العمدة في إعداد العدة
Mektebe -> Arapça Kitablar -> Cihad
Mektebe -> Arapça Kitablar -> Cihad
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
2
المقدمة<br />
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده هللا فال مضل له،<br />
ومن يضلل فال هادي له.<br />
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له، وأشهد أن حممدا عبده ورسوله.<br />
}يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا َّللاَّ َ حَقَّ ثقاتهِ وَ ال تَمُوتُنَّ إِالَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{.<br />
}يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَ بَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَ احِ دَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَ وْ جَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِ جَاال ً كَثِير ً ا وَ نِسَاء ً وَ اتَّقُووا<br />
َّللاَّ َ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَ األَرْ حَامَ إِنَّ َّللاَّ َ كَانَ عَلَيْكُمْ رَ قِيب ًا{<br />
}يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا َّللاَّ َ وَ قُولُوا قَوْ ال سَدِيد ًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُِِْْ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ قَقَو ْد<br />
قَازَ قَوْ ز ً ا عَظِيم ًا{.<br />
أما بعد<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
«:<br />
إَِّنمَا األَعْمَالُ ابِلنِّيّات وَإَِّنمَا لكل امْرِئٍ مَا ن َوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إَِلَ اَّللمِ<br />
وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إَِلَ اَّللمِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ ينْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إَِلَ مَا هَاجَرَ إِلَيِْه« . 1<br />
وبعد: فقد ذكرت يف الرسالة الثانية من هذه السلسلة. وهي رسالة )دعوة التوحيد(، أن توحيد الربوبية يقتضي إِفْرَادَ هللا<br />
تعاَل وحده ابألمر ومنه التشريع خللقه كما يقتضي إِفْرَادَهُ ابخللق، قال تعاَل: }أَالَ<br />
الخَلْ ُق لَهُ<br />
وَ األَمْر{ ، 2 وأن<br />
توحيد األلوهية يقتضي امتثال أمره سبحانه وشرعه الذي أرسل به رسله، وقد ختمهم سبحانه مبحمد صلى هللا عليه<br />
وسلم فبعته بشريعة كاملة مفصلة وا<strong>في</strong>ة مبا يُصْلِحُ اخللق يف دنياهم وأخراهم إَل يوم القيامة، قال تعاَل: }الْيَوْ مَ أَكْمَلْ ُت<br />
4<br />
3<br />
لَكُمْ دِينَكُمْ{ ، وقال تعاَل: { وَ نَزَّ لْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا ِ لِكُل شَيْءٍ{ ،وقال تعاَل: }وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ قِيهِ مِنْ شَيْءٍ<br />
5<br />
قَحُكْمُهُ إِلَى َّللاَّ ِ{ ، فلم يبق شيء إال وهلل تعاَل <strong>في</strong>ه حكم ال حيتاج معه اخللق إَل حكم غريه.<br />
3<br />
- 1<br />
2<br />
متفق عليه.<br />
- سورة األعراف. اآلية<br />
.54<br />
- 3<br />
- 4<br />
- 5<br />
سورة املائدة. اآلية<br />
سورة النحل. اآلية<br />
سورة الشورى اآلية<br />
.3<br />
.98<br />
.11
فمن عَدَلَ عن حكم هللا تعاَل إَل حكم غريه فقد اختذ إهلا مع هللا، إذ مل يُفرد هللا تعاَل ابألمر واحلكم كما قضى<br />
سبحانه بقوله:}إِنْ الْحُكْمُ إِالَّ ّلِلِ َّ ِ أَمَرَ أَالَّ تَعْبُدُوا إِالَّ<br />
إِيَّاهُ{ 1 .ومن أسبغ هذا احلق الإهلي اخلال وهو حق التشريع<br />
على أحد من اخللق، فقد جعل هلل عَدْالً ونظريا، وهذا الشك يف كفره لقوله تعاَل:}<br />
2<br />
يَعْدِلُونَ{ . أي جيعلون هلل عَدْالً ونظرياً يف صفاته وأفعاله ومنها التشريع.<br />
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُ وا بِرَ ب ِهِ ْم<br />
ومن هذا تدرك اي أخي املسلم أن النظم البشرية املخرتعة من قوانني وضعية ودميقراطية واشرتاكية وشيوعية وغريها من<br />
الضالالت اليت ما أنزل هللا هبا من سلطان هي كلها كفر بواح، وتدرك أيضا أن حكم الطواغيت القائم بكثري من<br />
بلدان املسلمني على هذه النظم هو عدوان صارخ على ألوهية هللا تعاَل خللقه<br />
يف هذه األرض، قال تعاَل:}وَ هُ َو<br />
3<br />
الَّذِي قِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَ قِي األَرْ ضِ إِلَهٌ{ ، أي املعبود يف السماء واألرض، ذلك العدو لن الذي يوجب على املسلمني<br />
أن ي َهُبُّوا ليدفعوا عن ألوهية رهبم سبحانه، وهذا هو معىن نصرة هللا تعاَل املذكورة يف قوله سبحانه: }إِ ْن تَنصُرُ وا َّللاَّ َ<br />
4<br />
يَنصُرْ كُمْ{ ، ويُطْلَقُ على هذا شرعاً اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل.<br />
إن هللا تعاَل غين عن خلقه، وقال سبحانه: ]اي عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروين ولن تبلغوا نفعي فتنفعوين[<br />
وهو سبحانه إَّنا ابتالان يف هذه الدنيا ابلكافرين فتنة واختبارا لنا،<br />
5<br />
.<br />
وأمران جبهادهم ودفعهم، ليعلم سبحانه صادق<br />
الإميان الذي سيمتثل أمره ابجلهاد من كاذب الإميان القاعد عن اجلهاد، قال تعاَل}وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ قِتْنَةً<br />
7<br />
6<br />
أَتَصْبِرُ ونَ وَ كَانَ رَ بُّكَ بَصِ ً يرا{ ، وقال سبحانه: }وَ لَنَبْلُوَ نَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِ ي َن{ . مع قدرته<br />
سبحانه اليت ال يشك <strong>في</strong>ها على إهالك الكافرين ب “كن <strong>في</strong>كون”، وإَّنا أراد سبحانه اختبار صدق إمياننا كما قال<br />
9<br />
تعاَل: }ذَلِكَ وَ لَوْ يَشَاءُ َّللاَّ ُ النتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْ ٍض{ ، وقال تعاَل: }وَ مَنْ جَاهَدَ قَإِنَّمَا يُجَاهِ ُد<br />
8<br />
لِنَفْسِهِ إِنَّ َّللاَّ َ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } .<br />
وهنا البد أن يربز لكل منا السؤال التايل: كيف يتأتى لنل القيام بواجب اجلهاد وحنن يف هذا احلال من الضعف<br />
والتفرق وقِلمة احليلة؟ واجلواب هو قوله تعاَل:}<br />
َوأَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا<br />
4<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
- 6<br />
7<br />
9<br />
8<br />
- سورة يوسف اآلية:41.<br />
- سورة األنعام اآلية1.<br />
- سورة الزخرف، اآلية:94<br />
- سورة حممد، اآلية:7.<br />
- رواه مسلم عن أيب ذر مرفوعا<br />
سورة الفرقان، اآلية:<br />
- سورة حممد، األية:<br />
- سورة حممد، األية:<br />
- سورة العنكبوت، اآلية:6<br />
.21<br />
.31<br />
4
إِنَّ َّللاَّ َ مََْ الصَّابِرِ ينَ{ ، 1 وقوله تعاَل:}وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، 2 وقال ابن تيمية رمحه هللا:)كما جيب<br />
االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز، فإنه ماال يتم الواجب إال به فهو واجب( ، 3<br />
فجواب السؤالِ السابقِ هو أن القيام بواجب اجلهاد يتأتى ابل<strong>إعداد</strong>، ذلك ال<strong>إعداد</strong> الذي جعله هللا تعاَل فرقاان بني<br />
املؤمن واملنافق يف قوله تعاَل: }وَ لَوْ أَرَ ادُوا الْخُرُ وجَ ألَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لَكِنْ كَرِ هَ َّللاَّ ُ انْبِعَاثَهُمْ قَثَبََِّهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مََْ<br />
4<br />
الْقَاعِدِينَ{ ، وهذا ال<strong>إعداد</strong> الواجب هو موضوع هذه الرسالة، رسالة )<strong>العمدة</strong> يف <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>(.<br />
وال<strong>إعداد</strong> للجهاد يبدأ بتكوين مجاعة مسلمة كما قال صلى هللا عليه وسلم :»وَأَانَ آمُرُكُمْ ِبَِمْسٍ اَّللمُ أَمَرَينِ هبِِنم ابِجلَْمَاعَِة<br />
5<br />
وَالسممْعِ وَالطماعَةِ وَاهلِْجْرَةِ وَاجلِْهَادِ« ، فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين مجاعة من املؤمنني بوجوب اجلهاد يدعون غريهم للقيام<br />
6<br />
هبذا الواجب}حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَى الْقِتَا ِل{ ، ويُعِدُّونَ<br />
وال<strong>إعداد</strong> للجهاد نوعان: مادي وإمياين:<br />
لألمر عُدمته على خري وجهٍ مستطاع.<br />
أما ال<strong>إعداد</strong> املادي، فهو <strong>إعداد</strong> يف احملور األفقي )حمور الكَمِّ(، وله شِ قمان، شِ قٌّ شرعي يتعلق بتكوين اجلماعة والسياسة<br />
الشرعية املتبعة يف إدارهتا وعالقات أفرادها، وشقّ فردي يتعلق ابلفنون العسكرية.<br />
وأما ال<strong>إعداد</strong> الإمياين، فهو <strong>إعداد</strong> يف احملور الرأسي )حمور الكَيْف(، ويتعلق بتَنْشِ ئَة هذه اجلماعة على أصول شرعية<br />
مستقيمة وكي<strong>في</strong>ة <strong>إعداد</strong> الفرد اجملاهد إميانيا.<br />
وهذه الرسالة تتناول الشق الشرعي من ال<strong>إعداد</strong> املادي وقسطاً كبرياً من ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.<br />
وقد واكب تصنيف هذه الرسالة أن طلب مين بعض الإخوة األفاضل الذين مارسوا التدريب العسكري واجلهاد عمليا<br />
أن أكتب هلم رسالة يف بعض مسائل السياسة الشرعية املتعلقة بعالقة الإخوة بعضهم ببعض يف معسكرات التدريب<br />
ويف ساحات اجلهاد، فعزمت بعد استخارة املوَل جل شأنه على<br />
أن أصوغ هذه الرسالة مبا يؤدي الغرضني: غرض<br />
حبث مسألة <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> وغرض كتابة رسالة إَل معسكرات التدريب الإسالمية، خاصة وأن التدريب جزء أساسي من<br />
ال<strong>إعداد</strong>، وعرضت الغرض من خالل الثاين، فصغت الرسالة كرسالة موجهة إَل معسكرات التدريب ومن خالل ذلك<br />
تناولت مسألة <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>، ابعتبار معسكر التدريب أَّنوذجاً مصغراً للعمل الإسالمي اجلماعي، وما ينطبق على هذا<br />
املعسكر من ضوابط شرعية ينطبق كذلك على أي جمتمع إسالمي.<br />
وقد اجتهدت يف تقسيم هذه الرسالة بعد املقدمة إَل مخسة أبواب، وهي:<br />
- سورة األنفال: اآلية:<br />
- سورة األنفال: اآلية:<br />
- جمموع الفتاوى:<br />
.46<br />
.61<br />
258/29<br />
-<br />
سورة التوبة، اآلية:<br />
.46<br />
- رواه أمحد عن احلارث األشعري، والرتمذي وصححه.<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
.65<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
5
الباب األول: تَذْكِرة يف الإخالص واالحتساب.<br />
الباب الثاين: حكم التدريب العسكري للمسلمني.<br />
الباب الثالث: الإمارة.<br />
الباب الرابع: واجبات األمري.<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
أ<br />
<br />
-<br />
الباب اخلامس: واجبات األعضاء.<br />
وابلنظر إَل املوضوعات اليت حتدثت <strong>في</strong>ها فقد جاءت هذه الرسالة مشتملة على:<br />
مسائل متعلقة ابلسياسة الشرعية وهي صلب الرسالة، وتبحث يف عالقة املسلم أمريا كان أو مأمورا إبخوانه يف<br />
العمل الإسالمي.<br />
ب<br />
ج<br />
-<br />
-<br />
مسائل متعلقة ابجلهاد، وليس الغرض منها استيعاب أحكام اجلهاد الفقهية، ولكن أردت التنبيه على موقع<br />
اجلهاد من هذا الدين وهو ما مسيته )معامل أساسية يف اجلهاد(، مع بعض مسائل متفرقة من فقه اجلهاد.<br />
مسائل متعلقة بضوابط فهم هذا الدين احلنيف، ضمنتها <strong>في</strong>ما مسيته )أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة أو منهج<br />
أهل السنة واجلماعة(.<br />
- د<br />
مسائل متعلقة ابآلداب الإسالمية خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق بعالقة املسلم إبخوانه. وقد تبدو هذه املسائل غري مرتابطة،<br />
ولكنها يف احلقيقة ختدم هدفا واحدا وهو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل، دوافعه، ال<strong>إعداد</strong> له، وغايته، وكيف حنافظ عليه<br />
من استغالل املنافقني وقطاع الطريق إَل هللا تعاَل. هذا وقد اضطررت لالستطراد يف بعض املواضع للرد على بعض<br />
الشبهات املتعلقة مبوضوعنا وركزت يف هذا على الشبهات الصادرة من الوسط الإسالمي لكوهنا أخطر يف تقديري<br />
على املسلمني من الشبهات الصادرة من غري املسلمني كاملستشرقني وحنوهم، هذا ابلإضافة إَل قيام كتاب أفاضل ابلرد<br />
على شبهات هؤالء املستشرقني وتالميذهم.<br />
كذلك فقد فصلت القول يف مواضع إذ إنين أردت أن تكون هذه الرسالة ذات هدف تعليمي لإلخوان املسلمني.<br />
وقد التزمت قدر االستطاعة أال أذكر قوال أو حكما إال مقرتان أبدلته الشرعية من الكتاب والسنة. حىت يرتسخ هذا<br />
املنهج يف نفوس العامني لنصرة دين هللا تعاَل خاصة ويف نفوس املسلمني عامة، وهو أال يقبلوا قوال من أحد إال بدليل<br />
شرعي فنحن نتعبد بكالم هللا تعاَل وكالم رسوله صلى هللا عليه وسلم، قال تعاَل:}وَ مَنْ يُِِْْ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ يُدْخِ لْهُ<br />
جَنَّاتٍ تَجْرِ ي مِنْ تَحْتِهَا األَنْهَارُ خَالِدِينَ قِيهَا وَ ذَلِكَ الْفَوْ زُ الْعَظِيمُ وَ مَنْ يَعْصِ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِ لْهُ<br />
ً نَارا خَالِد ًا قِيهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِي ٌن{ ، 1 والعصمة يف قول هللا تعاَل وقول رسوله صلى هللا عليه وسلم، إذ جعل هللا تعاَل<br />
الرد عند التنازع إليه سبحانه وإَل رسوله صلى هللا عليه وسلم فال معصوم بعد ذلك، قال تعاَل: }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
.14 13<br />
1<br />
6
شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ<br />
إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُو ِل{ ، 1 فال ي ُقْبَل قول يف دين هللا من أحد إال إذا كان مستندا إَل ن كتاب أو سنة أو<br />
إمجاع معترب أو قياس صحيح، وذلك حىت ال يقع املسلم يف حبائل قطاع الطرق إَل هللا ابسم الدعوة إَل هللا عز وجل.<br />
وكنت قد شرعت يف إصدار سلسلة من الكتب ابسم )سلسلة دعوة التوحيد( فجعلت هذه الرسالة إحدى حلقات<br />
هذه السلسلة، وحري هبا أن تكون كذلك، وكيف ال واجلهاد إَّنا شُرِعَ لنشر دعوة التوحيد ولنصرهتا ومحايتها، أمل يقل<br />
2<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:»أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول هللا...« ،<br />
وقال صلى هللا عليه وسلم:<br />
واجلهاد من وسائل حتقيقها.<br />
«<br />
بُعِثْتُ ابلسيف بني يدي الساعة حىت يعبد هللا وحده ال شريك له<br />
3<br />
» . فالتوحيد غاية<br />
وأنبه القارئ إَل أنين جلأت إَل تقطيع احلديث لالستدالل ببعضه يف مواضع من هذه الرسالة أخذاً مبذهب من جييز<br />
ذلك من أهل العلم كالبخاري رمحه هللا وغريه.<br />
4<br />
كما أنبه إَل أن اخلط الذي يوضع للتنبيه على الكالم املهم، قد جعلته أعلى الكالم جراي على طريقة السلف وليس<br />
أسفل الكالم كما هي عادة الإفرنج.<br />
وقد كتبت هذه الرسالة احتسااب عند هللا تعاَل، راجيا القبول والثواب، وجزى هللا كل من ساهم يف نشرها خريا، آمني.<br />
كتبها إيمانا واحتسابا<br />
عبد القادر بن عبد العزيز.<br />
7<br />
1<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
.58<br />
2<br />
3<br />
4<br />
- احلديث متفق عليه عن ابن عمر<br />
- رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر<br />
- يف هذه النسخة كتب ِبط غليض.
8
الباب األول:<br />
تَذْ كِرَة <strong>في</strong> اإلخالص<br />
واالحتساب.<br />
9
الباب األول: تَذْ كِرَة <strong>في</strong> اإلخالص<br />
واالحتساب<br />
اإلخالص هو قصد هللا تعاىل وحده ال شريك له ابلعبادة ابلتربي عن كل ما دون هللا، وختلي القصد والنية من كل<br />
غرض دنيوي، فالإخالص هو ختلي النية والعمل من شوائب الشرك. فعن عمر بن اخلطاب أن رسول هللا صلى<br />
هللا عليه وسلم قال: »إَِّنمَا األَْعْمَالُ ابِلنِّيّات وَإَِّنمَا لكل امْرِئٍ مَا ن َوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إَِلَ اَّللمِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إَِلَ اَّللمِ<br />
1<br />
وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ ينْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إَِلَ مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ« .<br />
وعن أيب موسى األشعري<br />
<br />
<br />
أن أعرابيا أتى النيب صلى هللا عليه وسلم فقال: اي رسول هللا الرجل يقاتل للمغنم، والرجل<br />
يقتل ليُذْكَر، والرجل يقاتل لريُى مكانه؟ ويف رواية يقاتل شجاعة، ويقاتل محية فمن يف سبيل هللا؟ فقال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم : »من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا« . 2<br />
والتدريب العسكري من مقدمات اجلهاد وله نفس مقاصده،<br />
واألخ املسلم معرض لإلصابة أو الشهادة أثناء<br />
التدريب، فالواجب عليه إخالص نيته وأن يكون قصده من التدريب هو اجلهاد لتكون كلمة هللا هي العليا حىت<br />
حيتسبَ له أجره كامال إن شاء هللا، فالثواب املوعود للمجاهدين معلقٌ كل على شرط أن يكون العمل )يف سبيل هللا(.<br />
فال يتدرب أو جياهد بغرض أن يُذكَر ويُرى مكانه <strong>في</strong>قال عنه إنه شجاع، وال بغرض أن يعود إَل بلده <strong>في</strong>قوم مقام<br />
مسعته ليُقَال عنه اجملاهد الشجاع الذي فاق أقرانه فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم أَوملَ النماسِ ي ُقْضَى<br />
ي َوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُِتِ َ بِهِ فَعَرمفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَىتم اسْتُشْهِدْ ُت قَاَل<br />
3<br />
أُلْقِي يفِ النماِر« .<br />
كَذَبْتَ وَلَكِنمكَ قَاتَلْتَ ألَِنْ ي ُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ُثُم أُمِرَ بِهِ فَسُحِ بَ عَلَى وَجْهِهِ حَىتم َ<br />
وال يتدرب املسلمُ أو جياهدْ بغرض التوصلِ إَل نفعٍ مايل أو رائسة وتَقَدُّم على غريه، فقد يُقتل قبل أن حيصل له شيءٌ<br />
من ذلك <strong>في</strong>كون قد خسر الدنيا واآلخرة، وذلك هو اخلسران املبني، وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَا<br />
ذِئْبَانِ جَائِعَانِ<br />
4<br />
أُرْسِ ال يفِ غَنَمٍ أبَِفْسَدَ هلََا مِنْ حِ رْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشمرَفِ لِدِينِِه« . ومعناه أن احلرص على املال<br />
والشرف وهو الرايَسَةُ يفسد الدين أشد من إفساد الذئبني اجلائعني حلظرية الغنم، فما يبقى منه بعد هذا؟<br />
وال يتدرب املسلم أو جياهد بغرض نصر مجاعة أو حزب خاص فإذا كان اجلهاد مع غري طائفته تركه، فهذا ال يقاتل<br />
لتكون كلمة هللا هي العليا بل لتكون كلمة احلزب أو اجلماعة هي العليا، وهذه هي العصبية اليت قال عنها رسول هللا<br />
01<br />
1<br />
2<br />
- 3<br />
4<br />
- متفق عليه.<br />
- متفق عليه.<br />
من حديث طويل رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- رواه أمحد والرتمذي إبسناد صحيح عن كعب بن مالك .
صلى هللا عليه وسلم: »ما ابل دعوى اجلاهلية؟ .. دعوها فإهنا مُنْتِنة« ، 1 وقال صلى هللا عليه وسلم :»مَنْ قُتِلَ حتَْتَ<br />
رَايَةٍ عِمِّيمةٍ يَدْعُو عَصَبِيمةً أَوْ ي َنْصُرُ عَصَبِيمةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيمةٌ« . 2<br />
قلت: وأمثال هؤالء ال خالق هلم يف اآلخرة، ومع ذلك فقد يكون هلم بالء حسن يف القتال ونصرة الدين، كما قال<br />
3<br />
رسول هللا صلى هللا عليه »إِنم هللا عَزم وَجَل سَيُؤَيدُ هَذَا الدِّين أبَقْوامٍ الَ خَالَقَ هلَُم« .<br />
وسلم :<br />
ومن هؤالء من جاهد مع النيب صلى هللا عليه وسلم كهذا الذي قاتل قتاال شديدا ومل يصرب على جرحه فَقَتَل نفسه،<br />
4<br />
فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :»وَإِنم اَّللمَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ ابِلرمجُلِ الْفَاجِ ِر« . وعن عمر بن اخلطاب قال ملا<br />
كان يوم خيرب أقبل نفر من أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم فقالوا: فالن شهيد وفالن شهيد وفالن شهيد حىت<br />
مروا على رجل فقالوا: فالن شهيد. فقال النيب صلى هللا عليه وسلم :»كال إين رأيته يف النار يف بُردة غَلمها أو عباءة<br />
6 5<br />
» . وعن عبد هللا بن عمرو قال:»كَانَ عَلَى ث َقَلِ النميبِ ِّ صلى هللا عليه وسلم رَجُلٌ ي ُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ<br />
7<br />
اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم )هُوَ يفِ النمارِ( فَذَهَبُوا ي َنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلمهَا« ، وذكر الواقدي أن هذا الرجل<br />
كان أسود ميسك دابة الرسول صلى هللا عليه وسلم يف القتال، وهو يف النار بسبب الغُلُول وهو السرقة من الغنيمة.<br />
وقد كان املنافقون خيرجون للغزو وي ُنْفِقون على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كهذا الذي قال يف غزوة بين<br />
9<br />
املصطلق}لَئِنْ رَ جَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِ جَنَّ األَعَزُّ مِنْهَا األَذَ َّل{ . وكهؤالء الذين ملزوا الصحابة يف غزوة تبوك فنزل<br />
8<br />
<strong>في</strong>هم}وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَبِاّلِلَّ ِ وَ آيَاتِهِ وَ رَ سُولِ ِه كُنتُمْ تَسْتَهْزِ ئُو َن{ . وأما نفقتهم فقد<br />
11<br />
قال هللا تعاَل <strong>في</strong>ها:} قُلْ أَنفِقُوا َِوْ ع ًا أَوْ كَرْ ه ًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْ م ًا قَاسِقِي َن{ . وهم مع جهادهم<br />
11<br />
وإنفاقهم }قِي الدَّرْ كِ األَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَ لَنْ تَجِ دَ لَهُمْ نَ ً ِصيرا{ . وأنخذ من هذا كثريا من العِربَ منها أن ساحة<br />
اجلهاد قد جتمع املنافق والفاجر وفاسد النية وأقواما الخالق هلم، وكل هؤالء كانوا على عهد رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم، ومن العِربَ أيضاً أن وجود هؤالء بساحة اجلهاد ليس مبربر للقعود عن اجلهاد حبجة أن ابلصف جمروحني<br />
00<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
- 6<br />
7<br />
- 9<br />
- رواه البخاري عن جابر بن عبد هللا.<br />
- رواه مسلم عن جندب بن عبد هللا.<br />
- رواه أمحد والطرباين عن أيب بكرة ورجاهلما ثقات )جممع الزوائد 315/5(.<br />
- رواه البخاري عن أيب هريرة.<br />
- رواه مسلم.<br />
الث مقَل: هو العيال وما يثقل محله من األمتعة.<br />
- رواه البخاري.<br />
سورة املنافقون، اآلية:<br />
.9<br />
8<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
.65<br />
- 11<br />
سورة التوبة، اآلية:<br />
.53<br />
11<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
.145
فقد قام اجلهاد على عهد النيب صلى هللا عليه وسلم مع وجود هؤالء، وسيأِت مزيد بيان هلذا وفتوى ابن تيمية <strong>في</strong>ه،<br />
ومن العِربَ كذلك أن كون الرجل من اجملاهدين واملنفقني غريُ كاف لتعديله خاصة إذا قامت قرائنُ على جترحيه، فقد<br />
رأينا آنفاً أصنافا من اجملروحني جياهدون وي ُنْفِقون.<br />
وإذا كان كل هذا قد حدث يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم ومعه، فما ابلك ابحلال اآلن؟ وقد قال صلى هللا عليه<br />
وسلم :»ال َيَِْتِ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِالم<br />
1<br />
المذِي ب َعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَىتم تَلْقَوْا رَبمكُ ْم« . واملقصود من هذا أن حيتاط املسلم لنفسه<br />
من شر نفسه ومن فساد النية، ومن داخَلَه شيء من فساد أو اختالط ابلنية فلْيبادر بتصحيحها وال جيعل للشيطان<br />
على نفسه سبيال يفسد به عمله وجهاده، فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد قال:»إِنم الشميْطَانَ جيَْرِي من ابْنِ<br />
3<br />
2<br />
آدَمَ جمَْرى الدمم« . وقال صلى هللا عليه وسلم :»ُثُم ي ُبْعَثُونَ على نِيَاهتِِم« . وانظر إَل حديث أنس التايل يَدُلُّك على<br />
تصحيح النية، حيث قال: »وَإِنْ كَانَ الرمجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِالم الدُّنْيَا فَمَا يلبَثُ إِالم يَسِ رياً حَىتم يَكُونَ الإِسْالمُ أَحَ مب<br />
4<br />
إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا« . فاحرص على النية الصاحلة كي تنتفع بعملك وجهادك. فإن الشريعة علقت أجر اجلهاد<br />
على صالح نية صاحبه، كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
:»تَضَمنَ اَّللمُ لِمَنْ خَرَجَ يفِ سَبِيلِهِ ال خيُْرِجُهُ إِالم<br />
جِ هَادًا يفِ سَبِيلِي عَلَي ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِ لَهُ اجلَْنمةَ أَوْ أَرْجِ عَهُ إَِلَ مَسْكَنِهِ المذِي خَرَجَ مِنْهُ<br />
وَإِميَاانً يبِ وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ م<br />
5<br />
انَئِالً مَا انَلَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمٍَة« .<br />
وقال تعاَل:} قُلْ إِنْ ختُْفُوا مَا يفِ صُدُورِكُمْ أَوْ ت ُبْ ُد وهُ ي َعْلَمْهُ اَّللمُ وَي َعْلَمُ مَا يفِ السممَاوَاتِ وَمَا يفِ األَرْضِ وَاَّللمُ عَلَى كُل<br />
ّ<br />
ِ<br />
. 6<br />
شَيْءٍ قَدِيرٌ أَمَدًا بَعِيًدا<br />
ي َوْمَ جتَِدُ كُلُّ ن َفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَريٍْ حمُْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنم ب َيْنَهَا وَب َيْنَهُ<br />
وَحيَُذِّرُكُمْ اَّللمُ ن َفْسَهُ وَاَّللمُ رَءُوفٌ ابِلْعِبَادِ{<br />
وتدبر اي أخي املسلم اآلية التالية لتعلم أثر صدقِ النية يف الثبات عند قتال العدو ويف تنزيل النصر، قال<br />
هللا عز وجل:}<br />
وَأََثَهبَُمْ فَتْحًا قَرِيبًا<br />
لَقَدْ رَضِيَ اَّللمُ عَنْ الْمُؤْمِنِنيَ إِذْ ي ُبَايِعُونَكَ حتَْتَ ال مشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا يفِ قُلُوهبِِمْ فَأَنْزَلَ السمكِينَةَ عَلَيْهِ ْم<br />
وَمَغَاِنَِ كَثِريَةً َيَْخُذُوهنََا وَكَانَ اَّللمُ عَزِيزًا حَكِيمًا{ . 7 فقوله تعاَل: }فَعَلِمَ مَا يفِ قُلُوهبِِمْ{ أي من<br />
صدق النية على الوفاء هبذه البيعة، بيعة الرضوان ابحلديبية وكانت على الصرب وعدم الفرار وإن قُتِلوا،<br />
فكان ثواب صدق النية هو }فَأَنْزَلَ السمكِينَةَ عَلَيْهِ ْم{ والسكينة هي الطمأنينة يف موقف احلرب، فدل<br />
- رواه البخاري عن أنس.<br />
- متفق عليه.<br />
- متفق عليه.<br />
- رواه مسلم.<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
- سورة الفتح، اآلية:<br />
.31<br />
28<br />
.18 19<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
02
ذلك على أهنم أضمروا يف قلوهبم أن ال يفروا فأعاهنم على ذلك ، 1 ومع السكينة }وَأََثَهبَُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَاِنَِ<br />
كَثِريَةً } وهو واضح. وهذه اآلية دليل على أن هللا يثيب صادق النية يف الدنيا إبعانته على الطاعة وغري<br />
ذلك من الثواب فضال عن ثواب اآلخرة.<br />
ومن عالمات صدق النية أال يتغري ثباتُك على الطاعة مبدح الناسِ لك أو بذمهم، وأال يتغري ثباتُك ابملنع والعطاء،<br />
وأال يتغري ثباتُك وإن تفرق عنك السائرون معك على درب اجلهاد، وأال تستوحش من قلة السالكني. قال هللا<br />
تعاَل:} وَ مَا مُحَمَّدٌ إِالَّ رَ سُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّ سُلُ أَقَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَ مَ ْن يَنْقَلِبْ عَلَى<br />
2<br />
عَقِبَيْهِ قَلَنْ يَضُرَّ َّللاَّ َ شَيْئًا وَ سَيَجْزِ ي َّللاَّ ُ الشَّاكِرِ ينَ{ . فإن أتثر عزمُك وثباتُك بشيء من هذا، فأنت لغري هللا تعاَل<br />
تعمل.<br />
. 3<br />
ومع حسن النية يلزم املسلم يف هذا املقام أن يعلم أن أي جهدد يبللده يف اجلهداد، ق دل أو ك َدُدر هدو عمدل صدام مَُدا<br />
عليه صاحبه إن شاء هللا، أدرك غاية النصر والتمكني أو مل يدركها قال تعاَل:}ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ال يُصِ يبُهُمْ ظَمَأٌ وَ الَ نَصَبٌ<br />
وَ ال مَخْمَصَةٌ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ ال يََِئُونَ مَوْ ِِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ ال يَنَالُونَ مِنْ ٍ عَدُو نَيْال إِالَّ كُتِبَ لَهُمْ بِوهِ عَمَولٌ صَوالِحٌ<br />
إِنَّ َّللاَّ َ ال يُضِ يُْ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَ ال يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَ ةً وَ ال كَبِيرَ ةً وَ ال يَقَِْعُونَ وَ ادِيًوا إِالَّ كُتِوبَ لَهُومْ لِيَجْوزِ يَهُمْ َّللاَّ ُ<br />
أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{<br />
والتدريب العسكري داخل يف هذه اآلية فهو نصب يف سبيل هللا وإنفاق وقطع أودية يف سبيل هللا وهو بال ش َك<br />
موطئ يغيض الكفار، ولذلك فنحن املسلمني نتعبد هلل ابل<strong>إعداد</strong> والتدريب متاما كما نتعبد له سبحانه ابلقتال ذاته<br />
وابلصالة والصيام، وهذا املعىن ينبغي أن يكون حاضراً يف نفس كل أخ مسلم مقدم على التدريب طاعة وامتثاال لقول<br />
هللا تعاَل:} وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{.<br />
والتدريب واجلهاد من أفضل القرابت إىل هللا وأفضل من مجيع النوافل، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
يَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ المذِي كَانَ ي َعْمَلُهُ َوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَريٌْ مِنْ صِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِ َن<br />
:»رِابَطُ ي<br />
الْفَتمانَ« . 4 وقال صلى هللا عليه وسلم ملن أراد أن يعتزل الناس ويتعبد »ال تَفْعَلْ فَإِنم مُقَامَ أَحَدِكُمْ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ أَفْضَل<br />
مِنْ صَالتِهِ يفِ ب َيْتِهِ سَبْعِنيَ عَامًا أَال حتُِبُّونَ أَنْ ي َغْفِرَ اَّللمُ لَكُمْ وَيُدْخِ لَكُمُ اجلَْنمةَ اغْزُو يفِ سَبِيلِ اَّللمِ مَنْ قَاتَلَ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ<br />
ُ<br />
5<br />
فَوَاقَ انَقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ اجلَْنمةُ« . وعنه قال: قيل اي رسول هللا ما يعدل اجلهاد يف سبيل هللا؟ قال »ال تستطيعونه« فأعادوا<br />
03<br />
- 1<br />
فتح الباري ج 6<br />
/ ص .119<br />
- 2<br />
سورة آل عمران، اآلية:<br />
.144<br />
3<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
.121<br />
121<br />
4<br />
5<br />
- رواه مسلم عن سلمان<br />
- رواه الرتمذي وحسنه عن أيب هريرة.
عليه مرتني أو ثالَث كل ذلك يقول »ال تستطيعونه«، ُث قال:» مَثَلُ الْمُجَاهِدِ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ كَمَثَلِ الصمائِمِ الْقَائِمِ<br />
الْقَانِتِ ِبِايَتِ اَّللمِ ال ي َفْرتُُ مِنْ صِيَامٍ وَال صَالةٍ حَىتم ي َرْجِ عَ الْمُجَاهِدُ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ تَعَاََل« . 1<br />
وقال شيخ الإسالم ابنُ تيمية :]إن اجلهاد أفضل من احلج والعمرة ومن التعبد يف املسجد احلرامِ الذي تعدلُ الصالة<br />
<strong>في</strong>ه مائةَ ألف صالة يف غريه من املساجد، وقد استدل على ذلك بقوله تعاَل:}<br />
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاج ِ وَ عِمَارَ ةَ<br />
3 2<br />
الْمَسْجِ دِ الْحَرَ امِ كَمَنْ آمَنَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ اآلخِ رِ وَ جَاهَدَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال يَسْتَوُ ونَ عِنْدَ َّللاَّ ِ{ .[ . وقد ورد يف تفسري<br />
هذه اآلية ويف سبب نزوهلا احلديث الذي رواه مسلم عن النعمان بن بشري عندما اختلف الصحابة<br />
أفضل؟ فنزلت اآلية فحكمت بينهم.<br />
يف أي العمل<br />
وقال ابن تيمية يف موضع آخر:] وكذلك اتفق العلماء <strong>في</strong>ما أعلم على أنه ليس يف التطوعات أفضل من اجلهاد. فهو<br />
أفضل من احلج، وأفضل من الصوم التطوع، وأفضل من الصالة التطوع.<br />
واملرابطة يف سبيل هللا أفضل من اجملاورة مبكة واملدينة وبيت املقدس، حىت قال أبو هريرة : ألن أرابط ليلة يف سبيل<br />
هللا أحب إيل من أن أوافق ليلة القدر عند احلجر األسود. فقد اختار الرابط ليلة على العبادة يف أفضل الليايل عند<br />
أفضل البقاع، وهلذا كان النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يقيمون ابملدينة دون مكة، لِمَعَانٍ منها أهنم كانوا<br />
مرابطني ابملدينة. فإن الرابط هو املقام مبكان خييفه العدوُ وخييف العدوَ.<br />
فمن أقام <strong>في</strong>ه بنية دفع العدو فهو مرابط، واألعمال ابلنيات. قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :»رِابَطُ ي َوْمٍ يفِ سَبِيلِ<br />
4<br />
اَّللمِ خَريٌْ مِنْ أَلْفِ ي َوْمٍ فِيمَا سِ وَاهُ مِنَ الْمَنَازِِل« . ويف صحيح مسلم عن سلمان، أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:»<br />
رِابَطُ ي َوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَريٌْ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنَ اجلَنمةِ، وَأَِم َن<br />
5<br />
الْفَتمانَ« يعين منكرا ونكريا. فهذا يف الرابط فكيف اجلهاد؟.<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ]قال أبو عبد هللا أمحدُ بن حنبلٍ ال أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من<br />
اجلهاد[ ، 6 قال األثرم: قال أمحد ال نعلم شيئا من أبواب الرب أفضل من السبيل، وقال الفضل بن زايد: مسعت أاب عبد<br />
هللا وذُكِرَ له أمرُ الغزو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال الرب أفضلُ منه، وقال عنه غريه: ليس ي َعْدِل لقاء العدو شيءٌ<br />
ومباشرة القتال بنفسه أفضل األعمال، والذين يقاتلون العدوَ هم الذين يَدْفَعون عن الإسالم وعن حرميهم فأي عمل<br />
أفضل منه؟ الناس آمنون وهم خائفونَ قد بذلوا مُهَجَ أنفسهم إَل قوله وألن اجلهادَ بذلُ املهجةِ واملال ونفعه يعم<br />
04<br />
1<br />
2<br />
- متفق عليه وهذا لفظ مسلم.<br />
18. التوبة اآلية - سورة<br />
- 3<br />
انظر )جمموع الفتاوى( ج<br />
29 ص ،5<br />
161. وج35 ص<br />
4<br />
5<br />
6<br />
- رواه أهل السنن وصححوه.<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 419<br />
- روى هذه املسألة عن أمحد مجاعة من أصحابه.
املسلمني كلهمْ صغريَهم وكبريَهم، قويَهم وضعيفَهم، ذكرَهم وأنثَاهم، وغريه ال يساويه يف نفعه وخطره فال يساويه يف<br />
فضله وأجره<br />
1<br />
.<br />
وقال الإمام السَرخسيُّ يف شرحه لكتاب )السري الكبري( لإلمام حممد بن حسن الشيباين أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
قال <strong>في</strong>ما رواه معاوية بن قرة:<br />
»يف كل أمة رهبانية، ورهبانية هذه األمة اجلهاد«، قال السَرخسي: ]ومعىن الرهبانية<br />
التفرغُ للعبادة، وترك االشتغالِ بعملِ الدنيا، وكان ذلك يف األمم اخلالية ابالعتزال عن الناس وال مُقَامِ يف الصوامع، فقد<br />
كانت العزلة <strong>في</strong>هم أفضل من العِشْرة، ُث نفى النيب صلى هللا عليه وسلم ذلك بقوله: »ال رهبانية يف الإسالم« وبني<br />
طريق الرهبانية هلذه األمة ابجلهاد ف<strong>في</strong>ه العِشْرة مع الناس، والتفرغ عن عمل الدنيا واالشتغال مبا <strong>في</strong>ه سنام الدين، وقد<br />
مسى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اجلهاد سنام الدين، و<strong>في</strong>ه أمر ابملعروف وهني عن املنكر وهو صفة هذه األمة،<br />
و<strong>في</strong>ه تعرض ألعلى الدرجات وهو الشهادة فكان أقوى وجوه الرهبانية. أ ه [.<br />
ولذلك ينبغي أال يتعلل مسلم ابنشغاله يف الطاعات األخرى للقعود عن التدريب واجلهاد، بل هذا من تلبيس<br />
الشيطان، وهي العقبة السادسة من العقبات اليت يضعها الشيطان يف طريق العبد كما ذكرها ابن القيم، فالعقبة األوَل<br />
حماولة ايقاعه يف الكفر، والثانية يف البدع، والثالثة يف الكبائر، والرابعة يف الصغائر، واخلامسة يف شغله ابملباحات عن<br />
الطاعات، قال ابن القيم: ]العقبة السادسة: وهي العقبة املرجوحة املفضولة من الطاعات، فأمره هبا، وحَسمنها يف<br />
عينه، وزَيمنها له، وأراه ما <strong>في</strong>ها من الفضل والربح، ليشغله هبا عما هو أفضل منها وأعظم كسبا ورحبا، ألنه لَما عجز<br />
عن ختسريه أصل الثواب طمع يف ختسريه كَمَاله وفضله، ودرجاته العالية، فشغله ابملفضول عن الفاضل وابملرجوح عن<br />
الراجح وابحملبوب هلل عن األحب إليه وابملرضي عن األرضى له إَل قوله ويف احلديث اآلخر »اجلهاد ذروة سنام<br />
األمر«<br />
إَل قوله وال يقطع هذه العقبة إال أهل البصائر والصدق من أويل العزم، السائرون على جادة التو<strong>في</strong>ق قد<br />
أنزلوا األعمال منازهلا وأعطوا كل ذي حق حقه[ . 2<br />
فهذا إيضاح يف مسألة تفاضل األعمال وهو أصل مقرر يف عقيدة أهل السنة، يدل عليه قول رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم : »الإِميَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِ تُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ ال إِلَهَ إِالم اَّللمُ وَأَدْانَهَا إِمَاطَةُ األَذَى عَنِ الطمرِيِق<br />
3<br />
وَاحلَْيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِميَانِ« . والإيضاح الثاين هو أنه ال ينبغي للمسلم أن حيزن إذا عجز حني التدريب واجلهاد عن<br />
املواظبة على ما اعتاده من النوافل كالتالوة والذكر والصالة والصيام، فأجر ذلك كله جيري عليه إن شاء هللا، لقول<br />
4<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ ي َعْمَلُ مُقِيمًا صَحِ يحًا« .<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />
- )مدارج السالكني( ج 1 ص 222<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- رواه البخاري عن أيب موسى األشعري.<br />
.368 369<br />
226<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
05
أال<br />
وجيب على كل من يسر هللا له أمر التدريب واجلهاد أن حيمد هللا على هذه النعمة اليت حُرِمَ منها األكثرون، وقد قال<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَا اغْربَمتْ قَدَمَا عَبْدٍ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ فَتَمَسمهُ النمارُ« . 1 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
»مَنْ قَاتَلَ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَوَاقَ انَقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ اجلَْنمةُ« ، إال أن الثواب يف هذه األحاديث معلق على<br />
انتفاء املانع يف حق صاحبه، فقد رأينا آنفا رجاال قاتلوا يف حضرة النيب صلى هللا عليه وسلم وقال عنهم إهنم يف<br />
النار، وكذلك حديث الذي قاتل ليقال عنه أنه جريء، واملانع قد يكون حَاالً يعرض للمسلم حال جهاده كالرايء<br />
والعجب واملن واخليانة والغلول، وقد يكون آجال يعرض له بعد اجلهاد <strong>في</strong>ما بقي من حياته، كما ورد يف حديث<br />
الصادق املصدوق عن ابن مسعود مرفوعا »فَوَهللا المذِي الَ إِلَهَ غَريُْهُ إِنم أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ اجلَْنمةِ حَىتم مَا يَكُونُ<br />
ب َيْنَهُ وَب َيْنَهَا إِالم ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النمارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنم أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعََملِ أَهْلِ النمارِ حَ مىت<br />
3<br />
فَيَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ اجلَْنمةِ فَيَدْخُلُهَا« . وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
مَا يَكُونُ ب َيْنَهُ وَب َيْنَهَا إِالم ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ُ<br />
»إِنم الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النمارِ وَإِنمهُ مِنْ أَهْلِ اجلَْنمةِ وَي َعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ اجلَْنمةِ وَإِنمهُ مِنْ أَهْلِ النمارِ وَإَِّنمَا األَعْمَاُل<br />
ابِخلَْوَاتِيِم« . 4 وقال ابن حجر يف شرحه: [ قال ابن بطال: يف تَغْيِيب خامتة العمل عن العبد حكمة ابلغة وتدبري<br />
لطيف، ألنه لو علم وكان انجيا أُعْجِ بَ وكسل، وإن كان هالكا ازداد عتوا، فَحُجِ بَ عنه ذلك ليكون بني اخلوف<br />
5<br />
والرجاء[ . فاحرص على أال يعرض لك ما يضيع ثواب جهادك.<br />
ترى إَل قوم جاهدوا مع النيب صلى هللا عليه وسلم وأخرب عنهم إهنم يف النار، وقوم صحبوه صلى هللا عليه وسلم<br />
ُث ارتدوا بعد مماته. فهذا يف سوء اخلامتة بعد عمل الصاحلات.<br />
ُث انظر كذلك إَل قاتل املائة كيف اتب هللا عليه وطوى له األرض، وإَل سحرة فرعون قال ابن كثري:]فكانوا يف أول<br />
6<br />
النهار سَحَرَة، فصاروا يف آخره شهداء بررة[ ، وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم. وهذا يف حسن<br />
اخلامتة بعد عمل السيئات.<br />
وقد قال هللا تعاَل:}<br />
وَالمذِينَ ي ُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوهبُُمْ وَجِ لَةٌ أَهنمُمْ إَِلَ رَهبِِّمْ رَاجِ عُوَن{ . 7<br />
قال ابن كثري يف تفسريها: ]روى<br />
الإمام أمحد عن عائشة أهنا قالت: اي رسول هللا }وَالمذِينَ ي ُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوهبُُمْ وَجِ لَةٌ{ هو الذي يسرق ويزين ويشرب<br />
اخلمر وهو خياف هللا عز وجل؟ قال صلى هللا عليه وسلم : »ال اي بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق<br />
06<br />
1<br />
2<br />
- 3<br />
5<br />
ج- 6<br />
- رواه البخاري عن عبد الرمحن بن جبري.<br />
- رواه أبو داود والرتمذي وحسنه عن معاذ.<br />
متفق عليه<br />
- 4 رواه البخاري عن سهل بن معاذ<br />
- )فتح الباري( ج 11 ص 331<br />
2 ص 239<br />
7<br />
- سورة املؤمنون، اآلية:61
وهو خياف هللا عز وجل«.<br />
وهكذا رواه الرتمذي وابن أيب حامت من طريق مالك بن مِغْوَل به حنوه قال »ال اي بنت<br />
الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم خيافون أال يتقبل منهم« أ ه [. فهؤالء املوصوفون خيشون<br />
أال تقبل أعماهلم لسببني:<br />
األول: أن )األعمال ابخلواتيم( وهم ال يدرون مب سوف خيتم هلم.<br />
الثاين: أنه وإن ختم هلم ِبري فإهنم ال يدرون هل سيقبل هللا عملهم أم ال؟ فإن العمل قد يكون ظاهره اخلري والتمام،<br />
إال أن هناك عِلمة خ<strong>في</strong>ة متنع قبوله عند هللا كالرايء والعجب واملن واألذى وأكل احلرام، وغريها. وإن خل العمل من<br />
علل عدم القبول فاألمر بعد ذلك موقوف على رمحة هللا تعاَل للعبد، كما قال صلى هللا عليه وسلم : »لن ينجو أحد<br />
1<br />
منكم بعمله« . وقال صلى هللا عليه وسلم :»سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِ رُوا فَإِنمهُ ال يُدْخِ لُ أَحَدًا اجلَْنمةَ عَمَلُهُ قَالُوا وَال أَنْتَ َاي<br />
2<br />
رَسُولَ اَّللمِ قَالَ وَال أَانَ إِال أَنْ ي َتَغَمدَينِ اَّللمُ مبَِغْفِرَةٍ وَرَمحَْةٍ« . وقال ابن حجر: [ وأن اجلنة ال يدخلها أحد بعمله بل<br />
برمحة هللا إَل قوله وقال ابن اجلوزي: يتحصل عن ذلك أربعة أجوبة: األول: أن التو<strong>في</strong>ق للعمل من رمحة هللا، ولوال<br />
رمحة هللا السابقة ما حصل الإميان وال الطاعة اليت حيصل هبا النجاة، الثاين: أن منافع العبد لسيده<br />
فعمله مستحق<br />
ملواله، فمهما أنعم هللا عليه من اجلزاء فهو من فضله، الثالث: جاء يف بعض األحاديث أن نفس دخول اجلنة برمحة هللا<br />
واقتسام الدرجات ابألعمال، الرابع: أن أعمال الطاعات كانت يف زمن يسري والثواب ال ينفذ، فالإنعام الذي ال ينفذ<br />
3<br />
يف جزاء ما ينفذ ابلفضل ال بقابلة األعمال. أ ه ] .<br />
املقصد من هذا: أن املسلم القاصد للجهاد يف سبيل هللا، عليه أن حيرص أشد احلرص على أال يفسد ثواب جهاده<br />
أبي شيء من األعمال الظاهرة أو القلبية سواء وهو يف ميدان اجلهاد أو <strong>في</strong>ما يَسْتَقْبِل من عمره حىت يلقى هللا تعاَل.<br />
نسأل هللا لنا ولكم حسن اخلامتة وقبول األعمال الصاحلة.<br />
مسألة:<br />
سألين أحد الإخوة، قال: إذا أخل اجملاهد عطاءا )أي معاشا ماليا( لينفق على نفسه أو على عياله، أو إذا غزا فنال<br />
شيئا من الغنيمة، هل ينقص ذلك من ثوا<br />
هللا هي العليا؟<br />
اجلواب: نعم، كل نفع دنيوي حيصل للمجاهد يف سبيل هللا ضِمْناً ال قصدا ينق<br />
أن اخلارج للجهاد ال ختلوا نيته عن حال من أربع:<br />
جهاده عند هللا شيئا، مع العلم أبنه ما خرج للجهاد إال لتكون كلمة<br />
من أجره عند هللا. وتفضيل ذلك<br />
األوَل: رجل خرج للغزو وليس قصده أن تكون كلمة هللا هي العليا، بل قصده املال أو الرايسة أو السمعة أو غري<br />
ذلك من حظوظ الدنيا، أو التجسس على املسلمني أو ليخلو برجل من املسلمني ليقتله أثناء احلرب. فهذا يف النار،<br />
- رواه مسلم عن أليب هريرة<br />
- رواه البخاري عن عائشة<br />
- )فتح الباري( ج 11 ص 285<br />
286<br />
1<br />
2<br />
3<br />
07
حلديث أيب هريرة الذي ذكرته من قبل، و<strong>في</strong>ه:<br />
»قَالَ<br />
قَاتَلْتُ فِيكَ حَىتم اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنمكَ قَاتَلْتَ ألَ ْن<br />
ي ُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ُثُم أُمِرَ بِهِ فَسُحِ بَ عَلَى وَجْهِهِ حَىتم أُلْقِيَ يفِ النمار« . 1 ومع ذلك أي مع فساد نية هذا قد<br />
حيدث على يديه إعالء كلمة هللا ضمنا، وهذا هو املقصود بقوله صلى هللا عليه وسلم : »وَإِنم اَّللمَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ<br />
3<br />
2<br />
ابِلرمجُلِ الْفَاجِ رِ« .ويف رواية: »وَأبَِقْوامٍ الَ خَالَقَ هلَُم« .<br />
الثانية: رجل خرج للغزو وقصده إعالء كلمة هللا، وقصده أيضا حظ نفسه من مال أو مسعة أو رايسة، فهذا ال أجر<br />
له، ملا رواه أبو داود والنسائي من حديث أيب أمامة إبسناد جيد، قال:»جاء رجل فقال: اي رسول هللا، أَرَأَيْتَ رَجُال<br />
غَزَا ي َلْتَمِسُ األَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم ال شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَالثَ مَرماتٍ ي َقُولُ لَهُ رَسُوُل<br />
اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم ال شَيْءَ لَهُ ُثُم قَالَ إِنم اَّللمَ ال ي َقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِال مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ«.<br />
الثالثة: رجل خرج للغزو وقصده إعالء كلمة هللا، ال قصد له غري هذا، ُث حصل له شيء من املغنم ضِمْناً ال قصدا،<br />
فهذا له أجر اجلهاد يف سبيل هللا، ولكن نق<br />
هو موضع السؤال، فكل نفع دنيوي ي ُنْقِ<br />
ُ األجر.<br />
أجره بسبب ما انله من غنيمة ِبالف احلال الرابع. وهذا احلال الثالث<br />
الرابعة: رجل خرج للغزو، وقصده إعالء كلمة هللا، ال قصد له غري هذا، ومل حيصل له شيء من حظوظ الدنيا، فهذا له<br />
األجر كامال، وهؤالء درجات، أدانهم من رجع من الغزو ساملا بال غنيمة وأعالهم من أهريق دمُه وعُقِرَ فرسُه وذَهَبَ<br />
مالُه يف سبيل هللا، وبينهما املصاب والشهيد.<br />
ودليل احلالتني الثالثة والرابعة، هو حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »مَا مِنْ<br />
غَازِيَةٍ تَغْزُو يفِ سَبِيلِ اَّللمِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِال تَعَجملُوا ث ُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ اآلخِ رَةِ وَي َبْقَى هلَُمُ الث ُّلُثُ وَإِنْ ملَْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً متَم<br />
4<br />
هلَُمْ أَجْرُهُمْ« . وله يف رواية أخرى: »مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِال كَانُوا قَدْ تَعَجملُوا ث ُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا<br />
مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ ختُْفِقُ وَتُصَابُ إِال متَم أُجُورُهُمْ«؛ والإخفاق هو أن يغزو فال يغنموا شيئا.<br />
فهذا ن واضح صريح يف أن من غزا ونيته صاحلة )يف سيبل هللا( إن رجع بشيء من الغنيمة نق ذلك ثلثي أجره<br />
األخروي )وهي احلالة الثالثة اليت ذكرهتا، وهي موضع السؤال وإن مل يرجع بشيء مت له أجره يف اآلخرة )وهي احلالة<br />
الرابعة(.<br />
وقد أورد البخاري رمحه هللا هذه املسألة يف كتاب فرض اخلمس من صحيحه يف ابب )من قاتل للمغنم هل ينق<br />
أجره؟( هكذا معلقا احلكم ومل جيزم <strong>في</strong>ه بشيء. وأورد <strong>في</strong>ه حديث أيب موسى األشعري »من قاتل لتكون كلمة<br />
من<br />
- رواه مسلم<br />
- رواه البخاري<br />
- رواه أمحد والطرباين عن أيب بكرة<br />
- رواه مسلم<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
08
هللا هي العليا«. وفَصمل ابن حجر األحوال املختلفة ومل جيزم يف احلكم ، 1 ِبالف النووي الذي جزم يف احلكم يف هذه<br />
املسألة فقال يف شرح حديث عبد هللا بن عمر السابق »مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو...« قال النووي:]فالصوا اللي ال جيوز<br />
غريه أن الغزاة إذا س لِموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من مل يسلم ، أو سلم ومل يغنم، وأن الغنيمة هي يف<br />
امل<br />
مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت هلم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم رتتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من<br />
مجلة األجر، وهذا موافق لألحاديث الصحيحة املشهورة عن الصحابة، كقوله »مِنما من مات ومل َيكل من أجره شيئا،<br />
ومنا من أينعت له مثرته فهو ي َهْذِهبَُا« أي جيَْتَنِيها فهذا الذي ذكران هو الصواب وهو ظاهر احلديث ومل َيت حديث<br />
صريح صحيح خيالف هذا فتعني محله على ما ذكران وقد اختار القاضي عياض معىن هذا الذي ذكرانه بعد حكايته يف<br />
تفسريه أقواال منها قول من زعم أن هذا احلديث ليس بصحيح وال جيوز أن ينق<br />
ثواب أهل بدر، وهم أفضل<br />
اجملاهدين وهي أفضل الغنيمة، قال وزعم بعض هؤالء أن أاب هانئ محيد بن هانئ رَاوِية جمهول ورَجمحوا احلديث السابق<br />
يف أن اجملاهد يرجع مبا انل من أجر وغنيمة فرَجمحوه على هذا احلديث لشهرته وشهرة رجاله وألنه يف الصحيحني<br />
وهذا يف مسلم خاصة، وهذا القول ابطل من أوجه فإنه ال تعارض بينه وبني احلديث املذكور، فإن الذي يف احلديث<br />
السابق رجوعه مبا انل من أجر وغنيمة ومل يقل أن الغنيمة تنق األجر أم ال، وال قال أجره كأجر من مل يغنم فهو<br />
مطلق وهذا مقيد فوجب محله عليه. وأما قوهلم أبو هانئ جمهول فغلط فاحش بل هو ثقة مشهور روى عنه الليث بن<br />
سعد وحَيْوة وابن وهب وخالئق من األئمة ويك<strong>في</strong> يف توثيقه احتجاج مسلم به يف صحيحه. وأما قوهلم إنه ليس يف<br />
الصحيحني فليس الزما يف صحة احلديث كونه يف الصحيحني وليس يف أحدمها. وأما قوهلم يف غنيمة بدر، فليس يف<br />
غنيمة بدر ن<br />
أهنم لو مل يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط، وكوهنم مغفورا هلم مرضيا عنهم ومن<br />
أهل اجلنة ال يلزم أن ال تكون وراء هذا مرتبة أخرى هي أفضل منه مع أنه شديد الفضل عظيم القدر. من األقوال<br />
الباطلة ما حكاه القاضي عن بعضهم أنه قال لعل تعجل ثلثي أجره إَّنا هو يف غنيمة أخذت على غري وجهها وهذا<br />
غلط فاحش إذ لو كانت على خالف وجهها مل يكن ثلث األجر. وزعم بعضهم أن املراد أن اليت أخفقت يكون هلا<br />
األجر ابألسف على ما فاهتا من الغنيمة <strong>في</strong>ضاعف ثواهبا كما يضاعف ملن أصيب يف ماله وأهله وهذا القول فاسد<br />
مباين لصريح احلديث. وزعم بعضهم أن احلديث حممول على من خرج بِنِيمة الغزو والغنيمة معاً فنق<br />
2<br />
ضعيف. والصواب ما قدمناه وهللا أعلم.[ .<br />
ثوابه وهذا أيضا<br />
3<br />
قلت: وقد ورد يف كتاب )نيل األوطار( ابب مستقل لبحث هذه املسألة، وهو ابب )ما جاء يف إخالص النية يف<br />
اجلهاد وأخل األجرة عليه واإلعانة<br />
ِبالف النووي.<br />
) حيث ذكر جمموع األدلة السابقة وما ذكره ابن حجر، ومل جيزم يف املسألة<br />
- فتح الباري ج 6 ص 226 ،28 ،29<br />
- )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 13 ص 52<br />
- للشوكاين ج 9 ص 32 وما بعدها<br />
53<br />
1<br />
2<br />
3<br />
09
وهذا ما تيسر من الكتابة عن الإخالص والإحتساب، عسى هللا أن ينفعنا به والقارئ الكرمي. آمني.<br />
21
الباب الثاني:<br />
حكم التدريب العسكري<br />
للمسلمين<br />
و<strong>في</strong>ه املسائل التالية:<br />
أوال أمهية التدريب العسكري للمسلمني.<br />
َثنيا حكم التدريب العسكري للمسلمني.<br />
َثلثا على من جيب التدريب العسكري؟.<br />
رابعا أصحاب األعذار الشرعية.<br />
خامسا النفقة يف سبيل هللا.<br />
20
الباب الثاني:<br />
حكم التدريب العسكري للمسلمين<br />
أوال: أهمية التدريب العسكري للمسلمين<br />
«<br />
قال صلى هللا عليه وسلم : يُوشِ كُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ األُمَمُ مِنْ ِ كُل أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا« قُلْنَا: ايَ<br />
رَسُولَ اَّللمِ أَمِنْ قِلمةٍ بِنَا ي َوْمَئِذٍ قَالَ :»أَنْتُمْ ي َوْمَئِذٍ كَثِريٌ وَلَكِنمكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السميْلِ تُنزعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَجيُْعَل<br />
1<br />
يفِ قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ« قَالُوا وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ : »حُبُّ احلَْيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ » .<br />
ّ<br />
وقال صلى هللا عليه وسلم : »إِذَا تَبَاي َعْتُمْ ابِلْعِينَةِ وَأَخَذْمتُْ أَذْانَبَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ ابِلزمرْعِ وَتَرَكْتُمُ اجلِْهَادَ سَلمطَ اَّللمُ عَلَيْكُ ْم<br />
2<br />
ذُالا ال ي َنْزِعُهُ حَىتم تَرِْجعُوا إَِلَ دِينِكُ ْم« .<br />
واحلديثان مبعىن واحد، ومها والشك يصفان حال املسلمني اليوم، أحبوا الدنيا وكرهوا املوت وتركوا اجلهاد، فسَلمط هللا<br />
عليهم األمم الكافرة تسومهم الذل واهلوان وهذه عقوبة قدرية واقعة ال حمالة بتاركي اجلهاد، كما قال احلق جل وعال:<br />
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُ وا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى األْ َرْ ضِ أَرَ ضِ يتُ ْم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ اآلْ خِ رَ ةِ<br />
قَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قِي اآلْ خِ رَ ةِ إِالَّ قَلِيلٌ إِالَّ تَنفِرُ وا يُعَ ِذبْكُمْ عَذَابًا أَلِيم ًا وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْ م ًا غَيْرَ كُمْ وَ الَ تَضُرُّ وهُ شَيْئًا<br />
وَ َّللاَّ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ } 3 . فالعذاب األليم يف اآلية، منه الذل املذكور يف حديث ابن عمر، ومنه تداعي األمم<br />
علينا املذكور يف حديث ثوابن. واخلَالَص من هذا يكون كما أخرب النيب صلى هللا عليه وسلم : »ال ينزعه حىت ترجعوا<br />
إَل دينكم«<br />
وهذا يكون ابلعودة إَل اجلهاد املذكور يف أول احلديث، وهذا يتفق مع قول هللا تعاَل: }وَ قَاتِلُوا<br />
الْمُشْرِ كِينَ كَاقَّة ً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَاقَّة ً وَ اعْلَمُوا أَنَّ َّللاَّ َ مََْ الْمُتَّقِي<br />
وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{ 5 .<br />
4<br />
َن{ . وقول هللا تعاَل:}وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى ال تَكُونَ قِتْنَةٌ<br />
والشك أن هذا األمر الرابين سيثري سؤاال. وهو كيف لنا بتن<strong>في</strong>ذ هذا األمر، وحنن املسلمني قد بلغنا من العجز<br />
والفرقة والفنت جتعل احلليم حريان؟<br />
22<br />
1<br />
2<br />
3<br />
- رواه أمحد عن ثوابن، ورواه أبو داود كذلك عنه، وصححه الشيخ األلباين<br />
- رواه أبو داود عن ابن عمر إبسناد حسن، وصححه األلباين.<br />
- سورة التوبة، اآلية:39<br />
38<br />
4<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
36<br />
- 5<br />
سورة اآلنفال، اآلية:<br />
38
وُنُ يب بقول ابن تيمية: ]جيب االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز، فإن ما ال يتم<br />
1<br />
الواجب إال به فهو واجب[ .<br />
واإلعداد للجهاد نوعان: <strong>إعداد</strong> إمياين ابلعلم الشرعي، والتزكية }يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَ كِيهِمْ وَ يُعَلِمُهُمْ الْكِتَابَ<br />
2<br />
وَ الْحِ كْمَةَ{ . و<strong>إعداد</strong> مادي إبعداد القوة والتدرب عليها وابلنفقة يف سبيل هللا. وسنرجئ الكالم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين،<br />
ونبدأ بضوابط ال<strong>إعداد</strong> املادي للجهاد، إذ أنه سبب كتابة هذه الرسالة، فنقول قد أمر هللا تعاَل به يف قوله تعاَل:<br />
}وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ<br />
قُوَّ ةٍ وَ مِنْ رِ بَاِِ الْخَيْلِ تُرْ هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ َّللاَّ ِ وَ عَدُوَّ كُمْ وَ آخَرِ ينَ مِنْ دُونِهِمْ ال<br />
تَعْلَمُونَهُمْ َّللاَّ ُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ يُوَ فَّ إِلَيْكُمْ<br />
حديث عقبة بن عامر<br />
<br />
3<br />
وَ أَنْتُمْ ال تُظْلَمُو َن{ . وورد يف تفسري هذه اآلية<br />
قال: مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو على املنرب يقول:<br />
»}وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا<br />
اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{، أال إن القوة الرمي، أال إن القوة الرمي، أال إن القوة الرمي« . 4 وهذا التفسري من النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم لآلية هو ن<br />
يف موضع النزاع بني من يقول إن ال<strong>إعداد</strong> للجهاد يكون ابلتدريب على السالح وبني من<br />
يقول ال<strong>إعداد</strong> يكون ابلرتبية والتزكية، إذ إن احلديث يبني أن القوة اليت أمر هللا إبعدادها هي القوة املادية من خمتلف<br />
أسلحة الرماية مع التدريب عليها، وهذا مما ال يسع املسلم تركهكما سنذكر يف حكم التدريب.<br />
أما الرتبية والتزكية فهي داخلة يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد وهو واجب أيضا وسنذكر دليل ذلك <strong>في</strong>ما بعد، ومعسكرات<br />
التدريب وساحات اجلهاد لو أُحْسِ نَ رعايتها تكون خري مكان لرتبية الرجال والكشف عن معادهنم وسلوكهم، مبا توفره<br />
من طول املعاشرة والتعرض للمشاقّ واألسفار. وسنتكلم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين يف أكثر من موضع يف هذه الرسالة إن<br />
شاء هللا تعاَل. فال خالف على ضرورة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين مع ال<strong>إعداد</strong> املادي، أما أن يُصْرَف معىن ال<strong>إعداد</strong> يف اآلية على<br />
ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وحده، أو اختاذ ال<strong>إعداد</strong> الإمياين ذريعة للقعود عن ال<strong>إعداد</strong> املادي والتدريب فهذا ما َيابه الن القرآين<br />
واحلديث، وحنن ابلتايل ال نرضى بذلك.<br />
واخلالصة: إن أمهية التدريب العسكري أتِت من كونه أحد صور ال<strong>إعداد</strong> للجهاد، واجلهاد هو طريق اخلالص<br />
للمسلمني من غضب الرب سبحانه وتعاَل، ومن حياة الذل واملهانة اليت حييوهنا يف هذا الزمان.<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 258<br />
- سورة اجلمعة، اآلية:<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
- رواه مسلم<br />
2<br />
61<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
23
ر-<br />
ثانيا: حكم التدريب العسكري للمسلمين.<br />
هو واجب على كل مسلم مكلف من غري أصحاب األعذار الشرعية، إذ إنه مقدمة من مقدمات اجلهاد، وأدلة<br />
وجوب التدريب هي:<br />
= 1<br />
من املعلوم أن اجلهداد يكدون فدرني عدني علدى كدل مسدلم يف مواض ع مبين ة يف كت ب الفق ه، وه ي كم ا ذكره ا اب ن<br />
قدامة احلنبلي يف كتابِهِ املُغين قال: ]ويتعني اجلهاد يف ثالثة مواضع:<br />
ُ<br />
أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصمفان حَرُمَ على من حضر االنصراف وتعني عليه املقام لقول هللا<br />
تعاَل: {<br />
ايَ أَي ُّهَا المذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُروا اَّللمَ كَثِريًا لَعَلمكُمْ ت ُفْلِحُوَن<br />
وَأَطِيعُوا اَّللمَ وَرَسُولَهُ وَال تَنَازَعُوا<br />
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِحيُكُمْ وَاصْربُِوا إِنم اَّللمَ مَعَ الصمابِرِينَ{ ، 1 وقوله تعاَل: }ايَ أَي ُّهَا المذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ المذِينَ كَفَرُوا<br />
زَحْفًا فَال ت ُوَلُّوهُمْ األَدْابَرَ وَمَنْ ي ُوَهلِِّمْ ي َوْمَئِذٍ دُب ُرَهُ إِالم مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إَِلَ فِئَةٍ فَقَدْ ابَءَ بِغَضَبٍ مِنْ اَّللمِ{ . 2<br />
الثاين: إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم.<br />
الثالث: إذا استنفر الإمامُ قوماً لزمهم النفري معه، لقول هللا تعاَل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُ وا قِي<br />
سَبِيلِ َّللاَّ ِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى األَرْ ضِ<br />
{اآلية واليت بعدها، وقال النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
4 3<br />
»وإذا استنفرمت فانفروا« ] .<br />
ويتضح من هذا أن اجلهاد يكاد أن يكون فرض عني على مجيع املسلمني اآلن، خاصة املوضع الثاين )إذا نزل الكفار<br />
ببلد( فمعظم بلدان املسلمني اآلن حيكمها ويتسلط عليها الكفار، إما مستعمر أجنيب كافر وإما حكومة حملية كافرة.<br />
وإذا تعني اجلهاد فإن تركه يكون من الكبائر للوعيد الوارد <strong>في</strong>ه، بل من السبع املوبقات بن حديث النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم .<br />
ومن هنا يتبني وجو التدريب العسكري لكونه من اإلعداد للجهاد الذي ميكن أن يتعني على كل مسلم يف أي<br />
وقت، وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.<br />
= 2<br />
قوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِونْ قُو َّوةٍ{ ، 5 م ع ح ديث عقب ة ب ن ع امر مرفوع ا »أال إن الق وة الرم ي« . 6<br />
فاألمر للوجوب مع عدم وجود قرينة صارفة إَل الندب، فإذا وج ب الإع داد، فق د وج ب الت دريب إذ أن ه ج زء ه ام م ن<br />
ال<strong>إعداد</strong>.<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
46<br />
45<br />
- سورة األنفال، اآلية: 15<br />
- متفق عليه<br />
16<br />
- )كتاب املغين والشرح الكبري( ج 11 ص 365<br />
- سورة األنفال: اآلية<br />
واه مسلم وقد سبق<br />
366<br />
61<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
24
وقال الصنعاين يف شرح حديث عقبة هذا: ]أفاد احلديث تفسري القوة يف اآلية ابلرمي ابلسهام ألنه املعتاد يف عصر<br />
النبوة، ويشتمل الرمي ابلبنادق للمشركني والبغاة، ويؤخذ من ذلك شرعية التدريب <strong>في</strong>ه، ألن ال<strong>إعداد</strong> إَّنا يكون مع<br />
االعتياد إذ من مل حيسن الرمي ال يسمى معدا للقوة<br />
1<br />
.<br />
. 3 »<br />
= 3<br />
ق ول هللا تع اَل: }وَ لَوووْ أَرَ ادُوا الْخُوورُ وجَ ألَعَوودُّوا لَووهُ عُوودَّةً وَ لَكِوونْ كَوو ِرهَ َّللاَّ ُ انْبِعَوواثَهُمْ قَثَووبََِّهُمْ وَ قِيوولَ اقْعُوودُوا مَووَْ<br />
الْقَاعِدِينَ{ . 2 فجعل سبحانه ترك <strong>إعداد</strong> الع دة اجله اد )ومن ه الت دريب( م ن ص فات املن افقني، وه ذا يؤك د م ا ذهبن ا إلي ه<br />
من أن األمر يف قوله تعاَل: }وَ أَعِودُّوا لَهُومْ مَوا اسْوتََِعْتُمْ مِونْ قُووَّ ةٍ{ ه و للوج وب لوق وع ال ذم عل ى ترك ه، وه ذا يتض ح<br />
أيض ا م ن ق ول رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : »مَ نْ مَ اتَ وَملَْ ي َغْ زُ وَملَْ حيَُ دِّثْ ن َفْسَ هُ ابِلغَ زْوِ مَ اتَ عَلَ ى شُ عْبَةٍ مِ نَ<br />
النِفَاقٍ<br />
قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »م نْ ع لِم الر مْي ُثُ تد ر ك هُ فد ليْس مِن ا<br />
عظيم يف نسيان الرمي بعد علمه، وهو مكروه كراهة شديدة ملن تركه بال عذر[.<br />
4<br />
أَوْ قَدْ عَصَى« . وقال النووي: ]هذا تشديد<br />
قلت فإذا كان هذا الزجر والوعيد يف حق من تعلم الرماية ُث مل يواظب على التدريب حىت ال ينساها، فكيف مبن مل<br />
يتعلمها ابتداء ؟.<br />
وهناك أدلة أخرى، فنكت<strong>في</strong> مبا سبق خشية الإطالة. واخلالصة أن التدريب العسكري واجب على كل مسلم مكلف<br />
من غري ذوي األعذار.<br />
ويقول األستاذ حممد شيت خطاب الكاتب يف العسكرية الإسالمية: ])التدريب على السالح( ال قيمة ألي سالح<br />
من األسلحة إال ابستعماله، والتدريب على استعمال السالح تدريبا راقيا دائبا هو الذي يؤدي إَل استعماله بكفاية،<br />
واملقاتل املُدَرمب على استعمال سالحه هو وحده يستطيع استعماله بنجاح، أما املقاتل غري املُدَرمب فال يست<strong>في</strong>د من<br />
سالحه كما ينبغي، واملُدَرمب يستطيع التغلب على غري املُدَرمب بسهولة ويسر إَل قوله وقدكان العرب قبل الإسالم<br />
يتدربون على استعمال السالح ولكن مل يكن تدريبهم إلزاميا، فكان منهم من ال يتدرب حبسب رغبته وهواه. فلما<br />
جاء الإسالم أمر ابلتدريب وحث عليه، ألن اجلهاد فرض على كل مسلم قادر على محل السالح. فاملسلمون كلهم<br />
جند يف جيش املسلمني، جياهدون يف سبيل هللا لتكون كلمة هللا هي العليا.<br />
وقد وردت أحاديث كثرية يف احلث على الرمي وساق مجلة منها إَل قوله وقال عليه الصالة والسالم: »مَنْ عَلِمَ<br />
5<br />
الرممْيَ ُثُم تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنما« ، وقد شوهد كثري من األئمة وكبار العلماء ميارسون الرمي بعد أن بلغوا الشيخوخة املتقدمة،<br />
- )سبل السالم( ج 4 ص 1374 حديث 1236<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
46<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- رواه مسلم عن عقبة بن عامر<br />
- رواه أمحد<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
25
ص-<br />
ومنهم أمحد بن حنبل رضي هللا عنه، فإذا سئلوا عن سبب هذه املمارسة أو حملوا استغراب الناس مما يفعلون أجابوا<br />
املتسائلني واملستغربني هبذا احلديث النبوي الشريف.[ 1<br />
قلت: ومن الذين استمروا يف التدريب على الرمي حىت الشيخوخة عقبة بن عامر الصحايب، راوي احلديث، وقد قال<br />
هذا احلديث ملا استغرب الراوي عند تَدَرُّبَه يف شيخوخته، فروى له احلديث كما يف صحيح مسلم.<br />
26<br />
148<br />
146 )كتاب العسكرية العربية الإسالمية( حملمود شيت خطاب ط مؤسسة الرسالة 1415ه<br />
1
الضرر<br />
ثالثا: على مَنْ يجب التدريب العسكري؟<br />
قال ابن قدامة احلنبلي: ]ويشرتط لوجوب اجلهاد سبعة شروط: الإسالم والبلوغ والعقل واحلرية والذكورية والسالمة من<br />
1<br />
ووجود النفقة[ . ويضاف إَل هذا شرطان آخران: إذن الوالدين وإذن الدائن للمدين<br />
الشروط تسعة.<br />
2<br />
<strong>في</strong>كون جمموع ،<br />
قلت: هذا إذا كان اجلهاد فرض كفاية، فإذا تعني اجلهاد تسقط أربعة شروط من هذه التسعة وهي: احلرية والذكورية<br />
وإذن الوالدين وإذن الدائن، وتكون شروط وجوب اجلهاد العيين مخسة فقط وهي: الإسالم والبلوغ والعقل والسالمة<br />
من الضرر ووجود النفقة، ويسقط كذلك شرط وجود النفقة وتصري الشروط أربعة فقط إذا دهم العدو بالد املسلمني<br />
ومل يكن هناك خروج إليه، وهذا أحد مواضع اجلهاد العيين.<br />
وقد قرر هذا فقهاء املذاهب املشهورة، فمن األحناف قال عالء الدين الكاساين: ]فأما إذا عم النفري أبن هجم العدو<br />
على البلد، فهو فرض عني، يفرتض على كل واحد من آحاد املسلمني ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه<br />
وتعاَل:}انفِرُ وا خِ فَاقًا وَ ثِقَاالً{ ، 3 <strong>في</strong>خرج العبد بغري إذن مواله، واملرأة بغري إذن زوجها، وكذا يباح للولد أن خيرج بغري<br />
إذن والديه[ ، 4 وقال الرملي من الشافعية: ]فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر <strong>في</strong>لزم أهلها الدفع<br />
حىت من ال جهاد عليهم من فقري وولد وعبد ومدين وامرأة[ . 5 وأمثلة هذه األقوال لعلماء املذاهب كثرية ومشهورة.<br />
وقد خالف ابن حزم اجلمهور يف مسألة إذن الوالدين يف جهاد العني، فقال ال يعترب إذهنما يف جهاد العني إال أن<br />
يهلكا ِبروجه، كأن ال يكون هلما عائل غريه، قال ابن حزم رمحه هللا: ]وال جيوز اجلهاد إال إبذن األبوين إال أن ينزل<br />
العدو بقوم من املسلمني ففرض على كل من ميكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا هلم، أَذِنَ األبوان أم مل َيذان، إال أن<br />
فاهلل أعلم.<br />
يُض ي عا أو أحدمها بعده فال حيل له ترك من ي ضِيع منهما[ 6<br />
قلت:<br />
وما ذكره السادة الفقهاء من وجو اجلهاد العيين على املرأة <strong>في</strong>ه نظر، وقد يَظُن البعض أن هذه املسألة<br />
أمجع عليها العلماء أو هي قول مجهور الفقهاء، وليس األمر كذلك.<br />
فالذين قالوا بوجوب اجلهاد على املرأة يف كل مواضع اجلهاد العيين، أخذوا هذا من القاعدة الفقهية القاضية أبن<br />
فروض العني جتب على كل مسلم مكلف )ابلغ عاقل( بال تفريق بني الذكر واألنثى. كما نقلته عن الكاساين من<br />
األحناف والرملي من الشافعية.<br />
- )املغين والشرح الكبري( ج 11 ص 366<br />
- نفس املصدر ص 391<br />
- سورة التوبة، اآلية<br />
41<br />
- )بدائع الصنائع( ج<br />
- )هناية احملتاج( ج<br />
- )احمللى( ج 7 ص<br />
4311 ص 8<br />
59 ص 9<br />
282 مسألة 822<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
27
إال أن النصوص الشرعية اخلاصة جبهاد النساء ختالف هذه القاعدة وجيب األخذ هبا. وتفصيلها كالتايل:<br />
روى البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه )ابب جهاد النساء( عن عائشة »استأذنت النيب صلى هللا عليه وسلم يف<br />
اجلهاد، فقال جهادكن احلج«. قال ابن حجر: ]وقال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن اجلهاد غري واجب على<br />
النساء، ولكن ليس يف قوله:<br />
عائشة قالت:<br />
»جهادكن احلج«<br />
1<br />
أنه ليس هلن أن يتطوعن ابجلهاد[ ، ويف رواية أمحد بن حنبل عن<br />
2<br />
»قلت: اي رسول هللا هل على النساء جهاد؟ قال: جهاد ال قتال <strong>في</strong>ه: احلج والعمرة« ، فهذا احلديث<br />
بَنيم أن املرأة غري خماطبة ابجلهاد بدون تفريق بني ما هو فرض كفاية وما هو فرض عني. وكذلك مل يفرق الشراح )ابن<br />
حجر وابن بطال( بني الفرضني يف حق النساء.<br />
وقد كان اجلهاد يتعني كَريا على عهد النيب صلى هللا عليه وسلم، ومل يَرِد إلينا ن ولو ضعيف يف أن النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم أمر النساء ابلقتال حىت نعترب هذا الن<br />
خمَُصمصا حلديث عائشة السابق.<br />
فمن املواضع اليت يتعني <strong>في</strong>ها اجلهاد، إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفري، ومن ذلك غزوة تبوك مل يستنفر النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم قوما دون قوم بل كان النفري عاما بداللة قوله تعاَل يف شأن هذه الغَزَاة: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ<br />
إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُ وا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى األَرْ ضِ<br />
} 3 ، ومعلوم أن اخلطاب ب}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا{ يشتمل<br />
الرجال والنساء، إال أن النساء مل خيرجن يف هذه الغزوة بدليل قول علي بن أيب طالب ملا استخلفه النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم على املدينة يف هذه الغزوة قال علي )أختل<strong>في</strong>ن يف النساء والصبيان( . 4 وهذا يدل على أن النفري العام ال<br />
يشمل النساء، وابلتايل يبقى حديث عائشة السابق على عمومه دون ختصي .<br />
وأيضا من املواضع اليت يتعني <strong>في</strong>ها اجلهاد، إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم، وهذا حدث على عهد<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم يف غزوة اخلندق، قال تعاَل:}<br />
6<br />
للقتال يف هذه الغزوة بل جُعِلْن يف اآلطام واحلصون .<br />
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ قَوْ قِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُ ْم{ ، 5 ومل خترج النساء<br />
وقول ابن قدامة احلنبلي مشعر هبذا قال: ]مسألة “وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا املقل منهم واملكثر،<br />
وال خيرجوا إَل العدو إال إبذن األمري، إال أن ي َفْجَأهُم عدو غالب كَلَبَه فال ميكنهم أن يستأذنوه”<br />
قوله املقل منهم<br />
واملكثر: يعين به وهللا أعلم الغين والفقري، أي املقل من املال ومكثر منه، ومعناه أن النفري يعم مجيع الناس ممن كان من<br />
أهل القتال حني احلاجة إَل نفريهم جمليء العدو إليهم وال جيوز ألحد التخلف إال من حيُ تاج إَل ختلفه حلفظ املكان<br />
- فتح الباري ج 6 ص<br />
76<br />
75<br />
- صححه األلباين )إرواء الغليل ج 5حديث<br />
- سورة التوبة، اآلية<br />
)1195<br />
39<br />
- رواه البخاري )4416(<br />
- سورة األحزاب، اآلية:<br />
11<br />
- سرية ابن هشام ط صبيح<br />
1381 ص 715،711:<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
28
واألهل واملال....[ . 1 فقول ابن قدامة )حلفظ املكان واألهل( مشعر أبنه ليس على النساء خروج إذا دهم العدو<br />
البلدة.<br />
وكذلك قال ابن تيمية: ]ونظريها: أن يهجم العدو على بالد املسلمني، وتكون املُقَاتِلة أقل من النصف، فإن انصرفوا<br />
2<br />
استولوا على احلرمي. فهذا وأمثاله قتال دفع، ال قتال طالب، ال جيوز االنصراف <strong>في</strong>ه حبال. ووقعة أحد من هذا الباب ،<br />
وقوله أقل من النصف أي جند املسلمني أقل من جند العدو، وقوله )فإن انصرفوا استولوا على احلرمي( يدل على أنه ال<br />
يرى خروج النساء للقتال يف هذا املوضع من مواضع اجلهاد العيين.<br />
وهبذا أقول أبن اجلهاد ال جيب على املرأة يف كل مواضع اجلهاد العيين، وقد جيب يف حالة واحدة وهي إذا ما داهم<br />
العدو بلدا وخل إَل البيوت والنساء، فللمرأة أن تقاتله دفاعا عن نفسها وعمن معها. وقد روى مسلم عن آنس<br />
قال: »أَنم أُم سُلَيْمٍ اختمَذَتْ ي َوْمَ حُنَنيٍْ خِ نْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ ايَ رَسُولَ اَّللمِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيٍْم مَعَهَا خِ نْجٌَر<br />
فَقَالَ هلََا رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم مَا هَذَا اخلِْنْجَرُ قَالَتِ اختمَذْتُهُ إِنْ دَانَ مِينِّ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِنيَ ب َقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ<br />
فَجَعَلَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم يَضْحَكُ » احلديث. ومن هذا الباب أيضا ما فعلته ص<strong>في</strong>ة بنت عبد املطلب يف<br />
غزوة اخلندق، كما ورد يف السرية إن صحت الرواية<br />
3<br />
.<br />
ومع القول بعدم وجوب اجلهاد على املرأة إال يف حالة معينة، إال أنه جيوز هلا أن خترج متطوعة يف الغزو إبذن األمري،<br />
فقد روى مسلم عن آنس قال: )كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يغزو أبم سُليم ونسوة من األنصار معه إذا غزا،<br />
<strong>في</strong>َسْقني املاء ويداوين اجلرحى( وروى مسلم عن مثله عن ابن عباس، وقيد الفقهاء ابملرأة الكبرية ومنعوا الشابة<br />
واجلميلة، قال ابن قدامة: ]قال اخلرقي: وال يدخل مع املسلمني من النساء إَل أرض العدو إال الطاعنة يف السن،<br />
4<br />
لسَقْي املاء ومعاجلة اجلرحى، كما فعل النيب صلى هللا عليه وسلم ] .<br />
واخلالصة: أنه إذا وجب اجلهاد على املرأة يف حالة معينة، فقد وجب االستعداد لذلك ابلتدرب على استعمال<br />
السالح، ويكت<strong>في</strong> يف هذا أبنواع السالح املستخدم يف محاية النفس، ويدرهبا زوجها أو حمارمها أو امرأة مدربة. صحيح<br />
مل ينقل إلينا ن<br />
يف ذلك، ولكنا نستنبطه من إقرار النيب صلى هللا عليه وسلم ألم سليم ابستخدام اخلنجر يف قتال<br />
العدو، فإذا تقرر لدينا استخدام املرأة للسالح فقد وجب تدرهبا عليه، إذ ماال يتم الواجب إال به فهو واجب، وهللا<br />
تعاَل أعلم ابلصواب.<br />
29<br />
- 1<br />
املغين والشرح الكبري ج<br />
11 ص 398<br />
- 2<br />
االختيارات الفقية ط دار املعرفة ص<br />
311<br />
3<br />
4<br />
- سرية ابن هشام ج 2 ص<br />
- )املغين والشرح الكبري( ج 11 ص<br />
711 ط صبيح 1381ه<br />
381
أما سن وجو التدريب العسكري، فهو سن التكليف الشرعي، وهو سن البلوغ لقول رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم :<br />
1<br />
»رُفِعَ الْقَلَمَ عَنْ ثَالَ ثَةٍ: عَنِ الصميبِ ِّ حَىتم ي َبْلُغَ، وَعَنِ النمائِمِ حَىتم يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَىتم يَفِي َق« .<br />
وحتديد سن البلوغ يكون ابالحتالم أو اإلنبات أو السن.<br />
فاالحتالم أبن خيرب الصيب عن نفسه بذلك ويصعب التحقق منه.<br />
ِ<br />
«<br />
صلى هللا عليه<br />
والإنبات هو نبات الشعر اخلشن حول الفرج، ودليله حديث عطية القرظي قال: عُرِضْنَا عَلَى النميبِ ّ<br />
وسلم ي َوْمَ قُرَيْظَةَ، فَأَمَرَ مَنْ ي َنْظُرُوا: َمنْ أَنْبَتَ قُتِلَ وَمَنْ ملَْ ي ُنْبِتْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ فَكُنْتُ ممِمنْ ملَْ ي ُنْبِتْ فَخُلِّيَ سَبِيلِي«<br />
وأما السن فهو بلوغ السن اخلامسة عشرة حلديث انفع عن ابن عمر قال: »عَرَضَينِ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم<br />
.<br />
2<br />
ي َوْمَ أُحُدٍ يفِ الْقِتَالِ وَأَانَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ جيُِزْينِ وَعَرَضَينِ ي َوْمَ اخلَْنْدَقِ وَأَانَ ابْنُ مخَْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَينِ قَالَ انَفٌِع<br />
فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ي َوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَحَدمثْتُهُ هَذَا احلَْدِيثَ فَقَالَ إِنم هَذَا حلََدٌّ بَنيَْ الصمغِريِ وَالْكَبِ ِري<br />
فَكَتَبَ إَِلَ عُمالِهِ أَنْ ي َفْرِضُوا لِمَنْ كَانَ ابْنَ مخَْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ يفِ<br />
الْعِيَاِل« . 3 وقال النووي:<br />
])ابب بيان سن البلوغ( وهو السن الذي جيعل صاحبه من املقاتلني وجيري عليه حكم الرجال يف أحكام القتال وغري<br />
ذلك، قوله عن ابن عمر وساق احلديث السابق هذا دليل لتحديد البلوغ ِبمس عشرة سنة، وهو مذهب الشافعي<br />
واألوزاعي وابن وهب وأمحد وغريهم قالوا: ابستكمال مخس عشرة سنة يصري مكلفا وإن مل حيتلم فتجري عليه األحكام<br />
من وجوب العبادة وغريه، ويستحق سهم الرجل من الغنيمة وي ُقْتَل إن كان من أهل احلرب إَل قوله »ملَْ جيُِزْينِ<br />
» وَأَجَازَينِ<br />
املراد جعله رجال له حكم الرجال املقاتلني<br />
. 4<br />
فسن مخس عشرة سنة كقرينة على البلوغ واالحتالم هو سن التكليف الشرعي، جتب عنده فروض العني، ومنها جهاد<br />
العني إن تعني،<br />
وابلتايل فهو السن اللي جيب عنده التدريب<br />
العسكري على املسلمني. ووجدت الشيخ أاب بكر<br />
اجلزائري يف كتابه منهاج املسلم يقول أن التجنيد الإجباري جيب على املسلم إذا بلغ الثامنة عشرة من عمره، ومل يذكر<br />
مستندا أو دليال لتحديده هذا السن، وال استحضر له دليال، فاهلل أعلم<br />
5<br />
.<br />
ومما يؤيد سن الوجوب الذي ذهبنا إليه ما ذكره ابن عبد الرب يف خمتصر السرية قال: ]وأجاز رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم يومئذ يف غزوة أحد مسَُرَة بن جندب الفزَاري ورافع بن خديج ولكل واحد منهما مخس عشرة سنة، وكان<br />
رافع راميا، ورد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يومئذ عبد هللا بن عمر وزيد بن َثبت وأسامة بن زيد والرباء بن عازب<br />
31<br />
-<br />
1<br />
ورد من حديث عائشة وعلي بن أيب طالب وأيب قتادة األنصاري، وقد روى حديث عائشة أبو داود والنسائي والدارمي وابن حبان واحلاكم وقال<br />
صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهيب، وصححه األلباين يف عدة مواضع من كتابه )إرواء الغليل ختريج أحاديث منار السبيل( منها حديث<br />
رواه البخاري عن علي تعليقا يف كتاب احلدود.<br />
287، وقد<br />
2<br />
3<br />
4<br />
- رواه اخلمسة وقال الرتمذي حديث حسن صحيح.<br />
- رواه مسلم، ورواه البخاري مع اختالف يف اللفظ.<br />
- )شرح النووي على مسلم( ج 13 ص<br />
12<br />
- 5<br />
انظر منهاج املسلم ط<br />
9<br />
دار الفكر 1386ه ص<br />
313
وأسيد بن ظهري وعرابة بن أوس بن أرقم وأاب سعيد اخلدري، ُث أجازهم كلهم عليه السالم يوم اخلندق أي بعد ذلك<br />
بعام إَل قوله وإَّنا رد من مل يبلغ مخس عشرة سنة وأجاز من بلغها[ . 1<br />
ومن أتمل قول ابن عبد الرب، إن الصحايب رافعا بن خديج عندما أُجِ يز للقتال يف هذا السن كان راميا، أي متقنا<br />
للرماية، أدرك أنه تدرب على الرماية حىت أتقنها قبل سن اخلامسة عشرة، وأدرك أن الصحابة كانوا يتدربون قبل<br />
بلوغهم هذا السن ليصبحوا مؤهلني للقتال عندها.<br />
والخالصة: على من يجب التدريب العسكري؟<br />
جيب على كل مسلم بلغ اخلامسة عشرة من عمره وهو عاقل سامل من العاهات واألمراض املانعة من التدريب، واحداً<br />
للنفقة إذا مل يتم التدريب إال هبا.<br />
ومعىن هذا أننا<br />
وذكرت ما خي<br />
جعلنا التدريب فرني عني على املسلمني، <strong>في</strong>سقط اعتبار احلرية والذكورية وإذن الوالدين وإذن الدائن.<br />
املرأة على التفصيل من قبل.<br />
واألمة املسلمة أمة جماهدة، وهي الوحيدة من أمم األنبياء املكلفة بنشر دينها يف الناس كافة، فقد قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
وسلم :<br />
2<br />
»وَكَانَ النميبِ ُّ ي ُبْعَثُ إَِلَ قَوْمِهِ خَا مصةً وَبُعِثْتُ إَِلَ النماسِ عَامةً« ، ولذلك قال صلى هللا عليه<br />
3<br />
»أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النماسَ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ الَ إِلَهَ إِالم اَّللمُ وَأَنم حمَُمدًا رَسُولُ اَّللمِ« ، وذلك استجابة لقوله تعاَل:<br />
4<br />
}هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُو َن{ . وهذه النصوص<br />
الشرعية تبني عِظَم التمبِعَة املُلقاة على عاتق املسلمني يف كل جيل، فاألمر جد ال هزل <strong>في</strong>ه.<br />
وقد كان التدريب قدميا ميسرا لكل مسلم وذلك لبساطة األسلحة كما<br />
وكيفا، ولكن مع تطور األسلحة ابكتشاف<br />
البارود وظهور األسلحة الفتاكة والثقيلة، خشي احلكام الظاملون من حماسبة الشعوب هلم، فَقَصَرُوا<br />
محل السالح<br />
والتدر عليه على فئة حمدودة موالية هلم من الشعب ومن الفئة املسماة ابجليش، وظلت بقية الشعب حمرومة من<br />
ذلك، بل ومقهوره يف أغلب األحيان ابألقلية املسلحة، وحىت ال تشعر الشعوب ابلقهر احلقيقي الذي يكتنفها، أغرقها<br />
احلكام الظاملون<br />
يف كل ما يلهيها عن ذلك: من صراع على لقمة العيش إَل مالهي وطرب إَل مسرح وسينما إَل<br />
مالعب ومبارايت إَل أندية ومسابقات إَل خِ دَع صح<strong>في</strong>ة إَل أحزاب وانتخاابت وبرملاانت وغري ذلك من األساليب<br />
الشيطانية خلِدَاع الشعوب.<br />
30<br />
1<br />
- )كتاب الدرر يف اختصار املغازي والسري( البن عبد الرب. ط 2 دار املعارف ص<br />
147<br />
2<br />
- 3<br />
4<br />
- رواه البخاري عن جابر<br />
احلديث متفق عليه عن ابن عمر<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
33<br />
وسورة الصف، اآلية<br />
8
فإلحباط هذه السياسات الشيطانية جيب على كل مسلم أن يغتنم أي فرصة تتاح له للتدريب<br />
وعليه أن يسعى<br />
1<br />
لللك: قال هللا تعاَل: }وَ مَنْ أَرَ ادَ اآلخِ رَ ةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ هُوَ مُؤْ مِنٌ قَأُوْ لَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ ً مَشْكُورا{ ، فإن ترك<br />
السعي يف هذا األمر أي ترك <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> للجهاد هو من صفات املنافقني، كما قال احلق جل وعال: }وَ لَوْ أَرَ ادُوا<br />
الْخُرُ وجَ ألَ َعَدُّوا لَهُ عُدَّة ً وَ لَكِنْ كَرِ هَ َّللاَّ ُ انْبِعَاثَهُمْ قَثَبََِّهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مََْ<br />
3<br />
أقصى قدر متيسر من التدريب، لقوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ{ ، وللحديث:<br />
2<br />
الْقَاعِدِي َن{ ، وعلى املسلم أن حيصل على<br />
»وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ<br />
فأتوا<br />
4<br />
مِنْهُ م ا اسْت ط عْتُمْ« . وعلى املسلمني أن يتعاونوا على حتقيق هلا الواجب الشرعي، لقوله تعاَل: }وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى<br />
الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى{، ويكون ذلك بتيسري وصول املسلمني إَل ميادين التدريب واجلهاد، وإمدادهم ابملال الالزم ورعاية<br />
أسرهم ومن يعوهلم يف غياهبم وغري ذلك من صور املعونة، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ جَهمزَ غَازِايً<br />
5<br />
، وقال صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ ملَْ ي َغْزُ أَهْلِهِ ِبَِريٍْ فَقَدْ غَزَا« أَوْ جيَُهِّزْ غَازِايً أَوْ خيَْلُفْ<br />
فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِايً يفِ<br />
6<br />
غَازِايً يفِ أَهْلِهِ ِبَِريٍْ أَصَابَهُ اَّللمُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ ي َوْمِ الْقِيَامَةِ« . وتتأكد هذه املعاونة خاصة يف حق من مل خيرج بنفسه، و }ال<br />
يُكَلِفُ َّللاَّ ُ نَفْس ًا إِالَّ وُ سْعَهَا{.<br />
واحلد األدىن من التدريب إن عُدِمَ السالح هي الرايضة البدنية العنيفة، فهي تنفع إن شاء هللا مع النية الصاحلة،<br />
وهي أساس أي تدريب عسكري، وهي متيسرة جلميع املسلمني ولو يف<br />
البسيطة فال ينبغي أن ي ُغْفَلَ عن هذا.<br />
غرفة ضيقة مع بعض األدوات الرايضية<br />
32<br />
- 1<br />
سورة الإسراء، اآلية:<br />
18<br />
2<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
46<br />
3<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
61<br />
4<br />
5<br />
6<br />
- متفق عليه.<br />
- متفق عليه عن زيد بن خالد<br />
- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أيب أمامة
رابعا: أصحاب األعذار الشرعية<br />
أقصد املعذورين من املكلفني أما غري املكلف )وهو غري املسلم وغري البالغ وغري العاقل أي الكافر أو الصيب أو<br />
اجملنون( فال نتكلم عنه هنا.<br />
وإذا كنا قد ذكران من قبل أن التدريب جيب على كل مسلم ابلغ عاقل سامل من الضرر واجد للنفقة، ذكر أو أنثى على<br />
احتياط بشأن تدريب املرأة ذكرته من قبل.<br />
فما هي األعذار الشرعية املُسْقِطة لوجوب التدريب؟. هي إما عجز من جهة القوة )عمى أو عرج أو عجز( أو عجز<br />
من جهة املال )عدم وجود النفقة( واآلايت اليت وردت <strong>في</strong>ها هذه األعذار هي:<br />
= 1<br />
آي ة النس اء }ال يَسْووتَوِي الْقَاعِوودُونَ مِوونْ الْمُووؤْ مِنِينَ غَيْوورُ أُوْ لِووي الضَّوورَ رِ وَ الْمُجَاهِودُونَ قِوي سَوبِيلِ َّللاَّ ِ بِووأَمْوَ الِهِ ْم<br />
وَ أَنفُسِهِمْ{ ، 1 وأولوا الضرر هم أصحاب األعذار.<br />
= 2<br />
آية براءة }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ ال عَلَى الْمَرْ ضَى وَ ال عَلَى الَّذِينَ ال يَجِ دُونَ مَا يُنفِقُوونَ حَورَ جٌ إِذَا نَصَوحُوا ّلِلِ َّ ِ<br />
وَ رَ سُولِهِ مَوا عَلَوى الْمُحْسِونِينَ مِونْ سَوبِيلٍ وَ َّللاَّ ُ غَفُوورٌ رَ حِ ويمٌ وَ ال عَلَوى الَّوذِينَ إِذَا مَوا أَتَووْ كَ لِوتَحْمِلَهُمْ قُلْوتَ ال أَجِ ودُ مَوا<br />
أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَ لَّوا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمِْْ حَزَ نًا أَالَّ يَجِ دُوا مَا يُنفِقُو َن{<br />
. 2<br />
= 3<br />
= 4<br />
آية الفتح }لَيْسَ عَلَى األَعْمَى حَرَ جٌ وَ ال عَلَى األَعْرَ جِ حَرَ جٌ وَ ال عَلَى الْمَرِ يضِ حَرَ ٌج{ . 3<br />
أما آية النور ف<strong>في</strong>ها خالف، هل هي خاصة ابجلهاد أم ابملطاعم؟. وهي قوله تعاَل: }لَويْسَ عَلَوى األَعْمَوى حَورَ ٌج<br />
وَ ال عَلَى األَعْرَ جِ حَرَ جٌ وَ ال عَلَى الْمَرِ يضِ حَرَ جٌ وَ ال عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا{ . 4<br />
وقد ذكر ابن قدامة احلنبلي أصحاب األعذار أثناء كالمه عن شروط وجوب اجلهاد، فقال: ]وأما السالمة من الضرر<br />
فمعناه السالمة من العمى والعرج واملرني وهو شرط لقول هللا تعاَل: }لَيْسَ عَلَى األْ َعْمَى حَرَ جٌ وَ الَ عَلَى األْ َعْرَ جِ<br />
حَرَ جٌ وَ الَ عَلَى الْمَرِ يضِ حَرَ جٌ{ وألن هذه األعذار متنعه من اجلهاد، وأما العمي فهو معروف، وأما العرج فاملانع منه<br />
هو الفحش الذي مينع املشي اجليد والركوب كالزممانة وحنوها، وأما اليسري الذي يتمكن معه من الركوب واملشي وإَّنا<br />
يتعذر عليه شدة العَدْو فال ميَْنَع وجوب اجلهاد ألنه ممُْكن منه فشابَهَ األعور، وكذلك املرض املانع هو الشديد فأما<br />
اليسري منه الذي ال مينع إمكان اجلهاد كوجع الضرس والصداع اخل<strong>في</strong>ف فال مينع الوجوب ألنه ال يتعذر معه اجلهاد<br />
فهو كالعور، وأما وجود النفقة <strong>في</strong>شرتط لقول هللا تعاَل: }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ ال عَلَى الْمَرْ ضَى وَ ال عَلَى الَّذِي َن<br />
5<br />
ال يَجِ دُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَ جٌ إِذَا نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِهِ{ ، وألن اجلهاد ال ميكن إال ِبلة <strong>في</strong>عترب القدرة عليها، فإن كان<br />
33<br />
- 1<br />
النساء، اآلية:<br />
85<br />
2<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
82<br />
81<br />
- الفتح، اآلية: 17<br />
3<br />
4<br />
5<br />
- النور، اآلية:61<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
81
اجلهاد على مسافةٍ ال ت ُقْصَر <strong>في</strong>ها الصالة اشرتط أن يكون واجداً للزاد ونفقة عائلته يف مدة غيبته وسالح ي ُقَاتِل به وال<br />
ت ُعْتَربَ الراحلة ألنه سفر قريب، وإن كانت املسافة تقصر <strong>في</strong>ها الصالة اعترب مع ذلك الراحلة لقول هللا تعاَل: }وَ ال<br />
عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْ كَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ ال أَجِ دُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَ لَّوا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمِْْ حَزَ نًا أَالَّ يَجِ دُوا مَا<br />
] 2 . يُنفِقُونَ{<br />
1<br />
قلت: ويلحق مبا ذكره ابن قدامة الشيخ اهلرم اللي ال قوة <strong>في</strong>ه، لقوله تعاَل: }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ{ ، 3 فهو من<br />
الضعفاء.<br />
األعذار غير الشرعية.<br />
قَلمما يتعذر املتخلفون عن اجلهاد أبحد األعذار الشرعية السابقة، بل جُلّ أعذارهم غري شرعية ردها عليهم وأبطلها.<br />
ومنها:<br />
= 1<br />
ما ذكره هللا عز وج ل يف آي ة التوب ة: }قُو ْل إِنْ كَوانَ آبَواؤُكُمْ وَ أَبْنَواؤُكُمْ وَ إِخْووَ انُكُمْ وَ أَزْ وَ اجُكُومْ وَ عَشِويرَ تُكُمْ وَ أَمْووَ ا ٌل<br />
اقْتَرَ قْتُمُوهَا وَ تِجَارَ ةٌ تَخْشَوْ نَ كَسَادَهَا وَ مَسَاكِنُ تَرْ ضَوْ نَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ َّللاَّ ِ وَ رَ سُوولِهِ وَ جِ هَوادٍ قِوي سَوبِيلِهِ قَتَرَ بَّصُووا<br />
حَتَّووى يَووأْتِيَ َّللاَّ ُ بِووأَمْرِ هِ وَ َّللاَّ ُ ال يَهْوودِي الْقَوووْ مَ الْفَاسِووقِينَ{ ، 4 وه ذه اآلي ة يس ميها بع ض العلم اء آي ة األع ذار الثماني ة،<br />
وأُ َسمِّيها آية إبطال األعذار الثمانية، فلم يقبل هللا تعاَل هذه األعذار للقعود عن اجلهاد.، ومسى هللا تعاَل املعت ذر هب ذ ه<br />
األعذار فاسقا، وتَوَعم ده س بحانه وتع اَل ابلض الل يف قول ه: { وَ َّللاَّ ُ ال يَهْودِي الْقَووْ مَ الْفَاسِوقِين{ كم ا ق ال تع اَل: }قَلَمَّوا<br />
زَ اغُوا أَزَ اغَ َّللاَّ ُ قُلُوبَهُمْ{ ، 5 وتَوَعمده سبحانه ابلعذاب والنكال يف قول ه تع اَل: }قَتَرَ بَّصُووا حَتَّوى يَوأْتِيَ َّللاَّ ُ بِوأَمْرِ ِه{ ، 6<br />
وهذا كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِذَا تَبَاي َعْتُمْ ابِلْعِينَ ةِ وَأَخَ ذْمتُْ أَذْانَبَ الْبَقَ رِ وَرَضِ يتُمْ ابِل زمرْعِ وَتَ رَكْتُمُ اجلِْهَ ادَ<br />
سَ لمطَ اَّللمُ عَلَ يْكُمْ ذُالا الَ ي َنْزِعُ هُ حَ ىتم تَرْجِ عُ وا إَِلَ دِي نِكُمْ« . 7 وه ذه العق وابت قدري ة الب د أن حتم ل بك ل متخل ف ع ن<br />
اجلهاد. وكل من آثر شيئا على طاعة هللا عز وجل عل به هللا به، كما قال تعاَل: }قَال تُعْجِ بْكَ أَمْووَ الُهُمْ وَ ال أَوْ الدُهُومْ<br />
إِنَّمَا يُرِ يدُ َّللاَّ ُ لِيُعَذِبَهُمْ بِهَا قِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ ، 9 فليس ح ب البق اء يف األه ل بع ذر، وال اخل وف عل ى األم وال والتج ارة،<br />
وال الوظيفة والدراسة، قد أبطل هللا سبحانه هذه األعذار. فالواجب أن يتكافل املسلمون <strong>في</strong>م ا بي نهم، فم ن خ رج م نهم<br />
إَل اجلهاد والتدريب وَجَبَ على الباقني كفالة أهله ورعايتهم، وهكذا يتناوبون األمر بينهم، كما قال أبو س عيد اخل دري<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
82<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
367<br />
81<br />
24<br />
- الصف، اآلية: 5<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
24<br />
- رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر، وصححه األلباين<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
55<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
9<br />
34
إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعثنا إَل بين حلَْيان فقال:<br />
رواي ة<br />
ّ<br />
«<br />
لِيَنْبَعِثْ مِنْ ِ كُل رَجُلَ نيِْ أَحَ دُمهَُا وَاألَْجْ رُ ب َيْنَهُمَ ا<br />
» 1 ، ويف<br />
ّ ِ رَجُلَ نيِْ<br />
«<br />
اخلارج«.<br />
لِيَخْ رُج مِ نْ كُ ل<br />
»<br />
= 2<br />
= 3<br />
ُث ق ال للقاع د: »أيك م خَلَ فَ اخل ارج يف أهل ه ومال ه ِب ري كان ل ه مث ل نص ف أج ر<br />
ومن األعذار الباطلة ما ذكره هللا عز وجل يف قوله تعاَل: }قَرِ حَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِ الفَ رَ سُولِ َّللاَّ ِ وَ كَرِ هُووا<br />
أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ قَالُوا ال تَنفِرُ وا قِي الْحَرِ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّ ا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُو َن{ . 2<br />
فال احلر الشديد بعذر وال الربد الشديد.<br />
وم ن األع ذار الباطل ة، الق ول أبن الق ائمني عل ى أم ر اجله اد ليس وا عل ى املس توى اخللق ي والرتب وي والش رعي<br />
املطل وب، وابلت ايل ال جي وز العم ل معه م!، وه ذه ش بهة وجواهبا أن ه ل و أن أم ري اجله اد رج ل ف اجر وك ذلك كث ري م ن<br />
أتباع ه، لك نهم يس عون لقت ال الك افرين، فالواج ب ش رعا العم ل معه م ومع اونتهم، وه ذا أص ل مق رر عن د أه ل الس نة<br />
واجلماعة، وسأش ري إلي ه ابلتفص يل يف الب اب الثال ث، وأذك ر هن ا بع ض م ا قال ه ش يخ الإس الم اب ن تيمي ة يف ه ذا املس ألة<br />
قال: ]وهللا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر، ف إن هللا يؤي د ه ذا ال دين ابلرج ل الف اجر،<br />
وأبق وام الخ الق هل م، كم ا أخ رب الن يب ص لى هللا علي ه وس لم، ألن ه إذا مل يتف ق الغ زو إال م ع األمددراء الفجددار، أو مددع<br />
عسكر كَري الفجور، فأنه البد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذل ك اس تيالء اآلخ رين ال ذين ه م أعظ م<br />
ضررا يف الدين والدنيا، وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإس الم، وإن مل<br />
ميك ن إقام ة مجيعه ا، فه ذا ه و الواج ب يف ه ذه الص ورة، وك ل م ا أش بهها، بدل كَددري مددن الغددزو ا اصدل بعددد افلفدداء<br />
الراشدين مل يقع إال على هلا الوجه[ . 3<br />
وقد كان املنافقون يغزون مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومل يقل أحد ال نغزو مع النيب صلى هللا عليه وسلم طاملا<br />
خرج املنافقون، ومنهم الذي قال يف غزوة بين املصطلق }لَئِنْ رَ جَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْ ِرجَنَّ األَعَزُّ مِنْهَا<br />
4<br />
األَذَ َّل{ ،<br />
5<br />
ومنهم الذين قالوا يف غزوة اخلندق }إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْ رَ ةٌ{ ، ومنهم الذين سخروا من علماء الصحابة يف غزوة تبوك<br />
6<br />
فأنزل هللا <strong>في</strong>هم }وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَ ُب{ . وكان خلفاء بين أمية يؤخرون الصلوات وما قال<br />
أحد ال جيوز الغزو معهم<br />
7<br />
،واألمثلة كثرية. فهذه بعض األعذار الباطلة اليت ال تبيح التخلف عن اجلهاد والتدرب له.<br />
- رواه مسلم<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
91<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص<br />
517<br />
516<br />
- املنافقون، اآلية: 9<br />
- األحزاب، اآلية: 13<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
65<br />
- )انظر كتاب مواقيت الصالة ابلبخاري حديث: 548 531، 521، وشروحها(<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
35
ثواب أصحاب األعذار الشرعية.<br />
من كان ذا رغبة صادقة يف التدرب واجلهاد، وعجز عن الوصول إَل ساحات اجلهاد بسبب أحد األعذار الشرعية<br />
املذكورة سابقا، أو بسبب إكراه أو حبس، فإين أرجو أن يكتب هللا له أجر اجلهاد كامال، على مقتضى الوعد الذي<br />
أخربان به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله: »إِنم ابِلْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا قَطَعْتُمْ وَادِايً وَال سِ رْمتُْ سريًْا إِالم وَهُمْ مَعَكُ ْم<br />
قَالُوا: وَهُمْ ابِلْمَدِينَةِ قَالَ ن َعَم حَبَسَهُمُ الْعُذْ ُر« ، 1 وقال النيب صلى هللا عليه وسلم هذا احلديث يف مرجعه من غزوة<br />
تبوك، ورواه أمحد ومسلم عن جابر مرفوعا بلفظ »لَقَدْ خَلمفْتُمْ ابِلْمَدِينَةِ رِجَاال مَا قَطَعْتُمْ وَادِايً وَال سَلَكْتُمْ طَرِيقًا إِال<br />
ش ر كُوكُمْ يفِ األ جْرِ ح ب س هُمُ الْم ر ُني« ورواه أبو داود عن أنس وزاد <strong>في</strong>ه »وَال أَنْفَقْتُمْ ن َفَقَةٍ« قال ابن حجر: ]واملراد<br />
ابلعذر ما هو أعم من املرض وعدم القدرة على السفر، وقد رواه مسلم من حديث جابر بلفظ »حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ«<br />
وكأنه حممول على األغلب إَل قوله و<strong>في</strong>ه أن املرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العلر<br />
يشبه قول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
عن العمل[ . وهذا احلديث<br />
»مَنْ سَأَلَ اَّللمَ الشمهَادَةَ بِصِدْقٍ ب َلمغَهُ اَّللمُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى<br />
3<br />
فِرَاشِ هِ« . فكالمها صدق يف الطلب وعجز عن العمل فنال األجر، فضال من هللا وكرما.<br />
وقال القرطيب يف شرح حديث »حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ«: ]فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطي أجر الغازي، فقيل: حيتمل<br />
أن يكون أجره مساواي، ويف فضل هللا متسع، وثوابه فضل االستحقاق <strong>في</strong>ثيب على النية الصادقة ماال<br />
4<br />
الفعل. وقيل: يعطي أجره من غري تضعيف <strong>في</strong>فضله الغازي ابلتضعيف للمباشرة[أه .<br />
قلت:<br />
تضعيف األجر للغازي وعدم التضعيف للمعلور<br />
يثيب على<br />
قد يستدل له حبديث ابن عباس مرفوعا »فَمَنْ هَم حبَِسَنَةٍ<br />
فَلَمْ ي َعْمَلْهَا كَتَبَهَا اَّللمُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَم هبَِا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اَّللمُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إَِلَ سَبْعِ مِائَِة<br />
5<br />
ضِعْفٍ إَِلَ أَضْعَافٍ كَثِريَةٍ« . وأما من ذهب إَل أجر املعذور مثل أجر الغازي متاما <strong>في</strong>ستدل له بقول النيب صلى هللا<br />
ْم يفِ األَْجْ ِر« وإن كانت املشاركة ال تقتضي املساواة، أما ما يدل على<br />
عليه وسلم يف حديث أنس »إِالم شَرَكُو<br />
املساواة يف األجر فهو حديث أيب كبشة األَّناري مرفوعا »إَِّنمَا الدُّنْيَا ألَِرْب َعَةِ ن َفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اَّللمُ مَاالً وَعِلْمًا فَهُوَ ي َتمقِي<br />
فِيهِ رَبمهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَمحَِهُ وَي َعْلَمُ َّللِمِ فِيهِ حَقاا فَهَذَا أبَِفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اَّللمُ عِلْمًا وَملَْ ي َرْزُقْهُ مَاًال فَهُوَ صَادِقُ النِّيمِة<br />
6<br />
ي َقُولُ لَوْ أَنم يلِ مَاالً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُالَ نٍ فَهُوَ بِنِيمتِهِ فَأَجْرُمهَُا سَوَاءٌ« . ورجح القرطيب املساواة يف األجر. فاهلل أعلم.<br />
- متفق عليه عن أنس<br />
-<br />
فتح الباري ج 6 ص<br />
رواه مسلم عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ<br />
47<br />
-<br />
- )تفسري القرطيب( آية النساء 85 ج 5 ص<br />
- احلديث متفق عليه.<br />
342<br />
- احلديث رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
36
شروط رفع الحرج واستحقاق الثواب ألصحاب األعذار<br />
قال هللا عز وجل: }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ ال عَلَى الْمَرْ ضَى وَ ال عَلَى الَّذِينَ ال يَجِ دُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَ جٌ إِذَا<br />
نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ َّللاَّ ُ غَفُورٌ رَ حِ ي ٌم وَ ال عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْ كَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ ال<br />
أَجِ دُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَ لَّوا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمِْْ حَزَ نًا أَالَّ يَجِ دُوا مَا يُنفِقُو َن{<br />
علق هللا تعاَل رفع احلرج عن أصحاب األعذار يف هذه اآلية على شرطني:<br />
. 1<br />
= 1<br />
= 2<br />
}إِذَا نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِهِ{، وإذا من أدوات الشرط: فهذا شرط النصح.<br />
}مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ{: وهذا شرط الإحسان الذي هو ضد الإساءة.<br />
قال ابن كثري: ]فليس على هؤالء حرج إذا قعدوا ونصحوا يف حال قعودهم ومل يرجفوا ابلناس ومل يثبطوهم وهم حمسنون<br />
يف حاهلم هذا[<br />
قال القرطيب:] }إِذَا نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِ ِه{، إذا عرفوا احلق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه ُث قال قال العلماء:<br />
النصيحة هلل: إخالص االعتقاد يف الوحدانية، ووصفه بصفات األلوهية، وتنزيهه عن النقائ ، والرغبة يف حمابه والبعد<br />
عن مساخطه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته واِلتزام طاعته يف أمره وهنيه، ومواالة من وااله ومعاداة من عاداه،<br />
وتوقريه، وحمبته وحمبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته ابلبحث عنها والتفقه <strong>في</strong>ها والذب عنها<br />
2<br />
ونشرها والدعاء إليها، والتخلق أبخالقه الكرمية صلى هللا عليه وسلم ] .<br />
وميكن ترمجة هذا عمليا يف أمر اجلهاد، أبن الواجب على أصحاب األعذار هو ما يلي:<br />
= 1<br />
إخالص النية وصدقها: أبن تكون نفسه تَوماقة حقا للجهاد، كهؤالء الذين وصفهم هللا بقول ه: }تَوَ لَّووا وَ أَعْيُونُهُ ْم<br />
تَفِويضُ مِونْ الودَّمِْْ{ واحل ق أن املع ذور ال ذي ال يغ زو إن مل حتدث ه نفس ه ابلغ زو فإن ه خيش ى علي ه م ن النف اق، كم ا ق ال<br />
رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : »مَ نْ مَ اتَ وَملَْ ي َغْ زُ وَملَْ حيَُ دِّثْ ن َفْسَ هُ ابِلغَ زْوِ مَ اتَ عَلَ ى شُ عْبَةٍ مِ نَ النِفَ اقٍ<br />
» 3 . والني ة<br />
عمل فهي من أعمال القلب، والعمل الصحيح البد أن يسبقه العلم الصحيح، والعلم املقصود هنا هو أن يعلم املع ذور<br />
وأوَل منه الغازي مل اذا جياه د اجملاه دون وأحقي ة قض يتهم وبط الن قض ية خص ومهم؟ وه ذا الزم وق د أورد البخ اري يف<br />
[، وساق األدلة على ذلك.<br />
كتاب العلم من صحيحه [ ابب العلم قبل القول والعمل 4<br />
= 2<br />
الدعاء من أعظم ما يعني به املعذورون إخواهنَم الغزاة هو الدعاء هلم ابلنصر ولع دوهم ابخل ذالن. فق د ق ال رس ول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : »هَلْ ت ُنْصَرُونَ وَت ُرْزَقُونَ إِالم بِضُعَفَائِكُمْ« ، 5 وروى النسائي بسند صحيح عن مص عب ب ن أيب<br />
37<br />
1<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
82<br />
81<br />
2<br />
- القرطيب ج 9 ص<br />
227<br />
226<br />
3<br />
4<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- فتح الباري ج 1 ص<br />
158<br />
- رواه البخاري 5
وق اص: أن أابه رأى أن ل ه فض ال عل ى م ن دون ه م ن أص حاب الن يب ص لى هللا علي ه وس لم، فق ال رس ول هللا ص لى هللا<br />
عليه وسلم : »إَِّنمَا ي َنْصُرُ اَّللمُ هَذِهِ األُمةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَهتِِمْ وَصَالَ هتِِمْ وَإِخْالصِهِمْ«.<br />
وقال ابن القيم رمحه هللا يف قصيدته النونية املوسومة ابلكا<strong>في</strong>ة الشا<strong>في</strong>ة يف االنتصار للفرقة الناجية، قال:<br />
هذا ونص ر الدين فرض الزم<br />
ب ي د وإما ابللسان فإن عجز<br />
ما بعد ه ذا وهللا لألي م ان<br />
حبي اة وجهك خري مسؤول به<br />
ال لل ك فاية بل ع لى األع ي ان<br />
ت ف بال توج ه والدعا ب ج نان<br />
ح ب ة خردل اي ن اصر الإي م ان<br />
وب نور وجهك اي عظيم الش أن<br />
= 3<br />
النفقددة يف سددبيل هللا: أص حاب األع ذار غ ري الفق راء جي ب عل يهم اجله اد ابمل ال، بتجهي ز الغ زاة وإم دادهم ابمل ال<br />
والسالح واملؤن، وبرعاية أسر اجملاهدين والشهداء واألسرى، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وس لم : »مَ نْ ملَْ ي َغْ زُ أَوْ<br />
جيَُهِّزْ غَازِايً أَوْ خيَْلُفْ غَ ازِايً يفِ أَهْلِ هِ ِبَِ ريٍْ أَصَ ابَهُ اَّللمُ بِقَارِعَ ةٍ قَبْ لَ ي َ وْمِ الْقِيَامَ ةِ« . 1 واحل ديث <strong>في</strong> ه وع د ش ديد، فم ن حبس ه<br />
العذر عن اجلهاد بنفسه وله مال، وجب عليه أن ينتقل إَل البَدَل، وه و جتهي ز الغ زاة ورعاي ة أهله م، ول ه يف ه ذا األج ر<br />
احلسن لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ جَهم زَ غَ ازِايً يفِ سَ بِيلِ هللا فَقَ دْ غَ زَا، وَمَ نْ خَلَ فَ غَ ازِايً يفِ أَهْلِ هِ ِبَِ ريٍْ<br />
فَقَدْ غَزَا« . 2<br />
وقال ابن حجر يف فريضة اجلهاد ]والتحقيق أيضا أن جنس جهاد الكفار متعني على كل مسلم إما بيده وإما<br />
3<br />
بلسانه وإما مباله وإما بقلبه وهللا أعلم[ .<br />
= 4<br />
الدعايدة لقضدية اجلهداد: ببي ان احل ق ال ذي يقات ل علي ه اجملاه دون ووج وب نص رهتم عل ى املس لمني، وبي ان الباط ل<br />
الذي عليه املشركون وما يرتكبونه من فظائع ضد املسلمني وبيان املخططات الشيطانية لصرف املس لمني ع ن دي نهم يف<br />
معظم بلدان املسلمني وكي<strong>في</strong>ة التصدي هلا، وهذه الدعاية ممكنة لكل مسلم خاصة أصحاب األع ذار للم رض أو الفق ر،<br />
وه ي اجلهددداد ابللسدددان امل ذكور يف قول ه رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : »جاه دوا املش ركني أبم والكم وأنفس كم<br />
وألسنتكم« ، 4 وكان حسان بن َثبت من شعراء النيب صلى هللا عليه وسلم يهجو املش ركني ويعي بهم أبم ر الن يب ص لى<br />
38<br />
1<br />
2<br />
- 3<br />
- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أيب أمامة .<br />
- متفق عليه عن زيد بن خالد.<br />
"فتح الباري" ج<br />
6 ص 39<br />
4<br />
- رواه أبو داود إبسناد صحيح عن أنس
ويف<br />
هللا عليه وسلم حيث قال له: »اي حسان أج ب ع ن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم، الله م أي ده ب روح الق دس« 1<br />
رواية أنه صلى هللا عليه وسلم قال حلسان: »اهجهم وجربيل معك« . 2<br />
= 5<br />
تُكَلَّفُ إِالَّ<br />
حتدري املدنمنني علدى اجلهداد: الع اجز ع ن اجله اد، علي ه أن حيَُ رِّض غ ريه لقول ه تع اَل: }قَقَاتِولْ قِوي سَوبِيلِ َّللاَّ ِ ال<br />
نَفْسَكَ وَ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِي َن{ ، 3 ولقوله تع اَل: }يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَوى الْقِتَوالِ{ ، 4 وه ذا واج ب<br />
على القادر والعاجز وعلى كل مسلم أن حيرض إخوانه على قتال املشركني، وحنن يف زماننا هذا أحوج م ا نك ون للعم ل<br />
هب ذه اآلايت ويف ه ذا أج ر عظ يم، فق د ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : »مَ نْ دَلم عَلَ ى خَ ريٍْ فَلَ هُ مِثْ لُ أَجْ رِ<br />
فَاعِلِهِ« . 5<br />
= 6<br />
النصح للمسلمني واجملاهدين: وله صور ال تعد وال حتصى، فمنه ا نق ل أخب ار املش ركني وخمطط اهتم إَل املس لمني<br />
ليحذروها، ومن ذلك قوله تعاَل: }وَ جَواءَ رَ جُولٌ مِونْ أَقْصَوى الْمَدِينَوةِ يَسْوعَى قَوالَ يَوا مُوسَوى إِنَّ الْمَوَِ يَوأْتَمِرُ ونَ بِو َك<br />
لِيَقْتُلُوكَ قَاخْرُ جْ إِن ِي لَكَ مِنْ النَّاصِ وحِ ينَ{ ، 6 فف ي ه ذه اآلي ة حت ذير امل ؤمنني مم ا ي دبره هل م الك افرون م ن املك ر والكي د،<br />
وم ن النص ح للمجاه د أن تعين ه عل ى التخف ي م ن ع دوه، وتس اعده يف ذل ك م ا اس تطعت إذا احت اج إَل ذل ك، ومنه ا<br />
تزويد املسلمني بكل ما يعينهم على قتال عدوهم من معلومات وخربات، مع كتمان أسرار املسلمني.<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية يف سياق كالمه عن جهاد املرتدين: ]وجيب على كل مسلم أن يقوم يف ذلك حبسب ما<br />
يقدر عليه من الواجب فال حيل ألحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم، بل يفشيها ويظهرها ليعرف املسلمون حقيقة<br />
حاهلم، وال حيل ألحد أن يعاوهنم على بقائهم يف اجلند واملستخدمني، وال حيل ألحد السكوت عن القيام عليهم مبا<br />
أمر هللا به رسوله، وال حيل ألحد أن ينهى عن القيام مبا أمر به هللا رسوله، فإن هذا من أعظم أبواب األمر ابملعروف<br />
والنهي عن املنكر واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل، وقد قال هللا لنبيه صلى هللا عليه وسلم: }يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّا َر<br />
7<br />
وَ الْمُنَاقِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ{ وهؤالء ال خيرجون عن الكفار واملنافقني[ . 9<br />
= 7<br />
ختليل املشركني: من خالط املشركني من املؤمنني لعذر شرعي عليه أن خيذل املشركني عن إيذاء املسلمني وقت اهلم<br />
م ا أمكن ه ذل ك، كم ا فع ل ن ُعَ يْم ب ن مس عود م ع األح زاب وم ع يه ود ب ين قريظ ة ي وم اخلن دق، وكم ا فع ل م ؤمن آل<br />
39<br />
- 1 رواه البخاري<br />
2<br />
3<br />
- رواه البخاري عن الرباء<br />
- النساء، اآلية:94<br />
- 4 األنفال، اآلية: 65<br />
5<br />
6<br />
- رواه مسلم عن أيب مسعود البدري<br />
- القص ، اآلية: 21<br />
- التوبة، اآلية: 73<br />
7<br />
التحرمي، اآلية:<br />
- 9 )جمموع الفتاوى( ج 35 ص<br />
8<br />
158
1<br />
فرع ون يف قول ه تع اَل: { وَ قَوالَ رَ جُولٌ مُوؤْ مِنٌ مِونْ آلِ قِرْ عَووْ نَ يَكْوتُمُ إِيمَانَوهُ أَتَقْتُلُوونَ رَ جُوال أَنْ يَقُوولَ رَ ب ِوي َّللاَّ ُ{ وم ا<br />
بعدها بسورة غافر.<br />
وختذيل املشركني يقتضي ابلضرورة عدم إعانتهم أبي كي<strong>في</strong>ة على املسلمني، فإن فاعل هذا قد يؤول به فعلُه إَل الكفر<br />
2<br />
لقوله تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُ ْم{ .<br />
وهبذا ترى أن صورة املشاركة يف اجلهاد املتاحة لذوي األعذار وغريهم كثرية و<strong>في</strong>ها نفع عظيم لقضية اجلهاد، كالدعاء،<br />
والنفقة، والدعاية، وحتري<br />
املنمنني على القتال، والنصح للمسلمني. وهي واجبة على ذوي األعذار كل حسب<br />
3<br />
طاقته لرفع احلرج عنهم املشروط بقوله تعاَل: }إِذَا نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِي ٍل{ .<br />
- غافر، اآلية: 29<br />
- املائدة، اآلية: 51<br />
- التوبة، اآلية: 81<br />
1<br />
2<br />
3<br />
41
خامسا: النفقة <strong>في</strong> سبيل هللا.<br />
يكت<strong>في</strong> يف بيان أمهية النفقة أن اجلهاد يسقط عن فاقد النفقة، كما سبق يف األعذار الشرعية املبيحة لرتك اجلهاد،<br />
وذلك ابلن كما قال تعاَل: }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ ال عَلَى الْمَرْ ضَى وَ ال عَلَى الَّذِينَ ال يَجِ دُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَ ٌج<br />
إِذَا نَصَحُوا ّلِلِ َّ ِ وَ رَ سُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ َّللاَّ ُ غَفُورٌ رَ حِ ي ٌم وَ ال عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْ كَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْ َت<br />
ال أَجِ دُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَ لَّوا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمِْْ حَزَ نًا أَالَّ يَجِ دُوا مَا يُنفِقُو َن{ وهلا يعين ابختصار أنه<br />
.<br />
1<br />
إذا كان ال مال فال جهاد، ويعين أيضا أن حبس األغنياء أمواهلم عن اجملاهدين معناه الصد عن سبيل هللا تعاَل<br />
وإعالء سلطان الكافرين، وحبس األموال عن أهل الإميان واجلهاد هو من صفات املنافقني كما قال تعاَل: }هُمْ الَّذِي َن<br />
يَقُولُونَ ال تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَ سُولِ َّللاَّ ِ<br />
. يَفْقَهُونَ{<br />
2<br />
=<br />
1<br />
حَتَّى يَنْفَضُّوا وَ ّلِلِ َّ ِ خَزَ ائِنُ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضِ وَ لَكِنَّ الْمُنَاقِقِينَ ال<br />
ولذلك فإن من األسرار اللطيفة يف آايت اجلهاد ابلقرآن، تقدمي اجلهاد ابملال على اجلهاد ابلنفس يف مجيع اآلايت اليت<br />
مجعت بينهما إال آية ب َيْعة اجلهاد بسورة التوبة، وهي على وجه احلصر عشر آايت كالتايل حسب ترتيب السور:<br />
النساء قوله تعاَل: }ال يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ غَيْرُ أُوْ لِي الضَّرَ رِ وَ الْمُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ<br />
بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ قَضَّلَ َّللاَّ ُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِ ْم{ . 3<br />
= 2<br />
=<br />
3<br />
األنفال قوله تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هَاجَرُ وا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِ ْم{ . 4<br />
التوبة قوله تعاَل: }الَّذِينَ آمَنُوا وَ هَاجَرُ وا وَ جَاهَدُوا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِ ِه<br />
و44 و91 و99<br />
ْم{ ، 5 واآلايت 41<br />
4<br />
5<br />
ابلتوبة.<br />
= احلجرات: قوله تعاَل: }إِنَّمَا الْمُؤْ مِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْ تَابُوا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَ الِهِمْ<br />
وَ أَنفُسِهِمْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ أُوْ لَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ{ . 6<br />
= احلديد: قوله تعاَل: }ال يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَاتَلَ أُوْ لَئِكَ أَعْظَمُ دَرَ جَة ً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا<br />
مِنْ بَعْدُ وَ قَاتَلُوا{ . 7<br />
40<br />
- 1 التوبة، اآلية: 81<br />
- 2 املنافقون، اآلية: 7<br />
- 3 النساء، اآلية: 85<br />
- 4 األنفال، اآلية: 72<br />
- 5 التوبة، اآلية: 21<br />
- 6 احلجرات، اآلية: 15<br />
- احلديد، اآلية: 11<br />
7
6<br />
= الصف: قوله تعاَل: }تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ تُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ<br />
بِأَمْوَ الِكُمْ وَ أَنفُسِكُ ْم{ . 1 أما اآلية<br />
الفريدة اليت قُدمت <strong>في</strong>ها النفس على املال فهي قوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ اشْتَرَ ى مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُ ْم<br />
بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ{ . 2<br />
فتقدمي املال على النفس يف معظم اآلايت ليس لفضله على النفس، بل إن اجلهاد ابلنفس أعظم ولكنه ال يتم إال<br />
ابملال، فالإنفاق يف سبيل هللا الزم ل<strong>إعداد</strong> اجليوش وال يتم اجلهاد ابلنفس إال بعد اجلهاد ابملال، أما آية }إِنَّ َّللاَّ َ<br />
اشْتَرَ ى{ فهذا مقام املبايعة مع هللا وقد عرض هللا سلعة غالية فوجب على العبد أن يقدم يف شرائها أغلى ما ميلك<br />
وهي النفس، فلذلك قدمت النفس على املال يف هذه اآلية اليت ت ُبَنيِّ كرم هللا عز وجل فإنه ميلك نفوس اخللق مجيعا<br />
ومع ذلك فقد اشرتاها من املؤمنني ابلعِوض وهو اجلنة.<br />
ولذلك أقول إن تقدمي املال على النفس يف معظم اآلايت<br />
هو تقدمي ترتيب<br />
املال، أما تقدمي النفس على املال يف آية املبايعة فهو تقدمي تفضيل، كما قال الشاعر:<br />
اجلود ابملال جود <strong>في</strong>ه مكرمة<br />
إذ ال يتم اجلهاد ابلنفس إال بعد بذل<br />
واجلود ابلنفس أقصى غاية اجلود.<br />
ومعلوم كذلك أن النفس مقدمة على املال يف الضرورايت الشرعية اخلمس، وقد أشار إَل هذا التقدمي والتأخري العالمة<br />
الشنقيطي يف تفسريه )أضواء البيان( عند تفسري آية الصف، فقال: ]يف هذه اآلية الكرمية تقدمي اجلهاد ابملال على<br />
3<br />
اجلهاد ابلنفس يف قوله تعاَل: }وَ تُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ بِأَمْوَ الِكُمْ وَ أَنفُسِكُ ْم{ . ويف آية إن هللا اشرتى من املؤمنني،<br />
قدم النفس على املال فقال: }اشْتَرَ ى مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُ ْم {، ويف ذلك سر لطيف. أما يف آية الصف،<br />
فإن املقام تفسري وبيان ملعىن التجارة الراحبة ابجلهاد يف سبيل هللا.<br />
وحقيقة اجلهاد بذل اجلهد والطاقة،<br />
واملال هو عصب ا ر ، وهو مدد اجليش. وهو<br />
أهم من اجلهاد ابلسالح،<br />
فباملال يُشرتى السالح، وقد تُستأجر الرجال كما يف اجليوش احلديثة من الفرق األجنبية، وابملال جيَُهز اجليش، ولذا ملا<br />
جاء الإذن ابجلهاد أعذر هللا املرضى والضعفاء،<br />
وأ عْل ر معهم الفقراء اللين ال يستطيعون جتهيز أنفسهم، وأَعْذََر<br />
معهم الرسول صلى هللا عليه وسلم إذ مل يوجد عنده ما جيهزهم به كما يف قوله تعاَل: }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ ال عَلَى<br />
الْمَرْ ضَى{ إلى قوله: }وَ ال عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْ كَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ ال أَجِ دُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَ لَّوا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِ ْن<br />
الدَّمِْْ حَزَ نًا أَالَّ يَجِ دُوا مَا يُنفِقُو َن{.<br />
وكذلك من جانب آخر، قد جيَُاهِد ابملال من ال يستطيع ابلسالح كالنساء والضعفاء، كما قال صلى هللا عليه وسلم :<br />
»مَنْ جَهمزَ غَازِايً فَقَدْ غَزَا«.<br />
42<br />
- 1 الصف، اآلية: 11<br />
- 2 التوبة، اآلية: 111<br />
- 3 الصف، اآلية: 11
أما اآلية الثانية، فهي يف معرض االستبدال والعرض والطلب أو ما يسمى ابملساومة، فقدم النفس ألهنا أعز ما ميلك<br />
احلي، وجعل يف مقابلها اجلنة وهي أعز مايو هب[ . 1<br />
قلت: وإذا أتملت آية األمر ابل<strong>إعداد</strong> وهي قوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ جتدها قد<br />
خُتِمَت ابلنفقة، فقال تعاَل: }وَ مَا تُن ِفقُوا مِنْ شَيْءٍ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ يُوَ فَّ إِلَيْكُ ْم وَ أَنْتُمْ الَ تُظْلَمُو َن{ مما يدل على<br />
أمهية املال لإلعداد للجهاد.<br />
وهلذه األمهية خُصمت النفقة يف سبيل هللا بتضعيف ثواهبا إَل سبعمائة ضعف إَل أضعاف كثرية، قال<br />
تعاَل: }مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَ ْم وَ الَهُمْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبَْْ سَنَابِلَ قِي ِ كُل سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ َّللاَّ ُ<br />
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَ َّللاَّ ُ وَ اسٌِْ عَلِيمٌ{ . 2<br />
وقد تكلم إمام احلرمني اجلويين يف هذه املسألة وقال إن <strong>إعداد</strong> املال للجهاد يتنزل منزلة <strong>إعداد</strong> الرجال، وأوجب على<br />
املوسرين أن يقوموا بكفاية اجلند إن مل يف بيت املال بذلك وأن على الإمام أن يفرض على األغنياء ما يسد به<br />
3<br />
الكفاية .<br />
فأقول جيب على املسلمني جتهيز كل من يريد قصد ميادين التدريب واجلهاد، ابملال والسالح وجيب على املسلمني<br />
كفالة أسر اجملاهدين خاصة أسر الشهداء واألسرى واجلرحى واملعوقني وكل من أوذي يف سبيل هللا إيذاء منعه من<br />
التكسب لعياله،<br />
فإن قعود املسلمني عن معاونة هنالء هو من أعظم أسبا الصد عن سبيل هللا، فإن الرجل إذا<br />
تيقن ضياع عياله من بعده صده ذلك عن اجلهاد يف سبيل هللا، وترك إعانة اجملاهدين هو من صفات املنافقني كما قال<br />
تعاَل: }هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ الَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَ سُولِ َّللاَّ ِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَ ّلِلِ َّ ِ خَزَ ائِنُ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضِ وَ لَكِ َّن<br />
4<br />
الْمُنَاقِقِينَ ال يَفْقَهُونَ{ ، وقال تعاَل: }هَاأَنْتُمْ هَؤُالءِ تُدْعَوْ نَ لِتُنفِقُوا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ قَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَ مَنْ يَبْخَلْ قَإِنَّمَا<br />
يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ َّللاَّ ُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمْ الْفُقَرَ اءُ وَ إِنْ تَتَوَ لَّوْ ا يَسْتَبْدِلْ قَوْ م ًا غَيْرَ كُمْ ثُمَّ<br />
ال يَكُونُوا أَمْثَالَكُ ْم{ . 5<br />
مسألة:<br />
هذا، وكان أحد الإخوة قد سألين عن رجل أصاب ماال حراما، أو يغلب على كسبه احلرام، هل يقبل منه تربعات<br />
للجهاد مع العلم هبذا؟.<br />
273<br />
1<br />
- )أضواء البيان( ج 9 ص<br />
.195<br />
194<br />
- البقرة، اآلية: 261<br />
2<br />
- 3 )الغياثي( ط 2 حتقيق د/عبد العظيم الديب ص<br />
256<br />
- 4 املنافقون، اآلية: 7<br />
- 5 حممد، اآلية: 39<br />
43
فأجبته مبا قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف هذا الشأن، قال: ]حىت لو كان الرجل قد محل بيده مال حرام وقد<br />
تعذر رده إَل أصحابه<br />
سبيل هللا، فإن ذلك مصرفها.<br />
جلهله هبم وحنو ذلك، أو كان بيده ودائع أو رهوان أو عوار قد تعذر معرفة أصحاهبا فلينقها يف<br />
ومن كان كثري الذنوب فأعظم دوائه اجلهاد، فإن هللا عز وجل يغفر ذنوبه، كما أخرب هللا يف كتابه بقوله سبحانه<br />
1<br />
وتعاَل: }يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُ ْم{ . ومن أراد التخل من احلرام والتوبة وال ميكن رده إَل أصحابه فلينفقه يف سبيل هللا<br />
2<br />
عن أصحابه، فإن ذلك طريق حسنة إَل خالصه، مع ما حيصل له من أجر اجلهاد[ .<br />
قلت واآلية املذكورة بتمامها هي قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِ َجارَ ةٍ تُنجِ يكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِي ٍم<br />
تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ تُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ بِأَمْوَ الِكُمْ وَ أَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ<br />
وَ يُدْخِ لْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِ ي مِنْ تَحْتِهَا األَنْهَارُ وَ مَسَاكِنَ َِي ِبَةً قِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْ زُ الْعَظِي ُم{<br />
كُنتُمْ تَعْلَمُو َن يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُ ْم<br />
وجل أن اجلهاد ابملال والنفس من أسباب غفران الذنوب، وما يتبع ذلك من دخول اجلنات.<br />
. 3 فبني هللا عز<br />
والكالم السابق لشيخ الإسالم <strong>في</strong>ه الإجابة على األخ السائل، وقد ذكرته هنا لينتفع به غريه، وهو أنه جيوز أن يقبل<br />
املال احلرام للنفقة يف سبيل هللا.<br />
ولكن هل من أَعْطَى هذا املال احلرام يرتفع بذلك إمثه أو يثاب مع ذلك؟ يتوقف هذا على أمرين:<br />
األول: هل هذا املال احلرام من حقوق الناس ومظاملهم أم معصية يف حق هللا تعاَل بني العبد وربه؟<br />
الثاين: هل هذه العطية مقرتنة ابلتوبة ونية التخل<br />
وقد قرر شيخ الإسالم األصل السابق يف أكثر من موضع يف فتاويه:<br />
من احلرام أم ال؟ على تفصيل ليس هذا موضعه.<br />
أن املال ا رام أو اللي ال يدُعْر ف صاحبه<br />
يتصدق به ويصرف يف مصام املسلمني، وتقرأ يف اجمللد التاسع والعشرين يف ص 262 كالمه عن مال الغُلُول من<br />
الغنيمة، ويف ص262 عن ما أخذ ظلما ويف ص251 عن اللقطة، ص276 املال املغصوب، ص281 ربح البيع املنهي عنه،<br />
ص317<br />
مال الراب، ص317 مال املُغَنية، ص318 مال البَغِيّ )املومسة( واخلمار، وغريها من املواضع ص261،<br />
،311 ،263<br />
.363 ،361 ،321 وذكر<br />
أن هذا هو قول مجهور الفقهاء.<br />
ومثل هذا ما ذكره ابن رجب احلنبلي يف كتابه )جامع العلوم واحلكم( يف شرح احلديث العاشر »إن هللا طيب ال يقبل<br />
إال طيبا«.<br />
قال: ]الوجه الثاين من تصرفات الغاصب يف املال املغصوب أن يتصدق به على صاحبه إذا عجز عن رده<br />
إليه وإَل ورثته، فهذا جائز عند أكثر العلماء: منهم مالك وأبو حنيفة وأمحد وغريهم. قال ابن عبد الرب ذهب الزهري<br />
ومالك والثوري واألوزاعي والليث إَل أن الغَالّ إذا تفرق أهل العسكر ومل يَصِل إليهم أنه يدفع إَل الإمام مخسه<br />
ويتصدق ابلباقي، رُوِيَ ذلك عن عبادة بن الصامت ومعاوية واحلسن البصري، وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن<br />
422<br />
- الصف، اآلية: 12<br />
1<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص<br />
421<br />
12 11<br />
- 3 الصف، اآلية: 11<br />
44
عباس رضي هللا عنهما أهنما كان يراين أن يتصدق ابملال الذي ال يعرف صاحبه. إَل أن قال واملشهور عن<br />
الشافعي رمحه هللا يف األموال احلرام أهنا حتفظ وال يتصدق هبا حىت يظهر مستحقها. وكان الفضيل بن عياض يرى أن<br />
من عنده مال حرام ال يعرف أراببه أنه ي ُتْلِفه ويلقيه يف البحر وال يتصدق به، وقال: ال يتقرب إَل هللا إال ابلطيب،<br />
والصحيح الصدقة به ألن إتالف املال وإضاعته منهي عنه، وإرصاده أبدا تعريض له لإلتالف واستيالء الظلمة عليه،<br />
والصدقة به ليست عن مكتسبه حىت يكون تقراب منه ابخلبيث، وإَّنا هي صدقة عن مالكه ليكون نفعه له يف اآلخرة<br />
1<br />
حيث يتعذر عليه االنتفاع به يف الدنيا[ . وهللا تعاَل املستعان.<br />
)فصل(: وكما أن املال خري عظيم للجهاد، فقد يكون شرا مستطريا عليه وذلك عندما يستخدم املال لشراء الذمم<br />
وبيع القضااي الإسالمية وحتويل مسار اجلهاد أو التخلي عن بعض املبادئ، وقد تعرض النيب<br />
للحصار الإقتصادي مدة ثالث سنوات قضاها يف شِ عْب أىب طالب، وتعرض<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
صلى هللا عليه وسلم لإلغراء املايل<br />
حيث عَرَضَ عليه مشركو مكة أن جيمعوا له من أمواهلم حىت يصري أغناهم على أن يتخلى عن دعوته صلى هللا عليه<br />
وسلم،<br />
وما من قضية إسالمية إال والبد أن تتعرني لإلغراء والتهديد<br />
كأساليب للضغط واملساومات وطلب<br />
التنازالت، فهله سنة قدرية البد أن تقعكما قال تعاَل: }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَ كُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ الَ يُفْتَنُو َن<br />
وَ لَقَدْ قَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ<br />
قَبْلِهِمْ قَلَيَعْلَمَنَّ َّللاَّ ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِي َن{ ، 2 وقال تعاَل: }مَا كَانَ َّللاَّ ُ لِيَذَرَ الْمُؤْ مِنِينَ<br />
عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الَِّي ِبِ{ . 3 وكم من قضية رُفعت <strong>في</strong>ها الراية الإسالمية ويقاتل املسلمون<br />
حتتها لتنتهي القضية برفع الراية العلمانية بعد سقوط اآلالف من القتلى.<br />
وقد يُستخدم املال لشق الصف الإسالمي، <strong>في</strong>غفل املسلمون عن السالح ويلتفتون إَل املال وقد حدث قريب من هذا<br />
من الرماة يف غزوة أحد حىت كان ما كان، ومع الإلتفات إَل املال يدخل حب الدنيا وكراهة املوت وهو الوهن إَل<br />
القلوب وينتهي األمر ابهلزمية، ومع الإلتفات إَل املال يدخل احلسد بني املسلمني <strong>في</strong>تباغضون ويفرتقون وقد يتقاتلون<br />
<strong>في</strong>ما بينهم. وكل ما سبق ي ُنْهِي قضية اجلهاد بشر هزمية. بعث سعد بن أيب وقاص مخُْسَ غنائم وقعة جلوالء إَل عمر<br />
بن اخلطاب، قال ابن كثري: [ فلما نَظَرَ عمر إَل ايقوته وزبرجده وذهبه األصفر وفضته البيضاء، بكى عمر، فقال له<br />
عبد الرمحن بن عوف: ما يُبكيك اي أمري املؤمنني؟ فوهللا إن هذا ملوطن شكر، فقال عمر: وهللا ما ذاك يبكيين، واتهلل<br />
ما أعطى هللا هذا قوما إال حتاسدوا وتباغضوا، وال حتاسدوا إال ألقى البغضاء بينهم، ُث قسمه كما قسم أموال<br />
4<br />
القادسية .وقول عمر السابق مستفاد من حديث النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
»أَبْشِ رُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاَّللمِ مَا الْفَقْرَ<br />
45<br />
1<br />
- )جامع العلوم واحلكم( ص<br />
81 ،28<br />
3<br />
- 2 العنكبوت، اآلية: 2<br />
- 3 آل عمران، اآلية: 178<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 7 ص<br />
71
أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِين أَخَشَى أَنْ ت ُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمُ كَمَا بُسِ طَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا<br />
وَهتُْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ« . 1 نسأل هللا لنا ولكم العا<strong>في</strong>ة.<br />
ومن األساليب الشيطانية لشراء احلركات اجلهادية واحتوائها، سياسة اإلغراق املايل، فتغدق اجلهة أو الدولة اليت تريد<br />
شراء احلركة، األموال على احلركة بال حساب وبال شروط، حىت إذا تضخمت أنشطة احلركة اجلهادية وكثر أتباعها<br />
وصارت ال تستغين عن أموال هذه اجلهة، أخذت هذه اجلهة يف فرض شروطها مقابل استمرار الدعم املايل، فإذا قبلت<br />
احلركة اجلهادية هذا، فمعناه أهنا تتمول تلقائيا إَل العَمَالَة، ويتحول اجملاهدون إَل عمالء ال يفعلون إال ما تسمح به<br />
اجلهة املمولة وما يتفق مع سياستها، وتُشَلّ األعمال القتالية للحركة ولكن ال أبس من استمرار رفع الشعارات لسرت<br />
2<br />
العورة، قال تعاَل: }وَ إِنْ كَانَ مَكْرُ هُمْ لِتَزُ ولَ مِنْهُ الْجِ بَا ُل{ ، فالواجب على اجملاهدين الذين وهبوا أنفسهم لنصرة هللا<br />
بصدق أال يسقطوا يف هذه املكيدة وأال يعتمدوا يف الإنفاق إال على<br />
ينبغي أن<br />
مواردهم اللاتية فقط. وأهم موارد اجملاهدين<br />
تكون الغنيمة من عدوهم، وهكذا كل طائفة البد أن تسعى لتأمني احتياجاهتا املادية من عدوها، قال<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »جُعِلَ رزقي حتت ظل رحمي« من حديث:<br />
وقال صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
»بعثت ابلسيف بني يدي الساعة« .<br />
4<br />
»وأحلت يل املغاِن ومل حتل ألحد قبلي« ، وقال صلى هللا عليه وسلم : »اخليل معقود يف<br />
6<br />
5<br />
نواصيها اخلري إَل يوم القيامة: األجر واملغنم« ، وعن عائشة قالت: )ملا فُتِحَت خيرب قلنا: اآلن نشبع من التمر( ،<br />
7<br />
وروي عن ابن عمر قال: )ما شبعنا حىت فتحت خيرب(، وقد قال هللا عز وجل: }قَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَالال َِي ِبًا{ .<br />
والغنيمة هي ما أخذه املسلم من الكافر احلريب عَنْوَة ابلقهر، وال<strong>في</strong>ء هو ما أخذه املسلم من الكافر احلريب بغري قتال<br />
كاملال الذي يهرب عنه الكافر أو املال الذي َيخذه املسلم حبيلة من الكافر وهكذا. وتقسيم كل من الغنيمة وال<strong>في</strong>ء<br />
ومصارفهما مفصل يف فقه اجلهاد.<br />
وكان النيب صلى هللا عليه وسلم قد خرج وصحابته يوم بدر قاصدين أخذ عري قريش اليت كان عليها أبو س<strong>في</strong>ان<br />
9<br />
وكانت ألف بعري واملال مخسني ألف دينار ، غنيمة يستغين هبا املسلمون، ولكن شاء هللا أن هترب العري وأن يدركوا<br />
النفري، نفري قريش الستنقاذ أمواهلم، فكانت املوقعة ُث النصر والغنيمة، روى البخاري عن كعب بن مالك<br />
قال: )مل <br />
- 1 متفق عليه عن عمرو بن عوف األنصاري<br />
46<br />
- 2 إبراهيم، اآلية: 46<br />
- 3 رواه امحد إبسناد صحيح عن ابن عمر.<br />
- 4 رواه البخاري عن جابر<br />
- 5 متفق عليه<br />
- 6 رواه البخاري<br />
- 7 األنفال، اآلية: 68<br />
- 9 فتح الباري 296 / 7
أختلف عن رسول هللا يف غزوة غزاها إال يف تبوك، غري أين ختلفت عن غزوة بدر ومل يعاتب أحد ختلف عنها، إَّنا خرج<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يريد عري قريش، حىت مجع هللا بينهم وبني عدوهم على غري ميعاد( . 1<br />
وهلذا فإن االعتماد على املوارد الذاتية حيمي اجملاهدين من السقوط يف أغالل التبعية جلهات التمويل والضغط، ويكفل<br />
هلم حرية واستقالل القرار.<br />
47<br />
- 1 حديث 3851
48
و<strong>في</strong>ه املسائل التالية:<br />
الباب الثالث<br />
اإلمارة<br />
أوالً := الإمارة واجبة.<br />
َثنياً := التأمري موكول إَل ويل األمر املسؤول إن وُجِ دَ.<br />
َثلثاً := ولويل األمر أن يؤمر عدة أمراء على الرتتيب.<br />
رابعاً := مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟.<br />
خامساً:= شروط هذه الإمارة.<br />
سادساً:= الغزو مع األمري الفاجر.<br />
سابعاً := الرد على شبهة متعلقة ابلإمارة.<br />
49
الباب الثالث: اإلمارة<br />
أوال: اإلمارة واجبة.<br />
- أ<br />
ب<br />
ج<br />
-<br />
-<br />
لقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ ُسولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُ ْم{ . 1<br />
وقوله تعاَل: }وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ األْ َمْنِ أَوْ الْخَوْ فِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األْ َ ْم<br />
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ . 2 فدلت اآليتان<br />
مصاحلهم، وذلك بداللة إشارة الن .<br />
قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم:<br />
ِر<br />
على أنه البد للناس من ويل أمر يتوَل شؤوهنم ويدبر<br />
»ال حي ِلُّ لَِ الث ةِ ند ف ر ي كُونُون بِف ال ة مِن األ رْنيِ إِال<br />
أ م رُوا ع ل يْهِ ْم<br />
4<br />
3<br />
أ ح د هُمْ« ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »إِذ ا خ ر ج ث الث ةٌ يفِ س ف ر فد لْيدُن مِرُوا أ ح د هُمْ« .<br />
وقال الشوكاين يف نيل األوطار" [ )اب وجو نصبة القضاء واإلمارة وغريها( وذكر األحاديث السابقة ُث قال<br />
حديث عبد هللا بن عمرو وحديث أيب سعيد قد أخرج حنومها البزار إبسناد صحيح من حديث عمر بن اخلطاب بلفظ<br />
»إذا كنتم ثالثة يف سفر فأمروا أحدكم ذاك أمري أمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأخرج البزار أيضا إبسناد<br />
صحيح من حديث عبد هللا بن عمر مرفوعا بلفظ »إذا كانوا ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم« وأخرجه هبذا اللفظ<br />
الطرباين من حديث ابن مسعود إبسناد صحيح. وهذه األحاديث يشهد بعضها لبعض وقد سكت أبو داود واملنذري<br />
.»<br />
عن حديث أيب سعيد وأيب هريرة وكالمها رجاهلما رجال الصحيح إال عليّ بن حبر وهو ثقة. ولفظ حديث أيب هريرة<br />
»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«<br />
عليهم أحدهم<br />
- د<br />
و<strong>في</strong>ها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعد أن ينمروا<br />
ألن يف ذلك السالمة من اخلالف الذي يؤدي إَل التالف فمع عدم التأمري يستبد كل واحد برأيه<br />
ويفعل ما يطابق هواه <strong>في</strong>هلكون، ومع التأمري يقل االختالف وجتتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من<br />
األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكَر يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوىل<br />
وأحرى ويف ذلك دليل لقول من قال إنه جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام ] 5 .<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية: [ جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل ال قيام للدين<br />
وال للدنيا إال هبا. فإن بين آدم ال تتم مصلحتهم إال ابالجتماع حلاجة بعضهم إَل بعض والبد هلم عند االجتماع من<br />
51<br />
- النساء، اآلية: 58<br />
- النساء، اآلية: 93<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
- رواه أمحد عن عبد هللا بن عمرو<br />
- رواه أبو داود عن أيب سعيد، وله من حديث أيب هريرة مثله<br />
- 5 )نيل األوطار( ج 8 ص<br />
157
- ه<br />
رأس حىت قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم« . 1 وروى الإمام أمحد يف املسند<br />
عن عبد هللا بن عمرو، أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال حيَِلُّ لِثَالثَةِ ن َفَرٍ يَكُونُونَ بِفَالةٍ مِنَ األَرْضِ إِالم أَمرُوا<br />
عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ« فأوجب صلى هللا عليه وسلم أتمري الواحد يف االجتماع القليل العارض يف السفر، تنبيها بذلك على<br />
سائر أنواع االجتماع. وألن هللا تعاَل<br />
أوجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر، وال يتم ذلك إال بقوة وإمارة.<br />
وكللك سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإقامة احلج واجلمع واألعياد ونصر املظلوم. وإقامة احلدود ال تتم إال ابلقوة<br />
والإمارة إَل قوله فالواجب اختاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب هبا إَل هللا، فإن التقرب إليه <strong>في</strong>ها بطاعته وطاعة رسوله من<br />
أفضل القرابت وإَّنا يفسد <strong>في</strong>ها حال أكثر الناس البتغاء الرايسة أو املال هبا. وقد روى كعب بن مالك عن النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم أنه قال : »مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِ ال يفِ زَرِيبَةِ غَنَمٍ أبَِفْسَدَ هلََا مِنْ حِ رْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَال مشرَ ِف<br />
3<br />
2<br />
لِدِينِهِ« ، فأخرب أن حرص املرء على املال والرايسة يفسد دينه مثل أو أكثر من فساد الذئبني اجلائعني لزريبة الغنم[ .<br />
وروى ابن عبد الرب يف )جامع بيان العلوم( قال حدثنا أبو القاسم خلف ابن القاسم حدثنا أبو صاحل أمحد بن<br />
عبد الرمحن مبصر حدثنا أبو بكر حممد بن احلسن البخاري حدثنا احلسني بن احلسن بن وضاح البخاري السمسار<br />
حدثنا حف<br />
بن داود الربعي قال حدثنا خالد قال حدثنا بقية قال حدثنا صفوان بن رستم أبو كامل حدثنا عبد<br />
الرمحن بن ميسرة عن عبد الرمحن عن متيم الداري قال: تطاول الناس يف البنيان زمن عمر بن اخلطاب فقال: )اي معشر<br />
العرب األرض األرض إنه ال إسالم إال جبماعة وال مجاعة إال إبمارة وال إمارة إال بطاعة أال من سوده قومه على فقه<br />
كان ذلك خريا له، ومن سَومدَهُ قومه على غري فقه كان ذلك هالكا له وملن اتبعه( . 4<br />
ف<strong>في</strong> قول عمر<br />
<br />
وجوب اجلماعة والإمارة والطاعة لإقامة شرائع الإسالم.<br />
- رواه أبو داود من حديث أيب سعيد وأيب هريرة.<br />
- قال الرتمذي حديث حسن صحيح<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص<br />
381<br />
- )جامع بيان العلم وفضله( ج 1 ص<br />
382<br />
63، ورواه الدارمي بسند ضعيف.<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
50
ثانيا: التأمير موكول إلى ولي األمر المسؤول إن وجد<br />
حلديث بريدة<br />
<br />
1<br />
ومبن معه من املسلمني خريا( .<br />
( كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أمر أمريا على جيش أو سرية أوصاه يف خاصته بتقوى هللا،<br />
قال ابن قدامة: ]وأمر اجلهاد موكول إَل الإمام واجتهاده إَل قوله وي ُؤَمِّر يف كل انحية أمريا يقلده أمر احلروب<br />
وتدبري اجلهاد ويكون ممن له رأي وعقل وُندة وبصر ابحلرب ومكايدة العدو، ويكون <strong>في</strong>ه أمانة ورفق ونصح<br />
2<br />
للمسلمني[ .<br />
-<br />
-<br />
رواه مسلم يف كتاب اجلهاد والسري من صحيحه، )ابب أتمريالإمام األمراء على البعوث(<br />
املغين كتاب اجلهاد<br />
1<br />
2<br />
52
ثالثا: ولولي األمر أن يؤمر عدة أمراء على الترتيب<br />
لفعل النيب صلى هللا عليه وسلم يف غزوة مؤتة )بعث األمراء( حيث رتب ثالثة أمراء على التوايل متفق عليه عن<br />
أنس. إن أصيب األول خلفه الثاين وهكذا.<br />
روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال: )أَمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف غزوة مؤتة زيدَ بن<br />
حارثة، فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر، فعبد هللا بن رواحة، قال ابن<br />
عمر: كنت <strong>في</strong>هم يف تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أيب طالب، فوجدانه يف القتلى، ووجدان ما يف جسده بضعا<br />
وتسعني من طعنة ورمية(.<br />
وال تنعقد الإمارة للثاين إال إذا مات األول أو أصيب مبا ي ُعْجِ زه عن القيام بعمله، وليس للثاين أن ينازع األول يف<br />
األعمال حبجة أن له إمارة حمتملة أو حنوه، مادام األمري هو األول، بل على اجلميع السمع والطاعة له.<br />
ويف يوم وقعة اجلسر الشهرية مع الفرس كان األمري أبو عبيد بن مسعود الثق<strong>في</strong> أوصى ابلإمارة على اجليش لثمانية من<br />
بعده على الرتتيب إن قُتِل، فقُتِل هو وسبعة من األمراء من ثقيف من بعده حىت انتهت الإمارة إَل الثامن وهو املثىن<br />
بن حارثة وكانت دَوْمَة امرأة أيب عبيد رأت مناما يدل على ما وقع سواء بسواء . 1<br />
وكانت هذه الواقعة سنة<br />
13<br />
يف خالفة عمر وتوافر الصحابة بال نكري منهم.<br />
ه يف خالفة عمر بن اخلطاب . وهذا أكرب عدد يعرف يف عَهْدِ األمري لِمَنْ بعده، وذلك<br />
-<br />
)البداية والنهاية( البن كثري ج<br />
7 ص 29<br />
وانظر )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص<br />
26<br />
1<br />
53
رابعا: متى تؤول سلطة التأمير إلى الرعية؟<br />
-<br />
بينت <strong>في</strong>ما سبق وجوب الإمارة وأن التأمري من حق إمام املسلمني ومن حيل حمله كويل أمر مسئول عن عمل من<br />
األعمال. إال أنه يف بعض األحوال يتعني على مجاعة املسلمني أن خيتاروا األمري أبنفسهم، ومن أمثال هذا:<br />
إذا فقد األمري املُعَنيم من جهة الإمام )بقَتْل أو أَسْر أو عَجْز( ومل يتمكن املسلمون من مراجعة الإمام، ومل يكن هلم<br />
عدة أمراء على الرتتيب أو انتهوا.<br />
-<br />
إذا شرع املسلمون أو طائفة منهم يف عما من العمال اجلماعية )خاصة التدريب و اجلهاد( ومل يكن للمسلمني<br />
إمام. كما هو احلال يف زماننا اآلن.<br />
فعلى املسلمني أن خيتاروا أحدهم لإلمارة وال يصح أن يعملوا بدون إمارة، وقد أعطاهم النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
سلطة التأمري هله بقوله »فليؤمِّروا« من حديث »إِذَا خَرَجَ ثَالثَةٌ يفِ سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُ ْم« فأسند صلى هللا عليه<br />
وسلم سلطة التأمري إَل هذا اجلمع الذي اجتمع على أمر مشرتك بينهم وهو السفر، وقد سبق شرح هذا احلديث.<br />
ويستدل أيضا بفعل الصحابة رضوان هللا عليهم يف غزوة مؤتة بعد مقتل األمراء الثالثة الذين أمرهم النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم، فاتفقوا على أتمري خالد بن الوليد، وقد رَضِيَ النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعهم هذا.<br />
روى البخاري بسنده عن أنس : قال خَطَبَ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال: »أخذ الراية زيد فأصيب، ُث<br />
أخذها جعفر فأصيب، ُث أخذها عبد هللا بن رواحة فأصيب، ُث أخذها خالد بن الوليد عن غري إمرة ففتح هللا عليه،<br />
وما يسرهم أهنم عندان«<br />
2<br />
من سيوف هللا حىت فتح هللا عليهم« .<br />
1<br />
قال أنس )وإن عينه لتَذْرِفان( ، ويف رواية أخرى للبخاري عن أنس »حىت أخذ الراية سيف<br />
قال ابن حجر ملا قُتِل ابن رواحة ]ُث أخذ الراية َثبت بن أقرم األنصاري، فقال اصطَلِحوا على رجل، فقالوا: أنت<br />
هلا، فقال: ال، فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطرباين من حديث أيب اليسر األنصاري قال: أان دفعت الراية<br />
إَل َثبت بن أقرم ملا أصيب عبد هللا بن رواحة، فدفعها إَل خالد بن الوليد، وقال له أنت أعلم ابلقتال مين[ . 3<br />
وقال ابن حجر أيضا: و<strong>في</strong>ه جواز التأمر يف احلرب بغري أتمري أي بغري ن من الإمام ، قال الطحاوي: ]هلا أصل<br />
4<br />
ينخل منه على املسلمني أن يقدموا رجال إذا غا اإلمام يقوم مقامه إىل أن حيضر[ . وقال ابن حجر كذلك:<br />
- حديث 3163<br />
- حديث 4362<br />
- )فتح الباري( ج 7 ص 512<br />
- )فتح الباري( ج 7 ص 513<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
54
قال ابن املنريم : ]يؤخذ من حديث الباب أن<br />
من تعني لوالية وتعلرت مراجعة اإلمام أن الوالية تَبت لللك املعني<br />
1<br />
شرعا وجتب طاعته حكما[ كذا قال، وال خيفى أن حمله ما إذا اتفق احلاضرون عليه .<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ]فإن عدم اإلمام مل يُنخ ر اجلهاد ألن مصلحته تفوت بتأخريه وإن حصلت غنيمة قسمها<br />
أهلها على موجب الشرع، قال القاضي ويؤخر قسمة الإمام حىت يظهر إمام احتياطا للفروج، فإن بعث الإمام جيشا<br />
وأَمر عليهم أمريا فقُتل أو مات، فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف جيش<br />
مؤتة ملا قتل أمراؤهم الذين أمرهم النيب صلى هللا عليه وسلم أمروا عليهم خالد بن الوليد، فبلغ النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم فرَضِيَ أَمرهم وصَومبَ رأيهم، ومسى خالدا “سيف هللا”<br />
2<br />
.]<br />
تنبيه: الرد على شبهة )ال جهاد بال إمام(.<br />
يَري البع شبهة وهي كيف جناهد وليس للمسلمني خليفة؟ وهي شبهة أوحى هبا الشيطان للمخذلني واملثبطني<br />
عن اجلهاد يف هذا الزمان. قال<br />
تعاَل: { وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ ا شَيَاِِينَ اإلِ نسِ وَ الْجِ ِن يُوحِ ي بَعْضُهُمْ إِلَى<br />
بَعْضٍ زُ خْرُ فَ الْقَوْ لِ غُرُ ً ورا وَ لَوْ شَاءَ رَ بُّكَ مَا قَعَلُوهُ قَذَرْ هُمْ وَ مَا يَفْتَرُ ونَ وَ لِتَصْغَى إِلَيْهِ أَقْئِدَةُ الَّذِينَ ال يُ ْؤمِنُو َن<br />
بِاآلخِ رَ ةِ وَ لِيَرْ ضَوْ هُ وَ لِيَقْتَرِ قُوا مَا هُمْ مُقْتَرِ قُونَ{ . 3 ُث نقل هذه الشبهة آخرون حبسن نية جهال منهم.<br />
و<strong>في</strong>ما ذكرته آنفا يف املسألة الرابعة )مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟( رد كاف على هذه الشبهة. وهو انه جيب على<br />
املسلمني أن يؤمروا أحدهم عليهم للجهاد يف غياب الإمام، وهذا قول البخاري . 4 وقول ابن حجر والطحاوي وابن<br />
املنريّ وابن قدامة وشيخ الإسالم ابن تيمية كما ذكرته يف أول الباب، وأقواهلم مثبتة يف املسألة الرابعة السابقة. وعمدة<br />
هله املسألة هو حديث غزوة ومنتة حيث أمر الصحابة خالدا عليهم ملا قُتِل أمراؤهم وهم يف غيبة عن الإمام )النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم ) فرَضِيَ النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعهم هذا. وهناك شبهة تثار حول االستدالل هبذا<br />
احلديث وهو أنه يف مؤتة كان الإمام غائبا أما اآلن فهو معدوم؟ وسأرد على هذه الشبهة أيضا <strong>في</strong>ما َيِت إن شاء هللا.<br />
وهناك دليل آخر، وهو حديث عبادة بن الصامت »دعاان النيب صلى هللا عليه وسلم فَبَاي َعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا<br />
أَنْ ابَي َعَنَا عَلَى السممْعِ وَالطماعَةِ يفِ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِانَ وَيُسْرِانَ وَأَث َرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ ال ن ُنَاِزعَ األَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ إِالم أَنْ تَرَوْا<br />
كُفْرًا ب َوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَانٌ« . 5 فهاهو افليفة أو اإلمام قد ك ف ر وسقطت واليته. وجيب اخلروج عليه وقتاله<br />
وعزله ونصب إمام عادل، وهذا واجب إبمجاع الفقهاء كما نقل ذلك النووي وابن حجر . 6 فهل نقول ال خنرج على<br />
-<br />
-<br />
-<br />
)فتح الباري( ج<br />
6 ص 191<br />
)املغين والشرح الكبري( ج<br />
األنعام، اآلية:<br />
11 ص 374<br />
.113 112<br />
- كتاب اجلهاد ابب من أتمر يف ا حلرب بغري إمرة ج<br />
6 ص 191<br />
-<br />
-<br />
متفق عليه وهذا لفظ مسلم<br />
)صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />
12 ص<br />
228( و )فتح الباري ج 13ص7،<br />
)123 ،9<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
55
احلاكم الكافر إذ ال إمام، ومن أين لنا الإمام وقد كَفَر ووجب اخلروج عليه، أم ننتظر إماماً مُغَيمبا ونرتك املسلمني لفتنة<br />
الكفر والفساد؟ أيقول هبذا مسلم؟ إن احلديث السابق <strong>في</strong>ه تصريح من النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
مبقاتلة الإمام<br />
واخلروج عليه إذا كَفَر. فنحن نسأل أصحاب هذه الشبهة كيف يُقاتِل املسلمون يف هذه احلالة حيث ال إمام؟ والرد<br />
الشرعي هو أن يفعلوا كما فعل الصحابة يف مؤتة <strong>في</strong>ؤمروا أحدهم.<br />
وهله الشبهة هي من صميم اعتقاد الشيعة وَرَدَ يف العقيدة الطحاوية ])واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من<br />
املسلمني....( قال الشارح: يشري الشيخ رمحه هللا إَل الرد على الرافضة حيث قالوا: ال جهاد يف سبيل هللا حىت خيرج<br />
الرضا من آل حممد، وينادي مناد من السماء: اتبعوه!!<br />
1<br />
وبطالن هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل[ . ومع<br />
أن الشيعة خالفوا هذه العقيدة مع بَدء ثورة اخلميين وهذا من أظهر األدلة على فساد هذا االعتقاد الذي مازال مكتواب<br />
يف كتبهم، فالعجيب هو أن تعلق هذه الشبهة ببعض املنتسبني إَل أهل السنة، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
»لن يربح هذا الدين قائما يُقاتِل عليه عصابة من املسلمني حىت تقوم الساعة« .<br />
أليس »لن يربح، وال تزال« أفعال ت<strong>في</strong>د االستمرار؟، أي استمرار القتال على الدين، ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
قد أشار إَل أنه سيأِت على املسلمني زمان ال يكون هلم <strong>في</strong>ه إمام، ومع ذلك فقد ن<br />
صلى هللا عليه وسلم على<br />
استمرار القتال. فاجلهاد يف سبيل هللا ال يتوقف بسبب غياب الإمام، بل يؤمِّر املسلمون أحدَهم كما يف حديث مؤتة،<br />
بل إن غياب الإمام هو من دوافع اجلهاد لِنُصْبَة الإمام الذي يقيم الشريعة وحيوط امللة، وعلى كل مسلم يف هذه احلالة<br />
أن يعتصم هبذه العصابة املذكورة يف حديث جابر بن مسَُرة وهي الطائفة املنصورة.<br />
وقد يظن البعض أنه<br />
مل يكن املسلمون بال خليفة إال يف زماننا هذا، وهذا خطأ، بل قد مرت على املسلمني أزمنة مل<br />
يكن هلم <strong>في</strong>ها خليفة، ومن أشهر تلك األزمنة السنوات الثالث من<br />
ببغداد( إَل<br />
656<br />
658<br />
ه )و<strong>في</strong>ها قَتَلَ التتار اخلليفة العباس املستعصم<br />
3<br />
ه )و<strong>في</strong>ها بويع أول خليفة عباسي مبصر( ، ورغم انعدام الإمام إذ ذاك فقد خاض املسلمون معركة<br />
هي من مفاخر املسلمني إَل اليوم وهي معركة عني جالوت ضد التتار يف<br />
659<br />
ه ، حدث هذا يف توافر أكابر العلماء<br />
كعز الدين بن عبد السالم وغريه ومل يقل أحد كيف ُناهد وليس لنا خليفة؟، بل إن قائد املسلمني يف هذه املعركة<br />
)سيف الدين قطز( كان قد نَصَبَ نفسه بنفسه سلطاان على مصر بعد أن عزل ابن أستاذه من السلطنة لكونه صبيا<br />
صغريا، ورضي بذلك القضاة والعلماء وابيعوا قطزا سلطاان، وعَدم ابن كثري فعل قطز هذا نعمة من هللا على املسلمني إذ<br />
به كسرَ هللا شوكةَ التتار ، 4 كما عد ابن تيمية هذه الطوائف اليت قاتلت التتار يف تلك األزمنة من الطائفة املنصورة،<br />
56<br />
-<br />
-<br />
1<br />
2<br />
3<br />
)شرح العقيدة الطحاوية( طبع املكتب الإسالمي 1413ه 437ص<br />
- حديث جابر بن مسَُرة عند مسلم.<br />
البداية والنهاية<br />
231 /13<br />
- 4 البداية والنهاية 216/13
فقال )أما الطائفة ابلشام ومصر وحنومها فهم يف هذا الوقت املقاتلون عن دين الإسالم وهم من أحق الناس دخوال يف<br />
الطائفة املنصورة( . 1<br />
وهذه القصة، من سرية السلف الصاحل <strong>في</strong>ها رد على شبهة )ال جهاد بال إمام( ابلإضافة إَل األدلة النمصمية وهي<br />
حديث غزوة مؤتة وحديث عبادة بن الصامت <strong>في</strong>ما إذا كفر الإمام.<br />
وهذه الشبهات سنة قدرية كانت ومازالت ولن تزال طاملا وُجِ دت طائفة جماهدة قائمة أبمر هللا وهي ابقية إَل نزول<br />
عيسى<br />
قال صلى هللا عليه وسلم : »ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />
َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس<br />
»<br />
3<br />
2<br />
، وقال تعاَل: }يُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ ال يَخَاقُونَ لَوْ مَةَ الئِمٍ } . وقد<br />
بشر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اجملاهدين ابلظهور أبن املخذلني واملخالفني لن يضروهم، وإَّنا هي فنت تتميز هبا<br />
الصفوف.<br />
=<br />
1<br />
خالصة ما سبق<br />
ال حيل لثالثة فما فوق من املسلمني أن جيتمعوا على أمر ما، إال كان هلم أمري فالإمارة واجبة للجماعة، صغرية<br />
كانت أو كبرية، عارضة كانت أو دائمة. وذلك هام لتنسيق العمل داخل اجملموعة <strong>في</strong>أِت ابلتمرة املطلوبة وملنع التعارض<br />
يف األعمال وملنع الشقاق بني االخوة. ويف احلديث الصحيح »إَّنا الإمام جنة« أي وقاية.<br />
= 2<br />
= 3<br />
أتمري األمري موكول إَل املسؤول األول عن العمل، فإن اجتمعت طائفة على عمل ما ومل يكن هناك مسؤول من<br />
قبل أو كان غائبا اختاروا رجال منهم كما سبق، لفعل الصحابة يف غزوة مؤتة وإقرار النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
هلم.<br />
تنطبق على هذه اجلماعة وعلى أمريها أحكام الإمارة الشرعية على التفصيل الوارد يف األبواب التالية. من حيث<br />
واجبات األمري وواجبات األعضاء. لقول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
4<br />
: »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته« ، وقال<br />
شيخ الإسالم ابن تيمية: ]و)أولوا األمر( أصحاب األمر وذووه، وهم الذين َيمرون الناس، وذلك يشرتك <strong>في</strong>ه أهل اليد<br />
والقدرة وأهل العلم والكالم، فلهذا كان أولوا األمر صنفني: العلماء واألمراء فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا<br />
فسد الناس، كما قال أبو بكر الصديق<br />
أئمتكم.<br />
<br />
لألَمحُسِ يمة ملا سألته: ما بقاؤان على هذا األمر؟ قال: ما استقامت لكم<br />
57<br />
- 1 جمموع الفتاوى 531/29<br />
- 2 متفق عليه<br />
- 3 املائدة، األية: 54<br />
- 4 متفق عليه
ويدخل <strong>في</strong>هم امللوك واملشايخ وأهل الديوان، وكل من كان متبوعا فإنه من أوىل األمر، وعلى كل واحد من هؤالء أن<br />
َيمر مبا أمر هللا به، وينهى عما هنى عنه، وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه يف طاعة هللا، وال يطيعه يف معصية<br />
1<br />
هللا[ .<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج<br />
58<br />
29 ص 171
ص)<br />
خامسا: شروط هذه اإلمارة<br />
إمارة معسكر التدريب هي فرع من إمارة اجلهاد، هلا نفس املهام وإن كانت يف جمال أضيق، وابلتايل هلا نفس<br />
الشروط.<br />
قال القاضي أبو ي َعْلى: ]فأما الإمارة على اجلهاد فهي خمتصة بقتال املشركني وهي على ضربني. أحدمها: أن تكون<br />
مقصورة على سياسة اجليش وتدبري احلرب <strong>في</strong>عترب <strong>في</strong>ها شروط اإلمارة افاصة والثاين: أن ي ُفَومض إَل األمري <strong>في</strong>ها مجيع<br />
أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح، <strong>في</strong>عترب <strong>في</strong>ها شروط اإلمارة العامة.)ص<br />
.)38<br />
وقال أبو ي َعْلى يف موضع آخر: ويعترب يف والية هذه الإمارة )أي اخلاصة( الشروط املعتربة يف وزارة التن<strong>في</strong>ذ وزايدة<br />
شرطني، مها: الإسالم واحلرية ألجل ما تضمنتها من الوالية على األمور الدينية اليت ال تصح مع الكفر والرق، وال يعترب<br />
<strong>في</strong>ها العلم والفقه فإن كان فزايدة فضل )ص<br />
.)37<br />
وقال أبو ي َعْلى يف الفرق بني الإمارة اخلاصة والعامة: ]وشروط اإلمارة افاصة تد قْصُر عن شروط اإلمارة العامة<br />
بشرط واحد وهو العلم، ألن ملن عَمت إمارته أن حيكم وليس ذلك ملن خصت إمارته[ . 1<br />
خنَْلُ من هذا إَل أن إمارة معسكر التدريب هي إمارة خاصة يف عمل خاص إذ إن أمريها غري مكلف بقَسْم<br />
الغنائم أو عقد الصلح مع العدو. فشروطها هي شروط وزارة التن<strong>في</strong>ذ وقد ذكرها أبو يعلى يف ص من كتابه،<br />
ابلإضافة إَل الإسالم واحلرية، فتكون جمموع الشروط املطلوبة يف هذه الإمارة ما يلي:<br />
31<br />
= 0 الإسالم<br />
= 2 احلرية<br />
= 3 البلوغ<br />
= 4 العقل<br />
= 5 الذكورية<br />
= 6 سالمة احلواس واألعضاء )وهو شرط لوجوب اجلهاد(<br />
= 7 العدالة<br />
8<br />
= اخلربة والتجربة يف جمال عمله. وال يشرتط يف هذه الإمارة أن يكون األمري عاملا فقيها، وإن كان فزايدة فضل وإال<br />
استعان مبن معه من أهل العلم.<br />
وسنتكلم عن هذه الشروط <strong>في</strong>ما يلي:<br />
37(. من األحكام السلطانية أليب ي َعْلى.<br />
- 1<br />
59
اإلسالم:<br />
وذلك ألنه ال والية لكافر على مسلم، وال جيوز أن ميَُكمن من هذا شرعا. أ( قال تعاَل:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا<br />
1<br />
َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُمْ{ ، فقوله تعاَل: { مِنْكُمْ<br />
} أي من الذين آمنوا، وهم املخاطبون يف أول<br />
اآلية. ب( وكذلك لقوله تعاَل: }وَ لَنْ يَجْعَلَ َّللاَّ ُ لِلْكَاقِرِ ينَ عَلَى الْمُؤْ مِنِينَ سَبِيال ً{ 2 ، فال جيوز أن ميَُكمن الكافر من<br />
الوالية والرايسة على مسلم، ذكره القرطيب يف الوجه الرابع يف أتويل هذه اآلية، ج( وكذلك لقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِي َن<br />
آمَنُوا إِنْ تُِِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُ وا يَرُ دُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ ي َن{ ، 3 ومقتضى الإمارة طاعة األمري وال جتوز<br />
طاعة الكافر كما يف هذه اآلية فال جتوز واليته على مسلم. د( وكذلك لقول رسول هللا<br />
4<br />
»الإسالم ي َعْلُو وال ي ُعْلَى« ، والإمارة عُلُوّ فال جيوز أن ي َعْلُوَ<br />
تعاَل: }وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُ وا السُّفْلَى وَ كَلِمَةُ َّللاَّ ِ هِيَ الْعُلْيَا{<br />
والشرعي.<br />
5<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
الكافر على املسلم، وهذا املعىن يستفاد أيضا من قوله<br />
إذ ينبغي محل هذه اآلية على الوجهني: القدري<br />
هذا يف الإسالم كشرط يف مجيع الوالايت على املسلمني، ومنها إمارة اجلهاد وإمارة معسكر التدريب.<br />
وهنا تربز لنا مسألة االستعانة ابملشرك يف اجلهاد. هل جيوز؟ وما حدود هله االستعانة؟ هذه املسألة ورد <strong>في</strong>ها ما<br />
6<br />
يدل على املنع وهو حديث عائشة مرفوعا )ارجع فلن أستعني مبشرك( وذلك يوم بدر.<br />
وورد <strong>في</strong>ها ما يدل على اجلواز وهو استعانة النيب صلى هللا عليه وسلم بعبد هللا بن أريقط وهو مشرك ليدله على طريق<br />
اهلجرة من مكة إَل املدينة ، 7 وكذلك استعانته صلى هللا عليه وسلم ابستعارة ذروع وسالح من صفوان بن أمية وهو<br />
مشرك يوم حنني ، 9 ووردت أحاديث دلت على استعانة النيب صلى هللا عليه وسلم ابملشركني يف القتال نفسه إال أهنا<br />
ال تقوم هبا حجة<br />
. 8<br />
قلت: ولذلك اختلفت أقوال العلماء يف مسألة االستعانة ابملشرك يف الغزو تبعا لتعارض األدلة:<br />
61<br />
- 1 النساء، اآلية:58<br />
- 2 النساء، اآلية: 141<br />
- 3<br />
آل عمران، اآلية:<br />
148<br />
4<br />
- 5<br />
- رواه الدارقطين وغريه عن عائذ بن عمرو وحسنه األلباين )إرواء الغليل ج 5 ص 116حديث 1269(<br />
التوبة: اآلية:<br />
41<br />
6<br />
7<br />
9<br />
ج<br />
- رواه مسلم<br />
-<br />
- رواه البخاري عن عائشة برقم 3815<br />
وهذا احلديث قال الزيلعي عنه: أخرجه أبو داود والنسائي وأمحد واحلاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم ومل خيرجاه نصب الراية للزيلعي<br />
3 ص 377<br />
-<br />
8<br />
منها مرسل للزهري رواه أبو داود والرتمذي، وقال الشوكاين: ]واليصلح مرسل الزهري ملعرضة ذلك ملا تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة، واملسند<br />
مبعناه <strong>في</strong>ه احلسن بن عمارة وهو ضعيف )نيل األوطار( ج<br />
9 ص 45
- أ<br />
فذهبت طائفة من أهل العلم إَل القول<br />
أستعني مبشرك«<br />
وقالوا هذا حديث<br />
2<br />
قال هبذا ابن املنذر واجلوزجاين وغريهم .<br />
- ب<br />
وذهبت طائفة إَل القول<br />
مبنع االستعانة ابملشركني مطلقا، أخذا حبديث عائشة<br />
»ارجع فلن<br />
1<br />
َثبت وما يعارضه ال يوازنه يف الصحة والثبوت فتعذر ادعاء النسخ هلذا ، وممن<br />
أبن حديث االستعانة بصفوان انسخ ديث<br />
»ارجع فلن أستعني مبشرك« ألن<br />
حديث صفوان متأخر وكان يوم حنني واآلخر يوم بدر، ومنهم من مل يقل ابلنسخ ولكن قال ابإلابحة بعد املنع. قال<br />
أبو بكر احلازمي ]وذهبت طائفة إَل أن لإلمام أن َيذن للمشركني أن يغزوا معه ويستعني هبم ولكن بشرطني أحدمها<br />
أن يكون يف املسلمني قِلمة وتدعو احلاجة إَل ذلك، والثاين أن يكون ممن يوثق هبم فال ختُ شى َثئرهتم فمىت فُقِد هذان<br />
الشرطان مل جيز لإلمام أن يستعني هبم، قالوا ومع وجود الشرطني جيوز االستعانة هبم ومتسكوا يف ذلك مبا رواه ابن<br />
عباس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
هوازن يوم حنني، قالوا وتعني املصري<br />
استعان بيهود بين قينقاع ورضخ هلم، واستعان بصفوان بن أمية يف قتال<br />
إَل هذا ألن حديث عائشة رضي هللا عنها كان يوم بدر وهو متقدم <strong>في</strong>كون<br />
منسوخا ] 3 . قلت: حديث ابن عباس يف االستعانة ابليهود يف سنده احلسن بن عمارة وهو ضعيف فال يكون انسخا<br />
للحديث الصحيح، أما حديث صفوان فحديث َثبت غري أن صفوان مل يقاتل بنفسه.<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ]وعن أمحد ما يدل على جواز االستعانة به، وكالم اخلرقي يدل عليه أيضا عند احلاجة، وهو<br />
مذهب الشافعي حلديث الزهري الذي ذكرانه وخرب صفوان بن أمية، ويشرتط أن يكون من يُستعان به حسن الرأي يف<br />
املسلمني، فإن كان غري مأمون عليهم مل جتزئه االستعانة به ألننا إذا منعنا االستعانة مبن ال ي ُؤْمَن من املسلمني مثل<br />
املخذل واملُرْجِ ف فالكافر أَوَْلَ ] 4 .<br />
ومثل كالم ابن قدامة هذا ما ذكره النووي يف شرح حديث »لن أستعني مبشرك« إذ أورده يف ابب )كراهة االستعانة<br />
يف الغزو بكافر إال حلاجة أو كونه حسن الرأي يف املسلمني( وذكر النووي أن هو قول الشافعي<br />
قال الشوكاين: ]ومنها أن االستعانة<br />
5<br />
.<br />
كانت ممنوعة ُث رخص <strong>في</strong>ها، قال احلافظ يف التلخي وهذا أَقْرَهبُا وعليه ن<br />
الشافعي، وإَل عدم جواز االستعانة ابملشركني ذهب مجاعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي، وحكى يف البحر<br />
عن العرتة وأيب حنيفة وأصحابه أهنا جتوز االستعانة ابلكفار والفُسماق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا<br />
ابستعانته صلى هللا عليه وسلم<br />
بصفوان بن أمية يوم حنني وإبخباره صلى هللا عليه وسلم أبهنا ستقع من املسلمني<br />
مصاحلة الروم ويغزون مجيعا عدوا من وراء املسلمني. قال يف البحر: وجتوز االستعانة ابملنافق إمجاعا الستعانته صلى هللا<br />
- االعتبار يف الناسخ واملنسوخ من األَثر أليب بكر احلازمي اهلمذاين ص 219<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />
- كتاب االعتبار يف الناسخ واملنسوخ ص<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />
218<br />
- صحيح مسلم بشرح النووي كتاب اجلهاد ج<br />
12 ص 189<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
60
- ج<br />
عليه وسلم بعبد هللا بن أُيبَّ وأصحابه، وجتوز االستعانة ابلفُسماق على الكفار إمجاعا إَل أن قال وشرط بعض أهل<br />
العلم ومنهم اهلادوية أهنا ال توجد االستعانة ابلكفار والفساق إال حيث مع الإمام مجاعة من املسلمني يستقل هبم يف<br />
إمضاء األحكام الشرعية على الذين استعان هبم ليكونوا مغلوبني ال غالبني كما كان عبد هللا بن أُيبَّ ومن معه من<br />
1<br />
املنافقني خيرجون مع النيب صلى هللا عليه وسلم وهم كذلك .<br />
الذي أراه وهللا أعلم ابلصواب، أنه ال تعارض بني النصوص الواردة يف االستعانة ابلكافر يف الغزو، وكل ن<br />
منها ينبغي أن حيُْمَلَ على كي<strong>في</strong>ة معينة لالستعانة.<br />
قال: الرباء<br />
فحديث عائشة حيمل على منع االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه، وهو صيغة عموم )نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>( وهي<br />
»لن أستعني مبشرك«، وقلت يف القتال نفسه ألن ن احلديث يدل عليه وهو: »خرج رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
قِبَلَ بدر فلما كان حبَِرمة الوبرة أدركه رجل قد كان يُذكر منه جرأة وُندة ففرح أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
حني رأوه، فلما أدركه قال لرسول هللا جئت ألتبعك وأصيب معك، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : تؤمن ابهلل<br />
2<br />
ورسوله؟ قال: ال، قال فارجع فلن أستعني مبشرك« . وهلا ا ديث له شواهد تُعضِّده منها ما رواه البخاري عن<br />
»أتى النيبَِ صلى هللا عليه وسلم رجلٌ مقنمع ابحلديد فقال: اي رسول هللا، أقاتِلُ وأُسلِمُ؟ قال: أَسلِم ُث<br />
قاتِل. فأسلَم ُث قاتَل فقُتِل، فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
عَمِلَ قليال وأُجِ رَ كثرياً« ، وعن خبيب بن يساف<br />
قال:»أتيتُ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهو يريد غزوا أان ورجلٌ من قومي ومل نُسلم، فقلنا إانم نستحي أن<br />
يشهد قومنا مشهدا ال نشهده معهم، قال أَوَ أَسْلَمْتُمَا؟، قلنا: ال، قال: إان ال نستعني ابملشركني على املشركني، قال<br />
فأسلمنا وشهدان معه«<br />
احلديث ، 4 وعن<br />
أيب محيد الساعدي »أن النيب صلى هللا عليه وسلم خرج يوم أحد حىت إذا<br />
جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خَشْنَاء، فقال من هؤالء، قالوا عبد هللا بن أُيبَّ يف ستمائة من مواليه من بين قينقاع،<br />
فقال وقد أسلموا؟، قالوا<br />
ال اي رسول هللا، قال: مروهم فلريجعوا فإان ال نستعني ابملشركني على املشركني« . 5 فهذه<br />
النصوص واضحة الداللة يف منع االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه، وليس هلا معارض فحديث صفوان ليس <strong>في</strong>ه<br />
االستعانة بصفوان نفسه يف القتال، بل ابستعارة السالح منه <strong>في</strong>نبغي أن حيمل على جواز نوع معني من االستعانة<br />
ابلكافر، وحيتج البعض حبديث »إِنم اَّللمَ ي ُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ ابِلرمجُلِ الْفَاجِ رِ« وأن هذا الفاجر قاتل مع املسلمني، وليس يف<br />
هذا احلديث حجة يف االستعانة ابملشرك إذ الفجور ال يعين الشرك وحده، وقد ثبت ابلنصوص األخرى الواردة يف<br />
- )نيل األوطار( ج 9 ص 44<br />
- احلديث رواه مسلم<br />
62<br />
1<br />
2<br />
- 3 حديث 2919<br />
4<br />
- 5<br />
- قال اهليثمي: رواه أمحد والطرباين ورجاألمحد ثقات )جممع الزوائد 316/5(<br />
قال اهليثمي: رواه الطرباين يف ا لكبري واألوسط و<strong>في</strong>ه سعد بن املنذر بن أيب محيد ذكره ابن حبان يف الثقات، فقال سعد بن أيب محيد فنسبه إَل<br />
جده وبقية رجاله ثقات )جممع الزوائد<br />
)316/5
قصة هذا الفاجر أنه كان يُظهِر الشرك، وأحكام الدنيا جتري على الظاهر، فقد روى البخاري عن أيب هريرة قال:<br />
»فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لرجل ممن معه يَدمعي الإسالم: هذا من أهل النار« ، 1 وقال ابن حجر يف نفس<br />
هذا الرجل ]ويف حديث أكثم بن أيب اجلون اخلزاعي عند الطرباين »قال قلنا اي رسول هللا فالن جيزئ يف القتال، قال:<br />
هو يف النار، قلنا: اي رسول هللا إذا كان فالن يف عبادته واجتهاده ولني جانبه يف النار فأين حنن؟ قال صلى هللا عليه<br />
2<br />
وسلم : ذلك أخبث النفاق، قال: فكنا نتحفظ عليه يف القتال«[ .<br />
قلت: وال يشكل على األدلة السابقة يف منع االستعانة ابلكافر يف الغزو إال حديث ذِي خمَِْرب<br />
صلى هللا عليه وسلم يقول<br />
<br />
قال: مسعت رسول هللا<br />
3<br />
»ستصاحلون الروم صلحا وتغزون أنتم وهُم عدوا من ورائكم« . قلت: ورغم ورود هذا<br />
احلديث يف ابب )ما جاء يف االستعانة ابملشركني( إال أن الشوكاين قال يف حتقيقه لألدلة ( واحلاصل أن الظاهر من<br />
4<br />
األدلة عدم جواز االستعانة مبن كان مشركا مطلقا( وسيأِت بقية قوله السابق، أي إن الشوكاين مل يعترب حديث ذِي<br />
خمِْربَ مُشْكِال على أدلة املنع، ومل يعتربه دليل إابحة، ولعل سبب ذلك أن حديث ذِي خمِْرب ورد بصيغة اخلرب وهي ال<br />
ت<strong>في</strong>د أمرا أو هنيا إال إذا اقرتنت مبدح أو ذم على الرتتيب. واحلق أن حديث ذي خمرب له تكملة تضمنت املدح والذم<br />
معا، وهي كالتايل: »سَتُصَاحلُِونَ الرُّومَ صُلْحًا أمنًا ُثُم تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُواا فَتُنْصَرُونَ ُثُم تَنْزِلُونَ مَرْجاً، فَريَْفَ ُع رَجُلٌ مِ ْن<br />
أَهْلِ الصملِيب الصملِيبَ فَيَقُولُ غَلَبَ الصملِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِنيَ فَيَقُومُ إِلَيْهِ فَيَدْفَعهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّوُم<br />
5<br />
وَجيَْمِعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ« ، فاحلديث خرب و<strong>في</strong>ه مدح »فَتُنْصَرُونَ« وذم<br />
يعارض أحاديث املنع الصرحية.<br />
»تَغْدِرُ<br />
الرُّومُ وَجيَْمِعُونَ لِلْمَلْحَمَِة«، فهذا احلديث ال<br />
ولذلك فقد قال الشوكاين بعد ما ذكر أدلة املنع وأدلة اجلواز وأقوال العلماء <strong>في</strong>ها، قال: ]واحلاصل أن الظاهر من األدلة<br />
عدم جواز االستعانة مبن كان مشركا مطلقا، ملا يف قوله صلى هللا عليه وسلم : »إان ال نستعني ابملشركني« من العموم،<br />
وكذلك قوله: »أان ال أستعني مبشرك«، وال يصلح مرسل الزهري ملعارضة ذلك ملا تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة،<br />
واملسند <strong>في</strong>ه احلسن بن عمارة وهو ضعيف، ويؤيد هذا قوله تعاَل: }وَ لَنْ يَجْعَلَ َّللاَّ ُ لِلْكَاقِرِ ينَ عَلَى الْمُؤْ مِنِي َن<br />
سَبِيال{، وقد أخرج الشيخان عن الرباء قال »جاء رجل مقنع ابحلديد، فقال اي رسول هللا: أُقَاتِل أَو أُسْلِم، قال صلى<br />
هللا عليه وسلم : أَسْلِم ُث قَاتِل، فَأَسْلَمَ ُثُ قَاتَل، فَقُتِل، فقال رسول هللا<br />
6<br />
عَمِلَ قليال وأُجِ رَ كثرياً« .<br />
63<br />
- حديث 4213<br />
1<br />
2<br />
- فتح الباري ج 7 ص 472<br />
.473<br />
- 3<br />
رواه أمحد وأبو داود وقال الشوكاين <strong>في</strong>ه )حديث ذِي خمِْربَ أخرجه أيضا ابن ماجة وسكت عنه أبوداود واملنذري، ورجال إسناد أيب داود رجال<br />
الصحيح( نيل الوطار<br />
43/9<br />
- نيل األوطار 45/9<br />
4<br />
5<br />
6<br />
- احلديث رواه أبو داود<br />
- )نيل األوطار( ج 9 ص 45
خالصة القول <strong>في</strong> هذه المسألة:<br />
إن حديث عائشة )لن أستعني مبشرك( ن عام يف منع االستعانة ابملشرك أبي كي<strong>في</strong>ة يف القتال أو يف <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> أو<br />
غريه، إال أنه يستثىن من هذا املنع بعض أنواع االستعانة ابملشرك اليت ثبتت ابلنصوص، وهي:<br />
أوال: االستعانة خبربة الكافر <strong>في</strong>ما يشابه استعانته صلى هللا عليه وسلم بعبد هللا بن أريقط يف اهلجرة، وميكن أن نعترب<br />
هذا الن خمَُصِّصاً لعموم حديث عائشة السابق ألنه متقدم عليه زمنا، ويؤيد هذا التخصي استعانته صلى هللا عليه<br />
وسلم أبسرى بدر يف تعليم أبناء املسلمني الكتابة كفداء، وهذه قصة متأخرة عن حديث )لن أستعني مبشرك(، ويف<br />
قصة أسرى بدر قال صاحب تكملة أضواء البيان الشيخ عطية بن حممد بن سامل ]يدل على أمرين أوهلما: شدة وزايدة<br />
العناية ابلتعليم، وَثنيهما: جواز تعليم الكافر للمسلم مَاالَ تعلق له ابلدين، كما يوجد اآلن من األمور الصناعية يف<br />
اهلندسة والطب والزراعة والقتال وحنو ذلك[ . 1<br />
وذكر ابن القيم صورة أخرى لالستعانة ِبربة الكافر يف التجسس على العدو، فقال يف الفوائد الفقهية يف قصة احلديبية<br />
)ومنها أن االستعانة ابملشرك املأمون يف اجلهاد جائزة عند احلاجة، ألن عيينة اخلزاعي العني )اجلاسوس( كان كافرا إذ<br />
ذاك، و<strong>في</strong>ه من املصلحة أنه أقرب من اختالطه ابلعدو وأخذه أخبارهم( . 2 قلت: وخزاعة مسلمهم وكافرهم كانوا أهل<br />
نصح للنيب صلى هللا عليه وسلم .<br />
خنل<br />
=<br />
=<br />
اثنيا: االستعانة بسالح الكافر ابإلستعارة أو الشراء، حلديث صفوان وهذا احلديث نظرا لرتاخيه زمنا عن حديث<br />
)لن أستعني مبشرك( فليس مبخص له بل نَسَخَهُ نسخا جزئيا وليس كليا، إذ إنه أابح بعض أنواع االستعانة املمنوعة<br />
ومل يبحها كلها، ومن اخلطأ اعتباره انسخا نسخا كليا حلديث )لن أستعني مبشرك(.<br />
من هذا:<br />
عدم جواز االستعانة ابلكافر يف القتال نفسه أو التخطيط للمعارك أو الإشراف عليها.<br />
وجواز االستعانة ابلكافر يف الداللة على الطريق، أو تعليم بعض فنون القتال للمسلمني يف غري املعارك أي يف<br />
معسكرات التدريب، وجواز شراء السالح والذخرية منه أو استعارهتا وأشباه هذا مما ال تعلق له ابلقتال نفسه أو<br />
التخطيط له. ويشرتط <strong>في</strong>من يستعان به الشروط اليت ذكرها الفقهاء من كونه حسن الرأي يف املسلمني وأن<br />
تدعو لللك وأال تكون له والية على املسلم.<br />
ا اجة<br />
فتَنَبمه ملا جيوز وما ال جيوز من أنواع االستعانة، وما ذكره ابن قدامة من أن أمحد بن حنبل أجاز االستعانة ابملشرك<br />
3<br />
خالفه القاضي أبو يعلى بقوله يف قتال البغاة ]وال يستعني على قتاهلم مبشرك معاهد وال ذمي، وقد منع أمحد من ذلك<br />
1<br />
يف قتال أهل احلرب، فأوَل يف قتال البغاة[ .<br />
- )أضواء البيان( تفسري سورة العلق ج 8 ص 357<br />
- زاد املعاد ج 2 ص 127<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 456<br />
1<br />
2<br />
3<br />
64
وعلى هذا ينبغي أن حتمل رواية ابن قدامة عن أمحد على ما جيوز من أنواع االستعانة ابملشرك ال مطلق االستعانة به.<br />
إذ مل يثبت لدينا ابلنقل الصحيح أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
}وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ<br />
تعاَل:}<br />
استعان بكافر يف القتال نفسه، كيف وقد قال تعاَل:<br />
3<br />
2<br />
} ، وقال تعاَل: }وَ قَاتِلُوا الْمُشْرِ كِينَ كَاقَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَاقَّةً{ ، وقال<br />
4<br />
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ ً أَعْدَاء وَ يَبْسُُِوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَ وَ دُّوا لَوْ تَكْفُرُ و َن{ ، ولذلك فإن<br />
ما يُنقل يف كتب فقهاء املذاهب رمحهم هللا من جواز االستعانة ابلكافر يف القتال ال نسلم به هكذا مطلقا. والقتال<br />
أخ من اجلهاد ومن الغزو فتجوز االستعانة بكي<strong>في</strong>ة معينةكما أسلفت ال االستعانة املطلقة.<br />
قلت: إال أن أاب حممد بن حزم أجاز االستعانة ابلكافر يف الغزو ليس من جهة األحاديث املبيحة لذلك فهي ال تقوم<br />
هبا حجة ولكن من جهة االضطرار مستدال ِبية رخصة املضار، فقال: ]وقد ذكران هذا يف كتاب اجلهاد من قول<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أننا ال نستعني مبشرك، وهذا عموم مانع من أن يُستعان به يف والية أو قتال أو شيء<br />
من األشياء إال ما صح الإمجاع على جواز االستعانة به <strong>في</strong>ه كخدمة الدابة أو االستئجار، أو قضاء احلاجة وحنو ذلك<br />
مما ال خيرجون <strong>في</strong>ه عن الصمغَار، واملشرك اسم يقع على الذمي واحلريب قال أبو حممد رمحه هللا: هذا عندان مادام يف أهل<br />
العدل مَنَعَة فإن أشفوا على اهلَلَكَة واضطروا ومل تكن هلم حيلة فال أبس أبن يلجئوا إَل أهل احلرب وأن ميتنعوا أبهل<br />
الذمة ما أيقنوا أهنم يف استنصارهم ال يؤذون مسلما وال ذميا يف دم أو مال أو حرمة مما ال حيل برهان ذلك قول هللا<br />
تعاَل: }و ق دْ ف ص ل ل كُمْ م ا ح ر م ع ل يْكُمْ إِال م ا اضْطُرِرُْتُْ إِل يْهِ{ وهلا عموم لكل من اضطر إليه إال ما منع منه ن<br />
أو إمجاع، فإن علم املسلم واحدا كان أو مجاعة أن من استنصر به من أهل احلرب أو الذمة يؤذون مسلما أو ذميا<br />
<strong>في</strong>ما ال حيل فحرام عليه أن يستعني هبما وإن هلك لكن يصرب ألمر هللا تعاَل وإن تلفت نفسه وأهله وماله أو يقاتل<br />
5<br />
حىت ميوت شهيدا كرميا، فاملوت البد منه وال يتعدى أحد أجله، أ ه ] .<br />
كذلك ال يُعرتض على ما سبق مبا ذكره الإمام املاوردي يف أحكامه السلطانية من أن الذمي جيوز أن يتوَل وزارة<br />
التن<strong>في</strong>ذ )ص27(، وذكره أيضا القاضي أبو يعلى بصيغة تضعيف ُث انتقده أيضا بقول الإمام أمحد. قال أبو يعلى:<br />
]وقد قيل: إنه جيوز أن يكون هذا الوزير أي وزير التن<strong>في</strong>ذ من أهل الذمة، وإن مل يكن وزير التفويض منهم، إال أن<br />
يستطيلوا <strong>في</strong>كونوا من الإستطالة ُث قال ورُوِي عن أمحد ما يدل على املنع، ألنه قال يف رواية أيب طالب وقد سئل:<br />
نستعمل اليهودي والنصراين يف أعمال املسلمني مثل اخلراج؟ فقال )ال يُستعان هبم يف شيء( قال أبو يعلى: ويكون<br />
