الكندي عدد تموز - آب 2019

More documents

Recommendations

Info

يروى أنّ‏ جنديًّا قُتل في إحدى المعارك الحربية،‏ وعندما هدأت حدة القتال قام رفاقُه بنقل جثته إلى المستشفى الميداني.‏ وبينما كانوا يُهيّئُونها لتسليمها فيما بعد إلى ذويه،‏ عثروا في جيبه على رسالة يقول فيها:‏ أكتب هذه الرسالة وال أدري من سيقرأها.‏ أنا اليوم جنديٌّ‏ في جيعل معرضل في كل لحظة إلى الدخول في معركة حربية قد أُقتلُ‏ فيها.‏ فإذا حدثَ‏ هذا وسمعتم أمّي تقول من على أحد أجهزة اإلعالم:‏ ‏"لقد نذر ابني نفسه لالستشهاد في سبيل الوطن ولحماية ترابه"،‏ فال تصدّ‏ ‏ِّقوها ألني أُحبُّ‏ الحياة وأكره الموت سِّيَّان عندي ما كان سببه.‏ وإذا قالت لكم بأنها سعيدةٌ‏ في أن تراني أُزَفُّ‏ شهيد الوطن،‏ فال تصدقوها ألنها كانت تحلم أن تراني أتسلمُ‏ يدَ‏ عرو ل تلدُ‏ لها أحفادًا تستعيدُ‏ فيهم براءةَ‏ طفولتي.‏ أجل ال تصدّ‏ ‏ِّقوها وال تصدقوا أختي أو أبي أو أخي إن قال أحدُهم كالمًا مماثالً‏ ، فقد تكونُ‏ تلك المذيعةُ‏ الجميلةُ‏ المغناجُ‏ قد أقنعتهم بترداد مثل تلك الكلمات الجوفاء،‏ لتهوّ‏ ن عليهم حزنَهم بفقدي.‏ صدّ‏ ‏ِّقوا فقط دمعةَ‏ وحسرةَ‏ أمّ‏ ‏ِّي وانكسارَ‏ أبي في وحدتيهما.‏ وذاك الذي سينشرُ‏ صورتي على صفحاتِّ‏ وسائلِّ‏ التواصلِّ‏ االجتماعيّ‏ ِّ، مدعيًا عُمقَ‏ صداقتنا ووفاءَه وإخالصَه لي،‏ بكلماتل منمّقةل انتقاها من أعذب ما كتبه أشعرُ‏ شعراء العرب،‏ فال تصدّ‏ ‏ِّقوه ألنه منافقٌ،‏ إذ باألمس القريب قصدتُه سائالً‏ أن يُقرضني بعض المال ألشتريَ‏ دواءً‏ لوالدتي،‏ فأعادني خائبًا،‏ زاعمًا أنَّه يعاني من ضيقِّ‏ اليد،‏ وأنا أعرفُ‏ جيدًا أنَّها حجةٌ‏ واهيةٌ.‏ وقولوا لفخامة رئيسِّ‏ البالد:‏ إنّي لست بحاجة إلى وسامل يُوضع على نعشي ميتًا،‏ بل كنت بحاجة إلى أن ألمسَ‏ رعايته أبًا وأنا على قيد الحياة.‏ وقولوا له وألصحاب الدولة والمعالي والسعادة و...‏ بأنّي لم أكنْ‏ بحاجةل إلى بضعِّ‏ كلماتل معسول لة يأبّنونني بها بقدر ما كنتُ‏ بحاجة إلى بضعِّ‏ دريهماتل يوفرونها لي وألمثالي من تلك األموال التي سرقوها ونهبوها من خيرات بالدي وتركوني فقيرًا أكافح شظف العيع وقساوته،‏ بينما يعيشون هم وعائالتهم في القصور والشّقق الفخمة الفسيحة المُحاطة بجميع وسائل وأساليب الحماية،‏ فلو عدلوا ألمنوا الخوف ولما احتاجوا إلى ما أو من يحميهم.‏ وهم أيضًا يتنعمون بالمراكز ومنافِّعِّها ويتنقلون بأفخم وأحدث السيارات تحميهم المواكب والقوافل من الحرَّا الذين يكيلون اإلهانات والشتائم والتهديد والوعيد لمن يتجرّأ باالقتراب من أيّ‏ ل منهم.‏ وقولوا لذاك الذي نصّبَ‏ نفسه زعيمًا على أبناء طائفتي ومنطقة تجمعهم،‏ مدعيًا حماية مصالحهم هم والطائفة،‏ بأالَّ‏ يُكلّ‏ ‏ِّف نفسه بزيارةِّ‏ أهلي لتقديمِّ‏ واجبِّ‏ العزاء بكالم المنافقين،‏ فيوم كانت أمّي بحاجةل إلى عمليةل جراحية تفوق كلفتُها قدراتنا أنا وأبي وإخوتي مجتمعين،‏ قصدت داره بِّضعَ‏ مراتل،‏ ممنيًا النفس في أن يمدّ‏ لنا يد العون للحصول على موافقة وزارة الصحة على التكفُّل بنفقات تلك العملية،‏ أبلغني أحد حراسه بأن ال وقت لديه الستقبالي،‏ وأنّ‏ علينا أن نتدبّر أمرنا بأنفسنا.