏ قِي الْجَنَّةِ‏ وَ‏ قَرِ‏ يقٌ‏ قِي السَّعِي ‏ِر وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لَجَعَلَهُمْ‏ أُمَّةً‏ وَ‏ احِ‏ دَةً‏ وَ‏ لَكِنْ‏ يُدْخِ‏ لُ‏ مَنْ‏ يَشَاءُ‏ قِي<br />

رَ‏ حْمَتِهِ‏ وَ‏ الظَّالِمُونَ‏ مَا لَهُمْ‏ مِنْ‏ وَ‏ لِي ٍ وَ‏ ال نَصِ‏ يرٍ‏ } 5 ، وهؤالء وأولئك كلهم خلقه وعبيده طوعا وكرها،‏ نواصيهم بيده،‏<br />

عدل <strong>في</strong>هم قضاؤه،‏ وحنن بقضائه وقدره مؤمنون،‏ وحبكمته موقنون،‏ وألمره الش رعي مطيعون،‏ سبحانه وتعاَل ال يُسأل<br />

عما يفعل وهم يُسألون.‏<br />

ونشرح ما سبق ب شيء من التفصيل يف عدة فق رات،‏ كما يلي:‏<br />

6<br />

‏)فقرة 1(<br />

قال هللا تعاىل:‏ ‏}وَ‏ مَا خَلَقْتُ‏ الْجِ‏ نَّ‏ وَ‏ اإلْ‏ ِ نسَ‏ إِال لِيَعْبُدُونِي{‏ ، والعبادة هي امتثال ما شرعه هللا تعاَل على ألسنة رسله<br />

عليهم السالم.‏ وما من أمة من خلق هللا إال وأَرْسَلَ‏ إليها رسوال،‏ قال تعاَل:‏ { وَ‏ لَقَدْ‏ بَعَثْنَا قِي ِ كُل أُمَّةٍ‏ رَ‏ ً سُوال أَ‏ ‏ْن<br />

9<br />

7<br />

اُعْبُدُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ اجْتَنِبُوا الَِّاغُوتَ‏ } ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ مِنْ‏ أُمَّةٍ‏ إِال خال قِيهَا نَذِي ‏ٌر{‏ ، هذا لتقوم حجة هللا تعاَل<br />

على خلقه منذ خَلْق آدم إَل يوم القيامة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}رُ‏ سُال مُبَشِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ مُنذِرِ‏ ينَ‏ لئَالَّ‏ يَكُونَ‏ لِلنَّاسِ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ حُجَّةٌ‏<br />

بَعْدَ‏ الرُّ‏ سُلِ{‏ . 8<br />

9<br />

- 1 سورة الفرقان،‏ اآلية:‏<br />

21<br />

- 2 متفق عليه<br />

- 3 رواه أمحد عن ابن عمر<br />

- 4 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

4<br />

- 5 سورة الشورى،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة الذارايت،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

56<br />

36<br />

24<br />

165<br />

280


)2<br />

والرسول يبعث يف أصل أمته الذين يعاصرونه ‏ُث ي ‏ُبَلِّغ أتباعه من أهل العلم رسالته م ن بعده،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَا ‏َن<br />

رَ‏ بُّكَ‏ مُهْلِكَ‏ الْقُرَ‏ ى حَتَّى يَبْعَثَ‏ قِي أُمِهَا رَ‏ ً سُوال يَتْلُوا عَلَيْهِمْ‏ آيَاتِنَا{‏ ، 1 ‏ُث بع د موته حيمل أتباعه أمانة البالغ حىت ال<br />

تنقطع حجة هللا تعاَل على خلق ه،‏ كما كان رسولنا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏»ليبلغ الش اهد منكم الغائب«،‏ وقال<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»بلغوا عين ولو آية«،‏ وقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»العلماء ورثة األنبياء«،‏ وق ال صلى هللا عليه<br />

وسلم:‏ ‏»ال تزال طائفة من أميت قائ مة أبمر هللا«.‏ وهذه األحاديث كلها صحيحة.‏<br />

واألمر ابلعباد أمر شرعي ‏)أ ي شرعه هللا على ألسنة رسله(‏ ويسمى الإرادة الشرعية الديني ة،‏ وال يلزم أن يستجيب له<br />

كل اخللق،‏ فاهلل سبحانه خلق اخللق لعبادته وأمرهم بذلك على ألسنة الرسل،‏ ‏ُث اخللق قد يعبدونه وقد ال يعبدونه.‏<br />

‏)فقرة<br />

قال تعالى:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ لَجَعَلَ‏ النَّاسَ‏ أُمَّةً‏ وَ‏ احِ‏ دَةً‏ وَ‏ ال يَزَ‏ الُونَ‏ مُخْتَلِفِي ‏َن إِالَّ‏ مَنْ‏ رَ‏ حِ‏ مَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ وَ‏ لِذَلِ‏ ‏َك<br />

خَلَقَهُمْ{‏ . 2<br />

أي خلقهم سبحانه لالختالف يف أدايهنم واعتقاداهتم وآرائ هم،‏ وهذا هو املشهور الصحيح من التفسري،‏ كما قال ابن<br />

كثري 2( .)465 /<br />

‏}إِ‏ من وقال تعاَل:‏<br />

الَّذِينَ‏ حَقَّ‏ تْ‏ عَلَيْهِمْ‏ كَلِمَةُ‏ رَ‏ ب ‏ِكَ‏ ال يُؤْ‏ مِنُو ‏َن وَ‏ لَوْ‏ جَاءَتْهُمْ‏ كُلُّ‏ آيَةٍ‏ حَتَّى يَرَ‏ وْ‏ ا الْعَذَابَ‏ األَلِي ‏َم قَلَوْ‏ ال<br />

كَانَتْ‏ قَرْ‏ يَةٌ‏ آمَنَتْ‏ قَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِال قَوْ‏ مَ‏ يُونُسَ‏ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ‏ عَذَابَ‏ الْخِ‏ زْ‏ يِ‏ قِي الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا وَ‏ مَتَّعْنَاهُمْ‏ إِلَى<br />

حِ‏ ينٍ‏ وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ آلمَنَ‏ مَنْ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ كُلُّهُمْ‏ جَمِيعًا أَقَأَنْتَ‏ تُكْرِ‏ هُ‏ النَّاسَ‏ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ فشاء الل ه جل<br />

وعال أن ينقسم خلقه إَل مؤمن به وكافر،‏ مشيئة ك ونية قدري ة ال تتخلف قال تع اَل:‏<br />

يَقُولَ‏ لَهُ‏ كُنْ‏ قَيَكُونُ{‏ ، 4 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ أَمْرُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ً قَدَرا ً مَقْدُورا{‏ . 5<br />

، 3<br />

‏}إِنَّمَا أَمْرُ‏ هُ‏ إِذَا أَرَ‏ ادَ‏ شَيْئ ‏ًا أَنْ‏<br />

فانقسم اخللق إَل مؤمن وكافر كما قال تعاَل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ قَمِنْكُمْ‏ كَاقِرٌ‏ وَ‏ مِنْكُمْ‏ مُؤْ‏ مِ‏ ‏ٌن{‏ ، 6 وذلك بعد ما كانوا<br />

مجيعا مؤمنني منذ خَلق آدم <br />

إَل أن وق ع الشرك يف بىن آدم،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا كَانَ‏ النَّاسُ‏ إِال أُمَّة ً وَ‏ احِ‏ دَة ً<br />

قَاخْتَلَفُوا{‏ ، 7 قال ابن كثري:‏ ‏]قال ابن عباس:‏ كان بني آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسالم ‏ُث وق ع االختالف<br />

بني الناس وعبدت األصنام واألنداد واألوَثن،‏ فبعث هللا الرسل ‏ِبايته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة ‏}لِيَهْلِ‏ ‏َك<br />

مَنْ‏ هَلَكَ‏ عَنْ‏ بَي ‏ِنَةٍ‏ وَ‏ يَحْيَا مَنْ‏ حَيَّ‏ عَنْ‏ بَي ‏ِنَةٍ{‏ أ ه ] قلت:‏ فل ما وقع الكفر يف ب ين آدم أرسل هللا الرسل كما قال<br />

282<br />

- 1 سورة القص ، اآلية:‏ 58<br />

- 2 سورة هود،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 سورة يونس،‏ اآلايت:‏<br />

- 4 سورة يس،‏ اآلية:‏<br />

118 119<br />

88 86<br />

92<br />

- 5 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة التغابن،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

39<br />

2<br />

18


تعاَل:‏ ‏}كَانَ‏ النَّاسُ‏ أُمَّةً‏ وَ‏ احِ‏ دَةً‏ قَبَعَثَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ النَّبِي ‏ِينَ‏ مُبَشِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ مُنذِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ أَنزَ‏ لَ‏ مَعَهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ ِ بِالْحَق لِيَحْكُمَ‏ بَيْ‏ ‏َن النَّا ‏ِس<br />

قِيمَا اخْتَلَفُوا قِيهِ{‏ ، 1 ورغم أن هللا تعاَل أرسل رسله ابلبينات واحلجج الواضحات وقع االختالف القدري وانقسم<br />

الناس إَل مؤمن وكافر،‏ ووقع القتال بني الفريقني،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}تِلْكَ‏ الرُّ‏ سُلُ‏ قَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ‏ عَلَى بَعْضٍ‏ مِنْهُمْ‏ مَ‏ ‏ْن<br />

كَلَّمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ قََْ‏ بَعْضَهُمْ‏ دَرَ‏ جَاتٍ‏ وَ‏ آتَيْنَا عِيسَى ابْنَ‏ مَرْ‏ يَمَ‏ الْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ أَيَّدْنَاهُ‏ بِرُ‏ وحِ‏ الْقُدُسِ‏ وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَا اقْتَتَلَ‏ الَّذِي ‏َن<br />

مِنْ‏ بَعْدِهِمْ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَتْهُمْ‏ الْبَي ‏ِنَاتُ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ اخْتَلَفُوا قَمِنْهُمْ‏ مَنْ‏ آمَنَ‏ وَ‏ مِنْهُمْ‏ مَنْ‏ كَفَرَ‏ وَ‏ لَوْ‏ شَاءَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَا اقْتَتَلُوا وَ‏ لَكِ‏ ‏َّن<br />

‏َّللاَّ‏ َ يَفْعَلُ‏ مَا يُرِ‏ يدُ{‏<br />

.<br />

2<br />

وما من رسول إال وكفر به فريق من قومه،‏ بل قد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن بعض األنبياء يوم القيامة<br />

3<br />

‏»وَيِت النيب ليس معه أحد«‏ . وي ‏َقُ‏ ُّ هللا تعاَل علينا أمثلة هلذا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا إِلَى ثَمُودَ‏ أَخَاهُمْ‏ صَالِح ‏ًا<br />

4<br />

أَنْ‏ اعْبُدُوا ‏َّللاَّ‏ َ قَإِذَا هُمْ‏ قَرِ‏ يقَانِ‏ يَخْتَصِ‏ مُو ‏َن{‏ ، فلما دعاهم إَل عبادة هللا وحده انقسموا إَل فريقني،‏ ووقعت اخلصومة<br />

بينهم،‏ وهكذا إَل أن ختم هللا تعاَل الرسل مبحمد صلى هللا عليه وسلم فانقسم الناس إَل مؤمن وكافر كما ورد يف<br />

احلديث:‏<br />

5<br />

‏»وحممد فرق بني الناس«‏ . وهذا ابق إَل يوم القيامة.‏<br />

و رغم أن هللا ت ع اَل قد شاء قدرا أن ينقسم اخللق إَل مؤمن وكافر،‏ وأن هذا البد أن يق ع،‏ إال أننا نؤمن أبن اخللق<br />

6<br />

حماسبون أبعماهلم اليت عملوها أبنفسهم،‏ ق ال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا تُجْزَ‏ وْ‏ نَ‏ إِال مَا كُنتُمْ‏ تَعْمَلُو ‏َن{‏ ، ونؤمن أيضا أبن هللا ال<br />

7<br />

يظلم أح دا شيئا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يَظْلِمُ‏ النَّاسَ‏ شَيْئًا وَ‏ لَكِنَّ‏ النَّاسَ‏ أَنْفُسَهُمْ‏ يَظْلِمُو ‏َن{‏ ، ويف احلديث القدسي:‏<br />

9<br />

‏»اي عب ادي إين حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا«‏ .<br />

‏)فقرة 3( وبانقسام الخلق إلى مؤمن وكافر انعقدت العداوة بينهما.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا إِلَى ثَمُودَ‏ أَخَاهُمْ‏ صَالِح ‏ًا أَنْ‏ اعْبُدُوا ‏َّللاَّ‏ َ قَإِذَا هُمْ‏ قَرِ‏ يقَانِ‏ يَخْتَصِ‏ مُونَ{‏ . 8<br />

وقال تعاَل:‏<br />

‏}هَذَانِ‏ خَصْمَانِ‏ اخْتَصَمُوا قِي رَ‏ ب ‏ِهِمْ{‏ . 11<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ كَانُوا لَكُمْ‏ عَدُوًّ‏ ا مُبِينًا{‏ . 1<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

283<br />

213<br />

253<br />

- 3 متفق عليه عن ابن عباس<br />

- 4 سورة النمل،‏ اآلية:‏<br />

45<br />

- 5 رواه البخاري عن جابر<br />

- 6 سورة الصافات،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

38<br />

44<br />

- 9 رواه مسلم عن أيب ذر .<br />

- 8 سورة النمل،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

45<br />

18


وهبذه<br />

بِبَعْضٍ‏<br />

العداوة يبتلي هللا تعاَل الفريقني،‏ كما قال تعاَل:‏<br />

‏}ذَلِكَ‏ وَ‏ لَوْ‏ يَشَاءُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ النتَصَرَ‏ مِنْهُمْ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ لِيَبْلُوَ‏ بَعْضَكُمْ‏<br />

} 2 ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنَبْلُوَ‏ نَّكُمْ‏ حَتَّى نَعْلَمَ‏ الْمُجَاهِدِينَ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ الصَّابِرِ‏ ينَ‏ وَ‏ نَبْلُوَ‏ أَخْبَارَ‏ كُ‏<br />

االبتالء كثرية أشران إَل بعضها من قبل.‏ وقد ورد الن<br />

هللا عليه وسلم :<br />

وخيل<br />

به[‏ . 6<br />

‏ْم{‏ ، 3 واآلايت يف سنة<br />

صرحيا هبذه السنة،‏ سنة الإبتالء،‏ يف قول هللا تعاَل لنبيه صلى<br />

‏»إَّنا بعثتك ألبتليك وأبتلي بك«‏‎4‎‏،‏ قال النووي يف شرحه:‏ ‏]قوله سبحانه وتعاَل:‏<br />

‏»إَّنا بعثتك<br />

ألبتليك وأبتلي بك«‏ معناه ألمتحنك مبا يظهر منك من قيامك مبا أمرتك به من تبليغ الرسالة وغري ذلك من اجلهاد<br />

يف هللا حق جهاده والصرب يف هللا تعاَل وغري ذلك.‏ وأبتلي بك من أرسلتك إلي هم فمنهم من يظه ر إميانه وخيل<br />

إميانه<br />

يف طاعاته،‏ ومن يتخلف ويتأبد ابلعداوة والكفر،‏ وم ن ينافق.‏ واملراد أن من ميتحنه ليصري ذلك واقعا ابرزا فإن<br />

هللا تعاَل إَّنا يعاقب العباد على ما وقع منهم ال على ما يعلمه قبل وق وعه،‏ وإال فهو سبحانه عال م جبميع األشياء قب ل<br />

وقوعها وهذا حنو قوله:‏ ‏}وَ‏ لَنَبْلُوَ‏ نَّكُمْ‏ حَتَّى نَعْلَمَ‏ الْمُجَاهِدِينَ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ الصَّابِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، 5 أي نعلمهم فاعلني ذلك متصفني<br />

‏)فقرة 4( وهللا جل شأنه يسلط الكفار على المؤمنين تسليطا قدريا<br />

تسليطا قدراي أي ليس شرعيا فهو مل ‏َيمرهم على ألسنة الرسل مبُعاداة املؤمني ن وقتاهلم بل أمرهم ابلعبادة والطاعة.‏<br />

فتسليطهم على املؤمنني ابلق در،‏ وتسليط املؤمنني عليهم ابلشرع املوافِق للقدر.‏<br />

قال تعاَل:‏<br />

{ وَ‏ كَذَلِكَ‏ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ‏ ا مِنْ‏ الْمُجْرِ‏ مِينَ{‏ ، 7<br />

وقال تعاَل:‏<br />

الْمُجْرِ‏ مِينَ{‏ ، 9 وقال تعاَل:‏ { وَ‏ كَذَلِكَ‏ جَعَلْنَا قِي ِ كُل قَرْ‏ يَةٍ‏ أَكَابِرَ‏ مُجْرِ‏ مِيهَا لِيَمْكُرُ‏ وا قِيهَا{‏ ، 8<br />

يف هذه اآلايت،‏ الث الث ه و جعل ق دري.‏<br />

{ وَ‏ كَذَلِكَ‏ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ‏ ا مِنْ‏<br />

‏}جعلنا{‏ واجلَعْل<br />

وصور معاداة الكافرين للمؤمنني ‏َثبتة ال تتغري يف مضموهنا بتغري الرسل واألم م واألزمان،‏ ولذلك قال هللا تعاَل:‏ ‏}مَا<br />

يُقَالُ‏ لَكَ‏ إِال مَا قَدْ‏ قِيلَ‏ لِلرُّ‏ سُلِ‏ مِنْ‏ قَبْلِ‏ ‏َك{‏ ، 11<br />

وقال تعاَل:‏<br />

‏}كَذَلِكَ‏ قَالَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِمْ‏ مِثْلَ‏ قَوْ‏ لِهِمْ‏ تَشَابَهَتْ‏<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

284<br />

111<br />

4<br />

31<br />

- 4 رواه مسلم عن عِياض بن محِ‏ ار<br />

- 5 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

31<br />

- 6 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي .)189 / 17<br />

- 7 سورة الفرقان،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة األنعما،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة فصلت،‏ اآلية:‏<br />

31<br />

112<br />

123<br />

43


قُلُوبُهُمْ{‏ ، 1 وق ال تعاَل:‏ ‏}كَذَلِكَ‏ مَا أَتَى الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِمْ‏ مِنْ‏ رَ‏ سُولٍ‏ إِال قَالُوا سَاحِ‏ رٌ‏ أَوْ‏ مَجْنُونٌ‏<br />

‏َِاغُو ‏َن{‏ . 2<br />

<br />

<br />

هُمْ‏ قَوْ‏ مٌ‏<br />

ومن ص ور معاداهت م للمؤمن ني:‏<br />

الدتكليب،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَقَدْ‏ كُذِبَتْ‏ رُ‏ سُلٌ‏ مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ قَصَبَرُ‏ وا{‏ . 3<br />

االستهزاء والسخرية،‏<br />

‏}يَاحَسْرَ‏ ة ً عَلَى<br />

<br />

قال تعاَل:‏<br />

أَتَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِهِ‏ بَ‏ ‏ْل<br />

4<br />

‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ أَجْرَ‏ مُوا كَانُوا مِنْ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{‏ ، وقدال تعاىل:‏<br />

5<br />

الْعِبَادِ‏ مَا يَأْتِيهِمْ‏ مِنْ‏ رَ‏ سُولٍ‏ إِال كَانُوا بِهِ‏ يَسْتَهْزِ‏ ئُون{‏ .<br />

6<br />

رمي املنمنني ابجلنون،‏ قال تعاىل:‏ ‏}وَ‏ قَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِ‏ لَ‏ عَلَيْهِ‏ الذِكْرُ‏ إِنَّكَ‏ لَمَجْنُو ‏ٌن{‏ .<br />

رمي املنمنني أبهنم يطلبون الرايسة وا كم،‏<br />

الْكِبْرِ‏ يَاءُ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏<br />

. 7<br />

}<br />

<br />

رمي املنمنني ابإلفساد يف األرني وتبديل الدين،‏<br />

إِن ‏ِي أَخَافُ‏ أَنْ‏ يُبَدِلَ‏ دِينَكُمْ‏ أَوْ‏ أَنْ‏ يُظْهِرَ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ الْفَسَا ‏َد{‏ . 9<br />

احتقدار املنمنني لضعفهم وفقرهم،‏<br />

<br />

<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَالُوا أَ‏ ‏ِجئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَ‏ جَدْنَا عَلَيْهِ‏ آبَاءَنَا وَ‏ تَكُونَ‏ لَكُمَا<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالَ‏ قِرْ‏ عَوْ‏ نُ‏ ذَرُ‏ ونِي أَقْتُلْ‏ مُوسَى وَ‏ لْيَدْعُ‏ رَ‏ بَّهُ‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَالُوا أَنُؤْ‏ مِنُ‏ لَكَ‏ وَ‏ اتَّبَعَكَ‏ األَرْ‏ ذَلُو ‏َن{‏ ، 8<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لِلَّذِينَ‏ آمَنُوا أَيُّ‏ الْفَرِ‏ يقَ‏ ‏ْينِ‏ خَيْرٌ‏ مَقَام ‏ًا وَ‏ أَحْسَنُ‏ نَدِيًّا{‏ . 11<br />

التشاؤم ابملنمنني،‏ وأبن مبادء هم أتيت ابلدشر والتفرق والفقر<br />

11<br />

لَمْ‏ تَنتَهُوا لَنَرْ‏ جُمَنَّكُمْ{‏ .<br />

وذلك لتنفري الناس منهم،‏<br />

وحنو ذل ك،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَالُوا إِنَّا تََِيَّرْ‏ نَا بِكُمْ‏ لَئِ‏ ‏ْن<br />

اجلددال بددالباطل لدرد ا دق ولتضدليل العامدة،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ يُجَوادِلُ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا بِالْبَاِِولِ‏ لِيُدْحِ‏ ضُووا بِوهِ‏ الْحَوقَّ‏<br />

وَ‏ اتَّخَذُوا آيَاتِي وَ‏ مَا أُنْذِرُ‏ وا هُزُ‏ ‏ًوا{‏ . 1 ويدخل يف ه ذا شبهاهتم للص د عن سبيل هللا.‏<br />

53<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

119<br />

- 2 سورة الذارايت،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املطففني،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة يس،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة احلجر،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

52<br />

28<br />

34<br />

31<br />

6<br />

79<br />

26<br />

- 8 سورة الشعراء،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة يس،‏ اآلية:‏<br />

111<br />

73<br />

19<br />

285


حتددري العامددة ضددد املددنمنني،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ قَووالَ‏ الْمَووُِ‏ الَّووذِينَ‏ كَفَوورُ‏ وا مِوونْ‏ قَوْ‏ مِووهِ‏ لَووئِنْ‏ اتَّبَعْووتُمْ‏ شُووعَيْبًا إِنَّكُوومْ‏ إِذًا<br />

لَخَاسِرُ‏ ونَ{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}إِن ‏ِي أَخَافُ‏ أَنْ‏ يُبَدِلَ‏ دِينَكُمْ‏ أَوْ‏ أَنْ‏ يُظْهِرَ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ الْفَسَادَ{‏ . 3<br />

حَاشِرِ‏ ينَ‏<br />

<br />

إِالَّ‏<br />

اهتدام املدنمنني أبهندم أقليدة يريددون أن يفرضدوا رأيهدم علدى األغلبيدة،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}قَأَرْ‏ سَولَ‏ قِرْ‏ عَووْ‏ نُ‏ قِوي الْمَودَائِ‏ ‏ِن<br />

إِنَّ‏ هَؤُالءِ‏ لَشِرْ‏ ذِمَةٌ‏ قَلِيلُو ‏َن وَ‏ إِنَّهُمْ‏ لَنَا لَغَائِظُو ‏َن<br />

وَ‏ إِنَّا لَجَمِيٌْ‏ حَاذِرُ‏ و ‏َن{‏ . 4<br />

تفضيلهم ما هم عليه من الكفر على الدين ا ق،‏ قال تع اَل:‏ ‏}قَالَ‏ قِرْ‏ عَوْ‏ نُ‏ مَا أُرِ‏ يكُمْ‏ إِالَّ‏ مَا أَرَ‏ ى وَ‏ مَوا أَهْودِيكُ‏ ‏ْم<br />

سَووبِيلَ‏ الرَّ‏ شَووا ‏ِد{‏ ، 5 وق ال تع اَل:‏ ‏}إِنْ‏ هَووذَانِ‏ لَسَوواحِ‏ رَ‏ انِ‏ يُرِ‏ يوودَانِ‏ أَنْ‏ يُخْرِ‏ جَوواكُمْ‏ مِوونْ‏ أَرْ‏ ضِ‏ ووكُمْ‏ بِسِووحْرِ‏ هِمَا وَ‏ يَووذْهَبَا<br />

بَِِرِ‏ يقَتِكُمْ‏ الْمُثْلَى{‏ . 6 وقال تعاَل:‏ ‏}قَلَمَّا جَاءَتْهُمْ‏ رُ‏ سُلُهُمْ‏ بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ قَرِ‏ حُوا بِمَا عِنْدَهُمْ‏ مِنْ‏<br />

الْعِلْ‏ ‏ِم{‏ . 7<br />

<br />

خددداع العامددة لصددرفهم عددن اتِبدداع املددنمنني بشددىت وسددائل املكددر،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ قَووالَ‏ الَّووذِينَ‏ اسْتُضْووعِفُوا لِلَّووذِينَ‏<br />

اسْوتَكْبَرُ‏ وا بَولْ‏ مَكْورُ‏ اللَّيْولِ‏ وَ‏ النَّهَوارِ‏ إِذْ‏ تَأْمُرُ‏ ونَنَوا أَنْ‏ نَكْفُورَ‏ بِواّلِلَّ‏ ِ وَ‏ نَجْعَولَ‏ لَوهُ‏ أَنودَاد ‏ًا وَ‏ أَسَورُّ‏ وا النَّدَامَوةَ‏ لَمَّوا رَ‏ أَوْ‏ ا الْعَوذَا ‏َب<br />

وَ‏ جَعَلْنَا األَغْاللَ‏ قِي أَعْنَاقِ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا هَلْ‏ يُجْزَ‏ وْ‏ نَ‏ إِال مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{‏<br />

. 9<br />

<br />

<br />

جتويع املنمنني لصرفهم عدن ديدنهم،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}هُومْ‏ الَّوذِينَ‏ يَقُولُوونَ‏ ال تُنْفِقُووا عَلَوى مَونْ‏ عِنْودَ‏ رَ‏ سُوولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ حَتَّوى<br />

يَنْفَضُّوا وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ خَزَ‏ ائِنُ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ الْمُنَاقِقِينَ‏ ال يَفْقَهُونَ‏ } 8 .<br />

حماولة ف نتْ‏ املنمنني عن دينهم،‏ قال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ دُّوا لَوْ‏ تُدْهِنُ‏ قَيُودْهِنُونَ{‏ ، 11 وق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ احْوذَرْ‏ هُمْ‏ أَنْ‏ يَفْتِنُووكَ‏<br />

عَنْ‏ بَعْضِ‏ مَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِلَيْ‏ ‏َك{‏ . 11 والكافرون ال يطلبون من املؤمنني التنازل عن بعض احلق إال كمرحلة مؤقت ة ف إهنم ال<br />

يرضون من املؤمنني إال ابلتنازل الكامل ع ن احل ق ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ لَونْ‏ تَرْ‏ ضَوى عَنْوكَ‏ الْيَهُوودُ‏ وَ‏ ال النَّصَوارَ‏ ى حَتَّوى تَتَّبِوَْ‏<br />

مِلَّتَهُمْ{‏ . 12<br />

- 1 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

286<br />

56<br />

- 2 سورة<br />

األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

81<br />

26<br />

- 4 سورة الشعراء،‏ اآلايت:‏<br />

- 5 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة طه،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة سبأ،‏ اآلية:‏<br />

.56 إَل 53<br />

28<br />

93<br />

63<br />

33<br />

- 8 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة القلم،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 12 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

48<br />

8<br />

121


هتديدددهم للمددنمنني ابلسددجن والقتددل إن مل يرجعددوا عددن ديددنهم ويوافقددوا الكفددار عل ى م ا ه م علي ه،‏ ق ال تع اَل:‏<br />

‏}وَ‏ قَالَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لِرُ‏ سُلِهِمْ‏ لَنُخْرِ‏ جَنَّكُمْ‏ مِنْ‏ أَرْ‏ ضِ‏ نَا أَوْ‏ لَتَعُودُنَّ‏ قِي مِلَّتِنَا{‏ ، 1 وقال تع اَل:‏ ‏}إِنَّهُومْ‏ إِنْ‏ يَظْهَورُ‏ وا عَلَويْكُمْ‏<br />

يَرْ‏ جُمُوكُمْ‏ أَوْ‏ يُعِيدُوكُمْ‏ قِي مِلَّتِهِمْ‏ وَ‏ لَنْ‏ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَد ‏ًا{‏ . 2<br />

التعليب والقتل والقتدال،‏ ق ال تع اَل:‏ ‏}قَوالُوا حَرِ‏ قُووهُ‏ وَ‏ انصُورُ‏ وا آلِهَوتَكُمْ{‏ ، 3 ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ إِذْ‏ يَمْكُورُ‏ بِوكَ‏ الَّوذِينَ‏<br />

كَفَوورُ‏ وا لِيُثْبِتُوووكَ‏ أَوْ‏ يَقْتُلُوووكَ‏ أَوْ‏ يُخْرِ‏ جُوووكَ‏ } 4 ، وق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَزَ‏ الُووونَ‏ يُقَوواتِلُونَكُمْ‏ حَتَّووى يَوورُ‏ دُّوكُمْ‏ عَوونْ‏ دِيوونِكُمْ‏ إِنْ‏<br />

اسْتََِاعُوا{‏ . 5<br />

6<br />

ومما سبق ترى اي أخي املسلم أن أساليب الكفار يف حماربة املؤمنني ‏َثبتة ال تتغري،‏ قال تعاَل:‏ ‏}أَتَوَ‏ اصَوْ‏ ا بِ‏ ‏ِه{‏ ، ومما<br />

ينبغي إدراكه أهنم حياربون املؤمن بسبب إميانه كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ هُمْ‏ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ‏ بِالْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ شُهُو ‏ٌد وَ‏ مَا نَقَمُوا<br />

مِنْهُمْْ‏ إِالَّ‏ أَنْ‏ يُؤْمِنُوا<br />

بِاّلِلَّ‏ ِ الْعَزِ‏ يزِ‏ الْحَمِي ‏ِد{‏ ، 7 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ دُّوا لَوْ‏ تَكْفُرُ‏ ونَ‏ كَمَا كَفَرُ‏ وا قَتَكُونُونَ‏ سَوَ‏ اء ً{ 9 .<br />

فالكافر يعادي املؤمن لإميانه،‏ وكلما ازداد إميان العبد كلما ازداد نصيبده من عداء الكافرين،‏ وهلذا قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»أشد الناس بالء األنبياء ‏ُث األمثل فاألمثل،‏<br />

من نفسه كلما زاد إميانه زاد بغضه للكافرين والعصاة <strong>في</strong>شرع<br />

نق إميانه كلما نقصت عدواهت م ل ه.‏<br />

8<br />

يبتلى الرجل حسب دينه«‏ ، وهذا يدركه العب د<br />

يف أمرهم ابملعروف وهنيه م عن املنكر <strong>في</strong>عادونه،‏ وكلما<br />

ومع ذلك فمعاداة الكافرين للمؤمنني ال تنقطع ابلكلي ة طاملا كان املؤمنون ع لى إمياهنم ولو مع التقصري،‏ قال<br />

تعاَل:}وَ‏ لَنْ‏ تَرْ‏ ضَى عَنْكَ‏ الْيَهُودُ‏ وَ‏ ال النَّصَارَ‏ ى حَتَّى<br />

11<br />

يَرُ‏ دُّوكُمْ‏ عَنْ‏ دِينِكُمْ‏ إِنْ‏ اسْتََِاعُوا{‏ .<br />

11<br />

تَتَّبَِْ‏ مِلَّتَهُ‏ ‏ْم{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَزَ‏ الُونَ‏ يُقَاتِلُونَكُمْ‏ حَتَّى<br />

- 1 سورة ابراهيم،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

287<br />

13<br />

21<br />

69<br />

31<br />

217<br />

- 6 سورة الذارايت،‏ اآليتان:‏<br />

- 7 سورة الربوج،‏ اآليتان:‏<br />

- 9 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

53<br />

9<br />

7<br />

98<br />

- 8 احلديث رواه الرتمذي وصححه<br />

- 11 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

121<br />

217


‏)فقرة 5( وهللا جل شأنه يأمر المؤمنين شرعا بدفع الكافرين المسلطين<br />

قدرا على المؤمنين<br />

قال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّا ‏َس بَعْضَوهُمْ‏ بِوبَعْضٍ‏ لَهُودِمَتْ‏ صَووَ‏ امُِْ‏ وَ‏ بِيَوٌْ‏ وَ‏ صَولَوَ‏ اتٌ‏ وَ‏ مَسَواجِ‏ دُ‏ يُوذْكَرُ‏ قِيهَوا اسْومُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

ً كَثِيرا وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَقَوِيٌّ‏ عَزِ‏ يزٌ‏ } 1 .<br />

ودف ع املؤمنني الكافرين مي ر مبراحل متعددة.‏<br />

أوال:‏ الدعوة إلى اإلسالم<br />

قال تعاَل:‏ { وَ‏ قُلْ‏ لِلَّذِينَ‏ أُوتُوا الْكِتَابَ‏ وَ‏ األُمِي ‏ِينَ‏ أَأَسْلَمْتُمْ‏ قَإِنْ‏ أَسْلَمُوا قَقَدْ‏ اهْتَدَوا{‏ . 2<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ملعاذ حني بعثه إَل اليمن:‏ ‏»إنك أتِت ق وم ا من أهل الكتاب فليكن أول ما<br />

تدعوهم إليه شهادة أن ال إله إال هللا«‏ . 3<br />

وهي:‏<br />

وابلنظر إَل عموم رسالته صلى هللا عليه وسلم كما ذكرت يف االعتصام،‏ فإن اخلل ق ينقسمون بدعوته إَل مؤمن<br />

وكافر،‏ ولذلك ورد يف احلديث:‏ ‏»وحممد فَرْقٌ‏ بني الناس«‏ ، 4 وبعد الدعوة تتخذ عالق ة املؤمن ابلكافر صورا أخرى،‏<br />

ثانيا:‏ التبرؤ من الكافرين أحياء وأمواتا<br />

فالت ربؤ من الكافرين األحياء يكون إبظهار العداوة والبغضاء هلم ولكفرهم،‏ وعدم إتباع أهوائهم ومناهجهم واعتزاهلم<br />

وعدم خمالطتهم.‏ وسيأِت هذا مبزيد من التفصيل.‏<br />

أما التربؤ منهم بعد مماهتم <strong>في</strong>كون بعدم الإستغفار هلم كما قال تعاَل:‏ ‏}مَا كَانَ‏ لِلنَّبِي ِ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَنْ‏ يَسْتَغْفِرُ‏ وا<br />

لِلْمُشْرِ‏ كِينَ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَانُوا أُوْ‏ لِي قُرْ‏ بَى مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا تَبَيَّنَ‏ لَهُمْ‏ أَنَّهُمْ‏ أَصْحَابُ‏ الْجَحِ‏ يمِ‏ } 5 ، ويكون التربؤ بعدم دفنهم مع<br />

املسلمني،‏ ويك ون مبنع إرثهم وتوري ثهم كما قال صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

‏»ال يرث املسلم<br />

الكافر وال يرث الكافر<br />

ال مسلم«‏ . 6 قال هللا تعاَل:‏ ‏}قَدْ‏ كَانَتْ‏ لَكُمْ‏ أُسْوَ‏ ةٌ‏ حَسَنَةٌ‏ قِي إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ مَعَهُ‏ إِذْ‏ قَالُوا لِقَوْ‏ مِهِمْ‏ إِنَّا بُرَ‏ آءُ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ مِمَّا<br />

تَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ كَفَرْ‏ نَا بِكُمْ‏ وَ‏ بَدَا بَيْنَنَا وَ‏ بَيْنَكُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةُ‏ وَ‏ الْبَغْضَاءُ‏ أَبَد ‏ًا حَتَّى تُؤْ‏ مِنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ حْدَهُ{‏ ، 7 وقال تعاَل:‏<br />

‏}ثُمَّ‏ أَوْ‏ حَيْنَا إِلَيْكَ‏ أَنْ‏ اتَّبِْْ‏ مِلَّةَ‏ إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ حَنِيف ‏ًا{‏ . 9 فلم متنع القرابة من الرباءة ‏}إِذْ‏ قَالُوا لِقَوْ‏ مِهِمْ{،‏ ويقول الشيخ محد بن<br />

- 1 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

288<br />

41<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 3 احلديث متفق عليه.‏<br />

- 4 رواه البخاري عن جابر<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

21<br />

113<br />

- 6 متفق ا عليه عن أسامة بن زي د<br />

- 7 سورة املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

4<br />

123


عتي ق:‏ ‏]وها هنا نكتة بديعة يف قوله:‏ ‏}إِنَّا بُرَ‏ آءُ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ وهي أن هللا تعاَل قدم الدرباءة<br />

من املشركني العابدين غري هللا،‏ على الرباءة من األوَثن املعبودة من دون هللا،‏ ألن األول أهم من الثاين،‏ فإنه قد يتربأ<br />

من األواثن وال يتربأ ممن عبدها،‏ فال يكون آتيا ابلواجب عليه،‏ وأما إذا تربأ من املشركني،‏ فإن هذا يستلزم الرباءة من<br />

معبوداهتم.‏ وهذا كقوله تعاَل:‏ { وَ‏ أَعْتَزِ‏ لُكُمْ‏ وَ‏ مَا تَدْعُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ أَدْعُو رَ‏ ب ‏ِي عَسَى أَالَّ‏ أَكُونَ‏ بِدُعَاءِ‏ رَ‏ ب ‏ِي<br />

شَقِيًّا{‏ ، 1 فق دم اعتزاهلم عل ى اعتزال معبوداهتم،‏ وكذا قوله:‏ ‏}قَلَمَّا اعْتَزَ‏ لَهُمْ‏ وَ‏ مَا يَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 2 ، وقوله:‏ ‏}وَ‏ إِذْ‏<br />

اعْتَزَ‏ لْتُمُوهُمْ‏ وَ‏ مَا يَعْبُدُونَ‏ إِال ‏َّللاَّ‏ َ{ 3 ، فعليك هبذه النكت،‏ فإهنا تفتح اباب إَل عداوة أعداء هللا.‏ فكم من إنسان ال<br />

يقع منه الشدرك،‏ ولكنه ال يعادي أهله،‏ فال يكون مسلما بذلك إذ ترك دين مجيع املرسلني.‏<br />

‏ُث قال:‏ ‏}كَفَرْ‏ نَا بِكُمْ‏ وَ‏ بَدَا بَيْنَنَا وَ‏ بَيْنَكُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةُ‏ وَ‏ الْبَغْضَاءُ‏ أَبَد ‏ًا حَتَّوى تُؤْ‏ مِنُووا بِواّلِلَّ‏ ِ وَ‏ حْودَهُ{‏ فقول ه:‏ وب دا أي ظه ر وابن<br />

وأتم ل تقدددمي العدداوة علدى البغضداء،‏ ألن األوَل أه م م ن الثاني ة،‏ ف إن الإنس ان ق د يُ‏ بغض املش ركني وال يع اديهم،‏ ف ال<br />

يك ون آتي ا ابلواج ب علي ه ح ىت حتص ل من ه الع داوة والبغض اء،‏ والب د أيض ا م ن أن ت كون الع داوة والبغض اء ابديت ني<br />

ظاهرتني بينتني.‏<br />

واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة ابلقلب فإهنا ال تنفع حىت تظهر آاثرها،‏ وتتبني عالمتها،‏ وال تكون كذلك حىت<br />

تقرتن ابلعداوة واملقاطعة،‏ فحينئذ تكون الع داوة والبغضاء ظاهرتني.‏ وأما إذا وجدت املواالة واملواصلة،‏ فإن ذلك يدل<br />

4<br />

على عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا املوضع فإنه جيل و عنك شبهات كثرية.‏ أه ] .<br />

قلت:‏ فتدبر هذا الكالم ‏ُث أتمل حال املسلمني الذين ال مييمزون بني احلق والباطل يف هذا الزمان،‏ ترى أحدهم يزعم<br />

أنه مسلم.‏ ‏ُث ينادي ابملبادئ الكفري ة كاالشرتاكية والدميقراطية والقومية،‏ فال هو تربأ منها وال من أهلها،‏ وترى أحدهم<br />

عضوا يف حزب من األحزاب السياسية اليت تنادي هبذا الك فر دون حي اء،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ كَانُوا يُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ<br />

5<br />

وَ‏ النَّبِي ِ وَ‏ مَا أُنزِ‏ لَ‏ إِلَيْهِ‏ مَا اتَّخَذُوهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءَ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ ً كَثِيرا مِنْهُمْ‏ قَاسِقُونَ{‏ . وق د أشرت إَل وجوب التمميُّز واملفاصلة،‏ يف<br />

أصول االعتصام ابلكتاب والسنة.‏<br />

)379<br />

- 1 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

49<br />

48<br />

- 3 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

16<br />

- 4 ‏)جمموعة التوحيد الرسالة الثانية عشر ص<br />

- 5 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

376<br />

91<br />

289


ثالثا:‏ اإلعتزال والهجرة:‏<br />

بعد الدعوة ‏ُث الرباءة من الكافرين جيب اعتزاهلم وكفرهم،‏ واهلجرة من أرضهم إن أمكن ذلك،‏ وسيأِت حكم اهلجرة يف<br />

الفقرة )11( قال تعاَل:‏<br />

1<br />

‏}وَ‏ إِذْ‏ اعْتَزَ‏ لْتُمُوهُمْ‏ وَ‏ مَا يَعْبُدُونَ‏ إِال ‏َّللاَّ‏ َ{ ، وقال تعاَل:‏ ‏}}وَ‏ أَعْتَزِ‏ لُكُمْ‏ وَ‏ مَا تَدْعُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏<br />

‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ أَدْعُو رَ‏ ب ‏ِي{‏ ، 2 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أان بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني«‏ . 3<br />

رابعا:‏ الجهاد <strong>في</strong> سبيل هللا.‏<br />

4<br />

ملن عاند وأىبَ‏ قبول دعوة الإسالم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ حَيْثُ‏ وَ‏ جَدْتُمُوهُ‏ ‏ْم{‏ ، وقال هللا تعاَل لنبيه صلى<br />

هللا عليه وسلم : ‏»إَّنا بعثتك ألبتليك،‏ وأبتلي بك إَل قوله استخرجهم كما أخرجوك،‏ واغزهم نغزك،‏ وأنفق فسننفق<br />

5<br />

عليك،‏ وابعث جيشا نبعث مخسة مثله:‏ وقاتل مبن أطاعك من عصاك«‏ .<br />

7<br />

ولذلك قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إ ال الل ه وأن حممدا رسول<br />

هللا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة،‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دمائهم وأمواهلم إال حبق الإسالم وحساهبم على هللا<br />

6<br />

تعاَل«‏ . وكونه صلى هللا عليه وسلم مأمور بقتال الناس كافة إَّنا هو بسبب عموم بعتثه للخلق كما أشران من قبل.‏<br />

وقد كان هللا تعاَل يتكفل إبهالك الكافرين به وبرسله،‏ من لدن نوح إَل موسى عليهم السالم،‏ ‏ُث شرع سبحانه اجلهاد<br />

يف شريعة موسى بعد ‏ُناة بين إسرائيل وهالك فرعون،‏ فقال تعاَل:‏ ‏}يَاقَوْ‏ مِ‏ ادْخُلُوا األَرْ‏ ضَ‏ الْمُقَدَّسَةَ‏ الَّتِي كَتَبَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

لَكُمْ‏ وَ‏ ال تَرْ‏ تَدُّوا عَلَى أَدْبَارِ‏ كُمْ‏ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ‏ ي ‏َن قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ‏ قِيهَا قَوْ‏ م ‏ًا جَبَّارِ‏ ينَ‏ وَ‏ إِنَّا لَنْ‏ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُ‏ جُوا<br />

مِنْهَا قَإِنْ‏ يَخْرُ‏ جُوا مِنْهَا قَإِنَّا دَاخِ‏ لُونَ‏ قَالَ‏ رَ‏ جُالنِ‏ مِنْ‏ الَّذِينَ‏ يَخَاقُونَ‏ أَنْعَمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَيْهِ‏ ‏َما ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ‏ الْبَابَ‏ قَإِذَا<br />

دَخَلْتُمُوهُ‏ قَإِنَّكُمْ‏ غَالِبُونَ‏ وَ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ قَتَوَ‏ كَّلُوا إِنْ‏ كُنتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِينَ‏ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ‏ نَدْخُلَهَا أَبَد ‏ًا مَا دَامُوا قِيهَا قَاذْهَ‏ ‏ْب<br />

أَنْتَ‏ وَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ قَقَاتِال إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُو ‏َن{‏ ، فهذه بداية شرع القتال يف سبيل هللا تعاَل وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَقَدْ‏ آتَيْنَا مُوسَى<br />

9<br />

الْكِتَابَ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُ‏ ونَ‏ األُولَى{‏ ، قال ابن كثري:‏ ‏]قوله تعاَل:‏ ‏}مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُ‏ ونَ‏ األُولَى{‏ يعين<br />

أن ه بعد إنزال التوراة مل ي ‏ُعَذب أمة بعامة،‏ بل أمر املؤمنني أن يقاتلوا أعداء هللا م ن املشركني،‏ كما ق ال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ جَا ‏َء<br />

قِرْ‏ عَوْ‏ نُ‏ وَ‏ مَنْ‏ قَبْلَهُ‏ وَ‏ الْمُؤْ‏ تَفِكَاتُ‏ بِالْخَاِِئَةِ‏ قَعَصَوْ‏ ا رَ‏ سُولَ‏ رَ‏ ب ‏ِهِمْ‏ قَأَخَذَهُمْ‏ أَخْذَةً‏ رَ‏ ابِيَةً{‏<br />

8<br />

، وقال القرطيب:‏ ‏]قوله تعاَل:‏<br />

- 1 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

291<br />

16<br />

49<br />

- 3 رواه أبو داود وصححه األلباين<br />

- 4 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

5<br />

- 5 رواه مسلم عياض بن محار<br />

- 6 متفق عليه عن ابن عمر.‏<br />

- 7 سورة املائدة،‏ اآلايت:‏<br />

24<br />

21<br />

- 9 سورة القص ، اآلية:‏ 43<br />

- 8 سورة احلاقة:‏ اآليتان:‏<br />

11 8


‏}وَ‏ عْد ‏ًا عَلَيْهِ‏ حَقًّا قِي التَّوْ‏ رَ‏ اةِ‏ وَ‏ اإلِ‏ نجِ‏ يلِ‏ وَ‏ الْقُرْ‏ آنِ{‏ ، 1 إخبار من هللا تعاَل أن هذا كان يف هذه الكتب،‏ وأن اجلهاد<br />

ومقاوم ة األعداء أصله من عهد موسى<br />

. 2 ]<br />

‏ُث إن اجلهاد قد يكون ابلنفس أو ابملال أو ابللسان،‏ كما قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»جاهدوا املشركني أبموالكم<br />

3<br />

وأنفسكم وألسنتكم«‏ .<br />

كذلك فإن اجلهاد قد يك ون بقصد الع دو يف داره ‏)جهاد الطلب(‏ أو بصد عدوانه على ال مسلمني ‏)جهاد الدفع(،‏<br />

وق د يك ون اجلهاد فرض عني أو فرض كفاية كما يف الفقرات التالية.‏<br />

وقد اقرتن اجلهاد دائما بتميز الص ف املس لم،‏ إَل م ؤمن ص ادق وإَل من افق خم ذل ومرج ف ق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ مَوا أَصَوابَكُمْ‏<br />

يَوْ‏ مَ‏ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏ قَبِإِذْنِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ الَّذِينَ‏ نَاقَقُوا وَ‏ قِيلَ‏ لَهُومْ‏ تَعَوالَوْ‏ ا قَواتِلُوا قِوي سَوبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَوْ‏ ادْقَعُووا<br />

قَالُوا لَوْ‏ نَعْلَمُ‏ قِتَاال التَّبَعْنَاكُمْ‏ هُمْ‏ لِلْكُفْرِ‏ يَوْ‏ مَئِذٍ‏ أَقْرَ‏ بُ‏ مِنْهُمْ‏ لِإلِيمَانِ‏ يَقُولُوونَ‏ بِوأَقْواهِهِمْ‏ مَوا لَويْسَ‏ قِوي قُلُووبِهِمْ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ أَعْلَو ‏ُم<br />

بِمَا يَكْتُمُونَ‏ الَّذِينَ‏ قَالُوا إلِ‏ خْوَ‏ انِهِمْ‏ وَ‏ قَعَدُوا لَوْ‏ أََِاعُونَا مَا قُتِلُوا قُولْ‏ قَوادْرَ‏ ‏ُءوا عَونْ‏ أَنْفُسِوكُمْ‏ الْمَووْ‏ تَ‏ إِنْ‏ كُنْوتُمْ‏ صَوادِقِي ‏َن<br />

وَ‏ الَ‏ تَحْسَووبَنَّ‏ الَّووذِينَ‏ قُتِلُوووا قِووي سَووبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَمْوَ‏ اتًووا بَوولْ‏ أَحْيَوواءٌ‏ عِنْوودَ‏ رَ‏ ب ‏ِهِومْ‏ يُرْ‏ زَ‏ قُووونَ‏ قَورِ‏ حِ‏ ينَ‏ بِمَوا آتَوواهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مِونْ‏ قَضْوولِ‏ ‏ِه<br />

وَ‏ يَسْتَبْشِرُ‏ ونَ‏ بِالَّذِينَ‏ لَمْ‏ يَلْحَقُوا بِهِمْ‏ مِنْ‏ خَلْفِهِمْ‏ أَال خَوْ‏ فٌ‏ عَلَيْهِمْ‏ وَ‏ ال هُمْ‏ يَحْزَ‏ نُو ‏َن يَسْتَبْشِورُ‏ ونَ‏ بِنِعْمَوةٍ‏ مِونْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ قَضْو ‏ٍل<br />

وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُضِ‏ يُْ‏ أَجْرَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ الَّذِينَ‏ اسْتَجَابُوا ‏ّلِلِ‏ َّ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا أَصَابَهُمْ‏ الْقَرْ‏ حُ‏ ‏ِللَّذِينَ‏ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ‏ وَ‏ اتَّقَوْ‏ ا<br />

أَجْرٌ‏ عَظِيمٌ‏ الَّذِينَ‏ قَالَ‏ لَهُمْ‏ النَّاسُ‏ إِنَّ‏ النَّاسَ‏ قَدْ‏ جَمَعُوا لَكُمْ‏ قَاخْشَوْ‏ هُمْ‏ قَزَ‏ ادَهُمْ‏ إِيمَانًوا وَ‏ قَوالُوا حَسْوبُنَا ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ نِعْومَ‏ الْوَ‏ كِيو ‏ُل<br />

قَانْقَلَبُوا بِنِعْمَوةٍ‏ مِونْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ قَضْولٍ‏ لَومْ‏ يَمْسَسْوهُمْ‏ سُووءٌ‏ وَ‏ اتَّبَعُووا رِ‏ ضْووَ‏ انَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ذُو قَضْولٍ‏ عَظِوي ‏ٍم إِنَّمَوا ذَلِكُومْ‏ الشَّويَِْا ‏ُن<br />

يُخَو ‏ِفُ‏ أَوْ‏ لِيَاءَهُ‏ قَال تَخَاقُوهُمْ‏ وَ‏ خَاقُونِي إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ ال يَحْزُ‏ نْكَ‏ الَّذِينَ‏ يُسَارِ‏ عُونَ‏ قِي الْكُفْرِ‏ إِنَّهُ‏ ‏ْم لَنْ‏ يَضُرُّ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ<br />

شَيْئًا يُرِ‏ يدُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ أَال يَجْعَلَ‏ لَهُمْ‏ حَظًّا قِي اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ وَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ عَظِيمٌ‏ إِنَّ‏ الَّوذِينَ‏ اشْوتَرَ‏ وْ‏ ا الْكُفْورَ‏ بِاإلِ‏ يمَوانِ‏ لَونْ‏ يَضُورُّ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ<br />

شَيْئًا وَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِيمٌ‏ وَ‏ ال يَحْسَوبَنَّ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا أَنَّمَوا نُمْلِوي لَهُومْ‏ خَيْورٌ‏ ألَنْفُسِوهِمْ‏ إِنَّمَوا نُمْلِوي لَهُومْ‏ لِيَوزْ‏ دَادُوا إِثْم ‏ًوا وَ‏ لَهُو ‏ْم<br />

عَذَابٌ‏ مُهِينٌ‏ مَا كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِيَذَرَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَى مَا أَنْتُمْ‏ عَلَيْهِ‏ حَتَّى يَمِيزَ‏ الْخَبِيثَ‏ مِنْ‏ الَِّي ِ ‏ِب{‏<br />

وهذه سنة ال تتخلف،‏ وقد<br />

. 4<br />

ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية أنه ملا قصد الع دو ‏)التتار(‏ بالد الش ام متيزت الصفوف<br />

هكذا،‏ وكرر هذا يف عدة مواضع.‏ فلينتبه هل ذه السنة فإن التميز جي ب أن يرتتب عليه حتذير املؤمنني من هؤالء املنافقني<br />

كما قال تعاَل:‏ ‏}هُمْ‏ الْعَدُوُّ‏ قَاحْذَرْ‏ هُ‏ ‏ْم{‏ ، 5 كما جيب أن يرتتب عليه عدم السماح هلؤالء إبفساد الصف املسلم،‏ قال<br />

6<br />

تعاَل:‏ ‏}لَوْ‏ خَرَ‏ جُوا قِيكُمْ‏ مَا زَ‏ ادُوكُمْ‏ إِال خَبَاال وَ‏ ألَوْ‏ ضَعُوا خِ‏ الَ‏ لَكُمْ‏ يَبْغُونَكُمْ‏ الْفِتْنَةَ‏ وَ‏ قِيكُمْ‏ سَمَّاعُونَ‏ لَهُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

‏)فقرة 6( والجهاد نوعان:‏ جهاد الطلب وجهاد الدفع<br />

جهاد الطلب هو أن تطلب الع دو وتغوه يف داره،‏ وجهاد الدفع هو قتال العدو البادئ بقتال املؤمنني . 7<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

290<br />

111<br />

- 2 ‏)تفسري القرطيب .)269 / 9<br />

- 3 رواه أبو داود إبسناد صحيح<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلايت:‏<br />

- 5 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

178 إَل 166<br />

4<br />

47<br />

- 7 انظر ‏)االختيارات الفقهية البن تيمية،‏ حتقيق الفقي،‏ ط دار املعرفة ص<br />

)318


ودليل جهاد الطلب:‏<br />

قول ه هللا تع اَل:‏ ‏}قَواقْتُلُوا الْمُشْورِ‏ كِينَ‏ حَيْوثُ‏ وَ‏ جَودْتُمُوهُمْ‏ وَ‏ خُوذُوهُمْ‏ وَ‏ احْصُورُ‏ وهُمْ‏ وَ‏ اقْعُودُوا لَهُومْ‏ كُولَّ‏ مَرْ‏ صَودٍ‏ قَوإِنْ‏ تَوابُوا<br />

وَ‏ أَقَامُوا الصَّالَ‏ ةَ‏ وَ‏ آتَوْ‏ ا الزَّ‏ كَاةَ‏ قَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ غَفُورٌ‏ رَ‏ حِ‏ ي ‏ٌم{‏ . 1<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ ال يُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ ال بِالْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ ورِ‏ وَ‏ ال يُحَرِ‏ مُوونَ‏ مَوا حَورَّ‏ مَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُوولُهُ‏ وَ‏ ال يَودِينُونَ‏ دِيو ‏َن<br />

ِ الْحَق مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أُوتُوا الْكِتَابَ‏ حَتَّى يُعُِْوا الْجِ‏ زْ‏ يَةَ‏ عَنْ‏ يَدٍ‏ وَ‏ هُمْ‏ صَاغِرُ‏ و ‏َن{‏ . 2<br />

فأمر احلق جل وعال ابخلروج لقتاهلم وترصدهم وحصارهم،‏ وهذه اآلايت حمكمات من أواخر ما نزل وال انسخ هلا<br />

وعليها سار النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

والصحابة معه ومن بعده حىت فتح هللا تعاَل عليهم مشارق األرض ومغارهبا.‏<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إ ال الل ه وأن حممدا رسول هللا<br />

3<br />

ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة،‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دمائهم وأمواهلم إال حبق الإسالم وحساهبم على هللا تعاَل«‏ .<br />

ويف حديث بريدة الذي رواه مسلم ‏»أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أمريا على جيشه أو سرية أوصاه<br />

يف خاصته بتقوى هللا ومن معه من املسلمني خريا،‏ ‏ُث قال اغزوا ابسم هللا قاتلوا من كفر ابهلل،‏ اغزوا وال تَغُلُّوا وال تغدِروا<br />

وال متثلوا وال تقتلوا وليدا،‏<br />

وإذا لقيت عدوك من املشركني فادعهم إَل ثالث خصال.....«‏ احلديث.‏ وهذه نصوص<br />

واضحة صرحية يف اخلروج لقتال العدو وقصده يف داره وهذا هو جهاد الطلب.‏<br />

أما جهاد الدفع فدليله:‏<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا زَ‏ حْف ‏ًا قَال تُوَ‏ لُّوهُمْ‏ األَدْبَا ‏َر{‏ . 4<br />

وقول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ الَّذِينَ‏ يُقَاتِلُونَكُ‏ ‏ْم{‏ . 5<br />

وقول هللا تعاَل:‏ ‏}قَمَنْ‏ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏ قَاعْتَدُوا عَلَيْهِ‏ بِمِثْلِ‏ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُ‏ ‏ْم{‏ . 6<br />

فهنا القتال لرد عدوان العدو الذي بدأ ابلقتال.‏<br />

قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وأما قتال الدفع،‏ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن احلرمة والدين،‏ فواجب<br />

إمجاعا،‏ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه،‏<br />

7<br />

يدفع حبسب الإمكان[‏ .<br />

فال يشرتط له شرط،‏ بل<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

292<br />

5<br />

- 2 سورة التوبة،‏<br />

28 اآلية:‏<br />

- 3 متفق عليه عن ابن عمر.‏<br />

- 4 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

15<br />

181<br />

184<br />

- 7 ‏)الإختيارات الفقهية البن تيمية ص 318(


قلت:‏ مما سبق تعلم أن من أنكر كون جهاد الطلب من الإسالم،‏ كالذين يقولون إن الإسالم ال يقاتل إال للدفاع ورد<br />

العدوان،‏ فهو مُكَذِّب ابآلايت واألحاديث السابقة وحنوها،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا يَجْحَدُ‏ بِآيَاتِنَا إِال الْكَاقِرُ‏ و ‏َن{‏ ، 1 ومن<br />

تعسف يف أتويل ما وقع لسلفنا الصاحل من جهاد الطلب وقال إنه كان لرد العدوان فقد ضل ضالال بعيدا إن كان ال<br />

جيهل هذه النصوص أو أحيط هبا علما فأعرض عنها وتعسف يف أتويلها.‏<br />

‏)شبهة(‏<br />

يستدل البعض لإنكار جهاد الطلب بقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ‏ قَاجْنَحْ‏ لَهَا{‏ ، 2 وأنه مادام الكافر مساملا فال<br />

جهاد،‏ ويستدلون بقول النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»التتمنوا لقاء العدو«‏ . 3 وهذا هو حال الذين يؤمنون ببعض<br />

الكتاب ويكفرون ببعض،‏ الذين يستدلون أبحد أدلة املسألة ويرتكون بقية األدلة كما ذكرته يف األصل الرابع من أصول<br />

الإعتصام ابلكتاب والسنة.‏ واجلواب على هذه الشبهة من أوجه:‏<br />

األول:‏ أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

وصحابته الذين هم خري هذه األمة رضي هللا عنهم مل حيملوا هذه النصوص<br />

على الوجه الذي فهمه هؤالء،‏ أبهنا تعين ترك جهاد الطلب فقد قاتل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

الروم يف تبوك،‏ وقد غزا صلى هللا عليه وسلم<br />

العرب ‏ُث خرج لقتال<br />

5<br />

4<br />

تسع عشرة غزوة ، وقاتل بنفسه يف مثان منهن أما البعوث والسرااي اليت<br />

6<br />

أرسلها ومل خيرج <strong>في</strong>ها فبلغت ستا وثالثني يف رواية ابن إسحاق وزاد غريه عن ذلك . ‏ُث غزا الصحابة من بعده صلى<br />

هللا عليه وسلم الفرس والروم والرتك والقبط والرببر وغريهم مما هو معلوم،‏ فهذا الذي استدل هبذه النصوص لإبطال<br />

جهاد الطلب نقول له:‏<br />

هذا الذي فهمته شيء فهمه النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته أم ال؟ فإن قال مل يفهموه.‏ فنقول له فأنت فهمت<br />

ما مل يفهموه،‏ وحكمت على نفسك ابلضاللة وأن ما فهمته ليس من ديننا،‏ ألن الدين اكتمل يف حياته صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}ا ‏ْليَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُ‏ ‏ْم{‏ وفهمك هذا مردود ساقط ‏»من عمل عمال ليس عليه أمران فهو<br />

رَدٌّ«،‏ وقد خَرَجْتَ‏ هبذا الفهم الفاسد عن هدي الرسول صلى هللا عليه وسلم وعن سبيل صحابته،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏<br />

يُشَاقِقْ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا تَبَيَّنَ‏ لَهُ‏ الْهُدَى وَ‏ يَتَّبِْْ‏ غَيْرَ‏ سَبِيلِ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ نُوَ‏ لِهِ‏ مَا تَوَ‏ لَّى وَ‏ نُصْلِهِ‏ جَهَنَّمَ‏ وَ‏ سَاءَ‏ ‏ْت<br />

. 7 مَصِ‏ ير ً ا{‏<br />

- 1 سورة العنكبوت،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

293<br />

47<br />

61<br />

- 3 متفق عليه<br />

- 4 متفق عليه عن زيد بن أرقم<br />

- 5 رواه مسلم عن بريدة<br />

- 6 ‏)فتح الباري 278/7<br />

- 7 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

291( و)صحيح مسلم بشرح النووي<br />

)185/12<br />

115


ن<br />

أما إن قال بل فهموا ما فهمه هو،‏ فنقول له:‏ قد كانت سريهتم ‏ِبالف هذا الفهم،‏ فإما أنه احلق وهم خالفوه وال<br />

يقول هبذا إال زنديق،‏ وإما أنه الباطل والضاللة فليس هو فهمهم وال عملهم.‏<br />

الثاين:‏ أما قول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ‏ قَاجْنَحْ‏ لَهَا{‏<br />

1<br />

، فستأِت أقوال السلف <strong>في</strong>ها يف الفقرة )11(.<br />

الثالث:‏ وأما قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»التتمنوا لقاء العدو«‏ فقد رواه البخاري عن عبد هللا بن أيب أوىف<br />

« نأ<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف بعض أايمه اليت لقي <strong>في</strong>ها،‏ انتظر حىت مالت الشمس،‏ ‏ُث قام يف الناس خطيبا<br />

فقال:‏ أيها الناس التتمنوا لقاء العدو،‏ وسلوا هللا العا<strong>في</strong>ة،‏ فإذا لقيتموهم فاصربوا،‏ واعلموا أن اجلنة حتت ظالل<br />

2<br />

السيوف،‏ ‏ُث قال:‏ اللهم منزل الكتاب وجمري السحاب،‏ وهازم األحزاب،‏ اهزمهم وانصران عليهم«‏ . قلت:‏ واضح من<br />

احلديث أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال يف إحدى غزواته لقوله:‏ ‏)يف بعض أايمه اليت لقي <strong>في</strong>ها(‏ أي العدو كما<br />

رواه مسلم،‏ وقوله:‏ ‏»فإذا لقيتموهم فاصربوا«‏ وقوله:‏ ‏»اهزمهم وانصران عليهم«،‏ فكيف يستدل هبذا احلديث على ترك<br />

اجلهاد وهو إَّنا قاله صلى هللا عليه وسلم يف أثناء الغزو؟ ‏ُث إن احلديث مشتمل على احلض على القتال وااللتحام<br />

ابلعدو،‏ وذلك يف قوله:‏ ‏»واعلموا أن اجلنة حتت ظالل السيوف«‏ ومعلوم أن املقاتل ال يكون حتت ظالل السيوف إال<br />

3<br />

عند االلتحام بعدوه حيث يعلو كل منهما صاحبه بسيفه . فكونه صلى هللا عليه وسلم قال هذا احلديث أثناء توجهه<br />

للقتال،‏ وكونه حض على القتال يف نفس احلديث،‏ يدل على أن النهي عن متين العدو ليس على إطالقه وإَّنا هو من<br />

جهة خاصة،‏ وهي التحذير من العُجْب والوثوق ابلقوة،‏ وما أشار إليه ابن حجر يف شرحه هلذا احلديث قال:‏ ‏]إَّنا هنى<br />

عن متين لقاء العدو ملا <strong>في</strong>ه صورة الإعجاب والإتكال على النفوس والوثوق ابلقوة وقلة االهتمام ابلعدو،‏ وكل ذلك<br />

يباين االحتياط واألخذ ابحلزم.‏ وقيل:‏ حيمل النهي على ما إذا وقع الشك يف املصلحة أو حصول الضرر،‏ وإال فالقتال<br />

5<br />

4<br />

فضيلة وطاعة[‏ ، وقال النووي مثله . قلت:‏ ومما يدل على أن النهي عن متين لقاء العدو ليس على إطالقه،‏ متين أنس<br />

بن النضر<br />

عن أنس بن مالك<br />

<br />

لقاء العدو مبحضر من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومل ينكر عليه،‏ وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري ومسلم<br />

قال:‏ غاب عمي أنس بن النضر رضي هللا عنه عن قتال بدر،‏ فقال:‏ اي رسول هللا غبت عن أول<br />

قتال قاتَلْتَ‏ املشركني،‏ لئن هللا أشهدين قتال املشركني لَريََيَن هللا ما أصنع.‏ فلما كان يوم أحد انكشف املسلمون فقال:‏<br />

اللهم إين أعتذر إليك مما صنع هؤالء يعين أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤالء يعين املشركني ‏ُث تقدم فاستقبله<br />

سعد بن<br />

معاذ فقال:‏ اي سعد بن معاذ اجلنة ورب النضر،‏ إين أجد رحيها من دون أحد!‏ قال سعد فما استطعت اي<br />

رسول هللا ما صَنَعَ!‏<br />

قُتِل<br />

َ<br />

قال أنس:‏ فوجدان به بضعا ومثانني ضربة ابلسيف،‏ أو طعنة برمح أو رمية بسهم،‏ ووجدانه قد<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

294<br />

61<br />

- 2 حديث 2865<br />

و‎2866‎<br />

- 3 ‏)فتح الباري )33/6<br />

- 4 ‏)فتح الباري )156/6<br />

- 5 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي 45/12<br />

)46


ومَثملَ‏ به املشركون،‏ فما عَرَفه أحد إال أخته بِبَنَانه.‏ قال أنس:‏ كنا نرى أو نظن أن هذه اآلية نزلت <strong>في</strong>ه ويف أشباهه:‏<br />

‏}مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ رِ‏ جَالٌ‏ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا ‏َّللاَّ‏ َ عَلَيْهِ‏ قَمِنْهُمْ‏ مَنْ‏ قَضَى نَحْبَهُ{‏ أ ه . قلت فهذا الصحايب اجلليل متىن<br />

لقاء العدو،‏ وصدق هللا يف ذلك،‏ وهبذا ترى أن النهي عن متين لقاء العدو إَّنا هو من جهة العُجْب والفخر ومها<br />

مذمومان،‏ وهبذا ترى فساد هذه الشبهة اليت يتعلل هبا بعض الزائغني لإنكار جهاد الطلب الذي جعله هللا تعاَل وسيلة<br />

1<br />

لإظهار الدين،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوهُمْ‏ حَتَّى الَ‏ تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏ وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{ ، وقال تعاَل:‏ ‏}لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى<br />

3<br />

2<br />

الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُونَ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}حَتَّى يُعُِْوا الْجِ‏ زْ‏ يَةَ‏ عَنْ‏ يَدٍ‏ وَ‏ هُمْ‏ صَاغِرُ‏ ونَ{‏ . قال ابن القيم<br />

رمحه هللا:‏ ‏]واملقصود من اجلهاد إَّنا أن تكون كلمة هللا هي العليا ويكون الدين كله هلل[‏ وقال:‏ ‏]فإن من كون الدين<br />

كله هلل إذالل الكفر وأهله وصغاره وضرب اجلزية على رؤوس أهله والرق على رقاهبم،‏ فهذا من دين هللا،‏ وال يناقض<br />

هذا إال ترك الكفار على عِزِّهم وإقامة دينهم كما حيبون حبيث تكون هلم الشوكة والكلمة[‏ . 4<br />

قلت:‏ وال تناقض بني ما سبق وبني قوله تعاَل:‏ ‏}ال إِكْرَ‏ اهَ‏ قِي الدِينِ‏ قَدْ‏ تَبَيَّنَ‏ الرُّ‏ شْدُ‏ مِنْ‏ الغَي ِ{<br />

5<br />

، فالقتال واجب<br />

حىت تكون كلمة هللا هي العليا وال يتأتى ذلك إال بغلبة املسلمني لعدوهم وعلو أحكام الإسالم على البالد املفتوحة،‏<br />

أم عن أهل هذه البالد فمن أسلم <strong>في</strong>ها ونعمت،‏ ومن استمر على كفره فال يُكره على اعتناق الإسالم،‏ بل يبقى على<br />

كفره ولكن حتت حكم املسلمني،‏ فالإكراه املن<strong>في</strong> يف سورة البقرة ‏}ال إِكْرَ‏ اهَ‏ قِي الدِي ‏ِن{‏ هو الإكراه على الإميان،‏ أما<br />

الكراهة املثبتة يف آية التوبة ‏}لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُو ‏َن{‏ فهي كراهيتهم لعلو حكم الإسالم عليهم<br />

مع بقائهم على دينهم.‏<br />

وقد تقرر يف الشريعة قَبول اجلزية من أهل الكتاب ومَنْ‏ يف حكمهم ‏}حَتَّى يُعُِْوا الْجِ‏ زْ‏ يَةَ{‏ وال يكرهون على<br />

6<br />

الإسالم،‏ أما عَبَدَة األوَثن ف<strong>في</strong> قبول اجلزية منهم خالف .<br />

قلت:‏ وينبغي أن يعلم املسلم أن الإميان يكون جهاد الطلب واجبا على املسلمني معناه مصادمة القوانني الدولية<br />

املعاصرة اليت حترم اعتداء الدول بعضها على بعض ومتنع امتالك أراضي األرض الغري ابلقوة،‏ هذه القوانني اليت يتحايل<br />

7<br />

عليها األقوايء الذين وضعوها.‏ ولكن قال هللا تعاَل:‏ ‏}قَال تَخْشَوْ‏ ا النَّاسَ‏ ‏َواخْشَوْ‏ نِي{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

9<br />

مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ{‏ ، وهذه األحكام كلها منوطة ابلقدرة واالستطاعة.‏ وهذه االستطاعة جيب حتصيلها حني العجز لتحقيق<br />

295<br />

س-‏ 1<br />

ورة اآلنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

38<br />

33<br />

وسورة الصف،‏ اآلية<br />

8<br />

28<br />

- 4 ‏)أحكام أهل الذمة البن القيم 19( / 1<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

256<br />

- 6 وراجع تفسري ‏}ال إِكْرَ‏ اهَ‏ قِي الدِي ‏ِن{يف تفسري ابن كثري.‏<br />

- 7 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

44<br />

41


هذه الواجبات،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ‏ وَ‏ مِنْ‏ رِ‏ بَاِِ‏ الْخَيْ‏ ‏ِل<br />

وَ‏ آخَرِ‏ ينَ‏ مِنْ‏ دُونِهِمْ‏ ال تَعْلَمُونَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْلَمُهُمْ‏ وَ‏ مَا تُنفِقُوا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُوَ‏ فَّ‏ إِلَيْكُ‏ ‏ْم<br />

تُرْ‏ هِبُونَ‏ بِهِ‏ عَدُوَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ عَدُوَّ‏ كُ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ أَنْتُمْ‏ ال تُظْلَمُو ‏َن{‏ . 1<br />

‏)فقرة 7( والجهاد فرض كفاية ويتعين <strong>في</strong> مواضع.‏<br />

قال ابن قدامة:‏ ‏]معىن فرض الكفاية الذي إن مل يقم به من يك<strong>في</strong> أُث الناس كلهم،‏ وإن قام به من يك<strong>في</strong> سقط عن<br />

سائر الناس.‏ فاخلطاب يف ابتدائه يتناول اجلميع كفرض األعيان ‏ُث خيتلفان يف ألن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض<br />

الناس له،‏ وفرض األعيان ال يسقط عن أحد بفعل غريه[.‏<br />

‏ُث قال يف الدليل على أن اجلهاد فرض على الكفاية ‏]ولنا قول هللا تع اَل:‏ ‏}ال يَسْوتَوِي الْقَاعِودُونَ‏ مِونْ‏ الْمُوؤْ‏ مِنِينَ‏ غَيْو ‏ُر<br />

أُوْ‏ لِي الضَّرَ‏ رِ‏ وَ‏ الْمُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِمْ‏ قَضَّلَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الْمُجَاهِدِينَ‏ بِوأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِوهِمْ‏ عَلَوى الْقَاعِودِي ‏َن<br />

دَرَ‏ جَةً‏ وَ‏ كُال وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الْحُسْونَى{‏ ، 2 وه ذا ي دل عل ى أن القاع دين غ ري آمث ني م ع جه اد غ ريهم،‏ وق ال هللا تع اَل:‏ ‏}وَ‏ مَوا<br />

كَانَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ لِيَنفِرُ‏ وا كَاقَّةً‏ قَلَوْ‏ ال نَفَرَ‏ مِونْ‏ ِ كُول قِرْ‏ قَوةٍ‏ مِونْهُمْ‏ ‏َِائِفَوةٌ‏ لِيَتَفَقَّهُووا{‏ ، 3 ألن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم<br />

كان يبعث السرااي ويقيم هو وسائر أصحابه[‏ . 4<br />

‏ُث قال ابن قدامة:‏ ويتعني اجلهاد يف ثالثة مواضع:‏<br />

‏)أحدها(‏ إذا التقا الزحفان وتقابل الصفان حَرُمَ‏ على من حضر الإنصراف وتعني عليه املقام لق ول هللا تع اَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَوا<br />

الَّوذِينَ‏ آمَنُووا إِذَا لَقِيوتُمْ‏ قِئَوةً‏ قَواثْبُتُوا وَ‏ اذْكُورُ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ ً كَثِيورا لَعَلَّكُومْ‏ تُفْلِحُوو ‏َن وَ‏ أَِِيعُووا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُوولَهُ‏ وَ‏ ال تَنَوازَ‏ عُوا قَتَفْشَولُوا<br />

وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الصَّابِرِ‏ ينَ{‏ ، 5 وقوله تع اَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّوذِينَ‏ آمَنُووا إِذَا لَقِيوتُمْ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا زَ‏ حْفًوا<br />

قَال تُوَ‏ لُّوهُمْ‏ األْ‏ ‏َدْبَارَ‏ وَ‏ مَنْ‏ يُوَ‏ لِهِمْ‏ يَوْ‏ مَئِذٍ‏ دُبُرَ‏ هُ‏ إِال مُتَحَرِ‏ قًا لِقِتَالٍ‏ أَوْ‏ مُتَحَي ً ‏ِزا إِلَى قِئَةٍ‏ قَقَدْ‏ بَاءَ‏ بِغَضَبٍ‏ مِ‏ ‏ْن ‏َّللاَّ‏ ِ{ 6 .<br />

‏)الثاين(‏ إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم.‏<br />

‏)الثالث(‏ إذا استنفر اإلمام قوما لزمهم النفري معه،‏ لقول هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا مَا لَكُمْ‏ إِذَا قِيلَ‏ لَكُمْ‏ انفِرُ‏ وا<br />

قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ اثَّاقَلْتُمْ‏ إِلَى األَرْ‏ ضِ‏<br />

9<br />

7<br />

} ، اآلية واليت بعدها،‏ وقال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا استُنْفِرمت فانفروا«[‏ .<br />

قلت:‏ ودليل املوضع الثاين هو نفس دليل املوضع األول ‏}إِذَا لَقِيتُمْ‏ قِئَةً‏ قَاثْبُتُوا{‏ و}إِذَا لَقِيتُمْ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا زَ‏ حْفًا قَال<br />

تُوَ‏ لُّوهُمْ‏ األَدْبَارَ‏ } ألن نزول الكفار ببلد املسلمني هو مثل التقاء الزحفني وتقابل الصفني.‏<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

296<br />

)365<br />

61<br />

85<br />

122<br />

- 4 ‏)املغين والشرح الكبري 364 / 11<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

)366<br />

46<br />

16<br />

45<br />

15<br />

39<br />

- 9 ‏)املغين والشرح الكبري 365 / 11


قلت:‏ وقد سبق يف الباب الثاين من هذه الرسالة ذكر شروط وجوب اجلهاد وهي تسعة يف فرض الكفاية ‏)الإسالم<br />

والبلوغ والعقل واحلرية والذكورية والسالمة من الضرر ووجود النفقة وإذن الوالدين وإذن الغرمي والدائن(‏ ، 1 أما يف فرض<br />

العني فهي اخلمسة األُوَل فقط.‏<br />

كذلك فقد ذكرت يف الباب الثاين األعذار الشرعية املبيحة لرتك اجلهاد،‏ واألعذار غري الشرعية.‏<br />

‏)فقرة 8( والتدريب العسكري واجب على كل مسلم.‏<br />

وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الثاين من هذه الرسالة،‏ ووجه وجوبه على كل مسلم من غري ذوي األعذار الشرعية،‏<br />

هو أن اجلهاد يكون فرض<br />

عليها،‏ وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.‏<br />

عني يف مواضع ذكرهتا آنفا،‏ وال يتأتى اجلهاد خاصة مع تطور األسلحة إال ابلتدريب<br />

كذلك فإن التدريب جزء من ال<strong>إعداد</strong> الواجب بقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، 2 وفسر النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم<br />

القوة بقوله:‏ ‏»أال إن القوة الرمي«‏<br />

3<br />

ثالَث ، وال يك<strong>في</strong> أن يتدرب املرء مرة يف حياته ‏ُث يدع،‏ بل الواجب<br />

أن يواظب على التدريب ليظل حمتفظا بكفاءته القتالية،‏ وهذه املواظبة تستفاد من قوله صلى هللا عليه وسلم<br />

4<br />

الرمي ‏ُث تركه فليس منا«‏ ، وهذا احلديث يبني وجوب<br />

5<br />

الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لَوْ‏ تَغْفُلُونَ‏ عَنْ‏ أَسْلِحَتِكُمْ‏ وَ‏ أَمْتِعَتِكُمْ‏ قَيَمِيلُونَ‏ عَلَيْكُمْ‏ مَيْلَةً‏ وَ‏ احِ‏ دَةً{‏ .<br />

َ<br />

من عَلِم «<br />

الإستعداد الدائم للجهاد،‏ ومن هذا الباب قول هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّد<br />

وهنا ينبغي التنبيه على أن التدريب ليس بشرط لوجوب اجلهاد ‏)وقد ذكرت هذه الشروط يف فقرة 7( خاصة إذا نزل<br />

العبد ببلد املسلمني وتعني قتاله،‏ قال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وأما قتال الدفع،‏ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن احلرمة<br />

والدين،‏ فواجب إمجاعا.‏ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه.‏ فال يشرتط<br />

له شرط،‏ بل يدفع حبسب الإمكان[‏ ، 6 قلت:‏ أي أنه إذا وجب اجلهاد <strong>في</strong>جب على كل مسلم من غري ذوي األعذار<br />

الشرعية املشاركة يف قتال العدو وإن مل يكن متدراب،‏ على أال يستخدم سالحا أو آلة حربية ال يعرفها حىت ال يضر<br />

نفسه وإخوانه،‏ ملا روي عن النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

ابلعمل الذي حيدده له أمريه يف اجلهاد يف حدود استطاعته.‏<br />

أنه قال:‏<br />

‏»ال ضرر وال ضرار«.‏<br />

وعلى أن يلتزم كل مسلم<br />

- 1 ‏)املغين والشرح الكبري ج 11 ص 366 و‎391‎‏(‏<br />

- 2 سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

297<br />

.61<br />

- 3 رواه مسلم عن عقبة بن عامر.‏<br />

- 4 رواه مسلم عن عقبة بن عامر.‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

112<br />

- 6 الإختيارات الفقهية ص 318


‏)فقرة 9( واألمة المسلمة أمة مجاهدة،‏ <strong>في</strong>جب أن تصاغ سياستها وفقا<br />

لهذه الصفة.‏<br />

من الفقرات السابقة تعلم أن املسلمني مكلفون جبهاد الطلب وجهاد الدفع،‏ وأن اجلهاد قد يكون فرض كفاية أو<br />

فرض عني عليهم،‏ وأن التدريب العسكري واجب وجتب املواظبة عليه.‏ فإذا نظران إَل جهاد الطلب وهو قصد العدو<br />

يف داره،‏ فإن مجهور العلماء على أنه جيب على املسلمني فعله مرة واحدة يف السنة،‏ وهذا هو أدىن الواجب،‏ وال مينع<br />

من هذا إال عجز ابملسلمني أو صلح مع العدو.‏ ويرى آخرون أنه جيب كلما أمكن ذلك دون حتديد بعدد.‏<br />

والذين أوجبوه مرة واحدة يف العام وهم اجلمهور حجتهم أن اجلزية جتب على غري املسلمني يف دار الإسالم بدال من<br />

1<br />

اجلهاد،‏ وأهنا جتب مرة واحدة يف العام ابلإمجاع،‏ فليكن مبدهلا وهو اجلهاد مرة واحدة يف العام .<br />

قلت:‏ وهذا احلكم ميكن استنباطه كذلك من قوله تعاَل:‏ { أَوَ‏ ال يَرَ‏ وْ‏ نَ‏ أَنَّهُمْ‏ يُفْتَنُونَ‏ قِي ِ كُل عَامٍ‏ مَرَّ‏ ةً‏ أَوْ‏ مَرَّ‏ تَيْنِ‏ ثُومَّ‏ ال<br />

يَتُوبُونَ‏ وَ‏ ال هُمْ‏ يَذَّكَّرُ‏ ونَ{‏ ، 2 ونقل ابن كثري يف تفسريها عن قتادة قوله:‏ ‏)يفتنون ابلغزو يف السنة مرة أو مرتني(.‏<br />

قال القرطيب<br />

يف جهاد الطلب:‏ ‏]وقسم ‏َثن من واجب اجلهاد فرض أيضا على الإمام إغزاء طائفة إَل العدو كل سنة<br />

مرة خيرج معهم بنفسه أو خيرج من يثق به ليدعوهم إَل الإسالم ويرغمهم ويكف أذاهم،‏ ويظهر دين هللا عليهم حىت<br />

يدخلوا يف الإسالم أو يعطوا اجلزية عن يد،‏ ومن اجلهاد أيضا ما هو انفلة،‏ وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث<br />

3<br />

السرااي يف أوقات الغِرمة وعند إمكان الفرصة،‏ والإرصاد هلم ابلرابط يف موضع اخلوف وإظهار القوة[‏ . قلت:‏ فالقرطيب<br />

كاجلمهور اعترب الواجب مرة يف العام وما زاد عن ذلك فهو انفلة.‏<br />

فإذا نظران إَل هذا الواجب وإذا أخذان يف االعتبار وجوب الإستعداد الدائم للجهاد الوارد يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا<br />

4<br />

لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، علمنا أن األمة الإسالمية أمة جماهدة يف املقام األول،‏ وحىت تتمكن من أداء هذه<br />

الواجبات ينبغي أن تساغ سياساهتا اخلارجية والداخلية لتحقيق هذه الواجبات،‏ فالسياسة التعليمية والصناعة والزراعة<br />

والتجارة والإسكان وغريها،‏ كل هذا ينبغي أن خيَُطمط ويُسَخمر خلدمة اجلهاد،‏ قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»املؤمن<br />

للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا«‏<br />

وشبك بني أصابعه . 5 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />

وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد ابحلمى والسهر«‏ . 6<br />

‏»مثل املؤمنني يف توادهم<br />

298<br />

- 1 ‏)انظر املغين والشرح الكبري 367 / 11 و‎369‎‏(‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

126<br />

- 3 تفسري القرطيب 152 / 9<br />

- 4 سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

.61<br />

- 5 متفق عليه عن أيب موسى<br />

- 6 متفق عليه عن النعمان بن بشري


‏)فقرة 11( وال يمنع المسلمين من الجهاد إال العجز،‏ ويجب اإلعداد حينئذ<br />

وذلك لقوله تعاَل:‏ ‏}قَال تَهِنُوا وَ‏ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ ‏َن{‏ ، 1 فما دامت ابملسلمني قوة وكانوا أعلى من<br />

عدوهم فال سِ‏ لْم وال هدنة وال صلح،‏ بل القتال حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل.‏ وذلك ألن آخر ما نزل يف<br />

اجلهاد هو قوله تعاَل:‏ ‏}قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ حَيْثُ‏ وَ‏ جَدْتُمُوهُمْ‏ وَ‏ خُذُوهُمْ‏ وَ‏ احْصُرُ‏ وهُمْ‏ وَ‏ اقْعُدُوا لَهُمْ‏ ‏ُكلَّ‏ مَرْ‏ صَدٍ‏ قَإِ‏ ‏ْن<br />

تَابُوا وَ‏ أَقَامُوا الصَّالةَ‏ وَ‏ آتَوْ‏ ا الزَّ‏ كَاةَ‏ قَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ غَفُورٌ‏ رَ‏ حِ‏ يمٌ{‏ ، 2 فهذه اآلية وآية اجلزية بنفس الصورة أمر<br />

ابلقتال العام،‏ وهو من أواخر ما أنزل من القرآن،‏ فال انسخ له،‏ روى البخاري عن الرباء<br />

<br />

براءة(‏ . 3<br />

قال:‏ ‏)آخر سورة نزلت<br />

وهكذا فَعَل النيب صلى هللا عليه وسلم واخللفاء من بعده يف قتال املشركني وأهل الكتاب كما ‏َيِت يف الفقرة )13(،<br />

وال مينع من هذا إال العجز ولذلك ترى الكافرين جيتهدون يف منع املسلمني من حيازة السالم،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّد<br />

4<br />

الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لَوْ‏ تَغْفُلُونَ‏ عَنْ‏ أَسْلِحَتِكُمْ‏ وَ‏ أَمْتِعَتِكُمْ‏ قَيَمِيلُونَ‏ عَلَيْكُمْ‏ مَيْلَةً‏ وَ‏ احِ‏ دَةً{‏ . وقد كررت يف هذه الرسالة أنه إذا<br />

5<br />

منع من اجلهاد عجزٌ‏ وَجَب االستعداد،‏ لآلية ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُ‏ ‏ْم{،‏ وهكذا قال ابن تيمية رمحه هللا .<br />

مما سبق تعلم أن األصل يف العالقة بني املسلمني والكافرين هو القتال وأن الإستثناء منه هو السلم يف صورة هدنة أو<br />

صلح وأنه ال يلجأ إَل هذا االستثناء إال لضرورة من عجز وحنوه،‏ وذلك لقوله تعاَل:‏ ‏}قَال تَهِنُوا وَ‏ تَدْعُوا إِلَى السَّلْ‏ ‏ِم<br />

6<br />

وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ نَ{‏ .<br />

أما اآلية احملتج هبا فال حجة <strong>في</strong>ها إذ إهنا حممولة على جواز املساملة بشرط حاجة املسلمني لذلك وهذا الشرط تبينه<br />

اآلية األوَل ‏}قَال تَهِنُوا وَ‏ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ األَعْلَوْ‏ ‏َن{‏<br />

7<br />

، فآية األنفال ختت<br />

حبال وهو كون املساملة يف مصلحة<br />

املسلمني وحيتاجون إليها،‏ أما آية سورة حممد صلى هللا عليه وسلم فهي ختت حبال آخر وهو كون املساملة ليست يف<br />

مصلحة املسلمني وذلك عندما تكون هبم قوة يقهرون هبا عدوهم فإنه ال توجد املساملة حينئذ هلذه اآلية وألن يف هذا<br />

عدول عن األصل املطلوب وهو إظهار دين الإسالم على ماعداه،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوهُمْ‏ ‏َحتَّى ال تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏<br />

8<br />

9<br />

وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{ ، وقوله تعاَل:‏ ‏}لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُونَ{‏ ، هذا هو األصل املقصود:‏<br />

- 1 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

299<br />

35<br />

5<br />

- 3 حديث:‏ 4654<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

112<br />

- 5 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 6 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

38<br />

35<br />

35<br />

33


إظهار الإسالم بقتال املشركني فإما أن يسلموا ويعودوا إَل العبودية هلل رب العاملني،‏ وإما أن يظلوا على كفرهم مؤدين<br />

اجلزية حتت حكم الإسالم جيري عليهم الصغار الالزم لكل من مترد على العبودية للواحد القهار،‏ قال تعاَل:‏ ‏}حَتَّى<br />

2<br />

1<br />

يُعُِْوا الْجِ‏ زْ‏ يَةَ‏ عَنْ‏ يَدٍ‏ وَ‏ هُمْ‏ صَاغِرُ‏ ونَ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ يُحَادُّونَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ قِي األَذَلِي ‏َن{‏ .<br />

3<br />

قال ابن كثري يف تفسري آية األنفال ‏}وَ‏ إِنْ‏ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ‏ قَاجْنَحْ‏ لَهَا{‏ ، قال:‏ ‏]قال ابن عباس وجماهد وزيد بن أسلم<br />

وعطاء اخلرساين وعكرمة واحلسن وقتادة إن هذه اآلية منسوخة ‏ِبية السيف يف براءة ‏}قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ ال يُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ<br />

وَ‏ ال بِالْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ رِ‏ } اآلية،‏ و<strong>في</strong>ه نظر أيضا،‏ ألن آية براءة <strong>في</strong>ها األمر بقتاهلم إذا أمكن ذلك،‏ فأما إن كان العدو كثيفا<br />

فإنه جيوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه اآلية الكرمية،‏ وكما فعل النبيصلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية،‏ فال منافاة وال<br />

نسخ وال ختصي<br />

أعلم[أه . وهللا<br />

وقال ابن حجر يف نفس اآلية ‏}وَ‏ إِنْ‏ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ‏ قَاجْنَحْ‏ لَهَا{‏ قال:‏ ‏]هذه اآلية دالة على مشروعية املصاحلة مع<br />

املشركني إَل قوله ومعىن الشرط يف اآلية أن األمر ابلصلح مقيد مبا إذا كان األحظ لإلسالم املصاحلة،‏ أما إذا كان<br />

الإسالم ظاهرا على<br />

ا اجة ال وجو املساملة.‏<br />

4<br />

الكفر ومل تظهر املصلحة يف املصاحلة فال[‏ . فاآلية احملتج هبا دالة على مشروعية املساملة عند<br />

قلت:‏ وال ينبغي أن يفهم مما سبق أن الإسالم ال يدعو إَل السالم،‏ بل يدعو إليه ولكن من منظوره اخلاص،‏ بل هو<br />

5<br />

يريد هذا جبميع اخللق،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َما أَرْ‏ سَلْنَاكَ‏ إِال رَ‏ حْمَةً‏ لِلْعَالَمِي ‏َن{‏ . وقال تعاَل:‏ ‏}َّللاَّ‏ ُ وَ‏ لِيُّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا<br />

7<br />

6<br />

يُخْرِ‏ جُهُمْ‏ مِنْ‏ الظُّلُمَاتِ‏ إِلَى النُّورِ‏ } ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تُفْسِدُوا قِي األْ‏ ‏َرْ‏ ضِ‏ بَعْدَ‏ إِصْالحِ‏ هَا{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏<br />

‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ بِالْعَدْلِ‏<br />

9<br />

وَ‏ اإلِ‏ حْسَانِ‏ وَ‏ إِيتَاءِ‏ ذِي الْقُرْ‏ بَى وَ‏ يَنْهَى عَنْ‏ الْفَحْشَاءِ‏ وَ‏ الْمُنكَرِ‏ وَ‏ الْبَغْيِ{‏ . هذا هو السالم يف مفهوم<br />

الإسالم:‏ الرمحة ابخللق وإخراجهم من الظلمات إَل النور واحلض على مكارم األخالق وحتريرهم من العبودية للبشر<br />

8<br />

‏}وَ‏ ال يَتَّخِ‏ ذَ‏ بَعْضُنَا بَعْض ‏ًا أَرْ‏ بَابًا مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، والنهي عن الفساد يف األرض.‏ فما مل يتحقق هذا وجب اجلهاد<br />

‏}حَتَّى ال تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏ وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{.<br />

195<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة اجملادلة:‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

28<br />

21<br />

61<br />

- 4 فتح الباري 275 / 6 و‎276‎<br />

- 5 سورة األنبياء،‏<br />

117 اآلية:‏<br />

- 5 سورة األنبياء،‏<br />

اآلية:‏<br />

- 6 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

117<br />

257<br />

- 7 سورة األعراف،‏ األيتان:‏<br />

- 9 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

56<br />

81<br />

- 8 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

64<br />

311


‏)فقرة 11( والهجرة ال تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»وأان آمركم ‏ِبمس،‏ هللا أمرين هبن،‏ اجلماعة والسمع والطاعة واهلجرة واجلهاد يف<br />

1<br />

سبيل هللا«‏ .<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

«<br />

مغرهبا«‏ . 2<br />

واهلجرة جتب ألسباب،‏ منها:‏<br />

= 0<br />

ال تنقطع اهلجرة حىت تنقطع التوبة،‏ وال تنقطع التوبة حىت تطلع الشمس من<br />

الفرار ابلدين مبفارقة املشركني خشية الفتنة يف الدين،‏ وهي اهلجرة من دار الكفر إَل دار الإسالم أو إَل دار<br />

األمن ملن استطاع ذلك.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏«أان بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني ال تراءى انرمها»‏ . 3<br />

وروى البخاري عن عطاء بن أيب رابح قال زرت عائشة مع عُبيد بن عُمري الليثي،‏ فسألناها عن اهلجرة،‏ فقالت:‏<br />

‏(ال<br />

هجرة اليوم،‏ كان املؤمنون يفر أحدهم بدينه إَل هللا تعاَل وإَل رسوله صلى هللا عليه وسلم خمافة أن يفنت عليه،‏ فأما<br />

اليوم فقد أظهر هللا الإسالم،‏ واليوم ي ‏َعْبُد ربه حيث شاء،‏ ولكن جهاد ونية)‏ 4 ‏،قلت:‏ واهلجرة اليت نفتها السيدة عائشة<br />

رضي هللا عنها هي اهلجرة من دار الإسالم لقوهلا:‏ ‏)ال هجرة اليوم(‏ وكانوا يف دار الإسالم،‏ ‏ُث قررت سبب اهلجرة أبنه<br />

الفرار ابلدين خشية الفتنة.‏<br />

= 2<br />

اهلجرة كمقدمة للجهاد يف سبيل هللا.‏<br />

كما يف حديث احلارث األشعري السابق،‏ مرفوعا:‏<br />

واهلجرة واجلهاد»‏ فجعل اهلجرة مقدمة وقرينة للجهاد.‏<br />

‏«وأان آمركم ‏ِبمس،‏ هللا أمرين هبن:‏ اجلماعة والسمع والطاعة<br />

- 1 رواه أمحد عن احلارث األشعري،‏ وصححه األلباين.‏<br />

- 2 رواه أبو داود عن معاوية وصححه األلباين إرواء الغليل 33 / 5<br />

- 3 رواه أبو داود والرتمذي عن جرير،‏ وصححه األلباين إرواء الغليل 31 / 5<br />

310<br />

- 4 حديث 3811<br />

- 5 سورة النحل،اآلية:‏ 111<br />

- 3 رواه أبو داود والرتمذي عن جرير،‏ وصححه األلباين إرواء الغليل 31 / 5<br />

- 4 حديث 3811<br />

- 5 سورة النحل،اآلية:‏ 111<br />

- 4 حديث 3811<br />

- 5 سورة النحل،اآلية:‏ 111


وق ال هللا تع اَل:‏ ‏}ثُومَّ‏ إِنَّ‏ رَ‏ بَّوكَ‏ لِلَّوذِينَ‏ هَواجَرُ‏ وا مِونْ‏ بَعْودِ‏ مَوا قُتِنُووا ثُومَّ‏ جَاهَودُوا وَ‏ صَوبَرُ‏ وا إِنَّ‏ رَ‏ بَّوكَ‏ مِونْ‏ بَعْودِهَا لَغَفُوو ‏ٌر<br />

رَ‏ حِ‏ يمٌ{‏ ، 1 فلم تكن اهلجرة بعد الفتنة هي هناية املطاف وإَّنا كانت مقدمة ملرحلة اتلية وهي اجلهاد والصرب.‏<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏«ال تنقطع اهلجرة مادام العدو ي ‏ُقَاتَل»‏ .<br />

وقد أسلفت يف هذه الرسالة أن اجلهاد ماض حىت يقاتِل املسلمون املسيح الدجال مع عيسى بن مرمي ، هذا هو<br />

آخر جهاد يف سبيل هللا تعاَل كما ثبت ابألدلة.‏<br />

واهلجرة كمقدمة للجهاد إما أن تكون بغرض نصرة املسلمني اجملاهدين يف بلد آخر،‏ وإما أن تكون بغرض الإستعداد<br />

ومجع األعوان ليعود املسلم للجهاد يف بلده.‏<br />

ويف حكم اهلجرة يقول ابن قدامة:‏ ‏]"فصل يف اهلجرة"‏ وهي اخلروج من دار الكفر إَل دار الإسالم قال هللا تعاَل:‏ ‏}إِ‏ من<br />

المذِينَ‏ تَوَفماهُمْ‏ الْمَالئِكَةُ‏ ظَالِمِي أَنفُسِ‏ هِمْ‏ قَالُوا فِيمَ‏ كُنتُمْ‏ قَالُوا كُنما مُسْتَضْعَفِنيَ‏ يفِ‏ األَرْضِ‏ قَالُوا أَملَْ‏ تَكُنْ‏ أَرْضُ‏ اَّللمِ‏ وَاسِ‏ عَةً‏<br />

فَتُهَاجِ‏ رُوا فِيهَا{اآلايت‎3‎‏،‏ وروي عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال:‏ ‏«أان بريء من مسلم بني مشركني التراءا<br />

انرامها»‏ 4 ‏،ومعناه ال يكون مبوضع يرى انرهم ويرون انره إذا أوقدت وأخبار سوى هذين كثرية،‏ وحكم اهلجرة ابق ال<br />

ينقطع إَل يوم القيامة يف قول عامة أهل العلم وقال قوم قد انقطعت اهلجرة ألن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

‏«ال<br />

هجرة بعد الفتح»‏ وقال:‏ ‏«قد انقطعت اهلجرة ولكن جهاد ونية»‏ وروي أن صفوان بن أمية ملا أسلم قيل له ال دين ملن<br />

مل يهاجر فأتى املدينة فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏«ما جاء بك أاب وهب؟ قال قيل إنه ال دين ملن مل يهاجر<br />

قال:‏ ‏«ارجع أاب وهب إَل أابطح مكة أقروا على مساكنكم فقد انقطعت اهلجرة ولكن جهاد ونية»‏ وروى ذلك كله<br />

سعيد.‏ ولنا ما روى معاوية قال مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏«ال تنقطع اهلجرة حىت تنقطع التوبة وال<br />

تنقطع التوبة حىت تطلع الشمس من مغرهبا»‏ 5 ‏،وروي عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

اجلهاد»‏<br />

أنه فال:‏ ‏«ال تنقطع اهلجرة ما كان<br />

رواه سعيد وغريه مع إطالق اآلايت واألخبار الدالة عليها وحتقق املقتضى هلا يف كل زمان،‏ أما األحاديث<br />

األول فأراد هبا ال هجرة بعد الفتح من بلد قد فُتِحَ‏ وقوله لصفوان أن اهلجرة قد انقطعت يعين من مكة ألن اهلجرة<br />

اخلروج من بلد الكفار فإذا فُتِحَ‏ مل يبق بلد الكفار فال تبقى منه هجرة،‏ وهكذا كل بلد فتح ال يبقى منه هجرة وإَّنا<br />

اهلجرة إليه إذا ثبت هذا فالناس يف اهلجرة على ثالثة أضرب:‏<br />

312<br />

- 1 سورة النحل،اآلية:‏ 111<br />

- 2 رواه أمحد عن عبد هللا بن السعدي وصححه األلباين إرواء الغليل 33 / 5<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 رواه أبو داود<br />

- 5 رواه أبو داود<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 5 رواه أبو داود<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

87<br />

87<br />

87<br />

87


‏)أحدها(‏ من جتب عليه<br />

وهو من يقدر عليها وال ميكنه إظهار دينه وال متكنه إقامة واجبات دينه مع املقام بني<br />

الكافرين فهذا جتب عليه اهلجرة لقول هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ تَوَ‏ قَّاهُمْ‏ الْمَالئِكَةُ‏ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ‏ قَالُوا قِيمَ‏ كُنتُمْ‏ قَالُوا كُنَّا<br />

1<br />

مُسْتَضْعَفِينَ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ قَالُوا أَلَمْ‏ تَكُنْ‏ أَرْ‏ ضُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ اسِعَةً‏ قَتُهَاجِ‏ رُ‏ وا قِيهَا قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ مَأْوَ‏ اهُمْ‏ جَهَنَّمُ‏ وَ‏ سَاءَتْ‏ مَصِ‏ ً يرا{‏ ،<br />

وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب وألن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه واهلجرة من ضرورة الواجب<br />

وتتمته وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.‏<br />

الَاين من ال هجرة عليه وهو من يعجز عنها إما ملرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم<br />

فهذا ال هجرة عليه لقول هللا تعاَل:‏ ‏}إِال الْمُسْتَضْعَفِينَ‏ مِنْ‏ الرِ‏ جَالِ‏ وَ‏ الن ‏ِسَاءِ‏ وَ‏ الْوِلْدَانِ‏ ال يَسْتَِِيعُونَ‏ حِ‏ يلَةً‏ وَ‏ ال<br />

يَهْتَدُونَ‏ سَبِيال قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ عَسَى ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يَعْفُوَ‏ عَنْهُمْ‏ وَ‏ كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

عليها.‏<br />

2<br />

عَفُوًّ‏ ا ً غَفُورا{‏ ، وال توصف ابستحباب ألهنا غري مقدور<br />

والَالث من تستحب له وال جتب عليه،‏ وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته يف دار الكفر،‏<br />

فتستحب له<br />

ليتمكن من جهادهم وتكَري املسلمني ومعونتهم،‏ ويتخل من تكثري الكفار وخمالطتهم ورؤية املنكر<br />

بينهم،‏ وال جتب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون اهلجرة،‏ وقد كان العباس عم النيب صلى هللا عليه وسلم مقيما<br />

مبكة مع إسالمه،‏ ورَوَينا أن نُعيم النحام حني أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له أقم عندان وأنت على<br />

دينك وحنن ‏َّننعك ممن يريد أذاك واكفنا ما كنت تك<strong>في</strong>نا،‏ وكان يقوم بيتامى بين عدي وأراملهم فتخلف عن اهلجرة<br />

مدة ‏ُث هاجر،‏ فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏«قومك كانوا خريا لك من قومي يل،‏ قومي أخرجوين وأرادوا قتلي<br />

وقومك حفظوك ومنعوك»‏ فقال اي رسول هللا بل قومك أخرجوك إَل طاعة هللا وجهاد عدوه وقومي ثبطوين عن اهلجرة<br />

وطاعة هللا أو حنو هذا القول.‏ أه 3<br />

.515<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآليتان:‏<br />

88 -<br />

89<br />

87<br />

- 3 املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />

513<br />

- 4 متفق عليه<br />

- 5 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />

- 6 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

13<br />

313


21 فقرة<br />

والمسلمون أمة واحدة،‏ والمسلم أخو المسلم وإن تباعدت ديارهما،‏<br />

ولكل حق النصرة.‏<br />

1<br />

قال هللا تعاىل:‏ ‏}إِنَّمَا الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ إِخْوَ‏ ةٌ{،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏«املسلم أخو املسلم»‏ ، وقال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏«املؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر اجلسد ابلسهر واحلمى»‏<br />

2<br />

.<br />

3<br />

وال تفاضل بني املسلمني إال ابلتقوى والعمل الصام،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ أَكْرَ‏ مَكُمْ‏ عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَتْقَاكُمْ{‏ ، وقال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏«ال فضل لعريب على عجمي وال لعجمي على عريب وال ألبيض على أسود وال ألسود على<br />

أبيض إال ابلتقوى،‏ الناس من آدم وآدم من تراب»‏<br />

4<br />

.<br />

والنصرة حق لكل مسلم على أخيه املسلم وإن تباعدت دايرمها،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏«املسلم<br />

أخو املسلم ال يظلمه وال يُسْلِمه،‏ ومن كان يف حاجة أخيه كان هللا يف حاجته،‏ ومن فرج عن مسلم كربة فرج هللا عنه<br />

5<br />

كربة من كرابت يوم القيامة،‏ ومن سرت مسلما سرته هللا يوم القيامة ، وروى مسلم عن أيب هريرة مرفوعا:‏ ‏«املسلم أخو<br />

املسلم ال يظلمه وال خيَْذُله»‏<br />

<strong>في</strong>جب على كل مسلم نصرة إخوانه اجملاهدين وإن تباعدت الداير حبسب استطاعته،‏ وال<br />

خيذله أمام عدوه،‏ وال يسلمه لعدوه.‏ كما قال القرطيب:‏ ‏]إنه جيب نفري الكل وذلك إذا تعني اجلهاد بغلبة العدو على<br />

قطر من األقطار أو حبلوله ابلعُقْر،‏ فإذا كان ذلك وجب على مجيع أهل تلك الدار أن ينفروا وخيرجوا إليه خفافا<br />

وثقاال،‏ شبااب وشيوخا،‏ كل على قدر طاقته،‏ من كان له أب بغري إذنه ومن ال أب له،‏ وال يتخلف أحد يقدر على<br />

اخلروج،‏ من مُقَاتِل أو مُكَثِّر.‏ فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قارهبم وجاورهم أن خيرجوا<br />

314<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />

- 3 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

13<br />

- 2 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />

- 3 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

13<br />

13<br />

- 4 رواه أمحد،‏ وصححه األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية وصحيح اجلامع الصغري 1791<br />

- 5 رواه البخاري عن ابن عمر<br />

- 6 تفسري القرطيب 151 / 9<br />

- 7 حاشية ابن عابدين<br />

- 9 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

239 / 3<br />

24<br />

- 5 رواه البخاري عن ابن عمر<br />

- 6 تفسري القرطيب 151 / 9<br />

- 7 حاشية ابن عابدين<br />

- 9 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

239 / 3<br />

24


على حسب ما لزم أهل تلك البلدة،‏ حىت يعلموا أن <strong>في</strong>هم طاقة على القيام هبم ومدافعتهم.‏ وكللك بكل من علم<br />

بضعفهم عن عدوهم<br />

1<br />

سواهم[‏ .<br />

وعلم أنه يدركهم وميكنه غياثهم لزمه أيضا اخلروج إليهم،‏<br />

فاملسلمون كلهم يد على من<br />

وقال ابن عابدين:‏ ‏]وفرض عني إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسالم <strong>في</strong>صري فرض عني على من قرب منه،‏ فأما<br />

من وراءهم ببُعد من العدو فهو فرض كفاية إذا مل حيُْتَجْ‏ إليهم،‏ فإن احتِيج إليهم أبن عجز من كان من قرب العدو عن<br />

املقاومة مع العدو أو مل يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ومل جياهدوا فإنه يفرتض على من يليهم فرض عني كالصالة<br />

2<br />

والصوم ال يسعهم تركه،‏ وُثُم وُثُم إَل أن يفرتض على مجيع أهل الإسالم شرقا وغراب على هذا التدريج[أه ، وعلى هذا<br />

القول فقهاء املذاهب األربعة.‏<br />

قلت:‏ ومن هذا ترى أن الرابطة الشرعية اليت تربط بني املسلمني هي رابطة الإنتماء لدين الإسالم،‏ وهلذه الرابطة تبعات<br />

كالتعاون والتعاطف والنصرة وغريها.‏ ولإضعاف هذه الرابطة الشرعية وابلتايل<br />

اخرتع الكافرون روابط بديلة:‏<br />

كرابطة األرني<br />

تفتيت وحدة املسلمني وتفريق مشلهم<br />

‏(الوطن)،‏ وهي ما تسمى ابلرابطة الوطنية،‏ وتفضي ابنتماء الناس لبلدهم وعدم التفريق بينهم على<br />

أساس دايانهتم،‏ وتقضي هذه الرابطة أبم مصلحة الوطن مقدمة على كل شيء،‏ وهذا ابطل شرعا،‏ فال ينبغي<br />

أن<br />

يكون انتماء املسلم ووالءه لقطعة أرض،‏ ألنه قد جيب عليه يف وقت ما هجرة هذه األرض يف سبيل هللا،‏ بل قد تَوَعمد<br />

هللا سبحانه من قدمم حب الوطن على ما <strong>في</strong>ه رضا هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم يف قوله تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ إِنْ‏ كَا ‏َن<br />

آبَاؤُكُمْ‏ وَ‏ أَبْنَاؤُكُمْ‏ وَ‏ إِخْوَ‏ انُكُمْ‏ وَ‏ أَزْ‏ وَ‏ اجُكُمْ‏ وَ‏ عَشِيرَ‏ تُكُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الٌ‏ اقْتَرَ‏ قْتُمُوهَا وَ‏ تِجَارَ‏ ةٌ‏ تَخْشَوْ‏ نَ‏ كَسَادَهَا وَ‏ مَسَاكِنُ‏ تَرْ‏ ضَوْ‏ نَهَا<br />

أَحَبَّ‏ إِلَيْكُمْ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ جِ‏ هَادٍ‏ قِي سَبِيلِهِ‏ قَتَرَ‏ بَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِأَمْرِ‏ هِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ال يَهْدِي الْقَوْ‏ مَ‏ الْفَاسِقِي ‏َن{‏<br />

،<br />

3<br />

فرابطة الوطن هي املشار إليها يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَسَاكِنُ‏ تَرْ‏ ضَوْ‏ نَهَا{.‏ وقال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏«أان بريء<br />

من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني»‏ . 4 وتقضي الرابطة الوطنية ابملساواة بني املسلم وغري املسلم يف البلد الواحد<br />

315<br />

- 1 تفسري القرطيب 151 / 9<br />

- 2 حاشية ابن عابدين<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 حاشية ابن عابدين<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

239 / 3<br />

24<br />

239 / 3<br />

24<br />

24<br />

- 4 رواه أبو داود عن جرير وصححه األلباين<br />

- 5 رواه الدارقطين عن عائذ بن عمرو،‏ وحسنه األلباين<br />

- 6 رواه البخاري عن جابر<br />

- 7 رواه مسلم<br />

- 9 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

46


وهذا منكر،‏ قال صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏«الإسالم ي ‏َعْلو وال ي ‏ُعْلى»‏ ، 1 كما تقضي الرابطة الوطنية أبن املسلم من غري<br />

أبناء البلد أجنيب عن املسلم <strong>في</strong>ه،‏ وهذا من أنكر املنكرات فاملسلم أخو املسلم وإن تباعدت دايرمها.‏<br />

ومن الروابط اجلاهلية،‏ رابطة القومية،‏ وهي الإنتماء جلنس معني وقوم أبعينهم،‏ يغضب هلم املرء ويقاتل من أجلهم<br />

ويعلى هذه الرابطة على ما سواها،‏ وهذه هي دعوى اجلاهلية اليت قال <strong>في</strong>ها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏«دعوها<br />

3<br />

2<br />

فإهنا خبيثة»‏ ، وحَكَم صلى هللا عليه وسلم على أن من قاتل من أجلها أبن ‏«ميتته ميتة جاهلية»‏ ، وهذه الرابطة<br />

القومية هي املشار إليها يف آية التوبة السابقة بقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ عَشِيرَ‏ تُكُ‏ ‏ْم{‏ و<strong>في</strong>ها الوعيد على من قدمها على مرضاة<br />

هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم . وقد ضرب هللا سبحانه لنا مثال أبنبيائه ملا تربأوا من أقوامهم الكافرين،‏ قال تعاَل:‏<br />

4<br />

‏}قَالَ‏ يَانُوحُ‏ إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ مِنْ‏ أَهْلِكَ‏ إِنَّهُ‏ عَمَلٌ‏ غَيْرُ‏ صَالِحٍ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}قَدْ‏ كَانَتْ‏ لَكُمْ‏ أُسْوَ‏ ةٌ‏ حَسَنَةٌ‏ قِي إِبْرَ‏ اهِيمَ‏<br />

وَ‏ الَّذِينَ‏ مَعَهُ‏ إِذْ‏ قَالُوا لِقَوْ‏ مِهِمْ‏ إِنَّا بُرَ‏ آءُ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ كَفَرْ‏ نَا بِكُمْ‏ ‏َوبَدَا بَيْنَنَا وَ‏ بَيْنَكُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةُ‏<br />

وَ‏ الْبَغْضَاءُ‏ أَبَد ‏ًا حَتَّى تُؤْ‏ مِنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ حْدَهُ{‏ . 5 وهذه اآلايت تبني أن الرابطة الشرعية هي الإميان ابهلل وحده وال اعتبار<br />

ألي رابطة سواها،‏ فاملواالة واملعاداة متعلقتان ابلإميان ‏}حَتَّى تُؤْ‏ مِنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ حْدَهُ{.‏<br />

ومن الروابط اجلاهلية رابطة اللغة الواحدة أو اللون أو املصام املشرتكة<br />

وهي املذمومة يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَمْوَ‏ ا ‏ٌل<br />

6<br />

اقْتَرَ‏ قْتُمُوهَا وَ‏ تِجَارَ‏ ةٌ‏ تَخْشَوْ‏ نَ‏ كَسَادَهَا{‏ ، كل هذه الروابط ال اعتبار هلا خاصة عندما تتعارض مع ما تقتضيه أحكام<br />

الشريعة.‏ وما أُبْرِزَت هذه الروابط إال أبيدي الكافرين لتفريق املسلمني وإشعال العداوات بينهم،‏ وهو ما حذران هللا<br />

تعاَل منه بقوله:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا إِنْ‏ تُِِيعُوا قَرِ‏ يق ‏ًا مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أُوتُوا الْكِتَابَ‏ يَرُ‏ دُّوكُمْ‏ بَعْدَ‏ إِيمَانِكُمْ‏ كَاقِرِ‏ ي ‏َن<br />

قوله تعاَل<br />

إَل<br />

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ حَقَّ‏ تُقَاتِهِ‏ وَ‏ ال تَمُوتُنَّ‏ إِال وَ‏ أَنْتُمْ‏ مُسْلِمُو ‏َن وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ ‏َال<br />

تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اذْكُرُ‏ وا نِعْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ أَعْدَاء ً قَأَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِكُمْ‏ قَأَصْبَحْتُمْ‏ بِنِعْمَتِهِ‏ إِخْوَ‏ ان ‏ًا<br />

إَل قوله تعاَل<br />

وَ‏ ال<br />

- 1 رواه الدارقطين عن عائذ بن عمرو،‏ وحسنه األلباين<br />

- 2 رواه البخاري عن جابر<br />

316<br />

- 3 رواه مسلم<br />

- 4 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

- 2 رواه البخاري عن جابر<br />

- 3 رواه مسلم<br />

- 4 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

- 3 رواه مسلم<br />

- 4 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

46<br />

- 5 سورة<br />

املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

4<br />

24


تَكُونُوا كَالَّذِينَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اخْتَلَفُوا مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَهُمْ‏ الْبَي ‏ِنَاتُ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ عَظِيمٌ{‏ ، 1 وقال تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ تُِِيعُوا<br />

الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا<br />

يَ‏ ‏ُردُّوكُمْ‏ عَلَى أَعْقَابِكُمْ‏ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ‏ ي ‏َن{‏ . 2<br />

املقصد مما سبق:‏ أن يعلم املسلم أن املواالة والنصرة والبذل كل هذا يتعلق ابلرابطة الإميانية فقط،‏ وال اعتبار ألي رابطة<br />

أخرى من روابط اجلاهلية يف هذا املقام،‏ <strong>في</strong>حرم على املسلم أن يوايل أو ي ‏ُقَاتِل على مثل هذه الروابط.‏ وأن املسلم يف<br />

أقصى املشرق هو أخو املسلم يف أقصى املغرب وإن اختلف لونه أو قومه أو لغته،‏ ونصرته ومعاونته يف احلق واجبة<br />

قدر الإستطاعة.‏<br />

13) ‏(الفقرة<br />

ويجب البدء بقتال العدو األقرب.‏<br />

لقول هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ يَلُونَكُمْ‏ مِونْ‏ الْكُفَّوا ‏ِر{.‏ ق ال اب ن قدام ة:‏ ‏]مس ألة ‏"ويقات ل ك ل ق وم م ن<br />

يليهم من العدو":‏ واألصل يف هذا قول هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ يَلُونَكُمْ‏ مِنْ‏ الْكُفَّا ‏ِر{،‏ وألن األق رب<br />

أكث ر ض ررا،‏ ويف قتال ه دف ع ض رره ع ن املقابِ‏ ل ل ه وعم ن وراءه،‏ واالش تغال ابلبعي د عن ه ميَُكِّن ه م ن انته از الفرص ة يف<br />

املسلمني لإشتغاهلم عنه إَل أن قال إذا ثبت ه ذا ف إن ك ان ل ه ع ذر يف البداي ة ابألبع د لكون ه أخ وف أو املص لحة يف<br />

البداي ة ب ه لقرب ه وإمك ان الفرص ة من ه،‏ أو لك ون األق رب مه ادان أو مين ع م ن قتال ه م انع ف ال أبس ابلبداي ة ابألبع د لكون ه<br />

موضع حاجة[‏ أه . 3<br />

وقال ابن كثري يف تفسري اآلية املذكورة:‏ ‏]أمر هللا تعاَل املؤمنني أن يقاتلوا الكفار أوال فأوال األقرب فاألقرب إَل حوزة<br />

الإسالم،‏ وهلذا بدأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقتال املشركني يف جزيرة العرب،‏ فلما فرغ منهم وفتح هللا عليه مكة<br />

واملدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيرب وحضر موت وغري ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر<br />

أحياء العرب يف دين هللا أفواجا شرع يف قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إَل جزيرة العرب<br />

إَل أن قال وقام ابألمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق<br />

<br />

وقد مال الدين مَيْلة كاد أن ينجفل فثبته هللا<br />

تعاَل به فوطد القواعد وثبت الدعائم،‏ ورد شارد الدين وهو راغم،‏ ورد أهل الردة إَل الإسالم،‏ وأخذ الزكاة ممن منعها<br />

من الطعام،‏ وبني احلق ملن جهله.‏ وأدى عن رسول هللا ما محله،‏ ‏ُث شرع يف جتهيز اجليوش الإسالمية إَل الروم عَبَدَة<br />

الصلبان،‏ وإَل الفرس عَبَدَة النريان،‏ ففتح هللا بربكة سفارته البالد،‏ وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العِبَاد،‏<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ األايت:‏<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

317<br />

115 إَل 111<br />

148<br />

- 3 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 372<br />

373<br />

(315<br />

(158<br />

- 4 ‏(جمموع الفتاوى (534 / 29<br />

(479 / 29)<br />

-5<br />

- 6 ‏(جمموع الفتاوى 159 / 25<br />

- 7 ‏(البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />

- 9 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

44


)<br />

وأنفق كنوزمها يف سبيل هللا كما أخرب بذلك رسول هللا،‏ وكان متام األمر على يدي وصيه من بعده،‏ ووَل عهده الفاروق<br />

األواب،‏ شهيد احملراب،‏ أيب حف<br />

عمر بن اخلطاب ، فأرغم هللا به أنوف الكفرة امللحدين،‏ وقمع الطغاة واملنافقني،‏<br />

واستوَل على املمالك شرقا وغراب.‏ إَل أن قال وكلما علوا أمة انتقلوا إَل من بعدهم ‏ُث الذين يلوهنم من العتاة الفجار<br />

امتثاال لقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ يَلُونَكُمْ‏ مِنْ‏ الْكُفَّا ‏ِر{[أه .<br />

(14<br />

فقرة وقتال المرتدين الممتنعين مقدم على قتال الكفار األصليين.‏<br />

ألن املرتد أعظم جناية يف الدين وأشد خطرا،‏ قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وقد استقرت السنة أبن عقوبة<br />

املرتد أعظم من عقوبة الكافر األصلي من وجوه متعددة.‏ منها أن املرتد يقتل بكل حال،‏ وال يضرب عليه جزية،‏ وال<br />

تعقد له ذمة،‏ ‏ِبالف الكافر األصلي.‏ ومنها أن املرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال،‏ ‏ِبالف الكافر األصلي الذي<br />

ليس هو من أهل القتال،‏ فإنه ال يقتل<br />

عند أكثر العلماء كأيب حنيفة ومالك وأمحد،‏ وهلذا كان مذهب اجلمهور أن<br />

املرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأمحد.‏ ومنها أن املرتد ال يَرِث وال يناكح وال تؤكل ذبيحته،‏ ‏ِبالف<br />

5<br />

4<br />

الكافر األصلي.‏ إَل غري ذلك من األحكام[‏ . وقال أيضا:‏ ‏]وكفر الردة أغلظ ابإلمجاع من الكفر األصلي[‏ .<br />

وقال رمحه هللا يف موضع آخر:‏ ‏]والصديق<br />

<br />

وسائر الصحابة بدأوا جبهاد املرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب:‏<br />

فإن جهاد هؤالء حِ‏ فْظ ملا فُتِح من بالد املسلمني،‏ وأن يدخل <strong>في</strong>ه من أراد اخلروج عنه.‏ وجهاد من مل يقاتلنا من<br />

املشركني وأهل الكتاب من زايدة إظهار<br />

6<br />

الدين.‏ وحفظ رأس املال مقدم على الربح[‏ .<br />

قلت:‏ فقد أمجع الصحابة على البدء بقتال املرتدين،‏ وال يُشكل على هذا بعث أسامة بن زيد إَل الروم يف بدء خالفة<br />

أيب بكر رضي هللا عنهم،‏ فإنه ما فعل ذلك إال ألمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم به،‏ وقد كان <strong>في</strong>ه خري عظيم يف<br />

7<br />

إرهاب من أراد االرتداد .<br />

318<br />

(315<br />

(158<br />

- 4 ‏(جمموع الفتاوى (534 / 29<br />

(479 / 29)<br />

-5<br />

- 6 ‏(جمموع الفتاوى 159 / 25<br />

- 7 ‏(البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />

- 9 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

(315<br />

(158<br />

44<br />

(479 / 29)<br />

-5<br />

- 6 ‏(جمموع الفتاوى 159 / 25<br />

- 7 ‏(البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />

- 9 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

(315<br />

(158<br />

44<br />

- 6 ‏(جمموع الفتاوى 159 / 25<br />

- 7 ‏(البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />

- 9 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

44


(15<br />

أ =<br />

‏(فقرة والسلطان إذا كفر وكان ممتنعا وجب قتاله فرضَ‏ عين ويُقَدم<br />

على غيره.‏<br />

وهذا كشأن احلك ام ال ذين حيكم ون بغ ري ش ريعة الإس الم يف كث ري م ن بل دان املس لمني،‏ فه ؤالء كف ار،‏ لقول ه تع اَل:‏<br />

‏}وَ‏ مَنْ‏ لَمْ‏ يَحْكُمْ‏ بِمَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْكَاقِرُ‏ و ‏َن{‏ ، 2 ولقوله تعاَل:‏ ‏}ثُومَّ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا بِورَ‏ ب ‏ِهِمْ‏ يَعْودِلُونَ‏ } 3 ، وغريه ا<br />

من األدلة،‏ ومعظم هؤالء يدعون الإسالم فهم ابلكفر صاروا مرتدين.‏<br />

واحلق أن هؤالء احلكام مع حكمهم بغري ما أنزل هللا يُشَرِّعون للناس ما يشاءون من أحكام فهم قد نَصَبُوا أنفسهم<br />

4<br />

أراباب وآهلة للناس من دون هللا تعاَل،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}أَمْ‏ لَهُمْ‏ شُرَ‏ كَاءُ‏ شَرَ‏ عُوا لَهُمْ‏ مِنْ‏ الدِينِ‏ مَا لَمْ‏ يَأْذَنْ‏ بِهِ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ{ ،<br />

5<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}اتَّخَذُوا أَحْبَارَ‏ هُمْ‏ وَ‏ رُ‏ هْبَانَهُمْ‏ أَرْ‏ بَابًا مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ . فكفرهم كفر مزيد مركب مع صدهم عن سبيل هللا.‏<br />

وقد بسطت القول يف هذه املسألة يف رسالة أخرى ‏(وهي رسالة دعوة التوحيد)‏ حيث أجبت عن الإعرتاضات الواردة<br />

على آية املائدة ‏}وَ‏ مَنْ‏ لَمْ‏ يَحْكُمْ‏ بِمَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْكَاقِرُ‏ و ‏َن{،‏ وبينت أنه ن عام من أوجه كثرية،‏ وأن الكفر<br />

يف اآلية هو الكفر األكرب وأنه إذا اختلفت أقوال الصحابة يف تفسري آية اخرتان من أقواهلم ما يؤيده الكتاب والسنة<br />

كما هو مقرر يف األصول،‏ وبينت كذلك أن ما حيدث يف كثري من بلدان املسلمني اآلن هو نفس صورة سبب نزول<br />

اآلية وهو تعطيل حكم الشريعة واخرتاع حكم جديد وجعله تشريعا مُلزِما للناس،‏ كما عطل اليهود حكم التوراة برجم<br />

الزاين واخرتعوا تشريعا بديال،‏ وذكرت يف رساليت املشار إليها أن صورة سبب النزول قطعية الدخول يف الن ، كما هو<br />

مقرر يف األصول،‏ وهو ما أشار إليه إمساعيل القاضي كما نقل ابن حجر ‏]وقال إمساعيل القاضي يف ‏"أحكام القرآن"‏<br />

بعد أن حكى اخلالف يف ذلك ظاهر اآلايت يدل على أن من فعل مَل ما فعلوا واخرتع حكما خيالف به حكم<br />

هللا وجعله دينا يُعمل به،‏ فقد لزمه مَل ما لزمهم من الوعيد<br />

6<br />

املذكور حاكما كان أو غريه[‏ .<br />

فكل من شارك يف وضع القوانني الوضعية أو حَكَم هبا،‏ فهو كافر كفرا أكربَ‏ خمرجا من ملة الإسالم وإن أتى أبركان<br />

الإسالم اخلمسة وغريها.‏ وهذا هو ما قرره كثري من أهل العلم املعاصرين كما نقلتُه يف الباب الثالث من هذه الرسالة<br />

عن أمحد شاكر وحممد حامد الفقي وحممد بن إبراهيم آل الشيخ.‏<br />

319<br />

(315<br />

- 1 ‏(البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

21<br />

44<br />

44<br />

1<br />

31<br />

- 6 ‏(فتح الباري (121 / 13<br />

- 7 رواه الرتمذي وصححه عن العرابض<br />

- 9 جمموع الفتاوى ج<br />

- 8 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

35 ص 65<br />

51


ب =<br />

بسنيت<br />

الئم،‏<br />

وقد ذكرت يف الرسالة املشار إليها آنفا مَنْ‏ هم الذين ينطبق عليهم اسم ‏(احلاكم)‏ شرعا.‏<br />

فهذا احلاكم املرتد إن مل تكن له منعة وجب خلعه على الفور وي ‏ُعْرض على القاضي فإن اتب وإال قتل وإن اتب<br />

مل يرجع إَل واليته كما هي سنة أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏«فعليكم<br />

1<br />

وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي عضوا عليها ابلنواجد»‏ . قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وال<br />

استعمل عمر قط،‏ بل وال أبو بكر على املسلمني:‏ منافقا،‏ وال استعمال من أقارهبما،‏ وال كان أتخذمها يف هللا لومة<br />

بل ملا قاتال أهل الردة وأعادوهم إَل الإسالم منعوهم ركوب اخليل ومحل السالح حىت تظهر صحة توبتهم،‏<br />

وكان عمر يقول لسعد بن أيب وقاص وهو أمري العراق:‏ ال تستعمل أحدا منهم،‏ وال تشاورهم يف احلرب.‏ فإهنم كانوا<br />

أمراء أكابر مثل طليحة األسدي،‏ واألقرع بن حابس،‏ وعيينة بن حصن،‏ واألشعث بن قيس الكِنْدي وأمثاهلم فهؤالء<br />

ملا ختوف أبو بكر وعمر منهم نوع نفاق<br />

2<br />

مل يوهلم على املسلمني[‏ .<br />

ج = وإن كان احلاكم املرتد ممتنعا بطائفة تقاتل دونه،‏ وجب قتاهلم،‏ وكل من قاتل دونه فهو كافر مَله،‏ لقول هللا<br />

3<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُ‏ ‏ْم{‏ ، و}وَ‏ مَنْ‏ } يف اآلية إسم شرط فهي صيغة عموم تعم كل من توَل الكافر<br />

ونَصَرَه ابلقول أو ابلفعل.‏ وقال شيخ الإسالم حممد بن عبد الوهاب وغريه يف نواقض الإسالم:‏ ‏]مظاهرة املشركني<br />

5 4<br />

ومعاونتهم على املسلمني والدليل قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُمْ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يَ‏ ‏ْهدِي الْقَوْ‏ مَ‏ الظَّالِمِي ‏َن{‏ ] .<br />

<strong>في</strong>قاتل كل هؤالء قتال املرتدين وإن كانوا ينطقون ابلشهادتني ويظهرون بعض شرائع الإسالم لإتياهنم مبا ينقض أصل<br />

6<br />

الإسالم.‏ وقال هللا تعاَل:‏ ‏}الَّذِينَ‏ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا يُقَاتِلُونَ‏ قِي ‏َسبِيلِ‏ الَِّاغُو ‏ِت{‏ ، فكل<br />

من نصر الكافر ابلقول أو ابلفعل لنُصْر ة كُفْرِه فهو كافر مَله،‏ وهلا هو حكم الظاهر يف الدنيا كممتنع عن أهل<br />

الإميان واجلهاد،‏ وقد يكون<br />

مسلما يف الباطن لوجود مانع من التكفري يف حقه أو شبهة وحنوه،‏ إال أن هذا ال مينع<br />

من احلكم بكفره لقيام املقتضى يف حقه،‏ وهكذا جرت السنة يف احلكم على املمتنعني،‏ وقد بسطت القول يف هذه<br />

- 1 رواه الرتمذي وصححه عن العرابض<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

- 3 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

- 3 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

301<br />

35 ص 65<br />

51<br />

35 ص 65<br />

51<br />

51<br />

51<br />

- 5 جمموعة التوحيد البن تيمية وابن عبد الوهاب ص<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

39<br />

76<br />

76


بينة.‏<br />

املسألة يف رسالة أخرى.‏ وهذا من العلم الذي ينبغي أن يشاع يف الناس ليهلك من هلك عن بينة وحيىي من حىي عن<br />

د = أما دليل وجوب اخلروج على احلاكم إذا كَفَر،‏ فهو حديث عبادة بن الصامت قال:‏ ‏«دعاان رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم فبايعناه،‏ فكان <strong>في</strong>ما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع والطاعة يف مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا وعُسْرِان ويُسْرِان وأَث ‏َرَةٍ‏<br />

علينا،‏ وأن ال ننازع األمر أهله،‏<br />

<br />

1<br />

قال:‏ إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان»‏ . قال النووي:‏ ‏]قال القاضي<br />

عياض أمجع العلماء على أن الإمامة ال تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل إَل قوله فلو طرأ عليه كفر<br />

وتغيري للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام<br />

عادل إن أمكنهم ذلك،‏ فإن مل يقع<br />

ذلك إال لطائفة وجب عليهم القيام ‏ِبلع الكافر وال جيب يف املبتدع إال إذا ظنوا<br />

2<br />

القدرة عليه،‏ فإن حتققوا العجز مل جيب القيام،‏ وليهاجر املسلم عن أرضه إَل غريها ويفر بدينه[‏ .<br />

4<br />

3<br />

قلت وهذا الإمجاع الذي ذكره القاضي عياض نقله ابن حجر عن ابن بطال ، وعن ابن التني عن الداودي ، وعن ابن<br />

6<br />

5<br />

التني ، وقرره ابن حجر نفسه .<br />

- 1 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />

- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

300<br />

228 / 12<br />

- 3 فتح الباري 7 / 13<br />

- 4 فتح الباري 9 / 13<br />

- 5 فتح الباري 116/ 13<br />

- 6 فتح الباري 123 / 13<br />

- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

58<br />

- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

228 / 12<br />

- 3 فتح الباري 7 / 13<br />

- 4 فتح الباري 9 / 13<br />

- 5 فتح الباري 116/ 13<br />

- 6 فتح الباري 123 / 13<br />

- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

58<br />

- 3 فتح الباري 7 / 13<br />

- 4 فتح الباري 9 / 13<br />

- 5 فتح الباري 116/ 13<br />

- 6 فتح الباري 123 / 13<br />

- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61 58


ه =<br />

وإذا عجز املسلمون عن ذلك وجب اإلستعداد،‏ قال ابن تيمية:‏ ‏]كما جيب الإستعداد للجهاد إبعداد القوة<br />

4<br />

ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز،‏ فإن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب[‏ . وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَحْسَبَنَّ‏ الَّذِينَ‏<br />

كَفَرُ‏ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ‏ ال يُعْجِ‏ زُ‏ و ‏َن وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{اآلية<br />

6<br />

الرمي»ثالَث .<br />

قلت:‏ مما سبق تعلم أن واجب املسلمني جتاه هؤالء الطواغيت<br />

» عليه،‏ وهو<br />

5<br />

، وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏«أال إن القوة<br />

مقرر ابلنص الشرعي<br />

الذي ال جيوز ملسلم أن خيرج<br />

وأال ننازع األمر أهله،‏ قال:‏ إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان».‏ وقد انعقد الإمجاع على<br />

وجوب اخلروج عليهم كما ذكرته آنفا.‏ ولذلك فال جيوز الإجتهاد يف كي<strong>في</strong>ة مواجهة الطواغيت مع وجود الن<br />

والإمجاع،‏ وأن من اجتهد مع وجود النص واإلمجاع يف هلا امل وْرِد فقد ضل ضالال مبينا،‏ كمن يسعى لتطبيق حكم<br />

الإسالم عن طريق ‏(الربملاانت)‏ الشركية وحنو ذلك.‏ ومن قال إن العجز مينعه من اخلروج عليهم فنقول له إن الواجب<br />

عند العجز هو ال<strong>إعداد</strong> ال مشاركتهم يف برملاانهتم الشركية،‏ فإن حتقق العجز وجبت اهلجرة،‏ فإن عجز عن اهلجرة بقي<br />

مستضعفا يبتهل إَل هللا تعاَل كاملستضعفني املؤمنني ‏}الَّذِينَ‏ يَقُولُونَ‏ رَ‏ بَّنَا أَخْرِ‏ جْنَا مِنْ‏ هَذِهِ‏ الْقَرْ‏ يَةِ‏ الظَّالِمِ‏ أَهْلُهَا<br />

وَ‏ اجْعَل لَنَا مِنْ‏ لَدُنْكَ‏ وَ‏ لِيًّا وَ‏ اجْعَل لَنَا مِنْ‏ لَدُنْكَ‏ نَصِ‏ ً يرا{‏ ، 7 أما أن يشاركهم يف برملاانهتم التشريعية فهذا ال يفعله<br />

مسلم،‏ ألن هذه املشاركة معناها الرضا ابلدميقراطية اليت جتعل السيادة للشعب مبعىن أن رأي أغلبية نواب الشعب هو<br />

302<br />

- 1 فتح الباري 9 / 13<br />

- 2 فتح الباري 116/ 13<br />

- 3 فتح الباري 123 / 13<br />

- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

58<br />

- 2 فتح الباري 116/ 13<br />

- 3 فتح الباري 123 / 13<br />

- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

58<br />

- 3 فتح الباري 123 / 13<br />

- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

58<br />

- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

61<br />

61<br />

58<br />

58<br />

- 6 رواه مسلم عن عقبة بن عامر<br />

- 7 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

75<br />

75


الشرع املُلْزِم لألمة،‏<br />

وهلا هو الكفر امللكور يف قوله تعاىل:‏ ‏}وَ‏ ال يَتَّخِ‏ ذَ‏ بَعْضُنَا بَعْض ‏ًا أَرْ‏ بَاب ‏ًا مِ‏ ‏ْن<br />

دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ }ِ 1 ،<br />

و =<br />

فأعضاء هذه الربملاانت هم األرابب يف اآلية السابقة وهذا هو عني الكفر،‏ ومن كان جاهال هبذا جيب تعريفه،‏ قال<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَدْ‏ نَزَّ‏ لَ‏ عَلَيْكُمْ‏ قِي الْكِتَابِ‏ أَنْ‏ إِذَا سَمِعْتُمْ‏ آيَاتِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُكْفَرُ‏ بِهَا وَ‏ يُسْتَهْزَ‏ أُ‏ بِهَا قَال تَقْعُدُوا مَعَهُمْ‏ حَتَّى يَخُوضُوا<br />

2<br />

قِي حَدِيثٍ‏ غَيْرِ‏ هِ‏ إِنَّكُمْ‏ إِذًا مِثْلُهُمْ{‏ . فمن جلس معهم وشهد كفرهم فهو مثلهم يف الكفر.‏<br />

وجهاد هنالء ا كام املرتدين وأعواهنم فرني عني على كل مسلم من غري ذوي األعذار الشرعية،‏ وقد سبق<br />

أن اجلهاد يتعني يف ثالثة مواضع منها إذا حل العدو الكافر ببلد املسلمني،‏ وهذا هو حال هؤالء املرتدين املتسلطني<br />

على املسلمني،‏ فهم عدو كافر حل ببلد املسلمني،‏ فقتاهلم فرض عني،‏ وهلذا قال القاضي عياض:‏ ‏]وجب على<br />

املسلمني القيام عليه[،‏ وكالم ابن حجر أوضح يف إفادة العموم حيث قال:‏ ‏]وملخصه أنه ينعزل ابلكفر إمجاعا،‏<br />

3<br />

<strong>في</strong>جب على كل مسلم القيام يف ذلك[‏ ، وهذا هو مفهوم حديث عبادة بن الصامت .<br />

قلت:‏ وكون جهاد هؤالء الطواغيت فرض عني،‏ هو من العلم الواجب إشاعته يف عموم املسلمني،‏ ليعلم كل مسلم أنه<br />

مأمور شخصيا من ربه سبحانه بقتال هؤالء.‏ فإن هؤالء الطواغيت يضربون سياجا من العزلة املميتة بني عامة املسلمني<br />

وبني املتمسكني بدينهم،‏ ليتسىن هلم ضرب املتمسكني بدينهم وسط جهل العامة وصمتهم،‏ يف حني أن كل فرد من<br />

العامة ‏ُماطب بنفس الفريضة ما دام مسلما وإن كان فاسقا مرتكبا للموبقات،‏ فإن الفسق ال يسقط افطا<br />

الشرعي ابجلهاد<br />

‏(انظر امللحق الرابع).‏ فالواجب على املتمسكني بدينهم كسر حاجز العزلة هذا إبعالم العامة عن<br />

طريق الدعوة الفردية والدعوة العامة بفرضية هذا اجلهاد،‏ لتتحول قضية اجلهاد<br />

إىل قضية مجيع املسلمني ال قضية<br />

مجاعات الصفوة اليت تضرب يف يوم وليلة،‏ وليتحول اجلهاد من قضية للخاصة إىل قضية للعامة.‏ وهنا تنقلب<br />

الدائرة على الطواغيت وأعواهنم <strong>في</strong>تم عزهلم بعد كشف كفرهم وإجرامهم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَخْرِ‏ جُوهُمْ‏ مِنْ‏ حَيْ‏ ‏ُث<br />

5<br />

4<br />

أَخْرَ‏ جُوكُمْ{‏ ، وقال هللا تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم : ‏«استخرجهم كما استخرجوك»‏ ، فكما أخرج الطواغيت<br />

هؤالء املتمسكني بدينهم من بني العامة ابلدعاية والتجهيل ابلدين،‏ جيب على املتمسكني عزل الطواغيت عن العامة<br />

بنشر العلم الشرعي بوجوب جهادهم.‏ وكما أخرج الطواغيت هؤالء املتمسكني بدينهم من أمواهلم وحاصروهم وضَيمقوا<br />

عليهم معايشهم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}لِلْفُقَرَ‏ اءِ‏ الْمُهَاجِ‏ رِ‏ ينَ‏ الَّذِينَ‏ أُخْرِ‏ جُوا مِنْ‏ دِيارِ‏ هِ‏ ‏ْم<br />

6<br />

وَ‏ أَمْوَ‏ الِهِ‏ ‏ْم{‏ ، فكذلك<br />

جيب على<br />

املتمسكني بدينهم إخراج الطواغيت من األموال اليت جيَُنِّدون هبا اجليوش حملاربة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

303<br />

64<br />

141<br />

- 3 فتح الباري 123 / 13<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

181<br />

- 5 رواه مسلم عن عياض بن محار<br />

- 6 سورة احلشر،‏ اآلية:‏<br />

9


ولذلك دعا صلى هللا عليه وسلم على قريش ابجملاعة،‏ فقال عبد هللا بن مسعود:‏ ‏(إن قريشا لَما غَلَبُوا النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم واستعصَوا عليه قال:‏ اللهم أعِينِّ‏ عليهم بسَبْع كسبع يوسف،‏ فأخذهتم سنة أكلوا <strong>في</strong>ها العظام وامليتة من<br />

1<br />

اجلهد)‏ ، وحيرم على كل مسلم دفع األموال هلنالء الطواغيت يف أي صورة من مجارك وضرائب وحنوها إال مضطرا<br />

3<br />

2<br />

أو مكرها،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى اإلِ‏ ثْمِ‏ وَ‏ الْعُدْوَ‏ ا ‏ِن{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تُؤْ‏ تُوا السُّفَهَاءَ‏ أَمْوَ‏ الَكُمْ{‏ ، وليكن<br />

معلوما أنه ال شرعية هلله ا كومات الطاغوتية وال لقوانينها،‏ فقد قال صلى هللا عليه وسلم : ‏(من عمل عمال ليس<br />

4<br />

عليه أمران فهو رد)‏ ، وقد ذكرت هذا يف األصل السادس من أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة،‏ كما جيب على<br />

املسلمني السعي يف االستيالء على أمول الكافرين ابلقهر ‏(وهي الغنيمة)‏ وابحليلة وحنوها ‏(وهي ال<strong>في</strong>ء)،‏ وقد خرج النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم لالستيالء على أموال قريش ليستعني هبا املسلمون فكانت وقعة بدر.‏ وابجلملة جيب حتويل قضية<br />

اجلهاد من قضية للخاصة إَل قضية للعامة،‏ إذ إن حصر هذه القضية يف اخلاصة لن ‏َيِت بثمرة التغيري املأمول ألن <strong>في</strong>ه<br />

5<br />

مصادمة للقاعدة اليت ال تتبدل ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ ، وليس معىن هذا أنه جيب أن<br />

يشارك جمموع الشعب يف<br />

بلد ما يف هذه القضية،‏ فهذا مستبعد،‏ ولكن املطلوب هو أن تشارك نسبة معينة من<br />

الشعب تتكون هبا الشوكة القادرة على فرض النظام الإسالمي ‏ُث محايته من أعدائه يف الداخل واخلارج،‏ أما بقية<br />

الشمعب <strong>في</strong>ك<strong>في</strong> أن تكون متعاطفة أو على األقل حمايدة حىت يتبني هلم احلق،‏ كذلك جيب<br />

توعية العامة أبنة من مل<br />

يستطع منهم أن يكون له دور إجيايب يف مواجهة الطواغيت،‏ فال أقل من أن يكون له دور سليب يتمثل يف عدم معاونة<br />

الطواغيت وبتصعيد املواجهة مع الطواغيت يتصاعد بطشهم وإيذاؤهم للمؤمنني وبذلك تدخل قضية اجلهاد كل يوم<br />

بيتا جديدا من بيوت املسلمني وتكسب الدعوة أنصارا جددا،‏ حىت ‏َيِت وعد هللا إن هللا ال خيلف امليعاد.‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ نُرِ‏ يدُ‏ أَنْ‏ نَمُنَّ‏ عَلَى الَّذِينَ‏ اسْتُضْعِفُوا قِي األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ نَجْعَلَهُمْ‏ أَئِمَّة ً وَ‏ نَجْعَلَهُمْ‏ الْوَ‏ ارِ‏ ثِينَ‏<br />

6<br />

وَ‏ نُرِ‏ ي قِرْ‏ عَوْ‏ نَ‏ وَ‏ هَامَانَ‏ وَ‏ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ‏ مَا كَانُوا يَحْذَرُ‏ و ‏َن{‏ .<br />

ز =<br />

وَ‏ نُمَكِنَ‏ لَهُمْ‏ قِي األَرْ‏<br />

‏ِض<br />

وقتال هنالء ا كام املرتدين مقدم على قتال غريهم من الكفار األصليني من يهود ونصارى ووثنيني،‏ وهذا<br />

من ثالثة أوجه:‏<br />

أحدها:‏ أنه جهاد دفع متعني وهو يقدم على جهاد الطلب،‏ أم كونه جهاد دفع فهذا ألن هؤالء احلكام عدو كافر<br />

تسلط على بلد املسلمني.‏ وقال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وأما قتال الدفع،‏ فهو أشد أنواع دفع الصائل الذي يفسد الدين<br />

304<br />

- 1 رواه البخاري 4922<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

2<br />

5<br />

- 4 رواه مسلم<br />

- 5 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

- 6 سورة القص ، اآليتان:‏ 6 5


والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه،‏ فال يشرتط له شرط،‏ بل يدفع حبسب الإمكان[‏ ، 1 ويف الفقرة<br />

اجلهاد إذا نزل العدو ببلد املسلمني[.‏<br />

الثاين:‏ كوهنم مرتدين،‏ وقد سبق يف الفقرة<br />

الثالث:‏ كوهنم األقر<br />

(7)<br />

(14)<br />

2<br />

مِنْ‏ الْكُفَّارِ‏ } ، وقد سبق هذا يف الفقرة )13(.<br />

أن قتال املرتد مقدم على قتال الكافر األصلي.‏<br />

يتعني<br />

إَل املسلمني واألشد خطرا وفتنة،‏ وقال هللا تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ‏ يَلُونَكُ‏ ‏ْم<br />

شبهة.‏<br />

وهناك شبهة متعلقة ابألول من األوجه الثالثة السابقة،‏ وهو قول البعض إن توصيف هؤالء املرتدين احلاكمني لبالد<br />

املسلمني أبهنم كالعدو الكافر إذا حل ببلد املسلمني غري صحيح ألن هذا يف العدو األجنيب عن بلد الإسالم أما<br />

هؤالء احلكام فمن أهل البلد نفسه،‏ فنهاك فرق؟!‏ وهذا الكالم قيل لإبطال االحتجاج بفتوى شيخ الإسالم ابن تيمية<br />

يف قتال التتار املمتنعني عن الشريعة مع ادعائهم الإسالم<br />

3<br />

الإسالم.‏ وهذه الفتوى أشرت إَل فوائدها يف رساليت ‏)دعوة التوحيد(.‏<br />

ويف اجلواب عن هذا نقول:‏ مسألة احلاكم املرتد <strong>في</strong>ها ن<br />

قيل ال حيتج هبذه الفتوى ألن التتار أجانب عن بالد<br />

مستقل وهو حديث عبادة بن الصامت : ‏»وأال ننازع األمر<br />

أهله،‏ قال:‏ إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان«،‏ وذكرت يف رساليت املشار إليها أن هلا ا ديث مقيد<br />

جلميع األحاديث الواردة ابلصرب على أئمة اجلور،‏ كأحاديث ابن عباس<br />

‏»من رأى من السلطان شيئا يكرهه<br />

فليصرب«‏ وحديث عوف بن مالك ‏»ال ما أقاموا <strong>في</strong>كم الصالة«‏ وحنوها،‏ وهلذا فقد أورد البخاري حديث عبادة عقب<br />

أحاديث ابن عباس يف الباب الثاين من كتاب الفنت من صحيحه إشارة منه إَل هذا القيد.‏ وهذا يك<strong>في</strong> ملن كان له<br />

قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يف وجوب اخلروج على هؤالء احلكام.‏<br />

أما هذه األوجه الثالثة وغريها فنحن نذكرها ال لبيان شرعية اخلروج عليهم فهذا ‏َثبت حبديث عبادة ولكن لبيان<br />

فوائد أخر كتوكيد هذا اخلروج وتقدميه على غريه من أنواع اجلهاد.‏<br />

ويف رد هذه الشبهة نقول:‏ مل نسمع أبن الشريعة وردت ابلتفريق بني الكافر األجنيب والكافر الوطين <strong>في</strong>ما يرتتب على<br />

4<br />

الكفر من أحكام،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَانُوحُ‏ إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ مِنْ‏ أَهْلِكَ‏ إِنَّهُ‏ عَمَلٌ‏ غَيْرُ‏ صَالِحٍ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}قَدْ‏ كَانَتْ‏ لَكُمْ‏<br />

أُسْوَ‏ ةٌ‏ حَسَنَةٌ‏ قِي إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ مَعَهُ‏ إِذْ‏ قَالُوا لِقَوْ‏ مِهِمْ‏ إِنَّا بُرَ‏ آءُ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ كَفَرْ‏ نَا بِكُ‏ ‏ْم وَ‏ بَدَا بَيْنَنَا<br />

وَ‏ بَيْنَكُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةُ‏ وَ‏ الْبَغْضَاءُ‏ أَبَد ‏ًا حَتَّى تُؤْ‏ مِنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ حْدَهُ{‏ ، 5 وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ كَانُوا لَكُمْ‏ عَدُوًّ‏ ا مُبِينًا{‏ ، 6<br />

305<br />

- 1 الإختيارات الفقهية،‏ ص 318<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

123<br />

- 3 جمموع الفتاوى 551 511 / 29<br />

- 4 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

46<br />

- 5 سورة املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

4<br />

111


الغرض من هذه اآلايت بيان أن العداوة بني املؤمن والكافر متعلقة بوصف الكفر،‏ هلا هو مناط ا كم ال بوصف<br />

آخر ككون الكافر أجنبيا أو وطنيا،‏ ألن العداوة واجبة وإن كان الكافر هو ابنك أو قومك وعشريتك،‏ فمناط احلكم<br />

هو صفة الكفر ال غري.‏ وما قيل يف العداوة يقال يف العقوبة،‏ فعقوبة الكافر متعلقة بكفره أي بقيام صفة الكفر به<br />

ال بسبب وصف آخر،‏ وهلا هو مناط ا كم.‏ كقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

1<br />

‏»من بَدمل دينه فاقتلوه«‏ ، فجعل<br />

عِلمة القتل هي تبديل الدين أي الكفر بعد الإسالم،‏ هذا هو مناط احلكم.‏ إذا تبني هذا فنقول إن وصف الكفر الذي<br />

ترتتب عليه العقوبة ‏)قتل املقدور عليه وقتال املمتنع(‏ هذا الوصف قائم ابلكافر األجنيب والوطين على السواء،‏ وإذا<br />

تسلط هذا على املسلمني ببلد ما فال فرق بني كونه قادما من خارج البلدة،‏ وبني كونه من أهلها حبكمها فَكَفَر،‏ أو<br />

كَفَر وتسلط عليها،‏ فمناط احلكم قائم يف كل هذه األحوال،‏ ومن كان من أهل البلدة فكفر خرج بكفره عن كونه من<br />

أهلها املسلمني وصار أجنبيا عنهم،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ نَادَى نُوحٌ‏ رَ‏ بَّهُ‏ قَقَالَ‏ رَ‏ ب ِ إِنَّ‏ ابْنِي مِنْ‏ أَهْلِي وَ‏ إِنَّ‏ وَ‏ عْدَكَ‏ الْحَ‏ ‏ُّق<br />

وَ‏ أَنْتَ‏ أَحْكَمُ‏ الْحَاكِمِي ‏َن<br />

أجنبيا عنه.‏<br />

2<br />

قَالَ‏ يَانُوحُ‏ إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ مِنْ‏ أَهْلِكَ‏ إِنَّهُ‏ عَمَلٌ‏ غَيْرُ‏ صَالِحٍ{‏ ، فخرج بكفره عن كونه من أهله وصار<br />

على أن هناك أوصافا اثنوية تنثر يف العقوبة،‏ ومن هذا التفريق بني الكافر األصلي واملرتد،‏ فاملرتد عقوبته أغلظ كما<br />

يف الفقرة )14(، وكذلك التفريق بني الكافر احملارب واملسامل عند الثالثة خالفا للشافعي،‏ وكذلك التفريق بني األقرب<br />

واألبعد يف أولوية اجلهاد ‏)الفقرة<br />

.)13<br />

ومن هنا ترى أن هؤالء احلكام املرتدين قد قامت هبم مجيع األوصاف املغلظة،‏ كالردة واحملاربة والقرب.‏ على النقيض<br />

مما يقابلها من األوصاف املخففة وهي ا لكفر األصلي واملساملة والبعد.‏<br />

ومثل ما سبق:‏ أن كل مسكر حرام،‏ سواء كان إمسه مخرا أو كحوال أو نبيذا،‏ وسواء كان حمََلِّيا أو مستوردا،‏ وسواء كان<br />

لونه أبيض أو أمحر،‏ كل هذه ليست هي األوصاف املؤثرة يف احلكم،‏ وإَّنا الوصف املنثر وهو العِل ة ومناط ا كم<br />

هو اإلسكار،‏ طاملا وجد هذا الوصف دون اعتبار لبقية األوصاف وجد احلكم وما يرتتب عليه.‏ وهنا أيضا قد يوجد<br />

وصف ‏َثنوي يؤثر يف العقوبة،‏ كمن شرب اخلمر يف هنار رمضان،‏ <strong>في</strong>قام عليه احلد ويعزر حلرمة الشهر،‏ ولوال الوصف<br />

األصلي ‏)الإسكار(‏ ملا وجبت عليه عقوبة أصال.‏<br />

فالذي يقول ابلتفريق بني الكافر األجنيب والكافر الوطين يف األحكام هو كالذي يقول ابلتفريق بني اخلمر املستورد<br />

واخلمر احمللي،‏ فتأمل هذا.‏<br />

ح =<br />

وال يشرتط لوجو قتاهلم مت ي ز املسلمني اجملاهدين يف دار منفصلة عن دار احلاكم املرتد وطائفته كما يَدمعيه<br />

البعض،‏ ويك<strong>في</strong>ك يف إبطال هذا الشرط ما نقلته عن ابن تيمية آنفا من الإمجاع على وجوب قتال العدو إذا حل ببلد<br />

املسلمني،‏ فأين الدار املستقلة هنا؟،‏ بل إن هذا هو أحد مواضع تَعَنيم اجلهاد كما ذكرته يف الفقرة )7( ومل يرد دليل<br />

306<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 سورة هود،‏ اآليتان:‏<br />

46 45


شرعي هبذا الشرط وكل شرط ليس يف كتاب هللا فهو ابطل،‏ ومل يشر أحد من أهل العلم إليه،‏ غاية ما ذكره ابن قدامة<br />

يف هذا أنه إذا اقرتب العدو من بلد جاز ألهله الرجوع إَل حصن ي ‏َتَحَصمنون به.‏ أما أمر احلاكم الكافر املرتد ف<strong>في</strong>ه ن<br />

واضح جليّ،‏ وهو حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه:‏ ‏»وَأَال ن ‏ُنَازِعَ‏ األَمْرَ‏ أَهْلَهُ‏ قَالَ‏ إِال أَنْ‏ تَرَوْا كُفْرًا ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُ‏ ‏ْم<br />

1<br />

مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَانٌ«‏ ، ومل يشرتط صلى هللا عليه وسلم يف هذا احلديث وال يف غريه متََيُّزاً‏ وال مفاصلة،‏ وال نبه أحد<br />

من أهل العلم على هذا كما نقلته عن القاضي عياض وابن حجر يف شرح هذا احلديث.‏ فإن قال الذي اشرتط هذا<br />

الشرط ‏)متََيُّز الدارين(‏ إنه جيب عقال ال شرعا،‏ فنقول له العقل ال يوجب شيئا كما ذكران يف أصول الإعتصام ابلكتاب<br />

والسنة،‏ وإن قال إنه أمر اجتهادي،‏ فنقول له إذا وصلنا إَل االجتهاد فاألمر مرتوك ألهل اخلربة احلربية لقوله تعاَل:‏<br />

2<br />

‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ‏ إِلَى أَهْلِهَا{‏ ،<br />

أما من الناحية الشرعية فنحن نقول إنه ال يشرتط لوجو<br />

افروج على ا اكم إال القدرة من عدد وعدة،‏ وهذه أيضا حيدد القدر املطلوب منها أهل اخلربة احلربية،‏ ومن غَرّر<br />

بنفسه وخرج للجهاد مبفرده جاز له ذلك وهو مأجور إن شاء هللا تعاَل،‏ إال إذا كان يتبع طائفة جماهدة فال خيرج إال<br />

إبذن األمري أما دليل جواز خروجه منفردا فهو قول هللا تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال تُكَلَّفُ‏ إِالَّ‏ نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ‏ْض<br />

3<br />

الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، وقال ابن حزم:‏ ‏]وي ‏ُغْزى أهل الكفر مع كل فاسق من األمراء وغري فاسق ومع املتغلِّب واحملارب كما<br />

4<br />

ي ‏ُغْزَى مع الإمام ويغزوهم املرء وحده إن قدر أيضا[‏ .<br />

قلت:‏ وجهاد هؤالء الطواغيت فرض عني فللمرء أن يفعله وحده إن أراد،‏ خاصة إذا أمكنته الفرصة من أحد هؤالء،‏<br />

وال جيب عليه التصدي جلمع عظيم من الكافرين بل جيوز له الفرار للتفاوت العددي،‏ فإن ثبت وكان له غرض يف<br />

5<br />

الشهادة جاز له ذلك وهو حسن،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مِنْ‏ النَّاسِ‏ مَنْ‏ يَشْرِ‏ ي نَفْسَهُ‏ ابْتِغَاءَ‏ مَرْ‏ ضَاةِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، أما الواجب<br />

6<br />

فهو قتاهلم يف مجاعة،‏ إذ املطلوب إظهار الدين ‏}وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{ ، وهذا ال يتأتى ابلقتال منفرداً،‏ ومن كان<br />

يتبع مجاعة جماهدة فال يقاتل إال إبذن أمريه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذَا كَانُوا مَعَهُ‏ عَلَى أَمْرٍ‏ جَامٍِْ‏ لَمْ‏ يَذْهَبُوا حَتَّى<br />

يَسْتَأْذِنُوهُ{‏ ، 7 وسيأِت مزيد هلذا يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

وقد خرج مجاعة من املسلمني على احلكام املرتدين يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم ومن بعده،‏ دون متََيُّز يف الداير<br />

أو مفاصلة،‏ فلما خرج األسود العنسي املتنيب الكذاب وغلب على اليمن واستوَل عليها احتال عليه فَريْ‏ وز الديلمي<br />

307<br />

- 1 متفق عليه<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

59<br />

94<br />

- 4 احمللى 288 / 7<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

217<br />

- 6 سورة<br />

األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

38<br />

62


وكان من أنصاره يف الظاهر حىت قتله،‏ وذلك يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم . 1 ومل ينكر ذلك النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم وال أحد من الصحابة،‏ وما قال أحد كيف يقتل فريوز هذا األسود قبل أن ينحاز إَل أرض مستقلة؟ كذلك<br />

خرج يزيد بن الوليد وطائفة معه على اخلليفة الوليد بن يزيد ملا اهتُِّم ابالحنالل يف الدين حىت قتلوه،‏ دون متََيُّز<br />

2<br />

الداير . ونقتصر على هذين املثلني اختصارا.‏<br />

يف<br />

وأصحاب هذه الشبهة يستدلون أبن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يَشْرَع يف القتال إال بعد اهلجرة،‏ حيث أصبح<br />

للمسلمني دار مستقلة ابملدينة متيزوا <strong>في</strong>ها عن عدوهم.‏<br />

وهذا القول ليس حبجة<br />

إذ ليس <strong>في</strong>ه حصر،‏ مبعىن أنه مل يرد ن شرعي مينع القتال إال يف مثل هذه احلالة،‏ وهذا<br />

واضح.‏ ‏ُث إن هذا الزمان كان زمان تشريع أما اآلن ومنذ وفاة النيب صلى هللا عليه وسلم فقد اكتملت الشريعة<br />

3<br />

وأحكامها ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُ‏ ‏ْم{‏ ، وقد انعقد اإلمجاع على أنه إذا نزل العدو الكافر ببلد تَعَمني على أهله قتاهلم<br />

أي صار دفع الكافرين فرض عني على املسلمني هبذه البلدة فهاهم املسلمون وعدوهم يف دار واحدة،‏ وقد فقد<br />

4<br />

املسلمون استقاللية دارهم ابلغزو،‏ ومع ذلك جيب عليهم القتال عَيْناً‏ إمجاعا .<br />

إن اخلروج على احلاكم املرتد هو أمر منوط ابلقدرة،‏ وخيتلف من بلد إَل بلد،‏ ويتكلم <strong>في</strong>ه أهل اخلربة من الناحية<br />

التن<strong>في</strong>ذية،‏ وإذا علم هللا سبحانه حسن النية من طائفة جماهدة فسيهديهم وييسر هلم ما <strong>في</strong>ه مرضاته،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَعَلِ‏ ‏َم<br />

5<br />

مَا قِي قُلُوبِهِمْ‏ قَأَنْزَ‏ لَ‏ السَّكِينَةَ‏ عَلَيْهِمْ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ يَهْدِيهِمْ‏ رَ‏ بُّهُ‏ ‏ْم<br />

6<br />

بِإِيمَانِهِمْ{‏ .<br />

أما القاعدون عن هذا اجلهاد املتعني فلم يكتفوا ابلقعود بل هم يثبطون غريهم وخيذلوهنم هبذه الشبهات اليت هي<br />

عقوبة قدرية هلم على قعودهم وختلفهم،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}رَ‏ ضُوا بِأَنْ‏ يَكُونُوا مََْ‏ الْخَوَ‏ الِفِ‏<br />

قَهُمْ‏ ال<br />

وَ‏ ‏ُِبَِْ‏ عَلَى قُلُوبِهِ‏ ‏ْم<br />

يَفْقَهُو ‏َن{‏ ، 7 فلما ختلفوا طَبَع هللا على قلوهبم بعدم الفقه فأخذوا ي ‏ُنَقِّبون عن الشبهات ليربروا ختلفهم وليثبطوا<br />

غريهم <strong>في</strong>حملوا أوزارهم مع أوزارهم.‏ وهكذا سيئة تولِّد سيئة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِال تَنفِرُ‏ وا يُعَذِبْكُمْ‏ عَذَاب ‏ًا أَلِيم ‏ًا وَ‏ يَسْتَبْدِ‏ ‏ْل<br />

قَوْ‏ م ‏ًا غَيْرَ‏ كُمْ‏ وَ‏ ال تَضُرُّ‏ وهُ‏ شَيْئ ‏ًا وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى كُل ِ شَيْءٍ‏ قَدِيرٌ‏<br />

إِال تَنصُرُ‏ وهُ‏ قَقَدْ‏ نَصَرَ‏ هُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ{ 9 .<br />

308<br />

311<br />

11<br />

- 1 البداية والنهاية البن كثري 317 / 6<br />

- 2 البداية والنهاية البن كثري 6 / 11<br />

- 3 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

3<br />

- 4 كما نقلته عن ابن تيمية االختيارات الفقهية ص :<br />

318<br />

- 5 سورة<br />

الفتح،‏ اآلية:‏<br />

19<br />

- 6 سورة يونس،‏<br />

اآلية:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

8<br />

97<br />

41 38


إن هذا القول ابشرتاط متََيُّز الدارين لوجوب اجلهاد هو قول فاسد،‏ وهو يفضي إَل تعطيل اجلهاد خاصة جهاد الدفع.‏<br />

قلت:‏ كذلك فإن هذا القول ابشرتاط متيز الدارين معناه الإستسالم لألمر الواقع والسكوت عن هؤالء الطواغيت<br />

احلاكمني لبالد املسلمني،‏ ومعنا،‏ إسقاط فريضة اجلهاد املتعني على أعيان املسلمني هبذه البالد،‏ وهذا القول يفضي إَل<br />

استئصال الإسالم ابلكلية من هذه البالد يف زمن يسري.‏ نعوذ ابهلل من ذلك ولكنه غري مستبعد فكم من بالد قامت<br />

هبا ممالك إسالمية عظيمة ‏ُث هي اليوم داير كُفْر،‏ صار <strong>في</strong>ها الإسالم أثرا بعد عني،‏ كاألندلس والرتكستان وِبارى<br />

ومسرقند والبلقان وغريها،‏ وكم من بالد أَسْقَط <strong>في</strong>ها أشياع هؤالء املخذلني اجلهاد بشبهاهتم الشيطانية،‏ كما حدث يف<br />

اهلند وكانت مملكة إسالمية فاحتلها الإُنليز،‏ وأسقط علماء السوء اجلهاد حبجة أن الإُنليز هم أولوا األمر الواجب<br />

1<br />

طاعتهم لقوله تعاَل:‏ ‏}أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ ، وهلل األمر من قبل ومن بعد.‏ وهذا<br />

مثال ملا رُوِي عن عمر بن اخلطاب<br />

<br />

أنه مما يهدم الدين:‏ ‏)جدال املنافق ابلقرآن(.‏ ومن كان من العلماء يصد<br />

املسلمني عن اجلهاد هبذه الشبهات مماألة ونصرة للحاكم الكافر فهذا العاملِ‏ الشك يف كُفْره،‏ هو مرتد خارج من ملة<br />

2<br />

الإسالم،‏ وحكمه حُكْم سيده احلاكم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّهُمْ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنَّهُ‏ مِنْهُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

ط =<br />

ويشرتط آخرون متيز الطائفة الكافرة عمن خيالطها من املسلمني،‏ وهذا واقع فالطائفة املناصرة للحاكم الكافر<br />

عادة ما تكون متميزة بلباس معني وهلا معسكرات حمددة وأماكن معلومة،‏ وهذا ال خيفى على أحد.‏ وأما إذا خالطهم<br />

مسلمون،‏ فإما أن يكونوا ليسوا من الطائفة الكافرة أصال وخالطوهم حال القتال،‏ وإما أن يكونوا من الطائفة وهلم<br />

حكم الإسالم يف الباطن ‏)كاملكره ومن يكتم إميانه ليتجسس عليهم(،‏ وهؤالء مجيعا ال خيلو حاهلم من أحد أمرين:‏<br />

األول:‏<br />

أن يكونوا غري متميزين عن أهل الكفر يف الظاهر،‏ فهذا ال مينع من قتاهلم على كل حال كما ذكر شيخ<br />

الإسالم ابن تيمية قال:‏ ‏]ومن أخرجوه معهم مكرها فإنه يبعث على نيته وحنن علينا أن نقاتل العسكر مجيعه،‏ إذ ال<br />

يتميز املُكْرَه من غريه.‏ وقد ثبت يف الصحيح عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال:‏ ‏»ي ‏َغْزُو هذا البيتَ‏ جيشٌ‏ من<br />

الناس فبينما هم ببيداء من األرض إذا خُسِ‏ فَ‏ هبم.‏ فقيل اي رسول هللا:‏ إن <strong>في</strong>هم املُكْرَه،‏ فقال:‏ يُبعثون على نياهتم«‏<br />

إَل أن قال ويف لفظ البخاري عن عائشة،‏ قالت:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ي ‏َغْزُو جَيْشٌ‏ الْكَعْبَةَ‏ فَإِذَا<br />

كَانُوا بِبَيْدَاءَ‏ مِنَ‏ األَرْضِ‏ خيُْسَفُ‏ أبَِومهلِِمْ‏ وَآخِ‏ رِهِمْ‏ قَالَتْ‏ قُلْتُ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ كَيْفَ‏ خيُْسَفُ‏ أبَِومهلِِمْ‏ وَآ ‏ِخرِهِمْ‏ وَفِيهِمْ‏ أَسْوَاقُهُ‏ ‏ْم<br />

وَمَنْ‏ لَيْسَ‏ مِنْهُمْ‏ قَالَ‏ خيُْسَفُ‏ أبَِومهلِِمْ‏ وَآخِ‏ رِهِمْ‏ ‏ُثُم ي ‏ُبْعَثُونَ‏ عَلَى نِيماهتِِمْ«‏<br />

أن ينتهك حرماته املكره <strong>في</strong>هم وغري املكره<br />

مع قدرته على التميِيزِ‏ بينهم<br />

إَل أن قال فاهلل تعاَل أَهلَكَ‏ اجليش الذي أراد<br />

مع أنه يبعثهم على نياهتم،‏ فكيف جيب<br />

على املؤمنني اجملاهدين أن مييزوا بني املُكْرَه وغريه وهم ال يعلمون ذلك؟!‏ بل لو ادعى مُدمع إنه خرج مُكرها.‏ مل ينفعه<br />

- 1 نقل هذه الشبهات حممد رشيد رضا يف تفسريه املنار<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

309<br />

51


ذلك مبجرد دعواه،‏ كما روى:‏ إن العباس بن عبد املطلب قال للنيب صلى هللا عليه وسلم ملا أسَرَه املسلمون يوم بدر:‏<br />

اي رسول هللا!‏ إين كنت مكرها.‏ فقال:‏ ‏»أما ظاهرك فكان علينا،‏ وأما سريرتك فإىل هللا«‏ . 1<br />

وقال رمحه هللا يف موضع آخر:‏ ‏]وحنن ال نعلم املُكْرَه،‏ وال نقدر على التمييز.‏ فإذا<br />

قتلناهم أبمر هللا كنا يف ذلك<br />

مأجورين ومعلورين،‏ وكانوا هم على نياهتم،‏ فمن كان مكرها ال يستطيع الإمتناع فإنه حيُ‏ شر على نيته يوم القيامة،‏<br />

فإذا قتل ألجل قيام الدين<br />

2<br />

مل يكن ذلك أبعظم من قَتْلِ‏ من ي ‏ُقْتَل من عسكر املسلمني[‏ .<br />

قلت:‏ وقد فصلت يف الرسالة األخرى شروط الإكراه املعتربة شرعا ملوافقة الكفار على ما يريدون،‏ وأن هذه الشروط ال<br />

تتوفر يف الغالبية العظمى من أعوان هؤالء احلكام،‏ وذكرت أيضا أن الإكراه ال يكون عذرا مبيحا لقتل املسلم إبمجاع<br />

العلماء بال خمالف.‏ فكيف مبن يتتبع املسلمني ويقتلهم لنصرة الكافر؟.‏<br />

احلال الثاين:‏ أن يكون املسلمون يف صف العدو متميزين ظاهرا،‏ معلومني جلند الإسالم فهذه هي مسألة الترتس،‏ قال<br />

ابن تيمية رمحهم هللا:‏ ‏]بل لو كان <strong>في</strong>هم قوم صاحلون من خيار الناس ومل ميكن قتاهلم إال بقتل هؤالء لقتلوا أيضا،‏ فإن<br />

األئمة متفقون على أن الكفار لو ترتسوا مبسلمني وخيف على مسلمني إذا مل يقاتلوا:‏ فأنه جيوز أن نرميهم ونقصد<br />

الكفار.‏ ولو مل خنف على املسلمني جاز رمي أولئك املسلمني أيضا يف أحد قويل العلماء.‏ ومن قتل ألجل اجلهاد<br />

الذي أمر هللا به ورسوله وهو يف الباطن مظلوم كان شهيدا،‏ وبُعِث على نيته،‏ ومل يكن قَتْلُه أعظم فسادا من قَتِْل<br />

من ي ‏ُقْتَل من املؤمنني اجملاهدين.‏ وإذا كان اجلهاد واجبا وإن قُتِلَ‏ من املسلمني ما شاء هللا،‏ فَقَتْلُ‏ من ي ‏ُقْتَل يف صفهم<br />

املُكْره يف قتال الفتنة بكسر<br />

َ<br />

من املسلمني حلاجة اجلهاد ليس أعظم من هذا،‏ بل قد أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

سيفه،‏ وليس له أن ي ‏ُقَاتِل وإن قُتِل[‏ . 3<br />

‏)الرد على شبهة(.‏<br />

ال ذين يقول ون بش رط متََيُّ‏ ز الطائف ة الك افرة ع ن املس لمني هل م ش بهة،‏ حي ث يس تدلون بقول ه تع اَل:‏ ‏}وَ‏ لَوووْ‏ ال رِ‏ جَووا ‏ٌل<br />

مُؤْ‏ مِنُونَ‏ وَ‏ نِسَاءٌ‏ مُؤْ‏ مِنَاتٌ‏ لَمْ‏ تَعْلَمُوهُمْ‏ أَنْ‏ تََِئُوهُمْ‏ قَتُصِ‏ يبَكُمْ‏ مِنْهُمْ‏ مَعَرَّ‏ ةٌ‏ بِغَيْرِ‏ عِلْمٍ‏ لِيُودْخِ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قِوي رَ‏ حْمَتِوهِ‏ مَونْ‏ يَشَوا ‏ُء<br />

لَوْ‏ تَزَ‏ يَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا مِونْهُمْ‏ عَوذَابًا أَلِيم ‏ًوا{‏ ، 4 ومعناه ا:‏ أي ول وال أن هن اك رج اال م ؤمنني ونس اء مؤمن ات مبك ة<br />

م ن املستض عفني،‏ ال تعلم وهنم أيه ا املس لمون،‏ وإذا ق اتلتم أه ل مك ة ي وم احلديبي ة لك ان م ن املمك ن أن تقتل وا بع ض<br />

هؤالء املؤمنني وتصيبكم من هذا معرة ‏)أي عيب وإُث(،‏ ‏}لَوْ‏ تَزَ‏ يَّلُوا{‏ أي متََيمز وانفصل املؤمنون عن الكفار لع ذب هللا<br />

الكفار ابلقتل وغريه.‏<br />

)547<br />

- 1 جمموع الفتاوى 537 535 / 29<br />

- 2 جمموع الفتاوى 547 / 29<br />

- 3<br />

‏)جمموع الفتاوى<br />

537 / 29<br />

539( وكرر مثله يف<br />

وانظر مسألة الترتس يف ‏)املغين والشرح الكبري<br />

)515 / 11 و ‏)اجملموع<br />

شرح املهل<br />

546 / 29(<br />

.)287 / 18<br />

- 4 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

25<br />

321


فاستدل البعض هبذه اآلية على أن خمالطة املؤمنني للكافرين مانعة من قتال الكافرين وعُذْر يف ترك قتال الكافرين،‏ ملا<br />

ينتج عنه من قتل بعض املؤمنني املخالطني.‏<br />

وكما ال خيفى،‏ فهذا القول يفضي إَل تعطيل اجلهاد بنوعيه ‏)قتال الطلب وقتال الدفع(‏ فما من بلد اآلن إال به<br />

مسلمون خمالطون للكفار بنسب خمتلفة،‏ يوجد مسلمون ابلصني واهلند وروسيا وأمريكا وغريها وكلها داير كُفْر،‏ أ<strong>في</strong>منع<br />

هذا من جهادهم عند الإستطاعة؟<br />

واجلوا عن هله الشبهة من وجهني:‏<br />

األول:‏ أن املنع من القتال يوم احلديبية كان منعا قدراي،‏ وال جيوز اإلحتجاج ابلقدر وبيان ذلك أن النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم قَصَد مكة معتمرا،‏ فعزم أهل مكة على مَنْعِه من دخوهلا،‏ فَعَزَم على قِتَاهلم إن هم منعوه بعد مشاورة مع<br />

الصحابة،‏ كما رواه البخاري ‏»قَالَ‏ أَبُو بَكْرٍ‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ خَرَجْتَ‏ عَامِدًا هلَِذَا الْبَيْتِ‏ الَ‏ تُرِيدُ‏ قَتْلَ‏ أَحَدٍ‏ وَالَ‏ حَرْبَ‏ أَحَدٍ‏<br />

1<br />

فَتَوَجمهْ‏ لَهُ‏ فَمَنْ‏ صَدمانَ‏ عَنْهُ‏ قَاتَلْنَاهُ‏ قَالَ‏ امْضُوا عَلَى اسْمِ‏ اَّللمِ«‏ ، فمضى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على هذا العزم<br />

إَل أن توقفت انقته عن املسري،‏ فقال بعض الصحابة:‏ خألت القصواء،‏ فقال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»ما خألت<br />

القصواء وما ذاك هلا ‏ِبلق ولكن<br />

حبسها حابس ال<strong>في</strong>ل،‏ ‏ُث قال:‏ والذي نفسي بيده اليسألوين خُطمة يعظمون <strong>في</strong>ها<br />

حرمات هللا إال أعطيتهم إايها«‏ ، 2 أي منعها عن املسري إَل مكة الذي حبس ال<strong>في</strong>ل وأبرهة عن مكة سبحانه وتعاَل،‏<br />

فهذا منع قدري،‏ فعَلِم النيب صلى هللا عليه وسلم أن هللا مل ‏َيذن يف هذا،‏ فعزم النيب صلى هللا عليه وسلم على قَبول<br />

الصلح،‏ وشَرع <strong>في</strong>ه،‏ ‏ُث بلغه مقتل سفريه إَل أهل مكة وهو عثمان ، فعندها عزم على القتال مرة أخرى وأخذ البيعة<br />

من أصحابه وهي بيعة الرضوان على أال يفروا أو على املوت ، 3 ‏ُث أُطْلِق عثمان وشاء هللا تعاَل أن ميضي الصلح.‏ كل<br />

هذا واآلية املُسْتَدل هبا بل والسورة كلها ‏)سورة الفتح(‏ مل تكن قد نزلت بعد،‏ وإَّنا نزلت عند الإنصراف من احلديبية.‏<br />

وكما ترى أن النيب صلى هللا عليه وسلم عزم على القتال مرتني،‏ األوَل عندما مَضَى فحُبِسَت انقته والثانية عندما أَخَذَ‏<br />

البيعة،‏ ومع عزمه على القتال يف املرتني كان صلى هللا عليه وسلم يعلم بوجود مؤمنني مستضعفني يف مكة وكان يعلم<br />

4<br />

بعضهم عَيْناً‏ وكان يدعو هلم ابلنجاة ، فلم مينعه وجود املستضعفني من العزم على القتال،‏ بل القتال واجب<br />

5<br />

الستنقادهم،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا لَكُمْ‏ ال تُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الْمُسْتَضْعَ‏ ‏ِف ينَ‏ مِنْ‏ الرِ‏ جَالِ‏ وَ‏ الن ‏ِسَاءِ‏ وَ‏ الْوِلْدَانِ...{‏ ،<br />

ولكن هللا مل ‏َيذن يف القتال قدرا ال شرعا،‏ إذ لو مُنِع شرعا ‏)ابلوحي(‏ ملا مَضَى وملا أخذ البيعة،‏ وهذا املنع القدري<br />

حلكمة يعلمها هللا تعاَل منها وجود املستضعفني مبكة ومنها أن الصلح ترتب عليه نفع عظيم إذ أَمِن الناس فدخل يف<br />

320<br />

- 1 حديث 4179<br />

4178 و<br />

- 2 حديث:‏ 2732 ،2731<br />

- 3 على اختالف،‏ انظر فتح الباري 117 / 6<br />

- 4 رواه البخاري:‏ 4589<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

75


الإسالم أضعاف من دخله قبل،‏ كما يف اآلية:‏ ‏}لِيُدْخِ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قِي رَ‏ حْمَتِهِ‏ مَنْ‏ يَشَا ‏ُء{‏ ، 1 حىت مسى هللا تعاَل هذا الصلح<br />

فتحا.‏ كل هذا يف بيان أن منع القتال يوم احلديبية كان منعا قدراي.‏<br />

ويف إبطال الإحتجاج ابلقدر قال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وليس يف القدر حجة البن آدم وال عذر،‏ بل القدر ي ‏ُؤْمن به<br />

وال حيُْتَج به،‏ واحملتج ابلقدر فاسد العقل والدين،‏ متناقض،‏ فإن القدر إن كان حجة وعذرا،‏ لزم أن ال يُالم أحد،‏ وال<br />

يعاقب وال يُقت<br />

منه،‏ وحينئذ فهذا احملتج ابلقدر يلزمه إذا ظُلِم يف نفسه وماله وعرضه وحرمته<br />

أن ال ينتصر من<br />

الظامل،‏ وال يغضب عليه،‏ ويذمّه،‏ وهذا أمر ممتنع يف الطبيعة،‏ ال ميكن أحدا أن يفعله،‏ فهو ممتنع طبعا حمرم شرعا.‏<br />

ولو كان القدر حجة وعذرا:‏ مل يكن إبليس ملوما وال معاقبا،‏ وال فرعون وقوم نوح وعاد ومثود وغريهم من الكفار،‏ وال<br />

كان جهاد الكفار جائزا،‏ وال إقامة احلدود جائزا،‏ وال قطع السارق،‏ وال جلد الزاين وال رمجه،‏ وال قتل القاتل وال عقوبة<br />

مُعْتَدٍ‏ بوجه من الوجه.‏ إَل أن قال رمحه هللا<br />

فمن احتج ابلقدر على ترك املأمور،‏ وجزع من حصول ما يكرهه من<br />

2<br />

املقدور فقد عكس الإميان،‏ وصار من حزب امللحدين املنافقني،‏ وهذا حال احملتجني ابلقدر[‏ .<br />

الوجه الثاين:‏ افصوصية،‏ وهي أن هذا املنع من القتال الختالط املؤمنني ابلكفار يف مكة كان خاصا بقصة ا ديبية<br />

دون غريها.‏ وال يستدل به على ما شاهب ه ا . وهذا القول ابخلصوصية إن شاء هللا تعاَل هو الصواب،‏ وهللا تعاَل أعلم،‏<br />

ودليل ذلك:‏<br />

<br />

أن هللا سبحانه منع رسوله صلى هللا عليه وسلم من غزو مكة يوم احلديبية ‏)سنة<br />

غزوها بعد ذلك بسنتني يوم فتح مكة ‏)سنة‎9‎<br />

‎6‎ه )<br />

ه )<br />

<br />

منعا قدراي،‏ ‏ُث أَذِنَ‏ له يف<br />

إذان شرعيا،‏ والبلد هو البلد ‏)مكة(،‏ واملستضعفون مل يزل بعضهم<br />

3<br />

مبكة كابن عباس رضي هللا عنهما وغريه . وروى البخاري عن أيب هريرة قال:‏ ‏»ملا فَتَحَ‏ هللا على رسوله صلى هللا عليه<br />

وسلم مكة،‏ قام يف الناس فحمد هللا وأثىن عليه ‏ُث قال:‏ إن هللا حَبَسَ‏ عن مكة ال<strong>في</strong>ل وسلط عليها رسوله واملؤمنني،‏<br />

4<br />

فإهنا ال حتل ألحد كان قبلي،‏ وإهنا أحلت يل ساعة من هنار،‏ وإهنا لن ألحد من بعدي«‏ . وهبلا تعلم أن املنع يوم<br />

ا ديبية كان خاصا ألن نفس البلد أحل بعد ذلك،‏ والبلد هو البلد،‏ واملستضعفون مل يزل بعضهم هبا.‏<br />

ومم ا ي دل عل ى اخلصوص ية أيض ا أن هن اك مواق ف خ الط <strong>في</strong>ه ا املؤمن ون الك افرين والعص اة،‏ ووق ع القت ل أو الع ذاب<br />

ابجلميع،‏ ومل حي ‏ُل دون ذلك منع قدري من هللا تعاىلكما حدث يوم احلديبية،‏ فدل هذا على خصوصية الن بقصة<br />