الوجه <strong>في</strong>ه قوله تعاَل: {<br />
ال تَتَّخِ ذُوا بَِِانَة ً مِنْ دُونِكُ ْم<br />
ال يَأْلُونَكُمْ خَبَاال<br />
}<br />
، 6 وقوله تعاَل: }ال تَتَّخِ ذُوا عَدُو ِي<br />
- األحكام السلطانية ص 55<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
73<br />
36<br />
- سورة املمتحنة، اآلية:<br />
2<br />
- احمللى 113 / 11<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
119<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
65
وَ عَدُوَّ كُمْ أَوْ لِيَاءَ{ ، 1 وقوله عليه الصالة والسالم: »ال أتمنوهم إذ خَومهنَم هللا«[ . 2 فهذه كبوة من املاوردي على منزلته،<br />
وكل يؤخذ من قوله وي ُرَد إال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، وقد محل عليه اجلويين محلة عنيفة فقال: ]وذكر مصنف<br />
الكتاب املرتجم ابألحكام السلطانية أن صاحب هذا املنصب جيوز أن يكون ذميا، وهذه عثرة ليس هلا مقيل إَل قوله<br />
وقد توافت شهادة نصوص الكتاب والسنة على النهي عن الركون إَل الكفار واملنع من ائتماهنم وإطالعهم على<br />
الإسرار، قال هللا تعاَل: { ال تَتَّخِ ذُوا بَِِانَةً مِنْ دُونِكُمْ ال يَأْلُونَكُمْ خَبَاال{ وقال تعاَل: { ال تَتَّخِ ذُوا الْيَهُودَ<br />
3<br />
وَ النَّصَارَ ى أَوْ لِيَاءَ{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : أَانَ بَريءٌ مِن ِ كُل مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ الَ تَرتََاءَى انَ رَمهَُا«،<br />
واشتد نكري عمر على أيب موسى األشعري ملا اختذ كاتبا نصرانيا، وقد ن الشافعي على أن املرتجم الذي ي ُنْهِى إَل<br />
ّ<br />
«<br />
القاضي معاين لغات املُدمعني جيب أن يكون مسلما عدال رضا، ولست أعرف يف ذلك خالفا بني علماء األقطار،<br />
4<br />
فكيف يسوغ أن يكون السفري بني الإمام واملسلمني من الكفار[ . أ ه<br />
قلت: فانتبه هلذا، وال تقبل قوال من أحد كائنا من كان إال بدليل من الكتاب أو السنة فإذا طبقنا هذا على موضوعنا<br />
األصلي وهو معسكر التدريب، فأقول، إذا دعت احلاجة إَل االستعانة مبدرب كافر مأمون الضرر، فال أبس به يف<br />
جمال خربته الفنية على أن تكون له إمارة أو رايسة على مسلم. ومع ذلك <strong>في</strong>جب على املسلمني السعي يف استكمال<br />
اخلربات الناقصة لديهم حىت يستغنوا عن هذا. واستكمال ما البد منه للمسلمني هو من فروض الكفاية اليت َيُث<br />
املسلمون مجيعا إن مل يستوفوها.<br />
الذكورية<br />
من شروط الإمارة أن يكون األمري ذكرا،<br />
قَضَّلَ َّللاَّ ُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ<br />
وهلا إمجاع، وقد قال هللا تعاَل:}<br />
الرِ جَالُ قَوَّ امُونَ عَلَى الن ِسَاءِ بِمَا<br />
} 5 ، وقال صلى هللا عليه وسلم :»لن ي ُفْلِح قوم وَلموْا أَمْرَهم امرأة« ، 6 وهذا واضح.<br />
والذي أنبه عليه خاصة يف هذا الشأن، ليس منع النساء من اإلمارة والوالية الظاهرة فهذا واضح، ولكن أنبه على<br />
ضرورة منعها من الوالية اف<strong>في</strong>ة<br />
وهذه تكون أبن يفضي األمري إَل نسائه أبسرار عمله ويستشريهن <strong>في</strong>ه، <strong>في</strong>شرن عليه<br />
<strong>في</strong>عمل مبشورهتن فتكون هلن والية خَفِيمة على املسلمني، وهذا شائع ومنتشر، والناظر يف سري احلكام قدميا وحديثا يرى<br />
أمثلة هلذا، فليحذر منه، وهذا من جهة األمري يعد خيانة لألمانة اليت توالها، وقد قال هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا<br />
ال تَخُونُوا َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ ، 7 وال يشكل على هذا مشورة السيدة أم سلمة رضي هللا<br />
66<br />
1<br />
- سورة املمتحنة، اآلية:<br />
1<br />
2<br />
3<br />
- )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص 32<br />
- سورة املائدة، اآلية:<br />
51<br />
4<br />
- )غياث األمم( حتقيق د. عبد العظيم الديب ط 1411 ص 155<br />
157<br />
- 5<br />
النساء، اآلية:<br />
34<br />
6<br />
7<br />
- متفق عليه عن أيب بكرة<br />
- األنفال، اآلية: 27
عنها يوم احلديبية، إذ إن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يبدأها بطلب املشورة، وكان ما تكلمت به رضي هللا عنها من<br />
ابب النصيحة، وهي مشروعة جلميع املسلمني مع التسليم بعصمته صلى هللا عليه وسلم من أن ي ُقَر على خطأ، وهو<br />
ما ميتنع يف حق غريه. ولذلك مل يلتفت صلى هللا عليه وسلم يف مرضه ملشورة عائشة وحفصة أبن يصلي عمر ابلناس.<br />
ومن احملظور واحملذور هو تدخل النساء يف الشئون العامة للمسلمني. قال عمر بن اخلطاب )كُنما يف اجلاهلية ال ن َعُ مد<br />
النساء شيئا، فلما جاء الإسالم وَذَكَرَهُنم هللاُ رأينا هلن بذلك علينا<br />
1<br />
أموران( .<br />
حقا،<br />
من غري أن ندخلهن يف شيء من<br />
ومع مراعاة بقية شروط هذه الإمارة املذكورة آنفا )وهي: احلرية والبلوغ والعقل وسالمة احلواس واألعضاء والعدالة<br />
واخلربة ابلإضافة إَل الإسالم والذكورية( جيب كذلك يف اختيار هذا األمري)ملعسكر التدريب وغريه( مراعاة القواعد<br />
املذكورة <strong>في</strong>ما يتعلق بتولية أمراء اجملموعات يف الباب الرابع، وهي: اختيار أصلح املوجودين للعمل، وجواز تولية<br />
املفضول جللب مصلحة أو دفع مفسدة، وعدم تولية من حيرص على الإمارة، ومراعاة السن يف االختيار وهذه الظوابط<br />
ستأِت مفصلة أبدلتها يف الباب الرابع إن شاء هللا تعاَل.<br />
- رواه البخاري عن ابن عباس حديث 5943<br />
1<br />
67
سادسا: مسألة الغزو مع األمير الفاجر.<br />
1<br />
2<br />
الفاجر هو غري العدل، والعدالة هي )استواء أحواله يف دينه، وقيل من مل تظهر منه ريبة .... ويعترب له شيئان:<br />
= الصالح يف الدين: وهو أداء الفرائض برواتبها، واجتناب احملرم أبن ال َيِت كبرية وال يُدْمِن على صغرية.<br />
1<br />
= استعمال املروءة: بفعل ما جيَُمِّلُهُ وي ُزَيِّنُه وترك ما يُدَنِّه ويشينه( .<br />
فقد حيدث أن يلتحق األخ املسلم مبعسكر للتدريب أو جبهة للقتال <strong>في</strong>جد أن األمري به فجور، فهل يستمر األخ يف<br />
مثل هذا احلال، وهل طاعة مثل هذا األمري واجبة؟<br />
اجلواب: يكون التصرف على النحو التايل:<br />
أوال: الواجب على املسئول عن األمر ككل أال يُؤمِرَ إال رجال صاحلا ذا كفاءة، لقوله تعاَل:} إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْ تَ<br />
2<br />
الْقَوِيُّ األَمِينُ{ . وقال شارح العقيدة الطحاوية ]أن من أظهر بدعة أو فجورا<br />
يستحق التعزير حىت يتوب، فإن<br />
3<br />
أمكن هجره حىت يتو كان حسنا[ .<br />
ال يدُر تب إماما للمسلمني ، فإنه<br />
واألصل يف هذا قول هللا تعاَل: { وَ إِذْ ابْتَلَى إِبْرَ اهِيمَ رَ بُّهُ بِكَلِمَاتٍ قَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِن ِي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَام ًا قَا َل<br />
وَ مِنْ ذُرِ يَّتِي قَالَ الَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{ . 4 فال ينبغي<br />
أن يرتب إماما أو أمريا من به ظلم وفجور،<br />
فالواجب على اإلخوة نصح املسئول عن هلا األمري أن يستبدله ِبخر صاحل.<br />
اثنيا: فإن مل يتيسر هذا، وُث ابلفعل أتمري فاجر، فالقول عندي أن األخ املسلم القادم للجهاد إن وجد مندوحة يف<br />
ترك العمل مع هلا األمري<br />
أبن جيد معسكرا أو<br />
جبهة أخرى هبا أمري صاحل من هذا <strong>في</strong>جب عليه عدم العمل مع<br />
الفاجر. إذ إنه حيقق بذلك مصلحتني: األوَل أداء التدريب أو اجلهاد حتت إمرة صاحلة ال فاجرة، والثانية: أتديب<br />
األمري الفاجر<br />
هب جْرِه والبعد عنه، فإنه إن وجد أن الكل يهجرونه لفجوره قد ينزجر هبذا، كما قال شارح العقيدة<br />
الطحاوية ]ومن ذلك: ]أن من أظهر بدعة و فجورا ال يرتب إماما للمسلمني، فإنه يستحق التعزير حىت يتوب، فإن<br />
أمكن هجره حىت يتوب كان حسنا، وإن كان بعض الناس إذا ترك الصالة خلفه وصلى خلف غريه أَثمر ذلك يف إنكار<br />
املنكر حىت يتوب أو يُعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه : فمثل هذا إذا ترك الصالة خلفه كان يف ذلك مصلحة<br />
5<br />
شرعية، ومل تفت املأموم مجعة وال مجاعة[ .<br />
68<br />
- 1<br />
- 2<br />
منار السبيل ط املكتب الإسالمي 1414ه ص<br />
سورة القص ، اآلية:<br />
499<br />
497<br />
26<br />
- 3<br />
)شرح العقيدة الطحاوية( املكتب الإسالمي 1413ه ص<br />
423<br />
4<br />
ص- 5<br />
- سورة البقرة، اآلية:<br />
124<br />
423
اثلَا:<br />
فإن كان األمري فاجرا، ومل يوجد غريه، أو مل يتيسر العمل مع غريه إما بسبب عدم العلم بوجود األصلح أو<br />
املشقة الشديدة يف الإلتحاق ابألصلح، وابلتايل فإن ترك العمل مع الفاجر ي ُفَوِّت املصلحة الشرعية يف التدريب أو<br />
اجلهاد، فالكالم هنا من وجهني، وينبين على سؤال وهو<br />
واملسلمني؟<br />
هل فجوره يف نفسه أو <strong>في</strong>ما يتعلق مبصام اإلسالم<br />
الوجه األول:<br />
وهو إذا كان فجوره يف نفسه، كمن يشرب اخلمر أو املخدرات أو ي َغُل من الغنيمة أو به فسق أو بدعة، فهذا ي ُغْزَى<br />
معه، طاملا فجوره هذا ال خيُِل بقتالِه للعدو وال يُضَيِّع قضية اجلهاد، مع االستمرار يف نصحه ووعظه وتعليمه مبا يناسب<br />
مثله لعل هللا يصلح حاله، وهذا الذي ذكرته أصل مقرر يف اعتقاد أهل السنة واجلماعة، ومذكور يف فقه اجلهاد، وهذا<br />
الوجه األول هو املقصود ابلغزو مع الرب والفاجر، وهو من كان فجوره يف نفسه ليس <strong>في</strong>ما يتعلق مبصاحل الإسالم<br />
واملسلمني كما سنبينه يف الوجه الثاين. ودليل ما ذكران من الغزو مع الفاجر يف نفسه، ما يلي:<br />
ما ذكره ابن قدامة احلنبلي قال:<br />
)مسألة( قال )وي ُغْزى مع كل بر وفاجر(<br />
يعين مع كل إمام قال أبو عبد هللا وسئل عن الرجل يقول أان ال أغزو وَيخذه ولد العباس إَّنا ال<strong>في</strong>ء عليهم، فقال<br />
سبحان هللا هؤالء قوم سوء هؤالء القَعَدَة مثبطون جُهمال، <strong>في</strong>قال: أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا كما قعدمت من كان<br />
يغزو؟ أليس كان قد ذَهَب الإسالم؟ ما كانت تصنع الروم وقد روى أبو داود إبسناده عن أيب هريرة قال قال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : »اجلهاد واجب عليكم مع كل أمري برا كان أو فاجرا«، وإبسناده عن أنس قال قال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : »ثالث من أصل الإميان: الكف عمن قال ال إله إال هللا ال تكفره بذنب وال خترجه من<br />
الإسالم بعمل واجلهاد ماض منذ بعثين هللا إَل أن يقاتل آخر أميت الدجال والإميان ابألقدار«، وألن ترك اجلهاد مع<br />
الفاجر يدُفْضِي إىل قطع اجلهاد وظهور الكفار على املسلمني واستئصاهلم وظهور كلمة الكفر و<strong>في</strong>ه فساد عظيم قال<br />
هللا تعاَل: }وَ لَوْ الَ دَقُْْ َّللاَّ ِ<br />
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ األَرْ ُض{[ . 1<br />
قلت بل قد ذكر ابن تيمية عن امحد كالما أشد من هذا يف املفاضلة بني األمري الفاجر القوي والصاحل الضعيف، فقال<br />
ابن تيمية: ]اجتماع القوة واألمانة يف الناس قليل، وهلذا كان عمر ابن اخلطاب<br />
<br />
يقول : اللهم إليك أشكو جَلََد<br />
الفاجر، وعجز الثقة. فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها. فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة،<br />
قُدِم أنفعهما لتلك الوالية: وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها <strong>في</strong>قدم يف إمارة احلروب الرجل القوي الشجاع وإن كان <strong>في</strong>ه فجور<br />
على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أمينا، وقد سُئل الإمام أمحد: عن الرجلني يكوانن أمريين يف الغزو، وأحدمها<br />
قوي فاجر واآلخر صاحل ضعيف، مع أيهما ي ُغْزَى؟ فقال أما الفاجر القوي فقوته للمسلمني، وفجوره على نفسه،<br />
وأما الصاحل الضعيف فصالحه لنفسه وضعفه على املسلمني. <strong>في</strong>ُغزى مع القوي الفاجر وقد قال النيب صلى هللا عليه<br />
- 1 )املغين والشرح الكبري( ج 11 ص 371<br />
69
وسلم :<br />
»َإِنم اَّللمَ ي ُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ ابِلرمجُلِ الْفَاجِ رِ«. وروي »أبَِقْوَامٍ الَ خَالَ قَ هلَُمْ«. وإن مل يكن فاجرا، كان أوَل إبمارة<br />
احلرب ممن هو أصلح منه يف الدين إذا مل يسد مَسَدمه[ . 1<br />
قلت: الحظ يف كالم الإمام أمحد السابق أنه قيد فجور األمري أبنه )فجوره على نفسه(، لتعلم صحة التقسيم الذي<br />
قسمته إَل من يكون فجوره على نفسه ومن يكون فجوره يضر ابلإسالم واملسلمني، وسنذكر كالم الإمام أمحد يف<br />
الصنف الثاين عند الكالم عنه حيث قال: ]ال يعجبين أن خيرج مع الإمام أو القائد إذا عرف ابهلزمية وتضييع<br />
املسلمني[ وسيأِت.<br />
وابن تيمية يف فتواه بقتال التتار، ذكر الغزو مع األمري الفاجر فقال: ]فإن اتفق من يقاتلهم على الوجه الكامل فهو<br />
الغاية يف رضوان هللا، وإن كان <strong>في</strong>هم من <strong>في</strong>ه فجور وفساد نية أبن يكون يقاتل على الرايسة أو يتعدى عليهم يف بعض<br />
األمور، وكانت مفسدة ترك قتاهلم أعظم على الدين من مفسدة قتاهلم على هذا الوجه: كان الواجب أيضا قتاهلم<br />
دفعا ألعظم املفسدتني ابلتزام أدانمها، فإن هذا من أصول الإسالم اليت ينبغي مراعاهتا.<br />
وهلذا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر، فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر، وأبقوام<br />
الخالق هلم، كما أخرب بذلك النيب صلى هللا عليه وسلم، ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار، أو مع عسكر<br />
كَري الفجور، فإنه البد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف<br />
الدين والدنيا، وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإسالم، وإن مل يكن<br />
إقامة مجيعها. فهذا هو الواجب يف هذه الصورة، وكل ما أشبهها، بل كَري من الغزو ا اصل بعد افلفاء الراشدين<br />
مل يقع إال على هذا الوجه.<br />
وَالْمَغْنَم« فهذا احلديث<br />
وثبت عن النيب صلى هللا عليه وسلم : »اخلَْيْلُ مَعْقُودٌ يفِ ن َوَاصِيهَا اخلَْريُْ إِىل يد وْمِ الْقِي امِة األَْجْرُ ُ<br />
الصحيح يدل على معىن ما رواه أبو داود يف سننه من قوله صلى هللا عليه وسلم : »و الْغ زْ م اني مُنْذُ ب َعَثَينِ اَّللمُ إَِلَ أَ ْن<br />
ي ُقَاتِلَ الدمجمالَ الَ ي ُبْطِلُهُ آخِ رُ أُميتِ جَوْرُ جَائِرٍ وَالَ عَدْلُ عَادٍِل« وما استفاض عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال: »الَ<br />
تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُميتِ ظَاهِرِينَ عَلَى احلَْقِّ ، الَ يَضُرُّهُم مَنْ خَالَفَهُم إَِلَ ي َوْمِ الْقِيَامَةِ« إَل غري ذلك من النصوص اليت اتفق<br />
أهل السنة واجلماعة مع مجيع الطوائف على العمل هبا يف جهاد من يستحق اجلهاد مع األمراء أبرارهم وفجارهم،<br />
ِبالف الرافضة واخلوارج اخلارجيني عن السنة واجلماعة.<br />
هذا مع إخباره صلى هللا عليه وسلم أبنه<br />
»س ي لي أمراء ظلمة خونة فجرة. فمن صَدمقهم بكذهبم وأعاهنم فليس مين<br />
ولست منه، وال يَرِد احلوض. ومن مل يصدقهم بكذهبم ومل يعنهم على ظلمهم فهو مين وأان منه. وسريَِد عليّ احلوض«.<br />
فإذا أحاط املرء علما مبا أمر به النيب صلى هللا عليه وسلم من اجلهاد الذي يقوم به األمراء إَل يوم القيامة، ومبا هنى<br />
عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم: عَلِمَ أن الطريقة الوسطى اليت هي دين الإسالم احملض جهاد من يستحق اجلهاد،<br />
كهؤالء القوم املسئول عنهم،<br />
مع كل أمري وطائفة وهي أوىل ابإلسالم منهم، إذا مل ميكن جهادهم إال كذلك،<br />
71<br />
- 1 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 255 ،254
واجتناب إعانة الطائفة اليت يغزو معها على شيء من معاصي هللا، بل يطيعهم يف طاعة هللا، وال يطيعهم يف معصية<br />
هللا، إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق.<br />
وهذه طريقة خيار هله األمة قدميا وحديثا. وهي واجبة على كل مكلف. وهي متوسطة بني طريق احلرورية وأمثاهلم<br />
ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبني طريق املرجئة وأمثاهلم ممن يسلك مسلك طاعة األمراء<br />
مطلقا وإن مل يكونوا أبرارا. ونسأل هللا أن يوفقنا وإخواننا املسلمني ملا حيبه ويرضاه من القول والعمل. وهللا أعلم.<br />
1<br />
وصلى هللا وسلم على نبينا حممد وآله وصحبه وسلم[ .<br />
وقال شارح العقيدة الطحاوية: ]قوله )واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من املسلمني برهم وفاجرهم إَل قيام<br />
الساعة ال يُبطلهما شيء وال ينقضهما( الشرح: يشري الشيخ رمحه هللا إَل الرد على الرافضة حيث قالوا الرافضة حيث<br />
قالوا: ال جهاد يف سبيل هللا حىت خيرج الرضا من آل حممد صلى هللا عليه وسلم، وينادي مناد من السماء: اتبعوه!!<br />
وبطالن هذا القول أظهر من أن يستدل عليه. وهم شرطوا يف الإمام أن يكون معصوماً، اشرتاطا من غري دليل! بل يف<br />
صحيح مسلم عن عوف بن مالك األشجعي قال: مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول: »خِ يَارُ أَئِمتِكُمِ<br />
المذِينَ حتُِبُّوهنَُمْ وَحيُِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَشِ رَارُ أَئِمتِكُمِ المذِينَ ت ُبْغِضُوهنَُمْ وَي ُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُوهنَُْم<br />
وَي َلْعَنُونَكُمْ« قَالَ : قُلْتُ ايَ رَسُولَ اَّللمِ أَفَال ن ُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ : ال، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصمالةَ، أَال مَنْ وَيلِ َ عَلَيْهِ وَاٍل<br />
فَرَآهُ َيَِْتِ شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اَّللمِ فَلْيَكْرَهْ مَا َيَِْتِ مِنْ مَعْصِيَةِ اَّللمِ وَال ي َنْزِعَنم يَدًا مِنْ طَاعٍَة« وقد تقدم بعض نظائر هذا<br />
احلديث يف الإمامة. ومل يقل إن الإمام جيب أن يكون معصوما[<br />
«<br />
. 2<br />
وقد أفرد اإلمام البخاري رمحه هللا هلله املسألة اباب مستقال، وملا كانت األحاديث اليت نَصمت على الغزو مع الرب<br />
والفاجر ال ختلو من مقال فضال عن أن تكون على شروطه يف الصحة فقد استنبط رمحه هللا هذا احلكم جراي على<br />
عادتِه يف دِقة الإستنباط من حديث »اخليل معقود يف نواصيها اخلري«، فقال رمحه هللا يف كتاب اجلهاد من صحيحه،<br />
)ابب اجلهاد ماض مع الرب والفاجر لقول النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
»اخليل معقود يف نواصيها اخلري إَل يوم<br />
القيامة«( ُث روى البخاري عن عروة البارقي أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »اخليل معقود يف نواصيها اخلري إَل<br />
يوم القيامة: األجر واملغنم«. وقال ابن حجر يف الشرح ]قوله )ابب اجلهاد ماض مع الرب والفاجر( هذه الرتمجة لفظ<br />
حديث أخرجه بنحوه أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا عن أيب هريرة، وال أبس برواته، إال أن مكحوال مل يسمع من<br />
أيب هريرة. ويف الباب عن أنس أخرجه سعيد بن منصور وأبو داود أيضا ويف إسناده ضعف. قوله )لقول النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم اخليل معقود إخل( سبقه إَل الإستدالل هبذا الإمام أمحد، ألنه صلى هللا عليه وسلم ذكر بقاء اخلري يف<br />
نواصي اخليل إىل يوم القيامة، وفسره ابألجر واملغنم، واملغنم املقرتن ابألجر إَّنا يكون من اخليل ابجلهاد، ومل يقيد ذلك<br />
مبا إذا كان اإلمام عادال فدل على أن ال فرق يف حصول هلا.<br />
ص-<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 516<br />
519، وراجع كالم ابن تيمية رمحه هللا يف آخر ص<br />
212 ج 29<br />
437<br />
من جمموع الفتاوى.<br />
1<br />
2<br />
70
الفضل بني أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو اجلائر. ويف احلديث الرتغيب يف الغزو على اخليل، و<strong>في</strong>ه أيضا بشرى<br />
ببقاء اإلسالم وأهله إىل يوم القيامة، ألن من الزم بقاء اجلهاد<br />
اآلخر »ال تزال طائفة من أميت قائمة على احلق« احلديث<br />
قلت :واألمري الفاجر كما جيب اجلهاد معه،<br />
1<br />
.<br />
بقاء اجملاهدين<br />
وهم املسلمون، وهو مثل احلديث<br />
كللك جتب الصالة خلفه، ويف هذا قال شارح العقيدة الطحاوية:<br />
]اعلم، رمحك هللا وإايان: أنه جيوز الرجل أن يصلي خلف من مل يعلم منه بدعة وال فسقا، ابتفاق األئمة،<br />
وليس من<br />
شرط االئتمام أن يعلم املأموم اعتقاد إمامه، وال أن ميتحنه، <strong>في</strong>قول: ماذا تعتقد؟! بل يصلي خلف املستور احلال،<br />
ولو صلى خلف مبتدع يدعو إَل بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي ال ميكنه الصالة إال خلفه<br />
كإمام اجلمعة<br />
والعيدين، والإمام يف صالة احلج بعرفة، وحنو ذلك :<br />
فإن املأموم يصلي خلفه، عند عامة السلف<br />
وافلف. ومن ترك اجلمعة واجلماعة خلف الإمام الفاجر، فهو مبتدع عند أكثر العلماء. والصحيح أنه يصليها وال<br />
يُعيدها، فإن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا يصلون اجلمعة واجلماعة خلف األئمة الفجار وال يُعيدون، كما كان عبد<br />
هللا بن عمر يصلي خلف احلجاج بن يوسف، وكذلك أنس ، كما تقدم، وكذلك عبد هللا بن مسعود<br />
وغريه يُصلون <br />
خلف الوليد بن عقبة بن أيب مُعَيْط، وكان شارب اخلمر، حىت أنه صلى هبم الصبح أربعا، ُث قال: أزيدكم؟ فقال له<br />
ابن مسعود: مازلنا معك منذ اليوم يف زايدة!!<br />
ويف الصحيح أن عثمان بن عفان<br />
<br />
ملا حُصِرَ صلى ابلناس شخ ،<br />
فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى ابلناس إمام فتنة؟ فقال: اي ابن أخي، إن الصالة من أحسن<br />
ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءهتم<br />
إَل قوله وأما إذا كان ترك الصالة خلفه<br />
يفوت املأموم اجلمعة واجلماعة، فهنا ال يرتك الصالة خلفه إال مبتدع »خمالف« للصحابة رضي هللا عنهم. وكذلك إذا<br />
كان الإمام قد رتبه والة األمور، ليس يف ترك الصالة خلفه مصلحة شرعية، فهنا ال يرتك الصالة خلفه، بل الصالة<br />
خلفه أفضل، فإذا أمكن اإلنسان أن ال يقدم مظهرا للمنكر يف اإلمامة، وجب عله ذلك، لكن إذا واله غريه، ومل<br />
ميكنه صرفه عن الإمامة، أو كان ال يتمكن من صرفه عن الإمامة إال بِشَر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من املنكر :<br />
فال جيوز دفع الفساد القليل ابلفساد الكثري، وال دفع الضررين حبصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل<br />
املصاحل وتكميلها، وتعطيل املفاسد وتقليلها، حبسب الإمكان. فتفويت اجلمع واجلماعات أعظم فسادا من الإقتداء<br />
<strong>في</strong>هما ابلإمام الفاجر، ال سيما إذا كان التخلف عنها ال يدفع فجورا <strong>في</strong>بقى تعطيل املصلحة الشرعية بدون دفع تلك<br />
املفسدة[ . 2<br />
قلت: ما سبق تدرك أن هذه املسألة مبنية على عدد من النصوص والقواعد الشرعية، منها:<br />
72<br />
1<br />
- 2<br />
- )فتح الباري( ج 6 ص 56<br />
ط املكتب الإسالمي<br />
ه ص 1413<br />
423 422
= 1<br />
قاعدة )الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف( ومعلوم بداهة أنه إذا مل يثري إال هكذا، فالعدو الكافر وهو الضرر<br />
األشد يدفع ابألمري املسلم الفاجر وهو الضرر األخف. وتُصاغ هذه القاعدة أحياان بلفظ )خيُ تار أهون الشرين(<br />
1<br />
.<br />
حديث = 2<br />
2<br />
»إَِّن ا األْ عْم الُ ابِلنِي اتِ و إَِّن ا لِكُلِ امْرِئ م ا ند و ى« ، فإذا كانت نيتك صاحلة وهي أنك جتاهد لتكون<br />
كلمة هللا هي العليا، فال يضرك أن تكون نية األمري فاسدة، فلكلٍ نيته وأجره حبسبها، كأن يكون األمري يُقاتِل لنصرة<br />
عصبة، أو من أجل الرايسة، أو من أجل املال وحنو ذلك.<br />
= 3<br />
معه.<br />
قول هللا تعاَل:}<br />
3<br />
وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى وَ الَ تَعَاوَ نُوا عَلَى اإلْ ِ ثْمِ وَ الْعُدْوَ ا ِن{ . فتُعَاوِن األمري الفاجر<br />
يف الطاعة، وال تطيعه وال تعاونه يف معصية. وفِعْلُه املعاصي كما سبق ليس مبربر لرتك معاونته على الطاعة ابجلهاد<br />
قلت: هذا كله يف الوجه األول وهو إذا مل يكن اجلهاد إال مع األمري الفاجر يف نفسه أما إن كان فجوره ي َتَعَدمى إَل<br />
الإضرار ابلإسالم واملسلمني، فهو الوجه الثاين.<br />
الوجه الثاني:<br />
وهو األمري الذي يَضرُ فجوره ابلإسالم واملسلمني، كمن ال يبايل بتضييع املسلمني بال مصلحة، أو من ميالئ العدو يف<br />
الباطن وخيون قضية اجلهاد، فالقول عندي يف هذا أال خيُْرَج معه للجهاد، إذا كانت مفسدة اخلروج معه مثل أو أشد<br />
من مفسدة العدو، إذ إن اخلروج معه مضرة حمضة أو ال مصلحة <strong>في</strong>ه، كهؤالء الذين حيشدون الناس ويثريوهنم ابسم<br />
الإسالم واجلهاد يف سبيل هللا، أما حلماية أنظمة حكمهم العلمانية وإما ملقاومة عدو أجنيب لينتهي األمر إبقامة حكم<br />
عِلماين كافر، وأمثله هذا يف زماننا املعاصر كثرية.<br />
قال ابن قدامة احلنبلي: ])فصل( قال أمحد ال يعجبين أن خيرج مع الإمام أو القائد إذا<br />
عرف ابهلزمية وتضييع<br />
املسلمني وإَّنا ي َغْزُو مع من له شفقة وحيطة على املسلمني، فإن كان القائد يعرف بشرب اخلمر والغلول يغزى معه<br />
إَّنا ذلك يف نفسه، ويُروى عن النيب صلى هللا عليه وسلم »إِنم اَّللمَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ ابِلرمجُلِ الْفَاجِ ِر«.<br />
ُث قال ابن قدامة )فصل( وال يستصحب األمري معه خمذال وهو الذي يثبط الناس عن الغزو ويزهدهم يف اخلروج إليه<br />
والقتال واجلهاد، مِثْل أن يقول احلر أو الربد شديد واملشقة وال تؤمن هزمية هذا اجليش وأشباه هذا، وال مُرْجِ فاً وهو<br />
الذي يقول قد هلكت سرية املسلمني ومَاهلَم مدد وال طاقة هلم ابلكفار، والكفار هلم قوة ومدد وصرب، وال يثبت هلم<br />
أحد وحنو هذا، وال من يعني على املسلمني ابلتجسس للكفار إَل قوله<br />
اخلروج معه ألنه إذا مُنِع خروجه تبعا فمتبوعا أوَل وألنه ال تؤمن املضرة على من صحبه . 4<br />
وإن كان األمري أحد هؤالء مل يستحب<br />
73<br />
- 1<br />
انظر جمموع الفتاوى ج<br />
29 ص 212<br />
- 2<br />
3<br />
4<br />
متفق عليه<br />
- سورة املائدة، اآلية:2<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 371<br />
372
وأختتم هذه املسألة بتنبيه الإخوة املسلمني إَل أنه قلما يشري املُصَنِّفون إَل التفريق بني األمري الفاجر يف نفسه، ومن<br />
يضر فجوره ابلإسالم واملسلمني، <strong>في</strong>جب أال يُغفل هذا الفرق.<br />
كما جيب أن حتُ مل املسألة املشهورة يف كتب العقائد والفقه وهي )الغزو مع الفاجر( على الوجه األول فقها مما<br />
ذكرته، وأن املقصود ابلفاجر يف هذه املسألة هو من فجوره يف نفسه ومل ميُكن الغزو معه، أما من <strong>في</strong>ه ضرر ابملسلمني<br />
أو خيانة لإلسالم فال يدخل يف هله املسألة. وهللا تعاَل أعلم<br />
74
سابعا: الرد على شبهة متعلقة باإلمارة.<br />
قرأت كتااب امسه )البيعة بني السنة والبدعة عند اجلماعات الإسالمية( لألستاذ علي بن حسن بن علي بن عبد احلميد<br />
طبع املكتبة الإسالمية بعمان األردن<br />
1416<br />
ه . وقد كتب هذا الكتاب لنقد إحدى اجلماعات الإسالمية، مبينا أن<br />
مسألة البيعة لديهم من البدع، واألستاذ املؤلف قد جَانَبَ الصواب ومل حيَُالفه التو<strong>في</strong>ق يف معظم الكتاب. وسأذكر الرد<br />
عليه <strong>في</strong>ما يتعلق ابلبيعة يف كالمي القادم عن )قَسَم معسكر التدريب( إن شاء هللا ملناسبة املقام. وكان األوَل ابألستاذ<br />
املؤلف أن خيتار وجها آخر أو وجوها أخر لفساد هذه اجلماعة لنقدها، وما أكثرها.<br />
أما هنا فأرد على إنكاره ملبدأ الإمارة يف هذه اجلماعة وأمثاهلا، لتعلق هذا مبا ذكرته من وجو اإلمارة على أي جتمع<br />
إسالمي جتمعه مصلحة ما، كما يف اخلالصة السابقة. قال املؤلف يف ص<br />
كانت الإمارة يف السفر واجبة لقوله<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
38<br />
39<br />
من كتابه ]الشبهة اخلامسة: إذا<br />
:»إذا كان ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم«<br />
أفال تكون<br />
الإمارة لدعوة تريد أن تُعيد دين هللا إَل األرض أوجب، والعهد والبيعة على الطاعة أوَل؟ واجلواب من ستة وجوه:<br />
1= إمارة السفر <strong>في</strong>ها ن صريح صحيح، أما هذه الإمارة فال ن عليها، والقياس بعيد النتفاء العلة، وال يكون إال<br />
جملتهد، كما ن<br />
األصوليون.<br />
2= تنتهي إمارة السفر ابنتهائه، ِبالف الإمارات االستثنائية ذات ]كمال الطاعة[!<br />
3= إمارة السفر مصلحة كلها، أما الإمارة االستثنائية األخرى فهي تفرق وتفسد فالقياس ظاهر ابلبطالن!!<br />
4= لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة احلدود على شارب اخلمر والزاين وغري ذلك، فهل هذا ي ُقْبَل؟ هو ابطل<br />
إبمجاع األمة من احملالفني واملخالفني فهذا قياس يبطل ذلك القياس! !<br />
5= إمارة السفر حمدودة أبمور، فهي للرتتيب، ال للسمع والطاعة بكماهلما! !<br />
6= أما أهنا )عهد( فهذا مل يكن من منهاج السلف الصاحل رضوان هللا تعاَل عليهم، بل كان واقعهم خالف ذلك<br />
متاما... إخل. انتهى كالم األستاذ علي بن حسن[.<br />
الرد على كالم األستاذ علي بن حسن<br />
رقم )2= أن إمارة السفر تنتهي ابنتهائه... اخل( حجة على األستاذ إذ إن اجلماعة الدائمة أوَل ابلإمارة لضبط أحواهلا<br />
من اجلماعة املؤقتة العارضة كجماعة السفر.<br />
رقم )3= أم إمارة السفر مصلحة كلها ِبالف غريها( كالم مل يثبته بدليل شرعي وهو ما جيب الرد إليه عند التنازع،<br />
وابلتايل هو قولٌ مردود عليه، وتعميم ال أساس له من الشرع وهو قوله: إن الإمارات األخرى تُفرق وتُفسد. نريد دليال<br />
شرعيا ال من الواقع.<br />
رقم )5= إمارة السفر حمددة أبميال، فهي للرتتيب ال للسمع والطاعة بكماهلما( وهذا مثل الذي قبله كالم مل يثبته<br />
بدليل شرعي، ومعلوم أن السمع والطاعة من مقتضيات أي إمارة صغرت أم كربت واللغة تدل على ذلك: )األمري<br />
75
هو ذو األَمْر، وقد أَمَرَ َيمر ابلضم: خمتار الصحاح للرازي(، أما أن حيصرها املؤلف يف الرتتيب فقط فهذا تقييد منه<br />
بال دليل شرعي، ُث إنه مل يوضح ماذا يقصد ابلرتتيب؟ فإن كان يقصد كما يتبادر إَل الذهن أن عمل أمري السفر<br />
هو أن حيدد ملن معه ماذا يفعلون يف اليوم األول مرتبا ُث اليوم الثاين وهكذا، فنقول لألستاذ املؤلف إن أَتْبَاع األمري إن<br />
ن َفمذوا ما رَتمبه هلم فهم بذلك قد مسعوا له وأطاعوا، فآل األمر إىل أن مقتضى اإلمارة هو السمع والطاعة.<br />
رقم )6= أما أهنا عهد... اخل( نرد عليه يف الباب الرابع إن شاء هللا عند الكالم عن قَسَم معسكر التدريب.<br />
وابلتايل سنرد هنا على األول والرابع من أجوبته السابقة.<br />
الرد على االعتراض األول:<br />
قال األستاذ املؤلف )إن إمارة السفر <strong>في</strong>ها ن<br />
صريح ِبالف الإمارة على اجلماعات وال تقاس الثانية على األوَل<br />
النتفاء العلة، والقياس ال يكون إال جملتهد( انتهى كالمه والرد عليه من عدة وجوه أمجلها ُث أشرحها.<br />
األول: أن إمارة اجلماعات ال ترتكن على إمارة حديث السفر فقط بل هناك أدلة أخر.<br />
الثاين: أن قياس إمارة اجلماعات على إمارة السفر هو قياس صحيح للعلة املشرتكة.<br />
الثالث: أن هذا القياس قد ذكره أكثر من جمتهد.<br />
أما األول: وهو أن هناك أدلة أخر على شرعية إمارة الجماعات<br />
سبب نشأة هذه اجلماعات اليت يعنيها األستاذ املؤلف هو غياب احلكم الإسالمي وعدم وجود إمام للمسلمني، فلو<br />
اجتمعت طائفة من املسلمني يف مثل هذا احلال على القيام بواجبات الدين، وهذا واجب يف حد ذاته، لوجب على<br />
هذه الطائفة أتمري أحدهم عليهم<br />
أ= لقوله تعاَل: }ايَأَي ُّهَا المِذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَّللمَ وَأَطِيعُوا الرمسُولَ وَأُوْيلِ األَمْرِ مِنْكُ ْم{ ، 1 ولقوله تعاَل: }وَلَوْ رَدُّوهُ<br />
إَِلَ الرمسُولِ وَإَِلَ أُوْيلِ األَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ المذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ{ . 2 فال بد للناس من والة جيَْمَعون مشلهم ويقومون<br />
بشئوهنم وينظمون أعماهلم بداللة الإشارة إَل هاتني اآليتني. وال حيل للمسلمني أن يبقوا يف طاعة احلكام الكافرين ما<br />
استطاعوا ذلك، كما ذكرت يف شروط الإمارة أنه ال والية لكافر على مسلم.<br />
وكل متبوع من السلطان أو العلماء أو أمراء اجلماعات أو غريها فهو داخل يف هله اآليةكما قال شيخ الإسالم ابن<br />
تيمية ]وكل من كان متبوعا فإنه من أويل األمر، وعلى كل واحد من هؤالء أن َيمر مبا أمر هللا به وينهى عما هنى<br />
عنه، وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه يف طاعة هللا، وال يطيعه يف معصية هللا[ . 3<br />
ب= فإذا كانت مجاعة من اجلماعات قائمة ألجل اجلهاد يف سبيل هللا، فال حاجة لنا يف اللجوء إَل القياس على إمارة<br />
السفر طاملا لدينا نص خاص يف املسألة، إذ القياس اجتهاد وال اجتهاد مع الن . والنص املقصود هو حديث غزوة<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
58<br />
93<br />
29 ص 191<br />
1<br />
2<br />
3<br />
76
منتة<br />
وأتمري الصحابة خلالد بن الوليد كما ذكرته يف املسألة الرابعة من هذا الباب، فراجعها، وإليك أقوال العلماء يف<br />
فقه هذا احلديث.<br />
]قال ابن حجر: و<strong>في</strong>ه جواز التأمر يف احلرب بغري أتمري أي بغري ن<br />
منه أن على املسلمني أن يقدموا رجال إذا غا اإلمام<br />
املنري: )يؤخذ من حديث الباب<br />
من الإمام ، قال الطحاوي: )هذا أصل يؤخذ<br />
1<br />
يقوم مقامه إَل أن حيضر( . قال ابن حجر كذلك: قال ابن<br />
أن من تعني لوالية وتعلرت مراجعة اإلمام أن الوالية تَبت لللك املعني شرعا<br />
2<br />
وجتب طاعته حكما( كذا قال، وال خيفى أن حمله ما إذا اتفق احلاضرون عليه[ .<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ]فإذا عُدِم اإلمام مل ينخر اجلهاد ألن مصلحته تفوت بتأخريه، وإن حصلت غنيمة قسمها<br />
وأمر<br />
َ<br />
أهلها على موجب الشرع، قال القاضي ويؤخر قسمة الإماء حىت يظهر احتياطا للفروج، فإن بعث الإمام جيشا<br />
عليهم أمريا فقُتل أو مات، فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف جيش مُؤتة<br />
لَما قُتِل أمراؤهم الذين أمّرهم النيب صلى هللا عليه وسلم أمّروا عليهم خالد بن الوليد، فبلغ النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
فرَضِيَ أَمْرهم وَصَومبَ رأيهم ومسي خالدا يومئذ "سيف هللا" ] .<br />
وهذا احلديث وما ورد يف فقهه هو نص يف موضع النزاع يف هذه املسألة ويبني وجوب الإمارة على اجلماعات القائمة<br />
أبمر الدين واجلهاد، وال حاجة بنا إَل القياس على حديث إمارة السفر، مع صحة هذا القياس كما سأذكره إن شاء<br />
هللا تعاَل.<br />
وقد يقول قائل إن حديث منتة ال ينطبق على حالنا اآلن، ف<strong>في</strong> مؤتة كان الإمام النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
غائبا، فلما رجعوا إليه صَومبَ صنيعهم. أما اليوم فال إمام البتة. فال تصح إمارة هذه اجلماعات الفتقاد الإمام. وحنن<br />
نؤكد صحة ما ذهبنا إليه من االستدالل هبذا احلديث. إذ إن العلة املشرتكة بني احلالتني هي اجتماع طائفة من<br />
املسلمني على عمل مشرتك وهو اجلهاد مبِ عزل عن الإمام، سواء كان الإمام غائبا أم معدوما، ف<strong>في</strong> كال ا الني هو<br />
غائب عن صنيعهم، واملستفاد من حياة النيب صلى هللا عليه وسلم إذ ذاك وهو تقريره لفعلهم »السنة التقريرية« هو<br />
تشريع ال يستفاد من أحد<br />
بعده صلى هللا عليه وسلم من إمام أو غريه. وحنن حنيل قائل هذا القول إَل كالم ابن<br />
املنري السابق حيث قال: )وتعلرت مراجعة اإلمام( وهذا التعذر يشمل غياب الإمام أو عدمه، وكالم ابن قدامة أكثر<br />
وضوحا حيث قال: )فإن عُدِم الإمام مل يؤخر اجلهاد...اخل(.<br />
ومقتضى قول هذا القائل أن اجلهاد أبفغانستان أو مبثلها ال جيوز وابطل ألن اجلماعات واألحزاب املقاتلة غري شرعية<br />
لعدم صحة الإمارة عليها. وهذا يقتضي أن من أقدم على هذا اجلهاد حتت هذه الإمارات هو آُث، وأن املسلمني<br />
عليهم أن يقفوا مكتويف األيدي وهم يرون دايرهم ونسائهم وأمواهلم تُغتصب حىت ينزل عليهم إمام من السماء. فهل<br />
- فتح الباري ج 7 ص 513<br />
- فتح الباري ج 6 ص 191<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 374<br />
1<br />
2<br />
3<br />
77
يقول هبذا مسلم؟، أم هل يقول هبذا من <strong>في</strong>ه مُسْكَةٌ من عقل؟. ومن بقى يف نفسه أثر من هذه الشبهة فالدليل التايل<br />
يزيلها إن شاء هللا تعاَل.<br />
ج= عن جابر بن عبد هللا قال مسعت النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
إَل يوم القيامة، قال: <strong>في</strong>نزل عيسى بن مرمي صلى هللا عليه وسلم<br />
بعضكم على بع<br />
فهذا ن<br />
أمراء تكرمة هللا هذه األمة«<br />
»ال تزال طائفة من أميت يقاتلون على ا ق ظاهرين<br />
<strong>في</strong>قول أمريهم<br />
صَل<br />
ّ<br />
تعال ِ<br />
1<br />
.<br />
واضح صريح من النيب صلى هللا عليه وسلم يبني:<br />
1= استمرارية وبقاء الطائفة املنصورة املقاتلة على احلق حىت نزول عيسى<br />
املؤمنني مجيعا<br />
<br />
2<br />
.<br />
لنا، <strong>في</strong>قول: ال،<br />
إن<br />
وهبوب الريح الطيبة اليت تقبض أرواح<br />
2= صحة وشرعية الإمارة على هذه الطائفة على لسان نبينا صلى هللا عليه وسلم حيث قال: »<strong>في</strong>قول أمريهم« وعلى<br />
لسان عيسى : )إن بعضكم على بعض أمراء( وال ينبغي أن حيمل هذا )أي صحة الإمارة( على أخر الطائفة وقت<br />
نزول عيسى<br />
<br />
دون ما قبله من األزمنة، فإن إضافة األمري إَل الطائفة )أمريهم( مع بيان أن صفة هذه الطائفة هي<br />
الإستمرارية )ال تزال( يبني استمرارية هذه الإمارة وصحتها، وأن الإمارة صفة الزمة هلذه الطائفة يف كل زمان )ال تزال<br />
...أمريهم( فإذا ثبت أنه أتِت على املسلمني أزمنة يفتقدون <strong>في</strong>ها الإمامة الكربى )اخلالفة( وثبت صحة واستمرارية<br />
الإمارة على الطائفة املنصورة، فتكون األمارة على هذه الطائفة يف حالة انعدام الإمام صحيحة إن شاء هللا.<br />
3= كي<strong>في</strong>ة عقد الإمارة على هذه الطائفة، بتأمريهم أحدهم عليهم )إن بعضكم على بعض أمراء<br />
تكرمة هللا هله<br />
األمة( فهذا مما كَرمم هللا به املسلمني، وهذا يتفق متاما مع صنيع الصحابة يوم مؤتة. ويدل على أن هذا الصنيع )أتمري<br />
املسلمني ألحدهم( ليس خاصا بزمن النيب صلى هللا عليه وسلم لبقاء هذا احلكم حىت نزول عيسى<br />
.<br />
د= قوله تعاَل: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَِِ مِنْ بَنِي إِسْرَ ائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِي ٍ لَ ُهمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِك ًا نُقَاتِلْ قِي<br />
سَبِيلِ َّللاَّ ِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَالَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَ مَا لَنَا أَالَّ نُقَاتِلَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ قَدْ أُخْرِ جْنَا مِ ْن<br />
دِيَارِ نَا وَ أَبْنَائِنَا قَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَ لَّوْ ا إِالَّ قَلِيال مِنْهُمْ وَ َّللاَّ ُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِي َن{<br />
. 3<br />
وهذه اآلية عندي من أوضح األدلة على وجو اإلمارة من أجل اجلهاد، فهذه أمة مهزومة مطرودة من دايرها<br />
أرادت اجلهاد، فبدأت بطلب القائد الذي ستقاتل حتت إمرته. وقد بعث هللا<br />
<br />
لصحة مطلبهم. <br />
هلم طالوت ملكا، وهلا تقرير من هللا<br />
- رواه مسلم يف كتاب الإميان ج 183/2<br />
- حديث عبدهللا بن عمرو وعقبة بن عامر رواه مسلم أبخر كتاب الإمارة ج<br />
- سورة البقرة، اآلية:<br />
69/13<br />
246<br />
1<br />
2<br />
3<br />
78
وهذا هو حالنا اليوم مسلمون مستضعفون ال عزة هلم إال ابجلهاد كما يف حديث العينة، ومن مقتضيات اجلهاد نصب<br />
األمري، أما كي<strong>في</strong>ة نَصْبِهِ يف هذا الزمان فتكون ابتفاق اجلماعة عليه كما يف حديث غزوة مؤتة، وحديث جابر بن عبد<br />
هللا السابق »إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة هللا هذه األمة«.<br />
ه = قال إمام احلرمني اجلويين: ]وإذا مل يصادف الناس قَوماماً أبمورهم يلوذون به <strong>في</strong>ستحيل أن يُؤمروا ابلقعود عما<br />
يقتدرون عليه من دفع الفساد، فإهنم لو تقاعدوا عن املمكن، عم الفساد البالد والعباد إَل قوله وقد قال بعض<br />
العلماء: لو خال الزمان عن السلطان<br />
فحق على قطان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من ذوي األحالم<br />
والنهي وذوي العقول واحلجا، من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عند مناهيه ومزاجره فإهنم لو مل يفعلوا ذلك،<br />
1<br />
ترددوا عند إملام املهمات وتبلدوا عند إطالل الواقعات ] .<br />
وعندما قدم التتار لغزو الشام وأتخر السلطان عن نصرة الشام رحل إليه شيخ الإسالم ابن تيمية مبصر ليستحثه على<br />
ُندة الشام، وقال للسلطان وأعوانه]إن كنتم أعرضتم عن الشام ومحايته<br />
أقمنا له سلطاان حيوطه وحيميه ويستغله يف<br />
زمن األمن، ومل يزل هبم حىت جُرِّدَت العساكر إَل الشام، ُث قال هلم: لو قدر لكم أنكم لستم حكام الشام وال ملوكه<br />
واستنصركم أهله وجب عليكم النصر، فكيف وأنتم حكامه وسالطينه وهم رعاايكم وأنتم مسؤولون عنهم، وقَومى<br />
جأشهم وضمن هلم النصر هذه الكَرمة، فخرجوا إَل الشام، فلما تواصلت العساكر إَل الشام فرح الناس فرحا شديدا<br />
بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأمواهلم ] 2 .<br />
قلت: فاتفق اجلويين وابن تيمية على أنه لو خال بلد عن السلطان أقام الناس أبنفسهم من يلتزمون قوله وأمره. وهذا<br />
أيضا يتنزل يف حق كل مجاعة أو طائفة اتفقت على القيام أبمور الدين يف غيبة إمام املسلمني.<br />
وأما الوجه الثاني: وهو أن قياس إمارة الجماعات على إمارة السفر هو<br />
قياس صحيح للعلة المشتركة.<br />
فنقول القياس هو إثبات حكم مثل حكم األصل يف الفرع بعلة متحدة ، واألصل هو الواقعة اليت ورد حكمها ابلن<br />
3<br />
الشرعي، والفرع: اليت مل يرد حبكمها ن شرعي، والعلة هي الوصف الظاهر املنضبط املناسب املتعدى الذي بُين عليه<br />
حكم األصل وبتحقق هذا الوصف يف الفرع يثبت له مثل حكم األصل.<br />
ويف موضوعنا:<br />
أحدهم عليهم(، والفرع هو<br />
ال؟.<br />
األصل املنصوص على حكمه هو اجتماع ثالثة على سفر، واحلكم هو وجوب الإمارة )وجوب أتمري<br />
إمارة اجلماعات، فهل علة حكم األصل متحققه يف الفرع حىت يثبت له نفس احلكم أم<br />
فالبحت اآلن هو يف: ما هي العلة يف إمارة السفر؟ وهي اليت مل يلكرها األستاذ املنلف.<br />
- غياث األمم ط 1411ه حتقيق د. عبدالعظيم الديب ص 399397<br />
- البداية والنهاية البن كثري ج 14 ص 15، أحداث سنة 711ه<br />
- شرح التلويح على التوضيح للتفتازاين ج<br />
2 ص 52<br />
1<br />
2<br />
3<br />
79
واحلق أن العلة َثبتة ابلن<br />
يف نفس احلديث ولكنها مفتقرة إَل تنقيح املناط لتعدد األوصاف املرتتب عليها احلكم يف<br />
احلديث. <strong>في</strong>جب حتديد أي هذه األوصاف هو املؤثر يف احلكم؟.<br />
واألوصاف اليت انبىن عليها احلكم يف حديث إمارة السفر، هي وصفان: السفر واجتماع ثالثة من الناس على أمر<br />
جامع بينهم.<br />
فإذا أثبتنا ابلن<br />
أن إمارة السفر ال جتب ملا دون الثالثة كما يف سفر اثنني من الناس، <strong>في</strong>كون الوصف املؤثر يف احلكم<br />
هو العدد )الثالثة( لوجود وصف السفر يف سفر الإثنني وختلف احلكم وهو وجوب الإمارة، فلو كان السفر هو العلة<br />
لوجب حكم الإمارة يف سفر الإثنني، وابلتايل ندرك أن احلكم )الإمارة( مرتتب على العدد )الثالثة كحد أدىن( وليس<br />
على السفر.<br />
فما هي النصوص اليت وجد <strong>في</strong>ها سفر مادون الثالثة ومل جتب <strong>في</strong>ها الإمارة؟<br />
نقول منها ما روى البخاري يف كتاب اجلهاد<br />
-<br />
)ابب سفر اثنني(، عن مالك بن احلويرث قال: »انصرفت من عند<br />
1<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم فقال لنا، أان وصاحب يل، أذان وأقيما وليؤمكما أكربكما« ، فهذا<br />
احلديث وجد <strong>في</strong>ه<br />
وصف السفر ومل يوجد <strong>في</strong>ه وصف العدد وهو الثالثة، ومل يوجد <strong>في</strong>ه احلكم ابلإمارة أي مل ي ُؤَمِّر الرسول صلى هللا عليه<br />
وسلم أحدمها وال أوكل هذا إليهما، وال جيوز أتخري البيان عن وقت احلاجة، فدل هذا على أن اإلمارة كحكم<br />
مرتبطة ابلعدد )الَالثة كحد أدىن( وليست مرتبطة ابلسفر.<br />
ومما يدل على تعلق اإلمارة ابلعدد ال ابلسفر قول النيب صلى هللا عليه وسلم أليب ذر: »اي أاب ذر إين أراك ضعيفا،<br />
وإين أحب لك ما أحب لنفسي، ال أت م ر ن على اثنني<br />
2<br />
وال تَولمني مال يتيم« ، فقول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
»ال<br />
أتَمرَن على اثنني« يدل على أن اإلمارة جتب على الَالثة فصاعدا، وهذا يرجح أن وجوب الإمارة يف حديث السفر<br />
متعلق ابلعدد وليس ابلسفر. قال صلى هللا عليه وسلم<br />
»إذا كنتم ثالثة يف سفر فأمِّروا« فالإمارة ال جتب إال على<br />
ثال<br />
ثالثة فصاعدا. ويعضد هذا وهو ارتباط الإمارة ابلعدد وأقله ثة ما رواه البخاري عن أسامة بن زيد قال: »وما<br />
أان ابلذي أقول لرجل<br />
بعد أن يكون أمريا على رجلني<br />
أنت خري، بعد ما مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
يقول: »جيُ اء برجل <strong>في</strong>طرح يف النار <strong>في</strong>طحن <strong>في</strong>ها كما يطحن احلمار بِرَحَاه، <strong>في</strong>طيف به أهل النار <strong>في</strong>قولون: أي فالن،<br />
3<br />
ألست كنت أتمر ابملعروف وتنهى عن املنكر؟ <strong>في</strong>قول: إين كنت آمر ابملعروف وال أفعله، وأهنى عن املنكر وأفعله« ،<br />
وأسامة كان ين<strong>في</strong> هبذا هتمة املداهنة عن نفسه كما يف شرح احلديث<br />
4<br />
، والشاهد من كالمه قوله: »أقول لرجل بعد<br />
أن يكون أمريا على رجلني« فبني أقل ما جتب <strong>في</strong>ه اإلمارة، وهو ثالثة، أمري واتبعان. كما أن اللغة تعضد ما ذهبنا<br />
- حديث 2949<br />
- رواه مسلم<br />
- حديث 7189<br />
- فتح الباري ج 13 ص 52 51،<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
81
إليه من تعلق الإمارة ابلعدد وليس ابلسفر، فقد قال الراغب األصفهاين: ]وقيل أَمِرَ القوم هبمزة مفتوحة وميم<br />
مكسورة وراء مفتوحة كَثُروا، وذلك ألن القوم<br />
1<br />
يسوسُهم، ولذلك قال الشاعر: ال يصلح الناس فوضى ال سُراة هلم[ .<br />
إذا كَروا صاروا ذا أمري، من حيث أهنم البد هلم من سائِس<br />
نتوصل مما سبق إلى حقيقتين:<br />
إحدامها: أن إمارة السفر ال جتب ملا دون الثالثة، فال جتب يف سفر االثنني، فالإمارة متعلقة ابلعدد وليس ابلسفر.<br />
الثانية: أن أقل عدد جتب <strong>في</strong>ه الإمارة هو ثالثة، حلديث أيب ذر»ال أتمرن على اثنني« وحلديث أسامة بن زيد »لرجل<br />
أن يكون أمريا على رجلني«<br />
ابلسفر وهلا هو تنقيح املناط.<br />
وهذا العدد هو نفسه املذكور يف حديث إمارة السفر. فهله اإلمارة متعلقة ابلعدد ال<br />
فإذا توصلنا أن العلة هي العدد أي اجتماع ثالثة من الناس على أمر جامع بينهم فهذه العلة متحققة والشك يف سائر<br />
اجلماعات، فتقاس بذلك إمارة اجلماعات على إمارة السفر.<br />
فإن قيل: فما احلكمة من ذكر السفر يف احلديث؟ فنقول إن املسافرين ينقطعون ابلسفر عن نظر الإمام أو وايل البلدة<br />
الذي يلي أمر املقيمني، <strong>في</strong>جب على املسافرين أن يؤمروا منهم من يلي أمرهم، فاالنقطاع عن نظر الإمام ابلسفر<br />
وحنوه من دواعي نصب األمري، وهذا ميكن أن يكون عِلمة َثنية للحكم لوال أنه مل يستقل ابلتعليل لوجود وصف<br />
االنقطاع عن نظر الإمام يف سفر االثنني مع ختََلُّف احلكم بوجوب الإمارة. وعلى أي حال فإن هذا الوصف وهو<br />
االنقطاع عن نظر الإمام النعدامه اآلن هذا الوصف موجود ابلنسبة للجماعة الإسالمية املعاصرة مما يزيد وجوب<br />
الإمارة عليهم توكيدا.<br />
وأما الوجه الثالث: وهو أن هذا القياس صححه أكثر من مجتهد<br />
فقد ذكرت يف أول الباب مسألة أن الإمارة واجبة، ودلّلت على ذلك:<br />
يقول = 1<br />
الإمام الشوكاين، حيث استدل حبديث إمارة السفر على وجوب نصبة والية القضاء والإمارة وغريها، ومل<br />
يلكر يف هلا البا حديَا غريه،<br />
وقد قاس هله الوالايت على إمارة السفر، فقال بعد أن ذكر رواايت حديث<br />
إمارة السفر ]و<strong>في</strong>ها دليل على أنهُ يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم ألن يف ذلك السالمة<br />
من اخلالف الذي يؤدي إَل التالف فَمَعَ عدم التأمري يستبد كل واحد برأيه وبفعل ما يطابق هواه <strong>في</strong>هلكون، ومع<br />
التأمري يقل الإختالف وجتتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثالثة يكونون يف فالة من األرض أو يسافرون فشرعيته لعدد<br />
أكَر يسكنون القرى واألمصار وحيتاجون لدفع التظامل وفصل التخاصم أوَل وأحرى ويف ذلك دليل لقول من قال إنه<br />
جيب على املسلمني نصب األئمة والوالة واحلكام[<br />
. 2<br />
- )املفردات يف غريب القرآن( للراغب مادة )أمر(<br />
- نيل األوطار ج 8ص157<br />
1<br />
2<br />
80
=<br />
2<br />
فذكر أن احلكم )وجوب الإمارة( مرتتب على العدد حيث قال: )يشرع لكل عدد بلغ ثالثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم<br />
أحدهم(. وذكر الشوكاين أن هذا جيب على املقيمني من ابب التنبيه ابألدىن على األعلى.<br />
وذكرت كذلك يف أول الباب استدالل شيخ الإسالم ابن تيمية حبديث إمارة السفر على وجوب الإمارة يف<br />
سائر أنواع االجتماع،<br />
فهو ينص بللك على أن علة اإلمارة هي اجتماع، وقد ذكر هذا يف أكثر من موضع من<br />
فتاويه فقال يف رسالة )احلسبة( ]وكل بين آدم ال تتم مصلحتهم ال يف الدنيا وال يف اآلخرة إال ابالجتماع والتعاون<br />
والتناصر، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، وهلذا يقال: الإنسان مدين ابلطبع. فإذا<br />
اجتمعوا فالبد هلم من أمور يفعلوهنا وجيتلبون<br />
هبا املصلحة. وأمور جيتنبوهنا ملا <strong>في</strong>ها من املفسدة: ويكونون مطيعني<br />
لآلمر بتلك املقاصد، والناهي عن تلك املفاسد، فجميع بين آدم ال يد هلم من طاعة آمر وانه. إَل أن قال وهلذا<br />
أمر النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم أمته بتولية والة أمور عليهم، وأمر والة األمور أن يردوا<br />
األماانت إَل أهلها، وإذا<br />
حكموا بني الناس أن حيكموا ابلعدل، وأمرهم بطاعة والة األمور يف طاعة هللا تعاَل، ف<strong>في</strong> سنن أيب داود عن أيب سعيد<br />
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
»إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم« ويف سننه أيضا عن أيب هريرة<br />
مثله. ويف مسند الإمام أمحد عن عبد هللا بن عمرو أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال حيل لثالثة يكونون بفالة<br />
من األرض إال أمروا أحدهم«.<br />
فإذا كان قد أوجب يف أقل اجلماعات وأقصر االجتماعات أن يويل أحدهم: كان هذا تنبيها على وجو ذلك <strong>في</strong>ما<br />
1<br />
هو أكَر من ذلك[ .<br />
وقال رمحه هللا يف رسالة )السياسة الشرعية(: ]جيب أن ي ُعْرَف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل ال قيام<br />
للدين وال للدنيا إال هبا، فإن بين آدم ال تتم مصلحتهم إال ابالجتماع حلاجة بعضهم إَل بعض، والبد هلم<br />
االجتماع من رأس حىت قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »إذا خرج ثالثة يف سفر فليؤمروا أحدهم« . 2<br />
عند<br />
وروى الإمام أمحد يف املسند عن عبد هللا بن عمرو، أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال حيل لثالثة يكونون بفالة<br />
من األرض إال أمروا عليهم أحدهم«<br />
فأوجب صلى هللا عليه وسلم أتمري الواحد يف<br />
االجتماع القليل العارني يف<br />
السفر، تنبيها بللك على سائر أنواع االجتماع. وألن هللا تعاَل أوجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر. وال يتم<br />
ذلك إال بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من اجلهاد والعدل وإقامة احلج واجلمع واألعياد ونصر املظلوم. وإقامة<br />
احلدود ال تتم إال ابلقوة واإلمارة[ . 3<br />
قلت: فانظر إَل قول شيخ الإسالم ]فهو تنبيه على أنواع االجتماع[ وقد كرر هذا يف سائر املواضع، فهو ين على<br />
أن اإلمارة لالجتماع ال جملرد السفر.<br />
82<br />
- 1<br />
جمموع الفتاوى ج<br />
29 ص 65 62<br />
2<br />
3<br />
- رواه أبوداود، من حديث أيب سعيد، وأيب هريرة.<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
29 ص 381
وهذان جمتهدان )ابن تيمية والشوكاين( ال خالف بني املسلمني على إمامتهما ومنزلتهما يف العلم، قد نَصما على أن<br />
عِلة الإمارة هو االجتماع وقاسا إمارة<br />
إليه.<br />
سائر أنواع االجتماع على إمارة السفر. وأهنا من ابب التنبيه ابألدىن على<br />
األعلى. ابلإضافة إَل ما سبق فإن إيراد أيب داود هلذا احلديث يف كتاب اجلهاد من سننه <strong>في</strong>ه إشارة منه إَل ما ذهبنا<br />
وهبذا نكون قد استكملنا األوجه الثالثة يف الرد على األول من اعرتاضات مؤلف كتاب )البيعة(.<br />
فائدة )<strong>في</strong> وجوب الجماعة لنصرة الدين <strong>في</strong> هذا الزمان(<br />
ذكرت يف أول كالمي يف الرد على هذه الشبهة املتعلقة ابلإمارة قوال أَوَدُّ أن أدَلِّل عليه، وهو قويل )إنه يف غياب احلكم<br />
الإسالمي واخلالفة لو اجتمعت طائفة من املسلمني على القيام بواجبات الدين، فهذا واجب يف حد ذاته( انتهى.<br />
وبيان ذلك أن الواجبات الشرعية كاجلهاد واملر ابملعروف والنهي عن املنكر وحنوها مل يقم دليل على أهنا تسقط عن<br />
املسلمني ابنعدام الإمام، بل قد نبه ابن قدامة على هذا فقال: ]فإن عُدِمَ الإمام مل يؤخر اجلهاد[، وهذه الواجبات كما<br />
قال ابن<br />
تيمية يف كالمه املذكور أعاله ]ال تتم إال ابلقوة والإمارة[، قلت: والقوة منها ا جلماعة، قال تعاَل:<br />
2<br />
1<br />
}وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ ال تَفَرَّ قُوا{ ، وقال تعاَل: }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ{ ، وقد ورد<br />
األمر ابجلماعة صرحيا يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »وَأَانَ آمُرُكُمْ ِبَِمْسٍ اَّللمُ أَمَرَينِ هبِِنم ابِجلَْمَاعَةِ وَالسممْعِ<br />
وَالطماعَةِ وَاهلِْجْرَةِ وَاجلِْهَادِ« . 3 ومع ذلك، فقد ذهب البعض إَل أن اجتماع املسلمني يف مجاعة للقيام بواجبات الدين<br />
يف هذا الزمان حيث<br />
ال إمام للمسلمني ليس بواجب بل الواجب العزلة وأن يهتم املرء بشأن خاصته. وهذا القول<br />
يؤدي إَل اصطالم الإسالم وأهله. وهلم يف قوهلم هذا شبهة، حيث استدلوا حبديث حذيفة بن اليمان مرفوعا: »فإن<br />
مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال صلى هللا عليه وسلم :<br />
قلت: واحلديث بنصه كما يلي عن حذيفة<br />
<br />
4<br />
فاعتزل تلك الفرق كلها« .<br />
قال: »كان الناس يسألون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن اخلري،<br />
وكنت أسأله عن الشر خمافة أن يدركين، فقلت اي رسول هللا إانّ كنا يف جاهلية وشر، فجاءان هللا هبذا اخلري فهل بعد<br />
هذا اخلري من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خري؟ قال: نعم و<strong>في</strong>ه دَخَن، قلت: ومادَخَنُه؟ قال: قوم<br />
يهدون بغري هدى، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك اخلري من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من<br />
أجاهبم إليها قذفوه <strong>في</strong>ها. قلت: اي رسول هللا صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون أبلسنتنا. قلت: فما أتمرين إن<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
- سورة األنفال، اآلية:<br />
113<br />
46<br />
- رواه أمحد والرتمذي وصححه عن احلارث األشعري.<br />
- متفق عليه<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
83
أدركين ذلك؟ قال: تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم. قلت: فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق<br />
كلها ولو أن تعض أبصل شجرة حىت يدركك املوت وأنت على ذلك« . 1<br />
والرد على هذه الشبهة من وجهني:<br />
الوجه األول: أنه كما يتضح من ن احلديث أن الفرق اليت أمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابعتزاهلا هي فرق الضاللة<br />
املذكورة يف قوله<br />
»دعاة على أبواب جنهم...«<br />
ويدل على هذا: أ= اسم إشارة )تلك( عائد على مذكور قبله يف<br />
الن . ب= األلف والالم يف )الفرق( للعهد، وتدل على مذكور من قبل، معهود يف الذهن، وال يصح أن تكون<br />
للجنس وإال دخلت يف الفرقِ الفرقةُ الناجية وهذا ابطل ابلإمجاع. ومن هذا ترى أن لفظ الفرق املأمور ابعتزاهلا وإن<br />
كانت صيغة العموم إال أنه من العام الذي يراد به اخلصوص، فالفرق املشار إليها هي فرق الضاللة ال غري، كما وردت<br />
يف رواية أخرى لنفس احلديث<br />
2<br />
»ُث تنشأ دعاة الضاللة« .<br />
الوجه الَاين: وهو الذي ن ُنَبِّه عليه ابستمرار أن األحكام الشرعية ال تؤخذ من ن واحد إال إذا مل يكن هناك غريه<br />
ولكن تؤخذ من جمموع أدلة املسألة ابجلمع بينها وابلتخصي<br />
أو التقييد أو النسخ أو غري ذلك من أساليب مجع<br />
األدلة. ويف هذه املسألة: نقول إن االعتزال الوارد يف قوله صلى هللا عليه وسلم : »فاعتزل تلك الفرق« إن افرتضنا<br />
جدال أنه على عمومه رغم انه من العام الذي يراد به اخلصوص فنقول إنه خمَُصم أيضا بعدة نصوص منها حديث<br />
الفرقة الناجية ومنها حديث الطائفة املنصورة.<br />
أ =<br />
أما حديث الفرقة الناجية، فقد قال صلى هللا عليه وسلم : »إن هذه األمة ستفرتق على ثالث وسبعني فرقة، يف<br />
األهواء كلها يف النار إال واحدة، وهي اجلماعة« ، 3 ويف رواية أخرى أن الناجية هي»ما أان عليه اليوم وأصحايب« . 4<br />
فقوله صلى هللا عليه وسلم يف حديث حذيفة<br />
حديث الفرق<br />
»دعاة على أبواب جنهم« هو نفس قوله صلى هللا عليه وسلم يف<br />
»كلها يف النار« ُث استثىن فقال صلى هللا عليه وسلم : »إال واحدة« وهذه الواحدة وهي الناجية<br />
خمَُصِّصة لعموم االعتزال املأمور به أي اعتَزِلْ فرق الضاللة والتَزِمْ الفرقة الناجية اليت منهجها<br />
»ما أان عليه اليوم<br />
5<br />
وأصحايب«، وهي أيضا اجلماعة ألن )اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك( . وسيأِت بيان منهج الفرقة الناجية يف<br />
مسألة )أصول االعتصام ابلكتاب والسنة( يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين إن شاء هللا تعاَل.<br />
ب =<br />
وأما حديث الطائفة املنصورة.<br />
84<br />
1<br />
2<br />
- 3<br />
- متفق عليه<br />
- رواه أمحد وأبوداود وإسناده حسن<br />
رواه ابن أيب عاصم وغريه عن معاوية وصححه األلباين )كتاب السنة البن أيب عاصم حديث<br />
)2<br />
4<br />
5<br />
- عن عبدهللا بن عمرو وهو حديث حسن لغريه بشواهده<br />
- رواه ابن عساكر بسند صحيح عن ابن مسعود موقوفا
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />
َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس« . 1 وقال صلى هللا عليه وسلم : »لن يربح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة<br />
2<br />
من املسلمني حىت تقوم الساعة« . وهو حديث مشهور بل متواتر كما ذكر ابن تيمية رمحه هللا يف )اقتضاء الصراط<br />
املستقيم( مروي عن مخسة عشر صحابيا وأخرجه أصحاب ا لكتب الستة واملعاجم واملسانيد ويف كتب السنة وسائر<br />
كتب السلف الصاحل رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
فهذه طائفة قائمة أبمر الدين تقاتل عليه، موعودة ابلنصر والظهور، مُبَشمرة أبهنا ال يضرها من خالفها وال من خذهلا،<br />
ابقية بال انقطاع من لدن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل أن يقاتل آخرها الدجال مع عيسى . فهل َيمر النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم املسلمني ابعتزال هذه الطائفة القائمة أبمر الدين؟ ولذلك فنحن نقول إنه إذا محُِلَ قوله صلى<br />
هللا عليه وسلم : »فاعتزل تلك الفرق كلها« على العموم، فإنه خمَُصم هلذا احلديث كما أنه خمَُصم حبديث الفرقة<br />
الناجية، فإذا افرتق الناس شيعا يف غيبة الإمام <strong>في</strong>نظر املسلم أي الفرق تَتمبِعُ منهج الفرقة الناجية وتقوم حبمل أمانة<br />
هذا الدين وجتاهد على ذلك <strong>في</strong>لتزمها، خاصة وقد دلت النصوص اليت وردت يف مسألة )الغزو مع األمري الفاجر( على<br />
أن اجلهاد ماض ال ينقطع، وقال ابن قدامة ]فإن عدم الإمام ال يؤخر اجلهاد[ فكيف يقوم اجلاهد بال مجاعة؟<br />
نعم قد قال ابن حجر يف شرح حديث »فاعتزل تلك الفرق كلها«: ]ويف احلديث أنه مىت مل يكن للناس إمام فافرتق<br />
3<br />
الناس أحزااب فال يتبع أحدا يف الفرقة ويعتزل اجلميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع يف الشر[ . إال أنين قلت من<br />
قبل إن حديث الطائفة املنصورة خيص<br />
كثريا من أحاديث الفنت، ومثال ذلك ما ذكره ابن حجر يف ابب )تَغَريُّ الزمان<br />
حىت تعبد األوَثن( قال:]قال ابن بطال: هذا احلديث وما أشبهه ليس املراد به أن الدين ينقطع كله يف مجيع أقطار<br />
األرض حىت ال يبقى منه شيء، ألنه ثبت أن الإسالم يبقى إَل قيام الساعة، إال أنه يضعف ويبقى غريبا كما بدأ. ُث<br />
ذكر حديث »ال تزال طائفة من أميت يقاتلون على احلق« احلديث، قال: فتبني يف هلا ا ديث ختصيص األخبار<br />
األخرى . 4<br />
ولذلك أقول<br />
إن حديث الطائفة املنصورة ُمُ صِص ديث )فاعتزل تلك الفرق كلها(. وميكن كذلك القول أبن<br />
االعتزال يف احلديث معلق على شرطني ومها: غياب اجلماعة وغياب الإمام<br />
»فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام<br />
فاعتزل« وأنه إذا غاب الإمام ووُجِ دت اجلماعة بطل االعتزال ألنه معلق على شرطني وليس شرطا واحدا. إال أن هذا<br />
االستنباط غري مستقيم، ألن اجلماعة يف حديث حذيفة ي ُقْصَد هبا مجاعة املسلمني اليت هي يف طاعة الإمام<br />
»تلزم<br />
- رواه مسلم عن معاوية<br />
- رواه مسلم عن جابر بن مسَُرة<br />
- فتح الباري ج 13 ص 37<br />
- فتح الباري ج 13 ص/<br />
77 ،76<br />
وذكر مثل ذلك يف ج 13ص18<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
85
مجاعة املسلمني وإمامهم«<br />
وإذا غاب الإمام غابت ابلتبعية اجلماعة هبذا املعىن. فال يستقيم هذا االستنباط، والقول<br />
أبن حديث الطائفة املنصورة خمص حلديث حذيفة أوَل منه.<br />
واملقصد من الكالم السابق هو أن املسلم مأمور ابتّباع احلق، ومأمور ابتباع إمام املسلمني إن وُجِ دَ »تلزم مجاعة<br />
املسلمني وإمامهم«، يطيعه يف طاعة هللا وال يطيعه يف معصية هللا، فإن مل يكن إمام للمسلمني. فما زال املسلم مأمورا<br />
ابتباع احلق، وقد بَنيمَ النيب صلى هللا عليه وسلم أنه ال تزال طائفة من أمته على احلق، ف<strong>في</strong> غياب الإمام جيب على<br />
املسلم التزام هذه الطائفة القائمة أبمر الدين علما ودعوة وجهادا، وقد قال هللا تعاَل }وَ اتَّبِْْ سَبِيلَ مَنْ أَنَا َب<br />
1<br />
إِلَيَّ{ .<br />
والبدع<br />
قال ابن القيم رمحه هللا ]وما أحسن ما قال أبو حممد عبد الرمحن بن إمساعيل املعروف أبيب شامة يف كتاب احلوادث<br />
)حيث جاء األمر بلزوم اجلماعة<br />
فاملراد به لزوم<br />
ا ق<br />
وأتباعه، وإن كان املتمسك به قليال واملخالف له<br />
كَريا( ألن احلق هو الذي كانت عليه اجلماعة األوىل من عهد النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه، وال نظر إَل<br />
كثرة أهل البدع بعدهم. قال عمرو بن ميمون األودي:َ صحِ بْت معاذا ابليمن، فما فارقته حىت واريته يف الرتاب<br />
ابلشام، ُث صحبت بعده أفقه الناس عبد هللا بن مسعود<br />
، فسمعته يقول: عليكم ابجلماعة، فإن يد هللا<br />
على<br />
اجلماعة، ُث مسعته يوما من األايم وهو يقول: سيلي عليكم والة يؤخرون الصالة عن مواقيتها،فصلوا الصالة مليقاهتا،<br />
فهي الفريضة، وصلوا معهم فإهنا لكم انفلة، قال قلت: اي أصحاب حممد، ما أدري ما حتدثوان؟ قال: وما ذاك؟ أتمرين<br />
ابجلماعة وحتضين عليها. ُث تقول: صلي الصالة وحدك، وهي الفريضة، وصل مع اجلماعة وهي انفلة؟ قال اي عمرو<br />
بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما اجلماعة؟ قلت: ال، قال: إن مجهور اجلماعة: الذين<br />
فارقوا اجلماعة. اجلماعة ما وافق ا ق، وإن كنت وحدك( ويف طريق أخرى )فضرب على فخذي وقال: وحيك، إن<br />
مجهور الناس فارقوا اجلماعة. وإن اجلماعة ما وافق طاعة هللا<br />
(، قال نعيم بن محاد)<br />
فعليك مبا كانت عليه اجلماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت اجلماعة حينئل(. 2<br />
)تنبيه(: راجع معاين كلمة )اجلماعة( على الإمجال يف الباب الرابع )ص<br />
.)162<br />
يعين إذا فسدت اجلماعة<br />
)تنبيه(: من هم الطائفة المنصورة؟<br />
ذهب أكثر السلف إَل أن الطائفة املنصورة هم العلماء وأهل احلديث كما قال البخاري وأمحد بن حنبل ولكن يُشكل<br />
عليهم قوله صلى هللا عليه وسلم<br />
»هذا الدين قائما يقاتل عليه«وغريها من الرواايت اليت تذكر صراحة أن القتال هو<br />
من خصائ هذه الطائفة كرواية جابر بن عبد هللا وعمران بن حصني ويزيد بن األصم عن معاوية وعقبة بن عامر.<br />
فال ميكن الطائفة يف العلماء فقط بل هم أهل العلم واجلهاد، وهلذا فقد ذكر النووي أقوال البخاري وأمحد وغريهم<br />
ُث قال]وحيتمل أن هذه الطائفة مفرقة بني أنواع املؤمنني منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم حمَُدثون ومنهم<br />
- سورة لقمان، اآلية:<br />
15<br />
- ذكره البيهقي وغريه. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان )البن القيم( ط دار الكتب العلمية 1417ه ص 93 92،<br />
1<br />
2<br />
86
زهاد وآمرون ابملعروف وانهون عن املنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من اخلري وال يلزم أن يكونوا جمتمعني، بل قد<br />
يكونون متفرقني يف أقطار األرض 1 وكذلك شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف فتواه بقتال التتار الناطقني ابلشهادتني<br />
احلاكمني بغري شريعة الإسالم، قال إن أهل اجلهاد من أحق الناس دخوال يف الطائفة املنصورة حيث قال ]أما الطائفة<br />
ابلشام ومصر وحنومها، فهم يف هذا الوقت املقاتلون عن دين الإسالم، وهم من أحق الناس دخوال يف الطائفة املنصورة<br />
اليت ذكرها النيب صلى هللا عليه وسلم بقوله يف األحاديث الصحيحة املست<strong>في</strong>ضة عنه:»ال تزال طائفة من أميت ظاهرين<br />
على احلق، ال يضرهم من خالفهم وال من خذهلم، حىت تقوم الساعة« ويف رواية ملسلم:<br />
2<br />
»ال يزال أهل الغرب«[.<br />
وال شك أن العلماء العاملني هم أول الناس دخوال يف هذه الطائفة وبقية الناس من اجملاهدين وغريهم تبع هلم.<br />
والذي حدا ابلسلف إَل القول أبن الطائفة هم العلماء هو أن اجلهاد مل يكن عليه خالف بني املسلمني، وكانت<br />
الثغور مشحونة ابجلند واجليوش موجهة إَل داير احلرب، وكان أكثر ما خيل ابلدين يف زماهنم هي البدع والضالالت<br />
الكربى وفرسان هذا امليدان هم العلماء.<br />
..<br />
أما حنن اليوم فبحاجة إَل جهود العلماء واجملاهدين كل يف ميدانه. فالدين ال يقوم ابلعلم وحده وال ابجلهاد وحده بل<br />
هبما معا كما قال تعاَل يف آية احلديد }لَقَدْ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا بِالْبَي ِنَاتِ وَ أَنْزَ لْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَ انَ لِيَقُومَ النَّا<br />
ُس<br />
3<br />
بِالْقِسِِْ وَ أَنْزَ لْنَا الْحَدِيدَ قِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَاقُِْ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ َّللاَّ ُ مَنْ يَنْصُرُ هُ وَ رُ سُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ َّللاَّ َ قَوِيٌّ عَزِ ي ٌز{<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية: ]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان واحلديد، كتاب يهدي به وحديد ينصره، كما<br />
قال تعاَل}لَقَدْ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا اآلية{ فالكتاب به يقوم العلم والدين، وامليزان به تقوم احلقوق قي العقود املالية<br />
4<br />
والقبوض، واحلديد به تقوم احلدود ، وقال أيضا: وسيوف املسلمني تنصر هذا الشرع وهو الكتاب والسنة، كما قال<br />
جابر بن عبد هللا)أمران رسول اللهصلى هللا عليه وسلم أن نضرب هبذا يعين السيف من خرج عن هذا يعين<br />
6<br />
5<br />
املصحف ) ، وقال أيضا: فإن قوام الدين ابلكتاب اهلادي واحلديد الناصر كما ذكره هللا تعاَل .<br />
قلت ولذلك ميكن القول الطائفة املنصورة هي الطائفة اجملاهدة املتبعة للمنهج الشرعي املستقيم، منهج أهل السنة<br />
واجلماعة، وسأذكر معامل هذا املنهج إن شاء هللا تعاَل يف مسألة) أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة(.<br />
- صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
- سورة احلديد، اآلية:<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
- جمموع الفتاوى ج<br />
13 ص 67<br />
29 ص .531<br />
25<br />
35 ص 36<br />
25 ص .365<br />
29 ص<br />
386. وغريها من املواضع.<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
87
)تنبيه( هل الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة؟<br />
ورد يف معظم كتب العقيدة أن الفرقة الناجية )أهل السنة واجلماعة( هي الطائفة املنصورة ]على سبيل املثال: انظر<br />
الباب األخري من العقيدة الواسطية البن تيمية، وكذلك مقدمة كتاب معارج القبول حلافظ حكمي، وغريها[، والذي<br />
يرتجح عندي أن الفرقة والطائفة ليستا مرتادفتني، وأن الطائفة جزء من الفرقة، فالطائفة املنصورة هي اجلزء أو البعض<br />
القائم بنصرة الدين<br />
علما وجهادا من الفرقة الناجية اليت هي على املنهج واالعتقاد الصحيح، وتفريعا من ذلك نقول<br />
أيضا إن اجملدد هو أحد أفراد الطائفة املنصورة الذي قام أبهم واجبات الدين يف زمنه، على قول اجلمهور أبن اجملدد<br />
فرد واحد. ودليلي يف هذا ما يلي:<br />
=<br />
1<br />
قول هللا تعاَل }قَلَوْ ال<br />
نَفَرَ مِنْ ِ كُل قِرْ قَةٍ مِنْهُمْ َِائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا قِي الدِي ِن{1<br />
فهذه اآلية فَرمقت بني الفرقة<br />
والطائفة، وبينت أن الطائفة جزء من الفرقة، وأهنا هي اجلزء القائم ابلعلم واجلهاد من الفرقة. كما يف تفسري هذه اآلية<br />
)راجع ابن كثري(.<br />
= 2<br />
العلم واجلهاد، ومها أهم صفات الطائفة املنصورة، أصل مشروعيتهما أهنما من فروض الكفاية، جيب على البعض<br />
دون الكل من أبناء األمة القيام هبما، وهذا البعض القائم ابلعلم واجلهاد من األمة هم الطائفة املنصورة.<br />
= 3<br />
وقول أئمة احلديث كالبخاري وأمحد، إن الطائفة هم أهل احلديث أو أهل العلم كما ب َومب البخاري على هذا يف<br />
كتاب االعتصام من صحيحه، مشعر هبذا الفرق، فإنه ليس كل من كان من أهل السنة )الفرقة الناجية( فهو من أهل<br />
احلديث. أما ما نقله النووي عن الطائفة ]قال أمحد بن حنبل: إن مل يكونوا أهل احلديث فال أدري من هم، قال<br />
القاضي عياض: إَّنا أراد أمحد أهل السنة واجلماعة ومن يعتقد مذهب أهل احلديث[ فقول القاضي عياض إن أهل<br />
احلديث أي أهل السنة مجيعا، ال يستقيم، إال أن يقال ابلتبعية وهو ما أشار إليه بقوله )ومن يعتقد مذهب أهل<br />
احلديث( فإن العامة ينبغي أن يكونوا تبعا لعلمائهم، فالعلماء هم من أويل األمر املذكورين يف قوله تعاَل }أَِِيعُوا َّللاَّ َ<br />
وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُمْ{ ، 2 وأوضح من ذلك قوله تعاَل:} وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األَمْرِ<br />
3<br />
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ ، ف<strong>في</strong> هذه اآلية مسى هللا تعاَل العلماء )وهم الذين يستنبطونه( مساهم أويل<br />
األمر، وهذا ن<br />
يف كون العلماء من أويل األمر و<strong>في</strong>ه إشارة إَل وجوب تسويدهم، كما وردت الإشارة إَل ذلك<br />
4<br />
أيضا يف حديث قبض العلم. فالعامة تبع للعلماء، قال تعاَل: }يَوْ مَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِ ْم{<br />
وأهل السنة<br />
واجلماعة تبع لعلمائهم الذين هم الطائفة املنصورة القائمة يف األمة مقام النيب صلى هللا عليه وسلم . فإذا قيل إن أهل<br />
السنة )الفرقة الناجية( هم الطائفة املنصورة أي ابلتبعية وإال فإن الطائفة أخ<br />
من الفرقة. وهللا تعاَل أعلم.<br />
88<br />
1<br />
2<br />
- سورة التوبة، اآلية:122<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
58<br />
93<br />
- 3<br />
- 4<br />
سورة النساء، اآلية:<br />
سورة الإسراء، اآلية:<br />
71
واملقصد من هذا أن يسعى كل مسلم ألن يكون من هذه الطائفة املنصورة القائمة بنصرة الدين ابلعلم والدعوة<br />
واجلهاد، قال تعاَل }وَ قِي ذَلِكَ قَلْيَتَنَاقَسْ الْمُتَنَاقِسُو َن{ ، 1 قلت: ومع ذلك فإن الطائفة قد تكون هي الفرقة أبكملها<br />
وذلك يف آخر الزمان حينما ينحاز املؤمنون إَل الشام وعليهم ينزل عيسى بن مرمي<br />
<br />
لقتال الدجال كما يف األحاديث<br />
2<br />
الصحيحة. وعلى هذا تنزل الرواايت اليت ذكرت أن الطائفة تكون ابلشام أو ببيت املقدس وأن هذا يكون ابلنسبة<br />
3<br />
آلخر هذه الطائفة إبطالق، أما قبل ذلك من األزمنة فالطائفة قد تكون ابلشام أو بغريه . وهللا تعاَل أعلم.<br />
تنبيه: على أهم واجبات الطائفة المنصورة <strong>في</strong> هذا الزمان.<br />
هذا وإن من أعظم واجبات الطائفة املنصورة يف هلا الزمان هو جهاد ا كام املرتدين املبدلني لشرع هللا الذين<br />
حيكمون املسلمني ابلقوانني الوضعية الكفرية، كما قال ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل }أَقَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّ ِة<br />
يَبْغُو َن{4<br />
]ينكر تعاَل على من خرج عن حكم هللا املشتمل على كل خري، الناهي عن كل شر وعدل إَل ما سواه من اآلراء<br />
واألهواء واالصطالحات اليت وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا إَل قوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر جيب<br />
قتاله حىت يرجع إَل حكم هللا ورسوله، فال حيكم سواه يف قليل أو كثري[.<br />
وقد علق كثري من العلماء املعاصرين على كالم ابن كثري السابق مُبَيِّنني أن هذا هو حال احلكام الذين حيكمون<br />
املسلمني ابلقوانني الوضعية اآلن.<br />
فقال الشيخ أمحد شاكر رمحه هللا ]أ<strong>في</strong>جوز مع هذا يف شرع هللا أن حيكم املسلمون يف بالدهم بتشريع مقتبس عن<br />
تشريعات أوربة الوثنية امللحدة؟ بل تشريع تدخله األهواء واآلراء الباطلة، يغريونه ويبدلونه كما يشاءون، ال يبايل واضعه<br />
أوافق شرعة الإسالم أم خالفها؟ إَل قوله<br />
بواح ال خفاء <strong>في</strong>ه وال مداورة<br />
5<br />
إقرارها[ .<br />
إن األمر يف هله القوانني الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر<br />
وال عذر ألحد ممن ينتسب لإلسالم كائنا من كان يف العمل هبا أو اخلضوع هلا أو<br />
ويقول العالمة حممد حامد الفقي رمحه هللا معلقا على كالم ابن كثري رمحه هللا ومثل هذا وشر منه من اختذ كالم<br />
الفرُنة قوانني يتحاكم إليها يف الدماء والفروج واألموال ويقدمها على ما علم وتبني له من كتاب هللا وسنة رسوله صلى<br />
هللا عليه وسلم، فهو بال شك كافر مرتد إذا أصر عليها ومل يرجع إَل احلكم مبا أنزل هللا. وال ينفعه أي اسم تَسَمى به<br />
وال أي عمل من ظواهر أعمال الصالة والصيام واحلج وحنوها[ . 6<br />
- سورة املطففني، اآلية:<br />
- حديث أيب أمامة<br />
26<br />
- وانظر كالم صاحب كتاب فتح اجمليد شرحكتاب التوحيد يف شرح حديث الطائفة )ط أنصار السنة ص 278 279،<br />
- سورة املائدة، اآلية:<br />
51<br />
- عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري ألمحد شاكر ط دار املعارف ج 4 ص 173<br />
- كتاب فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد ط أنصار السنة هامش ص<br />
174<br />
386<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
89
ويقول الشيخ حممد بن إبراهيم آل<br />
أكرب خمرجا من امللة يف ستة أنواع، اخلامس منها<br />
الشيخ م<strong>في</strong>ت السعودية السابق رمحه هللا: إن احلكم بغري ما أنزل هللا يكون كفرا<br />
يصف حال بالد املسلمني اآلن وصفا دقيقا، وقال <strong>في</strong>ه ]وهو<br />
أعظهما وأمشلها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة ألحكامه، ومشاقة هلل ورسوله ومضاهاة ابحملاكم الشرعية <strong>إعداد</strong>ا<br />
وإمدادا وإرصادا وأتصيال، وتقريعا وتشكيال وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات. فكما أن للمحاكم الشرعية<br />
مراجع مستمدات مرجعها كلّها إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم، فلهذه احملاكم مراجع، وهي:<br />
القانون امللفق من شرائع شىتّ ، وقوانني كثرية، كالقانون الفرنسي، والقانون األمريكي والقانون الربيطاين، وغريها من<br />
القوانني، ومن مذاهب بعض البدعيني املنتسبني إَل الشريعة وغري ذلك.فهذه احملاكم يف كثري من أمصار الإسالم مهيأة<br />
مكملة، مفتوحة األبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، حيكم حكامها بينهم مبا خيالف حكم السنة والكتاب، من<br />
أحكام ذلك القانون وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وحتتمه عليهم. فأي كفر فوق هلا الكفر، وأي مناقضة للشهادة أبن<br />
1<br />
حممداً رسول هللا بعد هذه املناقضة .<br />
فهذه بعض أقوال أهل العلم يف هؤالء احلكام، ولتفصيل هذه املسألة موضع آخر.<br />
أما عن واجب املسلمني حنو هؤالء احلكام املرتدين، فهو كما قال القاضي عياض رمحه هللا ]فلو طرأ عليه كفر وتغيري<br />
للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن<br />
أمكنهم ذلك، فإن مل يقع ذلك إال لطائفة وجب عليهم القيام خبلع الكافر، وال جيب يف املبتدع إال إذا ظنوا القدرة<br />
2<br />
عليه، فإن حتققوا العجز مل جيب القيام وليهاجر املسلم عن أرضه إَل غريها ويفر بدينه . هذا وقد ذكرت من قبل كالم<br />
شيخ الإسالم ابن تيمية ]كما جيب االستعداد للجهاد إبعداد القوة ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز، فإن ما ال<br />
4<br />
3<br />
يتم الواجب إال به فهو واجب[ . ولقوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، فال<strong>إعداد</strong> جلهاد هؤالء<br />
املرتدين من أوجب الواجبات على املسلمني اآلن خاصة وأنه ال توجد الدار الصاحلة للهجرة، واهلجرة غري متيسرة<br />
ألغلب املسلمني بسبب أحواهلم اخلاصة وأحوال بالدهم وأنظمتها.<br />
هذا <strong>في</strong>ما يتعلق أبعظم واجبات الطائفة املنصورة يف هذا الزمان.<br />
وهذه املسألة، أال وهي كفر احلكام احلاكمني بغري شريعة الإسالم ووجوب جهادهم، هي عندي يف خطرها<br />
تضارع<br />
حادثة الردة بعد وفاة النيب صلى هللا عليه وسلم، إذ إن هذه املسألة هتدد مجاهري غفرية من املسلمني وأبنائهم ابلردة<br />
الشاملة إذا تُرِك احلال على ما هو عليه من فساد وإفساد هؤالء احلكام وتبديلهم للشرائع واملفاهيم وإشاعتهم<br />
- رسالة حتكيم القوانني<br />
- )صحيح مسلم بشرح النووي( كتاب الإمارة ج 12 ص 228<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 258<br />
- سورة األنفال، اآلية: 61<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
91
للفواحش يف املسلمني،<br />
ولو كان الصحابة رضي هللا عنهم أحياء اليوم لكان أعظم أعماهلم هو جهاد هنالء<br />
ا كام. وهذه املسألة تفوق يف فتنتها فتنة خلق القرآن أضعافا مضاعفة.<br />
1<br />
وما أرى من أحد من املنتسبني إىل العلم الشرعي يف زماننا هذا مل يتكلم يف هذه املسألة مُنْكِراً وحمَُرِّضًا املسلمني<br />
على اجلهاد ما أرى مثل هذا يلقى هللاَ إال وهللاُ تعاَل ساخطا عليه، قال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَ لْنَا مِ ْن<br />
الْبَي ِنَاتِ وَ الْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ قِي الْكِتَابِ أُوْ لَئِكَ يَلْعَنُهُمْ َّللاَّ ُ وَ يَلْعَنُهُمْ الالَّعِنُو َن إِالَّ الَّذِينَ تَابُوا وَ أَصْلَحُوا<br />
وَ بَيَّنُوا قَأُوْ لَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّ ابُ الرَّ حِ ي ُم{ ، والعامل مطالب شرعا ببيان احلق يف هذه األحوال قبل أن يُسْأَلَه،<br />
2<br />
لقوله تعاَل: }قُلْ تَعَالَوْ ا أَتْلُ مَا حَرَّ مَ رَ بُّكُمْ عَلَيْكُ ْم{ ، فالعامل مطالب أبن يدعوا الناس }تَعَالَوْ ا{ ليعرفهم احلق من<br />
الباطل قال القرطيب يف تفسريها: ]وهكذا جيب على من بعده صلى هللا عليه وسلم من العلماء أن يبلغوا الناس وي ُبَيمنوا<br />
3<br />
هلم ما حرم هللا عليهم مما حل، قال هللا تعاَل}لَتُبَي ِنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ ال تَكْتُمُونَهُ{ [. قلت: وال جيوز أتخري البيان عن وقت<br />
4<br />
احلاجة. فإن قال العامل خشيت الناس، فإن هللا تعاَل يقول: }أَتَخْشَوْ نَهُمْ قَاّلِلَّ ُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْ هُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْ مِنِي َن{ .<br />
هذا <strong>في</strong>من سكت من العلماء،<br />
يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُمْ{ . 5<br />
فكيف مبن د اه ن،<br />
فكيف مبن ر ضِي،<br />
فكيف مبن ع او ن ؟<br />
قال هللا تعاَل: }وَ مَ ْن<br />
)مسألة( )ما الموقف من تعدد الجماعات العاملة لإلسالم؟(.<br />
إذا كان الواجب يف هذا الزمان هو العمل اجلماعي لنصرة الدين وليس االعتزال، فما املوقف من تعدد اجلماعات ومع<br />
مَنْ يعمل املسلم؟<br />
سُئِلْت هذا السؤال غري مرة. وأُثْبِتُ هنا جوايب عنه لعموم الفائدة. قلت: أوجب الواجبات الشرعية<br />
يف هذا الزمان هو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل نصرة لدين هللا سبحانه وإنقاذا لألمة من املذلة واهلوان، ولإقامة اخلالفة<br />
الإسالمية تلك الفريضة اليت َيُث املسلمون مجيعا بغياهبا لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من مات وليس يف<br />
7<br />
6<br />
عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« ، واملقصود بيعة الإمام ال غري . وسيأِت احلديث عن اجلهاد بشيء من التفصيل يف<br />
مسألة )معامل أساسية يف اجلهاد( إن شاء هللا. هذا هو الواجب احلق املُضَيمق الوقت.<br />
السبيل<br />
9<br />
هي خمُْطِئة ومُقَصِّرَة وإن قامت ببعض واجبات الدين األخرى .<br />
وأي مجاعة ال تعمل يف هلا<br />
ج-<br />
- سورة البقرة، اآلية:<br />
- سورة األنعام، اآلية:<br />
161<br />
158<br />
151<br />
7 ص 131<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
- سورة املائدة، اآلية<br />
13<br />
51<br />
- رواه مسلم عن ابن عمر<br />
- انظر ص ** هبذه الرسالة ؟؟؟<br />
- انظر العقبة السادسة للشيطان: وهي شغل العبد ابألعمال املفضولة ص 13 نقال عن مدارج السالكني 222/1<br />
226<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
9<br />
90
فالواجب على املسلم أن ينصر اجلماعة اليت جتاهد يف سبيل هللا، أما اجلماعات األخرى فال أبس مبعاونتها بشرطني:<br />
أحدمها: أال يتخذ هذه املعاونة ذريعة للقعود عن اجلهاد الواجب، وَثنيهما: أال تتعارض معاونته هلذه اجلماعة مع عمله<br />
اجلهادي. وعلى أن يستمر يف نصحه هلم بوجوب اجلهاد. قال تعاَل: }وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى وَ ال تَعَاوَ نُوا<br />
1<br />
عَلَى اإلِ ثْمِ وَ الْعُدْوَ انِ } .<br />
واجلماعات اليت ال تشتغل ابجلهاد ال أبس بتعددها<br />
2<br />
إال إذا أضَرمت ببعضها البعض أما اجلماعات اليت تشتغل<br />
ابجلهاد <strong>في</strong>حرم تعددها، ألن اجلهاد ال يقوم إال ابلشوكة والقوة، والتعدد يذهب ابلشوكة.<br />
ويف القول مبنع تعدد اجلماعات بل حرمته أدلة كثرية، منها قوله تعاَل: }وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيع ًا وَ ال<br />
3<br />
تَفَرَّ قُوا{ ، وقوله تعاَل: }وَ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ قُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا<br />
جَاءَهُمْ الْبَي ِنَاتُ وَ أُوْ لَئِكَ لَهُمْ عَذَا ٌب<br />
5<br />
4<br />
عَظِيمٌ{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال ضرر وال ضرار« ، قلت فأي ضرر أشد ابملسلمني وأعم من<br />
تفرقهم، وإذا كان املسلمني مفرقني بني عشرات اجلماعات فكيف تتكون هلم قوة وشوكة يواجهون هبا أعداءهم،<br />
وشوكة اإلسالم ال تتكون إال ابلوالء اإلمياين مبواالة املسلمني بعضهم بعضا، كما قال املوَل جل وعال: }وَ الْمُؤْ مِنُو َن<br />
وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّالةَ وَ يُؤْ تُونَ الزَّ كَاةَ<br />
وَ يُِِيعُونَ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ أُوْ لَئِكَ سَيَرْ حَمُهُمْ َّللاَّ ُ إِنَّ َّللاَّ َ عَزِ يزٌ حَكِي ٌم{ . وتدبر هذه اآلية جتد أن هللا سبحانه قدمم األمر<br />
6<br />
ابملعروف والنهي عن املنكر على إقام الصالة وإيتاء الزكاة مع أهنما من أركان الإسالم اخلمس، ولعل السر يف هذا أن<br />
الصالة والزكاة ميكن للمسلم أداؤها منفردا أو يف مجع قليل، أما األمر والنهي <strong>في</strong>لزمه قوة وشوكة ال تتم إال مبواالة<br />
املؤمنني بعضهم بعضا وملا افتتحت اآلية بذكر مواالة املؤمنني انسب أن يتقدم األمر والنهي على الصالة والزكاة للتنبيه<br />
على أمهية املواالة للقيام ابإلمر والنهي، وهذا يشبه قوله تعاَل: }وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ إِالَّ تَفْعَلُوهُ<br />
تَكُنْ قِتْنَةٌ قِي األْ َرْ ضِ وَ قَسَادٌ كَبِيرٌ } 7 ، أي إن مل يوال املؤمنون بعضهم بعضا كما يفعل الكافرون تكن فتنة وفساد<br />
92<br />
1<br />
- سورة املائدة، اآلية:<br />
2<br />
- انظر ص 138<br />
2<br />
3<br />
4<br />
- سورة آل عمران، اآلية:113<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
115<br />
-<br />
5<br />
رواه الدارقطين عن أيب سعيد، ورواه احلاكم عنه، وزاد <strong>في</strong>ه: »من ضَار ضره هللا، ومن شَاقم شَقم هللا عليه« ]قلت: هذا احلديث خلتلف يف احلكم<br />
عليه، وهو مروي عن عدد من الصحابة، ذكر الزيلعي طرقه ومل حيكم عليه )نصب االراية ج<br />
4 ص 396 394<br />
(، أما الذين حكموا عليه، فمنهم من قال<br />
مل يصح مسندا وغنما هو مرسل كما رواه مالك عن حيىي املاوين مرسال، وممن قال هبذا أبو عمر بن عبد الرب، ومنهم من قال هو حديث حسن لكثرة<br />
طرقه اليت يقوي بعضها بعضا، قال هذا ابن الصالح والنووي وابن رجب )جامع العلوم واحلكم ص 266(، وقال احلاكم صحيح على شرط مسلم وأنكر<br />
األلباين عليه ذلك، ُث صححه الشيخ األلباين لكثرة طرقه وأشار إَل مانقله املناوي يف <strong>في</strong>ض القدير عن النووي وعن احلافظ العالئي )إرواء الغليل ختريخ<br />
أحاديث منار السبيل ج<br />
3 ص 414 419 حديث .)986<br />
6<br />
- سورة التوبة، اآلية:<br />
71<br />
7<br />
- سورة األنفال، األية:<br />
73
كبري، وذلك ألن الكافرين جمتمعني يواجهون املؤمنني فرادى <strong>في</strong>قتلوهنم ويعذبوهنم ويفتنوهنم عن دينهم وي ُعْلُون أحكام<br />
الكفر فأي فتنة وفساد أعظم من هذا، وقد قال هللا تعاَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَ ْت<br />
1<br />
األَرْ ضُ } ، فكيف تتأتى للمسلمني القوة الالزمة لدفع الكافرين وفسادهم واملسلمون متفرقون، فال شك أن املسلمني<br />
بتفرقهم مسئولون عن قدر كبري من هذا الفساد، وقد قال هللا تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَ ْت<br />
2<br />
أَيْدِيكُمْ{ .<br />
فما العمل إذا كان التعدد واقعا؟ الذي أراه وهللا تعاَل أعلم أن تُضَم اجلماعات احلديثة إَل اجلماعة األقدم، كذلك<br />
فإن الواجب على كل مسلم أن يعمل مع أقدم مجاعة من املشتغلني ابجلهاد وبيعة أي مجاعة أحدث هي ابطلة وإن<br />
جهلت بوجود اجلماعة األقدم، ودليلي يف هذا حديث أيب هريرة مرفوعا »كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما<br />
هلك نيب خلفه نيب، وألنه ال نيب بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما أتمران؟ قال:<br />
فوا ببيعة األول فاألول،<br />
3<br />
وأعطوهم حقهم، فإن هللا سائلهم عما اسرتعاهم« ، وقد استندت <strong>في</strong>ما قلت إَل هذا احلديث، إذ إن سبب منع<br />
تعدد األئمة هو سبب منعنا لتعدد اجلماعات، وهو ا فاظ على وحدة املسلمني، وبَنيمَ صلى هللا عليه وسلم هذا<br />
السبب يف أكثر من حديث، منها ما رواه مسلم عن عرفجة مرفوعا »إنه ستكون هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمن أراد أن يفرق<br />
أمر هذه األمة وهي مجيع فاضربوه ابلسيف كائنا من كان«<br />
ورَوَى أيضا مرفوعا »من أاتكم وأمركم مجيع على رجل<br />
واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه«. وروى مسلم عن أيب سعيد مرفوعا »إذا بويع خلليفتني فاقتلوا<br />
اآلخر منهما«.<br />
فانظر إَل هذه األحاديث اليت أمرت بقتل اآلخر ]إذا مل يندفع شره إال بقتله[ فإنه يقتل وإن كان<br />
أفضل من اخلليفة األول، فإن ظهور الفاضل ال يدُبْطل بيعة املفضول املنعقدة ، 4 وقتل اخلليفة اآلخر هو يف ظاهره<br />
ضرر ومفسدة إذ إن قتل إنسان مستجمع لصفات الكمال مستحق ملرتبة اخلالفة، ولكن ورد األمر ابرتكاب هذا<br />
لدفع ضرر هو أشد وهو تفريق كلمة املسلمني، مما يبني لك عظم قدر هله املصلحة الشرعية أال وهي ا فاظ<br />
على وحدة املسلمني. وهذا أحد األمثلة التطبيقية لعدد من القواعد الفقهية منها قاعدة )ي ُتَحمل الضرر اخلاص لدفع<br />
الضرر العام( وقاعدة )الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف( وقاعدة )إذا تعارض مفسداتن روعي أعظمهما ضررا متُنع<br />
ابرتكاب أخفهما( وقاعدة )خيُ تار أهون الشرين( . 5<br />
قال النووي يف شرح حديث<br />
فاألول«<br />
أيب هريرة السابق<br />
]»وستكون خلفاء فتكْثُر، قالوا: فما أتمران؟ قال: فوا ببيعة األول<br />
قال: ويف هذا احلديث معجزة ظاهرة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم، ومعىن هذا احلديث إذا بويع خلليفة<br />
93<br />
1<br />
- سورة البقرة، اآلية:<br />
251<br />
- 2<br />
- 3<br />
- 4<br />
سورة الشورى، اآلية:<br />
متفق عليه<br />
31<br />
املاوردي األحكام السلطانية ص<br />
9<br />
5<br />
- شرح القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا طبعة<br />
ه قاعدة 1413<br />
29 25
بعد خليفة،<br />
فبيعة األول صحيحة جيب الوفاء هبا وبيعة الَاين ابطلة حيرم الوفاء هبا،<br />
وحيرم عليه طلبها، وسواء<br />
عقدوا للثاين عاملني بعقد األول أو جاهلني، وسواء كاان يف بلدين أو بلد، أو أحدمها يف بلد الإمام املنفصل واآلخر<br />
يف غريه، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا ومجاهري العلماء، وقيل تكون ملن عُقِدت له يف بلد الإمام، وقيل ي ُقْرَع<br />
بينهم، وهذان فاسدان، واتفق العلماء على أنه ال جيوز أن يعقد خلليفتني يف عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسالم<br />
1<br />
أم ال[ .<br />
وقال املاوردي يف األحكام السلطانية: ]ص 8: والصحيح يف ذلك أن اإلمامة ألسبقهما بيعة وعقدا[.<br />
قال أبو يعلى يف األحكام السلطانية: ]ص<br />
السابق منهما ب طل عقد الَاين[.<br />
25: وإن كان العقد<br />
لكل واحد منهما على االنفراد نظرت، فإن عُلِم<br />
من أجل هذا ذهبت إَل املنع من تعدد هذه اجلماعات ملا <strong>في</strong>ه من تشتيت لشمل املسلمني وإهدار لطاقاهتم وحتزيبهم<br />
وإَثرة العداوة والبغضاء بينهم، وإذا أضفنا إَل هذا خمططات أعداء الإسالم اكتملت للمسلمني مجيع مقومات الفشل،<br />
وهذا هو الواقع فعال.<br />
ولعل القارئ الكرمي يالحظ أنين مل أقل مبنع تعدد اجلماعات قياسا على منع تعدد اخللفاء، إذ إن القياس ال يصح ها<br />
هنا ألن صفة اخلليفة منت<strong>في</strong>ة يف حق أمراء اجلماعات، وهذه الصفة هي عموم النظر يف مصاحل املسلمني، فهذا للخليفة<br />
دون غريه، وهلذا مل أُصَرِّح ابلقياس لعدم اكتمال العلة. ولكين استندت إَل هذا احلديث »فوا ببيعة األول فاألول« من<br />
انحية اعتبار مقاصد الشريعة، أي مقصد الشارع من هلا ا كم، وهو ما جيب مراعاته يف استنباط األحكام <strong>في</strong>ما ال<br />
ن <strong>في</strong>ه، ومقصد الشارع من منع تعدد اخللفاء هو ا فاظ على وحدة األمة، وهذا هو ما استندان إليه يف القول مبنع<br />
تعدد اجلماعات ومن وجوب انضمام الالحق إَل السابق، ملا يف التعدد من مفاسد ال ختفى على أحد، ويقول<br />
الشاطيب رمحه هللا: ]النظر يف مآالت األفعال معترب مقصود شرعا، كانت األفعال موافقة أو خمَُالِفة أي مأذوان <strong>في</strong>ها<br />
أو منهيا عنها، وذلك أن اجملتهد ال حيكم على فعل من األفعال الصادرة عن املكلفني ابلإقدام أو الإحجام إال بعد<br />
نظره إَل ما يؤول إليه ذلك الفعل أ ه . وساق رمحه هللا األدلة الدالة على أن املآالت معتربة يف أصل املشروعية . 2<br />
وما ذكرته سابقا يف العمل<br />
عند تعدد اجلماعات من وجوب انضمام الالحق للسابق، واجلديد للقدمي أرى أن يكون<br />
أصال يُعمل به، وال يصح اعتبار صفة أخرى كالكثرة أو زايدة العلم فهذه صفات متغرية، فالطائفة الكثرية ميكن أن<br />
تقوم بعدها طائفة أكثر منها عددا، والطائفة اليت تضم بعض العلماء ميكن أن تكون<br />
بعدها، فهذه أوصاف متغرية<br />
هناك أخرى مثلها أو تقوم<br />
وقاعدة الشريعة اإلتيان مبا ينحصر وينضبط، ومن هنا قلنا إن العربة ابألقدمية فهذا<br />
وصف ينحصر وينضبط، ويتفق مع فضيلة السبق واملبادرة كما يف قوله تعاَل: }ال يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْ ِل<br />
- )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 12 ص 222 221،<br />
- )املوافقات يف أصول الشريعة( ط دار املعرفة ج 4 ص 184<br />
189<br />
1<br />
2<br />
94
الْفَتْحِ<br />
وَ قَاتَلَ أُوْ لَئِكَ أَعْظَمُ دَرَ جَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قَاتَلُوا{ ، 1 على أن يكون األقدم ذا أصول شرعية<br />
صحيحة ، 2 وأن يكون صادقا يف تن<strong>في</strong>ذها، وإذا اختُلِفَ يف األقدمية يُصَار إَل التحكيم. وهذا يف سد لذريعة التحزب<br />
والتعدد الذي يذهب بشوكة املسلمني، وحمال أن ختلو الشريعة من حكم ملثل هذه املُلِمة، وقد قال تعاَل: }قَإِ ْن<br />
3<br />
تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ{ ، وهذه صيغة عموم تشمل كل ما ي ُتَنَازَع <strong>في</strong>ه.<br />
هذا ما أراه يف مسألة تعدد اجلماعات يف البلد الواحد خاصة، أما إذا تعدد البلدان فقد يكون هناك متسع لتعدد<br />
اجلماعات العامة بقدر هذه البلدان، فقد قال النووي يف صفة الطائفة املنصورة: ]وال يلزم أن يكونوا جمتمعني بل قد<br />
4<br />
يكونوا متفرقني يف أقطار األرض[ ، فإذا تعددت اجلماعات بتعدد البلدان ُث غلبت إحداها على بلد وصار منها إمام<br />
املسلمني، <strong>في</strong>جب على كافة اجلماعات األخرى الدخول يف طاعته واهلجرة إليه لنصرته وشد أزره، قال أمحد بن حنبل:<br />
]ومن غلب عليهم ابلسيف حىت صار خليفة، ومسي أمري املؤمنني، فال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يبيت وال<br />
يراه إماما<br />
6<br />
5<br />
. وهذا الذي قاله الإمام أمحد نقل ابن بطال الإمجاع عليه .<br />
قلت: فال يصح تعدد اجلماعات يف ببلد واحد، وحيتمل التعدد بتعدد البلدان وإن كان االحتاد هو األوَل، وإن حالت<br />
األحوال دونه فليس أقل من أن تتعاون اجلماعات يف البلدان املتعددة يف جماالت اخلربة و<strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong>، كذلك إذا<br />
7<br />
كانت مجاعة قد حتققت العجز عن التغيري ببلدها فعليها اهلجرة ، وهتاجر لتساعد إخواهنا ابلبلد الذي يغلب على<br />
الظن ُناح التغيري الإسالمي <strong>في</strong>ه، إال أن َيمرَ أمريُ هذه الطائفةِ القويةِ الطائفةَ العاجزةَ ابلبقاء يف بلدها لغرض شرعي<br />
صحيح من دعوة وحنوها، كما أمر النيب صلى هللا عليه وسلم أاب ذر بذلك<br />
9<br />
. وإذا غلبت مجاعة على بلد من البلدان<br />
ونصبت إماما للمسلمني، وجب على الكل اهلجرة إليه ونصرته وطاعته، هذا ما أراه وهللا أعلم ابلصواب.<br />
وغين عن الذكر أن القدمي الذي يضم إليه شرطه أن يكون على احلق، مستمسكا ابلشريعة عامال هبا جماهدا من أجل<br />
ظهورها على الدين كله،<br />
وال يدخل يف هلا:<br />
اجلماعات املتالعبة بشرع هللا كاليت تسعى إىل حكم اإلسالم عن<br />
طريق الدميقراطية الشركية والربملاانت العِلمانية وأشباه ذلك مما سقط <strong>في</strong>ه الكثريون ابسم الدعوة إَل الإسالم فَضَلّوا<br />
8<br />
وأضَلّوا كثريا من الناس واتبعوا خطوات الشيطان وهو }يَعِدُهُمْ وَ يُمَن ِيهِمْ وَ مَا يَعِدُهُمْ الشَّيَِْانُ إِالَّ غُرُ ً ورا{ ، فأهدروا<br />
95<br />
1<br />
- سورة احلديد، اآلية:<br />
11<br />
2<br />
- 3<br />
- راجع مسألة أصول االعتصام ابلكتاب والسنة يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين<br />
سورة النساء، اآلية:<br />
58<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
9<br />
- )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 13 ص 67<br />
- )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص 23<br />
- )فتح الباري( ج 13 ص 7<br />
- قاله القاضي عياض، )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 12 ص 228<br />
- رواه البخاري حديث 3961<br />
8 سورة النساء، اآلية:<br />
121
طاقات آالف الشباب جبعلهم مستكينني مساملني للحكام الطواغيت خالفا ملا يقتضيه الشرع من وجوب قتاهلم، فأي<br />
ضالل بعد هذا؟<br />
وهذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابلرد على اعرتاض مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة( على<br />
إمارة اجلماعات الإسالمية. وهو<br />
األول من اعرتاضاته، وب َيمنت يف ردي عليه أن هناك نصوصاً أخرى تثبت صحة وجوب هذه الإمارة، وأن قياسها على<br />
1<br />
إمارة السفر هو قياس صحيح، وقد ذكر أكثر من جمتهد ، وب َيمنت كذلك أن قيام هذه اجلماعات أبمر الدين هو<br />
واجب، خاصة يف غياب الإمامة واخلالفة الإسالمية، واستطردت يف بعض ما أظنه انفعا للمسلمني، واحلمد هلل رب<br />
العاملني.<br />
و<strong>في</strong>ما يلي الرد على الرابع من اعرتاضاته<br />
االعتراض الرابع:<br />
وهو قول األستاذ علي بن حسن ]لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة احلدود إَل قوله هو ابطل إبمجاع األمة[<br />
وأقول يف الرد عليه: لو اتفق أانس <strong>في</strong>ما بينهم على إقامة األحكام الشرعية، فال خيلو أن يكون حاهلم أحد ا التني:<br />
األول أن يكونوا يف<br />
مسلم وال حتكمه الشريعة.<br />
<br />
بلد حيكمه إمام مسلم<br />
وجتري عليه أحكام الشريعة، والثاين: أن يكونوا يف<br />
بلد ليس له إمام<br />
ف<strong>في</strong> الحال األول: <strong>في</strong> دار اإلسالم التي تعلو أحكام الشريعة ويحكمها<br />
إمام مسلم<br />
ويتوَل <strong>في</strong>ها القضاة املُعيمنون من قِبَل الإمام احلُكْمَ بني الناس، أقول حىت يف هذه احلالة جيوز للناس أن يتحاكموا إىل<br />
رجل منهل للقضاة برضاهم خبالف قاضي اإلمام وتلزمهم أحكامه، وهذا ما قرره السادة الفقهاء كما يلي:<br />
قال ابن ضواين يف شرح الدليل: ])فلو حَكممَ اثنان فأكثر بينهما ما شخصا صاحلا للقضاء: ن َفَذَ حُكْمُه يف كل ما<br />
ينفذ <strong>في</strong>ه حكم من وَالمه الإمام أو انئبه( حلديث أيب شريح، و<strong>في</strong>ه أنه قال »اي رسول هللا إن قومي إذا اختلفوا يف شيء<br />
أتوين فحكمت بينهم، فَرَضِيَ كال الفريقني. قال ما أحسن هذا!( ، 2 )وحتاكم عمر وأُيبٌَ إَل زيد بن َثبت، وحتاكم<br />
عثمان وطلحة إَل جبري بن مطعم، ومل يكن أحد منهما قاضيا( قال يف املنت )وي َرْفَعُ اخلِالفَ ، فال حيل ألحد نقضه<br />
حيث أصاب احلق( قال يف الشرح ألن من جاز حكمُه لَزِمَ كقاضي الإمام . 3 وحديث أيب شريح صححه الشيخ<br />
األلباين . 4<br />
1 ابن تيمية والشوكاين<br />
96<br />
2<br />
3<br />
4<br />
- رواه النسائي<br />
- منار السبيل شرد الدليل ج 2 ص 458 ط املكتب الإسالمي 1414ه.<br />
- )إرواء الغليل ج 9حديث 2615(.
وفَصمل ابن قدامة هذه املسألة يف كتابه الكايف ، 1 ويف كتابه املغين ، 2 وإليك كالمه يف املغين: ])فصل( وإذا حتاكم<br />
رجالن إَل رجل حَكمماه بينهما ورضياه وكان ممن يصلح للقضاء فحكم بينهما، جاز ذلك ونفل حكمه عليهما،<br />
وهبذا قال أبو حنيفة وللشافعي قوالن )أحدمها( ال يلزمهما حكمه إال برتاضيهما، ألن حكمه غنما ابلرضى به وال<br />
يكون الرضى إال بعد املعرفة حبكمه.<br />
ولنا ما روى أبو شريح أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال له »إن هللا هو احلَكَم فلِم تُكَىنم أاب احلكم؟« قال إن<br />
قومي إذا اختلفوا يف شيء أتوين فحكَمْتُ بينهم ورَضِيَ م عَلَي الفريقان، قال »ما أحسن هذا فمن أكرب ولدك؟« قال<br />
شريح قال »فأنت أبو شريح« . 3<br />
ورُوِي عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال »من حكم بني اثنني تَرَاضيَا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون« ولوال أنه<br />
حكمه يلزمهما ملا حلَِقَه هذا الذم. وألن عمر وأُب َياا حتاكما إَل شريح قبل أن يوليه، وحتاكم عثمان وطلحة إَل جبري بن<br />
مطعم ومل يكونوا قضاة.<br />
فإن قيل فعمر وعثمان كاان إمامني فإذا ردا احلكم إَل رجل صار قاضيا. قلنا مل ينقل عنهما الرضى إال بتحكيمه<br />
خاصة وهبذا ال يصري قاضيا، وما ذكره مبا إذا رضي بتصرف وكيله فإنه يلزمه قبل املعرفة به، إذا ثبت هذا فإنه ال جيوز<br />
نقض حكمه <strong>في</strong>ما ال ينقض <strong>في</strong>ه حكم من له والية. وهبذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: للحاكم نقضه إذا خالف<br />
رأيه ألن هذا عقد يف حق احلاكم فمَلَك فسخه كالعقد املوقوف يف حقه. ولنا أن هذا حكم صحيح الزِمٌ فلم جيز<br />
فسخه ملخالفته رأيه كحكم من له والية، وما ذكروه غري صحيح فإن حكمه الزم للخصمني فكيف يكون موقوفا؟<br />
ولو كان كذلك مللك فسخه وإن مل حيالف رأيه وال نسلم الوقوف يف العقود.<br />
إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من اخلَصْمني الرجوع عن حتكيمه قبل شروعه يف احلكم ألنه ال يثبت إال برضاه، فأشبه<br />
ما لو تراجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه ف<strong>في</strong>ه وجهان )أحدمها( له ذلك ألن احلكم مل يتم أشبه<br />
قبل الشروع )والثاين( ليس له ذلك ألنه يؤدي إَل أن كل واحد منهما إذا رأى من احلَكَم ما ال يوافقه رجع فبطل<br />
املقصود به.<br />
)فصل( قال القاضي: وينفذ حُكْمُ من حَكمماه يف مجيع األحكام إال أربعة أشياء: النكاح واللعان والقذف والقصاص<br />
ألن هذه األحكام مَزِيمة على غريها فاخت<br />
الإمام ابلنظر <strong>في</strong>ها وانئبه يقوم مقامه، وقال أبو اخلطاب ظاهر كالم أمحد<br />
أنه ينفل حكمه <strong>في</strong>ها وألصحاب الشافعي وجهان كهذين، وإذا كتب هلا القاضي مبا ح ك م به كتااب إىل قاني من<br />
كتابه<br />
قضاة املسلمني لزمه قبوله وتن<strong>في</strong>ل ، ألنه حاكم انفذ األحكام، فلزم قبول كتابه كحاكم الإمام[. انتهى كالم ابن<br />
قدامة يف املغين.<br />
4 ص ج-<br />
436 ط املكتب الإسالمي 1412ه<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 493<br />
- أخرجه النسائي<br />
494<br />
1<br />
2<br />
3<br />
97
وقال ابن قدامة يف :الكايف ]واختلف أصحابنا <strong>في</strong>ما جيوز <strong>في</strong>ه التحكيم. فقال أبو اخلطاب: ظاهر كالم أمحد أن<br />
حتكيمه جيوز يف كل ما حتاكم <strong>في</strong>ه افصمان، قياسا على قاضي اإلمام. وقال القاضي: جيوز حكمه يف األموال<br />
اخلاصة، فأما النكاح والقصاص، وحد القذف، فال جيوز التحكيم <strong>في</strong>ها ألهنا مبنية على االحتياط، <strong>في</strong>عترب للحكم <strong>في</strong>ها<br />
قاضي الإمام كاحلدود[<br />
قلت: وقول ابن املنذر<br />
1<br />
.<br />
<br />
وسيأِت يشبه قول أمحد بن حنبل يف أنه جيوز التحكيم يف مجيع اخلصومات، ونقل اإلمجاع<br />
على ذلك. وسبق قول صاحب منار السبيل أن حُكْمْ احلَكَم ينفذ يف كل ما ينفذ <strong>في</strong>ه حكم قاضي الإمام ومل يذكر<br />
اخلالف يف ذلك، فدل على أن هذا هو القول الراجح عند احلنابلة.<br />
وقصة حتاكم عمر واألعرايب إَل شريح اليت ذكرها ابن قدامة، أوردها ابن القيم يف أعالم املوقعني )ج<br />
1 ص )95<br />
<br />
قال: ]قال علي بن اجلعد: أنبأان شعبة عن سيار عن الشمعيب قال أخذ عمر فرسا من رجل على سوم، فحمل عليه<br />
فعطب، فخاصمه الرجل، فقال عمر: اجعل بيين وبينك رجال، فقال الرجل: إين أرضى بشريح العراقي، فقال شريح:<br />
أخذته صحيحا سليما فأنت له ضامن حىت ترده صحيحا سليما، قال: فكأنه أعجبه فبعثه قاضيا، وقال: ما استبان<br />
لك من كتاب هللا فال تسأل عنه، فإن مل يستنب من كتاب هللا فمن السنة، فإن مل جتده يف السنة فاجتهد رأيك. أ.ه [.<br />
وقال إما احلرمني اجلويين: ]وقد اختلف قول الشافعي رمحه هللا يف أن من حَكمم جمتهدا يف زمان قيام الإمام أبحكام<br />
أهل الإسالم، فلم ينفذ ما حكم به احملكم؟ فأد قوليه، وهو ظاهر مذهب أيب حنيفة رمحه هللا أنه ينفل من حكمه ما<br />
ينفل من حكم القاضي اللي يتوىل منصبه من تولية اإلمام. وهذا قول متجه يف القياس، لست أرى الإطالة بذكر<br />
توجهه<br />
2<br />
.<br />
<br />
وما ادمعاه األستاذ املؤلف من بطالن التحاكم لغري القاضي إبمجاع األمة، هو مردود عليه، بل قد ذكر الإمام أبو<br />
بكر بن املنذر يف كتابه )الإمجاع( عكس ما قاله األستاذ املؤلف، فقال: ]إمجاع<br />
قاضي غري قاني، جائز إذا كان مما جيوز[<br />
254<br />
وأمجعوا على أن ما قضي<br />
3<br />
، ومعىن قوله )قاضي غري قاض( أي قاضي غري معني من جهة الإمام،<br />
وقوله: )إذا كان مما جيوز( أي إذا كان ما حكم به هذا القاضي مما جيوز يف الشريعة. وقد قال شيخ الإسالم ابن تيمية:<br />
]والقاضي اسم لكل من قضى بني اثنني وحكم بينهما. سواء كان خليفة، أو سلطاان، أو انئبا، أو واليا، أو كان<br />
منصواب ليقضي ابلشرع أو انئبا له، حىت من حيكم بني الصبيان يف اخلطوط إذا ختايروا، هكذا ذكر أصحاب رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم وهو ظاهر[ . 4<br />
- )الكايف( البن قدامة ط املكتب الإسالمي ج 4 ص 436<br />
- الغياثي ط2 حتقيق د/عبد العظيم الديب1411ه<br />
- )كتاب الإمجاع( ط دارطيبة 1412 ه ص 95<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 254<br />
398 ص<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
98
=<br />
=<br />
=<br />
<br />
0<br />
2<br />
3<br />
ومن األدلة على جواز التحكيم وسراين أحكام غري الإمام وقضاته، أن البغاة إذا استولوا على بلد وحكموه ابلشرع<br />
وجبوا منه األموال على مقتضى الشرع فإن أحكامهم هذه انفذة وال ينقضها الإمام العدل إذا ظهر على هذا البلد.<br />
فقد قال ابن قدامة: ]إذا نصب أهل البغي قاضيا يصلح للقضاء فحكمه حكم أهل العدل ينفذ من أحكام أهل<br />
1<br />
العدل ويرد منه ما يرد ...[ . وقال ابن قدامة أيضا: ]وإن استولوا أي البغاة على بلد فأقاموا <strong>في</strong>ها احلدود، وأخذوا<br />
الزكاة واجلزية واخلراج واحتُسِ ب به، ألن عليا مل يتتبع ما فعله أهل البصرة وأخذوه، وكان ابن عمر يدفع زكاته إَل ساعي<br />
3<br />
2<br />
ُندة احلروري ..[ . وهذا ما قرره اجلويين أيضا .<br />
فهذه أدلة جواز حتاكم الناس برضاهم إَل رجل مؤهل للحكم، ِبالف قاضي الإمام يف دار الإسالم، حيث للمسلمني<br />
إمام حيكمهم وشريعة إسالمية تعلوهم، وقد نقل أبو بكر بن املنذر الإمجاع على جواز ذلك، خالفا ملا زعمه مؤلف<br />
كتاب )البيعة( من الإمجاع على بطالنه.<br />
تنبيه: الفرق بين الحَكَم والقاضي من عدة أوجه:<br />
احلَكَم ال يفتقر إَل والية من إمام مؤقت، ِبالف القاضي الذي ال يتوَل إال بوالية من الإمام.<br />
احلَكَم ال حيكم بني اثنني من الناس إال برضامها وحتاكمهما إليه خمتارين، ِبالف قاضي الإمام الذي حيكم بني<br />
اخلصوم رضوا أم مل يرضوا، وله أن جيربهم على احلضور إَل جملس القضاء وإن مل خيتاروا، طاملا بلغته الدعوة.<br />
احلَكَم ليس له عموم النظر يف اخلصومات وال استدامته، إذ إن عموم النظر واستدامته معناه أنه ذو والية، فهذا<br />
للقاضي املتويل من جهة الإمام.<br />
<br />
ويتفق احلَكَم والقاضي يف وجوب استيفائهما لشروط القضاء، ويف أن حكمهما مُلزِم للخصوم. إال أن القاضي ميلك<br />
سلطة تن<strong>في</strong>ذ حكمه ابلشرطة، واحلَكَم قد ال ميلك القوة إن لزمت هذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابحلال األول من هذه املسألة.<br />
أما ا ال الَاين: وهو إذا مل يكن للمسلمني إمام حيكمهم وال قضاء شرعي يتحاكمون إليه، وهلا هو حال أغلب<br />
املسلمني اليوم، فال أقول جيوز هلم، بل أقول جيب عليهم أن يرجعوا إَل من يصلح للقضاء الشرعي منهم ليحكم<br />
بينهم بشرع هللا فإن مل جيدوا مؤهال للقضاء اختاروا األمثل فاألمثل وحيرم عليهم التحاكم إَل القوانني الوضعية الكفرية.<br />
والدليل على صحة هذا: مجيع ما ذكرته يف ا ال األول، خاصة كالم الشيخ ابن ضواين يف كتابه )منار السبيل(<br />
وكالم ابن قدامة يف املغين، وابلإضافة إَل هذا:<br />
قال القاضي أبو يعلى: ]ولو أن أهل بلد قد خال من قاضي أمجعوا على أن قلدوا عليها قاضيا، نظرت: فإن كان<br />
الإمام موجودا بطل التقليد، وإن كان مفقودا صح، ونفلت أحكامه عليهم. فإن جتدد بعد نظره إمام، مل يستدم<br />
النظر إال بعد إذنه، ومل ينقض ما تقدم من حكمه. وقد ن<br />
أمحد رمحه هللا تعاَل على أن نفسَني لو حَكمما عليهما<br />
- )املغين والشرح الكبري( ج 11 ص 91<br />
- )الكايف( ج 4 ص 152<br />
- الغياثي ص 374<br />
1<br />
2<br />
3<br />
99
نفذ حكمُه عليهما[ . 1 وموضع االستشهاد هو قوله إذا كان الإمام مفقودا صح أن يويل الناس عليهم قاضيا. أما قوله<br />
إن كان الإمام موجودا بطل التقليد فال ينقض ما ذهبنا إليه يف احلال األول إذ إن تقليد القضاة من حقوق الإمام، وما<br />
ذكرانه يف احلال األول هو حتكيم حكم وليس تولية قاض، وقد ذكرت أوجه االختالف بني احلكم وبني القاضي<br />
أعاله.<br />
<br />
وقد تكلم إمام احلرمني اجلويين عن هذه املسألة إبسهاب فقال: ]وقد حان اآلن أن أفرض خلو الزمان عن الكفاة<br />
ذوي الصرامة، خلوه عمن يستحق الإمامة إَل قوله أما ما يسوغ استقالل الناس <strong>في</strong>ه أبنفسهم، ولكن األدب<br />
يقتضي <strong>في</strong>ه مطالعة ذوي األمر، ومراجعة مرموق العصر، كعقد اجلُمَع وجر العساكر إَل اجلهاد، واستيفاء القصاص يف<br />
النفس والطرف، <strong>في</strong>تواله الناس عند خلو الدهر<br />
إَل قوله وإذا مل يصادف الناس قواما أبمورهم يلوذون به <strong>في</strong>ستحيل<br />
أن يؤمروا ابلقعود عما يقدرون عليه من دفع الفساد فإهنم لو تقاعدوا عن املمكن، عم الفساد البالد والعباد إَل قوله<br />
وقد قال بعض العلماء: لو خال الزمان عن السلطان فحق على قطان كل بلدة وسكان كل قرية أن يقدموا من<br />
ذوي األحالم والنهي وذوي العقول واحلجا، من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عند مناهيه ومزاجره فإهنم لو<br />
مل يفعلوا ذلك، ترددوا عند إملام املهمات وتبلدوا عند إطالل الواقعات إَل قوله ُث كل أمر يتعاطاه الإمام يف األمور<br />
املفوضة إَل األئمة فإذا شغر الزمان عن الإمام، وخال عن سلطان ذي ُندة وكفاية ودراية/ فاألمور<br />
موكولة إىل<br />
العلماء، وحق على اخلالئق على اختالف طبقاهتم أن يرجعوا إَل علمائهم ويصدروا يف مجيع قضااي الوالايت عن<br />
رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هدوا إَل سواء السبيل، وصار علماء البالد والة العباد. فإن عسر مجعهم على واحد<br />
استبد أهل كل صقع وانحية ابتباع عاملهم، وإن كثر العلماء يف الناحية، فاملهم أعلمهم، وإن فرض استواؤهم، ففرضهم<br />
اندر ال يكاد يقع، فإن اتفق فإصدار الرأي عن مجيعهم<br />
مع تناقض املطالب واملذاهب حمال، فالوجه أن يتفقوا على<br />
تقدمي واحد منهم. فإن تنازعوا ومتانعوا وأفضى األمر إَل شجار وخصام فالوجه عندي يف قطع النزاع الإقراع، فمن<br />
خرجت له القرعة قُدِّم[<br />
. 2<br />
<br />
<br />
ُث قال اجلويين إنه إذا خال الزمان عن العلماء اجملتهدين ومل يبق إال نقلة<br />
3<br />
وصفناه حيل يف حق املست<strong>في</strong>ت حمل الإمام اجملتهد الراقي إَل رتبة العليا يف اخلالل املرعية[ .<br />
مذاهب األئمة قال: ]إن الفقيه الذي<br />
وما ذكره اجلويين من توَل نقلة املذاهب للفتوى عند خلو الزمان عن اجملتهدين قرره ابن القيم فقال: ]إذا تفقه<br />
الرجل وقرأ كتااب من كتب الفقه<br />
أو أكثر، وهو مع ذلك قاصر يف معرفة الكتاب والسنة وآَثر السلف واالستنباط<br />
والرتجيح، فهل يسوغ تقليده يف الفتوى؟ <strong>في</strong>ه للناس أربعة أقوال: اجلواز مطلقا، واملنع مطلقا، واجلواز عند عدم اجملتهد<br />
وال جيوز مع وجوده، واجلواز إن كان مطالعا على مأخذ من ي<strong>في</strong>ت بقوهلم واملنع إن مل يكن مطالعا.<br />
ص-<br />
ص-<br />
- )األحكام السلطانية( ص 73<br />
381<br />
395<br />
427<br />
)الغياثي( ط2 حتقيق د/عبد العظيم الديب1411ه<br />
1<br />
2<br />
3<br />
011
والصواب <strong>في</strong>ه تفصيل، وهو أنه إذا كان السائل ميكنه التوصل إَل عامل يهديه السبيل مل حيل له استفتاء مثل هذا، وال<br />
حيل هلذا أن ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العامل، وإن مل يكن يف بلده أو انحيته غريه حبيث ال جيد املستفىت من<br />
يسأله سواه فال ريب أن رجوعه إليه أوَل من أن يقدم على العمل بال علم أو يبقى مرتبكا يف حريته مرتددا يف عَمَاه<br />
وجهالته، بل هذا هو املستطاع من تقواه املأمور هبا، ونظري مثل هذه املسألة إذا مل جيد السلطان من يوليه القضاء إال<br />
قاضيا عاراي من شروط القضاء مل يعطل البلد عن قاني ووىل األمَل[<br />
1<br />
.<br />
فهذه هي أقوال السلف <strong>في</strong>ما إذا خال الزمان عن الإمام األعظم أنه جيب على أهل كل بلد وانحية أن يتحاكموا إَل<br />
أهل العلم <strong>في</strong>هم من اجملتهدين فإن عُدِموا <strong>في</strong>حتكموا إَل األمثل فاألمثل.<br />
جمموع األمة<br />
وخطا<br />
هللا إبقامة األحكام موجه إىل<br />
3<br />
2<br />
قال تعاَل: }وَ السَّارِ قُ وَ السَّارِ قَةُ قَاقَِْعُوا أَيْدِيَهُمَا{ ، وقال تعاَل: }الزَّ انِيَةُ وَ الزَّ انِي قَاجْلِدُوا{<br />
وغريها، وينوب الإمام عن األمة يف تن<strong>في</strong>ذ هذا، كما يف احلديث الصحيح<br />
»إَّنا الإمام جُنمة«<br />
و<strong>في</strong>ه أيضا<br />
»فالإمام<br />
األعظم الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته« فإذا فُقِد اإلمام يرجع افطا إىل جمموع األمة <strong>في</strong>قدم الناس<br />
4<br />
من يتحاكمون إليه ممن يصلح هللا. وقال أمحد بن حنبل: ]البد للناس من حاكم، أفتذهب حقوق الناس؟[ .<br />
وذلك ألن نُصْب ة القضاة من فروني الكفاية فظ العدل وإن مل يقم به البع أُث الكل، قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا<br />
5<br />
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّ امِينَ بِالْقِسِِْ{ ، وقال تعاَل: }لَقَدْ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا بِالْبَي ِنَاتِ وَ أَنْزَ لْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَ انَ<br />
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسِِْ{ ، 6 وقد أشار شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا إَل هذا املعىن أوضح إشارة، وهو أن األحكام<br />
واحلدود خماطب هبا مجيع األمة، ويقيمها السلطان ذو القدرة، فإن عُدِم السلطان وأمكن إقامتها إذا مل يكن يف<br />
إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فهذا هو الواجب، فقال رمحه هللا: ]خاطب هللا املؤمنني ابحلدود واحلقوق خطااب<br />
مطلقا، كقوله: }وَ السَّارِ قُ وَ السَّارِ قَةُ<br />
قَاقَِْعُوا{ وقوله: }الزَّ انِيَةُ وَ الزَّ انِي قَاجْلِدُوا{ وقوله: }وَ الَّذِينَ يَرْ مُونَ<br />
9<br />
7<br />
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْ بَعَةِ شُهَدَاءَ قَاجْلِدُوهُمْ{ وكذلك قوله: }وَ الَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَد ًا{ ، لكن قد علم أن<br />
املخاطب ابلفعل البد أن يكون قادرا عليه، والعاجزون ال جيب عليهم، وقد عُلِمَ أن هلا فرني على الكفاية، وهو<br />
مثل اجلهاد، بل هو نوع من اجلهاد. فقوله: }كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَا ُل{، وقوله: }وَ قَاتِلُوا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ{ وقوله: }إِالَّ<br />
010<br />
1<br />
- )إعالم املوقعني( ج 4 ص 186<br />
187<br />
2<br />
- سورة املائدة، اآلية:<br />
39<br />
3<br />
- سورة النور، اآلية:<br />
2<br />
4<br />
5<br />
- ذكره أبو يعلى يف األحكام السلطانية ص 24،71<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
135<br />
6<br />
- سورة احلديد، اآلية:<br />
25<br />
7<br />
9<br />
- سورة النور، اآلية:4<br />
- سورة النور، اآلية:4
تَنفِرُ وا يُعَذِبْكُمْ{ وحنو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين. و”القدرة“ هي السلطان، فلهذا: وجب إقامة احلدود<br />
على ذي السلطان ونوابه.<br />
والسنة أن يكون للمسلمني إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن األمة خرجت عن ذلك ملعصية من بعضها،<br />
وعجز من الباقني، أو غري ذلك فكان هلا عدة أئمة. لكان جيب على كل إمام أن يقيم احلدود، ويستويف احلقوق،<br />
وهلذا قال العلماء إن أهل البغي ي َنْفُذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل، وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا<br />
أحزااب لوجب على كل حز فعل ذلك يف أهل طاعتهم، فهذا عند تفرق األمراء وتعددهم، وكذلك لو مل يتفرقوا،<br />
لكن طاعتهم لألمري الكبري ليست طاعة اتمة، فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامَهم بذلك مل يسقط عنهم القياُم<br />
بذلك، بل عليهم أن يقيموا ذلك، وكذلك لو فرض عجز بعض األمراء عن إقامة احلدود واحلقوق، أو إضاعته لذلك:<br />
لكان ذلك الفرني على القادر عليه.<br />
وقول من قال: ال يقيم ا دود إال السلطان ونوابه. وإذا كانوا قادرين فاعلني ابلعدل كما يقول الفقهاء: األمر إَل<br />
احلاكم. إَّنا هو العادل القادر، فإذا كان مُضَيِّعا ألموال اليتامى، أو عاجزا عنها: مل جيب تسليمها إليه مع إمكان<br />
حفظها بدونه وكذلك األمري<br />
إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها مل جيب تفويضها<br />
إليه مع إمكان إقامتها<br />
بدونه. واألصل أن هذه الواجبات تُقام على أحسن الوجوه. فمىت أمكن إقامتها مع أمري مل حيتج إَل اثنني، ومىت مل<br />
يقم إال بعدد<br />
ومن غري سلطان أقيمت إذا مل يكن يف إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإهنا من "ابب األمر<br />
ابملعروف والنهي عن املنكر" فإن كان يف ذلك من فساد والة األمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها مل يدفع أبفسد<br />
1<br />
منه. وهللا أعلم[ .<br />
فهذه هي األدلة الشرعية وأقوال علماء األمة تثبت صحة حتاكم الناس إَل غري قاضي الإمام ممن يصلح للقضاء زمن<br />
قيام الإمام، ونقل ابن املنذر الإمجاع على صحة هذا، وها هي أقواهلم تثبت صحة بل وجوب اتفاق الناس على<br />
إقامة األحكام بينهم ما أمكنهم ذلك زمن غياب الإمام، على أن حيَُكِّموا بينهم من يصلح للقضاء الشرعي األمثل<br />
فاألمثل. ويف هذا رد كاف شاف، وإبطال ملا ذكره مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة(.<br />
والواجب على األستاذ املؤلف وسائر املهتمني ابلدعوة الإسالمية دعوة املسلمني إَل هذا ال صدهم عنه، فتحاكم<br />
املسلمني إَل عامل منهم واجب عليهم ما أمكنهم ذلك وخري هلم يف الدنيا واآلخرة من التحاكم إَل الطواغيت<br />
وأحكامهم الكافرة اليت يستطل هبا معظم املسلمني اآلن <strong>في</strong>أكلون أمواهلم بينهم ابلباطل، وتستباح هبا الدماء والفروج.<br />
وال حيل ألحد دعى إىل التحاكم إىل الشرع أن يُعرني عنه، قال تعاَل: }وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْ ا إِلَى مَا<br />
أَنزَ لَ َّللاَّ ُ وَ إِلَى الرَّ سُولِ رَ أَيْتَ الْمُنَاقِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُود ًا{ ، 2 وقال تعاَل: }وَ إِذَا دُعُوا إِلَى َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِ ِه<br />
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا قَرِ يقٌ مِنْهُمْ مُعْرِ ضُونَ<br />
وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِي َن أَقِي قُلُوبِهِمْ مَرَ ضٌ أَمْ ارْ تَابُوا أَ ْم<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 34 ص 176 175،<br />
- سورة النساء، اآلية: 61<br />
1<br />
2<br />
012
يَخَاقُونَ<br />
أَ ْن يَحِ يفَ َّللاَّ ُ عَلَيْهِمْ وَ رَ سُولُهُ بَلْ أُوْ لَئِكَ هُمْ الظَّالِمُو َن إِنَّمَا كَانَ قَوْ لَ الْمُؤْ مِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِ ِه<br />
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ أََِعْنَا وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ{<br />
. 1<br />
فتحاكم املسلمني إَل الشريعة بعيدا عن احملاكم الكافرة واجب عليهم، وحنن ندعو الناس إليه بقوة، ما أمكن ذلك،<br />
وإن تَعَذمر يف احلدود فليكن يف األموال وهكذا، وكل هذا يدخل يف تقوى هللا املستطاعة للعبد، ويدخل حتت القاعدة<br />
الفقهية )امليسور ال يسقط ابملعسور( وصاغها عز الدين بن عبد السالم هكذا: ]إن من كُلف بشيء من الطاعات<br />
2<br />
فَقَدَر على بعضه وعجز عن بعضه، فإنه مبا قدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عنه[ وهذه القاعدة مستفادة من قوله<br />
3<br />
تعاَل }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ مَا اسْتََِعْتُ ْم{ ، ومن قول رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
»وما أمرتكم به فأتوا منه ما<br />
4<br />
استطعتم« . ومما يدخل يف االستطاعة إخراج الزكاة وإن عطلها احلكام، وأداء الدايت وأروش اجلراحات والكفارات<br />
وإن مل حتكم هبا احملاكم الكافرة، وحُرْمَة الراب، ومما يتعلق هبذا مراعاة القيمة يف القروض ويف البيع ابألجل وذلك ألن<br />
قيمة األوراق املالية تتغري كثريا ابلزمن، فالواجب جعل أحد النقدين املعتربين يف الشريعة )الفضة واللهب( أساس<br />
هله التعامالت، فمثال إذا أقرضك رجل ألف لرية اليوم وكان جرام الذهب اليوم مبائة لرية فأنت اقرتضت عشرة<br />
جرامات، فإذا كان أجل القرض سنة وكان جرام الذهب بعد سنة مبائيت لرية ورددت إليه األلف لرية فقد رددت إليه<br />
مخسة جرامات وظلمته ظلما فاحشا، والواجب عليك أن ترد إليه أل<strong>في</strong> لرية وعكسه إذا زادت قيمة اللرية ترد إليه أقل<br />
من األلف األصلية كاحلساب السابق، وهذا ليس من الراب يف شيء بل هو رجوع إَل النقد املعترب شرعا، فهذه األوراق<br />
ال اعتبار هلا شرعا إال بتقييمها ابلذهب أو الفضة، وهو ما يفعله كل مسلم عند<br />
التجارة، وال يُفهم من قويل السابق إابحة برا البنوك على هذه األوراق حبجة تعويض نق<br />
إخراج زكاة املال وزكاة عروض<br />
القيمة، فهذا راب مكتمل<br />
األركان حمدد الفائدة سلفا حرام حرام. وما سبق من اعتبار القيمة ال يسري على الودائع فهذه ترد كما هي، وقد أشار<br />
الشيخ أمحد الزرقا إَل هذه املسألة يف كتابه القواعد الفقهية، يف قاعدة )ال ضرر وال ضرار( ونَسَبَ هذا القول إَل<br />
القاضي أيب يوسف . 5 وهبذا كنت وما زلت أنصح إخواين املسلمني. وأرى أن هللا تعاَل ال مين على املسلمني حبكم<br />
إسالمي إال إذا حتاكموا إَل الشرع ابلقدر املستطاع يف الظروف<br />
وعده كما قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ . 6<br />
احلالية فإن سعوا يف هذا فلعل هللا تعاَل أن ينجز<br />
ويف حتاكم املسلمني إَل الشرع يف هذا الزمان فائدة أخرى وهي بقاء هله الشريعة حية ِبالف ما يريده الطواغيت من<br />
إماتة الشريعة ومحلتها، وكل هذا ميهد للحكم الإسالمي.<br />
- سورة النور، اآلايت:<br />
51<br />
49<br />
- )قواعد األحكام( 6/2 و 18<br />
- سورة التغابن، اآلية:<br />
- متفق عليه<br />
- شرح القواعد ص<br />
- سورة الرعد، اآلية:<br />
16<br />
121<br />
11<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
013
إن هذه القوانني الطاغوتية هي كفر أكرب خمُْرِج ملن وَضَعَها وملن حَكَمَ هبا وملن حتََاكَم إليها راضيا خمتارا من ملة<br />
الإسالم، وهي من أنكر املنكرات، وأضعف الإميان وهو الإنكار ابلقلب يستوجب على املسلمني مقاطعة هذه<br />
القوانني وحماكمها وقضاهتا والرباءة منهم، وأن ميتنعوا عن الدراسة يف كليات احلقوق اليت تدرس القوانني الكافرة، أما<br />
الإنكار ابللسان فمنه هذا الكالم، وأما الإنكار ابليد هلذه القوانني الكافرة وملن ي َعْمل هبا وحيَْمِيَها فهو املوضوع<br />
األساسي هلذه الرسالة وهو التدريب العسكري. وهذا ما دعاان إَل االستطراد يف الرد على األستاذ مؤلف كتاب<br />
)البيعة( لتعلق املوضوعات بعضها ببعض. واحلمد هلل رب العاملني.<br />
014
015
016
الباب الرابع<br />
واجبات أمير المعسكر.<br />
و<strong>في</strong>ه مسائل:<br />
املسئولية العامة عن أتباعه.<br />
أن خيتار لنفسه جملس شورى.<br />
ق س م معسكر التدريب.<br />
أتمري أمراء اجملموعات والعمال.<br />
الرفق واألانة يف األمور كلها.<br />
احملافظة على وحدة اجلماعة.<br />
تقييم كفاءات أتباعه.<br />
اإلعداد اإلمياين للجهاد.<br />
= 0<br />
= 2<br />
= 3<br />
= 4<br />
= 5<br />
= 6<br />
= 7<br />
= 8<br />
تنبيه: هله املسائل منها ما هو واجب شرعي ومنها ما هو مندو ، وكل مفصل يف موضعه<br />
017
األول من واجبات<br />
األمير: المسئولية العامة عن أتباعه:<br />
لقوله صلى هللا عليه وسلم : »كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيمتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيمتِهِ وَالرمجُلُ رَاعٍ يفِ أَهْلِِه<br />
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيمتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ يفِ ب َيْتِ زَوْجِ هَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيمتِهَا وَاخلَْادِمُ رَاعٍ يفِ مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيمتِهِ،<br />
1<br />
وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيمتِهِ« .<br />
<br />
قال النووي: ]قال العلماء: الراعي هو احلافظ املؤمتن امللتزِم صالح ما قام عليه وما هو حتت نظره، ف<strong>في</strong>ه أن كل من<br />
كان حتت نظره شيء فهو مطالب ابلعدل <strong>في</strong>ه والقيام مبصاحله يف دينه ودنياه ومتعلقاته[.<br />
عن أيب هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال »ما من أمري عشرة إال يؤتى به يوم القيامة مغلوال، حىت<br />
يفكه العدل أو يوثقه اجلور« ويف رواية »وإن كان مُسيئا زِيدَ غِالم إَل غِلِّه«<br />
2<br />
.<br />
<br />
وعن ابن عباس عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال »ما من رجل وَيلِ َ عشرة إال جيء يوم القيامة مغلولة يده إَل<br />
عنقه حىت يقضى بينهم وبينه«<br />
3<br />
.<br />
ويدخل <strong>في</strong> هذه المسئولية<br />
= 0 إقامة الصالة بنفسه أو مبن ينيبه، وقال ابن تيمية ]وقد كانت السنة أن الذي يصلي ابملسلمني اجلمعة واجلماعة<br />
وخيطب هبم هم أمراء احلرب إَل قوله<br />
وذلك ألن أهم أمر الدين: الصالة واجلهاد<br />
إَل قوله وملا بعث النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم معاذا إَل اليمن قال »اي معاذ إن أهم أمرك عندي الصالة«. وكذلك كان عمر بن اخلطاب يكتب إَل<br />
عماله )إن أهم أموركم عندي الصالة فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه، ومن ضَيمعها كان ملا سواها من عمله<br />
أشد إضاعة(، وذلك ألن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
»الصالة عماد الدين«<br />
فإذا قام املتويل عماد الدين:<br />
فالصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر، وهي اليت تعني الناس على ما سواها من الطاعات، كما قال تعاَل: }اسْتَعِينُوا<br />
بِالصَّبْرِ وَ الصَّالةِ إِنَّ َّللاَّ َ مََْ الصَّابِرِ ينَ } وقال لنبيه }وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّالةِ وَ اصَِْبِرْ عَلَيْهَا ال نَسْأَلُكَ رِ زْ ق ًا نَحْنُ<br />
نَرْ زُ قُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَ ى{[ . 4<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ي َتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَالَ ئِكَةٌ ابِللميْلِ وَمَالَ ئِكَةٌ ابِلنمهَارِ وَجيَْتَمِعُونَ يفِ صَالَ ةِ الْفَجْرِ<br />
وَصَالَ ةِ الْعَصْرِ ُثُم ي َعْرُجُ المذِينَ ابَتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَهلُُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ هبِِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّوَن<br />
- متفق عليه عن ابن عمر.<br />
- رواه البزار والطرباين يف األوسط ابألول ورجال األول يف البزار رجال الصحيح. )جممع 219/5(<br />
- رواه الطرباين يف األوسط والكبري ورجاله ثقات )جممع 218/5(.<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 261<br />
261<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
018
=<br />
2<br />
وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ« ، 1 قال ابن حجر ]يستفاد منه<br />
أن الصالة أعلى العبادات<br />
و<strong>في</strong>ه إشارة إَل عِظَمِ هاتني الصالتني، لكوهنما جتتمع <strong>في</strong>هما الطائفتان ويف غريمها طائفة واحدة[ . 2<br />
ألنه عنها وقع السؤال واجلواب،<br />
أخل أتباعه بطاعة هللا ومنعهم من املعاصي. وكتب عمر بن اخلطاب إَل سعد بن أيب وقاص، رضي هللا<br />
عنهما، ومن معه من األجناد، يف مسريهم لقتال الفرس، أما بعد: )فإين آمرك ومن معك من األجناد بتقوى هللا على<br />
كل حال، فإن تقوى هللا أفضل <strong>العدة</strong> على العدو، وأقوى مكيدة<br />
يف احلرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد<br />
احرتاسا من املعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم، وإَّنا يُنصر املسلمون مبعصية<br />
عدوهم هلل، ولوال ذلك مل تكن لنا هبم قوة ألن عددان ليس كعددهم، وال عدتنا كعدهتم، فإن استوينا يف املعصية كان<br />
هلم الفضل علينا يف القوة، وإال ن ُنْصر عليهم بفضلنا، مل نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم يف سريكم حفظة من هللا يعلم<br />
ما تفعلون، فاستحيوا منهم، وال تعملوا مبعاصي هللا وأنتم يف سبيل هللا، وال تقولوا أن عدوان شر منا، فلن يُسَلمط علينا<br />
فرب قوم سُلِّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلِّط على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا كفارُ اجملوس فجاسوا خالل<br />
الداير، وكان وعدا مفعوال، اسألوا هللا العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم. أسأل هللا ذلك لنا<br />
3<br />
ولكم .<br />
= 3<br />
= 4<br />
=<br />
5<br />
ويدخل يف هذا أن يتفقد بنفسه مهماهتم وأسلحتهم من حيث كفايتها وصالحيتها.<br />
ويدخل <strong>في</strong>ه أيضا أن يتفقد بنفسه مكان إقامتهم ومبيتهم.<br />
وعلى األمري أن يعني عددا كا<strong>في</strong>ا من ا رس للمعسكر ابلليل والنهار، ويتناوب أكثرُ من فرد احلراسةَ ليال<br />
خشية النعاس. وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »عَيْنَانِ ال متََسُّهُمَا النمارُ عَنيٌْ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اَّللمِ وَعَنيٌْ ابَتَ ْت<br />
4<br />
حتَْرُسُ يفِ سَبِيلِ اَّللمِ« . وكتب أبو بكر الصديق إَل يزيد بن أيب س<strong>في</strong>ان يف مسريه ابجليش لقتال الروم قال: )وأكثر<br />
= 6<br />
حرسك وبددهم يف عسكرك، وألكثر مفاجأهتم يف حمارسهم بغري علم منهم بك، فمن وجدته غَفَل عن حمرسه أدِّبه<br />
وعاقبه يف غري إفراط، واعقب بينهم ابلليل واجعل النوبة األوَل أطول من األخرية فإهنا أيسرمها لقرهبا من النهار( . 5<br />
ويدخل يف املسئولية العامة أن بصاحب األمري معه مشرفا طبيا، وهذا عليه <strong>إعداد</strong> ما يلزم من األدوات الطبية.<br />
وي َلْزم األمري واملدربني أن يرشدوا الطالب إَل احتياطات األمن يف استخدام األسلحة لتقليل ما ينشأ من الإصاابت.<br />
= 7<br />
ويدخل يف املسئولية العامة أن جيتهد األمري يف تدريب طالبه على خري وجه وعليه أن يعقد له من االختبارات<br />
النظرية والعملية أثناء ويف هناية التدريب ما يضمن به جَوْدة.<br />
- رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
- )فتح الباري( ج 2 ص 37<br />
- )العقد الفريد( البن عبدربه كتاب احلروب<br />
- رواه الرتمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن<br />
- الكامل يف التاريخ البن األثري ج 2 ص 276<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
019
= 9<br />
ويدخل يف املسئولية العامة أن يفضي األمري النزاعات بني أتباعه أو يعني هلذا من ينوب عليه، وعليه أن يعاقب<br />
املسيء وحده ال يتعداه إَل غريه، لقوله تعاَل: }وَ ال تَزِ رُ وَ ازِ رَ ةٌ وِزْ رَ أُخْرَ ى{. وسيأِت تفصيل هلذه املسألة يف<br />
الواجب السادس من واجبات األمري.<br />
001
الثاني من واجبات األمير:<br />
أن يتخذ<br />
لنفسه مجلس شورى<br />
تعريف الشورى: ]التشاور واملشاورة واملشورة: استخراج الرأي مبراجعة البعض البعض من قوهلم: شرت العسل إذا<br />
اختذته من موضعه واستخرجته منه، قال تعاَل: }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْ ِر{ والشورى: األمر الذي يتشاور <strong>في</strong>ه، قال<br />
1<br />
تعاَل: }وَ أَمْرُ هُمْ شُورَ ى بَيْنَهُ ْم{[ .<br />
<strong>في</strong>تشاور األمري أهل العلم والصالح، ويسأل ذوي الرأي <strong>في</strong>ما أعضل من األمور، ويرجع إَل أهل العزم <strong>في</strong>ما أشكل،<br />
ليأمن مِن اخلطأ ويسلم من الزلل، <strong>في</strong>كون إَل الصواب أقرب قال تعاَل لنبيه }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْرِ قَإِذَا عَزَ مْ َت<br />
2<br />
قَتَوَ كَّلْ عَلَى َّللاَّ ِ{ فقد أمره ابملشاورة مع ما أمده من التو<strong>في</strong>ق . 3<br />
وقال الإمام البخاري )وكانت األمة بعد النيب<br />
املباحة<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
يستشريون األمناء من أهل العلم<br />
4<br />
ليأخذوا أبسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إَل إقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم ) .<br />
يف األمور<br />
وقد جعل هللا تعاَل الشورى من أسباب أتليف القلوب والتفاف اجلند حول قائدهم كما يف قوله تعاَل: }قَبِمَا رَ حْمَ ٍة<br />
5<br />
مِنْ َّللاَّ ِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ قَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ الَ نْفَضُّوا مِنْ حَوْ لِكَ قَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْ ِر{<br />
فقد جعل هللا مشاورهتم يف األمر من أسباب عدم انفضاضهم من حوله صلى هللا عليه وسلم<br />
وحسما للنزاع بني الإخوة املسلمني أنبه على أمور متعلقة ابلشورى:<br />
. 6<br />
األول: موضوع الشورى: هو األمور املباحة أساسا كما ذكر البخاري حيث ال ن شرعي ابألمر أو النهي، لقوله<br />
تعاَل: }وَ مَا كَانَ لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا قَضَى َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ ً أَمْرا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ وَ مَنْ يَعْصِ َّللاَّ َ<br />
وَ رَ سُولَهُ قَقَدْ ضَلَّ ضَالال مُبِينًا{ . 7<br />
ويشاور األمري كذلك عندما خيفى عليه احلكم الشرعي كما سيأِت <strong>في</strong>ما رواه ميمون بن مهران عن أيب بكر وعمر رضي<br />
هللا عنهما.<br />
- 1 قاله الراغب األصفهاين يف كتابه )املفردات يف غريب القرآن( مادة شور<br />
000<br />
- 2<br />
سورة آل عمران، اآلية:<br />
158<br />
3<br />
4<br />
- أبو يعلىى ص 45<br />
- كتاب االعتصام ابلصحيح، ابب<br />
29<br />
5<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
158<br />
6<br />
7<br />
- عن ابن كثري مبعناه.<br />
- سورة األحزاب، اآلية:<br />
36
ويشاور األمري كذلك عند وضوح احلكم الشرعي الختيار الزمان أو املكان املناسبني وحنو ذلك كما شاور النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم يف غزواته، كبدر وأحد واخلندق وغريها.<br />
الَاين: لألمري أن خيتار أهل مشورته اثبتني أو متغريين، وعلى أي حال فعليه مشاورة أهل العلم والصالح وافربة<br />
من أتباعه. وذكرت هذا حىت ال يقول قائل ملاذا مل يشاورين األمري؟ أو ملاذا أخذ فالن يف الشورى ومل َيخذين؟ ومع<br />
ذلك فلكل أخ حق النصح، بل النصح واجب خاصة إذا خ<strong>في</strong> وجه الصواب واملصلحة على األمري وعلى أهل<br />
مشورته.<br />
ويف اختيار األمري ألهل مشورته، روى البخاري عن ابن عباس مشاورة عمر ألصحابه ملا قدم إَل الشام فوجد الطاعون<br />
قد وقع هبا. قال عبد هللا بن عباس )إنم عُمَرَ بْنَ اخلَْطمابِ<br />
خَرَجَ إَِلَ الشمأْمِ، حَىتم إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ األَجْنَادِ أَبُو<br />
عُبَيْدَةَ بْنُ اجلَْرماحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْربَُوهُ أَنم الْوَابَءَ قَدْ وَقَعَ أبَِرْضِ الشمأْمِ قَالَ ابْنُ عَبماسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ يلِ الْمُهَاجِ رِينَ األَوملِ َني<br />
فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْربََهُمْ أَنم الْوَابَءَ قَدْ وَقَعَ ابِلشمأْمِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ ب َعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ ألَمْرٍ وَال ن َرَى أَنْ تَرْجِ عَ عَنْهُ<br />
وَقَالَ ب َعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيمةُ النماسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم وَال ن َرَى أَنْ ت ُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَابَءِ فََقاَل<br />
ارْتَفِعُوا عَينِّ ُثُم قَالَ ادْعُوا يلِ األَنْصَارَ فَدَعَوْهتُُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِ رِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِالفِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا<br />
عَينِّ ُثُم قَالَ ادْعُ يلِ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِ رَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْهتُُمْ فَلَمْ خيَْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُالَ نِ فَقَالُوا<br />
ن َرَى أَنْ تَرْجِ عَ ابِلنماسِ وَال ت ُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَابَءِ فَنَادَى عُمَرُ يفِ النماسِ ِ إِينّ مُصَبِّحٌ عَلَى ظَ هْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو<br />
عُبَيْدَةَ بْنُ اجلَْرماحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اَّللمِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَريُْكَ قَاهلََا ايَ أَابَ عُبَيْدَةَ ن َعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اَّللمِ إَِلَ قَدَرِ اَّللمِ أَرَأَيْتَ لَْو<br />
كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِايً لَهُ عُدْوَاتَنِ إِحْدَامهَُا خَصِبَةٌ وَاألُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ اخلَْصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اَّللمِ وَإِ ْن<br />
رَعَيْتَ اجلَْدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اَّللمِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرممحَْنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا يفِ ب َعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنم ِعنْدِي يفِ هَذَا<br />
عِلْمًا مسَِعْتُ رَسُولَ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم ي َقُولُ إِذَا مسَِعْتُمْ بِهِ أبَِرْضٍ فَال تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ أبَِرْضٍ وَأَنْتُمْ هبَِا فَال<br />
ختَْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اَّللمَ عُمَرُ ُثُم انْصَرَفَ ) 1 .<br />
فهذا احلديث يبني أن اختيار أهل الشورى من حق األمري، وأنه ال يشرتط أن يكونوا َثبتني أبشخاصهم، بل املعترب<br />
<strong>في</strong>هم الصفة، وهو أهل العلم والصالح )وهم يف احلديث: املهاجرون األولون واألنصار( وأهل افربة والتجربة )وهم<br />
يف احلديث: مشيخة قريش( فإذا أَمَرَ األمِريُ العام أمريَ املعسكر مبشاورة قوم معينني لزمه ذلك طاعة ألمريه، بعث عمر<br />
بن اخلطاب جيشا إَل العراق وأمر عليه أاب عبيدة بن مسعود الثق<strong>في</strong> ومل يكن صحابيا، قال ابن كثري: ]فقيل لعمر:<br />
هال أمرت عليه رجال من الصحابة؟ فقال إَّنا أؤمر أول من استجاب، إنكم إَّنا سبقتم الناس بنصرة هذا الدين، وإن<br />
هذا هو الذي استجاب قبلكم، ُث دعاه فوصاه يف خاصة نفسه بتقوى هللا ومبن معه من املسلمني خريا، وأمره أن<br />
يستشري أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأن يستشري سليط بن قيس فإنه رجل ابشر احلروب[ . 2<br />
- رواه البخاري )حديث 5728(<br />
- البداية والنهاية ج 7 ص 26<br />
1<br />
2<br />
002
أ =<br />
الَالث: حكم الشورى: وتتفرع منه مسألتان قلما ي ُفَرِّق بينهما املصنفون، ومها:<br />
حكم مبدأ الشورى )مشروعية الشورى( أي هل جيب على األمري أن يشاور من معه؟<br />
حكم إلزام الشورى: أي إذا شاور فاتفق أهل الشورى كلهم أو أغلبهم على رأي فهل جيب على األمري العمل هبذا<br />
الرأي أم ال يلزمه، وله خمالفته رغم اتفاقهم؟ والشك أن هذا يف االجتهاد حيث ال ن وال حكم شرعي َثبتاً مقرراً.<br />
ويراعى أننا نتكلم عن حكم الشورى<br />
<strong>في</strong>ما يتعلق بسياسة الراعي )اإلمام أو من دونه( للرعية، وليس <strong>في</strong>ما يتعلق<br />
بتنصيب الإمام السابق أو ابالستيالء. وبناء عليه فسوف نتكلم هنا إن شاء هللا عن حكم الشورى )مشروعيته وإلزامه(<br />
<strong>في</strong>ما يتعلق بسياسة الراعي للرعية:<br />
أ = مشروعية الشورى:<br />
رأي مجهور علماء السلف أن الشورى مندوبة مستحبة وليست واجبة على األمري. ومل يَرِد إلينا نقل صحيح صريح<br />
يف األمر ابلشورى إال نصا واحدا وهو آية آل عمران }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األْ َمْ ِر{ ويرد <strong>في</strong>ها تساؤالن: هل األمر يف اآلية<br />
من خصائص النيب<br />
1<br />
صلى هللا عليه وسلم أم عام له صلى هللا عليه وسلم وألمته؟ <strong>في</strong>ها خالف ولو سلمنا أنه عام،<br />
فريد التساؤل الثاين وهو: هل األمر يف اآلية للوجو أم للند ؟ واألصل أن األمر للوجوب ما مل تصرفه قرينة إَل<br />
الندب.<br />
والذي عليه مجهور علماء السلف أن األمر يف هله اآلية هو للند<br />
يف حق األمة والذي يُفهم من كالم السلف<br />
رمحهم هللا أن القرينة الصارفة هلذا األمر }وَ شَاوِرْ هُ ْم{ من الوجوب إَل الندب هي أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
ليس حباجة إَل املشاورة الستغنائه عنها ابلوحي، فكانت على الندب يف حقه صلى هللا عليه وسلم وابلتايل فهذا هو<br />
حكمها ألمته.<br />
وللتأكد من هذا يلزمنا النظر يف حال والة األمور يف حياته صلى هللا عليه وسلم . كأُمراء السرااي والبعوث، هل أَمَرَهم<br />
مبشاورة أتباعهم؟ الثابت لدينا أنه كان َيمر األجناد بطاعة األمراء كما يف قوله صلى هللا عليه وسلم: »من أطاعين فقد<br />
2<br />
أطاع هللا، ومن عصاين فقد عصا هللا، ومن أطاع أمريي فقد أطاعين، ومن عصى أمريي فقد عصاين« . فنقول لعل<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم مل َيمر أمراءه ابلشورى اكتفاء أبمر هللا تعاَل يف قوله تعاَل }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْ ِر{ <strong>في</strong>لزمنا<br />
النظر يف سرية أمراءه صلى هللا عليه وسلم، وسيأِت يف سياق هذه الرسالة هني عمرو بن العاص ملن معه يف غزوة ذات<br />
السالسل عن إشعال النار وعن تتبع العدو دون مشاورهتم رغم توسط الصديق عنده، ومحد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
فعل عمرو. ومل يقل له ملَِ ملَْ تشاورهم ولو لتطييب أنفسهم؟ ومل يقل له الصديق جيب أن تشاوران؟<br />
. 3<br />
003<br />
- 1<br />
)انظر نيل األوطار للشوكاين ج<br />
9 ص )46<br />
2<br />
3<br />
- متفق عليه<br />
-<br />
هذا احلديث أورده اهليثمي يف جممع الزوائد وقال: أورده الطرباين إبسنادين ورجال األول رجال الصحيح )جممع 322/5( وسيأِت احلديث بتمامه إن<br />
شاء هللا، وهو يشري إَل أن الشورى ليست واجبة.
وقال ابن حجر: ]وعَدّ كثري من الشافعية املشاورة<br />
اإلستحبا<br />
يف افصائص، واختلفوا يف وجوهبا فنقل البيهقي يف املعرفة<br />
1<br />
عن الن ، وبه جزم أبو نصر القشريي يف تفسريه، وهو املرجمح[ وصرح ابن حجر يف موضع آخر<br />
]أبن حكم الشورى هو االستحباب فقال: ]وجاء يف<br />
استحبا<br />
االستشارة<br />
آَثر جياد. وأخرج يعقوب بن س<strong>في</strong>ان<br />
2<br />
بسند جيد عن الشمعيب قال: من سَرمه أن َيخذ ابلوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشري[ .<br />
ونقل النووي الإمجاع على أن الشورى مستحبة غري واجبة يف حق األمة، حيث قال يف شرح حديث تشاور الصحابة<br />
يف كي<strong>في</strong>ة الإعالم بوقت الصالة وبَدْء األذان، قال: ]و<strong>في</strong>ه التشاور يف األمور السيما املهمة وذلك مستحب يف حق<br />
األمة إبمجاع العلماء، واختلف أصحابنا هل كانت املشاورة واجبة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أم كانت سنة<br />
يف حاله صلى هللا عليه وسلم<br />
كما يف حقنا، والصحيح عندهم وجوهبا وهو املختار قال هللا تعاَل }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي<br />
األَمْرِ } واملختار الذي عليه مجهور الفقهاء وحمققو أهل األصول أن األمر للوجوب و<strong>في</strong>ه أنه ينبغي للمتشاورين أن<br />
يقول كل منهم ما عنده<br />
3<br />
ُث صاحب األمر يفعل ما ظهرت له مصلحة. وهللا أعلم[ .<br />
فالنووي فَرمق بني حكم الشورى ابلنسبة لألمة وابلنسبة للنيب صلى هللا عليه وسلم، فقال إهنا مستحبة يف حق األمة<br />
إبمجاع العلماء أي أهنا سنة يف حقنا، أما يف حق النيب صلى هللا عليه وسلم فهي واجبة، ُث ختم كالمه ببيان أهنا غري<br />
ملزمة بقوله ]إن صاحب األَمْر يفعل ما ظهرت له مصلحة[. والنووي هبذا جعل الوجوب من خصائ<br />
عليه وسلم وحكم بندهبا لألمة.<br />
النيب صلى هللا<br />
وقد قال اجلويين وابن تيمية وابن القيم إن حكم الشورى هو االستحباب، وستأِت أقواهلم إال أن القرطيب نقل القول<br />
ابلوجوب يف حق األمة عن ابن عطية وابن خُوَيْز مَنْدَاد يف تفسريه آلية آل عمران<br />
4<br />
فقال ابن خُوَيْز مَنْدَاد )واجب<br />
على الوالة مشاورة العلماء <strong>في</strong>ما ال يعلمون و<strong>في</strong>ما أشكل عليهم(، وقول ابن عطية أشد، وهو )والشورى من قواعد<br />
الشريعة وعزائم األحكام، ومن ال يستشري أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ماال خالف <strong>في</strong>ه(. قلت: أما اجياهبما<br />
املشاورة على الوالة فهذا معرتض مبا نقلته عن ابن حجر والنووي آنفا أن املشاورة مستحبة ليست واجبة، وأما قول<br />
ابن عطية: بعزل الوايل الذي ال يستشري، فهذا مل يقل به أحد، والعجب أنه يقول: إن هذا مما ال خالف <strong>في</strong>ه والكل<br />
على خالفه، وحيتاج الدليل من كتاب أو سنة أو إمجاع يؤيد الوجوب الذي قاله يف العزل، حيث قال )فعزله واجب(<br />
فكيف حكم ابلوجو بال دليل؟، وقد دلت النصوص على أن احلاكم ينعزل ابلكفر إمجاعا فهل ترى الشورى كفر<br />
أو حىت فسق، وراجع ما ينعزل به الإمام يف األحكام السلطانية للماوردي ص<br />
21<br />
17<br />
فلن جتد <strong>في</strong>ها ترك الشورى،<br />
وقال ابن حجر يف شرح حديث »من كره من أمريه شيئا فليصرب، فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية«<br />
004<br />
1<br />
- 2<br />
- )فتح الباري( ج 13 ص 341<br />
)فتح الباري( ج<br />
13 ص 148<br />
3<br />
4<br />
- )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 4 ص 76<br />
251<br />
- القرطيب 248 / 4
، 1 قال ابن حجر ]قال ابن بطال: يف احلديث حجة يف ترك افروج على السلطان ولو جار، وقد أمجع الفقهاء على<br />
وجوب طاعة السلطان املتغلب واجلهاد معه وأن طاعته خري من اخلروج عليه لِمَا يف ذلك من حَقْن الدماء وتسكني<br />
الدَمهْ اء وحجتهم هذا اخلرب وغريه مما يساعده ومل يستثنوا من ذلك إال إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فال جتوز<br />
طاعته يف ذلك بل جتب جماهدته ملن قدر عليها، وقال ابن حجر أيضا: فال<br />
2<br />
ارتكب الكفر[ .<br />
ينازعه مبا يقدح يف الوالية إال إذا<br />
خالصة القول: إن قول ابن عطية بوجوب عزل الوايل الذي ال يستشري هو خمالف لقول مجهور العلماء، وليس معه<br />
دليل يعضده. أما ما ذكره ابن خُوَيْز منداد وابن عطية )من وجوب مشاورة الوالة للعلماء <strong>في</strong>ما ال يعلمون( فهذا ال<br />
خالف <strong>في</strong>ه، خاصة <strong>في</strong>ما خيفى على الوايل من أحكام الشريعة، وكان أبو بكر وعمر رضي هللا عنهما يستشريان يف<br />
ذلك، وقد قال هللا تعاَل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُو َن{. وحنن هنا نتكلم عن الشورى يف املباحات<br />
ومسائل االجتهاد ال يف املسائل القطعية.<br />
قتله 3<br />
فالصواب: أن الشورى مندوبة مستحبة غري واجبة، وأقصى ما يقال إهنا سنة منكدة ويندر أن جتد عاقال جمراب عركته<br />
األايم والتجارب ال يشاور من معه، يك<strong>في</strong> أنك ابملشاورة أتخل خالقة عقول الرجال، وتضيف إىل عمرك أعمارا<br />
أخر، أال ترى أن احلكيم اجملرب يعطيك خالصة جتربة عمره يف كلمات يف دقائق؟ أال ترى أن الشريعة وردت ابلنهي<br />
عن قتل املرأة والشيخ الفاين واألعمى واملريض والراهب؟ إال من كان من هؤالء املذكورين ذا رأي يعني يف احلرب جاز<br />
وقال املتنيب:<br />
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو األول وهي قي المَحِ ل الثاني<br />
وقال ابن قدامة: ]ومن كان ذا رأي يعني يف ا ر جاز قتله، ألن الرأي يف احلرب أبلغ يف القتال وعنه يصدر<br />
القتال[ . 4 وهذا احلكم مستفاد من عدم إنكار النيب صلى هللا عليه وسلم قَتْلَ دريد بن الصُمّة يف غزوة حنني، وكان<br />
شيخا فانيا لكنه كان ذا رأي يف القتال.<br />
أما عن صفات املشري، فقد خلصها البخاري بقوله إهنم )األمناء من أهل العلم(. وقد قال هللا تعاَل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ<br />
6<br />
5<br />
الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُونَ } ، وقال سبحانه: { وَ ال يُنَب ِئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } ، وذكر املاوردي يف كتابه )أدب الدنيا<br />
والدين( يف ابب الشورى صفات املشري، فقال هي مخس خصال ]إحداهن: عقل كامل مع جتربة سالفة، الثانية: أن<br />
005<br />
1<br />
2<br />
- رواه البخاري عن ابن عباس مرفوعا<br />
- )فتح الباري( ج 13 ص 9 7،<br />
3<br />
4<br />
- املغين والشرح الكبري ج 11 ص 543<br />
- )الكايف( ج 4 ص 267<br />
- 5<br />
سورة النحل، اآلية:<br />
43<br />
وسورة األنبياء، اآلية:<br />
7<br />
6<br />
- سورة فاطر، اآلية:<br />
14
يكون<br />
ذا دين وتقي<br />
فإن ذلك عماد كل صالح، الثالثة: أن يكون<br />
انصحا ودودا غري حسود<br />
وال حقود وإايك<br />
ومشاورة النساء، الرابعة: أن يكون سليم الفكر مَن هَمٍّ قاطع وغَمٍّ شاغل، واخلامسة: أال يكون له يف األمر ا ملستشار<br />
غرني يتابعه وال هوى يساعده. أ ه ابختصار[.<br />
والنهي عن مشاورة النساء يدخل حتت احلديث الصحيح<br />
»لن ي ُفْلِح قوم وَلموْا أَمْرَهم امرأة«<br />
وال يشكل على هذا<br />
احلديث ما أشارت به السيدة أم سلمة على النيب صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية، إذ إن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
مل يبدأها بطلب املشورة، وما أشارت به رضي هللا عنها يدخل حتت حديث »الدين النصيحة«. مع التسليم بعصمته<br />
صلى هللا عليه وسلم من أن ي ُقَر على خطأ سواء كان املُشري به رجال أم امرأة، يدل على ذلك قوله صلى هللا عليه<br />
وسلم لعائشة وحلفصة رضي هللا عنهما<br />
1<br />
»إنكن ألننت صواحب يوسف« . وذلك لَما أَمَر صلى هللا عليه وسلم أن<br />
يُصَلِّي أبو بكر ابلناس يف مرضه صلى هللا عليه وسلم، فأشرن عليه بعمر، كذلك ينبغي التفريق بني ما شاع من األمور<br />
وعرفه اخلاص والعام وبني ما خ<strong>في</strong> منها.<br />
برأيه.<br />
وقد ورد منع إدخال النساء يف األمور العامة صرحيا <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: )لَبِثْ ُت<br />
صلى هللا عليه وسلم فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ فَنَزَلَ ي َوْمًا<br />
سَنَةً وَأَانَ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَنيِْ اللمتَنيِْ تَظَاهَرَاتَ عَلَى النميبِ ّ<br />
مَنْزِالً فَدَخَلَ األَرَاكَ فَلَما خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ُثُم قَالَ كُنما يفِ اجلَْاهِلِيمةِ ال ن َعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا فَلَما جَاءَ<br />
الإِسْالمُ وَذَكَرَهُنم اَّللمُ رَأَيْنَا هلَُنم بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقاا مِنْ غَريِْ أَنْ نُدْخِ لَهُنم يفِ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِانَ( . 2<br />
ِ<br />
ب - هل الشورى إذا تمت ملزمة لألمير؟<br />
أي إذا اتفق أهل الشورى كلهم أو أغلبهم على رأي، فهل جيب على األمري العمل هبذا الرأي أم يسعه خمالفته والعمل<br />
اجلواب: إن الشورى وإن كانت إمجاعية فهي غري ملزمة لألمري، وقد أَثر املعاصرون جدال كثريا حول هذه املسألة<br />
بَدْءا من الشيخ حممد عبده إَل يومنا هذا، والشيخ حممد عبده كان مفتوان ابملدنية األوربية، هو وتالميذه من مدرسة<br />
3<br />
اللورد كرومر أول مندوب سامي بريطاين مبصر وسبب حبثهم يف هذه املسألة وهي إلزام الشورى، هو تقليد النظام<br />
الدميقراطي الغريب حيث يقضي هذا ابلعمل برأي أغلبية أعضاء الربملان، الذين ينوبون عن األمة، تطبيقا ملبدأ سيادة<br />
األمة الذي تقوم عليه الدميقراطية، والنظام الدميقراطي هو نظام وضعي بشري يعين حكم الشعب ابلشعب أو<br />
"حاكمية اجلماهري" كما مساها أبو األعلى املودودي<br />
4<br />
ابلربملان، وما يُشَرِّعونه يصبح تشريعا ملزما جلميع الشعب، ولذلك<br />
فاملُشَرِّع يف النظام الدميقراطي هو الشعب ممثال يف أغلبية نوابه<br />
فالدميقراطية شرك ابهلل وكفر أكرب صريح، إذ<br />
- رواه البخاري<br />
- كتاب اللباس ابلبخاري، حديث<br />
5943<br />
- يراجع كتاب )الإجتاهات الوطنية يف األدب املعاصر( للدكتور حممد حممد حسني ج 2 ص 317271،272<br />
- رسالة الإسالم واملدنية احلديثة أليب األعلى ص 33، حيث قال أبو األعلى: إن الدميقراطية: هي أتليه الإنسان، وهي حاكمية اجلماهري. أ ه<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
006
تسلب حق التشريع من هللا وتعطيه للبشر، وقال تعاَل: }إِنْ الْحُكْمُ إِالَّ ّلِلِ َّ ِ أَمَرَ أَال تَعْبُدُوا إِال إِيَّاهُ{ ، 1 ويك<strong>في</strong> يف كفر<br />
الدميقراطية أن قرارات<br />
الربملان خترج مُصَدمرَة )ابسم الشعب( وليس )ابسم هللا( فهم قد وضعوا الشعب موضع هللا<br />
سبحانه، وهلذا فإن الدميقراطية هي من صور أتليه البشر من دون هللا، وقد حرمها هللا يف قوله تعاَل: }وَ ال يَتَّخِ ذَ<br />
2<br />
بَعْضُنَا بَعْض ًا أَرْ بَابًا مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ . وهذا النظام الشركي قد جلأت إليه األمم الكافرة كاليهود والنصارى بعد ما<br />
بَدملوا دينهم ومل يبق هلم شرع صحيح وهو أفضل هلم من احلكم الفردي االستبدادي. أما ابلنسبة للمسلمني فالتشريع<br />
هلل ُث لرسوله صلى هللا عليه وسلم، والسلطان إَّنا هو منفذ هلذه األحكام، وقلما جتد انزلة ليس هلا حكم يف الشريعة<br />
إما نصا وإما استنباطا. وما ال حكم له أو ما كان مباحا فأمره إَل الإمام له أن يشاور وبتخيري من آراء أهل الشورى<br />
أو يدعها ويعمل بنظره هو، وليس ألحد أن يلزمه ابلعمل برأي أهل الشورى وإن اتفقوا، وعلى األمة طاعة الإمام <strong>في</strong>ما<br />
يراه ما مل يكن معصية. والدليل على هلا ما يلي:<br />
أوال: لو افرتضنا جدال أن األمر يف قوله تعاَل: }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْرِ } هو للوجوب، فهذا يف مشروعية الشورى،<br />
ومل يرد نص إبلزام الشورى: أي بوجوب طاعة الإمام ألهل الشورى ومن قال إن الإلزام يُستفاد من الن السابق<br />
استنباطا وإال لكان<br />
األمر ابملشاورة عبثا، فنقول له أنت هبذا قد أتيت بزايدة مل تَرِد يف الن ، وكأن الن<br />
يقول:<br />
)وَشَاوِرْهُمْ يفِ األَمْرِ ُثُم أَطِعْهُم( وهذا هو العبث، فال يصح أن يكون هذا دليال على الوجوب. وحىت لو أجزان هذا<br />
االستنباط كدليل لوجوب إلزام الشورى فإنه ال يقوى على معارضة األمر بطاعة الإمام الواجبة ابلنصوص القطعية.<br />
<strong>في</strong>سقط ما ثبت ابالستنباط واإلشارة عندما يتعارني مع ما ثبت ابلنص القطعي، والثابت ابلنصوص الصرحية<br />
القطعية أن الشريعة أمرت الرعية بطاعة األمري، ومل أتمر األمري بطاعة الرعية وال بطاعة أهل الشورى. قال تعاَل:<br />
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُ ْم{ ، 3 فما مل يكن <strong>في</strong>ه حكم هلل ورسوله صلى هللا<br />
عليه وسلم جيب طاعة أويل األمر <strong>في</strong>ه والنزول على اجتهادهم ورأيهم <strong>في</strong>ه. وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من<br />
أطاعين فقد أطاع هللا، ومن عصاين فقد عصا هللا، ومن أطاع أمريي فقد أطاعين، ومن عصى أمريي فقد عصاين« . 4<br />
وعن ابن عمر مرفوعا: »السمع والطاعة على املرء <strong>في</strong>ما أحب أو كره، ما مل يؤمر مبعصية، فإذا أمر مبعصية فال مسع وال<br />
طاعة« ، 5 قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
»وكَرِه«<br />
يف هذا احلديث معناه: <strong>في</strong>ما َيمر به األمري من التكاليف الثقيلة<br />
على النفس مما ليس مبعصية كما يف حديث عبادة مرفوعا »مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا« ، 6 واألمري إَّنا يُبايع على الطاعة له.<br />
- سورة يوسف، اآلية:<br />
41<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
64<br />
58<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- متفق عليه<br />
- متفق عليه<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
007
بل إن األحاديث اآلمرة بطاعة األئمة متواترة وابلتايل هي نصوص قطعية، كما قال العالمة حممد بن جعفر الكتاين يف<br />
كتابه )نظم املتناثر من احلديث املتواتر( يف أبواب الإمامة قال: [<br />
176<br />
أحاديث األمر ابلطاعة لألئمة والنهي عن<br />
اخلروج عليهم: ذكر أبو الطيب القنوجي يف أتليف له مساه )العربة مما جاء يف الغزو والشهادة واهلجرة( أهنا متواترة،<br />
ونصه: طاعة األئمة واجبة إال يف معصية هللا ابتفاق السلف الصاحل لنصوص الكتاب العزيز واألحاديث املتواترة يف<br />
وجوب طاعة األئمة وهي كثرية، وال جيوز اخلروج عن طاعتهم بعدما حصل االتفاق عليهم ما أقاموا الصالة ومل يُظهروا<br />
كفرا بواحا إَل قوله وقد تواترت األحاديث يف النهي عن اخلروج على األئمة ما مل يظهر منهم الكفر البواح أو ترك<br />
الصالة، فإذا مل يظهر من الإمام األول أحد األمرين مل جيز افروج عليه وإن ابلغ يف الظلم أي مبلغ لكنه جيب أمره<br />
ابملعروف وهنيه عن املنكر حبسب االستطاعة أ ه [.<br />
ومن أصرح ما ورد يف هذا كالم شارح العقيدة الطحاوية حيث<br />
قال: ]وقد دلت نصوص الكتاب والسنة<br />
وإمجاع<br />
سلف األمة أن ويل األمر، وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع يف مواضع االجتهاد، وليس عليه<br />
أن يطيع أتباعه يف موارد االجتهاد، بل عليهم طاعته يف ذلك، وترك رأيهم لرأيه، فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف،<br />
ومفسدة الفرقة واالختالف، أعظم من أمر املسائل اجلزئية[ . 1<br />
اثنيا: وردت الشريعة بتعيني إمام واحد للمسلمني، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »إذا بويع خلليفتني فاقتلوا<br />
2<br />
اآلخر منهما« . وملسلم عن عبد هللا بن عمرو مرفوعا<br />
»ومن ابيع إماما فأعطاه صفقة يده ومثره قلبه فليطعه<br />
إن<br />
استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق اآلخر«، وملسلم أيضا عن عرفجة مرفوعا »من أاتكم وأمركم مجيع على<br />
رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه«. والإمام هو السلطة اآلمرة العليا يف األمة املسلمة، فلو<br />
قلنا أبن الشورى ملزمة له وابلتايل لألمة، لقلنا جبواز تعدد السلطة العليا يف األمة وجبواز تعيني خليفتني، وهذا خالف<br />
مقتضى الشريعة.<br />
فالقول ببطالن إلزام الشورى بناء على القول ببطالن تعيني إمامني للمسلمني هو عندي استنباط جيد يدل على<br />
أن الشورى غري ملزمة لإلمام، بل على األمة وأهل الشورى إلزام أمر الإمام وهنيه. ومل أجد من نبه على هذا الإستنباط<br />
من قبل <strong>في</strong>ما أعلم. فلله احلمد واملنة.<br />
اثلَا: علماء السلف الذين أفردوا السياسة الشرعية ابلتصنيف مل يتكلم أحد منهم عن كون الشورى ملزمة لإلمام، نعم<br />
منهم من تكلم عن مشروعية الشورى ورأي اجلمهور أهنا مندوبة مستحبة، أما إلزام الشورى فلم يبحَوه.<br />
فالإمام املاوردي كان إمام الشافعية يف عصره وتوَل منصب قاضي القضاة، وكذلك القاضي أبو يعلى إمام احلنابلة يف<br />
زمانه، كالمها عاش يف القرن اخلامس اهلجري أي كان عمر دولة الإسالم ما يزيد عن أربعة قرون، وكالمها صنف كتااب<br />
يف األحكام السلطانية، ومل يتكلما عن الشورى كواجب على اإلمام أو عن كوهنا ملزمة له، وإَّنا ذكراها <strong>في</strong>ما يلزم<br />
- )شرح العقيدة الطحاوية( ط املكتب الإسالمي 1413ه ص 424<br />
- رواه مسلم عن أيب سعيد<br />
1<br />
2<br />
008
أمري اجليش من سياسة اجلند . 1 بل قد قال املاوردي ما يدل على أن الشورى مستحبة غري واجبة لإلمام، فقال: ]فإذا<br />
أراد الإمام أن يعهد هبا أي ابلإمامة من بعده فعليه أن جيهد رأيه يف األحق هبا واألقوم بشروطها، فإذا تعني له<br />
االجتهاد يف واحد نظر <strong>في</strong>ه، فإن مل يكن ولدا وال والدا جاز له أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه وغن مل<br />
2<br />
يستشر <strong>في</strong>ه أحدًا من أهل الإختيار[ .<br />
وإما احلرمني اجلويين كان معاصرا هلما وصنف كتااب على َّنط آخر يف السياسة الشرعية وهو )الغِياثي أو غِيَاث األمم<br />
3<br />
يف التياث الظلم(، وقد هاجم يف كتابه هذا املاوردي هجوما شديدا ، ورغم تتبعه ألخطاء املاوردي كتجويزه تولية<br />
الذمي وزارة التن<strong>في</strong>ذ، إال أن اجلويين مل يستدرك على املاوردي عدم حبثه ملسألة الشورى يف حق الإمام، واجلويين نفسه<br />
لن يوجب الشورى على الإمام وال ألزمه ابلعمل مبقتضاها، كما يتضح من كالمه التايل: قال ]وقد نَدَبَ هللا رسوله<br />
عليه السالم إَل الإستشارة فقال }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األْ َمْ ِر{!!<br />
والتشاور يف املعضالت.<br />
وحنن نرى لإلمام<br />
وال منافاة بني بلوغ الرتبة العليا يف العلوم وبني التناظر<br />
املستجمع خالل الكمال، البالغ مبلغ االستقالل أال يغقل االستضاءة يف الإابلة وأحكام الشرع<br />
بعقول الرجال فإن صاحب االستبداد ال َيمن احلَيْدَ عن سَنَن السداد، ومن وُفِّق لإلستعداد من علوم العلماء، كان<br />
حراي ابالستداد، ولزوم طريق االقتصاد.<br />
وسر الإمامة استتباع اآلراء، ومجعها على رأي صائب ومن ضرورة ذلك استقالل الإمام، ُث هو حمثوث على استفادة<br />
مزااي القرائح، وتلقي الفوائد والزوائد منها، فإن يف كل عقل مزية، ولكن اختالف اآلراء مفسدة لإمضاء األمور، فإذا<br />
حبث عن اآلراء إمام جمتهد، وعرضها على علمه الغزير، ون َقَدَها ابلسرب والفكر األصوب من وجوه الرأي كان جالبا إَل<br />
املسلمني مثرات العقول، ودافعا عنهم غائلة التباين واالختالف فكأن املسلمني يتحدون بنظر الإمام وحسن تدبريه،<br />
وفحصه وتنقريه، والبد على كل حال من كون الإمام متبوعا غري اتبع ولو مل يكن يف دين هللا، للزمه تقليد العلماء<br />
4<br />
واتباعهم، وارتقاب أمرهم، وهنيهم وإثباهتم، ون<strong>في</strong>هم وهذا يناقض منصب الإمامة، ومرتبة الزعامة[ .<br />
فقد ذكر اجلويين كجمهور العلماء أن األمر يف قوله تعاَل: }وَ شَاوِرْ هُ ْم{ هو للندب، هذا يف مشروعية الشورى،<br />
أما إلزام الإمام ابلعمل برأي الشورى فقد أنكره اجلويين بقوله: ]والبد على كل حال من كون الإمام متبوعا غري اتبع[.<br />
وشيخ الإسالم ابن تيمية على علو منزلته يف كتابه عن السياسة الشرعية، ورغم أنه عاش يف القرنني السابع والثامن<br />
اهلجري، وعاصر زوال اخلالفة العباسية من بغداد على أيدي الترت وعاصر الكثري من الفنت اليت كانت بني األمراء،<br />
أقول رغم ذلك فإنه مل يتكلم عن مسألة إلزام الشورى وإَّنا تكلم عن مسألة مشروعية الشورى ومل يوجبها على األمري،<br />
009<br />
1<br />
11 ص- 2<br />
3<br />
- األحكام السلطانية للماوردي ص 43، األحكام السلطانية أليب يعلى ص 45<br />
432<br />
313<br />
- الفقرات 232<br />
2 طبعة<br />
99 96 ص - 4<br />
حتقيق د عبد العظيم الديب
وأقصى ما قاله يف ذلك ]ال غِىنَ<br />
استحباب[<br />
لوال األمر عن املشاورة...[<br />
1<br />
. 2<br />
على أنه صرح يف موضع آخر على أنه: ]أمر<br />
3<br />
وابالستحباب قال ابن القيم، حيث ذكر يف الفوائد الفقهية لقصة احلديبية قال رمحه هللا: ]ومنها استحبا مشورة<br />
الإمام رعيته وجيشه استخراجا لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم، وأَمْنا لعَتَبِهم، وتعرفا ملصلحة خيت<br />
بعلمها بعضهم<br />
دون البعض، وامتثاال لقول الرب يف قوله: }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْ ِر{ وقد مدح سبحانه وتعاَل عباده بقوله: }وَ أَمْرُ هُ ْم<br />
شُورَ ى بَيْنَهُمْ{ [.<br />
وأمهات كتب الفقه مل تتكلم عن الشورى يف حق الإمام، وإَّنا ذكرهتا يف حق القاضي على وجه االستحباب أيضا،<br />
وهذا يف املشروعية ال الإلزام حيث قال ابن قدامة: [ )مسألة( )قال وإذا نزل به األمر املُشكِل عليه مثلُه شاور <strong>في</strong>ه أهل<br />
العلم واألمانة( إَل قوله فإن<br />
4<br />
األَمْرِ ]..} .<br />
احتاج إىل االجتهاد استحب له أن يشاور<br />
لقول هللا تعاَل: }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي<br />
رابعا: ذكرت يف )َثلثا( أن علماء السلف مل يتكلموا عن إلزام الشورى لإلمام، وأقول هنا بل الثابت عنهم خالف<br />
ذلك وهو إلزام رأي اإلمام يف األمور افال<strong>في</strong>ة االجتهادية لألمة مجيعا،<br />
ويد لْز م األمة وأهل الشورى النزول على<br />
اجتهاده<br />
رأيه وطاعته يف ، ومن ذلك ما ذكره ابن أيب العز احلن<strong>في</strong> شارح العقيدة الطحاوية، حيث قال ]وقد دلت<br />
نصوص الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر، وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع<br />
يف مواضع االجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه يف موارد االجتهاد، بل عليهم طاعته يف ذلك، وترك رأيهم لرأيه،<br />
5<br />
فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف، ومفسدة الفرقة واالختالف، أعظم من أمر املسائل اجلزئية[ .<br />
أال ترى قول الشارح أن الكتاب والسنة والإمجاع قد قرروا على أن األتباع طاعة ويل األمر يف موارد االجتهاد )أي<br />
حيث ال حكم شرعي َثبتًا مقررًا( وأن عليهم ترك رأيهم لرأيه.<br />
فمن قال بعد ذلك إن الشورى ملزمة فاعلم أنه ُمالف للكتا والسنة وإمجاع السلف هذا يف الإلزام، أما من قال<br />
ابلوجوب فهذا أمر قد اختلف <strong>في</strong>ه علماء السلف واجلمهور على االستحبا<br />
.<br />
021<br />
1<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 396<br />
397<br />
الفتاوى ج - 2<br />
16 ص 37<br />
3<br />
- زاد املعاد ج 2 ص 127<br />
- 4 )املغين والشرح الكبري( كتاب القضاء ج 11 ص 385<br />
389<br />
5<br />
- )شرح العقيدة الطحاوية( ط 7 املكتب الإسالمي 1413ه ص 424
تنبيه:<br />
املُحْدَثون الذين ينادون إبلزام الشورى لإلمام ويتحايلون على األدلة الشرعية لإثبات ذلك يعللون مذهبهم ابلرغبة يف<br />
احلد من استبداد احلكام. وكأهنم يستدركون على هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم }وَ مَا كَا َن<br />
1<br />
رَ بُّكَ نَسِيًّا{ ، وقال<br />
تعاَل: }الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُ ْم{ ، 2 واحلاكم الطاغية املستبد لن يوقفه إلزام الشورى وال غريه، بل حنن نرى الطواغيت<br />
الذين حيكمون املسلمني ابلشرائع الكفرية يدعون أهنم يستندون يف شرعية حكمهم على رأي الشورى وأهنم حيرتمون<br />
الدميقراطية، وهم يصنعون الربملاانت واألغلبية ابلتزوير، واخلداع وإذا أعياهم هذا جلأوا إَل البطش والتنكيل واألحكام<br />
العر<strong>في</strong>ة. فما فائدة الشورى مع هؤالء؟.<br />
فإذا حتدثنا عن دولة الإسالم نقول إن تقرير مبدأ إلزام الشورى هبا يفتح أبوااب للشر أشد من جَوْر احلاكم. إذ إنه<br />
سيندي إىل تعدد السلطة اآلمرة العليا يف األمة، وقال تعاَل: }لَوْ كَانَ قِيهِمَا آلِهَةٌ إِالَّ َّللاَّ ُ لَفَسَدَتَا{ ، 3 واستدل<br />
املاوردي ابآلية على إبطال نصب إمامني للمسلمني . 4 فتعدد السلطة يؤدي إَل التعارض والفساد وتظهر تبعا لذلك<br />
الدسائس احلزبية املختلفة يف جملس الشورى لضمان األغلبية لرأي ما، وهذا نراه حىت يف التجمعات الإسالمية اليت<br />
تعتمد مبدأ األغلبية للبث يف األمور، ويرتتب على التمحَزُّب داخل جملس الشورى التحزب يف األمة إذ كل رأي سيجد<br />
له أنصارا ُث العداوة والتناحر بني األحزاب وغري ذلك من املفاسد احلزبية املعروفة. وأختم هذه العجالة بقويل إن ويل<br />
األمر املسلم يعلم أنه مُقَيمد يف أغلب تصرفاته يف الرعية أبحكام شرعية مستقرة. وأن ما هو ُمري <strong>في</strong>ه مقيد مبصلحة<br />
الرعية ال هبوى نفسه. كما اتفق الفقهاء على أن الإمام يكون خمريا يف التصرف يف األسرى ختيري مصلحة ال ختيري<br />
شهوة وهوى. والقاعدة الشرعية تقول: ]التصرف على الرعية منوط ابملصلحة[ أي إن نفاذ تصرفات الراعي ولزومه<br />
عليهم شاؤوا أو أَبَوا معلق ومتوقف على وجود الثمرة واملنفعة يف ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية. فإن تضمّن<br />
منفعةً ما وجب عليهم تن<strong>في</strong>ذه، وإال رُدّ ألن الراعي انظر، وتصرفه حينئذ مرتدد بني الضرر والعبث، وكالمها ليس من<br />
النظر يف شيء. واملراد ابلراعي: كل من وَيلِ َ أَمرا من األمور العامة، عاما كان كالسلطان األعظم، أو خاصا كمن دونه<br />
من العمال، فإن نفاذ تصرفات كل منهم على العامة مرتتب على وجود املنفعة يف ضمنها، ألنه مأمور من قِبَل الشارع<br />
صلى هللا عليه وسلم أن حيوطهم ابلنصح، ومُتَوَعمد من قبله على ترك ذلك أبعظم وعيد، ولفظ احلديث أو معناه<br />
»من وَيلِ َ من أمور هذه األمة عمال فلم حيطها بنصح مل ي َرَح رائحة اجلنة«<br />
5<br />
اه .<br />
1<br />
- سورة مرمي، اآلية<br />
64<br />
2<br />
- سورة املائدة، اآلية:<br />
3<br />
3<br />
- سورة األنبياء، اآلية:<br />
22<br />
4<br />
5<br />
- األحكام السلطانية ص 27<br />
-<br />
)حديث<br />
من كتاب )شرح القواعد الفقهية( للشيخ أمحد الزرقا، ط<br />
1، القاعدة 57 ص 247 واحلديث املذكور مبعناه رواه البخاري عن معقل بن يسار<br />
) 7151<br />
7151<br />
020
وافالصة: أن الشورى سنة مؤكدة ومن هدي النيب صلى هللا عليه وسلم، وعلى ويل األمر أن يتخري من اآلراء ما <strong>في</strong>ه<br />
اخلري واملصلحة للرعية حسب القاعدة الفقهية السابقة. أما من حيث الوجوب والإلزام، فالشورى مندوبة غري واجبة<br />
وغري ملزمة بل على الرعية طاعة ويل األمر يف رأيه واجتهاده ما مل يكن معصية صرحية، وذلك بنصوص الكتا<br />
والسنة واتفاق سلف األمة.<br />
مالحظة: ليس الغرض من العجالة السابقة حبث موضوع الشورى على التفصيل الذي يقتضي ذكر أدلة املخالف والرد<br />
عليها، ولعلي أفعل إن شاء هللا، والذي جيب أن يعرفه األخ املسلم أن عشرات الكتب املعاصرة اليت حبثت املوضوع قد<br />
استدلت أبدلة عقلية ال ت<strong>في</strong>د حالال أو حراما أو أبدلة شرعية وهذه ابلتايل إما ليست على صلة مبوضوع الشورى فال<br />
تلزمنا وإما على صلة مباشرة وهذه ليس <strong>في</strong>ها دليل صحيح النقل بصيغة األمر إال آية آل عمران كما ذكرت، أما آية<br />
سورة الشورى }وَ أَمْرُ هُمْ شُورَ ى بَيْنَهُ ْم{ فهذه صيغة خربية وليست صيغة أمر، وردت مبدح املتشاورين وليست<br />
صيغة طلب صريح كما هي آية آل عمران.<br />
وما نُقل عن علماء السلف من وجوب الشورى كما نقله القرطيب عن ابن عطية وابن خُوَيْز مَنْداد<br />
1<br />
فهو معارَض برأي<br />
مجهور العلماء كما قال النووي وابن حجر وابن تيمية وابن القيم واجلويين حيث اتفقوا مجيعا على أن الشورى<br />
مستحبة غري واجبة، وهذا اخلالف كما ذكرت من قبل هو يف مشروعية الشورى ال إلزامها.<br />
وسرتى يف كتب بعض املعاصرين ضجيجا وصخبا واستدالالت عقلية حملاولة جعل الشورى واجبة على احلاكم وملزمة<br />
له، تَشَبُّها أبشياعهم من الفرُنة، ودفعا لتهمة الرجعية واالستبداد عن الإسالم، ولثبتوا للفرُنة أن الإسالم كان سَبماقا<br />
إَل األخذ ابلدميقراطية، حىت إن بعض هؤالء صنف كتااب ابسم )دميقراطية الإسالم(، وسرتى يف كتبهم كالما مُنَمقا<br />
مثل )نظرية سيادة األمة واألمة مصدر السلطات، ومبدأ الفصل بني السلطات، وتوازن القوى داخل الدولة.. اخل، فال<br />
ي َهُولَنمك ضجيج هؤالء وال كالمهم املنمق، ولكن أحبث يف كالمهم عما استدلوا به من األدلة الشرعية، وما عداها من<br />
كالم الرجال فال حجة <strong>في</strong>ه وال نتعبد به ربنا، فإن وجدت مثَمت دليل شرعي، فلن خيرج عما قلت أعاله. ويف شأن<br />
هنالء املتفرجنني يقول العالمة أمحد شاكر رمحه هللا ]وهذه اآلية }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْ ِر{، واآلية }وَ أَمْرُ هُمْ شُورَ ى<br />
بَيْنَهُمْ{، اختذمها الالعبون ابلدين يف هلا العصر من العلماء وغريهم عدهتم يف التضليل ابلتأويل، ليواطؤا صنع<br />
الإفرنج يف منهج النظام الدستوري الذي يزعمونه، واللي خيدعون الناس بتسميته "النظام الدميقراطي" فاصطنع<br />
هؤالء الالعبون شعارا من هاتني اآليتني، خيدعون به الشعوب الإسالمية أو املنتسبة لإلسالم. يقولون كلمة حق يراد<br />
هبا الباطل: "الإسالم َيمر ابلشورى" وحنو ذلك من األلفاظ.<br />
وحقا إن الإسالم َيمر ابلشورى. ولكن أي شورى َيمر هبا الإسالم؟ إن هللا سبحانه يقول لرسوله صلى هللا عليه وسلم<br />
: }وَ شَاوِرْ هُمْ قِي األَمْرِ قَإِذَا عَزَ مْتَ قَتَوَ كَّلْ عَلَى َّللاَّ ِ{. ومعىن اآلية واضح صريح، ال حيتاج إَل تفسري، وال حيتمل<br />
التأويل. فهو أَمرٌ للرسول صلى هللا عليه وسلم، ُث يكون ملن ويل األمر من بعده: أن يستعرني آراء أصحابه اللين<br />
251<br />
- القرطيب 248 /4<br />
1<br />
022
يراهم موضع الرأي الذين هم أولوا األحالم والنهى، يف املسائل اليت تكون موضع تبادل اآلراء وموضع االجتهاد<br />
يف التطبيق ُث خيتار من بينها ما يراه حقا أو صوااب أو مصلحة، <strong>في</strong>عزم على إنفاذه، غري متقيد برأي فريق معني، وال<br />
برأي عدد حمدود، وال برأي أكثرية، وال برأي أقلية، فإذا عزم توكل على هللا، وأنفذ العزم على ما ارهآه.<br />
ومن املفهوم البديهي الذي ال حيتاج إَل دليل أن الذين أمر الرسول مبشاورهتم وَيِت به <strong>في</strong>ه من يلي األمر من بعده هم<br />
الرجال الصا ون<br />
القائمون على حدود هللا املتقون هلل املقيمو الصالة، املؤدو الزكاة، اجملاهدون يف سبيل هللا، الذين<br />
قال <strong>في</strong>هم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ليلين منكم أولو األحالم والنهى« ليسوا هم امللحدين وال احملاربني لدين<br />
هللا وال الفجار الذين ال يتورعون عن منكر، وال الذين يزعمون أن هلم أن يضعوا شرائع وقوانني ختالف دين هللا، وهتدم<br />
شريعة الإسالم. هؤالء وأولئك<br />
وتبادل اآلراء.<br />
من بني كافر وفاسق<br />
موضعهم حتت السيف أو السوط،<br />
ال موضع االستشارة<br />
واآلية األخرى، آية سورة الشورى كمثل هذه اآلية وضوحا وبياان وصراحة: }وَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَ ب ِهِمْ وَ أَقَامُوا الصَّالةَ<br />
1<br />
وَ أَمْرُ هُمْ شُورَ ى بَيْنَهُمْ وَ ِممَّا رَ زَ قْنَاهُمْ يُنْفِقُو َن{ . ُث هي ما كانت خاصة بطرق احلكم وأنظمة الدولة. إَّنا هي يف<br />
خلق املؤمنني الطائعني املتبعني أمر رهبم: أن من خلقهم أن يتشاوروا يف شؤوهنم اخلاصة والعامة، ليكون ديدهنم التعاون<br />
والتساند يف شأهنم كله. وجمال القول ذو سعة و<strong>في</strong>ما قلنا عربة وعظة وكفاية، إن شاء هللا[ أ ه<br />
2<br />
.<br />
تنبيه: عن تطبيق الشورى <strong>في</strong> دولة اإلسالم.<br />
قد يتساءل القارئ الكرمي بعد ما ذكرته يف حكم الشورى. هل معىن هذا أن تقوم دولة الإسالم إن شاء هللا تعاَل على<br />
غري شورى؟<br />
وأجيب بعون هللا وتو<strong>في</strong>قه: ال،<br />
للحاكم املسلم يلزمه لإبداء الرأي جملسني:<br />
جملسا للخرباء<br />
بل الرأي عندي وهللا أعلم ابحلق أنه ابلإضافة إَل السلطة التن<strong>في</strong>ذية )الوزراء( املعاونة<br />
يضم خنبة العلماء املتخصصني يف الدولة، وجملسا للعرفاء يضم رؤساء الناس وممثلني عن مجيع أبناء<br />
األمة. ومن جمموع هلين اجمللسني يتكون جملس الشورى اإلسالمي.<br />
األول: جملس افرباء: من العلماء املتخصصني يف علوم الدين وعلوم الدنيا، ودليله سنة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
يف الشورى وسنة اخللفاء الراشدين املهديني كما قال البخاري رمحه هللا )وكانت األمة بعد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا أبسهلها، فإذا وضح الكتاب والسنة مل يتعدوه إَل غريه<br />
3<br />
إقتداء ابلنيب صلى هللا عليه وسلم ) .<br />
023<br />
- 1<br />
2<br />
سورة الشورى، اآلية: 39<br />
- )عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري( ج 3 ص 64<br />
65<br />
3<br />
- ابب 29 من كتاب االعتصام بصحيح البخاري.
