Interactive
18 interactive final
18 interactive final
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
2726فيما سعيد لم يكن حاله بافضل مني. كان اعزبا وتاجرا صغيراينفق كل امواله على الدخان والشراب. اعترف اننا لم نكن نشكلشلة شيقة. كنا ضجرين حتى الثمالة. ولم تكن لدينا، باستثناءعلي، جتارب حقيقية مع اجلنس اآلخر. عمان مدينة محافظةوالكل يعرف اآلخر. السرية مطلوبة اذا كان الشخص مستعدللمغامرة.حتى حانات وسط البلد لم تكن مالذا لنا. انها تعج باملوظفنياملتقاعدين وبعض املغامرين من الشباب. مجتمع ذكوري بحق.املرأة بالنسبة لنا كانت حلما يصعب حتقيقه اال اذا قرر الواحدمنا دخول قفص الزوجية. مرة واحدة سافرت وجمعة الى دمشقوذهبنا الى كاباريه وسهرنا وحملقنا في النساء مع اننا لم نكنمنلك الكثير من املال. آثرنا امتاع اعيننا بدال من اخلوض في عالقةعابرة. وعدنا وكأننا غزونا القطب الشمالي للتو!عمان الستينات كانت مملة كثيرا لشاب مثلي. ال ادري كيفاجتمعنا، سعيد وعلي وجمعة وانا. سعيد جاء من اربد قبل سنواتليبيع سيارات مستعملة كان ابن اخيه يرسلها له من املانيا. كانحلم سعيد ان يهاجر الى هناك وان يتزوج املانية شقراء ويعيشكما يعيش االملان! اما انا فلم تكن لي طموحات كبيرة. كنت افكربالزواج ولكن بعد عدة سنوات. كنت اريد ان اعيش حياتي، وانتكون لي عالقات وان اجرب النساء قبل ان اتوب. الشيطان االكبركان علي. هو ابن عائلة ميسورة بعض الشيء. لم يكن يعاني منمشاكل مادية. اختلف مع والده واستقل عن عائلته. وكانت لهعالقات جيدة مع الدولة فحصل على وظيفة محترمة. كان اكثرناجراءة وفي نظرنا كان الرجل صاحب جتربة في احلياة، اي النساء!جمعة لم تكن له طموحات ابدا. انه تائه مع انه حزبي سابق،كما يدعي. ال يؤمن بالعروبة وكل همه ان يعيش يومه بسعادةبعيدا عن البيت ومشاكله. وعندما دعانا علي الى شقته فيوسط البلد وجدنا فيها مالذا لنا جميعا. كانت تلك الشقة حلمايعد باحلرية. كنا نستمع الى ام كلثوم ونشرب حتى الثمالة. كنانلعب الورق ونسب احلكومة ونطلق النكات. كنا نعتقد اننا وجدنانوعا من السعادة املؤقتة.لكن مع سهرة يوم األحد تغير كل شيء. سنكون على موعدفي حفلة خاصة، كتلك التي نسمع عنها. سنكون بصحبة نسوةمتحررات. سنشرب ونرقص ونغني بانتظار ان يخلو كل واحد مناالى صاحبته. تلك ستكون بداية مرحلة جديدة في حياتنا.كنا في حزيران وحرارة اجلو ال تطاق. في مساء السبت ذهبتالى محل لبيع اخلمر ميلكه صديق مسيحي نسميه ابو جاك. كانابو جاك رجال اشيبا طاعنا في السن، يجلس وراء منضدة قدميةمحاطا بزجاجات الويسكي والكونياك والنبيذ ومن خلفه ارففتعج بانواع الكحول.اسمع ابو جاك عندي حفلة!ما هو املطلوب يا صديقي؟ انت تأمر!اريد ثالثة زجاجات من النبيذ احمللي وزجاجة كونياك لبنانيوعشرين زجاجة بيرة.هذه حفلة تبشر باخلير يا استاذي. ما رأيك بزجاجة عرق ايضا.الوقت صيف والعرق خير دواء للتعرق!