احلديبي ة،‏ وال م انع م ن أن حي دث مثل ه ق درا،‏ أم ا ش رعا فل يس حبج ة،‏ وم ن املواق ف ال يت ح دثت <strong>في</strong>ه ا املخالط ة ومل مين ع<br />

القتل أو العذاب قدرا ما يلي:‏<br />

- 1 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

322<br />

25<br />

انظر فتح الباري<br />

349 / 5<br />

2 ص .326 323<br />

- 3 رواه البخاري 4597<br />

- 4 احلديث )2434(


ما رواه أبو داود والرتمذي عن جرير بن عبد هللا قال:‏ ‏)بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سرية إَل خَثْعَم،‏ فاعتصم<br />

انس منهم ابلسجود،‏ فأسرع <strong>في</strong>هم القتل،‏ قال:‏ فبلغ ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فأمر هلم بنصف العقل وقال:‏ أان<br />

1<br />

بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني،‏ التراءى انرمها(‏ .<br />

منهم.‏<br />

ومنها حديث البيداء املذكور يف كالم ابن تيمية السابق،‏ فهذا اجليش أهلكه هللا تعاَل مع أن <strong>في</strong>هم املُكْرَه و من ليس<br />

ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»إذا أنزَلَ‏ هللا بقوم عذااب أصاب العذاب<br />

2<br />

من كان <strong>في</strong>هم ‏ُث بعثوا على أعماهلم«‏ .<br />

ومنها ما رواه البخاري عن أم املؤمنني زينب بنت جحش قال:‏ ‏)أهنلك و<strong>في</strong>نا الصاحلون؟ قال النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

3<br />

: ‏»نعم إذا كثر اخلبث«‏ .<br />

ومنها ما رواه ابن حبان يف صحيحه عن عائشة مرفوعا ‏)إن هللا إذا أنزل سطوته أبهل نقمته و<strong>في</strong>هم الصاحلون،‏ قُبِضُوا<br />

معهم ‏ُث بُعِثُوا على نياهتم وأعماهلم(.‏ وهذه األحاديث كلها يف معىن حديث البيداء.‏<br />

قلت:‏ والقول ابخلصوصية ليس معناه أن املؤمن املخالط للكافرين ال حرمة له أو أنه مهدر الدم،‏ ال بل هو معصوم<br />

إبميانه أينما كان،‏ وإَّنا القول ابخلصوصية معناه أن هذه املخالطة ليست مبانعة من قتال الكافرين وإن تيقن أن بينهم<br />

مسلمني سيقتلون ضمنا،‏ وذلك إذا اقتضت املصلحة الشرعية ذلك.‏<br />

4<br />

وهذا هو ما استقر عليه قول مجهور الفقهاء ، وجيب أن يشاع هذا العلم يف املسلمني كي حيَْذَروا من خمالطة الكافرين.‏<br />

ويف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}لَوْ‏ تَزَ‏ يَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا مِنْهُ‏ ‏ْم{‏ أورد القرطيب أن مالكا رمحه هللا ال يرى رمي املشركني<br />

إذا علم أن بينهم مسلمني مستدال هبذه اآلية،‏ وقال إن أاب حنيفة أجاز ذلك.‏ ‏ُث قال القرطيب:‏ ‏]قد جيوز قتل الرتُّ‏ س،‏<br />

وال يكون <strong>في</strong>ه اختالف إن شاء هللا وذلك إذا كانت<br />

املصلحة ضرورية كلية قطعية،‏ فمعىن كوهنا ضرورية،‏ أهنا ال<br />

حيصل الوصول إَل الكفار إال بقتل الرتس،‏ ومعىن أهنا كلية،‏ أهنا قاطعة لكل األمة،‏ حىت حيصل من قتل الرتس مصلحة<br />

كل املسلمني،‏ فإن مل يفعل قَتَلَ‏ الكفارُ‏ الرتسَ‏ واستولوا على كل األمة ومعىن كوهنا قطعية،‏ أن تلك املصلحة حاصلة<br />

من قَتْل الرتس قطعا،‏ قال علماؤان:‏ وهذه املصلحة هبذه القيود ال ينبغي أن خيُْتَلَف يف اعتبارها،‏ ألن الفرض أن الرتس<br />

مقتول قطعا،‏ فإما أبيدي العدو فتحصل املفسدة العظيمة اليت هي استيالء العدو على كل املسلمني.‏ وإما أبيدي<br />

املسلمني <strong>في</strong>هلك العدو وينجو املسلمون أمجعون.‏ وال يتأتى لعاقل أن يقول:‏ ال يُقتل الرتس يف هذه الصورة بوجه،‏ ألنه<br />

- 1 صححه األلباين يف إرواء الغليل )5<br />

323<br />

/<br />

- 2 حديث 7119<br />

- 3 حديث 7158<br />

31( وذَكَر أنه يُروي مرسال عن قيس بن أيب حازم.‏<br />

- 4 ‏)انظر املغين والشرح الكبري 515( / 11 و ‏)اجملموع شرح املهذب 287(. / 18


يلزم منه ذها الرتس واإلسالم واملسلمني،‏ لكن ملا كانت هذه املصلحة غري خالية من املفسدة،‏ ند ف ر ت منها نفس<br />

من مل ميُْعِن النظر <strong>في</strong>ها،‏ فإن تلك<br />

1<br />

املفسدة ابلنسبة إىل ما حيصل منها عدم أو كالعدم.‏ وهللا أعلم[‏ .<br />

قلت:‏ وهذا كالم يَشْفى العليل وي ‏َرْوى الغليل،‏ فإنه ال خالف بني األمة يف وجوب حفظ الضرورايت اخلمس وهي<br />

الدين والنفس والنسل ‏)النسب(‏ والعقل واملال،‏ وال خالف يف أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس،‏ وهلذا شُرِع<br />

اجلهاد حلفظ الدين مع أن <strong>في</strong>ه ذَهَاب األنفس واألموال،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُمْ‏ بِأَنَّ‏ لَهُمْ‏ الْجَنَّةَ‏ يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَيَقْتُلُونَ‏ وَ‏ يُقْتَلُونَ‏ وَ‏ عدا ً عَلَيْهِ‏ حَقا ً<br />

كثريا<br />

3<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}كُتِبَ‏ عَلَيْكُمْ‏ الْقِتَالُ‏ وَ‏ هُوَ‏ كُرْ‏ هٌ‏ لَكُمْ‏ وَ‏ عَسى أَنْ‏ تَكْرَ‏ هُوا شَيْئًا وَ‏ هُوَ‏ خَيْرٌ‏ لَكُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

2<br />

قِي التَّوْ‏ رَ‏ اة وَ‏ اإلِ‏ نْجِ‏ يل وَ‏ القُرْ‏ آن{‏ ،<br />

وال شك أن الضرر النازل ابملسلمني من تسلط احلكام املرتدين عليهم،‏ وما يف ذلك من الفتنة العظيمة،‏ هذا الضرر<br />

يفوق أضعافا مضاعفة قتل بعض املسلمني املكرهني يف صف العدو أو املخالطني له عن غري قصد حال القتال،‏ إن<br />

من بلدان املسلمني تسري يف طريق الردة الشاملة من جراء هؤالء،‏ فأي فتنة أعظم من هذا،‏ هذه فتنة تفوق ما<br />

يصيب املسلمني ابجلهاد من قتل أو سجن أو تعذيب أو تشريد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْفِتْنَةُ‏ أَشَدُّ‏ مِنْ‏ الْقَتْ‏ ‏ِل{‏ ، 4 وقال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ الْفِتْنَةُ‏ أَكْبَرُ‏ مِنْ‏ الْقَتْلِ{‏ . 5 <strong>في</strong>جب دفع املفسدة العظمى<br />

‏)فتنة الكفر والردة(‏ بتحمل املفسدة األخف ‏)وهو ما<br />

يرتتب على اجلهاد من قتل وغريه(‏ وهذا هو املقرر يف القواعد الفقهية اخلاصة بدفع الضرر،‏ كقاعدة ‏)الضرورات تبيح<br />

احملظورات(‏ وقاعدة ‏)يُتحمل الضرر اخلاص لدفع الضرر العام(‏ وقاعدة ‏)الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف(‏ وقاعدة<br />

‏)إذا تعارض مفسداتن روعي أعظمهما ضررا(‏ وقاعدة ‏)خيُ‏ تار أهون الشرين(‏ وغريها . 6<br />

وقال ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وذلك أن هللا تعاَل أابح من قتل النفوس ما حيُ‏ تاج إليه يف صالح اخللق،‏ كما قال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ الْفِتْنَةُ‏ أَكْبَرُ‏ مِنْ‏ الْقَتْلِ{‏ أي أن القتل وإن كان <strong>في</strong>ه شر وفساد ف<strong>في</strong> فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكرب<br />

منه[‏ . 7<br />

أال ترون إَل ما جيري للمسلمني يف كثري من البلدان؟ تستباح دماؤهم وأمواهلم أبحكام الكفر،‏ مع إشاعة الفجور<br />

والفواحش والتجهيل املعتمد ابلدين واالستهزاء ابلإسالم وأهله،‏ ليشب النشئ على صلة ابهتة بدينه،‏ أي فتنة أعظم<br />

من هذا،‏ وماذا بقي للمسلمني؟ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالَ‏ الَّذِينَ‏ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ‏ اسْتَكْبَرُ‏ وا بَلْ‏ مَكْرُ‏ اللَّيْلِ‏ وَ‏ النَّهَارِ‏ إِ‏ ‏ْذ<br />

324<br />

.)299<br />

- 1 ‏)تفسري القرطيب 292 / 16<br />

- 2 سورة التوية،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

.111<br />

.216<br />

.181<br />

.217<br />

- 6 ‏)انظر القواعد الفقهية للشيخ مصطفى الزرقا قاعدة 21 و‎25‎<br />

)29<br />

- 7 ‏)جمموع الفتاوى )355 / 29


تَأْمُرُ‏ ونَنَا أَنْ‏ نَكْفُرَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ نَجْعَلَ‏ لَهُ‏ أَندَاد ‏ًا وَ‏ أَسَرُّ‏ وا النَّدَامَةَ‏ لَمَّا رَ‏ أَوْ‏ ا الْعَذَابَ‏ وَ‏ جَعَلْنَا األَغْاللَ‏ قِي أَعْنَاقِ‏ الَّذِي ‏َن<br />

كَفَرُ‏ وا هَلْ‏ يُجْزَ‏ وْ‏ نَ‏ إِال مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏ {.<br />

الرد على شبهة خطيرة للشيخ األلباني:‏<br />

ورد يف كتاب ‏)العقيدة الطحاوية،‏ شرح وحتقيق األلباين،‏ ط املكتب الإسالمي ‎1389‎ه ) يف ص 47، ورد يف املنت ‏]وال<br />

نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران،‏ وإن جاروا،‏ وال ندعوا عليهم،‏ وال ننزع يدا من طاعتهم.‏ أ ه [. قال الشيخ األلباين<br />

يف اهلامش:‏ ‏]قد ذكر الشارح يف ذلك أحاديث كثرية تراها خمَُرمجة يف كتابه،‏ ‏ُث قال أي الشارح ‏"وأما لزوم طاعتهم<br />

وإن جاروا،‏<br />

فألنه يرتتب على اخلروج من طاعتهم من املفاسد أضعاف ما حيصل من جورهم،‏ بل يف الصرب على<br />

جورهم تكفري السيئات فإن هللا ما سلطهم علينا إال لفساد أعمالنا،‏ واجلزاء من جنس العمل،‏ فعلينا الإجتهاد يف<br />

1<br />

الإستغفار والرتبية وإصالح العمل.‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَذَلِكَ‏ نُوَ‏ لِي بَعْضَ‏ الظَّالِمِينَ‏ بَعْض ‏ًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُو ‏َن{‏ ، فإذا<br />

أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم األمري فليرتكوا الظلم[‏ أ ه . والشارح املشار إليه يف الكالم السابق هو ابن أيب العز<br />

2<br />

احلن<strong>في</strong> صاحب كتاب ‏)شرح العقيدة الطحاوية(‏ وكالمه السابق موجود ابلشرح . وقد اختصر الشيخ األلباين كالمه<br />

ومل يذكر الشارح لفظ ‏)الرتبية(‏ وإَّنا املذكور يف موضعها لفظ ‏)التوبة(.‏<br />

‏ُث علق األلباين على كالم الشارح فقال:‏ ‏]ويف هذا بيان لطريق اخلالص من ظلم احلكام الذين هم<br />

ويتكلمون أبلسنتنا«‏<br />

‏»من جلدتنا<br />

وهو أن يتوب املسلمون إَل رهبم،‏ ويصححوا عقيدهتم،‏ ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسالم<br />

3<br />

الصحيح،‏ حتقيقا لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ ، وإَل ذلك أشار أحد الدعاة<br />

املعاصرين بقوله:‏<br />

‏”أقيموا دولة الإسالم يف قلوبكم،‏ تقم لكم على أرضكم“.‏ وليس طريق اخلالص ما يتوهم بعض<br />

الناس،‏ وهو الثورة ابلسالح على احلكام بواسطة االنقالابت العسكرية،‏ فإهنا مع كوهنا من بِدَع العصر احلاضر،‏ فهي<br />

خمالفة لنصوص الشريعة اليت منها األمر بتغيري ما ابألنفس،‏ وكذلك فالبد من إصالح القاعدة لتأسيس البناء عليها<br />

‏}وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ‏<br />

إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَقَوِيٌّ‏ عَزِ‏ ي ‏ٌز{‏ ] 4 أ ه .<br />

قلت:‏ وهذا التعليق من الشيخ األلباين <strong>في</strong>ه مغالطات خطرية وتلبيس شديد وال يليق ابلشيخ وال مبن دونه يف العلم<br />

بكثري.‏ وبيان ذلك كما يلي:‏<br />

= 1<br />

ذكرت يف الباب الثالث يف واجبات الطائفة املنصورة جهاد احلكام املرتدين الذين حيكمون بلدان املسلمني<br />

بغري شريعة الإسالم،‏ وذكرت هناك فتاوى أمحد شاكر وحممد حامد الفقي وحممد بن إبراهيم آل الشيخ يف تكفري<br />

هؤالء احلكام،‏ ومما قاله الشيخ أمحد شاكر:‏ ‏]أ<strong>في</strong>جوز مع هذا يف شرع هللا أن حيكم املسلمون يف بالدهم بتشريع<br />

- 1 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

325<br />

128<br />

- 2 ( ط املكتب الإسالمي 1413 ه ص 431(<br />

- 3 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

41


مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية امللحدة؟ إَل قوله إن األمر يف هذه القوانني الوضعية واضح وضوح الشمس،‏ هي<br />

كفر بواح ال خفاء <strong>في</strong>ه وال مداورة[‏ . 1 ومما قاله الشيخ حممد حامد الفقي:‏ ‏]ومثل هذا وشر منه من اختذ كالم الفرُنة<br />

قوانني يتحاكم إليها يف الدماء والفروج واألموال ويقدمها على ما علم وتبني له من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا<br />

عليه وسلم،‏ فهو بال شك كافر مرتد إذا أصر عليها ومل يرجع إَل احلكم مبا أنزل هللا.‏ وال ينفعه أي اسم تَسَمى به وال<br />

أي عمل من ظواهر أعمال الصالة والصيام واحلج وحنوها[‏<br />

2<br />

. ومما قاله الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ إن احلكم<br />

بغري ما أنزل هللا يكون كفرا أكرب يف أحوال،‏ اخلامس منها يصف حال كثري من بالد املسلمني اآلن وصفا دقيقا قال:‏<br />

‏]فهذه احملاكم اآلن يف كثري من أمصار الإسالم مهيأة مكملة،‏ مفتوحة األبواب،‏ والناس إليها أسراب إثر أسراب،‏<br />

حيكم حكامها بينهم مبا خيالف حكم السنة والكتاب،‏<br />

من أحكام ذلك القانون وتُلزمهم به،‏ وتقرهم عليه،‏ وحتتمه<br />

3<br />

عليهم.‏ فأي كفر فوق هذا الكفر،‏ وأي مناقضة للشهادة أبن حممداً‏ رسول هللا بعد هذه املناقضة . ويك<strong>في</strong>ك يف هذا اي<br />

أخي املسلم أن تعلم أن احلادث يف هذه البالد وهي تنحية حكم هللا تعاَل واخرتاع تشريع خمالف للحكم به بني<br />

الناس هو نفس صورة سبب نزول قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ لَمْ‏ يَحْكُمْ‏ بِمَا أَنزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْكَاقِرُ‏ و ‏َن{،‏ وصورة سبب<br />

النزول قطعية الدخول يف الن ابلإمجاع،‏ كما قال السيوطي يف الإتقان )29/1<br />

احلاكمة بغري ما أنزل هللا ال خيفى على الشيخ األلباين كما سيأِت كالمه يف تقرير هذا.‏<br />

= 2<br />

31(، وهذا األمر وهو كفر النظم<br />

قلت:‏ فمن املغالطات اخلطرية اليت يقع <strong>في</strong>ها البعض،‏ تنزيل األحاديث الواردة يف حق أئمة املسلمني عل هؤالء<br />

احلكام املرتدين،‏ مثل حديث ابن عباس مرفوعا:‏ ‏»مَنْ‏ كَرِهَ‏ من أمريه شيئا فليصرب،‏ فإن من خرج من السلطان شربا<br />

4<br />

مات ميتة جاهلية«‏ ، وحديث عوف بن مالك األشجي أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

‏»خِ‏ يَارُ‏ أَئِمتِكُمِ‏<br />

المذِينَ‏ حتُِبُّوهنَُمْ‏ وَحيُِبُّونَكُمْ‏ وَتُصَلُّونَ‏ عَلَيْهِمْ‏ وَيُصَلُّونَ‏ عَلَيْكُمْ‏ وَشِ‏ رَارُ‏ أَئِمتِكُمِ‏ المذِينَ‏ ت ‏ُبْغِضُوهنَُمْ‏ وَي ‏ُبْغِضُونَكُمْ‏ وَتَلْعَنُوهنَُْم<br />

وَي ‏َلْعَنُونَكُمْ«‏<br />

قال:‏ قلنا:‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ أَفَالَ‏ ن ‏ُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ‏ :<br />

وكشف هذا التلبيس من وجهني:‏<br />

«<br />

أ =<br />

5<br />

ال،‏ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ‏ الصمالةَ«‏ ، ويف رواية ‏»ال ما صلوا«.‏<br />

األول:‏ هذه األحاديث يف حق احلاكم املسلم ال احلاكم الكافر،‏ وال يُستدل هبا يف حق احلكام املرتدين ألن هؤالء:‏<br />

غري مسوفني لشروط الإمامة ‏)كالعلم الشرعي والعدالة وغريها(‏ . 6<br />

326<br />

)174<br />

- 1 ‏)عمدة التفسري ألمحد شاكر 173 / 4<br />

- 2 ‏)كتاب فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد<br />

- 3 من رسالة حتكيم القوانني.‏<br />

ط أنصار السنة هامش ص<br />

.386<br />

- 4 متفق عليه.‏<br />

- 5 رواه مسلم<br />

- 6 ‏)راجع شروط الإمامة ابألحكام السلطانية للماودري ص 6(.


ب =<br />

ومل تنعقد هلم بيعة شرعية صحيحة،‏ والبيعة ال تكون شرعية إال إذا كانت على شرط احلكم ابلكتاب والسنة،‏<br />

كما روى البخاري أن ابن عمر كتب إَل عبد امللك بن مروان يبايعه ‏)وأقر لك ابلسمع والطاعة على سنة هللا وسنة<br />

1<br />

رسوله <strong>في</strong>ما استطعت(‏ ، وقال ابن حجر:‏ ‏]واألصل يف مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل ابحلق ويقيم احلدود<br />

2<br />

وَيمر ابملعروف وينهى عن املنكر[‏ . أما هؤالء املرتدون <strong>في</strong>قسمون عند توليهم احلكم على العمل ابلدستور والقانون<br />

الوضعي والدميقراطية واالشرتاكية وغري ذلك من الكفر.‏<br />

ج =<br />

3<br />

ال يقومون بواجبات األئمة وأوهلا ‏)حفظ الدين على أصوله املستقرة(‏ كما ذكره املاوردي <strong>في</strong>ما ي ‏َلْزَم الإمام ومنها<br />

إقامة احلدود واجلهاد يف سبيل هللا،‏ فهؤالء حيفظون الدين أم يضيعونه؟.‏<br />

مما سبق ترى اي أخي املسلم أن هؤالء احلكام ال يدخلون يف مسمى ‏)أئمة املسلمني(‏ ال من حيث الشروط وال البيعة<br />

وال الواجبات.‏ وترى أن تنزيل أحاديث األئمة عليهم <strong>في</strong>ه مغالطة خطرية وتلبيس.‏<br />

= 3<br />

الوجه الثاين:‏ أنه لو افرتضنا جدال تنزيل أحاديث األئمة عليهم،‏ فإن هذه األحاديث مقيدة حبديث عبادة بن<br />

4<br />

الصامت ‏»وَأَالم ن ‏ُنَازِعَ‏ األَمْرَ‏ أَهْلَهُ،‏ قَاَل صلى هللا عليه وسلم:‏ إِال أَنْ‏ تَرَوْا كُفْرًا ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُمْ‏ مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَا ‏ٌن«‏ ، فمىت<br />

وقع احلاكم يف املفر الصريح كاحلكم بغري ما أنزل هللا فقد سقطت طاعته وخرج عن حكم الوالية ووجب اخلروج عليه،‏<br />

كما قال العياض يف شرح حديث عبادة أمجع العلماء على أن الإمامة ال تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر<br />

انعزل إَل قوله فلو طرأ عليه كفر وتغيري للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على<br />

5<br />

املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك...‏ اخل(‏ .<br />

مما سبق ترى اي أخي املسلم أنه ال جمال لالستدالل ابألحاديث الواردة يف أئمة املسلمني يف حق هؤالء الطواغيت<br />

املرتدين،‏ وترى كذلك خطورة التلبيس الناشئ عن هذا الإستدالل الذي يرتتب عليه صرف املسلمني عن جهاد<br />

الطواغيت الواجب عليهم.‏<br />

وقد وقع الشيخ األلباين يف هذه املغالطة يف تعليقه على العقيدة الطحاوية،‏ فكالم الإمام الطحاوي وكالم الشارح<br />

ابن أيب العز هو يف حق الإمام املسلم إن فسق أو جار،‏ وليس يف حق الكافر،‏ وهذا واضح يف كالم الإمام الطحاوي:‏<br />

‏]وال نرى اخلروج على أئمتنا[‏ أي أئمة املسلمني.‏ فأخذ الشيخ األلباين كالمهما وأنزله يف حق حكام املسلمني يف<br />

زماننا هذا الذين الشك يف كفر وردة معظمهم،‏ فأحدث بذلك تلبيسا خطريا.‏<br />

327<br />

- 1 حديث 7272<br />

- 2 ‏)فتح الباري )213/ 13<br />

- 3 ‏)األحكام السلطانية ص 15 و‎16‎‏(‏<br />

- 4 متفق عليه.‏<br />

- 5 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي .)228 / 12


والشيخ األلباين يقر بكفر األنظمة اليت حتكم املسلمني بغري شريعة الإسالم ومن ذلك قوله:‏ ‏]فقد مسعت كثريا منهم<br />

خيطب بكل محاسٍ‏ وغريةٍ‏ إسالمية حممودة ليقرر أن احلاكمية هلل وحده،‏ ويضرب بذلك النظم احلاكمة الكافرة،‏ وهذا<br />

1<br />

شيء مجيل،‏ وإن كنا اآلن ال نستطيع تغيريه[‏ . هذا كالم األلباين،‏ كذلك فإنه سكت عن تعليق الشيخ أمحد شاكر<br />

يف شرح العقيدة الطحاوية على قول الشارح:‏ إن احلاكم ‏]إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل هللا غري واجب وأنه خمري <strong>في</strong>ه أو<br />

استهان به مع تيقنه أنه حكم هللا،‏ فهذا حكم أكرب[‏ علق أمحد شاكر على هذا بقوله ‏]وهذا مثل ما ابتلي به الذين<br />

درسوا القوانني األوربية من رجال األمم الإسالمية ونسائها أيضا الذين أُشْرِبوا يف قلوهبم حبها والشغف هبا والذب عنها<br />

2<br />

وحكموا هبا وأذاعوها...‏ اخل[‏ .<br />

يف<br />

فكيف يقول الشيخ إن طريق اخلالص من هؤالء الكافرين هو الصرب والرتبية؟ خمالفا بذلك مجهور السلف الذين قرروا<br />

أن الصرب يكون على احلاكم املسلم إن فسق أو جار أما إن كفر <strong>في</strong>جب اخلروج عليه عند القدرة إمجاعا،‏ وقد ذكرت<br />

هذه الفقرة كالم القاضي عياض وكالم ابن حجر يف هذا،‏ وقد نقال الإمجاع على وجوب اخلروج على احلاكم<br />

4<br />

3<br />

الكافر ، ومما قاله ابن حجر:‏ ‏]وملخصه أنه ينعزل ابلكفر إمجاعا،‏ <strong>في</strong>جب على كل مسلم القيام يف ذلك[‏ . فأي<br />

كالم أوضح من هذا؟.‏<br />

وهذا احلكم وهو الصرب على احلاكم املسلم اجلائر واخلروج على الكافر مستفاد من اجلمع بني األحاديث الواردة يف<br />

طاعة األئمة،‏ فاألحاديث اآلمرة ابلصرب على األئمة:‏ كأحاديث ابن عباس مرفوعا ‏»مَنْ‏ كَرِهَ‏ من أمريه شيئا فليصرب،‏<br />

5<br />

فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية«‏ ، وحديث ابن مسعود مرفوعا:‏ ‏»إهنا ستكون بعدي أَث ‏َرَة وأمور<br />

6<br />

تنكروهنا قالوا اي رسول هللا كيف أتمر من أدرك منا ذلك؟ قال:‏ تؤدون احلق الذي عليكم وتسألون هللا الذي لكم«‏ .<br />

ومثل ذلك حديث وائل بن حجر وحديث أم سلمة رضي هللا عنهم أمجعني.‏ كل هله األحاديث يقيدها حديث<br />

عبادة بن الصامت<br />

‏»دعاان رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم فبايعناه،‏ فكان <strong>في</strong>ما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع<br />

والطاعة يف مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا وعُسْرِان ويُسْرِان وأَث ‏َرَةٍ‏ علينا،‏ وأن ال ننازع األمر أهله،‏ قال:‏ إال أن تروا كفرا بواحا عندكم<br />

7<br />

من هللا <strong>في</strong>ه برهان»‏ . هذا احلديث أحاديث الصرب وخيصها،‏ فإذا كفر احلاكم وجبت املنازعة واخلروج.‏ وإَل هذا التقييد<br />

- 1 من كتابه ‏)احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام ص 86 و‎87‎‏(.‏<br />

- 2 ‏)شرح العقيدة الطحاوية ط‎1414‎ه ص 323 و‎324‎‏.‏<br />

- 3 ‏)صحيح مسلم بشرح النووي 228( / 12 و)فتح الباري 7 / 13 و‎116‎ و‎123‎‏(.‏<br />

328<br />

- 4 ‏)فتح الباري .)123 / 13<br />

- 5 متفق عليه.‏<br />

- 6 متفق عليه.‏<br />

- 7 متفق عليه<br />

- 9 ‏)الباب الثاين من كتاب الفنت يف صحيحه(‏


أشار البخاري رمحه هللا إبيراده ألحاديث الصرب كأحاديث ابن عباس وابن مسعود السابقة ‏ُث أتبعها حبديث عبادة يف<br />

نفس الباب . 1<br />

فطريق اخلالص من كفر احلكام هو اخلروج عليهم ابلسالح وهذا واجب ابلإمجاع عند القدرة،‏ وليس طريق اخلالص<br />

جمرد الرتبية،‏ والشيخ األلباين حمجوج ابلإمجاع الذي نقله القاضي عياض وابن حجر.‏ وإذا وقع احلاكم يف الكفر فال<br />

2<br />

ي ‏ُنْظَر إَل مفسدة اخلروج عليه،‏ إذ ال مفسدة أعظم من فتنة الكفر،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْفِتْنَةُ‏ أَكْبَرُ‏ مِنْ‏ الْقَتْ‏ ‏ِل{‏ ، وقد<br />

أمجع العلماء على أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس وغريها من الضرورات اخلمس،‏ وقد سبق قريبا قول شيخ<br />

الإسالم ابن تيمية ‏]وذلك أن هللا تعاَل أابح من قتل النفوس ما حيُ‏ تاج إليه يف صالح اخللق،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْفِتْنَةُ‏<br />

3<br />

أَكْبَرُ‏ مِنْ‏ الْقَتْلِ{‏ أي أن القتل وإن كان <strong>في</strong>ه شر وفساد ف<strong>في</strong> فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكرب منه[‏ .<br />

4<br />

= 4 وما قاله الشيخ يف كتابه من أن ضرب األنظمة الكافرة ال نستطيعه اآلن،‏ فإنه عند العجز عن اجلهاد جيب<br />

5<br />

حتصيل الإستطاعة لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، وهذا ما قرره شيخ الإسالم ابن تيمية من أنه<br />

6<br />

عند سقوط اجلهاد للعجز جيب <strong>إعداد</strong> القوة ، والقوة هي السالح وليس الرتبية حلديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏»أال إن<br />

7<br />

القوة الرمي«‏ . والشيخ األلباين قد قرر هذا بنفسه حيث ذكر هذا يف كالمه بعنوان ‏“املستقبل لإلسالم”‏ الذي نقلته<br />

يف مسألة العهود ص‎142‎ من هذه الرسالة قال األلباين ‏]احلديث ‏»ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار...«‏<br />

إَل<br />

قوله ومما الشك <strong>في</strong>ه أن حتقيق هذا الإنتشار يستلزم أن يعود املسلمون أقوايء يف معنوايهتم ومادايهتم وسالحهم حىت<br />

9<br />

يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان[‏ . فعند العجز جيب <strong>إعداد</strong> القوة ال جمرد الرتبية.‏<br />

= 5<br />

وقول الشيخ األلباين إن الثورة ابلسالح على احلكام وَهْمٌ‏ يتومهه بعض الناس ليس صحيحا وليس بوَهْم،‏ بل هو<br />

لتباع لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم كما يف حديث عبادة ‏»وَأَال ن ‏ُنَازِعَ‏ األَْمْرَ‏ أَهْلَهُ‏ قَالَ‏ إِال أَنْ‏ تَرَوْا كُفْرًا ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُ‏ ‏ْم<br />

قال:‏ ‏]ينكر تعاَل على من<br />

مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَانٌ«‏ ، 8 وقال ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}أَقَحُكْمَ‏ الْجَاهِلِيَّةِ‏ يَبْغُونَ‏ } 11<br />

خرج عن حكم هللا املشتمل على كل خري،‏ الناهي عن كل شر وعَدَلَ‏ إَل ما سواه من اآلراء واألهواء واالصطالحات<br />

- 1 ‏)الباب الثاين من كتاب الفنت يف صحيحه(‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

329<br />

.217<br />

- 3 ‏)جمموع الفتاوى )355 / 29<br />

- 4 ‏)احلديث حجة بنفسه ص 87(<br />

- 5 سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

.61<br />

- 6 ‏)جمموع الفتاوى )258 / 29<br />

- 7 رواه مسلم.‏<br />

- 9 ‏)نقال عن مقدمة كتاب احلِكَم اجلديرة ابلإذاعة ط دار املرجان(‏<br />

- 8 متفق عليه<br />

- 11 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

51


=<br />

6<br />

اليت وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا إَل قوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر جيب قتاله حىت يرجع إَل<br />

حكم هللا،‏ فال حيَُكِّم سواه يف قليل وال كثري[‏ أ ه . فكيف يقول إن اخلروج ابلسالح على حكام زماننا املرتدين وَهْمٌ،‏<br />

وقد نقل القاضي عياض وابن حجر الإمجاع على وجوب اخلروج على أمثال هؤالء؟.‏<br />

والإنقالب العسكري إَّنا هو نوع من أنواع اخلروج املسلح على الطواغيت وهو واجب كما سبق فكيف<br />

يسمي الشيخُ‏ الواجبَ‏ الشرعي م بدعةً؟.‏ وليس الإنقالب العسكري من بدع العصر احلاضر كما يقول،‏ فقد حدث يف<br />

حياة النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

‏ِبروج فريوز الديلمي على األسود العنسي املتنبئ الكذاب،‏ حىت قتل فريوز ذلك<br />

1<br />

األسود،‏ وقد ذكرت هذه احلادثة يف هذه الفقرة من قبل ، كما ذكرت يف أواخر مسألة العهود والبيعات أمثلة كثرية<br />

للخروج على احلكام مبا يشبه الإنقالابت العسكرية حدثت يف القرون الثالثة املفضملة.‏<br />

العصر احلاضر كما يقول الشيخ.‏<br />

«<br />

= 7<br />

فالإنقالب ليس من بدع<br />

ومل يقل الشيخ إن اخلروج املسلم بدعة فقط،‏ بل قال أيضا إن اخلروج املسلح خمالف لنصوص الشريعة اآلمرة<br />

2<br />

بتغيري ما ابألنفس}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ . وليس األمر كما قال فإن اخلروج املسلح<br />

‏)اجلهاد يف سبيل هللا(‏ القيام به داخل ضمن تغيري ما ابألنفس،‏ فإن ما أصاب املسلمني من الذل بتسلط احلكام<br />

املرتدين عليهم مل يقع إال بسبب القعود عن اجلهاد والركون إَل الدنيا وكراهة املوت،‏ وال خالص للمسلمني من هذا<br />

الذل إال بتغيري هذا،‏ أي ابجلهاد والتجايف عن دار الغرور،‏ وهذا ابلن كما يف حديثي ثوابن وابن عمر رضي هللا<br />

عنهم.‏<br />

ّ كُل أُفُقٍ‏ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ‏<br />

عن ثوابن أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ يُوشِ‏ كُ‏ أَنْ‏ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ‏ األُمَمُ‏ مِنْ‏ ِ<br />

عَلَى قَصْعَتِهَا«‏ قُلْنَا:‏ ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏ أَمِنْ‏ قِلمةٍ‏ مِنَا ي ‏َوْمَئِذٍ؟ قَالَ‏ : ‏»أَنْتُمْ‏ ي ‏َوْمَئِذٍ‏ كَثِريٌ،‏ وَلَكِنمكُمْ‏ كَغُثَاءِ‏ السميْلِ‏ ، تنزعُ‏ الْمَهَابَةَ‏ مِنْ‏<br />

قُلُوبِ‏ عَدُوِّكُمْ‏ وَجيَْعَلُ‏ يفِ‏ قُلُوبِكُمُ‏ الْوَهْنَ«‏ قَالُوا:‏ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ‏ : ‏»حُبُّ‏ احلَْيَاةِ‏ وَكَرَاهِيَةُ‏ الْمَوْ‏ ‏ِت«‏<br />

وعن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

.<br />

3<br />

«<br />

اجلِْهَادَ‏ سَلمطَ‏ اَّللمُ‏ عَلَيْكُمْ‏ ذُالا الَ‏ ي ‏َنْزِعُهُ‏ حَىتم تَرْجِ‏ عُوا إَِلَ‏ دِينِكُ‏ ‏ْم«‏ . 4<br />

إِذَا تَبَاي ‏َعْتُمْ‏ ابِلْعِينَةِ‏ وَأَخَذْمتُْ‏ أَذْانَبَ‏ الْبَقَرِ‏ وَرَضِيتُمْ‏ ابِلزمرْعِ‏ وَتَرَكْتُم<br />

ُ<br />

وكما ترى اي أخي املسلم أن ترك اجلهاد هو من أسباب ذل املسلمني،‏ وتغيري هذا يكون ابلعودة إَل اجلهاد،‏ خاصة<br />

الواجب منه كجهاد الطواغيت،‏ فاجلهاد داخل ضمن تغيري ما ابألنفس ليس خمالفا كما قال الشيخ األلباين،‏ وتغيري ما<br />

ابألنفس ال يكون ابلعلم والرتبية فقط الذي أمساه الشيخ طريق اخلالص بل اجلهاد أيضا الذي أنكره الشيخ طريقا<br />

للخالص.‏<br />

331<br />

.)311<br />

- 1 ‏)نقال عن البداية والنهاية 317 / 6<br />

- 2 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

- 3 رواه أمحد وأبو داود،‏ وصححه األلباين.‏<br />

- 4 رواه أبو داود إبسناد حسن،‏ وصححه األلباين.‏


= 9<br />

وحنن نتفق مع الشيخ يف وجوب تغيري ما ابألنفس لريفع هللا تعاَل عنا ما حنن <strong>في</strong>ه من مذلة وهوان،‏ وقد ذكرت<br />

هذا يف األصل اخلامس من ‏)األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر القدرية أو ختلفها(‏ يف أوائل مسألة ‏)ال<strong>إعداد</strong> الإمياين<br />

للجهاد(‏ ولكنا خنتلف مع الشيخ يف أمور:‏<br />

= منها اعتباره اخلروج املسلح ‏)اجلهاد(‏ خمالفا لتغيري ما ابألنفس كما سبق أعاله.‏<br />

= وابلتايل قصره تغيري ما ابألنفس على العلم والرتبية،‏ وسوف أفرد هلذين األمرين ‏)العلم والرتبية(‏ امللحقني الثالث<br />

والرابع يف هناية هذا الفصل،‏ وسرتى اي أخي يف هذه املالحق أن العلم الشرعي والعدالة ليسا من شروط وجوب<br />

اجلهاد،‏ وأن اجلاهل والفاسق خماطبان ابجلهاد متاما كالعامل والصاحل.‏ وأن اجلهاد الواجب املتعني ال يؤجمل عند القدرة<br />

بتحصيل ما ليس بشرط لوجوبه،‏ وإذا مل ميكن اجلهاد إال مع أمري فاجر أو عسكر كثري الفجور فالواجب اجلهاد معهم<br />

لدفع املفسدة األعظم مفسدة الكافرين،‏ هذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة كما قال ابن تيمية:‏ ‏]وهلذا كان من<br />

أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل ب ‏َرٍّ‏ وفاجر،‏ فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر،‏ وأبقوام الخالق هلم،‏ كما<br />

أخرب النيب<br />

األمري<br />

صلى هللا عليه وسلم،‏ ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار،‏ أو مع عسكر كثري الفجور،‏ فأنه البد<br />

من أحد أمرين:‏ إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف الدين،‏ وإما الغزو مع<br />

الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين،‏ وإقامة أكثر شرائع الإسالم،‏ وإن مل ميكن إقامة مجيعها،‏ فهذا هو<br />

الواجب يف هذه الصورة،‏ وكل ما أشبهها،‏ بل كثري من الغزو احلاصل بعد اخللفاء الراشدين مل يقع إال على هذا الوجه[‏<br />

1<br />

أ ه .<br />

= كذلك فإنه إذا مل ميكن جهاد الكافرين إال مع قوم من املبتدعة،‏ فالواجب اجلهاد معهم،‏ وال نقول ال ‏ُناهد حىت<br />

يرتكوا البدع بل ‏ُناهد مع املبتدعة وندعوهم مع ذلك إَل التزام السنة،‏ قال ابن تيمية:‏ ‏]فإذا تعذر إقامة الواجبات<br />

من العلم واجلهاد وغري ذلك إال مبن <strong>في</strong>ه بدعة مضرهتا دون مضرة ترم ذلك الواجب:‏ كان حتصيل مصلحة الواجب مع<br />

مفسدة مرجوحة معه خريا من العكس،‏ وهلذا كان الكالم يف هذه املسائل <strong>في</strong>ه تفصيل[‏ . 2<br />

والبن حزم كالم شديد يف النكري على من ينهى عن جهاد الكفار مع أمري فاسق،‏ قال:‏ ‏]وال إُث بعد الكفر أعظم من<br />

إُث من هنى عن جهاد الكفار وأَمَر إبسالم حرمي املسلمني إليهم<br />

3<br />

من أجل فسق رجل مسلم ال حيُ‏ اسَب غريُه بفسقه[‏ .<br />

قلت:‏ فنحن نتفق مع الشيخ يف أن تسلط الكفار والظلمة علينا إَّنا هو مبعاصينا لقوله تعاَل:‏ { وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَ‏ ‏ٍة<br />

قَمِنْ‏ نَفْسِكَ‏ } 4 ، هذه عقوبة قدرية لنا،‏ ولكنا خنتلف مع الشيخ يف<br />

أنه قصر وسيلة دفعهم على السبب القدري<br />

- 1 راجع كالمه على التفصيل يف ‏)جمموع الفتاوى ج 29 ص 516<br />

.)519<br />

330<br />

- 2 ‏)جمموع الفتاوى .)212 / 29<br />

- 3 احمللى 311 / 7<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

78


ابلتوبة من املعاصي والإانبة إَل هللا،‏ واستنكر الشيخ الوسيلة الشرعية لدفع الكفار كاحلكام املرتدين تلك الوسيلة<br />

الشرعية هي اجلهاد الذي أمساه الشيخ اخلروج املسلح.‏<br />

= 8<br />

ومن التناقضات يف كالم الشيخ األلباين أنه يدعو املسلمني للصرب على حكامهم يف نفس الوقت الذي يدعوهم<br />

جلهاد الكفار املستعمرين حيث قال:‏ ‏]وأما الكفار املستعمرون فال طاعة هلم بل جيب الإستعداد التام مادة ومعىن<br />

1<br />

لطردهم وتطهري البالد من رجسهم[‏ . والكافر املستعمر هو الكافر األجنيب،‏ وقد بينت من قبل أنه ال فرق بني أن<br />

يكون الكافر املتسلط على املسلمني<br />

أجنبيا أو حمليا،‏ إذ إن علة وجوب جهاده قائمة يف احلالتني وهو وصف الكفر،‏<br />

كما أن الكافر احمللي صار بكفره أجنبيا عن املسلمني لقوله تعاَل:‏ ‏}قَالَ‏ يَانُوحُ‏ إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ مِنْ‏ أَهْلِكَ‏ إِنَّهُ‏ عَمَلٌ‏ غَيْ‏ ‏ُر<br />

2<br />

صَالِحٍ{‏ ، وقد فصلت هذا من قبل.‏<br />

= 11<br />

ومن التناقضات<br />

أيضا يف كالم الشيخ،‏ قوله يف نفس الكتاب ‏]اعلم أن اجلهاد على قسمني:‏ األول فرض<br />

عني،‏ وهو صد العدو املهاجم لبعض بالد املسلمني،‏ كاليهود اآلن الذين احتلوا فلسطني،‏ فاملسلمون مجيعا آمثون حىت<br />

3<br />

خيرجوا منها[‏ . وقد ذكرت من قبل يف هذه الفقرة أن احلكام املرتدين<br />

هم أيضا عدو كافر متسلط على بالد<br />

املسلمني وأن جهادهم لذلك فرض عني،‏ بل إن جهادهم مُقَدمم على جهاد اليهود لسببني:‏ القُرْب والرِّدمة،‏ بل إن<br />

اليهود ال يستقر هلم مقام بفلسطني إال يف كنف هؤالء احلكام الطواغيت املرتدين.‏<br />

‏ُث إن لنا أن نسأل الشيخ سؤاال:‏ ملاذا قال إن طريق اخلالص من ظلم احلكام هو طريق تغيري ما ابألنفس ابلعلم<br />

والرتبية،‏ ‏ُث قال إن طريق اخلالص من اليهود هو طريق اجلهاد،‏ مع إن كالم من احلكام املرتدين واليهود هم كفار تسلمطوا<br />

قدرا على املسلمني بذنوهبم،‏ فلماذا فَرمقَ‏ الشيخُ‏ بني أسلويبّ‏ املواجهة؟.‏ قال عمر بن اخلطاب لسعد بن أيب وقاص<br />

يف مسريه لغزو الفرس ‏)وال تقولوا إن عدوان شر منا،‏ فلن يُسَلمط علينا فرب قوم سُلِّط عليهم شرٌ‏ منهم،‏ كما سُلِّط<br />

4<br />

على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا كفارُ‏ اجملوس ‏}قَجَاسُوا خِ‏ اللَ‏ الدِيَارِ‏ وَ‏ كَانَ‏ وَ‏ عْد ‏ًا مَفْعُوال{‏ ، وقد سبقت هذه<br />

الوصية من قبل.‏ ويف حديث ثوابن مرفوعا ‏»وَأَنْ‏ ال أُسَلِّطَ‏ عَلَيْهِمْ‏ عَدُواا مِنْ‏ سِ‏ وَى أَنْفُسِ‏ هِمْ‏ يَسْتَبِيحُ‏ ب ‏َيْضَتَهُمْ‏ وَلَوِ‏ اجْتَمَعَ‏<br />

عَلَيْهِمْ‏ مَنْ‏ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ ي ‏ُهْلِكُ‏ ب ‏َعْضًا وَيَسْيبِ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ ب ‏َعْضًا«‏ . 5 وهذا ن يف أن العدو الكافر ال<br />

يتسلط على املسلمني إال إذا بلغوا من الفساد مبلغا،‏ وهذا أمر قدري.‏ فهل الواجب إذا تسلط العدو الكافر على<br />

املسلمني هو اإلقتصار على دفع السبب القدري للعدوان ‏)إبصالح ما ابألنفس(‏ أم الواجب هو دفع العدوان مبا<br />

- 1 ‏)كتاب العقيدة الطحاوية شرح وتعليق األلباين ص 49(.<br />

- 2 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

332<br />

46<br />

: .48 ص-‏ 3<br />

- 4 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

5<br />

- 5 رواه مسلم.‏


شرعه هللا تعاىل<br />

من اجلهاد؟ وما الذي أمجع عليه سلف األمة يف هذا املقام:‏ الرتبية أم وجوب اجلهاد العيين؟ وأيهما<br />

1<br />

أوجب قتاله:‏ املرتد كهؤالء احلكّام أم الكافر األصلي كاليهود؟ .<br />

2<br />

وأيهما أوجب قتاله:‏ العدو األقرب إَل املسلمني كهؤالء احلكام أم األبعد كاليهود؟ .<br />

وما قاله الشيخ من ضرورة إصالح القاعدة لتأسيس البناء عليها،‏ نتفق معه يف أنه البد من الدعوة والرتبية لتكون<br />

طائفة تقوم ابجلهاد<br />

لدفع فتنة الكافرين،‏ أما الدعوة والرتبية املطلقة هكذا دون أن نضع اجلهاد نصب أعيننا فأرى أهنا<br />

لن أتِت بنتيجة إذ إن عوامل اهلدم والإفساد تعمل هي األخرى وتدعمها وزارات التعليم والإعالم واألوقاف احلكومية<br />

وحتميها أجهزة القمع البوليسي،‏ كما أعود فأذكِّر أبن الإقتصار على الرتبية كوسيلة لإلصالح <strong>في</strong>ه حَيْدَة عن الواجب<br />

الشرعي وهو اجلهاد.‏ و<strong>في</strong>ه خمالفة هلدي النيب صلى هللا عليه وسلم فإنه مل يسلك مسلك الرتبية املطلقة هكذا،‏ وإَّنا<br />

دعا حىت تكونت طائفة ذات شوكة جاهد هبا الكفار.‏ امتثاال ملا أمره به هللا تعاَل يف قوله:‏ ‏»وقَاتِل مبَِن أطاعك مَنْ‏<br />

3<br />

عصاك«‏ ، ولقوله تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال تُكَلَّفُ‏ إِال نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَسَى ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يَكُفَّ‏ بَأْسَ‏ الَّذِي ‏َن<br />

4<br />

كَفَرُ‏ وا{‏ ، فجعل سبحانه حتريض املؤمنني طريقا لكف أبس الكافرين ودفع فتنتهم ابجلهاد.‏ وهذه اآلية واحلديث قبلها<br />

نَصمان واضحان يف إفادة املُراد.‏<br />

نعم العلم والرتبية حق،‏ وجزء من ال<strong>إعداد</strong> للجهاد،‏ من أجل تكوين طائفة ذات شوكة قادرة على التمكني لدين هللا<br />

تعاَل يف األرض.‏ ومع ذلك نقول إذا اكتملت القوة املادية لطائفة جماهدة ومل تكن على املستوى الرتبوي املرضي<br />

فالواجب شرعا اجلهاد معها عمال مبا استقر عند أهل السنة واجلماعة من الغزو مع الرب والفاجر.‏<br />

خامتة:‏ ومما يزيد خطورة هذه الشبهة للشيخ األلباين أهنا أصبحت مدرسة قائمة بذاهتا هلا أتباع يرددوهنا يف كثري من<br />

بلدان املسلمني،‏ بل قد صارت هذه الشبهة حجة لكل قاعدٍ‏ عن اجلهاد ولكل راكنٍ‏ إَل الدنيا،‏ ومن هؤالء األتباع من<br />

يداهن الطواغيت ويشاركهم يف برملاانهتم الشركية،‏ أَيُّ‏ تربيةٍ‏ هذه اليت ال تبدأ ابلكفر ابلطاغوت؟،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَمَنْ‏<br />

يَكْفُرْ‏ بِالَِّاغُوتِ‏ وَ‏ يُؤْ‏ مِنْ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ قَقَدْ‏ اسْتَمْسَكَ‏ بِالْعُرْ‏ وَ‏ ةِ‏ الْوُ‏ ثْقَى{‏ ، 5 ن ‏َفْيٌ‏ قبل الإثبات كما يف شهادة ‏)ال إله إال هللا(،‏<br />

وأَيُّ‏ تربية هذه ال تبدأ ابلرباءة من الكافرين،‏ مِلمة إبراهيم<br />

اليت ال ت ‏ُثْمِر أمراً‏ مبعروفٍ‏ وهنياً‏ عن منكر،‏ شرط خَريِْيمة هذه األمة؟.‏<br />

، وقال تعاَل:‏ ‏}لَكُمْ‏ دِينُكُمْ‏ وَ‏ لِيَ‏ دِي ‏ِن{؟ ، 6 وأَيُّ‏ تربية هذه<br />

333<br />

- 1 راجع الفقرة .14<br />

- 2 راجع الفقرة .13<br />

- 3 رواه مسلم عن عياض بن محار.‏<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الكافرون،‏ اآلية:‏<br />

.94<br />

.256<br />

.6


لقد صار للشيخ أتباع مقلدون يف هذه الشبهة وغريها،‏ وإن السل<strong>في</strong>ة مع اعرتاضنا على هذه التسمية ال ينبغي أن<br />

تكون مذهبا،‏ فإهنا ما أبرزت إال حملاربة التعصب املذهيب،‏ <strong>في</strong>نبغي أن تكون السل<strong>في</strong>ة منهجاً‏ قائماً‏ على حتري الدليل<br />

واتِّباعه.‏ فالسل<strong>في</strong>ة منهج وليست مذهباً،‏ قال تعاَل:‏ ‏}أَتَأْمُرُ‏ ونَ‏ النَّاسَ‏ بِالْبِرِ‏ وَ‏ تَنسَوْ‏ نَ‏ أَنفُسَكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ تَتْلُونَ‏ الْكِتَابَ‏ أَقَال<br />

1<br />

تَعْقِلُونَ{‏ .<br />

ولقد قلت من قبل وأكرر هنا أن هذه الفتنة،‏ فتنة احلكام املرتدين،‏ تفوق فتنة خلق القرآن يف خطرها على األمة،‏<br />

وال يليق ابلشيخ األلباين أن تصدر عنه مغالطات يف هذه املسألة.‏<br />

وإين ألرجو أن يبني الشيخُ‏ بنفسه وجهَ‏ احلق يف هذه الشبهة اخلطرية،‏ إبراءً‏ لذمته وحرصا على أَتْبَاعِهِ.‏ وال ننكر فضله<br />

ُ هذه الشبهة من منزلته،‏ فلكل جواد كبوة،‏ وقال تعاَل:‏ { وَ‏ لَوْ‏ كَانَ‏ مِنْ‏ عِنْ‏ ‏ِد<br />

وجهده يف خدمة السنة النبوية،‏ وال ت ‏ُنْقِ‏<br />

2<br />

غَيْرِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ لَوَ‏ جَدُوا قِيهِ‏ اخْتِالقًا ً كَثِيرا{‏ ، وأسأل هللا العلي العظيم أن خيتم لنا وله بصاحل األعمال.‏ آمني.‏<br />

‏)فقرة 21( والطواغيت األحياء أعظم من الطواغيت األموات.‏<br />

وأقصد ابلطواغيت األحياء أئمة الكفر واحلكام املرتدين الذين حيكمون املسلمني ابلشرائع املُبَدملة ويشيعون الكفر<br />

والفواحش <strong>في</strong>هم.‏ وأقصد ابلطواغيت األموات القبور واألحجار واألشجار وغريها من اجلمادات اليت تُعبد من دون هللا<br />

تعاَل بشىت صور العبادة من الدعاء واالستغاثة والذبح والنذر وغريها.‏ فال جدال يف أن األحياء أعظم فتنة من وفسادا<br />

من هؤالء،‏ ولذلك فإن النيب صلى هللا عليه وسلم بدأ بقتال الطواغيت األحياء قبل إزالة الطواغيت األموات،‏ فما أزال<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم األصنام إال بعد فتح مكة،‏ كما روى البخاري عن ابن مسعود<br />

<br />

قال:‏ ‏)دخل النيب صلى<br />

هللا عليه وسلم مكة يوم الفتح،‏ وحول البيت ستون وثالمثائة نصب،‏ فجعل يطعنها بعود يف يده ويقول ‏“جاء احلق<br />

وزهق الباطل”،‏<br />

3<br />

‏“جاء احلق وما يبدئ الباطل وما يعيد”(‏ ، ‏ُث أرسل صلى هللا عليه وسلم أصحابه لإزالة بقية<br />

األصنام جبزيرة العرب،‏ وذلك بعد ما أزال سلطان الطواغيت األحياء،‏ مع إنكاره صلى هللا عليه وسلم عليهم وعلى<br />

أصنامهم وتربوئه منهم منذ بدء البعثة.‏<br />

وهذه هي ملة إبراهيم الرباءة من الكافرين األحياء قبل الرباءة من معبوداهتم قال تع اَل:‏ ‏}قَدْ‏ كَانَتْ‏ لَكُمْ‏ أُسْوَ‏ ةٌ‏ حَسَونَةٌ‏<br />

قِي إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ مَعَهُ‏ إِذْ‏ قَالُوا لِقَوْ‏ مِهِمْ‏ إِنَّا بُرَ‏ آءُ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ مِنْ‏ دُونِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 4 ، وقد سبق قول الشيخ محد ب ن<br />

عتيق يف هذه اآلايت ‏)يف فقرة 5( وقال تعاَل:‏ ‏}ثُمَّ‏ أَوْ‏ حَيْنَا إِلَيْكَ‏ أَنْ‏ اتَّبِْْ‏ مِلَّةَ‏ إِبْرَ‏ اهِيمَ‏ حَنِيفًا{‏ . 5<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

334<br />

44<br />

92<br />

- 3 حديث:‏ 4297<br />

- 4 سورة املمتحنة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

4<br />

123


وليس املقصد مما سبق بيان الرتتيب بل بيان األمهية،‏ فال يعين كالمي السابق مشروعية السكوت عن الطواغيت<br />

األموات وعابديهم حىت نقضي على الطواغيت األحياء،‏ فإن الشريعة قد اكتملت ومن رأى منكم منكرا فليغريه قدر<br />

الإستطاعة،‏ أما األمهية اليت أردت التنبيه عليها:‏ فهي أن إفساد الطواغيت األحياء لدين الناس يكاد يهدد اجلم الغفري<br />

من املسلمني ابلردة الشاملة اترة ابلإرهاب واترة ابملكر واخلديعة،‏ وهذا الإفساد ال يدانيه خطر الطواغيت امليتة.‏<br />

فالعجب من أانسٍ‏ ينتسبون إَل العلم والدين ومذهب السلف فَرمغوا أقالمهم يف هذا الزمان ملهامجة الطواغيت امليتة<br />

ونسوا أو تناسوا الطواغيت ا ية،‏ وترى أحدهم يعيش يف بلد يستظل ابلقوانني الوضعية الكافرة والدميقراطية الكافرة،‏<br />

وهو متجاهل هلا متاما ويغض الطرف عنها وهو مع هذا يشهر حسامه وسيفه على صفحات الكتب على<br />

الطواغيت امليتة وعلى عابديها من العُزمل من السالح،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِذْ‏ يَعِدُكُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِحْدَى الَِّائِفَتَيْنِ‏ أَنَّهَا لَكُمْ‏ وَ‏ تَوَ‏ دُّو ‏َن<br />

1<br />

أَنَّ‏ غَيْرَ‏ ذَاتِ‏ الشَّوْ‏ كَةِ‏ تَكُونُ‏ لَكُمْ‏ وَ‏ يُرِ‏ يدُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يُحِ‏ قَّ‏ الْحَقَّ‏ بِكَلِمَاتِهِ‏ وَ‏ يَقََِْْ‏ دَابِرَ‏ الْكَاقِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، فتأمل هذا تدرك بعض<br />

أسباب ما حنن <strong>في</strong>ه من حمن وبالء،‏ وهو أن املستَأمَنِني على العلم والدين مل يؤدوا دورهم يف البالغ والتحذير.‏ فكيف<br />

مبن رضي واتبع؟ وكيف مبن أسبغ الشرعية على هؤالء الطواغيت؟.‏ وإذا تكلم أحدهم عن اجلهاد جتده يذكر اجلهاد يف<br />

فلسطني وأفغانستان فقط ألن هذا هو القدر املسموح به يف بعض البلدان،‏ مع أن جهاد ا كام املرتدين أوجب من<br />

جهاد اليهود فكالمها عدو كافر حل ببلد املسلمني ويفوق ا كام املرتدون اليهود أبمرين:‏ القر والرِدة وكالمها<br />

2<br />

يستوجب البدء هبؤالء احلكام . كما ال خيفى أن من جياهد يف فلسطني أو أفغانستان يسمى بطال وشهيدا وتغدق<br />

عليه األموال والإعاانت أما يف غريمها فهو جمرم إرهايب خارج على الشرعية،‏ شرعية الكفر.‏ فتأمل هذا.‏<br />

وأتمل أيضا هذا احلديث تدرك خطر الطواغيت احلية،‏ وهو ما رواه البخاري عن قيس بن أيب حازم أن امرأة من<br />

أمحس سألت أيب بكر فقالت:‏ ‏)ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل الذي جاء هللا به بعد اجلاهلية؟ قال:‏ بقاؤكم عليه ما<br />

استقامت بكم أئمتكم.‏ قالت وما األئمة؟ قال:‏ أما كان لقومك رؤوس وأشراف ‏َيمروهنم <strong>في</strong>طيعوهنم؟ قالت:‏ بلى.‏<br />

قال:‏ فهم أولئك على الناس(‏<br />

3<br />

. وقال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل أي دين الإسالم وما<br />

اشتمل عليه من العدل واجتماع كلمة ونصر املظلوم ووضع كل شيء يف حمله.‏ ‏)ما استقامت بكم أئمتكم(‏ أي ألن<br />

الناس على دين ملوكهم.‏ فمن حَادَ‏ من األئمة عن احلال مَالَ‏ وأَمَال[‏<br />

4<br />

. وقال عبد هللا تعاَل بن املبارك رمحه هللا:‏<br />

وهل أفسد الدين إال امللوك<br />

وأحبار سوء ورهباهنا؟<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 2 كما يف الفقرتني<br />

7<br />

13<br />

- 3 حديث .3934<br />

و‎14‎<br />

- 4 ‏)فتح الباري(‏ 151 / 7<br />

335


قلت:‏ ومما يؤسف له أن سكوت هؤالء املنتسبني إَل العلم عن الطواغيت األحياء صار حجة للسكوت عند فئام من<br />

الشباب وحجة للقعود عن اجلهاد املتعني،‏ وصار اجلهاد عند هؤالء مقصورا على جهاد القبوريني والصو<strong>في</strong>ة.‏ وهل حييا<br />

القبوريون واملتصوفة إال يفكنف الطواغيت األحياء؟.‏<br />

‏)فقرة 17( وشوكة اإلسالم تتكون بالمواالة اإليمانية.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ يَأْمُرُ‏ ونَ‏ بِوالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَووْ‏ نَ‏ عَونْ‏ الْمُنكَورِ‏ وَ‏ يُ‏ ‏ِقيمُوو ‏َن<br />

الصَّالةَ‏ وَ‏ يُؤْ‏ تُونَ‏ الزَّ‏ كَاةَ‏ وَ‏ يُِِيعُونَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ سَيَرْ‏ حَمُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ عَزِ‏ ي ‏ٌز حَكِي ‏ٌم{‏ . 1<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَإِنَّ‏ حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏ الْغَالِبُو ‏َن{‏ . 2<br />

اآلية األوَل نبهت على أمهية مواالة املؤمنني بعضهم بعضا للقيام ابلواجبات الإميانية وبدأت األمر ابملعروف والنهي<br />

عن املنكر لكونه ال يؤِت مثرته إال بشوكة وقوة،‏ وهذه الشوكة تتكون مبواالة املؤمنني بعضهم بعضا.‏ وهبذا تتكون<br />

اجلماعة املسلمة املوعودة ابلرمحة ‏}أُوْ‏ لَئِكَ‏ سَيَرْ‏ حَمُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ{، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»اجلماعة رمحة<br />

والفُرْقَة عذاب«‏ ، 3 ومصداق هذا يف كتاب هللا،‏ قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اخْتَلَفُوا مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَهُمْ‏<br />

4<br />

الْبَي ‏ِنَاتُ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ عَظِيمٌ{‏ ، فالرمحة ثواب املواالة،‏ والعذاب عقوبة الإختالف.‏<br />

أما اآلية الثانية ف<strong>في</strong>ها البشارة ابلنصر ‏}قَإِنَّ‏ حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏ الْغَالِبُو ‏َن{،‏ و<strong>في</strong>ها الإشارة إَل وجوب املواالة الإميانية كشرط<br />

من شروط هذا النصر،‏ فإن اآلية بدأت أبداة الشرط {<br />

مَ‏ ‏ْن<br />

} والشرط هو املواالة الإميانية ‏}يَتَوَ‏ لَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏<br />

وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا{‏ وجواب الشرط هو البشارة ابلنصر ‏}قَإِنَّ‏ حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏ الْغَالِبُونَ‏ {. وأتمل الرتتيب يف قوله تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا{‏ ف<strong>في</strong>ه إشارة إَل أن اجتماع املؤمنني ال اعتبار له إال إذا كان قائما على مواالة<br />

هللا ورسوله،‏ وهذا إَّنا يكون ابالعتصام ابلكتاب والسنة.‏<br />

وقد ورد األمر بوجوب اجلماعة صرحيا يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَأَانَ‏ آمُرُكُمْ‏ ‏ِبَِمْسٍ‏ اَّللمُ‏ أَمَرَينِ‏ هبِِنم:‏ اجلَمَاعَةِ‏<br />

5<br />

وَالسممْعِ‏ وَالطماعَةِ‏ وَاهلِْجْرَةِ‏ وَاجلِْهَادِ‏ يفِ‏ سَبِيل هللا«‏ . وهذا حديث مفصل يف املسألة اليت حنن بصددها فاحلديث بدأ<br />

بلفظ ‏)اجلماعة(‏ واختتم ب ‏)اجلهاد(‏ فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين مجاعة مسلمة تربطها املواالة الإميانية،‏ والبد للجماعة<br />

من رأس ‏)أمري(،‏ فَصملنا هذا يف الباب الثالث من هذه الرسالة،‏ أما يف حديث احلارث فلم يُذْكَر األمري صراحة،‏ وإَّنا<br />

ذُكِرَ‏ ضمنا بقوله:‏<br />

‏»وَالسممْعِ‏ وَالطماعَةِ«‏<br />

أي ألمري اجلماعة،‏ وذكر صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»السممْعِ‏ وَالطماعَة«‏ ألهنا من<br />

أعظم أسباب وحدة اجلماعة ومتاسكها وقوهتا،‏ ‏ُث ذكر ‏»اهلِْجْرَة«‏ وأشرت يف الفقرة )11( أهنا غالبا ما تكون مقدمة<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

336<br />

71<br />

51<br />

- 3 رواه ابن أيب عاصم وحسنه األلباين ‏)السنة 41(.<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

115<br />

- 5 رواه أمحد عن احلارث األشعري،‏ وصححه األلباين.‏


7<br />

وقرينة للجهاد يف سبيل هللا،‏ ‏ُث ختم احلديث ابجلهاد يف سبيل هللا إشارة إَل أنه من أهم أعمال املسلمني ‏)كما يف<br />

الفقرة 8( وإشارة إَل أنه حمصلة لكل ما سبقه،‏ فباجلماعة والسمع والطاعة تتكون الشوكة الالزمة للجهاد،‏ وابهلجرة<br />

يكون الإستعداد والتجهيز للجهاد.‏<br />

والنصوص يف تَكَوُّن الشوكة ابملواالة الإميانية كثرية منها قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَوا النَّبِويُّ‏ حَورِ‏ ضْ‏ الْمُوؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَوى الْقِتَوا ‏ِل{‏ ، 1<br />

وقوله تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال تُكَلَّفُ‏ إِالَّ‏ نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَسَى ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يَكُ‏ ‏َّف<br />

بَوأْسَ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا{‏ ، 2<br />

فك ف أبس الك افرين ال ي تم إال ابلش وكة املتحص لة بتح ريض امل ؤمنني،‏ وق د ق ال هللا تع اَل لنبي ه ص لى هللا علي ه وس لم :<br />

‏»وقاتل مبن أطاعك من عصاك«‏ . 3<br />

مما سبق تعلم أمهية اجلماعة يف اجلهاد وأنه ال ‏َيِت بثمرته ‏)النصر(‏ إال هبا ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ ‏َّل ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَإِ‏ ‏َّن<br />

حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏ الْغَالِبُونَ‏ {، وعلى النقيض من ذلك فإن التفرق واالختالف من أول أسباب اهلزمية واخلذالن،‏ قال<br />

4<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا{‏ ، وهذه اهلزمية هي بعض العذاب املتوعمد به يف قوله<br />

5<br />

تعاَل:‏ { وَ‏ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ‏ تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اخْتَلَفُوا مِنْ‏ بَعْدِ‏ مَا جَاءَهُمْ‏ الْبَي ‏ِنَاتُ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ عَ‏ ‏ِظي ‏ٌم{‏ ، وقد قال هللا<br />

6<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنُذِيقَنَّهُمْ‏ مِنْ‏ الْعَذَابِ‏ األْ‏ ‏َدْنَى دُونَ‏ الْعَذَابِ‏ األَ‏ ‏ْكبَرِ‏ لَعَلَّهُمْ‏ يَرْ‏ جِ‏ عُو ‏َن{‏ ، فاهلزمية وإذالل العدو الكافر<br />

للمسلمني هي من العذاب األدىن عقوبة على التفرق واالختالف،‏ وقد ذكرت يف حديث ثوابن الذي رواه مسلم أن<br />

العدو ال يتسلط على املسلمني قدرا إال إذا اختلفوا وتقاتلوا.‏<br />

وقد ذكر الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف كتابه ‏)مسائل اجلاهلية(‏ ‏]الثانية:‏ أهنم متفرقون،‏ ويرون السمع والطاعة مهانة<br />

ورذالة فأمرهم هللا تعاَل ابلإجتماع وهناهم عن التفرقة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اعْتَصِ‏ مُوا بِحَبْلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ جَمِيعًا وَ‏ ال تَفَرَّ‏ قُوا وَ‏ اذْكُرُ‏ وا<br />

نِعْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِكُمْ‏ قَأَصْبَحْتُمْ‏ بِنِعْمَتِهِ‏ إِخْوَ‏ انًا وَ‏ كُنْتُمْ‏ عَلَى شَفَا حُفْرَ‏ ةٍ‏ مِنْ‏ النَّارِ‏ قَأَنْقَذَ‏ ‏ُك ‏ْم<br />

مِنْهَا{‏ ، اآلية[‏ أ ه .<br />

ومن املؤسف أن ترى يف كل بلد اآلن مجاعات متعددة تعمل ابسم الإسالم،‏ متفرقني خمتلفني،‏ وهذه من خصال<br />

اجلاهلية،‏ وقد ذكرت عالج هذه اآلفة يف الباب الثالث من هذه الرسالة،‏ وأنه جيب أن جيتمع الناس على أقدم مجاعة<br />

من اجلماعات املتبعة للمنهج احلق واملنهج احلق يف هذا الزمان هو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل،‏ وقد ذكرت يف الفقرة<br />

337<br />

- 1 األنفال،‏ اآلية:‏ .65<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

.94<br />

- 3 رواه مسلم عياض بن محار<br />

- 4 سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة السجدة،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

115<br />

.46<br />

21<br />

113


)16( إن أعظم خطر يواجه الإسالم هم الطواغيت األحياء،‏ ويف الفقرة )15( إن كي<strong>في</strong>ة مواجهتهم مقررة ابلن<br />

والإمجاع الذي ال اجتهاد معه،‏ وقد تقرر وجوب قتاهلم،‏ مع ال<strong>إعداد</strong> عند العجز.‏<br />

وقد ذكرت دليلي على أن الواجب اتباع اجلماعة األقدم،‏ هو حديث أيب هريرة مرفوعا:‏<br />

1<br />

‏»فوا ببيعة األول فاألول«‏ ،<br />

وذكرت يف الباب الثالث كي<strong>في</strong>ة الإستدالل به،‏ ومثله ما ذكره القرطيب يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ أَظْلَمُ‏ مِمَّنْ‏ مَنََْ‏<br />

2<br />

مَسَاجِ‏ دَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَنْ‏ يُذْكَرَ‏ قِيهَا اسْمُهُ{‏ ، قال:‏ ‏]وال مينع بناء املساجد إال أن يقصدوا الشقاق واخلالف أبن يبنوا مسجدا<br />

إَل جنب مسجد أو قربه يريدون بذلك تفريق أهل املسجد األول وخرابه واختالف الكلمة فإن املسجد الثاين ينقض<br />

ومينع من بنيانه ولذلك قلنا:‏ ال جيوز أن يكون يف املصر جامعان وال ملسجد واحد إمامان وال يصلي يف مسجد<br />

3<br />

مجاعتان.‏ أ ه ] . قلت:‏ فكذلك مينع قيام أكثر من مجاعة يف بلد واحد ملا <strong>في</strong>ه من تفريق للمسلمني وتشتيت جلهدهم<br />

وإضرار هبم.‏<br />

وإذا كان دأب الطواغيت هو العمل على إحداث االنقسامات واالنشقاقات داخل اجلماعة الواحدة خاصة إذا اشتدّ‏<br />

عودها وخُشِ‏ ي أبسها،‏ لتنشغل اجلماعة ابلصراعات الداخلية،‏ فكيف إذا كان االنقسام موجودا من األصل؟.‏<br />

ولذلك فنحن نرى وجوب الإجتماع على اجلماعة األقدم ذات املنهج الصواب،‏ ونرى أن من يعاون اجلماعات<br />

األحدث هو آُث ملا يف هذا من معاونة على االنقسام والتفرق والإضرار ابلعمل الإسالمي ككل،‏ قال تعاَل:‏<br />

4<br />

‏}وَ‏ تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى الْبِرِ‏ وَ‏ التَّقْوَ‏ ى وَ‏ ال تَعَاوَ‏ نُوا عَلَى اإلِ‏ ثْمِ‏ وَ‏ الْعُدْوَ‏ انِ‏ } ، وقال صلى هللا عليه<br />

وسلم : ‏»ال ضرر وال<br />

ضرار«،‏ وهذا يف حق من عَلِمَ‏ ابألقدم واألحدث.‏<br />

كما أننا نرى أن شَغْل املسلمني أبي أمر سوى اجلهاد يف سبيل هللا يف هذا الزمان كما تفعله كثري من اجلماعات<br />

الإسالمية،‏ هو خيانة هلل ولرسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ وخيانة هلذا الدين وتضييع له،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا<br />

5<br />

ال تَخُونُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ تَعْلَمُونَ{‏ ، إن اجلهاد اليوم فرض عني على املسلمني يف معظم<br />

أقطار األرض،‏ فليجاهد املسلم يف بالده أو فليهاجر لينصر إخوانه اجملاهدين يف بلد آخر،‏ ومن عجز عجزا شرعيا عن<br />

هذا وذاك فلينفق ماله يف سبيل هللا وليُحَرِّض املؤمنني على اجلهاد،‏ وليبتهل إَل هللا عز وجل أن يدمر الكافرين وأن<br />

جيعل للمؤمنني فرجا قريبا ونصرا مُعَجمال.‏ إن أي جهد يُبذل يف غري سبيل اجلهاد هو جهد ضائع وإن أي مال ينفق<br />

يف غري هذا السبيل هو مال ضائع،‏ جيب حشد اجلهود واملوال لدفع عجلة اجلهاد الذي تَعَنيم كطريق شرعي وحيد<br />

للخالص يف هذا الزمان.‏<br />

338<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

.114<br />

- 3 القرطيب 79 / 2<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلية:‏‎2‎<br />

- 5 األنفال،‏ اآلية:‏ 27


وينبغي أال يغيب عن الذهان ما قررانه يف أوائل الكالم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين من أن أسباب فشل املسلمني هي أسبا<br />

1<br />

ذاتية داخلية يف املقام األول،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِ‏ ‏َك{‏ ، ولقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِنْ‏<br />

2<br />

مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْدِيكُمْ{‏ ، وأنه ال أمل يف الإصالح العام إال بعد الإصالح والتغيري الذاِت الداخلي لقوله تعاَل:‏<br />

3<br />

‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ .<br />

وبناء على هذا نقول:‏ إن تسلط العدو على املسلمني وإذالَلَه هلم<br />

هو بسبب تفرقهم<br />

واختالفهم،‏ كما يف حديث<br />

ثوابن مرفوعا أن هللا تعاَل قال لنبيه صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَأَنْ‏ ال أُسَلِّطَ‏ عَلَيْهِمْ‏ عَدُواا مِنْ‏ سِ‏ وَى أَنْفُسِ‏ هِمْ‏ فَيَسْتَبِي ‏ُح<br />

ب ‏َيْضَتَهُمْ‏ وَلَوِ‏ اجْتَمَعَ‏ عَلَيْهِمْ‏ مَنْ‏ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ ي ‏ُهْلِكُ‏ ب ‏َعْضًا«‏ احلديث ، وال يتم اخلالص من هذا الوضع<br />

4<br />

املهني إال بعالج سببه،‏ وذلك ابجتماع املسلمني.‏ والتفرق كما أنه سبب لتسلط العدو فهو نفسه نشأ ألسباب أخرى<br />

جيب عالجها،‏ ومنها التهاون أبحكام الدين وإغفال العمل ببعضها،‏ هلا ينذي إىل اإلختالف والتفرق كعقوبة<br />

قدرية،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ‏ وا بِهِ‏ قَأَغْرَ‏ يْنَا بَيْنَهُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةَ‏ وَ‏ الْبَغْضَاءَ{‏ ، 5 وقال تعاَل:‏ ‏}قَتَقََِّعُوا أَمْرَ‏ هُمْ‏<br />

6<br />

بَيْنَهُمْ‏ زُ‏ ً بُرا كُلُّ‏ حِ‏ زْ‏ بٍ‏ بِمَا لَدَيْهِمْ‏ قَرِ‏ حُو ‏َن{‏ ، وعالج هذا يكون ابالعتصام ابلكتاب والسنة وقد ذكرت أصوله من<br />

قبل هبذا يؤلف هللا تعاَل بني القلوب،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَيَّدَكَ‏ بِنَصْرِ‏ هِ‏ وَ‏ بِالْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن وَ‏ أَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ لَ‏ ‏ْو<br />

7<br />

أَنفَقْتَ‏ مَا قِي األْ‏ ‏َرْ‏ ضِ‏ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ أَلَّفَ‏ بَيْنَهُمْ‏ إِنَّهُ‏ عَزِ‏ يزٌ‏ حَكِي ‏ٌم{‏ .<br />

هبذا وحده تتكون شوكة الإسالم كثمرة للمواالة الإميانية.‏<br />

‏)فقرة 18( والحرب خدعة.‏<br />

اتفق الناس مجيعا مؤمنهم وكافرهم على أصلني من أصول احلرب،‏ ومها السرية واخلداع على تباين يف الفهم،‏ فاخلداع يف<br />

احلرب ال جيوز <strong>في</strong>ه الغدر ونقض العهود عند املؤمنني ‏ِبالف الكافرين.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»احلرب خُدعة«‏ 9 ‏،وهذا من أساليب حصر املبتدأ ‏»احلرب«‏ يف اخلرب ‏»خدعة«‏<br />

أي أن أساس احلرب وأهم<br />

أركاهنا اخلداع،‏ كقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»احلج عرفة«‏ أي أهم ما يف احلج،‏ مع أن<br />

هناك أركان أخرى للحج،‏ وكقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»الدين النصيحة«.‏<br />

63<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

78<br />

31<br />

11<br />

- 4 رواه مسلم.‏<br />

- 5 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة املءمنون،‏ اآلية:‏<br />

53<br />

14<br />

- 7 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

62<br />

- 9 متفق عليه.‏<br />

339


قال النووي:‏ ‏]اتفق العلماء على جواز خِ‏ داع الكفار يف احلرب،‏ وكيف أمكن اخلداع،‏ إال أن يكون <strong>في</strong>ه نقض عهد أو<br />

أمان فال حيل[‏ . 1<br />

وقال ابن حجر:‏ ‏]وأصل اخلداع إظهار أمر وإضمار خالفه.‏ و<strong>في</strong>ه التحذير على أخذ احلذر يف احلرب،‏ والندب إَل<br />

خداع الكفار،‏ وأن من مل يتيقظ لذلك مل ‏َيمن أن ينعكس عليه،‏ قال النووي:‏ واتفقوا على جواز خداع الكفار كيفما<br />

أمكن،‏ إال أن يكون <strong>في</strong>ه نقض عهد أو أمان فال<br />

جيوز،‏ قال ابن العريب،‏ اخلداع يف احلرب يقع ابلتعريض وابلكمني<br />

وحنو ذلك.‏ ويف احلديث إشارة إَل استعمال الرأي يف احلرب:‏ بل حيتاج إليه آكد من الشجاعة وهلذا وقع الإقتصار<br />

على ما يشري إليه هذا احلديث،‏ وهو كقوله:‏<br />

‏»احلج عرفة«‏<br />

قال ابن املنري:‏ معىن احلرب خدعة أي احلرب<br />

اجليدة<br />

لصاحبها الكاملة يف مقصودها إَّنا هي املخادعة ال املواجهة،‏ وذلك خلطر املواجهة وحصول الظفر مع املخادعة بغري<br />

2<br />

خطر[‏ .<br />

3<br />

قلت:‏ ويف احلديث وجوب أخذ احلذر يف احلرب فعدوك يريد أن خيدعك كما تريد ، وقال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا<br />

5<br />

4<br />

خُذُوا حِ‏ ذْرَ‏ كُمْ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ خُذُوا حِ‏ ذْرَ‏ كُ‏ ‏ْم{‏ ، وإذا كان هذا هو حال الدول واجليوش مع بعضها البعض<br />

فكيف ابملسلمني يف ضعفهم وقلتهم؟،‏ الشك أهنم أحوج ما يكونون إَل استخدام اخلداع واحليلة واالبتكار يف مواجهة<br />

أعدائهم.‏<br />

واخلداع له صور فنية يعرفها املختصون كالإخفاء والتمويه واحليل احلربية والتوقيت وغري ذلك،‏ ولن نتعرض هلذه األمور<br />

هنا،‏ فهذه الرسالة يف األمور الشرعية ال الفنية،‏ ولكنا هنا نتعرض لبعض األمور الشرعية املتعلقة ابخلداع،‏ هذه األمور<br />

هي الكذب واالغتيال ‏ُث نتكلم عن السرية وبينها وبني اخلداع عموم وخصوص.‏<br />

أوال:‏ الكذب على األعداء:‏<br />

ومل أقل الكذب يف احلرب ألنه جيوز الكذب على العدو يف احلرب ويف غري احلرب،‏ كما سأدلل عليه إن شاء هللا<br />

تعاَل:‏<br />

أما يف ا ر أ =<br />

، ف<strong>في</strong>ه حديث أم كلثوم بنت عقبة قال:‏ ‏)مل أمسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرخ<br />

من الكذب مما تقول الناس إال يف احلرب والإصالح بني الناس وحديث الرجل امرأته وحديث املرأة زوجها(‏ . 6<br />

يف شيء<br />

- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

341<br />

.45 / 12<br />

- 2 فتح الباري .159 / 6<br />

- 3 نيل األوطار:‏ 57 / 9<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

71<br />

112<br />

- 6 رواه أمحد ومسلم وأبو داود،‏ وروى الرتمذي مثله عن أمساء بنت يزيد.‏


قال النووي:‏ ‏]صح يف احلديث جواز الكذب يف ثالثة أشياء أحدها يف احلرب،‏ قال الطربي إَّنا جيوز من الكذب يف<br />

احلرب املعاريض دون حقيقة الكذب فإنه ال حيل،‏ هذا كالمه،‏ والظاهر إابحة حقيقة نفس الكذب لكن الإقتصار<br />

1<br />

على التعريض أفضل وهللا أعلم[‏ .<br />

وقال ابن حجر:‏ ‏]قال النووي:‏ الظاهر إابحة حقيقة الكذب يف األمور الثالثة،‏ لكن التعريض أوَل.‏ وقال ابن العريب:‏<br />

الكذب يف احلرب من املستثىن اجلائز ابلن<br />

2<br />

الكذب ابلعقل ما انقلب حالال.‏ انتهى[‏ .<br />

ب =<br />

<br />

وأما الكل على العدو يف غري حالة ا ر<br />

للمؤمن أو ختََلُّ‏ من أذى الكافرين ودليله:‏<br />

رِفْقا ابملسلمني حلاجتهم إليه وليس للعقل <strong>في</strong>ه جمال،‏ ولو كان حترمي<br />

<strong>في</strong>جوز ألسباب منها ما <strong>في</strong>ه مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية<br />

قص ة إب راهيم ، ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : ‏»مل يك ذب إب راهيم إال ث الث ك ذابت:‏ ثنت ني م نهن يف<br />

ذات هللا : قوله ‏}إِن ‏ِي سَقِيمٌ{‏ ، 3 وقوله ‏}بَلْ‏ قَعَلَهُ‏ كَبِيرُ‏ هُمْ‏ هَذَا{‏ ، 4 وقال:‏ ب ‏َيْنا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار<br />

م ن اجلب ابرة فقي ل ل ه:‏ إن ه ا هن ا رج ال مع ه ام رأة م ن أحس ن الن اس،‏ فأرس ل إلي ه فس أله عنه ا فق ال:‏ م ن ه ذه؟ ق ال:‏<br />

أخيت.‏ فأتى سارة قال:‏ اي سارة ليس على وجه األرض مؤمن غريي وغريك،‏ وإن ه ذا س ألين عن ك فأخربت ه أن ك أخ يت،‏<br />

فال تكذبيين«‏ . 5 قال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]وإال فالكذب احملض يف مثل تلك املقامات جيوز،‏ وقد جيب لتحمل أخف<br />

الض ررين دفع ا ألعظمهم ا،‏ وأم ا تس مية إايه ا ك ذابت ف ال يري د أهن ا تُ‏ ذَم،‏ ف إن الك ذب وإن ك ان قبيح ا خم ال لكن ه ق د<br />

حيس ن يف مواض ع وه ذا منه ا.‏ قول ه:‏ ‏»ثنت ني يف ذات هللا«‏ خص ما ب ذلك ألن قص ة س ارة وإن كان ت أيض ا يف ذات هللا<br />

لك ن تض منت حظ ا لنفس ه ونفع ا ل ه ‏ِب الف الثنت ني األخ رتني فإهنم ا يف ذات هللا حمض ا،‏ وق د وق ع يف رواي ة هش ام ب ن<br />

حسان املذكورة ‏»إن إبراهيم مل يكذب قط إال ثالث كذابت كل ذلك يف ذات هللا«‏ ويف حديث اب ن عب اس عن د أمح د<br />

‏»وهللا إنْ‏ جادل هبن إال عن دين هللا«[‏ . 6<br />

<br />

قلت:‏ فهذا الكذب منه ما <strong>في</strong>ه مصلحة دينية ومنه ما <strong>في</strong>ه فرار من أذى الكافرين.‏<br />

<br />

وقصة أصحاب األخدود،‏ وقد ورد ما رواه مسلم عن صهيب أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»كَانَ‏<br />

مَلِكٌ‏ فِيمَنْ‏ كَانَ‏ قَبْلَكُمْ،‏ وَكَانَ‏ لَهُ‏ سَاحِ‏ رٌ،‏ فَلَما كَربَِ‏ قَالَ‏ لِلْمَلِكِ‏ : ِ إِينّ‏ قَدْ‏ كَربِْتُ‏ فَابْعَثْ‏ إِيلَم غُالمًا أُعَلِّمْهُ‏ السِّ‏ حْرَ،‏ فَبَعَ‏ ‏َث<br />

إِلَيْهِ‏ غُالمًا ي ‏ُعَلِّمُهُ‏ وَكَانَ‏ يفِ‏ طَرِيقِهِ‏ إِذَا سَلَكَ‏ رَاهِبٌ‏ ، فَقَعَدَ‏ إِلَيْهِ‏ وَمسَِعَ‏ كَالمَهُ‏ فَأَعْجَبَهُ،‏ وَكَا ‏َن إِذَا أَتَى السماحِ‏ رَ‏ مَرم ابِلرم اهِ‏ ‏ِب<br />

- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

340<br />

.45 / 12<br />

- 2 فتح الباري .158 / 6<br />

98<br />

63<br />

- 3 سورة الصافات،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

- 5 احلديث رواه البخاري عن أيب هريرة:‏ 3359<br />

- 6 فتح الباري .382 / 6


ُ<br />

فَقُل حَبَسَينِ‏ أَهْلِي،‏ وَإِذَا<br />

وَقَعَدَ‏ إِلَيْهِ،‏ فَإِذَا أَتَى السماحِ‏ رَ‏ ضَرَبَهُ،‏ فَشَكَا ذَلِكَ‏ إَِلَ‏ الرماهِبِ‏ فَقَالَ‏ : إِذَا خَشِ‏ يتَ‏ السماحِ‏ رَ‏ ْ<br />

خَشِ‏ يتَ‏ أَهْلَكَ‏ فَقُلْ:‏ حَبَسَينِ‏ السماحِ‏ ر«‏ احلديث.‏<br />

قال النووي يف شرحه:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه جواز الكذب يف احلرب وحنوها ويف إنقاذ النفس وغريها من اهلالك سواء نفسه أو نفس<br />

1<br />

غريه ممن له حرمة[‏ ، قلت:‏ وهذه مل تكن حالة حرب ولكن النووي أظنه يشري إَل أنه إذا جاز الكذب على الكافر<br />

يف غري احلرب ف<strong>في</strong> احلرب أوَل.‏ واحلديث السابق وحديث إبراهيم <strong>في</strong>هما جواز الكذب للنجاة من بطش الكافرين.‏<br />

وقال النووي يف موضع آخر:‏ ‏]قالوا وال خالف أنه لو قَصَدَ‏ ظَاملٌِ‏ قَتْلَ‏ رجلٍ‏ هو عنده خمُْتَفٍ‏ وجب عليه الكذب يف أنه<br />

2<br />

ال يعلم أين هو[‏ .<br />

<br />

<br />

وجيوز الكذب على الكافر ألجل املصلحة الدنيوية،‏ و<strong>في</strong>ه قصة احلجاج بن عِالَط أشار إليها ابن حجر يف ‏)ابب<br />

الكذب يف احلرب(‏ قال:‏ ‏]ويقويه ما أخرجه أمحد وابن حبان من حديث أنس يف قصة احلجاج بن عِالط الذي<br />

أخرجه النسائي وصححه احلاكم يف استئذانه النيب صلى هللا عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء ملصلحته يف استخالص<br />

ماله من أهل مكة وأذن له النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ وإخباره ألهل مكة أن أهل خيرب هزموا املسلمني وغري ذلك مما<br />

هو مشهور <strong>في</strong>ه،‏ إَل أن قال قصة احلجاج بن عِالط أيضا مل تكن يف حالة احلرب[‏ ، 3 وقد أورد ابن كثري قصة<br />

احلجاج هذا مطولة يف البداية والنهاية )4 215(. /<br />

ثانيا:‏ جواز اغتيال الكافر المحارب<br />

احملارب أي الذي ال عهد له،‏ وقد وردت السنة بذلك مع من اشتد إيذاؤهم هلل ولرسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ ووردت<br />

الإشارة إَل ذلك يف قوله تعاَل:‏ ‏}قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ حَيْثُ‏ وَ‏ جَدْتُمُوهُمْ‏ وَ‏ خُذُوهُمْ‏ وَ‏ ا ‏ْحصُرُ‏ وهُمْ‏ وَ‏ اقْعُدُوا لَهُمْ‏ كُ‏ ‏َّل<br />

4<br />

مَرْ‏ صَدٍ{‏ ، قال القرطيب:‏ ‏]}وَ‏ اقْعُدُوا لَهُمْ‏ كُلَّ‏ مَرْ‏ صَدٍ{‏ أي اقعدوا هلم يف موضع الغرة حيث يُرصدون،‏ وهلا دليل<br />

على جواز اغتياهلم قبل الدعوة[‏ أ ه ، قلت:‏ قول القرطيب ‏“قبل الدعوة”‏ أي ملن بلغته الدعوة من قبل،‏ وهذه اآلية<br />

‏}وَ‏ اقْعُدُوا لَهُمْ‏ كُلَّ‏ مَرْ‏ صَ‏ ‏ٍد{‏ <strong>في</strong>ها دليل على مشروعية الرصد واالستطالع والتجسس على العدو.‏<br />

أما السنة فقد أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقتل كعب بن األشرف وأيب رافع بن أيب احلُقَيْق،‏ ومها من اليهود.‏<br />

أما كعب فكان حيرني املشركني على املسلمني<br />

وكان يهجو النيب صلى هللا عليه وسلم بشعره وتشبب ‏)تغزل(‏<br />

بنساء املسلمني،‏ وقد روى قصة اغتياله البخاري ومسلم،‏ فرواه البخاري عن جابر،‏ ‏»قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم : مَنْ‏ لكعب بن األشرف؟ فإنه أذى هللا ورسوله.‏ فقام حممد بن سلمة فقال:‏ اي رسول هللا،‏ أحتب أن أقتله؟<br />

- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

342<br />

131 / 19<br />

.159 / 16<br />

- 3 فتح الباري 158 / 6<br />

- 4 سورة<br />

5 التوبة،‏ اآلية:‏


قال:‏ نعم قال:‏ فأذن يل أن أقول شيئا.‏ قال:‏ قل.‏ فأاته حممد بن سلمة«‏ . 1 ويف احلديث أن حممدا بن سلمة ومن معه<br />

أومهوا كعبا بضيقهم ابلنيب صلى هللا عليه وسلم واحتالوا عليه حىت قتلوه،‏ وكان يف حصن منيع.‏<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]ويف مرسل عكرمة<br />

‏»فأصحبت يهود مذعورين،‏ فأتوا النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم<br />

فقالوا قتل سيدان<br />

غيلة،‏ فذكرهم النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعه وما كان حيرض عليه ويؤذي املسلمني«‏ زاد سعد ‏»فخافوا فلم ينطقوا«‏<br />

إَل أن قال ابن حجر و<strong>في</strong>ه جواز قتل املشرك بغري دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته.‏ و<strong>في</strong>ه جواز الكالم الذي<br />

2<br />

حيتاج إليه يف احلرب ولو مل يقصد قائله إَل حقيقته[‏ . وقد أخرج البخاري هذا احلديث يف كتاب اجلهاد ‏)ابب<br />

الكذب يف احلرب(‏ و)ابب الفَتْك أبهل احلرب(.‏<br />

قلت:‏ فمن وَصَفَ‏ اغتيال الكافرين احملاربني هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم أبنه غدر وحنو ذلك أو أن الإسالم حيرم<br />

ذلك فهو ضال مكل ابلكتا والسنة،‏ وقد قال النووي:‏ ‏]قال القاضي عياض وال حيل ألحد أن يقول إن قتله<br />

كان غدرا،‏ وقد قال ذلك إنسان يف جملس علي بن أيب طالب<br />

<br />

<br />

3<br />

فأمر به فضرب عنقه[‏ . وهذه القصة األخرية أشار<br />

4<br />

إليها القرطيب يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ‏ الْكُفْ‏ ‏ِر{‏ ، وأوردها ابن تيمية يف كتابه ‏)الصارم املسلول على شامت<br />

