04.06.2017 Views

تمتمات بلا أفواه

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

ٔ


إلى األحبة،‏ أصدلابً‏ فً‏ الفٌسبون وأٌنما كانوا.‏ الكاتب أٌّها<br />

األحباء ‏ٌدرن دابماً‏ مهما أبعدته الحٌاة عن لاع ذاته،‏ أنه ‏ٌملن<br />

تارٌخاً‏ لبل تعمٌده ككاتب.‏ إذ إنه لم ‏ٌؤتً‏ من العدم،‏ فمد نشؤ فً‏<br />

بٌبة فنٌّة وامتصّ‏ خٌاله كلّ‏ حكاٌات أمه،‏ وعاد ومشى معها من<br />

جدٌد كل درب اآلالم الذي خاضته،‏ وفهم تماماً‏ ماذا ‏ٌعنً‏ األلم<br />

والتضحٌة فً‏ عٌش الحٌاة،‏ وكم طال انتظار تلن األم حتّى<br />

‏ٌشبّ‏ ولٌدها وٌخرج إلى النور وٌدخل فً‏ اللعبة الجارٌة تحت<br />

الشمس،‏ متمبّبلً‏ مواجهة العواصؾ والرعد وؼضب البحر.‏<br />

الؽرٌب أن اشتعال تلن البٌبة التً‏ عاشت فً‏ مكان ما فً‏ الماع<br />

الذي ‏ٌخصنً،‏ ال ‏ٌُظهر لهباً،‏ بل إنه ‏ٌكشؾ عن ارتٌاح فً‏<br />

البماء تحت الرماد،‏ حٌث تملن ما ‏ٌمكَّنها من وصل ولٌدها شٌباً‏<br />

فشٌباً‏ باإللهام،‏ وتحدّد له رسالته فً‏ هذا العالم بطرٌمة كان<br />

وحده ‏ٌعرؾ كم شدهته و أنهكته،‏ حتى فهم كٌانه لؽتها والتمط<br />

ما ترٌد له و ما تطلب منه لٌفهم فً‏ آخر األمر أنه حمٌمًّ‏ ولٌس<br />

وهماً.‏<br />

الرإونً‏ ‏ٌا أعزة بتإدة،‏ حتّى ‏ٌُمكننً‏ اإلدران أن ما<br />

أرٌد المول لد عشتموه مثلً.‏ شكراً‏ لكم أٌها األحباء دون أيّ‏<br />

استثناء على معاٌدتً.‏<br />

ٕ


تمل<br />

ٔ<br />

أذكر أنً‏ كن ‏ُت كطابر جرٌح أبحث عن مكان آمن دافا<br />

أحطُ‏ على حوافه،‏ وأعٌش هنان بعٌداً‏ عن الخوؾ أداوي فٌه<br />

جروحً،‏ عندما نَ‏ إلً‏ الرٌح خبراً‏ خرج من كوالٌس<br />

المحكمة الروحٌة،‏ ‏ٌُفٌد أن المضٌّة التً‏ استمطبت الناس أعلنت<br />

نهاٌتها،‏ وتولّؾ التماضً‏ وذهب كلّ‏ طرؾ إلى شؤنه.‏ أكّد هذا<br />

الخبر أن األفكار التً‏ كانت ‏ُمتداولة كشفت دابماً‏ عن تفاإلها<br />

الوالعً‏ وإٌمانها بالحمٌمة الساطعة،‏ وبالربٌع والزهور المتفتّحة<br />

الؽنجة التً‏ لم تخ ‏ِؾ ‏ٌوماً‏ أنها تفضل فً‏ كلّ‏ األولات اشتمام ما<br />

تطرحه من عطر ‏ٌدعون إلى تبادل المبل وٌمول بملء فٌه:‏ إن<br />

الكابن المختار الذي ‏ٌؤمل أن ‏ٌمؤل الكون وٌفتح الطرق فٌه<br />

وخارجه للوصول إلى االرتماء فً‏ خدمة اإلنسان،‏ إنه الكابن<br />

البشري نفسه الملًء باإلٌمان،‏ أدرن أنه علٌه أن ‏ٌموم بما تطلبه<br />

أعماله،‏ متسلّحا باالستعداد التام لتعلٌمنا كٌفٌّة االستمتاع فً‏<br />

الؽوص وراء متع السماء للذٌن ‏ٌحتاجون إلٌها.‏ كما أنً‏ لم<br />

أتولؾ عن ذلن التوق المزمن إلى الرلص مع الرٌح والفرح<br />

المنتشً‏ الذي أحتفظ بابتسامته دون أن ‏ٌكون مستعداً‏ أن ‏ٌنبس<br />

ببنت شفة،‏ بل كانت عٌناه تنتمبلن إلى كلّ‏ مكان معجبة تملإها<br />

رؼبة بالتصفٌك المختلط بحٌرة ما،‏ أو للٌبل من عدم التصدٌك<br />

بؤن ما ‏ٌجري ‏ٌجري فعبلً‏ وال تشوبه أٌّة شاببة.‏ ظلّت عٌناه<br />

تتحركان كؤن االطمبنان لم ‏ٌكن كافٌاً‏ بعد.‏ نعم أٌها األحبة:‏ إن<br />

ذلن الشعور باإلنصاؾ أخذ ‏ٌملإنً،‏ ووعد من دموع الفرح<br />

ترالصت فً‏ مفلتًّ‏ موحٌة إلًّ‏ أنها ترٌد ؼسلً‏ وتطهٌري<br />

والتهلٌل معً‏ حتى الصباح.‏ لكنً‏ فً‏ الولت نفسه امتؤل ‏ُت<br />

بشعور ‏ٌمول لً:‏ إن روحً‏ عطشى وهً‏ بحاجة ماسة لتخطو<br />

ٖ


بضع خطوات رالصة تشعر فٌها بؤنها ترتفع عن األرض للٌبلً،‏<br />

رؼم أنً‏ أعرؾ أن المدٌر المحب هو من ‏ٌضبط العام وٌسمح<br />

أحٌانا لصوت النشاز أن ‏ٌسمع فٌه دون أن ندري لماذا؟!‏ ربما<br />

من أجل أولبن الذٌن ال ‏ٌحبون االنسجام بل أضافوا للفوضى<br />

كلمة الخبلّلة.‏ لٌظهروا للعالم كم ‏ٌكرهون اإلٌماع مدّعٌن أنه<br />

مجرّ‏ د إضافة لؤلوهام الكثٌرة التً‏ ترٌد البشرٌّة ان تثبت لنفسها<br />

أن هنان معنّى لوجودها ‏ٌزٌد من خطّة هللا تماسكاً.‏ ال شن أن<br />

الرب سٌبتسم لكنه لم ‏ٌكن ‏ٌنوي أن ‏ٌمول شٌباً.‏ أعتمد أنه جعلنا<br />

ندرن أن حرّ‏ ‏ٌة إطبلق الشعارات ستمودنا إلى الحمابك البسٌطة<br />

التً‏ نرتطم بها كلّ‏ ‏ٌوم،‏ ونرى الحمٌمة الساطعة التً‏ تجهر<br />

بالمول:‏ إن الربّ‏ هو الرهافة ‏ٌعٌنها،‏ من أجل ذلن نرى أنه<br />

‏ٌرفض التدخّل فً‏ حرّ‏ ‏ٌة اآلخرٌن.‏<br />

ربما نرى أحٌاناً‏ أن الربّ‏ أخذ ‏ٌحدّ‏ من صراخ الجمال فً‏ هذا<br />

العالم واعتداده الذي ‏ٌخرجه عن اإلٌماع رؼماً‏ عنه،‏ ألن<br />

الؽرور ‏ٌزٌح صاحبه عن الطرٌك الموٌم.‏ ولد ‏ٌؤخذه إلى الجنون<br />

الذي ال شنّ‏ أنه سٌمرّ‏ ؼه فً‏ المرارة وٌتركه خارج الزمن،‏<br />

ضابعاً‏ وحٌداً‏ ال ‏ٌعرؾ كٌؾ ‏ٌعود إلى السراط وخطة هللا.‏ لمد<br />

نسً‏ بؽتة كلّ‏ شًء وتاه فً‏ صحراء دون نجوم فالداً‏ طلّته<br />

الممتعة وبهتت عٌناه وأصبحتا تنظران دون أن تدركا ما<br />

ترٌانه.‏ اللٌل الذي أتى بعد كلّ‏ ذلن كان ‏ٌحمل معه الخشوع<br />

والسكون.‏ أدرن المسكٌن أن الربّ‏ ‏ٌنزل فٌه المصاص،‏ وفهم<br />

عمله أنه بمدرته اإللهٌة أبعد النجوم،‏ وصار ال ‏ٌراها كما كان<br />

‏ٌحبّ‏ ، مدركا أن الربّ‏ لم ‏ٌرد أن ‏ٌنخدع أحد وٌظن أنه ‏ٌمكنه<br />

الوصول إلٌها وثباً.‏<br />

ٗ


أنا أعشك هذا الكبلم ألنه ‏ٌحمل فً‏ طٌاته تثبٌتاً‏ مستمراً‏<br />

‏"لدٌمولرطٌّة"‏ هللا بامتٌاز.‏ إنً‏ أرى أنه ال بدّ‏ من االعتراؾ<br />

بخطبً‏ إذ إنً‏ أنصتُّ‏ إلى الذٌن حضّونً‏ على عدم االهتمام<br />

بفن الرلص ألن منه تتنبّع أشٌاء ال تلٌك بؤمثالً.‏ أجد نفسً‏<br />

اآلن أنً‏ استمتعت بالجهل وهو ‏ٌعطٌنً‏ نصابح رجعٌّة بدابٌّة،‏<br />

ولبلتُ‏ أن أزٌح عملً‏ جانباً.‏ لمد تعوّ‏ دوا فً‏ ببلدي أن ‏ٌعدّوه شٌباً‏<br />

مخصصاً‏ للنساء كً‏ ‏ٌسعدن الرجال.‏ بدل أن ‏ٌإمن المرء بؤنه<br />

‏ٌحًٌ‏ الروح،‏ وٌدفع باإلنسان الطبٌعً‏ أن ‏ٌسعى لبلنفتاح بكلٌّته<br />

إلى نزعات جدٌدة ارتمابٌة.‏ فً‏ تلن اللحظات شعرتُ‏ بؤنً‏ ‏ٌوماً‏<br />

ما سؤكون مستعدّاً‏ للدخول فً‏ منالشة هذا األمر،‏ وأدحض هذه<br />

الحكاٌات المبتذلة الردٌبة،‏ وأحاول أن أجد الفرصة عند اآلخر<br />

ألدعه ‏ٌفهم بحب:‏ إن الرلص فً‏ حمٌمة األمر ابتهال وطمس<br />

صبلة،‏ ‏ٌكمن إٌماعها فً‏ أعماق كلّ‏ الناس،‏ لكن لٌس كلّهم من<br />

‏ٌرتطم به وٌفوز بذلن الكنز الدفٌن.‏ إنه بحاجة ككُلّ‏ الفنون إلى<br />

الذٌن ‏ٌؽوصون عمٌماً‏ فً‏ هذا الفن،‏ وٌدركون ممدار االنبهار<br />

الذي ‏ٌؽمر ذلن الفنان من الداخل وٌؤخذه من ضجٌج هذا العالم،‏<br />

وٌنمٌه رافعاً‏ إٌّاه إلى هللا أثناء انحنابه للمادر ولٌس للجمهور.‏ ال<br />

تسمحوا للجهلة أن ‏ٌضؽطوا علٌكم وعلى بمٌة الناس جاعلٌن<br />

الخشٌة تدخل إلى الملوب،‏ وتمنعهم من أخذ مكانهم على بساط<br />

الرٌح.‏ ارحموا المبدع إنه رسول من لدن هللا.‏ نعم إنه بطرٌمة ما<br />

وربما فً‏ مكان آخر ال أحد ‏ٌعرفه،‏ تمشّى ‏ٌوماً‏ على حافة<br />

الجنون دون أن ‏ٌدري،‏ لكنه كان ‏ٌدرن أن شٌباً‏ ما ‏ٌحدث،‏ فبذل<br />

الجهد لٌبتعد عن المنحدر،‏ ولاوم بالصبلة وبك ‏ّل ما ‏ٌملكه من<br />

لوة وتوازن كً‏ ‏ٌجنّبه هللا هذه الكؤس.‏ ترى هل سٌؤتً‏ زمن<br />

آخر تكون فٌه تصرّ‏ فاتنا فً‏ هذا العصر ؼٌر مفهومة بل<br />

مضحكة ومبتذلة وأحٌاناً‏ تثٌر الؽثٌان؟!‏ لمد مرَّ‏ ت بعض<br />

٘


المجتمعات لدٌماً‏ فً‏ أولات كانت فٌها تمجّد لضٌب الرجل<br />

وتمدم له الطاعة والمرابٌن.‏ ربّما علٌنا فً‏ العمك أن نمتص من<br />

كلّ‏ من ‏ٌحتمر الجسد اإلنسانً‏ وٌعدّه ممتؤل بالعورات.‏ لكن لٌس<br />

بالتعذٌب أو المتل والسحل،‏ بل بما ‏ٌساعد ذلن الذي ال إطبللة له<br />

بٌن داخله وخارجه،‏ وال ‏ٌملن إلماماً‏ بماهٌة عبللة روحه بجسده<br />

أن ‏ٌرى ‏ٌوماً‏ أ ‏ّال عورات فً‏ الجسد اإلنسانًّ.‏ بل إن ك ‏ّل<br />

عضو فً‏ ذلن الجسد ‏ٌملن مهمّة رفٌعة الشؤن تتضافر استعداداً‏<br />

إلى أن ‏ٌحٌن الولت لترتفع باإلنسان إلى فوق،‏ وتخدم خطّة<br />

الرب فً‏ دفع اإلنسان إلى مرتبة تستحك صدالة من أنتظر<br />

طوٌبلً‏ تلن الصلة التبادلٌة التكاملٌّة.‏ إنً‏ دون شن أخشى من<br />

أفكاري ومن الضٌاع فً‏ متاهة التفاصٌل أو فً‏ بعض سمومها<br />

وربما فخاخها ال أدري؟!‏ من وجِ‏ دَ‏ لتنظٌم إٌماعنا كان ‏ٌعدّنا<br />

للدخول إلى عالم آخر حٌث نصٌر فٌه آلهة،‏ عندما ‏ٌرى المدٌر<br />

أننا بتنا مإهّلٌن للتفلّت من الزمن وأصبحنا جمٌعاً‏ نمتلن زمناً‏<br />

خاصاً‏ ‏ٌمثّل تمٌّزنا واتحادنا فً‏ الولت نفسه.‏ ذلن الذي تخرج<br />

منه األنا الخاصة من كلّ‏ واحد منّ‏ الذٌن ولدوا من جدٌد والدة<br />

مختلفة.‏ أنا واألسؾ نعرؾ أنً‏ لستُ‏ فً‏ المكان الذي ‏ٌُمكّننً‏<br />

من شرح ذلن الشعور الذي استجدّ‏ عند الجمٌع،‏ وال إدران<br />

عمك التناؼم الذي وحّد األعداد الهابلة وأعاد كلّ‏ شًء إلى<br />

نصابه،‏ وهزلت الشجرة المحرّ‏ مة وهرمت دون أن ‏ٌمس ثمارها<br />

أحد.‏ لستُ‏ أدري إن أُبمٌت صورتها ماثلة للعٌان؟ أنا أمٌل إلى<br />

هذه الفكرة.‏ إذ إنها ستكون ذكرى لكلّ‏ الماضً‏ حٌث لن ‏ٌطول<br />

انتظارنا حتّى نشم رابحة االختمار ونعرؾ لمَ‏ حدث ما حدث.‏<br />

نعم أٌها اإلخوة:‏ فً‏ تلن اللحظة صار للكلمة هٌبتها،‏ ودخلنا<br />

كلّنا أفراداً‏ وجماعات متّحدٌن وؼٌر منفصلٌن إلى داخل الكٌان<br />

اإللهً،‏ واختفى الزمن وزالت إمكانٌّة النشاز،‏ وهكذا سنصبح<br />

ٙ


ذلن الكل المتحد وؼٌر المنفصل نملن السلطة على كل<br />

اإلٌماعات التً‏ أوجدها الرب داخل الكون وخارجه.‏ سنكتشؾ<br />

فً‏ تلن اللحظات معنى الحرّ‏ ‏ٌة التً‏ نمتلكها وماذا تستطٌع أن<br />

تفعل،‏ بحٌث ندرن أنه لن ‏ٌكون بإمكاننا الخروج عن مفاهٌمها<br />

التً‏ وضعها الرب.‏ فً‏ تلن اللحظات سنشعر بسر كبٌر ‏ٌبزغ،‏<br />

فٌتؽٌر النور الذي حولنا روٌداً‏ روٌداً‏ متح ‏ّوالً‏ إلى حزمة أشعة<br />

متداخلة األلوان شدٌدة الوضوح ال تإذي العٌن ستكون هً‏<br />

المس ‏َكن الجدٌد لذلن االتّحاد اإللهً‏ الذي سٌحول دون اندثارنا<br />

فً‏ العدم.‏ ذلن العدم الذي ‏ٌعنً‏ الموت دون لٌامة.‏<br />

االنفراج الذي تمَّ‏ كان حدثاً‏ حمٌمٌاً‏ دون شنّ‏ ، وها هً‏ تلن<br />

األبواب المؽلمة بإحكام تنفتح أمامً،‏ وآمل أن تعامل الرٌح<br />

اآلخرٌن كما عاملتنً‏ ناللة إلٌهم الحظ.‏ إذ ال معنى لبلستمتاع<br />

وحدي.‏ شعرتُ‏ أنً‏ أولد من جدٌد عندما أدركت بكلٌّتً‏ أن األلم<br />

الذي كابدته وكاد أن ‏ٌذبحنً‏ أخذ طرٌمه إلى االضمحبلل،‏<br />

ولٌس أمامً‏ سوى الصبلة كً‏ تزول ذكراه وتفاصٌله التً‏<br />

أكلت معً‏ فً‏ الطبك نفسه طوال تلن المدّة.‏ كنتُ‏ أسٌراً‏<br />

لمشكلتً‏ رابطة إٌّاي بها ساعٌة بكل إمكانٌّاتها جاهدة لتفرٌؽً‏<br />

من إٌمانً‏ وتماسكً،‏ ولذفً‏ إلى صحراء تواجه عاصفة رملٌة<br />

عاتٌة ستؤخذنً‏ دون شن من سراب إلى سراب.‏ ثم هدأ ك ‏ّل<br />

شًء وانمشع ما كان ‏ٌحجب الرإٌة،‏ فظهرت أمامً‏ بضع<br />

أشجار من النخٌل،‏ وعدد ؼرٌب من البلفتات ‏ُكتب على ك ‏ّل<br />

منها ألؽام ألؽام،‏ ألؽام.‏ ترى ماذا ‏ٌعنً‏ ذلن؟!‏ هكذا سؤل ‏ُت نفسً:‏<br />

ترى هل اجتٌاز هذا الحمل الكبٌر من األلؽام هو شرط أساسً‏<br />

للنجاح؟!‏ أو للوصول إلى الشعور باألمان أم إن هنان من ‏ٌمول<br />

له جِ‏ د سبٌبلً‏ آخر،‏ وابتعد عن الفخاخ.‏ ترى كم من الولت<br />

7


سٌلزمنً‏ لبلختٌار؟!‏ أم علًّ‏ االنتظار هنا تحت الشمس<br />

المحرلة،‏ إلى أن ‏ٌؤتوا بالصلٌب؟!‏ أو ربما أن كلّ‏ هذا المسرح<br />

المنتصب أمامً‏ هو الصلٌب الممصود؟!‏ كان المولؾ مخٌفاً‏<br />

وأنا أمتلا إدراكاً‏ أن عملً‏ بدا عاجزاً‏ عن البحث عن مخرج،‏<br />

‏ٌستطٌع أن ‏ٌزٌل كلّ‏ هذا الؽموض الذي تخشى الولوج إلٌه حتى<br />

تحمً‏ عملن من مزٌد التشوش الخطر.‏ ابتسمتُ‏ دون أن أدري<br />

لماذا؟!‏ ترى هل ألنً‏ ال أزال مإمناً‏ بؤنهم ال ‏ٌستطٌعون<br />

تركٌعً‏ وإجباري على االستسبلم؟!‏ لرّ‏ رتُ‏ البماء مكانً‏ لٌس<br />

مرؼماً،‏ لكن بسبب إٌمان اجتاحنً‏ بموّ‏ ة ولال:‏ دعن من الخوؾ<br />

وتمسّن باإلٌمان.‏ ابك هنا بانتظار صلٌبن وال تخشَ‏ شٌباً.‏ فهو<br />

لن ‏ٌؤخذن إلى االنتحار بل سٌشدّ‏ على ‏ٌدٌن،‏ وٌربّت على كتفن<br />

وٌبتسم معجباً‏ بإٌمانن وجرأتن وٌحًّ‏ ِ شجاعتن وبعد نظرن.‏<br />

جلست على األرض،‏ وعمدتُ‏ العزم على البماء حٌث أنا رؼم<br />

شعوري بالعطش الشدٌد.‏ ترى ألٌس أنا وحدي هنا؟!‏ إذاً‏ من<br />

ذكر الصلب والصلٌب،‏ وهل هنان من ‏ٌحرن أفكاري عن بعد<br />

لتبرق فكرة معٌّنة فً‏ ذهنً؟ً!‏ بدأت أسمع حدٌثً‏ مع نفسً،‏ ولم<br />

أعد أرى الصحراء،‏ وال أفكر فً‏ العمول المتحجرة وال فً‏<br />

الجحٌم.‏ للت لنفسً:‏ من ‏ٌتراجع عن طلب التفرٌك خوفاً‏ من<br />

ممارعة مجتمع بكامله،‏ ‏ٌعنً‏ أنه لبل طوعاً‏ البماء فً‏ الجحٌم،‏<br />

وستظلّ‏ اللعنة تبلحمه إلى نهاٌة الدهر.‏ ث ‏َّم ألٌس أحد معانً‏<br />

الصلب هو المٌامة ودحر الموت؟!‏ الرب دون شنّ‏ أمسن بٌد ‏ّي<br />

كطفل صؽٌر وتمشّى معً‏ عبر طرٌك طوٌل،‏ ‏ٌحٌط به<br />

االخضرار من كلّ‏ جانب دون أن أرى جذوع األشجار<br />

وأؼصانها.‏ ثمَّ‏ سلمنً‏ إلى رجل طاعن فً‏ السن أمسن بٌدي هو<br />

اآلخر مبتسماً‏ وأومؤ إلًَّ‏ أن أتبعه إلى بٌت جمٌل مإلّؾ كلّه من<br />

المصب.‏ هنان رحّب بً‏ وأدخلنً‏ إلى ؼرفة داخلٌّة ولال:‏<br />

8


ستكون هنا آمنا من الوحوش،‏ وبعد بعض الولت ستشعر أنن<br />

فً‏ حالة من النماء لم تؤلفها سابماً.‏ ‏ٌبدو أن الرب ‏ٌطلب منن<br />

الكثٌر.‏ تولّفتُ‏ للٌبلً‏ عن الكتابة وتذكر ‏ُت العظٌم ‏"فروٌد"‏ الذي<br />

لامت على كتفٌه الكثٌر من المدارس النفسٌّة التً‏ بعضها ‏ٌمول:‏<br />

إن بعض األحبلم تختلط مع الذكرٌات مثلما تختلط األوهام مع<br />

الولابع أحٌاناً.‏<br />

أعتمد أننا نعٌش تولاً‏ خفٌاً‏ لبناء صرح ‏ٌإكّد االستمرار فً‏<br />

تطوٌر المصالح المشتركة والمفز فً‏ التفكٌر إلى نواحً‏ ؼٌر<br />

مسبولة بحٌث تكون كلّ‏ عناوٌن األفكار دٌمولراطٌّة حمٌمٌة<br />

تدفع نحو انتمال إلى توحٌد المسرّ‏ ات المشتركة واألعٌاد<br />

الوطنٌة،‏ وبناء فولكلور حمٌمً‏ ‏ٌجمع العرب فً‏ رلصات<br />

معروفة الخطوات عند الصؽٌر والكبٌر.‏ كما ال بدّ‏ من إنشاء<br />

عٌد وطنً‏ واحد موحد األلبسة واأللوان.‏ من ‏ٌدري فمد نتّفك<br />

جمٌعاً‏ على تسمٌة العٌد الجدٌد ممتل ‏"اإلشاعة"‏ بحٌث ‏ٌصبح<br />

‏"علن"‏ التموالت ‏"مبصمة"‏ األٌام الؽابرة.‏<br />

صدّلونً‏ عندما ألول:‏ إنً‏ تعبتُ‏ كثٌراً‏ لٌخرج لرار<br />

المحكمة الروحٌّة إلى النور بشكل صحٌح والبك لدر اإلمكان،‏<br />

ولٌس على أحد أن ‏ٌتولّع أن المحكمة الروحٌّة تختلؾ عن كل<br />

المحاكم التً‏ نعرفها بشكل كبٌر.‏ رؼم وجود الكتاب الممدس<br />

ورجال الدٌن الذٌن نذروا العفّة لٌكون األمر الوحٌد الذي<br />

‏ٌفعلونه تطبٌك تعالٌم الذي صلب حتى الموت لٌختبر البشر<br />

المحبّة والؽفران.‏ لضٌتُ‏ ستّة شهور كان فٌها الشٌطان ‏ٌهدّدنً‏<br />

بالجلد فً‏ الساحة العامة.‏ لكنً‏ لم أفكّر فً‏ الخضوع لشخصٌّة<br />

مرزولة مرفوضة من المجتمعات اإلنسانٌّة التً‏ خلمها هللا<br />

9


لترتمً‏ تحت عناٌته وبجهدها باذلة الجهد المستمرّ‏ للعناٌة<br />

بالمتعبٌن فً‏ هذه الدنٌا.‏ عزلت نفسً‏ عن الذٌن ‏ٌس ‏ّخرون<br />

الرذابل لتكون مصدر عٌشهم،‏ وتلهمهم كً‏ ‏ٌنوّ‏ عوا سُبل زٌادة<br />

أرزالهم لٌطوروا تجارتهم وٌصٌرون مصدراً‏ لئلعجاب.‏<br />

ألسباب مختلفة لررت تملٌص عبللتً‏ االجتماعٌة واالبتعاد عن<br />

منابع األخبار الٌومٌّة الملفّمة،‏ مؽلماً‏ كلّ‏ ما أستطٌع إؼبلله،‏ ولم<br />

أتنفس أو أرى أشعة الشمس،‏ إال من الؽرفة الشرلٌّة التً‏ ال<br />

تظهر إالّ‏ من حدٌمة الجٌران الذٌن هاجروا إلى كندا بعد موت<br />

ذكرهم الوحٌد بطرٌمة ؼامضة ومرٌبة بحٌث جعلت التوشوش<br />

‏ٌطول إلى تولؾ بعد أن فمد معناه.‏ لمد فعلت كلّ‏ شًء ألحتفظ<br />

بتماسكً‏ وتوازنً.‏ كنت ممتنعاً‏ أن ما أفعله ‏ٌحرّ‏ كه العمل السلٌم<br />

ذاته،‏ ولم ‏ٌكن هنان شٌباً‏ أخر أستطٌع أن أفعله ألحصل على<br />

التوازن فً‏ أعمالً،‏ بعد أن بمٌت طوٌبلً‏ ساحة لتال لؤلشرار<br />

لتصفٌة حساباتهم فٌها.‏ بحثتُ‏ كثٌراً‏ ومررتُ‏ على الماضً‏ وك ‏ّل<br />

التفاصٌل التً‏ التمطّها من شرٌط الذكرٌات،‏ فلم أجد مسوّ‏ ؼاً‏<br />

للخوؾ من أي شًء كنت لد لرّ‏ رتُ‏ اإللدام علٌه وفعلتُ.‏ لطالما<br />

اللمتنً‏ ذاتً‏ وأنا أراها تعانً‏ بٌنما ألؾ مشدوهاً‏ تتضارب<br />

األفكار فً‏ رأسً‏ وٌؽزو الجدل العمٌم عملً.‏ كانت عٌناي ال<br />

تزاالن تنظران إلى الوراء،‏ إلى ذاتً‏ التً‏ ال تزال مضطربة،‏<br />

بٌنما أعمالً‏ كانت منشؽلة فً‏ التحضٌر لِما عزمت على فعله<br />

وإخفابه عن األعٌن.‏ كانت انتفاضتً‏ األولى تعلن عن حاجتً‏<br />

الشدٌدة إلى تذوّ‏ ق طعم الشجاعة،‏ إن جمٌع من التمٌتهم فً‏<br />

حٌاتً‏ تكلّموا عنها الكثٌر وصوّ‏ روا لً‏ أهمٌّتها كلوحة رسمها<br />

هللا فً‏ ذلن الٌوم الذي ارتاح فٌه بعد خلمنا وخلك كلّ‏ هذه البدابع<br />

التً‏ حولنا،‏ والتً‏ ‏ٌمجّدونها وٌرفعون السٌوؾ احتراماً‏ لها<br />

وتمدٌراً.‏ حدث كلّ‏ هذا فً‏ اللحظة نفسها التً‏ رعدت فٌها<br />

ٔٓ


السماء وبرلت مرسلة نٌرانها التً‏ تختفً‏ فور ظهورها<br />

وتضرب حٌن وصولها إلى الهدؾ.‏ لكن عندما مشٌت بٌن<br />

السٌوؾ المرفوعة تولّفتُ‏ عن الخوؾ من أن أخطا فً‏<br />

التشخٌص أو أن أتسرّ‏ ع فً‏ أي عمل ‏ٌكون سببه محاولة التفكٌر<br />

الهادئ فً‏ مناخ مشبع بالتوتر إلنتاج مولؾ سلٌم.‏ اعتمدت هذه<br />

الطرٌمة أللول لكل الناس إن أحد األطراؾ الذي صمّمَ‏ على<br />

الطبلق وفً‏ الولت نفسه لم ‏ٌُرد أن ‏ٌجعل من نفسه منبعاً‏<br />

لؤلخبار،‏ فاتفك مع المحامً‏ على ِ كلّ‏ شًء وسافر بعٌداً‏ بعد أن<br />

أخبر المحكمة الروحٌّة بكلّ‏ ما ترٌد معرفته.‏ أعتمد أن ما بدأ<br />

‏ٌحدث فً‏ الشهور السابمة وأصبح أمراً‏ والعاً،‏ كان ال بدَّ‏ من<br />

وضع حد لما ‏ٌجري وأنهً‏ هذه العبللة الزوجٌّة البابسة وأعٌد<br />

كلّ‏ شًء إلى نصابه الصحٌح.‏ إنً‏ أعترؾ بكل صراحة أن<br />

األمر كان ‏ٌشبه صاعمة فتكت بؤيّ‏ شًء ولؾ فً‏ طرٌمها.‏ لمد<br />

خرجتُ‏ من للب عاصفة مجنونة أرٌد لها أن تضرب بشدة هنا<br />

وهنان وبطرٌمة عشوابٌّة،‏ فاختارت تلن الصاعمة أن تصٌب<br />

منزلً‏ عامدة لاصدة تحوٌله إلى أطبلل فً‏ دلٌمة واحدة.‏ لكن<br />

هللا على ما ‏ٌبدو لم ‏ٌرد أن ‏ٌخرجنً‏ من تحت الركام سلٌماً‏<br />

معافى بل إنه لم ‏ٌسمح لتلن الصاعمة أن تحدث أط<strong>بلا</strong>لً‏ إرضاء<br />

ألحد.‏ أما روحً‏ فمد أتعبها االنفجار الذي حدث،‏ كما أربن<br />

أعصابً‏ لمدة ثبلثة أٌام،‏ عاد بعدها كلّ‏ شًء إلى وضعه<br />

الطبٌعً.‏ شكرت األطباء الذٌن توافدوا لبلطمبنان علً‏ وهم<br />

بدورهم أكدوا أنهم مولنون أن ما حدث لن ‏ٌترن أيّ‏ أثر<br />

مستمبلً.‏ أما األضرار البسٌطة التً‏ أصابت منزلً‏ ببع ‏ٍض<br />

منها،‏ كانت اإلشارة إلً‏ أن أبدأ بترمٌم كلّ‏ ما هو بحاجة إلى<br />

ترمٌم فً‏ بٌت جدي ‏"علً‏ فركوح"‏<br />

ٔٔ


ٕ<br />

ها أنا أعود إلى النور الذي بزغ مع العالم الذي ابتدعه هللا.‏<br />

سؤبتسم له ألنً‏ أرٌده أن ‏ٌعرؾ أنً‏ ال أخلط بٌنه وبٌن ذلن<br />

الذي ‏ٌصنعه اإلنسان وٌإذي عٌنًَّ‏ إن كان باهتاً‏ أصفر أو<br />

أبٌض باهراً.‏ سؤكون دابماً‏ فً‏ الؽرفة الشرلٌّة الكبٌرة التً‏ ال<br />

أسدل ستابرها فً‏ الصباح.‏ إنها ال تزال تحوي كلّ‏ مكتبتً‏<br />

الموسٌمٌّة ممّا تحبه روحً‏ وتستكٌن إلٌه.‏ البٌانو األسود الكبٌر<br />

حٌث سؤعٌش وأصلً‏ مع ‏"بٌتهوفن"‏ آمبلً‏ أن تؤخذنً‏ موسٌماه<br />

معها إلى المبة الزرلاء.‏ عندما نسمع معاً‏ سمفونٌّته التاسعة<br />

تعزفها السماء وتصل إلى أسماعنا كؤننا نسمعها عبر عدد ؼٌر<br />

محدود من ‏"البافبلت"‏ المصنوعة بؤٌد ؼٌر بشرٌّة.‏ أنا موعود<br />

أن أسمع فً‏ عزلتً‏ بالطرٌمة نفسها أعمال كلّ‏ الموسٌمٌٌّن<br />

العبالرة العظام أمثال ‏"باخ"‏ الفرٌد ‏"وفاؼنر"‏ و"لٌست"‏ دون أن<br />

ننسى ‏"موتزارت"‏ األعجوبة وشوبان الذي ال ‏ٌزال البعض<br />

تزعجه تنوع مٌوله التً‏ تإثّر على تفرده المدهش الؽرٌب<br />

األطوار التً‏ تحكً‏ عنها موسٌماه طابرة بن وحدن فوق الؽٌوم<br />

مشدوهاً،‏ ثمَّ‏ دون أن تعرؾ،‏ تجد نفسن جالساً‏ بٌن الناس<br />

الصامتٌن فً‏ مسرح ضخم فخم ‏ٌضاهً‏ لصر ‏"فرساي"‏ ‏ٌسع<br />

جمهوراً‏ كبٌراً‏ من الناس وهم ‏ٌسمعون تلن الموسٌمى التً‏<br />

تُعزؾ ولد بدوا أنهم ‏ٌفهمون ما تموله تلن النوتات.‏ الؽرٌب<br />

الذي حدث أنً‏ شعر ‏ُت أٌضاً‏ بؤنً‏ أصبح ‏ُت روٌداً‏ روٌداً‏ أفهم ما<br />

تعنً‏ تلن النوتات من كلمات،‏ التً‏ كانت أحٌاناً‏ تشدّنً‏ وتثٌرنً‏<br />

حتّى أكاد أن أصل معها إلى الذروة وأنا أدرن أن مضاجعتً‏<br />

ٕٔ


للؽٌوم فً‏ طرٌمها لبلنتهاء،‏ لكنها تعود لترٌحنً‏ بمبلة فً‏<br />

الجانب األٌسر من عنمً‏ المرٌب من الخلؾ،‏ فؤجد لها طعماً‏ لم<br />

أذق مثله فً‏ حٌاتً.‏ ال ‏ٌمكننا أن نذكر كلّ‏ العظام وأعمالهم<br />

السٌّما أننً‏ لم أكن مهتمّاً‏ أن أكون خبٌراً‏ فً‏ هذا المجال.‏ لكن<br />

أولبن العظام كانت موسٌماهم ال تنف ‏ّن تتبلعب بً‏ كما تشاء،‏<br />

وكنتُ‏ أنا وكٌانً‏ أحب ما تفعله فٌه.‏ هذا ما ‏ٌجعل للبً‏ ‏ٌخطا<br />

ربّما فً‏ ترتٌب أولوٌّاته التً‏ لد تختلؾ بٌن حٌن وآخر مع<br />

أولوٌّاتً.‏ إذ إن للبً‏ لٌس ؼرٌب األطوار أٌضاً‏ مثل نفسً،‏<br />

ولٌس فٌه جنون ‏ٌمترب من نوعٌّة جنونً.‏ إنه ‏ٌستطٌع أن ‏ٌضع<br />

حداً‏ لجنونه لٌتفرّ‏ غ لمداعبة حنانه والتم ‏ّرغ معه على سجّادة<br />

اإلمبراطور أو على بساط حطّاب فمٌر،‏ إنه لم ‏ٌجد ‏ٌوماً‏ فرلاً.‏<br />

ربما علً‏ أن أضٌؾ:‏ إن النؽمة كانت تخطفنً‏ منذ زمن بعٌد<br />

وال تزال تتمتّع باختطافً‏ تاركة إٌّاي أعاٌش تلن المتعة التً‏<br />

تشدّنً‏ وتداعبنً‏ بطرٌمة ؼرٌبة تجعلنً‏ أحذر وأخشى ما لٌس<br />

لً‏ لِبل به.‏ لكنها بعد للٌل من الولت أعطتنً‏ إشارة أنها لن<br />

تحاول عصري وتشرب من ذلن العصٌر الرابع.‏ كما أن<br />

مشاعري استبمت فً‏ كلّ‏ الظروؾ لدرتها على التمتع،‏ والعودة<br />

بً‏ إلى تلن األٌام التً‏ كانت فٌها النؽمة تسرلنً‏ من أفكاري<br />

وترحل بً‏ إلى عوالم مختلفة رلصاً،‏ وال تعود بً‏ إالّ‏ والصباح<br />

‏ٌحاول أن ‏ٌفتح عٌنٌه الجمٌلتٌن،‏ تاركة إٌّاي أمام بٌتً‏ وحٌداً‏<br />

بعد أن تمبّلنً‏ مإكّدة وعود البحر لً‏ بؤنً‏ سؤرلص<br />

‏"الكومبارسٌتا"‏ مع السٌؾ رؼم أنً‏ ال أعرؾ شٌباً‏ ‏ٌُذكر عن<br />

الرلص وال عن السٌوؾ.‏ إن ك ‏ّل أولبن العبالرة العظام جعلوا<br />

من الموسٌمى بلسماً‏ ‏ٌسري فً‏ دمابً،‏ مع الرجاء من الضلٌعٌن<br />

فً‏ لؽتنا العربٌّة إعطاء كلمة ‏"بلسم"‏ بعض الحرٌّة أكثر فً‏<br />

اختٌار المعانً‏ التً‏ ‏ٌمكن أن تحوٌها.‏ نعم إنً‏ أعود إلى النور<br />

ٖٔ


وبعد فترة سؤتمشّى فً‏ الشمس الساطعة،‏ ولن ‏ٌإثر ذلن<br />

السطوع فً‏ عٌنً.‏<br />

الؽرفة الشرلٌّة لطالما كانت جمٌلة وتطل على حدٌمة<br />

الجٌران الكبٌرة الذٌن فمدوا ذكرهم الوحٌد،‏ فلم ‏ٌتحمّلوا سموط<br />

نُصب محتمل فهاجروا بعٌداً‏ إلى ‏"كندا"‏ حٌث الثلج ‏ٌؽمر تلن<br />

الببلد بؤسرها.‏ لكن ‏"الفٌلبل"‏ الرابعة بمٌت مؽلمة مهجورة تبن<br />

متنهّدة شاكٌة فمدان الدؾء البشري.‏ إن األنٌن الذي ال نعرؾ<br />

من ‏ٌسمعه ال ‏ٌعبر فمط عن األلم العمٌك وال عن الحزن الدفٌن،‏<br />

بل إنه أحٌاناً‏ ‏ٌُعده الكثٌرون من مازوخًٌّ‏ هذه األٌام معبّراً‏ عن<br />

فرحهم الخاص وحبّهم وولههم بالشجن،‏ إذا نمص سارع<br />

السراب إلى جذبهم باتجاه آخر لٌرٌهم اختطافاً‏ مختلفاً‏ وبكاء<br />

محجوب الصوت لتكون مآسٌنا خالٌة من النُواح على األلل.‏<br />

تحدث الكثٌرون عن ذلن األنٌن الذي ‏ٌسمع عندما ‏ٌمر أحد<br />

أو أكثر من لرب تلن ‏"الفٌلبل"،‏ والؽرٌب فً‏ األمر أنه لم<br />

‏ٌستطع أحد معرفة مصدره على اإلطبلق.‏ لكن عندما ‏ٌتولؾ<br />

فجؤة أحد ما لمحاولة التؤكّد إن كان فً‏ الداخل من ‏ٌتؤلم وٌعٌش<br />

على ذكرى تلن األٌّام الرابعة،‏ وٌبكً‏ تلن الجدران والنوافذ<br />

المؽلمة،‏ وشبه الظبلم الدابم،‏ ولٌس لدٌه ما ‏ٌفعله سوى إٌماؾ<br />

عذاب الوحدة الرهٌب،‏ أو الخوؾ من فمدان الوحدة،‏ إذ إنه ربّما<br />

‏ٌعرؾ أنه لن ‏ٌكون لدٌه ما ‏ٌفعله،‏ بل سٌزٌد من جلب األصوات<br />

الذي لد تؤخذ الحً‏ كلّه إلى الجنون.‏ فً‏ هذه الحالة تكؾ<br />

الجدران عن تسرٌب أي شًء،‏ وٌصٌب ذلن المرالب المتطفّل<br />

اإلحباط الشدٌد.‏ ‏ٌهمنً‏ أن أضٌؾ أنً‏ لستُ‏ آسفاً‏ من عدم<br />

معرفتً‏ بذلن اإلنسان وال إلى ماذا ‏ٌهدؾ.‏ ال أعتمد أنه كان<br />

ٔٗ


‏ٌرٌد أن ‏ٌوحً‏ فعبلً‏ عرض المساعدة.‏ بل أؼلب الظن أنه كان<br />

‏ٌبؽً‏ االشتران فً‏ األنٌن لٌؤخذ كامل لذته المازوخٌّة.‏ بعد فترة<br />

وصلت إلى مسامعً‏ شخصٌّاً‏ أصوات اصطدامات صادرة من<br />

الحٌطان الداخلٌّة لبٌتً.‏ تساءلت:‏ ترى ل ‏َم لم ‏ٌفكر أحد أن<br />

األنٌن الذي ‏ٌسمع من ‏"فٌلبل"‏ الجٌران السابمٌن هً‏ نفسها الذي<br />

تصدره.‏ إنها وحٌدة ال تتكلّم مع أحد،‏ ولم ‏ٌعد الزابرون ‏ٌؤتون<br />

لٌزوروا أصدلاءهم حاملٌن معهم حكاٌات حمٌمٌّة أو ؼٌر<br />

حمٌمٌة،‏ ترى من الذي سٌهتم؟!‏ ألم ‏ٌُمَل أن الذرّ‏ ات ومشتماتها<br />

تشعر بالوحدة والوحشة،‏ وٌتملّكها اإلحساس بالحاجة إلى دؾء<br />

ما دون أن ‏ٌعنً‏ الفرق بٌن الشتاء والصٌؾ شٌباً؟!‏ إنً‏ ال أفهم<br />

لمَ‏ تمٌم بعض الشعوب التماثٌل للعضو الذكري منتصباً‏ شامخاً‏<br />

معتدّاً،‏ موجهاً‏ نظره إلى حٌث ال ندري تماماً،‏ كؤنه ال ‏ٌرجو من<br />

البشر شٌباً‏ ‏ٌذكر؟!‏ ترى ما سر هذا العضو ولماذا الكلّ‏ ‏ٌحبون<br />

أن ‏ٌجعلوا منه لعبتهم على األلل؟!!‏ ترى هل من ‏ٌنصبون تلن<br />

التماثٌل بفخر ظاهر ‏ٌعبدون ما ‏ٌشتهون؟!‏<br />

ال شن أن المرحلة التً‏ كنتُ‏ أمر فٌها كانت نفسً‏ تلح على<br />

أن تحظى باالنعزال عن الناس،‏ وتجنٌبً‏ ش ‏ّر شرح ما جرى<br />

وٌجري لؤلصحاب والمعارؾ الكثر.‏ إذ كان األمر صعب<br />

االحتمال أن ترى األلسن تلون ما سمعت من المصص كما<br />

تشاء،‏ وتسرد األلاوٌل بما ‏ٌفسد المٌم التً‏ ‏ٌحترمها المجتمع<br />

وتعمل على صون أخبلله.‏<br />

المهم أن ذلن المكان كان ‏ٌُخْفٌنً‏ عن األعٌن وٌبعد عنً‏<br />

األصوات التً‏ لم ‏ٌعد لها دور فً‏ حٌاتً.‏ فً‏ تلن الحمبة التً‏<br />

عشتها،‏ استعدت براعتً‏ فً‏ العزؾ على البٌانو،‏ وزاد وزنً‏<br />

ٔ٘


للٌبلً‏ دون أن أخشى شٌباً.‏ مضت شهور كثٌرة وأنا أزداد ظناً‏<br />

أن العالم كله لد نسٌنً‏ تماماً‏ ولم ‏ٌعد ‏ٌتذكر كٌؾ كانت معالم<br />

وجهً.‏ تساءلت ضاحكاً‏ بصوت حاولت أن أكتمه كؤنً‏ كنت<br />

أنوي البكاء ال الضحن،‏ لكن عبثاً‏ إذ إنً‏ استمررتُ‏ فً‏ الضحن<br />

كما لو إنً‏ كنت بحاجة ماسة إلٌه.‏ فكرتُ‏ للٌبلً‏ دون أن أستطٌع<br />

إجابة نفسً‏ إن كان ضحكً‏ بكا ‏ًء أم إنً‏ مضطر إلى وصؾ ما<br />

كان ‏ٌجري فً‏ والع األمر وألول:‏ إنً‏ ضحكت كما لم أفعل<br />

ذلن فً‏ حٌاتً.‏ ث ‏َّم من أنا حتّى ‏ٌهتمّ‏ أحد بً؟!‏ فؤنا لم أترن<br />

لذلن ‏"األحد"‏ الذي ال أعرفه أٌّة فرصة حتّى ‏ٌتذكّر من أكون أو<br />

أن ‏ٌهتم بالبحث عن أثر لً،‏ فربما أكون لد تركتُ‏ كتاباً‏ ؼٌر<br />

منتهً‏ فٌه بعض األسرار لد تكشؾ الكثٌر عن تلن الحٌاة التً‏<br />

عشتها.‏ لكن لل لً‏ ل ‏َم حبستَ‏ نفسن ‏ٌا أفضل طبٌب نفسً‏<br />

تخرج من الدورة التً‏ ضمت عشرٌن طبٌباً،‏ نصفهم من<br />

األجانب وثبلثة منهم من العرب ؼٌر اللبنانٌٌّن،‏ لتعود من جدٌد<br />

للبكاء على األطبلل.‏ علًّ‏ االعتراؾ أنه سإال ذكّرنً‏ بؤمً‏<br />

التً‏ بذلت جهداً‏ كبٌراً‏ كً‏ تمنع نفسها من العودة لبحث هذا<br />

الموضوع.‏ كانت تدفعنً‏ ألرى طبٌباً‏ نفسٌاً‏ علّه ‏ٌزٌل أشباحً‏<br />

التً‏ تعوق تماسكً‏ وتمنع تبلحم كٌانً‏ وتشدّنً‏ إلى الوراء،‏<br />

ناشرة الخوؾ الشدٌد فً‏ أحبلمً‏ وأفكاري بما ‏ٌفوق ما ‏ٌظن<br />

البعض.‏ لمد تخرّ‏ جت من الجامعة كطبٌب نفسً‏ بدرجة ‏"ممتاز"‏<br />

وأنا أعرؾ أننا فً‏ المجال النفسً‏ حتى ‏ٌومنا الحاضر لم<br />

نستطع أن نجد حبلّ‏ للمشكلة التً‏ نحن بصددها.‏ لمد رفض أهل<br />

العلم كلّ‏ أعذاري لعدم فتح عٌادة تعٌد للشاحب الخابؾ زهوته<br />

لمجرّ‏ د الدخول إلٌها وٌرتشؾ بهدوء فنجان لهوة.‏ كنت أدرن ل ‏َم<br />

ترفض أمً‏ متابعة النماش فً‏ هذ الموضوع،‏ لمد استطاعت لبل<br />

وفاتها منعً‏ من اؼتنام الفرصة ألظهر لها بصوت عا ‏ٍل ؼاض ‏ٍب<br />

ٔٙ


أنً‏ أرفض وصاٌتها رفضاً‏ لاطعاً،‏ مبٌّناً‏ لها أنً‏ أملن العمل<br />

والموة ألمارس حرّ‏ ‏ٌتً‏ وأسٌطر على كل الضوابط إلٌمافها عند<br />

حدّها إذا ما انتابتها رؼبة فً‏ الجنوح.‏ لست أدري ماذا ‏ٌمكن أن<br />

تفكّر حماً؟!‏ ربّما كانت تدرن أنً‏ لم أكن أستطٌع أن أفعل أي<br />

شًء ‏ٌمكّننً‏ من وضع بصماتً‏ فً‏ أي مكان،‏ وال أجرإ على<br />

لعب لعبة الموّ‏ ة.‏ أظن أن أمً‏ كانت تخشى أن تظهر شفمتها علًّ‏<br />

حتى ال تتفكّن شخصٌتً‏ تماماً‏ وٌحدث االنهٌار الكبٌر الذي لن<br />

‏ٌستطٌع أحد أن ‏ٌجد حبلً‏ له،‏ سوى التخلّص منً‏ ورمًٌ‏ فً‏<br />

أحد المصحّات لؤلمراض العملٌّة.‏<br />

المشكلة أنها كانت لادرة على لراءة أفكاري عند أٌة أزمة<br />

كنت أمر بها،‏ وذلن كان ‏ٌفالم من ارتباكً‏ وعدم تماسكً‏<br />

وؼضبً‏ من أن التً‏ تعٌش معً‏ تمرإنً‏ كما تمرأ كتب<br />

األطفال،‏ وتعرؾ ما ‏ٌخٌفنً‏ فً‏ العمك وٌمضّ‏ مضجعً‏ ‏.أظنّ‏<br />

أنها الوحٌدة التً‏ رأت الحزن فً‏ عٌنً‏ لمّا تخرجت بامتٌاز،‏<br />

وحملنً‏ الرفاق على األعناق حتى باب منزلً،‏ أظن أنها<br />

أحست بؤنً‏ أشعر كمن ولع فً‏ مصٌدة،‏ مدركة أن كٌانً‏ كله<br />

‏ٌرتجؾ خوفاً‏ من أن أكون أكثر ضعفاً‏ وهُزاال فً‏ العمك من<br />

مرٌضً،‏ لم أحاول الوصول إلى لاع أعمالً‏ وال مرة فً‏<br />

حٌاتً.‏ أظنّ‏ أنً‏ كنت مرعوباً‏ من أن أستطٌع شفاء مرضاي<br />

وتصٌر حٌاتً‏ مسرحاً‏ ألمراضهم ترتع فٌها وتحٌلنً‏ إلى جحٌم<br />

آخر أشد هوالً.‏ أنا أعرؾ أن حصول هذا أخذ ‏ٌبدو لً‏ احتماالً‏<br />

ضعٌفاً،‏ لكنً‏ ال أملن المدرة على التعاٌش معه.‏ إذ إنً‏ ربّما ال<br />

أصمد عندب ‏ٍذ،‏ ومعنى هذا أنً‏ سؤؼدو دون أي شنّ‏ مجنوناً‏<br />

‏ٌهرب منه الناس دون أن ‏ٌستطٌع الهرب من نفسه.‏ شرحت<br />

ذلن لوالدتً‏ علّها تتفهم سبب عدم إلدامً‏ على فتح عٌادة حدٌثة<br />

ٔ7


تتكلّم عنها دمشمً،‏ وتُفرح أمً‏ وتطمبنها إلى أن المسٌرة بدأت<br />

وكل شًء سٌكون على ما ‏ٌرام.‏ ربّما كان كلّ‏ ما جعلتها تعانٌه<br />

وتكابده فً‏ حٌاتها لد عجّبل فً‏ موتها المبكر؟!‏ إضافة إلى هلعها<br />

وهً‏ ترانً‏ طفبلً‏ ال بدّ‏ أن ‏ٌكبر وتظهر فٌه بعض العٌوب ؼٌر<br />

المحتملة ولكن مع الولت أصبح ‏ُت والعاً‏ ال بد من مواجهته.‏<br />

أعتمد أنها نالت ما كانت تخشاه تماماً.‏ كان إصرارها على<br />

رفضها البماء فً‏ هذا العالم،‏ ‏ٌمزّ‏ لها كلّ‏ ‏ٌوم فانتشلها الرب منه<br />

لتسترٌح لربه.‏ لمد فضّلت أن تؽٌب لبل رإٌتً‏ أتحوّ‏ ل إلى شبح<br />

إنسان ‏ٌحوم حول البٌوت التً‏ كان ‏ٌرتاح إلى أصحابها،‏ إنها<br />

ستدرن دون شنّ‏ حتّى لو كانت فً‏ المبر أن هذا الهابم كان فً‏<br />

‏ٌوم من األٌام ابنها.‏ أستطٌع الجزم أنها كانت ستموت مرّ‏ ة ثانٌة<br />

ؼماً‏ ولهراً.‏ إذ إنً‏ أظن أنها هربت إلى الموت،‏ لكنها لم تتمكن<br />

من نسٌان أبً‏ ومعضبلتً‏ التً‏ لم أستطع حلّها.‏ المشكلة كانت<br />

رؼم حبّها لً‏ لد شعرت أنها منهكة فمرّ‏ رت الولوؾ إلى جانب<br />

نفسها وفضّلت الموت.‏ ربّما كان رفضً‏ لممارسة عملً،‏ لد<br />

حدث بتشجٌع من هللا الذي ‏ٌمنع الحرب األهلٌّة متى ‏ٌشاء،‏<br />

وٌسمح باشتعالها متى أدرن أنها ستمتل كلّ‏ األفاعً‏ التً‏ كانت<br />

ستعٌث فً‏ مستمبل هذا العالم فساداً.‏<br />

ٖ<br />

كنت أعرؾ منذ زمن طوٌل أن العٌش حرفة صعبة.‏ ال ‏ٌظنَّنَ‏<br />

أحد أنً‏ أنوي إعادة ما كتبته عن الجحٌم.‏ إذ إنً‏ أشعر بالسعادة<br />

فً‏ حٌاتً‏ الجدٌدة،‏ فربّما ال ‏ٌبلبمنً‏ اختفاء الظبلل والظبلم<br />

ؼٌر التام الذي ‏ٌسمح لً‏ برإٌة األشٌاء مع بعض الؽموض<br />

المثٌر،‏ والعٌش فً‏ اللٌل على ضوء الشموع الذي ‏ٌتٌح لً‏<br />

ٔ8


رإٌة أشباح أجمل النساء،‏ وٌمنحنً‏ بعض األوضاع المثلى<br />

للمضاجعة.‏ كان النور ‏ٌمؾ حاببلً‏ دابماً‏ أمام وجهً،‏ وٌمنع<br />

خٌالً‏ من خلك الصور التً‏ أشتهٌها،‏ وٌهدّدنً‏ بفضح رؼباتً‏<br />

المجنونة وأنا أرى نفسً‏ أنفذها عندما ‏ٌحلّ‏ اللٌل.‏ إنً‏ أفضل<br />

العودة إلى الجحٌم،‏ إذا دُفعتُ‏ لمشاهدة نفسً‏ وحشاً‏ جنسٌّاً‏<br />

حمٌمٌّاً،‏ ومن فمً‏ ‏ٌتدلّى شًء ممرؾ أكثر كثافة من اللعاب.‏<br />

لست أدري إن كنت أكذب على نفسً‏ أو أحاول التبجح لكن<br />

على من؟!‏ ربّما كنت أفضل من ‏ٌؤتً‏ منهنَّ‏ إلى خٌالً‏ أكثر من<br />

اللواتً‏ ‏ٌضمهنّ‏ فراشً.‏<br />

فً‏ أحد األٌام األولى التً‏ تلت ذلن الحدث الذي أعاد إلً‏<br />

حرّ‏ ‏ٌتً،‏ وانتشلنً‏ من محاولة اؼتصاب روحً،‏ باالحتٌال<br />

الدنًء.‏ فوجبتُ‏ بطٌور السماء تتجمّع وتشكّل دابرة تدور حول<br />

نفسها،‏ ثمَّ‏ تنخفض دون أن تؽٌّر وضعٌّتها،‏ وتطٌر فولً‏<br />

مزؼردة فرحة،‏ كؤنها تُحًٌ‏ عٌداً،‏ أو تبارن عرساً‏ مإكّدة أنها<br />

تعٌش سعادة عارمة،‏ ألنها لطالما كانت ضدّ‏ الظلم،‏ وستبمى<br />

تعدّه عاراً‏ ‏ٌجرّ‏ ه الشرّ‏ وراءه وتفرح به الؽربان.‏ لكن الطٌور<br />

بعد أن شبعت رلصاً‏ وؼناء انخفضت للٌبلً‏ عمّا كانت علٌه،‏<br />

وأمطرتنً‏ بحبّات الحنطة بؽزارة،‏ ثمَّ‏ ما لبثت أن طارت باتجاه<br />

السماء لتموم بتشكٌبلتها المعتادة،‏ وهنان أظهرت أنها عالدة<br />

العزم على أن تفعل شٌباً‏ آخر،‏ لتبثُّ‏ رسالة تمول:‏ إن على الحٌاة<br />

أن تعود بٌن فترة وأخرى إلى توضٌح سبب وجودها،‏ كلّ‏ ما<br />

ؼاب ذلن فً‏ ؼٌاهب النسٌان،‏ أو فعل ذلن كلّ‏ من له مصلحة<br />

فً‏ تخرٌب مسٌرة الحٌاة الطبٌعٌّة،‏ ‏ٌكون علٌها التؤكٌد دابماً‏<br />

وبحزم أن من بٌن أهم مهامها تعمٌم الفرح بٌن الناس ووأد<br />

الحزن إلى األبد.‏ هكذا عادت الطٌور إلى كبد السماء،‏ وكانت<br />

ٔ9


ِ<br />

ىإل<br />

فً‏ أثناء ذلن تُتمّم ما تفعله بمنتهى الروعة والرلة والحب.‏ ث ‏ّم<br />

استدارت وتصعد لتدور فً‏ كبد السماء نصؾ دورة،‏ ثمَّ‏ تعٌد<br />

دورانها بصورة عكسٌّة على إٌماع"‏ السلو فالس"‏ أن ترجع<br />

إلى مكانها منخفضة ومبتعدة عن المبة الزرلاء للٌبلً‏ وهً‏<br />

ترفرؾ جناحٌها برلة ال تكاد ‏ٌُسمع لها صوت.‏ صفك الناس فً‏<br />

الشوارع وبعضهم ركع مبتهبلً‏ إلى السماء والدموع تنهمر من<br />

عٌنٌه مشارِ‏ كة الجمٌع فرحهم.‏ انفصل الفرٌمان عن بعضهما<br />

بعضاً،‏ بحٌث ابتعد ك ‏ّل فرٌك عن اآلخر وأخذ ‏ٌفعل ما ‏ٌمكنه<br />

إلخراج ما جهد إلخفابه من إبداعات.‏ ثمَّ‏ تولؾ كلّ‏ شًء فجؤة،‏<br />

معٌداً‏ كلّ‏ فرٌك اصطفافه على شكل رأس حربة متّجهة إلى<br />

اآلخر كؤن المشهد ‏ٌرٌد أن ‏ٌوحً،‏ أن كلّ‏ منهما ‏ٌتهٌؤ للهجوم<br />

على الفرٌك الذي ‏ٌمابله،‏ بؤسلحة سرّ‏ ‏ٌة ؼٌر بادٌة للعٌان.‏ بدأ<br />

شًء ؼرٌب ‏ٌحصل،‏ وفً‏ الولت نفسه لم تُبلحظ أن هنان نٌّة<br />

إلخفاء جمال ما ‏ٌجري.‏ تابعتُ‏ التفرّ‏ ج منذهبلً‏ حذراً،‏ إذ بدا ما<br />

‏ٌشبه الزحؾ المتسارع على بعضهما بعضاً‏ ‏ٌمترب من<br />

االستكمال والتحمٌك.‏ لكنهما لمّا التربا كثٌراّ‏ إلى ما ‏ٌشبه<br />

التبلصك والتداخل،‏ أصبح المشهد شدٌد اإلحراج وٌشٌر بؤن<br />

ساعة المواجهة أزفت،‏ ومذبحة ؼرٌبة بٌن الحمام األبٌض<br />

توشن أن تبدأ.‏ المسؤلة بدت أن األمر لن ‏ٌحتاج إالّ‏ إلى دلابك<br />

للٌلة أو ثوانٍ،‏ لكن ما حدث ؼٌّر المشهد تماماً،‏ إذ سارع ك ‏ّل<br />

منهما إلى الدخول فً‏ خطوط اآلخر،‏ وهنان ابتدعا ما أظه ‏َر أن<br />

كلّ‏ فرٌك ‏ٌحاول أن ‏ٌموم بااللتفاؾ على اآلخر،‏ وأن الفرٌمٌن<br />

فً‏ عجلة من أمرهما وٌتسابمان لسرلة اللحظة التً‏ تعطً‏<br />

أحدهما الوضع الهجومً‏ األنسب للدخول إلى المعركة.‏ بدا<br />

األمر ‏ٌزداد ؼرابة،‏ وظهر الوجوم على وجوه الناس،‏ ولم<br />

‏ٌعرؾ أحد إذا ما كان الممصود عرضاً‏ فنٌّاً‏ خاصاً،‏ أو إن من<br />

ٕٓ


المبكر االستنتاج فلننتظر إنه الربٌع الذي ‏ٌحبّ‏ رإٌة البهجة تع ‏ّم<br />

الجمٌع.‏ ربّما ‏ٌختلط كلّ‏ ذلن بحوار ‏ٌُجرٌانه مع بعضهما بعضاً‏<br />

حرصاً‏ على بماء التبلحم صحٌاً‏ بٌن أجمل طٌور السماء.‏ لكن<br />

حتّى بعد مرور ولت كاؾً‏ لم تتضح نٌَّتهما،‏ بل ازدادت إبهاماً،‏<br />

فما ‏ٌرٌدانه ظلّ‏ ‏ٌتؽلؽل فً‏ الؽموض وبدأ الناس الذٌن تولفوا<br />

لٌروا كٌؾ ستكون نهاٌة األمر ‏ٌتكاثرون وتشتدّ‏ حٌرتهم،‏ وربّما<br />

أٌضاً‏ شؽفهم.‏ إذ إن دلة المولؾ وحراجته أربكت تمدٌر الناس<br />

ولم ‏ٌعودوا ‏ٌدرون ماذا ‏ٌجري وإلى أيّ‏ مشهد ‏ٌؤخذون أنفسهم<br />

وكلّ‏ الحاضرٌن؟!‏ لكن األمر أخذ روٌداً‏ روٌداً‏ ‏ٌُفصح نفسه،‏<br />

والوالع فً‏ النهاٌة جؤر بالمول:‏ ما كانت تلن الحمامات البٌضاء<br />

تحشد عناصرها للمتال،‏ إذ إن ما جرى لم ‏ٌكن إالّ‏ بداٌة لرلصة<br />

ابتهالٌّة تإدٌّها هذه الطٌور كلّ‏ ستة أشهر،‏ فً‏ أمكنة مختلفة<br />

لتحًٌ‏ فً‏ الناس الروح نفسها التً‏ تشتعل فٌها وتإكّد أنها ال<br />

‏ٌمكن أن تسمح ‏ٌوماً‏ أن ‏ٌموم بٌن بعضها بعضاً‏ صراع على<br />

مؽنم.‏ استمرّ‏ ا فً‏ الرلص حٌث هما ممتربٌن من بعضهما حتّى<br />

التحما رلصاً‏ وحبّاً،‏ وجعبل دموعً‏ تترالص فً‏ مملتًَّ.‏ لكنهما<br />

بعد أن تملّصا من تلن الروعة التً‏ جهدا البتكارها،‏ تركا<br />

مكانها عبارة مكتوبة أربع مرات على شكل دابرة تمول:‏<br />

‏"الموت فعل حٌاة".‏ لست أدري إن كان ما رأٌته رسالة خاصّة،‏<br />

أم إنها مزٌد من التوضٌح لِما سبك أن لاله البلهوت.‏ هكذا<br />

ارتؤى من أراد التجدٌد فً‏ الصٌاؼة،‏ وما لدّمته تلن الرلصة<br />

من لوحاتٍ‏ رابعات أكثر من ك ‏ّل ما سبك أن رأٌنا أو سمعنا.‏<br />

‏ٌبدو أن تلن الطٌور كانت تعرؾ جهلً‏ بالرلص فحملت إلًَّ‏<br />

رسالة لم أفهم مؽزاها فً‏ ذلن الولت.‏ لكنّها على ما ‏ٌبدو كانت<br />

مصرّ‏ ة على تودٌعً،‏ فهبطت بتإدة حتى خِ‏ لتها تبؽً‏ ممازحتً‏<br />

لكنها دارت ببراعة مدهشة دورتٌن،‏ وهً‏ تتضاحن متّجهة إلى<br />

،<br />

ٕٔ


المبة الزرلاء.‏ لكن دون أن أدري بمٌت حمامتان على كتفًّ،‏<br />

لالت إحداهما:‏ خذ نفساً‏ عمٌماّ‏ وام ‏ِش رافعاّ‏ الرأس طارداً‏ ما<br />

خلفّه الماضً‏ من أكاذٌب وما سبّبه من أحماد وإشاعات<br />

مؽرضة.‏ أما جروحن،‏ فؤوصت السماء أن تترن أمرها إلٌها،‏<br />

فهً‏ منذ األن لم تعد من شؤنن.‏ ال تخش شٌباً‏ أٌها الطبٌب<br />

فستنال المراد.‏<br />

الشنّ‏ أنً‏ تنفّست الصعداء.‏ لكن المرء فً‏ ظروؾ كهذه،‏<br />

البد من استعادة لصته مع تلن المؤساة،‏ وخاض حرباً‏ ضروساً‏<br />

إلخراجها منها وجعلها تبتعد عن المتل وااللتتال.‏ كان لؤلسؾ<br />

صراعاً‏ حمٌماً‏ صعباً‏ ومجحفاً‏ ولٌس مؤلوفاً،‏ كان فاضحاً‏<br />

ومؤساوٌّاً،‏ شعرتُ‏ فٌه بؤنً‏ كنتُ‏ متروكاً‏ على لارعة الطرٌك،‏<br />

وأن الكنٌسة المتكتمة لد أظهرت بوضوح أنها اتخذت لراراً‏<br />

مجحفاً‏ مجافٌاً‏ للمانون لبل أن تبدأ المحاكمة.‏ لكن رؼم كلّ‏ ما<br />

جرى كنتُ‏ أطلب من نفسً‏ الحرص على أن ‏ٌكون انتصاري<br />

نظٌفاً‏ ووفماً‏ للشرابع مهما كان ذلن صعباً‏ وٌتطلّب مضاعفة<br />

الجهد.‏ لن أكتم على الذٌن سٌمرإون كتابً،‏ أن الخوؾ كان<br />

‏ٌسكننً‏ طوال المدّة التً‏ تطلّبها التماضً.‏ لكنً‏ كنتُ‏ رؼم<br />

كل شًء-‏ لد لرّ‏ رتُ‏ النضال ببل كلل أو ملل،‏ وبكل ما لديّ‏ من<br />

صبر واحتمال ضد حربٌن إحداها معلنة شدٌدة الولاحة<br />

واالعتداد،‏ شنّتها زوجتً‏ التً‏ أصبحت طلٌمتً،‏ وأخرى ؼٌر<br />

معلنة خاضتها أمً‏ ألن المجتمع ‏ٌفضل لبول االستكانة للضٌم<br />

على احتمال لٌام ابن العابلة العرٌمة بتطلٌك زوجته.‏ ها هم<br />

‏ٌشٌحون بوجوههم إرضاء لزوجاتهم لكن كٌانً‏ كلّه كان لد<br />

تعرّ‏ ؾ عن لرب إلى ماهٌّة المٌامة من الموت ومعنى االلتصاق<br />

وتشابن األنفاس.‏ البلهوت تدخل فً‏ األمر وفتح الباب على<br />

–<br />

ٕٕ


ِ<br />

مصراعٌه أمامً‏ مسمعاً‏ إٌّاي صوته وهو ‏ٌمول ال تخش شٌباً،‏<br />

وأعطى أماناً‏ حمٌمٌاً‏ لما جرى مشٌراً‏ إلى أن كلمة هللا ظلّلت<br />

المولؾ كلّه،‏ بحٌث تبٌّن أن طرٌمة تصفٌة تلن المشكلة سارت<br />

وفك إرادة السماء،‏ رؼم ما رافمها من كذب واحتٌال وخداع.‏ إن<br />

أمراً‏ مثل هذا كان صعباً‏ تفكٌكه نظراً‏ للتعمٌدات التً‏ تواجه<br />

النفس البشرٌّة فً‏ أثناء عبورها للفخاخ،‏ وتضعها الحٌاة فً‏<br />

الطرٌك لعرللة الذي ال ‏ٌشبع وال ‏ٌإمن بالحواجز التً‏ تطلب<br />

تخفٌؾ السرعة.‏ تعلّمنا فً‏ الجامعة مواجهة الصعاب كما تبدو<br />

أمامنا وفً‏ النور،‏ وأالّ‏ نختلك األشباح مشبعٌن بالرؼبة فً‏<br />

المتال لمجرّ‏ د إثارة . كما علٌنا تولّع اختبلق األكاذٌب لذرّ‏<br />

الرماد فً‏ العٌون،‏ عند التعاطً‏ مع مسؤلة الزواج المعّمدة،‏<br />

وعدم فهم المرأة لطبٌعة وضعها االجتماعً‏ واألخبللً‏<br />

والمانونً‏ الجدٌد فً‏ العالم العربً‏ الذي ننتمً‏ إلٌه،‏ رؼم أن<br />

سورٌّة متمدمة فً‏ التعاطً‏ مع المسؤلة الشرعٌة التً‏ تؤخذ فً‏<br />

االعتبار كل طابفة على حده،‏ منتمٌة الموانٌن التً‏ تبلبم ك ‏ّل<br />

طابفة.‏ أظن أن الولت لد حان لتؽٌٌر كلّ‏ المفاهٌم المتعلّمة<br />

بالمإسسات الدٌنٌة على اختبلفها،‏ وتنظٌمها بحٌث ‏ٌحلّ‏<br />

الوضوح مكان الفساد المستشري،‏ والمؤسسة الحمٌمٌة عوضاً‏<br />

عن تلن التً‏ ‏ٌتفشّى فٌها الؽموض وتسمح للمكر أن ‏ٌتسلّل<br />

كٌفما ‏ٌشاء وٌلمً‏ بشباكه هنا وهنان.‏ لمد بان االهتراء والمبح<br />

‏ٌنفث رابحة النتانة إلى العلن أٌنما حل وعلى من فً‏ سدة<br />

السلطة الكنسٌّة خصوصاً،‏ أن ‏ٌبادروا إلى تؽٌٌر ما هم علٌه<br />

بصدقٍ‏ وإٌمان،‏ تخلّصاً‏ من كل األدران.‏ إن فهم األمر بعمك<br />

وتشربّه بتإدة ‏ٌتطلب جهداً،وؼرلاً‏ فً‏ الطهارة وما ‏ٌرافك ذلن<br />

من تلبّدٍ‏ للؽٌوم وكٌفٌّة مماربتها للتفحم الذي ‏ٌمؤل النفس شعوراً‏<br />

باالنمباض والتوجّس.‏ المرور بكل هذا التطهر ولسوة الطرٌك<br />

،<br />

ٕٖ


إلٌه،‏ ‏ٌدفع عنً‏ االضطرار إلى حمل المارئ على كتفًَّ،‏<br />

والدخول سوٌّة فً‏ ذلن النفك نفسه الذي تتخلل عتمته الحالكة<br />

بعض الومضات السرٌعة بٌن ولت وأخر،التً‏ ربما لد تكشؾ<br />

الكثٌر ممّا كان ‏ٌجري فً‏ تلن األٌام التً‏ أسمطت الكهنوت فً‏<br />

األزلّة النتنة.‏ ال أعتمد أن مسرحة األمر ستشٌر إلى مصدر تلن<br />

الومضات،‏ وال أإمن بؤنها ستسعؾ المتلهّفٌن للوصول إلى<br />

هدفهم،‏ وكذلن لن أستطٌع إعطاء بعض الطمؤنٌنة إلى من ‏ٌشعر<br />

بؤنه من المحشورٌن،‏ أو أن أعده بالوصول فً‏ آخر األمر إلى<br />

نهاٌة ذلن النفك الكرٌه البؽٌض الذي ‏ٌعطً‏ االنطباع أن من هم<br />

فٌه سٌتسالطون الواحد بعد األخر لبل أن ‏ٌروا نهاٌة له،‏ أو إن<br />

كنا سنجد فً‏ مكان ما مفترق طرق عتمته ؼٌر حالكة،‏ وٌا<br />

مرحباً‏ ببعض الؽموض إذا كان ‏ٌسمح لنا أن نرى ما ‏ٌجري.‏<br />

ربّما سٌختار الموعودون ذلن الطرٌك الوعر الممتلا بالعثرات<br />

واألشوان،‏ حٌث سٌعثرون فٌه على أجوبة شافٌة عن األسبلة<br />

الكثٌرة التً‏ تثمل كاهل كلّ‏ الذٌن لٌس أمامهم سوى أن ‏ٌتابعوا<br />

المضًّ‏ فً‏ ذلن الذي ‏ٌتلمسونه أثناء سٌرهم مهما بلػ منهم<br />

التعب واإلنهان،‏ آملٌن برضًى الوصول إلى نهاٌة ذلن الظبلم<br />

الحالن المدمر لؤلعصاب،‏ الذي ‏ٌشعرن بؤن هنان فً‏ والع<br />

األمر من ‏ٌتمتع بمضم روحن دون أن ‏ٌمول له أحد تولؾ،‏ فإن<br />

ما تفعله ‏ٌعكر السوابل التً‏ تخرج أصبلً‏ مع مخلفات المجارٌر.‏<br />

إذ إن المعود واالتّكاء على المدمٌن أو أصابعهما ألمر مُضنٍ‏<br />

