AlHadaf Magazine - December 2015
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
االفتتاحية<br />
صنائع املعروف<br />
تعلمنا أن فعل الخري يبقى لصاحبه، واملعروف الذي يسديه إىل الغري ال<br />
يضيع، بل ال بد أن يلقى جزاء معروفه، ولو بعد حني.<br />
الدليل عىل ذلك قصة حقيقية بطلها بدوي حرص عىل توثيق قصته قائالً:<br />
خرجت يف فصل الربيع، وإذا يب أرى اإلبل سامناً، كلام اقرتب ابن الناقة من<br />
أمه دَرّت وانفجر الحليب منها من كرثة الربكة والخري، فنظرت إىل ناقة وابنها<br />
خلفها وتذكرت جاري الفقري وبناته الصغريات، فقلتُ لنفيس: والله ألتصدقن<br />
بهذه الناقة وولدها لجاري.<br />
أخذت الناقة وابنها وطرقت الباب عىل جاري وقلت: خذها هدية مني لك...<br />
فرأيت الفرح يف وجهه، ال يدري ماذا يقول، وأصبح يرشب من لبنها ويحتطب<br />
عىل ظهرها وينتظر وليدها يكرب ليبيعه، وجاءه منها خريٌ كثري.<br />
انتهى الربيع وجاء الصيف ثم الخريف بجفافه وقحطه، فتشققت األرض<br />
وبدأ البدو يرتحلون بحثا عن املاء والكأل... شددنا الرحال نبحث عن املاء<br />
يف الدحول )حفر يف األرض توصل إىل محابس مائية لها فتحات فوق األرض<br />
يعرفها البدو(، دخلت إىل دحل منها ألُحرض املاء حتى نرشب، وانتظرين<br />
أوالدي الثالثة خارج الدحل، لكنني تهت ومل أستطع الوصول إىل سطح األرض.<br />
انتظر أبناؤه يومًا ويومني وثالثة حتى يئسوا وقالوا: لعل ثعباناً لدغ أبانا<br />
ومات، أو تاه تحت األرض وهلك... شد األبناء رحال العودة إىل البيت<br />
وقسّ موا املرياث، فقال أوسطهم: أتذكرون ناقة أيب التي أعطاها لجارنا، إنه ال<br />
يستحقها، فلنأخذ بعرياً أجرب نعطه لجارنا ونسرتد منه الناقة.<br />
اتفق اإلخوة وذهبوا إىل املسكني وقرعوا عليه الباب وقالوا: أحرض الناقة...<br />
قال: إن أباكم أهداين إياها... أتعىش وأتغدى من لبنها، فاللنب يُغني عن<br />
الطعام والرشاب كام يُخرب النبي.<br />
أعد لنا الناقة خريٌ لك، وخذ هذا البعري، وإال سنسحبها اآلن عنوة، ولن قالوا:<br />
نعطيك مكانها شيئاً.<br />
رد الجار: أشكوكم إىل أبيكم... قالوا: أبونا مات!!<br />
تساءل الجار: كيف مات، ومل ال أدري؟<br />
قالوا: دخل دِحالً يف الصحراء ومل يخرج. سارع الجار: اذهبوا يب إىل الدحل،<br />
ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم، وال أريد البعري.<br />
فلام ذهبوا به إىل املكان الذي دخل فيه األب صانع املعروف، ذهب وأحرض<br />
حبالً وأشعل شعلةً، ثم ربط أحد طريف الحبل خارج الدحل، وربط الطرف<br />
اآلخر عىل جسده، ونزل يزحف حتى وصل إىل مكان اشتم فيه رائحة رطوبة<br />
تقرتب، وإذا به يسمع أنيناً وأخذ يزحف ناحية األنني ويتلمس األرض،<br />
ووقعت يده عىل طني، ثم عىل الرجل، فوضع يده فإذا هو حي يتنفس بعد<br />
أسبوع من الضياع، فقام وجره وربط عينيه ثم أخرجه معه خارج الدحل،<br />
وأعطاه التمر وسقاه وحمله عىل ظهره وجاء به إىل داره، ودبت الحياة يف<br />
الرجل من جديد، وأوالده ال يعلمون. قال الجار: أخربين كيف بقيت أسبوعاً<br />
تحت األرض ومل متت؟!<br />
قال: ملا دخلت الدحل وتشعبت يب الطرق أدركت أنني ضعت، فقلت آوي<br />
إىل املاء الذي وصلت إليه وأخذت أرشب منه، ولكن الجوع ال يرحم، فاملاء<br />
ال يكفي... وبعد ثالثة أيام أخذ الجوع مني كل مأخذ، وبينام أنا مستلقٍ<br />
وسلمت أمري إىل الله، فإذا يب أشعر بحليب يتدفق عىل لساين فاعتدلت فإذا<br />
بإناء يف الظالم ال أراه يقرتب من فمي فأرتوي ثم يذهب، وأخذ يأتيني يف<br />
الظالم كل يوم ثالث مرات، ولكن منذ يومني انقطع الحليب... وال أدري ما<br />
سبب انقطاعه!!<br />
أجاب الجار: لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت!... فقد ظن أوالدك أنك مت<br />
فجاءوا إيلّ وأخذوا الناقة التي كان الله يسقيك منها، فاملسلم يف ظل صدقته<br />
ومعروفه، وكام قال النبي صىل الله عليه وسلم: "صنائع املعروف تقي<br />
مصارع السوء".<br />
الرجل أوالده وقال لهم: لقد قسّ مت مايل نصفني: نصف يل، ونصف جمع<br />
لجاري الذي حفظ املعروف ونجاين من املوت •<br />
املحرر<br />
10 حوار الهدف