الرسول(.‏ وذكر قصة وقعت بني معاوية وبني حممد بن مسلمة رضي هللا عنهما.‏<br />

وأما ابن أيب ا ‏ُق يْق فهو يهودي من خيرب،‏ وهو اتجر احلجاز،‏ كان قد ذهب إَل مكة وأَغْرى قريشا ابلنيب صلى<br />

هللا عليه وسلم حىت حزبوا األحزاب،‏ وكانت غزوة األحزاب هو موقد انرها.‏ روى البخاري عن الرباء بن عارب قال:‏<br />

‏»بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل أيب رافع اليهودي رجاالً‏ من األنصار،‏ فأَمر عليهم عبد هللا بن عتيك،‏ وكان<br />

أبو رافع يؤذي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويعني عليه،‏ وكان يف حصن له أبرض احلجار«‏ ، 5 ورَوَى عنه أيضا<br />

قال:‏ ‏»بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رهطا إَل أيب رافع،‏ فدخل عليه عبد هللا بن عتيك بيته ليال وهو انئم<br />

فقتله«‏ . 6 وقد احتال ابن عتيك بشىت احليل حىت قتله،‏ فاحتال حىت دخل احلصن ‏ُث أغلق أبواب بيوت اليهود من<br />

خارجها،‏ ‏ُث سار إَل أيب رافع ال يدخل اباب إال أغلقه من داخله،‏ وغري صَوْتَه حىت ال يٌعرف.‏ قال ابن حجر:‏ ‏]ويف<br />

هذا احلديث من الفوائد:‏ جواز اغتيال املشرك اللي بلغته الدعوة وأصر،‏ وقَتْل من أعان على رسول هللا صلى هللا<br />

343<br />

- 1 احلديث:‏ 4137<br />

- 2 فتح الباري 341 / 7<br />

- 3 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

- 4 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

161/ 12<br />

12<br />

- 5 احلديث:‏ 4138<br />

- 6 احلديث:‏ 4139


عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه وجواز التجسيس على أهل احلرب وتطلب غرهتم،‏ واألخذ ابلشدة يف حماربة<br />

املشركني،‏ وجواز إهبام القول للمصلحة،‏ وتعرني القليل من املسلمني للكَري من املشركني[‏ . 1<br />

ويف هذه املسألة يقول الشيخ عبد الرمحن الدوسري رمحه هللا،‏ عند ذكره ملراتب العبودية يف تفسريه لقول هللا تعاَل:‏<br />

‏}إِيَّاكَ‏ نَعْبُدُ‏ وَ‏ إِيَّاكَ‏ نَسْتَعِي ‏ُن{‏ ، 2 قال:‏ ‏]ُث إن <strong>إعداد</strong> القوة حسب املستطاع من واجبات الدين ولوازم إقامته،‏<br />

فالعابد الصحيح هلل ال ي ‏َعْتَوِرُه التسويف يف هذا فضال عن تركه أو التساهل <strong>في</strong>ه،‏ وأيضا فالعابد هلل املصمم على اجلهاد<br />

يف ذاته يكون منفلا للغيلة يف أئمة الكفر من دعاة اإل اد واإلابحية وكل طاعن يف وحي هللا أو مسخر قلمه أو<br />

دعايته ضد الدين احلنيف ألن هذا مؤذٍ‏ هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ ال جيوز للمسلمني يف بقاع األرض من<br />

خصوص وعموم أن يَدَعوه على قيد احلياة،‏ ألنه أضر من ابن احلقيق وغريه ممن ندب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

إَل اغتياهلم فرتك اغتال ورثتهم يف هذا الزمان تعطيل لوصية املصطفى صلى هللا عليه وسلم وإخالل فظيع بعبودية هللا<br />

ومساح صارخ شنيع للمعاول اهلدامة يف دين هللا،‏ وال يفسر صدوره إال من عدم الغرية لدين هللا والغضب لوجهه<br />

الكرمي،‏ وذلك نق عظيم يف حب هللا ورسوله وتعظيمهما،‏ ال يصدر من حمقق لعبودية هللا مبعناها الصحيح<br />

املطلوب[أ ه . 3<br />

<br />

قلت:‏ وهنا تربز مسألة،‏ وهي إذا مل ميكن قتل الكافر إال بقتل من معه من النساء والولدان،‏ هل جيوز أم ال؟ اجلواب:‏<br />

جيوز قتلهم وإن مل يقاتلوا أو يعينوا،‏ وذلك إذا مل ميكن قتل الكافر إال بللك،‏ وعلى أال يتعمد قتلهم،‏ واملسألة <strong>في</strong>ها<br />

حديثان:‏<br />

حديث ابن عمر قال:‏ ‏»وُجِ‏ دَتِ‏ امْرَأَةٌ‏ مَقْتُولَةً‏ يفِ‏ ب ‏َعْضِ‏ تلك مَغَازِي،‏ فَنَهَى رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم عَنْ‏<br />

قَتْلِ‏ النِّسَاءِ‏ وَالصِّبْيَانِ«‏ ويف رواية ‏)فأنكر(‏ بدل ‏)فنهى(‏ . 4<br />

وحديث الصمعب بن جَثمامة قال:‏ ‏»سُئِلَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم عَنِ‏ الذمرَارِيِّ‏ مِنَ‏ الْمُشْرِكِنيَ‏ ي ‏ُبَيمتُوَن<br />

فَيُصِيبُونَ‏ مِنْ‏ نِسَائِهِمْ‏ وَذَرَارِيِّهِمْ‏ فد ق ال:‏ هُمْ‏ مِندْهُمْ«‏ ، 5 ويف رواية:‏ ‏»أَنم النميبِ‏ م صلى هللا عليه وسلم قِيلَ‏ لَهُ‏ لَوْ‏ أَنم خَيْالً‏<br />

أَغَارَتْ‏ مِنَ‏ اللميْلِ‏ فَأَصَابَتْ‏ مِنْ‏ أَبْنَاءِ‏ الْمُشْرِكِنيَ‏ قَالَ‏ هُمْ‏ مِنْ‏ آابَئِهِ‏ ‏ْم«‏ . 6<br />

قال النووي:‏ ‏]هم من آابئهم أي ال أبس بذلك ألن أحكام آابئهم جارية عليهم يف املرياث ويف النكاح ويف القصاص<br />

والدايت وغري ذلك واملراد إذا مل ي ‏ُتَعمدوا من غري ضرورة.‏ وأما احلديث السابق يف النهي عن قتل النساء والصبيان<br />

- 1 فتح الباري 345 / 7 وأخرجه البخاري يف كتاب اجلهاد ‏)ابب قتل النائم املشرك(‏<br />

- 2 سورة الفاحتة،‏ اآلية:‏<br />

344<br />

5<br />

- 3 من صفوة اآلَثر واملفاهيم من تفسري القرآن العظيم للشيخ عبد الرمحن الدوسري ط دار األرقم ‎1411‎ه ج 1 ص 269.<br />

- 4 متفق عليهما.‏<br />

- 5 متفق عليه.‏<br />

- 6 رواه مسلم


فاملراد به إذا متيزوا وهذا احلديث الذي ذكرانه من جواز ب ‏َيَاهتم وقتل النساء والصبيان يف البَيَات هو مذهبنا ومذهب<br />

مالك وأيب حنيفة واجلمهور،‏ ومعىن البيات ويبيتون أن ي ‏ُغَار عليهم ابلليل حبيث ال ي ‏ُعْرَف الرجل من املرأة والصيب،‏ وأما<br />

الذراري فبتشديد الياء وخت<strong>في</strong>فها لغتان التشديد أفصح واملراد ابلذراري هنا النساء والصبيان.‏ ويف هذا احلديث دليل<br />

جلواز البيات وجواز اإلغارة على من بلغتهم الدعوة من غري إعالمهم بللك<br />

الدنيا حكم آابئهم،‏ وأما يف اآلخرة ف<strong>في</strong>هم إذا ماتوا قبل البلوغ ثالثة مذاهب[‏ . 1<br />

و<strong>في</strong>ه أن أوالد الكفار حكمهم يف<br />

وقال ابن قدامة:‏ ‏]وجيوز تَبْيِيت الكفار وهو كَبْسُهم ليال وقتلهم وهم غارون.‏ قال أمحد ال أبس ابلبيات وهل غزو الروم<br />

إال ابلبيات؟ وقال وال نعلم أحداً‏ كَرِه ب ‏َيَات العدو وقرأ عليه س<strong>في</strong>ان عن الزهري عن عبد هللا عن ابن عباس عن<br />

الصّعب بن جثّامة قال مسعت رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم يُسئل عن الداير من املشركني نبيتهم فنصيب من<br />

نسائهم وذراريهم فقال:‏ ‏»هُمْ‏ مِنْهُمْ«‏ فقال إسناد جيد،‏ فإن قيل فقد هنى النيب صلى هللا عليه وسلم عن قتل النساء<br />

والذرية قلنا هذا حممول على التعمد لقتلهم،‏ قال أمحد أما أن يتعمد قتلهم فال.‏ قال وحديث الصعب بعد هنيه عن<br />

قتل النساء آلن هنيه عن قتل النساء حني بعث إَل ابن أيب احلقيق،‏ وعلى أن اجلمع بينهما ممكن:‏ حيُْم ل النهي على<br />

التعمد،‏ واإلابحة على ماعداه[‏ . 2<br />

قلت:‏ وقد أشار ابن حجر يف شرحه حلديث الصمعب إَل احتمال نسخه لزايدة وردت <strong>في</strong>ه مُدْرجة من قول الزهري،‏ يف<br />

سنن أيب داود،‏ فإنه قال يف آخره:‏ ‏)قال س<strong>في</strong>ان قال الزهري ‏ُث هنى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد ذلك عن قتل<br />

النساء والصبيان(‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]وكأن الزهري أشار بذلك إَل نسخ حديث الصعب[‏ على أن الرواية اختلفت يف<br />

اتريخ هذا النهي فقيل ملا بعث إَل ابن أيب احلقيق،‏ رواه أبو داود،‏ وقبل يوم حنني رواه ابن حبان . 3<br />

وقد أورد أبو بكر احلازمي هذين احلديثني وقال ذهبت طائفة إَل أن األول انسخ للثاين وطائفة إَل عكس ذلك<br />

وطائفة إَل اجلمع بينهما،‏ ‏ُث أورد قول الشافعي مبا يؤيد اجلمع ‏]قال الشافعي حديث الصّعب كان يف آخر عُمرة<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فإن كان يف عمرته األوَل فقد قتل ابن أيب احلقيق من غري شك وهللا أعلم،‏ قال الشافعي<br />

رمحه هللا ومل نعلمه رَخم يف قتل النساء والولدان ‏ُث هنى عنه،‏ ومعىن هنيه عندان وهللا أعلم عن قتل النساء والولدان أن<br />

يقصدهم بقتل وهم يُعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم،‏ ومعىن قوله ‏“منهم”‏ أهنم جيمعون خصلتني أن ليس هلم حكم<br />

الإميان الذي مينع به الدم،‏ وال حكم دار الإميان الذي مينع به الغرة على الدار،‏ ولذا أابح النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

البَيَات والغارة على الدار وأغار على بين املصطلق غارين،‏ والعلم حييط أن البيات والغارة إذا حَالم إبحالل رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم مل ميُْنع أحد ب ‏َيمت أو أغَارَ‏ من أن يُصيب النساء والولدان <strong>في</strong>سقط املأُث <strong>في</strong>هم والكفارة والعقل<br />

والقود عمن أصاهبم إذا أبيح أن ي ‏ُبَيِّت وي ‏ُغَريِّ‏ ، وليست هلم حرمة الإسالم،‏ وال يكون له قَتْلَهم عامدا هلم متميزين عارفا<br />

- 1 صحيح مسلم بشرح الننوي 51<br />

49 / 12<br />

- 2 املغين والشرح الكبري 513 / 11<br />

- 3 فتح الباري 147 / 6<br />

345


هبم،‏ وإَّنا هنى عن قتل الولدان ألهنم مل يبلغوا كفرا <strong>في</strong>عملوا به <strong>في</strong>قتلوا به،‏ وعن قتل النساء ألنه ال معىن <strong>في</strong>هن لقتال<br />

وأهنن والولدان مُتَخَوملون <strong>في</strong>كونون قوة ألهل دين هللا عز وجل[أ ه . 1<br />

قلت:‏ خالصة قول الشافعي وهو ما ذكره النووي من قبل أنه ال إُث يف قتل الذراري إذا مل يتميزوا عمن يُراد قتله من<br />

الكافرين،‏ على أال يتعمد قتلهم.‏ وهللا تعاَل أعلم.‏<br />

أ =<br />

ثالثا:‏ السرية <strong>في</strong> اإلسالم:‏<br />

قد تتعلق السرية يف الإسالم ابلدعوة ككل أو ابلفرد أو ابألعمال العسكرية،‏ ولكل من هذه الوجوه دليله.‏<br />

سرية الدعوة:‏ األصل يف دعوة الإسالم اجلهر والعلن وذلك ألهنما دعوة لعموم اخللق،‏ ولقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا<br />

2<br />

الرَّ‏ سُولُ‏ بَلِغْ‏ مَا أُنزِ‏ لَ‏ إِلَيْكَ‏ مِنْ‏ رَ‏ ب ‏ِكَ‏ وَ‏ إِنْ‏ لَمْ‏ تَفْعَلْ‏ قَمَا بَلَّغْتَ‏ رِ‏ سَالَتَهُ{‏ ، ومع ذلك فقد ظل النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم خمُْفِيا دعوته حىت أذن هللا له.‏<br />

3<br />

فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما:‏ ‏)يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَجْهَرْ‏ بِصَالَ‏ تِكَ‏ وَ‏ ال تُخَاقِتْ‏ بِهَا{‏ ، قال:‏<br />

5<br />

4<br />

نزلت ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم خمُْتَف مبكة(‏ ، قال ابن حجر:‏ ‏]خمتف مبكة:‏ يعين أول الإسالم[‏ .<br />

6<br />

ويف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}قَاصْدَعْ‏ بِمَا تُؤْ‏ مَرُ‏ وَ‏ أَعْرِ‏ ضْ‏ عَنْ‏ الْمُشْرِ‏ كِي ‏َن{‏ ، قال ابن كثري:‏ ‏]وقال أبو عبيدة عن عبد<br />

7<br />

هللا بن مسعود:‏ مازال النيب صلى هللا عليه وسلم مستخ<strong>في</strong>ا حىت نزلت ‏}قَاصْدَعْ‏ بِمَا تُؤْ‏ مَ‏ ‏ُر{‏ .<br />

ب =<br />

<br />

<br />

استسرار األفراد إبمياهنم ‏)كتمان الإميان(‏ ودليله:‏<br />

قوله تعاَل:‏ {<br />

‏َوقَالَ‏ رَ‏ جُلٌ‏ مُؤْ‏ مِنٌ‏ مِنْ‏ آلِ‏ قِرْ‏ عَوْ‏ نَ‏ يَكْتُمُ‏ إِيمَانَهُ{‏ . 9<br />

وقال تعاَل يف أصحاب الكهف ‏}قَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ‏ بِوَ‏ رِ‏ قِكُمْ‏ هَذِهِ‏ إِلَى الْمَدِينَةِ‏ قَلْيَنظُرْ‏ أَيُّهَا أَزْ‏ كَى ‏َِعَام ‏ًا قَلْيَأْتِكُ‏ ‏ْم<br />

بِرِ‏ زْ‏ قٍ‏ مِنْهُ‏ وَ‏ لْيَتَلََِّفْ‏ وَ‏ ال يُشْعِرَ‏ نَّ‏ بِكُمْ‏ أَحَد ‏ًا إِنَّهُمْ‏ إِنْ‏ يَظْهَرُ‏ وا عَلَيْكُمْ‏ يَرْ‏ جُمُوكُمْ‏ أَوْ‏ يُعِيدُوكُمْ‏ قِي مِلَّتِهِمْ‏ وَ‏ لَنْ‏ تُفْلِحُوا إِذًا<br />

أَبَد ‏ًا{‏ ، 8 فالسرية يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يُشْعِرَ‏ نَّ‏ بِكُمْ‏ أَحَد ‏ًا{.‏<br />

- 1 الإعتبار يف الناسخ واملنسوخ للحازمي ط مطبعة األندلس حبم<br />

‎1396‎ه ص<br />

215<br />

- 2 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

67<br />

111<br />

- 4 حديث:‏ 4722<br />

- 5 فتح الباري:‏ 415 / 9<br />

- 6 سورة احلجر،‏ اآلية:‏<br />

- 7 تفسري سورة احلجر.‏<br />

- 9 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

84<br />

29<br />

- 8 سورة الكهف،‏ اآليتان:‏<br />

21 18<br />

346


وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال للمقداد<br />

مع قوم كفار فأظهر إميانه فقتلته،‏ فكذلك كنت أنت خت<strong>في</strong> إميانك مبكة من قبل«‏ . 1<br />

‏»إذا كان رجل ممن خي<strong>في</strong> إميانه<br />

<br />

ويف قصة إسالم أيب ذر الغفاري<br />

<br />

أنه دخل على النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ ‏)اعرض علي الإسالم،‏ فعرضه،‏<br />

فأسلمت مكاين،‏ فقال يل:‏ اي أاب ذر،‏ اكتم هلا األمر،‏ وارجع إَل بلدك،‏ فإذا بلغك ظهوران فأَقْبِل،‏ فقلت:‏ والذي<br />

بعثك ابحلق ألصرخن هبا بني أظهرهن[‏ . 2<br />

<br />

وكتم ا جاج بن عِالط السلمي إسالمه عن أهل مكة،‏ واستأذن النيب صلى هللا عليه وسلم يف الكذب عليهم<br />

حىت جيمع أمواله اليت مبكة . 3<br />

<br />

وروى مسلم يف كتا اإلميان ‏)اب<br />

جواز اإلستسرار ابإلميان للخائف(‏ عن حذيفة<br />

<br />

قال:‏ ‏)كنا مع رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ أحصوا يل كم ي ‏َلْفظ الإسالم،‏ قال:‏ فقلنا:‏ اي رسول هللا أختاف علينا وحنن ما بني الستمائة<br />

إَل السبعمائة،‏ قال إنكم ال تدرون لعلكم أن تبتلوا،‏ قال:‏ فابتلينا حىت جعل الرجل منا ال يصلي إال سرا(،‏ ورواه<br />

البخاري و<strong>في</strong>ه ‏)فلقد رأيتنا ابتلينا حىت إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف(‏ ، 4 قال النووي:‏ ‏]وأما قوله ابتلينا فجعل<br />

الرجل ال يصلي إال سرا،‏ فلعله كان يف بعض الفنت اليت جرت[‏ . 5<br />

قلت:‏ وكما ترى أن إخفاء الإميان ‏)وهو ما نعرب عنه ابلسرية(‏ جائز وشروع خاصة حال اخلوف من إيذاء الكافرين،‏<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]فمن كان من املؤمنني أبرض هو <strong>في</strong>ها مستضعف أو يف وقت هو <strong>في</strong>ه<br />

مستضعف فليعمل ‏ِبية الصرب والصفح والعفو عمن يؤذي هللا ورسوله من الذين أوتوا الكتاب واملشركني،‏ وأما أهل<br />

القوة فإَّنا يعملون ‏ِبية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون يف الدين وِبية قتال الذين أوتوا الكتاب حىت يعطوا اجلزية عن<br />

6<br />

يد وهم صاغرون[‏ .<br />

ج =<br />

فهي:‏<br />

السرية يف األعمال العسكرية:‏ قلت إن األصل يف الدعوة هو اجلهر واالستثناء هو الإسرار،‏ أما األعمال<br />

العسكرية فعكس ذلك،‏ األصل <strong>في</strong>ها السرية،‏ وكيفما أمكن إخفاء املعلومات واألسرار والتحركات فهو واجب،‏ وهذا<br />

كله هبدف حتقيق عنصر املباغتة ومفاجأة اخلصم،‏ وهو من أهم أسباب النصر.‏ أما أدلة السرية يف األعمال العسكرية<br />

- 1 رواه البخاري تعليقا،‏ حديث 6966<br />

347<br />

- 2 رواه البخاري،‏ حديث 3522<br />

- 3 انظر قصته ابلبداية والنهاية 215 / 4<br />

- 4 حديث 3161<br />

- 5 صحيح مسلم بشرح النووي<br />

178 / 2<br />

- 6 الصارم املسلول ص : 221


ما رواه البخاري عن كعب بن مالك يف قصة ختلفه عن غزوة تبوك قال:‏ ‏)ومل يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

يريد غزوة إال ورى بغريها،‏ حىت كانت تلك الغزوة غزاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف حر شديد واستقبل سفرا<br />

بعيدا ومفازا،‏ وعدوا كثريا،‏ فجَلمى للمسلمني أمورهم ليتأهبوا أهبة غزوهم،‏ فأخربهم بوجهه الذي يريد(‏ . 1 فقوله ‏)ومل<br />

يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يريد<br />

<br />

<br />

غزوة إال ورى غريها(‏ يدل على أن األصل يف األعمال العسكرية أن تكون<br />

سرية.‏ ورواه أبو داود وزاد <strong>في</strong>ه ‏)وكان يقول:‏ احلرب خُدعة(‏ وهذا احلديث <strong>في</strong>ه فائدة <strong>في</strong>ما يتعلق ابلسرية،‏ وهي انه جيوز<br />

لألمري أن خيرج ابجليش للغزو ومعظم اجليش ال يعلم ‏ِبهة الغزو،‏ بدليل قول كعب ‏)فجلى للمسلمني أمرهم ......<br />

فأخربهم بوجهه الذي يريد(‏ وذلك يف غزوة تبوك دون غريها،‏ وقد ذكرت هذه الفائدة حىت ال يقول أحد اجلنود ال<br />

أخرج للغزو حىت أعلم اجلهة.‏ ويف ا حلديث فائدة أخرى،‏ وهي أن إخفاء املعلومات ليس عن العدو فقط بل وعن<br />

الصديق أيضا،‏ واهلدف حصر املعلومات يف أضيق دائرة ومنع تسرهبا ما أمكن فللعدو عيون وقد يتكلم الصديق ويف<br />

احلكمة ‏“سِ‏ رّك من دمك فانظر أين تضعه”.‏<br />

ومن ذلك أيضا بيعة العقبة مع األنصار كانت سرية . 2<br />

ومن ذلك أيضا هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم من مكة إَل املدينة كانت سرية قال تعاَل:‏ ‏}إِال تَنصُرُ‏ وهُ‏ قَقَ‏ ‏ْد<br />

نَصَرَ‏ هُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِذْ‏ أَخْرَ‏ جَهُ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا ثَانِيَ‏ اثْنَيْنِ‏ إِذْ‏ هُمَا قِي الْغَارِ‏ إِذْ‏ يَقُولُ‏ لِصَاحِ‏ بِهِ‏ ال تَحْزَ‏ نْ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مَعَنَا{‏ ، 3 وقال<br />

أبو بكر : ‏)قلت للنيب صلى هللا عليه وسلم وأان يف الغار:‏ لو أن أحدهم نظر حتت قدميه ألبصران،‏ فقال:‏ ما ظنك<br />

اي أاب بكر ابثنني هللا ‏َثلثهما(‏ ، 4 وقال النيب صلى هللا عليه وسلم لسراقة بن مالك حني تَبِعَهم:‏<br />

‏»إخف عنا«‏ . 5<br />

<br />

<br />

<br />

ومن السرية أيضا ما صنع النيب صلى هللا عليه وسلم مع<br />

إال بعد مسريه يومني ‏ُث ينفذ ما ه،‏ وستأِت القصة يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

س رِية عبد هللا بن جحش كتب له كتااب وأمره أال يفتحه<br />

<strong>في</strong><br />

ومن السرية يف األعمال العسكرية التجسس على العدو،‏ وقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم يبعث العيون على<br />

عدوه كما بعث حذيفة إَل معسكر األحزاب،‏ وبعث الزبري طليعة وحده وغري ذلك مما ثبت ابألحاديث الصحيحة.‏<br />

ومن ذلك كتمان نعيم بن مسعود لإسالمه حىت أوقع بني األحزاب وبني قريظة يوم األحزاب ‏]قال ابن إسحاق:‏<br />

إن نعيما بن مسعود أتى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ اي رسول هللا إين قد أسلمت وإن قومي مل يعلموا<br />

348<br />

- 1 احلديث:‏ 4419<br />

- 2 البداية والنهاية 161 / 3<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

41<br />

- 4 رواه البخاري حديث 3653<br />

- 5 رواه البخاري 3816


إبسالمي فمُرْين مبا شئت،‏ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إَّنا أنت <strong>في</strong>نا رجل واحد،‏ فَخَذِّل عنا إن استطعت،‏<br />

فإن احلرب خدعة«[‏ . 1<br />

وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية أنه جيوز بل قد جيب على املسلم التشبه ابملشركني يف اهلَدْي الطاهر كاللباس وحنوه<br />

ملثل هذه املصاحل،‏ قال رمحه هللا:‏ ‏]ومما يوضح ذلك:‏ أن كل ما جاء من التشبه هبم،‏ إَّنا كان يف صدر اهلجرة،‏ ‏ُث نُسِ‏ ‏َخ<br />

ذلك:‏ ألن اليهود إذ ذاك،‏ كانوا ال مييزون عن املسلمني ال يف شعور وال يف لباس،‏ وال بعالمة وال غريها[.‏<br />

‏ُث إنه ثبت بعد ذلك يف الكتاب والسنة والإمجاع،‏ الذي كَمُل ظهوره يف زمن عمر بن اخلطاب ، ما شرعه هللا من<br />

خمالفة الكافرين ومفارقتهم يف الشعار واهلَدْي.‏<br />

وسبب ذلك:‏ أن املخالفة هلم ال تكون إال مع ظهور الدين وعلوه كاجلهاد وإلزامهم ابجلزية والصغار.‏ فلما كان<br />

املسلمون يف أول األمر ضعفاء مل تُشرع املخالفة هلم،‏ فلما كمل الدين وظهر وعال،‏ شُرِع ذلك.‏<br />

ومثل ذلك اليوم:‏ لو أن املسلم بدار حر<br />

، أو<br />

دار كفر غري حر<br />

، مل يكن مأمورا ابملخالفة يف اهلدي الظاهر،‏ ملا<br />

عليه يف ذلك من الضرر،‏ بل قد يستحب للرجل،‏ أو جيب عليه،‏ أن يشاركهم أحياان يف هديهم الظاهر،‏ ملا عليه يف<br />

ذلك من الضرر،‏ إذا كان يف ذلك<br />

مصلحة دينية<br />

املسلمني بذلك،‏ أو دفع ضررهم عن املسلمني،‏ وحنو ذلك من املقاصد الصاحلة.‏<br />

من دعوهتم إَل الدين،‏ والإطالع على ابطن أمورهم،‏ لإخبار<br />

فأما يف دار الإسالم واهلجرة اليت أعز هللا <strong>في</strong>ها دينه،‏ وجعل على الكافرين هبا الصمغار واجلزية ف<strong>في</strong>ها شُرعت املخالفة.‏<br />

2<br />

وإذا ظهر أن املوافقة واملخالفة هلم ختتلف ابختالف الزمان واملكان ظهرت حقيقة األحاديث يف هذا[‏ أه .<br />

قلت:‏ هذا مبا يتعلق ابلسرية يف الإسالم مؤيدا ابألدلة الشرعية،‏ ومنه تعلم خطأ من يقول إن اإلسالم ال يقر العمل<br />

السري،‏ فمما يؤسف له أن بعض من ي ‏َتَصَدون للدعوة الإسالمية ينكرون على غريهم األخذ ابلسرية،‏ وهذا الإنكار<br />

يدل على أن ال<strong>إعداد</strong> للجهاد يف سبيل هللا مل خيطر ببال هؤالء املنكرين،‏ وإال لعلموا معىن السرية.‏ فتأمل هذا.‏ قال<br />

3<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَرَ‏ ادُوا الْخُرُ‏ وجَ‏ ألَعَدُّوا لَهُ‏ عُدَّةً{‏ ، وهذا آخر ما نذكره يف فقرة ‏)احلرب خدعة(.‏<br />

‏)فقرة 19( واإلستشهاد ليس مقصودا لذاته بل إلظهار الدين.‏<br />

وميكن أيضا صياغة هذه الفقرة هكذا ‏)واملقصد األصلي للجهاد هو إظهار الدين ال االستشهاد(.‏<br />

ويف فضل الشهادة ورد:‏<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُمْ‏ بِأَنَّ‏ لَهُمْ‏ الْجَنَّةَ{‏ . 4<br />

349<br />

- 1 البداية والنهاية 111 / 4 وفتح الباري 412 / 7<br />

- 2 اقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية حتقيق د/‏ انصر العقل ط ‎1414‎ه ج 1 ص 419<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

418<br />

.46<br />

- 4 التوبة،‏ اآلية:‏ 111


وعن أيب هريرة<br />

<br />

أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

‏»انتدب هللا ملن خرج يف سبيله ال خيرجه إال إميان يب<br />

وتصديق برسلي،‏ أن أرجعه مبا انل من أجر أو غنيمة،‏ أو أدخله اجلنة،‏ ولوال أن أشق على أميت ما قعدت خَلْف<br />

1<br />

سرية،‏ ولوَدِدت أن أقتل يف سبيل هللا،‏ ‏ُث أحيا فأقتل،‏ ‏ُث أحيا فأقتل«‏ .<br />

وعن أنس<br />

أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ما أحد يدخل اجلنة حيب أن يرجع إَل الدنيا،‏ وله ما على<br />

2<br />

األرض من شيء،‏ إال الشهيد يتمىن أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل عشر مرات ملا يرى من الكرامة«‏ . ومعىن احلديث أن<br />

من دخل اجلنة ال حيب أن يرجع إَل الدنيا ولو كان ميلك كل ما على األرض لعِظَم ما وجد من نعيم اجلنة،‏ ويف<br />

احلديث:‏<br />

3<br />

‏»موضع سوط يف اجلنة خري من الدنيا وما <strong>في</strong>ها«‏ ، إال الشهيد فإنه حيب أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل مرات<br />

ومرات يف سبيل هللا لتتضاعف املنزلة العظيمة اليت انهلا يف اجلنة،‏ ولذلك قال ابن حجر:‏ ‏]قال ا بن بطال:‏ هذا<br />

4<br />

احلديث أَجَلُّ‏ ما جاء يف الشهادة[‏ .<br />

وهنا ينبغي التنبيه على عدة أمور متعلقة بالشهادة،‏ وهي:‏<br />

أوال = أثر حب االستشهاد يف النصر.‏<br />

اثنيا = آفة التهور.‏<br />

اثلَا = آفة اجلنب.‏<br />

رابعا = آفة اإلحجام.‏<br />

أوال = أثر حب االستشهاد <strong>في</strong> النصر.‏<br />

متين الشهادة واحلرص عليها من أعظم ما يدفع املؤمن إَل الإقدام يف القتال،‏ ومن هنا كانت الشهادة هي ورقة النصر<br />

يف الدنيا كما أهنا وثيقة دخول اجلنة يف اآلخرة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ اشْتَرَ‏ ى مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُمْ‏ بِأَنَّ‏ لَهُ‏ ‏ْم<br />

5<br />

الْجَنَّةَ{‏ . واحلرص على الشهادة ي ‏ُعَوِّض نق العدد و<strong>العدة</strong> كما هي العادة<br />

ي ‏ُرْهِب أعداءهم خاصة إذا علمت أن عدوك على النقيض من ذلك،‏<br />

لدى املسلمني،‏ كما أن هذا احلرص<br />

فالكافر من أشد الناس حرصا على ا ياة،‏<br />

كما قال تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ إِنْ‏ كَانَتْ‏ لَكُمْ‏ الدَّارُ‏ اآلْ‏ خِ‏ رَ‏ ةُ‏ عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ خَالِصَةً‏ مِنْ‏ دُونِ‏ النَّاسِ‏ قَتَمَنَّوْ‏ ا الْمَوْ‏ ‏َت إِنْ‏ كُنتُمْ‏ صَادِقِي ‏َن<br />

وَ‏ لَنْ‏ يَتَمَنَّوْ‏ هُ‏ أَبَد ‏ًا بِمَا قَدَّمَتْ‏ أَيْدِيهِمْ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلِيمٌ‏ بِالظَّالِمِينَ‏ وَ‏ لَتَجِ‏ دَنَّهُمْ‏ أَحْرَ‏ صَ‏ النَّاسِ‏ عَلَى حَيَاةٍ‏ وَ‏ مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَشْرَ‏ كُوا يَوَ‏ ‏ُّد<br />

أَحَدُهُمْ‏ لَوْ‏ يُعَمَّرُ‏ أَلْفَ‏ سَنَةٍ‏ وَ‏ مَا هُوَ‏ بِمُزَ‏ حْزِ‏ حِ‏ هِ‏ مِنْ‏ الْعَذَابِ‏ أَنْ‏ يُعَمَّ‏ ‏َر{‏ ، فتأمل قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَنْ‏ يَتَمَنَّوْ‏ هُ‏ أَبَد ‏ًا{‏<br />

6<br />

351<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 رواه البخاري عن سهل بن سعد<br />

- 4 فتح الباري 33 / 6<br />

- 5 التوبة،‏ اآلية:‏ 111<br />

- 6 سورة البقرة،‏ اآلايت:‏<br />

86 84


و}وَ‏ لَتَجِ‏ دَنَّهُمْ‏ أَحْرَ‏ صَ‏ النَّاسِ‏ عَلَى حَيَاةٍ{‏ وقارن هذا بقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف حديث أنس السابق<br />

الشهيد يتمىن أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل عشر مرات ملا يرى من الكرامة«.‏<br />

والشهادة بقدر ما خيشى الكافر املوت وحيرص على الدنيا.‏<br />

« الإ<br />

فبقدر ما حيرص املؤمن على املوت<br />

ولذا ينبغي غرس مفهوم الشهادة وفضلها يف أذهان املسلمني،‏ وتقوية هذا املفهوم ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين ودراسة سرية<br />

الصحابة والسلف الصاحل يف الغزوات،‏ وأعود فأُذكِّر هنا أبمهية نبذ الرتف والتعود على خشونة العيش وإن كان املرء<br />

قادرا على الدنيا فلهذه اخلشونة أثرها يف الصرب يف القتال.‏<br />

وهنا ينبغي التنبيه على أن حب الإستشهاد هو<br />

املسلمني،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

جزء من سياسة الردع<br />

الذي هو مبدأ من أهم مبادئ اجلهاد عند<br />

1<br />

‏»نصرت ابلرعب مسرية شهر«‏ ، ابعتبار عدم اخلصوصية.‏<br />

ويتحقق مبدأ الردع بالعمل على محورين:‏<br />

حمور الكم ‏)احملور األفقي(،‏ وهو الوارد يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ‏ وَ‏ مِنْ‏ رِ‏ بَاِِ‏ الْخَيْلِ‏<br />

تُرْ‏ هِبُونَ‏ بِهِ‏ عَدُوَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ عَدُوَّ‏ كُمْ‏ وَ‏ آخَرِ‏ ينَ‏ مِنْ‏ دُونِهِمْ‏ ال تَعْلَمُونَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْلَمُهُمْ‏ وَ‏ مَا تُنفِقُوا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُوَ‏ ‏َّف<br />

إِلَيْكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ ال تُظْلَمُو ‏َن{‏ . 2 والردع يف هذه اآلية ظاهر يف قوله تعاَل:‏ ‏}تُرْ‏ هِبُونَ‏ بِهِ{،‏ ووسيلة القوة،‏ ومفرادت هذه<br />

القوة هي مال ورجال وسالح.‏<br />

= 0<br />

= 2<br />

وحمور الكيف ‏)احملور الرأسي(،‏ وله شِ‏ قمان،‏ شق مادي برفع الكفاءة القتالية للفرد املسلم،‏ قال صلى هللا عليه<br />

وسلم:‏ ‏»املؤمن القوي خري وأحبُّ‏ إَل هللا من املؤمن الضعيف«‏ ، 3 وشق معنوي بغرس مفاهيم حب الإستشهاد<br />

والصرب يف نفوس املسلمني،‏ قال تعاَل:‏ ‏}اصْبِرُ‏ وا وَ‏ صَابِرُ‏ وا وَ‏ رَ‏ ابُِِوا{‏ ، 4 وقال تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ‏ قَإِنَّهُمْ‏<br />

يَأْلَمُونَ‏ كَمَا تَأْلَمُونَ‏ وَ‏ تَرْ‏ جُونَ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مَا ال يَرْ‏ جُونَ{‏ ، 5 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»واعلم أن النصر مع<br />

الصرب«.‏<br />

وأعود فأُذكِّر وحنن مازلنا نتكلم يف مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أن تقوى هللا<br />

<br />

بفعل الطاعات وترك املعاصي تؤثر أتثريا<br />

مباشرا يف ميدان القتال،‏ وقد تضمن هللا تعاَل للمتقني بزلزلة عدوهم كما قال تعاَل:‏ ‏}سَأُلْقِي قِي قُلُوبِ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا<br />

الرُّ‏ عْبَ‏ } 6 ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ قَاتَلَكُمْ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا لَوَ‏ لَّوْ‏ ا األَدْبَارَ‏ ثُمَّ‏ ال يَجِ‏ دُونَ‏ وَ‏ لِيًّا وَ‏ ال نَصِ‏ ً يرا سُنَّةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ الَّتِي قَ‏ ‏ْد<br />

7<br />

خَلَتْ‏ مِنْ‏ قَبْلُ‏ وَ‏ لَنْ‏ تَجِ‏ دَ‏ لِسُنَّةِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ تَبْدِيال{‏ ، وهللا فإن التقوى والعمل الصام هي جزء ال يتجزأ من سياسة الردع.‏<br />

- 1 رواه البخاري عن جابر.‏<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

350<br />

61<br />

- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة الفتح،‏ اآليتان:‏<br />

211<br />

114<br />

12<br />

23 22


وهذا الفهم كان واضحا ومستقرا يف أذهان الرعيل األول من هذه األمة كما يتضح من رسالة عمر إَل سعد بن أيب<br />

وقاص يف مسريِهِ‏ لغزو الفرس رضي هللا عنهما،‏ وذكرت طرفا منها من قبل.‏<br />

هذا:‏<br />

<br />

<br />

ثانيا آفة التهور.‏<br />

الشهادة ليست مقصودة لذاهتا إال يف مواطن سيأِت ذكرها بل لإظهار الدين،‏ ال أبس بتمين الشهادة والتعرض هلا<br />

ابلتغرير ابلنفس يف القتال على أال تكون هي املقصد األول من هذا التغرير،‏ بل يكون املقصد األول هو إظهار الدين،‏<br />

ومبعىن آخر ال ينبغي للمسلم أن يقتحم القتال جملرد الشهادة دون النظر إَل ما يوقعه ابلعدو من نكاية.‏ والدليل على<br />

قول النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا«‏ ، 1 فجعل صلى هللا عليه<br />

وسلم املقصد من اجلهاد هو إعالء كلمة هللا ال الشهادة اليت قد تقع وقد ال تقع،‏ وهي ال تقع إال ملن اختاره هللا<br />

تعاَل هلذه املنزلة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَتَّخِ‏ ذَ‏ مِنْكُمْ‏ شُهَدَا ‏َء{‏ . 2<br />

قول هللا تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال تُكَلَّفُ‏ إِال نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَسَى ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يَكُفَّ‏ بَأْسَ‏ الَّذِي ‏َن<br />

كَفَرُ‏ وا{‏ ، 3 فأمر سبحانه ابلقتال لكف أبس الكافرين،‏ وأمر سبحانه يف آايت أخر بكف فتنة الكافرين ‏}حَتَّى ال<br />

تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ{‏ ، 4 وأمر سبحانه ابلنكاية يف الكافرين ‏}قَاتِلُوهُمْ‏ يُعَذِبْهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِأَيْدِيكُمْ{‏ ، 5 وجعل سبحانه الغاية من اجلهاد<br />

إظهار دينه احلق،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِ‏ ‏َرهُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏<br />

الْمُشْرِ‏ كُونَ{‏ ، 6 وجعل سبحانه القتال وسيلة لإظهار الدين كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوهُمْ‏ حَتَّى ال تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏ وَ‏ يَكُونَ‏<br />

الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ }ِ 7 .<br />

فاملقصد األصلي من اجلهاد هو إظهار الدين ال جمرد اإلستشهاد،‏ والغرض من هذا كبح مجاح التمهَوُّر عند بعض<br />

املسلمني ورَدِّهم إَل املنزلة الوسطى وهي الشجاعة اليت هي وسط بني التهور واجلنب،‏ والتهور الذي أشري إليه هو<br />

التعرض للقتل جملرد الإستشهاد دون النظر إَل ما توقعه بعدوك<br />

وهلا وإن جاز يف مواطن كمن أحيط به وخشي<br />

األسر فقاتل حىت قتل كما يف سرية عاصم بن ‏َثبت ، 9 ولكن ليس هذا هو األصل ولو كانت الشهادة هي املقصد<br />

األصلي ملا جاز الفرار من أجل التحيُّز إَل فئة أو التمحَرُّف للقتال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يُوَ‏ لِهِمْ‏ يَوْ‏ مَئِذٍ‏ دُبُرَ‏ هُ‏ إِال مُتَحَرِ‏ ق ‏ًا<br />

352<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة اآلنفال،‏ اآلية:‏<br />

141<br />

94<br />

38<br />

38<br />

14<br />

33<br />

- 9 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 553


لِقِتَالٍ‏ أَوْ‏ مُتَحَي ً ‏ِزا إِلَى قِئَةٍ‏ قَقَدْ‏ بَاءَ‏ بِغَضَبٍ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ مَأْوَ‏ اهُ‏ جَهَنَّمُ‏ وَ‏ بِئْسَ‏ الْمَصِ‏ ي ‏ُر{‏ ، 1 <strong>في</strong>ُعْلَم هبذا أن املقصد األصلي<br />

هو إظهار الدين والنكاية يف العدو.‏<br />

ومن املقاصد املعتربة أيضا يف اجلهاد احملافظة على القوة اإلسالمية<br />

وعدم تعريض املسلمني للهالك دون جدوى<br />

عسكرية،‏ ومن أجل هذا جاز للمسلم الفرار من ثالثة كفار فما فوق،‏ كما قال ابن عباس ‏)من فَرم من اثنني فقد فر،‏<br />

2<br />

ومن فر من ثالثة فما فر(‏ .<br />

ويف رسالة عمر إَل سعد رضي هللا عنهما قال:‏ ‏)وال تبعثن طليعة وال سرية يف وجه يف وجه تتخوف غلبة أو ضَيْعة أو<br />

نكاية(.‏ كل هذا ي<strong>في</strong>د<br />

أن احملافظة على القوة الإسالمية مقصد معترب،‏ وأوضح من هذا يف بيان املراد انسحاب خالد<br />

بن الوليد ابجليش يف غزوة حىت مسَمى النيب صلى هللا عليه وسلم فعْلَه هذا فتحا،‏ وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن أنس<br />

قال:‏ ‏)أن النيب صلى هللا عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة قبل أن ‏َيتيهم خربهم،‏ فقال:‏ أخذ الراية زيد فأصيب<br />

‏ُث أخذ جعفر فأصيب ‏ُث أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تَذْرِفان حىت أخذ الراية سيف من سيوف هللا حىت فتح هللا<br />

عليهم(.‏ قال ابن حجر:‏ ‏]اختلف أهل النقل يف املراد بقوله ‏“حىت فتح هللا عليهم”‏<br />

إَل قوله قال العماد بن كثري:‏<br />

ميكن اجلمع أبن خالدا ملا حاز املسلمني وابت ‏ُث أصبح وقد غَريم هيئة العسكر كما تقدم،‏ وتوهم العدو أهنم قد جاء<br />

هلم مدد،‏ محل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم،‏ ورأى<br />

يبني أن احملافظة على املسلمني والقوة<br />

عسكرية<br />

الإسالمية مقصد معترب،‏<br />

3<br />

الرجوع ابملسلمني هي الغنيمة الكربى[‏ أ ه . قلت:‏ فهذا<br />

وجيب عدم تعري<br />

املسلمني للهالك دون جدوى<br />

من حتقيق نكاية يف العدو.‏ على أنه تستثىن من هذا عدة أمور منها جواز تعرض الفرد للشهادة وال ي ‏ُعَد هذا<br />

من إلقاء النفس إَل التهلكة،‏ كما يف حديثَي أيب أيوب والرباء الواردين يف تف سري قول ه تعاَل:‏ ‏}وَال ت ‏ُلْقُوا أبَِيْدِيكُمْ‏ إََِل<br />

التمهْلُكَةِ{‏ ، وهذا إن جاز للف ردكان اهلالك متحققا يف الثمبات للعدو ويف الفرار منه،‏ فاألَوَْلَ‏ الثبات . 4<br />

ومن الناحية العملية ميكنين القول أبن املسلم أن ي ‏ُقْدم على املشاركة يف أي عمل قتايل بغَضّ‏ النظر عما يصيبه يف<br />

نفسه،‏ وبغَضّ‏ النظر عن نتيجة هذا العمل القتايل بشروط أربعة،‏ وهي:‏<br />

األول:‏ املشروعية:‏ وهي معرفة حكم هذا اجلهاد هل هو مشروع واجب أم ال؟ ويكون ذلك أساسا مبعرفة حال العدو<br />

وحكم هللا تعاَل <strong>في</strong>ه؟ وسوف أذكر يف امللحق الثالث إن شاء هللا تعاَل أن هذا من العلم الواجب على الفرد املسلم.‏<br />

الَاين:‏ الراية:‏ ال يك<strong>في</strong> أن يكون عدوك كافرا مستحقا للقتال،‏ بل جيب عليك إذا كنت ستقاتل هذا العدو مع طائفة<br />

أن تعرف راية هذه الطائفة وهويتها،‏ هل الراية إسالمية أم ال؟ وإذا قلنا إسالمية نقصد إسالمية خالصة غري خمتلطة<br />

بكفر كاالشرتاكية أو الدميقراطية أو غريها من املذاهب الكفرية،‏ فإذا كان أصحاب الراية يقولون إهنم يعملون من أجل<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

353<br />

16<br />

- 2 أخرجه البيهقي وصححه األلباين ‏)إرواء الغليل 29(. / 5<br />

514<br />

- 3 فتح الباري 513 / 7<br />

-<br />

4<br />

انظر املغين والشرح الكبري<br />

.554-553/11


إقامة نظام إسالمي إشرتاكي أو إسالمي دميقراطي فهذا كله كفر ألن الإسالم نظام مكتمل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ ‏َم<br />

أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَكُمْ{‏ ، 1 فالإسالم ليس حباجة إَل هذه األوضاع البشرية،‏ وكل من خَلَط الإسالم ابألوضاع البشرية فهو<br />

يقول بلسان احلال وقد يصرح ابملقال إن الإسالم انق وحنن نكمله هبذه النظم البشرية،‏ وكل هذا كفر كما سبق<br />

يف أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة،‏ ووجه كفره أنه تكذيب بقوله تعاَل:‏ ‏}الْيَوْ‏ مَ‏ أَكْمَلْتُ‏ لَكُمْ‏ دِينَ‏ ‏ُك ‏ْم{.‏<br />

فمثل هذه الراايت املٌخَلمطة ال جيوز القتال حتتها حبال،‏ ألنك يف حقيقة األمر تنصر راية كفرية وليست من سبيل هللا<br />

يف شيء،‏ قال صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏»من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا«‏ .<br />

الَالث:‏ اجلدوى العسكرية،‏ فال جيوز الإقدام على القتال إال بعد دراسة اجلدوى العسكرية منه،‏ إذ املقصد األصلي<br />

للجهاد هو إظهار الدين،‏ وقد يكون العمل العسكري فرعيا وجدواه قليلة إال أنه يصب يف اخلطة العسكرية العامة،‏<br />

كالسرااي اليت يبعثها أمري اجليش وقد تكون اجلدوى سياسية حمضة كإرهاب العدو وهذا كله مُعْتَرب.‏ واملرجع يف تقدير<br />

اجلدوى من القتال هو األمري وليس هذا لعموم اجلند ملا سبق تقريره يف مسألة الشورى ويف مسألة وحدة اجلماعة<br />

وسيأِت يف الباب اخلامس من أن األمور االجتهادية مرتوكة لتقدير األمري.‏ وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إَّنا الإمام<br />

3<br />

جُنمة ي ‏ُقَاتَل من ورائه وي ‏ُتمقَى به«‏ ، وقال ابن قدامة:‏ ‏]وأمر اجلهاد موكول إَل الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته <strong>في</strong>ما<br />

4<br />

يراه من ذلك[‏ .<br />

الرابع:‏<br />

األخل إبجراءات السالمة واألمن،‏ وقد يكون هذا بتشديد احلراسة على األهداف واجلند،‏ وقد يكون<br />

ابستخدام األساليب اخلداعية،‏ وقد يكون كذلك ابألخذ إبجراءات السالمة الشخصية كلبس الدروع واخلُوَذ وحفر<br />

اخلنادق وحنوه كما فعله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لبس الدرع واخلوذة ‏)املِغْفَر(‏ وحفر اخلندق مع كونه معصوما<br />

من إيذاء الناس،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْصِ‏ مُكَ‏ مِنْ‏ النَّا ‏ِس{‏ ، 5 فهو إَّنا فعل هذا تشريعا لنا،‏ وإذا كان القتل واجلراح<br />

بقدر هللا تعاَل<br />

فالواجب دفع هلا القدر ابألسبا<br />

املشروعة<br />

واليت هي من قدر هللا تعاَل أيضا،‏ ال االستسالم<br />

للقتل واجلراح،‏ وإال لزم قائل هذا القول أن يستسلم للعدو الكافر أيضا فهذا العدو من قدر هللا تعاَل،‏ فالواجب هو<br />

الدفع.‏<br />

ويف هذه القاعدة ‏)قاعدة دفع القدر ابلقدر(‏ يقول ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]قال الشيخ العرق القدوة عبد القادر اجليالين:‏<br />

‏“الناس إذا وصلوا إَل القضاء والقدر أمسَكوا،‏ إال أان فانتفخت يل <strong>في</strong>ه رَوْزَنَة<br />

فنازعت أقدار ا ق اب ق للحق،‏<br />

- 1 سورة املائدة.‏ اآلية<br />

354<br />

.3<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 رواه مسلم.‏<br />

- 4 املغين والشرح الكبري 373 / 11<br />

- 5 سورة املاءدة،‏ اآلية:‏<br />

67


والرجل من يكون منازعا للقدر،‏ ال من يكون مستسلما مع القدر”.‏<br />

األقدار بعضها ببع<br />

فكيف يف معادهم؟<br />

وال تتم مصاحل العباد يف معاشهم<br />

إال بدفع<br />

وهللا تعاَل أمر أن تُدفع السيئة وهي من قدره ابحلسنة وهي من قدره وكذلك اجلوع من قدره.‏ وأمر بدفعه ابألكل<br />

الذي هو من قدره.‏ ولو استسلم العبد لقَدَر اجلوع،‏ مع قدرته على دفعه بقَدَر<br />

األكل،‏ حىت مات:‏ مات عاصيا.‏<br />

وكذلك الربد واحلر والعطش.‏ كلها من أقداره.‏ وأمر بدفعها أبقدار تضادها.‏ والدافِع واملدفوع والدفع من قدره.‏<br />

وقد أفصح النيب صلى هللا عليه وسلم عن هذا املعىن كل الإفصاح،‏ إذا قالوا اي رسول هللا،‏ أرأيت أدوية نتداوى هبا،‏<br />

ورُقى نسرتقى هبا،‏ وتُقى نتقى هبا.‏ هل تردّ‏ من قدر هللا شيئا؟ قال:‏ ‏»هي من قَدَرِ‏ هللا«.‏<br />

ويف احلديث اآلخر:‏ ‏»إن الدعاء والبالء لَيَعْتَلِجَان بني السماء واألرض«.‏ وإذا طَرَقَ‏ العدو من الكفار بلد الإسالم<br />

طرقوه بقدر هللا.‏ أفَيَحِ‏ لُّ‏ للمسلمني الإستسالم للقدر،‏ وترك دفعه بقدر مثله.‏<br />

وهو اجلهاد الذي يدفعون به قدر هللا<br />

1<br />

بقدره؟[‏ . وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا كالما مثل هذا مُعلِقا على قول الشيخ عبد القادر اجليالين<br />

أيضا . 2<br />

قلت:‏<br />

قلت دفع القدر ابلقدر قاعدة مقررة شرعا،‏ مستقرة عند املسلمني من لدن الصحابة رضي هللا عنهم،‏ يدل<br />

على هذا رد عمر بن اخلطاب على أيب عبيدة رضي هللا عنهما،‏ وذلك عندما قَدِم عمرُ‏ الشامَ‏ فوجد الطاعون قد وقع<br />

هبا،‏ فاستشار عمر الناس،‏ ‏ُث عزم على الرجوع ‏ُث أخربه عبد الرمحن بن عوف أن النيب صلى هللا عليه وسلم قد أمر<br />

مبثل هذا،‏ وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما و<strong>في</strong>ه ‏)فنادى عمر يف الناس:‏ إين مصبح على ظهر<br />

فأصبحوا عليه.‏ فقال أبو عبيدة اجلراح:‏ أفرارا من قدر هللا؟ فقال عمر:‏ لو غريك قاهلا اي أاب عبيدة،‏ نعم،‏ نفر من قدر<br />

هللا إىل قدر هللا(‏ . 3<br />

قلت:‏<br />

فهله الشروط األربعة ‏)املشروعية د الراية د اجلدوى العسكرية د إجراءات السالمة واألمن(‏ إذا أخَذْتَ‏ هبا<br />

وراعَيْتَها يف القتال فأقدم وتوكل على هللا تعاَل،‏ وال تعبأ مبا أصابك وال مبا جتنيه من هذا القتال،‏ فهذا مرتوك هلل تعاَل.‏<br />

ثالثا:‏ آفة الجبن.‏<br />

على نقيض ما سبق جتد أن داء اجلنب والوهن ‏)حب الدنيا وكراهة املوت(‏ داء عضال يؤدي إَل تداعي األمم على<br />

املسلمني كما تداعى األكلة إَل قصعتها،‏ كما يف حديث ثوابن،‏ وعالج هذا الداء يكون بنبذ الرتف كما أشرت إليه<br />

من قبل ويكون أساسا برتسيخ عقيدة الإميان ابلقدر أبن يعلم املسلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه وأن ما أخطأه مل<br />

يكن ليصيبه،‏ فاألجل حمدد سلفا،‏ والرزق كذلك،‏ وكل ما يصيب العبد مقدر عند هللا.‏<br />

355<br />

211<br />

- 1 مدارج السالكني ج 1 ص : 188<br />

- 2 انظر جمموع الفتاوى ج 2 ص 459<br />

- 3 احلديث:‏ 5728


قال تعاَل:‏ ‏}مَا أَصَابَ‏ مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ ال قِي أَنْفُسِكُمْ‏ إِالّ‏ ّ قِي كِتَابٍ‏ مِنْ‏ قَبْلِ‏ أَنْ‏ نَبْرَ‏ أَهَوا إِنَّ‏ ذَلِوكَ‏ عَلَوى<br />

‏َّللاَّ‏ ِ يَسِيرٌ‏<br />

لِكَيْال تَأْسَوْ‏ ا عَلَى مَا قَاتَكُمْ‏ وَ‏ ال تَفْرَ‏ حُوا بِمَا آتَاكُمْ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ال يُحِ‏ بُّ‏ كُولَّ‏ مُخْتَوالٍ‏ قَخُوو ‏ٍر{‏ ، 1 وق ال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ مَوا<br />

كَووانَ‏ لِوونَفْسٍ‏ أَنْ‏ تَمُوووتَ‏ إِالَّ‏ بِووإِذْنِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ كِتَابًووا مُووؤَجَّال{‏ ، 2 وق ال تع اَل:‏ ‏}قَووإِذَا جَوواءَ‏ أَجَلُهُوومْ‏ ال يَسْووتَأْخِ‏ رُ‏ ونَ‏ سَوواعَةً‏ وَ‏ ال<br />

يَسْتَقْدِمُونَ{‏ ، 3 وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»قَالَ‏ إِنم أَحَدَكُمْ‏ جيُْمَعُ‏ خَلْقُهُ‏ يفِ‏ بَطْ‏ نِ‏ أُمِّ‏ هِ‏<br />

أَرْبَعِ‏ نيَ‏ ي ‏َوْمً‏ ا نُطْفَ‏ ة ‏ُثُم يَكُ‏ ونُ‏ عَلَقَ‏ ةً‏ مِثْ‏ لَ‏ ذَلِ‏ كَ‏ ‏ُثُم يَكُ‏ ونُ‏ مُضْ‏ غَةً‏ مِثْ‏ لَ‏ ذَلِ‏ كَ‏ ‏ُثُم ي ‏ُرْسَ‏ لُ‏ إِلَي ه الْمَلَ‏ كُ‏ فَيَ‏ نْفُخُ‏ فِي هِ‏ ال رُّو ‏َح<br />

أبَِرْبَعِ‏ كَلِمَاتٍ‏ بِكَتْبِ‏ رِزْقِهِ‏ وَأَجَلِهِ‏ وَعَمَلِهِ‏ وَشَقِيٌّ‏ أَوْ‏ سَعِيدٌ«‏ ، 4 وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ق ال:‏<br />

‏»إن روح الق دس نف ث يف روع ي أن ه ل ن مت وت نف س ح ىت تس تكمل رزقه ا وأجله ا،‏ واتق وا هللا وأمجل وا يف الطل ب«‏ . 5<br />

ف الرزق واألج ل مق دمران مف روغ منهم ا،‏ وهل ذا كَ‏ رِه كث ري م ن الس لف ال دعاء بط ول العم ر،‏ أم ا م ا ورد يف ح ديث ‏»مَ‏ نْ‏<br />

أَحَبم أَنْ‏ ي ‏ُبْسَطَ‏ لَهُ‏ يفِ‏ رِزْقِهِ‏ وَي ‏ُنْسَأَ‏ لَهُ‏ يفِ‏ أَثَرِهِ‏ فَلْيَصِلْ‏ رَمحَِهُ«‏ ، 6 فقد رجمح ابن حجر وجَزَمَ‏ غ ريه أبن امل راد الربك ة يف ال رزق<br />

ؤْمَر<br />

وَي ُ ُ<br />

والعمر ال زايدة ما قُدِّر منهما،‏ وأورد بعض اآلَثر تشهد هبذا . 7 فليكن معلوما أن اجلهاد ال يقرب أجال وال مينع رزقا.‏<br />

إالم أن هذا ال ي ‏ُنَايفِ‏ األخذ ابألسباب املشروعة،‏ كالسعي لطلب الرزق،‏ وكَلُبس الدروع وحفر اخلنادق وغريها يف قتال<br />

العدو كما شرعه النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فال منافاة بني الإميان ابلقدر وبني فعل املأمور به كما سبق.‏<br />

رابعا:‏ آفة اإلحجام.‏<br />

والذي أعنيه ابلإحجام هنا،‏ أن حب النصر مركوز يف النفس كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أُخْرَ‏ ى تُحِ‏ بُّونَهَا نَصْرٌ‏ مِنَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ قَتْ‏ ‏ٌح<br />

9<br />

قَرِ‏ يبٌ‏ } ، وقد ينقلب هذا احلب إَل آفة جتعل املسلم حيُ‏ جم عن املشاركة يف املعارك األولية أو الثانوية خشية أن ي ‏ُقْتَل<br />

وال يعيش لريى يوم النصر احلاسم،‏ وهذت من اجلهل حبقيقة واجبه،‏ فاملسلم مأمور شرعا ابجلهاد وليس بتحقيق النصر<br />

احلاسم،‏ فسواء حتقق النصر على يديه أو على أيدي إخوانه أو أبنائه فهو قد أدى واجبه جبهاده ووقع أجره على هللا<br />

إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

- 1 سورة احلديد،‏ اآليتان:‏<br />

- 2 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 4 احلديث متفق عليه.‏<br />

356<br />

23<br />

22<br />

145<br />

34<br />

- 5 رواه أبو نعيم يف احللية بسند صحيح وصححه ابن حبان واحلاكم<br />

- 6 متفق عليه.‏ عليه عن أنس<br />

416<br />

- 7 فتح الباري 415 / 11<br />

- 9 سورة الصف،‏ اآلية:‏<br />

13


قال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَخْرُ‏ جْ‏ مِنْ‏ بَيْتِهِ‏ مُهَواجِ‏ ر ً ا إِلَوى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُوولِهِ‏ ثُومَّ‏ يُدْرِ‏ كْوهُ‏ الْمَووْ‏ تُ‏ قَقَودْ‏ وَ‏ قَوَْ‏ أَجْورُ‏ هُ‏ عَلَوى ‏َّللاَّ‏ ِ{ 1 ، فه ذا<br />

سَعَى يف اهلجرة الواجب ة ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَخْرُ‏ جْ‏ مِونْ‏ بَيْتِوهِ‏ مُهَواجِ‏ ر ً ا{‏ ومل يَصِ‏ ل إَل غايت ه ب ل أدرك ه امل وتُ‏ قبله ا،‏ وم ع ذل ك<br />

وقع أجره على هللا.‏ وأوضح من هذا بيان املراد:‏<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّهُمْ‏ ال يُصِ‏ يبُهُمْ‏ ظَمَأٌ‏ وَ‏ ال نَصَبٌ‏ وَ‏ الَ‏ مَخْمَصَةٌ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال يََِئُونَ‏ مَوْ‏ ‏ِِئًا يَغِيظُ‏ ا ‏ْلكُفَّارَ‏ وَ‏ ال<br />

يَنَالُونَ‏ مِنْ‏ ٍ عَدُو نَيْال إِالَّ‏ كُتِبَ‏ لَهُمْ‏ بِهِ‏ عَمَلٌ‏ صَوالِحٌ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُضِ‏ ويُْ‏ أَجْورَ‏ الْمُحْسِونِي ‏َن وَ‏ ال يُنفِقُوونَ‏ نَفَقَوةً‏ صَوغِيرَ‏ ةً‏ وَ‏ ال<br />

كَبِيرَ‏ ةً‏ وَ‏ ال يَقَِْعُونَ‏ وَ‏ ادِيًا إِالَّ‏ كُتِبَ‏ لَهُمْ‏ لِيَجْزِ‏ يَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ أَحْسَنَ‏ مَا كَانُوا يَعْمَلُو ‏َن{‏ ، 2 فه ذه اآلي ة مل ت رتك ش يئا مم ا يكاب ده<br />

املسلم يف جهاد أعداء هللا إال وقررت أنه عمل صاحل جمَْزِيٌّ‏ به صاحبه،‏ ومل يشرتط هلذا إدراك الغاية والنصر.‏<br />

وابلإضافة إَل هذا ينبغي أن يكون معلوما أن من جاهد ومل يدرك غنيمةً‏ أو نصراً‏ هو أعظم أجرا عند هللا تعاَل ممن<br />

أدرك الغنيمة أو النصر،‏ وهذا يُستفاد من قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

ُ<br />

«<br />

مَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ تَغْزُو فَتَغْنَم<br />

3<br />

وَتَسْلَمُ‏ إِال كَانُوا قَدْ‏ تَعَجملُوا ث ‏ُلُثَيْ‏ أُجُورِهِمْ‏ وَمَا مِنْ‏ غَازِيَةٍ‏ أَوْ‏ سَرِيمةٍ‏ ختُْفِقُ‏ وَتُصَابُ‏ إِال متَم أُجُورُهُ‏ ‏ْم«‏ . ومثله حديث خباب<br />

بن األرثّ‏ قال:‏ ‏»هاجران مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نلتمس وجه هللا تعاَل فوقع أجران على هللا،‏ فمِنّا مَنْ‏ مات<br />

ومل ‏َيكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمري ، قتل يوم أحد وترك ‏َّنَِرة فكنا إذا غطينا هبا رأسه بدت رجاله وإذا<br />

غطينا رجليه بدا رأسه،‏ فأمران رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن نغطى رأسه وُنعل على رجليه شيئا من الإذخر،‏<br />

5 4<br />

ومنا من أينعت له مثرته فهو ي ‏َهْذِهبُا » .<br />

وهذا آخر ما حيضرين يف مسألة الإستشهاد.‏<br />

‏)فقرة 21( ‏)وما النصر إال من عند هللا(.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال ‏ِمنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 6 ، اشتملت هذه اآلية على ما يعترب أقوى أساليب احلص ر وه و النف ي ‏)م ا(‏<br />

املتبوع ابالستثناء ‏)إال(،‏ وهو ي<strong>في</strong>د هنا حصر النصر يف هللا وح ده،‏ فالنص ر يتن زل إبذنِ‏ ه س بحانه وح ده ال ش ريك ل ه،‏ ال<br />

بعدد وال عدة إال أن يشاء هللا.‏ ولَمّا غاب هذا املعىن عن بعض املسلمني يف غزوة حنني وأعجب وا بكث رهتم كان ت اهلزمي ة<br />

ليعلموا أن العدد و<strong>العدة</strong> ال تغين شيئا إال إبذن هللا.‏ قال تع اَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ نَصَرَ‏ كُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قِي مَوَ‏ اِِنَ‏ كَثِيرَ‏ ةٍ‏ وَ‏ يَوْ‏ مَ‏ حُنَويْنٍ‏ إِذْ‏<br />

أَعْجَبَتْكُمْ‏ كَثْرَ‏ تُكُمْ‏ قَلَمْ‏ تُغْنِ‏ عَنْكُمْ‏ شَيْئ ‏ًا وَ‏ ضَواقَتْ‏<br />

عَلَويْكُمْ‏ األَرْ‏ ضُ‏ بِمَوا رَ‏ حُبَوتْ‏ ثُومَّ‏ وَ‏ لَّيْوتُمْ‏ مُودْبِرِ‏ ي ‏َن ثُومَّ‏ أَنوزَ‏ لَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ سَوكِينَتَهُ‏<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو.‏<br />

357<br />

111<br />

121 121<br />

- 4<br />

أينعت أي:‏ نضجت،‏ يهذهبا أي:‏ يقطفها،‏ وهذه استعارة لِمَا فتح هللا تعاَل عليهم من الدنيا ومتََكمنوا <strong>في</strong>ها.‏ وقد سبق شرح حديث عبد هللا بن<br />

عمرو وحديث خباب،‏ ومها نصان واضحان يف إفادة املراد.‏<br />

- 5 متفق عليه.‏<br />

- 6 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏ 126 وسورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

11


عَلَوى رَ‏ سُوولِهِ‏ وَ‏ عَلَوى الْمُوؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ أَنوزَ‏ لَ‏ جُنُوود ‏ًا لَومْ‏ تَرَ‏ وْ‏ هَوا وَ‏ عَوذَّبَ‏ الَّوذِينَ‏ كَفَورُ‏ وا وَ‏ ذَلِوكَ‏ جَوزَ‏ اءُ‏ الْكَواقِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، 1 ف ذكمرهم<br />

س بحانه أن ه نص رهم يف م واطن كث رية دون ه ذه الكث رة ال يت أعجب وا هب ا،‏ وأهن م مل ا أعجب وا وركن وا إَل الكث رة مل تغ ن ع نهم<br />

شيئا فهُزِموا،‏ ‏ُث نصرهم هللا بعد اهلزمية ليبني هلم أن النصر من عنده ال ابلكثرة اليت مل تغ ن،‏ فدردهم سدبحانه ابهلزميدة إىل<br />

األمر اللي غا عن البع<br />

، ذلك األمر هو ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{.<br />

ومثل هذا قوله تع اَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّوذِينَ‏ آمَنُووا مَوا لَكُومْ‏ إِذَا قِيولَ‏ لَكُومْ‏ انفِورُ‏ وا قِوي سَوبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ اثَّواقَلْتُمْ‏ إِلَوى األَرْ‏ ضِ‏ أَرَ‏ ضِ‏ ويتُ‏ ‏ْم<br />

بِالْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا مِنْ‏ اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ قَمَا مَتَاعُ‏ الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا قِي اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ إِال قَلِيو ‏ٌل إِال تَنفِورُ‏ وا يُعَوذِبْكُمْ‏ عَوذَابًا أَلِيم ‏ًوا وَ‏ يَسْوتَبْدِلْ‏ قَوْ‏ م ‏ًوا<br />

غَيْرَ‏ كُمْ‏ وَ‏ ال تَضُرُّ‏ وهُ‏ شَيْئًا وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ قَدِيرٌ‏ إِال تَنصُرُ‏ وهُ‏ قَقَدْ‏ نَصَرَ‏ هُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِذْ‏ أَخْرَ‏ جَهُ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا ثَوانِيَ‏ اثْنَويْ‏ ‏ِن<br />

إِذْ‏ هُمَا قِي الْغَارِ‏ } 2 ، فحضهم املوَل سبحانه على النفري وحذرهم من القعود،‏ وأنه قادر على أن يستبدل غريهم ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ قَودِيرٌ‏ } ‏ُث ذكم رهم ب بعض آَثر قدرت ه،‏ وه ي أن ه س بحانه نص ر رس وله ص لى هللا علي ه وس لم دون ع دد<br />

وعدة على كفار مكة أثناء هجرته،‏ فرد هم سدبحانه هبدلا أيضدا إىل األمدر األول ال ذي ينبغ ي أال يغي ب ع ن األذه ان<br />

وهو ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{.<br />

ومثل هذا قوله تعاَل:‏ ‏}قَلَمْ‏ تَقْتُلُووهُمْ‏ وَ‏ لَكِونَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَوتَلَهُمْ‏ وَ‏ مَوا رَ‏ مَيْوتَ‏ إِذْ‏ رَ‏ مَيْوتَ‏ وَ‏ لَكِونَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ رَ‏ مَوى{‏ ، 3 فنس ب هللا س بحانه<br />

الرم ي إل يهم ‏}إِذْ‏ رَ‏ مَيْوو ‏َت{‏ تنبيه ا عل ى وج وب األخ ذ ابألس باب،‏ ونس ب س بحانه التس ديد والإص ابة إلي ه ج ل وع ال<br />

‏}وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَتَلَهُمْ{،‏ ‏}وَ‏ لَكِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ رَ‏ مَى{‏ ليبني سبحانه أن النصر منه وحده،‏ والتو<strong>في</strong>ق منه وحدده ال ابألسدبا فإهندا<br />

وإن وجبت ال تغين شيئا بنفسها.‏<br />

ولنا هنا تنبيهان:‏<br />

األول:‏ أنه إذا كان النصر بيد هللا وحده،‏ فإن ما عند هللا تعاَل ال يؤخذ إال ابألسبا اليت شرعها يف هلا املقام،‏<br />

وذَكَران يف أول موضوع ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أن هللا سبحانه تكفل بنصر املؤمنني الذين ينصرون دينه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَا ‏َن<br />

حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 4 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ{‏ ، 5 وذكرت هناك أنه يلزم <strong>إعداد</strong>ان ‏)إمياين<br />

ومادي(‏ كشرط الستحقاق هذا النصر،‏ وهذا معناه جهد وبذل ودعوة وصرب متواصل أردت من هذا تنبيه الغافلني<br />

القاعدين<br />

الكساىل اللين يتمنون على هللا األماين<br />

ويرجون نصر هللا وهم مل ينصروا دينه بشيء،‏ كما أردت تنبيه<br />

أولئك الزائغني الذين يتصدون للعمل الإسالمي يف هذا الزمان وال يسلكون سبيل اجلهاد املتعني وال ‏َيخذون<br />

358<br />

- 1 سورة التوبة،‏<br />

اآليتان:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلايت:‏<br />

- 3 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

26 25<br />

41 إَل 39<br />

17<br />

47<br />

41


ابألسباب اليت شرعها هللا لنصرة الدين،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ أَرَ‏ ا ‏َد اآلخِ‏ رَ‏ ةَ‏ وَ‏ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ‏ هُوَ‏ مُؤْ‏ مِنٌ‏ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ كَا ‏َن<br />

سَعْيُهُمْ‏ ً مَشْكُورا{‏ . 1<br />

التنبيه الثاين:‏ وهو ألولئك اآليسون من رمحة هللا،‏ الذين آيسوا من أن ينهض املسلمون مما هم <strong>في</strong>ه من الذل واهلوان،‏<br />

اللين آيسوا من أن يتمكن املسلمون من التغلب على قوى الكفر العاملية املرتبصة هبم،‏ ترى أحدهم يقول كيف<br />

تقوم للمسلمني دولة ومعظم البلدان اآلن خاضعة ألمريكا أو لروسيا؟،‏ ويقول إن الدول العظمى الكافرة متتلك الطعام<br />

والسالح ومتتلك الصواريخ العابرة للقارات واألسلحة املنصوبة يف السماء لتأديب من خيرج عن طوعهم،‏ ويقول إن<br />

أجهزة استخباراهتم يف األرض وأقمارهم الصناعية يف السماء تعلم بكل حركة وكل مهسة،‏ فكيف يتسىن لنا العمل<br />

واجلهاد إهنم سيدمرون أي عمل يف مهده؟ ويقول كيف تقوم للمسلمني دولة وصندوق النقد الدويل والرأمسالية العاملية<br />

ميكنهم تدمري اقتصاد أي دولة يف ساعات؟ وغري ذلك من الكالم الذي يثبط املسلمني ويفت يف عضدهم وجيعلهم<br />

يستسلمون لألمر الواقع،‏ ومما يؤسف له أن هذه األراجيف يشيعها بعض من يتصدون للدعوة الإسالمية يف هذا<br />

الزمان،‏ ولذلك فال تستغرب مواقفهم املخزية من الطواغيت ومن قوى الكفر املختلفة.‏<br />

أما حنن فنقول إن من يظن أن قوى الكفر العاملية بكل مقدراهتا ميكنها أن حتول دون قيام دولة للمسلمني إسالمية<br />

الشكل واملضمون،‏ فقد ضل ضالال مبينا،‏ بل هو مكذب ‏ِبايت هللا تعاَل وبوعده الصادق.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّهُ‏ ال يَيْئَسُ‏ مِنْ‏ رَ‏ وْ‏ حِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ إِال الْقَوْ‏ مُ‏ الكَاقِرُ‏ و ‏َن{‏ . 2<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 3 ، فليس النصر بيد أمريكا وال بيد روسيا،‏ وقد قال تع اَل:‏ ‏}مَوا يَفْوتَحْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

لِلنَّاسِ‏ مِنْ‏ رَ‏ حْمَةٍ‏ قَال مُمْسِكَ‏ لَهَا وَ‏ مَا يُمْسِكْ‏ قَال مُرْ‏ سِلَ‏ لَهُ‏ مِنْ‏ بَعْدِهِ{‏ . 4<br />

ومهما بلغت قوى الكفر العاملية من قوة،‏ فلن تستعصي على قدرة هللا جل وعال،‏ وقد قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَحْسَبَنَّ‏ الَّذِي ‏َن<br />

كَفَرُ‏ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ‏ ال يُعْجِ‏ زُ‏ ونَ‏<br />

5<br />

وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، إهنم ال يعجزون ربنا،‏ وال يسبقون قدره وتدبريه،‏<br />

وإن هللا مع أوليائه املؤمنني انصرهم على عدوهم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكُمْ‏ وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مُوهِنُ‏ كَيْدِ‏ الْكَاقِرِ‏ ي ‏َن إِنْ‏ تَسْتَفْتِحُوا قَقَ‏ ‏ْد<br />

جَاءَكُمْ‏ الْفَتْحُ‏ وَ‏ إِنْ‏ تَنتَهُوا قَهُوَ‏ خَيْرٌ‏ لَكُمْ‏ وَ‏ إِنْ‏ تَعُودُوا نَعُدْ‏ وَ‏ لَنْ‏ تُغْنِيَ‏ عَنكُمْ‏ قِئَتُكُمْ‏ شَيْئًا وَ‏ لَوْ‏ كَثُرَ‏ تْ‏ وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏<br />

الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، 6 وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكَ‏ بِأَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مَوْ‏ لَى الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ أَنَّ‏ الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ ال مَوْ‏ لَى لَهُمْ{‏ . 7<br />

- 1 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

359<br />

18<br />

97<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

126<br />

وسورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

2<br />

- 5 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ اآليتان:‏<br />

- 7 سورة حممد اآلية:‏<br />

61 58<br />

18 19<br />

11


وقد أمران املوَل جلت قدرته إبعداد ما نستطيعه من القوة،‏ هلا هو واجبنا وعملنا،‏ ‏ُث تكفل سبحانه لنا ابملدد فقال<br />

سبحانه لنبيه صلى هللا عليه وسلم<br />

1<br />

‏“واغزهم نغزك،‏ وأنفق فسننفق عليك،‏ وابعث جيشا نبعث مخسة مثله”‏ ، كما<br />

2<br />

تكفل سبحانه بتخذيل الكافرين،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}ذَلِكُمْ‏ وَ‏ أَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مُوهِنُ‏ كَيْدِ‏ الْكَاقِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلُوا أَوْ‏ لِيَاءَ‏<br />

3<br />

الشَّيَِْانِ‏ إِنَّ‏ كَيْدَ‏ الشَّيَِْانِ‏ كَانَ‏ ضَعِيفًا{‏ ، وتكفل سبحانه مبعونتنا،‏ فقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أُخْرَ‏ ى لَمْ‏ تَقْدِرُ‏ وا عَلَيْهَا قَدْ‏<br />

4<br />

أَحَاَِ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِهَا وَ‏ كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ ً قَدِيرا{‏ .<br />

إن الذين أفزعتهم جنود الكافرين وجيوشهم،‏ نسوا قول هللا تعاَل ‏}وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ جُنُودُ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ‏ِض وَ‏ كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَزِ‏ ً يزا<br />

5<br />

حَكِيم ‏ًا{‏ ، وإن الذين أفزعتهم أموال الكافرين وسيطرهتم نسوا قول هللا تعاَل ‏}وَ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ خَزَ‏ ائِنُ‏ السَّمَاوَ‏ اتِ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ لَكِنَّ‏<br />

6<br />

الْمُنَاقِقِينَ‏ ال يَفْقَهُونَ‏ } ، وإن الذين أفزعتهم حصون الكافرين وآالهتم املانعة نسوا قول هللا تعاَل ‏}وَ‏ ظَنُّوا أَنَّهُ‏ ‏ْم<br />

مَانِعَتُهُمْ‏ حُصُونُهُمْ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَأَتَاهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مِنْ‏ حَيْثُ‏ لَمْ‏ يَحْتَسِبُوا وَ‏ قَذَفَ‏ قِي قُلُوبِهِمْ‏ الرُّ‏ عْبَ‏ يُخْرِ‏ بُونَ‏ بُيُوتَهُمْ‏ بِأَيْدِيهِ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ أَيْدِي الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ قَاعْتَبِرُ‏ وا يَاأُولِي األَبْصَارِ‏ } قول هللا تعاَل ‏}وَ‏ أَنْزَ‏ لَ‏ الَّذِينَ‏ ظَاهَرُ‏ وهُمْ‏ مِنْ‏ أَهْلِ‏ الْكِتَابِ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

، 7 ونسوا<br />

صَيَاصِ‏ يهِمْ‏ وَ‏ قَذَفَ‏ قِي قُلُوبِهِمْ‏ الرُّ‏ عْبَ‏ قَرِ‏ يقًا تَقْتُلُونَ‏ وَ‏ تَأْسِرُ‏ ونَ‏ قَرِ‏ يقًا وَ‏ أَوْ‏ رَ‏ ثَكُمْ‏ أَرْ‏ ضَهُمْ‏ وَ‏ دِيَارَ‏ هُمْ‏ وَ‏ أَمْوَ‏ الَهُمْ‏ وَ‏ أَرْ‏ ض ‏ًا<br />

لَمْ‏ تََِئُوهَا وَ‏ كَ‏ انَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ ً قَدِيرا{‏ ، 9 وإن الذين أفزعتهم استخبارات الكافرين نسوا قول هللا تعاَل ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

11<br />

11<br />

8<br />

مُحِ‏ يٌِ‏ بِالْكَاقِرِ‏ ينَ{‏ ، وقوله تعاَل { وَ‏ كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ِ بِكُل شَيْءٍ‏ مُحِ‏ يِ‏ ‏ًا{‏ ، وقوله تعاَل ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ بِمَا يَعْمَلُونَ‏ مُحِ‏ يٌِ{‏ .<br />

لقد كان عبد املطلب على كُفره أعلم ابهلل وبقدرته من هؤالء،‏ وذلك عندما قال ألبرهة ‏)إن للبيت راب سيمنعه(،‏<br />

وعندما هلك جيش أبرهة ابلطري األاببيل وفر بعضهم هاربني،‏ قال دليلهم:‏<br />

أين املفر واإلله الطالب<br />

02<br />

واألشرم املغلو ليس الغالب.‏<br />

- 1 رواه مسلم عن عياض بن محار<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

361<br />

19<br />

76<br />

21<br />

7<br />

- 6 سورة املنافقون،‏<br />

اآلية:‏<br />

- 7 سورة احلشر،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

2<br />

- 9 سورة األحزاب،‏ اآليتان:‏<br />

- 8 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

27<br />

26<br />

18<br />

- 11 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 11 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

126<br />

47<br />

- 12 األشرم هو أبرهة ‏)سرية ابن هشام ط صبيح 33 / 1<br />

)35


قال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ قِرْ‏ عَوْ‏ نَ‏ ذِي األَوْ‏ تَا ‏ِد الَّذِينَ‏ ‏َِغَوْ‏ ا قِي الْبِال ‏ِد قَأَكْثَرُ‏ وا قِيهَا الْفَسَا ‏َد قَصَوبَّ‏ عَلَويْهِمْ‏ رَ‏ بُّوكَ‏ سَووْ‏ َِ عَوذَا ‏ٍب إِ‏ ‏َّن<br />

رَ‏ بَّوكَ‏ لَبِالْمِرْ‏ صَوادِ{‏ ، 1 ك م قت ل فرع ون م ن أبن اء ب ين إس رائيل خش ية عل ى نفس ه وملك ه،‏ ‏ُث رىب يف بيت ه م ن ك ان هالك ه<br />

على يديه،‏ وال يغين حذر من قدر،‏ وهللا من ورائهم حميط،‏ قال تع اَل:‏ ‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ غَالِبٌ‏ عَلَى أَمْرِ‏ هِ‏ وَ‏ لَكِونَّ‏ أَكْثَورَ‏ النَّواسِ‏ ال<br />

يَعْلَمُونَ{‏ ، 2 وقال تعاَل:‏ ‏}كَتَبَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ألَغْلِبَنَّ‏ أَنَا وَ‏ رُ‏ سُلِي إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَوِيٌّ‏ عَزِ‏ يزٌ‏ } 3 .<br />

إن حصون الكافرين من هللا ال متنع،‏ وإن اجليوش مع بطشه ال تنفع،‏ وإن األموال عنده ال تشفع،‏ وإن املكر واخلديعة<br />

لقدرته ال تدفع،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَكَرُ‏ وا مَكْر ً ا وَ‏ مَكَرْ‏ نَا مَكْر ً ا وَ‏ هُمْ‏ ال يَشْعُرُ‏ و ‏َن<br />

دَمَّرْ‏ نَاهُمْ‏ وَ‏ قَوْ‏ مَهُمْ‏ أَجْمَعِينَ‏<br />

قَتِلْكَ‏ بُيُوتُهُ‏ ‏ْم<br />

4<br />

خَاوِيَةً‏ بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ‏ قِي ذَلِكَ‏ آليَةً‏ لِقَوْ‏ مٍ‏ يَعْلَمُو ‏َن{‏ .<br />

قَانظُرْ‏ كَيْفَ‏ كَانَ‏ عَاقِبَةُ‏ مَكْرِ‏ هِمْ‏ أَنَّا<br />

وأعوذ فأذكِّر أبن فشلنا ذاِتِ‏ ّ األسباب يف املقام األول { وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏ نَفْسِ‏ ‏َك{‏ وأبن التغيري البد أن<br />

5<br />

يبدأ أيضا من الذات،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ِ ‏ُر مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِ‏ ‏ْم{‏ . إن هللا تعاَل إَّنا سلط علينا<br />

الكافرين ملا عملنا مبعاصيه كما سلط كفار اجملوس على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَجَاسُوا<br />

6<br />

خِ‏ الَ‏ لَ‏ الدِيَارِ‏ وَ‏ كَانَ‏ وَ‏ عْد ‏ًا مَفْعُوال{‏ .<br />

ويلزمنا للتغيري والإصالح أمور ثالثة:‏ منهج صواب،‏ وصدق يف اتِّباع هذا املنهج،‏ وإخالص النية يف هذا كله.‏<br />

وقد حاولت أن أبني معامل هذا املنهج الصواب <strong>في</strong>ما أرى وهللا تعاَل أعلم يف هذه الرسالة كما ذكرته يف أصول<br />

الإعتصام ابلكتاب والسنة ‏)منهج أهل السنة واجلماعة(‏ وكما ذكرته يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(.‏<br />

هذا وقد قال هللا تع اَل:‏ ‏}إِنَّا لَنَنصُرُ‏ رُ‏ سُلَنَا وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا فِي<br />

ال ريب <strong>في</strong>ه.‏ وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ رَ‏ حْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَرِ‏ يبٌ‏ مِنْ‏ الْمُحْسِنِي ‏َن{‏ . 9<br />

سابعا ‏)ملحق 3(: عن حكم طلب العلم للمجاهد.‏<br />

وهنا نبحث املسائل اآلتية:‏<br />

أوال:‏ أقسام العلم الشرعي من حيث الوجو .<br />

اثنيا:‏ الرد على شبهة ال جهاد إال بعد طلب العلم.‏<br />

اثلَا:‏ العلم الالزم للطائفة اجملاهدة.‏<br />

الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا وَ‏ يَووْ‏ مَ‏ يَقُوومُ‏ األَشْوهَا ‏ُد{‏ ، 7 ه ذا وع د ص ادق<br />

- 1 سورة الفجر،‏ اآلايت:‏<br />

- 2 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة اجملادلة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة النمل،‏ اآلايت:‏<br />

- 5 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

360<br />

14 إَل 11<br />

21<br />

21<br />

52 إَل 51<br />

11<br />

5<br />

51<br />

- 9 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

56


يقول البعض البد من أن يطلب املسلمُ‏ علمَ‏ دينه قبل أن جياهد،‏ وعليه فإن بعض<br />

الطوائف واجلماعات تعتذر عن<br />

القيام ابجلهاد أبعذار منها أنه جيب عليهم طلب العلم أوال.‏ وهذه املقولة <strong>في</strong>ها حق و<strong>في</strong>ها ابطل،‏ وبيان ذلك كما يلي:‏<br />

أوال:‏ أقسام العلم الشرعي من حيث الوجوب.‏<br />

العلم علمان فرني عني واجب على كل مسلم وفرني كفاية واجب على األمة املسلمة ككل.‏ أما فرني العني وهو<br />

ما جيب على كل مسلم،‏ فهو نوعان:‏ نوع عام أو مشرتك جيب على مجيع املسلمني علمه كأركان الإسالم واحملرمات<br />

القطعية وحنو ذلك،‏ ونوع خاص وهو تفاصيل األحكام ملن وجبت عليه،‏ فغري القادر على الزكاة أو احلج ال يلزمه<br />

معرفة تفاصيل أحكامهما ‏ِبالف القادر عليهما.‏ ويف هذا يقول شارح العقيدة الطحاوية:‏ ‏]فمن وجب عليه احلج<br />

والزكاة مثال،‏ جيب عليه من الإميان أن يعلم ما أُمِر به،‏ وينمن أبن هللا أوجب عليه ماال جيب على غريه اإلميان به إال<br />

جممال،‏ وهلا جيب عليه <strong>في</strong>ه اإلميان املفص ل.‏ وكذلك الرجل أول ما يُسلم إَّنا جيب عليه الإقر ار اجململ،‏ ‏ُث إذا جاء<br />

الإميان[‏<br />

1<br />

وقت الصالة كان عليه أن يؤمن بوجوهبا ويؤديها فلم يتساو الناس <strong>في</strong>ما أمروا به من .<br />

فإذا طبقنا هلا على اجملاهد،‏<br />

فنقول العلم الواجب عليه<br />

‏)العيين(‏ هو<br />

النوع العام ومن النوع افاص جيب عليه<br />

الإملام أبحكام اجلهاد خاصة ما يلزمه يف حق هللا تعاَل ‏ُث يف حق األمري عليه وهذا نذكره يف الباب اخلامس إن شاء<br />

هللا تعاَل،‏ وكذلك يلزمه معرفة ما جيوز يف قتال العدو،‏ أما أحكام الغنائم واألسرى والصلح فال جتب على األعيان إذ<br />

إهنا موكولة إَل األمري.‏<br />

وأما فرني الكفاية<br />

من العلم فهو ما جيب على األمة ككل،‏ فإن قام<br />

الكل،‏ فإن مل يقم به البعض كما ينبغي أُث الكل.‏<br />

به البعض كان هلم الثواب وسقط الإُث عن<br />

ويف هذا يقول الإمام الشافعي رمحه هللا:‏ ‏]العلم نوعان:‏ علم عامة ال يسع ابلغا غري مغلوب على عقله جهله...‏ مثل<br />

الصلوات اخلمس وأن هلل على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه،‏ وزكاة يف أمواهلم،‏ وأنه حَرمم عليهم<br />

الزان والقتل والسرقة واخلمر،‏ وما كان يف معىن هذا،‏ مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأمواهلم،‏<br />

وان يكفوا عنه:‏ ما حرم عليهم منه ‏ُث قال عن فرض الكفاية هذه درجة من العلم ليس تبلعها العامة ومل يكلفها كل<br />

اخلاصة،‏ ومن احتمل بلوغها من اخلاصة فال يسعهم كلهم كافة أن يعطلوها،‏ وإذا قام هبا من خاصتهم من <strong>في</strong>ه الكفاية<br />

مل حيَ‏ رَج غريه ممن تركها إن شاء هللا والفضل <strong>في</strong>ها ملن قام هبا على من عطّلها[‏ . 2<br />

وقال أبو عمر بن عبد الرب:‏ ‏]أمجع العلماء على أن من العلم ما هو فرني عني على كل امرئ يف خاصته بنفسه،‏<br />

ومنه ما هو فرني على الكفاية إذا قلم به قائم سقط فرضه على أهل ذلك املوضع...[‏ وقد نقل ابن عبد الرب أقوال<br />

أئمة السلف يف هذا الشأن كاحلسن البصري ومالك وعبد هللا بن املبارك وس<strong>في</strong>ان بن عيينة وإسحق بن راهوية . 3<br />

- 1 شارح العقيدة الطحاوية ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص :<br />

- 2 الرسالة للشافعي حتقيق أمحد شاكر ص<br />

- 3 جامع بيان العلم وفضله ج<br />

362<br />

379 ،377<br />

361<br />

357<br />

1 ص 12 8


قلت:‏ فتقسيم العلم الشرعي إىل فرني عني وفرني كفاية مما ال خالف <strong>في</strong>ه،‏ ودليله من كت اب هللا تع اَل ‏}وَ‏ مَوا كَوانَ‏<br />

الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ لِيَنفِرُ‏ وا كَاقَّة ً قَلَوْ‏ ال نَفَرَ‏ مِنْ‏ كُل ِ قِرْ‏ قَةٍ‏ مِونْهُمْ‏ ‏َِائِفَوةٌ‏ لِيَتَفَقَّهُووا قِوي الودِينِ‏ وَ‏ لِيُنوذِرُ‏ وا قَووْ‏ مَهُمْ‏ إِذَا رَ‏ جَعُووا إِلَويْهِ‏ ‏ْم<br />

. 1 لَعَلَّهُمْ‏ يَحْذَرُ‏ و ‏َن{‏<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]وطلب العلم الشرعي فرني على الكفاية إال <strong>في</strong>ما يتعني،‏ مثل طلب كل واحد علم<br />

ما أمره هللا به وما هناه عنه،‏ فإن هذا فرض على األعيان كما أخرجاه يف الصحيحني عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه<br />

قال:‏ ‏»من يُرِد هللا به خريا يفقهه يف الدين«.‏ وكل من أراد هللا به خريا البد أن يفقهه يف الدين،‏ فمن مل يفقهه يف<br />

الدين مل يرد هللا به خريا،‏ والدين:‏ ما بعث هللا به رسوله،‏ وهو ما جيب على املرء التصديق به والعمل به،‏ وعلى كل<br />