‏ٌَحملن على اإلدران أن لٌمتن اإلنسانٌّة ‏ٌمكن فً‏ أي لحظة أن<br />

تتعرض إلى الهوان.‏ كنت أودّ‏ أن أرى إن كان هنان بصٌص<br />

نور فً‏ أخر ذلن النفك الذي ‏ٌكاد أن ‏ٌمول لن:‏ ‏"ابحث عن<br />

مكان آخر تجلس فٌه وانتظر الموت هنان،‏ فهذا أفضل ما<br />

تفعله".‏ عند ذلن أكتشفتُ‏ أن طول لامتً‏ الذي كان ‏ٌثٌر<br />

ٕٗ


اإلعجاب،‏ أصبح منؽّصاً‏ مربكاً‏ ولٌس هنان ما تفعله وٌجعلن<br />

تمول حسناً.‏ إذ إنه ؼدا ‏ٌعٌك طرٌمً‏ فً‏ إعادة اتصالً‏ بالنور<br />

والمبّة الزرلاء،‏ وبالرٌاح ورلص الترواٌح الرابع لؤلشجار،‏<br />

وترنٌماتها وابتهاالتها إلى الرب كً‏ ‏ٌترفك بالذٌن ‏ٌسٌرون فً‏<br />

العتمة الماتلة أٌّاماً‏ أو ربّما سنوات.‏<br />

‏ٌبدو أننا سنظل نمرّ‏ من عتمة إلى أخرى تسكنها األشباح،‏<br />

معاشرٌن االختناق البطًء ومحشورٌن مع الروابح الكرٌهة<br />

مستندٌن إلى الحابط حماٌة لنا لدر اإلمكان من الؽدر الذي<br />

نشعر به حولنا فً‏ تلن العتمة اللبٌمة،‏ أو ربّما نسمع أنفاسنا<br />

واصطكان اضراسنا،‏ ونحسُّ‏ بالرعب ‏ٌعصرنا بٌنما الٌؤس<br />

‏ٌنتظر أن ‏ٌنهش ما تبمّى منا،‏ منتظرٌن أن نرى رؼماً‏ عنّا ؼباء<br />

نهاٌة حٌاتنا وسخفها.‏ عندبذ لن ‏ٌكون مسموحاً‏ التردّد،‏ وال أن<br />

تنمصنا الجرأة لنرفع رأسنا إلى السماء مطالبٌن دون تلكّإ من<br />

صاحب المُلن أن ‏ٌعتنً‏ بنا نحن أبناءه،‏ مدركٌن أن بعض ما<br />

فٌه هو فٌنا فً‏ الولت نفسه.‏ نحن ال نطلب الكثٌر،‏ بل ندعوه<br />

إلى معاملتنا كما ‏ٌفعل ألزهار الربٌع حٌنما ‏ٌمنحها النسٌمات<br />

التً‏ تشفً‏ العلٌل.‏ انهمرت دموعً‏ بؽزارة رافضة التولّؾ حتّى<br />

توصِ‏ ل ما ترٌد إلى حٌث علٌها أن تفعل.‏ ‏ٌبدو أن تلن اللحظات<br />

كانت حاسمة وفعلت ما ‏ٌإمل منها.‏ كما أوضحت بما ال ‏ٌمبل<br />

الشن أنها ستؤخذ حمّها وشٌباً‏ من حمًّ‏ بدفعً‏ إلى االؼتسال<br />

بدموع الفرح مرّ‏ ة تلو المرة،‏ التً‏ تموم بما ‏ٌفعله السحر دون أن<br />

تكذب مثله.‏ كما أنها أٌضا تزٌل األدران وتعٌد حركة الدماء إلى<br />

نشاطها لبل أن تتدحرج الصخرة عن باب المبر،‏ وتعٌد الجسد<br />

إلى زهوته ونضارته بعد أن كان ماضٌاً‏ إلى األفول لبل الذبول.‏<br />

عندما لرّ‏ رت الكتابة،‏ تعرضت لحادث ؼرٌب.‏ إذ حٌنما كنت<br />

ٕ٘


أمرّ‏ فً‏ ذلن النفك بالذات،‏ ولبل أن أستلم أوراق حرّ‏ ‏ٌتً.‏<br />

شعرت فجؤة بما ‏ٌثٌر االنشداه ‏ٌسري فً‏ داخلً،‏ ظننتُ‏ فً‏ ذلن<br />

الولت أننً‏ كنت أدخل بكلٌّّتً‏ ؼموضاً‏ لذٌذاً‏ ال جفلة فٌه،‏<br />

أدركت فً‏ اللحظة نفسها أنً‏ بادرتُ‏ بالترحٌب به لبل أن<br />

‏ٌرحب بً.‏ ثمَّ‏ لم ألبث أن شعرتُ‏ أنً‏ امتلا بنور ؼرٌب<br />

‏ٌسري فً‏ كٌانً‏ بهدوء لكن بتصمٌم الواثك أالّ‏ أحد ‏ٌمكنه<br />

اعتراض طرٌمه،‏ باثاً‏ فًّ‏ حرارة أحسستُ‏ بروعة ملمسها فً‏<br />

أثناء عٌشً‏ الطوٌل ضمن أتون،‏ بل إنها ذكّرتنً‏ بمبلمسات<br />

كدت أنساها وأنا وسط تلن المعاناة التً‏ ربّما الترب كثٌراً‏ من<br />

تؽٌٌر حٌاتً‏ فً‏ المادم من األٌّام.‏ لكن ما كان ‏ٌجري لم ‏ٌلبث أن<br />

شعرت بؤنه لد تولؾ تماماً،‏ دون أن أعرؾ كٌؾ فهمتُ‏ أن<br />

ذاتً‏ أعطٌت الحك بإنتاج النور،‏ وأن تبثه متى أٌمنت أنه ‏ٌمكنه<br />

أن ‏ٌفتح األبواب المؽلمة أمام الذٌن ‏ٌعتمدون أنه لد انسدَّ‏ ك ‏ّل<br />

شًء فً‏ وجوههم.‏ لم ‏ٌكن التعامل مع ذلن األمر المفاجا<br />

المذهل سهبلً،‏ أو ممكناً‏ فهمه ببساطة.‏ لكنً‏ أدرك ‏ُت بطرٌمة ما<br />

أنً‏ مُنح ‏ُت اإلٌمان بؤن تلن الدلابك الملٌلة التً‏ رأٌت فٌها ذلن<br />

النور المبهر كانت حمٌمٌّة وعلًّ‏ االحتفاظ بها كإشارة من<br />

السماء سٌكون لها شؤن فً‏ حٌاتً‏ المادمة.‏ الوالعة الؽرٌبة التً‏<br />

روٌتها باتت لدٌمة،‏ إذا أخذنا فً‏ االعتبار عمر اإلنسان.‏ لكن<br />

عندما كان ‏ٌمرّ‏ ذكراها فً‏ داخلً‏ لطالما صرخ فً‏ كٌانً‏ لاببلً:‏<br />

إٌّان أن تخذل تلن الروح التً‏ جعلتن تواجه تلن الرإٌة وأنت<br />

محتفظ بتوازنن وصفاء ذهنن.‏ عندما لمستُ‏ وفكّر ‏ُت وأٌمن ‏ُت أن<br />

األمر حمٌمً‏ ولٌس شٌباً‏ أشبه بحلم ‏ٌمظة على اإلطبلق.‏ بل إنه<br />

حدثٌ‏ ولع فعبلً،‏ وبرهن عن والعٌته بسماع صوت صدٌك<br />

‏ٌعتذر منن بعد أسبوع من ممتله فً‏ ‏"أمرٌكا"‏ وٌمول لن أنه<br />

أرسل بمٌّة المبلػ الذي لن بذمته،‏ وٌرجون أن تدعه ‏ٌرلد<br />

،<br />

ٕٙ


بسبلم.‏ كنتَ‏ تعرؾ أالّ‏ أحد ‏ٌعلم بمصّة هذا الدٌن،‏ ومع ذلن<br />

رفضت شهراً‏ كامبلً‏ مجرد االستعبلم ؼٌر المباشر فٌما إذا<br />

أرسل لن أحد من أمرٌكا مبلؽاً‏ من المال.‏ اآلن،‏ وبعد أن لبضت<br />

المبلػ المذكور،‏ لٌس علٌن أن تخشى شٌباً،‏ بل ابتسم فً‏ وجوه<br />

الذٌن ‏ٌُبدون أسفهم للخرؾ الذي أصابن باكراً،‏ أو ربّما عُدّت<br />

كلّ‏ تلن الرواٌة التً‏ أصبحت مجاالً‏ للتندّر،‏ هلوسة كانت نتٌجة<br />

اضطراب عملً‏ أحدثه جرم ارتكبته فٌما مضى من األٌّام ولم<br />

تستطع روحن السكوت عنه،‏ بل لاومت بضراوة ك ‏ّل ما أمكنن<br />

ممارسته من ضؽوط للتستر علٌه.‏<br />

لم أتردد فً‏ ذكر هذه الظاهرة وأنا أكتب بعد كلّ‏ هذه المدّة<br />

الطوٌلة،‏ وأنا ممتلا بالتصمٌم أن ما بمً‏ من حٌاتً‏ سٌكون<br />

مكرّ‏ ساً‏ للذٌن ال ‏ٌمكنهم مساعدة أنفسهم لسبب ما.‏ كما أنً‏ لن<br />

أجٌب على األسبلة التً‏ تخرج معها رابحة الشٌطان.‏ ‏ٌهمّنً‏ أن<br />

أإكّد للجمٌع أن ما مررتُ‏ به كان بمنتهى المسوة بحٌث ال<br />

‏ٌمكننً‏ وصفه أو إنً‏ فً‏ الوالع ال أستطٌع أن أنساه.‏ لكنه<br />

ضمّن ما شُدّد بالتركٌز على تعلٌمً‏ إٌّاه إشارة تمول:‏ إن ما<br />

كسبته من تلن المسوة ستكون فً‏ المستمبل دعماً‏ حمٌمٌاً‏ لبمابن<br />

فً‏ الطرٌك الموٌم.‏ لكن ما لم أستطع تفهّمه كان اعتماداً‏ تشبّث<br />

بً‏ وكان ‏ٌكرّ‏ ر المول:‏ إنً‏ لم أكن حٌاً‏ تماماً‏ زمناً‏ طوٌبلً،‏ أو<br />

كنت هابماً‏ فً‏ برّ‏ ‏ٌة ؼرٌبة التضارٌس لم ‏ٌسبك لً‏ أن عرفتها<br />

أو عاٌشتً‏ نسٌمها.‏ أما مسؤلة شعوري بالعري فمد أللمتنً‏ كثٌراً‏<br />

إذ لم تستطع المرآة إلناعً‏ بصدق إحساسً‏ بؤنً‏ لستُ‏ عرٌاناً.‏<br />

لم أفكر طبعاً‏ أن مإامرة تحان ضدي تستخدم فٌها مرآة.‏ فكّرتُ‏<br />

بمنالشة الخبراء ففً‏ مثل هذه األمور علٌنا أن نلجؤ إلٌهم،‏ لكنً‏<br />

لم ألبث أن تراجعتُ‏ عن كلّ‏ ما تداولته مع أفكاري.‏ إذ ال<br />

ٕ7


‏ٌمكننً‏ لبول إخضاعً‏ للتنوٌم المؽناطٌسً‏ فلن أستطٌع تحمّل<br />

ما لد ‏ٌخرج من كلّ‏ هذا وألؾ فً‏ مواجهة مع نفسً‏ وأتعرّ‏ ؾ<br />

على ذاتً‏ كما هً‏ ولٌس كما أظنها أو أرٌدها.‏ أعتمد أن كمان<br />

‏"فٌفالدي"‏ ألنعنً‏ أنً‏ تلمٌّتُ‏ رسالة مجهولة المصدر لم أفهمها<br />

فً‏ حٌنها ولم أرتبن كعادتً،‏ بل أدركتُ‏ فً‏ تلن اللحظة،‏ أن<br />

علًَّ‏ أن أترن للولت مهمّة توضٌح خفاٌاها،‏ أو إن من أرسلها<br />

سٌتدبر أمرها وٌعٌد صٌاؼتها.‏ ترى هل ‏ٌمكن أن تكون هنان<br />

مفاجؤة أخرى؟!‏ عندبذ ال بد من تدخل الطب لٌمرأ ما ‏ٌحدث فً‏<br />

داخلً‏ وٌموم بتصحٌح األمر بمدر ما ‏ٌمكنه أن ‏ٌفعل.‏ ترى أٌن<br />

أضعتُ‏ ك ‏ّل هذا الولت؟!‏ هل كنت أهٌم فً‏ صحراء لاحلة<br />

وحدي،‏ ولمَ‏ تشدنً‏ الرؼبة فً‏ معاشرة مثل تن األمكنة المؽبرّ‏ ة<br />

التً‏ تعٌش فٌها أرواح الذٌن ال ‏ٌنشدون أٌة صحبة بل مزٌد من<br />

الؽربة والتؽرّ‏ ب؟!أعتمد حسبما أذكر أنً‏ عندما كن ‏ُت فً‏<br />

الجحٌم،‏ لم ‏ٌكن األمر سهبلً‏ مطلماً‏ وال ممتعاً‏ بالتؤكٌد،‏ بل كان<br />

مثل انتمال من كابوس إلى آخر أشدّ‏ فتكاً‏ وإشعاالً‏ لبلضطراب<br />

فً‏ كٌانً‏ ولد ‏ٌثٌر فً‏ الذٌن ‏ٌستمتعون فً‏ كٌفٌّة تخٌّل المشاهد<br />

بهجة وحماسة ال نظٌر لهما،‏ أو ربّما علًّ‏ أن أعطً‏ األمر<br />

تفسٌراً‏ أكثر حداثة وأشبّهه بتفكٌن لنبلة مإلّتة دون وجود خبٌر،‏<br />

فتنجح خطّتً‏ وتم ‏ّر دلٌمة واحدة دون أن ‏ٌحدث شًء.‏ ثم ‏ٌخرج<br />

منً‏ صوت انفجار كبٌر،‏ فؤتبدد تبدٌداً‏ هاببلً‏ فً‏ مساحات<br />

واسعة،‏ بحٌث أصبح كؤنً‏ لم أكن.‏ صدلوا أنً‏ فً‏ ذلن الولت<br />

لم أكن أمانع فً‏ أن تنتهً‏ حٌاتً‏ ولكن لٌس ممطع األوصال.‏<br />

ترى كٌؾ السبٌل إلى التولّؾ عن تحوٌل كلّ‏ تفصٌل فً‏ حٌاتً‏<br />

إلى حالة تراجٌدٌّة ممسرحة.‏ ترى هل أحاول االستعاضة بما<br />

أفعل،‏ عن الهرب من مٌول انتحارٌّة تستعٌد نفسها فً‏ كٌانً‏<br />

بٌن فترة وأخرى؟!‏ هل ‏ٌعنً‏ هذا أنً‏ سؤظلُّ‏ أدور فً‏ حلمة<br />

ٕ8


مفرؼة أبحث عن نفسً‏ الضابعة وأتعوّ‏ د على أنً‏ أخرق أحمل<br />

شهادة علٌا ال أعرؾ كٌؾ حصلتُ‏ علٌها وال أدري ماذا أفعل<br />

بها؟!‏<br />

ٗ<br />

تسلمتُ‏ الوثابك المثبّتة لمرار الكنٌسة ظهر ذلن الٌوم.‏ شعر ‏ُت<br />

بؤنها مجرّ‏ د أوراق لن ‏ٌمرأها سوى المحامً‏ وأنا.‏ بمٌنا دلابك<br />

معدودة دون أن نتكلم.‏ أخٌراً‏ لال:‏ بورن لن،‏ لمد لطعت شوطاً‏<br />

كبٌراً،‏ وانتهى األمر إلى ما ترٌد.‏<br />

شكراً‏ لن.‏ لمد كنت معٌناً‏ حمٌمٌاً‏ لً،‏ إنً‏ أشعر برؼبة<br />

فً‏ تمزٌك هذه األوراق وحشوها فً‏ عٌنً‏ الشٌطان.‏<br />

شدٌدة<br />

ال أنصحن أن تفعل ذلن،‏ إذ ال أحد ‏ٌعرؾ متى<br />

تحتاج إلى إحدى تلن األوراق الموثّمة؟!‏<br />

‏ٌمكن أن<br />

هذا صحٌح،‏ شكراً‏ لتنبٌهً.‏<br />

ضعهم فً‏ ملؾ خاص،‏ وسٌكون من األفضل أن تحفظهم فً‏<br />

خزنتن.‏ لمد استمرت هذه المحاكمة طوٌبلً،‏ وكل الولت كن ‏ُت<br />

أشعر أن ذلن المطران الذي تبدو عٌناه كعٌنً‏ الشٌطان ‏ٌكرهن<br />

ٕ9


رؼم أنه لم ‏ٌمكث فً‏ البلذلٌّة سوى بضعة شهور،‏ ثم عٌّنوه<br />

لاضٌاً‏ فً‏ محكمة االستبناؾ.‏ لكنه بمً‏ ‏ٌنظر إلٌن بحمد ؼرٌب.‏<br />

هل أستطٌع أن أعرؾ السبب؟!‏<br />

حدث ذلن لبل والدتً،‏ وأنا لم ‏ٌسبك لً‏ أن عرفت أبً.‏ إنه<br />

المدر الذي جعله ‏ٌؽادر دون أن ‏ٌرانً.المصة برمّتها أصبحت<br />

لدٌمة.‏ أبً‏ لم ‏ٌكن ‏ٌوماً‏ من أولبن الذٌن ‏ٌهتمون بم ‏ٌحدث فً‏<br />

الطابفة التً‏ ‏ٌنتمً‏ إلٌها وٌظنّ‏ أن علٌه أن ‏ٌدعو هذا المطران<br />

إلى الؽداء تكرٌماً.‏ كانت أمً‏ رؼم أنها تعرؾ أن هذا المبجّل<br />

لن ‏ٌبمى طوٌبلً‏ فً‏ أبرشٌتنا،‏ تلح على أبً‏ أن ‏ٌدعوه إلى الؽداء.‏<br />

استؽربتُ‏ كثٌراً‏ لمّا سمعت تلن الحكاٌة من خالً،‏ ولد لصد بها<br />

تسلٌتً.‏ لكن أمً‏ لم تنؾِ‏ ما رواه أخوها رؼم معرفتً‏ أن<br />

كرهها ‏"لئلكلٌروس"‏ ‏ٌفوق ما ‏ٌشعره أبً‏ نحوهم.‏ المصة<br />

مضحكة كثٌراً‏ كما سمعتها.‏<br />

لبل المطران الدعوة طبعاً،‏ ووصل سٌادته لبل الموعد<br />

المفترض بخمسٌن دلٌمة مما أربن أمً‏ كثٌراً،‏ فلم تجد ما تفعله<br />

سوى أن تعتذر منه مُنبّهة إٌّاه أنه دون شن لم ‏ٌسمع الموعد<br />

الصحٌح للؽداء ثم سارعت إلى إدخاله إلى مكتب والدي وفتحت<br />

له ‏"التلفٌزٌون"‏ لابلة:‏ تستطٌع أٌضاً‏ أن تتفحص الكتب التً‏<br />

‏ٌنهل منها زوجً‏ ثمافته.‏ لمد فهمت الحماً‏ أن أبً‏ كان ‏ٌحتفظ فً‏<br />

مكتبته بكثٌر من الكتب واألفبلم اإلباحٌّة.‏ بعد فترة وجٌزة<br />

وصل أبً‏ وسؤل أمً‏ عمّ‏ إذا حان وصول المطران المبجل؟!‏<br />

‏ٌبدو أنه لم ‏ٌسمع منن الموعد المناسب لمجٌبه،‏ ستراه فً‏<br />

مكتبن،‏ ولد ‏ٌكون أخذ فكرة عن مصادر ثمافتن،‏ ورأى أٌضا ما<br />

ٖٓ


لدٌن من مسابح ثمٌنة.‏ أسرع أبً‏ إلى المكتب ‏ٌتآكله الؽضب.‏<br />

عندما فتح الباب رأى المطران ‏ٌسرق بعض المسابح مستعجبلً‏<br />

حٌث كانت معروضة فً‏ واجهة رابعة من الخشب النادر<br />

والزجاج ذي األطراؾ المصمولة.‏ كان نتٌجة ذلن طرد<br />

المطران من البٌت ترافمه اللعنات والشتابم الململمة من كلّ‏<br />

األزلة المعروفة فً‏ هذا العالم،‏ الذي ‏ٌنكر أنه ‏ٌستمتع بكل أنواع<br />

السباب المستهجن.‏ التفتُّ‏ إلى المحامً‏ ورأٌته ‏ٌتطلّع إلى ساعته<br />

فملت:‏ إن تؤخرت على موعد فلٌس ذنبً،‏ أنت سؤلتنً‏ وأنا لم<br />

أفعل سوى إرواء فضولن.‏ المصّة لم تنته بعد.‏ سؤروي لن<br />

نهاٌتها المضحكة كثٌراً‏ فً‏ ولت آخر.‏<br />

بعد أن أصبحت وحدي تساءلت:‏ كٌؾ حوكمت حٌاتً‏<br />

الزوجٌّة دون االعتماد على أٌّة أدلّة ‏ٌمكن االعتماد علٌها،‏ بل<br />

إن الماضً‏ فرش أمامه ما تجمّع لدٌه من تموّ‏ الت وافتراضات،‏<br />

وحكاٌات النساء البلتً‏ ‏ٌزورهنَّ‏ وٌمؤلن جٌوبه من أفخر أنواع<br />

الشوكواله،‏ ممتنعاً‏ أنه طالما أنها استمرّ‏ ت فً‏ عمله فستكون<br />

حمٌمٌّة حتماً،‏ وإالّ‏ ما معنى هذا التدرج الطوٌل فً‏ سلن<br />

الكهنوت حتى أصبح مطراناً؟!‏ إنه ‏ٌعنً‏ طبعاً‏ أنه أمتلن الحك<br />

أن ‏ٌرمً‏ بالمانون عرض الحابط؟!‏ إلى متى سنظلّ‏ نتراجع<br />

والسنون واألمم تمضً‏ إلى األمام؟!‏ هل سٌبمى هذا الشعب<br />

مخدّراً‏ ال ‏ٌدري ما ‏ٌجري حوله؟!‏ وٌسٌر فً‏ الشوارع<br />

كالمساطٌل؟!‏ بعضهم ال ‏ٌرى شٌباً‏ ‏ٌستحك أن ‏ٌمعن النظر فٌه،‏<br />

وبعضهم اآلخر ‏ٌرى أحٌاناً‏ أشٌاء جمٌلة،‏ لكنه ‏ٌنظر إلٌها<br />

مبتسماً‏ هازباً.‏ مشكلتً‏ أنً‏ عبثاً‏ أحاول ولؾ هذا التنبع المستمر<br />

من األسبلة وأتابع الؽرق فٌها،‏ دون أن أولؾ كلّ‏ هذا وأمضً‏<br />

ألفعل شٌباً‏ جدٌّاً‏ ‏ٌفٌد الناس والوطن.‏ ربّما أتخلّص ‏ٌوماً‏ من<br />

ٖٔ


ِ<br />

نظرات أمً‏ المتسابلة الحابرة الملبّدة بؽٌوم حمر تكاد أن تخفً‏<br />

جمال عٌنٌها حٌناً،‏ وحٌناً‏ آخر تتعمد أن ترد علًّ‏ السبلم وهً‏<br />

منخفضة الرأس كً‏ ال ترانً،‏ وربما أٌضاً‏ كً‏ ال أرى<br />

دموعها.‏<br />

أظن أن السماء فً‏ تلن اللحظات كانت تحمل خبراً‏ ‏ٌفٌد أنها<br />

ستمطر فً‏ منتصؾ نٌسان لٌس احتفاالً‏ تتمتع فٌه األرض<br />

باإلٌماع وحركة األلدام،‏ وإنما ؼسبلً‏ لؤلحماد،‏ وحضّاً‏ على<br />

التبلع الدمامل التً‏ تركتها وراءها السنون التً‏ استؽرلتها<br />

حٌرتنا فً‏ اختٌار الطرٌك األسلم لتمدمنا وتإهلنا لنكون من<br />

الشعوب المتمدمة فً‏ هذا العالم.‏ كلّ‏ هذا زاد فً‏ استعصاء<br />

مشاكلً‏ وهمومً‏ وسحبت المنطك الذي كنتً‏ أتسلّح به لتبرٌر<br />

عدم فتح عٌادة باسمً‏ للمٌام بالعمل الذي بذلتُ‏ الكثٌر من السنٌن<br />

ألنال تلن الشهادة بدرجة ‏"ممتاز"‏<br />

لم ‏ٌكن الرعد والمطر الؽزٌر ضمن برنامجً‏ لذلن الٌوم،‏<br />

وال فً‏ برنامج دمشمً‏ التً‏ لم تعتد على مثل هذا الشؽب<br />

البؽٌض،‏ وكذلن لم تصل أٌة إشارة من تلن الحمامة التً‏ كانت<br />

تحطّ‏ على نافذتً‏ وتحدق فً‏ عٌنً‏ طوٌبلً،‏ ثمّ‏ ترحل ربّما إلتمام<br />

مهامها الكثٌرة،‏ أو ربّما هً‏ حٌرى مثلً‏ ال ترٌد أن تلتمً‏ بؤحد<br />

فتطٌر هابمة هنا وهنان إلى أن ‏ٌستبدّ‏ بها الضجر.‏ ترى ألٌس<br />

هنان خطراً‏ من أن أصبح مجنوناً‏ من كثرة الثرثرة مع نفسً‏<br />

التً‏ ال تتولؾ؟!‏ سٌكون هذا إذا حصل كارثٌّاً‏ دون شن،‏ وٌنكس<br />

رإوس كلّ‏ الذٌن ‏ٌفتخرون من عابلتً‏ بإنجازتً.‏ ألٌس من حلّ‏<br />

ما هنان ‏ٌا ربّ‏ ؟!‏ أخشى أ ‏ّال أسؤم فً‏ النهاٌة،‏ فإن سؤلتنً‏ لماذا؟!‏<br />

سؤلول لن الحمٌمة:‏ إنً‏ أرى ازدٌاداً‏ فً‏ انجذابً‏ بالحدٌث مع<br />

ٖٕ


نفسً،‏ وبتعلّمً‏ بتلن الحمامة ظناً‏ منً‏ أنها رأت فً‏ مبلمحً‏ ما<br />

ترتاح إلٌه.‏ أو لعلّها بحاجة ماسة إلى من ‏ٌستمع إلٌها،‏ لكنها<br />

تعرؾ أنها ال تستطٌع الكبلم،‏ وتشعر بؤن هنان إلحاحاً‏ ؼرٌباً‏<br />

فً‏ مكان ما فً‏ داخلها ‏ٌدفعها لنشر أفكارها،‏ لكنها ال ترٌد أن<br />

تٌؤس فتشٌح بوجهها وتطٌر مإجلة كلّ‏ ذلن إلى مرة<br />

أخرى.رفعت رأسً‏ إلى األعالً‏ وصرختُ‏ لاببلً:‏ انمشعً‏ أٌتها<br />

الؽٌوم السوداء،‏ ودعٌنً‏ أشكر السماء إذ إنها دابماً‏ تمنحنً‏<br />

الهدوء واالطمبنان.‏ للت فً‏ سري مخاطباً‏ الرب:‏ أنا ال الصدن<br />

طبعاً،‏ وال أعنً‏ السماء حٌث ‏ٌمال إن عرشن ‏ٌنتصب هنان.‏<br />

لطالما عرفتُ‏ أنن ال تتعاطى مع مثل هذه السخافات.‏ إذ إنن<br />

كنت دابماً‏ أكبر من التكبر،‏ وأنبل من النبل،‏ فبل ‏ٌمكن أن ‏ٌكون<br />

لدٌن عرش،‏ ولٌس معموالً‏ أن تكون بحاجة إلٌه.‏ باي مفهوم<br />

‏ٌحاولون إلصاق كلّ‏ هذا بن؟!‏ ولماذا ‏ٌصرّ‏ ون على أنن بحاجة<br />

إلى صولجان؟!‏ ستكون مضحكاً‏ كالملون عندما تمسن به.‏ كما<br />

ال ‏ٌمكننً‏ االعتماد أنه ‏ٌمكن أن تكون تلن البدع من إبداعاتن.‏<br />

أظن أن بعض المساوسة شاهدوا ‏ٌديَّ‏ تندّدان بالؽٌوم،‏ وربما<br />

سمعوا أٌضاً‏ صراخً،‏ فؤثناء خروجً‏ من المكان سمعتُ‏ بعض<br />

الضحكات،‏ فعددتُ‏ هذا بداٌة لبلحتفال باسترداد حرّ‏ ‏ٌتً.‏ ترى<br />

هل ما زال أحد ال ‏ٌعرؾ أن من ‏ٌحظى بها ‏ٌملن تاجاً‏ ‏ٌُسمط ك ‏ّل<br />

التٌجان خجبل.‏ الحمٌمة كان فرحً‏ ال ‏ٌمكن وصفه.‏ ماذا أفعل؟!‏<br />

لمد أسمط فً‏ ‏ٌدي،‏ فما ال أعرؾ كٌؾ أعبر عنه،‏ ال أستطٌع<br />

إعادة مضؽه.‏ كما كان ‏ٌرافمنً‏ شعور ‏ٌرفض أن أمرّ‏ فً‏ معاناة<br />

أخرى.‏ فً‏ تلن اللحظة شعرتُ‏ بممدار األلم الذي ‏ٌجتاح األبكم<br />

عندما تتناطح فً‏ ذهنه األفكار وال ‏ٌستطٌع أن ‏ٌنملها واضحة<br />

إلى من ‏ٌرٌد كما ‏ٌفعل كل الناس.‏ نسٌت لوهلة المؤساة التً‏<br />

عشتها،‏ والفرح الذي عمَ‏ كٌانً‏ لمّا ظنن ‏ًت أنً‏ استرجعت نفسً‏<br />

ٖٖ


حماً.‏ لست أدري من وضع األخرس فً‏ طرٌمً،‏ وأشعل عود<br />

الثماب لرب طالتً‏ وتعاٌشً‏ مع األلم.‏ أنا ال أدري لمَ‏ أُدفع دفعاً‏<br />

نحو االنفجار،‏ ومن ‏ٌمكن أن ‏ٌكون له مصلحة فً‏ ذلن؟!‏ كنت<br />

بؤمسّ‏ الحاجة لبلبتعاد بما فٌه الكفاٌة عن المكان الذي كنت فٌه،‏<br />

دون أن أحسب حساباً‏ للوجهة التً‏ تدفعنً‏ إلٌها الرٌاح.‏ كنت<br />

فً‏ الحمٌمة أتوق للخروج من الرحم الذي أعٌش فٌه وٌضٌك<br />

علًّ‏ خنالً،‏ وأتحرّ‏ ر من عتمة سجنً.‏ هل أنا محكوم أ ‏ّال أفهم<br />

ما ‏ٌجري فً‏ أعمالً،‏ ومن ‏ٌملن المصلحة فً‏ أن ‏ٌحجب عنً‏<br />

كلّ‏ هذا ولماذا؟!‏ ترى ل ‏َم ال أزال أسمع كلّ‏ أنواع الطبول التً‏<br />

تدق هنان بعٌداً‏ بتناؼم مذهل مملك،‏ ثمَّ‏ ‏ٌسكت الطبل الكبٌر وال<br />

نعود نسمع تلن الطبول الصؽٌرة بل ‏ٌعم الصمت للحظات للٌلة،‏<br />

فتعود تلن األنؽام الشجٌّة التً‏ تخرج من اآلالت الوترٌّة<br />

والنحاسٌّة،‏ وتطلك الحماسة بٌن الجماهٌر لترلص وتدبن فً‏<br />

خبلٌاي،‏ وربّما لربً‏ أو فً‏ تلن الؽابة هنان،‏ باإلضافة لتلن<br />

األصوات الرابعة التً‏ تهتؾ بعدة طبمات متناؼمة ‏"هالٌلولٌا،‏<br />

هالٌلولٌا.‏ ‏"لم أكن أرٌد أن أصل إلى البكاء،‏ وال أن تفمدنً‏ عملً‏<br />

تلن األنؽام الرابعة ‏ٌا رب.‏ لمد بتُّ‏ ال أعرؾ حماً‏ إن كنتُ‏ أعٌش<br />

وهماً‏ أم إنً‏ أحٌا حمٌمة تحت سمفن ‏ٌا إلهً؟!‏ لمَ‏ كل هذا<br />

االضطراب الذي ‏ٌنهش أحشابً‏ وصوتً؟!‏ ألم نتخلص من<br />

الخطٌبة الجدٌّة،‏ ألٌس هذا ما لُلت؟!‏ لمَ‏ ال نزال نتمرّ‏ غ فً‏<br />

التراب واألوحال والمذارات ونظل نسمع من بعٌد فرح<br />

األعراس بصوت متمطع،‏ لمَ‏ رؼم كل ذلن ال نزال نتمرغ<br />

ونتمرّ‏ غ.‏ ترى هل نتحمل أوزار بعضنا بعضاً؟!‏ كٌؾ ‏ٌكون<br />

هذا معموالً؟!‏ ألم نتع ‏ّمد باسم اآلب واالبن والروح المدس<br />

وؼسلنا أوزارنا بمٌاه النهر هنان؟!‏ فً‏ األردن طبعاً؟!‏ صوت<br />

‏ٌمول لً:‏ إنن لن تجٌب،‏ فبل ‏ٌزال هنان خطب ما ‏ٌعوق<br />

ٖٗ


نأن<br />

ىإل<br />

وصولنا إلٌن.‏ إلى متى ستظلّ‏ دموعً‏ تنهمر،‏ وتمول لً‏ أمً‏<br />

‏ٌبدو لن تكبر ‏ٌا عزٌزي أو ربّما ستفعل ولكنن لن تصٌر<br />

رجبلً.‏ كنتُ‏ أظن حتى اآلن أنً‏ أصبح ‏ُت ذلن اإلنسان الذي<br />

‏ٌتولون إلٌه الذٌن ‏ٌحٌطون بً.‏ إذ لٌس من زمن طوٌل لٌل لً‏<br />

لمّا انتهٌت من فعل جنسً:‏ لمد كنتَ‏ رابعاً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ ستركض<br />

وراءن النساء دون شن.‏ فكّرتُ‏ كثٌراً‏ وتساءلت:هل أفمدتنً‏<br />

المعاناة لدرتً‏ على اإلمسان بزمام المبادرة من جدٌد؟!‏ ترى<br />

هل انزلك الصمود من بٌن ‏ٌديَّ؟!‏ إذا لم أكن أُصنع المعانً‏<br />

كٌؾ لً‏ فهم أن ‏ٌضٌك صدر المرء بالفرح؟!‏ ترى هل هنان ما<br />

أُخفٌه وٌُثٌر الرعب فً‏ األوصال،‏ أم إن بهجتً‏ ال تزال جرٌحة<br />

تتلوّ‏ ى وتنزؾ دون أن أشعر،‏ وفمدتُ‏ الرؼبة فً‏ ارتكاب بعض<br />

الحمالات اللذٌذة؟!‏ أو فً‏ الخروج عن المؤلوؾ بعض الشًء،‏<br />

وربّما فً‏ اشتهابً‏ الشدٌد للعودة طفولتً،‏ ورؼبتً‏ فً‏<br />

العودة إلى الشٌطنة دون أن أصل إلى حدٍ‏ أكون فٌه شٌطاناً،‏<br />

والكؾّ‏ عن السماح لصوتً‏ المبٌح أن ‏ٌؽنًّ‏ مع"نجاة<br />

الرابعة ‏"ما أحلى الرجوع إلٌه".‏ إنها من األؼنٌات التً‏ تصلح<br />

لتلن الصؽٌرة الرابعة وؼنابها الحنون الذي ‏ٌبمى ‏ٌؽرّ‏ د فٌن بعد<br />

أن ‏ٌترن حنجرتها ترى أٌسكن الشٌطان فً‏ الجوار أم إنه ‏ٌمكن<br />

أن ‏ٌكون فً‏ كلّ‏ مكان؟!‏ كاد انحشاري وسط هذه األفكار أن<br />

‏ٌخرجنً‏ عن طوري.‏ لكن عملً‏ تولّؾ عن استنباط األجوبة<br />

والحلول فتولف ‏ُت للٌبلً‏ ألستعٌد أنفاسً.‏ عمدتُ‏ فوراً‏ إلى دعوة<br />

بعض األصدلاء إلى الؽداء فً‏ الٌوم نفسه.‏ لمّا اجتمع الشمل<br />

الحظ عدنان أن دموعاً‏ تترلرق فً‏ عٌنًَّ.‏ اندهش وبادر إلى<br />

السإال ماذا بن؟!‏ ظننتُ‏ أنن ستكون فرحا؟!‏<br />

الصؽٌرة "<br />

ٖ٘


دعنً‏ أحاول أن أعبّر عمّا ‏ٌحدث فً‏ داخلً‏ وكٌؾ تطرح<br />

مشاعري أحاسٌس متنالضة ال تزال تُسرُّ‏ عندما تجد الفرصة<br />

للتبلعب بً.‏ ما أصعب أن ‏ٌكون المرء ‏ٌمرّ‏ فً‏ حالتٌن فً‏<br />

الولت نفسه،‏ فٌشتهً‏ بكلّ‏ كٌانه أن ‏ٌتخلّص مما هو فٌه،‏<br />

وٌتحوّ‏ ل إلى كابن ‏ٌمتلا بالموّ‏ ة وبالحرّ‏ ‏ٌة وهً‏ تكاد أن تمتلعه<br />

من مكانه وتجعله ‏ٌطٌر من الفرح.‏ بٌنما هو ‏ٌعانً‏ من ؼصّة<br />

مساحتها تشمله كلّه.‏ صدلونً،‏ فؤنا لم أعرؾ ‏ٌوماً‏ كٌؾ ‏ٌنضح<br />

البكاء فرحاً.أردت من دعوتكم أن تفرحوا معً.إذ إنً‏ ال أعرؾ<br />

كٌؾ أمارس ذلن وحدي،‏ إنكم أصدلابً‏ وألول بكلّ‏ وضوح:‏<br />

إنً‏ أستعٌن بكم.‏ أال تجدون أن هذا من حمً؟!‏ إن رؼبة عارمة<br />

تملإنً‏ أن أطٌر فوق جبال لبنان،‏ وأبمى مدة كافٌة.‏ إن كلمة<br />

كافٌة تعنً‏ هنا ‏"حتى أبدأ بالخوؾ"‏ ثمّ‏ أحطُّ‏ بٌنكم أٌنما تكونون<br />

ونموم بما هو ؼٌر مسبوق.‏ ربّما ‏ٌُبكٌنً‏ ما أشعر بؤنه ‏ٌحدث،‏<br />

فؤنا ال أرٌد أن أجر الجمٌع كً‏ ‏ٌنحشروا مع مشاعري بنفس<br />

المكان.‏ الحمٌمة أنً‏ لست أدري ماذا ‏ٌحدث لً؟!‏ كما أنً‏ ال<br />

أرٌد محاولة تفسٌر ذلن لذاتً.‏ أنا ال أدري ما ‏ٌدعونً‏ إلى<br />

الكبلم المتواصل؟!‏ إنً‏ أجد نفسً‏ مسطوالً‏ وسط كلّ‏ تلن<br />

المشاعر المحتمنة الملتصمة مع بعضها بعضاً،‏ رافضة االنفكان<br />

تحت أيّ‏ ضؽط أو إؼراء؟!‏ ربما علًّ‏ اإلدران أن الشًء<br />

الممًء جابز فً‏ بعض األحٌان،‏ ولد ‏ٌكون الزماً‏ أٌضاً‏ فً‏ هذه<br />

الدنٌا البابسة،‏ لٌعرؾ المرء الفرق بٌن األمور التً‏ تحدث بٌن<br />

ولت وآخر دون أن ‏ٌضع نفسه طبعاً‏ إلى جانب الفرح والرلص<br />

والعبث والجنون.‏ إذ ‏ٌبدو أالّ‏ بدّ‏ من التضاد فً‏ هذا الكون،‏<br />

والتضاد ‏ٌعكس تضاداً‏ آخر أكثر إبهاراً‏ ‏ٌذكّرن بروعة مراٌا<br />

لصر ‏"فرساي".‏ أمس رأٌت حلماً‏ جمٌبلً.‏ كان فٌه الجنون<br />

المملَّح ‏ٌرلص وٌعبث كشاب حمٌمً‏ فً‏ ‏"السبع بحرات"‏ وهو ال<br />

ٖٙ


‏ٌزال متشبّثاً‏ بمراهمته وسط تلن المٌاه البلّورٌّة الرابعة،‏ وهً‏<br />

خارجة من النوافٌر،‏ صاعدة هابطة تتبادل المبل ؼٌر عاببة<br />

باالحتشام وال بالجموع التً‏ تحٌط بها وهً‏ تحاول أن تدٌر<br />

وجهها لتمول كاذبة أنها خجلة.‏<br />

إنكم تعلمون أنً‏ ال أعرؾ شٌباً‏ عن الرلص،‏ ولم ‏ٌرنً‏ أحد<br />

أمارسه ‏ٌوماً‏ أو حتّى أن أهمس فً‏ داخلً‏ برؼبتً‏ الشدٌدة فً‏<br />

إٌجاد طرٌمة لممارسة بضع خطوات على إٌماع صحٌح<br />

تطمبننً‏ أنً‏ لد أستطٌع تطوٌر مشاعري واالنتمال إلى تطوٌع<br />

حركة لدمً‏ فتتعرّ‏ ؾ روٌداً‏ روٌداً‏ إلى الرشالة،‏ وتدرن أنها<br />

ستحب ما أنوي أن أفعل ألنها ستجد جماالً‏ مشعّاً‏ ‏ٌخرج من<br />

اإلبداع الذي ‏ٌتبدى بحركة األلدام المتطابمة مع اإلٌماع وطرٌمة<br />

تبلمس األلدام مع األرض.‏ ترى أال ‏ٌثٌرن هذا التبلمس مهما<br />

بلؽت من عمر؟!‏ المشاهد المتمرّ‏ س تصل إلٌه كلّ‏ هذه المشاعر<br />

باإلضافة إلى ما تفٌض به أحاسٌس الرالص وما ‏ٌنضحه كٌانه<br />

وٌؤمل أن ‏ٌصل إلى كلّ‏ الناس.‏ تراكم البراعة عند الرالص<br />

سٌكون مطلوباً‏ دابماً،‏ إذ إنه مهما كان بخٌبلً‏ ال ‏ٌستطٌع منع<br />

نشوته من أن تخرج منه وتتوزع على كلّ‏ الحاضرٌن.‏ إن من<br />

المهم جدا لكل الذٌن ‏ٌتٌسّر لهم حضور األعمال الفنٌّة أ ‏ّال<br />

‏ٌخترعوا الحجج للمماطلة فً‏ حضور تلن األعمال مهما كانت<br />

للٌلة،‏ فالثمافة ؼالباً‏ تنمو فً‏ اإلنسان وٌشعر بها بعد ولت ؼٌر<br />

لصٌر.‏ الرلص مثبلً‏ لٌس من السهل اإلحاطة به والدخول إلى<br />

أعماله واإلحساس بمرامٌه.‏ الملٌل الذي رأٌته من حركاته<br />

وإشاراته المبهمة،‏ تدفع بالجسد إلى تؽٌٌر وضعٌته وتحثّه على<br />

التطاول والتحفّز إلى التم ‏ّطط لبلستعداد إلى تنفٌذ أولى مهام<br />

الرلص وهً‏ النجاح فً‏ تٌسٌر اتّصال الرالص بالسماء أو<br />

ٖ7


بالحبٌب الذي ‏ٌشعر أنه ‏ٌطٌر معه.‏ بعد ولت ؼٌر لصٌر أٌضاً‏<br />

ستجد أن الرلص لؽة تتكلم بها مع كثٌر من األشٌاء المربٌة<br />

وؼٌر المربٌّة.‏ أنت لبل أن تدخل فً‏ هذا الجو ستظن أن أحداً‏<br />

ما ‏ٌرٌد الهزء منن.‏ ترى ألم تسؤل نفسن:‏ ترى من أٌن أتى<br />

‏"زٌاد"‏ بهذا الكبلم عندما لال:‏ إنه أجهد نفسه لٌصرح علناً‏ أنه<br />

نادم لِما فاته من هذا الفن الرفٌع الذي ‏ٌمثل لمة الرهافة فً‏ هذا<br />

العالم.‏ نعم ‏ٌا صدٌمً:‏ لرأ ‏ُت عنواناً‏ لممال فً‏ صحٌفة النهار<br />

اللبنانٌّة ‏ٌمول ‏"الرلص ذروة الرهافة"‏ فؤعطٌت النادل عشرة<br />

آالؾ لٌرة وللت له:‏ اذهب بسرعة واتنً‏ بصحٌفة النهار من<br />

عند بابع البٌرة والبٌبسً.‏ نملت إلٌكم بعض ما هو مكتوب مع<br />

رشة بهار منً.‏ الرالص فً‏ مرحلة ما ‏ٌضع نفسه دون أن<br />

‏ٌدري كمعبّر مساعد لِما ‏ٌرٌد الناس المول.‏ وربّما االشتران فً‏<br />

صٌاؼة العبارات التً‏ على الرالص إٌصالها إلى الناس على<br />

ولع إٌماع موحّد متناؼم متّفك علٌه مسبماً‏ بٌن األرض والسماء.‏<br />

فً‏ ذلن الولت كنت محشوّ‏ اً‏ بآراء تإكّد لً‏ بإصرار وإلحاح<br />

ؼرٌبٌن أنً‏ ال أحمل مشاعر تإهّلنً‏ وتدفعنً‏ إلى االلتفات<br />

واشتهاء اإلحساس بملٌل من التبلمس مع هذا الفن العظٌم.‏ كما<br />

أن هذه اآلراء كانت تصر على أنها لم تلحظ ‏ٌوماً‏ أن إٌماعاَ‏<br />

جمٌبلً‏ ‏ٌصل إلى أسماعً‏ ‏ٌمكنه أن ‏ٌثٌر فًَّ‏ الرؼبة الجامحة أن<br />

أتحرن فً‏ أرٌكتً‏ وفك تلن األنؽام واإلٌماعات التً‏ تجعلنً‏ ال<br />

أخشى أن أنفجر إذ ‏ٌمول لً:‏ إنه مهما حدث لً‏ فإنه لن ‏ٌخٌؾ<br />

أحداً‏ بل ربّما ‏ٌحسدونً‏ على الفرح الذي ‏ٌتنبع من دموعً.‏ إن<br />

أولبن الذٌن اشتركوا فً‏ حشوي باألخبلق الحمٌدة كانوا ‏ٌرون<br />

أن الشعور باإلثارة بكل ما تحمل تلن الكلمة من معا ‏ٍن وأهداؾ<br />

علًَّ‏ أن اإمن بؤنه إثم كبٌر من الصعب ؼفرانه.‏ ها أنا اآلن<br />

أرؼب بكلّ‏ لواي أن أكون ضمن حلمة من الناس أرلص معهم<br />

ٖ8


‏"الدبكة ‏"بحٌث ألفز كما أشاء،‏ وأجعلهم ‏ٌظنّون أنً‏ أفعل ذلن<br />

لصداً،‏ فتضٌع مسؤلة جهلً‏ بالرلص وسط التضاحن والجلبة.‏<br />

أو ربّما سٌظنّوننً‏ أفتعل بعض الجنون،‏ من منطك أن العمل<br />

المحشوّ‏ ببعض الجنون ‏ٌمكن أن ‏ٌكون أداة تحفٌز وتطوٌر حتى<br />

للمنطك.‏ إذ إنً‏ ضمت ذرعاً‏ بالرزانة.‏ خاصّة عندما سٌرون<br />

أنً‏ لن أتولؾ عن الضحن لبل أن ألع مؽشٌّاً‏ علً؟!‏ ثمّ‏ من<br />

‏ٌدري ماذا سٌفعل هزبً‏ من نفسً‏ أمام أصدلابً،‏ فربّما أولظ<br />

فٌهم نفس المشاعر التً‏ دفعتنً‏ إلى التمرّ‏ د على تلن األخبلق<br />

الحمٌدة،‏ ورمٌها بكلّ‏ ما لديَّ‏ من لوة عرض الحابط.‏ لٌس علًَّ‏<br />

أن أخشى من تطوّ‏ ر األمر،‏ فلتشتعل الحماسة أكثر وٌضع النبٌذ<br />

خٌاله موضع التنفٌذ وٌفعل ما ‏ٌشاء،‏ مثل أن ‏ٌؤمر بؤن ‏ٌرفعوننً‏<br />

على األكتاؾ وٌتماذفوننً‏ كما ‏ٌلذّ‏ لهم أن ‏ٌفعلوا.‏ ألن ‏ٌكون هذا<br />

ممتعاً؟!‏ حتى لو لم ‏ٌدم طوٌبلً‏ هذا الشعور الذي ‏ٌشبه السعادة،‏<br />

ولد ‏ٌتجاوزها وٌدفعها بعٌداً.‏ لكنً‏ أعتمد أن أمراً‏ رابعاً‏ ال بدَّ‏ أن<br />

‏ٌحدث إذ إن أصدلابً‏ لن ‏ٌمكنهم أن ‏ٌخفوا ؼرابة أطوارهم<br />

أٌضاً،‏ حتى الذٌن ‏ٌمٌلون إلى افتعال الولار.‏ صدّلونً‏ أن كل<br />

الناس سٌحسدونهم،‏ وربّما ستصٌب العدوى الجمٌع؟!‏ هل ‏ٌمكن<br />

ألحد أن ‏ٌرسم لنا لوحة تبٌن كٌؾ سٌتبدى كلّ‏ هذا الجنون؟!‏<br />

أعتمد أنً‏ أكاد أطٌر من الفرح وأنا أرى المشهد ‏ٌمرّ‏ فً‏ خٌالً.‏<br />

هٌا ماذا بكم؟!‏ ارفعونً‏ على األكتاؾ وهلّلوا،‏ ثموا أنً‏ لن<br />

أصرخ،‏ بل سؤرفع ‏ٌديّ‏ محٌٌّاً‏ الجمٌع ‏.ألن ‏ٌبهجكم ذلن المشهد<br />

الرابع؟!حذارِ‏ أن تنسوا الصبلة إلى الرب والرجاء أالّ‏ ترانً‏<br />

أمً‏ مرفوعاً‏ بتلن الطرٌمة وٌُتبلعب بً‏ كمخبول حمٌمً‏ أضاع<br />

عمله عندما خرج إلى النور،‏ وشمّ‏ نسٌم الحرّ‏ ‏ٌة المخدّ‏ ‏ِر بعض<br />

الشًء.‏ لست أدري فمد ال تعرؾ أمً‏ إن أُصبتُ‏ ببعض الجنون<br />

المإلّت،‏ إذ ال بؤس بذلن ستكون اللوحة رابعة وربّما ؼٌر<br />

ٖ9


مسبولة ومناسبة لِما ‏ٌحدث حمٌمة فً‏ أعمالً.‏ ها لد أصبحت<br />

رجبلً‏ ‏ٌستطٌع أن ‏ٌفعل ما ‏ٌرٌد.‏ هل ستصدق ذلن أمً؟!‏ سؤكون<br />

‏"فان ؼوغ"‏ آخر،‏ وسؤرسم عارٌاً‏ تماماً‏ ألن ‏ٌكون هذا حدثاً‏<br />

بارٌسٌاً‏ بامتٌاز؟!‏ ‏"ترى أال ‏ٌرفع رجل البٌت عمٌرته وٌؽنً‏<br />

ؼناء أوبرالٌاً"‏ مضحكاً‏ لمجرد كونه فً‏ الحمام ولد ‏ٌظ ‏ّن أن<br />

بإمكانه أن ‏ٌرفع صوته كما ‏ٌشاء وٌتحول إلى ‏"بافاروتً"‏ أو لد<br />

بإمكانه أن بؤمل ‏ٌؤمل بالتحوّ‏ ل فً‏ لحظة ما وٌصبح ‏"كاروزو"‏<br />

العصر من ‏ٌدري.‏ توخّوا الحذر أرجوكم كرما لٌوم تحرّ‏ ري<br />

من االستعمار واالستبداد األنثوي المتفالم الذي بدأ البحث عن<br />

الطرٌمة لمتل تلن الرؼبة التً‏ أخذت تؽزو المجتمعات،‏ متمنٌّاً‏<br />

أالّ‏ تسؤلونً‏ عن الماضً،‏ فمد دفنته بعٌداً‏ كؤنً‏ أدفن شٌطاناً‏<br />

حمٌمٌّاً‏ أرّ‏ ق لٌالًَّ‏ وربّما أٌضاً‏ نجوم السماء التً‏ ال تتولّؾ عن<br />

الصبلة من أجل إبعاد الشرٌر الذي لطالما حام حول مدٌنتنا.‏ إن<br />

بضعة كإوس ستجعلنا نمتنع جمٌعاً‏ بذلن.‏ هٌا ارفعوا األنخاب<br />

ودعونا نشعر برنٌن الكرٌستال،‏ تهٌّإا لذلن فستظنون أن جنٌة<br />

لطٌفة استبدلت الكإوس مرتٌن دون أن ‏ٌشعر أحد فمد عدّت<br />

نفسها مإتمنة على تلن األلداح المدٌمة الرابعة التً‏ ورثتها أمً‏<br />

عن أبٌها.‏ ألم نمضِ‏ ولتاً‏ ممتعاً؟!‏ ألم ‏ٌصفعكم بعض الجنون<br />

دون أن تتؤلموا؟!‏ ترى ألم تشعروا بؤن بعضكم أراد المزٌد من<br />

الصفعات وخشً‏ أن ‏ٌمال انظروا إلى هذا الشاب فمد حمله<br />

الجنون على كتفٌه حتّى ظن نفسه أنه هو المحتفى به.‏ إن ما م ‏َّر<br />

بكم منحة من هللا لد ال تتكرر إالّ‏ إن حاولتم أن تفعلوا شٌباً‏ لٌس<br />

مؤلوفاً‏ وناصعاً‏ كثلج عٌد المٌبلد.‏ أنسانً‏ كل ذلن بضع ساعات<br />

ممّا كنت لد كابدته كل تلن السنٌن العجاؾ،‏ التً‏ أدركتُ‏ فٌها<br />

أهمٌّة الصدالة المجسّدة باألصدلاء،‏ فمد عوضونً‏ إلى حدٍّ‏ كبٌر<br />

عن األخوة الذٌن لم ترزلهم أمً‏ بسبب وفاة أبً‏ المبكرة.‏ هذا<br />

ٗٓ<br />

"


ما فكّرت به أثناء مؽادرتنا ذلن المطعم الذي ‏ٌتمٌز باألنالة<br />

والبساطة.‏ سارع عدنان إلى ضمًّ‏ إلٌه بٌده الٌسرى ونحن<br />

نهبط السلّم ولال:لمد اخترت المكان المناسب ‏ٌا عزٌزي.‏ ستبمى<br />

دابماً‏ تملن هذا الذوق الرفٌع،‏ وستطوّ‏ ره مع الولت دون أيّ‏<br />

شنّ‏ .<br />

شكراً‏ ‏ٌا عدنان.‏ لمد ورثت عن أمً‏ كلّ‏ خصالها الحمٌدة<br />

وبعض خصالها ؼٌر الحمٌدة،‏ هذا ال بدّ‏ أن ‏ٌحدث دابماً.‏ لست<br />

أدري لمَ‏ نعود إلى هللا فً‏ كلّ‏ شًء ؼرٌب فٌنا،‏ ونمول:‏ إنه<br />

‏ٌنتمً‏ من ‏ٌعجبه فً‏ أثناء اشتؽاله بالخلك وٌصبّ‏ فٌه بعض ما<br />

‏ٌحوٌه من ؼرابب األحوال،‏ الصماً‏ به أفضل ما هو مناسب،‏ ثمَّ‏<br />

ننسى ما حدث وٌحدث،‏ ونمول عن ذلن المخلوق إنه ؼرٌب<br />

األطوار وٌموم ببعض األمور المُلفته،‏ وٌخلك الطرفة من العدم.‏<br />

طبعاً‏ أنا ال ألول ذلن عن نفسً.ثمَّ‏ أرجو أن تمول لؤلصدلاء أ ‏ّال<br />

‏ٌتركونً‏ وحٌداً‏ طوٌبلً،‏ لمد ضم ‏ُت ذرعاً‏ بالشوق إلى كلّ‏ شًء،‏<br />

فمد كنت أشعر بؤن رؼباتً‏ لد انمرضت بعد أن توارت طفولتً‏<br />

خلؾ جدر صمّاء،‏ وربّما من جاء وعدَّها فاكهة فمضمها<br />

ومضى ال ‏ٌلوي على شًء.كما أن ما أشتهٌه وأنشد لمسه لبل<br />

لطفه كان ‏ٌبدو بعٌد المنال،‏ وال ‏ٌمكن الوصول إلٌه فً‏ هذا<br />

الزمن.‏ ترى أال تكفً‏ ؼرابة الشهوات لتجل المرء شهٌراً‏<br />

دعنً‏ أسؤلن سإاالً‏ أرجو أالّ‏ ‏ٌزعجن.‏<br />

منذ متى تستؤذننً‏ إذا أردت أن تمول شٌباً؟!‏<br />

ٗٔ


هذا صحٌح.لكن لست أدري لمَ‏ فعلتُ‏ ذلن؟ ‏!المهم أنً‏ كنت<br />

أتساءل لماذا استبعدت ‏"أسعد ‏"من هذه الجلسة الحمٌمة.‏<br />

‏"أسعد"‏ الحبٌب نفسه؟!‏ ترى ماذا ‏ٌدور فً‏ رأسن؟!‏ وهل<br />

تركت مخٌّلتن ساحة ‏ٌلعب فٌها الشٌطان؟!هل تعتمد أنً‏ ال أحب<br />

أسعد،‏ وأخفً‏ ذلن كلّ‏ هذا الولت؟!‏ بتُّ‏ ال أستطٌع فهمن،‏ أو إننا<br />

لسبب ما لم نعد نملن نفس اللؽة؟!‏ وربّما تسرّ‏ بت المعانً‏ من<br />

المفردات وضاعت فً‏ الطرلات.‏ كٌؾ ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث هذا<br />

ونحن نعٌش سوٌّة منذ الطفولة األولى؟!‏ هل تعتمد أنً‏ أستطٌع<br />

فعل ذلن حتى لو كنت أملن رؼبة مجنونة عصفت بً‏ فً‏ هذا<br />

الٌوم بالذات،‏ ولم تعد ترٌده وال تطٌمه.‏ إن هذه األمور تحدث،‏<br />

فمد ‏ٌكون مزاجً‏ فً‏ ذلن الولت ال ‏ٌستطٌع تحمل انتماداته<br />

ومبلحظاته وصوته الممًء؟!أال ‏ٌمكننً‏ ‏ٌا ترى رفض وجود<br />

أمً‏ فً‏ جلسة ما،‏ هل سٌعنً‏ ذلن أنً‏ ال أحبها؟!‏ كنت أظن<br />

أنن الوحٌد الذي ‏ٌعرفنً‏ جٌّداً.‏ كان أسعد دابماً‏ وسٌظلّ‏ صدٌماً‏<br />

عزٌزاً‏ رؼم أن تدخّله فٌما ال ‏ٌعنٌه أخذ ‏ٌزداد،‏ إنه لطالما<br />

أزعجنً‏ وخرّ‏ ب ‏ٌومً.‏ مزاجً‏ ال ‏ٌستطٌع فً‏ كلّ‏ ولت،‏ تحمّل<br />

عٌنٌه الجمٌلتٌن الصارمتٌن دون وجود ما ‏ٌستدعً‏ ذلن.‏ الأ<br />

‏ٌُمكنن أن تشعر بؤنه ال ‏ٌستطٌع أن ‏ٌكون عفوٌاً؟!‏ ألٌس هذا<br />

مزعجاً؟!أنا ال ‏ٌمكننً‏ لبول وطؤة الرزانة السخٌفة والولار البلٌد<br />

التافه طوٌبلً.‏ إن كل هذه األمور التً‏ ‏ٌظن المرء أنها توصل<br />

إلى التمٌَّز تثٌر أعصابً‏ وتنهكها.‏ أستطٌع تطمٌن الجمٌع بدءاً‏<br />

من األصدلاء أنه لن ‏ٌنبت فًَّ‏ رٌش طاووس.‏ ترى أكان<br />

سٌسمح بظهور دموعً‏ دون أن ‏ٌنهرنً؟!فً‏ تلن اللحظات ماذا<br />

تظن أنً‏ سؤفعل؟!‏ ال ‏ٌمكنن استبعاد لٌامً‏ بمذفه ‏"بصحن<br />

الحمّص"هذا ال ‏ٌعنً‏ أنً‏ محك.‏ إذ ربّما لدٌه ما ‏ٌسخّؾ آرابً‏<br />

ٕٗ


وٌدحضها جاعبلً‏ منها ؼٌر صالحة إالّ‏ للرمً‏ فً‏ مزبلة ما.‏ ث ‏َّم<br />

لل لً:‏ لمَ‏ ال تتحمّل االحتفاظ بمبلحظاتن الشخصٌّة مرة واحدة<br />

إلى ولت أكثر رحابة وأكثر انفتاحاً‏ للنماش السخٌؾ؟!‏ أال<br />

‏ٌفرض الظرؾ االستثنابًّ‏ ذلن؟!‏ لٌس على محبّتن أن تكون<br />

سجّانة،‏ انتبه إلى ذلن فستكون ‏"ثمٌل الدم".‏ أال تعتمد بعد كلّ‏ ما<br />

حدث،‏ أنه تكفٌنً‏ مصٌبة واحدة؟!‏ أال تجد أنً‏ سؤكون صدٌماً‏<br />

وفٌاً‏ دون أن تحاول إظهار الكثٌر من الحب؟!‏ إن لكلّ‏ شًء<br />

حدوداً،‏ وإن اجتٌازها أحٌاناً‏ ‏ٌمكن أن ‏ٌسبب سوء فهم لد ‏ٌذهب<br />

بعٌداً‏ ‏ٌخرب الحب وٌذهب ‏"زٌاد"‏ بالظن إلى أن ما ‏ٌحدث ال<br />

‏ٌبؽً‏ الخٌر وٌحدث شروخاً‏ صعبة االندمال بٌن المحبٌّن.‏<br />

اعذرنً‏ ‏ٌا زٌاد عندما أبدي عدم التناعً‏ بكل مسوّ‏ ؼاتن التً‏<br />

طرحتها.‏ أنا أعرفن وأدرن أنن تخفً‏ شٌباً،‏ ولكن لٌس<br />

بالضرورة أنن تملن الٌمٌن الذي ‏ٌدلُّ‏ علٌه.‏ جلّ‏ ما أخشاه أن<br />

‏ٌدرن صدٌك العمر أٌن ‏ٌكمن السبب وراء استبعاده.‏ عندبذ<br />

سٌخرج من كل هذا شر مستطٌر لد ‏ٌخلخل الصدالة التً‏ بٌننا<br />

جمٌعاً.‏ عذراً‏ مرّ‏ ة أخرى،‏ فبمثل هذه األحوال صمتً‏ سٌكون<br />

خٌانة للجمٌع ال أستطٌع احتمالها.‏ على كل حال هذا ‏ٌومن<br />

فرحن وٌمكنن أن تفعل به ما ترٌد.‏ لٌس علًّ‏ سوى مشاركتن<br />

شعورن باالنعتاق،‏ أما واجبً‏ فٌلزمنً‏ المٌام به مادمت أعتبر<br />

نفسً‏ صدٌماً.‏<br />

أنا أإكّد ‏ٌا عدنان أنً‏ ال أعرؾ سبباً‏ لِما فعلته،‏ فإذا كنت<br />

تدرن ما أخفٌه دون أن ‏ٌكون وعًٌ‏ حاضراً،‏ فاطرح ذلن<br />

أمامً‏ وبٌّن أٌن تكمن حمٌمة ما فعلت،‏ إذ لن ‏ٌكون معموالً‏ أن<br />

أسعى سعٌاً‏ واعٌاً‏ لتخرٌب صدالة عمرها ‏ٌماثل عمر أي<br />

ٖٗ


صدٌك فً‏ مجموعتنا.‏ كما أنً‏ لم أفكر ‏ٌوماً‏ فً‏ استبعاد<br />

الخصال الحمٌدة التً‏ ‏ٌملكها ‏"أسعد".‏<br />

سؤلول ما بذهنً‏ لكن علٌن أالّ‏ تؽضب وال تمكّن ؼضبن من<br />

أن ‏ٌحفر له مكاناً‏ فٌن وٌمبع هنان.‏<br />

‏ٌا حبّذا لو تفعل.‏<br />

إذ إنن ستكون<br />

‏"بٌضة المبان."‏<br />

دابماً.‏<br />

من المعروؾ أن أسعد ال ‏ٌؽض الطرؾ وال ‏ٌساٌر أحداً،‏ أنا<br />

ألمس مبالؽاته وفً‏ تشدّده وأرابه الماسٌة فً‏ كل على كلّ‏ شًء<br />

ال ‏ٌحلو له،‏ أو ال ‏ٌستسٌؽه كما أنً‏ ال أستطٌع لبول إٌمانه بؤنه<br />

ال توجد هنان ظروؾ خاصة تسمح للفرح أن ‏ٌعصر نفسه<br />

وٌمدم لآلخرٌن ذلن النتاج الذي ‏ٌإجج الملوب وٌؤذن لها<br />

بالخروج عن طورها،‏ وتركه ‏ٌبدع فً‏ إظهار نفسه بطهرها<br />

وأزلّتها.‏ هنا تكمن المشكلة.‏ إذ إنن سعٌت الستبعاد ولاحته عن<br />

محاولتها إبطال فرحن المجنون وتسخٌفه.‏ اآلن عندما أفكر بكلّ‏<br />

هذا،‏ أمٌل إلى االعتماد إنن تملن الحك فً‏ محاولتن التحرّ‏ ر من<br />

إنتماداته البلذعة التً‏ تفتمر دون شن إلى ظروفها المناسبة.‏<br />

ربما لو حالفنا اإلخبلص،‏ كان علٌنا جمٌعاً‏ ثنٌه روٌداً‏ روٌداً‏<br />

عن تشبثه بآراء لم ‏ٌكن الزمن فً‏ أٌام جده ‏ٌعتبرها مناسبة.‏<br />

أنا أإٌّدن فٌما للت.‏ لكنن بدل توجٌهً‏ إلى الطرٌك الصحٌح<br />

الذي علًّ‏ اتباعه لرّ‏ رت أن تكشفنً‏ ألنً‏ كِلتُ‏ لن االنتمادات<br />

ممّا أثار حفٌظتن ألٌس كذلن؟!‏<br />

ٗٗ<br />

هذا صحٌح دون شن.‏


ال أدري متى سؤتمكّن من المول ‏"ألسعد"‏ أن ‏ٌكؾ عن التبجّح<br />

وٌعترؾ أنه ‏ٌكذب مثل اآلخرٌن.‏ لل له ‏ٌا عدنان أنه لن ‏ٌكون<br />

بإمكانه أن ‏ٌصٌر كامبلً‏ مهما بذل من جهد.‏ أعتمد أن الشٌطان<br />

سٌروق له ذلن،‏ وسٌضحن ملء شدلٌه كلّ‏ ما تذكر أمثالنا.‏<br />

٘<br />

كنتُ‏ أعرؾ أن أمً‏ لٌست فً‏ البٌت،‏ فتخلّصتُ‏ من سترتً‏<br />

وجلستُ‏ على أرٌكتً‏ المفضّلة،‏ فهً‏ لرٌبة ممّا أحتاج إلٌه.‏ إذ<br />

إن مكتبتً‏ الموسٌمٌّة وكلّ‏ األجهزة التً‏ تإمّن لً‏ استماعاً‏<br />

رخٌماً‏ نمٌاً‏ خصوصٌاً‏ ‏ٌستفزّ‏ مشاعري كما أهوى،‏ مرتّبة بٌد<br />

خبٌر سخّر عمله من أجل إؼوابً‏ ألطٌر تحت المبة الزرلاء<br />

بعٌداً.‏ دعونً‏ ألول لكم:‏ إنً‏ عندما أدخل فً‏ اإلنصات والتحؾ<br />

به وأشعر بالدؾء المناسب،‏ أتّحد مع أحاسٌسً‏ كلّها،‏ وأدعها<br />

تجتاحنً‏ كما تشاء،‏ فؤدخل فً‏ انتشاء صوفًٍّ‏ ‏ٌسرّ‏ ق روحً‏<br />

بعض الولت،‏ متمنٌّا أن ‏ٌطول ولت هذا االختطاؾ للٌبلً.‏ لكنه<br />

ال ‏ٌفعل بل ‏ٌعود بها إلًَّ‏ دون أن أعرؾ ماذا فعل بها.‏ ‏ٌزعجنً‏<br />

أالّ‏ ‏ٌمكننً‏ وصؾ مشاعري عندما ‏ٌحدث ذلن،‏ إنها هً‏ أٌضا<br />

تحتاج إلى بعض الحرٌّة بعٌداً‏ عنً.‏ ربّما ‏ٌبدو األمر كمضاجعة<br />

بٌن روحٌن أعرؾ واحدة منها وأخرى ال أعرؾ عنها شٌباً،‏<br />

فمد التمطتها روحً‏ ولم أجد مناسباً‏ أن أسؤلها.‏ هذا ‏ٌفسّر لمَ‏ ال<br />

أستطٌع توضٌح ما ‏ٌحدث لمشاعري فهً‏ أٌضاً‏ ال تملن<br />

إجابات،‏ أو إنها ال ترٌد أن تفعل حتّى ال تُتهم بالخٌانة ولو<br />

لبعض الولت.‏ أنا أفهم ذلن الولت الضابع،‏ ولماذا تمرّ‏ الخٌانة<br />

ٗ٘


فً‏ الذهن ومتى تستمرّ‏ فٌه أو تفرُّ‏ لبل ‏ٌلحظها أحد.‏ كما أنً‏<br />

ألبل أن تكون مشاعري لد أصابها بعض الضجر من شدة<br />

االستدامة فً‏ االلتصاق بً.‏ إن لم تصدّلوا ما ألول،‏ فستثٌرون<br />

فًَّ‏ الشفمة علٌكم.‏ عذراً‏ فؤنا ال أعرؾ ماذا ‏ٌحدث عندما<br />

تنفردون بؤنفسكم،‏ جرّ‏ بوا أن تخرجوا منها فً‏ ذلن الولت،‏<br />

فربّما تتبادلون الحب مع السماء؟!أو مع أشباح تخترعون<br />

تفاصٌلها بؤنفسكم وتدركون حتى األعماق مدى حمٌمٌة عبللتكم<br />

بذواتكم.‏ ربّما ستشعرون بمبلة لد خطفت ما تذولته من شفاهكم<br />

وتركت فً‏ <strong>أفواه</strong>كم طعماً‏ ؼرٌباً‏ رابعاً.‏ ستشعرون بؤنكم فمدتم<br />

شٌباً‏ مهمّاً‏ بعد أن ‏ٌترككم وٌذهب فً‏ سبٌله.‏<br />

لبل أن أبدأ بسماع الموسٌمى،‏ رأٌتُ‏ صورة أمً‏ معلّمة على<br />

الجدار الذي إلى ‏ٌساري.كانت تحمل مضرب ‏"التنس"‏ وترتدي<br />

رداءً‏ أبٌض من لطعتٌن كانت الثانٌة ‏"شورت"‏ ‏ٌتجاوز الركبتٌن<br />

للٌبلً.‏ كانت تستحك التطلّع إلٌها ملٌاً.‏ من ‏ٌفعل ذلن سٌجدها<br />

رابعة الجمال،‏ تملن شخصٌّة معتدة.‏ لن أدخل أعمك من ذلن<br />

فً‏ موضوع ال أعتمد أنها تستسٌػ التحدث فٌه فمن حكّ‏ الجمٌع<br />

أن ‏ٌدفعوا بخٌالهم إلى حٌث ‏ٌبؽون،‏ لكن علٌهم أن ‏ٌحسبوا<br />

حساباً‏ للشرّ‏ ‏ٌر وللخٌبة.‏ فكّرتُ‏ بها متساببلً‏ إن كانت ستُظهر ردّ‏<br />

فعل ما.‏ كنت أعرفها جٌّداً‏ ألكون ممتنعاً‏ أنها لن تفعل،‏ ما<br />

‏ٌجعلنً‏ أفكّر مستمتعاً‏ بمدرتً‏ على امتبلن الجرأة،‏ وبتُّ‏ أستطٌع<br />

المٌام بما أرٌد،‏ ال بدّ‏ من التوضٌح بؤنً‏ سؤكون بعد الٌوم<br />

مسإوالً‏ عن نفسً،‏ ولٌس على أحد أن ‏ٌظن أنه وصًٌّ‏ علًّ.‏<br />

أعتمد أنها ستتصرّ‏ ؾ كؤنها لد تخلّت عن وصاٌتها باختٌارها،‏<br />

موحٌة أن ما أفعله ‏ٌخصّنً‏ وحدي.لٌس هنان تبرٌر لضعفً‏<br />

وعدم اعترافً‏ أن ذلن لد تمَّ‏ لبل زواجً‏ بولت طوٌل.‏ بعد أن<br />

ٗٙ


ِ<br />

انسابت الموسٌمى مدّة لٌست لصٌرة شعرتُ‏ بؤنً‏ لد خرجت من<br />

الجحٌم للتو،‏ ؾ فٌفالدي ‏"الساحر ‏ٌخرجن ممّا أنت فٌه،‏<br />

وٌنملن إلى ؼٌمة بٌاضها لٌس ناصعاً،‏ لكنها بدت كؤنها ترٌد<br />

الحدٌث معن.‏ نعم إنها ستسؤلن إلى أ ‏ّي مناخ ترٌد الذهاب،‏ وأ ‏ّي<br />

زهور ترتاح إلٌها؟!‏ أما إن تركت لها حك االختٌار،‏ فستطٌر<br />

بن إلى عشٍ‏ صنعته العصافٌر خصٌصاً‏ لن ‏ُمفعم بروابح<br />

سٌطٌب لن العٌش فً‏ وسطها،‏ بل لد تشعر بؤنها حالت بٌنن<br />

وبٌن التفكٌر فً‏ ذلن اآلخر الذي أساء إلٌن وصلبن حماَ.‏ لكنن<br />

ستبادره بالؽفران،‏ إذ إنن فً‏ تلن اللحظة ستكون ممتؤلَ‏ إحساساً‏<br />

أنن تدور فً‏ الهواء النمً‏ فاتحاً‏ ذراعٌن الستمبال الحٌاة وما<br />

فٌها من أرواح مُنتشٌة تدور حولن رالصة بطرٌمة لم تراودن<br />

‏ٌوماً.‏ ستنسى عالمن األرضً،‏ فحٌث لُدّر لن أن تكون ستسمع<br />

وشوشة تمول لن إن الروح المدس هو بنفسه ‏ٌمود االحتفال بن.‏<br />

أما الكمان فٌمترب منن فتشعر أن للبن ‏ٌرٌد أن ‏ٌلحك بذلن<br />

الكمان لفزاً‏ لٌمكنه أن ‏ٌشعر بؤٌّة مشاعر ‏ٌرٌد أن تضمه ذلن<br />

األنٌن فً‏ تلن الرحلة،‏ فتصدّق أنه سٌفعل فترجوه أالّ‏ ‏ٌنسان<br />

وٌحملن معه.‏ لكنن بعد لحظات ستنسى أنن ستطٌر حماً،‏ إذ إنن<br />

ستسمع صوتاً‏ ‏ٌمول لن:‏ ثك بً‏ فسؤحمّلن على أجنحة ‏ٌسري<br />

فٌها السحر متولّعاً‏ أنن سترى األعاجٌب وستتبلعب بن ألوان<br />

األفك،‏ كما لم ‏ٌحدث لن ذلن فً‏ حٌاتن،‏ ومإكّداً‏ أٌضاً‏ أن<br />

الرحلة المعدّة لن خصٌصاً،‏ ستشدهن إذ ستبدأ بمشاهدة مدابن<br />

تحضنها ؼٌوم وردٌّة تستعرض نفسها أمامن،‏ كلّ‏ واحدة منها<br />

‏ٌؽلب على وسطها لون واحد مختلؾ عن التً‏ لبلها،‏ وكذلن<br />

سترى اللون نفسه فً‏ محٌط كلّ‏ مكان مُمٌز وحدابمه.‏ كل ما<br />

ستراه فً‏ هذه الرحلة العجاببٌّة ستختفً‏ من ذاكرتن.‏ لكن مع<br />

الولت ستدرن أن تلن الحٌاة التً‏ تعٌشها فً‏ هذا الولت الممتع<br />

ٗ7<br />

"