و)كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر يف كتاب هللا، فإن وجد <strong>في</strong>ه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من<br />
سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قضى به، وإن مل يعلم خرج فسأل املسلمني عن السنمة، فإن أعياه ذلك دعا<br />
1<br />
رؤوس املسلمني وعلماءهم واستشارهم، وأن عمر بن اخلطاب كان يفعل ذلك( .<br />
2<br />
وقال البخاري )وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهوال كانوا أو شباان، وكان وَقمافا عند كتاب هللا عز وجل( .<br />
فالشورى يف اإلسالم ألهل العلم ال للعامة، لألدلة السابقة حيث قال )يستشريون األمناء من أهل العلم(، وقال عن<br />
أيب بكر )دعا رؤوس املسلمني وعلماءهم(، وقال عن عمر)وكان القراء( وهم علماء الصحابة. وهناك أدلة أخر تبني<br />
أنه ال يستشار إال أهل العلم واخلربة منها:<br />
= 1<br />
= 2<br />
=<br />
3<br />
قوله تعاَل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُو َن{ 3<br />
قوله تعاَل: { وَ ال يُنَب ِئُكَ مِثْلُ خَبِي ٍر{4<br />
قوله تعاَل: }وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ األَمْنِ أَوْ الْخَوْ فِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي<br />
األَمْ ِر<br />
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ ، 5 إذ الرد إَل الكتاب والسنة معناه الرد إَل العلماء املتفقهني <strong>في</strong>هما،<br />
ونفس املعىن يف قوله تعاَل: }وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ قِيهِ مِنْ شَيْءٍ قَحُكْمُهُ إِلَى َّللاَّ ِ{ 6 .<br />
= 4<br />
وروى البخاري عن ابن عباس: أن عبد الرمحن بن عوف قال له مبىن يف آخر حجة حجها عمر )لَوْ شَهِدْ َت<br />
أَمِريَ الْمُؤْمِنِنيَ أَاتَهُ رَجُلٌ قَالَ إِنم فُالانً ي َقُولُ لَوْ مَاتَ أَمِريُ الْمُؤْمِنِنيَ لَبَاي َعْنَا فُالانً فَقَالَ عُمَرُ ألَقُومَنم الْعَشِ يمةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُالِء<br />
الرمهْطَ المذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ ي َغْصِبُوهُمْ قُلْتُ أي ابن عوف<br />
ال تد فْع لْ ف إِن الْم وْسِ م جي ْم عُ ر ع اع الن ا ِس<br />
ي َغْلِبُونَ عَلَى<br />
جمَْلِسِ كَ فَأَخَافُ أَنْ ال ي ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِريُ هبَِا كُلُّ مُطِريٍ فَأَمْهِلْ حَىتم تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ اهلِْجْرَةِ وَدَارَ السُّنمِة<br />
مِن الْمُه اجِ رِين و األ نْص اِر فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَي ُنْزِلُوهَا ِ اّلل صلى هللا عليه وسلم عَلَى وَجْهِهَا<br />
فد ت خْلُص أبِ صْح ا ِ ر سُولِ<br />
7<br />
فَقَالَ وَاَّللمِ ألَقُومَنم بِهِ يفِ أَوملِ مَقَامٍ أَقُومُهُ ابِلْمَدِينَةِ( . ووجه الداللة يف هذا احلديث هو نصيحة ابن عوف لعمر بن<br />
اخلطاب بعدم الكالم يف هذا األمر يف موسم احلج أمام العامة، وأن ينتظر حىت يعود إَل املدينة <strong>في</strong>تكلم <strong>في</strong>ه مع<br />
024<br />
-<br />
1<br />
أخرجه البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران كما قال ابن حجر )فتح الباري ج<br />
13 ص 342<br />
-<br />
29 ابب 2<br />
من كتاب االعتصام ابلصحيح، وهو جزء من حديث ابن عباس<br />
اخلوارج إال أهنم مل يكونوا قد ظهروا بعد يف خالفة عمر. انظر حديث<br />
7296<br />
7112<br />
والقراء هم علماء الصحابة، ]ويطلق هذا اللفظ أيضا على<br />
ابلبخاري وشرحه )فتح الباري ج<br />
13 ص .)73 ]<br />
3<br />
- سورة النحل، اآلية:<br />
43 واألنبياء، اآلية: 7<br />
4<br />
- سورة فاطر، اآلية:<br />
14<br />
5<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
93<br />
- 6<br />
سورة الشورى: اآلية:<br />
11<br />
- حديث 7323 6931<br />
7
الصحابة من املهاجرين واألنصار، فهم أهل العلم املؤهلني للشورى بداللة<br />
مَقَالَتَكَ وَي ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا( رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
= 5<br />
وصف ابن عوف هلم بقوله )فَيَحْفَظُوا<br />
وقريب من احلديث السابق، حديث مشاورة عمر ملن معه بشأن الطاعون الذي وقع ابلشام عند مقدمِه إليها،<br />
وقد سبق احلديث بتمامه.<br />
و<strong>في</strong>ه أن عمر استشار املهاجرين األولني واألنصار وهم<br />
املُسِ نُّون أهل افربة والتجار<br />
1<br />
.<br />
= 6<br />
وقال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{<br />
ضُيِّعَتِ األَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السماعَةَ قِيلَ وَكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟<br />
العلماء املختصون كما سبق.<br />
= 7<br />
أهل الفضل يف العلم والدين، واستشار مشيخة قريش وهم<br />
2<br />
، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »إِذَا<br />
3<br />
قَالَ إِذَا وُسِّ دَ األَمْرُ إَِلَ غَريِْ أَهْلِِه« . وأهل أمانة الشورى مها<br />
ولقوله صلى هللا عليه وسلم : »إِنم اَّللمَ ال ي َقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ي َنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ ي َقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاِء<br />
حَىتم إِذَا ملَْ ي ُبْقِ عَالِمًا اختمَذَ النماسُ رُءُوسًا جُهماال فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَريِْ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا« . ف<strong>في</strong> هذا احلديث أنه ال<br />
يُسأل إال العلماء، وأن تَصَدُّرَ اجلهال ألمور الناس هو الضالل.<br />
4<br />
هذا <strong>في</strong>ما يتعلق مبجلس اخلرباء وصفة أعضائه اليت تؤهلهم للشورى وهي صفة العلم واخلربة.<br />
الَاين:<br />
جملس العرفاء أو النقباء، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
وهذا اجمللس يضم<br />
5<br />
»ارْجِ عُوا حَىتم ي َرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ« ،<br />
ممثلني جلميع أبناء األمة، وعن طريقه يتعرف احلاكم على مطالب الناس واحتياجاهتم ورأيهم يف<br />
أعمال احلكومة ومشاريعها ووجه النفع أو الضرر <strong>في</strong>ها، <strong>في</strong>تعرف بذلك على النافع للناس وحيدد أولوايته حسب<br />
أولوايته وما إَل ذلك.<br />
وخيتلف جملس العرفاء عن جملس افرباء<br />
يف أن األول<br />
الناس، ِبالف الثاين فإن اخلرباء ليسوا ممثلني عن األمة بل ممثلني لقِمة التخص<br />
يضم ممثلني لألمة وال يشرتط <strong>في</strong>هم العلم بل الدراية أبحوال<br />
يف شىت فروع العلم الديين والدنيوي.<br />
ويشبه جملس العرفاء جملس النواب اجلاهلي يف وجه وهو أن أعضاءه ممثلون جلميع األمة، وخيتلف عنه يف أربعة أوجه<br />
وهي صفات األعضاء وكي<strong>في</strong>ة اختيارهم ومن له حق اختيارهم وسلطاهتم:<br />
فمن انحية صفات األعضاء يشرتط يف العرفاء العدالة بشروطها اجلامعة فهم سفراء بني الإمام والرعية وال نصيب <strong>في</strong>ها<br />
المرأة وال لكافر )أو ذمي( وال لفاسق، وكل هذا ال يراعى يف صفات النواب.<br />
025<br />
1<br />
2<br />
- انظر فتح الباري ج 11 ص 181<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
59<br />
3<br />
4<br />
- 5<br />
- راوه البخاري عن أيب هريرة<br />
- متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو<br />
رواه البخاري
ومن انحية كي<strong>في</strong>ة االختيار، فالعرفاء هلم حاالن: أ= أن يكون ال خالف يف فضلهم وتقدميهم يف مناطقهم فهؤالء<br />
ي ُعَيمنون من جهة الإمام. ب= أن يتعدد الصاحلون ويتكافاؤا، <strong>في</strong>ختار الإمام أحدهم وإذا ختلى الإمام عن حقه يف هذا،<br />
<strong>في</strong>ُختار أحدهم إما ابلقرعة وإما ابالنتخاابت )التصويت( على أال يشارك يف االنتخاب إال العدول، ستأِت األدلة على<br />
شرعية القرعة واالنتخاب. أما النواب <strong>في</strong>ختارون ابالنتخاب إلزاما.<br />
ومن انحية من له حق االختيار، فالعرفاء خيتارهم الإمام وإذا فوض ذلك إَل الرعية ابالنتخاب يف بعض املناطق فال<br />
يشارك يف االنتخاب إال العدول من الرجال، أما النواب <strong>في</strong>ختارهم الشعب ابالنتخاب وال يراعون العدالة يف املشاركني<br />
يف االنتخاب.<br />
ومن انحية السلطات فهلا هو أهم الفروق بني العرفاء والنوا<br />
، فالعرفاء ما هم إال سفراء بني الإمام والرعية كما<br />
ب َيمنْتُه يف عمل هذا اجمللس أعاله، أما النواب يف الربملاانت اجلاهلية فهم آهلة وهم األرابب للناس من دون هللا املذكورون<br />
1<br />
يف قوله تعاَل: }وَ ال يَتَّخِ ذَ بَعْضُنَا بَعْض ًا أَرْ بَابًا مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ ، فهم السلطة التشريعية يف األمة وما يصدرونه من<br />
تشريعات أاي كانت تصبح شرعا مُلْزِما جلميع األمة كما تقضي بذلك الدميقراطية، ذلك الدين اجلديد الذي ارتد<br />
كثري من الناس ابعتناقه.<br />
وهللا فنحن نقطع بتحرمي املشاركة<br />
يف انتخاابت هذه الربملاانت أبي شكل سواء كان<br />
ابلرتشيح هلا أو املشاركة يف التصويت أو ابلدعاية للمرشحني وغري ذلك، ففاعل هذا هو إما واقع يف الكفر، أو موال<br />
2<br />
للكافرين انصر ألنظمتهم وقال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُ ْم{ ، أو معني على الإُث وقال تعاَل: }وَ ال<br />
3<br />
تَعَاوَ نُوا عَلَى اإلِ ثْمِ وَ الْعُدْوَ انِ } . وال ي ُقْبَل يف هذا أي أتوّل كالقول ابملصلحة إذ املصلحة ولو حتققت شروطها<br />
الشرعية اجتهاد، وال اجتهاد مع الن ، أو القول حبسن نية املشارك يف هذه االنتخاابت، إذ قد أمجع أهل العلم على<br />
أن النية ال حتُ ل احلرام ولبسط القول يف هذه املسألة موضع آخر إن شاء هللا تعاَل.<br />
أما عن دليلي على تشكيل جملس العرفاء وتسميته، فهو ما ذكره البخاري يف كتاب األحكام )ابب العرفاء على<br />
الناس( حيث قال هلم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم للناس ملا حَثمهم على رد سيب هوزان بعد غزوة حنني ِ )إِينّ ال<br />
أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ ممِمنْ ملَْ َيَْذَنْ فَارْجِ عُوا حَىتم ي َرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النماسُ فَكَلممَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ فَرَجَعُوا إََِل<br />
رَسُولِ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم فَأَخْربَُوهُ أَنم النماسَ قَدْ طَيمبُوا وَأَذِنُوا(.<br />
والعريف<br />
هو القائم أبمر الناس، ومسي بذلك<br />
لكونه يتعرف أمورهم حىت ي ُعَرِّف هبا من فوقه عند االحتياج، قال ابن حجر ]قال ابن بطال يف احلديث مشروعية<br />
إقامة العرفاء ألن الإمام ال ميكنه أن يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه، قال،<br />
واألمر والنهي إذا توجمه إَل اجلميع يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفا مل يسع<br />
026<br />
1<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
64<br />
- 2<br />
سورة املائدة، اآلية:<br />
51<br />
3<br />
- سورة املائدة، اآلية:2
كل أحد إال القيام مبا أُمِرَ به ، 1<br />
ومطالبهم، ويبلغون الناس تعليمات احلاكم.<br />
فالعرفاء هم رؤساء الناس وهم الواسطة بينهم وبني ا كام، يبلغونه آراء الناس<br />
فهذا هو الشكل املقرتح عندي جمللس الشورى اإلسالمي أن يتكون من شِ قمني، شِ ق اخلرباء، وشِ ق العرفاء وأحدمها ال<br />
يغين عن اآلخر،<br />
فال بد للحاكم من معرفة أحوال الناس وما ينفعهم وهذا موكول إَل العرفاء، والبد له من تقييم<br />
األعمال املختلفة مبيزان الشريعة والعلوم الدنيوية وهذا موكول إَل اخلرباء. وهللا أعلم ابحلق. وهذان الفريقان )اخلرباء<br />
والعرفاء( يف جمموعهما يشكالن أهل ا ل والعقد يف األمة وأكابر علمائها.<br />
تنبيه آخر: ذكرت آنفا عبارة )علوم الدين وعلوم الدنيا(، وكثريون ال حيبون هذا التقسيم ويقولون كل ما خدم الإسالم<br />
واملسلمني من علم فهو من الدين.<br />
وال شك أن الإنسان يُثاب ابلنية احلسنة على فعله املباحات فكيف مبا هو من فروض الكفاية وقد يرتقي إَل فرض ا<br />
لعني من علوم الدنيا الالزمة للمسلمني؟<br />
ولكن هذا ال مينع من تقسيم العلوم إَل دينية ودنيوية<br />
فهلا التقسيم ورد<br />
ابلنص عن النيب صلى هللا عليه وسلم، <strong>في</strong>ما رواه مسلم عن أنس يف قصة تلقيح )أتبري( النخل، أن النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم مَرم بِقَوْمٍ ي ُلَقِّحُونَ فَقَالَ لَوْ ملَْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ فَخَرَجَ شِ يصًا فَمَرم هبِِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَ َذا قَاَل<br />
أَنْتُمْ أَعْلَمُ أبَِمْرِ دُندْي اكُ ْم. ويف رواية أخرى عند مسلم عن رافع بن خديج، فقال صلى هللا عليه وسلم: »إَِّنمَا أَانَ بَشَرٌ إِذَا<br />
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُ ْم فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإَِّنمَا أَانَ بَشٌَر« قلت: ففرق صلى هللا عليه وسلم بني<br />
علوم الدين وعلوم الدنيا.<br />
وكذلك قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »من يرد هللا به خريا يفقهه يف الدين« . 2 ففرق بني الفقه يف الدين والعلم<br />
أبمور الدنيا. قلت وال خيفى أن ما نسميه بعلوم الدنيا يشرتك <strong>في</strong>ه املؤمن والكافر، ِبالف الفقه يف الدين.<br />
وليس معىن هذا أن من كان عاملا ابلدنيا فال شأن له ابلدين أو العكس، بل قد يكون عاملا هبما، ويف فضل هللا<br />
متسع، كما ال خيفى أن العامل املتخص يف علوم الدنيا البد من أن يستويف شروط العدالة الشرعية حىت يكون أهال<br />
للشورى يف جمال ختصصه، وهللا تعاَل أعلم. على أن فريقا من الناس أدخل يف علوم الدنيا ما ليس منها، بل ما هو<br />
من صميم الدين وهؤالء هم العِلمانيون واملالحدة الذين يتسربلون برداء الإسالم، يقولون الراب من ضرورات النظم<br />
االقتصادية احلديثة، فإذا أنكرت عليهم، قالوا لك: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أَنْتُمْ أَعْلَمُ أبَِمْرِ دُنْيَاكُمْ«،<br />
وهكذا ابلنسبة لالشرتاكية والدميقراطية ونظم التعليم والإعالم العلمانية يستحلون احملرمات حتت غطاء »أَنْتُمْ أَعْلَمُ أبَِمْرِ<br />
دُنْيَاكُمْ«، وي ُلَبِّسون بذلك على العامة واجلهلة. وحكاية مثل هذا الكالم يغين عن الرد عليه. فقد قال هللا تعاَل:<br />
3<br />
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تُقَدِمُوا بَيْنَ يَدَيْ َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِهِ{ ، وقال تعاَل: }وَ مَا كَانَ<br />
لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا قَضَى َّللاَّ ُ<br />
- )فتح الباري( ج 13 ص 168<br />
- متفق عليه عن معاوية<br />
- سورة احلجرات، اآلية:<br />
1<br />
1<br />
2<br />
3<br />
027
وَ رَ سُولُهُ أَمْر ً ا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ وَ مَنْ يَعْصِ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ قَقَدْ ضَلَّ ضَالال ً<br />
}قُلْ أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ قَإِنْ تَوَ لَّوْ ا قَإِنَّ<br />
َّللاَّ َ ال يُحِ بُّ الْكَاقِرِ ي َن{ . 2<br />
مُبِينًا{ ، 1 وقال تعاَل:<br />
مسألة أخيرة: أثر األغلبية <strong>في</strong> الشورى.<br />
أي هل هناك اعتبار لرأي األغلبية يف الشورى، وما هو موقع هذا االعتبار؟<br />
اجلواب عن هذا السؤال يتناول: ما هي األغلبية املعتربة شرعا؟ وما هي شروط اعتبارها؟ وما هو أثرها؟<br />
أول: ما هي األغلبية المعتبرة شرعا؟<br />
األغلبية هي أغلبية أهل العلم الذين هم أهل الشورى، ال أغلبية العامة. ألن هللا تعاَل أمر برد املشكالت إَل أهل<br />
العلم، فقال تعاَل: }وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْ ُه<br />
3<br />
ْم{ ، مع قوله تعاَل<br />
يف شأن عموم الناس }وَ إِنْ تُِِْْ أَكْثَرَ مَنْ قِي األَرْ ضِ يُضِ لُّوكَ عَنْ سَبِيلِ َّللاَّ ِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِال الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِال<br />
يَخْرُ صُونَ{ . 4<br />
وقد ورد هذا التفريق واضحا يف حديث ابن عباس الذي ذكرته آنفا بشأن ما دار بني عبد الرمحن بن عوف وعمر،<br />
حيث نصح عبد الرمحن عمرَ أبال يتكلم أمام عامة الناس يف موسم احلج، بل ينتظر حىت يرجع إَل املدينة ويكلم<br />
الصحابة، قال عبد الرمحن لعمر )ال تَفْعَلْ فَإِنم الْمَوْسِ مَ جيَْمَعُ رَعَاعَ النماسِ ي َغْلِبُونَ عَلَى جمَْلِسِ كَ فَأَخَافُ أَنْ ال ي ُنْزِلُوهَا<br />
عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِريُ هبَِا كُلُّ مُطِريٍ فَأَمْهِلْ حَىتم تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ اهلِْجْرَةِ وَدَارَ السُّنمةِ فَتَخْلُ َ أبَِصْحَابِ رَسُولِ اَّللمِ صلى<br />
هللا عليه وسلم مِنَ الْمُهَاجِ رِينَ وَاألَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَي ُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَقَالَ وَاَّللمِ ألََقُومَنم بِهِ يفِ أَوملِ مَقَاٍم<br />
5<br />
أَقُومُهُ ابِلْمَدِينَةِ( .<br />
ولذلك فال أرى لإلستفتاء الشعيب موضعا يف دار السالم، ويف النظم اجلاهلية يعترب هذا االستفتاء أقوى دستوراي من<br />
قرارات النواب ابلربملان، إذ إن االستفتاء هو أَّنوذج للدميقراطية املباشرة، أما الربملان فأَّنوذج للدميقراطية الغري مباشرة،<br />
واألوَل أقوى من الثانية عندهم.<br />
وال يُعرتَض على إنكاري لإلستفتاء الشعيب حبديث سيب هوزان الذي ذكرته يف مسألة العرفاء على الناس، ألن النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم طلب رأي اجلند <strong>في</strong>ما هو خالص هلم وهو السيب الذي كانوا قد غنموه يف غزوة حنني، فلما<br />
أسلم أهل هوزان ووفدوا على النيب صلى هللا عليه وسلم سألوه أن ميَُنم عليهم بنسائهم وأمواهلم، فخريهم صلى هللا عليه<br />
وسلم بني السيب وبني األموال فاختاروا رد السيب، فَرَدم النيب صلى هللا عليه وسلم نصيبه وتبعه الناس على ذلك إال<br />
028<br />
1<br />
2<br />
3<br />
- سورة األحزاب، اآلية:<br />
- سورة آل عمران، اآلية:<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
36<br />
32<br />
93<br />
- 4<br />
سورة األنعام، اآلية<br />
116<br />
- 5 حديث 7323 6931
من أىب منهم فأمرهم النيب صلى هللا عليه وسلم برَدِّ السيب وعوضهم عنه. وهذا واضح <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن مروان<br />
واملسور بن خمرمة، و<strong>في</strong>ه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال لوفد هوزان: »اخْتَارُوا إِحْدَى الطمائِفَتَنيِْ إِما السميبَْ وَإِما<br />
الْمَالَ إَل قوله فَإِانم خنَْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ، فقام رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فَأَثْىنَ عَلَى اَّللمِ مبَِا هُوَ أَهْلُهُ ُثُم قَالَ أَما<br />
ِ وَإِينّ رَأَيْتُ أَ وَمَ ْن<br />
ب َعْدُ فَإِنم إِخْوَانَكُمْ هَؤُالءِ جَاءُوانَ اتَئِبِنيَ نْ أَرُدم إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبم مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ<br />
أَحَبم أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَىتم ن ُعْطِيَهُ إِايمهُ مِنْ أَوملِ مَا يُفِيءُ اَّللمُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَل« . 1<br />
ْ<br />
ثانيا: ما هي شروط اعتبار رأي أغلبية أهل الشورى؟<br />
سبق أن ذكرت كالم شارح العقيدة الطحاوية يف طاعة األمري يف مواضع االجتهاد، حيث قال: ]وقد دلت نصوص<br />
الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر، وإمام الصالة واحلاكم وأمري احلرب وعامل الصدقة يطاع يف مواضع<br />
االجتهاد، وليس عليه أن يطيع أتباعه يف<br />
موارد االجتهاد،<br />
بل عليهم طاعته يف ذلك،<br />
وترك رأيهم لرأيه، فإن<br />
مصلحة اجلماعة واالئتالف، ومفسدة الفرقة واالختالف، أعظم من أمر املسائل اجلزئية[ . 2 وقد ذكرت من قبل أيضا<br />
أدلة هذا الكالم من الكتاب والسنة.<br />
فاحلاصل أن رأي األغلبية يعترب بشرطني:<br />
= 0 يف مواضع االجتهاد حيث ال ن<br />
= 2<br />
شرعي واضحا حيسم اخلالف.<br />
إذا مل يبت األمري يف موضع االجتهاد برأيه، وفَومض األمر إَل أهل الشورى.<br />
ثالثا: ما هو أثر رأي األغلبية؟<br />
رأي األغلبية ي<strong>في</strong>د الرتجيح، وهذا ما ذكره ابن حجر يف شرح حديث استشارة عمر ملن معه عندما قدم الشام فوجد<br />
الطاعون قد وقع هبا، وقد سبق احلديث بتمامه.<br />
قال ابن حجر يف فوائد هذا احلديث ]و<strong>في</strong>ه الرتجيح ابألكَر عددا واألكَر جتربة لرجوع عمر لقول مشيخة قريش مع<br />
ما انضم إليهم ممن وافق رأيهم من املهاجرين واألنصار، فإن جمموع ذلك أكثر من عدد من خالفه من كل من<br />
املهاجرين واألنصار، وَوَازَنَ ما<br />
والتجارب،<br />
لذلك[ . 3<br />
عند الذين خالفوا ذلك من مزيد الفضل يف العلم والدين ما عند املشيخة من السن<br />
فلما تعادلوا من هله ا يَية رجح ابلكَرة<br />
قلت: ففائدة األغلبية هي الرتجيح عندما ال يستطيع األمري أن ي َبُثم يف<br />
ووافق اجتهادُه الن م، فلذلك محد هللا تعاَل على تو<strong>في</strong>قه<br />
األمر برأيه، وال أن نقول إهنا ملزمة له، ملا<br />
فصلناه من قبل. ويدل على هذا أيضا أن أاب بكر مل يلتفت إَل املشورة عندما عزم على قتال مانعي الزكاة ملا قويت<br />
عنده احلجة على ذلك وقد كانت حجة أيب بكر يف قتاهلم اجتهادية، إذ مل حيضره الن<br />
الوارد يف قتاهلم وهو حديث<br />
)829<br />
029<br />
احلديث -<br />
4318<br />
4319<br />
وأورده ابن إسحق مفصال )سرية ابن هشام ط صبيح 1381ه ج<br />
- )شرح العقيدة الطحاوية( ط املكتب الإسالمي 1413ه ص 424<br />
- )فتح الباري( ج 11 ص 181<br />
4 ص 825<br />
1<br />
2<br />
3
ابن عمر مرفوعا: »أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النماسَ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ ال إِلَهَ إِالم اَّللمُ وَأَنم حمَُمدًا رَسُولُ اَّللمِ وَيُقِيمُوا الصمالةَ وَي ُؤْتُوا<br />
الزمكَاةَ« ، 1 حىت لقد شَكمك البعض يف صحة هذا احلديث أبنه لو كان صحيحا لعرفه أبو بكر وعمر والحتج أبو بكر<br />
2<br />
به حلَسْم اخلالف، ورد ابن حجر على هذا أبن ]السُّنة قد ختفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها أحادهم[ .<br />
وقد عقد البخاري رمحه هللا اباب مستقال يف كتاب االعتصام من صحيحه هلذه املسألة وهو )ابب<br />
22<br />
احلجة على من<br />
قال إن أحكام النيب صلى هللا عليه وسلم كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم عن مشاهد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
وأمور الإسالم( وقوله )بعضهم( أي بعض الصحابة، ُث ساق رمحه هللا األدلة على ذلك .<br />
وإليك عبارة البخاري يف عدم التفات أيب بكر إَل الشورى ملا قويت عنده احلجة، كما أوردها يف كتاب االعتصام<br />
)ابب 29(، قال رمحه هللا: ]ورأي أبو بكر قتال من مَنَعَ الزكاة فقال عمر: كيف تقاتل وقد قال رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم: »أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النماسَ حَىتم ي َقُولُوا ال إِلَهَ إِالم اَّللمُ فَإِذَا قَالُوا ال إِلَهَ إِالم اَّللمُ عَصَمُوا مِينِّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَاهلَُمْ إِالم<br />
حبَِقِّهَا وَحِ سَاهبُُمْ عَلَى اَّللمِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَّللمِ ألُقَاتِلَنم مَنْ فَرمقَ بَنيَْ مَا مجََعَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم ُثُم اتَب َعَهُ ب َعْ ُد<br />
عُمَرُ فَلَمْ ي َلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إَِلَ مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم يفِ المذِينَ فَرمقُوا بَنيَْ الصمالِة<br />
وَالزمكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ« أ ه . علما أبن حجة أيب بكر كانت اجتهادية ومل تكن نَصِّية كما سبق.<br />
وإضافة إَل استدالل ابن حجر حبديث شورى عمر يف الطاعون على أن الكَرة ت<strong>في</strong>د الرتجيح، عندي دليل آخر وهو<br />
قصة مبايعة عَمان بن العفان ابفالفة رضي هللا عنه. فقد ورد يف حديث البخاري عن املِسْوَر بن خمَْرَمة قال: »وَمَالَ<br />
النماسُ عَلَى عَبْدِ الرممحَْنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللميَايلِ إَل قوله فَلَما اجْتَمَعُوا تَشَهمدَ عَبْدُ الرممحَْنِ ُثُم قَالَ أَما ب َعْدُ ايَ عَلِ ُّي إِِين<br />
ق دْ ن ظ رْتُ يفِ أ مْرِ الن اسِ فد ل مْ أ ر هُمْ يد عْدِلُون بِعَُْم ان«<br />
اعتبار رأي األغلبية، وهو<br />
أن يكون يف<br />
<br />
أمر اجتهادي<br />
4<br />
. ف<strong>في</strong> هذه القصة توفر الشرطان اللذان أشرت إليهما يف<br />
<strong>في</strong>ه، وأن ال ن<br />
األمري مل يد بُت<br />
برأيه ووكل األمر إَل أهل<br />
عمر<br />
الشورى ف<strong>في</strong> هذه القصة مل يبت برأيه ووَكَلَ إليهم االختيار. وموضع الداللة من احلديث هو قول عبد الرمحن<br />
بن عوف ِ )إِينّ قَدْ نَظَرْتُ يفِ أَمْرِ النماسِ فَلَمْ أَرَهُمْ ي َعْدِ لُونَ بِعُثْمَانَ( ومتت بيعة عثمان على هذا. ف<strong>في</strong> هذا الرتجيح برأي<br />
األغلبية ووافقه على ذلك بقية الصحابة حىت علي بن أيب طالب رضي هللا عنهم. فهلا ا ديث يعترب حجة يف<br />
الرتجيح ابألغلبية ابلشروط اليت أشرت إليها، كما أ، هذه املسألة ميكن أن تدخل يف إمجاعات الصحابة رضي هللا<br />
عنهم هللا ا ديث. ومل أر من نبه على هذا من قبل <strong>في</strong>ما أعلم، فللّه احلمد واملنة. وقد أورد البخاري يف حديث<br />
املسور بن خمرمة حديثا رواه الدار قطين يف )غرائب مالك(، و<strong>في</strong>ه<br />
أن عمر قال ألصحا<br />
الشورى )ويتبع األقل<br />
031<br />
1<br />
2<br />
- احلديث متفق عليه<br />
323<br />
- فتح الباري 76/1<br />
- فتح الباري 321/13<br />
3<br />
7217 احلديث - 4
األكَر(، فإن صحت هذه الرواية<br />
املهديني[<br />
1<br />
.<br />
فهي حجة أخرى يف<br />
الرتجيح ابألغلبية ألهنا سنة أحد افلفاء الراشدين<br />
هذا <strong>في</strong>ما يتعلق مبسألة األغلبية، ومن هم املُعْتَرب رأيهم شرعا؟ وما هي شروط اعتبار رأي األغلبية؟ وما هو أثر رأيهم؟.<br />
أضف إَل هذا فإن الكثرة هلا اعتبار يف العلوم الشرعية من وجوه متعددة: ف<strong>في</strong> علم احلديث الكثرة تنقل اخلرب من<br />
اآلحاد إَل املتواتر ومن الظنية إَل القطعية، والكثرة ترفع الضعيف إَل احلسن وترفع احلسن إَل الصحيح بكثرة الطرق<br />
من املتابعات والشواهد، والكثرة هي اليت جتعل إحدى رواييت احلديث حمفوظة واألخرى شاذة أو معروفة ومنكرة.<br />
والكثرة هي اليت بىن عليها الإمام مالك مذهبه يف األخذ بعمل أهل املدينة على خرب اآلحاد. والكثرة هي اليت جتعل<br />
أحد القولني يف املسألة هو قول املشهور واآلخر قول املخالف. هبذا تعلم أن الكثرة هلا اعتبار يف الشريعة ولكن<br />
بشروط.<br />
وقد ذكرت أثناء كالمي عن تشكيل جملس العرفاء أحد شِ قي جملس الشورى الإسالمي. أنه إذا تعدد الصاحلون يف<br />
منطقة ما، ميكن اختيار أحدهم إذا تشاحوا ابالنتخاب أو ابلقرعة، وشرعية االنتخاابت مبينة على املسألة السابقة<br />
وهي أن رأي األغلبية ي<strong>في</strong>د الرتجيح ابلشروط املذكورة على أن يراعى <strong>في</strong>من يُدْلون أبصواهتم االنتخابية من العامة شروط<br />
عدالة الشهود األمثل فاألمثل فليس<br />
الدميقراطية.<br />
المرأة أو لكافر )أو ذمي( أو لفاسق رأي يف هذا ِبالف املعمول به يف<br />
وقد ذكر الشيخ مقبل بن هادي الوادعي يف كتابه )املَخرج من الفتنة( قال: ]سؤال: هذا التصويت الذي تقوم عليه<br />
هذه احلكومات هل له أصل من الشرع. واجلواب:<br />
التصويت يعترب طاغوات، وقال أيضا: وال اعتبار ابلكثرة فإن هللا<br />
سبحانه وتعاَل يقول: }وَ إِنْ تُِِْْ أَكْثَرَ مَنْ قِي األَرْ ضِ يُضِ لُّوكَ عَنْ سَبِيلِ َّللاَّ ِ{، وقال أيضا: فالواجب أن ترد<br />
املسألة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم بواسطة العلماء، وملا أعرض الناس عن العلماء ختبطوا وانتشرت<br />
2<br />
الفوضى[ . أ ه<br />
<br />
= 1<br />
= 2<br />
= 3<br />
قلت: و<strong>في</strong>ما قاله نظر، فقوله ]التصويت يعترب طاغوات[ هكذا إبطالق غري صحيح، إذ كان ينبغي له التفصيل وبيان ما<br />
جيوز من هذا كما فصلته يف مسألة )أثر األغلبية يف الشورى( كذلك قوله ]وال اعتبار ابلكثرة[ أيضا يف إطالقه خطأ،<br />
ومردود عليه بقول عبد الرمحن بن عوف )أَما ب َعْدُ ايَ عَلِيُّ ِ إِينّ قَدْ نَظَرْتُ يفِ أَمْرِ النماسِ فَلَمْ أَرَهُمْ ي َعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ(<br />
فهذا القول حجة إبمجاع الصحابة يف األخذ برأي األغلبية ابلشروط اليت ذكرهتا، وهي:<br />
أن يكون أصحاب الرأي يف املسألة من أهل العلم املختصني يف هذا األمر.<br />
أن تكون املسألة من مسائل االجتهاد حيث ال ن<br />
شرعي حيسم اخلالف.<br />
أن ال يبت األمري برأيه يف موضع االجتهاد، وفَومض األمر إَل هؤالء.<br />
186<br />
ص-<br />
انظر فتح الباري ج<br />
13 ص 185<br />
96<br />
- 1<br />
2<br />
030
؛1<br />
= 4<br />
أن ال يكون مع املخالف لألغلبية حجة قوية.<br />
أما قول الشيخ ]فالواجب أن ترد املسألة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم[ فال خالف يف هذا، ولكنا<br />
نتكلم عن التصويت ورأي األغلبية يف جمال االجتهاد حيث ال ن واضحا. وأما شرعية القرعة فستأِت يف الفصول<br />
التالية إن شاء هللا تعاَل.<br />
الثالث من واجبات األمير:<br />
قَسَ م معسكر التدريب<br />
)مسألة عهود الطاعات بين المسلمين(<br />
سبب إدراجي هلذه املسألة يف هذه الرسالة هو اللغط الدائر حوهلا، فمن قائل إن العهود والبيعات بني املسلمني على<br />
فعل الطاعات واجبة، ومن قائل إهنا بدعة. ومن هنا رأيت حبثها بشيء من التفصيل لإزالة اللمبس عنها.<br />
والقول عندي وهللا أعلم ابلصواب<br />
إن العهود بني املسلمني على فعل الطاعات جائزة، ويدخل <strong>في</strong>ها قَسَم معسكر<br />
التدريب، وعهود وبيعات اجلماعات العاملة لإلسالم واجلهاد. فإن رأى القائم على العمل أال يُدْخِ ل أحدا معه يف هذا<br />
العمل إال بعد أن َيخذ عليه العهود واملواثيق اباللتزام أبمور معينة )ما مل تكن معصية( <strong>في</strong>جوز له أن يفعل هذا.<br />
وبناء على ما ذكرت يف الباب الثالث من هذه الرسالة )الإمارة( من أن هذه الإمارات على اجلماعات العاملة لإلسالم<br />
واجلهاد مشروعة وواجبة، وتدخل <strong>في</strong>ها إمارة معسكر التدريب، فإن هله اإلمارة توجب:<br />
أوال: على األمري: أن يُدَبِّر أمور املعسكر وشئون األعضاء على مقتضى الشرع.<br />
الثاين: على األعضاء: السمع والطاعة لألمري يف املنشَطِ واملكرَهِ والعُسْرِ واليُسْرِ يف غري معصية، <strong>في</strong>ما استطاعوا.<br />
وهذه الواجبات على كل من األمري واألعضاء واجبة مبقتضى الشرع ابتداء، وإن مل يدُقْسِ موا عليها أو يدُعْطوا هبا<br />
عهدا، طاملا قبلوا املكث يف هذا املعسكر وإمرة أمريه، فإذا أقسموا وعاهدوا على ذلك كان هلا توكيدا ملا وجب<br />
عليهم مبقتضى الشرع أصال وهو طاعة أويل األمر.<br />
قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَ إِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ َّللاَّ َ نِعِمَّا<br />
يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ َّللاَّ َ كَانَ سَمِيعًا بَصِ ً يرا{ هذا أمر للحكام والوالة أبداء األماانت من الوالايت واألموال إَل أهلها<br />
على مقتضى الشرع وأبن حيكموا الرعية ابلعدل، ُث قال تعاَل خماطبا الرعية: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا َّللاَّ َ<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
59<br />
1<br />
032
ج)<br />
. 1<br />
وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُمْ قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ ِم<br />
اآلخِ رِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيال{ وانظر شرحها أبول كتاب األحكام من فتح الباري . 2 وقد صنف شيخ الإسالم<br />
ابن تيمية رمحه هللا رسالَتَه )السياسة الشرعية يف إصالح الراعي والرعية( يف شرح هاتني اآليتني لبيان واجبات الراعي<br />
والرعية.<br />
ويف السنة، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »من أطاعين فقد أطاع هللا، ومن عصاين فقد عصا هللا، ومن أطاع<br />
األمري فقد أطاعين، ومن عصى األمري فقد عصاين« ، 3 ولفظ البخاري )أمريي( بدل )األمري(. واألمري هنا يشمل<br />
الإمام األعظم، واألمري املُؤَمر من قِبَل الإمام ، 4 واألمري الذي اصطلح الناس على أتمريه يف غيبة الإمام، كما حدث يف<br />
غزوة مؤتة، وكما يف حديث إمارة السفر حيث أَوْكَلَ صلى هللا عليه وسلم التأمري إَل الناس، »إذا كنتم ثالثة يف سفر<br />
فأمروا أحدكم« ومع كون هذا األمري غريَ مُؤَمر من قبَل الإمام إال أن الشارع مسماه أمريا، كما قال عمر بن اخلطاب<br />
راوي احلديث )ذاك أمري أمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ) 5 .<br />
املقصد مما سبق أن أمري املعسكر هو أمري شرعي، ومن أويل األمر يف دائرة اختصاصه. ويف بيان أن طاعة والة األمور<br />
واجبة وإن مل يعادهم األفراد عليها، قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وما أمر هللا به ورسوله من طاعات والة<br />
األمور ومناصحتهم واجب على اإلنسان وإن مل يعاهدهم عليه، وإن مل حيلف هلم اإلميان املنكدة، كما جيب عليه<br />
الصلوات اخلمس، والزكاة، والصيام، وحج البيت، وغري ذلك مما أمر هللا به ورسوله من الطاعة، فإذا حلف على ذلك<br />
كان توكيدا وتَبيتا ملا أمر هللا به ورسوله من طاعة والة األمور ومناصحتهم. فاحلالف على هذه األمور ال حيل له أن<br />
يفعل خالف احمللوف عليه، سواء حلف ابهلل أو غري ذلك من األميان اليت حيلف هبا املسلمون، فإن ما أوجبه هللا من<br />
طاعة والة األمور ومناصحتهم واجب وإن مل حيلف عليه، فكيف إذا حلف عليه؟! وما هنى هللا ورسوله عن<br />
معصيتهم وغشهم حمرم وإن مل حيلف على ذلك إَل قوله وهلذا من كان حالفا على ما أمر هللا به ورسوله من طاعة<br />
والة األمور ومناصحتهم، أو الصالة، أو الزكاة، أو صوم رمضان، أو أداء األمانة، والعدل وحنو ذلك: ال جيوز ألحد<br />
أن يفتيه مبخالفة ما حلف عليه، واحلنث يف ميينه، وال جيوز أن يستفىت يف ذلك. ومن أفىت مَل هنالء مبخالفة ما<br />
حلفوا عليه، وا نث يف أمياهنم: فهو مفرت على هللا الكل<br />
،<br />
مفت بغري دين اإلسالم: بل لو أفىت آحاد العامة أبن<br />
يفعل خالف ما حلف عليه من الوفاء يف عقد البيع، أو نكاح، أو إجارة، أو غري ذلك مما جيب عليه الوفاء به من<br />
العقود، اليت جيب الوفاء هبا وإن مل حيلف عليها، فإذا حلف كان أوكد فمنْ أفىت مثل هذا جبواز نقض مثل هذه<br />
- سورة النساء، اآلية:<br />
58<br />
13 ص )112 ،111<br />
-<br />
- رواه مسلم<br />
- )فتح الباري ج 13 ص 122(<br />
- أخرجه البزار إبسناد صحيح<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
033
1<br />
العقود. واحلنث يف ميينه: كان مفرتاي على هللا الكذب. مفتيا بغري دين الإسالم، فكيف إذا كان ذلك يف معاقدة والة<br />
األمور اليت هي أعظم العقود اليت أمر هللا ابلوفاء هبا[ . 1<br />
هذا يف بيان أن طاعة والة األمور واجبة وإن مل يعاهدهم األفراد على ذلك. فإذا أراد األمري أن َيخذ عهدا وقسما<br />
على أتباعه، فإن البحث يف هذا املوضوع <strong>في</strong>ه عدة مسائل، وهي: مشروعيته، وفائدته، وهل جيوز أن يؤقت أبجل،<br />
وهل جيوز تسمية هذا العهد بيعة، وما الفرق بينها وبني بيعة اخلليفة، وما حكم نكث هذا العهد؟ وسوف أتبع هذه<br />
املسائل ابلرد على شبهة أوردها مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة( إن شاء هللا تعاَل.<br />
أوال: مشروعية هذا العهد<br />
=<br />
تعريفات:<br />
الق س م وهو اليمني: قال الراغب: ]أَقْسَمَ حَلَفَ ، وأصله من القَسَاَمة وهي أميان تقسم على أولياء املقتول، ُث صار<br />
امسا لكل حلف، قال تعاَل: }وَ أَقْسَمُوا بِاّلِلَّ ِ جَهْدَ أَيْمَانِهِ ْم{ [.<br />
العهد: قال الراغب: ]العهد حفظ الشيء ومراعاته حاال بعد حال، ومسُِّي املَوْثِق الذي يلزم مراعاته عهدا، قال<br />
تعاَل: }وَ أَوْ قُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُوال{ أي أوفوا حبفظ األميان[.<br />
امليَاق: قال الراغب: ]أوثقته شددته، وقال: امليَاق عقد منكد بيمني وعهد، قال تعاَل: }وَ إِذْ أَخَذَ َّللاَّ ُ مِيثَاقَ<br />
2<br />
النَّبِي ِينَ {... واملَوْثِق الإسم منه، قال تعاَل: }حَتَّى تُؤْ تُونِي مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ{ إَل قوله: }مَوْ ثِقَهُمْ{[ .<br />
ومن الناحية الشرعية نقول إن العهود على الطاعات بني املسلمني جائزة لألدلة التالية:<br />
قال تعاَل: }وَ أَوْ قُوا بِعَهْدِ َّللاَّ ِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَ ال تَنقُضُوا األَيْمَانَ بَعْدَ تَوْ كِيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمْ َّللاَّ َ عَلَيْكُمْ كَفِيال إِ َّن<br />
َّللاَّ َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَ ال تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْ لَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّ ةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِ ذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَالً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ<br />
هِيَ أَرْ بَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ َّللاَّ ُ بِهِ وَ لَيُبَي ِنَنَّ لَكُمْ يَوْ مَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ قِيهِ تَخْتَلِفُو َن{ وكانوا يف اجلاهلية حيالف<br />
. 3<br />
الرجل أو القبيلة قبيلة فإذا وجد أقوى منها نقض عهد األوَل وعاهد الثانية وهكذا، فأمرهم املوَل جل وعال ابلوفاء<br />
ابلعهود، وحذرهم من نقضها وضرب هلم مثال ابملرأة اليت كانت تغزل الغَزْل حىت إذا اشتد حَلمته، وهو مَثَلٌ يُضرب<br />
للحمق والسمفه.<br />
قد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية هذه اآلية أثناء حديثه عن العهود بني التالميذ ومعلميهم الذين يدربوهنم على القتال،<br />
وأنه ال جيوز للتلميذ أن ينقض عهد أستاذه ويعاهد غريه، فقال: ]كان املنتقل عن األول إَل الثاين ابغيا انقضا لعهده<br />
غري موثوق بعقده، وهذا أيضا حرام وإُث، هذا أعظم من إُث من مل يفعل مثل فعله، بل مثل هذا إذا انتقل إَل غري<br />
أستاذه وحالفه كان قد فَعَل حراما، <strong>في</strong>كون مثل حلم اخلنزير امليت! فإنه ال بعهد هللا ورسوله أوىف وال بعهد األول، بل<br />
- )جمموع الفتاوى( ج 35 ص 8<br />
11<br />
- املفردات يف غريب القرآن للراغب األصفهاين<br />
- سورة النحل، اآلية:81<br />
82<br />
1<br />
2<br />
3<br />
034
كان مبنزلة املتالعب الذي ال عهد له، وال دين له وال وفاء. وقد كانوا يف اجلاهلية حيالف الرجل قبيلة فإذا وجد أقوى<br />
منها نقض عهد األوَل وحالف الثانية وهو شبيه حبال هؤالء فأنزل هللا تعاَل: }وَ ال تَنقُضُوا األَيْمَانَ بَعْدَ تَوْ كِيدِهَا<br />
وَ قَدْ جَعَلْتُمْ َّللاَّ َ عَلَيْكُمْ كَفِيال إِنَّ َّللاَّ َ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُو َن وَ ال تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَ ْت غَزْ لَهَا مِ ْن بَعْدِ قُوَّ ةٍ أَنكَاثًا{ )اآلية(<br />
إَل أن قال ومن حالف شخصا على أن يوايل من وااله ويعادي من عاداه كان من جنس الترت اجملاهدين يف سبيل<br />
الشيطان، ومثل هذا ليس من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاَل، وال من جند املسلمني، وال جيوز أن يكون مثل هؤالء من<br />
عسكر املسلمني، بل هؤالء من عسكر الشيطان، ولكن حيسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد هللا وميثاقه أن توايل من<br />
واَل هللا ورسوله، وتعادي من عادى هللا ورسوله، وتعاونوا على الرب والتقوى وال تعاونوا على الإُث والعدوان، وإن كان<br />
احلق معي نصرت احلق، وإن كنت على الباطل، مل تنصر الباطل فمن التزم هذا كان من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاَل،<br />
1<br />
الذين يريدون أن يكون الدين كله هلل وتكون كلمة هللا هي العليا[ .<br />
= 2<br />
2<br />
قول هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْ قُوا بِالْعُقُو ِد{ ، قال القرطيب يف تفسريها: ]قال الزجاج: املعىن أوفوا بعقد<br />
هللا عليكم وبعقدكم على بعض وهذا كله راجع إَل القول ابلعموم وهو الصحيح يف الباب، قال صلى هللا عليه وسلم<br />
:<br />
»املؤمنون عند شروطهم« وقال: »كل شرط ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن كان مائة شرط« فبني أن الشرط أو<br />
العقد الذي جيب الوفاء به ما وافق كتاب هللا أي دين هللا، فإن ظهر <strong>في</strong>ها ما خيالف رُدم، كما قال صلى هللا عليه وسلم<br />
: »من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رَدٌّ« أ ه .<br />
= 3<br />
وقد وردت آايت كثرية يف األمر ابلوفاء ابلعهود وبيان أن هذه هي صفة املؤمنني قال تعاَل: }لَيْسَ الْبِرَّ أَ ْن<br />
تُوَ لُّوا وُ جُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِ قِ وَ الْمَغْرِ بِ وَ لَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاّلِلَّ ِ إَل قوله تعاَل وَ الْمُوقُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا{ . 3<br />
وقال تعاَل: }وَ أَوْ قُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُوال{ . 4<br />
ويف مقابل هذا، وَرَدَ أن نقض العهود من صفة املنافقني و<strong>في</strong>ه وعيد شديد:<br />
قال تعاَل: }وَ مَا يُضِ لُّ بِهِ إِالَّ الْفَاسِقِي َن الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ َّللاَّ ِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَ يَقَِْعُونَ مَا أَمَرَ َّللاَّ ُ بِهِ أَنْ يُوصَ َل<br />
وَ يُفْسِدُونَ قِي األْ َرْ ضِ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُ ونَ{ . 5<br />
وقال تعاَل: }وَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ َّللاَّ ِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَ يَقَِْعُونَ مَا أَمَرَ َّللاَّ ُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ قِي األَرْ<br />
أُوْ لَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّا ِر{ . 6<br />
ِض<br />
035<br />
21<br />
- 1 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 18<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
1<br />
3<br />
- سورة البقرة، اآلية<br />
- 4 سورة الإسراء، اآلية:<br />
177<br />
24<br />
5<br />
- سورة البقرة، اآلية:<br />
27<br />
26<br />
6<br />
- سورة الرعد، اآلية:<br />
25
=<br />
4<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أربع من كن <strong>في</strong>ه كان منافقا خالصا، ومن كانت <strong>في</strong>ه خَصْلة منهن كانت <strong>في</strong>ه<br />
خصلة من النفاق حىت يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر« . 1<br />
وال شك أن العهود املذكورة يف األدلة السابقة يدخل <strong>في</strong>ها العهود بني الناس على الطاعات للدليل اآلِت:<br />
قول هللا تعاَل عن يعقوب : }قَالَ لَنْ أُرْ سِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْ تُونِي مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِالَّ أَنْ يُحَاَِ<br />
بِكُمْ قَلَمَّا آتَوْ هُ مَوْ ثِقَهُمْ قَالَ َّللاَّ ُ عَلَى مَا نَقُولُ وَ كِي ٌل{ ، 2 فلما طلب يوسف من إخوته أن َيتوه أبخ هلم من أبيهم،<br />
مل َيمنهم أبوهم عليه ورفض أن يرسله معهم حىت يؤتوه ميثاقا،<br />
}مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ{، ولبيان غلظ هذه املواثيق قال كبريهم ملا احتجز يوسف أخاه<br />
وهلا امليَاق يف معامالت الناس قد مساه هللا تعاىل<br />
}قَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا<br />
نَجِ يًّا قَالَ كَبِيرُ هُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ وَ مِنْ قَبْلُ مَا قَرَّ ِتُمْ قِي يُوسُفَ قَلَنْ أَبْرَ َح<br />
األْ َرْ ضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ َّللاَّ ُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِي َن{<br />
قول هللا تعاَل يف الشرط الذي أخذه اخلضر على موسى ليصحبه، والشرط الذي اشرتطه موسى على نفسه.<br />
أما شرط اخلضر ف<strong>في</strong> قوله تعاَل: }قَالَ قَإِنْ اتَّبَعْتَنِي قَال تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ً ذِكْرا{ . 4<br />
. 3<br />
<br />
= 5<br />
وأما ما اشرتطه موسى على نفسه ف<strong>في</strong> قوله تعاَل: }قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا قَال تُصَاحِ بْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ<br />
لَدُن ِي ً عُذْرا{ . 5<br />
وقد عقد البخاري رمحه هللا هلذه املسألة اباب يف كتاب الشروط من صحيحه، وهو )ابب الشروط مع الناس ابلقبول(.<br />
وأورد <strong>في</strong>ه حديث ابن عباس عن أيبّ بن كعب رضي هللا عنهما عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
اخلضر عليهما السالم، )كانت األوَل نسياان والوسطى شرطا والثالثة عمدا( حديث<br />
.2729<br />
يف قصة موسى مع<br />
قال ابن حجر: ]وأشار ابلشرط إَل قوله: }إِنْ سَأَلْتُ َك عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا قَالَ تُصَاحِ بْنِي{ والتزام موسى بذلك، ومل<br />
ي كتبا ذلك ومل يُشهِدا أحدا ، و<strong>في</strong>ه داللة على العمل مبقتضى ما دل عليه الشرط، فإن اخلضر قال ملوسى ملا أخلف<br />
{<br />
الشرط هَذَا قِرَ اقُ بَيْنِي وَ بَيْنِ َك{ ومل ينكر موسى <br />
فهذه األدلة السابقة ت ُ بَنيّ جواز العهود واملواثيق والشروط بني الناس على فعل الطاعات، وأَزِيدُ هذا بياانً ببعض ما<br />
يؤثر عن الصحابة والسلف الصاحل يف العهود واملواثيق:<br />
ذلك[ . 6<br />
ِ<br />
- 1 رواه البخاري عن عبد هللا بن عمرو<br />
- 2 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 3 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 4 سورة الكهف، اآلية:<br />
- 5 سورة الكهف، اآلية:<br />
036<br />
66<br />
91<br />
71<br />
76<br />
- 6 فتح الباري ج 5 ص 326
= 1<br />
منها ما رواه البخاري يف كتاب املناقب )ابب إسالم أيب ذر الغفاري( عن ابن عباس: أن أاب ذر ملا بلغه مبعث<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم قَدِم مكة، فرآه عَلِيٌّ فعرف أنه غريب فقال له عَلِيٌّ: أال حتدثين ما الذي أقدمك؟ قال أبو<br />
ذر: إن أعطيتين عهدا وميَاقا لرتشدين فعلت. فعل، فأخربه أبو ذر، قال عَلِيٌّ: فإنه حق، وهو رسول هللا صلى هللا<br />
1<br />
عليه وسلم .<br />
= 2<br />
جَعْلُ عمر<br />
ومنها ما رواه البخاري أيضا يف كتاب فضائل الصحابة )ابب قصة البيعة واالتفاق على عثمان بن عفان(، و<strong>في</strong>ه<br />
اخلالفة بعده يف أصحاب الشورى الستة، فتنازل ثالثة وبقي عبد الرمحن بن عوف وعثمان وعَلِيّ، قال<br />
عمرو بن ميمون راوي احلديث )فقال عبد الرمحن: أيكما تربأ من هذا األمر فنجعله إليه، وهللا عليه والإسالم لينظرمن<br />
أفضلهم يف نفسه؟ فأسكت الشيخان. فقال عبد الرمحن: أفتجعلونه إيلم وهللا ع ل ي أن ال آلو عن أفضلكم؟ قاال نعم.<br />
فأخذ بيد أحدمها فقال: لك قرابة من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم والقِدَم يف الإسالم ما قد علمت، فاهلل عليك<br />
لئن أَمرتُك لتعدلن، وإن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن. ُث خال ابآلخر فقال مثل ذلك. فلما أخل امليَاق قال: ارفع<br />
يدك اي عثمان، فبايعه فبايع له عَلِيٌّ، ووجل أهل الدار فبايعوه( . 2<br />
والشاهد مما سبق إقرار الصحابة وتعاملهم <strong>في</strong>ما بينه ابلعهود واملواثيق، ف<strong>في</strong> قصة أيب ذر عهد وميثاق بينه وبني عَلِيّ،<br />
ويف قصة بيعة عثمان عهد وميثاق أخذه عبد الرمحن بن عوف عَلَى عثمان وعَلِيّ رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
وقد أطلق نفر من الصحابة لفظ البيعة على هله العهود واملواثيق، فمن ذلك:<br />
= 1<br />
ما صنعه عِكْرمة بن أيب جهل يوم الريموك. قال ابن كثري: ]وقال سيف بن عمر عن أيب عثمان الغَسماين عن<br />
أبيه. قال: قال عكرمة بن أيب جهل يوم الريموك: قاتلتُ رسولُ هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
ُث اندى: من يبايع على املوت؟<br />
فبايع عَمُّه احلارث بن هشام، وضرار بن األزور يف<br />
يف مواطن وأفر منكم اليوم؟<br />
أربعمائة من وجوه املسلمني<br />
وفرساهنم، فقاتلوا قُدمام فسطاط خالد حىت أُثبتوا مجيعا جراحا، وقُتِل منهم خَلْقٌ منهم ضرار بن األزور رضي هللا عنهم.<br />
وقد ذكر الواقدي وغريه أهنم ملا صرعوا من اجلراح استسقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إَل أحدهم نظر إليه<br />
اآلخر فقال: ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه اآلخر فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إَل واحد حىت<br />
ماتوا مجيعا ومل يشرهبا أحد منهم، رضي هللا عنهم مجيعا[ . 3<br />
وقال ابن كثري: ]قال سيف بن عمر إسناده عن شيوخه: إهنم قالوا كان يف ذلك اجلمع جيش املسلمني ابلريموك<br />
ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر[<br />
. 4<br />
037<br />
- 1 حديث 3961<br />
- 2 حديث 3711<br />
- 3 البداية والنهاية ج 7 ص - 11 12<br />
- 4 البداية والنهاية ج 7 ص 8
فهذه بيعة بني رجل ليس هو أمري اجليش وبني طائفة من اجلند على طاعة من الطاعات، وهو عكرمة الصحايب اجلليل<br />
وكان <strong>في</strong>من ابيعه صحابة أجالء، وحدث هذا أمام خالد أمري اجلند، وكما نقل ابن كثري<br />
صحايب، ومل يُنقل إنكار أحد منهم على عكرمة<br />
على إقرارهم لذلك.<br />
= 2<br />
فقد حضر الواقعة ألف<br />
فعله هذا، فحدوث مثل هذه البيعة مبحضر من هذا اجلمع دليل<br />
ويف صِفِّني، يف احلرب بني عَلِيّ بن أيب طالب ومعاوية بن أيب س<strong>في</strong>ان رضي هللا عنهما، كان على مقدمة جيش<br />
علي )أهل العراق( قيس بن سعد بن عبادة رضي هللا عنهما، وأخرج الطربي بسند صحيح<br />
الزهري قال: جعل عَلِيُّ عَلَى مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا<br />
عن يونس بن زيد عن<br />
1<br />
أربعني ألفا ابيعوه على املوت .<br />
وما قيل يف بيعة عكرمة يقال يف بيعة قيس رضي هللا عنهما وكالمها مل يكن األمري العام للجند وال خليفة املسلمني،<br />
بل أمري طائفة من اجلند.<br />
أردت من كل ما سبق بيان أن العهود واملواثيق، وقد تسمى بيعة، بني املسلمني جائزة على فعل الطاعات، وذكرت ما<br />
وقع بني نيب هللا يعقوب<br />
<br />
وأبناءه، وبني ما وقع بني موسى واخلضر وذكرت ما وقع بني الصحابة يف حياة النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم من العهود، وما وقع بينهم بعد وفاته صلى هللا عليه وسلم<br />
بال إنكار من أحد مما جيعلنا ندرج هلا<br />
يف قائمة إمجاع الصحابة، كامليثاق الذي أخذه عبد الرمحن بن عوف عَلَى عثمان وعَلِيّ، وكبيعة عكرمة وقيس بن<br />
سعد رضي هللا عنهم. ونقلت كذلك ما ذكره شيخ الإسالم ابن تيمية من مشروعية العهود بني املعلمني وتالميذهم<br />
ووجوب الوفاء هبا مادامت على فعل الطاعات وذكر رمحه هللا صيغة للعهد على سبيل املثال.<br />
وهذا كله <strong>في</strong> بيان مشروعية هذه العهود.<br />
تنبيه: قد يقول قائل: إن كالمك السابق يف مشروعية العهود بني املسلمني على فعل الطاعات مُعْرت ني حبديث النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
)ال حلف يف اإلسالم(؟.<br />
اجلواب: ال تعارض إن شاء هللا بينهما، بل إن حديث )ال حلف يف الإسالم( هو يف ذاته حجة قوية ملا ذكرته من<br />
مشروعية العهود بني املسلمني على الطاعات.<br />
قال الراغب: ]احلِلْف: العهد بني القوم، واحملالفة املعاهدة، وجُعِلت للمُالزَمَة اليت تكون مبعاهدة. وقال: واحللف: أصله<br />
اليمني الذي َيخذ بعضهم من بعض هبا العهد ُث عُربِّ به عن كل ميني[<br />
2<br />
.<br />
أما األحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها احللف، فهي حديث جُبَريِ يف ن<strong>في</strong> احلِلف وحديث أنس يف إثباته:<br />
= 1<br />
عن جُبَريِ بن مُطْعِم: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »ال حِ لْف يف الإسالم، وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل<br />
يزده الإسالم إال شدة« . 3<br />
038<br />
- 1 فتح الباري ج 13 ص 63<br />
- 2 )املفردات يف غريب القرآن( للراغب األصفهاين مادة حلف<br />
- 3 رواه مسلم يف كتاب الفضائل ابب )مؤاخاة النيب بني أصحابه رضي هللا عنهم(
= 2<br />
عن عاصم األحول قال قلت ألنس أب َلَغَك أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال حلف يف الإسالم«؟ فقال<br />
أنس بن مالك: )قد حَالَفَ النيب صلى هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار يف داري( . 1<br />
اجلمع بني األحاديث، حيث أن ظاهرها التعارض:<br />
= 1<br />
<br />
قال ابن األثري: ]مادة )حلف( <strong>في</strong>ه »أنه عليه السالم حالف بني قريش واألنصار« ويف حديث آخر »قال آنس<br />
: حالف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني املهاجرين واألنصار يف داران مرتني« أي آخى بينهم وعاهد.<br />
ويف حديث آخر »ال حِ لْف يف الإسالم« أصل احلِلف: املعاقدة واملعاهدة على التعاضد والتساعد واالتفاق، فما<br />
كان منه يف اجلاهلية على الفنت والقتال بني القبائل والغارات فذلك اللي ورد النهي عنه يف اإلسالم بقوله صلى<br />
هللا عليه وسلم<br />
»ال حِ لْف يف الإسالم« وما كان منه يف اجلاهلية على نصر املظلوم وصلة األرحام كحلف املطيمبني وما<br />
جرى جمراه، فذلك الذي قال <strong>في</strong>ه صلى هللا عليه وسلم<br />
»وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل يزده الإسالم إال شدة« يريد<br />
من املعاقدة على اخلري ونصرة احلق، وبللك جيتمع ا ديَان، وهذا هو احللف الذي يقتضيه الإسالم، واملمنوع منه ما<br />
خالف حكم الإسالم.<br />
وقيل احملالفة كانت قبل الفتح.<br />
وقوله: »ال حِ لْف يف الإسالم« قاله زمن الفتح، فكان انسخا<br />
2<br />
.<br />
=<br />
=<br />
=<br />
قلت: ذكر ابن األثري كي<strong>في</strong>ة اجلمع بني احلديثني قال )وبذلك جيتمع احلديثان(، ُث ذكر احتمال النسخ بصيغة تضعيف<br />
فقال: ]وقيل احملالفة كانت قبل الفتح إَل قوله فكان انسخا[ وحَقٌ للنسخ أن ي ُنْكَر ال أن يُضَعمف، ملا يلي:<br />
ألن النسخ ال يصار إليه ابالحتمال، فالنسخ معناه تعطيل أحد النصني املتعارضني ومنع العمل به، وتعطيل دليل<br />
شرعي ال يكون ابالحتمال خاصةً مع عدم اجلزم مبعرفة التاريخ.<br />
وألن النسخ ال يصار إليه اجتهادا، إال مع استحالة اجلمع بني النصني املتعارضني، واجلمع هنا ممكن ومُتمجِ ه، كما<br />
قال ابن األثري، وستأِت أقوال النووي وابن حجر إن شاء هللا.<br />
ويك<strong>في</strong>ك يف إنكار دعوى النسخ، إنكار أنس على عاصم األحول ما فهمه من النهي عن احللف وهذا ن<br />
واضح<br />
صريح من الصحايب بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم وانقطاع التشريع يثبت <strong>في</strong>ه احللف واحملالفة، وأكد أنس<br />
قوله أبن احملالفة وقعت مرتني أو ثالَث، كما يف رواية أيب داود.<br />
يفهم من هذا أن احلِلف املنهي عنه شيء، وأن احلِلف الذي أثبته شيء آخر، ألن أنس مل يقل لعاصم: إن النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم مل حيَُدِّث هبذا احلديث، وإَّنا ذكر له نوع احملالفة اليت عقدها النيب صلى هللا عليه وسلم بني أصحابه.<br />
039<br />
- 1<br />
متفق عليه، ووقع ملسلم من ثالث طرق: طريق شيخ البخاري حممد بن الصبماح ومن طريق أيب بكر بن أيب شيبة ومن طريق حممد بن عبد هللا بن<br />
َّنَُري. ورواه مسلم يف نفس الباب السابق، وبن عيينة عن عاصم قال )مسعت أنس بن مالك يقول حالف...( فذكره بلفظ املهاجرين بدل قريش، فقيل له:<br />
أليس قال الحلف يف الإسالم؟ قال قد حَالَفَ فذكر مثله، وزاد مرتني او ثالَث. ]فتح الباري ج<br />
- 2 )النهاية يف غريب احلديث( البن األثري ج 1 ص 425 424،<br />
.]512<br />
11 ص 511
فاحملالفة منها ما هنى عنه ومنها ما أبيح، وصفة كل نوع منهما هي كما ذكر ابن األثري من قبل، وكما سيأِت يف كالم<br />
النووي وابن حجر إن شاء هللا. وسيأِت كذلك حديث ابن عباس يف تفسري قوله تعاَل: }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُ ْم{ . 1<br />
وسرتى أن احتمال النسخ مل يشر إليه ال النووي وال ابن حجر.<br />
= 2<br />
وقال ابن حجر: ]تضمن جواب أنس إنكار صدر احلديث ألن <strong>في</strong>ه ن<strong>في</strong> احللف و<strong>في</strong>ما قاله هو إثباته، وميكن<br />
اجلمع أبن املن<strong>في</strong> ما كانوا يعتربونه يف اجلاهلية من نصر احلليف ولو كان ظاملا ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل<br />
واحد منها ومن التوارث وحنو ذلك، واملَُبت<br />
ما عدا ذلك من نصر املظلوم والقيام يف أمر الدين وحنو ذلك من<br />
املستحبات الشرعية كاملصادقة واملواددة وحفظ العهد، وقد تقدم حديث ابن عباس يف نسخ التوارث بني املتعاقدين<br />
وذكر الداودي أهنم كانوا يورثون احلليف السدس دائما فنسخ ذلك إَل أن قال قال النووي املن<strong>في</strong> حلف التوارث وما<br />
مينع منه الشرع، وأما التحالف على شرع هللا ونصر املظلوم واملناخاة يف هللا تعاىل فهو أمر مرغب <strong>في</strong>ه[<br />
2<br />
.<br />
= 3<br />
وقال النووي: ]قال القاضي: قال الطربي: ال جيوز احللف اليوم فإن املذكور يف احلديث واملوارثة به واملؤاخاة كله<br />
منسوخ لقوله تعاَل: }وَ أُوْ لُوا األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْ ٍض{ وقال احلسن: كان التوارث ابحللف فنُسخ ِبية املواريث<br />
قلت أما ما يتعلق ابلإرث <strong>في</strong>ستحب <strong>في</strong>ه املخالفة عند مجاهري العلماء، وأما املؤاخاة يف الإسالم واحملالفة على طاعة هللا<br />
تعاَل والتناصر والتعاون على الرب والتقوى وإقامة ا ق فهلا ابق مل ينسخ وهذا معىن قوله صلى هللا عليه وسلم يف<br />
هذه األحاديث وأميا حلف كان يف اجلاهلية مل يزده الإسالم إال شدة، وأما قوله صلى هللا عليه وسلم : »ال حِ لْف يف<br />
الإسالم«<br />
3<br />
فاملراد به حلف التوارث واحللف على ما منع الشرع منه وهللا أعلم .<br />
قلت: فهذه أقوال ابن حجر والنووي يف اجلمع بني احلديثني، تبني أن املن<strong>في</strong> هو حلف التوارث وما مينع منه الشرع<br />
)وهو حديث جبري بن مطعم( وأن املثبت وهو حديث أنس وهو احملالفة على طاعة هللا تعاَل والتناصر يف الدين<br />
والتعاون على الرب والتقوى وإقامة احلق، وهذا الكالم يؤيد ما قلته من قبل يف مشروعية العهد بني املسلمني على<br />
الطاعات.<br />
= 3<br />
4<br />
ما ورد يف تفسري قوله تعاَل: }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَآتُوهُمْ نَصِ يبَهُ ْم{ . ورد يف كالم النووي أن احللف املن<strong>في</strong><br />
»ال حِ لْف يف الإسالم« منه حلف التوارث كالم ابن حجر قال: ]وقد تقدم حديث ابن عباس يف نسخ التوارث بني<br />
املتعاقدين[.<br />
وهذه املسألة وهي نسخ التوارث بني املتحالفني وردت يف اآلايت التالية:<br />
041<br />
- 1<br />
النساء، اآلية:33<br />
- 2 )فتح الباري( ج 11 ص 512<br />
- 3 )صحيح مسلم بشرح النووي( ج 16 ص 92 91،<br />
- 4 النساء، اآلية: 33
=<br />
آية النساء: قوله تعاَل<br />
{ وَ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ الِيَ<br />
نَصِ يبَهُمْ إِنَّ َّللاَّ َ كَانَ عَلَى كُل ِ شَيْءٍ شَهِيد ًا{<br />
. 1<br />
=<br />
=<br />
مِمَّا تَرَ كَ الْوَ الِدَانِ وَ األَقْرَ بُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَآتُوهُ ْم<br />
آية األنفال: قوله تعاَل }وَ أُوْ لُوا األْ َرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْضٍ قِي كِتَابِ َّللاَّ ِ{ 2 .<br />
آية األحزاب: قوله تعاَل }وَ أُوْ لُو األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْضٍ قِي كِتَابِ َّللاَّ ِ مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ وَ الْمُهَاجِ رِ ينَ إِالَّ أَ ْن<br />
تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ لِيَائِكُمْ مَعْرُ وقًا{ . 3<br />
قلت: يراجع تفسري هذه اآلايت ابلتفاسري املشهورة كالطربي والقرطيب وابن كثري، وسأمجل لك هنا ما يتعلق مبوضوعنا<br />
وهو نسخ التوارث ابحللف، فأقول:<br />
كان الرجالن يتحالفان يف اجلاهلية على أن يتناصرا ويتوارَث، ويف أول الإسالم وبعد اهلجرة كان املهاجر يرث<br />
األنصاري لألخوة اليت آخى النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
ذوي رحم امليت، فتم نسخ هلا على مرحلتني:<br />
األوَل: بقوله تعاَل { وَ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ الِ َي<br />
إَل قوله<br />
بينهم، فكان احلليف حيتاز املرياث كله إذا مات حليفه دون<br />
وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَآتُوهُمْ نَصِ يبَهُ ْم{ فهذه اآلية جعلت<br />
املرياث مشرتكا بني ذوي رحم امليت { وَ ٍ لِكُل جَعَ ْلنَا مَوَ الِ َي{ وبني احلليف وهو }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُ ْم{. وأصبح<br />
للحليف سدس الرتكة وليس كل الرتكة.<br />
الثانية: بقوله تعاَل }وَ أُوْ لُوا األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْ ٍض{ هذه اآلية نسخت احلليفة كليا ومل يبق له نصيب يف<br />
الرتكة، وميكن أن يُوصَى له. ورغم نسخ املرياث إال أنه يبقى للحليف حق النصرة كما سيأِت قول ابن عباس.<br />
وهذا يبني لك ا لف املن<strong>في</strong> )ومنه نسخ التوارث ابحللف( وا لف املَبت )وهو النصرة(<br />
وأنقل لك <strong>في</strong>ما يلي أقوال السادة العلماء <strong>في</strong>ما يتعلق مبا ذكرته من قبل، ومن أحسن ما قيل يف هذه املسألة ما مجعه<br />
ابن حجر <strong>في</strong>ها. فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: ]} وَ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ الِ َي{ قال: ورثة }وَ الَّذِينَ<br />
عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } كان املهاجرون ملا قدموا املدينة يرثوا املهاجر األنصاري دون ذوي رمحه لألخوة اليت آخى النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم<br />
بينهم، فلما نزلت { وَ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ الِ َي{ نسخت. ُث قال }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ{ من النصر<br />
4<br />
والرفادة والنصيحة وقد ذهب املرياث ويوصى له[ . قال ابن حجر ]قوله }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ{ )كان املهاجرون<br />
ملا قدموا املدينة يرث املهاجري<br />
هللا عليه وسلم<br />
األنصاري دون ذوي رمحه األخوة( هكذا محلها ابن عباس على من آخى النيب صلى<br />
بينهم، ومحلها غريه على أعم من ذلك فأسند الطربي عنه قال: كان الرجل حيالف الرجل ليس بينهما<br />
نسب فريث أحدمها اآلخر، فنسخ ذلك. ومن طريق سعيد بن جبري قال: كان الرجل يعاقد الرجل فريثه، وعقد أبو<br />
040<br />
- 1 النساء، اآلية: 33<br />
- 2 األنفال، اآلية: 75<br />
- 3 األحزاب، اآلية: 6<br />
- 4 حديث 4591<br />
بكتاب التفسري
بكر موَل فورثه. قوله: )فلما نزلت { وَ ٍ لِكُل جَعَلْنَا مَوَ الِ َي{ نسخت( هكذا وقع يف هذه الرواية أن انسخ مرياث<br />
احلليف هذه اآلية. وروى الطربي من طريق علي بن أيب طلحة عن ابن عباس قال: ]كان الرجل يعاقد الرجل، فإذا<br />
مات ورثه اآلخر، فأنزل هللا }وَ أُوْ لُو األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْضٍ قِي كِتَابِ َّللاَّ ِ مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ وَ الْمُهَاجِ رِ ينَ إِالَّ<br />
أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ لِيَائِكُمْ مَعْرُ وقًا{ يقول إال أن توصوا ألوليائكم الذين عاقدمت. ومن طريق قتادة كان الرجل يعاقد<br />
الرجل يف اجلاهلية <strong>في</strong>قول دمي دمك وترثين وأرثك، فلما جاء الإسالم أُمِروا أن يؤتوهم نصيبهم من املرياث وهو<br />
السدس، ُث نُسِ خَ ابملرياث فقال: }وَ أُوْ لُو األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْ ٍض{، ومن طرق شىت عن مجاعة من العلماء<br />
كذلك، وهذا هو املعتمد.<br />
وحيتمل أن<br />
يكون النسخ وقع مرتني: األوَل حيث كان املعاقِد يرث وحده دون العصبة فنزلت { وَ لِكُل ٍ{ وهي آية<br />
الباب فصاروا مجيعا يرثون، وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس، ُث نَسَخَ ذلك آية األحزاب وخ<br />
املرياث ابلعصبة<br />
وبقي للمعاقد النصر والإرفاد وحنومها، وعلى هذا يتنزل بقية اآلَثر. وقد تعرض له ابن عباس يف حديثه أيضا لكن مل<br />
يذكر الناسخ الثاين. والبد منه وهللا أعلم.<br />
1<br />
.<br />
قوله: ]ُث قال: }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُ ْم{ من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب املرياث ويوصى له[ كذا وقع <strong>في</strong>ه،<br />
وسقط منه شيء بينه الطربي يف روايته عن أيب كريب عن أيب أسامة هبذا الإسناد ولفظه: ُث قال }وَ الَّذِينَ عَقَدَ ْت<br />
أَيْمَانُكُمْ قَآتُوهُمْ نَصِ يبَهُمْ{ من النصر إخل<br />
وقد استحسن الشيخ أمحد شاكر كالم ابن حجر هذا وهو أن نسخ مرياث احلليف وقع مرتني، قال: ]وهذا حتقيق<br />
جيد ر<strong>في</strong>ع من احلافظ ابن حجر، والناسخ الثاين أي }وَ أُوْ لُوا األَرْ َحامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْ ٍض{ ذكره ابن عباس<br />
أيضا يف الروايتني األخريني عند الطربي الدالتني على أن الرواية األوَل، رواية البخاري، <strong>في</strong>ها اختصار إَل أن قال<br />
أمحد شاكر ويكون معىن حديث ابن عباس، مبا جيتمع من رواايته: أن قوله }وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَآتُوهُ ْم<br />
نَصِ يبَهُمْ{ يعين نصيبه من املرياث، فجاءت آية األحزاب: }وَ أُوْ لُو األَرْ حَامِ بَعْضُهُمْ أَوْ لَى بِبَعْضٍ قِي كِتَابِ َّللاَّ ِ<br />
مِ ْن<br />
الْمُؤْ مِنِينَ وَ الْمُهَاجِ رِ ينَ إِال أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْ لِيَائِكُمْ مَعْرُ وقًا{ فذهب املرياث، وبقي أن يفعلوا هلم املعروف، من الوصية،<br />
ومن النصر والرفادة والنصيحة وذلك هو املعروف اللي بقي بعد ذهاب املرياث[ . 2<br />
واخلالصة: من كل ما سبق، أنه ال تعارض بني حديث »ال حِ لْف يف الإسالم« وحديث أنس »قد حَالَفَ النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار«، فامل نْفِي هو حلف التوارث واحملالفة على ما مينعه الشرع، واملَُدْب ت هو احملالفة<br />
على القيام بواجبات الدين، وهذا هو اجلمع بني احلديثني الذي اختاره النووي وابن حجر وابن األثري. وملا كان قوله<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
العموم. وهللا أعلم.<br />
»ال حِ لْف«<br />
نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>، وهي صيغة عموم، فنقول إن حديث أنس خمص هلذا<br />
042<br />
248<br />
- 1 )فتح الباري( ج 9 ص 247<br />
- 2 )عمدة التفسري خمتصر تفسري ابن كثري( ج 3 ص 163
وهذا كله يف بيان مشروعية العهود بني املسلمني على الطاعات.<br />
ثانيا: فائدة هذا الغرض منه<br />
العهد الذي يعطيه الإنسان على نفسه ال خيلو غرضه من أن يكون أحد أمرين أو كليهما:<br />
األول: توكيد ما ثبت وجوبه بالشرع ابتداء:<br />
ف<strong>في</strong> املثال الذي بني أيدينا وهو معسكر التدريب، قد أمر هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم ابجلهاد يف سبيل<br />
هللا وطاعة والة األمور وحفظ األسرار وأداء األماانت والنصح للمسلمني والإحسان إليهم، فهذه األمور واجبة ابلشرع<br />
أصال سواء تعهد الإنسان ابلتزامها أم مل يتعهد، فإذا تعهد ابلتزامها وأقسم على هذا، فإن هذه األمور تصري واجبة من<br />
وجهني أوالمها: وجوهبا ابلشرع ابتداء، وَثنيهما: العهد والقسم على التزامها. فتكون فائدة العهد يف هله األمور<br />
هو توكيد ما وجب ابلشرع ابتداء.<br />
ويف هذا يقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وما أمر هللا به ورسوله من طاعات والة األمور ومناصحتهم واجب<br />
على الإنسان وإن مل يعاهدهم عليه، وإن مل حيلف هلم الإميان املؤكدة، كما جيب عليه الصلوات اخلمس، والزكاة،<br />
والصيام، وحج البيت، وغري ذلك مما أمر هللا به ورسوله من الطاعة، فإذا حلف على ذلك كان توكيدا وتثبيتا ملا أمر<br />
هللا به ورسوله من طاعة والة األمور ومناصحتهم. فاحلالف على هذه األمور ال حيل له أن يفعل خالف احمللوف عليه،<br />
سواء حلف ابهلل أو غري ذلك من األميان اليت حيلف هبا املسلمون، فإن ما أوجبه هللا من طاعة والة األمور ومناصحتهم<br />
واجب وإن مل حيلف عليه، فكيف إذا حلف عليه؟! وما هنى هللا ورسوله عن معصيتهم وغشهم حمرم وإن مل حيلف على<br />
ذلك[ . 1<br />
قلت: ومثال هذا، حديث مبايعة الصحايب جرير بن عبد هللا البجلي<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
قلت: أابيعك على الإسالم، فَشَرَطَ عَلَ م ي<br />
<br />
للنيب صلى هللا عليه وسلم، قال جرير: أتيت<br />
2<br />
»والنصح لكل مسلم«، فبايعته على هذا ، ويف<br />
لفظ آخر قال جرير: ]ابيعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على إقام الصالة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم[ . 3<br />
فأصل املبايعة على الإسالم وهو يشتمل على الصالة والزكاة حلديث »بين الإسالم على مخس« وكذلك النصيحة من<br />
الإسالم حلديث »الدين النصيحة«، فإذا ذُكِرَت النصيحة مثال كشرط مستقل يف ا ملبايعة، فهذا يزيد وجوب النصيحة<br />
توكيدا، إذ إهنا يف هذا احلال جتب ألمرين أوهلما: ألهنا من واجبات الإسالم املبايَع عليه، َثنيهما: للمبايعة عليها<br />
كشرط مستقل يف عقد املبايعة. فهي واجبة ابلشرع وواجبة ابلعهد عليها.<br />
ويف احلكمة من اشرتاط هذه الشروط يف مبايعة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
لبعض املسلمني مع كوهنا من واجبات<br />
الدين وإن مل تُشْرتَ ط قال ابن حجر: ]واملراد ابلبيعة املبايعة على الإسالم، وكان النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
أول ما<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج 11<br />
35 ص 8<br />
- 2 رواه البخاري 59<br />
- 3 رواه البخاري 57<br />
043
يشرتط بعد التوحيد إقامة الصالة ألهنا رأس العبادات البدنية، ُث أداء الزكاة ألهنا رأس العبادات املالية، ُث ي ُعَلِّم كل قوم<br />
ما حاجتهم إليه أمس، فبايع جريرا على النصيحة ألنه كان سيد قومه فأرشده إَل تعليمهم أبمْرِه ابلنصيحة هلم، وابيع<br />
1<br />
وفد عبد قيس على أداء اخلمس لكوهنم كانوا أهل حماربة مع من يليهم من كفار مضر[ .<br />
وقال القرطيب: ]كانت مبايعة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
2<br />
أمر، فلذلك اختلفت ألفاظهم[ .<br />
ألصحابه حبسب ما حيتاج إليه: من جتديد عهد أو توكيد<br />
هذا يف بيان أن العهد أو البيعة على الطاعة الواجبة أبصل الشرع، يزيد وجوب هذه الطاعة توكيدا، وهذا هو الغرض<br />
األول من العهد.<br />
والغرض الثاني: التزام العبد ما أوجبه على نفسه مما لم يوجبه الشرع<br />
ابتداء:<br />
مثال ذلك النذر مل يوجبه الشرع ابتداء، ولكن إذا أوجبه العبد على نفسه أبن نذر هلل تعاَل إن حدث له كذا، فعل<br />
3<br />
كذا، صار واجبا عليه الوفاء هبذا النذر، ألن هللا تعاَل أمر ابلوفاء ابلنذر، }يُوقُونَ بِالنَّذْ ِر{ ، وإن مل يوجب هللا النذر<br />
على الناس ابتداء.<br />
مثال آخر: البيع من املباحات، فإذا كانت عندك سلعة معينة، مل َيمرك الشرع ببيعها وإذا أردت بيعها مل َيمرك ببيعها<br />
لشخ معني، وإذا مل بعتها لشخ معني مل َيمرك بثمن معني أو ابلبيع يف وقت معني. ولكن إذا تعهدت على<br />
نفسك أن تبيع هذه السلعة لشخ<br />
معني يف وقت معني بثمن معني صار كل هذا واجبا عليك ابلعهد الذي قطعته<br />
4<br />
على نفسك لقوله تعاَل: }وَ أَوْ قُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُوالً{ ، فمثل هذا البيع مل جيب ابلشرع ابتداء وإَّنا<br />
وجب ابلعهد إذ إن هللا أمر ابلوفاء ابلعهد، ولوال العهد ملا وجب عليك هذا البيع، قال هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا<br />
5<br />
أَوْ قُوا بِالْعُقُودِ{ .<br />
ويقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف بيان ما جيب ابلشرع ابتداء وما جيب ابلعهد ]والذي يوجبه هللا على العبد<br />
قد يوجبه ابتداء، كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد. وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه على نفسه، ولوال ذلك<br />
مل يوجبه، كالوفاء ابلنذر للمستحبات. ومبا التزمه يف العقود املباحة: كالبيع والنكاح والطالق وحنو ذلك. وإذا مل يكن<br />
044<br />
- 1 فتح الباري ج 2 ص 7<br />
- 2 )فتح الباري( ج 1 ص 138<br />
- 3 الإنساء، اآلية: 7<br />
- 4 الإسراء، اآلية 24<br />
- 5 املائدة، اآلية: 1
واجبا.<br />
املسلمني<br />
وقد يوجبه ألمرين. كمبايعة الرسول<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
1<br />
كتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله .<br />
على السمع والطاعة له، وكذلك مبايعة أئمة<br />
وقال رمحه هللا يف موضع آخر مبينا نفس املسألة: ]وأصل العقود أن العبد ال يلزمه شيء إال ابلتزامه، أو إبلزام الشارع<br />
له، فما التزمه فهو ما عاهد عليه، فال ينقض العهد، وال يغدر. وما أمره الشارع به فهو مما أوجب هللا عليه أن يلتزمه<br />
وإن مل يلتزمه، كما أوجب عليه أن يَصِلَ ما أمر هللا به أن يوصل من الإميان ابلكتب والرسل، ومن صلة األرحام، وهلذا<br />
يذكر هللا يف كتابه هذا وهذا، كقوله: }الَّذِينَ يُوقُونَ بِعَهْدِ َّللاَّ ِ وَ ال يَنقُضُونَ الْمِيثَا َق وَ الَّذِينَ يَصِ لُونَ مَا أَمَرَ َّللاَّ ُ بِ ِه<br />
أَنْ يُوصَلَ{ . 2 فما أمر هللا به أن يوصل فهو إلزام من هللا به، وما عاهد عليه الإنسان فقد التزمه فعليه أن يويف بعهد<br />
3<br />
هللا، وال ينقض امليثاق، إذا مل يكن ذلك خمالفا لكتاب هللا[ .<br />
وبناء على ما سبق ميكن أن يشتمل العهد بني األمري واألعضاء على أمور واجبة ابلشرع ابتداء لتوكيدها كاجلهاد<br />
وطاعة األمري وحفظ األسرار وأداء األماانت والنصح للمسلمني، وأمور مل جتب ابلشرع ابتداء ليلتزمها األعضاء<br />
ابلعهد مثل أن يشرتط األمري عليهم عمال معينا أو عدم مغادرة املعسكر إال يف مدد معدودة أو حتديد مواعيد للنوم<br />
واليقظة والطعام والتدريبات وحنو ذلك من الشروط ما مل تكن معصية.<br />
وهذه الشروط اليت تشرتط يف العهد تشكل أساس الالئحة الداخلية للمعسكر ونظامه، منها شروط واجبة ابلشرع<br />
يؤكدها العهد ومنها شروط غري واجبة ابلشرع ابتداء يوجبها العهد.<br />
ويف شروط العهود يقول شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]ويف السنن عنه قال "املسلمون عند شروطهم: إال شرطا<br />
أحل حراما ما أو حرم حالال" وكل ما كان من الشروط اليت بني القبائل وامللوك والشيوخ واألحالف وغري ذلك فإهنا<br />
على هذا احلكم ابتفاق علماء املسلمني[ . 4<br />
وقال رمحه هللا يف موضع آخر: ]وابجلملة فجميع ما يقع بني الناس من الشروط والعقود واحملالفات يف األخوة وغريها<br />
ت ُرَد إَل كتاب هللا وسنة رسوله، فكل شرط يوافق الكتاب والسنة يوىف به، و»من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو<br />
ابطل وإن كان مائة شرط. كتاب أحق، وشرطه أوثق« فمىت كان الشرط خيالف شرط هللا ورسوله كان ابطال. وكذا يف<br />
شروط البيوع، واهلبات، والوقوف، والوقوف، والنذور، وعقود البيعة لألئمة، وعقود املشايخ، وعقود املتآخيني، وعقود<br />
أهل األنساب والقبائل، وأمثال ذلك[<br />
. 5<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج<br />
045<br />
28 ص 346 345<br />
21<br />
- 2 الرعد، اآلية: 21<br />
- 3 جمموع الفتاوى ج<br />
- 4 جمموع الفتاوى ج<br />
- 5 جمموع الفتاوى ج<br />
342<br />
81<br />
341<br />
98<br />
89 87<br />
28 ص<br />
11 ص<br />
35 ص
قلت: و<strong>في</strong>ما قاله شيخ الإسالم كالم مشكل، وهو ما ورد يف حديث عائشة مرفوعا »من اشرتط شرطا ليس يف كتاب<br />
هللا فهو ابطل«<br />
فهذا معناه أنه إذا اشرتط األمري على األعضاء عدم مغادرة املعسكر إال مرة واحدة كل شهرين فهذا<br />
ابطل ألنه ليس يف كتاب هللا. وليس املعىن كذلك فليس املراد أن يرد الشرط بعينه يف الكتاب والسنة بل املراد أال<br />
خيالف الشرط الكتا والسنة. وقد بني شيخ الإسالم هذا دفعا لإليهام يف كالمه السابق، فقال: ]فمىت كان الشرط<br />
خيالف شرط هللا ورسوله كان ابطال[ وبينه يف موضع آخر فقال رمحه هللا: ]فإن القاعدة أيضا: أن األصل يف الشروط<br />
الصحة واللزوم إال ما دل الدليل على خالفه. وقد قيل: بل األصل <strong>في</strong>ها عدم الصحة، إال ما دل الدليل على صحته:<br />
حلديث عائشة. واألول هو الصحيح، فإن الكتاب والسنة قد دَالم على الوفاء ابلعقود والعهود، وذم الغدر والنكث،<br />
ولكن إذا مل يكن املشروط ُمالفا<br />
لكتاب هللا وشرطه، فإذا كان<br />
املشروط ُمالفا لكتا<br />
الشرط وشرطه كان هللا<br />
ابطال. وهذا معىن قوله صلى هللا عليه وسلم : »من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن كان مائة شرط.<br />
كتاب أحق، وشرطه أوثق«.<br />
فإن قوله:<br />
»من اشرتط شرطا«<br />
املشروط يف كتاب هللا، فليس هو مما أابحه هللا إَل أن قال<br />
أي مشروطا، وقوله:<br />
»ليس يف كتاب هللا«<br />
أي ليس<br />
وأما إذا كان نفس الشرط واملشروط مل ينص هللا على<br />
حِ لِه، بل سكت عنه. فليس هو مناقضا لكتا هللا وشرطه. حىت يقال: »كتاب أحق، وشرطه أوثق« فقوله: »من<br />
اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا« أي ُمالفا لكتا هللا[<br />
1<br />
.<br />
الخالصة:<br />
أن العهود جائزة بني املسلمني، وهي تنكد ما وجب ابلشرع ابتداء أو توجب أموراً مل جتب ابلشرع ابتداء مادامت ال<br />
ختالف الشرع.<br />
وقد ذكر شيخ الإسالم رمحه هللا قوال أريد ألن أبينه، وهو قوله املذكور آنفا ]والذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه<br />
ابتداء، كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد. وقد يوجبه ألن العبد التزمه وأوجبه على نفسه ولوال ذلك مل يوجبه إَل<br />
أن قال وقد يوجبه<br />
املسلمني،<br />
األمرين، كمبايعة الرسول صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة له، وكذلك مبايعة أئمة<br />
2<br />
وكتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[ . فقوله ]وقد يوجبه لألمرين[ أي يوجب هللا األمر على<br />
الناس لكونه واجبا ابلشرع ابتداء ولكون الناس تعاقدوا على العمل به، وضرب هلذا أمثلة منها قوله: ]وكتعاقد الناس<br />
على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[، <strong>في</strong>دخل يف هذا االلتحاق مبعسكرات التدريب ويدخل <strong>في</strong>ه قيام اجلماعات<br />
الإسالمية ابلعمل لإلسالم، وهي اجلماعات اليت أنكر إمارهتا من قبل مؤلف كتاب البيعة بني السنة والبدعة، وقد<br />
رددت يف الباب الثالث من هذه الرسالة على إنكاره لإلمارة. وسأرد بعد قليل إن شاء هللا تعاَل على إنكاره البيعة.<br />
فقيام هذه املعسكرات واجلماعات لنصرة احلق وللعمل لتكون كلمة هللا هي العليا واجب من وجهني:<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج 28 ص<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
046<br />
347 346<br />
28 ص 346 345
األول: لوجو هلا ابلشرع ابتداء، لقوله تعاَل: }وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى{ ولقوله تعاَل: }وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ<br />
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ{ ولقوله تعاَل: }وَ الْمُؤْ مِنُونَ<br />
وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّالَ ةَ وَ يُؤْ تُونَ الزَّ كَاةَ<br />
وَ يُِِيعُونَ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ أُوْ لَئِكَ سَيَرْ حَمُهُمْ َّللاَّ ُ إِنَّ َّللاَّ َ عَزِ ي ٌز حَكِي ٌم{. واآلية األخرية تبني أمهية املواالة بني املؤمنني<br />
للقيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ووصفهم سبحانه أبهنم املفلحون وأبنه سبحانه سيدخلهم يف رمحته، وقد<br />
ذكرت من قبل أن شوكة الإسالم وقوته ومنعته ال تقوم إال ابلوالء الإمياين، بتجميع املؤمنني<br />
بواجبات الدين.<br />
الوجه الثاين لقيام هذه اجلماعات هبذا،<br />
وتعاوهنم على القيام<br />
هو تعاهدهم وتعاقدهم على هله الطاعات، وهذا جائز، فقيامهم هبذه<br />
الطاعات من الدعوة واألمر والنهي واجلهاد، هو واجب ابلشرع وواجب ابلعهد عليه }وَ أَوْ قُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَا َن<br />
مَسْئُوال ً{،<br />
فهو واجب ألمرين.<br />
ثالثا: هل يجوز أن يؤقت العهد بأجل؟<br />
واجلواب: نعم جيوز أن يكون العهد بني املسلمني مؤقتا أبجل، <strong>في</strong>جوز أن يؤقت بزمن معني، كما جيوز أن يكون العهد<br />
على عمل معني أو شرط معني.<br />
فالزمن املعني، مثل أن َيخذ األمري على أعضاء املعسكر عهدا ابالستمرار يف التدريب ملدة ثالثة أشهر مثال، فهذا<br />
العهد ينتهي إلزامه لألعضاء بعد هذه املدة، فإذا كانت املصلحة تقتضي زمنا أطول فعلى األمري جتديد العهد<br />
والعمل املعني، مثل أن َيخذ األمري على األعضاء عهدا ابالستمرار يف التدريب على عدد معني من األسلحة طالت<br />
املدة أو<br />
<br />
قصرت، فال جيوز له إدخال تدريب آخر إال بعهد آخر. وإذا كانت املدة جمهولة، وأحد األعضاء ال ميكنه<br />
املكث يف املعسكر أكثر من شهرين مثال، فلهذا العضو أن يشرتط لنفسه أنه إذا طالت املدة عن شهرين فله احلق يف<br />
االنصراف عند ذلك واألمري ابلتايل له أن يقبل هذا الشرط من العضو أو يرفضه، وقبول األمري أو رفضه للشرط جيب<br />
أن ينبين على وجه صحيح من املصلحة العامة للتدريب ولبقية األعضاء وال ينبين على اهلوى والشهوة. وقد ذكرت يف<br />
مسألة الشورى أن قيام الراعي على الرمعية منوط ابملصلحة.<br />
والدليل على أن العهد جيوز أن يؤقت، هو ما ذكرته يف مسألة مشروعية العهد من أدلة مثل:<br />
= 1<br />
= 2<br />
العهد بني يعقوب وبنيه كان على عمل معني بشرط معني، وهو أن يرسل أخاهم بشرط أن يقسموا أن َيتوه<br />
به إال أن حياط هبم، قال تعاَل: }قَالَ لَنْ أُرْ سِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْ تُونِي مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِالَّ أَنْ يُحَاَِ بِكُ ْم{ . 1<br />
والعهود بيم موسى واخلضر عليهما السالم كانت على عمل معني وشروط حمددة، قال تعاَل عن اخلضر: }قَا َل<br />
قَإِنْ اتَّبَعْتَنِي قَال تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ً ذِكْرا{ ، 1 وقال تعاَل عما شرطه موسى على نفسه: }قَا َل<br />
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا قَالَ تُصَاحِ بْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُن ِي ً عُذْرا{ . 2<br />
047<br />
- 1 يوسف، اآلية: 66
=<br />
3<br />
والعهد بني أيب ذر وعَلِيّ رضي هللا عنهما كان على عمل معني وشرط معني، وهو أن يرشد عَلِيٌّ أاب ذر ملا<br />
يريده، إذا أخربه أبو ذر بسبب مقدمه إَل مكة.<br />
= 4<br />
والعهد الذي قطعه عبد الرمحن بن عوف على نفسه أمام عثمان وعَلِيّ، وهو أن خيتار أحدمها قال: )وهللا على<br />
أن ال آلو عن أفضلكم(. فهذا العهد مؤقت بعمل معني وهو أن اختيار أحدمها رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
فهذه كلها أمثلة للعهود املؤقتة بعمل معني، وينتهي أثر العهد وإلزامه للطرفني أو أحدمها ابنقضاء العمل.<br />
ومن أمثلة العهود والعقود املؤقتة بعمل معني:<br />
= 5<br />
العقد بني موسى وبني الرجل الصاحل مبَدْيَن )شعيب<br />
<br />
. 3<br />
على ترجيح القرطيب( كان منقتا أبجل مع إهبام العمل،<br />
قال تعاَل: }قَالَ إِن ِي أُرِ يدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَ نِي ثَمَانِيَةَ حِ جَجٍ قَإِنْ أَتْمَمْتَ ً عَشْرا قَمِ ْن<br />
عِنْدِكَ وَ مَا أُرِ يدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِ دُنِي إِنْ شَاءَ َّللاَّ ُ مِنْ الصَّالِحِ ينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا األَجَلَيْنِ قَضَيْتُ قَال<br />
عُدْوَ انَ عَلَيَّ وَ َّللاَّ ُ عَلَى مَا نَقُولُ وَ كِي ٌل{ وعقد البخاري رمحه هللا اباب هلذا يف كتاب الإجارة وهو )ابب إذا استأجر<br />
أجريا فبني له األجل ومل يبني العمل لقوله<br />
وَ كِيل{( . 4<br />
}إِن ِي أُرِ يدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ<br />
فهذه أمثلة تبني أن العهود جيوز أن تؤقت بعمل معني أو أبجل معني.<br />
إَل قوله<br />
وَ َّللاَّ ُ عَلَى مَا نَقُو ُل<br />
رابعا: هل تجب كتابة العهود أو اإلشهاد عليها؟<br />
األصل يف كتابة العقود والإشهاد عليها هو الندب واجلواز ال الوجوب، إال ما دلت النصوص على أن الإشهاد من<br />
شروط صحته كعقد النكاح مثال. وال يتسع املقام لتفصيل أدلة ذلك، وهلذا سنعرج على مسألتنا األصلية وهي عهود<br />
الطاعات بني املسلمني، فنقول هي صحيحة بدون كتابة وبدون إشهاد، وجيوز الكتابة والإشهاد.<br />
ودليل هذا: ما ذكران من أدلة يف )مشروعية العهود( فلم يكن <strong>في</strong>ها كتابة وال إشهاد<br />
= 1<br />
= 2<br />
مثل العهد بني يعقوب وبنيه.<br />
والعهد بني موسى واخلضر عليهما السالم، وقد أخرجه البخاري رمحه هللا يف كتاب الشروط )ابب الشروط مع<br />
الناس ابلقول( وقال ابن حجر يف شرح احلديث ]وأشار ابلشرط إَل قوله }إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا قَال<br />
تُصَاحِ بْنِي{ والتزام موسى بذلك ومل يكتبا ذلك ومل يُشهِدا<br />
أحدا. أ ه ] 5 .<br />
048<br />
29<br />
- 1 الكهف، اآلية: 71<br />
- 2 الكهف، اآلية: 96<br />
- 3 القص ، اآلية: 27<br />
- 4 انظر فتح الباري ج 4 ص 444<br />
- 5 فتح الباري ج 5 ص 326
= 3<br />
والعهد بني موسى والرجل الصاحل مبَِدْين، قال تعاَل: }ذَلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا األَجَلَيْنِ قَضَيْتُ قَالَ عُدْوَ انَ عَلَيَّ<br />
وَ َّللاَّ ُ عَلَى مَا نَقُولُ وَ كِيلٌ{ ، 1<br />
قال القرطيب:<br />
]}وَ َّللاَّ ُ عَلَى مَا نَقُولُ وَ كِيلٌ{<br />
قيل هو من قول موسى، وقيل هو من<br />
قول والد املرأة. فاكتفى الصاحلان صلوات هللا عليهما يف اإلشهاد عليهما ابهلل ومل يشهدا أحدا من افلق. أ ه ] فلئن<br />
صح هذا يف شرع من قبلنا فقد جاء شرعنا ِبالفه.<br />
= 4<br />
والعهد بني أيب ذر وعلي رضي هللا عنهما مل يكتباه ومل يشهدا عليه... وهكذا.<br />
فائدة: تغليظ العهود والمواثيق:<br />
جيوز تغليظ العهود واملواثيق بني املسلمني مبا ت ُغَلمظ به أميان الشهود يف القضاء<br />
ابللفظ أو ابلزمان أو ابملكان، أبحدمها أو ببعضها أو هبا كلها.<br />
وليس بواجب، ويكون التغليظ<br />
واألصل يف التغليظ قول هللا تعاىل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْ تُ حِ ينَ الْوَ صِ يَّةِ اثْنَا ِن<br />
ذَوَ ا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَ انِ مِنْ غَيْرِ كُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَ بْتُمْ قِي األَرْ ضِ قَأَصَابَتْكُمْ مُصِ يبَةُ الْمَوْ تِ<br />
الصَّالةِ قَيُقْسِمَانِ بِاّلِلَّ ِ{<br />
. 2<br />
= 1<br />
تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْ ِد<br />
فالتغليظ ابللفظ يكون أبن يقسم مبزيد من أمساء الر تعاىل وصفاته مثل )وهللا الذي ال إله إال هو عامل الغيب<br />
والشهادة الرمحن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع، الذي يعلم خائنة األعني وما خت<strong>في</strong> الصدور( رُوِيَ هذا عن<br />
ابن عباس رضي هللا عنهما.<br />
= 2<br />
والتغليظ ابلزمان: أبن يقسم بعد صالة العصر، لقوله تعاَل: }تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّالةِ قَيُقْسِمَانِ بِاّلِلَّ ِ{<br />
وأكثر العلماء على أن الصالة يف اآلية هي صالة العصر، وقد ورد هذا صرحيا يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
: »ثالثة ال<br />
=<br />
3<br />
يكلمهم هللا إَل قوله ورجل ابيع رجال بسلعة بعد العصر، فحلف ابهلل لقد أعطى هبا كذا وكذا فصدقة<br />
3<br />
أخذها، ومل ي ُعْطَ هبا« ، وروى البخاري أيضا عن أيب هريرة مرفوعا: »ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة إَل قوله<br />
4<br />
ورجل حلف عن ميني كاذبة بعد العصر ليقتطع هبا مال امرئ مسلم« .<br />
والتغليظ<br />
ابملكان: بني الركن واملقام مبكة، والقدس عند الصخرة، وعند املنرب يف سائر البالد، ملا رَوَى مالك<br />
والشافعي وأمحد عن جابر مرفوعا: »من حلف على منربي هذا ميينا آمثة فليتبوأ مقعده من النار«، وقِيس عليه ابقي<br />
منابر املساجد . 5 وتفصيل ما سبق بكتب القضاء والشهادات يف كتب الفقه.<br />
049<br />
29<br />
- 1 القص ، اآلية: 27<br />
- 2 املائدة، اآلية: 116<br />
- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة، حديث 7212<br />
- 4 احلديث 7446<br />
- 5 وحديث جابر هذا صححه الشيخ األلباين يف إرواء الغليل حديث 2687
خامسا: خل يجوز تسمية هذا العهد بيعة؟<br />
تعريف البيعة:<br />
قال ابن األثري: إن البيعة عبارة عن املعاقدة واملعاهدة، كأن كل واحد منهما ابع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة<br />
1<br />
نفسه وطاعته ودخليه أمره .<br />
=<br />
=<br />
2<br />
وقال الراغب: وابيع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له، مبا رضخ له، ويقال لذلك ب َيْعَة ومُبَايَعة .<br />
وقال ابن خلدون: ]اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن املبايِع يعاهد أمريه على أنه يسلم له النظر يف أمر<br />
نفسه وأمور املسلمني، ال ينازعه يف شيء من ذلك، ويطبعه <strong>في</strong>ما يكلفه به من األمر على املنشط واملكره، وكانوا إذا<br />
ابيعوا األمري وعقدوا عهده جعلوا أيديهم يف يده أتكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع واملشرتي، فسمى بيعة مصدر<br />
ابع وصارت البيعة مصافحة ابأليدي، هذا مدلوهلا يف عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو املراد يف احلديث يف بيعة النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
ليلة العقبة وعند الشجرة[<br />
3<br />
.<br />
قلت: فالبيعة إذن عقد أو عهد، ولكن غلب استعماهلا يف معاهدة السلطان على السمع والطاعة له، مادام السلطان<br />
حيكم ابلكتاب والسنة.<br />
قال ابن حجر: ]واألصل يف مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل ابحلق ويقيم احلدود وَيمر ابملعروف وينهى عن<br />
4<br />
املنكر[ . وروى البخاري أن عبد هللا بن عمر كتب إَل عبد امللك بن مروان يبايعه )وأقر لك ابلسمع والطاعة على<br />
5<br />
سنة هللا وسنة رسوله <strong>في</strong>ما استطعت( .<br />
فهل يجوز تسمية العهود بين الناس بيعة؟<br />
فالعهد الذي َيخذه أمري املعسكر على األعضاء، أو أمري مجاعة من اجلماعات الإسالمية على أفرادها، هل جيوز<br />
تسميته بيعة؟<br />
=<br />
=<br />
الذي جييز هذا َيخذ ابألصل اللغوي للبيعة، وأهنا املعاقدة واملعاهدة.<br />
والذي مينع هذا َيخذ مبا غلب على الكلمة من االستعمال، وأهنا معاهدة السلطان إمام املسلمني خاصة.<br />
والظاهر أن املنع أوَل دفعا لإليهام، وهذا ما يتبادر إَل الذهن، ولكن سرية الصحابة تدل على اجلواز، أي جواز<br />
تسمية العهود بني املسلمني بيعة، وأمثلة ذلك:<br />
051<br />
- 1 النهاية البن األثري 174 / 1<br />
- 2 مفردات يف غريب القرآن الراغب األصفهاين مادة بيع<br />
- 3 مقدمة ابن خلدون ص 218<br />
- 4 فتح الباري ج 13 ص 213<br />
- 5 حديث 7272
= 1<br />
=<br />
2<br />
دعوة عكرمة بن أيب جهل الناس ملبايعته على املوت يوم الريموك، وقد ذكرت القصة يف مشروعية العهد من قبل<br />
. 1 وداللتها يف أن عكرمة مل يكن إمام املسلمني وال أمري اجليش،<br />
وأن دعوته هلذه املبايعة متت مبحضر من ألف<br />
صحايب منهم مائة من البدريني، كما نقل ابن كثري إبسناده، ومل ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل هذا على جواز<br />
تسمية العهود بني املسلمني على الطاعات بيعة.<br />
2<br />
مبايعة قيس بن سعد ألربعني ألفا هم مقدمة جيش علي بن أيب طالب على املوت يف صفني<br />
مشروعية العهد. ويقال يف هذه القصة ما قيل يف بيعة عكرمة.<br />
= 3<br />
روى البخاري عن عبد هللا بن زيد<br />
<br />
3<br />
املوت، فقال: ال أابيع على هذا أحدا بعد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( .<br />
هذه القصة يف وقعة احلَرمة وهو مكان معروف ابملدينة،<br />
63<br />
وذكرهتا يف<br />
قال: )ملا كان زمن احلَرمة أاته آت فقال له إن ابن حنظلة يبايع الناس على<br />
ه ، ملا خلع أهل املدينة يزيد بن معاوية لِمَا أُشيع عنه من<br />
املعاصي، فبايعوا عبد هللا بن حنظلة أمريا على األنصار وعبد هللا بن مطيع أمريا على قريش، وعبد هللا بن حنظلة<br />
صحايب، وأبوه الصحايب حنظلة غسيل املالئكة قُتِلَ أبُحُد، وقد ابيع ابنَ حنظلة الناس على قتال جيش يزيد، والذي<br />
أنكره عبد هللا بن يزيد وهو صفة املبايعة )على املوت( ومل ينكر أصل هذه املبايعة. وكان ممن أنكر على الناس خلع<br />
يزيد، عبد هللا بن عمر وعلي بن احلسني وحممد بن احلن<strong>في</strong>ة، ولكن الذين ابيعوا وخرجوا على يزيد كانوا أكثر ممن امتنع،<br />
فقد قال ابن كثري: ]قال املدائين عن شيخ من أهل املدينة: سألت الزهري عن كم كان القتلى يوم احلرة؟ قال سبعمائة<br />
4<br />
من وجوه الناس من املهاجرين واألنصار ووجوه املوايل وممن ال أعرف من حر وعبد وغريهم عشرة آالف .<br />
وسيأِت مزيد أمثلة هلذه البيعات وبيان موقف السلف من أئمة اجلور <strong>في</strong>ما َيِت.<br />
واملقصد مما سبق أن تسمية العهود بيعة كان معموال به يف عهد الصحابة بال إنكار من أحد، مما جيعل هذه املسألة<br />
ميكن أن تدخل يف إمجاعات الصحابة، أما من أنكر فلم ينكر التسمية وإَّنا أنكر صفة معينة يف هذه البيعات، فعبد<br />
هللا بن زيد أنكر املبايعة على املوت وقال إهنا خاصة برسول هللا صلى هللا عليه وسلم، ونفس قول عبد هللا بن زيد هذا<br />
معرتض مببايعة عكرمة ملن معه على املوت وكذلك قيس بن سعد، هذا إذا سلمنا أن بيعة الرضوان كانت على<br />
املوت ، 5 وكذلك إنكار ابن عمر على أهل املدينة ليس بسبب اسم البيعة ولكن بسبب خلعهم ليزيد بعد أن ابيعوه . 6<br />
118<br />
- 1 وراجع )البداية والنهاية( ج 7 ص 11،12<br />
- 2 فتح الباري ج 13 ص 63<br />
- 3 حديث 2858<br />
- 4<br />
)البداية والنهاية( ج<br />
بكتاب اجلهاد )ابب البيعة يف احلرب أال يفروا(<br />
9 ص<br />
221. وراجع يف ذلك )البداية والنهاية( ج<br />
9 ص 217<br />
وما بعدها، و)فتح الباري( ج<br />
69 وج13 ص<br />
6 ص 117<br />
.71<br />
- 5 )فتح الباري( ج 13 ص 69<br />
- 6 )فتح الباري( ج 13 ص 69<br />
050
ولذلك مل ينكر مثل هذا الإنكار عَلَى احلسني بن عَلِيّ ملا ابيعه أهل الكوفة إذ إن احلسني كان قد امتنع من مبايعة<br />
يزيد، ومل يزد ابن عمر مع احلسني على أن نصحه أال خيرج إَل العراق . 1 وكذلك فعل ابن عباس وزاد ]وإال فَسِ ر إَل<br />
اليمن فإن به حصوان وشعااب، وألبيك به شيعة، وكن عن الناس يف مَعْزِلٍ واكتب إليهم وبث دعاتك <strong>في</strong>هم، فإين أرجو<br />
2<br />
إذا فعلت ذلك أن يكون ما حتب[ .<br />
052<br />
- 1 )البداية والنهاية( ج 9 ص 161<br />
- 2 )البداية والنهاية( ج 9 ص 161
سادسا: ما الفرق بين هذه البيعات وبيعة اإلمام؟<br />
الفرق من عدة وجوه، أذكر أمهها<br />
األول: العاقد للبيعة: بيعة إمام املسلمني يعقدها أهل احلل والعقد يف األمة أو اخلليفة بعهد منه، إال إذا غلبهم أحد<br />
ابلسيف. أما بيعات الناس )عهودهم( على الطاعات فال تفتقر إَل هذا، فللعامة أن يتعاهدوا <strong>في</strong>ما بينهم على فعل<br />
الطاعات.<br />
الَاين: املبايع له: يف بيعة الإمامة جيب أن يكون املبايع<br />
1<br />
له مستو<strong>في</strong>ا لشرائط الإمامة ، وقد تستثىن بعض الشروط ملن<br />
غلب ابلقهر، أما يف بيعات الناس )عهودهم على الطاعات( فال تلزم هذه الشروط، فللعامة أن يتعاهدوا.<br />
وتلزم<br />
الَالث: املبايع عليه: بيعة الإمامة ت ُلْزِم الإمام بواجبات هي يف جمملها تطبيق أحكام الشريعة يف األمة املسلمة 2<br />
هذه البيعة األمة ابلسمع والطاعة لإلمام ونصرته ما مل يتغري حاله ، 3 أما بيعات الناس )عهودهم( فلهم أن يتعاهدوا على<br />
فعل أي طاعة من الطاعات دون حتديد كاجلهاد والدعوة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر وإغاثة امللهوف ونصرة<br />
املظلوم حىت إماطة األذى من الطريق هلم أن يتعاهدوا عليها فهي شُعبة من شعب الإميان.<br />
الرابع: الوجو واإللزام: بيعة إمام املسلمني واجبة على كل مسلم، حلديث النيب صلى هللا عليه وسلم: »مَنْ مَاتَ<br />
5<br />
4<br />
وَلَيْسَ يفِ عُنُقِهِ ب َيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيمةً« . وقال صلى هللا عليه وسلم : »تَلْزَم مجاعَةَ املسلمني وإمامهم« ، وقال أمحد<br />
بن حنبل: ]ومن غلبهم ابلسيف حىت صار خليفة ومسُ ي أمري املؤمنني، ال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يبيت<br />
6<br />
وال يراه إماما عليه، برا كان أو فاجرا، فهو أمري املؤمنني حىت صارت هذه املسألة ت ُقَيمد يف كتب اعتقاد أهل السنة.<br />
أما بيعات الناس )عهودهم على الطاعات( فال جتب إال على من دخل <strong>في</strong>ها برضاه، فتجب عليه ابلعهد الذي ألزم به<br />
نفسه، كأن يتعاهد اثنان على حفظ القرآن أو بعضه، فحفظ القرآن ليس بفرض عني، أي ال جيب على كل مسلم،<br />
أما إذا تعهد إنسان هبذا فقد وجب عليه.<br />
فاخلالصة أن بيعة إمام املسلمني واجبة ابلشرع ابتداء، أما بيعات الناس )عهودهم( فواجبة ابلعهد ملن ألزم نفسه هبا.<br />
كما سبق بيانه <strong>في</strong>ما جيب ابلشرع وما جيب ابلعهد وما جيب هبما.<br />
وبيعة إمام املسلمني واجبة على كل مسلم »تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم«، أما بيعات الناس )عهودهم( فال جتب<br />
على كل مسلم بل على من ألزم نفسه هبا.<br />
16<br />
- 1 األحكام السلطانية للماوردي ص 7<br />
- 2 وقد فصلها املاوردي يف عشرة واجبات ص<br />
15<br />
- 3 املاوردي ص 17<br />
- 4 رواه مسلم عن ابن عمر<br />
- 5 متفق عليه عن حذيفة<br />
- 6 األحكام السلطانية أليب يعلى ص<br />
23 21<br />
053
وهنا مسألة جيب التنبيه عليها، قد فصلتها من قبل، وهي أن اجلهاد يف سبيل هللا يكاد أن يكون فرض عني على كل<br />
مسلم اآلن، فهو واجب ابلشرع ابتداء، فإذا وَجَدَ املسلم طائفة جتاهد يف سبيل هللا، فقد وجب عليه التزامها، فإن<br />
تعددت هذه الطوائف<br />
نق<br />
يف بلد واحد فقد ذكرت من قبل أن األَوَْلَ اباللتزام هي أقدم الطوائف اليت على احلق وإذا<br />
تعددت الطوائف بتعدد البلدان نظر إَل اليت تواجه خطرا أشد ويغلب على الظن ظهورها <strong>في</strong>نصروهنا.<br />
افامس: املدة: بيعة الإمام دائمة ال تنقطع إال إذا مات الإمام أو طرأ عليه سبب يوجب العزل من نق<br />
يف البدن<br />
1<br />
مدهتا ِبالف بيعة الإمام.<br />
يف الدين أو<br />
. أما بيعات الناس )عهودهم( فقد ذكرت من قبل أهنا ميكن أن تؤقت أبجل فلهم االختيار يف قدر<br />
السادس: التعدد: ال يصح أن تعقد الإمامة لإمامني للمسلمني، وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »فوا ببيعة<br />
3<br />
2<br />
األول فاألول« ، وقال صلى هللا عليه وسلم : »إذا بويع خلليفتني فاقتلوا اآلخر منهما« . فال يصح تعدد األئمة وال<br />
يصح أن يعطي املسلم بيعتني لإمامني.<br />
أما بيعات الناس )عهودهم( <strong>في</strong>جوز <strong>في</strong>ها التعدد إذا احتمل املُبَايَع عليه التعدد، <strong>في</strong>جوز للفرد أن يعاهد طائفة على<br />
حفظ القرآن، وجيوز لنفس الفرد أن يعاهد طائفة أخرى على حفظ حديث النيب صلى هللا عليه وسلم، بل جيوز له أن<br />
يعاهد أكثر من طائفة على حفظ احلديث إذا كانت طائفة منها ستحفظ من البخاري واألخرى من مسلم وهكذا<br />
طاملا كان يف قدرته الوفاء بكل هذا. أم ما ال حيتمل التعدد وهو اجلهاد كما ذكرت من قبل فال يصح أن يعاهد أكثر<br />
من طائفة<br />
وال يصح أن تتعدد الطوائف العاملة يف اجلهاد، ألن اجلهاد ال يقوم إال ابلشوكة<br />
اليت مثرة االجتماع<br />
واملواالة }وَ الْمُؤْ مِنُونَ وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْ َهوْ نَ عَنْ الْمُنكَ ِر{ والتعدد ينايف<br />
املواالة بل يؤدي إَل ذَهَاب الشوكة }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا{، كما يؤدي التعدد إَل أضرار<br />
كل طائفة أبخرى لتعارض اخلطط وانعدام التنسيق، فقد تقوم طائفة بعمل عسكري يؤدي إَل أن يوجه العدو ضربة<br />
لطائفة أخرى غري مهيأة للمواجهة، والقاعدة الشرعية أن )الضرر يزال(، كل هذا من سيئات التعدد.<br />
هذا وقد ذكرت عالج هذه اآلفة يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة.<br />
السابع: أحاديث البيعة: األحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها ذكر البيعة جيب أن حتمل مجيعها ابستثناء ما وقع من بيعات بني<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته على بيعة إمام املسلمني )اخلليفة أو أمري املؤمنني أو السلطان(، وقد ثبت هذا<br />
لدينا ابالستقراء <strong>في</strong>ما أطلعنا،<br />
عهودهم بيعات، وهذا جائز كما ذكرت من قبل.<br />
وال يصح محل هله األحاديث حبال من األحوال على عهود اجلماعات<br />
وإن مسوا<br />
- 1 انظر مسببات العزل ابألحكام السلطانية للماوردي ص 17<br />
- 2 متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 3 رواه مسلم عن أيب سعيد اخلدري<br />
054<br />
21
ر-<br />
<br />
واألحاديث اليت ورد <strong>في</strong>ها ذكر البيعة، وردت إما مقيدة ببيعة الإمام وإما مطلقة دون ذكر الإمام، فالواجب محل املطلق<br />
على املقيد خاصة إذا احتد احلكم والسبب عند مجهور أهل العلم.<br />
فمن األحاديث اليت وردت هبا البيعة مقيدة ابإلمام:<br />
«<br />
<br />
<br />
1<br />
قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما أتمران؟ قال: فوا ببيعة األول فاألول« .<br />
2<br />
وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : »إِذَا بُويِعَ خلَِلِيفَتَنيِْ فَاقْتُلُوا اآلخَرَ مِنْهُمَا« .<br />
وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : مَنْ ابَيَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَمثََر ةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَر<br />
ي ُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ اآلخَرِ« . 3<br />
ُ<br />
َ<br />
أما األحاديث اليت ورد هبا ذكر البيعة املطلقة، فأمهها حديث ابن عمر عن النيب صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ مَاتَ<br />
وَلَيْسَ يفِ عُنُقِهِ ب َيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيمةً« ، 4 والذي دعاان إَل القول أبن هذه البيعة هي بيعة إمام املسلمني، وإن وردت<br />
مطلقة، هو حديث ابن عباس مرفوعا: »مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِريِهِ شَيْئًا فَلْيَصْربِْ فَإِنمهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِ ربًْا مَاتَ مِيتَةً<br />
جَاهِلِيمةً« . 5 واخلروج من السلطان هو السعي يف نقض بيعته . 6 فاحتد السبب يف احلديثني )حديث ابن عمر وحديث<br />
ابن عباس( وهو اخلروج من بيعة السلطان أو ترك مبايعته بعد اتفاق الناس عليه. واحتد ا كم يف احلديثني وهو املِيتَة<br />
اجلاهلية لفاعل هذا )سيأِت توضيح معناها( فوجب لللك محل املطلق )حديث ابن عمر( على املقيد )حديث ابن<br />
عباس( وأن البيعة املقصودة يف حديث ابن عمر هي بيعة إمام املسلمني إن وجد، ألن حديث ابن عباس ذكر أن<br />
هذا حكم من خرج على السلطان <strong>في</strong>قتضي هذا وجود سلطان قد خرج عليه.<br />
قلت: ولذلك أورد ابن حجر حديث ابن عمر السابق يف شرح حديث ابن عباس املشار إليه فلرياجع الشرح . 7<br />
وقد أوردت توضيح هذا، ألن بعض اجلماعات القائمة اآلن تستخدم حديث ابن عمر هذا يف دعوة الناس ملبايعة<br />
أمريهم، ويقولون للمدعو »مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ يفِ عُنُقِهِ ب َيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيمةً« ي ُرْهِبُونه هبذا احلديث أيضا. وليس األمر<br />
كذلك كما فَصملتُه، فالبيعة يف حديث ابن عمر هي بيعة إمام املسلمني وال ينبغي محلها على غري هلا الوجه، فإن<br />
هذا حتريف للنصوص كفِعل اليهود، قال تعاَل: }يُحَرِ قُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَ اضِ عِ ِه{ ، 9 وقال تعاَل: }يُحَرِ قُونَ الْكَلِمَ مِنْ<br />
- 1 متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 2 رواه مسلم عن أيب سعيد<br />
- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو<br />
055<br />
- 4 رواه مسلم<br />
واه البخاري 5<br />
7<br />
- 6 فتح الباري ج 13 ص 7<br />
- 7 فتح الباري ج 13 ص 6<br />
- 9 سورة النساء، اآلية:<br />
46<br />
وسورة املائدة، اآلية:<br />
13
بَعْدِ مَوَ اضِ عِهِ{ . 1 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »لَتَتْبَعُنم سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِ ربًْا شِ ربًْا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَ مىت<br />
لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا ايَ رَسُولَ اَّللمِ الْيَهُودُ وَالنمصَارَى؟ قَالَ : فَمَنْ؟« . 2<br />
فهل كالمي السابق، وهو أن البيعة يف حديث ابن عمر هي بيعة اخلليفة، معناه رفع احلرج عن املسلمني، إذ ال خليفة<br />
هلم اآلن؟ أقول: ال، بل إن هلا ا ديث<br />
عندي<br />
من أقوى األدلة على وجو سعي املسلمني يف نصب خليفة<br />
هلم، وهذا ال يتأتى إال ابجلهاد غالبا، وابلتايل فأرى وهللا أعلم ابحلق أن كل مسلم ميوت اآلن حيث ال خليفة<br />
للمسلمني هو آُث ويلحقه الذم الوارد يف حديث ابن عمر »مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيمةً«<br />
لقوله<br />
أي على معصية وليس على الكفر<br />
كما سيأِت بيانه إال أن يكون من الساعني يف هذا الشأن وإن مل يدرك الغاية وهي قيام دولة الإسالم ونصب اخلليفة،<br />
تعاَل: }وَ مَنْ يَخْرُ جْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِ ر ً ا إِلَى َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِهِ ثُمَّ يُدْرِ كْهُ الْمَوْ تُ قَقَدْ وَ قََْ أَجْرُ هُ عَلَى َّللاَّ ِ{ 3 ، أو<br />
يكون عاجزا عن السعي يف هذا الشأن لكنه صادق النية يف طلبه، للحديث الذي سبق ذكره يف أصحاب األعذار،<br />
قال رسول هللا يف غَزَاةٍ:<br />
وسبق شرحه يف الباب الثاين.<br />
4<br />
»إِنم ابِلْمَدِينَةِ لَرِجَاالً مَا سِ رْمتُْ مَسِ ريًا، وَال قَطَعْتُمْ وَادِايً إِالم شَرَكُوكُم يفِ األَجْرِ حَبَسَهُمُ الْمَرَ ُض« ،<br />
وال يُعرتض على ما سبق حبديث »فإن مل يكن هلم مجاعة وال إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها« ، 5 فقد ب َيمنت من<br />
قبل أن حديث الطائفة املنصورة خيص<br />
عموم هذا االعتزال، كما ذكرت يف أواخر الباب الثالث. خاصة وقد دلت<br />
النصوص على أن هناك خالفة راشدة قادمة إن شاء هللا تعاىل، <strong>في</strong>جب السعي من أجل ذلك. ومن هذه النصوص<br />
حديث أيب هريرة مرفوعا »كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا ن َزَلَ ابْنُ مَرْميََ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُ ْم« . 6 وتواترت األحاديث بظهور اخلليفة<br />
7<br />
املهدي وقيل إنه هو الإمام الذي يصلي عيسى خلفه . ومنها أيضا حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا »تَكُونُ<br />
9<br />
النُّبُومةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اَّللمُ« احلديث سيأِت بتمامه قريبا، وهناك أحاديث دلت على أن املهدي يظهر عند موت خليفة<br />
فهناك إذا خالفة قبل ظهور املهدي. فهذه النصوص مع ما يدل عليه حديث ابن عمر »مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ يفِ عُنُقِهِ<br />
.<br />
ب َيْعَةٌ« جيعلنا نقول بوجوب السعي لإقامة اخلالفة. مع العلم أبن بيعات اجلماعات الإسالمية اآلن ال ترفع هذا احلرج،<br />
حيث ذهب البعض إَل أنه إذا ابيع أمري مجاعة من اجلماعات ارتفع عنه احلرج يف حديث »مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ يفِ عُنُقِهِ<br />
124<br />
- 1 سورة املائدة، اآلية:41<br />
- 2 متفق عليه عن أيب سعيد اخلدري<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 رواه مسلم عن جابر<br />
- 5 متفق عليه عن حذيفة<br />
111<br />
- 6 متفق عليه<br />
- 7<br />
كثري ج<br />
)فتح الباري( ج<br />
6 ص<br />
484، وكتاب )الإذاعة ملا كان ويكون بني يدي الساعة( للقنوجي ص<br />
123 وكتاب )النهاية أو الفنت واملالحم( البن<br />
1 ص 27<br />
- 9 حديث أم سلمة رواه أمحد وأبو داود انظر )الإذاعة ص<br />
والنهاية ج 129<br />
1 ص )28<br />
056
ب َيْعَةٌ«، فالبيعة يف هذا احلديث هي بيعة الإمام األعظم كما سبق بيانه<br />
هلا اإلمام وهللا تعاَل أعلم.<br />
وال يرتفع ا رج عن املسلمني إال بنصب<br />
الَامن: حكم الناكث: أي هل حكم من ينكث بيعة إمام املسلمني كحكم من ال ي<strong>في</strong> بعهده مع طائفة أو مع رجل<br />
من املسلمني؟<br />
َيِت بيان ذلك يف املسألة التالية إن شاء هللا تعاَل.<br />
فائدة: و<strong>في</strong>ما يتعلق مبا ذكرته أعاله من أن هناك خالفة راشدة قادمة إبذن هللا تعاَل، أذكر ما قاله الشيخ األلباين يف<br />
مقدمة كتاب )احلكم اجلديرة ابلإذاعة من قول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
1<br />
»بُعثت ابلسيف بني يدي الساعة«( ،<br />
قال: ]"املستقبل لإلسالم" قال هللا عز وجل: }هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَق ِ لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِ ِه<br />
وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُونَ } تبشران هذه اآلية الكرمية أبن املستقبل لإلسالم بسيطرته وظهوره وحكمه على األداين كلها،<br />
وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد حتقق يف عهده صلى هللا عليه وسلم وعهد اخللفاء الراشدين وامللوك الصاحلني،<br />
وليس كذلك، فالذي حتقق إَّنا هو جزء من هذا الوعد الصادق، كما أرشد إَل ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
بقوله:<br />
{<br />
-<br />
1<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال يَذْهَبُ اللميْلُ وَالنمهَارُ حَىتم ت ُعْبَدَ الالتُ وَالْعُزمى فَقَالَتْ عَائِشَة: ايَ<br />
رَسُولَ اَّللمِ إِنْ كُنْتُ ألَظُنُّ حِ نيَ أَنْزَلَ اَّللمُ هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ<br />
وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُونَ } أَنم ذَلِكَ اتَماا، فَقَاَل صلى هللا عليه وسلم : إِنمهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اَّللمُ ُثُم ي َبْعَثُ اَّللمُ<br />
رِحيًا طَيِّبَةً فَتَوَىفم كُلم مَنْ يفِ قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبمةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِميَانٍ فَيَبْقَى مَنْ ال خَريَْ فِيهِ فَريَْجِ عُونَ إَِلَ دِينِ آابَئِهِ ْم« . 2<br />
وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسالم ومدى انتشاره، حبيث ال يدع جماال للشك يف أن املستقبل<br />
لإلسالم إبذن هللا وتو<strong>في</strong>قه، وها أان أسوق ما تيسر من األحاديث عسى أن تكون سببا لشحل مهم العاملني لإلسالم<br />
وحجة على اليائسني املتواكلني:<br />
- 2<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم اَّللمَ زَوَى يلِ َ األَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِهبََا وَإِنم أُميتِ سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا<br />
3<br />
مَا زُوِيَ يلِ مِنْهَا« .<br />
- 3<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »لَيَبْلُغَنم هَذَا األَمْرُ مَا ب َلَغَ اللميْلُ وَالنمهَارُ وَال يَرتُْكُ اَّللمُ ب َيْتَ مَدَرٍ وَال وَبَرٍ إِالم<br />
أَدْخَلَهُ اَّللمُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزاا يُعِزُّ اَّللمُ بِهِ الإِسْالَ مَ وَذُالا<br />
4<br />
يُذِلُّ اَّللمُ بِهِ الْكُفَْر« . ومما ال شك <strong>في</strong>ه أن<br />
- 1 البن رجب احلنبلي طبعة دار املرجان<br />
- 2 رواه مسلم بسنده عن عائشة<br />
- 3 احلديث رواه مسلم وأبو داود والرتمذي عن ثوابن<br />
- 4 رواه مجاعة ذكرهتم يف )حذير الساجد(ص 121<br />
057
حتقيق هذا االنتشار يستلزم أن يعود املسلمون أقوايء يف معنوايهتم ومادايهتم وسالحهم حىت يستطيعوا أن يتغلبوا على<br />
قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشران به احلديث:<br />
- 4<br />
عن أيب قيبل قال: كنا عند عبد هللا بن عمرو بن العاص، وسئل أي املدينتني تفتح أوال القسطنطينية أم رومية؟<br />
فدعا عبد هللا بصندوق له حلق، قال فأخرج منه كتااب قال: فقال عبد هللا: بينما حنن حول رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم نكتب إذ سُئِلَ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : أي املدينتني تفتح أوال القسطنطينية أم رومية؟ فقال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
1<br />
»مدينة هرقل تفتح أوال. يعين قسطنطينية« . وهو كما قاال. و)رومية( هي روما كما يف<br />
)معجم البلدان( وهي عاصمة إيطاليا اليوم. وقد حتقق الفتح األول على يد حممد الفاتح العثماين كما هو معروف،<br />
وذلك بعد أكثر من مثاَّنائة سنة من إخبار النيب صلى هللا عليه وسلم ابلفتح، وسيتحقق الفتح الثاين إبذن هللا تعاَل<br />
والبد، ولتعلمن نبأه بعد حني.<br />
والشك أيضا أن حتقيق هذا الفتح الثاين فتح روما يستدعي<br />
يبشران بقوله يف احلديث:<br />
- 5<br />
أن تعود اخلالفة الراشدة إَل األمة املسلمة وهذا مما<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »تَكُونُ النُّبُومةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اَّللمُ أَنْ تَكُونَ ُثُم ي َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ ي َرْفَعَهَا، ُثُم<br />
تَكُونُ خِ الفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُومةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اَّللمُ أَنْ تَكُونَ ُثُم ي َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اَّللمُ أَنْ ي َرْفَعَهَا، ُثُم تَكُونُ مُلْكًا عَاضاا<br />
فَيَكُونُ مَا شَاءَ اَّللمُ أَنْ يَكُونَ ُثُم ي َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ ي َرْفَعَهَا، ُثُم تَكُونُ مُلْ ًكا جَربِْيمةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اَّللمُ أَنْ تَكُونَ ُثُم<br />
2<br />
ي َرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ ي َرْفَعَهَا ُثُم تَكُونُ خِ الفَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُومةِ ُثُم سَكَتَ » .<br />
هذا وإن املبشرات بعودة القوة إَل املسلمني واستثمارهم األرض استثمارا يساعدهم على حتقيق الغرض، وتنبئ عن أن<br />
هلم مستقبال ابهرا حىت من الناحيتني االقتصادية والزراعية قوله صلى هللا عليه وسلم:<br />
- 6<br />
<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
: »ال تَقُومُ السماعَةُ حَىتم تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَهنَْارًا« .<br />
وقد بدأت تباشري هذا احلديث تتحقق يف بعض اجلهات من جزيرة العرب مبا أفاض هللا عليها من خريات وبركات<br />
وآالت انضحات تستنبط املاء الغزير من بطن أرض الصحراء.<br />
هذا وما جيب أن يعلم هبذه املناسبة أن قوله صلى هللا عليه وسلم: »ال َيَِْتِ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِالم المذِي ب َعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَ مىت<br />
4<br />
تَلْقَوْا رَبمكُ ْم« ، فهذا احلديث ينبغي أن يُفهم على ضوء األحاديث املتقدمة وغريها مثل أحاديث املهدي ونزول عيسى<br />
فإهنا تدل على أن هذا احلديث ليس على عمومه بل هو من العام املخصوص فال جيوز إفهام الناس أنه على<br />
عمومه <strong>في</strong>قعوا يف اليأس الذي ال يصح أن يتصف به املؤمن }إِنَّهُ ال يَيْئَسُ مِنْ رَ وْ حِ َّللاَّ ِ إِالَّ الْقَوْ مُ الكَاقِرُ و َن{.<br />
- 1 رواه أمحد والدارمي وصححه احلاكم ووافقه الذهيب<br />
- 2 ذكره حذيفة مرفوعا، ورواه احلافظ العراقي من طريق أمحد وقال هذا حديث صحيح<br />
- 3 رواه مسلم وأمحد واحلاكم من حديث أيب هريرة<br />
- 4 رواه البخاري يف "الفنت" من حديث أنس مرفوعا<br />
058
أسأل هللا أن جيعلنا به مؤمنني حقا. أ. ه حممد انصر الدين األلباين[ . 1<br />
قلت: وهذا آخر ما نذكره يف الفرق بني بيعات اجلماعات وبني بيعة إمام املسلمني.<br />
سابعا: حكم ناكث العهد:<br />
نكث العهد أايكان هو كبرية من كبائر الذنوب للوعيد الوارد يف ذلك، ومنه:<br />
= 1<br />
قول هللا تعاَل: }وَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ َّللاَّ ِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَ يَقَِْعُونَ مَا أَمَرَ َّللاَّ ُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ قِي<br />
األَرْ ضِ أُوْ لَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ<br />
= 2<br />
سُوءُ الدَّا ِر{ . 2<br />
قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا ال تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ َّللاَّ ِ أَنْ تَقُولُوا مَا ال تَفْعَلُو َن{ ، 3 فمن<br />
عاهد ومل يف فهو من الذين يقولون ما ال يفعلون.<br />
= 3<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أربع من كن <strong>في</strong>ه كان منافقا، ومن كانت <strong>في</strong>ه خَصْلة منهن كانت <strong>في</strong>ه<br />
خصلة من النفاق حىت يدعها، إذا حدمث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر« . 4<br />
وقال ابن رجب احلنبلي يف شرح هذا احلديث: [ والغدر حرام يف كل عهد بني املسلم وغريه، ولو كان املعاهد كافرا<br />
وهلذا يف حديث عبد هللا بن عمرو عن النيب صلى هللا عليه وسلم : »من قتل نفسا معاهدة بغري حقها مل ي َرَح رائحة<br />
5<br />
اجلنة، وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعني عاما« . وقد أمر هللا تعاَل يف كتابه ابلوفاء بعهود املشركني إذا أقاموا على<br />
عهودهم ومل ينقضوا منها شيئا. وأما عهود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم فالوفاء هبا أشد ونقضها أعظم إمثا ومن أعظمها عهد<br />
الإمام على من اتبعه ورضي به. ويف الصحيحني عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ثالثة ال يكلمهم<br />
هللا يوم القيامة وال يزكيهم وهلم عذاب أليم، فذكر منهم: ورجل ابيع إماما ال يبايعه إال لدنيا، فإن أعطاه ما يريد وَىفَ له<br />
وإال مل يَفِ له«.<br />
ويدخل يف العهود اليت جيب الوفاء هبا وحيرم الغدر يف مجيع عقود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم إذا تراضوا<br />
عليها من املبايعات واملناكحات وغريها من العقود الالزمة اليت جيب الوفاء هبا وكذلك ما جيب الوفاء به هلل عز وجل<br />
6<br />
ومما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التربر وحنوه[ .<br />
والكالم السابق يشمل مجيع العهود ومنها بيعة إمام املسلمني، إال أن نقض هذه البيعة ورد <strong>في</strong>ه وعيد خاص لعظم<br />
خطره، كما قال ابن رجب يف كالمه السابق ]وأما عهود املسلمني <strong>في</strong>ما بينهم فالوفاء هبا أشد ونقضها أعظم إمثا ومن<br />
أعظمها عهد الإمام على من اتبعه ورضي به[.<br />
- 1 من مقدمة كتاب )احلكم اجلدير ابلإذاعة من قول النيب : »بعثت ابلسيف بني يدي الساعة« البن رجب احلنبلي، ط. دار املرجان<br />
- 2 سورة الرعد، اآلية:<br />
059<br />
3<br />
25<br />
- 3 سورة الصف، اآليتان: 2<br />
- 4 متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو.<br />
- 5 خَرمجه البخاري<br />
- 6 )جامع العلوم واحلكم( ص 376<br />
377
أ<br />
وقد أفرد الإمام<br />
-<br />
- ب<br />
-<br />
<br />
البخاري رمحه هللا عدة أبوا<br />
يف صحيحه <strong>في</strong>ما يتعلق ابلوفاء<br />
سأذكرها جمملة وأنصح األخ القارئ مبراجعتها يف الصحيح وشرحه فإهنا عظيمة الفائدة.<br />
منها يف كتاب الشهادات: )ابب<br />
1<br />
من أمر إبُناز الوعد( .<br />
ابلعهود وإُث الناكث والغادر،<br />
ويف كتاب اجلزية واملوادعة: )ابب فضل الوفاء ابلعهد( و )ابب ما حيذر من الغدر( و )ابب إُث من عاهد ُث<br />
2<br />
غدر( و )ابب إُث الغادر للرب والفاجر( .<br />
<br />
<br />
3<br />
ج ويف كتاب الإميان والنذور: )ابب عهد هللا عز وجل( ، و)ابب قول هللا عز وجل }إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُ ونَ بِعَهْدِ َّللاَّ ِ<br />
4<br />
ثَمَنًا قَلِيال{ .<br />
أما عن الوعيد اخلاص الوارد يف نق بيعة إمام املسلمني، فمن ذلك:<br />
5<br />
حديث ابن عمر مرفوعا »من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« .<br />
6<br />
وحديث ابن عباس مرفوعا »من كره من أمريه شيئا فليصرب، فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية« .<br />
ويف رواية أخرى البن عباس مرفوعا »من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه، فإنه من فارق اجلماعة شربا<br />
7<br />
فمات إال مات ميتة جاهلية« .<br />
قال ابن حجر يف شرحه هلذا احلديث قوله »من كره من أمريه شيئا فليصرب« زاد يف الرواية الثانية »عليه« قوله »فإنه<br />
من خرج من السلطان« أي من طاعة السلطان، ووقع عند مسلم »فإنه ليس أحد من الناس خيرج من السلطان« ويف<br />
الرواية الثانية »من فارق اجلماعة« وقوله »شربا« بكسر املعجمة وسكون املوحدة وهي كناية عن معصية السلطان<br />
وحماربته، قال ابن أيب محزة: املراد ابملفارقة السعي يف حل عقد البيعة اليت حصلت لذلك األمري ولو أبدىن شيء، فكىن<br />
عنها مبقدار الشرب، ألن األخذ يف ذلك يؤول إَل سفك الدماء بغري حق، قوله »مات ميتة جاهلية« يف الرواية األخرى<br />
»فمات إال مات ميتة جاهلية« ويف رواية ملسلم »فمِيتته ميتة جاهلية« وعنده يف حديث ابن عمر رفعه »من خلع يدا<br />
من طاعة لقي ا هلل وال حجة له، ومن مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« قال الكرماين: االستثناء هنا مبعىن<br />
االستفهام الإنكاري أي ما فارق اجلماعة أحد إال جرى له كذا، أو حذفت »ما« فهي مقدرة أو<br />
عاطفة على رأي الكو<strong>في</strong>ني، واملراد ابمليتة اجلاهلية وهي بكسر امليم<br />
زائدة أو « الإ »<br />
حالة املوت كموت أهل اجلاهلية على ضالل<br />
061<br />
293<br />
- 1 )فتح الباري( 298 / 5<br />
- 2 )فتح الباري( 276 / 6<br />
- 3 )فتح الباري( 544 / 11<br />
- 4 )فتح الباري( 557 / 11<br />
- 5 رواه مسلم<br />
- 6 متفق عليه<br />
- 7 متفق عليه
وليس له إمام مطاع، ألهنم كانوا ال يعرفون ذلك، وليس املراد أن ميوت كافرا بل ميوت عاصيا، وحيتمل أن يكون<br />
التشبيه على ظاهره ومعناه أنه ميوت مثل موت اجلاهلي وإن مل يكن هو جاهليا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفري<br />
وظاهره غري مراد، ويؤيد أن املراد ابجلاهلية التشبيه قوله يف احلديث اآلخر »من فارق اجلماعة شربا فكأَّنا خلع ربقة<br />
1<br />
الإسالم من عنقه .<br />
فهذه بعض النصوص الواردة يف إُث انكث بيعة إمام املسلمني ومعىن »مات ميتة جاهلية« أي على معصية كما قال<br />
ابن حجر ]وليس املراد أن ميوت كافرا بل ميوت عاصيا[. وذلك ألن »اجلاهلية« لفظ مشرتك حيتمل معان متعددة،<br />
فقد يعىن املعاصي، كما يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
أليب ذر »إنك امرؤ <strong>في</strong>ك جاهلية« وأورد البخاري هذا<br />
احلديث يف كتاب الإميان من صحيحه يف ابب )املعاصي من أمر اجلاهلية وال يكفر صاحبها إال ابلشرك(. وقد يكون<br />
2<br />
معىن اجلاهلية كفر، كما يف حديث حذيفة »إِانم كُنما يفِ جَاهِلِيمةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَانَ اَّللمُ هبَِذَا اخلَْريِْ فَنَحْنُ فِيه« . والبد من<br />
وجود قرينة من نفس الن أو من خارجه تبني املعىن املراد من اللفظ املشرتك، وليس هنا موضع تفصيل هذا:<br />
تنبيه حديث ابن عباس السابق، ورد يف رواية له »فإنه من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية« ويف الرواية<br />
األخرى »فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية« فكلمة »اجلماعة« يف الرواية الثانية معناها مجاعة<br />
املسلمني اليت يف طاعة السلطان، وليس املراد هبا أي مجاعة، والذي دعاان إَل هذا الفهم أمران:<br />
األول: وجوب محل املطلق يف الرواية الثانية »اجلماعة« على املقيد يف الرواية األوَل »السلطان« وذلك الحتاد احلكم<br />
والسبب يف الروايتني، فاجلماعة املراد هبا اجتماع الناس على السلطان، وهذا الذي يفهم من شرح ابن حجر للحديث<br />
كما سبق. ويؤيد هذا الفهم أحاديث عرفجة عند مسلم <strong>في</strong>من خيرج على إمام املسلمني، فوصفه رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم أبنه يشق عصا املسلمني، ويفرق مجاعتهم، وهذا معناه أن اخلروج على السلطان هو اخلروج على مجاعة<br />
املسلمني.<br />
عن عرفجة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إنه ستكون هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه األمة وهي<br />
مجيع فاضربوه ابلسيف كائنا من كان« . 3 وأوضح من هذا الرواية التالية عن عرفجة أيضا أنه مسع رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم يقول: »من أاتكم وأمركم مجيع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه« . 4<br />
الثاين: الالم يف »اجلماعة«، للعهد وليست للجنس، أي أن هذا الوعيد يف احلديث يف حق من خرج على مجاعة<br />
معينة وليس أي مجاعة، فما هي القرينة اليت وردت بسياق احلديث واليت ت ِ ُرَجّح هذا؟ هي قوله صلى هللا عليه وسلم:<br />
»من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب«، فإضافة األمري إَل الضمري هي خماطبة النيب صلى هللا عليه وسلم عموم<br />
- 1 أخرجه الرتمذي وابن خزمية وابن حبان ومصححا من حديث احلارث بن احلارث األشعري )فتح الباري( ج 13 ص 6<br />
- 2 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />
7<br />
060<br />
- 3 رواه مسلم<br />
- 4 رواه مسلم
املسلمني معناه أن هذا هو أمري مجاعة املسلمني وهو السلطان كما مساه يف الرواية األوَل. فاجلماعة املرادة هي مجاعة<br />
املسلمني اليت يف طاعة السلطان. كما يف حديث حذيفة »تلزم مجاعة املسلمني وإمامهم« . 1<br />
ومن أوضح تلك النصوص يف هذا الشأن حديث أيب هريرة مرفوعا »من خرج من الطاعة وفارق اجلماعة ُث مات<br />
2<br />
مات ميتة جاهلية« . قال الصنعاين: ]عن الطاعة: أي طاعة اخلليفة الذي وقع االجتماع عليه. وقال<br />
اجلماعة«<br />
عدوهم. أ ه ]<br />
3<br />
.<br />
»وفارق<br />
أي خرج عن اجلماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به مشلهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن<br />
أردت من هذا التنبيه أال تضع مجاعة من اجلماعات اإلسالمية د كما حيدث ابلفعل د هلا ا ديث يف غري موضعه<br />
فتصف من خرج عليها أبنه ميوت ميتة جاهلية، يقولون ملن يرتكهم حبق أو بباطل: أنت فارقت اجلماعة والرسول<br />
صلى هللا عليه وسلم يقول: »من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية«. فهذا وضع للنصوص يف غري<br />
موضعها، واجلماعة يف هذا احلديث هي مجاعة املسلمني اليت يف طاعة السلطان الشرعي، كما سبق بيانه، وليست أي<br />
مجاعة. صحيح إن ابن األثري رمحه هللا محل معىن اجلماعة على املعىن العام، فهو اعترب الالم <strong>في</strong>ها للجنس، <strong>في</strong>صح<br />
عندئذ محلها على أي مجاعة، فقد قال رمحه هللا: ]»من فارق اجلماعة فميتته جاهلية« معناه كل مجاعة عقدت عقدا<br />
يوافق الكتاب والسنة، فال جيوز ألحد أن يفارقهم يف ذلك العقد، فإن خالفهم <strong>في</strong>ه استحق الوعيد، ومعىن قوله<br />
»فميتته جاهلية« أي ميوت على ما مات عليه أهل اجلاهلية من الضالل واجلهل[ . 4 وليس األمر كما قال رمحه هللا من<br />
أن هذا الوعيد اخلاص يلزم كل من خرج على أي مجاعة جمتمعة على طاعة من الطاعات، بل الصواب إن شاء هللا<br />
تعاَل هو ما حققته أعاله من أن اجلماعة يف هذا احلديث هي مجاعة املسلمني اليت يف طاعة السلطان ال غري. وليس<br />
معىن هلا أن من نق<br />
عهده جلماعة على ا ق ال يلزمه شيء من الوعيد بل الصواب أنه يلزمه الذم والوعيد الوارد<br />
يف عموم نقض العهود كما ذكرته يف أول هذه املسألة.<br />
واجلماعات اليت تنزل هذا احلديث على نفسها، منها من أتول من احلديث كلمة واحدة ومنها من أتول كلمتني.<br />
فاللين أتولوا منه كلمة واحدة أتولوا كلمة »اجلماعة« على أهنا تعين أي مجاعة وابلتايل مجاعتهم، فمن خرج عليهم<br />
لزمه الوعيد املذكور، وقد سبق الرد على هذا.<br />
واللين أتولوا كلمتني، أتولوا كلمة »اجلماعة« كما سبق، وأتولوا كلمة »جاهلية« فقالوا معناها الكفر، ولذلك قالوا<br />
بتكفري كل من خرج على مجاعتهم وابستحالل دمه، فهم يعتربون أنفسهم مجاعة املسلمني ومن خرج عليهم صار<br />
مرتدا، وقتال املرتد صار مقدم على قتال الكافر األصلي، وهذا هو اعتقاد اخلوارج الذين تعتقده بعض اجلماعات<br />
062<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 رواه مسلم<br />
- 3 )سبل السالم( ج 3 ص 1229 ابب قتال أهل البغي.<br />
- 4 )النهاية يف غريب احلديث( ج 3 ص 438<br />
مادة )فرق(.
أحياان<br />
<strong>في</strong>ستحلون من خمالفهم الرتداده عندهم ما ال يستحلونه من الكافر األصلي، كما قال النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم <strong>في</strong>هم: »يقتلون أهل الإسالم ويَدَعُون أهل األوَثن« . 1<br />
واحلق أن اخلطأ لديهم جاء من محل اللفظ املشرتك على أحد معانيه دون قرينة مساعدة، فكلمة »جاهلية« قد تعين<br />
2<br />
الكفر، كما يف حديث حذيفة »إِانم كُنما يفِ جَاهِلِيمةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَانَ اَّللمُ هبَِذَا اخلَْريِْ فَنَحْنُ فِيه« ، فاجلاهلية يف حديث<br />
حذيفة معناها الكفر الذي كان قبل الإسالم، ونفس الكلمة قد تعين املعصية كما يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
. والبد من قرينة إما من نفس الن أو من خارجه تبني<br />
أليب ذر »إنك امرؤ <strong>في</strong>ك جاهلية« ، وأبو ذر هُوَ مَنْ هُوَ<br />
أن أي املعنيني أو املعاين هو املراد من الكلمة.<br />
ويف حديث »من فارق اجلماعة فمات مات مِيتة جاهلية« قلنا إن اجلماعة هي اليت طاعة السلطان، ونقول اجلاهلية<br />
هنا هي املعصية وليس الكفر كما سبق يف شرح ابن حجر له.<br />
قوله<br />
ولدينا دليل آخر: وهو أن البغاة خارجون طاعة الإمام، وقد مساهم هللا مؤمنني فقال تعاَل: }وَ إِنْ َِائِفَتَانِ مِنْ<br />
الْمُؤْ مِنِينَ اقْتَتَلُوا قَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا قَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى األُخْرَ ى قَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ َّللاَّ ِ<br />
إَل<br />
إِنَّمَا الْمُؤْ مِنُونَ إِخْوَ ةٌ{ ، 4 فسماهم هللا مؤمنني رغم البغي والقتال. فهم خرجوا على مجاعة املسلمني ومل يكفروا.<br />
ولدينا دليل َثلث: هو أن ابن عمر راوي حديث »من مات وليس يف عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية« قد ذكر ابن<br />
حجر يف شرح حديث بيعة ابن عمر لعبد امللك بن مروان قال: ]وكان عبد هللا بن عمر يف تلك املدة امتنع أن يبايع<br />
البن الزبري أو لعبد امللك، كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ُث ابيع ملعاوية ملا اصطلح مع احلسن ابن علي<br />
واجتمع عليه الناس، وابيع يزيد بعد موت معاوية الجتماع الناس عليه، ُث امتنع من املبايعة ألحد حال االختالف إَل<br />
5<br />
أن قُتِلَ ابن الزبري وانتظم امللك كله لعبد امللك فبايع له حينئذ ، قلت: وابلرغم من هذا املوقف من ابن عمر ، إال أن<br />
مجهور الصحابة والتابعني وأهل السنة قد ذهبوا إَل وجوب نصر احملق وقتال الباغي، مع عدم ختطئة أحد من الصحابة<br />
ممن تركوا قتال البغاة لكوهنم جمتهدين يف موقفهم هذا، وقد سبق بيان هذا يف آخر الباب الثالث. إال أن الشاهد من<br />
فعل ابن عمر مع كونه راوي حديث »من مات وليس يف عنقه بيعة«<br />
يبايع أقرهبما إَل احلق، مع أنه كان له أتويل يف ترك البيعة وهو اختالف الناس.<br />
فهذا وغريه يدل على أن اجلاهلية يف حديث<br />
بعض اجلماعات.<br />
»من فارق اجلماعة«<br />
أنه لو كانت اجلاهلية هي الكفر ملا وسعه أن<br />
هي املعصية وليس الكفر كما ذهبت إَل ذلك<br />
063<br />
- 1 انظر جمموع الفتاوى 355 / 3<br />
- 2 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />
- 3 رواه البخاري<br />
- 4 سورة احلجرات، اآليتان:<br />
- 5 فتح الباري ج<br />
11<br />
8<br />
13 ص 185
وهناك من يُكَفِّر من خرج على مجاعتهم بتأويل حلديث ابن مسعود مرفوعا<br />
»ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى<br />
ثالث: الثيِّب الزاين، والنفس ابلنفس، والتارك لدينه املفارق للجماعة« . 1 والتأويل الفاسد، هو اهنم جعلوا »التارك<br />
وصفا لدينه«<br />
»للمفارق للجماعة«<br />
ومع اعتبار أن مجاعتهم هي مجاعة املسلمني، <strong>في</strong>كون املفارق هلم اتركا لدينه،<br />
والصواب هو أن »املفارق للجماعة« صفة »للتارك لدينه« وليس العكس، وذلك ألن من ارتد عن دينه فقد فارق<br />
اجلماعة. ِبروجه عن اآلصرة اليت جتمعه ابملسلمني وهي آصرة الإسالم والإميان. وهذا هو ما ذكره ابن حجر يف شرح<br />
حديث ابن مسعود<br />
ابالرتداد، فهي صفة للتارك<br />
»ال حيل دم امرئ..«<br />
قال ابن حجر: ]واملراد ابجلماعة<br />
مجاعة املسلمني، أي فارقهم أو تركهم<br />
2<br />
أو املفارق ال صفة مستقلة وإال لكانت اخلصال أربعا[ . قلت: ولذلك ميكن القول أبن<br />
كل من ترك دينه )املرتد( فهو املفارق للجماعة، وليس كل من فارق اجلماعة فهو اترك لدينه )كالباغي( وقد وردت<br />
رواايت أخر لنفس احلديث بدون ذكر لفظ اجلماعة، مثل رواية الرتمذي عن عثمان بن عفان<br />
<br />
مرفوعا »ال حيل دم<br />
امرئ مسلم إال إبحدى ثالث: رجل كَفَرَ بعد إسالمه، أو زىن بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغري نفس« فهذه الرواية<br />
تبني أن املقصود يف الرواية األوَل هو املرتد.<br />
استدراك:<br />
ال ينبغي أن ي ُفْهَم من كالمي السابق أن لفظ »اجلماعة« إذا ورد يف أي حديث فمعناه مجاعة املسلمني اليت يف طاعة<br />
اخلليفة. وليس األمر كذلك، إذ إن »اجلماعة« لفظ مشرتك يطلق على معان متعددة، يعرف املراد منها ابلقرائن من<br />
نفس الن<br />
أو من نصوص أخر، ولذلك فقد محلت معىن »اجلماعة« يف بعض األحاديث على مجاعة املسلمني اليت<br />
يف طاعة السلطان للقرينة املوجودة وهي وجوب محل املطلق على املقيد إذا احتد احلكم والسبب <strong>في</strong>هما. ولكن للجماعة<br />
معان أخر ليس ههنا موضع تفصيلها، ولكن ال أبس ابلإشارة إَل معانيها على وجه الإمجال.<br />
قال الراغب األصفهاين: )مجََعَ: اجلَمْع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال مجََعْتُه فاجتمع إَل أن قال ويقال<br />
للمجموع مجَْعٌ ومجَِيعٌ ومجََاعَة( . 3<br />
واجلماعة هبذا اللفظ مل ترد يف القرآن، وإَّنا وردت يف احلديث مبعنيني:<br />
األول: املعىن اللغوي للكلمة، أي االجتماع اللي هو ضد التفرق، ويطلق على اثنني فما فوقهما أو على ثالثة<br />
فما فوقهما على خالف بني األصوليني والنحويني، ومن هذا الباب قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »صالة اجلماعة<br />
064<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 فتح الباري 211 / 12 و 212<br />
- 3 املفردات للراغب
أ<br />
أفضل من صالة الفذ بسبع وعشرين درجة«<br />
مجاعة(، ويروى هذا مرفوعا<br />
. 2<br />
-<br />
-<br />
، 1 فاجلماعة هنا املراد منها العدد، وقال البخاري )اثنان فما فوقهما<br />
الَاين: املعىن االصطالحي للكلمة: ويراد به أحد أمرين مها على الرتتيب من حيث األمهية:<br />
اجلماعة مبعىن ا ق والدين، كما يف حديث الفرق كلها يف النار إال واحدة وهي اجلماعة وسبق شرحه، فاجلماعة<br />
هنا هي احلق وأوَل الناس به النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته ولذلك ف<strong>في</strong> الرواية األخرى هلذا احلديث »ما أان<br />
عليه وأصحايب«. ومن هنا قال ابن مسعود »اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك«. واجلماعة ترد مبعىن أهل دين<br />
اإلسالمكما يف احلديث »والتارك لدينه املفارق للجماعة«. وترد أيضا مبعىن أهل العلم وأهل احلل والعقد.<br />
اجلماعة مبعىن مجاعة املسلمني اللين هم يف طاعة السلطان، كما يف احلديث »من رأى من أمريه شيئا يكرهه<br />
3<br />
فليصرب عليه، فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية« .<br />
وابلنسبة هلذين املعنيني االصطالحيني جيب على املسلم اتباع احلق دائما، فإن وُجد للمسلمني سلطان، جيب اتباعه<br />
<strong>في</strong>طاع يف احلق ويُعصى يف الباطل ومن هنا رتبنا املعنيني االصطالحيني هبذا الرتتيب احلق أَقْدَم وأَوَْلَ ، وإن مل يوجد<br />
سلطان كما يف زماننا تبقى اجلماعة ابملعىن األول احلق وأهله واجبة االتباع كما سبق يف الباب الثالث.<br />
وتَتَبمع لفظ اجلماعة يف األحاديث جتدها ميكن ردها مجيعا إَل هذه املعاين )العدد احلق مجاعة السلطان(. أما<br />
اجلماعات الإسالمية املعاصرة فمنها ما نصيبه من هذه املعاين: العدد فقط ومنها ما يدخل حتت اجلماعة مبعىن احلق<br />
على تفاوت.<br />
<br />
ثامنا: الرد على شبهة متعلقة بالعهود.<br />
ذكرت يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة الرد على شبهة متعلقة ابلإمارة على اجلماعات الإسالمية، حيث أنكرها<br />
األستاذ علي بن حسن بن عبد احلميد مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة(، وهنا أرد بعون هللا تعاَل على<br />
إنكاره للبيعة اليت أتخذها هذه اجلماعات من أتباعها، حيث أنكر شرعية هذه البيعات وعَدمها من البدع، وأراد بذلك<br />
نقد مجاعة معينة استخدمت البيعة والسمع والطاعة يف تسخري أتباعها وعصمة أمرائها. ولكين أقول إن البيعة حق<br />
والسمع والطاعة حق، وسوء استخدام احلق جيب أال جيعلنا ننكره، بل الواجب إنكار إساءة استخدامه.<br />
وسأذكر <strong>في</strong>ما يلي بعض ما قاله يف إنكار هذه البيعات، ُث أرد عليه إن شاء هللا تعاَل:<br />
قال املؤلف يف<br />
ص22<br />
]ومما يؤكد بطالن البيعات االستثنائية الزائدة على بيعة أمري املؤمنني ولو يف غيابه هو<br />
تنصي العلماء رمحهم هللا تعاَل أنه يشرتط يف البيعة: أن جيتمع أهل احلل والعقد، ويعقدوا الإمامة ملن يستجمع<br />
شرائطها[ أ ه .<br />
065<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 انظر فتح الباري 132 / 2<br />
- 3 متفق عليه
وقال يف<br />
ص23<br />
]مما سبق علمنا شيئني مهمني: 1= ال تكون البيعة إال ألمري املؤمنني فقط 2= والطاعة انشئة عن<br />
البيعة اليت هي له وحده حسب. فعلى ذلك تبطل مجيع البيعات اليت تكون ألي إنسان ما مل يكن إماما على أي<br />
صورة، سواء يف وجود الإمام أم يف غيابه لواحد أم ألكثر[ وقال يف هامش نفس الصفحة: ]فالواجب على من تلبس<br />
مبثل هذه البيعات املبتدعة أن يرتكها، ويفسخها فإهنا ابطلة، حرصا على دينه واتباعه[ أ ه .<br />
وقال يف ص32 ]إن سائر كالم املتقدمني من أهل العلم والفقه كان حول بيعة اخلليفة املسلم، ومل يتطرق أحد منهم<br />
<strong>في</strong>ما اطلعت إَل هذه البيعات االستثنائية اليت تعطي لغري إمام املسلمني ومن ادعى خالف ذلك فعليه الدليل!!<br />
] أ<br />
ه .<br />
<br />
<br />
وقال يف<br />
ص33<br />
]أين كان سلف هذه األمة عن مثل هذه البيعات االستثنائية؟ وهل نستطيع أن نصل بعقولنا<br />
وأهوائنا إَل خري نظنه فات صاحلي هذه<br />
األمة من السلف واألئمة رضوان هللا تعاَل عليهم أمجعني، وصدق النيب<br />
املصطفى صلوات هللا وسالمه عليه: »من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد«، فمثل هذه البيعات االستثنائية<br />
اليت مل ترد يف ن قرآين أو حديث نبوي، أو فعل أحد من السلف الصاحل، تعد بدعة حمدثة[ أ ه .<br />
وقال يف<br />
ص36<br />
]ما أشار إليه شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا تعاَل يف جمموع الفتاوى )19/29( من أنه إذا كان<br />
مقصودهم هبذا االتفاق واالنتماء والبيعة التعاون على الرب والتقوى، فهذا قد أمر هللا به ورسوله له ولغريه، دون ذلك<br />
االتفاق، وإن كان املقصود به التعاون على الإُث والعدوان، فهذا قد حرمه هللا ورسوله، فما قصد هبذا من خري ف<strong>في</strong> أمر<br />
هللا ورسوله بكل معروف، استغناء عن ذلك االتفاق، وما قصد هبذا من شر فقد حرمه هللا ورسوله<br />
!!<br />
<br />
<br />
وقال املؤلف يف<br />
ص37<br />
[أ ه .<br />
نقال عن شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا قوله: ليس ألحد أن َيخذ على أحد<br />
عهدا<br />
مبوافقته على كل ما يريد، ومواالة من يواليه، ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله<br />
الذين جيعلون من وافقهم صديقا واليا، ومن خالفهم عدوا ابغيا. أ ه<br />
وقال املؤلف غي ص38،<br />
41<br />
]أما إهنا »عهد« فهذا مل يكن من منهج السلف الصاحل رضوان هللا تعاَل عليهم، بل<br />
1<br />
كان واقعهم خالف ذلك متاما، فقد روى أبو نعيم احلافظ األصبهاين ؛ إبسناده الصحيح إَل مُطَرِّف بن عبد هللا بن<br />
الشخري قال: "كنا أنِت زيد بن صوحان، وكان يقول اي عباد هللا أكرموا، وأمجلوا، فإن وسيلة العباد إَل هللا ِبصلتني:<br />
اخلوف والطمع، فأتيته ذات يوم وقد كتب كتااب فنسقوا كالما من هذا النحو: )إن هللا ربنا، وحممدا نبينا، والقرآن<br />
إمامنا، ومن كان معنا كنا، وكنا له، ومن خالفنا كانت يدان عليه، وكنا وكنا(، قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجال<br />
رجال، <strong>في</strong>قولون أقررت اي فالن؟.. حىت انتهوا إَل، فقالوا: أقررت اي غالم؟ قلت: ال، قال: ال تعجلوا على الغالم، ما<br />
تقول اي غالم؟ قال: قلت: إن هللا قد أخذ عَلَي م عهدا يف كتابه، فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه هللا عز<br />
وجل!!<br />
رجال".<br />
قال: فرجع القوم من عند آخرهم، ما أَقَرم بِهِ أحد منهم: قال: قلت ملطرف: كم كنتم؟ قال: زهاء ثالثني<br />
- 1 يف )حلية األولياء(<br />
066<br />
214 / 2
فانظر رمحك هللا إَل واقعهم، وإَل أحوال قلوهبم يف قبول احلق واالنقياد إليه وإَل رفضهم أي أمر ولو كان ظاهره<br />
صدقا وحقا وعدال إذا مل يكن واردا بكي<strong>في</strong>ته يف كتاب هللا سبحانه، أو َثبتا يف سنة رسوله صلى هللا عليه وسلم<br />
وإذا كان مُفَرِّقا لألمة أي تف ريق، ولو صَغُر![ أ ه .<br />
َ<br />
<br />
ُث ختم املؤلف كتابه بنصيحة للدعاة قائال يف ص<br />
41<br />
]إن هذا البحث على وجازته يعد فرصة للدعاة لكي<br />
ينتبهوا بعد غفلة، ويستيقظوا بعد سبات، ولكي ال يقدموا على أي عمل أو قول إال بعد علم، وبينة، ودراية،<br />
وتثبت.[<br />
هذا جممل ما كتبه األستاذ علي بن حسن، ولقد أطال يف غري طائل وأتى بغري الصواب، ومل يتثبت ومل يتبني كما أخذ<br />
على نفسه يف أول كتابه ص5، وكما نصح غريه يف آخر كتابه ص41.<br />
واحلق أن ما ذكرتُه يف هذا الفصل من مسائل بَدءاً من مشروعية العهد إَل حكم انكثه . <strong>في</strong>ه رد كاف على كالم<br />
مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة(، ومع ذاك سوف أمجل ما سبق يف عدة أمور:<br />
أوال: إن الإمارة على اجلماعات الإسالمية اليت قامت على التعاون على الرب والتقوى هي إمارة شرعية صحيحة، كما<br />
سبق تفصيل هذا يف الباب الثالث مع الرد على شبهة املؤلف حول الإمارة.<br />
اثنيا: إذا ثبت شرعية هذه الإمارة، <strong>في</strong>جب على كل من قبلها السمع والطاعة لألمري يف غري معصية وإن مل يعاهده<br />
على هذا. إذ إن هلا جيب ابلشرع ابتداء بدون عهد، وقد سبق بيان هذا يف أول الفصل وذكرت هناك كالم شيخ<br />
الإسالم ابن تيمية يف وجوب طاعة والة األمور وإن مل يعادهم الإنسان أو حيلف هلم، فراجعه<br />
1<br />
هناك ، وذكرت كذلك<br />
2<br />
من قبل قوله )أويل األمر منكم( يدخل <strong>في</strong>هم كل متبوع، قال )وكل من كان متبوعا فهو من أويل األمر( ، ويدخل<br />
يف هذا أمراء اجلماعات املشار إليها.<br />
اثلَا: ذكرت يف مسألة )فائدة العهد والغرض منه( وهي الثانية من هذا الفصل، أن العهد له فائداتن، األوَل: توكيد ما<br />
وجب ابلشرع ابتداء وهي طاعة والة األمور ومعاونتهم على احلق ومناصحتهم إَل غري ذلك مما أمر به هللا تعاَل<br />
ورسوله<br />
صلى هللا عليه وسلم . والثانية: االلتزام بشروط أخرى مل يوجبها الشرع ابتداء وإَّنا جتب وفاءً ابلعهد ما مل<br />
ختالف الكتاب والسنة. وذكرت هناك كالم شيخ الإسالم ابن تيمية يف هذا الشأن نقال عن جمموع الفتاوى<br />
345 ص341،<br />
ومن املواضع اليت ن<br />
شيخ الإسالم على أهنا<br />
ج28<br />
جتب على العبد لألمرين، قوله ]وكتعاقد الناس على<br />
3<br />
العمل مبا أمر هللا به ورسوله[ ، وهذه العبارة ابلذات تنطبق متاما على اجلماعات اليت نتحدث عنها، فإذا قامت<br />
مجاعة بغرض نصرة الدين، <strong>في</strong>جب على كل مسلم معاونة هذه اجلماعة، عاهدها أم مل يعادها، إذ إن هذا واجب<br />
- 1 نقال عن جمموع الفتاوى ج 35 ص 8<br />
067<br />
11<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 171<br />
- 3 )جمموع الفتاوى( ج 28 ص 346
ابلشرع ابتداء لقوله تعاَل: }وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى{، فإذا عاهدها أتكد هذا الوجوب لوجوب الوفاء ابلعهد<br />
}وَ أَوْ قُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُوال{.<br />
وكذلك السمع والطاعة واجبان على كل فرد يف مثل هذه اجلماعات ألُويلِ األمر منهم، عاهد على هذا أم مل يعاهد،<br />
فإن عاهد أتكد الوجوب.<br />
رابعا: أن العهود جائزة بني املسلمني على الطاعات، وما ذكرته يف مسألة )مشروعية العهد( يغين عن الإعادة هنا،<br />
حيث ذكرت أدلة املشروعية من القرآن والسنة وسرية الصحابة رضي هللا عنهم.<br />
خامسا: أنه جيوز أن تُس م ى هله العهود بيعات، كما ذكرته يف املسألة اخلامسة من هذا الفصل وهي )هل جيوز<br />
تسمية هذا العهد بيعة؟(. وأن هذا مما ميكن إدخاله يف إمجاعات الصحابة، لفعل عِكرمة يوم الريموك وعدم إنكار<br />
أحد من الصحابة عليه، ُث فعل قيس بن سعد يوم صِفِّني، إَل آخر ما ذكرته هناك، مما يدل على جواز هذه التسمية<br />
<strong>في</strong>سقط كالم األستاذ علي بن حسن يف<br />
االستثنائية[ ويف ص<br />
33<br />
ص32<br />
حيث قال: ]ومل يتطرق أحد منهم <strong>في</strong>ما اطلعت إَل هذه البيعات<br />
حيث قال: ]أين كان سلف هذه األمة عن مثل هذه البيعات االستثنائية[ والحظ أنين قلت<br />
إن سرية الصحابة تدل على جواز وليس وجوب هذه التسمية، ولذلك ورغم جواز تسمية هذه العهود بيعات، إال أنين<br />
أرى أال تسمى عهود اجلماعات اآلن ابلبيعة وأن ي ُقْتَصَر على تسميتها ابلعهد حىت ال تلتبس ببيعة اخلليفة، وحىت يظل<br />
هذا اجليل من املسلمني مدركا أنه ليست يف عنقه بيعة لإمام املسلمني، <strong>في</strong>سعوا يف هذا الشأن.<br />
ومن ابب الرد على كالم املؤلف يف ص32،<br />
38 ،33<br />
= 1<br />
وقوله إن هذه البيعات مل تكن من منهج السلف الصاحل، سأذكر<br />
<strong>في</strong>ما يلي بعض البيعات اليت وقعت بني املسلمني يف القرون الثالثة اخلريية من هذه األمة، ليعلم املسلم أن العهد أو<br />
البيعة على الطاعات ورأسها األمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد، كان أمرا متعارفا عليه بني السلف<br />
الصام من الصحابة والتابعني فمن بعدهم، ومن ذلك:<br />
مبايعة الصحايب عِكرمة بن أيب جهل<br />
<br />
والتعليق عليها . 1<br />
= 2<br />
= 3<br />
ألربعمائة من وجوه املسلمني على املوت يوم الريموك. وقد سبق ذكرها<br />
مبايعة الصحايب قيس بن سعد ألربعني ألفا على املوت يوم صِفِّني، وقد سبق ذكرها . 2<br />
مبايعة أهل الكوفة للحسني بن علي بن أيب طالب رضي هللا عنهما سنة<br />
61ه<br />
بن معاوية، وقد أرسل احلسني ابن عمه مُسلمًا بن عقيل ألخذ البيعة له فبايعه مثانية عشر ألفا . 3<br />
= 4<br />
مبايعة أهل املدينة للصحايب عبد هللا بن حنظلة سنة<br />
وقد سبق ذكرها<br />
63<br />
. 1<br />
للخروج على خليفة الوقت يزيد<br />
ه للخروج على يزيد بن معاوية، فكانت وقعة احلَرمة،<br />
068<br />
- 1 البداية النهاية 11 / 7<br />
- 2 فتح الباري ج 13 ص 63<br />
- 3 انظر البداية والنهاية ج 9 ص 152 وما بعدها
= 5<br />
طلب عبد هللا بن الزبري الصحايب البيعة لنفسه بعد موت يزيد بن معاوية، وقد ابيعه مجيع األمصار إال األردن<br />
ومن هبا من بين أمية وعلى رأسهم املروان بن احلكم فبايعوا مروان وحاربوا أهل الشام ُث مصر ُث العراق إَل أن انتهى<br />
األمر بقتل ابن الزبري سنة<br />
73<br />
ه ، وقد مسي ابن الزبري أبمري املؤمنني ودامت خالفته من<br />
ه 73 ه إَل سنة 64<br />
2<br />
.<br />
= 6<br />
وذكر ابن كثري أن أهل دمشق ملا مات خليفة الوقت معاوية بن يزيد سنة 64ه، ابيعوا الضحاك بن قيس على أن<br />
يُصلح بينهم ويقيم هلم أمرهم حىت جيتمع الناس على إمام<br />
3<br />
.<br />
= 7<br />
وذكر ابن كثري يف أحداث سنة<br />
64<br />
=<br />
9<br />
ه قال: ]و<strong>في</strong>ها اجتمع مأل الشيعة على سليمان بن صرد وهو صحايب جليل<br />
كما قال ابن كثري ابلكوفة، وتواعدوا النخيلة ليأخذوا بثأر احلسني بن علي بن أيب طالب إَل أن قال فاجتمعوا<br />
4<br />
كلهم بعد خطب ومواعظ على أتمري سليمان بن صرد عليهم، فتعاهدوا وتعاقدوا وتواعدوا النمخِ يلةَ . قلت: مل يكن<br />
الشيعة مسوا إذ ذاك ابلرافضة، ومل يسموا بذلك إال يف زمن زيد بن عَلِيّ كما سيأِت.<br />
خروج عبد الرمحن بن األشعث على احلجاج الثق<strong>في</strong> ُث اخلليفة عبد امللك بن مروان )91<br />
92ه( وكان ابن<br />
األشعث على رأس اجليش للحجاج بفارس، فنقم منه أمورا، قال ابن األشعث ملن معه: ]اخلعوا عدو هللا احلجاج ومل<br />
يذكر خلع عبد امللك وابيعوا ألمريكم عبد الرمحن بن األشعث فإين أشهدكم أين أول خالع للحجاج، فقال الناس من<br />
كل جانب: خلعنا عدو هللا احلجاج ووثبوا إَل عبد الرمحن بن األشعث فبايعوه عوضا عن احلجاج، ومل يذكروا خلع<br />
عبد امللك بن مروان إَل أن قال<br />
فلما توسطوا الطريق قالوا: إن خلعنا للحجاج خلع البن مروان فخلعومها وجددوا<br />
5<br />
البيعة البن األشعث فبايعهم على كتاب هللا وسنة رسوله وخلع أئمة الضالل وجهاد امللحدين ، وقال ابن كثري: ووافقه<br />
6<br />
على خلعهما مجيع من يف البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب ، وقال ابنكثري وجعل الناس يلتقون على ابن<br />
7<br />
األشعث من كل جانب، حىت قيل إنه سار معه ثالثة وثالثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل . وقال ابن<br />
9<br />
كثري: ودخل ابن األشعث الكوفة فبايعه أهلها على خلع احلجاج وعبد امللك بن مروان . وقال ابن كثري: وكان مجلة<br />
8<br />
من اجتمع مع ابن األشعث مائة ألف مقاتل ممن َيخذ العطاء ومعهم مثلهم من مواليهم ، وقال ابن كثري: وجعل ابن<br />
األشعث على كثيبة القراء العلماء جبلة بن زحر، وكان <strong>في</strong>هم سعيد بن جبري وعامر الشعيب وعبد الرمحن بن أيب ليلى<br />
069<br />
69 / 13<br />
- 1 )البداية والنهاية( ،217 / 9 )فتح الباري( 119 / 6<br />
- 2 )فتح الباري( ج 13 ص 68 وص184 و)البداية والنهاية( ج 9 ص 239 وما بعدها<br />
- 3 )البداية والنهاية( 238 / 9<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 9 ص 247<br />
: 36 ص- 5<br />
: 37 ص- 6<br />
: 36 ص- 7<br />
: 41 ص- 9<br />
: 41 ص- 8
ج)<br />
ج)<br />
ج)<br />
وكميل بن زايد وكان شجاعا فاتكا على كرب سنه وأبو البحرتي الطائي وغريهم ، 1 ومما قاله الشعيب: قاتلوهم على<br />
جورهم واستدالهلم الضعفاء وإماتتهم الصالة ] 2 3 .<br />
= 8<br />
خروج زيد بن علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب سنة 121ه على خليفة الوقت هشام بن عبد امللك، وزيد<br />
4<br />
هو الذي تنسب إليه الطائفة الزيدية من الشيعة، قال ابن كثري: ابيعه على ذلك أربعون ألفا من أهل الكوفة .<br />
= 11<br />
خروج يزيد بن الوليد على ابن عمه خليفة الوقت الوليد بن يزيد بن عبد امللك سنة 162ه، قال ابن كثري: ]قد<br />
ذكران بعض أمر الوليد بن يزيد وخَالَعته وجمََانته وفسقه وما ذُكر عن هتاونه ابلصلوات واستخفافه أبمر دينه قبل<br />
5<br />
خالفته وبعدها، فإنه مل يزدد يف اخلالفة إال شرا[ ، فقام يزيد بن الوليد يف خلعه وابيعه الناس على ذلك، وكثرت<br />
6<br />
اجليوش حوله كلهم قد ابيعه ابخلالفة، وطلب الوليد بن يزيد فقتله .<br />
= 11<br />
بيعة معاوية بن عبد هللا بن جعفر بن أيب طالب، قال ابن كثري: ]ويف هذه السنة<br />
127ه<br />
خرج ابلكوفة معاوية بن<br />
عبد هللا، فدعا إَل نفسه وخرج إَل حماربة أمري العراق عبد هللا بن عمر بن عبد العزيز، فجرت بينهما حروب يطول<br />
7<br />
ذكرها .<br />
= 12<br />
قيام دولة العباسيني منذ بدء دعوهتم سنة<br />
111ه<br />
إَل بدء خالفة السفاح أول خلفائهم<br />
132ه<br />
قال ابن كثري: ]يف<br />
سنة 119ه: و<strong>في</strong>ها وفاة علي بن عبد هللا بن عباس، وقد ابيع كثري من الناس البنه حممد ابخلالفة قبل أن ميوت عَلِ ٌّي<br />
هذا قبل هذه السنة بسنوات ولكن مل يظهر أمره حىت مات فقام ابألمر من بعده ولده عبد هللا أبو العباس السفاح<br />
وكان ظهوره يف سنة<br />
132ه[<br />
أموية شرعية. وملا تويف حممد بن علي سنة<br />
اخلرساين سنة<br />
125<br />
128<br />
9<br />
. فهنا الناس قد ابيعوا حممدًا بن علي بن عبد هللا بن عباس ابخلالفة يف وجود خالفة<br />
8<br />
بن عبد هللا أوصى من بعده البنه إبراهيم ، فكتب إبراهيم أليب مسلم<br />
11<br />
أبن يظهر الدعوة فأقبل الناس من كل جانب إَل أيب مسلم وكثر جيشه ، ُث قُتِل إبراهيم سنة 132<br />
11<br />
وأوصى من بعده ألخيه أيب العباس السفاح ، وذلك يف خالفة مروان بن حممد آخر خلفاء بين أمية، فدخل أبو<br />
071<br />
: 42 ص- 1<br />
ص- 2<br />
42<br />
41 :<br />
- 3 )البداية والنهاية( ج 8 ص 35<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 8 ص 237<br />
ص- 5<br />
11<br />
9 :<br />
- 6 )البداية والنهاية( ج 11 ص 9<br />
- 7 )البداية والنهاية( ج 11 ص 25<br />
- 9 )البداية والنهاية( ج 8 ص 321<br />
11 ص )5<br />
11 ص )31<br />
11 ص 39<br />
- 8<br />
- 11<br />
- 11<br />
و38(
ج)<br />
العباس الكوفة وسلموا عليه ابخلالفة وصعد املنرب وابيعه الناس وهو على املنرب ، 1 ُث انتدب عمه عبد هللا بن عَلِي لقتال<br />
اخلليفة مروان بن حممد إَل أن قُتِل مروان واستقرت اخلالفة أليب العباس السفاح<br />
دعوة بين العباس لدولتهم استمرت<br />
32<br />
سنة132 . 2 ومما هو جدير ابلذكر أن<br />
سنة أو أكثر أثناء خالفة بين أمية، وكانوا َيخذون البيعة من الناس رغم وجود<br />
خالفة أموية شرعية، ومما جيدر ابلذكر كذلك أهنم أخذوا البيعة من الناس لفرد مُبْهَم وهو )الرضا من آل حممد صلى<br />
3<br />
هللا عليه وسلم ) .ومعناه من يرضى عنه آل حممد ويتفقون عليه، وذلك مَنْعا للشقاق بني العلويني والعباسيني ليصريوا<br />
يدا واحدة على بين أمية.<br />
= 13<br />
بيعة أيب حممد الس<strong>في</strong>اين. قال ابن كثري يف 132ه: ]وتفاقم األمر على عَلَي عبد هللا بن علي عم اخلليفة السفاح<br />
وذلك أن أهل قِنسِ رِّين تراسلوا مع أهل مح<br />
وتزمروا واجتمعوا على أيب حممد الس<strong>في</strong>اين وهو أبو حممد عبد هللا بن<br />
يزيد بن معاوية بن أيب س<strong>في</strong>ان، فبايعوه ابخلالفة وقام معه حنو من أربعني ألفا فقصدهم عبد هللا بن علي فالتقوا مبرج<br />
4<br />
األخرم، فاقتتلوا مع مقدمة الس<strong>في</strong>اين وعليها أبو الورد فاقتتلوا قتاال شديدا... .<br />
= 14<br />
قد<br />
بيعة عبد الرمحن الداخل اخلليفة األموي ابألندلس يف زمن العباسيني، قال ابن كثري يف سنة<br />
]و<strong>في</strong>ها كانت 139ه<br />
خالفة الداخل من بين أمية إَل بالد األندلس، وهو عبد الرمحن بن معاوية بن هشام بن عبد امللك بن مروان. وكان<br />
دخل إَل بالد املغرب فرارا من عبد هللا بن علي، فاجتاز مبن معه من أصحابه الذين فروا معه بقوم يقتتلون على<br />
عصبية اليمانية واملضرية، فبعث مواله بدرا إليهم فبايعوه، ودخل هبم ففتح بالد األندلس، واستحوذ عليها وانتزعها من<br />
انئبها يوسف بن عبد الرمحن بن حبيب بن أيب عبيده بن عقبة بن انفع الفهري وقتله، وسكن عبد الرمحن قرطبة<br />
واستمر يف خالفته يف تلك البالد من هذه السنة إَل سنة<br />
5<br />
172ه[ .<br />
= 15<br />
145ه سنة<br />
بيعة حممد النفس الزكية وخروجه على اخلليفة العباسي أيب جعفر املنصور سنة<br />
فمما كان <strong>في</strong>ها من األحداث<br />
145ه<br />
قال ابن كثري: ]ُث دخلت<br />
خنرج حممد بن عبد هللا بن احلسن )النفس الزكية( ابملدينة وأخيه إبراهيم<br />
6<br />
ابلبصرة[ . وقال ابن كثري: ]وأصبح حممد بن عبد هللا بن حسن وقد استظهر على املدينة ودان له أهلها. فصلى<br />
ابلناس الصبح وقرأ <strong>في</strong>ها سورة إن فتحنا لك فتحا مبينا. وأسفرت هذه الليلة عن مستهل رجب من هذه السنة. وقد<br />
خطب حممد بن عبد هللا أهل املدينة يف هذا اليوم، فتكلم يف بين العباس وذكر عنهم أشياء ذمهم هبا، وأخربهم أنه مل<br />
ينزل بلدا من البلدان إال وقد ابيعوه على السمع والطاعة، فبايعه أهل املدينة كلهم إال القليل.<br />
070<br />
11 ص )41<br />
- 1<br />
- 2 )البداية والنهاية( ج 8 ص 321 وج 11 ص 42 ،38 ،31 ،31 ،25 ،5<br />
- 3 انظر )البداية والنهاية( ج 11 ص 31<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 11 ص 52<br />
- 5 )البداية والنهاية( ج 11 ص 74<br />
: 92 ص- 6
وقد روى ابن جرير عن الإمام مالك أنه أفىت مببايعته، فقيل له إن يف أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إَّنا كنتم مكرهني<br />
وليس ملكره بيعة. فبايعه الناس عند ذلك عن قول مالك، ولزم مالك بيته[ . 1 وقال ابن كثري إن أاب جعفر املنصور<br />
اخلليفة كتب إليه قال: )فلك عهد هللا وميثاقه وذمته وذمة رسوله، إن أنت رجعت إَل الطاعة<br />
2<br />
ألؤمنك ومن اتبعك( ،<br />
وقال ابن كثري: إنه ملا أرسل املنصور جيشه لقتال حممد، صعد حممد بن عبد هللا على املنرب فخطب الناس وحثهم على<br />
4 3<br />
اجلهاد وكانوا قريبا من مائة ألف .[ .<br />
= 16<br />
بيعة إبراهيم بن عبد هللا بن حسن )أخي حممد النفس الزكية( وكان يدعو يف السر إَل أخيه فلما قُتل أخوه<br />
)حممد النفس الزكية( 145ه أظهر الدعوة إَل نفسه، وقَدِمَ البصرة وابيعه فئام من الناس، وجعل الناس يقصدون من كل<br />
فج ملبايعته ودانت له البصرة واألهواز وفارس واملدائن وأرض السواد، وخرج من البصرة يف مائة ألف مقاتل قاصدا<br />
الكوفة لقتال جيش اخلليفة أيب جعفر<br />
5<br />
املنصور .<br />
وقال ابن كثري عن حممد وأخيه إبراهيم: ]قد حُكِيَ عن مجاعة من العلماء واألئمة أهنم مالوا إَل ظهورمها[<br />
6<br />
. وممن مال<br />
إَل ظهور حممد: الإمام مالك ابملدينة كما سبق، وممن مال إَل ظهور إبراهيم: األمام أبو حنيفة وشعبة بن احلجاج<br />
وهشيم وكالمها من أئمة احلديث.<br />
= 17<br />
أمحد<br />
بيعة أمحد بن نصر اخلزاعي سنة<br />
231<br />
لألمر ابملعروف والنهي عن املنكر عموما، ُث مبايعته للخروج على اخلليفة<br />
الواثق لفسقه وبدعته. قال ابن كثري: ]ُث دخلت سنة 231، و<strong>في</strong>ها كان مقتل أمحد بن نصر اخلزاعي رمحه هللا واكرم<br />
مثواه إَل قوله وقد ابيعه العامة يف سنة إحدى ومائتني على القيام ابألمر والنهي حني كثرت الشُّطار والدُّعار يف<br />
غيبة املأمون عن بغداد كما تقدم ذلك، وبه تُعرف سويقة نصر بغداد، وكان أمحد بن نصر هذا من أهل العلم والداينة<br />
والعمل الصاحل واالجتهاد يف اخلري، وكان من أئمة السنة اآلمرين ابملعروف والناهني عن املنكر، وكان ممن يدعو إَل<br />
القول أبن القرآن كالم هللا منزل غري خملوق، وكان الواثق من أشد الناس يف القول ِبلق القرآن، يدعو إليه ليال وهنارا،<br />
اعتمادا على ما كان عليه أبوه قبله وعمه املأمون، من غري دليل وال برهان، وال حجة وال بيان، وال سنة وال قرآن. فقام<br />
بن نصر هذا يدعو إَل هللا وإَل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر والقول أبن القرآن كالم هللا منزل غري خملوق،<br />
يف أشياء كثرية دعا الناس إليها. فاجتمع عليه مجاعة من أهل بغداد، والتف عليه من األلوف أعداد وانتصب للدعوة<br />
إَل أمحد بن نصر هذا رجالن ومها أبو هارون السراج يدعو اجلانب الشرقي، وآخر يقال له طالب يدعو أهل اجلانب<br />
072<br />
: 93 94 ص- 1<br />
: 94 95 ص- 2<br />
: 99 ص- 3<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 11 ص 81 / 92<br />
84<br />
- 5 )البداية والنهاية( ج 11 ص 81<br />
- 6 البداية ج 11 ص 85
الغريب فاجتمع عليه من اخلالئق ألوف كثرية، ومجاعات غزيرة، فلما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة<br />
ألمحد بن نصر اخلزاعي يف السر على القيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر، واخلروج على السلطان لبدعته ودعوته<br />
1<br />
إَل القول ِبلق القرآن، وملا هو عليه هو وأمراؤه وحاشيته من املعاصي والفواحش وغريها[ .<br />
قلت: انظر أيها القارئ الكرمي إَل هذه البيعات اليت ذكرهتا، واليت كان يدخل <strong>في</strong>ها ألوف الناس، واليت استحسنها كثري<br />
من التابعني ودخلوا <strong>في</strong>ها، وحَرمض الناس عليها الإمامان مالك وأبو حنيفة. ُث انظر إَل كالم مؤلف كتاب )البيعة بني<br />
السنة والبدعة( وقال: ]مل يتطرق أحد من املتقدمني إَل مثل هذه البيعات[ وقال: ]أين كان سلف هذه األمة عن مثل<br />
هذه البيعات االستثنائية؟[<br />
2<br />
.<br />
=<br />
0<br />
وهذه البيعات التي ذكرتها آنفا منها:<br />
بيعات على اجلهاد واالستشهاد: كمبايعة عكرمة بن أيب جهل وقيس بن سعد ملن معهما، ومها صحابيان<br />
رضي هللا عنهما.<br />
= 2<br />
بيعات على األمر ابملعروف والنهي عن املنكر: كمبايعة أهل املدينة ألمرائهم يف وقعة احلَرمة، وبيعة سليمان بن<br />
صرد، وبيعة أمحد بن نصر اخلزاعي.<br />
= 3<br />
= 4<br />
بيعات على القيام أبمر طائفة من املسلمني حىت يظهر خليفة: كمبايعة أهل دمشق للضحاك بن قيس.<br />
بيعات على املنازعة يف افالفة خروجا على أئمة اجلور: كبيعات احلسني بن علي وعبد هللا بن الزبري وابن<br />
األشعث وزيد بن علي ويزيد بن الوليد ومعاوية بن عبد هللا بن جعفر والعباسيني وأيب حممد الس<strong>في</strong>اين وعبد الرمحن<br />
الداخل وحممد النفس الزكية وأخيه إبراهيم.<br />
واألنواع الثالثة األُوَل من هذه البيعات ليست بيعات خالفة، وهي اليت مساها مؤلف كتاب البيعة )البيعات<br />
االستثنائية( ون َفَى وقوعها يف السلف. وأما النوع الرابع، فهي أيضا ليست بيعات خالفة بل بيعات لطلب اخلالفة<br />
ومنازعة خليفة الوقت، وال تعترب أي بيعة من هذه بيعة خالفة إال ابسقرار اخلالفة لطالبها ودخول مجهور املسلمني يف<br />
بيعته، أما قبل ذلك فالبيعة الشرعية هي بيعة خليفة الوقت املخروج عليه. ومن اخلارجني الذين استقرت هلم اخلالفة<br />
عبد هللا بن الزبري ويزيد بن الوليد والعباسيني وعبد الرمحن الداخل. فبيعات كل هؤالء<br />
االستَنائية( قبل استقرار افالفة هلم، سواء منهم من استقرت له أو مل تستقر.<br />
تدخل حتت اسم )البيعات<br />
وقد يقول قائل: ما حكم خروج هؤالء اخلارجني على اخللفاء؟ قلت: اخلروج على احلاكم الكافر ال خالف يف وجوب<br />
على من قدر عليه، أما الفاسق أو الظامل وهو احلال يف معظم البيعات املذكورة أعاله، كان <strong>في</strong>ه خالف بني سلف األمة<br />
فمنهم من أوجبه لعموم أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر، ومنهم من هنى عنه ألحاديث »من كره من أمريه<br />
شيئا فليصرب« فهذه البيعات املذكورة أعاله كانت من ابب األخذ بعموم واجب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر. ُث<br />
073<br />
314<br />
- 1 )البداية والنهاية( ج 11 ص 313<br />
: 32 33 ص- 2
حدث بعد هذه الفنت أن استقر رأي مجهور أهل السنة واجلماعة على األخل ابلصرب على أئمة اجلور ومنع افروج<br />
عليهم. وقد ذكر هذا اخلالف ا لقدمي وما استقر عليه الرأي الإمام النووي فقال: ]قال القاضي عياض: فلو طرأ على<br />
اخلليفة فسق قال بعضهم جيب خلعه إال أن ترتتب عليه فتنة وحرب. وقال مجاهري أهل السنة من الفقهاء واحملدِّثني<br />
واملتكلمني ال ينعزل ابلفسق والظلم وتعطيل احلقوق وال خيلع وال جيوز اخلروج عليه بذلك بل جيب وعظه وختويفه<br />
لألحاديث الواردة يف ذلك، قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن جماهد يف هذا الإمجاع وقد رَدم عليه بعضُهم هذا<br />
بقيام احلسني وابن الزبري وأهل املدينة على بين أمية وبقيام مجاعة عظيمة من التابعني والصدر األول على احلجاج مع<br />
ابن األشعث وأتول هذا القائل قوله أن ال ننازع األمر أهله يف أئمة العدل وحجة اجلمهور أن قيامهم على احلجاج<br />
ليس مبجرد الفسق بل ملا غَريم من الشرع وظَاهَر من الكفر، قال القاضي: وقيل إن هذا اخلالف كان أوال ُث حصل<br />
الإمجاع على منع اخلروج عليهم وهللا أعلم . 1<br />
وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا أن الصرب على أئمة اجلور وعدم اخلروج عليهم هو ما استقر عليه رأي أهل<br />
السنة بعد اخلالف القدمي يف هذه املسألة<br />
. 2<br />
قلت: وقد صارت هذه املسألة تُدومن ضمن اعتقاد أهل السنة واجلماعة كما هو مثبت يف العقيدة املتداولة، قال<br />
صاحب العقيدة الطحاوية: ]وال نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران وإن جاروا وال ندعوا عليهم، وال ننزع يدا من<br />
طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة هللا فريضة، ما مل َيمروا مبعصية، وندعوا هلم ابلصالح واملعافاة[<br />
. 3<br />
وقد نقل ابن حجر عن ابن بطال الإمجاع على هذا أيضا، وقال ابن حجر: ]ونقل ابن التني عن الداودي قال: الذي<br />
عليه العلماء يف أمراء اجلور أنه إن قدر على خلعه بغري فتنة وال ظلم وَجَب، وإال فالواجب الصرب. وعن بعضهم ال<br />
جيوز عقد الوالية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدال فاختلفوا يف جواز اخلروج عليه، والصحيح املنع<br />
إال أن يكفر <strong>في</strong>جب اخلروج عليه[ . 4<br />
ومع هذا فقد أخذ ابن حزم ابلقول بعموم أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وأهنا انسخة لألحاديث اآلمرة<br />
ابلسكوت ، 5 وهو حمجوج ابلإمجاع املنعقد على الصرب على أئمة اجلور، وقوله ابلنسخ يفتقر إَل معرفة التاريخ،<br />
والصواب هو القول ابلعام واخلاص وأن اخلاص )وهي أحاديث الصرب على أئمة اجلور( مقدم على العام )وهي عموم<br />
أحاديث األمر ابملعروف والنهي عن املنكر( حسب القواعد األصولية.<br />
- 1 )شرح النووي لصحيح مسلم( ج 12 ص 228<br />
074<br />
- 2 )منهاج السنة( ج 2 ص 241<br />
- 3 )شرح العقيدة الطحاوية( ط. املكتب الإسالمي 1414ه ص 378<br />
- 4 )فتح الباري( ج 13 ص 9 ،7<br />
- 5 احمللى ج 8 ص 362
سادسا: نقل مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة( كالما مبتورا لشيخ الإسالم ابن تيمية، فنقل عن شيخ اإلسالم<br />
ما ينيد رأيه وهو أن هله العهود بدعة ابطلة وترك من كالم شيخ اإلسالم ما خيالف رأيه. ومل يكتف املؤلف أبن<br />
َيخذ ما يريد ويدع ما يريد من كالم ابن تيمية، بل جتاوز هذا،<br />
اإلسالم اب لف واإلضافة ليوهم<br />
فقد تصر ف <strong>في</strong>ما نقله املنلف <strong>في</strong>ما نقله عن شيخ<br />
القارئ<br />
أن شيخ الإسالم ينكر تعاهد الناس واتفاقهم على التعاون على الرب<br />
والتقوى، وهلا التحريف يف نقل فتاوى العلماء ليس من األمانة العلمية يف شيء.<br />
فقد نقل املؤلف يف ص<br />
36<br />
من كتابه كالما لشيخ الإسالم من اجمللد<br />
29 ص<br />
19، تَصَرمف <strong>في</strong>ه ابحلذف والإضافة<br />
ليطَوِّعه لرأيه. وكان شيخ الإسالم رمحه هللا يتحدث عن تعصب التالميذ ملعلميهم يف صورة شد الوسط وغريه، فنهى<br />
عن ذلك.<br />
قال ابن تيمية: ]فإن كان املقصود هبذا الشد واالنتماء التعاون على الرب[ إال أن املؤلف كتب هذه العبارة هكذا )من<br />
أنه إذا كان مقصودهم هبذا االتفاق واالنتماء والبيعة التعاون على الرب(، وكما ترى فقد أدخل املنلف كلمة )البيعة(<br />
ضمن كالم ابن تيمية لينصر رأيه، فَقَومل ابن تيمية رمحه هللا ما مل ي َقُله، وكذلك حذف كلمة )الشد( وأضاف كلمة<br />
)االتفاق(.<br />
كذلك فقد نقل املؤلف يف ص37<br />
من كتابه، أن شيخ الإسالم رمحه هللا قال: ليس ألحد أن يقول َيخذ على أحد<br />
عهدا مبوافقته على كل ما يريد، ومواالة من يواليه، ومعاداة من يعاديه بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان<br />
وأمثاله الذين جيعلون من وافقهم صديقا واليا، ومن خالفهم عدوا ابغيا . 1<br />
وهذا النقل أيضا يوهم القارئ أن شيخ الإسالم ميكر تعاهد الناس على أعمال الرب. واحلق أن كالم شيخ الإسالم<br />
السابق ورد يف معرض جوابه عن سؤال جاء <strong>في</strong>ه )وهل للمبتدئ أن يقوم وسط مجاعة من األستاذين واملتعلمني ويقول:<br />
اي مجاعة اخلري، أسأل هللا تعاَل وأسألكم أن تسألوا فالان أن يقبلين أن أكون له أخا أو ر<strong>في</strong>قا أو غالما أو تلميذا أو ما<br />
أشبه ذلك، <strong>في</strong>قوم أحد اجلماعة <strong>في</strong>أخذ عليه العهد ويشرتط عليه ما يريده ويشد وسطه مبنديل أو غريه، فهل يسوغ<br />
2<br />
هذا الفعل أم ال؟[ .<br />
فأجاب شيخ الإسالم ببيان ماال جيوز من هذا، وهو شد الوسط والتعصب للمُعَلم حبق أو بباطل وهو ما نقله مؤلف<br />
كتاب )البيعة(، وكذلك بَنيم شيخ الإسالم ما جيوز من هذا، وهو أن العهد جائز بني املعلم والتلميذ وذكر صيغة هللا<br />
العهد، وهو ما مل ينقله منلف كتا<br />
)البيعة( ألنه لو ند ق ل هلا<br />
اجلزء من جوا<br />
شيخ اإلسالم هلدم كتابه من<br />
أساسه، وأهل العلم ينقلون ما هلم وما عليهم، قال شيخ الإسالم رمحه هللا عن العهد بني املعلم وتلميذه: ]ولكن<br />
حيسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد هللا وميثاقه أن تُوايل من واَل هللا ورسوله، وتعادي من عادى هللا ورسوله، وتُعاون<br />
على الرب والتقوى وال تُعاون على الإُث والعدوان، وإذا كان احلق معي نصرت احلق، وإن كنت على ابطل مل تنصر<br />
075<br />
ج- 1<br />
9<br />
39 ص 16<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 7
الباطل، فمن التزم هلا كان من اجملاهدين يف سبيل هللا تعاىل، الذين يريدون أن يكون الدين كله هلل، وتكون كلمة<br />
1<br />
هللا هي العليا[ .<br />
وقد ذكرت كالمَه هذا من قبل يف )مشروعية العهد(، فراجعه هناك.<br />
وهنا فائدة لطيفة: وهي أن جواب شيخ الإسالم عن جواز العهد وحرمة االنتقال من معلم إَل غريه بال سبب، هو<br />
متعلق ابلتدريب العسكري، حيث أن السؤال كان عن معلم الرماية وتلميذه، وَرَدَ يف السؤال ]وإذا عَلممَ رجل رجال<br />
الرمي أو الطعن وغريها من آالت احلرب واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل وجحد تعليمه، وانتقل إَل غربه وانتمى إليه، هل<br />
َيُث بذلك أم ال؟ . 2 فأجاب رمحه هللا مبا سبق مُبَيِّنا ما جيوز وماال جيوز.<br />
وأورد شيخ اإلسالم رمحه هللا يف أكَر من موضع ما يدل على جواز العهود<br />
بني الناس على الطاعات، وبَنيم ما<br />
جيوز من الشروط يف هذه العهود. وقد ذكرتُ كالمَه يف هذا الشأن يف مسألة )فائدة العهد والغرض منه(، خاصة قوله<br />
]والذي يوجبه هللا على العبد قد يوجبه ابتداء، كإجيابه الإميان والتوحيد على كل أحد. وقد يوجبه، ألن العبد التزمه<br />
وأوجبه على نفسه، ولوال ذلك مل يوجبه، كالوفاء ابلنذر للمستحبات، ومبا التزمه يف العقود املباحة: كالبيع والنكاح<br />
والطالق، وحنو ذلك، إذ مل يكن واجبا. وقد يوجبه ألمرين، كمبايعة الرسول على السمع والطاعة له، وكذلك مبايعة<br />
أئمة املسلمني<br />
3<br />
وكتعاقد الناس على العمل مبا أمر هللا به ورسوله[ .<br />
فذكر رمحه هللا أن ]تعاقد الناس مبا أمر هللا به ورسوله[ جيب عليهم القيام به ألمرين: لوجوبه ابلشرع ابتداء ولوجوبه<br />
ابلتعاقد والتعاهد عليه. فأي كالم أوضح من هذا.<br />
4<br />
وذكر يف الشروط أن هذا الشرط ينطبق على )عقود املشايخ وعقود املتآخني( .<br />
عليه.<br />
سابعا: وما نقله مؤلف كتاب )البيعة( عن أيب نعيم يف )احللية( من رفض مطرف بن عبد هللا ملثل هذا الكالم الذي<br />
عرضوه عليه، فهذا الكالم الذي كتبوه ابطل وحَرِيٌّ به أن يُرفَض، فهو يشبه ما أنكره ابن تيمية رمحه هللا من التناصر<br />
حبق أو ابطل، فهم قالوا: )ومن كان معنا كنا وكنا، ومن خالفنا كانت يدان عليه( هذا ابطل، والصواب أن يقال: )ومن<br />
كان على احلق نصرانه، ومن خالف احلق كانت يدان عليه(. فشرطهم كان خمالفا للكتاب والسنة فال جيوز العهد<br />
أما أن يريد املؤلف االستدالل برفض مطرف هلذا العهد على بطالن مبدأ العهود بني الناس، فهذا ال يستقيم بعد ما<br />
ذكرته من أدلة يف )مشروعية العهد( من كتابٍ وسنةٍ وسرية الصحابة<br />
االستدالل به<br />
يف وجه هله األدلة؟<br />
فكيف ينته<br />
فعل أحد التابعني<br />
إن صح<br />
076<br />
- 1 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 21<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 7<br />
- 3 )جمموع الفتاوى( ج 28 ص 346 ،345<br />
35 ص 89 ج- 4<br />
وقد سبق
وإذا كان قول الصحايب ي ُرَدُّ إذا خالف الكتاب والسنة، فكيف بفعل أحد التابعني؟ ، 1 وقد ذكرت أن صيغة العهد<br />
اليت عُرِضَت على مطرف ابطلة، وميكن أن يؤول رفضه من هذا الوجه.<br />
ويك<strong>في</strong>نا أن مؤلف كتاب )البيعة( مل جيد دليال يعضد رأيه من القرآن أو السنة أو أقوال الصحابة وسريهتم، فلجأ إَل<br />
فعل ألحد التابعني حمُْتَمَلٍ للتأويل، ومل يكفه هذا فلجأ إَل التصرف يف كالم ابن تيمية رمحه هللا اب لف واإلضافة<br />
والكتمان لينصر رأيه.<br />
وال ينبغي ألحد أن يفهم من كالمي السابق أنين أنكر االستدالل أبقوال التابعني، بل أرى االستدالل هبا ما مل ختالف<br />
كتااب أو سنة أو قول صحايب أو اتبعي، فكيف وقول مطرف هنا خيالف األدلة اليت ذكرهتا يف )مشروعية العهد(؟<br />
هذا إذا محُ ل كالمه على إنكار العهود إبطالق.<br />
وعن األخذ أبقوال التابعني، قال ابن القيم: ]اختلف السلف يف ذلك، فمنهم من يقول: جيب اتِّباع التابعي <strong>في</strong>ما أفىت<br />
به ومل خيالفه <strong>في</strong>ه صحايب وال اتبعي، وهذا قول بعض احلنابلة والشافعية، وقد صرح الشافعي يف موضع أبنه قال تقليدا<br />
لعطاء، وهذا من كمال علمه وفقهه رمحه هللا، فإنه مل جيد يف املسألة غري قول عطاء، فكان قوله عنده أقوى ما وجد<br />
يف املسألة ]...... 2 .<br />
قلت: ويف مسألة االحتجاج بقول التابعي كالم آخر مثل العمل عند اختالف أقوال التابعني وكذلك إذا خالف قول<br />
التابعي القياس. فريُجع إَل كتب األصول يف هذا.<br />
وهناك كالم آخر ذكره مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة( يستوجب الرد عليه وبيان خطئه <strong>في</strong>ه، إال أنين سأعرض<br />
عنه لعدم تعلقه مبوضوعنا، ومن هذا قوله يف ص41 إن السلف يرفضون أي أمر ما مل يكن واردا بكي<strong>في</strong>ته يف الكتاب<br />
والسنة، وال شك أن هذا افرتاء على السلف، فجمهور السلف يعتربون الإمجاع والقياس بعد الكتاب والسنة، وقوله<br />
هذا )بكي<strong>في</strong>ته( مل يقل به غالة املذهب الظاهري الذي يعده كثري من السلف بدعة . 3 ومثل قوله إن البيعة تبطل إذا مل<br />
جيتمع أهل احلل والعقد ويعقدوا الإمامة ملن يستجمع شرائطها )ص22( وهذا الكالم يف تعميمه خطأ، إذ إن عقد أهل<br />
احلل والعقد هو أحد وسائل عقد الإمامة، وهناك العهد من اخلليفة السابق )االستخالف(، وهناك الغلبة واالستيالء<br />
ومَنْ تَغَلمب وتَسَمى أبمري املؤمنني ال حيل ألحد يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يَبِيتَ وال يراه أمريا للمؤمنني كما قال أمحد<br />
بن حنبل . 4<br />
هذا ما يتعلق ابلرد على شبهات مؤلف كتاب )البيعة بني السنة والبدعة(، وما رددت عليها إال لإزالة التلبيس الذي<br />
قد يُصاب به البعض بقراءة مثل هذه الكتاب، يف وقت حنن أحوج ما نكون <strong>في</strong>ه إىل تعاقد املسلمني وتعاهدهم<br />
- 1 )انظر حكم أقوال الصحابة، يف إعالم املوقعني البن القيم ج 4 ص 119 وما بعدها(<br />
077<br />
- 2 )إعالم املوقعني( ج 4 ص 156<br />
- 3 انظر االعتصام للشاطيب ط 1412 ه 171 / 1<br />
- 4 اآلحكام السلطانية أليب يعلى ص 23 21،
ابملواثيق املغلظة من أجل نصرة دين هللا وإنقاذ املستضعفني من الرجال والنساء والولدان، حىت ال تكون فتنة ويكون<br />
الدين كله هلل كما حيب ربنا ويرضى.<br />
الرد على شبهة أخرى:<br />
1<br />
ذكر الشيخ مقبل بن هادي الوادعي من أهل السنة ابليمن يف كتابه )املخرج من الفتنة( ، يف سياق نقده لنفس<br />
اجلماعة اليت تكلم عنها مؤلف كتاب )البيعة( قال الشيخ مقبل: ]أَتَصِحُّ البيعة جملهول ال يُدرى أصاحل أم طاحل، أعامل<br />
2<br />
أم جاهل، أقرشي أم غري قرشي، أشجاع أم جبان؟[ أ ه .<br />
قلت: فهل جيوز أن يبايع املسلم ألمري ال يعرف عينه وال امسه؟<br />
اجلواب: إن مؤل<strong>في</strong> األحكام السلطانية 3<br />
اتفقا على جواز هلا، وهو أنه ال يلزم أن يعرف كل مسلم الإمام بعينه<br />
وامسه، إال أهل احلل والعقد الذين تقوم هبم احلجة، أما ما يلزم الكافة فهو أن يعرفوا أن اخلالفة آلت إَل مستحقها.<br />
قال املاوردي: ])فصل( فإذا استقرت اخلالفة ملن تقلدها إما بعهد أو اختيار لزم كافة األمة أن يعرفوا إفضاء اخلالفة إَل<br />
مستحقها بصفاته، وال يلزم أن يعرفوه بعينه وامسه إال أهل االختيار الذين تقوم مب حجة وببيعتهم تنعقد اخلالفة.<br />
وقال سليمان بن جرير: واجب على الناس كلهم معرفة الإمام بعينه وامسه كما معرفة هللا ومعرفة رسوله. واللي عليه<br />
مجهور الناس أن معرفة اإلمام تلزم الكافة على اجلملة دون التفصيل، وليس على كل أحد أن يعرفه بعينه وامسه<br />
إال عند النوازل اليت حت ِوج إليه، كما أن معرفة القضاة الذين تنعقد هبم األحكام، والفقهاء الذين يفتون يف احلالل<br />
واحلرام تلزم العامة على اجلملة دون تفصيل إال عند النوازل احملوجة إليهم، ولو لزم كل واحد من األمة أن يعرف الإمام<br />
بعينه وامسه للزمت اهلجرة إليه وملا جاز ختلف األابعد وألفضى ذلك إَل خلو األوطان ولصار من العرف خارجا<br />
وابلفساد عائدا[<br />
4<br />
.<br />
وقال أبو يعلى: ]وال جيب على كافة الناس معرفة اإلمام بعينه وامسه، إال من هو من أهل االختيار الذين تقوم هبم<br />
احلجة وتنعقد هبم اخلالفة[ . 5<br />
قلت: ومن البيعات<br />
العباسيني، كما يلي:<br />
= 1<br />
اليت وقعت هبذه الكي<strong>في</strong>ة أذكر: بيعة عمر بن عبد العزيز وهو أحد الراشدين، وبيعة دعوة<br />
بيعة اخلالفة لعمر بن عبد العزيز اخلليفة الراشد: عَهِدَ اخلليفة عبد امللك بن مروان لبنيه ابخلالفة من بعده ، 1 فتوَل<br />
الوليد ُث سليمان، فلما حُضِرَ سليمان أشار عليه التابعي اجلليل رجاء بن حَيْوَة أبن ي َعْهَد إَل عمر بن عبد العزيز،<br />
078<br />
- 1 طبعة<br />
69 ص 1413ه<br />
- 2 وكرر هذا يف هامش ص 89<br />
- 3 املاوردي وأيب يعلى<br />
- 4 )األحكام السلطانية( للماوردي ص 15<br />
- 5 )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص 27
عمر<br />
قال السيوطي: ]قال رجاء تستخلف عمر بن عبد العزيز، قال سليمان أختوف إخوِت ال يرضون قال: ت ِ ُوَيلّ َ<br />
ومن بعده يزيدَ بن عبد امللك، وتكتب كتااب وختتم عليه وتدعوهم إَل بيعته خمتوما، قال: لقد رأيت[ ، 2 وقال ابن كثري<br />
إن سليمان كتب: ]بسم هللا الرمحن الرحيم، هذا كتاب من عبد هللا سليمان بن عبد امللك لعمر بن عبد العزيز، إين قد<br />
وَلميته اخلالفة من بعدي ومن بعده يزيد بن عبد امللك، فامسعوا له وأطيعوا، واتقوا هللا وال ختتلفوا <strong>في</strong>طمع <strong>في</strong>كم عدوكم.<br />
وختم الكتاب وأرسل إَل كعب بن حامد العبسي صاحب الشرطة، فقال له: أمجع أهل بييت فمرهم فليبايعوا على ما<br />
يف هذا الكتاب خمتوما، فمن أيب منهم ضرب عنقه. فاجتمعوا ودخل رجال منهم فسلموا على أمري املؤمنني، فقال هلم،<br />
هذا الكتاب عهدي إليكم، فامسعوا له وأطيعوا من وليت <strong>في</strong>ه، فبايعوا لذلك رجال، إَل أن قال ابن كثري قال رجاء<br />
بن حَيْوَة فَحَرمفته إَل القبلة فمات رمحه هللا،. فغطيته بقطيفة خضراء وأغلقت عليه وأرسلت إَل كعب بن حامد<br />
فجمع الناس يف مسجد دابق، فقلت: ابَيِعوا ملن يف هذا الكتاب، فقالوا قد ابيعنا، فقلت: ابيعوا َثنية، ففعلوا، ُث<br />
3<br />
قلت قوموا إَل صاحبكم فقد مات، وقرأت الكتاب عليهم[ .<br />
4<br />
ورجاء بن حَيْوَة الذي أشار بذلك على سليمان بن عبد امللك، هو اتبعي جليل . وقال ابن كثري: ]وهو اتبعي جليل،<br />
كبري القدر، ثقة فاضل عادل، وزير صدق خللفاء بين أمية، وكان مكحول إذا سئل يقول: سلوا شيخنا وسيدان رجاء<br />
5<br />
بن حَيْوَة، وقد أثىن عليه غري واحد من األئمة ووثقوه يف الرواية[ .<br />
= 2<br />
بيعة الدعوة إَل إقامة دولة العباسيني:<br />
ابتدأ هذه الدعوة حممد بن علي بن عبد هللا بن عباس، كما ذكرت من قبل، ودعوا الناس إَل بيعتهم، وكانت البيعة<br />
للرضى من آل حممد صلى هللا عليه وسلم، هكذا دون حتديد لشخصية أمري هذه الدعوة، وكان هذا متعمدا، حلرص<br />
العباسيني على كسب شيعة العلويني إَل دعوهتم، وآل حممد صلى هللا عليه وسلم<br />
تشتمل العلويني والعباسيني، فاملبايع<br />
له يف هذه الدعوة هو شخ جمهول ابلنسبة ألغلبية من ابيع ابستثناء النقباء وكبار الدعاة الذين كانوا يعرفون<br />
صاحب الدعوة ابمسه وعينه<br />
حممد صلى هللا عليه وسلم<br />
6<br />
. وقال السيوطي: ]بعث حممدٌ رجال إَل خراسان وأمره أن يدعو إَل الرضى من آل<br />
7<br />
وال يسمي أحدا، ُث وجه أاب مسلم اخلراساين وغريه، وكتب إَل النقباء فقبلوا كتبه[ .<br />
قلت: فهذا هو ما تيسر لنا من القول يف مسألة هل جتوز البيعة جملهول؟ والذي يظهر من النقول السابقة أن هذا جائز<br />
طاملا كان أهل احلل والعقد يعرفون املبايع له. وهللا أعلم.<br />
079<br />
- 1 )البداية والنهاية( 57 / 8<br />
- 2 )اتريخ اخللفاء( للسيوطي ص 226<br />
- 3 )البداية والنهاية( ج 8 ص 192<br />
- 4 انظر اجلرح والتعديل البن أيب حامت ج 3 ص 511<br />
42<br />
- 5 )البداية والنهاية( ج 8 ص 314<br />
- 6 انظر )البداية والنهاية( ج 8 ص ،321 ج 11 ص 38 ،31 ،31 ،25 ،5<br />
- 7 )اتريخ اخللفاء( ص 257
كذلك فقد أورد الشيخ مقبل كالما مفاده النهي عن االنضمام إَل اجلماعات الإسالمية قال يف نفس الكتاب: ]هل<br />
بيعتهم الزمة؟ فاجلواب: أهنا ليست الزمة ألنه يشرتط يف الإمام أن يكون قرشيا متمكنا، وكثريا ما يدندنون حبديث<br />
»من مات وليس يف عنقه بيعة مات ميتة جاهلية«<br />
هذا إذا وجد إمام، إما إذا مل يوجد إمام وال مجاعة ترتضى،<br />
فالرسول صلى هللا عليه وسلم يقول يف حديث حذيفة: »فإن مل يكن هلم إمام وال مجاعة فاعتزل تلك الفرق كلها«[ إ<br />
1<br />
ه ، وكرر االستدالل حبديث حذيفة يف ص 89 من نفس الكتاب.<br />
واجلواب عن هذا: هو أنين فرقت من قبل بني إمام املسلمني وبيعات الطاعات بني املسلمني، أما عن استدالله حبديث<br />
حذيفة فهو مُعْرتَ ض حبديث الطائفة املنصورة وقد فصلت هذا من قبل، وأن هذه الطائفة هم أهل العلم واجلهاد وأن<br />
الإمارة من صفات هذه الطائفة حلديث جابر بن عبد هللا عند مسلم وقد سبق، وأن هذه الطائفة ال خيلو منها زمان<br />
حىت يقاتل آخرهم املسيح الدجال، ولذلك فال يصح حصر الطائفة من أهل العلم فقط، كما استدركه النووي على<br />
أقوال البخاري وأمحد بن حنبل وغريهم رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
ُث إن الشيخ نقض كالمه بنفسه يف أكثر من موضع، فقال يف كالمه السابق )وال مجاعة ترتضى( وهذا معناه أن<br />
االعتزال الوارد يف حديث حذيفة مقيد بوجود مثل هذه اجلماعة املرضية وهذا يتفق مع حديث الطائفة املنصورة كما<br />
فصلته من قبل.<br />
وقال الشيخ مقبل أيضا: يف جوابه ملن سأله عن مبايعة اجلماعات، قال: ]أما على السمع والطاعة فال، وأما أن<br />
تعاهدهم ويعاهدوك على الدعوة إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم فال أرى مانعا[<br />
2<br />
، وهذه املعاهدة<br />
على الطاعات اليت أقرها تنقض استدالله حبديث حذيفة، إذن فاالعتزال املأمور به ليس على إطالقه بل مقيد، وأنه<br />
مىت وجد املسلم طائفة على احلق فعليه أن يلتزمها ويشد أزرها. أما إنكاره للسمع والطاعة فلم يسق له دليال، خالفا<br />
ملا نصح به املسلمني يف آخر كتابه حيث قال: ]5<br />
3<br />
صلى هللا عليه وسلم ] .<br />
كذلك فقد نصح الشيخ مقبل املسلمني ابجلهاد يف سبيل هللا<br />
أن تلزم نفسك أال تعمل إال بدليل من كتاب هللا وسنة رسوله<br />
4<br />
، فنسأله هل جيوز أن يقوم اجلهاد بدون إمارة، وهل<br />
تكون الإمارة بدون السمع والطاعة؟ وقد فصلت هذه املسألة يف الباب الثالث اخلاص ابلإمارة من هذه الرسالة.<br />
وقال الشيخ كالما متناقضا، مثل قوله: ]وإين ال أرى لطالب العلم أن يرتبط أبي مجاعة أما الدعوة إَل الكتاب والسنة<br />
1<br />
<strong>في</strong>عترب نفسه فردا من أفراد كل مجاعة تدعو إَل كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم[ ، وال خيفى ما يف هذا<br />
الكالم من التضارب، فهو قد هنى طالب العلم أن يكون يف مجاعة ُث نصحه أبن يكون يف كل مجاعة.<br />
081<br />
- 1 الصفحة 69<br />
2 الصفحة 69<br />
- 3 الصفحة 89 من نفس الكتاب<br />
- 4 الصفحة 89 من نفس الكتاب
وقال أيضا إنه وإخوانه من أهل العلم مسَُّوا أنفسهم أهل السنة ليتميزوا عن غريهم، ُث صرح أبهنم مجاعة، قال: ]أما أهل<br />
السنة فإهنم ألزموا أنفسهم ابلعمل بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل قوله وليس هلم رئيس، فهم يقولون<br />
رئيسنا رئيس الدولة مهما كان مسلما وليس هلم أمري ولكنهم يقولون: سنتشاور يف تسيري الدعوة ونتطاوع وال<br />
نتخالف[<br />
2<br />
، وال خيفى التضارب بني قوله )رئيسنا...( وقوله )وليس هلم أمري(، وال خيفى كذلك التضارب بني قوله<br />
)رئيسنا رئيس الدولة( مع نصحه للسائل أال يعاهد أحدا على السمع والطاعة، إذ إن قبوله ملبدأ الرايسة على نفسه<br />
وعلى من معه هو إقرار ابلسمع والطاعة هلذا الرئيس، وال خيفى التضارب بني قوله )رئيسنا رئيس الدولة( وقوله )إنه<br />
يشرتط يف الإمام أن يكون قرشيا متمكنا(. وال ننكر فضله وجهده يف نشر السنة.<br />
وهذا ما تيسر من الكتابة يف مسألة العهود بني املسلمني على الطاعات أدرجتها يف فصل )قسم معسكر التدريب(<br />
لبيان مشروعية هذا وما يتعلق به من أمور.<br />
- 1 الصفحة 68 من نفس الكتاب<br />
- 2 الصفحة 71 من نفس الكتاب<br />
080
الرابع من واجبات األمير:<br />
تأمير أمراء المجموعات واألعمال<br />
على أمري معسكر التدريب أن ينصب املسؤولني عن األعمال املختلفة ابملعسكر سواء األعمال الإدارية أو العسكرية<br />
أو الشرعية، وكذلك أمراء جمموعات التدريب، وعليه أن يوصي أتباعه بطاعة من والهم.<br />
وهنا عدة مسائل ينبغي التنبيه عليها يف هذا الشأن:<br />
أوال: تأمير أمراء مجموعات التدريب )العرفاء(<br />
إذا كان عدد الطالب مبعسكر التدريب كثريا. ويؤمر على كل جمموعة عرفا من أفضلهم وأكثرهم خربة وذلك ألن<br />
األمري ال ميكنه أن يتابع الطالب فردا فردا بنفسه فالبد من أن ينوب عنه من يتابع تدريبات الطالب وهم عرفاء<br />
اجملموعات.<br />
ويستدل هلذا:<br />
بقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
1<br />
»ارْجِ عُوا حَىتم ي َرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُ ْم« ، وقال ابن حجر: ]قال ابن بطال:<br />
يف احلديث مشروعية إقامة العرفاء، ألن الإمام ال ميكنه أن يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه<br />
ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه، وقال: واألمر والنهي إذا توجه إَل اجلميع يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط، فإذا أقام<br />
على كل قوم عريفا مل يسع كل أحد إال القيام مبا أُمِرَ به[<br />
2<br />
.<br />
. 4<br />
ويراعى عند تقسيم الطالب إَل جمموعات أن جيمع املتقاربني مع بعضهم، كأهل البلد الواحد أو القبيلة الواحدة أو<br />
اللغة الواحدة وما شابه ذلك، فالسنة أن يقاتل الرجل مع قومه، قال اهليثمي يف جممع الزوائد: [ )اب قتال الرجل<br />
حتت راية قومه( عن املخارق قال لقيت عمارًا يوم اجلمل يبول يف قرن، فقلتُ أقاتلُ معك، فقال قاتِل حتت راية<br />
قومك فإن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتِل حتت راية قومه . 3 ومن هذا ما ذكره ابن<br />
كثري يف كالمه عن وقعة شقحب )712ه ) بني املسلمني والترت، حيث طلب السلطان من ابن تيمية رمحه هللا أن يقف<br />
معه يف املعركة، فقال له ابن تيمية ]السنة أن يقف الرجل حتت راية قومه، وحنن من جيش الشام ال نقف إال معهم[<br />
- 1 رواه البخاري وذلك بشأن سيب هوزان<br />
082<br />
- 2 )فتح الباري( ج 13 ص 168<br />
- 3<br />
رواه أمحد وإسناده منقطع وأبو يعلى والبزار والطرباين و<strong>في</strong>ه إسحاق بن أيب إسحاق الشيباين روى عنه مجاعة ومل يضعفه أحد، وبقية رجال أحد<br />
أسانيد الطرباين ثقات )جممع الزوائد( ج<br />
5 ص 328<br />
- 4 )البداية والنهاية( ج 14 ص 26
ر-<br />
ثانيا: نصب والة األعمال:<br />
بعد نصب العرفاء يلزم األمري نصب الوالة على األعمال املختلفة ابملعسكر، وهذه ختتلف حسب عدد األفراد ومدة<br />
التدريب، وميكن أن يتوَل فرد واحد عدة أعمال. وأهم هذه األعمال: األعمال الدينية واألعمال الفنية واألعمال<br />
الإدارية.<br />
ثالثا: تأمير العرفاء والوالة من حق األمير:<br />
أنبه على هذا حىت ال ينازعه أحد يف اختيار الوالة، وذلك ألن األمري غالبا ما يكون أعلم بكفاءات أتباعه وقدراهتم،<br />
وعليه أن يستشري من معه، للكل حق إبداء النصح. ودليل قولنا هذا هو:<br />
= 1<br />
حديث أيب ذر قال: قلت: اي رسول هللا أ ال ت سْتد عْمِلُِين؟ قال صلى هللا عليه وسلم : »إِنمكَ ضَعِيفٌ وَإِهنمَا أَمَانَةُ<br />
وَإِهنمَا ي َوْمَ الْقِيَامَةِ خِ زْيٌ وَنَدَامَةٌ إِال مَنْ أَخَذَهَا حبَِقِّهَا وَأَدمى المذِي عَلَيْهِ فِيهَا«<br />
1<br />
.<br />
= 2<br />
عن أسيد بن حضري<br />
<br />
قال: أن رجال أتى النيب صلى هللا عليه وسلم فقال: اي رسول هللا استعملت فالان ومل<br />
تستعملين؟ قال صلى هللا عليه وسلم : »إِنمكُم سَتَلْقَوْنَ ب َعْدِي أُثْرَةً فَاصْربُِوا حَىتم تَلْقَوِْين«<br />
2<br />
.<br />
فدلت األحاديث على أن استعمال العمال والوالة من حق الإمام، واألدلة كثرية يف هذا ومع ذلك فللرعية إبداء<br />
النصح يف هذا الشأن، وإن مل تكن هلم سلطة التأمري، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد هللا بن الزبري قال: »قدم<br />
ركب من بين متيم على النيب صلى هللا عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أَمِّر األقرع بن<br />
حابس«<br />
3<br />
.<br />
= 1<br />
رابعا: على األمير اختيار أصلح الموجودين للعمل.<br />
لقوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ تُؤَدُّوا األَمَانَا ِت إِلَى أَهْلِهَا{ . 4 قال ابن تيمية: ]قال العلماء: نزلت يف والة<br />
األمور عليهم أن يؤدوا األماانت إَل أهلها إَل قوله أما أداء األماانت ف<strong>في</strong>ه نوعان: أحدمها الوالايت، وهو كان<br />
سبب نزول اآلية فإن النيب صلى هللا عليه وسلم ملا فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بين شيبة، طلبها منه العباس.<br />
ليجمع له بني سقاية احلاج وسدانة البيت، فأنزل هللا هذه اآلية، فدفع مفاتيح الكعبة إَل بين شيبة <strong>في</strong>جب على من<br />
ويل األمر أن يويل على كل عمل من أعمال املسلمني أصلح من جيده لللك، قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »من<br />
ويل من أمر املسلمني شيئا فوَلم رجال وهو جيد من هو أصلح للمسلمني منه فقد خان هللا ورسوله«، ويف رواة: »من<br />
وَلم رجال على عصابة، وهو جيد يف تلك العصابة من هو أرضى هلل منه، فقد خان هللا ورسوله وخان املؤمنني«[<br />
. 5<br />
083<br />
- 1 رواه مسلم<br />
واه البخاري 2<br />
- 3 احلديث 4947<br />
- 4 النساء، اآلية: 59<br />
- 5 رواه احلاكم يف صحيحه، وروى بعضهم أنه من قول عمر. أ ه من )رسالة السياسة الشرعية( )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 245<br />
247
= 2<br />
روى البخاري يف صحيحه عن أيب هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »إِذَا ضُيِّعَتِ األَْمَانَةُ فَانْتَظِرِ<br />
السماعَةَ« قِيلَ وَكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَاَل صلى هللا عليه وسلم : إِذَا وُسِّ دَ األَْمْرُ إَِلَ غَريِْ أَهْلِهِ«. فدل هذا احلديث،<br />
واآلية قبله، على أن الوالايت أماانت جيب أن توكل إَل أهلها.<br />
«<br />
= 3<br />
وقال تعاَل: }إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْ تَ الْقَوِيُّ األَمِينُ{ . 1 وهذه اآلية ترشد إَل أهم صفات الوالة وهي القوة<br />
على العمل املوكل إليه، واألمانة يف أداء هذا العمل كامال غري منقوص. قال ابن تيمية: ]فإن الوالية هلا ركنان: القوة<br />
واألمانة لآلية السابقة[<br />
2<br />
. والقوة ختتلف حبسب نوع الوالية، ف<strong>في</strong> احلرب هي الشجاعة واخلربة واخلِداع ويف القضاء<br />
هي العلم والعدل. أما األمانة فهي خشية هللا وأداء حقوق الناس. ومع ذلك فقد قال ابن تيمية رمحه هللا: ]اجتماع<br />
القوة واألمانة يف الناس قليل، وهلذا كان عمر بن اخلطاب<br />
<br />
يقول: اللهم أشكو إليك جَلَد الكافر، وعجز الثقة،<br />
فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها. فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة، قُدِم أنفعهما لتلك<br />
الوالية:<br />
3<br />
وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها[ .<br />
)فصل( وإذا مل تكتمل الكفاءة املطلوبة لعمل ما يف أحد املوجودين، خيتار األمري أصلحهم هلذا العمل. قال ابن تيمية<br />
رمحه هللا: ]ومع أنه<br />
جيوز تولية غري األهل للضرورة إذا كان أصلح املوجود، <strong>في</strong>جب مع ذلك السعي يف إصالح<br />
4<br />
األحوال حىت يكتمل للناس ما البد هلم منه من أمور الوالايت والإمارات وحنوها[ .<br />
قلت: ودليل القول السابق واضح، وهو قول هللا تعاَل: }فَاتَّقُوا ّللاَّ َ مَا اسْتَطَعْتُ ْم{ وقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
5<br />
»وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأتوا مِنْهُ م ا اسْت ط عْتُ ْم« . وقول ابن تيمية: ]<strong>في</strong>جب مع ذلك السعي يف إصالح احلال ...[ هذا من<br />
ابب وجوب القيام بفروض الكفاية اليت البد منها لألمة.<br />
قلت: واملسلمون اليوم بعيدون عن<br />
ممارسة القيادة والعمل اجلماعي على أسس شرعية صحيحة، وذلك لذهاب دولة<br />
الإسالم والقعود عن أداء فريضة اجلهاد، فلتكن ميادين التدريب واجلهاد املتاحة اليوم ساحة ملمارسة القيادة والعمل<br />
اجلماعي عمليا،<br />
واملمارسة تُكْسِ ب افربة وتدُب نيِ نواحي القصور، وهذه تُسد وتُستكمل أوال أبول، حىت يصل<br />
املسلمون بذاك إَل أرقى درجات الكفاية واألداء يف هذا اجملال، وهلا واجب. وإذا حدثت أخطاء وظهر قصور أثناء<br />
املمارسة فال ينبغي أن يكون هذا مثبطا عن االستمرار، فإنه قد رُوِيَ »ال حليم إال ذو عثرة وال حكيم إال ذو جتربة«،<br />
بل ينبغي أن يكون هذا حافزا على السعي يف إصالح األحوال، كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »فسددوا<br />
084<br />
- 1 القص ، اآلية: 26<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 253<br />
- 3 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 254<br />
- 4 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 258<br />
5 متفق عليه عن أيب هريرة.
