27.08.2019 Views

الكندي عدد تموز - آب 2019

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

كما يعتقد الكل،‏ لم تعد السياسة في لبنان لعبة الحكماء،‏ لم تعد<br />

شغف الخرّيجين،‏ والطموح إليها.‏<br />

في البدء،‏ كانت السياسة رجاء.‏ كانت توقا ألن تعطي بصمت.‏ كانت<br />

تحالفات خيّرة،‏ ومسيرات حق،‏ وتطلعات ورؤية واضحة.‏ وكانت<br />

ورشة بناء مجتمع،‏ وحماية مواطن،‏ وصيانة وطن.‏<br />

هذا كان في البدء،‏ اليوم،‏ وأحدّث في لبنان،‏ مع فارق استثناءات<br />

ضئيل جدا،‏ محدود في أمكنة،‏ ومرهون بأزمنة،‏ أصبحت السياسة<br />

عهرا،‏ وبذاءة،‏ وتطاوال،‏ وتهديدا،‏ إن لم يكن بتغيير النظام<br />

باالحتيال فبالقوة،‏ ولم ال؟ فالدولة ال تستطيع التصدي،‏ وإن حاولت<br />

فتتهم باالنحياز،‏ في وطن يحاول الضعفاء فيه أن يتعايشوا،‏<br />

وأبطاله أن يحافظوا فيه على مواقعهم.‏<br />

حكماء السياسة في لبنان خفتت أصواتهم،‏ يتندرون لوقفة لن تحين<br />

في فضاء الفلتان،‏ يخافون ظلّهم اليوم إذا أقاموا،‏ فالقابضون على<br />

األمور،‏ خريجو أزقة،‏ حملوا شعارات خرجت على القيم،‏<br />

وحصّنوها...‏ فالحقد عارم،‏ واألنانية طفحت،‏ والغدر صار سيدا،‏<br />

والوطن محيط دارهم.‏<br />

الصورة بشعة جدا...‏ اعتقد أننا في زمن التخلي.‏<br />

ألم نقرأ أن ‏"رجسة الخراب قائمة حيث ال ينبغي"؟<br />

ألم نقرأ أنه " سيقوم مسحاء كذبة،‏ وأنبياء كذبة،‏ ويعطون آيات<br />

وعجائب لكي يضلّوا لو أمكن المختارين أيضا"؟<br />

أليس في زمن التخلي يسلّم األخ أخاه إلى الموت،‏ واألب ولده؟<br />

ويقوم األوالد على والديهم ويقتلونهم؟<br />

كنت أخالها الصورة.‏ عفوا،‏ هي الواقع اليوم في لبنان.‏ هي الحالة<br />

السياسية الراهنة.‏ هي أولئك الهُناك.‏ فال تتعجبوا غداً‏ إذا تساقطت<br />

النجوم والقوات التي في السموات تزعزعت.‏<br />

ألنه كم من سياسي كذاب اليوم على مسارحكم،‏ كم من سياسي<br />

سفيه يتصدّر منابركم،‏ كم من سياسي حاقد يغدر بأهله وبأقرانه<br />

وكم بالحري بمواطنيه؟ كم من سياسي نكث العهد ورذل المدن،‏<br />

ولم يعتدّ‏ بإنسان؟<br />

أنا ال أستطيع أن أحصيهم،‏ ليس ألنهم كثر وحسب،‏ إنما ألنهم<br />

ينبتون كل يوم،‏ مخترقين مجالس المدن إلى مداخل البيوت في<br />

الدساكر،‏ وفي القرى،‏ وفي الحقول على جذوع الشجر المثمر كي<br />

يقطعوه ليبنوا بأخشابه متاريسهم،‏ ومنصات مهرجاناتهم،‏<br />

وناصيات أبواقهم.‏<br />

سياسيو الوطن،‏ وكما قلت فوقا مع فارق استثناءات ضئيل جدا،‏<br />

محدود في أمكنة،‏ ومرهون بأزمنة،‏ أناحوا األرض،‏ وأخجلوا<br />

لبنان...‏<br />

سياسيونا يريدوننا أن نسكن في وقائد أبدية.‏ أال نسلك بالحق،‏ وأال<br />

نتكلم باإلستقامة.‏<br />

سياسيونا يلزموننا أن نبارك مكاسب مظالمهم،‏ أن نغمض عيوننا<br />

عن شرورهم،‏ أن نسدّ‏ آذاننا عن سمع الدماء التي تصرخ في<br />

وجوههم،‏ وأن نطوّ‏ بهم أسياداً.‏<br />

ال.‏ لم تعد السياسة في لبنان لعبة الحكماء،‏ فهم أصبحوا غزالنا<br />

عرجاء،‏ وألسنة خرساء في غابة ذئاب ال أسود فيها تحميها وال<br />

عقبان.‏<br />

ولكن ترى،‏ لم هذا الصورة؟<br />

قلت ليست صورة،‏ لم أحمل كاميرا في يوم،‏ وال ريشة ارسم بها<br />

وجه امرأة جميلة،‏ هي الواقع...‏ هي أصداء ما ترون وما<br />

تسمعون..‏<br />

أرى في كل هذا عصرنا،‏ وقبل أن يستقر الليل على لبناننا،‏ قبل أن<br />

تصبح انهارنا زفتا،‏ وترابنا كبريتا،‏ وقبل أن ينتثر شعبنا كما ورق<br />

الشجر في العاصفة أو الزوبعة القادمة،‏ وتطلى السيوف من دماء<br />

ضحايانا وأبريائنا،‏ وقبل أن يندثر الوطن،‏ فليُسقط السياسيون كل<br />

نذالتهم،‏ وعهرهم،‏ وحقدهم،‏ وليندموا وليخرجوا،‏ ويفسحوا في<br />

المجال للحكماء كي يحكموا ويبسطوا سلطة الحق،‏ ويزرعوا<br />

الخير،‏ ويحافظوا على الجمال،‏ فربما...‏ ربما تشرق الشمس علينا<br />

من جديد،‏ فننتصر على ذواتنا،‏ وينتصر لبنان.‏<br />

<strong>تموز</strong>-‏ <strong>آب</strong> 6102<br />

0

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!