هً‏ نفسها التً‏ كنت تعرفها،‏ إنها من أفهمتن أن علٌن الدخول<br />

فً‏ صراع مرٌر لتحصل على العدل،‏ ومكَّنتن من اإلدران أن<br />

ذلن العالم لد ‏ٌرمً‏ بن فً‏ اللٌل البهٌم وسط مستنمعات مساحتها<br />

ال تستطٌع عٌنان أن تتلمّس حدودها.‏ هنان لٌس أمامن إلنماذ<br />

نفسن سوى الؽوص والمزٌد منه،‏ لتتجنّب األنوار الكاشفة<br />

للصٌّادٌن الذٌن ‏ٌصطادون كلّ‏ شًء ابتداءً‏ من الحٌوانات<br />

الضالة،‏ ومن ثمَّ‏ أولبن المتعبٌن الهاربٌن من والعهم الذٌن<br />

ضاعوا وسط العتمة،‏ وسمطوا فً‏ تلن المستنمعات الدبمة التً‏ ال<br />

‏ٌنجو منها إال من كانت ترافمه عٌنا هللا.‏ كمان ‏"فٌفالدي"‏ العجٌب<br />

‏ٌضًء منارة تمول لن:‏ إن جوانب عدٌدة من الحٌاة لم تتعرّ‏ ؾ<br />

علٌها بعد.‏ إنها مثلن علٌها أن تتعامل مع عواصفها الماسٌة<br />

المفترسة الجارفة،‏ وتخشى دابماً‏ من فمدان السٌطرة ونسٌان ما<br />

تملٌه الرحمة،‏ لكن ال تخ ‏َش العذاب،‏ إنها من سمح لً‏ بإدخال<br />

روحً‏ بٌن أوتار كمانً‏ فصٌّرتها مطٌعة تسعى سعٌاً‏ حثٌثاً‏ كً‏<br />

تترجم مشاعر معلّمها إلى ألحا ‏ٍن رابع ‏ٍة،‏ أمرَ‏ ها من للّم أوتارها<br />

وللّمت أظافره أن تؤخذنً‏ معها مإكداً‏ لها أن الرب سٌعطً‏ لوة<br />

جاذبة ألوتارها فتدخلنً‏ فٌها جاعلة منً‏ ومن تلن األوتار<br />

<strong>تمتمات</strong> بٌن شفاه تسمعن موسٌمى لم ‏ٌستطع أحد ابداعها،‏ وكٌؾ<br />

سٌستطٌع إذا كان الربّ‏ هو من أبدع ذلن وتمكّنن من رشؾ<br />

منموع هذه الشفاه التً‏ لم ‏ٌخلك منها المدٌر الكثٌر،‏ بل جعلنً‏<br />

أرى تلن العواصؾ بكل حواسً‏ تستمتع وهً‏ تداعب لعاب<br />

الجمال المنثور بلسانها.‏ ثم تؽٌّر المشهد فمد بدأت برسم وجه<br />

جدٌد آخر لها بكل هدوء حتى ‏ٌمكّنها من أن تتّخذ سحنة شٌطان<br />

أحمر ؼاضب ‏ٌتهٌّؤ لبلنتمام.‏ بدا أنه مستعد للطٌران بسرعة<br />

تفوق سرعة الصوت،‏ منذراً‏ بتحطٌم كلّ‏ شًء لد ‏ٌحاول<br />

مماومته وٌضع الفخاخ فً‏ طرٌمه.‏ لكن األمر كله أدهشنً‏<br />

ٗ8


وأربكنً‏ حتّى تِخل أنً‏ لم أعد متؤكداً‏ إن كان هللا ‏ٌرٌد فعبلً‏ أن<br />

نرتمً‏ فً‏ هذا العالم؟!‏ ربّما تكون المصة ال تتعدَّى اآلمال أو<br />

األحبلم المختلطة بالكوابٌس.‏ ما أعرفه تماماً‏ أنً‏ عانٌت فً‏<br />

الجحٌم ك ‏ّل ما ‏ٌمكن أن ‏ٌخطر على بال من خاض ك ‏ّل حروب<br />

الكون المدٌمة،‏ ووجد نفسه ‏ٌدخل من جدٌد فً‏ أتون الحرب<br />

العالمٌّة الثانٌة.‏ وأعطوه بندلٌة ث ‏ّم علّموه كٌفٌّة استخدامها ونسوا<br />

أن ‏ٌمولوا له إلى أ ‏ّي فرٌك ‏ٌنضم!!‏ ال تسؤلونً‏ ماذا فعلت،‏ وهل<br />

أطلمت الرصاص على أحد؟!‏ صدّلونً،‏ فؤنا ال أعلم ما كان<br />

‏ٌحدث.‏ لكن صوت الرصاص المتفجّر كان ‏ٌكاد أن ‏ٌصمّ‏<br />

اآلذان.‏ انظروا إلًَّ‏ بعد كل ما حدث.‏ أال ترونً‏ أنً‏ عدت بعد<br />

تلن المحنة سالماً؟!‏ لكن عندما نظرتُ‏ فً‏ المرآة وجدتُ‏ أنً‏<br />

أصبحت أسمر لاتم اللون بعد أن كنت أملن شعر رأس ‏ٌتدلّى<br />

على شكل خصبلتٍ‏ من الذهب الخالص ال تشوبه أٌّة مادة<br />

دخٌلة.‏ لم أكن مخطباً‏ فٌما ذهب إلٌه ‏ٌمٌنً.‏ إذ إنها أخذت تتملّب<br />

بطرٌمة ؼرٌبة مرعبة،‏ ثمَّ‏ دارت حول نفسها بسرعة متسارعة<br />

مرّ‏ ات وم ‏ّرات ال تحصى،‏ إلى أن أصبحت سهماً‏ انطلك راعداً‏<br />

مخٌفاً،‏ بدا علٌه أنه لادر على إتمام المهمة التً‏ أرسل من<br />

أجلها.‏ لم ‏ٌدر أحد لماذا اؼتاظ الشٌطان من ذلن الفارس الذي<br />

‏ٌشع منه النور،‏ وأللمه ذلن السر الؽامض وراء رحلة ذلن<br />

الفارس ؼٌر المسلح الذي كان ال ‏ٌزال ‏ٌمتطً‏ حصانه األسود<br />

محمّبلً‏ إٌّاه ؼٌمة بٌضاء بانتظار أن تطٌر به إلى البر،‏ ومن<br />

هنان سٌبدأ ذلن المؽوار مهمته.‏ لد تفاجبه وهو ماضٍ‏ فً‏<br />

سبٌله.‏ هنا جُن جنون الشٌطان وأوحى لزبانٌّته أهل جهنّم<br />

بالتصفٌك لها تصفٌماً‏ لم ‏ٌتولّؾ حتى استدار السهم نحوهم ونفخ<br />

فً‏ وجوههم ناراً‏ رابعة األلوان ساطعة وؼٌر مإذٌة لم ‏ٌعرفها<br />

أحد لببلً‏ لاذفة عمبلء الشٌطان إلى حٌث كانوا فً‏ ذلن الوادي<br />

ٗ9


السحٌك الذي حرّ‏ م هللا الشمس اإلطبلل علٌه.‏ من كان ‏ٌرى<br />

المشهد ذهل.‏ لكنه عندما حاول التحدث عن أهل جهنّم لم ‏ٌستطع<br />

تذكر شٌباً‏ ممّا ‏ٌساعده على وصؾ أشكالهم.‏ عشتُ‏ مشاهد<br />

‏ٌكشؾ فٌها العجب عن نفسه.‏ لكنً‏ لم أتمكّن من مبلحمتها<br />

والدخول فً‏ متاهاتها.‏ بعد ك ‏ّل ذلن وجدت نفسً‏ انتمل إلى لٌلة<br />

كانت فٌها النجوم تتؤلأل،‏ جاعلة إٌّاي ألفز بٌن الواحدة واألخرى<br />

كؤنها تعلمنً‏ الرلص.‏ لست أدري كٌؾ أنتهى األمر وفً‏<br />

أعمالً‏ إدران أن الذرّ‏ ات والنٌوترونات وكل تفرّ‏ عاتها التً‏ ال<br />

ترى بالعٌن المجرّ‏ دة تحمل مشاعر أرلى ممّا ‏ٌحمله أفضل<br />

البشر.‏ أنا ال أملن مبرّ‏ راً‏ لمناعتً‏ هذه إالّ‏ مشاعري التً‏ لم<br />

تتخلّ‏ عن اإلٌمان ‏ٌوماً حتّى فً‏ الولت الذي كنتُ‏ فٌه فً‏<br />

الجحٌم تساءلتُ‏ كثٌراً:‏ ترى أنحن فً‏ دوّ‏ امة المدر الذي فمد<br />

االتصال بخطّة هللا؟!‏ أم إننا ندور وندور فً‏ حلمة مفرؼة نإدي<br />

فٌها امتحاناً،‏ لٌل أن النجاح فٌه سٌنمل طبٌعتنا إلى مستوً‏ ى آخر<br />

وخبلٌا تعمل إلنتاج حٌاة أخرى؟!‏ الصبر واإلٌمان هما اللذان<br />

سٌجٌبان عن تلن األسبلة الحابرة،‏ وهما سٌجٌبان أٌضاً‏ إن كان<br />

‏"فٌفالدي"‏ سٌدخلنً‏ معه إلى تلن ال<strong>تمتمات</strong> التً‏ تسكن بٌن شفاه<br />

أجمل النساء بعد أن خضن كلّ‏ هذا العذاب.‏ لم أكن مخطباً‏ فٌما<br />

ذهب إلٌه ‏ٌمٌنً،‏ إذ إن ذلن السهم أخذ ‏ٌتملّب بطرٌمة ؼرٌبة<br />

وٌدور حول نفسه مرّ‏ ات عدٌدة إلى أن أصبح سهماً‏ كبٌراً‏ متعدد<br />

الحراب كل حربة فٌه تشتعل فٌها النار من الداخل،‏ حتى أخذت<br />

كلّها لون النار الؽاضب انطلك راعداً‏ مخٌفاً‏ بدا لادراً‏ على<br />

تحطٌم كلّ‏ شًء ‏ٌمكن أن ‏ٌمؾ فً‏ طرٌمه حتى أن من كان ‏ٌرى<br />

المشهد تؤكّد أن فً‏ وسعه تفتٌت لمم الجبال لو فاجؤته وسدّت<br />

سبٌله إلى هدفه.‏ لم أكن مخطباً‏ إذ إن المشهد كان ‏ٌإكد للذي<br />

‏ٌملن عٌنٌن التشوبهما شاببة أالّ‏ شًء ‏ٌمكن إعالته عن<br />

٘ٓ


وال<br />

صول إلى ؼاٌته.‏ إن تابعنا مخطّطه المجهول،‏ نرى أنه عاد<br />

إلى التملّب بسرعة عاللة أحٌاناً‏ ومجنونة أحٌاناً‏ أخرى ال أحد<br />

‏ٌدري،‏ بحٌث كاد أن ‏ٌختفً‏ من مجال الرإٌة،‏ لكنه انطلك بعد<br />

ذلن،‏ حٌن بان متضخماً‏ ً مخٌفاً‏ لادراً‏ على نشر الرعب فً‏<br />

نصؾ الكرة األرضٌّة التً‏ تسطع فٌه الشمس حتى الؽروب،‏<br />

ولادراً‏ أٌضاً‏ على أن ‏ٌفعل الشًء نفسه،‏ عندما تدفا الشمس<br />

النصؾ اآلخر من العالم.‏ حٌنها كان لد دخل عمٌماً‏ فً‏ المبة<br />

الزرلاء ثمَّ‏ مضى ‏ٌساراً‏ وأخذ ‏ٌرسم مجموعة من الملوب بالخ ‏ّط<br />

األبٌض تحملها أشكال تشبه المبلبكة رالصة صاعدة نازلة إلى<br />

أن أختفت هً‏ األخرى فً‏ تلن المبّة التً‏ نركن إلٌها جمٌعاً‏<br />

مشاهد كثٌرة عشتها ومضؽتها ببطء شدٌد،‏ ال أرٌد التفكٌر<br />

فً‏ وصفها من جدٌد حتى ال أمكنها من العٌش فً‏ داخلً‏<br />

وجرّ‏ ي إلى العٌش فً‏ جحٌم آخر ال خروج منه.‏ نعم لمد فهمت<br />

من تلن ‏"التراجدٌا"‏ التً‏ عشتها،‏ وبطرٌمة ال لبس فٌها أن<br />

الحٌوانات تشبع أما البشر فإنهم ال ‏ٌشبعون.‏ أنا ال أملن ما ‏ٌبرّ‏ ر<br />

هذه المناعة إالّ‏ أحبلمً‏ وما رأٌته أو ظننتُ‏ أنً‏ شاهدته فً‏<br />

حٌاتً‏ الطوٌلة التً‏ لم تتخلّ‏ عن هذا اإلٌمان ‏ٌوماً،‏ حتى فً‏<br />

بعض األولات التً‏ كنت أحاول فٌها التملّص من اإلٌمان.‏<br />

لكن اختنالاً‏ بطٌباً،‏ انتابنً‏ ولم أستطع معرفة فً‏ أيّ‏ ولت<br />

حدث ذلن أكان فً‏ النهار أم فً‏ اللٌل أو عندما كنت أتعرّ‏ ق وأنا<br />

فً‏ معركة مع األفاعً‏ ضمن أخطر ما عشته فً‏ تلن الفترة<br />

الحالكة،‏ وجعلنً‏ ألمس حمٌمة الذل والمعنى الكامن وراء تهشٌم<br />

كرامة اإلنسان،‏ واللعب على وتر اإلخصاء النفسً،‏ الذي ‏ٌمكن<br />

لمن ‏ٌمر فً‏ كلّ‏ ذلن،‏ أن ‏ٌخسر المدرة على الدفاع عن نفسه<br />

٘ٔ


كلٌّاً،‏ أو ربما ‏ٌنملب المولؾ،‏ فٌستشرس ‏ٌدعمه جنون ال ‏ٌرى<br />

شٌباً‏ سوى إسكات مصدر اإلهانة متحدٌّاً‏ الموت للنزال أمام<br />

‏"نٌرون"‏ روما التً‏ أفل نجمها،‏ أو ما ‏ٌماثلونه من الدٌكتاتورٌٌّن<br />

المتعطّشٌن إلى االلتٌات بالدماء والتلذّذ برإٌتها تجري فً‏ كل<br />

مكان.‏ لست أدري متى شعرتُ‏ بؤنً‏ سؤترن جسدي هنان،‏<br />

وأرى روحً‏ تنتمل أمامً‏ إلى الضفّة األخرى حاملة ك ‏ّل<br />

شخصٌّتً‏ وتداعٌات كلّ‏ األولات التً‏ عشتها وما أعطانً‏ هللا<br />

من مواهب،‏ مع بماٌا تلن الخٌوط التً‏ لم أستطع فن عِمدها.ربما<br />

سٌحصل ذلن أو ال من ‏ٌدري؟!‏ بل لعلّها ستبمى من المجاهٌل<br />

التً‏ سؤتؤبّطها طوال حٌاتً.أذكر أنً‏ ابتسمتُ‏ ٍ بتحدّ‏ لم أكن<br />

أعرؾ سبباً‏ له.‏ ربّما كنت أحاول أن ألول لؽرٌمً‏ إنً‏ ولدت<br />

حراً،‏ لكنً‏ لبل كلّ‏ ذلن كنت فً‏ شوق لرإٌة كٌؾ كانت<br />

ابتسامتً‏ بعد كلّ‏ تلن المدّة الطوٌلة من المهر المستمر المستبدّ‏<br />

المصرّ‏ تلمٌتُ‏ ضربة سٌؾ ظننت أن نصله البلمع متّجه نحو<br />

عُنمً،‏ لكنً‏ صددته بسٌفً‏ الثمٌل ممّا أفمدنً‏ توازنً‏ للٌبلً،‏<br />

فتراجعت إلى الوراء بعض الشًء،‏ ثمّ‏ بسرعة فاجؤت خصمً‏<br />

الذي كان ‏ٌحًٌّ‏ الجماهٌر ولطعتُ‏ رأسه بلمح البرق.‏ ال أعرؾ<br />

كٌؾ فعلت ذلن البدَّ‏ أنه كان حلماً‏ جعلنً‏ أصرخ بصوت<br />

رهٌب.‏ ولفت الجماهٌر لدى سماعه تصفك لً.‏ لكنً‏ صرخت<br />

مجدّداً‏ متطلّعاً‏ إلى السماء رافعاً‏ ‏ٌديّ‏ مناشداً‏ المادر على كلّ‏<br />

شًء لاببلً:‏ هٌا افصلنً‏ عن جسدي ماذا تنتظر؟!أنا لم أعد<br />

أرٌده.هل تستمتع أنت اآلخر بالتعذٌب؟!!هٌا اطرحه بعٌداً،‏ هل<br />

علًَّ‏ أن أرجون لتفعل ذلن؟!‏ ارمه إلى حٌث تشاء،‏ بل لٌكن<br />

ذلن أبعد ممّا ‏ٌستطٌع خٌالً‏ البلوغ.أنا لم أعد أطٌك رابحة اللحم<br />

الذي ‏ٌلبسنً.إنه ‏ٌفرز ما ‏ٌجعلنً‏ ال أطٌمه.‏ ألم ترنً‏ ألتل إنساناً‏<br />

آخر؟!‏ أنا لم أعد أستحك العٌش.ترى لمَ‏ أوجدتنا وزرعت فٌنا ما<br />

ٕ٘<br />

.


ال ‏ٌمكّننا من فهمن وااللتراب منن؟!هل تخشى أن نلمسن مثل<br />

البعض الذٌن ‏ٌعٌشون بٌننا؟!لمد لمّحتنا بالشن وتطلب منا أن نثك<br />

بن ثمة عمٌاء؟!‏ لمَ‏ ال تمول ما سٌكون بعد الحٌاة والموت؟!‏ ل ‏َم<br />

ال تفرج عن خطّتن؟!‏ هل سنلمان ونمعد معن مع تلن الجماهٌر<br />

الؽفٌرة؟!،‏ أم إننا لن نعود إلى سماع صوتن أو نران فً‏<br />

أحبلمنا،‏ أو ربّما سنخرج من الوجود ونشاهده ‏ٌتبلشى<br />

وٌؽٌب؟!أم إن تزامناً‏ ما سٌحدث فً‏ تلن اللحظة،‏ وٌكون بزوؼاً‏<br />

جدٌداً‏ لد أطلّ‏ برأسه وعالماً‏ آخر لد بدأ ‏ٌتبدّى من وراء أفك<br />

مختلؾ ‏ٌسبح فً‏ ألوان عشنا حٌاتنا ونحن نعاشرها،‏ وأخرى لم<br />

‏ٌسبك أن داعبت بصرنا ‏ٌوماً.‏ إن كنّا لد بلؽنا سنّ‏ الرشد لمَ‏ ال<br />

تعطٌنا حك االختٌار؟!ٌبدو أن خطتّن ال تمبل المراجعة وثمتن<br />

فٌنا مترجّحة.لكننً‏ ما زلت متمسّكاً‏ بصبري وإٌمانً‏ الموي<br />

الذي تعرّ‏ ض لهزّ‏ ات كثٌرة ال تموى الجبال على مماومتها،‏<br />

والثبات فً‏ مكانها،‏ ال تتزحزح لٌد أنملة وكؤن شٌباً‏ لم<br />

‏ٌكن.أرجون االّ‏ تَخَاؾ على روحً‏ فلم أعد أكره أحداً،‏ وطرد ‏ُت<br />

من داخلً‏ كلّ‏ متآمر ‏ٌمكن أن ‏ٌدفعنً‏ إلى فعل الشر.‏<br />

ما كنت أتحضر ألبوح به فً‏ مرحلة ما،‏ وأكشؾ عن سلسلة<br />

العذابات التً‏ مررتُ‏ بها،‏ وكانت تفضح اإلنسان وما ‏ٌستطٌع<br />

البؽض الذي نما فٌه وتجبُّر أن ‏ٌفعل لٌذٌك أخاه مختلؾ أنواع<br />

المرارة وصنوؾ المهر،‏ مجرّ‏ داً‏ إٌّاه من أي أمل باستعادة<br />

كرامته أو من المدرة على إزهاق روحه.‏ لمد أُجبرت على<br />

المرور فً‏ نفك طوٌل مظلم ومخٌؾ،‏ ‏ٌُرؼمن على إعادة عٌش<br />

سلسلة المإامرات التً‏ ال تزال تجهل كٌؾ تخطٌتها!!هنان<br />

ستسمع فحٌح األفاعً‏ ‏ٌتلوه دون تولؾ صوت لضم مرعب<br />

صاحبه ‏ٌستمتع باألمر بشراهة،‏ متمنٌّاً‏ أن ‏ٌتمكّن من لضم<br />

ٖ٘


أعضابن التناسلٌّة دون أن ‏ٌمكّنن اإلنهان من التفكٌر فً‏ الدفاع<br />

عن نفسن.‏ ألٌس هذا ما ‏ٌجعلنا نتساءل من بٌن الدموع والعرق<br />

الذي ال ‏ٌتولؾ:‏ هل خلك هللا فً‏ النهاٌة وحشاً‏ حمٌمٌاً‏ ‏ٌسكن ؼابة<br />

مُموّ‏ هة استطاعت أن تخدع الكثٌرٌن فؤطلموا علٌها اسم مدٌنه؟!‏<br />

ترى ماذا سنفعل عندما تنتهً‏ األسبلة وتخبو نارها فً‏ ذواتنا.‏<br />

ألن ‏ٌصاحب كلّ‏ ما ‏ٌحدث فحٌح األفاعً‏ وعواء الذباب وبمٌة<br />

األمور،‏ أو ‏ٌدخلن فً‏ حالة ترلّب حٌرى تنضح بالعجز<br />

وٌتبلعب بها الخوؾ،‏ ولد تكون أدهى وأم ‏ّر،‏ فتمودن إلى<br />

تشرذم داخلً،‏ دون أن تستطٌع التمتمة بالصبلة طالباً‏ الرحمة،‏<br />

إذ إن حنجرتن أضحت عاجزة عن استجداء الصراخ.‏ لكن لبل<br />

أن تؽٌب عن الوعً‏ فكّرتَ‏ بالترحٌب بالجنون،‏ إذا تمكَّن من<br />

إدخالن فً‏ عدم المباالة والسخرٌة من كلّ‏ ما ‏ٌحصل.‏ لكن<br />

الؽٌاب لم ‏ٌطل،‏ فمدرن جعلن تفتح عٌنٌن وتدرن أنن مصلوب<br />

وستظلّ‏ تسمع الصراخ طالما ال تزال معلماً.‏ أمّا ما ‏ٌإلم وٌجعل<br />

من الحٌاة وهماً‏ مإلّتاً‏ عندما ‏ٌملإن إٌحاءٌ‏ ‏ٌكاد أن ‏ٌمول لن:‏<br />

‏"إنً‏ أشفك علٌن،‏ فمهما حاولت ال ‏ٌمكن أن تخرج ممّا أنت فٌه<br />

حٌّاَ"‏ ‏.كنت أعدّ‏ هذا الكبلم كً‏ أصؾ آالمً‏ وحمارة بؽضً‏<br />

الؽبً،‏ وشولً‏ إلى االنتمام أنا أٌضاً.‏ لكن ما كان ‏ٌزٌد من<br />

مذلّتً‏ أنً‏ كنت أعرؾ افتماري إلى الشجاعة،‏ وحاجتً‏ إلى<br />

المساعدة دون االضطّرار إلى طلبها.‏ ألٌس العٌش مع هذه<br />

المعطٌات،‏ هو ما ‏ٌدفع الخسٌس إلى االنتحار؟!‏ لكن تعزٌتً‏<br />

كانت إٌمانً‏ العمٌك بؤنهم مهما أبدعوا بتشوٌه جسدي ‏ٌناصرهم<br />

الجنون وٌدعمهم بالمزٌد منه على ضجٌج طبول بدابٌّة تشعرن<br />

بؤنها تمؤل الدنٌا،‏ ال تلبث أن ‏ٌستبد بن إحساس بؤنن مترون<br />

عمداً‏ على حافّة الهاوٌة،‏ لتماوم الظلم والمهر من هنان دون أن<br />

تؤمل بؤٌّة مساعدة لد تستطٌع لٌمتن اإلنسانٌّة تمدٌمها إلٌن.‏ رؼم<br />

٘ٗ


ٍ<br />

كل ذلن فإنن تموم رافعاً‏ ‏ٌدٌن صارخاً:لن ‏ٌتمكّنوا مطلماً‏ من<br />

المس بروحً.أنا إلهٌ‏ بطرٌمة ما شبتم أم أبٌتم،‏ اسؤلوه.‏ أعتمد أن<br />

شمشون كان ‏ٌبتسم لً‏ مشجّعاً‏ ولاببلً:‏ أنا لست خابفاً،‏ انظر<br />

إلٌهم،‏ أال ترى أنهم مرعوبون رؼم إدراكهم أنهم بؤٌدهم<br />

‏ٌمصّون ضفابري.‏ ال تخش شٌباً،‏ فعندما ‏ٌنتهون منً‏ سٌعرفون<br />

معنى الفشل،‏ وسٌهرعون إلٌن راكعٌن تحت لدمٌن مخفضٌن<br />

رإوسهم.ترى هل ستدرن أنً‏ سؤتؤلم كثٌراً‏ عندما أعرؾ أنن لم<br />

تبادر باالنتمام؟!‏<br />

‏ٙ <br />

بعد أن أصبحتُ‏ حراً‏ أو هكذا ظننتُ‏ ‏.مضٌت أتدرّ‏ ج فً‏ بٌبة<br />

جدٌدة ملتصماً‏ بً‏ خوؾ مبهم ال أعرؾ إن كان من بماٌا ذلن<br />

الخوؾ المدٌم،‏ أم إنه ذلن الذي ولد معً‏ على ما ‏ٌبدو وتعب<br />

حتى وجد مخرجاً‏ آخر ‏ٌتنبّع منه.‏ إذ إنً‏ كنتُ‏ أدرن بعمك أنً‏<br />

ال أزال معلّما ومتشبّثاً‏ بكلّ‏ ما أوتٌت من لوة بذلن الؽصن من<br />

الشجرة التً‏ تطل على ذلن الوادي المعتم الذي ‏ٌبدو أ ‏ّال نهاٌة<br />

مربٌّة له.‏ لست أدري ماذا كان ‏ٌجري.‏ أعتمد أنً‏ كنتُ‏ ‏ٌمظاً،‏<br />

وأخشى من كل شًء لد أصادفه وٌمكنه أن ‏ٌسبب لً‏ مشكلة<br />

سترسلنً‏ إلى الجحٌم دون أيّ‏ شنّ.‏ كنت أرتعب من أيّ‏ حٌوان<br />

أراه فجؤة ‏ٌتفرّ‏ س بً‏ بابتسامة ماكرة،‏ والجوع بادٍ‏ على وجهه،‏<br />

أظنه كان فً‏ ذلن الولت ذبباً‏ فً‏ طرٌمه لبلبتسام عله ‏ٌستطٌع<br />

رشوتً‏ كً‏ أحاول استعمال الؽصن ألصل إلى الحافة.‏ كِلتُ‏ له<br />

فً‏ سرّ‏ ي الكثٌر من الشتابم التً‏ استعرتها من تلن الصدالات<br />

التً‏ لم تكن ‏ٌوماً‏ مبنٌّة على الصخر،‏ كما للت له إنن لن ‏ٌمكنن<br />

الوصول إلً‏ مهما حاولت.‏ ال تتستر ‏"بٌعموب"‏ إذ إنه مشهور<br />

٘٘


خبلل التارٌخ بؤنه تبلعب بؤبٌه وأخٌه.‏ ال تحاول أن تصعد إلى<br />

الشجرة،‏ فلن ألبل باالنتحار بٌن شدلٌن.‏ فً‏ تلن اللحظات<br />

فكّرت لاببل فً‏ نفسً:‏ ألٌس من المعمول أن ‏ٌكون ما ‏ٌحدث<br />

حلماً‏ من تلن األحبلم اللعٌنة تملٌّت فٌها على نار هادبة؟!‏ ها إن<br />

الذبب اختفى ولم ‏ٌعد له أي أثر.‏ ترى هل ذكرت الكتب أن فً‏<br />

ببلدي مثل هذا الوادي؟!‏ كفّوا عن التبلعب بً‏ وإالّ‏ سؤصرخ<br />

بكلّ‏ ما أملن من لوة،‏ لعلّ‏ السماء تسمع صوتً‏ وتجعل الٌؤس<br />

‏ٌفر منً‏ بعٌداً،‏ لم تمضِ‏ بضع ثوانٍ‏ حتى بدأتُ‏ أرى نفسً‏ انتمل<br />

بٌسر إلى ما بعد الحافة،‏ ومتّجهاً‏ نحو مرتفعات ‏"الطابٌّات"‏ ثم<br />

عدت للٌبلً‏ ألرى األفك ‏ٌؽٌر ثٌابه،‏ فهو على ما ‏ٌبدو ‏ٌتحضر<br />

لسهرة طوٌلة داعٌاً‏ له برإٌة ما أمكنه من حِ‏ سان البلذلٌّة.‏ ث ‏َّم<br />

تابعت طرٌمً‏ نزوال إلى ممهى ‏"البطرنً"‏ العتٌك حٌث سؤنضم<br />

إلى الشلّة المدٌمة دون أن أعرؾ أٌن ومتى ‏ٌبدأ العشاء وٌعمبه<br />

الؽناء.‏<br />

لم تعد األمور تسٌر كما كانت تفعل من لبل.‏ لمد هرب الخوؾ<br />

من الناس،‏ أو هربوا منه لن نعرؾ ذلن تماماً‏ إالّ‏ بعد بعض<br />

الولت،‏ وهو لن ‏ٌكون لصٌراً‏ بالتؤكٌد.‏ لمد عاهد الناس أنفسهم<br />

على التعاضد والتكاتؾ والتضامن مطالبٌن الذٌن ‏ٌحتكرون<br />

الخٌرات إما أن ‏ٌُعطَوا الوسٌلة التً‏ توصلهم إلى العٌش الكرٌم<br />

وتسهٌل أمره الذي ‏ٌسمح إلنسانٌّتهم أن تفرز رابحة بشرٌّة<br />

حمٌمٌّة مثل كلّ‏ أبناء هللا،‏ أو ‏ٌعملوا على طرٌمة تستطٌع أن<br />

ترمً‏ كلّ‏ هذه الجموع وسط المحٌط الهادي أو األطلسً‏ ال<br />

فرق،‏ أو تدبٌر رمً‏ كلّ‏ هإالء الناس الجوعى من رأس ذلن<br />

المنحدر المشرؾ على ذلن الوادي السحٌك المعروؾ أ ‏ّال لعر<br />

له تاركٌنهم ‏ٌتدحرجون على الصخور إلى أن ‏ٌصلوا إلى ما<br />

٘ٙ


شاء ربكم وربّهم.‏ لكن ‏ٌبدو أن الخوؾ العاجز استطاع تدبّر<br />

أمره وانتمل إلى معسكر آخر،‏ فلم ‏ٌحدث أي شًء من تلن<br />

‏"التراجٌدٌا"‏ المفترضة.‏ كنتُ‏ فً‏ أثناء كلّ‏ ذلن أعلن الحرب<br />

على التوجّس الذي ‏ٌسكننً.‏ الحمٌمة تمول:‏ إن ما من عطب لد<br />

أصاب ذاكرتً،‏ لست أدري بالضبط إن كان ث ‏ّمة خلل ما<br />

اعترى نفسً؟!‏ أعتمد أنً‏ ال أدري تماماً‏ ما كان ‏ٌحدث؟!‏ أو<br />

ربّما كنت فً‏ العمك راضٌاً‏ بطرٌمة ما بالسجن الذي ‏ُحكته<br />

لنفسً‏ ولبعتُ‏ فٌه.‏ لكن لم ‏ٌكن شٌباً‏ مإكّداً‏ فً‏ ذلن الحٌن إالّ‏ أن<br />

الشمس كانت ساطعة وتعطً‏ دفباً‏ مرؼوباً‏ ‏ٌُبمً‏ من ال ‏ٌستطٌع<br />

أن ‏ٌرتدي السمٌن من الثٌاب مرتاحاً،‏ ومن ‏ٌستطٌع أن ‏ٌفعل،‏<br />

تسمح له بالتخلّص من بعض منها،‏ فٌشعر بمداعبة النسٌم<br />

المنعش،‏ أو من بعض الهواء اللطٌؾ الذي ‏ٌمكنه من مداعبة<br />

شعر الشباب والشابات الطوٌل دون أن ‏ٌشعر أحد بؤن ما تبثه<br />

من متعة ‏ٌختبا فٌها لؽم لد ‏ٌنفجر فً‏ أٌّة لحظة وٌحرق الجلد<br />

الناعم الذي من المهم االحتفاظ به لؤلولات التً‏ أرسمها وأعٌد<br />

ترتٌب تفاصٌلها كلّ‏ ‏ٌوم،‏ استعداداً‏ لظهور حبٌب أفتح له الباب<br />

وأرٌه أي نعٌم أعددت له.‏<br />

تابعت طرٌمً،‏ أحمل فً‏ نفسً‏ شعور سابح لَبِل النصح<br />

وطار إلى دمشك وكلّه شوق إلى التعرّ‏ ؾ إلٌها.‏ كان ذلن ؼرٌباً‏<br />

ومُستهجناً‏ وال ‏ٌمكن لبوله ألنه ال ‏ٌمكن فهمه.‏ إذ كٌؾ لً‏ أن<br />

آخذ دور السابح فً‏ مدٌنتً‏ التً‏ عشتُ‏ فٌها أؼلب أولات<br />

عمري؟!‏ ربّما أستطٌع المول:‏ إنً‏ كنت مثل الذي استفاق من<br />

نوم مشوش ولم ‏ٌعرؾ أٌن هو،‏ وال ما هو الٌوم الذي بُوؼت<br />

فٌه بهذا الوضع الؽرٌب،‏ مكتشفاً‏ أنً‏ موجود فً‏ مدٌنتً‏ نفسها،‏<br />

ورؼم ذلن كنتُ‏ أشعر بانً‏ أكتشفها من جدٌد،‏ ‏"إنه أمر معٌب<br />

٘7


حماً.‏ صدّلونً‏ أرجوكم.‏ لمد أحسستُ‏ بالخجل مدركاً‏ أنً‏ بنٌ‏ ‏ُت<br />

حٌاتً‏ فٌها،‏ لكنً‏ لم أالمس حمٌمتها ‏ٌوماً،‏ وال أعرؾ ماهٌّة<br />

عبللتها بالناس،‏ أو إن كانت تدندن مع نفسها دون أن تُسمع<br />

ألحانها للناس.‏ ‏"لطالما عٌّرتنً‏ أمً‏ لابلة:‏ " إنً‏ أزداد خشٌة<br />

علٌن،‏ فؤنا ال أعرؾ من هو المتشبّث باآلخر األنانٌّة البؽٌضة<br />

أم أنت؟!أنا ال أزال أرى أنها ماضٌة فً‏ لٌادتن إلى الحافّة ‏ٌا<br />

دكتور أال تستطٌع أن تعرؾ من أٌن ‏ٌتنبع هذا االستخفاؾ<br />

العمٌك بكلّ‏ شًء تمرٌباً؟!‏ ‏ٌبدو أنه وصل إلى حد بات ‏ٌثٌر<br />

الشفمة واالستؽراب أو الخوؾ أٌضاً.‏ ترى ما هً‏ وجهة نظرن<br />

فً‏ معنى الحٌاة؟!‏ ترى هل تجد فً‏ جٌناتن شًء مختلؾ<br />

ونادر،‏ أم إن هنان عطب ما فً‏ تربٌتً‏ لن؟!‏ أو إن كلّ‏ هذه<br />

األمور مجتمعة دعتن إلى االستهانة بالحجر األبٌض الجمٌل،‏<br />

ولم تلحظ أنن عشت فً‏ هذه المدٌنة الرابعة الجمال.‏ أال تجد أنه<br />

صدق من لال إن ذلن الحجر ‏ٌتكلّم بالصدق أكثر من الذٌن<br />

‏ٌدّعون أن كبلمهم ‏ٌمتصر على لول نعم نعم وال ال.‏ لكن لٌس<br />

علٌنا أن ننتمص من إٌمان الكثٌرٌن بؤن الحجر ‏ٌخبرهم عن<br />

التارٌخ وٌحذّرهم من االستماع إلى الذٌن ‏ٌطلمون الكبلم جزافاً‏<br />

هنا وهنان وأٌنما حلّوا،‏ بل أن ‏ٌرهفوا السمع دابماً‏ إلى ما تهمس<br />

به أعمالهم وإلى منطمهم الذي نتج عن تراكم ثمافتهم.ال بؤس أن<br />

تعترؾ أنن ال تعرؾ مدٌنتن وال فً‏ أيّ‏ حدٌمة من حدابك الجنّة<br />

كنتَ‏ تعٌش."‏<br />

لطالما كنت لاسٌة فً‏ أحكامن ‏ٌا أماه.‏ أنا أعرؾ أنه لٌس<br />

سهبلً‏ إٌجاد مثلن.‏ لكنً‏ لطالما أدركتُ‏ أٌضاً‏ أن ال أحد ‏ٌستطٌع<br />

أن ‏ٌموم ممام األب الذي ال أعرفه.‏ أنا لن أنسى أنن بذل ‏ِت جهداً‏<br />

كبٌراً،‏ ولمتِ‏ بمحاوالت حثٌثة لتكونً‏ االثنٌن معاً،‏ ولكن حتّى<br />

٘8


المستحٌل أشفك علٌن ولال:‏ ‏"تولفً‏ عمّا تفعلٌنه،‏ فؤنتِ‏ ال<br />

‏ٌمكنن التحامً."‏ نعم ‏ٌا أمً.‏ لمد مررتُ‏ لرب حٌطان أبنٌتها<br />

لكنً‏ لم أر أبداً‏ كٌؾ تبدو عٌناها،‏ وال الحظتُ‏ كٌؾ تبثُ‏ من<br />

خبللهما ألواناً‏ رابعة أجمل ممّا ‏ٌُظهره لوس لزح،‏ أظن أن<br />

عٌنًّ‏ توزّ‏ ع فً‏ هذه اللحظات حباً‏ مختلطاً‏ بكلّ‏ الفرح الذي<br />

‏ٌنبثك من أرجاء دمشمً‏ وٌملإنً‏ حباً‏ ال لوثةَ‏ فٌه.ال تظنوا بً‏<br />

الظنون،‏ إن المسؤلة تخص المشاعر،‏ فؤنا أحس بؤمر لم ‏ٌحدث<br />

لً‏ على اإلطبلق،‏ إذ إنً‏ أكاد أن أموت من كثرة ما أمتلا<br />

به.صدّلونً‏ عندما ألول لكم:‏ إن الجفاؾ عمّ‏ كٌانً‏ لمّا كنت<br />

هنان،‏ وفمدت صوتً‏ والمدرة على االستنجاد.كنت ال أدري متى<br />

سؤتخلّص من أصوات نباح الكبلب ‏"البولٌسٌّة"التً‏ ال تزال تمؤل<br />

أذنًّ.ال تسؤلونً‏ كٌؾ انبلج الصبح فجؤة مالباً‏ ؼرفتً‏ بالنور<br />

وللبً‏ بالسكٌنة التً‏ ال أذكر أنً‏ عرفتُ‏ مثلها ‏ٌوماً.إنه شعور<br />

كاد أن ‏ٌخنمنً،‏ وٌحثّنً‏ على الخروج إلى الشارع والرلص<br />

هنان دون أن أعبؤ بؤي شًء وال بخطواتً‏ المتعثّرة بالتؤكٌد.‏<br />

لكن رحمة الخالك تدخّلت وأفهمته أنً‏ ال أعرؾ شٌباً‏ عن<br />

الرلص.لكنً‏ رؼم ذلن وددت حماً‏ استعطافه والمول له:ٌا لٌتن<br />

تسمح لً‏ بالرلص الحمٌمً‏ مرةً‏ واحدةً،‏ ألست المادر على كلّ‏<br />

شًء؟!دعنً‏ أطٌر إلٌن.لكن لست أدري إن كنت أجرإ؟!إذ<br />

كٌؾ كنت سؤلبل بالمخاطرة فً‏ تلن الهنٌهات نفسها التً‏<br />

استرددتُ‏ فٌها حرّ‏ ‏ٌتً؟!ربّما كان ذلن سٌكلّفنً‏ الكثٌر من<br />

المخاطر مثل الدخول إلى مستشفى المجانٌن،‏ وهنان ستؽدو<br />

حٌاتً‏ وكذلن وجودي ال ‏ٌعنٌان شٌباً.‏ لمد لٌل لً‏ إنهم ؼسلوا<br />

لً‏ دمابً.‏ لكنً‏ ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن،‏ وال أٌن كنت فً‏<br />

ذلن الولت.‏ رؼم ذلن أجد نفسً‏ مكببلً‏ وال أستطع منع داخلً‏<br />

من الؽضب وٌمول:‏ إن أمن معها كل الحك فً‏ أن تخشى على<br />

٘9


تماسكن العملً‏ والنفسً.‏ إذ كٌؾ ‏ٌمكن أن ‏ٌكون مفهوماً‏ وأنت<br />

طبٌب نفسً،‏ أالّ‏ تعرؾ أؼلب الولت أٌن أنت وماذا ‏ٌحدث<br />

حولن؟!اعترؾ بذلن بٌنن وبٌن نفسن أوّ‏ الً،‏ فستكون لد لطعت<br />

نصؾ الطرٌك إلى إصبلح ما هو ؼٌر مفهوم ومستؽرب وٌثٌر<br />

االستهجان.‏ ما كان ‏ٌشعرنً‏ بالعجز هو إدراكً‏ استحالة وصؾ<br />

كلّ‏ ما كان ‏ٌعتمل فً‏ داخلً‏ فً‏ تلن األولات الحسّاسة من<br />

حٌاتً،‏ وصعوبة تفسٌر مساهمة ذكرٌاتً‏ التً‏ تمتدّ‏ بعٌداً‏ فً‏<br />

المدم،‏ واختبلط كلّ‏ ذلن بخروجً‏ إلى الهواء الطلك والتمتّع<br />

بالحرّ‏ ‏ٌة وزرلة السماء التً‏ لسمت ذاتها إلى لسمٌن،‏ لرّ‏ ر<br />

أحدهما أن ‏ٌكون مظلّتً‏ الرابعة،‏ والثانً‏ ارتؤى التحوّ‏ ل إلى<br />

حضن دافا.‏ ال شن أنهما سٌسلّمانً‏ بكل الفرح والحب إلى<br />

الكون من جدٌد.‏ دعونا نثك بالخالك وندرن أن المحسوس<br />

‏ٌخرج وٌتبدّى من ؼٌر المحسوس،‏ وعالم الشعور ‏ٌتكشّؾ من<br />

عالم األعماق التً‏ ال نعرفها دون أن ننسى أن الفِكَر تلد الفِكَر،‏<br />

واإلنسان هكذا ‏ٌتجدّد،‏ والولٌد لابع فً‏ االنتظار حتى تتحضر<br />

الحٌاة الستمباله لٌسهم بدوره فً‏ التؽٌٌر.‏ رفض الخلك ‏ٌعنً‏<br />

مراوحة الحٌاة مكانها وتولؾ التمدّم وكؤننا نحكم على المشهد<br />

بالموت السرٌريّ.‏ إن آلة الزمن أرجعتنً‏ إلى طفولتً‏ األولى،‏<br />

وعندما لم أكن لد تمكنت من الكبلم بعد.‏ لكنً‏ كنت أملن عٌنٌن<br />

واسعتٌن تتعجّبان مما ترٌانه،‏ وتملإهما الدهشة وٌتدفك منهما<br />

الفضول ‏ٌوماً‏ بعد ‏ٌوم.‏<br />

‏"ألٌس العالم مثٌراً‏ للعجب والدهشة وٌصعب فهمه؟ أنا أعنً‏<br />

اإلنسان الذي لم ‏ٌستطع حتى الٌوم،‏ تطوٌر ؼرابزه وأطماعه<br />

وعدم اكتفابه،‏ وحسده المزمن ورفض أعماله الشدٌد للمناعة<br />

ٙٓ


مهما كانت ملكٌّتها واسعة<br />

تحدٌدها."‏<br />

فً‏ األصل<br />

ولٌس بإمكان النظر<br />

‏"ألٌس مدهشاً‏ أٌضاً‏ أن ‏ٌمؾ األؼنٌاء والفمراء مكتوفًّ‏ ِ األٌدي ال<br />

‏ٌدرون ما ‏ٌجري وال ما علٌهم أن ‏ٌفعلوا إزاء أمر رهٌب ‏ٌتمدم<br />

باتجاههم وٌملإهم شعور بؤنه سٌإذٌهم أذ ‏ًى بلٌؽاً؟!"‏<br />

* * *<br />

بعد ‏ٌوم رهٌب من المتال الشرس الضاري،‏ كان فٌه<br />

المتماتلون بعٌدٌن عن بعضهم بعضاً،‏ ‏ٌتماذفون بمدفعٌّة الدبّابات<br />

البعٌدة المدى وكل المدفعٌة الصالحة للتدمٌر والمادرة على<br />

صنع الرعب والخوؾ،‏ وهكذا كان ال بدّ‏ من أن تشتعل بك ‏ّل ما<br />

فٌها من صالح لبلشتعال إذ ل المذابؾ فتكسّرت وأصبح هبوطها<br />

على األرض المشتعلة طبٌعٌّاً‏ إلٌها فتزٌدها اشتعاالً.‏ هكذا كان<br />

الناظر إلى ما حوله ‏ٌختلط به األمر وٌظن أن السماء أٌضاً‏<br />

اشتعلت أٌضاً‏ بنٌران متوحّشة أكولة حمراء تختلط بالسواد،‏<br />

بحٌث ترٌن لون ن الموت وهو ‏ٌؽطًّ‏ بعباءته المسم الذي ‏ٌرٌد<br />

التطاعه من الحٌاة،‏ مظهراً‏ أمام عٌنٌن كٌؾ تكون عتمة المبر،‏<br />

والشٌاطٌن التً‏ ترلص على الدماء مدّعٌة أن الولت لم ‏ٌسمح<br />

لها بتصفٌؾ شعرها المتمرد تاركة إٌّاه ‏ٌموم بؤلعابه كما ‏ٌحلو<br />

له،‏ فٌُظهر ما ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته من كلّ‏ أنواع الشهوات،‏ مبتدباً‏<br />

بإرواء عطشه لبل كلّ‏ شًء،‏ من الدماء المتدفمة التً‏ لم تصل<br />

بعد إلى األرض،‏ منتشٌاً‏ من صراخ المتماتلٌن وأنٌن الجرحى<br />

الذي ‏ٌكاد أن ‏ٌصم اآلذان،‏ وٌعبث بالمخاوؾ جاعبلً‏ منها أشدّ‏<br />

فتكاً‏ من النصال.‏ كما كانت األعضاء البشرٌّة تتطاٌر بشكل<br />

ٙٔ


تتمزق فٌها الملوب وهً‏ تصٌح صٌحتها األخٌرة وسط اللهب،‏<br />

أو تتسالط مع األشجار المحترلة،‏ فتضٌؾ إلى الؽابة ولوداً‏<br />

جدٌداً‏ فتزٌد من اشتعال الؽابة وصراخ الوحوش،‏ بحٌث تدفع<br />

إلى تسارع امتداد النار إلى كل شًء،‏ وتضاعؾ خوؾ<br />

المتماتلٌن من كبل الطرفٌن،‏ وتدخلهم جمٌعاً‏ إلى الشعور بؤنهم<br />

محشورون ‏ٌؤكلهم الرعب من أن تُح ‏ِكم النار محاصرة الفرٌمٌن<br />

معاً‏ أو تباؼت أحدهما لبل أن ‏ٌهطل المطر الؽزٌر،‏ كانت الؽٌوم<br />

تزداد تلبّدا وتدخل مع النٌران فً‏ سباق واضح ترعاه السماء<br />

كما كان كل المماتلون ‏ٌؤملون لاصدة منع النٌران من أن تسدّ‏<br />

المنافذ على المتماتلٌن الذٌن ‏ٌدافعون عن وطنهم تظلّلهم البراءة<br />

وحبهم لشعبهم ووطنهم.‏ مجزرة رهٌبة حمٌمٌّة كانت تجري،‏<br />

وأخرى ‏ٌشاهدها الجمٌع لادمة تثٌر الرعب من أن ‏ٌنتهً‏ نزٌؾ<br />

الدماء بسبب ولوع الجمٌع فً‏ براثن األتون الزاحؾ.‏ الجمٌع<br />

سمعوا لرلعة مفاصلهم.‏ فً‏ تلن اللحظات التً‏ كان فٌها الٌؤس<br />

والخوؾ ‏ٌختلطان،‏ خبا صوت المعركة بؽتة،‏ وحلّ‏ سكون<br />

مخٌؾ ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته فً‏ الكثٌر من المفاجآت،‏ التً‏ تجعلن<br />

تخشى أن تشتهً‏ شٌباً‏ لمصلحة الحٌاة.‏ كان ذلن الصمت ‏ٌعنً‏<br />

ولفة فً‏ الولت الذي ‏ٌؤتً‏ بعدها اإلدران أن تلن المجزرة<br />

الطاحنة تُعلن عن انتهابها.‏ أنت فً‏ الزمن الذي ال ‏ٌسمح لن<br />

بؤي نوع من المشاعر سوى بالذهول.‏ لكن خضوع ساحة<br />

المعركة للصمت طال للٌبلً‏ وبثَّت شعوراً‏ مرهماً‏ بدا خانماً‏<br />

للجمٌع.‏ لكن فجؤة ارتفعت األعبلم البٌضاء فً‏ طرفً‏ المعركة<br />

المحتدمة التً‏ كانت دون شن شرسة وبعٌدة عن أٌّة أنفاس<br />

إنسانٌّة.‏ كما كانت باإلضافة إلى ما ذكر،‏ شرهة لرإٌة التشوٌه<br />

الهابل الذي حطّ‏ بالروح اإلنسانٌّة ومرغ جمالٌّة الجسد وذلن<br />

التكوٌن المبدع بلعاب الشٌطان،‏ كما أعطاه المبضع حتّى ‏ٌروي<br />

ٕٙ


ؼلٌله برإٌة الدماء المتدفّمة ببل أي حساب.‏ العٌون ابتسمت لكن<br />

الشفاه ظلّت مطبمة.‏ إذ إن األعبلم البٌضاء ربّما كانت تعنً‏<br />

هدنة مإلّتة ستظهر مدّتها بعد ولت لصٌر،‏ فاألمر لن ‏ٌّحسم ما<br />

لم ‏ٌصل توضٌح شاؾ من المٌادة،‏ ‏ٌبٌّن حمٌمة ما حصل،‏ وما<br />

علٌه أن ‏ٌكون فً‏ المستمبل من انفراج فً‏ الطبٌعة وفً‏ النفوس.‏<br />

مضت ربّما دلٌمة واحدة،‏ ظهرت فً‏ نهاٌتها حمامة بٌضاء<br />

والفة على ذروة العلم األبٌض المرفوع فً‏ وسط ساحة المعركة<br />

لتعلن أنه آن األوان إلفساح المجال لنور الشمس أن ‏ٌظهر حتى<br />

لو كان خجوالً.‏ الخجل لً‏ بعض األحٌان ‏ٌكون بلسماً‏ بطرٌمة<br />

ما،‏ لكن ال ‏ٌحبّ‏ أحد التكلّم عنه.‏ كانت الجراح النازفة تحتاج<br />

دون شن إلى سطوع نٌسان.‏ لكن ال أحد ‏ٌدري لمَ‏ تؤخّر<br />

خروجها من بٌن الؽٌوم؟!‏ ترى هل كان ‏ٌجري اإلعداد لٌكون<br />

ظهورها فضحاً‏ للشهوة إلى الربح،‏ واالستعداد فً‏ سبٌل ذلن،‏<br />

للتضحٌة بؤرواح مبلٌٌن األبرٌاء،‏ ورإٌة برٌك الذهب الذي<br />

‏ٌُسٌّل لعاب األؼنٌاء لبل الفمراء.‏ إنه أمر ؼرٌب دون شنّ‏ ،<br />

وٌفضح أطماع اإلنسان وكذبه على نفسه أوالً،‏ إذ إنه كان ‏ٌدرن<br />

دابماً‏ أنه لم ‏ٌنسها بل تناساها من أجل الزابل،‏ وانشؽل بحفر لبر<br />

أخٌه،‏ متجاهبلً‏ أن ‏ٌتطلّع إلى المبة الزرلاء علّه ‏ٌرى ما ‏ٌعٌد إلٌه<br />

صوابه.‏ خاصة أنه ‏ٌعرؾ وٌدرن أنه لن ‏ٌبمى حٌث هو طوٌبلً.‏<br />

الجمٌع ‏ٌعرؾ أننا آٌِلون جمٌعاً‏ إلى الموت،‏ إلى نفاد الطالة التً‏<br />

سلمها هللا لكلّ‏ فرد ‏ٌعٌش فً‏ هذا الكون.‏ دون أن ندري ماذا<br />

‏ٌرٌد منا أن نتعلّم من هذا العالم لبل مؽادرته والعودة إلى فناء<br />

الرب.‏<br />

لكن لم ‏ٌلبث صوت مذٌاع كتٌبة عسكرٌّة لرٌبة خرج من رحم<br />

تلن الفكرة عند انبثاق الفجر ‏ٌردّد ما ‏ٌرٌد لوله مرّ‏ تٌن:‏ إن<br />

ٖٙ


الحرب انتهت،‏ ولادة الدول المتحاربة لد ولّعوا على اتفالٌّة<br />

من سمع ذلن أصابه الخرس دلٌمتٌن،‏ عبل بعدها صراخ<br />

متواصل ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته جنوناً‏ مخٌفاً،‏ أنفجر بعده ضحن ‏ٌشبه<br />