وقاربوا وأبشروا« ، 1 أي الزموا السداد، فإن مل تستطيعوا فقاربوه أي اقرتبوا من السداد، وأبشروا مع ذلك. وقد حدثت<br />
أخطاء من الصحابة يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم، وكان مع ذلك دائم التوجيه والإصالح هلم صلى هللا عليه<br />
وسلم، ومن ذلك ما صنع خالد مع بين جذمية، وأَمْر عبد هللا بن حذافة أصحابه بدخول النار، فال ينبغي أن يكون<br />
افطأ مَبطا عن العمل بل حافزا لإلصالح.<br />
خامسا: يجوز تولية المفضول مع وجود األفضل لجلب منفعة أو لدفع<br />
مفسدة.<br />
املقصود ابألفضل أي يف العلم والإميان واملنزلة الدينية وذلك حبسب احلكم على الظاهر قال تعاَل: }إِنَّ أَكْرَ مَكُمْ عِنْ َد<br />
3<br />
2<br />
َّللاَّ ِ أَتْقَاكُمْ{ ، وسُئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : من أكرم الناس؟ قال: »أتقاكم« . وهذا خالفا لإمام احلرمني<br />
اجلويين الذي اعترب األفضل ]عَنَيْنَا به األصلح للقيام على اخللق مبا يستصلحهم وهذا تنبيه على معىن التفضيل[<br />
. 4<br />
<strong>في</strong>نبغي التفريق بني األفضل واألصلح، وليس األفضل هو األصلح دائما، فقد يكون أفضل الناس هو األصلح كما<br />
كان اخللفاء الراشدون األربعة، وقد يكون الرجل فاضال وال يصلح للوالية كأيب ذر<br />
،<br />
قال ابن تيمية: ]وكان أبو ذر<br />
، أصلح منه أي من خالد بن الوليد يف األمانة والصدق، ومع هذا فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : »اي أاب ذر<br />
5<br />
إين أراك ضعيفا، وإين أحب لك ما أحب لنفسي، ال أتََمرن على اثنني وال تَوَلمني مال يتيم« . هنى أاب ذر عن الإمارة<br />
والوالية، ألنه رآه ضعيفا، مع أنه قد رُوِيَ )ما أظلت اخلضراء وال أقلت الغرباء أصدق هلجة من أيب ذر([ . 6<br />
ومجهور العلماء على أنه جتوز تولية املفضول مع وجود الفاضل إما جللب منفعة أو لدفع مفسدة، وهذا الكالم ينطبق<br />
على الإمامة الكربى وعلى سائر الوالايت.<br />
قال القاضي أبو يعلى: ]فإن كان أفضل اجلماعة ممن مجعوا شروط الإمامة فبايعوه ُث حَدَثَ من هو أفضل منه مل<br />
جيز العدول عنه إَل من هو أفضل منه. ويف االبتداء لو عدلوا عن األفضل لغري علر مل جيز، وإن كان لعلر من كون<br />
األفضل غائبا أو مريضا أو كان املفضول أطوع يف الناس جَازَ[<br />
. 9 السلطانية<br />
، 7 وقال املاوردي كالما قريبا من هذا يف أحكامه<br />
085<br />
- 1 رواه البخاري<br />
- 2 احلجرات، اآلية: 13<br />
- 3 متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 4 )الغياثي( ط 2 ص 165 حتقيق د / عبد العظيم الديب<br />
- 5 رواه مسلم<br />
- 6 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 256، واحلديث األخري رواه الرتمذي وحسنه برقم 3916كتاب املناقب.<br />
- 7 )األحكام السلطانية( ص 33<br />
- 9 الصفحة 9
وقال اجلويين: ]فلو فرضنا مستجمعا للشرائط أي شرائط الإمامة ابلغا يف الورع الغاية القصوى، وقدران آخر أكفأ<br />
منه، وأهدى إَل طرق السياسة والرايسة، وإن مل يكن يف الورع مثله، فاألكفأ أوىل ابلتقدم[<br />
مما سبق يتبين لنا أنه يجوز تولية المفضول ألسباب:<br />
األول: غيا الفاضل، ويف معناه أسْرَه، أو مرضه مبا يقعده عن القيام ابألعباء.<br />
. 1<br />
الَاين: جلب املنفعة، ككون املفضول أصلح للوالية أو أمجع لقلوب الناس، ويف هذا قال ابن حجر: ]والذي يظهر<br />
من سرية عمر يف أُمَرَائِه الذين كان<br />
.<br />
3<br />
يُؤمِّرهم يف البالد أنه كان ال يراعي األفضل يف الدين فقط، بل يضم إليه مزيد<br />
املعرفة ابلسياسة مع اجتناب ما خيالف الشرع منها، فألجل هذا استخلف معاوية واملغرية بن شعبة وعمرو بن العاص<br />
مع وجود من هو أفضل منهم يف أمر الدين والعلم كأيب الدرداء ابلشام، وابن مسعود ابلكوفة[<br />
2<br />
، وقال ابن تيمية:<br />
]فالواجب يف كل والية األصلح حبسبها، فإذا تعني رجالن أحدمها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة: قُدِّم أنفعهما لتلك<br />
الوالية، وأقلهما ضررا <strong>في</strong>ها، <strong>في</strong>ُقَدم يف إمارة احلروب الرجل القوي الشجاع وإن كان <strong>في</strong>ه فجور على الرجل الضعيف<br />
العاجز وإن كان أمينا، كما سئل الإمام أمحد: عن رجلني يكوانن أمريين يف الغزو، وأحدمها قوي فاجر واآلخر صاحل<br />
ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أما الفاجر القوي فقوته للمسلمني وفجوره على نفسه، وأما الصاحل الضعيف<br />
فصالحه لنفسه وضعفه على املسلمني، <strong>في</strong>غزى مع القوي الفاجر، وقد قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »إن هللا يؤيد<br />
هذا الدين ابلرجل الفاجر« ورُوِيَ »أبقوام ال خالق هلم«. وإن مل يكن فاجرا كان أوَل إبمارة احلرب ممن هو أصلح منه<br />
يف الدين إذا مل يَسُد مَسَدمه[<br />
الَالث:<br />
دفع املفسدة ودرء الفتنة، ككون املفضول حازما يف سياسة القوم وإقامة احلدود وغريها، ويف هذا يقول<br />
القرطيب: ]جيوز نصب املفضول مع وجود الفاضل خوف الفتنة وأال يستقيم أمر األمة، وذلك أن الإمام إَّنا نصب<br />
لدفع العدو ومحاية البَيْضة وسد اخللل واستخراج احلقوق وإقامة احلدود وجباية األموال لبيت املال وقسمتها على<br />
أهلها. فإذا خيف إبقامة األفضل اهلرج والفساد وتعطيل األمور اليت ألجلها ي ُنْصَب الإمام كان ذلك علرا ظاهرا يف<br />
العدول عن الفاضل إىل املفضول، ويدل على ذلك أيضا عِلْمُ عمر وسائر األمة وقت الشورى أبن الستة <strong>في</strong>هم فاضل<br />
ومفضول، وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدى املصلحة إَل ذلك واجتمعت كلمتهم عليه من غري إنكار أحد<br />
عليهم، وهللا أعلم[<br />
. 4<br />
ومن أمثلة تولية املفضول لِدَرْءِ الفتنة عزل عمر بن اخلطاب لسعد بن أيب وقاص من إمارة الكوفة وتولية غريه عليها،<br />
مع كون سعد من العشرة املبشرين ابجلنة ومن أصحاب الشورى الذين استخلفهم عمر، وقال عمر عنه: )فإين مل أعزله<br />
086<br />
- 1 )الغياثي( ص 191<br />
- 2 )فتح الباري( ج 13 ص 189<br />
- 3 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 255<br />
- 4 تفسري القرطيب ج 1 ص 221
عن عجز وال خيانة( فتبني أنه ما عزله إال لِدَرْءِ الفتنة لَما اشتكاه أهل الكوفة. ومن أمثلة ذلك أيضا عزل عمر بن<br />
اخلطاب خلالد بن الوليد من إمارة اجليوش خشية أن ي ُفْنتَ الناس به وينسبوا الظفر إليه قال ابن كثري: ]كتب عمر إَل<br />
أهل األمصار: إين مل أعزل خالدا<br />
1<br />
الصانع[ .<br />
أ<br />
عن سخطة وال خيانة، ولكن الناس فُتِنُوا به، فأحببت أن يعلموا أن هللا هو<br />
فهذه هي أهم األسباب اليت جتَُوِّز تولية املفضول بال خالف بني العلماء. ولكن إذا مل تكن هله األعلار قائمة فهل<br />
جيوز تولية املفضول؟ <strong>في</strong>ها خالف:<br />
فقال اجلويين: ]إالم أَمان نقطع بتحرمي تقدمي املفضول مع التمكن من تقدمي الفاضل[<br />
األكَر من الفقهاء واملتكلمني جتوز<br />
-<br />
2<br />
. إال أن املاوردي قال: ]وقال<br />
إمامته وصحت بيعته وال يكون وجود األفضل مانعا من إمامة املفضول إذا مل<br />
يكن مقصرا عن شروط الإمامة، كما جيوز يف والية القضاء تقليد املفضول مع وجود الفاضل، أن زايدة الفضل مبالغة<br />
يف االختيار وليست معتربة يف شروط االستحقاق[<br />
. 3 قلت: وما قاله املاوردي من أن أكثر الفقهاء على جواز<br />
وصحة والية املفضول ما مل يكن مقصرا عن شروط الإمامة، ذكره ابن حجر عند كالمه عن تنازل احلسن بن علي عن<br />
اخلالفة ملعاوية قال: ]و<strong>في</strong>ه والية املفضول اخلالفة مع وجود األفضل، ألن احلسن ومعاوية وَيلِ َ كل منهما اخلالفة وسعد<br />
بن أيب وقاص وسعيد بن زيد يف احلياة ومها بدراين قاله ابن التني[<br />
فهذا ما تيسر يف مسألة تولية املفضول والغرض من ذكرها هو:<br />
رفع<br />
4<br />
، وسعد وسعيد كالمها من العشرة املبشرين ابجلنة.<br />
ا رج عن األمري: فقد يتحرج من تولية املفضول األصلح للعمل على األفضل دينا وورعا. فبَيمنَا له جواز<br />
ذلك، بل قد جيب عليه ذلك.<br />
-<br />
دفع الشحناء بني اإلخوة: حىت ال يقول الفاضل ملاذا اختار األمري فالان املفضول وتركين وأان خري منه؟ <strong>في</strong>علم<br />
5<br />
أن هذا هو حكم الشريعة. وقال هللا تعاَل: }قَال تُزَ كُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى{ . وينبغي للفاضل أن يتقي هللا<br />
ويطيع املفضول طاملا كان املفضول أكفأ ملصاحل هذه الوالية، وُث اختياره بواسطة األمري.<br />
سادسا: وعلى األمير أال يولي من يحرص على اإلمارة والوالية<br />
وذلك حلديث أيب موسى األشعري قال: دخلت على النيب صلى هللا عليه وسلم أان ورجالن من بين عمى، فقال<br />
أحدمها اي رسول هللا أَمِّران على بعض ما والك هللا عز وجل، وقال اآلخر مثل ذلك، فقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
« 1 انإ<br />
087<br />
-<br />
)البداية والنهاية( ج<br />
7 ص 91<br />
- 2 )الغياثي( ص 168<br />
- 3 )األحكام السلطانية( ص 9<br />
- 4 )فتح الباري( ج 13 ص 67<br />
- 5 سورة النجم، اآلية:<br />
32
وهللا ال نويل هلا العمل أحدا يسأله أو أحدا حرص عليه«<br />
. 1 وورد هذا<br />
احلديث عند الإمام أمحد و<strong>في</strong>ه:<br />
« نإ<br />
أ خْو ن كم عندان من يطلبه، فلم ي سْت عِن هبما يف شيء حىت مات صلى هللا عليه وسلم «. فدلت رواية أمحد هذه على<br />
أن احلكمة يف منع تولية احلري<br />
يكون حمروما من التو<strong>في</strong>ق والإعانة الإهلية حلديث عبد الرمحن بن مسَُرَة<br />
<br />
أنه متهما ابلغرض الدنيوي من طَلَب العُلُوّ واملال هبذه الوالية، وأهم من ذلك أنه<br />
قال: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »اي<br />
عبد الرمحن بن مسرة ال تسأل الإمارة، فإنك إن أُعْطِيتها عن غري مسألة أُعِنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت<br />
2<br />
إليها« . ومعىن »وكلت إليها«<br />
أي حرمت من العناية الإهلية وهذا هو اخلسران له وملن أتمر عليهم، فإن من دعاء<br />
املؤمن )اللهم رمحتك أرجو فال تكلين إَل نفسي طرفة عني(، ومعىن »أُعِنت عليها« ورد تفسري ذلك يف حديث أنس<br />
مرفوعا »من سأل القضاء وُكِلَ إَل نفسه، ومن جُربَِ عليه، ينزل عليه ملكا يسدده«<br />
واحلرص على<br />
3<br />
.<br />
الرايسة والوالية هو شأن معظم الناس، كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم: »إنكم ستحرصون على<br />
4<br />
الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة« .<br />
قال ابن حجر: ]قال املهلب: احلرص على الوالية هو السبب يف اقتتال الناس عليها حىت سُفِكَت الدماء واستُبيحت<br />
األموال والفروج وعظم الفساد يف األرض بذلك، ووجه الندم أي يف حديث »وستكون ندامة«<br />
أنه قد يُقتل أو يُعزل<br />
أو ميوت <strong>في</strong>ندم على الدخول <strong>في</strong>ها ألنه يُطالب ابلتبعات اليت ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه مبفارقته، قال: ويستَىن<br />
من ذلك من تد ع ني عليه كأن ميوت الوايل وال يوجد بعده من يقوم ابألمر<br />
غريه، وإذا مل يدخل يف ذلك حيصل<br />
الفساد بضياع األحوال ُث قال ابن حجر إن من قام ابملر عند خشية الضياع يكون كمن أُعْطِيَ بغري سؤال لفقد<br />
5<br />
احلرص غالبا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر احلرص يف حق من تعني عليه لكونه يصري واجبا عليه[ .<br />
تنبيه:<br />
قد ي ُعْرتَ ض على أحاديث النهي عن طلب الإمارة بقول يوسف عليه السالم }اجْعَلْنِي عَلَى خَزَ ائِنِ األَرْ ضِ إِن ِي<br />
حَفِيظٌ عَلِيمٌ{ ، 6 واجلواب من عدة أوجه:<br />
= 0<br />
يوسف<br />
افصوصية: أن طلب الوالية خاص ابألنبياء ألمنهم من الزلل، للعصمة وهذا ينت<strong>في</strong> يف حق غريهم، ومثل طلب<br />
دعاء سليمان<br />
<br />
}قَالَ رَ ب ِ<br />
7<br />
اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْك ًا ال يَنْبَغِي ألَحَدٍ مِنْ بَعْدِي{ .<br />
088<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 رواه اخلمسة إال النسائي<br />
- 4 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
- 5 )فتح الباري( ج 13 ص 126<br />
- 6 سورة يوسف، اآلية:<br />
55<br />
- 7 سورة ص ، اآلية: 35
التد ع نيُّ = 2<br />
: أن يوسف <br />
إَّنا طلب الوالية ألنه أعلم أنه ال أحد يقوم مقامه يف العدل والإصالح وتوصيل الفقراء<br />
إَل حقوقهم فرأى أن ذلك فرض متعني عليه، فإنه مل يكن هناك غريه، وهكذا احلكم اليوم، فأما لو كان هناك من<br />
يقوم هبا ويصلح هلا وعلم بذلك فاألَوَْل أال يطلب حلديث عبد الرمحن بن مسرة السابق، وهذا التأويل جيمع بني الن<br />
الوارد يف النهي وبني اآلية وذكر املهلب كما نقلته عنه ابن حجر ووافقه أن من تَعَنيم عليه املر يُستثىن من أحاديث<br />
النهي عن طلب الوالية. وعلى هذا تكون اآلية خمصصة لعموم النهي عن طلب الوالية يف احلديث.<br />
= 3<br />
السابقة.<br />
النسخ: أبن يقال إن طلب يوسف كان جائز يف شرع من قبلنا، لكنه منسوخ يف شرعنا أبحاديث النهي<br />
1<br />
والوجه الثاين: وهو جواز طلب الوالية ملن يَتعنيم عليه ذلك هو الذي رجحه القرطيب .<br />
قلت: فالعجب أن قوما ال يتبعون األمري وال يطيعونه إال على شرط أن يوليهم أو على قدر من املال أو املتاع، ومع<br />
النهي الوارد عن تولية مثل هذا، قد ورد الوعيد الشديد لفاعله حيث قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ثَالثَةٌ ال<br />
يُكَلِّمُهُمُ اَّللمُ ي َوْمَ الْقِيَامَةِ وَال ي ُزَكِّيهِمْ وَهلَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ ابِلطمرِيقِ ميَْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السمبِيلِ وَرَ ُجلٌ ابَيَعَ إِمَامًا<br />
ال ي ُبَايِعُهُ إِالم لِدُنْيَا إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَىفَ لَهُ وَإِالم ملَْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ ي ُبَايِ عُ رَجُال بِسِ لْعَةٍ ب َعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ ابَِّللمِ لَقَدْ أُعْطِي<br />
هبَِا كَذَا وَكَذَا فَصَدمقَهُ فَأَخَذَهَا وَملَْ ي ُعْطَ هبَِا«<br />
َ<br />
. 2<br />
= 1<br />
= 2<br />
سابعا: مسألة مراعاة السن <strong>في</strong> الواليات:<br />
قال تعاَل: }قَالَ كَبِيرُ هُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْ ثِقًا مِنْ َّللاَّ ِ{ 3 .<br />
عن أيب مسعود البدري عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ي َؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اَّللمِ فَإِنْ كَانُوا يفِ الْقِرَاءَةِ<br />
سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ ابِلسُّنمةِ فَإِنْ كَانُوا يفِ السُّنمةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا يفِ اهلِْجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِ لْمًا وَال ي َؤُم من<br />
الرمجُلُ الرمجُلَ يفِ سُلْطَانِهِ وَال ي َقْعُدْ يفِ ب َيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِالم إبِِذْنِِه«<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أَرَاينِ يفِ الْمَنَامِ أَتَسَومكُ بِسِ وَاكٍ فَجَاءَينِ رَجُالنِ أَحَدُمهَُا أَكْربَُ مِنَ اآلخَ ِر<br />
4<br />
.<br />
= 3<br />
فَنَاوَلْتُ السِّ وَاكَ األَصْغَرَ فَقِيلَ يلِ كَربِّْ فَدَفَعْتُهُ إَِلَ األَكْربَِ مِنْهُمَا« . 5<br />
- 1 انظر تفسري القرطيب ج 8 ص 216، ج 15 ص 214، وفتح الباري ج 13 ص 125<br />
- 2 رواه البخاري عن أيب هريرة يف كتاب األحكام ابب )من ابيع رجال اليبايعه إال للدنيا(<br />
089<br />
- 3 يوسف، اآلية: 91<br />
- 4 رواه مسلم<br />
- 5 متفق عليه عن ابن عمر
=<br />
4<br />
ويف احلديث القَسَامة يف مقتل عبد هللا بن سهل ِبيرب، ذهب صاحبُه حمَُيْصَة وأخوه األكرب حُوَيْصَة إَل النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم، فأراد حمَُيْصَة أن يتكلم، فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : »ك ربِْ ك ربِْ، يُرِيدُ السِ ن<br />
حُوَيِّصَةُ، ُثُم تَكَلممَ حمَُيِّصَةُ« . 1<br />
فَتَكَلمم<br />
َ<br />
،<br />
2<br />
.<br />
=<br />
5<br />
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »لَيْسَ مِنما مَنْ ملَْ ي َرْحَمْ<br />
صَغِريَانَ و يد عْرِفْ ش ر ف ك بِريِان«<br />
قلت: أردت من هذه النصوص بيان مراعاة السن يف الوالايت، وحمل ذلك ما إذا تساوى رجالن يف الكفاءة للقيام<br />
بعمل من األعمال، فاألوىل تقدمي أكربمها، كما يف حديث مالك بن حويرث مرفوعا<br />
كاان يف القراءة والفضل سواء،<br />
3<br />
»وليؤمكما أكربكما« ، حيث<br />
ما مل تكن هناك مصلحة شرعية يف تقدمي األصغر، كما فعل النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم يف بعث أسامة إَل الروم، حيث أمر أسامة بن زيد عَلَى مَنْ هم أكرب منه سِ ناا وفضال من أكابر الصحابة.<br />
وحديث أيب مسعود البدري هو يف إمامة الصالة خاصة، ليس يف الوالايت العامة اليت يراعى <strong>في</strong>ها اخلربة والكفاءة قبل<br />
الفضل يف الدين، كما سبق يف )جواز والية املفضول(، وإَّنا أوردته هذا لبيان أنه إذا تساوى رجالن يف استحقاق<br />
والية يقدم أكربمها سنا، فهذا أمكن لنفوس أتباعه و<strong>في</strong>ه تواب األخذ بسنة النيب صلى هللا عليه وسلم.<br />
وقد أورد البخاري رمحه هللا يف كتاب الفنت من صحيحه حديثا يشري إَل هذا املعىن، فقال: )ابب قول النيب صلى هللا<br />
إِمسَْاعِيل حَدمث َنَا عَمْرُو بْنُ حيََْىي<br />
عليه وسلم : هالك أميت على يدي أغيلمة سفهاء( ُث قال البخاري: حَدمث َنَا مُوسَى بْنُ َ<br />
صلى هللا عليه وسلم ابِلْمَدِينَةِ وَمَعَنَا<br />
بْنِ سَعِيدِ قَالَ أَخْربََينِ جَدِّي قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَيبِ هُرَيْرَةَ يفِ مَسْجِ دِ النميبِ ّ<br />
مَرْوَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مسَِعْتُ الصمادِقَ الْمَصْدُوقَ ي َقُولُ هَلَكَةُ أُميتِ عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ لَعْنَةُ اَّللمِ<br />
َني<br />
مَعَ جَدِّي إَِلَ بَينِ مَرْوَانَ حِ<br />
ِ<br />
عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ شِ ئْتُ أَنْ أَقُولَ بَينِ فُالنٍ وَبَينِ فُالنٍ لَفَعَلْتُ فَكُنْتُ أَخْرُجُ<br />
مُلِّكُوا ابِلشمأْمِ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَاانً أَحْدَاَثً قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُالءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ قُلْنَا أَنْتَ قال ابن حجر يف<br />
شرحه: ]قال ابن األثري املراد ابألغيلمة هنا الصبيان ولذلك صَغمرهم. قلت: وقد يطلق الصيب والغُليم ابلتصغري على<br />
أَعْلَم«.<br />
ُ<br />
الضعيف العقل والتدبري والدين ولو حمتلما وهو املراد هنا، فإن اخللفاء من بين أمية مل يكن <strong>في</strong>هم من استُخلِف وهو<br />
دون البلوغ وكذلك من أمروه على األعمال، إال أن يكون املراد ابألغيلمة أوالد بعض من استخلف فوقع الفساد<br />
بسببهم فنُسِ ب إليهم، واألوَل احلمل على أعم من ذلك ُث قال ابن حجر ويف رواية ابن أيب شيبة »أن أاب هريرة كان<br />
ميشي يف السوق ويقول: اللهم ال تدركين سنة ستني وال إمارة الصبيان« ويف هذا إشارة إَل أن أول األغيلمة كان يف<br />
سنة الستني وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف <strong>في</strong>ها. إَل أن قال ابن حجر وأن أوهلم يزيد كما دل عليه قول<br />
091<br />
- 1<br />
رواه البخاري يف الدايت )6989( واألحكام )7182( وهذا لفظه، ورواه يف األدب )اب إكرام الكبري ويبدأ األكرب ابلكالم والسنال(، وراه<br />
كذلك يف األدب املفرد.<br />
- 2<br />
قال النووي: حديث صحيح رواه أبو داود والرتمذي، وقال الرتمذي: حديث حسن صحيح، ويف رواية أيب داود )حق كبريان(.<br />
- 3 رواه البخاري
أيب هريرة رأس الستني وإمارة الصبيان فإن يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها األصاغر<br />
1<br />
من أقاربه[ .<br />
قلت: ويف هذا احلديث التحلير من أتمري صغار السن، وإيراد البخاري هلذا احلديث يف كتاب الفنت يشري إَل أن من<br />
أسباب الفنت أتمري الصغار ملا <strong>في</strong>هم من الطيش والتهور وفقدان الر وِية وا نكة والتجربة والنظر يف العواقب. ويف<br />
احلديث إشارة إَل تولية الكبار والشيوخ ما مل تستوجب املصلحة الشرعية تولية األصغر كما سبق تفصيله.<br />
«<br />
ثامنا: وعلى األمير محاسبة عماله الذين يوليهم على األعمال المختلفة.<br />
ودليل ذلك:<br />
عَنْ أَيبِ محَُيْدٍ السماعِدِيِّ: أَمن النيب صلى هللا عليه وسلم اسْتَعْمَلَ ابْنَ الْلمتَبِيمة عَلَى صَدَقَاتِ بَينِ سُلَيْمٍ، فَلَما جَاءَ إََِل<br />
رَسُولِ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم وَحَاسَبَهُ قَالَ هَذَا المذِي لَكُمْ وَهَذِهِ َهدِيمةٌ أُهْدِيَتْ يلِ فَقَالَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه<br />
وسلم: »فَهَالم جَلَسْتَ يفِ ب َيْتِ أَبِيكَ وَب َيْتِ أُمِّكَ حَىتم أتَْتِيَكَ هَدِي متُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟« ُثُم قَامَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا<br />
عليه وسلم فَخَطَبَ النماسَ وَمحَِدَ اَّللمَ وَأَثْىنَ عَلَيْهِ ُثُم قَالَ : أَما ب َعْدُ ِ فَإِينّ أَسْتَعْمِلُ رِجَاال مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ ممِما وَالم ينِ اَّللمُ<br />
فَيَأِْتِ أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيمةٌ أُهْدِيَتْ يلِ فَهَالم جَلَسَ يفِ ب َيْتِ أَبِيهِ وَب َيْتِ أُمِِّه حَىتم أتَْتِيَهُ هَدِي متُهُ إِنْ كَا َن<br />
صَادِقًا فَوَاَّللمِ ال َيَْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ هِشَامٌ بِغَريِْ حَقِّهِ إِالم جَاءَ اَّللمَ حيَْمِلُهُ ي َوْمَ الْقِيَامَةِ أَال فَألَعْرِفَنم مَا جَاءَ اَّللمَ<br />
رَجُلٌ بِبَعِريٍ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بِبَقَرَةٍ هلََا خُوَارٌ أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ ُثُم رَفَعَ يَدَيْهِ حَىتم رَأَيْتُ ب َيَاضَ إِبْطَيْهِ أَال هَلْ ب َلمغْتُ ؟« ، 2 وقوله »بغري<br />
حق« رجح ابن حجر كوهنا مُدْرَجَة من كالم هشام. ويف احلديث أن على الإمام حماسبة عماله وتبيني أخطائهم<br />
لتحذر، وجواز إشهار هذا يف الناس لئال يقلده غريه، و<strong>في</strong>ه أيضا كما قال ابن حجر: ]جواز توبيخ املخطئ واستعمال<br />
املفضول يف الإمارة والإمامة واألمانة مع وجود من هو أفضل منه[ . 3 وقوله »استعمال املفضول« إذ إن النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم استعمل ابن اللتبية ومل يكن من الصحابة املشهورين ومع وجود أكابر الصحابة.<br />
ويراجع كذلك حماسبة عمر<br />
<br />
لعماله ومواقفه مع خالد بن الوليد وسعد بن أيب وقاص وعمرو بن العاص وأيب هريرة<br />
وغريهم، حيث عزل بعضهم وشاطر آخرين أمواهلم وعَنمف آخرين، رضي هللا عنهم أمجعني. وهذا آخر ما نذكره يف<br />
الواجب الرابع من واجبات األمري.<br />
090<br />
11<br />
- 1 )فتح الباري( ج 13 ص 8<br />
- 2 رواه البخاري يف ابب )حماسبة الإمام عماله( يف كتاب األحكام من صحيحه، ورواه مسلم. وهشام هو ابن عروة أحد رجال السند.<br />
- 3 )فتح الباري( ج 13 ص 167
الخامس من واجبات األمير:<br />
الرفق بمن معه واألناة <strong>في</strong> األمور كلها<br />
= 1<br />
= 2<br />
لقول هللا تعاَل: }قَبِمَا رَ حْمَةٍ مِنْ َّللاَّ ِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ قَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ النْفَضُّوا مِنْ حَوْ لِكَ } 1 .<br />
وحلديث عائشة مرفوعا: »اللهم من ويل من أمر أميت شيئا فَشَقم عليهم فاشقق عليه، ومن ويل من أمر أميت شيئا<br />
فرفق هبم فأرفق به« . 2<br />
= 3<br />
وعنها رضي هللا عنها قال: »مَا خُريَِّ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم بَنيَْ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِالم أَخَذَ أَيْسَرَمهَُا مَا ملَْ يَكُ ْن<br />
إِمثًْا فَإِنْ كَانَ إِمثًْا كَانَ أَبْعَدَ النماسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم لِنَفْسِ هِ يفِ شَيْءٍ قَطُّ إِالم أَنْ ت ُنْتَهَ َك<br />
حُرْمَةُ اَّللمِ فَيَنْتَقِمَ هبَِا َّللِمِ تَعَاَلَ<br />
<br />
3<br />
. »<br />
= 4<br />
وعن احلسن البصري أن عَائِذَ بن عمرو دخل على عبيد بن هللا بن زايد وهو وال على العراق فقال: أي بُينَّ<br />
إين مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول: »إِنم شَرم الرعاء احلُطَمَة« فإايك أن تكون منهم<br />
.<br />
4<br />
= 5<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ألَشَجِّ<br />
عَبْدِ الْقَيْ ِس: »إِنم فِيكَ خَصْلَتَنيِْ حيُِبُّهُمَا اَّللمُ احلِْلْمُ وَاألَانَةُ«<br />
5<br />
.<br />
= 6<br />
وقال عمر بن اخلطاب: »وما ميَْنَعُين أن أُؤَمر سليط بن قيس إال سرعته إَل احلرب، فإن احلرب ال يصلحها إال<br />
6<br />
الرجل املكيث« .<br />
ويدخل يف هذا:<br />
= 1<br />
=<br />
أن 2<br />
أن يعرف قدرات مَنْ معه من األعضاء وال حيَُمِّل أحدهم فوق ما حتمله طاقته النفسية أو العقلية أو اجلسمية<br />
لقوله تعاَل: }ال يُكَلِفُ َّللاَّ ُ نَفْس ًا إِالَّ وُ سْعَهَا{ وقوله: }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ مَا اسْتََِعْتُمْ{. <strong>في</strong>كلفهم ابألعمال حسب قدراهتم.<br />
ال جيمع املبتدئ )املستجد( مع الطال<br />
القدامى<br />
بل جيعل لكل منهما تدريبا مستقال حىت ي ُؤَهمل<br />
املستجدون للتدريبات املشرتكة مع القدامى، وال أبس جبعل التدريب مستوايت. فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
092<br />
- 1 آل عمران، اآلية: 158<br />
- 2 رواه مسلم<br />
- 3 متفق عليه<br />
- 4 رواه مسلم الرعاء:مجع راع، واحلطمة: الذي حيطم رعيته ويسوسهم بعنف.<br />
- 5 رواه مسلم عن ابن عباس<br />
- 6 ذكره ابن عبد ربه يف )العقد الفريد( كتاب احلروب
وسلم: »أنزلوا الناس منازهلم« . 1 وهذا يشمل الدروس العملية والنظرية، وهو من خماطبة الناس على قدر عقوهلم، كما<br />
قال ابن مسعود : )مَا أَنْتَ حمَُدَِّثً قَوْمًا حَدِيثًا الَ تَبْلُغُهُ عُقُوهلُُمْ إِالم كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً( . 2 وهذا كله يدخل يف الرفق.<br />
= 3 أن يكون دأب األمري التيسري على من معه يف التدريب والتعليم واملعيشة ما مل يكن إمثا: فقد قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم : »يَسِّ رُوا وَال ت ُعَسِّ رُوا وَبَشِّ رُوا وَال ت ُنَفِّرُوا«3 ، قال ابن حجر: ]واملراد أتليف من قَرب إسالمه وترك<br />
التشديد عليه يف االبتداء، وكذلك الزجر عن املعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل، وكذلك تعليم العلم ينبغي أن<br />
يكون ابلتمدرُّج، ألن الشيء إذا كان يف ابتدائه سهال حُبِّب إَل من يدخل <strong>في</strong>ه وتَلَقماه ابنبساط، وكانت عاقبته غالبا<br />
الإزدايد، ِبالف ضده، وهللا أعلم[ . 4<br />
= 4<br />
أن ي ُعَلِّم كل تلميل ما يراه مائال إليه من الفنون احلربية املختلفة، بعد أن حيصل اجلميع على القدر األساسي<br />
من هذه الفنون، وقد أشار ابن حجر إَل هذا يف شرحه حلديث حذيفة بن اليمان : »كان الناس يسألون رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم عن اخلري، وكنت أسأله عن الشر خمافة أن يدركين...« احلديث . 5 قال ابن حجر: ]قال ابن أيب<br />
مجرة: يف احلديث حكمة هللا يف عباده كيف أقام كال منهم <strong>في</strong>ما شاء، فحبّب إَل أكثر الصحابة السؤال عن وجوه<br />
اخلري ليعملوا هبا ويبلغوها غريهم، وحبمب حلذيفة<br />
السؤال عن الشر ليجتنبه ويكون سببا يف دفعه عمن أراد هللا له<br />
النجاة، و<strong>في</strong>ه سعة صدر النيب صلى هللا عليه وسلم ومعرفته بوجوه احلكم كلها حىت كان جييب على مل من سأله مبا<br />
يناسبه، ويؤخذ منه أن كل من حُبِب إليه شيء فإنه يفوق <strong>في</strong>ه غريه، ومِنْ ُثَم كان حذيفة صاحب السر الذي ال<br />
يعلمه غريه، حىت خُ م مبعرفة أمساء املنافقني وبكثري من األمور اآلتية، ويُؤخذ منه أن من أدب التعليم أن يعلم التلميل<br />
من أنواع العلوم ما يراه مائال إليه من العلوم املباحة، فإنه أجدر أن يسرع إىل تفهمه والقيام به[<br />
أن يستدل هلذه املسألة أيضا بقوله صلى هللا عليه وسلم :<br />
7<br />
»كل ميسر ملا خلق له« .<br />
6<br />
. قلت: وميكن<br />
= 5<br />
أن يتخلل التدريب اليومي قسط من الراحة، وأن تكون هناك راحة يوما يف األسبوع وقال عمر بن اخلطاب يف<br />
وصاايه لسعد بن أيب وقاص رضي هللا عنهما: )وَتَرَفمق ابملسلمني يف سريهم، وال جتشمهم سريا يتعبهم، وال تقصر هبم<br />
- 1 رواه أبو داود عن عائشة<br />
093<br />
- 2 رواه مسلم<br />
- 3 رواه البخاري عن أنس<br />
- 4 )فتح الباري( ج 1 ص 163<br />
- 5 متفق عليه<br />
- 6 )فتح الباري( ج 13 ص 37<br />
- 7 متفق عليه
عند منزل يرفق هبم حىت يبلغوا عدوهم والسفر مل ينق<br />
= 6<br />
قوهتم، فإهنم سائرون إَل عدو مقيم، حامي األنفس والكراع،<br />
وأقم مبن معك يف كل مجعة يوما وليلة، حىت تكون هلم راحة حيُْيُون <strong>في</strong>ها أنفسهم، وي َرُمُّون أسلحتهم وأمتعتهم( . 1<br />
وأنبه على أن الرفق ليس معناه رفع املشقة بل رفع ا رج، ولألمري أن يدرب أتباعه وخيتربهم ابلتدريبات الشاقة<br />
كما اخترب طالوت جنوده، قال تعاَل: }قَلَمَّا قَصَلَ َِالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ َّللاَّ َ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ قَمَنْ شَرِ بَ مِنْهُ قَلَيْ َس<br />
مِن ِي وَ مَنْ لَمْ يَِْعَمْهُ قَإِنَّهُ مِن ِي إِالَّ<br />
الطالب إَل مستوايت من حيث املهارات القتالية.<br />
= 7<br />
2<br />
مَنْ اغْتَرَ فَ غُرْ قَةً بِيَدِ ِه{ . خاصة إذا كان الغرض من التدريبات العنيفة تقسيم<br />
ومن الرفق أن َيمر األمري إمام الصالة سواء كان هو األمري نفسه أو مندواب عنه<br />
«<br />
ابلتخ<strong>في</strong>ف يف الصالة، خاصة<br />
بعد التدريبات الشاقة، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إِذَا صَلمى أَحَدُكُمْ لِلنماسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنم مِنْهُم<br />
3<br />
الضمعِيفَ وَالسمقِيمَ وَالْكَبِريَ وَإِذَا صَلمى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِ هِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ« ، وعَنْ أَيبِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ ايَ رَسُولَ اَّللمِ<br />
ِ عَنِ الصمالةِ يفِ الْفَجْرِ ممِما يُطِيلُ بِنَا فُالنٌ فِيهَا فَغَضِبَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وس ِيف<br />
لم مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ<br />
إِينّ ألَأتََخمرُ<br />
مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدم غَضَبًا مِنْهُ ي َوْمَئِذٍ ُثُم قَالَ : »ايَ أَي ُّهَا النماسُ إِنم مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَمَنْ أَم النماسَ فَلْيَتَجَومزْ فَإِنم خَلْفَهُ الضمعِي َف<br />
وَالْكَبِريَ وَذَا احلَْاجَةِ« . 4 وروى البخاري أيضا عن جابر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال ملعاذ بن جبل »أَفَتمانٌ<br />
ُ<br />
أَنْتَ )ثالث مرات(، فَلَوْال صَلميْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشممْسِ وَضُحَاهَا وَاللميْلِ إِذَا ي َغْشَى فَإِنمهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِريُ<br />
وَالضمعِيفُ وَذُو احلَْاجَةِ« وكان معاذ قد قرأ يف العشاء ابلبقرة فرتكه رجل وانصرف ُث شكاه إَل النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم . 5<br />
= 9<br />
ويدخل يف الرفق واألانة ضبط النفس إذا أغضبه أحد أتباعه، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
َ<br />
لَيْس «<br />
6<br />
الشمدِيدُ ابِلصُّرَعَةِ إَِّنمَا الشمدِيدُ المذِي ميَْلِكُ ن َفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » . واحلِلْم كخلق ال يظهر إال عند الغضب، وينبغي أن<br />
يكون األمري قدوة يف عدم الغضب لنفسه، فإذا غضب ملا ميس املصلحة العامة <strong>في</strong>جب عليه أال يتخل أي إجراء ضد<br />
املسيء حالة غضبه<br />
7<br />
غَضْبَانُ« .<br />
بل يتمهل حىت تسكن نفسه، ملا روي عن أيب بكرة مرفوعا<br />
»ال حيَْكُمْ أَحَدٌ بَنيَْ اثْنَنيِْ وَهُوَ<br />
- 1 )العقد الفريد( البن عبد ربه كتاب احلروب<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية: 248<br />
- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
094<br />
715<br />
714<br />
- 4 رواه البخاري<br />
- 5 أحاديث 713<br />
- 6 متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 7 متفق عليه<br />
ابلبخاري
= 8<br />
وتظهر احلاجة املاسة إَل احللم واألانة إذا واجه األمري أمرا غري معهود وحداث مل يكن يف ا سبان، فإذا جزع<br />
وفزع أفسد أمره وأمر من معه وإذا أتىن وتروى فهذا مظنة التو<strong>في</strong>ق إبذن هللا، فإذا احتمل الوقت املشاورة فعليه مبشاورة<br />
ذوي التجربة السابقة، ولنا عربة يف مواقف الرسول صلى هللا عليه وسلم يف أُحد واحلديبية وحُنَني، ومواقف أيب بكر <br />
لَما تويف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وارتدت العرب، وموقف خالد بن الوليد<br />
<br />
يوم مُؤتة، ويوم الريموك ملا غري<br />
تعبئة جند املسلمني إَل كراديس لتناسب تعبئة الروم، وملا تلقى رسالة عمر إليه بوفاة أيب بكر وبعزل خالد من الإمارة<br />
وأتمري أيب عبيدة رضي هللا عنهم فتلقاها خالد واملعركة دائرة فكتمها حىت انتصر املسلمون كيال يفت يف عضدهم<br />
1<br />
.<br />
)فائدة <strong>في</strong> تهذيب النفس(<br />
قد يقول قائل: أنت تطالب الناس ِبالف ما جُبِلُوا عليه، فهذا يكون طبعة الرفق واألانة، وهذا يكون طبعة والغضب<br />
والعجلة، فكيف هلذا األخري ابلتمخلُّق ِبالف طبعه الذي جُبِل عليه؟<br />
فأقول وابهلل التو<strong>في</strong>ق: إن األخالق احلميدة والفضائل منها ما هو خَلْقِي، ومنها ما يُكْتسب ابلعلم واجملاهدة، وكذلك<br />
األخالق املذمومة يتخل<br />
منها املرء ابجملاهدة والصرب.<br />
قال تعاَل: }وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّ اهَا قَأَلْهَمَهَا قُجُورَ هَا وَ تَقْ َواهَا قَدْ أَقْلَحَ مَنْ زَ كَّاهَا<br />
وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا{ . 2<br />
فقد جعل<br />
املوَل سبحانه الفجور والتقوى يف كل نفس ابتالء منه سبحانه، فمن جاهد نفسه ليخلصها من الفجور وحيليها<br />
ابلفضائل فهو من الفاحلني وعكسه بعكسه، وقال تعاَل يف موضع آخر:<br />
قَصَلَّى{ . 3<br />
}قَدْ أَقْلَحَ مَنْ تَزَ كَّى<br />
وَ ذَكَرَ اسْمَ رَ ب ِ ِه<br />
واألخالق احملمودة تكتسب بوسائل، نذكر منها العلم واجملاهدة والدعاء والصحبة الصاحلة:<br />
العلم: األصل يف الإنسان اجلهل قال تعاَل: }وَ َّللاَّ ُ أَخْرَ جَكُمْ مِنْ بُُِونِ أُمَّهَاتِكُمْ ال تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَ جَعَلَ لَكُمْ السَّمَْْ<br />
وَ األْ َبْصَارَ وَ األْ َقْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ ونَ{ . 4<br />
قوله: }ال تَعْلَمُونَ شَيْئ ًا{ تدل على أن األصل اجلهل، وإَّنا يُالم الإنسان<br />
بعد ذلك إذا ظل جاهال لتعطيلة الوسائل اليت أمدمه هللا هبا ليتعلم، ولرتَْكِه العلم املفروض واملندوب، أما الوسائل فهي<br />
}وَ جَعَلَ لَكُمْ السَّمَْْ وَ األَبْصَارَ وَ األَقْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُ ونَ {، ويتفاوت اخللق يف االستفادة من هذه الوسائل.<br />
فالكافر مل ينتفع هبا البتة: قال تعاَل: }وَ قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَُْ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا قِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ قَاعْتَرَ قُوا بِذَنْبِهِ ْم<br />
قَسُحْقًا ألِ َصْحَابِ السَّعِيرِ } 5 ،<br />
وقال تعاَل:<br />
وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ ال يُبْصِ رُ ونَ بِهَا وَ لَهُمْ آذَانٌ ال يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْ لَئِكَ<br />
{ وَ لَقَدْ ذَرَ أْنَا لِجَهَنَّمَ ً كَثِيرا مِنْ الْجِ ِن وَ اإلِ نسِ لَهُمْ قُلُوبٌ ال يَفْقَهُونَ بِهَا<br />
كَاألَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْغَاقِلُو َن{ . 1<br />
- 1 انظر )البداية والنهاية( البن كثري ج 7 ص 12<br />
- 2 سورة الشمس، اآلايت:<br />
- 3 سورة األعلى، اآليتان:<br />
- 4 سورة النحل، اآلية:<br />
- 5 سورة امللك، اآليتان<br />
095<br />
16<br />
11<br />
15<br />
7<br />
14<br />
79<br />
11 11
أما املؤمن فقد استفاد من هذه الوسائل يف حتصيل الإميان، قال تعاَل:<br />
}رَ بَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِي ًا يُنَادِي لِإلِيمَانِ أَنْ<br />
آمِنُوا بِرَ ب ِكُمْ قَآمَنَّا{ ، 2 وقال تعاَل: }قَبَشِرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْ لَ قَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ{ . 3<br />
واجلهل أصل كل شر ومنه الكفر، إذ إن الإنسان عدو ما جيهل، قال تعاَل: }بَلْ أَكْثَرُ هُمْ ال يَعْلَمُونَ الْحَقَّ قَهُ ْم<br />
4<br />
مُعْرِ ضُونَ{ .<br />
-<br />
-<br />
وعالجه ابلتعلم ومنه السنال، لقوله صلى هللا عليه وسلم: »اي أيها الناس تعلموا، إَّنا العلم ابلتعلم، والفقه ابلتفقه،<br />
5<br />
ومن يرد هللا به خريا يفقهه يف الدين« .<br />
وقد ختم هللا كثريا من اآلايت الداعية بقوله تعاَل: }إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُو َن{ وقوله }لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } إشارة إَل أن<br />
= 2<br />
العلم<br />
ابعث على العمل هبا،، ومثله قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِ كْتُمْ قَلِيال وَلبَكَيْتُمْ كَثِريًا« . 6<br />
و<strong>في</strong>ما يتعلق ابألخالق احملمودة، فإن العلم هبا ذو حقني:<br />
أ العلم بفضلها، كما يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ يفِ مِيزَانِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ ي َوَْم<br />
الْقِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ اخلُلُق« ، 7 وقال صلى هللا عليه وسلم : »إِنم الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ حبُِسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصمائِمِ الْقَائِمِ« . 9<br />
وأمثال هذه. ويدخل يف ذلك العلم بسوء مآل من فرط <strong>في</strong>ها.<br />
ب العلم أبفرادها: أي ما األخالق املذمومة ليتخلى عنها، وما األخالق واآلداب احملمودة ليتحلى هبا؟. وهذه<br />
األفراد مثبتة يف كتب األدب والرقاق )الرقائق( من دواوين السنة كصحيح البخاري وغريه.<br />
اجملاهدة واالكتسا : وكي<strong>في</strong>ة ذلك أن يعرف املرء من نفسه الغضب مثال، <strong>في</strong>جاهد نفسه للتخل من الغضب<br />
واكتساب احلِلْم، ويكون ذلك ابحملاولة، فإذا عَرَض له ما يُغضبه كظم غيظه ولو بنصف املطلوب، ُث يف املرة التالية<br />
يضبط نفسه بقدر أكرب، وهكذا حىت يصري احللم خلقا الزما له، وهذا شيء جمرب وطريقة انجحة إن شاء هللا، والذي<br />
يعينه على ضبط نفسه معرفة ما أعده هللا من الثواب على ذلك، ومعرفة مَغَبمة إنفاذ غضبه يف الدنيا واآلخرة.<br />
- 1 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 3 سورة الزمر، اآليتان:<br />
- 4 سورة األنبياء، اآلية:<br />
096<br />
178<br />
183<br />
19<br />
17<br />
24<br />
- 5 رواه الطرباين إبسناد حسن عن معاوية.<br />
- 6 رواه البخاري<br />
- 7 رواه الرتمذي عن أيب الدرداء وقال حديث حسن صحيح<br />
- 9 رواه أبو داود عن عائشة
- ب<br />
-<br />
والدليل على أن الفضائل تحصل للمرء باالكتساب والمجاهدة،<br />
أ قول هللا : }ال أُقْسِمُ بِيَوْ مِ الْقِيَامَةِ وَ الَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّ امَ ِة{ ، 1 ويف تفسري }بِالنَّفْسِ اللَّوَّ امَةِ{ قال احلسن<br />
البصري: ]إن املؤمن وهللا ما نراه إال يلوم نفسه: ما أردت بكلميت، ما أردت أبكليت، ما أردت حبديث نفسي، وإن<br />
الفاجر ميضي قُدُما ما يعاتب نفسه[، قال جماهد: ]تندم على ما فات وتلوم عليه[ وهذا هو اختيار ابن جرير<br />
2<br />
الطربي . ويتجلى دور النفس اللوامة واضحا يف اجملاهدة، فإن حماسبة النفس ولومها علة التقصري والندم على التفريط<br />
هو مبدأ الإصالح، إذا ترتب على هذا اللوم والندم العزم على عدم تكرار اخلطأ والتزام السداد. فإذا حاسب املرء<br />
نفسه والمها على كل تقصري اكتسب بعون هللا وتو<strong>في</strong>قه الفضائل اترة فتارة.<br />
وقال النيب صلى هللا عليه وسلم: »ومن يستعفف يعفه هللا، ومن يستغن يغنه هللا، ومن يتصرب يصربه هللا«<br />
3<br />
.<br />
وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : »اي أيها الناس تعلموا، إَّنا العلم ابلتعلم والفقه ابلتفقه، ومن يرد هللا به خريا يفقه يف<br />
4<br />
الدين« . فهذا دليل على أن الفضائل حتصل ابجملاهدة، فالصرب يصبح خلقا الزما للمرء ابلتصرب وهو التحلي ابلصرب<br />
والتظاهر به اترة فتارة حىت تتعوده النفس، وهكذا العفة والغىن، والعلم ابلتعلم، واحللم ابلتحلم، ومن علم منه صدق<br />
نيته أعانه سبحانه على الطاعة.<br />
- ج<br />
وقال البخاري )قال معاوية: ال حكيم إال ذو جتربة(. قال ابن حجر: ]وهذا األثر وصله أبو بكر بن أيب شيبة<br />
يف مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: معاوية )ال حِ لْم إال ابلتجار<br />
) ُث قال ابن حجر<br />
وأخرج البخاري يف األدب املفرد من حديث أيب سعيد مرفوعا )ال حليم إال ذو عَرة، وال حكيم إال ذو جتربة( . 5<br />
قال ابن األثري: معناه ال حيصل احللم حىت يرتكب األمور ويعثر <strong>في</strong>ها <strong>في</strong>عترب هبا ويستبني مواضع اخلطأ وجيتنبها إَل قوله<br />
وكذلك من جَرمب األمور علم نفعها وضررها فال يفعل شيئا إال عن حكمة ، 6 وقد أورد البخاري مع ا األثر احلديثَ<br />
الصحيحَ عن أيب هريرة أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال ي ُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِ دٍ مَرمتَنيِْ« وقال أبو عبيد:<br />
)معناه ال ينبغي للمؤمن إذا نُكِبَ من وجه أن يعود إليه(. وعالقة هذه األحاديث مبوضوعنا أن الفضائل تُكْتَسَب<br />
ابملمارسة والتجربة خيطئ املرء مرة ويصيب مرات.<br />
ومما حيصل يف حتصيل الفضائل ابجملاهدة والإكتساب، ما رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
عليه وسلم:<br />
<br />
: قال رسول هللا صلى هللا<br />
»ما ب َعَث هللاُ نبيا إال رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟، فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط ألهل<br />
- 1 سورة القيامة، اآليتان:<br />
- 2 تفسري ابن كثري<br />
097<br />
2<br />
1<br />
- 3 متفق عليه<br />
- 4 ررواه الطرباين إبسناد حسن عن معاوية<br />
- 5 وأخرجه أمحد وصححه ابن حبان<br />
531<br />
- 6 )فتح الباري( ج 11 ص 528
مكة« . 1<br />
قال ابن حجر يف شرحه: ]قال العلماء: احلكمة يف إهلام األنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن حيصل هلم<br />
التمرين برعيها على ما يُك ل فونه من القيام أبمر أمتهم، وألن يف خمالطتها ما حيصل هلم احللم والشفقة ألهنم إذا صربوا<br />
على رعيها ومجعها بعد تفرقها يف املرعى ونقلها من مسرح إَل مسرح ودفع عدوها من سَبْع وغريه كالسارق وعلموا<br />
اختالف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إَل املعاهدة أَلِفُوا من ذلك الصرب على األمة وعرفوا اختالف<br />
طباعها وتفاوت عقوهلا فجربوا كَسْرَها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد هلا <strong>في</strong>كون حتكمهم ملشقة ذلك أسهل مما لو<br />
كلفوا القيام بذلك يف أول وهلة ملا حيصل هلم من التدريج على ذلك برعي الغنم[ . 2<br />
قلت: ومن أساليب جماهدة النفس أن يسارع املرء إَل حمو سيئاته أوال أبول حىت يعتاد ذلك، وحىت ال ترتاكم املعاصي<br />
على قلبه <strong>في</strong>صدأ، فإذا ارتكب سيئة يف حق هللا وظلم نفسه سارع إَل االستغفار وإَل الصالة }وَ أَقِمْ الصَّالةَ َِرَ قِي<br />
3<br />
النَّهَارِ وَ زُ لَفًا مِ نْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِئَا ِت{ ، وسارع إَل فعل احلسنة وإَل الصدقة ليمحو خطيئته، لقول النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
4<br />
»واتبع السيئة احلسنة متحها« ، وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : »والصدقة تطفئ اخلطيئة<br />
5<br />
كما يطفئ املاء النار« .<br />
أما إذا ارتكب املسلم سيئة يف حق أخيه املسلم فعليه ابلتوبة ورد املظلمة إَل أخيه كما قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم :<br />
»مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ ألَخِ يهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلملْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ ال يَكُونَ دِينَارٌ وَالَ ِدرْهَمٌ إِنْ كَا َن<br />
6<br />
لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِ ذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ ملَْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِ ذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِ بِهِ فَحُمِلَ عَلَيِْه« . ومما يهون<br />
هذا على النفس، النظر يف قدر الدنيا وزواهلا وحال من غَربَ ، وزايرة القبور فهذا كله مما يرفق القلب.<br />
قال ابن حجر ]نقل القشريي عن شيخه أيب على الدقاق:<br />
الطريق َش ة. وعن أيب عمرو بن جبيدة: من كَرُمَ عليه دينه هانت عليه نفسه[ . 7<br />
من مل يكن يف بدايته صاحب جماهدة مل جيد من هله<br />
قلت: ومن ص د ق يف اجملاهدة أعانه هللا على نفسه وعلى فعل الطاعات، فثواب اجملاهدة هو التو<strong>في</strong>ق واملدد واملعونة<br />
من هللا تعاَل، ودليل هذا: قول النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث السابق »يعفه هللا ملن يستعفف، وقوله<br />
»يصربه هللا« ملن يتصرب، وهكذا.<br />
»<br />
098<br />
- 1 حديث 2262<br />
- 2 )فتح الباري( 441/4<br />
- 3 سورة هود، اآلية:<br />
114<br />
- 4 رواه الرتمذي وحَسمنه عن أيب ذر<br />
- 5 رواه الرتمذي عن معاذ بن جبل وقال حديث حسن صحيح<br />
- 6 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
- 7 )فتح الباري( 339 / 11
هللا وقول<br />
: }وَ الَّذِينَ جَاهَدُوا قِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ َّللاَّ َ<br />
نفسه يف طاعة هللا، كقوله تعاَل:<br />
لَمََْ الْمُحْسِنِي َن{ ، 1<br />
}وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْ ا زَ ادَهُمْ هُد ًى وَ آتَاهُمْ تَقْواهُمْ{<br />
. 2<br />
فهذا وعد ابلتو<strong>في</strong>ق من هللا ملن جاهد<br />
وقول هللا يف احلديث القدسي: »إِذَا تَقَرمبَ الْعَبْدُ إِيلَم شِ ربًْا تَقَرمبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرمبَ مِينِّ ذِرَاعًا تَقَرمبْتُ مِنْهُ ابَعًا<br />
3<br />
وَإِذَا أَاتَينِ مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً« .<br />
4<br />
وقال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّ حْمَانُ وُ دًّا{ . وأمثال هذه النصوص كثرية، فمن<br />
ثواب الطاعة أن يوفق هللا فاعلها لفعل الطاعة بعدها، فالطاعة تولد الطاعة، ومن ثواهبا التثبيت على الصراط املستقيم،<br />
قال هللا تعاَل: }وَ لَوْ أَنَّهُمْ قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ ً خَيْرا لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتًا وَ إِذًا آلَ تَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا ً أَجْرا عَظِيم ًا<br />
5<br />
وَ لَهَدَيْنَاهُمْ صِ رَ اِ ًا مُسْتَقِيم ًا{ .<br />
وكذلك فإن من عقوبة السيئة فعل السيئة بعدها، ويتوب هللا على من اتب.<br />
= 3<br />
الدعاء: مع اجملاهدة تكل أمرك كله إَل هللا وتتربأ من حولك وقوتك إَل حوله سبحانه وقوته، وتسأله أن يعينك<br />
على نفسك وعلى شيطانك، فتقول: »اللهم رمحتك أرجو فال تكلين إَل نفسي طرفة عني أصلح يل شأين كله ال إله<br />
7<br />
6<br />
إال أنت« ، وتقول: »اللهم آت نفسي تقواها وزَكِّها أنت خري من زكاها، أنت وليها وموالها« ، وتقول: »اللهم إين<br />
9<br />
أعوذ بك من شر مسعي، ومن شر بصري، ومن شر لساين، ومن شر مَنِيِّي« . وأمثال هذه األدعية اليت تستعيد <strong>في</strong>ها<br />
من شرور النفس وتسأل هللا تعاَل حماسن األخالق. والدعاء مخ العبادة وهو سالح املؤمن.<br />
وقد قدمت اجملاهدة على الدعاء لقوله تعاَل:<br />
= 4<br />
}إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ . 8<br />
الصحبة الصا ة: الصحبة صاحلة أو سيئة هلا أثر عظيم يف سلوك العبد، ولذلك أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
ابالحتياط يف الصحبة فقال: »ال تُصَاحِ بْ إِالم مُؤْمِنًا وَال َيَْكُلْ طَعَامَكَ إِالم تَقِ ٌّي« ، 11 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
»الرمجُلُ عَلَى<br />
دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُ ْم<br />
خيَُالِل« ، 11 وعن أيب موسى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
مَنْ ُ<br />
- 1 سورة العنكبوت، اآلية<br />
- 2 سورة حممد، اآلية:<br />
68<br />
17<br />
- 3 وراه البخاري عن أنس<br />
- 4 سورة مرمي، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
69<br />
66<br />
86<br />
- 6 رواه أبو داود إبسناد حسن عن أيب بكرة مرفوعا<br />
- 7 رواه مسلم عن زيد بن أرقم مرفوعا<br />
- 9 رواه الرتمذي وحسنه<br />
- 8 سورة الرعد، اآلية:<br />
11<br />
- 11 رواه أبو داود والرتمذي عن أيب سعيد وإسناده ال أبس به<br />
- 11 رواه أبو داود والرتمذي عن أيب هريرة<br />
099
»إَِّنمَا مَثَلُ اجلَْلِيسِ الصمالِحِ وَجَلِيسِ السموْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَانَفِخِ الْكِريِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِما أَنْ حيُْذِيَكَ وَإِما أَنْ تَبْتَا َع<br />
مِنْهُ وَإِما أَنْ جتَِدَ مِنْهُ رِحيًا طَيِّبَةً وَانَفِخُ الْكِريِ إِما أَنْ حيُْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِما أَنْ جتَِدَ مِنْهُ رِحيًا مُنْتِنَة« . 1 وقال تعاَل: }وَ يَوْ مَ<br />
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مََْ الرَّ سُولِ سَبِيال يَا وَ يْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِ ذْ قُالنًا خَلِيال لَقَ ْد<br />
أَضَلَّنِي عَنْ الذِكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَ كَانَ الشَّيَِْانُ لِإلِنسَانِ خَذُوال{<br />
وهبذا ترى أثر الصحبة على الإنسان سلبيا أو إجيااب. والصحبة الصاحلة الزمة لإلنسان من أجل دينة، ومن أدلة هذا:<br />
قول هللا تعاَل: }وَ الْعَصْرِ إِنَّ اإلْ ِ نسَانَ لَفِي خُسْ ٍر إِالَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَ اصَوْ ا ِ بِالْحَق<br />
وَ تَوَ اصَوْ ا بِالصَّبْرِ } 3 ،<br />
.<br />
2<br />
فعَلمق سبحانه النجاة من اخلسران على أربع خصال: خصلتني منهم يؤديهما الإنسان منفردا<br />
ومها الإميان والعمل الصاحل، وخصلتني ال يؤديهما إال يف اجلماعة ومها التواصي ابحلق والتواصي ابلصرب. وال شك أن<br />
التواصي ابحلق يدخل يف العمل الصاحل، ولكنه أفرد عنه لكونه عمال صاحلا <strong>في</strong>ه تفاعل متارسه اجلماعة املسلمة <strong>في</strong>ما<br />
بينها ال الفرد منفردا، ومن ابب عطف اخلاص على العام من أجل التنبيه على أمهيته، وهذا ينطبق على التواصي<br />
ابلصرب كذلك، فالنجاة من اخلسران مرتتبة على خصال منها ما يؤديه الإنسان منفردا ومنها ماال يؤديه إال يف اجلماعة.<br />
وهذا دليل على أمهية اجلماعة يف حياة الإنسان.<br />
4<br />
وقد قال الشافعي عن هذه السورة: لو تدبر الناس هذه السورة لوَسِ عَتْهم .<br />
واملسلم املُقْدِم على التدريب العسكري واجلهاد هو مِنْ أَوَْل الناس ابلسعي يف تزكية نفسه خاصة إذا كان أمريا أو<br />
قدوة فهو مُقْدِم على مظان القتل، فالواجب عليه تزكية نفسه قبل أن يسلمها إَل ابرئها جل وعال، قال تعاَل: }يَوْ َم<br />
ال يَنْفَُْ مَالٌ وَ ال بَنُو َن إِالَّ<br />
5<br />
مَنْ أَتَى َّللاَّ َ بِقَلْبٍ سَلِي ٍم{ ، والقلب السليم هو السامل من الشرك والنفاق واملعاصي. وقال<br />
6<br />
تعاَل: { وَ أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَ ب ِهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَ ى قَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَ ى{ .<br />
وإذا كان الفوز والفالح يف اآلخرة مُعَلمقَني على التزكية مع بقية شعب الإميان، فإن النصر والغلبة يف الدنيا مها أيضا<br />
معلقان على استكمال الفئة اجملاهدة لشعب الإميان، كما يف قوله تعاَل: }وَ عَدَ َّللاَّ ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا<br />
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْ تَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِلَنَّهُ ْم<br />
211<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 سورة الفرقان، اآلايت:<br />
28<br />
27<br />
- 3 سورة العصر<br />
- 4 ابن كثري<br />
- 5 سورة الشعراء، اآليتان:<br />
6 سورة النازعات، اآليتان:<br />
98<br />
99<br />
41 41
مِنْ بَعْدِ خَوْ قِهِمْ أَمْنًا{ ، 1 وقال جل شأنه: }وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُ وا لِرُ سُلِهِمْ لَنُخْرِ جَنَّكُمْ مِنْ أَرْ ضِ نَا أَوْ لَتَعُودُنَّ<br />
قَأَوْ حَى إِلَيْهِمْ رَ بُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ<br />
وَ لَنُسْكِنَنَّكُمْ األَرْ ضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَ خَافَ وَ عِي ِد{ . 2<br />
وسيأِت مزيد بيان هلذا يف مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد، إن شاء هللا تعاَل.<br />
قِي مِلَّتِنَا<br />
1 سورة النور، اآلية:<br />
210<br />
55<br />
2 سورة ابراهيم، اآليتان:<br />
14 13
السادس من واجبات األمير:<br />
المحافظة على وحدة الجماعة<br />
<br />
احملافظة على مجاعة ما. هي فرع من احملافظة على وحدة األمة املسلمة. واحلفاظ على وحدة املسلمني مقصد هام من<br />
مقاصد الشريعة ومن اجل هذا شُرِعَت أحكام قتال البغاة واخلوارج واملرتدين املهددين لوحدة األمة، ومن أجل هذا<br />
ورد يف الصحيح »إِذَا بُويِعَ خلَِلِيفَتَنيِْ فَاقْتُلُوا اآلخَرَ مِنْهُمَا«. وغري ذلك من األحكام الكثرية هبدف وحدة األمة.<br />
1<br />
قال تعاَل: }وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ الَ تَفَرَّ قُوا{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم اَّللمَ ي َرْضَى لَكُمْ<br />
ثَالَ َثً وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَالَ َثً ي َرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَالَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا حبَِبِْل اَّللمِ مجَِيعًا وَال تَفَرمقُوا وَأَ ْن<br />
2<br />
تَنَاصَحُوا مَنْ وَالمهُ اَّللمُ أَمْرَكُم، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَالََثً: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَاِل« .<br />
ومن أسباب العصمة من االختالف ما ذكره النيب صلى هللا عليه وسلم يف احلديث املشهور: »أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَّللمِ<br />
وَالسممْعِ وَالطماعَةِ وَإِنْ أتَمرَ عَلَيْكُم عَبْدٌ، فَإِنمهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ ي َرَى ا ْختِالَ فًا كَثِريًا فَعَلَيْكُم بِسُنميتِ وَسُنمةِ اخلُْلَفَاِء<br />
الرماشِ دِينَ الْمَهْدِيِّنيَ عَضُّوا عَلَيْهَا ابِلنموَاجِ ذِ وَإِايمكُمْ وَحمُْدََثَتِ األُمُورِ فَإِنم كُلم حمُْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلم بِدْعَةٍ ضَاللَةٌ وَكُلم ضَاللَة<br />
يفِ النمارِ« . 3<br />
وأسباب العصمة من االختالف المذكورة <strong>في</strong> هذا الحديث هي:<br />
تقوى هللا ، وأصلها اخلشية واملراقبة، وهي أصل السببني التاليني ومها السمع والطاعة لوالة األمور والتمسك<br />
ابلسنة. والتقوى يف ذاهتا عالج لبغي النفوس الذي هو من أعظم أسباب التفرق واخلالف، كما قال تعاَل: }وَ مَا<br />
= 0<br />
اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِالَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ<br />
بَغْيًا بَيْنَهُ ْم{ . 4 والتقوى تُكتسب ابالجتهاد يف الطاعة<br />
5<br />
وجماهدة النفس، كما قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَ بَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَ ْبلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُو َن{ .<br />
= 2<br />
السمع والطاعة لوالة األمور: ولو لعبد حبشي كما يف حديث أنس عند البخاري، ما قام بكتاب هللا، يف غري<br />
معصية. وذلك ألن اخلروج على األئمة من أعظم أسباب الفنت يف األمة، حىت قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
- 1 آل عمران، اآلية:113<br />
- 2 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- 3 رواه الرتمذي عن العرابض بن سارية وقال حديث حسن صحيح<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
212<br />
18<br />
21
»من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه، فإنه من فارق اجلماعة شربا فمات إال مات ميتة جاهلية« . 1 فطاعة أويل<br />
األمر واألمراء يف غري معصية من أهم أسباب حفظ وحدة اجلماعة واألمة.<br />
= 3 اإلتِباع )اتِباع السنة( ونبذ االبتداع، كما يف احلديث: »فَعَلَيْكُم بِسُنميتِ إَل قوله وَإِايمكُم وَحمُْدََثَتِ األُْمُوِر«.<br />
ذلك ألن احلق واحد والباطل يتشعب، كما يف حديث عبد هللا بن مسعود يف تفسري }وَ أَنَّ هَذَا صِ رَ اِِي مُسْتَقِيم ًا<br />
قَاتَّبِعُوهُ وَ الَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ قَتَفَرَّ قَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ{. فإذا اتبع الناسُ احلقم اجتمعوا يف سبيل واحد، وإذا حادوا عنه<br />
تفرقت هبم سبل الشيطان. ووقعت الفرقة واخلصومات بينهم.<br />
الشريعة<br />
وهله عقوبة قدرية واقعة ال حمالة بكل من خالفوا<br />
2<br />
كما قال تعاَل: }قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ وا بِهِ قَأَغْرَ يْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَ ةَ وَ الْبَغْضَا َء{ ، وقال تعاَل: }قَلْيَحْذَرْ<br />
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِ هِ أَنْ تُصِ يبَهُمْ قِتْنَةٌ أَوْ يُصِ يبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ ، 3 وقال تعاَل: }قَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ قَقَدْ<br />
اهْتَدَوا وَ إِنْ تَوَ لَّوْ ا قَإِنَّمَا هُمْ قِي شِقَاقٍ قَسَيَكْفِيكَهُمْ َّللاَّ ُ وَ هُوَ السَّمِيُْ الْعَلِي ُم{ ، 4 وقال تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّ َّللاَّ َ نَزَّ لَ الْكِتَابَ<br />
ِ بِالْحَق وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا قِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{ . 5<br />
فكل من تولوا عن احلق أو خالفوا الكتاب أو نسوا حظا مما ذكروا به، فإَّنا هم يف شقاق وعداء، وبغضاء، وهذه<br />
عقوبة قدرية، فَأَىنم ملثل هؤالء أن ي َثْبُتوا يف قتال.<br />
كذلك فإن األلفة واالجتماع إَّنا تكون ابتباع السنن واالنقياد حلكم هللا تعاَل ابطنا وظاهرا، وهذه مثوبة قدرية، قال<br />
تعاَل: }وَ اذْكُرُ وا نِعْمَةَ َّللاَّ ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ انًا{ ، 6 وقال سبحانه:<br />
}وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا قِي األَرْ ضِ جَمِيع ًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِ يزٌ حَكِي ٌم{ . 7<br />
وسيأِت مزيد بيان هلذا يف مسألة )أصول االعتصام ابلكتاب والسنة( إن شاء هللا.<br />
أردت من هذه العجالة التنبيه على عِظَم شأن هذا املقصد الشرعي وهو احلفاظ على وحدة الصف املسلم كأنه بنيان<br />
9<br />
مرصوص كما حيب املوَل جل وعال: }إِنَّ َّللاَّ َ يُحِ بُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْ صُو ٌص{ ، وهذا<br />
- 1 متفق عليه عن ابن عباس<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة النور، اآلية:<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
213<br />
14<br />
63<br />
137<br />
176<br />
- 6 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 7 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 9 سورة الصف، اآلية:<br />
113<br />
63<br />
4
التماسك من ضرورات اجلهاد ومن أسباب النصر }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُ ْم{ ، 1 وإغفال هذا األصل هو<br />
من أهم أسباب هوان املسلمني.<br />
فالواجب على كل مسلم أمريا كان أو مأمورا أن يقوم مبا جيب عليه لتحقيق هذا املقصد الشرعي و<strong>في</strong>ما خيت<br />
التدريب عليه التزام النصائح التالية لتحقيق هذا اهلدف:<br />
= 4<br />
أبمري<br />
أن ال ميالئ من انسبه أو وافق رأيه ومذهبه على من ابينه يف نسب أو خالفه يف رأي ومذهب حىت ال تفرتق<br />
الكلمة. بل يسوي بني أتباعه يف املعاملة. وال يقرب منه أهل الشرف والوجاهة وجيايف مَنْ دُوهنَم، قال تعاَل: }عَبَ َس<br />
وَ تَوَ لَّى أَنْ جَاءَهُ األْ َعْمَى وَ مَا يُدْرِ يكَ لَعَلَّهُ يَزَّ كَّى أَوْ يَذَّكَّرُ قَتَنْفَعَهُ الذِكْرَ ى أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى قَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَ مَا<br />
عَلَيْكَ أَالَّ يَزَّ كَّى وَ أَمَّا مَ ْن جَاءَكَ يَسْعَى وَ هُوَ يَخْشَى قَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَالَّ إِنَّهَا تَذْكِرَ ةٌ }<br />
أال ينساق مع الوشاايت إن حدثت بل إن بلغته هتمة فَعَلَيْه أن يتحقق <strong>في</strong>ها بنفسه أو مبن ينيبه، لقوله تعاَل: }إِنْ<br />
َني<br />
جَاءَكُمْ فَاسِ قٌ بِنَبَإٍ فد تد بد يد نُوا أ نْ تُصِيبُوا قد وْم ا ِبِ ه ال ة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ انَدِمِ<br />
عليه أن يبني ألتباعه ما التبس من األمور حىت يقطع القيل والقال. ومن هذا فِعْل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
.<br />
2<br />
. 3 }<br />
= 5<br />
ملا قسم غنائم حنني فأعطى املؤلفة قلوهبم ومل يعط األنصار، فوجدوا يف أنفسهم، فخطبهم النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
وبَنيم هلم احلكمة <strong>في</strong>ما فعله، كما روى البخاري عن أنس<br />
<br />
قال: »قال انس من األنصار حني أفاء هللا على رسوله<br />
صلى هللا عليه وسلم ما أفاء من أموال هوزان، فطفق النيب صلى هللا عليه وسلم يعطي رجاال املائة من الإبل فقالوا<br />
يغفر هللا لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم يعطي قريشا ويرتكنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس: فحُدِّث رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم مبقالتهم، فأرسل إَل األنصار فجمعهم يف قُبمة من أَدَم، ومل يَدْعُ معهم غريهم، فلما اجتمعوا قام<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم فقال: ما حديث بلغين عنكم؟ فقال فقهاء األنصار: أما رؤساؤان اي رسول هللا فلم يقولوا<br />
شيئا، وأما انس منا حديثة أسناهنم فقالوا يغفر هللا لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم، يعطي قريشا ويرتكنا، وسيوفنا تقطر<br />
من دمائهم. فقال النيب صلى هللا عليه وسلم: فإين أعطي رجاال حديثي عهد بكفر أأتلفهم، أما ترضون أن يذهب<br />
الناس ابألموال وتذهبون ابلنيب صلى هللا عليه وسلم إَل رحالكم؟ فوهللا ملا تنقلبون به خري مما ينقلبون به. قالوا اي<br />
4<br />
رسول هللا، قد رضينا« .<br />
ويف رواية أخرى للبخاري عن أنس »فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إن قريشا حديثُ عهد جباهلية ومصيبة،<br />
5<br />
وإين أردت أن أَجْربَُهم وأأتلفهم« .<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 2 سورة عبس، اآلايت:<br />
214<br />
11<br />
46<br />
1<br />
- 3 سورة احلجرات، اآلية: 6<br />
- 4 حديث 4331<br />
- 5 حديث 4334
ويف رواية أخرى للبخاري عن عبد هللا بن زيد أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال بعد ذلك: »لوال اهلجرة لكنت<br />
امرءا من األنصار، ولو سلك الناس واداي وشِ عْبا لَسَلَكْت وادي األنصار وشعبها، األنصار شِ عَار والناسُ دَِثَر، إنكم<br />
1<br />
ستلقون بعدي أثرة، فاصربوا حىت تلقوين على احلوض« .<br />
وقال ابن حجر يف الفتح: ]ويف احلديث: أن الكبري ينبه الصغري على ما يغفل عنه، ويوضح له وجه الشبهة لريجع<br />
إىل ا ق، قال: ومشروعية اخلطبة عند األمر الذي حيدث سواء كان خاصا أم عاما، قال: و<strong>في</strong>ه تسلية من فاته شيء<br />
من الدنيا مما حصل له من ثواب اآلخرة إَل قوله وتقدمي جانب اآلخرة على الدنيا، والصرب عما فات منها ليُدمخر<br />
2<br />
ذلك لصاحبه يف اآلخرة، واآلخرة خري وأبقى[ .<br />
ومثل هذا خطاب النيب صلى هللا عليه وسلم يف األوس واخلزرج لَما أوقع بينهم اليهودي إذ ذكرهم حبروهبم يف<br />
اجلاهلية، فحميت نفوسهم وكادوا يقتتلون. فقال صلى هللا عليه وسلم : »أبدعوى اجلاهلية وأن بني أظهركم؟« فندموا<br />
واصطلحوا وتعانقوا<br />
. 3<br />
= 6<br />
وعلى األمري أال يسمح ابجلدال والنقاش اللي يندي إىل تفرقة الكلمة، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
»اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَ ْت<br />
=<br />
7<br />
4<br />
عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ« . فإذا ورد األمر ابلقيام عند االختالف يف القرآن<br />
فغري القرآن من علوم الشريعة أو أمور الدنيا أحرى بذلك، فهو من ابب التنبيه ابألعلى على األدىن.<br />
واألمور افال<strong>في</strong>ة بني اإلخوة تدُر د إىل األمري ومن معه من أهل العلم، وال ي َتَمَارَوا <strong>في</strong>ها لقوله<br />
تعاَل: }وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ األَمْنِ أَوْ الْخَوْ فِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األَمْ ِر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ<br />
الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ ، 5<br />
وروى الإمام أمحد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بعض الصحابة متاروا يف<br />
آية من القرآن حىت ارتفعت أصواهتم فخرج رسول هللا مغضبا وقال: »مَهْال ايَ قَوْمِ هبَِذَا أُهْلِكَتِ األُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ<br />
ابِخْتِالفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَضَرْهبِِمُ الْكُتُبَ ب َعْضَهَا بِبَعْضٍ إِنم الْقُرْآنَ ملَْ ي َنْزِلْ يُكَذِّبُ ب َعْضُهُ ب َعْضًا إَّنا نزل يُصَدِّقُ ب َعْضُهُ<br />
ب َعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ و م ا ج هِلْتُمْ مِنْهُ فد رُدُّوهُ إِىل ع الِمِ ِه« أو كما قال صلى هللا عليه وسلم6<br />
قلت: ومن ذلك ما رواه البخاري بسنده عن عبيد هللا بن عبد هللا<br />
.<br />
»أن ابن عباس متََارَى هو واحلُرُّ بن قيس يف<br />
صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر. فمر هبما أُيبٌَّ بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إين متاريت أان وصاحيب<br />
215<br />
- 1 حديث 4331<br />
- 2 )فتح الباري( ج 9 ص 52<br />
- 3 انظر تفسري }وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اَّللمِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً{ من سورة آل عمران البن كثري.<br />
- 4 رواه البخاري عن جندب بن عبد هللا<br />
- 5 سورة النساء، االية:<br />
93<br />
- 6<br />
وهذا احلديث صححه أمحد شاكر يف تعليقه على مسند الإمام أمحد )حديث<br />
ط 1413ه ، ص 219( وحسن بعضها )مشكاة املصابيح بتحقيقه<br />
6945(، وصحح<br />
)36 / 1<br />
الشيخ األلباين بعض طرقه )شرح العقيدة الطحاوية
هذا يف صاحب موسى الذي سأل موسى الذي سأل موسى السبيلَ إَل لُقِيِّه، هل مسعت النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
يلكر شأنه؟ قال أُيب<br />
التجادل يف العلم إذا كان بغري تعنت،<br />
نعم، مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول<br />
1<br />
»...<br />
قال ابن حجر: ]ويف احلديث جواز<br />
2<br />
والرجوع إىل أهل العلم عند التنازع، والعمل ِبري الواحد الصادق ...[ .<br />
قلت: فإذا مل يكن لدى املسئولني يف املعسكر جواب لألمور اخلال<strong>في</strong>ة، تؤجل هذه إَل حني سؤال املختصني إما<br />
مبراسلتهم أو ابلرجوع إليهم، كما حدث من الصحابة ملا اختلفوا مع أمرائهم فرجعوا إىل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
فأفتاهم. ومن أمثلة هذا: لَما أَمَرَ عبد هللا بن حذافة أصحابه أن يُوقدوا انرا ُث يدخلوها فامتنعوا ، وكذلك ملا أمر<br />
4<br />
خالد بن الوليد أصحابه بقتل األسرى من بين جذمية فامتنعوا ، وكان األمراء على خطأ يف هذين املثالني. قال تعاَل:<br />
}قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ{ أي الكتاب والسنة إمجاعا.<br />
= 8<br />
وعلى األمري أال يسمح بتكوين حتزابت داخل اجلماعة، مبا يفرق الشمل ويزرع اخلصومات وهنا تنبيه هام<br />
فالتجمعات داخل مجاعةٍ ما نوعان: جائز حممود، ومنهي عنه مذموم.<br />
فاجلائز احملمود: هو اجتماع كل فئة تربطها رابطة، مثل جتمع أهل البلد الواحد أو القبيلة الواحدة أو اللغة الواحدة وما<br />
شابه ذلك، فالسنة أن يقاتل كل رجل مع قومه، وقال تعاَل: }وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوب ًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَ قُوا{ . 5 وعلى األمري<br />
أن جيعل على كل طائفة عريفا يرفع إليه أخبارهم وينقل إليهم توجيهات األمري، وروى أبو داود من طريق املقدام مب<br />
معد يكرب رفعه »العَرَافَة حق والبد للناس من عريف«، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ارْجِ عُوا حَىتم ي َرْفَعَ<br />
إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ« ، 6 وقال ابن حجر: ]قال ابن بطال: يف احلديث مشروعية إقامة العرفاء ألن الإمام ال ميكنه أن<br />
يباشر مجيع األمور بنفسه <strong>في</strong>حتاج إَل إقامة من يعاونه ليك<strong>في</strong>ه ما يقيمه <strong>في</strong>ه، قال: واألمر والنهي إذا توجه إَل اجلميع<br />
يقع التوكل <strong>في</strong>ه من بعضهم فرمبا وقع التفريط، فإذا أقام على كل قوم عريفا مل يسع كل أحد إال القيام مبا أُمِر به[ . 7<br />
وعلى األمري ]أن جيعل لكل طائفة شعارا ي َتَدَاعَون إليه ليصريوا به متميزين، وابالجتماع <strong>في</strong>ه متظاهرين. وقد عروة بن<br />
الزبري عن أبيه )أن النيب صلى هللا عليه وسلم جعل شعار املهاجرين: اي بين عبد الرمحن، وشعار اخلزرج: اي بين عبد<br />
هللا، وشعار األوس: اي بين عبيد هللا، وسعى خيله خيل هللا(<br />
. 8 ] 9<br />
216<br />
- 1 احلديث رقم 74<br />
- 2 )فتح الباري )168 / 1<br />
- 3 رواه البخاري عن علي، حديث: 7145<br />
- 4 رواه البخاري عن ابن عمر، حديث 7198<br />
- 5 سورة احلجرات، اآلية:<br />
13<br />
- 6 رواه البخاري<br />
- 7 )فتح الباري( ج 13 ص 168<br />
- 9 رواه البيهقي<br />
- 8 )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص 41
أما التجمعات امللمومة: فأنواع منها: التجمعات العصبية اليت ت ُعْلِي رابطة النسب أو غريها على رابطة الإسالم،<br />
وهي اليت قال <strong>في</strong>ها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
«<br />
= 8<br />
من قاتل حتت راية عُمِّية يغضب لعصبة أو يدعو عصبة أو<br />
جاهلية<br />
1<br />
ينصر عصبة فقُتِل فقِتْلَةٌ » . ومن التجمعات املذمومة: التحزابت الدينية: كالتعصب ملذهب فقهي أو شيخ<br />
2<br />
أو رأي يف الدين ومثل ذلك، قال تعاَل: }وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ ال تَفَرَّ قُوا{ ، وقال تعاَل: }أَنْ أَقِيمُوا<br />
3<br />
الدِينَ وَ الَ تَتَفَرَّ قُوا قِيهِ{ ، وقال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ قَرَّ قُوا دِينَهُمْ وَ كَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ قِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُ هُمْ إِلَى<br />
4<br />
َّللاَّ ِ ثُمَّ يُنَب ِئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{ . فالواجب على األمري منع هذه التحزابت املذمومة اليت هتدد وحدة الصف.<br />
ومما جيب على األمري احلفاظ على وحدة اجلماعة أن يبعد من خيشى ضرره ممن معه من األعضاء، بعد استشارة<br />
أهل مشورته، كمن يسعى ابلنميمة والوقيعة بني الناس أو مَنْ يسبب ضررا الستمرار املهمة التدريبية وحنو ذلك. وقال<br />
الفقهاء إن على األمري ]أن يتصفح اجليش ومن <strong>في</strong>ه، <strong>في</strong>خرج منهم من كان <strong>في</strong>ه ختذيل للمجاهدين، وإرجاف<br />
للمسلمني أو عني عليهم للمشركني. قد رَدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عبد هللا بن أيب بن سلول يف بعض غزواته<br />
لتخذيله املسلمني[ . 5<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ])فصل(<br />
وال يستصحب األمري معه ُملال<br />
وهو الذي يثبط الناس عن الغزو ويزهدهم يف<br />
اخلروج إليه والقتال واجلهاد مثل أن يقول احلر والربد شديد واملشقة شديدة وال يؤمن هزمية هذا اجليش وأشباه هذا.<br />
وال مرجفا وهو اللي<br />
يقول قد هلكت سرية املسلمني وما هلم مدد وال طاقة هلم ابلكفار، والكفار هلم قوة ومدد<br />
وصرب وال يثبت هلم أحد وحنو هذا، وال من يعني على املسلمني ابلتجسس للكفار وإطالعهم على عورات املسلمني<br />
ومكاتبتهم أبخبارهم وداللتهم على عوراهتم أو إيواء جواسيسهم وال من يوقع العدواة بني املسلمني ويسعى ابلفساد<br />
لقول هللا تعاَل: }وَ لَكِنْ كَرِ هَ َّللاَّ ُ انْبِعَاثَهُمْ قَثَبََِّهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مََْ الْقَاعِدِي َن لَوْ خَرَ جُوا قِيكُمْ مَا زَ ادُوكُمْ إِالَّ خَبَاال<br />
وَ ألَوْ ضَعُوا خِ الَ لَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ{ وألن هؤالء مضرة على املسلمني <strong>في</strong>لزمه منعهم، وإن خرج معه أحد هؤالء مل<br />
يُسْهم له ومل يرضخ وإن أظهر عون املسلمني ألنه حيتمل أن يكون أظهره نفاقا وقد ظهر دليله <strong>في</strong>كون جمرد ضرر فال<br />
يستحق مما غنموا شيئا وإن كان األمري أحد هنالء مل يستحب افروج معه ألنه إذا منع خروجه تبعا فمتبوعا أوَل<br />
6<br />
وألنه ال تؤمن املضرة على من صحبه[ .<br />
- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- 2 آل عمران، اآلية:113<br />
- 3 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 4 سورة األنعام، اآلية:<br />
217<br />
13<br />
158<br />
- 5 )األحكام السلطانية( أليب يعلى ص 41<br />
- 6 )املغين و الشرح الكبري( ج 11 ص 372
=<br />
11<br />
وعلى األمري<br />
أن ينصف أتباعه بعضهم من بع<br />
، فإذا وقعت خصومات بني أتباعه فعليه أن يفصل <strong>في</strong>ها<br />
بنفسه، أو يعني انئبا عنه للمظامل ينصف املظلوم وَيخذ على يد الظامل ابلزجر والتعزير، لتصري األمور ابلعدل منضبطة،<br />
ونقمة الرب عن اجلند مرتفعة، مع االحرتاز من توقيع العقوابت البليغة إذا كان اجلند أبرض العدو، بدار احلرب حلديث<br />
1<br />
»ال تُقطع األيدي يف الغزو« ، والعمل عليه عند بعض أهل العلم، منهم األوزاعي أن ال يقام احلد يف الغزو حبضرة<br />
2<br />
العدو، وخمافة أن ي َلْحَق مَن يُقام عليه احلد ابلعدو، فإذا رجع الإمام إَل دار الإسالم أقام عليه احلد . وقال ابن قدامة<br />
إن هذه املسألة عليها إمجاع من الصحابة وقال هبا األوزاعي وإسحاق وخالف <strong>في</strong>ها مالك والشافعي وأبو ثور وابن<br />
3<br />
املنذر .<br />
قلت: فإذا كانت اخلصومة<br />
بني الإخوة املسلمني يف حق بعضهم بعضا، فالإصالح أوَل من العقوبة، وعلى األمري أو<br />
انئبه أن يعظ املتخاصمني ويذكرهم أبم يتعارفوا <strong>في</strong>ما بينهم وأن يتناسوا حظوظ أنفسهم خاصة يف ساحة اجلهاد،<br />
4<br />
والإصالح أنفع من العقوبة يف إزالة الشحناء والبغضاء، قال تعاَل: }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُ ْم{ ، وقال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : »أال أخربكم أبفضل من درجة الصوم والصالة والصدقة؟« قالوا بلى اي رسول هللا؟ قال:<br />
5<br />
»إصالح ذات البني، وفساد ذات البني احلالقة« .<br />
= 11<br />
وعلى األمري أال يستأثر بشيء دون أتباعه حىت ال تتغري القلو عليه، فعليه أن َيكل مما َيكلون وينام كما<br />
ينامون ويركب كما يركبون أو دوهنم، وال خيص نفسه بشيء من املتاع دوهنم إال ما تستدعيه ضرورة عمله. وعليه أن<br />
يشاركهم يف التدريبات املختلفة فذلك أنشط هلم وأكثر فائدة له ما أمكنه ذلك.<br />
= 02<br />
وجيوز لألمري أن يسوس أتباعه ابألمر املفضول إذا دعت املصلحة إىل ذلك، ما مل يكن حمرما، ودليل ذلك<br />
ما رواه البخاري بسنده عن األسود بن يزيد: كانت عائشة تُسِ رُّ إليك كثريا، فما حدثتك يف الكعبة؟ قلت: قالت يل:<br />
قال النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
: »اي عائشة لوال قومك حديث عهدهم قال ابن الزبري:<br />
بكفر لنقضت الكعبة<br />
فجعلت هلا اببني: ابب يدخل الناس، وابب خيرجون« ففعله ابن الزبري . 6 وقال ابن حجر: ]يف احلديث معىن ما ترجم<br />
له أن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا، فخشي صلى هللا عليه وسلم أن يظنوا ألجل قرب عهدهم ابلإسالم أنه<br />
غَريم بناءها لينفرد ابلفخر عليهم يف ذلك،<br />
ويستفاد منه ترك املصلحة ألمن الوقوع يف املفسدة، ومنه ترك إنكار<br />
218<br />
- 1<br />
رواه أبو داود والرتمذي والنسائي عن بشر بن أرطأة )ويقال بسر بن أرطأة، أو ابن أيب أرطأة، ويف صحبته ومساعه من النيب خالف. قال<br />
الرتمذي: حديث غريب<br />
- 2 )نصب الراية( للزيلعي ج 3 ص 344<br />
- 3 )املغين والشرح الكبري( ج 11 ص 537<br />
- 4 سورة األنفال، اآلية:<br />
539<br />
1<br />
- 5 رواه الرتمذي وصححه عن أيب الدرداء، واحلالقة أي اليت حتلق الدين<br />
- 6<br />
روى الإمام البخاري هذا احلديث يف كتاب العلم من صحيحه )ابب من ترك بعض االختيار خمافة أن ي َقْصُر فَهْمُ بعض الناس عنه <strong>في</strong>قعوا يف أشد<br />
منه( وكلمة االختيار تعىن املباحات واملستحبات ال األوامر والنواهي حيث ال اختيار.
املنكر خشية الوقوع يف أنكر منه، وأن اإلمام يسوس رعيته مبا <strong>في</strong>ه إصالحهم ولو كان مفضوال ما مل يكن حمرما[<br />
، 1<br />
والشاهد من احلديث أن األمر األفضل هو تعديل بناء الكعبة واملفضول تركها على حاهلا، فالنيب صلى هللا عليه وسلم<br />
ترك األفضل واكتفى ابملفضول إذ كان هو األصلح يف سياسة الناس، وهذا كما قلنا يف االختيار أي ما يسع املرء فعله<br />
أو تركه وال يرتتب على تركه إُث.<br />
وذكرت مسألة سياسة الرعية ابألمر املفضول يف ابب وحدة اجلماعة إذ احلكمة من ترك األفضل هو االحرتاز من<br />
الشقاق وافالف. وال ينبغي آلحاد الرعية أن يطالب األمري ابألفضل طاملا أداه اجتهاده إَل أن العمل ابملفضول<br />
أصلح للناس وأمجع لشملهم<br />
من االختالف والتفرق وهذا يدخل يف قاعدة )درء املفاسد أوَل من جلب املنافع(<br />
وقال الشيخ أمحد الزرقا يف شرح هذه القاعدة: ]فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قُدِّم دفع املفسدة غالبا ألن اعتناء<br />
الشارع ابملنهيات أشد من اعتنائه ابملأمورات، قال عليه الصالة والسالم: »ما هنيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا<br />
3 2<br />
منه ما استطعتم« ] .<br />
وال يسوغ آلحاد الرعية خمالفة األمري يف هذا ما مل يكن املفضول<br />
إمثا، بل على الكل اتباع األمري حفاظا على وحدة<br />
اجلماعة. ومن أمثلة هذا متابعة عبد هللا بن مسعود وعبد هللا بن عمر ألمري املؤمنني عثمان بن عفان لَما أمت الصالة<br />
مبِِىنَ يف موسم احلج، رضي هللا عنهم، خالفا لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم وسنة أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما يف<br />
ذلك، إذ كانوا ي ُقْصِرون الصالة مبىن. روى مسلم عن انفع عن ابن عمر قال: )صَلمى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
مبىن ركعتني، وأبو بكر بعده، وعمر بعده، وعثمان صدرا من خالفته، ُث إن عثمان صَلمى ب َعْدُ أربعا، فكان ابن عمر<br />
إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتني(. وروى البخاري ومسلم قريبا من هذا عن عبد هللا بن<br />
مسعود فعن عبد هللا بن زيد قال: )صلى بنا عثمان بن عفان مبىن أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد هللا بن مسعود ،<br />
فاسرتَْجَع ُث قال: صليت مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مبِىن ركعتني، وصليت<br />
وصليت مع عمر<br />
مع أيب بكر<br />
<br />
مبِىن ركعتني،<br />
مبِىن ركعتني، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(. وقال ابن حجر: ]وإَّنا اسرتجع ابن<br />
مسعود ملا وقع عنده من خمالفة األَوَْلَ ، ويؤيده ما رواه أبو داود )أن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له: عِبْتَ عَلَى<br />
عثمان ُث صليت أربعا، فقال اخلالف شر( ويف رواية البيهقي )إين ألكره اخلالف([ . 4<br />
قلت: فهنا اتبع الصحابة عثمان يف العمل ابملفضول )وهو إمتام الصالة( وترك األفضل )وهو قصرها( سدا لذريعة<br />
االختالف كما قال ابن مسعود. وقد كان عثمان<br />
<br />
متأوِّال يف إمتامه . 5<br />
219<br />
225 حديث 126<br />
- 1 )فتح الباري( ج 1 ص 224<br />
- 2 متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 3 )شرح القواعد الفقهية( ط 1 ص 151<br />
28 قاعدة<br />
- 4 )فتح الباري( 564 / 2<br />
- 5 انظر فتح الباري 571 / 2
= 13<br />
أعمال الرب اليت جيوز <strong>في</strong>ها التنافس والتسابق بني املسلمني مبا يؤدي إَل التنازع يدُعْم ل <strong>في</strong>ها ابلقرعة الختيار من<br />
يقوم ابلعمل. واألصل يف هذا حديث النيب صلى هللا عليه وسلم: »لَوْ ي َعْلَمُ النماسُ مَا يفِ النِّدَاءِ وَالصمفِّ األَوملِ ُثُم ملَْ<br />
1<br />
جيَِدُوا إِالم أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ السْتَهَمُوا« ، والنداء هو األذان، والإسهام هو القرعة وال خيفى أن حمل هذا إذا تكافأ<br />
رجالن أو أكثر يف استيفاء شروط هذا العمل كإمامة الصالة واألذان، وكان النيب صلى هللا عليه وسلم ي ُقْرِعُ بني<br />
نسائه يف السفر، وقال ابن تيمية: ]فإذا تكافأ رجالن وخ<strong>في</strong> أصلحهما أقرع بينهما، كما أقرع سعد بن أيب وقاص بني<br />
الناس يوم القادسية ملا تشاجروا على األذان متابعة لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »لَوْ ي َعْلَمُ النماسُ مَا يفِ<br />
النِّدَاءِ«<br />
2<br />
احلديث[ . أما الوالايت واألعمال اليت من حق األمري أن يقطع <strong>في</strong>ها برأيه فليس <strong>في</strong>ها اقرتاع.<br />
وقد أفرد البخاري رمحه هللا اباب يف كتاب الشهادات من صحيحه بعنوان )ابب القُرعة يف املُشْكِالت( وذكر <strong>في</strong>ه قولَه<br />
4<br />
3<br />
تعاَل: }إِذْ يُلْقُونَ أَقْالمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْ يَ َم{ ، وقوله تعاَل: }قَسَاهَمَ قَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِ ينَ{ ، ُث ذكر مخسة<br />
أحاديث: األول حديث أيب هريرة يف القرعة على اليمني، والثاين حديث النعمان بن بشري »كَمَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى<br />
سَفِينَةً فَصَارَ ب َعْضُهُمْ يفِ أَسْفَلِهَا وَب َعْضُهُمْ يفِ أَعْالهَا«، والثالث حديث أم العالء يف قرعة األنصار على سكىن<br />
املهاجرين، والرابع حديث عائشة يف أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بني نسائه، واخلامس<br />
حديث أيب هريرة يف القرعة على األذان والصف األول. ُث قال ابن حجر يف الشرح: ])ابب القرعة يف املشكالت( أي<br />
مشروعيتها، ووجه إدخاهلا والنزاع ابلبينة، كذلك ت ُقْطَع ابلقرعة إَل قوله<br />
القرعة مما اختلف <strong>في</strong>ه، واجلمهور على القول<br />
هبا يف اجلملة، وأنكرها بعض احلن<strong>في</strong>ة، وحكى ابن املنذر عن أيب حنيفة القول هبا، وجعل املصنف البخاري ضابطها<br />
األمر املُشكِل،<br />
5<br />
وفسرها غريه مبا ثبت <strong>في</strong>ه ا ق الثنني فأكَر وتقع املشاححة <strong>في</strong>ه، <strong>في</strong>قرع لفصل النزاع[ .<br />
قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يُحِ بُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْ صُو ٌص{ وقوة الصف املنمن تكون بقوة<br />
الصِالت بني أفراده كما يف حديث أيب موسى مرفوعا:<br />
»املؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا«<br />
وشَبمك بني<br />
7<br />
6<br />
أصابعه ، وحديث النعمان بن بشري مرفوعا: »مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهم« . فكلما ازدادت الصالت الإميانية<br />
بني املسلمني كلما ازدادت قوة صفهم القتايل. وواجب األمري رعاية األوَل ليحقق الثانية.<br />
- 1 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
201<br />
- 2 )جمموع الفتاوى( ج 29 ص 264<br />
- 3 سورة آل عمران،<br />
44<br />
- 4 سورة الصافات، اآلية:<br />
284<br />
141<br />
- 5 )فتح الباري( ج 5 ص 282<br />
6 متفق عليه<br />
7 احلديث متفق عليه
الواجب السابع من واجبات األمير:<br />
تقييم كفاءات أتباعه<br />
معسكرات التدريب مرحلة من مراحل اجلهاد،<br />
أو هي املرحلة األوَل منه، <strong>في</strong>نبغي أن خيرج األمري من املعسكر بتقييم<br />
ألتباعه من كافة الوجوه، وهذا التقييم على درجة عالية من األمهية يف تكليف األتباع ابملهام املختلفة يف املراحل<br />
اجلهادية املختلفة.<br />
وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إَِّنمَا النماسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةِ ال تَكَادُ جتَِدُ فِيهَا رَاحِ لَةً« ، 1 والراحلة هي اليت<br />
تصلح للركوب، ألن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئا سهل االنقياد، ومعىن احلديث أن أكثر الناس أهل<br />
2<br />
نق ، أما أهل الفضل فعددهم قليل، وأن م املَرْضِي األحوال من الناس الكامل األوصاف قليل . وهلا ا ديث يدل<br />
على اختالف كفاءات الناس، وأن املرضي قليل، مما يبني أمهية التقييم واالختيار احلسن.<br />
وقد ذكرت من قبل قول هللا تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ ، 3 وقول النيب صلى هللا عليه<br />
و كَيْفَ إِضَاعَتُهَا، قال صلى هللا عليه وسلم: »إِذَا وُسِّ دَ األَمْرُ لِغَريِْ<br />
َ<br />
»إِذَا ضُيِّعَتِ األَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السماعَةَ« قيل:<br />
<br />
وسلم :<br />
أَهْلِهِ« . 4<br />
=<br />
1<br />
=<br />
=<br />
=<br />
والوالايت واألعمال أماانت وذلك ابلن ، لقول النيب صلى هللا عليه وسلم أليب ذر عندما سأله العمل »ايَ أَابَ<br />
ذَرٍّ إِنمكَ ضَعِيفٌ وَإِهنمَا أَمَانَةُ«، فمِنَ الواجب معرفة أهلها، أي جيب معرفة الكفء لكل عمل من األعمال حىت يتسىن<br />
أداء األماانت يف الوالايت واألعمال كما أمر هللا تعاَل به ورسوله صلى هللا عليه وسلم ولذلك فإن معرفة كفاءات<br />
األفراد ومستوايهتم ينبغي أن يكون من األهداف الرئيسية ألي معسكر.<br />
وللوصول إَل تقييم جيد للفرد ميكن اتباع الوسائل التالية.<br />
<strong>إعداد</strong> بيان عضوية لكل فرد: ميكن <strong>إعداد</strong> بيان عضوية لكل فرد يلتحق مبعسكر التدريب يُعِدُّه الفرد بنفسه،<br />
على أن يشمل هذا البيان على ما يلي:<br />
إمسه وكنيته<br />
أمساء أقاربه وعناوينهم ليتسىن إبالغهم يف حالة ما إذا استشهد العضو أو أصيب.<br />
اتريخ ميالده )وقد ذكرت مسألة مراعاة السن يف الوالايت من قبل(.<br />
- 1 رواه البخاري عن ابن عمر<br />
200<br />
- 2 )فتح الباري( 335 / 11<br />
- 3 النساء، اآلية: 59<br />
- 4 رواه البخاري
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
املراحل الدراسية اليت قطعها.<br />
العلوم الشرعية اليت درسها، مع بيان حمفوظاته.<br />
اخلربات واملهارات اخلاصة.<br />
اخلربات العسكرية السابقة.<br />
اللغات اليت جييدها.<br />
املهنة احلالية واملهن السابقة.<br />
احلالة الصحية مع ذكر العاهات واألمراض املزمنة إن وجدت.<br />
عدد األفراد الذين يعوهلم العضو وأعمارهم إذا كان سيصرف هلم عطاء.<br />
األماانت اليت أودعها يف إدارة املعسكر.<br />
الوصية، لتن<strong>في</strong>ذها يف حالة استشهاده.<br />
وميكن إضافة بياانت أخرى إذا رأى املسئول عن املعسكر ذلك.<br />
واألصل الشرعي ل<strong>إعداد</strong> هذه البياانت مأخوذ من سنة أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب<br />
1<br />
اجلند، قيل مبشورة خالد بن الوليد، وذلك سنة عشرين هجرية .<br />
<br />
= 2<br />
عن ذلك.<br />
يف إنشاء الدواوين لتسجيل<br />
سنال العضو عن نفسه إذا أراد األمري معرفة بياانت أخرى أو الإستفسار عما كتبه العضو، فلألمري أن يسأله<br />
فقد روى الرتمذي عن أيب هريرة قال: )بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم، فاستقرأ<br />
كل واحد منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال ما معك ايفالن؟ فقال معي كذا وكذا<br />
2<br />
وسورة البقرة فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال صلى هللا عليه وسلم : اذهب فأنت أمريهم( . وتولية مثل هذا<br />
حممول على استوائهم يف الكفاءات األخرى، وإال فقد ذكرت من قبل جواز تولية املفضول دينا إذا كان أصلح من<br />
غريه للعمل.<br />
= 3<br />
مراقبة سلوك العضو: املعسكرات من أفضل األماكن ملراقبة سلوك العضو من وجهني:<br />
األول: سلوكه يف خاصة نفسه: أدبه عبادته ورعه إتقانه لعمله.<br />
الثاين: سلوكه يف حق إخوانه: وسوف أحتدث عن هذه املسألة يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل، حيث أبني أن<br />
سلوك الفرد يف حق إخوانه له شقان: كف األذى عنهم وجلب النفع هلم.<br />
243<br />
- 1 انظر األحكام السلطانية للماوردي ص 213<br />
216، األحكام السلطانية أليب يعلى ص<br />
- 2 قال الرتمذي هذا حديث حسن. وذكره ابن كثري يف فضائل سورة البقرة<br />
241<br />
202
وهذا األثر التايل يبني أمهية املعسكرات يف تقييم سلوك الفرد. روى سليمان بن حرب قال: )شهد رجل عند عمر بن<br />
اخلطاب ، فقال له عمر إين لست أعرفك وال يضرك أين ال أعرفك، فائتين مبن يعرفك. فقال رجل: أان أعرفه اي أمري<br />
املؤمنني، قال: أبي شيء تعرفه؟ فقال: ابلعدالة.<br />
قال عمر: هو جارك األدىن تعرف ليله وهناره ومدخله وخمرجه؟ قال: ال.<br />
قال عمر: فعاملك ابلدرهم والدينار الذي يستدل هبما على الورع؟ قال: ال.<br />
قال عمر: فصاحَبَك يف السفر الذي يستدل به على مكارم األخالق؟ قال: ال.<br />
قال عمر: فلست تعرفه، ُث قال للرجل إئتين مبن يعرفك(<br />
1<br />
.<br />
قلت: هذا األثر يورده الفقهاء يف أبواب القضاء والشهود وقد ذكر عمر<br />
وهو اجلوار واملعاملة املالية والصحبة يف السفر.<br />
<br />
أمورا يستدل هبا على العدالة وحسن السرية<br />
وال شك أن املعسكرات توفر هذه املعطيات بعضها أو كلها )اجلوار واملعاملة أو الصحبة يف السفر( وابلتايل فهي من<br />
أفضل األماكن لتقييم األفراد واحلكم على سلوكهم.<br />
= 4<br />
اإلختبارات: لألمري أن يعقد الإختبارات ألتباعه ملعرفة مستوى حتصيلهم وقدراهتم، وقد تكون هذه االختبارات<br />
نظرية أو عملية أو حىت نفسية كما اخترب طالوت جنوده.<br />
= 5<br />
سنال الناس عن العضو: وهذا يدخل يف ابب املشورة، <strong>في</strong>سأل عنه من يعرفه، ومن خالطه من قبل، خاصة من<br />
عاشره مدة طويلة، فإن هناك من اخلصال ما ال يظهر على الإنسان إال بطول املعاشرة، واملعسكرات ال توفر طول<br />
املعاينة، <strong>في</strong>سأل عنه من عايشه من قبل إن لزم هذا.<br />
ومن سئل عن شخ عليه أن خيرب مبا سأل عنه، ملا يف ذلك من املصلحة العامة.<br />
فعن فاطمة بنت قيس رضي هللا عنها قالت: أتيت النيب صلى هللا عليه وسلم فقلت: إن أاب اجلهم ومعاوية خطباين؟<br />
فقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
»أما معاوية فصعلوك ال مال له، وأما أبو اجلهم فال يضع العصا من عاتقه« .<br />
وقد استشار عبد الرمحن بن عوف أغلب أهل املدينة من املهاجرين واألنصار وأمراء األجناد قبل أن يقدم على تقدمي<br />
عثمان عَلَى عَلِيّ يف اخلالفة، قال عبد الرمحن بن عوف )أما بعد اي عَلِيّ، إين نظرت يف أمر الناس فلم أرهم يعدلون<br />
3<br />
بعثمان( .<br />
فهذه بعض الوسائل اليت يسلكها األمري لتقييم مستوايت أتباعه وكفاءاهتم، ليضعهم يف مواضعهم، ويوكل إليهم أماانت<br />
األعمال كما أمر هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
203<br />
- 1<br />
قال األلباين صحيح أخرجه العقيلي )354( والبيهقي )125/11( من طريق داود بن رشيد حدثنا الفضل بن زايد حدثنا شيبان عن األعمش عن<br />
سليمان بن مُسْهِر عن خرشة بن احلُر، قال: فذكره. )إرواء الغليل ختريج أحاديث منار السبيل( ج<br />
- 2 متفق عليه وذكره النووي رمحه هللا يف ابب )ما يباح من الغيبة( يف كتابه )رايض الصاحلني(<br />
2637 أثر رقم 9 ص 261<br />
- 3 رواه البخاري حديث 7217
وأهم اخلصال املساعدة يف التقييم هي: )العمر العلم الشرعي املستوى التعليمي العلم اخلربة العسكرية احلالة<br />
الصحية السلوك الشخصي السلوك مع إخوانه احلالة العائلية(. وذكرت وسائل معرفة وتقييم هذه اخلصال كما<br />
سلف.<br />
204
الثامن من واجبات األمير:<br />
اإلعداد اإليماني للجهاد.<br />
تشكل املعسكرات الإسالمية بوجه عام ومعسكرات التدريب على وجه اخلصوص ساحة خصبة للرتبية الإميانية، مبا<br />
توفره من توجيه وتقومي من الإخوة بعضهم لبعض وممارسة للسلوك اجلماعي.<br />
وال<strong>إعداد</strong> الإمياين هو أحد الشروط الالزمة لتحقيق سنة هللا لتحقيق القدرية بنصر املؤمنني قال تعاَل: }وَ كَانَ حَقًّا<br />
عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 1 فجعل سبحانه النصر خاصا ابملؤمنني.<br />
ويف هذا الفصل ندرس املوضوعات التالية:<br />
أوال: األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر أو ختلفها.<br />
َثنيا: أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.<br />
َثلثا: معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.<br />
رابعا: واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.<br />
خامسا: )ملحق 1( أصول االعتصام ابلكتاب والسنة )منهج أهل السنة واجلماعة(.<br />
سادسا: )ملحق 2( معامل أساسية يف اجلهاد.<br />
سابعا: )ملحق 3( حكم طلب العلم للمسلم اجملاهد.<br />
َثمنا: )ملحق 4( عن املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد، وهل العدالة شرط لوجوب اجلهاد؟<br />
األصول الخمسة لتحقق سنة النصر أو تخلفها.<br />
وهي: األول: أن النصر بيد هللا تعاَل وحده، والثاين: أن هللا تعاَل وعد عباده املؤمنني ابلنصر على عدوهم يف الدنيا،<br />
والثالث: أن هذا الوعد ابلنصر إَّنا هو ألهل الإميان الكامل، ولكل مؤمن نصيبه من هذا الوعد بقَدْر إميانه، والرابع:<br />
أن ختلف هذا الوعد معناه ختلف شروطه الإميانية، واخلامس، أنه إذا ختلف هذا الوعد فال يصري العبد مستحقا له إال<br />
إذا غري حاله ليستكمل شروط هذا الوعد. وبيان هذه األصول كما يلي:<br />
لألصل األول: )أن النصر بيد هللا تعاَل وحده( لقول هللا تعاَل: }وَ مَا النَّصْرُ إِالَّ<br />
مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ إِنَّ َّللاَّ َ عَزِ ي ٌز<br />
2<br />
حَكِيمٌ{ ، وقد اشتملت هذه اآلية على ما يعترب أقوى أساليب احلصر وهو الن<strong>في</strong> )ما( املتبوع ابالستثناء )إال(، وهذا<br />
املعىن يُسْتفاد أيضا من قوله تعاَل: }إِنْ يَنْصُرْ كُمْ َّللاَّ ُ قَال غَالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ قَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُ كُمْ مِ ْن<br />
- 1 سورة الروم، اآلية:<br />
205<br />
47<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
126<br />
وسورة األنفال، اآلية:<br />
11
بَعْدِهِ{ ، 1 وملا غاب هذا املعىن عن بعض الصحابة رضي هللا عنهم يف غزوة حنني وأعجبوا بكثرهتم كانت اهلزمية ليعلموا<br />
أن العدد و<strong>العدة</strong> ال تغين شيئا إال إبذن هللا. قال تعاَل: }لَقَدْ نَصَرَ كُمْ َّللاَّ ُ قِي مَوَ اِِنَ كَثِيرَ ةٍ وَ يَوْ مَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُ ْم<br />
كَثْرَ تُكُمْ قَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ األَرْ ضُ بِمَا رَ حُبَتْ ثُمَّ وَ لَّيْتُمْ مُدْبِرِ ي َن ثُمَّ أَنزَ لَ َّللاَّ ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَ سُولِ ِه<br />
وَ عَلَى الْمُؤْ مِنِينَ وَ أَنزَ لَ جُنُود ًا لَمْ تَرَ وْ هَا وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُ وا وَ ذَلِكَ جَزَ اءُ الْكَاقِرِ ينَ{ ، 2 فذكمرهم سبحانه أنه نصرهم<br />
يف مواطن كثرية دون هذه الكثرة اليت أعجبوا هبا، وأهنم ملا أعجبوا وركنوا إَل الكثرة مل تغن عنهم شيئا فهُزِموا، ُث نصرهم<br />
هللا بعد اهلزمية ليبني هلم أن النصر من عنده ال ابلكثرة اليت مل تغن، فردهم سبحانه ابهلزمية إَل األمر الذي غاب عن<br />
البعض، ذلك األمر هو }وَ مَا النَّصْرُ إِالَّ مِنْ عِنْ ِد َّللاَّ ِ{.<br />
األصل الَاين: أن هللا تعاَل وعد عباده املؤمنني ابلنصر على عدوهم يف الدنيا، وعداً صادقاً ال ريب <strong>في</strong>ه، وسنة قدرية<br />
ال تتخلف.<br />
قال تعاَل:<br />
{ وَ لَقَدْ أَرْ سَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُ ً سُال إِلَى قَوْ مِهِمْ قَجَاءُوهُمْ بِالْبَي ِنَاتِ قَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَ مُوا وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا<br />
نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 3 وقال سبحانه: }وَ لَقَدْ كُذِبَتْ رُ سُلٌ مِنْ قَبْلِكَ قَصَبَرُ وا عَلَى مَا كُذِبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ<br />
نَصْرُ نَا وَ ال مُبَدِلَ لِكَلِمَاتِ َّللاَّ ِ وَ لَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْ سَلِي َن{ ، 4 }ال مُبَدِلَ لِكَلِمَاتِ َّللاَّ ِ{ أي كلماته القدرية الواقعة<br />
ال حمالة بقوله تعاَل "كُنْ <strong>في</strong>كون" ومن هذه الكلمات القدرية وعده بنصر املؤمنني }حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُ نَا{.<br />
وهذا الوعد ابلنصر هو يف الدنيا ليس يوم القيامة فقط، كما يف اآلايت السابقة، ولقوله تعاَل: }إِنَّا لَنَنصُرُ رُ سُلَنَا<br />
وَ الَّذِينَ آمَنُوا قِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْ مَ يَقُومُ األَشْهَادُ{ ، 5<br />
ظَاهِرِ ينَ{ . 6<br />
ولقوله تعاَل:<br />
}قَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُو ِهِمْ قَأَصْبَحُوا<br />
ومقتضى هذا الوعد القدري ابلنصر هو التمكني للمؤمنني يف األرض والتمكني هو االستخالف وذلك لقوله تعاَل:<br />
}وَ عَدَ َّللاَّ ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ ْم{ ، 7 ولقوله<br />
تعاَل: }وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُ وا لِ ُرسُلِهِمْ لَنُخْرِ جَنَّكُمْ مِنْ أَرْ ضِ نَا أَوْ لَتَعُودُنَّ قِي مِلَّتِنَا قَأَوْ حَى إِلَيْهِمْ رَ بُّهُمْ لَنُهْلِكَ َّن<br />
الظَّالِمِينَ<br />
وَ لَنُسْكِنَنَّكُمْ األَرْ ضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَ خَافَ وَ عِي ِد{ ، 9<br />
وهذه اآلية وآية النور قبلها نص<br />
- 1 سورة آل عمران، األية:<br />
- 2 سورة التوبة، اآليتان:<br />
- 3 سورة الروم، اآلية:<br />
- 4 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 5 سورة غافر، اآلية:<br />
- 6 سورة الصف، اآلية:<br />
- 7 سورة النور، اآلية:<br />
206<br />
161<br />
26 25<br />
34<br />
14<br />
47<br />
51<br />
55<br />
- 9 سورة ابراهيم، اآليتان:<br />
14 13
يف سنة االستخالف القدرية، وبيان لشروط استحقاقها<br />
خَافَ مَقَامِي وَ خَافَ وَ عِيدِ{،<br />
}الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ{<br />
و}ذَلِكَ لِمَنْ<br />
وقوله تعاَل يف أية النور }كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ ْم{ هو زايدة توكيد وبيان<br />
هلذه السنة القدرية اليت ال تتخلف، أي كما أهنا حتققت للذين من قبلكم ستحقق لكم بشروطها.<br />
األصل الَالث: أن هذا الوعد ابلنصر إَّنا هو ألهل الإميان الكامل، لقوله تعاَل: }وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ<br />
الْمُؤْ مِنِينَ{ . 1 وعلى قدر إميان العبد يكون نصيبه من النصر، فكلما ازداد إميانه زاد حظه من الوعد القدري ابلنصر،<br />
وإذا نق<br />
إميانه ن َقَ َ حظُّه من النصر.<br />
وهذا األصل مبين على القول أبن الإميان ي َتَبَعمض، وأنه يزيد وينق ، وهو اعتقاد أهل السنة واجلماعة، لقول رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم: »الإميان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، فأعالها شهادة أن ال إله إال هللا، وأدانها<br />
2<br />
إماطة األذى عن الطريق« . وقال صلى هللا عليه وسلم: »ب َيْنَا أان انئم رأيت الناسَ ي ُعْرَضون م عَلَي وعليهم قُمُ ٌ، منها<br />
ما يبلغ الثُّدِيم، ومنها ما دون ذلك. وعُرِضَ عَلَي م عمر بن اخلطاب وعليه قمي<br />
جيَُرُّه، قالوا فما أَوملت ذلك اي رسول<br />
3<br />
هللا؟ قال: الدينَ« . وقال البخاري يف أول كتاب الإميان من صحيحه )الإميان قول وعمل، يزيد وينق ) وقال ابن<br />
حجر: ]وكذا نقله أبو القاسم الاللكائي يف "كتاب السنة" عن الشافعي وأمحد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأيب<br />
عبيد وغريهم من األئمة، وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء ابألمصار<br />
4<br />
فما رأيت أحدا منهم خيتلف يف أن الإميان قول وعمل، ويزيد وينق ] .<br />
قلت: فإذا زاد إميان العبد زاد حظه من الوعد القدري ابلنصر، وعكسه بعكسه. ويف مقام اجلهاد نقول إن النصر<br />
معلق على شرطني: عام وخاص.<br />
أما الشرط العام: فهو اإلعداد اإلمياين ابستزادة العبد من شعب الإميان القلبية والظاهرة، العلمية والعملية ليصبح من<br />
أهل الوعد املذكورين يف قوله تعاَل: }وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْ مِنِي َن{ . 5<br />
وأما الشرط افاص: فهو اإلعداد املادي<br />
للجهاد: جبمع السالح<br />
وحتريض املؤمنني على القتال والبذل والنفقة،<br />
ويدخل يف هذا التدريب العسكري بكل أنواعه. قال تعاَل: }وَ ال يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ ال يُعْجِ زُ و َن<br />
6<br />
وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ اآلية، فبنيّ احلق جل وعال أنه حميط ابلكافرين قادر عليهم، ال يُعجزونه، إال أنه<br />
سبحانه قد أمران رغم قدرته إبعداد القوة بشىت أشكاهلا، وأن ُنتهد غاية االستطاعة يف هذا ال<strong>إعداد</strong> كشرط لتحقيق<br />
- 1 سورة الروم، اآلية:<br />
207<br />
47<br />
- 2 رواه مسلم عن أيب هريرة<br />
- 3 رواه البخاري عن أيب سعيد<br />
- 4 )فتح الباري( 47 / 1<br />
- 5 سورة الروم، اآلية:<br />
47<br />
- 6 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61 58
الوعد الإهلي بنصر املؤمنني. ذلك ألن الدنيا دار ابتالء وألمور جتري <strong>في</strong>ها على األسباب، فاهلل يبتلي املؤمن ابلكافر<br />
ليخترب صدقَ إميانه، هل سيجاهد الكافر ويُعِد القوة هلذا كما أمر سبحانه أم ال؟، ويبتلي الكافر ابملؤمن، هل<br />
يستجيب الكافر لدعوة الإميان أم سيدفعها حىت القتال؟ ويف ابتالء الفريقني بعضهم ببعض يقول هللا تعاَل: }ذَلِ َك<br />
وَ لَوْ يَشَاءُ َّللاَّ ُ الَ نتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْ ٍض{<br />
1<br />
.<br />
ومما يدخل يف ال<strong>إعداد</strong> املادي توحيد صفوف املسلمني ملواجهة أعدائهم، قال تعاَل: }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَ َب<br />
2<br />
رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا{ ، فجعل سبحانه التنازع بني املسلمني من أسباب فشلهم، بل من أظهر أسباب الفشل، وذلك<br />
ابلن كما أنه سبحانه قد جعل النصر مرتتبا على مواالة املؤمنني بعضهم بعضا يف قوله تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّ َّللاَّ َ<br />
3<br />
وَ رَ سُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَإِنَّ حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ الْغَالِبُونَ{ .<br />
وال شك أن ال<strong>إعداد</strong> املادي هو أيضا من شعب الإميان ألنه استجابة ألمر هللا تعاَل }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِ ْن<br />
قُوَّ ةٍ{، ولكنا أفردانه كشرط مستقل للتنبيه على أمهيته، فعالقته ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين هي عالقة اخلاص ابلعام.<br />
األصل الرابع: أن ختلف هذا الوعد القدري بنصر هللا تعاَل للمؤمنني معناه ختلف شروطه، وذلك بتقصري العبد يف<br />
القيام ابل<strong>إعداد</strong>ين الإمياين واملادي أو يف أحدمها.<br />
وختلف هذا الوعد معناه ظهور الكافرين على املسلمني، وأن تكون الدولة للكفر وأهله، وكل هذا بسبب نق الإميان<br />
4<br />
وبسبب املعاصي والذنوب، قال تعاَل: { وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِ َك{ ، وقال تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِ ْن<br />
5<br />
مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } ، وقال تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّ َّللاَّ َ لَمْ يَكُ مُغَي ً ِرا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْ مٍ<br />
6<br />
حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ ، قال ابن كثري: ]خيرب تعاَل<br />
عن متام عدله وقسطه يف حُكْمِهِ أبنه تعاَل ال يغري نعمة<br />
أنعمها على أحد إال بسبب ذنب ارتكبه[ أ ه . وقال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئ ًا وَ لَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُ ْم<br />
7<br />
يَظْلِمُونَ{ .<br />
وهذه السنة القدرية ال حتايب أحدا من البشر ولو كان من خِ يَار اخللق، ومن هذا ما أصاب الصحابة يوم أحد من<br />
اهلزمية واجلراح والقتل بسبب معصية بعضهم ألمر النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم، وهذا يؤخذ منه أن معصية البعض يف<br />
العمل اجلماعي تضر الكل، قال تعاَل <strong>في</strong>ما أصاب الصحابة يف أحد }أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِ يبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُ ْم<br />
- 1 سورة حممد، لآلية:<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 3 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
208<br />
46<br />
4<br />
- 5 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 6 سورة األنفال، اآلية:<br />
7 سورة يونس، اآلية:<br />
51<br />
78<br />
31<br />
53<br />
44
أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ{ ، 1 فتسلط العدو على املسلمني إَّنا هو عقوبة قدرية هلم مبعاصيهم، هذا يف العدو<br />
اجلنسي، وهو كذلك ابلنسبة للعدو اجلِينِّ ، كما قال تعاَل: { وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّ حْمَانِ نُقَي ِضْ لَهُ شَيَِْانًا قَهُوَ لَهُ<br />
2<br />
قَرِ ينٌ{ ، فباملعاصي جيعل العبد للشيطان على نفسه سبيال حىت خيذله أمام عدوه الإنسي كما قال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ<br />
3<br />
تَوَ لَّوْ ا مِنْكُمْ يَوْ مَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَ لَّهُمْ الشَّيَِْانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا{ .<br />
وميكننا أن نصوغ هذا األصل بعبارة أخرى وهي أن أسبا فشل املسلمني هي أساسا أسبا ذاتية داخلية، وهذا<br />
واضح <strong>في</strong>ما رواه مسلم عن ثوابن رضي هللا عنه قال: )إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »إِنم اَّللمَ زَوَى يلِ َ<br />
األَْرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِهبََا وَ إِنم أُميتِ سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ يلِ مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ األَمحَْرَ وَاألَبْيَضَ وَإِينّ<br />
مْ فَيَسْتَبِ يحَ ب َيْضَتَهُمْ بِسَنَةٍ عَامةٍ وَأَنْ ال يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُواا مِنْ سِ وَى أَنْفُسِ هِ وَإِنم رَيبّ<br />
سَأَلْتُ ِ رَيبّ ألُميتِ أَنْ ال ي ُهْلِكَهَا<br />
قَالَ ايَ حمَُمدُ ِ إِينّ إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنمهُ ال ي ُرَدُّ ِ وَإِينّ أَعْطَيْتُكَ ألُِمتِكَ أَنْ ال أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامةٍ وَأَنْ ال أُسَلِّطَ عَلَيْهِ ْم<br />
عَدُواا مِنْ سِ وَى أَنْفُسِ هِمْ يَسْتَبِيحُ ب َيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ ب َعْضُهُمْ ي ُهْلِكُ ب َعْضًا وَيَسِْيب<br />
ب َعْضُهُمْ ب َعْضًا«<br />
من الفساد مبلغا، وهذا ن<br />
ِ<br />
ِ<br />
أ ه . فهذا احلديث يبني أن العدو الكافر )من سوى أنفسهم( ال يتسلط على املسلمني إال إذا بلغوا<br />
يف أن سبب فشل املسلمني هو داخلي أساسا.<br />
ومن هنا تعلم خطأ من يعزو فشل املسلمني وضعفهم إَل كيد الكافرين وخمططاهتم، كما هو شأن بعض الكتاب الذين<br />
ي ُهَوِّلون من شأن اليهود وخمططاهتم الشيطانية وينسبون كل شر وفساد إليهم. فاحلقيقة اليت جيب أن يعلمها كل مسلم<br />
هي أنه ما من مصيبة<br />
تقع ابملسلمني إال واملسلمون هم املسؤولون عنها يف املقام األول، لقوله تعاَل: }وَ مَا أَصَابَ َك<br />
4<br />
مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِكَ } ، وألن هللا تعاَل أخربان عن ضعف كيد الكافرين أمام املؤمنني الكُمل، قال تعاَل: }لَنْ<br />
5<br />
يَضُرُّ وكُمْ إِالَّ أَذًى وَ إِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَ لُّوكُمْ األْ َدْبَارَ ثُمَّ ال يُنْصَرُ و َن{ ، واألذى هو الضرر اليسري وهذا واضح من<br />
6<br />
استثنائه من عموم الضرر ُث العاقبة للمتقني، وقال تعاَل: }قَقَاتِلُوا أَوْ لِيَاءَ الشَّيَِْانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيَِْانِ كَانَ ضَعِيفًا{ ،<br />
وهذا ن يف ضعف كيدهم وتدبريهم، وقال تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّ َّللاَّ َ مَوْ لَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكَاقِرِ ينَ ال مَوْ لَى لَهُمْ{ ، 7<br />
ففشل املسلمني هو من عند أنفسهم قبل أن يكون بسبب عدوهم، واملسلمون مبعاصيهم جعلوا ألعدائهم سبيال قدرا.<br />
)456<br />
- 1<br />
سورة آل عمران، اآلية 165، انظر تفسري الشنقيطي )أضواء البيان ج<br />
3 ص 452<br />
- 2<br />
سورة الزخرف، اآلية:<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
36<br />
155<br />
78<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
- 7 سورة حممد اآلية:<br />
111<br />
76<br />
11<br />
209
{<br />
وهذا األصل الرابع ينبغي أن يكون معيارا على أساسه<br />
حياسب األفراد والتجمعات الإسالمية أنفسهم، ويراجعون<br />
حساابهتم يف ضوء معرفتهم أبنه ال مصيبة إال بذنب وتقصري، وهذه املراجعة للنفس واجبة لقوله تعاَل: }ظَهَرَ الْفَسَا ُد<br />
1<br />
قِي الْبَرِ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْ جِ عُو َن{ ، ولقوله تعاَل: }وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ<br />
2<br />
مِنْ الْعَذَابِ األَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ األَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْ جِ عُونَ{ ، وانظر إَل قول أتباع األنبياء السابقني لتعلم أن هذا أصل<br />
مقرر يف مجيع الشرائع فإهنم ملا أُصيبوا يف سبيل هللا علموا أن هذا بذنوهبم فبادروا ابالستغفار والإانبة، قال تعاَل:<br />
وَ كَأَي ِنْ مِنْ نَبِي ٍ قَاتَلَ مَعَهُ رِ ب ِيُّونَ كَثِيرٌ قَمَا وَ هَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ مَا ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكَانُوا وَ َّللاَّ ُ يُحِ ُّب<br />
الصَّابِرِ ينَ وَ مَا كَانَ قَوْ لَهُمْ إِالَّ أَنْ قَالُوا رَ بَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَ إِسْرَ اقَنَا قِي أَمْرِ نَا وَ ثَب ِتْ أَقْدَامَنَا وَ انْصُرْ نَا عَلَى الْقَ ْو ِم<br />
الْكَاقِرِ ينَ{ ، 3 وكذلك صَنَعَ أصحاب اجلنمة ملا هلكت جنتهم فعلموا أنه بذنوهبم فتابوا وأانبوا، قال تعاَل: }قَالَ<br />
أَوْ سَُِهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ ال تُسَب ِحُو َن قَالُوا سُبْحَانَ رَ ب ِنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِي َن قَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَالَ وَ مُو َن قَالُوا<br />
يَاوَ يْلَنَا إِنَّا كُنَّا َِاغِينَ<br />
عَسَى رَ بُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا ً خَيْرا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَ ب ِنَا رَ اغِبُو َن{<br />
.<br />
4<br />
األصل افامس: أنه إذا ختلف هذا الوعد ابلنصر، فال يصري العبد مستحقا له إال إذا غري حاله ليستكمل شروط هذا<br />
الوعد، قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ ، 5 وهذه سنة قدرية ال ختتلف، وتقضي أبنه<br />
البد من أن يبادر العبد إبصالح نفسه لريفع هللا عنه النقمة ويسبغ عليه النعمة، أما أن يبقى على حاله من املعصية<br />
والتفريط ويرجو زوال النقم فهذا ال يكون. وإذا كان األصل الرابع يبني أن سبب فشل املسلمني هو سبب داخلي ذاِت<br />
أساسا، فإن األصل اخلامس يبني أن تغيري هذا الفشل البد أن يبدأ من الذات ومن الداخل أيضا }حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا<br />
بِأَنفُسِهِمْ{.<br />
هذه هي األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر القدرية أو ختلفها، وهي أصول ينبغي أال تغيب عن أذهان املسلمني<br />
خاصة العاملني منهم يف ميدان الدعوة واجلهاد.<br />
وقد أفاض ابن القيم رمحه<br />
الشايف(<br />
انفعة 6<br />
هللا يف تقرير هذه األصول وإن مل حيددها يف كتابه )اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء<br />
حيث بني أثر اللنو على األفراد واألمم،<br />
ويف كتابه )إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان( عقد فصوال<br />
يف بيان شروط السنة القدرية بنصر املنمنني وملاذا تتخلف وا كمة يف ذلك؟ كذلك فقد صنف شيخه<br />
شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا كتابَه )احلسنة والسيئة( لبيان هذه املسألة أيضا من خالل تفسريه لقوله تعاَل: }مَا<br />
- 1 سورة الروم، اآلية:<br />
221<br />
41<br />
- 2 سورة السجدة، اآلية:<br />
21<br />
- 3 سورة آل عمران، اآليتان:<br />
- 4 سورة ن، اآلايت:<br />
- 5 سورة الرعد، اآلية:<br />
147 146<br />
32 29<br />
11<br />
ص- 6<br />
/ 219 199 ج / 2 ط 1417<br />
دارالكتب العلمية.
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ قَمِنْ َّللاَّ ِ وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِ َك{ . 1 وأدعو كل مسلم خاصة الإخوة العاملني لإلسالم<br />
إَل قراءة وتدبر هذه الكتب السابقة، فإهنا تقرر ما ذكرته من األصول اليت ال غىن ملسلم عن العلم والعمل هبا.<br />
قال ابن القيم رمحه هللا : 2 ]وهللا سبحانه إَّنا ضمن نصر دينه وحزبه وأوليائه القائمني بدينه علما وعمال، مل يضمن<br />
نصرة الباطل ولو اعتقد صاحبه أن حمق، وكذلك العزة والعُلُوّ إَّنا مها ألهل الإميان الذي بعث هللا به رسله، وأنزل به<br />
3<br />
كتبه، وهو علم وعمل وحال، قال تعاَل: }وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ نَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنِي َن{ ، فللعبد من العلو حبسب ما معه من<br />
4<br />
اإلميان، وقال تعاَل: }وَ ّلِلِ َّ ِ الْعِزَّ ةُ وَ لِرَ سُولِهِ وَ لِلْمُؤْ مِنِي َن{ ،<br />
فله من العزة حبسب ما معه من اإلميان وحقائقه فإذا<br />
فاته حظ من العلو والعزة، ف<strong>في</strong> مقابلة ما فاته من حقائق الإميان، علما وعمال ظاهرا وابطنا.<br />
إميانه.<br />
وكللك الدفع عن العبد هو حبسب إميانه، قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يُدَاقُِْ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا{ ، 5 فإذا ضَعُفَ الدفع عنه<br />
فهو من نق<br />
نق<br />
وكللك الكفاية وا سْب هي بقدر اإلميان، قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ َّللاَّ ُ وَ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 6 أس<br />
حَسْبُك وحَسْبُ أتباعك، أي كا<strong>في</strong>ك وكا<strong>في</strong>هم فكفايته هلم حبسب اتِّباعِهم لرسوله،<br />
من الإميان عاد بنقصان ذلك كله.<br />
ومذهب أهل السنة واجلماعة: أن الإميان يزيد وينق .<br />
وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما<br />
وكللك والية هللا تعاىل لعبده حبسب إميانه. قال تعاَل: }وَ َّللاَّ ُ وَ لِيُّ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 7 وقال هللا تعاَل: }َّللاَّ ُ وَ لِيُّ الَّذِينَ<br />
آمَنُوا{ . 9<br />
وكللك معيته افاصة هي ألهل اإلميان، كما قال تعاَل: }وَ أَنَّ َّللاَّ َ مََْ الْمُؤْ مِنِينَ } 8 ، فإذا نق الإميان وضعف،<br />
كان حظ العبد من والية هللا له ومعصيته اخلاصة بقدر حظه من الإميان.<br />
وكذلك النصر والتأييد الكامل، إَّنا هو أهل الإميان الكامل، قال تعاَل: }إِنَّا لَنَنصُرُ رُ سُلَنَا وَ الَّذِينَ آمَنُوا قِي الْحَيَاةِ<br />
الدُّنْيَا وَ يَوْ مَ يَقُومُ األَشْهَادُ{ ، 11 وقال: }قَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُو ِهِمْ قَأَصْبَحُوا ظَاهِرِ ينَ<br />
. 1 }<br />
185 ج 2<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
78<br />
2<br />
- يف )إغاثة اللهفان( ص<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة املنافقون، اآلية:<br />
- 5 سورة احلج، اآلية:<br />
- 6 سورة األنفال، اآلية:<br />
183<br />
138<br />
9<br />
64<br />
39<br />
- 7 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 9 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 8 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 11 سورة غافر، اآلية:<br />
69<br />
257<br />
18<br />
51<br />
220
فمن نق إميانه نق نصيبه من النصر، والتأييد، وهلذا إذا أصيب العبد مبعصية يف نفسه أو ماله، أو إبدالة عدوه<br />
عليه، فإَّنا هي بذنوبه، إما برتك واجب، أو فعل حمُ رم. وهو من نقص إميانه.<br />
وهبذا يزول الإشكال الذي يُورِده كثري من الناس على قوله تعاَل: }وَ لَنْ يَجْعَلَ َّللاَّ ُ لِلْكَاقِرِ ينَ عَلَى الْمُؤْ مِنِي َن<br />
سَبِيال{ ، 2 وجيُِيب عنه كثري منهم أبنه لن جيعل هلم عليهم سبيال يف احلجة.<br />
والتحقيق: أهنا مثل هذه اآلايت، وأن انتقاء السبيل عن أهل الإميان الكامل، فإذا ضعف الإميان صار لعدوهم عليهم<br />
من السبيل حبسب ما نق<br />
من إمياهنم،<br />
فهم جعلوا هلم عليهم السبيل مبا تركوا من طاعة هللا تعاىل. فاملؤمن عزيز<br />
غالب مؤيد منصور، مك<strong>في</strong>، مدفوع عنه ابلذات أين كان، ولو اجتمع عليه مَنْ أبقطارها، إذا قام حبقيقة الإميان<br />
3<br />
وواجباته ظاهرا وابطنا، وقد قال هللا تعاَل للمؤمنني: }وَ ال تَهِنُوا وَ الَ تَحْزَ نُوا وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ نَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنِي َن{ ،<br />
4<br />
وقال تعاَل: }قَال تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ نَ وَ َّللاَّ ُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَ كُمْ أَعْمَالَكُ ْم{ .<br />
فهلا الضمان إَّنا هو إبمياهنم وأعماهلم، اليت هي جند من جنود هللا، حيفظهم هبا، وال يفردها عنهم ويقتطعها عنهم،<br />
<strong>في</strong>بطلها عليهم، كما يرت الكافرين واملنافقني أعماهلم إذ كانت لغريه، ومل تكن موافقة ألمره. أ ه .<br />
وقال ابن القيم رمحه هللا يف كتابه )اجلواب الكايف( يف حديثه عن العقوابت القدرية لللنو<br />
، قال: ]ومن بعض عقوبة<br />
هذا: أن يرفع هللا عز وجل مهابته من قلوب اخللق، وي َهُون عليهم ويَستَخِ فّون به، كما هان عليه أمره واستخف به،<br />
فعلى قدر حمبة العبد هلل حيبه الناس، وعلى قدر خوفه من هللا خيافه اخللق، وعلى قدر تعظيمه هلل وحرماته يعظمه<br />
الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات هللا ويطمع أن ال ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف ي َهُون عليه حق هللا وال ي ُهَوّنه هللا<br />
على الناس؟ أم كيف يَسْتَخف مبعاصي هللا وال يستخف به اخللق؟.[<br />
وقد أشار سبحانه إَل هذا يف كتابه عند ذكر عقوابت الذنوب، وأنه أركس أرابهبا مبا كسبوا، وغطى على قلوهبم،<br />
فطبع عليها بذنوهبم، وأنه نَسِ يَهم كما نسوه، وأهاهنم كما أهانوا دينه، وضَيمعهم كما ضيعوا أمره، وهلذا قال تعاَل يف آية<br />
سجود املخلوقات له: }وَ مَنْ يُهِنْ َّللاَّ ُ قَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِ ٍم{ ، 5 فإهنم ملا هان عليهم السجود له واستخفوا به ومل يفعلوه<br />
أهاهنم هللا، فلم يكن هلم من مُكْرم بعد أن أهاهنم هللا، ومن ذا يكرم من أهانه هللا؟ أو يهيمن من أكرمه هللا؟ . 6<br />
وقال رمحه هللا يف موضع آخر: ]ومن عقوابت الذنوب: أهنا تزيل النعم وحتل النقم فما زالت عن العبد نعمة إال بذنب،<br />
وال حلت به نقمة إال بذنب. كما قال علي بن أيب طالب : )ما نزل بالء إال بلنب، وال رُفع إال بتوبة(. وقد قال<br />
- 1 سورة الصف، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
222<br />
14<br />
141<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة حممد، اآلية:<br />
- 5 سورة احلج، اآلية:<br />
138<br />
35<br />
19<br />
: 91 91 ص- 6
تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَتْ أَيْ ِديكُمْ وَ يَعْفُو عَنْ كَثِي ٍر{ ، 1 وقال تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّ َّللاَّ َ لَمْ يَكُ مُغَي ً ِرا<br />
نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ . 2<br />
فأخرب هللا تعاَل أنه ال يغري نِعَمَه اليت أنعم هبا على أحد حىت يكون هو الذي يغري ما بنفسه، <strong>في</strong>غري طاعة هللا مبعصيته،<br />
وشكره بكفره، وأسباب رضاه أبسباب سخطه، فإذا غَريم غُريِّ عليه، جزاء وفاقا، وما ربك بِظَالّم للعبيد، فإن غري<br />
املعصية ابلطاعة غري هللا عليه العقوبة ابلعا<strong>في</strong>ة، والذل ابلعز. وقال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا<br />
4 3<br />
بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَ ادَ َّللاَّ ُ بِقَوْ مٍ سُوء ًا قَال مَرَ دَّ لَهُ وَ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَ الٍ{ ] .<br />
قلت: فهذه النقول عن ابن القيم رمحه هللا ت ُبَنيِّ األصول اخلمسة اليت ذكرهتا أوضح بيان. وبعد تقرير هذه األصول<br />
اخلمسة، لنا أن نتساءل أين نقف حنن املسلمني اآلن؟.<br />
حنن نزيد عن ألف مليون، وبالد املسلمني هي أغىن بالد العامل ابلثروة، ومتتد من مشارق األرض إَل مغارهبا،<br />
وتتحكم يف أغلب املمرات واملضايق البحرية، فما هو احلال هؤالء األلف مليون؟ وما هو مركزهم وأتثريهم يف هذه<br />
الدنيا؟<br />
وكيف يتسلط <br />
شعب ال يزيد عن املليونني، ضربت عليه الذلة واملسكنة والغضب واللعنة قَدَراً وهو الشعب<br />
اليهودي، كيف يتسلط على مائة مليون مسلم عريب؟ وكيف يوجد لنفسه دولة من العدم يف قلب بالد املسلمني وال<br />
أقول داير املسلمني ؟.<br />
<br />
<br />
ونقرأ يف كتاب هللا: }قَقَاتِلُوا أَوْ لِيَاءَ الشَّيَِْانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيَِْانِ كَانَ ضَعِيفًا{ ، 5 ونقرأ: }لَنْ يَضُرُّ وكُمْ إِالَّ أَذًى<br />
وَ إِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَ لُّوكُمْ األَدْبَارَ ثُمَّ ال يُنْصَرُ ونَ{ ، 6 ونقرأ: }وَ لَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُ وا لَوَ لَّوْ ا األَدْبَارَ } 7 ، ونرى واقعنا<br />
خالف ذلك، فالكافرون من الكفار األصليني ومن احلكام املرتدين يسومون املسلمني سوء العذاب، يقتلون الرجال<br />
وي ُغَيِّبوهنم يف السجون ويعذبوهنم، وَيسرون نساء املسلمني ويرتكبون معهن الفاحشة يف سجون الطواغيت، أضف إَل<br />
ذلك قطع األرزاق وهنب الثروات وتبديل الدين وإشاعة الفنت والفواحش لينشأ النشء على غري صله بدينه.<br />
ونرى إعالما ونشاطا علميا إسالميا واسعا، بال أثر يف واقع املسلمني، وهذا بسبب حمق بركة العلم 9، فكثري من<br />
هذا العلم والإعالم ال ي ُبْتَغى به وجه هللا تعاَل إما طلب رايسة أو مال أو وظيفة أو أتييد أابطيل السالطني وتثبيت<br />
- 1 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 3 سورة الرعد، اآلية:<br />
31<br />
53<br />
11<br />
96 ص- 4<br />
95<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
)اجلواب الكايف( ط<br />
1411 دار الندوة اجلديدة.<br />
76<br />
- 6 سورة آل عمران، االية:<br />
- 7 سورة الفتح، اآلية:<br />
111<br />
22<br />
- 9 انظر اجلواب الكايف ص<br />
و86 61<br />
223
ُم<br />
<br />
أواتد الكافرين الذين طغوا يف البالد فأكثروا <strong>في</strong>ها الفساد، إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات من أهل العلم وقليل ما<br />
هم. انظر إَل حجم املطبوعات الإسالمية اآلن واألشرطة املسموعة واملرئية والصحف واجملالت والدرجات العلمية اليت<br />
تعطى حبق أو بباطل واملؤمترات الإسالمية واملسابقات واجلامعات واملعاهد الإسالمية والإذاعات والنشرات. حجم<br />
وتَنَوُّع مل يسبق له مثيل، فما العائد من كل هذا؟.<br />
ولست بصدد عرض واقع املسلمني اآلن ههنا، فهناك مطوالت أُفْرِدت هلذا<br />
عالقة األصول افمسة اليت ذكرهتا بواقعنا.<br />
1<br />
، ولكين أريد هنا أن يعلم كل مسلم<br />
فتخلق النصر والعُلُو عن املسلمني معناه، نق شديد يف الإميان علما وعمال. قال تعاَل: }وَ كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا<br />
نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 2 فأين حنن من هذا الوعد؟ ومن قوله تعاَل: }وَ ال تَهِنُوا وَ ال تَحْزَ نُوا وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ نَ إِنْ كُنْتُمْ<br />
مُؤْ مِنِينَ{ ، 3 وهذا هو األصل الثالث.<br />
<br />
<br />
وما بنا من بالء وتفرق ومذلة هو بذنوبنا وتقصريان، لقوله تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَ ْت<br />
أَيْدِيكُمْ{ ، 4 وقوله تعاَل: { وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِكَ } 5 ، ومن هذه املعاصي القعود عن اجلهاد، وأقبح منه<br />
تربير هذا القعود وتطويع األدلة الشرعية هلذه التربيرات. وهذا هو األصل الرابع.<br />
وهذا احلرمان من التأييد الإهلي وهذه النقم النازلة بنا، لن ترتفع عنا إال إذا غَريم ان حالنا إَل ما حيُِبُ ربُّنا سبحانه<br />
وي َرْضَى، لقوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَ ْو مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ ، 6 وهذا هو األصل اخلامس.<br />
ويف ضوء ما سبق نستطيع أن نقول إن التيارات الإسالمية املعاصرة خاصة من يسعى منها لإعادة دولة الإسالم<br />
مل<br />
تستكمل بعد أدىن مقومات النصر والتمكني، على تفاوت شديد بينها يف هذا الشأن، فَمُقِل وُمسْتَكْثِر وحمروم. قال<br />
هللا تعاَل: }إِنَّ ّللاَّ َ ال يَظْ ِل<br />
النَّاسَ شَيْئًا وَ لَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْْ يَظْلِمُو َن{ . 7<br />
ثانيا: أهمية اإلعداد اإليماني للجهاد.<br />
ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أساس الزم جلميع التكاليف الشاقة ومنها اجلهاد، ومن ذلك أمر هللا تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم<br />
بقوله:<br />
ُ<br />
{<br />
قَوْال ثَقِيال{ ، 9<br />
ايَأَي ُّهَا الْمُزممِّل قُمْ اللميْلَ إِالم قَلِيال نِصْفَهُ أَوْ انْقُ ْ مِنْهُ قَلِيال أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيال إِانم سَنُلْقِي عَلَيْ َك<br />
فأمره سبحانه ابالجتهاد يف العبادة استعدادا لتحمل القول الثقيل وهو أعباء الرسالة.<br />
- 1 راجع على سبيل املثال )كتاب حاضر العامل الإسالمي( لألستاذ حممد مجيل املصري.<br />
- 2 سورة الروم، اآلية:<br />
224<br />
47<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
- 6 سورة الرعد، اآلية:<br />
- 7 سورة يونس، اآلية:<br />
138<br />
31<br />
78<br />
11<br />
- 9 سورة املزمل، األايت:<br />
5 1<br />
44
1<br />
وهذه قاعدة عامة وهامة: وهي أن التكاليف الشرعية الشاقة ال بد هلا من <strong>إعداد</strong> إمياين فإذا مت هذا ال<strong>إعداد</strong> صار<br />
املرء مؤهال ألداء التكليف الشاق كاجلهاد وحنوه، وصار مؤهال للتأييد والتثبيت الإهلي قدرا، قال تعاَل: }وَ لَوْ أَنَّ ُه ْم<br />
قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ ً خَيْرا لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتًا وَ إِذًا آلتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا ً أَجْرا عَظِيم ًا وَ لَهَدَيْنَاهُمْ صِ رَ اِ ًا<br />
مُسْتَقِيم ًا{ ، وقال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَّقِ َّللاَّ َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَ ج ًا وَ يَرْ زُ قْهُ مِنْ حَيْ ُث ال يَحْتَسِ ُب{<br />
.<br />
2<br />
وابل<strong>إعداد</strong> الإمياين يتحقق أحد شرطي السنة القدرية بنصر املؤمنني كما سبق بيانه.<br />
واإلعداد اإلمياين جيرب نقص العدد و<strong>العدة</strong> لدى املسلمني ابلنسبة ألعدائهم. قال تعاَل: }كَمْ مِنْ قِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَ ْت<br />
قِئَة ً كَثِيرَ ة ً بِإِذْنِ َّللاَّ ِ وَ َّللاَّ ُ مََْ الصَّابِرِ ي َن{<br />
3<br />
مبنزلة الرأس من اجلسد كما قال على بن أيب طالب<br />
، فالفئة القليلة هنا عَومضت النق<br />
.<br />
العددي لديها ابلصرب وهو من الإميان<br />
وقال عمر بن اخلطاب يف رسالته إَل سعد بن أيب وقاص رضي هللا عنها يف مسري سعد إَل غزو الفرس: )فإن تقوى<br />
هللا أفضل <strong>العدة</strong> على العدو إَل قوله فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم، وإَّنا يُنصر املسلمون مبعصية<br />
عدوهم هلل، ولوال ذلك مل تكن لنا هبم قوة، ألن عددان ليس كعددهم، وال عدتنا كعدهتم، فإن استوينا يف املعصية كان<br />
هلم الفضل علينا يف القوة( وقد ذكرهتا من قبل.<br />
واألعمال الصاحلة هي جنود حيفظ هللا هبا صاحبها، ويثبته عند لقاء العدو وعكسه بعكسه، كما يف قوله تعاَل: }إِنَّ<br />
الَّذِينَ تَوَ لَّوْ ا مِنْكُمْ يَوْ مَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَ لَّهُمْ الشَّيَِْانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا{<br />
. 4<br />
وكر البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه قال: ]اب )عمل صام قبل القتال(. وقال أبو الدرداء: )إَّنا تقتلون<br />
أبعمالكم(. وقال ابن حجر يف الشرح إن األثر ورد عن أيب الدرداء ابنقطاع يف السند كامال هكذا أيها الناس عمل<br />
صاحل قبل الغزو فإَّنا تقاتِلون أبعمالكم([ . 5<br />
وابإلعداد اإلمياين يتماسك الصف املسلم كأنه بنيان مرصوص، وبدون ذلك ال يقوى هذا الصف على الثبات<br />
لعدوه، ومتاسك الصف يقوم على قيام املسلمني ابحلقائق الإميانية من املَوَدمة والإيثار والبذل والعفو والرتاحم، فبهذا<br />
يتماسك الصف كأنه جسد واحد، كما يف حديث النعمان بن بشري مرفوعا: »مثل املؤمنني يف توادهم وترامحهمكمثل<br />
اجلسد الواحد« . 6<br />
225<br />
س- 1<br />
ورة النساء، اآلايت:<br />
- 2 سورة الطالق، اآليتان:<br />
69<br />
3<br />
66<br />
2<br />
- 3 سورة البقرة، اآلية :248<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
155<br />
- 5 )فتح الباري( ج 6 ص 24<br />
- 6 متفق عليه
واإلعداد اإليماني من أسباب جمع شمل المسلمين.<br />
قال تعاَل: }وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ ال تَفَرَّ قُوا وَ اذْكُرُ وا نِعْمَةَ َّللاَّ ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُ ْم<br />
قَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ<br />
إِخْوَ انًا{ ، 1<br />
فالتمسك ابلكتاب والسنة عاصم من التفرق واالختالف، وقد ذَكمرهم هللا تعاَل كيف<br />
كانوا أعداء فألف بني قلوهبم حببل الإميان وأن التفريط يف هذا احلبل يؤدي هبم إَل العداوة والتفرق كما كانوا من قبل،<br />
وكما يف قوله تعاَل:<br />
}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ وا بِهِ قَأَغْرَ يْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَ ةَ وَ الْبَغْضَا َء{ ، 2 وقوله تعاَل: }قَلْيَحْذَرْ<br />
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِ هِ أَنْ تُصِ يبَهُمْ قِتْنَةٌ أَوْ يُصِ يبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ ، 3 فنسيان وإمهال بعض الشريعة وخمالفتها جملبة<br />
للعداوة والبغضاء فالتفرق والفنت ال حمالة، وهذا فشل داخلي يعقبه خذالن أمام العدو }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ<br />
رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا{ ، 4 فالتفرق عقوبة قدرية ملن حادوا عن الشريعة وهو يف نفسه سبب للخلالن أمام العدو.<br />
وهذا يبني أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين يف مجع مشل املسلمني ليقووا على نِزَال عدوهم، وال شيء جيمع مشل املسلمني إال حبل<br />
الإميان واالعتصام ابلكتاب والسنة، فالقلوب بيد هللا تعاَل يصرفها كيف يشاء، وقد جعل سبحانه هذا االعتصام سببا<br />
لتأليف القلوب، فليس هناك سبب غريه، قال تعاَل: }هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِ هِ وَ بِالْمُؤْ ِمنِي َن وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَ ْو<br />
5<br />
أَنفَقْتَ مَا قِي األَرْ ضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{ ، فاأللفة واالجتماع من توا الطاعة،<br />
والبغضاء والتفرق من عقوبة املعصية، وهله أحكام قدرية ال تتخلف.<br />
وألمهية هذا األمر سنفرده ابلبحث يف امللحق األول )وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة( يف هناية هذه املسألة.<br />
آية اإلعداد اإليماني للجهاد<br />
ومما يدل على أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد أن هللا عَقمب آية بيعة هللا على اجلهاد والشهادة<br />
}إِنَّ َّللاَّ َ اشْتَرَ ى مِنْ<br />
الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ قَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُو َن{ ، 6 عَقمبها سبحانه بذكر صفات<br />
هؤالء اجملاهدين يف قوله تعاَل: }التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّ اكِعُونَ السَّاجِ دُونَ اآلمِرُ ونَ بِالْمَعْرُ و ِف<br />
وَ النَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَ الْحَاقِظُونَ لِحُدُودِ َّللاَّ ِ وَ بَشِرْ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 7<br />
وقد امشلت هذه اآلية على فضائل األعمال<br />
الظاهرة والباطنة، والذين اجتهدوا يف هذه الطاعات هم الذين قبلوا مبايعة هللا على اجلهاد واالستشهاد.<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة النور، اآلية:<br />
226<br />
113<br />
14<br />
63<br />
- 4 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 6 سورة التوية، اآلية:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
46<br />
63 62<br />
111<br />
112
ومن صفات اجملاهدين املذكورة يف هذه اآلية }التَّائِبُونَ الْعَابِدُو َن{ إَل آخر اآلية أود أن أنبه على األمر ابملعروف<br />
والنهي عن املنكر، فإن هللا وصف به املؤمنني حال اجلهاد ههنا بقوله }اآلمِرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ النَّاهُونَ عَنْ<br />
الْمُنكَرِ {، ووصفهم به بعد النصر والتمكني يف آية احلج }الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ قِي األَرْ ضِ أَقَامُوا الصَّالةَ وَ آتَوْ ا الزَّ كَاةَ<br />
وَ أَمَرُ وا بِالْمَعْرُ وفِ وَ نَهَوْ ا عَنْ الْمُنْكَرِ وَ ّلِلِ َّ ِ عَاقِبَةُ األُمُورِ {.<br />
فهو وصف الزم هلم يف كل حال، زمن الضعف وافوف وزمن النصر والتمكني، ال مينعهم هذا وال يطغيهم هذا عن<br />
تركه، كذلك فإنه وصف هلله األمة }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِ جَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ تَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنكَرِ<br />
1<br />
وَ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ{ ، فعلق سبحانه خَريِْية هذه األمة على هذا الشرط وهو القيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر،<br />
وهو أيضا صفة نيب هله األمة صلى هللا عليه وسلم }الرَّ سُولَ النَّبِيَّ األُمِيَّ الَّذِي يَجِ دُونَهُ مَكْتُوب ًا عِنْدَهُمْ قِي التَّوْ رَ اةِ<br />
2<br />
وَ اإلِ نجِ يلِ يَأْمُرُ هُمْ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ } .<br />
فاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر حيفظ للمسلمني أفرادا ومجاعات دينَهم من النق وسلوكَهم من الزلل واالحنراف،<br />
وهو أهم عامل يف ا فاظ على استقامة اجملموع على حدود هللا، ولذلك فقد ورد يف آية التوبة بعد ذكر صفة األمر<br />
ابملعروف والنهي عن املنكر، قوله تعاَل: }وَ الْحَاقِظُونَ ِلحُدُودِ َّللاَّ ِ{ لكون األمر والنهي حيفظ على الناس دينهم،<br />
وأتمل الرتتيب يف اآلية. وختم هللا اآلية بقوله }وَ بَشِرْ الْمُؤْ مِنِي َن{ فهذه صفات املؤمنني املوعودين ابلنصر }وَ كَانَ حَقًّا<br />
عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ } فإن استوفوا هذه الصفات والشروط حتقق الوعد وإال ختلف.<br />
وهنا يرد علينا تساؤل وهو<br />
هل ال نشرع يف اجلهاد حىت نستكمل اإلعداد اإلمياين علما وعمال؟ أم ما هو ضابط<br />
ذلك؟ وهو سؤال هام وشبهة تَرِدُ على كثري من املسلمني، ن َرُدُّ عليها إن شاء هللا تعاَل يف امللحقني الثالث والرابع يف<br />
هناية هذه املسألة.<br />
ثالثا: معالم اإلعداد اإليماني<br />
هذه املعامل منها العلمي ومنها العملي، وسأورد <strong>في</strong>ما يلي بعض املعامل اليت سَبَقَت يف هذه الرسالة على وجه االختصار،<br />
ُث أفصل بعضها ألمهيتها يف امللحقني األول والثاين بنهاية هذه املسألة إن شاء هللا تعاَل.<br />
فمن املعامل اهلامة اليت سبقت يف هذه الرسالة، حسب ترتيب ورودها، ما يلي:<br />
= 1<br />
= 2<br />
الإخالص واالحتساب.<br />
وجوب اجلهاد والتدريب، وأمهيته، وعالقة اجلهاد بنشر عقيدة التوحيد ومحايتها خاصة يف هذا الزمان وسأبني<br />
هذا يف امللحق الثاين بعنوان )معامل أساسية يف اجلهاد( يف هناية هذه املسألة.<br />
= 3<br />
= 4<br />
بيان األعذار الشرعية املبيحة للتخلف عن اجلهاد، وبيان األعذار غري الشرعية.<br />
بيان أن املرأة ال نصيب هلا يف الوالايت واألعمال العامة.<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 2 سورة األعالاف، اآلية:<br />
227<br />
111<br />
157
= 5<br />
= 6<br />
= 7<br />
= 9<br />
= 8<br />
= 11<br />
= 11<br />
= 12<br />
= 13<br />
= 14<br />
= 15<br />
= 16<br />
= 17<br />
= 19<br />
= 18<br />
النهي عن االستعانة ابلكافر إال ما ورد الشرع ببيانه.<br />
وجوب الإمارة يف الإجتماع القليل أو الكثري، العارض أو الدائم.<br />
بيان أمهية ووجوب وحدة العاملني لإلسالم والنهي عن تعدد اجلماعات واألحزاب.<br />
بيان مسئولية كل مسلم عما يرعاه من أفراد أو عمال أو أموال.<br />
بيان أن أهم أمور املسلم هي الصالة.<br />
جزء من وصية عمر بن اخلطاب اسعد بن أيب وقاص رضي هللا عنهما، وبيان أن التقوى هي خري العُ مدة.<br />
بيان أن الشورى سنة مؤكدة، وممارستها عمليا، ومع ذلك فهي غري ملزمة لألمري.<br />
بيان أن العهود بني املسلمني على املصاحل الشرعية جائزة، وأن الوفاء هبا واجب.<br />
بيان أن الوالايت أماانت توكل إَل األصلح هلا وإن كان مفضوال.<br />
النهي عن احلرص على الإمارة والوالية، وبيان عِظَم خطرها، والنهي عن تولية من حيرص عليها.<br />
بيان أمهية الرفق واحللم واألانة يف سياسة الناس ويف التعامل معهم.<br />
بيان كي<strong>في</strong>ة اكتساب األخالق احملمودة ابلعلم واجملاهدة والدعاء والصحبة الصاحلة.<br />
بيان أثر الصحبة على العبد سلبا وإجيااب، وأمهية الصحبة الصاحلة للمسلم.<br />
بيان أن احملافظة على وحدة املسلمني ووحدة اجلماعة من املقاصد الشرعية اهلامة.<br />
بيان وجوب اتباع السنة ونبذ البدعة وأثر ذلك يف احلفاظ على وحدة الصف. وسيأِت مزيد بيان هلذا يف امللحق<br />
األول )وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة( يف هناية هذه املسألة.<br />
= 21<br />
وجوب السمع والطاعة لوالة األمور، يف غري معصية، وإن كان األمري عبدا حبشيا وأمهية ذلك يف احلفاظ على<br />
وحدة الصف، وَيِت تفصيل هذا يف الباب اخلامس إن شاء هللا.<br />
= 21<br />
األصول اخلمسة اليت ذكرهتا يف هذه املسألة، وهي السنة القدرية بنصر املؤمنني واليت ال تتخلف إال لنق يف<br />
الإميان وأن أسباب فشل املسلمني هي أساسا ذاتية داخلية من املسلمني أنفسهم، وال أمل هلم يف النصر على أعدائهم<br />
إال إذا غَريم وا حاهلم إَل ما حيب هللا تعاَل ويرضاه.<br />
= 22<br />
<br />
<br />
بيان منزلة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر، وبيان أثره يف إصالح الفرد واألمة، وأنه شرط خلريية هذه األمة.<br />
وسيأِت مزيد هلذا يف امللحق األول.<br />
رابعا: واجبات األمير <strong>في</strong> اإلعداد اإليماني.<br />
قال هللا تعاَل: }ي َتْلُوا عَلَيْهِمْ آايَتِهِ وَي ُزَكِّيهِمْ وَي ُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَاحلِْكْمَةَ{ . 1<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته« . 2<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 2 متفق عليه عن ابن عمر.<br />
228<br />
164<br />
وسورة اجلمعة، اآلية:<br />
2
وقال صلى هللا عليه وسلم : »ما من عبد يسرتعيه هللا رعية فلم حيَُطها مل جيد رائحة اجلنة« . 1<br />
فال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد وإن كان كل فرد مطالبا به يف خاصة نفسه ومطالبا أبن يوصي إخوانه به }وَ تَوَ اصَوْ ا ِ بِالْحَق<br />
2<br />
وَ تَوَ اصَوْ ا بِالصَّبْ ِر{ ، إال أن األمري مطالب حبكم مسئوليته بواجبات خاصة يف هذا الشأن تدل عليها النصوص<br />
السابقة، ومن ذلك الرعاية والنصح <strong>في</strong>ما يتعلق ابلتزكية.<br />
ومن الناحية العملية نقول إن األمري مطالب أبن ي ُفْرِد لإلعداد الإمياين زمنا معينا يوميا وأسبوعيا ضمن خطة املعسكر،<br />
وأن يويل أكفاء يقومون بتعليم األعضاء ما يلزمهم من أمر دينهم ويراقبون سلوكهم. وأوجز ما يلزم األمري يف النصائح<br />
التالية:<br />
= 1<br />
عليه يف املقام األول أن حييط علما وعمال أبصول الإعتصام ابلكتاب والسنة، وهي منهج أهل السنة واجلماعة<br />
)وستأِت يف امللحق األول( وكذلك بعقيدة املسلمني يف اجلهاد )وستأتى يف امللحق الثاين(. وعليه أن ي ُرَسِّ خ هذه<br />
األصول وهذه العقيدة يف<br />
نفوس أتباعه لتكون منهجا موحدا للطائفة اجملاهدة، وهذا يف غاية األمهية للحفاظ على<br />
وحدة الصف للوصول ابلطائفة اجملاهدة إَل غايتها الشرعية دون تفريط أو إفراط.<br />
= 2<br />
ُث عليه أن يكون قدوة حسنة ألتباعه، فإن أنظارهم معلقة به، <strong>في</strong>كون سباقا يف كل طاعة، قدوة يف كل خلق<br />
محيد، متنزها عما خيل ابملروءة فضال عما خيل ابلعدالة، فصالح الرعية يرجع إَل حد كبري لصالح أمرائهم، والناس<br />
على دين ملوكهم، ويدل على هذا ما رواه البخاري عن قيس<br />
بن أيب حازم أن امرأة من أمحس سألت أاب بكر<br />
فقالت: )ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل الذي جاء هللا به بعد اجلاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه<br />
ما استقامت بكم<br />
أئمتكم. قالت وما األئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف َيمروهنم <strong>في</strong>طيعوهنم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك<br />
على الناس( . 3 قال ابن حجر يف شرحه: ]ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل أي دين الإسالم وما اشتمل عليه من<br />
العدل واجتماع كلمة ونصر املظلوم ووضع كل شيء يف حمله. )ما استقامت بكم أئمتكم( أي ألن الناس على دين<br />
ملوكهم. فمن حَادَ من األئمة عن احلال مَالَ وأَمَال[<br />
. 4<br />
وقال ابن تيمية رمحه هللا: ]قال رجل لعمر بن اخلطاب: اي أمري املؤمنني لو وَسمعت على نفسك يف النفقة من مَالِ هللا<br />
تعاَل، فقال له عمر: أتدري ما مثلي ومثل هؤالء؟ كمثل قوم كانوا يف سفر فجمعوا منهم ماال، وسلموه إَل واحد<br />
ينفقه عليهم. فهل حيل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أمواهلم؟. ومحُِلَ مرة إَل عمر بن اخلطاب<br />
مَالٌ عظيم من <br />
اخلمس. فقال: إن قوما أدوا األمانة يف هذا ألَُمناء، فقال له بعض احلاضرين إنك أديت األمانة إَل هللا تعاَل، فأدوا<br />
إليك األمانة ولو رتعت لرتعوا.<br />
- 1 رواه البخاري عن مَعْقِل بن يَسَار<br />
- 2 سورة العصر، اآلية:<br />
229<br />
3<br />
- 3 حديث .3934<br />
- 4 )فتح الباري( 151 / 7
وينبغي أن يعرف أن ويل األمر كالسوق، ما نفق <strong>في</strong>ه جلب إليه: هكذا قال<br />
= 3<br />
عمر بن عبد العزيز<br />
. فإن نفق <strong>في</strong>ه<br />
الصدق والرب والعدل واألمانة، جلب إليه ذلك، وإن نفق <strong>في</strong>ه الكذب والفجور واجلور واخليانة، جلب إليه ذلك[ . 1<br />
وعليه أن يرتب حلقه أو أكَر يوميا لتالوة القرآن، وأن جيمع كل جمموعة من أَتْبَاعه على أحدهم ممن جيُ يد<br />
التالوة ويعرف قواعدها ليعلم من جيهل ذلك ويقرؤون ابلتناوب.<br />
ويف استحباب االجتماع على التالوة قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ يفِ ب َيْتٍ مِنْ ب ُيُوتِ اَّللمِ<br />
ي َتْلُونَ كِتَابَ اَّللمِ وَي َتَدَارَسُونَهُ ب َيْنَهُمْ إِالم ن َزَلَتْ عَلَيْهِمُ السمكِينَةُ وَغَشِ يَتْهُمُ الرممحَْةُ وَحَفمتْهُمُ الْمَالئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اَّللمُ فِيمَ ْن<br />
2<br />
عِنْدَهُ« . وقال النووي: ]يف األوقات املختارة للقراءة: اعلم أن أفضل القراءة ما كان يف الصالة إَل قوله وأما القراءة<br />
يف غري الصالة فأفضلها قراءة الليل، والنصف األخري<br />
منه أفضل من األول، والقراءة بني املغرب والعشاء حمبوبة، وأما<br />
قراءة الصباح فأضلها بعد ما بعد صالة الصبح، وال كراهة يف القراءة يف وقت من األوقات وال يف أوقات النهي عن<br />
3<br />
الصالة[ .<br />
= 4<br />
على األمري أن يرتب درسا يف العلوم الدينية والوعظ، على األقل مرة يف األسبوع، وال أبس أبكثر من ذلك إذا<br />
مسح الوقت ورغب يف ذلك أتباعه.<br />
وقد روى البخاري عن أيب وائل قال: كان عبد هللا بن مسعود يُذَكِّر الناس كل مخيس، فقال له رجل: اي أاب عبد الرمحن<br />
لَوَدِدْتُ أنك ذكمرتنا كل يوم. قال: )أما إنه مينعين من ذلك أين أكره أن أُمِلمكُم، وإين أختوملكم ابملوعظة كما كان النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
=<br />
5<br />
يتخولنا هبا خمافة السآمة علينا( قال ابن حجر يف شرحه: ]يستفاد من احلديث استحباب ترك<br />
املداومة يف اجلد يف العمل الصاحل خشية املَالَل، وإن كانت املواظبة مطلوبة لكنها على قسمني: إما كل يوم مع عدم<br />
التكلف، وإما يوما بعد يوم <strong>في</strong>كون يوم الرتك ألجل الراحة ليقبل على الثاين بنشاط، وإما يوما يف اجلمعة. وخيتلق<br />
ابختالف األحوال واألشخاص، والضابط احلاجة مع مراعاة وجود النشاط[ . 4<br />
والواجب أن يُدَرمسَ يف دروس العلم هذه منهج يغطي حاجة الناس من العقائد واألحكام واآلداب وال تكون ارجتالية<br />
عفوية. على أن خيتار هلذه الوظيفة فردا من أعلم املوجودين إذا تعذر توفري متخص .<br />
يعني األمري حمتسبا للمعسكر<br />
على دراية ابألحكام واآلداب الإسالمية، ويكون ر<strong>في</strong>قا، وهذا احملتسب عليه<br />
متابعة سلوك األعضاء وإرشادهم إَل الصواب أمراً مبعروف أو هنياً عن منكر،<br />
وعليه نصح إخوانه سرا، وابلنسبة ملا<br />
تَعُم احلاجة إَل النصح به فال أبس أبن يُذَكِّر به اجملموع، وليكن بعد الصالة بدون ذكر ألمساء إخوانه بل يَذْكُر املسألة<br />
268<br />
87<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج<br />
رواه مسلم عَنْ أَيبِ هُرَيْرَةَ<br />
)كتاب األذكار( ط<br />
29 ص 269<br />
4 ص 85<br />
- 2<br />
- 3<br />
- 4 )فتح الباري( ج 1 ص 163<br />
231
مباشرة، أو يقول إن بعض الإخوة يفعلون كذا وكذا والصواب هو كذا، كما كان النيب صلى هللا عليه وسلم يقول:<br />
»ما ابل أقوام يفعلون كذا« أو كما قال.<br />
وليس معىن تعيني حمتسب هلذا ا ألمر أن يسكت الباقون عن األمر والنهي، بل على اجلميع أن يقوموا بذلك فقد يرى<br />
أحدهم ماال يراه احملتسب. وهذا أحد أساليب الرتبية الإميانية وهو أن يُصْلِحَ املسلمون بعضهم البعض، فقد يكون<br />
لدى أحدهم<br />
1<br />
علم ليس لدى أخيه، وقد يغفل العامل، وديل هذا قوله تعاَل: }وَ تَوَ اصَوْ ا ِ بِالْحَق وَ تَوَ اصَوْ ا بِالصَّبْ ِر{ ،<br />
2<br />
وقوله تعاَل: }وَ تَوَ اصَوْ ا بِالصَّبْرِ وَ تَوَ اصَوْ ا بِالْمَرْ حَمَ ِة{ ، فقوله تعاَل: }وَ تَوَ اصَوْ ا{ <strong>في</strong>ه مفاعلة أي فعل من<br />
الطرفني، كل منهما يوصي اآلخر.<br />
ووظيفة احملتسب هي ترمجة ما حصله األفراد من علم وآدا<br />
نظرية إىل واقع عملي وسلوك ميَُارَس يف كل حني،<br />
كما ينبغي أن تكون حياة املسلم }قُلْ إِنَّ صَالتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَاي وَ مَمَاتِي ّلِلِ َّ ِ رَ ِب الْعَالَمِي َن ال شَرِ يكَ لَهُ وَ بِذَلِ َك<br />
3<br />
أُمِرْ تُ } ، لذلك<br />
فإن وظيفة احملتسب هي يف غاية األمهية للمعسكر وألي جتمع إسالمي إذ هي<br />
مراقبة وتَبيت<br />
للند قْلة من العلم إىل العمل. ولذلك ينبغي أن خيَ تار األمري هلذه الوظيفة فردا من أكربهم سنا وأوفرهم علما وأداب ولني<br />
جانب، فردا َيلف الناس وَيلفونه بال تكلف.<br />
= 6<br />
قيام الليل وصيام النفل<br />
من أفضل أساليب جماهدة النفس وتزكيتها، فال ينبغي إغفال ذلك. وال ينبغي على<br />
األمري إلزام اتباعه بذلك خاصة مع التدريب الشاق، بل يندهبم ويرغبهم ويَكل كالً منهم الجتهاده وطاقته، فقد عقد<br />
البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه اببني متعلقني ابلصوم يف الغزو، األول ابب )من اختار الغزو على الصوم(<br />
ِ<br />
«<br />
ِ<br />
( :<br />
كَانَ أَبُو طَلْحَةَ ال يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النميبِ ّ<br />
والثاين ابب )ف ضْل الصوم يف سبيل هللا(، فروى يف األول عن أنس قال: ملَْ أَرَهُ مُفْطِرًا إِالم ي َوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى«.<br />
صلى هللا عليه وسلم مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ فَلَما قُبِضَ النميبِ ُّ صلى هللا عليه وسلم وروى يف ابب )ف ضْل الصوم يف سبيل هللا( عن أيب سعيد عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »مَنْ صَامَ ي َوْمًا يفِ<br />
سَبِيلِ اَّللمِ ب َعمدَ اَّللمُ وَجْهَهُ عَنِ النمارِ سَبْعِنيَ خَرِيفًا«. وروى البخاري أيضا يف ابب )فضل افدمة يف الغزو( عن أنس<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
قَالَ كُنما مَعَ النميبِ ّ<br />
أَكْثَرُانَ ظِال المذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وَأَما المذِينَ صَامُوا فَلَمْ ي َعْمَلُوا شَيْئًا وَأَما<br />
المذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَاجلَُوا فَقَالَ النميبِ ُّ صلى هللا عليه وسلم ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ ابِألَجْ ِر( قال ابن<br />
حجر: ])فَبَعَثُوا الرِّكَا َب( أي أَثروا الإبل خلدمتها وسقيها وعلفها، قوله )ابِألَجْرِ( أي الوافر، وليس املراد نق أجر<br />
الصُّوام بل املراد أن املُفطّرين حصل هلم<br />
أجر عملهم ومثل أجر الصوام، لتعاطيهم أشغاهلم وأشغال الصوام،... وقال:<br />
قال ابن أيب صفرة: <strong>في</strong>ه أن أجر اخلدمة يف الغزو أعظم من أجر الصيام قلت: وليس ذلك على العموم. و<strong>في</strong>ه احلض<br />
- 1 سورة العصر، اآلية:<br />
230<br />
3<br />
- 2 سورة<br />
البلد، االية:<br />
- 3 سورة األنعام، اآلية:<br />
17<br />
163 162
على املعاونة يف اجلهاد، وعلى أن الفطر يف السفر أوَل من الصيام. وأن الصيام يف السفر جائز<br />
. 1 ينعقد[<br />
قلت: يتضح من األحاديث الثالثة اليت رواها البخاري، أن الصوم يف السفر والغزو<br />
الصوم عن القيام مبا جيب عليه يف السفر والغزو من التدريب والقتال وحنوها.<br />
= 7<br />
خالفا ملن قال ال<br />
جائز، وتركه أوىل ملن يضعفه<br />
وينبغي لألمري أن حيمل أتباعه على خشونة العيش ونبل الرتف، لِمَا للرتف من آَثر ضارة على العبد يف عاجله<br />
وآجله، منها قسوة القلب والكِربْ والركون إَل الدنيا وحبها وكراهة املوت، وما يتبع ذلك من القعود عن اجلهاد بل<br />
والإعراض عن احلق بل والصد عنه.<br />
والرتف هو التوسع يف النعمة<br />
قال تعاَل: }وَ مَا أَرْ سَلْنَا قِي قَرْ يَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِالَّ<br />
2<br />
، ومل يَرِد الرتف يف القرآن إَل يف معرض الذم.<br />
مَا أَرْ سَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ قِي قَرْ يَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِالَّ قَالَ مُتْرَ قُوهَا إِنَّا وَ جَدْنَا<br />
قال تعاَل:<br />
ذَلِ َك كَانُوا قَبْلَ<br />
}وَ اتَّبََْ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِ قُوا قِيهِ وَ كَانُوا مُجْرِ مِينَ{ ، 5<br />
مُتْرَ قِي َن{ ، 6 وانظر اآلايت: الإسراء 16 واألنبياء 13<br />
الرتف، ومل يرد إال يف مَعْرِض الذم.<br />
قَالَ مُتْرَ قُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْ سِلْتُمْ بِهِ كَاقِرُ و َن{ ، 3 وقال تعاَل: }وَ كَذَلِكَ<br />
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى آثَارِ هِمْ مُقْتَدُو َن{ ، 4<br />
واملؤمنون<br />
وقال تعاَل عن أصحاب<br />
64 ،33<br />
}إِنَّهُمْ الشمال:<br />
فهذه مثان آايت وارد <strong>في</strong>ها ذكر<br />
وال يضن أحد أننا هنَُوِّن من قدر املال، فاملال قِوَام احلياة وعصب احلرب، وسبق تفصيل هذا عند الكالم عن النفقة يف<br />
سبيل هللا يف الباب الثاين.<br />
ولكنا حنذر من الإسراف يف التنعم خاصة للعاملني يف حقل اجلهاد، لِمَا هلذا من آَثر سيئة رأيناها أبعيننا، آلت<br />
ابلبعض إَل التخلي عن قضية اجلهاد والركون إَل الدنيا، وأقبح من هذا تربير هذا الركون. واعترب حبال من ابتُلِيَ هبذا<br />
ممن تعرفهم من الناس فستجده صوااب.<br />
قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تُلْهِكُمْ أَمْوَ الُكُمْ وَ ال أَوْ الدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ َّللاَّ ِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ قَأُوْ لَئِكَ هُ ْم<br />
الْخَاسِرُ ونَ{ ، 7 وقال تعاَل: }وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَ الُكُمْ وَ أَوْ الدُكُمْ قِتْنَةٌ وَ أَنَّ َّللاَّ َ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{ . 9<br />
232<br />
- 1 )فتح الباري )94 / 6<br />
- 2 )املفردات للراغب األصفهاين(<br />
- 3 سورة سبأ، اآلية:<br />
34<br />
- 4 سورة الزخرف، اآلية:<br />
- 5 سورة هود، اآلية:<br />
- 6 سورة الواقعة، اآلية:<br />
23<br />
116<br />
- 7 سورة املنافقون، اآلية:<br />
- 9 سورة األنفال، اآلية:<br />
45<br />
8<br />
29
وقد عقد ابن خلدون يف مقدمته فصوال انفعة يف بيان مضار الرتف وأثره يف زوال الدول وبَنيم كذلك أثر اخلشونة يف<br />
الغلبة على األعداء. فقال يف الفصل السادس عشر: [ "يف أن األمم الوحشية أقدر على التد غ لُّب ممن سواها" اعلم<br />
أنه ملا كانت البَدَاوَة سببا يف الشجاعة كما قلناه يف املقدمة الثالثة، ال جرم كان هذا اجليل الوحشي أشد شجاعة من<br />
اجليل اآلخر، فهم أقدر على التغلب وانتزاع ما يف أيدي سواهم من األمم، بل اجليل الواحد ختتلف أحواله يف ذلك<br />
ابختالف األعصار، فكلما نزلوا األرايف وتَفَنمقوا يف النعيم، وأَلِفوا عوائد اخلصب يف املعاش والنعيم، نق من<br />
شجاعتهم مبقدار ما نق<br />
من توحشهم وبداوهتم[<br />
1<br />
.<br />
وتكلم ابن خلدون عن التيه الذي قَدمره هللا على بين إسرائيل، ورَجمح أن احلكمة منه أن ينشأ جيل قادر على الغلبة،<br />
فقال يف الفصل التاسع عشر: ]..يف أن من عوائق امللك املللة للقبيل واالنقياد إىل سواهم" وسبب ذلك أن املذلة<br />
واالنقياد كاسران لسورة العصبية وشدهتا، فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقداهنا، فما رئموا للمذلة حىت عجزوا عن<br />
املدافعة، فأوَل أن يكون عاجزا عن املقاومة واملطالبة، واعتَربِ ذلك يف بين إسرائيل لَما دعاهم موسى<br />
إَل مُلْكِ الشام <br />
وأخربهم أبن هللا قد كتب هلم ملكها، كيف عجزوا عن ذلك وقالوا إن <strong>في</strong>ها قوما جبارين إَل قوله فعَاقَبَهم هللا ابلتِّية،<br />
وهو أهنم اتهوا يف قفر من األرض ما بني الشام ومصر أربعني سنة مل َيووا <strong>في</strong>ها العمران وال نزلوا مِصْرا وال خالطوا<br />
بشرا، كما قَصمه القرآن لغلظة العمالقة ابلشام والقبط مبصر عليهم، لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه، ويظهر من<br />
مساق اآلية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي الفناء يف اجليل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة<br />
وختلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حىت نشأ يف ذلك التيه جيل آخر عزيز ال يعرف األحكام والقهر وال يُسام ابملذلة،<br />
فنشأت بذلك عصبية أخرى اقتدروا هبا[ . 2<br />
قلت: وهذا الكالم السابق يصف حال كثري من املسلمني اآلن، فهم يف مذلة وانقياد مهني وهو احلال الذي وصفه<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقوله:<br />
ّ أُ<br />
ِ<br />
«<br />
يُوشِ كُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ األُمَمُ مِنْ كُل<br />
فُقٍ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا«<br />
قُلْنَا: ايَ رَسُولَ اَّللمِ أَمِنْ قِلمةٍ مِنَا ي َوْمَئِذٍ؟ قَالَ : »أَنْتُمْ ي َوْمَئِذٍ كَثِريٌ، وَلَكِنمكُمْ كَغُثَاءِ السميْلِ ، تنزعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ<br />
وَجيَْعَلُ يفِ قُلُوبِكُمُ الْوَهْ َن« قَالُوا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ : »حُبُّ احلَْيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ »<br />
.<br />
3<br />
وقال ابن خلدون أيضا يف الفصل الثامن عشر: ]"يف أن من عوائق املُلك الرتف وانغماس القبيل يف النعيم" إَل<br />
قوله وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافُهم على الفناء فضال عن املُلك، فإن عوارض الرتف والغرق يف النعيم<br />
كَاسِ ر من سورة العصبية اليت هبا التغلب، وإذا انقرضت العصبية قَصمر القبيل عن املدافعة واحلماية فضال عن املطالبة،<br />
والتهمتهم األمم سواهم، فقد تبني أن الرتف من عوائق املُلك، وهللا يؤِت ملكه من يشاء إَل أن قال يف الفصل<br />
العشرين إذا أتذن هللا ابنقراض املُلك من أمة مجلهم على ارتكاب املذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طرقها، فتفقد<br />
233<br />
- 1 املقدمة، ص : 139<br />
- 2 )املقدمة، ص : )141<br />
- 3 رواه أمحد وأبو داود عن ثوابن، وصححه األلباين
الفضائل السياسية منهم مجلة وال تزال يف انتقاص إَل أن خيرج املُلك من أيديهم ويتبدل هبم سواهم، ليكون نعيا عليهم<br />
يف سلب ما كان هللا قد أاتهم من امللك وجعل يف أيديهم من اخلري، وإذا أردان أن هنلك قرية أمران مرت<strong>في</strong>ها ففسقوا <strong>في</strong>ها<br />
فحق عليها القول فدمرانها تدمريا، واستقرئ ذلك وتتبعه يف األمم السابقة جتد كثريا مما قلناه ورمسناه، وهللا خيلق ما<br />
يشاء وخيتار[<br />
1<br />
.<br />
قلت: والعصبية اليت يشري إليها ابن خلدون عند القبائل<br />
تقابل العقيدة اجلهادية القتالية عند املسلمني تضعف<br />
ابلرتف واملللة، والبد لبعتها يف النفوس من عالج هذه األسباب وغريها لتنبعث هذه العقيدة حية من جديد يف<br />
نفوس املسلمني.<br />
وكلما تقلل العبد من الدنيا ومتاعها، كلما هانت عليه وهان عليه فراقها، وسهل عليه اجلهاد والبذل<br />
وهانت عليه<br />
التضحيات ومصائب الدنيا. ولللك فقد كان املتقللون من الدنيا هم أتباع الرسل، كما ورد يف حديث ابن عباس<br />
يف قصة هرقل مع أيب س<strong>في</strong>ان، فقال هرقل )وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النماسِ ات مبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنم ضُعَفَاءَهُمِ ات مبَعُوهُ<br />
2<br />
وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ) .وقال تعاَل: }وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مََْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَ بَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِي ِ يُرِ يدُونَ وَ جْهَهُ وَ الَ تَعْ ُد<br />
3<br />
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِ يدُ زِ ينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ الَ تُِِْْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِ نَا وَ اتَّبََْ هَوَ اهُ وَ كَانَ أَمْرُ هُ قُرُ ِ ًا{ ، وقال<br />
تعاَل عن قوم نوح: }قَالُوا أَنُؤْ مِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ األَرْ ذَلُو َن قَالَ وَ مَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُو َن إِنْ حِ سَابُهُمْ إِالَّ عَلَى<br />
رَ ب ِي لَوْ تَشْعُرُ ونَ<br />
4<br />
وَ مَا أَنَا بَِِارِ دِ ا ْلمُؤْ مِنِي َن{ .<br />
قال ابن القيم رمحه هللا: ]طالب العلم والدار اآلخرة ال يستقيم له سريه وطلبه إال حب بْس ْني، حبس قلبه يف طلبه<br />
ومطلوبه. وحبسه عن االلتفات إَل غريه وحبس لسانه عما ال ي<strong>في</strong>د وحبسه على ذكر هللا وما يزيد يف إميانه ومعرفته.<br />
وحبس جوارحه عن املعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات واملندوابت، فال يفارق احلبس حىت يلقى ربه <strong>في</strong>خلصه<br />
من السحن إَل أوسع فضاء وأطيبه. ومىت مل يصرب على هذين احلبسني وفَرم منهما إَل فضاء الشهوات أعقبه ذلك<br />
احلبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا إما متخل<br />
. 5 التو<strong>في</strong>ق[<br />
من احلبس وإما ذاهب<br />
إَل احلبس وابهلل<br />
وقال رمحه هللا: ]ال تتم الرغبة يف اآلخرة إال ابلزهد يف الدنيا وال يستقيم الزهد يف الدنيا إال بعد نظرين صحيحني:<br />
نظر يف الدنيا وسرعة زواهلا وفنائها وخِ سمتها وأمل املزامحة عليها واحلرص عليها. فطالبها ال ينفك من هَمٍّ قبل حصوهلا<br />
وهَمٍّ يف خال الظفر هبا وغَمٍّ وحزن بعد فواهتا فهذا أحد النظرين.<br />
- 1 )مقدمة ابن خلدون ص 141<br />
234<br />
144<br />
- 2 رواه البخاري<br />
- 3 سورة الكهف، اآلية:<br />
29<br />
- 4 سورة<br />
الشعراء، اآلايت:<br />
114<br />
111<br />
- 5 )الفوائد البن القيم( ط املتنيب ص 54<br />
طبعة دار القلم 1879م(
)النظر الثاين( النظر يف اآلخرة وإقباهلا وجميئها والبُد ودوامها وبقائها وشرف ما <strong>في</strong>ها من اخلريات واملَسَرمات والتفاوت<br />
1<br />
الذي بينه وبني ما ههنا، فهي كما قال هللا سبحانه: }وَ اآلخِ رَ ةُ خَيْرٌ وَ أَبْقَى{ ، فهي خريات كاملة دائمة وهذه<br />
خياالت انقصة منقطعة مضمحلة، فإذا مت له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره وزهد <strong>في</strong>ما يقتضي الزهد <strong>في</strong>ه،<br />
فكا أحد مطبوع على أن ال يرتك النفع العاجل واللذة الغائبة املنتظرة إال إذا تَبَنيم له فضل اآلجل على العاجل وقويت<br />
رغبته يف األعلى األفضل فإذا آثر الفاين الناق كان ذلك إما لعدم تَبَنيُّ الفضل له وإما لعدم رغبته يف األفضل.<br />
وكل واحد من األمرين يدل على ضعف الإميان وضعف العقل والبصرية، وهلذا نبذها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
وراء ظهره هو وأصحابه وصرفوا عنها قلوهبم وأطرحوها<br />
ومل َيلفوها وهجروها ومل مييلوا إليها وعَدُّوها سجنا ال جنة،<br />
فزهدوا <strong>في</strong>ها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها كل حمبوب فقد عُرِضت عليه مفاتيح كنوزها فَرَدمها وفاضت على<br />
أصحابه فآثروا هبا ومل يبيعوا حظهم من اآلخرة هبا، وعلموا أهنا مَعْربَ وممََر ال دار مقام ومستقر، قال النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم:<br />
هذا<br />
«<br />
مَا يلِ وَلِلدُّنْيَا إَِّنمَا أَانَ كَرَاكِبٍ قَالَ يفِ ِ ظِل شَجَرَةٍ ُثُم رَاحَ وَتَرَكَهَا<br />
2<br />
» هأ .<br />
ّ<br />
هذا <strong>في</strong>ما يتعلق بنبذ الرتف وأخذ األمري أتباعه ِبشونة العيش، لٍمَا يف ذلك من منافع للعبد يف دنياه وأخراه، ويتأكد<br />
يف حق العاملني يف حقل اجلهاد. أما املنافع الدنيوية خلشونة العيش فهي ما أشران إليه آنفا. وأما املنافع األخروية<br />
فمنها ما يرتتب على املنافع الدنيوية املذكورة ومنها ما يرتتب على ترك احلظ من املتاع الدنيوي لِيُدمخَر لصاحبه يف<br />
اآلخرة، فالراجح أن كل ما حيصل عليه املنمن من حظ يف دنياه ينقص من أجره األخروي وقد أشرت إَل هذا يف<br />
أوائل هذه الرسالة يف شرح النووي حلديث النيب صلى هللا عليه وسلم: »مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِالم<br />
كَانُوا قَدْ تد ع ج لُوا ثدُلَُ يْ أُجُورِهِ ْم وَمَا مِ ْن غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ ختُْفِقُ وَتُصَا ُب إِال ُت أُجُورُهُ ْم« ، 3 ويف هذا املعىن خَبماب بن<br />
األَرَتّ )هاجران مع النيب صلى هللا عليه وسلم نريد وجه هللا، فوقع أجران على هللا تعاَل، فَمِنما مَنْ مضى مل أيخل من<br />
أجره شيئا، منهم مصعب بن عمري قُتِلَ يوم أُحُد وترك َّنَِرَة، فإذا غَطمينا رأسه بَدَت رجاله،وإذا غطينا رجاله بدا رأسه<br />
فأمران النيب صلى هللا عليه وسلم أن نغطي رأسه وُنعل على رجليه من الإذخر،<br />
4<br />
يد هْدِهبُا( ، والنمرة كساء، ويهدهبا أي يقطفها. وقال ابن حجر يف شرح هذا احلديث: ]قوله:<br />
ومنا من أينعت له مثرته فهو<br />
»مل َيكل من أجره<br />
شيئا« أي من عَرَض الدنيا، وهذا مُشكل على ما تقدم من تفسري ابتغاء وجه هللا، وجيمع أبن إطالق األجر على املال<br />
يف الدنيا بطريق اجملاز لثواب اآلخرة، وذلك أن القصد األول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب<br />
بن عمري ومنهم من عاش إَل أن فُتِح عليهم، ُث انقسموا فمنهم من أعرض عنه وواسى به احملاويج أوال فأوال حبيث<br />
بقي على تلك احلالة األوَل وهم قليل منهم أبو ذر، وهؤالء ملتحقون ابلقسم األول ومنهم من تَبَسمطَ يف بعض املباح<br />
- 1 سورة اآلعلى، اآلية:<br />
235<br />
17<br />
- 2 ابختصار من )الفوائد البن القيم( ص 84<br />
- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو<br />
.85<br />
- 4 رواه البخاري
يتعلق بكثرة النساء والسراري أو اخلدم واملالبس وحنو ذلك ومل يستكثر وهم كثري ومنهم ابن عمر، ومنهم من زاد<br />
فاستكثر ابلتجارة وغريها مع القيام ابحلقوق الواجبة واملندوبة وهم كثري أيضا منهم عبد الرمحن بن عوف، وإَل هذين<br />
القسمني أشار خباب، فالقسم األول وما التحق به تَوَفمر له أجره يف اآلخرة، والقسم الثاين مقتضى اخلري أنه حيسب<br />
عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثواهبم يف اآلخرة، ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد هللا بن عمرو<br />
رفعه »مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِالم تَعَجملُوا ث ُلُثَيْ أَجْرِهِ ْم« احلديث، ومن ُثَم آثر كثري من السلف قِلمة املال وقنعوا<br />
به إما ليتوفر هلم ثواهبم يف اآلخرة وإما ليكون أقل حلساهبم عليه[ أ ه<br />
1<br />
.<br />
<br />
2<br />
قلت: وقد رُوي عن عمر عنه مثل هذا مستدال بقوله تعاَل: { أَذْهَبْتُمْ َِي ِبَاتِكُمْ قِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا{ .<br />
وهذا هو ما قصدته من أن نبذ الرتف وخشونة العيش خري للعبد يف دنياه وأخراه.<br />
وهذا ما تَيَسمر ذَكْره من واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين. ُث أذكر بعض املسائل املتعلقة ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين يف املالحق<br />
األربعة التالية إن شاء هللا تعاَل.<br />
خامسا: )ملحق1(: وجوب االعتصام بالكتاب والسنة )منهج أهل السنة<br />
والجماعة(.<br />
االعتصام ابلكتاب والسنة من أهم معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد، فهو الذي يوجه سري احلركة اجلهادية إَل غايتها<br />
الشرعية، ويعصمها من الزلل واالحنراف الذي آلت إليه كثري من احلركات ذات الراية الإسالمية. لذلك فنحن ال نغايل<br />
إذا قلنا إنه أهم معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين إبطالق، والتهاون <strong>في</strong>ه يعصف ابحلركة اجلهادية ككل وحيوهلا إَل مسخ مشوه،<br />
ويُضَيِّع تضحيات اجملاهدين، ويسمح لغريه بقطف مثرة اجلهاد، <strong>في</strong>سقط نظام علماين )جاهلي( ليقوم حمله نظام علماين<br />
)جاهلي( آخر على جتث الشهداء وأشالء اجلرحى والسعيد من اعترب بغريه.<br />
واالعتصام ابلكتا والسنة هو منهج أهل السنة واجلماعة وهم الفرقة الناجية املذكورة يف قول النيب صلى هللا عليه<br />
»إِنم هَذِهِ األُمةَ سَتَفْرتَِقُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِنيَ فِرْقَةٌ كُلُّهَا يفِ النمارِ إِالم وَاحِ دَةٌ وَهِيَ اجلَمَاعَة« . 3 ورواه الرتمذي<br />
وغريه عن عبد هللا بن عمرو بن العاص مرفوعا »لَيَأْتِنيَم عَلَى أُميتِ مَا أَتَى عَلَى بَينِ إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النمعْلِ ابِلنمعْلِ حَىتم إِ ْن<br />
وسلم :<br />
كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمهُ عَالَ نِيَةً لَكَانَ يفِ أُميتِ مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنم بَينِ إِسْرَائِيلَ تَفَرمقَتْ عَلَى ثِنْتَنيِْ وَسَبْعِنيَ ِملمةً وَتَفْرتَِ ُق<br />
أُميتِ عَلَى ثَالثٍ وَسَبْعِنيَ مِلمةً كُلُّهُمْ يفِ النمارِ إِال مِلمةً وَاحِ دَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ ايَ رَسُولَ اَّللمِ قَالَ مَا أَانَ عَلَيْهِ وَأَصْحَاِيب«<br />
وهذه الرواية إسنادها ضعيف، حسن لغريه بشواهده.<br />
واملعىن واحد، فالفرقة الناجية هي املتبعة ملا كان عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته، وهم مجاعة احلق األوَل، كما<br />
قال أبو شامة يف كتاب احلوادث والبدع ]حيث جاء األمر بلزوم اجلماعة فاملراد به لزوم احلق وأتباعه، وإن كان<br />
236<br />
- 1 )فتح الباري( ج 279 / 11<br />
- 2 سورة األحقاف، اآلية:<br />
تفسري ابن كثري 21<br />
161 / 4<br />
3<br />
- رواه ابن أيب عاصم عن معاوية وصححه األلباين )كتاب السنة البن أيب عاصم حديث 65 ص 33(.
