24.05.2021 Views

ماكو فضاء حر للابداع - السنة الثانية. العدد الثاني.حزيران 2021

ماكو مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ


ماكو مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

باالعتزاز بتركة املاضي.‏ على الرغم من هزمية<br />

احلرب رفض األملاني إعالن هزمية موروثه<br />

وقيمه التاريخية املتجذرة.‏ لقد عاصرت<br />

النتائج العملية والروحية لهذا الشعور،‏ وكنت<br />

أرى كيف تستعيد تلك اجلدران أبنيتها،‏ لتعود<br />

كما كانت،‏ حيّة ومهيبة وجميلة.‏ بعض األبنية<br />

استغرقت زمناً‏ طويالً‏ لكي تنهض،‏ إال أنها<br />

نهضت يف النهاية وكأنها األصل نفسه.‏ منها<br />

مبنى اوبرا فرانكفورت،‏ وكنيسة السدة يف<br />

درسدن ، واالثنان استغرق إعادة بناؤهما 40<br />

سنة بالتمام.‏ واملعروف أن اوبرا درسدن «<br />

سيمپر اوبرا « قدمت أعمال كبار موسيقيي<br />

املانيا،‏ ولقد دٌمرت متاماً‏ ومُسحت باألرض<br />

لكنها أعيدت كما كانت بعد 20 سنة من<br />

االنتظار.‏ لقد عاصرتها وأنا طالب ومعمار<br />

شاب وكهل صاحب موقف،‏ ثم حضرت عيد<br />

افتتاحها القومي.‏<br />

أخلص من هذا العرض أن ليس العراق،‏<br />

واملوصل بصورة خاصة،‏ حالة استثنائية<br />

وحيدة،‏ بل إن أغلب املدن األوربية ومدن<br />

اليابان لها تاريخ من الدمار املماثل،‏ لكنها<br />

أعادت البناء بقواها الذاتية سواء مبساعدات<br />

مالية خارجية او بالتقتير الشديد والعمل<br />

اجلاد والصبر.‏ إن أفضل النتائج ظهرت من<br />

جتارب إعادة البناء واسترجاع ما كان ميثل<br />

أثراً‏ من املاضي ، والنتائج هنا تتجاوز العودة<br />

الى مستوى املاضي بل جتاوزته إلى املستوى<br />

اإلنساني الفاعل يف البناء والتأمل وتوسيع<br />

التجربة،‏ فضالً‏ عن حتريك املشاعر الوطنية<br />

ودعم احلسّ‏ املدني.‏ يف هذه العملية لم يجر<br />

خذالن املدن األصيلة،‏ بل احتفظت بكبريائها ،<br />

ولم يُسمح بالتالعب بهويتها.‏ ومثلما انتصرت<br />

تنظيماتها املدنية الشعبية،‏ أصرت هذه املدن<br />

على استعادة أَلقها،‏ ورفضت أن تكون اخلاسر<br />

األكبر،‏ ألن اخلسارة يف العمران يظهر وال<br />

ميكن إخفاءه.‏ لقد استطاعت هذه املدن أن<br />

تتجاوز نتائج احلرب املدمرة،‏ وأن تستخدم<br />

قواها وإمكاناتها الكامنة لكي حتيي املضمون<br />

الوطني والرمزية االجتماعية من خالل<br />

احلفاظ على املوروث،‏ واعتبرت التالعب به<br />

خيانة بحق التاريخ والوطن.‏<br />

الواقع أن هذه املدن بقدر ما أعادت بناء ألقها<br />

ثانية،‏ استغنت قليالً‏ أو كثيراً‏ عن الغث من<br />

ماضيها،‏ ورمبا حوّلت احلروب الى فائدة يف<br />

نهضتها التالية كما يف املانيا واليابان ودول<br />

أوروبا الشرقية.‏<br />

بالقياس الى املوصل أرى أن التالعب بتركة<br />

املاضي مياثل هو اآلخر باخليانة،‏ كما هو<br />