ضحن السكارى المتخمٌن وهم عابدون إلى بٌوتهم صباحاً‏ بعد<br />

أن فرؼت ‏"الخمارة"ممّا ‏ٌُثمل،‏ وولع صاحبها على األرض ‏ٌتمٌؤ<br />

دون أن ‏ٌساعده أحد.الفرح تؤخر للٌبلً‏ عن الظهور ثمَّ‏ لم ‏ٌلبث<br />

أن مؤل ساحة المعركة كلّها بالرلص بٌن الجثث.‏ أعتمد أن أحداً‏<br />

ما كان ‏ٌصلًّ‏ طالباً‏ من هللا أن ‏ٌرسل ذلن الوابل وٌكون شدٌد<br />

الهطول.‏ كً‏ ‏ٌزٌل الدماء المخجلة بعد تلن المذبحة<br />

المروعة.المطر كان دعوة للتفكٌر على إٌماع هطوله الرتٌب:‏<br />

ترى هل ستتاح الفرصة أن ‏ٌُسؤل مُشعلها ومن دَفع إلٌها،‏ لمَ‏<br />

فعل ذلن ومن هو المستفٌد؟!وهل ساهمت هذه المعركة<br />

الضروس أو ستساهم فً‏ ارتماء البشرٌّة؟!ثمّ‏ ماذا سٌمال للٌتامى<br />

والثكالى؟!هل خلك هللا البشر لٌطحنهم مجنون وٌشرب من<br />

دمابهم؟!لستُ‏ أدري،‏ ربّما سؤل سابل:‏ وما الذي دفع بإنسان إلى<br />

أن ‏ٌصبح مجنوناً؟!‏<br />

ٙٗ<br />

سبلمٍ‏ .<br />

إنً‏ أرى أمامً‏ اآلن شخصاً‏ بشع الهٌبة،‏ وكنت أعرؾ أنه<br />

جمٌل جداً‏ فً‏ أعماله.‏ ترى أال ‏ٌزال ‏ٌوّ‏ دّ‏ االنتحار،‏ أم ‏ٌعمل بكلّ‏<br />

ما ‏ٌمكنه من جهد ممكن إلى الوصول إلى رإٌة جمال أعماله<br />

بطرٌمة ما وٌعٌد ابتسامته إلى وجهه.‏<br />

‏"الحٌاة لٌست عٌشاً‏ لتفعٌل االستمرار،‏ وال تمرٌناً‏ للصعود<br />

إلى السماء.‏ إذ إن ذلن تملٌل من لٌمتها اإلنسانٌّة،‏ فلوال الوجود<br />

اإلنسانً‏ لَمَا أوجدت.‏ إن كٌنونتها حدث وحضور وصٌرورة.‏<br />

كما إنها تواصل دابم مع سبب وجودها ‏.عندما بدأت تشعر بؤنها


مؤلت الجمٌع،‏ أدركت ممتلبة ؼبطة،‏ أن هللا تخلّى عن مُرالبة<br />

أدابها وتركها لتشتؽل على تؽٌٌر معنى العٌش وتحصل إلى ما<br />

تصبو إلٌه،‏ لٌكون جزءاً‏ من عطابها وهً‏ تسعى سعٌاً‏ حثٌثاً‏<br />

للتصدي لعدم إلؽاء الفردٌّة وعبمرٌّتها،‏ والعمل على ضبط<br />

طؽٌانها وتؤثٌره المدمّر على اإلبداع فً‏ كلّ‏ العالم.‏ سٌكون هذا<br />

الهدؾ الجامع كفاحاً‏ ‏ٌخترق المستمبل،‏ مُجمّعاً‏ الموّ‏ ة لهدم<br />

األسوار والمتارٌس أكانت داخلٌّة أو خارجٌّة".‏<br />

هكذا بدأتُ‏ أشعر مع تمدم الولت بؤن الرب إلى جانبً،‏ ولد<br />

حبانً‏ أن أولد والدة جدٌدة،‏ وأحظى بمثل ذلن المزود محاطاً‏<br />

بعابلتً‏ كلّها،‏ ومنحنً‏ أٌضاً‏ نعمة النمو بتسارع ‏ٌمكّ‏ ‏ِنُنً‏ من<br />

االلتماء مع ذاتً‏ التً‏ لطالما افتمدتنً،‏ بحٌث نمدر على السٌر<br />

معاً‏ متكاتفٌن ‏ٌُعٌد الحب لحمنا معاً‏ برابط ال ‏ٌمكن تفكٌكه.‏ كما<br />

‏ٌرشدنا إلى درب ‏ٌحٌط به اخضرار مختلؾ،‏ معطٌاً‏ إٌّانا أول<br />

درس رابع فً‏ الفن التشكٌلً،‏ إذ ‏ٌجعل السماء تدهشنا وهً‏<br />

تعٌد ترصٌع جسدها بنجوم تؽٌّر ألوانها وموضعها بٌن حٌن<br />

وآخر لتُري أولبن الذٌن ‏ٌمبعون تحت،‏ مشاهد فنٌّة لٌس لها<br />

نظٌر لابلة للتطور،‏ وٌمكنها أن تتبدى بؤشكال متنوّ‏ عة تخطؾ<br />

األبصار وتشدِه من ‏ٌملكون نعمة الرإٌة وتتؤجج فٌهم ملكة<br />

البصٌرة،‏ فٌملكون أن ‏ٌفهموا ذلن التناؼم بٌن كٌنونتهم وكٌنونة<br />

الكون،‏ وٌدركون معنى أن ‏ٌمول سطوع الشمس:‏ أنا أفضل<br />

تعبٌر عن النهار الفرِ‏ ح فً‏ طمس جمٌل ‏ٌمدّ‏ بالدؾء ‏ٌوماً‏<br />

شتوٌاً.عندبذ سٌمجّد الناس من مؤل السماء واألرض باألعاجٌب،‏<br />

دون أن ‏ٌندهش أحد كٌؾ فعل وٌفعل كلّ‏ ذلن من العدم ‏.ربّما<br />

؟!‏ ربّما ‏ٌتاح أٌضاً‏ ‏ٌوم لكل بسطاء العالم كً‏ ‏ٌتمكّنوا من<br />

الطٌران وٌكتشفوا سبب ما كان ‏ٌحدث لهم،‏ ولمَ‏ تعذّر علٌهم فهم<br />

ٙ٘


أعمالهم،‏ وممدار الحب والؽفران اللذٌن سٌحظون بهما،‏ عندما<br />

‏ٌكونون راضٌن بالعودة إلى حٌث كانوا دون تمكّنهم من إزالة<br />

اإلبهام الكبٌر من نفوسهم،‏ الذي لطالما أللمهم وألضّ‏ مضجعهم.‏<br />

لكن المبول بالوعد الذي حملوه،‏ جعلهم ‏ٌتلمّون منحة فهم العالم<br />

دون استعجال.إذ إن من ‏ٌدٌر الكون ‏ٌعرؾ أن السرعة تعرلل<br />

الهضم،‏ وتربن الفهم المتؤنً‏ المطلوب.‏<br />

* * *<br />

كان ال بدَّ‏ من العودة إلى الزمن والجسد،‏ أي إلى الوالع الذي<br />

لٌس كله دماء،‏ إلى ‏"كمشة"‏ من التراب،‏ والتمعن فٌها كلّها<br />

طوٌبلً‏ ثمَّ‏ التطلّع إلى السماء مشدوهاً.‏ ترى ماذا ‏ٌنتظرنً‏<br />

هنان؟!‏ إذا كان ‏"الفالس"‏ الذي ‏ٌروّ‏ ج للدوران وراء لعبة من<br />

لعب هذه الدنٌا التً‏ تمتلا بالخداع.‏ علٌن االنتظار طوٌبلً‏ حتى<br />

تكتشؾ ماذا ترٌد أن توصلن إلٌه!!ربّما علٌنا السعً‏ خلؾ تلن<br />

الرلصة التً‏ استطاعت التخلّص من لمبها اإلمبراطوري<br />

وأصبحت حرّ‏ ة تملن الجرأة والدافع لتحملنا على إطبلق العنان<br />

للطالة الكامنة فً‏ داخلنا،‏ فتدفعنا لنشخص إلى فوق فً‏ اللحظة<br />

نفسها التً‏ تترن ألدامنا ما نمؾ علٌه،‏ صاعدٌن إلى األعالً‏<br />

لننعم بالسكون ونستمتع بفمدان الجاذبٌّة األرضٌّة،‏ وننصت إلى<br />

ما ترٌد أرواحنا وحمٌمتنا أن تمول.‏ خبلل التارٌخ أُبعدْنا عن<br />

التراب الذي خرجنا منه،‏ وضاعت حمٌمتنا وما تراكم فً‏<br />

أعمالنا.‏ بدأ التهجٌر الفظ عن داخلنا منذ ذلن الولت أو لبل ذلن<br />

بكثٌر لست أدري تماماً؟!‏ فً‏ مرحلة ما من زمن رفض عمداً‏<br />

تسجٌل نفسه ضمن التارٌخ،‏ اجتاحتنا الحٌرة وحاصرتنا،‏ بحٌث<br />

حشرتنا ضمن حٌّز تبدو فٌه الحركة خطرة فً‏ لحظات كنا ال<br />

ٙٙ


نملن سوى أن ندور بؤعٌننا هنا وهنان متسابلٌن إن كنا لد<br />

خرجنا أو لمّا نزل ضمن الجاذبٌّة األرضٌّة؟!وماذا جدّ‏ حولنا<br />

بحٌث نشعر باإلربان،‏ ال ندري شٌباً‏ عمّا حدث وإلى أٌن نإخذ،‏<br />

ولمَ‏ ال نستطٌع أن نطؤ األرض؟!ولمَ‏ لم ‏ٌتبدّ‏ كلّ‏ ما ‏ٌحدث لبل<br />

الدخول إلى ذلن المسلخ المُلح على تجرٌدنا من جلودنا<br />

واؼتصاب أرواحنا دون أن ‏ٌدري أنه لن ‏ٌستطٌع رإٌتها أو<br />

إبطالها؟!إذ إننا تمسّكنا بها متخلٌّن عن كلّ‏ ما لد نخسره،‏<br />

متؤكّدٌن أننا فً‏ النهاٌة موعودون بالخلود وسنحصل علٌه،‏ دون<br />

أن ‏ٌستطٌع أحد فً‏ اللحظة األخٌرة تؽٌٌر ما جاء فً‏ الكتب.‏<br />

7<br />

األسبلة والّ‏ دة بطبٌعتها وهً‏ تدرن أنها تشترن فً‏ الخلك<br />

بالتؤكٌد.‏ لمد شملت شرٌطاً‏ طوٌبلً‏ ممّا سُجّل لطرٌمة إدارة الحٌاة<br />

لهذا العالم وكسب مشروعٌته من اإلٌمان والتصمٌم لكن<br />

‏"التانجو"‏ األنٌك الذي ‏ٌلٌك به التعجرؾ كما بدا أنه لاطع الؽرق<br />

فً‏ التساإل،‏ داعٌاً‏ إٌاه إلى أن ‏ٌشخص إلى المسرح وٌرى ماذا<br />

سٌحدث،‏ فربّما حصل ما ؼٌّر أو تطوّ‏ ر فً‏ المفاهٌم لٌصبح<br />

مُشاهِداً‏ لكثٌر من األسرار التً‏ تظهر وتختفً‏ من خبلل المرآة.‏<br />

كان الرالص ‏ٌتابع لعبته مستمتعاً‏ باعتداده وٌبهرن بؤنالته<br />

الداخلٌّة،‏ حٌنما تراه وحٌداً‏ ‏ٌدخن بتعالٍ‏ ٍ متحدّ‏ دون أن ‏ٌمصد إذ<br />

إنه ‏ٌموم بتحضٌر نفسه للرلص فً‏ حضور هللا نفسه،‏ ‏ٌملإه<br />

شعور بالعنفوان وتفوح منه رابحة كبرٌاء مختلفة فٌها الكثٌر<br />

من العفوٌّة النرجسٌّة التً‏ ال أظنها تصدم أحداً،‏ فهً‏ تشبه<br />

مبلمحه الدلٌمة وشفتٌه اللتٌن ال تبدوان أكولتٌن.‏ إنها جعلتْ‏ من<br />

،<br />

ٙ7


‏ٌسعى إلى محاكاتها ‏ٌُركل بعٌداً‏ دون أن ‏ٌعرؾ إذا كان لادراً‏<br />

على البحث عن جحر ‏ٌختبا فٌه.‏<br />

تمدم التعجرؾ بكلٌّته نحونا بثمة طاووسٌّة ‏ٌعض الشًءدون<br />

أن ‏ٌدري أحد لمَ‏ لم ‏ٌرد إخفاءها مخفضاً‏ لبّعته للٌبلً.‏ أعتمد أن<br />

خطواته كانت تبلحك إٌماعاً‏ داخلٌاً‏ جعلنا نلمسه دون أن نسمعه.‏<br />

كان ‏ٌتهادى دون شن بكبرٌاء مُحٌّر،‏ ‏ٌمكننا أن نتابع اعتباره<br />

مجرّ‏ د تجارب ‏ٌجرٌها على بعض خطوات الرلصة مُمعِناً‏ فً‏<br />

مراجعة دلتها وطرٌمة مبلمستها لؤلرض،‏ فتحسبه ‏ٌمول فً‏<br />

نفسه وهو ‏ٌرفع رأسه إلى فوق متمتّعاً‏ بؤنالة ما ‏ٌفعل.‏ أظنّه ردّد<br />

لوالً‏ فً‏ نفسه:‏ ال بؤس،‏ أنا ممتلا حماساً،‏ لمد حان ولت<br />

التحدي،‏ ‏ٌا مرحباً‏ به.‏ لنر أٌة امرأة ‏ٌشتعل فٌها ما ‏ٌتفجر<br />

بً؟!ربما ‏ٌكون هذا ولت التجرد من الجسد واشتهاء الروح<br />

وضمّها فً‏ عناق طوٌل،‏ دابراً‏ بها طوٌبلً،‏ جاعبلً‏ من العناق<br />

‏ٌبثُّ‏ عشماً‏ عذباً‏ ‏ٌمكن أن ‏ٌُفهم منه كلّ‏ معانً‏ الخلود وأسراره<br />

الصؽٌرة الخجلة التً‏ ال تُكشؾ للحبٌب إالّ‏ بعد ولت لد ‏ٌطول<br />

إلى أن ‏ٌتسرّ‏ ب الخجل من الطرفٌن وٌختفً‏ فً‏ شموق األرض.‏<br />

لكن البعض شعر بالحسرة تؤكله ألن الماضً‏ لم ‏ٌمنحه ذلن<br />

العناق الطوٌل وال ذلن الشعور بالعشك العذب الذي أحسّ‏ به<br />

الجمٌع ولم ‏ٌخالج أحداً‏ ‏ٌعرفونه فً‏ تلن المرحلة فً‏ حٌاته.‏<br />

ترى ألم ‏ٌشم ذلن الرالص روح الحبٌب وهو ‏ٌزحؾ وٌبلمس<br />

بمدمٌه ذلن الرخام الرابع؟!‏ إنها كانت ضمَّة ابتبلعٌّة دون شنّ‏<br />

إن ذلن سٌنفخ اإلبداع وٌجعله ‏ٌسري فٌه،‏ لافزاً‏ بالحبٌب وهو<br />

‏ٌدور معه وبه.‏ لكن ذلن الرالص ابتسم للفرلة الموسٌمٌّة،‏ وأخذ<br />

على الفور ‏ٌبدّل فً‏ حركة لدمٌه ببراعة لل نظٌرها.‏ تابع ما<br />

‏ٌفعله وازدادت الحركات التً‏ كان ‏ٌموم بها صعوبة إن كانت<br />

. ٍ<br />

ٙ8


بٌدٌه أو بمدمٌه متصنّعاً‏ بعض الحذر،‏ أو موهماً‏ أن كلّ‏ ما نراه<br />

هو فً‏ الوالع خروج عن المخطط الموضوع،‏ لكن روحه<br />

فاضت فً‏ داخله ودفعته لٌرضً‏ نفسه وٌسعد الجمهور.‏ لمد<br />

أظهر ذلن الرالص أنه نرجسًٌّ‏ بامتٌاز.‏ إذ أصرّ‏ على إبماء<br />

عٌنٌه تواجهان الناس دابماً،‏ متؤمّبلً‏ أن ‏ٌؽرق الجمٌع فٌهما.‏<br />

كانتا تمدحان بالتؤكٌد وتعطٌان إشارات فٌها وضوح عجٌب أو<br />

لٌس فٌها شًء على اإلطبلق،‏ ولد تكون استعاضت بذلن<br />

الؽموض على ترطٌب الصمت المفروض.‏ بمٌت ولاحة ذلن<br />

الرالص مرضٌة للجمهور،‏ أو ربما ظن كلّ‏ واحد أو واحدة فً‏<br />

تلن الماعة أن عٌنٌه ترممان تلن الجمٌلة الجالسة بالتحدٌد.‏ بمً‏<br />

ذلن مستمراً‏ بطرق مختلفة متجاوزة االعتداد ومانعة الخفر من<br />

االلتراب،‏ ومفشلة وضوح النٌّة فً‏ االلتحام،‏ إلى حد تعجز عن<br />

إٌجاد كلمة أو كلمات تستطٌع تحدٌد أٌن ‏ٌمكن أن تستمر ولاحة<br />

تلن االبتسامة المُمتطٌة ثمة ال تبدو أنها تمكّنه من وصؾ ما<br />

‏ٌرضً‏ مشاعره فً‏ تلن الهنٌهات.‏ إذا شعرتَ‏ باإلحباط وأردت<br />

إبداء اإلعجاب بعٌنٌه ؼٌر المكحّلتٌن،‏ فتستطٌع أن تمول:‏ إن<br />

جمالهما ‏ٌعطٌان مصدالٌّة مٌدانٌّة ورونماً‏ أخّاذاً‏ لرجولّة حمٌمٌّة<br />

‏ٌُعكِرها بعض الؽرور الطفولً‏ اللطٌؾ،‏ ونحول جسد وطوله<br />

المتواضع الذي ‏ٌحمل حمل الرلص الكبلسٌكً‏ المتحمّم بالؽرور<br />

فً‏ ظرؾ ال ‏ٌتاح ألحد أن ‏ٌتمتع بؤكثر ممّا هو فٌه.‏ لكن فجؤة<br />

تؽٌّرَ‏ المشهد،‏ فنرى ذلن الذي كنا نتكلم ‏ّعنه معجبٌن ومشجّعٌن<br />

بكلٌّتنا بما كان ‏ٌظهره االلتحام من ولاحة،‏ لد كؾّ‏ عن ذلن<br />

وأخذ ‏ٌمٌل إلى تؽٌٌر حركة لدمٌه متّجهاً‏ إلى إعطابها مزٌداً‏ من<br />

الرلة واإلحساس فً‏ تعاملها مع المسرح وطرٌمة تموضع<br />

جذعه ومٌبلن رأسه وسعادة عٌنٌه،‏ حٌث أصبحتا تتناؼمان مع<br />

اإلٌماع الجدٌد الذي انتمل إلى مداعبة تلن األرضٌة الخشبٌّة<br />

ٙ9


البصلٌّة اللون حتى أمتصّ‏ منها ما ‏ٌحتاجه من االنتشاء،‏ إلى أن<br />

حذّره التجشّإ بؤنه أصبح على تماس مع الخروج عن ك ‏ّل<br />

المواعد،‏ فلم ‏ٌلبث أن عاد إلى االبتسام واالحساس بؤنه ‏ٌمضػ<br />

جٌّداً‏ ما أعطً‏ له.‏ تؤكّد فً‏ هذه األثناء أنه كان مدرّ‏ باً‏ بامتٌاز،‏<br />

مدركاً‏ أنه علٌه االكتفاء بما فٌه من نرجسٌّة،‏ إذ بدأ ‏ٌظهر أن<br />

شعوره بجسده أخذ ‏ٌتجلّى بمزٌد من البراعة مظهراً‏ صعوبة<br />

مبلحمة حركة المدمٌن والساعدٌن اللذٌن كانا ‏ٌستمببلن الموسٌمى<br />

كما تستمبل العابلة االبن العابد من الحرب سلٌماً‏ معافى.‏ إذ إنه<br />

لم ‏ٌتؤخر لحظة واحدة عن فتح ساعدٌه وصدره استعداداً‏ لضم<br />

ما ‏ٌؤتٌه من األنؽام إلى كٌانه واالنحناء،‏ هلل ولٌس للجمهور،‏<br />

داعٌاً‏ إٌاها أن تؤخذ دورها كً‏ ‏ٌدخل ملن الببلد إلى ببلطه،‏ فً‏<br />

الولت نفسه الذي تصل فٌه الموسٌمى إلى ذروة عطابها زكامل<br />

استعدادها للدخول إلى دماء الحضور التً‏ بدأت تنشر رابحة<br />

استسبلمها دون أن تشعر.‏ كان الراعً‏ لد جلس على العرش<br />

للمباشرة فً‏ إدارة شإون أمته وحماٌتها من األعداء،‏ آمراً‏<br />

جمٌع الحاضرٌن بالجلوس،‏ واإلفساح للموسٌمى أن ترسم<br />

الهٌكل الذي سٌمجّد الرلص نفسه فٌه.‏ هكذا فعل الرالص كما<br />

فعلت ‏"الكارٌزما"‏ الملكٌّة وسٌطرت على كلّ‏ الخبلٌا العابدة إلى<br />

الرعاٌا نفسها مرسّخة اإلٌحاء بٌن الناس بؤنهم رعٌّته وأنه<br />

الملن األمٌن.‏ لمد تُرن للكمان الذي انتظر طوٌبلً‏ أن ‏ٌسمح لملبه<br />

أن ‏ٌسمع أنٌنه الذي ‏ٌعصر األنفاس كما ‏ٌشاء،‏ متصدّراً‏ المولؾ<br />

معطٌاً‏ المكان الحماً‏ الستمبال الملن ؼٌر المتوج،‏ سامحاً‏ لئلٌماع<br />

أن ‏ٌوحً‏ أن معركة حمٌمٌّة ستحتدم لرٌباً،‏ بٌن جسدٌن كؤنهما<br />

حسامان ‏ٌدوران حول بعضهما البعض،‏ وٌتحضّران لبلشتبان<br />

واالنمضاض حٌنما تحٌن الفرصة.‏ ال أحد ‏ٌدري كٌؾ سٌحدث<br />

ذلن.‏ أعتمد أن التانجو كان ‏ٌرسل رسالتة هو اآلخر وتمول:‏<br />


‏"اللحن الذي تملكه خبلٌاي ‏ٌستطٌع أن ‏ٌرالصنً‏ وٌرمٌنً‏ إلى<br />

أحضان المبة الزرلاء متى شاء.‏ لكن السماء طلبت منً‏<br />

الخضوع إلى إبداع التؤنس حتى ‏ٌمترب المإمن من تفهم لؽة<br />

الرب،‏ وٌتعلّم كٌفٌّة االتصال باألرواح.‏ برلت السماء فً‏ إشارة<br />

منها إلى أن االحتدام لد الترب ولته.‏ النصال لم تكن لد تبلمست<br />

بعد،‏ بانتظار إشارة ما من مخرج ذلن الحفل.‏ ترى ما هً؟!‏<br />

كنّا نتلهّؾ إلى معرفة ماذا ‏ٌمكن أن تكون؟!‏ لم ‏ٌطل االنتظار،‏<br />

إذ إن ‏"نوتة"واحدة حرّ‏ رها عازؾ"الكونترباس"‏ لتُعلن عن<br />

الدخول فً‏ جدل عنٌؾ ‏ٌحكمه صوت تبلحم الفوالذ.‏ لكنّن <br />

دون سبب ال تصدق أنه سٌستمرّ‏ طوٌبلً،‏ بل سٌكون مصٌره<br />

التحوّ‏ ل إلى حوار تخؾّ‏ فٌه حدّته وكذلن عدابٌّة النظرات،‏ كما<br />

أن المبلمسات الجسدٌّة السرٌعة الخاطفة تبدّل أهدافها فتُظهر<br />

األنثى حٌاء متماسكاً‏ البماً‏ وحذراً‏ ‏ٌخشى المفاجآت وما تخفً‏ فً‏<br />

طٌّاتها من نٌّات.‏ كان المشهد مذهبلً‏ ‏ٌفتن بمشاعرنا وٌجٌّشها<br />

بعٌداً‏ عن سٌطرتنا.‏ كنّا نمترب من الذهول والتجرد من إرادتنا،‏<br />

تمنٌنا من الصمٌم فً‏ هذه األثناء أن ‏ٌستمر ما ‏ٌحدث طوٌبلً.‏<br />

كان صوت النصال ‏ٌتماطع مع اإلٌماع المسٌطر وٌتناؼم معه<br />

بطرٌمة مذهلة لطعت األنفاس حٌناً،‏ وفتحت له األبواب حٌناً‏<br />

آخر،‏ بحٌث ذكرنً‏ ذلن بالذٌن ‏ٌسمعون موسٌمى رابعة،‏ وهم<br />

‏ٌتمشون فً‏ الشارع وسط الضوضاء.كنا مؤخوذٌن تماماً‏ أو لنمل<br />

إننا كنا مسحورٌن مُحلّ‏ ‏ِمٌن تتلفّمنا الموسٌمى وتدفعنا إلى األعالً،‏<br />

فمد كادت روعة المشهد أنها استطاعت سلب عمولنا وتجرٌدنا<br />

من ثٌابنا.‏ كؤن التعري امتلن فجؤة صوتاً‏ تجرّ‏ أ أن ‏ٌهٌب بنا<br />

االستجابة لندابه.‏ األمر لم ‏ٌكن ‏ٌتعلك بالجنس بل بالحرّ‏ ‏ٌة وفن<br />

األنشوطة عن خنالنا التً‏ كدنا أن ننساها،‏ دون أن نعرؾ من<br />

فعل بنا ذلن.‏ األمر لم ‏ٌنتهِ‏ عند هذا الحدّ،‏ فرأٌنا بذهول كٌؾ<br />


‏ٌدور خصر الفتاة الرابعة الجمال والتكوٌن حول عنك الرالص،‏<br />

وهو بدوره ‏ٌدور بجسده وبروحه وبها أٌضاً،‏ بخطوات طوٌلة<br />

تارة،‏ ولصٌرة تارة أخرى.‏ فً‏ أثناء ذلن كان ‏ٌنزل رفٌمته إلى<br />

األرض دون أن ‏ٌحرّ‏ رها،‏ بحٌث ‏ٌجعل الجسدٌن الملتصمٌن<br />

المتماسكٌن ‏ٌتماٌبلن بخفة عجٌبة ‏ٌمنة وٌسرة،‏ مإجّجاً‏ مشاعر<br />

الجماهٌر،‏ ومُشعبلً‏ التصفٌك.‏ وربّما أشٌاء أخرى لد ‏ٌعرؾ<br />

بوجودها ذلن الشاخص إلى المشهد بذهول،‏ أو إنه من الذٌن<br />

‏ٌتجاهلون ما ‏ٌملكون.‏ لكن الرالص كان ‏ٌبدو مصراً‏ على<br />

تجاهل الجمهور وما ‏ٌفعل،‏ فعاد إلى رفع أنثاه محٌطاً‏ عنمه<br />

بجسدها المطواع إلى حدّ‏ الذهول.‏ بدأ إٌماع الفالس فجؤة خفٌضاً‏<br />

بطٌباً‏ ‏ٌثٌر فٌن ما تبمّى من عنفوان لدٌم إلى أن أخذت أنؽامه<br />

تتمدّد فوق اإلٌماع بكلّ‏ خفر ولبالة.‏ نجحت ‏"األوركسترا"‏ بنمل<br />

الجمهور إلى تلن اللحظة المبدعة،‏ مدخلة الرالص فً‏ الولت<br />

نفسه،‏ إلى خضم ك ‏ّل ذلن،‏ حٌث أخذ بالدوان حول المسرح<br />

الكبٌر مرّ‏ تٌن بخطوات كبٌرة وببراعة فابمة مظهرة تؽٌر نوعٌّة<br />

الخطوات واتساعها وكٌؾ كانت تتبلعب مع ما تفعله من دوابر<br />

بشكل فاق ك ‏ّل التولعات،‏ لكن ال تظن بنفسن الظنون إن سمعت<br />

فً‏ تلن اللحظات ابتهاالت المبلبكة،‏ وجعلت من ‏ٌختبإون<br />

خلؾ المسرح وٌرالبون،‏ ‏ٌصاب بعضهم باإلؼماء وبعضهم<br />

اآلخر ‏ٌصل إلى ذروة االنتشاء فً‏ اللحظة نفسها التً‏ كان<br />

الرالص ‏ٌتابع الدوران بشكل أسرع ؼٌر شاعر بما أصاب<br />

الجمهور من احتدام الجنون فً‏ داخله،‏ فمد كان فً‏ تلن<br />

الهنٌهات ‏ٌمطؾ نشوته الخاصة وٌرسلها إلى جمٌع أنحاء<br />

جسده.كان فً‏ أثناء ذلن ‏ٌنزل فتاته وٌتركها تخطو خطوتٌن،‏<br />

متابعاً‏ إٌّاها إلى أن ‏ٌحٌن رفعها إلى حٌث كانت،‏ معٌداً‏ عدة<br />

مرّ‏ ات ما كان ‏ٌفعل.‏ ثمَّ‏ أخذ الرالص ‏ٌبطا دورانه وٌنزل أنثاه<br />


من حول عنمه كما ‏ٌفعل الساحر عندما ‏ٌؤمر األفعى الرلطاء أن<br />

تنزلك من عنمه وتركع تحت لدمٌه.‏ الكمان كان ‏ٌرٌد التصدّي<br />

بنفسه إلنهاء تلن الرلصة التً‏ المست العبمرٌّة بلحن ‏ٌسرق<br />

األلباب.‏ أحسّ‏ الجمهور أن المشهد ‏ٌكاد أن ‏ٌنتهً‏ فشعر<br />

باإلحباط وكاد أن ‏ٌخرج عن طوره.‏ لكن عصا لابد الفرلة<br />

الموسٌمٌّة أرسلت إلٌه رسالة تمول:‏ إن اآلمال ال ‏ٌمكنها تؽٌٌر<br />

طبٌعة الحٌاة واألشٌاء،‏ فلكل شًء نهاٌة كما الرلصة،‏ فبل بدّ‏ لها<br />

أن تنهً‏ ما ترٌد أن تموله وتحسم األمر،‏ دون أن تُعٌر أ ‏ّي<br />

اهتمام لمن ‏ٌؤبى.‏ هكذا مؤلنا شعور بؤنها لاربت هً‏ والموسٌمى<br />

من إكمال تؤدٌة دورهما،‏ فبلحظنا زؼردة الكمان موحٌة للجمٌع<br />

أن هللا ‏ٌستدرج اإلنسان إلى إشراكه فً‏ إبداعاته،‏ لكن اإلنسان<br />

علّمته الحٌاة أن ‏ٌشكّ‏ ‏ِن فً‏ أحبلمه فهو ‏ٌعرؾ طعم الخٌبة،‏ بل<br />

الخٌبات وٌتساءل:‏ كٌؾ له أن ‏ٌُمنح االلتراب من فهم جزء<br />

بسٌط من خ ‏ّطة هللا لهذا العالم؟!‏ هكذا آن األوان أن نصل إلى ما<br />

لبل االنتمال إلى الممطع األخٌر،‏ حٌث كانت الذكورة تتحضّر<br />

لترسم فً‏ الجولة األخٌرة شكبلً‏ لنهاٌة علٌها أن تربن العٌون<br />

وتُإجّج النفوس جاعلة التصفٌك ‏ٌحتدم فترة ‏ٌطالب بها الجمٌع<br />

على أن تكون ؼٌر لصٌرة.‏ كما فهمت األُنوثة ما هو واجبها<br />

تجاه ما هو شرعً‏ وأخبللً‏ فً‏ ما ‏ٌتوخاه الحضور وما تتطلّبه<br />

العادات السخٌفة التً‏ ال تزال سارٌة وتعتبر من األخبلق<br />

الحمٌدة.‏ كان المشهد األخٌر رابعاً‏ إذ عندما حانت اللحظات<br />

األخٌرة لتولؾ عزؾ ذلن ‏"التانجو المتعالً"‏ المدهش الذي بدا<br />

أنه نجح فً‏ سحك نفسه لبل أن ‏ٌسحك الملوب.‏ خرّ‏ ت األنثى<br />

ببطء وهً‏ تنزل ‏ٌدٌها اعتباراً‏ من خصري الرالص،‏ راكعة<br />

بطرٌمة فنٌّة سٌنمابٌّة مادة أحد فخذٌها عارٌاً‏ ممسكة بمنتصؾ<br />

أسفل سالً‏ الرجل الذي اتّخذ مَظهر المتؽطرس الذي لم ‏ٌعجبه<br />


أن فتاته أخفت عنه خروجها عن طاعته بعض الولت بحجة<br />

اعتمادها أن ما فعلته فً‏ ذلن الولت الضابع كان أصوب.‏ هنا<br />

كان رأي الذكر،‏ إذ اختلط تؽطرسه وامتعاضه ببعض المرؾ،‏<br />

فبدا أنه لم ‏ٌكن راضٌاً‏ عن أدابه تماماً،‏ وأن ث ‏ّمة خطباً‏ ما ساهم<br />

فً‏ التملٌل من إعجابه بنفسه.‏ بٌنما كانت األنثى ترسم صورة<br />

المتضرعة المنكَّسة األعبلم،‏ معلنة خضوعها وهً‏ تحاول أالّ‏<br />

‏ٌراها أحد تمسح دموعها،‏ لكن الجمهور سارع إلى التصفٌك<br />

الشدٌد طوٌبلً،‏ موحٌاً‏ أنه لم ‏ٌصدق ما ظهر على الرالص من<br />

بعض االمتعاض،‏ إذ إنه عدّه جزءاً‏ من المشهد األخٌر.‏<br />

إن سِرّ‏ ذلن الحوار الجذّاب،‏ هو عنفه الذي ال ‏ٌخلّؾ<br />

جروحاً،‏ ووعده أن فً‏ الطرٌك متعاً‏ كثٌرة تجعل اللٌل فراشاً‏<br />

وثٌراً،‏ لكنه سٌفمد لٌمته إذا خصّص للنوم.‏ إذ إن طرفً‏ تلن<br />

المماحكة الفرٌدة ‏ٌُخفٌان العدٌد من الكمابن المصنوعة بٌد خبٌر<br />

بحٌث ال تُولع على األرض،‏ لكنّها تحدث بعض التعثّر<br />

واالرتبان اللذٌن ‏ٌوافمان اإلٌماع وٌدعوان الرؼبة إلى االلتحام<br />

وتحدٌك العٌون فً‏ بعضها بعضاً‏ لٌس إ ‏ّال.‏ ألٌست الحٌاة انزاللاً‏<br />

مصطنعاً‏ ‏ٌؤخذنا إلى حٌث ‏ٌصبح االشتبان البدّ‏ منه،‏ فٌصٌر<br />

مرؼوباً‏ بشدة رؼم جفاؾ الفم تؤخٌر سموط األجساد بعض<br />

الولت،‏ حتى ‏ٌصبح سموطاً‏ ناعماً‏ هادباً‏ على األرض،‏ وهً‏<br />

مدّعٌة اإلنهان جاهدة لبللتصاق على الببلط المدفّؤ،‏ بوساطة<br />

الحداثة التً‏ أؼنت كلّ‏ شًء،‏ وخلمت مشاكل تحتاج إلى حلول<br />

مستمرّ‏ ة،‏ لكن الولت الذي رفض أن ‏ٌساعد الصبر دفع<br />

بالجسدٌن المتلهّفٌن إلنهاء ما ال ‏ٌوصل إلى شًء،‏ متؤملٌن<br />

بجدل مختلؾ ‏ٌحتدم ضمن مكان حمٌمًّ،‏ فً‏ ظلّ‏ إضاءة خافتة<br />

ودؾء إنسانًّ‏ صٌفاً‏ وشتا ‏ًء،‏ مإجّبلً‏ إلى أولات أخرى ما تبمى<br />


من فصول مثٌرة كثٌرة ال شنّ‏ أنها لادمة،‏ وفٌها ‏ٌؽوص<br />

اإلنسان بعٌداً‏ فً‏ أعماله حٌث ‏ٌتؤكّد من وجود الكثٌر من<br />

ؼرابب الرؼبات،‏ كما ‏ٌدرن أن االستمتاع سٌكون دابماً‏ متاحاً‏<br />

للجمٌع إلى ألصى ما تستطٌع الموى التحمل فً‏ أجواء ‏ٌظلّلها<br />

الحب وتتنفس فٌها الحرٌة بعٌداً‏ عن السوق والتسوق.‏ رؼم ما<br />

لوّ‏ لوه للدٌن علٌنا أن ندرن ولٌس ربما أن الجسد البشري<br />

‏ٌتمتع بالحرّ‏ ‏ٌة المطلمة على أالّ‏ ‏ٌكون خاضعاً‏ لتبادل البٌع<br />

والشراء،‏ بعد تفهّم المسإولٌة التً‏ ال بدّ‏ أن تطاله إذا ترتب على<br />

األفعال نتابج لم تكن فً‏ الحسبان.‏<br />

لست أدري ما حدث لً‏ ودفعنً‏ إلى التمدّم من الرالص<br />

وولفتُ‏ أمامه حاببلً‏ بٌنه وبٌن التحرن إلى أي مكان ‏ٌمكن أن<br />

‏ٌتّجه إلٌه.‏ شًء ما أشعرنً‏ أنه ‏ٌتحرّ‏ ن فً‏ داخلً‏ وٌسمعنً‏<br />

وشوشة تمول لً:‏ إنه استَمْتَع بولاحتً‏ ولال لً‏ فً‏ تلن<br />

اللحظات:‏ مرحى،‏ ودون أن أحسب ما ‏ٌمكن أن ‏ٌترتب على<br />

حماستً‏ المفرطة من مشكبلت،‏ أو أن أفكّر فً‏ االحتماالت<br />

الكثٌرة الممكن أن تنفجر فً‏ وجهً‏ وتدخلنً‏ فً‏ إحراج أنا فً‏<br />

ؼنىً‏ عنه.‏ ‏ٌبدو أنً‏ نسٌت نفسً‏ وعدت إلى طفولتً‏ دفعة<br />

واحدة متمسكاً‏ بالهدؾ الذي أسعى وراءه.‏ سمعته ‏ٌمول بصوت<br />

هادئ خالٍ‏ من أيّ‏ ؼضب أو ارتبان:‏ هل أعرفن،‏ أم إنً‏ نسٌت<br />

تلن المصادفة التً‏ جمعتنا؟!‏<br />

ال أعتمد أنن نسٌت شٌباً.‏ دعنً‏ أخبرن أننا لم نلتكِ‏ ال على<br />

األرض وال فً‏ السماء.‏ أعذرنً‏ فإنن بذلن تساعدنً‏ على<br />

تفسٌر ما حدث.‏ أنا ؼرٌب عن هذا الفن الذي ‏ٌفتح األعٌن عمّا<br />

‏ٌمكنه الجانب اإلنسانً‏ من اإلنسان أن ‏ٌفعل لبلرتماء بالبشرٌّة<br />


إن إعجابً‏ الشدٌد بما رأٌت،‏ جمّع أحاسٌسً‏ كلّها،‏ مضٌفاً‏ إلٌها<br />

شعوري المُحبِط بجهلً‏ ؼٌر الممبول وال المفهوم بهذا الفن<br />

العظٌم وأطلمها كطالة تتوق إلى التعوٌض عمّا فاتها علّها<br />

تُسكت هذا االستنكار الذي ‏ٌعمّ‏ نفسً‏ اآلن مختلطا بالذهول<br />

والدهشة واإلعجاب.‏ من ‏ٌدري ما ‏ٌمكن لهذا الخلٌط العجٌب أن<br />

‏ٌفعل؟!‏ إذ ربّما ‏ٌكون لنبلة مإلّتة لد تنفجر فً‏ أٌّة لحظة.‏ أعتذر<br />

مرّ‏ ة أخري،‏ راجٌاً‏ تفهّم مشاعري وتمصٌرى الذي ‏ٌتهمنً‏ فً‏<br />

العمك أنً‏ أهملت فناً‏ أكّد إنسانٌّة اإلنسان منذ اللحظة التً‏<br />

عرؾ فٌها أنه مختلؾ.‏ كلّ‏ ما للته حمٌمً‏ وٌنبع من داخلً.‏ أنا<br />

أإمن اآلن أنه ‏ٌُعطٌنً‏ الحك بالتعرؾ إلٌن،‏ وفهم مشاعرن<br />

وأنت تحاول الخروج من جسدن وتحرّ‏ ره من التراب الذي ‏ٌشدّه<br />

إلى العٌش مع دودة األرض،‏ وتجعله ‏ٌطٌر بن أو تطٌر به إلى<br />

النجوم،‏ ومن بعدها لست أدري إلى أٌن ستمضً.‏ إنً‏ صادق<br />

فٌما ألول.‏ هل ‏ٌمكننً‏ معرفة وجهتن،‏ وإلى أٌن ترٌد أن<br />

تصل؟!‏ إن ما رأٌته جعل إحساسً‏ بالؽربة ‏ٌتّسع فً‏ داخلً‏<br />

وفضولً‏ ‏ٌسعى لٌفهم أٌضاً‏ إن كانت مشاعرن تهمس فً‏ أذنن<br />

لابلة:‏ تروَّ‏ ى ول ‏ّسم طموحن إلى عدة مراحل،‏ فمد ال تعرؾ ماذا<br />

سٌصادفن فً‏ نهاٌة النهر.‏<br />

ماذا تمصد؟!‏<br />

أرجو التؤكّد أنً‏ فمدت السٌطرة على إرادتً.‏ اًنا فً‏ هذه<br />

اللحظات مُنساق بكلٌّتً‏ وراء مشاعري،‏ وال ألصد ممّا للته<br />

شٌباً‏ محدّداً.ربّما جعلنً‏ ما رأٌت أدخل فً‏ عتمة ؼٌر حالكة:‏<br />

إنً‏ أعرؾ الحٌاة وتؤملتُ‏ طوٌبلً‏ فً‏ السماء والنجوم،‏ محاوالً‏<br />

اكتشاؾ بعض المستور أو المختفً‏ لبعض الولت.‏ كما انً‏<br />


عاٌشتُ‏ الموت عن لرب،‏ لكنً‏ وأنا أشرب كؤساً‏ مضاعفاً‏ من<br />

الوٌسكً‏ على سطح سفٌنة ترلص ‏"السلو"‏ مع البحر مرٌحة<br />

خدها على خده وهً‏ لٌست بعٌدة عن ‏"كرٌت"‏ وال عن روح<br />

‏"نٌكوس كازانتزاكٌس"‏ ذلن الكاتب العظٌم الملتصك بؤرضه<br />

وشعبه،‏ والتعاٌش مع فطور الصباح الذي ال ‏ٌخلو من الزٌتون<br />

األخضر وزٌته الفاخر ورابحة البصل والثوم،‏ كان ذلن الكاتب<br />

االستثنابً‏ ‏ٌمتلا بالرٌبة من جدوى لصة الخلك ورمزٌّتها التً‏<br />

تزٌد الؽموض ؼموضاً،‏ وتطرح مزٌداً‏ من األسبلة التً‏ لم<br />

‏ٌتطوّ‏ ر المنطك اإلنسانً‏ لٌجد أجوبة لها.‏ كلّ‏ هذا الؽموض الذي<br />

‏ٌحٌط بالخلك وٌمؤل هذه الدنٌا جعلنً‏ دون أن أدري أشعر<br />

بخوؾ عمٌك علٌن وأنت وسط هذا العالم الذي ‏ٌزداد تعمٌداً.‏ لمَ‏<br />

أنت باقٍ‏ ها هنا؟!‏ هٌا لملم نفسن وأفكارن وطر إلى السماء.‏ إنً‏<br />

أإكّد لن أنن ستصل إلٌها بتلن األجنحة ؼٌر المربٌّة التً‏ وهبها<br />

لن هللا.‏<br />

إنن تدهشنً.‏<br />

تعلم ذلن؟!‏<br />

إذ إنً‏ أرى أمامً‏<br />

فناناً‏ حمٌمٌاً.‏<br />

ترى هل حماً‏ ال<br />

أنا آسؾ،‏ فؤنا أعرؾ أن الفنان وهو ‏ٌعانك اإلبداع ‏ٌكون<br />

ممتلباً‏ بالشعور بما ‏ٌفعل وماذا ‏ٌرٌد أن ‏ٌمول لهذا الكون.‏ أما<br />

أنا،‏ فما ‏ٌخرج منً‏ ال أتحكم به،‏ وال أدري ماذا ‏ٌرٌد أن ‏ٌمول<br />

إالّ‏ عندما أسمع ما أنطك به.‏ دعنً‏ أتابع التحدث للٌبلً‏ عن<br />

‏"نٌكوس".‏ اعذرنً،‏ فالمشكلة تتكرر معً‏ دابماً،‏ إذ عندما أفكر<br />

فٌه أو ‏ٌكون موضوعاً‏ أل ‏ّي حدٌث ‏ٌهرب منً‏ الخوؾ بالطرٌمة<br />

نفسها التً‏ ‏ٌهرب منها الشٌطان من الكنٌسة فور بدء الصبلة.‏<br />

77


خذ راحتن ودع مشاعرن تهدأ.‏<br />

أنا أصؽً‏ إلٌن بكل جوارحً.‏<br />

عندما ‏ٌمر ذكره بحضوري،‏ أو ‏ٌزورنً‏ طٌفه بطرٌمة ما تعود<br />

مشاعري فتفٌض حتى تكاد أن تخنمنً،‏ فؤمتلا بؤحاسٌس<br />

تدفعنً‏ إلى أن أزٌد من توضٌح ما ‏ٌعنً‏ نٌكوس لً.‏ اًعتمد أن<br />

‏"كرٌت"‏ مرّ‏ ت فً‏ حدٌثً،‏ فمد فوجبتُ‏ واًنا بالمرب منها<br />

باضطراب السماء،‏ واصطراع الؽٌوم السوداء مع بعضها<br />

بعضاً،‏ وشعرتُ‏ بالخوؾ من الؽضب الصاعك للبحر،‏ وانسكاب<br />

ذلن الكؤس المعتك على ثٌابً‏ الجدٌدة،‏ وصراخ ‏ٌزٌح الملب<br />

بمسوة من مكانه،‏ آتٍ‏ من الجهة األخرى من السفٌنة،‏ تبٌن أنه<br />

استنجاد أخٌر لبحار فً‏ العشرٌن من عمره سمط من علوٍ‏<br />

وابتلعه البحر فً‏ بضع لحظات.الكرٌتٌّون هم أبناء أرض<br />

الزٌتون والتٌن كما هم أبناء البحر والصخور،‏ وكذلن األسمان<br />

الطازجة واألخطبوط المشوي بزٌت الزٌتون والثوم.‏ هكذا<br />

عندما تبدأ بمراءة أحد كتب ذلن الكاتب العظٌم،‏ فإنن ستشم بموة<br />

رابحة أرض كرٌت الممٌزة التً‏ تحمل فً‏ طٌّاتها كل المجون<br />

والشبك الذي كانت منخرطة فٌه اآللهة المدٌمة.‏ لمد أمضى<br />

نٌكوس جزءاً‏ كبٌراً‏ من حٌاته وهو فً‏ صراع مع هللا.‏ ربّما كان<br />

صراع المدلّل مع األب الذي ‏ٌهٌم بابنه،‏ من ‏ٌدري؟!‏ لكن المهم<br />

أن ذلن الكاتب المجبول مع تراب وطنه لم ‏ٌستطع التحرّ‏ ر من<br />

الؽرق فً‏ شم رابحة ربّه.‏ لكن أٌمكن أن تمول لً:‏ ما الذي<br />

دعان إلى تحذٌري من التلهؾ والسرعة فً‏ التناص المُمتَنَع،‏<br />

ثمَّ‏ من أنت بالضبط؟!‏<br />

إنً‏ أرى أمامً‏ بكلّ‏ صراحة شخصاً‏ خاصاً‏ ‏ٌروق لً‏<br />

وٌخٌفنً‏ فً‏ الولت نفسه.‏ إنن استولفتنً‏ بهذا االلتحام المفاجا<br />

78


وجعلتنً‏ أخشى أن تتسلّل إلى روحً‏ وتنبش فٌها.‏ لمد وجدت<br />

أننً‏ كلّ‏ ما بذلت الجهد لبللتراب منها،‏ أرى أنها ال تزال<br />

متمتعة وهً‏ ضمن الضباب حٌث تسكن.‏ ترى هل كلّ‏ األرواح<br />

تتستر بالضباب عوضاً‏ عن النُمُب؟!‏ لست أدري إن كنت<br />

سؤتمكّن من النوم هذه اللٌلة؟!‏<br />

لم ألصد أن أذهب بعٌداً‏ كما أوحى الٌن كبلمً.‏ أعتذر مرة<br />

أُخرى أو مرات.‏ إن نٌكوس وكتبه هم الشعلة التً‏ أرجو االّ‏<br />

تنطفا وهً‏ ترافمنً‏ فً‏ كل حٌاتً.‏ أنا طبٌب نفسً‏ لم ‏ٌمرّ‏ ر أن<br />

‏ٌفتح عٌادة بعد.‏ عندما بدأتَ‏ بالرلص شعرتُ‏ بؤنً‏ أُلاد إلى عالم<br />

جدٌد وأدخل إلى مناخ ‏ٌمتلا برابحة الثمالة ‏ٌؽرٌن بارتكاب<br />

الفحش لرب مولد ‏ٌشتعل فٌه خشب السندٌان الذي لطالما كان<br />

‏ٌإكد أنه مختلؾ برابحته عن كلّ‏ شًء عرفته فً‏ عالمً.‏<br />

حسدتن كثٌراً‏ بعض الولت،‏ لكن لم ألبث أن عمنً‏ إدران أن<br />

الولت لد فات على الدخول فً‏ سباق من أجل اللحاق بن<br />

والسفر إلى المجهول،‏ فمد كفانً‏ كل تلن المجاهٌل التً‏ تساكننً‏<br />

وتحٌط بً.‏ تساءلت هنٌهة:‏ لمَ‏ ال تنتظر عربة ‏"إٌلٌّا النبً"‏<br />

فربّما تعجبه طلّتن مهما كان مستعجبلً‏ فٌتولؾ لٌؤخذن معه<br />

إلى السماء هذا ما مرّ‏ فً‏ خاطري،‏ وفرشته أمامن بكلّ‏ بساطة،‏<br />

لست أدري لمَ‏ فعلت ذلن وال أنوي أن أعرؾ.‏ لكنً‏ أشحت<br />

بوجهً‏ تاركاً‏ أفكاري تعالج نفسها بنفسها،‏ دون أن أكون ممتنعاً‏<br />

أنها تستطٌع تدبٌر أمرها.‏ هكذا لم ‏ٌكن أمامً‏ سوى االستمتاع<br />

بالؽرق فً‏ بحر اإلبداع الذي أراه ‏ٌتجسد لبالة ناظري.‏ أظن<br />

أنً‏ سؤرى نفسً‏ فً‏ أحبلمً‏ المستمبلٌّة أرلص مثلن،‏ وأعدن<br />

إن حدث ذلن فلن أتروّ‏ ى.‏<br />

79


إنن إنسان ؼرٌب حماً.كنت أود متابعة هذا الحدٌث الشٌك،‏<br />

فؤنت كما تبدو عن لرب تملن ما ‏ٌجعلن مختلفاً‏ عن اآلخرٌن<br />

وتدفع الذٌن ‏ٌتعرّ‏ فون إلٌن للتولّؾ أمام محرابن،‏ لٌس بعض<br />

الولت بل طوٌبلً‏ جداً.‏ إن محاولة التعرؾ عن لرب إلى طبٌعة<br />

شخصٌّتن التً‏ تبث الفضول حولها،‏ هو من سٌتكفل بجعل<br />

الناس ‏ٌحٌطون بن.‏ إن أمثالن نادرون فً‏ هذه األٌّام،‏ كما أنً‏<br />

أستطٌع المول:إنً‏ لم ألابل أحداً‏ ‏ٌتحدث بهذه الطرٌمة الممتعة<br />

اآلسرة.‏ أنت ترالص الكلمات دون أن تدري أو ربّما تدري وأنا<br />

ال أعلم إذ إنً‏ لم ‏ٌتسن لً‏ معاشرة الفطنة عن لرب.‏ إنً‏<br />

أخشاها وتروق لً.‏ لكنً‏ رؼم كلّ‏ ما ‏ٌشدنً‏ إلى االستماع<br />

إلٌن،‏ أجد أنً‏ مجبر على االعتذار،‏ فؤنا مضطر إلى االلتحاق<br />

بخطٌبتً.‏ إذا لدّر لن أن تراها وتسمع األلحان الجمٌلة التً‏<br />

تخرج من صوتها وهً‏ تتحدّث،‏ ستحسدنً‏ كثٌراً.‏ أظن أنها<br />

ستؽضب منً‏ ومنن،‏ إذ إنً‏ كما أعرفها ترفض أن ‏ٌُهملها أحد<br />

أما إذا حكٌتُ‏ لها سبب تؤ ‏ّخري،‏ فسٌكون ذلن عل ما أعتمد أكثر<br />

ممّا تستطٌع تحمل مسإولٌّة ال أعتمد أنن ترٌد تحمّل مسإولٌّة<br />

ذلن،‏ وال أن تُحمّ‏ ‏ِل ذاكرتها ؼضباً‏ منن سٌكون مسوؼاً‏ تماماً‏<br />

أنا أتولع أنه لن ‏ٌطول األمر حتّى تجد نفسن لد دخلت معركة<br />

لست متحضّراً‏ لها.‏ كما ستدرن خبلل لحظات أنه لن ‏ٌُسمح لن<br />

بولت لبلرتبان،‏ ولن تلبث أن تفهم أنن خسرت المعركة لبل أن<br />

تبدأ.‏ كفى أن تعرؾ كم حاول ‏ُت أن أجد مسوّ‏ ؼاً‏ للحوار معن<br />

واالستفادة ممّا صادفته من المؽاور وما اكتشفته فٌها.‏ إنها أكثر<br />

أهمٌّة من تلن الحكاٌة التً‏ تتحدث عن ‏"علً‏ بابا"‏<br />

.<br />

إنً‏ ال أعرؾ كٌؾ أشكرن على هذه الفسحة التً‏ منحتها<br />

لً.لكن باهلل لل لً‏ هل أنت مرتبط حماً؟!!‏ أنا ال ‏ٌمكننً‏ تصدٌك<br />


ما تمول ‏ٌا من تنتمل بٌن النجوم،‏ ترى هل ‏ٌمكن لجنونٍ‏ سخٌ‏ ‏ٍؾ<br />

كهذا أن ‏ٌصٌبن،‏ بل وٌكاد أن ‏ٌُمزق رسالتن وٌرمٌها إلى<br />

الجحٌم؟!‏ ‏ٌبدو أن الهرب من الوالع لن ‏ٌمكّن أحداً‏ من الوصول<br />

إلى مبتؽاه.إذ إنً‏ أزداد اعتماداً‏ ‏ٌمول:‏ إن من وظابؾ الحٌاة أن<br />

تمفل كلّ‏ ثؽر أعتاد على االبتسام.‏<br />

كان الرالص لد أخفض رأسه للٌبلً،‏ ثمَّ‏ أعاده إلى طبٌعته وشفتاه<br />

تفرجان عن ابتسامة مبهمة ولال:‏ لمَ‏ أنت محبط ومستؽرب كلّ‏<br />

هذا االستؽراب؟!هل فً‏ كبلمً‏ ما ‏ٌدفع مبلمحن إلى هذا<br />

االنمبلب المؤساوي؟!‏<br />

اعذرنً‏ مرّ‏ ة أخرى أٌضاً،‏ إذ لم ‏ٌكن علًّ‏ إظهار ذلن،‏ فٌمكن<br />

أن ‏ٌبدو ما ألول تدخّبلً‏ فً‏ شإون ال ‏ٌجدر بً‏ حشر نفسً‏<br />

فٌها.كما أنً‏ أخشى حماً‏ أن ‏ٌظهرنً‏ كلّ‏ ما حدث كمعتوه أبله<br />

‏ٌسرُّ‏ ه كثٌراً‏ أالّ‏ ‏ٌعرؾ طرٌمه أو ماذا ‏ٌرٌد!!‏ سامحنً‏ أرجون.‏<br />

لمد كنت كرٌماً‏ وصبوراً‏ بتجنّبن إحراجً‏ وإرباكً‏ وربّما<br />

إظهار جنونً‏ أمام الناس،‏ أنا الدكتور ‏"زٌاد عبد النور"‏ شكراً‏<br />

من الملب،‏ هذه بطالتً،‏ أكرر اعتذاري وأعلن عن أسفً‏ الشدٌد<br />

على ولتن الذي ضاع.‏<br />

ال تذهب أرجون.‏ جعلتنً‏ أشعر بالذنب،‏ المصّة كلّها لم تكن<br />

أكثر من مزحة لم أتصوّ‏ ر أنها ‏ٌمكن أن تنفجر وتجعل الجسر<br />

الذي بنٌناه بٌننا ‏ٌنهار وٌحدث خراباً‏ ودماراً‏ لكلّ‏ أعشاش<br />

الطٌور التً‏ أحبت عشرتنا.‏ لم أعتد على معاشرة الشٌطان.لكن<br />

‏ٌبدو أنه ترن كلّ‏ شًء وامتطى مزاجً‏ مخرباً‏ وجهن الذي<br />

تتنبع منه طٌبة ال ‏ٌبلبمها إالّ‏ االبتسام.‏ ثمَّ‏ إنً‏ لصدتُ‏ إخافتن<br />


للٌبلً،‏ وتنبٌهن إلى أن الدنٌا ال تإخذ ؼبلباً‏ ‏.أنا ال أفكّر حالٌِاً‏ فً‏<br />

الزواج،‏ بل إنه لم ‏ٌخطر على بالً‏ مطلماً.‏ أنا أدرن تماماً‏ كٌؾ<br />

هو ذلن الدرب الضٌك الملًء بالعثرات الذي علً‏ اجتٌازه،‏<br />

وعلًّ‏ أن أشرن معً‏ كلّ‏ خبلٌاي المفعمة بالحٌاة ‏ٌا عزٌزي<br />

الدكتور،‏ لبل أن ‏ٌمكننً‏ اعتبار نفسً‏ رالصاً‏ ‏ٌعرؾ خارطة<br />

الطرٌك الوعر الذي علًّ‏ اجتٌازه.هذا األمر هو جزء من إٌمانً‏<br />

بخالك الوجود.‏ ربما سؤواجه أمراً‏ آخر إذا وصلت إلى هدفً،‏<br />

وهو أالّ‏ أتشبث سوى بهذا الحلم وأنسى لصة الزواج إلى األبد،‏<br />

إذ ال ‏ٌمكن إلنسان مخلص أن ‏ٌعٌش حٌاتٌن.‏ دعنً‏ ألول لن<br />

إنً‏ أكرّ‏ س حٌاتً‏ بكل ما تحمل كلماتً‏ من معانٍ،‏ للوصول إلى<br />

ما أصبو إلٌه،‏ دون أن أعبؤ بالتسلّك إلى الممّة.الممّة الحلم لٌست<br />

شهادة تصدرها هٌبة محكًمٌن،‏ إنها مسؤلة شعور.الذي ولؾ<br />

وسٌمؾ علٌها ‏ٌوماً‏ سٌفهم بعمك ما ألول وٌحاول أن ‏ٌتصالح مع<br />

أعماله.أنا أعرؾ وأرجو من الجمٌع التؤكّد أنه وحده من ‏ٌعرؾ<br />

إن كان ‏ٌستحك أن ‏ٌستنشك الهواء فوق أم ال.‏ سؤشفك علٌه كابناً‏<br />

من كان أو سٌكون.‏ سٌإرّ‏ له ذلن حتّى ‏ٌلفظ أنفاسه األخٌرة.‏<br />

لكنً‏ ما زلتُ‏ أرؼب فً‏ معرفة لمَ‏ ما للتُ‏ عن ارتباطً‏ لد أثار<br />

فٌن كلّ‏ ذلن االنزعاج واإلحباط،‏ رؼم أنه حدث طبٌعً‏ ال<br />

ؼرابة فٌه.‏ ترى هل ستجٌبنً؟!‏ إنً‏ انتظر ما ستمول،‏ إذ إنً‏<br />

أشعر منذ فترة بؤن روحاً‏ تتبعنً‏ وهً‏ التً‏ وضعتن فً‏ طرٌمً‏<br />

دون أن تدري،‏ فؤنا أدرن أن اعتراض طرٌمً‏ هو عمل لم<br />

‏ٌسبك لن أن لمت بمثله مع أي كان،‏ دعنً‏ ألول لن:إنً‏<br />

مسرور ألنن فعلت ذلن،‏<br />

المرء لٌس آلة تملن حك التفكٌر الحر المتوازن.‏ من أجل هذا<br />

لٌس علٌن تولّع إجابة ال تستند إالّ‏ على العمل.‏ إذ إن اإلنسان<br />


متشابن المشاعر واألهداؾ،‏ وهو معرّ‏ ض إلى أن تتدخل فً‏<br />

أسس منطمه عوامل كثٌرة،‏ لد تكون متنالضة.‏ الذي ‏ٌإلمنً‏ حماً‏<br />

أالّ‏ ‏ٌنتظرن فٌه إالّ‏ السخافة لتعاشرها.‏ عنصر المفاجؤة الذي<br />

أخذنً‏ على حٌن ؼرة،‏ صفعنً‏ بعنؾ لذا كان رد فعلً‏ السرٌع<br />

هو االستنكار الشدٌد،‏ فور سماعً‏ أنن لد تسلّم نفسن إلى ذلن<br />

السجن الرهٌب والسخٌؾ فً‏ الولت نفسه،‏ فهزّ‏ نً‏ ذلن وخرج<br />

من فمً‏ كبلم عكس حمٌمة ما جرى فً‏ أعمالً‏ دون أن<br />

‏ٌتعرّ‏ ض للتشذٌب.‏ لو كان بٌن ‏ٌدٌنا ممٌاس للزالزل لسجّل ما<br />

حدث تماماً.‏ رؼم أننً‏ لم أفكر لحظة أنن لد تكون بحاجة ماسة<br />

إلى االنتحار،‏ ‏ٌا من ‏ٌتكوّ‏ ن فً‏ داخله ما ‏ٌعٌد الجماهٌر إلى<br />

الحب والتؤمل فً‏ الوجود والتمسن برضى الخالك.‏ لمد رأٌتن<br />

ترلص مؽلّفاً‏ بهالة من األلوان الهادبة تربط بٌنها حٌاكة تتؤلّؾ<br />

خٌوطها من الفرح الذي سمح الرب أن ‏ٌتجسد وٌخدمن خدمة<br />

إضافٌّة بعض الولت وٌرالبن بحنان وأنت ترلص.‏ اعذرنً‏ فؤنا<br />

لررت منذ زمن بعٌد بعض الشًء،‏ الحذر من الؽوص إلى<br />

داخل النفس البشرٌّة،‏ وما تردّدي فً‏ فتح العٌادة سوى انعكاس<br />

لهذا المرار الضمنً.‏ دعنً‏ أضع ما أرٌد لوله فً‏ إطار مازح،‏<br />

وهكذا أستطٌع أن ألمح إلى وجود ضفادع فضابٌّة لن تَمُسّ‏ ‏َن<br />

بسوء لكنن دون أن تدري ستؤخذن معها إلى عالم تؤسرن فٌه<br />

التفاهة ولٌس المضبان.‏<br />

أرى أن لدٌن أجوبة لكل شًء ‏.على كلّ‏ حال أنت محك ففً‏<br />

هذه المرحلة من حٌاتً،‏ أنا أحتاج إلى حرّ‏ ‏ٌتً‏ وأحبلمً.‏ ألن<br />

تبوح لً‏ ماذا كنت ترٌد أن تمول أو تسؤل عندما تعمّدت بتصمٌم<br />

ؼرٌب الولوؾ فً‏ طرٌمً؟!أنت فً‏ منتصؾ العمر،‏ وال تبدو<br />

أنن تمصد أموراً‏ تباؼت العمل.‏ أأستطٌع معرفة ماذا تبؽً؟!لكن<br />


لبل أن تجٌبنً‏ أعتمد أنه علٌنا أن نجلس فمن ؼٌر المعمول أن<br />

نظلّ‏ نتحدث ونحن والفون.ما رأٌن فً‏ ذلن الركن الهادئ؟!‏<br />

نستطٌع بسهولة االبتعاد عن النافذة،‏ إذ إنها لد تشؽلنا عن<br />

الكبلم،‏ فهً‏ تطل على ؼابة صؽٌرة من األشجار الجمٌلة.‏<br />

ال بؤس بل أنا أشكرن.جعلتنً‏ أنسى الهدؾ من هذا اللماء.‏ أنت<br />

تجٌد إدارة الحدٌث وتستحك الشكر مرّ‏ ات عدٌدة على ذلن،‏ فلو<br />

نسٌت أن أسؤلن ما كان ‏ٌشؽلنً،‏ أللضّ‏ ذلن مضجعً‏ ربّما<br />

لفترة لٌست لصٌرة.‏ أظن أنً‏ للت لن أن خبرتً‏ فً‏ الرلص<br />

تمارب الصفر،‏ فلمّا شاهدتن تحاول أن تصعد إلى السماء<br />

أصابنً‏ الذهول وكان ذلن شدٌد التؤثٌر على كٌانً،‏ إذ إنه جمع<br />

بٌن الصدمة التً‏ تلمٌتها وبٌن إعجابً‏ الشدٌد بما كان ‏ٌجري<br />

أمامً،‏ لست أدري أٌن كنت كلّ‏ حٌاتً‏ ولم أنتبه إلى أن هللا<br />

سمح للبشر أن ‏ٌؤخذوا من الحٌاة والشوارع واألزلّة حركات<br />

وكلمات وجعلوا منها معجزات،‏ فما رأٌته كان اإلعجاز نفسه<br />

‏ٌتمدّم واثماً‏ مخفٌاً‏ الجرأة واالعتداد.‏ أجفلنً‏ ذلن كثٌراً،‏ ث ‏َّم عمّنً‏<br />

حَسدٌ‏ زرع فًّ‏ االضطراب،‏ إذ إنً‏ لم أعتد على مثل تلن<br />

المشاعر التً‏ تحطّ‏ من مكانة المرء.‏ ثمَّ‏ لم ألبث أن هدأتُ‏ ،<br />

واجتزتُ‏ الصدمة تماماً،‏ ولم أعدؼاضباً‏ من نفسً.‏ إذ إن المرء<br />

‏ٌؽٌب عن باله أنه فً‏ آخر األمر ل س سوى إنساناً‏ تختلط فٌه<br />

المشاعر واألهداؾ والؽرابز،‏ وأشٌاء كثٌرة ربّما ال ‏ٌعرفها<br />

أحد،‏ أو لم ‏ٌجدوا لها حتّى اآلن مسمٌّات.‏ إن اإلنسان نفسه الذي<br />

ال ‏ٌزال متروكاً،‏ لد ‏ٌواجه فخاخاً‏ هو من وضعها بنفسه ونسً‏<br />

األمر كلّه،‏ حتى أنه لم ‏ٌعد ‏ٌتذكر أنه مرّ‏ من هذا المكان أو ذان<br />

‏ٌوماً.‏ دعنً‏ أخبرن شٌباً‏ وألول:‏ كثٌرة هً‏ األشجار المحرّ‏ مة<br />

فً‏ طرٌك اإلنسان،‏ دعنا نعترؾ بذلن ونكؾ عن جلد أنفسنا.‏<br />

ٌ<br />


الخالك لٌس سادٌّاً‏ ولم ‏ٌمصد ‏ٌوماً‏ تعذٌب اإلنسان.حٌن احتجتُ‏<br />

إلٌه لم ‏ٌتركنً‏ حانماً‏ مرتبكاً،‏ فتدخّل مربتاً‏ على كتفً.‏ شعرت<br />

للتو بؤن أحداً‏ كان ‏ٌمؾ لربً،‏ فلم ‏ٌلبث أن أدخل ‏ٌده إلى<br />

صدري وانتزع شٌطانً‏ من هنان ثم اختفى.‏ أحسستُ‏ بارتٌاح<br />

شدٌد ومٌلٍ‏ أكثر وطؤة إلى فهم ماذا ‏ٌفعل بن الرلص حتى تبدو<br />

كؤنن تحلم حلماً‏ رفٌع المستوى تحٌط بن الؽٌوم وتمدمن إلى<br />

العالم كمث ‏ٍل فً‏ منتهى الروعة ‏ِلما ‏ٌهٌا لهم الرب فً‏ نهاٌة<br />

المطاؾ.‏ إن المدٌر ‏ٌدهشنا بٌن الحٌن واآلخر حتى ال ننسى<br />

ونمنط من رحمة هللا.‏ هنان فوق ستؽٌّر كلّ‏ شًء بدءاً‏ من إبطال<br />

عمل الجاذبٌة األرضٌّة،‏ رافعاً‏ إٌّان إلى األعالً‏ لترى جمال<br />

الطبٌعة من فوق وتخفؾ من ؼلوابن.‏ لكن لل لً‏ هل تشعر<br />

وأنت فً‏ تلن النشوة الذاتٌّة الخاصة،‏ بالمنذهلٌن الذٌن ‏ٌرالبون<br />

خطواتن التً‏ تبلمس األرض بطرٌمة فٌها من المداعبة الرلٌمة<br />

الشًء الكثٌر؟!‏ ترى ماذا تستطٌع أن تفعل ‏ٌدان؟!‏ ربّما علٌن<br />

أن تخشى النساء بجدٌّة،‏ فمد ‏ٌخطفنن وال أحد ‏ٌمكنه أن ‏ٌعرؾ<br />

إلى أٌن سٌإدّي هذا؟!‏ صدلنً‏ إنه أمر مخٌؾ.‏ ماذا لو أُصبنَ‏<br />

بحالة هستٌرٌّة هل تدرن ماذا ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث؟!‏<br />

هل تعنً‏ أن<br />

أكون أكثر حذراً؟!‏<br />

لل لً‏ ماذا أفعل؟!‏<br />

هل تصادؾ أحد الفنّانٌٌن ‏ٌتمشى وحده فً‏ الشارع؟!‏ ستمول<br />

لً:‏ ال.‏ إنهم ‏ٌخشون ‏ٌا سٌدي أن ‏ٌصبح التمبٌل عضاً‏ أو نهشاً.‏<br />

فلو مشت مارلٌن مونرو فً‏ الشارع وحدها،‏ لنهشوا جمٌع<br />

أعضابها ببل استثناء،‏ ولن ‏ٌعرفوا الفعل الشنٌع الذي لاموا به<br />

إالّ‏ بعد بعض الولت.‏ ال تجبنِ‏ بل فكّر فً‏ األمر.‏ دعنً‏ أتابع<br />

أرجون.‏ كنت أرالب حركة عٌنٌن على المسرح فبدا لً‏ كؤنن<br />


ترى شبحاً،‏ وتعرؾ أنه ‏ٌبلحمن فً‏ كلّ‏ مكان،‏ وٌفعل تماماً‏ كما<br />

تفعل؟!‏ لل لً‏ هل هنان عبللة كهربٌّة بٌنن وبٌنه؟!‏<br />

ما الذي جعلن تسؤل هذا السإال،‏ وكٌؾ تركّب فً‏ ذهنن؟!هل<br />

تشرح لً‏ أنت ذلن؟ ‏!ثمَّ‏ لل لً:‏ هل أرأٌت الشبح أم طٌفه؟ّ!‏<br />

إنن تذهلنً‏ ‏ٌا سٌّدي!‏<br />

لست أدري بالضبط،‏ ربّما رأٌت شٌباً‏ ما،‏ لكنً‏ بالتؤكٌد ال<br />

أستطٌع تحدٌد ما هو،‏ دعنً‏ أفكر للٌبلً،‏ ال أظن أنه كان طٌفاً،‏<br />

بل ربما كان ألرب إلى الشبح.‏ كنت أشعر به طول الولت الذي<br />

كنت ترلص فٌه،‏ وأران تبتسم له لٌس كشبح،‏ بل ربّما كإنسان<br />

ممرب منن ال تستطٌع االنفكان عنه،‏ كٌؾ لً‏ أن أدري تماماً‏<br />

فً‏ تلن اللحظات؟!‏ إذ كنت فً‏ وعًٍ‏ لٌس كالوعً‏ الذي أعرفه.‏<br />

فكرتُ‏ بعمك بما رأٌته أمامً،‏ وأنا أخشى التلفّظ بتفسٌر لِما<br />

وصلتُ‏ إلٌه.‏<br />

أنا ال أعرؾ بل ال أستطٌع أن أفهم،‏ كٌؾ تجرإ أن تتحدث<br />

بؤُمور ال ‏ٌمكن أن ‏ٌصدلها أحد،‏ ولد تعدّ‏ بسببها مجنوناً؟!دعنً‏<br />

ألول:إنن ربّما أبصرت بطرٌمة ما جزءاً‏ من طٌفً.‏ إنه أمر<br />

أكاد أن أُجن حتى أتمكّن من شرحه.لكنً‏ أدرن أنً‏ ال أملن أن<br />

أضع الكلمات المناسبة التً‏ ‏ٌمكنها الدخول إلى فهم اآلخرٌن<br />

وتمنعهم بما ألول وال تربن شكوكهم.‏ أرجو أن تصدق وتتفهم<br />

أنً‏ ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن وال ‏ٌزال ‏ٌحدث.‏ لمد أخافنً‏<br />