يد<br />
املتمسك به قليال واملخالف له كثريا "ألن احلق هو الذي كانت عليه<br />
اجلماعة األوَل من عهد النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم وأصحابه، وال نظر إَل كثرة أهل البدع بعدهم. قال عمرو بن ميمون األودى: صحبت معاذا ابليمن فما فارقته<br />
حىت واريته يف الرتاب ابلشام، ُث صحبت بعده أفقه الناس عبد هللا بن مسعود<br />
<br />
فسمعته يقول: عليكم ابجلماعة، فإن<br />
هللا على اجلماعة، ُث مسعته يوما من األايم وهو يقول: سَيَلِي عليكم والة يؤخرون الصالة عن مواقيتها، فصلوا<br />
الصالة مليقاهتا، فهي الفريضة، وصلوا معهم فإهنا لكم انفلة. قال قلت: اي أصحاب حممد، ما أدري ما حتدثوان؟ قال:<br />
وما ذاك؟ قلت أتمرين ابجلماعة وحتضّين عليها. ُث تقول: ِ صَل الصالة وحدك، وهي الفريضة، وصل مع اجلماعة وهي<br />
ّ<br />
النافلة؟ قال: اي عمرو بن ميمون، قد كنت أضنك من أفقه أهل القرية تدري ما اجلماعة؟ قلت: ال. قال إن مجهور<br />
اجلماعة: الذين فارقوا اجلماعة. اجلماعة ما وافق ا ق، وإن كنت وحدك" ويف طريق أخرى. "فضرب على فخدي<br />
وقال: وحيك، إن مجهور الناس قد فارقوا اجلماعة. وإن اجلماعة ما وافق طاعة هللا<br />
<br />
"قال نعيم بن محاد" يعين إذا<br />
1<br />
فسدت اجلماعة فعليك مبا كانت عليه اجلماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت اجلماعة حينئذ" .<br />
وروى البخاري عن عمران بن حصني أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »خَريُْ أُميتِ قَرْينِ ُثُم المذِينَ ي َلُوهنَُمْ ُثُم<br />
المذِينَ ي َلُوهنَُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَال أَدْرِي أَذَكَرَ ب َعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَنيِْ أَوْ ثَالَثً ُثُم إِنم ب َعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَال يُسْتَشْهَدُونَ وَخيَُونُوَن<br />
وَال ي ُؤْمتََنُونَ وَي َنْذُرُونَ وَال ي َفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّ مَ ُن«.<br />
ومنهج أهل السنة واجلماعة هو منهج النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته الذين هم خري هذه األمة إَل يوم القيامة<br />
رضي هللا عنهم أمجعني. وتتضح أمهية معرفة هذا املنهج بل وجوب معرفته إذا علمنا أن هذه األمة اختلفت وافرتقت<br />
بعد نبيها صلى هللا عليه وسلم، وسلكت هذه الفرق سُبُال على رأس كل منها شيطان زين لكل منها منهجا فاسدا يف<br />
االستنباط واالستدالل ومل يبق على منهج النيب صلى هللا عليه وسلم الذي هو صراط هللا املستقيم إال فرقة واحدة وهي<br />
الناجية كما يف حديث الفرق السابق، وُناة العبد وفالحه يف الدارين مبعرفة منهجها وأصوله.<br />
قال هللا تعاَل: }وَأَنم هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتمبِعُوهُ وَالَ تَتمبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرمقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ{ ، 2 وحديث ابن مسعود<br />
. 3 يف تفسريها<br />
وقال رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم :<br />
»فَإِنمهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَريََى اخْتِالفًا كَثِريًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنميتِ وَسُنمةِ اخلُْلَفَاءِ<br />
الرماشِ دِينَ الْمَهْدِيِّنيَ مِنْ ب َعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا ابِلنموَاجِ ذِ وَإِايمكُمْ وَحمُْدََثَتِ األُمُورِ فَإِنم كُ مل بِدْعٍَة ضَاللَةٌ« ، 4 فهذا ن آخر<br />
يف وقوع االختالف وأن العصمة حينئذ يف التمسك ابلسنة، وأن ما عليه املختلفون هي احملدَثت والبدع والضالالت<br />
- 1 ذكره البيهقي وغريه أ ه نقال عن )إغاثة اللهفان( البن القيم ط دار الكتب العلمية 1417 ج 1 ص 93<br />
- 2 سورة األنعام، اآلية:<br />
237<br />
153<br />
- 3 )راجع تفسري ابن كثري(.<br />
- 4 رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح عن العرابض بن سارية
وكلها من تزيني الشيطان وكيده، كما قال تعاَل: { وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّ حْمَنِ نُقَي ِضْ لَهُ شَيَِْانًا قَهُوَ لَهُ قَرِ ي ٌن<br />
وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ{ . 1<br />
قال ابن رجب: ]وقد صح عن ابن مسعود<br />
<br />
7<br />
. }<br />
أنه قال: إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة، وإنكم سَتُحْدِثون وحيَْدُث<br />
2<br />
لكم، فإذا رأيتم حمدثة فعليكم ابلعهد األول[ .<br />
ِ<br />
وروى البخاري عن حذيفة قال: ( ايَ مَعْشَرَ الْقُرماءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا فَإِنْ أَخَذْمتُْ ميَِينًا وَمش َاال لَقَدْ ضَلَلْتُ ْم<br />
3<br />
ضَالال بَعِيدًا( ، وأورد الشاطيب عن حذيفة هكذا )اتقوا هللا اي معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن<br />
4<br />
تركتموه ميينا ومشاال لقد ضللتم ضالال بعيداً( ، وهذا األثر <strong>في</strong>ه تكذيب ملقولة املالحدة املعاصرين الذين يسمون<br />
الإحلاد تقدماً ويسمون متابعة الدين رجعية، ف<strong>في</strong> أثر حذيفة: السبق وهو التقدم هو متابعة الشريعة، ومصداق هذا<br />
5<br />
قول هللا تعاَل: ً }نَذِيرا لِلْبَشَ ِر لِمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّ َر{ ، فالتقدم هو متابعة النذير صلى هللا عليه وسلم،<br />
والتأخر والرجعية يف خمالفته.<br />
ومنهج الفرقة الناجية أهل السنة واجلماعة هو االعتصام ابلكتاب والسنة، وهلذا املنهج معامل أوجزها يف مثانية أصول<br />
أبدلتها، ُث أذكر بعض ما يتفرع عنها. واملقصد من ذر هذه األصول هو أن أتخذ هبا الطائفة اجملاهدة علما وعمال،<br />
وأن يتم توحيد الفهم لدى أفراد هله الطائفة وفق هلا املنهج، عسى هللا أن مين على املسلمني ِبالفة على منهاج<br />
النبوة، فإن االعتصام ابلكتاب والسنة كمنهج يؤدي وَحْدَه دون غريه إَل حفظ الدين على أصوله املستقرة اليت كانت<br />
عليها مجاعة احلق األوَل وهم النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته رضي هللا عنهم، وإذا كانت غاية اجلهاد هي إظهار<br />
دين احلق }هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُو َن{ ، 6 فكيف<br />
يٌظْهِرُ الدين من مل يعرفه حق املعرفة ويعرف ما طرأ عليه من الإفساد؟، وكيف يٌظْهِرُ الدين من مل ي َقُم به علما وعمال؟<br />
إن هذا ال يكون، وهو خالف سنة االستخالف القدرية اليت قررت }وَ عَدَ َّللاَّ ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا ال َّصالِحَا ِت<br />
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم قِي األَرْ ضِ<br />
أما األصول الثمانية ملنهج أهل السنة واجلماعة )أصول االعتصام ابلكتاب والسنة( فهي:<br />
- 1 سورة الزخرف، اآليتان:<br />
- 2 )جامع العلوم واحلكم ص 235(<br />
238<br />
37<br />
36<br />
- 3 حديث 7292<br />
- 4 )االعتصام للشاطيب )337 / 2<br />
- 5 سورة املدثر، اآليتان:<br />
- 6 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 7 سورة النور، اآلية:<br />
37<br />
36<br />
33<br />
55
= 0<br />
األصل األول: إن هذه الشريعة هي دين هللا احلق الذي ارتضاه خللقه إَل يوم القيامة، فهي خامتة الشرائع ال<br />
ت ُنْسَخ بشريعة بعدها، كما أن حممداً صلى هللا عليه وسلم هو خامت األنبياء.<br />
أ =<br />
أما كوهنا احلق فمعناه أن ماعداها هو الضالل، ومن ابتغى اهلدى يف غريها أضله هللا، قال تعاَل:<br />
ِ الْحَق إِال الضَّاللُ{ ، 1<br />
السَّمِيُْ الْبَصِ يرُ } 2 ،<br />
يَعْلَمُونَ{ . 3<br />
ب =<br />
وقال تعاَل:<br />
وقال تعاَل:<br />
}وَ َّللاَّ ُ يَقْضِ ي بِالْحَق ِ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ<br />
}قَمَاذَا بَعْدَ<br />
دُونِهِ ال يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ َّللاَّ َ هُ َو<br />
}ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِ يعَةٍ مِنْ األَمْرِ قَاتَّبِعْهَا وَ ال تَتَّبِْْ أَهْوَ اءَ الَّذِينَ ال<br />
وهي شريعة اخلالق جل وعال، وهو أعلم مبصاحل خلقه يف الدارين، قال تعاَل: }أَال يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ<br />
اللَِِّيفُ الْخَبِيرُ } 4 ، وقال تعاَل: }أَقَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ ال يَخْلُقُ أَقَال تَذَكَّرُ ونَ{ ، 5 وهي شريعة أحكم احلاكمني:<br />
}أَلَيْسَ َّللاَّ ُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ{ ، 6 وهي شريعة أرحم الرامحني: }قَاّلِلَّ ُ خَيْرٌ حَاقِظ ًا وَ هُوَ أَرْ حَمُ الرَّ احِ مِي َن{ ، 7 وهي<br />
شريعة العليم القدير: }لِتَعْلَمُوا أَنَّ َّللاَّ َ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ َّللاَّ َ قَدْ أَحَاَِ ِ بِكُل شَيْءٍ عِلْم ًا{ ، 9 فلهذا ال ينبغي<br />
أن يكون التشريع إال له سبحانه، قال تعاَل: }إِنْ الْحُكْمُ إِال ّلِلِ َّ ِ{ 8 ، وهذا هو توحيد الربوبية.<br />
ولكونه جل وعال أعلم مبصاحل خلقه، فإن شريعته مبنية على اعتبار مصاحلهم وخريهم يف الدارين الدنيا واآلخرة،<br />
ِبالف املناهج البشرية القاصرة اليت ال تعترب أمر اآلخرة فلذلك ال ينبغي أن ت ُقَدمم هذه الشريعة إَل الناس على أن <strong>في</strong>ها<br />
حل مشاكلهم الدنيوية كما يفعل أصحاب املناهج البشرية، بل هي تَعْتَربِ مصاحلهم األخروية والدنيوية الرجعة إليها إذ<br />
11<br />
أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إَل اعتبارها مبصاحل اآلخرة ، قال تعاَل: }إِنَّ هَؤُالءِ يُحِ بُّونَ الْعَاجِ لَةَ وَ يَذَرُ ونَ<br />
وَ رَ اءَهُمْ<br />
11<br />
يَوْ م ًا ثَقِيال{ ، وقال تعاَل: }أَكْثَرَ النَّاسِ ال يَعْلَمُونَ<br />
يَعْلَمُونَ ظَاهِر ً ا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنْ اآلخِ رَ ةِ<br />
- 1 سورة يونس، اآلية:<br />
- 2 سورة غافر، اآلية:<br />
- 3 سورة اجلاثية، اآلية:<br />
- 4 سورة امللك، اآلية:<br />
- 5 سورة النحل، اآلية:<br />
- 6 سورة التني، اآلية:<br />
239<br />
32<br />
19<br />
21<br />
14<br />
17<br />
9<br />
- 7 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 9 سورة الطالق، اآلية:<br />
- 8 سورة يوسف، اآليتان<br />
67<br />
64<br />
12<br />
41<br />
- 11 )مقدمة ابن خلدون ص 181(<br />
- 11 سورة الإنسان، اآلية:<br />
27
هُمْ غَاقِلُونَ{ ، 1 وقال تعاَل: }بَلْ تُؤْ ثِرُ ونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَ اآلْ خِ رَ ةُ خَيْرٌ وَ أَبْْ قَى{ ، 2 وقال تعاَل: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ<br />
الْمَوْ تِ وَ إِنَّمَا تُوَ قَّوْ نَ أُجُورَ كُمْ يَوْ مَ الْقِيَامَةِ{ ، 3 فالدنيا دار العمل واآلخرة دار اجلزاء.<br />
ج = واخلالق جل وعال له وحده أن يُشَرِّع خللقه، فَمَن انزعه يف هذا فقد انزعه يف ربوبيته وألوهيته للناس، قال تعاَل:<br />
4<br />
}أَال لَهُ الْخَلْقُ وَ األَمْ ُر{ ، وقال تعاَل: }إِنْ الْحُكْمُ إِالَّ ّلِلِ َّ ِ أَمَرَ أَال تَعْبُدُوا إِال إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِينُ الْقَي ِمُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ<br />
5<br />
ال يَعْلَمُونَ{ ، أما مَنْ ينازعه سبحانه يف التشريع خللقه فقد وصفهم سبحانه ابلشركاء واألرابب، كما يف قوله تعاَل:<br />
6<br />
}أَمْ لَهُمْ شُرَ كَاءُ شَرَ عُوا لَهُمْ مِنْ الدِينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ َّللاَّ ُ{ ، وقال سبحانه: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَ هُمْ وَ رُ هْبَانَهُمْ أَرْ بَابًا<br />
7<br />
مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ . فإفراده سبحانه حبق التشريع وطاعته يف ذلك هو توحيد األلوهية الذي ال يصح إسالم املرء إال به،<br />
9<br />
قال تعاَل: }أَقَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنْ َّللاَّ ِ حُكْم ًا لِقَوْ مٍ يُوقِنُو َن{ .<br />
د = أما كون هذه الشريعة هي دين هللا الذي ارتضاه خللقه مجيعا ال يقبل منهم غريه، فذلك لعموم بعثة النيب صلى هللا<br />
ً 8<br />
عليه وسلم، قال تعاَل: }قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِن ِي رَ سُولُ َّللاَّ ِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{ ، وقال تعاَل: }وَ مَا أَرْ سَلْنَاكَ إِال كَاقَّة<br />
11<br />
لِلنَّاسِ ً بَشِيرا وَ ً نَذِيرا{ ، وقال صلى هللا عليه وسلم:<br />
11<br />
عَامةً« .<br />
»وَكَانَ النميبِ ُّ ي ُبْعَثُ إَِلَ قَوْمِهِ خَاصمةً وَبُعِثْتُ إَِلَ النما ِس<br />
ولذلك فقد قال تعاَل: }وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اإلِ سْالَ مِ دِينًا قَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ قِي اآلخِ رَ ةِ مِنْ الْخَاسِرِ ينَ{ ، 12 وقال<br />
تعاَل:<br />
}وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ األَحْزَ ابِ قَالنَّارُ مَوْ عِدُهُ{ ، 13<br />
وروى مسلم عن أيب هريرة أن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
- 1 سورة الروم، اآليتان:<br />
241<br />
7<br />
6<br />
- 2 سورة األعلى، اآليتان:<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 5 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 6 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 9 سورة املائدة، اآلية:<br />
17<br />
16<br />
195<br />
54<br />
41<br />
21<br />
31<br />
- 8 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 11 سورة سبأ، اآلية:<br />
159<br />
51<br />
29<br />
- 11 رواه البخاري عن جابر<br />
- 12 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 13 سورة هود، اآلية:<br />
95<br />
17
قال:<br />
»وَهللا ال يَسْمَعُ يبِ ي َهُودِيٌّ وَال نَصْرَاينِ ٌّ مِنْ هَذِهِ األُمةِ ُثُم ال ي ُؤْمِنْ يبِ إِال دَخَلَ النمارِ«، وعن ابن عمر مرفوعا<br />
»أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النماسَ حَىتم يَشْهَدُوا أَنْ ال إِلَهَ إِال اَّللمُ ...« احلديث . 1<br />
ه = أما كوهنا الشريعة الباقية إَل يوم القيامة ال ت ُنْسَخ، فألن النيب صلى هللا عليه وسلم هو خامت األنبياء، قال صلى<br />
هللا عليه وسلم:<br />
عليه وسلم:<br />
2<br />
»كَانَتْ ب َنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ األَنْبِيَاءُ كُلممَا هَلَكَ نَيبٌِّ خَلَفَهُ نَيبٌِّ وَإِنمهُ ال نَيبِ م ب َعْدِي« ، وقال صلى هللا<br />
3<br />
»بُعِثْتُ ابِلسميْفِ بَنيَْ يَدَيْ السماعَة حَىتم ي ُعْبَدَ هللا وَحْدَهُ الَ شَرِيكَ لَهُ« .<br />
و = ولكوهنا الشريعة اخلامتة الباقية فقد تكفل هللا سبحانه حبفظها من التحريف والتبديل كما فعل اليهود والنصارى<br />
بدينهم، وذلك حىت تبقى حجةُ هللا على خلقه قائمة صحيحة إَل يوم القيامة، قال تعاَل: }إِنَّا نَحْنُ نَزَّ لْنَا الذِكْرَ وَ إِنَّا<br />
5<br />
4<br />
لَهُ لَحَاقِظُونَ{ ، وقال جل شأنه: }رُ ً سُال مُبَشِرِ ينَ وَ مُنذِرِ ينَ لِئالَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى َّللاَّ ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّ سُ ِل{ ،<br />
فالشريعة حمفوظة من التحريف لتظل احلجة قائمة على الناس إَل يوم القيامة، ومن مقتضى ذلك أن قيض هللا تعاَل<br />
هلذه الشريعة محََلَةً يقومون هبا يف الناس، كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُميتِ قَائِمَةٌ أبَِمْرِ<br />
6<br />
هللا، ال يَضُرُّهُم مَنْ خَذَهلَُم أَو خَالَفَهُم حَىتَ َيَِْتََ أَمْرُ هللا وَهُم ظَاهِرُونَ عَلَى النماس« .<br />
قال الشاطيب: ]إن هذه الشريعة املباركة معصومة، كما أن صاحبها صلى هللا عليه وسلم معصوم، وكما كانت أمته <strong>في</strong>ما<br />
7<br />
اجتمعت عليه معصومة[ ُث ساق األدلة رمحه هللا .<br />
= 2<br />
األصل الَاين )اكتمال الشريعة(، وهذا األصل مرتتب على األصل األول، ألنه إذا كانت هذه الشريعة عامة<br />
جلميع اخللق ابقية إَل يوم القيامة فإن هذا يقتضي أن تكون هذه الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ه مبا حيتاجه الناس يف حياهتم<br />
ومعادهم. ودليل هذا:<br />
<br />
<br />
قوله تعاَل: }الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُ ْم{ . 9<br />
وقوله تعاَل: { وَ نَزَّ لْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا ِ لِكُل شَيْ ٍء{ . 8<br />
240<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 3 رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر، وصححه األلباين.<br />
- 4 سورة احلجر، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
8<br />
165<br />
- 6 متفق عليه عن معاوية.<br />
- 7 )املوافقات ج 2 ص 95 ومابعدها ط دار املعرفة 1385ه(<br />
- 9 سورة املائدة. اآلية<br />
- 8 سورة النحل. اآلية<br />
.3<br />
.98
ج)<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
وروى البخاري عن طارق ب ن ش هاب ق ال: »ق ال رَجُ لٌ مِ نَ الْيَهُ ودِ لعُمَ ر: ايَ أَمِ ريَ الْمُ ؤْمِنِنيَ لَ و أَنم عَلَيْنَ ا ن َزَلَ تْ<br />
هَ ذِه اآليَ ة }الْيَ وْمَ أَكْمَلْ تُ لَكُ مْ دِي نَكُمْ وَأَمتَْمْ تُ عَلَ يْكُمْ نِعْمَ يتِ وَرَضِ يتُ لَكُ مُ الإِسْ المَ دِينً ا{ الختمَ ذْانَ ذَلِ كَ الْيَ وَْم<br />
عِيدًا، فَقَ الَ عُمَ رُ ِ إِينّ ألَعْلَ م أَيُّ ي َ وْمٍ ن َزَلَ تْ هَ ذِه اآليَ ة، ن َزَلَ تْ ي َ وْمَ عَرَفَ ةَ يف ي َ وْم مجُُعَ ةٍ » 1 ، ورواه الرتم ذي ع ن اب ن<br />
عباس و<strong>في</strong>ه: »فقال: نزلت يف يوم عيدين، يوم مجعة ويوم عرفة«، وقال ابن حجر: ]الختذان ذاك الي وم عي دا، أي<br />
جلعلناه عيدا لنا يف كل سنة لعظم ما حصل <strong>في</strong>ه من إكمال الدين[ . 2<br />
وق ال الش اطيب رمح ه هللا: ]ق ال اب ن حبي ب: أخ ربين اب ن املاجش ون أن ه مس ع مالك ا يق ول: م ن أح دث يف ه ذه<br />
األم ة ش يئا مل يك ن عليه ا س لفها، فق د زع م أن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم خ ان الرس الة ألن هللا يق ول:<br />
}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَمتَْمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَيتِ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْالمَ دِينًا{ أ ه ] 3 .<br />
وق ال الش اطيب رمح ه هللا: ]إن هللا تع اَل أن زل الش ريعة على رس وله ص لى هللا علي ه وس لم <strong>في</strong>ه ا تبي ان ك ل ش يء<br />
حيتاج إليه اخللق يف تكاليفهم اليت أمروا هبا وتعبداهتم ال يت طوقوه ا يف أعن اقهم، ومل مي ت رس ول هللا ص لى هللا علي ه<br />
وس لم ح ىت كَمُ لَ ال دين بش هادة هللا تع اَل ب ذلك حي ث ق ال: }الْيَ وْمَ أَكْمَلْ تُ لَكُ مْ دِي نَكُمْ...{ اآلية، فك ل م ن<br />
زعم أنه بقي من الدين شيء مل يكمل فقد كَذمبَ بقوله }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } إَل أن قال ولكن امل راد<br />
كُلِّيماهتا، فلم يبق للدين قاع دة حيت اج إليه ا يف الض رورايت واحلاجي ات أو التكميلي ات إال وق د بُين ت غاي ة البي ان،<br />
نعم يبقى تنزيل اجلزئيات على تلك الكليات موكوال إَل نظر اجملتهد، فإن قاعدة الإجتهاد أيض ا َثبت ة يف الكت اب<br />
والسنة فالبد من إعماهلا وال يسع تركها( . 4<br />
وروى البخاري عن مسروق عن عائشة رضي هللا عنها قالت: »من حَدمثك أن النيب صلى هللا عليه وس لم ك تم<br />
شيئا من الوحي فال تص دقه، إن هللا تع اَل يق ول: }ايَأَي ُّهَ ا الرمسُ ولُ ب َلِّ غْ مَ ا أُن زِلَ إِلَيْ كَ مِ نْ رَبِّ كَ وَإِنْ ملَْ تَفْعَ لْ فَمَ ا<br />
ب َلمغْتَ رِسَالَتَهُ{« ، 5 ويف رواية: »من ح دثك أن حمم دا ص لى هللا علي ه وس لم ك تم ش يئا مم ا أن زل علي ه فق د كَ ذَبَ،<br />
وهللا يقول: }ايَأَي ُّهَا الرمسُولُ<br />
. 6 »}...<br />
<br />
وروى مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ق ال: »إِنم هُ ملَْ<br />
يَكُنْ نَيبٌِّ قَبْلِي إِال كَانَ حَقاا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلم أُمتَهُ عَلَى خَريِْ مَا ي َعْلَمُهُ هلَُمْ وَي ُنْذِرَهُمْ شَرم مَا ي َعْلَمُهُ هلَُْم« . 7<br />
242<br />
- 1 حديث 7269<br />
- 2 )فتح الباري 115 / 1 وكذلك 271 / 9 و )246 / 13<br />
- 3 )االعتصام للشاطيب 19 / 2 دار املعرفة 1412ه )<br />
- 4 )االعتصام للشاطيب )315 ،314 / 2 وانظر )إعالم املوقعني ج 332 / 1<br />
334( و )املوافقات<br />
)78 / 2<br />
- حديث 7531<br />
- حديث 4612<br />
)233 / 12<br />
-<br />
5<br />
6<br />
7
وروى البخاري عن أيب هريرة أن رسول هللا ص لى هللا علي ه وس لم ق ال: »بعث ت جبوام ع الكل م« وق ال البخ اري:<br />
]وبلغين أن جوامع الكلم أن هللا جيمع األمور الكثرية اليت كانت تكتب يف الكت ب قبل ه يف األم ر الواح د واألم رين<br />
وحنو ذلك[ . 1 قلت: وحاصل ذل ك أن ه ص لى هللا علي ه وس لم مجُِ عَ ل ه املع ىن الكث ري يف اللف ظ القلي ل، وي دخل <strong>في</strong> ه<br />
الق رآن والس نة، فق د اختُصِ رَ ل ه الك الم اختص ارا. وه ذا جيع ل الش ريعة ميس رة احلف ظ والنق ل وه و مم ا اختص ت ب ه<br />
هذه األمة كما قال تعاَل: }بَلْ هُوَ آايَتٌ ب َيِّنَاتٌ يفِ صُدُورِ المذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ{ . 2<br />
يستخلص من األدلة السابقة:<br />
= 1 أن هذه الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ة مبا حيتاجه اخللق إَل يوم القيامة مبا يصلح دنياهم وأخراهم.<br />
= 2<br />
= 3<br />
أن الرسول صلى هللا عليه وسلم قد بلغ هذه الشريعة بكاملها ومل يكتم منها شيئا.<br />
وأنه صلى هللا عليه وسلم ما ترك خريا إال وأرشدان إليه وما ترك شرا إال وحذران منه.<br />
يرتتب على هلا األصل الَاين )اكتمال الشريعة( أمور، منها:<br />
أ =<br />
ب =<br />
3<br />
اكتمال الشريعة معناه أهنا ال حتتمل الزايدة وال النقصان، ويف هذا إبطال لكافة البدع واحملدَثت قدميها وحديثها .<br />
اكتمال الشريعة وكون الرسول صلى هللا عليه وسلم قد ب َلمغها كاملة معناه أنه ال يوجد يف هذا الدين علم ابطن<br />
خالف الظاهر، أو حقيقة خالف الشريعة، ويف هذا إبطال لكافة املذاهب والتأويالت الباطنية مما يذهب إليه<br />
املالحدة من الإمساعيلية وبعض الصو<strong>في</strong>ة وغريهم، كمن يقول إن الصالة ليست هي الركوع والسجود والقراءة بل شيء<br />
آخر، وأن اجلنة والنار ما هي إال رموز، وهكذا سائر الشريعة، قال ابن تيمية رمحه هللا: ]فإن هذا العلم الباطن الذي<br />
ادعوه هو كفر ابتفاق املسلمني واليهود والنصارى، بل أكثر املشركني على أنه كفر أيضا، فإن مضمونه أن للكتب<br />
4<br />
الإهلية بواطن ختالف املعلوم عند املؤمنني يف األوامر والنواهي واألخبار[ .<br />
ج =<br />
اكتمال الشريعة وكماهلا يعين تنزيهها عن التناقض والتضارب قال تعاَل: }أَفَال ي َتَدَب مرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ<br />
عِنْدِ غَريِْ اَّللمِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِالفًا كَثِريًا{ ، 5 وقال تعاَل: }وَإِنمهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ال َيَْتِيِه الْبَاطِلُ مِنْ بَنيِْ يَدَيْهِ وَال مِنْ خَلْفِِه<br />
تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ محَِيدٍ{ ، 6 وقد ترد بعض النصوص متعارضة يف الظاهر، فهذه يفسرها أهل العلم بتنزيل كل ن منزله<br />
كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم الْقُرْآنَ ملَْ ي َنْزِلْ يُكَذِّبُ ب َعْضُهُ ب َعْضًا بَل يُصَدِّقُ ب َعْضُهُ ب َعْضًا فَمَا عَرَفْتُْم<br />
243<br />
- فتح الباري )411 / 12<br />
1<br />
- 2 سورة العنكبوت، اآلية:<br />
48<br />
- 3 ( االعتصام للشاطيب ) 49 / 1<br />
- 4 جمموع الفتاوى 132 / 35<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
92<br />
- 6 سورة فصلت، اآليتان:<br />
42 41
د =<br />
- ه<br />
مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إَِلَ عَالِمِهِ« . 1 وقد ذكر أمحد بن حنبل رمحه هللا طائفة من النصوص اليت ظاهرها<br />
التعارض وبني كي<strong>في</strong>ة توجيهها يف كتابه )الرد على الزاندقة واجلهمية(، وكذلك فعل الشاطيب يف أواخر اجلزء الثاين من<br />
كتابه )االعتصام(، ويف كتب أصول الفقه جتد اباب مستقال يف )تعارض األدلة الشرعية(.<br />
اكتمال الشريعة معناه أنه ما من أمر إال وللشريعة <strong>في</strong>ه حكم ابألمر أو ابلنهي أو ابلإابحة، وقد يكون حكم هذا<br />
األمر مفصال أو مندرجا حتت قاعدة كلية، واجلهل ابحلكم ال يعين عدم اكتمال الشريعة، بل يعين أن الباحث عن هذا<br />
احلكم عجز عن التوصل إليه <strong>في</strong>نبغي عليه أن يسأل من هو أعلم منه.<br />
اكتمال الشريعة معناه استغناؤها عما عداها من الدايانت السابقة املنسوخة أو األوضاع البشرية كالقوانني<br />
الوضعية وحنوها، فمن ادعى أن املسلمني حباجة إَل شيء من هذه القوانني فهو كافر ابهلل العظيم لتكذيبه بقوله تعاَل:<br />
2<br />
}الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{ وبقوله تعاَل: }وَ مَا كَانَ رَ بُّكَ نَسِيًّا{ ، ومثله يف الكفر من ادعى حاجة املسلمني إَل<br />
الدميقراطية أو االشرتاكية أو<br />
غريها من املذاهب الكفرية اليت عاش املسلمون أربعة عشر قران يف غناء عنها، وقامت<br />
<strong>في</strong>هم خالفة النبوة ُث املماليك الإسالمية العظيمة مستغنية عن هذه املذاهب الكفرية ومبعزل عنها، وكان اخللفاء<br />
يسوسون بالدا ممتدة من غرب الصني إَل األندلس تضم شعواب شىت وأجناسا خمتلفة، حيكموهنم بشرع هللا تعاَل،<br />
4<br />
3<br />
ويقلدون الوالة والعمال والقضاة واجلباة واحملتسبني ، وجيبون األموال وينفقوهنا على مقتضى الشرع ، ومل يقل أحد ال<br />
سياسة وال اقتصاد يف أحكام الشرع، أو أن أحكام الشرع ال ت<strong>في</strong> هبذه األمور، من قال هذا فقد انتق<br />
الشريعة<br />
الكاملة وهذا كفر. قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »كانت بنو إسرائيل تسوسهم األنبياء كلما هلك نيب خلفه<br />
نيب، وأنه ال نيب بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما أتمران؟ قال: فوا ببيعة األول فاألول، وأعطوهم حقهم، فإن<br />
5<br />
هللا سائلهم عما اسرتعاهم« ، فالسياسة من الدين، من أنكر ذلك فقد كفر، والسياسة ]هي القيام على الشيء مبا<br />
7<br />
6<br />
يصلحه[ . وقال املاوردي: ]الإمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة الدنيا[ ، ومثله ابن خلدون يف<br />
8<br />
9<br />
مقدمته ، قال تعاَل: }وَ ال يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِالَّ جِ ئْنَاكَ ِ بِالْحَق وَ أَحْسَنَ ً تَفْسِيرا{ .<br />
- 1 رواه أمحد والبغوي عن عبد هللا بن عمرو، وصححه الشيخ األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية.<br />
244<br />
- 2 مرمي، اآلية 64<br />
- 3 ( انظر األحكام السلطانية للماوردي وأليب يعلى )<br />
- 4 ( اننظر اخلراج أليب يوسف، واخلراج ليحىي بن آدم واألموال أليب عبيد )<br />
- 5<br />
متفق عليه عن أيب هريرة<br />
- 6 ( النهاية البن األثري مادة سوس ج 2 ص 421(<br />
- 7 ( األحكام السلطانية ص )5<br />
- 9 )ط دار القلم 1879م ص 219( 181،<br />
- 8 سورة الفرقان، اآلية:<br />
33
فال جيوز استبدال األوضاع البشرية ابلإسالم، وال جيوز خلطه هبا، كالذين يقولون اشرتاكية الإسالم أو دميقراطية<br />
الإسالم، ومنهم من ينتسب إَل العلم الشرعي، فالإسالم يعلو وال يعلى، وال خيلط بغريه، قال تعاَل: }وَ مَا يُؤْ مِ ُن<br />
1<br />
أَكْثَرُ هُمْ بِاّلِلَّ ِ إِال وَ هُمْ مُشْرِ كُونَ{ ، فخلط الإسالم بغريه شرك ابهلل العظيم، وقال تعاَل يف التممَيُّز واملفاصلة: }قُ ْل<br />
يَاأَيُّهَا الْكَاقِرُ ونَ<br />
=<br />
3<br />
إَل قوله<br />
لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِي ِن{ فال جيوز اخللط، وقال هللا تعاَل: }وَ أَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ<br />
2<br />
وَ ال تَتَّبِْْ أَهْوَ اءَهُمْ وَ احْذَرْ هُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ إِلَيْ َك{ .<br />
األصل الَالث )حترمي تقدمي بني يدي هللا ورسوله<br />
صلى هللا عليه وسلم (، وهو مرتتب على األصل الثاين<br />
)اكتمال الشريعة(، فإذا كانت الشريعة مكتملة وا<strong>في</strong>ة مبا حيتاجه الناس يف حياهتم ومعاذهم، فإنه ال جيوز ملسلم أن يقطع<br />
أمرا أو يقدم عليه قبل معرفة حكم هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم يف هذا األمر الذي لن ختلُوَ الشريعة من حكمه.<br />
3<br />
لقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تُقَدِمُوا بَيْنَ يَدَيْ َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِ ِه{ ، قال القرطيب: ]أي ال تقدموا قوال وال فعال بني<br />
يدي هللا وقول رسوله وفعله <strong>في</strong>ما سبيله أن أتخذوه عنه من أمر الدنيا والدين[ وقال أيضا: ]}ال تُقَدِمُوا بَيْنَ يَدَ ْي<br />
4<br />
َّللاَّ ِ{ أصل يف ترك التعرض ألقوال النيب صلى هللا عليه وسلم وإجياب اتباعه والإقتداء به[ . وقال ابن القيم: ]}ال<br />
تُقَدِمُوا...{ أي ال تقولوا حىت يقول، وال أتمروا حىت َيمر، وال ت ُفْتُوا حىت ي<strong>في</strong>ت، وال تقطعوا أمرا حىت يكون هو الذي<br />
حيكم <strong>في</strong>ه وميضيه إَل أن قال والقول اجلامع يف معىن اآلية: ال تعجلوا بقول وال فعل قبل أن يقول رسول هللا صلى<br />
5<br />
هللا عليه وسلم أو يفعل[ .<br />
ومما يدخل يف هذا<br />
أ =<br />
حترمي القول يف دين هللا تعاَل بغري علم، قال تعاَل:<br />
}قُلْ إِنَّمَا حَرَّ مَ رَ ب ِي الْفَوَ احِ شَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بََِنَ<br />
وَ اإلِ ثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ ِ الْحَق وَ أَنْ تُشْرِ كُوا بِاّلِلَّ ِ مَا لَمْ يُنَزِ لْ بِهِ سُلَِْانًا وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى َّللاَّ ِ مَا ال تَعْلَمُو َن{ ، 6 وقد بني<br />
احلق جل وعال أن القول يف الدين بغري علم هو من تزيني الشيطان }إِنَّمَا يَأْمُرُ كُمْ بِالسُّوءِ وَ الْفَحْشَاءِ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى<br />
َّللاَّ ِ مَا ال تَعْلَمُونَ{ ، 7<br />
وهذا هو أصل البدع والضالالت قدميا وحديثا. وبعض ما يكتب ابلصحف واجملالت هذه<br />
األايم يدخل يف ابب القول يف الدين بغري علم، فليحذره املسلم . 9 ومن ذلك أنك جتد رجال ال علم له بدين هللا تعاَل<br />
- 1 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
245<br />
116<br />
48<br />
- 3 احلجرات، اآلية: 1<br />
- 4 نفسري القرطيب 312 ،311 / 16<br />
- 5 )إعالم املوقعني )51 / 1<br />
- 6 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 7 سورة البقرة، اآلية:<br />
33<br />
168<br />
- 9 )انظر كتاب احلديث حجة بنفسه لأللباين ص 39(
يتكلم يف القضااي العامة من وجهة نظر إسالمية <strong>في</strong>قول هذا ليس من الإسالم يف شيء وحنو ذلك، ومنهم صح<strong>في</strong>ون<br />
ومن يُسَمون ابلكتاب أو املفكرين الإسالميني وحىت غري الإسالميني يتكلمون يف الدين، فاهلل املستعان جيب على كل<br />
مسلم أن حيَْذَرهم وحيَُذِّر غريه منهم، وال يقبل قوال يف دين هللا تعاَل إال من األمناء من أهل العلم وما شهد الدليل<br />
بصحته.<br />
ب =<br />
فساد تقدمي العقل )الرأي( على النقل )الشرع(: قال ابن القيم رمحه هللا: ]أصل كل فتنة إَّنا هو من تقدمي<br />
1<br />
الرأي على الشرع واهلوى على النقل[ . وتقدمي الرأي على الشرع هو أساس العلمانية )اجلاهلية( احلديثة الذي طغت<br />
على األرض، ويتفرع منها الدميقراطية واحلكم ابلقوانني الوضعية وفصل السياسة عن الدين كل هذا يقوم على تقدمي<br />
الرأي على الشرع. وفاعل هذا يقول بلسان احلال ورمبا صرح ابملقال )إنه إذا كان هللا يعلم فنحن نعلم أيضا( وهذا كفر<br />
2<br />
ال يرقى إليه شك .<br />
وهذا هو مذهب إبليس لعنه هللا فلما جاءه األمر الشرعي<br />
}قَإِذَا سَوَّ يْتُهُ وَ نَفَخْتُ قِيهِ مِنْ رُ وحِ ي قَقَعُوا لَهُ<br />
سَاجِ دِينَ{ ، 3 عارض الشرع برأيه وقياسه الفاسد }قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ ِِينٍ{ . 4<br />
وهذا هو مذهب أهل البدع والضالالت كاجلهمية واملعتزلة وغريهم، حيَُكِّمون العقل يف الشرع، قال شارع العقيدة<br />
الطحاوية: ]بل كل فريق من أرابب البدع يعرض النصوص على بدعته، وما ظنه معقوال: فما وافقه قال: إنه حمُْكَم،<br />
وقبله واحتج به!!<br />
وما خالفه قال: إنه متشابه، ُث رَدمه ومسى رده تفويضا! أو حرفه، ومسى حتريفه أتويال!! فلذلك اشتد<br />
5<br />
إنكار أهل السنة عليهم. وطريق أهل السنة: أن ال ي َعْدِلوا عن الن الصحيح، وال يعارضوه مبعقول، وال قول فالن[ .<br />
6<br />
وقريب من هذا ما قاله الشاطيب يف مأخذ أهل البدع يف االستدالل .<br />
وقال ابن القيم: ]وكل من له مُسْكَة من عقل يعلم أن فساد العامل وخرابه إَّنا نشأ من تقدمي الرأي على الوحي،<br />
واهلوى على العقل، وما استحكم هذان األصالن الفاسدان يف قلب إال استحكم هالكه، ويف أمة إال فسد أمرها أمت<br />
الفساد، فال إله إال هللا كم نُفِيَ هبذه اآلراء من حق، وأُثْبِت هبا من ابطل، وأُميت هبا من هدي، وأُحيي هبا من<br />
ضاللة؟[ . 7 وذكر ابن القيم طائفة من أقوال السلف يف الرأي املذموم ، 9 ومما قاله رمحه هللا: ]قال هللا: }قَإِنْ لَمْ<br />
يَسْتَجِ يبُوا لَكَ قَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَ اءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبََْ هَوَ اهُ بِغَيْرِ هُد ًى مِنْ َّللاَّ ِ إِنَّ َّللاَّ َ ال يَهْدِي الْقَوْ َم<br />
246<br />
- 1 )إغاثة اللهفان ) 179 / 2<br />
- 2 انظر االعتصام للشاطيب 48 / 1<br />
- 3 سورة ص ، اآلية: 72<br />
- 4 سورة ص ، اآلية 76<br />
- 5 )شرح العقيدة الطحاوية( ط املكتب الإسالمي 1413 ص<br />
388<br />
- 6 )االعتصام )231 / 1<br />
- 7 )إعالم املوقعني ج 1 ص 69(<br />
)48<br />
- 9 )إعالم املوقعني 47 / 1
الظَّالِمِينَ{ ، 1 فقسم األمر إَل أمرين ال َثلث هلما، إما االستجابة هلل والرسول وما جاء به، وإما اتباع اهلوى، فكل ما<br />
مل َيت به الرسول فهو من اهلوى إَل أن قال وقال تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم : }ثُ َّم جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِ يعَةٍ مِ ْن<br />
األَمْرِ قَاتَّبِعْهَا وَ ال تَتَّبِْْ أَهْوَ اءَ الَّذِينَ ال يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ َّللاَّ ِ شَيْئًا وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَا ُء<br />
بَعْضٍ وَ َّللاَّ ُ وَ لِيُّ الْمُتَّقِينَ{ ، 2 فقسم األمر بني الشريعة اليت جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل هبا وأَمَرَ األمة<br />
هبا وبني اتِّباع أهواء الذين ال يعلمون، فَأَمَر ابألول، وهنى عن الثاين[ . 3<br />
قلت: وحنن ال حنقر من شأن العقل، فهو مناط التكليف، وقد أثىن هللا سبحانه على أويل األلباب يف ست عشرة آية،<br />
وذم سبحانه الذين ال يعقلون، ووصف سبحانه أصحاب النار أبهنم }وَ قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَُْ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا قِي<br />
أَصْحَابِ<br />
4<br />
السَّعِي ِر{ ، فنحن ال حنقر العقل، ولكن نقول إن العقل ال يقدم على الشرع وإال استغىن اخللق عن الرسل،<br />
وتقول إن العقل يعمل داخل دائرة الشرع، قال تعاَل: }قَبَشِرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْ لَ قَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْ لَئِ َك<br />
5<br />
الَّذِينَ هَدَاهُمْ َّللاَّ ُ وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ أُوْ لُوا األَلْبَا ِب{ ، فهؤالء استمعوا ُث أَعْمَلُوا عقوهلم فاتبعوا، وذلك بفضل هللا وتو<strong>في</strong>قه<br />
6<br />
}أُوْ لَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ َّللاَّ ُ{ ، ال بفضل عقوهلم، دفعا للعجب.<br />
ج =<br />
الن<br />
معرفة مراتب األدلة الشرعية: حرمة التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم تقتضي معرفة مراتب<br />
األدلة الشرعية اليت يستدل هبا على األحكام حىت ال يقدم دليل أدىن على دليل أعلى يف القوة واحلُجِّ ية، فإن هذا حرام<br />
ألنه يدخل يف التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم . ومن هنا قال العلماء ال اجتهاد مع الن .<br />
واألدلة الشرعية هي كما قال الشيخ عبد الوهاب خالف: ]األدلة الشرعية ابلإمجال: ثبت ابالستقراء أن األدلة<br />
الشرعية اليت تستفاد منها األحكام العملية ترجع إَل أربعة: القرآن والسنة والإمجاع والقياس، وهذه األدلة األربعة اتفق<br />
مجهور املسلمني على االستدالل هبا، واتفقوا أيضا على أهنا مرتبة يف االستدالل هبا هذا الرتتيب: القرآن، فالسنة<br />
فالإمجاع فالقياس. أي أنه إذا عرضت واقعة، نظر أوال يف القرآن، فإن وجد <strong>في</strong>ه حكمها أُمْضِيَ، وإن مل يوجد <strong>في</strong>ه<br />
حكمها، نظر يف السنة، فإن وجد <strong>في</strong>ه حكمها أُمْضِيَ، وإن مل يوجد <strong>في</strong>ها حكمها، نظر هل أمجع اجملتهدون يف عصر<br />
من العصور على حكم <strong>في</strong>ها، فإن وجد أمضى، وإن مل يوجد اجتهد يف الوصول إَل حكمها بقياسها على ما ورد<br />
حبكمه.<br />
247<br />
- 1 سورة القص ، اآلية: 51<br />
- 2 سورة اجلاثية، اآليتان:<br />
18<br />
19<br />
- 3 )إعالم املوقعني )47 / 1<br />
- 4 سورة امللك، اآلية:<br />
- 5 سورة الزمر، اآليتان:<br />
- 6 سورة الزمر، اآلية:<br />
19<br />
11<br />
17<br />
19
أما الربهان على االستدالل هبا فهو قوله تعاَل يف سورة النساء:<br />
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ<br />
وَ أُوْ لِي األْ َمْرِ مِنْكُمْ قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ اآلخِ رِ ذَلِكَ خَيْ ٌر<br />
. 1 وَ أَحْسَنُ تَأْوِيال{<br />
فاألمر إبطاعة هللا وإطاعة رسوله، أمر ابتباع القرآن والسنة، واألمر إبطاعة أوَل األمر من املسلمني أمر ابتباع ما<br />
اتفقت عليه كلمة اجملتهدين من األحكام ألهنم أولوا األمر التشريعي من املسلمني، واألمر برد الوقائع املتنازع <strong>في</strong>ها إَل<br />
هللا والرسول أمر ابتباع القياس حيث ال ن وال إمجاع <strong>في</strong>ه رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل هللا وإَل الرسول ألنه إحلَْاق واقعة مل يرد<br />
<strong>في</strong>ها الن حبكمها يف احلكم الذي ورد به الن لتساوي الواقعتني يف علة احلكم، فاآلية تدل على اتباع هذه األربعة<br />
إَل أن قال وتوجد أدلة أخرى عدا األدلة األربعة مل يتفق مجهور املسلمني على االستدالل هبا، بل منهم من استدل<br />
هبا على احلكم الشرعي،<br />
ومنهم من أنكر االستدالل هبا. وأشهر هذه األدلة املختلف يف االستدالل هبا ستة:<br />
االستحسان واملصلحة املرسلة، واالستصحاب، والعرف ومذهب الصحايب، وشرع من قبلنا. فجملة األدلة الشرعية<br />
2<br />
عشرة. أربعة متفق من مجهور املسلمني على االستدالل هبا، وستة خمتلف يف االستدالل هبا[ أه .<br />
قلت: ومما يتعلق مبعرفة األدلة الشرعية ومراتبها ثالثة أمور<br />
األول:<br />
أن هله األدلة ترجع إىل أصلني، ومها الكتا والسنة، ونصوصهما ينبغي أن تفهم كما فهمهما الصحابة<br />
والتابعون هلم إبحسان، فإهنم أعلم ابملراد منها، فعليهم أنزلت، ويف هذا سد لباب التأويل والتالعب ابألدلة الشرعية،<br />
وقد بَنيم هذا شيخ الإسالم ابن تيمية يف )العقيدة الواسطية( وقال شارحها الشيخ حممد خليل هراس ]هذا بيان ملنهج<br />
أهل السنة واجلماعة يف استنباط األحكام الدينية كلها أصوهلا وفروعها بعد طريقتهم يف مسائل األصول وهذا املنهج<br />
يقوم على أصول ثالثة: أوهلا كتاب هللا<br />
<br />
الذي هو خري الكالم وأصدقه، فهم ال يقدِّمون على كالم هللا أحد من<br />
كالم الناس. وَثنيها سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وما أثر عنه من هَدْي وطريقة ال يقدِّمون على ذلك هَدْي<br />
أحد من الناس. وَثلثها ما وقع عليه إمجاع الصدر األول من هذه األمة قبل التفرق واالنتشار وظهور البدعة<br />
واملقاالت، وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من املقاالت وزنوها هبذه األصول الثالثة اليت هي الكتاب<br />
والسنة والإمجاع، فإن وافقها قَبِلوه وإن خالفها ردوه أاي كان قائله وهذا هو املنهج الوسط والصراط املستقيم الذي ال<br />
يضل سالكه وال يشقى من اتبعه، وسط بني من يتالعب ابلنصوص <strong>في</strong>تأول الكتاب وينكر األحاديث الصحيحة وال<br />
يعبأ إبمجاع السلف، وبَنيْ من خيَْبط خَبْط عشواء <strong>في</strong>تقبل كل رأي وَيخذ بكل قول ال يفرق يف ذلك بني غث ومسني<br />
3<br />
وصحيح وسقيم[ .<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
248<br />
58<br />
- 2 علم أصول الفقه ط دار القلم 1382ه ص<br />
22 -<br />
21<br />
- 3 طبعة الرائسة العامة للبحوث العلمية 1412ه ص<br />
191 178
قلت: وكل من سلك غري مسلك السلف الصاحل يف فهم النصوص، البد أن حييد عن جادة الصواب، وقد أورد<br />
الشنقيطي رمحه هللا أمثلة هلؤالء ممن هداهم هللا تعاَل إَل منهج أهل السنة بعد أن حادوا عنه، منهم أبو احلسن<br />
األشعري، واجلويين والغزايل والفخر الرازي، فراجع كالمه يف تفسريه أضواء البيان<br />
1<br />
2<br />
الغزايل .<br />
خاصة األصول اليت نقلها عن<br />
وعلوم اللغة العربية وأصول الفقه هي من الوسائل املؤدية إَل فهم النصوص كما فهمها الصحابة ومن بعدهم، ولذلك<br />
3<br />
فقد اعترب الشاطيب هذه الوسائل ضرورية للمجتهد خاصة علوم اللغة ، كما اعترب الشاطيب اجلهل ابللغو من أسباب<br />
4<br />
البدع واحملدَثت ، ومن يطلع على كتاب )احلَيْدة( إن صحت نسبته جيد مناظرة ممتعة بني عبد العزيز الكناين وبني<br />
بشر املريسي حبضرة املأمون، بني <strong>في</strong>ها عبد العزيز جَهْلَ بِشْر ابللغة وأبصول الفقه )خاصة القواعد اللغوية( ذلك اجلهل<br />
6<br />
5<br />
الذي جعله يقول ببدعة خلق القرآن. وقد أشار الشاطيب إَل هذه املناظرة ، وأشار إليها ابن حجر .<br />
األمر الثاين:<br />
أنه ال جيوز تقدمي دليل على آخر أقوى منه، فضال عن ما هو ليس بدليل، وهذا هو أساس األقوال<br />
املرجوحة يف املذاهب الفقهية، كما أنه أساس اخللط املوجود بساحة العمل الإسالمي املعاصر. فال يعارض كتاب أو<br />
سنة بقول صحايب أو بفعله، فضال عمن بعده من التابعني وأئمة املذاهب الفقهية، فبعض الناس خيالفون الكتاب<br />
والسنة إَل قول فالن من الفقهاء إذا وافق هذا القول هواهم أو هوى من يفتونه، وكذلك ال يعارض كتاب أو حديث<br />
صحيح حبديث ضعيف، وال يعارض الن<br />
ابلقياس أو ابلقول ابملصلحة وحنوه.<br />
وقد ذكر الشيخ األلباين أن من أصول اخللف اليت تُرِكَت السنة بسببها: عدم االحتجاج ِبرب اآلحاد يف العقيدة )وهذا<br />
7<br />
سنفصله بعد ذلك( وتقدمي القياس على خرب اآلحاد وتقدمي عمل أهل املدينة على احلديث الصحيح وغريها .<br />
واملقصود هنا أن نضع األدلة يف مواضعها من حيث االحتجاج وال نقدم دليال على آخر أقوى منه، وال نقدم اجتهادا<br />
على ن حىت ال نقدم بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
األمر الثالث: إن هناك أموراً يعتربها بعض الناس حجة ويستدلون هبا على التحليل والتحرمي أو احلق والباطل، وهله<br />
األمور ليست ضمن األدلة الشرعية املعتربة وابلتايل فهي ليست حبجة يف الفعل أو الرتك، ومنها:<br />
= 0<br />
الرؤاي ال ت<strong>في</strong>د حتليالً وال حترمياً أو خمالفةَ ما ثبت ابلشرع . 9<br />
249<br />
476<br />
455 / 7 - 1<br />
474 ص- 2<br />
- 3 املوافقات 119 / 4 وما بعدها<br />
- 4 االعتصام له ج 2 ص 283 وما بعدها<br />
- 5 االعتصام 241 / 1<br />
- 6 فتح الباري 484 / 13<br />
- 7 كتاب احلديث حجة بنفسه ص<br />
- 9 انظر االعتصام للشاطيب 261 / 1 واملوافقات للشاطيب 266 / 2 ،92 / 1 وما بعدها وتفسري القرطيب 316 / 16<br />
41<br />
38
= 2<br />
الكشف وخرق العادة )الكرامة( ال ت<strong>في</strong>د حتليالً وال حترمياً أو خمالفةً للشرع، وال تعطي لصاحبها هذا احلق مما<br />
1<br />
يسبغه عليه اجلهلة ،<br />
= 3<br />
حديث النفس وما يقع يف القلب )اإلهلام( ال ي<strong>في</strong>د حتليالً وال حترمياً أو خمالفةً للشرع، وقال ابن حجر يف شرح<br />
حديث قصة موسى مع اخلضر عليهما السالم ]ذهب قوم من الزاندقة إَل سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة<br />
فقالوا: إنه يستفاد من قصة موسى واخلضر أن األحكام الشرعية العامة ختت<br />
ابلعامة واألغبياء، وأما األولياء واخلواص<br />
فال حاجة هبم إَل تلك النصوص، بل إَّنا يراد منهم ما يقع يف قلوهبم، وحيكم عليهم مبا يغلب على خواطرهم إَل أن<br />
قال <strong>في</strong>ستغنون هبا عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر، فإنه استغىن مبا ي َنْجلي له من تلك العلوم عما<br />
كان عند موسى، ويؤيده احلديث املشهور »استفت قلبك وإن أفتوك« قال القرطيب: وهذا القول زندقة وكفر، ألنه<br />
إنكار ملا علم من الشرائع فإن هللا قد أجرى سنته وأنفد كلمته أبن أحكامه ال تعلم إال بواسطة رسله السفراء بينه وبني<br />
خلقه املبيِّنني لشرائعه وأحكامه، كما قال تعاَل: }يَصَِْفِي مِنْ الْمَالئِكَةِ رُ سُال وَ مِنْ النَّا ِس{<br />
حَيْثُ يَجْعَلُ رِ سَالَتَهُ{<br />
2<br />
، وقال: }َّللاَّ ُ أَعْلَمُ<br />
، 3 وأمر بطاعتهم يف كل ما جاءوا به، وحث على طاعتهم والتمسك مبا أمروا به فإن <strong>في</strong>ه<br />
اهلدى. وقد حصل العلم اليقني وإمجاع السلف على ذلك، فمن ادعى أن هناك طريقا أخرى ي ُعْرَف هبا أمره وهنيه غري<br />
الطرق اليت جاءت هبا الرسل يستغىن هبا عن الرسول فهو كافر يقتل وال يستتاب. قال: وهي دعوى تستلزم إثبات نبوة<br />
بعد نبينا ألن من قال إنه َيخذ عن قلبه ألن الذي يقع <strong>في</strong>ه هو حكم هللا وأنه يعمل مبقتضاه من غري حاجة منه إَل<br />
كتاب وال سنة فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، قال نبينا صلى هللا عليه وسلم : »إن روح القدس نفث يف روعي«<br />
قال: وقد بلغنا عن بعضهم أنه قال: أان ال آخذ عن املوتى وإَّنا آخذ عن احلي الذي ال ميوت. وكذا قال آخر: أان<br />
آخذ عن قليب عن ريب. وكل ذلك كفر ابتفاق أهل الشرائع، ونسأل هللا اهلداية والتو<strong>في</strong>ق[ أ ه . 4<br />
قلت: وقد فصل الشاطيب القول يف هذا األمر )حديث النفس وما يقع يف القلب( فراجعه ابالعتصام له . 5<br />
= 4<br />
استحسان العقل واستقباحه لشيء، فالعقول تتفاوت، فالعقل ال يستدل به على حل أو حرمة، والتحسني<br />
والتقبيح العقلي هو مذهب املعتزلة،<br />
= 5<br />
6<br />
وأقبح منه حتكيم العقل يف الشرع .<br />
وال يدخل يف األدلة الشرعية االحتجاج بعمل الكَرة ملخالفة ما تقرر ابلشرع، كقول القائل لو كان هذا األمر<br />
ابطال أو حراما ما عمل به كل هؤالء وحنو ذلك ، 1 بل إن هذا االحتجاج هو من مسائل اجلاهلية ، 2 قال تعاَل: }وَ إِنْ<br />
- 1 انظر االعتصام للشاطيب 212 / 1 واملوافقات للشاطيب 266 / 2 وما بعدها<br />
- 2 سورة احلج، اآلية:<br />
- 3 سورة األنعام، اآلية:<br />
251<br />
124<br />
222<br />
162<br />
75<br />
- 4 فتح الباري 221 / 1<br />
- 5 االعتصام 153 / 2<br />
- 6 االعتصام للشاطيب ج<br />
،88 / 2 ج 329 / 2<br />
وما بعدها
=<br />
6<br />
تُِِْْ أَكْثَرَ مَنْ قِي األَرْ ضِ يُضِ لُّوكَ عَنْ سَبِيلِ َّللاَّ ِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِالَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِالَّ<br />
يَخْرُ صُو َن{ . 3 قال عبد هللا بن<br />
مسعود )اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك( . 4 وقال الشاطيب أن اجلماعة هي: ]املتبعة للسنة وإن كانت رجال<br />
5<br />
واحدا يف العامل[ ، وقال ابن القيم: ]اعلم أن الإمجاع واحلجة والسواد األعظم هو العامل صاحب احلق وإن كان وحده<br />
6<br />
وإن خالفه أهل األرض[ . ويستفاد من هذا أيضا أال يستوحش العبد من طريق احلق لقلة سالكيه.<br />
ومن ذلك:<br />
تقليد اآلابء واألسالف<br />
7<br />
من غري دليل وال برهان ، وهذا أيضا من مسائل اجلاهلية بل إن أصل<br />
8<br />
9<br />
كفرهم هو هذا التقليد ، قال تعاَل: }وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ قَالُوا بَلْ نَتَّبُِْ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا{ ،<br />
وقال تعاَل: }وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْ ا إِلَى مَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ وَ إِلَى الرَّ سُو ِل<br />
11<br />
آبَاؤُهُمْ ال يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَ ال يَهْتَدُونَ{ .<br />
= 7<br />
قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَ جَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَا َن<br />
ومن ذلك: أعمال الناس خاصة العلماء، فكثري من العامة حيتجون على جواز الشيء هبذا، ويقولون لو كان<br />
حراما أو مكروها المتنع منه العامل، فقد<br />
11<br />
صار عمل العامل عند العامي حجة كما كان قوله حجة على الإطالق .<br />
ولذلك فقد قيل ]ثالث هتدم الدين: زلة عامل، وجدال منافق ابلقرآن، وأئمة ضالون[. وقد حذران هللا تعاَل من فساد<br />
العلماء يف قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِير ً ا مِنْ األَحْبَارِ َوالرُّ هْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَ الَ النَّاسِ بِالْبَاِِلِ وَ يَصُدُّو َن<br />
14<br />
13 12<br />
عَنْ سَبِيلِ َّللاَّ ِ{ ] . وقال ابن احلاج : ]وهذا هو الذي أذهب شريعة عيسى : أعين التقليد ألحبارهم ورهباهنم<br />
دون دليل يدهلم على ذلك حىت صار أمرهم أنه يف كل مجعة من األحد إَل األحد جيدد هلم القسيس شريعة جديدة<br />
250<br />
- 1 االعتصام للشاطيب 158 / 1<br />
- 2 انظر مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة السابعة<br />
- 3 سورة األنعام، اآلية<br />
116<br />
- 4 رواه ابن عساكر يف اتريخ دمشق وصححه األلباين يف هامش املشكاة 61 / 1<br />
164<br />
- 5 االعتصام 356 / 1<br />
- 6 إعالم املوقعني 387 / 3<br />
- 7 االعتصام للشاطيب 161 / 1<br />
9 مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة الرابعة والسادسة<br />
8 سورة البقرة، اآلية:<br />
171<br />
11 سورة املائدة، اآلية: 114<br />
11 االعتصام للشاطيب 111 / 2<br />
12 سورة التوبة، اآلية:<br />
34<br />
13 مسائل اجلاهلية حملمد بن عبد الوهاب املسألة اخلامسة<br />
14 يف املدخل ج<br />
1 ص 85 84
-<br />
4<br />
حبسب ما يراه هلم من املصلحة يف وقته على ما يقتضيه نظره وتسديده على زعمه، فتجدهم خيرجون من كنائسهم وهم<br />
يقولون لقد جدد اليوم شريعة مليحة، وقد عصم هللا واحلمد هلل هذه الشريعة فاحلذر من هذا الداء العضال[ أ ه .<br />
وابجلملة فأقوال املشايخ والعلماء وأعماهلم ليست حبجة يف خمالفة ما ثبت ابلدليل الشرعي، وال جيوز تقدميها بني يدي<br />
هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم، وإال ألدى ذلك والعياذ ابهلل إَل تبديل هذه الشريعة كما بدل اليهود والنصارى مبا<br />
1<br />
شَرَعَه هلم األحبار والرهبان، قال تعاَل: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَ هُمْ وَ رُ هْبَانَهُمْ أَرْ بَابًا مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ . ومن أمثلة االحتجاج<br />
أبفعال الناس أن بعض املالحدة يستدلون على فساد هذا الدين مبا وقع بني املسلمني من الفنت على طول اترخيهم،<br />
وأن بعض الفسقة يستدلون على إابحة املالهي واملوسيقى مبا كان يقع من بعض املسلمني، أو االستدالل بتخلف<br />
املسلمني على عدم صالحية دينهم هلذا العصر. وكل هذا وما قبله ال يستدل به على حق أو ابطل، أو يف حتليل أو<br />
حترمي خاصة مع خمالفة األدلة الشرعية، بل الشريعة أبدلتهما املعتربة حاكمة على كل هذا ابلصحة أو ابلبطالن.<br />
وخالصة هذا األصل الثالث )حرمة التقدمي بني يدي هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم ) هو أنه جيب على املسلم أن<br />
ميَُيِّز بني ما هو حجة شرعية )دليل معترب( <strong>في</strong>عمل به، وما ليس حبجة فال يلتفت إليه. وال ينخدع به وحيَُذِّر غريه منه،<br />
ُث عليه أن يعرف مراتب ما حيتج به حىت ال يقدم ما جيب أتخريه منها وال يؤخر ما جيب تقدميه.<br />
األصل الرابع: )اإلنقياد التام الكامل(، وهذا مرتتب على األصل الثالث وهو حرمة التقدمي بني يدي هللا<br />
ورسوله صلى هللا عليه وسلم حىت يعلم املرء حكم الشريعة، فإذا علمه وجب عليه االنقياد له، انقيادا اتما )أي ظاهرا<br />
وابطنا( وكامال )أي يف كل األمور ليس بعضها(.<br />
فاالنقياد التام معناه االنقياد ظاهرا حلكم الشريعة مبتابعتها، وابطنا ابلإخالص هلل تعاَل مع الرضى والتسليم القليب<br />
حلكمه سبحانه. وهذا الإنقياد الباطن هو الذي جيعل صاحبه ينتفع ابالنقياد الظاهر يف اآلخرة، وهو ال<strong>في</strong>صل بني<br />
املؤمن واملنافق فكالمها منقاد ظاهرا جترى عليه أحكام الإسالم يف الدنيا، وخيتلفان يف الإنقياد الباطن فاملؤمن مصدق<br />
راض، واملنافق مكذب ساخط، فهو وإن كان مسلما معصوما يف الدنيا }اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّة ً{، إال أنه يف اآلخرة<br />
كما قال هللا تعاَل: }إِنَّ الْمُنَاقِقِينَ قِي ال َّدرْ كِ األَسْفَلِ مِنْ النَّا ِر{<br />
ودليل وجوب االنقياد التام هو قول هللا تعاَل:<br />
قِي أَنفُسِهِمْ حَرَ ج ًا مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِمُوا تَسْلِيم ًا{ ، 3<br />
الإنقياد الظاهر.<br />
. 2<br />
}قَال وَ رَ ب ِكَ ال يُؤْ مِنُونَ حَتَّى يُحَكِمُوكَ قِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ ال يَجِ دُوا<br />
فعلق سبحانه احلكم ابلإميان على الرضى والتسليم القليب مع<br />
أما الإنقياد الكامل فمعناه متابعة الشريعة يف كل أمر، ليس بعض األمر، فالشريعة مكتملة هلا حكم يف كل أمر،<br />
ودليله قوله تعاَل: }وَ مَا كَانَ لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا قَضَى َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ ً أَمْرا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ وَ مَ ْن<br />
1 سورة التوبة، اآلية:<br />
252<br />
31<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
145<br />
65
يَعْصِ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ قَقَدْ ضَلَّ ضَالال مُبِينًا{ ، 1 وقوله تعاَل: ً }أَمْرا{ نكرة يف سياق الن<strong>في</strong>، }وَ مَا كَانَ } فهي<br />
صيغة عموم، وكذلك يف آية النساء السابقة }مَا شَجَ َر{ نكرة يف سياق الن<strong>في</strong> }ال وَ رَ ب ِ َك ال يُؤْ مِنُو َن{ فهي أيضا<br />
صيغة عموم، أي أن الطاعة واجبة يف كل ما أمر هللا به ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
وهذا هو الإنقياد الكامل، والتقصري <strong>في</strong>ه ينشأ عنه البدع والضالالت واملعاصي أبنواعها.<br />
= 2<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
=<br />
والتقصير <strong>في</strong>ه ينشأ عن أسباب كثيرة منها.<br />
= 0 أتويل النصوص: والتأويل املقصود هو الفاسد وهو مراتب أشدها التفسريات الباطنية للنصوص. والتأويالت حبر<br />
ال ساحل له به تبدل الشريعة وتستحل احملرمات، وقد أورد الشاطيب أمثلة كثرية لذلك فراجعها يف كتابه )االعتصام(.<br />
والتأويل هو يف حقيقته خروج ضمين عن أحكام الشريعة وإخالل بقاعدة الإنقياد، ولكن فاعله ال جيرأ على خمالفة<br />
الشريعة صراحة <strong>في</strong>لجأ إَل املخالفة الضمنية وهي التأويل، <strong>في</strong>ظهر للناس أنه َيخذ ابلنصوص وهو خيالفها حقيقة.<br />
األخل ببع النصوص دون البع اآلخر، وهذا خيالف االنقياد الكامل، وله صور منها:<br />
كاالستدالل ابلعام والإعراض عما خيصصه، أو تقدمي العام على اخلاص عند التعارض.<br />
واألخذ ابملطلق وإغفال املقيد مع احتاد السبب واحلكم.<br />
واألخذ ابجململ وترك ما يبينه.<br />
والعمل ابملنسوخ مع وجود انسخه.<br />
واالستدالل ابملتشابه وترك احملكم.<br />
أو رد بعض النصوص واألحكام ابلقواعد الكلية، كالرتخ<br />
مطلقا حبجة »إن الدين يسر«.<br />
أو العمل ابلقول املرجوح يف املسألة ابعتبار أن <strong>في</strong>ها خالفا وأن اخلالف يرفع احلرج، وقال ابن عبد الرب: ]اخلالف ال<br />
2<br />
يكون حجة يف الشريعة[ .<br />
وهذا هو مسلك أهل البدع والضاللة واألهواء قدميا وحديثا، االستدالل الفاسد ابلنصوص واألخذ ببعضها دون<br />
البعض، وصدق هللا تعاَل إذا يقول: }يُضِ لُّ بِهِ كَثِير ً ا وَ يَهْدِي بِهِ كَثِير ً ا وَ مَا يُضِ لُّ بِهِ إِالَّ<br />
3<br />
الْفَاسِقِي َن{ ، وقال تعاَل:<br />
}وَ نُنَزِ لُ مِنْ الْقُرْ آنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَ حْمَةٌ لِلْمُؤْ مِنِينَ وَ ال يَزِ يدُ الظَّالِمِينَ إِالَّ<br />
5 4<br />
ً خَسَارا{ ] ، ووصف رسول هللا صلى<br />
- 1 سورة األحزاب، اآلية:<br />
253<br />
36<br />
2<br />
221 / 1<br />
- )املوافقات للشاطيب 151( / 4 وانظر )إغاثة اللهفان البن القيم 154( / 2 وانظر )كتاب احلديث حجة بنفسه لأللباين( وانظر )االعتصام للشاطيب<br />
وما بعدها ابب يف مأخذ أهل البدع ابالستدالل(.<br />
- 3 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 4 سورة الإسراء، اآلية:<br />
92<br />
26<br />
- 5 انظر االعتصام للشاطيب 295 / 1
هللا عليه وسلم اخلوارج بقوله: »يقرؤون القرآن ال جياوز تراقيهم ميرقون من الإسالم« ، 1 فلم ينتفعوا ابلقراءة مع عدم<br />
الفهم فمرقوا من الدين، ولذلك قال شارح العقيدة الطحاوية: ]وإذا اجتمعت نصوص الوعد اليت استدلت هبا<br />
املرجئة، ونصوص الوعيد اليت استدلت هبا اخلوارج واملعتزلة تَبَنيم لك فساد القولني! وال فائدة يف كالم هؤالء سوى أنك<br />
2<br />
تست<strong>في</strong>د من كالم كل طائفة فساد مذهب الطائفة األخرى[ .<br />
قلت: خالصة ما سبق أن انقياد املسلم ألحكام الشريعة جيب أن يكون اتما يف كل جزئية منها )ظاهرا مبتابعة الشريعة<br />
وابطنا ابلإخالص والرضا والتسليم( وجيب أن يكون كامال أي يف مجيع جزئيات الشريعة. وهذا مبين على العلم أبنه ما<br />
من أمر يلزم املسلم يف دنياه وأخراه إال وهلل تعاَل <strong>في</strong>ه حكم، قال تعاَل: }قُلْ إِنَّ صَالتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَاي وَ مَمَاتِي<br />
ّلِلِ َّ ِ رَ ب ِ الْعَالَمِينَ<br />
3<br />
ال شَرِ يكَ لَهُ وَ بِذَلِكَ أُمِرْ تُ وَ أَنَا أَوَّ لُ الْمُسْلِمِي َن{ .<br />
ومما جيدر التنبيه عليه أن هذا االنقياد واجب على العبد حىت ميوت ويفارق هذه الدنيا فال أحد يسقط عنه التكليف<br />
4<br />
وإن ب َلَغ من العلم والعبادة ما بلغ، كما يدعيه بعض املبتدعة قال تعاَل: }وَ اعْبُدْ رَ بَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِي ُن{ ، واليقني<br />
هو املوت كما روى البخاري عن أم العالء األنصارية أنه ملا ت ِ ُوَيفّ عثمان بن مظعون، قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
5<br />
وسلم : »أما هو فقد جاءه اليقني« ، وما مسعنا أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أو أحد من صحابته انقطع عن<br />
العبادة يف وقت ما، وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
وهذه القاعدة )قاعدة االنقياد التام الكامل(<br />
6<br />
»إن أتقاكم وأعلمكم ابهلل أان« .<br />
7<br />
مراتب، قال تعاَل: }إِنَّ أَكْرَ مَكُمْ عِنْدَ َّللاَّ ِ أَتْقَاكُ ْم{ ، وهذا هو األصل الرابع.<br />
= 5<br />
األصل افامس: )وجو الرد إىل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم<br />
هي ميزان ا كم على الناس، فالناس بر تقي وفاجر شقي وبينهما<br />
عند التنازع واالختالف( وهذا مبين على<br />
األصل السابق فمن سلم بوجوب االنقياد التام الكامل البد أن تعرض له آراء وأقوال متباينة، فكل ما <strong>في</strong>ه خالف<br />
وجب رده إَل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
والدليل على هذا قول هللا تعاَل: }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ<br />
اآلخِ رِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيال{<br />
، 1<br />
وقال تعاَل: }وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ قِيهِ مِنْ شَيْءٍ قَحُكْمُهُ إِلَى َّللاَّ ِ{<br />
{ وَ مَا أَنزَ لْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِال لِتُبَي ِنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا قِيهِ وَ هُد ًى وَ رَ حْمَةً لِقَوْ مٍ يُؤْ مِنُونَ{ . 3<br />
وقال تعاَل: ، 2<br />
- 1 رواه البخاري عن سهل بن حنيف )6834(<br />
- 2 ط املكتب الإسالمي 1414ه ص :<br />
- 3 سورة األنعام، اآليتان:<br />
- 4 سورة احلجر، اآلية:<br />
254<br />
322<br />
163 -<br />
162<br />
88<br />
- 5 احلديث: 1243<br />
- 6 رواه البخاري عن عائشة.<br />
- 7 سورة احلجرات، اآلية:<br />
13
قال ابن القيم: ]ومنها أن الناس أمجعوا أن الرد إَل هللا سبحانه هو الرد إَل كتابه، والرد إَل الرسول صلى هللا عليه<br />
وسلم هو الرد إليه نفسه يف حياته، والرد إَل سنته بعد وفاته[ . 4<br />
قلت: وآية النساء هذه }قَإِنْ تَنَازَ عْتُ ْم{ دليل آخر على اكتمال الشريعة، فقوله تعاَل }شَيْءٍ } هي نكرة يف سياق<br />
الشرط }قَإِنْ تَنَازَ عْتُ ْم{ فهي صيغة عموم، ومثلها آية الشورى، فقال ابن القيم رمحه هللا: ]أن قوله }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي<br />
شَيْءٍ } نكرة يف سياق الشرط نعم كل ما تنازع <strong>في</strong>ه املؤمنون من مسائل الدين دقه وجله، جليه وخ<strong>في</strong>ه، ولو مل يكن يف<br />
كتاب هللا ورسوله بيان حكم ما تنازعوا <strong>في</strong>ه ومل يكن كا<strong>في</strong>ا مل َيمر ابلرد إليه إذ من املمتنع أن َيمر تعاَل ابلرد عند<br />
5<br />
التنازع إَل من ال يوجد عنده فصل النزاع[ .<br />
قلت: ونستنتج من هذا األصل:<br />
6<br />
أ = أن الشريعة حاكمة ال حمكوم عليها، وهذه قُومهتُا وحُجِّ يَتها ، ومعىن هذا أن الشريعة حاكمة على أقوال الناس<br />
وأفعاهلم ابلصحة أو ابلبطالن، وأهنا حاكمة بينهم عند تنازعهم<br />
7<br />
كل اختالف نشأ بني املسلمني من لدن الصحابة رضي هللا عنهم إَل من بعدهم .<br />
واختالفهم حتق احلق وتبطل الباطل، ويدخل يف هذا<br />
ومتعصبة املذاهب جعلوا النصوص حمكوما عليها أبقوال أئمتهم، قال ابن القيم: [ وأما املتعصبون فإهنم عكسوا<br />
9<br />
القضية، ونظروا يف السنة فما وافق أقواهلم منها قبلوه، وما خالفها حتََيملوا يف رده أو رد داللته ] . ومن هذا قول أيب<br />
احلسن الكرخي من أئمة األحناف ( ت341 ه ) قال: ]كل آية ختالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل<br />
8<br />
حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ[ .<br />
ومن الصور القبيحة لتحكم الناس يف الشريعة الإهلية<br />
يف زماننا هذا -<br />
-استفتاء الشعب مباشرة أو عن طريق نوابه<br />
)ابلربملان( حول تطبيق الشريعة الإسالمية وذلك ابسم الدميقراطية، وهذا معناه أن تطبيق شريعة اخلالق رهن إبرادة<br />
املخلوقني، وأهنم خمريون يف السماح بتطبيقها أو عدمه، وهذا كفر أكرب صريح قال شارح العقيدة الطحاويه يف حال<br />
)547<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة الشورى اآلية<br />
- 3 سورة النحل، اآلية:<br />
58<br />
.11<br />
64<br />
- 4 إعالم املوقعني 48 / 1<br />
- 5 إعالم املوقعني 48 / 1<br />
- 6 انظر املوافقات للشاطيب ج 1 ص 79 و78، ج 2 ص 275<br />
- 7 ( انظر معارج القبول حلافظ حكمى 623/2( و)أضواء البيان للشنقيطي ج<br />
7 ص<br />
- 9 ( إعالم املوقعني ) 76/1<br />
- 8 )كتاب احلديث حجة بنفسه ص<br />
99<br />
نقال عن الدر املختار<br />
/1 ه )4<br />
255
احلاكم بغي ما أنزل هللا: ]فانه إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل هللا غري واجب وأنه خمري <strong>في</strong>ه أو استهان به مع تيقنه أنه<br />
حكم هللا، فهذا كفر أكرب ] 1 .<br />
ب =أنه ال أحد معصوم من هله األمة بعد النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
صلى هللا عليه وسلم،<br />
تعاَل وقول رسوله<br />
إذ أمر هللا ابلرد عند التنازع إَل هللا ورسوله<br />
ومل َيمر ابلرد إَل رأي فالن أو قول فالن، <strong>في</strong>علم بذلك أنه ال عصمة يف قول أحد بعد قول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم .<br />
ويف هذا إبطال ملسألة عصمة األئمة عند الشيعة، ويف هذا أيضا إنكار<br />
ونقض للتعصب املذهيب عند مقلدة املذاهب وقد قال أئمة هذه املذاهب: ]كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم ] وهذا مروي عن أيب حنيفة ومالك وأمحد والشافعي وغريهم وإن اختلفت عباراهتم. وقد قال<br />
2<br />
هللا تعاَل: }وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ َّللاَّ ِ لَوَ جَدُوا قِيهِ اخْتِالقًا ً كَثِيرا{ ، قلت والرد إَل الكتاب والسنة كثريا ما يكون<br />
3<br />
ابلرجوع إَل العلماء العاملني ابلكتاب والسنة. لقوله تعايل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُو َن{ ، وقوله تعاَل:<br />
}وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ األَمْنِ أَوْ الْخَوْ فِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِي َن<br />
4<br />
يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ . ومبناسبة سؤال العلماء والرجوع إليهم فإين أحذر الإخوة املسلمني من صنفني من املنتسبني إَل<br />
العلم الشرعي:<br />
الصنف األول: العلماء الذين انكبوا على الكتب وانقطعت صلتهم بواقع الناس، قال ابن القيم رمحه هللا: ]وال يتمكن<br />
امل<strong>في</strong>ت وال احلاكم من الفتوى واحلكم ابحلق إال بنوعني من الفهم: أحدمها: فهم الواقع والفقه <strong>في</strong>ه واستنباط علم حقيقة<br />
ما وقع ابلقرائن واألمارات والعالمات حىت حييط به علما، والنوع الثاين فهم الواجب يف الواقع وهو فهم حكم هللا<br />
5<br />
الذي حكم به يف كتابه أو على لسان رسوله يف هذا الواقع، ُث يطبق أحدمها على اآلخر[ . وقال رمحه هللا: ]ذكر أبو<br />
عبد هللا بن بطة يف كتابه يف اخللع عن الإمام أمحد أنه قال: ]ال ينبغي للرجل إن ينصب نفسه للفتيا حىت يكون قيه<br />
مخس خصال، أوهلا: أن<br />
تكون له نية، فإن مل يكن له نية مل يكن عليه نور وال على كالمه نور والثانية: أن يكون له<br />
علم وحلم ووقار وسكينة الثالثة: أن يكون قواي على ما هو <strong>في</strong>ه وعلى معرفته. الرابعة: الكفاية وإال مضغه الناس.<br />
اخلامسة: معرفة الناس [<br />
-<br />
ُث قال ابن القيم<br />
-<br />
وأما قوله اخلامسة معرفة الناس فهذا أصل عظيم حيتاج إليه امل<strong>في</strong>ت<br />
واحلاكم فإن مل يكن فقيها <strong>في</strong>ه، فقيها يف األمر والنهى ُث يطبق أحدمها على اآلخر، وإال كان ما يفسد أكثر مما<br />
يصلح، فإنه إذا مل يكن فقيها يف األمر، له معرفة ابلناس تصور له الظامل بصورة املظلوم وعكسه، واحملق بصورة املبطل<br />
وعكسه، ورَاجَ عليه املكرُ واخلداع واالحتيال، وتصور له الزنديق يف صور الصديق، والكاذب يف صورة الصادق، ولبس<br />
- 1 شرح العقيدة الطحاوية ط 1414ه ص<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
256<br />
323<br />
92<br />
- 3 سورة النحل، اآلية:43 وسورة األنبياء، اآلية:7<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
93<br />
- 5 ( إعالم املوقعني - 97 /1 99 )
كل مبطل ثوب زور حتتها الإُث والكذب والفجور، وهو جلهله ابلناس وأحواهلم وعوائدهم وعر<strong>في</strong>اهتم ال مييز هذا من<br />
هذا، بل ينبغي له أن يكون فقيها يف معرفة مكر الناس وخداعهم واحتياهلم وعوائدهم وعر<strong>في</strong>اهتم، فإن الفتوى تتغري<br />
1<br />
بتغري الزمان واملكان والعوائد واألحوال، وذلك كله من دين هللا كما تقدم بيانه، وابهلل التو<strong>في</strong>ق[ .<br />
الصنف الثاين: الذين اشرتوا ِبايت هللا مثنا قليال من مال أو منصب وحنوه، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
: »مَا<br />
2<br />
ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِ الَ يفِ غَنَمٍ أبَِفْسَدَ هلََا مِنْ حِ رْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشمرَفِ لِدِينِهِ« . وقول ابن تيمية <strong>في</strong>ه، وقال ابن<br />
القيم رمحه هللا: ]كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فالبد أن يقول على هللا غري احلق يف فتواه وحكمه، يف<br />
خربه وإلزامه، ألن أحكام الرب سبحانه كثريا ما أتِت على خالف أغراض الناس والسيما أهل الرايسة والذين يتبعون<br />
الشبهات فإهنم ال تتم هلم أغراض إال مبخالفة احلق ودفعه كثريا فإذا كان العامل واحلاكم حمبني للرايسة متبعني للشهوات<br />
مل يتم هلما ذلك إال بدفع ما يضاده من احلق[<br />
وهل أفسد الدين إال امللوك<br />
3<br />
. وقال عبد هللا بن املبارك رمحه هللا:<br />
وأحبار سوء ورهباهنا؟<br />
4<br />
قلت: فتحذر من هذين الصنفني من أهل العلم، من انقطعت صلته ابلواقع ومن آثر الدنيا، خاصة يف املسائل املتعلقة<br />
ابجلهاد واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر وكل<br />
ما <strong>في</strong>ه مساس بسلطان الطواغيت. وقد مجع ابن تيمية رمحه هللا<br />
الصنفني يف قوله: ]والواجب: أن يعترب يف أمور اجلهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين هلم خربة مبا عليه أهل الدنيا<br />
دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر يف ظاهر الدين فال َيخذ برأيهم، وال برأي أهل الدين الذين ال خربة يف<br />
5<br />
الدنيا[ .<br />
= 6<br />
األصل السادس: ( رد وإبطال ما خالف الشريعة(<br />
وهذأ مبين علي األصل اخلامس وهو رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل<br />
الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فهو احلق الذي نقبله ونعمل به، وما خالفهما فهو مردود ال نعمل به وال<br />
يرتتب عليه أثر.<br />
ودليل األصل السادس: قول النيب صلى هللا عليه وسلم:<br />
ملسلم: »من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد« ويدخل يف هذا:<br />
6<br />
»من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ« ، ويف رواية<br />
257<br />
- 1 ( إعالم املوقعني 188 /4 ُث )215214<br />
- 2 رواه أمحد عن كعب بن مالك، وقد سبق شرحه.<br />
- 3 )الفوائد البن القيم ص<br />
)111<br />
- 4 ( انظر إغاثة اللهفان البن القيم ط 1417 ه 392( / 1<br />
- 5 ( االختيار الفقهية ط دار املعرفة ص 311(<br />
- 6 متفق عليه عن عائشة
أ =<br />
البدع مبجملها، فكل بدعة ضاللة، منها ما هو فسق ومنها ما هو كفر حبسبها، وكلها حرام. وملعرفة أنواعها<br />
يراجع كتاب ( السنن واملبتدعات( للقشريي، وكتاب )الإبداع يف مضاد االبتداع( لعلي حمفوظ، وقبلهما كتاب<br />
)االعتصام( للشاطيب وحنوه.<br />
ب =<br />
فتوى امل<strong>في</strong>ت ُمالفة للكتا والسنة مردودة، قال البخاري يف كتاب االعتصام من صحيحة )ابب إذا اجتهد<br />
العامل أو احلاكم فأخطأ خالف الرسول صلى هللا عليه وسلم من غري علم فحكمه مردود لقول النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم :<br />
أجر«<br />
ج =<br />
1<br />
»من عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد«( .<br />
ومع ذلك فقد يكون هذا امل<strong>في</strong>ت مأجورا رغم خطئه، !وذلك إذا كان من أهل االجتهاد وقد بذل ما يف وسعه يف فتواه<br />
حلديث عمرو بن العاص مرفوعا »إذا حكم احلاكم فاجتهد ُث أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ُث اخطأ فله<br />
2<br />
رواه البخاري ، ورغم كونه مأجورا فإنه ال يعمل مبا أفىت به خطأ.<br />
األقوال املرجوحة يف امللاهب الفقهية<br />
أاي كان قائلها طاملا ثبت الدليل ِبالفها، وهذا يدخل <strong>في</strong>ما قبله )ب(.<br />
ولذلك قال الإمام مالك رمحه هللا: ]إَّنا أان بشر أخطئ وأصيب، فانظروا يف رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة<br />
فخذوه، وكل ما مل يوافق الكتاب والسنة فاتركوه[، وقال الشافعي رمحه هللا: ]كل مسألة صح <strong>في</strong>ها اخلرب عن رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
= ه<br />
عند أهل النقل ِبالف ما قلت، فأان راجع عنها يف حياِت، وبعد موِت(، وعنه قال: ( إ ذا<br />
وجدمت يف كتايب خالف سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
فقولوا بسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
ودعوا ما<br />
قلت(. ويف هذا رد كاف على التعصب املذهيب. بل إن التعصب املذهب والقول بوجوب تقليد رجل بعينه أو مذهب<br />
بعينه يف الدين هو يف ذاته بدعة مردودة كما سيأِت التنبيه علي ذلك.<br />
د = ويدخل يف هذا العقود والشروط واملصاحلات اليت تقع بنب الناس، ما خالف الشريعة منها فهو مردود.<br />
ويدخل يف هلا خطأ القاضي يف القضاء<br />
ي ُنْقَض وال ي ُعْمل حبكمه، قال البخاري يف كتاب الإحكام من<br />
صحيحه: )ابب إذا قضى احلاكم جبور أو خالف أهل العلم فهو رد ) وذكر حديث بعث خالد بن الوليد إَل بين<br />
3<br />
جذمبة . ويف كتاب عمر <br />
يف القضاء قال أليب موسى األشعري<br />
<br />
( وال مينعنك قضاء قضيت <strong>في</strong>ه اليوم فراجعت<br />
<strong>في</strong>ك رأيك فهُدِيتَ <strong>في</strong>ه لرشدك أن تراجع <strong>في</strong>ه احلق، فإن احلق قدمي ال يبطله شيء، ومراجعة احلق خري من التمادي يف<br />
الباطل( . 4<br />
258<br />
- 1 ( فتح الباري )317/13<br />
- 2 ( فتح الباري )319/13<br />
- 3 )فتح الباري )191/13<br />
- 4 نقال عن )إعالم املوقعني 96/1(
وقال ابن قدامة يف كتاب القضاء: ]وال ينقض من حكم غريه إذا رفع إليه إال ما خالف ن<br />
إمجاع[ . 1<br />
كتاب أو سنة أو<br />
ومما يندرج يف هذا أحكام القضاة يف البلدان اليت حتكم ابلقوانني الوضعية الكافرة - كما هو احلال يف معظم بلدان<br />
- املسلمني<br />
فهذه األحكام ابطلة ومردودة ملخالفتها الشريعة. واآلَثر املرتبة عليها ابطلة، فاحلقوق والتملكات وغريها<br />
مما حيصل عليه الناس أبحكام هذه القوانني كل هذا حرام ال حيل، ومبقتضى هذه القوانني فإن الناس َيكلون أمواهلم<br />
بينهم ابلباطل ويستحلون احلرام، وهذا من أنكر املنكرات اليت سكت عنها مجهور املنتسبني إَل العلم الشرعي يف هذا<br />
الزمان، فإان هلل وإان إليه راجعون.<br />
وإذا كان حكم القاضي احلاكم ابلشريعة ال حيل األمر إذا كان يف ابطنه حراما، فكيف مبن ال حيكم ابلشريعة ابتداء،<br />
روى البخاري عن أم سلمة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
« قال:<br />
=<br />
7<br />
إَّنا أان بشر وإنكم ختتصمون إِيلَم،<br />
ولعل بعضكم أن يكون أَحلَْن حبجته من بعض فأقضي له على حنو ما أمسع، فمن قضيت له من أخيه شيئا فال<br />
3<br />
2<br />
َيخذه، فإَّنا أقطع له قطعة من النار« ، ويف رواية: « فإَّنا هي قطعة من النار فليأخذها أو ليرتكها« ، أورد البخاري<br />
يف كتاب األحكام من صحيحه ابب )من قُضِيَ له حبق أخيه فال َيخذه فإن قضاء احلاكم ال حيل حراما وال حيرم<br />
حالال( وقال ابن حجر: ]و<strong>في</strong>ه أنه من احتال ألمر ابطل بوجه من وجوه احلِيَل حىت يصري حقا يف الظاهر، وحيُْكَم له<br />
4<br />
به أنه ال حيل تناوله يف الباطن وال يرتفع عنه الإُث ابحلكم[ ، وقال ابن حجر: [ »فإَّنا أقطع له قطعة من النار« أي<br />
5<br />
إن أخذها مع علمه أبهنا حرام عليه دخل النار[ .<br />
األصل السابع:<br />
سد ذرائع اإلحداث يف الدين )الإبتداع(، كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »وإايكم<br />
وحمدَثت األمور«، والإحداث يكون ابلزايدة أو ابلنق أو ابلتبديل والتحريف، واحملدثة )البدعة( قد تكون فسقا أو<br />
6<br />
كفرا حبسبها .<br />
روى البخاري عن ابن مسعود: قال النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
«<br />
أان فرطكم على احلوض، لريُ فعن إيل رجال منكم<br />
حىت إذا أهويت ألانَوِهلَم اختلجوا دوين، فأقول: أي رب، أصحايب، <strong>في</strong>قول: ال تدري ما أحدثوا بعدك« . 7 وروى<br />
البخاري عن أىب سعيد مرفوعا بلفظ »إنك ال تدري ما بَدملوا بعدك، فأقول: سُحْقًا سُحْقًا ملن بَدمل بعدي« . 9<br />
- 1 )املغين والشرح الكبري ج<br />
259<br />
)413 / 11<br />
- 2 احلديث 6867<br />
- 3 احلديث 7191<br />
- 4 ( فتح الباري )174 /13<br />
- 5 ( فتح الباري )338/12<br />
- 6 )االعتصام للشاطيب 36/2 وما بعدها(<br />
- 7 حديث 7148<br />
9 -حديث 7151
ورواه عن ابن عباس مرفوعا بلفظ »أال وإنه جيَُاء برجال من أميت <strong>في</strong>ؤخذ هبم ذات الشمال، فأقول: اي رب أصيحايب،<br />
<strong>في</strong>قال: إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصاحل }وَ كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيد ًا مَا دُمْتُ قِيهِمْ قَلَمَّا<br />
2<br />
1<br />
تَوَ قَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّ قِيبَ عَلَيْهِمْ{ ، <strong>في</strong>قال: إن هؤالء مل يزالوا مرتدين على أعقاهبم منذ فارقتهم« ، وقوله صلى هللا<br />
عليه وسلم : »أصيحايب« هكذا ألكثر الرواة بصيغة التصغري، إشارة إَل قلة عدد من وقع هلم ذلك وهم بعض جفاة<br />
األعراب.<br />
أورد البخاري رمحه هللا هذا احلديث )7148، 7151( يف أول كتاب الفنت من صحيحه، إشارة منه<br />
ترامجه<br />
-<br />
-<br />
على عادته يف<br />
إَل أن األحداث والتبديل يف الدين من أعظم أسباب الفنت والردة بل هو أصلها، وهو كذلك قدميا وحديثا،<br />
3<br />
ومصداقه قوله تعاَل: }قَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِ هِ أَنْ تُصِ يبَهُمْ قِتْنَةٌ أَوْ يُصِ يبَهُمْ عَذَابٌ أَلِي ٌم{ ، ف<strong>في</strong> هذه اآلية<br />
الفتنة عقوبة قدرية علي خمالفة أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
4<br />
قال تعاَل: }قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ وا بِهِ قَأَغْرَ يْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَ ةَ وَ الْبَغْضَا َء{ .<br />
ابحلَيْدة عن أحكام شريعته والإحداث يف الدين، كما<br />
وهلذا فقد أتت الشريعة بضوابط لسد ذرائع الإحداث والتبديل يف الدين، ذكرها البخاري رمحه هللا يف كتاب )االعتصام<br />
ابلكتاب والسنة( من صحيحه، ومن ذلك: النهي عن البدع والتحذير منها، والنهي عن ترئيس اجلهال ويقابله احلض<br />
على ترئيس العلماء، وذم الرأي الفاسد والقياس الفاسد، والنهي عن التشدد والتعمق يف الدين، والنهي عن املراء<br />
واالختالف، والنهي عن التشبه أبهل الكتاب واملشركني. وذِكْر أدلة هذه الضوابط كما يلي:<br />
أ = النهي عن البدع والتحلير منها:<br />
البدعة: )ما أُحْدِثَ مما ال أصل له يف الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا<br />
وإن كان بدعة لغة(، وهدا تعريف ابن رجب احلنبلي، وقال أيضا: [ وأما ما وقع يف كالم السلف من استحسان بعض<br />
البدع، فإَّنا ذلك من البدع اللغوية ال الشرعية[ . 5<br />
)وكل بدعة ضاللة وإن رآها الناس حسنة( ، 6<br />
وقال الشيخ حافظ حكمي: ]ُث اعلم أن البدع كلها مردودة ليس<br />
منها شيء مقبول، وكلها قبيحة ليس <strong>في</strong>ها حسن، وكلها ضالل ليس <strong>في</strong>ها هدى، وكلها أوزار ليس <strong>في</strong>ها أجر، وكلها<br />
7<br />
ابطل ليس <strong>في</strong>ها حق[ ، ومصداق هذا قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »وإايكم وحمدَثت األمور، فإن كل بدعة<br />
- 1 سورة املائدة اآلية:<br />
261<br />
117<br />
- 2 حديث 4625<br />
- 3 سورة النور، اآلية:<br />
- 4 سورة املائدة، اآلية:<br />
63<br />
14<br />
- 5 ( جامع العلوم واحلكم، حديث 29 ص<br />
)233<br />
- 6 رواه الاللكائى عن ابن عمر )شرح اعتقاد أهل السنة 82( 1/<br />
- 7 ( معارج القبول ط السل<strong>في</strong>ة 616/2(
ضاللة« . 1 وهبذا تعلم أن تقسيم عز الدين بن عبد السالم رمحه هللا البدعةَ إَل األحكام اخلمسة ( الواجب واملندوب<br />
واملباح واملكروه واحلرام ) هو تقسيم ال أصل له، فكيف يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »كل بدعة ضاللة«<br />
3<br />
2<br />
ويقول العز إن هناك بدعة واجبة ، ولذلك قال الشاطيب: ]إن هذا التقسيم أمر خمرتع ال يدل عليه دليل شرعي[ .<br />
وكل من أحدث حدَث من بدعة أو تبديل للدين فعليه وزره ووزر من عمل به، ويف هذا وعيد شديد لسد ذريعة هذا<br />
الفساد، فروى مسلم عن أيب هريرة مرفوعا »ومن دعا إَل ضاللة كان عليه من الإُث مثل آَثم من تبعه ال ينق من<br />
آَثمهم شيئا«، وروى مسلم عن جرير بن عبد هللا مرفوعا<br />
4<br />
»ومن سن يف الإسالم سنة سيئة ..( احلديث .<br />
ولُعِنَ من آوى حمدَث سدا لذريعة الإحداث، فروى مسلم عن عَلِيّ قال: حدثين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أبربع<br />
كلمات:<br />
5<br />
األرض« .<br />
»لعن هللا من ذبح لغري هللا، لعن هللا من لعن والديه، لعن هللا من آوى حمُْدَِثً، لعن هللا من غري منار<br />
= التحلير عن ترئيس اجلهال<br />
والتحذير من األخذ بقوهلم ورأيهم، وبيان أن هذا من أعظم أسباب الضالل والإحداث يف الدين، وفساد دنيا الناس<br />
وأخراهم، وهذا ال خيفى، ويف هذا ما رواه البخاري عن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال مسعت النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم يقول: »إن هللا ال ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، <strong>في</strong>بقى انس<br />
جهال يُسْتَفْتَون <strong>في</strong>ُفْتون برأيهم <strong>في</strong>َضِلُّون ويُضِلُّون«، ويف رواية متفق عليها عنه مرفوعا: »إن هللا ال يقبض العلم انتزاعا<br />
ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حىت إذا مل ي ُبْقِ عاملا اختذ الناس رءوسا جهاال فسئلوا فأفتوا بغري<br />
6<br />
علم فضلوا وأضلوا( .<br />
ج = ا على ترئيس العلماء واألخل عنهم<br />
.<br />
للحديث السابق، ولقوله صلى هللا عليه وسلم : »إذا ضيعت األمانة فانتظر الساعة، قيل: وكيف إضاعتها؟، قال: إذا<br />
أهله«7<br />
وُسِّ د األمر لغري<br />
- 1 رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح عن العرابض بن سارية<br />
- 2 )فتح الباري254/13( و )االعتصام للشاطيب 181/1 ومابعدها(<br />
260<br />
- 3 )االعتصام )181/1<br />
- 4 انظر ابب )اُث من دعا إَل ضاللة وسن سنة سيئة( ابالعتصام للبخاري ( فتح الباري 312/13(<br />
- 5 انظر ابب )اُث من آوى حمدَِث( ابالعتصام للبخاري ( فتح الباري 291( 13/<br />
- 6 انظر ( فتح الباري ) ج 1 ص ،185 ج 13 ص 297<br />
- 7 رواه البخاري عن أيب هريرة
د = ذم الرأي الفاسد والقياس الفاسد<br />
وأول من أخذ ابلقياس الفاسد هو إبليس لعنه هللا، كما يف قوله تعاَل: }قَا َل أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَ خَلَقْتَهُ<br />
1<br />
مِنْ ِِينٍ{ ، فعارَضَ لعنه هللا األمر الرابين، ابلسجود آلدم ابلقياس الفاسد. فكل من فعله - أي القياس الفاسد -<br />
فهو مسنت به لعنه هللا.<br />
والقياس الفاسد هو ما يوجد الن<br />
ِبالفه، وكذلك الرأي الفاسد<br />
2<br />
، وهذا أصل فاسد رُدمت كثري عن النصوص الشرعية<br />
بسببه، يف العقائد واألحكام، وقد ذكر الشيخ األلباين أمثلة هلذا يف كتابه ( احلديث حجة بنفسه العقائد واألحكام (.<br />
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود<br />
<br />
قال: )ليس عام إال الذي بعده شر منه، ال أقول عام خري من عام، وال أمري خرب<br />
من أمري، ولكن ذَهَاب العلم ُث حيَْدُثُ قوم يقيسون األمور ِبرائهم <strong>في</strong>ُهدم الإسالم( ، 3 وحديث قبض العلم شاهد هلذا<br />
القول والقياس الفاسد هو أحد وسائل أهل البدع يف االستدالل، ومن هذا ما ذهب إليه نفاة صفات الرب جل<br />
وعال، قياسا له سبحانه على خلقه . 4<br />
ويدخل يف الرأي الفاسد األقوال املرجوحة يف املذاهب ِبالف الن ، أو القول ابملصلحة ِبالف الن .<br />
روى البخاري عن سهل بن حنيف<br />
<br />
قال: )اي أيها الناس اهتموا رأيكم على دينكم، فقد رأيتُين يوم أيب جندل، ولو<br />
أستطيع أن أرد أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لرددته( احلديث. ويوم أيب جندل أ ي يوم احلديبية وروى الاللكائي<br />
بسنده عن عمر بن اخلطاب<br />
فقالوا ابلرأي فضلوا وأضلوا( . 5<br />
<br />
هد = النهي عن التشدد والتعمق والغلو يف الدين<br />
قال: )إايكم وأصحاب الرأي، فإهنم أعداء السنن، أعيتهم األحاديث أن حيفظوها<br />
عن ابن مسعود عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »هلك املتنطعون<br />
-<br />
6<br />
قاهلا ثالَث« ، قال اخلطايب: ]املتنطع املتعمق<br />
يف الشيء اخلائض <strong>في</strong>ما ال تبلغه العقول[ وروى أمحد عن ابن عباس مرفوعا »إايكم والغلو يف الدين، فإَّنا هلك من<br />
كان قبلكم ابلغلو يف الدين« ، 7 قال ابن تيمية: ]هذا عام يف مجيع أنواع الغلو يف االعتقادات واألعمال[ . 9<br />
262<br />
- 1 سورة ص ، اآلية: 76<br />
- 2 )فتح الباري )292/13<br />
- 3 )فتح الباري )293/13<br />
- 4 )االعتصام للشاطيب 241 221/2، ط دار املعرفة 1419ه(<br />
- 5 )شرح اعتقاد أهل السنة ط دار طيبة ج<br />
1 ص<br />
123( وانظر ( إعالم املوقعني البن القيم 77/1( و ( فتح الباري<br />
)296/13<br />
- 6 رواه مسلم<br />
- 7 وصححه ابن خزميه وابن حبان<br />
- 9 ( فتح اجمليد ط أنصار السنة ص<br />
)229
والغلو<br />
هو سبب كفر النصارى، قال تعاَل: }يَاأَهْلَ الْكِتَابِ ال تَغْلُوا قِي دِينِكُمْ وَ ال تَقُولُوا عَلَى َّللاَّ ِ إِال الْحَ َّق{ ، 1<br />
فَغَلَوا يف عيسى <br />
حىت جعلوه إهلا، وذكر شيخ الإسالم حممد بن عبد الوهاب يف كتابه التوحيد ]ابب ما جاء أن<br />
سبب كفر بىن آدم وتركهم دينهم هو الغلو يف الصاحلني[ وذكر <strong>في</strong>ه حديث ابن عباس يف تفسري قوله تعاَل: }وَ قَالُوا<br />
2<br />
ال تَذَرُ نَّ آلِهَتَكُمْ وَ ال تَذَرُ نَّ وَ دًّا وَ ال سُوَ اع ًا{ .<br />
فالتشدد والتعمق خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق ابجملاهدات الشديدة واالمتناع عن املباحات قد يقضي بصاحبه إَل ترك التكليف<br />
3<br />
مجلة بتأويالت ابطلة، فالتشدد مظنة االنقطاع . وهذا هو حال كثري من املتصوفة.<br />
5<br />
4<br />
والغلو هو أساس مذهب الشيعة ، وهو أساس التعصب املذهيب ومن الغلو تعظيم الشيوخ ، وقد يفضي تعظيمهم إَل<br />
عبادهتم من دون هللا، ومنه عبادة املقبورين وتعليق صورهم وحنوه، ومن تعظيمهم والغلو <strong>في</strong>هم تقدمي قوهلم وفعلهم على<br />
األدلة الشرعية وهذا هو أصل التعصب املذهيب . 6<br />
و = النهي عن اجلدال واملراء واالختالف<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
7<br />
»اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه( .<br />
وعن عبد هللا بن عمرو أن نفرا من الصحابة ذكروا آية من القرآن، فتماروا <strong>في</strong>ها حىت ارتفعت أصواهتم، فخرج رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
مغضبا، قد امحر وجهه، يرميهم ابلرتاب، ويقول مهال اي قوم! هبذا أهلكت األمم من قبلكم،<br />
ابختالفهم على أنبيائهم وضرهبم الكتب بعضها ببعض، إن القران مل ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه<br />
بعضا،<br />
9<br />
فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إَل عامله( .<br />
وغالبا ما ينشأ املراء بسبب جهل املتمارين أو بعضهم، وبغي بعضهم على بعض كما قال تعاَل: }وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِي َن<br />
8<br />
أُوتُوا الْكِتَابَ إِال مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ{ ، والبغي منه اهلوى واحلسد والكرب وما يتبع ذلك من التعنت،<br />
والواجب رد املتنازع <strong>في</strong>ه إَل الكتاب والسنة.<br />
ز = النهي عن التشبه أبهل الكتا واملشركني أو األخل عنهم.<br />
1 ص<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
171<br />
2<br />
- سورة نوح اآلية:<br />
- 23<br />
رواه البخاري ( فتح اجمليد ط أنصار السنة ص<br />
219( و ( إغاثة اللهفان البن القيم ط الكتب العلمية<br />
1417<br />
) 219<br />
- 3 )االعتصام للشاطيب ج<br />
1 ص 214<br />
ومابعدها وص<br />
)314<br />
- 4 )االعتصام للشاطيب )258/1<br />
- 5 )االعتصام للشاطيب )259/1<br />
- 6 انظر ابب )ما يكره من التعمق والتنازع ىف العلم والغلو يف الدين والبدع( ابالعتصام للبخاري )فتح الباري 275/13(.<br />
- 7 رواه البخاري عن جندب بن عبد هللا، ابب )كراهية االختالف( ابالعتصام للبخاري )فتح الباري 335/13(.<br />
- 9 رواه أمحد والبغوي، وصححه األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية<br />
- 8 سورة آل عمران، اآلية:<br />
18<br />
ه ج<br />
263
وورد يف النهي عن هذا والتحذير منه نصوص كثرية، منها قوله تعاَل: }إِنْ تُِِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُ وا يَرُ دُّوكُمْ عَلَى<br />
أَعْقَابِكُمْ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ ينَ{ ، 1 وقوله تعاَل: }وَ لَنْ تَرْ ضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ ال النَّصَارَ ى حَتَّى تَتَّبَِْ مِلَّتَهُمْ{ ، 2 وقوله<br />
}وَ ال تَزَ الُ تََِّلُِْ عَلَى<br />
تعاَل: }ال تَتَّخِ ذُوا بَِِانَةً مِنْ دُونِكُمْ ال يَأْلُونَكُمْ خَبَاال وَ دُّوا مَا عَنِتُّمْ<br />
خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِال قَلِيال مِنْهُمْ{ . 4<br />
} 3 ، وقوله تعاَل:<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »لتتبعُن سَنَن من كان قبلكم شربا شرا وذراعا ذراعا، حىت لو دخلوا جحر<br />
5<br />
ضب تبعتموهم قلنا: اي رسول هللا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟« ، وهذا حتذير من متابعتهم كما يف قوله صلى هللا<br />
عليه وسلم :<br />
6<br />
»من تشبه بقوم فهو منهم« .<br />
وروى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: »كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على<br />
رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
أَحْدث، تقرءونه حمضا مل يُشب، وقد حدثكم أن أهل<br />
الكتاب بَدملوا كتاب هللا<br />
وغَريم وه، وكتبوا أبيديهم الكتاب وقالوا هو من عند هللا ليشرتوا به مثنا قليال، ال ينهاكم ما جاءكم من العلم عن<br />
7<br />
مسألتهم، ال وهللا ما رأينا منهم رجال يسألكم عن الذي أنزل عليكم( ، ويف رواية له ( أ و ال ينهاكم..( راجع<br />
االعتصام للبخاري ابب )قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
وسلم<br />
9<br />
: ال تسألوا أهل الكتاب عن شيء( .<br />
لتتبعُن سَنَن من كان قبلكم( وابب )قول النيب صلى هللا عليه<br />
قلت: وابلرغم من هذا، فقد وقعت هذه األمة يف كل ما حذر منه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، }وَ كَانَ أَمْرُ َّللاَّ ِ<br />
قَدَر ً ا مَقْدُور ً ا{، وعلى سبيل املثال: عقيدة احللول، والغلو يف الصاحلني وعبادة املقبورين، واختاذ املساجد على القبور،<br />
والتفرق واالختالف، وكتمان احلق ولبسه ابلباطل، واختاذ األحبار والرهبان أراباب، واختاذ الناس بعضهم بعضا أراباب<br />
)كما يف الدميقراطية(، وفصل السياسة عن الدين،<br />
ومتابعتهم يف األنظمة الكفرية )كالقوانني الوضعية واالشرتاكية<br />
والشيوعية وكل هذا كفر أكرب(، وعصبية اجلاهلية ( كالقومية العربية وحنوها(، وإذا سرق الشريف ترك وإذا سرق<br />
الضعيف عوقب وتطبيق مناهجهم يف الرتبية والتعليم على املسلمني، وتقليدهم يف الفنون واملالهي واملسرح والسينما<br />
وغريها من وسائل الإفساد، ومشاركتهم يف أعيادهم، ومشاهبتهم يف العمل ابلتاريخ امليالدي، ومشاهبتهم يف اهلدى<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
264<br />
148<br />
121<br />
- 3 سور آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة املائدة، االية:<br />
119<br />
13<br />
- 5 متفق عليه عن أيب سعيد<br />
- 6 رواه أمحد وأبو داود عن ابن عمر وصححه األلباين.<br />
- 7 حديث 7363<br />
- 9 )فتح الباري 311/13و333(
الظاهر ( لبس مالبسهم<br />
- حلق اللحي -<br />
التخنث ..(، والتعبد ابألغاين واألحلان كما يفعل الصو<strong>في</strong>ة ، 1 وأكل الراب<br />
الذي طبق األرض، وغري ذلك. ومما يدعو إَل األسف يف هذا الزمان تعلم املسلمني دينهم على أيدي اليهود<br />
والنصارى يف جامعات الغرب، ف<strong>في</strong> مصر مثال الرجل الذي أفسد األزهر ون َفمذ قانون تطويره وهو الدكتور حممد البهي<br />
حصل على إجازته العلمية من أملانيا، وكثري من شيوخ األزهر الذين تعاقبوا بعد الشيخ حممود شلتوت حصلوا على<br />
درجاهتم العلمية من جامعات النصارى كالسوربون بفرنسا وحنوها. وهذا الذي وقع ابملسلمني من متابعة أهل الكتاب<br />
واملشركني يف الضاللة هو من عالمات النبوة لوقوعه كما أخرب<br />
ذراعا« كما يف حديث أيب سعيد السابق.<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
يف قوله: »شربا شربا، وذراعا<br />
وجتد تفصيال هلذا يف كتاب )اقتضاء الصراط املستقيم( البن تيمية رمحه هللا، وكتاب ( تلبيس إبليس البن اجلوزي(،<br />
وكتاب )الإيضاح والتبني ملا وقع <strong>في</strong>ه األكثرون من مشاهبة املشركني( للشيخ محود التوجيري.<br />
قلت: وال خيفى أن ما سبق يستثىن منه جواز تعلم ما يشرتك <strong>في</strong>ه البشر من أمور الدنيا كأمور الصنائع والعمران، جيوز<br />
أن يتعلمها املسلم من الكافر إذا أُمِنَت فتنة املسلم يف دينه. والواجب أن تقوم طائفة من املسلمني إبتقان هذه األمور<br />
-كبقية فروض الكفاية - حىت يستغين املسلمون عن االحتياج إَل الكفار يف هذا.<br />
هذا وقد ب َيمنَت األصول السبعة السابقة سبيل احلق وسبل الضاللة، ليعرف املسلم األوَل <strong>في</strong>لزمها ويوايل أتباعها،<br />
وليحذر من سبل الضاللة ويعادي من سلكها ويف هذا يقول ابن القيم رمحه هللا: ]قال هللا تعاَل: }وَ كَذَلِكَ نُفَصِ ُل<br />
2<br />
اآليَاتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِ مِينَ{ ، وقال: }وَ مَنْ<br />
يُشَاقِقْ الرَّ سُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَ يَتَّبِْْ غَيْرَ سَبِي ِل<br />
3<br />
الْمُؤْ مِنِينَ نُوَ لِهِ مَا تَوَ لَّى{ ، وهللا تعاَل قد بني يف كتابه سبيل، املؤمنني مفصلة وسبيل اجملرمني مفصلة وعاقبة هؤالء<br />
مفصلة وعاقبة هؤالء مفصلة، وأعمال هؤالء وأعمال هؤالء وأولياء هؤالء وأولياء هؤالء، وخذالنه هلؤالء وتو<strong>في</strong>قه هلؤالء<br />
واألسباب اليت وفق هبا هؤالء واألسباب اليت خذل هبا هؤالء، وجل سبحانه األمرين يف كتابه وكشفهما وأوضحهما<br />
وبينهما غاية البيان.<br />
فالعَالِمون ابهلل وكتابه ودينه عرفوا سبيل املؤمنني معرفة تفصيلة وسبيل اجملرمني معرفة تفصيلة فاستبانت هلم السبيالن،<br />
فهؤالء أعلم اخللق وأنفعهم للناس وأنصحهم هلم وهم األدالء اهلداة وبذلك برز الصحابة على مجيع من أتى بعدهم إَل<br />
يوم القيامة فإهنم نشأوا يف سبيل الضالل والكفر والشرك والسبل املوصلة إَل اهلالك وعرفوها مفصلة ُث جاءهم الرسول<br />
فأخرجهم من تلك الظلمات إَل سبيل اهلدى وصراط هللا املستقيم فخرجوا من الظلمة الشديدة إَل النور التام ومن<br />
الشرك إَل التوحيد ومن اجلهل إَل العلم ومن الغي إَل الرشاد، فعرفوا مقدار ما انلوه فازدادوا رغبة وحمبة يف ما انتقلوا<br />
- 1 )تلبيس إبليس البن اجلوزي ص<br />
265<br />
318<br />
- 2 سورة األنعام، اآلية: 55<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
115<br />
وما بعدها(
إليه ونفرة وبغضا ملا انتقلوا عنه وكانوا أحب الناس يف التوحيد والإميان والإسالم وأبغض الناس يف ضده عاملني ابلسبيل<br />
على التفصيل.<br />
وأما من جاء بعد الصحابة فمنهم من نشأ يف الإسالم غري عامل تفصيل ضده، فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل<br />
املؤمنني بسبيل اجملرمني فإن اللبس إَّنا يقع إذا ضعف العلم ابلسبيلني أو أحدمها كما قال عمر بن اخلطاب: )إَّنا<br />
ت ُنْقَض عرى الإسالم عروة عروة إذا نشأ يف الإسالم من مل يعرف اجلاهلية( هذا من كمال علم عمر<br />
فإنه إذا مل <br />
يعرف اجلاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى هللا عليه وسلم فإنه من اجلاهلية فإهنا منسوبة إَل<br />
اجلهل وكل ما خالف الرسول فهو من اجلهل فمن مل يعرف سبيل اجملرمني ومل تَسْتَنبِ له أوشك أن يظن يف بعض<br />
سبيلهم أهنا من سبيل املؤمنني. كما وقع يف هذه األمة من أمور كثرية يف ابب االعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل<br />
اجملرمني والكفار أدخلها من مل يعرف أهنا من سبيلهم يف سبيل املؤمنني ودعا إليها وكَفمر من خالفها واستحل منه ما<br />
حرمه هللا ورسوله، كما وقع ألكثر أهل البدع من اجلهمية والقدرية واخلوارج والروافض وأشباههم<br />
- -إَل أن قال<br />
واملقصود أن هللا سبحانه حيُ ب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض كما جيب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب<br />
وتسلك ويف هذه املعرفة من الفوائد واألسرار ماال يعلمه إال هللا. أه ابختصار يسري[ . 1<br />
= 9<br />
األصل الَامن )األمر ابملعروف والنهي عن املنكر(. هذا هو آخر األصول اليت أذكرها كمعامل ملنهح أهل السنة<br />
واجلماعة، وهي أصول االعتصام ابلكتاب والسنة.<br />
فاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر هو مبثابة السياج الذي حيفظ األصول السبعة األوَل ومينع عنها الشوائب أوال أبول<br />
فتظل خاصة حمفوظة من العبث واخللل. ولذلك فقد قرن هللا سبحانه بني األمر والنهي وبني حفظ الدين يف قوله<br />
2<br />
تعاَل: }اآلمِرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ النَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَ الْ َحاقِظُونَ لِحُدُودِ َّللاَّ ِ وَ بَشِرْ الْمُؤْ مِنِي َن{ ، لتعلق الثاين<br />
ابألول.<br />
واألمر والنهي واجبان، لقوله تعاَل: }وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنْكَرِ<br />
وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُو<br />
َن{ ، 3<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من رأى منكم منكرا فليغريه بيده، فإن مل يستطع<br />
فبلسانه، فإن مل يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإميان« ، 4 قال النووي يف شرح هذا احلديث )2/<br />
- 22<br />
24( ]وأما قوله<br />
صلى هللا عليه وسلم : »فليغريه« فهو أمر إجياب إبمجاع األمة، وقد تطابق على وجوب األمر ابملعروف والنهي عن<br />
املنكر: الكتاب والسنة وإمجاع األمة، وهو أيضا من النصيحة اليت هي الدين.<br />
- 1 )الفوائد البن القيم ص<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
266<br />
)111 -<br />
119<br />
112<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
114<br />
- 4 رواه مسلم عن أيب سعيد اخلدري .
وقال أيضا يف حكم وجوبه: ]ُث إن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط احلرج<br />
عن الباقني، وإذا تركه اجلميع أُث كل من متكن منه بال عذر وال خوف، ُث إنه قد يتعني: كما إذا كان يف موضع ال<br />
يعلم به إال هو، أَوْال يتمكن من إزالته إال هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غالمه على منكر أو تقصري يف املعروف،<br />
قال العلماء رضي هللا عنهم وال يسقط عن املكلف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر لكونه ال ي<strong>في</strong>د يف ظنه بل جيب<br />
عليه فعله فإن الذكرى تنفع املؤمنني وقد قدمنا أن الذي عليه األمر والنهى، ال القبول[.<br />
وقال يف عدم اشرتاط الوالية ملن َيمر وينهي: ]قال العلماء وال خيت<br />
الوالايت بل ذلك جائز آلحاد املسلمني، قال إمام<br />
األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أبصحاب<br />
احلرمني والدليل عليه إمجاع املسلمني فإن غري الوالة يف الصدر<br />
األول والعصر الذي يليه كانوا َيمرون الوالة ابملعروف وينهوهنم عن املنكر مع تقرير املسلمني إايهم وترك توبيخهم على<br />
التشاغل ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر من غري والية، وهللا أعلم[.<br />
وقال يف عدم اشرتاط كمال العدالة <strong>في</strong>من َيمر وينهى: ]قال العلماء وال يشرتط يف اآلمر والناهي أن يكون كامل احلال<br />
ممتثال ما َيمر به جمتنبا ما ينهى عنه، بل عليه األمر وإن كان خمال مبا َيمر به والنهي وإن كان متلبسا مبا ينهى عنه،<br />
فإنه جيب عليه شيئان أن َيمر نفسه وينهاها، وَيمر غريه وينهاه، فإذا أخل أبحدمها كيف يباح له الإخالل ابآلخر[.<br />
وقال يف اشرتاط العلم <strong>في</strong>من َيمر وينهى: ]ُث إنه إَّنا َيَمر ويَنهى من كان عاملا مبا َيَمر به، وذلك خيتلف ابختالف<br />
الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة واحملرمات املشهورة كالصالة والصيام والزان واخلمر وحنوها فكل املسلمني علماء<br />
هبا، وإن كان من دقائق األفعال واألقوال ومما يتعلق ابالجتهاد مل يكن للعوام مدخل <strong>في</strong>ه، وال هلم إنكاره، بل ذلك<br />
للعلماء، ُث العلماء إَّنا ينكرون ما أُمجع عليه أما املختلف <strong>في</strong>ه فال إنكار <strong>في</strong>ه<br />
النصيحة إَل اخلروج من اخلالف فهو حسن[.<br />
- إَل قوله -<br />
لكن إن ندبه على جهة<br />
قلت: قول النووي: ]أما املختلف <strong>في</strong>ه فال إنكار <strong>في</strong>ه[ ليس إبطالق، فإن الإختالف نوعان اختالف تنوع: ]وهو إذا<br />
كان كل واحد من القولني حقا مشروعا، وإن كان بعض أنواعه أرجح وأفضل[، وقد تستوي يف الفضل، كوجوه<br />
القراءة للقرآن وأنواع الإحرام ابحلج، فإذا<br />
استوت يف الفضل فال إنكار وإذا اختلفت يف الفضل <strong>في</strong>كون النصح بفعل<br />
1<br />
األفضل. والنوع الثاين هو اختالف التضاد، وهو ما إذا كان أحد األمرين حقا واآلخر ابطال وهذا حيب <strong>في</strong>ه الإنكار .<br />
ُث قال النووي رمحه هللا يف حض املسلمني على هذا ]واعلم أن هذا الباب أعين ابب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر<br />
قد ضُيِّع أكثره من أزمان متطاولة ومل يبق منه يف هذه األزمان إال رسوم قليلة جدا، وهو ابب عظيم به قوام األمر<br />
ومالكه وإذا كثر اخلبث عم العقاب الصاحل والطاحل، وإذا مل َيخذوا على يد الظامل أوشك أن يعمهم هللا تعاَل بعقابه<br />
}قَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِ هِ أَنْ تُصِ يبَهُمْ قِتْنَةٌ أَوْ يُصِ يبَهُمْ عَذَابٌ أَلِي ٌم{ ، 2 <strong>في</strong>نبغي لطالب اآلخرة والساعي يف<br />
- 1 )انظر شرح العقيدة الطحاوية ص<br />
- 2 سورة النور، اآلية:<br />
514 ط املكتب الإسالمي<br />
1414<br />
267<br />
63<br />
ه<br />
- أنواع الإختالف(
حتصيل رضا، هللا عز وجل أن يعتين هبذا الباب، فإن نفعه عظيم السيما وقد ذهب معظمه وخيُْل<br />
ي ُنْكِر عليه الرتفاع مرتبته فإن هللا تعاَل قال: }وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ{[ أه . 1<br />
نيته وال ي َهَابَنم من<br />
قلت: هذه نبذه خمتصرة عما قاله النووي رمحه هللا يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر وقد جعل هللا عز وجل األمر<br />
ابملعروف والنهي عن املنكر فرقاان بني الإميان والنفاق، فليتنبه هلذا، قال تعاَل: }الْمُنَاقِقُونَ وَ الْمُنَاقِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِ ْن<br />
بَعْضٍ يَأْمُرُ ونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمَعْرُ وفِ {، وقال تعاَل: }وَ الْمُؤْ مِنُونَ وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ<br />
2<br />
يَأْمُرُ ونَ بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنكَرِ } ، قال القرطيب<br />
-<br />
والنهي عن املنكر فرقا بني املؤمنني واملنافقني، فدل على أن أَخَ<br />
ورأسها الدعاء إَل الإسالم والقتال عليه[<br />
وذكر هاتني اآليتني<br />
-<br />
.<br />
3<br />
أ =<br />
و<strong>في</strong>ما يتعلق ابالعتصام ابلكتاب والسنة فإن األمر والنهي يتخلان صورا، منها:<br />
]فجعل تعاَل األمر ابملعروف<br />
م أوصاف املؤمن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر،<br />
اجلهاد يف سبيل هللا: بقتال الكفار واملرتدين احملاربني هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم، املهددين هلذا الدين وأهله،<br />
فهذا من أعظم أسباب حفظ الدين، قال تعاَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَ ْت<br />
األَرْ ُض{ ، 4 وقال<br />
تعاَل: }الَّذِينَ أُخْرِ جُوا مِنْ دِيَارِ هِمْ بِغَيْرِ حَق ٍ إِال أَنْ يَقُولُوا رَ بُّنَا َّللاَّ ُ وَ لَوْ الَ دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِمَ ْت<br />
صَوَ امُِْ وَ بِيٌَْ وَ صَلَوَ اتٌ وَ مَسَاجِ دُ يُذْكَرُ قِيهَا اسْمُ َّللاَّ ِ<br />
كما ذكر القرطيب آنفا، وكما قال ابن تيمية . 6<br />
ب =<br />
ً كَثِيرا{ ، 5 واجلهاد هو رأس األمر ابملعروف والنهي عن املنكر<br />
اجلرح والتعديل: وهو العلم الذي اخت هللا تعاَل به املسلمني، وهداهم إليه ليحفظوا به سنة نبيهم صلى هللا<br />
عليه وسلم وابلتايل الشريعة ككل، وقد افتتح معظم<br />
أئمة اجلرح والتعديل كتبهم بقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
7<br />
»حيمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وأتويل اجلاهلني« ، واحلديث وإن<br />
كان بصيغة اخلرب إال أنه ي<strong>في</strong>د األمر بذلك، ووجدت ابن أيب حامت الرازي قد رواه يف كتابه )اجلرح والتعديل( بصيغة<br />
األمر هكذا »ليحمل هذا العلم..«<br />
9<br />
احلديث . والذي أحب أن أنبه عليه هنا، هو أن هذا العلم ال يصح أن ي ُغْلق اببه<br />
وإن كان قد أمهل زمنا إذ احلاجة إليه ال تنقطع لوجود الغالني واملبطلني واجلاهلني يف كل جيل ولذلك ن<br />
احلديث<br />
268<br />
.24<br />
- 1 )صحيح مسلم بشرح النووي( 22 / 2<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
71<br />
- 3 )تفسري القرطيب )47 / 4<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 5 سورة احلج، اآلية:<br />
251<br />
41<br />
- 6 ( جمموع الفتاوى )126 / 29<br />
- 7 وقد صصحه أمحد بن حنبل<br />
- 9 )اجلرح والتعديل ط حيدر آابد الدكن 1371 ه ج<br />
2 ص )17
على وجوب القيام على هؤالء يف كل جيل بقوله صلى هللا عليه وسلم : »من كل خلف«. وحنن يف هذا الزمان أحوج<br />
ما نكون إَل أداء هذا الواجب لتفشي الشبهات والضالالت.<br />
ج =<br />
القيام على أهل البدع: قال الشاطيب رمحه هللا يف االعتصام: ]احلكم يف القيام على أهل البدع من اخلاصة أو<br />
العامة، وهذا ابب كبري يف<br />
-<br />
-<br />
الفقه، تعلق هبم من جهة جنايتهم على الدين وفسادهم يف األرض وخروجهم عن جادة<br />
الإسالم إَل أن قال فنقول: إن القيام عليهم ابلتثريب أو التنكيل أو الطرد أو الإبعاد أو الإنكار هو حبسب حال<br />
البدعة يف نفسها من كوهنا عظيمة املفسدة يف الدين، أم ال وكون صاحبها مشتهراً هبا أو ال، وداعيا إليها أو ال،<br />
ومستظهراً ابألتباع وخارجا عن الناس أو ال، وكونه عامال هبا على جهة اجلهل أو ال.<br />
وكل من هذه األقسام له حكم اجتهادي خيصه، إذ مل َيت يف الشرع يف البدعة حَدٌّ ال يُزاد عليه وال يُنق<br />
منه، كما<br />
جاء يف كثري من املعاصي، كالسرقة واحلِرابة والقتل والقذف واجلِراح واخلمر وغري ذلك. ال جرم أن اجملتهدين من األمة<br />
نظروا <strong>في</strong>ها حبسب النوازل، وحكموا ابجتهاد الرأي، تفريعا على ما تقدم هلم يف بعضها من الن ، كما جاء يف اخلوارج<br />
من األثر بقتلهم، وما جاء عن عمر بن اخلطاب يف صبيغ العراقي.<br />
فخرج من جمموع ما تكلم <strong>في</strong>ه العلماء أنواع )أحدها( الإرشاد والتعليم وإقامة احلجة كمسألة ابن عباس رضى هللا عنهما<br />
حني ذهب إَل اخلوارج فكلمهم حىت رجع منهم ألفان أو ثالثة آالف. )والثاين( اهلجران وترك الكالم والسالم حسبما<br />
تقدم عن مجلة من السلف يف هجراهنم ملن تلبس ببدعة، وما جاء عن عمر<br />
<br />
من قصة صبيغ العراقي. و)الثالث(كما<br />
غَرمب عمر صبيغا وجيري جمراه السجن وهو. )الرابع( كما سجنوا احلالج قبل قتله سنني عديدة. )واخلامس( ذكرهم مبا<br />
هم عليه وإشاعة بدعتهم كي حيذروا، ولئال يغرت بكالمهم، كما جاء عن كثري من السلف يف ذلك.<br />
و)اخلامس( القتال إذا انصبوا املسلمني وخرجوا عليهم كما قاتل علي<br />
<br />
اخلوارج وغريه من خلفاء السنة. )والسابع(<br />
القتل إن مل يرجعوا مع االستتابة وهو قد أظهر بدعته وأما من أَسَرمها وكانت كفرا أو ما يرجع إليه فالقتل بال استتابة<br />
وهو )الثامن( ألنه من ابب النفاق كالزاندقة. )والتاسع( تكفري من دل الدليل على كفره، كما إذا كانت البدعة صرحية<br />
يف الكفر كالإابحية والقائلني ابحللول كالباطنية. ( الوجه العاشر( وذلك أنه ال يرثهم ورثتهم من املسلمني وال يرثون<br />
أحدا منهم، وال يغسلون إذا ماتوا، وال يُصَلمى عليهم وال يُدْفَنون يف مقابر املسلمني، ما مل يكن املسترت، فإن املسترت<br />
حيُ كم له حبكم الظاهر، وورثته أعرف ابلنسبة إَل املرياث. )واحلادي عشر( األمر أبن ال يناكحوا، وهو من انحية<br />
اهلجران، وعدم املواصلة. ( والثاين عشر( جترحيهم على اجلملة، فال تُقبل شهادهتم وال روايتهم، وال يكونون والة وال<br />
قضاة، وال ينصبون يف منصب العدالة من إمامة أو خطابة. )والثالث عشر( ترك عيادة مرضاهم، وهو من ابب الزجر<br />
والعقوبة. )والرابع عشر( ترك شهود جنائزهم كذلك. )واخلامس عشر( الضرب كما ضرب عمر رضي هللا عنه صبيغا.<br />
وروي عن مالك<br />
<br />
عنه يف القائل ابملَخْلوق: أنه يوجع ضراب ويسجن حىت املوت. ورأيت يف بعض تواريخ بغداد عن<br />
269
الشافعي أنه قال: حُكْمي يف أصحاب الكالم أن يضربوا ابجلرائد، وحيملوا على الإبل، ويطاف هبم يف العشائر<br />
والقبائل ويقال: هذا جزاء عن ترك الكتاب والسنة، وأخذ يف الكالم، يعين أهل البدع. انتهى ابختصار يسري[ . 1<br />
قلت: وما ذكره الشاطيب من قتل الزانقة بال استتابة <strong>في</strong>ه خالف يُراجع بكتب الفقه، أبواب الردة. كذلك ما ذكره من<br />
أحكام يف حق املبتدعة<br />
ختتلف حسب حال املبتدع وحال املُنْكِر عليه،<br />
فبالنسبة للمبتدع<br />
يُنظر هل هو مظهر<br />
لبدعته أم مسترت هبا؟ وهل هو داعية أم ومُقَلِّد؟ وهل هو ممتنع بشوكة أم مقدور عليه؟ وابلنسبة للمُنْكِر عليه يراعى<br />
أمران القدرة على الإنكار واحتمال أخف املفسدتني فال يدفع املفسدة أبشد منها. وقد فَصمل ابن تيمية رمحه هللا هذه<br />
املسألة فراجعها يف )جمموع الفتاوى<br />
213 / 29<br />
219(. قلت: ويف غياب دولة الإسالم ال أقل من نصح أهل البدع فإن<br />
مل يرجعوا فهجراهنم وبدعهم، مع جترحيهم وحتذير الناس منهم قال تعاَل: }ال تَجِ دُ قَوْ م ًا يُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ اآلخِ ِر<br />
2<br />
يُوَ ادُّونَ مَنْ حَادَّ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ لَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ{ اآلية .<br />
وقد وردت طائفة طيبة من أقوال السلف يف ذم املبتدعة ووجوب هجراهنم والتحذير منهم . 3<br />
قلت: وال خيفى أن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أوسع مما ذكرت، وقد اقتصرت هنا على ما يتعلق مبوضوعنا<br />
)االعتصام ابلكتاب والسنة(، فالفساد الذي يهدد الدين إما أن َيِت من خارج األمة وهذا يدفع ابجلهاد، وإما أن أبِت<br />
من داخلها من املنتسبني إَل هذا الدين، وهذا يدفع ابجلرح والتعديل ويدفع ابلقيام على أهل البدع على تفصيل وكل<br />
هذا واجب. قال هللا تعاَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ األَرْ ضُ وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ ذُو قَضْلٍ عَلَى<br />
الْعَالَمِينَ{ . 4<br />
)خالصة ) ما سبق، هو أن أصول االعتصام ابلكتا والسنة )وهو منهج أهل السنة واجلماعة( مثانية، وهي مرتتبة<br />
بعضها على بعض، وهي من استنباطي وهللا أعلم ابلصواب وهي:<br />
األول: عموم الرسالة، وبقاء الشريعة إىل يوم القيامة، قال تعاَل:<br />
يفِ اآلخِ رَةِ مِنْ اخلَْاسِ رِينَ{ . 5<br />
الثاين:<br />
َ<br />
{<br />
6<br />
اكتمال الشريعة واستغناؤها عما عداها، قال تعاَل: }الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{ .<br />
وَمَنْ ي َبْتَغِ غَريَْ الإِسْالمِ دِينًا فَلَنْ ي ُقْبَل مِنْهُ وَهَُو<br />
54<br />
- 1 )االعتصام للشاطيب ج 1 ص<br />
- 2 سورة اجملادلة، اآلية:<br />
)177<br />
174<br />
22<br />
3<br />
- تراجع ىف كتاب )شرح اعتقاد أهل السنة للاللكائي، ط دار طيبة ج 1 ص<br />
76( ويف كتاب )تلبيس ابليس، البن اجلوزي، ط مكتبة املدين، ص<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
128<br />
15<br />
22( و )االعتصام للشاطيب<br />
141( ويف كتاب )الشريعة، لآلجري، ط أنصار السنة ص<br />
.)131 / 1<br />
251<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 6 سورة املائدة، اآلية:<br />
95<br />
3<br />
271
الثالث:<br />
ال حيل ملسلم أن يدُقْدِم على أمر قبل معرفة حكم الشريعة <strong>في</strong>ه، قال تعاَل: }ال تُقَدِمُوا بَيْنَ يَدَيْ<br />
َّللاَّ ِ<br />
1<br />
وَ رَ سُولِهِ{ ، فال جيوز تقدمي العقل، على النقل )أي النصوص الشرعية(، وال جيوز تقدمي دليل شرعي على آخر أقوي<br />
منه، وال يلتفت إَل ما ليس بدليل شرعي مما أشرت إليه من قبل.<br />
الرابع: أنه إذا عَلِمَ حكم الشريعة فليس له إال اإلنقياد التام الكامل، قال تعاَل: }وَ مَا كَانَ لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا<br />
قَضَى َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ ً أَمْرا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ{ ، 2 مع قوله تعاَل: }ثُمَّ ال يَجِ دُوا قِي أَنفُسِهِمْ حَرَ ج ًا مِمَّا<br />
قَضَيْتَ وَ يُسَلِمُوا تَسْلِيم ًا{ . 3<br />
وجو اخلامس:<br />
رد املتنازع<br />
<strong>في</strong>ه إىل الكتا والسنة، قال تعاَل: }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ<br />
وَ الرَّ سُولِ{ ، 4 وأن الشريعة حاكمة على أقوال الناس وأفعاهلم ابلصحة أو ابلبطالن.<br />
السادس: رد وإبطال كل ما خالف الشريعة من قول أو فعل أو حكم، لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من<br />
عمل عمال ليس عليه أمران فهو رد« . 5<br />
السابع: سد ذرائع اإلحداث يف الدين، لقوله صلى هللا عليه وسلم : »وإايكم وحمدَثت األمور«.<br />
الثامن: األمر ابملعروف والنهي عن املنكر، خاصة ما يتعلق ابالعتصام ابلكتاب والسنة. وهو اجلرح والتعديل، والقيام<br />
على أهل البدع، واجلهاد يف سبيل هللا تعاَل.<br />
ويتفرع من هله األصول الَمانية مسائل مرتتبة عليها، منها ما يتعلق ابلعقائد أو ابألحكام أو هبما. فمما يتعلق<br />
ابلعقائد: وجوب اتباع عقيدة أهل السنة واجلماعة وجتدها يف كتب مثل، )السنة( البن أيب عاصم، و)شرح اعتقاد أهل<br />
السنة( للاللكائي، و)شرح العقيدة الطحاوية( و ( العقيدة الواسطية ) البن تيمية وشروحها، و)معارج القبول( حلافظ<br />
حكمي(، و) فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد( لعبد الرمحن بن حسن. وتوجد مؤلفات لبعض الكتاب املعاصرين<br />
يذكرون مذاهب األشاعرة وغريهم ويسموهنا مذهب أهل السنة، فال يفوتين هنا أن أحذر املسلمني من هذا وعليهم<br />
مبطالعة العقيدة من كتب السلف )كاليت أشرت إليها( قبل مطالعة كتب املعاصرين حىت يعرفوا وجه احلق، والدين<br />
النصيحة.<br />
ومما يتعلق ابألحكام: مسألة جواز التقليد وعدم وجوبه، ومسألة االجتهاد، وستأتيان.<br />
ومما يتعلق هبما: وجوب األخذ حبديث اآلحاد يف العقائد واألحكام، وستأِت.<br />
- 1 سورة احلجرات، اآلية:<br />
- 2 سورة األحزاب، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
270<br />
1<br />
36<br />
65<br />
58<br />
- 5 رواه مسلم عن عائشة
)مسألة( حديث اآلحاد حجة <strong>في</strong> العقائد واألحكام.<br />
هذا أحد املعامل اهلامة يف منهج أهل السنة واجلماعة، وركن من أركان االعتصام ابلكتاب والسنة.<br />
يقول شارح العقيدة الطحاوية: ]وخرب الواحد إذا تلقته األمة ابلقبول، عمال به وتصديقا له: ي<strong>في</strong>د العلم )اليقيين( عند<br />
مجاهري األمة، وهو أحد قسمي املتواتر. ومل يكن بني سلف األمة يف ذلك نزاع، كخرب عمر بن اخلطاب<br />
»إَّنا <br />
األعمال ابلنيات«، وخرب ابن عمر رضي هللا عنهما: »هنى عن بيع الوالء وهبته«، وخرب أيب هريرة: »ال تنكح املرأة<br />
على عمتها وال على خالتها«، وكقوله: »حيرم من الرضاع ما حيرم من النسب«، وأمثال ذلك. وهو نظري خرب الذي<br />
أتى مسجد قباء وأخرب أن القبلة حتولت إَل الكعبة، فاستداروا إليها.<br />
وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرسل رسله آحادا، ويرسل كتبه مع اآلحاد، ومل يكن املرسل إليهم يقولون ال<br />
نقبله ألنه خرب واحد!<br />
1<br />
وقد قال تعاَل: }هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِ ِه{ . فال<br />
2<br />
بد أن حيفظ هللا حججه وبيناته على خلقه، لئال تبطل حججه وبيناته[ . ويقول الشيخ األلباين: ]حديث اآلحاد<br />
حجة يف العقائد واألحكام: إن القائلني أبن حديث اآلحاد ال تثبت به عقيدة، يقولون يف الوقت نفسه أبن األحكام<br />
الشرعية تثبت حبديث اآلحاد وهم هبذا قد فرقوا بني العقائد واألحكام، فهل جتد هذا التفريق يف النصوص املتقدمة من<br />
الكتاب والسنة؟ كال وألف كال، بل هي بعمومها وإطالقاهتا تشمل العقائد أيضا، وتوجب اتباعه صلى هللا عليه وسلم<br />
<strong>في</strong>ها، ألهنا بال شك مما يشمله قوله: }أمرا{ يف آية: }وَ مَا كَانَ لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا قَضَى َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ أَمْر ً ا أَنْ<br />
3<br />
يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ{ ، وهكذا أَمْرُه تعاَل إبطاعة نبيه صلى هللا عليه وسلم والنهي عن عصيانه، والتحذير<br />
من خمالفته وثناؤه على املؤمنني الذين يقولون عندما يُدْعَون للتحاكم إَل هللا ورسوله: مسعنا وأطعنا، كل ذلك يدل<br />
4<br />
على وجوب طاعته واتباعه صلى هللا عليه وسلم يف العقائد واألحكام، وقوله تعاَل: }وَ مَا آتَاكُمْ الرَّ سُولُ قَخُذُوهُ{<br />
فإن }ما{ من ألفاظ العموم والشمول كما هو معلوم. وأنت لو سألت هؤالء القائلني بوجوب األخذ حبديث اآلحاد<br />
يف األحكام عن الدليل عليه، الحتجوا هبذه اآلايت السابقة وغريها مما مل نذكره اختصارا، وقد استوعبها الإمام<br />
الشافعي رمحه هللا تعاَل يف كتابه )الرسالة( فلرياجعها من شاء، فما الذي محلهم على استثناء العقيدة من وجوب<br />
األخذ هبا وهي داخلة يف عموم اآلايت؟ إن ختصيصها ابألحكام دون العقائد ختصي<br />
وما لزم منه ابطل فهو ابطل[ . 5<br />
بدون خمص ، وذلك ابطل،<br />
411<br />
388<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
33<br />
- 2 ط املكتب الإسالمي 1413ه ص<br />
- 3 سورة األحزاب، اآلية:<br />
- 4 سورة احلشر، اآلية:<br />
36<br />
7<br />
52 51 ص- 5<br />
272
وقال الشيخ األلباين: ]واحلق أن التفريق بني العقيدة واألحكام يف وجوب األخذ <strong>في</strong>ها حبديث اآلحاد فلسفة دخيلة يف<br />
الإسالم، ال يعرفها السلف الصاحل وال األئمة األربعة الذين يقلدهم مجاهري املسلمني يف العصر احلاضر[ . 1<br />
وملزيد من التفصيل يراجع كتاب )أخبار اآلحاد( من صحيح البخاري )فتح الباري<br />
وحجيته من )الرسالة(<br />
للشافعي، حتقيق أمحد شاكر ص<br />
231 / 13<br />
471<br />
368<br />
ابلقبول، معظم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم اليت مل يتكلم <strong>في</strong>ها أحد من أهل العلم.<br />
244( وابب خرب الواحد<br />
ومما بدخل يف خرب الواحد الذي تلقته األمة<br />
)مسألة( التقليد المذهبي جائز وليس بواجب على كل أحد.<br />
أ = التقليد: هو العمل بقول الغري من غري حجة.<br />
ب =<br />
وكونه حائزا ف<strong>في</strong> حق العامي الذي ال ميكنه فهم الدليل، قال الشيخ األلباين: ]قال ابن عبد الرب عقب ما سبق<br />
عنه ملخصا: ]وهذا كله لغري العامة، فإن العامة البد هلا من تقليد علمائها عند النازلة تنزل هبا، ألهنا ال تتبني موقع<br />
احلجة، والتصل لعدم الفهم إَل علم ذلك، ألن<br />
العلم درجات ال سبيل منها إَل أعالها إال بنيل أسفلها، وهذا هو<br />
احلائل بني العامة وبني طلب احلجة، وهللا أعلم. ومل ختتلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأهنم املرادون بقول<br />
هللا عز وجل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنتُمْ ال تَعْلَمُو َن{ وأمجعوا على أن األعمى ال بد له من تقليد غريه ممن يتق<br />
مبعرفته ابلقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من ال علم له، وال بصر مبعىن ما بدين به، البد له من تقليد عامله، وكذلك<br />
مل خيتلف العلماء أنه ال جيوز للعامة الفتيا، وذلك وهللا أعلم جلهلها ابملعاين اليت منها جيوز التحليل والتحرمي والقول<br />
يف العلم[.<br />
على أنين أرى أن إطالق الكالم يف العامي، وأنه البد له من التقليد ال خيلو من شيء ألنك، إذا تذكرت أن التقليد<br />
هو العمل بقول الغري من غري حجة، فمن السهل يف كثري من األحيان على بعض أذكياء العامة أن يعرف احلجة<br />
لوضوحها يف الن الذي بلغه، فمن الذي يزعم أن مثل قوله<br />
والكفني«<br />
صلى هللا عليه وسلم: »التيمم ضربة واحدة للوجه<br />
ال تبني احلجة <strong>في</strong>ه هلم، بل وملن دوهنم يف الذكاء؟ ولذلك فاحلق أن يقاال: إن من عجز عن معرفة الدليل<br />
فهو الذي جيب عليه التقليد. وال يكلف هللا نفسا إال وسعها[ أ ه . 2<br />
ج = فإذا جاز التقليد للعامي، فإنه ال جيب عليه أن يقلد مذهبا بعينه يف كل أمر فإن احلق ليس حمصورا يف مذهب<br />
واحد، قال تعاَل: }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ اآلخِ ِر{ ، 3 فعلم<br />
من هذه اآلية أنه ال عصمة يف قول أحد بعد هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم، بل كل أحد بعد النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم يؤخذ من قوله ويرد. وقال ابن القيم رمحه هللا: ]وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض املذاهب املعروفة أم ال؟ <strong>في</strong>ه<br />
273<br />
54 ص- 1<br />
نقال عن كتاب )احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام( للشيخ األلباين، وقد أورد األدلة على ما قاله وفند شبهات املخالفني،<br />
والكتاب ن<strong>في</strong>س أنصح كل مسلم بقراءته.<br />
- 2 نقال عن كتاب )احلديث حجة بنفسه لأللباين ص<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
)96 ،95<br />
58
مذهبان، أحدمها: ال يلزمه، وهو الصواب املقطوع به، إذا ال واجب إال ما أوجبه هللا ورسوله، ومل يوجب هللا وال رسوله<br />
على أحد من الناس أن يتمذهب مبذهب رجل من األمة <strong>في</strong>قلده دينه دون غريه، وقد انطوت القرون الفاضلة مربأة مُربَمأ<br />
أهلها من هذه النسبة، بل ال يصح للعامي مذهب ولو متذهب به، فالعامي ال مذهب له، ألن املذهب إَّنا يكون ملن<br />
له نوع نظر واستدالل، ويكون بصريا ابملذاهب إَل أن قال وال يلزم أحدا قط أن يتمذهب مبذهب رجل من األمة<br />
حبيث َيخذ أقواله كلها ويدع أقوال غريه. وهذه بدعة قبيحة حدثت يف األمة، مل يقل هبا أحد من أئمة الإسالم، وهم<br />
1<br />
أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم ابهلل ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك[أه .<br />
وقال ابن القيم أيضا: ]وعلى هذا فله أ ي العامي أن يست<strong>في</strong>ت من شاء من أتباع األئمة األربعة وغريهم، وال جيب<br />
عليه وال على امل<strong>في</strong>ت أن يتقيد أبحد من األئمة األربعة إبمجاع األمة. كما ال جيب على العامل أن يتقيد حبديث أهل بلده<br />
2<br />
أو غريه من البالد، بل إذا صح احلديث وجب عليه العمل به[ .<br />
د = وقال شيخ الإسالم ابن تيمية: ]ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن اتب وإال قتل، وإن قال: ينبغي، كان<br />
3<br />
جاهال ضاال[ .<br />
قلت: وتوجيه هذا القول أنه ال يتبع يف كل أمر إال هللا تعاَل ورسوله صلى هللا عليه وسلم فمن أسبغ هذه املنزلة ألحد<br />
من الناس مهما بلغ قدره فقد ساواه ابهلل أو برسوله صلى هللا عليه وسلم، وهذا كفر. قال تعاَل: }ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُ وا<br />
4<br />
بِرَ ب ِهِمْ يَعْدِلُونَ{ .<br />
كذلك من أوجب متابعة إمام بعينه يف كل أمر فقد كفر لِرَدِّه قول هللا تعاَل: }قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْءٍ قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ<br />
وَ الرَّ سُولِ{<br />
5<br />
. ومل تذكر اآلية أحدا بعد هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
ويقول الشيخ األلباين يف كلمته إَل الشباب ]أن تنتبهوا ألمر خَفِيَ على كثري من الشباب املؤمن املثقف فضال عن<br />
غريهم، وهو أهنم يف الوقت الذي علموا <strong>في</strong>ه بفضل جهود وكتاابت بعض الكتاب الإسالميني، مثل سيد قطب رمحه<br />
هللا تعاَل والعالمة املودودي حفظه هللا وغريمها، أن حق التشريع إَّنا هو هلل تعاَل وحده ال يشاركه <strong>في</strong>ه أحد من البشر<br />
أو اهليآت، وهو ما عربوا عنه ب )احلاكمية هلل تعاَل( وذلك صريح تلك النصوص املتقدمة يف أول هذه الكلمة من<br />
الكتاب والسنة. أقول: يف الوقت هذا نفسه فإن كثريا عن هؤالء الشباب مل ينتبه بعد أن املشاركة املنا<strong>في</strong>ة ملبدأ احلاكمية<br />
274<br />
.333<br />
- 1 )إعالم املوقعني( .262 / 4<br />
- 2 )إعالم املوقعني( 263 / 4<br />
- 3 ( االختيارات الفقهية( ص<br />
- 4 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
1<br />
58
هلل تعاَل، ال فرق <strong>في</strong>ها بني كون البشر املتبع من دون هللا مسلما أخطأ يف حكم من أحكام هللا، أو كافرا نصب نفسه<br />
مشرعا مع هللا، وبني كونه عاملا أو جاهال، كل ذلك ينايف املبدأ املذكور الذي آمن به الشباب واحلمد هلل تعاَل[ . 1<br />
وراجع أيضا ابب )من أطاع العلماء واألمراء يف حترمي ما أحل هللا أو حتليل ما حرم هللا، فقد اختذهم أراباب من دون هللا(<br />
من كتاب ( فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد( ط أنصار السنة ص<br />
.393<br />
، 3<br />
ه = فاملقلد مىت ظهر له أن احلق يف خالف مذهبه وجب عليه الرجوع إليه، قال تعاَل: }إِنَّمَا كَانَ قَوْ لَ الْمُؤْ مِنِينَ<br />
إِذَا دُعُوا إِلَى َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ أََِعْنَا وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ<br />
الْمُفْلِحُو َن{ ، 2 وقال تعاَل: }وَ مَا كَانَ<br />
لِمُؤْ مِنٍ وَ ال مُؤْ مِنَةٍ إِذَا قَضَى َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ ً أَمْرا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِ يَرَ ةُ مِنْ أَمْرِ هِمْ وَ مَنْ يَعْصِ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ قَقَدْ ضَ َّل<br />
ضَالال مُبِينًا{ فإن هللا تعاَل أوجب متابعته سبحانه ومتابعة رسوله صلى هللا عليه وسلم يف كل أمر وهذه منزلة<br />
ليست ألحد بعد النيب صلى هللا عليه وسلم فإن كان قول العامل خمالفا للحق الثابت ابلدليل رددانه ومل ن َعْمل به، وهنََيْنَا<br />
غريان عن العمل به، لقول النيب : »من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد« . 4 وقال الشافعي رمحه هللا: ]أمجع<br />
املسلمون على أن من استبان له سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
أئمة املذاهب األربعة املشهورة وغريها.<br />
وروي ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم بسنده عن ابن مسعود<br />
<br />
مل حيل له أن يدعها لقول أحد« ، 5 وهذا هو قول<br />
قال: )أال ال يقلدن أحدكم دينه رجال إن آمن<br />
آمن وإن كفر كفر، فإنه ال أسوة يف الشر( وقد ذكر العالمة الشنقيطي فصوال انفعة يف التقليد وما جيوز منه وما يذم<br />
6<br />
يف تفسري قوله تعاَل: }أَقَال يَتَدَبَّرُ ونَ الْقُرْ آنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ ، من سورة حممد صلى هللا عليه وسلم بتفسريه<br />
أضواء البيان )ج وما بعدها(.<br />
واملقصد هنا التحذير من التعصب ملذهب أو لرجل حي أو ميت فال ينبغي للمسلم أن يستمسك أبدا إال ابلكتاب<br />
والسنة أي ابلدليل الشرعي، أما التعصب للمذاهب وللرجال حبق وبباطل فهو من خصال اجلاهلية املذمومة، كما قال<br />
7<br />
.<br />
7 ص 429<br />
تعاَل: }وَ إِذَا قِي َل لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ قَالُوا بَلْ نَتَّبُِْ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا{<br />
وللشيخ حممد احلامد رسالة بعنوان )لزوم اتباع مذاهب األئمة حسما للفوضى الدينية( أوجب <strong>في</strong>ها تقليد جمتهد<br />
1<br />
9<br />
ِبصوصه . واستدل بقوله تعاَل: }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُو َن{ ، واآلية ليس <strong>في</strong>ها وجوب تقليد عامل<br />
275<br />
.86<br />
59<br />
36<br />
51<br />
24<br />
171<br />
9<br />
- 1 من كتابه )احلديث حجة بنفسه( ص<br />
- 2 سورة النور، اآلية:<br />
- 3 سورة األحزاب، اآلية:<br />
- 4 متفق عليه عن عائشة<br />
- 5 )إيقاظ مهم أويل األبصار( للفالين ص<br />
- 6 سورة حممد، اآلية:<br />
- 7 سورة البقرة، اآلية:<br />
: 42 ص-
بعينه أو مذهب بعينه كما أسلفنا، ومل يستدل على إجيابه للتقليد بغري هذه اآلية يف كل رسالته، فال دليل له. كما قال<br />
ابن القيم: إنه ال يوجد ن كتاب أو سنة يوجب تقليد مذهب بعينه. والرسالة املذكورة . 2 وهبذا تعلم أنه ال يوجد<br />
دليل يوجب تقليد مذهب بعينه.<br />
)مسألة( ونرى أن االجتهاد ماض ال ينقطع ولن تخلو األرض من قائم هلل<br />
بحجة<br />
لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال تزال طائفة من أميت قائمة أبمر هللا ال يضرهم من خذهلم أو خالفهم حىت<br />
3<br />
َيِت أمر هللا وهم ظاهرون على الناس« ، وروى مسلم عن ثوابن مرفوعا: »»ال تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق<br />
ال يضرهم من خذهلم حىت َيِت أمر هللا وهم كذلك«.<br />
والطائفة تطلق على الواحد فما فوقه، فاحلديث ن<br />
يف أن األرض ال ختلو من قائل ابحلق، قائم ابحلجة، وهذه رمحة<br />
من هللا تعاَل ِبلقه، وحجة على املعاندين الزائغني. وقال ابن القيم رمحه هللا: ]أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال<br />
تزال طائفة من أميت ظاهرين على احلق«، وقال على بن أيب طالب كرم هللا وجهه ورضي هللا عنه: )لن ختلو األرض من<br />
4<br />
قائم هلل حبجة لكي ال تبطل حجج هللا وب َيِّنَاته([ .<br />
ومن املعلوم أن النصوص متناهية، وأن األحداث تتجدد، منها ما حبثه السلف يف الوقائع املُفْرتَ ضة ومنها ما مل يبحثوه،<br />
فالبد من وجود اجملتهد الذي يستنبط أحكام هذه األحداث املتجددة، وإال ختبط الناس يف اجلهل وانقطعت حجة هللا<br />
على خلقه.<br />
وقال صاحب كتاب فتح اجمليد يف شرح حديث الطائفة املنصورة ]واحتج به الإمام أمحد على أن الإجتهاد ال ينقطع<br />
5<br />
مادامت هذه الطائفة موجودة[ ، قلت: وهذا هو قول أكثر احلنابلة وآخرين خالفا للجمهور الذين جَومزوا خلو الزمان<br />
عن جمتهد، وحجة اجلمهور حديث عبد هللا بن عمرو يف قبض العلم، مرفوعا »إن هللا ال ينزع العلم بعد أن أعطاكموه<br />
انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، <strong>في</strong>بقى انس جهال يُسْتَفْتَون <strong>في</strong>ُفْتون برأيهم <strong>في</strong>َضِلُّون ويُضِلُّون« . 6<br />
قلت: وحجة احلنابلة أقوى فهي مُثْبِتة واجلمع بني احلديثني <strong>في</strong>ما أرى وهللا أعلم ابلصواب أن العلماء الصاحلني يَقِلون<br />
يف كل جيل وكل طبقة عن ذي قبل، ويكثر اجلهال املنتحلون للعلم، ومع ذلك فالبد من وجود العلماء األثبات يف<br />
كل جيل وإن كان بقِلمة عما قبله. وهذا اجلمع بني احلديثني يؤيده حديث أنس مرفوعا »من أشراط الساعة أن يقل<br />
- 1 سورة النحل، اآلية:<br />
276<br />
43<br />
وسورة األنبياء، اآلية:<br />
- 2 طبع مكتبة املنار ابألردن الطبعة الثانية<br />
- 3 متفق عليه عن معاوية<br />
7<br />
- 4 إعالم املوقعني ج 4 ص 151<br />
- 5 ط أنصار السنة ص<br />
277<br />
- 6 رواه البخاري )انظر فتح الباري ج 13 ص 296
«<br />
العلم ويظهر اجلهل« ، 1 وروى عنه أيضا مرفوعا »الَ َيَِْتِ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِالم المذِي ب َعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَىتم تَلْقَوْا رَبمكُ ْم«، وقد<br />
ورد يف شرح هذا احلديث ما يبني املراد ابلشر، فقال ابن حجر: ]وقد استُشْكِل هذا الإطالق مع بعض األزمنة تكون<br />
يف الشر دون اليت قبلها ولو مل يكن يف ذلك إال زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد زمن احلجاج بيسري إَل أن قال ُث<br />
وَجَدت عن عبد هللا بن مسعود التصريح ابملراد وهو أوَل ابلإتباع إَل أن قال ومن طريق الشعيب عن مسروق عنه<br />
ِ إِينّ ال أَعْ مِنْ عَامٍ،<br />
قال ال َيَِْتِ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِال وَهُوَ أَرٌّ ممِما كَانَ قَبْلَهُ أَمَا ينِ أَمِريًا خَريًْا مِنْ أَمِريٍ وَال عَامًا أَخْصَبَ<br />
وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ ُثُم ال جتَِدُونَ مِنْهُمْ خَلَفًا وَجيَِيءُ قَوْمٌ ي ُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ« ويف لفظ عنه من هذا الوجه<br />
»وما ذاك بكثرة األمصار وقلتها ولكن بذهاب العلماء، ُث حيدث قوم يُفتون يف األمور برأيهم فَيَثْلمون الإسالم<br />
2<br />
ويهدمونه« .<br />
قلت: أَما قبض العلماء إبطالق فال يكون إال مع هبوب الريح الطيبة اليت تقبض أرواح املؤمنني من األرض، وذلك<br />
بعد نزول عيسى<br />
<br />
وموته، <strong>في</strong>بقى شِ رار اخللق عليهم تقوم الساعة، وهبوب الريح هو أمد هذه الطائفة املنصورة، وهكذا<br />
3<br />
كما رواه مسلم يف احملاورة اليت دارت بني عبد هللا بن عمرو وعقبة بن عامر رضي هللا عنهم .<br />
4<br />
وانظر كذلك اجلمع بني احلديثني يف كتاب )الروض الباسم( حملمد بن إبراهيم الوزير اليماين .<br />
وهناك فائدة أخرى يف اجلمع بني حديثي الطائفة املنصورة وقبض العلم÷، وهو وجوب قيام العلماء األثبات املشار<br />
إليهم يف حديث الطائفة املنصورة بكشف ضالالت املضلني املذكورين يف حديث قبض العلم الذين يُضِلُّون الناس<br />
أبهوائهم وآرائهم، وهكذا يستفاد أيضا من قول النيب صلى هللا عليه وسلم »حيمل هذا العلم من كل خَلَفٍ عدوله،<br />
ينفون عنه حتريف الغالني وانتحال املبطلني وأتويل اجلاهلني« وقد سبق الكالم <strong>في</strong>ه.<br />
وذهب الشيخ حممد احلامد يف رسالته املشار إليها آنفا إَل منع االجتهاد فقال: ]والذي علينا علمه والعمل به، وهو ما<br />
قرره فقهاؤان رمحهم هللا تعاَل من أن االجتهاد املطلق يف األحكام ممنوع بعد أن مَضَت أربعمائة سنة من هجرة سيدان<br />
وموالان حممد صلى هللا عليه وسلم ص 8[، وهو هنا ما يشري إليه ما ذكره ابن عابدين يف حاشيته 55/1، وال خيفى أن<br />
هذا القول خاصة حتديد هذا التاريخ ال يدل عليه كتاب أو سنة أو إمجاع، بل هو معرتض حبديث الطائفة املنصورة<br />
وحديث اجملدد. وقال الشيخ احلامد أيضا: ]وال يَدمعِي االجتهاد املطلق يف زماننا إال انق<br />
العقل، قليل العلم، رقيق<br />
الدين ص11، 12[، ُث قال بعد ذلك: ]على أنه ال مانع من االجتهاد للتعرف إَل أحكام جزئيه فرضية طارئة، ولكن ال<br />
69<br />
- 1 رواه البخاري<br />
- 2 )فتح الباري ج / 13 ص )21<br />
- 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />
- 4 ط دار املعرفة 1388ه ج<br />
13 ص 67<br />
1 ص 39<br />
277
يتقنه إال أفراد معدودون اآلن تتمخض عنهم<br />
البسطاء من الناس عاملا ص<br />
. 1 ]12<br />
بالد الإسالم وأقطاره، وليس هو لكل من يرى نفسه عاملا أو يزعمه<br />
قلت: وكما ترى فإن الشيخ احلامد مل يستطع أن ينكر مبدأ االجتهاد إبطالق، فهذا ال جيوز ال شرعا لوجود النصوص<br />
املثبتة لذلك كما سبق، وال عقال لتجدد احلوادث خاصة مع تطور املخرتعات احلديثة اليت تستلزم وجود جمتهد ي<strong>في</strong>ت<br />
الناس يف النوازل، أضف إَل ذلك حسم اخلالف الفقهي يف كثري من املسائل، وحنو ذلك.<br />
خاتمة<br />
أختم هذا املوضوع وهو )وجوب الإعتصام ابلكتاب والسنة( بقويل إن الغرض من إدراجي له يف هذه الرسالة، هو أال<br />
ينخدع املسلمون بكل من رفع راية اجلهاد وإن مساها إسالمية حىت ينظروا يف عقيدته ومنهجه ومطابقة ذلك ملنهج<br />
أهل السنة واجلماعة الذي ذكرت أصوله <strong>في</strong>ما سبق، فما خالف الدليل فهو رد. فإذا صح املنهج ينظر بعد ذلك يف<br />
عملِهِ هل يوافق قوله أم ال، وهي قاعدة )الإنقياد التام( وقد سبق ذكرها، فإن وافق العملُ القولَ فصاحبه حنسبه صادقا<br />
إن شاء هللا تعاَل، وإن خالفه فهو كاذب متالعب بدين هللا خيادع الناس بقوله احلسن ويكذب فعلُه قولَه، وهو من<br />
أهل مقت هللا وغضبه الذين يقولون ماال يفعلون، قال تعاَل: }يُخَادِعُونَ َّللاَّ َ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ مَا يَخْدَعُونَ إِال أَنفُسَهُ ْم<br />
2<br />
وَ مَا يَشْعُرُ ونَ{ ، وروى الاللكائي بسنده عن الإمام مالك بن أنس قال: ]مهما تالعبت به من شيء فال تالعَنبَم<br />
3<br />
أبمر دينك[ .<br />
وما ذكره يف هذه اخلامتة يقال أيضا يف املوضوع التايل )معامل أساسية يف اجلهاد( أعين صحة املنهج وموافقة العمل له.<br />
وأعود فأكرر وأقول إن اتباع منهج أهل السنة واجلماعة وهو االعتصام ابلكتاب والسنة هو وحده الذي حيفظ هذا<br />
الدين على أصوله املستقرة اليت كانت عليها مجاعة احلق األوَل والقرون املُفَضملة. وتتضح أمهية ذلك إذا علمنا أن كثريا<br />
من املبادئ الكافرة يتم متريرها لدى املسلمني يف هذا الزمان عن طريق االستدالل الفاسد ابلنصوص، والتأويل، والعمل<br />
ابألقوال املرجوحة من أجل تغليف الكفر أبغلفة إسالمية ليُمَرمر لدى العامة واجلهلة، من ذلك:<br />
أن الدميقراطية ال تتعارض مع الإسالم لقوله تعاَل: }وَ أَمْرُ هُمْ شُورَ ى بَيْنَهُ ْم{، وأن االشرتاكية من<br />
الإسالم لقوله<br />
تعاَل: }وَ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْ َو{، وأن القوانني الوضعية ال أبس هبا ألن احلكمة ضالة املؤمن أىن وجدها<br />
فهو أوَل هبا، وأن الراب جائز ألنه يدخل يف قوله صلى هللا عليه وسلم<br />
:<br />
»أَنْتُمْ أَعْلَمُ أبَِمْرِ دُنْيَاكُمْ«، وأنه ال جيوز التفريق<br />
بني الناس على أساس الدين وابلتايل ال تلزم اجلزية ألن »الناس سواسية كأسنان املشط« وهذا حبر ال ساحل، وصدق<br />
هللا إذ يقول: }يُضِ لُّ بِهِ كَثِير ً ا وَ يَهْدِي بِهِ كَثِير ً ا وَ مَا يُضِ لُّ بِهِ إِال الْفَاسِقِي َن{ . 4<br />
- 1 رسالة لزوم اتباع مذاهب األئمة ط 2 مكتبة املنار ابألردن<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
278<br />
8<br />
- 3 )شرح اعتقاد أهل السنة ط دار طيبة 145( / 1<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
26
والضابط يف االستدالل ابلنصوص هو فهم السلف الصاحل من الصحابة فمن بعدهم هلا، وقواعد اللغة العربية من حنو<br />
وصرف وبالغة، وقواعد أصول الفقه. حىت ال حيَُرمف الكلم عن مواضعه.<br />
279
سادسا )ملحق<br />
2(: معالم أساسية <strong>في</strong> الجهاد<br />
1<br />
إذا كان الإعتصام ابلكتاب والسنة حيفظ هذا الدين على أصوله املستقرة وحيميه من عبث املنتسبني إليه، فإن اجلهاد<br />
يدفع عن هذا الدين وأهله أبس احملاربني له واخلارجني عليه، وقد مجعتها آية احلديد، قال تعاَل: }لَقَدْ أَرْ سَلْنَا رُ سُلَنَا<br />
بِالْبَي ِنَاتِ وَ أَنْزَ لْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَ انَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسِِْ وَ أَنْزَ لْنَا الْحَدِيدَ قِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَاقُِْ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَ َم<br />
َّللاَّ ُ مَنْ يَنْصُرُ هُ وَ رُ سُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ َّللاَّ َ قَوِيٌّ عَزِ يزٌ } . قال ابن تيمية رمحه هللا: ]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان<br />
واحلديد، كتاب يهدي به وحديد ينصره[<br />
2<br />
. وكرر رمحه هللا هذا الكالم يف عدة مواضع أشرت إليها من قبل.<br />
وسأذكر هنا إن شاء هللا تعاَل مَعَالِماً تتناول دوافع اجلهاد وغايته وأمهيته يف قيام هذا الدين. وبعض هذه املعامل خاصة<br />
اخلمسة األول هي يف حقيقتها جزء من عقيدة املسلمني تتعلق بقضاء هللا تعاَل وقدره، وهي معامل البد أن يُلِم املسلم<br />
هبا ليدرك أساس صراعه مع الكافرين، والغاية من جهاده وقتاله. وميكننا أن نسمي هذه املعامل ابلعقيدة اجلهادية<br />
للمسلمني.<br />
فأي جيش ولو كان كافرا البد له من عقيدة قتالية<br />
على أساسها يقاتل اآلخرين، ومن هنا كان جهاز التوجيه<br />
املعنوي أحد األجهزة الرئيسية يف كل اجليوش وإن اختلف امسه. ومهمة هذا اجلهاز هي غرس هذه العقيدة يف نفوس<br />
اجلنود، حىت إن اجليوش امللحدة والعلمانية خترتع لنفسها اعتقادا دافعا من وساوس الشياطني }أَلَمْ تَرَ ى أَنَّا أَرْ سَلْنَا<br />
3<br />
الشَّيَاِِينَ عَلَى الْكَاقِرِ ينَ تَؤُزُّ هُمْ أَزًّ ا{ ، كاستعالء جنسيتهم على بقية األجناس، وكنشر مبادئهم وحضارهتم يف<br />
الناس، أو الدفاع عن األرض والقومية وحنو ذلك مما يدفعون به جنودهم إَل القتال.<br />
وهذه االعتقادات ألي جيش مؤمنا كان أو كافرا تصب يف هدف واحد، وهو أن يؤمن اجلندي املقاتل أنه على ا ق<br />
وأن عدوه على الباطل<br />
<strong>في</strong>جب أن يقاتله. انظر إَل ما قاله عمر بن اخلطاب<br />
<br />
للنيب صلى هللا عليه وسلم يوم<br />
4<br />
احلديبية، قال عمر: )ألسنا على احلق وعدوان على الباطل قال صلى هللا عليه وسلم : بلى( . وانظر كذلك إَل اعتقاد<br />
الكافرين أبهنم على احلق يف قوله تعاَل: }قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِ َرانِ يُرِ يدَانِ أَنْ يُخْرِ جَاكُمْ مِنْ أَرْ ضِ كُمْ بِسِحْرِ هِمَا<br />
5<br />
وَ يَذْهَبَا بَِِرِ يقَتِكُمْ الْمُثْلَى{ .<br />
أما عن اعتقادان يف اجلهاد كمسلمني فهو يتلخص <strong>في</strong>ما يلي: إن هللا جل شأنه خلق اخللق، وأمرهم مجيعا بعبادته<br />
أمرا شرعيا على ألسنة رسله، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وهكذا شاء سبحانه قدرا أن ينقسم خلقه إَل مؤمن<br />
281<br />
- 1 احلديد، اآلية: 25<br />
- 2 ( جمموع الفتاوي ) 36 /35<br />
- 3 سورة مرمي، اآلية:<br />
93<br />
- 4 رواه البخاري 2732 ،2731<br />
- 5 سورة طه، اآلية:<br />
63
وكافر، ُث سَلمط هللا سبحانه الفريقني بعضهم على بعض، قال تعاَل: }وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ قِتْنَة ً أَتَصْبِرُ ونَ وَ كَا َن<br />
رَ بُّكَ بَصِ ً يرا{ ، 1 فسَلمط سبحانه الكافرين على املؤمنني ابألم ر القدري يفتنوهنم ويقاتلوهنم، وسلط سبحانه املؤمنني<br />
على الكافرين ابألمر الشرعي يدعوهنم إَل اهلدى فمن أىب قوتل على هذا لتكون كلمة هللا هي العليا ويكون الدين كله<br />
هلل، وحىت ال يُعبد يف األرض إال هللا وحده ال شريك له، فصراع املؤمن ض د الكافر إَّنا هو لتحقيق )ال اله إال هللا(.<br />
كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إال هللا وأن حممدا رسول<br />
3<br />
2<br />
هللا« . وقال صلى هللا عليه وسلم: »بعثت بني يدي الساعة ابلسيف حىت يعبد هللا وحده ال شريك له« . فاجلهاد<br />
وسيلة لتحقيق التوحيد. وهكذا أراد املوَل سبحانه أن تكون هذه الدنيا دار ابتالء خيترب <strong>في</strong>ها خلق ه ليجازيهم أبعماهلم<br />
4<br />
يوم القيامة، قال تعاَل: }ذَلِكَ وَ لَوْ يَشَاءُ َّللاَّ ُ النتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْ ٍض{ ، وقال تعاَل: }وَ تُنْذِرَ يَوْ مَ<br />
الْجَمِْْ ال رَ يْبَ قِيهِ قَرِ يقٌ قِي الْجَنَّةِ وَ قَرِ يقٌ قِي السَّعِي ِر وَ لَوْ شَاءَ َّللاَّ ُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَ احِ دَةً وَ لَكِنْ يُدْخِ لُ مَنْ يَشَاءُ قِي<br />
رَ حْمَتِهِ وَ الظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَ لِي ٍ وَ ال نَصِ يرٍ } 5 ، وهؤالء وأولئك كلهم خلقه وعبيده طوعا وكرها، نواصيهم بيده،<br />
عدل <strong>في</strong>هم قضاؤه، وحنن بقضائه وقدره مؤمنون، وحبكمته موقنون، وألمره الش رعي مطيعون، سبحانه وتعاَل ال يُسأل<br />
عما يفعل وهم يُسألون.<br />
ونشرح ما سبق ب شيء من التفصيل يف عدة فق رات، كما يلي:<br />
6<br />
)فقرة 1(<br />
قال هللا تعاىل: }وَ مَا خَلَقْتُ الْجِ نَّ وَ اإلْ ِ نسَ إِال لِيَعْبُدُونِي{ ، والعبادة هي امتثال ما شرعه هللا تعاَل على ألسنة رسله<br />
عليهم السالم. وما من أمة من خلق هللا إال وأَرْسَلَ إليها رسوال، قال تعاَل: { وَ لَقَدْ بَعَثْنَا قِي ِ كُل أُمَّةٍ رَ ً سُوال أَ ْن<br />
9<br />
7<br />
اُعْبُدُوا َّللاَّ َ وَ اجْتَنِبُوا الَِّاغُوتَ } ، وقال تعاَل: }وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِال خال قِيهَا نَذِي ٌر{ ، هذا لتقوم حجة هللا تعاَل<br />
على خلقه منذ خَلْق آدم إَل يوم القيامة، قال تعاَل: }رُ سُال مُبَشِرِ ينَ وَ مُنذِرِ ينَ لئَالَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى َّللاَّ ِ حُجَّةٌ<br />
بَعْدَ الرُّ سُلِ{ . 8<br />
9<br />
- 1 سورة الفرقان، اآلية:<br />
21<br />
- 2 متفق عليه<br />
- 3 رواه أمحد عن ابن عمر<br />
- 4 سورة حممد، اآلية:<br />
4<br />
- 5 سورة الشورى، اآليتان:<br />
- 6 سورة الذارايت، اآلية:<br />
- 7 سورة النحل، اآلية:<br />
- 9 سورة فاطر، اآلية:<br />
- 8 سورة النساء، اآلية:<br />
7<br />
56<br />
36<br />
24<br />
165<br />
280
)2<br />
والرسول يبعث يف أصل أمته الذين يعاصرونه ُث ي ُبَلِّغ أتباعه من أهل العلم رسالته م ن بعده، قال تعاَل: }وَ مَا كَا َن<br />
رَ بُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَ ى حَتَّى يَبْعَثَ قِي أُمِهَا رَ ً سُوال يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا{ ، 1 ُث بع د موته حيمل أتباعه أمانة البالغ حىت ال<br />
تنقطع حجة هللا تعاَل على خلق ه، كما كان رسولنا صلى هللا عليه وسلم يقول: »ليبلغ الش اهد منكم الغائب«، وقال<br />
صلى هللا عليه وسلم : »بلغوا عين ولو آية«، وقال صلى هللا عليه وسلم: »العلماء ورثة األنبياء«، وق ال صلى هللا عليه<br />
وسلم: »ال تزال طائفة من أميت قائ مة أبمر هللا«. وهذه األحاديث كلها صحيحة.<br />
واألمر ابلعباد أمر شرعي )أ ي شرعه هللا على ألسنة رسله( ويسمى الإرادة الشرعية الديني ة، وال يلزم أن يستجيب له<br />
كل اخللق، فاهلل سبحانه خلق اخللق لعبادته وأمرهم بذلك على ألسنة الرسل، ُث اخللق قد يعبدونه وقد ال يعبدونه.<br />
)فقرة<br />
قال تعالى: }وَ لَوْ شَاءَ رَ بُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَ احِ دَةً وَ ال يَزَ الُونَ مُخْتَلِفِي َن إِالَّ مَنْ رَ حِ مَ رَ بُّكَ وَ لِذَلِ َك<br />
خَلَقَهُمْ{ . 2<br />
أي خلقهم سبحانه لالختالف يف أدايهنم واعتقاداهتم وآرائ هم، وهذا هو املشهور الصحيح من التفسري، كما قال ابن<br />
كثري 2( .)465 /<br />
}إِ من وقال تعاَل:<br />
الَّذِينَ حَقَّ تْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَ ب ِكَ ال يُؤْ مِنُو َن وَ لَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَ وْ ا الْعَذَابَ األَلِي َم قَلَوْ ال<br />
كَانَتْ قَرْ يَةٌ آمَنَتْ قَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِال قَوْ مَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِ زْ يِ قِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى<br />
حِ ينٍ وَ لَوْ شَاءَ رَ بُّكَ آلمَنَ مَنْ قِي األَرْ ضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَقَأَنْتَ تُكْرِ هُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْ مِنِي َن{ فشاء الل ه جل<br />
وعال أن ينقسم خلقه إَل مؤمن به وكافر، مشيئة ك ونية قدري ة ال تتخلف قال تع اَل:<br />
يَقُولَ لَهُ كُنْ قَيَكُونُ{ ، 4 وقال تعاَل: }وَ كَانَ أَمْرُ َّللاَّ ِ ً قَدَرا ً مَقْدُورا{ . 5<br />
، 3<br />
}إِنَّمَا أَمْرُ هُ إِذَا أَرَ ادَ شَيْئ ًا أَنْ<br />
فانقسم اخللق إَل مؤمن وكافر كما قال تعاَل: }هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ قَمِنْكُمْ كَاقِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْ مِ ٌن{ ، 6 وذلك بعد ما كانوا<br />
مجيعا مؤمنني منذ خَلق آدم <br />
إَل أن وق ع الشرك يف بىن آدم، كما قال تعاَل: }وَ مَا كَانَ النَّاسُ إِال أُمَّة ً وَ احِ دَة ً<br />
قَاخْتَلَفُوا{ ، 7 قال ابن كثري: ]قال ابن عباس: كان بني آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسالم ُث وق ع االختالف<br />
بني الناس وعبدت األصنام واألنداد واألوَثن، فبعث هللا الرسل ِبايته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة }لِيَهْلِ َك<br />
مَنْ هَلَكَ عَنْ بَي ِنَةٍ وَ يَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَي ِنَةٍ{ أ ه ] قلت: فل ما وقع الكفر يف ب ين آدم أرسل هللا الرسل كما قال<br />
282<br />
- 1 سورة القص ، اآلية: 58<br />
- 2 سورة هود، اآليتان:<br />
- 3 سورة يونس، اآلايت:<br />
- 4 سورة يس، اآلية:<br />
118 119<br />
88 86<br />
92<br />
- 5 سورة األحزاب، اآلية:<br />
- 6 سورة التغابن، اآلية:<br />
- 7 سورة يونس، اآلية:<br />
39<br />
2<br />
18
تعاَل: }كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَ احِ دَةً قَبَعَثَ َّللاَّ ُ النَّبِي ِينَ مُبَشِرِ ينَ وَ مُنذِرِ ينَ وَ أَنزَ لَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ ِ بِالْحَق لِيَحْكُمَ بَيْ َن النَّا ِس<br />
قِيمَا اخْتَلَفُوا قِيهِ{ ، 1 ورغم أن هللا تعاَل أرسل رسله ابلبينات واحلجج الواضحات وقع االختالف القدري وانقسم<br />
الناس إَل مؤمن وكافر، ووقع القتال بني الفريقني، كما قال تعاَل: }تِلْكَ الرُّ سُلُ قَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَ ْن<br />
كَلَّمَ َّللاَّ ُ وَ رَ قََْ بَعْضَهُمْ دَرَ جَاتٍ وَ آتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ الْبَي ِنَاتِ وَ أَيَّدْنَاهُ بِرُ وحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شَاءَ َّللاَّ ُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِي َن<br />
مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَي ِنَاتُ وَ لَكِنْ اخْتَلَفُوا قَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شَاءَ َّللاَّ ُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لَكِ َّن<br />
َّللاَّ َ يَفْعَلُ مَا يُرِ يدُ{<br />
.<br />
2<br />
وما من رسول إال وكفر به فريق من قومه، بل قد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن بعض األنبياء يوم القيامة<br />
3<br />
»وَيِت النيب ليس معه أحد« . وي َقُ ُّ هللا تعاَل علينا أمثلة هلذا، قال تعاَل: }وَ لَقَدْ أَرْ سَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِح ًا<br />
4<br />
أَنْ اعْبُدُوا َّللاَّ َ قَإِذَا هُمْ قَرِ يقَانِ يَخْتَصِ مُو َن{ ، فلما دعاهم إَل عبادة هللا وحده انقسموا إَل فريقني، ووقعت اخلصومة<br />
بينهم، وهكذا إَل أن ختم هللا تعاَل الرسل مبحمد صلى هللا عليه وسلم فانقسم الناس إَل مؤمن وكافر كما ورد يف<br />
احلديث:<br />
5<br />
»وحممد فرق بني الناس« . وهذا ابق إَل يوم القيامة.<br />
و رغم أن هللا ت ع اَل قد شاء قدرا أن ينقسم اخللق إَل مؤمن وكافر، وأن هذا البد أن يق ع، إال أننا نؤمن أبن اخللق<br />
6<br />
حماسبون أبعماهلم اليت عملوها أبنفسهم، ق ال تعاَل: }وَ مَا تُجْزَ وْ نَ إِال مَا كُنتُمْ تَعْمَلُو َن{ ، ونؤمن أيضا أبن هللا ال<br />
7<br />
يظلم أح دا شيئا، قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَ لَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُو َن{ ، ويف احلديث القدسي:<br />
9<br />
»اي عب ادي إين حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا« .<br />
)فقرة 3( وبانقسام الخلق إلى مؤمن وكافر انعقدت العداوة بينهما.<br />
قال تعاَل: }وَ لَقَدْ أَرْ سَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِح ًا أَنْ اعْبُدُوا َّللاَّ َ قَإِذَا هُمْ قَرِ يقَانِ يَخْتَصِ مُونَ{ . 8<br />
وقال تعاَل:<br />
}هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا قِي رَ ب ِهِمْ{ . 11<br />
وقال تعاَل: }إِنَّ الْكَاقِرِ ينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّ ا مُبِينًا{ . 1<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
283<br />
213<br />
253<br />
- 3 متفق عليه عن ابن عباس<br />
- 4 سورة النمل، اآلية:<br />
45<br />
- 5 رواه البخاري عن جابر<br />
- 6 سورة الصافات، اآلية:<br />
- 7 سورة يونس، اآلية:<br />
38<br />
44<br />
- 9 رواه مسلم عن أيب ذر .<br />
- 8 سورة النمل، اآلية:<br />
- 11 سورة احلج، اآلية:<br />
45<br />
18
وهبذه<br />
بِبَعْضٍ<br />
العداوة يبتلي هللا تعاَل الفريقني، كما قال تعاَل:<br />
}ذَلِكَ وَ لَوْ يَشَاءُ َّللاَّ ُ النتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ<br />
} 2 ، وقال تعاَل: }وَ لَنَبْلُوَ نَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِ ينَ وَ نَبْلُوَ أَخْبَارَ كُ<br />
االبتالء كثرية أشران إَل بعضها من قبل. وقد ورد الن<br />
هللا عليه وسلم :<br />
وخيل<br />
به[ . 6<br />
ْم{ ، 3 واآلايت يف سنة<br />
صرحيا هبذه السنة، سنة الإبتالء، يف قول هللا تعاَل لنبيه صلى<br />
»إَّنا بعثتك ألبتليك وأبتلي بك«4، قال النووي يف شرحه: ]قوله سبحانه وتعاَل:<br />
»إَّنا بعثتك<br />
ألبتليك وأبتلي بك« معناه ألمتحنك مبا يظهر منك من قيامك مبا أمرتك به من تبليغ الرسالة وغري ذلك من اجلهاد<br />
يف هللا حق جهاده والصرب يف هللا تعاَل وغري ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إلي هم فمنهم من يظه ر إميانه وخيل<br />
إميانه<br />
يف طاعاته، ومن يتخلف ويتأبد ابلعداوة والكفر، وم ن ينافق. واملراد أن من ميتحنه ليصري ذلك واقعا ابرزا فإن<br />
هللا تعاَل إَّنا يعاقب العباد على ما وقع منهم ال على ما يعلمه قبل وق وعه، وإال فهو سبحانه عال م جبميع األشياء قب ل<br />
وقوعها وهذا حنو قوله: }وَ لَنَبْلُوَ نَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِ ي َن{ ، 5 أي نعلمهم فاعلني ذلك متصفني<br />
)فقرة 4( وهللا جل شأنه يسلط الكفار على المؤمنين تسليطا قدريا<br />
تسليطا قدراي أي ليس شرعيا فهو مل َيمرهم على ألسنة الرسل مبُعاداة املؤمني ن وقتاهلم بل أمرهم ابلعبادة والطاعة.<br />
فتسليطهم على املؤمنني ابلق در، وتسليط املؤمنني عليهم ابلشرع املوافِق للقدر.<br />
قال تعاَل:<br />
{ وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ ا مِنْ الْمُجْرِ مِينَ{ ، 7<br />
وقال تعاَل:<br />
الْمُجْرِ مِينَ{ ، 9 وقال تعاَل: { وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا قِي ِ كُل قَرْ يَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِ مِيهَا لِيَمْكُرُ وا قِيهَا{ ، 8<br />
يف هذه اآلايت، الث الث ه و جعل ق دري.<br />
{ وَ كَذَلِكَ جَعَلْنَا ِ لِكُل نَبِي ٍ عَدُوًّ ا مِنْ<br />
}جعلنا{ واجلَعْل<br />
وصور معاداة الكافرين للمؤمنني َثبتة ال تتغري يف مضموهنا بتغري الرسل واألم م واألزمان، ولذلك قال هللا تعاَل: }مَا<br />
يُقَالُ لَكَ إِال مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّ سُلِ مِنْ قَبْلِ َك{ ، 11<br />
وقال تعاَل:<br />
}كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْ لِهِمْ تَشَابَهَتْ<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة حممد، اآلية:<br />
- 3 سورة حممد، اآلية:<br />
284<br />
111<br />
4<br />
31<br />
- 4 رواه مسلم عن عِياض بن محِ ار<br />
- 5 سورة حممد، اآلية:<br />
31<br />
- 6 )صحيح مسلم بشرح النووي .)189 / 17<br />
- 7 سورة الفرقان، اآلية:<br />
- 9 سورة األنعما، اآلية:<br />
- 8 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 11 سورة فصلت، اآلية:<br />
31<br />
112<br />
123<br />
43
قُلُوبُهُمْ{ ، 1 وق ال تعاَل: }كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَ سُولٍ إِال قَالُوا سَاحِ رٌ أَوْ مَجْنُونٌ<br />
َِاغُو َن{ . 2<br />
<br />
<br />
هُمْ قَوْ مٌ<br />
ومن ص ور معاداهت م للمؤمن ني:<br />
الدتكليب، قال تعاَل: }وَ لَقَدْ كُذِبَتْ رُ سُلٌ مِنْ قَبْلِكَ قَصَبَرُ وا{ . 3<br />
االستهزاء والسخرية،<br />
}يَاحَسْرَ ة ً عَلَى<br />
<br />
قال تعاَل:<br />
أَتَوَ اصَوْ ا بِهِ بَ ْل<br />
4<br />
}إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَ مُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{ ، وقدال تعاىل:<br />
5<br />
الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَ سُولٍ إِال كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِ ئُون{ .<br />
6<br />
رمي املنمنني ابجلنون، قال تعاىل: }وَ قَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِ لَ عَلَيْهِ الذِكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُو ٌن{ .<br />
رمي املنمنني أبهنم يطلبون الرايسة وا كم،<br />
الْكِبْرِ يَاءُ قِي األَرْ ضِ<br />
. 7<br />
}<br />
<br />
رمي املنمنني ابإلفساد يف األرني وتبديل الدين،<br />
إِن ِي أَخَافُ أَنْ يُبَدِلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ قِي األَرْ ضِ الْفَسَا َد{ . 9<br />
احتقدار املنمنني لضعفهم وفقرهم،<br />
<br />
<br />
قال تعاَل: }قَالُوا أَ ِجئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَ جَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَ تَكُونَ لَكُمَا<br />
قال تعاَل: }وَ قَالَ قِرْ عَوْ نُ ذَرُ ونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَ لْيَدْعُ رَ بَّهُ<br />
قال تعاَل: }قَالُوا أَنُؤْ مِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ األَرْ ذَلُو َن{ ، 8<br />
وقال تعاَل: }قَالَ الَّذِينَ كَفَرُ وا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِ يقَ ْينِ خَيْرٌ مَقَام ًا وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا{ . 11<br />
التشاؤم ابملنمنني، وأبن مبادء هم أتيت ابلدشر والتفرق والفقر<br />
11<br />
لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْ جُمَنَّكُمْ{ .<br />
وذلك لتنفري الناس منهم،<br />
وحنو ذل ك، قال تعاَل: }قَالُوا إِنَّا تََِيَّرْ نَا بِكُمْ لَئِ ْن<br />
اجلددال بددالباطل لدرد ا دق ولتضدليل العامدة، ق ال تع اَل: }وَ يُجَوادِلُ الَّوذِينَ كَفَورُ وا بِالْبَاِِولِ لِيُدْحِ ضُووا بِوهِ الْحَوقَّ<br />
وَ اتَّخَذُوا آيَاتِي وَ مَا أُنْذِرُ وا هُزُ ًوا{ . 1 ويدخل يف ه ذا شبهاهتم للص د عن سبيل هللا.<br />
53<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
119<br />
- 2 سورة الذارايت، اآليتان:<br />
- 3 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 4 سورة املطففني، اآلية:<br />
- 5 سورة يس، اآلية:<br />
- 6 سورة احلجر، اآلية:<br />
- 7 سورة يونس، اآلية:<br />
- 9 سورة غافر، اآلية:<br />
52<br />
28<br />
34<br />
31<br />
6<br />
79<br />
26<br />
- 8 سورة الشعراء، اآلية:<br />
- 11 سورة مرمي، اآلية:<br />
- 11 سورة يس، اآلية:<br />
111<br />
73<br />
19<br />
285
حتددري العامددة ضددد املددنمنني، ق ال تع اَل: }وَ قَووالَ الْمَووُِ الَّووذِينَ كَفَوورُ وا مِوونْ قَوْ مِووهِ لَووئِنْ اتَّبَعْووتُمْ شُووعَيْبًا إِنَّكُوومْ إِذًا<br />
لَخَاسِرُ ونَ{ ، 2 وقال تعاَل: }إِن ِي أَخَافُ أَنْ يُبَدِلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ قِي األَرْ ضِ الْفَسَادَ{ . 3<br />
حَاشِرِ ينَ<br />
<br />
إِالَّ<br />
اهتدام املدنمنني أبهندم أقليدة يريددون أن يفرضدوا رأيهدم علدى األغلبيدة، ق ال تع اَل: }قَأَرْ سَولَ قِرْ عَووْ نُ قِوي الْمَودَائِ ِن<br />
إِنَّ هَؤُالءِ لَشِرْ ذِمَةٌ قَلِيلُو َن وَ إِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُو َن<br />
وَ إِنَّا لَجَمِيٌْ حَاذِرُ و َن{ . 4<br />
تفضيلهم ما هم عليه من الكفر على الدين ا ق، قال تع اَل: }قَالَ قِرْ عَوْ نُ مَا أُرِ يكُمْ إِالَّ مَا أَرَ ى وَ مَوا أَهْودِيكُ ْم<br />
سَووبِيلَ الرَّ شَووا ِد{ ، 5 وق ال تع اَل: }إِنْ هَووذَانِ لَسَوواحِ رَ انِ يُرِ يوودَانِ أَنْ يُخْرِ جَوواكُمْ مِوونْ أَرْ ضِ ووكُمْ بِسِووحْرِ هِمَا وَ يَووذْهَبَا<br />
بَِِرِ يقَتِكُمْ الْمُثْلَى{ . 6 وقال تعاَل: }قَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُ سُلُهُمْ بِالْبَي ِنَاتِ قَرِ حُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ<br />
الْعِلْ ِم{ . 7<br />
<br />
خددداع العامددة لصددرفهم عددن اتِبدداع املددنمنني بشددىت وسددائل املكددر، ق ال تع اَل: }وَ قَووالَ الَّووذِينَ اسْتُضْووعِفُوا لِلَّووذِينَ<br />
اسْوتَكْبَرُ وا بَولْ مَكْورُ اللَّيْولِ وَ النَّهَوارِ إِذْ تَأْمُرُ ونَنَوا أَنْ نَكْفُورَ بِواّلِلَّ ِ وَ نَجْعَولَ لَوهُ أَنودَاد ًا وَ أَسَورُّ وا النَّدَامَوةَ لَمَّوا رَ أَوْ ا الْعَوذَا َب<br />
وَ جَعَلْنَا األَغْاللَ قِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُ وا هَلْ يُجْزَ وْ نَ إِال مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{<br />
. 9<br />
<br />
<br />
جتويع املنمنني لصرفهم عدن ديدنهم، ق ال تع اَل: }هُومْ الَّوذِينَ يَقُولُوونَ ال تُنْفِقُووا عَلَوى مَونْ عِنْودَ رَ سُوولِ َّللاَّ ِ حَتَّوى<br />
يَنْفَضُّوا وَ ّلِلِ َّ ِ خَزَ ائِنُ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضِ وَ لَكِنَّ الْمُنَاقِقِينَ ال يَفْقَهُونَ } 8 .<br />
حماولة ف نتْ املنمنني عن دينهم، قال تع اَل: }وَ دُّوا لَوْ تُدْهِنُ قَيُودْهِنُونَ{ ، 11 وق ال تع اَل: }وَ احْوذَرْ هُمْ أَنْ يَفْتِنُووكَ<br />
عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ إِلَيْ َك{ . 11 والكافرون ال يطلبون من املؤمنني التنازل عن بعض احلق إال كمرحلة مؤقت ة ف إهنم ال<br />
يرضون من املؤمنني إال ابلتنازل الكامل ع ن احل ق ق ال تع اَل: }وَ لَونْ تَرْ ضَوى عَنْوكَ الْيَهُوودُ وَ ال النَّصَوارَ ى حَتَّوى تَتَّبِوَْ<br />
مِلَّتَهُمْ{ . 12<br />
- 1 سورة الكهف، اآلية:<br />
286<br />
56<br />
- 2 سورة<br />
األعراف، اآلية:<br />
- 3 سورة غافر، اآلية:<br />
81<br />
26<br />
- 4 سورة الشعراء، اآلايت:<br />
- 5 سورة غافر، اآلية:<br />
- 6 سورة طه، اآلية:<br />
- 7 سورة غافر، اآلية:<br />
- 9 سورة سبأ، اآلية:<br />
.56 إَل 53<br />
28<br />
93<br />
63<br />
33<br />
- 8 سورة املنافقون، اآلية:<br />
- 11 سورة القلم، اآلية:<br />
- 11 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 12 سورة البقرة، اآلية:<br />
7<br />
48<br />
8<br />
121
هتديدددهم للمددنمنني ابلسددجن والقتددل إن مل يرجعددوا عددن ديددنهم ويوافقددوا الكفددار عل ى م ا ه م علي ه، ق ال تع اَل:<br />
}وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُ وا لِرُ سُلِهِمْ لَنُخْرِ جَنَّكُمْ مِنْ أَرْ ضِ نَا أَوْ لَتَعُودُنَّ قِي مِلَّتِنَا{ ، 1 وقال تع اَل: }إِنَّهُومْ إِنْ يَظْهَورُ وا عَلَويْكُمْ<br />
يَرْ جُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ قِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَد ًا{ . 2<br />
التعليب والقتل والقتدال، ق ال تع اَل: }قَوالُوا حَرِ قُووهُ وَ انصُورُ وا آلِهَوتَكُمْ{ ، 3 ق ال تع اَل: }وَ إِذْ يَمْكُورُ بِوكَ الَّوذِينَ<br />
كَفَوورُ وا لِيُثْبِتُوووكَ أَوْ يَقْتُلُوووكَ أَوْ يُخْرِ جُوووكَ } 4 ، وق ال تع اَل: }وَ ال يَزَ الُووونَ يُقَوواتِلُونَكُمْ حَتَّووى يَوورُ دُّوكُمْ عَوونْ دِيوونِكُمْ إِنْ<br />
اسْتََِاعُوا{ . 5<br />
6<br />
ومما سبق ترى اي أخي املسلم أن أساليب الكفار يف حماربة املؤمنني َثبتة ال تتغري، قال تعاَل: }أَتَوَ اصَوْ ا بِ ِه{ ، ومما<br />
ينبغي إدراكه أهنم حياربون املؤمن بسبب إميانه كما قال تعاَل: }وَ هُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْ مِنِينَ شُهُو ٌد وَ مَا نَقَمُوا<br />
مِنْهُمْْ إِالَّ أَنْ يُؤْمِنُوا<br />
بِاّلِلَّ ِ الْعَزِ يزِ الْحَمِي ِد{ ، 7 وقال تعاَل: }وَ دُّوا لَوْ تَكْفُرُ ونَ كَمَا كَفَرُ وا قَتَكُونُونَ سَوَ اء ً{ 9 .<br />
فالكافر يعادي املؤمن لإميانه، وكلما ازداد إميان العبد كلما ازداد نصيبده من عداء الكافرين، وهلذا قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم: »أشد الناس بالء األنبياء ُث األمثل فاألمثل،<br />
من نفسه كلما زاد إميانه زاد بغضه للكافرين والعصاة <strong>في</strong>شرع<br />
نق إميانه كلما نقصت عدواهت م ل ه.<br />
8<br />
يبتلى الرجل حسب دينه« ، وهذا يدركه العب د<br />
يف أمرهم ابملعروف وهنيه م عن املنكر <strong>في</strong>عادونه، وكلما<br />
ومع ذلك فمعاداة الكافرين للمؤمنني ال تنقطع ابلكلي ة طاملا كان املؤمنون ع لى إمياهنم ولو مع التقصري، قال<br />
تعاَل:}وَ لَنْ تَرْ ضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ ال النَّصَارَ ى حَتَّى<br />
