04.07.2020 Views

نبض المجتمع العدد 7

العدد السابع من مجلة نبض المجتمع

العدد السابع من مجلة نبض المجتمع

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

وتؤوّله مبا يخدم جوْر الحكام واستبدادهم.‏ فكان من الطبيعي

أن يحظى الفهم املحافظ واملتخلّف لإلسالم بالتشجيع واالنتشار،‏

ويُحارص الفهم العقالين الذي يعرف بحرية اإلنسان ويقرّ‏ بالسببية

لتفسر ظواهر الطبيعة.‏ ولهذا ساد الجهل املقدّ‏ س وانتر املذهب

الجري والتفكر الالعقالين،‏ القائم عى نفي وجود األسباب التي

تفرسّ‏ حدوث الظواهر.‏ فأصبحت أفكار الغزايل املنكِرة للسببية

مبثابة اكتشاف عبقري فذّ،‏ وغدَ‏ ت كتبُه،‏ املناهضة للفلسفة والعقل

واملنطق،‏ مرجعا يف الجهل املقدّ‏ س املستند إىل الدين.‏ ويف املقابل

ستُحرق كتب ابن رشد )520 595 ه(‏ ذات املضمون العقالين،‏

وتُبخس أفكاره النرّ‏ ة التي ستجد من يحتضنها ويدرك قيمتها يف

أوريا املسيحية.‏

أسئلة الغزالي سيطرحها املسيحيون كذلك:‏

وعى ذكر أوروبا املسيحية،‏ يجدر التذكر أنها عرفت،‏ هي

كذلك،‏ طيلة القرون الوسطى،‏ وبشكل يفوق ما عرفه املسلمون،‏

انتشارا واسعا للفكر الخرايف املستند لتأويل محافظ ومتخلّف

للدين،‏ خدمة للسلطة السياسة للحكّام اإلقطاعين.‏ وكان إذا

تعارضت الحقائق العقالنية والعلمية مع املسلات الدينية

املخالفة للعقل والعلم،‏ استُبعدت األوىل بدعوى أنها مخالفة ملا

تقرّره العقيدة املسيحية،‏ واعتُمدت الثانية باعتبارها حقائق مطابقة

ملا هو مسطّر يف األناجيل،‏ كا كان األمر عند املسلمن،‏ كا رأينا

يف مسألة الجرية والقدرية ومبدأ السببية.‏

وبخصوص مبدأ السببية،‏ سيخلص الفكر الفلسفي املسيحي،‏

لفرة ما بن عر النهضة حتى نهاية القرن الثامن عر،‏ إىل نفس

النتيجة التي سبق أن وصل إليها الغزايل:‏ إذا كانت الظواهر تنتج

عن أسباب طبيعية،‏ فقد يؤدّي ذلك إىل االستغناء نهائيا عن الله

ما دام أن كل يشء ميكن تفسره دون حاجة إىل الله.‏ وإذا كان الغزايل

قد توقّف عند هذه النتيجة،‏ التي استند إليها لنفي مبدأ السببية

حفاظا عى وجود الله وقدرته املطلقة،‏ فإن املفكرين املسيحين،‏

للفرة املشار إليها،‏ سيلجؤون إىل استحضار النتيجة األخرى،‏ التي

تجاهلها الغزايل،‏ والتي يتضمنها نفي مبدأ السببية بإرجاع كل ما

يحدث إىل إرادة الله:‏ إذا كان كل ما يحصل من ظواهر يف الطبيعة

هو من فعل الله وتدخله املبارش يف إحداثها،‏ فلن يكون هناك أي

إمكان لقيام معرفة بالطبيعة وظواهرها،‏ إذ املعرفة تقتي العلم

باألسباب.‏ لكن يف هذه الحالة،‏ التي يفرسّ‏ فها كل يشء بإرجاعه إىل

الله كسبب له،‏ فلن تكون هناك حاجة إىل معرفة األسباب،‏ فضال

عى أن هذه املعرفة تكون غر ممكنة،‏ كا سبقت اإلشارة.‏ إذا كان

الغزايل قد ضحّى بالعلم باألسباب من أجل اإلميان بالله كسبب

لكل يشء،‏ فإن الفكر الفلسفي املسيحي،‏ لهذه الفرة،‏ سيعمل عى

إنقاذ اإلميان بالله وإنقاذ املعرفة باألسباب،‏ أي املعرفة العلمية

بالطبيعة وظواهرها.‏ كيف نجح يف ذلك؟

كيف نجح املسيحيون في اعتماد العقل لفهم

الطبيعة؟

التوفيق بن اإلميان بوجود إله هو خالق هذا الكون،‏ وبن

اإلميان يف نفس الوقت بقدرة اإلنسان عى فك ألغاز الطبيعة