ضحكنا ثم جلست كعادتي وانا انظر من حولي. لم يكنهناك احد في احملل. كان الوقت مبكرا. احب ابو جاك النه يذكرنيبايام طفولتي في بيت حلم.ابو جاك ما هي آخر االخبار؟حرب واهلل يا استاذي. حرب على االبواب والقدس ستذهب منا.اسمع عندي ويسكي اسكتلندي رخيص ولكنه فعال. ما رأيك؟دفعت سبعة دنانير وستون قرشا. كنت اعرف ان الزمالءسيساهمون. املهم ان تنجح احلفلة. فكرت لوهلة فيما قاله ابوجاك. حرب اخرى والقدس التي سنخسرها. ما همي انا؟ لم اهتمابدا بالسياسة. اكرهها. فكر يا ولد بالنساء السوريات اجلميالتوالسهرة احللوة واخللوة آخر الليل.حملت اكياس اخلمر وتوجهت الى شقتي الصغيرة. هناكافرغت االكياس من محتواها وجلست ارمق زجاجات الكحولباعجاب. ويسكي وبيرة وعرق ونبيذ، انها الوصفة املثالية لليلةمثالية. انا شخصيا احب البيرة لكني في تلك الليلة سأحتسيالويسكي وادخن سيجارا كوبيا اهداني اياه صديق قبل عام.وسالبس بدلتي الرمادية، تلك البدلة التي ادخرها ملناسباتكاالعراس واجلنائز. انها جتعلني ابدو محترما ومؤثرا. ساكويقميصي االزرق الفاحت اللون وساصبغ حذائي االسود ايضا. انها ليلةمشهودة.فتحت علبة سردين وصنعت لنفسي كوبا من الشاي. انهاليلة حارة. ليلة تفصلني عن اهم حدث في حياتي. تخيلت نفسيوانا ادلف الشقة: نساء جميالت، شقراوات، يلبسن فساتني ملونةوضيقة. مرحبا كيف انت؟ها ها اهال كيف انت؟انا سعيد جدا برؤيتك. هل لي ان اعرض عليك شرابا؟ كاسمن النبيذ، رمبا؟آه لهذا الصدر وتلك الشفاة. آه لهذه االرداف. سأملس يدهاوهي تاخذ كأس النبيذ مني. يدها رطبة بعض الشيء. نتبادلالنظرات: عينان خضروان تنفذان الى شغاف القلب.هل حتبني املوسيقى؟ يا له من سؤال سخيف. بالطبع حتبينها.يا علي ما رأيك ببعض املوسيقى، ام كلثوم أم وديع أم فريد...آه الننسى اسمهان!كانت الساعة قد قاربت العاشرة وانا غارق في تأمالتي. كنتمستمتعا الى حد كبير عندما دق جرس الباب.من هناك؟افتح انا جمعة!ايها الشقي! كيفك؟ لقد جهزت كل شيء من ناحيتي.انظر!اسمع ال اظن انني ساحضر غدا. عندي ارتباطات!ما لذي تقوله؟ اي ارتباطات؟ كل شيء معد لسهرة العمريا اهبل!لست ادري انا خائف!خائف؟ كيف، وممن؟لست مستعدا يا اخي. انا لست مستعدا لكل ذلك. انا متزوجال تنسى.يا اخي تعال وال تفعل شيئا. استمتع بالصحبة.هناك كالم عن حرب.وكيف يعنينا كل ذلك؟مجنون انت. حرب يا رجل.ال افهمك يا جمعة. ما هي عالقة احلرب اذا قامت بسهرةجميلة نعد لها منذ ايام؟ يعني هل ستحارب غدا؟ هل ستذهبالى اجلبهة؟انا خائف.بعد كأسني من النبيذ املعتق ستكون اسدا.ابتسم جمعة وجلس. راح ينظر الى قناني اخلمر ثم قال:واهلل انها ذخائر محترمة حلفلة تاريخية.سنشرب ونضحك ونرقص وسنقضي وقتا جميال.أه.يا اخي اذا لم تعجبك السهرة اذهب الى حال سبيلك.ميكن نعم ممكن ان افعل ذلك. ال اريد ان اتورط. انا اغرق فياملشاكل.خالص. احضر وسلي نفسك قليال ثم استأذن ودع الباقي ليولغيري.انسحب جمعة وتركني وحيدا. يتكلمون عن احلرب وكأن احلربستغير من حياتي شيئأ! انا ال شيء! موظف وضيع ابحث عن حياةشيقة. وها هي تأتي الي. مالذي يفترض بي ان افعله؟ احتصن حتتالسرير؟ فليحاربوا حروبهم وانا ساذهب الى حفلة خاصة مرتديابذلتي الرمادية وكلي أمل ان احقق حلمي مبصاحبة فتاة ناضجة،ممتلئة، جميلة!كان صباح اليوم مكفهرا. ايقظني جاري ابو اسعد ليقول ليبأن احلرب قد اندلعت وان عمان تتعرض لهجوم اسرائيلي. ركضتوانا ببيجامتي الى بئر السلم. كان هناك اناس ال اعرفهم يختبئونويشهقون كلما دوى صوت انفجار بعيد.كنت مذهوال. انا لم استفق بعد. لم اشرب قهوتي ولم اتناولفطوري. ما الذي يحدث؟ حرب في اخلارج؟ اول ما بادر ذهني هوسهرة الليلة. لقد خرب كل شيء. اشتريت القناني وكويت البذلةوالقميص وها هي احلرب تطيح بسهرة العمر. أين علي؟ وأين باقيالشلة؟ ماذا بشأن الشقة والسهرة والبنات؟كان جاري يستمع الى الراديو بينما انا افكر في املصيبة التيحاقت بي.يقولون في االخبار ان طيران العدو خسر املئات. لكني الاصدقهم. استاذ هل ننزل الى املالجيء؟هه؟ املالجيء؟ ال ادري، ممكن ان تنتهي احلرب خالل دقائق أوساعات على األكثر.نظرت من حولي. كنت جالسا القرفصاء بالقرب من نافذةكساها الغبار. هناك نسوة ورجال واطفال يجلسون بهدوء غريبوينتظرون. لم اكن اعرفهم. انا جار غريب االطوار، ال اختلط بأحدوليست لدي اهتمامات اجتماعية حقا.احلرب! يا للورطة. لسنوات مضت ونحن نستعد للحربلكنني كنت على يقني انها لن تندلع. اتذكر حربا مضت كنتايامها ولدا. رحلنا عن يافا الى بيت حلم، عند خالي. والدي ماتحزنا وهو يبكي بقالته التي ضاعت. وامي كانت جتلس مهمومةفي احلديقة الصغيرة تفكر في املستقبل. رحلت الى عمان مع ابنخالي الذي فتح محمصا في شارع بسمان مع شريك له. عشتمعه عدة سنوات حتى انهيت دراستي الثانوية ووجدت عمال.سيجارة استاذ؟ال شكرا. يجب ان اعود الى الشقة وارتدي مالبسي. عنديشغل!شغل؟ البلد متوقفة عن العمل. ال يوجد شغل يا استاذ....لم يكمل اجلملة الن ضجيج طائرة حربية اخترق سماء املدينةوهز اركان االبنية. صمتنا وصاحت النساء وبكى االطفال.وقفت وصعدت الى شقتي. نظرت من نافذة الصالون الىالشارع. كان فارغا وكأنه يوم اجازة. مرت سيارة مسرعة من اماماملبنى. توقفت فجأة ثم تابعت السير. قلت لنفسي: ال استطيعاالنتظار هنا. يجب ان اخرج.نزلت الى الشارع. كان هناك صوت صافرة يدوي في ارجاءاملدينة تبعه هدير طائرة او اكثر. مشيت بخطى سريعة نحوالدوار األول. كان هناك عدد من الناس يركضون في عدة اجتاهات. مرشاب بجواري ثم توقف.يا أخ.... هل هناك ملجأ قريب من هنا.كان يرتعد من اخلوف. اشحت بوجهي عنه ونظرت الى صورتياملنعكسة في واجهة محل في شارع الرينبو. انا ال اعرف من أنا! أناخارج السياق. أنا لست جزءا من هذه احلرب.بعد ساعة وجدت نفسي في وسط البلد. كانت هناك حركة،اناس يركضون وسيارات ال تتوقف وشرطة يأمرون الناس باالختباء.احلر شديد هذا اليوم وانا تائه. ثم تذكرت، شقة علي ليست بعيدةمن هنا. رمبا اجده هناك. كانت احملال مغلقة لكن بائع السجائراملهربة كان جالسا مكانه على مدخل شارع صغير.