أحد أن يصدق حممدا صلى هللا عليه وسلم <strong>في</strong>ما أخرب به،‏ ويطيعه <strong>في</strong>ما أمر تصديقا عاما وطاعة عامة،‏ ‏ُث إذا ثبت<br />

عنه خرب كان عليه أن يصدق به مفصال،‏ وإذا كان مأمورا من جهة أبمر معنيكان عليه أن يطيعه<br />

القدرة<br />

2<br />

طاعة مفصلة[‏ .<br />

وقال رمحه هللا عن فرض الكفاية من العلم:‏ ‏]وكذلك أهل العلم الذين حيفظون على األمة الكتاب والسنة:‏ صورة<br />

ومعىن،‏ مع أن حفظ ذلك واجب على األمة عموما على الكفاية منهم،‏ ومنه ما جيب على أعياهنم،‏ وهو علم العني،‏<br />

الذي جيب على املسلم يف خاصة نفسه،‏ لكن وجوب ذلك عينا وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا <strong>في</strong>ه،‏ أو رزقوا عليه<br />

أعظم من وجوبه على غريهم،‏ ألنه واجب ابلشرع عموما.‏ وقد يتعني عليهم لقدرهتم عليه وعجز غريهم،‏ ويدخل يف<br />

استعداد العقل،‏ وسابقة الطلب،‏ ومعرفة الطرق املوصلة إليه،‏ من الكتب املصنفة،‏ والعلماء املتقدمني،‏ وسائر<br />

األدلة املتعددة،‏ والتفرغ له عما يُشْغَل به غريهم[‏ . 3<br />

وما ذكره ابن تيمية رمحه هللا من انه يدخل يف القدرة على طلب العلم الكفائي استعداد العقل والتفرغ،‏ نذكر له أمثلة<br />

من جيل الصحابة.‏<br />

فاستعداد العقل ‏َّنثل مبا ورد عن عبد هللا بن أيب أوىف<br />

أستطيع أن آخل شيئا من القرآن<br />

<br />

قال:‏ ‏)جاء رجل إَل النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏ إين ال<br />

فعلمين ما جيزئين،‏ فقال قل:‏ سبحان هللا واحلمد هلل وال إله إال هللا وهللا أكرب وال<br />

حول وال قوة إال ابهلل(‏ ، 4 فهذا صحايب ال يستطيع أخذ شيء من القرآن وال فاحتة الكتاب اليت ال تصح الصالة إال<br />

هبا،‏ فأرشده النيب صلى هللا عليه وسلم إَل ما يقوله يف الصالة بدال عن الفاحتة،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}ال يُكَلِفُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ نَفْس ‏ًا إِالَّ‏<br />

وُ‏ سْعَهَا{.‏<br />

والتفرغ ‏َّنثل له مبا رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال:‏ ‏)كنت أُقْرِئُ‏ رجاال من املهاجرين منهم عبد<br />

الرمحن بن عوف....(‏ ، 5 قال ابن حجر:‏ ‏]“كنت اختلف إَل عبد الرمحن بن عوف وحنن مبِىنَ‏ مه عمر بن اخلطاب<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

- 3 جمموع الفتاوى ج<br />

363<br />

122<br />

29 ص 91<br />

29 ص 196<br />

- 4 رواه أبو داود،‏ وحسنه األلباين ‏)إرواء الغليل 12( / 2<br />

- 5 احلديث 6931


أُعَلِّم عبد الرمحن بن عوف القرآن”‏<br />

، 1 وكان ابن عباس ذكيا شديد احلفظ،‏<br />

وكان كَري من الصحابة الشتغاهلم<br />

ابجلهاد مل يستوعبوا القرآن حفظا،‏ وكان من اتفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة النبوية وإقامتهم ابملدينة،‏ فكانوا<br />

2<br />

يعتمدون على ‏ُنباء األبناء <strong>في</strong>ُقرِئوهنم تلقينا للحفظ[‏ ، قلت:‏ والقصة املذكورة يف هذا احلديث كانت قُبيل وفاة عمر<br />

بن اخلطاب<br />

أبسابيع،‏ وعبد الرمحن بن عوف وهو من العشرة املبشرين ابجلنة ومن أصحاب الشورى والستة كان<br />

مرشحا للخالفة بعد عمر،‏ وكان مازال يستكمل حفظ القرآن بسبب ما فاته الشتغاله ابجلهاد ومصاحل املسلمني،‏ ومل<br />

مينعه هذا من أن يكون مرشحا للخالفة،‏ فتأمل هذا.‏<br />

وراجع أيضا ابب ‏)احلجة على من قال إن أحكام النيب صلى هللا عليه وسلم كانت ظاهرة،‏ وما كان يغيب بعضهم عن<br />

3<br />

مشاهد النيب صلى هللا عليه وسلم وأمور الإسالم(‏ من كتاب الإعتصام بصحيح البخاري .<br />

ثانيا:‏ الرد على شبهة ‏)ال جهاد إال بعد طلب العلم(.‏<br />

فإن كان صاحب هذه املقولة وهي وجوب طلب العلم قبل اجلهاد يعين بذلك فرض العني من العلم الشرعي،‏ فنقول<br />

هذا متيسر يف أقل زمن وال يلزم معرفته أبدلته الشرعية التفصيلية على الكافة،‏ ملا نقله ابن حجر عن القرطيب قال:‏<br />

‏]هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبله من أئمة السلف،‏ واحتج بعضهم مبا<br />

تقدم من القول يف أصول الفطرة،‏ ومبا<br />

تواتر عن النيب صلى هللا عليه وسلم ‏ُث الصحابة أهنم حكموا إبسالم من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد األوَثن،‏<br />

فقبلوا منهم الإقرار ابلشهادتني والتزام أحكام الإسالم من غري إلزام بتعلم األدلة[‏ أ ه . 4 وإن كان صاحب هذه املقولة<br />

يعين بذلك فروض الكفاية من العلوم الشرعية وأنه ال جياهد املسلم حىت حيصل قدرا معينا من العلوم الشرعية،‏ فهذا<br />

قد أخطأ من وجهني:‏<br />

الوجه األول:‏ أنه جعل فرض الكفاية فرض عين.‏<br />

وه ذا يفض ي إَل تعطي ل مص احل املس لمني بقع ودهم مجيع ا لطل ب العل م،‏ وقدد هندى هللا عدن هدلا بقولده ‏}وَ‏ مَوا كَوا ‏َن<br />

الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ لِيَنفِرُ‏ وا كَاقَّةً‏ قَلَوْ‏ الَ‏ نَفَرَ‏ مِنْ‏ ِ كُل قِرْ‏ قَةٍ‏ مِونْهُمْ‏ ‏َِائِفَوةٌ‏ لِيَتَفَقَّهُووا قِوي الودِينِ‏ وَ‏ لِيُنوذِرُ‏ وا قَووْ‏ مَهُمْ‏ إِذَا رَ‏ جَعُووا إِلَويْهِ‏ ‏ْم<br />

لَعَلَّهُمْ‏ يَحْذَرُ‏ ونَ{‏ ، 5 وكما ترى فقد قسم هللا تعاَل الناس يف هذه اآلية إىل متفقهة وغري متفقهة متاما كما يف قوله تع اَل<br />

‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْوتُمْ‏ ال تَعْلَمُوونَ{‏ ، 6 والع امل املتفق ه م أمور بتعل يم الن اس إم ا ابجل واب ع ن أس ئلتهم إذا س ألوه،‏<br />

وإما أن يبدأهم هو ببيان احلق إذا مل يسألوه كما قال تع اَل ‏}وَ‏ لِيُنذِرُ‏ وا قَ‏ ‏ْومَهُمْ‏ إِذَا رَ‏ جَعُوا إِلَيْهِ‏ ‏ْم{‏ ، 7 وق ال تع اَل:‏ ‏}قُولْ‏<br />

- 1 أخرجه بن أيب شيبة<br />

364<br />

- 2 فتح الباري 146 / 12<br />

- 3 فتح الباري ج 13 ص 321<br />

- 4 فتح الباري 352 / 13<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النحل،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

122<br />

43<br />

وسورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

122


تَعَالَوْ‏ ا أَتْلُ‏ مَا حَرَّ‏ مَ‏ رَ‏ بُّكُمْ‏ عَلَيْكُمْ{‏ ، 1 كذلك فإن العامي غري املتفقه مأمور بسؤال العامل عما جيهله من أم ر دين ه كم ا يف<br />

آية النحل،‏ فإذا رآه العاملُ‏ يعمل على جهل وال يسأل ابدره العاملُ‏ ابلنصيحة والتعليم لقول ه تع اَل ‏}وَ‏ لِيُنوذِرُ‏ وا قَووْ‏ مَهُمْ‏ إِذَا<br />

رَ‏ جَعُوا إِلَيْهِمْ{‏ وقوله تعاَل ‏}قُلْ‏ تَعَالَوْ‏ ا أَتْلُ‏ مَا حَرَّ‏ مَ‏ رَ‏ بُّكُمْ‏ عَلَيْكُمْ{.‏<br />

الوجه الثاني:‏ أنه جعل شرطا لوجوب الجهاد ما ليس بشرط.‏<br />

فإن هذا الذي أوجب على الناس طلب العلم قبل أن جياهدوا،‏ لنا أن نسأله ما دليل قولك من الكتا أو من<br />

السنة؟ وحنن ‏ُنيب فنقول ال دليل على ذلك،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من أحدث يف أمران هذا ما<br />

2<br />

ليس منه فهو رد«‏ ، فقوله هذا إحداث يف الدين مردود غري مقبول.‏<br />

‏ُث لنا كذلك أن نسأله ما دليل قولك هذا من سرية النيب صلى هللا عليه وسلم أو من سرية السلف الصاحل مِ‏ ‏َن<br />

الصحابة فَمَنْ‏ بعدهم،‏ هل كانوا يوجبون طلب العلم على كل مسلم قبل أن جياهد؟ وهل كانوا خيتربون اجلنود يف<br />

ذلك؟.‏<br />

كان مع النيب صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية سنة ست،‏ ألف وأربعمائة صحايب،‏ ويف غزوة الفتح سنة مثان،‏ عشرة<br />

آالف صحايب،‏ وبعد أقل من شهر واحد من فتح مكة خرج النيب صلى هللا عليه وسلم إَل حنني ومعه إثنا عشر ألفا،‏<br />

عشرة آالف دخلوا معه مكة وألفان من مسلمة الفتح فمىت تعلم هؤالء وهم قد خرجوا إَل غزوة حنني ومل ميض على<br />

إسالمهم شهر؟ وهل قال هلم النيب صلى هللا عليه وسلم إنكم حديثوا الإسالم فال تغزوا معي حىت تتعلموا؟ بل مسح<br />

هلم صلى هللا عليه وسلم ابجلهاد معه وكانوا مع ذلك يتعلمون ويرشدهم إَل ما يلزمهم،‏ كما ذكر أبو واقد الليثي<br />

<br />

قال:‏ ‏)خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل حنني وحنن حدَثء عهد بكفر،‏ وللمشركني سِ‏ دْرة يعكفون عندها<br />

وينوطون هبا أسلحتهم،‏ يقال هلا ذات أنواط،‏ فمرران بسدرة،‏ فقلنا اي رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط،‏ كما هلم ذات<br />

أنواط.‏ قال صلى هللا عليه وسلم : هللا أكرب إهنا السنن،‏ قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل ملوسى ‏}اجْعَل<br />

لَنَا إِلَه ‏ًا كَمَا لَهُمْ‏ آلِهَةٌ‏<br />

4<br />

3<br />

قَالَ‏ إِنَّكُمْ‏ قَوْ‏ مٌ‏ تَجْهَلُو ‏َن{‏ ، لَرتَْكُنبُم سَنَنَ‏ من كان قبلكم(‏ .<br />

مما سبق تعلم أن العلم ليس من شروط وجو اجلهاد،‏ حىت لو قَصمر أحد يف طلب العلم الواجب املتعني عليه فال<br />

يكون تقصريه هذا مانعا له من اجلهاد.‏<br />

فشروط وجوب اجلهاد كما ذكرها ابن قدامة قال:‏<br />

‏]ويشرتط لوجوب اجلهاد سبعة شروط:‏ الإسالم والبلوغ والعقل<br />

واحلرية والذكورية والسالمة من الضرر ووجود النفقة[‏ ، 5 قلت:‏ ويضاف إَل هذه إذن الوالدين وإذن الغرمي للمدين<br />

- 1 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

365<br />

151<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

- 4 رواه الرتمذي وصححه.‏<br />

139<br />

- 5 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 366


ذكرها أيضا ابن قدامة . 1 فهذه تسعة شروط لوجوب اجلهاد الكفائي فإذا تعني اجلهاد سقطت بعض هذه الشروط،‏<br />

و بقيت شروط اجلهاد العيين مخسة وهي:‏ الإسالم والبلوغ والعقل والذكورية خالفا ملن أسقطها والسالمة من الضرر،‏<br />

وال يشرتط وجود النفقة إذا حل العدو ابلداير أو كان دون مسافة القصر على قول.‏<br />

وكما يرى كل مبتغ للحق غري مكابر وال معاند أن العلم الشرعي ليس ضمن الشروط امللكورة أعاله،‏ وهذا ليس<br />

قول ابن قدامة وحده،‏ بل مل أعثر على من اشرتط هذا يف أي من كتب الفقه <strong>في</strong>ما اطلعت.‏<br />

ويك<strong>في</strong>ك يف هذا احلديث الذي رواه البخاري رمحه هللا عن الرباء<br />

<br />

قال:‏ ‏)أَتَى النيب م صلى هللا عليه وسلم رجلٌ‏ مقنع<br />

ابحلديد فقال اي رسول هللا أُقاتل أو أُسلم؟ قال:‏ أَسلِم ‏ُث قَاتِل،‏ فأسلم ‏ُث قاتَل فقُتل،‏ فقال صلى هللا عليه وسلم:‏ عَمِل<br />

2<br />

قليال وأُجِ‏ رَ‏ كثريا(‏ . ومثله حديث ‏»ارجع فلن أستعني مبشرك«‏<br />

و<strong>في</strong>ه أن هذا املشرك أسلم ‏ُث قاتل وذلك يوم بدر<br />

َ<br />

،<br />

3<br />

وكما ترى مل ‏َيمر النيب صلى هللا عليه وسلم أحدا من هذين أبن يذهب ليتعلم دينه قبل السماح له ابلقتال بل اكتفى<br />

منه ابلإميان اجململ.‏ فلو كان العلم شرطا لوجوب اجلهاد ملا أذن النيب صلى هللا عليه وسلم هلذا ابلقتال معه قبل طلب<br />

العلم.‏ ومن هنا تعلم أنه ليس بشرط،‏ وقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن<br />

كان مائة<br />

اجلهاد<br />

4<br />

شرط«‏ ، فتعلم بذلك أن هذا القول وجوب طلب العلم قبل اجلهاد<br />

هو قول ابطل ويفضي إىل إبطال<br />

الذي نراه متعينا على مجهور املسلمني يف هذا الزمان.‏ وأرجو أال يكون هذا القول الباطل تربيرا من البعض<br />

للقعود عن اجلهاد.‏<br />

= 0<br />

ثالثا:‏ العلم الالزم للطائفة المجاهدة.‏<br />

الذي أراه وهللا تعاَل أعلم ابلصواب أن اجلهاد متعني على مجهور املسلمني من غري ذوي األعذار الشرعية،‏ وأن<br />

اجلماعة البد منها للقيام ابجلهاد،‏ وأن الطائفة اجملاهدة جيب عليها استيفاء نوعي العلم:‏ العيين والكفائي.‏<br />

أما العلم العيين يف حق اجملاهد فهو نوعان:‏ عام وخاص.‏<br />

أ(‏ النوع العام:‏ ويشرتك <strong>في</strong>ه املسلمون مجيعا،‏ ومنه علم التوحيد ونواقضه وأركان الإسالم واحملرممات وحنو ذلك،‏ وهذا<br />

ميكن حتصيله أثناء اجلهاد وليس بشرط لوجوبه كما سبق،‏ وقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم يعلم أصحابه مع<br />

اشتغاهلم ابجلهاد،‏ كما يف حديث ذات أنواط السابق،‏ وهو أمر متعلق ابلتوحيد الذي هو أصل الدين.‏ و<strong>في</strong>ما يتعلق<br />

ابلعلم العيين إمجاال انصح كل مسلم مبراعاة أمرين:‏ األول أن ال ي ‏ُقْدِمَ‏ على أمر حىت يعلم حكم الشريعة <strong>في</strong>ه،‏ كما<br />

366<br />

ج-‏ 1<br />

11 ص 394 391<br />

- 2 ورواه مسلم.‏<br />

- 3 رواه مسلم عن عائشة.‏<br />

- 4 رواه البخاري.‏


ب(‏<br />

سبق يف أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة يف قوله تعاَل ‏}ال تُقَدِمُوا بَيْنَ‏ يَدَيْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه{‏ ، 1 والثاين أن يسأل من<br />

يدله على حكم الشريعة لقوله تعاَل ‏}قَاسْأَلُوا أَهْلَ‏ الذِكْرِ‏ إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ ال تَعْلَمُو ‏َن{‏ . 2<br />

والنوع افاص:‏ هو علم<br />

اجلهاد،‏ أي هل هذا اجلهاد<br />

مشروعية<br />

اجلهاد ومعرفة<br />

للمسلم أن يشارك يف جهاد قبل أن يعلم مشروعيته<br />

الراية<br />

اليت سيجاهد املسلم حتتها.‏ أما<br />

علم مشروعية هلا<br />

الذي تنوي الشروع <strong>في</strong>ه مشروع أم ال؟ ومن أي وجه هو؟ وهلا فرني واجب ال جيوز<br />

فاجلهاد يف ذهاب األنفس واألموال.‏ ويدل على هذا املناظرة<br />

اليت دارت بني أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما عندما عزم أبو بكر على قتال املرتدين بعد وفاة النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ وقد خ<strong>في</strong> وجه مشروعية قتاهلم على عمر،‏ فبني له أبو بكر ذلك.‏ فعن أيب هريرة قال:‏ ملا تويف النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم واستُخلف أبو بكر،‏ وكَفَر من كَفَر من العرب،‏ قال عمر:‏ اي أاب بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم ‏»أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال هللا،‏ فمن قال ال إله إال هللا عصم مىن ماله<br />

ونفسه إال حبقه وحسابه على هللا،‏ قال أبو بكر:‏ وهللا ألقاتلن من فرق بني الصالة والزكاة،‏ فإن الزكاة حق املال،‏ وهللا<br />

لو منعوين عقال عناقا كانوا يؤدوهنا إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقاتلتُهم على منعها.‏ قال عمر:‏ فوهللا ما هو<br />

إال أن رأيت أن قد شرح هللا صدر أيب بكر للقتال فعرفت أنه احلق«‏ . 3<br />

وأما معرفة الراية اليت سيجاهد املسلم حتتها فهذا واجب أيضا،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ قُتِلَ‏ حتَْتَ‏ رَايَةٍ‏ عِمِّيمةٍ‏<br />

4<br />

يَدْعُو عَصَبِيمةً‏ أَوْ‏ ي ‏َنْصُرُ‏ عَصَبِيمةً‏ فَقِتْلَةٌ‏ جَاهِلِيمةٌ«‏ . وقال تعاَل:‏ ‏}الَّذِينَ‏ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا<br />

5<br />

يُقَاتِلُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ الَِّاغُوتِ{‏ ، فال يك<strong>في</strong> علم مشروعية اجلهاد أي هل قتال هذا العدو واجب أم ال؟ بل البد<br />

من معرفة الراية اليت ستقاتل عدوك حتتها،‏ وقد سبق بيان هذا يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(.‏<br />

= 2<br />

وأما العلم الكفائي <strong>في</strong>عمد أمري اجلهاد إَل طائفة من أتباعه يفرِّغهم لطلب العلوم الشرعية على التفصيل الالزم<br />

لسد احتياجات الدعوة والتعليم والقضاء يف مرحليت ما قبل النصر<br />

والتمكني وما بعده،‏ على أن تكون هذه الطائفة<br />

املتفرغة لطلب العلم من ذوي الإستعداد لذلك.‏ وتقوم اجلماعة اجملاهدة بكفالة هنالء املتفرغني لطلب العلم ماليا . 6<br />

وأنصح الطائفة اجملاهدة أبن تسد حاجتها من العلم الشرعي والفتوى عن طريق أبنائها على أن يشتغل هؤالء املتفرغون<br />

ابألهم فما دونه،‏ ويقتصروا من كل علم على أهم مسائله،‏ قال ابن خلدون:‏ ‏]إن كثرة التآليف يف العلوم عائقة عن<br />

367<br />

- 1 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏ 1<br />

- 2 سورة النحل،‏ اآلية:‏ 43<br />

- 3 رواه البخاري.‏<br />

- 4 رواه مسلم عن جندب بن عبد هللا.‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

76<br />

- 6<br />

وحنوه.‏<br />

انظر املوافقات للشاطيب ج<br />

وسورة األنبياء،‏ اآلية:‏ 7<br />

2 ص 367 366<br />

مسألة:‏ من كُلِّف مبصاحل غريه وجب على املسلمني القيام مبصاحله،‏ وإَّنا يكون ذلك من بيت املال


التحصيل،‏ وقال إن طالب العلم ال يَفِي عمرُه مبا كُتِبَ‏ يف صناعة واحدة إذا جترد هلا،‏ وقال إن املتعلم ولو قطع عمره<br />

فتفطن هلذا،‏ ومثل هذا ما<br />

يف هذا كله فال ي<strong>في</strong> له بتحصيل علم العربية مثال الذي هو آلة من اآلالت ووسيلة...[‏ 1<br />

قاله الشاطيب ‏]املقدمة التاسعة:‏ من العلم ما هو صُلْب العلم ومنه ما هو مُلَح العلم ال مِنْ‏ صلبه،‏ ومنه ما ليس من<br />

2<br />

صلبه وال ملحه،‏ فهذه ثالثة أقسام[‏ ، وذكر الشاطيب من املُلَح التأنق يف استخراج احلديث من طرق كثرية ال على<br />

3<br />

قصد طلب تواتره ، وهذا املثال عَدمه ابن اجلوزي من تلبيس إبليس على أهل احلديث إذا مل ي ‏َقْصد بكثرة الطرق غرضا<br />

5<br />

4<br />

شرعيا صحيحا ، وأشار ابن عبد الرب إَل أن هذا قد يدخل حتت قوله تعاَل:‏ ‏}أَلْهَاكُمْ‏ التَّكَاثُرُ‏ } . قلت:‏ وال شك أن<br />

مجع رواايت احلديث وطرقه له فوائد صحيحة:‏ كتقوية احلديث ابملتابعات والشواهد ومعرفة زايدات الثقات وتفسري<br />

غريبه ومعرفة املصحمف واملبهم والإدراج ومعرفة سبب احلديث وحنو ذلك مما يعرفه أهل الشأن.‏<br />

واملقصد من هذا أن يشتغل طالب العلم ابألهم فما دونه،‏ خاصة ما حيتاجه العمل اجلهادي من العلوم يف مراحله<br />

املختلفة.‏<br />

افالصة:‏ ذكرت أن الطائفة اجملاهدة يلزمها استيفاء نوعي العلم:‏ العيين جلميع أفرادها،‏ والكفائي الذي تقوم به فئة<br />

من الطائفة تسد حاجة اجملموع من العلوم املختلفة.‏ ومع ذلك فإن هناك قدرا من العلم جيب توفره يف قادة اجلهاد وإن<br />

مل نلزم<br />

به عموم األفراد،‏ وهذا القدر واجب يف حق القيادات لضبط األعمال على مقتضى الشرع وللحفاظ على<br />

مسرية اجلهاد من االحنراف عن غايتها الشرعية،‏ وقد سبق يف الباب الثالث أن العلم الشرعي من شروط الإمارة<br />

6<br />

العامة ، وهذا ما يدل عليه قول النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»إِنم اَّللمَ‏ ال ي ‏َقْبِضُ‏ الْعِلْمَ‏ انْتِزَاعًا ي ‏َنْتَزِعُهُ‏ مِنَ‏ الْنماسِ‏ وَلَكِ‏ ‏ْن<br />

ي ‏َقْبِضُ‏ الْعِلْمَ‏ بِقَبْضِ‏ الْعُلَمَاءِ‏ حَىتم إِذَا ملَْ‏ ي ‏ُبْقِ‏ عَالِمًا اختمَذَ‏ النماسُ‏ رُءُوسًا جُهماال فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَريِْ‏ عِلْمٍ‏ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا«‏<br />

هذا ما أرى يف العلم الالزم للطائفة اجملاهدة،‏ وهللا تعاَل أعلم ابلصواب.‏<br />

7<br />

.<br />

368<br />

532<br />

- 1 املقدمة ص 531<br />

- 2 املوافقات 77 / 1<br />

- 3 نفس املرجع 91 / 1<br />

- 4 تلبيس إبليس،‏ ط املدين ص<br />

158<br />

- 5 جامع بيان العلم،‏ ط املنريية ‎1389‎ه ج<br />

6 األحكام السلطانية أليب يعلى ص 37<br />

2 ص 132<br />

7 متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما.‏


ثامنا ‏)ملحق‎4‎‏(:‏<br />

<strong>في</strong> المقصود باإلعداد للجهاد وهل العدالة شرط لوجوب الجهاد؟<br />

‏)الرد على شبهة:‏ ال جهاد إال بعد استكمال التربية اإليمانية(.‏<br />

نبحث هنا المسائل اآلتية:‏<br />

أوال:‏ ما المقصود باإلعداد للجهاد؟<br />

ثانيا:‏ هل العدالة من شروط وجوب الجهاد؟<br />

أوال:‏ ما المقصود باإلعداد للجهاد؟<br />

املقصود <strong>إعداد</strong>ان:‏ <strong>إعداد</strong> مادي و<strong>إعداد</strong> إمياين،‏ وال جيوز قصر ال<strong>إعداد</strong> على أحدمها.‏ أما ال<strong>إعداد</strong> املادي:‏ فهو املشار<br />

إليه يف آية األنفال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِ‏ ‏ْن قُوَّ‏ ةٍ‏ وَ‏ مِنْ‏ رِ‏ بَاِِ‏ الْخَيْلِ‏ تُرْ‏ هِبُونَ‏ بِهِ‏ عَدُوَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ عَدُوَّ‏ كُ‏ ‏ْم<br />

1<br />

وَ‏ آخَرِ‏ ينَ‏ مِنْ‏ دُونِهِمْ‏ ال تَعْلَمُونَهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْلَمُهُمْ‏ وَ‏ مَا تُنفِقُوا مِنْ‏ شَيْءٍ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، وقد ورد تفسري هذه اآلية مرفوعا<br />

مبا ال يدع جماال لتأويلها أو محلها على غري املراد،‏ فقد روى مسلم أن عقبة بن عامر قال إن رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم تال هذه اآلية ‏ُث قال:‏ ‏»أال إن القوة الرمي«‏ ثالَث.‏<br />

فال جيوز محل هذه اآلية على ال<strong>إعداد</strong> الإمياين والرتبية،‏ وال<strong>إعداد</strong> املادي يشمل <strong>إعداد</strong> الرجال والسالح واملال.‏ واآلية<br />

السابقة ذكرت السالح واملال صراحة والرجال إشارة،‏ وقد ورد األمر إبعداد الرجال يف آايت أخر،‏ كقوله تعاَل:‏<br />

2<br />

‏}يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَى الْقِتَالِ{‏ ، وكقوله تعاَل:‏ ‏}قَقَاتِلْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ال تُكَلَّفُ‏ إِال نَفْسَكَ‏ وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏<br />

4<br />

3<br />

الْمُؤْ‏ مِ‏ نِينَ‏ عَسَى ‏َّللاَّ‏ ُ أَنْ‏ يَكُفَّ‏ بَأْسَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا{‏ ، وكقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ...{ .<br />

وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الثاين من هذه الرسالة،‏ وقال شيخ الإسالم ابن تيمية إنه إذا سقط اجلهاد للعجز<br />

5<br />

وجب الإستعداد إبعداد القوة ورابط اخليل .<br />

وقد جعل هللا سبحانه هلا اإلعداد من عالمات صدق اإلميان<br />

و<strong>في</strong>صال بني املنمن واملنافق يف قوله تعاَل ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَرَ‏ ادُوا الْخُرُ‏ وجَ‏ ألَ‏ ‏َعَدُّوا لَهُ‏ عُدَّةً‏ وَ‏ لَكِنْ‏ كَرِ‏ هَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَاثَهُمْ‏ قَثَبََِّهُ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ قِيلَ‏ اقْعُدُوا مََْ‏ الْقَاعِدِي ‏َن لَوْ‏ خَرَ‏ جُوا قِيكُمْ‏ مَا زَ‏ ادُوكُمْ‏ إِالَّ‏ خَبَاال وَ‏ ألَوْ‏ ضَعُوا خِ‏ اللَكُمْ‏ يَبْغُونَكُمْ‏ الْفِتْنَةَ‏ وَ‏ قِيكُ‏ ‏ْم<br />

سَمَّاعُونَ‏ لَهُمْ{‏ . 6 فبني هللا سبحانه أن ترك املنافقني <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> كان بسابق اخلذالن القدري هلم منه سبحانه،‏ وأن<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

369<br />

61<br />

- 2 األنفال،‏ اآلية:‏ 65<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الصف،‏ اآلية:‏<br />

- 5 جمموع الفتاوى ج<br />

- 6 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

94<br />

14<br />

29 ص 258<br />

.47 46


هذا كان رمحة منه سبحانه للمؤمنني الصادقني فلو خرج معهم هؤالء املنافقون ملا كان منهم إال الإفساد والفنت،‏ خاصة<br />

وأن بع<br />

ابل<strong>إعداد</strong> املادي.‏<br />

<br />

<br />

املنمنني حيُ‏ سنون الظن هبنالء املنافقني ‏}وَ‏ قِيكُمْ‏ سَمَّاعُونَ‏ لَهُمْ{‏ <strong>في</strong>نشأ من هذا فساد كبري.‏ هذا <strong>في</strong>ما يتعلق<br />

أما ال<strong>إعداد</strong> الإمياين ‏)الرتبية(‏ فال منه أيضا،‏ وقد سبق ذكر أدلته يف هذا الفصل مبا يغين عن الإعادة،‏ وهذا ال<strong>إعداد</strong> يف<br />

غاية التشعب بعدد شعب الإميان الظاهر منها والباطن،‏ العلمي منها والعملي،‏ وله أثر مباشر يف النصر أو اخلذالن<br />

القدري كما سبق يف األصول اخلمسة ولكن هناك بعض التحفظات <strong>في</strong>ما يتعلق ابل<strong>إعداد</strong> وهي:‏<br />

أال حتُْم ل آية اإلعداد ابألنفال على الرتبية،‏ فقد ورد تفسريها مرفوعا مبا ي ‏ُبْطِ‏ ل أتويله ا،‏ أم ا الرتبي ة فله ا أدل ة أخ ر<br />

سبق بياهنا.‏ وأقبح من هذا من ي ‏ُقْصِر ال<strong>إعداد</strong> على الإمياين دون املادي،‏ فهذا مكذب ‏ِبايت هللا.‏<br />

أال تتخدل الرتبيدة ذريعددة للقعدود عددن اجلهداد،‏ خاص ة اجله اد العي ين ‏)ف رض ع ني(،‏ وه ذا ه و أه م التحفظ ات <strong>في</strong>م ا<br />

يتعلق ابلرتبية.‏ وهذا حيملنا إَل الشق الثاين من هذا التنبيه.‏<br />

ثانيا:‏ هل العدالة من شروط وجوب الجهاد؟<br />

فالذين يقولون ال ‏ُناهد حىت نستويف الرتبية الإميانية،‏ نسأهلم سؤالني:‏<br />

السؤال األول:‏ هل الغرض من هذه الرتبية الوصول ابلفرد املسلم إَل مرتبة العدالة الشرعية أم إَل مرتبة أعلى؟.‏<br />

السؤال الثاين:‏ هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟ مبعىن أنه هل ال جيوز للمسلم أن جياهد حىت يكون عدال؟ وهل<br />

يسقط وجوب اجلهاد عن الفاسق؟.‏<br />

ونذكر أوال تعريف العدالة فنقول:‏ ‏]هي استواء أحوالِه يف دينه،‏ وقيل من مل تظهر منه رِيبة...‏ ويعترب هلا شيئان:‏<br />

الصالح يف الدين وهو أداء الفرائض برواتبها،‏ واجتناب احملرم أبن ال ‏َيِت كبرية وال يُدمن على صغرية.‏<br />

1<br />

املروءة بفعل ما جيَُمِّله وي ‏ُزَيِّنه وترك ما يدنسه ويشينه[‏ .<br />

= 1<br />

= 2 استعمال<br />

‏ُث نذكر شروط وجوب اجلهاد وقد سبقت يف امللحق السابق وهي ‏)الإسالم والبلوغ والعقل والذكورية والسالمة من<br />

2<br />

الضرر واحلرية ووجود النفقة وإذن الوالدين وإذن الدائن(‏ ، وهذا يف اجلهاد الكفائي أما العيين فالشروط هي اخلمسة<br />

األُوَل فقط.‏ وكما ترى فإن العدالة ليست من هله الشروط.‏<br />

فإذا ثبت<br />

أن العدالة ليست شرطا لوجوب اجلهاد،‏ سقط قول من يقول البد من الرتبية للوصول ابملسلم إَل رتبة<br />

العدالة قبل أن جياهد،‏ وابلتايل يسقط قول من يشرتط رتبة أعلى من العدالة.‏<br />

- 1 منار السبيل شرح الدليل ط املكتب الإسالمي ‎1414‎ه ج 2 ص 499 497،<br />

371<br />

- 2 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 394 ،391 ،366


بل قد صرح الفقهاء بعكس ذلك،‏ أي أنه جيوز االستعانة ابلفاسق واملنافق يف الغزو،‏ فقد قال الشوكاين:‏ ‏]قال يف<br />

البحر:‏ وجتوز االستعانة ابملنافق إمجاعا الستعانته صلى هللا عليه وسلم اببن أُيبَّ‏ وأصحابه،‏ وجتوز االستعانة ابلفُساق<br />

1<br />

عَلِي ابألشعث.‏ أ ه ] .<br />

ّ<br />

على الكفار إمجاعا،‏ وعلى البغاة عندان الستعانة<br />

وقال يف اجملموع:‏ ‏]قال أبو بكر اجلصاص يف أحكام القرآن:‏ اجلهاد واجب مع الفساق كوجوبه مع العدول،‏ وسائر<br />

اآلية املوجبة لفرض اجلهاد مل يفرق بني فعله مع الفساق ومع العدول الصاحلني،‏ وأيضا فإن الفساق إذا جاهدوا فد هُم<br />

2<br />

مطيعون يف ذلك(‏ .<br />

وقال ابن حزم بعدما ذكر حديث ‏»إن هللا ينصر هذا الدين بقوم ال خالق هلم«‏ وحديث ‏»إن هللا ليؤيد هذا الدين<br />

ابلرجل الفاجر«‏<br />

الذين ال خالق هلم،‏ وأيضا فإن<br />

قال:‏ ‏]فهذا يبيح االستعانة على أهل احلرب أبمثاهلم وعلى أهل البغي أبمثاهلم من املسلمني الفجار<br />

الفاسق مفرتني عليه من اجلهاد<br />

الفاضل فال حيل منعهم من ذلك،‏ بل الغرض أن يُدْعَوا إَل ذلك[‏ . 3<br />

ومن دفع أهل البغي كالذي افرتض على املؤمن<br />

وقد سبق يف الباب الثالث من هذه الرسالة حبث مسألة الغزو مع األمري الفاجر على التفصيل،‏ فإن جاز اخلروج مع<br />

الفاجر متبوعا،‏ فخروجه اتبعا أوَل.‏<br />

وقد أسهب شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف بيان هذا،‏ ومما نقلته عنه يف الباب الثالث قوله:‏ ‏]فإن<br />

اتفق من<br />

يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية يف رضوان هللا وإعزاز كلمته وإقامة دينه،‏ وطاعة رسوله،‏ وإن كان <strong>في</strong>هم من <strong>في</strong>ه<br />

فجور وفساد نية أبن يكون يقاتل على الرايسة أو يتعدى عليهم يف بعض األمور،‏ وكانت مفسدة ترك قتاهلم أعظم<br />

على الدين من مفسدة قتاهلم على هذا الوجه:‏ كان الواجب أيضا قتاهلم دفعا ألعظم املفسدتني ابلتزام أدانمها،‏ فإن<br />

هذا من أصول الإسالم اليت ينبغي مراعتها.‏<br />

وهلذا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر،‏ فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر،‏ وأبقوام<br />

الخالق هلم،‏ كما أخرب بذلك النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار،‏ أو مع عسكر<br />

كَري الفجور،‏ فأنه البد من أحد أمرين:‏ إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف<br />

الدين والدنيا،‏ وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين،‏ وإقامة أكثر شرائع الإسالم،‏ وإن مل ميكن<br />

إقامة مجيعها،‏ فهذا هو الواجب يف هذه الصورة،‏ وكل ما أشبهها،‏ بل كثري من الغزو احلاصل بعد اخللفاء الراشدين مل<br />

يقع إال على هذا الوجه إَل أن قال رمحه هللا فإذا أحاط املرء علما مبا أمر به النيب صلى هللا عليه وسلم من اجلهاد<br />

الذي يقوم به األمراء إَل يوم القيامة،‏ ومبا هنى عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم:‏ عَلَِم أن الطريقة الوسطى اليت هي<br />

دين اإلسالم احمل جهاد من يستحق اجلهاد،‏<br />

كهنالء القوم املسئول عنهم،‏<br />

مع كل أمري وطائفة وهي أوىل<br />

370<br />

- 1 نيل األوطار ج 9 ص 44<br />

- 2 اجملموع شرح املهذب ج 18 ص 278<br />

- 3 احمللى ج 11 ص 114 ،113


ابإلسالم منهم،‏ إذا مل ميكن جهادهم إال كذلك،‏ واجتناب إعانة الطائفة اليت يغزو معها على شيء من معاصي ا هلل،‏<br />

بل يطيعهم يف طاعة هللا،‏ وال يطيعهم يف معصية هللا،‏ إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق.‏<br />

وهذه طريقة خيار هذه األمة قدميا وحديثا.‏ وهي واجبة على كل مكلف.‏ وهي متوسطة بني طريق احلرورية وأمثاهلم<br />

ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم،‏ وبني طريق املرجئة وأمثاهلم ممن يسلك مسلك طاعة األمراء<br />

1<br />

مطلقا وإن مل يكونوا أبرارا[‏ .<br />

قلت:‏ وقد أَخَذَتْ‏ هذه املسألة من االستقرار ما جعلها تُدَومن ضمن مسائل اعتقاد أهل السنة واجلماعة،‏ كما نقلته عن<br />

شرح العقيدة الطحاوية يف الباب الثالث،‏<br />

2<br />

وفاجرهم إَل قيام الساعة ال يُبطلهما شيء وال ينقضهما(‏ .<br />

ومما ورد <strong>في</strong>ه ‏)واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من املسلمني برهم<br />

مما سبق ترى أن اجلهاد مع الفاسق متبوعا كان أم اتبعا جائز إمجاعا،‏ وقد جيب إذا مل ميكن دفع الكفار إال ابجلهاد<br />

مع الفساق كما قال ابن تيمية رمحه هللا يف كالمه السابق.‏<br />

واألصل يف هله املسألة هو أن اجلهاد خماطب به الذين آمنوا كم ا قول ه تع اَل ‏}يَاأَيُّهَوا الَّوذِينَ‏ آَمَنُووا هَولْ‏ أَدُلُّكُومْ‏ عَلَوى<br />

تِجَارَ‏ ةٍ‏ تُنجِ‏ يكُمْ‏ مِنْ‏ عَذَابٍ‏ أَلِيمٍ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ تُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِي ‏ِل ‏َّللاَّ‏ ِ بِأَمْوَ‏ الِكُمْ‏ وَ‏ أَنفُسِوكُمْ‏ ذَلِكُومْ‏ خَيْورٌ‏ لَكُومْ‏ إِ‏ ‏ْن<br />

كُنتُمْ‏ تَعْلَمُونَ‏ يَغْفِرْ‏ لَكُمْ‏ ذُنُووبَكُمْ‏ وَ‏ يُودْخِ‏ لْكُمْ‏ جَنَّوا ‏ٍت{‏ ، 3 وغريه ا م ن اآلايت،‏ فه ذه اآلي ة خط اب للم ؤمنني ابجله اد،‏ وم ن<br />

ه ؤالء م ن ل ه ذن وب ‏}يَغْفِوورْ‏ لَكُوومْ‏ ذُنُوووبَكُ‏ ‏ْم{‏ ف دلت اآلي ة عل ى أن إمل ام امل ؤمن ابل ذنوب ال يُس قْط خماطبت ه ابجله اد.‏<br />

والفاس ق وإن عظم ت ذنوب ه فإن ه ال يس لب الإمي ان ابلكلي ة،‏ ف إن مع ه مطل ق الإمي ان ‏)أي احل د األدىن من ه(‏ املوج ب<br />

لتكليفه ابلشرائع،‏ وإن مل يكن معه الإميان املطلق ‏)أي الكام ل(‏ واجتمداع الطاعدة واملعصدية يف العبدد مدن عقيددة أهدل<br />

السنة،‏ وهذا مستفاد من القاعدة العمة وهي أن اإلميان قول وعمل،‏ يزيد ابلطاعة وينقص ابملعصية<br />

وق د س بق بي ان<br />

هذا ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري عن عمر ‏)أن رجال كان على عهد النيب صلى هللا عليه وس لم وك ان امس ه عب د<br />

هللا،‏ وكان يلقب محَِارا،‏ وكان يُضْحِ‏ كُ‏ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ وكان رسول هللا صلى هللا عليه وس لم ق د جَلَ‏ دَه<br />

يف الش راب،‏ ف أِت ب ه يوم ا،‏ ف أمر ب ه فجُلِ‏ د،‏ فق ال رج ل م ن الق وم:‏ الله م العن ه!‏ م ا أكث ر م ا ي ؤتى ب ه!‏ فق ال رس ول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم ‏»ال تلعن ه،‏ ف وهللا م ا علم ت،‏ إن ه حي ب هللا ورس وله«(،‏ فه ذا الص حايب رغ م معص يته بش رب اخلم ر<br />

إال أن معه من الطاعة كمحبة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم،‏ وهذه احملبة من أعظم شعب الإمي ان،‏ وأتم ل منزلته ا يف<br />

آية إبطال األعذار الثمانية بسورة التوبة ‏}قُلْ‏ إِنْ‏ كَانَ‏ آبَاؤُكُمْ...{‏ اآلية.‏<br />

‏ُث إن صاحب املعصية له نفع خاص من اجلهاد وذلك لتكفري ذنوبه.‏ كما قال ابن تيمية رمحه هللا معقبا على آية<br />

الصف السابقة ‏]ومن كان كثري الذنوب فأعظم دوائه اجلهاد،‏ فإن هللا يغفر ذنوبه،‏ كما أخرب هللا يف كتابه بقوله<br />

<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج<br />

372<br />

29 ص 519 516<br />

- 2 شرح العقيدة الطحاوية ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص<br />

- 3 سورة الصف،‏ اآلايت:‏<br />

437<br />

12 11 11


سبحانه وتعاَل ‏}يَغْفِرْ‏ لَكُمْ‏ ذُنُوبَكُ‏ ‏ْم{،‏ ومن أراد التخل من احلرام والتوبة وال ميكن رده إَل أصحابه فلينفقه يف<br />

سبيل هللا عن أصحابه،‏ فإن ذلك طريق حسنة إَل خالصه مع ما حيصل له من أجر اجلهاد[‏ . 1<br />

مما سبق تعلم أن الفسق ال يُسقط التكليف ابجلهاد،‏ فالفاسق خاطب شرعا ابجلهاد كالصاحل العادل،‏ وسبق ما<br />

نقله الشوكاين من جواز وليس وجوب االستعانة ابلفاسق واملنافق إمجاعا.‏ فإذا ثبت اجلواز آل األمر إىل اعتبار<br />

املنافع واملفاسد<br />

املرتتبة على خروجه يف اجلهاد فأيتهما غلبت فا كم هلا.‏ أي إذا كانت منفعة خروجه أعظم من<br />

مفسدته،‏ مسُِحَ‏ له ابخلروج وعكسه بعكسه.‏<br />

ومن هذا ما قاله ابن قدامة ‏]وال يستصحب األمري معه ‏ُمُ‏ ل ‏ِال وهو الذي يثبط الناس عن الغزو...‏ وال مُرْجِ‏ فا وهو<br />

الذي يقول قد هلكت سرية املسلمني وما هلم مدد وال طاقة هلم ابلكفار...‏ وال من يعني على املسلمني ابلتجسس<br />

للكفار...‏ وال من يوقع العداوة بني املسلمني<br />

،<br />

4<br />

2<br />

ويسعى ابلفساد[‏ ، وهذا كله يرجع إَل قوله تعاَل ‏}لَوْ‏ خَرَ‏ جُوا قِيكُ‏ ‏ْم<br />

3<br />

مَا زَ‏ ادُوكُمْ‏ إِال خَبَاال وَ‏ ألَوْ‏ ضَعُوا خِ‏ اللَكُمْ‏ يَبْغُونَكُمْ‏ الْفِتْنَةَ‏ وَ‏ قِيكُمْ‏ سَمَّاعُونَ‏ لَهُمْ{‏ ، وقوله تعاَل ‏}قَإِنْ‏ رَ‏ جَعَكَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ إِلَى<br />

‏َِائِفَةٍ‏ مِنْهُمْ‏ قَاسْتَأْذَنُوكَ‏ لِلْخُرُ‏ وجِ‏ قَقُلْ‏ لَنْ‏ تَخْرُ‏ جُوا مَعِي أَبَد ‏ًا وَ‏ لَنْ‏ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّ‏ ا إِنَّكُمْ‏ رَ‏ ضِ‏ يتُمْ‏ بِالْقُعُودِ‏ أَوَّ‏ لَ‏ مَرَّ‏ ةٍ‏<br />

قَاقْعُدُوا مََْ‏ الْخَالِفِينَ{‏ وحمصل ذلك أنه ميُنع من اجلهاد من <strong>في</strong>ه ختليل أو إفساد للصف أو خيانة،‏ فهلا عظيم<br />

املفسدة وإن كان <strong>في</strong>ه بع النفع.‏<br />

فإذا مسح األمري للفاسق العاصي الذي منفعته أعظم من فسقه ابخلروج للجهاد،‏ فهذا ال يعين إقراره على فسقه<br />

ومعصيته،‏ بل ‏َيمره ابملعروف تعليما ونصحا،‏ وينهاه عن املنكر زجرا وعقوبة،‏ وهذا معناه ممارسة الرتبية اإلميانية أثناء<br />

اجلهاد،‏ وال نقول يؤجل اجلهاد حىت ننتهي من الرتبية الإميانية فهذه الهناية هلا إال ابملوت لقوله تعاَل ‏}وَ‏ اعْبُدْ‏ رَ‏ بَّ‏ ‏َك<br />

حَتَّى يَأْتِيَكَ‏ الْيَقِينُ{‏ ، 5 واليقني هو املوت كما يف التفسري،‏ وقد حيني األجل ومل حيَُصِّل العبد إال قدرا يسريا من هذه<br />

الرتبية،‏ قال تعاَل:‏ ‏}ثُمَّ‏ أَوْ‏ رَ‏ ثْنَا الْكِتَابَ‏ الَّذِينَ‏ اصَِْفَيْنَا مِنْ‏ عِبَادِنَا قَمِ‏ ‏ْنهُمْ‏ ظَالِمٌ‏ لِنَفْسِهِ‏ وَ‏ مِنْهُمْ‏ مُقْتَصِ‏ دٌ‏ وَ‏ مِنْهُمْ‏ سَابِ‏ ‏ٌق<br />

6<br />

بِالْخَيْرَ‏ اتِ‏ بِإِذْنِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، فهذه هي املنازل الإميانية ألتباع الرسل وورثة الكتاب.‏<br />

- 1 جمموع الفتاوى ج<br />

373<br />

29 ص 422 ،421<br />

- 2<br />

291<br />

املغين والشرح الكبري ج<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة احلجر،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

11 ص ،372<br />

وقد سبق يف مسألة ‏)احملافظة على وحدة اجلماعة(‏ وجتد مثل هذا يف اجملموع شرح املهذب ج<br />

18 ص 279<br />

.47 46<br />

93<br />

88<br />

32


= 1<br />

ويمكنني أن ألخص ما سبق <strong>في</strong>ما يلي:‏<br />

ال<strong>إعداد</strong> الإمياين ‏)الرتبية(‏ واجب ومقوم أساسي من مقومات النصر،‏ وقد سبق تفصيل هذا،‏ خاصة ما يتعلق أبثر<br />

املعاصي يف اخلذالن،‏ وأن معصية البعض تضر الكل إذا تركوا الإنكار،‏ وهذا هو احلال األمثل الذي إن وُجِ‏ دَ‏ <strong>في</strong>ها<br />

ونعمت.‏<br />

= 2<br />

العجز<br />

=<br />

3<br />

ومع ذلك نقول إن اجلهاد ال يؤجل من أجل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وإن كان يؤجل من أجل الإستعداد املادي عند<br />

خاصة إذا كان اجلهاد فرض عني وأخ<br />

من اجلهاد العيين ما إذا نزل العدو ببلد املسلمني،‏ وهو حال كثري من<br />

البلدان اآلن،‏ فمثل هذا اجلهاد واجب عيين مُضَيمق الوقت،‏ وأتجيل مثل هذا اجلهاد العيين يؤدي إَل ضرر وفساد،‏<br />

فأي فتنة أعظم من حلول الكافرين بعقر بالد املسلمني يفرضون عليهم أحكام الكفر ويسعون يف إفساد املسلمني<br />

وفتنتهم عن دينهم بشىت وسائل املكر،‏ فمن قال بتأجيل جهاد هؤالء حىت يتسىن تربية من يرغب يف اجلهاد،‏ فصاحب<br />

هذه املقولة ال يدرك أن عوامل اهلدم أضعاف عوامل البناء،‏ ‏}وَ‏ ال يَزَ‏ الُونَ‏ يُقَاتِلُونَكُمْ‏ حَتَّى يَرُ‏ دُّوكُ‏ ‏ْم<br />

عَنْ‏ دِينِكُمْ‏ إِ‏ ‏ْن<br />

اسْتََِاعُوا{‏ ، 1 ‏}وَ‏ لَنْ‏ تَرْ‏ ضَى عَنْكَ‏ الْيَهُودُ‏ وَ‏ ال النَّصَارَ‏ ى حَتَّى تَتَّبَِْ‏ مِلَّتَهُمْ{‏ ، 2 كذلك فإنه ال يدرك أن الكافرين لن<br />

يُبقوا على أي وسيلة من وسائل الرتبية الصاحلة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُ‏ ‏ْم بِبَعْضٍ‏ لَهُدِمَتْ‏ صَوَ‏ امُِْ‏<br />

3<br />

وَ‏ بِيٌَْ‏ وَ‏ صَلَوَ‏ اتٌ‏ وَ‏ مَسَاجِ‏ دُ‏ يُذْكَرُ‏ قِيهَا اسْمُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ً كَثِيرا وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَقَوِيٌّ‏ عَزِ‏ ي ‏ٌز{‏ ، فلوال دفع هللا<br />

تعاَل للكافرين ابجملاهدين يف سبيله ملا بقي مكان صاحل لعبادة هللا<br />

سبحانه،‏ ولذلك وصف ابن القيم رمحه هللا<br />

اجملاهدين بقوله:‏ ‏]قد بذلوا أنفسهم يف حمبة هللا ونصر دينه وإعالء كلمته ودفع أعداءه،‏ وهم شركاء لكل من حيمونه<br />

بسيوفهم يف أعماهلم اليت يعملوهنا وإن ابتوا يف دايرهم،‏ وهلم مَل أجور من ع ب د هللا بسبب جهادهم وفتوحهم فإهنم<br />

كانوا هم السبب <strong>في</strong>ه.‏ والشارع قد ن ‏َزمل التسبب منزلة الفاعل التام يف األجر والوزر،‏ وهلذا كان الداعي إَل اهلدى<br />

4<br />

والداعي إَل الضالل لكل منهما بتسببه مثل أجر من تَبِعَه[‏ .<br />

إذا اكتمل للمسلمني ال<strong>إعداد</strong> املادي قدر الإستطاعة ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُ‏ ‏ْم{‏ مع مظنة الظفر <strong>في</strong>جب<br />

الشروع يف اجلهاد وال يؤجل من أجل إكمال ال<strong>إعداد</strong> الإمياين،‏ وهذا معناه أنه عند العجز عن اجلهاد جيب السعي يف<br />

ال<strong>إعداد</strong>ين املادي والإمياين معا،‏ فمن سعى يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وترك املادي أو أَجمله،‏ فقد أُث لرتك املأمور به ‏}وَ‏ أَعِدُّوا<br />

لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{.‏<br />

=<br />

4<br />

ال<strong>إعداد</strong> الإمياين جتب ممارسه يف كل املراحل قبل الشروع يف اجلهاد وخالله،‏ وكما قلت من قبل إن األمر<br />

ابملعروف والنهي عن املنكر صفة الزمة للمسلمني قبل التمكني وبعده،‏ وخري أنواع الرتبية تلك اليت متارس أثناء اجلهاد<br />

حيث ي ‏َغْلُب على الناس القرب من هللا تعاَل يف هذه احلالة.‏ والرسول صلى هللا عليه وسلمكان دائم التوجيه ألصحابه<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

374<br />

217<br />

121<br />

41<br />

- 4 طريق اهلجرتني ط دار الكتب العلمية<br />

355 ه ص 1413


مع قيامهم ابجلهاد،‏ وما قال أحد ننجل اجلهاد حىت تكتمل الرتبية،‏ ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»اللهم<br />

1<br />

إين أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد«‏ ، وقوله صلى هللا عليه وسلم لسرية عبد هللا بن حذافة:‏ ‏»لو دخلوها ماخرجوا<br />

2<br />

منها أبدا،‏ إَّنا الطاعة يف املعروف«‏ ، وقوله صلى هللا عليه وسلم ألسامة بن زيد:‏<br />

3<br />

هللا«‏ ، وقوله صلى هللا عليه وسلم أليب ذر:‏<br />

الغزوات:‏<br />

=<br />

5<br />

‏»أقتلته بعد ما قال ال إله إال<br />

4<br />

‏»إنك امرؤٌ‏ <strong>في</strong>ك جاهلية«‏ ، وقوله صلى هللا عليه وسلم<br />

يف إحدى<br />

5<br />

‏»إن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر«‏ ، كذلك فقد وقعت قصة الإفك بعد إحدى الغزوات وأقام النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم حد القذف على من خاضوا <strong>في</strong>ها ومنهم من شهد بدرا وهو مِسْطَح بن أَُثثة ومنهم شاعر النيب<br />

6<br />

صلى هللا عليه وسلم حسان بن ‏َثبت . وهلذا فقد يكون الرجل كامال فاضال مشهودا له ابجلنة يعنا ويقع يف الكبائر<br />

كمسطح بن أَُثثة وحاطب بن أيب بلثعة رضي هللا عنهما،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف شأن حاطب:‏ ‏»أو<br />

7<br />

ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل هللا اطلع على عليهم فقال:‏ اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم اجلنة«‏ ، وقال ابن<br />

حجر:‏ ‏]إن املؤمن ولو بلغ ابلصالح أن يُقطع له ابجلنة ال يُعصم من الوقوع يف الذنب ألن حاطبا دخل <strong>في</strong>من أوجب<br />

9<br />

هللا هلم اجلنة ووقع منه ما وقع[‏ . وأمثلة هذا كثرية.‏ فالرتبية الإميانية متارس أثناء اجلهاد وال يؤجل اجلهاد من أجلها.‏<br />

فهي كما سبق ال تنتهي إال مبوت العبد،‏ وهللا سبحانه يقلب القلوب ويصرفها كيف يشاء.‏<br />

العدالة ليست من شروط وجو اجلهاد،‏ وجيوز للفاسق أن خيرج للجهاد اتبعا ‏)جنداي(‏<br />

للجهاد أعظم من مفسدته،‏ كما سبق تفصيله،‏ وميُنع من <strong>في</strong>ه إفساد أو خيانة.‏<br />

= 6<br />

إذا كانت منفعته<br />

إنه ال يعيب طائفة من املسلمني أن يكون بني صفوفها بعض العصاة،‏ إَّنا يعيبها أن تقرهم على املعاصي وال<br />

أتخذهم بطاعة هللا تعاَل أمرا وهنيا،‏ إذ إن اخلطأ واملعصية ال تنفك عن الإنسان،‏ وقد أقام صلى هللا عليه وسلم حدود<br />

الزان والقذف واخلمر والسرقة واحلرابة يف حياته صلى هللا عليه وسلم،‏ وكان املنافقون خيرجون معه يف الغزو كما سبق يف<br />

أوائل هذه الرسالة،‏ ومل يقل أحد ال ‏ُناهد طاملا يف الصفوف عصاة أو منافقون.‏ فقد قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال<br />

8<br />

‏َيِت عليكم يوم إال والذي بعده شر منه«‏ . واملقصد من هذا أنه إذا وجد بعض العصاة يف طائفة جماهدة قائمة أبمر<br />

هللا فإن هذا ليس مبربر لرتك اجلهاد معها حبجة أن هبا بعض العصاة.‏<br />

375<br />

- 1 رواه البخاري.‏<br />

- 2 رواه البخاري.‏<br />

- 3 متفق عليه.‏<br />

- 4 رواه البخاري.‏<br />

- 5 رواه البخاري.‏<br />

- 6 انظر فتح الباري ج 9 ص 479<br />

478<br />

- 7 رواه البخاري حديث 6836<br />

- 9 فتح الباري ج 12 ص 311<br />

- 8 رواه البخاري عن أنس.‏


= 7<br />

فإن عدمت مثل هذه الطائفة املشار إليها أعاله ‏)وهي الطائفة الصاحلة اليت تضم بعض العصاة(‏ ومل ميكن اجلهاد<br />

إال مع أمي فاجر أو مع عسكر كثري الفجور،‏ فاجلهاد معهم واجب كما قال ابن تيمية<br />

وهي مفسدة الكافرين<br />

وهذه هي تقوى هللا املستطاعة للعبد<br />

لدفع أعظم املفسدتني<br />

1<br />

‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ مَا اسْتََِعْتُمْ{‏ ، فإنه ال توجد مفسدة<br />

أعظم من استيالء الكفار على بالد املسلمني وما يرتتب على ذلك من الردة الإجبارية لعموم املسلمني إال من رحم هللا<br />

إنه هو الغفور الرحيم،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال يَزَ‏ الُونَ‏ يُقَاتِلُونَكُمْ‏ حَتَّى يَرُ‏ دُّوكُمْ‏ عَنْ‏ دِينِكُمْ‏ إِنْ‏ اسْتََِاعُوا وَ‏ مَنْ‏ يَرْ‏ تَدِدْ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم<br />

عَنْ‏ دِينِهِ‏ قَيَمُتْ‏ وَ‏ هُوَ‏ كَاقِرٌ‏ قَأُوْ‏ لَئِكَ‏ حَبَِِتْ‏ أَعْمَالُهُمْ‏ قِي الدُّنْيَا وَ‏ اآلخِ‏ رَ‏ ةِ‏ وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ أَصْحَابُ‏ النَّارِ‏ هُمْ‏ قِيهَا<br />

2<br />

خَالِدُو ‏َن{‏ .<br />

فإن خرج املسلم مع أمري فاجر أو عسكر كثري الفجور،‏ فإنه يعاوهنم على الرب والتقوى وال يعاوهنم على الإُث والعدوان،‏<br />

يطيعهم يف الطاعة ويعصيهم يف املعصية،‏ ويبذل النصح هلم عسى هللا تعاَل أن يُصلح به.‏ وقال ابن تيمية رمحه هللا يف<br />

موضع آخر:‏ ‏]فإن تعذر إقامة الواجبات من العلم واجلهاد وغري ذلك إال مبن <strong>في</strong>ه بدعة مضرهتا دون مضرة ترك ذلك<br />

الواجب:‏<br />

كان حتصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خريا من العكس،‏ وهلذا كان الكالم يف هذه<br />

املسائل <strong>في</strong>ه تفصيل[‏ . 3<br />

وقال الشاطيب:‏ ‏]وكذلك اجلهاد مع والة اجلور قال العلماء جبوازه،‏ قال مالك:‏<br />

‏“لو تُرِكَ‏ ذلك لكان ضررا على<br />

املسلمني؟ فاجلهاد ضروري،‏ والوايل <strong>في</strong>ه ضروري،‏ والعدالة <strong>في</strong>ه مكملة للضروري،‏ واملُكَمِّل إذا عاد لألصل ابلإبطال مل<br />

4<br />

يدُعْت رب”[‏ .<br />

وأليب حممد بن حزم كالم شديد يف النكري على من ي ‏َنْهَى عن جهاد الكفار مع األمري الفاجر،‏ قال ابن حزم:‏ ‏]وال إُث<br />

بعد الكفر أعظم من إُث من هنى عن جهاد الكفار وأمر إبسالم حرمي املسلمني إليهم من أجل فسق رجل مسلم ال<br />

5<br />

حيَُاسَب غريه بفسقه[‏ .<br />

قلت:‏ وقد سبق يف الباب الثالث بيان أن األمري الفاجر الذي ي ‏ُغْزَى معه إن عُدِمَ‏ غريه هو من كان فجوره يف<br />

نفسه،‏ ومن كان فجوره دون الكفر.‏<br />

ومما سبق ترى اي أخي املسلم أن القول أبنه ال ‏ُناهد حىت نطلب العلم الشرعي أو حىت نستكمل الرتبية الإميانية،‏<br />

وإلزام كل مسلم هبذا،‏ هو قول يفضي إَل استئصال دين الإسالم.‏<br />

وكما قلت يف الرد على شبهة الشيخ األلباين،‏ فإن العلم والرتبية حق وحنن ندعو الناس إليهما،‏ مع مراعاة ما يلي:‏<br />

- 1 سورة التغابن،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

376<br />

16<br />

217<br />

- 3 جمموع الفتاوى 212 / 29<br />

- 4 املوافقات 15 / 2<br />

- 5 احمللى 311 / 7


أ =<br />

أهنما العلم والرتبية ليسا من شروط وجوب اجلهاد،‏ مبعىن أنه ال يصح أن ننهى أحدا عن اجلهاد حىت يتعلم دينه<br />

أو يزكي نفسه،‏ اللهم إال العلم العيين اخلاص ابجلهاد كعلم مشروعية اجلهاد ومعرفة الراية اليت يقاتل حتتها.‏<br />

ب =<br />

إن طريق اخلالص من حياة الذل اليت حيياها املسلمون هو طريق اجلهاد،‏ كما يف حديث ثوابن مرفوعا ‏»يُوشِ‏ كُ‏<br />

أَنْ‏ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ‏ األُْمَمُ...«،‏ وحديث ابن عمر مرفوعا ‏»إِذَا تَبَاي ‏َعْتُمْ‏ ابِلْعِينَةِ...«،‏ وقد سبقا،‏ وهذا اجلهاد نراه واجبا<br />

على معظم املسلمني خاصة جهاد احلكام املرتدين،‏ ومن هنا فإننا نعترب العلم والرتبية جزء من ال<strong>إعداد</strong> للجهاد من أجل<br />

تكوين طائفة جماهدة على علم ودين،‏ وال نعترب العلم والرتبية بدون اجلهاد طريقا للخالص كما سبق يف الرد على شبهة<br />

الشيخ األلباين.‏<br />

377


الباب الخامس<br />

واجبات أعضاء المعسكر<br />

و<strong>في</strong>ه مسائل:‏<br />

ما يلزم األعضاء يف حق هللا تعاىل.‏<br />

ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم.‏<br />

ما يلزم األعضاء بعضهم يف حق بع .<br />

تنبيه:‏<br />

الواجبات امللكورة يف هلا البا منها ما جيب شرعا ومنها ما هو مندو ، وكل مفصل<br />

يف موضعه.‏<br />

378


يلزمهم:‏<br />

= 1<br />

= 2<br />

الإخالص.‏<br />

. تقوى هللا<br />

= 3<br />

= 4<br />

= 5<br />

= 6<br />

= 7<br />

= 9<br />

الصرب واملصابرة.‏<br />

األمانة.‏<br />

الإحسان.‏<br />

الصدق.‏<br />

التوكل.‏<br />

الدعاء.‏<br />

أوال:‏ ما يلزم األعضاء <strong>في</strong> حق هللا تعالى.‏<br />

وهذه األمور ليست على سبيل احلصر،‏ بل هي بعض ما أردت التنبيه عليه يف مقام اجلهاد،‏ وتدخل هذه األمور كلها<br />

يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للفرد املسلم.‏<br />

= 1<br />

اإلخالص:‏<br />

وهو من أعمال القلب اليت ال يطلع عليها إال هللا تعاَل،‏ وهو يؤثر أتثريا مباشرا على ثبات العبد أمام عدوه،‏ لقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}قَعَلِمَ‏ مَا قِي قُلُوبِهِمْ‏ قَأَنْزَ‏ لَ‏ السَّكِينَةَ‏ عَلَيْهِ‏ ‏ْم{‏ ، 1 وقد سبق هذا بشيء من التفصيل يف الباب األول من هذه<br />

الرسالة.‏<br />

تقوى هللا :<br />

قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]أما التقوى أن جيعل العبد بينه وبني ما خيافه وحيذره وِقاية تقيه منه،‏ فتقوى العبد لربه أن جيعل<br />

= 2<br />

بينه وبني ما خيشاه من ربه،‏ من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك،‏ وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه إَل<br />

أن قال وقد سبق حديث ‏»ال يبلغ العبد أن يكون من املتقني حىت يَدَعَ‏ ما ال أبس به حذراً‏ مما به أبس«‏ وحديث<br />

‏»فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه«‏<br />

2<br />

أه ] .<br />

والتقوى مَنْزِلَةٌ‏ ي ‏ُتَوَصمل إليها ابحملافظدة علدى وظدائف العبوديدة واملواظب ة عليه ا،‏ كم ا ق ال تع اَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَوا النَّوا ‏ُس اعْبُودُوا<br />

رَ‏ بَّكُمْ‏ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِكُمْ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَتَّقُو ‏َن{‏ ، 3 وقال تعاَل:‏ ‏}كُتِبَ‏ عَلَويْكُمْ‏ الصِ‏ ويَامُ‏ كَمَوا كُتِوبَ‏ عَلَوى الَّوذِي ‏َن مِو ‏ْن<br />

139<br />

- 1 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

- 2 جامع العلوم واحلكم<br />

- 3 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

19<br />

137<br />

21<br />

379


قَبْلِكُمْ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَتَّقُونَ{‏ ، 1 وأمثال هذه اآلايت الدالة على أن منزلة التقوى يتوصل إليها ابحملافظة على العبادات واألحك ام<br />

مع املواظبة عليها.‏<br />

واعلم أن التقوى هي ميزان تفاضل اخللق،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ أَكْرَ‏ مَكُمْ‏ عِنْدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَتْقَاكُ‏ ‏ْم{‏<br />

وظائف العبودية هلل تعاَل تكون منزلته.‏<br />

ومما ينبغي التنبيه عليه <strong>في</strong>ما يتعلق بتقوى هللا<br />

، أن<br />

2<br />

، فبقدر حمافظة العبد على<br />

التقوى ال تتعلق مبكان دون آخر أو حبال دون آخر،‏ فمن<br />

الناس من يتقي يف بلده فإذا تَغَرمب عنها ارتكب املوبقات،‏ فهذا ال يتقي هللا وإَّنا يتقي الناس الذين يعرفونه،‏ ولذلك<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

3<br />

‏»اتق هللا حيثما كنت«‏ ، وقال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا تَكُونُ‏ قِي شَأْنٍ‏ وَ‏ مَا تَتْلُوا مِنْهُ‏<br />

مِنْ‏ قُرْ‏ آنٍ‏ وَ‏ ال تَعْمَلُونَ‏ مِنْ‏ عَمَلٍ‏ إِال كُنَّا عَلَيْكُمْ‏ شُهُود ‏ًا إِذْ‏ تُفِيضُونَ‏ قِيهِ‏ وَ‏ مَا يَعْزُ‏ بُ‏ عَنْ‏ رَ‏ ب ‏ِكَ‏ مِ‏ نْ‏ مِثْقَالِ‏ ذَرَّ‏ ةٍ‏ قِي<br />

األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ ال قِي السَّمَاءِ‏ وَ‏ ال أَصْغَرَ‏ مِنْ‏ ذَلِكَ‏ وَ‏ ال أَكْبَرَ‏ إِال قِي كِتَابٍ‏ مُبِينٍ{‏<br />

. 4<br />

قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]فتقوى هللا يف السر هو عالمة كمال الإميان،‏ وله أتثري عظيم يف إلقاء هللا لصاحبه الثناء يف<br />

قلوب املؤمنني.‏ ويف احلديث:‏ ‏»ما أسر عبد سريرة إال ألبسه هللا رداءها عالنية،‏ إن خريا فخري،‏ وإن شرا فشر«‏ 5<br />

وتشكل املعسكرات مبا توفره من<br />

بيئة جديدة غري اليت اعتادها الفرد،‏ ومبا توفره من صحبة صاحلة<br />

أه ] 6 .<br />

تشكل فرصة<br />

طيبة جملاهدة النفس يف التخلص من العادات السيئة،‏ فإن تغيري املكان عامل هام يف اجملاهدة،‏ انظر مثال حديث<br />

قاتل املائة كيف نصحه العامل أبن يرتك بلده ويذهب إَل بلد آخر به قوم صاحلون،‏ فهذه املعسكرات تشكل فرصة<br />

ليبدأ الإنسان حياة جديدة خالية مما يُكَدِّر عليه صفو صلته ابهلل تعاَل.‏ قال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]الوصول إىل<br />

مطلو موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق،‏ فالعوائد السكون إَل الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من<br />

الرسوم واألوضاع إَل قوله<br />

وأما العوائق<br />

وهذا أعظم احلجب واملوانع بني العبد وبني النفوذ إَل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />

فهي أنواع املخالفات ظاهرها وابطنها فإهنا تعوق القلب عن سريه إَل هللا وتقطع عليه طريقه وهي ثالثة<br />

أمور،‏ شرك وبدعة ومعصية <strong>في</strong>زول عائق الشرك بتجريد التوحيد وعائق البدعة بتحقيق السنة،‏ وعائق املعصية بتصحيح<br />

التوبة وهذه العوائق ال تتبني للعبد حىت ‏َيخذ يف أهبة السفر ويتحقق ابلسري إىل هللا والدار اآلخرة،‏ تظهر له هله<br />

العوائق وحيس بتعويقها له حبسب سريه وجترده للسفر وإال فما دام قاعدا ال يظهر له كوامنها وقواطعها.‏<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

381<br />

193<br />

- 2 احلجرات،‏ اآلية:‏ 13<br />

- 3 رواه الرتمذي وحَسمنه عن معاذ.‏<br />

- 4 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

61<br />

- 5 رُوِيَ‏ هذا مرفوعا،‏ ورُوِيَ‏ عن ابن مسعود من قوله.‏<br />

- 6 جامع العلوم واحلكم حديث<br />

141 141 ص 19


وأما العالئق فهي كل ما تعلق به القلب دون هللا ورسوله من مالذ الدنيا وشهواهتا ورايساهتا وصحبة الناس والتعلق هبم<br />

وال سبيل له إَل قطع هذه األمور الثالثة ورفضها إال بقوة التعلق ابملطلب األعلى وإال فقطعها عليه بدون سبب تعلقه<br />

1<br />

مبطلوبه ممتنع فإن النفس ال ترتك مألوفها وحمبوهبا إال حملبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه.‏ أه ] .<br />

قلت:‏<br />

وللتقوى مثار يف الدنيا واآلخرة،‏ واجملاهد هو أحوج الناس إَل هذه الثمار يف صراعه مع أعداء هللا وأعدائه،‏<br />

ومن هذه الثمار:‏<br />

أ =<br />

املعية افاصة:‏ من هللا تعاَل ابلنصر والتأييد واحلفظ والإعانة،‏ وهذه ال تكون<br />

إال ألهل طاعته ‏ِبالف املعية<br />

العامة،‏ واليت هي جلميع اخللق ابلعلم والإحاطة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال أَدْنَى مِنْ‏ ذَلِكَ‏ وَ‏ ال أَكْثَرَ‏ إِال هُوَ‏ مَعَهُمْ‏ أَيْنَ‏ مَا<br />

2<br />

كَانُوا{‏ ، هذا يف املعية العامة،‏ ويف املعية اخلاصة قال سبحانه:‏ ‏}وَ‏ اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ اعْلَمُوا أَنَّ‏<br />

3<br />

‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الْمُتَّقِي ‏َن{‏ ، وقال<br />

4<br />

سبحانه:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ مََْ‏ الَّذِينَ‏ اتَّقَوْ‏ ا وَ‏ الَّذِينَ‏ هُمْ‏ مُحْسِنُو ‏َن{‏ ، وهذه هي معية النصر والتو<strong>في</strong>ق،‏ وما أحوج اجملاهد إليها.‏<br />

عن أيب هريرة قال:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم اَّللمَ‏ تَعَاَلَ‏ قَالَ‏ : مَنْ‏ عَادَى يلِ‏ وَلِياا فَقَدْ‏ آذَنْتُهُ‏ ابِحلَْرْبِ‏ ،<br />

وَمَا تَقَرمبَ‏ إِيلَم عَبْدِي بِشَيْءٍ‏ أَحَبم إِيلَم ممِما افْرتََضْتُ‏ عَلَيْهِ،‏ وَمَا ي ‏َزَالُ‏ عَبْدِي ي ‏َتَقَرمبُ‏ إِيلَم ابِلنموَافِلِ‏ حَىتم أُحِ‏ بمهُ،‏ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ‏<br />

كُنْتُ‏ مسَْعَهُ‏ المذِي يَسْمَعُ‏ بِهِ‏ وَبَصَرَهُ‏ المذِي ي ‏ُبْصِرُ‏ بِهِ‏ وَيَدَهُ‏ الميتِ‏ ي ‏َبْطِشُ‏ هبَِا وَرِجْلَهُ‏ الميتِ‏ ميَْشِ‏ ي هبَِا،‏ وَإِنْ‏ سَأَلَينِ‏ ألُعْطِيَنمهُ،‏<br />

5<br />

وَلَئِنِ‏ اسْتَعَاذَينِ‏ ألَُعِيذَنمهُ«‏ .<br />

وظائف العبودية من فرائ ونوافل،‏ فتمسك به.‏<br />

ب =<br />

وهلا حديث عظيم يف بيان دفاع هللا تعاىل عن أوليائه وأهل طاعته احملافظني على<br />

6<br />

تفريج الكرو والشدائد:‏ هذا أيضا من مثار التقوى،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَّقِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَجْعَلْ‏ لَهُ‏ مَخْرَ‏ ج ‏ًا{‏ ، وما<br />

أكثر الشدائد يف طريق اجلهاد،‏ طريق الصرب،‏ فعليك بتقوى هللا تعاَل يَذْكُرك يف الشدة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَاذْكُرُ‏ ونِي<br />

7<br />

أَذْكُرْ‏ كُمْ{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»احْفَظِ‏ اَّللمَ‏ جتَِدْهُ‏ أَمَامَكَ‏ ، تَعَرمفْ‏ إِلَيْهِ‏ يفِ‏ الرمخَاءِ‏ ي ‏َعْرِفْكَ‏ يفِ‏<br />

الشِّ‏ دمةِ«،‏ ومعىن ‏»جتَِدْهُ‏ أَمَامَكَ‏ » أي <strong>في</strong>ما يستقبلك من أمر الدنيا واآلخرة،‏ ‏ُث حيفظ أوالدك من بعدك بصالحك لقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كَانَ‏ أَبُوهُمَا صَالِح ‏ًا{‏ . 9<br />

- 1 الفوائد البن القيم ص 153<br />

- 2 سورة اجلادلة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

380<br />

154<br />

7<br />

184<br />

- 4 سورة النحل،‏<br />

129 اآلية:‏<br />

- 5 رواه البخاري.‏<br />

- 6 سورة الطالق،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

2<br />

152<br />

92


382<br />

ج =<br />

أتليف القلو : وهو من مثار التقوى،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اذْكُرُ‏ وا نِعْمَةَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ عَلَيْكُمْ‏ إِذْ‏ كُنْتُمْ‏ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ‏ بَيْنَ‏ قُلُوبِكُمْ‏<br />

أن هللا تعاَل ي ‏ُلْقِي حمبة أهل طاعته يف قلوب اخللق،‏ فإذا كانت التقوى<br />

قَأَصْبَحْتُمْ‏ بِنِعْمَتِهِ‏ إِخْوَ‏ انًا{‏<br />

، 1 وتفصيل ذلك<br />

هي مسة الطائفة اجملاهدة يف السر والعلن،‏ فالبد من أن تثمر حمبة متبادلة وأتليفا للقلوب داخل هذه الطائفة،‏ وهذا<br />

من أعظم أسباب متاسك الصف املؤمن ومن أعظم أسباب قوة اجلماعة املؤمنة،‏ فعن أيب هريرة<br />

<br />

أن رسول هللا صلى<br />

هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»إِذَا أَحَبم اَّللمُ‏ تَعَاَلَ‏ العَبْدَ‏ انَدَى جِ‏ ربِْيلَ:‏ إِنم اَّللمَ‏ تَعَاَلَ‏ حيُِبُّ‏ فُالانً‏ فَأَحْبِبْهُ،‏ فَيُحِ‏ بُّهُ‏ جِ‏ ربِْيلُ،‏ فَيُنَادِي<br />

‏ِض<br />

يفِ‏ أَهْلِ‏ السممَاءِ:‏ إِنم اَّللمَ‏ حيُِبُّ‏ فُالانً‏ فَأَحِ‏ بُّوهُ‏ ، فَيُحِ‏ بُّهُ‏ أَهْلُ‏ السممَاءِ‏ ‏ُثُم يُوضَعُ‏ لَهُ‏ الْقَبُولُ‏ يفِ‏ أَهْلِ‏ األَرْ‏<br />

رواية وَإِذَا أَبْغَضَ‏ عَبْدًا دَعَا جِ‏ ربِْيلَ‏ فَيَقُولُ‏ ِ إِينّ‏ أُبْغِضُ‏ فُالانً‏ فَأَبْغِضْهُ‏ فَيُبْغِضُهُ‏ جِ‏ ربِْيلُ،‏ ‏ُثُم ي ‏ُنَادِي يفِ‏ أَهْلِ‏ السممَاءِ:‏ إِنم اَّللمَ‏<br />

ي ‏ُبْغِضُ‏ فُالانً‏ فَأَبْغِضُوهُ،‏ قَالَ‏ فَيُبْغِضُونَهُ‏ ‏ُثُم تُوضَعُ‏ لَهُ‏ الْبَغْضَاءُ‏ يفِ‏ األَرْضِ‏ » أه . ومصداق هذا يف كتاب هللا،‏ قوله تعاَل:‏<br />

» 2 ، وزاد مسلم يف<br />

«<br />

‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏ سَيَجْعَلُ‏ لَهُمْ‏ الرَّ‏ حْمَانُ‏ وُ‏ دًّا{‏ ، 3 ‏}وُ‏ دًّا{‏ أي مودة وحمبة.‏<br />

وعلى النقيض من ذلك فإن أي<br />

معصية يفعلها الفرد هي معول يفت يف عضد اجلماعة،‏ مبا يرتتب على هذه<br />

املعصية من البغضاء اليت يلقيها هللا يف قلوب اخللق للعاصي،‏ كما يف حديث أيب هريرة السابق،‏ وكما يف قوله تعاَل:‏<br />

‏}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ‏ وا بِهِ‏ قَأَغْرَ‏ يْنَا بَيْنَهُمْ‏ الْعَدَاوَ‏ ةَ‏ وَ‏ الْبَغْضَا ‏َء{‏ . 4<br />

هذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابلتقوى وحاجة العبد إليها يف حياته وجهاده ومعاده.‏<br />

= 3<br />

الصبر والمصابرة:‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا اصْبِرُ‏ وا وَ‏ صَابِرُ‏ وا وَ‏ رَ‏ ابُِِوا وَ‏ اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ لَعَلَّكُمْ‏ تُفْلِحُو ‏َن{‏ ، 5 ويف جمال التدريب واجلهاد<br />

نقول:‏<br />

اصربوا:‏ أي على طاعة هللا،‏ فالتدريب واجلهاد طاعة هلل تعاَل الذي أمر إبعداد القوة،‏ <strong>في</strong>جب على املسلم الصرب على<br />

هذه الطاعة وما <strong>في</strong>ها من مشاق وبذل للمال وغربة عن األهل وتعرض للجراح.‏<br />

وصابروا:‏ أي صابروا أعداء هللا،‏ أي انفسوهم يف الصرب،‏ ويف جمال التدريب العسكري تكون املصابرة أبن تتدرب أكثر<br />

من أعداء هللا كَما وكَيْفاً‏ ما استطعت ذلك،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنْْ‏ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ‏ قَإِنَّهُمْ‏ يَأْلَمُونَ‏ كَمَا تَأْلَمُونَ‏ وَ‏ تَرْ‏ جُو ‏َن<br />

6<br />

مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مَا ال يَرْ‏ جُونَ{‏ .<br />

ومما يدخل يف الصرب،‏<br />

الصرب على أهوال القتال وقد تْل اإلخوان وك ل بِ‏ األعداء،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}أَمْ‏ حَسِبْتُمْ‏ أَنْ‏<br />

تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ‏ وَ‏ لَمَّا يَأْتِكُمْ‏ مَثَلُ‏ الَّذِينَ‏ خَلَوْ‏ ا مِنْ‏ قَبْلِكُمْ‏ مَسَّتْهُمْ‏ الْبَأْسَاءُ‏ وَ‏ الضَّرَّ‏ اءُ‏ وَ‏ زُ‏<br />

لْزِ‏ لُوا حَتَّى يَقُولَ‏ الرَّ‏ سُولُ‏ وَ‏ الَّذِي ‏َن<br />

- 1 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

113<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 سورة مرمي،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

14<br />

86<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

211<br />

114


آمَنُوا مَعَهُ‏ مَتَى نَصْرُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ أَال إِنَّ‏ نَصْرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَرِ‏ يبٌ‏ } 1 ، قال ابن كثري رمحه هللا يف تفسريها ‏}الْبَأْسَاءُ{‏ الفقر<br />

‏}وَ‏ الضَّرَّ‏ اءُ{‏ السقم ‏}وَ‏ زُ‏ لْزِ‏ لُوا{‏ خُوفوا من األعداء زلزاال شديدا وامتحنوا امتحاان عظيما كما جاء يف احلديث<br />

الصحيح عن خَبماب بن األرثّ‏ قال:‏ قلنا اي رسول هللا أال تستنصر لنا أال تدعو هللا لنا فقال:‏ ‏»إن من كان قبلكم كان<br />

أحدهم يوضع له املنشار على مفرق رأسه <strong>في</strong>خل<br />

حلمه وعظمه ال يصرفه ذلك عن دينه،‏ ‏ُث قال:‏ وهللا ليتمن هللا<br />

إَل قدميه ال يصرفه ذلك عن دينه،‏ وميشط أبمشاط احلديد ما بني<br />

هذا األمر حىت يسري الراكب من صنعاء إَل حضر<br />

موت ال خياف إال هللا والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون«‏ وقال هللا تعاَل:‏ ‏}الم أَحَسِبَ‏ النَّاسُ‏ أَنْ‏ يُتْرَ‏ كُوا<br />

أَنْ‏ يَقُولُوا آمَنَّا وَ‏ هُمْ‏ ال يُفْتَنُونَ‏<br />

وَ‏ لَقَدْ‏ قَتَنَّا الَّذِينَ‏ مِنْ‏ قَبْلِهِمْ‏ قَلَيَعْلَمَنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الَّذِينَ‏ صَدَقُوا وَ‏ لَيَعْلَمَنَّ‏ الْكَاذِبِي ‏َن{‏ ، 2 وقد حصل<br />

من هذا جانب عظيم للصحابة رضي هللا تعاَل عنهم يف يوم األحزاب كما قال هللا تعاَل:‏ ‏}إِذْ‏ جَاءُوكُمْ‏ مِنْ‏ قَوْ‏ قِكُ‏ ‏ْم<br />

وَ‏ مِنْ‏ أَسْفَلَ‏ مِنْكُمْ‏ وَ‏ إِذْ‏ زَ‏ اغَتْ‏ األْ‏ ‏َبْصَارُ‏ وَ‏ بَلَغَتْ‏ الْقُلُوبُ‏ الْحَنَاجِ‏ رَ‏ وَ‏ تَظُنُّونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ الظُّنُو ‏َن هُنَالِكَ‏ ابْتُلِيَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُو ‏َن<br />

وَ‏ زُ‏ لْزِ‏ لُوا زِ‏ لْزَ‏ اال شَدِيد ‏ًا وَ‏ إِذْ‏ يَقُولُ‏ الْمُنَاقِقُونَ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ قِي قُلُوبِهِمْ‏ مَرَ‏ ضٌ‏ مَا وَ‏ عَدَنَا ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ‏ إِال غُرُ‏ ً ورا{‏ اآلايت،‏<br />

3<br />

وملا سأل هرقل أاب س<strong>في</strong>ان هل قاتلتموه قال:‏ نعم.‏ قال:‏ فكيف كانت احلرب بينكم،‏ قال:‏ سِ‏ جَاال يُدال علينا ونُدال<br />

عليه قال:‏ كذلك الرسل ت ‏ُبْتَلَى ‏ُث تكون هلا العاقبة.أه .<br />

قلت:‏ وقوله تعاَل:‏ ‏}مَثَلُ‏ الَّذِينَ‏ خَلَوْ‏ ا مِنْ‏ قَبْلِكُ‏ ‏ْم{‏ يدل على أن هذا الإبتالء ابلبأساء والضراء والزلزلة سنة قدرية،‏<br />

وقعت ملن كان قبلنا،‏ وستقع لنا،‏ والبد،‏ وهي من مقدمات النصر،‏ كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

النصر مع الصرب،‏ وأن الفرج مع الكرب،‏ وأن مع العسر يسرا«.‏ وعلى كل مسلم أن يهيئ نفسه هلذه السُّنة.‏<br />

نأ»‏<br />

ومما يدخل يف الصرب على شبهات املخللني واملخالفني واملرجفني،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال<br />

4<br />

يَخَاقُونَ‏ لَوْ‏ مَةَ‏ الئِمٍ‏ } ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تَزَالُ‏ طَائِفَةٌ‏ مِنْ‏ أُميتِ‏ قَائِمَةٌ‏ أبَِمْرِ‏ هللا،‏ ال ي ضُرُّهُم م ‏ْن<br />

5<br />

أَمْرُ‏ هللا وَهُم ظَاهِرُونَ‏ عَلَى النماس«‏ . فالبد لكل من قام حبق من الئمٍ‏ يلومُه وخمَُذِّل ي ‏ُثَبطه<br />

خ ل هل ‏ُم أ و خ ال ف هُم حَىتَ‏ ‏َيَِْتََ‏<br />

وخمُ‏ الف ي ‏ُلَبِّس عليه أمره،‏ فإن صرب جاءه نصر هللا تعاَل:‏ ‏}أَال إِنَّ‏ نَصْرَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَرِ‏ ي ‏ٌب{‏ ، 6 وقد بشره رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم أبن هؤالء املخذلني واملخالفني لن يضروه إن شاء هللا تعاَل.‏<br />

ومما يدخل يف الصرب،‏ الصرب على طول الطريق،‏ كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم خلباب:‏ ‏»ولكنكم قوم<br />

1<br />

7<br />

تستعجلون«‏ ، وهذه جِ‏ بِلمة الإنسان ‏}وَ‏ كَانَ‏ اإلْ‏ ِ نسَانُ‏ عَجُوال{‏ ، واإلستعجال يفسد أكَر مما يصلح،‏ ومن تعجل<br />

- 1 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

383<br />

214<br />

- 2 سورة العنكبوت،‏ اآلايت:‏<br />

- 3 سورة األحزاب،‏ اآلايت:‏<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

3 إَل 1<br />

12 إَل 11<br />

54<br />

- 5 متفق عليه عن معاوية.‏<br />

- 6 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

214<br />

- 7 رواه البخاري.‏


الشيء قبل أوانه عوقب حبرمانه،‏ والتعجل علة احلرمان،‏ وهذه قاعدة فقهية،‏ أال ترى إنك إذا قطفت مثرة غري انضجة<br />

فال أنت انتفعت هبا وال أنت تركتها حىت تنضج وتنتفع هبا.‏<br />

إن الإستعجال يفتح اباب للشيطان،‏ ليدفع ابلعبد إَل التنازل التدرجيي عما هو عليه من احلق،‏ ظنا منه أنه خيتصر<br />

الطريق،‏ وهو قد ضل الطريق وحاد عنه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ‏ عَنْ‏ الَّذِي أَوْ‏ حَيْنَا إِلَيْكَ‏ لِتَفْتَرِ‏ ي عَلَيْنَا غَيْرَ‏ هُ‏<br />

وَ‏ إِذًا التَّخَذُوكَ‏ ً خَلِيال وَ‏ لَوْ‏ ال أَنْ‏ ثَبَّتْنَاكَ‏ لَقَدْ‏ كِدْتَ‏ تَرْ‏ كَنُ‏ إِلَيْهِمْ‏ شَيْئًا قَلِيال إِذًا ألَذَقْنَاكَ‏ ضِ‏ عْفَ‏ الْحَيَاةِ‏ وَ‏ ضِ‏ عْفَ‏ الْمَمَا ‏ِت<br />

ثُمَّ‏ ال تَجِ‏ دُ‏ لَكَ‏ عَلَيْنَا نَصِ‏ ً يرا{‏ ، 2 إن هذا التنازل وهذه احلَيْدة عن احلق عادةً‏ ما تغلف مبا يواري السوأة كالقول أبن هذا<br />

من احلكمة والسياسة ومصلحة الدعوة،‏ وكل هذا من تزيني الشيطان ألوليائه ‏}يَعِدُهُمْ‏ وَ‏ يُمَن ‏ِيهِمْ‏ وَ‏ مَا يَعِدُهُمْ‏ الشَّيَِْا ‏ُن<br />

إِال غُرُ‏ ً ورا{‏ ، 3 وقال تعاَل:‏ { وَ‏ مَنْ‏ يَعْشُ‏ عَنْ‏ ذِكْرِ‏ الرَّ‏ حْمَانِ‏ نُقَي ‏ِضْ‏ لَهُ‏ شَيَِْانًا قَهُوَ‏ لَهُ‏ قَرِ‏ ينٌ‏ وَ‏ إِنَّهُمْ‏ لَيَصُدُّونَهُمْ‏ عَنْ‏<br />

4<br />

السَّبِيلِ‏ وَ‏ يَحْسَبُونَ‏ أَنَّهُمْ‏ مُهْتَدُونَ{‏ ، <strong>في</strong>نبغي أن يعلم املسلم أن اتِباع ا ق والصرب عليه هو أقصر الطرق إىل النصر،‏<br />

وإن طال الطريق<br />

وكثرت عَقَبَاتُه وقل سالكون،‏ وإن احلَيْدَة عن احلق ال أتِت إال ابخلذالن وإن سَهُل طريقها وخيل<br />

لسالكه قرب الظفر،‏ فإَّنا هي أوهام،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ أَنَّ‏ هَذَا صِ‏ رَ‏ اِِي مُسْتَقِيم ‏ًا قَاتَّبِعُوهُ‏ وَ‏ ال تَتَّبِعُوا السُّبُلَ‏ قَتَفَرَّ‏ قَ‏ بِكُ‏ ‏ْم<br />

عَنْ‏ سَبِيلِهِ‏ ذَلِكُمْ‏ وَ‏ صَّاكُمْ‏ بِهِ‏ لَعَلَّكُمْ‏ تَتَّقُونَ{‏ . 5<br />

ومما يدخل يف الصرب،‏<br />

بِمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ ، 6 وقال تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏<br />

الصرب على إعراني عن دعوة ا ق،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَكْثَرُ‏ النَّاسِ‏ وَ‏ لَوْ‏ حَرَ‏ صْتَ‏<br />

جِ‏ ئْنَاكُمْ‏ ِ بِالْحَق وَ‏ لَكِنَّ‏ أَكْثَرَ‏ كُمْ‏ ِ لِلْحَق كَارِ‏ هُو ‏َن{‏ ، 7<br />