األمر فً‏ البداٌة وأعاق للٌبلً‏ سبلسة رلصً،‏ وخفتُ‏ أن ‏ٌبلحظ<br />

ما ‏ٌحدث بعض الخبراء،‏ فاضطررت لمنالشة األمر مع معلمً‏<br />

وأستاذي الملهم.‏ كنت مرعوباً‏ وأنا أنتظر أن ‏ٌدلً‏ برأٌه.‏ لكنه<br />


فاجؤنً‏ باكتفابه بضحن مكتوم،‏ ولمّا تؽلّب على نفسه أجابنً‏<br />

بحنان ؼرٌب:علٌن أن تفرح وتهلل وتدخل الفرح إلى وجدانن<br />

كصدٌك،‏ وتعتبر أن ما تسمٌه طٌفن هو منحة من هللا.‏ إن كنت<br />

ال تفهم ذلن،‏ فعلٌن اإلٌمان بؤن الرب ‏ٌرعان وٌهتم ألمرن.‏ ألم<br />

نكن نجري الكثٌر والكثٌر من التمرٌنات أمام المرآة؟!‏ ألم أكن<br />

أرلص أمامها كً‏ تشاهدون كلّكم كٌؾ كنت ألوم بالحركات<br />

المطلوبة؟!‏ ها أنت الٌوم ترى نفسن ترلص،‏ وتدرن أن من<br />

ترلص معن تعطٌن الفرصة إلصبلح بعض األخطاء الصؽٌرة<br />

التً‏ لد ال ‏ٌشعر بها حتى أهل االختصاص.ستعتاد على األمر<br />

ولد تصبحان أصدلاء.عندما ‏ٌؤتً‏ ذلن الٌوم وترلص دون أن<br />

تنظر إلى طٌفن،‏ عندبذ ‏ٌكون الرب لد تدخل بحكمته وأزاله من<br />

الوجود.‏ ستدرن بعد حٌن أنه اكتفى برضان عن نفسن وتمبل<br />

تسلٌم لٌادتها إلٌن مطمبنّاً‏ أنن ستكون عند حسن ظنّه.‏ الرب<br />

مهتم بكلّ‏ ما ‏ٌجري بالتؤكٌد.‏<br />

إن معلّمن لد اجترح تفسٌراً‏ وحبلً‏ ممنعٌن لد ‏ٌصعبان على أهم<br />

األطباء النفسٌٌّن.‏<br />

دعنا نكمل ما نحن بصدده.‏<br />

أنا أشعر بؤنً‏ أستحك عماباً‏ على إهمالً‏ فناً‏ أساسٌاً‏ من الفنون<br />

نسبها هللا إلى البشر إلعبلء شؤنهم.‏ أنا أإمن بما ألول وال أرٌد<br />

أن أضٌؾ شٌباً‏ آخر.إن ما أثارنً‏ وملن حواسً‏ هو أنً‏ لم<br />

أستطع مبلحمة وفهم ماذا تفعل لتتمكّن من أن تتزحلك على<br />

السحاب دون أن تشعره بؤنن تبلمسه.‏ كما لم أدرن كٌؾ<br />

تتبلعب بمدمٌن بحٌث ال تدع أحداً‏ ‏ٌستطٌع أن ‏ٌتابعن وٌتعلّم<br />

87


كٌؾ تفعل ذلن وتبمً‏ سٌطرتن على الؽٌمات آمراً‏ إٌّاها<br />

بااللتراب من بعضها البعض،‏ متنمبلً‏ بٌن البنت وأمها وثباً‏ أم<br />

طٌراناً‏ لست أدري،‏ دون أن ‏ٌكون هنان من هو لادر على أن<br />

‏ٌنبس ببنت شفة.‏ لكن ذاتً‏ اعترضت ولم تمبلْ‏ أّسلوبً‏ فً‏ لجم<br />

حمها فً‏ التفكٌر وفهم الطرٌمة التً‏ تفعل فٌها ذلن.‏ حتى لو<br />

أردت الهرب لَما استطعتُ‏ ، هكذا اشتركتُ‏ مع ذاتً‏ فً‏ مرالبتن<br />

بدلة؟!‏ التفكٌر كان ‏ٌحشرنً‏ فً‏ الزاوٌة وٌجبرنً‏ على التساإل:‏<br />

ترى من ذلن الذي مَلّكن عبمرٌّة الجسد العَبِمَة بالروح،‏ وعلّمّن<br />

كلّ‏ هذا وجعلن تدخل فً‏ خٌمة اإلبداع السرّ‏ ‏ٌة،‏ واستطاع ضخَّ‏<br />

كلّ‏ ما لدٌه فٌن من تشكٌبلت لبلت السماء أن تعٌره إٌّاها دون<br />

شن ورحل فً‏ النهاٌة بناء على استدعاء الرب.‏<br />

ماذا تمول؟!‏ ترى كٌؾ عرفت ذلن،‏ هل علّمون لراءة<br />

األفكار؟ّ!‏ إنن أرجعتنً‏ لسراً‏ إلى المؤساة.‏<br />

عذراً،‏ إنً‏ لم أتولع أن ما خطر ببالً‏ سٌصٌب كَبِدِ‏ الحمٌمة.‏<br />

أنا شدٌد األسؾ.‏<br />

ال بؤس،‏ لكن لٌس سهبلً‏ التحدث عن أستاذي.‏ لمد كان شٌباً‏ ال<br />

‏ٌمكن الحدٌث عنه دون أن تصلًّ‏ وتبتهل إلى السماء.‏ إنه فنّان<br />

مذهل نادر،‏ وإنسان عظٌم متواضع دون تصنّع.‏ كان ‏ٌإّكّد أن<br />

كلّ‏ ما كان ‏ٌعرفه عن الرلص هو من لدن هللا.‏ كنت أعرؾ<br />

دابماً‏ أنه ‏ٌضع نفسه تحت تصرّ‏ فه،‏ ولم ‏ٌمم بؤي حركة لبل أن<br />

‏ٌتؤكّد أنه راضٍ‏ عنه.‏ لو كان مسموحاً‏ لً‏ بالكبلم ألسمٌته "<br />

المدٌّس"‏ لكنه ؼادر مسرح الحٌاة فجؤة دون أن ‏ٌرى نتٌجة<br />

إخبلصه فً‏ تعلٌمً‏ وتعلٌم الذٌن مرّ‏ وا لبلً‏ وأنا أعرؾ أنهم<br />

88


جمٌعاً‏ ‏ٌرلصون بنجاح فً‏ جمٌع أنحاء العالم.‏ هذا ما آلمنً‏<br />

وترن جرحاً‏ عمٌماً‏ فً‏ نفسً‏ سٌكون من الصعب اندماله،‏ أظن<br />

أنه فً‏ لحظة ما شعر بؤن ولت الرحٌل لد دنا.‏ إذ إنه فً‏<br />

األسبوع األخٌر لد أنهن نفسه وأنهكنً،‏ فتمدّدنا فً‏ نهاٌة<br />

التمارٌن على األرض الخشبٌّة العارٌة بعٌدٌن عن بعضنا بعضاً‏<br />

متعرّ‏ لٌن بشكل مُلفت.أذكر أنً‏ ؼفوتُ،‏ وعندما استفمت وجدته<br />

ال ‏ٌزال نابماً،‏ ولم أجد أي شًء ؼرٌب فً‏ وجهه،‏ بل أستطٌع<br />

المول إنه كان ‏ٌحاول االبتسام لكنً‏ فوجبت رؼم ‏ّما لمتُ‏ به من<br />

جهد أنه لم ‏ٌستفك ولم ‏ٌمم بؤي حركة.‏ فهمت ماذا حدث،‏ لكنً‏ لم<br />

ألبل ذلن فصرتُ‏ أضرب األرض بمدمًَّ‏ إلى أن جاء الطبٌب<br />

وأعلمنً‏ بعد دلٌمة واحدة،‏ أنه ؼادر هذا العالم فور استلمابه<br />

على األرض الخشبٌّة.‏ الؽرٌب فٌما حدث أنً‏ لم أشعر بحاجة<br />

إلى البكاء.‏ كان أبً‏ الحمٌمً‏ إذ إن سبب وجودي ال أعرفه فمد<br />

توفً‏ بعد سنة من والدتً.‏ لمد كرّ‏ س المعلّم نفسه البنه وأعطاه<br />

كلّ‏ ما ‏ٌعرفه.‏ لمد استطاع السٌطرة على أحاسٌسً‏ دون أن<br />

‏ٌستؽلها.‏ بل كان ‏ٌُفهمنً‏ متى شعر بؤن هنان فرصة لذلن أنه<br />

فخور بها مبتعداً‏ بحذالة من أن ‏ٌبدو كبلمه ‏ٌبطن مدٌحاً‏ بنفسه.‏<br />

مرّ‏ ة لال لً:‏ إن الرهافة التً‏ تمؤل كٌانن هً‏ التً‏ ستهتم أن<br />

تكون الروح تسري فً‏ كلّ‏ إبداعاتن،‏ فتعطٌها ما ‏ٌُشعر<br />

الجمهور أن روحاً‏ وصلت من لدن الربّ‏ وسكنت فً‏ هذا<br />

الرالص الفذ لتإكّد أن ما تشاهدونه من إبداعات ترضً‏ الرب<br />

وتمول لكم إن على الجمٌع أن ‏ٌبحثوا فً‏ داخلهم عن بذرة<br />

اإلبداع التً‏ وضعها المدٌر فً‏ كلّ‏ واحد منكم.‏ الش ‏َّن أٌّها<br />

الحبٌب أنن ستشعر ‏ٌوماً‏ بؤنن ترالص روحن.ال ترتبن إذ إنن<br />

ستسكر دون أن تشرب لطرة واحدة من الكحول.‏ لكن الثمالة<br />

ستطٌر بن فوق أجمل جبال العالم،‏ وستدعن تدعس على ك ‏ّل<br />

89


الممم الصخرٌّة التً‏ ‏ٌصعب الوصول إلٌها لترى العالم من<br />

فوق.‏ ساعتها لن تكون بحاجة أن تصل إلى أٌّة لمّة.‏ ما أبدع ما<br />

وصلت إلٌه أٌها الحبٌب.‏ أذكر ما للته لً‏ ‏ٌوماً‏ عن الخطوة<br />

الرالصة وكٌؾ أنها تشعر بؤنها تموم بتدلٌن سحري بنفسها<br />

ألخمص لدمٌها كؤنها تهٌإها للصعود إلى فوق،‏ لٌس إلى مكان<br />

معٌن لكن مروراً‏ بالتؤكٌد فً‏ رحاب المبلبكة إلى حٌث تستفٌك<br />

على وسادة ال تستطٌع أن تتلمّسها،‏ بل تجعلها تعود إلى<br />

االستٌماظ على وسادتها نفسها ؼارلة فً‏ عطر ال تعرؾ من<br />

أٌن جاء ومن جعله ‏ٌستولً‏ على منخرٌها.‏ الحمٌمة أنً‏ ال أذكر<br />

أنً‏ للت هذا الكبلم لكنً‏ فضّلتُ‏ السكوت خوفاً‏ من أجرحه<br />

بطرٌمة ما.‏ بعد موته بفترة وجٌزة شعرتُ‏ بؤنً‏ صرتُ‏ أملن<br />

السٌطرة على نفسً‏ وجسدي،‏ وبعد بعض الولت تمكّنت من<br />

تملٌن حزنً‏ وألمً‏ لجسدي،‏ وتركتُ‏ له الحرّ‏ ‏ٌة إلعادة<br />

صٌاؼتهما ومزجهما بالعبمرٌّة المعطاة من لدن الرب،‏ مجسّدة<br />

فرحه وتوق البشرٌّة فً‏ اإلعبلن عن تلن ‏"األوبرا"‏ التً‏<br />

سٌفتتحها من سٌفرش األرض الجدٌدة بالحب.‏ دعنً‏ ألول لن:‏<br />

إنً‏ مرّ‏ ة انتفضّت فً‏ مكانً‏ حٌث كن ‏ُت أجلس فً‏ حالة خاصة<br />

ؼارلاً‏ فً‏ تؤملً‏ ال أدري فً‏ ذلن الحٌن ماذا ‏ٌحدث فً‏ أعمالً،‏<br />

وإلى أٌن تمودنً‏ مشاعري؟!‏ رأٌتُ‏ نفسً‏ فجؤة أحتضن صورة<br />

معلّمً‏ وأُشبعها تمبٌبلً.‏ إذ إنه لم ‏ٌعطنً‏ أٌة فرصة ولو مرّ‏ ة<br />

واحدة ألإكّد له امتنانً‏ على منحً‏ كلّ‏ ما ‏ٌملكه من خبرة<br />

ألرلص وأبدع وأحلّك.‏ لمد رلصت فً‏ أمرٌكا منذ شهرٌن،‏ لمّا<br />

أتممت ما علً‏ فعله نسٌت أن أحًّ‏ ِ الجمهور إذ كنت أبحث عنه<br />

بٌنهم.‏ مضت بضع ثوانً‏ لبل أن أراه ‏ٌصفك لً‏ بحماسة<br />

شدٌدة.‏ ثم رأٌته ‏ٌختفً‏ ببطء مبتسماً.‏ نعم ‏ٌا سٌّدي لمد مات أبً‏<br />

ومعلّمً‏ من أجلً‏ مرتٌن.‏ لست أدري كٌؾ حدث ذلن.‏ لكنً‏<br />


كنت أعرؾ عندما رأٌته ‏ٌدفن أمامً،‏ أنً‏ سؤراه ‏ٌموت مرة<br />

أخرى.‏ لكنه لبل أن ‏ٌؽٌب ثانٌةً‏ كان ‏ٌصفك لً‏ مبتسماً.‏ ما للته<br />

كان ‏ٌجب أن تعرفه لتفهم ما هو الرلص،‏ ولتفهم أٌضاً‏ لمَ‏ أعشمه<br />

وماهٌة هذا العشك فً‏ العمك،‏ وكم ‏ٌؤمل كٌانً‏ كلّه أن أسمع<br />

تصفٌك الرب كما فعل أبً.‏ الرلص الرالً‏ ‏ٌجعل الرب ‏ٌتتبعه<br />

منفرداً‏ وهو ‏ٌصلً‏ من أجل أبنابه،‏ بٌنما الحمامة البٌضاء تحوم<br />

حوله،‏ وتهبط لتتنمل بٌن كتفً‏ الرالص وهو ‏ٌدور لافزاً‏ مُنتشٌاً‏<br />

مستمعاً‏ لصوت الخالك وهو ‏ٌرتّل بصوت ال ‏ٌمكن وصفه<br />

‏"هاللولٌا هاللولٌا"‏ بطرٌمة توحً‏ أنه كان مشتالاً‏ إلى صوته<br />

وأسمعنً‏ إٌّاه لٌمول لً‏ شكراً.‏ ترى ماذا كان علًّ‏ أن أفعل أٌها<br />

السٌّد كً‏ ال ألع مؽشٌاً‏ علً؟!‏<br />

دعنً‏ أتابع وألول بؤن ما أُوحً‏ إلً‏ وال ‏ٌجوز البوح به.‏ إذ لم<br />

‏ٌكن واضحاً‏ ما شعرتُ‏ به،‏ لكن كلّ‏ أحاسٌسً‏ كانت تمول دون<br />

أيّ‏ تواضع أن رابحة ال أعتمد أن بإمكانً‏ وصفها مؤلت<br />

منخري دون أن ‏ٌكون هنان سبب لوجودها.‏ أنا ال أطلب منن<br />

أن تصدّلنً‏ أكثر ممّا أصدق نفسً.‏ أنت ؼابص فً‏ آراء<br />

المدارس النفسٌّة المختلفة المتعدّدة.‏ حاول تحلٌل ما للت،‏ لكن<br />

أرجون ال تمل لً‏ شٌباً‏ ممّا لد تصل إلٌه.‏ أنا أعرؾ تماماً‏ ماذا<br />

وهبنً‏ الرلص،‏ وما ‏ٌحدثه من تصعٌد فً‏ داخلً‏ ‏ٌفتح صدري<br />

الستمبال الدنٌا كلّها فً‏ خبلٌاي وأعصابً.‏ عندما أرلص أشعر<br />

باحتشاد ؼرٌب ‏ٌمبض على كٌانً‏ كلّه،‏ لكنه ال ‏ٌمترب من<br />

خنمً،‏ بل ‏ٌُشعرنً‏ بؤنه هكذا ‏ٌفتح الطرٌك لكل الذٌن انعجنوا<br />

معه،‏ أن ‏ٌبدإوا بتلمّس تلن األحاسٌس التً‏ ‏ٌصعب لمسها،‏ أو<br />

حتى الشعور بها لدى امرئ لم تعطه إمكانٌّاته حك الؽوص<br />

والوصول إلى االلتراب من لاع األعماق.‏ إن ما ‏ٌجعلنً‏ أدخل<br />


إلى ذلن العالم السحري،‏ هً‏ حركاتً‏ التً‏ كنتُ‏ ألوم بها م ‏ّما<br />

تعلمته فً‏ حٌاتً،‏ وتلن التً‏ لم أكن أعرؾ عنها شٌباً‏ وأخرجها<br />

المدٌر،‏ لتطوؾ بً‏ وأطوؾ معها حتى أتمّم شربها وتشرّ‏ بها،‏<br />

فٌتوزع انتشابً‏ فً‏ كلّ‏ كٌانً.‏ آه ما أرلان ‏ٌا رلص.‏ كن ‏ُت<br />

أشعر أن كلّ‏ الحضور لمسوا ما ‏ٌحدث فً‏ أعمالً‏ فشدهوا<br />

صامتٌن إذ إن الممطع لم ‏ٌكن ‏ٌتحمّل تصفٌماً‏ أو استحساناً‏ ؼٌر<br />

مكتوم.‏ فً‏ الولت نفسه كنتُ‏ ألول لنفسً:‏ إنً‏ متؤكّد أنها رابحة<br />

السماء دون شنّ‏ لكن ما كان ‏ٌملمنً‏ دابماً‏ هو ضعؾ لدرتً‏<br />

على صٌاؼة ذلن بكلمات وبعبارات ؼٌر مفكّكة ومفهومة.‏ إن<br />

مسؤلة شرح مشاعري أمر صعب دون أن أملن لؽة طٌّعة<br />

وجسداً‏ خالٌاً‏ من العظام مثل ما تحظى به سامٌة جمال تلن<br />

الرالصة المصرٌة الفذة،‏ الذي ‏ٌجعلن تعتمد لو إن تلن الحظوة<br />

متوفرة،‏ فٌعنً‏ هذا أن المرء ‏ٌستطٌع أن ‏ٌنام فً‏ لندٌل بسٌط،‏<br />

وٌموم من نومه آخذاً‏ جسده الملفوؾ نحو إبداع لم ‏ٌُخطّط له.‏<br />

كما استطاعت تلن المبدعة تؽٌٌر النظرة الؽربٌّة السطحٌّة<br />

السولٌّة حٌال رلصنا،‏ وأرجعت للؽرٌزة الجنسٌّة لٌمتها<br />

اإلنسانٌّة.‏<br />

9ٕ<br />

. ٍ<br />

دعنً‏ ألول إنً‏ ال أطلب منن أن تإمن بما سٌخرج اآلن<br />

من أعمالً.‏ لكنً‏ أرجون أن تصدق أن الكلمات التً‏ ستسمعها<br />

تعبر عن مشاعري وأحاسٌسً‏ الحمٌمٌّة،‏ كما أرجو أن تتذ ‏ّكر<br />

فً‏ كلّ‏ الولت أنه لوال جنون وهلوسات الفنّانٌن لجؾّ‏ العالم من<br />

األحبلم واإلبداع،‏ وألصبح الجنون إجراماً‏ لمجرّ‏ د اإلجرام.‏ أما<br />

المتسكّعون وجلساء الحدابك،‏ ربّما أصابهم الخرؾ المبكر،‏<br />

ونسوا أنهم ‏ٌعٌشون،‏ ولد ال ‏ٌتذكّرون كٌؾ ‏ٌعودون إلى بٌوتهم،‏<br />

إذا كان هنان ثمّة بٌوت!!‏ الرلص ‏ٌا سٌدي سفٌر فوق العادة


مُرسل من الروح المدس إلى كل البشرٌّة فرداً‏ فرداً،‏ ولكً‏ أكون<br />

أكثر تحدٌداً‏ ألول:إنه مرسل إلى كلّ‏ من ‏ٌشعر بؤنه إنسان.‏ إنه ‏ٌا<br />

سٌّدي ‏ٌُعطً‏ كلّ‏ ما لدٌه.‏ أما إذا بدا أنه أخذ من المبدعٌن فً‏<br />

لحظات نشوتهم،‏ فإنه ‏ٌعٌده إلٌهم مصموالً‏ لبلصطفاؾ مكانه فً‏<br />

مناهج المستمبل،‏ لٌتسنى لئلبداع البماء مرافماً‏ للعصر وما<br />

تتطلّبه الحداثة من االستدامة.‏<br />

أنا ال أرلص إالّ‏ إن كان شًء ما نابعاً‏ من أعمالً‏ ‏ٌدفعنً‏ دفعاً‏<br />

كً‏ أهٌّا جناحً‏ للطٌران لاببلً:"هٌا ‏ٌا طابر السماء أرنا إلى<br />

أٌن استطعت الوثب،‏ وإلى أٌن تؤمل فً‏ الوصول.‏<br />

دع التواضع جانبا وضخ فً‏ شراٌٌنن الطموح لتلتمً‏ بالرب<br />

دون المرور بالموت.‏ رؼم أنً‏ أخشى علٌن فإنن محكوم<br />

باالستمرار فً‏ عشك ما أنت علٌه.‏ رؼم أنً‏ ال أعرؾ بالضبط<br />

إن كنت تخاطر،‏ أو إنن تدرن أالّ‏ سمؾ هنان ‏ٌستطٌع إٌمافن<br />

عند حدّ‏ ما،‏ وال حتّى أنت لادر على تؽٌٌر مسارن،‏ ولٌس هنان<br />

من ‏ٌنتظرن لٌهنّبن لاببلً:"إنن وصلت إلى الممّة ولن تجد بعدها<br />

أي شً"‏<br />

هنا ‏ٌا سٌدي نحتاج دون شنّ‏ ، إلى ولفة هادبة متؤمّلٌن فً‏<br />

األفك باحثٌن عن إشارة ما.أنا ال أعرؾ إن كان ‏ٌهمّن األمر.أمّا<br />

أنا،‏ فؤطلب منها أن تهدٌنً‏ إلى الطرٌك الذي اختُرتُ‏ من أجله،‏<br />

وهذا ما حدث.لمد تعوّ‏ دت ‏ٌا سٌدي اإلنصات إلى أعمالً،‏ إنها<br />

رٌاضتً‏ الروحٌّة الٌومٌّة.مرة سمعتُ‏ صوتها هامساً‏ ومعتذراً‏<br />

‏ٌمول:‏ ‏"علٌن فتح كل نوافذن،‏ إذ ربّما ترى ما ال ‏ٌراه اآلخرون<br />

وتفهم أن جسدن أصبح مستعدّاً‏ لتسلٌم ذاته عاشماً‏ لئلبداع،‏ فهو<br />


بحاجة إلٌه لٌستمدّ‏ منه ذلن الترٌاق الذي ‏ٌشك بوساطته الطرٌك<br />

إلى تطوّ‏ ره،‏ وإدخاله فً‏ استمرارٌّة تؤخذ طالتها من كلّ‏ الذٌن<br />

‏ٌدركون أن تسارعها هو الذي سٌبمٌها مدى الدهر.‏ عندما ‏ٌحٌن<br />

ذلن الولت،‏ سٌعنً‏ هذا أن معنى الحٌاة لد استنفد بحٌث سنكون<br />

فً‏ تلن اللحظة مدعوّ‏ ‏ٌن إلى وجود آخر مختلؾ".‏ أستطٌع ‏ٌا<br />

سٌّدي جمع الكلمات التً‏ أعرفها أللول:‏ ‏ٌبدو أالّ‏ أحدَ‏ ‏ٌولد إالّ‏<br />

وتنتظره مهمّة علٌه إتمامها.المشكلة تكمن فً‏ الجانب الحٌوانً‏<br />

من حٌاتً‏ الذي أهملته تماماً،‏ أو نسٌته لست أدري.‏ إلى متى<br />

أستطٌع تركه جانباً‏ وال أخشى أن ‏ٌنفجر فً‏ وجهً‏ فً‏ لحظة<br />

ؼٌر مناسبة على اإلطبلق؟!‏ الذٌن احترفوا الرلص ‏ٌشعرون<br />

بالمشاعر االرتمابٌّة الملهمة نفسها وبالتواصل مع المبة الزرلاء.‏<br />

الفرق كبٌر بٌن أن ‏ٌإخذ ما نفعله كمهنة من واجبنا تؤدٌتها<br />

بإتمان،‏ وبٌن أن تتكوّ‏ ن فٌنا عبللة حب ووله بٌننا وبٌن الطرٌك<br />

الذي اخترناه،‏ ال شنّ‏ أننا تشرّ‏ بناهما دابماً‏ مع عرلنا الؽزٌر.‏ من<br />

العشك ‏ٌا سٌّدي ‏ٌتنبع اإللهام.‏ ألصد من الذٌن تولد فٌهم تلن<br />

العبللة التً‏ ‏ٌتجلّى فٌها الحب الخالص النمً‏ الذي ‏ٌستدعٌن إلى<br />

السجود له،‏ ولكنن ال تفعل الن الرب ‏ٌرفض ذلن،‏ فهو ال<br />

‏ٌنمصه رتبة السلطان العثمانً،‏ وال رتبة البابا الكاثولٌكً،‏ وال<br />

‏ٌهتم بمن ‏ٌرٌد من أولبن البسطاء من الناس أن ‏ٌركعوا<br />

لؤلٌمونات كٌفما اتّفك إذ إنهم ‏ٌعتبرونها ممدّسة ألنها تحمل<br />

لداستها فً‏ ذاتها بؤٌة طرٌمة كان وجودها.‏ ال بؤس انحنوا لها<br />

احتراماً‏ وال تزٌدوا الجلبة كثٌراً‏ فهً‏ مستنكرة فً‏ بٌوت العبادة.‏<br />

دعوا الصمّ‏ ‏ٌسمعون الهدوء فهو صبلتهم للرب.‏ هكذا ‏ٌدرن<br />

المتفهّمون لمثل دلابك هذه األمو أن العبمرٌّة ال تكون هً‏ نفسها<br />

إالّ‏ إن استطاعت إخراجها من ذاتها،‏ ومرشوشة أٌضاً‏ بملٌل من<br />

‏"بهار"‏ الجنون.‏ حٌث ‏ٌكون ذلن الجنون جزءأً‏ من خلطة توضّح<br />


العبمرٌّة وتعطً‏ لها أبهى صورة وهً‏ تتنمّل مشعّة بٌن الناس.‏<br />

فً‏ تلن الساعة ‏ٌنحنً‏ لها الجمهور المنذهل معتبراً‏ إن السماء<br />

ذكّتها لتكون األفضل من بٌن كل العبمرٌّات التً‏ أنتجها الشعب.‏<br />

مثل هإالء ‏ٌطوّ‏ رون الرلص وٌمنحونه أجنحة جدٌدة تمكّنه من<br />

الطٌران إلى مستوً‏ ى آخر،‏ وهكذا دوالٌن.‏ إن الرلص ‏ٌا سٌّدي<br />

‏ٌمنحن متعة ال تضاهٌها متعة أخرى،‏ وخاصة عندما ‏ٌشعر<br />

الرالص أن الرلص ‏ٌعمل كدافع ‏ٌدفعه إلى األعلى متابعاً‏<br />

الصعود إلى أن ‏ٌجد المنتشً‏ الصاعد نفسه ‏ُمرحّباً‏ به،‏<br />

وموشوشاً‏ له بالمول:‏ لٌس علٌن سوى االنتظار لترى أن الرب<br />

مشتاق إلٌن أكثر بكثٌر ممّا تعرؾ عن االشتٌاق والشعور<br />

باللهفة.‏ ربّما أن مشكلتنا العمٌمة هً‏ اللؽة التً‏ نتفاهم بوساطتها<br />

وإمكانٌاتها البشرٌّة فً‏ التعبٌر.‏ نحن فً‏ الحمٌمة نبحث عن لؽة<br />

أخرى منتجة من لدرة ما فوق البشرٌّة،‏ تتم ‏ّكن أن تشرح<br />

للبسطاء ما ‏ٌحدث فً‏ ما ‏ٌشتعل فٌنا وٌكاد أن ‏ٌفتن بنا.‏ إنها<br />

تجرإ أن تطلب منا االستعداد لنكون مصدر نور هذا العالم.‏ فً‏<br />

الولت نفسه ال تكؾ عن زجرنا وتحذٌرنا من أن ننسى حاجات<br />

أجسادنا.‏ فً‏ اللٌل أبذل جهداً‏ كبٌراً‏ ال ‏ٌطاق كً‏ أتمكن من جعل<br />

الشٌطان ‏ٌمتنع أن ظبلم ؼرفتً‏ ‏ٌرفضه بشدّة وٌشمبز منه طالباً‏<br />

منه الرحٌل دون محاولة العودة،‏ وٌنتهً‏ بالمول هل تفهمنً‏ أم<br />

أعٌد ما للته؟!‏<br />

ال أحد ‏ٌطلب منن جلد روحن.‏ ستجد حاجتن فً‏ الصدالة بٌن<br />

الجنسٌن واإلخبلص بٌنهما دون أن تشعر بؤنن تظلم أحداً.‏<br />

فكثٌرون ‏ٌرفضون فكرة الزواج والمإسّسة الناتجة عنها،‏ وال<br />

‏ٌمتربون من الذٌن ‏ٌوافمون أن ‏ٌضعوه شرطاً‏ إللامة العبللات.‏<br />


أنت مصٌب دون شن،‏ لمد فتحت أمامً‏ أفماً‏ لم أره مشرّ‏ ع<br />

األبواب بهذه الطرٌمة.‏ دعنً‏ أتابع ما كنتً‏ أخوض فٌه.‏<br />

أتمنى أن تدرن أنن فً‏ الطرٌك السلٌم ولست فً‏ خصام مع<br />

هللا أو مع نفسن،‏ كن صدٌماً‏ لنٌّاتن وداخلن وللحٌاة.‏ خذ راحتن<br />

وتابع رحلتن االرتمابٌّة رعان هللا.‏<br />

إن من ‏ٌملن كلّ‏ شًء،‏ ‏ٌمنحن بعض الولت شٌباً‏ ممّا ‏ٌملكه<br />

لٌُحًٌ‏ فً‏ الرلص ما ‏ٌمكّنن بثه للذٌن ‏ٌملكون أن ‏ٌلتمطوا اإللهام<br />

وٌإمنون بمدرته على االنعتاق وانتزاع الحرّ‏ ‏ٌة من السماء،‏<br />

والوصول إلى تلن النورانٌة التً‏ نسمع عنها وال نعرفها،‏ ولكننا<br />

بٌن الحٌن واآلخر ‏ٌمكننا أن نشعر بها.‏ كما ‏ٌمكن ألحد من<br />

أولبن الممٌّزٌن الذٌن تجاوزوا اإلبداع استعمال كل لواه<br />

الداخلٌّة والخارجٌّة وما ‏ٌملكه من التوازن والمدرة على ضبط<br />

وزنه وحركاته من االلتراب من اشتمام الذات اإللهٌّة التً‏ تظلّل<br />

العالم.‏ كل ذلن ال ‏ٌمكن الوصول إلٌه إذا لم ‏ٌتم اختٌارهم من<br />

الذٌن جرى معاٌنة وجدانهم واختبر إٌمانهم ولدرتهم على<br />

الصمود فً‏ النماء الذي ‏ٌضع مفاهٌمه من ‏ٌملن الحك فً‏ وضع<br />

مشٌبته موضع التنفٌذ.‏<br />

علًّ‏ أن أُكمل ترجمة مشاعري وأعدن ‏ٌا سٌدي بؤنً‏ لن أُطٌل<br />

علٌن.‏<br />

أرجون تابع،‏ أنا ال أشكو.‏ بل اعتبر نفسً‏ مؽبوطاً‏<br />


الرلص ‏ٌا سٌدي ‏ٌشعرن بؤنه ‏ٌتابعن حتّى إلى مكان عملن،‏<br />

فٌعطل أٌّة لوىً‏ سلبٌة ؼٌر مربٌّة التحمت المكان الذي لد تكون<br />

فٌه وتبؽً‏ أذٌّتن.‏ فتحس دون سبب مفهوم بصفاء ذهنن،‏<br />

والحب ‏ٌمؤل كٌانن.‏ أنا ال أتحدث عن المؽناطٌس بل عن أرواح<br />

تهٌم ساعٌة وراء من ‏ٌساعدها على التخلّص من لعنة ما تجرّ‏ ها<br />

إلى العمل بطرٌمة ال تعكس ما تسعى وتصبو إلٌه.‏ كما أشٌر<br />

إلى أرواح تعرؾ طرٌمها ومداخله ومخارجه،‏ فتنفث السمّ‏ حٌث<br />

علٌها أن تفعل.‏ لكنها تواجه جنوداً‏ ‏ٌبدون كؤن شٌباً‏ من ذلن<br />

الفجر العجٌب ‏ٌبزغ من عٌونهم.‏ إنهم ال ‏ٌخفون هوٌّاتهم وال<br />

‏ٌخافون كلّ‏ خباٌا الشٌطان وتعدد ألنعته هو وعمبلبه.‏ ربّما لن<br />

تدري أبداً‏ ماذا حدث.‏ لكن من المإكّد أن معركة حمٌمٌّة سرٌعة<br />

لد ولعت،‏ وحالت دون أن تشعر بشًء.‏ ثمَّ‏ تمَّ‏ بلحظات كنس كلّ‏<br />

آثارها.هل تعتمد أننً‏ أوصلت لن مشاعري وكوابٌسً‏ أحٌاناً؟!‏<br />

أرجو أن تتعامل معها على أنها حمٌمٌّة،‏ وتعزلنً‏ كثٌراً‏ عن<br />

الوحوش التً‏ ال تزال تفتن باألوطان والجماهٌر الؽفٌرة التً‏<br />

تنشد الحرٌة.أرجو أن تفهم وتدرن أنً‏ أعٌش فً‏ عالمٌن<br />

مختلفٌن.‏ سٌبدو هذا صعباً‏ فهمه،‏ ولكن دعنً‏ أُخبرن أنً‏ ال<br />

أعرؾ االنتشاء والتوق الجٌّاش إلى المجهول إالّ‏ فً‏ عالمً.‏<br />

الرلص ‏ٌا سٌّدي ‏ٌنتشلن من هذا العالم دون أن تعرؾ كٌؾ<br />

حدث هذا،‏ أو تشعر بؤيّ‏ ألم.‏ إنه ‏ٌدور بن وٌستمر ‏ٌدور وٌدور<br />

على إٌماع الفالس اإلمبراطوري.‏ ثمَّ‏ ‏ٌحطّ‏ بن فً‏ عالم مختلؾ<br />

سبك أن صنعته بنفسن دون أن تدري.‏ إن كنت تفهم الرلص<br />

على هذه الطرٌمة فمعنى ذلن أنن انضممت إلى رهبنة خاصة<br />

ال أحد ‏ٌعرفها أو ‏ٌفهم مهامها ؼٌر أعضابها المخلصٌن لراعً‏<br />

هذا العالم<br />

97


8<br />

فً‏ تلن األٌام كانت أمً‏ ال تزال شدٌدة المراس فابمة الجمال<br />

معتدّة مابلة للٌبلً‏ إلى المسوة.‏ أنا ال أعرؾ حتى اآلن إن كانت<br />

تلن المسوة حاجة دفاعٌّة صنعتها بنفسها وصملتها األٌام،‏ أم هً‏<br />

أصٌلة موروثة هجومٌّة فً‏ أساسها ومظاهرها.‏ كانت ‏ٌدها<br />

تداعب ممبض السٌؾ دابماً.‏ من ‏ٌدري؟!‏ ربّما كان ك ‏ّل ذلن<br />

بسبب شعور مبهم ‏ٌتمشى الهوٌنى فً‏ أعمالها،‏ ال شن أن<br />

والدي الذي ال أعرفه ساعد فً‏ اإلحساس أن هنان من ‏ٌتربّص<br />

بها وبعابلتها بؽٌة أذٌّتهم.‏ كان صوت الوحش المادم ال ‏ٌفارلها.‏<br />

ثم هجم العمر لاببلً:‏ أنا لستُ‏ نابماً.‏ إن الذٌن ال ‏ٌشعرون<br />

بوجودي وٌحسبون لً‏ حساباً‏ سؤسحك عظامهم.‏ بتُّ‏ أعتمد أن<br />

العمر هو الذي أخذ ‏ٌُفمدها بعض تماسكها وٌحمُنها بمزٌد من<br />

الشراسة ناتجة من الضؽوط التً‏ راكمتها األٌّام فً‏ نفسها،‏ ومن<br />

الهزال النفسً‏ الذي أخذ ‏ٌخبط على باب ؼرفة نومها.‏ تولف ‏ُت<br />

عندما فهمت ل ‏َم لم تعد تمٌّز متى علٌها أن تكون امرأة ومتى<br />

تمبل الخضوع لنداء ال شنّ‏ أنه آتٍ‏ من لاع األعماق،‏ فتمرر أن<br />

تصبح رجبلً‏ حمٌمٌّاً‏ ‏ٌملن اإلرادة الفاعلة البتداع ما تملٌه علٌه<br />

الظروؾ للدفاع عن مولعه ومولفه.‏ لكن الزمن سجّاننا السادي،‏<br />

جعلنً‏ أتخلّى عن حٌرتً‏ المزمنة،‏ وأإمن أن الجانب األساسً‏<br />

من شخصٌّتها بعٌداً‏ عن تلن االضطرابات التً‏ أرؼمتها على<br />

المبول بالمتال من مكان وضعها فٌه ذلن السادي لكنه لم<br />

‏ٌستطع أن ‏ٌُنسٌها تولها إلى عطش روحها إلى عفتها التً‏ كانت<br />

تدرن أنها من ستمكنّها من استبدال الحب بالمحبة والؽفران،‏<br />

طالبة من الربّ‏ أالّ‏ تكون لراراتها وتحرّ‏ كاتها ومشاعرها بعٌدة<br />

عن إشرافه.‏ كانت ال تزال تشتعل فٌها الحٌاة تستمع إلى كلّ‏<br />

98


النداءات والهمسات الصادرة من وراء مشاعرها،‏ جاهزة لتلبٌة<br />

حاجتها الروحٌّة التً‏ كانت تلحّ‏ كً‏ تضع لضٌّة المحبة كمحرّ‏ ن<br />

أساسً‏ لذاتها ولِما كانت تصبو إلٌه فً‏ كلّ‏ حركة من تفاصٌل<br />

حٌاتها.‏ كان تحرّ‏ رها النسبً‏ منً‏ والمزٌد من النضج ‏ٌدفعانها<br />

نحو االلتراب من اآلخرٌن.‏ الجرأة كانت ملكاً‏ عزٌزاً‏ استطاعت<br />

ضبطها وتشذٌبها،‏ وفك المٌم الحضارٌة التً‏ تسود فً‏ عالمنا<br />

المتمدّم الٌوم.‏ هكذا دون أن تشعر أحداً‏ أنها تمتحم خصوصٌّاته.‏<br />

كانت تشرح للجمٌع ما ‏ٌحدث حولهم،‏ مهدّبة هواجسهم ومالبة<br />

للوبهم بالسكٌنة.‏ لمد تحولت بعد وفاة أبً‏ بمدرة المادر إلى<br />

امرأة تعرؾ كٌؾ تتحرّ‏ ن بؤنوثة ومتى تستدعً‏ الرجولة لتجعل<br />

لرارتها أكثر عدالة وإنسانٌّة.‏ كنتُ‏ أحسدها عندما تمتطً‏<br />

حصانها األسود وفً‏ كٌانها تشتعل رؼبة عارمة أن ‏ٌطٌر بها<br />

وسط الحمول ضاحكة ورالصة،‏ منحنٌة بٌن الحٌن واآلخر تمبل<br />

عنمه،‏ ‏ُممرّ‏ رة كفّها الناعم مداعبة رأسه،‏ مظهرة للجمٌع كم هً‏<br />

مؽرمة به،‏ وكم ‏ٌدفعها كلّ‏ ذلن إلى متابعة رابحة اعتمدت دابما<br />

أنها آتٌة بؤمر من المبّة الزرلاء.‏ كان كلّ‏ ذلن ‏ٌشبه سرّ‏ ها الدفٌن<br />

الذي تعطٌه كلّ‏ حنانها.‏ لمد حدّثتنً‏ نفسً‏ مرّ‏ ة لابلة:‏ لو كان هذا<br />

الحصان لادراً‏ على الكبلم ألحبته أكثر من الجمٌع.‏<br />

كنت أرالبها دون أن أستطٌع الوصول إلى ما ‏ٌجري فً‏<br />

داخلها،‏ وما إذا كانت تجاهد الستبدال أبً‏ بهذا الحصان.‏ أعتمد<br />

أن صراعها المكتوم مع والدي،‏ علّمها كٌؾ تحٌط نفسها بجدار<br />

كاتم للصوت منع منعاً‏ باتاً‏ خروج أسرارها إلى العلن.‏ لم ‏ٌعرؾ<br />

أحد ؼٌري كم احتمرت زوجها وأبً‏ الذي ال أعرفه.‏ كانت<br />

تصلًّ‏ إلى هللا كً‏ ‏ٌجعلها تنسى ما حدث،‏ وتبالػ فً‏ مساعدة<br />

الفمراء خوفاً‏ من الخطٌبة التً‏ تخشى أن تكون ارتكبتها وال<br />

99


تزال ترتكبها.‏ لكن هذا لم ‏ٌُبعدها دلٌمة واحدة عن رعاٌتً‏ بكل<br />

ما تستطٌع إعطاءه من حنان وتنفٌذ طلباتً‏ التً‏ لم تكن تتولؾ.‏<br />

لكن الخوؾ كان ‏ٌبلحمها دابماً‏ من أن ‏ٌكون الوحش الذي كان<br />

‏ٌسٌطر على أبً‏ الٌزال حٌاً‏ ‏ٌرزق وٌنمو فً‏ داخلً.‏ فً‏ تلن<br />

المرحلة من حٌاتً،‏ ورؼم عبللتً‏ المتذبذبة معها،‏ كنت أكاد أن<br />

أجزم أنها تموم بكلّ‏ شًء وفك خطة أعدّتها بإتمان وتموم<br />

بتنفٌذها بإصرار ‏ٌحكمه إٌمان كبٌر ‏ٌنشر السبلم فً‏ لاع<br />

أعمالها.‏ كان هذا ‏ٌمكّنها من تمدٌم المساعدة للذٌن فاجؤتهم<br />

مشكلة أربكتهم،‏ وأولعتهم بٌن براثن أحرؾٍ‏ لم ‏ٌتمكّنوا من فكّها<br />

والدخول إلى معانٌها،‏ دون أن تحاول فً‏ أثناء ذلن عرض<br />

عضبلتها الثمافٌّة.‏<br />

كنتُ‏ لبل أن أضعها أمام األمر الوالع،‏ لد اعتزمت الذهاب<br />

إلى بٌروت والتسكّع فً‏ األشرفٌّة،‏ إن ذلن كان ‏ٌمنحنً‏ ؼوصاً‏<br />

فً‏ جمال أخّاذ ال ‏ٌرٌد أن ‏ٌإذي أحداً.‏ لطالما ذكرتنً‏ األشرفٌّة<br />

ببارٌس،‏ تلن المدٌنة المذهلة المتمسّكة بؤنالتها وعرالتها،‏ التً‏<br />

ال ‏ٌعرؾ الكثٌرون أنها تحرص على أ ‏ّال تؽطً‏ عوراتها وال<br />

تخفً‏ جنونها الكامن ومحرّ‏ ن عبمرٌّتها،‏ بل تبرز كلّ‏ ذلن<br />

باستمرار بؤلوان مختلفة تصٌب المدهوش بالدوّ‏ ار مظهرة<br />

براعتها الفتّاكة فً‏ إضفاء التناؼم العجٌب والسحر الؽامض<br />

الذي ‏ٌسري فٌها وفً‏ كل زابر لها،‏ كاشفة عن ذوق ‏ٌخر له<br />

الجمٌع وهم فً‏ ذروة المتعة.‏ إن رهافة بارٌس تخبرن عن ذلن<br />

الفنان الذي كان ‏ٌعرق وٌنهكه التعب فً‏ تلن السنٌن المؽرلة فً‏<br />

المدم،‏ حٌث لم تكن هنان وسابل تساعد الجهاد فً‏ البحث عن<br />

مزٌج من األتربة التً‏ ‏ٌؤمل أن تعطٌه ألواناً‏ ‏ٌرتاح إلٌها.‏ لكنه<br />

كان ‏ٌستمر فً‏ الحفر بؤظافره،‏ إذ إن ما ‏ٌملب التراب رأساً‏ على<br />

ٔٓٓ


عمب،‏ سٌزٌد األمر تعمٌداً‏ ولن ‏ٌوصل إلى أيّ‏ شًء.‏ لكنه كان<br />

أن األرض لطالما كانت<br />

فً‏ أعماله وٌدرن ‏ٌمتلا بالحب معطاء.‏<br />

عندما أتحدث عن األشرفٌّة،‏ ألصد من خبللها بٌروت كلّها<br />

وحُرفٌتّها المدهشة التً‏ تخرج الجمال الكامن فً‏ األعماق<br />

منشداً‏ أؼنٌة ‏ٌرددها الجمٌع تتحدث عن انبثاق اإلبداع من<br />

اختبلط المشاعر بالشهوات والؽرابز المجبولة بالتناؼم السلس<br />

واألصالة وملكة االبتكار،‏ مع االحتفاظ دابما بوجود اإلٌماع فً‏<br />

كلّ‏ شًء.‏ كنت آمل الوصول بهدوء إلى المرار الذي أثك أنه<br />

سٌؽٌّر حٌاتً‏ إلى األفضل.‏ لم ‏ٌكن األمر سهبلً،‏ رؼم محاوالتً‏<br />

المستمرّ‏ ة إلنجاح إخفاء ما كان ‏ٌجري فً‏ داخلً.‏<br />

كانت الوالدة تعرؾ أننً‏ أخطّط لشًء ما،‏ فمد تعوّ‏ دتُ‏ أن ألرأ<br />

كثٌراً‏ من األمور التً‏ كانت تتصارع فً‏ داخلها وتخرج من<br />

عٌنٌها.‏ ربّما لسبب ال أعرفه امتلكتْ‏ حدساً‏ ؼرٌباً‏ ال ‏ٌحمله معه<br />

أي سٌاق.‏ كان هو نفسه الذي مؤلها إحساساً‏ بؤنً‏ اتّخذت<br />

لراري النهابً‏ وأنا أماطل عمداً‏ فً‏ إخبارها به.‏ إنها دون ش ‏ّن<br />

تملن ذكاءً‏ نوعٌاً‏ خاصاً‏ أنت ال تحب وجوده عند أحد من<br />

المحٌطٌن بن.‏ إذ إنها فاجؤتنً‏ مرّ‏ ة وأنا جالس أمام<br />

مستمتعاً،‏ فولفت أمامه مبتسمة لاصدة منعً‏ من متابعة ما أراه<br />

‏ٌنبثك من ذلن االختراع الكبٌر،‏ كنت متؤكداً‏ أن ؼضباً‏ شدٌداً‏<br />

‏ٌعتمل فً‏ داخلها.‏ بمٌتْ‏ دلٌمة كاملة تنظر إلً‏ وهً‏ تحاول<br />

إعادة صٌاؼة الكلمات األولى التً‏ ستخرج من فمها،‏ إلى أن<br />

شعرتُ‏ بجهوزٌتً‏ وأنً‏ امتلكتُ‏ الزمام وعلى أتم االستعداد لبدء<br />

الصراع،‏ لكنها فً‏ النهاٌة أفلتت من الطوق،‏ ولالت بلهجة<br />

‏"التلفٌزٌون "<br />

ٔٓٔ


هادبة لكنها كانت تحمل فً‏ ثناٌاها صرامة واضحة:علٌن أن<br />

تدرن أنً‏ لن أكون راضٌة عن اعتزامن الطبلق ما دمت حٌّة.‏<br />

رسمتُ‏ على وجهً‏ استخفافاً‏ أزعجها،‏ إذ كان منطمها ‏ٌنطلك من<br />

أن مثل هذا الحدث ال ‏ٌمكن أن ‏ٌنال رضى العابلة.أجبتها ببرود<br />

لاببلً:‏ أنا الذي أختار وعلًّ‏ تمع مسإولٌّة ما أنوي فعله.لكنها فً‏<br />

الولت الضابع بٌنً‏ وبٌنها،‏ وجدت طرٌمة تخفّؾ فٌها ما كان<br />

‏ٌدور فً‏ داخلً‏ من رفض للعبث فً‏ شإونً،‏ وإن هذا إذا<br />

تكرر سٌدفع بً‏ إلى مكان ال أحبّه،‏ وبّما ‏ٌسبب شرخاً‏ حمٌمٌاً‏<br />

بٌننا لد ‏ٌربن مكانتنا فً‏ العاصمة،‏ ومن ‏ٌدري؟!‏ فمد ‏ٌتوسّع<br />

وٌصبح صعب الترمٌم.‏ لذلن لم تؽادر لبل أن تبتسم وتبدي<br />

بعض اللٌونة إذ لالت:‏ أنا أرى بوضوح إصراراً‏ على المضًّ‏ ِ<br />

فً‏ طرٌمن.‏ تستطٌع التؤكّد أنً‏ لن ألؾ فً‏ وجهن.‏ لمد سبمتُ‏<br />

ذلن حمّاً.‏ لكن سٌكون واجبن الحرص الشدٌد على إدارة<br />

المعركة دون أن تترن فً‏ أرضها أٌّة أشبلء.‏ ‏"دبلوماسٌّتها"‏<br />

الرفٌعة المنبت لالت ذلن رؼم معرفتها بطبٌعة زوجتً‏ الفظة<br />

اللبٌمة.‏ ونظرتها العرجاء لؤلخبلق وتمرّ‏ سها بالكذب الشدٌد<br />

دون كلل أو ملل حتى نسٌتْ‏ كٌؾ ‏ٌكون الصدق،‏ وٌبمى دلٌل<br />

‏ٌفضحها باستمرار،‏ هو عبللتها المرٌبة برجال سبك لهم أن<br />

عملوا تحت إمرة والدها وكانت صناعتهم الكذب واالحتٌال<br />

بامتٌاز.كما أن أمً‏ كانت تدرن لزوجة أرضٌة مناخ زوجتً‏<br />

األخبللً‏ والمزاجً‏ واستعدادها للتبلعب المكشوؾ لبلستٌبلء<br />

على مزٌد من المال دابماً.‏ هكذا كان الركض وراء المال هو<br />

الهدؾ ؼٌر المعلن بما فٌه الزواج الذي لم تستطع إخفاءه.‏ إذ<br />

إنها بمٌت تُولع نفسها فً‏ اللحظة ذاتها التً‏ كانت تظن أنها تمؾ<br />

فً‏ مكان ال ‏ٌمكن أن ‏ٌعرّ‏ ضها لبلنزالق.‏ لكن كلّ‏ هذا تخطّته<br />

أحداث وأفعال جسام ال تؽتفر.‏ لمد انتمل كلّ‏ ذلن إلى زمن<br />

ٕٔٓ


مختلؾ،‏ وؼاب عن أمً‏ ما كان ال بدَّ‏ أن ‏ٌحدث.‏ إذ إن األطفال<br />

‏ٌصبحون رجاالً،‏ فتجتاحهم رؼبة إلى تؤكٌدها وممارستها فً‏<br />

الملعب الذي تلعب فٌه.‏ هذا ما حدث مع أمً‏ عندما استفالت<br />

ووجدت أن األولات التً‏ كانت تحظى فٌها بطاعتً‏ لد ولّت،‏<br />

ولم أعد ذلن الولد الذي ‏ٌُهمّه أن ‏ٌسعى لٌنال رضى والدته عن<br />

لراراته.‏ بل ربما كانت لراراته تهمه أكثر من حسن ولعها أو<br />

فابدتها المستمبلٌّة.‏ هكذا ورؼم المشهد المُتمن،‏ كان علً‏ أن أرد<br />

موجها إلٌها صدمة صؽٌرة،‏ فمد سبمت تؽطرسها المدٌم<br />

والجدٌد،‏ فملت:‏ أتعانٌن شٌباً‏ ما فً‏ الرإٌة؟!‏ بارتبان كبٌر<br />

أجابت ال،‏ ال من أٌن أتٌت بهذه المعلومة؟!‏ هذا ما أراه بوضوح<br />

‏ٌا أمً،‏ فؤنت حتى اآلن ال ترٌن أنً‏ كبرت،‏ ولد أنهٌت دراستً‏<br />

وتزوجت!!‏ وها أنا أرٌد الطبلق ولن أسمح بتدخّل أحد فً‏<br />

أموري الشخصٌّة.‏<br />

ماذا ‏ٌعنً‏ ذلن؟!‏<br />

إنه ‏ٌعنً‏ ‏ٌا أمً‏ أن الولت لد حان لتفهمً‏ أن علٌن االبتعاد<br />

عن االهتمام بشإونً‏ الخاصة.‏ أال ترٌن أنً‏ ممتلا بالثمة،‏ وها<br />

أنا ماضٍ‏ إلى خبلصً‏ متخلٌّاً‏ عن ؼضبً‏ مرتدٌاً‏ ردابً‏<br />

األبٌض ال"سبور"موضّحاً‏ للجمٌع أنً‏ ؼسلت للبً‏ من أدرانه.‏<br />

حسناً‏ هذا حمّن،‏ فمد كان علًّ‏ االنسحاب من تلن المهمّة،‏<br />

وأُرٌح كتفًّ‏ منها منذ زمن طوٌل.‏ أنت وحٌدي،‏ وأنا امرأة،‏ إن<br />

ما تطلبه أكثر تعمٌداً‏ ممّا تظن.‏ إنن تجعلنً‏ أعتمد أنن لم تدرس<br />

علم النفس،‏ ولم تتخرّ‏ ج طبٌباً‏ فً‏ هذا المجال.‏ أعاهدن من هذه<br />

ٖٔٓ


اللحظة أن أضع إرادتن موضع التنفٌذ،‏ مإ ‏ّكدة لن أن رابحتً‏<br />

ستعٌش معن إلى أن ‏ٌستدعٌن الربّ‏ إلٌه.‏<br />

شكراً‏ لن ‏ٌا أمً‏ أنت رابعة،‏ وكنت أعرؾ أنن لن تؽضبً.‏<br />

لطالما كنت ألول للذٌن حولً‏ إن والدتً‏ لٌس لها نظٌر.‏<br />

9<br />

التسكع دواء ناجع لمُتعَبً‏ النفوس.‏ إنه ‏ٌنتشلن من النمطٌة التً‏<br />

تكاد أن تكتم أنفاسن،‏ وٌؤخذن إلى مناخات لم ‏ٌسبك لن أن<br />

عرفتها وألوان مختلفة لم تر مثلها ‏ٌوماً.‏ لٌس علٌن أن تستخؾ<br />

بؤمر ‏ٌفتح وٌملإه بالهواء النظٌؾ،‏ فؤنا أعدن أنن سترى نفسن<br />

تجترح العجابب،‏ إذ إنن لن تلبث أن تب ‏َّث عطر الورود<br />

واألزهار المختلفة األلوان.‏ أما إن لم تصدّق ما ‏ٌجري،‏ أنظر<br />

إلى السماء متنمبلً‏ فٌها واؼمض عٌنٌن للٌبلً‏ فتجد أنن أنت من<br />

نشر هذا التداخل اللونً‏ المتناؼم الملًء بالسحر العجٌب.‏ إن<br />

تلن األلوان المتداخلة المتناؼمة تخرج منها موسٌمى لم ‏ٌتُح لن<br />

اإلنصات إلى مثلها ‏ٌوماً،‏ ومن ‏ٌدري فمد تتذكّر ‏"فٌفالدي"‏<br />

فتمارن بٌن موسٌماه وبٌن تلن التً‏ سمعتها للتو مدركاً‏ أن هنان<br />

أولات ال تجوز فٌها الممارنة.‏ اسمع نصٌحتً‏ وتم ‏ّشى فً‏<br />

شوارع األشرفٌّة الهوٌنى عندما ‏ٌتاح لن ذلن؟!‏ ال تخش شٌباً‏<br />

فً‏ تلن الطرلات النظٌفة.‏ إذ إنً‏ أإكّد لن أن عٌنٌن ستتعب ممّا<br />

ٔٓٗ


ستراه من الجمال المنثور هنان.‏ إنً‏ ألر وأعترؾ دون أن<br />

‏ٌُخالجنً‏ أيّ‏ شنّ‏ أن عشك بٌروت كلّها ‏ٌجتاح كٌانً‏ وآمل أن<br />

‏ٌتاح لً‏ مضاجعتها مجتمعة حتى لو ؼافلنً‏ الشٌطان ومكّننً‏<br />

من فعل ذلن والعٌاً،‏ بؽٌة اإلٌماع بً‏ وبٌن دمشمً‏ الحبٌبة.‏<br />

سؤؼض الطرؾ وأُبمً‏ المتآمرٌن إلى حٌن تحت طابلة<br />

المصاص.‏ إنً‏ أرى دمشمً‏ فً‏ هذه اللحظات نفسها تتجوّ‏ ل بٌن<br />

أفكاري حانمة عاتبة ترٌد االنمضاض علً‏ وضربً‏ ضرباً‏<br />

مبرحاً.‏ كنت جاهزاً‏ للدفاع عن نفسً،‏ فلم ‏ٌمت ‏ِض منً‏ ذلن إالّ‏<br />

ترتٌب أفكاري ولول الحمٌمة ناصعة لمن أحببتها دابماً‏ وال<br />

أزال."إنً‏ أحبن ‏ٌا دمشمً‏ حباً‏ عمٌماً‏ ‏ٌسكن كلّ‏ كٌانً،‏ وال<br />

وسٌلة هنان النتزاعه من داخلً.‏ لكنً‏ لم أعد أستطٌع<br />

مضاجعتن.إذ إن جسدٌنا فمدا تلن الطالة الكهربٌّة التً‏ كانت<br />

تسري بٌننا عند تبلمسنا،‏ وتنفنّ‏ عنا عندما ‏ٌنتهً‏ الوصال،‏<br />

وٌختفً‏ فً‏ جحره ما أنتجه فً‏ جسدٌنا.‏<br />

طال بً‏ التسكع والتمتع بالنظر إلى واجهات المتاجر<br />

األنٌمة،‏ حتّى استبدّ‏ بً‏ التعب مرؼماً‏ إٌّاي على اختٌار أحد<br />

الممهٌٌن المرٌبٌن المتجاورٌن للمكان فً‏ ساحة ‏"ساسٌن"‏ لمد<br />

اخترت الممهى الذي ‏ٌمول لن:‏ إن إطبللتً‏ أكبر،‏ وأملن أن<br />

أعطً‏ الجالس عندي شعوراً‏ أنه ‏ٌشترن فً‏ ملكٌة هذا المكان<br />

المتمدّن.‏ إنها ساحة ‏"ساسٌن"‏ الكبٌرة واألنٌمة التً‏ ال تزال<br />

تصر على أالّ‏ ‏ٌكون تبرّ‏ جها ولحاً‏ ‏ٌسًء إلى بساطة جمالها<br />

ونظافته.‏ كان لديَّ‏ الولت الكافً‏ أللرأ ما تٌسر من صحٌفتً‏<br />

‏"النهار"‏ و"السفٌر".‏ إنهما متنالضتان فً‏ االتّجاهات،‏ وتإكّدان<br />

ما هو مإكّد وٌمول:‏ إن التنالض سمة الحٌاة فً‏ هذه الدنٌا.‏ إننا<br />

نتلمسه فً‏ كلّ‏ مكان فً‏ كوننا الذي نطلك علٌه اسم األرض.‏ إن<br />

ٔٓ٘


ٍ<br />

تماسن هذا التنالض ووحدته وصبلبته ‏ٌزٌد فً‏ إربان من<br />

‏ٌحاول فهم ماهٌّة الحٌاة وما إن كان ‏ٌحرّ‏ كها هدؾ أو أهداؾ؟!‏<br />

أو إن المرام ‏ٌختفً‏ فً‏ عباءتها نفسها.‏ لم أستطع متابعة المراءة<br />

إذ كان مكانً‏ مشرفاً‏ على تحرّ‏ كات الناس التً‏ تستطٌع تمكٌنً‏<br />

من دراسة مختلؾ تحرّ‏ كاتهم وانفعاالتهم من حٌث ال ‏ٌدرون.‏<br />

للت لنفسً‏ وأنا أشعر ببداٌة تؽلّؽل الحماسة فً‏ كٌانً:‏ إن حظً‏<br />

بالحصول على هذا المكان ‏ٌشبه تلن الؽبطة التً‏ كنت أشعر بها<br />

بعد سرلتً‏ لبعض حبات ‏"الشوكوال"‏ التً‏ تكون موجودة عادة<br />

فً‏ حمٌبة أمًّ.‏ إن ممارستً‏ لهذا النوع من السرلة التً‏ لطالما<br />

ظننتُ‏ أنها استطاعت تضلٌل أمً،‏ ال أخفً‏ كم كانت ممتعة<br />

وتشبع الكثٌر من الرؼبات التً‏ تمكّنت من االختباء وتوزٌع<br />

نفسها فً‏ كٌانً‏ كلّه.كنتُ‏ مسروراً‏ حماً،‏ وآمبلً‏ بمرور الجمال<br />

األخّاذ فً‏ تلن المنطمة كما المُعتاد دابماً.لكنً‏ بمٌتُ‏ صامداً‏ ولتاً‏<br />

ؼٌر لصٌر،‏ إلى أن عرفتُ‏ أن بٌروت الجدٌدة تعشك الهداٌا<br />

مهما كان ثمنها بخساً.‏ إذ إن الهدٌّة تعنً‏ لها الكثٌر.‏ من هنا<br />

نفهم أن الؽرابة ستبمى تطلّ‏ من النفس البشرٌّة،‏ وأن بعض<br />

الطفولة سٌظلّ‏ متشبّثاً‏ باإلنسان،‏ والنمص فً‏ الحب الذي ‏ٌتلمّاه<br />

اإلنسان من بعض المحٌطٌن به سٌظلّ‏ ‏ٌشكّل كارثة ستبمى<br />

تداعٌّاتها كامنة بانتظار أن ‏ٌنفجر فجؤة لؽم فً‏ وجه بٌروت<br />

‏ٌسًء إلى مكانتها فً‏ األشرفٌّة وأوساطها.‏ ابتسمت فً‏ سرّ‏ ي<br />

فمد كان ثمن تلن المعلومة ‏ٌساوي أضعاؾ ما دفعته للعمة سلٌلة<br />

الحسب والنسب.‏ كانت العودة إلى بٌروت فً‏ هذا الولت بالذات<br />

تحمل فً‏ طٌاتها لٌمتها ومعناها.‏ إذ إنً‏ ابتعدت عن الوحوش<br />

التً‏ تعبث فً‏ وطنً‏ الحمٌمً‏ وتملمه على مستمبله ومستمبل<br />

أطفاله.‏ لكن لم تمضِ‏ بضع ساعات حتّى تلمٌت دعوة للعشاء فً‏<br />

بٌت بٌروت الجدٌد فً‏ األشرفٌّة الذي ‏ٌمع لرب بٌتً‏ إلى حدّ‏<br />

ٔٓٙ


‏ٌمكّننً‏ من أن أرى ما ‏ٌحدث فً‏ داخله.‏ أعتمد أنها ستبٌعه حتماً‏<br />

إلى أحد األؼنٌاء الجدد،‏ فهً‏ تملن أسلوبها الخاص فً‏ استؽبلل<br />

نماط الضعؾ عند اآلخرٌن،‏ وتحوٌلها إلى مصدر تموٌل بحٌث<br />

‏ٌنملب إلى ببر ‏"بترول"‏ ‏ٌنتج النفط الخفٌؾ.‏<br />

مرّ‏ ت عبللتً‏ ببٌروت السٌدة الً‏ تحسن بٌع المتعة للذٌن<br />

نسوا كٌؾ تمتلا جٌوبهم بالمال.‏ أنا ال أدري كٌؾ تمكّنت مت<br />

الحصول على اسم تلن المدٌنة العرٌمة الفاتنة،‏ وكٌؾ صعدت<br />

إلى أعلى مراتب النجومٌّة،‏ لكنها لم تلبث أن بدأت تركب<br />

األخطاء ممّا جعل من ألمها ‏ٌخبو للٌبلً،‏ وكبرٌابها أخذ ‏ٌنتفخ<br />

وٌرفض التحذٌرات الكثٌرة التً‏ كانت تتلمّاها من المخلصٌن.‏<br />

المرٌبون من بٌروت والمحنّكون الذٌن ‏ٌملكون عبللات لدٌمة<br />

معها،‏ ‏ٌفسّرون ذلن بؤن ما ‏ٌحدث هو من صلب خطتها لتكون<br />

محظٌة الشرق األوسط ببل منازع.‏ كانت تملن نفوذاً‏ سٌاسٌاً‏ ال<br />

تستعمله بإفراط.‏ إن مظهرها المطمبن ال ‏ٌعكس حمٌمتها.‏ إذ إنها<br />

تعٌش حذرا وللماً‏ دابمٌن بسبب المنافسة الشدٌدة على مولعها<br />

الربحً‏ والسلطوي.‏<br />

مرّ‏ ة كنت فً‏ حالة ‏ٌرثى لها وعبللتً‏ بها تدخل حالة عدم<br />

المباالة.‏ كتبت لها رسالة صؽٌرة أنادٌها وأؼازلها وفٌها ما<br />

‏ٌؽرٌها بإٌماؾ ما تموم به متعمّدة والتخلًّ‏ عن عدم مباالتها<br />

المصطنعة ؼٌر المبرّ‏ رة.‏ لمد وصل بها األمر أن استطاعت<br />

إرهاب عاببلت بٌروت مع الولت،‏ فإن تكلّمت نساإها بالسوء<br />

عنها،‏ كانت تؽري أحد شبابها وتجعله طوع بنانها بحٌث تفعل<br />

به ما تشاء أمام الناس.‏ كتبتُ‏ لها لاببلً:‏ عندما تصلن رسالتً‏<br />

ستسمعٌن همساً‏ فً‏ أذنٌنِ‏ تمول فٌه إحدى الكلمات إنً‏ أحبّنِ‏ ،<br />

ٔٓ7


والثانٌة ستإكّد لن مرّ‏ تٌن:‏ إلى األبد ‏ٌا حبٌبتً.‏ وعندما أصل<br />

إلى بٌروت سؤعٌد لراءة تلن الرسالة الٌتٌمة فً‏ تلن الحدٌمة<br />

نفسها والممعد المزدوج نفسه الذي كنا نجلس فٌه،‏ وتحت تلن<br />

األشجار التً‏ كانت تخفٌنا عن العٌون الجابعة.‏ تؤكّدي أنً‏<br />

سؤفعل ذلن بصوتٍ‏ عالً.‏ لكنن ستكذبٌن وتمولٌن إنً‏ لم أسمع<br />

شٌباً‏ فمد كنت شاردة أتمتع بهذه الحدٌمة الرابعة.‏ سؤلول لنِ‏ وا<br />

حسرتاه.‏<br />

كانت لٌلة بزّ‏ ت كل اللٌالً.‏ ترى هل الذٌن استمعوا إلى<br />

‏"شهرزاد"‏ ‏ٌستطٌعون أن ‏ٌبٌحوا ألنفسهم محاولة تشبٌهها<br />

بإحدى لٌالً‏ ألؾ لٌلة ولٌلة الفرٌدة؟!‏ أم إنها ستظلّ‏ متفرّ‏ دة ال<br />

مثٌل لها منذ ذلن التارٌخ البعٌد حتى ولتنا الحاضر.‏ الحاضر<br />

الذي احتضن هذا الشعور المثمل الذي ‏ٌرمٌن بٌن الحسان<br />

اللواتً‏ ‏ٌؽتسلن من أجل ‏"نٌرون"‏ بالحلٌب واألخرٌات اللواتً‏<br />

‏ٌتعطرن بالبخور من اجل ‏"نٌرون"‏ أٌضاً‏ ومدعوّ‏ ‏ٌه.‏ ترى هل<br />

نسٌتِ‏ تلن الرإٌة المتناؼمة األلوان،‏ الرابعة فً‏ تدرّ‏ جها<br />

العجٌب ونحن ننظر فً‏ األفك مبهوتٌن.‏ أظنّ‏ أن كبلّ‏ ً منا صلّى<br />

فً‏ ذلن الولت صبلته الخاصة.‏ أتذكرٌن كٌؾ فصلت بٌننا<br />

العواصؾ واألعاصٌر؟!‏ لمد أخافنً‏ صراخن لمّا بدأ عواء<br />

الؽابات الذي أرعبن وظلّ‏ ‏ٌعلو كلّ‏ شًء ‏ٌمكننا أن نسمعه.‏<br />

نستطٌع أن نسمًّ‏ ذلن الٌوم،‏ ‏ٌوم المتعطشٌن إلى المؽامرات،‏<br />

أو الٌوم الذي تنعمد فٌه محكمة الوحوش،‏ وكٌؾ ‏ٌموم العدل<br />

بإحماق الحك.‏ آه ‏ٌا بٌروت،‏ ‏ٌبدو أن الخوؾ أخذ ‏ٌتملّكنِ‏ . لولً‏<br />

لً‏ لماذا تهربٌن؟!‏ ستبمى ذكرانِ‏ كما أنفاسن التً‏ لم ولن تكؾّ‏<br />

عن مداعبة وجهً‏ بكلّ‏ تفاصٌله بٌن حٌن وآخر،‏ وأكاد ألول فً‏<br />

كلّ‏ حٌن.‏ لمّا تزالٌن كما أنت.‏ إذ ‏ٌزعجن أن تري امرءاً‏ فرحاً‏<br />

ٔٓ8


بسبب شًء فعلتٌه،‏ دون أن تدركً‏ أن ذلن سٌفرح إنساناً‏ ما لن<br />

‏ٌكون ؼرٌباً‏ إن جمٌع الحضور ‏ٌمكنهم أن ‏ٌتولّعوا ماذا سٌحدث<br />

إالّ‏ ذلن اللبنانً‏ الذي ذهب صؽٌراً‏ إلى جنوب أفرٌمٌا وكوّ‏ ن<br />

ثروة هنان ولم ‏ٌعتد بعد على فخاخ سٌّدة لبنان فً‏ اللٌل.‏ لكنً‏<br />

كنت أكره الؽدر وامتصاص جهد الناس وتعبهم وإرسالهم إلى<br />

الماع من جدٌد.‏ كانت أجهزة التصوٌر مجهّزة اللتماط ما ‏ٌحدث<br />

وتسجٌله.‏ لم تمض دلٌمتان حتى بدأتُ‏ تنفٌذ خطتً‏ مما أدّى إلى<br />

إعتذار الرجل عن البماء فً‏ الحفل نظراً‏ لعارض صحً‏ أصاب<br />

أمه.‏ استملّ‏ سٌّارته ورحل ملوحاً‏ لنا بٌده تحٌّة شكر.‏ ستمولٌن<br />

إنها لصّة لدٌمة وبدت على ؼٌر حمٌمتها ال بؤس.‏ لماذا ال تزالٌن<br />

تتصنعٌن الخفر ككل النساء وتتمنعٌن عندما ترٌن أن ذلن<br />

سٌكون مناسباً.‏ لكنن نسٌتِ‏ أننِ‏ للت مرّ‏ ات ‏"عدٌدة"‏ إن تماحن<br />

األجساد تناسبه الولاحة.‏ ال تتدبري سبباً‏ للتمنّع،‏ وال تنتمً‏ ثٌاباً‏<br />

تزٌدنِ‏ ؼموضاً.‏ هٌا انزعً‏ خمارن السخٌؾ،‏ وكونً‏ ذببة فً‏<br />

الفراش جابعة وٌُصعب إشباعها.‏ طوّ‏ ري نفسنِ‏ ، وعندبذ ربّما<br />

تصٌرٌن فرٌدة ال تتصنعٌن الولاحة وال التمنع أوالؽموض.‏<br />

دعً‏ كلّ‏ ذلن ‏ٌتنبع من خبلٌان دون أن تُستدعى.‏ أشعر أن علًَّ‏<br />

االعتراؾ أنً‏ سؤظلّ‏ أإمن أن لعابن سٌحمل معه دابماً‏ طعم<br />

العسل.‏ هٌا افعلً‏ شٌباً‏ كً‏ ترٌنً‏ إن كنتِ‏ تستطٌعٌن إشعاري<br />

أن بإمكاننِ‏ التجول فً‏ أنحاء جسدي وتتولفٌن بعض الولت<br />

حٌث ‏ٌطٌب لن؟!‏ أتدركٌن أننا نكاد أن نُنهً‏ حٌاكة لحن حبنا<br />

الخالد متبادلٌن ‏"النوتات"‏ عبر األثٌر وربّما ستحملها الفتة<br />

كبٌرة الحجم تحوي اللحن كامبلً‏ مطبوعاً،‏ ومفهوماً‏ لكل من<br />

درس الموسٌمى بعمله وللبه.‏ سٌحدث أمر عظٌم إن تمكّنا من<br />

تعلٌمها وسط منطادٌن مخطّط لهما أن ‏ٌتجوّ‏ ال بها فً‏ أنحاء<br />

العالم.‏ لمَ‏ ال تفكرٌن باهتمامات أخرى وتمترحٌن على وزارة<br />

ٔٓ9


الثمافة أن تمٌم عٌداً‏ ‏ٌتبارى فٌه الموسٌمٌّون كلّ‏ سنتٌن مثبلً،‏<br />

وٌكون الرابح من ‏ٌضع فً‏ لحنه عصارة مشاعره وأحبلمه<br />

ورإآه؟!‏ ترى ماذا فً‏ أعمالنِ‏ ‏ٌا بٌروت هل بعد هذه<br />

االنتصارات والجوالت والصوالت على مسرح الشبك،‏ ال تزال<br />

األضواء تتآكلنِ‏ وال تملكٌن المدرة على االنفكان عنها؟!‏ مسكٌنة<br />

أنت ‏ٌا بٌروت،‏ فؤنتِ‏ ممبلة على خوض حرب أهلٌّة مع نفسن،‏<br />

وا أسفاه تباً‏ للحسد.‏ إذ إنً‏ أرى أنه ال ‏ٌزال ‏ٌشؽلن وٌمنع النوم<br />

من االستٌبلء علٌن فً‏ الفراش فهنان تُحٌكٌن المإامرات<br />

وتهٌّ‏ ‏ِبٌن الفخاخ للتً‏ ستخلفن لرٌباً.‏<br />

دعٌنً‏ أروي لن حكاٌة صؽٌرة توضّح لن أن فً‏ بٌروت<br />

أموراً‏ كثٌرة تجري وأحبلماً‏ ومشاعر تطرح وشماء ‏ٌُنهن آماالَ‏<br />

ال تعرؾ لٌالٌنِ‏ شٌباً‏ عنها.‏ إن الكثٌرٌن ‏ٌرٌدون لبٌروت صورة<br />

أخرى،‏ وصٌرورة مختلفة،‏ وتحوّ‏ الت بناءة.‏<br />

كان ‏"نبٌل"‏ شاباً‏ مراهماً‏ حالماً‏ ‏ٌحب اللٌل والظلمة ؼٌر<br />

الحالكة.‏ فً‏ تلن العتمة التً‏ حاكها بنفسه وعمّرها كما ‏ٌحلو له،‏<br />

أعاد صنع أحبلمه متذكراً‏ المحبب إلٌه منها.‏ ابتسم ابتسامة<br />

عرٌضة أدخلت إلٌه من خبللها فرحاً‏ لم ‏ٌعرفه ‏ٌوماً‏ فً‏ حٌاته.‏<br />

لمد أراد أن ‏ٌمفز وٌطٌر.‏ إذ عرؾ أنه أستطاع منح أزلة مدٌنته<br />

لوناً‏ أزرق ‏ٌشبه السماء التً‏ لطالما تشبّث بالنظر إلٌها،‏ وتبادل<br />

معها األحادٌث طالباً‏ منها أن تكون واسطة بٌنه وبٌن أمه التً‏<br />

تعامله معاملة سٌّبة وتضٌك علٌه الخناق.‏ تولؾ للٌبلً‏ بسبب<br />

عودة شعوره باإلحباط بعد لٌلة أمس التً‏ أدرن فٌها أن الصدام<br />

بٌن آماله وأحبلمه بدأ باكراً‏ ممّا أخذ ذلن ‏ٌُضنٌه دون أن ‏ٌدري<br />

كٌؾ ‏ٌتخلّص من هذا المؤزق الكبٌر.‏ لكن فجؤة أحسّ‏ بنسٌم<br />

ٔٔٓ


مختلؾ آتٍ‏ من مكان بعٌد ‏ٌلفح روحه وٌمول له:‏ إن البٌت ال<br />

‏ٌزال بعٌداً‏ وعلٌه أن ‏ٌمشً‏ الهوٌنى وال ‏ٌخشى شٌباً.‏ أخذ ‏ٌبتسم<br />

وهو ‏ٌتباطؤ فً‏ سٌره.‏ المصادفة دفعته إلى االتجاه إلى أمام باب<br />

الحبلّ‏ ق وٌمؾ هنان فاؼراً‏ فاه.‏ لكنه لم ‏ٌستطع البماء طوٌبلً‏<br />

مذهوالً‏ بعد أن تؤكّد أن ذلن الصوت المذهل الذي تسرّ‏ ب إلٌه<br />

‏ٌنبعث من ذلن الدكّان نفسه.‏ ترى ماذا لو دخلتُ‏ وسمع ‏ُت عن<br />

لرب ذلن الصوت المذهل الذي أنتشل لارب أحبلمً‏ من<br />

الؽرق.‏ ترى ماذا سٌحدث؟!‏ شعرتُ‏ بؤنً‏ تجاوزتُ‏ حدودي،‏<br />

ولٌس علًّ‏ أن أفكر بهذه الطرٌمة.‏ لكن ما الضٌر إذا دخلت،‏<br />

فؤنا ألبس أجمل ثٌابً؟!‏ لم ‏ٌستمر هذا ‏"المنولوج"‏ الذاتً‏ طوٌبلً،‏<br />

فدخلتُ‏ والتربتُ‏ للٌبلً‏ ثمّ‏ تولفتُ‏ . لست أدري كٌؾ شعرتُ‏ بؤنً‏<br />

أالمس هذا الصوت المذهل وصاحبته دون أن تعترض.‏ لمد<br />

هزّ‏ ته شخصٌّة الصوت وكٌؾ ‏ٌنساب من تلن الحنجرة الذهبٌّة<br />

بعنفوان وكبرٌاء ملفتان،‏ كما أدهشتنً‏ طرٌمة انطبلله وتمشٌّه<br />

فً‏ هذه الدنٌا معتداً‏ ؼٌر آبه بشًء.‏ لكنه لم ‏ٌلبث أن أدرن أنه<br />

أخطؤ بالفصل بٌن المؽنٌّة وشخصٌّة صوتها.‏ إذ إن لٌس هنان<br />

سوى ذات واحدة تؽنً‏ بصوت ‏ٌسحك الملوب،‏ وٌعبر عن ملكته<br />

المتوّ‏ جة خٌر تعبٌر.‏ ظلّ‏ الفتى ‏ٌستمع،‏ لكنه فجؤة سؤل الحبلّ‏ ق<br />

بصوت خفٌض مرتجؾ:‏ إذا ما كان ‏ٌمكنه أن ‏ٌعرؾ من تكون<br />

صاحبة هذا الصوت األعجوبة؟!‏<br />

لماذا ‏ٌهمّن األمر أٌها الصؽٌر؟!‏<br />

أنا أحبّ‏ الموسٌمى والؽناء كثٌراً،‏ وها أنا أشعر بؤن أعجوبة<br />

تتكون أمامً‏ وتشدهنً.‏ أنا ال أرٌد أن أكون متطفبلً،‏ بل<br />

وأخشى أن أزعج أحداً.‏ ترى هل انجررتُ‏ إلى ذلن دون أن<br />

ٔٔٔ


أدري؟!‏ أنا فً‏ الحمٌمة ال أعرؾ كٌؾ انجرؾ كٌانً‏ كله ساعٌاً‏<br />

كً‏ ‏ٌعرؾ من تكون تلن المعجزة؟!‏ أنا مرتبن جدّاً‏ أٌها السٌّد<br />

لبول اعتذاري<br />

أرجون بالدخول إلى دكّانن دون استبذان.‏ الشدٌد.‏<br />

ال موجب لكلّ‏ هذا.‏ إذ إنً‏ سررت بالتعرّ‏ ؾ إلٌن.‏ أنا أرى<br />

مبلمح شاب واعد أتمنى أن ‏ٌخرج منه الكثٌر.‏ إن من سمعتها<br />

تؽنً‏ هً‏ النجمة الساطعة ‏"إٌدٌت بٌاؾ"‏ إنها المنبلة التً‏ فتحت<br />

فمها،‏ فانفجرت وأصبحت شظاٌاها بلسماً‏ ‏ٌداوي الجراح وٌسمً‏<br />

العطاش إلى عطاٌا الخالك.‏ ال تنس أن ترمً‏ علًّ‏ السبلم عندما<br />

تمرّ‏ من هنا.‏ كنتُ‏ أتوجّس شراً‏ وانا أتّجه إلى إلى البٌت.‏ فً‏<br />

الطرٌك إلٌه لم أستطع إالّ‏ التفكٌر بؤمً.‏ من خبلل ذلن تذكر ‏ُت<br />

الطبٌب الذي عالجنً‏ بعد سنوات عدٌدة من هذا السٌاق الذي أنا<br />

بصدده اآلن.‏ تذكرتُ‏ أنً‏ سؤلته إثر محاولتً‏ الٌتٌمة لبلنتحار.‏<br />