‏ فلماذا إذًا أضحي بنفسي في سبيل وطنل لم يقدّ‏ ‏ِّم لي وألمثالي،‏ مسؤولوه أيًّا من مقوماتِّ‏ العيع الكريم؟ وجُلُّ‏ ما أذكره من جميلِّ‏ هذا الوطن تلك القرية التي ولدتُ‏ فيها ولعبتُ‏ بين حاراتِّها وعلى أزقتها،‏ وكتبت اسمي بالفحم أو بالطبشور على جدرانها،‏ مع أترابل كانت تربطني بهم براءةٌ‏ ضاعت مع األيام.‏ لم أحلمْ‏ يومًا أن أُدفنَ‏ تحت تراب وطني،‏ بل حلمت ولم أزلْ‏ أن يكون لي قطعةٌ‏ صغيرةٌ‏ من ذاك التراب أبني عليها بيتًا صغيرًا تشاركني العيعَ‏ فيه فتاةٌ‏ طالما حلمتُ‏ بها،‏ وأوالدٌ‏ أتمنى أن أُرزقَ‏ بهم منها،‏ أالعبهم أطفاالً‏ ويعينونني في شيخوختي.‏ ال نطلب،‏ أنا وأترابي،‏ من أولئك المسؤولين سوى أن نعيع على هذه األرضِّ‏ آمنين غدرات الزمن،‏ إذا مرض لنا أبٌ‏ أو أمٌّ‏ أو طفلٌ‏ أن يلقى العالج والدواء،‏ ال أن يموتَ‏ على أبواب المستشفيات،‏ أو أن أمدَّ‏ يدي أمام المسجد أو الكنيسة،‏ سائالً‏ بعض مالل أَسدُّ‏ به رمقًا أو أدفعُه بدال ألتعاب طبيبل.‏ وعندما يبل ُ الحلمَ‏ ولدٌ‏ لنا أن يجد فرصة العمل الشريف في وطنه،‏ ال أن يُضطرَّ‏ إلى هجري بحثًا عن لقمة العيع.‏ وجُلُّ‏ ما نطلب هو أبسط ما يحتاج إليه أحدُنا كي يعيع إنسانًا محفوظَ‏ الكرامة،‏ سقفًا وأربعةَ‏ جدرانل تقينا قرَّ‏ الشتاء وحرَّ‏ الصيف،‏ وماءً‏ نقيًّا نشربه ونغتسل به،‏ وهواءً‏ نظيفًا نتنشّقه،‏ وتيارًا كهربائيًّا ينيرُ‏ عتمة الليالي،‏ ومدرسةً‏ يتعلم فيها أبناؤنا من دون أقساطل مُرهِّقةل تفرضُ‏ علينا أن نحرمَهم ونحرِّ‏ مَ‏ أنفسنا كثيرًا من المأكلِّ‏ والملبسِّ‏ كي نسدّ‏ ‏ِّد قيمَها،‏ ووسائلَ‏ عامَّة تنقلنا من وإلى مراكز أعمالنا بكلفةل تتناسبُ‏ مع مداخيلنا،‏ في ِّ ظلّ‏ نظامل وقوانين عادلةل تساوي بيننا جميعًا وتُعطي كلَّ‏ ذي ح لقّ‏ حقَّه.‏ صدقوني حينما قرّرتُ‏ االنضمام إلى جيعِّ‏ بالدي لم افكّ‏ ‏ِّرْ‏ في أيّ‏ ل من تلك الشعارات الفارغة،‏ بل كانت غايتي الوحيدة ذلك الراتب الذي حسبت أنه سيقيني العوز.‏ رحم هللا اإلمام عليًّا إذ قال:‏ ‏"الفقرُ‏ في الوطنِّ‏ غُربةٌ".‏ 22
إلعالناتكم معنا:‏ 102-262-6260 <strong>تموز</strong>-‏ <strong>آب</strong> 6102 20
Page 1 and 2: November ، Montreal ، No. 0،Vol.
Page 3 and 4: كما يعتقد الكل،‏ ل
Page 5 and 6: تموز-‏ آب 6102 الجامع
Page 7 and 8: بيروت،‏ خاص،المست
Page 9 and 10: الموازنات الملحقة
Page 11 and 12: محطات تقبل النائب ج
Page 13 and 14: صحة مديرة مكتب بيرو
Page 15 and 16: محطات خالل الفترة ا
Page 17 and 18: شارك منتخب لبنان لر
Page 19 and 20: شاعر وقصيدة ولد روب
Page 21: ماريا موراني الفرن

الكندي عدد تموز - آب 2019

Create successful ePaper yourself

Delete template?

Save as template?