فإن قله األتباع مما يُلبِس به<br />

الشيطان على العبد،‏ أبنه لو كان هذا هو احلق التبعه كل الناس،‏ <strong>في</strong>صرف العبد عن احلق هبذا التلبيس،‏ وقد قال هللا<br />

تعاَل عن نوح : ‏}وَ‏ مَا آمَنَ‏ مَعَهُ‏ إِال قَلِيلٌ{‏ ، 9 وقال تعاَل يف وصف فرعون ملوسى وأتباعه ‏}إِنَّ‏ هَؤُالءِ‏ لَشِرْ‏ ذِمَةٌ‏<br />

قَلِيلُونَ{‏ ، 8 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنه يوم القيامة<br />

حجة الكافرين ‏}وَ‏ قَالُوا نَحْنُ‏ أَكْثَرُ‏ أَمْوَ‏ اال وَ‏ أَوْ‏ الد ‏ًا وَ‏ مَا<br />

‏»وينتى النيب وليس معه أحد«‏ 11 ‏.وقال تعاَل عن<br />

نَحْنُ‏ بِمُعَذَّبِي ‏َن{‏ ، 11 فال تستوحش طريق احلق وإن قل<br />

- 1 سورة الإسراء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الإسراء،‏ اآلايت:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

384<br />

73<br />

11<br />

75 إَل<br />

121<br />

- 4 سورة الزخرف،‏ اآليتان،‏<br />

- 5 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة الزخرف،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة الشعراء،‏ اآلة:‏<br />

37<br />

36<br />

153<br />

113<br />

79<br />

54<br />

41<br />

- 11 متفق عليه عن ابن عباس.‏<br />

- 11 سورة سبإ،‏ اآلية:‏<br />

35


سالكوه،‏ وال تغرت بطرق الباطل وإن كثر اهلالكون،‏ قال تعاَل:‏ ‏}حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ‏ الرُّ‏ سُلُ‏ وَ‏ ظَنُّوا أَنَّهُمْ‏ قَدْ‏ كُذِبُوا<br />

جَاءَهُمْ‏ نَصْرُ‏ نَا قَنُجِ‏ يَ‏ مَنْ‏ نَشَاءُ‏ وَ‏ ال يُرَ‏ دُّ‏ بَأْسُنَا عَنْ‏ الْقَوْ‏ مِ‏ الْمُجْرِ‏ مِينَ‏ لَقَدْ‏ كَانَ‏ قِي قَصَصِ‏ هِمْ‏ عِبْرَ‏ ةٌ‏ ألُوْ‏ لِي األَلْبَا ‏ِب{‏ . 1<br />

ومما يدخل يف الصرب،‏ الصرب على ضعف أتباع ا ق وفقرهم وقِلة حيلتهم،‏ فإن هؤالء هم أتباع الرسل،‏ وهم كتيبة<br />

احلق اليت يتنزل عليها النصر،‏ فهم أرق أفئدة وأقرب إَل هللا تعاَل،‏ وأبعد من الدنيا وزخرفها،‏ وأسرع إَل البذل<br />

2<br />

والتضحية،‏ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»هل تنصرون وترزقون إال بضعفائكم؟«‏ . وقال تعاَل عن حجة قوم نوح<br />

3<br />

‏}أَنُؤْ‏ مِنُ‏ لَكَ‏ وَ‏ اتَّبَعَكَ‏ األَرْ‏ ذَلُونَ{‏ ، وقال تعاَل عن حجة كفار مكة ‏}وَ‏ قَالُوا لَوْ‏ ال نُزِ‏ لَ‏ هَذَا الْقُرْ‏ آنُ‏ عَلَى رَ‏ جُلٍ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

4<br />

الْقَرْ‏ يَتَيْنِ‏ عَظِيمٍ‏ أَهُمْ‏ يَقْسِمُونَ‏ رَ‏ حْمَةَ‏ رَ‏ ب ‏ِكَ‏ } ، وسَأَل هرقل أاب س<strong>في</strong>ان ملا جاءه كتاب النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

5<br />

فقال:‏ ‏)أَشْرَافُ‏ النماسِ‏ ات مبَعُوهُ‏ أَمْ‏ ضُعَفَاؤُهُمْ؟(‏ قال أبو س<strong>في</strong>ان ‏)بل ضُع ف اء هُِم(‏ فقال هرقل ‏)و هُمْ‏ أتدْب اعُ‏ الرُّسُ‏ ‏ِل(‏ . وقال<br />

هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اصْبِرْ‏ نَفْسَكَ‏ مََْ‏ الَّذِينَ‏ يَدْعُونَ‏ رَ‏ بَّهُمْ‏ بِالْغَدَاةِ‏ وَ‏ الْعَشِي ِ يُرِ‏ يدُونَ‏ وَ‏ جْهَهُ‏ وَ‏ الَ‏ تَعْدُ‏ عَيْنَاكَ‏ ‏َعنْهُمْ‏ تُرِ‏ يدُ‏ زِ‏ ينَةَ‏<br />

6<br />

الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا{‏ .<br />

فاعلم اي أخي املسلم أن الدعوات ال حيُ‏ كم عليها بعدد أتباعها وال بثرواهتم أو مراكزهم وإَّنا حيكم عليها مبوافقة<br />

مناهجها للحق الذي جاء به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ فقد قال عبد هللا بن مسعود ‏)اجلماعة ما وافق احلق<br />

وإن كنت وحدك(،‏ ‏ُث حيكم عليها بعد صحة املنهج بصدق أتباعها يف األخذ به.‏<br />

وملا كان الغالب على دعوة احلق يف مبدئها قلة عدد أتباعها وضعفهم،‏ كان للسابقني منهم منزلة ال تدانيها منزلة من<br />

ات مبَع الدعوة حال قوهتا،‏ وهله هي فضيلة السبق واملبادرة اليت أشار هللا تعاَل إليها يف قوله سبحانه ‏}ال يَسْتَوِي<br />

مِنْكُمْ‏ مَنْ‏ أَنْفَقَ‏ مِنْ‏ قَبْلِ‏ الْفَتْحِ‏ وَ‏ قَاتَلَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ أَعْظَمُ‏ دَرَ‏ جَةً‏ مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَنْفَقُوا مِنْ‏ بَعْدُ‏ وَ‏ قَاتَلُوا وَ‏ كُال وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

الْحُسْنَى{‏ ، 7 ذلك ألن البدء يف أي أمرٍ‏ شاقٌ‏ ال يقوى عليه إال األفذاذ أصحاب اهلمم العالية،‏ وما أنذَرهم،‏ فإذا قام<br />

األمر دخل <strong>في</strong>ه آخرون ممن ال يقوون على حتمل مشقة البدء فكانوا أدىن منزلة ممن سبقهم،‏ { وَ‏ كُال وَ‏ عَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

الْحُسْنَى{.‏ إن البدء يف أمر الدعوات احلقة ال تكتنفه املشقة فقط بل يكتنفه ما هو أشد من ذلك وهو اخلوف من<br />

بطش شياطني الإنس أعداء احلق،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}قَمَا آمَنَ‏ لِمُوسَى إِال ذُرِ‏ يَّةٌ‏ مِ‏ ‏ْن قَوْ‏ مِ‏ ‏ِه عَلَى خَوْ‏ ف مِنْ‏ قِرْ‏ عَوْ‏ ‏َن<br />

9<br />

وَ‏ مَلَئِهِمْ‏ أَنْ‏ يَفْتِنَهُمْ{‏ ، وهذا هو الإميان يف اخلوف الذي فَرمق هللا تعاَل به بني الصحابة أنفسهم،‏ فجعل الفتح ‏)وهو<br />

111<br />

32<br />

- 1 سورة يوسف،‏ اآلتيان:‏<br />

111<br />

- 2 رواه البخاري<br />

- 3 سورة الشعراء،‏ االية:‏<br />

- 4 سورة الزحرف،‏ اآليتان:‏<br />

111<br />

31<br />

- 5 متفق عليه عن ابن عباس.‏<br />

- 6 سورة الكهف،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة احلديد،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

29<br />

11<br />

93<br />

385


صلح احلديبية يف آية احلديد السابقة(‏ جعله سبحانه فُرقاان بني الصحابة،‏ فكانت منزلة من آمن قبل احلديبية أعظم من<br />

منزلة من آمن بعدها،‏ ذلك ألن احلديبية كان فرقاان بني اخلوف قبلها واألمن بعدها،‏ إذ أَمِنَ‏ الناسُ‏ بعد الصلح<br />

ودخل يف عامني )6<br />

‎9‎ه ) أضعاف من دخله يف تسعة عشر عاما ‏)من البعثة إَل الصلح يف<br />

6<br />

ه (، فقد كان مع النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية ألف وأربعمائة صحايب،‏ وكان معه يوم فتح مكة بعد احلديبية بعامني عشرة آالف<br />

صحايب رضي هللا عنهم أمجعني،‏ وهبذا تتبني لك منزلة الإميان على اخلوف،‏ فليحرص املسلم على فضيلة السبق<br />

واملبادرة وال يثبطه الشيطان عن ذلك مبشقة الطريق وبقلة عدد سالكيه وضعفهم وببطش أعدائهم فإن احلق غالب ال<br />

2<br />

1<br />

حمالة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}كَتَبَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ ألَغْلِبَنَّ‏ أَنَا وَ‏ رُ‏ سُلِي{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قِي ذَلِكَ‏ قَلْيَتَنَاقَسْ‏ الْمُتَنَاقِسُونَ{‏ ، وقال رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»واعلم أن النصر مع الصرب«.‏<br />

ومما يدخل يف الصرب يف ميدان اجلهاد،‏ الصرب على األمري،‏ الصرب على طاعته يف العسر والصرب على طاعته يف<br />

املكره،‏ والصرب على طاعته وإن استأثر بشيء دون الرعية،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ رَأَى مِنْ‏ أَمِريِهِ‏<br />

3<br />

شَيْئًا يَكْرَهُه فَلْيَصْربِْ«‏ ، وسوف ‏َيِت تفصيل هذا يف الفصل القادم ‏)ما يلزم األعضاء يف حق أمريهم(.‏<br />

ومن أهم ما يدخل يف الصرب،‏<br />

الصرب على أذى اإلخوة رفاق الطريق،‏ فإن ميدان اجلهاد جيمع مسلمني على<br />

مستوايت تربوية متفاوتة فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد،‏ ومنهم سابق ابخلريات إبذن هللا تعاَل،‏ والبد من أن<br />

يتعايشوا معا من أجل املصلحة الشرعية العليا وهي جهاد أعداء الدين،‏ فنوصي الظامل لنفسه أبن يتقي هللا يف نفسه<br />

ويف إخوانه ونوصي الكل ابلصرب على أذى إخواهنم،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»املؤمن الذي خيالط<br />

الناس ويصرب على أذاهم،‏ خري من الذي ال خيالط الناس وال يصرب على أذاهم«‏ . 4 وهذا الصرب هو من صفات املتقني<br />

كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْكَاظِمِينَ‏ الْغَيْظَ‏ وَ‏ الْعَاقِينَ‏ عَنْ‏ النَّاسِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يُحِ‏ بُّ‏ الْمُحْسِنِي ‏َن{‏ ، 5 ومع هذا األجر الذي يناله<br />

املسلم ابلصرب على أذى إخوانه،‏ فإن هناك فائدة أخرى حيصل عليها املسلم مبخالطة الناس وهي أنه يعرف آفات<br />

نفسه فمن كان سريع الغضب ال يدرك هذا من نفسه ما مل خيالط الناس ويتعرض ألذاهم،‏ فإن فعل،‏ أدرك آفات نفسه<br />

وسعى يف تقوميها.‏ وهكذا كثري من آفات النفس ال يدركها العبد إال ابملخالطة.‏<br />

وقد أردت التنبيه على هذا األمر خاصة وأن كثريا من املسلمني يصربون على أذى األعداء وال يصربون على أذى<br />

إخواهنم،‏ كما قال الشاعر:‏<br />

وظلم ذوي القرىب أشد مضاضة<br />

على النفس من وقع ا سام املهن د.‏<br />

- 1 سورة اجملادلة،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة املطففني،‏ اآلية:‏<br />

3 متفق عليه.‏<br />

386<br />

26<br />

21<br />

- 4 رواه البخاري عن ابن عمر يف األدب املفرد )399( ورواه ابن ماجه بسند حسن ‏)فتح الباري 512( / 11<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

134


تعاَل.‏<br />

حبجة<br />

فأردت أن أعلمهم أبن الصرب على أذى الإخوة واجب،‏ وأننا نتعبد ابلصرب على غريه،‏ ونرجو به األجر والثواب من هللا<br />

وهنا تنبيه آخر متعلق بسابقه،‏ وهو أن سوء سلوك بع اإلخوة قد يدفع ابلبع اآلخر إىل ترك ميدان اجلهاد<br />

أنه ال جيوز اجلهاد مع مثل هؤالء،‏ أو أنه ال فائدة من اجلهاد مع مثل هؤالء،‏ أو أنه ال يتنزل النصر على مثل<br />

هؤالء،‏ أو أنه ما جئنا للجهاد إال ملقاومة الفساد فكيف يكون يف صفوفنا فاسدون،‏ أو أنه ينبغي أن نؤجل اجلهاد<br />

حىت ننهض ابملستوى الرتبوي لإلخوة.‏ وكل هذه أعذار ابطلة،‏ وقد حتدثت يف الباب الثاين عن األعذار الغري الشرعية<br />

وهذه منها،‏ كما أشرت إَل هذا يف امللحق الرابع ‏ِبخر مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين حيث ذكرت أن العدالة ليست من<br />

شروط وجو اجلهاد،‏ وأن الفسق ليس بسقط للخطا ابجلهاد إمجاعا.‏<br />

وقد اتفق الفقهاء على أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس يف الضرورايت الشرعية اخلمس،‏ فاجلهاد الذي به<br />

حفظ الدين واجب وإن أدى إَل القتل،‏ فكيف يتحمل املسلم القتل واجلراح وال يتحمل أذى إخوانه من أجل قيام<br />

اجلهاد واستمراره حفظا لدين هللا تعاَل؟<br />

‏ُث إنه مع ذلك مأجور بصربه على أذى إخوانه كما أسلفت إن شاء هللا<br />

تعاَل.‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من يتصرب يصربه هللا،‏ وما أعطى أحد عطاء خريا وأسع من الصرب«‏ ، 1<br />

ومعناه أن الصرب خلق يُكْتسب ابجملاهدة ‏»ي ‏َتَصَمرب«‏ اترة فتارة حىت يصري الصرب خلقا الزما للعبد،‏ وقد أشرت إَل هذا<br />

يف الباب الرابع.‏<br />

وحنن يف مقام معاملة الإخوة املسلمني تطالب األخ املسلم بدرجة أعلى من درجة الصرب وهي العفو عمن ظلمه<br />

والإحسان ملن أساء إليه كما قال تعاَل:‏ ‏}خُذْ‏ الْعَفْوَ‏ وَ‏ أْمُرْ‏ بِالْعُرْ‏ فِ‏ وَ‏ أَعْرِ‏ ضْ‏ عَنْ‏ الْجَاهِلِي ‏َن{‏ ، 2 قال ابن حجر يف<br />

التفسري:‏ ‏]روى ابن جرير عن جعفر الصادق وقال:‏ ليس يف القرآن آية أمجع ملكارم األخالق منها إَل قوله وروى<br />

الطربي مرسال،‏ وابن مردويه موصوال من حديث جابر وغريه،‏ ملا نزلت ‏}خُذْ‏ الْعَفْوَ‏ وَ‏ أْمُرْ‏ بِالْعُرْ‏ ‏ِف{‏ ‏“سأل جربيل،‏<br />

فقال:‏ ال أعلم حىت أسأله،‏ ‏ُث رجع فقال:‏ إن ربك ‏َيمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن<br />

ظلمك”[‏ . 3<br />

األمانة.‏ = 4<br />

<strong>في</strong>ما حتت يديك من أعمال أو أسرار أو أموال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنم اَّللمَ‏ ‏َيَْمُرُكُمْ‏ أَنْ‏ ت ‏ُؤَدُّوا األَْمَاانَتِ‏ إَِلَ‏ أَهْلِهَا{‏ . 4<br />

ومن أعظم األماانت األسرار،‏ سواء األسرار العسكرية أو أسرار إخوانك،‏ قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تَخُونُوا<br />

‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ تَعْلَمُونَ{‏ ، 1 وذكر ابن كثري يف تفسري هذه اآلية خرب أيب لُبابة بن املنذر وكيف<br />

- 1 متفق عليه عن أيب سعيد.‏<br />

- 2 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

387<br />

188<br />

- 3 فتح الباري 316 / 9<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

59


أخرب بين قريظة أبن النيب صلى هللا عليه وسلم سيقتلهم و<strong>في</strong>ه نزلت اآلية،‏ وذكر خرب حاطب بن أيب بلتعة وكيف أرسل<br />

إَل مشركي مكة خيربهم مبسري النيب صلى هللا عليه وسلم لفتح مكة،‏ وقال ابن كثري:‏ ‏]قال السدي كانوا يسمعون من<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم احلديث <strong>في</strong>فشونه حىت يبلغ املشركني[.‏ وقد ذكرت يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ أن األصل<br />

يف العمل العسكري هو السرية.‏<br />

ومما يدخل يف األماانت تولية األعمال لألكفاء،‏ كما ذكرت يف الباب الرابع،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَأْمُرُ‏ كُمْ‏ أَنْ‏<br />

2<br />

تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ‏ إِلَى أَهْلِهَا{‏ ، والوالايت من األماانت ملا رواه مسلم عن أيب ذر قال:‏ ‏»قلت اي رسول هللا أال<br />

تستعملين؟ قال:‏ اي أاب ذر إنك ضعيف وإهنا أمانة«‏ احلديث،‏ وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا ضيعت األمانة فانتظر<br />

3<br />

الساعة قيل:‏ وكيف إضاعتها؟،‏ قال:‏ إذا وُسِّ‏ د األمر إَل غري أهله«‏ .<br />

ويدخل يف األمانة كللك حسن التصرف يف األموال العامة قبضا وإنفاقا وأداء إَل ويل األمر،‏ فقد قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»من استعملناه منكم على عمل فكتمنا خميطا فما فوق كان غلوال ‏َيِت به يوم القيامة«‏ . 4 وقال<br />

صلى هللا عليه وسلم : ‏»إن رجاال ي ‏َتَخَومضون يف مال هللا بغري حق،‏ فلهم النار يوم القيامة«‏ . 5<br />

ولقد اشتكى الصحايب اجلليل حذيفة بن اليمان ‏)املتوىف ‎36‎ه ) من نقض األمانة،‏ فقال:‏ ‏)ولقد أتى م عَلَي زمان وما<br />

أابيل أيكم ابيعت إَل قوله وأما اليوم فما كنت أابيع منكم إال فالان وفالان(‏ ، 6 قوله ‏)ابيعت(‏ من البيع والشراء،‏ وهو<br />

يشري إَل رفع األمانة من الناس،‏ وقد تويف عام<br />

‎36‎ه،‏ واألحوال يف نق كما قال صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»ال ‏َيِت<br />

عليكم يوم إال والذي بعده شر منه«‏ ، 7 فكيف ابحلال اآلن؟.‏ واملقصد من ذكر حديث حذيفة هنا قوله ‏)وأما اليوم<br />

فما كنت أابيع منكم إال فالان وفالان(‏ و<strong>في</strong>ه الإشارة إَل حتري األمانة <strong>في</strong>من تعاملهم وأتمتنهم على األماانت.‏<br />

= 5<br />

اإلحسان:‏<br />

لقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

9<br />

‏»إن هللا كتب الإحسان على كل شيء«‏ . واملقصد ابلإحسان هنا إتقان العمل<br />

املوكل إليك على أحسن الوجوه اليت ترضي هللا.‏ سواء كان هذا العمل تدريبا أو حراسة أو عمال إداراي أو توجيها<br />

- 1 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

388<br />

27<br />

59<br />

- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة.‏<br />

- 4 رواه مسلم عن عدي بن عمرية .<br />

- 5 رواه البخاري عن خولة بنت عامر األنصارية رضي هللا عنها.‏<br />

- 6 متفق عليه.‏<br />

- 7 رواه البخاري عن أنس.‏<br />

- 9 رواه مسلم عن شداد بن أوس.‏


شرعيا أو غري ذلك مما يكلفك<br />

املَكْره.‏<br />

به األمري،‏ سواء كنت حتب هذا العمل أو ال حتبه كما سيأِت يف السمع والطاعة يف<br />

ومن شعب الإميان أن تؤدي حقوق الناس ابلإتقان الذي حتب أن يؤدي به الناس حقك فقد قال رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم :<br />

1<br />

‏»ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه«‏ ، وعن عبد هللا بن عمرو مرفوعا ‏»من أحب أن<br />

2<br />

يزحزح عن النار ويدخل اجلنة،‏ فلتأته منيته وهو يؤمن ابهلل واليوم اآلخر،‏ وليَأْتِ‏ إَل الناس الذي حيب أن يؤتى إليه«‏ .<br />

الصدق:‏ = 6<br />

الصدق ‏)هو مطابقة القول الضمري واملخرب عنه،‏ فإذا اخنرم شرط مل يكن صدقا،‏ بل إما أن يكون كذاب أو مرتددا بينهما<br />

على اعتبارين،‏ كقول املنافق:‏ حممد رسول هللا فإنه يصح أن يقال صَدَقَ‏ لكون املخربَ‏ عنه كذلك،‏ ويصح أن يقال<br />

3<br />

كَذَبَ‏ ملخالفة قولِه لضمريه(‏ .<br />

وكما يستعمل الصدق والكذب يف القول،‏ فإهنما يستعمالن يف االعتقاد ‏)<strong>في</strong>قال فالن صادق الإميان وحنوه(،‏<br />

ويستعمالن يف الفعل ‏)<strong>في</strong>قال فالن صدق يف القتال وحنوه(.‏<br />

والصدق قد يكون بني العبد وربه،‏ أو بينه وبني الناس.‏<br />

والصدق مع هللا تعاَل يكون يف القيام بوظائف العبودية على الوجه املطلوب،‏ ويكون ابلوفاء مبا ألزم العبد به نفسه<br />

4<br />

أمام ربه سبحانه،‏ كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}مِنْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ رِ‏ جَا ‏ٌل صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا ‏َّللاَّ‏ َ عَلَيْ‏ ‏ِه{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مِنْهُمْ‏<br />

مَنْ‏ عَاهَدَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ لَئِنْ‏ آتَانَا مِنْ‏ قَضْلِهِ‏ لَنَصَّدَّقَنَّ‏ وَ‏ لَنَكُونَنَّ‏ مِنْ‏ الصَّالِحِ‏ ينَ‏ قَلَمَّا آتَاهُمْ‏ مِنْ‏ قَضْلِهِ‏ بَخِ‏ لُوا بِهِ‏ وَ‏ تَوَ‏ لَّوا وَ‏ هُ‏ ‏ْم<br />

.<br />

5<br />

مُعْرِ‏ ضُونَ‏ قَأَعْقَبَهُمْ‏ نِفَاقًا قِي قُلُوبِهِمْ‏ إِلَى يَوْ‏ مِ‏ يَلْقَوْ‏ نَهُ‏ بِمَا أَخْلَفُوا ‏َّللاَّ‏ َ مَا وَ‏ عَدُوهُ‏ وَ‏ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُو ‏َن{‏<br />

أما الصدق مع الناس فإنه ينفع العبد يف آجله وعاجله،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم الصِّدْقَ‏ ي ‏َهْدِي إَِلَ‏<br />

الْربِِّ،‏ وَإِ‏ من الْربِم ي ‏َهْدِي إَِلَ‏ اجلَْنمةِ،‏ وَإِنم الرمجُلَ‏ لَيَصْدُقُ‏ حَىتم يَكُونَ‏ صِدِّيقًا،‏ وَإِنم الْكَذِبَ‏ ي ‏َهْدِي إَِلَ‏ الْفُجُورِ،‏ وَإِنم الْفُجُوَر<br />

ي ‏َهْدِي إَِلَ‏ النمارِ،‏ وَإِنم الرمجُلَ‏ لَيَكْذِبُ‏ حَىتم يُكْتَبَ‏ عِنْدَ‏ اَّللمِ‏ كَذماابً«‏ . 6<br />

وليس هذا مبقام بسط احلديث يف الصدق،‏ وإَّنا أردت هنا التنبيه على مسألة الصدق يف العمل الإسالمي والدعوة<br />

الإسالمية.‏ حيث تفتقر الساحة الإسالمية املعاصرة إَل الصدق،‏ يعرف هذا من يعايش هذه الساحة ودعاهتا معايشة<br />

عميقة.‏ فما يقال للمسلمني على ألسنة بعض الدعاة كثري منه كذب متعمد خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق بنصرة الطواغيت<br />

- 1 متفق عليه عن أنس.‏<br />

389<br />

- 2 رواه مسلم.‏<br />

- 3 فتح الباري 517 / 11<br />

- 4 سورة األحزاب،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلايت:‏<br />

23<br />

إَل 75<br />

- 6 متفق عليه عن ابن مسعود .<br />

77


ر-‏<br />

وأنظمتهم بتحريف الكلم عن مواضعه ولَبْس احلق ابلباطل،‏ ومن هؤالء الدعاة من تُسَلمط عليه األضواء وتُضْفَى عليه<br />

األلقاب وت ‏ُفْرَد له الصفحات الطوال ليقوم مبهمته الشيطانية،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»دعاة على أبواب<br />

1<br />

جهنم،‏ من أجاهبم إليها قذفوه <strong>في</strong>ها،‏ قلت:‏ اي رسول هللا صفهم لنا؟،‏ قال:‏ هم من جلدتنا ويتكلمون أبلسنتنا«‏ . ‏ُث<br />

إن كثريا من الدعاة تُكَذِّب أفعاهلُم أقواهلَم.‏ وإذا أردت أن ختترب صدق الداعية يف هذا الزمان فاسأله عن الطواغيت<br />

وعن حكم جهادهم،‏ صدقك القول فانظر يف فعله وسريته هل تصدق قوله أم ال؟ لقد أصبحت هذه املسألة يف هذا<br />

الزمان فُرْقَاانَ‏ بني احلق والضالل،‏ متاما كما كانت مسألة خلق القرآن زمن أمحد بن حنبل رضي هللا عنه.‏ كذلك فإن<br />

هناك أعماال تقدم للناس على أهنا إسالمية وحقيقتها ليست كذلك بل منها ما يهدف إَل هنب صدقات املسلمني أو<br />

يهدف لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية،‏ ومنها وهو أشرها ما هو حقيقته مراكز جتسس تعمل حلساب الطواغيت<br />

ولنشر دعاايهتم وكفرهم حتت غطاء إسالمي كمسجد الضرار،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ اتَّخَذُوا مَسْجِ‏ د ‏ًا ضِ‏ رَ‏ ار ً ا وَ‏ كُفْر ً ا<br />

وَ‏ تَفْرِ‏ يقًا بَيْنَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ وَ‏ إِرْ‏ صَاد ‏ًا لِمَنْ‏ حَارَ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ مِنْ‏ قَبْلُ‏ وَ‏ لَيَحْلِفُنَّ‏ إِنْ‏ أَرَ‏ دْنَا إِال الْحُسْنَى وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَ‏ ‏ْشهَدُ‏ إِنَّهُ‏ ‏ْم<br />

لَكَاذِبُونَ‏ ال تَقُمْ‏ قِيهِ‏ أَبَد ‏ًا{‏ ، 2 كذلك فإن هناك أعماال إسالمية تصبغ بصفة العاملية،‏ ومنها ما ي ‏ُنْفَق عليه بسخاء<br />

واهلدف معروف وهو أن متتد أيدي األخطبوط إَل مجيع البلدان حتت ستار العاملية تتحسس ومتسك أبي حركة<br />

إسالمية وليدة <strong>في</strong>ما يسمى بسياسة الإحتواء.‏<br />

و<strong>في</strong>ما سبق الكفاية،‏ ويف التلميح ما يك<strong>في</strong> عن التصريح،‏ قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ نَشَاءُ‏ ألَرَ‏ يْنَاكَهُمْ‏ قَلَعَرَ‏ قْتَهُمْ‏ بِسِيمَاهُ‏ ‏ْم<br />

3<br />

وَ‏ لَتَعْرِ‏ قَنَّهُمْ‏ قِي لَحْنِ‏ الْقَوْ‏ لِ{‏ ، واملقصود بيان أن كثريا من األعمال الإسالمية املعاصرة تفتقر إَل الصدق،‏ وليس<br />

هدفها احلقيقي نصرة دين هللا تعاَل،‏ ولذلك فإهنا ممحوقة الربكة،‏ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»قَالَ‏ اَّللمُ‏ تَعَاَلَ‏ أَانَ‏ أَغْىنَ‏<br />

4<br />

الشُّرَكَاءِ‏ عَنِ‏ الشِّ‏ رْكِ‏ ، مَنْ‏ عَمِلَ‏ عَمَالً‏ أَشْرَكَ‏ فِيهِ‏ مَعِي غَريِْي تَرَكْتُهُ‏ وَشِ‏ رْكَهُ«‏ ، ولذلك أيضا فإن الوعد الصادق<br />

‏}وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنصُرُ‏ هُ{ال يتحقق،‏ بل حالنا حنن املسلمني بلغ من الذلة واهلوان مبلغا ال خيفى على أحد،‏<br />

ألن كثريا من األعمال املفرتض أهنا لنصرة دين هللا تعاَل هي يف حقيقتها ليست كذلك،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ِ ‏ُر<br />

مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{‏ . 5<br />

إن الصدق دعامة أساسية من دعائم هذا الدين،‏ بل إن هذا الدين ما بدأت دعوته إال على هذه الدعامة،‏ كما قال<br />

ابْنِ‏ عَبماسٍ‏ رَضِي اَّللمُ‏ عَنْهُمَا ‏)لَما ن ‏َزَلَتْ‏ ‏}وَ‏ أَنذِرْ‏ عَشِيرَ‏ تَكَ‏ األَقْرَ‏ بِي ‏َن{‏ ، 6 صَعِدَ‏ النميبِ‏ ُّ صلى هللا عليه وسلم على الصمفَا<br />

فَجَعَلَ‏ ي ‏ُنَادِي:‏ ايَ‏ بَينِ‏ فِهْرٍ،‏ ايَ‏ بَينِ‏ عَدِيٍّ‏ لِبُطُونِ‏ قُرَيْشٍ‏ حَىتم اجْتَمَعُوا،‏<br />

أَرْسَل<br />

فَجَعَلَ‏ الرمجُلُ‏ إِذَا ملَْ‏ يَسْتَطِعْ‏ أَنْ‏ خيَْرُجَ‏ َ<br />

119<br />

- 1 متفق عليه عن حذيفة.‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

- 3 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

117<br />

31<br />

4<br />

واه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 5 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة الشعراء،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

214<br />

391


رَسُوالً‏ لِيَنْظُرَ‏ مَا هُوَ،‏ فَجَاءَ‏ أَبُو هلََبٍ‏ وَقُرَيْشٌ،‏ فَقَالَ‏ صلى هللا عليه وسلم : أَرَأَيْتَكُمْ‏ لَوْ‏ أَخْربَْتُكُمْ‏ أَنم خَيْالً‏ ابِلْوَادِي تُرِي ‏ُد<br />

أَنْ‏ تُغِريَ‏ عَلَيْكُمْ،‏ أَكُنْتُمْ‏ م مُصَدِّقِي ؟ ق الُوا ند ع مْ‏ م ا ج ر بدْن ا ع ل يْك إِال صِدْق ا قَالَ‏ : ِ فَإِينّ‏ نَذِيرٌ‏ لَكُمْ‏ بَنيَْ‏ يَدَيْ‏ عَذَا ‏ٍب<br />

1<br />

شَدِيدٍ«‏ . قال ابن حجر:‏ ‏]»أَرَأَيْتَكُمْ‏ لَوْ‏ أَخْربَْتُكُمْ...«‏ أراد بذلك تقريرهم أبهنم يعلمون صدقه إذا أخرب عن األمر<br />

2<br />

الغائب[‏ .<br />

إن هذا الدين لن يقوم إال ابجلهاد<br />

3<br />

‏»لَنْ‏ يَربَْحَ‏ هَذَا الدِّينُ‏ قَائِمًا ي ‏ُقَاتِلُ‏ عَلَيْهِ‏ عِصَابَةٌ‏ مِنَ‏ الْمُسْلِمِنيَ«‏ ، وإن اجلهاد ال يقوم<br />

4<br />

إال ابجلماعة ‏)عصابة من املسلمني(،‏ وإن اجلماعة ال تتكون إال ابلدعوة ‏}حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَى الْقِتَا ‏ِل{‏ ، وإن<br />

الدعوة تعتمد على الثقة يف الداعي وصدقِه كما يف احلديث السابق ‏»مَا جَرمبْنَا عَلَيْكَ‏ إِال صِدْقًا«.‏<br />

إن الكذب مستقبح عند املشركني،‏ انظر إَل قصة أيب س<strong>في</strong>ان مع هرقل ملا سأله عن النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ فأراد<br />

أبو س<strong>في</strong>ان وكان مازال مشركا أن يكذب يف اخلرب فاستحى ممن معه من قريش أن ‏َيَثِروا عليه كذاب،‏ وإن الكذب<br />

قبيح من رجل من العامة فكيف برجل داعية؟<br />

التوكل = 7<br />

يف اللغة:‏ التوكل مأخوذ من الوكالة:‏ يقال:‏ وَكَلَ‏ فالن أمره إَل فالن،‏ أي فوض أمره إليه واعتمد <strong>في</strong>ه عليه . 5<br />

ويف الإصطالح:‏ هو صدق اعتماد القلب على هللا<br />

<br />

كلها . 6<br />

يف<br />

استجالب املصاحل ودفع املضار يف أمور الدنيا واآلخرة<br />

وال يتم هذا الإعتماد إال إذا اعتقد املتوكل متام العلم والقدرة والرمحة،‏ فإذا أيقنت هبذا يف هللا تعاَل وحده اتكل قلبك<br />

عليه وحده،‏ وإذا ضعف هذا اليقني يف هللا تعاَل ضعف التوكل.‏<br />

فالتوكل هو مثرة الفقه يف أمساء هللا تعاَل وصفاته،‏ كصفات العلم والقدرة والرمحة واحلكمة،‏ فمن أيقن بكمال علم هللا<br />

تعاَل وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وماال يكون لو كان كيف يكون،‏ وأنه سبحانه عامل الغيب والشهادة،‏ اعتمد<br />

عليه وفوض أمره إليه ألنه سبحانه يعلم من مصاحل العبد اآلجلة والعاجلة ماال يعلمه العبد نفسه،‏ ولذلك قال شعيب<br />

: ‏}وَ‏ سَِْ‏ رَ‏ بُّنَا كُلَّ‏ شَيْءٍ‏ عِلْم ‏ًا عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ تَوَ‏ كَّلْنَا{‏ ، 7 فبني أن التوكل هو مثرة اليقني بسعة علم هللا تعاَل وكماله.‏<br />

390<br />

- 1 رواه البخاري.‏<br />

- 2 فتح الباري 513 / 9<br />

- 3 رواه مسلم.‏<br />

- 4 األنفال،‏ اآلية:‏ .65<br />

- 5 خمتصر منهاج القاصدين.‏<br />

- 6 جامع العلوم واحلكم ص<br />

- 7 سورة األعراف،‏ اآلية:‏<br />

391<br />

98


وكذلك القدرة،‏ فإذا أيقنت أبن هللا على كل شيء قدير،‏ وأنه ال يعجزه شيء يف السموات وال يف األرض،‏ اعتمدت<br />

عليه يف قضاء حوائجك من جلب منفعة أو دفع مضرة،‏ كما قال تعاَل عن هود<br />

<br />

‏}إِن ‏ِي تَوَ‏ كَّلْتُ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ رَ‏ ب ‏ِي<br />

1<br />

وَ‏ رَ‏ ب ‏ِكُمْ‏ مَا مِنْ‏ دَابَّةٍ‏ إِال هُوَ‏ آخِ‏ ذٌ‏ بِنَاصِ‏ يَتِهَا إِنَّ‏ رَ‏ ب ‏ِي عَلَى صِ‏ رَ‏ اٍِ‏ مُسْتَقِيمٍ‏ } ، فبني أن من أسباب توكله علمه أبنه ما<br />

من دابة إال وهللا آلخذ بناصيتها وحتت سلطانه وقهره،‏ فال خيشى من قومه الذين كفروا به شيئا طاملا كانوا حتت قهر<br />

ربه سبحانه وتعاَل وقدرته،‏ إال ما شاء هللا سبحانه.‏ وكذلك صفة الرمحة،‏ العلم هبا ابعث على التوكل،‏ كما قال تعاَل<br />

عن يعقوب<br />

نق<br />

‏}قَاّلِلَّ‏ ُ خَيْرٌ‏ <br />

2<br />

حَاقِظ ‏ًا وَ‏ هُوَ‏ أَرْ‏ حَمُ‏ الرَّ‏ احِ‏ مِي ‏َن{‏ ، وكذلك صفة احلكمة،‏ فتعلم أن هلل حكمة ابلغة <strong>في</strong>ما<br />

قضى لك به وإن بدا لك غري ذلك،‏ فثمرة التوكل الرضا ابلقضاء،‏ ولذلك ورد يف قول هود عليه السالم بعدما أعلن<br />

توكله وبَنيم أنه مبين على علمه بقدرة هللا تعاَل ‏}مَا مِنْ‏ دَابَّةٍ‏ إِال هُوَ‏ آخِ‏ ذٌ‏ بِنَاصِ‏ يَتِهَا{‏ قال هود<br />

: ‏}إِنَّ‏ رَ‏ ب ‏ِي عَلَى<br />

3<br />

صِ‏ رَ‏ اٍِ‏ مُسْتَقِيمٍ‏ } ، أي حَكَمٌ‏ عدل ما قضى به فهو احلق،‏ سواء كان هذا القضاء هو متكني الكافرين من إيذاء هود<br />

أو ظهوره عليهم وانتقام الرب جل وعال منهم،‏ وهذا يشبه قول يعقوب عليه السالم لبنيه ‏}وَ‏ مَا أُغْنِي عَنكُمْ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

4<br />

مِنْ‏ شَيْءٍ‏ إِنْ‏ الْحُكْمُ‏ إِال ‏ّلِلِ‏ َّ ِ عَلَيْهِ‏ تَوَ‏ كَّلْتُ‏ وَ‏ عَلَيْهِ‏ قَلْيَتَوَ‏ كَّلْ‏ الْمُتَوَ‏ كِلُونَ‏ } ، فلله حكمة ابلغة <strong>في</strong>ما يقضي به،‏ وإن خ<strong>في</strong><br />

وجه احلكمة على العبد،‏ وهو سبحانه ال يقضي لعبده املؤمن إال ابخلري.‏ وذلك حىت ال يقول قائل:‏ توكلت على هللا ‏ُث<br />

قضى بغري ما أحب،‏ فهذا ال يؤمن بصفة احلكمة هلل جل وعال ويتعبد ببعض صفاته سبحانه دون البعض،‏ وعنده من<br />

الإميان حبسبه.‏<br />

مما سبق تعلم أن التوكل كعمل من أعمال القلب هو مثرة الفقه يف أمساء الرب جل وعال وصفاته،‏ وتعلم كذلك أنه<br />

5<br />

شرط يف الإميان،‏ وهذا يستفاد أيضا من قوله تعاَل ‏}وَ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ قَتَوَ‏ كَّلُوا إِنْ‏ كُنتُمْ‏ مُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، قال ابن القيم يف معىن<br />

هذه اآلية:‏ ‏]فجعل التوكل على هللا شرطا يف الإميان،‏ فدل على انتفاء الإميان عند انتفائه،‏ ويف اآلية األخرى ‏}وَ‏ قَا ‏َل<br />

مُوسَى يَاقَوْ‏ مِ‏<br />

6<br />

إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ آمَنْتُمْ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ قَعَلَيْهِ‏ تَوَ‏ كَّلُوا إِنْ‏ كُنْتُمْ‏ مُسْلِمِي ‏َن{‏ ، فجعل دليل صحة الإسالم التوكل،‏ وإذا كان<br />

التوكل ضعيفا كان دليال على ضعف الإميان والبد...‏<br />

قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا:‏ ‏]وما رجا أحد خملوقا وال توكل عليه إال خاب ظنه <strong>في</strong>ه،‏ فإنه مشرك،‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ مَنْ‏ يُشْرِ‏ كْ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ قَكَأَنَّمَا خَرَّ‏ مِنْ‏ السَّمَاءِ‏ قَتَخَِْفُهُ‏ الَِّيْرُ‏ أَوْ‏ تَهْوِي بِهِ‏ الرِ‏ يحُ‏ قِي مَكَانٍ‏ سَحِ‏ ي ‏ٍق{‏ ] 7 1 .<br />

- 1 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

392<br />

56<br />

- 2 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

64<br />

56<br />

- 4 سورة يوسف،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة يونس،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة احلج،‏ اآلية:‏<br />

67<br />

23<br />

94<br />

31


قلت:‏ الشرك يف التوكل هو أن تعتمد على املخلوق أو على األسباب <strong>في</strong>ما ال يقدر عليه إال هللا تعاَل وحده،‏ كمن<br />

يتوكل على املوات والطواغيت يف رجاء مطلوبه من نصر أو رزق،‏ وكمن ‏َيخذ ابألسباب ويعتقد أهنا الفاعلة،‏ كمن<br />

يتعاطى الدواء ويعتقد أنه الشايف،‏ وكمن يُعد <strong>العدة</strong> من الرجال والسالح ويعتقد أهنا سبب النصر.‏<br />

وهذا جيعلنا نتكلم عن عالقة التوكل ابألخذ ابألسباب،‏ قال ابن رجب:‏ ‏]واعلم أن حتقيق التوكل ال ينايف السعي يف<br />

األسباب اليت قدر هللا سبحانه وتعاَل املقدورات هبا وجرت سنته يف خلقه بذلك،‏ فإن هللا تعاَل أمر بتعاطي األسباب<br />

2<br />

مع أمره ابلتوكل،‏ فالسمعْي يف األسباب ابجلوارح طاعة له،‏ والتوكل ابلقلب عليه إميان به[‏ .<br />

قلت ف<strong>في</strong> جهاد األعداء أمر هللا تعاَل إبعداد <strong>العدة</strong> ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ وأمر سبحانه أبخذ احلذر<br />

‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا خُذُوا حِ‏ ذْرَ‏ كُمْ{،‏ ولبس النيب صلى هللا عليه وسلم الدرع واملغفر وحفر اخلندق وبعث الطالئع<br />

والعيون،‏ مق قوله تعاَل:‏ {<br />

3<br />

وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ ، ولذلك ملا ظن الصحابة ترتب النصر على األسباب<br />

4<br />

هُزِموا،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَوْ‏ مَ‏ حُنَيْنٍ‏ إِذْ‏ أَعْجَبَتْكُمْ‏ كَثْرَ‏ تُكُمْ‏ قَلَمْ‏ تُغْنِ‏ عَنْكُمْ‏ شَيْئًا{‏ ، فردهم سبحانه إَل األمر األول وهو<br />

‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{.<br />

فاألخذ ابألسباب من سنن األنبياء،‏ واألخذ ابألسباب واجب،‏ حيث جتب،‏ مع ترك الإعتماد عليها،‏ بل الإعتماد<br />

على هللا وحده ال شريك له يف حصول املقصود بعد األخذ ابألسباب.‏<br />

وهناك أحوال ال تصلح <strong>في</strong>ها األسباب وال ميكن األخذ هبا،‏ وإذا نزلت ابملرء فليس له إال عمل القلب وحده بصدق<br />

التوكل عليه،‏ كالإستعادة ابهلل من الشيطان فإنه عدو خ<strong>في</strong> ال ميكن االحرتاز منه،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَإِذَا قَرَ‏ أْتَ‏ الْقُرْ‏ آ ‏َن<br />

5<br />

قَاسْتَعِذْ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ مِنْ‏ الشَّيَِْانِ‏ الرَّ‏ جِ‏ يمِ‏ إِنَّهُ‏ لَيْسَ‏ لَهُ‏ سُلَِْانٌ‏ عَلَى الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ‏ عَلَى رَ‏ ب ‏ِهِمْ‏ يَتَوَ‏ كَّلُو ‏َن{‏ ، وكذلك إذا أحاط<br />

بك العدو الإنسي ومل تكن لك حيلة،‏ روى البخاري عَنِ‏ ابْنِ‏ عَبما ‏ٍس قال:‏ ‏»}حَسْبُنَا ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ نِعْ‏ ‏َم الْوَ‏ كِي ‏ُل{‏<br />

إِبْرَاهِيم<br />

ُ<br />

قَاهلََا<br />

صلى هللا عليه وسلم حِ‏ نيَ‏ أُلْقِيَ‏ يفِ‏ النمارِ،‏ وَقَاهلََا حمَُمدٌ‏ صلى هللا عليه وسلم حِ‏ نيَ‏ قَالُوا لَهُ:‏ ‏}إِنَّ‏ النَّاسَ‏ قَدْ‏ جَمَعُوا لَكُ‏ ‏ْم<br />

6<br />

قَاخْشَوْ‏ هُمْ‏ قَزَ‏ ادَهُمْ‏ إِيمَانًا وَ‏ قَالُوا حَسْبُنَا ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ نِعْمَ‏ الْوَ‏ كِيلُ{‏ «.<br />

7<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ كَّلْ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ قَهُوَ‏ حَسْبُهُ{‏ ، أي فهو كا<strong>في</strong>ه.‏ قال ابن القيم رمحه هللا:‏ ‏]والتوكل اترة يكون توكل<br />

اضطرار وإجلاء حبيث ال جيد العبد ملجأ وال وزرا إال التوكل كما إذا ضاقت عليه األسباب وضاقت عليه نفسه وظن أن<br />

ال ملجأ من هللا إال إليه،‏ وهذا ال يتخلف عنه الفرج والتيسري البتة:‏ واترة يكون توكل اختيار وذلك التوكل مع وجود<br />

- 1 فتح الباري اجمليد شرح كتاب التوحيد ابب ‏)وعلى هللا فتوكلوا(.‏<br />

2 جامع العلوم واحلكم ص<br />

3 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

4 سورة التوبة،‏ اآليتان:‏<br />

5 سورة النحل،‏ اآليتان:‏<br />

393<br />

391<br />

126<br />

وسورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

25<br />

6 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

7 سورة الطالق،‏ اآلية:‏<br />

88<br />

173<br />

89<br />

3


السبب املفضي إَل املراد فإن كان السبب مأمورا به ذُم على تركه،‏ وإن قام ابلسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا،‏<br />

فإنه واجب ابتفاق األمة ون<br />

القرآن والواجب القيام هبما واجلمع بينهما.‏ وإن كان السبب حمرما حرم عليه مباشرته<br />

وتَوَحمد السبب يف حقه يف التوكل فلم يبق سبب سواه فإن التوكل من أقوى األسباب يف حصول املراد ودفع املكروه بل<br />

هو أقوى األسباب على الإطالق،‏ وإن كان السبب مباحا نظرت هل يُضْعِف قيامك به التوكل أو ال يضعفه فإن<br />

أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت مهك فرتكه أوَل وإن مل يضعفه فمباشرته أوَل ألن حكمة أحكم احلاكمني اقتضت<br />

ربط املسبب به فال تعطل حكمته إَل أن قال<br />

وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على هللا وحده فال يضره<br />

مباشرة األسبا مع خلو القلب من اإلعتماد عليها والركون إليها،‏ كما ال ينفعه قوله توكلت على هللا مع اعتماده<br />

1<br />

على غريه وركونه إليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء[‏ .<br />

قلت:‏ ويف مقام اجلهاد فإن التوكل وهو اعتماد القلب على هللا وحده مبين على سعة علم هللا تعاَل وإحاطته ابلكافرين<br />

2<br />

‏}وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مُحِ‏ يٌِ‏ بِالْكَاقِرِ‏ ينَ{‏ ، وقدرته سبحانه عليهم وإن بلغوا من القوة والكثرة ما بلغوا ‏}وَ‏ ال يَحْسَبَنَّ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا<br />

سَبَقُوا إِنَّهُمْ‏ ال يُعْجِ‏ زُ‏ و ‏َن{‏ ، 3 ومع أن األخذ ابألسباب واجب شرعا يف هذا املقام ‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏<br />

قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، 4 إال أهنا ال تغين بذاهتا شيئا،‏ فقد قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا النَّصْرُ‏ إِال مِنْ‏ عِنْدِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 5 ، وسبق بيان هذا يف ‏)معامل<br />

أساسية يف اجلهاد(.‏<br />

الدعاء:‏ = 8<br />

الدعاء مخ العبادة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَالَ‏ رَ‏ بُّكُمْ‏ ادْعُونِي أَسْتَجِ‏ بْ‏ لَكُمْ‏ إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَكْبِرُ‏ ونَ‏ عَنْ‏ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ‏ جَهَنَّ‏ ‏َم<br />

دَاخِ‏ رِ‏ ينَ{‏ ، 6 وابلدعاء يربأ املرء من حوله وقوته إَل حول هللا تعاَل وقوته فهو يعرب عن حقيقة التوكل.‏<br />

وقد سن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أدعية يف مقام اجلهاد وقتال األعداء مفصلة يف كتب األذكار،‏ جيب على<br />

األخ اجملاهد أن حيفظها وحيرص عليها . 7<br />

ودعاء املؤمن مقبول إن شاء هللا تعاَل إذا كان رزقه حالال ومل يدع إبُث أو قطيعة رحم وما مل يستعجل،‏ قال رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»ُث ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغرب ميد يديه إَل السماء ايرب ايرب،‏ ومطعمه حرام<br />

- 1 الفوائد البن القيم ص 96<br />

- 2 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

394<br />

97<br />

58<br />

18<br />

- 4 سورة<br />

األنفال:‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة غافر،‏ اآلية:‏<br />

126<br />

.61<br />

وسورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

11<br />

61<br />

- 7 وميكن مراجعتها يف الفصل اخلاص هبا كتاب األذكار للنووي رمحه هللا ص 195<br />

183


ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي ابحلرام،‏ فأىن يستجاب لذلك«‏ ، 1 ورَوَى عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

قال:‏ ‏»ال يزال يستجاب للعبد ما مل يدع إبُث أو قطيعة رحم وما مل يستعجل قيل:‏ وما االستعجال؟ قال:‏ يقول فقد<br />

دعوت فلم أَرَ‏ يستجاب يل،‏ <strong>في</strong>ستحسر عند ذلك ويدع الدعاء«.‏<br />

والدعاء املقبول إما أن يستجاب لصاحبه عاجال أو آجال،‏ وإما أن يدفع عنه من البالء،‏ وإما أن يدخر لصاحبه يف<br />

اآلخرة،‏ كما وردت السنة بذلك.‏<br />

قلت:‏ وما سبق <strong>في</strong>ما يلزم العبد يف حق هللا تعاَل ليس هو على سبيل احلصر،‏ بل هو بعض ما أردت التنبيه عليه يف<br />

مقام اجلهاد.‏<br />

- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

395


ثانيا:‏ ما يلزم األعضاء <strong>في</strong> حق األمير عليهم.‏<br />

يلزمهم:‏<br />

األول:‏ السمع والطاعة لألمري يف غري معصية<br />

الَاين:‏ النصح لألمري<br />

الَالث:‏ توقري األمري.‏<br />

396


األول:‏ السمع والطاعة<br />

و<strong>في</strong>ه:‏<br />

= 1 متهيد<br />

2<br />

3<br />

4<br />

5<br />

6<br />

= أدلة وجوب السمع والطاعة.‏<br />

= ما يُستَخل من أدلة وجوب السمع والطاعة.‏<br />

= مما يدخل يف طاعة األمري.‏<br />

= ما ي ‏ُقَيِّد السمع والطاعة لألمري.‏<br />

= خامتة ونصيحة.‏<br />

= 1<br />

لألمير <strong>في</strong> غير معصية<br />

تمهيد<br />

السمع والطاعة لوالة األمور عبادة،‏ إذ إن طاعتهم من طاعة هللا ، والسمع والطاعة من أهم أسباب اجتماع كلمة<br />

املسلمني ووحدهتم،‏ ف<strong>في</strong> طاعتهم حسم الختالف اآلراء اليت تؤدي إَل التنازع والشقاق وذهاب الشوكة.‏<br />

ومن أجل هذا أيضا ورد األمر الشرعي بنصب إمام واحد للمسلمني حسما الختالف املسلمني وتنازعهم وتفرقهم،‏<br />

وقد أشرت إَل هذا يف الباب الرابع يف مسألة احملافظة على وحدة اجلماعة.‏<br />

إن أي أمر من األمور ال يقوم إال برأس واحد،‏ سواء يف هذا الإمامة الكربى أو ما دوهنا من األعمال،‏ قال تعاَل:‏ ‏}لَ‏ ‏ْو<br />

1<br />

كَانَ‏ قِيهِمَا آلِهَةٌ‏ إِال ‏َّللاَّ‏ ُ لَفَسَدَتَا{‏ ، وقد استدل الإمام املاوردي وغريه هبذه اآلية على عدم نصب إمامني للمسلمني ملا<br />

2<br />

يرتتب على هذا من الفساد . وروى ابن كثري يف أول سورة التوبة عن حممد بن إسحاق أن رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم بعث أاب بكر أمرياً‏ على احلج عام تسعة ‏ُث أتبعه عليا بن أيب طالب لينادي يف الناس أبول براءة،‏ فخرج على<br />

<br />

على انقة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم العضباء حىت أدرك أاب بكر فقال:‏ أمري أو مأمور؟ فقال:‏ بل مأمور.‏ ‏ُث<br />

مضيا . 3 قلت:‏ فقول أيب بكر<br />

<br />

= 2<br />

‏)أمري أو مأمور(‏ يدل على ما استقر عندهم من أن األمر ال يقوم إال برجل واحد.‏<br />

أدلة وجوب السمع والطاعة.‏<br />

ورد األمر بطاعة والة األمور يف نصوص عديدة ب ‏َيمنَتْ‏ أن هذه الطاعة إَّنا جتب ملن قام بكتاب هللا تعاَل،‏ وب ‏َيمنَ‏ ‏ْت<br />

حدود هذه الطاعة،‏ ومن هذه النصوص:‏<br />

- 1 سورة األنبياء،‏ اآلية:‏<br />

397<br />

22<br />

- 2 األحكام السلطانية ص 27<br />

- 3 تفسري ابن كثري 334 / 2


أ =<br />

قول هللا تعاَل:‏<br />

‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُمْ‏ قَإِنْ‏ تَنَازَ‏ عْتُمْ‏ قِي شَيْ‏ ‏ٍء<br />

قَرُ‏ دُّوهُ‏ إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ الرَّ‏ سُولِ‏ إِنْ‏ كُنتُمْ‏ تُؤْ‏ مِنُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ الْيَوْ‏ مِ‏ اآلخِ‏ رِ‏ ذَلِكَ‏ خَيْرٌ‏ وَ‏ أَحْسَنُ‏ تَأْوِيال{‏ ، 1<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]قال<br />

الطييب:‏ أعاد الفعل يف قوله ‏}وَأَطِيعُوا الرمسُولَ‏ } ومل يعده يف أويل األمر إشارة إَل أنه يوجد <strong>في</strong>هم من ال جتب طاعته،‏ ‏ُث<br />

بَنيم ذلك يقوله ‏}فَإِنْ‏ تَنَازَعْتُمْ‏ يفِ‏ شَيْءٍ{‏ كأنه قيل فإن مل يعملوا ابحلق فال تطيعوهم وردوا ما ختالفتم <strong>في</strong>ه إَل حكم هللا<br />

ورسوله[‏ . 2<br />

ب = عن أيب هريرة:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من أطاعين فقد أطاع هللا،‏ ومن عصاين فقد عصا هللا،‏<br />

3<br />

ومن يطع األمري فقد أطاعين،‏ ومن يَع ِ األمري فقد عصاين«‏ ، وقال ابن حجر:‏ ‏]قوله<br />

‏»ومن أطاع أمريي فقد<br />

أطاعين«‏ ويف رواية مهام واألعرج وغريها عند مسلم ‏»ومن أطاع األمري«‏ وميكن رد اللفظني ملعىن،‏ فإن كل من ‏َيمر حبق<br />

وكان عادال فهو أمري الشارع ألنه توَل أبمره وبشريعته،‏ ويؤيده توحيد اجلواب يف األمرين وهو قوله ‏»فقد أطاعين«‏ أي<br />

عمل مبا شرعته أما عن سبب ورود احلديث قال ابن التني:‏ قيل كانت قريش ومن يليها من العرب ال يعرفون<br />

الإمارة،‏ فكانوا ميتنعون على األمراء،‏ فقال هذا القول حيثهم على طاعة من ي ‏ُؤَمِّرهم عليهم واالنقياد هلم إذا بعثهم يف<br />

السرااي وإذا وَالمهم البالد،‏ فال خيرجوا عليهم لئال تفرتق الكلمة ‏ُث قال ابن حجر ووقع عند أمحد وأيب يعلى والطرباين<br />

من حديث ابن عمر قال:‏ كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف نفر من أصحابه فقال:‏ ‏»ألستم تعلمون أن من<br />

أطاعين فقد أطاع هللا<br />

‏»أئمتكم«.‏ لفظ<br />

وأن من طاعة هللا طاعيت«‏ قالوا:‏ بلى نشهد،‏ قال:‏ ‏»فإن من طاعيت أن تطيعوا أمراءكم«‏ ويف<br />

ويف احلديث وجوب طاعة والة األمور وهي مقيدة بغري األمر ابملعصية كما تقدم يف أوائل الفنت،‏<br />

4<br />

واحلكمة يف األمر بطاعتهم احملافظة على اتفاق الكلمة ملا يف الإفرتاق من الفساد[‏ . قلت:‏ فطاعة األمري من أهم<br />

أسباب وحدة اجلماعة.‏<br />

ج = عن أنس قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»امسعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه<br />

5<br />

زبيبة«‏ . ويف احلديث أن السمع والطاعة واجبان لألمري وإن كان حقري احلسب والنسب وإن كان قبيح املنظر مادام<br />

يعمل يف الناس بشرع هللا،‏ ملا ورد مقيداً‏ يف حديث أم احلصني مرفوعا ‏»امسعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم<br />

6<br />

بكتاب هللا«‏ .<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

398<br />

58<br />

- 2 فتح الباري ج 13 ص 112<br />

- 3 متفق عليه،‏ وهذا لفظ مسلم،‏ وعند البخاري ‏)أمريي(‏ بدل ‏)األمري(‏ وكذلك ملسلم.‏<br />

- 4 فتح الباري ج 13 ص 112<br />

- 5 رواه البخاري.‏<br />

- 6 رواه مسلم.‏


د = عن ابن عمر قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»السمع والطاعة على املرء املسلم <strong>في</strong>ما أحب وكَرِه ما مل يؤمر<br />

مبعصية،‏ فإذا أمر مبعصية فال مسع وال طاعة«‏ . 1 وهذا يقيد ما ورد يف األمر ابلطاعة وأهنا يف غري معصية هللا،‏ وأقول<br />

املعصية ما دل عليها حكم شرعي صريح،‏ أما إن كان فعل األمري أو قوله حيتمل عدة أوجه فال ينبغي الإنكار عليه إال<br />

بعد التبنيُّ‏ .<br />

وأقول أيضا<br />

يستَىن من املعاصي أمران:‏ األول أن مينع األمري رعيته بعض حقوقهم،‏ والثاين أن يستأثر حبظ دنيوي<br />

دوهنم فتجب الطاعة وإن وقع األمري يف هذا وي ‏ُنْصَح،‏ وذلك لألحاديث:‏<br />

األول:‏ عن وائل بن حجر<br />

قامت علينا أمراء<br />

<br />

وسلم :<br />

قال:‏ سأل سلمة بن يزيد اجلُع<strong>في</strong> رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : اي نيب هللا أرأيت إن<br />

يسألوان حقهم ومينعوان حقنا<br />

فما أتمران؟ فأعرض عنه،‏ ‏ُث سأله،‏ فقال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

2<br />

‏»امسعوا وأطيعوا،‏ فإَّنا عليهم ما محلوا وعليكم ما محلتم«‏ ، فالطاعة واجبة وإن منع األمري حق الرعية.‏<br />

الثاين:‏ عن عبادة بن الصامت قال:‏ دعاان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

فَبَاي ‏َعْنَاهُ‏ فَكَانَ‏ فِيمَا أَخَذَ‏ عَلَيْنَا أَنْ‏ ابَي ‏َعَنَا<br />

عَلَى السممْعِ‏ وَالطماعَةِ‏ يفِ‏ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِانَ‏ وَيُسْرِانَ،‏ و أ ثد ر ة ع ل يدْن ا،‏ وَأَنْ‏ الَ‏ ن ‏ُنَازِعَ‏ األَْمْرَ‏ أَهْلَهُ‏ قَاَل ‏»إِالم أَنْ‏ تَرَوْا كُفْرًا<br />

3<br />

ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُمْ‏ مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَا ‏ٌن«‏ . قال ابن حجر ‏»يفِ‏ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا«‏ أي يف حالة نشاطنا ويف احلالة اليت نكون<br />

<strong>في</strong>ها عاجزين عن العمل مبا نؤمر به،‏ ونقل ابن التني عن الداودي أن املراد:‏ األشياء اليت يكرهوهنا قال ابن التني:‏<br />

والظاهر أنه أراد يف وقت الكسل واملشقة يف اخلروج ليطابق قوله منشطنا.‏ قلت:‏ ويؤيده ما وقع يف رواية إمساعيل بن<br />

عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أمحد ‏»يف النشاط والكسل«.‏ قوله ‏»وَعُسْرِانَ‏ وَيُسْرِانَ«‏ يف رواية إمساعيل بن عبيد ‏»وعلى<br />

النفقة يف العسر واليسر«..‏ قوله ‏»وَأَث ‏َرَةٍ‏ عَلَيْنَا«.‏ قال حاصلها اإلختصاص حبظ دنيوي.‏ واملراد أن طواعيتهم ملن يتوَل<br />

4<br />

عليهم ال تتوقف على إيصاهلم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم[‏ .<br />

وورد أيضا حديث أيب هريرة مرفوعا<br />

5<br />

‏»عليك السمع والطاعة يف عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك«‏ .<br />

وقال النووي:‏ ‏]قال العلماء:‏ معناه جتب طاعة والة األمور <strong>في</strong>ما يشق وتكرهه النفوس وغريه مما ليس مبعصية إَل قوله<br />

واألثرة هي الإستئثار والإختصاص أبمور الدنيا عليكم،‏ أي امسعوا وأطيعوا وإن اخت<br />

األمراء ابلدنيا ومل يوصلوكم<br />

حقكم مما عندهم،‏ وهذه األحاديث يف السمع والطاعة يف مجيع األحوال،‏ وسببها اجتماع كلمة املسلمني،‏ فإن<br />

اخلالف سبب لفساد أحواهلم يف دينهم ودنياهم[‏ . 6<br />

399<br />

9<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 رواه مسلم.‏<br />

- 3 متفق عليه.‏<br />

- 4 فتح الباري ج 13 ص 6<br />

- 5 رواه مسلم.‏<br />

- 6 صحيح النووي على مسلم ج<br />

12 ص 225 224


قلت:‏ ولعل احلكمة يف أمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابلسمع والطاعة لألمراء وإن منعوا الناس حقوقهم أو استأثروا<br />

حبقوق الدنيا دوهنم،‏ هو ارتكاب أخف الضررين،‏ فإن تضرر الرعية هبذا املنع واألثرة أخف من ضرر اخلروج على<br />

األمراء وما يتبع ذلك من الإختالف والتفرق.‏<br />

هذا ابلإضافة إَل أنه قد يُظَن أثرة ما ليس أبثرة،‏ فأمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابلطاعة ههنا سدا للذرائع،‏ وحىت ال<br />

يتعلل أحد ابلظنون لشق عصا الطاعة.‏ ومثال ذلك ما رواة البخاري عن أسيد بن حضري أن رجال أتى النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم فقال:‏ اي رسول هللا استعملت فالان ومل تستعملين؟ قال صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»إنكم سرتون بعدي أثرة<br />

فاصربوا حىت تلقوين«‏ قال ابن حجر:‏ ‏]والسر يف طلبه الوالية بقوله ‏»سرتون بعدي أثرة«‏ إرادة ن<strong>في</strong> ظنه أنه آثر الذي<br />

وَالمه عليه،‏ فبنيم له أن ذلك ال يقع<br />

يف زمانه،‏ وأنه مل خيصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة املسلمني،‏ وأن الإستئثار<br />

1<br />

للحظ الدنيوي إَّنا يقع بعده،‏ وأمرهم عند وقوع ذلك ابلصرب[‏ ، فهذا السائل ظن أثرة ما هو ليس أبثرة كما أخربه<br />

النيب صلى هللا عليه وسلم بذلك.‏<br />

ه = قال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]فطاعة والة األمور واجبة ألمر هللا بطاعتهم،‏ فمن أطاع هللا ورسوله بطاعة والة<br />

األمر هلل فأجره على هللا.‏ ومن كان ال يطيعهم إال ملا ‏َيخذه من الوالية واملال فإن أعطوه أطاعهم،‏ وإن منعوه عصاهم:‏<br />

فماله يف اآلخرة من خالق.‏ وقد روى البخاري ومسلم عن أيب هريرة<br />

<br />

عن النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ قال:‏ ‏»ثالثة ال<br />

يكلمهم هللا يوم القيامة،‏ وال ينظر إليهم،‏ وال يزكيهم،‏ وهلم عذاب أليم،‏ رجل على فضل ماء ابلفالة مينعه من ابن<br />

السبيل،‏ ورجل ابيع رجال بسلعة بعد العصر فحلف له ابهلل ألخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غري ذلك،‏ ورجل ابيع<br />

2<br />

إماما ال يبايعه إال لدنيا،‏ فإن أعطاه منها وَفَا،‏ وإن مل يعطه منها مل يَ‏ ‏ِف«[‏ .<br />

= 3<br />

أ =<br />

*<br />

ما يُستَخلص من أدلة وجوب السمع والطاعة.‏<br />

الطاعة واجبة يف املنشط واملكره وليس يف املنشط فقط،‏ بل ميكن القول أبن اإلختبار ا قيقي لصدق الطاعة<br />

ال يكون إال يف امل كْره،‏ فالكل يطيع يف املنشط أي يف األعمال اليسرية أو ذات النفع العاجل أو احملببة إَل النفس،‏<br />

أما يف املكره وهو ماال ترغبه النفس من أعمال فال يطيع حينئذ إال الصادقون.‏ وميكن القول كذلك إن الطاعة يف<br />

املكره <strong>في</strong>صل بني املنمن واملنافق،‏ الذي غالبا ما يطيع يف املنشط دون املكره ودليل ذلك:‏<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}لَ‏ ‏ْو<br />

كَانَ‏ عَرَ‏ ض ‏ًا قَرِ‏ يب ‏ًا وَ‏ سَفَر ً ا قَاصِ‏ د ‏ًا الَ‏ تَّبَعُوكَ‏ وَ‏ لَكِنْ‏ بَعُدَتْ‏ عَلَيْهِمْ‏ الشُّقَّةُ‏ وَ‏ سَيَحْلِفُونَ‏ بِاّلِلَّ‏ ِ لَ‏ ‏ْو<br />

اسْتََِعْنَا لَخَرَ‏ جْنَا مَعَكُمْ‏ يُهْلِكُونَ‏ أَنفُسَهُمْ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَعْلَمُ‏ إِنَّهُمْ‏ لَكَاذِبُونَ{‏ ، 3 فهؤالء يطيعون يف املنشط ‏)الغنيمة السهلة<br />

القريبة(‏ ال املكره ‏)السفر الشاق البعيد(‏ ‏ُث هم يتعللون ابألعذار املختلفة املكذوبة حىت ال خيرجوا،‏ وهكذا املنافق إذا<br />

أمره األمري أبمر مكروه شاق اختلق األعذار ولو ابلكذب حىت ال يفعل.‏<br />

17<br />

- 1 فتح الباري ج 13 ص 9<br />

- 2 جمموع الفتاوى ج<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

35 ص 16<br />

42<br />

411


*<br />

*<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}سَيَقُولُ‏ الْمُخَلَّفُونَ‏ إِذَا انَِلَقْتُمْ‏ إِلَى مَغَانِمَ‏ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُ‏ ونَا نَتَّبِعْكُ‏ ‏ْم{‏ ، 1 وهؤالء ختلفوا عن اجلهاد<br />

‏)املكره(‏ وسارعوا يف طلب اخلروج إَل الغنيمة ‏)املنشط(.‏<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}قَرِ‏ حَ‏ الْمُخَلَّفُونَ‏ بِمَقْعَدِهِمْ‏ خِ‏ الَ‏ فَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ كَرِ‏ هُوا أَنْ‏ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَ‏ الِهِمْ‏ وَ‏ أَنفُسِهِمْ‏ قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

وَ‏ قَالُوا ال تَنفِرُ‏ وا قِي الْحَرِ‏ قُلْ‏ نَارُ‏ جَهَنَّمَ‏ أَشَدُّ‏ حَرًّ‏ ا لَوْ‏ كَانُوا يَفْقَهُونَ{‏ . 2<br />

قلت:‏ ولذلك فإن املكاره اليت ي ‏ُبْتَلى هبا املؤمنون هي رمحة هلم إذ هبا يتميز املؤمن من املنافق،‏ وكلما اشتدت املكاره<br />

كلما انكشف املنافقون،‏ كما قال تعاَل يف غزوة أحد ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏ قَبِإِذْنِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن<br />

وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ الَّذِينَ‏ نَاقَقُوا{‏<br />

4<br />

الَِّي ‏ِبِ{‏ .<br />

والنفاق خصال وهو يتبع<br />

3<br />

، وقال تعاَل:‏ ‏}مَا كَانَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ لِيَذَرَ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ عَلَى مَا أَنْتُمْ‏ عَلَيْهِ‏ حَتَّى يَمِيزَ‏ الْخَبِيثَ‏ مِ‏ ‏ْن<br />

، فمن قعد عن الطاعة يف املكره،‏ كان <strong>في</strong>ه من النفاق حبسب قعوده ما مل يكن معذورا.‏<br />

وانظر إَل ‏َّناذج من طاعة الصحابة رضي هللا عنهم ألمرائهم.‏<br />

قال ابن كثري رمحه هللا:‏ أراد أبو بكر الصديق أن يبعث اجليوش إَل الشام ‏]فشرع يف مجع األمراء يف أماكن متفرقة من<br />

جزيرة العرب وكان قد استعمل عمراً‏ بن العاص على صدقات قضاعة معه الوليد بن عقبة <strong>في</strong>هم،‏ فكتب إليه يستنفره<br />

إَل الشام:‏ ‏“إين كنت قد رددتك على العمل الذي وَالمكَه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مرة ومسَماه لك أخرى،‏ وقد<br />

أحببت أاب عبد هللا أن أفرغك ملا هو خري لك يف حياتك ومعاذك منه،‏ إال أن يكون الذي أنت <strong>في</strong>ه أحب إليك”‏<br />

فكتب إليه عمرو بن العاص:‏ إين سهم من سهام الإسالم،‏ وأنت عبد هللا الرامي هبا،‏ واجلامع هلا،‏ واجلامع هلا،‏ فانظر<br />

أشدها وأخشاها فَارْم يب <strong>في</strong>ها،‏ وكتب إَل الوليد<br />

5<br />

بن عقبة مبثل ذلك ورَدم عليه مثله[‏ .<br />

وملا توَل عمر بن اخلطاب اخلالفة عزل خالداً‏ بن الوليد عن إمرة اجليش وكتب إَل أيب عبيدة:‏ ‏]فَانْزَع عمامَتَه عن رأسه<br />

ِ وقَامسْه مَالَه نصفني[‏ قال ابن كثري:‏ ‏]فقَامسََهُ‏ أبو عبيدة حىت أخذ إحدى نعليه وترك له األخرى،‏ وخالد يقول : مسعاً‏<br />

وطاعةً‏ ألمري املؤمنني[‏ . 6<br />

ب =<br />

الطاعة واجبة يف العسر واليسر،‏ والذي ذكره ابن حجر يف الشرح:‏ ‏]أي أن ينفق املسلم يف سبيل هللا يف فَقْرِه<br />

وغِنَاه[،‏ وميكن أتويله كذلك أبن على املسلم الطاعة يف حالة ضيق النفقة أو سعتها على اجلند كما كان احلال يف<br />

غزوة تبوك،‏ كان الصحابيان يقتسمان التمرة الواحدة،‏ وقال تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ تَابَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى النَّبِي ِ وَ‏ الْمُهَاجِ‏ رِ‏ ينَ‏ وَ‏ األَنصَا ‏ِر<br />

- 1 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآليتان:‏<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

410<br />

167<br />

166<br />

178<br />

15<br />

91<br />

- 5 البداية والنهاية ج 7 ص 3 2<br />

- 6 البداية والنهاية ج 7 ص 18 19


الَّذِينَ‏ اتَّبَعُوهُ‏ قِي سَاعَةِ‏ الْعُسْرَ‏ ةِ{‏ ، 1 ومسُِّيَ‏ هذا اجليش جيش العسرة،‏ ولعل السر يف تقدمي العسر على اليسر يف<br />

حديث عبادة<br />

‏»وَعُسْرِانَ‏ وَيُسْرَِان«‏<br />

ويف حديث أيب هريرة<br />

‏»وعسرك ويسرك«‏<br />

أن العسر كان هو الغالب على حياة<br />

الصحابة زمن النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ كما قال جابر بن عبد هللا ‏)وأيُّنا كان له ثوابن على عهد النيب صلى هللا عليه<br />

2<br />

وسلم ) ، وقال أبو هريرة:‏ ‏)رأيت سبعني من أهل الصُّفة ما منهم<br />

رجل عليه رداء،‏ إما إزار أو كساء قد ربطوا يف<br />

3<br />

أعناقهم،‏ فمنها ما ي ‏َبْلُغ الكعبني <strong>في</strong>جمعه بيده كراهية أن تُرى عورته(‏ ، وقال ابن حجر:‏ ‏]وحمصل ذلك أنه مل يكن<br />

4<br />

ألحد منهم ثوابن[‏ ، وروى البخاري عن عبد هللا بن أيب أوىف قال ‏)غزوان مع النيب صلى هللا عليه وسلم سبع غزوات<br />

منا أنكل معه اجلراد(،‏ وعن فُضَالَة بن عُبَيْد أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا صلى ابلناس خيَِرُّ‏ رجال من<br />

قامتهم يف الصالة من اخلَصَاصَة وهم أصحاب الصفة حىت يقول األعراب:‏ هؤالء اجملانني،‏ فإذا صلى رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم انصرف إليهم فقال:‏ ‏»لو تعلمون مالكم عند هللا ألَحْبَبْتُم أن تزدادوا فَاقَةً‏ وحَاجَةً«‏ ، 5 وللبخاري<br />

مثله عن أيب هريرة عن نفسه قال أبو هريرة ‏)لقد رأيتُين وإين ألخِ‏ رُّ‏ <strong>في</strong>ما بني منرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل<br />

حجرة عائشة مَغْشِ‏ يا عَلَي م <strong>في</strong>جيء اجلائي <strong>في</strong>ضع رجله على عنقي ويرى<br />

أين جمنون،‏ وما<br />

يب من حنون،‏<br />

ما يب إال<br />

اجلوع(‏ . 6 وروى الشيخان عن أيب بُردة عن أبيه أيب موسى األشعري قال:‏ ‏)خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

يف غَزَاةٍ‏ وحنن ستة نفر بيننا بعري نعتقبه،‏ قال فَنَقَبت أقدامنا،‏ فنقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا ن ‏َلُفُّ‏ على أرجلنا<br />

اخلِرَق فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ملا كنا نعصب على أرجلنا اخلرق(‏ قال أبو بردة ‏)فحدث أبو موسى هبذا احلديث ‏ُث<br />

كَرِه ذلك،‏ قال كأنه كره أن يكون شيئا من عَمَلِه أفشاه(‏ قال النووي يف شرحه ‏]<strong>في</strong>ه استحباب إخفاء األعمال<br />

الصاحلة وما يكابده العبد من املشاق يف طاعة هللا تعاَل،‏ وال يظهر شيئا من ذلك إال ملصلحة مثل بيان حكم ذلك<br />

7<br />

الشيء والتنبيه على الإقتداء به <strong>في</strong>ه وحنو ذلك،‏ وعلى هذا حيُْمَل ما وُجِ‏ دَ‏ للسلف من األخبار بذلك[‏ . ويك<strong>في</strong>ك يف<br />

هلا أهنم كانوا يقتلون أوالدهم يف اجلاهلية خشية أن يطعموا معهم من شدة الفقر،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ ال تَقْتُلُوا أَوْ‏ الَ‏ دَكُ‏ ‏ْم<br />

مِنْ‏ إِمْالقٍ‏ نَحْنُ‏ نَرْ‏ زُ‏ قُكُمْ‏ وَ‏ إِيَّاهُمْ{‏ . 9<br />

189<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

117<br />

- 2 رواه البخاري،‏ حديث:‏ 352<br />

- 3 رواه البخاري،‏ حديث:‏ 442<br />

- 4 فتح الباري ج 1 ص 536<br />

- 5 رواه الرتمذي وحسنه.‏<br />

- 6 حديث 7324<br />

- 7 شرح النووي على صحيح مسلم ج<br />

- 9 سورة األنعام،‏ اآلية:‏<br />

12 ص 187<br />

151<br />

412


ج =<br />

السمع والطاعة حق وإن ارتكب األمري بع األخطاء الشرعية،‏ تطيعه يف طاعة هللا،‏ وال تتابعه يف خطئه إن<br />

أخطأ،‏ واملقصد من هذا:‏ أن ارتكاب األمري لبعض األخطاء ليس مربرا للخروج عليه والسعي يف خلعه عن إمرته،‏ فكل<br />

ابن آدم خطاء،‏ بل الصواب أن تطيعه يف طاعة هللا،‏ وال تطيعه يف معصية هللا تعاَل،‏ وأتمره ابملعروف وتنهاه عن<br />

املنكر.‏<br />

وقد وقع شيء من هذا من األمراء على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ منها ما وقع خلالد بن الوليد ملا أمر<br />

جنده بقتل أسرى بين جذمية،‏ فامتنع عبد اله بن عُمَر ومَنْ‏ معه،‏ وقال النيب صلى هللا عليه وسلم ملا عَلِمَ‏ بذلك:‏<br />

1<br />

‏»اللهم إين أبرأ إليك مما صنع خالد،‏ مرتني«‏ . ومع ذلك مازال النيب صلى هللا عليه وسلم يستعمل خالدا يف املغازي.‏<br />

لكفاءته ولكونه جمتهدا أخطأ،‏ وقد فصل ابن تيمية هذا،‏ كما ذكرته من قبل يف الفصل الرابع.‏<br />

ومنها أَمْر عبد هللا بن حذافة ملن معه إبيقاد انر وأن يدخلوها،‏ فامتنعوا،‏ وب ‏َلَغ ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:‏<br />

2<br />

‏»إَّنا الطاعة يف املعروف«‏ .<br />

د =<br />

الطاعة واجبة وإن منع األمري ح ق بع<br />

الناس أو استأثر بشيء دوهنم<br />

وسبق شرح هذا،‏ وبيان أن الضرر<br />

األخف ي ‏ُتَحمل لدفع الضرر األشد،‏ وأنه قد يُظَن أثرة ما ليس أبثرة،‏ ويف هذا تطبيق لقاعدة شرعية أخرى وهي أن<br />

3<br />

الضرر اخلاص ‏)ابملنع واألثرة(‏ ي ‏ُتَحمل لدفع الضرر العام ‏)التفرق والإختالف(‏ ، وعن عبادة بن الصامت مرفوعا ‏»امسع<br />

وأَطِع يف عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأَثَرة عليك،‏ وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك«‏ . 4<br />

وقال صاحب العقيدة الطحاوية:‏ ‏]وال نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران،‏ وإن جاروا،‏ وال ندعو عليهم،‏ وال ننزع يدا<br />

من طاعتهم،‏ ونرى طاعتهم من طاعة هللا<br />

<br />

ه =<br />

فريضة ما مل أيمروا مبعصية،‏ وندعو هلم ابلصالح واملعافاة[‏ . 5<br />

السمع والطاعة حق،‏ وإن كان األمري حقري ا سب والنسب،‏ أو كان قبيح املنظر أو كان صغري السن،‏ طاملا<br />

انعقدت إمارته بطريقة شرعية،‏ بتأمري األمري األعلى له أو ابختيار أتباعه له.‏ وذلك حلديث:‏<br />

استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة«‏ . 6<br />

‏»امسعوا وأطيعوا وإن<br />

و = السمع والطاعة حق،‏ وإن ساس األمري رعيته ابألمر املفضول دينا،‏ وقد فَصملتُ‏ هذا يف الباب الرابع،‏ طاملا كان<br />

يف العمل ابملفضول مصلحة عامة،‏ واألمر املفضول هو األقل يف األجر والثواب وليس ما <strong>في</strong>ه إُث أو معصية.‏<br />

413<br />

- 1 رواه البخاري 7198<br />

- 2 رواه البخاري 7145<br />

- 3 انظر شرح القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا ط 1<br />

إَل 25 القاعدة<br />

29 ص 148 143<br />

- 4 رواه ابن أيب عاصم يف كتابه ‏)السنة(‏ وقال األلباين حديث صحيح مسلم بشرح النووي ط املكتب الإسالمي ص 482 حديث 1126<br />

- 5 ط املكتب الإسالمي<br />

1413 ص 429<br />

- 6 رواه البخاري.‏


وال جيوز آلحاد الرعية أن خمالفة األمري يف هذا تَوَرُّعا <strong>في</strong>عمل ابألمر األفضل حرصا على مزيد األجر والثواب،‏ والقاعدة<br />

الفقهية تقول ‏)درء املفاسد مُقَدمم على جلب املصاحل(‏ وقد جيوز آلحاد الرعية العمل ابألمر األفضل يف خاصة نفسه،‏<br />

1<br />

كما كان ابن عمر يصلي مع الإمام أربعا يف مىن،‏ فإذا صلى وحده قَصَر الصالة .<br />

= 4<br />

أ =<br />

ومما يدخل <strong>في</strong> طاعة األمير.‏<br />

اتباع رأي األمري يف األمور االجتهادية كقصر الصالة أو إمتامها،‏ ومجعها أو عدمه وإن كان األمري ي ‏ُعْوِزه الفقه<br />

فعليه سؤال من معه من أهل العلم األمثل فاألمثل <strong>في</strong>ما يشكل عليه.‏ ودليل النزول على رأي األمري يف هذا،‏ هو قول<br />

2<br />

هللا تعاَل:‏ ‏}أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ .<br />

قال شارح العقيدة الطحاوية:‏ ‏]وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر،‏ وإمام الصالة،‏<br />

واحلاكم وأمري احلرب،‏ وعامل الصدقة:‏ يطاع يف مواضع اإلجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه يف موارد الإجتهاد،‏ بل<br />

عليهم طاعته يف ذلك،‏ وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف،‏ ومفسدة الفرقة والإختالف،‏ أعظم من أمر<br />

3<br />

املسائل اجلزئية.‏ أ ه ] .<br />

وقد ذكرت يف الباب الرابع يف مسألة ‏)السياسة ابألمر املفضول(‏ كيف نزل ابن مسعود وابن عمر على اجتهاد أمري<br />

املؤمنني عثمان بن عفان يف إمتام الصالة مبىن خالفا لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم واخلليفتني من بعده،‏ رغم تشدد<br />

من ابن مسعود وابن عمر يف هذا،‏ فِمَا تقرر عندهم من وجوب النزول على اجتهاد األمري،‏ رضي هللا عنهم أمجعني.‏<br />

تفوي ب =<br />

األمور املباحة والفنية إىل رأي األمري وتدبريه<br />

حىت ال ختتلف آراؤهم،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ رَ‏ دُّوهُ‏ إِلَى<br />

4<br />

الرَّ‏ سُولِ‏ وَ‏ إِلَى أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْهُمْ‏ لَعَلِمَهُ‏ الَّذِينَ‏ يَسْتَنْبُِِونَهُ‏ مِنْهُمْ{‏ ، ومثال ذلك ما ورد عن عمرو بن العاص أن<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أَمره يف غزوة ذات السالسل فمنع الناس أن يوقدوا انرا ثالَث،‏ قال فكلم الناس أاب<br />

بكر،‏ قالوا كَلِّمه لنا،‏ فأاته،‏ قال:‏ قد أرسلوك إيلم،‏ ال يوقد أحد انرا إال ألقيته <strong>في</strong>ها،‏ ‏ُث لقوا العدو فهزموهم،‏ فلم<br />

يدعهم يطلبوا العدو،‏ فلما رجعوا إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أخربوه اخلرب وشكوا إليه،‏ فقال:‏ اي رسول هللا<br />

كانوا قليال فكرهت أن يطلبوا العدو وخِ‏ فْت أن يكون هلم مادة <strong>في</strong>عطفون عليهم،‏ فحمد رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم أَمْرَه،‏ ويف رواية فقال عمرو:‏ هنيتهم أن يوقدوا انرا خشية أن يرى العدو قلتهم . 5<br />

- 1 كما رواه مسلم.‏<br />

- 2 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

414<br />

58<br />

- 3 ط املكتب الإسالمي ‎1413‎ه ص<br />

- 4 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

424<br />

93<br />

- 5 قال اهليثمي رواه الطرباين إبسنادين ورجال األول رجال الصحيح ‏)جممع الزوائد ج 5 ص 322


وهذا احلديث <strong>في</strong>ه جواز إمارة املفضول كعمرو عَلَى مَنْ‏ هم خري منه كأيب بكر للمصلحة،‏ ويف احلديث شكاية اجلند<br />

أمريهم عند الإمام،‏ و<strong>في</strong>ه وجوب طاعة األمري يف تقييد املباح كإيقاد النار،‏ وطاعة األمري ولو بَدَا أَمْرُه ‏ِبالف املصلحة<br />

أو الواجب األَوَْلَ‏ كمنعهم من اتباع العدو الفارّ‏ خشية أن ‏َيتيه مدد.‏<br />

ج = ويدخل يف الطاعة أن يقبل كل أخ العمل املكلف به من قِب ل األمري وإن كان ال حيبه،‏ وال ‏َينف من عمل يف<br />

سبيل هللا ولو كان حقريا،‏ كما يف حديث أيب هريرة مرفوعا:‏ ‏»طوىب لعبد أخذ بعنان فرسه يف سبيل هللا أشعَثَ‏ رأسُه،‏<br />

مُغْربَمةً‏ قدماه،‏ وإن كان يف احلراسة كان يف احلراسة،‏ وإن كان يف الساقة كان الساقة«‏ ، 1 فهذا عَمِلَ‏ حيث وضعه أمريه<br />

يف احلراسة أو يف الساقة بال ضجر أو أتفف فاستحق دعاء النيب صلى هللا عليه وسلم له.‏<br />

د = ويدخل يف الطاعة أال ينصرف أحد مِن عمل أو مكان إال إبذن أمريه أو حسب التعليمات املسبقة وكذلك ال<br />

يغادر أحد املعسكر إال إبذن،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّمَا الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ إِذَا كَانُوا مَعَهُ‏ عَلَى<br />

2<br />

أَمْرٍ‏ جَامٍِْ‏ لَمْ‏ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ{‏ ، وقد استدل الإمام البخاري هبذه اآلية على وجوب استئذان العسكر<br />

لألمري،‏ فقال رمحه هللا:‏ ‏)اب استئلان الرجل اإلمام(‏ لقوله تعاَل وذكر اآلية ‏ُث أورد حديث جابر بن عبد هللا أن<br />

كان يف غزوة مع النيب صلى هللا عليه وسلم،‏ قال جابر ‏)فقلت اي رسول هللا،‏ إين عروس فاستأذنته فأذِنَ‏ له فتقدمت<br />

3<br />

الناس إَل املدينة(‏ .<br />

وقال ابن قدامة احلنبلي:‏ ‏]ال خيرج من العسكر لتعلف وهو حتصيل العلف للدواب وال الحتطاب وال غريه إال إبذن<br />

األمري،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّمَا الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ وَ‏ إِذَا كَانُوا مَعَهُ‏ عَلَى أَمْرٍ‏ جَامٍِْ‏ لَمْ‏ يَذْهَبُوا حَتَّى<br />

يَسْتَأْذِنُوهُ{‏ وألن األمري أعرف حبال الناس وحال العدو ومكانتهم ومواضعهم وقرهبم وبعدهم،‏ فإذا خرج خارج بغري<br />

إذنه مل ‏َيمن أن يصادف كمينا للعدو <strong>في</strong>أخذوه أو طليعة هلم أو يرحل األمري ابملسلمني ويرتكه <strong>في</strong>هلك[‏ . 4<br />

وقد علمنا ما أصاب املسلمني من اهلزمية يوم أُحُد بسبب انصراف الرماة من مواقعهم دون إذن الإمام ‏)الرسول صلى<br />

هللا عليه وسلم ) الذي قال هلم:‏ ‏»إن رأيتموان ختطفنا الطري فال تربحوا مكانكم هذا حىت أرسل إليكم،‏ وإن رأيتموان<br />

5<br />

هَزَمْنا القوم وأوطأانهم فال تربحوا حىت أرسل إليكم«‏ ، فلما رأوا أن العدو قد اهنزم تركوا مواقعهم وأسرعوا إَل الغنائم<br />

فالتف العدو من خلفهم حىت كان ما كان من هزمية املسلمني.‏<br />

فال ينبغي ألحد من أن يستهني إبذن األمري وأمره وهنيه حىت ال خيتل النظام العام.‏<br />

415<br />

- 1 رواه البخاري.‏<br />

- 2 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

62<br />

- 3 كتاب اجلهاد ‏)فتح الباري(‏ ج<br />

6 ص 121<br />

- 4 املغين كتاب اجلهاد .<br />

- 5 رواه البخاري عن الرباء بن عازب حديث 3138


ه = ويدخل يف الطاعة:‏<br />

طاعة أمر األمري املكتو متاما كاألمر الشفهي،‏ ويدخل يف األوامر املكتوبة الرسائل،‏<br />

كفِعل النيب صلى هللا عليه وسلم مع عبد هللا بن جحش ، إذا بعثه يف سرية وكتب له كتااب وأمره أن ال ينظر <strong>في</strong>ه<br />

حىت يسري يومني ‏ُث ينظر <strong>في</strong>ه <strong>في</strong>مضي كما أَمَرَه،‏ فلما سار يومني فتح الباري الكتاب فنظر فإذا <strong>في</strong>ه ‏»إذا نظرت يف<br />

كتايب هذا فامض حىت تنزل خنلة بني مكة والطائف تَرَصمد هبا قريشا وتعلم لنا من أخبارهم«‏ فلما نظر عبد هللا بن<br />

جحش يف<br />

1<br />

الكتاب قال ‏)مسعا وطاعة(‏ .<br />

والقاعدة الشرعية تقول ‏)الكتاب كاخلطاب،‏ أي أن الكتاب املستبني املرسوم الصادر من الغائب كاخلطاب من احلاضر<br />

2<br />

وكذا الإرسال،‏ حىت إنه يعترب <strong>في</strong>هما جملس بلوغ الكتاب وجملس أداء الرسالة(‏ .<br />

= 5<br />

ما يُقَيِد السمع والطاعة لألمير.‏<br />

يقيدمها أمران:‏ املعصية من جهة األمري واالستطاعة من جهة املأمور.‏<br />

أ =<br />

أما املعصية فقد ذكرت أدلتهما <strong>في</strong>ما سبق،‏ ومن ذلك حديث ابن عمر رضي هللا عنهما:‏ أن رسول هللا صلى هللا<br />

عليه وسلم قال:‏ ‏»السمع والطاعة على املرء املسلم <strong>في</strong>ما أَحَب وكَرِهَ‏ ما مل يؤمر مبعصية،‏ فإذا أمر مبعصية فال مسع وال<br />

3<br />

طاعة«‏ . فال يطيعه يف املعصية ولكن ال خيرج عليه وال خيفى أن هذا عدم اخلروج على األمري والصرب عليه هو<br />

4<br />

الواجب بقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ رَأَى مِنْ‏ أَمِريِهِ‏ شَيْئًا يَكْرَهُه فَلْيَصْربِْ«‏ ، هذا كله مقيد مبا إذا وقع األمري يف<br />