11<br />
يَرُ دُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتََِاعُوا{ .<br />
11<br />
تَتَّبَِْ مِلَّتَهُ ْم{ ، وقال تعاَل: }وَ ال يَزَ الُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى<br />
- 1 سورة ابراهيم، اآلية:<br />
- 2 سورة الكهف، اآلية:<br />
- 3 سورة األنبياء، اآلية:<br />
- 4 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
287<br />
13<br />
21<br />
69<br />
31<br />
217<br />
- 6 سورة الذارايت، اآليتان:<br />
- 7 سورة الربوج، اآليتان:<br />
- 9 سورة النساء، اآلية:<br />
53<br />
9<br />
7<br />
98<br />
- 8 احلديث رواه الرتمذي وصححه<br />
- 11 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 11 سورة البقرة، اآلية:<br />
121<br />
217
)فقرة 5( وهللا جل شأنه يأمر المؤمنين شرعا بدفع الكافرين المسلطين<br />
قدرا على المؤمنين<br />
قال تع اَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّا َس بَعْضَوهُمْ بِوبَعْضٍ لَهُودِمَتْ صَووَ امُِْ وَ بِيَوٌْ وَ صَولَوَ اتٌ وَ مَسَواجِ دُ يُوذْكَرُ قِيهَوا اسْومُ َّللاَّ ِ<br />
ً كَثِيرا وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ إِنَّ َّللاَّ َ لَقَوِيٌّ عَزِ يزٌ } 1 .<br />
ودف ع املؤمنني الكافرين مي ر مبراحل متعددة.<br />
أوال: الدعوة إلى اإلسالم<br />
قال تعاَل: { وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَ األُمِي ِينَ أَأَسْلَمْتُمْ قَإِنْ أَسْلَمُوا قَقَدْ اهْتَدَوا{ . 2<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : ملعاذ حني بعثه إَل اليمن: »إنك أتِت ق وم ا من أهل الكتاب فليكن أول ما<br />
تدعوهم إليه شهادة أن ال إله إال هللا« . 3<br />
وهي:<br />
وابلنظر إَل عموم رسالته صلى هللا عليه وسلم كما ذكرت يف االعتصام، فإن اخلل ق ينقسمون بدعوته إَل مؤمن<br />
وكافر، ولذلك ورد يف احلديث: »وحممد فَرْقٌ بني الناس« ، 4 وبعد الدعوة تتخذ عالق ة املؤمن ابلكافر صورا أخرى،<br />
ثانيا: التبرؤ من الكافرين أحياء وأمواتا<br />
فالت ربؤ من الكافرين األحياء يكون إبظهار العداوة والبغضاء هلم ولكفرهم، وعدم إتباع أهوائهم ومناهجهم واعتزاهلم<br />
وعدم خمالطتهم. وسيأِت هذا مبزيد من التفصيل.<br />
أما التربؤ منهم بعد مماهتم <strong>في</strong>كون بعدم الإستغفار هلم كما قال تعاَل: }مَا كَانَ لِلنَّبِي ِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُ وا<br />
لِلْمُشْرِ كِينَ وَ لَوْ كَانُوا أُوْ لِي قُرْ بَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِ يمِ } 5 ، ويكون التربؤ بعدم دفنهم مع<br />
املسلمني، ويك ون مبنع إرثهم وتوري ثهم كما قال صلى هللا عليه وسلم:<br />
»ال يرث املسلم<br />
الكافر وال يرث الكافر<br />
ال مسلم« . 6 قال هللا تعاَل: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَ ةٌ حَسَنَةٌ قِي إِبْرَ اهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْ مِهِمْ إِنَّا بُرَ آءُ مِنْكُمْ وَ مِمَّا<br />
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ كَفَرْ نَا بِكُمْ وَ بَدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَ ةُ وَ الْبَغْضَاءُ أَبَد ًا حَتَّى تُؤْ مِنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ حْدَهُ{ ، 7 وقال تعاَل:<br />
}ثُمَّ أَوْ حَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِْْ مِلَّةَ إِبْرَ اهِيمَ حَنِيف ًا{ . 9 فلم متنع القرابة من الرباءة }إِذْ قَالُوا لِقَوْ مِهِمْ{، ويقول الشيخ محد بن<br />
- 1 سورة احلج، اآلية:<br />
288<br />
41<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 3 احلديث متفق عليه.<br />
- 4 رواه البخاري عن جابر<br />
- 5 سورة التوبة، اآلية:<br />
21<br />
113<br />
- 6 متفق ا عليه عن أسامة بن زي د<br />
- 7 سورة املمتحنة، اآلية:<br />
- 9 سورة النحل، اآلية:<br />
4<br />
123
عتي ق: ]وها هنا نكتة بديعة يف قوله: }إِنَّا بُرَ آءُ مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ وهي أن هللا تعاَل قدم الدرباءة<br />
من املشركني العابدين غري هللا، على الرباءة من األوَثن املعبودة من دون هللا، ألن األول أهم من الثاين، فإنه قد يتربأ<br />
من األواثن وال يتربأ ممن عبدها، فال يكون آتيا ابلواجب عليه، وأما إذا تربأ من املشركني، فإن هذا يستلزم الرباءة من<br />
معبوداهتم. وهذا كقوله تعاَل: { وَ أَعْتَزِ لُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ وَ أَدْعُو رَ ب ِي عَسَى أَالَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَ ب ِي<br />
شَقِيًّا{ ، 1 فق دم اعتزاهلم عل ى اعتزال معبوداهتم، وكذا قوله: }قَلَمَّا اعْتَزَ لَهُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ 2 ، وقوله: }وَ إِذْ<br />
اعْتَزَ لْتُمُوهُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ إِال َّللاَّ َ{ 3 ، فعليك هبذه النكت، فإهنا تفتح اباب إَل عداوة أعداء هللا. فكم من إنسان ال<br />
يقع منه الشدرك، ولكنه ال يعادي أهله، فال يكون مسلما بذلك إذ ترك دين مجيع املرسلني.<br />
ُث قال: }كَفَرْ نَا بِكُمْ وَ بَدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَ ةُ وَ الْبَغْضَاءُ أَبَد ًا حَتَّوى تُؤْ مِنُووا بِواّلِلَّ ِ وَ حْودَهُ{ فقول ه: وب دا أي ظه ر وابن<br />
وأتم ل تقدددمي العدداوة علدى البغضداء، ألن األوَل أه م م ن الثاني ة، ف إن الإنس ان ق د يُ بغض املش ركني وال يع اديهم، ف ال<br />
يك ون آتي ا ابلواج ب علي ه ح ىت حتص ل من ه الع داوة والبغض اء، والب د أيض ا م ن أن ت كون الع داوة والبغض اء ابديت ني<br />
ظاهرتني بينتني.<br />
واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة ابلقلب فإهنا ال تنفع حىت تظهر آاثرها، وتتبني عالمتها، وال تكون كذلك حىت<br />
تقرتن ابلعداوة واملقاطعة، فحينئذ تكون الع داوة والبغضاء ظاهرتني. وأما إذا وجدت املواالة واملواصلة، فإن ذلك يدل<br />
4<br />
على عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا املوضع فإنه جيل و عنك شبهات كثرية. أه ] .<br />
قلت: فتدبر هذا الكالم ُث أتمل حال املسلمني الذين ال مييمزون بني احلق والباطل يف هذا الزمان، ترى أحدهم يزعم<br />
أنه مسلم. ُث ينادي ابملبادئ الكفري ة كاالشرتاكية والدميقراطية والقومية، فال هو تربأ منها وال من أهلها، وترى أحدهم<br />
عضوا يف حزب من األحزاب السياسية اليت تنادي هبذا الك فر دون حي اء، قال تعاَل: }وَ لَوْ كَانُوا يُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ<br />
5<br />
وَ النَّبِي ِ وَ مَا أُنزِ لَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْ لِيَاءَ وَ لَكِنَّ ً كَثِيرا مِنْهُمْ قَاسِقُونَ{ . وق د أشرت إَل وجوب التمميُّز واملفاصلة، يف<br />
أصول االعتصام ابلكتاب والسنة.<br />
)379<br />
- 1 سورة مرمي، اآلية:<br />
- 2 سورة مرمي، اآلية:<br />
49<br />
48<br />
- 3 سورة الكهف، اآلية:<br />
16<br />
- 4 )جمموعة التوحيد الرسالة الثانية عشر ص<br />
- 5 سورة املائدة، اآلية:<br />
376<br />
91<br />
289
ثالثا: اإلعتزال والهجرة:<br />
بعد الدعوة ُث الرباءة من الكافرين جيب اعتزاهلم وكفرهم، واهلجرة من أرضهم إن أمكن ذلك، وسيأِت حكم اهلجرة يف<br />
الفقرة )11( قال تعاَل:<br />
1<br />
}وَ إِذْ اعْتَزَ لْتُمُوهُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ إِال َّللاَّ َ{ ، وقال تعاَل: }}وَ أَعْتَزِ لُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ<br />
َّللاَّ ِ وَ أَدْعُو رَ ب ِي{ ، 2 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أان بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني« . 3<br />
رابعا: الجهاد <strong>في</strong> سبيل هللا.<br />
4<br />
ملن عاند وأىبَ قبول دعوة الإسالم، قال تعاَل: }قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ كِينَ حَيْثُ وَ جَدْتُمُوهُ ْم{ ، وقال هللا تعاَل لنبيه صلى<br />
هللا عليه وسلم : »إَّنا بعثتك ألبتليك، وأبتلي بك إَل قوله استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق<br />
5<br />
عليك، وابعث جيشا نبعث مخسة مثله: وقاتل مبن أطاعك من عصاك« .<br />
7<br />
ولذلك قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إ ال الل ه وأن حممدا رسول<br />
هللا ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دمائهم وأمواهلم إال حبق الإسالم وحساهبم على هللا<br />
6<br />
تعاَل« . وكونه صلى هللا عليه وسلم مأمور بقتال الناس كافة إَّنا هو بسبب عموم بعتثه للخلق كما أشران من قبل.<br />
وقد كان هللا تعاَل يتكفل إبهالك الكافرين به وبرسله، من لدن نوح إَل موسى عليهم السالم، ُث شرع سبحانه اجلهاد<br />
يف شريعة موسى بعد ُناة بين إسرائيل وهالك فرعون، فقال تعاَل: }يَاقَوْ مِ ادْخُلُوا األَرْ ضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ َّللاَّ ُ<br />
لَكُمْ وَ ال تَرْ تَدُّوا عَلَى أَدْبَارِ كُمْ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ ي َن قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ قِيهَا قَوْ م ًا جَبَّارِ ينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُ جُوا<br />
مِنْهَا قَإِنْ يَخْرُ جُوا مِنْهَا قَإِنَّا دَاخِ لُونَ قَالَ رَ جُالنِ مِنْ الَّذِينَ يَخَاقُونَ أَنْعَمَ َّللاَّ ُ عَلَيْهِ َما ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ قَإِذَا<br />
دَخَلْتُمُوهُ قَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَ عَلَى َّللاَّ ِ قَتَوَ كَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْ مِنِينَ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَد ًا مَا دَامُوا قِيهَا قَاذْهَ ْب<br />
أَنْتَ وَ رَ بُّكَ قَقَاتِال إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُو َن{ ، فهذه بداية شرع القتال يف سبيل هللا تعاَل وقال تعاَل: }وَ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى<br />
9<br />
الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُ ونَ األُولَى{ ، قال ابن كثري: ]قوله تعاَل: }مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُ ونَ األُولَى{ يعين<br />
أن ه بعد إنزال التوراة مل ي ُعَذب أمة بعامة، بل أمر املؤمنني أن يقاتلوا أعداء هللا م ن املشركني، كما ق ال تعاَل: }وَ جَا َء<br />
قِرْ عَوْ نُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْ تَفِكَاتُ بِالْخَاِِئَةِ قَعَصَوْ ا رَ سُولَ رَ ب ِهِمْ قَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَ ابِيَةً{<br />
8<br />
، وقال القرطيب: ]قوله تعاَل:<br />
- 1 سورة الكهف، اآلية:<br />
- 2 سورة مرمي، اآلية:<br />
291<br />
16<br />
49<br />
- 3 رواه أبو داود وصححه األلباين<br />
- 4 سورة التوبة، اآلية:<br />
5<br />
- 5 رواه مسلم عياض بن محار<br />
- 6 متفق عليه عن ابن عمر.<br />
- 7 سورة املائدة، اآلايت:<br />
24<br />
21<br />
- 9 سورة القص ، اآلية: 43<br />
- 8 سورة احلاقة: اآليتان:<br />
11 8
}وَ عْد ًا عَلَيْهِ حَقًّا قِي التَّوْ رَ اةِ وَ اإلِ نجِ يلِ وَ الْقُرْ آنِ{ ، 1 إخبار من هللا تعاَل أن هذا كان يف هذه الكتب، وأن اجلهاد<br />
ومقاوم ة األعداء أصله من عهد موسى<br />
. 2 ]<br />
ُث إن اجلهاد قد يكون ابلنفس أو ابملال أو ابللسان، كما قال صلى هللا عليه وسلم : »جاهدوا املشركني أبموالكم<br />
3<br />
وأنفسكم وألسنتكم« .<br />
كذلك فإن اجلهاد قد يك ون بقصد الع دو يف داره )جهاد الطلب( أو بصد عدوانه على ال مسلمني )جهاد الدفع(،<br />
وق د يك ون اجلهاد فرض عني أو فرض كفاية كما يف الفقرات التالية.<br />
وقد اقرتن اجلهاد دائما بتميز الص ف املس لم، إَل م ؤمن ص ادق وإَل من افق خم ذل ومرج ف ق ال تع اَل: }وَ مَوا أَصَوابَكُمْ<br />
يَوْ مَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَبِإِذْنِ َّللاَّ ِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْ مِنِينَ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَاقَقُوا وَ قِيلَ لَهُومْ تَعَوالَوْ ا قَواتِلُوا قِوي سَوبِيلِ َّللاَّ ِ أَوْ ادْقَعُووا<br />
قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَاال التَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْ مَئِذٍ أَقْرَ بُ مِنْهُمْ لِإلِيمَانِ يَقُولُوونَ بِوأَقْواهِهِمْ مَوا لَويْسَ قِوي قُلُووبِهِمْ وَ َّللاَّ ُ أَعْلَو ُم<br />
بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُوا إلِ خْوَ انِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أََِاعُونَا مَا قُتِلُوا قُولْ قَوادْرَ ُءوا عَونْ أَنْفُسِوكُمْ الْمَووْ تَ إِنْ كُنْوتُمْ صَوادِقِي َن<br />
وَ الَ تَحْسَووبَنَّ الَّووذِينَ قُتِلُوووا قِووي سَووبِيلِ َّللاَّ ِ أَمْوَ اتًووا بَوولْ أَحْيَوواءٌ عِنْوودَ رَ ب ِهِومْ يُرْ زَ قُووونَ قَورِ حِ ينَ بِمَوا آتَوواهُمْ َّللاَّ ُ مِونْ قَضْوولِ ِه<br />
وَ يَسْتَبْشِرُ ونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَال خَوْ فٌ عَلَيْهِمْ وَ ال هُمْ يَحْزَ نُو َن يَسْتَبْشِورُ ونَ بِنِعْمَوةٍ مِونْ َّللاَّ ِ وَ قَضْو ٍل<br />
وَ أَنَّ َّللاَّ َ ال يُضِ يُْ أَجْرَ الْمُؤْ مِنِينَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا ّلِلِ َّ ِ وَ الرَّ سُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْ حُ ِللَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْ ا<br />
أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ قَاخْشَوْ هُمْ قَزَ ادَهُمْ إِيمَانًوا وَ قَوالُوا حَسْوبُنَا َّللاَّ ُ وَ نِعْومَ الْوَ كِيو ُل<br />
قَانْقَلَبُوا بِنِعْمَوةٍ مِونْ َّللاَّ ِ وَ قَضْولٍ لَومْ يَمْسَسْوهُمْ سُووءٌ وَ اتَّبَعُووا رِ ضْووَ انَ َّللاَّ ِ وَ َّللاَّ ُ ذُو قَضْولٍ عَظِوي ٍم إِنَّمَوا ذَلِكُومْ الشَّويَِْا ُن<br />
يُخَو ِفُ أَوْ لِيَاءَهُ قَال تَخَاقُوهُمْ وَ خَاقُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنِينَ وَ ال يَحْزُ نْكَ الَّذِينَ يُسَارِ عُونَ قِي الْكُفْرِ إِنَّهُ ْم لَنْ يَضُرُّ وا َّللاَّ َ<br />
شَيْئًا يُرِ يدُ َّللاَّ ُ أَال يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا قِي اآلخِ رَ ةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّوذِينَ اشْوتَرَ وْ ا الْكُفْورَ بِاإلِ يمَوانِ لَونْ يَضُورُّ وا َّللاَّ َ<br />
شَيْئًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَ ال يَحْسَوبَنَّ الَّوذِينَ كَفَورُ وا أَنَّمَوا نُمْلِوي لَهُومْ خَيْورٌ ألَنْفُسِوهِمْ إِنَّمَوا نُمْلِوي لَهُومْ لِيَوزْ دَادُوا إِثْم ًوا وَ لَهُو ْم<br />
عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ َّللاَّ ُ لِيَذَرَ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الَِّي ِ ِب{<br />
وهذه سنة ال تتخلف، وقد<br />
. 4<br />
ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية أنه ملا قصد الع دو )التتار( بالد الش ام متيزت الصفوف<br />
هكذا، وكرر هذا يف عدة مواضع. فلينتبه هل ذه السنة فإن التميز جي ب أن يرتتب عليه حتذير املؤمنني من هؤالء املنافقني<br />
كما قال تعاَل: }هُمْ الْعَدُوُّ قَاحْذَرْ هُ ْم{ ، 5 كما جيب أن يرتتب عليه عدم السماح هلؤالء إبفساد الصف املسلم، قال<br />
6<br />
تعاَل: }لَوْ خَرَ جُوا قِيكُمْ مَا زَ ادُوكُمْ إِال خَبَاال وَ ألَوْ ضَعُوا خِ الَ لَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَ قِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُ ْم{ .<br />
)فقرة 6( والجهاد نوعان: جهاد الطلب وجهاد الدفع<br />
جهاد الطلب هو أن تطلب الع دو وتغوه يف داره، وجهاد الدفع هو قتال العدو البادئ بقتال املؤمنني . 7<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
290<br />
111<br />
- 2 )تفسري القرطيب .)269 / 9<br />
- 3 رواه أبو داود إبسناد صحيح<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلايت:<br />
- 5 سورة املنافقون، اآلية:<br />
- 6 سورة التوبة، اآلية:<br />
178 إَل 166<br />
4<br />
47<br />
- 7 انظر )االختيارات الفقهية البن تيمية، حتقيق الفقي، ط دار املعرفة ص<br />
)318
ودليل جهاد الطلب:<br />
قول ه هللا تع اَل: }قَواقْتُلُوا الْمُشْورِ كِينَ حَيْوثُ وَ جَودْتُمُوهُمْ وَ خُوذُوهُمْ وَ احْصُورُ وهُمْ وَ اقْعُودُوا لَهُومْ كُولَّ مَرْ صَودٍ قَوإِنْ تَوابُوا<br />
وَ أَقَامُوا الصَّالَ ةَ وَ آتَوْ ا الزَّ كَاةَ قَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ َّللاَّ َ غَفُورٌ رَ حِ ي ٌم{ . 1<br />
وقال تعاَل: }قَاتِلُوا الَّذِينَ ال يُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ ال بِالْيَوْ مِ اآلخِ ورِ وَ ال يُحَرِ مُوونَ مَوا حَورَّ مَ َّللاَّ ُ وَ رَ سُوولُهُ وَ ال يَودِينُونَ دِيو َن<br />
ِ الْحَق مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعُِْوا الْجِ زْ يَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُ و َن{ . 2<br />
فأمر احلق جل وعال ابخلروج لقتاهلم وترصدهم وحصارهم، وهذه اآلايت حمكمات من أواخر ما نزل وال انسخ هلا<br />
وعليها سار النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
والصحابة معه ومن بعده حىت فتح هللا تعاَل عليهم مشارق األرض ومغارهبا.<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أمرت أن أقاتل الناس حىت يشهدوا أن ال إله إ ال الل ه وأن حممدا رسول هللا<br />
3<br />
ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دمائهم وأمواهلم إال حبق الإسالم وحساهبم على هللا تعاَل« .<br />
ويف حديث بريدة الذي رواه مسلم »أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أمر أمريا على جيشه أو سرية أوصاه<br />
يف خاصته بتقوى هللا ومن معه من املسلمني خريا، ُث قال اغزوا ابسم هللا قاتلوا من كفر ابهلل، اغزوا وال تَغُلُّوا وال تغدِروا<br />
وال متثلوا وال تقتلوا وليدا،<br />
وإذا لقيت عدوك من املشركني فادعهم إَل ثالث خصال.....« احلديث. وهذه نصوص<br />
واضحة صرحية يف اخلروج لقتال العدو وقصده يف داره وهذا هو جهاد الطلب.<br />
أما جهاد الدفع فدليله:<br />
قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُ وا زَ حْف ًا قَال تُوَ لُّوهُمْ األَدْبَا َر{ . 4<br />
وقول هللا تعاَل: }وَ قَاتِلُوا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُ ْم{ . 5<br />
وقول هللا تعاَل: }قَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ قَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُ ْم{ . 6<br />
فهنا القتال لرد عدوان العدو الذي بدأ ابلقتال.<br />
قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وأما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل عن احلرمة والدين، فواجب<br />
إمجاعا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه،<br />
7<br />
يدفع حبسب الإمكان[ .<br />
فال يشرتط له شرط، بل<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
292<br />
5<br />
- 2 سورة التوبة،<br />
28 اآلية:<br />
- 3 متفق عليه عن ابن عمر.<br />
- 4 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 6 سورة البقرة، اآلية:<br />
15<br />
181<br />
184<br />
- 7 )الإختيارات الفقهية البن تيمية ص 318(
قلت: مما سبق تعلم أن من أنكر كون جهاد الطلب من الإسالم، كالذين يقولون إن الإسالم ال يقاتل إال للدفاع ورد<br />
العدوان، فهو مُكَذِّب ابآلايت واألحاديث السابقة وحنوها، وقال تعاَل: }وَ مَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِال الْكَاقِرُ و َن{ ، 1 ومن<br />
تعسف يف أتويل ما وقع لسلفنا الصاحل من جهاد الطلب وقال إنه كان لرد العدوان فقد ضل ضالال بعيدا إن كان ال<br />
جيهل هذه النصوص أو أحيط هبا علما فأعرض عنها وتعسف يف أتويلها.<br />
)شبهة(<br />
يستدل البعض لإنكار جهاد الطلب بقوله تعاَل: }وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قَاجْنَحْ لَهَا{ ، 2 وأنه مادام الكافر مساملا فال<br />
جهاد، ويستدلون بقول النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم : »التتمنوا لقاء العدو« . 3 وهذا هو حال الذين يؤمنون ببعض<br />
الكتاب ويكفرون ببعض، الذين يستدلون أبحد أدلة املسألة ويرتكون بقية األدلة كما ذكرته يف األصل الرابع من أصول<br />
الإعتصام ابلكتاب والسنة. واجلواب على هذه الشبهة من أوجه:<br />
األول: أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
وصحابته الذين هم خري هذه األمة رضي هللا عنهم مل حيملوا هذه النصوص<br />
على الوجه الذي فهمه هؤالء، أبهنا تعين ترك جهاد الطلب فقد قاتل النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
الروم يف تبوك، وقد غزا صلى هللا عليه وسلم<br />
العرب ُث خرج لقتال<br />
5<br />
4<br />
تسع عشرة غزوة ، وقاتل بنفسه يف مثان منهن أما البعوث والسرااي اليت<br />
6<br />
أرسلها ومل خيرج <strong>في</strong>ها فبلغت ستا وثالثني يف رواية ابن إسحاق وزاد غريه عن ذلك . ُث غزا الصحابة من بعده صلى<br />
هللا عليه وسلم الفرس والروم والرتك والقبط والرببر وغريهم مما هو معلوم، فهذا الذي استدل هبذه النصوص لإبطال<br />
جهاد الطلب نقول له:<br />
هذا الذي فهمته شيء فهمه النيب صلى هللا عليه وسلم وصحابته أم ال؟ فإن قال مل يفهموه. فنقول له فأنت فهمت<br />
ما مل يفهموه، وحكمت على نفسك ابلضاللة وأن ما فهمته ليس من ديننا، ألن الدين اكتمل يف حياته صلى هللا عليه<br />
وسلم، قال هللا تعاَل: }ا ْليَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُ ْم{ وفهمك هذا مردود ساقط »من عمل عمال ليس عليه أمران فهو<br />
رَدٌّ«، وقد خَرَجْتَ هبذا الفهم الفاسد عن هدي الرسول صلى هللا عليه وسلم وعن سبيل صحابته، قال تعاَل: }وَ مَنْ<br />
يُشَاقِقْ الرَّ سُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَ يَتَّبِْْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْ مِنِينَ نُوَ لِهِ مَا تَوَ لَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سَاءَ ْت<br />
. 7 مَصِ ير ً ا{<br />
- 1 سورة العنكبوت، اآلية:<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
293<br />
47<br />
61<br />
- 3 متفق عليه<br />
- 4 متفق عليه عن زيد بن أرقم<br />
- 5 رواه مسلم عن بريدة<br />
- 6 )فتح الباري 278/7<br />
- 7 سورة النساء، اآلية:<br />
291( و)صحيح مسلم بشرح النووي<br />
)185/12<br />
115
ن<br />
أما إن قال بل فهموا ما فهمه هو، فنقول له: قد كانت سريهتم ِبالف هذا الفهم، فإما أنه احلق وهم خالفوه وال<br />
يقول هبذا إال زنديق، وإما أنه الباطل والضاللة فليس هو فهمهم وال عملهم.<br />
الثاين: أما قول هللا تعاَل: }وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قَاجْنَحْ لَهَا{<br />
1<br />
، فستأِت أقوال السلف <strong>في</strong>ها يف الفقرة )11(.<br />
الثالث: وأما قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »التتمنوا لقاء العدو« فقد رواه البخاري عن عبد هللا بن أيب أوىف<br />
« نأ<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف بعض أايمه اليت لقي <strong>في</strong>ها، انتظر حىت مالت الشمس، ُث قام يف الناس خطيبا<br />
فقال: أيها الناس التتمنوا لقاء العدو، وسلوا هللا العا<strong>في</strong>ة، فإذا لقيتموهم فاصربوا، واعلموا أن اجلنة حتت ظالل<br />
2<br />
السيوف، ُث قال: اللهم منزل الكتاب وجمري السحاب، وهازم األحزاب، اهزمهم وانصران عليهم« . قلت: واضح من<br />
احلديث أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال يف إحدى غزواته لقوله: )يف بعض أايمه اليت لقي <strong>في</strong>ها( أي العدو كما<br />
رواه مسلم، وقوله: »فإذا لقيتموهم فاصربوا« وقوله: »اهزمهم وانصران عليهم«، فكيف يستدل هبذا احلديث على ترك<br />
اجلهاد وهو إَّنا قاله صلى هللا عليه وسلم يف أثناء الغزو؟ ُث إن احلديث مشتمل على احلض على القتال وااللتحام<br />
ابلعدو، وذلك يف قوله: »واعلموا أن اجلنة حتت ظالل السيوف« ومعلوم أن املقاتل ال يكون حتت ظالل السيوف إال<br />
3<br />
عند االلتحام بعدوه حيث يعلو كل منهما صاحبه بسيفه . فكونه صلى هللا عليه وسلم قال هذا احلديث أثناء توجهه<br />
للقتال، وكونه حض على القتال يف نفس احلديث، يدل على أن النهي عن متين العدو ليس على إطالقه وإَّنا هو من<br />
جهة خاصة، وهي التحذير من العُجْب والوثوق ابلقوة، وما أشار إليه ابن حجر يف شرحه هلذا احلديث قال: ]إَّنا هنى<br />
عن متين لقاء العدو ملا <strong>في</strong>ه صورة الإعجاب والإتكال على النفوس والوثوق ابلقوة وقلة االهتمام ابلعدو، وكل ذلك<br />
يباين االحتياط واألخذ ابحلزم. وقيل: حيمل النهي على ما إذا وقع الشك يف املصلحة أو حصول الضرر، وإال فالقتال<br />
5<br />
4<br />
فضيلة وطاعة[ ، وقال النووي مثله . قلت: ومما يدل على أن النهي عن متين لقاء العدو ليس على إطالقه، متين أنس<br />
بن النضر<br />
عن أنس بن مالك<br />
<br />
لقاء العدو مبحضر من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ومل ينكر عليه، وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري ومسلم<br />
قال: غاب عمي أنس بن النضر رضي هللا عنه عن قتال بدر، فقال: اي رسول هللا غبت عن أول<br />
قتال قاتَلْتَ املشركني، لئن هللا أشهدين قتال املشركني لَريََيَن هللا ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف املسلمون فقال:<br />
اللهم إين أعتذر إليك مما صنع هؤالء يعين أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤالء يعين املشركني ُث تقدم فاستقبله<br />
سعد بن<br />
معاذ فقال: اي سعد بن معاذ اجلنة ورب النضر، إين أجد رحيها من دون أحد! قال سعد فما استطعت اي<br />
رسول هللا ما صَنَعَ!<br />
قُتِل<br />
َ<br />
قال أنس: فوجدان به بضعا ومثانني ضربة ابلسيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدانه قد<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
294<br />
61<br />
- 2 حديث 2865<br />
و2866<br />
- 3 )فتح الباري )33/6<br />
- 4 )فتح الباري )156/6<br />
- 5 )صحيح مسلم بشرح النووي 45/12<br />
)46
ومَثملَ به املشركون، فما عَرَفه أحد إال أخته بِبَنَانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه اآلية نزلت <strong>في</strong>ه ويف أشباهه:<br />
}مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ رِ جَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا َّللاَّ َ عَلَيْهِ قَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ{ أ ه . قلت فهذا الصحايب اجلليل متىن<br />
لقاء العدو، وصدق هللا يف ذلك، وهبذا ترى أن النهي عن متين لقاء العدو إَّنا هو من جهة العُجْب والفخر ومها<br />
مذمومان، وهبذا ترى فساد هذه الشبهة اليت يتعلل هبا بعض الزائغني لإنكار جهاد الطلب الذي جعله هللا تعاَل وسيلة<br />
1<br />
لإظهار الدين، قال تعاَل: }وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى الَ تَكُونَ قِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{ ، وقال تعاَل: }لِيُظْهِرَ هُ عَلَى<br />
3<br />
2<br />
الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُونَ{ ، وقال تعاَل: }حَتَّى يُعُِْوا الْجِ زْ يَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُ ونَ{ . قال ابن القيم<br />
رمحه هللا: ]واملقصود من اجلهاد إَّنا أن تكون كلمة هللا هي العليا ويكون الدين كله هلل[ وقال: ]فإن من كون الدين<br />
كله هلل إذالل الكفر وأهله وصغاره وضرب اجلزية على رؤوس أهله والرق على رقاهبم، فهذا من دين هللا، وال يناقض<br />
هذا إال ترك الكفار على عِزِّهم وإقامة دينهم كما حيبون حبيث تكون هلم الشوكة والكلمة[ . 4<br />
قلت: وال تناقض بني ما سبق وبني قوله تعاَل: }ال إِكْرَ اهَ قِي الدِينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّ شْدُ مِنْ الغَي ِ{<br />
5<br />
، فالقتال واجب<br />
حىت تكون كلمة هللا هي العليا وال يتأتى ذلك إال بغلبة املسلمني لعدوهم وعلو أحكام الإسالم على البالد املفتوحة،<br />
أم عن أهل هذه البالد فمن أسلم <strong>في</strong>ها ونعمت، ومن استمر على كفره فال يُكره على اعتناق الإسالم، بل يبقى على<br />
كفره ولكن حتت حكم املسلمني، فالإكراه املن<strong>في</strong> يف سورة البقرة }ال إِكْرَ اهَ قِي الدِي ِن{ هو الإكراه على الإميان، أما<br />
الكراهة املثبتة يف آية التوبة }لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُو َن{ فهي كراهيتهم لعلو حكم الإسالم عليهم<br />
مع بقائهم على دينهم.<br />
وقد تقرر يف الشريعة قَبول اجلزية من أهل الكتاب ومَنْ يف حكمهم }حَتَّى يُعُِْوا الْجِ زْ يَةَ{ وال يكرهون على<br />
6<br />
الإسالم، أما عَبَدَة األوَثن ف<strong>في</strong> قبول اجلزية منهم خالف .<br />
قلت: وينبغي أن يعلم املسلم أن الإميان يكون جهاد الطلب واجبا على املسلمني معناه مصادمة القوانني الدولية<br />
املعاصرة اليت حترم اعتداء الدول بعضها على بعض ومتنع امتالك أراضي األرض الغري ابلقوة، هذه القوانني اليت يتحايل<br />
7<br />
عليها األقوايء الذين وضعوها. ولكن قال هللا تعاَل: }قَال تَخْشَوْ ا النَّاسَ َواخْشَوْ نِي{ ، وقال تعاَل: }وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ<br />
9<br />
مَنْ يَنصُرُ هُ{ ، وهذه األحكام كلها منوطة ابلقدرة واالستطاعة. وهذه االستطاعة جيب حتصيلها حني العجز لتحقيق<br />
295<br />
س- 1<br />
ورة اآلنفال، اآلية:<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
38<br />
33<br />
وسورة الصف، اآلية<br />
8<br />
28<br />
- 4 )أحكام أهل الذمة البن القيم 19( / 1<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
256<br />
- 6 وراجع تفسري }ال إِكْرَ اهَ قِي الدِي ِن{يف تفسري ابن كثري.<br />
- 7 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 9 سورة احلج، اآلية:<br />
44<br />
41
هذه الواجبات، قال تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ وَ مِنْ رِ بَاِِ الْخَيْ ِل<br />
وَ آخَرِ ينَ مِنْ دُونِهِمْ ال تَعْلَمُونَهُمْ َّللاَّ ُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ يُوَ فَّ إِلَيْكُ ْم<br />
تُرْ هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ َّللاَّ ِ وَ عَدُوَّ كُ ْم<br />
وَ أَنْتُمْ ال تُظْلَمُو َن{ . 1<br />
)فقرة 7( والجهاد فرض كفاية ويتعين <strong>في</strong> مواضع.<br />
قال ابن قدامة: ]معىن فرض الكفاية الذي إن مل يقم به من يك<strong>في</strong> أُث الناس كلهم، وإن قام به من يك<strong>في</strong> سقط عن<br />
سائر الناس. فاخلطاب يف ابتدائه يتناول اجلميع كفرض األعيان ُث خيتلفان يف ألن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض<br />
الناس له، وفرض األعيان ال يسقط عن أحد بفعل غريه[.<br />
ُث قال يف الدليل على أن اجلهاد فرض على الكفاية ]ولنا قول هللا تع اَل: }ال يَسْوتَوِي الْقَاعِودُونَ مِونْ الْمُوؤْ مِنِينَ غَيْو ُر<br />
أُوْ لِي الضَّرَ رِ وَ الْمُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ قَضَّلَ َّللاَّ ُ الْمُجَاهِدِينَ بِوأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِوهِمْ عَلَوى الْقَاعِودِي َن<br />
دَرَ جَةً وَ كُال وَ عَدَ َّللاَّ ُ الْحُسْونَى{ ، 2 وه ذا ي دل عل ى أن القاع دين غ ري آمث ني م ع جه اد غ ريهم، وق ال هللا تع اَل: }وَ مَوا<br />
كَانَ الْمُؤْ مِنُونَ لِيَنفِرُ وا كَاقَّةً قَلَوْ ال نَفَرَ مِونْ ِ كُول قِرْ قَوةٍ مِونْهُمْ َِائِفَوةٌ لِيَتَفَقَّهُووا{ ، 3 ألن رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم<br />
كان يبعث السرااي ويقيم هو وسائر أصحابه[ . 4<br />
ُث قال ابن قدامة: ويتعني اجلهاد يف ثالثة مواضع:<br />
)أحدها( إذا التقا الزحفان وتقابل الصفان حَرُمَ على من حضر الإنصراف وتعني عليه املقام لق ول هللا تع اَل: }يَاأَيُّهَوا<br />
الَّوذِينَ آمَنُووا إِذَا لَقِيوتُمْ قِئَوةً قَواثْبُتُوا وَ اذْكُورُ وا َّللاَّ َ ً كَثِيورا لَعَلَّكُومْ تُفْلِحُوو َن وَ أَِِيعُووا َّللاَّ َ وَ رَ سُوولَهُ وَ ال تَنَوازَ عُوا قَتَفْشَولُوا<br />
وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا إِنَّ َّللاَّ َ مََْ الصَّابِرِ ينَ{ ، 5 وقوله تع اَل: }يَاأَيُّهَا الَّوذِينَ آمَنُووا إِذَا لَقِيوتُمْ الَّوذِينَ كَفَورُ وا زَ حْفًوا<br />
قَال تُوَ لُّوهُمْ األْ َدْبَارَ وَ مَنْ يُوَ لِهِمْ يَوْ مَئِذٍ دُبُرَ هُ إِال مُتَحَرِ قًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَي ً ِزا إِلَى قِئَةٍ قَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِ ْن َّللاَّ ِ{ 6 .<br />
)الثاين( إذا نزل الكفار ببلد تعني على أهله قتاهلم ودفعهم.<br />
)الثالث( إذا استنفر اإلمام قوما لزمهم النفري معه، لقول هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُ وا<br />
قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى األَرْ ضِ<br />
9<br />
7<br />
} ، اآلية واليت بعدها، وقال النيب صلى هللا عليه وسلم : »إذا استُنْفِرمت فانفروا«[ .<br />
قلت: ودليل املوضع الثاين هو نفس دليل املوضع األول }إِذَا لَقِيتُمْ قِئَةً قَاثْبُتُوا{ و}إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُ وا زَ حْفًا قَال<br />
تُوَ لُّوهُمْ األَدْبَارَ } ألن نزول الكفار ببلد املسلمني هو مثل التقاء الزحفني وتقابل الصفني.<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
296<br />
)365<br />
61<br />
85<br />
122<br />
- 4 )املغين والشرح الكبري 364 / 11<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 6 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
)366<br />
46<br />
16<br />
45<br />
15<br />
39<br />
- 9 )املغين والشرح الكبري 365 / 11
قلت: وقد سبق يف الباب الثاين من هذه الرسالة ذكر شروط وجوب اجلهاد وهي تسعة يف فرض الكفاية )الإسالم<br />
والبلوغ والعقل واحلرية والذكورية والسالمة من الضرر ووجود النفقة وإذن الوالدين وإذن الغرمي والدائن( ، 1 أما يف فرض<br />
العني فهي اخلمسة األُوَل فقط.<br />
كذلك فقد ذكرت يف الباب الثاين األعذار الشرعية املبيحة لرتك اجلهاد، واألعذار غري الشرعية.<br />
)فقرة 8( والتدريب العسكري واجب على كل مسلم.<br />
وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الثاين من هذه الرسالة، ووجه وجوبه على كل مسلم من غري ذوي األعذار الشرعية،<br />
هو أن اجلهاد يكون فرض<br />
عليها، وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.<br />
عني يف مواضع ذكرهتا آنفا، وال يتأتى اجلهاد خاصة مع تطور األسلحة إال ابلتدريب<br />
كذلك فإن التدريب جزء من ال<strong>إعداد</strong> الواجب بقوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، 2 وفسر النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم<br />
القوة بقوله: »أال إن القوة الرمي«<br />
3<br />
ثالَث ، وال يك<strong>في</strong> أن يتدرب املرء مرة يف حياته ُث يدع، بل الواجب<br />
أن يواظب على التدريب ليظل حمتفظا بكفاءته القتالية، وهذه املواظبة تستفاد من قوله صلى هللا عليه وسلم<br />
4<br />
الرمي ُث تركه فليس منا« ، وهذا احلديث يبني وجوب<br />
5<br />
الَّذِينَ كَفَرُ وا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ قَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَ احِ دَةً{ .<br />
َ<br />
من عَلِم «<br />
الإستعداد الدائم للجهاد، ومن هذا الباب قول هللا تعاَل: }وَ َّد<br />
وهنا ينبغي التنبيه على أن التدريب ليس بشرط لوجوب اجلهاد )وقد ذكرت هذه الشروط يف فقرة 7( خاصة إذا نزل<br />
العبد ببلد املسلمني وتعني قتاله، قال ابن تيمية رمحه هللا: ]وأما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل عن احلرمة<br />
والدين، فواجب إمجاعا. فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه. فال يشرتط<br />
له شرط، بل يدفع حبسب الإمكان[ ، 6 قلت: أي أنه إذا وجب اجلهاد <strong>في</strong>جب على كل مسلم من غري ذوي األعذار<br />
الشرعية املشاركة يف قتال العدو وإن مل يكن متدراب، على أال يستخدم سالحا أو آلة حربية ال يعرفها حىت ال يضر<br />
نفسه وإخوانه، ملا روي عن النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
ابلعمل الذي حيدده له أمريه يف اجلهاد يف حدود استطاعته.<br />
أنه قال:<br />
»ال ضرر وال ضرار«.<br />
وعلى أن يلتزم كل مسلم<br />
- 1 )املغين والشرح الكبري ج 11 ص 366 و391(<br />
- 2 سورة األنفال: اآلية:<br />
297<br />
.61<br />
- 3 رواه مسلم عن عقبة بن عامر.<br />
- 4 رواه مسلم عن عقبة بن عامر.<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
112<br />
- 6 الإختيارات الفقهية ص 318
)فقرة 9( واألمة المسلمة أمة مجاهدة، <strong>في</strong>جب أن تصاغ سياستها وفقا<br />
لهذه الصفة.<br />
من الفقرات السابقة تعلم أن املسلمني مكلفون جبهاد الطلب وجهاد الدفع، وأن اجلهاد قد يكون فرض كفاية أو<br />
فرض عني عليهم، وأن التدريب العسكري واجب وجتب املواظبة عليه. فإذا نظران إَل جهاد الطلب وهو قصد العدو<br />
يف داره، فإن مجهور العلماء على أنه جيب على املسلمني فعله مرة واحدة يف السنة، وهذا هو أدىن الواجب، وال مينع<br />
من هذا إال عجز ابملسلمني أو صلح مع العدو. ويرى آخرون أنه جيب كلما أمكن ذلك دون حتديد بعدد.<br />
والذين أوجبوه مرة واحدة يف العام وهم اجلمهور حجتهم أن اجلزية جتب على غري املسلمني يف دار الإسالم بدال من<br />
1<br />
اجلهاد، وأهنا جتب مرة واحدة يف العام ابلإمجاع، فليكن مبدهلا وهو اجلهاد مرة واحدة يف العام .<br />
قلت: وهذا احلكم ميكن استنباطه كذلك من قوله تعاَل: { أَوَ ال يَرَ وْ نَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ قِي ِ كُل عَامٍ مَرَّ ةً أَوْ مَرَّ تَيْنِ ثُومَّ ال<br />
يَتُوبُونَ وَ ال هُمْ يَذَّكَّرُ ونَ{ ، 2 ونقل ابن كثري يف تفسريها عن قتادة قوله: )يفتنون ابلغزو يف السنة مرة أو مرتني(.<br />
قال القرطيب<br />
يف جهاد الطلب: ]وقسم َثن من واجب اجلهاد فرض أيضا على الإمام إغزاء طائفة إَل العدو كل سنة<br />
مرة خيرج معهم بنفسه أو خيرج من يثق به ليدعوهم إَل الإسالم ويرغمهم ويكف أذاهم، ويظهر دين هللا عليهم حىت<br />
يدخلوا يف الإسالم أو يعطوا اجلزية عن يد، ومن اجلهاد أيضا ما هو انفلة، وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث<br />
3<br />
السرااي يف أوقات الغِرمة وعند إمكان الفرصة، والإرصاد هلم ابلرابط يف موضع اخلوف وإظهار القوة[ . قلت: فالقرطيب<br />
كاجلمهور اعترب الواجب مرة يف العام وما زاد عن ذلك فهو انفلة.<br />
فإذا نظران إَل هذا الواجب وإذا أخذان يف االعتبار وجوب الإستعداد الدائم للجهاد الوارد يف قوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا<br />
4<br />
لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، علمنا أن األمة الإسالمية أمة جماهدة يف املقام األول، وحىت تتمكن من أداء هذه<br />
الواجبات ينبغي أن تساغ سياساهتا اخلارجية والداخلية لتحقيق هذه الواجبات، فالسياسة التعليمية والصناعة والزراعة<br />
والتجارة والإسكان وغريها، كل هذا ينبغي أن خيَُطمط ويُسَخمر خلدمة اجلهاد، قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »املؤمن<br />
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا«<br />
وشبك بني أصابعه . 5 وقال صلى هللا عليه وسلم :<br />
وترامحهم وتعاطفهم كمثل اجلسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر اجلسد ابحلمى والسهر« . 6<br />
»مثل املؤمنني يف توادهم<br />
298<br />
- 1 )انظر املغين والشرح الكبري 367 / 11 و369(<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
126<br />
- 3 تفسري القرطيب 152 / 9<br />
- 4 سورة األنفال: اآلية:<br />
.61<br />
- 5 متفق عليه عن أيب موسى<br />
- 6 متفق عليه عن النعمان بن بشري
)فقرة 11( وال يمنع المسلمين من الجهاد إال العجز، ويجب اإلعداد حينئذ<br />
وذلك لقوله تعاَل: }قَال تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ َن{ ، 1 فما دامت ابملسلمني قوة وكانوا أعلى من<br />
عدوهم فال سِ لْم وال هدنة وال صلح، بل القتال حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل. وذلك ألن آخر ما نزل يف<br />
اجلهاد هو قوله تعاَل: }قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ كِينَ حَيْثُ وَ جَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُ وهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ ُكلَّ مَرْ صَدٍ قَإِ ْن<br />
تَابُوا وَ أَقَامُوا الصَّالةَ وَ آتَوْ ا الزَّ كَاةَ قَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ َّللاَّ َ غَفُورٌ رَ حِ يمٌ{ ، 2 فهذه اآلية وآية اجلزية بنفس الصورة أمر<br />
ابلقتال العام، وهو من أواخر ما أنزل من القرآن، فال انسخ له، روى البخاري عن الرباء<br />
<br />
براءة( . 3<br />
قال: )آخر سورة نزلت<br />
وهكذا فَعَل النيب صلى هللا عليه وسلم واخللفاء من بعده يف قتال املشركني وأهل الكتاب كما َيِت يف الفقرة )13(،<br />
وال مينع من هذا إال العجز ولذلك ترى الكافرين جيتهدون يف منع املسلمني من حيازة السالم، كما قال تعاَل: }وَ َّد<br />
4<br />
الَّذِينَ كَفَرُ وا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ قَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَ احِ دَةً{ . وقد كررت يف هذه الرسالة أنه إذا<br />
5<br />
منع من اجلهاد عجزٌ وَجَب االستعداد، لآلية }وَ أَعِدُّوا لَهُ ْم{، وهكذا قال ابن تيمية رمحه هللا .<br />
مما سبق تعلم أن األصل يف العالقة بني املسلمني والكافرين هو القتال وأن الإستثناء منه هو السلم يف صورة هدنة أو<br />
صلح وأنه ال يلجأ إَل هذا االستثناء إال لضرورة من عجز وحنوه، وذلك لقوله تعاَل: }قَال تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْ ِم<br />
6<br />
وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ نَ{ .<br />
أما اآلية احملتج هبا فال حجة <strong>في</strong>ها إذ إهنا حممولة على جواز املساملة بشرط حاجة املسلمني لذلك وهذا الشرط تبينه<br />
اآلية األوَل }قَال تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمْ األَعْلَوْ َن{<br />
7<br />
، فآية األنفال ختت<br />
حبال وهو كون املساملة يف مصلحة<br />
املسلمني وحيتاجون إليها، أما آية سورة حممد صلى هللا عليه وسلم فهي ختت حبال آخر وهو كون املساملة ليست يف<br />
مصلحة املسلمني وذلك عندما تكون هبم قوة يقهرون هبا عدوهم فإنه ال توجد املساملة حينئذ هلذه اآلية وألن يف هذا<br />
عدول عن األصل املطلوب وهو إظهار دين الإسالم على ماعداه، لقوله تعاَل: }وَ قَاتِلُوهُمْ َحتَّى ال تَكُونَ قِتْنَةٌ<br />
8<br />
9<br />
وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{ ، وقوله تعاَل: }لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُونَ{ ، هذا هو األصل املقصود:<br />
- 1 سورة حممد، اآلية:<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
299<br />
35<br />
5<br />
- 3 حديث: 4654<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
112<br />
- 5 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 6 سورة حممد، اآلية:<br />
- 7 سورة حممد، اآلية:<br />
- 9 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 8 سورة التوبة، اآلية:<br />
38<br />
35<br />
35<br />
33
إظهار الإسالم بقتال املشركني فإما أن يسلموا ويعودوا إَل العبودية هلل رب العاملني، وإما أن يظلوا على كفرهم مؤدين<br />
اجلزية حتت حكم الإسالم جيري عليهم الصغار الالزم لكل من مترد على العبودية للواحد القهار، قال تعاَل: }حَتَّى<br />
2<br />
1<br />
يُعُِْوا الْجِ زْ يَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صَاغِرُ ونَ{ ، وقال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ أُوْ لَئِكَ قِي األَذَلِي َن{ .<br />
3<br />
قال ابن كثري يف تفسري آية األنفال }وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قَاجْنَحْ لَهَا{ ، قال: ]قال ابن عباس وجماهد وزيد بن أسلم<br />
وعطاء اخلرساين وعكرمة واحلسن وقتادة إن هذه اآلية منسوخة ِبية السيف يف براءة }قَاتِلُوا الَّذِينَ ال يُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ<br />
وَ ال بِالْيَوْ مِ اآلخِ رِ } اآلية، و<strong>في</strong>ه نظر أيضا، ألن آية براءة <strong>في</strong>ها األمر بقتاهلم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفا<br />
فإنه جيوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه اآلية الكرمية، وكما فعل النبيصلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية، فال منافاة وال<br />
نسخ وال ختصي<br />
أعلم[أه . وهللا<br />
وقال ابن حجر يف نفس اآلية }وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قَاجْنَحْ لَهَا{ قال: ]هذه اآلية دالة على مشروعية املصاحلة مع<br />
املشركني إَل قوله ومعىن الشرط يف اآلية أن األمر ابلصلح مقيد مبا إذا كان األحظ لإلسالم املصاحلة، أما إذا كان<br />
الإسالم ظاهرا على<br />
ا اجة ال وجو املساملة.<br />
4<br />
الكفر ومل تظهر املصلحة يف املصاحلة فال[ . فاآلية احملتج هبا دالة على مشروعية املساملة عند<br />
قلت: وال ينبغي أن يفهم مما سبق أن الإسالم ال يدعو إَل السالم، بل يدعو إليه ولكن من منظوره اخلاص، بل هو<br />
5<br />
يريد هذا جبميع اخللق، قال تعاَل: }وَ َما أَرْ سَلْنَاكَ إِال رَ حْمَةً لِلْعَالَمِي َن{ . وقال تعاَل: }َّللاَّ ُ وَ لِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا<br />
7<br />
6<br />
يُخْرِ جُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } ، وقال تعاَل: }وَ ال تُفْسِدُوا قِي األْ َرْ ضِ بَعْدَ إِصْالحِ هَا{ ، وقال تعاَل: }إِنَّ<br />
َّللاَّ َ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ<br />
9<br />
وَ اإلِ حْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْ بَى وَ يَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنكَرِ وَ الْبَغْيِ{ . هذا هو السالم يف مفهوم<br />
الإسالم: الرمحة ابخللق وإخراجهم من الظلمات إَل النور واحلض على مكارم األخالق وحتريرهم من العبودية للبشر<br />
8<br />
}وَ ال يَتَّخِ ذَ بَعْضُنَا بَعْض ًا أَرْ بَابًا مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ ، والنهي عن الفساد يف األرض. فما مل يتحقق هذا وجب اجلهاد<br />
}حَتَّى ال تَكُونَ قِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{.<br />
195<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 2 سورة اجملادلة: اآلية:<br />
- 3 سورة األنفال، اآلية:<br />
28<br />
21<br />
61<br />
- 4 فتح الباري 275 / 6 و276<br />
- 5 سورة األنبياء،<br />
117 اآلية:<br />
- 5 سورة األنبياء،<br />
اآلية:<br />
- 6 سورة البقرة، اآلية:<br />
117<br />
257<br />
- 7 سورة األعراف، األيتان:<br />
- 9 سورة النحل، اآلية:<br />
56<br />
81<br />
- 8 سورة آل عمران، اآلية:<br />
64<br />
311
)فقرة 11( والهجرة ال تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »وأان آمركم ِبمس، هللا أمرين هبن، اجلماعة والسمع والطاعة واهلجرة واجلهاد يف<br />
1<br />
سبيل هللا« .<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
«<br />
مغرهبا« . 2<br />
واهلجرة جتب ألسباب، منها:<br />
= 0<br />
ال تنقطع اهلجرة حىت تنقطع التوبة، وال تنقطع التوبة حىت تطلع الشمس من<br />
الفرار ابلدين مبفارقة املشركني خشية الفتنة يف الدين، وهي اهلجرة من دار الكفر إَل دار الإسالم أو إَل دار<br />
األمن ملن استطاع ذلك.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
«أان بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني ال تراءى انرمها» . 3<br />
وروى البخاري عن عطاء بن أيب رابح قال زرت عائشة مع عُبيد بن عُمري الليثي، فسألناها عن اهلجرة، فقالت:<br />
(ال<br />
هجرة اليوم، كان املؤمنون يفر أحدهم بدينه إَل هللا تعاَل وإَل رسوله صلى هللا عليه وسلم خمافة أن يفنت عليه، فأما<br />
اليوم فقد أظهر هللا الإسالم، واليوم ي َعْبُد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية) 4 ،قلت: واهلجرة اليت نفتها السيدة عائشة<br />
رضي هللا عنها هي اهلجرة من دار الإسالم لقوهلا: )ال هجرة اليوم( وكانوا يف دار الإسالم، ُث قررت سبب اهلجرة أبنه<br />
الفرار ابلدين خشية الفتنة.<br />
= 2<br />
اهلجرة كمقدمة للجهاد يف سبيل هللا.<br />
كما يف حديث احلارث األشعري السابق، مرفوعا:<br />
واهلجرة واجلهاد» فجعل اهلجرة مقدمة وقرينة للجهاد.<br />
«وأان آمركم ِبمس، هللا أمرين هبن: اجلماعة والسمع والطاعة<br />
- 1 رواه أمحد عن احلارث األشعري، وصححه األلباين.<br />
- 2 رواه أبو داود عن معاوية وصححه األلباين إرواء الغليل 33 / 5<br />
- 3 رواه أبو داود والرتمذي عن جرير، وصححه األلباين إرواء الغليل 31 / 5<br />
310<br />
- 4 حديث 3811<br />
- 5 سورة النحل،اآلية: 111<br />
- 3 رواه أبو داود والرتمذي عن جرير، وصححه األلباين إرواء الغليل 31 / 5<br />
- 4 حديث 3811<br />
- 5 سورة النحل،اآلية: 111<br />
- 4 حديث 3811<br />
- 5 سورة النحل،اآلية: 111
وق ال هللا تع اَل: }ثُومَّ إِنَّ رَ بَّوكَ لِلَّوذِينَ هَواجَرُ وا مِونْ بَعْودِ مَوا قُتِنُووا ثُومَّ جَاهَودُوا وَ صَوبَرُ وا إِنَّ رَ بَّوكَ مِونْ بَعْودِهَا لَغَفُوو ٌر<br />
رَ حِ يمٌ{ ، 1 فلم تكن اهلجرة بعد الفتنة هي هناية املطاف وإَّنا كانت مقدمة ملرحلة اتلية وهي اجلهاد والصرب.<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
«ال تنقطع اهلجرة مادام العدو ي ُقَاتَل» .<br />
وقد أسلفت يف هذه الرسالة أن اجلهاد ماض حىت يقاتِل املسلمون املسيح الدجال مع عيسى بن مرمي ، هذا هو<br />
آخر جهاد يف سبيل هللا تعاَل كما ثبت ابألدلة.<br />
واهلجرة كمقدمة للجهاد إما أن تكون بغرض نصرة املسلمني اجملاهدين يف بلد آخر، وإما أن تكون بغرض الإستعداد<br />
ومجع األعوان ليعود املسلم للجهاد يف بلده.<br />
ويف حكم اهلجرة يقول ابن قدامة: ]"فصل يف اهلجرة" وهي اخلروج من دار الكفر إَل دار الإسالم قال هللا تعاَل: }إِ من<br />
المذِينَ تَوَفماهُمْ الْمَالئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِ هِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنما مُسْتَضْعَفِنيَ يفِ األَرْضِ قَالُوا أَملَْ تَكُنْ أَرْضُ اَّللمِ وَاسِ عَةً<br />
فَتُهَاجِ رُوا فِيهَا{اآلايت3، وروي عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال: «أان بريء من مسلم بني مشركني التراءا<br />
انرامها» 4 ،ومعناه ال يكون مبوضع يرى انرهم ويرون انره إذا أوقدت وأخبار سوى هذين كثرية، وحكم اهلجرة ابق ال<br />
ينقطع إَل يوم القيامة يف قول عامة أهل العلم وقال قوم قد انقطعت اهلجرة ألن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
«ال<br />
هجرة بعد الفتح» وقال: «قد انقطعت اهلجرة ولكن جهاد ونية» وروي أن صفوان بن أمية ملا أسلم قيل له ال دين ملن<br />
مل يهاجر فأتى املدينة فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : «ما جاء بك أاب وهب؟ قال قيل إنه ال دين ملن مل يهاجر<br />
قال: «ارجع أاب وهب إَل أابطح مكة أقروا على مساكنكم فقد انقطعت اهلجرة ولكن جهاد ونية» وروى ذلك كله<br />
سعيد. ولنا ما روى معاوية قال مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول: «ال تنقطع اهلجرة حىت تنقطع التوبة وال<br />
تنقطع التوبة حىت تطلع الشمس من مغرهبا» 5 ،وروي عن النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
اجلهاد»<br />
أنه فال: «ال تنقطع اهلجرة ما كان<br />
رواه سعيد وغريه مع إطالق اآلايت واألخبار الدالة عليها وحتقق املقتضى هلا يف كل زمان، أما األحاديث<br />
األول فأراد هبا ال هجرة بعد الفتح من بلد قد فُتِحَ وقوله لصفوان أن اهلجرة قد انقطعت يعين من مكة ألن اهلجرة<br />
اخلروج من بلد الكفار فإذا فُتِحَ مل يبق بلد الكفار فال تبقى منه هجرة، وهكذا كل بلد فتح ال يبقى منه هجرة وإَّنا<br />
اهلجرة إليه إذا ثبت هذا فالناس يف اهلجرة على ثالثة أضرب:<br />
312<br />
- 1 سورة النحل،اآلية: 111<br />
- 2 رواه أمحد عن عبد هللا بن السعدي وصححه األلباين إرواء الغليل 33 / 5<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 رواه أبو داود<br />
- 5 رواه أبو داود<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
- 5 رواه أبو داود<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
87<br />
87<br />
87<br />
87
)أحدها( من جتب عليه<br />
وهو من يقدر عليها وال ميكنه إظهار دينه وال متكنه إقامة واجبات دينه مع املقام بني<br />
الكافرين فهذا جتب عليه اهلجرة لقول هللا تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَ قَّاهُمْ الْمَالئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا قِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا<br />
1<br />
مُسْتَضْعَفِينَ قِي األَرْ ضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْ ضُ َّللاَّ ِ وَ اسِعَةً قَتُهَاجِ رُ وا قِيهَا قَأُوْ لَئِكَ مَأْوَ اهُمْ جَهَنَّمُ وَ سَاءَتْ مَصِ ً يرا{ ،<br />
وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب وألن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه واهلجرة من ضرورة الواجب<br />
وتتمته وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.<br />
الَاين من ال هجرة عليه وهو من يعجز عنها إما ملرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم<br />
فهذا ال هجرة عليه لقول هللا تعاَل: }إِال الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِ جَالِ وَ الن ِسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ ال يَسْتَِِيعُونَ حِ يلَةً وَ ال<br />
يَهْتَدُونَ سَبِيال قَأُوْ لَئِكَ عَسَى َّللاَّ ُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كَانَ َّللاَّ ُ<br />
عليها.<br />
2<br />
عَفُوًّ ا ً غَفُورا{ ، وال توصف ابستحباب ألهنا غري مقدور<br />
والَالث من تستحب له وال جتب عليه، وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته يف دار الكفر،<br />
فتستحب له<br />
ليتمكن من جهادهم وتكَري املسلمني ومعونتهم، ويتخل من تكثري الكفار وخمالطتهم ورؤية املنكر<br />
بينهم، وال جتب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون اهلجرة، وقد كان العباس عم النيب صلى هللا عليه وسلم مقيما<br />
مبكة مع إسالمه، ورَوَينا أن نُعيم النحام حني أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له أقم عندان وأنت على<br />
دينك وحنن َّننعك ممن يريد أذاك واكفنا ما كنت تك<strong>في</strong>نا، وكان يقوم بيتامى بين عدي وأراملهم فتخلف عن اهلجرة<br />
مدة ُث هاجر، فقال له النيب صلى هللا عليه وسلم : «قومك كانوا خريا لك من قومي يل، قومي أخرجوين وأرادوا قتلي<br />
وقومك حفظوك ومنعوك» فقال اي رسول هللا بل قومك أخرجوك إَل طاعة هللا وجهاد عدوه وقومي ثبطوين عن اهلجرة<br />
وطاعة هللا أو حنو هذا القول. أه 3<br />
.515<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآليتان:<br />
88 -<br />
89<br />
87<br />
- 3 املغين والشرح الكبري ج 11 ص<br />
513<br />
- 4 متفق عليه<br />
- 5 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />
- 6 سورة احلجرات، اآلية:<br />
13<br />
313
21 فقرة<br />
والمسلمون أمة واحدة، والمسلم أخو المسلم وإن تباعدت ديارهما،<br />
ولكل حق النصرة.<br />
1<br />
قال هللا تعاىل: }إِنَّمَا الْمُؤْ مِنُونَ إِخْوَ ةٌ{، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: «املسلم أخو املسلم» ، وقال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : «املؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر اجلسد ابلسهر واحلمى»<br />
2<br />
.<br />
3<br />
وال تفاضل بني املسلمني إال ابلتقوى والعمل الصام، قال هللا تعاَل: }إِنَّ أَكْرَ مَكُمْ عِنْدَ َّللاَّ ِ أَتْقَاكُمْ{ ، وقال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : «ال فضل لعريب على عجمي وال لعجمي على عريب وال ألبيض على أسود وال ألسود على<br />
أبيض إال ابلتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب»<br />
4<br />
.<br />
والنصرة حق لكل مسلم على أخيه املسلم وإن تباعدت دايرمها، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : «املسلم<br />
أخو املسلم ال يظلمه وال يُسْلِمه، ومن كان يف حاجة أخيه كان هللا يف حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج هللا عنه<br />
5<br />
كربة من كرابت يوم القيامة، ومن سرت مسلما سرته هللا يوم القيامة ، وروى مسلم عن أيب هريرة مرفوعا: «املسلم أخو<br />
املسلم ال يظلمه وال خيَْذُله»<br />
<strong>في</strong>جب على كل مسلم نصرة إخوانه اجملاهدين وإن تباعدت الداير حبسب استطاعته، وال<br />
خيذله أمام عدوه، وال يسلمه لعدوه. كما قال القرطيب: ]إنه جيب نفري الكل وذلك إذا تعني اجلهاد بغلبة العدو على<br />
قطر من األقطار أو حبلوله ابلعُقْر، فإذا كان ذلك وجب على مجيع أهل تلك الدار أن ينفروا وخيرجوا إليه خفافا<br />
وثقاال، شبااب وشيوخا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغري إذنه ومن ال أب له، وال يتخلف أحد يقدر على<br />
اخلروج، من مُقَاتِل أو مُكَثِّر. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قارهبم وجاورهم أن خيرجوا<br />
314<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />
- 3 سورة احلجرات، اآلية:<br />
13<br />
- 2 رواه مسلم عن النعمان بن بشري<br />
- 3 سورة احلجرات، اآلية:<br />
- 3 سورة احلجرات، اآلية:<br />
13<br />
13<br />
- 4 رواه أمحد، وصححه األلباين يف شرح العقيدة الطحاوية وصحيح اجلامع الصغري 1791<br />
- 5 رواه البخاري عن ابن عمر<br />
- 6 تفسري القرطيب 151 / 9<br />
- 7 حاشية ابن عابدين<br />
- 9 سورة التوبة، اآلية:<br />
239 / 3<br />
24<br />
- 5 رواه البخاري عن ابن عمر<br />
- 6 تفسري القرطيب 151 / 9<br />
- 7 حاشية ابن عابدين<br />
- 9 سورة التوبة، اآلية:<br />
239 / 3<br />
24
على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حىت يعلموا أن <strong>في</strong>هم طاقة على القيام هبم ومدافعتهم. وكللك بكل من علم<br />
بضعفهم عن عدوهم<br />
1<br />
سواهم[ .<br />
وعلم أنه يدركهم وميكنه غياثهم لزمه أيضا اخلروج إليهم،<br />
فاملسلمون كلهم يد على من<br />
وقال ابن عابدين: ]وفرض عني إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسالم <strong>في</strong>صري فرض عني على من قرب منه، فأما<br />
من وراءهم ببُعد من العدو فهو فرض كفاية إذا مل حيُْتَجْ إليهم، فإن احتِيج إليهم أبن عجز من كان من قرب العدو عن<br />
املقاومة مع العدو أو مل يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ومل جياهدوا فإنه يفرتض على من يليهم فرض عني كالصالة<br />
2<br />
والصوم ال يسعهم تركه، وُثُم وُثُم إَل أن يفرتض على مجيع أهل الإسالم شرقا وغراب على هذا التدريج[أه ، وعلى هذا<br />
القول فقهاء املذاهب األربعة.<br />
قلت: ومن هذا ترى أن الرابطة الشرعية اليت تربط بني املسلمني هي رابطة الإنتماء لدين الإسالم، وهلذه الرابطة تبعات<br />
كالتعاون والتعاطف والنصرة وغريها. ولإضعاف هذه الرابطة الشرعية وابلتايل<br />
اخرتع الكافرون روابط بديلة:<br />
كرابطة األرني<br />
تفتيت وحدة املسلمني وتفريق مشلهم<br />
(الوطن)، وهي ما تسمى ابلرابطة الوطنية، وتفضي ابنتماء الناس لبلدهم وعدم التفريق بينهم على<br />
أساس دايانهتم، وتقضي هذه الرابطة أبم مصلحة الوطن مقدمة على كل شيء، وهذا ابطل شرعا، فال ينبغي<br />
أن<br />
يكون انتماء املسلم ووالءه لقطعة أرض، ألنه قد جيب عليه يف وقت ما هجرة هذه األرض يف سبيل هللا، بل قد تَوَعمد<br />
هللا سبحانه من قدمم حب الوطن على ما <strong>في</strong>ه رضا هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم يف قوله تعاَل: }قُلْ إِنْ كَا َن<br />
آبَاؤُكُمْ وَ أَبْنَاؤُكُمْ وَ إِخْوَ انُكُمْ وَ أَزْ وَ اجُكُمْ وَ عَشِيرَ تُكُمْ وَ أَمْوَ الٌ اقْتَرَ قْتُمُوهَا وَ تِجَارَ ةٌ تَخْشَوْ نَ كَسَادَهَا وَ مَسَاكِنُ تَرْ ضَوْ نَهَا<br />
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ جِ هَادٍ قِي سَبِيلِهِ قَتَرَ بَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ َّللاَّ ُ بِأَمْرِ هِ وَ َّللاَّ ُ ال يَهْدِي الْقَوْ مَ الْفَاسِقِي َن{<br />
،<br />
3<br />
فرابطة الوطن هي املشار إليها يف قوله تعاَل: }وَ مَسَاكِنُ تَرْ ضَوْ نَهَا{. وقال النيب صلى هللا عليه وسلم : «أان بريء<br />
من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني» . 4 وتقضي الرابطة الوطنية ابملساواة بني املسلم وغري املسلم يف البلد الواحد<br />
315<br />
- 1 تفسري القرطيب 151 / 9<br />
- 2 حاشية ابن عابدين<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 2 حاشية ابن عابدين<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
239 / 3<br />
24<br />
239 / 3<br />
24<br />
24<br />
- 4 رواه أبو داود عن جرير وصححه األلباين<br />
- 5 رواه الدارقطين عن عائذ بن عمرو، وحسنه األلباين<br />
- 6 رواه البخاري عن جابر<br />
- 7 رواه مسلم<br />
- 9 سورة هود، اآلية:<br />
46
وهذا منكر، قال صلى هللا عليه وسلم :<br />
«الإسالم ي َعْلو وال ي ُعْلى» ، 1 كما تقضي الرابطة الوطنية أبن املسلم من غري<br />
أبناء البلد أجنيب عن املسلم <strong>في</strong>ه، وهذا من أنكر املنكرات فاملسلم أخو املسلم وإن تباعدت دايرمها.<br />
ومن الروابط اجلاهلية، رابطة القومية، وهي الإنتماء جلنس معني وقوم أبعينهم، يغضب هلم املرء ويقاتل من أجلهم<br />
ويعلى هذه الرابطة على ما سواها، وهذه هي دعوى اجلاهلية اليت قال <strong>في</strong>ها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : «دعوها<br />
3<br />
2<br />
فإهنا خبيثة» ، وحَكَم صلى هللا عليه وسلم على أن من قاتل من أجلها أبن «ميتته ميتة جاهلية» ، وهذه الرابطة<br />
القومية هي املشار إليها يف آية التوبة السابقة بقوله تعاَل: }وَ عَشِيرَ تُكُ ْم{ و<strong>في</strong>ها الوعيد على من قدمها على مرضاة<br />
هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم . وقد ضرب هللا سبحانه لنا مثال أبنبيائه ملا تربأوا من أقوامهم الكافرين، قال تعاَل:<br />
4<br />
}قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{ ، وقال تعاَل: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَ ةٌ حَسَنَةٌ قِي إِبْرَ اهِيمَ<br />
وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْ مِهِمْ إِنَّا بُرَ آءُ مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ كَفَرْ نَا بِكُمْ َوبَدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَ ةُ<br />
وَ الْبَغْضَاءُ أَبَد ًا حَتَّى تُؤْ مِنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ حْدَهُ{ . 5 وهذه اآلايت تبني أن الرابطة الشرعية هي الإميان ابهلل وحده وال اعتبار<br />
ألي رابطة سواها، فاملواالة واملعاداة متعلقتان ابلإميان }حَتَّى تُؤْ مِنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ حْدَهُ{.<br />
ومن الروابط اجلاهلية رابطة اللغة الواحدة أو اللون أو املصام املشرتكة<br />
وهي املذمومة يف قوله تعاَل: }وَ أَمْوَ ا ٌل<br />
6<br />
اقْتَرَ قْتُمُوهَا وَ تِجَارَ ةٌ تَخْشَوْ نَ كَسَادَهَا{ ، كل هذه الروابط ال اعتبار هلا خاصة عندما تتعارض مع ما تقتضيه أحكام<br />
الشريعة. وما أُبْرِزَت هذه الروابط إال أبيدي الكافرين لتفريق املسلمني وإشعال العداوات بينهم، وهو ما حذران هللا<br />
تعاَل منه بقوله: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُِِيعُوا قَرِ يق ًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُ دُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَاقِرِ ي َن<br />
قوله تعاَل<br />
إَل<br />
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا َّللاَّ َ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ ال تَمُوتُنَّ إِال وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُو َن وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ َال<br />
تَفَرَّ قُوا وَ اذْكُرُ وا نِعْمَةَ َّللاَّ ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء ً قَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ ان ًا<br />
إَل قوله تعاَل<br />
وَ ال<br />
- 1 رواه الدارقطين عن عائذ بن عمرو، وحسنه األلباين<br />
- 2 رواه البخاري عن جابر<br />
316<br />
- 3 رواه مسلم<br />
- 4 سورة هود، اآلية:<br />
46<br />
- 2 رواه البخاري عن جابر<br />
- 3 رواه مسلم<br />
- 4 سورة هود، اآلية:<br />
46<br />
- 3 رواه مسلم<br />
- 4 سورة هود، اآلية:<br />
- 4 سورة هود، اآلية:<br />
46<br />
46<br />
- 5 سورة<br />
املمتحنة، اآلية:<br />
- 6 سورة التوبة، اآلية:<br />
4<br />
24
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ قُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَي ِنَاتُ وَ أُوْ لَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ ، 1 وقال تعاَل: }إِنْ تُِِيعُوا<br />
الَّذِينَ كَفَرُ وا<br />
يَ ُردُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ قَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِ ي َن{ . 2<br />
املقصد مما سبق: أن يعلم املسلم أن املواالة والنصرة والبذل كل هذا يتعلق ابلرابطة الإميانية فقط، وال اعتبار ألي رابطة<br />
أخرى من روابط اجلاهلية يف هذا املقام، <strong>في</strong>حرم على املسلم أن يوايل أو ي ُقَاتِل على مثل هذه الروابط. وأن املسلم يف<br />
أقصى املشرق هو أخو املسلم يف أقصى املغرب وإن اختلف لونه أو قومه أو لغته، ونصرته ومعاونته يف احلق واجبة<br />
قدر الإستطاعة.<br />
13) (الفقرة<br />
ويجب البدء بقتال العدو األقرب.<br />
لقول هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِونْ الْكُفَّوا ِر{. ق ال اب ن قدام ة: ]مس ألة "ويقات ل ك ل ق وم م ن<br />
يليهم من العدو": واألصل يف هذا قول هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّا ِر{، وألن األق رب<br />
أكث ر ض ررا، ويف قتال ه دف ع ض رره ع ن املقابِ ل ل ه وعم ن وراءه، واالش تغال ابلبعي د عن ه ميَُكِّن ه م ن انته از الفرص ة يف<br />
املسلمني لإشتغاهلم عنه إَل أن قال إذا ثبت ه ذا ف إن ك ان ل ه ع ذر يف البداي ة ابألبع د لكون ه أخ وف أو املص لحة يف<br />
البداي ة ب ه لقرب ه وإمك ان الفرص ة من ه، أو لك ون األق رب مه ادان أو مين ع م ن قتال ه م انع ف ال أبس ابلبداي ة ابألبع د لكون ه<br />
موضع حاجة[ أه . 3<br />
وقال ابن كثري يف تفسري اآلية املذكورة: ]أمر هللا تعاَل املؤمنني أن يقاتلوا الكفار أوال فأوال األقرب فاألقرب إَل حوزة<br />
الإسالم، وهلذا بدأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقتال املشركني يف جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح هللا عليه مكة<br />
واملدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيرب وحضر موت وغري ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر<br />
أحياء العرب يف دين هللا أفواجا شرع يف قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إَل جزيرة العرب<br />
إَل أن قال وقام ابألمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق<br />
<br />
وقد مال الدين مَيْلة كاد أن ينجفل فثبته هللا<br />
تعاَل به فوطد القواعد وثبت الدعائم، ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إَل الإسالم، وأخذ الزكاة ممن منعها<br />
من الطعام، وبني احلق ملن جهله. وأدى عن رسول هللا ما محله، ُث شرع يف جتهيز اجليوش الإسالمية إَل الروم عَبَدَة<br />
الصلبان، وإَل الفرس عَبَدَة النريان، ففتح هللا بربكة سفارته البالد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العِبَاد،<br />
- 1 سورة آل عمران، األايت:<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
317<br />
115 إَل 111<br />
148<br />
- 3 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 372<br />
373<br />
(315<br />
(158<br />
- 4 (جمموع الفتاوى (534 / 29<br />
(479 / 29)<br />
-5<br />
- 6 (جمموع الفتاوى 159 / 25<br />
- 7 (البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />
- 9 سورة املائدة، اآلية:<br />
44
)<br />
وأنفق كنوزمها يف سبيل هللا كما أخرب بذلك رسول هللا، وكان متام األمر على يدي وصيه من بعده، ووَل عهده الفاروق<br />
األواب، شهيد احملراب، أيب حف<br />
عمر بن اخلطاب ، فأرغم هللا به أنوف الكفرة امللحدين، وقمع الطغاة واملنافقني،<br />
واستوَل على املمالك شرقا وغراب. إَل أن قال وكلما علوا أمة انتقلوا إَل من بعدهم ُث الذين يلوهنم من العتاة الفجار<br />
امتثاال لقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّا ِر{[أه .<br />
(14<br />
فقرة وقتال المرتدين الممتنعين مقدم على قتال الكفار األصليين.<br />
ألن املرتد أعظم جناية يف الدين وأشد خطرا، قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وقد استقرت السنة أبن عقوبة<br />
املرتد أعظم من عقوبة الكافر األصلي من وجوه متعددة. منها أن املرتد يقتل بكل حال، وال يضرب عليه جزية، وال<br />
تعقد له ذمة، ِبالف الكافر األصلي. ومنها أن املرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال، ِبالف الكافر األصلي الذي<br />
ليس هو من أهل القتال، فإنه ال يقتل<br />
عند أكثر العلماء كأيب حنيفة ومالك وأمحد، وهلذا كان مذهب اجلمهور أن<br />
املرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعي وأمحد. ومنها أن املرتد ال يَرِث وال يناكح وال تؤكل ذبيحته، ِبالف<br />
5<br />
4<br />
الكافر األصلي. إَل غري ذلك من األحكام[ . وقال أيضا: ]وكفر الردة أغلظ ابإلمجاع من الكفر األصلي[ .<br />
وقال رمحه هللا يف موضع آخر: ]والصديق<br />
<br />
وسائر الصحابة بدأوا جبهاد املرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب:<br />
فإن جهاد هؤالء حِ فْظ ملا فُتِح من بالد املسلمني، وأن يدخل <strong>في</strong>ه من أراد اخلروج عنه. وجهاد من مل يقاتلنا من<br />
املشركني وأهل الكتاب من زايدة إظهار<br />
6<br />
الدين. وحفظ رأس املال مقدم على الربح[ .<br />
قلت: فقد أمجع الصحابة على البدء بقتال املرتدين، وال يُشكل على هذا بعث أسامة بن زيد إَل الروم يف بدء خالفة<br />
أيب بكر رضي هللا عنهم، فإنه ما فعل ذلك إال ألمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم به، وقد كان <strong>في</strong>ه خري عظيم يف<br />
7<br />
إرهاب من أراد االرتداد .<br />
318<br />
(315<br />
(158<br />
- 4 (جمموع الفتاوى (534 / 29<br />
(479 / 29)<br />
-5<br />
- 6 (جمموع الفتاوى 159 / 25<br />
- 7 (البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />
- 9 سورة املائدة، اآلية:<br />
(315<br />
(158<br />
44<br />
(479 / 29)<br />
-5<br />
- 6 (جمموع الفتاوى 159 / 25<br />
- 7 (البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />
- 9 سورة املائدة، اآلية:<br />
(315<br />
(158<br />
44<br />
- 6 (جمموع الفتاوى 159 / 25<br />
- 7 (البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />
- 9 سورة املائدة، اآلية:<br />
44
(15<br />
أ =<br />
(فقرة والسلطان إذا كفر وكان ممتنعا وجب قتاله فرضَ عين ويُقَدم<br />
على غيره.<br />
وهذا كشأن احلك ام ال ذين حيكم ون بغ ري ش ريعة الإس الم يف كث ري م ن بل دان املس لمني، فه ؤالء كف ار، لقول ه تع اَل:<br />
}وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ قَأُوْ لَئِكَ هُمْ الْكَاقِرُ و َن{ ، 2 ولقوله تعاَل: }ثُومَّ الَّوذِينَ كَفَورُ وا بِورَ ب ِهِمْ يَعْودِلُونَ } 3 ، وغريه ا<br />
من األدلة، ومعظم هؤالء يدعون الإسالم فهم ابلكفر صاروا مرتدين.<br />
واحلق أن هؤالء احلكام مع حكمهم بغري ما أنزل هللا يُشَرِّعون للناس ما يشاءون من أحكام فهم قد نَصَبُوا أنفسهم<br />
4<br />
أراباب وآهلة للناس من دون هللا تعاَل، كما قال تعاَل: }أَمْ لَهُمْ شُرَ كَاءُ شَرَ عُوا لَهُمْ مِنْ الدِينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ َّللاَّ ُ{ ،<br />
5<br />
وقال تعاَل: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَ هُمْ وَ رُ هْبَانَهُمْ أَرْ بَابًا مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ . فكفرهم كفر مزيد مركب مع صدهم عن سبيل هللا.<br />
وقد بسطت القول يف هذه املسألة يف رسالة أخرى (وهي رسالة دعوة التوحيد) حيث أجبت عن الإعرتاضات الواردة<br />
على آية املائدة }وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ قَأُوْ لَئِكَ هُمْ الْكَاقِرُ و َن{، وبينت أنه ن عام من أوجه كثرية، وأن الكفر<br />
يف اآلية هو الكفر األكرب وأنه إذا اختلفت أقوال الصحابة يف تفسري آية اخرتان من أقواهلم ما يؤيده الكتاب والسنة<br />
كما هو مقرر يف األصول، وبينت كذلك أن ما حيدث يف كثري من بلدان املسلمني اآلن هو نفس صورة سبب نزول<br />
اآلية وهو تعطيل حكم الشريعة واخرتاع حكم جديد وجعله تشريعا مُلزِما للناس، كما عطل اليهود حكم التوراة برجم<br />
الزاين واخرتعوا تشريعا بديال، وذكرت يف رساليت املشار إليها أن صورة سبب النزول قطعية الدخول يف الن ، كما هو<br />
مقرر يف األصول، وهو ما أشار إليه إمساعيل القاضي كما نقل ابن حجر ]وقال إمساعيل القاضي يف "أحكام القرآن"<br />
بعد أن حكى اخلالف يف ذلك ظاهر اآلايت يدل على أن من فعل مَل ما فعلوا واخرتع حكما خيالف به حكم<br />
هللا وجعله دينا يُعمل به، فقد لزمه مَل ما لزمهم من الوعيد<br />
6<br />
املذكور حاكما كان أو غريه[ .<br />
فكل من شارك يف وضع القوانني الوضعية أو حَكَم هبا، فهو كافر كفرا أكربَ خمرجا من ملة الإسالم وإن أتى أبركان<br />
الإسالم اخلمسة وغريها. وهذا هو ما قرره كثري من أهل العلم املعاصرين كما نقلتُه يف الباب الثالث من هذه الرسالة<br />
عن أمحد شاكر وحممد حامد الفقي وحممد بن إبراهيم آل الشيخ.<br />
319<br />
(315<br />
- 1 (البداية والنهاية البن كثري 314 / 6<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 4 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 5 سورة التوبة، اآلية:<br />
21<br />
44<br />
44<br />
1<br />
31<br />
- 6 (فتح الباري (121 / 13<br />
- 7 رواه الرتمذي وصححه عن العرابض<br />
- 9 جمموع الفتاوى ج<br />
- 8 سورة املائدة، اآلية:<br />
35 ص 65<br />
51
ب =<br />
بسنيت<br />
الئم،<br />
وقد ذكرت يف الرسالة املشار إليها آنفا مَنْ هم الذين ينطبق عليهم اسم (احلاكم) شرعا.<br />
فهذا احلاكم املرتد إن مل تكن له منعة وجب خلعه على الفور وي ُعْرض على القاضي فإن اتب وإال قتل وإن اتب<br />
مل يرجع إَل واليته كما هي سنة أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: «فعليكم<br />
1<br />
وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي عضوا عليها ابلنواجد» . قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وال<br />
استعمل عمر قط، بل وال أبو بكر على املسلمني: منافقا، وال استعمال من أقارهبما، وال كان أتخذمها يف هللا لومة<br />
بل ملا قاتال أهل الردة وأعادوهم إَل الإسالم منعوهم ركوب اخليل ومحل السالح حىت تظهر صحة توبتهم،<br />
وكان عمر يقول لسعد بن أيب وقاص وهو أمري العراق: ال تستعمل أحدا منهم، وال تشاورهم يف احلرب. فإهنم كانوا<br />
أمراء أكابر مثل طليحة األسدي، واألقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، واألشعث بن قيس الكِنْدي وأمثاهلم فهؤالء<br />
ملا ختوف أبو بكر وعمر منهم نوع نفاق<br />
2<br />
مل يوهلم على املسلمني[ .<br />
ج = وإن كان احلاكم املرتد ممتنعا بطائفة تقاتل دونه، وجب قتاهلم، وكل من قاتل دونه فهو كافر مَله، لقول هللا<br />
3<br />
تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُ ْم{ ، و}وَ مَنْ } يف اآلية إسم شرط فهي صيغة عموم تعم كل من توَل الكافر<br />
ونَصَرَه ابلقول أو ابلفعل. وقال شيخ الإسالم حممد بن عبد الوهاب وغريه يف نواقض الإسالم: ]مظاهرة املشركني<br />
5 4<br />
ومعاونتهم على املسلمني والدليل قوله تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ َّللاَّ َ ال يَ ْهدِي الْقَوْ مَ الظَّالِمِي َن{ ] .<br />
<strong>في</strong>قاتل كل هؤالء قتال املرتدين وإن كانوا ينطقون ابلشهادتني ويظهرون بعض شرائع الإسالم لإتياهنم مبا ينقض أصل<br />
6<br />
الإسالم. وقال هللا تعاَل: }الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا يُقَاتِلُونَ قِي َسبِيلِ الَِّاغُو ِت{ ، فكل<br />
من نصر الكافر ابلقول أو ابلفعل لنُصْر ة كُفْرِه فهو كافر مَله، وهلا هو حكم الظاهر يف الدنيا كممتنع عن أهل<br />
الإميان واجلهاد، وقد يكون<br />
مسلما يف الباطن لوجود مانع من التكفري يف حقه أو شبهة وحنوه، إال أن هذا ال مينع<br />
من احلكم بكفره لقيام املقتضى يف حقه، وهكذا جرت السنة يف احلكم على املمتنعني، وقد بسطت القول يف هذه<br />
- 1 رواه الرتمذي وصححه عن العرابض<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
- 3 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
- 3 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 4 سورة املائدة، اآلية:<br />
301<br />
35 ص 65<br />
51<br />
35 ص 65<br />
51<br />
51<br />
51<br />
- 5 جمموعة التوحيد البن تيمية وابن عبد الوهاب ص<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
39<br />
76<br />
76
بينة.<br />
املسألة يف رسالة أخرى. وهذا من العلم الذي ينبغي أن يشاع يف الناس ليهلك من هلك عن بينة وحيىي من حىي عن<br />
د = أما دليل وجوب اخلروج على احلاكم إذا كَفَر، فهو حديث عبادة بن الصامت قال: «دعاان رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم فبايعناه، فكان <strong>في</strong>ما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع والطاعة يف مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا وعُسْرِان ويُسْرِان وأَث َرَةٍ<br />
علينا، وأن ال ننازع األمر أهله،<br />
<br />
1<br />
قال: إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان» . قال النووي: ]قال القاضي<br />
عياض أمجع العلماء على أن الإمامة ال تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل إَل قوله فلو طرأ عليه كفر<br />
وتغيري للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام<br />
عادل إن أمكنهم ذلك، فإن مل يقع<br />
ذلك إال لطائفة وجب عليهم القيام ِبلع الكافر وال جيب يف املبتدع إال إذا ظنوا<br />
2<br />
القدرة عليه، فإن حتققوا العجز مل جيب القيام، وليهاجر املسلم عن أرضه إَل غريها ويفر بدينه[ .<br />
4<br />
3<br />
قلت وهذا الإمجاع الذي ذكره القاضي عياض نقله ابن حجر عن ابن بطال ، وعن ابن التني عن الداودي ، وعن ابن<br />
6<br />
5<br />
التني ، وقرره ابن حجر نفسه .<br />
- 1 متفق عليه واللفظ ملسلم<br />
- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
300<br />
228 / 12<br />
- 3 فتح الباري 7 / 13<br />
- 4 فتح الباري 9 / 13<br />
- 5 فتح الباري 116/ 13<br />
- 6 فتح الباري 123 / 13<br />
- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 9 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
58<br />
- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
228 / 12<br />
- 3 فتح الباري 7 / 13<br />
- 4 فتح الباري 9 / 13<br />
- 5 فتح الباري 116/ 13<br />
- 6 فتح الباري 123 / 13<br />
- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 9 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
58<br />
- 3 فتح الباري 7 / 13<br />
- 4 فتح الباري 9 / 13<br />
- 5 فتح الباري 116/ 13<br />
- 6 فتح الباري 123 / 13<br />
- 7 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 9 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61 58
ه =<br />
وإذا عجز املسلمون عن ذلك وجب اإلستعداد، قال ابن تيمية: ]كما جيب الإستعداد للجهاد إبعداد القوة<br />
4<br />
ورابط اخليل يف وقت سقوطه للعجز، فإن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب[ . وقال تعاَل: }وَ ال يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ<br />
كَفَرُ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ ال يُعْجِ زُ و َن وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{اآلية<br />
6<br />
الرمي»ثالَث .<br />
قلت: مما سبق تعلم أن واجب املسلمني جتاه هؤالء الطواغيت<br />
» عليه، وهو<br />
5<br />
، وقال صلى هللا عليه وسلم : «أال إن القوة<br />
مقرر ابلنص الشرعي<br />
الذي ال جيوز ملسلم أن خيرج<br />
وأال ننازع األمر أهله، قال: إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان». وقد انعقد الإمجاع على<br />
وجوب اخلروج عليهم كما ذكرته آنفا. ولذلك فال جيوز الإجتهاد يف كي<strong>في</strong>ة مواجهة الطواغيت مع وجود الن<br />
والإمجاع، وأن من اجتهد مع وجود النص واإلمجاع يف هلا امل وْرِد فقد ضل ضالال مبينا، كمن يسعى لتطبيق حكم<br />
الإسالم عن طريق (الربملاانت) الشركية وحنو ذلك. ومن قال إن العجز مينعه من اخلروج عليهم فنقول له إن الواجب<br />
عند العجز هو ال<strong>إعداد</strong> ال مشاركتهم يف برملاانهتم الشركية، فإن حتقق العجز وجبت اهلجرة، فإن عجز عن اهلجرة بقي<br />
مستضعفا يبتهل إَل هللا تعاَل كاملستضعفني املؤمنني }الَّذِينَ يَقُولُونَ رَ بَّنَا أَخْرِ جْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْ يَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا<br />
وَ اجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَ لِيًّا وَ اجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِ ً يرا{ ، 7 أما أن يشاركهم يف برملاانهتم التشريعية فهذا ال يفعله<br />
مسلم، ألن هذه املشاركة معناها الرضا ابلدميقراطية اليت جتعل السيادة للشعب مبعىن أن رأي أغلبية نواب الشعب هو<br />
302<br />
- 1 فتح الباري 9 / 13<br />
- 2 فتح الباري 116/ 13<br />
- 3 فتح الباري 123 / 13<br />
- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
58<br />
- 2 فتح الباري 116/ 13<br />
- 3 فتح الباري 123 / 13<br />
- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
58<br />
- 3 فتح الباري 123 / 13<br />
- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
58<br />
- 4 جمموع الفتاوى 258 / 29<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
61<br />
61<br />
58<br />
58<br />
- 6 رواه مسلم عن عقبة بن عامر<br />
- 7 سورة النساء، اآلية:<br />
- 7 سورة النساء، اآلية:<br />
75<br />
75
الشرع املُلْزِم لألمة،<br />
وهلا هو الكفر امللكور يف قوله تعاىل: }وَ ال يَتَّخِ ذَ بَعْضُنَا بَعْض ًا أَرْ بَاب ًا مِ ْن<br />
دُونِ َّللاَّ }ِ 1 ،<br />
و =<br />
فأعضاء هذه الربملاانت هم األرابب يف اآلية السابقة وهذا هو عني الكفر، ومن كان جاهال هبذا جيب تعريفه، قال<br />
تعاَل: }وَ قَدْ نَزَّ لَ عَلَيْكُمْ قِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ َّللاَّ ِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَ أُ بِهَا قَال تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا<br />
2<br />
قِي حَدِيثٍ غَيْرِ هِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ{ . فمن جلس معهم وشهد كفرهم فهو مثلهم يف الكفر.<br />
وجهاد هنالء ا كام املرتدين وأعواهنم فرني عني على كل مسلم من غري ذوي األعذار الشرعية، وقد سبق<br />
أن اجلهاد يتعني يف ثالثة مواضع منها إذا حل العدو الكافر ببلد املسلمني، وهذا هو حال هؤالء املرتدين املتسلطني<br />
على املسلمني، فهم عدو كافر حل ببلد املسلمني، فقتاهلم فرض عني، وهلذا قال القاضي عياض: ]وجب على<br />
املسلمني القيام عليه[، وكالم ابن حجر أوضح يف إفادة العموم حيث قال: ]وملخصه أنه ينعزل ابلكفر إمجاعا،<br />
3<br />
<strong>في</strong>جب على كل مسلم القيام يف ذلك[ ، وهذا هو مفهوم حديث عبادة بن الصامت .<br />
قلت: وكون جهاد هؤالء الطواغيت فرض عني، هو من العلم الواجب إشاعته يف عموم املسلمني، ليعلم كل مسلم أنه<br />
مأمور شخصيا من ربه سبحانه بقتال هؤالء. فإن هؤالء الطواغيت يضربون سياجا من العزلة املميتة بني عامة املسلمني<br />
وبني املتمسكني بدينهم، ليتسىن هلم ضرب املتمسكني بدينهم وسط جهل العامة وصمتهم، يف حني أن كل فرد من<br />
العامة ُماطب بنفس الفريضة ما دام مسلما وإن كان فاسقا مرتكبا للموبقات، فإن الفسق ال يسقط افطا<br />
الشرعي ابجلهاد<br />
(انظر امللحق الرابع). فالواجب على املتمسكني بدينهم كسر حاجز العزلة هذا إبعالم العامة عن<br />
طريق الدعوة الفردية والدعوة العامة بفرضية هذا اجلهاد، لتتحول قضية اجلهاد<br />
إىل قضية مجيع املسلمني ال قضية<br />
مجاعات الصفوة اليت تضرب يف يوم وليلة، وليتحول اجلهاد من قضية للخاصة إىل قضية للعامة. وهنا تنقلب<br />
الدائرة على الطواغيت وأعواهنم <strong>في</strong>تم عزهلم بعد كشف كفرهم وإجرامهم، قال تعاَل: }وَ أَخْرِ جُوهُمْ مِنْ حَيْ ُث<br />
5<br />
4<br />
أَخْرَ جُوكُمْ{ ، وقال هللا تعاَل لنبيه صلى هللا عليه وسلم : «استخرجهم كما استخرجوك» ، فكما أخرج الطواغيت<br />
هؤالء املتمسكني بدينهم من بني العامة ابلدعاية والتجهيل ابلدين، جيب على املتمسكني عزل الطواغيت عن العامة<br />
بنشر العلم الشرعي بوجوب جهادهم. وكما أخرج الطواغيت هؤالء املتمسكني بدينهم من أمواهلم وحاصروهم وضَيمقوا<br />
عليهم معايشهم، قال تعاَل: }لِلْفُقَرَ اءِ الْمُهَاجِ رِ ينَ الَّذِينَ أُخْرِ جُوا مِنْ دِيارِ هِ ْم<br />
6<br />
وَ أَمْوَ الِهِ ْم{ ، فكذلك<br />
جيب على<br />
املتمسكني بدينهم إخراج الطواغيت من األموال اليت جيَُنِّدون هبا اجليوش حملاربة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم،<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
303<br />
64<br />
141<br />
- 3 فتح الباري 123 / 13<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
181<br />
- 5 رواه مسلم عن عياض بن محار<br />
- 6 سورة احلشر، اآلية:<br />
9
ولذلك دعا صلى هللا عليه وسلم على قريش ابجملاعة، فقال عبد هللا بن مسعود: (إن قريشا لَما غَلَبُوا النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم واستعصَوا عليه قال: اللهم أعِينِّ عليهم بسَبْع كسبع يوسف، فأخذهتم سنة أكلوا <strong>في</strong>ها العظام وامليتة من<br />
1<br />
اجلهد) ، وحيرم على كل مسلم دفع األموال هلنالء الطواغيت يف أي صورة من مجارك وضرائب وحنوها إال مضطرا<br />
3<br />
2<br />
أو مكرها، قال تعاَل: }وَ ال تَعَاوَ نُوا عَلَى اإلِ ثْمِ وَ الْعُدْوَ ا ِن{ ، وقال تعاَل: }وَ ال تُؤْ تُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَ الَكُمْ{ ، وليكن<br />
معلوما أنه ال شرعية هلله ا كومات الطاغوتية وال لقوانينها، فقد قال صلى هللا عليه وسلم : (من عمل عمال ليس<br />
4<br />
عليه أمران فهو رد) ، وقد ذكرت هذا يف األصل السادس من أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة، كما جيب على<br />
املسلمني السعي يف االستيالء على أمول الكافرين ابلقهر (وهي الغنيمة) وابحليلة وحنوها (وهي ال<strong>في</strong>ء)، وقد خرج النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم لالستيالء على أموال قريش ليستعني هبا املسلمون فكانت وقعة بدر. وابجلملة جيب حتويل قضية<br />
اجلهاد من قضية للخاصة إَل قضية للعامة، إذ إن حصر هذه القضية يف اخلاصة لن َيِت بثمرة التغيري املأمول ألن <strong>في</strong>ه<br />
5<br />
مصادمة للقاعدة اليت ال تتبدل }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ ، وليس معىن هذا أنه جيب أن<br />
يشارك جمموع الشعب يف<br />
بلد ما يف هذه القضية، فهذا مستبعد، ولكن املطلوب هو أن تشارك نسبة معينة من<br />
الشعب تتكون هبا الشوكة القادرة على فرض النظام الإسالمي ُث محايته من أعدائه يف الداخل واخلارج، أما بقية<br />
الشمعب <strong>في</strong>ك<strong>في</strong> أن تكون متعاطفة أو على األقل حمايدة حىت يتبني هلم احلق، كذلك جيب<br />
توعية العامة أبنة من مل<br />
يستطع منهم أن يكون له دور إجيايب يف مواجهة الطواغيت، فال أقل من أن يكون له دور سليب يتمثل يف عدم معاونة<br />
الطواغيت وبتصعيد املواجهة مع الطواغيت يتصاعد بطشهم وإيذاؤهم للمؤمنني وبذلك تدخل قضية اجلهاد كل يوم<br />
بيتا جديدا من بيوت املسلمني وتكسب الدعوة أنصارا جددا، حىت َيِت وعد هللا إن هللا ال خيلف امليعاد. قال تعاَل:<br />
}وَ نُرِ يدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا قِي األَرْ ضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة ً وَ نَجْعَلَهُمْ الْوَ ارِ ثِينَ<br />
6<br />
وَ نُرِ ي قِرْ عَوْ نَ وَ هَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُ و َن{ .<br />
ز =<br />
وَ نُمَكِنَ لَهُمْ قِي األَرْ<br />
ِض<br />
وقتال هنالء ا كام املرتدين مقدم على قتال غريهم من الكفار األصليني من يهود ونصارى ووثنيني، وهذا<br />
من ثالثة أوجه:<br />
أحدها: أنه جهاد دفع متعني وهو يقدم على جهاد الطلب، أم كونه جهاد دفع فهذا ألن هؤالء احلكام عدو كافر<br />
تسلط على بلد املسلمني. وقال ابن تيمية رمحه هللا: ]وأما قتال الدفع، فهو أشد أنواع دفع الصائل الذي يفسد الدين<br />
304<br />
- 1 رواه البخاري 4922<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
2<br />
5<br />
- 4 رواه مسلم<br />
- 5 سورة الرعد، اآلية:<br />
11<br />
- 6 سورة القص ، اآليتان: 6 5
والدنيا الشيء أوجب بعد الإميان من دفعه، فال يشرتط له شرط، بل يدفع حبسب الإمكان[ ، 1 ويف الفقرة<br />
اجلهاد إذا نزل العدو ببلد املسلمني[.<br />
الثاين: كوهنم مرتدين، وقد سبق يف الفقرة<br />
الثالث: كوهنم األقر<br />
(7)<br />
(14)<br />
2<br />
مِنْ الْكُفَّارِ } ، وقد سبق هذا يف الفقرة )13(.<br />
أن قتال املرتد مقدم على قتال الكافر األصلي.<br />
يتعني<br />
إَل املسلمني واألشد خطرا وفتنة، وقال هللا تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُ ْم<br />
شبهة.<br />
وهناك شبهة متعلقة ابألول من األوجه الثالثة السابقة، وهو قول البعض إن توصيف هؤالء املرتدين احلاكمني لبالد<br />
املسلمني أبهنم كالعدو الكافر إذا حل ببلد املسلمني غري صحيح ألن هذا يف العدو األجنيب عن بلد الإسالم أما<br />
هؤالء احلكام فمن أهل البلد نفسه، فنهاك فرق؟! وهذا الكالم قيل لإبطال االحتجاج بفتوى شيخ الإسالم ابن تيمية<br />
يف قتال التتار املمتنعني عن الشريعة مع ادعائهم الإسالم<br />
3<br />
الإسالم. وهذه الفتوى أشرت إَل فوائدها يف رساليت )دعوة التوحيد(.<br />
ويف اجلواب عن هذا نقول: مسألة احلاكم املرتد <strong>في</strong>ها ن<br />
قيل ال حيتج هبذه الفتوى ألن التتار أجانب عن بالد<br />
مستقل وهو حديث عبادة بن الصامت : »وأال ننازع األمر<br />
أهله، قال: إال أن تروا كفرا بواحا عندكم من هللا <strong>في</strong>ه برهان«، وذكرت يف رساليت املشار إليها أن هلا ا ديث مقيد<br />
جلميع األحاديث الواردة ابلصرب على أئمة اجلور، كأحاديث ابن عباس<br />
»من رأى من السلطان شيئا يكرهه<br />
فليصرب« وحديث عوف بن مالك »ال ما أقاموا <strong>في</strong>كم الصالة« وحنوها، وهلذا فقد أورد البخاري حديث عبادة عقب<br />
أحاديث ابن عباس يف الباب الثاين من كتاب الفنت من صحيحه إشارة منه إَل هذا القيد. وهذا يك<strong>في</strong> ملن كان له<br />
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد يف وجوب اخلروج على هؤالء احلكام.<br />
أما هذه األوجه الثالثة وغريها فنحن نذكرها ال لبيان شرعية اخلروج عليهم فهذا َثبت حبديث عبادة ولكن لبيان<br />
فوائد أخر كتوكيد هذا اخلروج وتقدميه على غريه من أنواع اجلهاد.<br />
ويف رد هذه الشبهة نقول: مل نسمع أبن الشريعة وردت ابلتفريق بني الكافر األجنيب والكافر الوطين <strong>في</strong>ما يرتتب على<br />
4<br />
الكفر من أحكام، قال تعاَل: }يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{ ، وقال تعاَل: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ<br />
أُسْوَ ةٌ حَسَنَةٌ قِي إِبْرَ اهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْ مِهِمْ إِنَّا بُرَ آءُ مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ كَفَرْ نَا بِكُ ْم وَ بَدَا بَيْنَنَا<br />
وَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَ ةُ وَ الْبَغْضَاءُ أَبَد ًا حَتَّى تُؤْ مِنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ حْدَهُ{ ، 5 وقال تعاَل: }إِنَّ الْكَاقِرِ ينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّ ا مُبِينًا{ ، 6<br />
305<br />
- 1 الإختيارات الفقهية، ص 318<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
123<br />
- 3 جمموع الفتاوى 551 511 / 29<br />
- 4 سورة هود، اآلية:<br />
46<br />
- 5 سورة املمتحنة، اآلية:<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
4<br />
111
الغرض من هذه اآلايت بيان أن العداوة بني املؤمن والكافر متعلقة بوصف الكفر، هلا هو مناط ا كم ال بوصف<br />
آخر ككون الكافر أجنبيا أو وطنيا، ألن العداوة واجبة وإن كان الكافر هو ابنك أو قومك وعشريتك، فمناط احلكم<br />
هو صفة الكفر ال غري. وما قيل يف العداوة يقال يف العقوبة، فعقوبة الكافر متعلقة بكفره أي بقيام صفة الكفر به<br />
ال بسبب وصف آخر، وهلا هو مناط ا كم. كقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
1<br />
»من بَدمل دينه فاقتلوه« ، فجعل<br />
عِلمة القتل هي تبديل الدين أي الكفر بعد الإسالم، هذا هو مناط احلكم. إذا تبني هذا فنقول إن وصف الكفر الذي<br />
ترتتب عليه العقوبة )قتل املقدور عليه وقتال املمتنع( هذا الوصف قائم ابلكافر األجنيب والوطين على السواء، وإذا<br />
تسلط هذا على املسلمني ببلد ما فال فرق بني كونه قادما من خارج البلدة، وبني كونه من أهلها حبكمها فَكَفَر، أو<br />
كَفَر وتسلط عليها، فمناط احلكم قائم يف كل هذه األحوال، ومن كان من أهل البلدة فكفر خرج بكفره عن كونه من<br />
أهلها املسلمني وصار أجنبيا عنهم، لقوله تعاَل: }وَ نَادَى نُوحٌ رَ بَّهُ قَقَالَ رَ ب ِ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَ عْدَكَ الْحَ ُّق<br />
وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِي َن<br />
أجنبيا عنه.<br />
2<br />
قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{ ، فخرج بكفره عن كونه من أهله وصار<br />
على أن هناك أوصافا اثنوية تنثر يف العقوبة، ومن هذا التفريق بني الكافر األصلي واملرتد، فاملرتد عقوبته أغلظ كما<br />
يف الفقرة )14(، وكذلك التفريق بني الكافر احملارب واملسامل عند الثالثة خالفا للشافعي، وكذلك التفريق بني األقرب<br />
واألبعد يف أولوية اجلهاد )الفقرة<br />
.)13<br />
ومن هنا ترى أن هؤالء احلكام املرتدين قد قامت هبم مجيع األوصاف املغلظة، كالردة واحملاربة والقرب. على النقيض<br />
مما يقابلها من األوصاف املخففة وهي ا لكفر األصلي واملساملة والبعد.<br />
ومثل ما سبق: أن كل مسكر حرام، سواء كان إمسه مخرا أو كحوال أو نبيذا، وسواء كان حمََلِّيا أو مستوردا، وسواء كان<br />
لونه أبيض أو أمحر، كل هذه ليست هي األوصاف املؤثرة يف احلكم، وإَّنا الوصف املنثر وهو العِل ة ومناط ا كم<br />
هو اإلسكار، طاملا وجد هذا الوصف دون اعتبار لبقية األوصاف وجد احلكم وما يرتتب عليه. وهنا أيضا قد يوجد<br />
وصف َثنوي يؤثر يف العقوبة، كمن شرب اخلمر يف هنار رمضان، <strong>في</strong>قام عليه احلد ويعزر حلرمة الشهر، ولوال الوصف<br />
األصلي )الإسكار( ملا وجبت عليه عقوبة أصال.<br />
فالذي يقول ابلتفريق بني الكافر األجنيب والكافر الوطين يف األحكام هو كالذي يقول ابلتفريق بني اخلمر املستورد<br />
واخلمر احمللي، فتأمل هذا.<br />
ح =<br />
وال يشرتط لوجو قتاهلم مت ي ز املسلمني اجملاهدين يف دار منفصلة عن دار احلاكم املرتد وطائفته كما يَدمعيه<br />
البعض، ويك<strong>في</strong>ك يف إبطال هذا الشرط ما نقلته عن ابن تيمية آنفا من الإمجاع على وجوب قتال العدو إذا حل ببلد<br />
املسلمني، فأين الدار املستقلة هنا؟، بل إن هذا هو أحد مواضع تَعَنيم اجلهاد كما ذكرته يف الفقرة )7( ومل يرد دليل<br />
306<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 سورة هود، اآليتان:<br />
46 45
شرعي هبذا الشرط وكل شرط ليس يف كتاب هللا فهو ابطل، ومل يشر أحد من أهل العلم إليه، غاية ما ذكره ابن قدامة<br />
يف هذا أنه إذا اقرتب العدو من بلد جاز ألهله الرجوع إَل حصن ي َتَحَصمنون به. أما أمر احلاكم الكافر املرتد ف<strong>في</strong>ه ن<br />
واضح جليّ، وهو حديث عبادة بن الصامت رضي هللا عنه: »وَأَال ن ُنَازِعَ األَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ إِال أَنْ تَرَوْا كُفْرًا ب َوَاحًا عِنْدَكُ ْم<br />
1<br />
مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَانٌ« ، ومل يشرتط صلى هللا عليه وسلم يف هذا احلديث وال يف غريه متََيُّزاً وال مفاصلة، وال نبه أحد<br />
من أهل العلم على هذا كما نقلته عن القاضي عياض وابن حجر يف شرح هذا احلديث. فإن قال الذي اشرتط هذا<br />
الشرط )متََيُّز الدارين( إنه جيب عقال ال شرعا، فنقول له العقل ال يوجب شيئا كما ذكران يف أصول الإعتصام ابلكتاب<br />
والسنة، وإن قال إنه أمر اجتهادي، فنقول له إذا وصلنا إَل االجتهاد فاألمر مرتوك ألهل اخلربة احلربية لقوله تعاَل:<br />
2<br />
}إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ ،<br />
أما من الناحية الشرعية فنحن نقول إنه ال يشرتط لوجو<br />
افروج على ا اكم إال القدرة من عدد وعدة، وهذه أيضا حيدد القدر املطلوب منها أهل اخلربة احلربية، ومن غَرّر<br />
بنفسه وخرج للجهاد مبفرده جاز له ذلك وهو مأجور إن شاء هللا تعاَل، إال إذا كان يتبع طائفة جماهدة فال خيرج إال<br />
إبذن األمري أما دليل جواز خروجه منفردا فهو قول هللا تعاَل: }قَقَاتِلْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال تُكَلَّفُ إِالَّ نَفْسَكَ وَ حَرِ ْض<br />
3<br />
الْمُؤْ مِنِينَ{ ، وقال ابن حزم: ]وي ُغْزى أهل الكفر مع كل فاسق من األمراء وغري فاسق ومع املتغلِّب واحملارب كما<br />
4<br />
ي ُغْزَى مع الإمام ويغزوهم املرء وحده إن قدر أيضا[ .<br />
قلت: وجهاد هؤالء الطواغيت فرض عني فللمرء أن يفعله وحده إن أراد، خاصة إذا أمكنته الفرصة من أحد هؤالء،<br />
وال جيب عليه التصدي جلمع عظيم من الكافرين بل جيوز له الفرار للتفاوت العددي، فإن ثبت وكان له غرض يف<br />
5<br />
الشهادة جاز له ذلك وهو حسن، قال تعاَل: }وَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِ ي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْ ضَاةِ َّللاَّ ِ{ ، أما الواجب<br />
6<br />
فهو قتاهلم يف مجاعة، إذ املطلوب إظهار الدين }وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{ ، وهذا ال يتأتى ابلقتال منفرداً، ومن كان<br />
يتبع مجاعة جماهدة فال يقاتل إال إبذن أمريه، قال تعاَل: }وَ إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامٍِْ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى<br />
يَسْتَأْذِنُوهُ{ ، 7 وسيأِت مزيد هلذا يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل.<br />
وقد خرج مجاعة من املسلمني على احلكام املرتدين يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم ومن بعده، دون متََيُّز يف الداير<br />
أو مفاصلة، فلما خرج األسود العنسي املتنيب الكذاب وغلب على اليمن واستوَل عليها احتال عليه فَريْ وز الديلمي<br />
307<br />
- 1 متفق عليه<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
59<br />
94<br />
- 4 احمللى 288 / 7<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
217<br />
- 6 سورة<br />
األنفال، اآلية:<br />
- 7 سورة النور، اآلية:<br />
38<br />
62
وكان من أنصاره يف الظاهر حىت قتله، وذلك يف حياة النيب صلى هللا عليه وسلم . 1 ومل ينكر ذلك النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم وال أحد من الصحابة، وما قال أحد كيف يقتل فريوز هذا األسود قبل أن ينحاز إَل أرض مستقلة؟ كذلك<br />
خرج يزيد بن الوليد وطائفة معه على اخلليفة الوليد بن يزيد ملا اهتُِّم ابالحنالل يف الدين حىت قتلوه، دون متََيُّز<br />
2<br />
الداير . ونقتصر على هذين املثلني اختصارا.<br />
يف<br />
وأصحاب هذه الشبهة يستدلون أبن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يَشْرَع يف القتال إال بعد اهلجرة، حيث أصبح<br />
للمسلمني دار مستقلة ابملدينة متيزوا <strong>في</strong>ها عن عدوهم.<br />
وهذا القول ليس حبجة<br />
إذ ليس <strong>في</strong>ه حصر، مبعىن أنه مل يرد ن شرعي مينع القتال إال يف مثل هذه احلالة، وهذا<br />
واضح. ُث إن هذا الزمان كان زمان تشريع أما اآلن ومنذ وفاة النيب صلى هللا عليه وسلم فقد اكتملت الشريعة<br />
3<br />
وأحكامها }الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُ ْم{ ، وقد انعقد اإلمجاع على أنه إذا نزل العدو الكافر ببلد تَعَمني على أهله قتاهلم<br />
أي صار دفع الكافرين فرض عني على املسلمني هبذه البلدة فهاهم املسلمون وعدوهم يف دار واحدة، وقد فقد<br />
4<br />
املسلمون استقاللية دارهم ابلغزو، ومع ذلك جيب عليهم القتال عَيْناً إمجاعا .<br />
إن اخلروج على احلاكم املرتد هو أمر منوط ابلقدرة، وخيتلف من بلد إَل بلد، ويتكلم <strong>في</strong>ه أهل اخلربة من الناحية<br />
التن<strong>في</strong>ذية، وإذا علم هللا سبحانه حسن النية من طائفة جماهدة فسيهديهم وييسر هلم ما <strong>في</strong>ه مرضاته، قال تعاَل: }قَعَلِ َم<br />
5<br />
مَا قِي قُلُوبِهِمْ قَأَنْزَ لَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ{ ، وقال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَ بُّهُ ْم<br />
6<br />
بِإِيمَانِهِمْ{ .<br />
أما القاعدون عن هذا اجلهاد املتعني فلم يكتفوا ابلقعود بل هم يثبطون غريهم وخيذلوهنم هبذه الشبهات اليت هي<br />
عقوبة قدرية هلم على قعودهم وختلفهم، كما قال تعاَل: }رَ ضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مََْ الْخَوَ الِفِ<br />
قَهُمْ ال<br />
وَ ُِبَِْ عَلَى قُلُوبِهِ ْم<br />
يَفْقَهُو َن{ ، 7 فلما ختلفوا طَبَع هللا على قلوهبم بعدم الفقه فأخذوا ي ُنَقِّبون عن الشبهات ليربروا ختلفهم وليثبطوا<br />
غريهم <strong>في</strong>حملوا أوزارهم مع أوزارهم. وهكذا سيئة تولِّد سيئة، قال تعاَل: }إِال تَنفِرُ وا يُعَذِبْكُمْ عَذَاب ًا أَلِيم ًا وَ يَسْتَبْدِ ْل<br />
قَوْ م ًا غَيْرَ كُمْ وَ ال تَضُرُّ وهُ شَيْئ ًا وَ َّللاَّ ُ عَلَى كُل ِ شَيْءٍ قَدِيرٌ<br />
إِال تَنصُرُ وهُ قَقَدْ نَصَرَ هُ َّللاَّ ُ{ 9 .<br />
308<br />
311<br />
11<br />
- 1 البداية والنهاية البن كثري 317 / 6<br />
- 2 البداية والنهاية البن كثري 6 / 11<br />
- 3 سورة املائدة، اآلية:<br />
3<br />
- 4 كما نقلته عن ابن تيمية االختيارات الفقهية ص :<br />
318<br />
- 5 سورة<br />
الفتح، اآلية:<br />
19<br />
- 6 سورة يونس،<br />
اآلية:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 9 سورة التوبة، اآلية:<br />
8<br />
97<br />
41 38
إن هذا القول ابشرتاط متََيُّز الدارين لوجوب اجلهاد هو قول فاسد، وهو يفضي إَل تعطيل اجلهاد خاصة جهاد الدفع.<br />
قلت: كذلك فإن هذا القول ابشرتاط متيز الدارين معناه الإستسالم لألمر الواقع والسكوت عن هؤالء الطواغيت<br />
احلاكمني لبالد املسلمني، ومعنا، إسقاط فريضة اجلهاد املتعني على أعيان املسلمني هبذه البالد، وهذا القول يفضي إَل<br />
استئصال الإسالم ابلكلية من هذه البالد يف زمن يسري. نعوذ ابهلل من ذلك ولكنه غري مستبعد فكم من بالد قامت<br />
هبا ممالك إسالمية عظيمة ُث هي اليوم داير كُفْر، صار <strong>في</strong>ها الإسالم أثرا بعد عني، كاألندلس والرتكستان وِبارى<br />
ومسرقند والبلقان وغريها، وكم من بالد أَسْقَط <strong>في</strong>ها أشياع هؤالء املخذلني اجلهاد بشبهاهتم الشيطانية، كما حدث يف<br />
اهلند وكانت مملكة إسالمية فاحتلها الإُنليز، وأسقط علماء السوء اجلهاد حبجة أن الإُنليز هم أولوا األمر الواجب<br />
1<br />
طاعتهم لقوله تعاَل: }أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُ ْم{ ، وهلل األمر من قبل ومن بعد. وهذا<br />
مثال ملا رُوِي عن عمر بن اخلطاب<br />
<br />
أنه مما يهدم الدين: )جدال املنافق ابلقرآن(. ومن كان من العلماء يصد<br />
املسلمني عن اجلهاد هبذه الشبهات مماألة ونصرة للحاكم الكافر فهذا العاملِ الشك يف كُفْره، هو مرتد خارج من ملة<br />
2<br />
الإسالم، وحكمه حُكْم سيده احلاكم، قال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّهُمْ مِنْكُمْ قَإِنَّهُ مِنْهُ ْم{ .<br />
ط =<br />
ويشرتط آخرون متيز الطائفة الكافرة عمن خيالطها من املسلمني، وهذا واقع فالطائفة املناصرة للحاكم الكافر<br />
عادة ما تكون متميزة بلباس معني وهلا معسكرات حمددة وأماكن معلومة، وهذا ال خيفى على أحد. وأما إذا خالطهم<br />
مسلمون، فإما أن يكونوا ليسوا من الطائفة الكافرة أصال وخالطوهم حال القتال، وإما أن يكونوا من الطائفة وهلم<br />
حكم الإسالم يف الباطن )كاملكره ومن يكتم إميانه ليتجسس عليهم(، وهؤالء مجيعا ال خيلو حاهلم من أحد أمرين:<br />
األول:<br />
أن يكونوا غري متميزين عن أهل الكفر يف الظاهر، فهذا ال مينع من قتاهلم على كل حال كما ذكر شيخ<br />
الإسالم ابن تيمية قال: ]ومن أخرجوه معهم مكرها فإنه يبعث على نيته وحنن علينا أن نقاتل العسكر مجيعه، إذ ال<br />
يتميز املُكْرَه من غريه. وقد ثبت يف الصحيح عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال: »ي َغْزُو هذا البيتَ جيشٌ من<br />
الناس فبينما هم ببيداء من األرض إذا خُسِ فَ هبم. فقيل اي رسول هللا: إن <strong>في</strong>هم املُكْرَه، فقال: يُبعثون على نياهتم«<br />
إَل أن قال ويف لفظ البخاري عن عائشة، قالت: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ي َغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا<br />
كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ األَرْضِ خيُْسَفُ أبَِومهلِِمْ وَآخِ رِهِمْ قَالَتْ قُلْتُ ايَ رَسُولَ اَّللمِ كَيْفَ خيُْسَفُ أبَِومهلِِمْ وَآ ِخرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُ ْم<br />
وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ قَالَ خيُْسَفُ أبَِومهلِِمْ وَآخِ رِهِمْ ُثُم ي ُبْعَثُونَ عَلَى نِيماهتِِمْ«<br />
أن ينتهك حرماته املكره <strong>في</strong>هم وغري املكره<br />
مع قدرته على التميِيزِ بينهم<br />
إَل أن قال فاهلل تعاَل أَهلَكَ اجليش الذي أراد<br />
مع أنه يبعثهم على نياهتم، فكيف جيب<br />
على املؤمنني اجملاهدين أن مييزوا بني املُكْرَه وغريه وهم ال يعلمون ذلك؟! بل لو ادعى مُدمع إنه خرج مُكرها. مل ينفعه<br />
- 1 نقل هذه الشبهات حممد رشيد رضا يف تفسريه املنار<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
309<br />
51
ذلك مبجرد دعواه، كما روى: إن العباس بن عبد املطلب قال للنيب صلى هللا عليه وسلم ملا أسَرَه املسلمون يوم بدر:<br />
اي رسول هللا! إين كنت مكرها. فقال: »أما ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإىل هللا« . 1<br />
وقال رمحه هللا يف موضع آخر: ]وحنن ال نعلم املُكْرَه، وال نقدر على التمييز. فإذا<br />
قتلناهم أبمر هللا كنا يف ذلك<br />
مأجورين ومعلورين، وكانوا هم على نياهتم، فمن كان مكرها ال يستطيع الإمتناع فإنه حيُ شر على نيته يوم القيامة،<br />
فإذا قتل ألجل قيام الدين<br />
2<br />
مل يكن ذلك أبعظم من قَتْلِ من ي ُقْتَل من عسكر املسلمني[ .<br />
قلت: وقد فصلت يف الرسالة األخرى شروط الإكراه املعتربة شرعا ملوافقة الكفار على ما يريدون، وأن هذه الشروط ال<br />
تتوفر يف الغالبية العظمى من أعوان هؤالء احلكام، وذكرت أيضا أن الإكراه ال يكون عذرا مبيحا لقتل املسلم إبمجاع<br />
العلماء بال خمالف. فكيف مبن يتتبع املسلمني ويقتلهم لنصرة الكافر؟.<br />
احلال الثاين: أن يكون املسلمون يف صف العدو متميزين ظاهرا، معلومني جلند الإسالم فهذه هي مسألة الترتس، قال<br />
ابن تيمية رمحهم هللا: ]بل لو كان <strong>في</strong>هم قوم صاحلون من خيار الناس ومل ميكن قتاهلم إال بقتل هؤالء لقتلوا أيضا، فإن<br />
األئمة متفقون على أن الكفار لو ترتسوا مبسلمني وخيف على مسلمني إذا مل يقاتلوا: فأنه جيوز أن نرميهم ونقصد<br />
الكفار. ولو مل خنف على املسلمني جاز رمي أولئك املسلمني أيضا يف أحد قويل العلماء. ومن قتل ألجل اجلهاد<br />
الذي أمر هللا به ورسوله وهو يف الباطن مظلوم كان شهيدا، وبُعِث على نيته، ومل يكن قَتْلُه أعظم فسادا من قَتِْل<br />
من ي ُقْتَل من املؤمنني اجملاهدين. وإذا كان اجلهاد واجبا وإن قُتِلَ من املسلمني ما شاء هللا، فَقَتْلُ من ي ُقْتَل يف صفهم<br />
املُكْره يف قتال الفتنة بكسر<br />
َ<br />
من املسلمني حلاجة اجلهاد ليس أعظم من هذا، بل قد أمر النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
سيفه، وليس له أن ي ُقَاتِل وإن قُتِل[ . 3<br />
)الرد على شبهة(.<br />
ال ذين يقول ون بش رط متََيُّ ز الطائف ة الك افرة ع ن املس لمني هل م ش بهة، حي ث يس تدلون بقول ه تع اَل: }وَ لَوووْ ال رِ جَووا ٌل<br />
مُؤْ مِنُونَ وَ نِسَاءٌ مُؤْ مِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تََِئُوهُمْ قَتُصِ يبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّ ةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُودْخِ لَ َّللاَّ ُ قِوي رَ حْمَتِوهِ مَونْ يَشَوا ُء<br />
لَوْ تَزَ يَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُ وا مِونْهُمْ عَوذَابًا أَلِيم ًوا{ ، 4 ومعناه ا: أي ول وال أن هن اك رج اال م ؤمنني ونس اء مؤمن ات مبك ة<br />
م ن املستض عفني، ال تعلم وهنم أيه ا املس لمون، وإذا ق اتلتم أه ل مك ة ي وم احلديبي ة لك ان م ن املمك ن أن تقتل وا بع ض<br />
هؤالء املؤمنني وتصيبكم من هذا معرة )أي عيب وإُث(، }لَوْ تَزَ يَّلُوا{ أي متََيمز وانفصل املؤمنون عن الكفار لع ذب هللا<br />
الكفار ابلقتل وغريه.<br />
)547<br />
- 1 جمموع الفتاوى 537 535 / 29<br />
- 2 جمموع الفتاوى 547 / 29<br />
- 3<br />
)جمموع الفتاوى<br />
537 / 29<br />
539( وكرر مثله يف<br />
وانظر مسألة الترتس يف )املغين والشرح الكبري<br />
)515 / 11 و )اجملموع<br />
شرح املهل<br />
546 / 29(<br />
.)287 / 18<br />
- 4 سورة الفتح، اآلية:<br />
25<br />
321
فاستدل البعض هبذه اآلية على أن خمالطة املؤمنني للكافرين مانعة من قتال الكافرين وعُذْر يف ترك قتال الكافرين، ملا<br />
ينتج عنه من قتل بعض املؤمنني املخالطني.<br />
وكما ال خيفى، فهذا القول يفضي إَل تعطيل اجلهاد بنوعيه )قتال الطلب وقتال الدفع( فما من بلد اآلن إال به<br />
مسلمون خمالطون للكفار بنسب خمتلفة، يوجد مسلمون ابلصني واهلند وروسيا وأمريكا وغريها وكلها داير كُفْر، أ<strong>في</strong>منع<br />
هذا من جهادهم عند الإستطاعة؟<br />
واجلوا عن هله الشبهة من وجهني:<br />
األول: أن املنع من القتال يوم احلديبية كان منعا قدراي، وال جيوز اإلحتجاج ابلقدر وبيان ذلك أن النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم قَصَد مكة معتمرا، فعزم أهل مكة على مَنْعِه من دخوهلا، فَعَزَم على قِتَاهلم إن هم منعوه بعد مشاورة مع<br />
الصحابة، كما رواه البخاري »قَالَ أَبُو بَكْرٍ ايَ رَسُولَ اَّللمِ خَرَجْتَ عَامِدًا هلَِذَا الْبَيْتِ الَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَالَ حَرْبَ أَحَدٍ<br />
1<br />
فَتَوَجمهْ لَهُ فَمَنْ صَدمانَ عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اَّللمِ« ، فمضى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على هذا العزم<br />
إَل أن توقفت انقته عن املسري، فقال بعض الصحابة: خألت القصواء، فقال النيب صلى هللا عليه وسلم : »ما خألت<br />
القصواء وما ذاك هلا ِبلق ولكن<br />
حبسها حابس ال<strong>في</strong>ل، ُث قال: والذي نفسي بيده اليسألوين خُطمة يعظمون <strong>في</strong>ها<br />
حرمات هللا إال أعطيتهم إايها« ، 2 أي منعها عن املسري إَل مكة الذي حبس ال<strong>في</strong>ل وأبرهة عن مكة سبحانه وتعاَل،<br />
فهذا منع قدري، فعَلِم النيب صلى هللا عليه وسلم أن هللا مل َيذن يف هذا، فعزم النيب صلى هللا عليه وسلم على قَبول<br />
الصلح، وشَرع <strong>في</strong>ه، ُث بلغه مقتل سفريه إَل أهل مكة وهو عثمان ، فعندها عزم على القتال مرة أخرى وأخذ البيعة<br />
من أصحابه وهي بيعة الرضوان على أال يفروا أو على املوت ، 3 ُث أُطْلِق عثمان وشاء هللا تعاَل أن ميضي الصلح. كل<br />
هذا واآلية املُسْتَدل هبا بل والسورة كلها )سورة الفتح( مل تكن قد نزلت بعد، وإَّنا نزلت عند الإنصراف من احلديبية.<br />
وكما ترى أن النيب صلى هللا عليه وسلم عزم على القتال مرتني، األوَل عندما مَضَى فحُبِسَت انقته والثانية عندما أَخَذَ<br />
البيعة، ومع عزمه على القتال يف املرتني كان صلى هللا عليه وسلم يعلم بوجود مؤمنني مستضعفني يف مكة وكان يعلم<br />
4<br />
بعضهم عَيْناً وكان يدعو هلم ابلنجاة ، فلم مينعه وجود املستضعفني من العزم على القتال، بل القتال واجب<br />
5<br />
الستنقادهم، لقوله تعاَل: }وَ مَا لَكُمْ ال تُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ الْمُسْتَضْعَ ِف ينَ مِنْ الرِ جَالِ وَ الن ِسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ...{ ،<br />
ولكن هللا مل َيذن يف القتال قدرا ال شرعا، إذ لو مُنِع شرعا )ابلوحي( ملا مَضَى وملا أخذ البيعة، وهذا املنع القدري<br />
حلكمة يعلمها هللا تعاَل منها وجود املستضعفني مبكة ومنها أن الصلح ترتب عليه نفع عظيم إذ أَمِن الناس فدخل يف<br />
320<br />
- 1 حديث 4179<br />
4178 و<br />
- 2 حديث: 2732 ،2731<br />
- 3 على اختالف، انظر فتح الباري 117 / 6<br />
- 4 رواه البخاري: 4589<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
75
الإسالم أضعاف من دخله قبل، كما يف اآلية: }لِيُدْخِ لَ َّللاَّ ُ قِي رَ حْمَتِهِ مَنْ يَشَا ُء{ ، 1 حىت مسى هللا تعاَل هذا الصلح<br />
فتحا. كل هذا يف بيان أن منع القتال يوم احلديبية كان منعا قدراي.<br />
ويف إبطال الإحتجاج ابلقدر قال ابن تيمية رمحه هللا: ]وليس يف القدر حجة البن آدم وال عذر، بل القدر ي ُؤْمن به<br />
وال حيُْتَج به، واحملتج ابلقدر فاسد العقل والدين، متناقض، فإن القدر إن كان حجة وعذرا، لزم أن ال يُالم أحد، وال<br />
يعاقب وال يُقت<br />
منه، وحينئذ فهذا احملتج ابلقدر يلزمه إذا ظُلِم يف نفسه وماله وعرضه وحرمته<br />
أن ال ينتصر من<br />
الظامل، وال يغضب عليه، ويذمّه، وهذا أمر ممتنع يف الطبيعة، ال ميكن أحدا أن يفعله، فهو ممتنع طبعا حمرم شرعا.<br />
ولو كان القدر حجة وعذرا: مل يكن إبليس ملوما وال معاقبا، وال فرعون وقوم نوح وعاد ومثود وغريهم من الكفار، وال<br />
كان جهاد الكفار جائزا، وال إقامة احلدود جائزا، وال قطع السارق، وال جلد الزاين وال رمجه، وال قتل القاتل وال عقوبة<br />
مُعْتَدٍ بوجه من الوجه. إَل أن قال رمحه هللا<br />
فمن احتج ابلقدر على ترك املأمور، وجزع من حصول ما يكرهه من<br />
2<br />
املقدور فقد عكس الإميان، وصار من حزب امللحدين املنافقني، وهذا حال احملتجني ابلقدر[ .<br />
الوجه الثاين: افصوصية، وهي أن هذا املنع من القتال الختالط املؤمنني ابلكفار يف مكة كان خاصا بقصة ا ديبية<br />
دون غريها. وال يستدل به على ما شاهب ه ا . وهذا القول ابخلصوصية إن شاء هللا تعاَل هو الصواب، وهللا تعاَل أعلم،<br />
ودليل ذلك:<br />
<br />
أن هللا سبحانه منع رسوله صلى هللا عليه وسلم من غزو مكة يوم احلديبية )سنة<br />
غزوها بعد ذلك بسنتني يوم فتح مكة )سنة9<br />
6ه )<br />
ه )<br />
<br />
منعا قدراي، ُث أَذِنَ له يف<br />
إذان شرعيا، والبلد هو البلد )مكة(، واملستضعفون مل يزل بعضهم<br />
3<br />
مبكة كابن عباس رضي هللا عنهما وغريه . وروى البخاري عن أيب هريرة قال: »ملا فَتَحَ هللا على رسوله صلى هللا عليه<br />
وسلم مكة، قام يف الناس فحمد هللا وأثىن عليه ُث قال: إن هللا حَبَسَ عن مكة ال<strong>في</strong>ل وسلط عليها رسوله واملؤمنني،<br />
4<br />
فإهنا ال حتل ألحد كان قبلي، وإهنا أحلت يل ساعة من هنار، وإهنا لن ألحد من بعدي« . وهبلا تعلم أن املنع يوم<br />
ا ديبية كان خاصا ألن نفس البلد أحل بعد ذلك، والبلد هو البلد، واملستضعفون مل يزل بعضهم هبا.<br />
ومم ا ي دل عل ى اخلصوص ية أيض ا أن هن اك مواق ف خ الط <strong>في</strong>ه ا املؤمن ون الك افرين والعص اة، ووق ع القت ل أو الع ذاب<br />
ابجلميع، ومل حي ُل دون ذلك منع قدري من هللا تعاىلكما حدث يوم احلديبية، فدل هذا على خصوصية الن بقصة<br />
احلديبي ة، وال م انع م ن أن حي دث مثل ه ق درا، أم ا ش رعا فل يس حبج ة، وم ن املواق ف ال يت ح دثت <strong>في</strong>ه ا املخالط ة ومل مين ع<br />
القتل أو العذاب قدرا ما يلي:<br />
- 1 سورة الفتح، اآلية:<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
322<br />
25<br />
انظر فتح الباري<br />
349 / 5<br />
2 ص .326 323<br />
- 3 رواه البخاري 4597<br />
- 4 احلديث )2434(
ما رواه أبو داود والرتمذي عن جرير بن عبد هللا قال: )بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم سرية إَل خَثْعَم، فاعتصم<br />
انس منهم ابلسجود، فأسرع <strong>في</strong>هم القتل، قال: فبلغ ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم، فأمر هلم بنصف العقل وقال: أان<br />
1<br />
بريء من كل مسلم يقيم بني أظهر املشركني، التراءى انرمها( .<br />
منهم.<br />
ومنها حديث البيداء املذكور يف كالم ابن تيمية السابق، فهذا اجليش أهلكه هللا تعاَل مع أن <strong>في</strong>هم املُكْرَه و من ليس<br />
ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »إذا أنزَلَ هللا بقوم عذااب أصاب العذاب<br />
2<br />
من كان <strong>في</strong>هم ُث بعثوا على أعماهلم« .<br />
ومنها ما رواه البخاري عن أم املؤمنني زينب بنت جحش قال: )أهنلك و<strong>في</strong>نا الصاحلون؟ قال النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
3<br />
: »نعم إذا كثر اخلبث« .<br />
ومنها ما رواه ابن حبان يف صحيحه عن عائشة مرفوعا )إن هللا إذا أنزل سطوته أبهل نقمته و<strong>في</strong>هم الصاحلون، قُبِضُوا<br />
معهم ُث بُعِثُوا على نياهتم وأعماهلم(. وهذه األحاديث كلها يف معىن حديث البيداء.<br />
قلت: والقول ابخلصوصية ليس معناه أن املؤمن املخالط للكافرين ال حرمة له أو أنه مهدر الدم، ال بل هو معصوم<br />
إبميانه أينما كان، وإَّنا القول ابخلصوصية معناه أن هذه املخالطة ليست مبانعة من قتال الكافرين وإن تيقن أن بينهم<br />
مسلمني سيقتلون ضمنا، وذلك إذا اقتضت املصلحة الشرعية ذلك.<br />
4<br />
وهذا هو ما استقر عليه قول مجهور الفقهاء ، وجيب أن يشاع هذا العلم يف املسلمني كي حيَْذَروا من خمالطة الكافرين.<br />
ويف تفسري قوله تعاَل: }لَوْ تَزَ يَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُ وا مِنْهُ ْم{ أورد القرطيب أن مالكا رمحه هللا ال يرى رمي املشركني<br />
إذا علم أن بينهم مسلمني مستدال هبذه اآلية، وقال إن أاب حنيفة أجاز ذلك. ُث قال القرطيب: ]قد جيوز قتل الرتُّ س،<br />
وال يكون <strong>في</strong>ه اختالف إن شاء هللا وذلك إذا كانت<br />
املصلحة ضرورية كلية قطعية، فمعىن كوهنا ضرورية، أهنا ال<br />
حيصل الوصول إَل الكفار إال بقتل الرتس، ومعىن أهنا كلية، أهنا قاطعة لكل األمة، حىت حيصل من قتل الرتس مصلحة<br />
كل املسلمني، فإن مل يفعل قَتَلَ الكفارُ الرتسَ واستولوا على كل األمة ومعىن كوهنا قطعية، أن تلك املصلحة حاصلة<br />
من قَتْل الرتس قطعا، قال علماؤان: وهذه املصلحة هبذه القيود ال ينبغي أن خيُْتَلَف يف اعتبارها، ألن الفرض أن الرتس<br />
مقتول قطعا، فإما أبيدي العدو فتحصل املفسدة العظيمة اليت هي استيالء العدو على كل املسلمني. وإما أبيدي<br />
املسلمني <strong>في</strong>هلك العدو وينجو املسلمون أمجعون. وال يتأتى لعاقل أن يقول: ال يُقتل الرتس يف هذه الصورة بوجه، ألنه<br />
- 1 صححه األلباين يف إرواء الغليل )5<br />
323<br />
/<br />
- 2 حديث 7119<br />
- 3 حديث 7158<br />
31( وذَكَر أنه يُروي مرسال عن قيس بن أيب حازم.<br />
- 4 )انظر املغين والشرح الكبري 515( / 11 و )اجملموع شرح املهذب 287(. / 18
يلزم منه ذها الرتس واإلسالم واملسلمني، لكن ملا كانت هذه املصلحة غري خالية من املفسدة، ند ف ر ت منها نفس<br />
من مل ميُْعِن النظر <strong>في</strong>ها، فإن تلك<br />
1<br />
املفسدة ابلنسبة إىل ما حيصل منها عدم أو كالعدم. وهللا أعلم[ .<br />
قلت: وهذا كالم يَشْفى العليل وي َرْوى الغليل، فإنه ال خالف بني األمة يف وجوب حفظ الضرورايت اخلمس وهي<br />
الدين والنفس والنسل )النسب( والعقل واملال، وال خالف يف أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس، وهلذا شُرِع<br />
اجلهاد حلفظ الدين مع أن <strong>في</strong>ه ذَهَاب األنفس واألموال، قال هللا تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ اشْتَرَ ى مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُ ْم<br />
وَ أَمْوَ الَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ قَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَ عدا ً عَلَيْهِ حَقا ً<br />
كثريا<br />
3<br />
وقال تعاَل: }كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَ هُوَ كُرْ هٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَ هُوا شَيْئًا وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُ ْم{ .<br />
2<br />
قِي التَّوْ رَ اة وَ اإلِ نْجِ يل وَ القُرْ آن{ ،<br />
وال شك أن الضرر النازل ابملسلمني من تسلط احلكام املرتدين عليهم، وما يف ذلك من الفتنة العظيمة، هذا الضرر<br />
يفوق أضعافا مضاعفة قتل بعض املسلمني املكرهني يف صف العدو أو املخالطني له عن غري قصد حال القتال، إن<br />
من بلدان املسلمني تسري يف طريق الردة الشاملة من جراء هؤالء، فأي فتنة أعظم من هذا، هذه فتنة تفوق ما<br />
يصيب املسلمني ابجلهاد من قتل أو سجن أو تعذيب أو تشريد، قال تعاَل: }وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْ ِل{ ، 4 وقال تعاَل:<br />
}وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ{ . 5 <strong>في</strong>جب دفع املفسدة العظمى<br />
)فتنة الكفر والردة( بتحمل املفسدة األخف )وهو ما<br />
يرتتب على اجلهاد من قتل وغريه( وهذا هو املقرر يف القواعد الفقهية اخلاصة بدفع الضرر، كقاعدة )الضرورات تبيح<br />
احملظورات( وقاعدة )يُتحمل الضرر اخلاص لدفع الضرر العام( وقاعدة )الضرر األشد يُزال ابلضرر األخف( وقاعدة<br />
)إذا تعارض مفسداتن روعي أعظمهما ضررا( وقاعدة )خيُ تار أهون الشرين( وغريها . 6<br />
وقال ابن تيمية رمحه هللا: ]وذلك أن هللا تعاَل أابح من قتل النفوس ما حيُ تاج إليه يف صالح اخللق، كما قال تعاَل:<br />
}وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ{ أي أن القتل وإن كان <strong>في</strong>ه شر وفساد ف<strong>في</strong> فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكرب<br />
منه[ . 7<br />
أال ترون إَل ما جيري للمسلمني يف كثري من البلدان؟ تستباح دماؤهم وأمواهلم أبحكام الكفر، مع إشاعة الفجور<br />
والفواحش والتجهيل املعتمد ابلدين واالستهزاء ابلإسالم وأهله، ليشب النشئ على صلة ابهتة بدينه، أي فتنة أعظم<br />
من هذا، وماذا بقي للمسلمني؟ قال تعاَل: }وَ قَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُ وا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ إِ ْذ<br />
324<br />
.)299<br />
- 1 )تفسري القرطيب 292 / 16<br />
- 2 سورة التوية، اآلية:<br />
- 3 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
.111<br />
.216<br />
.181<br />
.217<br />
- 6 )انظر القواعد الفقهية للشيخ مصطفى الزرقا قاعدة 21 و25<br />
)29<br />
- 7 )جمموع الفتاوى )355 / 29
تَأْمُرُ ونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاّلِلَّ ِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَندَاد ًا وَ أَسَرُّ وا النَّدَامَةَ لَمَّا رَ أَوْ ا الْعَذَابَ وَ جَعَلْنَا األَغْاللَ قِي أَعْنَاقِ الَّذِي َن<br />
كَفَرُ وا هَلْ يُجْزَ وْ نَ إِال مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {.<br />
الرد على شبهة خطيرة للشيخ األلباني:<br />
ورد يف كتاب )العقيدة الطحاوية، شرح وحتقيق األلباين، ط املكتب الإسالمي 1389ه ) يف ص 47، ورد يف املنت ]وال<br />
نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران، وإن جاروا، وال ندعوا عليهم، وال ننزع يدا من طاعتهم. أ ه [. قال الشيخ األلباين<br />
يف اهلامش: ]قد ذكر الشارح يف ذلك أحاديث كثرية تراها خمَُرمجة يف كتابه، ُث قال أي الشارح "وأما لزوم طاعتهم<br />
وإن جاروا،<br />
فألنه يرتتب على اخلروج من طاعتهم من املفاسد أضعاف ما حيصل من جورهم، بل يف الصرب على<br />
جورهم تكفري السيئات فإن هللا ما سلطهم علينا إال لفساد أعمالنا، واجلزاء من جنس العمل، فعلينا الإجتهاد يف<br />
1<br />
الإستغفار والرتبية وإصالح العمل. قال تعاَل: }وَ كَذَلِكَ نُوَ لِي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْض ًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُو َن{ ، فإذا<br />
أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم األمري فليرتكوا الظلم[ أ ه . والشارح املشار إليه يف الكالم السابق هو ابن أيب العز<br />
2<br />
احلن<strong>في</strong> صاحب كتاب )شرح العقيدة الطحاوية( وكالمه السابق موجود ابلشرح . وقد اختصر الشيخ األلباين كالمه<br />
ومل يذكر الشارح لفظ )الرتبية( وإَّنا املذكور يف موضعها لفظ )التوبة(.<br />
ُث علق األلباين على كالم الشارح فقال: ]ويف هذا بيان لطريق اخلالص من ظلم احلكام الذين هم<br />
ويتكلمون أبلسنتنا«<br />
»من جلدتنا<br />
وهو أن يتوب املسلمون إَل رهبم، ويصححوا عقيدهتم، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسالم<br />
3<br />
الصحيح، حتقيقا لقوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ ، وإَل ذلك أشار أحد الدعاة<br />
املعاصرين بقوله:<br />
”أقيموا دولة الإسالم يف قلوبكم، تقم لكم على أرضكم“. وليس طريق اخلالص ما يتوهم بعض<br />
الناس، وهو الثورة ابلسالح على احلكام بواسطة االنقالابت العسكرية، فإهنا مع كوهنا من بِدَع العصر احلاضر، فهي<br />
خمالفة لنصوص الشريعة اليت منها األمر بتغيري ما ابألنفس، وكذلك فالبد من إصالح القاعدة لتأسيس البناء عليها<br />
}وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ<br />
إِنَّ َّللاَّ َ لَقَوِيٌّ عَزِ ي ٌز{ ] 4 أ ه .<br />
قلت: وهذا التعليق من الشيخ األلباين <strong>في</strong>ه مغالطات خطرية وتلبيس شديد وال يليق ابلشيخ وال مبن دونه يف العلم<br />
بكثري. وبيان ذلك كما يلي:<br />
= 1<br />
ذكرت يف الباب الثالث يف واجبات الطائفة املنصورة جهاد احلكام املرتدين الذين حيكمون بلدان املسلمني<br />
بغري شريعة الإسالم، وذكرت هناك فتاوى أمحد شاكر وحممد حامد الفقي وحممد بن إبراهيم آل الشيخ يف تكفري<br />
هؤالء احلكام، ومما قاله الشيخ أمحد شاكر: ]أ<strong>في</strong>جوز مع هذا يف شرع هللا أن حيكم املسلمون يف بالدهم بتشريع<br />
- 1 سورة األنعام، اآلية:<br />
325<br />
128<br />
- 2 ( ط املكتب الإسالمي 1413 ه ص 431(<br />
- 3 سورة الرعد، اآلية:<br />
- 4 سورة احلج، اآلية:<br />
11<br />
41
مقتبس عن تشريعات أوربة الوثنية امللحدة؟ إَل قوله إن األمر يف هذه القوانني الوضعية واضح وضوح الشمس، هي<br />
كفر بواح ال خفاء <strong>في</strong>ه وال مداورة[ . 1 ومما قاله الشيخ حممد حامد الفقي: ]ومثل هذا وشر منه من اختذ كالم الفرُنة<br />
قوانني يتحاكم إليها يف الدماء والفروج واألموال ويقدمها على ما علم وتبني له من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا<br />
عليه وسلم، فهو بال شك كافر مرتد إذا أصر عليها ومل يرجع إَل احلكم مبا أنزل هللا. وال ينفعه أي اسم تَسَمى به وال<br />
أي عمل من ظواهر أعمال الصالة والصيام واحلج وحنوها[<br />
2<br />
. ومما قاله الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ إن احلكم<br />
بغري ما أنزل هللا يكون كفرا أكرب يف أحوال، اخلامس منها يصف حال كثري من بالد املسلمني اآلن وصفا دقيقا قال:<br />
]فهذه احملاكم اآلن يف كثري من أمصار الإسالم مهيأة مكملة، مفتوحة األبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب،<br />
حيكم حكامها بينهم مبا خيالف حكم السنة والكتاب،<br />
من أحكام ذلك القانون وتُلزمهم به، وتقرهم عليه، وحتتمه<br />
3<br />
عليهم. فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة أبن حممداً رسول هللا بعد هذه املناقضة . ويك<strong>في</strong>ك يف هذا اي<br />
أخي املسلم أن تعلم أن احلادث يف هذه البالد وهي تنحية حكم هللا تعاَل واخرتاع تشريع خمالف للحكم به بني<br />
الناس هو نفس صورة سبب نزول قوله تعاَل: }وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَ لَ َّللاَّ ُ قَأُوْ لَئِكَ هُمْ الْكَاقِرُ و َن{، وصورة سبب<br />
النزول قطعية الدخول يف الن ابلإمجاع، كما قال السيوطي يف الإتقان )29/1<br />
احلاكمة بغري ما أنزل هللا ال خيفى على الشيخ األلباين كما سيأِت كالمه يف تقرير هذا.<br />
= 2<br />
31(، وهذا األمر وهو كفر النظم<br />
قلت: فمن املغالطات اخلطرية اليت يقع <strong>في</strong>ها البعض، تنزيل األحاديث الواردة يف حق أئمة املسلمني عل هؤالء<br />
احلكام املرتدين، مثل حديث ابن عباس مرفوعا: »مَنْ كَرِهَ من أمريه شيئا فليصرب، فإن من خرج من السلطان شربا<br />
4<br />
مات ميتة جاهلية« ، وحديث عوف بن مالك األشجي أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
»خِ يَارُ أَئِمتِكُمِ<br />
المذِينَ حتُِبُّوهنَُمْ وَحيُِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَشِ رَارُ أَئِمتِكُمِ المذِينَ ت ُبْغِضُوهنَُمْ وَي ُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُوهنَُْم<br />
وَي َلْعَنُونَكُمْ«<br />
قال: قلنا: ايَ رَسُولَ اَّللمِ أَفَالَ ن ُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ :<br />
وكشف هذا التلبيس من وجهني:<br />
«<br />
أ =<br />
5<br />
ال، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصمالةَ« ، ويف رواية »ال ما صلوا«.<br />
األول: هذه األحاديث يف حق احلاكم املسلم ال احلاكم الكافر، وال يُستدل هبا يف حق احلكام املرتدين ألن هؤالء:<br />
غري مسوفني لشروط الإمامة )كالعلم الشرعي والعدالة وغريها( . 6<br />
326<br />
)174<br />
- 1 )عمدة التفسري ألمحد شاكر 173 / 4<br />
- 2 )كتاب فتح اجمليد شرح كتاب التوحيد<br />
- 3 من رسالة حتكيم القوانني.<br />
ط أنصار السنة هامش ص<br />
.386<br />
- 4 متفق عليه.<br />
- 5 رواه مسلم<br />
- 6 )راجع شروط الإمامة ابألحكام السلطانية للماودري ص 6(.
ب =<br />
ومل تنعقد هلم بيعة شرعية صحيحة، والبيعة ال تكون شرعية إال إذا كانت على شرط احلكم ابلكتاب والسنة،<br />
كما روى البخاري أن ابن عمر كتب إَل عبد امللك بن مروان يبايعه )وأقر لك ابلسمع والطاعة على سنة هللا وسنة<br />
1<br />
رسوله <strong>في</strong>ما استطعت( ، وقال ابن حجر: ]واألصل يف مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل ابحلق ويقيم احلدود<br />
2<br />
وَيمر ابملعروف وينهى عن املنكر[ . أما هؤالء املرتدون <strong>في</strong>قسمون عند توليهم احلكم على العمل ابلدستور والقانون<br />
الوضعي والدميقراطية واالشرتاكية وغري ذلك من الكفر.<br />
ج =<br />
3<br />
ال يقومون بواجبات األئمة وأوهلا )حفظ الدين على أصوله املستقرة( كما ذكره املاوردي <strong>في</strong>ما ي َلْزَم الإمام ومنها<br />
إقامة احلدود واجلهاد يف سبيل هللا، فهؤالء حيفظون الدين أم يضيعونه؟.<br />
مما سبق ترى اي أخي املسلم أن هؤالء احلكام ال يدخلون يف مسمى )أئمة املسلمني( ال من حيث الشروط وال البيعة<br />
وال الواجبات. وترى أن تنزيل أحاديث األئمة عليهم <strong>في</strong>ه مغالطة خطرية وتلبيس.<br />
= 3<br />
الوجه الثاين: أنه لو افرتضنا جدال تنزيل أحاديث األئمة عليهم، فإن هذه األحاديث مقيدة حبديث عبادة بن<br />
4<br />
الصامت »وَأَالم ن ُنَازِعَ األَمْرَ أَهْلَهُ، قَاَل صلى هللا عليه وسلم: إِال أَنْ تَرَوْا كُفْرًا ب َوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَا ٌن« ، فمىت<br />
وقع احلاكم يف املفر الصريح كاحلكم بغري ما أنزل هللا فقد سقطت طاعته وخرج عن حكم الوالية ووجب اخلروج عليه،<br />
كما قال العياض يف شرح حديث عبادة أمجع العلماء على أن الإمامة ال تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر<br />
انعزل إَل قوله فلو طرأ عليه كفر وتغيري للشرع أو بدعة خرج عن حكم الوالية وسقطت طاعته ووجب على<br />
5<br />
املسلمني القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك... اخل( .<br />
مما سبق ترى اي أخي املسلم أنه ال جمال لالستدالل ابألحاديث الواردة يف أئمة املسلمني يف حق هؤالء الطواغيت<br />
املرتدين، وترى كذلك خطورة التلبيس الناشئ عن هذا الإستدالل الذي يرتتب عليه صرف املسلمني عن جهاد<br />
الطواغيت الواجب عليهم.<br />
وقد وقع الشيخ األلباين يف هذه املغالطة يف تعليقه على العقيدة الطحاوية، فكالم الإمام الطحاوي وكالم الشارح<br />
ابن أيب العز هو يف حق الإمام املسلم إن فسق أو جار، وليس يف حق الكافر، وهذا واضح يف كالم الإمام الطحاوي:<br />
]وال نرى اخلروج على أئمتنا[ أي أئمة املسلمني. فأخذ الشيخ األلباين كالمهما وأنزله يف حق حكام املسلمني يف<br />
زماننا هذا الذين الشك يف كفر وردة معظمهم، فأحدث بذلك تلبيسا خطريا.<br />
327<br />
- 1 حديث 7272<br />
- 2 )فتح الباري )213/ 13<br />
- 3 )األحكام السلطانية ص 15 و16(<br />
- 4 متفق عليه.<br />
- 5 )صحيح مسلم بشرح النووي .)228 / 12
والشيخ األلباين يقر بكفر األنظمة اليت حتكم املسلمني بغري شريعة الإسالم ومن ذلك قوله: ]فقد مسعت كثريا منهم<br />
خيطب بكل محاسٍ وغريةٍ إسالمية حممودة ليقرر أن احلاكمية هلل وحده، ويضرب بذلك النظم احلاكمة الكافرة، وهذا<br />
1<br />
شيء مجيل، وإن كنا اآلن ال نستطيع تغيريه[ . هذا كالم األلباين، كذلك فإنه سكت عن تعليق الشيخ أمحد شاكر<br />
يف شرح العقيدة الطحاوية على قول الشارح: إن احلاكم ]إن اعتقد أن احلكم مبا أنزل هللا غري واجب وأنه خمري <strong>في</strong>ه أو<br />
استهان به مع تيقنه أنه حكم هللا، فهذا حكم أكرب[ علق أمحد شاكر على هذا بقوله ]وهذا مثل ما ابتلي به الذين<br />
درسوا القوانني األوربية من رجال األمم الإسالمية ونسائها أيضا الذين أُشْرِبوا يف قلوهبم حبها والشغف هبا والذب عنها<br />
2<br />
وحكموا هبا وأذاعوها... اخل[ .<br />
يف<br />
فكيف يقول الشيخ إن طريق اخلالص من هؤالء الكافرين هو الصرب والرتبية؟ خمالفا بذلك مجهور السلف الذين قرروا<br />
أن الصرب يكون على احلاكم املسلم إن فسق أو جار أما إن كفر <strong>في</strong>جب اخلروج عليه عند القدرة إمجاعا، وقد ذكرت<br />
هذه الفقرة كالم القاضي عياض وكالم ابن حجر يف هذا، وقد نقال الإمجاع على وجوب اخلروج على احلاكم<br />
4<br />
3<br />
الكافر ، ومما قاله ابن حجر: ]وملخصه أنه ينعزل ابلكفر إمجاعا، <strong>في</strong>جب على كل مسلم القيام يف ذلك[ . فأي<br />
كالم أوضح من هذا؟.<br />
وهذا احلكم وهو الصرب على احلاكم املسلم اجلائر واخلروج على الكافر مستفاد من اجلمع بني األحاديث الواردة يف<br />
طاعة األئمة، فاألحاديث اآلمرة ابلصرب على األئمة: كأحاديث ابن عباس مرفوعا »مَنْ كَرِهَ من أمريه شيئا فليصرب،<br />
5<br />
فإن من خرج من السلطان شربا مات ميتة جاهلية« ، وحديث ابن مسعود مرفوعا: »إهنا ستكون بعدي أَث َرَة وأمور<br />
6<br />
تنكروهنا قالوا اي رسول هللا كيف أتمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون احلق الذي عليكم وتسألون هللا الذي لكم« .<br />
ومثل ذلك حديث وائل بن حجر وحديث أم سلمة رضي هللا عنهم أمجعني. كل هله األحاديث يقيدها حديث<br />
عبادة بن الصامت<br />
»دعاان رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم فبايعناه، فكان <strong>في</strong>ما أخذ علينا أن ابيعنا على السمع<br />
والطاعة يف مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا وعُسْرِان ويُسْرِان وأَث َرَةٍ علينا، وأن ال ننازع األمر أهله، قال: إال أن تروا كفرا بواحا عندكم<br />
7<br />
من هللا <strong>في</strong>ه برهان» . هذا احلديث أحاديث الصرب وخيصها، فإذا كفر احلاكم وجبت املنازعة واخلروج. وإَل هذا التقييد<br />
- 1 من كتابه )احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام ص 86 و87(.<br />
- 2 )شرح العقيدة الطحاوية ط1414ه ص 323 و324.<br />
- 3 )صحيح مسلم بشرح النووي 228( / 12 و)فتح الباري 7 / 13 و116 و123(.<br />
328<br />
- 4 )فتح الباري .)123 / 13<br />
- 5 متفق عليه.<br />
- 6 متفق عليه.<br />
- 7 متفق عليه<br />
- 9 )الباب الثاين من كتاب الفنت يف صحيحه(
أشار البخاري رمحه هللا إبيراده ألحاديث الصرب كأحاديث ابن عباس وابن مسعود السابقة ُث أتبعها حبديث عبادة يف<br />
نفس الباب . 1<br />
فطريق اخلالص من كفر احلكام هو اخلروج عليهم ابلسالح وهذا واجب ابلإمجاع عند القدرة، وليس طريق اخلالص<br />
جمرد الرتبية، والشيخ األلباين حمجوج ابلإمجاع الذي نقله القاضي عياض وابن حجر. وإذا وقع احلاكم يف الكفر فال<br />
2<br />
ي ُنْظَر إَل مفسدة اخلروج عليه، إذ ال مفسدة أعظم من فتنة الكفر، قال تعاَل: }وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْ ِل{ ، وقد<br />
أمجع العلماء على أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس وغريها من الضرورات اخلمس، وقد سبق قريبا قول شيخ<br />
الإسالم ابن تيمية ]وذلك أن هللا تعاَل أابح من قتل النفوس ما حيُ تاج إليه يف صالح اخللق، كما قال تعاَل: }وَ الْفِتْنَةُ<br />
3<br />
أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ{ أي أن القتل وإن كان <strong>في</strong>ه شر وفساد ف<strong>في</strong> فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكرب منه[ .<br />
4<br />
= 4 وما قاله الشيخ يف كتابه من أن ضرب األنظمة الكافرة ال نستطيعه اآلن، فإنه عند العجز عن اجلهاد جيب<br />
5<br />
حتصيل الإستطاعة لقوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، وهذا ما قرره شيخ الإسالم ابن تيمية من أنه<br />
6<br />
عند سقوط اجلهاد للعجز جيب <strong>إعداد</strong> القوة ، والقوة هي السالح وليس الرتبية حلديث عقبة بن عامر مرفوعا »أال إن<br />
7<br />
القوة الرمي« . والشيخ األلباين قد قرر هذا بنفسه حيث ذكر هذا يف كالمه بعنوان “املستقبل لإلسالم” الذي نقلته<br />
يف مسألة العهود ص142 من هذه الرسالة قال األلباين ]احلديث »ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار...«<br />
إَل<br />
قوله ومما الشك <strong>في</strong>ه أن حتقيق هذا الإنتشار يستلزم أن يعود املسلمون أقوايء يف معنوايهتم ومادايهتم وسالحهم حىت<br />
9<br />
يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان[ . فعند العجز جيب <strong>إعداد</strong> القوة ال جمرد الرتبية.<br />
= 5<br />
وقول الشيخ األلباين إن الثورة ابلسالح على احلكام وَهْمٌ يتومهه بعض الناس ليس صحيحا وليس بوَهْم، بل هو<br />
لتباع لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم كما يف حديث عبادة »وَأَال ن ُنَازِعَ األَْمْرَ أَهْلَهُ قَالَ إِال أَنْ تَرَوْا كُفْرًا ب َوَاحًا عِنْدَكُ ْم<br />
قال: ]ينكر تعاَل على من<br />
مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَانٌ« ، 8 وقال ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل: }أَقَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } 11<br />
خرج عن حكم هللا املشتمل على كل خري، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إَل ما سواه من اآلراء واألهواء واالصطالحات<br />
- 1 )الباب الثاين من كتاب الفنت يف صحيحه(<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
329<br />
.217<br />
- 3 )جمموع الفتاوى )355 / 29<br />
- 4 )احلديث حجة بنفسه ص 87(<br />
- 5 سورة األنفال: اآلية:<br />
.61<br />
- 6 )جمموع الفتاوى )258 / 29<br />
- 7 رواه مسلم.<br />
- 9 )نقال عن مقدمة كتاب احلِكَم اجلديرة ابلإذاعة ط دار املرجان(<br />
- 8 متفق عليه<br />
- 11 سورة املائدة، اآلية:<br />
51
=<br />
6<br />
اليت وضعها الرجال بال مستند من شريعة هللا إَل قوله فمن فعل ذلك منهم فهو كافر جيب قتاله حىت يرجع إَل<br />
حكم هللا، فال حيَُكِّم سواه يف قليل وال كثري[ أ ه . فكيف يقول إن اخلروج ابلسالح على حكام زماننا املرتدين وَهْمٌ،<br />
وقد نقل القاضي عياض وابن حجر الإمجاع على وجوب اخلروج على أمثال هؤالء؟.<br />
والإنقالب العسكري إَّنا هو نوع من أنواع اخلروج املسلح على الطواغيت وهو واجب كما سبق فكيف<br />
يسمي الشيخُ الواجبَ الشرعي م بدعةً؟. وليس الإنقالب العسكري من بدع العصر احلاضر كما يقول، فقد حدث يف<br />
حياة النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
ِبروج فريوز الديلمي على األسود العنسي املتنبئ الكذاب، حىت قتل فريوز ذلك<br />
1<br />
األسود، وقد ذكرت هذه احلادثة يف هذه الفقرة من قبل ، كما ذكرت يف أواخر مسألة العهود والبيعات أمثلة كثرية<br />
للخروج على احلكام مبا يشبه الإنقالابت العسكرية حدثت يف القرون الثالثة املفضملة.<br />
العصر احلاضر كما يقول الشيخ.<br />
«<br />
= 7<br />
فالإنقالب ليس من بدع<br />
ومل يقل الشيخ إن اخلروج املسلم بدعة فقط، بل قال أيضا إن اخلروج املسلح خمالف لنصوص الشريعة اآلمرة<br />
2<br />
بتغيري ما ابألنفس}إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ . وليس األمر كما قال فإن اخلروج املسلح<br />
)اجلهاد يف سبيل هللا( القيام به داخل ضمن تغيري ما ابألنفس، فإن ما أصاب املسلمني من الذل بتسلط احلكام<br />
املرتدين عليهم مل يقع إال بسبب القعود عن اجلهاد والركون إَل الدنيا وكراهة املوت، وال خالص للمسلمني من هذا<br />
الذل إال بتغيري هذا، أي ابجلهاد والتجايف عن دار الغرور، وهذا ابلن كما يف حديثي ثوابن وابن عمر رضي هللا<br />
عنهم.<br />
ّ كُل أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى األَكَلَةُ<br />
عن ثوابن أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: يُوشِ كُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ األُمَمُ مِنْ ِ<br />
عَلَى قَصْعَتِهَا« قُلْنَا: ايَ رَسُولَ اَّللمِ أَمِنْ قِلمةٍ مِنَا ي َوْمَئِذٍ؟ قَالَ : »أَنْتُمْ ي َوْمَئِذٍ كَثِريٌ، وَلَكِنمكُمْ كَغُثَاءِ السميْلِ ، تنزعُ الْمَهَابَةَ مِنْ<br />
قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَجيَْعَلُ يفِ قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ« قَالُوا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ : »حُبُّ احلَْيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْ ِت«<br />
وعن ابن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
.<br />
3<br />
«<br />
اجلِْهَادَ سَلمطَ اَّللمُ عَلَيْكُمْ ذُالا الَ ي َنْزِعُهُ حَىتم تَرْجِ عُوا إَِلَ دِينِكُ ْم« . 4<br />
إِذَا تَبَاي َعْتُمْ ابِلْعِينَةِ وَأَخَذْمتُْ أَذْانَبَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ ابِلزمرْعِ وَتَرَكْتُم<br />
ُ<br />
وكما ترى اي أخي املسلم أن ترك اجلهاد هو من أسباب ذل املسلمني، وتغيري هذا يكون ابلعودة إَل اجلهاد، خاصة<br />
الواجب منه كجهاد الطواغيت، فاجلهاد داخل ضمن تغيري ما ابألنفس ليس خمالفا كما قال الشيخ األلباين، وتغيري ما<br />
ابألنفس ال يكون ابلعلم والرتبية فقط الذي أمساه الشيخ طريق اخلالص بل اجلهاد أيضا الذي أنكره الشيخ طريقا<br />
للخالص.<br />
331<br />
.)311<br />
- 1 )نقال عن البداية والنهاية 317 / 6<br />
- 2 سورة الرعد، اآلية:<br />
11<br />
- 3 رواه أمحد وأبو داود، وصححه األلباين.<br />
- 4 رواه أبو داود إبسناد حسن، وصححه األلباين.
= 9<br />
وحنن نتفق مع الشيخ يف وجوب تغيري ما ابألنفس لريفع هللا تعاَل عنا ما حنن <strong>في</strong>ه من مذلة وهوان، وقد ذكرت<br />
هذا يف األصل اخلامس من )األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر القدرية أو ختلفها( يف أوائل مسألة )ال<strong>إعداد</strong> الإمياين<br />
للجهاد( ولكنا خنتلف مع الشيخ يف أمور:<br />
= منها اعتباره اخلروج املسلح )اجلهاد( خمالفا لتغيري ما ابألنفس كما سبق أعاله.<br />
= وابلتايل قصره تغيري ما ابألنفس على العلم والرتبية، وسوف أفرد هلذين األمرين )العلم والرتبية( امللحقني الثالث<br />
والرابع يف هناية هذا الفصل، وسرتى اي أخي يف هذه املالحق أن العلم الشرعي والعدالة ليسا من شروط وجوب<br />
اجلهاد، وأن اجلاهل والفاسق خماطبان ابجلهاد متاما كالعامل والصاحل. وأن اجلهاد الواجب املتعني ال يؤجمل عند القدرة<br />
بتحصيل ما ليس بشرط لوجوبه، وإذا مل ميكن اجلهاد إال مع أمري فاجر أو عسكر كثري الفجور فالواجب اجلهاد معهم<br />
لدفع املفسدة األعظم مفسدة الكافرين، هذا هو مذهب أهل السنة واجلماعة كما قال ابن تيمية: ]وهلذا كان من<br />
أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل ب َرٍّ وفاجر، فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر، وأبقوام الخالق هلم، كما<br />
أخرب النيب<br />
األمري<br />
صلى هللا عليه وسلم، ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار، أو مع عسكر كثري الفجور، فأنه البد<br />
من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف الدين، وإما الغزو مع<br />
الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإسالم، وإن مل ميكن إقامة مجيعها، فهذا هو<br />
الواجب يف هذه الصورة، وكل ما أشبهها، بل كثري من الغزو احلاصل بعد اخللفاء الراشدين مل يقع إال على هذا الوجه[<br />
1<br />
أ ه .<br />
= كذلك فإنه إذا مل ميكن جهاد الكافرين إال مع قوم من املبتدعة، فالواجب اجلهاد معهم، وال نقول ال ُناهد حىت<br />
يرتكوا البدع بل ُناهد مع املبتدعة وندعوهم مع ذلك إَل التزام السنة، قال ابن تيمية: ]فإذا تعذر إقامة الواجبات<br />
من العلم واجلهاد وغري ذلك إال مبن <strong>في</strong>ه بدعة مضرهتا دون مضرة ترم ذلك الواجب: كان حتصيل مصلحة الواجب مع<br />
مفسدة مرجوحة معه خريا من العكس، وهلذا كان الكالم يف هذه املسائل <strong>في</strong>ه تفصيل[ . 2<br />
والبن حزم كالم شديد يف النكري على من ينهى عن جهاد الكفار مع أمري فاسق، قال: ]وال إُث بعد الكفر أعظم من<br />
إُث من هنى عن جهاد الكفار وأَمَر إبسالم حرمي املسلمني إليهم<br />
3<br />
من أجل فسق رجل مسلم ال حيُ اسَب غريُه بفسقه[ .<br />
قلت: فنحن نتفق مع الشيخ يف أن تسلط الكفار والظلمة علينا إَّنا هو مبعاصينا لقوله تعاَل: { وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَ ٍة<br />
قَمِنْ نَفْسِكَ } 4 ، هذه عقوبة قدرية لنا، ولكنا خنتلف مع الشيخ يف<br />
أنه قصر وسيلة دفعهم على السبب القدري<br />
- 1 راجع كالمه على التفصيل يف )جمموع الفتاوى ج 29 ص 516<br />
.)519<br />
330<br />
- 2 )جمموع الفتاوى .)212 / 29<br />
- 3 احمللى 311 / 7<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
78
ابلتوبة من املعاصي والإانبة إَل هللا، واستنكر الشيخ الوسيلة الشرعية لدفع الكفار كاحلكام املرتدين تلك الوسيلة<br />
الشرعية هي اجلهاد الذي أمساه الشيخ اخلروج املسلح.<br />
= 8<br />
ومن التناقضات يف كالم الشيخ األلباين أنه يدعو املسلمني للصرب على حكامهم يف نفس الوقت الذي يدعوهم<br />
جلهاد الكفار املستعمرين حيث قال: ]وأما الكفار املستعمرون فال طاعة هلم بل جيب الإستعداد التام مادة ومعىن<br />
1<br />
لطردهم وتطهري البالد من رجسهم[ . والكافر املستعمر هو الكافر األجنيب، وقد بينت من قبل أنه ال فرق بني أن<br />
يكون الكافر املتسلط على املسلمني<br />
أجنبيا أو حمليا، إذ إن علة وجوب جهاده قائمة يف احلالتني وهو وصف الكفر،<br />
كما أن الكافر احمللي صار بكفره أجنبيا عن املسلمني لقوله تعاَل: }قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْ ُر<br />
2<br />
صَالِحٍ{ ، وقد فصلت هذا من قبل.<br />
= 11<br />
ومن التناقضات<br />
أيضا يف كالم الشيخ، قوله يف نفس الكتاب ]اعلم أن اجلهاد على قسمني: األول فرض<br />
عني، وهو صد العدو املهاجم لبعض بالد املسلمني، كاليهود اآلن الذين احتلوا فلسطني، فاملسلمون مجيعا آمثون حىت<br />
3<br />
خيرجوا منها[ . وقد ذكرت من قبل يف هذه الفقرة أن احلكام املرتدين<br />
هم أيضا عدو كافر متسلط على بالد<br />
املسلمني وأن جهادهم لذلك فرض عني، بل إن جهادهم مُقَدمم على جهاد اليهود لسببني: القُرْب والرِّدمة، بل إن<br />
اليهود ال يستقر هلم مقام بفلسطني إال يف كنف هؤالء احلكام الطواغيت املرتدين.<br />
ُث إن لنا أن نسأل الشيخ سؤاال: ملاذا قال إن طريق اخلالص من ظلم احلكام هو طريق تغيري ما ابألنفس ابلعلم<br />
والرتبية، ُث قال إن طريق اخلالص من اليهود هو طريق اجلهاد، مع إن كالم من احلكام املرتدين واليهود هم كفار تسلمطوا<br />
قدرا على املسلمني بذنوهبم، فلماذا فَرمقَ الشيخُ بني أسلويبّ املواجهة؟. قال عمر بن اخلطاب لسعد بن أيب وقاص<br />
يف مسريه لغزو الفرس )وال تقولوا إن عدوان شر منا، فلن يُسَلمط علينا فرب قوم سُلِّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلِّط<br />
4<br />
على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا كفارُ اجملوس }قَجَاسُوا خِ اللَ الدِيَارِ وَ كَانَ وَ عْد ًا مَفْعُوال{ ، وقد سبقت هذه<br />
الوصية من قبل. ويف حديث ثوابن مرفوعا »وَأَنْ ال أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُواا مِنْ سِ وَى أَنْفُسِ هِمْ يَسْتَبِيحُ ب َيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ<br />
عَلَيْهِمْ مَنْ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ ب َعْضُهُمْ ي ُهْلِكُ ب َعْضًا وَيَسْيبِ ب َعْضُهُمْ ب َعْضًا« . 5 وهذا ن يف أن العدو الكافر ال<br />
يتسلط على املسلمني إال إذا بلغوا من الفساد مبلغا، وهذا أمر قدري. فهل الواجب إذا تسلط العدو الكافر على<br />
املسلمني هو اإلقتصار على دفع السبب القدري للعدوان )إبصالح ما ابألنفس( أم الواجب هو دفع العدوان مبا<br />
- 1 )كتاب العقيدة الطحاوية شرح وتعليق األلباين ص 49(.<br />
- 2 سورة هود، اآلية:<br />
332<br />
46<br />
: .48 ص- 3<br />
- 4 سورة الإسراء، اآلية:<br />
5<br />
- 5 رواه مسلم.
شرعه هللا تعاىل<br />
من اجلهاد؟ وما الذي أمجع عليه سلف األمة يف هذا املقام: الرتبية أم وجوب اجلهاد العيين؟ وأيهما<br />
1<br />
أوجب قتاله: املرتد كهؤالء احلكّام أم الكافر األصلي كاليهود؟ .<br />
2<br />
وأيهما أوجب قتاله: العدو األقرب إَل املسلمني كهؤالء احلكام أم األبعد كاليهود؟ .<br />
وما قاله الشيخ من ضرورة إصالح القاعدة لتأسيس البناء عليها، نتفق معه يف أنه البد من الدعوة والرتبية لتكون<br />
طائفة تقوم ابجلهاد<br />
لدفع فتنة الكافرين، أما الدعوة والرتبية املطلقة هكذا دون أن نضع اجلهاد نصب أعيننا فأرى أهنا<br />
لن أتِت بنتيجة إذ إن عوامل اهلدم والإفساد تعمل هي األخرى وتدعمها وزارات التعليم والإعالم واألوقاف احلكومية<br />
وحتميها أجهزة القمع البوليسي، كما أعود فأذكِّر أبن الإقتصار على الرتبية كوسيلة لإلصالح <strong>في</strong>ه حَيْدَة عن الواجب<br />
الشرعي وهو اجلهاد. و<strong>في</strong>ه خمالفة هلدي النيب صلى هللا عليه وسلم فإنه مل يسلك مسلك الرتبية املطلقة هكذا، وإَّنا<br />
دعا حىت تكونت طائفة ذات شوكة جاهد هبا الكفار. امتثاال ملا أمره به هللا تعاَل يف قوله: »وقَاتِل مبَِن أطاعك مَنْ<br />
3<br />
عصاك« ، ولقوله تعاَل: }قَقَاتِلْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال تُكَلَّفُ إِال نَفْسَكَ وَ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَسَى َّللاَّ ُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِي َن<br />
4<br />
كَفَرُ وا{ ، فجعل سبحانه حتريض املؤمنني طريقا لكف أبس الكافرين ودفع فتنتهم ابجلهاد. وهذه اآلية واحلديث قبلها<br />
نَصمان واضحان يف إفادة املُراد.<br />
نعم العلم والرتبية حق، وجزء من ال<strong>إعداد</strong> للجهاد، من أجل تكوين طائفة ذات شوكة قادرة على التمكني لدين هللا<br />
تعاَل يف األرض. ومع ذلك نقول إذا اكتملت القوة املادية لطائفة جماهدة ومل تكن على املستوى الرتبوي املرضي<br />
فالواجب شرعا اجلهاد معها عمال مبا استقر عند أهل السنة واجلماعة من الغزو مع الرب والفاجر.<br />
خامتة: ومما يزيد خطورة هذه الشبهة للشيخ األلباين أهنا أصبحت مدرسة قائمة بذاهتا هلا أتباع يرددوهنا يف كثري من<br />
بلدان املسلمني، بل قد صارت هذه الشبهة حجة لكل قاعدٍ عن اجلهاد ولكل راكنٍ إَل الدنيا، ومن هؤالء األتباع من<br />
يداهن الطواغيت ويشاركهم يف برملاانهتم الشركية، أَيُّ تربيةٍ هذه اليت ال تبدأ ابلكفر ابلطاغوت؟، قال تعاَل: }قَمَنْ<br />
يَكْفُرْ بِالَِّاغُوتِ وَ يُؤْ مِنْ بِاّلِلَّ ِ قَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْ وَ ةِ الْوُ ثْقَى{ ، 5 ن َفْيٌ قبل الإثبات كما يف شهادة )ال إله إال هللا(،<br />
وأَيُّ تربية هذه ال تبدأ ابلرباءة من الكافرين، مِلمة إبراهيم<br />
اليت ال ت ُثْمِر أمراً مبعروفٍ وهنياً عن منكر، شرط خَريِْيمة هذه األمة؟.<br />
، وقال تعاَل: }لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِي ِن{؟ ، 6 وأَيُّ تربية هذه<br />
333<br />
- 1 راجع الفقرة .14<br />
- 2 راجع الفقرة .13<br />
- 3 رواه مسلم عن عياض بن محار.<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
- 5 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 6 سورة الكافرون، اآلية:<br />
.94<br />
.256<br />
.6
لقد صار للشيخ أتباع مقلدون يف هذه الشبهة وغريها، وإن السل<strong>في</strong>ة مع اعرتاضنا على هذه التسمية ال ينبغي أن<br />
تكون مذهبا، فإهنا ما أبرزت إال حملاربة التعصب املذهيب، <strong>في</strong>نبغي أن تكون السل<strong>في</strong>ة منهجاً قائماً على حتري الدليل<br />
واتِّباعه. فالسل<strong>في</strong>ة منهج وليست مذهباً، قال تعاَل: }أَتَأْمُرُ ونَ النَّاسَ بِالْبِرِ وَ تَنسَوْ نَ أَنفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَقَال<br />
1<br />
تَعْقِلُونَ{ .<br />
ولقد قلت من قبل وأكرر هنا أن هذه الفتنة، فتنة احلكام املرتدين، تفوق فتنة خلق القرآن يف خطرها على األمة،<br />
وال يليق ابلشيخ األلباين أن تصدر عنه مغالطات يف هذه املسألة.<br />
وإين ألرجو أن يبني الشيخُ بنفسه وجهَ احلق يف هذه الشبهة اخلطرية، إبراءً لذمته وحرصا على أَتْبَاعِهِ. وال ننكر فضله<br />
ُ هذه الشبهة من منزلته، فلكل جواد كبوة، وقال تعاَل: { وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْ ِد<br />
وجهده يف خدمة السنة النبوية، وال ت ُنْقِ<br />
2<br />
غَيْرِ َّللاَّ ِ لَوَ جَدُوا قِيهِ اخْتِالقًا ً كَثِيرا{ ، وأسأل هللا العلي العظيم أن خيتم لنا وله بصاحل األعمال. آمني.<br />
)فقرة 21( والطواغيت األحياء أعظم من الطواغيت األموات.<br />
وأقصد ابلطواغيت األحياء أئمة الكفر واحلكام املرتدين الذين حيكمون املسلمني ابلشرائع املُبَدملة ويشيعون الكفر<br />
والفواحش <strong>في</strong>هم. وأقصد ابلطواغيت األموات القبور واألحجار واألشجار وغريها من اجلمادات اليت تُعبد من دون هللا<br />
تعاَل بشىت صور العبادة من الدعاء واالستغاثة والذبح والنذر وغريها. فال جدال يف أن األحياء أعظم فتنة من وفسادا<br />
من هؤالء، ولذلك فإن النيب صلى هللا عليه وسلم بدأ بقتال الطواغيت األحياء قبل إزالة الطواغيت األموات، فما أزال<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم األصنام إال بعد فتح مكة، كما روى البخاري عن ابن مسعود<br />
<br />
قال: )دخل النيب صلى<br />
هللا عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثالمثائة نصب، فجعل يطعنها بعود يف يده ويقول “جاء احلق<br />
وزهق الباطل”،<br />
3<br />
“جاء احلق وما يبدئ الباطل وما يعيد”( ، ُث أرسل صلى هللا عليه وسلم أصحابه لإزالة بقية<br />
األصنام جبزيرة العرب، وذلك بعد ما أزال سلطان الطواغيت األحياء، مع إنكاره صلى هللا عليه وسلم عليهم وعلى<br />
أصنامهم وتربوئه منهم منذ بدء البعثة.<br />
وهذه هي ملة إبراهيم الرباءة من الكافرين األحياء قبل الرباءة من معبوداهتم قال تع اَل: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَ ةٌ حَسَونَةٌ<br />
قِي إِبْرَ اهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْ مِهِمْ إِنَّا بُرَ آءُ مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ َّللاَّ ِ{ 4 ، وقد سبق قول الشيخ محد ب ن<br />
عتيق يف هذه اآلايت )يف فقرة 5( وقال تعاَل: }ثُمَّ أَوْ حَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِْْ مِلَّةَ إِبْرَ اهِيمَ حَنِيفًا{ . 5<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
334<br />
44<br />
92<br />
- 3 حديث: 4297<br />
- 4 سورة املمتحنة، اآلية:<br />
- 5 سورة النحل، اآلية:<br />
4<br />
123
وليس املقصد مما سبق بيان الرتتيب بل بيان األمهية، فال يعين كالمي السابق مشروعية السكوت عن الطواغيت<br />
األموات وعابديهم حىت نقضي على الطواغيت األحياء، فإن الشريعة قد اكتملت ومن رأى منكم منكرا فليغريه قدر<br />
الإستطاعة، أما األمهية اليت أردت التنبيه عليها: فهي أن إفساد الطواغيت األحياء لدين الناس يكاد يهدد اجلم الغفري<br />
من املسلمني ابلردة الشاملة اترة ابلإرهاب واترة ابملكر واخلديعة، وهذا الإفساد ال يدانيه خطر الطواغيت امليتة.<br />
فالعجب من أانسٍ ينتسبون إَل العلم والدين ومذهب السلف فَرمغوا أقالمهم يف هذا الزمان ملهامجة الطواغيت امليتة<br />
ونسوا أو تناسوا الطواغيت ا ية، وترى أحدهم يعيش يف بلد يستظل ابلقوانني الوضعية الكافرة والدميقراطية الكافرة،<br />
وهو متجاهل هلا متاما ويغض الطرف عنها وهو مع هذا يشهر حسامه وسيفه على صفحات الكتب على<br />
الطواغيت امليتة وعلى عابديها من العُزمل من السالح، قال تعاَل: }وَ إِذْ يَعِدُكُمْ َّللاَّ ُ إِحْدَى الَِّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَ تَوَ دُّو َن<br />
1<br />
أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْ كَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِ يدُ َّللاَّ ُ أَنْ يُحِ قَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَ يَقََِْْ دَابِرَ الْكَاقِرِ ي َن{ ، فتأمل هذا تدرك بعض<br />
أسباب ما حنن <strong>في</strong>ه من حمن وبالء، وهو أن املستَأمَنِني على العلم والدين مل يؤدوا دورهم يف البالغ والتحذير. فكيف<br />
مبن رضي واتبع؟ وكيف مبن أسبغ الشرعية على هؤالء الطواغيت؟. وإذا تكلم أحدهم عن اجلهاد جتده يذكر اجلهاد يف<br />
فلسطني وأفغانستان فقط ألن هذا هو القدر املسموح به يف بعض البلدان، مع أن جهاد ا كام املرتدين أوجب من<br />
جهاد اليهود فكالمها عدو كافر حل ببلد املسلمني ويفوق ا كام املرتدون اليهود أبمرين: القر والرِدة وكالمها<br />
2<br />
يستوجب البدء هبؤالء احلكام . كما ال خيفى أن من جياهد يف فلسطني أو أفغانستان يسمى بطال وشهيدا وتغدق<br />
عليه األموال والإعاانت أما يف غريمها فهو جمرم إرهايب خارج على الشرعية، شرعية الكفر. فتأمل هذا.<br />
وأتمل أيضا هذا احلديث تدرك خطر الطواغيت احلية، وهو ما رواه البخاري عن قيس بن أيب حازم أن امرأة من<br />
أمحس سألت أيب بكر فقالت: )ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل الذي جاء هللا به بعد اجلاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما<br />
استقامت بكم أئمتكم. قالت وما األئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف َيمروهنم <strong>في</strong>طيعوهنم؟ قالت: بلى.<br />
قال: فهم أولئك على الناس(<br />
3<br />
. وقال ابن حجر يف شرحه: ]ما بقاؤان على هذا األمر الصاحل أي دين الإسالم وما<br />
اشتمل عليه من العدل واجتماع كلمة ونصر املظلوم ووضع كل شيء يف حمله. )ما استقامت بكم أئمتكم( أي ألن<br />
الناس على دين ملوكهم. فمن حَادَ من األئمة عن احلال مَالَ وأَمَال[<br />
4<br />
. وقال عبد هللا تعاَل بن املبارك رمحه هللا:<br />
وهل أفسد الدين إال امللوك<br />
وأحبار سوء ورهباهنا؟<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 2 كما يف الفقرتني<br />
7<br />
13<br />
- 3 حديث .3934<br />
و14<br />
- 4 )فتح الباري( 151 / 7<br />
335
قلت: ومما يؤسف له أن سكوت هؤالء املنتسبني إَل العلم عن الطواغيت األحياء صار حجة للسكوت عند فئام من<br />
الشباب وحجة للقعود عن اجلهاد املتعني، وصار اجلهاد عند هؤالء مقصورا على جهاد القبوريني والصو<strong>في</strong>ة. وهل حييا<br />
القبوريون واملتصوفة إال يفكنف الطواغيت األحياء؟.<br />
)فقرة 17( وشوكة اإلسالم تتكون بالمواالة اإليمانية.<br />
قال تعاَل: }وَ الْمُؤْ مِنُونَ وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُ ونَ بِوالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَووْ نَ عَونْ الْمُنكَورِ وَ يُ ِقيمُوو َن<br />
الصَّالةَ وَ يُؤْ تُونَ الزَّ كَاةَ وَ يُِِيعُونَ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ أُوْ لَئِكَ سَيَرْ حَمُهُمْ َّللاَّ ُ إِنَّ َّللاَّ َ عَزِ ي ٌز حَكِي ٌم{ . 1<br />
وقال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَإِنَّ حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ الْغَالِبُو َن{ . 2<br />
اآلية األوَل نبهت على أمهية مواالة املؤمنني بعضهم بعضا للقيام ابلواجبات الإميانية وبدأت األمر ابملعروف والنهي<br />
عن املنكر لكونه ال يؤِت مثرته إال بشوكة وقوة، وهذه الشوكة تتكون مبواالة املؤمنني بعضهم بعضا. وهبذا تتكون<br />
اجلماعة املسلمة املوعودة ابلرمحة }أُوْ لَئِكَ سَيَرْ حَمُهُمْ َّللاَّ ُ{، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »اجلماعة رمحة<br />
والفُرْقَة عذاب« ، 3 ومصداق هذا يف كتاب هللا، قوله تعاَل: }وَ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ قُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ<br />
4<br />
الْبَي ِنَاتُ وَ أُوْ لَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{ ، فالرمحة ثواب املواالة، والعذاب عقوبة الإختالف.<br />
أما اآلية الثانية ف<strong>في</strong>ها البشارة ابلنصر }قَإِنَّ حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ الْغَالِبُو َن{، و<strong>في</strong>ها الإشارة إَل وجوب املواالة الإميانية كشرط<br />
من شروط هذا النصر، فإن اآلية بدأت أبداة الشرط {<br />
مَ ْن<br />
} والشرط هو املواالة الإميانية }يَتَوَ لَّ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ<br />
وَ الَّذِينَ آمَنُوا{ وجواب الشرط هو البشارة ابلنصر }قَإِنَّ حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ الْغَالِبُونَ {. وأتمل الرتتيب يف قوله تعاَل:<br />
}وَ مَنْ يَتَوَ لَّ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا{ ف<strong>في</strong>ه إشارة إَل أن اجتماع املؤمنني ال اعتبار له إال إذا كان قائما على مواالة<br />
هللا ورسوله، وهذا إَّنا يكون ابالعتصام ابلكتاب والسنة.<br />
وقد ورد األمر بوجوب اجلماعة صرحيا يف قول النيب صلى هللا عليه وسلم : »وَأَانَ آمُرُكُمْ ِبَِمْسٍ اَّللمُ أَمَرَينِ هبِِنم: اجلَمَاعَةِ<br />
5<br />
وَالسممْعِ وَالطماعَةِ وَاهلِْجْرَةِ وَاجلِْهَادِ يفِ سَبِيل هللا« . وهذا حديث مفصل يف املسألة اليت حنن بصددها فاحلديث بدأ<br />
بلفظ )اجلماعة( واختتم ب )اجلهاد( فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين مجاعة مسلمة تربطها املواالة الإميانية، والبد للجماعة<br />
من رأس )أمري(، فَصملنا هذا يف الباب الثالث من هذه الرسالة، أما يف حديث احلارث فلم يُذْكَر األمري صراحة، وإَّنا<br />
ذُكِرَ ضمنا بقوله:<br />
»وَالسممْعِ وَالطماعَةِ«<br />
أي ألمري اجلماعة، وذكر صلى هللا عليه وسلم<br />
»السممْعِ وَالطماعَة« ألهنا من<br />
أعظم أسباب وحدة اجلماعة ومتاسكها وقوهتا، ُث ذكر »اهلِْجْرَة« وأشرت يف الفقرة )11( أهنا غالبا ما تكون مقدمة<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
336<br />
71<br />
51<br />
- 3 رواه ابن أيب عاصم وحسنه األلباين )السنة 41(.<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
115<br />
- 5 رواه أمحد عن احلارث األشعري، وصححه األلباين.