ما الذي يجري يا عم؟كما ترى انا اعمى. لكنهم يقولون ان احلرب اندلعت وان النصرقريب. حمى اهلل جمال.اعطني علبة “كنت”وقفت امام العمارة ونظرت الى اعلى، الى حيث بلكونة الشقة،املالذ. صعدت الدرج بسرعة حتى وصلت الى باب الشقة. طرقتالباب عدة مرات. لم يجب أحد. اهتزت العمارة فجأة وسمعتهديرا في اخلارج. كيف تغير كل شيء بهذه السرعة؟فجأة فتح باب الشقة املقابلة وخرج رجل عجوز وهو يحملراديو ترانزستور. نظر الي بوجل ثم ابتسم.تفضل يا ابني ال داعي لالنتظار هنا.شكرا في احلقيقة ال اعرف ما الذي يجري.نحن نقاتل حسب االخبار وننتصر!حقا؟ اذن ستنتهي احلرب قريبا؟اكيد وسنشرب القهوة في عكا!قالها بتهكم واشار علي بالدخول.كانت شقته متواضعة لكنها حميمة. على احلائط كانتهناك لوحة كبيرة متثل منظرا عاما للقدس. بالقرب من النافذةكان هناك منضدة صغيرة وكرسي مكتب واوراق مبعثرة وكتبكثيرة.ال تؤاخذني. انا منشغل مبراجعة قضية ما. اشغل نفسيطاملا ان احملكمة مغلقة.لديك هاتف! واشرت الى زاوية في الغرفة.تفضل جرب حظك. كان اخلط مقطوعا في الصباح.رفعت السماعة وانصت قليال. ابتسمت هناك حرارة في اخلط.ادرت قرص الهاتف وطلبت رقم جمعة في املنزل. انتظرت قليال ثمسمعت صوته على الطرف اآلخر.آالو؟ مني؟انه انا. ما الذي يجري؟كيف لي ان اعرف؟ هناك حرب في اخلارج والكل مذعور وانااحاول اخذ عائلتي الى منزل والدها في جبل اجلوفة. اين انت؟بجانب شقة علي في البلد.وماذا تفعل هناك؟ال ادري انه املكان الوحيد الذي فكرت به.مجنون! عد الى شقتك وانتظر هناك. سأحاول ان اعرج عليكفيما بعد.--هل سمعت من سعيد أو علي؟علي اتصل صباحا وهو في بيته. كان يبكي ويقول ستضيعالقدس!ماذا؟!ال ادري ما الذي اصابه. يجب ان ارحل حاال عن هنا.جمعة؟نعم؟هذا يعني ان ال سهرة الليلة، صحيح؟ساد صمت ثم همس جمعة: انت مجنون واهلل مجنون.كان الرجل العجوز يعبث بقرص الراديو. كانت هناك موسيقىعسكرية وبيانات رسمية وارشادات للمواطنني ونشرات لالخبار.ماذا تظن سيحدث؟ سألته.سننتصر باذن اهلل.وبعدها؟ستتغير حياتنا الى األفضل.ضحكت ثم اعتذرت بسرعة.يجب ان ارحل، اشكرك.ابقى يا ابني، اين ستذهب؟ال ادري، عندي حفلة هذه الليلةنظر الي بعجب وهز رأسه.بعد ساعة عدت الى شقتي وقد تبلل جسدي عرقا. لم اعداسمع اصوات الطائرات. كانت املدينة هاجعة كأنها مخدرة.واجليران توزعوا في بيوتهم. جلست في املطبخ ادخن وانظر الىساعتي. كان الوقت عصرا. قلت لنفسي: انتهى كل شيء. غدانعود الى حياتنا اململة. اترانا نفوز في هذه احلرب؟نظرت الى قناني الكحول املصطفة امامي. نهضت وفتحتزجاجة الويسكي ومألت كاسا حتى احلافة. لم اعد اشعر بالغضبعلى أحد. الساعة اآلن هي الرابعة ونحن على اعتاب النصر. رفعتالكأس في الهواء ثم جترعته كامال. كان امامي يوم طويل وزجاجاتكثيرة اقارعها. فتحت النافذة على مصراعيها وتأملت املنظرامامي: منازل وعمارات وشوارع ومحال. لست معنيا بأحد فيهذه الدنيا. شربت كأسا آخر وجلست على حافة النافذة انتظران يحدث شيئ ما.