للت:‏ هل لمراهك جرى إلناعه منذ طفولته وبعد أعوام من<br />

مراهمته إن ما حدث وما ‏ٌحدث فً‏ اللٌل كان ‏ٌعنً‏ عكس ما<br />

اعتمد!‏ بل كان إعبلناً‏ صرٌحاً‏ ‏ٌحمل معه إلرار بٌولوجًّ‏<br />

بالدخول إلى مرحلة الرجولة،‏ التً‏ ال بدَّ‏ أن تتؤخر بعض<br />

الولت.‏ أما أنا،‏ فكنتُ‏ فً‏ تلن اآلونة أرٌد الهرب فحسب.‏ إذ إن<br />

شعوري بالندم كان ‏ٌستبدّ‏ بً‏ أكثر ممّا اعتادت أمً‏ أن تفعل فً‏<br />

األولات لكن شٌباً‏ ؼرٌباً‏ أثار انتباهً‏ ودفعنً‏ إلى التساإل عن<br />

مصدر تلن الجرأة المفاجبة التً‏ أشعلت لً‏ كٌانً‏ شجاعة لم<br />

أحلم أن أحظى بها ‏ٌوماً.‏ إذ إن األمر كان مثل تلن العبارة لتً‏<br />

لٌلت على لسان المدٌر"‏ كن فكان".‏ هكذا دخلت إلى ذلن الدكان<br />

حامبلّ‏ معً‏ شجاعتً،‏ دون أن ‏ٌكون لً‏ أٌّة عبللة به ال من<br />

لرٌب أو من بعٌد.‏ لكن سإاالً‏ آخر مرعباً‏ أطلّ‏ برأسه وبمً‏<br />

ٕٔٔ


‏ٌتردّد فً‏ داخلً،‏ وفٌه أسؤل ربًّ‏ كٌؾ أختفً‏ من وجه أمً‏ وما<br />

‏ٌمكن أن تبٌّته لً؟!‏ إذ إنها تعرفنً‏ جٌداً‏ ولم ‏ٌكن لدٌها أيّ‏ شًء<br />

تفعله سوى مرالبتً‏ طوال تلن السنوات التً‏ أبادت عٌناها<br />

الواسعتان الكثٌر من أحبلمً‏ وتطلّعاتً.‏ كنا نحن االثنان نعرؾ<br />

بعضنا بعضاً‏ جٌّداً.‏ لم أنتظر طوٌبلً،‏ إذ كاد هجوم االختناق أن<br />

‏ٌمضً‏ علًّ،‏ فسارعتُ‏ إلى المول لم ‏ٌحدث ما ‏ٌستحك الذكر ‏ٌا<br />

أماه،‏ فعندما دخلت إلى ذلن المكان لم ‏ٌكن فً‏ رأسً‏ سوى<br />

رؼبة طفولٌّة شدٌدة فً‏ سماع ذلن الصوت الذي اعتبرته ‏ٌوجه<br />

كلماته ورنٌنه العجٌب إلًّ‏ وحدي،‏ فاعتبرته بكلٌّتً‏ أنه<br />

اكتشافً.‏ إذ كان فٌه كلّ‏ ما أحلم به:‏ من العنفوان والحب،‏<br />

وكذلن النضال الحمٌمً‏ المستمٌت فً‏ سبٌل انتشال الممهورٌن<br />

من محنتهم وشعورهم الدابم بالمهانة.‏ لمد كدت أن أطٌر ‏ٌملإنً‏<br />

الفخر محاوالً‏ رفع ذاتً‏ عن األرض ألحلّك بعٌداً،‏ لست أدري<br />

‏ٌا أماه؟!‏ ربّما كان ‏ٌبؽً‏ أن ‏ٌرسلنً‏ إلى السماء إلٌصال رسالة<br />

ما.‏ كما أنً‏ كنت أسمع صوتاً‏ آخر ‏ٌرافك صوتها الذي ‏ٌمتلا<br />

بالثورة والثوّ‏ ار،‏ ‏ٌحملون األعبلم وترافمهم األناشٌد والموسٌمى<br />

الخارجة هً‏ والبهجة من اآلالت النحاسٌّة الرابعة،‏ مسرعٌن<br />

الخطى،‏ تملإهم الحماسة كؤنهم على موعد لرٌب مع التحام<br />

‏"الباستٌل".‏ كان ذلن الصوت اآلخر ‏ٌشبه صوتها،‏ لكنه كان آتٌاً‏<br />

من بعٌد خفٌضاً.‏ أظن أنً‏ الوحٌد الذي كنتُ‏ أسمعه.‏ أدركت<br />

ذلن ألنً‏ لم ألحظ أن أحداً‏ استؽرب من وجود ذلن الصوت<br />

المرافك.‏ كان فٌه بعض من نحٌب واسترحام ‏ٌمول لً:‏ أنا<br />

أحتضر ‏ٌا ‏"نبٌل".‏ أرجو أن تطلب من الرب أن ‏ٌسارع إلى مد<br />

‏ٌده وٌرفعنً‏ إلٌه.‏ لمد كان فً‏ ذلن الصوت نب ‏ٌل لٌس من دنٌانا،‏<br />

لكن بعد بعض الولت انتبه البعض إلٌه وأدركوا أنه ‏ٌملن<br />

مخارج حروؾ لادرة على التحدث إلى كلّ‏ أنواع المشاعر<br />

ٖٔٔ


وتجعلها تنصت إلٌه وتنتشلها من الظلمة والظلم.‏ إذ كانت تضع<br />

فً‏ كلّ‏ رسالة لصٌرة ترسلها إلى أيّ‏ إنسان لطعة صؽٌرة من<br />

للبها المتهاوي.‏ لستُ‏ أدري كٌؾ فهمتُ‏ أنها رأت صعوبة فً‏<br />

إفهام الموجودٌن فً‏ دكان الحبلق ما ترٌد المول.‏ لكنها أعادت<br />

ؼناء األؼنٌة نفسها بطرٌمة مختلفة بحٌث وضعت لكل حرؾ<br />

من حروفها نوتة مختلفة،‏ فكان فتحاً‏ جدٌداً‏ فً‏ التخاطر.‏ نبٌل<br />

كان ‏ٌكرّ‏ ر ألمه:‏ كنتُ‏ أسمعه بوضوح ‏ٌمول:‏ هل تسمعنً‏ ‏ٌا<br />

نبٌل؟!‏ ال تنسنً‏ أرجون.‏ هذا كلّ‏ ما حدث ‏ٌا أماه.‏<br />

هل تحاول استؽباء أمّن ‏ٌا ولد؟!‏ هٌا لل لً‏ من أٌن أخذت تلن<br />

الجرأة لتدخل إلى ملكٌّة الؽٌر لمجرد سماع أؼنٌة؟!‏ من تظن<br />

نفسن؟!‏ ثمَّ‏ منذ متى تفهم فً‏ األؼانً‏ وموسٌماها ومعانٌها،‏ وفً‏<br />

الثورة والثوّ‏ ار؟!‏ آه منن ‏ٌا ولد.‏ ‏ٌبدو أنً‏ لد أضعتن.‏ لل لً‏ من<br />

تعاشر دون علمً؟!‏ ثمَّ‏ لماذا ترتجؾ من االرتبان،‏ هل لمت<br />

بحمالة ما هنان؟!‏ ترى هل صفّمت لتلن المنحطّة داخل الدكان.‏<br />

أظن أن علً‏ طردن من البٌت كما طردتُ‏ أبان.‏<br />

كنت أرتجؾ من الخوؾ ‏ٌا أمً،‏ ومرتبكاً‏ كثٌراً‏ ألن ذكورتً‏<br />

استفالت هنان فً‏ وضح النهار ‏ٌا أمً.‏ العهد المدٌم مضى<br />

وانطفؤت نجومه،‏ لمد أصبح اسمه العهد الؽابر،‏ أنا لم أعد<br />

أخشان.‏ هل تفهمٌن ما ألول؟!‏ كما أنً‏ أعرؾ ما حدث تماماً‏ ‏ٌا<br />

أمً،‏ وأنن ال تجرُ‏ بٌن على ما تدعٌه.‏ ألم ‏ٌكفنِ‏ ما حدث؟!‏ أنا<br />

أعرؾ ما جرى تماماً‏ وأدرن أنن تكذبٌن.‏ لكنن كنتِ‏ ؼشٌمة،‏<br />

إذ إن أبً‏ كان فرحاً‏ عندما ترن لنِ‏ كلّ‏ شًء ورحل.‏ لمد<br />

تخلّص منن بإرادتن.‏ هذا ما فعله تماماً‏ ‏ٌا أمً.‏ أنتِ‏ لم تطردي<br />

أبً‏ ‏ٌا أماه وال تستطٌعٌن طردي فؤنا أملن فً‏ منزل أبً‏ أكثر<br />

ٔٔٗ


ممّا تملكٌن.‏ ال ‏ٌزال البٌت باسمه،‏ إننً‏ ألترب من الدخول إلى<br />

الخامسة عشرة،‏ إنها بضعة أٌام وأدخل إلى مرحلة الرجولة<br />

دون أن أعرؾ عن أبً‏ شٌباً،‏ وال أٌن هو.‏ أنت وحد ‏ِن التً‏ تعلم<br />

علم الٌمٌن أنه حًّ‏ وال ‏ٌزال ‏ٌرسل لن المال إلعالتً؟!‏<br />

هل تحاكمنً‏ ‏ٌا نبٌل؟!‏<br />

حاشا ‏ٌا أماه.‏ لكنً‏ لد أفعل إن تمادٌت فً‏ إذاللً‏ وجرح<br />

كرامتً.‏ لمد بصمت علٌنِ‏ عمتً‏ وهً‏ تحذّرنً‏ مننِ‏ لبل وفاتها<br />

بعدّة أٌّام.‏ افهمٌنً‏ جٌّداً:‏ منذ هذه اللحظة لن أسمح لنِ‏ بالصراخ<br />

فً‏ وجهً،‏ أنا لم أرتكب أي خطؤ،‏ حاولً‏ أن تتذكّري منذ اآلن<br />

أنً‏ لن أدع صوتن ‏ٌرعب البلد وٌحطم زجاج النوافذ فً‏ ك ‏ّل<br />

مكان.‏ لمد سمعتُهم ‏ٌتوشوشون وهم ‏ٌتحدّثون همساً‏ عن صوتن<br />

الشٌطانً‏ الكرٌه.‏ سؤعلّمهم أالّ‏ ‏ٌخشونن بعد الٌوم.‏ الحبلّ‏ ق كان<br />

لطٌفاً‏ معً‏ وٌملن ما ‏ٌسمع به االسطوانات ولكنه أكثر حداثة<br />

من ذلن الذي نملكه وأرسلته إلى المبو المبر الذي ‏ٌموت فٌه ك ‏ّل<br />

شًء.‏ أنا لن ألبل بعد الٌوم أن ترفعً‏ صوتن فً‏ وجهً‏ مهما<br />

كان السبب.‏ لم تعد السلطة فً‏ ‏ٌدن،‏ بل عادت إلى الشعب الذي<br />

أصبحتُ‏ أمثّله سؤلاومن بكل الطرق الممكنة حذار.‏ لن أهرب<br />

من البٌت مثل والدي الذي فرَّ‏ من طؽٌانن فً‏ اللٌل البهٌم.‏ هذا<br />

بٌتً‏ ووطنً.‏ إٌّانِ‏ أن تحولً‏ بٌنً‏ وبٌن ما أرٌده لمستمبلً.‏<br />

ماذا سٌكون ردّ‏ فعل الجٌران؟!‏<br />

ٔٔ٘


أحماً‏ ال تعرفٌن أالّ‏ أحد ‏ٌطٌك وجودن.‏ إن كنت ال تدركٌن ذلن<br />

علٌنِ‏ أن تستمٌلً‏ من تسلّطن الفج الذي ال ‏ٌحتمل،‏ ودعٌنا نعٌش<br />

ككلّ‏ الناس ونتخلّص من صوتن المبٌح.‏<br />

‏ٌا لولاحتن البؽٌضة.‏ هل أتٌت بكلّ‏ هذا من دكّان الحبلّق؟!‏<br />

سٌسرُّ‏ لو عرؾ ما تمولٌن.‏ الحبلّق ‏ٌعرؾ كٌؾ ‏ٌتكلّم بتهذٌب<br />

بٌنما أنتِ‏ ال تعرفٌن شٌباً‏ عن اللبالة وكٌؾ على اإلنسان أن<br />

‏ٌحترم اآلخر.‏<br />

عاملٌنً‏ بلطؾ،‏<br />

إلى رشدن.‏<br />

إذ إن هذا سٌكون إشارة للجمٌع على<br />

عودتن<br />

هل تمٌلنً‏ من مهامً‏ كؤم؟!‏<br />

اسؤلً‏ نفسن:‏ هل عرفتِ‏ ‏ٌوماً‏ مهامن كزوجة،‏ وترٌدٌن أن<br />

أتعامى عن كلّ‏ شًء وأصدّق أن بإمكانن أن تصبحً‏ أماً‏ فً‏<br />

لحظات؟!‏<br />

أنتهى زٌاد من حدٌثه عندما كانت بٌروت تبتسم ساخرة لابلة:‏<br />

ماذا ‏ٌحدث لن ‏ٌا زٌاد لماذا رمٌتنً‏ وسط الحٌرة،‏ فؤنا لم أعهدن<br />

تهتم بمثل هذه المصص الساذجة السخٌفة،‏ ترى هل بدأت تبشّر<br />

بجنس مختلؾ؟!‏<br />

لم تصٌبً‏ الهدؾ ‏ٌا بٌروت مثل حالنِ‏ فً‏ هذه األٌام.‏ إذ إن<br />

هذه المصّة فٌها الكثٌر ممّا خفً‏ عنن.‏ لمد نشرت فً‏ المدرسة<br />

ٔٔٙ


األمرٌكٌّة لتوحٌد المناهج.‏ وأنا ألصد منها الؽمز من لناتن<br />

والتؤكٌد أن ‏"إٌدٌت"‏ األشهر بٌن الفنّانات الفرنسٌّات لد نملها<br />

المدٌر من دنٌانا بعد شهر واحد من نشر لصّة ‏"نبٌل"‏ وأسكنها<br />

لربه لٌرٌحها من معاناتها فً‏ تلن الحٌاة الفانٌة.‏ لن تفٌدن<br />

ادّعاءاتنِ‏ ‏ٌا بٌروت فالمصة أخذت مكانها فً‏ التارٌخ،‏ وٌكاد<br />

الحبلّق أن ‏ٌُجنّ‏ وهو ال ‏ٌزال ‏ٌبحث عن الشاب لٌفهم منه كلّ‏ ما<br />

فهمه من ذلن الصوت الذي كان ‏ٌرافك صوت المؽنٌّة الشهٌرة.‏<br />

رؼم كلّ‏ شًء،‏ كان ال بدّ‏ من متابعة ما كنت أكتبه عنن ‏ٌا<br />

بٌروت متجاهبلً‏ ولاحتن وافتمارن للوفاء.‏ إنً‏ آسؾ لما آلت<br />

إلٌه أُمورن وأنت تلجٌن إلى نهاٌتن الممجوجة والخالٌة حتّى<br />

من شفمة الذٌن كانوا من الممرّ‏ بٌن.‏ ‏ٌإلمنً‏ أن أران تخسرٌن<br />

كلّ‏ شًء حتّى لٌل إنن تظنٌّن وستفاجبٌن الجمٌع أنن مستثناء<br />

من الموت.‏ ارحمً‏ نفسن وال تدخلً‏ إلى الضٌاع أرجو ‏ِن إذ ال<br />

أحد بإمكانه استثناء نفسه من الموت إ ‏ّال تلن التً‏ بدأت فً‏<br />

إضاعة توازنها والطرٌك التً‏ تلتمً‏ فٌها بمناعتها.‏ سٌؤتً‏ ذلن<br />

الٌوم الذي ستذرفٌن فٌه الكثٌر من الدموع ‏ٌا بٌروت عندما<br />

تعلمٌن أنً‏ وسط المعاناة صرتُ‏ أفمد االهتمام بنفسً‏ وأتحول<br />

شٌباً‏ فشٌباً‏ إلى رماد ‏ٌنتظر الرٌح كً‏ تؤخذه إلى مدفؤتنِ‏ . إذ ربّما<br />

تعٌد إلًَّ‏ تلن النار بالذات بعض الروح،‏ وأسمعنِ‏ تدمدمٌن ثمَّ‏ ال<br />

تلبثٌن أن ‏ٌعجبنِ‏ األمر وتبدبٌن بؽناء ذلن الممطع الذي تمول فٌه<br />

أم كلثوم"‏ ما بٌن لربن وشولً‏ إلٌن،‏ وبٌن بعدن وخوفً‏ علٌن<br />

دلٌلً‏ أحتار وحٌّرنً".‏ لكنً‏ أحذّرنِ‏ من االتكال على جبنً،‏<br />

فمد ‏ٌعطٌنً‏ الذل بعض الموّ‏ ة لملٌل من الولت فؤلتلنِ‏ . إذا لم<br />

‏ٌحدث هذا ثمً‏ بؤنً‏ سؤخرج من أسرنِ‏ ‏ٌوماً،‏ ممتلباً‏ بالجراح،‏<br />

ثمَّ‏ ال ألبث أن الرع بابن فً‏ ‏ٌوم آخر عندما تاتٌنً‏ وشوشة من<br />

الخونة الذٌن ‏ٌُحٌطون بنِ‏ تمول:‏ إنن ؼارلة فً‏ حزن عمٌك بعد<br />

ٔٔ7


أن مرّ‏ العمر،‏ دون أن تعرفً‏ كٌؾ تعطٌن لكلّ‏ طارق على<br />

بابنِ‏ ما ‏ٌطلبه من الحب.‏ سؤلول لنِ‏ بكلّ‏ ما عندي ممّا ‏ٌتدفك<br />

من ذلن الملب وٌروي الروح:‏ طوبى للذي أعطانا للباً‏ ومؤله<br />

باإلحساس المرهؾ.‏ من ذلن الملب نفسه ألول لنِ‏ : إن عهدن<br />

ماضٍ‏ بخطىً‏ متسارعة إلى األفول.‏ إذ إنً‏ أمتلا إدراكاً‏ أنً‏ لن<br />

أران مجدّداً‏ مشعّة مضٌبة.‏ اسمحً‏ لً‏ أن ألرأ لن ممطعاً‏ من<br />

نبوءة النبً‏ أشعٌاء.‏<br />

‏"تسمعون سمعاً‏ فبل تفهمون<br />

وتنظرون نظراً‏ فبل تبصرون<br />

لمد ؼلظ للب هذا الشؽب<br />

فؤصمّوا آذانهم عن السماع<br />

وأؼمضوا عٌونهم لببل ‏ٌبصروا بعٌونهم<br />

وٌسمعوا بآذانهم وٌفهموا بملوبهم<br />

وٌتوبوا فؤشفٌهم<br />

أنا أنوي فً‏ نهاٌة المطاؾ أن أعٌش حٌث تعٌشٌن وسترٌن<br />

أنً‏ ال أطلب شٌباً‏ لنفسً.‏ لكن وجودي سٌكون وجوداً‏ فاعبلً‏<br />

ٔٔ8


بالتؤكٌد.‏ أي أنً‏ رؼم شعوري بؤن أنفاسنِ‏ ال تزال تلفح وجهً،‏<br />

سؤشارن فً‏ بناء الهوت جدٌد مستؽفراً‏ العلً‏ لبل أن ألول إنه<br />

‏ٌُتعب أبناءه وهو الذي ال حدود لحبه،‏ فٌتسللون فً‏ اللٌل البهٌم<br />

لٌسبحوا فً‏ نهر الوثنٌة،‏ معانمٌن األصنام الواسعة العٌون.‏ إن<br />

حٌاتً‏ بعد هذا التارٌخ لن ‏ٌعنٌها التفرّ‏ ج على األشٌاء أو<br />

الظواهر الؽرٌبة،‏ أو المٌام ببعض المماببلت المسلٌّة ومعرفة<br />

بعض ما ‏ٌحدث بٌن حبٌبٌن،‏ فؤنا أعرؾ أن المرأة هً‏ المرأة<br />

دابماً،‏ أما الرجل فٌبمى ‏ٌتوق إلى طفولته،‏ وربّما إلى ذلن الرحم<br />

الذي جاء منه.‏<br />

ماذا حدث ‏ٌا بٌروت وجعلن عاجزة عن طرد الشٌطان الذي<br />

دخل إلى حٌاتن وأخذ ‏ٌتبلعب بها.‏ هل الدهر ‏ًجعلنِ‏ تضعفٌن<br />

وٌسري فً‏ جسدنِ‏ الوهن،‏ وٌتسلّل إلٌن خوؾ عمٌك ال ‏ٌمكن<br />

تبرٌره؟!‏ هٌا دعٌنً‏ أسمع إن كان هنان ما تخفٌه؟!‏ هل هذا من<br />

شٌمنِ‏ ‏ٌا بٌروت؟!‏ ماذا حدث ‏ٌا لعبتً‏ التً‏ تعلّمت كٌؾ تلوي<br />

األذرع ؟!‏ لمد كنت تستطٌعٌن حشد المبلٌٌن وراءن وتدفعٌنهم<br />

إلى رفع شعاراتن،‏ مطالبٌن بإلحاح ما تلحٌّن فً‏ طلبه.‏ لولً‏ لً‏<br />

ماذا ‏ٌحدث حماً‏ فً‏ داخلن،‏ ترى هل ‏ٌهدّدن أحد بؤن ‏ٌكشؾ<br />

المستور؟!‏ ألستِ‏ من ‏ٌحجب المعلومات التً‏ ‏ٌملكها عن<br />

الجمٌع؟!‏ مطلوب مننِ‏ ‏ٌا بٌروت بعد أن طال الممام،‏ إما إظهار<br />

الموّ‏ ة وحسم هذا الذي ‏ٌدور حولن وحول صمتنِ‏ المرٌب،‏ أو أن<br />

توضّبً‏ حاجٌّاتنِ‏ وأسرارن وترحلٌن إلى مكان ترتاحٌن إلٌه<br />

صٌفاً‏ وشتاءً.‏ باشري باستشاراتن فتضعٌن مصدالٌتن فً‏ أٌدي<br />

من ‏ٌهمهم األمر.‏ دعٌنً‏ أذكّرنِ‏ ‏ٌا بٌروت أن الطفل ‏ٌولد وٌنمو<br />

بشكل هادئ طبٌعً.‏ لكن ما هو ممتع حماً،‏ التفرغ له بعض<br />

الولت ‏ٌومٌّاً،‏ لمرالبته وهو ‏ٌتؽٌّر مع األٌّام.‏ إن مثل هذا األمر<br />

ٔٔ9


‏ٌجعل تموٌم بعض االنحرافات سهل المنال.‏ بعد حٌن ستفاجبٌن<br />

عندما تجدٌن عمبلً‏ ‏ٌفهم وٌمٌّز وٌدرن،‏ وتظهر عٌناه تعجّباً‏ مما<br />

‏ٌراه.‏ بعد بعض الولت سٌسؤلنِ‏ وٌحاججنِ‏ دون خجل.‏ فً‏ تلن<br />

اللحظات ستدركٌن أن الحٌاة وجدت بإرادة من أوجدها،‏ لكن<br />

لٌس لمجرّ‏ د الوجود.‏ لمد كلّفها الخالك بمهام عدٌدة كما رأٌنا<br />

ولرأنا وعشنا واختبرنا.‏ سنشاركها كتابة التارٌخ بالتؤكٌد كما<br />

فعل الذٌن سبمونا.‏<br />

اإلرادة الحٌّة ؼٌر المابلة للفناء تضع نفسها دابماً،‏ فً‏ خدمة<br />

الذٌن ‏ٌرٌدون تحمٌك خطة الرب باالرتماء بالحٌاة وبؤنفسهم.‏<br />

طرٌمهم إلى ذلن ‏ٌعرفونه وهو االتصال بؤعمالهم والتواصل<br />

معها باستمرار،‏ من أجل تحفٌز براعتهم وتولهم إلى تكوٌن<br />

الجمال وإظهاره بؤفضل الصور،‏ ثمَّ‏ العمل على نشره فً‏ ك ‏ّل<br />

مكان.‏ هكذا ‏ٌصبح الوجود وجوداً‏ فاعبل متحرّ‏ كاً‏ ارتمابٌّاً‏ ملكٌّته<br />

اشتراكٌّة تشمل جمٌع البشر.‏ هكذا نؤمل أن تكون ثمافة النصؾ<br />

الثانً‏ من المرن الواحد والعشرٌن،‏ الذي سٌمع على عاتمه حمل<br />

المشعل إلٌصال اإلنسان إلى التفاهم مع روحه،‏ وإلؽاء التنالض<br />

بٌنهما إلدامة عملٌة االرتماء واستبصال الٌؤس من أحشاء<br />

التارٌخ.‏<br />

أنتِ‏ تدركٌن لمَ‏ لم أعد أضاجعنِ‏ ‏ٌا بٌروت فؤنتِ‏ ال تزالٌن<br />

تستمتعٌن باالفتراس،‏ بل إنه أصبح الشكل الذي ‏ٌناسبن من<br />

المضاجعة.‏ أنا أتؽٌر مع األٌّام ‏ٌا بٌروت إذ إنً‏ أسعى فً‏ ربٌع<br />

كهذا لٌتوحّد كٌانً‏ مع شجرة زٌتون،‏ وٌؽوص إلى جذورها<br />

العمٌمة،‏ متوؼّبلً‏ إلى حٌث أجد بعضاً‏ منها لد جرى التخلً‏ عنها<br />

ألنها لم تعد تجدي نفعاً،‏ فً‏ الولت نفسه الذي ‏ٌتناثر بعض<br />

ٕٔٓ


أورالها من كلّ‏ مكان تعتز به.‏ كؤنها تؽٌّر ثٌابها لتحدث تؽٌٌراً‏<br />

فً‏ طلّتها إضافة إلى ألمها.‏ الشجرة فهمت هذه الحالة الؽرٌبة<br />

التً‏ أسعى لتحمٌمها،‏ فؤسرعت باالستجابة،‏ مستسلمة لمضاجعة<br />

لٌس فٌها ؼبن،‏ بحٌث جعلت فكرة الؽلبة تتخلّى عن جوهرها إذ<br />

إنها فمدت معناها.‏ هكذا تخرج المساواة من الماع فً‏ اللحظة<br />

نفسها التً‏ ندخل سوٌّة فً‏ استمتاع شدٌد،‏ ‏ٌتبعه انتشاء ‏ٌطول<br />

حتى نصل إلى الدخول فً‏ النوم العمٌك معاً.‏ لست أدري كٌؾ<br />

نمتُ‏ وسط هذا االحتشاد العاطفً‏ وتلن األوركسترا التً‏ ظلّت<br />

تعزؾ طول اللٌل؟!‏ وبذلت جهداً‏ كبٌراً‏ لتخفٌض ما أمكن من<br />

صوت الموسٌمى لتساعد الذٌن أعٌاهم التعب ووصل بهم األمر<br />

إلى أن تُجر أعصابهم مع أجسادهم إلى الفراش.‏ لكنً‏ عندما<br />

استفمتُ‏ كنتُ‏ سعٌداً‏ ‏ٌملإنً‏ شعور بؤنً‏ أرؼب فً‏ معانمة<br />

الصباح.‏ لكن رؼم أنً‏ امتؤلت إدراكاً‏ بما حدث،‏ فمد اكتشف ‏ُت<br />

أنً‏ كنتُ‏ وحٌداً‏ فً‏ اللٌلة الفابتة ولم ‏ٌشاركنً‏ أحد فً‏ فراشً.‏<br />

ضحكت من أعماق للبً،‏ فلو كان الحلم من لحم ودم لملتُ‏ له:‏<br />

مرحى لمد انطلت علًَّ‏ لعبتن وانجزت مهمّتن تماماً،‏ إذ إنً‏ ال<br />

أزال أمضػ تفاصٌلها.‏ بعد أن اؼتسلتُ‏ انتمٌت ثٌاباً‏ للخروج،‏<br />

لبل أن ألرّ‏ ر أٌن ستكون وجهتً.‏ تولفتُ‏ برهة هنان مملّباً‏ فكرة<br />

راودتنً‏ بالذهاب إلى تفمّد عمّتً.‏ لكنً‏ للتُ‏ لنفسً:‏ أنا أعرؾ<br />

فً‏ أي شارع ‏ٌمع بٌتها،‏ لكن أنا ال أعرفها وكذلن هً،‏ فمد<br />

حدث أنها لم تمم بزٌارتنا منذ والدتً‏ سوى مرّ‏ ة واحدة،‏ وبعد<br />

ذلن انفجرت الحرب العالمٌة الثالثة بٌن اللبوتٌن اللتٌن تمثّبلن<br />

أُمً‏ وعمتً،‏ وانمطعت العبللات بٌنهما.‏ ث ‏َّم بعد ذلن لم ‏ٌمترب<br />

أحد من هذ الموضوع على ما أعتمد؟!‏ ألٌس معموالً‏ أن أجد<br />

أمامً‏ امرأة خرفة،‏ أو ربّما رأى الخالك أن الولت لد حان،‏<br />

فؤرسل فً‏ طلبها دون أن ‏ٌترن لها المجال لتوصل أيَّ‏ خبر.‏<br />

ٕٔٔ


للتُ‏ فً‏ نفسً:‏ ترى هل ‏ٌدرن الناس فً‏ بعض األحٌان أنهم<br />

سخفاء،‏ كما أدرن أنً‏ كذلن فً‏ أؼلب األحٌان؟!‏<br />

ترى هل سؤستطٌع االنفكان عنن ‏ٌا بٌروت رؼم أن أجواءنِ‏<br />

ملبّدة بالؽٌوم؟!‏ إنً‏ أستؽرب لمَ‏ تتجاهلٌن عمداً‏ ما أنت فٌه.‏ إنً‏<br />

لم أرنِ‏ ‏ٌوماَ‏ ترتكبٌن مثل هذه الحمالات وأنتِ‏ فً‏ ذروة لوّ‏ تنِ‏ ،<br />

فكٌؾ تفعلٌن إزاء ما ‏ٌكشؾ وجهنِ‏ لبل أن تستري عٌوبه<br />

وتظهرٌن كامرأة كان علٌها أن تتماعد منذ سنوات.‏ هل تعرفٌن<br />

أن األلسن بدأت تجهر علنا،‏ مطالبة بمعالبة من أطلك علٌنِ‏<br />

اسم بٌروت وهو اسم مدٌنة تشترن مع المبلبل اللواتً‏ مثلها فً‏<br />

تنوٌر العالم،‏ وفً‏ الولت نفسه جاء من منح هذا االسم الطاهر<br />

المرأة خرفة ال تحمل فً‏ ذاتها شٌباً‏ من العفّة والطهر؟!‏ هل<br />

تسمعٌن ما تمول اإلشاعات ‏ٌا بٌروت؟!‏ لمد أصبحوا ‏ٌشٌرون<br />

إلٌن باألصبع لابلٌن:‏ إننِ‏ أبمٌت بعض اإلسرابٌلٌٌّن فً‏ لبنان<br />

ولمتِ‏ بإجراء بعد العملٌّات التجمٌلٌّة لهم،‏ بحٌث أختفت األنوؾ<br />

الٌهودٌة والوشوم البارزة فً‏ بعض األماكن الحسّاسة،‏ وكذلن<br />

أمرت بإزالة بعض األمور السطحٌّة التً‏ ‏ٌمكنها أن تزرع<br />

الشنَّ‏ فً‏ للب األم إذا جاء ابنها لزٌارتها بعد إتمام مهمته فً‏<br />

لبنان.‏ ألم تشبعً‏ ‏ٌا بٌروت بعد؟!‏ أهكذا تعاملٌن ببلدن التً‏<br />

حضنتنِ‏ ؟!‏ لمد أعطونِ‏ أسم بٌروت تٌمّناً‏ بمدٌنة بٌروت العظٌمة<br />

التً‏ ألٌمت فٌها فً‏ المرن الثالث المٌبلدي مدرسة للحموق<br />

نافست مدرستً‏ أثٌنا واإلسكندرٌّة.‏ ترى من ‏ٌساعدنِ‏ فً‏ حماٌة<br />

أولبن اإلسرابٌلٌٌّن؟!‏ ومن ‏ٌستبدل بعضهم كلّ‏ مدّة وفك هذا<br />

المخطط الجهنّمً‏ الذي ‏ٌمر بإسرابٌل بعد واشنطن لٌنال بركتها<br />

ورضاها،‏ وهنا تنمطع معلوماتً.‏ إذ إن شهرزاد لالت لً:‏<br />

سٌزٌلونً‏ من التارٌخ إذا واصلتُ‏ إذاعة األسرار المذهلة ومن<br />

ٕٕٔ


‏ٌدفع المال البلزم لكل ما ‏ٌجري ولمَ‏ تزداد أعداد فمراء العرب؟!‏<br />

ترى أال ‏ٌزال اإلسرابٌلٌّون ‏ٌؽدلون علٌنِ‏ المال والمجوهرات<br />

لتمولً‏ لهم ما تسمعٌن وتشاهدٌن؟!!‏ ال بدّ‏ من أن أتمكَّن من<br />

هجرنِ‏ ال محالة ‏ٌا حبً‏ المدٌم،‏ وسؤحرمن من أن تكونً‏ فً‏<br />

كلّ‏ مكان.‏ دمشمً‏ تماوم األفاعً‏ ‏ٌا بٌروت بشراسة الذي ‏ٌرفض<br />

أن ‏ٌبٌع كلّ‏ شًء،‏ أما أنتِ،‏ فبل تزالٌن تستمربٌن الرلص معها<br />

تارة،‏ وتارة أخرى تطلبٌن منها أن تسترخً‏ وترٌح أعصابها<br />

وتتفرّ‏ ج علٌن كٌؾ ترلصٌن لها رلصة الهوانم.‏ ارسلً‏ إلى<br />

دمشمً‏ السمّ‏ الذي تحسنً‏ صنعه ‏ٌا بٌروت إنها جارتنِ‏ ، ومن<br />

واجبنِ‏ مساعدتِها على الفتن بهم وببٌوضهم.‏ إٌان واللإم ‏ٌا<br />

بٌروت،‏ فدمشمً‏ لم تإذن ‏ٌوماً،‏ فمن فعلوا ذلن هم الوحوش<br />

الذٌن فً‏ ؼفلة عنها لاموا ببٌعها إلى الؽجر الذٌن عاثوا فٌها<br />

فساداً.‏ كٌؾ نسٌتِ‏ أن ‏"جبران"‏ و"شارل مالن"‏ وكثٌرٌن ؼٌرهم<br />

من الذٌن خرجوا من أحشابنِ‏ وتفخرٌن أننِ‏ لمّا تزالٌن تتجوّ‏ لٌن<br />

مع أرواحهم،‏ وعلّمونِ‏ كٌؾ تصبحٌن لادرة على أن تماومً‏<br />

شٌاطٌن اللٌل البهٌم،‏ وتطردٌهم من فنابن.‏ ‏ٌبدو أنن ‏ٌا بٌروت<br />

بدأتِ‏ تشٌخٌن ونسٌت مشهد أولبن الشٌاطٌن وطرٌمتهم فً‏<br />

مسابمة الرٌح وهم ‏ٌلوذون بالفرار تبلحمهم النار التً‏ لٌست<br />

مثل أي نار ‏ٌحملونها فرادى.‏<br />

آه ‏ٌا بٌروت كم كذبتُ‏ حتى أصٌر مثل عماربنِ‏ ، أعٌش بٌنهم<br />

وأتعلّم أٌن تخفٌن خططنِ‏ وكٌؾ تبتكرٌن مراوؼاتن وحٌلن؟!‏<br />

ترى هل تعرفٌن أٌن تخببٌن كنوزن وخزابن أموالن؟!‏ أال<br />

تمربٌن ما ‏ٌتوشوشون به أبناإن؟!‏ مثل ذلن الكبٌر ‏"شارل<br />

مالن"‏ الذي كتب ‏ٌمول:‏ " أٌن نحن لوال إنجازات لمم الروح فً‏<br />

التارٌخ؟!‏ أٌن نحن لوال فن الٌونانٌٌّن األلدمٌن وفكرهم؟!‏ أٌن<br />

ٕٖٔ


نحن لوال المانون الرومانً؟!‏ أٌن نحن لوال التراث العبرانً‏<br />

المدوّ‏ ن فً‏ العهد المدٌم؟!‏ أٌن نحن لوال التراث البٌزنطً‏ الذي<br />

فعل فعبل خبلّلاً‏ فً‏ الشرق األوسط وفً‏ الؽرب ولدى المسلمٌن<br />

وفً‏ ببلد الروس وأوروبّا؟!‏ أٌن نحن لوال أثر العرب<br />

والمسلمٌن فً‏ شتّى جوانب الحضارة التً‏ أسهمت مساهمة<br />

فعّالة فً‏ هذا التراكم الحضاري الذي نتعامل معه فً‏ هذا<br />

المرن؟!‏ أٌن نحن لوال الفن اإلٌطالً‏ والدٌمولراطٌّة اإلنكلٌزٌّة،‏<br />

والفكر والتنظٌم األلمانٌّان،‏ والروح اإلنسانٌّة الفرنسٌّة،‏ واألدب<br />

الروسً‏ العظٌم فً‏ المرن التاسع عشر،‏ والنزعة الروسٌّة<br />

الحدٌثة إلى العدالة االلتصادٌة،‏ وأثر الوالٌات المتحدة<br />

األمرٌكٌة الحضاري والمادي فً‏ العالم كلّه،‏ ال سٌّما فٌنا نحن<br />

بوساطة فعلها المباشر ونشاط المؽتربٌن فٌها.‏<br />

كلّ‏ ما أعرفه أن الرٌح التً‏ أخذتنً‏ إلى ‏"زنوبٌا"‏ ملكة<br />

الصحراء داعبتنً،‏ لبل أن أرى ملكة عربٌّة تتمشى وسط تلن<br />

األعمدة الشامخة الرابعة الجمال،‏ المصطفّة لرب بعضها<br />

بعضاً،‏ مشكّلة الروعة التً‏ نظن أننا لد نعرؾ الكثٌر من<br />

صورها،‏ وتلن التً‏ لن نعاٌن بهاءها ونحن ال نزال ضمن<br />

الزمن.‏ سننشدُّ‏ بكلٌّتنا إلى ذلن الجمال الذي اشرأب ضمن<br />

الصحراء لٌعكس لنا ماذا ‏ٌحدث فً‏ األفك وكٌؾ ‏ٌخلط الرب<br />

األلوان وٌإلّؾ منها ذلن التناؼم والسحر العجٌب الذي ‏ٌمول<br />

لن:‏ إن الخالك بدأ الرسم الحدٌث لبل التارٌخ،‏ منتظراً‏ تطوّ‏ ر<br />

البشرٌّة لتدرن أهمٌّة ما ‏ٌحدث فً‏ األفك،‏ وهو الذي أعطانا<br />

اللؽة لئلسراع فً‏ تخطًّ‏ الزمن ولكننا تلكؤنا،‏ وأظن أننا كنا<br />

لصٌريّ‏ النظر ووجدنا أن الجدل السفسطابً‏ سٌكون مسلٌّاً‏<br />

أكثر.‏<br />

ٕٔٗ


كان المؽٌب ‏ٌتحضر لٌرالص ألوانه التً‏ ‏ٌؽدق بها الربّ‏ ببل<br />

حساب،‏ رؼم معرفتها أن من ‏ٌرسلها إلٌه سٌسمط مؽشٌّاً‏ علٌه<br />

عندما ‏ٌحٌن ولت مؽادرتها إلى شؤنها دون أن تُرسل له لبلة<br />

طابرة.‏ التفتُّ‏ ‏ٌمنة وٌسرة أبحث عن تلن التً‏ ترفل بؤلبستها<br />

الملكٌّة،‏ وٌكسو وجهها اإلباء وتتنبّع منها أصالة تشع بإشعاع<br />

هادئ ‏ٌثر العجب وٌترن وراءه وشوشة تبمى فً‏ رأسن تعٌد<br />

نفسها حتّى تزول عندما تفهمها.‏ سمعتُ‏ صوتا رجولٌاً‏ كؤنه آتٍ‏<br />

من بعٌد وتعٌد تردٌد صداه تلن األعمدة التً‏ تشهد للتارٌخ وإلى<br />

أهمٌّّة الماضً‏ فً‏ تكوٌن اإلنسان.‏ كان ذلن الصوت ‏ٌخرج فً‏<br />

الولت نفسه من كلّ‏ تلن الصروح لاببل:‏ إن كنت تبحث عن<br />

ملكة الملون،‏ فهً‏ تمضً‏ ولتها هابمة فً‏ سورٌّة الحبٌبة كلّها،‏<br />

تذرؾ الدموع حزٌنة الملب،‏ تصلًّ‏ إلى هللا أن ‏ٌعفٌها من ذلن<br />

المشهد ألذي ‏ٌختلط فٌه ذبح األطفال والنساء وتمطّع فٌه أوصال<br />

الرجال والشٌوخ،‏ وٌُمثّل بجثثهم بؤبشع ما ‏ٌملكه العدو فً‏<br />

مخٌّلته من صور تعود وتؽرٌه أن ‏ٌفعل المزٌد.‏<br />

هل أستطٌع التكلّم معها؟<br />

‏ٌإسفنً‏ إخبارن أنه ال ‏ٌمكنن ذلن،‏ فحٌث هً‏ تتمشٌن خٌط<br />

الحرٌر ‏ٌتم التواصل بٌنها وبٌن الؽٌر بالفِكر والمشاعر<br />

واألحاسٌس مهما كانت مبهمة.‏ كما لٌس مطلوباً‏ كً‏ ‏ٌفعّل<br />

الحوار،‏ أن تكون المسافة بٌن الطرفٌن لصٌرة.‏ إذ مهما كان<br />

البعد بٌن من ‏ٌبؽون التحدّث فً‏ أمر،‏ فسٌحصل ذلن على النحو<br />

نفسه.‏ هنان ‏ٌا سٌّدي ال حاجة للسمع أو النظر.‏ لكن الخالك على<br />

ما ‏ٌبدو ترن العٌنٌن واألذنٌن حرصاً‏ ؼلى الناحٌة الجمالٌّة.‏<br />

أظنّ‏ ‏ٌا سٌّدي أن ما ترٌد لوله للملكة السابمة لد وصل إلٌها<br />

ٕٔ٘


بدون أي شنّ‏ . شكراً‏ للرب،‏ فمد أعاد إلٌها إعتبارها،‏ بعد أن<br />

حرّ‏ رها الموت من سجّانٌها.‏ إنها ترجو أن تسؤلن فً‏ أمر:‏ ترى<br />

ألم تصل بعد كلمة هللا إلى أولبن العطاش إلى الدماء؟!‏<br />

كان علًَّ‏ أن أعود ألُفسح المجال لفلٌسوفنا الكبٌر ‏"شارل<br />

مالن"‏ أن ‏ٌتابع ما كان لد بدأه بناء على طلبً‏ لاببلً:‏ ال شًء فً‏<br />

الحاضر ما عدا العلم والتكنولوجٌا ‏ٌمترب نوعاً‏ وكٌفاً‏ وخطورة،‏<br />

من إنجازات التارٌخ.‏ ال شًء فً‏ الحاضر ‏ٌمرب إلى<br />

‏"سوفوكلٌس"‏ ‏"وأرسطو"‏ وخبرة وحكمة تبلمٌذ المسٌح<br />

وأوؼوسطٌنوس ودانته وباخ وبٌتهوفن وموزارت وكانتْ‏<br />

ودوستوٌفسكً"‏ ترى من دفع فلٌسوفنا الكبٌر لٌعٌد تذكٌرنا<br />

ببرٌك تلن الجواهر؟!‏ أهً‏ الزهرة المختفٌة فٌنِ‏ ‏ٌا بٌروت،‏ أم<br />

الشوكة التً‏ سبك أن وضعتِها فً‏ متناول ‏ٌدن،‏ لتسرعً‏ فً‏<br />

استعمالها متى تعكّر مزاجن ولم ‏ٌكفنِ‏ برٌك الذهب الذي وصل<br />

إلٌنِ‏ فً‏ اللٌلة الفابتة،‏ لماء المتعة التً‏ مضؽها حتّى الشبع ذلن<br />

األمٌر العربً.‏ تلن الشوكة أذالت مرّ‏ ها ووجعها للكثٌرٌن من<br />

أصماع الدنٌا حسب ما علمتُ‏ من الذٌن خبرون ‏ٌا بٌروت!!‏<br />

أعتمد أنه ألمر صحً‏ أن نكؾّ‏ عن الخوؾ من العظام.‏ إنهم<br />

ال ‏ٌسعون وراء الذهب،‏ وال عن الممم لٌجلسوا علٌها منفوخٌن<br />

‏ٌتجشإون.‏ إنهم ‏ٌتولون فمط لٌكونوا عظاماً‏ فً‏ ضمٌر أمتهم<br />

وذواتهم على أالّ‏ ‏ٌفصحوا عن ذلن.‏ أما إن أعطى الرب أكثر<br />

فاألمر سٌثلج صدورهم،‏ لكن الرب لم ‏ٌكن لدٌه بالتؤكٌد أيّ‏ مانع<br />

من أن ‏ٌصبحوا فً‏ ضمٌر العالم كلّه.‏ عندبذ سٌكونون دون ش ‏ّن<br />

مصدراً‏ لئللهام ‏ٌدعو كلّ‏ من لدٌه اإلمكانٌّة للمساعدة أن ‏ٌنخرط<br />

فً‏ حمل العملٌة االرتمابٌّة والصعود بها باتّجاه األعلى،‏ حٌث<br />

ٕٔٙ


‏ٌسكن التواضع وال ‏ٌعود للتبجح صوت.‏ إن كلّ‏ هذا سٌساهم فً‏<br />

إذكاء رابحة اإلنسانٌّة وهً‏ تمتحم التارٌخ.‏ علٌنا أن ندرن أننا<br />

لن نحظى بالمستمبل الذي نشتهٌه،‏ ما لم نستوعب تلن التحلٌمات<br />

الروحٌّة التً‏ مضت،‏ وتركت وراءها وعٌاً‏ روحٌاً‏ عمٌماً،‏ ‏ٌح ‏ُّث<br />

من ‏ٌسعون وراء التمدم وتشجٌع اإلٌمان بالتارٌخ الذي ‏ٌضم<br />

الماضً‏ والحاضر وبعض المستمبل.‏ علٌنا اإلدران دابماً‏ أننا<br />

عندما نتطلّع إلى الماضً،‏ فذلن ألنه ‏ٌعضدنا وٌشدُّ‏ من أزرنا،‏<br />

دون أن ندعه ‏ٌستعبدنا.‏ كما أننا ال نل ‏ّوح للماضً‏ من أجل<br />

المبوع فً‏ عشّنا نعزؾ لحناً‏ حزٌناً،‏ بل نفعل ذلن من أجل<br />

شراكة الروح والعمل عبر التارٌخ.‏<br />

الفرح آت ال محالة،‏ فبل تدعوا أحداً‏ ‏ٌخدعكم.‏ سٌروا باتّجاه<br />

ذلن السراج وسترون أنكم ستصلون إلى المراد،‏ وستحصلون<br />

على ما تصبون إلٌه،‏ إذا بمٌتم مإمنٌن أن كرامتكم عطٌّة من<br />

عطاٌا هللا،‏ علٌكم استردادها من أعدابكم ألن أولبن ‏ٌنتظرون<br />

لحظات ضعفكم لٌمرؼوها فً‏ مزٌد من األوحال التً‏ ‏ٌصنعون<br />

منها الكثٌر أٌنما ‏ٌحلّون.‏<br />

هكذا أعود إلى بٌروت التً‏ كنت أكتب عنها كما لو أنً‏<br />

أعٌش معها،‏ بٌنما كان الوالع ‏ٌرٌد أن ‏ٌُسمح له بالصراخ لاببلً:‏<br />

‏"إنها هً‏ التً‏ كانت تعاشره أمام أنظار دمشمه بكل ما تملن<br />

المحبة من ولاحة".‏ مرّ‏ ة اشتهٌت أن آخذ زمام المبادرة،‏<br />

وأسحبها إلى لربً‏ فً‏ الفراش.‏ كنت فً‏ ذلن الولت أمتلا<br />

بالشهوة إلى ذلن الجسد الذي ‏ٌجسّد أنالة التفاصٌل،‏ والرابحة<br />

الذكٌّة.‏ لم تتمنّع بل التربت كما كنتُ‏ أتمنّى تماماً.‏ سارعتُ‏ إلى<br />

إحاطة رأسها بذراعً‏ األٌمن،‏ وشددتُها إلًَّ‏ آخذاً‏ شفتٌها بٌن<br />

ٕٔ7


شفتًَّ‏ فً‏ لبلة طوٌلة،‏ استمدتُّ‏ منها الكثٌر من الشجاعة واإللدام<br />

المختلط بالولاحة.‏ ظننتُ‏ أن علًَّ‏ التولّؾ هنٌهة لبل أن أتابع.‏<br />

كان هذا ؼباء منً‏ وسوء تمدٌر،‏ إذ كنت عارٌاً‏ تماماً‏ وهً‏ بٌن<br />

‏ٌديَّ‏ طابعة.‏ لكنها رفضت إعطابً‏ أٌّة فرصة،‏ وبادرت إلى<br />

اعتبلبً‏ لبل أن أستوعب المفاجؤة.‏ هكذا بدأت معركة شرسة<br />

كنتُ‏ فً‏ أثنابها ممتلباً‏ ثمة بؤنً‏ تجاوزتُ‏ المفاجؤة،‏ فتمكّنتُ‏ منذ<br />

البداٌة من إثبات استطاعتً‏ على المٌام بدوري كرجل ‏ٌمكنه<br />

فرض إٌماعه،‏ وٌتلذّذ بمضػ المِتع الذي ‏ٌحصل علٌها وهو<br />

ماضٍ‏ فً‏ طرٌمه دون أن ‏ٌخشى شٌباً،‏ مستخدماً‏ كلّ‏ لواه فً‏<br />

التولٌت المناسب لتلن المرأة الخبٌرة اللعوب.‏ كان الولت ‏ٌم ‏ّر<br />

وأنا أزداد سٌطرة على المولؾ معتبراً‏ أن التً‏ فً‏ أحضانً‏ لن<br />

تستطٌع التملّص من بٌن ‏ٌديَّ‏ إالّ‏ عندما أشعر بؤنً‏ آخذ الرشفة<br />

األخٌرة.‏ عندما اجتزنا خط النهاٌة جلست فً‏ الفراش عارٌاً‏<br />

أدخن سٌجارة.‏ عندما نظرتُ‏ إلٌها عرفتُ‏ أنها تعبة ومستمتعة.‏<br />

إذ إنها لم تحاول أن تستر عرٌها.‏ بل بمٌت كما هً،‏ تتنفس<br />

ببطء مؽمضة العٌنٌن.‏<br />

عندما ؼادر االنتشاء بٌروت بادرت لابلة:‏ ها لد صرتَ‏<br />

رجبلّ‏ ‏ٌعرؾ كلّ‏ فنون المضاجعة وكٌفٌّة السٌطرة على اإلٌماع<br />

الذي تحتاجه وٌرتاح إلٌه الشرٌن.‏ ألم تتساءل أٌّها العزٌز كٌؾ<br />

حدث ذلن؟!‏ لمد علّمتن من كلّ‏ للبً‏ أن الجنس ‏ٌتوق بكلّ‏ لواه<br />

إلى الولاحة.‏ ‏"لمد بادرتُ‏ إلى انتزاع كلمة توق من خصوصٌتها<br />

ومرؼتها للٌبلً‏ بما ‏ٌنضح به الجنس حتّى ال تنسى وصٌتً‏<br />

وتعتاد تلن اللفظة الخلولة على ما هً‏ ممبلة علٌه وال تصبّ‏<br />

علٌنا جام ؼضبها بعد أن تدرن أن الحٌاة كانت دابماً‏ هكذا ولم<br />

تكن برٌبة ‏ٌوماً".‏ لهذا حذّرتن أالّ‏ أن تكون ناعماً‏ وأنت تخوض<br />

ٕٔ8


ٍ<br />

احتداماً‏ جنسٌاً‏ مراعاة للمرأة،‏ فهً‏ فً‏ ذلن المولؾ تكون<br />

متلهّفة إلى الخشونة،‏ وإذا مضٌتَ‏ فً‏ ؼٌر ذلن فسٌكون هذا<br />

ممتلن.‏ إذ ستدفعن عنها مولعة إٌان على األرض،‏ مبادرة<br />

بسرعة إلى البصك على وجهن مشمبزّ‏ ة.‏ ثمَّ‏ بعد أن ترتدي ما<br />

‏ٌسترها ستركل عضون ضاحكة من صراخن ولابلة:‏ ‏ٌاله من<br />

عضو مهذب.‏ عندبذ سٌنتابها ضحن هستٌري ‏ٌتداخل مع شتابم<br />

لم تسمع بها فً‏ حٌاتن،‏ تصبّها تلن المرأة المحبطة على العابلة<br />

السخٌفة التً‏ خرجتَ‏ منها.‏ كؾّ‏ عن هذا العبث أرجون.‏ ألم ألل<br />

لن فً‏ ذلن الولت،‏ إنن عندما تتمشى فً‏ شوارعً،‏ ستؤكلن<br />

الشهوة إلى مضاجعتً.‏ حٌنبذ سؤكون فً‏ فراشً‏ مع أحد الذٌن<br />

تعلّموا جٌداً‏ كٌؾ ‏ٌكونون ولحٌن هجومٌن عندما ‏ٌلجون.‏ أما<br />

عندما ‏ٌصلون إلى الذروة وٌبدإون بمؽادرة الممّة،‏ فلٌعدّوا ما<br />

فعلوه صبلة.‏<br />

لمد أهدرتُ‏ الكثٌر من الولت حتّى وصلتُ‏ إلى المناعة بؤن<br />

علًّ‏ الخروج بكلّ‏ ما تملن إرادتً‏ من وسابل الموّ‏ ة والتصمٌم<br />

من دابرة الخوؾ التً‏ أصبحت تظلّل حٌاتً،‏ وترؼمنً‏ على<br />

معاٌشته طول عمري على ما ‏ٌبدو.‏ تساءلت كٌؾ لً‏ أن أكسر<br />

هذه الحلمة التً‏ تكبّلنً،‏ إذ كنتُ‏ أشعر بالزمن ‏ٌداهمنً‏ وٌنذرنً‏<br />

باستحالة العٌش وضخ بعض المعنى فً‏ وجودي حتّى ‏ٌُمكّن<br />

حٌاتً‏ من اإلحساس بالمتعة الضرورٌّة لبلستمرار فً‏ حب<br />

العٌش،‏ وإنً‏ كابن لم ‏ٌخلمه الربّ‏ عبثاً،‏ وسٌشعر لرٌباً‏<br />

بالتماسن ‏ٌوشوش كٌانه،‏ وإعطابً‏ الفرصة لتشكٌل بضعة<br />

أهداؾ أصبو إلٌها وال أجد السبٌل أللبض علٌهم بٌديًّ‏ االثنتٌن،‏<br />

فؤتمكّن من مساعدة رب العابلة،‏ هذا الهابم الذي ال أظنه ‏ٌرى<br />

أحداً‏ فً‏ طرٌمه.‏ كنتُ‏ أشعر عندما أراه بودّ،‏ وأتوق إلى<br />

ٕٔ9


مساعدته على اجتٌاز المصاعب التً‏ كن ‏ُت أظن أنه ‏ٌتخبط فٌها.‏<br />

كنتُ‏ أراه فً‏ ذهابه وإٌابه دامع العٌنٌن ال ‏ٌؤبه لِما ‏ٌحدث<br />

بجانبٌه وأتوق إلى حمله على التماط الطرٌك التً‏ ‏ٌمكنها أن<br />

تخطو بعابلته إلى مستمبل مشرق،‏ وفهم معنى االنتماء للجنس<br />

البشري.‏<br />

فً‏ تلن اللحظات بٌنما كنت أفكّر بما ‏ٌتطلّبه منً‏ تجمٌعً‏<br />

لمواي وإعادة التآخً‏ واللحمة إلى وطنً،‏ سمعتُ‏ من ‏ٌنادي<br />

باسمً،‏ فرفعتُ‏ ‏ٌدي مشٌراً‏ إلى مكانً.‏ عندما تسلّمتُ‏ الهاتؾ<br />

من النادل كان كٌانً‏ ‏ٌماوم لشعرٌرة تؽزو كٌانً،‏ فوجبتُ‏ أن<br />

خالً‏ هو من ‏ٌكلّمنً‏ من دمشك.‏ كان صوته رلٌماً‏ مضبوطاً‏<br />

عندما سارع إلى المول ال تجزع أنا لستُ‏ خابفاً.‏ لمد مرّ‏ ت أمّن<br />

بؤزمة خفٌفة الظل أمس فً‏ منتصؾ اللٌل بٌنما كنتُ‏ أهمّ‏<br />

بالمؽادرة،‏ لمد طلب منها الطبٌب أن تبمى فً‏ المستشفى لٌلة<br />

أمس.‏ وهً‏ اآلن فً‏ البٌت مستؽرلة فً‏ النوم بعد أن أعطاها<br />

مهدباً.‏ لكن لبل أن تؽفو طلبت منً‏ أالّ‏ أنسى معاٌدتن،‏ والطلب<br />

منن عدم االستعجال فً‏ المجًء.‏ لكنها تؤمل أن تران بعد ؼ ‏ٍد<br />

على الؽداء.‏ األزمة مرّ‏ ت بسبلم صدلنً،‏ وهً‏ تنتظر أن تران<br />

بفارغ الصبر.‏<br />

شكراّ‏ أٌها الخال العزٌز.‏ سؤتصل بدمحم وسؤؼادر بٌروت<br />

اللعٌنة فوراّ.‏ أنا فً‏ الممهى وسط الناس،‏ وال ‏ٌمكننً‏ لول شًء<br />

سوى الشكر هلل.‏ أعذرنً‏ أرجون،‏ أنا آمل أن أران فً‏ البٌت<br />

عندما أصل أٌّها الخال،‏ إلى اللماء.‏<br />

ٖٔٓ


دهشتُ‏ لمّا أبلؽونً‏ أن ‏"محمّد"‏ ‏ٌنتظر خارجاً،‏ إذ إن الولت لم<br />

‏ٌكن كافٌاً‏ لوصوله.‏ لكنً‏ لرّ‏ رت تجاهل هذا الموضوع.‏ للت<br />

بسرعة فور جلوسً‏ إلى جانب ‏"محمّد":‏ إن أمً‏ نامت فً‏<br />

المستشفى أمس.‏ ال تطر بً،‏ بل اهدأ وانتبه إلى الطرٌك.‏ لس ‏ُت<br />

مضطرباً‏ كما هو المتولع،‏ لكنً‏ ال أدري ل ‏َم كان هنان اعتماد<br />

‏ٌمؤل أنفاسً‏ وٌوشوشنً‏ لاببل:‏ إن خالً‏ كان صادلاً‏ فً‏ كلّ‏ ما<br />

لاله،‏ وإن أمً‏ ستكون مشرلة كما تركتها.‏ لمد أظهر حبه دون<br />

تحفظ باثاً‏ حنٌناً‏ وشولاً‏ ؼرٌبٌن،‏ أو رؼبة فً‏ الدوران بمصد ش ‏ّم<br />

ما ‏ٌفوح من عطرها فً‏ المكان الذي ‏ٌتكلّم منه.‏ كانت أخته وأمه<br />

وجدّته وأكاد أن ألول:‏ أهم ما ‏ٌساكن حٌاته فً‏ لاع أعماله.‏ كان<br />

عطرها ‏ٌخبرها عن الماضً‏ أشٌاء ال ترٌد تذكرها،‏ وتركته<br />

‏ٌهرب من حٌاتها دون أن تبتسم فً‏ سرّ‏ ها.‏ والحٌاة التً‏ كانت<br />

تبثّها ال ‏ٌمكن أن تفضً‏ إالّ‏ إلى الخٌر.‏ كان حزٌناً‏ فً‏ أعماله<br />

أما عٌنٌه فاستطاع ضبتهما ولم ‏ٌبثان إالّ‏ نظرات اإلعجاب.‏<br />

أخذتُ‏ مرّ‏ ة عمّاالً‏ إلجراء بعض التصلٌحات فً‏ المنزل الذي<br />

ورثته أمً‏ عن أبٌها.‏ كنت لد بدأتُ‏ أشعر بالودّ‏ واالحترام لجدّي<br />

الذي رحل دون أن تسمح لً‏ الظروؾ أن أتعرّ‏ ؾ إلٌه وأكون<br />

لرٌباً‏ منه.‏ لن أنسى أن ما أظهرته الماهرة من تعظٌم لذلن الجدّ‏<br />

كان السبب الربٌسًّ‏ النشؽال أحبلمً‏ به مدة طوٌلة.‏ لمد جعلوا<br />

منه أحد عظماء العرب فً‏ المرن الماضً.‏<br />

فتحت باب بٌت ‏"صلنفة"‏ المصٌؾ الذي كنتُ‏ ال أزال أعشمه.‏<br />

جلستُ‏ على أرٌكة هنان أنتظر العمّال الذٌن ال شنَّ‏ أنهم لد<br />

تولّفوا فً‏ الحفّة لجلب بعض الحاجٌّات معهم.‏ أظن أنه من<br />

الصعب تصدٌمً‏ إذا للتُ‏ إنً‏ شممتُ‏ عطرها فور شعوري بؤن<br />

ٖٔٔ


جسدي لد عمّه ارتٌاح الشنَّ‏ أن سببه كان ذلن االنزالق اللذٌذ<br />

الذي هٌّؤته تلن األرٌكة له.‏ ال تسؤم من نرجسٌّتً‏ أٌها المارئ<br />

العزٌز،‏ فؤنا أتمنّى لن أن تحظى بمثلها عندما تكون وحٌداً‏ بٌن<br />

جدران أربعة تنتظر مثلً.‏ لكن بعد بعض التفكٌر فً‏ الشمّ‏<br />

واالستشمام،‏ لم أصدق نفسً‏ واجتهدتُ‏ فً‏ اختبلق الكثٌر من<br />

األعذار العلمٌّة وؼٌر العلمٌّة ال أللول إنً‏ كاذب،‏ بل أللول<br />

إنً‏ ربّما كنت أتخٌل ذلن،‏ أو إنً‏ كنتُ‏ ممتلباً‏ بالرؼبة فً‏ أن<br />

‏ٌحصل ذلن.‏ لعلنً‏ أستطٌع المول فً‏ ختام هذا الموضوع،‏ إنً‏<br />

عشتُ‏ ندماً‏ حمٌمٌّاً‏ ألن حبً‏ للمناكفة وضعؾ شخصٌتً‏ وربما<br />

احتمابً‏ بالخوؾ،‏ أستطٌع عدّها صفات ساهمت فً‏ نمو<br />

معاملتً‏ السٌّبة لمن أتى بً‏ إلى هذه الدنٌا وأعطانً‏ كلّ‏ شًء.‏<br />

كنت عالاً‏ فً‏ ‏ٌوم ما من مسٌرة حٌاتً.‏ نعم أظن أن ذلن كان<br />

محاولة الوهم أن ‏ٌتستّر على ضعفً.‏<br />

بدأ العمّال ‏ٌدخلون المنزل،‏ ثمَّ‏ وصل الرٌّس.‏ سلّم وجلس<br />

لربً‏ لاببلً:‏ اشتمت إلى هذا البٌت من كلّ‏ للبً.‏ ها إنً‏ أشم<br />

رابحة العطر الذي تستعمله.‏ البد أن نشرب كؤسها أثناء الؽداء.‏<br />

أتسمح لً‏ ‏ٌا دكتور بؤن أسؤلن سإاالً؟<br />

طبعاً‏ الحرٌّة مكفولة هنا.‏<br />

ألم تشم عطر المرحومة الوالدة؟!‏ أم إن ذلن ال ‏ٌتفك مع العلم،‏<br />

وال ترٌد تورٌط نفسن فً‏ االسترسال فً‏ الوهم؟!‏<br />

أعتمد أنن محك.‏<br />

ٖٕٔ


أنتم المثمّفون تصعبون الحٌاة،‏ وتطلبون منا نحن البسطاء أن<br />

نكذّب مشاعرنا،‏ إنكم تمتلوننا ببطء.‏ ترى هل ‏ٌمكن أن نسمًّ‏ ما<br />

‏ٌجري مإامرة أمرٌكٌة إسرابٌلٌّة؟!‏<br />

لم ‏ٌكن أمامً‏ إلٌماؾ ما ‏ٌحصل،‏ سوى أن ألول:‏ إنن دابماً‏ على<br />

حك ‏ٌا ‏"مصطفى"،‏ وأعدن أننا لن ننسى أن نشرب نخبها عندما<br />

نبدأ الطعام،‏ وأنا أعتمد أنها ستسرّ‏ بذلن.‏<br />

ٓٔ<br />

بعد أن خرجنا من بٌروت وأصبح الطرٌك إلى دمشك هادباً‏<br />

رحباً،‏ خٌُّل إلً‏ أنً‏ أسمع صوتاً‏ ‏ٌتحدّث إلًّ‏ عبر ذهنً‏ لاببلً:‏<br />

أمس كنتَ‏ تإكّد لنفسن أن ما ‏ٌحدث لوطنن سٌبمى همّن األول.‏<br />

كل ما أرٌد المول أٌها الطبٌب النفسً‏ الحابز على شهادته برتبة<br />

ممتاز،‏ أما كان من األفضل أن تمول:‏ ستبمى لضاٌا وطنً‏ تمثل<br />

مشكلة أساسٌة من مشاكلً‏ الكثٌرة العالمة؟!‏ ألٌس هذا أفضل من<br />

اتّهامن بؤنن ترمً‏ الكبلم جزافاً؟!‏ دعنً‏ أساعدن ‏ٌا عزٌزي<br />

وأطرح علٌن عدّة أسبلة:‏ أال تجد أن الكوالٌس فً‏ بعض<br />

األحٌان تنضمّ‏ إلى المسرح وتتحوّ‏ ل إلى جزء منه،‏ بحٌث ‏ٌصبح<br />

أتّساع المسرح الفجابً‏ أكثر إثارة وؼموضاً‏ واستفزازاً؟!‏ ثمَّ‏ ما<br />

رأٌن باألبواب الكثٌرة التً‏ تجدها فجؤة أمامن مشرّ‏ عة أل ‏ّي<br />

راؼب فً‏ الدخول،‏ والتفرّ‏ ج دون اهتمام ملحوظ،‏ وربّما ‏ٌرافك<br />

ذلن سخرٌة مرتسمة على وجوه الناس وهم ‏ٌتمشّون بٌن الذٌن<br />

دفعوا أثمان تذاكرهم لٌروا تمثٌبلً‏ بارعاً‏ ولصّة محبوكة،‏ أو<br />

‏ٌسمعوا ؼناءً‏ ‏ٌنشرح له الملب.‏ تُرى ماذا ستمول وأنت تعٌش<br />

ضمن كلّ‏ هذا المشهد البانورامً؟!‏ ألن ‏ٌذكّرن ذلن بالحٌاة<br />

ٖٖٔ


نفسها التً‏ كنتَ‏ تخشاها؟!‏ أال تعتمد أن الولت لد حان التّباع<br />

وصٌة أمن واستشارة الطبٌب؟!‏ ال مبرّ‏ ر للخجل فؤنت من<br />

العابلة الضٌّمة نفسها،‏ ترى هل تشن فً‏ هذا العلم الجدٌد،‏<br />

وسعٌه لتحطٌم الجدر المسدودة واألبواب المؽلمة بإحكام؟!‏ إن<br />

استشارة الطبٌب والجدر المسدودة أخذانً‏ إلى لب المشكلة<br />

بٌنً‏ وبٌن أمً،‏ إلى ذلن الجدل الصاخب الذي حدث بٌننا نحن<br />

االثنٌن،‏ الذي كاد أن ‏ٌطٌح بعبللتً‏ معها تلن التً‏ ال أعرؾ<br />

ؼٌرها فً‏ حٌاتً.‏ أذكر أنً‏ استفمت باكراً‏ فً‏ صباح جمٌل<br />

صادؾ أنه كان ‏ٌعٌد تؤرٌخ ‏ٌوم مٌبلدي.‏ كانت الساعة تشٌر إلى<br />

الثامنة صباحاً.‏ لررت النمر على باب ؼرفتها ودعوتها إلى<br />

فطور على شرفة ؼرفتً‏ بهذه المناسبة.‏ بعد أن هٌَّؤت ما علًّ‏<br />

تهٌبته توجّهتُ‏ إلى محرابها،‏ ووجدتُ‏ أن الباب مفتوح،‏ ث ‏َّم<br />

سمعت صوتها ‏ٌمول:‏ إن ولع ألدامن ‏ٌكشفن وٌشٌر إلى أنن<br />

ترٌد تفاجا أمن،‏ بتذكٌرها للمرّ‏ ة األولى أن هذا الٌوم الربٌعً‏<br />

المبتسم هو ‏ٌوم مٌبلدن.‏ ترى ما الذي جعلن تعتمد أنً‏ ربّما<br />

أكون لد نسٌت؟!‏ لماذا ال تدخل وتفتح أوسط خزانتً‏ وترى<br />

تلن الساعة الرابعة التً‏ انتمٌتها لن بهذه المناسبة.‏ أمّا<br />

‏"األومٌؽا"‏ التً‏ تضعها فً‏ ‏ٌدن فاألفضل أن تهدٌها لفاطمتنا،‏ إذ<br />

إن ساعتها لفظت أنفاسها األخٌرة أمس.‏ أرجو أالّ‏ تنسى<br />

‏"الشامبانٌا"‏ فبل ‏ٌزال المبو ‏ٌحوي منها الكثٌر.‏<br />

عندما جلست أمً‏ إلى المابدة تطلّعت حولها ملٌّاً،‏ وسمعتُ‏<br />

صدرها ‏ٌصدر تنهّداً‏ جعلها تشعر بؤنها تطٌر إعجاباً‏ بنماوة ذلن<br />

الصباح وبنسٌمه اللطٌؾ المنعش الذي ‏ٌدفع المإمن بؤن ‏ٌشكر<br />

السماء.‏ عندما كانت فً‏ السابعة عشرة،‏ المعجبون كانوا<br />

‏ٌرمونها بالزهور،‏ وٌسمونها"‏ الحدٌمة الصؽٌرة التً‏ لٌس فٌها<br />

ٖٔٗ


ىإل<br />

مكان ألحد."‏ للت لها ها هم الفمراء ‏ٌُنعشون حٌاة األؼنٌاء من<br />

حٌث ال ‏ٌدرون،‏ وٌُخرجونهم من الظلمة إلى النور،‏ أال ترٌن<br />

كٌؾ زرعوا الزهور فً‏ تلن األراضً‏ الصؽٌرة الجرداء التً‏<br />

كانت حولهم؟!‏ ألٌس هذا كبد الحمٌمة ‏ٌا أمً؟!‏ دعٌنً‏ ألترح<br />

علٌن استضافة صوت فٌروز الرابع فً‏ هذه الساعة الحمٌمة<br />

ألن ‏ٌكون ذلن تؽٌٌراً‏ ناعماً‏ للدٌكور ‏ٌبلبم صوت فٌروز الذي<br />

‏ٌنعش الصباح وٌطرده اللٌل ألنه ‏ٌخرب على الفحش خططه.‏<br />

عفواً‏ ‏ٌا عزٌزي ‏،أنا ال أرٌد موسٌمى اآلن،‏ إذ إنً‏ أشتهً‏<br />

بموّ‏ ة أن أعاشر الهدوء كما لم أفعل ‏ٌوماً،‏ وأرؼب أن أؼرؾ منه<br />

حتّى أكتفً.ولكن لبل ذلن لن أنسى صفع مكرن السخٌؾ وألول<br />

له أن ‏ٌخرج من كٌانن لبل أن ‏ٌجعله أُضحوكة.‏ سؤُجٌبن عن<br />

البسطاء والفمراء الذٌن تتحدّث عنهم.‏ إنن تظلمنً‏ ‏ٌا بنً‏ كما<br />

فعلت دابماً.‏ إذ إنً‏ عضو فاعل فً‏ هذه الدنٌا مثلن ومثل ك ‏ّل<br />

الناس.‏ إذا لم أتبجح فهذا ال ‏ٌعنً‏ مُطلماً‏ أنً‏ ال أعتبر نفسً‏<br />

مسإولة عن ك ‏ّل متؤلم محبط أو جابع اختار التس ‏ّول كؤسهل<br />

طرٌك للوصول إلى المبتؽى.‏ أنا لم أصل بعد الرضى عن<br />

نفسً‏ واعتمد إن هذا شبه مستحٌل عند المإمن!!‏<br />

ترى لمن الدور<br />

اآلن للعمل أم للملب؟!‏<br />

أرى أنن تبالػ،‏ فتحاول أن تمتحننً.‏ البسطاء ‏ٌا بنً‏ أعطوا<br />

الملب عمبلً‏ ال ‏ٌملكه.‏ لست أدري من أوحى إلٌهم بذلن ولماذا؟!‏<br />

ربما كان تفسٌر ما حدت هو نتٌجة لول لابل:‏ إن الحكمة تعتمد<br />

على البصٌرة،‏ أي المدرة على الؽوص إلى األعماق وهً‏ فً‏<br />

والع األمر من مِنحِ‏ التؤمل لمن ‏ٌستؤهله وٌحتاج إلٌه.‏ التؤمل<br />

ٖٔ٘


ا"‏<br />

‏ٌعنً‏ من ضمن المعانً‏ التً‏ ‏ٌحتوٌها،‏ إشارة إلى محاولة الذات<br />

لبلسترخاء والتخلص من ِ شدّ‏ األعصاب.‏ حٌنبذ ‏ٌكون المرء<br />

مستعدّاً‏ لتلمًّ‏ ما ترٌده السماء،‏ أو ‏ٌوحً‏ لمن ‏ٌرٌد أن ‏ٌعرؾ،‏<br />

أنه جاهز لمجابهة ما ‏ٌسعى إلٌه الشٌطان.‏ عندما تمع المجابهة<br />

وٌرى نفسه محشوراً‏ ومحتاراً‏ كٌؾ بإمكانه ردّ‏ الضربات لم<br />

‏ٌجد طرٌمة للنجاة من الموت أو من الخذالن على األلل سوى<br />

الفرار كذبب بشع حمٌر أمام أسد الؽابة.‏<br />

التخلص من شدّ‏ منحنا المدرة على التحلٌك مثل<br />

الطٌور بٌن المبة الزرلاء واالخضرار الذي ال حدود له بالنسبة<br />

إلى الشخصٌة البشرٌّة،‏ ثم الوصول إلى مرتفع شاهك حٌث<br />

‏ٌجلس هنان طاوٌاً‏ فخذٌه مستمٌم الجذع ناظراً‏ إلى ما وراء<br />

الجبال،‏ حٌث المشاهد الخبلّبة متحضّرة لتنمله من فكرة إلى<br />

فكرة أخرى أكثر عمماً‏ وتطوّ‏ راً‏ مش ‏ّجعة إٌّاه أن ‏ٌمتطً‏ خٌاله<br />

ومشاعره بعد أن تكون لد تملّصت من الجسد الثمٌل الظل.‏<br />

فٌرى دون أيّ‏ استؽراب هبوط الشمس من علوّ‏ ها لتلتحك<br />

بالجانب اآلخر من الكرة األرضٌّة التً‏ أخذ سكّانها ‏ٌستفٌمون<br />

لٌنعموا هم أٌضاً‏ بذلن السطوع الرابع.‏ كان تعمٌم هذه الرٌّاضة<br />

الروحٌّة هبة من هبات هللا الكثٌرة،‏ أكثر عمماً‏ ممّا ‏ٌمال عن<br />

لٌوؼا"‏ فً‏ بعض وجوهها وٌجهلها الكثٌرون،‏ بٌنما تمارسها<br />

بعض األدٌان األسٌوٌّة كوسٌلة للتمرّ‏ ب من تلن الطالة التً‏ ال<br />

تمتلن إمكانٌّة إفناء ذاتها.‏ إن التؤمل فً‏ أعاجٌب المدٌر ‏ٌنمًّ‏<br />

النفوس من الشهوات وٌهدّئ األجساد التً‏ تؽلً‏ دون أن ‏ٌكون<br />

هنان ما ‏ٌحضر للنضج،‏ دافعاً‏ إٌّاها للسعً‏ وراء التطهّر.‏<br />

األدٌان ال تبخس حك العمل.‏ بل إنها تشٌر إلى هبات الرب<br />

الكثٌرة التً‏ مَنحت الناس الفرصة كً‏ ‏ٌتخلصوا من االنضواء<br />

ِ األعصاب ٌ<br />

ٖٔٙ


ٖٔ7<br />

تحت<br />

ءاول<br />

ةٌّروتاتكٌد<br />

لمعلا<br />

،ةٌّركسعلا<br />

ًتلا<br />

ًؽبت<br />

لامتعا<br />

انتدارإ<br />

لٌبكتو<br />

ةمٌرط<br />

انشٌع<br />

.انتاٌحل<br />

اهنإ<br />

عامٌإ علو ىلع انب رٌست<br />

لمم بٌتر<br />

امك<br />

اهنأ<br />

لواحت<br />

ءاؽلإ<br />

انتٌّوفع<br />

لوصولل<br />

ىلإ<br />

انعانلإ<br />

رذحلاب<br />

نم<br />

ةٌّفٌك<br />

انتسرامم<br />

.انتٌ ّرحل<br />

اذكه<br />

اٌ<br />

"داٌز"<br />

ّد<strong>بلا</strong><br />

نم<br />

نأ<br />

ًملن<br />

ةٌحتلا<br />

ىلع<br />

ةرٌص<strong>بلا</strong><br />

نردنو<br />

هنأ<br />

نم<br />

لجأ<br />

ّلاأ<br />

حجنت<br />

ةرماإملا<br />

وزؽلاو<br />

جمربملا<br />

،لومعلل<br />

موامٌ<br />

ءرملا<br />

لصٌو<br />

ىلإ<br />

راٌتخا<br />

برحلا<br />

وهو<br />

ؾرعٌ<br />

هنأ<br />

دل<br />

مدمٌ<br />

هتاٌح<br />

،ًانابرل<br />

ًف<br />

لٌبس<br />

دادرتسا<br />

هتٌّوفع<br />

هتٌ ّرحو<br />

نم<br />

.نٌبصتؽملا<br />

باحصأ<br />

لومعلا<br />

ةٌّمٌمحلا<br />

نوكردٌ<br />

مهنأ<br />

نو ّوعدم<br />

ًامباد<br />

ىلإ<br />

رذحلا<br />

نم<br />

لاّ أ<br />

نوكٌ<br />

لمعلا<br />

يذلا<br />

هنولمحٌ<br />

ًاءزج<br />

لا<br />

أزجتٌ<br />

نم<br />

"ًنومراهلا"<br />

ًتلا<br />

نكست<br />

ًف<br />

مهتاوذ<br />

مّظنتو<br />

شٌع<br />

مهتٌرح<br />

مهو<br />

ًف<br />

مهمٌرط<br />

ىلإ<br />

ءلبعإ<br />

نؤش<br />

،مهتٌناسنإ<br />

امهمف<br />

تراتخا<br />

مهلامعأ<br />

تمصلا<br />

امدنع<br />

مهرصاحت<br />

ؾصاوعلا<br />

رأزتو<br />

ًف<br />

،مههوجو<br />

لبف<br />

دب<br />

نأ<br />

ًتؤت<br />

ةظحللا<br />

ًتلا<br />

لمحت<br />

اهعم<br />

"نلت<br />

"ةتونلا<br />

ةرٌخلأا<br />

ًتلا<br />

رٌشت<br />

ةماركلل<br />

ةنماكلا<br />

ًف<br />

ةمتعلا<br />

داكتو<br />

نأ<br />

،كنتخت<br />

<br />

ضافتنلااب<br />

عافدنلااو<br />

لّ كب<br />

اهت ّول<br />

ًهو<br />

كناعت<br />

اهتٌّناسنإ<br />

ةمشتمم<br />

ماسحلا<br />

ةدّدهم<br />

يزاؽلا<br />

بصتؽملا<br />

هتلزترمو<br />

لّ كو<br />

"سرابموكلا"<br />

نٌج ّرهملا<br />

نٌمفانملا<br />

نٌمفارملا<br />

<br />

مهٌلع نٌذلا<br />

نأ<br />

اورفحٌ<br />

مهروبل<br />

،مهسفنؤب<br />

وأ<br />

اولبمٌ<br />

ةناهم<br />

شٌعلا<br />

نٌد ّرجم<br />

نم<br />

مهتٌّناسنإ<br />

لثم<br />

دٌبع<br />

نامزلا<br />

.رباؽلا<br />

ام<br />

جاتحت<br />

هٌلإ<br />

،ةماعلا<br />

امبر<br />

جاتحٌ<br />

هٌلإ<br />

ءاملعلا<br />

.رثكأ<br />

لثم<br />

ضعب<br />

نونجلا<br />

ِ<br />

،هّكنُملا<br />

قاٌتشلااو<br />

ةدوعلل<br />

ىلإ<br />

ةلوفطلا<br />

بعللاو<br />

" ةجحلاب"<br />

،ًلبثم<br />

ثح<strong>بلا</strong>و<br />

نع<br />

ةجاذسلا<br />

،ةعباضلا<br />

رٌثكلاو<br />

نم<br />

روملأا<br />

ًتلا<br />

لا<br />

لومت<br />

ىتم<br />

،رهظتس<br />

ىّدبتت دمف<br />

ةؤجف<br />

دعب<br />

سؤك<br />

نم<br />

"ًكسٌولا"<br />

.دٌجلا<br />

لمعلا<br />

اٌ<br />

يدٌحو<br />

لا<br />

ؾرعٌ<br />

،نانحلا<br />

وهف<br />

مل<br />