7<br />
وقرينة للجهاد يف سبيل هللا، ُث ختم احلديث ابجلهاد يف سبيل هللا إشارة إَل أنه من أهم أعمال املسلمني )كما يف<br />
الفقرة 8( وإشارة إَل أنه حمصلة لكل ما سبقه، فباجلماعة والسمع والطاعة تتكون الشوكة الالزمة للجهاد، وابهلجرة<br />
يكون الإستعداد والتجهيز للجهاد.<br />
والنصوص يف تَكَوُّن الشوكة ابملواالة الإميانية كثرية منها قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَوا النَّبِويُّ حَورِ ضْ الْمُوؤْ مِنِينَ عَلَوى الْقِتَوا ِل{ ، 1<br />
وقوله تعاَل: }قَقَاتِلْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال تُكَلَّفُ إِالَّ نَفْسَكَ وَ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَسَى َّللاَّ ُ أَنْ يَكُ َّف<br />
بَوأْسَ الَّوذِينَ كَفَورُ وا{ ، 2<br />
فك ف أبس الك افرين ال ي تم إال ابلش وكة املتحص لة بتح ريض امل ؤمنني، وق د ق ال هللا تع اَل لنبي ه ص لى هللا علي ه وس لم :<br />
»وقاتل مبن أطاعك من عصاك« . 3<br />
مما سبق تعلم أمهية اجلماعة يف اجلهاد وأنه ال َيِت بثمرته )النصر( إال هبا }وَ مَنْ يَتَوَ َّل َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَإِ َّن<br />
حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ الْغَالِبُونَ {، وعلى النقيض من ذلك فإن التفرق واالختالف من أول أسباب اهلزمية واخلذالن، قال<br />
4<br />
تعاَل: }وَ ال تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا{ ، وهذه اهلزمية هي بعض العذاب املتوعمد به يف قوله<br />
5<br />
تعاَل: { وَ ال تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّ قُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَي ِنَاتُ وَ أُوْ لَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَ ِظي ٌم{ ، وقد قال هللا<br />
6<br />
تعاَل: }وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ األْ َدْنَى دُونَ الْعَذَابِ األَ ْكبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْ جِ عُو َن{ ، فاهلزمية وإذالل العدو الكافر<br />
للمسلمني هي من العذاب األدىن عقوبة على التفرق واالختالف، وقد ذكرت يف حديث ثوابن الذي رواه مسلم أن<br />
العدو ال يتسلط على املسلمني قدرا إال إذا اختلفوا وتقاتلوا.<br />
وقد ذكر الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف كتابه )مسائل اجلاهلية( ]الثانية: أهنم متفرقون، ويرون السمع والطاعة مهانة<br />
ورذالة فأمرهم هللا تعاَل ابلإجتماع وهناهم عن التفرقة، قال تعاَل: }وَ اعْتَصِ مُوا بِحَبْلِ َّللاَّ ِ جَمِيعًا وَ ال تَفَرَّ قُوا وَ اذْكُرُ وا<br />
نِعْمَةَ َّللاَّ ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ انًا وَ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَ ةٍ مِنْ النَّارِ قَأَنْقَذَ ُك ْم<br />
مِنْهَا{ ، اآلية[ أ ه .<br />
ومن املؤسف أن ترى يف كل بلد اآلن مجاعات متعددة تعمل ابسم الإسالم، متفرقني خمتلفني، وهذه من خصال<br />
اجلاهلية، وقد ذكرت عالج هذه اآلفة يف الباب الثالث من هذه الرسالة، وأنه جيب أن جيتمع الناس على أقدم مجاعة<br />
من اجلماعات املتبعة للمنهج احلق واملنهج احلق يف هذا الزمان هو اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل، وقد ذكرت يف الفقرة<br />
337<br />
- 1 األنفال، اآلية: .65<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
.94<br />
- 3 رواه مسلم عياض بن محار<br />
- 4 سورة األنفال: اآلية:<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 6 سورة السجدة، اآلية:<br />
- 7 سورة آل عمران، اآلية:<br />
115<br />
.46<br />
21<br />
113
)16( إن أعظم خطر يواجه الإسالم هم الطواغيت األحياء، ويف الفقرة )15( إن كي<strong>في</strong>ة مواجهتهم مقررة ابلن<br />
والإمجاع الذي ال اجتهاد معه، وقد تقرر وجوب قتاهلم، مع ال<strong>إعداد</strong> عند العجز.<br />
وقد ذكرت دليلي على أن الواجب اتباع اجلماعة األقدم، هو حديث أيب هريرة مرفوعا:<br />
1<br />
»فوا ببيعة األول فاألول« ،<br />
وذكرت يف الباب الثالث كي<strong>في</strong>ة الإستدالل به، ومثله ما ذكره القرطيب يف تفسري قوله تعاَل: }وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنََْ<br />
2<br />
مَسَاجِ دَ َّللاَّ ِ أَنْ يُذْكَرَ قِيهَا اسْمُهُ{ ، قال: ]وال مينع بناء املساجد إال أن يقصدوا الشقاق واخلالف أبن يبنوا مسجدا<br />
إَل جنب مسجد أو قربه يريدون بذلك تفريق أهل املسجد األول وخرابه واختالف الكلمة فإن املسجد الثاين ينقض<br />
ومينع من بنيانه ولذلك قلنا: ال جيوز أن يكون يف املصر جامعان وال ملسجد واحد إمامان وال يصلي يف مسجد<br />
3<br />
مجاعتان. أ ه ] . قلت: فكذلك مينع قيام أكثر من مجاعة يف بلد واحد ملا <strong>في</strong>ه من تفريق للمسلمني وتشتيت جلهدهم<br />
وإضرار هبم.<br />
وإذا كان دأب الطواغيت هو العمل على إحداث االنقسامات واالنشقاقات داخل اجلماعة الواحدة خاصة إذا اشتدّ<br />
عودها وخُشِ ي أبسها، لتنشغل اجلماعة ابلصراعات الداخلية، فكيف إذا كان االنقسام موجودا من األصل؟.<br />
ولذلك فنحن نرى وجوب الإجتماع على اجلماعة األقدم ذات املنهج الصواب، ونرى أن من يعاون اجلماعات<br />
األحدث هو آُث ملا يف هذا من معاونة على االنقسام والتفرق والإضرار ابلعمل الإسالمي ككل، قال تعاَل:<br />
4<br />
}وَ تَعَاوَ نُوا عَلَى الْبِرِ وَ التَّقْوَ ى وَ ال تَعَاوَ نُوا عَلَى اإلِ ثْمِ وَ الْعُدْوَ انِ } ، وقال صلى هللا عليه<br />
وسلم : »ال ضرر وال<br />
ضرار«، وهذا يف حق من عَلِمَ ابألقدم واألحدث.<br />
كما أننا نرى أن شَغْل املسلمني أبي أمر سوى اجلهاد يف سبيل هللا يف هذا الزمان كما تفعله كثري من اجلماعات<br />
الإسالمية، هو خيانة هلل ولرسوله صلى هللا عليه وسلم، وخيانة هلذا الدين وتضييع له، قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا<br />
5<br />
ال تَخُونُوا َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ ، إن اجلهاد اليوم فرض عني على املسلمني يف معظم<br />
أقطار األرض، فليجاهد املسلم يف بالده أو فليهاجر لينصر إخوانه اجملاهدين يف بلد آخر، ومن عجز عجزا شرعيا عن<br />
هذا وذاك فلينفق ماله يف سبيل هللا وليُحَرِّض املؤمنني على اجلهاد، وليبتهل إَل هللا عز وجل أن يدمر الكافرين وأن<br />
جيعل للمؤمنني فرجا قريبا ونصرا مُعَجمال. إن أي جهد يُبذل يف غري سبيل اجلهاد هو جهد ضائع وإن أي مال ينفق<br />
يف غري هذا السبيل هو مال ضائع، جيب حشد اجلهود واملوال لدفع عجلة اجلهاد الذي تَعَنيم كطريق شرعي وحيد<br />
للخالص يف هذا الزمان.<br />
338<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
.114<br />
- 3 القرطيب 79 / 2<br />
- 4 سورة املائدة، اآلية:2<br />
- 5 األنفال، اآلية: 27
وينبغي أال يغيب عن الذهان ما قررانه يف أوائل الكالم عن ال<strong>إعداد</strong> الإمياين من أن أسباب فشل املسلمني هي أسبا<br />
1<br />
ذاتية داخلية يف املقام األول، لقوله تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِ َك{ ، ولقوله تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ<br />
2<br />
مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{ ، وأنه ال أمل يف الإصالح العام إال بعد الإصالح والتغيري الذاِت الداخلي لقوله تعاَل:<br />
3<br />
}إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ .<br />
وبناء على هذا نقول: إن تسلط العدو على املسلمني وإذالَلَه هلم<br />
هو بسبب تفرقهم<br />
واختالفهم، كما يف حديث<br />
ثوابن مرفوعا أن هللا تعاَل قال لنبيه صلى هللا عليه وسلم : »وَأَنْ ال أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُواا مِنْ سِ وَى أَنْفُسِ هِمْ فَيَسْتَبِي ُح<br />
ب َيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ ب َعْضُهُمْ ي ُهْلِكُ ب َعْضًا« احلديث ، وال يتم اخلالص من هذا الوضع<br />
4<br />
املهني إال بعالج سببه، وذلك ابجتماع املسلمني. والتفرق كما أنه سبب لتسلط العدو فهو نفسه نشأ ألسباب أخرى<br />
جيب عالجها، ومنها التهاون أبحكام الدين وإغفال العمل ببعضها، هلا ينذي إىل اإلختالف والتفرق كعقوبة<br />
قدرية، قال تعاَل: }قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ وا بِهِ قَأَغْرَ يْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَ ةَ وَ الْبَغْضَاءَ{ ، 5 وقال تعاَل: }قَتَقََِّعُوا أَمْرَ هُمْ<br />
6<br />
بَيْنَهُمْ زُ ً بُرا كُلُّ حِ زْ بٍ بِمَا لَدَيْهِمْ قَرِ حُو َن{ ، وعالج هذا يكون ابالعتصام ابلكتاب والسنة وقد ذكرت أصوله من<br />
قبل هبذا يؤلف هللا تعاَل بني القلوب، كما قال تعاَل: }هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِ هِ وَ بِالْمُؤْ مِنِي َن وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَ ْو<br />
7<br />
أَنفَقْتَ مَا قِي األْ َرْ ضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِ يزٌ حَكِي ٌم{ .<br />
هبذا وحده تتكون شوكة الإسالم كثمرة للمواالة الإميانية.<br />
)فقرة 18( والحرب خدعة.<br />
اتفق الناس مجيعا مؤمنهم وكافرهم على أصلني من أصول احلرب، ومها السرية واخلداع على تباين يف الفهم، فاخلداع يف<br />
احلرب ال جيوز <strong>في</strong>ه الغدر ونقض العهود عند املؤمنني ِبالف الكافرين.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »احلرب خُدعة« 9 ،وهذا من أساليب حصر املبتدأ »احلرب« يف اخلرب »خدعة«<br />
أي أن أساس احلرب وأهم<br />
أركاهنا اخلداع، كقوله صلى هللا عليه وسلم : »احلج عرفة« أي أهم ما يف احلج، مع أن<br />
هناك أركان أخرى للحج، وكقوله صلى هللا عليه وسلم : »الدين النصيحة«.<br />
63<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 3 سورة الرعد، اآلية:<br />
78<br />
31<br />
11<br />
- 4 رواه مسلم.<br />
- 5 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 6 سورة املءمنون، اآلية:<br />
53<br />
14<br />
- 7 سورة األنفال، اآليتان:<br />
62<br />
- 9 متفق عليه.<br />
339
قال النووي: ]اتفق العلماء على جواز خِ داع الكفار يف احلرب، وكيف أمكن اخلداع، إال أن يكون <strong>في</strong>ه نقض عهد أو<br />
أمان فال حيل[ . 1<br />
وقال ابن حجر: ]وأصل اخلداع إظهار أمر وإضمار خالفه. و<strong>في</strong>ه التحذير على أخذ احلذر يف احلرب، والندب إَل<br />
خداع الكفار، وأن من مل يتيقظ لذلك مل َيمن أن ينعكس عليه، قال النووي: واتفقوا على جواز خداع الكفار كيفما<br />
أمكن، إال أن يكون <strong>في</strong>ه نقض عهد أو أمان فال<br />
جيوز، قال ابن العريب، اخلداع يف احلرب يقع ابلتعريض وابلكمني<br />
وحنو ذلك. ويف احلديث إشارة إَل استعمال الرأي يف احلرب: بل حيتاج إليه آكد من الشجاعة وهلذا وقع الإقتصار<br />
على ما يشري إليه هذا احلديث، وهو كقوله:<br />
»احلج عرفة«<br />
قال ابن املنري: معىن احلرب خدعة أي احلرب<br />
اجليدة<br />
لصاحبها الكاملة يف مقصودها إَّنا هي املخادعة ال املواجهة، وذلك خلطر املواجهة وحصول الظفر مع املخادعة بغري<br />
2<br />
خطر[ .<br />
3<br />
قلت: ويف احلديث وجوب أخذ احلذر يف احلرب فعدوك يريد أن خيدعك كما تريد ، وقال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا<br />
5<br />
4<br />
خُذُوا حِ ذْرَ كُمْ{ ، وقال تعاَل: }وَ خُذُوا حِ ذْرَ كُ ْم{ ، وإذا كان هذا هو حال الدول واجليوش مع بعضها البعض<br />
فكيف ابملسلمني يف ضعفهم وقلتهم؟، الشك أهنم أحوج ما يكونون إَل استخدام اخلداع واحليلة واالبتكار يف مواجهة<br />
أعدائهم.<br />
واخلداع له صور فنية يعرفها املختصون كالإخفاء والتمويه واحليل احلربية والتوقيت وغري ذلك، ولن نتعرض هلذه األمور<br />
هنا، فهذه الرسالة يف األمور الشرعية ال الفنية، ولكنا هنا نتعرض لبعض األمور الشرعية املتعلقة ابخلداع، هذه األمور<br />
هي الكذب واالغتيال ُث نتكلم عن السرية وبينها وبني اخلداع عموم وخصوص.<br />
أوال: الكذب على األعداء:<br />
ومل أقل الكذب يف احلرب ألنه جيوز الكذب على العدو يف احلرب ويف غري احلرب، كما سأدلل عليه إن شاء هللا<br />
تعاَل:<br />
أما يف ا ر أ =<br />
، ف<strong>في</strong>ه حديث أم كلثوم بنت عقبة قال: )مل أمسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يرخ<br />
من الكذب مما تقول الناس إال يف احلرب والإصالح بني الناس وحديث الرجل امرأته وحديث املرأة زوجها( . 6<br />
يف شيء<br />
- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
341<br />
.45 / 12<br />
- 2 فتح الباري .159 / 6<br />
- 3 نيل األوطار: 57 / 9<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
71<br />
112<br />
- 6 رواه أمحد ومسلم وأبو داود، وروى الرتمذي مثله عن أمساء بنت يزيد.
قال النووي: ]صح يف احلديث جواز الكذب يف ثالثة أشياء أحدها يف احلرب، قال الطربي إَّنا جيوز من الكذب يف<br />
احلرب املعاريض دون حقيقة الكذب فإنه ال حيل، هذا كالمه، والظاهر إابحة حقيقة نفس الكذب لكن الإقتصار<br />
1<br />
على التعريض أفضل وهللا أعلم[ .<br />
وقال ابن حجر: ]قال النووي: الظاهر إابحة حقيقة الكذب يف األمور الثالثة، لكن التعريض أوَل. وقال ابن العريب:<br />
الكذب يف احلرب من املستثىن اجلائز ابلن<br />
2<br />
الكذب ابلعقل ما انقلب حالال. انتهى[ .<br />
ب =<br />
<br />
وأما الكل على العدو يف غري حالة ا ر<br />
للمؤمن أو ختََلُّ من أذى الكافرين ودليله:<br />
رِفْقا ابملسلمني حلاجتهم إليه وليس للعقل <strong>في</strong>ه جمال، ولو كان حترمي<br />
<strong>في</strong>جوز ألسباب منها ما <strong>في</strong>ه مصلحة دينية أو مصلحة دنيوية<br />
قص ة إب راهيم ، ق ال رس ول هللا ص لى هللا علي ه وس لم : »مل يك ذب إب راهيم إال ث الث ك ذابت: ثنت ني م نهن يف<br />
ذات هللا : قوله }إِن ِي سَقِيمٌ{ ، 3 وقوله }بَلْ قَعَلَهُ كَبِيرُ هُمْ هَذَا{ ، 4 وقال: ب َيْنا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار<br />
م ن اجلب ابرة فقي ل ل ه: إن ه ا هن ا رج ال مع ه ام رأة م ن أحس ن الن اس، فأرس ل إلي ه فس أله عنه ا فق ال: م ن ه ذه؟ ق ال:<br />
أخيت. فأتى سارة قال: اي سارة ليس على وجه األرض مؤمن غريي وغريك، وإن ه ذا س ألين عن ك فأخربت ه أن ك أخ يت،<br />
فال تكذبيين« . 5 قال ابن حجر يف شرحه: ]وإال فالكذب احملض يف مثل تلك املقامات جيوز، وقد جيب لتحمل أخف<br />
الض ررين دفع ا ألعظمهم ا، وأم ا تس مية إايه ا ك ذابت ف ال يري د أهن ا تُ ذَم، ف إن الك ذب وإن ك ان قبيح ا خم ال لكن ه ق د<br />
حيس ن يف مواض ع وه ذا منه ا. قول ه: »ثنت ني يف ذات هللا« خص ما ب ذلك ألن قص ة س ارة وإن كان ت أيض ا يف ذات هللا<br />
لك ن تض منت حظ ا لنفس ه ونفع ا ل ه ِب الف الثنت ني األخ رتني فإهنم ا يف ذات هللا حمض ا، وق د وق ع يف رواي ة هش ام ب ن<br />
حسان املذكورة »إن إبراهيم مل يكذب قط إال ثالث كذابت كل ذلك يف ذات هللا« ويف حديث اب ن عب اس عن د أمح د<br />
»وهللا إنْ جادل هبن إال عن دين هللا«[ . 6<br />
<br />
قلت: فهذا الكذب منه ما <strong>في</strong>ه مصلحة دينية ومنه ما <strong>في</strong>ه فرار من أذى الكافرين.<br />
<br />
وقصة أصحاب األخدود، وقد ورد ما رواه مسلم عن صهيب أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »كَانَ<br />
مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِ رٌ، فَلَما كَربَِ قَالَ لِلْمَلِكِ : ِ إِينّ قَدْ كَربِْتُ فَابْعَثْ إِيلَم غُالمًا أُعَلِّمْهُ السِّ حْرَ، فَبَعَ َث<br />
إِلَيْهِ غُالمًا ي ُعَلِّمُهُ وَكَانَ يفِ طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَمسَِعَ كَالمَهُ فَأَعْجَبَهُ، وَكَا َن إِذَا أَتَى السماحِ رَ مَرم ابِلرم اهِ ِب<br />
- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
340<br />
.45 / 12<br />
- 2 فتح الباري .158 / 6<br />
98<br />
63<br />
- 3 سورة الصافات، اآلية:<br />
- 4 سورة األنبياء، اآلية:<br />
- 5 احلديث رواه البخاري عن أيب هريرة: 3359<br />
- 6 فتح الباري .382 / 6
ُ<br />
فَقُل حَبَسَينِ أَهْلِي، وَإِذَا<br />
وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السماحِ رَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إَِلَ الرماهِبِ فَقَالَ : إِذَا خَشِ يتَ السماحِ رَ ْ<br />
خَشِ يتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَينِ السماحِ ر« احلديث.<br />
قال النووي يف شرحه: ]و<strong>في</strong>ه جواز الكذب يف احلرب وحنوها ويف إنقاذ النفس وغريها من اهلالك سواء نفسه أو نفس<br />
1<br />
غريه ممن له حرمة[ ، قلت: وهذه مل تكن حالة حرب ولكن النووي أظنه يشري إَل أنه إذا جاز الكذب على الكافر<br />
يف غري احلرب ف<strong>في</strong> احلرب أوَل. واحلديث السابق وحديث إبراهيم <strong>في</strong>هما جواز الكذب للنجاة من بطش الكافرين.<br />
وقال النووي يف موضع آخر: ]قالوا وال خالف أنه لو قَصَدَ ظَاملٌِ قَتْلَ رجلٍ هو عنده خمُْتَفٍ وجب عليه الكذب يف أنه<br />
2<br />
ال يعلم أين هو[ .<br />
<br />
<br />
وجيوز الكذب على الكافر ألجل املصلحة الدنيوية، و<strong>في</strong>ه قصة احلجاج بن عِالَط أشار إليها ابن حجر يف )ابب<br />
الكذب يف احلرب( قال: ]ويقويه ما أخرجه أمحد وابن حبان من حديث أنس يف قصة احلجاج بن عِالط الذي<br />
أخرجه النسائي وصححه احلاكم يف استئذانه النيب صلى هللا عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء ملصلحته يف استخالص<br />
ماله من أهل مكة وأذن له النيب صلى هللا عليه وسلم، وإخباره ألهل مكة أن أهل خيرب هزموا املسلمني وغري ذلك مما<br />
هو مشهور <strong>في</strong>ه، إَل أن قال قصة احلجاج بن عِالط أيضا مل تكن يف حالة احلرب[ ، 3 وقد أورد ابن كثري قصة<br />
احلجاج هذا مطولة يف البداية والنهاية )4 215(. /<br />
ثانيا: جواز اغتيال الكافر المحارب<br />
احملارب أي الذي ال عهد له، وقد وردت السنة بذلك مع من اشتد إيذاؤهم هلل ولرسوله صلى هللا عليه وسلم، ووردت<br />
الإشارة إَل ذلك يف قوله تعاَل: }قَاقْتُلُوا الْمُشْرِ كِينَ حَيْثُ وَ جَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ ا ْحصُرُ وهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُ َّل<br />
4<br />
مَرْ صَدٍ{ ، قال القرطيب: ]}وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْ صَدٍ{ أي اقعدوا هلم يف موضع الغرة حيث يُرصدون، وهلا دليل<br />
على جواز اغتياهلم قبل الدعوة[ أ ه ، قلت: قول القرطيب “قبل الدعوة” أي ملن بلغته الدعوة من قبل، وهذه اآلية<br />
}وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْ صَ ٍد{ <strong>في</strong>ها دليل على مشروعية الرصد واالستطالع والتجسس على العدو.<br />
أما السنة فقد أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقتل كعب بن األشرف وأيب رافع بن أيب احلُقَيْق، ومها من اليهود.<br />
أما كعب فكان حيرني املشركني على املسلمني<br />
وكان يهجو النيب صلى هللا عليه وسلم بشعره وتشبب )تغزل(<br />
بنساء املسلمني، وقد روى قصة اغتياله البخاري ومسلم، فرواه البخاري عن جابر، »قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم : مَنْ لكعب بن األشرف؟ فإنه أذى هللا ورسوله. فقام حممد بن سلمة فقال: اي رسول هللا، أحتب أن أقتله؟<br />
- 1 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
- 2 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
342<br />
131 / 19<br />
.159 / 16<br />
- 3 فتح الباري 158 / 6<br />
- 4 سورة<br />
5 التوبة، اآلية:
قال: نعم قال: فأذن يل أن أقول شيئا. قال: قل. فأاته حممد بن سلمة« . 1 ويف احلديث أن حممدا بن سلمة ومن معه<br />
أومهوا كعبا بضيقهم ابلنيب صلى هللا عليه وسلم واحتالوا عليه حىت قتلوه، وكان يف حصن منيع.<br />
قال ابن حجر: ]ويف مرسل عكرمة<br />
»فأصحبت يهود مذعورين، فأتوا النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم<br />
فقالوا قتل سيدان<br />
غيلة، فذكرهم النيب صلى هللا عليه وسلم صنيعه وما كان حيرض عليه ويؤذي املسلمني« زاد سعد »فخافوا فلم ينطقوا«<br />
إَل أن قال ابن حجر و<strong>في</strong>ه جواز قتل املشرك بغري دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته. و<strong>في</strong>ه جواز الكالم الذي<br />
2<br />
حيتاج إليه يف احلرب ولو مل يقصد قائله إَل حقيقته[ . وقد أخرج البخاري هذا احلديث يف كتاب اجلهاد )ابب<br />
الكذب يف احلرب( و)ابب الفَتْك أبهل احلرب(.<br />
قلت: فمن وَصَفَ اغتيال الكافرين احملاربني هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم أبنه غدر وحنو ذلك أو أن الإسالم حيرم<br />
ذلك فهو ضال مكل ابلكتا والسنة، وقد قال النووي: ]قال القاضي عياض وال حيل ألحد أن يقول إن قتله<br />
كان غدرا، وقد قال ذلك إنسان يف جملس علي بن أيب طالب<br />
<br />
<br />
3<br />
فأمر به فضرب عنقه[ . وهذه القصة األخرية أشار<br />
4<br />
إليها القرطيب يف تفسري قوله تعاَل: }قَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْ ِر{ ، وأوردها ابن تيمية يف كتابه )الصارم املسلول على شامت<br />
الرسول(. وذكر قصة وقعت بني معاوية وبني حممد بن مسلمة رضي هللا عنهما.<br />
وأما ابن أيب ا ُق يْق فهو يهودي من خيرب، وهو اتجر احلجاز، كان قد ذهب إَل مكة وأَغْرى قريشا ابلنيب صلى<br />
هللا عليه وسلم حىت حزبوا األحزاب، وكانت غزوة األحزاب هو موقد انرها. روى البخاري عن الرباء بن عارب قال:<br />
»بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل أيب رافع اليهودي رجاالً من األنصار، فأَمر عليهم عبد هللا بن عتيك، وكان<br />
أبو رافع يؤذي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ويعني عليه، وكان يف حصن له أبرض احلجار« ، 5 ورَوَى عنه أيضا<br />
قال: »بعث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رهطا إَل أيب رافع، فدخل عليه عبد هللا بن عتيك بيته ليال وهو انئم<br />
فقتله« . 6 وقد احتال ابن عتيك بشىت احليل حىت قتله، فاحتال حىت دخل احلصن ُث أغلق أبواب بيوت اليهود من<br />
خارجها، ُث سار إَل أيب رافع ال يدخل اباب إال أغلقه من داخله، وغري صَوْتَه حىت ال يٌعرف. قال ابن حجر: ]ويف<br />
هذا احلديث من الفوائد: جواز اغتيال املشرك اللي بلغته الدعوة وأصر، وقَتْل من أعان على رسول هللا صلى هللا<br />
343<br />
- 1 احلديث: 4137<br />
- 2 فتح الباري 341 / 7<br />
- 3 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
- 4 سورة التوبة، اآلية:<br />
161/ 12<br />
12<br />
- 5 احلديث: 4138<br />
- 6 احلديث: 4139
عليه وسلم بيده أو ماله أو لسانه وجواز التجسيس على أهل احلرب وتطلب غرهتم، واألخذ ابلشدة يف حماربة<br />
املشركني، وجواز إهبام القول للمصلحة، وتعرني القليل من املسلمني للكَري من املشركني[ . 1<br />
ويف هذه املسألة يقول الشيخ عبد الرمحن الدوسري رمحه هللا، عند ذكره ملراتب العبودية يف تفسريه لقول هللا تعاَل:<br />
}إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِي ُن{ ، 2 قال: ]ُث إن <strong>إعداد</strong> القوة حسب املستطاع من واجبات الدين ولوازم إقامته،<br />
فالعابد الصحيح هلل ال ي َعْتَوِرُه التسويف يف هذا فضال عن تركه أو التساهل <strong>في</strong>ه، وأيضا فالعابد هلل املصمم على اجلهاد<br />
يف ذاته يكون منفلا للغيلة يف أئمة الكفر من دعاة اإل اد واإلابحية وكل طاعن يف وحي هللا أو مسخر قلمه أو<br />
دعايته ضد الدين احلنيف ألن هذا مؤذٍ هلل ورسوله صلى هللا عليه وسلم، ال جيوز للمسلمني يف بقاع األرض من<br />
خصوص وعموم أن يَدَعوه على قيد احلياة، ألنه أضر من ابن احلقيق وغريه ممن ندب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
إَل اغتياهلم فرتك اغتال ورثتهم يف هذا الزمان تعطيل لوصية املصطفى صلى هللا عليه وسلم وإخالل فظيع بعبودية هللا<br />
ومساح صارخ شنيع للمعاول اهلدامة يف دين هللا، وال يفسر صدوره إال من عدم الغرية لدين هللا والغضب لوجهه<br />
الكرمي، وذلك نق عظيم يف حب هللا ورسوله وتعظيمهما، ال يصدر من حمقق لعبودية هللا مبعناها الصحيح<br />
املطلوب[أ ه . 3<br />
<br />
قلت: وهنا تربز مسألة، وهي إذا مل ميكن قتل الكافر إال بقتل من معه من النساء والولدان، هل جيوز أم ال؟ اجلواب:<br />
جيوز قتلهم وإن مل يقاتلوا أو يعينوا، وذلك إذا مل ميكن قتل الكافر إال بللك، وعلى أال يتعمد قتلهم، واملسألة <strong>في</strong>ها<br />
حديثان:<br />
حديث ابن عمر قال: »وُجِ دَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً يفِ ب َعْضِ تلك مَغَازِي، فَنَهَى رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم عَنْ<br />
قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ« ويف رواية )فأنكر( بدل )فنهى( . 4<br />
وحديث الصمعب بن جَثمامة قال: »سُئِلَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم عَنِ الذمرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِنيَ ي ُبَيمتُوَن<br />
فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فد ق ال: هُمْ مِندْهُمْ« ، 5 ويف رواية: »أَنم النميبِ م صلى هللا عليه وسلم قِيلَ لَهُ لَوْ أَنم خَيْالً<br />
أَغَارَتْ مِنَ اللميْلِ فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِنيَ قَالَ هُمْ مِنْ آابَئِهِ ْم« . 6<br />
قال النووي: ]هم من آابئهم أي ال أبس بذلك ألن أحكام آابئهم جارية عليهم يف املرياث ويف النكاح ويف القصاص<br />
والدايت وغري ذلك واملراد إذا مل ي ُتَعمدوا من غري ضرورة. وأما احلديث السابق يف النهي عن قتل النساء والصبيان<br />
- 1 فتح الباري 345 / 7 وأخرجه البخاري يف كتاب اجلهاد )ابب قتل النائم املشرك(<br />
- 2 سورة الفاحتة، اآلية:<br />
344<br />
5<br />
- 3 من صفوة اآلَثر واملفاهيم من تفسري القرآن العظيم للشيخ عبد الرمحن الدوسري ط دار األرقم 1411ه ج 1 ص 269.<br />
- 4 متفق عليهما.<br />
- 5 متفق عليه.<br />
- 6 رواه مسلم
فاملراد به إذا متيزوا وهذا احلديث الذي ذكرانه من جواز ب َيَاهتم وقتل النساء والصبيان يف البَيَات هو مذهبنا ومذهب<br />
مالك وأيب حنيفة واجلمهور، ومعىن البيات ويبيتون أن ي ُغَار عليهم ابلليل حبيث ال ي ُعْرَف الرجل من املرأة والصيب، وأما<br />
الذراري فبتشديد الياء وخت<strong>في</strong>فها لغتان التشديد أفصح واملراد ابلذراري هنا النساء والصبيان. ويف هذا احلديث دليل<br />
جلواز البيات وجواز اإلغارة على من بلغتهم الدعوة من غري إعالمهم بللك<br />
الدنيا حكم آابئهم، وأما يف اآلخرة ف<strong>في</strong>هم إذا ماتوا قبل البلوغ ثالثة مذاهب[ . 1<br />
و<strong>في</strong>ه أن أوالد الكفار حكمهم يف<br />
وقال ابن قدامة: ]وجيوز تَبْيِيت الكفار وهو كَبْسُهم ليال وقتلهم وهم غارون. قال أمحد ال أبس ابلبيات وهل غزو الروم<br />
إال ابلبيات؟ وقال وال نعلم أحداً كَرِه ب َيَات العدو وقرأ عليه س<strong>في</strong>ان عن الزهري عن عبد هللا عن ابن عباس عن<br />
الصّعب بن جثّامة قال مسعت رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم يُسئل عن الداير من املشركني نبيتهم فنصيب من<br />
نسائهم وذراريهم فقال: »هُمْ مِنْهُمْ« فقال إسناد جيد، فإن قيل فقد هنى النيب صلى هللا عليه وسلم عن قتل النساء<br />
والذرية قلنا هذا حممول على التعمد لقتلهم، قال أمحد أما أن يتعمد قتلهم فال. قال وحديث الصعب بعد هنيه عن<br />
قتل النساء آلن هنيه عن قتل النساء حني بعث إَل ابن أيب احلقيق، وعلى أن اجلمع بينهما ممكن: حيُْم ل النهي على<br />
التعمد، واإلابحة على ماعداه[ . 2<br />
قلت: وقد أشار ابن حجر يف شرحه حلديث الصمعب إَل احتمال نسخه لزايدة وردت <strong>في</strong>ه مُدْرجة من قول الزهري، يف<br />
سنن أيب داود، فإنه قال يف آخره: )قال س<strong>في</strong>ان قال الزهري ُث هنى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد ذلك عن قتل<br />
النساء والصبيان( وقال ابن حجر: ]وكأن الزهري أشار بذلك إَل نسخ حديث الصعب[ على أن الرواية اختلفت يف<br />
اتريخ هذا النهي فقيل ملا بعث إَل ابن أيب احلقيق، رواه أبو داود، وقبل يوم حنني رواه ابن حبان . 3<br />
وقد أورد أبو بكر احلازمي هذين احلديثني وقال ذهبت طائفة إَل أن األول انسخ للثاين وطائفة إَل عكس ذلك<br />
وطائفة إَل اجلمع بينهما، ُث أورد قول الشافعي مبا يؤيد اجلمع ]قال الشافعي حديث الصّعب كان يف آخر عُمرة<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم، فإن كان يف عمرته األوَل فقد قتل ابن أيب احلقيق من غري شك وهللا أعلم، قال الشافعي<br />
رمحه هللا ومل نعلمه رَخم يف قتل النساء والولدان ُث هنى عنه، ومعىن هنيه عندان وهللا أعلم عن قتل النساء والولدان أن<br />
يقصدهم بقتل وهم يُعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم، ومعىن قوله “منهم” أهنم جيمعون خصلتني أن ليس هلم حكم<br />
الإميان الذي مينع به الدم، وال حكم دار الإميان الذي مينع به الغرة على الدار، ولذا أابح النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
البَيَات والغارة على الدار وأغار على بين املصطلق غارين، والعلم حييط أن البيات والغارة إذا حَالم إبحالل رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم مل ميُْنع أحد ب َيمت أو أغَارَ من أن يُصيب النساء والولدان <strong>في</strong>سقط املأُث <strong>في</strong>هم والكفارة والعقل<br />
والقود عمن أصاهبم إذا أبيح أن ي ُبَيِّت وي ُغَريِّ ، وليست هلم حرمة الإسالم، وال يكون له قَتْلَهم عامدا هلم متميزين عارفا<br />
- 1 صحيح مسلم بشرح الننوي 51<br />
49 / 12<br />
- 2 املغين والشرح الكبري 513 / 11<br />
- 3 فتح الباري 147 / 6<br />
345
هبم، وإَّنا هنى عن قتل الولدان ألهنم مل يبلغوا كفرا <strong>في</strong>عملوا به <strong>في</strong>قتلوا به، وعن قتل النساء ألنه ال معىن <strong>في</strong>هن لقتال<br />
وأهنن والولدان مُتَخَوملون <strong>في</strong>كونون قوة ألهل دين هللا عز وجل[أ ه . 1<br />
قلت: خالصة قول الشافعي وهو ما ذكره النووي من قبل أنه ال إُث يف قتل الذراري إذا مل يتميزوا عمن يُراد قتله من<br />
الكافرين، على أال يتعمد قتلهم. وهللا تعاَل أعلم.<br />
أ =<br />
ثالثا: السرية <strong>في</strong> اإلسالم:<br />
قد تتعلق السرية يف الإسالم ابلدعوة ككل أو ابلفرد أو ابألعمال العسكرية، ولكل من هذه الوجوه دليله.<br />
سرية الدعوة: األصل يف دعوة الإسالم اجلهر والعلن وذلك ألهنما دعوة لعموم اخللق، ولقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا<br />
2<br />
الرَّ سُولُ بَلِغْ مَا أُنزِ لَ إِلَيْكَ مِنْ رَ ب ِكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَمَا بَلَّغْتَ رِ سَالَتَهُ{ ، ومع ذلك فقد ظل النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم خمُْفِيا دعوته حىت أذن هللا له.<br />
3<br />
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما: )يف قوله تعاَل: }وَ ال تَجْهَرْ بِصَالَ تِكَ وَ ال تُخَاقِتْ بِهَا{ ، قال:<br />
5<br />
4<br />
نزلت ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم خمُْتَف مبكة( ، قال ابن حجر: ]خمتف مبكة: يعين أول الإسالم[ .<br />
6<br />
ويف تفسري قوله تعاَل: }قَاصْدَعْ بِمَا تُؤْ مَرُ وَ أَعْرِ ضْ عَنْ الْمُشْرِ كِي َن{ ، قال ابن كثري: ]وقال أبو عبيدة عن عبد<br />
7<br />
هللا بن مسعود: مازال النيب صلى هللا عليه وسلم مستخ<strong>في</strong>ا حىت نزلت }قَاصْدَعْ بِمَا تُؤْ مَ ُر{ .<br />
ب =<br />
<br />
<br />
استسرار األفراد إبمياهنم )كتمان الإميان( ودليله:<br />
قوله تعاَل: {<br />
َوقَالَ رَ جُلٌ مُؤْ مِنٌ مِنْ آلِ قِرْ عَوْ نَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ{ . 9<br />
وقال تعاَل يف أصحاب الكهف }قَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَ رِ قِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْ كَى َِعَام ًا قَلْيَأْتِكُ ْم<br />
بِرِ زْ قٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلََِّفْ وَ ال يُشْعِرَ نَّ بِكُمْ أَحَد ًا إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُ وا عَلَيْكُمْ يَرْ جُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ قِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذًا<br />
أَبَد ًا{ ، 8 فالسرية يف قوله تعاَل: }وَ ال يُشْعِرَ نَّ بِكُمْ أَحَد ًا{.<br />
- 1 الإعتبار يف الناسخ واملنسوخ للحازمي ط مطبعة األندلس حبم<br />
1396ه ص<br />
215<br />
- 2 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 3 سورة الإسراء، اآلية:<br />
67<br />
111<br />
- 4 حديث: 4722<br />
- 5 فتح الباري: 415 / 9<br />
- 6 سورة احلجر، اآلية:<br />
- 7 تفسري سورة احلجر.<br />
- 9 سورة غافر، اآلية:<br />
84<br />
29<br />
- 8 سورة الكهف، اآليتان:<br />
21 18<br />
346
وعن ابن عباس رضي هللا عنهما أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال للمقداد<br />
مع قوم كفار فأظهر إميانه فقتلته، فكذلك كنت أنت خت<strong>في</strong> إميانك مبكة من قبل« . 1<br />
»إذا كان رجل ممن خي<strong>في</strong> إميانه<br />
<br />
ويف قصة إسالم أيب ذر الغفاري<br />
<br />
أنه دخل على النيب صلى هللا عليه وسلم فقال: )اعرض علي الإسالم، فعرضه،<br />
فأسلمت مكاين، فقال يل: اي أاب ذر، اكتم هلا األمر، وارجع إَل بلدك، فإذا بلغك ظهوران فأَقْبِل، فقلت: والذي<br />
بعثك ابحلق ألصرخن هبا بني أظهرهن[ . 2<br />
<br />
وكتم ا جاج بن عِالط السلمي إسالمه عن أهل مكة، واستأذن النيب صلى هللا عليه وسلم يف الكذب عليهم<br />
حىت جيمع أمواله اليت مبكة . 3<br />
<br />
وروى مسلم يف كتا اإلميان )اب<br />
جواز اإلستسرار ابإلميان للخائف( عن حذيفة<br />
<br />
قال: )كنا مع رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم فقال: أحصوا يل كم ي َلْفظ الإسالم، قال: فقلنا: اي رسول هللا أختاف علينا وحنن ما بني الستمائة<br />
إَل السبعمائة، قال إنكم ال تدرون لعلكم أن تبتلوا، قال: فابتلينا حىت جعل الرجل منا ال يصلي إال سرا(، ورواه<br />
البخاري و<strong>في</strong>ه )فلقد رأيتنا ابتلينا حىت إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف( ، 4 قال النووي: ]وأما قوله ابتلينا فجعل<br />
الرجل ال يصلي إال سرا، فلعله كان يف بعض الفنت اليت جرت[ . 5<br />
قلت: وكما ترى أن إخفاء الإميان )وهو ما نعرب عنه ابلسرية( جائز وشروع خاصة حال اخلوف من إيذاء الكافرين،<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]فمن كان من املؤمنني أبرض هو <strong>في</strong>ها مستضعف أو يف وقت هو <strong>في</strong>ه<br />
مستضعف فليعمل ِبية الصرب والصفح والعفو عمن يؤذي هللا ورسوله من الذين أوتوا الكتاب واملشركني، وأما أهل<br />
القوة فإَّنا يعملون ِبية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون يف الدين وِبية قتال الذين أوتوا الكتاب حىت يعطوا اجلزية عن<br />
6<br />
يد وهم صاغرون[ .<br />
ج =<br />
فهي:<br />
السرية يف األعمال العسكرية: قلت إن األصل يف الدعوة هو اجلهر واالستثناء هو الإسرار، أما األعمال<br />
العسكرية فعكس ذلك، األصل <strong>في</strong>ها السرية، وكيفما أمكن إخفاء املعلومات واألسرار والتحركات فهو واجب، وهذا<br />
كله هبدف حتقيق عنصر املباغتة ومفاجأة اخلصم، وهو من أهم أسباب النصر. أما أدلة السرية يف األعمال العسكرية<br />
- 1 رواه البخاري تعليقا، حديث 6966<br />
347<br />
- 2 رواه البخاري، حديث 3522<br />
- 3 انظر قصته ابلبداية والنهاية 215 / 4<br />
- 4 حديث 3161<br />
- 5 صحيح مسلم بشرح النووي<br />
178 / 2<br />
- 6 الصارم املسلول ص : 221
ما رواه البخاري عن كعب بن مالك يف قصة ختلفه عن غزوة تبوك قال: )ومل يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
يريد غزوة إال ورى بغريها، حىت كانت تلك الغزوة غزاها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف حر شديد واستقبل سفرا<br />
بعيدا ومفازا، وعدوا كثريا، فجَلمى للمسلمني أمورهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخربهم بوجهه الذي يريد( . 1 فقوله )ومل<br />
يكن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يريد<br />
<br />
<br />
غزوة إال ورى غريها( يدل على أن األصل يف األعمال العسكرية أن تكون<br />
سرية. ورواه أبو داود وزاد <strong>في</strong>ه )وكان يقول: احلرب خُدعة( وهذا احلديث <strong>في</strong>ه فائدة <strong>في</strong>ما يتعلق ابلسرية، وهي انه جيوز<br />
لألمري أن خيرج ابجليش للغزو ومعظم اجليش ال يعلم ِبهة الغزو، بدليل قول كعب )فجلى للمسلمني أمرهم ......<br />
فأخربهم بوجهه الذي يريد( وذلك يف غزوة تبوك دون غريها، وقد ذكرت هذه الفائدة حىت ال يقول أحد اجلنود ال<br />
أخرج للغزو حىت أعلم اجلهة. ويف ا حلديث فائدة أخرى، وهي أن إخفاء املعلومات ليس عن العدو فقط بل وعن<br />
الصديق أيضا، واهلدف حصر املعلومات يف أضيق دائرة ومنع تسرهبا ما أمكن فللعدو عيون وقد يتكلم الصديق ويف<br />
احلكمة “سِ رّك من دمك فانظر أين تضعه”.<br />
ومن ذلك أيضا بيعة العقبة مع األنصار كانت سرية . 2<br />
ومن ذلك أيضا هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم من مكة إَل املدينة كانت سرية قال تعاَل: }إِال تَنصُرُ وهُ قَقَ ْد<br />
نَصَرَ هُ َّللاَّ ُ إِذْ أَخْرَ جَهُ الَّذِينَ كَفَرُ وا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا قِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِ بِهِ ال تَحْزَ نْ إِنَّ َّللاَّ َ مَعَنَا{ ، 3 وقال<br />
أبو بكر : )قلت للنيب صلى هللا عليه وسلم وأان يف الغار: لو أن أحدهم نظر حتت قدميه ألبصران، فقال: ما ظنك<br />
اي أاب بكر ابثنني هللا َثلثهما( ، 4 وقال النيب صلى هللا عليه وسلم لسراقة بن مالك حني تَبِعَهم:<br />
»إخف عنا« . 5<br />
<br />
<br />
<br />
ومن السرية أيضا ما صنع النيب صلى هللا عليه وسلم مع<br />
إال بعد مسريه يومني ُث ينفذ ما ه، وستأِت القصة يف الباب اخلامس إن شاء هللا تعاَل.<br />
س رِية عبد هللا بن جحش كتب له كتااب وأمره أال يفتحه<br />
<strong>في</strong><br />
ومن السرية يف األعمال العسكرية التجسس على العدو، وقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم يبعث العيون على<br />
عدوه كما بعث حذيفة إَل معسكر األحزاب، وبعث الزبري طليعة وحده وغري ذلك مما ثبت ابألحاديث الصحيحة.<br />
ومن ذلك كتمان نعيم بن مسعود لإسالمه حىت أوقع بني األحزاب وبني قريظة يوم األحزاب ]قال ابن إسحاق:<br />
إن نعيما بن مسعود أتى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال: اي رسول هللا إين قد أسلمت وإن قومي مل يعلموا<br />
348<br />
- 1 احلديث: 4419<br />
- 2 البداية والنهاية 161 / 3<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
41<br />
- 4 رواه البخاري حديث 3653<br />
- 5 رواه البخاري 3816
إبسالمي فمُرْين مبا شئت، فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »إَّنا أنت <strong>في</strong>نا رجل واحد، فَخَذِّل عنا إن استطعت،<br />
فإن احلرب خدعة«[ . 1<br />
وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية أنه جيوز بل قد جيب على املسلم التشبه ابملشركني يف اهلَدْي الطاهر كاللباس وحنوه<br />
ملثل هذه املصاحل، قال رمحه هللا: ]ومما يوضح ذلك: أن كل ما جاء من التشبه هبم، إَّنا كان يف صدر اهلجرة، ُث نُسِ َخ<br />
ذلك: ألن اليهود إذ ذاك، كانوا ال مييزون عن املسلمني ال يف شعور وال يف لباس، وال بعالمة وال غريها[.<br />
ُث إنه ثبت بعد ذلك يف الكتاب والسنة والإمجاع، الذي كَمُل ظهوره يف زمن عمر بن اخلطاب ، ما شرعه هللا من<br />
خمالفة الكافرين ومفارقتهم يف الشعار واهلَدْي.<br />
وسبب ذلك: أن املخالفة هلم ال تكون إال مع ظهور الدين وعلوه كاجلهاد وإلزامهم ابجلزية والصغار. فلما كان<br />
املسلمون يف أول األمر ضعفاء مل تُشرع املخالفة هلم، فلما كمل الدين وظهر وعال، شُرِع ذلك.<br />
ومثل ذلك اليوم: لو أن املسلم بدار حر<br />
، أو<br />
دار كفر غري حر<br />
، مل يكن مأمورا ابملخالفة يف اهلدي الظاهر، ملا<br />
عليه يف ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو جيب عليه، أن يشاركهم أحياان يف هديهم الظاهر، ملا عليه يف<br />
ذلك من الضرر، إذا كان يف ذلك<br />
مصلحة دينية<br />
املسلمني بذلك، أو دفع ضررهم عن املسلمني، وحنو ذلك من املقاصد الصاحلة.<br />
من دعوهتم إَل الدين، والإطالع على ابطن أمورهم، لإخبار<br />
فأما يف دار الإسالم واهلجرة اليت أعز هللا <strong>في</strong>ها دينه، وجعل على الكافرين هبا الصمغار واجلزية ف<strong>في</strong>ها شُرعت املخالفة.<br />
2<br />
وإذا ظهر أن املوافقة واملخالفة هلم ختتلف ابختالف الزمان واملكان ظهرت حقيقة األحاديث يف هذا[ أه .<br />
قلت: هذا مبا يتعلق ابلسرية يف الإسالم مؤيدا ابألدلة الشرعية، ومنه تعلم خطأ من يقول إن اإلسالم ال يقر العمل<br />
السري، فمما يؤسف له أن بعض من ي َتَصَدون للدعوة الإسالمية ينكرون على غريهم األخذ ابلسرية، وهذا الإنكار<br />
يدل على أن ال<strong>إعداد</strong> للجهاد يف سبيل هللا مل خيطر ببال هؤالء املنكرين، وإال لعلموا معىن السرية. فتأمل هذا. قال<br />
3<br />
تعاَل: }وَ لَوْ أَرَ ادُوا الْخُرُ وجَ ألَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً{ ، وهذا آخر ما نذكره يف فقرة )احلرب خدعة(.<br />
)فقرة 19( واإلستشهاد ليس مقصودا لذاته بل إلظهار الدين.<br />
وميكن أيضا صياغة هذه الفقرة هكذا )واملقصد األصلي للجهاد هو إظهار الدين ال االستشهاد(.<br />
ويف فضل الشهادة ورد:<br />
قوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ اشْتَرَ ى مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ{ . 4<br />
349<br />
- 1 البداية والنهاية 111 / 4 وفتح الباري 412 / 7<br />
- 2 اقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية حتقيق د/ انصر العقل ط 1414ه ج 1 ص 419<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
418<br />
.46<br />
- 4 التوبة، اآلية: 111
وعن أيب هريرة<br />
<br />
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
»انتدب هللا ملن خرج يف سبيله ال خيرجه إال إميان يب<br />
وتصديق برسلي، أن أرجعه مبا انل من أجر أو غنيمة، أو أدخله اجلنة، ولوال أن أشق على أميت ما قعدت خَلْف<br />
1<br />
سرية، ولوَدِدت أن أقتل يف سبيل هللا، ُث أحيا فأقتل، ُث أحيا فأقتل« .<br />
وعن أنس<br />
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »ما أحد يدخل اجلنة حيب أن يرجع إَل الدنيا، وله ما على<br />
2<br />
األرض من شيء، إال الشهيد يتمىن أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل عشر مرات ملا يرى من الكرامة« . ومعىن احلديث أن<br />
من دخل اجلنة ال حيب أن يرجع إَل الدنيا ولو كان ميلك كل ما على األرض لعِظَم ما وجد من نعيم اجلنة، ويف<br />
احلديث:<br />
3<br />
»موضع سوط يف اجلنة خري من الدنيا وما <strong>في</strong>ها« ، إال الشهيد فإنه حيب أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل مرات<br />
ومرات يف سبيل هللا لتتضاعف املنزلة العظيمة اليت انهلا يف اجلنة، ولذلك قال ابن حجر: ]قال ا بن بطال: هذا<br />
4<br />
احلديث أَجَلُّ ما جاء يف الشهادة[ .<br />
وهنا ينبغي التنبيه على عدة أمور متعلقة بالشهادة، وهي:<br />
أوال = أثر حب االستشهاد يف النصر.<br />
اثنيا = آفة التهور.<br />
اثلَا = آفة اجلنب.<br />
رابعا = آفة اإلحجام.<br />
أوال = أثر حب االستشهاد <strong>في</strong> النصر.<br />
متين الشهادة واحلرص عليها من أعظم ما يدفع املؤمن إَل الإقدام يف القتال، ومن هنا كانت الشهادة هي ورقة النصر<br />
يف الدنيا كما أهنا وثيقة دخول اجلنة يف اآلخرة، قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ اشْتَرَ ى مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ الَهُمْ بِأَنَّ لَهُ ْم<br />
5<br />
الْجَنَّةَ{ . واحلرص على الشهادة ي ُعَوِّض نق العدد و<strong>العدة</strong> كما هي العادة<br />
ي ُرْهِب أعداءهم خاصة إذا علمت أن عدوك على النقيض من ذلك،<br />
لدى املسلمني، كما أن هذا احلرص<br />
فالكافر من أشد الناس حرصا على ا ياة،<br />
كما قال تعاَل: }قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ اآلْ خِ رَ ةُ عِنْدَ َّللاَّ ِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ قَتَمَنَّوْ ا الْمَوْ َت إِنْ كُنتُمْ صَادِقِي َن<br />
وَ لَنْ يَتَمَنَّوْ هُ أَبَد ًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ َّللاَّ ُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَ لَتَجِ دَنَّهُمْ أَحْرَ صَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَ مِنْ الَّذِينَ أَشْرَ كُوا يَوَ ُّد<br />
أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ مَا هُوَ بِمُزَ حْزِ حِ هِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّ َر{ ، فتأمل قوله تعاَل: }وَ لَنْ يَتَمَنَّوْ هُ أَبَد ًا{<br />
6<br />
351<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 رواه البخاري عن سهل بن سعد<br />
- 4 فتح الباري 33 / 6<br />
- 5 التوبة، اآلية: 111<br />
- 6 سورة البقرة، اآلايت:<br />
86 84
و}وَ لَتَجِ دَنَّهُمْ أَحْرَ صَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ{ وقارن هذا بقول النيب صلى هللا عليه وسلم يف حديث أنس السابق<br />
الشهيد يتمىن أن يرجع إَل الدنيا <strong>في</strong>ُقتل عشر مرات ملا يرى من الكرامة«.<br />
والشهادة بقدر ما خيشى الكافر املوت وحيرص على الدنيا.<br />
« الإ<br />
فبقدر ما حيرص املؤمن على املوت<br />
ولذا ينبغي غرس مفهوم الشهادة وفضلها يف أذهان املسلمني، وتقوية هذا املفهوم ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين ودراسة سرية<br />
الصحابة والسلف الصاحل يف الغزوات، وأعود فأُذكِّر هنا أبمهية نبذ الرتف والتعود على خشونة العيش وإن كان املرء<br />
قادرا على الدنيا فلهذه اخلشونة أثرها يف الصرب يف القتال.<br />
وهنا ينبغي التنبيه على أن حب الإستشهاد هو<br />
املسلمني، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
جزء من سياسة الردع<br />
الذي هو مبدأ من أهم مبادئ اجلهاد عند<br />
1<br />
»نصرت ابلرعب مسرية شهر« ، ابعتبار عدم اخلصوصية.<br />
ويتحقق مبدأ الردع بالعمل على محورين:<br />
حمور الكم )احملور األفقي(، وهو الوارد يف قوله تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ وَ مِنْ رِ بَاِِ الْخَيْلِ<br />
تُرْ هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ َّللاَّ ِ وَ عَدُوَّ كُمْ وَ آخَرِ ينَ مِنْ دُونِهِمْ ال تَعْلَمُونَهُمْ َّللاَّ ُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ يُوَ َّف<br />
إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ ال تُظْلَمُو َن{ . 2 والردع يف هذه اآلية ظاهر يف قوله تعاَل: }تُرْ هِبُونَ بِهِ{، ووسيلة القوة، ومفرادت هذه<br />
القوة هي مال ورجال وسالح.<br />
= 0<br />
= 2<br />
وحمور الكيف )احملور الرأسي(، وله شِ قمان، شق مادي برفع الكفاءة القتالية للفرد املسلم، قال صلى هللا عليه<br />
وسلم: »املؤمن القوي خري وأحبُّ إَل هللا من املؤمن الضعيف« ، 3 وشق معنوي بغرس مفاهيم حب الإستشهاد<br />
والصرب يف نفوس املسلمني، قال تعاَل: }اصْبِرُ وا وَ صَابِرُ وا وَ رَ ابُِِوا{ ، 4 وقال تعاَل: }إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ قَإِنَّهُمْ<br />
يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَ تَرْ جُونَ مِنْ َّللاَّ ِ مَا ال يَرْ جُونَ{ ، 5 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »واعلم أن النصر مع<br />
الصرب«.<br />
وأعود فأُذكِّر وحنن مازلنا نتكلم يف مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أن تقوى هللا<br />
<br />
بفعل الطاعات وترك املعاصي تؤثر أتثريا<br />
مباشرا يف ميدان القتال، وقد تضمن هللا تعاَل للمتقني بزلزلة عدوهم كما قال تعاَل: }سَأُلْقِي قِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُ وا<br />
الرُّ عْبَ } 6 ، وقال تعاَل: }وَ لَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُ وا لَوَ لَّوْ ا األَدْبَارَ ثُمَّ ال يَجِ دُونَ وَ لِيًّا وَ ال نَصِ ً يرا سُنَّةَ َّللاَّ ِ الَّتِي قَ ْد<br />
7<br />
خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِ دَ لِسُنَّةِ َّللاَّ ِ تَبْدِيال{ ، وهللا فإن التقوى والعمل الصام هي جزء ال يتجزأ من سياسة الردع.<br />
- 1 رواه البخاري عن جابر.<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
350<br />
61<br />
- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
- 6 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 7 سورة الفتح، اآليتان:<br />
211<br />
114<br />
12<br />
23 22
وهذا الفهم كان واضحا ومستقرا يف أذهان الرعيل األول من هذه األمة كما يتضح من رسالة عمر إَل سعد بن أيب<br />
وقاص يف مسريِهِ لغزو الفرس رضي هللا عنهما، وذكرت طرفا منها من قبل.<br />
هذا:<br />
<br />
<br />
ثانيا آفة التهور.<br />
الشهادة ليست مقصودة لذاهتا إال يف مواطن سيأِت ذكرها بل لإظهار الدين، ال أبس بتمين الشهادة والتعرض هلا<br />
ابلتغرير ابلنفس يف القتال على أال تكون هي املقصد األول من هذا التغرير، بل يكون املقصد األول هو إظهار الدين،<br />
ومبعىن آخر ال ينبغي للمسلم أن يقتحم القتال جملرد الشهادة دون النظر إَل ما يوقعه ابلعدو من نكاية. والدليل على<br />
قول النيب صلى هللا عليه وسلم: »من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا« ، 1 فجعل صلى هللا عليه<br />
وسلم املقصد من اجلهاد هو إعالء كلمة هللا ال الشهادة اليت قد تقع وقد ال تقع، وهي ال تقع إال ملن اختاره هللا<br />
تعاَل هلذه املنزلة، قال تعاَل: }وَ يَتَّخِ ذَ مِنْكُمْ شُهَدَا َء{ . 2<br />
قول هللا تعاَل: }قَقَاتِلْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال تُكَلَّفُ إِال نَفْسَكَ وَ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَسَى َّللاَّ ُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِي َن<br />
كَفَرُ وا{ ، 3 فأمر سبحانه ابلقتال لكف أبس الكافرين، وأمر سبحانه يف آايت أخر بكف فتنة الكافرين }حَتَّى ال<br />
تَكُونَ قِتْنَةٌ{ ، 4 وأمر سبحانه ابلنكاية يف الكافرين }قَاتِلُوهُمْ يُعَذِبْهُمْ َّللاَّ ُ بِأَيْدِيكُمْ{ ، 5 وجعل سبحانه الغاية من اجلهاد<br />
إظهار دينه احلق، كما قال تعاَل: }هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِ َرهُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ<br />
الْمُشْرِ كُونَ{ ، 6 وجعل سبحانه القتال وسيلة لإظهار الدين كما قال تعاَل: }وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى ال تَكُونَ قِتْنَةٌ وَ يَكُونَ<br />
الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ }ِ 7 .<br />
فاملقصد األصلي من اجلهاد هو إظهار الدين ال جمرد اإلستشهاد، والغرض من هذا كبح مجاح التمهَوُّر عند بعض<br />
املسلمني ورَدِّهم إَل املنزلة الوسطى وهي الشجاعة اليت هي وسط بني التهور واجلنب، والتهور الذي أشري إليه هو<br />
التعرض للقتل جملرد الإستشهاد دون النظر إَل ما توقعه بعدوك<br />
وهلا وإن جاز يف مواطن كمن أحيط به وخشي<br />
األسر فقاتل حىت قتل كما يف سرية عاصم بن َثبت ، 9 ولكن ليس هذا هو األصل ولو كانت الشهادة هي املقصد<br />
األصلي ملا جاز الفرار من أجل التحيُّز إَل فئة أو التمحَرُّف للقتال، قال تعاَل: }وَ مَنْ يُوَ لِهِمْ يَوْ مَئِذٍ دُبُرَ هُ إِال مُتَحَرِ ق ًا<br />
352<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 5 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 6 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 7 سورة اآلنفال، اآلية:<br />
141<br />
94<br />
38<br />
38<br />
14<br />
33<br />
- 9 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 553
لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَي ً ِزا إِلَى قِئَةٍ قَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ َّللاَّ ِ وَ مَأْوَ اهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِ ي ُر{ ، 1 <strong>في</strong>ُعْلَم هبذا أن املقصد األصلي<br />
هو إظهار الدين والنكاية يف العدو.<br />
ومن املقاصد املعتربة أيضا يف اجلهاد احملافظة على القوة اإلسالمية<br />
وعدم تعريض املسلمني للهالك دون جدوى<br />
عسكرية، ومن أجل هذا جاز للمسلم الفرار من ثالثة كفار فما فوق، كما قال ابن عباس )من فَرم من اثنني فقد فر،<br />
2<br />
ومن فر من ثالثة فما فر( .<br />
ويف رسالة عمر إَل سعد رضي هللا عنهما قال: )وال تبعثن طليعة وال سرية يف وجه يف وجه تتخوف غلبة أو ضَيْعة أو<br />
نكاية(. كل هذا ي<strong>في</strong>د<br />
أن احملافظة على القوة الإسالمية مقصد معترب، وأوضح من هذا يف بيان املراد انسحاب خالد<br />
بن الوليد ابجليش يف غزوة حىت مسَمى النيب صلى هللا عليه وسلم فعْلَه هذا فتحا، وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن أنس<br />
قال: )أن النيب صلى هللا عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة قبل أن َيتيهم خربهم، فقال: أخذ الراية زيد فأصيب<br />
ُث أخذ جعفر فأصيب ُث أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تَذْرِفان حىت أخذ الراية سيف من سيوف هللا حىت فتح هللا<br />
عليهم(. قال ابن حجر: ]اختلف أهل النقل يف املراد بقوله “حىت فتح هللا عليهم”<br />
إَل قوله قال العماد بن كثري:<br />
ميكن اجلمع أبن خالدا ملا حاز املسلمني وابت ُث أصبح وقد غَريم هيئة العسكر كما تقدم، وتوهم العدو أهنم قد جاء<br />
هلم مدد، محل عليهم خالد حينئذ فولوا فلم يتبعهم، ورأى<br />
يبني أن احملافظة على املسلمني والقوة<br />
عسكرية<br />
الإسالمية مقصد معترب،<br />
3<br />
الرجوع ابملسلمني هي الغنيمة الكربى[ أ ه . قلت: فهذا<br />
وجيب عدم تعري<br />
املسلمني للهالك دون جدوى<br />
من حتقيق نكاية يف العدو. على أنه تستثىن من هذا عدة أمور منها جواز تعرض الفرد للشهادة وال ي ُعَد هذا<br />
من إلقاء النفس إَل التهلكة، كما يف حديثَي أيب أيوب والرباء الواردين يف تف سري قول ه تعاَل: }وَال ت ُلْقُوا أبَِيْدِيكُمْ إََِل<br />
التمهْلُكَةِ{ ، وهذا إن جاز للف ردكان اهلالك متحققا يف الثمبات للعدو ويف الفرار منه، فاألَوَْلَ الثبات . 4<br />
ومن الناحية العملية ميكنين القول أبن املسلم أن ي ُقْدم على املشاركة يف أي عمل قتايل بغَضّ النظر عما يصيبه يف<br />
نفسه، وبغَضّ النظر عن نتيجة هذا العمل القتايل بشروط أربعة، وهي:<br />
األول: املشروعية: وهي معرفة حكم هذا اجلهاد هل هو مشروع واجب أم ال؟ ويكون ذلك أساسا مبعرفة حال العدو<br />
وحكم هللا تعاَل <strong>في</strong>ه؟ وسوف أذكر يف امللحق الثالث إن شاء هللا تعاَل أن هذا من العلم الواجب على الفرد املسلم.<br />
الَاين: الراية: ال يك<strong>في</strong> أن يكون عدوك كافرا مستحقا للقتال، بل جيب عليك إذا كنت ستقاتل هذا العدو مع طائفة<br />
أن تعرف راية هذه الطائفة وهويتها، هل الراية إسالمية أم ال؟ وإذا قلنا إسالمية نقصد إسالمية خالصة غري خمتلطة<br />
بكفر كاالشرتاكية أو الدميقراطية أو غريها من املذاهب الكفرية، فإذا كان أصحاب الراية يقولون إهنم يعملون من أجل<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
353<br />
16<br />
- 2 أخرجه البيهقي وصححه األلباين )إرواء الغليل 29(. / 5<br />
514<br />
- 3 فتح الباري 513 / 7<br />
-<br />
4<br />
انظر املغين والشرح الكبري<br />
.554-553/11
إقامة نظام إسالمي إشرتاكي أو إسالمي دميقراطي فهذا كله كفر ألن الإسالم نظام مكتمل، قال تعاَل: }الْيَوْ َم<br />
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{ ، 1 فالإسالم ليس حباجة إَل هذه األوضاع البشرية، وكل من خَلَط الإسالم ابألوضاع البشرية فهو<br />
يقول بلسان احلال وقد يصرح ابملقال إن الإسالم انق وحنن نكمله هبذه النظم البشرية، وكل هذا كفر كما سبق<br />
يف أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة، ووجه كفره أنه تكذيب بقوله تعاَل: }الْيَوْ مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَ ُك ْم{.<br />
فمثل هذه الراايت املٌخَلمطة ال جيوز القتال حتتها حبال، ألنك يف حقيقة األمر تنصر راية كفرية وليست من سبيل هللا<br />
يف شيء، قال صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
»من قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا فهو يف سبيل هللا« .<br />
الَالث: اجلدوى العسكرية، فال جيوز الإقدام على القتال إال بعد دراسة اجلدوى العسكرية منه، إذ املقصد األصلي<br />
للجهاد هو إظهار الدين، وقد يكون العمل العسكري فرعيا وجدواه قليلة إال أنه يصب يف اخلطة العسكرية العامة،<br />
كالسرااي اليت يبعثها أمري اجليش وقد تكون اجلدوى سياسية حمضة كإرهاب العدو وهذا كله مُعْتَرب. واملرجع يف تقدير<br />
اجلدوى من القتال هو األمري وليس هذا لعموم اجلند ملا سبق تقريره يف مسألة الشورى ويف مسألة وحدة اجلماعة<br />
وسيأِت يف الباب اخلامس من أن األمور االجتهادية مرتوكة لتقدير األمري. وقال صلى هللا عليه وسلم : »إَّنا الإمام<br />
3<br />
جُنمة ي ُقَاتَل من ورائه وي ُتمقَى به« ، وقال ابن قدامة: ]وأمر اجلهاد موكول إَل الإمام واجتهاده ويلزم الرعية طاعته <strong>في</strong>ما<br />
4<br />
يراه من ذلك[ .<br />
الرابع:<br />
األخل إبجراءات السالمة واألمن، وقد يكون هذا بتشديد احلراسة على األهداف واجلند، وقد يكون<br />
ابستخدام األساليب اخلداعية، وقد يكون كذلك ابألخذ إبجراءات السالمة الشخصية كلبس الدروع واخلُوَذ وحفر<br />
اخلنادق وحنوه كما فعله رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لبس الدرع واخلوذة )املِغْفَر( وحفر اخلندق مع كونه معصوما<br />
من إيذاء الناس، قال تعاَل: }وَ َّللاَّ ُ يَعْصِ مُكَ مِنْ النَّا ِس{ ، 5 فهو إَّنا فعل هذا تشريعا لنا، وإذا كان القتل واجلراح<br />
بقدر هللا تعاَل<br />
فالواجب دفع هلا القدر ابألسبا<br />
املشروعة<br />
واليت هي من قدر هللا تعاَل أيضا، ال االستسالم<br />
للقتل واجلراح، وإال لزم قائل هذا القول أن يستسلم للعدو الكافر أيضا فهذا العدو من قدر هللا تعاَل، فالواجب هو<br />
الدفع.<br />
ويف هذه القاعدة )قاعدة دفع القدر ابلقدر( يقول ابن القيم رمحه هللا: ]قال الشيخ العرق القدوة عبد القادر اجليالين:<br />
“الناس إذا وصلوا إَل القضاء والقدر أمسَكوا، إال أان فانتفخت يل <strong>في</strong>ه رَوْزَنَة<br />
فنازعت أقدار ا ق اب ق للحق،<br />
- 1 سورة املائدة. اآلية<br />
354<br />
.3<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 رواه مسلم.<br />
- 4 املغين والشرح الكبري 373 / 11<br />
- 5 سورة املاءدة، اآلية:<br />
67
والرجل من يكون منازعا للقدر، ال من يكون مستسلما مع القدر”.<br />
األقدار بعضها ببع<br />
فكيف يف معادهم؟<br />
وال تتم مصاحل العباد يف معاشهم<br />
إال بدفع<br />
وهللا تعاَل أمر أن تُدفع السيئة وهي من قدره ابحلسنة وهي من قدره وكذلك اجلوع من قدره. وأمر بدفعه ابألكل<br />
الذي هو من قدره. ولو استسلم العبد لقَدَر اجلوع، مع قدرته على دفعه بقَدَر<br />
األكل، حىت مات: مات عاصيا.<br />
وكذلك الربد واحلر والعطش. كلها من أقداره. وأمر بدفعها أبقدار تضادها. والدافِع واملدفوع والدفع من قدره.<br />
وقد أفصح النيب صلى هللا عليه وسلم عن هذا املعىن كل الإفصاح، إذا قالوا اي رسول هللا، أرأيت أدوية نتداوى هبا،<br />
ورُقى نسرتقى هبا، وتُقى نتقى هبا. هل تردّ من قدر هللا شيئا؟ قال: »هي من قَدَرِ هللا«.<br />
ويف احلديث اآلخر: »إن الدعاء والبالء لَيَعْتَلِجَان بني السماء واألرض«. وإذا طَرَقَ العدو من الكفار بلد الإسالم<br />
طرقوه بقدر هللا. أفَيَحِ لُّ للمسلمني الإستسالم للقدر، وترك دفعه بقدر مثله.<br />
وهو اجلهاد الذي يدفعون به قدر هللا<br />
1<br />
بقدره؟[ . وقد ذكر شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا كالما مثل هذا مُعلِقا على قول الشيخ عبد القادر اجليالين<br />
أيضا . 2<br />
قلت:<br />
قلت دفع القدر ابلقدر قاعدة مقررة شرعا، مستقرة عند املسلمني من لدن الصحابة رضي هللا عنهم، يدل<br />
على هذا رد عمر بن اخلطاب على أيب عبيدة رضي هللا عنهما، وذلك عندما قَدِم عمرُ الشامَ فوجد الطاعون قد وقع<br />
هبا، فاستشار عمر الناس، ُث عزم على الرجوع ُث أخربه عبد الرمحن بن عوف أن النيب صلى هللا عليه وسلم قد أمر<br />
مبثل هذا، وذلك <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما و<strong>في</strong>ه )فنادى عمر يف الناس: إين مصبح على ظهر<br />
فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة اجلراح: أفرارا من قدر هللا؟ فقال عمر: لو غريك قاهلا اي أاب عبيدة، نعم، نفر من قدر<br />
هللا إىل قدر هللا( . 3<br />
قلت:<br />
فهله الشروط األربعة )املشروعية د الراية د اجلدوى العسكرية د إجراءات السالمة واألمن( إذا أخَذْتَ هبا<br />
وراعَيْتَها يف القتال فأقدم وتوكل على هللا تعاَل، وال تعبأ مبا أصابك وال مبا جتنيه من هذا القتال، فهذا مرتوك هلل تعاَل.<br />
ثالثا: آفة الجبن.<br />
على نقيض ما سبق جتد أن داء اجلنب والوهن )حب الدنيا وكراهة املوت( داء عضال يؤدي إَل تداعي األمم على<br />
املسلمني كما تداعى األكلة إَل قصعتها، كما يف حديث ثوابن، وعالج هذا الداء يكون بنبذ الرتف كما أشرت إليه<br />
من قبل ويكون أساسا برتسيخ عقيدة الإميان ابلقدر أبن يعلم املسلم أن ما أصابه مل يكن ليخطئه وأن ما أخطأه مل<br />
يكن ليصيبه، فاألجل حمدد سلفا، والرزق كذلك، وكل ما يصيب العبد مقدر عند هللا.<br />
355<br />
211<br />
- 1 مدارج السالكني ج 1 ص : 188<br />
- 2 انظر جمموع الفتاوى ج 2 ص 459<br />
- 3 احلديث: 5728
قال تعاَل: }مَا أَصَابَ مِنْ مُصِ يبَةٍ قِي األَرْ ضِ وَ ال قِي أَنْفُسِكُمْ إِالّ ّ قِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَ أَهَوا إِنَّ ذَلِوكَ عَلَوى<br />
َّللاَّ ِ يَسِيرٌ<br />
لِكَيْال تَأْسَوْ ا عَلَى مَا قَاتَكُمْ وَ ال تَفْرَ حُوا بِمَا آتَاكُمْ وَ َّللاَّ ُ ال يُحِ بُّ كُولَّ مُخْتَوالٍ قَخُوو ٍر{ ، 1 وق ال تع اَل: }وَ مَوا<br />
كَووانَ لِوونَفْسٍ أَنْ تَمُوووتَ إِالَّ بِووإِذْنِ َّللاَّ ِ كِتَابًووا مُووؤَجَّال{ ، 2 وق ال تع اَل: }قَووإِذَا جَوواءَ أَجَلُهُوومْ ال يَسْووتَأْخِ رُ ونَ سَوواعَةً وَ ال<br />
يَسْتَقْدِمُونَ{ ، 3 وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »قَالَ إِنم أَحَدَكُمْ جيُْمَعُ خَلْقُهُ يفِ بَطْ نِ أُمِّ هِ<br />
أَرْبَعِ نيَ ي َوْمً ا نُطْفَ ة ُثُم يَكُ ونُ عَلَقَ ةً مِثْ لَ ذَلِ كَ ُثُم يَكُ ونُ مُضْ غَةً مِثْ لَ ذَلِ كَ ُثُم ي ُرْسَ لُ إِلَي ه الْمَلَ كُ فَيَ نْفُخُ فِي هِ ال رُّو َح<br />
أبَِرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ« ، 4 وعن ابن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ق ال:<br />
»إن روح الق دس نف ث يف روع ي أن ه ل ن مت وت نف س ح ىت تس تكمل رزقه ا وأجله ا، واتق وا هللا وأمجل وا يف الطل ب« . 5<br />
ف الرزق واألج ل مق دمران مف روغ منهم ا، وهل ذا كَ رِه كث ري م ن الس لف ال دعاء بط ول العم ر، أم ا م ا ورد يف ح ديث »مَ نْ<br />
أَحَبم أَنْ ي ُبْسَطَ لَهُ يفِ رِزْقِهِ وَي ُنْسَأَ لَهُ يفِ أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَمحَِهُ« ، 6 فقد رجمح ابن حجر وجَزَمَ غ ريه أبن امل راد الربك ة يف ال رزق<br />
ؤْمَر<br />
وَي ُ ُ<br />
والعمر ال زايدة ما قُدِّر منهما، وأورد بعض اآلَثر تشهد هبذا . 7 فليكن معلوما أن اجلهاد ال يقرب أجال وال مينع رزقا.<br />
إالم أن هذا ال ي ُنَايفِ األخذ ابألسباب املشروعة، كالسعي لطلب الرزق، وكَلُبس الدروع وحفر اخلنادق وغريها يف قتال<br />
العدو كما شرعه النيب صلى هللا عليه وسلم، فال منافاة بني الإميان ابلقدر وبني فعل املأمور به كما سبق.<br />
رابعا: آفة اإلحجام.<br />
والذي أعنيه ابلإحجام هنا، أن حب النصر مركوز يف النفس كما قال تعاَل: }وَ أُخْرَ ى تُحِ بُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ َّللاَّ ِ وَ قَتْ ٌح<br />
9<br />
قَرِ يبٌ } ، وقد ينقلب هذا احلب إَل آفة جتعل املسلم حيُ جم عن املشاركة يف املعارك األولية أو الثانوية خشية أن ي ُقْتَل<br />
وال يعيش لريى يوم النصر احلاسم، وهذت من اجلهل حبقيقة واجبه، فاملسلم مأمور شرعا ابجلهاد وليس بتحقيق النصر<br />
احلاسم، فسواء حتقق النصر على يديه أو على أيدي إخوانه أو أبنائه فهو قد أدى واجبه جبهاده ووقع أجره على هللا<br />
إن شاء هللا تعاَل.<br />
- 1 سورة احلديد، اآليتان:<br />
- 2 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 3 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 4 احلديث متفق عليه.<br />
356<br />
23<br />
22<br />
145<br />
34<br />
- 5 رواه أبو نعيم يف احللية بسند صحيح وصححه ابن حبان واحلاكم<br />
- 6 متفق عليه. عليه عن أنس<br />
416<br />
- 7 فتح الباري 415 / 11<br />
- 9 سورة الصف، اآلية:<br />
13
قال تع اَل: }وَ مَنْ يَخْرُ جْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَواجِ ر ً ا إِلَوى َّللاَّ ِ وَ رَ سُوولِهِ ثُومَّ يُدْرِ كْوهُ الْمَووْ تُ قَقَودْ وَ قَوَْ أَجْورُ هُ عَلَوى َّللاَّ ِ{ 1 ، فه ذا<br />
سَعَى يف اهلجرة الواجب ة }وَ مَنْ يَخْرُ جْ مِونْ بَيْتِوهِ مُهَواجِ ر ً ا{ ومل يَصِ ل إَل غايت ه ب ل أدرك ه امل وتُ قبله ا، وم ع ذل ك<br />
وقع أجره على هللا. وأوضح من هذا بيان املراد:<br />
قوله تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ال يُصِ يبُهُمْ ظَمَأٌ وَ ال نَصَبٌ وَ الَ مَخْمَصَةٌ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ ال يََِئُونَ مَوْ ِِئًا يَغِيظُ ا ْلكُفَّارَ وَ ال<br />
يَنَالُونَ مِنْ ٍ عَدُو نَيْال إِالَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَوالِحٌ إِنَّ َّللاَّ َ ال يُضِ ويُْ أَجْورَ الْمُحْسِونِي َن وَ ال يُنفِقُوونَ نَفَقَوةً صَوغِيرَ ةً وَ ال<br />
كَبِيرَ ةً وَ ال يَقَِْعُونَ وَ ادِيًا إِالَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِ يَهُمْ َّللاَّ ُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُو َن{ ، 2 فه ذه اآلي ة مل ت رتك ش يئا مم ا يكاب ده<br />
املسلم يف جهاد أعداء هللا إال وقررت أنه عمل صاحل جمَْزِيٌّ به صاحبه، ومل يشرتط هلذا إدراك الغاية والنصر.<br />
وابلإضافة إَل هذا ينبغي أن يكون معلوما أن من جاهد ومل يدرك غنيمةً أو نصراً هو أعظم أجرا عند هللا تعاَل ممن<br />
أدرك الغنيمة أو النصر، وهذا يُستفاد من قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
ُ<br />
«<br />
مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ تَغْزُو فَتَغْنَم<br />
3<br />
وَتَسْلَمُ إِال كَانُوا قَدْ تَعَجملُوا ث ُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيمةٍ ختُْفِقُ وَتُصَابُ إِال متَم أُجُورُهُ ْم« . ومثله حديث خباب<br />
بن األرثّ قال: »هاجران مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نلتمس وجه هللا تعاَل فوقع أجران على هللا، فمِنّا مَنْ مات<br />
ومل َيكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمري ، قتل يوم أحد وترك َّنَِرة فكنا إذا غطينا هبا رأسه بدت رجاله وإذا<br />
غطينا رجليه بدا رأسه، فأمران رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن نغطى رأسه وُنعل على رجليه شيئا من الإذخر،<br />
5 4<br />
ومنا من أينعت له مثرته فهو ي َهْذِهبُا » .<br />
وهذا آخر ما حيضرين يف مسألة الإستشهاد.<br />
)فقرة 21( )وما النصر إال من عند هللا(.<br />
قال تعاَل: }وَ مَا النَّصْرُ إِال ِمنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{ 6 ، اشتملت هذه اآلية على ما يعترب أقوى أساليب احلص ر وه و النف ي )م ا(<br />
املتبوع ابالستثناء )إال(، وهو ي<strong>في</strong>د هنا حصر النصر يف هللا وح ده، فالنص ر يتن زل إبذنِ ه س بحانه وح ده ال ش ريك ل ه، ال<br />
بعدد وال عدة إال أن يشاء هللا. ولَمّا غاب هذا املعىن عن بعض املسلمني يف غزوة حنني وأعجب وا بكث رهتم كان ت اهلزمي ة<br />
ليعلموا أن العدد و<strong>العدة</strong> ال تغين شيئا إال إبذن هللا. قال تع اَل: }لَقَدْ نَصَرَ كُمْ َّللاَّ ُ قِي مَوَ اِِنَ كَثِيرَ ةٍ وَ يَوْ مَ حُنَويْنٍ إِذْ<br />
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَ تُكُمْ قَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئ ًا وَ ضَواقَتْ<br />
عَلَويْكُمْ األَرْ ضُ بِمَوا رَ حُبَوتْ ثُومَّ وَ لَّيْوتُمْ مُودْبِرِ ي َن ثُومَّ أَنوزَ لَ َّللاَّ ُ سَوكِينَتَهُ<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة التوبة، اآليتان:<br />
- 3 رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو.<br />
357<br />
111<br />
121 121<br />
- 4<br />
أينعت أي: نضجت، يهذهبا أي: يقطفها، وهذه استعارة لِمَا فتح هللا تعاَل عليهم من الدنيا ومتََكمنوا <strong>في</strong>ها. وقد سبق شرح حديث عبد هللا بن<br />
عمرو وحديث خباب، ومها نصان واضحان يف إفادة املراد.<br />
- 5 متفق عليه.<br />
- 6 سورة آل عمران، اآلية: 126 وسورة األنفال، اآلية:<br />
11
عَلَوى رَ سُوولِهِ وَ عَلَوى الْمُوؤْ مِنِينَ وَ أَنوزَ لَ جُنُوود ًا لَومْ تَرَ وْ هَوا وَ عَوذَّبَ الَّوذِينَ كَفَورُ وا وَ ذَلِوكَ جَوزَ اءُ الْكَواقِرِ ي َن{ ، 1 ف ذكمرهم<br />
س بحانه أن ه نص رهم يف م واطن كث رية دون ه ذه الكث رة ال يت أعجب وا هب ا، وأهن م مل ا أعجب وا وركن وا إَل الكث رة مل تغ ن ع نهم<br />
شيئا فهُزِموا، ُث نصرهم هللا بعد اهلزمية ليبني هلم أن النصر من عنده ال ابلكثرة اليت مل تغ ن، فدردهم سدبحانه ابهلزميدة إىل<br />
األمر اللي غا عن البع<br />
، ذلك األمر هو }وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{.<br />
ومثل هذا قوله تع اَل: }يَاأَيُّهَا الَّوذِينَ آمَنُووا مَوا لَكُومْ إِذَا قِيولَ لَكُومْ انفِورُ وا قِوي سَوبِيلِ َّللاَّ ِ اثَّواقَلْتُمْ إِلَوى األَرْ ضِ أَرَ ضِ ويتُ ْم<br />
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ اآلخِ رَ ةِ قَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قِي اآلخِ رَ ةِ إِال قَلِيو ٌل إِال تَنفِورُ وا يُعَوذِبْكُمْ عَوذَابًا أَلِيم ًوا وَ يَسْوتَبْدِلْ قَوْ م ًوا<br />
غَيْرَ كُمْ وَ ال تَضُرُّ وهُ شَيْئًا وَ َّللاَّ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ إِال تَنصُرُ وهُ قَقَدْ نَصَرَ هُ َّللاَّ ُ إِذْ أَخْرَ جَهُ الَّذِينَ كَفَرُ وا ثَوانِيَ اثْنَويْ ِن<br />
إِذْ هُمَا قِي الْغَارِ } 2 ، فحضهم املوَل سبحانه على النفري وحذرهم من القعود، وأنه قادر على أن يستبدل غريهم }وَ َّللاَّ ُ<br />
عَلَى ِ كُل شَيْءٍ قَودِيرٌ } ُث ذكم رهم ب بعض آَثر قدرت ه، وه ي أن ه س بحانه نص ر رس وله ص لى هللا علي ه وس لم دون ع دد<br />
وعدة على كفار مكة أثناء هجرته، فرد هم سدبحانه هبدلا أيضدا إىل األمدر األول ال ذي ينبغ ي أال يغي ب ع ن األذه ان<br />
وهو }وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{.<br />
ومثل هذا قوله تعاَل: }قَلَمْ تَقْتُلُووهُمْ وَ لَكِونَّ َّللاَّ َ قَوتَلَهُمْ وَ مَوا رَ مَيْوتَ إِذْ رَ مَيْوتَ وَ لَكِونَّ َّللاَّ َ رَ مَوى{ ، 3 فنس ب هللا س بحانه<br />
الرم ي إل يهم }إِذْ رَ مَيْوو َت{ تنبيه ا عل ى وج وب األخ ذ ابألس باب، ونس ب س بحانه التس ديد والإص ابة إلي ه ج ل وع ال<br />
}وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ قَتَلَهُمْ{، }وَ لَكِنَّ َّللاَّ َ رَ مَى{ ليبني سبحانه أن النصر منه وحده، والتو<strong>في</strong>ق منه وحدده ال ابألسدبا فإهندا<br />
وإن وجبت ال تغين شيئا بنفسها.<br />
ولنا هنا تنبيهان:<br />
األول: أنه إذا كان النصر بيد هللا وحده، فإن ما عند هللا تعاَل ال يؤخذ إال ابألسبا اليت شرعها يف هلا املقام،<br />
وذَكَران يف أول موضوع ال<strong>إعداد</strong> الإمياين أن هللا سبحانه تكفل بنصر املؤمنني الذين ينصرون دينه، قال تعاَل: }وَ كَا َن<br />
حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ{ ، 4 وقال تعاَل: }وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ{ ، 5 وذكرت هناك أنه يلزم <strong>إعداد</strong>ان )إمياين<br />
ومادي( كشرط الستحقاق هذا النصر، وهذا معناه جهد وبذل ودعوة وصرب متواصل أردت من هذا تنبيه الغافلني<br />
القاعدين<br />
الكساىل اللين يتمنون على هللا األماين<br />
ويرجون نصر هللا وهم مل ينصروا دينه بشيء، كما أردت تنبيه<br />
أولئك الزائغني الذين يتصدون للعمل الإسالمي يف هذا الزمان وال يسلكون سبيل اجلهاد املتعني وال َيخذون<br />
358<br />
- 1 سورة التوبة،<br />
اآليتان:<br />
- 2 سورة التوبة، اآلايت:<br />
- 3 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 4 سورة الروم، اآلية:<br />
- 5 سورة احلج، اآلية:<br />
26 25<br />
41 إَل 39<br />
17<br />
47<br />
41
ابألسباب اليت شرعها هللا لنصرة الدين، قال تعاَل: }وَ مَنْ أَرَ ا َد اآلخِ رَ ةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ هُوَ مُؤْ مِنٌ قَأُوْ لَئِكَ كَا َن<br />
سَعْيُهُمْ ً مَشْكُورا{ . 1<br />
التنبيه الثاين: وهو ألولئك اآليسون من رمحة هللا، الذين آيسوا من أن ينهض املسلمون مما هم <strong>في</strong>ه من الذل واهلوان،<br />
اللين آيسوا من أن يتمكن املسلمون من التغلب على قوى الكفر العاملية املرتبصة هبم، ترى أحدهم يقول كيف<br />
تقوم للمسلمني دولة ومعظم البلدان اآلن خاضعة ألمريكا أو لروسيا؟، ويقول إن الدول العظمى الكافرة متتلك الطعام<br />
والسالح ومتتلك الصواريخ العابرة للقارات واألسلحة املنصوبة يف السماء لتأديب من خيرج عن طوعهم، ويقول إن<br />
أجهزة استخباراهتم يف األرض وأقمارهم الصناعية يف السماء تعلم بكل حركة وكل مهسة، فكيف يتسىن لنا العمل<br />
واجلهاد إهنم سيدمرون أي عمل يف مهده؟ ويقول كيف تقوم للمسلمني دولة وصندوق النقد الدويل والرأمسالية العاملية<br />
ميكنهم تدمري اقتصاد أي دولة يف ساعات؟ وغري ذلك من الكالم الذي يثبط املسلمني ويفت يف عضدهم وجيعلهم<br />
يستسلمون لألمر الواقع، ومما يؤسف له أن هذه األراجيف يشيعها بعض من يتصدون للدعوة الإسالمية يف هذا<br />
الزمان، ولذلك فال تستغرب مواقفهم املخزية من الطواغيت ومن قوى الكفر املختلفة.<br />
أما حنن فنقول إن من يظن أن قوى الكفر العاملية بكل مقدراهتا ميكنها أن حتول دون قيام دولة للمسلمني إسالمية<br />
الشكل واملضمون، فقد ضل ضالال مبينا، بل هو مكذب ِبايت هللا تعاَل وبوعده الصادق.<br />
قال تعاَل: }إِنَّهُ ال يَيْئَسُ مِنْ رَ وْ حِ َّللاَّ ِ إِال الْقَوْ مُ الكَاقِرُ و َن{ . 2<br />
وقال تعاَل: }وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{ 3 ، فليس النصر بيد أمريكا وال بيد روسيا، وقد قال تع اَل: }مَوا يَفْوتَحْ َّللاَّ ُ<br />
لِلنَّاسِ مِنْ رَ حْمَةٍ قَال مُمْسِكَ لَهَا وَ مَا يُمْسِكْ قَال مُرْ سِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ{ . 4<br />
ومهما بلغت قوى الكفر العاملية من قوة، فلن تستعصي على قدرة هللا جل وعال، وقد قال تعاَل: }وَ ال يَحْسَبَنَّ الَّذِي َن<br />
كَفَرُ وا سَبَقُوا إِنَّهُمْ ال يُعْجِ زُ ونَ<br />
5<br />
وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، إهنم ال يعجزون ربنا، وال يسبقون قدره وتدبريه،<br />
وإن هللا مع أوليائه املؤمنني انصرهم على عدوهم، قال تعاَل: }ذَلِكُمْ وَ أَنَّ َّللاَّ َ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَاقِرِ ي َن إِنْ تَسْتَفْتِحُوا قَقَ ْد<br />
جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَ إِنْ تَنتَهُوا قَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَ لَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ قِئَتُكُمْ شَيْئًا وَ لَوْ كَثُرَ تْ وَ أَنَّ َّللاَّ َ مََْ<br />
الْمُؤْ مِنِي َن{ ، 6 وقال تعاَل: }ذَلِكَ بِأَنَّ َّللاَّ َ مَوْ لَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكَاقِرِ ينَ ال مَوْ لَى لَهُمْ{ . 7<br />
- 1 سورة الإسراء، اآلية:<br />
- 2 سورة يوسف، اآلية:<br />
359<br />
18<br />
97<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 4 سورة فاطر، اآلية:<br />
126<br />
وسورة األنفال، اآلية:<br />
11<br />
2<br />
- 5 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 6 سورة األنفال، اآليتان:<br />
- 7 سورة حممد اآلية:<br />
61 58<br />
18 19<br />
11
وقد أمران املوَل جلت قدرته إبعداد ما نستطيعه من القوة، هلا هو واجبنا وعملنا، ُث تكفل سبحانه لنا ابملدد فقال<br />
سبحانه لنبيه صلى هللا عليه وسلم<br />
1<br />
“واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث مخسة مثله” ، كما<br />
2<br />
تكفل سبحانه بتخذيل الكافرين، وقال تعاَل: }ذَلِكُمْ وَ أَنَّ َّللاَّ َ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَاقِرِ ي َن{ ، وقال تعاَل: }قَقَاتِلُوا أَوْ لِيَاءَ<br />
3<br />
الشَّيَِْانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيَِْانِ كَانَ ضَعِيفًا{ ، وتكفل سبحانه مبعونتنا، فقال تعاَل: }وَ أُخْرَ ى لَمْ تَقْدِرُ وا عَلَيْهَا قَدْ<br />
4<br />
أَحَاَِ َّللاَّ ُ بِهَا وَ كَانَ َّللاَّ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ ً قَدِيرا{ .<br />
إن الذين أفزعتهم جنود الكافرين وجيوشهم، نسوا قول هللا تعاَل }وَ ّلِلِ َّ ِ جُنُودُ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ِض وَ كَانَ َّللاَّ ُ عَزِ ً يزا<br />
5<br />
حَكِيم ًا{ ، وإن الذين أفزعتهم أموال الكافرين وسيطرهتم نسوا قول هللا تعاَل }وَ ّلِلِ َّ ِ خَزَ ائِنُ السَّمَاوَ اتِ وَ األَرْ ضِ وَ لَكِنَّ<br />
6<br />
الْمُنَاقِقِينَ ال يَفْقَهُونَ } ، وإن الذين أفزعتهم حصون الكافرين وآالهتم املانعة نسوا قول هللا تعاَل }وَ ظَنُّوا أَنَّهُ ْم<br />
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ َّللاَّ ِ قَأَتَاهُمْ َّللاَّ ُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ قِي قُلُوبِهِمْ الرُّ عْبَ يُخْرِ بُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِ ْم<br />
وَ أَيْدِي الْمُؤْ مِنِينَ قَاعْتَبِرُ وا يَاأُولِي األَبْصَارِ } قول هللا تعاَل }وَ أَنْزَ لَ الَّذِينَ ظَاهَرُ وهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِ ْن<br />
، 7 ونسوا<br />
صَيَاصِ يهِمْ وَ قَذَفَ قِي قُلُوبِهِمْ الرُّ عْبَ قَرِ يقًا تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُ ونَ قَرِ يقًا وَ أَوْ رَ ثَكُمْ أَرْ ضَهُمْ وَ دِيَارَ هُمْ وَ أَمْوَ الَهُمْ وَ أَرْ ض ًا<br />
لَمْ تََِئُوهَا وَ كَ انَ َّللاَّ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ ً قَدِيرا{ ، 9 وإن الذين أفزعتهم استخبارات الكافرين نسوا قول هللا تعاَل }وَ َّللاَّ ُ<br />
11<br />
11<br />
8<br />
مُحِ يٌِ بِالْكَاقِرِ ينَ{ ، وقوله تعاَل { وَ كَانَ َّللاَّ ُ ِ بِكُل شَيْءٍ مُحِ يِ ًا{ ، وقوله تعاَل }وَ َّللاَّ ُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِ يٌِ{ .<br />
لقد كان عبد املطلب على كُفره أعلم ابهلل وبقدرته من هؤالء، وذلك عندما قال ألبرهة )إن للبيت راب سيمنعه(،<br />
وعندما هلك جيش أبرهة ابلطري األاببيل وفر بعضهم هاربني، قال دليلهم:<br />
أين املفر واإلله الطالب<br />
02<br />
واألشرم املغلو ليس الغالب.<br />
- 1 رواه مسلم عن عياض بن محار<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 سورة الفتح، اآلية:<br />
- 5 سورة الفتح، اآلية:<br />
361<br />
19<br />
76<br />
21<br />
7<br />
- 6 سورة املنافقون،<br />
اآلية:<br />
- 7 سورة احلشر، اآلية:<br />
7<br />
2<br />
- 9 سورة األحزاب، اآليتان:<br />
- 8 سورة البقرة، اآلية:<br />
27<br />
26<br />
18<br />
- 11 سورة النساء، اآلية:<br />
- 11 سورة األنفال، اآلية:<br />
126<br />
47<br />
- 12 األشرم هو أبرهة )سرية ابن هشام ط صبيح 33 / 1<br />
)35
قال تع اَل: }وَ قِرْ عَوْ نَ ذِي األَوْ تَا ِد الَّذِينَ َِغَوْ ا قِي الْبِال ِد قَأَكْثَرُ وا قِيهَا الْفَسَا َد قَصَوبَّ عَلَويْهِمْ رَ بُّوكَ سَووْ َِ عَوذَا ٍب إِ َّن<br />
رَ بَّوكَ لَبِالْمِرْ صَوادِ{ ، 1 ك م قت ل فرع ون م ن أبن اء ب ين إس رائيل خش ية عل ى نفس ه وملك ه، ُث رىب يف بيت ه م ن ك ان هالك ه<br />
على يديه، وال يغين حذر من قدر، وهللا من ورائهم حميط، قال تع اَل: }وَ َّللاَّ ُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِ هِ وَ لَكِونَّ أَكْثَورَ النَّواسِ ال<br />
يَعْلَمُونَ{ ، 2 وقال تعاَل: }كَتَبَ َّللاَّ ُ ألَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُ سُلِي إِنَّ َّللاَّ َ قَوِيٌّ عَزِ يزٌ } 3 .<br />
إن حصون الكافرين من هللا ال متنع، وإن اجليوش مع بطشه ال تنفع، وإن األموال عنده ال تشفع، وإن املكر واخلديعة<br />
لقدرته ال تدفع، قال تعاَل: }وَ مَكَرُ وا مَكْر ً ا وَ مَكَرْ نَا مَكْر ً ا وَ هُمْ ال يَشْعُرُ و َن<br />
دَمَّرْ نَاهُمْ وَ قَوْ مَهُمْ أَجْمَعِينَ<br />
قَتِلْكَ بُيُوتُهُ ْم<br />
4<br />
خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ قِي ذَلِكَ آليَةً لِقَوْ مٍ يَعْلَمُو َن{ .<br />
قَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِ هِمْ أَنَّا<br />
وأعوذ فأذكِّر أبن فشلنا ذاِتِ ّ األسباب يف املقام األول { وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ نَفْسِ َك{ وأبن التغيري البد أن<br />
5<br />
يبدأ أيضا من الذات، قال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِ ُر مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِ ْم{ . إن هللا تعاَل إَّنا سلط علينا<br />
الكافرين ملا عملنا مبعاصيه كما سلط كفار اجملوس على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط هللا، قال تعاَل: }قَجَاسُوا<br />
6<br />
خِ الَ لَ الدِيَارِ وَ كَانَ وَ عْد ًا مَفْعُوال{ .<br />
ويلزمنا للتغيري والإصالح أمور ثالثة: منهج صواب، وصدق يف اتِّباع هذا املنهج، وإخالص النية يف هذا كله.<br />
وقد حاولت أن أبني معامل هذا املنهج الصواب <strong>في</strong>ما أرى وهللا تعاَل أعلم يف هذه الرسالة كما ذكرته يف أصول<br />
الإعتصام ابلكتاب والسنة )منهج أهل السنة واجلماعة( وكما ذكرته يف )معامل أساسية يف اجلهاد(.<br />
هذا وقد قال هللا تع اَل: }إِنَّا لَنَنصُرُ رُ سُلَنَا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي<br />
ال ريب <strong>في</strong>ه. وقال تعاَل: }إِنَّ رَ حْمَةَ َّللاَّ ِ قَرِ يبٌ مِنْ الْمُحْسِنِي َن{ . 9<br />
سابعا )ملحق 3(: عن حكم طلب العلم للمجاهد.<br />
وهنا نبحث املسائل اآلتية:<br />
أوال: أقسام العلم الشرعي من حيث الوجو .<br />
اثنيا: الرد على شبهة ال جهاد إال بعد طلب العلم.<br />
اثلَا: العلم الالزم للطائفة اجملاهدة.<br />
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَووْ مَ يَقُوومُ األَشْوهَا ُد{ ، 7 ه ذا وع د ص ادق<br />
- 1 سورة الفجر، اآلايت:<br />
- 2 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 3 سورة اجملادلة، اآلية:<br />
- 4 سورة النمل، اآلايت:<br />
- 5 سورة الرعد، اآلية:<br />
- 6 سورة الإسراء، اآلية:<br />
- 7 سورة غافر، اآلية:<br />
360<br />
14 إَل 11<br />
21<br />
21<br />
52 إَل 51<br />
11<br />
5<br />
51<br />
- 9 سورة األعراف، اآلية:<br />
56
يقول البعض البد من أن يطلب املسلمُ علمَ دينه قبل أن جياهد، وعليه فإن بعض<br />
الطوائف واجلماعات تعتذر عن<br />
القيام ابجلهاد أبعذار منها أنه جيب عليهم طلب العلم أوال. وهذه املقولة <strong>في</strong>ها حق و<strong>في</strong>ها ابطل، وبيان ذلك كما يلي:<br />
أوال: أقسام العلم الشرعي من حيث الوجوب.<br />
العلم علمان فرني عني واجب على كل مسلم وفرني كفاية واجب على األمة املسلمة ككل. أما فرني العني وهو<br />
ما جيب على كل مسلم، فهو نوعان: نوع عام أو مشرتك جيب على مجيع املسلمني علمه كأركان الإسالم واحملرمات<br />
القطعية وحنو ذلك، ونوع خاص وهو تفاصيل األحكام ملن وجبت عليه، فغري القادر على الزكاة أو احلج ال يلزمه<br />
معرفة تفاصيل أحكامهما ِبالف القادر عليهما. ويف هذا يقول شارح العقيدة الطحاوية: ]فمن وجب عليه احلج<br />
والزكاة مثال، جيب عليه من الإميان أن يعلم ما أُمِر به، وينمن أبن هللا أوجب عليه ماال جيب على غريه اإلميان به إال<br />
جممال، وهلا جيب عليه <strong>في</strong>ه اإلميان املفص ل. وكذلك الرجل أول ما يُسلم إَّنا جيب عليه الإقر ار اجململ، ُث إذا جاء<br />
الإميان[<br />
1<br />
وقت الصالة كان عليه أن يؤمن بوجوهبا ويؤديها فلم يتساو الناس <strong>في</strong>ما أمروا به من .<br />
فإذا طبقنا هلا على اجملاهد،<br />
فنقول العلم الواجب عليه<br />
)العيين( هو<br />
النوع العام ومن النوع افاص جيب عليه<br />
الإملام أبحكام اجلهاد خاصة ما يلزمه يف حق هللا تعاَل ُث يف حق األمري عليه وهذا نذكره يف الباب اخلامس إن شاء<br />
هللا تعاَل، وكذلك يلزمه معرفة ما جيوز يف قتال العدو، أما أحكام الغنائم واألسرى والصلح فال جتب على األعيان إذ<br />
إهنا موكولة إَل األمري.<br />
وأما فرني الكفاية<br />
من العلم فهو ما جيب على األمة ككل، فإن قام<br />
الكل، فإن مل يقم به البعض كما ينبغي أُث الكل.<br />
به البعض كان هلم الثواب وسقط الإُث عن<br />
ويف هذا يقول الإمام الشافعي رمحه هللا: ]العلم نوعان: علم عامة ال يسع ابلغا غري مغلوب على عقله جهله... مثل<br />
الصلوات اخلمس وأن هلل على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة يف أمواهلم، وأنه حَرمم عليهم<br />
الزان والقتل والسرقة واخلمر، وما كان يف معىن هذا، مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأمواهلم،<br />
وان يكفوا عنه: ما حرم عليهم منه ُث قال عن فرض الكفاية هذه درجة من العلم ليس تبلعها العامة ومل يكلفها كل<br />
اخلاصة، ومن احتمل بلوغها من اخلاصة فال يسعهم كلهم كافة أن يعطلوها، وإذا قام هبا من خاصتهم من <strong>في</strong>ه الكفاية<br />
مل حيَ رَج غريه ممن تركها إن شاء هللا والفضل <strong>في</strong>ها ملن قام هبا على من عطّلها[ . 2<br />
وقال أبو عمر بن عبد الرب: ]أمجع العلماء على أن من العلم ما هو فرني عني على كل امرئ يف خاصته بنفسه،<br />
ومنه ما هو فرني على الكفاية إذا قلم به قائم سقط فرضه على أهل ذلك املوضع...[ وقد نقل ابن عبد الرب أقوال<br />
أئمة السلف يف هذا الشأن كاحلسن البصري ومالك وعبد هللا بن املبارك وس<strong>في</strong>ان بن عيينة وإسحق بن راهوية . 3<br />
- 1 شارح العقيدة الطحاوية ط املكتب الإسالمي 1413ه ص :<br />
- 2 الرسالة للشافعي حتقيق أمحد شاكر ص<br />
- 3 جامع بيان العلم وفضله ج<br />
362<br />
379 ،377<br />
361<br />
357<br />
1 ص 12 8
قلت: فتقسيم العلم الشرعي إىل فرني عني وفرني كفاية مما ال خالف <strong>في</strong>ه، ودليله من كت اب هللا تع اَل }وَ مَوا كَوانَ<br />
الْمُؤْ مِنُونَ لِيَنفِرُ وا كَاقَّة ً قَلَوْ ال نَفَرَ مِنْ كُل ِ قِرْ قَةٍ مِونْهُمْ َِائِفَوةٌ لِيَتَفَقَّهُووا قِوي الودِينِ وَ لِيُنوذِرُ وا قَووْ مَهُمْ إِذَا رَ جَعُووا إِلَويْهِ ْم<br />
. 1 لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُ و َن{<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية: ]وطلب العلم الشرعي فرني على الكفاية إال <strong>في</strong>ما يتعني، مثل طلب كل واحد علم<br />
ما أمره هللا به وما هناه عنه، فإن هذا فرض على األعيان كما أخرجاه يف الصحيحني عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه<br />
قال: »من يُرِد هللا به خريا يفقهه يف الدين«. وكل من أراد هللا به خريا البد أن يفقهه يف الدين، فمن مل يفقهه يف<br />
الدين مل يرد هللا به خريا، والدين: ما بعث هللا به رسوله، وهو ما جيب على املرء التصديق به والعمل به، وعلى كل<br />
أحد أن يصدق حممدا صلى هللا عليه وسلم <strong>في</strong>ما أخرب به، ويطيعه <strong>في</strong>ما أمر تصديقا عاما وطاعة عامة، ُث إذا ثبت<br />
عنه خرب كان عليه أن يصدق به مفصال، وإذا كان مأمورا من جهة أبمر معنيكان عليه أن يطيعه<br />
القدرة<br />
2<br />
طاعة مفصلة[ .<br />
وقال رمحه هللا عن فرض الكفاية من العلم: ]وكذلك أهل العلم الذين حيفظون على األمة الكتاب والسنة: صورة<br />
ومعىن، مع أن حفظ ذلك واجب على األمة عموما على الكفاية منهم، ومنه ما جيب على أعياهنم، وهو علم العني،<br />
الذي جيب على املسلم يف خاصة نفسه، لكن وجوب ذلك عينا وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا <strong>في</strong>ه، أو رزقوا عليه<br />
أعظم من وجوبه على غريهم، ألنه واجب ابلشرع عموما. وقد يتعني عليهم لقدرهتم عليه وعجز غريهم، ويدخل يف<br />
استعداد العقل، وسابقة الطلب، ومعرفة الطرق املوصلة إليه، من الكتب املصنفة، والعلماء املتقدمني، وسائر<br />
األدلة املتعددة، والتفرغ له عما يُشْغَل به غريهم[ . 3<br />
وما ذكره ابن تيمية رمحه هللا من انه يدخل يف القدرة على طلب العلم الكفائي استعداد العقل والتفرغ، نذكر له أمثلة<br />
من جيل الصحابة.<br />
فاستعداد العقل َّنثل مبا ورد عن عبد هللا بن أيب أوىف<br />
أستطيع أن آخل شيئا من القرآن<br />
<br />
قال: )جاء رجل إَل النيب صلى هللا عليه وسلم فقال: إين ال<br />
فعلمين ما جيزئين، فقال قل: سبحان هللا واحلمد هلل وال إله إال هللا وهللا أكرب وال<br />
حول وال قوة إال ابهلل( ، 4 فهذا صحايب ال يستطيع أخذ شيء من القرآن وال فاحتة الكتاب اليت ال تصح الصالة إال<br />
هبا، فأرشده النيب صلى هللا عليه وسلم إَل ما يقوله يف الصالة بدال عن الفاحتة، وقال تعاَل: }ال يُكَلِفُ َّللاَّ ُ نَفْس ًا إِالَّ<br />
وُ سْعَهَا{.<br />
والتفرغ َّنثل له مبا رواه البخاري عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال: )كنت أُقْرِئُ رجاال من املهاجرين منهم عبد<br />
الرمحن بن عوف....( ، 5 قال ابن حجر: ]“كنت اختلف إَل عبد الرمحن بن عوف وحنن مبِىنَ مه عمر بن اخلطاب<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
- 3 جمموع الفتاوى ج<br />
363<br />
122<br />
29 ص 91<br />
29 ص 196<br />
- 4 رواه أبو داود، وحسنه األلباين )إرواء الغليل 12( / 2<br />
- 5 احلديث 6931
أُعَلِّم عبد الرمحن بن عوف القرآن”<br />
، 1 وكان ابن عباس ذكيا شديد احلفظ،<br />
وكان كَري من الصحابة الشتغاهلم<br />
ابجلهاد مل يستوعبوا القرآن حفظا، وكان من اتفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة النبوية وإقامتهم ابملدينة، فكانوا<br />
2<br />
يعتمدون على ُنباء األبناء <strong>في</strong>ُقرِئوهنم تلقينا للحفظ[ ، قلت: والقصة املذكورة يف هذا احلديث كانت قُبيل وفاة عمر<br />
بن اخلطاب<br />
أبسابيع، وعبد الرمحن بن عوف وهو من العشرة املبشرين ابجلنة ومن أصحاب الشورى والستة كان<br />
مرشحا للخالفة بعد عمر، وكان مازال يستكمل حفظ القرآن بسبب ما فاته الشتغاله ابجلهاد ومصاحل املسلمني، ومل<br />
مينعه هذا من أن يكون مرشحا للخالفة، فتأمل هذا.<br />
وراجع أيضا ابب )احلجة على من قال إن أحكام النيب صلى هللا عليه وسلم كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم عن<br />
3<br />
مشاهد النيب صلى هللا عليه وسلم وأمور الإسالم( من كتاب الإعتصام بصحيح البخاري .<br />
ثانيا: الرد على شبهة )ال جهاد إال بعد طلب العلم(.<br />
فإن كان صاحب هذه املقولة وهي وجوب طلب العلم قبل اجلهاد يعين بذلك فرض العني من العلم الشرعي، فنقول<br />
هذا متيسر يف أقل زمن وال يلزم معرفته أبدلته الشرعية التفصيلية على الكافة، ملا نقله ابن حجر عن القرطيب قال:<br />
]هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبله من أئمة السلف، واحتج بعضهم مبا<br />
تقدم من القول يف أصول الفطرة، ومبا<br />
تواتر عن النيب صلى هللا عليه وسلم ُث الصحابة أهنم حكموا إبسالم من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد األوَثن،<br />
فقبلوا منهم الإقرار ابلشهادتني والتزام أحكام الإسالم من غري إلزام بتعلم األدلة[ أ ه . 4 وإن كان صاحب هذه املقولة<br />
يعين بذلك فروض الكفاية من العلوم الشرعية وأنه ال جياهد املسلم حىت حيصل قدرا معينا من العلوم الشرعية، فهذا<br />
قد أخطأ من وجهني:<br />
الوجه األول: أنه جعل فرض الكفاية فرض عين.<br />
وه ذا يفض ي إَل تعطي ل مص احل املس لمني بقع ودهم مجيع ا لطل ب العل م، وقدد هندى هللا عدن هدلا بقولده }وَ مَوا كَوا َن<br />
الْمُؤْ مِنُونَ لِيَنفِرُ وا كَاقَّةً قَلَوْ الَ نَفَرَ مِنْ ِ كُل قِرْ قَةٍ مِونْهُمْ َِائِفَوةٌ لِيَتَفَقَّهُووا قِوي الودِينِ وَ لِيُنوذِرُ وا قَووْ مَهُمْ إِذَا رَ جَعُووا إِلَويْهِ ْم<br />
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُ ونَ{ ، 5 وكما ترى فقد قسم هللا تعاَل الناس يف هذه اآلية إىل متفقهة وغري متفقهة متاما كما يف قوله تع اَل<br />
}قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْوتُمْ ال تَعْلَمُوونَ{ ، 6 والع امل املتفق ه م أمور بتعل يم الن اس إم ا ابجل واب ع ن أس ئلتهم إذا س ألوه،<br />
وإما أن يبدأهم هو ببيان احلق إذا مل يسألوه كما قال تع اَل }وَ لِيُنذِرُ وا قَ ْومَهُمْ إِذَا رَ جَعُوا إِلَيْهِ ْم{ ، 7 وق ال تع اَل: }قُولْ<br />
- 1 أخرجه بن أيب شيبة<br />
364<br />
- 2 فتح الباري 146 / 12<br />
- 3 فتح الباري ج 13 ص 321<br />
- 4 فتح الباري 352 / 13<br />
- 5 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 6 سورة النحل، اآلية:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
122<br />
43<br />
وسورة األنبياء، اآلية:<br />
7<br />
122
تَعَالَوْ ا أَتْلُ مَا حَرَّ مَ رَ بُّكُمْ عَلَيْكُمْ{ ، 1 كذلك فإن العامي غري املتفقه مأمور بسؤال العامل عما جيهله من أم ر دين ه كم ا يف<br />
آية النحل، فإذا رآه العاملُ يعمل على جهل وال يسأل ابدره العاملُ ابلنصيحة والتعليم لقول ه تع اَل }وَ لِيُنوذِرُ وا قَووْ مَهُمْ إِذَا<br />
رَ جَعُوا إِلَيْهِمْ{ وقوله تعاَل }قُلْ تَعَالَوْ ا أَتْلُ مَا حَرَّ مَ رَ بُّكُمْ عَلَيْكُمْ{.<br />
الوجه الثاني: أنه جعل شرطا لوجوب الجهاد ما ليس بشرط.<br />
فإن هذا الذي أوجب على الناس طلب العلم قبل أن جياهدوا، لنا أن نسأله ما دليل قولك من الكتا أو من<br />
السنة؟ وحنن ُنيب فنقول ال دليل على ذلك، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »من أحدث يف أمران هذا ما<br />
2<br />
ليس منه فهو رد« ، فقوله هذا إحداث يف الدين مردود غري مقبول.<br />
ُث لنا كذلك أن نسأله ما دليل قولك هذا من سرية النيب صلى هللا عليه وسلم أو من سرية السلف الصاحل مِ َن<br />
الصحابة فَمَنْ بعدهم، هل كانوا يوجبون طلب العلم على كل مسلم قبل أن جياهد؟ وهل كانوا خيتربون اجلنود يف<br />
ذلك؟.<br />
كان مع النيب صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية سنة ست، ألف وأربعمائة صحايب، ويف غزوة الفتح سنة مثان، عشرة<br />
آالف صحايب، وبعد أقل من شهر واحد من فتح مكة خرج النيب صلى هللا عليه وسلم إَل حنني ومعه إثنا عشر ألفا،<br />
عشرة آالف دخلوا معه مكة وألفان من مسلمة الفتح فمىت تعلم هؤالء وهم قد خرجوا إَل غزوة حنني ومل ميض على<br />
إسالمهم شهر؟ وهل قال هلم النيب صلى هللا عليه وسلم إنكم حديثوا الإسالم فال تغزوا معي حىت تتعلموا؟ بل مسح<br />
هلم صلى هللا عليه وسلم ابجلهاد معه وكانوا مع ذلك يتعلمون ويرشدهم إَل ما يلزمهم، كما ذكر أبو واقد الليثي<br />
<br />
قال: )خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل حنني وحنن حدَثء عهد بكفر، وللمشركني سِ دْرة يعكفون عندها<br />
وينوطون هبا أسلحتهم، يقال هلا ذات أنواط، فمرران بسدرة، فقلنا اي رسول هللا اجعل لنا ذات أنواط، كما هلم ذات<br />
أنواط. قال صلى هللا عليه وسلم : هللا أكرب إهنا السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل ملوسى }اجْعَل<br />
لَنَا إِلَه ًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ<br />
4<br />
3<br />
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْ مٌ تَجْهَلُو َن{ ، لَرتَْكُنبُم سَنَنَ من كان قبلكم( .<br />
مما سبق تعلم أن العلم ليس من شروط وجو اجلهاد، حىت لو قَصمر أحد يف طلب العلم الواجب املتعني عليه فال<br />
يكون تقصريه هذا مانعا له من اجلهاد.<br />
فشروط وجوب اجلهاد كما ذكرها ابن قدامة قال:<br />
]ويشرتط لوجوب اجلهاد سبعة شروط: الإسالم والبلوغ والعقل<br />
واحلرية والذكورية والسالمة من الضرر ووجود النفقة[ ، 5 قلت: ويضاف إَل هذه إذن الوالدين وإذن الغرمي للمدين<br />
- 1 سورة األنعام، اآلية:<br />
365<br />
151<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 سورة األعراف، اآلية:<br />
- 4 رواه الرتمذي وصححه.<br />
139<br />
- 5 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 366
ذكرها أيضا ابن قدامة . 1 فهذه تسعة شروط لوجوب اجلهاد الكفائي فإذا تعني اجلهاد سقطت بعض هذه الشروط،<br />
و بقيت شروط اجلهاد العيين مخسة وهي: الإسالم والبلوغ والعقل والذكورية خالفا ملن أسقطها والسالمة من الضرر،<br />
وال يشرتط وجود النفقة إذا حل العدو ابلداير أو كان دون مسافة القصر على قول.<br />
وكما يرى كل مبتغ للحق غري مكابر وال معاند أن العلم الشرعي ليس ضمن الشروط امللكورة أعاله، وهذا ليس<br />
قول ابن قدامة وحده، بل مل أعثر على من اشرتط هذا يف أي من كتب الفقه <strong>في</strong>ما اطلعت.<br />
ويك<strong>في</strong>ك يف هذا احلديث الذي رواه البخاري رمحه هللا عن الرباء<br />
<br />
قال: )أَتَى النيب م صلى هللا عليه وسلم رجلٌ مقنع<br />
ابحلديد فقال اي رسول هللا أُقاتل أو أُسلم؟ قال: أَسلِم ُث قَاتِل، فأسلم ُث قاتَل فقُتل، فقال صلى هللا عليه وسلم: عَمِل<br />
2<br />
قليال وأُجِ رَ كثريا( . ومثله حديث »ارجع فلن أستعني مبشرك«<br />
و<strong>في</strong>ه أن هذا املشرك أسلم ُث قاتل وذلك يوم بدر<br />
َ<br />
،<br />
3<br />
وكما ترى مل َيمر النيب صلى هللا عليه وسلم أحدا من هذين أبن يذهب ليتعلم دينه قبل السماح له ابلقتال بل اكتفى<br />
منه ابلإميان اجململ. فلو كان العلم شرطا لوجوب اجلهاد ملا أذن النيب صلى هللا عليه وسلم هلذا ابلقتال معه قبل طلب<br />
العلم. ومن هنا تعلم أنه ليس بشرط، وقال صلى هللا عليه وسلم: »من اشرتط شرطا ليس يف كتاب هللا فهو ابطل وإن<br />
كان مائة<br />
اجلهاد<br />
4<br />
شرط« ، فتعلم بذلك أن هذا القول وجوب طلب العلم قبل اجلهاد<br />
هو قول ابطل ويفضي إىل إبطال<br />
الذي نراه متعينا على مجهور املسلمني يف هذا الزمان. وأرجو أال يكون هذا القول الباطل تربيرا من البعض<br />
للقعود عن اجلهاد.<br />
= 0<br />
ثالثا: العلم الالزم للطائفة المجاهدة.<br />
الذي أراه وهللا تعاَل أعلم ابلصواب أن اجلهاد متعني على مجهور املسلمني من غري ذوي األعذار الشرعية، وأن<br />
اجلماعة البد منها للقيام ابجلهاد، وأن الطائفة اجملاهدة جيب عليها استيفاء نوعي العلم: العيين والكفائي.<br />
أما العلم العيين يف حق اجملاهد فهو نوعان: عام وخاص.<br />
أ( النوع العام: ويشرتك <strong>في</strong>ه املسلمون مجيعا، ومنه علم التوحيد ونواقضه وأركان الإسالم واحملرممات وحنو ذلك، وهذا<br />
ميكن حتصيله أثناء اجلهاد وليس بشرط لوجوبه كما سبق، وقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم يعلم أصحابه مع<br />
اشتغاهلم ابجلهاد، كما يف حديث ذات أنواط السابق، وهو أمر متعلق ابلتوحيد الذي هو أصل الدين. و<strong>في</strong>ما يتعلق<br />
ابلعلم العيين إمجاال انصح كل مسلم مبراعاة أمرين: األول أن ال ي ُقْدِمَ على أمر حىت يعلم حكم الشريعة <strong>في</strong>ه، كما<br />
366<br />
ج- 1<br />
11 ص 394 391<br />
- 2 ورواه مسلم.<br />
- 3 رواه مسلم عن عائشة.<br />
- 4 رواه البخاري.
ب(<br />
سبق يف أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة يف قوله تعاَل }ال تُقَدِمُوا بَيْنَ يَدَيْ َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِ ِه{ ، 1 والثاين أن يسأل من<br />
يدله على حكم الشريعة لقوله تعاَل }قَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِكْرِ إِنْ كُنْتُمْ ال تَعْلَمُو َن{ . 2<br />
والنوع افاص: هو علم<br />
اجلهاد، أي هل هذا اجلهاد<br />
مشروعية<br />
اجلهاد ومعرفة<br />
للمسلم أن يشارك يف جهاد قبل أن يعلم مشروعيته<br />
الراية<br />
اليت سيجاهد املسلم حتتها. أما<br />
علم مشروعية هلا<br />
الذي تنوي الشروع <strong>في</strong>ه مشروع أم ال؟ ومن أي وجه هو؟ وهلا فرني واجب ال جيوز<br />
فاجلهاد يف ذهاب األنفس واألموال. ويدل على هذا املناظرة<br />
اليت دارت بني أيب بكر وعمر رضي هللا عنهما عندما عزم أبو بكر على قتال املرتدين بعد وفاة النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم، وقد خ<strong>في</strong> وجه مشروعية قتاهلم على عمر، فبني له أبو بكر ذلك. فعن أيب هريرة قال: ملا تويف النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم واستُخلف أبو بكر، وكَفَر من كَفَر من العرب، قال عمر: اي أاب بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم »أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال هللا، فمن قال ال إله إال هللا عصم مىن ماله<br />
ونفسه إال حبقه وحسابه على هللا، قال أبو بكر: وهللا ألقاتلن من فرق بني الصالة والزكاة، فإن الزكاة حق املال، وهللا<br />
لو منعوين عقال عناقا كانوا يؤدوهنا إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقاتلتُهم على منعها. قال عمر: فوهللا ما هو<br />
إال أن رأيت أن قد شرح هللا صدر أيب بكر للقتال فعرفت أنه احلق« . 3<br />
وأما معرفة الراية اليت سيجاهد املسلم حتتها فهذا واجب أيضا، لقوله صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ قُتِلَ حتَْتَ رَايَةٍ عِمِّيمةٍ<br />
4<br />
يَدْعُو عَصَبِيمةً أَوْ ي َنْصُرُ عَصَبِيمةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيمةٌ« . وقال تعاَل: }الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا<br />
5<br />
يُقَاتِلُونَ قِي سَبِيلِ الَِّاغُوتِ{ ، فال يك<strong>في</strong> علم مشروعية اجلهاد أي هل قتال هذا العدو واجب أم ال؟ بل البد<br />
من معرفة الراية اليت ستقاتل عدوك حتتها، وقد سبق بيان هذا يف )معامل أساسية يف اجلهاد(.<br />
= 2<br />
وأما العلم الكفائي <strong>في</strong>عمد أمري اجلهاد إَل طائفة من أتباعه يفرِّغهم لطلب العلوم الشرعية على التفصيل الالزم<br />
لسد احتياجات الدعوة والتعليم والقضاء يف مرحليت ما قبل النصر<br />
والتمكني وما بعده، على أن تكون هذه الطائفة<br />
املتفرغة لطلب العلم من ذوي الإستعداد لذلك. وتقوم اجلماعة اجملاهدة بكفالة هنالء املتفرغني لطلب العلم ماليا . 6<br />
وأنصح الطائفة اجملاهدة أبن تسد حاجتها من العلم الشرعي والفتوى عن طريق أبنائها على أن يشتغل هؤالء املتفرغون<br />
ابألهم فما دونه، ويقتصروا من كل علم على أهم مسائله، قال ابن خلدون: ]إن كثرة التآليف يف العلوم عائقة عن<br />
367<br />
- 1 سورة احلجرات، اآلية: 1<br />
- 2 سورة النحل، اآلية: 43<br />
- 3 رواه البخاري.<br />
- 4 رواه مسلم عن جندب بن عبد هللا.<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
76<br />
- 6<br />
وحنوه.<br />
انظر املوافقات للشاطيب ج<br />
وسورة األنبياء، اآلية: 7<br />
2 ص 367 366<br />
مسألة: من كُلِّف مبصاحل غريه وجب على املسلمني القيام مبصاحله، وإَّنا يكون ذلك من بيت املال
التحصيل، وقال إن طالب العلم ال يَفِي عمرُه مبا كُتِبَ يف صناعة واحدة إذا جترد هلا، وقال إن املتعلم ولو قطع عمره<br />
فتفطن هلذا، ومثل هذا ما<br />
يف هذا كله فال ي<strong>في</strong> له بتحصيل علم العربية مثال الذي هو آلة من اآلالت ووسيلة...[ 1<br />
قاله الشاطيب ]املقدمة التاسعة: من العلم ما هو صُلْب العلم ومنه ما هو مُلَح العلم ال مِنْ صلبه، ومنه ما ليس من<br />
2<br />
صلبه وال ملحه، فهذه ثالثة أقسام[ ، وذكر الشاطيب من املُلَح التأنق يف استخراج احلديث من طرق كثرية ال على<br />
3<br />
قصد طلب تواتره ، وهذا املثال عَدمه ابن اجلوزي من تلبيس إبليس على أهل احلديث إذا مل ي َقْصد بكثرة الطرق غرضا<br />
5<br />
4<br />
شرعيا صحيحا ، وأشار ابن عبد الرب إَل أن هذا قد يدخل حتت قوله تعاَل: }أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ } . قلت: وال شك أن<br />
مجع رواايت احلديث وطرقه له فوائد صحيحة: كتقوية احلديث ابملتابعات والشواهد ومعرفة زايدات الثقات وتفسري<br />
غريبه ومعرفة املصحمف واملبهم والإدراج ومعرفة سبب احلديث وحنو ذلك مما يعرفه أهل الشأن.<br />
واملقصد من هذا أن يشتغل طالب العلم ابألهم فما دونه، خاصة ما حيتاجه العمل اجلهادي من العلوم يف مراحله<br />
املختلفة.<br />
افالصة: ذكرت أن الطائفة اجملاهدة يلزمها استيفاء نوعي العلم: العيين جلميع أفرادها، والكفائي الذي تقوم به فئة<br />
من الطائفة تسد حاجة اجملموع من العلوم املختلفة. ومع ذلك فإن هناك قدرا من العلم جيب توفره يف قادة اجلهاد وإن<br />
مل نلزم<br />
به عموم األفراد، وهذا القدر واجب يف حق القيادات لضبط األعمال على مقتضى الشرع وللحفاظ على<br />
مسرية اجلهاد من االحنراف عن غايتها الشرعية، وقد سبق يف الباب الثالث أن العلم الشرعي من شروط الإمارة<br />
6<br />
العامة ، وهذا ما يدل عليه قول النيب صلى هللا عليه وسلم: »إِنم اَّللمَ ال ي َقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ي َنْتَزِعُهُ مِنَ الْنماسِ وَلَكِ ْن<br />
ي َقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَىتم إِذَا ملَْ ي ُبْقِ عَالِمًا اختمَذَ النماسُ رُءُوسًا جُهماال فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَريِْ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا«<br />
هذا ما أرى يف العلم الالزم للطائفة اجملاهدة، وهللا تعاَل أعلم ابلصواب.<br />
7<br />
.<br />
368<br />
532<br />
- 1 املقدمة ص 531<br />
- 2 املوافقات 77 / 1<br />
- 3 نفس املرجع 91 / 1<br />
- 4 تلبيس إبليس، ط املدين ص<br />
158<br />
- 5 جامع بيان العلم، ط املنريية 1389ه ج<br />
6 األحكام السلطانية أليب يعلى ص 37<br />
2 ص 132<br />
7 متفق عليه عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما.
ثامنا )ملحق4(:<br />
<strong>في</strong> المقصود باإلعداد للجهاد وهل العدالة شرط لوجوب الجهاد؟<br />
)الرد على شبهة: ال جهاد إال بعد استكمال التربية اإليمانية(.<br />
نبحث هنا المسائل اآلتية:<br />
أوال: ما المقصود باإلعداد للجهاد؟<br />
ثانيا: هل العدالة من شروط وجوب الجهاد؟<br />
أوال: ما المقصود باإلعداد للجهاد؟<br />
املقصود <strong>إعداد</strong>ان: <strong>إعداد</strong> مادي و<strong>إعداد</strong> إمياين، وال جيوز قصر ال<strong>إعداد</strong> على أحدمها. أما ال<strong>إعداد</strong> املادي: فهو املشار<br />
إليه يف آية األنفال، قال تعاَل: }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِ ْن قُوَّ ةٍ وَ مِنْ رِ بَاِِ الْخَيْلِ تُرْ هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ َّللاَّ ِ وَ عَدُوَّ كُ ْم<br />
1<br />
وَ آخَرِ ينَ مِنْ دُونِهِمْ ال تَعْلَمُونَهُمْ َّللاَّ ُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ{ ، وقد ورد تفسري هذه اآلية مرفوعا<br />
مبا ال يدع جماال لتأويلها أو محلها على غري املراد، فقد روى مسلم أن عقبة بن عامر قال إن رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم تال هذه اآلية ُث قال: »أال إن القوة الرمي« ثالَث.<br />
فال جيوز محل هذه اآلية على ال<strong>إعداد</strong> الإمياين والرتبية، وال<strong>إعداد</strong> املادي يشمل <strong>إعداد</strong> الرجال والسالح واملال. واآلية<br />
السابقة ذكرت السالح واملال صراحة والرجال إشارة، وقد ورد األمر إبعداد الرجال يف آايت أخر، كقوله تعاَل:<br />
2<br />
}يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ{ ، وكقوله تعاَل: }قَقَاتِلْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ ال تُكَلَّفُ إِال نَفْسَكَ وَ حَرِ ضْ<br />
4<br />
3<br />
الْمُؤْ مِ نِينَ عَسَى َّللاَّ ُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُ وا{ ، وكقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ َّللاَّ ِ...{ .<br />
وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الثاين من هذه الرسالة، وقال شيخ الإسالم ابن تيمية إنه إذا سقط اجلهاد للعجز<br />
5<br />
وجب الإستعداد إبعداد القوة ورابط اخليل .<br />
وقد جعل هللا سبحانه هلا اإلعداد من عالمات صدق اإلميان<br />
و<strong>في</strong>صال بني املنمن واملنافق يف قوله تعاَل }وَ لَوْ أَرَ ادُوا الْخُرُ وجَ ألَ َعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَ لَكِنْ كَرِ هَ َّللاَّ ُ انْبِعَاثَهُمْ قَثَبََِّهُ ْم<br />
وَ قِيلَ اقْعُدُوا مََْ الْقَاعِدِي َن لَوْ خَرَ جُوا قِيكُمْ مَا زَ ادُوكُمْ إِالَّ خَبَاال وَ ألَوْ ضَعُوا خِ اللَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَ قِيكُ ْم<br />
سَمَّاعُونَ لَهُمْ{ . 6 فبني هللا سبحانه أن ترك املنافقني <strong>إعداد</strong> <strong>العدة</strong> كان بسابق اخلذالن القدري هلم منه سبحانه، وأن<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
369<br />
61<br />
- 2 األنفال، اآلية: 65<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
- 4 سورة الصف، اآلية:<br />
- 5 جمموع الفتاوى ج<br />
- 6 سورة التوبة، اآليتان:<br />
94<br />
14<br />
29 ص 258<br />
.47 46
هذا كان رمحة منه سبحانه للمؤمنني الصادقني فلو خرج معهم هؤالء املنافقون ملا كان منهم إال الإفساد والفنت، خاصة<br />
وأن بع<br />
ابل<strong>إعداد</strong> املادي.<br />
<br />
<br />
املنمنني حيُ سنون الظن هبنالء املنافقني }وَ قِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ{ <strong>في</strong>نشأ من هذا فساد كبري. هذا <strong>في</strong>ما يتعلق<br />
أما ال<strong>إعداد</strong> الإمياين )الرتبية( فال منه أيضا، وقد سبق ذكر أدلته يف هذا الفصل مبا يغين عن الإعادة، وهذا ال<strong>إعداد</strong> يف<br />
غاية التشعب بعدد شعب الإميان الظاهر منها والباطن، العلمي منها والعملي، وله أثر مباشر يف النصر أو اخلذالن<br />
القدري كما سبق يف األصول اخلمسة ولكن هناك بعض التحفظات <strong>في</strong>ما يتعلق ابل<strong>إعداد</strong> وهي:<br />
أال حتُْم ل آية اإلعداد ابألنفال على الرتبية، فقد ورد تفسريها مرفوعا مبا ي ُبْطِ ل أتويله ا، أم ا الرتبي ة فله ا أدل ة أخ ر<br />
سبق بياهنا. وأقبح من هذا من ي ُقْصِر ال<strong>إعداد</strong> على الإمياين دون املادي، فهذا مكذب ِبايت هللا.<br />
أال تتخدل الرتبيدة ذريعددة للقعدود عددن اجلهداد، خاص ة اجله اد العي ين )ف رض ع ني(، وه ذا ه و أه م التحفظ ات <strong>في</strong>م ا<br />
يتعلق ابلرتبية. وهذا حيملنا إَل الشق الثاين من هذا التنبيه.<br />
ثانيا: هل العدالة من شروط وجوب الجهاد؟<br />
فالذين يقولون ال ُناهد حىت نستويف الرتبية الإميانية، نسأهلم سؤالني:<br />
السؤال األول: هل الغرض من هذه الرتبية الوصول ابلفرد املسلم إَل مرتبة العدالة الشرعية أم إَل مرتبة أعلى؟.<br />
السؤال الثاين: هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟ مبعىن أنه هل ال جيوز للمسلم أن جياهد حىت يكون عدال؟ وهل<br />
يسقط وجوب اجلهاد عن الفاسق؟.<br />
ونذكر أوال تعريف العدالة فنقول: ]هي استواء أحوالِه يف دينه، وقيل من مل تظهر منه رِيبة... ويعترب هلا شيئان:<br />
الصالح يف الدين وهو أداء الفرائض برواتبها، واجتناب احملرم أبن ال َيِت كبرية وال يُدمن على صغرية.<br />
1<br />
املروءة بفعل ما جيَُمِّله وي ُزَيِّنه وترك ما يدنسه ويشينه[ .<br />
= 1<br />
= 2 استعمال<br />
ُث نذكر شروط وجوب اجلهاد وقد سبقت يف امللحق السابق وهي )الإسالم والبلوغ والعقل والذكورية والسالمة من<br />
2<br />
الضرر واحلرية ووجود النفقة وإذن الوالدين وإذن الدائن( ، وهذا يف اجلهاد الكفائي أما العيين فالشروط هي اخلمسة<br />
األُوَل فقط. وكما ترى فإن العدالة ليست من هله الشروط.<br />
فإذا ثبت<br />
أن العدالة ليست شرطا لوجوب اجلهاد، سقط قول من يقول البد من الرتبية للوصول ابملسلم إَل رتبة<br />
العدالة قبل أن جياهد، وابلتايل يسقط قول من يشرتط رتبة أعلى من العدالة.<br />
- 1 منار السبيل شرح الدليل ط املكتب الإسالمي 1414ه ج 2 ص 499 497،<br />
371<br />
- 2 املغين والشرح الكبري ج 11 ص 394 ،391 ،366
بل قد صرح الفقهاء بعكس ذلك، أي أنه جيوز االستعانة ابلفاسق واملنافق يف الغزو، فقد قال الشوكاين: ]قال يف<br />
البحر: وجتوز االستعانة ابملنافق إمجاعا الستعانته صلى هللا عليه وسلم اببن أُيبَّ وأصحابه، وجتوز االستعانة ابلفُساق<br />
1<br />
عَلِي ابألشعث. أ ه ] .<br />
ّ<br />
على الكفار إمجاعا، وعلى البغاة عندان الستعانة<br />
وقال يف اجملموع: ]قال أبو بكر اجلصاص يف أحكام القرآن: اجلهاد واجب مع الفساق كوجوبه مع العدول، وسائر<br />
اآلية املوجبة لفرض اجلهاد مل يفرق بني فعله مع الفساق ومع العدول الصاحلني، وأيضا فإن الفساق إذا جاهدوا فد هُم<br />
2<br />
مطيعون يف ذلك( .<br />
وقال ابن حزم بعدما ذكر حديث »إن هللا ينصر هذا الدين بقوم ال خالق هلم« وحديث »إن هللا ليؤيد هذا الدين<br />
ابلرجل الفاجر«<br />
الذين ال خالق هلم، وأيضا فإن<br />
قال: ]فهذا يبيح االستعانة على أهل احلرب أبمثاهلم وعلى أهل البغي أبمثاهلم من املسلمني الفجار<br />
الفاسق مفرتني عليه من اجلهاد<br />
الفاضل فال حيل منعهم من ذلك، بل الغرض أن يُدْعَوا إَل ذلك[ . 3<br />
ومن دفع أهل البغي كالذي افرتض على املؤمن<br />
وقد سبق يف الباب الثالث من هذه الرسالة حبث مسألة الغزو مع األمري الفاجر على التفصيل، فإن جاز اخلروج مع<br />
الفاجر متبوعا، فخروجه اتبعا أوَل.<br />
وقد أسهب شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا يف بيان هذا، ومما نقلته عنه يف الباب الثالث قوله: ]فإن<br />
اتفق من<br />
يقاتلهم على الوجه الكامل فهو الغاية يف رضوان هللا وإعزاز كلمته وإقامة دينه، وطاعة رسوله، وإن كان <strong>في</strong>هم من <strong>في</strong>ه<br />
فجور وفساد نية أبن يكون يقاتل على الرايسة أو يتعدى عليهم يف بعض األمور، وكانت مفسدة ترك قتاهلم أعظم<br />
على الدين من مفسدة قتاهلم على هذا الوجه: كان الواجب أيضا قتاهلم دفعا ألعظم املفسدتني ابلتزام أدانمها، فإن<br />
هذا من أصول الإسالم اليت ينبغي مراعتها.<br />
وهلذا كان من أصول أهل السنة واجلماعة الغزو مع كل بر وفاجر، فإن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر، وأبقوام<br />
الخالق هلم، كما أخرب بذلك النيب صلى هللا عليه وسلم، ألنه إذا مل يتفق الغزو إال مع األمراء الفجار، أو مع عسكر<br />
كَري الفجور، فأنه البد من أحد أمرين: إما ترك الغزو معهم <strong>في</strong>لزم من ذلك استيالء اآلخرين الذين هم أعظم ضررا يف<br />
الدين والدنيا، وإما الغزو مع األمري الفاجر <strong>في</strong>حصل بذلك دفع األفجرين، وإقامة أكثر شرائع الإسالم، وإن مل ميكن<br />
إقامة مجيعها، فهذا هو الواجب يف هذه الصورة، وكل ما أشبهها، بل كثري من الغزو احلاصل بعد اخللفاء الراشدين مل<br />
يقع إال على هذا الوجه إَل أن قال رمحه هللا فإذا أحاط املرء علما مبا أمر به النيب صلى هللا عليه وسلم من اجلهاد<br />
الذي يقوم به األمراء إَل يوم القيامة، ومبا هنى عنه من إعانة الظلمة على ظلمهم: عَلَِم أن الطريقة الوسطى اليت هي<br />
دين اإلسالم احمل جهاد من يستحق اجلهاد،<br />
كهنالء القوم املسئول عنهم،<br />
مع كل أمري وطائفة وهي أوىل<br />
370<br />
- 1 نيل األوطار ج 9 ص 44<br />
- 2 اجملموع شرح املهذب ج 18 ص 278<br />
- 3 احمللى ج 11 ص 114 ،113
ابإلسالم منهم، إذا مل ميكن جهادهم إال كذلك، واجتناب إعانة الطائفة اليت يغزو معها على شيء من معاصي ا هلل،<br />
بل يطيعهم يف طاعة هللا، وال يطيعهم يف معصية هللا، إذ ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق.<br />
وهذه طريقة خيار هذه األمة قدميا وحديثا. وهي واجبة على كل مكلف. وهي متوسطة بني طريق احلرورية وأمثاهلم<br />
ممن يسلك مسلك الورع الفاسد الناشئ عن قلة العلم، وبني طريق املرجئة وأمثاهلم ممن يسلك مسلك طاعة األمراء<br />
1<br />
مطلقا وإن مل يكونوا أبرارا[ .<br />
قلت: وقد أَخَذَتْ هذه املسألة من االستقرار ما جعلها تُدَومن ضمن مسائل اعتقاد أهل السنة واجلماعة، كما نقلته عن<br />
شرح العقيدة الطحاوية يف الباب الثالث،<br />
2<br />
وفاجرهم إَل قيام الساعة ال يُبطلهما شيء وال ينقضهما( .<br />
ومما ورد <strong>في</strong>ه )واحلج واجلهاد ماضيان مع أويل األمر من املسلمني برهم<br />
مما سبق ترى أن اجلهاد مع الفاسق متبوعا كان أم اتبعا جائز إمجاعا، وقد جيب إذا مل ميكن دفع الكفار إال ابجلهاد<br />
مع الفساق كما قال ابن تيمية رمحه هللا يف كالمه السابق.<br />
واألصل يف هله املسألة هو أن اجلهاد خماطب به الذين آمنوا كم ا قول ه تع اَل }يَاأَيُّهَوا الَّوذِينَ آَمَنُووا هَولْ أَدُلُّكُومْ عَلَوى<br />
تِجَارَ ةٍ تُنجِ يكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ تُجَاهِدُونَ قِي سَبِي ِل َّللاَّ ِ بِأَمْوَ الِكُمْ وَ أَنفُسِوكُمْ ذَلِكُومْ خَيْورٌ لَكُومْ إِ ْن<br />
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُووبَكُمْ وَ يُودْخِ لْكُمْ جَنَّوا ٍت{ ، 3 وغريه ا م ن اآلايت، فه ذه اآلي ة خط اب للم ؤمنني ابجله اد، وم ن<br />
ه ؤالء م ن ل ه ذن وب }يَغْفِوورْ لَكُوومْ ذُنُوووبَكُ ْم{ ف دلت اآلي ة عل ى أن إمل ام امل ؤمن ابل ذنوب ال يُس قْط خماطبت ه ابجله اد.<br />
والفاس ق وإن عظم ت ذنوب ه فإن ه ال يس لب الإمي ان ابلكلي ة، ف إن مع ه مطل ق الإمي ان )أي احل د األدىن من ه( املوج ب<br />
لتكليفه ابلشرائع، وإن مل يكن معه الإميان املطلق )أي الكام ل( واجتمداع الطاعدة واملعصدية يف العبدد مدن عقيددة أهدل<br />
السنة، وهذا مستفاد من القاعدة العمة وهي أن اإلميان قول وعمل، يزيد ابلطاعة وينقص ابملعصية<br />
وق د س بق بي ان<br />
هذا ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري عن عمر )أن رجال كان على عهد النيب صلى هللا عليه وس لم وك ان امس ه عب د<br />
هللا، وكان يلقب محَِارا، وكان يُضْحِ كُ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، وكان رسول هللا صلى هللا عليه وس لم ق د جَلَ دَه<br />
يف الش راب، ف أِت ب ه يوم ا، ف أمر ب ه فجُلِ د، فق ال رج ل م ن الق وم: الله م العن ه! م ا أكث ر م ا ي ؤتى ب ه! فق ال رس ول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم »ال تلعن ه، ف وهللا م ا علم ت، إن ه حي ب هللا ورس وله«(، فه ذا الص حايب رغ م معص يته بش رب اخلم ر<br />
إال أن معه من الطاعة كمحبة هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم، وهذه احملبة من أعظم شعب الإمي ان، وأتم ل منزلته ا يف<br />
آية إبطال األعذار الثمانية بسورة التوبة }قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ...{ اآلية.<br />
ُث إن صاحب املعصية له نفع خاص من اجلهاد وذلك لتكفري ذنوبه. كما قال ابن تيمية رمحه هللا معقبا على آية<br />
الصف السابقة ]ومن كان كثري الذنوب فأعظم دوائه اجلهاد، فإن هللا يغفر ذنوبه، كما أخرب هللا يف كتابه بقوله<br />
<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج<br />
372<br />
29 ص 519 516<br />
- 2 شرح العقيدة الطحاوية ط املكتب الإسالمي 1413ه ص<br />
- 3 سورة الصف، اآلايت:<br />
437<br />
12 11 11
سبحانه وتعاَل }يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُ ْم{، ومن أراد التخل من احلرام والتوبة وال ميكن رده إَل أصحابه فلينفقه يف<br />
سبيل هللا عن أصحابه، فإن ذلك طريق حسنة إَل خالصه مع ما حيصل له من أجر اجلهاد[ . 1<br />
مما سبق تعلم أن الفسق ال يُسقط التكليف ابجلهاد، فالفاسق خاطب شرعا ابجلهاد كالصاحل العادل، وسبق ما<br />
نقله الشوكاين من جواز وليس وجوب االستعانة ابلفاسق واملنافق إمجاعا. فإذا ثبت اجلواز آل األمر إىل اعتبار<br />
املنافع واملفاسد<br />
املرتتبة على خروجه يف اجلهاد فأيتهما غلبت فا كم هلا. أي إذا كانت منفعة خروجه أعظم من<br />
مفسدته، مسُِحَ له ابخلروج وعكسه بعكسه.<br />
ومن هذا ما قاله ابن قدامة ]وال يستصحب األمري معه ُمُ ل ِال وهو الذي يثبط الناس عن الغزو... وال مُرْجِ فا وهو<br />
الذي يقول قد هلكت سرية املسلمني وما هلم مدد وال طاقة هلم ابلكفار... وال من يعني على املسلمني ابلتجسس<br />
للكفار... وال من يوقع العداوة بني املسلمني<br />
،<br />
4<br />
2<br />
ويسعى ابلفساد[ ، وهذا كله يرجع إَل قوله تعاَل }لَوْ خَرَ جُوا قِيكُ ْم<br />
3<br />
مَا زَ ادُوكُمْ إِال خَبَاال وَ ألَوْ ضَعُوا خِ اللَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَ قِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ{ ، وقوله تعاَل }قَإِنْ رَ جَعَكَ َّللاَّ ُ إِلَى<br />
َِائِفَةٍ مِنْهُمْ قَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُ وجِ قَقُلْ لَنْ تَخْرُ جُوا مَعِي أَبَد ًا وَ لَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّ ا إِنَّكُمْ رَ ضِ يتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّ لَ مَرَّ ةٍ<br />
قَاقْعُدُوا مََْ الْخَالِفِينَ{ وحمصل ذلك أنه ميُنع من اجلهاد من <strong>في</strong>ه ختليل أو إفساد للصف أو خيانة، فهلا عظيم<br />
املفسدة وإن كان <strong>في</strong>ه بع النفع.<br />
فإذا مسح األمري للفاسق العاصي الذي منفعته أعظم من فسقه ابخلروج للجهاد، فهذا ال يعين إقراره على فسقه<br />
ومعصيته، بل َيمره ابملعروف تعليما ونصحا، وينهاه عن املنكر زجرا وعقوبة، وهذا معناه ممارسة الرتبية اإلميانية أثناء<br />
اجلهاد، وال نقول يؤجل اجلهاد حىت ننتهي من الرتبية الإميانية فهذه الهناية هلا إال ابملوت لقوله تعاَل }وَ اعْبُدْ رَ بَّ َك<br />
حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ ، 5 واليقني هو املوت كما يف التفسري، وقد حيني األجل ومل حيَُصِّل العبد إال قدرا يسريا من هذه<br />
الرتبية، قال تعاَل: }ثُمَّ أَوْ رَ ثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصَِْفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا قَمِ ْنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِ دٌ وَ مِنْهُمْ سَابِ ٌق<br />
6<br />
بِالْخَيْرَ اتِ بِإِذْنِ َّللاَّ ِ{ ، فهذه هي املنازل الإميانية ألتباع الرسل وورثة الكتاب.<br />
- 1 جمموع الفتاوى ج<br />
373<br />
29 ص 422 ،421<br />
- 2<br />
291<br />
املغين والشرح الكبري ج<br />
- 3 سورة التوبة، اآليتان:<br />
- 4 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 5 سورة احلجر، اآلية:<br />
- 6 سورة فاطر، اآلية:<br />
11 ص ،372<br />
وقد سبق يف مسألة )احملافظة على وحدة اجلماعة( وجتد مثل هذا يف اجملموع شرح املهذب ج<br />
18 ص 279<br />
.47 46<br />
93<br />
88<br />
32
= 1<br />
ويمكنني أن ألخص ما سبق <strong>في</strong>ما يلي:<br />
ال<strong>إعداد</strong> الإمياين )الرتبية( واجب ومقوم أساسي من مقومات النصر، وقد سبق تفصيل هذا، خاصة ما يتعلق أبثر<br />
املعاصي يف اخلذالن، وأن معصية البعض تضر الكل إذا تركوا الإنكار، وهذا هو احلال األمثل الذي إن وُجِ دَ <strong>في</strong>ها<br />
ونعمت.<br />
= 2<br />
العجز<br />
=<br />
3<br />
ومع ذلك نقول إن اجلهاد ال يؤجل من أجل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وإن كان يؤجل من أجل الإستعداد املادي عند<br />
خاصة إذا كان اجلهاد فرض عني وأخ<br />
من اجلهاد العيين ما إذا نزل العدو ببلد املسلمني، وهو حال كثري من<br />
البلدان اآلن، فمثل هذا اجلهاد واجب عيين مُضَيمق الوقت، وأتجيل مثل هذا اجلهاد العيين يؤدي إَل ضرر وفساد،<br />
فأي فتنة أعظم من حلول الكافرين بعقر بالد املسلمني يفرضون عليهم أحكام الكفر ويسعون يف إفساد املسلمني<br />
وفتنتهم عن دينهم بشىت وسائل املكر، فمن قال بتأجيل جهاد هؤالء حىت يتسىن تربية من يرغب يف اجلهاد، فصاحب<br />
هذه املقولة ال يدرك أن عوامل اهلدم أضعاف عوامل البناء، }وَ ال يَزَ الُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُ دُّوكُ ْم<br />
عَنْ دِينِكُمْ إِ ْن<br />
اسْتََِاعُوا{ ، 1 }وَ لَنْ تَرْ ضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ ال النَّصَارَ ى حَتَّى تَتَّبَِْ مِلَّتَهُمْ{ ، 2 كذلك فإنه ال يدرك أن الكافرين لن<br />
يُبقوا على أي وسيلة من وسائل الرتبية الصاحلة، قال تعاَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُ ْم بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَ امُِْ<br />
3<br />
وَ بِيٌَْ وَ صَلَوَ اتٌ وَ مَسَاجِ دُ يُذْكَرُ قِيهَا اسْمُ َّللاَّ ِ ً كَثِيرا وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ إِنَّ َّللاَّ َ لَقَوِيٌّ عَزِ ي ٌز{ ، فلوال دفع هللا<br />
تعاَل للكافرين ابجملاهدين يف سبيله ملا بقي مكان صاحل لعبادة هللا<br />
سبحانه، ولذلك وصف ابن القيم رمحه هللا<br />
اجملاهدين بقوله: ]قد بذلوا أنفسهم يف حمبة هللا ونصر دينه وإعالء كلمته ودفع أعداءه، وهم شركاء لكل من حيمونه<br />
بسيوفهم يف أعماهلم اليت يعملوهنا وإن ابتوا يف دايرهم، وهلم مَل أجور من ع ب د هللا بسبب جهادهم وفتوحهم فإهنم<br />
كانوا هم السبب <strong>في</strong>ه. والشارع قد ن َزمل التسبب منزلة الفاعل التام يف األجر والوزر، وهلذا كان الداعي إَل اهلدى<br />
4<br />
والداعي إَل الضالل لكل منهما بتسببه مثل أجر من تَبِعَه[ .<br />
إذا اكتمل للمسلمني ال<strong>إعداد</strong> املادي قدر الإستطاعة }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُ ْم{ مع مظنة الظفر <strong>في</strong>جب<br />
الشروع يف اجلهاد وال يؤجل من أجل إكمال ال<strong>إعداد</strong> الإمياين، وهذا معناه أنه عند العجز عن اجلهاد جيب السعي يف<br />
ال<strong>إعداد</strong>ين املادي والإمياين معا، فمن سعى يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين وترك املادي أو أَجمله، فقد أُث لرتك املأمور به }وَ أَعِدُّوا<br />
لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{.<br />
=<br />
4<br />
ال<strong>إعداد</strong> الإمياين جتب ممارسه يف كل املراحل قبل الشروع يف اجلهاد وخالله، وكما قلت من قبل إن األمر<br />
ابملعروف والنهي عن املنكر صفة الزمة للمسلمني قبل التمكني وبعده، وخري أنواع الرتبية تلك اليت متارس أثناء اجلهاد<br />
حيث ي َغْلُب على الناس القرب من هللا تعاَل يف هذه احلالة. والرسول صلى هللا عليه وسلمكان دائم التوجيه ألصحابه<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 3 سورة احلج، اآلية:<br />
374<br />
217<br />
121<br />
41<br />
- 4 طريق اهلجرتني ط دار الكتب العلمية<br />
355 ه ص 1413
مع قيامهم ابجلهاد، وما قال أحد ننجل اجلهاد حىت تكتمل الرتبية، ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم: »اللهم<br />
1<br />
إين أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد« ، وقوله صلى هللا عليه وسلم لسرية عبد هللا بن حذافة: »لو دخلوها ماخرجوا<br />
2<br />
منها أبدا، إَّنا الطاعة يف املعروف« ، وقوله صلى هللا عليه وسلم ألسامة بن زيد:<br />
3<br />
هللا« ، وقوله صلى هللا عليه وسلم أليب ذر:<br />
الغزوات:<br />
=<br />
5<br />
»أقتلته بعد ما قال ال إله إال<br />
4<br />
»إنك امرؤٌ <strong>في</strong>ك جاهلية« ، وقوله صلى هللا عليه وسلم<br />
يف إحدى<br />
5<br />
»إن هللا يؤيد هذا الدين ابلرجل الفاجر« ، كذلك فقد وقعت قصة الإفك بعد إحدى الغزوات وأقام النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم حد القذف على من خاضوا <strong>في</strong>ها ومنهم من شهد بدرا وهو مِسْطَح بن أَُثثة ومنهم شاعر النيب<br />
6<br />
صلى هللا عليه وسلم حسان بن َثبت . وهلذا فقد يكون الرجل كامال فاضال مشهودا له ابجلنة يعنا ويقع يف الكبائر<br />
كمسطح بن أَُثثة وحاطب بن أيب بلثعة رضي هللا عنهما، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف شأن حاطب: »أو<br />
7<br />
ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل هللا اطلع على عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم اجلنة« ، وقال ابن<br />
حجر: ]إن املؤمن ولو بلغ ابلصالح أن يُقطع له ابجلنة ال يُعصم من الوقوع يف الذنب ألن حاطبا دخل <strong>في</strong>من أوجب<br />
9<br />
هللا هلم اجلنة ووقع منه ما وقع[ . وأمثلة هذا كثرية. فالرتبية الإميانية متارس أثناء اجلهاد وال يؤجل اجلهاد من أجلها.<br />
فهي كما سبق ال تنتهي إال مبوت العبد، وهللا سبحانه يقلب القلوب ويصرفها كيف يشاء.<br />
العدالة ليست من شروط وجو اجلهاد، وجيوز للفاسق أن خيرج للجهاد اتبعا )جنداي(<br />
للجهاد أعظم من مفسدته، كما سبق تفصيله، وميُنع من <strong>في</strong>ه إفساد أو خيانة.<br />
= 6<br />
إذا كانت منفعته<br />
إنه ال يعيب طائفة من املسلمني أن يكون بني صفوفها بعض العصاة، إَّنا يعيبها أن تقرهم على املعاصي وال<br />
أتخذهم بطاعة هللا تعاَل أمرا وهنيا، إذ إن اخلطأ واملعصية ال تنفك عن الإنسان، وقد أقام صلى هللا عليه وسلم حدود<br />
الزان والقذف واخلمر والسرقة واحلرابة يف حياته صلى هللا عليه وسلم، وكان املنافقون خيرجون معه يف الغزو كما سبق يف<br />
أوائل هذه الرسالة، ومل يقل أحد ال ُناهد طاملا يف الصفوف عصاة أو منافقون. فقد قال صلى هللا عليه وسلم : »ال<br />
8<br />
َيِت عليكم يوم إال والذي بعده شر منه« . واملقصد من هذا أنه إذا وجد بعض العصاة يف طائفة جماهدة قائمة أبمر<br />
هللا فإن هذا ليس مبربر لرتك اجلهاد معها حبجة أن هبا بعض العصاة.<br />
375<br />
- 1 رواه البخاري.<br />
- 2 رواه البخاري.<br />
- 3 متفق عليه.<br />
- 4 رواه البخاري.<br />
- 5 رواه البخاري.<br />
- 6 انظر فتح الباري ج 9 ص 479<br />
478<br />
- 7 رواه البخاري حديث 6836<br />
- 9 فتح الباري ج 12 ص 311<br />
- 8 رواه البخاري عن أنس.
= 7<br />
فإن عدمت مثل هذه الطائفة املشار إليها أعاله )وهي الطائفة الصاحلة اليت تضم بعض العصاة( ومل ميكن اجلهاد<br />
إال مع أمي فاجر أو مع عسكر كثري الفجور، فاجلهاد معهم واجب كما قال ابن تيمية<br />
وهي مفسدة الكافرين<br />
وهذه هي تقوى هللا املستطاعة للعبد<br />
لدفع أعظم املفسدتني<br />
1<br />
}قَاتَّقُوا َّللاَّ َ مَا اسْتََِعْتُمْ{ ، فإنه ال توجد مفسدة<br />
أعظم من استيالء الكفار على بالد املسلمني وما يرتتب على ذلك من الردة الإجبارية لعموم املسلمني إال من رحم هللا<br />
إنه هو الغفور الرحيم، قال تعاَل: }وَ ال يَزَ الُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُ دُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتََِاعُوا وَ مَنْ يَرْ تَدِدْ مِنْكُ ْم<br />
عَنْ دِينِهِ قَيَمُتْ وَ هُوَ كَاقِرٌ قَأُوْ لَئِكَ حَبَِِتْ أَعْمَالُهُمْ قِي الدُّنْيَا وَ اآلخِ رَ ةِ وَ أُوْ لَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ قِيهَا<br />
2<br />
خَالِدُو َن{ .<br />
فإن خرج املسلم مع أمري فاجر أو عسكر كثري الفجور، فإنه يعاوهنم على الرب والتقوى وال يعاوهنم على الإُث والعدوان،<br />
يطيعهم يف الطاعة ويعصيهم يف املعصية، ويبذل النصح هلم عسى هللا تعاَل أن يُصلح به. وقال ابن تيمية رمحه هللا يف<br />
موضع آخر: ]فإن تعذر إقامة الواجبات من العلم واجلهاد وغري ذلك إال مبن <strong>في</strong>ه بدعة مضرهتا دون مضرة ترك ذلك<br />
الواجب:<br />
كان حتصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خريا من العكس، وهلذا كان الكالم يف هذه<br />
املسائل <strong>في</strong>ه تفصيل[ . 3<br />
وقال الشاطيب: ]وكذلك اجلهاد مع والة اجلور قال العلماء جبوازه، قال مالك:<br />
“لو تُرِكَ ذلك لكان ضررا على<br />
املسلمني؟ فاجلهاد ضروري، والوايل <strong>في</strong>ه ضروري، والعدالة <strong>في</strong>ه مكملة للضروري، واملُكَمِّل إذا عاد لألصل ابلإبطال مل<br />
4<br />
يدُعْت رب”[ .<br />
وأليب حممد بن حزم كالم شديد يف النكري على من ي َنْهَى عن جهاد الكفار مع األمري الفاجر، قال ابن حزم: ]وال إُث<br />
بعد الكفر أعظم من إُث من هنى عن جهاد الكفار وأمر إبسالم حرمي املسلمني إليهم من أجل فسق رجل مسلم ال<br />
5<br />
حيَُاسَب غريه بفسقه[ .<br />
قلت: وقد سبق يف الباب الثالث بيان أن األمري الفاجر الذي ي ُغْزَى معه إن عُدِمَ غريه هو من كان فجوره يف<br />
نفسه، ومن كان فجوره دون الكفر.<br />
ومما سبق ترى اي أخي املسلم أن القول أبنه ال ُناهد حىت نطلب العلم الشرعي أو حىت نستكمل الرتبية الإميانية،<br />
وإلزام كل مسلم هبذا، هو قول يفضي إَل استئصال دين الإسالم.<br />
وكما قلت يف الرد على شبهة الشيخ األلباين، فإن العلم والرتبية حق وحنن ندعو الناس إليهما، مع مراعاة ما يلي:<br />
- 1 سورة التغابن، اآلية:<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
376<br />
16<br />
217<br />
- 3 جمموع الفتاوى 212 / 29<br />
- 4 املوافقات 15 / 2<br />
- 5 احمللى 311 / 7
أ =<br />
أهنما العلم والرتبية ليسا من شروط وجوب اجلهاد، مبعىن أنه ال يصح أن ننهى أحدا عن اجلهاد حىت يتعلم دينه<br />
أو يزكي نفسه، اللهم إال العلم العيين اخلاص ابجلهاد كعلم مشروعية اجلهاد ومعرفة الراية اليت يقاتل حتتها.<br />
ب =<br />
إن طريق اخلالص من حياة الذل اليت حيياها املسلمون هو طريق اجلهاد، كما يف حديث ثوابن مرفوعا »يُوشِ كُ<br />
أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ األُْمَمُ...«، وحديث ابن عمر مرفوعا »إِذَا تَبَاي َعْتُمْ ابِلْعِينَةِ...«، وقد سبقا، وهذا اجلهاد نراه واجبا<br />
على معظم املسلمني خاصة جهاد احلكام املرتدين، ومن هنا فإننا نعترب العلم والرتبية جزء من ال<strong>إعداد</strong> للجهاد من أجل<br />
تكوين طائفة جماهدة على علم ودين، وال نعترب العلم والرتبية بدون اجلهاد طريقا للخالص كما سبق يف الرد على شبهة<br />
الشيخ األلباين.<br />
377
الباب الخامس<br />
واجبات أعضاء المعسكر<br />
و<strong>في</strong>ه مسائل:<br />
ما يلزم األعضاء يف حق هللا تعاىل.<br />
ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم.<br />
ما يلزم األعضاء بعضهم يف حق بع .<br />
تنبيه:<br />
الواجبات امللكورة يف هلا البا منها ما جيب شرعا ومنها ما هو مندو ، وكل مفصل<br />
يف موضعه.<br />
378
يلزمهم:<br />
= 1<br />
= 2<br />
الإخالص.<br />
. تقوى هللا<br />
= 3<br />
= 4<br />
= 5<br />
= 6<br />
= 7<br />
= 9<br />
الصرب واملصابرة.<br />
األمانة.<br />
الإحسان.<br />
الصدق.<br />
التوكل.<br />
الدعاء.<br />
أوال: ما يلزم األعضاء <strong>في</strong> حق هللا تعالى.<br />
وهذه األمور ليست على سبيل احلصر، بل هي بعض ما أردت التنبيه عليه يف مقام اجلهاد، وتدخل هذه األمور كلها<br />
يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للفرد املسلم.<br />
= 1<br />
اإلخالص:<br />
وهو من أعمال القلب اليت ال يطلع عليها إال هللا تعاَل، وهو يؤثر أتثريا مباشرا على ثبات العبد أمام عدوه، لقوله<br />
تعاَل: }قَعَلِمَ مَا قِي قُلُوبِهِمْ قَأَنْزَ لَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِ ْم{ ، 1 وقد سبق هذا بشيء من التفصيل يف الباب األول من هذه<br />
الرسالة.<br />
تقوى هللا :<br />
قال ابن رجب احلنبلي: ]أما التقوى أن جيعل العبد بينه وبني ما خيافه وحيذره وِقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن جيعل<br />
= 2<br />
بينه وبني ما خيشاه من ربه، من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه إَل<br />
أن قال وقد سبق حديث »ال يبلغ العبد أن يكون من املتقني حىت يَدَعَ ما ال أبس به حذراً مما به أبس« وحديث<br />
»فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه«<br />
2<br />
أه ] .<br />
والتقوى مَنْزِلَةٌ ي ُتَوَصمل إليها ابحملافظدة علدى وظدائف العبوديدة واملواظب ة عليه ا، كم ا ق ال تع اَل: }يَاأَيُّهَوا النَّوا ُس اعْبُودُوا<br />
رَ بَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُو َن{ ، 3 وقال تعاَل: }كُتِبَ عَلَويْكُمْ الصِ ويَامُ كَمَوا كُتِوبَ عَلَوى الَّوذِي َن مِو ْن<br />
139<br />
- 1 سورة الفتح، اآلية:<br />
- 2 جامع العلوم واحلكم<br />
- 3 سورة البقرة، اآلية:<br />
19<br />
137<br />
21<br />
379
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ ، 1 وأمثال هذه اآلايت الدالة على أن منزلة التقوى يتوصل إليها ابحملافظة على العبادات واألحك ام<br />
مع املواظبة عليها.<br />
واعلم أن التقوى هي ميزان تفاضل اخللق، قال تعاَل: }إِنَّ أَكْرَ مَكُمْ عِنْدَ َّللاَّ ِ أَتْقَاكُ ْم{<br />
وظائف العبودية هلل تعاَل تكون منزلته.<br />
ومما ينبغي التنبيه عليه <strong>في</strong>ما يتعلق بتقوى هللا<br />
، أن<br />
2<br />
، فبقدر حمافظة العبد على<br />
التقوى ال تتعلق مبكان دون آخر أو حبال دون آخر، فمن<br />
الناس من يتقي يف بلده فإذا تَغَرمب عنها ارتكب املوبقات، فهذا ال يتقي هللا وإَّنا يتقي الناس الذين يعرفونه، ولذلك<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
3<br />
»اتق هللا حيثما كنت« ، وقال هللا تعاَل: }وَ مَا تَكُونُ قِي شَأْنٍ وَ مَا تَتْلُوا مِنْهُ<br />
مِنْ قُرْ آنٍ وَ ال تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِال كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُود ًا إِذْ تُفِيضُونَ قِيهِ وَ مَا يَعْزُ بُ عَنْ رَ ب ِكَ مِ نْ مِثْقَالِ ذَرَّ ةٍ قِي<br />
األَرْ ضِ وَ ال قِي السَّمَاءِ وَ ال أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَ ال أَكْبَرَ إِال قِي كِتَابٍ مُبِينٍ{<br />
. 4<br />
قال ابن رجب احلنبلي: ]فتقوى هللا يف السر هو عالمة كمال الإميان، وله أتثري عظيم يف إلقاء هللا لصاحبه الثناء يف<br />
قلوب املؤمنني. ويف احلديث: »ما أسر عبد سريرة إال ألبسه هللا رداءها عالنية، إن خريا فخري، وإن شرا فشر« 5<br />
وتشكل املعسكرات مبا توفره من<br />
بيئة جديدة غري اليت اعتادها الفرد، ومبا توفره من صحبة صاحلة<br />
أه ] 6 .<br />
تشكل فرصة<br />
طيبة جملاهدة النفس يف التخلص من العادات السيئة، فإن تغيري املكان عامل هام يف اجملاهدة، انظر مثال حديث<br />
قاتل املائة كيف نصحه العامل أبن يرتك بلده ويذهب إَل بلد آخر به قوم صاحلون، فهذه املعسكرات تشكل فرصة<br />
ليبدأ الإنسان حياة جديدة خالية مما يُكَدِّر عليه صفو صلته ابهلل تعاَل. قال ابن القيم رمحه هللا: ]الوصول إىل<br />
مطلو موقوف على هجر العوائد وقطع العوائق، فالعوائد السكون إَل الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من<br />
الرسوم واألوضاع إَل قوله<br />
وأما العوائق<br />
وهذا أعظم احلجب واملوانع بني العبد وبني النفوذ إَل هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم .<br />
فهي أنواع املخالفات ظاهرها وابطنها فإهنا تعوق القلب عن سريه إَل هللا وتقطع عليه طريقه وهي ثالثة<br />
أمور، شرك وبدعة ومعصية <strong>في</strong>زول عائق الشرك بتجريد التوحيد وعائق البدعة بتحقيق السنة، وعائق املعصية بتصحيح<br />
التوبة وهذه العوائق ال تتبني للعبد حىت َيخذ يف أهبة السفر ويتحقق ابلسري إىل هللا والدار اآلخرة، تظهر له هله<br />
العوائق وحيس بتعويقها له حبسب سريه وجترده للسفر وإال فما دام قاعدا ال يظهر له كوامنها وقواطعها.<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
381<br />
193<br />
- 2 احلجرات، اآلية: 13<br />
- 3 رواه الرتمذي وحَسمنه عن معاذ.<br />
- 4 سورة يونس، اآلية:<br />
61<br />
- 5 رُوِيَ هذا مرفوعا، ورُوِيَ عن ابن مسعود من قوله.<br />
- 6 جامع العلوم واحلكم حديث<br />
141 141 ص 19
وأما العالئق فهي كل ما تعلق به القلب دون هللا ورسوله من مالذ الدنيا وشهواهتا ورايساهتا وصحبة الناس والتعلق هبم<br />
وال سبيل له إَل قطع هذه األمور الثالثة ورفضها إال بقوة التعلق ابملطلب األعلى وإال فقطعها عليه بدون سبب تعلقه<br />
1<br />
مبطلوبه ممتنع فإن النفس ال ترتك مألوفها وحمبوهبا إال حملبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه. أه ] .<br />
قلت:<br />
وللتقوى مثار يف الدنيا واآلخرة، واجملاهد هو أحوج الناس إَل هذه الثمار يف صراعه مع أعداء هللا وأعدائه،<br />
ومن هذه الثمار:<br />
أ =<br />
املعية افاصة: من هللا تعاَل ابلنصر والتأييد واحلفظ والإعانة، وهذه ال تكون<br />
إال ألهل طاعته ِبالف املعية<br />
العامة، واليت هي جلميع اخللق ابلعلم والإحاطة، قال تعاَل: }وَ ال أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَ ال أَكْثَرَ إِال هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا<br />
2<br />
كَانُوا{ ، هذا يف املعية العامة، ويف املعية اخلاصة قال سبحانه: }وَ اتَّقُوا َّللاَّ َ وَ اعْلَمُوا أَنَّ<br />
3<br />
َّللاَّ َ مََْ الْمُتَّقِي َن{ ، وقال<br />
4<br />
سبحانه: }إِنَّ َّللاَّ َ مََْ الَّذِينَ اتَّقَوْ ا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُو َن{ ، وهذه هي معية النصر والتو<strong>في</strong>ق، وما أحوج اجملاهد إليها.<br />
عن أيب هريرة قال: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم اَّللمَ تَعَاَلَ قَالَ : مَنْ عَادَى يلِ وَلِياا فَقَدْ آذَنْتُهُ ابِحلَْرْبِ ،<br />
وَمَا تَقَرمبَ إِيلَم عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبم إِيلَم ممِما افْرتََضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا ي َزَالُ عَبْدِي ي َتَقَرمبُ إِيلَم ابِلنموَافِلِ حَىتم أُحِ بمهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ<br />
كُنْتُ مسَْعَهُ المذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ المذِي ي ُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الميتِ ي َبْطِشُ هبَِا وَرِجْلَهُ الميتِ ميَْشِ ي هبَِا، وَإِنْ سَأَلَينِ ألُعْطِيَنمهُ،<br />
5<br />
وَلَئِنِ اسْتَعَاذَينِ ألَُعِيذَنمهُ« .<br />
وظائف العبودية من فرائ ونوافل، فتمسك به.<br />
ب =<br />
وهلا حديث عظيم يف بيان دفاع هللا تعاىل عن أوليائه وأهل طاعته احملافظني على<br />
6<br />
تفريج الكرو والشدائد: هذا أيضا من مثار التقوى، لقوله تعاَل: }وَ مَنْ يَتَّقِ َّللاَّ َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَ ج ًا{ ، وما<br />
أكثر الشدائد يف طريق اجلهاد، طريق الصرب، فعليك بتقوى هللا تعاَل يَذْكُرك يف الشدة، قال تعاَل: }قَاذْكُرُ ونِي<br />
7<br />
أَذْكُرْ كُمْ{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »احْفَظِ اَّللمَ جتَِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرمفْ إِلَيْهِ يفِ الرمخَاءِ ي َعْرِفْكَ يفِ<br />
الشِّ دمةِ«، ومعىن »جتَِدْهُ أَمَامَكَ » أي <strong>في</strong>ما يستقبلك من أمر الدنيا واآلخرة، ُث حيفظ أوالدك من بعدك بصالحك لقوله<br />
تعاَل: }وَ كَانَ أَبُوهُمَا صَالِح ًا{ . 9<br />
- 1 الفوائد البن القيم ص 153<br />
- 2 سورة اجلادلة، اآلية:<br />
- 3 سورة البقرة، اآلية:<br />
380<br />
154<br />
7<br />
184<br />
- 4 سورة النحل،<br />
129 اآلية:<br />
- 5 رواه البخاري.<br />
- 6 سورة الطالق، اآلية:<br />
- 7 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 9 سورة الكهف، اآلية:<br />
2<br />
152<br />
92
382<br />
ج =<br />
أتليف القلو : وهو من مثار التقوى، قال تعاَل: }وَ اذْكُرُ وا نِعْمَةَ َّللاَّ ِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ ً أَعْدَاء قَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ<br />
أن هللا تعاَل ي ُلْقِي حمبة أهل طاعته يف قلوب اخللق، فإذا كانت التقوى<br />
قَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَ انًا{<br />
، 1 وتفصيل ذلك<br />
هي مسة الطائفة اجملاهدة يف السر والعلن، فالبد من أن تثمر حمبة متبادلة وأتليفا للقلوب داخل هذه الطائفة، وهذا<br />
من أعظم أسباب متاسك الصف املؤمن ومن أعظم أسباب قوة اجلماعة املؤمنة، فعن أيب هريرة<br />
<br />
أن رسول هللا صلى<br />
هللا عليه وسلم قال: »إِذَا أَحَبم اَّللمُ تَعَاَلَ العَبْدَ انَدَى جِ ربِْيلَ: إِنم اَّللمَ تَعَاَلَ حيُِبُّ فُالانً فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِ بُّهُ جِ ربِْيلُ، فَيُنَادِي<br />
ِض<br />
يفِ أَهْلِ السممَاءِ: إِنم اَّللمَ حيُِبُّ فُالانً فَأَحِ بُّوهُ ، فَيُحِ بُّهُ أَهْلُ السممَاءِ ُثُم يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ يفِ أَهْلِ األَرْ<br />
رواية وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِ ربِْيلَ فَيَقُولُ ِ إِينّ أُبْغِضُ فُالانً فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِ ربِْيلُ، ُثُم ي ُنَادِي يفِ أَهْلِ السممَاءِ: إِنم اَّللمَ<br />
ي ُبْغِضُ فُالانً فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ُثُم تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ يفِ األَرْضِ » أه . ومصداق هذا يف كتاب هللا، قوله تعاَل:<br />
» 2 ، وزاد مسلم يف<br />
«<br />
}إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّ حْمَانُ وُ دًّا{ ، 3 }وُ دًّا{ أي مودة وحمبة.<br />
وعلى النقيض من ذلك فإن أي<br />
معصية يفعلها الفرد هي معول يفت يف عضد اجلماعة، مبا يرتتب على هذه<br />
املعصية من البغضاء اليت يلقيها هللا يف قلوب اخللق للعاصي، كما يف حديث أيب هريرة السابق، وكما يف قوله تعاَل:<br />
}قَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِرُ وا بِهِ قَأَغْرَ يْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَ ةَ وَ الْبَغْضَا َء{ . 4<br />
هذا <strong>في</strong>ما يتعلق ابلتقوى وحاجة العبد إليها يف حياته وجهاده ومعاده.<br />
= 3<br />
الصبر والمصابرة:<br />
قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُ وا وَ صَابِرُ وا وَ رَ ابُِِوا وَ اتَّقُوا َّللاَّ َ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُو َن{ ، 5 ويف جمال التدريب واجلهاد<br />
نقول:<br />
اصربوا: أي على طاعة هللا، فالتدريب واجلهاد طاعة هلل تعاَل الذي أمر إبعداد القوة، <strong>في</strong>جب على املسلم الصرب على<br />
هذه الطاعة وما <strong>في</strong>ها من مشاق وبذل للمال وغربة عن األهل وتعرض للجراح.<br />
وصابروا: أي صابروا أعداء هللا، أي انفسوهم يف الصرب، ويف جمال التدريب العسكري تكون املصابرة أبن تتدرب أكثر<br />
من أعداء هللا كَما وكَيْفاً ما استطعت ذلك، قال تعاَل: }إِنْْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ قَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَ تَرْ جُو َن<br />
6<br />
مِنْ َّللاَّ ِ مَا ال يَرْ جُونَ{ .<br />
ومما يدخل يف الصرب،<br />
الصرب على أهوال القتال وقد تْل اإلخوان وك ل بِ األعداء، قال هللا تعاَل: }أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ<br />
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْ ا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَ الضَّرَّ اءُ وَ زُ<br />
لْزِ لُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّ سُولُ وَ الَّذِي َن<br />
- 1 سورة آل عمران، اآلية:<br />
113<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 سورة مرمي، اآلية:<br />
- 4 سورة املائدة، اآلية:<br />
14<br />
86<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
211<br />
114
آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ َّللاَّ ِ أَال إِنَّ نَصْرَ َّللاَّ ِ قَرِ يبٌ } 1 ، قال ابن كثري رمحه هللا يف تفسريها }الْبَأْسَاءُ{ الفقر<br />
}وَ الضَّرَّ اءُ{ السقم }وَ زُ لْزِ لُوا{ خُوفوا من األعداء زلزاال شديدا وامتحنوا امتحاان عظيما كما جاء يف احلديث<br />
الصحيح عن خَبماب بن األرثّ قال: قلنا اي رسول هللا أال تستنصر لنا أال تدعو هللا لنا فقال: »إن من كان قبلكم كان<br />
أحدهم يوضع له املنشار على مفرق رأسه <strong>في</strong>خل<br />
حلمه وعظمه ال يصرفه ذلك عن دينه، ُث قال: وهللا ليتمن هللا<br />
إَل قدميه ال يصرفه ذلك عن دينه، وميشط أبمشاط احلديد ما بني<br />
هذا األمر حىت يسري الراكب من صنعاء إَل حضر<br />
موت ال خياف إال هللا والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون« وقال هللا تعاَل: }الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَ كُوا<br />
أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ ال يُفْتَنُونَ<br />
وَ لَقَدْ قَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَلَيَعْلَمَنَّ َّللاَّ ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِي َن{ ، 2 وقد حصل<br />
من هذا جانب عظيم للصحابة رضي هللا تعاَل عنهم يف يوم األحزاب كما قال هللا تعاَل: }إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ قَوْ قِكُ ْم<br />
وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زَ اغَتْ األْ َبْصَارُ وَ بَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِ رَ وَ تَظُنُّونَ بِاّلِلَّ ِ الظُّنُو َن هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْ مِنُو َن<br />
وَ زُ لْزِ لُوا زِ لْزَ اال شَدِيد ًا وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنَاقِقُونَ وَ الَّذِينَ قِي قُلُوبِهِمْ مَرَ ضٌ مَا وَ عَدَنَا َّللاَّ ُ وَ رَ سُولُهُ إِال غُرُ ً ورا{ اآلايت،<br />
3<br />
وملا سأل هرقل أاب س<strong>في</strong>ان هل قاتلتموه قال: نعم. قال: فكيف كانت احلرب بينكم، قال: سِ جَاال يُدال علينا ونُدال<br />
عليه قال: كذلك الرسل ت ُبْتَلَى ُث تكون هلا العاقبة.أه .<br />
قلت: وقوله تعاَل: }مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْ ا مِنْ قَبْلِكُ ْم{ يدل على أن هذا الإبتالء ابلبأساء والضراء والزلزلة سنة قدرية،<br />
وقعت ملن كان قبلنا، وستقع لنا، والبد، وهي من مقدمات النصر، كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
النصر مع الصرب، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا«. وعلى كل مسلم أن يهيئ نفسه هلذه السُّنة.<br />
نأ»<br />
ومما يدخل يف الصرب على شبهات املخللني واملخالفني واملرجفني، قال تعاَل: }يُجَاهِدُونَ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ وَ ال<br />
4<br />
يَخَاقُونَ لَوْ مَةَ الئِمٍ } ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُميتِ قَائِمَةٌ أبَِمْرِ هللا، ال ي ضُرُّهُم م ْن<br />
5<br />
أَمْرُ هللا وَهُم ظَاهِرُونَ عَلَى النماس« . فالبد لكل من قام حبق من الئمٍ يلومُه وخمَُذِّل ي ُثَبطه<br />
خ ل هل ُم أ و خ ال ف هُم حَىتَ َيَِْتََ<br />
وخمُ الف ي ُلَبِّس عليه أمره، فإن صرب جاءه نصر هللا تعاَل: }أَال إِنَّ نَصْرَ َّللاَّ ِ قَرِ ي ٌب{ ، 6 وقد بشره رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم أبن هؤالء املخذلني واملخالفني لن يضروه إن شاء هللا تعاَل.<br />
ومما يدخل يف الصرب، الصرب على طول الطريق، كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم خلباب: »ولكنكم قوم<br />
1<br />
7<br />
تستعجلون« ، وهذه جِ بِلمة الإنسان }وَ كَانَ اإلْ ِ نسَانُ عَجُوال{ ، واإلستعجال يفسد أكَر مما يصلح، ومن تعجل<br />
- 1 سورة البقرة، اآلية:<br />
383<br />
214<br />
- 2 سورة العنكبوت، اآلايت:<br />
- 3 سورة األحزاب، اآلايت:<br />
- 4 سورة املائدة، اآلية:<br />
3 إَل 1<br />
12 إَل 11<br />
54<br />
- 5 متفق عليه عن معاوية.<br />
- 6 سورة البقرة، اآلية:<br />
214<br />
- 7 رواه البخاري.
الشيء قبل أوانه عوقب حبرمانه، والتعجل علة احلرمان، وهذه قاعدة فقهية، أال ترى إنك إذا قطفت مثرة غري انضجة<br />
فال أنت انتفعت هبا وال أنت تركتها حىت تنضج وتنتفع هبا.<br />
إن الإستعجال يفتح اباب للشيطان، ليدفع ابلعبد إَل التنازل التدرجيي عما هو عليه من احلق، ظنا منه أنه خيتصر<br />
الطريق، وهو قد ضل الطريق وحاد عنه، قال تعاَل: }وَ إِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْ حَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِ ي عَلَيْنَا غَيْرَ هُ<br />
وَ إِذًا التَّخَذُوكَ ً خَلِيال وَ لَوْ ال أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْ كَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيال إِذًا ألَذَقْنَاكَ ضِ عْفَ الْحَيَاةِ وَ ضِ عْفَ الْمَمَا ِت<br />
ثُمَّ ال تَجِ دُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِ ً يرا{ ، 2 إن هذا التنازل وهذه احلَيْدة عن احلق عادةً ما تغلف مبا يواري السوأة كالقول أبن هذا<br />
من احلكمة والسياسة ومصلحة الدعوة، وكل هذا من تزيني الشيطان ألوليائه }يَعِدُهُمْ وَ يُمَن ِيهِمْ وَ مَا يَعِدُهُمْ الشَّيَِْا ُن<br />
إِال غُرُ ً ورا{ ، 3 وقال تعاَل: { وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّ حْمَانِ نُقَي ِضْ لَهُ شَيَِْانًا قَهُوَ لَهُ قَرِ ينٌ وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ<br />
4<br />
السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ{ ، <strong>في</strong>نبغي أن يعلم املسلم أن اتِباع ا ق والصرب عليه هو أقصر الطرق إىل النصر،<br />
وإن طال الطريق<br />
وكثرت عَقَبَاتُه وقل سالكون، وإن احلَيْدَة عن احلق ال أتِت إال ابخلذالن وإن سَهُل طريقها وخيل<br />
لسالكه قرب الظفر، فإَّنا هي أوهام، قال تعاَل: }وَ أَنَّ هَذَا صِ رَ اِِي مُسْتَقِيم ًا قَاتَّبِعُوهُ وَ ال تَتَّبِعُوا السُّبُلَ قَتَفَرَّ قَ بِكُ ْم<br />
عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَ صَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ . 5<br />
ومما يدخل يف الصرب،<br />
بِمُؤْ مِنِينَ{ ، 6 وقال تعاَل: }لَقَدْ<br />
الصرب على إعراني عن دعوة ا ق، قال تعاَل: }وَ مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَ صْتَ<br />
جِ ئْنَاكُمْ ِ بِالْحَق وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ كُمْ ِ لِلْحَق كَارِ هُو َن{ ، 7<br />
فإن قله األتباع مما يُلبِس به<br />
الشيطان على العبد، أبنه لو كان هذا هو احلق التبعه كل الناس، <strong>في</strong>صرف العبد عن احلق هبذا التلبيس، وقد قال هللا<br />
تعاَل عن نوح : }وَ مَا آمَنَ مَعَهُ إِال قَلِيلٌ{ ، 9 وقال تعاَل يف وصف فرعون ملوسى وأتباعه }إِنَّ هَؤُالءِ لَشِرْ ذِمَةٌ<br />
قَلِيلُونَ{ ، 8 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إنه يوم القيامة<br />
حجة الكافرين }وَ قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَ اال وَ أَوْ الد ًا وَ مَا<br />
»وينتى النيب وليس معه أحد« 11 .وقال تعاَل عن<br />
نَحْنُ بِمُعَذَّبِي َن{ ، 11 فال تستوحش طريق احلق وإن قل<br />
- 1 سورة الإسراء، اآلية:<br />
- 2 سورة الإسراء، اآلايت:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
384<br />
73<br />
11<br />
75 إَل<br />
121<br />
- 4 سورة الزخرف، اآليتان،<br />
- 5 سورة األنعام، اآلية:<br />
- 6 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 7 سورة الزخرف، اآلية:<br />
- 9 سورة هود، اآلية:<br />
- 8 سورة الشعراء، اآلة:<br />
37<br />
36<br />
153<br />
113<br />
79<br />
54<br />
41<br />
- 11 متفق عليه عن ابن عباس.<br />
- 11 سورة سبإ، اآلية:<br />
35
سالكوه، وال تغرت بطرق الباطل وإن كثر اهلالكون، قال تعاَل: }حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّ سُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا<br />
جَاءَهُمْ نَصْرُ نَا قَنُجِ يَ مَنْ نَشَاءُ وَ ال يُرَ دُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْ مِ الْمُجْرِ مِينَ لَقَدْ كَانَ قِي قَصَصِ هِمْ عِبْرَ ةٌ ألُوْ لِي األَلْبَا ِب{ . 1<br />
ومما يدخل يف الصرب، الصرب على ضعف أتباع ا ق وفقرهم وقِلة حيلتهم، فإن هؤالء هم أتباع الرسل، وهم كتيبة<br />
احلق اليت يتنزل عليها النصر، فهم أرق أفئدة وأقرب إَل هللا تعاَل، وأبعد من الدنيا وزخرفها، وأسرع إَل البذل<br />
2<br />
والتضحية، قال صلى هللا عليه وسلم : »هل تنصرون وترزقون إال بضعفائكم؟« . وقال تعاَل عن حجة قوم نوح<br />
3<br />
}أَنُؤْ مِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ األَرْ ذَلُونَ{ ، وقال تعاَل عن حجة كفار مكة }وَ قَالُوا لَوْ ال نُزِ لَ هَذَا الْقُرْ آنُ عَلَى رَ جُلٍ مِ ْن<br />
4<br />
الْقَرْ يَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَ حْمَةَ رَ ب ِكَ } ، وسَأَل هرقل أاب س<strong>في</strong>ان ملا جاءه كتاب النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
5<br />
فقال: )أَشْرَافُ النماسِ ات مبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟( قال أبو س<strong>في</strong>ان )بل ضُع ف اء هُِم( فقال هرقل )و هُمْ أتدْب اعُ الرُّسُ ِل( . وقال<br />
هللا تعاَل: }وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مََْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَ بَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِي ِ يُرِ يدُونَ وَ جْهَهُ وَ الَ تَعْدُ عَيْنَاكَ َعنْهُمْ تُرِ يدُ زِ ينَةَ<br />
6<br />
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ .<br />
فاعلم اي أخي املسلم أن الدعوات ال حيُ كم عليها بعدد أتباعها وال بثرواهتم أو مراكزهم وإَّنا حيكم عليها مبوافقة<br />
مناهجها للحق الذي جاء به رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، فقد قال عبد هللا بن مسعود )اجلماعة ما وافق احلق<br />
وإن كنت وحدك(، ُث حيكم عليها بعد صحة املنهج بصدق أتباعها يف األخذ به.<br />
وملا كان الغالب على دعوة احلق يف مبدئها قلة عدد أتباعها وضعفهم، كان للسابقني منهم منزلة ال تدانيها منزلة من<br />
ات مبَع الدعوة حال قوهتا، وهله هي فضيلة السبق واملبادرة اليت أشار هللا تعاَل إليها يف قوله سبحانه }ال يَسْتَوِي<br />
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَاتَلَ أُوْ لَئِكَ أَعْظَمُ دَرَ جَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قَاتَلُوا وَ كُال وَ عَدَ َّللاَّ ُ<br />
الْحُسْنَى{ ، 7 ذلك ألن البدء يف أي أمرٍ شاقٌ ال يقوى عليه إال األفذاذ أصحاب اهلمم العالية، وما أنذَرهم، فإذا قام<br />
األمر دخل <strong>في</strong>ه آخرون ممن ال يقوون على حتمل مشقة البدء فكانوا أدىن منزلة ممن سبقهم، { وَ كُال وَ عَدَ َّللاَّ ُ<br />
الْحُسْنَى{. إن البدء يف أمر الدعوات احلقة ال تكتنفه املشقة فقط بل يكتنفه ما هو أشد من ذلك وهو اخلوف من<br />
بطش شياطني الإنس أعداء احلق، كما قال تعاَل: }قَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِال ذُرِ يَّةٌ مِ ْن قَوْ مِ ِه عَلَى خَوْ ف مِنْ قِرْ عَوْ َن<br />
9<br />
وَ مَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ{ ، وهذا هو الإميان يف اخلوف الذي فَرمق هللا تعاَل به بني الصحابة أنفسهم، فجعل الفتح )وهو<br />
111<br />
32<br />
- 1 سورة يوسف، اآلتيان:<br />
111<br />
- 2 رواه البخاري<br />
- 3 سورة الشعراء، االية:<br />
- 4 سورة الزحرف، اآليتان:<br />
111<br />
31<br />
- 5 متفق عليه عن ابن عباس.<br />
- 6 سورة الكهف، اآلية:<br />
- 7 سورة احلديد، اآلية:<br />
- 9 سورة يونس، اآلية:<br />
29<br />
11<br />
93<br />
385
صلح احلديبية يف آية احلديد السابقة( جعله سبحانه فُرقاان بني الصحابة، فكانت منزلة من آمن قبل احلديبية أعظم من<br />
منزلة من آمن بعدها، ذلك ألن احلديبية كان فرقاان بني اخلوف قبلها واألمن بعدها، إذ أَمِنَ الناسُ بعد الصلح<br />
ودخل يف عامني )6<br />
9ه ) أضعاف من دخله يف تسعة عشر عاما )من البعثة إَل الصلح يف<br />
6<br />
ه (، فقد كان مع النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم يوم احلديبية ألف وأربعمائة صحايب، وكان معه يوم فتح مكة بعد احلديبية بعامني عشرة آالف<br />
صحايب رضي هللا عنهم أمجعني، وهبذا تتبني لك منزلة الإميان على اخلوف، فليحرص املسلم على فضيلة السبق<br />
واملبادرة وال يثبطه الشيطان عن ذلك مبشقة الطريق وبقلة عدد سالكيه وضعفهم وببطش أعدائهم فإن احلق غالب ال<br />
2<br />
1<br />
حمالة، قال تعاَل: }كَتَبَ َّللاَّ ُ ألَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُ سُلِي{ ، وقال تعاَل: }وَ قِي ذَلِكَ قَلْيَتَنَاقَسْ الْمُتَنَاقِسُونَ{ ، وقال رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم : »واعلم أن النصر مع الصرب«.<br />
ومما يدخل يف الصرب يف ميدان اجلهاد، الصرب على األمري، الصرب على طاعته يف العسر والصرب على طاعته يف<br />
املكره، والصرب على طاعته وإن استأثر بشيء دون الرعية، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ رَأَى مِنْ أَمِريِهِ<br />
3<br />
شَيْئًا يَكْرَهُه فَلْيَصْربِْ« ، وسوف َيِت تفصيل هذا يف الفصل القادم )ما يلزم األعضاء يف حق أمريهم(.<br />
ومن أهم ما يدخل يف الصرب،<br />
الصرب على أذى اإلخوة رفاق الطريق، فإن ميدان اجلهاد جيمع مسلمني على<br />
مستوايت تربوية متفاوتة فمنهم ظامل لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق ابخلريات إبذن هللا تعاَل، والبد من أن<br />
يتعايشوا معا من أجل املصلحة الشرعية العليا وهي جهاد أعداء الدين، فنوصي الظامل لنفسه أبن يتقي هللا يف نفسه<br />
ويف إخوانه ونوصي الكل ابلصرب على أذى إخواهنم، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »املؤمن الذي خيالط<br />
الناس ويصرب على أذاهم، خري من الذي ال خيالط الناس وال يصرب على أذاهم« . 4 وهذا الصرب هو من صفات املتقني<br />
كما قال تعاَل: }وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَاقِينَ عَنْ النَّاسِ وَ َّللاَّ ُ يُحِ بُّ الْمُحْسِنِي َن{ ، 5 ومع هذا األجر الذي يناله<br />
املسلم ابلصرب على أذى إخوانه، فإن هناك فائدة أخرى حيصل عليها املسلم مبخالطة الناس وهي أنه يعرف آفات<br />
نفسه فمن كان سريع الغضب ال يدرك هذا من نفسه ما مل خيالط الناس ويتعرض ألذاهم، فإن فعل، أدرك آفات نفسه<br />
وسعى يف تقوميها. وهكذا كثري من آفات النفس ال يدركها العبد إال ابملخالطة.<br />
وقد أردت التنبيه على هذا األمر خاصة وأن كثريا من املسلمني يصربون على أذى األعداء وال يصربون على أذى<br />
إخواهنم، كما قال الشاعر:<br />
وظلم ذوي القرىب أشد مضاضة<br />
على النفس من وقع ا سام املهن د.<br />
- 1 سورة اجملادلة، اآلية:<br />
- 2 سورة املطففني، اآلية:<br />
3 متفق عليه.<br />
386<br />
26<br />
21<br />
- 4 رواه البخاري عن ابن عمر يف األدب املفرد )399( ورواه ابن ماجه بسند حسن )فتح الباري 512( / 11<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
134
تعاَل.<br />
حبجة<br />
فأردت أن أعلمهم أبن الصرب على أذى الإخوة واجب، وأننا نتعبد ابلصرب على غريه، ونرجو به األجر والثواب من هللا<br />
وهنا تنبيه آخر متعلق بسابقه، وهو أن سوء سلوك بع اإلخوة قد يدفع ابلبع اآلخر إىل ترك ميدان اجلهاد<br />
أنه ال جيوز اجلهاد مع مثل هؤالء، أو أنه ال فائدة من اجلهاد مع مثل هؤالء، أو أنه ال يتنزل النصر على مثل<br />
هؤالء، أو أنه ما جئنا للجهاد إال ملقاومة الفساد فكيف يكون يف صفوفنا فاسدون، أو أنه ينبغي أن نؤجل اجلهاد<br />
حىت ننهض ابملستوى الرتبوي لإلخوة. وكل هذه أعذار ابطلة، وقد حتدثت يف الباب الثاين عن األعذار الغري الشرعية<br />
وهذه منها، كما أشرت إَل هذا يف امللحق الرابع ِبخر مسألة ال<strong>إعداد</strong> الإمياين حيث ذكرت أن العدالة ليست من<br />
شروط وجو اجلهاد، وأن الفسق ليس بسقط للخطا ابجلهاد إمجاعا.<br />
وقد اتفق الفقهاء على أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس يف الضرورايت الشرعية اخلمس، فاجلهاد الذي به<br />
حفظ الدين واجب وإن أدى إَل القتل، فكيف يتحمل املسلم القتل واجلراح وال يتحمل أذى إخوانه من أجل قيام<br />
اجلهاد واستمراره حفظا لدين هللا تعاَل؟<br />
ُث إنه مع ذلك مأجور بصربه على أذى إخوانه كما أسلفت إن شاء هللا<br />
تعاَل. قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من يتصرب يصربه هللا، وما أعطى أحد عطاء خريا وأسع من الصرب« ، 1<br />
ومعناه أن الصرب خلق يُكْتسب ابجملاهدة »ي َتَصَمرب« اترة فتارة حىت يصري الصرب خلقا الزما للعبد، وقد أشرت إَل هذا<br />
يف الباب الرابع.<br />
وحنن يف مقام معاملة الإخوة املسلمني تطالب األخ املسلم بدرجة أعلى من درجة الصرب وهي العفو عمن ظلمه<br />
والإحسان ملن أساء إليه كما قال تعاَل: }خُذْ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْ فِ وَ أَعْرِ ضْ عَنْ الْجَاهِلِي َن{ ، 2 قال ابن حجر يف<br />
التفسري: ]روى ابن جرير عن جعفر الصادق وقال: ليس يف القرآن آية أمجع ملكارم األخالق منها إَل قوله وروى<br />
الطربي مرسال، وابن مردويه موصوال من حديث جابر وغريه، ملا نزلت }خُذْ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْ ِف{ “سأل جربيل،<br />
فقال: ال أعلم حىت أسأله، ُث رجع فقال: إن ربك َيمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن<br />
ظلمك”[ . 3<br />
األمانة. = 4<br />
<strong>في</strong>ما حتت يديك من أعمال أو أسرار أو أموال، قال تعاَل: }إِنم اَّللمَ َيَْمُرُكُمْ أَنْ ت ُؤَدُّوا األَْمَاانَتِ إَِلَ أَهْلِهَا{ . 4<br />
ومن أعظم األماانت األسرار، سواء األسرار العسكرية أو أسرار إخوانك، قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تَخُونُوا<br />
َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{ ، 1 وذكر ابن كثري يف تفسري هذه اآلية خرب أيب لُبابة بن املنذر وكيف<br />
- 1 متفق عليه عن أيب سعيد.<br />
- 2 سورة األعراف، اآلية:<br />
387<br />
188<br />
- 3 فتح الباري 316 / 9<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
59
أخرب بين قريظة أبن النيب صلى هللا عليه وسلم سيقتلهم و<strong>في</strong>ه نزلت اآلية، وذكر خرب حاطب بن أيب بلتعة وكيف أرسل<br />
إَل مشركي مكة خيربهم مبسري النيب صلى هللا عليه وسلم لفتح مكة، وقال ابن كثري: ]قال السدي كانوا يسمعون من<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم احلديث <strong>في</strong>فشونه حىت يبلغ املشركني[. وقد ذكرت يف )معامل أساسية يف اجلهاد( أن األصل<br />
يف العمل العسكري هو السرية.<br />
ومما يدخل يف األماانت تولية األعمال لألكفاء، كما ذكرت يف الباب الرابع، لقوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ يَأْمُرُ كُمْ أَنْ<br />
2<br />
تُؤَدُّوا األَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ ، والوالايت من األماانت ملا رواه مسلم عن أيب ذر قال: »قلت اي رسول هللا أال<br />
تستعملين؟ قال: اي أاب ذر إنك ضعيف وإهنا أمانة« احلديث، وقال صلى هللا عليه وسلم : »إذا ضيعت األمانة فانتظر<br />
3<br />
الساعة قيل: وكيف إضاعتها؟، قال: إذا وُسِّ د األمر إَل غري أهله« .<br />
ويدخل يف األمانة كللك حسن التصرف يف األموال العامة قبضا وإنفاقا وأداء إَل ويل األمر، فقد قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم : »من استعملناه منكم على عمل فكتمنا خميطا فما فوق كان غلوال َيِت به يوم القيامة« . 4 وقال<br />
صلى هللا عليه وسلم : »إن رجاال ي َتَخَومضون يف مال هللا بغري حق، فلهم النار يوم القيامة« . 5<br />
ولقد اشتكى الصحايب اجلليل حذيفة بن اليمان )املتوىف 36ه ) من نقض األمانة، فقال: )ولقد أتى م عَلَي زمان وما<br />
أابيل أيكم ابيعت إَل قوله وأما اليوم فما كنت أابيع منكم إال فالان وفالان( ، 6 قوله )ابيعت( من البيع والشراء، وهو<br />
يشري إَل رفع األمانة من الناس، وقد تويف عام<br />
36ه، واألحوال يف نق كما قال صلى هللا عليه وسلم<br />
»ال َيِت<br />
عليكم يوم إال والذي بعده شر منه« ، 7 فكيف ابحلال اآلن؟. واملقصد من ذكر حديث حذيفة هنا قوله )وأما اليوم<br />
فما كنت أابيع منكم إال فالان وفالان( و<strong>في</strong>ه الإشارة إَل حتري األمانة <strong>في</strong>من تعاملهم وأتمتنهم على األماانت.<br />
= 5<br />
اإلحسان:<br />
لقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
9<br />
»إن هللا كتب الإحسان على كل شيء« . واملقصد ابلإحسان هنا إتقان العمل<br />
املوكل إليك على أحسن الوجوه اليت ترضي هللا. سواء كان هذا العمل تدريبا أو حراسة أو عمال إداراي أو توجيها<br />
- 1 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
388<br />
27<br />
59<br />
- 3 رواه البخاري عن أيب هريرة.<br />
- 4 رواه مسلم عن عدي بن عمرية .<br />
- 5 رواه البخاري عن خولة بنت عامر األنصارية رضي هللا عنها.<br />
- 6 متفق عليه.<br />
- 7 رواه البخاري عن أنس.<br />
- 9 رواه مسلم عن شداد بن أوس.