5<br />

الكفر الصريح أو البدعة املُكَفِّرة،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِالم أَنْ‏ تَرَوْا كُفْرًا ب ‏َوَاحًا عِنْدَكُمْ‏ مِنَ‏ اَّللمِ‏ فِيهِ‏ ب ‏ُرْهَانٌ«‏ ،<br />

وقد سبق هذا احلديث وشرحه،‏ وال خيفى أن هذا احلديث أيضا مُقَيمد لألمر الوارد ابلغزو مع األمري الفاجر أي ما مل<br />

يكن فجوره كفرا أو بدعة مكفرة.‏<br />

وجيدر بنا هنا التنبيه على التصرف الواجب <strong>في</strong>ما إذا نزاع بني األمري وبني أحد أتباعه،‏ وخيتلف التصرف حسب ما<br />

إذا كان األمري له أمري أعلى منه أم ال؟<br />

فإذا كان هلا األمري له أمري أعلى منه،‏ <strong>في</strong>شتكي األتباع أمريهم إَل أمريه األعلى،‏ وقد سبق قريبا شكاية الصحابة<br />

أمراءَهم يف الغزو ‏)خالداً‏ بن الوليد يف سرية بين جذمية وعبد هللا بن حذافة يف سريته،‏ وعمراً‏ بن العاص يف غزوة ذات<br />

السالسل(‏ إَل النيب صلى هللا عليه وسلم فقضى النيب صلى هللا عليه وسلم ‏ِبطأ كلٍ‏ من خالد وعبد هللا بن حذافة<br />

وبصواب فعل عمرو.‏<br />

- 1 أورد هذا اخلرب ابن هشام يف السرية وابنكثري يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}يَسْأَلُونَكَ‏ عَنْ‏ الشَّهْرِ‏ الْحَرَ‏ امِ‏ قِتَالٍ‏ قِي ‏ِه{‏ البقرة / 217.<br />

- 2 القاعدة 69 من كتاب القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا ط 295 / 1<br />

416<br />

- 3 متفق عليه.‏<br />

- 4 متفق عليه.‏<br />

- 5 متفق عليه


أما إذا مل يكن لألمري أمري أعلى منه،‏ فتؤول اخلصومات بينه وبني أتباعه إَل التحكيم،‏ يرتاضيان على رجل حيكم<br />

بينهما،‏ وسبقت الإشارة إَل هذا يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة،‏ وحتاكم عمر بن اخلطاب وأعرايب إَل شريح<br />

العراقي،‏ فأُعجِ‏ ب عمر حبكم شريح فوالمه القضاء،‏ وسبقت أمثلة أخر.‏ ويف الدولة املسلمة جيوز آلحاد الرعية مقاضاة<br />

الإمام فمن دونه من العمال عند القاضي.‏<br />

ب = وأما الإستطاعة من جهة املأمور،‏ فدليلها<br />

ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال:‏ ‏)كنا إذا ابيعنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع<br />

والطاعة،‏ يقول لنا:‏<br />

1<br />

<strong>في</strong>ما استطعتم(‏ .<br />

وما رواه البخاري عن جرير بن عبد هللا<br />

2<br />

‏)<strong>في</strong>ما استطعت،‏ والنصح لكل مسلم(‏ .<br />

<br />

قال:‏ ابيعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة،‏ فَلَقمنَينِ‏<br />

وروى البخاري عن عبد هللا بن دينار قال:‏ ‏)ملا ابيع الناس عبد امللك كتب إليه عبد هللا بن عمر:‏ إَل عبد هللا عبد<br />

امللك أمري املؤمنني،‏ إين أقر ابلسمع والطاعة لعبد امللك أمري املؤمنني على سنة هللا وسنة رسوله <strong>في</strong>ما استطعت،‏ وإن<br />

بين أقروا بذلك(‏ . 3<br />

4<br />

والطاعة <strong>في</strong>ما يستطيعه املرء مندرجة حتت األصل العام الوارد يف قوله تعاَل:‏ ‏}ال يُكَلِفُ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ نَفْس ‏ًا إِال وُ‏ سْعَهَا{‏ ، وقوله<br />

تعاَل:‏ ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ مَا اسْتََِعْتُ‏ ‏ْم{‏ ، 5 وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَمَا أَمَرْتُكُمْ‏ بِهِ‏ فأتوا مِنْهُ‏ مَا اسْتَطَعْتُمْ«‏ ، 6 وهذا<br />

أمر يعلمه هللا تعاَل من العبد فإن نَكَلَ‏ عن الطاعة مدعيا عدم الإستطاعة كاذاب،‏ فاهلل مُطملِع عليه،‏ ‏}وَ‏ سَيَرَ‏ ى ‏َّللاَّ‏ ُ<br />

عَمَلَكُمْ‏ وَ‏ رَ‏ سُولُهُ{‏ . 7<br />

واملقصد مما سبق أن عهود األمراء على الطاعة ينبغي أن تقيد هبذين القيدين:‏ املعصية من جهة األمري واالستطاعة من<br />

جهة املأمور.‏<br />

خاتمة ونصيحة.‏<br />

حب الإمارة واحلرص عليها مرض ال ينجو منه إال من رحم هللا تعاَل.‏ أما كونه مرضا فألنه يفس ‏ُد دينَ‏ صاحبه كما<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَا ذِئْبَانِ‏ جَائِعَانِ‏ أُرْسِ‏ الَ‏ يفِ‏ غَنَمٍ‏ أبَِفْسَدَ‏ هلََا مِنْ‏ حِ‏ رْصِ‏ الْمَرْءِ‏ عَلَى الْمَالِ‏<br />

417<br />

- 1 حديث:‏ 7212<br />

- 2 حديث:‏ 7214<br />

- 3 حديث:‏<br />

- 4 سورة البقرة،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة التغابن،‏ اآلية:‏<br />

7215، وعبد امللك هو ابن مروان.‏<br />

296<br />

16<br />

- 6 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

84


تعاىل<br />

وَالشمرَفِ‏ لِدِينِهِ«‏ ، 1 واحلرص على الشرف هو حب الرايسة وهو أشد من حب املال ألن الناس يبذلون املال للتوصل<br />

إَل الرايسة،‏ وكالمها يفسد الدين أشد من إفساد الذئبني اجلائعني حلظرية الغنم.‏ أما كونه ال ينجو منه إال من رحم هللا<br />

فلقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

احلديث على أن احلرص على الإمارة هو صفة الغالبية.‏<br />

واحلرص على الإمارة يتخذ صورا متعددة تتفاوت يف شدهتا،‏ منها:‏<br />

أ =<br />

2<br />

‏»إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامةً‏ يوم القيامة«‏ ، فدل<br />

التنافس <strong>في</strong>ها وقد يندي إىل االقتتال بني املسلمني،‏ وهو ما ورد <strong>في</strong>ه قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا التقى<br />

3<br />

املسلمان بسي<strong>في</strong>هما فالقاتل واملقتول يف النار«‏ ، فإذا كان أحدمها قد انعقدت إمارته شرعا قبل اآلخر فجاء هذا<br />

ينازعه فاملتأخر هو اآلُث ويدفع ولو ابلقتل لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ ابَيَعَ‏ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ‏ صَفْقَةَ‏ يَدِهِ‏ وَمثََرَةَ‏ قَلْبِهِ‏<br />

فَلْيُطِعْهُ‏ إن اسْتَطَاعَ،‏ فَإِنْ‏ جَاءَ‏ آخَرُ‏ ي ‏ُنَازِعُهُ‏ فَاضْرِبُوا عُنُقَ‏ اآلْ‏ خَرِ«‏ . 4 والتاريخ مليء ابلنماذج األليمة هلذا،‏ وقد ذكرت<br />

بعض هذه النماذج يف الباب الرابع يف مسألة العهود والبيعات.‏ وبني التنافس والإقتتال درجات من التحزابت<br />

والدسائس والفنت اليت تنتهي ابلقتال.‏ ولقد اقرتنت النزاعات على الإمارة عادة بتسلط العدو الكافر على املسلمني<br />

مصداقا لقول النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَأَنْ‏ ال أُسَلِّطَ‏ عَلَيْهِمْ‏ عَدُواا مِنْ‏ سِ‏ وَى أَنْفُسِ‏ هِمْ‏ فَيَسْتَبِيحُ‏ ب ‏َيْضَتَهُمْ‏ وَلَوِ‏ اجْتَمَعَ‏<br />

عَلَيْهِمْ‏ مَنْ‏ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ‏ ب ‏َعْضُهُمْ‏ ي ‏ُهْلِكُ‏ ب ‏َعْضًا«‏ ، 5 فالنزاع بني أمراء الشام أعقبته احلمالت الصليبية األوَل،‏<br />

والنزاع بني ملوك الطوائف ابألندلس أعقبته احلمالت الصليبية اليت انتهت بضياع األندلس وإَل اليوم.‏ ولقد كانت<br />

أحداث األندلس صورة مريرة للصراع املُدَمِّر على املُلك،‏ فلما تقاتل ملوك الطوائف ضعفوا فاستوَل ألفونسو السادس<br />

ملك فرنسا الصلييب على طليطلة )479<br />

‎1195‎م(‏ وهي أول مملكة إسالمية ابألندلس تسقط أبيدي الصليبيني وتتجول<br />

من دار إسالم إَل دار كفر وإَل يومنا هذا،‏ ‏ُث أخذ ألفونسو يزحف على بقية املمالك،‏ فأرسل ملوكها ومنهم املعتمد<br />

بن عباد يستعينون أبمري مراكش يوسف بن اتشفني،‏ فقال الرشيد بن املعتمد ألبيه:‏ ‏“اي أبت أتدخل علينا يف أندلسنا<br />

من يسلبنا ملكنا؟”‏ قال املعتمد:‏ ‏“أَيْ‏ بُينَّ‏ وهللا ال يُسْمَع عين أبدا أين أعدت األندلس دار كفر وال تركتها للنصارى<br />

فتقوم عَلَي م اللعنة على منابر الإسالم مثلما قامت عَلَى غريي،‏ اي بُينَّ‏ ألن ي ‏َرْعَى أبناؤان اجلمال خري من أن يرعوا<br />

اخلنازير”‏<br />

انتهى قول املعتمد،‏ ولكن مما يؤسف له أن الصراع استمر بني امللوك ومنهم املعتمد حىت قامت احلرب بينه<br />

وبني يوسف وانتهى به احلال أسريا عند يوسف يف مراكش حىت مات هبا،‏ وضاعت األندلس،‏ والذي دعاين إَل ذكر<br />

هذه القصة هو أهنا تتكرر يف زماننا هذا ولو بصورة مُصَغمرة مع الإخوة العاملني لإلسالم،‏ ترى أحدهم ‏َينف من أن<br />

- 1 رواه الرتمذي عن كعب بن مالك وقال حديث حسن صحيح.‏<br />

- 2 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />

418<br />

- 3 متفق عليه.‏<br />

- 4 رواه مسلم.‏<br />

- 5 رواه مسلم عن ثوابن.‏


يتأَمرَ‏ عليه أخوه املسلم من أجل قيام مجاعة مسلمة قوية ذات شوكة،‏ فتبطش هبم أيدي الطواغيت وهم فرادى<br />

متفرقني،‏ <strong>في</strong>كون مآهلم أن ترى طائفة منهم أسرة مستسلمني جلند الطواغيت مكبلني ابحلديد يف قعر الزانزين يُكَال هلم<br />

السباب ويصب عليهم التعذيب سنني،‏ وترى طائفة أخرى على أعواد املشانق،‏ وطائفة مشردة يف البلدان ال يقر هلم<br />

قرار،‏ وطائفة قد فتنت وارتدت على أعقاهبا،‏ ومع هذا كله تسمع أنني النساء واألطفال،‏ صورة مُصغمرة ملا حدث<br />

ابألندلس من ضياع،‏ صراع بني املسلمني ينتهي يف قعر زانزين الطواغيت،‏ قال تعاَل:‏ { وَ‏ مَا أَصَابَكَ‏ مِنْ‏ سَي ‏ِئَةٍ‏ قَمِنْ‏<br />

1<br />

نَفْسِكَ‏ } ، أليس دخول املسلم يف إمرة أخيه املسلم وطاعته خري له يف الدنيا واآلخرة من قعر زانزين الطواغيت؟ قال<br />

2<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُمْ‏ مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْدِيكُ‏ ‏ْم{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا<br />

3<br />

بِأَنفُسِهِمْ{‏ .<br />

ب = ومن صور احلرص على الإمارة،‏ طلبها،‏ وقد يكون الطلب صرحيا أو تلميحا أبن يتحدث املرء عن مهاراته<br />

وكفاءته وحياول إبراز هذه املهارات كلما واتته الفرصة،‏ وقَصْدُه أن يتفطن إليه <strong>في</strong>ُوََلم إمارة أو عمال.‏ وهو بِنِيمتِه هذه قد<br />

أفسد عمله،‏ وال جيوز توليته لقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

4<br />

‏»إان ال نويل هذا األمر أحدا سأله أو حرص عليه«‏ ،<br />

ومن هؤالء من إذا مل ينل ما يريد مترد على الطاعة وفراق اجلماعة،‏ وهذا من النفاق،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ أُعُِْوا مِنْهَا<br />

5<br />

رَ‏ ضُوا وَ‏ إِنْ‏ لَمْ‏ يُعَِْوْ‏ ا مِنْهَا إِذَا هُمْ‏ يَسْخَُِونَ{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ثالثة ال يكلمهم هللا يوم<br />

القيامة،‏ وال ينظر إليهم،‏ وال يزكيهم،‏ وهلم عذاب أليم إَل قوله ورجل ابيع إماما ال يبايعه إال لدنيا،‏ فإن أعطاه منها<br />

6<br />

وَفَا،‏ وإن مل يعطه منها مل يَفِ‏ «[ .<br />

ج = وهناك<br />

حديث<br />

من يدخل يف اجلماعة ‏ُث أينف من السمع والطاعة،‏ وهذه من خصال اجلاهلية كما سبق يف شرح<br />

‏»من فارق السلطان شربا مات ميتة جاهلية«،‏ وقد ذكرها الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف كتابه ‏)مسائل<br />

اجلاهلية(‏ املسألة الثالثة ‏)خمالفة ويل األمر(.‏<br />

د =<br />

وهناك من يتظاهر ابلطاعة ويدُبد يِت العصيان واإلفساد،‏ وهذا أيضا من النفاق،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَقُولُونَ‏ ‏َِاعَةٌ‏<br />

قَإِذَا بَرَ‏ زُ‏ وا مِنْ‏ عِنْدِكَ‏ بَيَّتَ‏ ‏َِائِفَةٌ‏ مِنْهُمْ‏ غَيْرَ‏ الَّذِي تَقُولُ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَكْتُبُ‏ مَا يُبَي ‏ِتُونَ‏ قَأَعْرِ‏ ضْ‏ عَنْهُمْ‏ وَ‏ تَوَ‏ كَّلْ‏ عَلَى ‏َّللاَّ‏ ِ<br />

وَ‏ كَفَى بِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ كِيال{‏ ، 7 وهذا الصنف تراه لإَثرة األتباع على األمري متلمسا أوهى األسباب ككون األمري ذا أثرة أو كونه<br />

مفضوال دينا أو صغري السن وقد بينت <strong>في</strong>ما سبق ويف الباب الرابع بطالن هذه التربيرات.‏<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة الرعد،‏ اآلية:‏<br />

419<br />

78<br />

31<br />

11<br />

- 4 متفق عليه وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الرابع.‏<br />

- 5 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

59<br />

- 6 متفق عليه.‏<br />

- 7 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

91


ه =<br />

ومن الناس من يطيع يف املنشط دون املكره فإذا كُلِّف أبمر شاق أو مبا ال يهوى عصى،‏ ومنهم من يطيع يف<br />

اليسر وسعة النفقة فإذا كان العسر وضاق احلال عصى،‏ وقد يكون العصيان صرحيا أو ضمنيا.‏<br />

وهذه النماذج وأكثر منها موجود يف التجمعات الإسالمية وتسبب فسادا ال خيفى،‏ وقد وُجِ‏ دَ‏ بعضها يف زمن النيب<br />

1<br />

صلى هللا عليه وسلم كما يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ إِنْ‏ لَمْ‏ يُعَِْوْ‏ ا مِنْهَا إِذَا هُمْ‏ يَسْخَُِو ‏َن{‏ ، وقوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يَقُولُونَ‏ ‏َِاعَةٌ‏<br />

2<br />

قَإِذَا بَرَ‏ زُ‏ وا مِنْ‏ عِنْدِكَ‏ بَيَّتَ‏ ‏َِائِفَةٌ‏ مِنْهُمْ‏ غَيْرَ‏ الَّذِي تَقُولُ{‏ ، فكيف ابحلال من بعده صلى هللا عليه وسلم .<br />

هذا وقد فَصملت مسألة السمع والطاعة لوالة األمور،‏ ذلك ألهنا الركن الركني يف سياسة اجليوش وتن<strong>في</strong>ذ املهام،‏ والتفريط<br />

3<br />

<strong>في</strong>ها قد يدمر اجليش كله،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اتَّقُوا قِتْنَةً‏ ال تُصِ‏ يبَنَّ‏ الَّذِينَ‏ ظَلَمُوا مِنْكُمْ‏ خَاصَّةً{‏ ، وكلنا يعلم ما أصاب<br />

املسلمني يوم أحد بسبب معصية الرماة ألمر النيب صلى هللا عليه وسلم . فكانت املصيبة عامة ومل ينج منها حىت<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أصيب بعدة جراحات يومئذ.‏<br />

وأذكر الإخوة املسلمني أبن الطاعة هي اليت جتعل من جيوش الكفرة قوة متسلطة على رقاب املسلمني يف أحناء<br />

األرض،‏ فكيف يكون شأهنم ونظل حنن متفرقني خمتلفني مع أننا نتعبد هلل ابجلماعة وابلسمع والطاعة كما يف حديث<br />

احلارث األشعري مرفوعا ‏»وَأَانَ‏ آمُرُكُمْ‏ ‏ِبَِمْسٍ‏ اَّللمُ‏ أَمَرَينِ‏ هبِِنم:‏<br />

4<br />

اجل م اع ةِ‏ و الس مْعِ‏ و الط اع ةِ‏ و اهلِْجْر ةِ‏ و اجلِْه اِد«‏ . ومع أننا<br />

5<br />

كما قال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ تَرْ‏ جُونَ‏ مِنْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ مَا ال يَرْ‏ جُو ‏َن{‏ ، وقال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ إِال<br />

7<br />

6<br />

تَفْعَلُوهُ‏ تَكُنْ‏ قِتْنَةٌ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ قَسَادٌ‏ كَبِيرٌ‏ } ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قَاتِلُوا الْمُشْرِ‏ كِينَ‏ كَاقَّةً‏ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ‏ كَاقَّةً{‏ .<br />

إن طاعة األمري من طاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم وطاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم من طاعة هللا كما يف<br />

حديث أيب هريرة املتفق عليه،‏ وكذلك معصية األمري.‏ وهذا ينطبق على كل أمري توَل أبمر الشارع وشريعته،‏ حىت أمري<br />

9<br />

الثالثة يف السفر،‏ إذ قد مسَماه النيب صلى هللا عليه وسلم أمريا،‏ ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَصْلِحُوا ذَاتَ‏ بَيْنِكُ‏ ‏ْم{‏ ، ‏}وَ‏ الَ‏<br />

تَنَازَ‏ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ‏ تَذْهَبَ‏ رِ‏ يحُكُمْ‏ وَ‏ اصْبِرُ‏ وا{‏ . 8<br />

وهذا أول ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم،‏ وهي الطاعة،‏ وَثين ما يلزمهم:‏<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

401<br />

59<br />

- 2 سورة النساء،‏<br />

اآلية:‏<br />

- 3 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

91<br />

25<br />

- 4 رواه أمحد وصححه األلباين.‏<br />

- 5 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة األنفال،‏ األية:‏<br />

- 7 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 8 سورة األنفال:‏ اآلية:‏<br />

114<br />

73<br />

36<br />

1<br />

.46


الثاني:‏ النصح لألمير.‏<br />

و<strong>في</strong>ه:‏<br />

= 0 دليله.‏<br />

= 2 مما يدخل يف نصح والة األمور.‏<br />

= 3 تنبيه.‏<br />

= 4 واألفضل نصح األمري سرا.‏<br />

دليله.‏ = 1<br />

أ = قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»الدين النصيحة«‏ قلنا:‏ ملن؟ قال:‏<br />

1<br />

‏»هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم«‏ .<br />

ب = وقال صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»ثالث ال يغل عليهم قلب مسلم:‏ إخالص العمل هلل،‏ ومناصحة والة األمور،‏ ولزوم<br />

2<br />

مجاعة املسلمني فإن دعوهتم حتيط من ورائهم«‏ .<br />

ج = وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم اَّللمَ‏ ي ‏َرْضَى لَكُمْ‏ ثَالَثً،‏ وَيَكْرَهُ‏ لَكُمْ‏ ثَالَثً،‏ ي ‏َرْضَى لَكُمْ:‏ أَنْ‏ تَعْبُدُوهُ‏ وَال تُشْرِكُوا بِِه<br />

شَيْئًا،‏ وَأَنْ‏ تَعْتَصِمُوا حبَِبْلِ‏ اَّللمِ‏ مجَِيعًا وَال تَفَرمقُوا،‏ وَأَنْ‏ تَنَاصَحُوا مَنْ‏ وَالمهُ‏ اَّللمُ‏ أَمْرَكُم،‏ وَيَسْخَطُ‏ لَكُمْ‏ ثَالََثً:‏ قِيلَ‏ وَقَالَ‏ وَكَثْرَةَ‏<br />

السُّؤَالِ‏ وَإِضَاعَةِ‏ الْمَالِ‏ »<br />

3<br />

.<br />

= 2<br />

مما يدخل <strong>في</strong> نصح والة األمور.‏<br />

أ = قال النووي:‏ ‏]وأما النصيحة ألئمة املسلمني:‏ فمعاونتهم على ا ق وطاعتهم <strong>في</strong>ه وأمرهم به وتنبيههم وتذكريهم<br />

برفق وإعالمهم مبا غفلوا عنه ومل يبلغهم من حقوق املسلمني وترك اخلروج عليهم،‏ وأتليف قلوب املسلمني لطاعتهم.‏<br />

قال اخلطايب:‏ ومن النصيحة هلم الصالة خلفهم واجلهاد معهم وأداء الصدقات إليهم،‏ وترك اخلروج ابلسيف عليهم إذا<br />

ظهر منهم حيف أو سوء عشرة،‏ وأن ال يغروا ابلثناء الكاذب عليهم،‏ وأن يدعى هلم ابلصالح.‏ وهذا كله على أن<br />

املراد أبئمة املسلمني اخللفاء وغريهم ممن يقوم أبمور املسلمني من أصحاب الوالايت وهذا هو املشهور[‏ . 4<br />

ب = ومما يدخل يف النصح الإشارة على األمري مبا خيفى عليه من األمور اليت حييط هبا غريه.‏<br />

ج = ومما يدخل <strong>في</strong>ه أيضا<br />

إخبار األمري بكل ما يندي إىل إفساد اجلماعة<br />

أو تفريق مشلها كوجود بعض العناصر<br />

السيئة أو املفسدة وحنو ذلك،‏ وعلى األمري التثبت والتحقق قبل التص ر ف،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ جَاءَكُمْ‏ قَاسِقٌ‏ بِنَبَإٍ‏<br />

قَتَبَيَّنُوا{‏ . 5 ودليل هذا ما يلي:‏<br />

- 1 رواه مسلم عن متيم الداري.‏<br />

- 2 رواه مسلم عن عن أنس.‏<br />

- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 4 صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />

- 5 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

400<br />

2 ص 39<br />

6


*<br />

ما ذكره ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَئِنْ‏ سَأَلْتَهُمْ‏ لَيَقُولُنَّ‏ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ‏ وَ‏ نَلْعَبُ‏ قُلْ‏ أَبِاّلِلَّ‏ ِ وَ‏ آيَاتِهِ‏ وَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏ِه<br />

كُنتُمْ‏ تَسْتَهْزِ‏ ئُو<br />

‏َن{‏ . 1 قال:‏ ‏]قال رجل يف غزوة تبوك يف جملس:‏ ما رأيت مثل قرائنا هؤالء أرغب بطوان وال أكذب<br />

ألسنا وال أجنب عند اللقاء.‏ فقال رجل يف املسجد كذبت ولكنك منافق وألخربن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ]<br />

وموضع الإستشهاد هو قول الصحايب للمنافق:‏ ‏)وألخربن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ) فهذا من النصح لألئمة<br />

ليس من الغيبة.‏<br />

*<br />

وما رواه البخاري عن زيد بن أرقم قال:‏ ‏)كنت مع عمي فسمعت عبد هللا بن أُيبَّ‏ بن سلول يقول:‏ ال تنفقوا على<br />

من عند رسول هللا حىت ينفضوا.‏ وقال أيضا لئن رجعنا إَل املدينة ليخرجن األعز منها األذل.‏ فذكرت ذلك لعمي،‏<br />

فذكر عمي لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم،‏ فأرسل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل عبد هللا بن أيب وأصحابه<br />

فحلفوا ما قالوا،‏ فصدقهم رسول هللا وكذبين،‏ فأصابين هم مل يصبين مثله فجلست يف بييت،‏ فأنزل هللا : ‏}إِذَا جَاءَ‏ ‏َك<br />

الْمُنَاقِقُونَ‏ } إَل قوله ‏}هُمْ‏ الَّذِينَ‏<br />

*<br />

يَقُولُونَ‏ ال تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ‏ عِنْدَ‏ رَ‏ سُولِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ{ 2 ، إَل قوله ‏}لَيُخْرِ‏ جَنَّ‏ األَعَزُّ‏ مِنْهَا<br />

األَذَلَّ{‏ . 3 فأرسل إيلَم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقرأ م عَلَي ‏ُث قال:‏ إن هللا قد صَدمقَكَ‏ ) 4 . وكان ذلك أثناء غزوة<br />

بين املصطلق على خالف.‏ وقال ابن حجر:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه جواز تبليغ ماال جيوز للمقول <strong>في</strong>ه،‏ وال يُعد ‏َّنيمة ملمومة إال إن<br />

قصد بللك اإلفساد املطلق،‏ وأما إذا كانت <strong>في</strong>ه مصلحة ترجح على املفسدة فال[‏ وقول ابن حجر ‏]مال جيوز:‏ يقصد<br />

كلمة األذل،‏ للمقول <strong>في</strong>ه:‏ يقصد النيب صلى هللا عليه وسلم ] 5 .<br />

وموضع الإستشهاد من هذا اخلرب هو إخبار زيد بن أرقم للنيب صلى هللا عليه وسلم مبا قاله عبد هللا بن أُيبَ‏ لإفساد<br />

قلوب الصحابة بعضهم على بعض كما يف سياق القصة وذلك ابلوقيعة بني املهاجرين واألنصار.‏ ويك<strong>في</strong>نا يف جواز ما<br />

فعله زيد،‏ قول النيب صلى هللا عليه وسلم له:‏ ‏»إن هللا قد صدقك«.‏<br />

ومثل هذا ما رواه البخاري عن ابن مسعود<br />

<br />

قال:‏ ‏)ملا قسم النيب صلى هللا عليه وسلم قسمة حنني،‏ قال رجل من<br />

األنصار:‏ ما أراد هبا وجه هللا،‏ فأتيت النيب صلى هللا عليه وسلم فأخربته،‏ فتَغَريم وجهه ‏ُث قال:‏ رمحة هللا على موسى،‏<br />

لقد أوذي أبكثر من هذا فصرب(‏ ، 6 ويف رواية ‏»وهللا ما أراد حممد هبذا وجه هللا«‏ . 7 قال ابن حجر:‏ ‏]يف هذا احلديث<br />

جواز إخبار الإمام وأهل الفضل مبا يقال <strong>في</strong>هم مما ال يليق هبم ليحذروا القائل،‏ و<strong>في</strong>ه بيان ما يُباح من الغيبة والنميمة<br />

ألن صورهتما موجودة يف صنيع ابن مسعود هذا،‏ ومل ينكره النيب صلى هللا عليه وسلم؛ وذلك أن قصد ابن مسعود كان<br />

- 1 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

402<br />

.65<br />

- 2 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة املنافقون،‏ اآلية:‏<br />

7<br />

9<br />

- 4 رواه البخاري يف كتاب التفسري حديث 4811<br />

- 5 فتح الباري 646 / 9<br />

- 6 حديث:‏ 4335<br />

- 7 حديث:‏ 6158


*<br />

نصح النيب صلى هللا عليه وسلم وإعالمه مبن يطعن فني ممن يُظهر الإسالم ويبطن النفاق وليَحْذَر منه،‏ وهذا جائز<br />

كما جيوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم أ ه ] 1 .<br />

ويف حديث عمر بن اخلطاب يف الرجم،‏ ورد يف سياقه أن رجال أتى عمر فقال له:‏ ‏)إن فالان يقول لو مات أمري<br />

املؤمنني لبايعنا فالان،‏ فقال عمر:‏ ألقومن العشية فاحذر هؤالء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم(‏ ، 2 قال ابن حجر يف<br />

شرحه:‏ ‏]و<strong>في</strong>ه جواز إخبار السلطان بكالم من خيُْش ى منه وقوع أمر <strong>في</strong>ه إفساد للجماعة،‏ وال يعد ذلك من النميمة<br />

املذمومة[‏ . 3<br />

*<br />

*<br />

وقال الإمام النووي يف كتابه ‏)رايض الصاحلني(‏ ابب ‏)ما يُباح من الغيبة(‏ قال:‏ ‏]اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح<br />

مسلم بشرح النووي شرعي ال ميكن الوصول إليه إال هبا وهو بستة أسباب ‏ُث ذكر منها<br />

الشر ونصيحتهم،‏ وذلك من وجوه منها:‏ إَل آخر قوله[‏ يُراجع برايض الصاحلني.‏<br />

وقال ابن تيمية رمحه هللا يف سياق كالمه عن جواز اغتياب الشخ<br />

الرابع:‏ حتلير املسلمني من<br />

املعني قال ‏]ويف معىن هذا نصح الرجل<br />

<strong>في</strong>من يعامله،‏ ومن يوكِّله ويوصي إليه ويستشهده،‏ وبل ومن يتحاكم إليه،‏ وأمثال ذلك.‏ وإذا كان هذا يف مصلحة<br />

خاصة فكيف ابلنصح <strong>في</strong>ما يتعلق به حقوق<br />

عموم املسلمني،‏ من األمراء واحلكام والشهود والعمال:‏ أهل الديوان<br />

وغريهم؟ فال ريب أن النصح يف ذلك أعظم.‏ كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم : ‏»الدين النصيحة،‏ الدين النصيحة«‏<br />

قالوا ملن اي رسول هللا؟ قال:‏ ‏»هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم«[أه<br />

. 4<br />

تنبيه.‏ = 3<br />

ال تعارض بني ما ذكرته آنفا من إبالغ األمري أبمر من حيُ‏ دِث فتنة أو فسادا يف الصف وبني حديث النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم :<br />

5<br />

‏»ال يبلغين أحد من أصحايب عن أحد شيئا،‏ فإين أحب أن أخرج إليكم وأان سليم الصدر«‏ . فإن<br />

حديث ابن مسعود هذا هو األصل وقد أورده النووي يف رايض الصاحلني يف ابب ‏)النهي عن نقل احلديث وكالم<br />

الناس إَل والة األمور إذا مل تدع إليه ا اجة كخوف مفسدة وحنوها(‏ فاألصل هو النهي عن نقل أحوال الناس إَل<br />

والة األمور،‏ واالستثناء من هذا األصل هو إذا دعت احلاجة إَل نقل أحواهلم لدرء املفاسد والفنت وكشف املفسدين،‏<br />

وقد ذكرت أدلة هذا آنفا.‏<br />

403<br />

- 1 فتح الباري 512 / 11<br />

- 2 رواه البخاري 7323<br />

- 3 فتح الباري ج 12 ص 154<br />

- 4 جمموع الفتاوى 231 231 / 29<br />

- 5 رواه أبو داود والرتمذي عن ابن مسعود.‏


بل قد قال ابن حجر:‏ ‏]ونقل ابن التني عن أشهب أنه ‏“ينبغي للحاكم أن يتخل من يستكشف له أحوال الناس<br />

يف السر،‏ وليكن ثقة مأموان فطنا عاقال”‏ ألن املصيبة إَّنا تدخل على احلاكم املأمون من قبول قول من ال يوثق به إذا<br />

1<br />

كان هو حسن الظن به،‏ <strong>في</strong>جب عليه أن يتثبت يف مثل ذلك[‏ .<br />

= 4<br />

*<br />

*<br />

واألفضل نصح األمير سرا.‏<br />

ودليل ذلك ما رواه ابن أيب عاصم يف كتابه ‏)السنة(‏ ابب ‏)كي<strong>في</strong>ة نصيحة الرعية للوالة(‏ قال حدثنا عمرو بن عثمان،‏<br />

حدَث بقية،‏ حدثنا صفوان بن عمرو،‏ عم شُريح بن عُبيد قال:‏ قال عياض بن غنم هلشام بن حكيم أمل تسمع بقول<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من أراد أن ينصح لدى سلطان فال ي ‏ُبْدِه عالنية ولكن ‏َيخذ بيده <strong>في</strong>َخْلو به فإن<br />

قبل منه فذال وإال كان قد أدى الذي عليه«‏ . 2<br />

وهناك دليل أخر على نصح األئمة سرا،‏ وهو ما رواه البخاري عن أيب وائل قال:‏ ‏»قيل ألسامة:‏ أال تكلم هذا؟<br />

قال:‏ قد كلمته مادون أن أفتح اباب أكون أول من يفتحه وما أان ابلذي أقول لرجل بعد أن يكون أمريا على رجلني :<br />

أنت خري بعدما مسعت من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ جياء برجل <strong>في</strong>طرح يف النار <strong>في</strong>طحن <strong>في</strong>ها كما يطحن<br />

احلمار برحاء،‏ <strong>في</strong>طيف به أهل النار <strong>في</strong>قولون:‏ أي فالن،‏ ألست كنت أتمر ابملعروف وتنهى عن املنكر؟ <strong>في</strong>قول:‏ إين<br />

كنت آمر ابملعروف وال أفعله،‏ وأهنى عن املنكر وأفعله«‏ ، 3 قوهلم ‏)أال تكلم هذا؟(‏ وقع عند مسلم ‏)أال تدخل على<br />

عثمان فتكلمه؟(‏ وكان هذا بسبب ما أنكره بعض الناس على اخلليفة عثمان بن عفان . قال ابن حجر:‏ ‏]قوله ‏)قد<br />

كلمته ما دون أن أفتح اباب(‏ أي كلمته <strong>في</strong>ما أشرمت إليه،‏ لكن على سبيل هللا املصلحة واألدب يف السر بغري أن يكون<br />

يف كالمي ما يثري فتنة أو حنوها وقال ابن حجر يف رواية س<strong>في</strong>ان ‏)إين أكلمه يف السر دون أن أفتح اباب،‏ ال أكون<br />

أول من فتحه(‏ إَل أن قال ابن حجر قال<br />

املهلب:‏ أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان وكان من خاصته وممن خيف<br />

عليه يف شأن الوليد بن عقبة ألنه كان ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره وكان أخا عثمان ألمه وكان يستعمله،‏ فقال<br />

أسامة:‏ قد كلمته سرا دون أن أفتح اباب،‏ أي ابب الإنكار على األئمة عالنية خشية أن تفرتق الكلمة.‏ ‏ُث عَرمفهم أنه ال<br />

يداهن أحدا ولو كان أمريا بل ينصح له يف السر جهده،‏ وذكر هلم قصة الرجل الذي يطرح يف النار لكونه كان ‏َيمر<br />

ابملعروف وال يفعله ليتربأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان يف أخيه إَل أن قال ابن حجر ويف احلديث:‏ تعظيم<br />

األمراء واألدب معهم وتبليغهم ما يقول الناس <strong>في</strong>هم ليكفوا وَيخذوا حذرهم،‏ بلطف وحسن أتدية،‏ حبيث يبلغ املقصود<br />

من غري أذية للغري[‏ . 4<br />

قلت:‏ وإَّنا قلت األفضل النصح سرا،‏ ومل أقل الواجب،‏ ألنه وردت أدلة أخرى على النصح عالنية.‏<br />

404<br />

53<br />

- 1 فتح الباري ج 13 ص 181<br />

- 2 قال األلباين:‏ إسناده صحيح.‏ ‏)كتاب السنة(‏ البن أيب عاصم ط املكتب الإسالمي ص 521، حديث رقم:‏ 1186<br />

- 3 حديث:‏ 7189<br />

- 4 فتح الباري ج 13 ص 51


*<br />

*<br />

*<br />

منها مراجعة املرأة لعمر بن اخلطاب بشأن مهور النساء انظر تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ آتَيْتُمْ‏ إِحْدَاهُنَّ‏ ً قِنَِارا{‏ ، 1 وقال<br />

ابن كثري يف هذه القصة ‏)أخرجها أبو يعلى عن مسروق بسند قوي(.‏<br />

ومنها نُصح الصحايب عائذ بن عمرو لألمري عمرو بن سعيد األشدق بشأن حُرْمَة القتال يف مكة،‏ <strong>في</strong>ما رواه<br />

البخاري عن أيب شريح أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إَل مكة ‏)ائذن يل أيها األمري أحدثك قوال قام<br />

به النيب صلى هللا عليه وسلم الغد من يوم الفتح،‏ مسعته أذاني ووعاه قليب وأبصرته عيناي حني تكلم به:‏ محَِدَ‏ هللا وأثىن<br />

عليه ‏ُث قال:‏ إن مكة حَرممها هللا ومل حيرمها الناس،‏ فال حيل المرئ يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يسفك هبا دما(‏ . 2<br />

ومنها مراجعة سلمان لعمر بن اخلطاب ملا رأى ثوبه طويال،‏ رضي هللا عنهما.‏ واألدلة يف هذا كثرية،‏ كمراجعة بعض<br />

الصحابة ملعاوية ملا استخلف ابنه يزيد ابنه يزيد،‏ وغري ذلك.‏<br />

والذي أراه وهللا أعلم ابحلق أن الإسرار ابلنصح لألمري أو اجلهر به يتوقف على:‏<br />

أوال:‏ حال املنصوح ‏)األمري(‏ <strong>في</strong>ختار الناصح أنسب وسيلة حسب حال املنصوح وما يقبله.‏<br />

اثنيا:‏ حال املوجودين:‏ فقد يكون نصحه سرا أوَل حىت ال جيرتئ الناس على األمري فتقع فتنة وتفرتق الكلمة كما<br />

فعل أسامة بن زيد مع عثمان بن عفان رضي هللا عنهم،‏ وقد يكون اجلهر ابلنصيحة أفضل حىت يسمع الناس<br />

<strong>في</strong>نتصحوا بنفس النصيحة كما يف نصح أيب شريح بشأن حترمي مكة ليكف الناس عن اخلروج يف جيش األمري الذاهب<br />

للقتال يف مكة.‏ وهكذا.‏<br />

اثلَا:‏ حال النصح:‏ أال يقوم مقام رايء ومسعة بنصحه،‏ ليقال عنه:‏ هذا الذي نصح األمري عندما سكت غريه،‏<br />

وحتضرين هنا قصة شكاية أهل الكوفة سعد بن أيب وقاص لعمر بن اخلطاب قال ابن كثري:‏ ‏]و<strong>في</strong>ها سنة ‎16‎ه شكا<br />

أهل الكوفة سعدا يف كل شيء،‏ حىت قالوا:‏ ال حيسن يصلي،‏ فعزله عنها إَل أن قال ابن كثري ويف صحيح مسلم أن<br />

عمر بعث من يسأل أهل الكوفة فأثنوا خريا إال رجال يقال له:‏ أبو سعدة قتادة بن أسامة قام فقال:‏ أما إذ أنشدتنا<br />

فإن سعدا ال يقسم ابلسوية وال يعدل يف القضية،‏ وال خيرج يف السرية،‏ فقال سعد:‏ اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام<br />

رايء ومسعة،‏ فأَطِل عمره وأَدِم فقره وعرضه للفنت.‏ فأصابته دعوة سعد،‏ فكان شيخا كبريا يرفع حاجبيه عن عينيه،‏<br />

ويتعرض للجواري يف الطرق <strong>في</strong>غمزهن،‏ <strong>في</strong>قال له يف ذلك،‏ <strong>في</strong>قول:‏ شيخ كبري مفتون أصابته دعوة سعد.‏ وقد قال عمر<br />

يف وصيته وذكره يف الستة فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك،‏ وإال <strong>في</strong>ستعني به أيكم وَل،‏ فإين مل أعزله عن عجز وال<br />

خيانة[‏ . 3<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

405<br />

21<br />

- 2 احلديث:‏ 114<br />

- 3 البداية والنهاية ج 7 ص 111


فالصواب إن شاء هللا تعاَل أن<br />

يراعي الناصح هذه األحوال ‏ُث يتخري األسلوب األنسب:‏ الإسرار أو اجلهر،‏<br />

فإن<br />

التبس عليه األمر فاإلسرار أوىل إن شاء هللا تعاىل حلديث عياض بن غنم املذكور يف أول هذه املسألة ولقصة أسامة<br />

بن زيد مع عثمان بن عفان رضي هللا عنهم.‏<br />

الثالث:‏ توقير األمير.‏<br />

مما يلزم األعضاء من حقوق األمري عليهم توقريه،‏ وأدل على هذا جبملة أحاديث رواها ابن أيب عاصم يف كتابه السنة<br />

ابب ‏)يف ذكر فضل تعزيز األمري وتوقريه(‏ .<br />

حديث 1121<br />

على هللا : من عاد مريضا،‏ أو<br />

عن معاذ بن جيل قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مخس من فعل واحدة منهن كان ضامنا<br />

بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس«‏ . 1<br />

حديث 1124<br />

خرج مع جنازة،‏ أو خرج غازاي،‏ أو دخل مع إمامه يريد تعزيزه وتوقريه،‏ أو قعد يف<br />

عن أيب بكرة قال:‏ مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول:‏ ‏»السلطان ظل هللا يف األرض<br />

فمن أكرمه أكرمه هللا،‏ ومن أهانه أهانه هللا«‏ . 2<br />

قلت:‏ وإهانة ويل األمر قد تكون بعصيان أوامره والإستخفاف هبا،‏ أو ابلسخرية من األمري ابلقول والغمز واللمز أو<br />

بوصفه بصفة خَلْقِية أو خُلُقِية <strong>في</strong>ه تدعو لالستخفاف به،‏ أو مبدح غريه مبا <strong>في</strong>ه تعريض ابلذم هلذا األمري،‏ أو بتشجيع<br />

اآلخرين على إهانة األمري وعصيانه ومهوما يدخل يف الإهانة كل ما <strong>في</strong>ه انتقاص لقدر األمري وجترحيه.‏ وقد أمر رسول<br />

هللا صلى هللا عليه وسلم بطاعة األمري وإن كان عبدا حبشيا رأسه زبيبة أو جمدع األطراف.‏ فمن أقدم على إهانة األمري<br />

فقد تعرض لإهانة هللا له يف الدنيا ابملذلة ويف اآلخرة ابلعذاب واحلرمان.‏<br />

حديث 1125<br />

<br />

عن أيب بكرة قال:‏ ‏»من أَجلم سلطان هللا أجلّه هللا يوم القيامة«‏ . 3 وهذا ينطبق على كل من توَل<br />

إمارة على غريه،‏ إذ إنه أمري حبكم الشريعة كما سبق بيانه.‏<br />

وعن أيب موسى<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

وحامل القرآن غري الغايل <strong>في</strong>ه واجلايف عنه،‏ وإكرام ذي السلطان املقسط«‏ . 4<br />

‏»إن من إجالل هللا تعاَل إكرام ذي الشيبة املسلم،‏<br />

وقال شيخ الإسالم ابن تيمية:‏ ‏]كان السلف كالفضيل بن عياض وأمحد بن حنبل وغريمها يقولون:‏ لو كان لنا دعوة<br />

5<br />

جمابة لدعوان هبا السلطان[‏ .<br />

- 1 قال األلباين:‏ حديث صحيح.‏<br />

- 2 قال األلباين:‏ حديث حسن.‏<br />

- 3 قال األلباين حديث حسن.‏ ‏)كتاب السنة البن أيب عاصم ط املكتب الإسالمي ص 481<br />

- 4 حديث حسن،‏ رواه أبو داود ‏)رايض الصاحلني ابب توقري العلماء والكبار...‏ )<br />

- 5 جمموع الفتاوى ج<br />

482<br />

406<br />

29 ص 381


وقال القرطيب يف تفسري قوله تعاَل:‏ ‏}أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَِِيعُوا الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ أُوْ‏ لِي األَمْرِ‏ مِنْكُ‏ ‏ْم{‏ ، 1 قال:‏ ‏]قال سهل بن عبد<br />

هللا رمحه هللا:‏ ال يزال الناس ‏ِبري ما عَظمموا السلطان والعلماء،‏ فإذا عظموا هذين أصلح هللا دنياهم وأخراهم،‏ وإذا<br />

2<br />

استخفوا هبذين أفسد دنياهم وأخراهم[‏ . قلت:‏ وال شك أن هذا يف السلطان والعلماء الصاحلني.‏<br />

تنبيه:‏<br />

وال يظن أحد أننا بدعوتنا الرعية إَل توقري األمري أننا ندعو بذلك إَل تقديسه،‏ وإَّنا ندعو إَل الوسط كما هي دعوة<br />

الإسالم يف كل أمر.‏<br />

فتوقري األمري وسط بني تفريط وإفراط.‏ أما التفريط فهو إهانة األمري اليت وردت السنة ابلنهي عنها والوعيد عليها،‏<br />

وذكران بعض صور الإهانة <strong>في</strong>ما سبق.‏ وأما اإلفراط يف توقري األمري فهو أيضا منهي عنه مذموم،‏ ومن صوره السكوت<br />

عن منكرات األمري وأدهى من ذلك تربير منكراته وأتويلها على وجه حسن،‏ واملغاالة يف مدحه وخلع ماال جيوز من<br />

الصفات عليه.‏<br />

والذي أراه وهللا تعاَل أعلم أن توقري األمري ليس مقصودا لذاته،‏ بل من أجل احملافظة على وحدة اجلماعة املسلمة،‏<br />

وهذا مقصد شرعي هام سبق التنبيه عليه،‏ فإن إهانة األمري والإستخفاف به مدعاة إَل عصيانه وما يرتتب على ذلك<br />

من شق عصا الطاعة وتفريق مشل اجلماعة.‏ وهبذا ترى أن توقري األمري <strong>في</strong>ه سد لذريعة العصيان والشقاق ويدل على<br />

هذا الإستنباط أن األمر ابلتوقري إَّنا هو لألمري بصفته ال بشخصه،‏ وهللا تعاَل أعلم.‏<br />

بل إن مجيع ما ورد <strong>في</strong>ما يلزم األعضاء ‏)الرعية(‏ من حق األمري عليهم،‏ ‏)وهو السمع والطاعة والنصح والتوقري(‏ هو يف<br />

حقيقته<br />

يهدف إىل احملافظة على وحدة اجلماعة املسلمة،‏<br />

دينهم وال دنياهم إال به،‏ أال وهو اجلماعة.‏<br />

ذلك املقصد الشرعي اهلام الذي ال يصلح للمسلمني<br />

وقد ورد الربط واضحا بني طاعة األمري واحملافظة على وحدة اجلماعة يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من<br />

رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه،‏ فإنه من فارق اجلماعة شربا<br />

3<br />

فمات إال مات ميتة جاهلية«‏ .<br />

407<br />

- 1 النساء،‏ اآلية:‏ 58<br />

5 ص 261 ج-‏ 2<br />

3 رواه البخاري عن ابن عباس.‏


ثالثا:‏ ما يلزم األعضاء بعضهم <strong>في</strong> حق بعض.‏<br />

‏)ما يلزم العضو <strong>في</strong> حق إخوانه(‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»على كل مسلم صدقة«‏ قالوا فإن مل جيد؟ قال:‏ ‏»<strong>في</strong>عمل بيديه <strong>في</strong>نفع نفسه<br />

ويتصدق«.‏ قالوا:‏ فإن مل يستطع؟ أو مل يفعل؟ قال:‏ ‏»<strong>في</strong>عني ذا احلاجة امللهوف«،‏ قالوا:‏ فإن مل يفعل؟ قال:‏ ‏»فليأمر<br />

ابخلري،‏ أو قال ابملعروف«،‏ قال فإن مل يفعل؟ قال:‏ ‏»فليمسك عن الشر«،‏ فإنه صدقة . 1<br />

وعن أيب ذر<br />

قال:‏ قلت اي رسول هللا أي األعمال أفضل؟ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»الإميان ابهلل واجلهاد يف<br />

سبيله«‏ قلت:‏ أي الرقاب أفضل؟ قال:‏ ‏»أنفسها عند أهلها مثنا«.‏ قلت:‏ فإن مل أفعل؟ قال:‏ ‏»تعني صانعا أو تصنع<br />

ألخرق«‏<br />

على نفسك«‏ . 2<br />

قلت:‏ اي رسول هللا أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال:‏ ‏»تكف شرك عن الناس،‏ فإهنا صدقة منك<br />

قلت:‏ املعىن املشرك املستفاد من هذين احلديثني،‏ وهو أنك إذا مل تستطع أن تنفع الناس فكف شرك عنهم.‏ وأنت<br />

مأجور يف احلالني إن شاء هللا تعاَل،‏ ويلحقك الوزر إن انتقلت إَل احلال الثالث وهو أن يتعدى شرك إَل الناس.‏<br />

ولذلك فإنين أقسم عالقة املسلم من حسن السرية مع إخوانه إَل قسمني:‏<br />

القسم األول:‏ كف األذى عن إخوانه،‏ وهذا هو احلد األدىن املطلوب يف تعامل املسلم مع إخوانه.‏<br />

القسم الَاين:‏ إيصال النفع إلخوانه،‏ وهذا هو احلال األمثل للمسلم.‏<br />

وقد أتملت ترتيب الإمام النووي لألحاديث اليت أوردها يف ‏)األربعني النووية(‏ فوجدته قد راعا هذا التقسيم،‏ حيث أورد<br />

حديثني متتالني أحدمها يف كف األذى عن الناس وهو اخلامس والثالثني ‏»ال حتاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا«‏ ‏ُث<br />

أتبعه ابآلخر يف احلض على نفع الناس وهو السادس والثالثني ‏»من ن ‏َفمس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا«.‏<br />

وهذا التقسيم والرتتيب ورد يف آايت كثرية من التنزيل العزيز:‏ منها قوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تَأْكُلُوا الرِ‏ بَا<br />

أَضْعَاقًا مُضَاعَفَةً‏ وَ‏ اتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ لَعَلَّكُمْ‏ تُفْلِحُونَ‏ وَ‏ اتَّقُوا النَّارَ‏ الَّتِي أُعِدَّتْ‏ لِلْكَاقِرِ‏ ي ‏َن وَ‏ أَِِيعُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ لَعَلَّكُ‏ ‏ْم<br />

تُرْ‏ حَمُونَ‏ وَ‏ سَارِ‏ عُوا إِلَى مَغْفِرَ‏ ةٍ‏ مِنْ‏ رَ‏ ب ‏ِكُمْ‏ وَ‏ جَنَّةٍ‏ عَرْ‏ ‏ُضهَا السَّمَاوَ‏ اتُ‏ وَ‏ األَرْ‏ ضُ‏ أُعِدَّتْ‏ لِلْمُتَّقِي ‏َن الَّذِينَ‏ يُنْفِقُونَ‏ قِي<br />

السَّرَّ‏ اءِ‏ وَ‏ الضَّرَّ‏ اءِ{‏ ، 3 فأكل الراب إضرار ابلناس فنهى سبحانه عنه ‏ُث أتبعه ابلإحسان إَل الناس ابلنفقة يف العسر<br />

واليسر.‏ وكذلك قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْكَاظِمِينَ‏ الْغَيْظَ‏ وَ‏ الْعَاقِينَ‏ عَنْ‏ النَّاسِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يُحِ‏ بُّ‏ الْمُحْسِنِي ‏َن{‏ ، 4 فبدأ سبحانه ببيان<br />

كف األذى عن الناس ‏)بكظم الغيظ(‏ ‏ُث إيصال النفع إليهم ‏)ابلعفو والإحسان(.‏ وهذا التقسيم والرتتيب يتفق مع<br />

القاعدة الشرعية ‏)درء املفاسد مقدم على جلب املنافع(.‏<br />

- 1 متفق عليه عن أيب موسى.‏<br />

408<br />

- 2 متفق عليه.‏<br />

- 3 سورة آل عمران،‏ اآلايت:‏<br />

- 4 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏<br />

134 إَل 131<br />

134


قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]ومن كالم حيىي ابن مراد الرازي:‏ ليكن حظ املؤمن منك ثالثة:‏ إن مل تنفعه فال تضره،‏ وإن مل<br />

تفرحه فال تغمه،‏ وإن مل متدحه فال تذمه[‏ . 1 قلت:‏ وهذا الكالم يبني احلد األدىن املطلوب من املسلم يف معاملته<br />

لإخوانه هو أن يكف أذاه عنهم.‏<br />

ومحاسن األخالق ترجع <strong>في</strong>ما أرى إلى أصلين:‏<br />

األول:‏ ا ياء:‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»احلياء ال ‏َيِت إال ‏ِبري«‏ ، 2 ويف رواية ملسلم ‏»احلياء خري كله«.‏<br />

ومعلوم أن احلياء شعبة من شعب الإميان كما يف حديث شعب الإميان املتفق عليه عن أيب هريرة مرفوعا ‏»الإميان بضع<br />

وستون شعبة،‏ واحلياء شعبة من الإميان«‏ ، 3 وقد ن<br />

عليه دون غريه من الشُّعب يف هذا احلديث ألنه كالباعث على<br />

أداء بقية الشعب،‏ فمن استحى من هللا تعاَل أتى حبقوقه سبحانه برتك املنهيات وفعل املأمورات،‏ ومن استحى من<br />

الناس أتى حبقوقهم بكف األذى وجلب النفع.‏<br />

‏]واحلياء نوعان:‏ أحدمها ما كان خلقا وجِ‏ بِلمة غري مكتسب وهو من ِ أَجَل األخالق اليت مينحها هللا العبد وجيَْبُله عليها،‏<br />

ّ<br />

والثاين ما كان مكتسبا من معرفة هللا ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطالعه عليهم وعلمه ‏ِبائنة األعني وما خت<strong>في</strong><br />

الصدور[‏ ، 4 قلت:‏ فمن قل حظه من النوع األول فعليه مبجاهدة نفسه الكتساب الثاين.‏<br />

الَاين:‏ أن حيب للناس ما حيبه لنفسه وأن يكره هلم ما يكرهه لنفسه،‏ وإذا قلنا إن احلياء يدفع صاحبه إَل أداء حقوق<br />

الناس،‏ فنقول هل هناك قاعدة عامة تبني ما هي حقوق الناس،‏ يتبعها من ال يستطيع الإحاطة بتفاصيل األحكام<br />

واآلداب الإسالمية؟ واجلواب:‏ نعم توجد قاعدة عامة هلذا وهي ‏)أن حتب للناس ما حتب لنفسك من اخلري وأن تكره<br />

هلم ما تكرهه لنفسك من الشر(.‏<br />

وهذه القاعدة مستفادة من حديث النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب<br />

5<br />

لنفسه«‏ ، ويف مستخرج الإمساعيلي ‏»حىت حيب ألخيه املسلم ما حيب لنفسه من اخلري«.‏ قلت:‏ ومفهومه وحىت يكره<br />

ألخيه ما يكرهه لنفسه.‏<br />

قال ابن رجب:‏ ‏]وحديث أنس الذي نتكلم اآلن <strong>في</strong>ه يدل على أن املؤمن يسره ما يسر أخاه املؤمن ويريد ألخيه املؤمن<br />

ما يريد لنفسه من اخلري،‏ وهذا كله إَّنا ‏َيِت من كمال سالمة الصدر من الغش والغل واحلسد[‏ . 6<br />

- 1 جامع العلوم واحلكم ص<br />

409<br />

284<br />

- 2 متفق عليه عن عمران بن حصني.‏<br />

- 3 لفظ البخاري.‏<br />

- 4 جامع العلوم واحلكم ص<br />

5 متفق عليه عن أنس.‏<br />

- 6 جامع العلوم واحلكم ص<br />

175<br />

114


ويف معىن حديث أنس ما رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»من أحب أن<br />

يزحزح عن النار ويدخل اجلنة،‏ فلتأته منيته وهو يؤمن ابهلل واليوم اآلخر،‏ وليَأْتِ‏ إَل الناس الذي حيب أن يؤتى إليه«.‏<br />

وكي<strong>في</strong>ة تطبيق هله القاعدة<br />

يكون مبعرفة أن األمور الثالثة:‏ شر الشك <strong>في</strong>ه،‏ وخري الشك <strong>في</strong>ه،‏ وشيء مرتدد بينهما،‏<br />

فالشر مطلوب الكف عنه وهو ما أشران إليه بكف األذى،‏ واخلري املطلوب فعله وهو ما أشران إليه إبيصال النفع إَل<br />

الناس قدر الإستطاعة،‏ وأما األمر الثالث املرتدد <strong>في</strong>ه فعليك أبن تفكر قبل الإقدام هل ترضاه لنفسك أم ال؟ فإن رضيته<br />

لنفسك ومل خيالف حكماً‏ شرعياَ‏ فأقدم وإال فال.‏<br />

وكما ترى فهذه القاعدة ‏)وهي أن حتب للناس ما حتب لنفسك وتكره هلم ما تكره لنفسك(‏ متضمنة لشقي املعاملة<br />

الذين أشرت إليهما آنفا مها كف األذى وجلب النفع،‏ فما من أحد إال وهو حيب أن يكف الناس أذاهم عنه وأن<br />

ينفعوه،‏ والإميان يقتضي أن حيب هذا للناس كما حيبه لنفسه وإن مل يعامله الناس هكذا.‏<br />

وسرتى أن التفاصيل القادمة يف كف األذى وجلب النفع ميكن إدراجها مجيعا حتت هذه القاعدة.‏ وسوف أذكر بعض<br />

ما يدخل يف كف األذى وجلب النفع جممال،‏ وتفصيل هذا يف كتب األدب من دواوين السنة.‏<br />

القسم األول:‏ بعض ما يدخل <strong>في</strong> كف األذى عن الناس.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»تكف شرك عن الناس فإهنا صدقة منك على نفسك«‏ ، 1 ومما يدخل يف كف<br />

األذى:‏<br />

= 0<br />

اإلحرتاز من آفات اللسان،‏ وهي رأس الشرور،‏ يدرك هذا كل عاقل،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

2<br />

‏»هل يكب الناس يف النار على وجوههم،‏ أو قال على مناخرهم،‏ إال حصائد ألسنتهم«‏ .<br />

ويدخل يف هذه اآلفات:‏ السخرية وهلا صور كثرية،‏ والإستهزاء،‏ والتنابز ابأللقاب والسباب،‏ والغيبة والبهتان والكذب<br />

والنميمة واللعن والفحش وشهادة الزور وغريها.‏<br />

وكل هذه اآلفات وردت يف ذمها والوعيد عليها أدلة كثرية ليس هذا موضع تفصيلها وتراجع يف هذا سورة احلجرات<br />

واألبواب اخلاصة هبذا يف كتاب األدب من صحيح البخاري وغريه من كتب السنة.‏<br />

وآفات اللسان من أعظم ما يفسد العالقات بني املسلمني يف الدنيا ويعود عليهم ابخلسران يف اآلخرة.‏<br />

السالمة من هله اآلفات<br />

هو قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

وضابط<br />

‏»من كان يؤمن ابهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو<br />

3<br />

ليصمت«‏ . قال النووي:‏ ‏]وهذا صريح أنه ينبغي أن ال يتكلم إال إذا كان الكالم خريا،‏ وهو الذي ظهرت مصلحته،‏<br />

421<br />

- 1 متفق عليه.‏<br />

- 2 رواه الرتمذي عن معاذ بن جبل،‏ وقال حديث حسن صحيح.‏<br />

- 3 متفق عليه.‏


ومىت شك يف ظهور مصلحة فال يتكلم[.‏ قلت:‏ وال ترتخ<br />

وال متكر <strong>في</strong>مكر هللا بك،‏ قال تعاَل:‏ { وَ‏ ال يَحِ‏ يقُ‏ الْمَكْرُ‏ السَّي ‏ِئُ‏ إِالَّ‏ بِأَهْلِ‏ ‏ِه{‏ . 1<br />

= 2<br />

وال تتأول لتستحل ما حيَْرُم عليك إتيانه من هذه اآلفات،‏<br />

عدم التدخل يف شنون اآلخرين وترك الفضول،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»من حسن إسالم املرء<br />

2<br />

تركه ماال يعنيه«‏ ، وماال يعين املرء قد يكون شيئا يف خاصة نفسه كاملنهي عنه ‏)احلرام واملكروه والشّبهة(‏ وقد يكون يف<br />

عالقته ابلناس،‏ وهذا األخري الذي نقصده يف كالمنا عن كف األذى عن الناس.‏<br />

ويدخل يف هذا احرتام خصوصيات الناس،‏ وعدم التجسس عليهم،‏ وعدم تتبع عوراهتم،‏ وترك اخلوض <strong>في</strong>ما ال ينفك يف<br />

الدنيا وال يف اآلخرة،‏ وأَوَْلَ‏ من ذلك ترك اخلوض <strong>في</strong>ما يضرك <strong>في</strong>هما.‏ وهلذه القاعدة تطبيقات كثرية يستطيع املرء أن<br />

يتتبعها بنفسه،‏ وخري وسيلة لإدراك هذه القاعدة هي أن تسأل نفسك يف كل قول أو فعل:‏ ما فائدة هلا؟ فإن مل<br />

تكن له فائدة أو كان <strong>في</strong>ه ضرر فهو مماال يعنيك.‏<br />

والإشتغال مبا ال يعين والتطفل على الناس غالبا ما يقرتن ابلتفريط يف أمر النفس،‏ وما يعنيها،‏ ولذلك فهو عالمة<br />

خذالن من هللا تعاَل للعبد،‏ قال تعاَل:‏ ‏}نَسُوا ‏َّللاَّ‏ َ قَأَنْسَاهُمْ‏ أَنْفُسَهُ‏ ‏ْم{‏ . 3<br />

قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]هذا احلديث أصل عظيم من أصول األدب،‏ وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصالح عن أيب<br />

حممد بن أيب زيد إمام املالكية يف زمانه أنه قال:‏ مجَِاع آداب اخلري وأَزِمته تتفرع من أربعة أحاديث:‏ قول النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم : ‏»من كان يؤمن ابهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو ليصمت«‏ وقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»من حسن<br />

إسالم املرء تركه ماال يعنيه«‏ وقوله صلى هللا عليه وسلم للذي اختصر له يف الوصية ‏»ال تغضب«‏ وقوله صلى هللا عليه<br />

»...<br />

وسلم ‏»املؤمن حيب ألخيه ما حيب لنفسه«‏ ومعىن هذت احلديث ‏»من حسن إسالم املرء أن من حَسُنَ‏<br />

إسالمُه تَرَكَ‏ ماال يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من األقوال واألفعال،‏ ومعىن يعنيه أنه تتعلق عنايته به<br />

ويكون من مقصده ومطلوبه إَل أن قال وإذا حسن الإسالم اقتضى ترك ماال يعين كله من احملرمات أو املشتبهات<br />

واملكروهات وفضول املباحات اليت ال حيتاج إليها،‏ فإن هذا كله ال يعين املسلم إَل أن قال وأكثر ما يُراد برتك ما ال<br />

يعين حفظ اللسان من لغو الكالم إَل أن قال قال عمر بن عبد العزيز رمحه هللا:‏ ‏)من عَدم كالمَه من عمله قَلم كالمُه<br />

إال <strong>في</strong>ما يعنيه(‏ وهو كما قال فإن كثريا من الناس ال يعد كالمه من عمله <strong>في</strong>جازف <strong>في</strong>ه وال يتحرى إَل أن قال وقد<br />

نفى هللا اخلري عن كثري ممن يتناجى به الناس بينهم فقال ‏}ال خَيْ‏ ‏َر<br />

قِي كَثِيرٍ‏ مِنْ‏ نَجْوَ‏ اهُمْ‏ إِالَّ‏ مَنْ‏ أَمَرَ‏ بِصَدَقَةٍ‏ أَ‏ ‏ْو<br />

- 1 سورة فاطر،‏ اآلية:‏<br />

420<br />

43<br />

- 2 رواه الرتمذي عن أيب هريرة وقال حديث حسن.‏<br />

- 3 سورة احلشر،‏ اآلية:‏<br />

18


مَعْرُ‏ وفٍ‏ أَوْ‏ إِصْالحٍ‏ بَيْنَ‏ النَّاسِ‏<br />

العبد أن جيعل شغله <strong>في</strong>ما ال يعنيه خذالان من هللا<br />

} 1 ، إَل أن قال وروى أبو عبيدة عن احلسن قال:‏ من عالمة إعراض هللا تعاَل عن<br />

. أه ] 2 .<br />

قلت:‏ وكما ترى من الكالم السابق ومما ذكرانه يف حديث ‏»فليقل خريا أو ليصمت«‏ ويف حديث ‏»حىت حيب ألخيه<br />

ما حيب لنفسه«،‏<br />

ترى أنه جيب على املسلم أن يفكر جيدا قبل أي قول أو فعل وال ينساق من هوى نفسه أو<br />

هوى صُحْبَتِه،‏ فإذا فكر وعلم ما جيوز له وماال جيوز،‏ أقدم على بصرية.‏ وقد وصف هللا تعاَل أصحاب النار أبهنم<br />

3<br />

‏}وَ‏ قَالُوا لَوْ‏ كُنَّا نَسْمَُْ‏ أَوْ‏ نَعْقِلُ‏ مَا كُنَّا قِي أَصْحَابِ‏ السَّعِيرِ‏ } ، هبذا تدرك نعمة العقل ونعمة التفكري.‏ والنصيحة اليت<br />

تقال هنا هي:‏ فَكِّر قبل أن تتكلم،‏ فَكِّر قبل أن تتكلم،‏ فَكِّر قبل أن تفعل.‏<br />

= 3<br />

اإلحرتاز من التكرب على الناس.‏<br />

الكِرب من آفات النفس اليت تُظْهِرها خمالطة الناس،‏ فعند املخالطة تظهر هذه اآلفة يف صور عديدة مجعها رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم يف قوله:‏<br />

ا ق وبطر<br />

4<br />

‏»الكِربُْ‏ بَطَرُ‏ احلَقِّ‏ وغَمْطُ‏ الناس«‏ .<br />

أي رَدُّه ودفعه وعدم قبوله،‏ ويتخذ صورا<br />

منها الإعراض عن احلق ابتداء،‏ وعدم الإستماع إليه،‏ أو منع<br />

صاحب احلق من عرض حجته،‏ أو جمادلة صاحب احلق ابلباطل لرد احلق،‏ أو السخرية والإستهزاء بقوله،‏ وغري ذلك<br />

من الصور املتضمنة للكرب وحب الإنتصار للنفس.‏<br />

أما غمط الناس<br />

فهو احتقارهم وازدراؤهم،‏ وقد يكون هذا ابلقول أو ابلفعل،‏ كالسخرية والإستهزاء والوصف مبا <strong>في</strong>ه<br />

انتقاص كالوصف ابجلهل أو الفقر أو النسب الوضيع أو حىت ابلعاهة،‏ ومن التكرب أيضا الإعراض ابلوجه عن الناس<br />

وعدم جمالستهم أو مؤاكلتهم والرتافع عليهم،‏ وعدم رد السالم عليهم،‏ وحمبة أن ي ‏ُقَام له،‏ وأن يتصدر يف اجملالس<br />

ويفسح له،‏ ومنه حمبة أن يتميز عن إخوانه بشيء ما مل تستدع حاجة العمل ذلك وغري ذلك.‏<br />

ويف اجلملة ‏]فاملتكرب ينظر إَل نفسه بعني الكمال وإَل غريه بعني النق<br />

حبقوقهم وال أن يقبل من أحدهم احلق إذا أوردوه عليه[‏ . 5<br />

<strong>في</strong>حتقرهم ويزدريهم وال يراهم أهال ألن يقوم<br />

وقد يدفع الكرب بصاحبه إَل إيذاء اآلخرين وظلمهم والإضرار هبم،‏ وعالجه يكون بتذكر املبدأ واملعاد وأن ما بكم من<br />

نعمة فمن هللا،‏ أعطاك وحرم غريك،‏ والنعم حتُْفَظ ابلشكر ال ابلكرب فاملتكرب يرى نفسَه وال يرى ربمه املُنْعِم سبحانه.‏<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب«‏ . 6<br />

111<br />

- 1 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

114<br />

- 2 جامع العلوم واحلكم ص :<br />

- 3 سورة امللك،‏ اآلية:‏<br />

87<br />

11<br />

- 4 رواه مسلم عن ابن مسعود .<br />

- 5 جامع العلوم واحلكم ص<br />

282<br />

- 6 رواه مسلم عن ابن مسعود.‏<br />

422


والكرب مفسد للجماعة وللعمل اجلماعي،‏ وقلما يصلح صاحبه للعمل اجلماعي،‏ إذ يعتمد العمل اجلماعي أساسا على<br />

األلفة والتواضع والتعاون،‏ واملتكرب مينأى عن هذه األخالق.‏<br />

= 4<br />

عدم اإلضرار ابلناس.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

1<br />

‏»ال ضَرَرَ‏ وال ضِرَار«‏ ، والضرر:‏ يشمل ما تضر به نفسك أو غريك من الناس.‏<br />

والضرار:‏ هو أن يضر الرجل أخاه <strong>في</strong>ضره أخوه،‏ فكل منهما يضر اآلخر وقيل غري ذلك.‏ ويدخل يف الضرر والإضرار<br />

مجيع ما سبق من آفات اللسان والكرب والتدخل يف شؤون الناس،‏ ويدخل <strong>في</strong>ه أن تضر أخاك يف نفسه فتوقعه يف<br />

مهلكة،‏ أو يف مال فتفسده عليه،‏ أو يف عرضه فتجرحه.‏ ويدخل <strong>في</strong>ه احلسد وما يتبعه من البغضاء،‏ ويدخل <strong>في</strong>ه إظهار<br />

الشماتة ويف احلديث<br />

2<br />

‏»ال تظهر الشماتة ألخيك فريمحه هللا ويبتليك«‏ .<br />

ومن الضرر:‏ الغش واخلداع يف املعاملة،‏ وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

الغش يف النصيحة واملشورة وغريها.‏<br />

ومن الضرر الظلم،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

3<br />

‏»من غشنا فليس منا«‏ ، ومنه<br />

4<br />

‏»اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة«‏ ، وروى<br />

البخاري عن أيب هريرة مرفوعا ‏»من كانت عنده مظلمة ألخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن ال<br />

يكون دينار وال درهم إن كان له عمل صاحل أخذ منه بقدر مظلمته،‏ وإن مل يكن له حسنات أخذ من سيئات<br />

صاحبه فحُمِلَ‏ عليه«.‏<br />

ومن الإضرار ابلإخوة يف املعسكر أن تضع املواد اخلطرة أو املتفجرة يف مكان الإقامة واملبيت،‏ أو تضع الوقود يف مكان<br />

املبيت أو قرب النريان.‏ <strong>في</strong>جب اختاذ كافة الإجراءات الوقائية ملنع هذا الضرر.‏<br />

ومن الإضرار هبم:‏ التفريط يف إجراءات السالمة احلربية من لبس الدروع واخلوذات وحفر اخلنادق وارتداء األقنعة<br />

والتشديد يف احلراسة وغريها.‏<br />

ومن الإضرار ابلناس إلقاء القاذورات يف طرقهم،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»اتقوا الالعنني قالوا وما<br />

الالعنان؟ قال الذي ي ‏َتَخَلمى يف طريق الناس أو ظلهم«‏ ، 5 والتخلي هو قضاء احلاجة،‏ وروى مسلم عن جابر أن<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />

‏»هنى أن يبال يف املاء الراكد«.‏<br />

ومن الإضرار ابلناس إقامة املريض مع الصحيح،‏ فقد ميُرضه ابلعدوى،‏ وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال<br />

توردوا املُمْرِض على املُصِح«‏ ، 1 وال منافاة بينه وبني احلديث الصحيح ‏»ال عدوى«‏ للجمع املشهور بينهما.‏<br />

- 1 رواه ابن ماجه والدارقطين عن أيب سعيد.‏<br />

- 2 رواه الرتمذي وقال حديث حسن عن وائلة بن األسقع مرفوعا.‏<br />

- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 4 رواه مسلم عن جابر.‏<br />

- 5 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

423


ومن إيذاء الإخوة،‏ إفساد الدروس عليهم،‏ أو رفع الصوت جبوار النائمني،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اغْضُضْ‏ مِنْ‏ صَوْ‏ تِكَ‏ إِ‏ ‏َّن<br />

أَنكَرَ‏ األَصْوَ‏ اتِ‏ لَصَوْ‏ تُ‏ الْحَمِيرِ‏ } 2 .<br />

ومن الإيذاء أن يتناجى اثنان دون الثالث،‏ وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان<br />

3<br />

دون اآلخر حىت ختتلطوا ابلناس،‏ من أجل أن ذلك حيزنه«‏ ، وهذا أمر جمرب معروف.‏ ومثله أن حتَُدِّثَ‏ قوما فتُقْبل<br />

على واحد فقط وت ‏ُعْرِض عن اآلخرين،‏ وروى البخاري يف األدب املفرد عن حبيب بن أيب ‏َثبت قال:‏ ‏)كانوا حيبون إذا<br />

4<br />

حَدمث الرجلُ‏ أن ال ي ‏ُقْبِل على الرجل الواحد ولكن ليعمهم(‏ .<br />

ومن الإضرار أن حتملك كراهيتك لرجل على إيذائه ابلقول أو ابلفعل،‏ فقد روى البخاري يف األدب املفرد عن ابن<br />

عمر عن أبيه قال:‏ ‏])ال يكن حُبُّك كَلَفاً‏ وال ب ‏ُغْضُك تَلَفاً(‏ فقلت:‏ كيف ذاك؟ قال:‏ إذا أحببت كَلَفْتَ‏ كلف الصيب،‏<br />

5<br />

وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف[‏ .<br />

= 5<br />

اجتنا سوء الظن.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ً كَثِيرا مِنْ‏ ِ الظَّن<br />

والظن فإن الظن أكذب احلديث«‏ . 7<br />

إِنَّ‏ بَعْضَ‏ ِ الظَّن إِثْ‏ ‏ٌم{‏ ، 6 وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إايكم<br />

وسوء الظن قد يدفعك إَل شر آخر وهو التجسس على أخيك بغرض أن حتقق من سوء ظنك به،‏ وهبذا تدرك<br />

احلكمة من الرتتيب يف قوله تعاَل ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ً كَثِيرا مِنْ‏ ِ الظَّن إِنَّ‏ بَعْضَ‏ ِ الظَّن إِثْمٌ‏ وَ‏ ال تَجَسَّسُوا وَ‏ ال<br />

يَغْتَبْ‏ بَعْضُكُمْ‏ بَعْض ‏ًا{‏ ، 9 فإن سوء الظن مدعاة إَل التجسس وإَل الغيبة فتظن هلذا،‏ وهكذا السيئة تولد سيئة أخرى،‏<br />

ويتوب هللا على من اتب.‏<br />

ومما يناسب هذا املقام ذكر ما قاله ابن حجر يف فوائد قصة موسى<br />

<br />

مع اخلضر حيث كان موسى<br />

سريع الإنكار <br />

ألفعال اخلضر،‏ فلما فسرها له اخلضر علم وجه احلكمة <strong>في</strong>ها،‏ فقال ابن حجر ‏]<strong>في</strong>ستفاد منه وجوب التأين عن الإنكار<br />

- 1 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 2 سورة لقمان،‏ اآلية:‏<br />

424<br />

18<br />

- 3 متفق عليه عن ابن مسعود،‏ وقريب منه عن ابن عمر.‏<br />

- 4 أثر 1314<br />

- 5 أثر 1322<br />

- 6 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

12<br />

- 7 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 9 سورة احلجرات،‏ اآلية:‏<br />

12


يف احملتمالت[‏ ، 1 وابلتايل ننصح الإخوة ابلتأين يف الإنكار على إخواهنم وال يسارعوا إَل إساءة الظن هبم إذا كانت<br />

أفعاهلم حتتمل الصواب واخلطأ.‏<br />

= 6<br />

اإلستئلان:‏ واجب يف األماكن اخلاصة،‏ لقوله تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تَدْخُلُوا بُيُوت ‏ًا غَيْرَ‏ بُيُوتِكُمْ‏ حَتَّى<br />

2<br />

تَسْتَأْنِسُوا وَ‏ تُسَلِمُوا عَلَى أَهْلِهَا{‏ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»الإستئذان ثالث،‏ فإن أذن لك وإال<br />

4<br />

3<br />

فارجع«‏ ، وعن سهل بن سعد عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال ‏»إَّنا جعل الإستئذان من أجل البصر«‏ ، أي<br />

حىت ال يرى الداخل بغري إذن ما يكره صاحب املكان أن يراه الناس من عورات أو أسرار أو غري ذلك ويدخل يف<br />

هذا أيضا الرسائل والكتب اخلاصة وغريها من اخلصوصيات،‏ ال ينظر <strong>في</strong>ها الإنسان بدون إذن صاحبها،‏ فقد أخرج أبو<br />

داود عن ابن عباس مرفوعا ‏“من نظر يف كتاب أخيه بغري إذنه فكأَّنا ينظر يف النار”‏ وسنده ضعيف.‏ وقد يستَىن<br />

من ذلك من كان متهما على املسلمني،‏ فهذا جيوز النظر يف خصوصيته بغري إذنه للتحقق من أمره،‏ فقد أورد<br />

البخاري رمحه هللا يف كتاب الإستئذان من صحيحه ‏)ابب<br />

23<br />

من نظر يف كتاب من حيُْذَر على املسلمني ليستبني<br />

أمره(‏ وذكر <strong>في</strong>ه قصة حاطب بن أيب بلتعة وكتابه ألهل مكة قُبيل غزوة الفتح ليخربهم،‏ وإرسال النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم خلف الظعينة حىت أتى بكتاب حاطب،‏ قال ابن حجر يف شرحه:‏ ‏]كأنه أي يشري إَل أن األثر الوارد يف<br />

النهي عن النظر يف كتاب الغري خيَُ‏ ُّ منه ما يتعني طريقا إَل دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر.‏ واألثر املذكور<br />

أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ<br />

‏“من نظر يف كتاب أخيه بغري إذنه فكأَّنا ينظر يف النار”‏<br />

وسنده<br />

ضعيف إَل أن قال وقال املهلب:‏ وما روى أنه ال جيوز النظر يف كتاب أحد إال إبذنه،‏ إَّنا هو يف حق من مل يكن<br />

5<br />

متهما على املسلمني،‏ وأما من كان متهما فال حرمة له[‏ .<br />

= 7<br />

النهي عن اإلشارة ابلسالح وحنوه إَل مسلم،‏ سواء كان جادا أو مازحا.‏<br />

فعن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»ال يشر أحدكم إَل أخيه ابلسالح فإنه ال يدري لعل الشيطان<br />

ينزغ يف يده،‏ <strong>في</strong>قع يف حفرة من النار«‏ . 6 أي لعل الشيطان جيعله يرمي أخاه ابلسالح <strong>في</strong>قتله <strong>في</strong>دخل النار.‏<br />

وروى مسلم عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»من أشار إَل أخيه حبديدة فإن املالئكة تلعنه حىت ينزع،‏<br />

وإن كان أخاه ألبيه وأمه«‏ حىت ينزع أي حىت يلقي هذه احلديدة.‏<br />

425<br />

- 1 فتح الباري ج 1 ص 222<br />

- 2 سورة النور،‏ اآلية:‏<br />

27<br />

- 3 متفق عليه عن أيب موسى.‏<br />

- 4 متفق عليه.‏<br />

- 5 فتح الباري ج 11 ص 47<br />

- 6 متفق عليه.‏


ال»‏<br />

= 8<br />

وال يفوتين كذلك التنبيه على هني النيب صلى هللا عليه وسلم عن املرور بنصال األسلحة يف أسواق املسلمني<br />

ومساجدهم،‏ لئال خيُْدَشَ‏ أحدٌ‏ ، 1 وهذا ينطبق على كل جتمع للمسلمني،‏ حيتاط املسلم أن يؤذي أحدا بسالحه.‏<br />

النهي عن اإلفراط يف املزاح.‏<br />

2<br />

ومل ن ‏َقُلْ‏ النهي عن املزاح ككل،‏ لورود اخلرب أبن النيب صلى هللا عليه وسلم كان يداعب أصحابه وال يقول إال حقا ،<br />

وإَّنا النهي عن الإفراط <strong>في</strong>ه ملا يف ذلك من املضار وأهوهنا استخفاف الناس به،‏ وأنه قد يكذب ليُضحك الناس،‏ وقد<br />

يثري املزاح عداوة بني الناس،‏ أو يقع املازح يف عرض بعض الناس،‏ وكل هذا مشاهد معروف.‏<br />

= 9<br />

قال ابن حجر:‏ ‏]أخرج الرتمذي وحَسمنه عن أيب هريرة قال ‏»قال قالوا اي رسول هللا إنك تداعبنا،‏ قال:‏ إين ال أقول إال<br />

حقا«،‏ وأخرج من حديث ابن عباس مرفوعا ‏»ال متار أخاك وال متازحه«‏ احلديث،‏ واجلمع بينهما:‏ أن النهي عنه ما <strong>في</strong>ه<br />

إفراط أو مداومة عليه ملا <strong>في</strong>ه من الشغل عن ذكر هللا والتفكر يف مهمات الدين،‏ ويئول كثريا إَل قسوة القلب والإيذاء<br />

واحلقد وسقوط املهابة والوقار،‏ والذي يَسْلَم من ذلك هو املباح،‏ فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس املخاطب<br />

3<br />

ومؤانسته فهو مستحب.‏ قال الغزايل:‏ من الغلط أن يتخذ املزاح حرفة ويتمسك أبنه صلى هللا عليه وسلم مزح[‏ .<br />

وقال املاوردي يف كتابه ‏)أدب ا لدنيا والدين(:‏ ‏]ويقل:‏ إَّنا مسي املزاح مزاحا ألنه يزيح عن احلق،‏ وقال إبراهيم النخعي:‏<br />

املزاح من سخف أو بطر،‏ وقيل يف منثور احلكم:‏ املزاح ‏َيكل اهليبة كما أتكل النار احلطب،‏ وقال بعض احلكماء:‏ من<br />

كثر مزاحه زالت هيبته،‏ ومن كثر خالفة طابت غيبته.‏ وقال بعض البلغاء:‏ من قل عقله كثر هزله إَل أن قال<br />

فالعاقل يتوخى مبزاحه إحدى حالتني ال ‏َثلثة هلما،‏ إحدامها:‏ إيناس املصاحبني،‏ والتودد إَل املخالطني،‏ وهذا يكون مبا<br />

أنس من مجيل القول،‏ وبسط من مستحسن الفعل.‏ وقد قال سعيد بن العاص البنه:‏ اقتصد يف مزاحك فإن الإفراط<br />

<strong>في</strong>ه يذهب البهاء،‏ وجيرئ عليك السفهاء،‏ وإن التقصري <strong>في</strong>ه يفض عنك املؤانسني،‏ ويوحش منك املصاحبني.‏ واحلالة<br />

4<br />

الثانية:‏ أنه ين<strong>في</strong> ابملزاح ما طرأ عليه من سأم،‏ وأحدث به من هم،‏ فقد قيل:‏ البد للمصدور أن ينفث[‏ .<br />

كظم الغيظ:‏ وهو من صور كف األذى عن الناس<br />

قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْكَاظِمِينَ‏ الْغَيْظَ‏ وَ‏ الْعَاقِينَ‏ عَنْ‏ النَّا ‏ِس{‏ ، 5 من صفات املتقني،‏ وقال صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

تغضب«‏ . 6 وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَمَنْ‏ صَبَرَ‏ وَ‏ غَفَرَ‏ إِنَّ‏ ذَلِكَ‏ لَمِنْ‏ عَزْ‏ مِ‏ األُمُورِ‏ } 7 ، وقد سبق الكالم عن الصرب على إيذاء<br />

- 1 كما رواه البخاري ‏)حديث‎451‎‏،‏ 452(<br />

- 2 رواه الرتمذي عن أيب هريرة.‏<br />

426<br />

527<br />

- 3 فتح الباري 526 / 11<br />

- 4 أدب الدنيا والدين،‏ ط دار الكتب العلمية ‎1389‎ه ص 289<br />

- 5 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏ 134<br />

- 6 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 7 سورة الشورى،‏ اآلية:‏<br />

288<br />

43


الإخوة وكظم الغيظ والصرب والعفو من األخالق اليت حيتاجها كل من خيالط الناس والتحلي هبا ‏َيِت ابجملاهدة<br />

والإكتساب.‏<br />

= 01<br />

كتمان األسرار،‏ وهي من األماانت:‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

وزاد يف رواية مسلم:‏ ‏»وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم«.‏<br />

وعن جابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏<br />

1<br />

‏»آية املنافق ثالث:‏ إذا حدث كذب،‏ وإذا وعد أخلف،‏ وإذا اؤمتن خان«‏ ،<br />

2<br />

‏»إذا حَدمث الرجل احلديث ‏ُث التفت فهي أمانة«‏ .<br />

وروى أبو داود عن جابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»اجملالس ابألمانة،‏ إال ثالثة جمالس،‏ سفك دم مسفوح،‏<br />

أو فرج حرام،‏ أو اقتطاع مال بغري حق«.‏<br />

ويف التنزيل قال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا ال تَخُونُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ الرَّ‏ سُولَ‏ وَ‏ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ تَعْلَمُو ‏َن{‏ ، 3 وقد سبقت<br />

قصة أيب لبابة بن املنذر وحاطب بن أيب بلتعة رضي هللا عنهما يف تفسري هذه اآلية.‏<br />

وقد ورى البخاري رمحه هللا يف ابب ‏)حفظ السر(‏ من كتاب الإستئذان من صحيحه عن أنس<br />

<br />

قال:‏ ‏»أَسَرم إيلَم النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم سِ‏ را فما أخربت به أحدا بعده،‏ ولقد سألتين أم سليم فما أخربهتا به«.‏ قلت:‏ وأم سليم هي أم<br />

أنس،‏ قال ابن حجر يف شرح هذا احلديث:‏ ‏]قال بعض العلماء:‏ كأن هذا السر كان خيت<br />

بنساء النيب صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ وإال فلو كان من العلم ما وسع أَنَساً‏ كتمانه،‏ وقال ابن بطال:‏ اللي عليه أهل العلم أن السر ال يباح به إذا<br />

كان على صاحبه منه مضرة،‏ وأكثرهم يقول إنه إذا مات ال يلزم من كتمانه ما كان يلزم يف حياته إال أن يكون عليه<br />

<strong>في</strong>ه غضاضة قلت:‏ الذي يظهر انقسام ذلك بعد املوت إَل ما يباح،‏ وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب ا لسر،‏<br />

كأن يكون <strong>في</strong>ه تزكية له من كرامة أو منقبة أو حنو ذلك.‏ وإَل ما يُكْره مطلقا وقد حيرم وهو الذي أشار إليه ابن بطال،‏<br />

وقد جيب كأن يكون <strong>في</strong>ه ما جيب ذكره كحق عليه كان يعذر برتك القيام به فريجى بعده إذا ذكر ملن يقوم به عنه أن<br />

4<br />

يفعل ذلك[‏ .<br />

وقال املاوردي يف كتابه ‏)أدب الدنيا والدين(:‏ ‏]“كتمان السر”‏ اعلم أن كتمان األسرار من أقوى أسبا النجاح<br />

وأدوم ألحوال الصالح.‏ وروى عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال:‏ ‏»استعينوا على احلاجات ابلكتمان فإن كل<br />

ذي نعمة حمسود«‏ ، 5 وقال علي بن أيب طالب كرم هللا وجهه ‏)سرك أسريك فإن تكلمت به صرت أسريه(‏ إَل أن قال<br />

وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه،‏ ومنع من نيل مطالبه،‏ ولو كتمه كان من سَطْوَتِه آمنا،‏ ويف عواقبه ساملا،‏ ولنجاح<br />

- 1 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 2 رواه أبو داود والرتمذي.‏<br />

- 3 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

427<br />

27<br />

- 4 فتح الباري ج 11 ص 92<br />

- 5 رواه الطرباين عن معاذ،‏ وإسناده ضعيف ‏)انظر جممع الزوائد ج 9 ص 189(.


