الجزء الاول
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
14
اليورو
وكام أوضحتُ يف نقاط متعددة يف هذا الكتاب، هناك أوجه تشابه وثيقة بني
الربامج التي يفرضها صندوق النقد الدويل )وأحيانا باالشرتاك مع البنك الدويل(
عىل البلدان النامية وبلدان األسواق الناشئة، وبني تلك الربامج التي فُرِضَ ت عىل
اليونان والبلدان األخرى التي عانت يف أعقاب الركود الكبري. كام رشحتُ أيضا ملاذا
توجد تشابهات ملحوظة يف أسباب كون هذه الربامج تستمر يف تخييب اآلمال، ويف
معارضة الرأي العام لها يف البلدان التي فُرِضت هذه الربامج عليها.
واليوم يُعَد العامل محارصَ ا باملبادرات الجديدة املصمَّ مة من أجل تسخري
العوملة ملصلحة القلة. وهذه االتفاقيات التجارية التي متتد عرب املحيط األطلنطي
واملحيط الهادئ، والتي يُطلق عليها اتفاقية الرشاكة يف التجارة واالستثامر عرب
األطلنطي )TTIP( ،Transatlantic Trade and Investment Partnership
واتفاقية الرشاكة عرب الهادئ )TPP( ،Trans-Pacific Partnership صاغها
أيضا قادة سياسيون وراء أبواب مغلقة، مع طرح مصالح الرشكات عىل طاولة
املفاوضات. وتعد االتفاقيات مصداقا للرغبة الدامئة يف التكامل االقتصادي بعيدا
عن التزامن مع التكامل السيايس. وأكرث مالمح هذه االتفاقيات إثارةً للخالف هو
متكني الرشكات من تهديد البلدان بدعاوى قضائية حينام تتأثر أرباحهم املتوقعة
سلبا بضوابط تنظيمية جديدة - وهو يشء لن تسمح به أي حكومة ضمن حدود
بلدها. فالحق يف إصدار الضوابط التنظيمية - ويف تغيري هذه الضوابط وفقا
للظروف - هو جانب رئيس يف سري عمل أي حكومة.
وكان مرشوع منطقة اليورو، عىل أي حال، مختلفا عن هذه األمثلة األخرى
التي رضبتها يف جانب أسايس: كانت وراءه نية جادة للتحرك نحو مزيد من التكامل
السيايس. بينام مل تكن خلفَ اتفاقيات التجارة نية لوضع معايري تنظيمية منسجمة
يُتَوصَّ ل إليها عن طريق هيئة برملانية تعربِّ عن املواطنني املوجودين يف كل املنطقة
التجارية. واألجندة الخاصة بالرشكات هي ببساطةٍ التوقفُ عن التدخل يف الضوابط
التنظيمية، أو حتى يكون األمر أفضل، هي الرتاجع عن الضوابط املوجودة بالفعل.
ولكن مخطط »مرشوع العملة املوحدة« كان واقعا تحت تأثري شديد أليديولوجية
ومصالح فشلت، ليس فقط يف تحقيق طموحاتها االقتصادية بتوفري الرخاء، ولكن
أيضا يف طموحها بشأن تقريب البلدان األعضاء بعضها من بعض سياسيا.