شرعيا أو غري ذلك مما يكلفك<br />
املَكْره.<br />
به األمري، سواء كنت حتب هذا العمل أو ال حتبه كما سيأِت يف السمع والطاعة يف<br />
ومن شعب الإميان أن تؤدي حقوق الناس ابلإتقان الذي حتب أن يؤدي به الناس حقك فقد قال رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم :<br />
1<br />
»ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه« ، وعن عبد هللا بن عمرو مرفوعا »من أحب أن<br />
2<br />
يزحزح عن النار ويدخل اجلنة، فلتأته منيته وهو يؤمن ابهلل واليوم اآلخر، وليَأْتِ إَل الناس الذي حيب أن يؤتى إليه« .<br />
الصدق: = 6<br />
الصدق )هو مطابقة القول الضمري واملخرب عنه، فإذا اخنرم شرط مل يكن صدقا، بل إما أن يكون كذاب أو مرتددا بينهما<br />
على اعتبارين، كقول املنافق: حممد رسول هللا فإنه يصح أن يقال صَدَقَ لكون املخربَ عنه كذلك، ويصح أن يقال<br />
3<br />
كَذَبَ ملخالفة قولِه لضمريه( .<br />
وكما يستعمل الصدق والكذب يف القول، فإهنما يستعمالن يف االعتقاد )<strong>في</strong>قال فالن صادق الإميان وحنوه(،<br />
ويستعمالن يف الفعل )<strong>في</strong>قال فالن صدق يف القتال وحنوه(.<br />
والصدق قد يكون بني العبد وربه، أو بينه وبني الناس.<br />
والصدق مع هللا تعاَل يكون يف القيام بوظائف العبودية على الوجه املطلوب، ويكون ابلوفاء مبا ألزم العبد به نفسه<br />
4<br />
أمام ربه سبحانه، كما يف قوله تعاَل: }مِنْ الْمُؤْ مِنِينَ رِ جَا ٌل صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا َّللاَّ َ عَلَيْ ِه{ ، وقال تعاَل: }وَ مِنْهُمْ<br />
مَنْ عَاهَدَ َّللاَّ َ لَئِنْ آتَانَا مِنْ قَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِ ينَ قَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ قَضْلِهِ بَخِ لُوا بِهِ وَ تَوَ لَّوا وَ هُ ْم<br />
.<br />
5<br />
مُعْرِ ضُونَ قَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا قِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْ مِ يَلْقَوْ نَهُ بِمَا أَخْلَفُوا َّللاَّ َ مَا وَ عَدُوهُ وَ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُو َن{<br />
أما الصدق مع الناس فإنه ينفع العبد يف آجله وعاجله، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إِنم الصِّدْقَ ي َهْدِي إَِلَ<br />
الْربِِّ، وَإِ من الْربِم ي َهْدِي إَِلَ اجلَْنمةِ، وَإِنم الرمجُلَ لَيَصْدُقُ حَىتم يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنم الْكَذِبَ ي َهْدِي إَِلَ الْفُجُورِ، وَإِنم الْفُجُوَر<br />
ي َهْدِي إَِلَ النمارِ، وَإِنم الرمجُلَ لَيَكْذِبُ حَىتم يُكْتَبَ عِنْدَ اَّللمِ كَذماابً« . 6<br />
وليس هذا مبقام بسط احلديث يف الصدق، وإَّنا أردت هنا التنبيه على مسألة الصدق يف العمل الإسالمي والدعوة<br />
الإسالمية. حيث تفتقر الساحة الإسالمية املعاصرة إَل الصدق، يعرف هذا من يعايش هذه الساحة ودعاهتا معايشة<br />
عميقة. فما يقال للمسلمني على ألسنة بعض الدعاة كثري منه كذب متعمد خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق بنصرة الطواغيت<br />
- 1 متفق عليه عن أنس.<br />
389<br />
- 2 رواه مسلم.<br />
- 3 فتح الباري 517 / 11<br />
- 4 سورة األحزاب، اآلية:<br />
- 5 سورة التوبة، اآلايت:<br />
23<br />
إَل 75<br />
- 6 متفق عليه عن ابن مسعود .<br />
77
ر-<br />
وأنظمتهم بتحريف الكلم عن مواضعه ولَبْس احلق ابلباطل، ومن هؤالء الدعاة من تُسَلمط عليه األضواء وتُضْفَى عليه<br />
األلقاب وت ُفْرَد له الصفحات الطوال ليقوم مبهمته الشيطانية، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
»دعاة على أبواب<br />
1<br />
جهنم، من أجاهبم إليها قذفوه <strong>في</strong>ها، قلت: اي رسول هللا صفهم لنا؟، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون أبلسنتنا« . ُث<br />
إن كثريا من الدعاة تُكَذِّب أفعاهلُم أقواهلَم. وإذا أردت أن ختترب صدق الداعية يف هذا الزمان فاسأله عن الطواغيت<br />
وعن حكم جهادهم، صدقك القول فانظر يف فعله وسريته هل تصدق قوله أم ال؟ لقد أصبحت هذه املسألة يف هذا<br />
الزمان فُرْقَاانَ بني احلق والضالل، متاما كما كانت مسألة خلق القرآن زمن أمحد بن حنبل رضي هللا عنه. كذلك فإن<br />
هناك أعماال تقدم للناس على أهنا إسالمية وحقيقتها ليست كذلك بل منها ما يهدف إَل هنب صدقات املسلمني أو<br />
يهدف لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية، ومنها وهو أشرها ما هو حقيقته مراكز جتسس تعمل حلساب الطواغيت<br />
ولنشر دعاايهتم وكفرهم حتت غطاء إسالمي كمسجد الضرار، قال تعاَل: }وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِ د ًا ضِ رَ ار ً ا وَ كُفْر ً ا<br />
وَ تَفْرِ يقًا بَيْنَ الْمُؤْ مِنِينَ وَ إِرْ صَاد ًا لِمَنْ حَارَ بَ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَ دْنَا إِال الْحُسْنَى وَ َّللاَّ ُ يَ ْشهَدُ إِنَّهُ ْم<br />
لَكَاذِبُونَ ال تَقُمْ قِيهِ أَبَد ًا{ ، 2 كذلك فإن هناك أعماال إسالمية تصبغ بصفة العاملية، ومنها ما ي ُنْفَق عليه بسخاء<br />
واهلدف معروف وهو أن متتد أيدي األخطبوط إَل مجيع البلدان حتت ستار العاملية تتحسس ومتسك أبي حركة<br />
إسالمية وليدة <strong>في</strong>ما يسمى بسياسة الإحتواء.<br />
و<strong>في</strong>ما سبق الكفاية، ويف التلميح ما يك<strong>في</strong> عن التصريح، قال هللا تعاَل: }وَ لَوْ نَشَاءُ ألَرَ يْنَاكَهُمْ قَلَعَرَ قْتَهُمْ بِسِيمَاهُ ْم<br />
3<br />
وَ لَتَعْرِ قَنَّهُمْ قِي لَحْنِ الْقَوْ لِ{ ، واملقصود بيان أن كثريا من األعمال الإسالمية املعاصرة تفتقر إَل الصدق، وليس<br />
هدفها احلقيقي نصرة دين هللا تعاَل، ولذلك فإهنا ممحوقة الربكة، قال صلى هللا عليه وسلم : »قَالَ اَّللمُ تَعَاَلَ أَانَ أَغْىنَ<br />
4<br />
الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّ رْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَالً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَريِْي تَرَكْتُهُ وَشِ رْكَهُ« ، ولذلك أيضا فإن الوعد الصادق<br />
}وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَنْ يَنصُرُ هُ{ال يتحقق، بل حالنا حنن املسلمني بلغ من الذلة واهلوان مبلغا ال خيفى على أحد،<br />
ألن كثريا من األعمال املفرتض أهنا لنصرة دين هللا تعاَل هي يف حقيقتها ليست كذلك، وقال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِ ُر<br />
مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ . 5<br />
إن الصدق دعامة أساسية من دعائم هذا الدين، بل إن هذا الدين ما بدأت دعوته إال على هذه الدعامة، كما قال<br />
ابْنِ عَبماسٍ رَضِي اَّللمُ عَنْهُمَا )لَما ن َزَلَتْ }وَ أَنذِرْ عَشِيرَ تَكَ األَقْرَ بِي َن{ ، 6 صَعِدَ النميبِ ُّ صلى هللا عليه وسلم على الصمفَا<br />
فَجَعَلَ ي ُنَادِي: ايَ بَينِ فِهْرٍ، ايَ بَينِ عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَىتم اجْتَمَعُوا،<br />
أَرْسَل<br />
فَجَعَلَ الرمجُلُ إِذَا ملَْ يَسْتَطِعْ أَنْ خيَْرُجَ َ<br />
119<br />
- 1 متفق عليه عن حذيفة.<br />
- 2 سورة التوبة، اآليتان:<br />
- 3 سورة حممد، اآلية:<br />
117<br />
31<br />
4<br />
واه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 5 سورة الرعد، اآلية:<br />
- 6 سورة الشعراء، اآلية:<br />
11<br />
214<br />
391
رَسُوالً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو هلََبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ صلى هللا عليه وسلم : أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْربَْتُكُمْ أَنم خَيْالً ابِلْوَادِي تُرِي ُد<br />
أَنْ تُغِريَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ م مُصَدِّقِي ؟ ق الُوا ند ع مْ م ا ج ر بدْن ا ع ل يْك إِال صِدْق ا قَالَ : ِ فَإِينّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَنيَْ يَدَيْ عَذَا ٍب<br />
1<br />
شَدِيدٍ« . قال ابن حجر: ]»أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْربَْتُكُمْ...« أراد بذلك تقريرهم أبهنم يعلمون صدقه إذا أخرب عن األمر<br />
2<br />
الغائب[ .<br />
إن هذا الدين لن يقوم إال ابجلهاد<br />
3<br />
»لَنْ يَربَْحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا ي ُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِنيَ« ، وإن اجلهاد ال يقوم<br />
4<br />
إال ابجلماعة )عصابة من املسلمني(، وإن اجلماعة ال تتكون إال ابلدعوة }حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَى الْقِتَا ِل{ ، وإن<br />
الدعوة تعتمد على الثقة يف الداعي وصدقِه كما يف احلديث السابق »مَا جَرمبْنَا عَلَيْكَ إِال صِدْقًا«.<br />
إن الكذب مستقبح عند املشركني، انظر إَل قصة أيب س<strong>في</strong>ان مع هرقل ملا سأله عن النيب صلى هللا عليه وسلم، فأراد<br />
أبو س<strong>في</strong>ان وكان مازال مشركا أن يكذب يف اخلرب فاستحى ممن معه من قريش أن َيَثِروا عليه كذاب، وإن الكذب<br />
قبيح من رجل من العامة فكيف برجل داعية؟<br />
التوكل = 7<br />
يف اللغة: التوكل مأخوذ من الوكالة: يقال: وَكَلَ فالن أمره إَل فالن، أي فوض أمره إليه واعتمد <strong>في</strong>ه عليه . 5<br />
ويف الإصطالح: هو صدق اعتماد القلب على هللا<br />
<br />
كلها . 6<br />
يف<br />
استجالب املصاحل ودفع املضار يف أمور الدنيا واآلخرة<br />
وال يتم هذا الإعتماد إال إذا اعتقد املتوكل متام العلم والقدرة والرمحة، فإذا أيقنت هبذا يف هللا تعاَل وحده اتكل قلبك<br />
عليه وحده، وإذا ضعف هذا اليقني يف هللا تعاَل ضعف التوكل.<br />
فالتوكل هو مثرة الفقه يف أمساء هللا تعاَل وصفاته، كصفات العلم والقدرة والرمحة واحلكمة، فمن أيقن بكمال علم هللا<br />
تعاَل وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وماال يكون لو كان كيف يكون، وأنه سبحانه عامل الغيب والشهادة، اعتمد<br />
عليه وفوض أمره إليه ألنه سبحانه يعلم من مصاحل العبد اآلجلة والعاجلة ماال يعلمه العبد نفسه، ولذلك قال شعيب<br />
: }وَ سَِْ رَ بُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْم ًا عَلَى َّللاَّ ِ تَوَ كَّلْنَا{ ، 7 فبني أن التوكل هو مثرة اليقني بسعة علم هللا تعاَل وكماله.<br />
390<br />
- 1 رواه البخاري.<br />
- 2 فتح الباري 513 / 9<br />
- 3 رواه مسلم.<br />
- 4 األنفال، اآلية: .65<br />
- 5 خمتصر منهاج القاصدين.<br />
- 6 جامع العلوم واحلكم ص<br />
- 7 سورة األعراف، اآلية:<br />
391<br />
98
وكذلك القدرة، فإذا أيقنت أبن هللا على كل شيء قدير، وأنه ال يعجزه شيء يف السموات وال يف األرض، اعتمدت<br />
عليه يف قضاء حوائجك من جلب منفعة أو دفع مضرة، كما قال تعاَل عن هود<br />
<br />
}إِن ِي تَوَ كَّلْتُ عَلَى َّللاَّ ِ رَ ب ِي<br />
1<br />
وَ رَ ب ِكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِال هُوَ آخِ ذٌ بِنَاصِ يَتِهَا إِنَّ رَ ب ِي عَلَى صِ رَ اٍِ مُسْتَقِيمٍ } ، فبني أن من أسباب توكله علمه أبنه ما<br />
من دابة إال وهللا آلخذ بناصيتها وحتت سلطانه وقهره، فال خيشى من قومه الذين كفروا به شيئا طاملا كانوا حتت قهر<br />
ربه سبحانه وتعاَل وقدرته، إال ما شاء هللا سبحانه. وكذلك صفة الرمحة، العلم هبا ابعث على التوكل، كما قال تعاَل<br />
عن يعقوب<br />
نق<br />
}قَاّلِلَّ ُ خَيْرٌ <br />
2<br />
حَاقِظ ًا وَ هُوَ أَرْ حَمُ الرَّ احِ مِي َن{ ، وكذلك صفة احلكمة، فتعلم أن هلل حكمة ابلغة <strong>في</strong>ما<br />
قضى لك به وإن بدا لك غري ذلك، فثمرة التوكل الرضا ابلقضاء، ولذلك ورد يف قول هود عليه السالم بعدما أعلن<br />
توكله وبَنيم أنه مبين على علمه بقدرة هللا تعاَل }مَا مِنْ دَابَّةٍ إِال هُوَ آخِ ذٌ بِنَاصِ يَتِهَا{ قال هود<br />
: }إِنَّ رَ ب ِي عَلَى<br />
3<br />
صِ رَ اٍِ مُسْتَقِيمٍ } ، أي حَكَمٌ عدل ما قضى به فهو احلق، سواء كان هذا القضاء هو متكني الكافرين من إيذاء هود<br />
أو ظهوره عليهم وانتقام الرب جل وعال منهم، وهذا يشبه قول يعقوب عليه السالم لبنيه }وَ مَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ َّللاَّ ِ<br />
4<br />
مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِال ّلِلِ َّ ِ عَلَيْهِ تَوَ كَّلْتُ وَ عَلَيْهِ قَلْيَتَوَ كَّلْ الْمُتَوَ كِلُونَ } ، فلله حكمة ابلغة <strong>في</strong>ما يقضي به، وإن خ<strong>في</strong><br />
وجه احلكمة على العبد، وهو سبحانه ال يقضي لعبده املؤمن إال ابخلري. وذلك حىت ال يقول قائل: توكلت على هللا ُث<br />
قضى بغري ما أحب، فهذا ال يؤمن بصفة احلكمة هلل جل وعال ويتعبد ببعض صفاته سبحانه دون البعض، وعنده من<br />
الإميان حبسبه.<br />
مما سبق تعلم أن التوكل كعمل من أعمال القلب هو مثرة الفقه يف أمساء الرب جل وعال وصفاته، وتعلم كذلك أنه<br />
5<br />
شرط يف الإميان، وهذا يستفاد أيضا من قوله تعاَل }وَ عَلَى َّللاَّ ِ قَتَوَ كَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْ مِنِي َن{ ، قال ابن القيم يف معىن<br />
هذه اآلية: ]فجعل التوكل على هللا شرطا يف الإميان، فدل على انتفاء الإميان عند انتفائه، ويف اآلية األخرى }وَ قَا َل<br />
مُوسَى يَاقَوْ مِ<br />
6<br />
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاّلِلَّ ِ قَعَلَيْهِ تَوَ كَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِي َن{ ، فجعل دليل صحة الإسالم التوكل، وإذا كان<br />
التوكل ضعيفا كان دليال على ضعف الإميان والبد...<br />
قال شيخ الإسالم ابن تيمية رمحه هللا: ]وما رجا أحد خملوقا وال توكل عليه إال خاب ظنه <strong>في</strong>ه، فإنه مشرك، قال تعاَل:<br />
}وَ مَنْ يُشْرِ كْ بِاّلِلَّ ِ قَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ قَتَخَِْفُهُ الَِّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِ يحُ قِي مَكَانٍ سَحِ ي ٍق{ ] 7 1 .<br />
- 1 سورة هود، اآلية:<br />
392<br />
56<br />
- 2 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 3 سورة هود، اآلية:<br />
64<br />
56<br />
- 4 سورة يوسف، اآلية:<br />
- 5 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 6 سورة يونس، اآلية:<br />
- 7 سورة احلج، اآلية:<br />
67<br />
23<br />
94<br />
31
قلت: الشرك يف التوكل هو أن تعتمد على املخلوق أو على األسباب <strong>في</strong>ما ال يقدر عليه إال هللا تعاَل وحده، كمن<br />
يتوكل على املوات والطواغيت يف رجاء مطلوبه من نصر أو رزق، وكمن َيخذ ابألسباب ويعتقد أهنا الفاعلة، كمن<br />
يتعاطى الدواء ويعتقد أنه الشايف، وكمن يُعد <strong>العدة</strong> من الرجال والسالح ويعتقد أهنا سبب النصر.<br />
وهذا جيعلنا نتكلم عن عالقة التوكل ابألخذ ابألسباب، قال ابن رجب: ]واعلم أن حتقيق التوكل ال ينايف السعي يف<br />
األسباب اليت قدر هللا سبحانه وتعاَل املقدورات هبا وجرت سنته يف خلقه بذلك، فإن هللا تعاَل أمر بتعاطي األسباب<br />
2<br />
مع أمره ابلتوكل، فالسمعْي يف األسباب ابجلوارح طاعة له، والتوكل ابلقلب عليه إميان به[ .<br />
قلت ف<strong>في</strong> جهاد األعداء أمر هللا تعاَل إبعداد <strong>العدة</strong> }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ وأمر سبحانه أبخذ احلذر<br />
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِ ذْرَ كُمْ{، ولبس النيب صلى هللا عليه وسلم الدرع واملغفر وحفر اخلندق وبعث الطالئع<br />
والعيون، مق قوله تعاَل: {<br />
3<br />
وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{ ، ولذلك ملا ظن الصحابة ترتب النصر على األسباب<br />
4<br />
هُزِموا، قال تعاَل: }وَ يَوْ مَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَ تُكُمْ قَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا{ ، فردهم سبحانه إَل األمر األول وهو<br />
}وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{.<br />
فاألخذ ابألسباب من سنن األنبياء، واألخذ ابألسباب واجب، حيث جتب، مع ترك الإعتماد عليها، بل الإعتماد<br />
على هللا وحده ال شريك له يف حصول املقصود بعد األخذ ابألسباب.<br />
وهناك أحوال ال تصلح <strong>في</strong>ها األسباب وال ميكن األخذ هبا، وإذا نزلت ابملرء فليس له إال عمل القلب وحده بصدق<br />
التوكل عليه، كالإستعادة ابهلل من الشيطان فإنه عدو خ<strong>في</strong> ال ميكن االحرتاز منه، قال تعاَل: }قَإِذَا قَرَ أْتَ الْقُرْ آ َن<br />
5<br />
قَاسْتَعِذْ بِاّلِلَّ ِ مِنْ الشَّيَِْانِ الرَّ جِ يمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلَِْانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلَى رَ ب ِهِمْ يَتَوَ كَّلُو َن{ ، وكذلك إذا أحاط<br />
بك العدو الإنسي ومل تكن لك حيلة، روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبما ٍس قال: »}حَسْبُنَا َّللاَّ ُ وَ نِعْ َم الْوَ كِي ُل{<br />
إِبْرَاهِيم<br />
ُ<br />
قَاهلََا<br />
صلى هللا عليه وسلم حِ نيَ أُلْقِيَ يفِ النمارِ، وَقَاهلََا حمَُمدٌ صلى هللا عليه وسلم حِ نيَ قَالُوا لَهُ: }إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُ ْم<br />
6<br />
قَاخْشَوْ هُمْ قَزَ ادَهُمْ إِيمَانًا وَ قَالُوا حَسْبُنَا َّللاَّ ُ وَ نِعْمَ الْوَ كِيلُ{ «.<br />
7<br />
وقال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ كَّلْ عَلَى َّللاَّ ِ قَهُوَ حَسْبُهُ{ ، أي فهو كا<strong>في</strong>ه. قال ابن القيم رمحه هللا: ]والتوكل اترة يكون توكل<br />
اضطرار وإجلاء حبيث ال جيد العبد ملجأ وال وزرا إال التوكل كما إذا ضاقت عليه األسباب وضاقت عليه نفسه وظن أن<br />
ال ملجأ من هللا إال إليه، وهذا ال يتخلف عنه الفرج والتيسري البتة: واترة يكون توكل اختيار وذلك التوكل مع وجود<br />
- 1 فتح الباري اجمليد شرح كتاب التوحيد ابب )وعلى هللا فتوكلوا(.<br />
2 جامع العلوم واحلكم ص<br />
3 سورة آل عمران، اآلية:<br />
4 سورة التوبة، اآليتان:<br />
5 سورة النحل، اآليتان:<br />
393<br />
391<br />
126<br />
وسورة األنفال، اآلية:<br />
11<br />
25<br />
6 سورة آل عمران، اآلية:<br />
7 سورة الطالق، اآلية:<br />
88<br />
173<br />
89<br />
3
السبب املفضي إَل املراد فإن كان السبب مأمورا به ذُم على تركه، وإن قام ابلسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا،<br />
فإنه واجب ابتفاق األمة ون<br />
القرآن والواجب القيام هبما واجلمع بينهما. وإن كان السبب حمرما حرم عليه مباشرته<br />
وتَوَحمد السبب يف حقه يف التوكل فلم يبق سبب سواه فإن التوكل من أقوى األسباب يف حصول املراد ودفع املكروه بل<br />
هو أقوى األسباب على الإطالق، وإن كان السبب مباحا نظرت هل يُضْعِف قيامك به التوكل أو ال يضعفه فإن<br />
أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت مهك فرتكه أوَل وإن مل يضعفه فمباشرته أوَل ألن حكمة أحكم احلاكمني اقتضت<br />
ربط املسبب به فال تعطل حكمته إَل أن قال<br />
وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على هللا وحده فال يضره<br />
مباشرة األسبا مع خلو القلب من اإلعتماد عليها والركون إليها، كما ال ينفعه قوله توكلت على هللا مع اعتماده<br />
1<br />
على غريه وركونه إليه وثقته به فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء[ .<br />
قلت: ويف مقام اجلهاد فإن التوكل وهو اعتماد القلب على هللا وحده مبين على سعة علم هللا تعاَل وإحاطته ابلكافرين<br />
2<br />
}وَ َّللاَّ ُ مُحِ يٌِ بِالْكَاقِرِ ينَ{ ، وقدرته سبحانه عليهم وإن بلغوا من القوة والكثرة ما بلغوا }وَ ال يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُ وا<br />
سَبَقُوا إِنَّهُمْ ال يُعْجِ زُ و َن{ ، 3 ومع أن األخذ ابألسباب واجب شرعا يف هذا املقام }وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ<br />
قُوَّ ةٍ{ ، 4 إال أهنا ال تغين بذاهتا شيئا، فقد قال تعاَل: }وَ مَا النَّصْرُ إِال مِنْ عِنْدِ َّللاَّ ِ{ 5 ، وسبق بيان هذا يف )معامل<br />
أساسية يف اجلهاد(.<br />
الدعاء: = 8<br />
الدعاء مخ العبادة، قال تعاَل: }وَ قَالَ رَ بُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِ بْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُ ونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّ َم<br />
دَاخِ رِ ينَ{ ، 6 وابلدعاء يربأ املرء من حوله وقوته إَل حول هللا تعاَل وقوته فهو يعرب عن حقيقة التوكل.<br />
وقد سن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أدعية يف مقام اجلهاد وقتال األعداء مفصلة يف كتب األذكار، جيب على<br />
األخ اجملاهد أن حيفظها وحيرص عليها . 7<br />
ودعاء املؤمن مقبول إن شاء هللا تعاَل إذا كان رزقه حالال ومل يدع إبُث أو قطيعة رحم وما مل يستعجل، قال رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم :<br />
»ُث ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغرب ميد يديه إَل السماء ايرب ايرب، ومطعمه حرام<br />
- 1 الفوائد البن القيم ص 96<br />
- 2 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 3 سورة األنفال، اآلية:<br />
394<br />
97<br />
58<br />
18<br />
- 4 سورة<br />
األنفال: اآلية:<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية:<br />
- 6 سورة غافر، اآلية:<br />
126<br />
.61<br />
وسورة األنفال، اآلية:<br />
11<br />
61<br />
- 7 وميكن مراجعتها يف الفصل اخلاص هبا كتاب األذكار للنووي رمحه هللا ص 195<br />
183
ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي ابحلرام، فأىن يستجاب لذلك« ، 1 ورَوَى عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
قال: »ال يزال يستجاب للعبد ما مل يدع إبُث أو قطيعة رحم وما مل يستعجل قيل: وما االستعجال؟ قال: يقول فقد<br />
دعوت فلم أَرَ يستجاب يل، <strong>في</strong>ستحسر عند ذلك ويدع الدعاء«.<br />
والدعاء املقبول إما أن يستجاب لصاحبه عاجال أو آجال، وإما أن يدفع عنه من البالء، وإما أن يدخر لصاحبه يف<br />
اآلخرة، كما وردت السنة بذلك.<br />
قلت: وما سبق <strong>في</strong>ما يلزم العبد يف حق هللا تعاَل ليس هو على سبيل احلصر، بل هو بعض ما أردت التنبيه عليه يف<br />
مقام اجلهاد.<br />
- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
395
ثانيا: ما يلزم األعضاء <strong>في</strong> حق األمير عليهم.<br />
يلزمهم:<br />
األول: السمع والطاعة لألمري يف غري معصية<br />
الَاين: النصح لألمري<br />
الَالث: توقري األمري.<br />
396
األول: السمع والطاعة<br />
و<strong>في</strong>ه:<br />
= 1 متهيد<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
= أدلة وجوب السمع والطاعة.<br />
= ما يُستَخل من أدلة وجوب السمع والطاعة.<br />
= مما يدخل يف طاعة األمري.<br />
= ما ي ُقَيِّد السمع والطاعة لألمري.<br />
= خامتة ونصيحة.<br />
= 1<br />
لألمير <strong>في</strong> غير معصية<br />
تمهيد<br />
السمع والطاعة لوالة األمور عبادة، إذ إن طاعتهم من طاعة هللا ، والسمع والطاعة من أهم أسباب اجتماع كلمة<br />
املسلمني ووحدهتم، ف<strong>في</strong> طاعتهم حسم الختالف اآلراء اليت تؤدي إَل التنازع والشقاق وذهاب الشوكة.<br />
ومن أجل هذا أيضا ورد األمر الشرعي بنصب إمام واحد للمسلمني حسما الختالف املسلمني وتنازعهم وتفرقهم،<br />
وقد أشرت إَل هذا يف الباب الرابع يف مسألة احملافظة على وحدة اجلماعة.<br />
إن أي أمر من األمور ال يقوم إال برأس واحد، سواء يف هذا الإمامة الكربى أو ما دوهنا من األعمال، قال تعاَل: }لَ ْو<br />
1<br />
كَانَ قِيهِمَا آلِهَةٌ إِال َّللاَّ ُ لَفَسَدَتَا{ ، وقد استدل الإمام املاوردي وغريه هبذه اآلية على عدم نصب إمامني للمسلمني ملا<br />
2<br />
يرتتب على هذا من الفساد . وروى ابن كثري يف أول سورة التوبة عن حممد بن إسحاق أن رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم بعث أاب بكر أمرياً على احلج عام تسعة ُث أتبعه عليا بن أيب طالب لينادي يف الناس أبول براءة، فخرج على<br />
<br />
على انقة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم العضباء حىت أدرك أاب بكر فقال: أمري أو مأمور؟ فقال: بل مأمور. ُث<br />
مضيا . 3 قلت: فقول أيب بكر<br />
<br />
= 2<br />
)أمري أو مأمور( يدل على ما استقر عندهم من أن األمر ال يقوم إال برجل واحد.<br />
أدلة وجوب السمع والطاعة.<br />
ورد األمر بطاعة والة األمور يف نصوص عديدة ب َيمنَتْ أن هذه الطاعة إَّنا جتب ملن قام بكتاب هللا تعاَل، وب َيمنَ ْت<br />
حدود هذه الطاعة، ومن هذه النصوص:<br />
- 1 سورة األنبياء، اآلية:<br />
397<br />
22<br />
- 2 األحكام السلطانية ص 27<br />
- 3 تفسري ابن كثري 334 / 2
أ =<br />
قول هللا تعاَل:<br />
}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُمْ قَإِنْ تَنَازَ عْتُمْ قِي شَيْ ٍء<br />
قَرُ دُّوهُ إِلَى َّللاَّ ِ وَ الرَّ سُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاّلِلَّ ِ وَ الْيَوْ مِ اآلخِ رِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيال{ ، 1<br />
قال ابن حجر: ]قال<br />
الطييب: أعاد الفعل يف قوله }وَأَطِيعُوا الرمسُولَ } ومل يعده يف أويل األمر إشارة إَل أنه يوجد <strong>في</strong>هم من ال جتب طاعته، ُث<br />
بَنيم ذلك يقوله }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ يفِ شَيْءٍ{ كأنه قيل فإن مل يعملوا ابحلق فال تطيعوهم وردوا ما ختالفتم <strong>في</strong>ه إَل حكم هللا<br />
ورسوله[ . 2<br />
ب = عن أيب هريرة: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من أطاعين فقد أطاع هللا، ومن عصاين فقد عصا هللا،<br />
3<br />
ومن يطع األمري فقد أطاعين، ومن يَع ِ األمري فقد عصاين« ، وقال ابن حجر: ]قوله<br />
»ومن أطاع أمريي فقد<br />
أطاعين« ويف رواية مهام واألعرج وغريها عند مسلم »ومن أطاع األمري« وميكن رد اللفظني ملعىن، فإن كل من َيمر حبق<br />
وكان عادال فهو أمري الشارع ألنه توَل أبمره وبشريعته، ويؤيده توحيد اجلواب يف األمرين وهو قوله »فقد أطاعين« أي<br />
عمل مبا شرعته أما عن سبب ورود احلديث قال ابن التني: قيل كانت قريش ومن يليها من العرب ال يعرفون<br />
الإمارة، فكانوا ميتنعون على األمراء، فقال هذا القول حيثهم على طاعة من ي ُؤَمِّرهم عليهم واالنقياد هلم إذا بعثهم يف<br />
السرااي وإذا وَالمهم البالد، فال خيرجوا عليهم لئال تفرتق الكلمة ُث قال ابن حجر ووقع عند أمحد وأيب يعلى والطرباين<br />
من حديث ابن عمر قال: كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يف نفر من أصحابه فقال: »ألستم تعلمون أن من<br />
أطاعين فقد أطاع هللا<br />
»أئمتكم«. لفظ<br />
وأن من طاعة هللا طاعيت« قالوا: بلى نشهد، قال: »فإن من طاعيت أن تطيعوا أمراءكم« ويف<br />
ويف احلديث وجوب طاعة والة األمور وهي مقيدة بغري األمر ابملعصية كما تقدم يف أوائل الفنت،<br />
4<br />
واحلكمة يف األمر بطاعتهم احملافظة على اتفاق الكلمة ملا يف الإفرتاق من الفساد[ . قلت: فطاعة األمري من أهم<br />
أسباب وحدة اجلماعة.<br />
ج = عن أنس قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »امسعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه<br />
5<br />
زبيبة« . ويف احلديث أن السمع والطاعة واجبان لألمري وإن كان حقري احلسب والنسب وإن كان قبيح املنظر مادام<br />
يعمل يف الناس بشرع هللا، ملا ورد مقيداً يف حديث أم احلصني مرفوعا »امسعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم<br />
6<br />
بكتاب هللا« .<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
398<br />
58<br />
- 2 فتح الباري ج 13 ص 112<br />
- 3 متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وعند البخاري )أمريي( بدل )األمري( وكذلك ملسلم.<br />
- 4 فتح الباري ج 13 ص 112<br />
- 5 رواه البخاري.<br />
- 6 رواه مسلم.
د = عن ابن عمر قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »السمع والطاعة على املرء املسلم <strong>في</strong>ما أحب وكَرِه ما مل يؤمر<br />
مبعصية، فإذا أمر مبعصية فال مسع وال طاعة« . 1 وهذا يقيد ما ورد يف األمر ابلطاعة وأهنا يف غري معصية هللا، وأقول<br />
املعصية ما دل عليها حكم شرعي صريح، أما إن كان فعل األمري أو قوله حيتمل عدة أوجه فال ينبغي الإنكار عليه إال<br />
بعد التبنيُّ .<br />
وأقول أيضا<br />
يستَىن من املعاصي أمران: األول أن مينع األمري رعيته بعض حقوقهم، والثاين أن يستأثر حبظ دنيوي<br />
دوهنم فتجب الطاعة وإن وقع األمري يف هذا وي ُنْصَح، وذلك لألحاديث:<br />
األول: عن وائل بن حجر<br />
قامت علينا أمراء<br />
<br />
وسلم :<br />
قال: سأل سلمة بن يزيد اجلُع<strong>في</strong> رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : اي نيب هللا أرأيت إن<br />
يسألوان حقهم ومينعوان حقنا<br />
فما أتمران؟ فأعرض عنه، ُث سأله، فقال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
2<br />
»امسعوا وأطيعوا، فإَّنا عليهم ما محلوا وعليكم ما محلتم« ، فالطاعة واجبة وإن منع األمري حق الرعية.<br />
الثاين: عن عبادة بن الصامت قال: دعاان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
فَبَاي َعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ ابَي َعَنَا<br />
عَلَى السممْعِ وَالطماعَةِ يفِ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِانَ وَيُسْرِانَ، و أ ثد ر ة ع ل يدْن ا، وَأَنْ الَ ن ُنَازِعَ األَْمْرَ أَهْلَهُ قَاَل »إِالم أَنْ تَرَوْا كُفْرًا<br />
3<br />
ب َوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَا ٌن« . قال ابن حجر »يفِ مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا« أي يف حالة نشاطنا ويف احلالة اليت نكون<br />
<strong>في</strong>ها عاجزين عن العمل مبا نؤمر به، ونقل ابن التني عن الداودي أن املراد: األشياء اليت يكرهوهنا قال ابن التني:<br />
والظاهر أنه أراد يف وقت الكسل واملشقة يف اخلروج ليطابق قوله منشطنا. قلت: ويؤيده ما وقع يف رواية إمساعيل بن<br />
عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أمحد »يف النشاط والكسل«. قوله »وَعُسْرِانَ وَيُسْرِانَ« يف رواية إمساعيل بن عبيد »وعلى<br />
النفقة يف العسر واليسر«.. قوله »وَأَث َرَةٍ عَلَيْنَا«. قال حاصلها اإلختصاص حبظ دنيوي. واملراد أن طواعيتهم ملن يتوَل<br />
4<br />
عليهم ال تتوقف على إيصاهلم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم[ .<br />
وورد أيضا حديث أيب هريرة مرفوعا<br />
5<br />
»عليك السمع والطاعة يف عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك« .<br />
وقال النووي: ]قال العلماء: معناه جتب طاعة والة األمور <strong>في</strong>ما يشق وتكرهه النفوس وغريه مما ليس مبعصية إَل قوله<br />
واألثرة هي الإستئثار والإختصاص أبمور الدنيا عليكم، أي امسعوا وأطيعوا وإن اخت<br />
األمراء ابلدنيا ومل يوصلوكم<br />
حقكم مما عندهم، وهذه األحاديث يف السمع والطاعة يف مجيع األحوال، وسببها اجتماع كلمة املسلمني، فإن<br />
اخلالف سبب لفساد أحواهلم يف دينهم ودنياهم[ . 6<br />
399<br />
9<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 رواه مسلم.<br />
- 3 متفق عليه.<br />
- 4 فتح الباري ج 13 ص 6<br />
- 5 رواه مسلم.<br />
- 6 صحيح النووي على مسلم ج<br />
12 ص 225 224
قلت: ولعل احلكمة يف أمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابلسمع والطاعة لألمراء وإن منعوا الناس حقوقهم أو استأثروا<br />
حبقوق الدنيا دوهنم، هو ارتكاب أخف الضررين، فإن تضرر الرعية هبذا املنع واألثرة أخف من ضرر اخلروج على<br />
األمراء وما يتبع ذلك من الإختالف والتفرق.<br />
هذا ابلإضافة إَل أنه قد يُظَن أثرة ما ليس أبثرة، فأمر النيب صلى هللا عليه وسلم ابلطاعة ههنا سدا للذرائع، وحىت ال<br />
يتعلل أحد ابلظنون لشق عصا الطاعة. ومثال ذلك ما رواة البخاري عن أسيد بن حضري أن رجال أتى النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم فقال: اي رسول هللا استعملت فالان ومل تستعملين؟ قال صلى هللا عليه وسلم<br />
»إنكم سرتون بعدي أثرة<br />
فاصربوا حىت تلقوين« قال ابن حجر: ]والسر يف طلبه الوالية بقوله »سرتون بعدي أثرة« إرادة ن<strong>في</strong> ظنه أنه آثر الذي<br />
وَالمه عليه، فبنيم له أن ذلك ال يقع<br />
يف زمانه، وأنه مل خيصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة املسلمني، وأن الإستئثار<br />
1<br />
للحظ الدنيوي إَّنا يقع بعده، وأمرهم عند وقوع ذلك ابلصرب[ ، فهذا السائل ظن أثرة ما هو ليس أبثرة كما أخربه<br />
النيب صلى هللا عليه وسلم بذلك.<br />
ه = قال شيخ الإسالم ابن تيمية: ]فطاعة والة األمور واجبة ألمر هللا بطاعتهم، فمن أطاع هللا ورسوله بطاعة والة<br />
األمر هلل فأجره على هللا. ومن كان ال يطيعهم إال ملا َيخذه من الوالية واملال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم:<br />
فماله يف اآلخرة من خالق. وقد روى البخاري ومسلم عن أيب هريرة<br />
<br />
عن النيب صلى هللا عليه وسلم، قال: »ثالثة ال<br />
يكلمهم هللا يوم القيامة، وال ينظر إليهم، وال يزكيهم، وهلم عذاب أليم، رجل على فضل ماء ابلفالة مينعه من ابن<br />
السبيل، ورجل ابيع رجال بسلعة بعد العصر فحلف له ابهلل ألخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غري ذلك، ورجل ابيع<br />
2<br />
إماما ال يبايعه إال لدنيا، فإن أعطاه منها وَفَا، وإن مل يعطه منها مل يَ ِف«[ .<br />
= 3<br />
أ =<br />
*<br />
ما يُستَخلص من أدلة وجوب السمع والطاعة.<br />
الطاعة واجبة يف املنشط واملكره وليس يف املنشط فقط، بل ميكن القول أبن اإلختبار ا قيقي لصدق الطاعة<br />
ال يكون إال يف امل كْره، فالكل يطيع يف املنشط أي يف األعمال اليسرية أو ذات النفع العاجل أو احملببة إَل النفس،<br />
أما يف املكره وهو ماال ترغبه النفس من أعمال فال يطيع حينئذ إال الصادقون. وميكن القول كذلك إن الطاعة يف<br />
املكره <strong>في</strong>صل بني املنمن واملنافق، الذي غالبا ما يطيع يف املنشط دون املكره ودليل ذلك:<br />
قوله تعاَل: }لَ ْو<br />
كَانَ عَرَ ض ًا قَرِ يب ًا وَ سَفَر ً ا قَاصِ د ًا الَ تَّبَعُوكَ وَ لَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاّلِلَّ ِ لَ ْو<br />
اسْتََِعْنَا لَخَرَ جْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَ َّللاَّ ُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ ، 3 فهؤالء يطيعون يف املنشط )الغنيمة السهلة<br />
القريبة( ال املكره )السفر الشاق البعيد( ُث هم يتعللون ابألعذار املختلفة املكذوبة حىت ال خيرجوا، وهكذا املنافق إذا<br />
أمره األمري أبمر مكروه شاق اختلق األعذار ولو ابلكذب حىت ال يفعل.<br />
17<br />
- 1 فتح الباري ج 13 ص 9<br />
- 2 جمموع الفتاوى ج<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
35 ص 16<br />
42<br />
411
*<br />
*<br />
قوله تعاَل: }سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انَِلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُ ونَا نَتَّبِعْكُ ْم{ ، 1 وهؤالء ختلفوا عن اجلهاد<br />
)املكره( وسارعوا يف طلب اخلروج إَل الغنيمة )املنشط(.<br />
قوله تعاَل: }قَرِ حَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِ الَ فَ رَ سُولِ َّللاَّ ِ وَ كَرِ هُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَ الِهِمْ وَ أَنفُسِهِمْ قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ<br />
وَ قَالُوا ال تَنفِرُ وا قِي الْحَرِ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّ ا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ{ . 2<br />
قلت: ولذلك فإن املكاره اليت ي ُبْتَلى هبا املؤمنون هي رمحة هلم إذ هبا يتميز املؤمن من املنافق، وكلما اشتدت املكاره<br />
كلما انكشف املنافقون، كما قال تعاَل يف غزوة أحد }وَ مَا أَصَابَكُمْ يَوْ مَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَبِإِذْنِ َّللاَّ ِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْ مِنِي َن<br />
وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَاقَقُوا{<br />
4<br />
الَِّي ِبِ{ .<br />
والنفاق خصال وهو يتبع<br />
3<br />
، وقال تعاَل: }مَا كَانَ َّللاَّ ُ لِيَذَرَ الْمُؤْ مِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِ ْن<br />
، فمن قعد عن الطاعة يف املكره، كان <strong>في</strong>ه من النفاق حبسب قعوده ما مل يكن معذورا.<br />
وانظر إَل َّناذج من طاعة الصحابة رضي هللا عنهم ألمرائهم.<br />
قال ابن كثري رمحه هللا: أراد أبو بكر الصديق أن يبعث اجليوش إَل الشام ]فشرع يف مجع األمراء يف أماكن متفرقة من<br />
جزيرة العرب وكان قد استعمل عمراً بن العاص على صدقات قضاعة معه الوليد بن عقبة <strong>في</strong>هم، فكتب إليه يستنفره<br />
إَل الشام: “إين كنت قد رددتك على العمل الذي وَالمكَه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مرة ومسَماه لك أخرى، وقد<br />
أحببت أاب عبد هللا أن أفرغك ملا هو خري لك يف حياتك ومعاذك منه، إال أن يكون الذي أنت <strong>في</strong>ه أحب إليك”<br />
فكتب إليه عمرو بن العاص: إين سهم من سهام الإسالم، وأنت عبد هللا الرامي هبا، واجلامع هلا، واجلامع هلا، فانظر<br />
أشدها وأخشاها فَارْم يب <strong>في</strong>ها، وكتب إَل الوليد<br />
5<br />
بن عقبة مبثل ذلك ورَدم عليه مثله[ .<br />
وملا توَل عمر بن اخلطاب اخلالفة عزل خالداً بن الوليد عن إمرة اجليش وكتب إَل أيب عبيدة: ]فَانْزَع عمامَتَه عن رأسه<br />
ِ وقَامسْه مَالَه نصفني[ قال ابن كثري: ]فقَامسََهُ أبو عبيدة حىت أخذ إحدى نعليه وترك له األخرى، وخالد يقول : مسعاً<br />
وطاعةً ألمري املؤمنني[ . 6<br />
ب =<br />
الطاعة واجبة يف العسر واليسر، والذي ذكره ابن حجر يف الشرح: ]أي أن ينفق املسلم يف سبيل هللا يف فَقْرِه<br />
وغِنَاه[، وميكن أتويله كذلك أبن على املسلم الطاعة يف حالة ضيق النفقة أو سعتها على اجلند كما كان احلال يف<br />
غزوة تبوك، كان الصحابيان يقتسمان التمرة الواحدة، وقال تعاَل: }لَقَدْ تَابَ َّللاَّ ُ عَلَى النَّبِي ِ وَ الْمُهَاجِ رِ ينَ وَ األَنصَا ِر<br />
- 1 سورة الفتح، اآلية:<br />
- 2 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 3 سورة آل عمران، اآليتان:<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
410<br />
167<br />
166<br />
178<br />
15<br />
91<br />
- 5 البداية والنهاية ج 7 ص 3 2<br />
- 6 البداية والنهاية ج 7 ص 18 19
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ قِي سَاعَةِ الْعُسْرَ ةِ{ ، 1 ومسُِّيَ هذا اجليش جيش العسرة، ولعل السر يف تقدمي العسر على اليسر يف<br />
حديث عبادة<br />
»وَعُسْرِانَ وَيُسْرَِان«<br />
ويف حديث أيب هريرة<br />
»وعسرك ويسرك«<br />
أن العسر كان هو الغالب على حياة<br />
الصحابة زمن النيب صلى هللا عليه وسلم، كما قال جابر بن عبد هللا )وأيُّنا كان له ثوابن على عهد النيب صلى هللا عليه<br />
2<br />
وسلم ) ، وقال أبو هريرة: )رأيت سبعني من أهل الصُّفة ما منهم<br />
رجل عليه رداء، إما إزار أو كساء قد ربطوا يف<br />
3<br />
أعناقهم، فمنها ما ي َبْلُغ الكعبني <strong>في</strong>جمعه بيده كراهية أن تُرى عورته( ، وقال ابن حجر: ]وحمصل ذلك أنه مل يكن<br />
4<br />
ألحد منهم ثوابن[ ، وروى البخاري عن عبد هللا بن أيب أوىف قال )غزوان مع النيب صلى هللا عليه وسلم سبع غزوات<br />
منا أنكل معه اجلراد(، وعن فُضَالَة بن عُبَيْد أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا صلى ابلناس خيَِرُّ رجال من<br />
قامتهم يف الصالة من اخلَصَاصَة وهم أصحاب الصفة حىت يقول األعراب: هؤالء اجملانني، فإذا صلى رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم انصرف إليهم فقال: »لو تعلمون مالكم عند هللا ألَحْبَبْتُم أن تزدادوا فَاقَةً وحَاجَةً« ، 5 وللبخاري<br />
مثله عن أيب هريرة عن نفسه قال أبو هريرة )لقد رأيتُين وإين ألخِ رُّ <strong>في</strong>ما بني منرب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل<br />
حجرة عائشة مَغْشِ يا عَلَي م <strong>في</strong>جيء اجلائي <strong>في</strong>ضع رجله على عنقي ويرى<br />
أين جمنون، وما<br />
يب من حنون،<br />
ما يب إال<br />
اجلوع( . 6 وروى الشيخان عن أيب بُردة عن أبيه أيب موسى األشعري قال: )خرجنا مع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
يف غَزَاةٍ وحنن ستة نفر بيننا بعري نعتقبه، قال فَنَقَبت أقدامنا، فنقبت قدماي وسقطت أظفاري فكنا ن َلُفُّ على أرجلنا<br />
اخلِرَق فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع ملا كنا نعصب على أرجلنا اخلرق( قال أبو بردة )فحدث أبو موسى هبذا احلديث ُث<br />
كَرِه ذلك، قال كأنه كره أن يكون شيئا من عَمَلِه أفشاه( قال النووي يف شرحه ]<strong>في</strong>ه استحباب إخفاء األعمال<br />
الصاحلة وما يكابده العبد من املشاق يف طاعة هللا تعاَل، وال يظهر شيئا من ذلك إال ملصلحة مثل بيان حكم ذلك<br />
7<br />
الشيء والتنبيه على الإقتداء به <strong>في</strong>ه وحنو ذلك، وعلى هذا حيُْمَل ما وُجِ دَ للسلف من األخبار بذلك[ . ويك<strong>في</strong>ك يف<br />
هلا أهنم كانوا يقتلون أوالدهم يف اجلاهلية خشية أن يطعموا معهم من شدة الفقر، قال تعاَل: }وَ ال تَقْتُلُوا أَوْ الَ دَكُ ْم<br />
مِنْ إِمْالقٍ نَحْنُ نَرْ زُ قُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ{ . 9<br />
189<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
117<br />
- 2 رواه البخاري، حديث: 352<br />
- 3 رواه البخاري، حديث: 442<br />
- 4 فتح الباري ج 1 ص 536<br />
- 5 رواه الرتمذي وحسنه.<br />
- 6 حديث 7324<br />
- 7 شرح النووي على صحيح مسلم ج<br />
- 9 سورة األنعام، اآلية:<br />
12 ص 187<br />
151<br />
412
ج =<br />
السمع والطاعة حق وإن ارتكب األمري بع األخطاء الشرعية، تطيعه يف طاعة هللا، وال تتابعه يف خطئه إن<br />
أخطأ، واملقصد من هذا: أن ارتكاب األمري لبعض األخطاء ليس مربرا للخروج عليه والسعي يف خلعه عن إمرته، فكل<br />
ابن آدم خطاء، بل الصواب أن تطيعه يف طاعة هللا، وال تطيعه يف معصية هللا تعاَل، وأتمره ابملعروف وتنهاه عن<br />
املنكر.<br />
وقد وقع شيء من هذا من األمراء على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم، منها ما وقع خلالد بن الوليد ملا أمر<br />
جنده بقتل أسرى بين جذمية، فامتنع عبد اله بن عُمَر ومَنْ معه، وقال النيب صلى هللا عليه وسلم ملا عَلِمَ بذلك:<br />
1<br />
»اللهم إين أبرأ إليك مما صنع خالد، مرتني« . ومع ذلك مازال النيب صلى هللا عليه وسلم يستعمل خالدا يف املغازي.<br />
لكفاءته ولكونه جمتهدا أخطأ، وقد فصل ابن تيمية هذا، كما ذكرته من قبل يف الفصل الرابع.<br />
ومنها أَمْر عبد هللا بن حذافة ملن معه إبيقاد انر وأن يدخلوها، فامتنعوا، وب َلَغ ذلك النيب صلى هللا عليه وسلم فقال:<br />
2<br />
»إَّنا الطاعة يف املعروف« .<br />
د =<br />
الطاعة واجبة وإن منع األمري ح ق بع<br />
الناس أو استأثر بشيء دوهنم<br />
وسبق شرح هذا، وبيان أن الضرر<br />
األخف ي ُتَحمل لدفع الضرر األشد، وأنه قد يُظَن أثرة ما ليس أبثرة، ويف هذا تطبيق لقاعدة شرعية أخرى وهي أن<br />
3<br />
الضرر اخلاص )ابملنع واألثرة( ي ُتَحمل لدفع الضرر العام )التفرق والإختالف( ، وعن عبادة بن الصامت مرفوعا »امسع<br />
وأَطِع يف عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأَثَرة عليك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك« . 4<br />
وقال صاحب العقيدة الطحاوية: ]وال نرى اخلروج على أئمتنا ووالة أموران، وإن جاروا، وال ندعو عليهم، وال ننزع يدا<br />
من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة هللا<br />
<br />
ه =<br />
فريضة ما مل أيمروا مبعصية، وندعو هلم ابلصالح واملعافاة[ . 5<br />
السمع والطاعة حق، وإن كان األمري حقري ا سب والنسب، أو كان قبيح املنظر أو كان صغري السن، طاملا<br />
انعقدت إمارته بطريقة شرعية، بتأمري األمري األعلى له أو ابختيار أتباعه له. وذلك حلديث:<br />
استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة« . 6<br />
»امسعوا وأطيعوا وإن<br />
و = السمع والطاعة حق، وإن ساس األمري رعيته ابألمر املفضول دينا، وقد فَصملتُ هذا يف الباب الرابع، طاملا كان<br />
يف العمل ابملفضول مصلحة عامة، واألمر املفضول هو األقل يف األجر والثواب وليس ما <strong>في</strong>ه إُث أو معصية.<br />
413<br />
- 1 رواه البخاري 7198<br />
- 2 رواه البخاري 7145<br />
- 3 انظر شرح القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا ط 1<br />
إَل 25 القاعدة<br />
29 ص 148 143<br />
- 4 رواه ابن أيب عاصم يف كتابه )السنة( وقال األلباين حديث صحيح مسلم بشرح النووي ط املكتب الإسالمي ص 482 حديث 1126<br />
- 5 ط املكتب الإسالمي<br />
1413 ص 429<br />
- 6 رواه البخاري.
وال جيوز آلحاد الرعية أن خمالفة األمري يف هذا تَوَرُّعا <strong>في</strong>عمل ابألمر األفضل حرصا على مزيد األجر والثواب، والقاعدة<br />
الفقهية تقول )درء املفاسد مُقَدمم على جلب املصاحل( وقد جيوز آلحاد الرعية العمل ابألمر األفضل يف خاصة نفسه،<br />
1<br />
كما كان ابن عمر يصلي مع الإمام أربعا يف مىن، فإذا صلى وحده قَصَر الصالة .<br />
= 4<br />
أ =<br />
ومما يدخل <strong>في</strong> طاعة األمير.<br />
اتباع رأي األمري يف األمور االجتهادية كقصر الصالة أو إمتامها، ومجعها أو عدمه وإن كان األمري ي ُعْوِزه الفقه<br />
فعليه سؤال من معه من أهل العلم األمثل فاألمثل <strong>في</strong>ما يشكل عليه. ودليل النزول على رأي األمري يف هذا، هو قول<br />
2<br />
هللا تعاَل: }أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُ ْم{ .<br />
قال شارح العقيدة الطحاوية: ]وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة أن ويل األمر، وإمام الصالة،<br />
واحلاكم وأمري احلرب، وعامل الصدقة: يطاع يف مواضع اإلجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه يف موارد الإجتهاد، بل<br />
عليهم طاعته يف ذلك، وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف، ومفسدة الفرقة والإختالف، أعظم من أمر<br />
3<br />
املسائل اجلزئية. أ ه ] .<br />
وقد ذكرت يف الباب الرابع يف مسألة )السياسة ابألمر املفضول( كيف نزل ابن مسعود وابن عمر على اجتهاد أمري<br />
املؤمنني عثمان بن عفان يف إمتام الصالة مبىن خالفا لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم واخلليفتني من بعده، رغم تشدد<br />
من ابن مسعود وابن عمر يف هذا، فِمَا تقرر عندهم من وجوب النزول على اجتهاد األمري، رضي هللا عنهم أمجعني.<br />
تفوي ب =<br />
األمور املباحة والفنية إىل رأي األمري وتدبريه<br />
حىت ال ختتلف آراؤهم، لقوله تعاَل: }وَ لَوْ رَ دُّوهُ إِلَى<br />
4<br />
الرَّ سُولِ وَ إِلَى أُوْ لِي األَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبُِِونَهُ مِنْهُمْ{ ، ومثال ذلك ما ورد عن عمرو بن العاص أن<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أَمره يف غزوة ذات السالسل فمنع الناس أن يوقدوا انرا ثالَث، قال فكلم الناس أاب<br />
بكر، قالوا كَلِّمه لنا، فأاته، قال: قد أرسلوك إيلم، ال يوقد أحد انرا إال ألقيته <strong>في</strong>ها، ُث لقوا العدو فهزموهم، فلم<br />
يدعهم يطلبوا العدو، فلما رجعوا إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أخربوه اخلرب وشكوا إليه، فقال: اي رسول هللا<br />
كانوا قليال فكرهت أن يطلبوا العدو وخِ فْت أن يكون هلم مادة <strong>في</strong>عطفون عليهم، فحمد رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم أَمْرَه، ويف رواية فقال عمرو: هنيتهم أن يوقدوا انرا خشية أن يرى العدو قلتهم . 5<br />
- 1 كما رواه مسلم.<br />
- 2 سورة النساء، اآلية:<br />
414<br />
58<br />
- 3 ط املكتب الإسالمي 1413ه ص<br />
- 4 سورة النساء، اآلية:<br />
424<br />
93<br />
- 5 قال اهليثمي رواه الطرباين إبسنادين ورجال األول رجال الصحيح )جممع الزوائد ج 5 ص 322
وهذا احلديث <strong>في</strong>ه جواز إمارة املفضول كعمرو عَلَى مَنْ هم خري منه كأيب بكر للمصلحة، ويف احلديث شكاية اجلند<br />
أمريهم عند الإمام، و<strong>في</strong>ه وجوب طاعة األمري يف تقييد املباح كإيقاد النار، وطاعة األمري ولو بَدَا أَمْرُه ِبالف املصلحة<br />
أو الواجب األَوَْلَ كمنعهم من اتباع العدو الفارّ خشية أن َيتيه مدد.<br />
ج = ويدخل يف الطاعة أن يقبل كل أخ العمل املكلف به من قِب ل األمري وإن كان ال حيبه، وال َينف من عمل يف<br />
سبيل هللا ولو كان حقريا، كما يف حديث أيب هريرة مرفوعا: »طوىب لعبد أخذ بعنان فرسه يف سبيل هللا أشعَثَ رأسُه،<br />
مُغْربَمةً قدماه، وإن كان يف احلراسة كان يف احلراسة، وإن كان يف الساقة كان الساقة« ، 1 فهذا عَمِلَ حيث وضعه أمريه<br />
يف احلراسة أو يف الساقة بال ضجر أو أتفف فاستحق دعاء النيب صلى هللا عليه وسلم له.<br />
د = ويدخل يف الطاعة أال ينصرف أحد مِن عمل أو مكان إال إبذن أمريه أو حسب التعليمات املسبقة وكذلك ال<br />
يغادر أحد املعسكر إال إبذن، لقوله تعاَل: }إِنَّمَا الْمُؤْ مِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى<br />
2<br />
أَمْرٍ جَامٍِْ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ{ ، وقد استدل الإمام البخاري هبذه اآلية على وجوب استئذان العسكر<br />
لألمري، فقال رمحه هللا: )اب استئلان الرجل اإلمام( لقوله تعاَل وذكر اآلية ُث أورد حديث جابر بن عبد هللا أن<br />
كان يف غزوة مع النيب صلى هللا عليه وسلم، قال جابر )فقلت اي رسول هللا، إين عروس فاستأذنته فأذِنَ له فتقدمت<br />
3<br />
الناس إَل املدينة( .<br />
وقال ابن قدامة احلنبلي: ]ال خيرج من العسكر لتعلف وهو حتصيل العلف للدواب وال الحتطاب وال غريه إال إبذن<br />
األمري، لقوله تعاَل: }إِنَّمَا الْمُؤْ مِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاّلِلَّ ِ وَ رَ سُولِهِ وَ إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامٍِْ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى<br />
يَسْتَأْذِنُوهُ{ وألن األمري أعرف حبال الناس وحال العدو ومكانتهم ومواضعهم وقرهبم وبعدهم، فإذا خرج خارج بغري<br />
إذنه مل َيمن أن يصادف كمينا للعدو <strong>في</strong>أخذوه أو طليعة هلم أو يرحل األمري ابملسلمني ويرتكه <strong>في</strong>هلك[ . 4<br />
وقد علمنا ما أصاب املسلمني من اهلزمية يوم أُحُد بسبب انصراف الرماة من مواقعهم دون إذن الإمام )الرسول صلى<br />
هللا عليه وسلم ) الذي قال هلم: »إن رأيتموان ختطفنا الطري فال تربحوا مكانكم هذا حىت أرسل إليكم، وإن رأيتموان<br />
5<br />
هَزَمْنا القوم وأوطأانهم فال تربحوا حىت أرسل إليكم« ، فلما رأوا أن العدو قد اهنزم تركوا مواقعهم وأسرعوا إَل الغنائم<br />
فالتف العدو من خلفهم حىت كان ما كان من هزمية املسلمني.<br />
فال ينبغي ألحد من أن يستهني إبذن األمري وأمره وهنيه حىت ال خيتل النظام العام.<br />
415<br />
- 1 رواه البخاري.<br />
- 2 سورة النور، اآلية:<br />
62<br />
- 3 كتاب اجلهاد )فتح الباري( ج<br />
6 ص 121<br />
- 4 املغين كتاب اجلهاد .<br />
- 5 رواه البخاري عن الرباء بن عازب حديث 3138
ه = ويدخل يف الطاعة:<br />
طاعة أمر األمري املكتو متاما كاألمر الشفهي، ويدخل يف األوامر املكتوبة الرسائل،<br />
كفِعل النيب صلى هللا عليه وسلم مع عبد هللا بن جحش ، إذا بعثه يف سرية وكتب له كتااب وأمره أن ال ينظر <strong>في</strong>ه<br />
حىت يسري يومني ُث ينظر <strong>في</strong>ه <strong>في</strong>مضي كما أَمَرَه، فلما سار يومني فتح الباري الكتاب فنظر فإذا <strong>في</strong>ه »إذا نظرت يف<br />
كتايب هذا فامض حىت تنزل خنلة بني مكة والطائف تَرَصمد هبا قريشا وتعلم لنا من أخبارهم« فلما نظر عبد هللا بن<br />
جحش يف<br />
1<br />
الكتاب قال )مسعا وطاعة( .<br />
والقاعدة الشرعية تقول )الكتاب كاخلطاب، أي أن الكتاب املستبني املرسوم الصادر من الغائب كاخلطاب من احلاضر<br />
2<br />
وكذا الإرسال، حىت إنه يعترب <strong>في</strong>هما جملس بلوغ الكتاب وجملس أداء الرسالة( .<br />
= 5<br />
ما يُقَيِد السمع والطاعة لألمير.<br />
يقيدمها أمران: املعصية من جهة األمري واالستطاعة من جهة املأمور.<br />
أ =<br />
أما املعصية فقد ذكرت أدلتهما <strong>في</strong>ما سبق، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي هللا عنهما: أن رسول هللا صلى هللا<br />
عليه وسلم قال: »السمع والطاعة على املرء املسلم <strong>في</strong>ما أَحَب وكَرِهَ ما مل يؤمر مبعصية، فإذا أمر مبعصية فال مسع وال<br />
3<br />
طاعة« . فال يطيعه يف املعصية ولكن ال خيرج عليه وال خيفى أن هذا عدم اخلروج على األمري والصرب عليه هو<br />
4<br />
الواجب بقوله صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ رَأَى مِنْ أَمِريِهِ شَيْئًا يَكْرَهُه فَلْيَصْربِْ« ، هذا كله مقيد مبا إذا وقع األمري يف<br />
5<br />
الكفر الصريح أو البدعة املُكَفِّرة، لقوله صلى هللا عليه وسلم : »إِالم أَنْ تَرَوْا كُفْرًا ب َوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اَّللمِ فِيهِ ب ُرْهَانٌ« ،<br />
وقد سبق هذا احلديث وشرحه، وال خيفى أن هذا احلديث أيضا مُقَيمد لألمر الوارد ابلغزو مع األمري الفاجر أي ما مل<br />
يكن فجوره كفرا أو بدعة مكفرة.<br />
وجيدر بنا هنا التنبيه على التصرف الواجب <strong>في</strong>ما إذا نزاع بني األمري وبني أحد أتباعه، وخيتلف التصرف حسب ما<br />
إذا كان األمري له أمري أعلى منه أم ال؟<br />
فإذا كان هلا األمري له أمري أعلى منه، <strong>في</strong>شتكي األتباع أمريهم إَل أمريه األعلى، وقد سبق قريبا شكاية الصحابة<br />
أمراءَهم يف الغزو )خالداً بن الوليد يف سرية بين جذمية وعبد هللا بن حذافة يف سريته، وعمراً بن العاص يف غزوة ذات<br />
السالسل( إَل النيب صلى هللا عليه وسلم فقضى النيب صلى هللا عليه وسلم ِبطأ كلٍ من خالد وعبد هللا بن حذافة<br />
وبصواب فعل عمرو.<br />
- 1 أورد هذا اخلرب ابن هشام يف السرية وابنكثري يف تفسري قوله تعاَل: }يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَ امِ قِتَالٍ قِي ِه{ البقرة / 217.<br />
- 2 القاعدة 69 من كتاب القواعد الفقهية للشيخ أمحد الزرقا ط 295 / 1<br />
416<br />
- 3 متفق عليه.<br />
- 4 متفق عليه.<br />
- 5 متفق عليه
أما إذا مل يكن لألمري أمري أعلى منه، فتؤول اخلصومات بينه وبني أتباعه إَل التحكيم، يرتاضيان على رجل حيكم<br />
بينهما، وسبقت الإشارة إَل هذا يف هناية الباب الثالث من هذه الرسالة، وحتاكم عمر بن اخلطاب وأعرايب إَل شريح<br />
العراقي، فأُعجِ ب عمر حبكم شريح فوالمه القضاء، وسبقت أمثلة أخر. ويف الدولة املسلمة جيوز آلحاد الرعية مقاضاة<br />
الإمام فمن دونه من العمال عند القاضي.<br />
ب = وأما الإستطاعة من جهة املأمور، فدليلها<br />
ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال: )كنا إذا ابيعنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع<br />
والطاعة، يقول لنا:<br />
1<br />
<strong>في</strong>ما استطعتم( .<br />
وما رواه البخاري عن جرير بن عبد هللا<br />
2<br />
)<strong>في</strong>ما استطعت، والنصح لكل مسلم( .<br />
<br />
قال: ابيعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعة، فَلَقمنَينِ<br />
وروى البخاري عن عبد هللا بن دينار قال: )ملا ابيع الناس عبد امللك كتب إليه عبد هللا بن عمر: إَل عبد هللا عبد<br />
امللك أمري املؤمنني، إين أقر ابلسمع والطاعة لعبد امللك أمري املؤمنني على سنة هللا وسنة رسوله <strong>في</strong>ما استطعت، وإن<br />
بين أقروا بذلك( . 3<br />
4<br />
والطاعة <strong>في</strong>ما يستطيعه املرء مندرجة حتت األصل العام الوارد يف قوله تعاَل: }ال يُكَلِفُ َّللاَّ ُ نَفْس ًا إِال وُ سْعَهَا{ ، وقوله<br />
تعاَل: }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ مَا اسْتََِعْتُ ْم{ ، 5 وقول النيب صلى هللا عليه وسلم : »وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ« ، 6 وهذا<br />
أمر يعلمه هللا تعاَل من العبد فإن نَكَلَ عن الطاعة مدعيا عدم الإستطاعة كاذاب، فاهلل مُطملِع عليه، }وَ سَيَرَ ى َّللاَّ ُ<br />
عَمَلَكُمْ وَ رَ سُولُهُ{ . 7<br />
واملقصد مما سبق أن عهود األمراء على الطاعة ينبغي أن تقيد هبذين القيدين: املعصية من جهة األمري واالستطاعة من<br />
جهة املأمور.<br />
خاتمة ونصيحة.<br />
حب الإمارة واحلرص عليها مرض ال ينجو منه إال من رحم هللا تعاَل. أما كونه مرضا فألنه يفس ُد دينَ صاحبه كما<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِ الَ يفِ غَنَمٍ أبَِفْسَدَ هلََا مِنْ حِ رْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ<br />
417<br />
- 1 حديث: 7212<br />
- 2 حديث: 7214<br />
- 3 حديث:<br />
- 4 سورة البقرة، اآلية:<br />
- 5 سورة التغابن، اآلية:<br />
7215، وعبد امللك هو ابن مروان.<br />
296<br />
16<br />
- 6 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
84
تعاىل<br />
وَالشمرَفِ لِدِينِهِ« ، 1 واحلرص على الشرف هو حب الرايسة وهو أشد من حب املال ألن الناس يبذلون املال للتوصل<br />
إَل الرايسة، وكالمها يفسد الدين أشد من إفساد الذئبني اجلائعني حلظرية الغنم. أما كونه ال ينجو منه إال من رحم هللا<br />
فلقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
احلديث على أن احلرص على الإمارة هو صفة الغالبية.<br />
واحلرص على الإمارة يتخذ صورا متعددة تتفاوت يف شدهتا، منها:<br />
أ =<br />
2<br />
»إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامةً يوم القيامة« ، فدل<br />
التنافس <strong>في</strong>ها وقد يندي إىل االقتتال بني املسلمني، وهو ما ورد <strong>في</strong>ه قوله صلى هللا عليه وسلم : »إذا التقى<br />
3<br />
املسلمان بسي<strong>في</strong>هما فالقاتل واملقتول يف النار« ، فإذا كان أحدمها قد انعقدت إمارته شرعا قبل اآلخر فجاء هذا<br />
ينازعه فاملتأخر هو اآلُث ويدفع ولو ابلقتل لقوله صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ ابَيَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَمثََرَةَ قَلْبِهِ<br />
فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ ي ُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ اآلْ خَرِ« . 4 والتاريخ مليء ابلنماذج األليمة هلذا، وقد ذكرت<br />
بعض هذه النماذج يف الباب الرابع يف مسألة العهود والبيعات. وبني التنافس والإقتتال درجات من التحزابت<br />
والدسائس والفنت اليت تنتهي ابلقتال. ولقد اقرتنت النزاعات على الإمارة عادة بتسلط العدو الكافر على املسلمني<br />
مصداقا لقول النيب صلى هللا عليه وسلم : »وَأَنْ ال أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُواا مِنْ سِ وَى أَنْفُسِ هِمْ فَيَسْتَبِيحُ ب َيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ<br />
عَلَيْهِمْ مَنْ أبَِقْطَارِهَا حَىتم يَكُونَ ب َعْضُهُمْ ي ُهْلِكُ ب َعْضًا« ، 5 فالنزاع بني أمراء الشام أعقبته احلمالت الصليبية األوَل،<br />
والنزاع بني ملوك الطوائف ابألندلس أعقبته احلمالت الصليبية اليت انتهت بضياع األندلس وإَل اليوم. ولقد كانت<br />
أحداث األندلس صورة مريرة للصراع املُدَمِّر على املُلك، فلما تقاتل ملوك الطوائف ضعفوا فاستوَل ألفونسو السادس<br />
ملك فرنسا الصلييب على طليطلة )479<br />
1195م( وهي أول مملكة إسالمية ابألندلس تسقط أبيدي الصليبيني وتتجول<br />
من دار إسالم إَل دار كفر وإَل يومنا هذا، ُث أخذ ألفونسو يزحف على بقية املمالك، فأرسل ملوكها ومنهم املعتمد<br />
بن عباد يستعينون أبمري مراكش يوسف بن اتشفني، فقال الرشيد بن املعتمد ألبيه: “اي أبت أتدخل علينا يف أندلسنا<br />
من يسلبنا ملكنا؟” قال املعتمد: “أَيْ بُينَّ وهللا ال يُسْمَع عين أبدا أين أعدت األندلس دار كفر وال تركتها للنصارى<br />
فتقوم عَلَي م اللعنة على منابر الإسالم مثلما قامت عَلَى غريي، اي بُينَّ ألن ي َرْعَى أبناؤان اجلمال خري من أن يرعوا<br />
اخلنازير”<br />
انتهى قول املعتمد، ولكن مما يؤسف له أن الصراع استمر بني امللوك ومنهم املعتمد حىت قامت احلرب بينه<br />
وبني يوسف وانتهى به احلال أسريا عند يوسف يف مراكش حىت مات هبا، وضاعت األندلس، والذي دعاين إَل ذكر<br />
هذه القصة هو أهنا تتكرر يف زماننا هذا ولو بصورة مُصَغمرة مع الإخوة العاملني لإلسالم، ترى أحدهم َينف من أن<br />
- 1 رواه الرتمذي عن كعب بن مالك وقال حديث حسن صحيح.<br />
- 2 رواه البخاري عن أيب هريرة<br />
418<br />
- 3 متفق عليه.<br />
- 4 رواه مسلم.<br />
- 5 رواه مسلم عن ثوابن.
يتأَمرَ عليه أخوه املسلم من أجل قيام مجاعة مسلمة قوية ذات شوكة، فتبطش هبم أيدي الطواغيت وهم فرادى<br />
متفرقني، <strong>في</strong>كون مآهلم أن ترى طائفة منهم أسرة مستسلمني جلند الطواغيت مكبلني ابحلديد يف قعر الزانزين يُكَال هلم<br />
السباب ويصب عليهم التعذيب سنني، وترى طائفة أخرى على أعواد املشانق، وطائفة مشردة يف البلدان ال يقر هلم<br />
قرار، وطائفة قد فتنت وارتدت على أعقاهبا، ومع هذا كله تسمع أنني النساء واألطفال، صورة مُصغمرة ملا حدث<br />
ابألندلس من ضياع، صراع بني املسلمني ينتهي يف قعر زانزين الطواغيت، قال تعاَل: { وَ مَا أَصَابَكَ مِنْ سَي ِئَةٍ قَمِنْ<br />
1<br />
نَفْسِكَ } ، أليس دخول املسلم يف إمرة أخيه املسلم وطاعته خري له يف الدنيا واآلخرة من قعر زانزين الطواغيت؟ قال<br />
2<br />
تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُ ْم{ ، وقال تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا<br />
3<br />
بِأَنفُسِهِمْ{ .<br />
ب = ومن صور احلرص على الإمارة، طلبها، وقد يكون الطلب صرحيا أو تلميحا أبن يتحدث املرء عن مهاراته<br />
وكفاءته وحياول إبراز هذه املهارات كلما واتته الفرصة، وقَصْدُه أن يتفطن إليه <strong>في</strong>ُوََلم إمارة أو عمال. وهو بِنِيمتِه هذه قد<br />
أفسد عمله، وال جيوز توليته لقول النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
4<br />
»إان ال نويل هذا األمر أحدا سأله أو حرص عليه« ،<br />
ومن هؤالء من إذا مل ينل ما يريد مترد على الطاعة وفراق اجلماعة، وهذا من النفاق، لقوله تعاَل: }قَإِنْ أُعُِْوا مِنْهَا<br />
5<br />
رَ ضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعَِْوْ ا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَُِونَ{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ثالثة ال يكلمهم هللا يوم<br />
القيامة، وال ينظر إليهم، وال يزكيهم، وهلم عذاب أليم إَل قوله ورجل ابيع إماما ال يبايعه إال لدنيا، فإن أعطاه منها<br />
6<br />
وَفَا، وإن مل يعطه منها مل يَفِ «[ .<br />
ج = وهناك<br />
حديث<br />
من يدخل يف اجلماعة ُث أينف من السمع والطاعة، وهذه من خصال اجلاهلية كما سبق يف شرح<br />
»من فارق السلطان شربا مات ميتة جاهلية«، وقد ذكرها الشيخ حممد بن عبد الوهاب يف كتابه )مسائل<br />
اجلاهلية( املسألة الثالثة )خمالفة ويل األمر(.<br />
د =<br />
وهناك من يتظاهر ابلطاعة ويدُبد يِت العصيان واإلفساد، وهذا أيضا من النفاق، لقوله تعاَل: }وَ يَقُولُونَ َِاعَةٌ<br />
قَإِذَا بَرَ زُ وا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ َِائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ َّللاَّ ُ يَكْتُبُ مَا يُبَي ِتُونَ قَأَعْرِ ضْ عَنْهُمْ وَ تَوَ كَّلْ عَلَى َّللاَّ ِ<br />
وَ كَفَى بِاّلِلَّ ِ وَ كِيال{ ، 7 وهذا الصنف تراه لإَثرة األتباع على األمري متلمسا أوهى األسباب ككون األمري ذا أثرة أو كونه<br />
مفضوال دينا أو صغري السن وقد بينت <strong>في</strong>ما سبق ويف الباب الرابع بطالن هذه التربيرات.<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
- 2 سورة الشورى، اآلية:<br />
- 3 سورة الرعد، اآلية:<br />
419<br />
78<br />
31<br />
11<br />
- 4 متفق عليه وقد سبق تفصيل هذا يف الباب الرابع.<br />
- 5 سورة التوبة، اآلية:<br />
59<br />
- 6 متفق عليه.<br />
- 7 سورة النساء، اآلية:<br />
91
ه =<br />
ومن الناس من يطيع يف املنشط دون املكره فإذا كُلِّف أبمر شاق أو مبا ال يهوى عصى، ومنهم من يطيع يف<br />
اليسر وسعة النفقة فإذا كان العسر وضاق احلال عصى، وقد يكون العصيان صرحيا أو ضمنيا.<br />
وهذه النماذج وأكثر منها موجود يف التجمعات الإسالمية وتسبب فسادا ال خيفى، وقد وُجِ دَ بعضها يف زمن النيب<br />
1<br />
صلى هللا عليه وسلم كما يف قوله تعاَل: }وَ إِنْ لَمْ يُعَِْوْ ا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَُِو َن{ ، وقوله تعاَل: }وَ يَقُولُونَ َِاعَةٌ<br />
2<br />
قَإِذَا بَرَ زُ وا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ َِائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ{ ، فكيف ابحلال من بعده صلى هللا عليه وسلم .<br />
هذا وقد فَصملت مسألة السمع والطاعة لوالة األمور، ذلك ألهنا الركن الركني يف سياسة اجليوش وتن<strong>في</strong>ذ املهام، والتفريط<br />
3<br />
<strong>في</strong>ها قد يدمر اجليش كله، قال تعاَل: }وَ اتَّقُوا قِتْنَةً ال تُصِ يبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً{ ، وكلنا يعلم ما أصاب<br />
املسلمني يوم أحد بسبب معصية الرماة ألمر النيب صلى هللا عليه وسلم . فكانت املصيبة عامة ومل ينج منها حىت<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أصيب بعدة جراحات يومئذ.<br />
وأذكر الإخوة املسلمني أبن الطاعة هي اليت جتعل من جيوش الكفرة قوة متسلطة على رقاب املسلمني يف أحناء<br />
األرض، فكيف يكون شأهنم ونظل حنن متفرقني خمتلفني مع أننا نتعبد هلل ابجلماعة وابلسمع والطاعة كما يف حديث<br />
احلارث األشعري مرفوعا »وَأَانَ آمُرُكُمْ ِبَِمْسٍ اَّللمُ أَمَرَينِ هبِِنم:<br />
4<br />
اجل م اع ةِ و الس مْعِ و الط اع ةِ و اهلِْجْر ةِ و اجلِْه اِد« . ومع أننا<br />
5<br />
كما قال هللا تعاَل: }وَ تَرْ جُونَ مِنْ َّللاَّ ِ مَا ال يَرْ جُو َن{ ، وقال هللا تعاَل: }وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ إِال<br />
7<br />
6<br />
تَفْعَلُوهُ تَكُنْ قِتْنَةٌ قِي األَرْ ضِ وَ قَسَادٌ كَبِيرٌ } ، وقال تعاَل: }وَ قَاتِلُوا الْمُشْرِ كِينَ كَاقَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَاقَّةً{ .<br />
إن طاعة األمري من طاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم وطاعة الرسول صلى هللا عليه وسلم من طاعة هللا كما يف<br />
حديث أيب هريرة املتفق عليه، وكذلك معصية األمري. وهذا ينطبق على كل أمري توَل أبمر الشارع وشريعته، حىت أمري<br />
9<br />
الثالثة يف السفر، إذ قد مسَماه النيب صلى هللا عليه وسلم أمريا، }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُ ْم{ ، }وَ الَ<br />
تَنَازَ عُوا قَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِ يحُكُمْ وَ اصْبِرُ وا{ . 8<br />
وهذا أول ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم، وهي الطاعة، وَثين ما يلزمهم:<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
401<br />
59<br />
- 2 سورة النساء،<br />
اآلية:<br />
- 3 سورة األنفال، اآلية:<br />
91<br />
25<br />
- 4 رواه أمحد وصححه األلباين.<br />
- 5 سورة النساء، اآلية:<br />
- 6 سورة األنفال، األية:<br />
- 7 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 9 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 8 سورة األنفال: اآلية:<br />
114<br />
73<br />
36<br />
1<br />
.46
الثاني: النصح لألمير.<br />
و<strong>في</strong>ه:<br />
= 0 دليله.<br />
= 2 مما يدخل يف نصح والة األمور.<br />
= 3 تنبيه.<br />
= 4 واألفضل نصح األمري سرا.<br />
دليله. = 1<br />
أ = قوله صلى هللا عليه وسلم : »الدين النصيحة« قلنا: ملن؟ قال:<br />
1<br />
»هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم« .<br />
ب = وقال صلى هللا عليه وسلم: »ثالث ال يغل عليهم قلب مسلم: إخالص العمل هلل، ومناصحة والة األمور، ولزوم<br />
2<br />
مجاعة املسلمني فإن دعوهتم حتيط من ورائهم« .<br />
ج = وقال صلى هللا عليه وسلم : »إِنم اَّللمَ ي َرْضَى لَكُمْ ثَالَثً، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَالَثً، ي َرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَال تُشْرِكُوا بِِه<br />
شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا حبَِبْلِ اَّللمِ مجَِيعًا وَال تَفَرمقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَالمهُ اَّللمُ أَمْرَكُم، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَالََثً: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ<br />
السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ »<br />
3<br />
.<br />
= 2<br />
مما يدخل <strong>في</strong> نصح والة األمور.<br />
أ = قال النووي: ]وأما النصيحة ألئمة املسلمني: فمعاونتهم على ا ق وطاعتهم <strong>في</strong>ه وأمرهم به وتنبيههم وتذكريهم<br />
برفق وإعالمهم مبا غفلوا عنه ومل يبلغهم من حقوق املسلمني وترك اخلروج عليهم، وأتليف قلوب املسلمني لطاعتهم.<br />
قال اخلطايب: ومن النصيحة هلم الصالة خلفهم واجلهاد معهم وأداء الصدقات إليهم، وترك اخلروج ابلسيف عليهم إذا<br />
ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن ال يغروا ابلثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى هلم ابلصالح. وهذا كله على أن<br />
املراد أبئمة املسلمني اخللفاء وغريهم ممن يقوم أبمور املسلمني من أصحاب الوالايت وهذا هو املشهور[ . 4<br />
ب = ومما يدخل يف النصح الإشارة على األمري مبا خيفى عليه من األمور اليت حييط هبا غريه.<br />
ج = ومما يدخل <strong>في</strong>ه أيضا<br />
إخبار األمري بكل ما يندي إىل إفساد اجلماعة<br />
أو تفريق مشلها كوجود بعض العناصر<br />
السيئة أو املفسدة وحنو ذلك، وعلى األمري التثبت والتحقق قبل التص ر ف، لقوله تعاَل: }إِنْ جَاءَكُمْ قَاسِقٌ بِنَبَإٍ<br />
قَتَبَيَّنُوا{ . 5 ودليل هذا ما يلي:<br />
- 1 رواه مسلم عن متيم الداري.<br />
- 2 رواه مسلم عن عن أنس.<br />
- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 4 صحيح مسلم بشرح النووي ج<br />
- 5 سورة احلجرات، اآلية:<br />
400<br />
2 ص 39<br />
6
*<br />
ما ذكره ابن كثري يف تفسري قوله تعاَل: }وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَبِاّلِلَّ ِ وَ آيَاتِهِ وَ رَ سُولِ ِه<br />
كُنتُمْ تَسْتَهْزِ ئُو<br />
َن{ . 1 قال: ]قال رجل يف غزوة تبوك يف جملس: ما رأيت مثل قرائنا هؤالء أرغب بطوان وال أكذب<br />
ألسنا وال أجنب عند اللقاء. فقال رجل يف املسجد كذبت ولكنك منافق وألخربن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ]<br />
وموضع الإستشهاد هو قول الصحايب للمنافق: )وألخربن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ) فهذا من النصح لألئمة<br />
ليس من الغيبة.<br />
*<br />
وما رواه البخاري عن زيد بن أرقم قال: )كنت مع عمي فسمعت عبد هللا بن أُيبَّ بن سلول يقول: ال تنفقوا على<br />
من عند رسول هللا حىت ينفضوا. وقال أيضا لئن رجعنا إَل املدينة ليخرجن األعز منها األذل. فذكرت ذلك لعمي،<br />
فذكر عمي لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم، فأرسل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إَل عبد هللا بن أيب وأصحابه<br />
فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول هللا وكذبين، فأصابين هم مل يصبين مثله فجلست يف بييت، فأنزل هللا : }إِذَا جَاءَ َك<br />
الْمُنَاقِقُونَ } إَل قوله }هُمْ الَّذِينَ<br />
*<br />
يَقُولُونَ ال تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَ سُولِ َّللاَّ ِ{ 2 ، إَل قوله }لَيُخْرِ جَنَّ األَعَزُّ مِنْهَا<br />
األَذَلَّ{ . 3 فأرسل إيلَم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقرأ م عَلَي ُث قال: إن هللا قد صَدمقَكَ ) 4 . وكان ذلك أثناء غزوة<br />
بين املصطلق على خالف. وقال ابن حجر: ]و<strong>في</strong>ه جواز تبليغ ماال جيوز للمقول <strong>في</strong>ه، وال يُعد َّنيمة ملمومة إال إن<br />
قصد بللك اإلفساد املطلق، وأما إذا كانت <strong>في</strong>ه مصلحة ترجح على املفسدة فال[ وقول ابن حجر ]مال جيوز: يقصد<br />
كلمة األذل، للمقول <strong>في</strong>ه: يقصد النيب صلى هللا عليه وسلم ] 5 .<br />
وموضع الإستشهاد من هذا اخلرب هو إخبار زيد بن أرقم للنيب صلى هللا عليه وسلم مبا قاله عبد هللا بن أُيبَ لإفساد<br />
قلوب الصحابة بعضهم على بعض كما يف سياق القصة وذلك ابلوقيعة بني املهاجرين واألنصار. ويك<strong>في</strong>نا يف جواز ما<br />
فعله زيد، قول النيب صلى هللا عليه وسلم له: »إن هللا قد صدقك«.<br />
ومثل هذا ما رواه البخاري عن ابن مسعود<br />
<br />
قال: )ملا قسم النيب صلى هللا عليه وسلم قسمة حنني، قال رجل من<br />
األنصار: ما أراد هبا وجه هللا، فأتيت النيب صلى هللا عليه وسلم فأخربته، فتَغَريم وجهه ُث قال: رمحة هللا على موسى،<br />
لقد أوذي أبكثر من هذا فصرب( ، 6 ويف رواية »وهللا ما أراد حممد هبذا وجه هللا« . 7 قال ابن حجر: ]يف هذا احلديث<br />
جواز إخبار الإمام وأهل الفضل مبا يقال <strong>في</strong>هم مما ال يليق هبم ليحذروا القائل، و<strong>في</strong>ه بيان ما يُباح من الغيبة والنميمة<br />
ألن صورهتما موجودة يف صنيع ابن مسعود هذا، ومل ينكره النيب صلى هللا عليه وسلم؛ وذلك أن قصد ابن مسعود كان<br />
- 1 سورة التوبة، اآلية:<br />
402<br />
.65<br />
- 2 سورة املنافقون، اآلية:<br />
- 3 سورة املنافقون، اآلية:<br />
7<br />
9<br />
- 4 رواه البخاري يف كتاب التفسري حديث 4811<br />
- 5 فتح الباري 646 / 9<br />
- 6 حديث: 4335<br />
- 7 حديث: 6158
*<br />
نصح النيب صلى هللا عليه وسلم وإعالمه مبن يطعن فني ممن يُظهر الإسالم ويبطن النفاق وليَحْذَر منه، وهذا جائز<br />
كما جيوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم أ ه ] 1 .<br />
ويف حديث عمر بن اخلطاب يف الرجم، ورد يف سياقه أن رجال أتى عمر فقال له: )إن فالان يقول لو مات أمري<br />
املؤمنني لبايعنا فالان، فقال عمر: ألقومن العشية فاحذر هؤالء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم( ، 2 قال ابن حجر يف<br />
شرحه: ]و<strong>في</strong>ه جواز إخبار السلطان بكالم من خيُْش ى منه وقوع أمر <strong>في</strong>ه إفساد للجماعة، وال يعد ذلك من النميمة<br />
املذمومة[ . 3<br />
*<br />
*<br />
وقال الإمام النووي يف كتابه )رايض الصاحلني( ابب )ما يُباح من الغيبة( قال: ]اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح<br />
مسلم بشرح النووي شرعي ال ميكن الوصول إليه إال هبا وهو بستة أسباب ُث ذكر منها<br />
الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه منها: إَل آخر قوله[ يُراجع برايض الصاحلني.<br />
وقال ابن تيمية رمحه هللا يف سياق كالمه عن جواز اغتياب الشخ<br />
الرابع: حتلير املسلمني من<br />
املعني قال ]ويف معىن هذا نصح الرجل<br />
<strong>في</strong>من يعامله، ومن يوكِّله ويوصي إليه ويستشهده، وبل ومن يتحاكم إليه، وأمثال ذلك. وإذا كان هذا يف مصلحة<br />
خاصة فكيف ابلنصح <strong>في</strong>ما يتعلق به حقوق<br />
عموم املسلمني، من األمراء واحلكام والشهود والعمال: أهل الديوان<br />
وغريهم؟ فال ريب أن النصح يف ذلك أعظم. كما قال النيب صلى هللا عليه وسلم : »الدين النصيحة، الدين النصيحة«<br />
قالوا ملن اي رسول هللا؟ قال: »هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم«[أه<br />
. 4<br />
تنبيه. = 3<br />
ال تعارض بني ما ذكرته آنفا من إبالغ األمري أبمر من حيُ دِث فتنة أو فسادا يف الصف وبني حديث النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم :<br />
5<br />
»ال يبلغين أحد من أصحايب عن أحد شيئا، فإين أحب أن أخرج إليكم وأان سليم الصدر« . فإن<br />
حديث ابن مسعود هذا هو األصل وقد أورده النووي يف رايض الصاحلني يف ابب )النهي عن نقل احلديث وكالم<br />
الناس إَل والة األمور إذا مل تدع إليه ا اجة كخوف مفسدة وحنوها( فاألصل هو النهي عن نقل أحوال الناس إَل<br />
والة األمور، واالستثناء من هذا األصل هو إذا دعت احلاجة إَل نقل أحواهلم لدرء املفاسد والفنت وكشف املفسدين،<br />
وقد ذكرت أدلة هذا آنفا.<br />
403<br />
- 1 فتح الباري 512 / 11<br />
- 2 رواه البخاري 7323<br />
- 3 فتح الباري ج 12 ص 154<br />
- 4 جمموع الفتاوى 231 231 / 29<br />
- 5 رواه أبو داود والرتمذي عن ابن مسعود.
بل قد قال ابن حجر: ]ونقل ابن التني عن أشهب أنه “ينبغي للحاكم أن يتخل من يستكشف له أحوال الناس<br />
يف السر، وليكن ثقة مأموان فطنا عاقال” ألن املصيبة إَّنا تدخل على احلاكم املأمون من قبول قول من ال يوثق به إذا<br />
1<br />
كان هو حسن الظن به، <strong>في</strong>جب عليه أن يتثبت يف مثل ذلك[ .<br />
= 4<br />
*<br />
*<br />
واألفضل نصح األمير سرا.<br />
ودليل ذلك ما رواه ابن أيب عاصم يف كتابه )السنة( ابب )كي<strong>في</strong>ة نصيحة الرعية للوالة( قال حدثنا عمرو بن عثمان،<br />
حدَث بقية، حدثنا صفوان بن عمرو، عم شُريح بن عُبيد قال: قال عياض بن غنم هلشام بن حكيم أمل تسمع بقول<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من أراد أن ينصح لدى سلطان فال ي ُبْدِه عالنية ولكن َيخذ بيده <strong>في</strong>َخْلو به فإن<br />
قبل منه فذال وإال كان قد أدى الذي عليه« . 2<br />
وهناك دليل أخر على نصح األئمة سرا، وهو ما رواه البخاري عن أيب وائل قال: »قيل ألسامة: أال تكلم هذا؟<br />
قال: قد كلمته مادون أن أفتح اباب أكون أول من يفتحه وما أان ابلذي أقول لرجل بعد أن يكون أمريا على رجلني :<br />
أنت خري بعدما مسعت من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول: جياء برجل <strong>في</strong>طرح يف النار <strong>في</strong>طحن <strong>في</strong>ها كما يطحن<br />
احلمار برحاء، <strong>في</strong>طيف به أهل النار <strong>في</strong>قولون: أي فالن، ألست كنت أتمر ابملعروف وتنهى عن املنكر؟ <strong>في</strong>قول: إين<br />
كنت آمر ابملعروف وال أفعله، وأهنى عن املنكر وأفعله« ، 3 قوهلم )أال تكلم هذا؟( وقع عند مسلم )أال تدخل على<br />
عثمان فتكلمه؟( وكان هذا بسبب ما أنكره بعض الناس على اخلليفة عثمان بن عفان . قال ابن حجر: ]قوله )قد<br />
كلمته ما دون أن أفتح اباب( أي كلمته <strong>في</strong>ما أشرمت إليه، لكن على سبيل هللا املصلحة واألدب يف السر بغري أن يكون<br />
يف كالمي ما يثري فتنة أو حنوها وقال ابن حجر يف رواية س<strong>في</strong>ان )إين أكلمه يف السر دون أن أفتح اباب، ال أكون<br />
أول من فتحه( إَل أن قال ابن حجر قال<br />
املهلب: أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان وكان من خاصته وممن خيف<br />
عليه يف شأن الوليد بن عقبة ألنه كان ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره وكان أخا عثمان ألمه وكان يستعمله، فقال<br />
أسامة: قد كلمته سرا دون أن أفتح اباب، أي ابب الإنكار على األئمة عالنية خشية أن تفرتق الكلمة. ُث عَرمفهم أنه ال<br />
يداهن أحدا ولو كان أمريا بل ينصح له يف السر جهده، وذكر هلم قصة الرجل الذي يطرح يف النار لكونه كان َيمر<br />
ابملعروف وال يفعله ليتربأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان يف أخيه إَل أن قال ابن حجر ويف احلديث: تعظيم<br />
األمراء واألدب معهم وتبليغهم ما يقول الناس <strong>في</strong>هم ليكفوا وَيخذوا حذرهم، بلطف وحسن أتدية، حبيث يبلغ املقصود<br />
من غري أذية للغري[ . 4<br />
قلت: وإَّنا قلت األفضل النصح سرا، ومل أقل الواجب، ألنه وردت أدلة أخرى على النصح عالنية.<br />
404<br />
53<br />
- 1 فتح الباري ج 13 ص 181<br />
- 2 قال األلباين: إسناده صحيح. )كتاب السنة( البن أيب عاصم ط املكتب الإسالمي ص 521، حديث رقم: 1186<br />
- 3 حديث: 7189<br />
- 4 فتح الباري ج 13 ص 51
*<br />
*<br />
*<br />
منها مراجعة املرأة لعمر بن اخلطاب بشأن مهور النساء انظر تفسري قوله تعاَل: }وَ آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ ً قِنَِارا{ ، 1 وقال<br />
ابن كثري يف هذه القصة )أخرجها أبو يعلى عن مسروق بسند قوي(.<br />
ومنها نُصح الصحايب عائذ بن عمرو لألمري عمرو بن سعيد األشدق بشأن حُرْمَة القتال يف مكة، <strong>في</strong>ما رواه<br />
البخاري عن أيب شريح أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إَل مكة )ائذن يل أيها األمري أحدثك قوال قام<br />
به النيب صلى هللا عليه وسلم الغد من يوم الفتح، مسعته أذاني ووعاه قليب وأبصرته عيناي حني تكلم به: محَِدَ هللا وأثىن<br />
عليه ُث قال: إن مكة حَرممها هللا ومل حيرمها الناس، فال حيل المرئ يؤمن ابهلل واليوم اآلخر أن يسفك هبا دما( . 2<br />
ومنها مراجعة سلمان لعمر بن اخلطاب ملا رأى ثوبه طويال، رضي هللا عنهما. واألدلة يف هذا كثرية، كمراجعة بعض<br />
الصحابة ملعاوية ملا استخلف ابنه يزيد ابنه يزيد، وغري ذلك.<br />
والذي أراه وهللا أعلم ابحلق أن الإسرار ابلنصح لألمري أو اجلهر به يتوقف على:<br />
أوال: حال املنصوح )األمري( <strong>في</strong>ختار الناصح أنسب وسيلة حسب حال املنصوح وما يقبله.<br />
اثنيا: حال املوجودين: فقد يكون نصحه سرا أوَل حىت ال جيرتئ الناس على األمري فتقع فتنة وتفرتق الكلمة كما<br />
فعل أسامة بن زيد مع عثمان بن عفان رضي هللا عنهم، وقد يكون اجلهر ابلنصيحة أفضل حىت يسمع الناس<br />
<strong>في</strong>نتصحوا بنفس النصيحة كما يف نصح أيب شريح بشأن حترمي مكة ليكف الناس عن اخلروج يف جيش األمري الذاهب<br />
للقتال يف مكة. وهكذا.<br />
اثلَا: حال النصح: أال يقوم مقام رايء ومسعة بنصحه، ليقال عنه: هذا الذي نصح األمري عندما سكت غريه،<br />
وحتضرين هنا قصة شكاية أهل الكوفة سعد بن أيب وقاص لعمر بن اخلطاب قال ابن كثري: ]و<strong>في</strong>ها سنة 16ه شكا<br />
أهل الكوفة سعدا يف كل شيء، حىت قالوا: ال حيسن يصلي، فعزله عنها إَل أن قال ابن كثري ويف صحيح مسلم أن<br />
عمر بعث من يسأل أهل الكوفة فأثنوا خريا إال رجال يقال له: أبو سعدة قتادة بن أسامة قام فقال: أما إذ أنشدتنا<br />
فإن سعدا ال يقسم ابلسوية وال يعدل يف القضية، وال خيرج يف السرية، فقال سعد: اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام<br />
رايء ومسعة، فأَطِل عمره وأَدِم فقره وعرضه للفنت. فأصابته دعوة سعد، فكان شيخا كبريا يرفع حاجبيه عن عينيه،<br />
ويتعرض للجواري يف الطرق <strong>في</strong>غمزهن، <strong>في</strong>قال له يف ذلك، <strong>في</strong>قول: شيخ كبري مفتون أصابته دعوة سعد. وقد قال عمر<br />
يف وصيته وذكره يف الستة فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك، وإال <strong>في</strong>ستعني به أيكم وَل، فإين مل أعزله عن عجز وال<br />
خيانة[ . 3<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
405<br />
21<br />
- 2 احلديث: 114<br />
- 3 البداية والنهاية ج 7 ص 111
فالصواب إن شاء هللا تعاَل أن<br />
يراعي الناصح هذه األحوال ُث يتخري األسلوب األنسب: الإسرار أو اجلهر،<br />
فإن<br />
التبس عليه األمر فاإلسرار أوىل إن شاء هللا تعاىل حلديث عياض بن غنم املذكور يف أول هذه املسألة ولقصة أسامة<br />
بن زيد مع عثمان بن عفان رضي هللا عنهم.<br />
الثالث: توقير األمير.<br />
مما يلزم األعضاء من حقوق األمري عليهم توقريه، وأدل على هذا جبملة أحاديث رواها ابن أيب عاصم يف كتابه السنة<br />
ابب )يف ذكر فضل تعزيز األمري وتوقريه( .<br />
حديث 1121<br />
على هللا : من عاد مريضا، أو<br />
عن معاذ بن جيل قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مخس من فعل واحدة منهن كان ضامنا<br />
بيته فسلم الناس منه وسلم من الناس« . 1<br />
حديث 1124<br />
خرج مع جنازة، أو خرج غازاي، أو دخل مع إمامه يريد تعزيزه وتوقريه، أو قعد يف<br />
عن أيب بكرة قال: مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول: »السلطان ظل هللا يف األرض<br />
فمن أكرمه أكرمه هللا، ومن أهانه أهانه هللا« . 2<br />
قلت: وإهانة ويل األمر قد تكون بعصيان أوامره والإستخفاف هبا، أو ابلسخرية من األمري ابلقول والغمز واللمز أو<br />
بوصفه بصفة خَلْقِية أو خُلُقِية <strong>في</strong>ه تدعو لالستخفاف به، أو مبدح غريه مبا <strong>في</strong>ه تعريض ابلذم هلذا األمري، أو بتشجيع<br />
اآلخرين على إهانة األمري وعصيانه ومهوما يدخل يف الإهانة كل ما <strong>في</strong>ه انتقاص لقدر األمري وجترحيه. وقد أمر رسول<br />
هللا صلى هللا عليه وسلم بطاعة األمري وإن كان عبدا حبشيا رأسه زبيبة أو جمدع األطراف. فمن أقدم على إهانة األمري<br />
فقد تعرض لإهانة هللا له يف الدنيا ابملذلة ويف اآلخرة ابلعذاب واحلرمان.<br />
حديث 1125<br />
<br />
عن أيب بكرة قال: »من أَجلم سلطان هللا أجلّه هللا يوم القيامة« . 3 وهذا ينطبق على كل من توَل<br />
إمارة على غريه، إذ إنه أمري حبكم الشريعة كما سبق بيانه.<br />
وعن أيب موسى<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
وحامل القرآن غري الغايل <strong>في</strong>ه واجلايف عنه، وإكرام ذي السلطان املقسط« . 4<br />
»إن من إجالل هللا تعاَل إكرام ذي الشيبة املسلم،<br />
وقال شيخ الإسالم ابن تيمية: ]كان السلف كالفضيل بن عياض وأمحد بن حنبل وغريمها يقولون: لو كان لنا دعوة<br />
5<br />
جمابة لدعوان هبا السلطان[ .<br />
- 1 قال األلباين: حديث صحيح.<br />
- 2 قال األلباين: حديث حسن.<br />
- 3 قال األلباين حديث حسن. )كتاب السنة البن أيب عاصم ط املكتب الإسالمي ص 481<br />
- 4 حديث حسن، رواه أبو داود )رايض الصاحلني ابب توقري العلماء والكبار... )<br />
- 5 جمموع الفتاوى ج<br />
482<br />
406<br />
29 ص 381
وقال القرطيب يف تفسري قوله تعاَل: }أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ أَِِيعُوا الرَّ سُولَ وَ أُوْ لِي األَمْرِ مِنْكُ ْم{ ، 1 قال: ]قال سهل بن عبد<br />
هللا رمحه هللا: ال يزال الناس ِبري ما عَظمموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح هللا دنياهم وأخراهم، وإذا<br />
2<br />
استخفوا هبذين أفسد دنياهم وأخراهم[ . قلت: وال شك أن هذا يف السلطان والعلماء الصاحلني.<br />
تنبيه:<br />
وال يظن أحد أننا بدعوتنا الرعية إَل توقري األمري أننا ندعو بذلك إَل تقديسه، وإَّنا ندعو إَل الوسط كما هي دعوة<br />
الإسالم يف كل أمر.<br />
فتوقري األمري وسط بني تفريط وإفراط. أما التفريط فهو إهانة األمري اليت وردت السنة ابلنهي عنها والوعيد عليها،<br />
وذكران بعض صور الإهانة <strong>في</strong>ما سبق. وأما اإلفراط يف توقري األمري فهو أيضا منهي عنه مذموم، ومن صوره السكوت<br />
عن منكرات األمري وأدهى من ذلك تربير منكراته وأتويلها على وجه حسن، واملغاالة يف مدحه وخلع ماال جيوز من<br />
الصفات عليه.<br />
والذي أراه وهللا تعاَل أعلم أن توقري األمري ليس مقصودا لذاته، بل من أجل احملافظة على وحدة اجلماعة املسلمة،<br />
وهذا مقصد شرعي هام سبق التنبيه عليه، فإن إهانة األمري والإستخفاف به مدعاة إَل عصيانه وما يرتتب على ذلك<br />
من شق عصا الطاعة وتفريق مشل اجلماعة. وهبذا ترى أن توقري األمري <strong>في</strong>ه سد لذريعة العصيان والشقاق ويدل على<br />
هذا الإستنباط أن األمر ابلتوقري إَّنا هو لألمري بصفته ال بشخصه، وهللا تعاَل أعلم.<br />
بل إن مجيع ما ورد <strong>في</strong>ما يلزم األعضاء )الرعية( من حق األمري عليهم، )وهو السمع والطاعة والنصح والتوقري( هو يف<br />
حقيقته<br />
يهدف إىل احملافظة على وحدة اجلماعة املسلمة،<br />
دينهم وال دنياهم إال به، أال وهو اجلماعة.<br />
ذلك املقصد الشرعي اهلام الذي ال يصلح للمسلمني<br />
وقد ورد الربط واضحا بني طاعة األمري واحملافظة على وحدة اجلماعة يف قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من<br />
رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه، فإنه من فارق اجلماعة شربا<br />
3<br />
فمات إال مات ميتة جاهلية« .<br />
407<br />
- 1 النساء، اآلية: 58<br />
5 ص 261 ج- 2<br />
3 رواه البخاري عن ابن عباس.
ثالثا: ما يلزم األعضاء بعضهم <strong>في</strong> حق بعض.<br />
)ما يلزم العضو <strong>في</strong> حق إخوانه(<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »على كل مسلم صدقة« قالوا فإن مل جيد؟ قال: »<strong>في</strong>عمل بيديه <strong>في</strong>نفع نفسه<br />
ويتصدق«. قالوا: فإن مل يستطع؟ أو مل يفعل؟ قال: »<strong>في</strong>عني ذا احلاجة امللهوف«، قالوا: فإن مل يفعل؟ قال: »فليأمر<br />
ابخلري، أو قال ابملعروف«، قال فإن مل يفعل؟ قال: »فليمسك عن الشر«، فإنه صدقة . 1<br />
وعن أيب ذر<br />
قال: قلت اي رسول هللا أي األعمال أفضل؟ قال صلى هللا عليه وسلم : »الإميان ابهلل واجلهاد يف<br />
سبيله« قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: »أنفسها عند أهلها مثنا«. قلت: فإن مل أفعل؟ قال: »تعني صانعا أو تصنع<br />
ألخرق«<br />
على نفسك« . 2<br />
قلت: اي رسول هللا أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: »تكف شرك عن الناس، فإهنا صدقة منك<br />
قلت: املعىن املشرك املستفاد من هذين احلديثني، وهو أنك إذا مل تستطع أن تنفع الناس فكف شرك عنهم. وأنت<br />
مأجور يف احلالني إن شاء هللا تعاَل، ويلحقك الوزر إن انتقلت إَل احلال الثالث وهو أن يتعدى شرك إَل الناس.<br />
ولذلك فإنين أقسم عالقة املسلم من حسن السرية مع إخوانه إَل قسمني:<br />
القسم األول: كف األذى عن إخوانه، وهذا هو احلد األدىن املطلوب يف تعامل املسلم مع إخوانه.<br />
القسم الَاين: إيصال النفع إلخوانه، وهذا هو احلال األمثل للمسلم.<br />
وقد أتملت ترتيب الإمام النووي لألحاديث اليت أوردها يف )األربعني النووية( فوجدته قد راعا هذا التقسيم، حيث أورد<br />
حديثني متتالني أحدمها يف كف األذى عن الناس وهو اخلامس والثالثني »ال حتاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا« ُث<br />
أتبعه ابآلخر يف احلض على نفع الناس وهو السادس والثالثني »من ن َفمس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا«.<br />
وهذا التقسيم والرتتيب ورد يف آايت كثرية من التنزيل العزيز: منها قوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تَأْكُلُوا الرِ بَا<br />
أَضْعَاقًا مُضَاعَفَةً وَ اتَّقُوا َّللاَّ َ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَاقِرِ ي َن وَ أَِِيعُوا َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ لَعَلَّكُ ْم<br />
تُرْ حَمُونَ وَ سَارِ عُوا إِلَى مَغْفِرَ ةٍ مِنْ رَ ب ِكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْ ُضهَا السَّمَاوَ اتُ وَ األَرْ ضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِي َن الَّذِينَ يُنْفِقُونَ قِي<br />
السَّرَّ اءِ وَ الضَّرَّ اءِ{ ، 3 فأكل الراب إضرار ابلناس فنهى سبحانه عنه ُث أتبعه ابلإحسان إَل الناس ابلنفقة يف العسر<br />
واليسر. وكذلك قوله تعاَل: }وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَاقِينَ عَنْ النَّاسِ وَ َّللاَّ ُ يُحِ بُّ الْمُحْسِنِي َن{ ، 4 فبدأ سبحانه ببيان<br />
كف األذى عن الناس )بكظم الغيظ( ُث إيصال النفع إليهم )ابلعفو والإحسان(. وهذا التقسيم والرتتيب يتفق مع<br />
القاعدة الشرعية )درء املفاسد مقدم على جلب املنافع(.<br />
- 1 متفق عليه عن أيب موسى.<br />
408<br />
- 2 متفق عليه.<br />
- 3 سورة آل عمران، اآلايت:<br />
- 4 سورة آل عمران، اآلية:<br />
134 إَل 131<br />
134
قال ابن رجب احلنبلي: ]ومن كالم حيىي ابن مراد الرازي: ليكن حظ املؤمن منك ثالثة: إن مل تنفعه فال تضره، وإن مل<br />
تفرحه فال تغمه، وإن مل متدحه فال تذمه[ . 1 قلت: وهذا الكالم يبني احلد األدىن املطلوب من املسلم يف معاملته<br />
لإخوانه هو أن يكف أذاه عنهم.<br />
ومحاسن األخالق ترجع <strong>في</strong>ما أرى إلى أصلين:<br />
األول: ا ياء: قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »احلياء ال َيِت إال ِبري« ، 2 ويف رواية ملسلم »احلياء خري كله«.<br />
ومعلوم أن احلياء شعبة من شعب الإميان كما يف حديث شعب الإميان املتفق عليه عن أيب هريرة مرفوعا »الإميان بضع<br />
وستون شعبة، واحلياء شعبة من الإميان« ، 3 وقد ن<br />
عليه دون غريه من الشُّعب يف هذا احلديث ألنه كالباعث على<br />
أداء بقية الشعب، فمن استحى من هللا تعاَل أتى حبقوقه سبحانه برتك املنهيات وفعل املأمورات، ومن استحى من<br />
الناس أتى حبقوقهم بكف األذى وجلب النفع.<br />
]واحلياء نوعان: أحدمها ما كان خلقا وجِ بِلمة غري مكتسب وهو من ِ أَجَل األخالق اليت مينحها هللا العبد وجيَْبُله عليها،<br />
ّ<br />
والثاين ما كان مكتسبا من معرفة هللا ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطالعه عليهم وعلمه ِبائنة األعني وما خت<strong>في</strong><br />
الصدور[ ، 4 قلت: فمن قل حظه من النوع األول فعليه مبجاهدة نفسه الكتساب الثاين.<br />
الَاين: أن حيب للناس ما حيبه لنفسه وأن يكره هلم ما يكرهه لنفسه، وإذا قلنا إن احلياء يدفع صاحبه إَل أداء حقوق<br />
الناس، فنقول هل هناك قاعدة عامة تبني ما هي حقوق الناس، يتبعها من ال يستطيع الإحاطة بتفاصيل األحكام<br />
واآلداب الإسالمية؟ واجلواب: نعم توجد قاعدة عامة هلذا وهي )أن حتب للناس ما حتب لنفسك من اخلري وأن تكره<br />
هلم ما تكرهه لنفسك من الشر(.<br />
وهذه القاعدة مستفادة من حديث النيب صلى هللا عليه وسلم :<br />
»ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب<br />
5<br />
لنفسه« ، ويف مستخرج الإمساعيلي »حىت حيب ألخيه املسلم ما حيب لنفسه من اخلري«. قلت: ومفهومه وحىت يكره<br />
ألخيه ما يكرهه لنفسه.<br />
قال ابن رجب: ]وحديث أنس الذي نتكلم اآلن <strong>في</strong>ه يدل على أن املؤمن يسره ما يسر أخاه املؤمن ويريد ألخيه املؤمن<br />
ما يريد لنفسه من اخلري، وهذا كله إَّنا َيِت من كمال سالمة الصدر من الغش والغل واحلسد[ . 6<br />
- 1 جامع العلوم واحلكم ص<br />
409<br />
284<br />
- 2 متفق عليه عن عمران بن حصني.<br />
- 3 لفظ البخاري.<br />
- 4 جامع العلوم واحلكم ص<br />
5 متفق عليه عن أنس.<br />
- 6 جامع العلوم واحلكم ص<br />
175<br />
114
ويف معىن حديث أنس ما رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: »من أحب أن<br />
يزحزح عن النار ويدخل اجلنة، فلتأته منيته وهو يؤمن ابهلل واليوم اآلخر، وليَأْتِ إَل الناس الذي حيب أن يؤتى إليه«.<br />
وكي<strong>في</strong>ة تطبيق هله القاعدة<br />
يكون مبعرفة أن األمور الثالثة: شر الشك <strong>في</strong>ه، وخري الشك <strong>في</strong>ه، وشيء مرتدد بينهما،<br />
فالشر مطلوب الكف عنه وهو ما أشران إليه بكف األذى، واخلري املطلوب فعله وهو ما أشران إليه إبيصال النفع إَل<br />
الناس قدر الإستطاعة، وأما األمر الثالث املرتدد <strong>في</strong>ه فعليك أبن تفكر قبل الإقدام هل ترضاه لنفسك أم ال؟ فإن رضيته<br />
لنفسك ومل خيالف حكماً شرعياَ فأقدم وإال فال.<br />
وكما ترى فهذه القاعدة )وهي أن حتب للناس ما حتب لنفسك وتكره هلم ما تكره لنفسك( متضمنة لشقي املعاملة<br />
الذين أشرت إليهما آنفا مها كف األذى وجلب النفع، فما من أحد إال وهو حيب أن يكف الناس أذاهم عنه وأن<br />
ينفعوه، والإميان يقتضي أن حيب هذا للناس كما حيبه لنفسه وإن مل يعامله الناس هكذا.<br />
وسرتى أن التفاصيل القادمة يف كف األذى وجلب النفع ميكن إدراجها مجيعا حتت هذه القاعدة. وسوف أذكر بعض<br />
ما يدخل يف كف األذى وجلب النفع جممال، وتفصيل هذا يف كتب األدب من دواوين السنة.<br />
القسم األول: بعض ما يدخل <strong>في</strong> كف األذى عن الناس.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »تكف شرك عن الناس فإهنا صدقة منك على نفسك« ، 1 ومما يدخل يف كف<br />
األذى:<br />
= 0<br />
اإلحرتاز من آفات اللسان، وهي رأس الشرور، يدرك هذا كل عاقل، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
2<br />
»هل يكب الناس يف النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إال حصائد ألسنتهم« .<br />
ويدخل يف هذه اآلفات: السخرية وهلا صور كثرية، والإستهزاء، والتنابز ابأللقاب والسباب، والغيبة والبهتان والكذب<br />
والنميمة واللعن والفحش وشهادة الزور وغريها.<br />
وكل هذه اآلفات وردت يف ذمها والوعيد عليها أدلة كثرية ليس هذا موضع تفصيلها وتراجع يف هذا سورة احلجرات<br />
واألبواب اخلاصة هبذا يف كتاب األدب من صحيح البخاري وغريه من كتب السنة.<br />
وآفات اللسان من أعظم ما يفسد العالقات بني املسلمني يف الدنيا ويعود عليهم ابخلسران يف اآلخرة.<br />
السالمة من هله اآلفات<br />
هو قول النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
وضابط<br />
»من كان يؤمن ابهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو<br />
3<br />
ليصمت« . قال النووي: ]وهذا صريح أنه ينبغي أن ال يتكلم إال إذا كان الكالم خريا، وهو الذي ظهرت مصلحته،<br />
421<br />
- 1 متفق عليه.<br />
- 2 رواه الرتمذي عن معاذ بن جبل، وقال حديث حسن صحيح.<br />
- 3 متفق عليه.
ومىت شك يف ظهور مصلحة فال يتكلم[. قلت: وال ترتخ<br />
وال متكر <strong>في</strong>مكر هللا بك، قال تعاَل: { وَ ال يَحِ يقُ الْمَكْرُ السَّي ِئُ إِالَّ بِأَهْلِ ِه{ . 1<br />
= 2<br />
وال تتأول لتستحل ما حيَْرُم عليك إتيانه من هذه اآلفات،<br />
عدم التدخل يف شنون اآلخرين وترك الفضول، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »من حسن إسالم املرء<br />
2<br />
تركه ماال يعنيه« ، وماال يعين املرء قد يكون شيئا يف خاصة نفسه كاملنهي عنه )احلرام واملكروه والشّبهة( وقد يكون يف<br />
عالقته ابلناس، وهذا األخري الذي نقصده يف كالمنا عن كف األذى عن الناس.<br />
ويدخل يف هذا احرتام خصوصيات الناس، وعدم التجسس عليهم، وعدم تتبع عوراهتم، وترك اخلوض <strong>في</strong>ما ال ينفك يف<br />
الدنيا وال يف اآلخرة، وأَوَْلَ من ذلك ترك اخلوض <strong>في</strong>ما يضرك <strong>في</strong>هما. وهلذه القاعدة تطبيقات كثرية يستطيع املرء أن<br />
يتتبعها بنفسه، وخري وسيلة لإدراك هذه القاعدة هي أن تسأل نفسك يف كل قول أو فعل: ما فائدة هلا؟ فإن مل<br />
تكن له فائدة أو كان <strong>في</strong>ه ضرر فهو مماال يعنيك.<br />
والإشتغال مبا ال يعين والتطفل على الناس غالبا ما يقرتن ابلتفريط يف أمر النفس، وما يعنيها، ولذلك فهو عالمة<br />
خذالن من هللا تعاَل للعبد، قال تعاَل: }نَسُوا َّللاَّ َ قَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُ ْم{ . 3<br />
قال ابن رجب احلنبلي: ]هذا احلديث أصل عظيم من أصول األدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصالح عن أيب<br />
حممد بن أيب زيد إمام املالكية يف زمانه أنه قال: مجَِاع آداب اخلري وأَزِمته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم : »من كان يؤمن ابهلل واليوم اآلخر فليقل خريا أو ليصمت« وقوله صلى هللا عليه وسلم : »من حسن<br />
إسالم املرء تركه ماال يعنيه« وقوله صلى هللا عليه وسلم للذي اختصر له يف الوصية »ال تغضب« وقوله صلى هللا عليه<br />
»...<br />
وسلم »املؤمن حيب ألخيه ما حيب لنفسه« ومعىن هذت احلديث »من حسن إسالم املرء أن من حَسُنَ<br />
إسالمُه تَرَكَ ماال يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من األقوال واألفعال، ومعىن يعنيه أنه تتعلق عنايته به<br />
ويكون من مقصده ومطلوبه إَل أن قال وإذا حسن الإسالم اقتضى ترك ماال يعين كله من احملرمات أو املشتبهات<br />
واملكروهات وفضول املباحات اليت ال حيتاج إليها، فإن هذا كله ال يعين املسلم إَل أن قال وأكثر ما يُراد برتك ما ال<br />
يعين حفظ اللسان من لغو الكالم إَل أن قال قال عمر بن عبد العزيز رمحه هللا: )من عَدم كالمَه من عمله قَلم كالمُه<br />
إال <strong>في</strong>ما يعنيه( وهو كما قال فإن كثريا من الناس ال يعد كالمه من عمله <strong>في</strong>جازف <strong>في</strong>ه وال يتحرى إَل أن قال وقد<br />
نفى هللا اخلري عن كثري ممن يتناجى به الناس بينهم فقال }ال خَيْ َر<br />
قِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَ اهُمْ إِالَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَ ْو<br />
- 1 سورة فاطر، اآلية:<br />
420<br />
43<br />
- 2 رواه الرتمذي عن أيب هريرة وقال حديث حسن.<br />
- 3 سورة احلشر، اآلية:<br />
18
مَعْرُ وفٍ أَوْ إِصْالحٍ بَيْنَ النَّاسِ<br />
العبد أن جيعل شغله <strong>في</strong>ما ال يعنيه خذالان من هللا<br />
} 1 ، إَل أن قال وروى أبو عبيدة عن احلسن قال: من عالمة إعراض هللا تعاَل عن<br />
. أه ] 2 .<br />
قلت: وكما ترى من الكالم السابق ومما ذكرانه يف حديث »فليقل خريا أو ليصمت« ويف حديث »حىت حيب ألخيه<br />
ما حيب لنفسه«،<br />
ترى أنه جيب على املسلم أن يفكر جيدا قبل أي قول أو فعل وال ينساق من هوى نفسه أو<br />
هوى صُحْبَتِه، فإذا فكر وعلم ما جيوز له وماال جيوز، أقدم على بصرية. وقد وصف هللا تعاَل أصحاب النار أبهنم<br />
3<br />
}وَ قَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَُْ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا قِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } ، هبذا تدرك نعمة العقل ونعمة التفكري. والنصيحة اليت<br />
تقال هنا هي: فَكِّر قبل أن تتكلم، فَكِّر قبل أن تتكلم، فَكِّر قبل أن تفعل.<br />
= 3<br />
اإلحرتاز من التكرب على الناس.<br />
الكِرب من آفات النفس اليت تُظْهِرها خمالطة الناس، فعند املخالطة تظهر هذه اآلفة يف صور عديدة مجعها رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم يف قوله:<br />
ا ق وبطر<br />
4<br />
»الكِربُْ بَطَرُ احلَقِّ وغَمْطُ الناس« .<br />
أي رَدُّه ودفعه وعدم قبوله، ويتخذ صورا<br />
منها الإعراض عن احلق ابتداء، وعدم الإستماع إليه، أو منع<br />
صاحب احلق من عرض حجته، أو جمادلة صاحب احلق ابلباطل لرد احلق، أو السخرية والإستهزاء بقوله، وغري ذلك<br />
من الصور املتضمنة للكرب وحب الإنتصار للنفس.<br />
أما غمط الناس<br />
فهو احتقارهم وازدراؤهم، وقد يكون هذا ابلقول أو ابلفعل، كالسخرية والإستهزاء والوصف مبا <strong>في</strong>ه<br />
انتقاص كالوصف ابجلهل أو الفقر أو النسب الوضيع أو حىت ابلعاهة، ومن التكرب أيضا الإعراض ابلوجه عن الناس<br />
وعدم جمالستهم أو مؤاكلتهم والرتافع عليهم، وعدم رد السالم عليهم، وحمبة أن ي ُقَام له، وأن يتصدر يف اجملالس<br />
ويفسح له، ومنه حمبة أن يتميز عن إخوانه بشيء ما مل تستدع حاجة العمل ذلك وغري ذلك.<br />
ويف اجلملة ]فاملتكرب ينظر إَل نفسه بعني الكمال وإَل غريه بعني النق<br />
حبقوقهم وال أن يقبل من أحدهم احلق إذا أوردوه عليه[ . 5<br />
<strong>في</strong>حتقرهم ويزدريهم وال يراهم أهال ألن يقوم<br />
وقد يدفع الكرب بصاحبه إَل إيذاء اآلخرين وظلمهم والإضرار هبم، وعالجه يكون بتذكر املبدأ واملعاد وأن ما بكم من<br />
نعمة فمن هللا، أعطاك وحرم غريك، والنعم حتُْفَظ ابلشكر ال ابلكرب فاملتكرب يرى نفسَه وال يرى ربمه املُنْعِم سبحانه.<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال يدخل اجلنة من كان يف قلبه مثقال ذرة من كرب« . 6<br />
111<br />
- 1 سورة النساء، اآلية:<br />
114<br />
- 2 جامع العلوم واحلكم ص :<br />
- 3 سورة امللك، اآلية:<br />
87<br />
11<br />
- 4 رواه مسلم عن ابن مسعود .<br />
- 5 جامع العلوم واحلكم ص<br />
282<br />
- 6 رواه مسلم عن ابن مسعود.<br />
422
والكرب مفسد للجماعة وللعمل اجلماعي، وقلما يصلح صاحبه للعمل اجلماعي، إذ يعتمد العمل اجلماعي أساسا على<br />
األلفة والتواضع والتعاون، واملتكرب مينأى عن هذه األخالق.<br />
= 4<br />
عدم اإلضرار ابلناس.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
1<br />
»ال ضَرَرَ وال ضِرَار« ، والضرر: يشمل ما تضر به نفسك أو غريك من الناس.<br />
والضرار: هو أن يضر الرجل أخاه <strong>في</strong>ضره أخوه، فكل منهما يضر اآلخر وقيل غري ذلك. ويدخل يف الضرر والإضرار<br />
مجيع ما سبق من آفات اللسان والكرب والتدخل يف شؤون الناس، ويدخل <strong>في</strong>ه أن تضر أخاك يف نفسه فتوقعه يف<br />
مهلكة، أو يف مال فتفسده عليه، أو يف عرضه فتجرحه. ويدخل <strong>في</strong>ه احلسد وما يتبعه من البغضاء، ويدخل <strong>في</strong>ه إظهار<br />
الشماتة ويف احلديث<br />
2<br />
»ال تظهر الشماتة ألخيك فريمحه هللا ويبتليك« .<br />
ومن الضرر: الغش واخلداع يف املعاملة، وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
الغش يف النصيحة واملشورة وغريها.<br />
ومن الضرر الظلم، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
3<br />
»من غشنا فليس منا« ، ومنه<br />
4<br />
»اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة« ، وروى<br />
البخاري عن أيب هريرة مرفوعا »من كانت عنده مظلمة ألخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن ال<br />
يكون دينار وال درهم إن كان له عمل صاحل أخذ منه بقدر مظلمته، وإن مل يكن له حسنات أخذ من سيئات<br />
صاحبه فحُمِلَ عليه«.<br />
ومن الإضرار ابلإخوة يف املعسكر أن تضع املواد اخلطرة أو املتفجرة يف مكان الإقامة واملبيت، أو تضع الوقود يف مكان<br />
املبيت أو قرب النريان. <strong>في</strong>جب اختاذ كافة الإجراءات الوقائية ملنع هذا الضرر.<br />
ومن الإضرار هبم: التفريط يف إجراءات السالمة احلربية من لبس الدروع واخلوذات وحفر اخلنادق وارتداء األقنعة<br />
والتشديد يف احلراسة وغريها.<br />
ومن الإضرار ابلناس إلقاء القاذورات يف طرقهم، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
»اتقوا الالعنني قالوا وما<br />
الالعنان؟ قال الذي ي َتَخَلمى يف طريق الناس أو ظلهم« ، 5 والتخلي هو قضاء احلاجة، وروى مسلم عن جابر أن<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم<br />
»هنى أن يبال يف املاء الراكد«.<br />
ومن الإضرار ابلناس إقامة املريض مع الصحيح، فقد ميُرضه ابلعدوى، وقد قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »ال<br />
توردوا املُمْرِض على املُصِح« ، 1 وال منافاة بينه وبني احلديث الصحيح »ال عدوى« للجمع املشهور بينهما.<br />
- 1 رواه ابن ماجه والدارقطين عن أيب سعيد.<br />
- 2 رواه الرتمذي وقال حديث حسن عن وائلة بن األسقع مرفوعا.<br />
- 3 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 4 رواه مسلم عن جابر.<br />
- 5 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
423
ومن إيذاء الإخوة، إفساد الدروس عليهم، أو رفع الصوت جبوار النائمني، قال تعاَل: }وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْ تِكَ إِ َّن<br />
أَنكَرَ األَصْوَ اتِ لَصَوْ تُ الْحَمِيرِ } 2 .<br />
ومن الإيذاء أن يتناجى اثنان دون الثالث، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان<br />
3<br />
دون اآلخر حىت ختتلطوا ابلناس، من أجل أن ذلك حيزنه« ، وهذا أمر جمرب معروف. ومثله أن حتَُدِّثَ قوما فتُقْبل<br />
على واحد فقط وت ُعْرِض عن اآلخرين، وروى البخاري يف األدب املفرد عن حبيب بن أيب َثبت قال: )كانوا حيبون إذا<br />
4<br />
حَدمث الرجلُ أن ال ي ُقْبِل على الرجل الواحد ولكن ليعمهم( .<br />
ومن الإضرار أن حتملك كراهيتك لرجل على إيذائه ابلقول أو ابلفعل، فقد روى البخاري يف األدب املفرد عن ابن<br />
عمر عن أبيه قال: ])ال يكن حُبُّك كَلَفاً وال ب ُغْضُك تَلَفاً( فقلت: كيف ذاك؟ قال: إذا أحببت كَلَفْتَ كلف الصيب،<br />
5<br />
وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف[ .<br />
= 5<br />
اجتنا سوء الظن.<br />
قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ً كَثِيرا مِنْ ِ الظَّن<br />
والظن فإن الظن أكذب احلديث« . 7<br />
إِنَّ بَعْضَ ِ الظَّن إِثْ ٌم{ ، 6 وقال صلى هللا عليه وسلم : »إايكم<br />
وسوء الظن قد يدفعك إَل شر آخر وهو التجسس على أخيك بغرض أن حتقق من سوء ظنك به، وهبذا تدرك<br />
احلكمة من الرتتيب يف قوله تعاَل }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ً كَثِيرا مِنْ ِ الظَّن إِنَّ بَعْضَ ِ الظَّن إِثْمٌ وَ ال تَجَسَّسُوا وَ ال<br />
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْض ًا{ ، 9 فإن سوء الظن مدعاة إَل التجسس وإَل الغيبة فتظن هلذا، وهكذا السيئة تولد سيئة أخرى،<br />
ويتوب هللا على من اتب.<br />
ومما يناسب هذا املقام ذكر ما قاله ابن حجر يف فوائد قصة موسى<br />
<br />
مع اخلضر حيث كان موسى<br />
سريع الإنكار <br />
ألفعال اخلضر، فلما فسرها له اخلضر علم وجه احلكمة <strong>في</strong>ها، فقال ابن حجر ]<strong>في</strong>ستفاد منه وجوب التأين عن الإنكار<br />
- 1 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 2 سورة لقمان، اآلية:<br />
424<br />
18<br />
- 3 متفق عليه عن ابن مسعود، وقريب منه عن ابن عمر.<br />
- 4 أثر 1314<br />
- 5 أثر 1322<br />
- 6 سورة احلجرات، اآلية:<br />
12<br />
- 7 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 9 سورة احلجرات، اآلية:<br />
12
يف احملتمالت[ ، 1 وابلتايل ننصح الإخوة ابلتأين يف الإنكار على إخواهنم وال يسارعوا إَل إساءة الظن هبم إذا كانت<br />
أفعاهلم حتتمل الصواب واخلطأ.<br />
= 6<br />
اإلستئلان: واجب يف األماكن اخلاصة، لقوله تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تَدْخُلُوا بُيُوت ًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى<br />
2<br />
تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِمُوا عَلَى أَهْلِهَا{ ، وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
»الإستئذان ثالث، فإن أذن لك وإال<br />
4<br />
3<br />
فارجع« ، وعن سهل بن سعد عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال »إَّنا جعل الإستئذان من أجل البصر« ، أي<br />
حىت ال يرى الداخل بغري إذن ما يكره صاحب املكان أن يراه الناس من عورات أو أسرار أو غري ذلك ويدخل يف<br />
هذا أيضا الرسائل والكتب اخلاصة وغريها من اخلصوصيات، ال ينظر <strong>في</strong>ها الإنسان بدون إذن صاحبها، فقد أخرج أبو<br />
داود عن ابن عباس مرفوعا “من نظر يف كتاب أخيه بغري إذنه فكأَّنا ينظر يف النار” وسنده ضعيف. وقد يستَىن<br />
من ذلك من كان متهما على املسلمني، فهذا جيوز النظر يف خصوصيته بغري إذنه للتحقق من أمره، فقد أورد<br />
البخاري رمحه هللا يف كتاب الإستئذان من صحيحه )ابب<br />
23<br />
من نظر يف كتاب من حيُْذَر على املسلمني ليستبني<br />
أمره( وذكر <strong>في</strong>ه قصة حاطب بن أيب بلتعة وكتابه ألهل مكة قُبيل غزوة الفتح ليخربهم، وإرسال النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم خلف الظعينة حىت أتى بكتاب حاطب، قال ابن حجر يف شرحه: ]كأنه أي يشري إَل أن األثر الوارد يف<br />
النهي عن النظر يف كتاب الغري خيَُ ُّ منه ما يتعني طريقا إَل دفع مفسدة هي أكثر من مفسدة النظر. واألثر املذكور<br />
أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس بلفظ<br />
“من نظر يف كتاب أخيه بغري إذنه فكأَّنا ينظر يف النار”<br />
وسنده<br />
ضعيف إَل أن قال وقال املهلب: وما روى أنه ال جيوز النظر يف كتاب أحد إال إبذنه، إَّنا هو يف حق من مل يكن<br />
5<br />
متهما على املسلمني، وأما من كان متهما فال حرمة له[ .<br />
= 7<br />
النهي عن اإلشارة ابلسالح وحنوه إَل مسلم، سواء كان جادا أو مازحا.<br />
فعن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »ال يشر أحدكم إَل أخيه ابلسالح فإنه ال يدري لعل الشيطان<br />
ينزغ يف يده، <strong>في</strong>قع يف حفرة من النار« . 6 أي لعل الشيطان جيعله يرمي أخاه ابلسالح <strong>في</strong>قتله <strong>في</strong>دخل النار.<br />
وروى مسلم عن أيب هريرة عن النيب صلى هللا عليه وسلم: »من أشار إَل أخيه حبديدة فإن املالئكة تلعنه حىت ينزع،<br />
وإن كان أخاه ألبيه وأمه« حىت ينزع أي حىت يلقي هذه احلديدة.<br />
425<br />
- 1 فتح الباري ج 1 ص 222<br />
- 2 سورة النور، اآلية:<br />
27<br />
- 3 متفق عليه عن أيب موسى.<br />
- 4 متفق عليه.<br />
- 5 فتح الباري ج 11 ص 47<br />
- 6 متفق عليه.
ال»<br />
= 8<br />
وال يفوتين كذلك التنبيه على هني النيب صلى هللا عليه وسلم عن املرور بنصال األسلحة يف أسواق املسلمني<br />
ومساجدهم، لئال خيُْدَشَ أحدٌ ، 1 وهذا ينطبق على كل جتمع للمسلمني، حيتاط املسلم أن يؤذي أحدا بسالحه.<br />
النهي عن اإلفراط يف املزاح.<br />
2<br />
ومل ن َقُلْ النهي عن املزاح ككل، لورود اخلرب أبن النيب صلى هللا عليه وسلم كان يداعب أصحابه وال يقول إال حقا ،<br />
وإَّنا النهي عن الإفراط <strong>في</strong>ه ملا يف ذلك من املضار وأهوهنا استخفاف الناس به، وأنه قد يكذب ليُضحك الناس، وقد<br />
يثري املزاح عداوة بني الناس، أو يقع املازح يف عرض بعض الناس، وكل هذا مشاهد معروف.<br />
= 9<br />
قال ابن حجر: ]أخرج الرتمذي وحَسمنه عن أيب هريرة قال »قال قالوا اي رسول هللا إنك تداعبنا، قال: إين ال أقول إال<br />
حقا«، وأخرج من حديث ابن عباس مرفوعا »ال متار أخاك وال متازحه« احلديث، واجلمع بينهما: أن النهي عنه ما <strong>في</strong>ه<br />
إفراط أو مداومة عليه ملا <strong>في</strong>ه من الشغل عن ذكر هللا والتفكر يف مهمات الدين، ويئول كثريا إَل قسوة القلب والإيذاء<br />
واحلقد وسقوط املهابة والوقار، والذي يَسْلَم من ذلك هو املباح، فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس املخاطب<br />
3<br />
ومؤانسته فهو مستحب. قال الغزايل: من الغلط أن يتخذ املزاح حرفة ويتمسك أبنه صلى هللا عليه وسلم مزح[ .<br />
وقال املاوردي يف كتابه )أدب ا لدنيا والدين(: ]ويقل: إَّنا مسي املزاح مزاحا ألنه يزيح عن احلق، وقال إبراهيم النخعي:<br />
املزاح من سخف أو بطر، وقيل يف منثور احلكم: املزاح َيكل اهليبة كما أتكل النار احلطب، وقال بعض احلكماء: من<br />
كثر مزاحه زالت هيبته، ومن كثر خالفة طابت غيبته. وقال بعض البلغاء: من قل عقله كثر هزله إَل أن قال<br />
فالعاقل يتوخى مبزاحه إحدى حالتني ال َثلثة هلما، إحدامها: إيناس املصاحبني، والتودد إَل املخالطني، وهذا يكون مبا<br />
أنس من مجيل القول، وبسط من مستحسن الفعل. وقد قال سعيد بن العاص البنه: اقتصد يف مزاحك فإن الإفراط<br />
<strong>في</strong>ه يذهب البهاء، وجيرئ عليك السفهاء، وإن التقصري <strong>في</strong>ه يفض عنك املؤانسني، ويوحش منك املصاحبني. واحلالة<br />
4<br />
الثانية: أنه ين<strong>في</strong> ابملزاح ما طرأ عليه من سأم، وأحدث به من هم، فقد قيل: البد للمصدور أن ينفث[ .<br />
كظم الغيظ: وهو من صور كف األذى عن الناس<br />
قال تعاَل: }وَ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعَاقِينَ عَنْ النَّا ِس{ ، 5 من صفات املتقني، وقال صلى هللا عليه وسلم:<br />
تغضب« . 6 وقال تعاَل: }وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْ مِ األُمُورِ } 7 ، وقد سبق الكالم عن الصرب على إيذاء<br />
- 1 كما رواه البخاري )حديث451، 452(<br />
- 2 رواه الرتمذي عن أيب هريرة.<br />
426<br />
527<br />
- 3 فتح الباري 526 / 11<br />
- 4 أدب الدنيا والدين، ط دار الكتب العلمية 1389ه ص 289<br />
- 5 سورة آل عمران، اآلية: 134<br />
- 6 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 7 سورة الشورى، اآلية:<br />
288<br />
43
الإخوة وكظم الغيظ والصرب والعفو من األخالق اليت حيتاجها كل من خيالط الناس والتحلي هبا َيِت ابجملاهدة<br />
والإكتساب.<br />
= 01<br />
كتمان األسرار، وهي من األماانت:<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:<br />
وزاد يف رواية مسلم: »وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم«.<br />
وعن جابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال:<br />
1<br />
»آية املنافق ثالث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤمتن خان« ،<br />
2<br />
»إذا حَدمث الرجل احلديث ُث التفت فهي أمانة« .<br />
وروى أبو داود عن جابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »اجملالس ابألمانة، إال ثالثة جمالس، سفك دم مسفوح،<br />
أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغري حق«.<br />
ويف التنزيل قال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ال تَخُونُوا َّللاَّ َ وَ الرَّ سُولَ وَ تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُو َن{ ، 3 وقد سبقت<br />
قصة أيب لبابة بن املنذر وحاطب بن أيب بلتعة رضي هللا عنهما يف تفسري هذه اآلية.<br />
وقد ورى البخاري رمحه هللا يف ابب )حفظ السر( من كتاب الإستئذان من صحيحه عن أنس<br />
<br />
قال: »أَسَرم إيلَم النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم سِ را فما أخربت به أحدا بعده، ولقد سألتين أم سليم فما أخربهتا به«. قلت: وأم سليم هي أم<br />
أنس، قال ابن حجر يف شرح هذا احلديث: ]قال بعض العلماء: كأن هذا السر كان خيت<br />
بنساء النيب صلى هللا عليه<br />
وسلم، وإال فلو كان من العلم ما وسع أَنَساً كتمانه، وقال ابن بطال: اللي عليه أهل العلم أن السر ال يباح به إذا<br />
كان على صاحبه منه مضرة، وأكثرهم يقول إنه إذا مات ال يلزم من كتمانه ما كان يلزم يف حياته إال أن يكون عليه<br />
<strong>في</strong>ه غضاضة قلت: الذي يظهر انقسام ذلك بعد املوت إَل ما يباح، وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب ا لسر،<br />
كأن يكون <strong>في</strong>ه تزكية له من كرامة أو منقبة أو حنو ذلك. وإَل ما يُكْره مطلقا وقد حيرم وهو الذي أشار إليه ابن بطال،<br />
وقد جيب كأن يكون <strong>في</strong>ه ما جيب ذكره كحق عليه كان يعذر برتك القيام به فريجى بعده إذا ذكر ملن يقوم به عنه أن<br />
4<br />
يفعل ذلك[ .<br />
وقال املاوردي يف كتابه )أدب الدنيا والدين(: ]“كتمان السر” اعلم أن كتمان األسرار من أقوى أسبا النجاح<br />
وأدوم ألحوال الصالح. وروى عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال: »استعينوا على احلاجات ابلكتمان فإن كل<br />
ذي نعمة حمسود« ، 5 وقال علي بن أيب طالب كرم هللا وجهه )سرك أسريك فإن تكلمت به صرت أسريه( إَل أن قال<br />
وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه، ومنع من نيل مطالبه، ولو كتمه كان من سَطْوَتِه آمنا، ويف عواقبه ساملا، ولنجاح<br />
- 1 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 2 رواه أبو داود والرتمذي.<br />
- 3 سورة األنفال، اآلية:<br />
427<br />
27<br />
- 4 فتح الباري ج 11 ص 92<br />
- 5 رواه الطرباين عن معاذ، وإسناده ضعيف )انظر جممع الزوائد ج 9 ص 189(.
حوائجه راجيا إَل أن قال وإظهار الرجل سر غريه أقبح من إظهار سر نفسه، ألنه يبوء ]إحدى وصمتني: اخليانة<br />
وإن كان مؤمتنا، أو النميمة إن كان مستَوْدَعا( . 1<br />
قلت: وكتمان<br />
عليه وسلم:<br />
األسرار يتأكد خاصة <strong>في</strong>ما يتعلق ابجلهاد يف سبيل هللا واحلرب، إذ إنه يدخل يف عموم قوله صلى هللا<br />
2<br />
»احلرب خُدعة« ، وكيف ختدع عدوك إذا مل تكتم أسرارك، و)كان النيب صلى هللا عليه وسلم إذا أراد<br />
3<br />
غزوة وَرمى بغريها( ، ويصل كتمان األسرار إَل إابحة الكذب إن<br />
ابحلرب واجلهاد خاصة. وقد سبقت الإشارة إَل هذا يف )معامل أساسية يف اجلهاد(.<br />
وهذا كله <strong>في</strong>ما يتعلق بكف األذى عن الناس وهو األول من قسمي معاملتهم.<br />
مل ميكن كتم السر إال بذلك، وهذا <strong>في</strong>ما يتعلق<br />
القسم الثاني: بعض ما يدخل <strong>في</strong> إيصال النفع إلى الناس.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »خري األصحاب عند هللا تعاَل خريهم لصاحبه، وخري اجلريان عند هللا تعاَل<br />
خريهم جلاره« . 4<br />
ومن ذلك:<br />
= 00<br />
طيب الكالم وطالقة الوجه عند اللقاء، وهو أدىن النفع ولذلك بدأت به.<br />
قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم: »اتقوا النار ولو بشق مترة، ومن مل جيد فبكلمة طيبة« ، 5 وقال صلى هللا عليه<br />
وسلم :<br />
»ال حتقِرَنم من املعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق« . 6<br />
فإايك والعبوس يف وجه إخوانك، وقد قال تعاَل يف صفة املؤمنني }أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْ مِنِينَ أَعِزَّ ةٍ عَلَى الْكَاقِرِ ي َن{ ، 7 وقال<br />
تعاَل: }أَشِدَّاءُ عَلَى ا ْلكُفَّارِ رُ حَمَاءُ بَيْنَهُ ْم{ . 9<br />
أداء حقوق املسلم املذكورة يف قوله صلى هللا عليه وسلم: »حق املسلم على املسلم مخس: رد السالم، وعيادة<br />
8<br />
املريض، واتباع اجلنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس« . وزاد مسلم يف رواية له »وإذا استنصحك فانصح له«<br />
وزاد يف رواية متفق عليها للرباء بن عازب »وإبرار املقسم، ونصر املظلوم« فتكون جمموع الفتاوى هذه احلقوق مثان.<br />
= 02<br />
- 1 أدب الدنيا والدين ط 1389ه ص 285<br />
- 2 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
- 3 متفق عليه عن كعب بن مالك.<br />
- 4 رواه الرتمذي عن ابن عمر وقال حديث حسن.<br />
- 5 متفق عليه عن عدي بن حامت.<br />
- 6 رواه مسلم عن أيب ذر.<br />
- 7 سورة املائدة، اآلية:<br />
- 9 سورة الفتح، اآلية:<br />
- 8 متفق عليه عن أيب هريرة.<br />
428<br />
54<br />
28
= 03<br />
ومنها إفشاء السالم، لقوله صلى هللا عليه وسلم : »ال تدخلوا اجلنة حىت تؤمنوا، وال تؤمنوا حىت حتابوا، أَوَالَ<br />
1<br />
أدلكم على شيء إذا فعلتموه حتاببتم؟، أفشوا السالم بينكم« . وتسلم على من عَرَفت ومن مل تعرف.<br />
= 04<br />
ومنها حسن افلق، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »اتق هللا حيثما كنت، وأتبع السيئة احلسنة متحها<br />
2<br />
وخالق الناس ِبلق حسن« ، قال ابن رجب احلنبلي: ]قوله صلى هللا عليه وسلم : »وخالق الناس ِبلق حسن« هذا<br />
من خصال التقوى وال تتم التقوى إال به، وإَّنا أفرده ابلذكر للحاجة إَل بيانه فإن كثرياً من الناس يظن أن التقوى هي<br />
قيام حبق هللا دون حقوق عباده، فن<br />
له األمر إبحسان العشرة للناس إَل أن قال وقد روى عن السلف تفسري<br />
حسن اخللق، ..عن ابن املبارك قال: هو بسط الوجه وبذل املعروف وكف األذى، ..وعن الإمام أمحد: حسن اخللق<br />
أن حتتمل ما يكون من الناس[ . 3<br />
ومن أهم ما يدخل يف حسن اخللق، حفظ اللسان ولني القول وحفظ اجلناح والتواضع والرفق ابلناس وقد سبق التنبيه<br />
عليه يف الباب الرابع، ويدخل <strong>في</strong>ه كظم الغيظ واحتمال األذى والعفو والصفح وكل هذا حيتاجه العبد يف خمالطة الناس.<br />
وأود أن أنبه هنا على أن حسن اخللق ينفع صاحبه يف الدنيا واآلخرة، ف<strong>في</strong> الدنيا يقيض هللا مع حيسن إليه كما أحسن<br />
إَل الناس فاجلزاء من جنس العمل، وصنائع املعروف تقي من مصارع السوء، ومن يتق هللا جيعل له من أمره يسرا،<br />
ويبارك هللا له يف رزقه<br />
وسلم :<br />
ويف عمره كما سبق يف فضب صلة الرحم. وأما يف اآلخرة، فقد قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
»ما من شيء يوضع يف ميزان العبد أثقل من حسن اخللق، وإن صاحب حسن اخللق ليبلغ به درجة صاحب<br />
4<br />
الصوم والصالة« .<br />
= 05<br />
ومنها ما ذكره النيب صلى هللا عليه وسلم يف قوله: »مَنْ ن َفمسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، ن َفمسَ اَّللمُ<br />
عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ ي َوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسمرَ عَلَى مُعْسِ رٍ يَسمرَ اَّللمُ عَلَيْهِ يفِ الدُّنْيَا وَاآلخِ رَةِ، وَمَنْ سَرتََ مُسْلِمًا سَرتََهُ اَّللمُ ِيف<br />
الدُّنْيَا وَاآلخِ رَةِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا ي َلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهملَ اَّللمُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إَِلَ اجلَْنمةِ، وَمَا ا ْجتَمَعَ قَوْمٌ يفِ ب َيْتٍ مِنْ ب ُيُو ِت<br />
اَّللمِ ي َتْلُونَ كِتَابَ اَّللمِ وَي َتَدَارَسُونَهُ ب َيْنَهُمْ، إِالم<br />
ن َزَلَتْ عَلَيْهِمُ السمكِينَةُ وَغَشِ يَتْهُمُ الرممحَْةُ وَحَفمتْهُمُ الْمَالئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اَّللمُ فِيمَ ْن<br />
عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطمأَ بِهِ عَمَلُهُ ملَْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ« . 5<br />
الْعِلْم، وَلْتَجْلِسُوا حَ مىت<br />
َ<br />
وأنبه على نشر العلم خاصة من ضمن هذه الصفحات، قال عمر بن عبد العزيز )وَلْتُفْشُوا<br />
ي ُعَلممَ مَنْ ال ي َعْلَمُ، فَإِنم الْعِلْمَ ال ي َهْلِكُ حَىتم يَكُونَ سِ راا( . 6 وكأن البخاري أراد رمحه هللا بذكر هذا األثر يف ابب قبض<br />
- 1 رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 2 رواه الرتمذي عن معاذ وقال حديث حسن.<br />
- 3 جامع العلوم واحلكم<br />
429<br />
161<br />
159<br />
5<br />
- 4 رواه أمحد وأبو داود والرتمذي عن أيب الدرداء.<br />
- رواه مسلم عن أيب هريرة.<br />
- 6 رواه البخاري يف كتاب )ابب كيف يُقبض العلم؟(.
العلم أن ترك تعليم العلم للناس هو سبب موت العلم وتفشي اجلهل. فاحرص على تعليم أخيك املسلم ما ميكنك،<br />
عَلِّمه التالوة واألذكار والفقه الالزم وعلمه القراءة والكتابة إن كان أُمِّيا، وعلمه خربتك العسكرية وخربتك يف العمل<br />
الإسالمي فقد ال تنتفع أنت هبذا وقد تُسْتَشْهد، وينتفع هو هبذه اخلربة وتكون لك صدقة جارية بعد موتك وينالك<br />
ثواب عمله، ولقوله صلى هللا عليه<br />
النصيحة(.<br />
وسلم :<br />
1<br />
»مَن دَلم على خري فله مثل أجر فاعله« . وهذا كله يدخل يف ابب )الدين<br />
ومن اخلصال املذكورة يف احلديث السابق )من سرت مسلما(، فإذا رأيت أخاك على معصية فاسرت عليه وال تفضحه<br />
وانصحه، إال إذا كان يفعل ما يضر غريه فأخرب األمري بذلك. وال تتخل عورة أخيك حديَا للسمر والقِيل والق ال،<br />
فإنك جمازى مبَل هلا كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »مَنْ سَرتََ عَوْرَةَ أَخِ يهِ الْمُسْلِمِ سَرتََ اَّللمُ عَوْرَتَهُ ي َوْمَ<br />
ي َفْضَحَهُ أَخِ يهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اَّللمُ عَوْرَتَهُ حَ مىت هبَِا يفِ ب َيْتِِه« . 2<br />
الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ<br />
وكما ترى فحديث أيب هريرة »من نفس عن مؤمن كربة...« مشتمل على عدة أمثلة لقاعدة اجلزاء من جنس العمل،<br />
وهذه القاعدة عامة وهامة ضعها نصب عينيك يف كل أمر ت ُقْدِم عليه من حسنة أو سيئة، فاعلم أنك ستُجَازى<br />
جبنسها يف الدنيا واآلخرة.<br />
= 06<br />
<br />
ومنها خدمة اإلخوة: أورد البخاري يف كتاب اجلهاد من صحيحه )اب فضل افدمة يف الغزو( عن أنس<br />
قال: »كنا مع النيب صلى هللا عليه وسلم أكثران ظال الذي يستظل بكسائه، وأما الذين صاموا فلم يعلموا شيئا،<br />
وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعاجلوا، فقال النيب صلى هللا عليه وسلم : ذهب املفطرون اليوم ابألجر« قال<br />
ابن حجر: ]قوله »ابألجر« أي الوافر، وليس املراد نق<br />
ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغاهلم وأشغال الصوام... قال ابن أيب صفرة:<br />
أجر الصُّوام بل املراد أن املفطرين حصل هلم أجر عملهم<br />
3<br />
وعلى أن الفطر يف السفر أوَل من الصيام. وأن الصيام يف السفر جائز خالفا ملن قال ال ينعقد[ .<br />
و<strong>في</strong>ه ا على املعاونة يف اجلهاد،<br />
قال ابن رجب احلنبلي: ]قال جماهد: صحبت ابن عمر يف السفر ألخدمه فكان خيدمين، وكان كثري من الصاحلني<br />
يشرتط على أصحابه أن خيدمهم يف السفر، وصحب رجل قوما يف اجلهاد فاشرتط عليهم أن خيدمهم وكان إذا أراد<br />
أحدهم أن يغسل رأسه أو ثوبه قال هذا من شرطي[ . 4<br />
- 07<br />
=<br />
08<br />
ومنها معرفة حق الكبري والصغري: وقد سبق هذا يف الباب الرابع يف الوالايت.<br />
ومنها مداراة الناس: قال تعاَل:<br />
وَ بَيْنَهُ عَدَاوَ ةٌ كَأَنَّهُ وَ لِيٌّ حَمِيمٌ{ . 1<br />
{ وَ ال تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ ال السَّي ِئَةُ ادْقَْْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قَإِذَا الَّذِي بَيْنَ َك<br />
- 1 رواه مسلم عن أيب مسعود البدري.<br />
- 2 رواه ابن ماجه عن ابن عباس.<br />
431<br />
- 3 فتح الباري 94 / 6<br />
- 4 جامع العلوم واحلكم ص<br />
288
وأورد البخاري يف كتاب األدب من صحيحه )ابب املداراة مع الناس( تعليقا عن أيب الدرداء قال: )إان لنُكْشِ رُ يف<br />
وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم( والكَشْر هو الضحك، وروى البخاري عن عائشة قال: )استأذن على النيب صلى هللا<br />
عليه وسلم رجل، قال: ائذنوا له فبئس ابن العشرية أو بئس أخو العشرية فلم دخل أَالَنَ له الكالم. قلت له اي<br />
رسول هللا: قلت ما قلت ُث أَلَنْتَ له يف القول، فقال: أَيْ عائشة إن شر الناس منزلة عند هللا من تَرَكَه<br />
أو وَدَعَه<br />
2<br />
الناس إتقاء فحشه( ، قال ابن حجر: ]والنكتة يف إيراده هنا للتلميح إَل ما وقع يف بعض الطرق بلفظ املداراة، وهو<br />
عند احلارث بن أيب أسامة من حديث صفوان بت عال حنو حديث عائشة و<strong>في</strong>ه »فقال: إنه منافق أداريه عن نفاقه<br />
3<br />
وأخشى أن ي ُفْسِ دَ م عَلَي غريه«[ ، وقال ابن حجر أيضا: ]املداراة.. من املدافعة، واملراد به الدفع برفق إَل قوله فمما<br />
ورد <strong>في</strong>ه صرحيا حديث جلابر عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال: »مداراة الناس صدقة« أخرجه ابن عدي والطرباين يف<br />
األوسط ويف سنده يوسف بن حممد املنكدر ضَعمفوه، وقال ابن عدي: أرجو أنه ال أبس به، وأخرجه ابن أيب عاصم يف<br />
“آداب احلكماء”<br />
بسند أحسن منه، وحديث أيب هريرة “رأس العقل بعد الإميان ابهلل مداراة الناس” أخرجه البزار<br />
بسند ضعيف إَل أن قال قال ابن بطال: املداراة من أخالق املؤمنني، وهي خفض اجلناح للناس ولني الكلمة وترك<br />
الإغالظ هلم يف القول وذلك من أقوى أسباب األلفة، وظن بعضهم أن املداراة هي املداهنة فغلط، أن املداراة مندو<br />
إليها واملداهنة حمرمة، والفرق أن املداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويسرت ابطنه، وفسرها العلماء<br />
أبهنا معاشرة الفاسق وإظهار الرضا مبا هو <strong>في</strong>ه من غري إنكار عليه، واملداراة هي الرفق ابجلاهل يف التعليم وابلفاسق يف<br />
النهي عن فعله وترك الإغالظ عليه حيث ال يظهر ما هو <strong>في</strong>ه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، والسيما إذا احتيج<br />
4<br />
إَل أتََلُّفِه وحنو ذلك[ . وقال ابن حجر يف موضع آخر: ]والفرق بني املداراة واملداهنة: أن املداراة<br />
5<br />
لصالح الدنيا أو الدين أو مها معا، وهي مباحة ورمبا استُحِ بت، واملداهنة ترك الدين لصالح الدنيا[ .<br />
بذل الدنيا<br />
قلت هبذا تعلم أن املداراة حيتاج إليها املرء كثريا عند خمالطة الناس على اختالف طبائعهم وأخالقهم، وأهنا من أقوى<br />
أسباب األلفة بني الناس، ومن أيسر سبل الإصالح واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر إذ إن املداراة تقرب بني<br />
القلوب فتقبل النصح.<br />
- 1 سورة فصلت، اآلية:<br />
430<br />
34<br />
- 2 حديث 6131<br />
- 3 فتح الباري 528 / 11<br />
- 4 فتح الباري 589 / 11<br />
- 5 فتح الباري 454 / 11
= 09<br />
ومنه اإلصالح بني الناس، فما من جمتمع إال وحتدث <strong>في</strong>ه املشاحنات بني الناس الختالف طبائعهم ولغري<br />
ذلك من األسباب، حىت الصحابة الذين هم خري هذه األمة كانت حتدث بينهم مشاحنات<br />
1<br />
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصلح بينهم .<br />
رضي هللا عنهم وكان<br />
قال تعاَل: }قَاتَّقُوا َّللاَّ َ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُ ْم{ ، 2 وقال : }ال خَيْرَ قِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَ اهُمْ إِال مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ<br />
مَعْرُ وفٍ أَوْ إِصْالحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْ ضَاةِ َّللاَّ ِ قَسَوْ فَ نُؤْ تِيهِ ً أَجْرا عَظِيم ًا{<br />
وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »أَال أُخْربُِكُمْ أبَِفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصومِ وَالصمالةِ وَالصمدَقَةِ قَالُوا ب َلَى ايَ رَسُولَ اَّللمِ<br />
قَالَ إِصْالحُ ذَاتِ الْبَنيِْ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَنيِْ احلَْالِقَةُ« . 4<br />
. 3<br />
وجيوز الكل يف اإلصالح بني الناس، <strong>في</strong>نقل لكل من الطرفني أن اآلخر يثين عليه أو يريد أن َيتيه أو غري ذلك،<br />
واألوَل استخدام املعاريض، قالت أم كلثوم بنت عقبة رضي هللا عنها، قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :<br />
»لي س<br />
الكذاب الذي يصلح بني الناس <strong>في</strong>نمي خريا أو يقول خريا« . 5 وروى مسلم عنها مرفوعا جواز الكذب يف ثالث منها<br />
يف الإصالح بني الناس وقد سبق.<br />
وكما ترى من األدلة السابقة فإن الإصالح بني الناس فضيلة عظيمة، ذلك ألن اخلالفات والعداوات بني الناس من<br />
أعظم ما يهدد وحدة اجلماعة املسلمة، حىت مساها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم »احلالقة« فقال: »دب إليكم داء<br />
6<br />
األمم قبلكم احلسد والبغضاء هي احلالقة، حالقة الدين ال حالقة الشعر« ، والبغضاء حتلق الدين ألن كثريا من<br />
الوظائف الدينية ال تقوم إال ابجلماعة.<br />
= 21<br />
ومنها التكافل، لقوله صلى هللا عليه وسلم: »مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ ال ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ<br />
لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ ال زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَىتم رَأَيْنَا أَنمهُ ال حَقم ألَحَدٍ مِنما ِيف<br />
9<br />
7<br />
فَضْلٍ » ، وقال صلى هللا عليه وسلم : »طعام الإثنني كايف الثالثة، وطعام الثالثة كايف األربعة« ، ويف رواية ملسلم عن<br />
جابر مرفوعا »طعام الواحد يك<strong>في</strong> الإثنني وطعام الإثنني يك<strong>في</strong> األربعة، وطعام األربعة يك<strong>في</strong> الثمانية«.<br />
- 1 انظر )ابب الإمام َيِت قوما <strong>في</strong>صلح بينهم(. كتاب األحكام بصحيح البخاري )فتح الباري 192( / 13<br />
- 2 سورة األنفال، اآلية:<br />
- 3 سورة النساء، اآلية:<br />
432<br />
1<br />
114<br />
- 4 رواه الرتمذي وصححه عن أيب الدرداء<br />
- 5 متفق عليه.<br />
- 6 رواه أمحد والرتمذي عن الزبري بن العوام.<br />
- 7 رواه مسلم عن أيب سعيد.<br />
- 9 متفق عليه عن أيب هر يرة.
وقال صلى هللا عليه وسلم : »إِنم األَشْعَرِيِّنيَ إِذَا أَرْمَلُوا يفِ الْغَزْوِ أَوْ قَلم طَعَامُ عِيَاهلِِمْ ابِلْمَدِينَةِ مجََعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ ِيف<br />
ث َوْبٍ وَاحِ دٍ ُثُم اقْتَسَمُوهُ ب َيْنَهُمْ يفِ إِانَءٍ وَاحِ دٍ ابِلسموِيمةِ فَهُمْ مِينِّ وَأَانَ مِنْهُمْ« . 1 أرملوا: أي فَرَغَ زادهم أو قارب الفراغ.<br />
وأعلى من هذا درجة الإيثار، وأعلى منه الإيثار مع احلاجة وهو املذكور يف قوله تعاَل: }وَ يُؤْ ثِرُ ونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَ ْو<br />
2<br />
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ{ .<br />
قلت: أعلم أن التكافل ركن هام من أركان اجملتمع املسلم واجلماعة املسلمة، فقد سبق أن ذكرت يف )معامل أساسية<br />
يف اجلهاد( أن األمة املسلمة أمة جماهدة، وإذا قام اجلهاد فعليا<br />
فإن اجملتمع املسلم سيتخل َّنطا جديدا، فالتجهيز<br />
للجهاد و<strong>إعداد</strong> اجملاهدين يلزمه نفقة كما ذكرت يف الباب الثاين من هذه الرسالة، وذكرت هناك أن اجلهاد ابملال قُدِّم<br />
على اجلهاد ابلنفس يف مجيع اآلايت إال آية واحدة، وذلك ألن اجلهاد ابلنفس ال يتأتى إال بعد بذل املال، كذلك فإن<br />
اجلهاد خيلف أيتاما وأرامل البد من كفالتهم حىت يستمر اجلهاد، فإن املسلم إذا علم أن أبناءه سيضيعون من بعده فقد<br />
يقعد عن اجلهاد، ومن هنا كان التواب العظيم على كفالة األيتام واألرامل خاصة. كما قال رسول هللا صلى هللا عليه<br />
وسلم :<br />
»أان وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا، وأشار أبصبعيه السبابة والوسطى« ، 3 وروى عن أيب هريرة مرفوعا »الساعي<br />
على األرملة واملسكني كاجملاهد يف سبيل هللا أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل«.<br />
إن اجلهاد سيعطي اجلماعة املسلمة َّنطا جديدا، جيب على اجلماعة استيعابه بتجهيز اجملاهدين، وكفالة األيتام<br />
واألرامل، وتشجيع تعدد الزوجات صيانة لزوجات الشهداء، وقد تسبق اجلهاد هجرة جيب استيعاهبا ابلتكافل بني<br />
املسلمني واملؤاخاة بينهم كما آخى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بني املهاجرين واألنصار، روى البخاري عن أنس <br />
قال: »حالف النيب صلى هللا عليه وسلم بني قريش واألنصار يف داري«، وروى عن عبد الرمحن بن عوف قال: »لَما<br />
قَدِمْنا املدينة آخى النيب صلى هللا عليه وسلم بيين وبني سعد بن الربيع«، وكان املهاجر يقاسم األنصاري داره وماله،<br />
حىت أغناهم هللا ابل<strong>في</strong>ء والغنائم.<br />
الخالصة:<br />
املسلم يف قيامه بواجبات هذا الدين ساعيا إَل مرضاة هللا تعاَل مير مبراحل ثالث وهي الفهم ُث الصدق ُث السلوك،<br />
وهي مرتتبة على بعضها البعض هبذا الرتتيب، وال ينتفع العبد مبرحلة منها قبل أن يقطع سابقتها.<br />
والفهم أييت ابلعلم، فال خري<br />
يف عبادة على جهل أو عمل بال علم، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه:<br />
“من عمل بغري علم كان ما ي ُفْسِ د أكثر مما يُصْلِح”، ولئن أتكد وجوب هذا يف الواجبات الدينية الفردية فهو يف<br />
الواجبات اجلماعية وهي ما نسميها يف هذا الزمان ابلعمل الإسالمي أشد توكيدا. وقد حاولت يف هذه الرسالة بيان<br />
- 1 متفق عليه عَنْ أَيبِ مُوسَى.<br />
- 2 سورة احلشر، اآلية:<br />
433<br />
8<br />
- 3 رواه البخاري عن سهل بن سعد.
بعض ما يتعلق مبرحلة الفهم يف العمل الإسالمي <strong>في</strong>ما ذكرته من أصول الإعتصام ابلكتاب والسنة وكذلك ما ذكرته<br />
من مسائل يف )معامل أساسية يف اجلهاد( متوخيا االختصار حىت ال خنرج عن موضوع الرسالة األصلي.<br />
والصدق أييت بعد الفهم، فاجلاهل ال<br />
يتصور منه صدق انفع، أما من علم وفهم ما جيب عليه عمله شرعا، فإن<br />
الصدق هو الذي ينقله من جمرد العلم إَل العمل والتطبيق، فهناك من علم وفهم ُث وقف عند هذه املرحلة، وشر منه<br />
من علم وفهم ُث عمل ِبالف ما جيب عليه، وقد سبق الكالم عن هذا يف كالمي عن الصدق <strong>في</strong>ما يلزم العبد يف حق<br />
هللا تعاَل.<br />
وأما السلوك <strong>في</strong>أيت بعد الفهم والصدق، إذ إن السلوك مالزم للعمل، وقلنا: إن العمل ينشأ عن الصدق. وإذا طبقنا<br />
هذا الكالم على أهم قضااي العمل الإسالمي املعاصر أال وهي قضية اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل، فنقول: إذا فهم املسلم<br />
ما جيب عليه من واجب اجلهاد وعزم على القيام هبذا الواجب صادقا، فإن السلوك هو عبارة عن جمموع معامالته أثناء<br />
قيامه هبذا الواجب.<br />
والسلوك قسمان: فردي )شخصي( ومجاعي )اجتماعي(.<br />
والسلوك الفردي<br />
قسمان: ابطن )هو ما يتعلق ابألخالق الباطنة واألعمال القلبية وختت<br />
وظاهر )وهي الواجبات واآلداب اليت ميارسها الإنسان يف خاصة نفسه سواء كان منفردا أو خمتلطا ابلناس(.<br />
ببحثه كتب الرقائق(،<br />
أما السلوك اجلماعي )الإجتماعي( فهو يتناول جمموع معامالت املسلم مع غريه من الناس، والذي يعنينا من هذا يف<br />
جمال اجلهاد هو تعامل املسلم مع أمريه ومع إخوانه ومع عدوه،<br />
وتكلمنا يف هذه الرسالة عن تعامل املسلم مع أمريه<br />
ومع إخوانه ومل نبحث التعامل مع العدو على التفصيل إذ إن موضوع الرسالة هو التدريب وليس اجلهاد نفسه.<br />
وقد ذكرت يف السلوك الواجب على املسلم حنو أمريه وحنو إخوانه مفردات كثرية.<br />
منها ماال يقوم اجلهاد إال به: كالسمع والطاعة لألمري وكتمان األسرار والتكافل.<br />
ومنها ما البد منه للمحافظة على وحدة اجلماعة اجملاهدة وللمحافظة على سالمة بنيان الصف املقاتل، ويدخل يف<br />
هذا مجيع ما ذكرته <strong>في</strong>ما يلزم العضو يف حق إخوانه من كف األذى وجلب النفع على التفصيل السابق.<br />
واألخذ مبجموع هذه السلوكيات يعترب من أسباب النصر، فبالإضافة إَل الفوائد املادية الناجتة عن هذه السلوكيات<br />
)كاالنضباط الناتج عن السمع والطاعة، وكوحدة اجلماعة وسالمة بنياهنا(، فإن مكارم األخالق هي يف ذاهتا مظنة<br />
تو<strong>في</strong>ق هللا تعاىل لصاحبها، يُستفاد هذا من قول السيدة خدجية رضي هللا عنها لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حني<br />
فزع ملا جاءه جربيل يف غار حراء أول مرة، <strong>في</strong>ما رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها قال: )فَدَخَلَ عَلَى خَدِجيَةَ<br />
بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِي اَّللمُ عَنْهَا فَقَالَ : زَمِّلُوينِ زَمِّلُوينِ ، فَزَملُوهُ حَىتم ذَهَبَ عَنْهُ الرموْعُ، فَقَالَ خلَِدِجيَةَ وَأَخْربََهَا اخلَْربََ: لَقَ ْد<br />
خَشِ يتُ عَلَى ن َفْسِ ي، فَقَالَتْ خَدِجيَةُ: ك ال و ِ اّلل م ا خيُْزِيك اّلل ُ أ ب د ا، إِن ك ل ت صِلُ الر حِ م و حت ْمِلُ الْك ل و ت كْسِ بُ<br />
الْم عْدُوم و تد قْرِي الض يْف و تُعِنيُ عل ى ند و ائِبِ ا ْ ِق( وزاد يف رواية )وتصدق احلديث( وقوهلا )ما خيزيك( من اخلزي،<br />
فاستدلت السيدة خدجية رضي هللا عنها على قوهلا )وَاَّللمِ مَا خيُْزِيكَ اَّللمُ أَبَدًا( استدلت أبمر استقرائي وصفته أبصول<br />
434
مكارم األخالق ، 1 قلت: وقد كان هذا يف بَدْء البعثة مما يدل على أن هذا كان مقررا أيضا عند أهل اجلاهلية وهو أن<br />
مكارم األخالق مظنة النجاح والتو<strong>في</strong>ق.<br />
وما قالته السيدة خدجية للنيب صلى هللا عليه وسلم وَصَفَ به ابنُ الدمغِنَة أاب بكر<br />
<br />
ملا ضاقت عليه مكة فخرج منها<br />
مهاجرا إَل احلبشة، قالت السيدة عائشة رضي هللا عنها )لَقِيَهُ ابْنُ الدمغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ايَ أََاب<br />
بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَينِ قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِ يحَ يفِ األَرْضِ وَأَعْبُدَ ِ رَيبّ ، قَالَ ابْنُ الدمغِنَ ةِ، فَإِنم مِثْلَكَ ايَ أَابَ بَكْرٍ ال<br />
خيَْرُجُ وَال خيُْرَجُ، إِن ك ت كْسِ بُ الْم عْدُوم و ت صِلُ الر حِ م و حت ْمِلُ الْك ل، و تد قْرِي الض يْف، و تُعِنيُ ع ل ى ند و ائِبِ ا ْ قِ<br />
، فَأََان<br />
2<br />
لَكَ جَارٌ ارْجِ عْ وَاعْبُدْ رَبمكَ بِبَلَدِكَ ، فَرَجَعَ( ، قلت فكانت صفات أيب بكر هي نفس ما وُصِفَ به رسول هللا صلى<br />
3<br />
هللا عليه وسلم ومن هنا كان أبو بكر }ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا قِي الْغَا ِر{ ، وكان رضي هللا عنه خري هذه األمة بعد النيب<br />
صلى هللا عليه وسلم .<br />
هبذا ترى أن مكارم األخالق مظنة النجاح والتو<strong>في</strong>ق، قال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَّقِ َّللاَّ َ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِ هِ ً يُسْرا{ ، 4 وقال<br />
سبحانه: }قَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِي َن{ ، 5 وهذا كله يدخل حتت قاعدة الطاعات الواردة يف قوله تعاىل }وَ لَوْ أَنَّهُمْ<br />
قَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ ً خَيْرا لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتًا{ ، 6 وهذه القاعدة هي فرع من القاعدة العامة للنصر الوارد يف<br />
قوله تعاَل: }إِنْ تَنصُرُ وا َّللاَّ َ يَنصُرْ كُمْ وَ يُثَب ِتْ أَقْدَامَكُ ْم{ ، 7 وهبذا ترى أن الطاعات ومكارم األخالق تؤثر أتثريا<br />
مباشرا يف ساحة املعركة بتثبيت األقدام وتسديد الرمي، وتؤثر يف حسم املعركة ابلنصر إبذن هللا تعاَل.<br />
وبضدِّها تتمي ز األش ياء، فعل ى النق يض مم ا س بق: ف إن املعاص ي ت ؤثر أيض ا أتث ريا مباش را يف س احة املعرك ة<br />
ويف نتيجتها كما ورد يف قوله تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَ لَّوْ ا مِنْكُمْ يَوْ مَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَوا اسْوتَزَ لَّهُمْ الشَّويَِْانُ بِوبَعْ ِض<br />
مَا كَسَبُوا{ . 9<br />
هله القواعد العامة، قواعد النصر وافلالن ينبغي أن تكون حاضرة يف األذهان، ولقد اشتمل القرآن املكي على<br />
هذه القواعد يف قص<br />
األنبياء مع أقوامهم لتكون هذه القواعد حاضرة يف أذهان املسلمني حينما يشرع هلم اجلهاد<br />
ابملدينة، ليعلموا كيف ينصر هللا أولياءه ومباذا ينصرهم؟ وليعلموا كيف خيذل هللا أعداءه ومباذا خذهلم؟<br />
435<br />
- 1 فتح الباري 24 / 1<br />
- 2 احلديث 3815<br />
- 3 سورة التوبة، اآلية:<br />
- 4 سورة الطالق، اآلية:<br />
- 5 سورة هود، اآلية:<br />
- 6 سورة النساء، اآلية:<br />
- 7 سورة حممد، اآلية:<br />
41<br />
4<br />
66<br />
48<br />
7<br />
- 9 سورة آل عمران، اآلية:155
قال تعاَل عقب قصة نوح مع قومه }تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِ يهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَ الَ قَوْ مُكَ مِنْ قَبْ ِل<br />
هَذَا قَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ{ . 1<br />
وقال<br />
تعاَل: { وَ لَقَدْ أَرْ سَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُ سُال إِلَى قَوْ مِهِمْ قَجَاءُوهُمْ بِالْبَي ِنَاتِ قَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَ ُموا وَ كَانَ حَقًّا<br />
عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْ مِنِينَ{ . 2<br />
وقال تعاَل: }وَ كُال نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّ سُلِ مَا نُثَ<br />
ب ِتُ بِهِ قُؤَادَكَ وَ جَاءَكَ قِي هَذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْ عِظَةٌ وَ ذِكْرَ ى<br />
لِلْمُؤْ مِنِينَ{ . 3<br />
وهذا يف حق املؤمنني وأعدائهم الكافرين، أما يف حق الفاسقني القاعدين عن اجلهاد الواجب فقد ضرب هللا ملا مثال<br />
بقوله: }قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَد ًا مَا دَامُوا قِيهَا قَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَ بُّكَ قَقَاتِالَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَ ِب إِن ِي<br />
ال أَمْلِكُ إِالَّ نَفْسِي وَ أَخِ ي قَاقْرُ قْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ الْقَوْ مِ الْفَاسِقِينَ قَالَ قَإِنَّهَا مُحَرَّ مَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْ بَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ قِي<br />
األَرْ ضِ قَالَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْ مِ الْفَاسِقِينَ } 4 ، ومن هذه اآلية تعلم أن التيه عقوبة قدرية للقاعدين عن اجلهاد الواجب،<br />
وأظن أن هذه هي احلالة اليت حيياها كثري من املسلمني يف هذا الزمان.<br />
ويف هناية هذا الباب اخلامس، ال يفوتين أن ألفت نظر األخ القارئ إَل ما ذكرته يف مسألة كي<strong>في</strong>ة اكتساب األخالق<br />
احلميدة يف الباب الرابع، فما ذكرته هنا مما جيب على املسلم يف حق إخوانه من كف األذى وجلب النفع هي<br />
سلوكيات يكتسبها من يفتقر إليها مبجاهدة نفسه وبنصح إخوانه له، وابلصدق والعزم تصري هذه السلوكيات راسخة<br />
يف النفس، ويصري املؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا.<br />
ومما يؤسف له أن اخللل يف السلوك وعدم حتلي بعض املسلمني ابلقَدْر الواجب من حماسن األخالق كل هذا يؤخر<br />
قيام املسلمني مبا جيب عليهم من الواجبات الدينية اجلماعية كاألمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد وحنو ذلك.<br />
فأكرر النصح لنفسي ولسائر املسلمني مبجاهدة النفس يف سبيل هللا تعاَل، وأوصي اجملاهدين ابلسمع والطاعة والنظام<br />
والإنضباط والصرب على إخواهنم وكل هذا يَسْهُل على النفس إبنكار الذات لوجه هللا تعاَل من أجل حتقيق املصاحل<br />
الشرعية.<br />
26 25<br />
- 1 سورة هود، اآلية:<br />
- 2 سورة الروم، اآلية:<br />
- 3 سورة هود، اآلية:<br />
48<br />
47<br />
121<br />
- 4 سورة املائدة، اآلايت،<br />
24<br />
436
خاتمة الرسالة.<br />
قال هللا تعاَل: }لَقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُ سُلَنَا بِالْبَي ِنَاتِ وَ أَنْزَ لْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَ انَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسِِْ وَ أَنْزَ لْنَا الْحَدِيدَ قِي ِه<br />
بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَاقُِْ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ َّللاَّ ُ مَنْ يَنْصُرُ هُ وَ رُ سُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ َّللاَّ َ قَوِيٌّ عَزِ ي ٌز{<br />
. 1<br />
تبني هذه اآلية الكرمية أن ا ق ال يقوم إال ابلقوة، وسبق يف هذه الرسالة كالم شيخ الإسالم ابن تيمية يف هذه اآلية<br />
حيث قال: ]ولن يقوم الدين إال ابلكتاب وامليزان واحلديد، كتاب يهدي به وحديد ينصره[<br />
هللا عليه وسلم<br />
6<br />
2<br />
. ولذلك كان النيب صلى<br />
يطلب النصرة لدين هللا، كما قال تعاَل: }وَ قُلْ رَ ب ِ أَدْخِ لْنِي مُدْخَلَ صِ دْقٍ وَ أَخْرِ جْنِي مُخْرَ جَ صِ دْ ٍق<br />
وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلَِْان ًا نَصِ ير ً ا{<br />
3<br />
. واجلهاد هو الذي حيمي هذا الدين وأهله، فإذا تركوا اجلهاد سلط هللا عليهم<br />
الذل كما يف حديث العِينَة. وطريق اجلهاد يبدأ بتكوين اجلماعة املسلمة، هذه هي سنة النيب صلى هللا عليه وسلم<br />
و سريته، وذكرها صراحة يف حديث احلارث األشعري قال صلى هللا عليه وسلم : »وأان آمركم ِبمس هللا أمرين هبن:<br />
اجلماعة والسمع والطاعة واهلجرة واجلهاد« . 4<br />
فطريق اجلهاد يبدأ بتكوين اجلماعة،<br />
واجلهاد نفسه حيمي هله<br />
5<br />
اجلماعة ودينهاكما قال تعاَل: }وَ لَوْ ال دَقُْْ َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ األَرْ ُض{ ،وقال تعاَل:}وَ لَوْ ال دَقُْْ<br />
َّللاَّ ِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِمَتْ صَوَ امُِْ وَ بِيٌَْ وَ صَلَوَ اتٌ وَ مَسَاجِ دُ يُذْكَرُ قِيهَا اسْمُ َّللاَّ ِ ً كَثِيرا وَ لَيَنصُرَ نَّ َّللاَّ ُ مَ ْن<br />
يَنصُرُ هُ{ ، فباجلهاد يدفع الفساد عن هذا الدين وعن أهله.<br />
وقد اشتملت هذه الرسالة على ما يدل على مشروعية بل الوجوب اجلماعة والإمارة يف الباب الثالث، وعلى مشروعية<br />
بل وجوب السمع والطاعة يف الباب اخلامس، وعلى مشروعية العهود والبيعات بني املسلمني أفرادا ومجاعات على<br />
الطاعات وعلى رأسها اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل وذلك يف الباب الرابع.<br />
كما اشتملت هذه الرسالة على أصول االعتصام ابلكتاب والسنة وهو منهج أهل السنة واجلماعة الذي جيب على<br />
املسلمني أفرادا ومجاعات هنجه. كذلك فقد اشتملت على ما مسيته<br />
»معامل أساسية يف اجلهاد«<br />
القدرية والوعد الإهلي بنصر املؤمنني كل هذا يف الفصل اخلاص ابل<strong>إعداد</strong> الإمياين ابلباب الرابع.<br />
شروط حتقق السنة<br />
437<br />
- 1 احلديد، اآلية: 25<br />
- 2 ( جمموع الفتاوي ) 26 /35<br />
- 3 االسراء، اآلية: 91<br />
- 4 رواه أمحد والرتمذي وصححه، وصححه األلباين<br />
- 5 البقرة، اآلية: 251<br />
- 6 احلج، اآلية: 41
إن اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل هو طريق العزة والسيادة يف الدنيا وهو طريق السعادة يف اآلخرة ومها احلسنيان يف قوله<br />
تعاَل: }قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِال إِحْدَى الْحُسْنَيَيْ ِن{ ، 1 وهللا تعاَل يريد إظهار دينه احلق على ما عداه كما قال تعاَل:<br />
}هُوَ الَّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ ِ الْحَق لِيُظْهِرَ هُ عَلَى الدِينِ كُلِهِ وَ لَوْ كَرِ هَ الْمُشْرِ كُو َن{ ، 2 واجلهاد هو وسيلة<br />
إظهار الدين كما قال تعاَل }وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى ال تَكُونَ قِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِينُ كُلُّهُ ّلِلِ َّ ِ{<br />
. 3<br />
إن اجلهاد هو ذروة سنام الإسالم، وهو من أعلى مراتب العبودية هلل عز وجل ف<strong>في</strong>ه بذل النفس يف حمبة الرب سبحانه<br />
ويف طاعته ومرضاه، فأي شيء فوق هذا؟ وأي عبودية للرب بعد هذا ؟، وهو دفاع عن ألوهية هللا تعاىل املعتدى<br />
عليها يف األرني، حىت يكون ال إله إال هللا وحىت ال تكون هناك آهلة أخرى تعبد يف األرض من دون هللا، قال تعاَل<br />
4<br />
}وَ هُوَ الَّذِي قِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَ قِي األَرْ ضِ إِلَهٌ{ ، أي املعبود <strong>في</strong>هما سبحانه، فمن اعتدى على ألوهية قاتلناه نصرة<br />
5<br />
لربنا، كما قال سبحانه: }إِنْ تَنصُرُ وا َّللاَّ َ يَنصُرْ كُ ْم{ ، حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل.<br />
إن جهاد احلكام املرتدين احلاكمني بغري شريعة الإسالم هو جهاد متعني على أكثر املسلمني يف هذا الزمان، وهو<br />
مقدم على غريه من جهاد الكفار<br />
األصليني كاليهود والنصارى و الوثنيني، كما سبق يف مبحث معامل أساسية يف<br />
اجلهاد، إذ يزيد هؤالء احلكام بص<strong>في</strong>ت القُرْب والرِّدمة وكالمها يستوجب البَدْء هبما، كما أن يف جهادهم حفظ رأس مال<br />
الإسالم. ولقد انفرد أبو بكر<br />
<br />
دون اخللفاء من بعده هبذه املزية وهذه املنقبة العظيمة أال وهي قتال املرتدين حفظا<br />
لرأس مال الإسالم، كما قال أبو هريرة ، )والذي ال إله إال هو لوال أن أاب بكر استخلف ما عبد هللا( رواه البيهقي<br />
وروى ابن عساكر عن أيب حصني قال )ما وُلِدَ آلدم يف ذريته بعد النبيني واملرسلني أفضل من أيب بكر، ولقد قام أبو<br />
بكر يوم الردة مقام نيب من األنبياء(، ومن هنا كان<br />
<br />
أعلم الصحابة، كما قال السيوطي: ]قال النووي يف هتذيبه:<br />
استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي هللا عنه يف احلديث الثابت يف الصحيحني )وهللا ألقاتلن من فرق بني<br />
الصالة<br />
والزكاة، وهللا لو منعوين عقاال كانوا يؤدونه إَل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقاتلتهم على منعه(، واستدل<br />
الشيخ أبو إسحاق هبذا وغريه يف طبقاته على أن أاب بكر الصديق أعلم الصحابة ألهنم كلهم وقفوا عن فَهْم احلكم<br />
يف املسألة إال هو، ُث ظهر هلم مبباحثته هلم أن قوله هو الصواب، فرجعوا إليه[<br />
6<br />
. حىت إن ابن تيمية رمحه هللا قال إنه<br />
لو كان أبو بكر والصحابة أحياء يف زمنه لكان خري أعماهلم قتال املرتدين يف زمنه، فقال: ]حىت وهللا لو كان<br />
السابقون األولون من املهاجرين كأيب بكر وعمر وعثمان وعلي وغريهم حاضرين يف هذا الزمان<br />
لكان من أفضل<br />
438<br />
- 1 التوبة: اآلية: 52<br />
- 2 التوبة، اآلية: 33<br />
- 3 األنفال، اآلية: 38<br />
- 4 الزخرف، اآلية: 94<br />
- 5 حممد، اآلية: 7<br />
- 6 هذه اآلَثر منقولة من اتريخ اخللفاء للسيوطي )ص73 و 61 و 41 على الرتتيب(
أعماهلم جهاد هؤالء القوم اجملرمني[ . 1 قلت: وهو كذلك يف زماننا، فلو كانوا رضي هللا عنهم حاضرين اآلن لكان من<br />
أفضل أعماهلم جهاد احلكام املرتدين حفظا لرأس مال املسلمني.<br />
إن القعود عن اجلهاد املتعني يف هذا الزمان على مجهور املسلمني هلو عالمة خذالن من هللا تعاَل هلؤالء القاعدين،<br />
كما قال تعاَل: }وَ لَكِنْ كَرِ هَ َّللاَّ ُ انْبِعَاثَهُمْ قَثَبََِّهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مََْ الْقَاعِدِي َن لَوْ خَرَ جُوا قِيكُمْ مَا زَ ادُوكُمْ إِالَّ خَبَاال{<br />
3<br />
2<br />
، وقال تعاَل: }وَ لَوْ عَلِمَ َّللاَّ ُ قِيهِمْ ً خَيْرا ألَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَ لَّوا وَ هُمْ مُعْرِ ضُو َن{ . إن القعود عن اجلهاد<br />
إُث وكبرية<br />
يف حق العامي واجلاهل، وهو أشد قبحا يف حق العامل وطالب العلم، فكيف وقد مجع كثري من هؤالء بني<br />
القعود وبني كتمان احلق؟ قال تعاَل: }إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَ َل َّللاَّ ُ مِنْ الْكِتَابِ وَ يَشْتَرُ ونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيال أُوْ لَئِكَ مَا<br />
يَأْكُلُونَ قِي بُُِونِهِمْ إِالَّ النَّارَ وَ ال يُكَلِمُهُمْ َّللاَّ ُ يَوْ مَ الْقِيَامَةِ وَ ال يُزَ كِيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِي ٌم أُوْ لَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَ وْ ا الضَّاللَةَ<br />
بِالْهُدَى وَ الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَ ةِ قَمَا أَصْبَرَ هُمْ عَلَى النَّا ِر{<br />
. 4<br />
.<br />
8<br />
وهللا سبحانه وتعاَل خيتار لنصرة دينه من يشاء من خلقه، فلما كَفَرَ أهل مكة ابلنيب صلى هللا عليه وسلم اختار هللا<br />
تعاَل له أهل يثرب ليكونوا أنصاره، قال تعاَل: }قَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا َهؤُالءِ قَقَدْ وَ كَّلْنَا بِهَا قَوْ م ًا لَيْسُوا بِهَا بِكَاقِرِ ي َن{ ، 5<br />
وقال تعاَل: }وَ رَ بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَا ُر{ ، 6 وقال عبد هللا بن مسعود : )إن هللا نظر إَل قلوب العباد فوجد<br />
قلب حممد خري قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ُث نظر يف قلوب العباد بعد قلب حممد صلى هللا عليه<br />
وسلم، فوجد قلوب أصحابه خري قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه(<br />
. 7 وكذلك احلال اليوم من<br />
أعرض عن اجلهاد ونصرة هللا تعاَل فسوف َيِت هللا تعاَل بغريه ممن يستحق هذه الفضيلة، قال تعاَل: }إِالَّ تَنفِرُ وا<br />
يُعَذِ بْكُمْ عَذَابًا أَلِيم ًا وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْ م ًا غَيْرَ كُمْ وَ ال تَضُرُّ وهُ شَيْئًا وَ َّللاَّ ُ عَلَى ِ كُل شَيْءٍ قَدِي ٌر إِالَّ تَنصُرُ وهُ قَقَدْ نَصَرَ هُ<br />
َّللاَّ ُ{ 9 ، وقال تعاَل عن املعرضني عن الإنفاق يف سبيل هللا }هَاأَنْتُمْ هَؤُالءِ تُدْعَوْ نَ لِتُنفِقُوا قِي سَبِيلِ َّللاَّ ِ قَمِنْكُمْ مَ ْن<br />
يَبْخَلُ وَ مَ ْن يَبْخَلْ قَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَ َّللاَّ ُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمْ الْفُقَرَ اءُ وَ إِنْ تَتَوَ لَّوْ ا يَسْتَبْدِلْ قَ ْوم ًا غَيْرَ كُمْ ثُمَّ ال يَكُونُوا<br />
أَمْثَالَكُمْ{<br />
ولقد اختص هللا تعاىل من جياهد املرتدين بصفات مل خيتص هبا غريهم، فقال تعاَل: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْ تَدَّ<br />
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قَسَوْ فَ يَأْتِي َّللاَّ ُ بِقَوْ مٍ يُحِ بُّهُمْ وَ يُحِ بُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْ مِنِينَ أَعِزَّ ةٍ عَلَى الْكَاقِرِ ينَ يُجَاهِدُونَ قِي سَبِي ِل<br />
439<br />
- 1 جمموع الفتاوى 421 / 29<br />
175<br />
47<br />
- 2 التوبة، اآلية: 46<br />
- 3 األنفال، اآلية: 23<br />
- 4 البقرة، اآليتان: 174<br />
- 5 األنعام، اآلية: 98<br />
- 6 القص ، اآلية: 69<br />
41<br />
- 7 قال األلباين: حسن موقوفا أخرجه الطيالسي وأمحد وغريمها بسند حسن شرح العقيدة الطحاوية 1414ه ص 471<br />
- 9 التوبة، اآلية: 38<br />
- 8 حممد، اآلية:39
َّللاَّ ِ وَ ال يَخَاقُونَ لَوْ مَةَ الئِمٍ ذَلِكَ قَضْلُ َّللاَّ ِ يُؤْ تِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ َّللاَّ ُ وَ اسٌِْ عَلِي ٌم{ ، 1 وكان أبو بكر الصديق والصحابة<br />
رضي هللا عنهم هم أول من استحق هذه الصفات بقتاهلم املرتدين.<br />
قال تعاَل: }الم<br />
غُلِبَتْ الرُّ و ُم<br />
قِي أَدْنَى األَرْ ضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُو َن<br />
قِي بِضِْْ سِنِي َن{ ، 2 نزلت هذه<br />
اآلايت مبكة يف أوائل الإسالم، واملسلمون قليلون ضعفاء، وكأن هللا تعاَل هبذه اآلايت َيخذ أببصار املسلمني، رغم<br />
قلتهم وضعفهم، من اجملال احمللي والإقليمي الضيق إَل اجملال العاملي الدويل، لينتبه املسلمون إَل القُوَى العاملية املعاصرة<br />
هلم: موازين قوهتا وصراعاهتا وحتالفاهتا، وذلك ألن هذا الدين دين عاملي ليس حمليا وال إقليميا والبد له من جولة مع<br />
هذه القوى العاملية وهي يف نفس الوقت ترتب<br />
به. قلت: وهذا هو حالنا اليوم ينبغي أن تكون نظرة املسلمني إَل<br />
الواقع وإَل األحداث نظرة عاملية ليست حملية حمددة، وأول ما يدركه املسلم هبذه النظرة هو أن هذا العامل املعاصر<br />
كما كان دائما هو عامل األقوايء الذين يفرضون كل شيء على الضعفاء. ومن هنا أمران هللا تعاىل ابلقوة، قال تعاَل:<br />
}وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتََِعْتُمْ مِنْ قُوَّ ةٍ{ ، 3 وقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم : »املؤمن القوي خري وأحب إَل هللا من<br />
املؤمن الضعيف« . 4 ومن هنا أيضا ينبغي أن تكون نظرتنا إَل التعامل مع الواقع املرير للمسلمني نظرة موضوعية قائمة<br />
على ا ساابت الدقيقة وعلى التخطيط السليم من أهل افربة، خلية من االنفعال والتهور، ومن هنا ذكرت يف<br />
مسألة )االستشهاد ليس مقصودا لذاته بل لإظهار الدين( ذكرت آفة التهور، و<strong>في</strong>ها تفصيل بشأن املشاركة اجلهادية.<br />
والقوة اإلسالمية هي رجال ومال وسالح، والبَدْء يكون ابلرجال بتجميعهم وحتريضهم على اجلهاد والقتال، قال<br />
5<br />
تعاَل: }وَ حَرِ ضْ الْمُؤْ مِنِي َن{ ، والرجال هم الذين َيتون ابملال والسالح، كما ذكرت يف أكثر من موضع يف هذه<br />
الرسالة أن شوكة الإسالم تتكون ابملواالة الإميانية، قال تعاَل: }وَ الْمُؤْ مِنُونَ وَ الْمُؤْ مِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْ ٍض<br />
يَأْمُرُ ونَ<br />
6<br />
بِالْمَعْرُ وفِ وَ يَنْهَوْ نَ عَنْ الْمُنكَ ِر{ ، وقال تعاَل: }وَ مَنْ يَتَوَ لَّ َّللاَّ َ وَ رَ سُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا قَإِنَّ حِ زْ بَ َّللاَّ ِ هُمْ<br />
9<br />
7<br />
الْغَالِبُونَ{ ، وقال تعاَل: }وَ الَّذِينَ كَفَرُ وا بَعْضُهُمْ أَوْ لِيَاءُ بَعْضٍ إِالَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ قِتْنَةٌ قِي األَرْ ضِ وَ قَسَادٌ كَبِي ٌر{ .<br />
قلت: وكل ما يؤدي إَل إضعاف شوكة الإسالم هو منكر جيب النهي عنه ومنعه كما سبق القول.<br />
إن اجلهاد يلزمه رجال ومال وسالح، ورجال اجلهاد هم الشبا وضعفاء ا يلة الذين عليهم يتنزل نصر هللا تعاَل<br />
فالشباب هم جند الإسالم وقوته، ملا جاء الوحيُ النيبَ صلى هللا عليه وسلم أخذته السيدة خدجية رضي هللا عنها إَل<br />
441<br />
4<br />
- 1 املائدة، اآلية: 54<br />
- 2 الروم، اآلايت: 1<br />
- 3 األنفال: اآلية: .61<br />
- 4 رواه مسلم.<br />
- 5 النساء، اآلية:94<br />
- 6 التوبة، اآلية: 71<br />
- 7 املائدة، اآلية: 56<br />
- 9 األنفال، اآلية: 73
ابن عمها ورقة بن نوفل وكان شيخا كبريا فقال ورقة: )هَذَا النمامُوسُ المذِي ن َزملَ اَّللمُ عَلَى مُوسَى ايَ لَيْتَينِ فِيهَا جَذَعًا<br />
لَيْتَينِ أَكُونُ حَياا إِذْ خيُْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اَّللمِ صلى هللا عليه وسلم م أَوَخمُْرِجِ ي هُمْ قَالَ ن َعَمْ ملَْ َيَْتِ رَجُلٌ قَطُّ مبِِثِْل<br />
مَا جِ ئْتَ بِهِ إِالم عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْينِ ي َوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزمرًا( ، قال ابن حجر: ]كأنه متىن أن يكون عند ظهور<br />
الدعاء إَل الإسالم شااب ليكون أَمْكَن لِنَصْرِه[<br />
هبا.<br />
1<br />
2<br />
. كذلك فإن جند هذا الدين هم الضعفاء املتقللون من متاع هذه<br />
الدنيا، املتقللون من األموال واملناصب والوجاهة، )قَالَ هِرَقْلُ ألَيبِ سُفْيَان: أَشْرَافُ النماسِ ات مبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ أَبُو<br />
3<br />
سُفْيَانَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ... قَالَ هِرَقْلُ: وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ) . وقال هللا تعاَل: }وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مََْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَ بَّهُمْ<br />
4<br />
بِالْغَدَاةِ وَ الْعَشِي ِ يُرِ يدُونَ وَ جْهَهُ وَ الَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِ يدُ زِ ينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ . هؤالء هم جند الإسالم ورجاله<br />
ومحاته، املتقللون من الدنيا، والشُّعْث الغُربْ ، ليسوا أهل املناصب والنعيم الذين ذهبوا مع أهل الإتراف يف إترافهم وغرهتم<br />
احلياة الدنيا. هلؤالء الشباب الصابرين املرابطني احملتسبني كتبت هذه الرسالة عسى هللا تعاَل أن يتقبلها مين وأن ينفعهم<br />
5<br />
إن املوت آت ال حمالة، قال تعاَل: }إِنَّكَ مَي ِتٌ وَ إِنَّهُمْ مَي ِتُو َن{ ، وإن اجلهاد يف سبيل هللا تعاَل ال ي ُقَدِّم أجال وال<br />
مينع رزقا، ولقد قال رسول هللا<br />
تستكمل<br />
6<br />
رزقها وأجلها« .<br />
صلى هللا عليه وسلم:<br />
»إن روح القدس ن َفَثَ يف رَوْعِي أن نفسا لن متوت حىت<br />
وكما قلت يف )معامل أساسية يف اجلهاد( فإن اجلهاد ال ينبغي أن يقتصر على اخلاصة وعلى مجاعات الصفوة بل ينبغي<br />
أن يكون اجلهاد هو قضية عامة، قضية كل املسلمني، إن الفاسق والعاصي خماطبان ابجلهاد متاما كالصاحل، وإن<br />
العدالة ليست من شروط وجوب اجلهاد والفسق ال يُسْقِط املخاطَبة ابجلهاد، فَصملت كل هذا يف امللحق الرابع مبسألة<br />
ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد.<br />
وال يعين هذا ترك العاصي على عصيانه بل األمر ابملعروف والنهي عن املنكر واجبان، ولقد ذكرت يف مسألة ال<strong>إعداد</strong><br />
الإمياين أن الواقع املرير للمسلمني ترجع أسبابه يف املقام األول إَل املسلمني أنفسهم، كما قال تعاَل: }وَ مَا أَصَابَكُ ْم<br />
مِنْ مُصِ يبَةٍ قَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ{<br />
7<br />
،<br />
والبد أن يبدأ اإلصالح من اللات أيضا<br />
لقوله تعاَل: }إِنَّ َّللاَّ َ ال يُغَي ِرُ مَا<br />
- 1 احلديث رواه البخاري، واجلَدْع: هو الصغري<br />
440<br />
- 2 فتح الباري 26 / 1<br />
- 3 متفق عليه<br />
- 4 الكهف، اآلية: 29<br />
- 5 الزمر، اآلية: 31<br />
- 6 رواه ابن حبان وصححه عن ابن مسعود . <br />
- 7 الشورى، اآلية: 31
بِقَوْ مٍ حَتَّى يُغَي ِرُ وا مَا بِأَنفُسِهِمْ{ ، 1 والإصالح الذاِت يكون ابلعمل على مستوايت الفهم. والصدق والسلوك اليت<br />
ذكرهتا يف خالصة الباب اخلامس، ولعلمي بوجوب البدء ابلإصالح الذاِت والتغيري الداخلي<br />
لتبحث أساسا يف البناء الداخلي للجماعة املسلمة<br />
جاءت هله الرسالة<br />
وعالقة أفرادها بعضهم ببعض من انحييت السياسة الشرعية<br />
واآلداب الإسالمية، مع الإشارة إَل تصحيح الفهم الإسالمي حسبما ذكرت يف أصول االعتصام ابلكتاب والسنة ويف<br />
)معامل أساسية يف اجلهاد(.<br />
كذلك فإن راية اجلهاد ينبغي أن تكون إسالمية خالصة غري ُمتلطة أبي من األهواء واآلراء البشرية كاالشرتاكية<br />
والدميقراطية والقومية وحنوها، قال تعاَل: }أَال ّلِلِ َّ ِ الدِينُ الْخَالِ ُص{ ، 2 وقال تعاَل يف مفاصلة الكافرين والتمييز عنهم<br />
3<br />
}لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ{ ، فهذه مفاصلة اتمة ال خلط <strong>في</strong>ها وتربؤ صريح ال مداهنة <strong>في</strong>ه.<br />
وكما أن راية اجلهاد ينبغي أن تكون إسالمية خالصة، فكللك قيادة اجلهاد جيب أن تكون إسالمية خالصة، إن<br />
مسرية اجلهاد ميكن أن تنحرف إذا تصدر لقيادهتا فرد أو فئة قليلة من ذوي الفهم املختلط، من الذين يرتدون ثياب<br />
الإسالم على عقول وقلوب جاهلية )علمانية(، ومن هؤالء من يكون له بالء حسن يف نصرة الدين ودفاع عن أهله<br />
وهذا كله ال يشفع له يف تسليمه زمام املسرية اجلهادية ما مل يكن إسالمي الفهم والسلوك معلوما ألهل الإميان واجلهاد،<br />
فقد قال صلى هللا عليه وسلم : »وَإِنم اَّللمَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ ابِلرمجُلِ الْفَاجِ رِ«<br />
4<br />
، ونَصَرَ أبو طالب وهو كافر رسول هللا<br />
صلى هللا عليه وسلم ومَنَعَه مبكة. وهذه النصيحة أقوهلا لتحذير اجملاهدين من رجال األحزاب العِلمانية املتخصصني<br />
يف ركوب املوجات للوصول إَل مقاليد السلطة، فإذا كانت املوجة الإسالمية طاغية متََسْلَم هلا. ويف حديث حذيفة<br />
املتفق عليه وصف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قوما بقوله:<br />
<strong>في</strong>ها«<br />
»دعاة على أبواب جهنم، من أجاهبم إليها قذفوه<br />
قال حذيفة: قلت اي رسول هللا صفهم لنا؟ قال صلى هللا عليه وسلم : »هم من جِ لْدَتنا ويتكلمون أبلسنتنا« أ<br />
ه . قلت فهؤالء من جلدتنا أي ظاهرهم الإسالم، ويتكلمون أبلسنتنا أي ابلإسالم والكتاب والسنة، ومن أجاهبم<br />
واتبعهم قذفوه يف جهنم. قلت: فال بد أن تكون القيادة يف العمل اإلسالمي إسالمية من اجللد إىل النخاع.<br />
وهذا آخر ما حيضرين يف هذه اخلامتة، وأود أن أنبه القارئ الكرمي إَل أنين إن شاء هللا تعاَل سوف أُخْرِج بعض<br />
موضوعات هذه الرسالة يف رسائل مستقلة حتمل اسم هذه السلسة أيضا )سلسلة دعوة التوحيد(، وهللا املستعان وعليه<br />
التكالن وهو حسبنا ونعم الوكيل، واستغفر هللا تعاَل من السهو واخلطأ والتقصري، وكل قول قُلْتُه من عندي ث َبَتَ<br />
442<br />
- 1 الرعد، اآلية: 11<br />
- 2 الزمر، اآلية: 3<br />
- 3 الكافرون، اآلية: 6<br />
- 4 رواه البخاري
الدليل الشرعي الصحيح ِبالفه فأان راجع عنه وأقول مبا صَحم به الدليل، قال تعاَل: }إِنَّمَا كَانَ قَوْ لَ ا ْلمُؤْ مِنِينَ إِذَا<br />
دُعُوا إِلَى َّللاَّ ِ وَ رَ سُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَ أََِعْنَا وَ أُوْ لَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } 1 .<br />
وآخر دعواان أن احلمد هلل رب العاملني.<br />
كتبه إمياان واحتسااب<br />
عبد القادر بن عبد العزيز.<br />
443<br />
1 النور، اآلية: 51
املقدمة....................................................................................................3<br />
البا األول: ت لْكِر ة يف اإلخالص واالحتسا ...........................................................01<br />
البا الَاين:<br />
حكم التدريب العسكري للمسلمني<br />
22.......................................................<br />
أوال: أمهية التدريب العسكري للمسلمني<br />
َثنيا: حكم التدريب العسكري للمسلمني.<br />
22.................................................................<br />
24...............................................................<br />
.................................................................<br />
َثلثا: على مَ ْن جيب التدريب العسكري؟ 27<br />
واخلالصة: على من جيب التدريب العسكري؟<br />
31.........................................................<br />
رابعا: أصحاب األعذار الشرعية.........................................................................33<br />
خامسا:<br />
األعذار غري الشرعية. ...............................................................................34<br />
ثواب أصحاب األعذار الشرعية......................................................................36<br />
شروط رفع احلرج واستحقاق الثواب ألصحاب األعذار ................................................37<br />
النفقة يف سبيل هللا. ............................................................................41<br />
مسألة: ............................................................................................43<br />
البا الَالث: اإلمارة<br />
أوال: الإمارة<br />
51...................................................................................<br />
واجبة. ....................................................................................51<br />
َثنيا: التأمري موكول إَل ويل األمر املسؤول إن وجد<br />
52........................................................<br />
َثلثا: ولويل األمر أن يؤمر عدة أمراء على الرتتيب..........................................................53<br />
رابعا: مىت تؤول سلطة التأمري إَل الرعية؟<br />
54.................................................................<br />
تنبيه: الرد على شبهة )ال جهاد بال إمام(. ............................................................55<br />
خامسا: شروط هذه الإمارة.............................................................................58<br />
الإسالم:...........................................................................................61<br />
الذكورية ...........................................................................................66<br />
سادسا: مسألة الغزو مع األمري الفاجر.<br />
69..................................................................<br />
الوجه األول: .......................................................................................68<br />
444
الوجه الثاين: .......................................................................................73<br />
سابعا: الرد على شبهة<br />
متعلقة ابلإمارة. ...................................................................75<br />
الرد على كالم األستاذ علي بن حسن ................................................................75<br />
الرد على االعرتاض األول: ...........................................................................76<br />
أما األول: وهو أن هناك أدلة أخر على شرعية إمارة اجلماعات .........................................76<br />
وأما الوجه الثاين: وهو أن قياس إمارة اجلماعات على إمارة السفر هو قياس صحيح للعلة املشرتكة. ........78<br />
وأما الوجه الثالث: وهو أن هذا القياس صححه أكثر من جمتهد ........................................91<br />
فائدة )يف وجوب اجلماعة لنصرة الدين يف هذا الزمان( .................................................93<br />
)تنبيه(: من هم الطائفة املنصورة؟.....................................................................96<br />
)تنبيه( هل الفرقة الناجية هي الطائفة املنصورة؟ ........................................................99<br />
تنبيه: على أهم واجبات الطائفة املنصورة يف هذا الزمان.................................................98<br />
)مسألة( )ما املوقف من تعدد اجلماعات العاملة لإلسالم؟(.............................................81<br />
االعرتاض الرابع: ف<strong>في</strong> احلال األول: يف دار الإسالم اليت تعلو أحكام الشريعة وحيكمها إمام مسلم ..........86<br />
تنبيه: الفرق بني احلَكَم والقاضي من عدة أوجه: .......................................................88<br />
البا الرابع: واجبات أمري املعسكر.<br />
األول من واجبات األمري: املسئولية العامة عن أتباعه:<br />
الثاين من واجبات األمري: أن يتخذ لنفسه جملس شورى<br />
017 .................................................................<br />
119....................................................<br />
111..................................................<br />
أ = مشروعية الشورى: ............................................................................113<br />
ب - هل الشورى إذا متت ملزمة لألمري؟ .........................................................116<br />
تنبيه: عن تطبيق الشورى يف دولة الإسالم...........................................................123<br />
مسألة أخرية: أثر األغلبية يف الشورى. ..............................................................129<br />
أول: ما هي األغلبية املعتربة شرعا؟ .................................................................129<br />
َثنيا: ما هي شروط اعتبار رأي أغلبية أهل الشورى؟ .................................................128<br />
َثلثا: ما هو أثر رأي األغلبية؟<br />
الثالث من واجبات األمري: قَسَم معسكر التدريب<br />
128.....................................................................<br />
132.......................................................<br />
)مسألة عهود الطاعات بني املسلمني( ..............................................................132<br />
أوال: مشروعية هذا العهد..........................................................................134<br />
تعريفات: ........................................................................................134<br />
445
َثنيا: فائدة هذا الغرض منه........................................................................ 143<br />
األول: توكيد ما ثبت وجوبه ابلشرع ابتداء: ......................................................... 143<br />
والغرض الثاين: التزام العبد ما أوجبه على نفسه مما مل يوجبه الشرع ابتداء:.............................. 144<br />
اخلالصة: ........................................................................................ 146<br />
َثلثا: هل جيوز أن يؤقت العهد أبجل؟ ............................................................. 147<br />
رابعا: هل جتب كتابة العهود أو الإشهاد عليها؟ ..................................................... 149<br />
فائدة: تغليظ العهود واملواثيق: ..................................................................... 148<br />
خامسا: خل جيوز تسمية هذا العهد بيعة؟ .......................................................... 151<br />
تعريف البيعة: .................................................................................... 151<br />
فهل جيوز تسمية العهود بني الناس بيعة؟............................................................ 151<br />
سادسا: ما الفرق بني هذه البيعات وبيعة الإمام؟ .................................................... 153<br />
سابعا: حكم انكث العهد: ....................................................................... 158<br />
استدراك: ........................................................................................ 164<br />
َثمنا: الرد على شبهة متعلقة ابلعهود. .............................................................. 165<br />
وهذه البيعات اليت ذكرهتا آنفا منها:................................................................ 173<br />
الرد على شبهة أخرى: ............................................................................ 179<br />
الرابع من واجبات األمري: أتمري أمراء اجملموعات<br />
واألعمال ................................................ 192<br />
أوال: أتمري أمراء جمموعات التدريب )العرفاء( ........................................................ 192<br />
َثنيا: نصب والة األعمال: ........................................................................ 193<br />
َثلثا: أتمري العرفاء والوالة من حق األمري: ........................................................... 193<br />
رابعا: على األمري اختيار أصلح املوجودين للعمل. ................................................... 193<br />
خامسا: جيوز تولية املفضول مع وجود األفضل جللب منفعة أو لدفع مفسدة........................... 195<br />
مما سبق يتبني لنا أنه جيوز تولية املفضول ألسباب:................................................... 196<br />
سادسا: وعلى األمري أال يويل من حيرص على الإمارة والوالية ......................................... 197<br />
تنبيه: ............................................................................................ 199<br />
سابعا: مسألة مراعاة السن يف الوالايت: ............................................................ 198<br />
َثمنا: وعلى األمري حماسبة عماله الذين يوليهم على األعمال املختلفة. ودليل ذلك:..................... 181<br />
اخلامس من واجبات األمري: الرفق مبن معه واألانة يف األمور كلها.......................................... 182<br />
)فائدة يف هتذيب النفس( ......................................................................... 185<br />
446
السادس من واجبات األمري: احملافظة على وحدة اجلماعة<br />
212.................................................<br />
الواجب السابع من واجبات األمري: تقييم كفاءات أتباعه.................................................211<br />
الثامن من واجبات األمري: ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد.......................................................215<br />
سادسا<br />
األصول اخلمسة لتحقق سنة النصر أو ختلفها........................................................215<br />
َثنيا: أمهية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد. ................................................................224<br />
وال<strong>إعداد</strong> الإمياين من أسباب مجع مشل املسلمني......................................................226<br />
آية ال<strong>إعداد</strong> الإمياين للجهاد ........................................................................226<br />
َثلثا: معامل ال<strong>إعداد</strong> الإمياين.........................................................................227<br />
رابعا: واجبات األمري يف ال<strong>إعداد</strong> الإمياين. ...........................................................229<br />
خامسا: )ملحق1(: وجوب االعتصام ابلكتاب والسنة )منهج أهل السنة واجلماعة(. ...................236<br />
)مسألة( حديث اآلحاد حجة يف العقائد واألحكام. .................................................272<br />
)مسألة( التقليد املذهيب جائز وليس بواجب على كل أحد............................................273<br />
)مسألة( ونرى أن االجتهاد ماض ال ينقطع ولن ختلو األرض من قائم هلل حبجة .........................276<br />
خامتة ............................................................................................279<br />
447<br />
)ملحق 2(:<br />
معامل أساسية يف اجلهاد.............................................................291<br />
)فق رة 1( ........................................................................................291<br />
)فقرة 2(.........................................................................................292<br />
)فق رة 3( وابنقسام اخللق إَل مؤمن وكافر انعق دت العداوة بينهما. ....................................293<br />
)فقرة 4( وهللا ج ل شأن ه يسلط الكفار على املؤمنني تسليطا قدري ا ....................................294<br />
)فقرة 5( وهللا جل شأنه َيمر املؤمنني شرعا بدفع الكافرين املسلطني قدرا على املؤمنني..................299<br />
أوال: الدع وة إَل الإس الم ..........................................................................299<br />
َثني ا: التربؤ م ن الكافرين أحياء وأموات ا..............................................................299<br />
َثلثا: الإعت زال واهلج رة:............................................................................281<br />
رابع ا: اجله اد يف سبي ل هللا. ........................................................................281<br />
)ف ق رة 6( واجلهاد نوعان: جهاد الطلب وجه اد الدفع ................................................281<br />
ودليل جهاد الطل ب: .............................................................................282<br />
أما جهاد الدفع فدليله: ...........................................................................282<br />
)شبهة( ..........................................................................................283<br />
)فقرة 7( واجلهاد فرض كفاية ويتعني يف مواضع......................................................286
)فقرة 9( والتدريب العسكري واجب على كل مسلم. ............................................... 287<br />
)فقرة 8( واألمة املسلمة أمة جماهدة، <strong>في</strong>جب أن تصاغ سياستها وفقا هلذه الصفة. ...................... 289<br />
)فقرة 11( وال مينع املسلمني من اجلهاد إال العجز، وجيب ال<strong>إعداد</strong> حينئذ .............................. 288<br />
)فقرة 11( واهلجرة ال تنقطع حىت تطلع الشمس من مغرهبا........................................... 311<br />
فقرة .........................................................................................12 314<br />
واملسلمون أمة واحدة، واملسلم أخو املسلم وإن تباعدت دايرمها، ولكل حق النصرة. .................... 314<br />
(الفقرة 13) وجيب البدء بقتال العدو األقرب. ...................................................... 317<br />
) فقرة 14) وقتال املرتدين املمتنعني مقدم على قتال الكفار األصليني. ................................ 319<br />
(فقرة 15) والسلطان إذا كفر وكان ممتنعا وجب قتاله فرضَ عني وي ُقَدم على غريه. ..................... 318<br />
شبهة............................................................................................ 315<br />
)الرد على شبهة(. ................................................................................ 321<br />
الرد على شبهة خطرية للشيخ األلباين:.............................................................. 325<br />
)فقرة 16( والطواغيت األحياء أعظم من الطواغيت األموات. ........................................ 334<br />
)فقرة 17( وشوكة الإسالم تتكون ابملواالة الإميانية................................................... 336<br />
)فقرة 19( واحلرب خدعة......................................................................... 338<br />
أوال: الكذب على األعداء: ....................................................................... 341<br />
َثنيا: جواز اغتيال الكافر احملارب .................................................................. 342<br />
َثلثا: السرية يف الإسالم: .......................................................................... 346<br />
)فقرة 18( والإستشهاد ليس مقصودا لذاته بل لإظهار الدين......................................... 348<br />
وهنا ينبغي التنبيه على عدة أمور متعلقة ابلشهادة، وهي: ............................................ 351<br />
أوال = أثر حب االستشهاد يف النصر. ............................................................. 351<br />
ويتحقق مبدأ الردع ابلعمل على حمورين: ............................................................ 351<br />
َثنيا آفة التهور. .................................................................................. 352<br />
َثلثا: آفة اجلنب. .................................................................................. 355<br />
رابعا: آفة الإحجام. .............................................................................. 356<br />
)فقرة 21( )وما النصر إال من عند هللا(. ........................................................... 357<br />
سابعا )ملحق 3(: عن حكم طلب العلم للمجاهد. ................................................. 361<br />
أوال: أقسام العلم الشرعي من حيث الوجوب. ...................................................... 362<br />
َثنيا: الرد على شبهة )ال جهاد إال بعد طلب العلم(. ................................................ 364<br />
448
الوجه األول: أنه جعل فرض الكفاية فرض عني. ....................................................364<br />
الوجه الثاين: أنه جعل شرطا لوجوب اجلهاد ما ليس بشرط. ..........................................365<br />
َثلثا: العلم الالزم للطائفة اجملاهدة. .................................................................366<br />
َثمنا )ملحق4(: ..................................................................................368<br />
يف املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد وهل العدالة شرط لوجوب اجلهاد؟.......................................368<br />
)الرد على شبهة: ال جهاد إال بعد استكمال الرتبية الإميانية(. .........................................368<br />
نبحث هنا املسائل اآلتية: .........................................................................368<br />
أوال: ما املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد؟ .................................................................368<br />
َثنيا: هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟.........................................................368<br />
أوال: ما املقصود ابل<strong>إعداد</strong> للجهاد؟ .................................................................368<br />
َثنيا: هل العدالة من شروط وجوب اجلهاد؟.........................................................371<br />
وميكنين أن أخل<br />
ما سبق <strong>في</strong>ما يلي:<br />
374...............................................................<br />
البا افامس: واجبات أعضاء املعسكر.............................................................. 378<br />
أوال: ما يلزم األعضاء يف حق هللا تعاَل.<br />
378................................................................<br />
= 1 الإخالص:..................................................................................378<br />
= 2 تقوى هللا : 378...............................................................................<br />
= 3 الصرب واملصابرة: 392.............................................................................<br />
= 4 األمانة. 397.....................................................................................<br />
= 5 الإحسان: 399..................................................................................<br />
= 7 التوكل 381......................................................................................<br />
= 9 الدعاء: 384.....................................................................................<br />
َثنيا: ما يلزم األعضاء يف حق األمري عليهم..............................................................386<br />
األول: السمع والطاعة لألمري يف غري معصية ........................................................387<br />
= 1 متهيد 387.......................................................................................<br />
= 2 أدلة وجوب السمع والطاعة...................................................................387<br />
= 3 ما يُستَخل من أدلة وجوب السمع والطاعة. .................................................411<br />
= 4 ومما يدخل يف طاعة األمري....................................................................414<br />
= ما ي ُقَيّ ِد السمع والطاعة لألمري.<br />
416...............................................................<br />
449<br />
5
خامتة ونصيحة. .................................................................................. 417<br />
الثاين: النصح لألمري. ............................................................................. 411<br />
= 1 دليله. ...................................................................................... 411<br />
= 2 مما يدخل يف نصح والة األمور................................................................ 411<br />
= 3 تنبيه........................................................................................ 413<br />
= 4 واألفضل نصح األمري سرا. ................................................................... 414<br />
الثالث: توقري األمري............................................................................... 416<br />
تنبيه: ............................................................................................ 417<br />
َثلثا: ما يلزم األعضاء بعضهم يف حق بعض. ....................................................... 419<br />
)ما يلزم العضو يف حق إخوانه( .................................................................... 419<br />
وحماسن األخالق ترجع <strong>في</strong>ما أرى إَل أصلني: ..................................................... 418<br />
القسم األول: بعض ما يدخل يف كف األذى عن الناس.............................................. 421<br />
القسم الثاين: بعض ما يدخل يف إيصال النفع إَل الناس. ............................................ 429<br />
اخلالصة: ........................................................................................ 433<br />
خامتة الرسالة.<br />
437........................................................................................<br />
451