هلؽشٌ<br />

،ًاموٌ


إلى أن أخرج علم النفس رأسه من بٌن التراب،‏ ورأى<br />

االخضرار وتساءل:‏ لمَ‏ ‏ٌشعر اإلنسان هنا بالسمم؟!‏ ولال بجرأة<br />

إن الكثٌر من أمراض اإلنسان تؤتى من التزاحم على عطاءات<br />

األرض التً‏ بُ‏ ‏ّح صوتها وضاع ضمن السعار وهً‏ تُردّد لابلة:‏<br />

ما أُخرجه من أحشابً‏ ‏ٌكفً‏ الجمٌع فبل تتداعسوا.‏ ‏ٌمول علم<br />

النفس ‏ٌا بنً‏ إن دواء اإلنسان ال تصنعه الشركات،‏ فما ‏ٌحتاجه<br />

أعظم المخلولات لٌبرأ من أسمام النفس لٌس سوى بضع لطرات<br />

من الحب والكؾ عن التساإل فٌما ال جدوى منه،‏ اتركوا األمل<br />

الممموع ‏ٌماتل فً‏ سبٌل إنماذ نفسه من الذٌن لهم مصلحة فً‏<br />

اجتثاثه،‏ ألٌس هو من ‏ٌُعرّ‏ اإلبداع إلى من ‏ٌحتاج إلٌه.‏ هل<br />

‏ٌُخشى على من ‏ٌملن مثل تلن الموهبة من أن ‏ٌحرّ‏ ر نفسه فً‏<br />

سبٌل من ‏ٌحتاجون إلٌه وٌحتاجهم؟!‏<br />

ٖٔ8<br />

ِ ؾ<br />

أكاد أن أبلػ األربعٌن من عمري،‏ دون أن أعرؾ شٌباً‏ عن<br />

أبً،‏ وكٌؾ كان ‏ٌبدو محٌّاه،‏ وهل عٌناه كانتا مفتاحاً‏ لداخله؟!‏<br />

ثمَّ‏ ما الذي أدّى إلى موته؟!‏ ترى أال ‏ٌحك لً‏ أن أعرؾ؟!‏<br />

أتذكرٌن أننا جلسنا ‏ٌوماً‏ مثل هذه الجلسة العابلٌّة الحمٌمة؟!‏ أال<br />

تجدٌن أن ما أصبح ماضٌاً‏ ‏ٌمول:‏ إن حٌاتنا شابها خلل ما؟!‏<br />

ل ‏َم ترٌد تخرٌبها باستحضار الماضً؟!‏ هل ترى أن هنان<br />

فابدة من ذلن؟!‏ أبون كان ‏ٌهوى تحطٌم األشٌاء أو تمزٌمها،‏ إنا<br />

لم أستطع تحدٌد بؤٌّهما ‏ٌتمتّع أكثر بالتحطٌم أم بالتمزٌك أو<br />

بالتخرٌب بشكل عام.‏ لم ‏ٌكن ‏ٌفعل ذلن كاألطفال الذٌن ال<br />

‏ٌدركون إلى ماذا ‏ٌمكن أن تإول نواٌاهم،‏ وما إذا باستطاعة<br />

والدٌهم اإلتٌان من جدٌد بمثلها أو بؤفضل؟!‏ كان ما ‏ٌفعله ؼرٌباً‏<br />

بالتؤكٌد،‏ ممّا كان ‏ٌجعلنً‏ أُزٌح شعور الكراهٌة التً‏ صُر ‏ُت


أمتلا بها تجاهه،‏ وأفكر بصوت تحطّم األشٌاء الذي كان ‏ٌطربه<br />

على ما ‏ٌبدو عندما ترتطم بالحابط أو باألرض.‏ كانت حماسة<br />

أبٌن بكل الفوضى التً‏ ‏ٌثٌرها تدهشنً،‏ لبل أن أفكّر بما لو<br />

كنتُ‏ أستطٌع أن ألذفه هو نحو الحابط أو على األرض إذا كنا<br />

نسكن فً‏ شمة مولعها فً‏ الطابك األخٌر من بناء مرتفع.‏ كنتُ‏<br />

أكاد أن أختنك عندما كنتُ‏ أراه وسط الفوضى التً‏ أحدثها،‏ ‏ٌفتح<br />

ذراعٌه مستمببلً‏ شهواته كلّها.‏ أمّا تبعثر الحطام،‏ فكان ‏ٌعنً‏ أنه<br />

فً‏ الطرٌك الصحٌح للوصول إلى لمّة اإلثارة والتمتّع<br />

باالستمناء.‏ نعم االستمناء.‏ تلن العملٌّة الؽبٌّة التً‏ ‏ٌمرؾ منها<br />

المراهمون.‏ أما هو فكان ‏ٌجمع ما ‏ٌخرج من تلن المادة،‏ وٌدهن<br />

بها وجهه ثمَّ‏ ‏ٌنتظر بعض الولت وٌرسم حاجبٌه بها.‏ لم أكن<br />

أفهم ما ‏ٌحدث فً‏ كٌانه؟!‏ إذ إن بعد ذلن ‏ٌنتفخ وٌبدأ بتمثٌل<br />

الؽضب والشروع بانتماء ما ‏ٌرٌد تحطٌمه من األوانً‏ الجمٌلة،‏<br />

ورإٌته الندثار جمالٌّتها.‏ كان ‏ٌموم بك ‏ّل ذلن بمتعة ال ‏ٌمكن<br />

وصفها وال فابدة من محاولة أحد أن ‏ٌُتعب ذهنه فً‏ الوصول<br />

إلى ما وراء ذلن،‏ لكن األمر كان ‏ٌؤخذنً‏ رؼماً‏ عنً‏ إلى<br />

ارتجاؾ كٌانً‏ كلّه،‏ وخوؾ عمٌك ‏ٌفترش حٌاتً‏ معه كلّها،‏<br />

وأعٌش تفاصٌلها وأنا أشم ما هو أبشع من النتانة وال ‏ٌرضً‏<br />

أيّ‏ منحرؾ فً‏ هذه الدنٌا البابسة.‏ إن الشعور المضنً‏ باستحالة<br />

الحٌاة مع شرٌن ولد حٌواناً‏ على شكل إنسان،‏ كان لد بدأ ‏ٌنهش<br />

حٌاتً‏ وٌحٌلها إلى خراب وفوضى.‏ كان ‏ٌتعطّر بإفراط بعد<br />

انتهاء المشهد الذي وصفته بالتضاب،‏ ث ‏َّم ‏ٌخرج من المنزل دون<br />

أن ‏ٌعود لبل طلوع الفجر.‏ لكن رابحته لم ‏ٌكن بإمكانً‏ تحمّلها.‏<br />

إلى أن أوصلنً‏ ذلن إلى تلن اللٌلة التً‏ لرّ‏ رت فٌها أن الكٌل لد<br />

طفح فؤعدد ‏ُت ؼرفة أخرى وصر ‏ُت أنام فٌها حتى الٌوم،‏ مانعة<br />

إٌّاه من الدخول إلٌها مهما كانت الظروؾ.‏<br />

ٖٔ9


ىإل<br />

من لال لنِ‏ إن األطفال ال ‏ٌرٌحهم تحطٌم األشٌاء.‏ ال بدّ‏ أنن<br />

نسٌتِ‏ ما كان ‏ٌفعل ابنن،‏ وها هو ولد أصبح طبٌباً‏ نفسٌاً‏ أخذ<br />

شهادته بدرجة ‏"ممتاز"‏<br />

ال لم أنس بل ظننت أنن أنت الذي نسٌت.‏ وجّه أنظارن إلى<br />

لاع أعمالن،‏ وابحث هنان ولل لً‏ هل ترى فً‏ تلن البمعة<br />

المظلمة،‏ تشابهاً‏ بٌنن وبٌن أبٌن؟!‏ فإذا للت لً‏ نعم،‏ سؤجٌبن<br />

أنً‏ أتمنّى الموت اآلن.‏<br />

شٌباً؟!‏ منه أرث ألم أبً،‏ عن ماذا الكثٌر.‏ عنً‏ تكتمٌن أنت إذاً‏ <br />

إن كنت تمصد المال،‏ عد إلى أورالن التً‏ تحفظها فً‏ خزنته<br />

سترى أنً‏ رفض ‏ُت أن أُلوّ‏ ث نفسً‏ بمرش واحد منه.‏ لذا<br />

أعطٌتن ك ‏ّل ما ‏ٌملكه.‏ سترى ذلن واضحاً‏ إذا راجعت ما تملكه<br />

من مستندات؟!‏<br />

هل ‏ٌعمل أن ‏ٌبمى ك ‏ّل شًء عنه مكتوماً؟!‏ لمَ‏ فعلتِ‏ وتفعلٌن<br />

ذلن بً؟!‏ علٌن مصارحتً‏ وتمومً‏ بواجبن الطبٌعً‏ على<br />

األلل.‏ هل ما أطلبه ‏ٌمكن أن ‏ٌعدّ‏ جرٌمة؟!‏ كلّ‏ ما فً‏ األمر أنً‏<br />

أردت الجلوس مع أمً،‏ ل ‏َم تتّجهٌن تحوٌل ك ‏ّل شًء إلى<br />

‏"تراجٌدٌا"؟!‏ لولً‏ لً‏ ل ‏َم تُبعدٌننً‏ عنن؟!‏ ألست طِفلن الوحٌد،‏<br />

أم إنً‏ طفل من امرأة أخرى،‏ كان علٌن أن تتحملً‏ تربٌتً‏<br />

كابنن تماماً‏ خوفاً‏ من الؽول الكبٌر الذي اسمه المجتمع.‏ إذا لم<br />

تمولً‏ الحمٌمة سؤترن وطنً‏ وأختار وطناً‏ آخر ‏ٌصلح البن<br />

زنى.‏ صدّلٌنً‏ فلٌس أمامً‏ أن أسلن سوى هذا الطرٌك.‏ هل<br />

تحاولٌن أن تفمدٌنً‏ عملً‏ وتدسٌّن الس ‏ّم فً‏ عرولً‏<br />

ٔٗٓ


ومشاعري؟!‏<br />

خسبت،‏ أنت الذي أفرؼتنً‏ من دمابً.‏ إذ كنتُ‏ أخشى وأنت<br />

تكبر فً‏ حضنً‏ أن ‏ٌخرج منن سافبلً‏ حمٌراً‏ مثل أبٌن ‏ٌتمتّع<br />

باألذى.‏ لو رأٌت وجهه مرّ‏ ة وهو ‏ٌمطر متعة عندما أنهى<br />

عشاءه بعد كؤسٌن من الوٌسكً.‏ نظر إلى بطرٌمة المجنون الذي<br />

لالت له أفكاره:‏ ال تفوّ‏ ت الفرصة،‏ بعد هذٌن الكاسٌن أال ‏ٌحلو<br />

لن ارتكاب جرٌمة تكتب عنها صحؾ العالم؟!‏ فمام لتوّ‏ ه وحرق<br />

بسرعة البرق أطروحتً‏ لنٌل الدكتوراه فً‏ الفلسفة مفتّتاً‏ معها<br />

سجادة عجمٌّة أبدٌت مرّ‏ ة إعجابً‏ بها أمامه.‏ لو كنت حاضراً‏<br />

فً‏ ذلن الولت لفهمت الكثٌر بل لل الكثٌر جداً‏ ممّا كان ‏ٌجري<br />

فً‏ أعماله.‏ هل سُرر ‏َت بهذا الخبر بعد ك ‏ّل تلن السنٌن؟!‏ ماذا<br />

أضافت لن معرفتن أن أبان كان ‏ٌملن كل الصفات السٌّبة فً‏<br />

هذا العالم المترامً‏ األطراؾ؟!‏ ما فعله والدن كان ‏"تراجٌدٌا"‏<br />

حمٌمٌة ‏ٌشبه ما كان ‏ٌحدث فً‏ المرون الوسطى من مذابح ال<br />

تحمل فً‏ طٌاتها أيَّ‏ تبرٌر.‏ إذ كان دون شن مرٌضاً‏ نفسٌّاً‏<br />

بامتٌاز.‏ لوالن لرفضت أن أحمل اسمه،‏ وعد ‏ُت إلى البلذلٌّة<br />

دون أن آخذ معً‏ بالتؤكٌد ابن السالطة التً‏ تتحدث عنها،‏<br />

مصرّ‏ ة أالّ‏ أؼادرها فً‏ حٌاتً.‏ لكنن كنت طفبلً‏ والتعلٌم األفضل<br />

كان متاحاً‏ دابماً‏ فً‏ دمشك أكثر من أ ‏ّي مكان آخر.‏ كنت<br />

عصفورة جمٌلة هنان حٌث تمتّعت ببناء عشًّ‏ وحدي،‏ هذا ما<br />

أردت وما حصل بالفعل ‏.أُحطت بالحنان من الجمٌع،‏ وكان<br />

لديّ‏ متّسع من الولت ألصبح عازفة ‏"للبٌانو"‏ من الدرجة<br />

األولى.‏ أزعجت حٌاتً‏ الشٌطان،‏ فجاء والدن وانتزعنً‏ منها،‏<br />

كان ذلن إعبلناً‏ أنه مكتوب منذ األزل،‏ إنً‏ اعتباراً‏ من تلن<br />

اللحظات سؤبدأ السٌر فً‏ درب اآلالم.‏<br />

ٔٗٔ


مرّ‏ ت دلٌمتان ساد فٌهما الصمت الذي ‏ٌشبه ذلن الذي ‏ٌحدث<br />

عند الموت.‏ للتُ‏ بعد ذلن:‏ كٌؾ لً‏ أن أتصوّ‏ ر ما حدث لنِ‏ ، أما<br />

كان األجدر أن أعرؾ األمر بتإدة وشٌباً‏ فشٌباً؟!‏ اعذرٌنً‏ فمد<br />

خربتُ‏ ‏ٌومن وٌومً‏ سنتحدث فً‏ األمر الحماً.‏ أمً‏ لم تستطع<br />

تحمل تلن الطرٌمة فً‏ الكبلم والرؼبة فً‏ إنهاء المحادثة إلى<br />

ولت الحك،‏ فصرخت فً‏ وجهً‏ صراخاً‏ أجفلنً‏ بل أرعبنً‏<br />

بعد الولت.‏ كان زبٌراً‏ حمٌمٌاً‏ ‏ٌكشّر عن أنٌابه وٌمول:‏ إنا<br />

مستعدّة للمتال دفاعاً‏ عن نفسً‏ بذلن التصمٌم المرعب فً‏<br />

دالالته ثمّ‏ أردفت بصوت مبحوح خرج من حنجرتها كما لو أن<br />

هنان من كان ‏ٌخضعها للذبح.‏ لم ‏ٌكن ‏ٌمكنها السماح البنها أن<br />

‏ٌعٌد المشهد نفسه الذي كان ‏ٌستمتع به أبوه.‏ ثم عادت للزبٌر<br />

وهً‏ تمول:‏ إٌّان أن تعد نفسن ذكراً‏ تبٌح له الذكورة أن ‏ٌذبح<br />

أنثاه بؤمر من المجتمع األبوي.‏ ث ‏َّم عادت للزبٌر مرّ‏ ات وهً‏<br />

تردّد المول:‏ األنثى ممدّسة كما الرجل إذا استجابا للخطّة المعدّة<br />

لهذ العالم من ربّ‏ السموات.‏ ترى هل فعل الرسول العربً‏ ما<br />

‏ٌُبٌحه له المجتمع؟!‏ ففً‏ الصحراء ولبل بدء الدعوة خدم ذلن<br />

اإلنسان األبً‏ زوجته حتّى لفظت أنفاسها األخٌرة.‏ ثمّ‏ بعد أن<br />

أصبح نبًّ‏ األمة العربٌّة عامل زوجاته بكلّ‏ الحبّ‏ واالحترام.‏<br />

هذه المصّة ‏ٌا بنًّ‏ لم ‏ٌتولؾ عندها إ ‏ّال الملّة،‏ رؼم ما فٌها من<br />

عبر ومعانً‏ ودروس لجمٌع األمم لن أؼوص عمٌماً‏ فً‏ هذا<br />

الموضوع فلٌس من اختصاصً‏ الخوض فٌه.‏ لكن عطفاً‏ على<br />

كلّ‏ المعانً‏ التً‏ ‏ٌحملها حدٌثً‏ معن أعتمد أنه ‏ٌحك لً‏ الملك<br />

‏"فؤنا ال أعرؾ كٌؾ أصبحت طبٌباً‏ نفسٌّاً‏ وأنت تتجاهل أن<br />

الذكر لد ‏ٌكون أنثى فً‏ لرارة نفسه.‏ هذا ما دعانً‏ بعد موت<br />

أبٌن أالّ‏ ألارع إالّ‏ الرجولة بكل معانٌها،‏ والرجال األلحاح بعد<br />

أن ‏ٌكونوا لد نضجوا وأصبحوا صالحٌن للمضم".‏<br />

ٕٔٗ


ٍ<br />

لكنها لم تكت ‏ِؾ بذلن فمالت ساخرة مزمجرة ضاحكة ضحكة<br />

ؼرٌبة تظهر فٌها مختلؾ أنواع اآلالم التً‏ مرّ‏ ت بها،‏ وما عانته<br />

فً‏ حٌاةٍ‏ كانت تمتلا بمشاعر فٌها كلّ‏ االحتمار والممْت والمرؾ<br />

تجاه زوجها ‏ٌرافك ذلن نفور وشعور بالؽثٌان كلّما جاء ذكره<br />

على لسان ما،‏ أو بؤٌة طرٌمة تشعرها بؤن وراء ك ‏ّل ما ‏ٌحدث<br />

هو الشٌطان نفسه دون أن ‏ٌشرن أحداً‏ من أعوانه معه.‏ ثمَّ‏<br />

تابعت متسابلة بصوت فٌه من المرارة والؽضب الشًء الكثٌر:‏<br />

‏"هل تظن أنً‏ أنتظر رأٌن،‏ أو حكمن على ما جرى بٌنً‏<br />

وبٌنه؟!‏ لل لً‏ من تظن نفسن؟!‏ ما أنت إالّ‏ طفل مدلّل تشعرنً‏<br />

دابماً‏ بؤنن وسّخ ‏َت نفسن.‏ فً‏ ذلن الزمن لم تكن تفوح منن<br />

رابحة مزعجة.‏ أما اآلن فعلًّ‏ أن أبحث عنن فً‏ أمكنة عدٌدة،‏<br />

أللوم بتنظٌفن حتى ال ‏ٌمال عنً‏ إننً‏ مدلّلة مثلن ولم أتعلّم كٌؾ<br />

أعتنً‏ باألطفال.‏ الفرق كبٌر بٌن الماضً‏ والحاضر.‏ إذ إنً‏ فً‏<br />

هذه األٌّام أبحث عن طرٌمة لسدّ‏ أنفً.‏ ما أسخؾ التدلٌل وكم<br />

‏ٌحطّ‏ من لٌمة الرجل،‏ بل كم هو ضار فً‏ بناء بسٌكولوجٌّة<br />

الذكورة وٌشوهها ‏"بحٌث تعجز عن التفرٌك بٌنه وبٌن األنثى.‏<br />

إنً‏ ولد لاربت على الرحٌل،‏ كن ‏ُت أعود إلى الماضً‏ وكلّما<br />

فعلته من أجلن كان ‏ٌظهر على شاشة أفكاري ‏"بانورامٌّاً‏ ‏"وكم<br />

ضحٌت بحزمً‏ وواجبً‏ الحمٌمً‏ تجاهن وأعطٌتن ك ‏ّل حبً‏ فً‏<br />

ولت ؼٌر مناسب وطرٌمة ؼٌر مبلبمة.‏ لمد كنت طفبلً‏ أفسدتن<br />

تلن الجرعة الكبٌرة من الحب.‏ أخطؤتُ‏ خطؤً‏ كبٌراً‏ بإعطابن ما<br />

ورثته من الحب الذي كان ‏ٌحمله أبً‏ طول حٌاته.‏ الح ‏ّب دون<br />

شنّ‏ دواء لكثٌر من األمراض.‏ لكن الجرعة التً‏ تتجاوز الحدود<br />

تكون ضارة فً‏ أؼلب األحوال والظروؾ.‏ إذا سؤلتنً‏ سؤعترؾ<br />

لن أنً‏ فؤنا أٌضاً‏ كنت بحاجة ماسة إلخراج بعض منه<br />

من أعمالً،‏ فمد أصبح مع الولت ‏ٌعٌك تنفّسً.‏ أنا لن ألول شٌباً‏<br />

ٖٔٗ<br />

أخطؤتُ‏ ،


بعد اآلن كً‏ ال أهٌن ذاتً.‏ لمد للت لن بوضوح إن أبان كان<br />

سافبلً‏ حمٌراً،‏ ماذا ‏ٌمكنن أن تتحمل أكثر من ذلن؟!‏ ألم تكت ‏ِؾ<br />

حماً؟!‏ أم إنن فً‏ العمك ترٌد أن تسمع تفاصٌل ما جرى وتدع<br />

دماءن ‏ٌجري فٌها االستمتاع إلى حد الثمالة؟!‏ لمد جعلتنً‏ أندم<br />

حماً،‏ وأسفاه،‏ هل أنت فالد ألبسط األحاسٌس اإلنسانٌّة؟!‏ ألم تفهم<br />

أنً‏ كنت أحاول حماٌتن من االنحراؾ والجنون معاً؟!‏ دعنً‏<br />

ألول لن:‏ إنً‏ كنت أمٌرة حمٌمٌّة فً‏ بٌت أبً،‏ أرفل فً‏ أجمل<br />

الثٌاب وأبسطها.‏ أما أبون فكاد أن ‏ٌحولنً‏ إلى جارٌة من سباٌا<br />

ؼزوات المؽول،‏ لو بحثنا هنا وهنان لربّما وجدنا ‏"هوالكو"‏<br />

آخر جُنّ‏ جنونه فؤرسلوه إلى مصح لؤلمراض العملٌّة.‏ أستطٌع<br />

التؤكٌد أن هوالكو اآلخر الذي أنت فً‏ شوق للتعرّ‏ ؾ إلٌه ‏ٌفوق<br />

‏"هوالكو"‏ الساكن فً‏ المصح جنوناً‏ وسفالة.‏ إنً‏ ال أزال أطلب<br />

له الرحمة من ربّ‏ السموات.‏ رؼم أنً‏ أعرؾ أن جرابمه<br />

وحده،‏ فالت كل الذٌن التحموا ببلد الرافدٌن وذبحوا ما ال ‏ٌمكن<br />

إحصاءه من الناس ونهبوا كنوز العراق المشهورة،‏ ورموا<br />

بالثمٌن من الكتب وأهمها فً‏ نهر دجلة،‏ فجرفها معه حتى<br />

أصبحا ‏ٌضٌك بهما المرء ذرعاً،‏ حتى أمسى كلّ‏ شًء فً‏<br />

العراق ملوثاً‏ ولٌس له مثٌل.‏ كما جرّ‏ وا النساء إلى مخادعه ‏َّن<br />

حٌث ذبحوهنّ‏ بعد االحتفال باؼتصابهنَّ.‏ لكن المخطوفة أمن<br />

استطاعت الولوؾ فً‏ وجه الوحش الذي ‏ٌستمتع بلحس أنٌابه،‏<br />

التً‏ لم تك ‏ّؾ عن االستمرار فً‏ اللعب بدماء ضحاٌاه،‏ التً‏<br />

كانت ال تزال تمؤل فمه وتنحدر بعضها من شفتٌه ملوثة لحٌته.‏<br />

إنً‏ أراه فً‏ أحبلمً‏ حتى الٌوم ‏ٌتمتّع بذلن،‏ إٌان أن تذكره<br />

أمامً‏ بعد الٌوم.‏<br />

ٔٗٗ


أنا ال أعرؾ أبً‏ حتّى أتمكّن من الحكم علٌه.‏ هل تعتمدٌن أنه<br />

علًّ‏ تصدٌمن بكل بساطة وربّما بكل خفّة؟!‏ هل تدركٌن أنً‏<br />

بحاجة إلى الضحن بعد تلن المحاضرة الشٌّمة؟!‏ أنا أشفك علٌ‏ ‏ِن<br />

حماً،‏ ألٌس لدٌن ما تفعلٌنه سوى انتمادي؟!‏ ربّما نسٌ‏ ‏ِت أنً‏ لم<br />

أعد طفبلً،‏ بل أنا اآلن طبٌب اختصاصًّ‏ فً‏ علم النفس،‏<br />

وخرٌج الجامعة األمرٌكٌّة شبت أم أبٌ‏ ‏ِت.‏<br />

عندما تفتح عٌادة البمة وتداوم فٌها كما ‏ٌفعل ك ‏ّل األطباء،‏<br />

سؤعتبرن طبٌباً.‏ إن ؼٌر هذا ‏ٌبمً‏ شًء فٌن ‏ٌنادي طفولتن،‏<br />

وٌبعد براعتن وٌخفً‏ شهادتن التً‏ حصلتَ‏ علٌها بامتٌاز.‏ أما<br />

فً‏ الولت الحاضر أنا ال أرى سوى طفل صؽٌر مازال ‏ٌحبو.‏<br />

على ك ‏ّل حال ال أحد ‏ٌنوي منعن من أن تفعل كما تشاء،‏ لمد<br />

ضمتُ‏ ذرعاً‏ حماً‏ بملّة ثمتن بنفسن.‏ أنت كتلة من الولاحة النتنة<br />

كؤبٌن تماماً.‏ لكنن ال تمتلن خصاالً‏ كثٌرة سٌّبة من تلن التً‏<br />

كان ‏ٌمتلا بها،‏ وهذا ما ‏ٌعزّ‏ ‏ٌنً‏ بعض الشًء وٌؽرٌنً‏ أن أنسى<br />

ما ‏ٌزعجنً‏ وأنظر إلٌن بحنان عندما تكون بعٌداً‏ تستمع إلى<br />

الموسٌمى.‏<br />

أتحاولٌن<br />

إهانتً؟ّ!‏<br />

إنن تضحكنً‏ أما زلت تحاول نسٌان كل ما حدث فً‏ حٌاتن؟!‏<br />

لكنن لن تفلح بذلن.‏ ما ‏ٌجري فً‏ األعماق سجّل بالحفر فً‏<br />

الماع بإزمٌل جٌّد وٌد نحّات خبٌر،‏ بحٌث ال ‏ٌمكن أن تمحوه<br />

ممحاة.‏ لمد نصحتن باستشارة طبٌب نفسً،‏ فإذا لم ‏ٌرق لن ما<br />

هو موجود فً‏ دمشك من أطباء،‏ فبٌروت ال تبعد عن دمشك إ ‏ّال<br />

نزهة فً‏ السٌارة تموم بها كل ‏ٌوم.‏ أتخجل من ذلن؟!‏ هل تخشى<br />

ٔٗ٘


أن تكتشؾ ذاتن وتمؾ وجهاً‏ لوجه أمامها؟!‏ أنا أرٌد لن<br />

األفضل،‏ وأن ترى مثبلً‏ أٌن ‏ٌكمن الشٌطان فً‏ أعمالن.‏ أتخشى<br />

أن تطرده من كٌانن حتّى ال تتورّ‏ ط فً‏ حرب معه؟!‏ أتخاؾ<br />

اختراق الحدود والدخول فً‏ لتال حمٌمً،‏ كما تفعل األمم عندما<br />

تنتهن أراضٌها؟!‏ ‏ٌا لن من ضعٌؾ تافه.‏ أنا أمّن إنن تخجلنً‏<br />

حتى لاع أعمالً‏ بحٌث ال ‏ٌمكننً‏ الهرب إلى أي مكان.‏ لكنً‏<br />

أرؼب فً‏ تسجٌل نفسً‏ فً‏ خانة اللواتً‏ لم ‏ٌحسنوا تربٌة<br />

أوالدهم.‏ أنا ال ‏ٌمكننً‏ أن أشفك علٌن.‏ رؼم أنً‏ أعتبر نفسً‏<br />

مسإولة عمّا أنت علٌه.‏ رجابً‏ من الرب أن ‏ٌإازرنً‏ وٌموّ‏ ي<br />

أملً‏ فً‏ أن تبرأ من أسمامن وتتمكّن من حمل السٌؾ،‏ لتمنع<br />

الشر من الدخول إلٌن عبر باب نسٌت أن تؽلمه لبل أن تنام كما<br />

تفعل دابماً‏ ولٌس فً‏ كثٌر من األحٌان.‏ هذا البٌت الذي بُنٌت<br />

جدرانه من الصمٌع الذي ‏ٌستم ‏ّر صٌفاً‏ وشتا ‏ًء على ‏ٌبدو ونسً‏<br />

ذلن البنّاء الجاهل أن الروح ال ‏ٌمكنها أن تطٌل البماء فً‏ مكان<br />

إالّ‏ وهً‏ محاطة بحرارة جسد اإلنسان الطبٌعٌّة.‏ دفنتُ‏ مشاعري<br />

حتى ال أزعج شرلٌّتن السخٌفة وعبادتن لؤلصنام المدٌمة.‏ كان<br />

أبون ‏ٌضاجع الجنسٌن معاً،‏ لم أكن أرٌد أن أبوح بما رأٌته<br />

بعٌنًّ‏ االثنتٌن.‏ نعم كان ‏ٌلتمط مراهمٌٌن وشباناً‏ من الشوارع،‏<br />

فمراء متّسخٌن صامتٌن صمت المبور ‏ٌخرج من وجوههم األلم،‏<br />

وعندما ‏ٌنتهً‏ من أحدهم ‏ٌحوّ‏ له إلى صنم إلى بانتظار ؼٌره.‏ لم<br />

‏ٌكن ‏ٌكفٌه ذلن فٌؤتً‏ برجال مفتولً‏ العضبلت وأحٌاناً‏ ‏ٌحظى<br />

بإفرٌمٌٌّن،‏ فكان ‏ٌطلب منهم كلّهم أن ‏ٌفعلوا به ما فعله بؤمثالهم<br />

الصؽار.‏ كان ‏ٌؽري الجمٌع بالمال والكحول.‏ صدلنً‏ ‏ٌا بنً‏<br />

أنً‏ لم أكن أعرؾ من أٌن ‏ٌؤتً‏ بكلّ‏ هذا المال،‏ وال أدري أي<br />

عمل كان ‏ٌمارسه.‏ بمٌت فترة طوٌلة مرعوبة ال أعرؾ من أ ‏ّي<br />

طٌن خرج زوجً‏ إلى النور وبمً‏ ‏ٌتلذّذ بالتمرّ‏ غ باألوحال؟!‏<br />

ٔٗٙ


مرّ‏ ة كنت والفة أمام المرآة أسرح شعري،‏ فولؾ خلفً‏ ‏ٌرالبنً.‏<br />

خفتُ‏ خوؾ الذٌن ‏ٌنامون فً‏ الممابر ألوّ‏ ل مرّ‏ ة.‏ كنتُ‏ أخشى فً‏<br />

أثناء ذلن أن ألوم بؤٌة حركة تنبّهه إلى أنً‏ رأٌ‏ ‏ُت شبحاً‏ مفزعاً‏<br />

بشعاً‏ ممزّ‏ زاً.‏ كؤن الشٌطان نفسه ‏ٌرتسم على وجه أبٌن وٌمول<br />

لً:‏ إلى أٌن ستذهبٌن؟!‏ الفرار لن ‏ٌنفعن بؤيّ‏ شًء،‏ ستبمٌن<br />

محاطة بروحً‏ حتى نهاٌة الدهر.‏ كنت آمل أن أتلمّى تحذٌراً‏<br />

بطرٌمة ما،‏ ربّما من روح هابمة تبحث عن وحٌدها الذي لتله<br />

الوحش وهو عابد من الحمل بعد الؽروب.‏ لست أدري ل ‏َم أتذكّر<br />

دابماً‏ ذلن الحلم وتلن المرأة التً‏ تركض وسط الرٌح محلولة<br />

الضفابر تصرخ بكلّ‏ ما لدٌها من لوّ‏ ة ترٌد ابنها المخطوؾ،‏<br />

وٌحدّثها للبها لاببلً:‏ اسرعً‏ لربّما أن الوحوش تتبلعب به كٌفما<br />

تشاء ومتى طاب لها ذلن.‏ لمد اعتد ‏ُت أن أرى وجه أبٌن الذي<br />

لم ‏ٌعد ‏ٌستطٌع أن ‏ٌمول إنه إنسان.‏ كنتُ‏ أعرؾ أنه ‏ٌدرن أن<br />

األوان فات وهربت منه إنسانٌّته وترن الذبب ‏ٌحتل داخله،‏<br />

وزرع فمه مكان فم أبٌن.‏ كان ذلن ‏ٌظهر بوضوح عندما كنت<br />

أمرّ‏ فً‏ بعض األزمات التً‏ ال أدري لها سبباً.‏ لكن تلن األم لم<br />

تلبث أن همست فً‏ أذنً‏ لابلة:‏ ال تخشً‏ شٌبا الزمً‏ الصمت<br />

وتابعً‏ ما تفعلٌن وبعد دلٌمتٌن تحرّ‏ كً‏ بسرعة ولوذي بالفرار.‏<br />

ودعٌه ‏ٌعرؾ أن هنان من جاء وأثبت لن بالبرهان الماطع من<br />

هو هذا الزوج وإلى فبة ‏ٌنتمً.‏ الرب المادر على ك ‏ّل شًء لن<br />

‏ٌجعلن ترٌنه بعد هل زا ‏َرن فً‏ أحبلمن؟!‏<br />

ٔٗ7<br />

اآلن .<br />

لمَ‏ تهوٌن تعذٌبً؟!‏<br />

ألم تبك زمناً‏ طوٌبلً‏ تلحّ‏ طالباً‏ الحمٌمة؟!‏ ثمَّ‏ تتجرّ‏ أ باتهامً‏ بؤنً‏<br />

أهوى تعذٌبن؟!‏ أال تخجل ممّا تمول؟!‏ لمد تحمّلت ؼرابة


أطوارن كل تلن السنٌن حتى تبلّدت وجفّت أحاسٌسن<br />

ومشاعرن.‏ كٌؾ تتركه ‏ٌا رب ‏ٌعذبنً‏ بهذه الولاحة التً‏ لٌس<br />

لها نظٌر؟!‏<br />

دعنً‏ أؼٌر الموضوع وأتمم ماكنت أنوي أن ألول:‏ لبلتُ‏ أن<br />

أمتنع عن شرب كؤس من الوٌسكً،‏ موافمة على الخضوع إلى<br />

لواعد السكارى التً‏ تمول:‏ إن كؤساً‏ واحدة لد تجر إلى العدٌد<br />

من الكإوس.‏ إنه صباح جمٌل،‏ وأنت ال تتورع أن تذبحه<br />

أمامً.‏ كم من الشهور مرّ‏ ت وأنا ال أرى ابنً‏ الوحٌد حتّى على<br />

مابدة الطعام؟!‏ كلّ‏ ذلن جعلنً‏ أرضخ وألول كلمتٌن لن أضٌؾ<br />

إلٌهما أ ‏ّي شًء.‏ أنت ال تعرؾ كٌؾ خرجت تلن الكلمات<br />

الماسٌة من مكمنها.‏ لمد ذبحتنً‏ مرّ‏ ات عدٌدة دون أن تدري،‏ أم<br />

إنن تعرؾ وتؤبى االعتراؾ،‏ هل ألول الحمٌمة أم ال؟!‏ لطالما<br />

تمنٌت الموت.‏ لكن هللا الٌزال ‏ٌرفض تلبٌة طلبً.‏ ركعتُ‏<br />

وصلٌّتُ‏ وتضرعت،‏ لكن عبثاً،‏ إنً‏ تعبة وأشعر بؤنً‏ لرٌبة<br />

جدّاً‏ من الموت،‏ لكنه ‏ٌبدو أنه تلمّى أمراً‏ بتؤجٌل ذلن،‏ رؼم أن<br />

أُوكسٌجِ‏ ‏ٌن األرض كلّه لم ‏ٌعد ‏ٌستطٌع إنماذي،‏ والحٌاة تعرؾ<br />

أنه لم تعد تعنً‏ لً‏ شٌباً.‏ أظن أن العودة إلى الفراش،‏ ربّما<br />

‏ٌكون ذلن عبلجاً‏ ناجعاً،‏ وربّما أذوب فً‏ أثناء النوم،‏ وعند ذلن<br />

سؤكون شاكرة إذا أولؾ الرب للبً‏ عن الخفمان.‏<br />

حضور ‏ِن.‏ فً‏ ربًّ‏ من السماح طلب إذ علًّ‏ للٌبلً.‏ معً‏ ابمً‏ <br />

ال أعتمد أنن ترٌد ذلن.‏ لكن لٌس علً‏ االدعاء أنً‏ أعرؾ ك ‏ّل<br />

تفصٌل فٌن،‏ فربّما تحتاج إلى ذلن فعبل.‏ إن كنت مصراً‏ على<br />

الصبلة،‏ فسؤبمى.‏ أشعر بؤنه سٌكون مشهداً‏ إنسانٌّاً‏ ترتفع فٌه إلى<br />

ٔٗ8


السماء وأنت ترلص البالٌه،‏ بحٌث ترى وجهه.‏ سٌكون رابعاً‏<br />

أن أرى ابنً‏ ‏ٌستؽفر هللا.‏ أتدرن ‏ٌا ترى كم أنت بحاجة إلى هذه<br />

المحادثة معه.‏ أنا لم أرن تصلًّ‏ ‏ٌوماً،‏ ال فً‏ الكنٌسة وال لبل<br />

النوم.‏ أراد كٌانً‏ كلّه أن تكون إنساناً‏ طبٌعٌّاً،‏ تتعامل مع الحٌاة<br />

ككلّ‏ الناس.‏ كنت تعرؾ ما أرجوه من حٌاتً‏ الجافة،‏ وتضرب<br />

عامداً‏ بكل ذلن عرض الحابط.‏ لمد خذلتنً‏ ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ وأحلت<br />

حٌاتً‏ إلى حزن دفٌن مختلط مع الٌؤس والخٌبة.‏ أضعتُ‏ سبٌلً‏<br />

إلى تماسكً،‏ وكنت أرزح تحت رعب خروجن إلى العلن ‏ٌوماً‏<br />

نسخة متطابمة عن أبٌن.‏ لكن هللا رحمنً‏ وأدخل تعدٌبل أكثر<br />

للٌبلً‏ من أن نسمٌه طفٌفاً.‏ أدخل إلًّ‏ الفرح بادئ األمر،‏ لكن<br />

بماءن فً‏ حضن طفولتن أعادنً‏ مع أحزانً‏ وٌؤسً‏ إلى نمطة<br />

الصفر.‏<br />

أجهشت أمً‏ المسكٌنة بالبكاء،‏ وأشاحت بوجهها عنً.‏ كنت<br />

أعرؾ أنها تتعذب فً‏ تلن اللحظات،‏ وتمنٌّ‏ ‏ُت من ك ‏ّل للبً‏ وما<br />

أحمله من إخبلص وحب،‏ لو لم أتسبّب بما حدث،‏ ولم أعد بها<br />

إلى ذلن الزمن الرديء الذي ربّما عاشته حماً‏ مع أبً.‏ بدأتُ‏<br />

أدرن أن فً‏ داخلً‏ أحمل ضؽٌنة ما ضد أمً.‏ وإالّ‏ ما معنى<br />

لكلّ‏ هذه التصرفات الرعناء التً‏ لمتُ‏ بها وال أزال؟!‏ أنا ال<br />

أفهم ما ‏ٌحدث ولمَ‏ أحمل تلن المشاعر ضد أمً‏ التً‏ كانت تمتل<br />

نفسها كلّ‏ ‏ٌوم من أجل إنماذي ممّا أنا فٌه.‏ ترى هل أكره النساء<br />

ألسباب جٌنٌّة؟!‏ عندما هدأت للٌبلً‏ للت لها:‏ أٌزعجن أن أذهب<br />

إلى بٌروت بضعة أٌّام؟!‏ لم تردّ‏ فً‏ بادئ األمر.‏ لكنً‏ أعدت<br />

السإال بصٌؽة أخرى لاببلً:‏ ماذا تمترحٌن؟!‏<br />

ٔٗ9


كنت سؤطلب منن الٌوم تفمد بٌت البلذلٌّة إذ إنً‏ أرؼب فً‏<br />

لضاء الصٌؾ هنان.‏ إنً‏ مشتالة إلى صدٌماتً‏ وإلى البحر،‏<br />

ربّما نسٌنً‏ لست أدري؟!‏ إذ إنً‏ همست فً‏ أذنه ولم ‏ٌجب،‏<br />

ترى هل ‏ٌعنً‏ هذا أنه لم ‏ٌعد أحد ‏ٌجد نكهة خاصة فً‏ دمابً.؟!‏<br />

لل للبحر أرجون أن ‏ٌؤخذنً‏ بعٌداً‏ وٌرمٌنً‏ فً‏ فم الحوت.‏<br />

سٌكون هذا أفضل لً‏ من أن ‏ٌمؤل عٌنًّ‏ التراب.‏<br />

لن أُعلك ‏ٌا أماه على كل ما للتِه،‏ بل إنً‏ أشعر بؤنً‏ أخطؤت<br />

بإثارة هذا الموضوع الذي لم أكن أدرن تماماً‏ مدى حساسٌته<br />

وما تثٌر فٌن العودة إلى الماضً‏ من مشاعر بؽٌضة.‏ لكن ؼداً‏<br />

سؤتناول طعام الؽداء فً‏ البلذلٌّة.‏ ترى أترسلٌن فاطمتنا معً؟!‏<br />

إذ إن البٌت هنان لد ‏ٌلزمه أكثر من شهر كً‏ ‏ٌكون جاهزاً‏<br />

الستمبالن<br />

تشاء.‏ كما حسنا<br />

سؤذهب اآلن إلى شارع العابد ألنتمً‏<br />

ترافمٌننً؟!‏ إذ إن مهمّتً‏ لن تستؽرق<br />

سآخدنِ‏ بعدها لنشرب ‏"الكابوتشٌنو"‏<br />

لفبلً‏ لباب<br />

أكثر من<br />

ؼرفتً.‏ لمَ‏ ال<br />

دلابك . خمس<br />

‏ٌبدو أنن التزال تصلًّ.‏ إذ إن دعوتن لً‏ لمرافمتن تستطٌع<br />

عدّها صبلة إلى الرب.‏ لن ألاطعن ‏ٌا بنً‏ طالما تفعل ذلن.‏<br />

سؤرافمن إلى حٌث ترٌد ‏ٌا ‏"زٌاد"،‏ إنن تحمل اسم جدن ألبٌن،‏<br />

وحبٌب هو اسم جدن ألمّن هٌا ننطلك.‏<br />

ٔ٘ٓ


ل ‏َم لم تذكري شٌباً‏ عن طفولتن وعابلتن؟!‏ عذراً‏ ألٌس ؼرٌباً‏<br />

أالّ‏ أعرؾ شٌباً‏ عن تارٌخ ‏ِن الشخصً؟!‏ كما أنن لم تتحدثً‏<br />

مطلماً‏ عن شبابن وجمالن اللذٌن ال ‏ٌزاالن ‏ٌُظهران عرالتن<br />

وأنالتن األصٌلة حتى الٌوم؟!‏<br />

لست أدري ‏ٌا بنً؟!‏ ربما أردت دفن الماضً‏ ‏ّكل الماضً‏ ‏ٌا<br />

‏"زٌاد"‏ بل لعلّنً‏ أردت منذ زمن طوٌل نسٌان كٌؾ كان أبً‏<br />

‏ٌبلعبنً‏ وٌضحن من ك ‏ّل للبه.‏ فً‏ الحمٌمة أن عملً‏ تشوش<br />

أثناء األحداث التً‏ مرر ‏ُت بها،‏ أو الصراع الذي خضته ضدّ‏<br />

كل من كان ‏ٌرٌد إبطال تماسكً‏ وسحك شخصٌّتً.‏ ال أعرؾ<br />

تماماً‏ كٌؾ كان ‏ٌحدث ذلن وال كٌؾ لاومته أو من أٌن أخذ ‏ُت<br />

الموة لمجابهة زوجً‏ الذي كان ‏ٌجعل البٌت ‏ٌبثّ‏ رابحة ال<br />

تطاق.‏ لست أدري إن كن ‏ُت لد خف ‏ُت ممّا تملن تلن الربّما من<br />

احتماالت وما ‏ٌمكنها أن تنبش.‏ صدّلنً،‏ أنت ال تحتاج إلى<br />

معرفة الماضً.‏ لكن دعنً‏ ألول:‏ إن الربّما لد تنمذ من الموت.‏<br />

دعنً‏ أموت وأنا مطمبنّة إلى أنً‏ تخلّص ‏ُت منه ودفنته منذ ولت<br />

طوٌل،‏ وبات ذلن الدٌناصور الذي أشعل ‏ُت فٌه النار ورالبته<br />

وهو ‏ٌحترق وٌذوي وأنا بعٌدة بما فٌه الكفاٌة،‏ محاولة إلناع<br />

نفسً‏ أنه لم ‏ٌعد ‏ٌستطٌع فعل أي شًء،‏ وأصرر ‏ُت أالّ‏ تملن<br />

ذكرٌات تؤخذن إلٌه رؼماً‏ عنن.‏ امنحنً‏ ذلن أرجون.‏ عندما<br />

سؤذهب إلى البلذلٌّة سؤجلب معً‏ ك ‏ّل ما لد ‏ّي من أوراق<br />

تخصنً،‏ وسٌكون فٌها تنازل عن كل أمبلكً‏ وأموالً‏ التً‏<br />

ورثتها من أبً.‏ فعلت ذلن بعد أن تشاور ‏ُت مع أخً‏ الذي ال<br />

تحبه،‏ فوافك دون تردد لاببلً:‏ أنا ال أشن بؤخبلق ‏"زٌاد"‏ وال<br />

أعرؾ سبباً‏ لعدم محبّته لً.‏<br />

ٔ٘ٔ


‏-ٔٔ<br />

‏)كانت حماستً‏ فً‏ االنطبلق إلى البلذلٌّة ال ‏ٌضاهٌها أ ‏ّي شًء<br />

أذكره.‏ كنت فً‏ الوالع أرؼب أن أموت حٌث ولد ‏ُت.‏ لمد لضٌ‏ ‏ُت<br />

فً‏ ربوعها الكثٌر من طفولتً،‏ وترسخ شبابً‏ هنان،‏ ولمّا<br />

حملونً‏ إلى النافذة لٌرونً‏ البحر،‏ ابتدأت أول عبللة عاطفٌّة<br />

لً،‏ فعلت فًَّ‏ مع الولت األعاجٌب.‏ ثمَّ‏ كان البدَّ‏ من االنتمال إلى<br />

دمشك بسبب نمو مصالحً‏ هنان والحاجة إلى رعاٌتها رعاٌة<br />

مستمرّ‏ ة.‏ لكنً‏ حرص ‏ُت على المٌام بالعدٌد من الزٌارات<br />

الصٌفٌّة الطوٌلة الرابعة،‏ والحوار الطوٌل الذي لم ‏ٌنمطع مع<br />

نفسً‏ وأنا مسترخٌة لرب البحر المتفهم المتمٌز،‏ واستمرارٌّة<br />

رابحته فً‏ مصاٌفها الرابعة،‏ كما تعبّر بصدق الصور التً‏<br />

التمطناها هنان والتزال تذكّرنا جمٌعاً‏ بالفرح الذي كنا نشعر به<br />

سواء أكان ذلن على البحر أم فً"صلنفة"‏ و"كسب"،وهما من<br />

أجمل مصاٌؾ سورٌّتنا ومن أجمل المرى التً‏ رفضت الدٌكور<br />

تعالوا معً‏ إلى سوق كسب الضٌمة،‏ أنا لن أتحدث عن التوت<br />

الرومً،‏ بل عن العجابز اللواتً‏ بحاجة إلى رسام استثنابً‏ كً‏<br />

‏ٌرس وجوههم وما تمول تلن الخطوط السوداء المحفورة فً‏<br />

الوجوه التً‏ ربّما هً‏ التً‏ رفضت الدٌكور وأخافها ذلن<br />

التشوٌه الذي ربّما كان أٌضاً‏ متعمّداً.(‏ هذا ما كتبته والدتً‏ فً‏<br />

دفتر ‏ٌومٌّاتها.‏<br />

لضٌت مع ‏"خولة"‏ أمً‏ الحبٌبة وجدّتً‏ لرابة الشهرٌن فً‏<br />

البلذلٌّة.‏ لطالما عددت اسم أمً‏ الؽرٌب الطرٌؾ مصدر فخري<br />

الدابم.‏ كان والدها الذي لم ‏ٌتس ‏ّن لً‏ معرفته،‏ ‏ٌحمل شهادتً‏<br />

دكتوراه فً‏ التارٌخ العربً‏ المدٌم والحدٌث من جامعة<br />

ٕٔ٘


ٖٔ٘<br />

"نوبروسلا"<br />

امك<br />

ناك<br />

ًاملم<br />

لب<br />

ًاممعتم<br />

ًف<br />

همفلا<br />

ًملبسلإا<br />

نود<br />

نأ<br />

نوكٌ<br />

ًاكلام<br />

يّ لأ<br />

ةجرد<br />

."ةٌّمٌداكأ"<br />

امدنع<br />

تنك<br />

ًف<br />

ةنماثلا<br />

ةرشع<br />

نم<br />

يرمع<br />

تٌعُد<br />

ًمأ<br />

انأو<br />

ىلإ<br />

ةرهاملا<br />

مٌركتل<br />

.يدج<br />

مل<br />

مهفن<br />

ًف<br />

ءد<strong>بلا</strong><br />

ىنعملا<br />

نماكلا<br />

ءارو<br />

ردصم<br />

ةوعدلا<br />

لاو<br />

ةبسانملا<br />

ًتلا<br />

ؾّلؽت<br />

.عوضوملا<br />

ناك<br />

رملأا<br />

ًامخض ًلاافتحا<br />

يَ ِدون<br />

هٌف<br />

ىلع<br />

ءامسأ<br />

ةرٌبك<br />

ًف<br />

ملاع<br />

ةفامثلا<br />

مدمتلل<br />

ىلإ<br />

نوفوركٌملا<br />

تثّدحتو<br />

هربع<br />

نازوأ<br />

ةرٌبك<br />

ًف<br />

ملاع<br />

ركفلا<br />

نود<br />

نأ<br />

ىسنن<br />

نأ<br />

ةرهاملا<br />

لازتلا<br />

لثمت<br />

ربكأ<br />

ةرانم<br />

ءًضت<br />

لٌل<br />

راهن<br />

:ةلبال<br />

ُّلظؤس<br />

حفاكأ<br />

دوعتل<br />

ىلإ<br />

ةؽللا<br />

ةٌّبرعلا<br />

اهتناكم<br />

اهملأو<br />

ًف<br />

اذه<br />

.ملاعلا<br />

اه<br />

ًه<br />

ةرازو<br />

ةفامثلا<br />

انفحتُت<br />

ءانبب<br />

دٌدج<br />

ةرازولل<br />

ًتلا<br />

مّدمتتس<br />

ملاعلا<br />

،ًبرعلا<br />

نلعتو<br />

اهرخف<br />

ملاعلل<br />

ضرلأا ًصالأ ىلإ دتمٌ يذلا<br />

نلذ ىلإ ةرٌشم<br />

ءان<strong>بلا</strong><br />

دٌدجلا<br />

يذلا<br />

يوحٌ<br />

ةثٌدحلا ةزهجلأا نم<br />

لضفأ ًهاضٌ امب<br />

حراسم<br />

ملاعلا<br />

..رضحتملا<br />

عبات<br />

ثدحتملا<br />

مساب<br />

ةرازو<br />

ةفامثلا<br />

ةٌّرصملا<br />

:ًلببال<br />

نإ<br />

رصم<br />

ذإ<br />

ركشت<br />

لّ ك<br />

نٌذلا<br />

اورضح<br />

ًاروضح<br />

ًالداص<br />

ًؽبٌ<br />

راوحلا<br />

ؾداهلا<br />

عم<br />

بوعشلا<br />

تاعامجلاو<br />

نم<br />

لّ ك<br />

ءاحنأ<br />

،ملاعلا<br />

نم<br />

لجأ<br />

لبمتسم<br />

لضفأ<br />

،ةٌّرشبلل<br />

اننوكراشٌل<br />

ًلاوأ<br />

ًف<br />

اذه<br />

لافتحلاا<br />

اوعمسٌو<br />

:اّنم<br />

اننإ<br />

لفتحن<br />

ًاضٌأ<br />

مٍ لاعب<br />

يروس<br />

،ًحٌسم<br />

ربتعٌُ<br />

ًف<br />

ملاعلا<br />

،ًملبسلإا<br />

عجرم<br />

رٌبك<br />

همفب<br />

نلذ<br />

نٌدلا<br />

ؾٌنحلا<br />

يذلا<br />

نمإت<br />

هب<br />

ةٌّرثكأ<br />

ًنطاوم<br />

ملاعلا<br />

،ًبرعلا<br />

ناكو<br />

اننٌد<br />

ردصم<br />

اهرخف<br />

.مبادلا<br />

مل<br />

هعمسن<br />

ًاموٌ<br />

ثدحتٌ<br />

نع<br />

نٌتداهشلا<br />

نٌتللا<br />

زاح<br />

امهٌلع<br />

نم<br />

ةعماج<br />

"نوبروسلا"<br />

ًف<br />

ةؽللا<br />

ةٌّبرعلا<br />

رٌثؤتو<br />

اهتفامث<br />

ىلع<br />

.ملاعلا<br />

هنكل<br />

نع بتك<br />

كشاعلا ةمٌرطب ملبسلإا<br />

.هِلاولا<br />

ملستتس<br />

هتنبا<br />

ةدوجوملا<br />

اننٌب<br />

ةزباج<br />

سٌبر<br />

دلب<strong>بلا</strong><br />

،ًلاوأ<br />

نم<br />

ببان<br />

سٌبرلا<br />

مَّ ث<br />

مومٌس<br />

رٌزو<br />

ةفامثلا<br />

اهمٌلستب<br />

ةداهش<br />

مٌركتلا<br />

ةٌدهو<br />

ةٌّراكذت<br />

دّجمت<br />

هذه<br />

ةبسانملا<br />

.ةٌّخٌراتلا


خبت<br />

دعٌت والدتً‏ لتلمً‏ كلمة عن أبٌها لعلّها تضٌؾ شٌباً‏ جدٌداً‏ إلى<br />

حكاٌة صؽٌرة لد تكون ملفتة وتعطً‏ نكهة جدٌدة لحٌاة أبٌها<br />

المناضلة المكافحة من أجل الوطن العربً‏ كلّه.‏<br />

لالت أمً‏ وهً‏ تمؾ أمام المٌكوفون:‏ لمد دعٌتُ‏ إلى موطا<br />

لدم األزهر الشرٌؾ دون أن أعرؾ لمَ‏ كانت الدعوة ولماذا كان<br />

أبً‏ موضوعها؟!‏ عندما ولدتُ‏ سمّانً‏ أبً‏ ‏"خولة".‏ أثار ذلن<br />

لؽطاً‏ كبٌراً‏ فً‏ البٌت وبعض االستهجان المتخفًّ.‏ جابهه أبً‏<br />

فٌض رأسه حٌث كان ‏ٌجلس،‏ ووضعه بٌن ‏ٌدٌه.‏ استرعى<br />

ذلن انتباه أخً‏ الكبٌر،‏ فاتّجه إلى حٌث ‏ٌجلس أبً‏ ولال له:‏ ماذا<br />

علًّ‏ أن أفعل؟!‏ رفع أبً‏ نظره ببطء إلى ابنه وزفر بموّ‏ ة لاببلً:‏<br />

أفهمهم أن ما خرج من فمً‏ أصبح لانوناً‏ على الجمٌع تطبٌمه<br />

بما فٌهم شخصً.‏ سؤمنحهم خمس دلابك،‏ ثم سؤرفع رأسً‏<br />

وأرٌد االستمتاع بالصمت التام.‏ ثمَّ‏ بعد ذلن سؤلول بضع<br />

كلمات.‏<br />

سمعاً‏ وطاعة ‏ٌا أبً.‏<br />

بعد أن انتهى الولت الذي منحه،‏ رفع رأسه وانتظر بضع<br />

لحظات ولال:‏ ‏ٌإسفنً‏ أنكم نسٌتم إنً‏ علً‏ حبٌب فركوح من<br />

‏"حمص".‏ سمٌّتُ‏ ابنتً‏ ‏"خولة".‏ ستكبر هذه االبنة الحبٌبة،‏ ولن<br />

ألبل بمحاولة تؽٌٌر اسمها بتصؽٌره،‏ أو بالتبلعب به من لبل<br />

نساء عابلتً،‏ وسترون أنها ستنصّب ‏ٌوماً‏ ملكة لجمال العالم.‏<br />

فً‏ ذلن الولت تؤكّدوا أنً‏ سؤكون ممتنّاً‏ فً‏ لبري.‏ هذا كلّ‏ ما<br />

لالته أمً‏ فً‏ هذه المناسبة التً‏ لم تكن متحضرة لها.‏ لكنها تلمت<br />

تصفٌماً‏ لم تشهد مثله تلن الماعة.‏ لكنه لم ‏ٌكن أكثر من دموعها.‏<br />

ٔ٘ٗ


عندما نزلت من المنصّة توالى المتحدّثون من كبار الشخصٌّات<br />

المرمولة التً‏ جاءت لترى كٌؾ تفكّر الماهرة وإلى أٌن ‏ٌمتدّ‏<br />

نظرها ومتى ‏ٌمكِننا أن نرى ذلن اإلشعاع الذي ‏ٌرشدنا إلى أٌن<br />

‏ٌتجه مستمبل األمة العربٌّة،‏ وأٌة أهداؾ نستطٌع أن نطلب منه<br />

تحمٌمها.‏<br />

فجؤة تذكرت أٌن أنا،‏ وأيّ‏ حمبة مإلمة من تارٌخ حٌاتً‏ كن ‏ُت<br />

أستعٌد،‏ كان فٌها من الشجن الشًء الكثٌر.‏ كنت أعرؾ أن<br />

بضع لطرات من الدموع ‏ٌمكنها أن تنتشلنً‏ من الحمبة الحزٌنة<br />

بامتٌاز عندما شعرت أن ‏"محمّد"‏ أولؾ السٌّارة على جانب<br />

الطرٌك وسؤلنً‏ والملك ممزوج باالرتبان لد ؼزٌا وجهه بشكل<br />

أخافنً‏ لبل أن ‏ٌمول مصفرّ‏ الوجه:‏ ماذا ‏ٌجري ‏ٌا سٌّدي؟!‏<br />

ماذا تمصد ‏ٌا ‏"محمّد"‏<br />

هل فكّرت بالمزاح معً‏ ‏ٌا سٌّدي؟!‏<br />

ماذا حصل ‏ٌا دمحم؟!‏ وعن أي مزاح تتكلّم؟!‏ أسرع ولل لً‏ ماذا<br />

جرى،‏ إنن أثرت فًّ‏ خوؾ كبٌر،‏ كٌؾ خطر لن أن تتكلم معً‏<br />

بهذه اللهجة التً‏ أرفض بشدة سماعها منن،‏ سٌدي أنا آسؾ،‏ بل<br />

وشدٌد األسؾ،‏ فمد كنت تصرخ تارة وتحرن ‏ٌدٌن تارة أخرى<br />

كؤن أحداً‏ ما ‏ٌنهال علٌن بالضرب المبرح وأنت تحاول الدفاع<br />

عن نفسن.‏ أنا آسؾ ‏ٌا سٌّدي،‏ فؤنا لم أرن تمر لببلً‏ بمثل ما<br />

رأٌت.‏ دعنً‏ أردد ‏ٌا سٌدي إنً‏ آسؾ.‏ إذ إن هذا ما رأٌته<br />

وأرعبنً‏ كثٌراً‏<br />

ٔ٘٘


هل تركتهم ‏ٌكٌلون لً‏ اللكمات لً‏ كثٌراً؟!‏<br />

ال أحد ‏ٌمكنه فعل ذلن بوجودي ‏ٌا سٌدي.‏<br />

أنا ال أدري ماذا حدث وكٌؾ؟!‏ ربما كان هذا حلم ‏ٌمظة دفعه<br />

بفظاظة خبر مرض أمً‏ رؼم أنً‏ أصدق خالً‏ أنه كان مسؤلة<br />

عابرة مضت فً‏ سبٌلها.‏ إنً‏ أعتذر ‏ٌا ‏"محمّد".‏ ‏ٌبدو أنً‏ لم أعد<br />

أستطٌع تحمّل الصدمات.‏ سؤلول لن ببضع كلمات ما حدث<br />

بالضبط:‏ المشكلة أن أمً‏ تلتمط ما أرٌد أن ألول لبل أن أنطك<br />

به،‏ إذ إن ما تعرفه عن جبروتً‏ ‏ٌصبح أمام أمً‏ كإطار إحدى<br />

السٌّارات،‏ فمسمار صؽٌر ‏ٌمكنه إفراؼه من الهواء وٌجعله فجؤة<br />

ؼٌر لادر على العمل أو لد ‏ٌُحوّ‏ له إلى مصدر لخطر داهم.‏ هكذا<br />

تسمط كلّ‏ الخطوط الدفاعٌّة التً‏ بناها الدكتور ‏"زٌاد"‏ لبل أي<br />

حدٌث جديّ‏ ‏ٌجرٌه مع أمه.‏ إن لٌادتن الرابعة للسٌارة أخذتنً‏<br />

إلى حدٌث سابك مع الوالدة كنتً‏ فٌه الخاسر بامتٌاز.‏ ‏ٌبدو أن<br />

المرء مهما كان مهذباً‏ ال بدَّ‏ له من االستعانة أحٌاناً‏ بمخزونه<br />

الخفًّ‏ ِ من الشتابم عندما ‏ٌمر فً‏ حلم عاديّ‏ ٍ أو فً‏ حلم ‏ٌمظة لد<br />

‏ٌحمله أحدهما على بساط الرٌح وٌضعه فً‏ مواجهه لضٌة<br />

صعبة خسرها أو سٌخسرها بسبب أخطابه.‏ اعذرنً‏ ‏ٌا دمحم<br />

وحاول أن تنسى ما سمعته.‏ هٌا لنمضِ‏ ، فإن عدتُ‏ إلى ما كنتً‏<br />

أفعل تولؾ فً‏ مكانٍ‏ ‏ٌمكننً‏ فٌه أن أؼسل وجهً.‏<br />

حسناً‏ سٌّدي.‏<br />

ألمٌتُ‏ نظرة خاطفة إلى ‏"محمّد"‏ بعد دلابك معدودة،‏ ورأٌتُ‏ أن<br />

مبلمحه عادت إلى وضعٍ‏ بان فٌها االرتٌاح،‏ ولد سرّ‏ نً‏ ذلن<br />

ٔ٘ٙ


كثٌراً.‏ حاولتُ‏ أن أبتعد عمّا حدث وأنظر إلى ما نمرّ‏ به من<br />

بٌوت صؽٌرة جمٌلة تشتهٌها لنفسن،‏ تربض على جانبً‏<br />

الطرٌك تفتح ذراعٌها الستمبالن.‏ أذكر أنً‏ فجؤة رأٌت على<br />

الٌمٌن مطعماً‏ كبٌراً‏ اعتمدتُ‏ أننا نستطٌع فٌه احتساء بعض<br />

المهوة،‏ ولد ‏ٌمكننً‏ من ؼسل وجهً‏ وأعٌد بعض النشاط إلى<br />

هذا الكٌان الذي فوجا بخبر أشاع فٌه االضطراب وأفمده<br />

السٌطرة على ذاته.‏ ترى كٌؾ لً‏ أن أصٌر رجبلً‏ حمٌمٌاً‏ علٌه<br />

أن ‏ٌتولع الحلو والمر ‏ٌمتحمانه دون استبذان؟!‏ ألست مثل بمٌّة<br />

الناس أملن أن أعتاد على التعوّ‏ د وأصبح ال أخشى من التعامل<br />

مع كلّ‏ منهما بالطرٌمة المناسبة؟!‏ ترى ماذا حدث لً،‏ هل فمدت<br />

شٌباً‏ لم أعد أستطٌع استرجاعه؟!‏ كان ‏"محمّد"‏ ‏ٌدرن ماهٌّة<br />

الصراع الذي ‏ٌحدث فً‏ داخلً‏ وكم بتُّ‏ أخجل من نفسً.‏ لم<br />

‏ٌتركنً‏ وحٌداً،‏ بل أسرع ولبض على زمام المبادرة،‏ ولاد<br />

السٌارة إلى ذلن المكان ممترحاً‏ الترجّل والدخول إلى ذلن<br />

المطعم األنٌك فً‏ ذلن المكان ونؤخذ استراحة لصٌرة،‏ بحٌث<br />

‏ٌستطٌع سٌّدي أن ‏ٌؽسل وجهه،‏ وربّما ‏ٌشرب كؤساً‏ من البٌرة،‏<br />

ضاق بها المكان الموجودة فٌه.‏ مإكّداً‏ فً‏ الولت نفسه أننا لن<br />

نتؤخر عن تحمٌك رؼبة ربّ‏ العابلة والوصول فً‏ التولٌت الذي<br />

طلبه.‏<br />

عندما جلسنا طلب منً‏ الدكتور أن أطلب له البٌرة وأطلب<br />

لنفسً‏ ما أرؼب به.‏<br />

عندما فعلت ذلن بادرت بالمول:‏ أنا ‏ٌا سٌّدي ال أذكر أبً‏ وال<br />

أخً‏ الكبٌر.‏ لكن لمّا ذهبت معن إلى بٌروت فً‏ المرّ‏ ة األولى<br />

ٔ٘7


شعرتُ‏ أنً‏ لم أعد ‏ٌتٌماً،‏ وتمنٌتُ‏ أن أبمى معن العمر كلّه.‏ إنن<br />

‏ٌا سٌّدي تعٌد تربٌتً‏ من جدٌد.‏<br />

إنها فكرة لطٌفة رؼم أنً‏ أرى فٌها بعض المبالؽة.‏ ربّما<br />

سنتحدث فٌها الحماً.‏<br />

هل ‏ٌمكننً‏ أن ألول بضع كلمات خارجة من وجدانً؟!‏<br />

لل ما ترٌد،‏ لكن دع عواطفن جانباً.‏<br />

منذ مدّة وأنا أحاول طرح هذا الموضوع،‏ ولكننً‏ لم أستطع<br />

فعل ذلن خوفاً‏ من الجواب نفسه الذي بادرتنً‏ به للتو.‏ إنً‏<br />

أمتلا بالكثٌر من األشٌاء التً‏ ال أستطٌع أن أخرجها من ذاتً،‏<br />

وأنا ال أعرؾ أٌن هً‏ بالضبط هذه الذات وال تلن األمور التً‏<br />

أودّ‏ إخراجها.‏ إنً‏ أتوق أن أوصل إلٌن مشاعري الحمٌمٌّة<br />

وتطلعاتً‏ وأضعها عارٌة أمامن على تلن الطاولة التً‏<br />

تستعملها لكتابة مماالتن.‏ أنا لن أعفٌن من التحدث فً‏ هذا األمر<br />

الحماً.‏ ها لد وصلنا.‏<br />

ال تمؾ اآلن،‏<br />

بل استمر فً‏ السٌر دلٌمتٌن ثمّ‏ عدْ‏ ‏ٌا محمّد.‏<br />

ما أحلى دموعن ‏ٌا سٌّدي.‏ إذ إنها تعنً‏ أننً‏ أوصلت إلٌن<br />

المبتؽى.‏<br />

ٔ٘8


ال،‏ ال دعن من الرجوع إلى البٌت ‏ٌا محمّد،‏ إذ إنً‏ لم أعد إلى<br />

حالتً‏ الطبٌعٌة بعد.‏ خذنً‏ بعٌداً‏ للٌبلً‏ حتى أعود إلى ما كن ‏ُت<br />

علٌه.‏<br />

حسناً،‏ ال تخشَ‏<br />

شٌباً‏ ‏ٌا سٌّدي،‏ فالدموع دواء.‏<br />

هل علً‏ أن أحفظ ذلن عن ظهر للب؟!‏<br />

ضحن محمّد كثٌراً‏ ولال:‏ لمد لبضت علًّ‏ بالجرم المشهود.‏ هل<br />

أعود؟<br />

حسناً.‏<br />

لكن ابطا.‏<br />

كما ترٌد ‏ٌا سٌّدي.‏<br />

فتحت فاطمتنا الباب لبل أن نصل إلٌه لاذفة نفسها إلًّ‏<br />

وأشبعتنً‏ تمبٌبلً‏ وبعد ذلن لالت:‏ إن أمّن فً‏ أحسن حال.‏ كانت<br />

أزمة خفٌفة مرّ‏ ت بٌسر ولم تترن أثراً.‏ لمد استفالت للٌبلً‏<br />

وابتسمت لً‏ دون أن تمول شٌباً.‏ لكن الطبٌب لال لً‏ بعد أن<br />

أضاؾ نصؾ حمنة إلى ‏"السٌِروم"‏ سندعها تنام ولتاً‏ إضافٌاً.‏<br />

إذ إن ما حدث لٌس من األمراض التً‏ ال تترن أثراً‏ وراءها<br />

أرجو أن تبعدٌها ما أمكنن عن الضجٌج.‏ أتولع من الدكتور<br />

زٌاد إذا وصل أن أسمع صوته عبر الهاتؾ.‏ هل ال ‏ٌزال أخوها<br />

نابماً؟<br />

ٔ٘9


لست أدري ‏ٌا سٌّدي.‏ لكنً‏ أعرؾ أنه لم ‏ٌنم مطلماً‏ فً‏ اللٌلة<br />

الفابتة.‏<br />

لال زٌاد مرّ‏ ري أناملن الناعمة على باب ؼرفته،‏ فإذا كان<br />

مستٌمظاً‏ سٌعرؾ أنً‏ وصلت،‏ وسٌعطٌنِ‏ إشارة ما.‏<br />

حسناً‏ سؤفعل.‏<br />

بعد عشرة دلابك رن الجرس ورأٌت فاطمة تركض إلى ؼرفة<br />

أمً.‏ تؤخّرت بعض الولت هنان،‏ لكن ذلن لم ‏ٌملمنً.‏ لهذا لم<br />

أُفاجؤ عندما رأٌت أمً‏ تخرج من ؼرفتها ووراءها ظهرت تلن<br />

المخلصة المُحبة.‏ تحرّ‏ كتُ‏ باتّجاه أمً‏ وكان عنالاً‏ بخفر بٌن<br />

حبٌبٌن لم ‏ٌرٌا بعضهما بعضاً‏ منذ زمن طوٌل.‏ كم كنت أرٌد أن<br />

أنمل أفكاري بعٌداً‏ عن سمع أمًّ.‏ هكذا لم ‏ٌكن سوى خالً‏<br />

أمامً.‏ فتمدّمت إلٌه وأخذته على حٌن ؼرة ولبلت ‏ٌده دون أن<br />

‏ٌسمح له الولت بسحبها فابتسم ولبلنً‏ من جبٌنً‏ فملتُ‏ له:‏ هل<br />

فً‏ عابلتنا شروط لتبادل العواطؾ؟ّ!‏ فمال:‏ أعتمد ذلن،‏ ولطالما<br />

كانت أمن مصرة على تطبٌك آراء أبٌها.‏ كانت تعشمه بشكل<br />

ؼرٌب.‏ أما هو فكان ‏ٌمدسها،‏ المرحوم خالن األصؽر كان ضد<br />

خطّة أبٌه وٌعتبرها بعٌدة عن المسٌحٌّة وؼارلة فً‏ الرجعٌة<br />

وكان ‏ٌمول ذلن أمام أمه وأمن.‏ كان جدن تصل إلٌه هذا<br />

األلوال وال ‏ٌمول شٌباً‏ إذ إنه كان ‏ٌخشى من أن تنمطع شعرة<br />

معاوٌة بٌنه وبٌن ابنه.‏ لكنه عندما ألترح علًَّ‏ اللحاق بؤمً‏ مسح<br />

عٌنٌه الممتلبتٌن بالدموع.‏ أما الخصام المجهول السبب بٌنً‏<br />

وبٌن خالً‏ أثبت خصمً‏ السابك أنه كان دابماً‏ ‏ٌحمل للباً‏ كبٌراً‏<br />

بٌن حناٌاه.‏<br />

ٔٙٓ


ٕٔ<br />

عندما بدأنا نجلس على مابدة الطعام،‏ أطلت فاطمتنا لابلة<br />

ستنتظرون خمس دلابك أخرى،‏ وسٌكون كلّ‏ شًء كؤنه وصل<br />

من بارٌس وأوصلته طابرة خاصة منذ دلٌمتٌن.‏ رفع زٌاد كؤسه<br />

ولال:‏ نخب الخال الذي سامحنً‏ على أخطابً‏ كلّ‏ تلن السنٌن<br />

رؼم رعوتنً‏ وخروجً‏ عن تمالٌد العابلة.‏ لست أنا من ‏ٌمول<br />

هذا بل إن جدران بٌتنا كانت تتوشوش فٌما بٌنها حول ما ‏ٌمال<br />

عمّا تشوب عبللتً‏ بخالً‏ من فمدانً‏ للمشاعر التً‏ من الطبٌعً‏<br />

أن تسود بٌنً‏ وبٌنه،‏ بالرؼم من إنً‏ ال أملن ما ‏ٌسوغ رفضً‏<br />

الؽرٌزي لصلة المربى التً‏ كانت وستظل تربطنً‏ به شبتُ‏ أم<br />

أبٌت.‏ أظن أن هذا الشعور لد بدأ ‏ٌنمو منذ النصؾ الثانً‏ من<br />

سنًّ‏ مراهمتً.‏ لمد سؤلتُ‏ نفسً‏ كلّ‏ ذلن الولت ترى ماذا حدث<br />

حتّى بتُّ‏ ال أطٌك أن أجلس مع خالً؟!‏ أكنت فً‏ العمك أنتمم<br />

متهرّ‏ باً‏ من أمً‏ التً‏ ال أجرإ على مجابهتها،‏ بالتنكٌل بخالً‏<br />

كلّما الحت فرصة لذلن؟!‏ ترى كٌؾ ولدت تلن العدابٌّة الفجة<br />

التً‏ أصبحت تخجلنً‏ دون وجود أيَّ‏ مسوغ ممنع؟!ها أنا أمتلا<br />

شعوراً‏ بالشوق لرإٌة خالً‏ الوسٌم.‏ ‏ٌا ربّ‏ ساعدنً‏ ولل لً‏<br />

ماذا ‏ٌحدث،‏ وكٌؾ نما وتمكّن من خنالً‏ هذا الكره البؽٌض؟!‏<br />

لمد سؤلتنً‏ أمً‏ مبات المرّ‏ ات،‏ ماذا لدٌن ضد خالن ‏ٌا زٌاد،‏ أال<br />

تشعر أن بعضاً‏ من دمابه تجري فً‏ شراٌٌنن،‏ ألم ‏ٌهمس لن<br />

ذلن بؤيّ‏ شًء مرّ‏ ة واحدة كلّ‏ تلن السنٌن؟!‏ إنه أخً‏ ‏ٌا ‏"زٌاد"؟!‏<br />

أذكر أنً‏ حاولتُ‏ الطلب من أمً‏ أن تتولؾ عن جلدي<br />

وترحمنً،‏ فإن الكلمات كانت تهرب منً‏ كؤنً‏ شٌطان رجٌم.‏<br />

ٔٙٔ


لمد بتُّ‏ أعتمد أنً‏ ال أزال حماً‏ سجٌن طفولتً.‏ أشعرنً‏ ذلن<br />

فجؤة بؤن كل األبواب تؽلك فً‏ وجهً‏ بعنؾ الواحد بعد اآلخر.‏<br />

كنتُ‏ أكاد أن أُجنُّ،‏ فمد خٌّل إلًَّ‏ فجؤة أنً‏ أدور فً‏ مكان فارغ،‏<br />

سمفه منخفض وحولً‏ الكثٌر من األبواب المؽلمة،‏ وال أعرؾ<br />

إلى أٌن ‏ٌمكن أن ‏ٌؤخذنً‏ كلّ‏ منها.‏ شعرت بزجر عنٌؾ تتخلّله<br />

كلمات فاضحة ولحة وأصوات تصرخ فً‏ كٌانً‏ بشتابم سولٌّة<br />

ال لِبل لً‏ بها.‏ كنتُ‏ على ما ‏ٌبدو مستمرّ‏ اً‏ فً‏ الدوران.‏ بُؽتة<br />

أدركت أن هنان من أمسن بً‏ ولذفنً‏ بعٌداً‏ إلى لحظاتٍ‏ وجدتُ‏<br />

نفسً‏ فٌها ألوم من وسط الشارع،‏ وأبادر إلى نفض الؽبار عن<br />

ثٌابً،‏ وفً‏ الولت نفسه كنتُ‏ أحاول أن أعرؾ إذا ما أصاب<br />

جسدي ضرر ما أعتمد أن الولت كان لبل الؽروب بملٌل،‏ وال<br />

أحد هنان فً‏ ذلن االمتداد الطوٌل من األشجار الوارفة على<br />

الطرفٌن.‏<br />

‏"كنت بالتؤكٌد شجاعاً‏ لمّا نشرت هذا الممطع من ‏ٌومٌّاتً‏ فً‏<br />

الٌوم التالً‏ فً‏ صحٌفة النهار دون أن أعرؾ من أٌن استمدٌّت<br />

ذلن.‏<br />

ٕٔٙ<br />

"<br />

لستُ‏ أدري كٌؾ هبط اللٌل فجؤة،‏ فؤربكنً‏ ودفعنً‏ إلى<br />

التساإل:‏ إذا كنتُ‏ ال أزال مكانً‏ حماً،‏ ولمَ‏ أخذتُ‏ لراراً‏ بعدم<br />

العودة إلى البٌت فً‏ ذلن الٌوم،‏ رؼم أنً‏ كنتُ‏ أعرؾ ماذا<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌثٌر ذلن من ردود فعل،‏ لد تشعل ما سٌصعب إطفاءه.‏<br />

أذكر فً‏ ذلن الولت أنً‏ رأٌت وسط عاصفة عاتٌة تعوي<br />

حرٌماً‏ ‏ٌندلع،‏ ‏ٌؽذي نفسه بنفسه وٌلتهم كلّ‏ شًء فً‏ طرٌمه<br />

محوالً‏ إٌّاه إلى رماد،‏ ترى فٌه رٌاح الموت تمتطً‏ عاصفة<br />

أخرى أشّد عنفاً‏ ولدرة على تخرٌب ما هو معمّر.‏ كان ال ‏ٌزال


كامناً‏ فً‏ وعًٌ‏ أن رعباً‏ امتلن كٌانً‏ معتمداً‏ أن كلّ‏ تارٌخنا<br />

أصبح أسود ‏ٌنفث دخاناً‏ مؤل جانباً‏ من السماء بذلن اللون<br />

الممٌت.‏ لست أدري كٌؾ اختلطت األمور وشعرت بالعتمة<br />

تخطفنً‏ من مكانً‏ وتولعنً‏ أرضاً‏ دون أن أعرؾ أٌن<br />

أصبحتُ‏ . لكن صوت تحطم صحنً‏ وتناثر الطعام وأدواته بعٌداً‏<br />

منتشراً‏ اعتباراً‏ من ثٌابً،‏ ومن ثمّ‏ إلى أيّ‏ مكان ‏ٌمكنه الوصول<br />

إلٌه.‏ أرانً‏ ‏"بانورامٌاً"‏ كٌؾ جرت األمور ولماذا حصل ما<br />

حصل؟!‏ لام خالً‏ وانتزعنً‏ من حٌث كنت،‏ ووضعنً‏ فً‏<br />

مكانً.‏ لم تستطع أمً‏ التحمل وهً‏ وسط المشهد الممًء،‏<br />

فؤجهشت بالبكاء بطرٌمة كان فٌها ‏ٌمزلنً‏ تمزٌماً‏ بشعاً‏ دون أن<br />

أستطٌع الردّ‏ على العدوان.‏ لمت من مكانً‏ محاوالً‏ االعتذار<br />

وتهدبة الخواطر،‏ لكنً‏ لم أستطع أن أخطو خطوة واحدة<br />

باتّجاهها.‏ وددتُّ‏ لو حصل شًء ما وحال بٌنً‏ وبٌن الوجود فً‏<br />

ذلن المكان،‏ بحٌث لم ‏ٌتركَّب هذا المشهد المذل الفاضح.‏ تملّكنً‏<br />

رعب من رؼبتً‏ الشدٌدة بتمبٌل أمً‏ وطلب ؼفرانها ألن الطفل<br />

الذي ربّته ‏ٌخشى العتمة وال ‏ٌزال ‏ٌبول فً‏ فراشه لٌبلً.‏ كنت لد<br />

عدتّ‏ للجلوس فً‏ مكانً‏ ودخلتُ‏ فً‏ الصمت.‏ إذ إنً‏ خلته<br />

سٌكون أفضل من انفجار أمً،‏ وعالبة ما ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث لنا<br />

جمٌعاً.‏ لكن أمً‏ كانت لد اتخذت لراراً‏ سٌمكنه أن ‏ٌعٌد كل<br />

شًء إلى نصابه باالتكال على بعض الولت.‏ إذ طلبت من<br />

فاطمتنا التً‏ كانت لرٌبة أن تساعدها فً‏ العودة إلى فراشها،‏<br />

راجٌة من الجمٌع أن ‏ٌعذروها وٌتابعوا طعامهم.‏ التفت خالً‏<br />

إلى زوجته ولال لها:‏ بٌتنا لرٌب،‏ هل ترؼبٌن فً‏ التوجّه إلٌه<br />

سٌراً‏ أم تفضّلٌن أن أطلب لن سٌّارة إجرة؟ إذ إنً‏ سؤذهب مع<br />

زٌاد لنسوّ‏ ي لضٌّة عالمة.‏<br />

ٖٔٙ


أرجون ال تهتم أنا أفضل السٌر على األلدام،‏ فالطرٌك إلى<br />

هنان جمٌل وأنٌك.‏ أنا ال أزال عاشمة لؤلنالة.‏ كلّ‏ ما أرٌده هو<br />

أن أبمى كذلن ، وأنا ألفظ أنفاسً‏ األخٌرة.‏<br />

الخال أنا ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ أفهمن،‏ وأعتمد أن األٌام وطرٌمة تربٌة<br />