موقف عاجز عن إزالة نتائج الهجمة الهمجية<br />

لداعش التي حطمت ميراثاً‏ معمارياً‏ وأثرياً‏<br />

كامالً،‏ ثم اإلخفاق يف تقييم ما جرى واختيار<br />

طرق غير سليمة يف إعادة البناء.‏ الواقع<br />

إن الرد على الهمجية الداعشية يجب أن<br />

يستنهض أول ما يستنهض القوى الشعبية<br />

واملدنية السترجاع مدينتها وتراثها التليد.‏ كما<br />

إنني أرى أن إجناح إعادة بناء املوصل،‏ على<br />

األسس التي وضحتها،‏ يقدم مثاالً‏ على ما<br />

ميكن العمل من أجله للحفاظ على أصالة<br />

عراقية عمر إجنازاتها يربو عن 7000 آالف<br />

عام.‏<br />

منذ وقويف ضد هدم برج الساعة يف سوق<br />

البصرة يف العشار يف بداية ستينات القرن<br />

املاضي ‏)يف مجلة عمارة التي أصدرتها يف<br />

حينه مع زميلي ياسر حكمت عبد املجيد(،‏<br />

وبعد ممارستي املعمارية ألكثر من ستة عقود،‏<br />

لم أتخل عن موقفي املدافع عن ميراثنا<br />

املعماري واحلفاظ عليه واستلهامه حداثوياً.‏<br />

إن فكرتي عن أن العمارة موقف متالزمة<br />

مع هذه الدعوة.‏ وموقفي املعارض ملسابقة<br />

جامع النوري هي التتمة املوضوعية ملواقفي<br />

القدمية هذه.‏ وأقولها بوضوح تام إنني ضد<br />

أي إحداث تغيير يف أي بناء تراثي،‏ وضد<br />

حتويل إعادة البناء الى سوق مسابقات بني<br />

املكاتب املعمارية.‏ ويف قضية جامع النوري<br />

ال أخفي أنني شعرت أن املسابقة هي ضرب<br />

من إعالن الهزمية أمام معتدين آثمني قاموا<br />

بالهدم والتدمير،‏ يف حني ميارس البناة اجلدد<br />

التزييف.‏<br />

بعد أن نعيد البناء وكامل املوقع بجواراته<br />

والعودة به الى األصل،‏ سيتسنى لنا معرفة<br />

املجموعة البنائية بطريقة جديدة،‏ قد نضيف<br />

ونطور،‏ لكن يجب احترام األجداد وتاريخ<br />

املدينة وهويتها أوالً.‏<br />

لقد حذرت من مشروع إعادة إحياء جامع<br />

النوري،‏ ووقفت منذ البداية ضده،‏ قبل إجراء<br />

املسابقة،‏ وقبل التعرف على شروطها،‏ وعلى<br />

القائمني بها ومحكميها ، ألنه مشروع غير<br />

مقبول يف العرف احلضاري اإلنساني.‏ لم<br />

يغرني التوقيت واالستعجال وال مصدر املال<br />

وال أي أسباب اخرى،‏ بل استندت الى جتارب<br />

عاملية معروفة،‏ والى موقف عاملي اتخذه<br />

اليونسكو يف مانفيستو البندقية.‏<br />

إن النتيجة والطريقة التي متت فيها املسابقة<br />

ومن قام بها واشترك بها،‏ يثبت رجاحة<br />

موقف من <strong>حر</strong>ص على املبنى وجلهم من أبناء<br />

املدينة الشماء املعروفني باإلباء واألصالة رغم<br />

معاناتهم الكبيرة.‏ هم ، قبل املعماريني،‏ من<br />

فند كل ما جاء من قرارات تشوه مدينتهم .<br />

وجاء موقف املعماريني العرب واألجانب مكمال<br />

برفض هذا االجحاف وتشجيعا على رفض<br />

املشروع جملة وتفصيال.‏<br />

217

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!