حوائجه راجيا إَل أن قال وإظهار الرجل سر غريه أقبح من إظهار سر نفسه،‏ ألنه يبوء ‏]إحدى وصمتني:‏ اخليانة<br />

وإن كان مؤمتنا،‏ أو النميمة إن كان مستَوْدَعا(‏ . 1<br />

قلت:‏ وكتمان<br />

عليه وسلم:‏<br />

األسرار يتأكد خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق ابجلهاد يف سبيل هللا واحلرب،‏ إذ إنه يدخل يف عموم قوله صلى هللا<br />

2<br />

‏»احلرب خُدعة«‏ ، وكيف ختدع عدوك إذا مل تكتم أسرارك،‏ و)كان النيب صلى هللا عليه وسلم إذا أراد<br />

3<br />

غزوة وَرمى بغريها(‏ ، ويصل كتمان األسرار إَل إابحة الكذب إن<br />

ابحلرب واجلهاد خاصة.‏ وقد سبقت الإشارة إَل هذا يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(.‏<br />

وهذا كله <strong>في</strong>ما يتعلق بكف األذى عن الناس وهو األول من قسمي معاملتهم.‏<br />

مل ميكن كتم السر إال بذلك،‏ وهذا <strong>في</strong>ما يتعلق<br />

القسم الثاني:‏ بعض ما يدخل <strong>في</strong> إيصال النفع إلى الناس.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»خري األصحاب عند هللا تعاَل خريهم لصاحبه،‏ وخري اجلريان عند هللا تعاَل<br />

خريهم جلاره«‏ . 4<br />

ومن ذلك:‏<br />

= 00<br />

طيب الكالم وطالقة الوجه عند اللقاء،‏ وهو أدىن النفع ولذلك بدأت به.‏<br />

قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»اتقوا النار ولو بشق مترة،‏ ومن مل جيد فبكلمة طيبة«‏ ، 5 وقال صلى هللا عليه<br />

وسلم :<br />

‏»ال حتقِرَنم من املعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق«‏ . 6<br />

فإايك والعبوس يف وجه إخوانك،‏ وقد قال تعاَل يف صفة املؤمنني ‏}أَذِلَّةٍ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَعِزَّ‏ ةٍ‏ عَلَى الْكَاقِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، 7 وقال<br />

تعاَل:‏ ‏}أَشِدَّاءُ‏ عَلَى ا ‏ْلكُفَّارِ‏ رُ‏ حَمَاءُ‏ بَيْنَهُ‏ ‏ْم{‏ . 9<br />

أداء حقوق املسلم املذكورة يف قوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»حق املسلم على املسلم مخس:‏ رد السالم،‏ وعيادة<br />

8<br />

املريض،‏ واتباع اجلنائز،‏ وإجابة الدعوة،‏ وتشميت العاطس«‏ . وزاد مسلم يف رواية له ‏»وإذا استنصحك فانصح له«‏<br />

وزاد يف رواية متفق عليها للرباء بن عازب ‏»وإبرار املقسم،‏ ونصر املظلوم«‏ فتكون جمموع الفتاوى هذه احلقوق مثان.‏<br />

= 02<br />

- 1 أدب الدنيا والدين ط ‎1389‎ه ص 285<br />

- 2 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

- 3 متفق عليه عن كعب بن مالك.‏<br />

- 4 رواه الرتمذي عن ابن عمر وقال حديث حسن.‏<br />

- 5 متفق عليه عن عدي بن حامت.‏<br />

- 6 رواه مسلم عن أيب ذر.‏<br />

- 7 سورة املائدة،‏ اآلية:‏<br />

- 9 سورة الفتح،‏ اآلية:‏<br />

- 8 متفق عليه عن أيب هريرة.‏<br />

428<br />

54<br />

28


= 03<br />

ومنها إفشاء السالم،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»ال تدخلوا اجلنة حىت تؤمنوا،‏ وال تؤمنوا حىت حتابوا،‏ أَوَالَ‏<br />

1<br />

أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟،‏ أفشوا السالم بينكم«‏ . وتسلم على من عَرَفت ومن مل تعرف.‏<br />

= 04<br />

ومنها حسن افلق،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»اتق هللا حيثما كنت،‏ وأتبع السيئة احلسنة متحها<br />

2<br />

وخالق الناس ‏ِبلق حسن«‏ ، قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]قوله صلى هللا عليه وسلم : ‏»وخالق الناس ‏ِبلق حسن«‏ هذا<br />

من خصال التقوى وال تتم التقوى إال به،‏ وإَّنا أفرده ابلذكر للحاجة إَل بيانه فإن كثرياً‏ من الناس يظن أن التقوى هي<br />

قيام حبق هللا دون حقوق عباده،‏ فن<br />

له األمر إبحسان العشرة للناس إَل أن قال وقد روى عن السلف تفسري<br />

حسن اخللق،‏ ‏..عن ابن املبارك قال:‏ هو بسط الوجه وبذل املعروف وكف األذى،‏ ‏..وعن الإمام أمحد:‏ حسن اخللق<br />

أن حتتمل ما يكون من الناس[‏ . 3<br />

ومن أهم ما يدخل يف حسن اخللق،‏ حفظ اللسان ولني القول وحفظ اجلناح والتواضع والرفق ابلناس وقد سبق التنبيه<br />

عليه يف الباب الرابع،‏ ويدخل <strong>في</strong>ه كظم الغيظ واحتمال األذى والعفو والصفح وكل هذا حيتاجه العبد يف خمالطة الناس.‏<br />

وأود أن أنبه هنا على أن حسن اخللق ينفع صاحبه يف الدنيا واآلخرة،‏ ف<strong>في</strong> الدنيا يقيض هللا مع حيسن إليه كما أحسن<br />

إَل الناس فاجلزاء من جنس العمل،‏ وصنائع املعروف تقي من مصارع السوء،‏ ومن يتق هللا جيعل له من أمره يسرا،‏<br />

ويبارك هللا له يف رزقه<br />

وسلم :<br />

ويف عمره كما سبق يف فضب صلة الرحم.‏ وأما يف اآلخرة،‏ فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

‏»ما من شيء يوضع يف ميزان العبد أثقل من حسن اخللق،‏ وإن صاحب حسن اخللق ليبلغ به درجة صاحب<br />

4<br />

الصوم والصالة«‏ .<br />

= 05<br />

ومنها ما ذكره النيب صلى هللا عليه وسلم يف قوله:‏ ‏»مَنْ‏ ن ‏َفمسَ‏ عَنْ‏ مُؤْمِنٍ‏ كُرْبَةً‏ مِنْ‏ كُرَبِ‏ الدُّنْيَا،‏ ن ‏َفمسَ‏ اَّللمُ‏<br />

عَنْهُ‏ كُرْبَةً‏ مِنْ‏ كُرَبِ‏ ي ‏َوْمِ‏ الْقِيَامَةِ،‏ وَمَنْ‏ يَسمرَ‏ عَلَى مُعْسِ‏ رٍ‏ يَسمرَ‏ اَّللمُ‏ عَلَيْهِ‏ يفِ‏ الدُّنْيَا وَاآلخِ‏ رَةِ،‏ وَمَنْ‏ سَرتََ‏ مُسْلِمًا سَرتََهُ‏ اَّللمُ‏ ‏ِيف<br />

الدُّنْيَا وَاآلخِ‏ رَةِ،‏ وَمَنْ‏ سَلَكَ‏ طَرِيقًا ي ‏َلْتَمِسُ‏ فِيهِ‏ عِلْمًا سَهملَ‏ اَّللمُ‏ لَهُ‏ بِهِ‏ طَرِيقًا إَِلَ‏ اجلَْنمةِ،‏ وَمَا ا ‏ْجتَمَعَ‏ قَوْمٌ‏ يفِ‏ ب ‏َيْتٍ‏ مِنْ‏ ب ‏ُيُو ‏ِت<br />

اَّللمِ‏ ي ‏َتْلُونَ‏ كِتَابَ‏ اَّللمِ‏ وَي ‏َتَدَارَسُونَهُ‏ ب ‏َيْنَهُمْ،‏ إِالم<br />

ن ‏َزَلَتْ‏ عَلَيْهِمُ‏ السمكِينَةُ‏ وَغَشِ‏ يَتْهُمُ‏ الرممحَْةُ‏ وَحَفمتْهُمُ‏ الْمَالئِكَةُ‏ وَذَكَرَهُمُ‏ اَّللمُ‏ فِيمَ‏ ‏ْن<br />

عِنْدَهُ،‏ وَمَنْ‏ بَطمأَ‏ بِهِ‏ عَمَلُهُ‏ ملَْ‏ يُسْرِعْ‏ بِهِ‏ نَسَبُهُ«‏ . 5<br />

الْعِلْم،‏ وَلْتَجْلِسُوا حَ‏ مىت<br />

َ<br />

وأنبه على نشر العلم خاصة من ضمن هذه الصفحات،‏ قال عمر بن عبد العزيز ‏)وَلْتُفْشُوا<br />

ي ‏ُعَلممَ‏ مَنْ‏ ال ي ‏َعْلَمُ،‏ فَإِنم الْعِلْمَ‏ ال ي ‏َهْلِكُ‏ حَىتم يَكُونَ‏ سِ‏ راا(‏ . 6 وكأن البخاري أراد رمحه هللا بذكر هذا األثر يف ابب قبض<br />

- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 2 رواه الرتمذي عن معاذ وقال حديث حسن.‏<br />

- 3 جامع العلوم واحلكم<br />

429<br />

161<br />

159<br />

5<br />

- 4 رواه أمحد وأبو داود والرتمذي عن أيب الدرداء.‏<br />

- رواه مسلم عن أيب هريرة.‏<br />

- 6 رواه البخاري يف كتاب ‏)ابب كيف يُقبض العلم؟(.‏


العلم أن ترك تعليم العلم للناس هو سبب موت العلم وتفشي اجلهل.‏ فاحرص على تعليم أخيك املسلم ما ميكنك،‏<br />

عَلِّمه التالوة واألذكار والفقه الالزم وعلمه القراءة والكتابة إن كان أُمِّيا،‏ وعلمه خربتك العسكرية وخربتك يف العمل<br />

الإسالمي فقد ال تنتفع أنت هبذا وقد تُسْتَشْهد،‏ وينتفع هو هبذه اخلربة وتكون لك صدقة جارية بعد موتك وينالك<br />

ثواب عمله،‏ ولقوله صلى هللا عليه<br />

النصيحة(.‏<br />

وسلم :<br />

1<br />

‏»مَن دَلم على خري فله مثل أجر فاعله«‏ . وهذا كله يدخل يف ابب ‏)الدين<br />

ومن اخلصال املذكورة يف احلديث السابق ‏)من سرت مسلما(،‏ فإذا رأيت أخاك على معصية فاسرت عليه وال تفضحه<br />

وانصحه،‏ إال إذا كان يفعل ما يضر غريه فأخرب األمري بذلك.‏ وال تتخل عورة أخيك حديَا للسمر والقِيل والق ال،‏<br />

فإنك جمازى مبَل هلا كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»مَنْ‏ سَرتََ‏ عَوْرَةَ‏ أَخِ‏ يهِ‏ الْمُسْلِمِ‏ سَرتََ‏ اَّللمُ‏ عَوْرَتَهُ‏ ي ‏َوْمَ‏<br />

ي ‏َفْضَحَهُ‏ أَخِ‏ يهِ‏ الْمُسْلِمِ‏ كَشَفَ‏ اَّللمُ‏ عَوْرَتَهُ‏ حَ‏ مىت هبَِا يفِ‏ ب ‏َيْتِِه«‏ . 2<br />

الْقِيَامَةِ،‏ وَمَنْ‏ كَشَفَ‏ عَوْرَةَ‏<br />

وكما ترى فحديث أيب هريرة ‏»من نفس عن مؤمن كربة...«‏ مشتمل على عدة أمثلة لقاعدة اجلزاء من جنس العمل،‏<br />

وهذه القاعدة عامة وهامة ضعها نصب عينيك يف كل أمر ت ‏ُقْدِم عليه من حسنة أو سيئة،‏ فاعلم أنك ستُجَازى<br />

جبنسها يف الدنيا واآلخرة.‏<br />

= 06<br />

<br />

ومنها خدمة اإلخوة:‏ أورد البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه ‏)اب فضل افدمة يف الغزو(‏ عن أنس<br />

قال:‏ ‏»كنا مع النيب صلى هللا عليه وسلم أكثران ظال الذي يستظل بكسائه،‏ وأما الذين صاموا فلم يعلموا شيئا،‏<br />

وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعاجلوا،‏ فقال النيب صلى هللا عليه وسلم : ذهب املفطرون اليوم ابألجر«‏ قال<br />

ابن حجر:‏ ‏]قوله ‏»ابألجر«‏ أي الوافر،‏ وليس املراد نق<br />

ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغاهلم وأشغال الصوام...‏ قال ابن أيب صفرة:‏<br />

أجر الصُّوام بل املراد أن املفطرين حصل هلم أجر عملهم<br />

3<br />

وعلى أن الفطر يف السفر أوَل من الصيام.‏ وأن الصيام يف السفر جائز خالفا ملن قال ال ينعقد[‏ .<br />

و<strong>في</strong>ه ا على املعاونة يف اجلهاد،‏<br />

قال ابن رجب احلنبلي:‏ ‏]قال جماهد:‏ صحبت ابن عمر يف السفر ألخدمه فكان خيدمين،‏ وكان كثري من الصاحلني<br />

يشرتط على أصحابه أن خيدمهم يف السفر،‏ وصحب رجل قوما يف اجلهاد فاشرتط عليهم أن خيدمهم وكان إذا أراد<br />

أحدهم أن يغسل رأسه أو ثوبه قال هذا من شرطي[‏ . 4<br />

- 07<br />

=<br />

08<br />

ومنها معرفة حق الكبري والصغري:‏ وقد سبق هذا يف الباب الرابع يف الوالايت.‏<br />

ومنها مداراة الناس:‏ قال تعاَل:‏<br />

وَ‏ بَيْنَهُ‏ عَدَاوَ‏ ةٌ‏ كَأَنَّهُ‏ وَ‏ لِيٌّ‏ حَمِيمٌ{‏ . 1<br />

{ وَ‏ ال تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ‏ وَ‏ ال السَّي ‏ِئَةُ‏ ادْقَْْ‏ بِالَّتِي هِيَ‏ أَحْسَنُ‏ قَإِذَا الَّذِي بَيْنَ‏ ‏َك<br />

- 1 رواه مسلم عن أيب مسعود البدري.‏<br />

- 2 رواه ابن ماجه عن ابن عباس.‏<br />

431<br />

- 3 فتح الباري 94 / 6<br />

- 4 جامع العلوم واحلكم ص<br />

288


وأورد البخاري يف كتاب األدب من صحيحه ‏)ابب املداراة مع الناس(‏ تعليقا عن أيب الدرداء قال:‏ ‏)إان لنُكْشِ‏ رُ‏ يف<br />

وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم(‏ والكَشْر هو الضحك،‏ وروى البخاري عن عائشة قال:‏ ‏)استأذن على النيب صلى هللا<br />

عليه وسلم رجل،‏ قال:‏ ائذنوا له فبئس ابن العشرية أو بئس أخو العشرية فلم دخل أَالَنَ‏ له الكالم.‏ قلت له اي<br />

رسول هللا:‏ قلت ما قلت ‏ُث أَلَنْتَ‏ له يف القول،‏ فقال:‏ أَيْ‏ عائشة إن شر الناس منزلة عند هللا من تَرَكَه<br />

أو وَدَعَه<br />

2<br />

الناس إتقاء فحشه(‏ ، قال ابن حجر:‏ ‏]والنكتة يف إيراده هنا للتلميح إَل ما وقع يف بعض الطرق بلفظ املداراة،‏ وهو<br />

عند احلارث بن أيب أسامة من حديث صفوان بت عال حنو حديث عائشة و<strong>في</strong>ه ‏»فقال:‏ إنه منافق أداريه عن نفاقه<br />

3<br />

وأخشى أن ي ‏ُفْسِ‏ دَ‏ م عَلَي غريه«[‏ ، وقال ابن حجر أيضا:‏ ‏]املداراة..‏ من املدافعة،‏ واملراد به الدفع برفق إَل قوله فمما<br />

ورد <strong>في</strong>ه صرحيا حديث جلابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:‏ ‏»مداراة الناس صدقة«‏ أخرجه ابن عدي والطرباين يف<br />

األوسط ويف سنده يوسف بن حممد املنكدر ضَعمفوه،‏ وقال ابن عدي:‏ أرجو أنه ال أبس به،‏ وأخرجه ابن أيب عاصم يف<br />

‏“آداب احلكماء”‏<br />

بسند أحسن منه،‏ وحديث أيب هريرة ‏“رأس العقل بعد الإميان ابهلل مداراة الناس”‏ أخرجه البزار<br />

بسند ضعيف إَل أن قال قال ابن بطال:‏ املداراة من أخالق املؤمنني،‏ وهي خفض اجلناح للناس ولني الكلمة وترك<br />

الإغالظ هلم يف القول وذلك من أقوى أسباب األلفة،‏ وظن بعضهم أن املداراة هي املداهنة فغلط،‏ أن املداراة مندو<br />

إليها واملداهنة حمرمة،‏ والفرق أن املداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويسرت ابطنه،‏ وفسرها العلماء<br />

أبهنا معاشرة الفاسق وإظهار الرضا مبا هو <strong>في</strong>ه من غري إنكار عليه،‏ واملداراة هي الرفق ابجلاهل يف التعليم وابلفاسق يف<br />

النهي عن فعله وترك الإغالظ عليه حيث ال يظهر ما هو <strong>في</strong>ه،‏ والإنكار عليه بلطف القول والفعل،‏ والسيما إذا احتيج<br />

4<br />

إَل أتََلُّفِه وحنو ذلك[‏ . وقال ابن حجر يف موضع آخر:‏ ‏]والفرق بني املداراة واملداهنة:‏ أن املداراة<br />

5<br />

لصالح الدنيا أو الدين أو مها معا،‏ وهي مباحة ورمبا استُحِ‏ بت،‏ واملداهنة ترك الدين لصالح الدنيا[‏ .<br />

بذل الدنيا<br />

قلت هبذا تعلم أن املداراة حيتاج إليها املرء كثريا عند خمالطة الناس على اختالف طبائعهم وأخالقهم،‏ وأهنا من أقوى<br />

أسباب األلفة بني الناس،‏ ومن أيسر سبل الإصالح واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر إذ إن املداراة تقرب بني<br />

القلوب فتقبل النصح.‏<br />

- 1 سورة فصلت،‏ اآلية:‏<br />

430<br />

34<br />

- 2 حديث 6131<br />

- 3 فتح الباري 528 / 11<br />

- 4 فتح الباري 589 / 11<br />

- 5 فتح الباري 454 / 11


= 09<br />

ومنه اإلصالح بني الناس،‏ فما من جمتمع إال وحتدث <strong>في</strong>ه املشاحنات بني الناس الختالف طبائعهم ولغري<br />

ذلك من األسباب،‏ حىت الصحابة الذين هم خري هذه األمة كانت حتدث بينهم مشاحنات<br />

1<br />

رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصلح بينهم .<br />

رضي هللا عنهم وكان<br />

قال تعاَل:‏ ‏}قَاتَّقُوا ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ أَصْلِحُوا ذَاتَ‏ بَيْنِكُ‏ ‏ْم{‏ ، 2 وقال : ‏}ال خَيْرَ‏ قِي كَثِيرٍ‏ مِنْ‏ نَجْوَ‏ اهُمْ‏ إِال مَنْ‏ أَمَرَ‏ بِصَدَقَةٍ‏ أَوْ‏<br />

مَعْرُ‏ وفٍ‏ أَوْ‏ إِصْالحٍ‏ بَيْنَ‏ النَّاسِ‏ وَ‏ مَنْ‏ يَفْعَلْ‏ ذَلِكَ‏ ابْتِغَاءَ‏ مَرْ‏ ضَاةِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَسَوْ‏ فَ‏ نُؤْ‏ تِيهِ‏ ً أَجْرا عَظِيم ‏ًا{‏<br />

وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»أَال أُخْربُِكُمْ‏ أبَِفْضَلَ‏ مِنْ‏ دَرَجَةِ‏ الصومِ‏ وَالصمالةِ‏ وَالصمدَقَةِ‏ قَالُوا ب ‏َلَى ايَ‏ رَسُولَ‏ اَّللمِ‏<br />

قَالَ‏ إِصْالحُ‏ ذَاتِ‏ الْبَنيِْ‏ وَفَسَادُ‏ ذَاتِ‏ الْبَنيِْ‏ احلَْالِقَةُ«‏ . 4<br />

. 3<br />

وجيوز الكل يف اإلصالح بني الناس،‏ <strong>في</strong>نقل لكل من الطرفني أن اآلخر يثين عليه أو يريد أن ‏َيتيه أو غري ذلك،‏<br />

واألوَل استخدام املعاريض،‏ قالت أم كلثوم بنت عقبة رضي هللا عنها،‏ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />

‏»لي س<br />

الكذاب الذي يصلح بني الناس <strong>في</strong>نمي خريا أو يقول خريا«‏ . 5 وروى مسلم عنها مرفوعا جواز الكذب يف ثالث منها<br />

يف الإصالح بني الناس وقد سبق.‏<br />

وكما ترى من األدلة السابقة فإن الإصالح بني الناس فضيلة عظيمة،‏ ذلك ألن اخلالفات والعداوات بني الناس من<br />

أعظم ما يهدد وحدة اجلماعة املسلمة،‏ حىت مساها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‏»احلالقة«‏ فقال:‏ ‏»دب إليكم داء<br />

6<br />

األمم قبلكم احلسد والبغضاء هي احلالقة،‏ حالقة الدين ال حالقة الشعر«‏ ، والبغضاء حتلق الدين ألن كثريا من<br />

الوظائف الدينية ال تقوم إال ابجلماعة.‏<br />

= 21<br />

ومنها التكافل،‏ لقوله صلى هللا عليه وسلم:‏ ‏»مَنْ‏ كَانَ‏ مَعَهُ‏ فَضْلُ‏ ظَهْرٍ‏ فَلْيَعُدْ‏ بِهِ‏ عَلَى مَنْ‏ ال ظَهْرَ‏ لَهُ‏ وَمَنْ‏ كَانَ‏<br />

لَهُ‏ فَضْلٌ‏ مِنْ‏ زَادٍ‏ فَلْيَعُدْ‏ بِهِ‏ عَلَى مَنْ‏ ال زَادَ‏ لَهُ‏ قَالَ‏ فَذَكَرَ‏ مِنْ‏ أَصْنَافِ‏ الْمَالِ‏ مَا ذَكَرَ‏ حَىتم رَأَيْنَا أَنمهُ‏ ال حَقم ألَحَدٍ‏ مِنما ‏ِيف<br />

9<br />

7<br />

فَضْلٍ‏ » ، وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»طعام الإثنني كايف الثالثة،‏ وطعام الثالثة كايف األربعة«‏ ، ويف رواية ملسلم عن<br />

جابر مرفوعا ‏»طعام الواحد يك<strong>في</strong> الإثنني وطعام الإثنني يك<strong>في</strong> األربعة،‏ وطعام األربعة يك<strong>في</strong> الثمانية«.‏<br />

- 1 انظر ‏)ابب الإمام ‏َيِت قوما <strong>في</strong>صلح بينهم(.‏ كتاب األحكام بصحيح البخاري ‏)فتح الباري 192( / 13<br />

- 2 سورة األنفال،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

432<br />

1<br />

114<br />

- 4 رواه الرتمذي وصححه عن أيب الدرداء<br />

- 5 متفق عليه.‏<br />

- 6 رواه أمحد والرتمذي عن الزبري بن العوام.‏<br />

- 7 رواه مسلم عن أيب سعيد.‏<br />

- 9 متفق عليه عن أيب هر يرة.‏


وقال صلى هللا عليه وسلم : ‏»إِنم األَشْعَرِيِّنيَ‏ إِذَا أَرْمَلُوا يفِ‏ الْغَزْوِ‏ أَوْ‏ قَلم طَعَامُ‏ عِيَاهلِِمْ‏ ابِلْمَدِينَةِ‏ مجََعُوا مَا كَانَ‏ عِنْدَهُمْ‏ ‏ِيف<br />

ث ‏َوْبٍ‏ وَاحِ‏ دٍ‏ ‏ُثُم اقْتَسَمُوهُ‏ ب ‏َيْنَهُمْ‏ يفِ‏ إِانَءٍ‏ وَاحِ‏ دٍ‏ ابِلسموِيمةِ‏ فَهُمْ‏ مِينِّ‏ وَأَانَ‏ مِنْهُمْ«‏ . 1 أرملوا:‏ أي فَرَغَ‏ زادهم أو قارب الفراغ.‏<br />

وأعلى من هذا درجة الإيثار،‏ وأعلى منه الإيثار مع احلاجة وهو املذكور يف قوله تعاَل:‏ ‏}وَ‏ يُؤْ‏ ثِرُ‏ ونَ‏ عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏ وَ‏ لَ‏ ‏ْو<br />

2<br />

كَانَ‏ بِهِمْ‏ خَصَاصَةٌ{‏ .<br />

قلت:‏ أعلم أن التكافل ركن هام من أركان اجملتمع املسلم واجلماعة املسلمة،‏ فقد سبق أن ذكرت يف ‏)معامل أساسية<br />

يف اجلهاد(‏ أن األمة املسلمة أمة جماهدة،‏ وإذا قام اجلهاد فعليا<br />

فإن اجملتمع املسلم سيتخل ‏َّنطا جديدا،‏ فالتجهيز<br />

للجهاد و<strong>إعداد</strong> اجملاهدين يلزمه نفقة كما ذكرت يف الباب الثاين من هذه الرسالة،‏ وذكرت هناك أن اجلهاد ابملال قُدِّم<br />

على اجلهاد ابلنفس يف مجيع اآلايت إال آية واحدة،‏ وذلك ألن اجلهاد ابلنفس ال يتأتى إال بعد بذل املال،‏ كذلك فإن<br />

اجلهاد خيلف أيتاما وأرامل البد من كفالتهم حىت يستمر اجلهاد،‏ فإن املسلم إذا علم أن أبناءه سيضيعون من بعده فقد<br />

يقعد عن اجلهاد،‏ ومن هنا كان التواب العظيم على كفالة األيتام واألرامل خاصة.‏ كما قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />

وسلم :<br />

‏»أان وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا،‏ وأشار أبصبعيه السبابة والوسطى«‏ ، 3 وروى عن أيب هريرة مرفوعا ‏»الساعي<br />

على األرملة واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل«.‏<br />

إن اجلهاد سيعطي اجلماعة املسلمة ‏َّنطا جديدا،‏ جيب على اجلماعة استيعابه بتجهيز اجملاهدين،‏ وكفالة األيتام<br />

واألرامل،‏ وتشجيع تعدد الزوجات صيانة لزوجات الشهداء،‏ وقد تسبق اجلهاد هجرة جيب استيعاهبا ابلتكافل بني<br />

املسلمني واملؤاخاة بينهم كما آخى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني املهاجرين واألنصار،‏ روى البخاري عن أنس <br />

قال:‏ ‏»حالف النيب صلى هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار يف داري«،‏ وروى عن عبد الرمحن بن عوف قال:‏ ‏»لَما<br />

قَدِمْنا املدينة آخى النيب صلى هللا عليه وسلم بيين وبني سعد بن الربيع«،‏ وكان املهاجر يقاسم األنصاري داره وماله،‏<br />

حىت أغناهم هللا ابل<strong>في</strong>ء والغنائم.‏<br />

الخالصة:‏<br />

املسلم يف قيامه بواجبات هذا الدين ساعيا إَل مرضاة هللا تعاَل مير مبراحل ثالث وهي الفهم ‏ُث الصدق ‏ُث السلوك،‏<br />

وهي مرتتبة على بعضها البعض هبذا الرتتيب،‏ وال ينتفع العبد مبرحلة منها قبل أن يقطع سابقتها.‏<br />

والفهم أييت ابلعلم،‏ فال خري<br />

يف عبادة على جهل أو عمل بال علم،‏ كما قال عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه:‏<br />

‏“من عمل بغري علم كان ما ي ‏ُفْسِ‏ د أكثر مما يُصْلِح”،‏ ولئن أتكد وجوب هذا يف الواجبات الدينية الفردية فهو يف<br />

الواجبات اجلماعية وهي ما نسميها يف هذا الزمان ابلعمل الإسالمي أشد توكيدا.‏ وقد حاولت يف هذه الرسالة بيان<br />

- 1 متفق عليه عَنْ‏ أَيبِ‏ مُوسَى.‏<br />

- 2 سورة احلشر،‏ اآلية:‏<br />

433<br />

8<br />

- 3 رواه البخاري عن سهل بن سعد.‏


بعض ما يتعلق مبرحلة الفهم يف العمل الإسالمي <strong>في</strong>ما ذكرته من أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة وكذلك ما ذكرته<br />

من مسائل يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ متوخيا االختصار حىت ال خنرج عن موضوع الرسالة األصلي.‏<br />

والصدق أييت بعد الفهم،‏ فاجلاهل ال<br />

يتصور منه صدق انفع،‏ أما من علم وفهم ما جيب عليه عمله شرعا،‏ فإن<br />

الصدق هو الذي ينقله من جمرد العلم إَل العمل والتطبيق،‏ فهناك من علم وفهم ‏ُث وقف عند هذه املرحلة،‏ وشر منه<br />

من علم وفهم ‏ُث عمل ‏ِبالف ما جيب عليه،‏ وقد سبق الكالم عن هذا يف كالمي عن الصدق <strong>في</strong>ما يلزم العبد يف حق<br />

هللا تعاَل.‏<br />

وأما السلوك <strong>في</strong>أيت بعد الفهم والصدق،‏ إذ إن السلوك مالزم للعمل،‏ وقلنا:‏ إن العمل ينشأ عن الصدق.‏ وإذا طبقنا<br />

هذا الكالم على أهم قضااي العمل الإسالمي املعاصر أال وهي قضية اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل،‏ فنقول:‏ إذا فهم املسلم<br />

ما جيب عليه من واجب اجلهاد وعزم على القيام هبذا الواجب صادقا،‏ فإن السلوك هو عبارة عن جمموع معامالته أثناء<br />

قيامه هبذا الواجب.‏<br />

والسلوك قسمان:‏ فردي ‏)شخصي(‏ ومجاعي ‏)اجتماعي(.‏<br />

والسلوك الفردي<br />

قسمان:‏ ابطن ‏)هو ما يتعلق ابألخالق الباطنة واألعمال القلبية وختت<br />

وظاهر ‏)وهي الواجبات واآلداب اليت ميارسها الإنسان يف خاصة نفسه سواء كان منفردا أو خمتلطا ابلناس(.‏<br />

ببحثه كتب الرقائق(،‏<br />

أما السلوك اجلماعي ‏)الإجتماعي(‏ فهو يتناول جمموع معامالت املسلم مع غريه من الناس،‏ والذي يعنينا من هذا يف<br />

جمال اجلهاد هو تعامل املسلم مع أمريه ومع إخوانه ومع عدوه،‏<br />

وتكلمنا يف هذه الرسالة عن تعامل املسلم مع أمريه<br />

ومع إخوانه ومل نبحث التعامل مع العدو على التفصيل إذ إن موضوع الرسالة هو التدريب وليس اجلهاد نفسه.‏<br />

وقد ذكرت يف السلوك الواجب على املسلم حنو أمريه وحنو إخوانه مفردات كثرية.‏<br />

منها ماال يقوم اجلهاد إال به:‏ كالسمع والطاعة لألمري وكتمان األسرار والتكافل.‏<br />

ومنها ما البد منه للمحافظة على وحدة اجلماعة اجملاهدة وللمحافظة على سالمة بنيان الصف املقاتل،‏ ويدخل يف<br />

هذا مجيع ما ذكرته <strong>في</strong>ما يلزم العضو يف حق إخوانه من كف األذى وجلب النفع على التفصيل السابق.‏<br />

واألخذ مبجموع هذه السلوكيات يعترب من أسباب النصر،‏ فبالإضافة إَل الفوائد املادية الناجتة عن هذه السلوكيات<br />

‏)كاالنضباط الناتج عن السمع والطاعة،‏ وكوحدة اجلماعة وسالمة بنياهنا(،‏ فإن مكارم األخالق هي يف ذاهتا مظنة<br />

تو<strong>في</strong>ق هللا تعاىل لصاحبها،‏ يُستفاد هذا من قول السيدة خدجية رضي هللا عنها لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حني<br />

فزع ملا جاءه جربيل يف غار حراء أول مرة،‏ <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها قال:‏ ‏)فَدَخَلَ‏ عَلَى خَدِجيَةَ‏<br />

بِنْتِ‏ خُوَيْلِدٍ‏ رَضِي اَّللمُ‏ عَنْهَا فَقَالَ‏ : زَمِّلُوينِ‏ زَمِّلُوينِ‏ ، فَزَملُوهُ‏ حَىتم ذَهَبَ‏ عَنْهُ‏ الرموْعُ،‏ فَقَالَ‏ خلَِدِجيَةَ‏ وَأَخْربََهَا اخلَْربََ:‏ لَقَ‏ ‏ْد<br />

خَشِ‏ يتُ‏ عَلَى ن ‏َفْسِ‏ ي،‏ فَقَالَتْ‏ خَدِجيَةُ:‏ ك ال و ِ اّلل م ا خيُْزِيك اّلل ُ أ ب د ا،‏ إِن ك ل ت صِلُ‏ الر حِ‏ م و حت ‏ْمِلُ‏ الْك ل و ت كْسِ‏ بُ‏<br />

الْم عْدُوم و تد قْرِي الض يْف و تُعِنيُ‏ عل ى ند و ائِبِ‏ ا ْ ‏ِق(‏ وزاد يف رواية ‏)وتصدق احلديث(‏ وقوهلا ‏)ما خيزيك(‏ من اخلزي،‏<br />

فاستدلت السيدة خدجية رضي هللا عنها على قوهلا ‏)وَاَّللمِ‏ مَا خيُْزِيكَ‏ اَّللمُ‏ أَبَدًا(‏ استدلت أبمر استقرائي وصفته أبصول<br />

434


مكارم األخالق ، 1 قلت:‏ وقد كان هذا يف بَدْء البعثة مما يدل على أن هذا كان مقررا أيضا عند أهل اجلاهلية وهو أن<br />

مكارم األخالق مظنة النجاح والتو<strong>في</strong>ق.‏<br />

وما قالته السيدة خدجية للنيب صلى هللا عليه وسلم وَصَفَ‏ به ابنُ‏ الدمغِنَة أاب بكر<br />

<br />

ملا ضاقت عليه مكة فخرج منها<br />

مهاجرا إَل احلبشة،‏ قالت السيدة عائشة رضي هللا عنها ‏)لَقِيَهُ‏ ابْنُ‏ الدمغِنَةِ‏ وَهُوَ‏ سَيِّدُ‏ الْقَارَةِ‏ فَقَالَ‏ : أَيْنَ‏ تُرِيدُ‏ ايَ‏ أََاب<br />

بَكْرٍ؟ فَقَالَ‏ أَبُو بَكْرٍ:‏ أَخْرَجَينِ‏ قَوْمِي فَأُرِيدُ‏ أَنْ‏ أَسِ‏ يحَ‏ يفِ‏ األَرْضِ‏ وَأَعْبُدَ‏ ِ رَيبّ‏ ، قَالَ‏ ابْنُ‏ الدمغِنَ‏ ةِ،‏ فَإِنم مِثْلَكَ‏ ايَ‏ أَابَ‏ بَكْرٍ‏ ال<br />

خيَْرُجُ‏ وَال خيُْرَجُ،‏ إِن ك ت كْسِ‏ بُ‏ الْم عْدُوم و ت صِلُ‏ الر حِ‏ م و حت ‏ْمِلُ‏ الْك ل،‏ و تد قْرِي الض يْف،‏ و تُعِنيُ‏ ع ل ى ند و ائِبِ‏ ا ْ قِ‏<br />

، فَأََان<br />

2<br />

لَكَ‏ جَارٌ‏ ارْجِ‏ عْ‏ وَاعْبُدْ‏ رَبمكَ‏ بِبَلَدِكَ‏ ، فَرَجَعَ(‏ ، قلت فكانت صفات أيب بكر هي نفس ما وُصِفَ‏ به رسول هللا صلى<br />

3<br />

هللا عليه وسلم ومن هنا كان أبو بكر ‏}ثَانِيَ‏ اثْنَيْنِ‏ إِذْ‏ هُمَا قِي الْغَا ‏ِر{‏ ، وكان رضي هللا عنه خري هذه األمة بعد النيب<br />

صلى هللا عليه وسلم .<br />

هبذا ترى أن مكارم األخالق مظنة النجاح والتو<strong>في</strong>ق،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَّقِ‏ ‏َّللاَّ‏ َ يَجْعَلْ‏ لَهُ‏ مِنْ‏ أَمْرِ‏ هِ‏ ً يُسْرا{‏ ، 4 وقال<br />

سبحانه:‏ ‏}قَاصْبِرْ‏ إِنَّ‏ الْعاقِبَةَ‏ لِلْمُتَّقِي ‏َن{‏ ، 5 وهذا كله يدخل حتت قاعدة الطاعات الواردة يف قوله تعاىل ‏}وَ‏ لَوْ‏ أَنَّهُمْ‏<br />

قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ‏ بِهِ‏ لَكَانَ‏ ً خَيْرا لَهُمْ‏ وَ‏ أَشَدَّ‏ تَثْبِيتًا{‏ ، 6 وهذه القاعدة هي فرع من القاعدة العامة للنصر الوارد يف<br />

قوله تعاَل:‏ ‏}إِنْ‏ تَنصُرُ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ يَنصُرْ‏ كُمْ‏ وَ‏ يُثَب ‏ِتْ‏ أَقْدَامَكُ‏ ‏ْم{‏ ، 7 وهبذا ترى أن الطاعات ومكارم األخالق تؤثر أتثريا<br />

مباشرا يف ساحة املعركة بتثبيت األقدام وتسديد الرمي،‏ وتؤثر يف حسم املعركة ابلنصر إبذن هللا تعاَل.‏<br />

وبضدِّها تتمي ز األش ياء،‏ فعل ى النق يض مم ا س بق:‏ ف إن املعاص ي ت ؤثر أيض ا أتث ريا مباش را يف س احة املعرك ة<br />

ويف نتيجتها كما ورد يف قوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ تَوَ‏ لَّوْ‏ ا مِنْكُمْ‏ يَوْ‏ مَ‏ الْتَقَى الْجَمْعَانِ‏ إِنَّمَوا اسْوتَزَ‏ لَّهُمْ‏ الشَّويَِْانُ‏ بِوبَعْ‏ ‏ِض<br />

مَا كَسَبُوا{‏ . 9<br />

هله القواعد العامة،‏ قواعد النصر وافلالن ينبغي أن تكون حاضرة يف األذهان،‏ ولقد اشتمل القرآن املكي على<br />

هذه القواعد يف قص<br />

األنبياء مع أقوامهم لتكون هذه القواعد حاضرة يف أذهان املسلمني حينما يشرع هلم اجلهاد<br />

ابملدينة،‏ ليعلموا كيف ينصر هللا أولياءه ومباذا ينصرهم؟ وليعلموا كيف خيذل هللا أعداءه ومباذا خذهلم؟<br />

435<br />

- 1 فتح الباري 24 / 1<br />

- 2 احلديث 3815<br />

- 3 سورة التوبة،‏ اآلية:‏<br />

- 4 سورة الطالق،‏ اآلية:‏<br />

- 5 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

- 6 سورة النساء،‏ اآلية:‏<br />

- 7 سورة حممد،‏ اآلية:‏<br />

41<br />

4<br />

66<br />

48<br />

7<br />

- 9 سورة آل عمران،‏ اآلية:‏‎155‎


قال تعاَل عقب قصة نوح مع قومه ‏}تِلْكَ‏ مِنْ‏ أَنْبَاءِ‏ الْغَيْبِ‏ نُوحِ‏ يهَا إِلَيْكَ‏ مَا كُنتَ‏ تَعْلَمُهَا أَنْتَ‏ وَ‏ الَ‏ قَوْ‏ مُكَ‏ مِنْ‏ قَبْ‏ ‏ِل<br />

هَذَا قَاصْبِرْ‏ إِنَّ‏ الْعاقِبَةَ‏ لِلْمُتَّقِينَ{‏ . 1<br />

وقال<br />

تعاَل:‏ { وَ‏ لَقَدْ‏ أَرْ‏ سَلْنَا مِنْ‏ قَبْلِكَ‏ رُ‏ سُال إِلَى قَوْ‏ مِهِمْ‏ قَجَاءُوهُمْ‏ بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ قَانتَقَمْنَا مِنْ‏ الَّذِينَ‏ أَجْرَ‏ ‏ُموا وَ‏ كَانَ‏ حَقًّا<br />

عَلَيْنَا نَصْرُ‏ الْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ . 2<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ كُال نَقُصُّ‏ عَلَيْكَ‏ مِنْ‏ أَنْبَاءِ‏ الرُّ‏ سُلِ‏ مَا نُثَ‏<br />

ب ‏ِتُ‏ بِهِ‏ قُؤَادَكَ‏ وَ‏ جَاءَكَ‏ قِي هَذِهِ‏ الْحَقُّ‏ وَ‏ مَوْ‏ عِظَةٌ‏ وَ‏ ذِكْرَ‏ ى<br />

لِلْمُؤْ‏ مِنِينَ{‏ . 3<br />

وهذا يف حق املؤمنني وأعدائهم الكافرين،‏ أما يف حق الفاسقني القاعدين عن اجلهاد الواجب فقد ضرب هللا ملا مثال<br />

بقوله:‏ ‏}قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ‏ نَدْخُلَهَا أَبَد ‏ًا مَا دَامُوا قِيهَا قَاذْهَبْ‏ أَنْتَ‏ وَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ قَقَاتِالَ‏ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏ قَالَ‏ رَ‏ ‏ِب إِن ‏ِي<br />

ال أَمْلِكُ‏ إِالَّ‏ نَفْسِي وَ‏ أَخِ‏ ي قَاقْرُ‏ قْ‏ بَيْنَنَا وَ‏ بَيْنَ‏ الْقَوْ‏ مِ‏ الْفَاسِقِينَ‏ قَالَ‏ قَإِنَّهَا مُحَرَّ‏ مَةٌ‏ عَلَيْهِمْ‏ أَرْ‏ بَعِينَ‏ سَنَةً‏ يَتِيهُونَ‏ قِي<br />

األَرْ‏ ضِ‏ قَالَ‏ تَأْسَ‏ عَلَى الْقَوْ‏ مِ‏ الْفَاسِقِينَ‏ } 4 ، ومن هذه اآلية تعلم أن التيه عقوبة قدرية للقاعدين عن اجلهاد الواجب،‏<br />

وأظن أن هذه هي احلالة اليت حيياها كثري من املسلمني يف هذا الزمان.‏<br />

ويف هناية هذا الباب اخلامس،‏ ال يفوتين أن ألفت نظر األخ القارئ إَل ما ذكرته يف مسألة كي<strong>في</strong>ة اكتساب األخالق<br />

احلميدة يف الباب الرابع،‏ فما ذكرته هنا مما جيب على املسلم يف حق إخوانه من كف األذى وجلب النفع هي<br />

سلوكيات يكتسبها من يفتقر إليها مبجاهدة نفسه وبنصح إخوانه له،‏ وابلصدق والعزم تصري هذه السلوكيات راسخة<br />

يف النفس،‏ ويصري املؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا.‏<br />

ومما يؤسف له أن اخللل يف السلوك وعدم حتلي بعض املسلمني ابلقَدْر الواجب من حماسن األخالق كل هذا يؤخر<br />

قيام املسلمني مبا جيب عليهم من الواجبات الدينية اجلماعية كاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد وحنو ذلك.‏<br />

فأكرر النصح لنفسي ولسائر املسلمني مبجاهدة النفس يف سبيل هللا تعاَل،‏ وأوصي اجملاهدين ابلسمع والطاعة والنظام<br />

والإنضباط والصرب على إخواهنم وكل هذا يَسْهُل على النفس إبنكار الذات لوجه هللا تعاَل من أجل حتقيق املصاحل<br />

الشرعية.‏<br />

26 25<br />

- 1 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

- 2 سورة الروم،‏ اآلية:‏<br />

- 3 سورة هود،‏ اآلية:‏<br />

48<br />

47<br />

121<br />

- 4 سورة املائدة،‏ اآلايت،‏<br />

24<br />

436


خاتمة الرسالة.‏<br />

قال هللا تعاَل:‏ ‏}لَقَدْ‏ أَ‏ ‏ْرسَلْنَا رُ‏ سُلَنَا بِالْبَي ‏ِنَاتِ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا مَعَهُمْ‏ الْكِتَابَ‏ وَ‏ الْمِيزَ‏ انَ‏ لِيَقُومَ‏ النَّاسُ‏ بِالْقِسِِْ‏ وَ‏ أَنْزَ‏ لْنَا الْحَدِيدَ‏ قِي ‏ِه<br />

بَأْسٌ‏ شَدِيدٌ‏ وَ‏ مَنَاقُِْ‏ لِلنَّاسِ‏ وَ‏ لِيَعْلَمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَنْ‏ يَنْصُرُ‏ هُ‏ وَ‏ رُ‏ سُلَهُ‏ بِالْغَيْبِ‏ إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ قَوِيٌّ‏ عَزِ‏ ي ‏ٌز{‏<br />

. 1<br />

تبني هذه اآلية الكرمية أن ا ق ال يقوم إال ابلقوة،‏ وسبق يف هذه الرسالة كالم شيخ الإسالم ابن تيمية يف هذه اآلية<br />

حيث قال:‏ ‏]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان واحلديد،‏ كتاب يهدي به وحديد ينصره[‏<br />

هللا عليه وسلم<br />

6<br />

2<br />

. ولذلك كان النيب صلى<br />

يطلب النصرة لدين هللا،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ قُلْ‏ رَ‏ ب ِ أَدْخِ‏ لْنِي مُدْخَلَ‏ صِ‏ دْقٍ‏ وَ‏ أَخْرِ‏ جْنِي مُخْرَ‏ جَ‏ صِ‏ دْ‏ ‏ٍق<br />

وَ‏ اجْعَلْ‏ لِي مِنْ‏ لَدُنْكَ‏ سُلَِْان ‏ًا نَصِ‏ ير ً ا{‏<br />

3<br />

. واجلهاد هو الذي حيمي هذا الدين وأهله،‏ فإذا تركوا اجلهاد سلط هللا عليهم<br />

الذل كما يف حديث العِينَة.‏ وطريق اجلهاد يبدأ بتكوين اجلماعة املسلمة،‏ هذه هي سنة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />

و سريته،‏ وذكرها صراحة يف حديث احلارث األشعري قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»وأان آمركم ‏ِبمس هللا أمرين هبن:‏<br />

اجلماعة والسمع والطاعة واهلجرة واجلهاد«‏ . 4<br />

فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين اجلماعة،‏<br />

واجلهاد نفسه حيمي هله<br />

5<br />

اجلماعة ودينهاكما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَفَسَدَتْ‏ األَرْ‏ ‏ُض{‏ ‏،وقال تعاَل:}وَ‏ لَوْ‏ ال دَقُْْ‏<br />

‏َّللاَّ‏ ِ النَّاسَ‏ بَعْضَهُمْ‏ بِبَعْضٍ‏ لَهُدِمَتْ‏ صَوَ‏ امُِْ‏ وَ‏ بِيٌَْ‏ وَ‏ صَلَوَ‏ اتٌ‏ وَ‏ مَسَاجِ‏ دُ‏ يُذْكَرُ‏ قِيهَا اسْمُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ ً كَثِيرا وَ‏ لَيَنصُرَ‏ نَّ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ مَ‏ ‏ْن<br />

يَنصُرُ‏ هُ{‏ ، فباجلهاد يدفع الفساد عن هذا الدين وعن أهله.‏<br />

وقد اشتملت هذه الرسالة على ما يدل على مشروعية بل الوجوب اجلماعة والإمارة يف الباب الثالث،‏ وعلى مشروعية<br />

بل وجوب السمع والطاعة يف الباب اخلامس،‏ وعلى مشروعية العهود والبيعات بني املسلمني أفرادا ومجاعات على<br />

الطاعات وعلى رأسها اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل وذلك يف الباب الرابع.‏<br />

كما اشتملت هذه الرسالة على أصول االعتصام ابلكتاب والسنة وهو منهج أهل السنة واجلماعة الذي جيب على<br />

املسلمني أفرادا ومجاعات هنجه.‏ كذلك فقد اشتملت على ما مسيته<br />

‏»معامل أساسية يف اجلهاد«‏<br />

القدرية والوعد الإهلي بنصر املؤمنني كل هذا يف الفصل اخلاص ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين ابلباب الرابع.‏<br />

شروط حتقق السنة<br />

437<br />

- 1 احلديد،‏ اآلية:‏ 25<br />

- 2 ( جمموع الفتاوي ) 26 /35<br />

- 3 االسراء،‏ اآلية:‏ 91<br />

- 4 رواه أمحد والرتمذي وصححه،‏ وصححه األلباين<br />

- 5 البقرة،‏ اآلية:‏ 251<br />

- 6 احلج،‏ اآلية:‏ 41


إن اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل هو طريق العزة والسيادة يف الدنيا وهو طريق السعادة يف اآلخرة ومها احلسنيان يف قوله<br />

تعاَل:‏ ‏}قُلْ‏ هَلْ‏ تَربَّصُونَ‏ بِنَا إِال إِحْدَى الْحُسْنَيَيْ‏ ‏ِن{‏ ، 1 وهللا تعاَل يريد إظهار دينه احلق على ما عداه كما قال تعاَل:‏<br />

‏}هُوَ‏ الَّذِي أَرْ‏ سَلَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ بِالْهُدَى وَ‏ دِينِ‏ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ‏ هُ‏ عَلَى الدِينِ‏ كُلِهِ‏ وَ‏ لَوْ‏ كَرِ‏ هَ‏ الْمُشْرِ‏ كُو ‏َن{‏ ، 2 واجلهاد هو وسيلة<br />

إظهار الدين كما قال تعاَل ‏}وَ‏ قَاتِلُوهُمْ‏ حَتَّى ال تَكُونَ‏ قِتْنَةٌ‏ وَ‏ يَكُونَ‏ الدِينُ‏ كُلُّهُ‏ ‏ّلِلِ‏ َّ ِ{<br />

. 3<br />

إن اجلهاد هو ذروة سنام الإسالم،‏ وهو من أعلى مراتب العبودية هلل عز وجل ف<strong>في</strong>ه بذل النفس يف حمبة الرب سبحانه<br />

ويف طاعته ومرضاه،‏ فأي شيء فوق هذا؟ وأي عبودية للرب بعد هذا ؟،‏ وهو دفاع عن ألوهية هللا تعاىل املعتدى<br />

عليها يف األرني،‏ حىت يكون ال إله إال هللا وحىت ال تكون هناك آهلة أخرى تعبد يف األرض من دون هللا،‏ قال تعاَل<br />

4<br />

‏}وَ‏ هُوَ‏ الَّذِي قِي السَّمَاءِ‏ إِلَهٌ‏ وَ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ إِلَهٌ{‏ ، أي املعبود <strong>في</strong>هما سبحانه،‏ فمن اعتدى على ألوهية قاتلناه نصرة<br />

5<br />

لربنا،‏ كما قال سبحانه:‏ ‏}إِنْ‏ تَنصُرُ‏ وا ‏َّللاَّ‏ َ يَنصُرْ‏ كُ‏ ‏ْم{‏ ، حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل.‏<br />

إن جهاد احلكام املرتدين احلاكمني بغري شريعة الإسالم هو جهاد متعني على أكثر املسلمني يف هذا الزمان،‏ وهو<br />

مقدم على غريه من جهاد الكفار<br />

األصليني كاليهود والنصارى و الوثنيني،‏ كما سبق يف مبحث معامل أساسية يف<br />

اجلهاد،‏ إذ يزيد هؤالء احلكام بص<strong>في</strong>ت القُرْب والرِّدمة وكالمها يستوجب البَدْء هبما،‏ كما أن يف جهادهم حفظ رأس مال<br />

الإسالم.‏ ولقد انفرد أبو بكر<br />

<br />

دون اخللفاء من بعده هبذه املزية وهذه املنقبة العظيمة أال وهي قتال املرتدين حفظا<br />

لرأس مال الإسالم،‏ كما قال أبو هريرة ، ‏)والذي ال إله إال هو لوال أن أاب بكر استخلف ما عبد هللا(‏ رواه البيهقي<br />

وروى ابن عساكر عن أيب حصني قال ‏)ما وُلِدَ‏ آلدم يف ذريته بعد النبيني واملرسلني أفضل من أيب بكر،‏ ولقد قام أبو<br />

بكر يوم الردة مقام نيب من األنبياء(،‏ ومن هنا كان<br />

<br />

أعلم الصحابة،‏ كما قال السيوطي:‏ ‏]قال النووي يف هتذيبه:‏<br />

استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي هللا عنه يف احلديث الثابت يف الصحيحني ‏)وهللا ألقاتلن من فرق بني<br />

الصالة<br />

والزكاة،‏ وهللا لو منعوين عقاال كانوا يؤدونه إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقاتلتهم على منعه(،‏ واستدل<br />

الشيخ أبو إسحاق هبذا وغريه يف طبقاته على أن أاب بكر الصديق أعلم الصحابة ألهنم كلهم وقفوا عن فَهْم احلكم<br />

يف املسألة إال هو،‏ ‏ُث ظهر هلم مبباحثته هلم أن قوله هو الصواب،‏ فرجعوا إليه[‏<br />

6<br />

. حىت إن ابن تيمية رمحه هللا قال إنه<br />

لو كان أبو بكر والصحابة أحياء يف زمنه لكان خري أعماهلم قتال املرتدين يف زمنه،‏ فقال:‏ ‏]حىت وهللا لو كان<br />

السابقون األولون من املهاجرين كأيب بكر وعمر وعثمان وعلي وغريهم حاضرين يف هذا الزمان<br />

لكان من أفضل<br />

438<br />

- 1 التوبة:‏ اآلية:‏ 52<br />

- 2 التوبة،‏ اآلية:‏ 33<br />

- 3 األنفال،‏ اآلية:‏ 38<br />

- 4 الزخرف،‏ اآلية:‏ 94<br />

- 5 حممد،‏ اآلية:‏ 7<br />

- 6 هذه اآلَثر منقولة من اتريخ اخللفاء للسيوطي ‏)ص‎73‎ و 61 و 41 على الرتتيب(‏


أعماهلم جهاد هؤالء القوم اجملرمني[‏ . 1 قلت:‏ وهو كذلك يف زماننا،‏ فلو كانوا رضي هللا عنهم حاضرين اآلن لكان من<br />

أفضل أعماهلم جهاد احلكام املرتدين حفظا لرأس مال املسلمني.‏<br />

إن القعود عن اجلهاد املتعني يف هذا الزمان على مجهور املسلمني هلو عالمة خذالن من هللا تعاَل هلؤالء القاعدين،‏<br />

كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَكِنْ‏ كَرِ‏ هَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ انْبِعَاثَهُمْ‏ قَثَبََِّهُمْ‏ وَ‏ قِيلَ‏ اقْعُدُوا مََْ‏ الْقَاعِدِي ‏َن لَوْ‏ خَرَ‏ جُوا قِيكُمْ‏ مَا زَ‏ ادُوكُمْ‏ إِالَّ‏ خَبَاال{‏<br />

3<br />

2<br />

، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ لَوْ‏ عَلِمَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ قِيهِمْ‏ ً خَيْرا ألَسْمَعَهُمْ‏ وَ‏ لَوْ‏ أَسْمَعَهُمْ‏ لَتَوَ‏ لَّوا وَ‏ هُمْ‏ مُعْرِ‏ ضُو ‏َن{‏ . إن القعود عن اجلهاد<br />

إُث وكبرية<br />

يف حق العامي واجلاهل،‏ وهو أشد قبحا يف حق العامل وطالب العلم،‏ فكيف وقد مجع كثري من هؤالء بني<br />

القعود وبني كتمان احلق؟ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ يَكْتُمُونَ‏ مَا أَنزَ‏ ‏َل ‏َّللاَّ‏ ُ مِنْ‏ الْكِتَابِ‏ وَ‏ يَشْتَرُ‏ ونَ‏ بِهِ‏ ثَمَنًا قَلِيال أُوْ‏ لَئِكَ‏ مَا<br />

يَأْكُلُونَ‏ قِي بُُِونِهِمْ‏ إِالَّ‏ النَّارَ‏ وَ‏ ال يُكَلِمُهُمْ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ يَوْ‏ مَ‏ الْقِيَامَةِ‏ وَ‏ ال يُزَ‏ كِيهِمْ‏ وَ‏ لَهُمْ‏ عَذَابٌ‏ أَلِي ‏ٌم أُوْ‏ لَئِكَ‏ الَّذِينَ‏ اشْتَرَ‏ وْ‏ ا الضَّاللَةَ‏<br />

بِالْهُدَى وَ‏ الْعَذَابَ‏ بِالْمَغْفِرَ‏ ةِ‏ قَمَا أَصْبَرَ‏ هُمْ‏ عَلَى النَّا ‏ِر{‏<br />

. 4<br />

.<br />

8<br />

وهللا سبحانه وتعاَل خيتار لنصرة دينه من يشاء من خلقه،‏ فلما كَفَرَ‏ أهل مكة ابلنيب صلى هللا عليه وسلم اختار هللا<br />

تعاَل له أهل يثرب ليكونوا أنصاره،‏ قال تعاَل:‏ ‏}قَإِنْ‏ يَكْفُرْ‏ بِهَا ‏َهؤُالءِ‏ قَقَدْ‏ وَ‏ كَّلْنَا بِهَا قَوْ‏ م ‏ًا لَيْسُوا بِهَا بِكَاقِرِ‏ ي ‏َن{‏ ، 5<br />

وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ رَ‏ بُّكَ‏ يَخْلُقُ‏ مَا يَشَاءُ‏ وَ‏ يَخْتَا ‏ُر{‏ ، 6 وقال عبد هللا بن مسعود : ‏)إن هللا نظر إَل قلوب العباد فوجد<br />

قلب حممد خري قلوب العباد،‏ فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ‏ُث نظر يف قلوب العباد بعد قلب حممد صلى هللا عليه<br />

وسلم،‏ فوجد قلوب أصحابه خري قلوب العباد،‏ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه(‏<br />

. 7 وكذلك احلال اليوم من<br />

أعرض عن اجلهاد ونصرة هللا تعاَل فسوف ‏َيِت هللا تعاَل بغريه ممن يستحق هذه الفضيلة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِالَّ‏ تَنفِرُ‏ وا<br />

يُعَذِ‏ بْكُمْ‏ عَذَابًا أَلِيم ‏ًا وَ‏ يَسْتَبْدِلْ‏ قَوْ‏ م ‏ًا غَيْرَ‏ كُمْ‏ وَ‏ ال تَضُرُّ‏ وهُ‏ شَيْئًا وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ‏ قَدِي ‏ٌر إِالَّ‏ تَنصُرُ‏ وهُ‏ قَقَدْ‏ نَصَرَ‏ هُ‏<br />

‏َّللاَّ‏ ُ{ 9 ، وقال تعاَل عن املعرضني عن الإنفاق يف سبيل هللا ‏}هَاأَنْتُمْ‏ هَؤُالءِ‏ تُدْعَوْ‏ نَ‏ لِتُنفِقُوا قِي سَبِيلِ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ قَمِنْكُمْ‏ مَ‏ ‏ْن<br />

يَبْخَلُ‏ وَ‏ مَ‏ ‏ْن يَبْخَلْ‏ قَإِنَّمَا يَبْخَلُ‏ عَنْ‏ نَفْسِهِ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ الْغَنِيُّ‏ وَ‏ أَنْتُمْ‏ الْفُقَرَ‏ اءُ‏ وَ‏ إِنْ‏ تَتَوَ‏ لَّوْ‏ ا يَسْتَبْدِلْ‏ قَ‏ ‏ْوم ‏ًا غَيْرَ‏ كُمْ‏ ثُمَّ‏ ال يَكُونُوا<br />

أَمْثَالَكُمْ{‏<br />

ولقد اختص هللا تعاىل من جياهد املرتدين بصفات مل خيتص هبا غريهم،‏ فقال تعاَل:‏ ‏}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ‏ آمَنُوا مَنْ‏ يَرْ‏ تَدَّ‏<br />

مِنْكُمْ‏ عَنْ‏ دِينِهِ‏ قَسَوْ‏ فَ‏ يَأْتِي ‏َّللاَّ‏ ُ بِقَوْ‏ مٍ‏ يُحِ‏ بُّهُمْ‏ وَ‏ يُحِ‏ بُّونَهُ‏ أَذِلَّةٍ‏ عَلَى الْمُؤْ‏ مِنِينَ‏ أَعِزَّ‏ ةٍ‏ عَلَى الْكَاقِرِ‏ ينَ‏ يُجَاهِدُونَ‏ قِي سَبِي ‏ِل<br />

439<br />

- 1 جمموع الفتاوى 421 / 29<br />

175<br />

47<br />

- 2 التوبة،‏ اآلية:‏ 46<br />

- 3 األنفال،‏ اآلية:‏ 23<br />

- 4 البقرة،‏ اآليتان:‏ 174<br />

- 5 األنعام،‏ اآلية:‏ 98<br />

- 6 القص ، اآلية:‏ 69<br />

41<br />

- 7 قال األلباين:‏ حسن موقوفا أخرجه الطيالسي وأمحد وغريمها بسند حسن شرح العقيدة الطحاوية ‎1414‎ه ص 471<br />

- 9 التوبة،‏ اآلية:‏ 38<br />

- 8 حممد،‏ اآلية:‏‎39‎


‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ ال يَخَاقُونَ‏ لَوْ‏ مَةَ‏ الئِمٍ‏ ذَلِكَ‏ قَضْلُ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ يُؤْ‏ تِيهِ‏ مَنْ‏ يَشَاءُ‏ وَ‏ ‏َّللاَّ‏ ُ وَ‏ اسٌِْ‏ عَلِي ‏ٌم{‏ ، 1 وكان أبو بكر الصديق والصحابة<br />

رضي هللا عنهم هم أول من استحق هذه الصفات بقتاهلم املرتدين.‏<br />

قال تعاَل:‏ ‏}الم<br />

غُلِبَتْ‏ الرُّ‏ و ‏ُم<br />

قِي أَدْنَى األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ هُمْ‏ مِنْ‏ بَعْدِ‏ غَلَبِهِمْ‏ سَيَغْلِبُو ‏َن<br />

قِي بِضِْْ‏ سِنِي ‏َن{‏ ، 2 نزلت هذه<br />

اآلايت مبكة يف أوائل الإسالم،‏ واملسلمون قليلون ضعفاء،‏ وكأن هللا تعاَل هبذه اآلايت ‏َيخذ أببصار املسلمني،‏ رغم<br />

قلتهم وضعفهم،‏ من اجملال احمللي والإقليمي الضيق إَل اجملال العاملي الدويل،‏ لينتبه املسلمون إَل القُوَى العاملية املعاصرة<br />

هلم:‏ موازين قوهتا وصراعاهتا وحتالفاهتا،‏ وذلك ألن هذا الدين دين عاملي ليس حمليا وال إقليميا والبد له من جولة مع<br />

هذه القوى العاملية وهي يف نفس الوقت ترتب<br />

به.‏ قلت:‏ وهذا هو حالنا اليوم ينبغي أن تكون نظرة املسلمني إَل<br />

الواقع وإَل األحداث نظرة عاملية ليست حملية حمددة،‏ وأول ما يدركه املسلم هبذه النظرة هو أن هذا العامل املعاصر<br />

كما كان دائما هو عامل األقوايء الذين يفرضون كل شيء على الضعفاء.‏ ومن هنا أمران هللا تعاىل ابلقوة،‏ قال تعاَل:‏<br />

‏}وَ‏ أَعِدُّوا لَهُمْ‏ مَا اسْتََِعْتُمْ‏ مِنْ‏ قُوَّ‏ ةٍ{‏ ، 3 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ‏»املؤمن القوي خري وأحب إَل هللا من<br />

املؤمن الضعيف«‏ . 4 ومن هنا أيضا ينبغي أن تكون نظرتنا إَل التعامل مع الواقع املرير للمسلمني نظرة موضوعية قائمة<br />

على ا ساابت الدقيقة وعلى التخطيط السليم من أهل افربة،‏ خلية من االنفعال والتهور،‏ ومن هنا ذكرت يف<br />

مسألة ‏)االستشهاد ليس مقصودا لذاته بل لإظهار الدين(‏ ذكرت آفة التهور،‏ و<strong>في</strong>ها تفصيل بشأن املشاركة اجلهادية.‏<br />

والقوة اإلسالمية هي رجال ومال وسالح،‏ والبَدْء يكون ابلرجال بتجميعهم وحتريضهم على اجلهاد والقتال،‏ قال<br />

5<br />

تعاَل:‏ ‏}وَ‏ حَرِ‏ ضْ‏ الْمُؤْ‏ مِنِي ‏َن{‏ ، والرجال هم الذين ‏َيتون ابملال والسالح،‏ كما ذكرت يف أكثر من موضع يف هذه<br />

الرسالة أن شوكة الإسالم تتكون ابملواالة الإميانية،‏ قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنُونَ‏ وَ‏ الْمُؤْ‏ مِنَاتُ‏ بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْ‏ ‏ٍض<br />

يَأْمُرُ‏ ونَ‏<br />

6<br />

بِالْمَعْرُ‏ وفِ‏ وَ‏ يَنْهَوْ‏ نَ‏ عَنْ‏ الْمُنكَ‏ ‏ِر{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَنْ‏ يَتَوَ‏ لَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ وَ‏ رَ‏ سُولَهُ‏ وَ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا قَإِنَّ‏ حِ‏ زْ‏ بَ‏ ‏َّللاَّ‏ ِ هُمْ‏<br />

9<br />

7<br />

الْغَالِبُونَ{‏ ، وقال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُ‏ وا بَعْضُهُمْ‏ أَوْ‏ لِيَاءُ‏ بَعْضٍ‏ إِالَّ‏ تَفْعَلُوهُ‏ تَكُنْ‏ قِتْنَةٌ‏ قِي األَرْ‏ ضِ‏ وَ‏ قَسَادٌ‏ كَبِي ‏ٌر{‏ .<br />

قلت:‏ وكل ما يؤدي إَل إضعاف شوكة الإسالم هو منكر جيب النهي عنه ومنعه كما سبق القول.‏<br />

إن اجلهاد يلزمه رجال ومال وسالح،‏ ورجال اجلهاد هم الشبا وضعفاء ا يلة الذين عليهم يتنزل نصر هللا تعاَل<br />

فالشباب هم جند الإسالم وقوته،‏ ملا جاء الوحيُ‏ النيبَ‏ صلى هللا عليه وسلم أخذته السيدة خدجية رضي هللا عنها إَل<br />

441<br />

4<br />

- 1 املائدة،‏ اآلية:‏ 54<br />

- 2 الروم،‏ اآلايت:‏ 1<br />

- 3 األنفال:‏ اآلية:‏ .61<br />

- 4 رواه مسلم.‏<br />

- 5 النساء،‏ اآلية:‏‎94‎<br />

- 6 التوبة،‏ اآلية:‏ 71<br />

- 7 املائدة،‏ اآلية:‏ 56<br />

- 9 األنفال،‏ اآلية:‏ 73


ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخا كبريا فقال ورقة:‏ ‏)هَذَا النمامُوسُ‏ المذِي ن ‏َزملَ‏ اَّللمُ‏ عَلَى مُوسَى ايَ‏ لَيْتَينِ‏ فِيهَا جَذَعًا<br />

لَيْتَينِ‏ أَكُونُ‏ حَياا إِذْ‏ خيُْرِجُكَ‏ قَوْمُكَ‏ فَقَالَ‏ رَسُولُ‏ اَّللمِ‏ صلى هللا عليه وسلم م أَوَخمُْرِجِ‏ ي هُمْ‏ قَالَ‏ ن ‏َعَمْ‏ ملَْ‏ ‏َيَْتِ‏ رَجُلٌ‏ قَطُّ‏ مبِِثِْل<br />

مَا جِ‏ ئْتَ‏ بِهِ‏ إِالم عُودِيَ‏ وَإِنْ‏ يُدْرِكْينِ‏ ي ‏َوْمُكَ‏ أَنْصُرْكَ‏ نَصْرًا مُؤَزمرًا(‏ ، قال ابن حجر:‏ ‏]كأنه متىن أن يكون عند ظهور<br />

الدعاء إَل الإسالم شااب ليكون أَمْكَن لِنَصْرِه[‏<br />

هبا.‏<br />

1<br />

2<br />

. كذلك فإن جند هذا الدين هم الضعفاء املتقللون من متاع هذه<br />

الدنيا،‏ املتقللون من األموال واملناصب والوجاهة،‏ ‏)قَالَ‏ هِرَقْلُ‏ ألَيبِ‏ سُفْيَان:‏ أَشْرَافُ‏ النماسِ‏ ات مبَعُوهُ‏ أَمْ‏ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ‏ أَبُو<br />

3<br />

سُفْيَانَ:‏ بَلْ‏ ضُعَفَاؤُهُمْ...‏ قَالَ‏ هِرَقْلُ:‏ وَهُمْ‏ أَتْبَاعُ‏ الرُّسُلِ‏ ) . وقال هللا تعاَل:‏ ‏}وَ‏ اصْبِرْ‏ نَفْسَكَ‏ مََْ‏ الَّذِينَ‏ يَدْعُونَ‏ رَ‏ بَّهُمْ‏<br />

4<br />

بِالْغَدَاةِ‏ وَ‏ الْعَشِي ِ يُرِ‏ يدُونَ‏ وَ‏ جْهَهُ‏ وَ‏ الَ‏ تَعْدُ‏ عَيْنَاكَ‏ عَنْهُمْ‏ تُرِ‏ يدُ‏ زِ‏ ينَةَ‏ الْحَيَاةِ‏ الدُّنْيَا{‏ . هؤالء هم جند الإسالم ورجاله<br />

ومحاته،‏ املتقللون من الدنيا،‏ والشُّعْث الغُربْ‏ ، ليسوا أهل املناصب والنعيم الذين ذهبوا مع أهل الإتراف يف إترافهم وغرهتم<br />

احلياة الدنيا.‏ هلؤالء الشباب الصابرين املرابطني احملتسبني كتبت هذه الرسالة عسى هللا تعاَل أن يتقبلها مين وأن ينفعهم<br />

5<br />

إن املوت آت ال حمالة،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّكَ‏ مَي ‏ِتٌ‏ وَ‏ إِنَّهُمْ‏ مَي ‏ِتُو ‏َن{‏ ، وإن اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل ال ي ‏ُقَدِّم أجال وال<br />

مينع رزقا،‏ ولقد قال رسول هللا<br />

تستكمل<br />

6<br />

رزقها وأجلها«‏ .<br />

صلى هللا عليه وسلم:‏<br />

‏»إن روح القدس ن ‏َفَثَ‏ يف رَوْعِي أن نفسا لن متوت حىت<br />

وكما قلت يف ‏)معامل أساسية يف اجلهاد(‏ فإن اجلهاد ال ينبغي أن يقتصر على اخلاصة وعلى مجاعات الصفوة بل ينبغي<br />

أن يكون اجلهاد هو قضية عامة،‏ قضية كل املسلمني،‏ إن الفاسق والعاصي خماطبان ابجلهاد متاما كالصاحل،‏ وإن<br />

العدالة ليست من شروط وجوب اجلهاد والفسق ال يُسْقِط املخاطَبة ابجلهاد،‏ فَصملت كل هذا يف امللحق الرابع مبسألة<br />

ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد.‏<br />

وال يعين هذا ترك العاصي على عصيانه بل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجبان،‏ ولقد ذكرت يف مسألة ال<strong>إعداد</strong><br />

الإمياين أن الواقع املرير للمسلمني ترجع أسبابه يف املقام األول إَل املسلمني أنفسهم،‏ كما قال تعاَل:‏ ‏}وَ‏ مَا أَصَابَكُ‏ ‏ْم<br />

مِنْ‏ مُصِ‏ يبَةٍ‏ قَبِمَا كَسَبَتْ‏ أَيْدِيكُمْ{‏<br />

7<br />

،<br />

والبد أن يبدأ اإلصالح من اللات أيضا<br />

لقوله تعاَل:‏ ‏}إِنَّ‏ ‏َّللاَّ‏ َ ال يُغَي ‏ِرُ‏ مَا<br />

- 1 احلديث رواه البخاري،‏ واجلَدْع:‏ هو الصغري<br />

440<br />

- 2 فتح الباري 26 / 1<br />

- 3 متفق عليه<br />

- 4 الكهف،‏ اآلية:‏ 29<br />

- 5 الزمر،‏ اآلية:‏ 31<br />

- 6 رواه ابن حبان وصححه عن ابن مسعود . <br />

- 7 الشورى،‏ اآلية:‏ 31


بِقَوْ‏ مٍ‏ حَتَّى يُغَي ‏ِرُ‏ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{‏ ، 1 والإصالح الذاِت يكون ابلعمل على مستوايت الفهم.‏ والصدق والسلوك اليت<br />

ذكرهتا يف خالصة الباب اخلامس،‏ ولعلمي بوجوب البدء ابلإصالح الذاِت والتغيري الداخلي<br />

لتبحث أساسا يف البناء الداخلي للجماعة املسلمة<br />

جاءت هله الرسالة<br />

وعالقة أفرادها بعضهم ببعض من انحييت السياسة الشرعية<br />

واآلداب الإسالمية،‏ مع الإشارة إَل تصحيح الفهم الإسالمي حسبما ذكرت يف أصول االعتصام ابلكتاب والسنة ويف<br />

‏)معامل أساسية يف اجلهاد(.‏<br />

كذلك فإن راية اجلهاد ينبغي أن تكون إسالمية خالصة غري ‏ُمتلطة أبي من األهواء واآلراء البشرية كاالشرتاكية<br />

والدميقراطية والقومية وحنوها،‏ قال تعاَل:‏ ‏}أَال ‏ّلِلِ‏ َّ ِ الدِينُ‏ الْخَالِ‏ ‏ُص{‏ ، 2 وقال تعاَل يف مفاصلة الكافرين والتمييز عنهم<br />

3<br />

‏}لَكُمْ‏ دِينُكُمْ‏ وَ‏ لِيَ‏ دِينِ{‏ ، فهذه مفاصلة اتمة ال خلط <strong>في</strong>ها وتربؤ صريح ال مداهنة <strong>في</strong>ه.‏<br />

وكما أن راية اجلهاد ينبغي أن تكون إسالمية خالصة،‏ فكللك قيادة اجلهاد جيب أن تكون إسالمية خالصة،‏ إن<br />

مسرية اجلهاد ميكن أن تنحرف إذا تصدر لقيادهتا فرد أو فئة قليلة من ذوي الفهم املختلط،‏ من الذين يرتدون ثياب<br />

الإسالم على عقول وقلوب جاهلية ‏)علمانية(،‏ ومن هؤالء من يكون له بالء حسن يف نصرة الدين ودفاع عن أهله<br />

وهذا كله ال يشفع له يف تسليمه زمام املسرية اجلهادية ما مل يكن إسالمي الفهم والسلوك معلوما ألهل الإميان واجلهاد،‏<br />

فقد قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»وَإِنم اَّللمَ‏ لَيُؤَيِّدُ‏ هَذَا الدِّينَ‏ ابِلرمجُلِ‏ الْفَاجِ‏ رِ«‏<br />

4<br />

، ونَصَرَ‏ أبو طالب وهو كافر رسول هللا<br />

صلى هللا عليه وسلم ومَنَعَه مبكة.‏ وهذه النصيحة أقوهلا لتحذير اجملاهدين من رجال األحزاب العِلمانية املتخصصني<br />

يف ركوب املوجات للوصول إَل مقاليد السلطة،‏ فإذا كانت املوجة الإسالمية طاغية متََسْلَم هلا.‏ ويف حديث حذيفة<br />

املتفق عليه وصف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قوما بقوله:‏<br />

<strong>في</strong>ها«‏<br />

‏»دعاة على أبواب جهنم،‏ من أجاهبم إليها قذفوه<br />

قال حذيفة:‏ قلت اي رسول هللا صفهم لنا؟ قال صلى هللا عليه وسلم : ‏»هم من جِ‏ لْدَتنا ويتكلمون أبلسنتنا«‏ أ<br />

ه . قلت فهؤالء من جلدتنا أي ظاهرهم الإسالم،‏ ويتكلمون أبلسنتنا أي ابلإسالم والكتاب والسنة،‏ ومن أجاهبم<br />

واتبعهم قذفوه يف جهنم.‏ قلت:‏ فال بد أن تكون القيادة يف العمل اإلسالمي إسالمية من اجللد إىل النخاع.‏<br />

وهذا آخر ما حيضرين يف هذه اخلامتة،‏ وأود أن أنبه القارئ الكرمي إَل أنين إن شاء هللا تعاَل سوف أُخْرِج بعض<br />

موضوعات هذه الرسالة يف رسائل مستقلة حتمل اسم هذه السلسة أيضا ‏)سلسلة دعوة التوحيد(،‏ وهللا املستعان وعليه<br />

التكالن وهو حسبنا ونعم الوكيل،‏ واستغفر هللا تعاَل من السهو واخلطأ والتقصري،‏ وكل قول قُلْتُه من عندي ث ‏َبَتَ‏<br />

442<br />

- 1 الرعد،‏ اآلية:‏ 11<br />

- 2 الزمر،‏ اآلية:‏ 3<br />

- 3 الكافرون،‏ اآلية:‏ 6<br />

- 4 رواه البخاري


الدليل الشرعي الصحيح ‏ِبالفه فأان راجع عنه وأقول مبا صَحم به الدليل،‏ قال تعاَل:‏ ‏}إِنَّمَا كَانَ‏ قَوْ‏ لَ‏ ا ‏ْلمُؤْ‏ مِنِينَ‏ إِذَا<br />

دُعُوا إِلَى ‏َّللاَّ‏ ِ وَ‏ رَ‏ سُولِهِ‏ لِيَحْكُمَ‏ بَيْنَهُمْ‏ أَنْ‏ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ‏ أََِعْنَا وَ‏ أُوْ‏ لَئِكَ‏ هُمْ‏ الْمُفْلِحُونَ‏ } 1 .<br />

وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني.‏<br />

كتبه إمياان واحتسااب<br />

عبد القادر بن عبد العزيز.‏<br />

443<br />

1 النور،‏ اآلية:‏ 51


املقدمة....................................................................................................‏‎3‎<br />

البا األول:‏ ت لْكِر ة يف اإلخالص واالحتسا ...........................................................01<br />

البا الَاين:‏<br />

حكم التدريب العسكري للمسلمني<br />

22.......................................................<br />

أوال:‏ أمهية التدريب العسكري للمسلمني<br />

‏َثنيا:‏ حكم التدريب العسكري للمسلمني.‏<br />

22.................................................................<br />

24...............................................................<br />

.................................................................<br />

‏َثلثا:‏ على مَ‏ ‏ْن جيب التدريب العسكري؟ 27<br />

واخلالصة:‏ على من جيب التدريب العسكري؟<br />

31.........................................................<br />

رابعا:‏ أصحاب األعذار الشرعية.........................................................................‏‎33‎<br />

خامسا:‏<br />

األعذار غري الشرعية.‏ ...............................................................................34<br />

ثواب أصحاب األعذار الشرعية......................................................................‏‎36‎<br />

شروط رفع احلرج واستحقاق الثواب ألصحاب األعذار ................................................37<br />

النفقة يف سبيل هللا.‏ ............................................................................41<br />

مسألة:‏ ............................................................................................43<br />

البا الَالث:‏ اإلمارة<br />

أوال:‏ الإمارة<br />

51...................................................................................<br />

واجبة.‏ ....................................................................................51<br />

‏َثنيا:‏ التأمري موكول إَل ويل األمر املسؤول إن وجد<br />

52........................................................<br />

‏َثلثا:‏ ولويل األمر أن يؤمر عدة أمراء على الرتتيب..........................................................‏‎53‎<br />

رابعا:‏ مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟<br />

54.................................................................<br />

تنبيه:‏ الرد على شبهة ‏)ال جهاد بال إمام(.‏ ............................................................55<br />

خامسا:‏ شروط هذه الإمارة.............................................................................‏‎58‎<br />

الإسالم:...........................................................................................‏‎61‎<br />

الذكورية ...........................................................................................66<br />

سادسا:‏ مسألة الغزو مع األمري الفاجر.‏<br />

69..................................................................<br />

الوجه األول:‏ .......................................................................................68<br />

444


الوجه الثاين:‏ .......................................................................................73<br />

سابعا:‏ الرد على شبهة<br />

متعلقة ابلإمارة.‏ ...................................................................75<br />

الرد على كالم األستاذ علي بن حسن ................................................................75<br />

الرد على االعرتاض األول:‏ ...........................................................................76<br />

أما األول:‏ وهو أن هناك أدلة أخر على شرعية إمارة اجلماعات .........................................76<br />

وأما الوجه الثاين:‏ وهو أن قياس إمارة اجلماعات على إمارة السفر هو قياس صحيح للعلة املشرتكة.‏ ........78<br />

وأما الوجه الثالث:‏ وهو أن هذا القياس صححه أكثر من جمتهد ........................................91<br />

فائدة ‏)يف وجوب اجلماعة لنصرة الدين يف هذا الزمان(‏ .................................................93<br />

‏)تنبيه(:‏ من هم الطائفة املنصورة؟.....................................................................‏‎96‎<br />

‏)تنبيه(‏ هل الفرقة الناجية هي الطائفة املنصورة؟ ........................................................99<br />

تنبيه:‏ على أهم واجبات الطائفة املنصورة يف هذا الزمان.................................................‏‎98‎<br />

‏)مسألة(‏ ‏)ما املوقف من تعدد اجلماعات العاملة لإلسالم؟(.............................................‏‎81‎<br />

االعرتاض الرابع:‏ ف<strong>في</strong> احلال األول:‏ يف دار الإسالم اليت تعلو أحكام الشريعة وحيكمها إمام مسلم ..........86<br />

تنبيه:‏ الفرق بني احلَكَم والقاضي من عدة أوجه:‏ .......................................................88<br />

البا الرابع:‏ واجبات أمري املعسكر.‏<br />

األول من واجبات األمري:‏ املسئولية العامة عن أتباعه:‏<br />

الثاين من واجبات األمري:‏ أن يتخذ لنفسه جملس شورى<br />

017 .................................................................<br />

119....................................................<br />

111..................................................<br />

أ = مشروعية الشورى:‏ ............................................................................113<br />

ب - هل الشورى إذا متت ملزمة لألمري؟ .........................................................116<br />

تنبيه:‏ عن تطبيق الشورى يف دولة الإسالم...........................................................‏‎123‎<br />

مسألة أخرية:‏ أثر األغلبية يف الشورى.‏ ..............................................................129<br />

أول:‏ ما هي األغلبية املعتربة شرعا؟ .................................................................129<br />

‏َثنيا:‏ ما هي شروط اعتبار رأي أغلبية أهل الشورى؟ .................................................128<br />

‏َثلثا:‏ ما هو أثر رأي األغلبية؟<br />

الثالث من واجبات األمري:‏ قَسَم معسكر التدريب<br />

128.....................................................................<br />

132.......................................................<br />

‏)مسألة عهود الطاعات بني املسلمني(‏ ..............................................................132<br />

أوال:‏ مشروعية هذا العهد..........................................................................‏‎134‎<br />

تعريفات:‏ ........................................................................................134<br />

445


‏َثنيا:‏ فائدة هذا الغرض منه........................................................................‏ 143<br />

األول:‏ توكيد ما ثبت وجوبه ابلشرع ابتداء:‏ ......................................................... 143<br />

والغرض الثاين:‏ التزام العبد ما أوجبه على نفسه مما مل يوجبه الشرع ابتداء:..............................‏ 144<br />

اخلالصة:‏ ........................................................................................ 146<br />

‏َثلثا:‏ هل جيوز أن يؤقت العهد أبجل؟ ............................................................. 147<br />

رابعا:‏ هل جتب كتابة العهود أو الإشهاد عليها؟ ..................................................... 149<br />

فائدة:‏ تغليظ العهود واملواثيق:‏ ..................................................................... 148<br />

خامسا:‏ خل جيوز تسمية هذا العهد بيعة؟ .......................................................... 151<br />

تعريف البيعة:‏ .................................................................................... 151<br />

فهل جيوز تسمية العهود بني الناس بيعة؟............................................................‏ 151<br />

سادسا:‏ ما الفرق بني هذه البيعات وبيعة الإمام؟ .................................................... 153<br />

سابعا:‏ حكم انكث العهد:‏ ....................................................................... 158<br />

استدراك:‏ ........................................................................................ 164<br />

‏َثمنا:‏ الرد على شبهة متعلقة ابلعهود.‏ .............................................................. 165<br />

وهذه البيعات اليت ذكرهتا آنفا منها:................................................................‏ 173<br />

الرد على شبهة أخرى:‏ ............................................................................ 179<br />

الرابع من واجبات األمري:‏ أتمري أمراء اجملموعات<br />

واألعمال ................................................ 192<br />

أوال:‏ أتمري أمراء جمموعات التدريب ‏)العرفاء(‏ ........................................................ 192<br />

‏َثنيا:‏ نصب والة األعمال:‏ ........................................................................ 193<br />

‏َثلثا:‏ أتمري العرفاء والوالة من حق األمري:‏ ........................................................... 193<br />

رابعا:‏ على األمري اختيار أصلح املوجودين للعمل.‏ ................................................... 193<br />

خامسا:‏ جيوز تولية املفضول مع وجود األفضل جللب منفعة أو لدفع مفسدة...........................‏ 195<br />

مما سبق يتبني لنا أنه جيوز تولية املفضول ألسباب:...................................................‏ 196<br />

سادسا:‏ وعلى األمري أال يويل من حيرص على الإمارة والوالية ......................................... 197<br />

تنبيه:‏ ............................................................................................ 199<br />

سابعا:‏ مسألة مراعاة السن يف الوالايت:‏ ............................................................ 198<br />

‏َثمنا:‏ وعلى األمري حماسبة عماله الذين يوليهم على األعمال املختلفة.‏ ودليل ذلك:.....................‏ 181<br />

اخلامس من واجبات األمري:‏ الرفق مبن معه واألانة يف األمور كلها..........................................‏ 182<br />

‏)فائدة يف هتذيب النفس(‏ ......................................................................... 185<br />

446


السادس من واجبات األمري:‏ احملافظة على وحدة اجلماعة<br />

212.................................................<br />

الواجب السابع من واجبات األمري:‏ تقييم كفاءات أتباعه.................................................‏‎211‎<br />

الثامن من واجبات األمري:‏ ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد.......................................................‏‎215‎<br />

سادسا<br />

األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر أو ختلفها........................................................‏‎215‎<br />

‏َثنيا:‏ أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد.‏ ................................................................224<br />

وال<strong>إعداد</strong> الإمياين من أسباب مجع مشل املسلمني......................................................‏‎226‎<br />

آية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد ........................................................................226<br />

‏َثلثا:‏ معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.........................................................................‏‎227‎<br />

رابعا:‏ واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.‏ ...........................................................229<br />

خامسا:‏ ‏)ملحق‎1‎‏(:‏ وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة ‏)منهج أهل السنة واجلماعة(.‏ ...................236<br />

‏)مسألة(‏ حديث اآلحاد حجة يف العقائد واألحكام.‏ .................................................272<br />

‏)مسألة(‏ التقليد املذهيب جائز وليس بواجب على كل أحد............................................‏‎273‎<br />

‏)مسألة(‏ ونرى أن االجتهاد ماض ال ينقطع ولن ختلو األرض من قائم هلل حبجة .........................276<br />

خامتة ............................................................................................279<br />

447<br />

‏)ملحق 2(:<br />

معامل أساسية يف اجلهاد.............................................................‏‎291‎<br />

‏)فق رة 1( ........................................................................................291<br />

‏)فقرة 2(.........................................................................................292<br />

‏)فق رة 3( وابنقسام اخللق إَل مؤمن وكافر انعق دت العداوة بينهما.‏ ....................................293<br />

‏)فقرة 4( وهللا ج ل شأن ه يسلط الكفار على املؤمنني تسليطا قدري ا ....................................294<br />

‏)فقرة 5( وهللا جل شأنه ‏َيمر املؤمنني شرعا بدفع الكافرين املسلطني قدرا على املؤمنني..................‏‎299‎<br />

أوال:‏ الدع وة إَل الإس الم ..........................................................................299<br />

‏َثني ا:‏ التربؤ م ن الكافرين أحياء وأموات ا..............................................................‏‎299‎<br />

‏َثلثا:‏ الإعت زال واهلج رة:............................................................................‏‎281‎<br />

رابع ا:‏ اجله اد يف سبي ل هللا.‏ ........................................................................281<br />

‏)ف ق رة 6( واجلهاد نوعان:‏ جهاد الطلب وجه اد الدفع ................................................281<br />

ودليل جهاد الطل ب:‏ .............................................................................282<br />

أما جهاد الدفع فدليله:‏ ...........................................................................282<br />

‏)شبهة(‏ ..........................................................................................283<br />

‏)فقرة 7( واجلهاد فرض كفاية ويتعني يف مواضع......................................................‏‎286‎


‏)فقرة 9( والتدريب العسكري واجب على كل مسلم.‏ ............................................... 287<br />

‏)فقرة 8( واألمة املسلمة أمة جماهدة،‏ <strong>في</strong>جب أن تصاغ سياستها وفقا هلذه الصفة.‏ ...................... 289<br />

‏)فقرة 11( وال مينع املسلمني من اجلهاد إال العجز،‏ وجيب ال<strong>إعداد</strong> حينئذ .............................. 288<br />

‏)فقرة 11( واهلجرة ال تنقطع حىت تطلع الشمس من مغرهبا...........................................‏ 311<br />

فقرة .........................................................................................12 314<br />

واملسلمون أمة واحدة،‏ واملسلم أخو املسلم وإن تباعدت دايرمها،‏ ولكل حق النصرة.‏ .................... 314<br />

‏(الفقرة 13) وجيب البدء بقتال العدو األقرب.‏ ...................................................... 317<br />

) فقرة 14) وقتال املرتدين املمتنعني مقدم على قتال الكفار األصليني.‏ ................................ 319<br />

‏(فقرة 15) والسلطان إذا كفر وكان ممتنعا وجب قتاله فرضَ‏ عني وي ‏ُقَدم على غريه.‏ ..................... 318<br />

شبهة............................................................................................‏ 315<br />

‏)الرد على شبهة(.‏ ................................................................................ 321<br />

الرد على شبهة خطرية للشيخ األلباين:..............................................................‏ 325<br />

‏)فقرة 16( والطواغيت األحياء أعظم من الطواغيت األموات.‏ ........................................ 334<br />

‏)فقرة 17( وشوكة الإسالم تتكون ابملواالة الإميانية...................................................‏ 336<br />

‏)فقرة 19( واحلرب خدعة.........................................................................‏ 338<br />

أوال:‏ الكذب على األعداء:‏ ....................................................................... 341<br />

‏َثنيا:‏ جواز اغتيال الكافر احملارب .................................................................. 342<br />

‏َثلثا:‏ السرية يف الإسالم:‏ .......................................................................... 346<br />

‏)فقرة 18( والإستشهاد ليس مقصودا لذاته بل لإظهار الدين.........................................‏ 348<br />

وهنا ينبغي التنبيه على عدة أمور متعلقة ابلشهادة،‏ وهي:‏ ............................................ 351<br />

أوال = أثر حب االستشهاد يف النصر.‏ ............................................................. 351<br />

ويتحقق مبدأ الردع ابلعمل على حمورين:‏ ............................................................ 351<br />

‏َثنيا آفة التهور.‏ .................................................................................. 352<br />

‏َثلثا:‏ آفة اجلنب.‏ .................................................................................. 355<br />

رابعا:‏ آفة الإحجام.‏ .............................................................................. 356<br />

‏)فقرة 21( ‏)وما النصر إال من عند هللا(.‏ ........................................................... 357<br />

سابعا ‏)ملحق 3(: عن حكم طلب العلم للمجاهد.‏ ................................................. 361<br />

أوال:‏ أقسام العلم الشرعي من حيث الوجوب.‏ ...................................................... 362<br />

‏َثنيا:‏ الرد على شبهة ‏)ال جهاد إال بعد طلب العلم(.‏ ................................................ 364<br />

448


الوجه األول:‏ أنه جعل فرض الكفاية فرض عني.‏ ....................................................364<br />

الوجه الثاين:‏ أنه جعل شرطا لوجوب اجلهاد ما ليس بشرط.‏ ..........................................365<br />

‏َثلثا:‏ العلم الالزم للطائفة اجملاهدة.‏ .................................................................366<br />

‏َثمنا ‏)ملحق‎4‎‏(:‏ ..................................................................................368<br />

يف املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد وهل العدالة شرط لوجوب اجلهاد؟.......................................‏‎368‎<br />

‏)الرد على شبهة:‏ ال جهاد إال بعد استكمال الرتبية الإميانية(.‏ .........................................368<br />

نبحث هنا املسائل اآلتية:‏ .........................................................................368<br />

أوال:‏ ما املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد؟ .................................................................368<br />

‏َثنيا:‏ هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟.........................................................‏‎368‎<br />

أوال:‏ ما املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد؟ .................................................................368<br />

‏َثنيا:‏ هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟.........................................................‏‎371‎<br />

وميكنين أن أخل<br />

ما سبق <strong>في</strong>ما يلي:‏<br />

374...............................................................<br />

البا افامس:‏ واجبات أعضاء املعسكر..............................................................‏ 378<br />

أوال:‏ ما يلزم األعضاء يف حق هللا تعاَل.‏<br />

378................................................................<br />

= 1 الإخالص:..................................................................................‏‎378‎<br />

= 2 تقوى هللا : 378...............................................................................<br />

= 3 الصرب واملصابرة:‏ 392.............................................................................<br />

= 4 األمانة.‏ 397.....................................................................................<br />

= 5 الإحسان:‏ 399..................................................................................<br />

= 7 التوكل 381......................................................................................<br />

= 9 الدعاء:‏ 384.....................................................................................<br />

‏َثنيا:‏ ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم..............................................................‏‎386‎<br />

األول:‏ السمع والطاعة لألمري يف غري معصية ........................................................387<br />

= 1 متهيد 387.......................................................................................<br />

= 2 أدلة وجوب السمع والطاعة...................................................................‏‎387‎<br />

= 3 ما يُستَخل من أدلة وجوب السمع والطاعة.‏ .................................................411<br />

= 4 ومما يدخل يف طاعة األمري....................................................................‏‎414‎<br />

= ما ي ‏ُقَيّ‏ ‏ِد السمع والطاعة لألمري.‏<br />

416...............................................................<br />

449<br />

5


خامتة ونصيحة.‏ .................................................................................. 417<br />

الثاين:‏ النصح لألمري.‏ ............................................................................. 411<br />

= 1 دليله.‏ ...................................................................................... 411<br />

= 2 مما يدخل يف نصح والة األمور................................................................‏ 411<br />

= 3 تنبيه........................................................................................‏ 413<br />

= 4 واألفضل نصح األمري سرا.‏ ................................................................... 414<br />

الثالث:‏ توقري األمري...............................................................................‏ 416<br />

تنبيه:‏ ............................................................................................ 417<br />

‏َثلثا:‏ ما يلزم األعضاء بعضهم يف حق بعض.‏ ....................................................... 419<br />

‏)ما يلزم العضو يف حق إخوانه(‏ .................................................................... 419<br />

وحماسن األخالق ترجع <strong>في</strong>ما أرى إَل أصلني:‏ ..................................................... 418<br />

القسم األول:‏ بعض ما يدخل يف كف األذى عن الناس..............................................‏ 421<br />

القسم الثاين:‏ بعض ما يدخل يف إيصال النفع إَل الناس.‏ ............................................ 429<br />

اخلالصة:‏ ........................................................................................ 433<br />

خامتة الرسالة.‏<br />

437........................................................................................<br />

451

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!