ومعرفة أسباب ظواهرها واكتشاف القوانن التي تحكم هذه

الظواهر،‏ كان يقتي،‏ كحل وحيد لهذه املعادلة،‏ اإلقرار أن الله

عندما خلق الكون خلق معه القوانن التي يسر وفقها،‏ بحيث إن

كل ظاهرة تحدث يف هذا الكون تكون ناتجة عن عالقات سببية

تدخل يف إطار القانون الذي يحكم حدوث تلك الظاهرة ويفرسّ‏ ه.‏

فالله ليس حارضا كفاعل مبارش يف إحداث تلك الظاهرة،‏ وإمنا هو

حارض من خالل القوانن التي خلقها،‏ والتي تؤدّي بالرورة،‏ أي

عر العالقة السببية،‏ إىل حدوث تلك الظاهرة.‏ وهو ما يسمح لنا

أن نفرسّ‏ ذلك الحدوث مبعرفة سببه الطبيعي واكتشاف القانون

الذي يتحكّم يف ذلك الحدوث كنتيجة رضورية لذلك السبب.‏

واملثال التوضيحي لعالقة الله بالكون من خالل خلقه للقوانن

التي يخضع لها هذا الكون،‏ وبشكل رضوري،‏ هو جهاز الساعة

التي تتحرّك عقاربها.‏ فصانع الساعة ليس ‏»ساكنا«‏ داخلها يحرّكها

باستمرار ‏)وهو ما ينطبق عى نظرية الغزايل(،‏ وإمنا عندما صنعها

صنع كذلك القانون الذي تتحرّك وفقه عقاربُها بشكل ذايت مستقل

عن صانعها نفسه.‏ الكون كذلك،‏ بكل ظواهره وعنارصه،‏ ‏»يشتغل«‏

طبقا للقوانن التي خلقها الله،‏ وبشكل ذايت مستقل عن تدخّل

الله،‏ متاما مثل حركة الساعة املستقلة ‏)الحركة(‏ عن صانع نفس

الساعة.‏

يف هذا االتجاه الذي يجمع بن اإلميان بالله،‏ واإلميان بوجود

أسباب وقوانن تحكم الظواهر الطبيعية،‏ واإلميان بقدرة اإلنسان

عى فهم هذه األسباب والقوانن وتفسر هذه الظواهر يف استقالل

عن الدين،‏ سار الفكر الفلسفي،‏ ذو املرجعية املسيحية،‏ منذ عر

النهضة األوروبية.‏ وهو عكس ما فعله املفكرون اإلسالميون

الذين ضحّوا باملعرفة باألسباب من أجل الجر والقضاء والقدر

ما أنقذ الدين والعلم،‏ واإلميان والعقل دون التضحية بأحدها من

أجل الثاين.‏ وهذا ما يفرسّ‏ أن العديد من االكتشافات العلمية،‏

منذ عر النهضة حتى القرن العرين،‏ ظهرت داخل األديرة

والكنائس عى رجال دين مسيحين،‏ مثل ‏»كوبرنيك«‏ Copernic

(1473 )1543 و«جيوردانو برونو«‏ (1548 Bruno Giordano

1600( و«جاليي«‏ 1564) Galilei Galileo 1642( يف علم الفلك،‏

و«كريكور منديل«‏ 1822) Mendel Gregor 1884( يف علم الوراثة،‏

و«جورج لومير«‏ 1894) Lemaître Georges 1966( صاحب

نظرية ‏»االنفجار األكر«‏ Big Bang ومتدّ‏ د الكون...‏

كيف نفرسّ‏ أن هؤالء جاؤوا بنظريات متعارضة مع تعاليم

املسيحية التي يؤمنون بها هم أنفسهم؟ الجواب هو أنهم

استطاعوا الفصل بن مجال الدين،‏ كإميان واعتقاد وعبادة،‏ وبن

العلم كمجال للبحث يف أسباب الظواهر الكتشاف القوانن التي

تحكمها.‏ أما عند املسلمن فمن الصعب الفصل بن املجالن ألن

العلم عندهم،‏ كا كان األمر كذلك عند املسيحين يف القرون

الوسطى،‏ يجب أن يكون تابعا للدين وموافقا ألحكامه،‏ وإال فهو

مرفوض.‏ ولهذا نجد عند املسيحين،‏ وكذلك البوذين،‏ الكثر من

املعتقدات الخرافية والغيبية ذات املصدر الديني،‏ قد تفوق ما

نجده عند املسلمن كا سبقت اإلشارة،‏ دون أن يكون لها تأثر

عى إنتاجهم للمعرفة العلمية،‏ ألن هذه األخرة مستقلة عندهم

عن الدين،‏ كا رشحت.‏ أما عند املسلمن فالفكر الخرايف والغيبي

9

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!