أمن جعلتنً‏ أدرن ما ‏ٌحدث ولماذا حدث.‏ كٌانً‏ كلّه ‏ٌصرخ فً‏<br />

وجهً‏ وٌمول لً:‏ هذا ابن أختن وعلٌن أن تتحدّث معه،‏ فهو<br />

ؼٌر مسإول عمّا جرى.‏ كان على أختن وهً‏ المتعمّمة فً‏<br />

الفلسفة أن تداري األمور بطرٌمة مختلفة.‏ أنا ال ألوم أحداً.‏ إذ<br />

حتى أصحاب العمول النادرة لد تمودهم الظروؾ إلى الطرٌك<br />

الخطؤ.‏ الربُّ‏ ‏ٌبدو أنه أراد المول لئلنسان:‏ إنً‏ لم أعهد بؤخٌن<br />

إلٌن فؤنت لست لوّ‏ ام على أحد.‏ لن أن تدلً‏ بنصٌحتن وال<br />

تخرج بوصة واحدة عن الحدود.‏ دعنا نذهب ونؤخذ حمّنا من<br />

الطعام والشراب ونتحدث كصدٌمٌن.‏ أنا ‏ٌشرّ‏ فنً‏ أن تكون<br />

صدٌمً‏ ماذا تمول؟!‏ وأنا كذلن.‏<br />

إذاً‏ هٌا نذهب باتّجاه أبو رمانه ثمَّ‏ مركز الموى الجوّ‏ ‏ٌة فهنان<br />

مطعم ظرٌؾ أعتمد أن اسمه فرساي.‏ أو ما لولن بالذهاب إلى<br />

باب توما ونجلس لرب تلن البركة التً‏ ستذكّرنا بذلن الزمن<br />

الؽابر.‏<br />

نعم االختٌار ‏ٌا خالً،‏ فلنذهب إلى هنان،‏ ولكن أرجو أن<br />

تنتظرنً‏ دلٌمتٌن رٌثما ألول بضع كلمات إلى فاطمة.‏<br />

ٔٙٗ


عندما جلستُ‏ بجانب خالً‏ فً‏ السٌّارة.‏ وجّهت الكبلم إلٌه<br />

لاببلً:‏ لمد طلبت منها انتماء بعض الثٌاب لرحلتً‏ ؼداً‏ إلى<br />

بٌروت.‏<br />

هل أستطٌع أن أعرؾ ماذا ستفعل هنان؟!‏ إذا كان ‏ٌحرجن<br />

المول اصمت وال تمل شٌباً.‏<br />

بالتؤكٌد ال ‏ٌحرجنً‏ أي شًء.‏ سؤعرض نفسً‏ على أحد<br />

أساتذتً‏ من األطباء النفسٌٌّن وأطلب منه تمرٌراً‏ عن حالتً‏<br />

الراهنة،‏ وما إذا كنت بحاجة إلى عبلج ما.‏ سؤكون مرٌضاً‏<br />

عادٌّا ولن أتدخل فً‏ األمر.‏ سؤرجوه أن ‏ٌكون التمرٌر سرّ‏ ‏ٌاً،‏<br />

وموجّها إلى أمً.‏ أنا ال أستطٌع إكمال حٌاتً‏ والخبلؾ كما<br />

تعرؾ لد أحتدم منذ مدة طوٌلة،‏ وازداد اشتعاالً‏ وال ‏ٌزال ‏ٌتؽذى<br />

بالولود دون أعرؾ من أٌن وال كٌؾ.‏ لمد كنت أظن دابماً‏ أنها<br />

تعٌش رعباً‏ تعرؾ أسبابه ولكنها ترفض الخوض فٌه وإعطاء<br />

الحٌاة لتفاصٌله.‏ لمد تحملتً‏ الكثٌر ‏ٌا خالً‏ إنها تخشى لٌل نهار<br />

أن ‏ٌتبدّى فًّ‏ وحش أبً‏ فً‏ لحظة ما.‏ لكن الشًء الذي كان<br />

‏ٌؽٌب عن أمً‏ دون أن تدري،‏ أنً‏ كنتُ‏ أكبر وأنا ال أعرؾ<br />

شٌباً‏ عن كل ما حدث بٌن أمً‏ وأبً.‏ كان ما ترٌده الوالدة هو<br />

أن أتصرّ‏ ؾ وكؤنً‏ وثٌك الصلة بما حدث فً‏ ذلن الماضً‏<br />

البؽٌض.‏ إذاً‏ إن ما للته كان صحٌحاً‏ تماماً،‏ علٌنا أن نحٌل أمً‏<br />

للمعالجة ولٌس أنا.‏ على كل حال إذا رأى الطبٌب أنً‏ بحاجة<br />

إلى عبلج معٌّن فسؤضع نفسً‏ تحت تصرّ‏ ؾ أ ‏ّي معالج ‏ٌؤمر<br />

به.‏<br />

ٔٙ٘


فاجؤتنً‏ لمد كنت أحضّر نفسً‏ لنماش طوٌل،‏ لبل أن أدخل هذا<br />

الموضوع.‏<br />

كنت أنتظر أن ‏ٌكون موضوع عرض نفسً‏ على طبٌب هو<br />

بٌت المصٌد فً‏ هذا الؽداء الماضٌن إلٌه.‏ وأحلؾ لن باآللهة<br />

المدٌمة التً‏ أسهمت دون ٍ شنّ‏ بوضعنا بمواجهة مع إلهنا الواحد<br />

األحد الذي لدم نفسه إلٌنا كؤب راعٍ‏ ‏ٌضبط كلّ‏ ما ‏ٌجري فً‏ هذا<br />

الكون.‏ ألول أمامه أنً‏ لم أكرهن ‏ٌوماً،‏ كما لم أرؼب بوجودن<br />

معً‏ ‏ٌوماً‏ فً‏ الولت نفسه.‏ كلّ‏ تلن المدّة التً‏ مضت لم أعرؾ<br />

شٌباً‏ عمّا ‏ٌحصل.‏ عندما كلمتنً‏ هاتفٌاً‏ لتخبرنً‏ بمرض أمً‏<br />

شعرت فجؤة بشوق عارم إلٌن.‏ كان شعوراً‏ لم أختبره البتة<br />

معن.‏ ربّما ما كان ‏ٌجري ‏ٌُعدُّ‏ اختبلفاً‏ متنافراً‏ فً‏ الطالة<br />

الموجودة فً‏ ٍ كلّ‏ منا وتلن األخرى التً‏ تحٌط بنا أو تنوجد بٌننا<br />

عندما نكون لرٌبٌن من بعضنا بعضاً.‏ ال بؤس إن للت عنً‏ أنً‏<br />

مجنون ال ‏ٌمكن الشن بجنونه.‏ تؤكد أن مزاجً‏ الحالً‏ سٌبمى<br />

كما هو،‏ وسؤظلُّ‏ أناشدن أن تحبنً‏ كخالٍ‏ لً.‏ أعتمد أننا وصلنا<br />

وعلٌن أن تركن سٌارتن هنا فً‏ هذه الساحة واترن لً‏ تدبّر<br />

أمر هذا الشرطً.‏<br />

لم ‏ٌكن المكان مزدحماً،‏ لكن البركة الموجودة فً‏ الوسط<br />

كانت محاطة تمرٌباً‏ بالناس.‏ لكن النادل الذي ساعدته مرة فً‏<br />

إدخال زوجته إلى مشفى الجامعة بشكل طارئ.‏ تمدّم من الخلؾ<br />

وولؾ ورابً‏ موشوشاً‏ إٌّاي بؤن بعضهم دفع ما علٌه<br />

وسٌتركون طاولتهم بعد دلابك معدودة،‏ إنها طاولة كبٌرة تمتلن<br />

حك الزعامة هنا.‏ التفتُ‏ إلٌه مبتسماً‏ وسؤلته عن أحوال زوجته.‏<br />

عندبذ تدفّمت دموعه ولال:‏ ‏ٌبدو أننا لو تؤخرنا لكنت خسرتُ‏<br />

ٔٙٙ


زوجتً‏ وأم أطفالً.‏ إنها تصلً‏ ‏ٌومٌاً‏ من اجلن وأصرّ‏ ت على<br />

تسمٌة طفلنا باسمن وهً‏ تنادٌه كل ‏ٌوم ‏"دكتور زٌاد"‏ إنه االسم<br />

الذي اختارته.‏ لطالما كنت أثك بعملها،‏ وهذا األمر ال ‏ٌرتبط<br />

بالحب بل بالتجارب التً‏ عشتها معها.‏<br />

هل ترٌد أن تجعله دكتوراً‏ بالموة؟!‏<br />

عندما للت لها ال ‏ٌجوز اإلجبار من ناحٌة المبدأ،‏ فكٌؾ<br />

تمحمٌنه فً‏ هذا الموضوع الخاص،‏ والحسّاس إلى أبعد الحدود.‏<br />

كان جوابها ال تتدخّل سؤجعله ‏ٌعشك مهنته أكثر من حٌاته،‏<br />

سٌبمى مسلماً،‏ لكنه سٌعٌش وٌتصرّ‏ ؾ كراهب مسٌحً‏ أفضل<br />

من كثٌر من رهبان هذه األٌّام.‏ الطاولة أصبحت جاهزة ‏ٌا<br />

دكتور.‏<br />

التفتُّ‏ إلى خالً‏ وأشرتُ‏ إلٌه بما ‏ٌعنً‏ أنً‏ ال أستطٌع أن أفعل<br />

شٌباً.‏ شكرتُ‏ النادل ودعوتُ‏ خالً‏ للجلوس.‏<br />

أال تجد أن بعض اإللهام ‏ٌخرج من هذه المرأة؟!‏<br />

تستطٌع أن تمول ذلن.‏ لكن األمر ‏ٌتعلك بحٌاة إنسان لد ‏ٌتم<br />

تخرٌبها.‏ إن التربٌة أٌها الخال أمر معمد،‏ وال ‏ٌمكن االستهانة<br />

فً‏ األمر على اإلطبلق.‏ إن وضع التربٌة فً‏ ‏ٌد المرأة أمر<br />

خطٌر.‏ فً‏ كثٌر من الحاالت لد ‏ٌكون الطفل ضحٌّة التجاذبات<br />

التً‏ تحدث بٌن األب واألم.‏ فً‏ بعض النواحً‏ لد أكون مثبل.‏<br />

أناال أملن حٌاتً‏ وال أعرؾ عن أبً‏ إالّ‏ ما ‏ٌعرفه كبلنا.‏ أمً‏<br />

تعرؾ كٌؾ عشت حٌاتً‏ أكثر ممّا أعرفها أنا.‏ صحٌح أنً‏ أنا<br />

ٔٙ7


الذي عشت أما هً‏ فكانت تعرؾ التفاصٌل،‏ وعاشت الكثٌر<br />

منها،‏ وٌمكنها ربطها ببعضها بعضاً‏ لنفهم جمٌعاً‏ مجرٌات ما<br />

حدث.‏ المشكلة أن أمً‏ مسٌطرة على ذاتها بمدر ما ‏ٌستطٌع<br />

اإلنسان أن ‏ٌفعل ذلن.‏ أما أنا فبل أشعر بؤنً‏ أسٌطر على شًء،‏<br />

باإلضافة إلى أنً‏ عنٌد مثلها.‏ لكنً‏ ال أملن أرضٌّة لهذا العناد<br />

مثلما تملن هً.‏<br />

أنت رابع ‏ٌا<br />

تماماً.‏<br />

زٌاد،‏ فمد وضعت المشكلة فً‏ إطارها الصحٌح<br />

رؼم ذلن أنً‏ ماضٍ‏ الستشارة طبٌب نفسً‏ ألرٌحها.‏ لمد<br />

عشت وحٌداً‏ تحت رلابة مشدّدة لكن بعٌدة عن الزجر فً‏ الولت<br />

نفسه.‏ أي إنً‏ كنت أفعل ما أرٌد،‏ أو كنت هكذا أظن على<br />

األلل.‏ الخٌوط كانت تحرّ‏ كها أمً،‏ لكن من أٌن لً‏ أن أعرؾ<br />

ذلن؟!‏ لنمل أنً‏ كنتُ‏ فً‏ العاشرة،‏ كٌؾ لً‏ أن أخترق ذلن<br />

الؽبلؾ العنكبوتً‏ ؼٌر المربً‏ الذي حاكته امرأة مثمّفة تملن<br />

ذكاء حاداً‏ عاشت مع أب ذي تارٌخ عظٌم،‏ ولد كنتً‏ موجوداً‏<br />

عندما كرّ‏ موه فً‏ الماهرة لمّا عملوا منه مؤذنة تملن ارتفاعاً‏<br />

شاهماً‏ ‏ٌطل على الماهرة كلّها.‏ كان المصد أن ‏ٌكون رمزاً‏ من<br />

رموز اللؽة العربٌّة،‏ مثل الماهرة التً‏ تعتبر رمز عظمة األمة<br />

العربٌّة الموحدة.‏<br />

هل تتابعنً‏ ‏ٌا خالً؟!‏<br />

لمد أخذتنً‏ من ‏ٌدي وأدخلتنً‏ إلى التارٌخ على حٌن ؼرّ‏ ة،‏<br />

ولكن أٌن النبٌذ أٌها الحبٌب؟!‏<br />

ٔٙ8


إنه على ‏ٌمٌنن ضمن<br />

سطل الثلج ‏ٌا خالً.‏<br />

<br />

ترى هل أصبح النبٌذ األحمر ‏ٌبرد فً‏ هذه األٌام؟!‏<br />

هذا هو شكل من أشكال الصراع الخفً‏ بٌن الفرنسٌٌّن<br />

واألمرٌكٌٌّن.‏ لمد أدرن البارٌسٌّون أن نبٌذهم األحمر أصبح من<br />

الصعب تمبّله صٌفاً.‏ لهذا لرّ‏ روا أن الحاجة تمتضً‏ التؽٌٌر،‏ ال<br />

سٌّما أن منافسه ‏ٌمكنه تحمل الثلج صٌفاً‏ وشتاءً‏ وهكذا أصبح<br />

تبرٌده فً‏ الصٌؾ لٌس خرلاً‏ للماعدة،‏ وصار بإمكان الفرنسٌٌّن<br />

أن ‏ٌفاخروا بمدرتهم على المنافسة أمام الكثٌر من المشروبات<br />

الروحٌّة األجنبٌة التً‏ ‏ٌمكن تبرٌدها مثل البٌرة البلجٌكٌة<br />

والتشٌكٌّة واأللمانٌّة المبرّ‏ دة.‏ لكن هذا الصراع ال ‏ٌعنً‏ أن<br />

معظم المتابعٌن ‏ٌرون فرلاً‏ تكنولوجٌّا بٌن أمرٌكا وفرسا لصالح<br />

األمرٌكٌٌّن.‏ أمّا الفرق الحضاري فبل تزال تمتلكه بارٌس<br />

وأوروبّا إجماالً.‏<br />

إنن دون شن تمتلن ناصٌة الكبلم.‏<br />

دعنً‏ أعترؾ ‏ٌا خال أنً‏ كنتُ‏ محاطاً‏ بكثٌر من المببلت فً‏<br />

طفولتً،‏ وبكثٌر من الدؾء اإلنسانً‏ الذي أضعفنً‏ أمام<br />

المصاعب،‏ وٌمكن أن ‏ٌكون لد لوى عنمً‏ وأصبحتُ‏ أكثر لابلٌّة<br />

لئلخضاع،‏ وربّما صرت أخشى تبادل الصدالة مع الزمن،‏ كما<br />

أنً‏ لم أعد أجد أحداً‏ ‏ٌؤبه فً‏ العمك ألي شًء،‏ وأن اإلنسان<br />

الذي عرفته أٌام شبابً‏ تؽٌّر ولم ‏ٌعد نمٌاً‏ كما كان،‏ فتضخّمت<br />

أنانٌّته وؼلُظت ولاحته،‏ وبدا أكثر خشونة فً‏ التعامل،‏ فكان ال<br />

بدّ‏ من الدفاع عن نفسً‏ فً‏ وجه هذه الشراسة الزاحفة فازدد ‏ُت<br />

ٔٙ9


مٌبلً‏ للتمسّن بخصوصٌّتً،‏ وبدأتُ‏ عبللة حب مع الجدران التً‏<br />

تحٌط بً.‏ هكذا وجدتُ‏ أن االبتعاد عن اآلخرٌن ما أمكن<br />

سٌكون أفضل.‏ تستطٌع المول أٌّها الخال العزٌز:‏ إنً‏ ؼرٌب<br />

األطوار أعٌش وحٌداً‏ وفوجبتُ‏ أنً‏ أتمتّع بذلن.‏ كما صارت<br />

الموسٌمى وهً‏ تسري فً‏ دمابً‏ تشعرنً‏ بؤن علًّ‏ إطفاء<br />

الضوء إذ إنه ‏ٌزعج الرب وهو ‏ٌؤمل أن ‏ٌسمع معن ‏"لٌست"‏<br />

‏ٌعزؾ ‏"لفاؼنر"‏ أنا محبوب بٌن أصدلابً.‏ لكن فً‏ كثٌر من<br />

األحٌان أسعى للهرب من هذا الحب الذي لم ‏ٌعطنً‏ ‏ٌوماً‏<br />

االطمبنان.‏ أنا أعرؾ أن المشكلة الحمٌمٌّة تكمن فً‏ داخلً،‏<br />

ولست متؤكّدا أن الطب النفسً‏ بإمكانٌاته الحمٌمٌّة لادراً‏ على<br />

انتزاعها من لاع أعمالً.‏ أنا كما أبدو رجل بسٌط.‏ لكنً‏ أعانً‏<br />

من تعمٌدات تخشى أن تحاول فكها.‏ أعتمد أن الزواج بؤنثى<br />

ؼرٌبة عن هذا المحٌط،‏ متفهّمة وال تختبا وراء اللإم،‏ لد<br />

‏ٌختصر الطرٌك إلى إعادتً‏ إلى مواجهة نفسً‏ والصلح معها.‏<br />

هذا ال ‏ٌعنً‏ أنً‏ سؤرى نفسً‏ مختلفاً‏ ولكنن سترى حتماً‏ أنً‏ لم<br />

أعد كما كنت.‏ أنا أعرؾ الكثٌر عن عمك المشكلة،‏ وكم هً‏<br />

بالؽة التعمٌد وتمتضً‏ صبراً‏ طوٌبلً‏ لٌس من السهل احتماله،‏<br />

أعتمد أن ما من طبٌب سٌمبل الدخول فً‏ هذه المؽارة الصعبة<br />

المسالن،‏ والتً‏ لد ال تخلو من المفاجآت التً‏ لد تكون خطٌرة.‏<br />

لن ‏ٌجدوا فٌن شٌباً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ فؽرابة األطوار ورابحة الجنون<br />

التً‏ تنبعث منن ربّما ‏ٌستطٌعان معاً‏ أن ‏ٌتحمّبل جنوناً‏ حمٌمٌّاً‏<br />

فاعبلً‏ ‏ٌؽرلهما سوٌّة حٌث هو ؼارق متمتّعاً‏ أو مزمجراً.‏ لكنن<br />

‏ٌا زٌاد ارتكبت خطؤً‏ فادحاً‏ بعدم شرح األمر لها كما تراه حمٌمٌة<br />

فً‏ المشرحة حٌث تكون الحمابك مفروشة على الطاولة،‏ ولكن<br />

كصدٌك ولٌس كؽرٌم.‏<br />

ٔ7ٓ


ماذا ستؤكل ‏ٌا<br />

خالً؟!‏<br />

للٌبلً‏ من ‏"الكباب"‏ مع البصل المشوي.‏<br />

حسناً،‏ سؤطلب ما ‏ٌكفً.‏ أعتمد أنهم عرٌمون فً‏ تمدٌمه هنا<br />

وٌفعلون ذلن بحرفٌّة مدهشة بادٌة على وجوههم.‏ إنً‏ مطمب ‏ّن<br />

اآلن أننً‏ سؤستسلم للنوم فور وصولً‏ إلى البٌت.‏<br />

هذا طبٌعً،‏ ال تنسى أن السفر مرهك حتّى لؤلطفال.‏<br />

متى سترى أمً‏ مرّ‏ ة ثانٌة؟!‏<br />

أعتمد أنً‏ سؤفعل ذلن بعد ؼدٍ.‏<br />

شكراً‏ ‏ٌا خالً.‏ هل تواجه زحمة فً‏ العمل؟!‏<br />

أعتمد أن النُعاس<br />

الحمٌمً‏<br />

بدأ ‏ٌهاجم السوق.‏<br />

حسناً،‏ دعنا نذهب سوٌّة إلى بٌروت فمد نكون نحن االثنٌن<br />

بحاجة إلى ذلن دون أن ندري.‏<br />

أنت بارع ‏ٌا زٌاد فً‏ عرض ما ترٌد.‏<br />

لد ‏ٌكون هذا صحٌحاً؟ إذ إنً‏ أكون مع اآلخر هادباً‏ واملن ك ‏ّل<br />

لواي.‏ أما عندما أكون مع أمً‏ أعود طفبلً‏ ‏ٌنظر إلى أمه من<br />

األسفل إلى األعلى.‏<br />

ٔ7ٔ


ضحن الخال ولال حسناً:‏ سؤذهب معن إلى بٌروت ولكن لن<br />

نؽٌب سوى ‏ٌومٌن.‏ كما ‏ٌمكن التساهل بٌوم آخر.‏<br />

سنتحرن ؼدا فً‏ الثامنة والنصؾ صباحاً.‏ هل ‏ٌزعجن هذا<br />

التولٌت؟!‏<br />

ال أبداً.‏ لمد تعودت االلتجاء إلى الفراش لبل منتصؾ اللٌل،‏<br />

وأكون فً‏ طرٌمً‏ إلى السوق فً‏ السابعة صباحاً.‏ لم أعد استمل<br />

السٌّارة فً‏ الصباح.‏ إذ إنً‏ أعتبر الذهاب إلى العمل والعودة<br />

منه رٌاضة ضرورٌّة،‏ صرت أشعر بؤنها تُعطٌنً‏ طالة جدٌدة<br />

لبمٌّة الٌوم.‏<br />

كان صباح الٌوم التالً‏ صافٌا مثٌراً‏ للحماسة والشهٌّة.‏<br />

اختار الخال أن ‏ٌجلس وحٌداً‏ فً‏ الخلؾ كً‏ ‏ٌتمكّن بٌن الحٌن<br />

واآلخر أن ‏ٌرٌح سالٌه.‏<br />

بادرتُ‏ خالً‏ بالمول:‏ ألم تبلحظ الطرٌمة االنسٌابٌّة التً‏ ‏ٌمود<br />

بها دمحم السٌارة كؤنه ‏ٌرالصها ‏"السلو فالس"‏ إنه ‏ٌرلص مثلً‏<br />

فً‏ داخله ثمَّ‏ ‏ٌنتمل إلى ‏"الفالس األمبراطوري"‏ دون أن ‏ٌعرؾ<br />

شٌباً‏ عن الرلص.‏ إنه ‏ٌتجاوزنً‏ فٌتابع الرلص مع السٌّارة كما<br />

‏ٌهوى وتهوى.‏<br />

‏ٌبدو أنن تنسى ذنوبن بسهولة،‏ فؽاب عنن أنً‏ لستُ‏ معتاداً‏<br />

على طرٌمة العزٌز دمحم فً‏ المٌادة.‏<br />

ٔ7ٕ


هذا صحٌح أٌها الخال الحبٌب.‏ لكنً‏ أعرؾ أٌضاً‏ أن هذه<br />

الذنوب رؼم كثرتها ال تصل إلى مستوى الخطاٌا.‏ الرب ‏ٌعرؾ<br />

ذلن ألنه ‏ٌحب أن ‏ٌرانً‏ طفبلً‏ فً‏ داخلً.‏ بدأتُ‏ أصدق األمر ‏ٌا<br />

خالً‏ وأتمتّع به.‏ لكن ما لم أؼفره لنفسً‏ ‏ٌوماً‏ هو الجرم الذي<br />

ارتكبته بحمّن دون أن أجد ما ‏ٌبرّ‏ ر تصرفاتً‏ الرعناء.‏ حاول<br />

خالً‏ مماطعتً‏ لكن بحركة من ‏ٌدي أعلنتُ‏ رفضً‏ لؤلمر<br />

وتابعتُ‏ لاببلً:‏ كان مرض أمً‏ المفاجا والعرضً‏ الحمد هلل،‏<br />

جزءاً‏ من خطّة هللا لؽفران كل ما فعلته طفولتً،‏ وألجتاز سن<br />

األربعٌن وأنا رجل مسإول كبالً‏ الرجال،‏ وربما هو من أوحى<br />

إلً‏ بؤن ألبل ‏ٌدن طالبا ؼفرانن.‏ لمد تعلّمتُ‏ الكثٌر ببضع<br />

ساعات،‏ وأنا أحسدن ‏ٌا خالً‏ الحبٌب ألن من ‏ٌستطٌع أن ‏ٌؽفر<br />

خطٌبة ارتكبت بحمه عن سابك تصور وتصمٌم وبدون أي<br />

مبرّ‏ ر ‏ٌكون شخصاً‏ عظٌماً‏ ‏ٌحك له التمتع بهذا االختبار.‏ أكرر<br />

إنً‏ أحسدن أٌها الخال الحبٌب.‏<br />

أجهش الخال بالبكاء،‏ وٌبدو أنه كان بحاجة إلى ذلن.‏ إذ إنه لم<br />

‏ٌتولؾ إالّ‏ عندما أشرتُ‏ إلى دمحم أن ‏ٌولؾ السٌّارة إلى جانب<br />

الطرٌك.‏ سارعتُ‏ إلى سُإاله:‏ إن كان ‏ٌملن بعض ‏"السجابر"،‏<br />

فمدم إلًّ‏ علبته ولال:‏ لم أشرب منها إال واحدة أمس لٌبلً.‏ إذ إنً‏<br />

ال أُعتبر من المدخّنٌن.‏<br />

إنً‏ أعرؾ ذلن،‏ ولكن من ‏ٌدري فمد ‏ٌصبح المرء بٌن لٌلة<br />

وأخرى من المُدخّنٌن الكبار.‏ أنا أعتذر على كلّ‏ حال من الخال<br />

ومنن ألنً‏ تناولتُ‏ موضوعاً‏ عابلٌاً‏ حسّاساً‏ جداً،‏ لم ‏ٌكن علًّ‏<br />

الخوض فً‏ متاهاته،‏ فً‏ الولت نفسه الذي نمضً‏ فٌه فً‏ رحلة<br />

استجمام.‏ هٌا ‏ٌا دمحم تابع طرٌمن وخذ هذٌن العجوزٌن وأرٌهم<br />

ٔ7ٖ


صندوق الفرجة،‏ والمرد الصؽٌر الذي ‏ٌتنمّل بٌن كتفً‏ صاحبه.‏<br />

حاول دمحم أن ‏ٌدٌر وجهه لٌخفً‏ دموعه التً‏ ال أظنّ‏ أن لها<br />

عبللة لها بشكل مباشر بالحدٌث الذي كان ‏ٌدور.‏ إذ إنً‏ لم أجد<br />

بعد الولت الكافً‏ لبلنتباه إلى عواطفه التً‏ لم ‏ٌعد ‏ٌسعها<br />

صدره،‏ ولم ‏ٌجد لها مكاناً‏ تسكن إلٌه فً‏ خضم تلن الفوضى<br />

العاطفٌة المتصارعة حباً‏ فً‏ تلن العابلة التً‏ انتمى إلٌها حدٌثاً،‏<br />

ولم ‏ٌدرن عمك ما ‏ٌجري فٌها من تجاذبات،‏ ورؼم كلّ‏ ذلن<br />

ؼرق فً‏ عشمها دون أن ‏ٌبدر منه صراخاً‏ عالٌاً‏ طالباً‏ النجدة<br />

وإنماذه من الؽرق.‏ أدرن ‏"زٌاد"‏ إن ما ‏ٌحدث لٌس علٌه أن<br />

‏ٌستمر،‏ ففجؤة انتمل دمحم من الشعور بؤن أحداً‏ ‏ٌحبه فرأى نفسه<br />

‏ٌسمط بالمظلّة فً‏ صحراء لٌس فٌها حٌاة.‏ كؤنها أرض تركها<br />

هللا لتٌبس وٌلبسها ظل الموت.‏ مدَّ‏ ‏"زٌاد"‏ ‏ٌده ولعب بفروة رأس<br />

دمحم تحبباً‏ ثم دلّن له عنمه من الخلؾ،‏ فشعر دمحم بؤنه ال ‏ٌزال<br />

‏ٌحظى بمحبة معلّمه وعناٌته.‏ سعى زٌاد طوٌبلً‏ وراء شاب<br />

بهًَّ‏ الطلعة نظٌفاً‏ كً‏ ‏ٌكون مساعداً‏ له فً‏ حٌاته.‏ كان ‏ٌفكر<br />

بطرٌمة تزوٌجه بشرط أن ‏ٌحظى كلّ‏ الموضوع برضى دمحم<br />

ولبوله باألمر دون أن ‏ٌضع فً‏ اعتباره أن معلّمه أٌضاً‏ راضٌاً‏<br />

عن كل ما ‏ٌجري.‏ هنا كانت المعضلة التً‏ تإرّ‏ ق زٌاد فلم ‏ٌكن<br />

‏ٌرٌد لرأٌه أن ‏ٌكون مإّثراً‏ سلباً‏ أو إٌجاباً.‏ لم ‏ٌنتبه أحد على ما<br />

‏ٌبدو إلى ممدار الذكاء الذي ‏ٌملكه دمحم ورهافة مشاعره.‏ كان هو<br />

أٌضاً‏ ‏ٌبحث عن عمل مثل زٌاد،‏ ‏ٌمكنه ‏ٌوماً‏ أن ‏ٌصارحه وٌمول<br />

لن أنت أخً‏ الكبٌر،‏ وسؤلاتل لمنعن من الهرب من مسإولٌّاتن<br />

أنا أحتاج إلى عواطفن ولٌس إلى مالن.‏ إن كنت ترفض ما<br />

أبؽً‏ الوصول إلٌه فمل لً‏ وسؤترن عرسً‏ الحمٌمً‏ وأهاجر<br />

إلى بلد آخر ‏ٌتكلّم لؽة أخرى.‏ كنت صادلاً‏ معن دابماً‏ وسؤبمى<br />

كذلن حتى الموت.‏ ثم لماذا أتزوج اآلن؟!‏ لمَ‏ ألبر حٌاتً‏ وأنا فً‏<br />

ٔ7ٗ


اٌ‏<br />

هذا العمر الصؽٌر؟!‏ واألهم من كلّ‏ ذلن هو إنً‏ ال أعرؾ إن<br />

كنتُ‏ أرٌد أن أتزوّ‏ ج أم ال ألٌست هذه حٌاتً.‏ كان هذا حواراً‏<br />

سابماً‏ بٌن المعلّم ومساعده.‏<br />

الخال،‏ رفع صوته لاببلً:‏ ها نحن ندخل بٌروت ما هً‏<br />

مخطّطاتن ‏ٌا زٌاد.‏<br />

سٌاخذنا الحبٌب دمحم إلى ‏"الروشه"‏ حٌث سنشرب العرق مع<br />

الفطور كما شربتً‏ الشامبانٌا مع أمً‏ على الفطور أٌضاً.‏ لكن<br />

ذلن الذي كان على شرفة ؼرفتً‏ بدأ فً‏ الثامنة صباحاً.‏ ثم<br />

سنتؽدّى سمكة كبٌرة طرٌّة ‏ٌسمونها فً‏ البلذلٌّة ‏"لمّس"‏<br />

إن خولة عندما تمول إنن ماكر كبٌر،‏ فؤنا أمٌل إلى تؤٌٌدها.‏<br />

أنا ال أنكر ذلن.‏ لكن تصرفً‏ الٌوم لٌس فٌه مكر على<br />

اإلطبلق.‏ خالً‏ أنا الداعً‏ ومن حمً‏ أن أهٌّا األمر على<br />

طرٌمتً.‏<br />

أفحمتنً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ ولكنً‏ سررت باعترافن أنن ماكر كبٌر.‏<br />

أولؾ دمحم السٌّارة ولال ها لد وصلنا إلى تلن الصخرة<br />

المشهورة.‏ أٌن ترٌد الجلوس ‏ٌا دكتورنا الحبٌب ؟!‏<br />

إنن تفاجإنً‏<br />

وانتهى األمر<br />

‏ٌا دمحم.‏ لكن المسإول عن المكان هو الذي اختار<br />

ٔ7٘


أعتمد أن المسإول عن المكان هو الذي أختار وانتهى األمر.‏<br />

أظن أن ذلن المكان الذي بجانب البحر،‏ مهٌؤ على ما ‏ٌبدو<br />

للبدء بالطعام فور جهوزه.‏ ‏"المٌتر"‏ وصل معتذراً‏ عن تمصٌره<br />

فً‏ إعداد كلّ‏ شًء فً‏ الولت المحدد،‏ ثمَّ‏ التفت نحو الجمٌع<br />

مسلّماً‏ مرحّباً‏ ولال:‏ أنا ال أذٌع سراً‏ إن للتُ‏ إن الدكتور ؼنًّ‏<br />

عن التعرٌؾ والمدٌح،‏ فهو معروؾ فً‏ لبنان وٌعتبره وطنه<br />

الثانً.‏ كما أنه شرفنا ولَبِل مع طبٌب صدٌك له أن ‏ٌكونا شركاء<br />

فً‏ استثمار هذا المطعم الرابع،‏ سٌكونان دابماً‏ ضماناً‏ على<br />

حسن إدارتنا للمطعم.‏ جلس الخال،‏ لكن الدكتور زٌاد كان<br />

منشؽبلً‏ على ما ‏ٌبدو بالحدٌث مع ‏"المٌتر"‏ وإلى جانبه كان دمحم<br />

مساعده مُطؤطباً‏ الرأ ‏َس خجبلً.‏ ال أحداً‏ عرؾ فحوى الحدٌث<br />

الذي جرى،‏ وال سبب خجل دمحم.‏ ما هً‏ سوى لحظات حتّى<br />

اكتملت الجلسة وكان أول المتكلمٌن الخال العزٌز إذ لال:‏ ‏ٌبدو<br />

أن هذا المطعم أعاد تجدٌد نفسه كلٌّاً‏ واصبح جمٌبلً‏ مشهّ‏ ‏ٌِاً.‏ لمد<br />

ذلتُ‏ بعض الحمّص المدلوق فكان رابعاً.‏ هل نصفك ألحد<br />

الشركاء؟!‏ لم ‏ٌنتظر الخال أن ‏ٌساٌره أحد فبادر بفعل ما أراد<br />

وتبعه دمحم.‏ زٌاد لم ‏ٌمل شٌباً‏ بل بدا مبتسماً‏ ولال:‏ ماذا ستشرب<br />

‏ٌا خالً.‏<br />

سؤشرب العرق دون شن.‏<br />

هل ستشرب البٌرة ‏ٌا دمحم؟!‏<br />

ٔ7ٙ


ال ‏ٌا سٌدي سؤبدأ بتعلم شرب العرق بوساطتكما،‏ أنتما خٌر<br />

من ‏ٌعلّمنً‏ ذلن،‏ إن الدكتور ‏ٌؤخذنً‏ معه دابماً،‏ وال بؤس إن<br />

شربتُ‏ كؤساً‏ واحدة فً‏ أٌّة جلسة أكون.‏<br />

لال الخال:‏ حسناً‏ تفعل ‏ٌا دمحم،‏ الجمٌع فً‏ البٌت ‏ٌحبن<br />

وٌحترمن وابن أختً‏ زٌاد لام باختٌار األفضل كما ‏ٌفعل دابماً.‏<br />

فً‏ الولت الذي كان الخال ‏ٌتكلّم،‏ كان زٌاد ‏ٌهٌا كؤًساً‏ معتدالً‏<br />

من العرق.‏ ولال مبتسماً:‏ لل لً‏ ‏ٌا دمحم على من كنت تتمرد<br />

عند اختٌارن لشرب العرق بهذا التصمٌم؟!‏ هزّ‏ دمحم رأسه ولال<br />

بهدوء:‏ على العادات السخٌفة ‏ٌا سٌّدي.‏ إذ ال سمح هللا،‏ إذاً‏ ل ‏َم<br />

أمنع من شرب العرق،‏ لمَ‏ ال أفعل طالما أن ألملٌل منه لد<br />

‏ٌخرجنً‏ من الكآبة وٌضعنً‏ وسط البهجة التً‏ لم أمارسها كما<br />

تمارسونها.‏ بحٌث ‏ٌبمى األدب سابداً،‏ وال نسبّب أيّ‏ إزعاج<br />

للناس الذٌن حولنا وٌبؽون إٌجاد الراحة بعٌداً‏ عن المدٌنة<br />

المكتظّة.‏<br />

زٌاد.‏ ماذا ‏ٌحصل ‏ٌا دمحم؟!‏ ها أنت تكاد أن تتفوّ‏ ق علًّ‏ بحسن<br />

انتمابن للكلمات.‏ مرحى لن،‏ لل لً‏ ماذا تفعل عندما ال أكون<br />

بحاجة إلٌن؟!‏<br />

أؼرق فً‏ الضجر ‏ٌا<br />

مرتٌن.‏<br />

سٌّدي.‏ لمد لرأتُ‏ ‏"األخوة األعداء"‏<br />

لمَ‏ لم تطلب ؼٌره؟!‏<br />

لم تُعلّمنً‏ بعد على عدم الخجل.‏<br />

ٔ77


ضحن الجمٌع واسترسلوا فً‏ ذلن طوٌبلً‏<br />

ما رأٌن أن تدرس التارٌخ والكومٌوتر فً‏ الجامعة اللبنانٌّة.‏<br />

نِعم االلتراح ‏ٌا<br />

سٌّدي.‏<br />

سنباشر ؼداً‏ صباحاً‏ لبل أن ‏ٌستفٌك الخال.‏ ما رأٌن أٌها<br />

الخال؟<br />

إنن تدهشنً‏ ‏ٌا زٌاد؟!‏<br />

لماذا أال تسري فً‏ شراٌٌنً‏ دماء جدي ‏"علً‏ فركوح"‏ ؟!‏<br />

‏ٌا حبذا ‏ٌا زٌاد لو تعطً‏ الملٌل من ولتن وتجمع كلّ‏ ما كتبه<br />

وتعٌد طبعه وتهدٌه إلى جامعة دمشك.‏<br />

دمحم:‏ أال تصلح جامعة تشرٌن لذلن.‏<br />

بصراحة ‏ٌا أخ دمحم إن جامعة دمشك هً‏ األفضل واأللدم<br />

خبرة وتملن كلّ‏ ما ‏ٌلزم من الخبراء العاشمٌن للكتب ومتابعة<br />

العناٌة بها.‏ دون أن ‏ٌكون المرء عاشماً‏ لمهنته لن ‏ٌمتلن السعً‏<br />

إلى األفضل ذلن البرٌك العجٌب.‏ العشك هو الذي ‏ٌفعل ذلن.‏<br />

أعتمد أنن تستطٌع أن تفهم ما ألول من عشمن لزٌاد.‏<br />

لن أرتبن ‏ٌا أٌّها الخال نعم أنا محظوظ بسٌّدي وال أحد لو كان<br />

محلً‏ إال وستفاجبه الظروؾ وترؼمه على عشك معلمه وهو<br />

ٔ78


‏ٌمضػ الطعام أو لبل أن ‏ٌؽفو على وسادته.‏ وهنان الكثٌر من<br />

األشٌاء األخرى.‏ الحظ أٌها الخال وانظر إلى معلّمً،‏ فخجله<br />

‏ٌكاد أن ‏ٌتمنّى االّ‏ ‏ٌكون حاضراً‏ فً‏ هذه الجلسة.‏ إنً‏ آسؾ وأنا<br />

لن أعود لتردٌد تلن الكلمة التً‏ ال ‏ٌُحبها،‏ ولكن صدلونً‏ فهً‏<br />

الوحٌدة التً‏ تستطٌع التعبٌر عمّا ‏ٌجتلج فً‏ أعمالً.‏<br />

صفك الخال لوحده ألل من دلٌمة،‏ بٌنما كانت الدموع تسرح<br />

على وجنتٌه وتنحدر هنا وهنان.‏ ثمَّ‏ بصوت متعب لال:‏ بورن<br />

فٌن ‏ٌا دمحم،‏ أرجون رافمه كل حٌاته ‏ٌا أٌها العزٌز على للوبنا<br />

كلّنا،‏ فلن ‏ٌخلص له أحد ؼٌرن.‏<br />

أرجو أن تمول للجمٌع أن ‏ٌطمبنوا،‏ فؤنا لن أكون استحوازٌاً.‏<br />

إذ إنً‏ سؤكتفً‏ بؤن أجلس بعٌداً‏ وأشاهده ‏ٌرلص التانجو كرالص<br />

حمٌمً.‏ زٌاد ضحن أو بكى ال أحد ‏ٌعرؾ.‏ لكن باعتباري أنا<br />

هو نفسه الذي ‏ٌكتب ألول:‏ إنً‏ كنت أضحن وأبكً‏ فً‏ الولت<br />

نفسه.‏ هٌا لنمم فالخال علٌه أن ‏ٌرتاح للٌبلً‏ لبل أن ‏ٌحل اللٌل.‏<br />

عندما اطمؤننتُ‏ على الجمٌع،‏ دخلت ؼرفتً‏ وارتدٌت لباس<br />

النوم وحاولت إنهاء كتابة ما كان محشوراً‏ فً‏ ذهنً،‏ ووضعته<br />

على الورق بؽٌة عدم ضٌاعه فً‏ ؼٌاهب النسٌان.‏ عندما<br />

انتهٌت من ذلن الحظت أن ‏"سٌلفادور دالً"‏ ‏ٌبتسم لً‏ ابتسامة<br />

عرٌضة من خبلل صورته المعلّمة على الجدار أمامً.‏ كنتُ‏<br />

أفكر بؤمً‏ وبالمرأة بشكل عام.‏ رؼم ذلن ابتسمتُ‏ أٌضاً‏ ابتسامة<br />

خفٌفة.‏ لكنً‏ عدتُ‏ إلى التطلع إلى وجهه،‏ فكان ما زال ‏ٌبتسم.‏<br />

ابتدأ ‏ٌدخل إلًّ‏ بعض الخوؾ،‏ إذ إن الحدٌث عن جنونه كثر فً‏<br />

المدّة األخٌرة،‏ لكن مع ذلن أخذتُ‏ ألاوم ما ‏ٌجري فً‏ داخلً‏<br />

ٔ79


وأفكر بالفنّان الكبٌر الذي حٌّر عصره وجعل الكثٌرٌن<br />

‏ٌتساءلون:‏ هل دخل ذلن الرسّام ‏"السورٌالً"‏ الشهٌر إلى<br />

الجنون وعاش فً‏ تلن البٌبة،‏ التً‏ ترى األشٌاء من منظار<br />

مختلؾ،‏ وتتلمى إٌحاءات مختلفة.‏ ترى هل من هنان كان ‏ٌستمدّ‏<br />

إلهامه وؼراببه،‏ أم إنه ال ‏ٌكتفً‏ باألخذ بل ‏ٌخمره بذهنه<br />

وٌتفحّصه وٌمرأ بشكل ‏ٌرفع من شؤن جنونه باحثاً‏ عن جبال<br />

وودٌان وحٌوانات ال توجد فً‏ الطبٌعة،‏ أو على األلل فً‏ أٌامنا<br />

هذه.‏ ترى هل علٌنا أن ننساق وراء ما ‏ٌموله بعض النماد عن<br />

إن ذلن الفنان ‏ٌفتعل الجنون افتعاالً.‏ لٌظهر ؼرابة مظهره<br />

مستعٌناً‏ بالكحل وبمختلؾ األلوان التً‏ تثٌر الناس وتجعلهم<br />

‏ٌعجبون بؤي فنان ؼرٌب األطوار،‏ وما تنتجه عمول المبدعٌن<br />

ممّا ‏ٌذهل من إبداعات ‏ٌعتمد المرء فً‏ النهاٌة أنها تمول شٌباً‏<br />

مختلفاً،‏ ‏ٌمنعن أن اإلبداع ‏ٌمر عن طرٌك الجنون المفروش<br />

بالورود وبالمبّعات المختلفة األلوان والمزٌّنة برٌش ألوانه<br />

صارخة زاعمة.‏ كان علًّ‏ إٌماؾ هذا ‏"المنولوج ‏"الذي بتُّ‏ أشعر<br />

أنه سٌمودنً‏ أنا اآلخر إلى االلتراب من تلن الحافة اللزجة<br />

الخطرة.سمحتُ‏ لنفسً‏ باالتّكاء على ذاتها بحٌث ‏ٌمكنها أن<br />

تكون بعض الولت بعٌدة عن رلابتً،‏ فربّما تكتشؾ شٌباً‏ ‏ٌجعلها<br />

تلتمط طرؾ لصة لد تذهل العالم،‏ لعلَّ‏ األفك ‏ٌفتح كلّ‏ أبوابه<br />

وتظهر ألوانه الصارخة المختلفة التً‏ ال تنتمً‏ لشًء عرفته أو<br />

ألفته ‏ٌوماً.‏ ربّما كان السبب أنن كنت محروماً‏ من األنوار<br />

المبهرة،‏ ومن رإٌة تلن التؽٌٌرات التً‏ لطالما ‏ٌجرٌها هللا على<br />

الكون.‏ إنه المساهم األكبر فً‏ تنمٌة المفاهٌم وتصحٌح التكتٌكات<br />

للوصول إلى إبداعات ال تشبه ما سبمها،‏ وتتخذ من سٌالات<br />

مؽاٌرة طرٌماً‏ إلى األسواق العتٌمة،‏ لترى لطعة بهرتن ودفعت<br />

فٌها ثمناً‏ باهظاً‏ كنت لد أكتشفتها للتو.‏ لم ‏ٌمضِ‏ الكثٌر من<br />

ٔ8ٓ


الولت وأنا وسط التؤمل والصمت حتى خٌّل إلًّ‏ أنً‏ سمع ‏ُت<br />

صوتاً‏ ‏ٌمول:‏ ال تخؾ إنه تراكم اإلربان الذي مؤل حٌاتن<br />

فشوّ‏ شها ولم ‏ٌدعن تشعر بما كان ‏ٌجري حولن.اهدأ فالراعً‏<br />

‏ٌهتم برعٌّته وسٌعطٌن فرصة ثانٌة تكون فٌها ألوى،‏ وٌدعن<br />

تشعر بالسبلم والرٌح الطٌّبة،‏ لعلّهما ‏ٌمنعان مزاجن بالمبول<br />

بؤُبوّ‏ ته والرجوع إلى السكن تحت جناحٌه.‏ ترى هل تعرؾ أمً‏<br />

ما ‏ٌحدث لً؟!‏ أخشى أن تكون عالمة بكل ما ‏ٌجري وخابفة<br />

علً‏ أكثر ممّا أشعر بالخوؾ على نفسً.‏ ترى هل سؤرى<br />

سراجاً‏ فً‏ آخر النفك؟!‏ لم أعد أدري لمَ‏ تركت نفسً‏ وحٌداً؟!‏<br />

لبل أن تتولؾ شكوكً‏ عن النمو،‏ لكن دون وجود فرصة لحسم<br />

األسبلة المطروحة.‏ دعنً‏ أسؤلن هل جاءن مبلن الموت ولال<br />

لن ؼدا أو بعد ؼدٍ‏ ستنتهً‏ حٌاتن هنا ولن تشهد األفك بعد الٌوم.‏<br />

هل تستطٌع اإلجابة على ذلن؟!‏ ستمول لً‏ انتظر فمد تؤتً‏<br />

األجوبة من حٌث ال تدري.‏ دعنً‏ أرجون.‏ ابتعد عنً،‏ إذ ال بدّ‏<br />

لً‏ من فتح ذلن ‏"المونولوج"‏ فربّما أتعثر بشًء جدٌد لم ‏ٌحصل<br />

ألحد من لبل وتكون فٌه كل األسبلة واألجوبة معاً.‏<br />

‏ٌبدو أن الرب تدخّل ورحمنً‏ آخذا إٌّاي إلى جنّة النوم.‏<br />

حرصاً‏ منه على منحً‏ بعض الراحة والسكٌنة،‏ وربّما<br />

االطمبنان أٌضاً.‏ لكن ما خضته كان إؼفاءة لصٌرة عدتُ‏ بعدها<br />

إلى مبلحمة كوابٌسً‏ محاوالً‏ إدران ما وراء ذلن الهجوم<br />

الشرس الؽاضب اللبٌم.‏ ‏ٌبدو أنً‏ استطعت استرجاع حلم تمكّن<br />

أن ‏ٌُبعد نفسه عن كل تلن الكوابٌس اللعٌنة التً‏ كانت تتسابك<br />

كً‏ تضع بصمتها فً‏ هوٌّتً‏ النفسٌّة بعنؾ وفظاظة لم أجد<br />

لهما تبرٌراً.‏ لكن لمّا استعدته تماماً‏ بدا مسالماً‏ وال ‏ٌسعى إلى<br />

إشعاري بالخوؾ وال أن ‏ٌسرق مكانة له فً‏ حٌاتً.‏ دعانً‏<br />

ٔ8ٔ


بابتسامة لطٌفة إلى الجلوس على بساط الرٌح،‏ وطار بً‏ دون<br />

أن أشعر بؤنً‏ أطٌر.‏ ‏ٌبدو أنه كان ‏ٌعرؾ كم عانٌت فً‏ تلن<br />

اللٌلة اللعٌنة،‏ فسارع لٌرٌنً‏ مشهداً‏ ال ‏ٌمكن تولُّعَه،‏ إذ كان ‏ٌمام<br />

عرض"لتراجٌدٌا"‏ ؼرٌبة مبتكرة لم تسبب لً‏ أيَّ‏ إربان،‏ رؼم<br />

أن األصوات كانت تحلّ‏ محلّ‏ الممثلٌن والمشاهد،‏ نملتنً‏ إلى<br />

األفبلم األمرٌكٌّة المدٌمة واألحصنة التً‏ ال سروج لها،‏ معٌدة<br />

إلى أسماعً‏ ذلن الصراخ الؽرٌب الذي كان الهنود ‏ٌفتعلونه<br />

.<br />

كان موعدي مع أحد زمبلبً‏ األطباء الذٌن ‏ٌعملون على<br />

اكتشاؾ جاهلٌّة النفس البشرٌّة وبطء تطوّ‏ رها بحٌث أصبحت<br />

‏"الشٌزوفرِ‏ ‏ٌنٌا"‏ التً‏ تنتجها تواجه صعوبة فً‏ التخلًّ‏ عن<br />

الموروث واالنطبلق متحررة من الكوابح التً‏ ورثتها األجٌال<br />

المتعالبة.‏ لكن أسبلة كثٌرة ال بدّ‏ أن تطرح فً‏ هذه المرحلة،‏<br />

ومنها،‏ ترى من هو المتؤكد أنه ‏ٌُمكنه أن ‏ٌضمن العودة إلى ما<br />

كان علٌه إذا تعذّر علٌه السٌر فً‏ طرٌك ال ‏ٌعرؾ عنها شٌباً‏<br />

وال تشبه أيّ‏ طرٌك آخر كان ‏ٌعرفه.‏ ثمَّ‏ من ‏ٌدري إن كان<br />

‏ٌستطٌع إعطاء إجابة واضحة أكٌدة أنه كان دابما لادراً‏ على<br />

التملّص من أي مولؾ لد ‏ٌجد نفسه فٌه ولم ‏ٌعرؾ كٌفٌة<br />

استعمال ما ‏ٌملن لٌخطو خطوة واحدة محاوالً‏ العودة إلى تلن<br />

الحالة التً‏ كان فٌها.‏ ثم ماذا لو كان تؤثٌر المخدر لمّا ‏ٌزل بالٌاً،‏<br />

لكنه فمد تؤثٌره المباشر ألن ‏ٌطؽى علٌن االرتبان وٌتعذر علٌن<br />

االختٌار؟!‏ كً‏ أنهً‏ هذا الممطع علً‏ االعتراؾ أنً‏ أملن<br />

طبٌعة تخشى التؽٌٌر واالنفكان عن الجذور،‏ ورؼم ذلن عُدِدتُ‏<br />

معاشراً‏ للجنون منذ صباي،‏ وما رفضً‏ الفتتاح عٌادة إالّ‏ منعاً‏<br />

لتطوّ‏ ر هذ األمر ورفضاً‏ النفكاكً‏ فً‏ مرحلة ما عن جذوري.‏<br />

ٔ8ٕ


كانت األٌام التً‏ لضٌناها فً‏ بٌروت عودة إلى االصطفاؾ<br />

مع عابلتً‏ واسترجاعاً‏ لعبللات طبٌعٌّة مع خالً،‏ كما أرسل ‏ْت<br />

االطمبنان إلى للب دمحم مإمناً‏ بؤنه فهم أن سرعة ارتباطه بً‏<br />

أخافنً‏ للٌبلً‏ إذ إن االستعجال فً‏ هذه األمور ال ‏ٌمكن أن ‏ٌكون<br />

صحٌّاً.‏ ختمت ما للته له:‏ بؤنً‏ سؤبمى أعٌش معه كما أفعل<br />

اآلن،‏ ومتى رأى هو أن الولت حان لٌمول لً‏ ما وصل إلٌه<br />

سؤكون جاهزاً‏ لمنالشة األمر بكل ما لدي من حب له.‏<br />

فً‏ طرٌك العودة تؽدٌنا فً‏ ‏"برمّانا"‏ لدى مطعم ‏"منٌر".‏<br />

كانت جلسة شهٌّة منعشة فً‏ هذا الطمس الجمٌل،‏ وكان فٌها ما<br />

لذّ‏ وطاب.‏ أنا لم أعتد على تنوٌع الطعام واإلكثار منه إلظهار<br />

حسن الضٌافة وأحٌاناً‏ الكرم.‏ لكن ما دفعنً‏ حماً‏ إلى بعض البذخ<br />

هو وجود خالً‏ بضٌافتً‏ بعد خصام طوٌل،‏ أنا افتعلته<br />

واستمررت أهرب من تبرٌره بكل الطرق الممكنة والسخٌفة<br />

أحٌاناً.‏ فً‏ الجامعة كنتُ‏ من أوابل المنبرٌن للتصدّي للمنالشة،‏<br />

وفً‏ خارجها كان شؽلً‏ الشاؼل تدبٌر الممالب والفخاخ<br />

لؤلصدلاء،‏ ثمَّ‏ أتدبر أمر رشوتهم بلبالة حتى ال أصبح مكروها<br />

أو طفبلً‏ مزعجاً.‏ لمد بحثتُ‏ عن األسباب التً‏ كانت تمؾ وراء<br />

تصرّ‏ فاتً،‏ فكان منها أنً‏ لم أُلمع عندما كان من الضروري<br />

فِعل ذلن.‏ كما أنً‏ كنتُ‏ فً‏ السنة األولى الجامعٌّة أصؽر<br />

ألرانً‏ على مستوى سورٌا ولبنان كلٌهما.‏ كما أنً‏ أنهٌتُ‏ سنتً‏<br />

األولى معلناً‏ أنً‏ األوّ‏ ل بٌن كل رفالً‏ فً‏ الصؾ.‏ الؽرٌب إنً‏<br />

لم أحظ من أمً‏ وأهلً‏ وألربابً‏ بؤي كلمة تشجٌع،‏ أو أسمع<br />

تصفٌماً‏ فً‏ البٌت تدلٌبلً‏ على أن شٌباً‏ ما حسن لد حصل فً‏<br />

المنزل.‏ صدمنً‏ ما لمسته ولم أجد أحداً‏ أعترض على هذا<br />

اإلهمال.‏ لمد أثار ذلن المولؾ حٌرتً‏ فً‏ البداٌة ثمَّ‏ ؼضبً.‏<br />

ٔ8ٖ


مررتُ‏ من دكان الخٌاط الذي ‏ٌخٌط ثٌابً‏ عادة وطرحتُ‏ علٌه<br />

السبلم فمام من مكانه متثالبلً‏ والدموع تترلرق فً‏ عٌنٌه ولال:‏<br />

لمد أجتزت مرحلة الثانوٌّة وفً‏ الشهر المادم ستدخل مرحلة<br />

الرجولة حٌث ستتخرج طبٌباً‏ تفخر به دمشك كلّها.‏ ال تنس أن<br />

تجلب لً‏ بسرعة المماش البلزم لتدخل الجامعة األ ‏ِمرٌكٌّة بهً‏<br />

الطلعة،‏ وتتركهم ‏ٌتساءلون من هذا األمٌر المادم؟!‏ أنا ال أستطٌع<br />

أن أنسى حنانن علً‏ وعلى عابلتً.‏ فً‏ الٌوم التالً‏ أتٌت إلٌه<br />

حامبلً‏ ألمشة كثٌرة جدٌدة حسب إرادة الوالدة النها تخطط<br />

للتبرّ‏ ع بجمٌع ألبستً‏ الموجودة حالٌاً‏ للفمراء.‏ لكنً‏ فوجبت أنً‏<br />

وجدتُ‏ الدكان كان مؽلماً.‏ بادرت إلى سإال جاره الذي نموم<br />

بكًّ‏ ِ الثٌاب عنده وسؤلته مستؽرباً‏ عن الخٌّاط إن كان مسافراً‏ أو<br />

مرٌضاً؟!‏<br />

ال،‏ المسكٌن توفًّ‏ أمس لٌبلً.‏ ووري الثرى منذ بعض الولت.‏<br />

كان طٌّباً‏ خدوماً‏ ربّى عابلة تخاؾ هللا.‏ كان كل ذلن صحٌحاً‏<br />

حتى أنً‏ لفلت راجعاً‏ ودموعً‏ تنهمر بشدة.‏ عندما فتحت<br />

فاطمتنا الباب اندهشت.‏ لما فهمت ماذا حدث انهمرت دموعها،‏<br />

وأوصتنً‏ أمً‏ بإلحاح أالّ‏ أنسى بالمٌام بواجب التعزٌة مساء<br />

الٌوم نفسه.‏<br />

ٖٔ<br />

منذ زمن طوٌل وطرٌك العودة من السفر،‏ مهما كان لصٌراً‏<br />

أخصّصه للتؤمل،‏ وها أنا أعود إلى ما كنت علٌه دابماً،‏ مضٌفاً‏<br />

إلٌه رؼبتً‏ فً‏ الؽناء الذي لم أجرّ‏ به ‏ٌوماً.‏ تساءلت من أٌن أتى<br />

هذا الشوق الكبٌر إلخراج صوتً‏ الممًء من حنجرتً،‏ فلو<br />

ٔ8ٗ


كنتُ‏ أملن صوتاً‏ جمٌبلً‏ لكنتُ‏ مؤلتُ‏ به حنجرتً‏ وأطلمته إلى<br />

كلّ‏ مكان منذ طفولتً.‏ أؼلب الظن أنً‏ ال أملن مثل هذا<br />

الصوت،‏ بل كنت ربّما أشعر برؼبة شدٌدة للتعبٌر عن بهجة<br />

كبٌرة تجتاحنً‏ وال أدري لماذا؟!‏ ترى هل ‏ٌكون فرحاً‏ ما زال<br />

‏ٌتكوّ‏ ن وٌرٌد مساعدة ما كً‏ ‏ٌفصح عن نفسه؟!‏ أم إن إضافة<br />

الؽناء إلى الرلص كان فً‏ الوالع تعبٌراً‏ عن شعور بالنمص ال<br />

‏ٌزال ‏ٌحتجّ‏ فً‏ أعمالً‏ آسفاً‏ على إهمالً‏ فناً‏ أساسٌاً‏ من الفنون<br />

التً‏ تتعامل معها كل الشعوب وتمارسها باحترام وتمدٌر.‏ ال<br />

شنَّ‏ أنً‏ عدت من بٌروت متجدّداً‏ متصالحاً‏ مع نفسً.‏ أظن أه<br />

كان ‏ٌصعب نسٌان ذلن االنسجام الحمٌمً‏ الذي شعرت به مع<br />

ذاتً‏ فً‏ الٌومٌن اللذٌن تسلَّبل من حٌاتً،‏ لكن ذكراهما لن<br />

‏ٌمحوهما الزمن.‏ أردنا سوٌّة تحمٌك تلن الرلصة الحلم.‏ لكن<br />

أظن أننا نسٌنا األمر من كثرة االبتهاالت إلى السماء،‏ حتى<br />

وصلنا إلى دمشك فً‏ السابعة مساء،‏ فكان ال بدّ‏ من المرور<br />

إلى بٌت الخال أوّ‏ الً‏ حٌث دعانا بإلحاح إلى الدخول وشرب<br />

المهوة.‏ بدا األمر لطٌفاً‏ جداً،‏ لكنً‏ رجوت السماح لنا بالعودة<br />

إلى البٌت،‏ فسٌكون هذا أفضل للجمٌع،‏ ثمّ‏ ال تنسى أن أمً‏<br />

تنتظر.‏ عندما كنت مع دمحم فً‏ طرٌمنا إلى البٌت المرٌب سمعت<br />

صوت دمحم ‏ٌمول:‏ ألستُ‏ مصٌباً،‏ أن ‏ٌكون بدا لً‏ أن جلّ‏ فرحن<br />

من رحلة بٌروت كان إرضاء خالن ونجاحن فً‏ إلناعه بمحبّتن<br />

الحمٌمٌة له،‏ وكل اللوم ‏ٌمع فً‏ الحمٌمة على االضطرابات التً‏<br />

تبعثرها المراهمة فً‏ كلّ‏ مكان عندما تؽزو جسم اإلنسان<br />

وروحه وتوهِمه أنه أصبح رجبلً‏ ‏ٌحك له المبض على الزمام.‏<br />

أنت رابع ‏ٌا دمحم ولكن إذا أضفت الملٌل من اللوم على لسط<br />

أمً‏ من المسؤلة برمتّها التً‏ كانت تؽٌظ أمً‏ كثٌراً‏ باعتبارها<br />

ٔ8٘


تإمن أنها لطالما كانت تموم بواجباتها خٌر لٌام.‏ وكان تمكّنً‏<br />

من الرد وإعطاء البرهان الدامػ على أن النسٌان المتعمد ألعٌاد<br />

مٌبلدي وكل نجاحاتً،‏ نجح فً‏ إنعاش شكوكً‏ بؤنً‏ لستُ‏<br />

سوى طفل متبنىّ.‏ لمد سرلت من رحمها كلّ‏ ما عندها من ذكاء<br />

وصنعت منه نسخة طبك األصل.‏ وعنما حان خروجً‏ من ذلن<br />

المكان األصٌل كانت النسخة معً‏ وعملتُ‏ على هضمها بتإدة<br />

عندما شارفت على الحادٌة عشرة من عمري.‏<br />

بعد بعض الولت للتُ‏ لدمحم:‏ بدأتُ‏ أللك فلٌس من عادة أمً‏<br />

أن تتؤخر خارج البٌت حتى هذه الساعة،‏ لمد بدأت تتجاوز<br />

الثامنة والنصؾ.‏ أرجون انظر فً‏ المكان الذي تضع فٌه<br />

رسابلها،‏ فهً‏ تتولع أن نصل الٌوم من بٌروت،‏ عندما ‏ٌبدأ اللٌل<br />

فً‏ الهبوط.‏ لم ألبث أن سمعت صوت دمحم أن لال:‏ نعم تمدٌرن<br />

فً‏ محلّه كما هً‏ العادة.‏ لمد وجدتُ‏ رسالة من أمن إلٌن تفضل<br />

ها هً.‏ لمّا لرأت ما جاء فٌها للت لدمحم إنها ستحضر عرساً‏<br />

نسابٌاً‏ صرفاً‏ خالٌاً‏ من الرجال إالّ‏ العرٌس المسكٌن نفسه.‏ أعتمد<br />

أنه سٌبدأ بعد للٌل من الولت،‏ ستتزوّ‏ ج فٌه ابنة ربٌسة االتحاد<br />

النسابً‏ فً‏ البلذلٌة من ابن أحد المسإولٌن الكبار فً‏ دمشك.‏<br />

وأنهت رسالتها لابلة:‏ سؤنتظرن ؼداً‏ فً‏ البلذلٌّة،‏ على العشاء<br />

مع دمحم.‏<br />

لم أر فً‏ بٌتنا مثل هذه المابدة منذ مدة طوٌلة.‏ أعتمد أن أمً‏<br />

احتفلت بعرس أخٌها الكبٌر فً‏ ذلن الولت.‏ لست أدري كم كان<br />

عمري؟!‏ أذكر أنهم تحدثوا عن الصؽٌر بؤنه كان توأم أمً‏ ولم<br />

‏ٌنج من حادث سٌّارة فً‏ الطرٌك بٌن بٌروت والبلذلٌّة.‏<br />

ٔ8ٙ


عندما أنهٌنا العشاء الفخم الذي كان ممتازاً‏ تسوده روح<br />

مرحة خارجة من للب أمً‏ الذي كان ملٌباً‏ على ما ‏ٌبدو بعاطفة<br />

جٌاشة،‏ لم أعهدها ‏ٌوماً‏ أن بإمكانها وضعها على الطاولة<br />

مكشوفة أمام الجمٌع ببل أيّ‏ تحفّظ.‏ لم أستطع إخفاء إلحاح<br />

فضولً،‏ فسؤلتها وأنا أُبدي حٌرتً:‏ ما سبب هذا العشاء الفخم،‏<br />

وتلن المابدة المرصّعة بجواهر التاج البرٌطانً‏ ‏ٌا أمً‏<br />

الحبٌبة؟!‏<br />

لمد خفت أالّ‏ تسؤلنً‏ ولكنً‏ تذكرتُ‏ فضولن الؽرٌب عندما<br />

كنت صؽٌراً.‏ كما أنً‏ ال أذكر من لال لً‏ ‏ٌوماً‏ إلى اعتنً‏ بهذا<br />

الصؽٌر،‏ فسٌخرج منه نابؽة حمٌمً.‏ ترى هل سؤنتظر كثٌراً‏<br />

ألرى ما لاله ذلن الصدٌك؟!‏<br />

للت ضاحكاً‏<br />

فرحاً:‏ ال،ال لن<br />

‏ٌكون هذا بعٌداً‏<br />

كثٌراً.‏<br />

ترى أٌناسبكم أن نتحرّ‏ ن إلى دمشك فً‏ العاشرة والنصؾ؟!‏<br />

إنه تولٌت مرٌح وممتاز ‏ٌا أمً.‏<br />

اسمحوا لً‏ أن استلمً‏ فً‏ فراشً‏ وأُتابع لراءة طرٌمة نزار<br />

لبانً‏ فً‏ رسم المرأة شعراً.‏ بالمناسبة لماذا تبتسم ‏ٌا دمحم؟!‏<br />

أعتذر ‏ٌا سٌّدتً،‏ فؤنا عندما أسمعه ‏ٌمول شعراً‏ عن المرأة<br />

أشعر أن فمه ملٌباً‏ باللعاب،‏ فؤشعر بالؽثٌان.‏<br />

ٔ87


صفمنا لدمحم جمٌعاً‏ ولالت أمً:‏ لم أسمع نمداً‏ لهذا الشاعر كما<br />

سمعت الٌوم.‏ كنتً‏ أظنن خجوالً،‏ ولكن ‏ٌبدو أنن عندما ترٌد،‏<br />

تصبح جرٌباً‏ ممداماً.‏ ال تخش شٌباً‏ طالما أنت ال تُخرج منن إ ‏ّال<br />

مشاعرن الحمٌمٌّة الصادلة،‏ لمد أصبت المرمى تماماً‏ ‏ٌا دمحم.‏ إلى<br />

اللماء ؼدا.‏ لم أشعر بمثل هذا االرتٌاح كما أشعر به اآلن.‏<br />

ترى أٌمكننً‏ أن<br />

أسؤلن سإاالً‏ لبل أن تؽادري إلى ؼرفتن؟!‏<br />

تفضّل ‏ٌا دمحم.‏<br />

أرؼب فً‏ سإالن عن فاطمة وكٌؾ التصمت بهذا البٌت<br />

وصارت ببضع سنوات أنثى مختلفة تماما مصلحتها متداخلة مع<br />

مصلحة هذا البٌت.‏ ولد تخلّت فً‏ سبٌل ذلن عن أمور أساسٌّة<br />

فً‏ حٌاة كلّ‏ إنسان.‏<br />

أخشى أالّ‏ أعطٌن ما ‏ٌروي عطشن.‏ ثك تماماّ‏ أنً‏ سؤنمل إلٌن<br />

جوابها كما لالته تماماً.‏ فاطمة كانت صؽٌرة وكنتُ‏ أوشن على<br />

والدة زٌاد لذلن لم انتبه إلٌها فً‏ تلن الفترة األولى.‏ ثمّ‏ بعد<br />

بعض الولت بدأتُ‏ أرى فً‏ هذه البنت الشدٌدة السمرة مشروع<br />

امرأة حمٌمٌّة فاتنة لكن بعد بضع سنوات كبُرت فجؤة وأصبحت<br />

امرأة حمٌمٌّة مدمّرة،‏ توافد الكثٌرون إلى طلب ‏ٌدها.‏ وكانت<br />

تجٌب أنا امرأة مسلمة وسؤبمى كذلن،‏ ولكن إذا تسنّى لً‏ الزواج<br />

أرٌد إنساناً‏ أجنبٌاً‏ أبٌض مثمفاً.‏ كان ‏ٌخالجنً‏ شعور بؤن فاطمتنا<br />

كانت فً‏ لرارة نفسها تفضل دابماً‏ أن تموت فً‏ هذا البٌت.‏<br />

كان كلّ‏ هذا ‏ٌعنً‏ أن بماءها لربً‏ ولرب زٌاد ‏ٌعنً‏ لها الكثٌر.‏<br />

ٔ88


هذا كان رأٌها مراراً‏ وتكراراً‏ وأمام كل الذٌن طلبوها منً.‏<br />

تصبحوا على خٌر جمٌعاً،‏ وإلى اللماء على الفطور.‏<br />

فً‏ التاسعة صباحاً‏ كنت ألرأ أول صحٌفة تردنا وهً‏ ‏"السفٌر"‏<br />

اللبنانٌّة.‏ رأٌتُ‏ من مولعً‏ فاطمتنا تمرع باب ؼرفة نوم أمً‏<br />

بؽٌة إٌماظها استعدادا للعودة إلى دمشك،‏ ثمَّ‏ رأٌتها تدخل الؽرفة<br />

بعد دلٌمة تمرٌباً،‏ سمعتُ‏ صراخاً‏ صادراً‏ من هنان.‏ لم ‏ُت<br />

بسرعة إلى ؼرفة أمً،‏ حٌث كانت فاطمتنا بحالة ‏ٌرثى لها<br />

وأمً‏ متمدّدة ال تتحرن.‏ وعندما تمدمتُ‏ إلى لربها أدركتُ‏ ما<br />

حدث.‏ ولكنً‏ أسرعتُ‏ باالتصال بالطبٌب،‏ راجٌاً‏ من فاطمتنا<br />

الخروج من الؽرفة،‏ وأردفتُ‏ لاببلً:‏ لمد لضً‏ األمر،‏ فمد رحلت<br />

الوالدة.‏ تماسكً‏ أرجو ‏ِن إذ علٌنِ‏ الكثٌر لتفعلٌه ومن واجبن فً‏<br />

هذه اللحظات الصمود.‏ ‏"ال تنسً‏ أنن المرأة الوحٌدة فً‏ البٌت.‏<br />

سؤترن لخالً‏ أن ‏ٌمرر من ‏ٌتمبل العزاء أوالً.‏ أرجو أن تتفهّمً‏<br />

األمر لتمر هذه األزمة بسبلم وبشكل حضاري.‏ سؤفعل ما ترٌد<br />

‏ٌا زٌاد.‏<br />

بعد للٌل وصل الطبٌب ولرر بعد أن تمعن فً‏ عٌنٌها أن الوفاة<br />

حصلت فً‏ السادسة صباحاً‏ ولال:‏ أؼلب الذٌن ‏ٌشكون من للب<br />

متضخم ‏ٌموتون بهذه الطرٌمة.‏ لن تعزٌتً‏ بوفاة امرأة مختلفة<br />

ناضلت وربحت معركتها الخاصّة.‏ سؤمر ظهراً‏ ومعً‏ التمرٌر.‏<br />

بعد ذهاب الطبٌب انهارت بعض دفاعاتً‏ وانهمرت دموعً‏<br />

مدراراً‏ وبدأتُ‏ أؼٌب عمّا حولً‏ وأعٌش فً‏ داخلً،‏ شاعراً‏ أنً‏<br />

سؤكون ضعٌفاً‏ أمام من سٌتهمنً‏ بؤنً‏ عجّلت فً‏ وفاة أمً.‏<br />

الحمٌمة المرة تمول:‏ إن الحدث األهم فً‏ حٌاتً‏ لم ‏ٌكن فً‏<br />

دمشك إذ إن أمً‏ توفٌت فً‏ البلذلٌّة فجؤة.‏ ؼابت العروس فً‏<br />

ٔ89


أرض إحدى عرابس البحر األبٌض المتوسّط فً‏ لحظة ؼفلتُ‏<br />

فٌها،‏ كؤنها لم ترد أن تودّعنً.‏ أظن أنها كانت تمول لً:‏ إنً‏<br />

أؼادر هذه الدنٌا ؼٌر آسفة على أيّ‏ شًء.‏ أحدث ذلن زلزاالً‏<br />

كبٌراً‏ فً‏ أعمالً.‏ ال أعرؾ كم بمٌت أتنمّلُ‏ بٌن األنماض<br />

والخرابب دون أن أعرؾ ماذا أفعل؟!‏ أو كنت فً‏ الوالع أهٌم<br />

دون أن أعرؾ على أي رمال كنت أسٌر على ؼٌر هدى؟!‏<br />

ترى هل على رمال شاطا ‏"البسٌّط"‏ إذ ال أدري من أٌن كان<br />

‏ٌلفح وجهً‏ رذاذ البحر؟!‏ أم إننً‏ ضعتُ‏ فً‏ صحراء الجزابر<br />

ورأٌت ذلن فً‏ الحلم لمّا لبٌّت دعوة صدٌك من األمازٌػ ‏ٌسكن<br />

فً‏ المدٌنة التً‏ تحمل اسم تلن الصحراء؟!‏ لست أدري تماماً؟!‏<br />

لكن ما أعرفه أنه لد مرّ‏ ولت طوٌل لبل أن أتحرّ‏ ر من ولع<br />

الصدمة التً‏ أعطت لصفعتها صوتاً‏ مدوٌاً.‏ أظن أن علً‏<br />

المضًّ‏ ِ بتسجٌل ما عاٌشته فً‏ تلن اآلونة وبمً‏ فً‏ جعبتً‏ حتى<br />

هذا الولت.‏ أعتمد أنً‏ كنت مصراً‏ على معاشرة تلن الخرابب،‏<br />

التً‏ كانت تفوح منها رابحة العطر الذي كانت تستعمله لبل أن<br />

‏ٌنهً‏ اللٌل انسداله.‏ لمد مؤلنً‏ اعتماد أن أمً‏ توحً‏ إلً‏<br />

بالحضور إلى ذلن المكان لتتكلّم من خبلله.‏ ال أحد ‏ٌدري ما<br />

الجدٌد الذي ‏ٌمكن أن تموله لً،‏ لم أفاجؤ عندما أصبح الحزن<br />

شٌباً‏ أحبه وآن ‏ُس إلٌه.‏ كنت أشعر به لربً‏ دابماً‏ كصدٌك ‏ٌنصت<br />

شاخصاً‏ إلً‏ دون أن ‏ٌعترض على شًء.‏ أدركتُ‏ بعد مدة أن<br />

كلّ‏ األمكنة التً‏ كانت أمً‏ تزورها فً‏ البلذلٌّة وتحب ذكرٌاتها<br />

فً‏ زواٌاها،‏ كان كل ما فٌها ‏ٌظهر حبه لً‏ دون تحفظ.‏ أخذت<br />

مرّ‏ ة عمّاالً‏ إلجراء بعض التصلٌحات فً‏ المنزل الذي ورثته<br />

أمًّ‏ عن أبٌها.‏ كنت لد بدأتُ‏ أشعر بالود واالحترام لهذا الرجل<br />

الذي أظهرته الماهرة كؤحد عظماء العرب فً‏ المرن الماضً.‏<br />

تتدفّك العمال إلى المنزل،‏ ثمَّ‏ وصل الرٌّس.‏ سلّم وجلس لربً‏<br />

ٔ9ٓ


لاببل:‏ اشتمت إلى هذا البٌت من كلّ‏ ها إنً‏ أشم العطر<br />

الذي كانت المرحومة تستعمله ال بد أن نشرب كؤسها أثناء<br />

الؽداء.‏<br />

سنفعل ‏ٌا مصطفى،‏ شكراً‏ لن.‏<br />

ِ للبً‏ .<br />

الشكر لن ‏ٌا سٌّدي.‏ أستطٌع أن أإكّد لن أننً‏ لن أنسى<br />

أفضالها ما حٌٌت.‏ سٌّدي أشعر بؤن من واجبً‏ أن أتكلم ع ‏ّما<br />

فعلته أمن مع عابلتً‏ رافضة أن تسمع منً‏ كلمة شكر واحدة.‏<br />

مرّ‏ ة كنا ندهن بٌت البلذلٌّة فدخلت فجؤة لترى كٌؾ اللون فً‏<br />

نور الصباح.‏ تولؾ العمال عن العمل حٌث كان كل واحد منهم<br />

ضحكت الوالدة طوٌبل.‏ ‏ٌبدو أن المنظر ذكرها بشًء إذ طلبت<br />

من اللذٌن كانا على السبللم أن ‏ٌنزلوا كما فعلت الشًء نفسه مع<br />

الذٌن كانوا ‏ٌفكّون األبوجورات.‏ ولالت ال أستطٌع أن أراكم مرّ‏ ة<br />

ثانٌة معلّمٌن فً‏ األعالً،‏ هذا المنظر لد ‏ٌولعنً‏ على األرض<br />

مؽشٌة علً.‏ ثم انتبهت إلى ابنتً‏ الصؽٌرة الشمراء ولالت:‏<br />

لماذا أنتِ‏ خارج المدرسة؟!‏ فارتبكت الصؽٌرة ولم تجب.‏ التفتت<br />

الوالدة إلًّ‏ ولالت:‏ ‏ٌبدو أنً‏ أحرجت الصؽٌرة هٌا أجبنً‏ أنت.‏<br />

تمدّم مصطفى إلٌها وطلب منها التحرّ‏ ن إلى األمام للٌبلً‏ بحٌث<br />

ال ‏ٌسمع أحد ماذا سٌمول:‏ كان محرجاً‏ هو اآلخر دون أن<br />

‏ٌتحرّ‏ ن من مكانه،‏ أو ‏ٌدري ماذا سٌمول.‏ لم ‏ٌبك أمام أمً‏ إالّ‏ أن<br />

تخفض رأسها وتستدٌر عابدة.‏ دعنً‏ أن ألول ‏ٌا دكتور زٌاد:‏<br />

إن ابنتً‏ توصّلت أن تؤخذ الشهادة الثانوٌة دون أن تكلّفنً‏ لٌرة<br />

واحدة حتى على ثٌابها.‏ اإلنسان ال ‏ٌتحرن من تلماء نفسه لكن<br />

عندما ‏ٌدفعه الخالك إلى عمل ما فإنه ‏ٌستجٌب.‏<br />

ٔ9ٔ


أترٌد من أمً‏ أالّ‏ تستجٌب؟!‏<br />

* * *<br />

إن ما بدأ ‏ٌخٌفنً‏ وٌنؽص علًّ‏ عٌشً،‏ الظهور الواضح<br />

المتزاٌد للذٌن ‏ٌدورون حولً،‏ متجمّعٌن من دمشك وبٌروت<br />

ولبرص.‏ الؽرٌب فً‏ األمر أنً‏ لم أفلح فً‏ إٌماؾ تساإالت<br />

ذهنً‏ المحرجة،‏ الذي ما انفنَّ‏ عن الصراخ فً‏ داخلً‏ ومؤل<br />

أذنًَّ‏ لاببلً:‏ من أٌن لن أن تعرؾ كلّ‏ هإالء الناس؟!‏ ترى<br />

أتتذكّر أسماءهم؟!!‏ فما كان منً‏ إال أن رجوته بالكؾّ‏ عن<br />

أسبلته وتؤجٌلها إلى ولت آخر رأفة بً‏ وبه.‏ أما أنا فلم أر إالّ‏ أن<br />

أهزّ‏ رأسً‏ موافماً‏ مع ابتسامة مرحبة،‏ لكلّ‏ من ‏ٌملكون فٌضاً‏<br />

من النصابح.‏ واالستعداد إلعطابها مجّاناً‏ إلى صدٌك جعلته<br />

الصدمة ‏ٌترنّح وٌسمط فً‏ بحر أضاعه إلى حٌن،‏ فً‏ الولت<br />

نفسه الذي كانت فٌه أمواجه بحاجة ماسة إلى التحرّ‏ ر والدخول<br />

فً‏ أٌة معركة تُشٌر إلى اشتعالها المصادفة،‏ كان الموج على ما<br />

‏ٌبدو ‏ٌشعر بالملل ضَجِ‏ راً‏ من مٌل الناس إلى السبلم بدل<br />

االستعداد للؽزو واحتبلل تلن المساحة الهابلة التً‏ تمخرها<br />

البواخر التجارٌّة المحملة بما ؼبل ثمنه،‏ وٌنتظره السوق بفارغ<br />

الصبر.‏ كان الموج توالاً‏ للسلطة وٌشعر بؤن البحر ‏ٌمبض علٌها<br />

بشكل لٌس بممدور أحد انتزاعها منه.‏ كان تجمع المتمرّ‏ دٌن<br />

‏ٌشعر بؤن الولت ؼٌر مناسب اآلن النتزاع السلطة من بٌن ‏ٌدي<br />

الزعٌم.‏ كانت الحكمة تمضً‏ بتجربة صورة مصؽّرة عن تلن<br />

التً‏ ‏ٌنوي البعض إتمامها عندما ‏ٌتهٌؤ لهم الجو والعدد الكافً‏<br />

للهجوم المفاجا.‏ هكذا بدأت تمثٌلٌّة تجرٌبٌّة لبللتحام والتطوٌك.‏<br />

سارعوا إلى االشتبان فً‏ لتال ضار مع بعضهم بعضاً‏ بعد أن<br />

ٔ9ٕ


تؤكّدوا من نوم المابد.‏ كان صوت المعركة أشدّ‏ لوّ‏ ة ممّا ‏ٌستطٌع<br />

البحر تجاهله،‏ فمد كان تعباً‏ بعد أن كَثُر رعاٌاه وازدادت<br />

طلباتهم وكثر صٌاحهم،‏ فما كان منه إالّ‏ أن أنصت وفهم أن فً‏<br />

األمر خطّة جهنّمٌة لٌد اإلعداد والتدرٌب.‏ لم ‏ٌكن أمامه سوى<br />

أن ‏ٌسارع إلى دقّ‏ نالوس الخطر،‏ صارخاً‏ فً‏ المتماتلٌن وداعٌاً‏<br />

إٌّاهم إلى تؤدٌب المندسٌّن المموّ‏ هٌن الذٌن حاولوا الدخول إلى<br />

فنابه الممدّس خلسة.‏ لكن ملن البحار لم ‏ٌكن نابماً،‏ فصرخ فٌهم<br />

بما ‏ٌستطٌع أن ‏ٌملً‏ على لوّ‏ ته.‏ انصاع الجمٌع أمام هذا الجبار<br />

التً‏ وثمت فٌه السماء.‏ كان الرعب ال ‏ٌزال ‏ٌتملّكهم،‏ ثمَ‏ أدركوا<br />

أنهم مؽفلون.‏ فً‏ ذلن الولت فهموا أن علٌهم إعادة لراءة العهد<br />

المدٌم لٌفهموا أن اللعب كما ‏ٌشتهون،‏ لن ‏ٌتوفّر لهم مكاناً‏ هنان<br />

لفعل ذلن.‏ إن الرب سك له أن أعلن تحرٌماً‏ لبلستخفاؾ من<br />

الدخول إلى فنابه بهذه الخفة والمٌام بؤلعاب ال ‏ٌطٌمها الروح<br />

المدس.‏ إن الذٌن اخترعوا تلن اللعبة الوهمٌّة أدركوا الضبلل<br />

الذي دخلوا فٌه،‏ عرفوا متؤخّرٌن أنهم لم ‏ٌفهموا ‏ٌوماً‏ خطّة هللا<br />

على ما ‏ٌبدو.‏ أما ادعاءهم أنهم ضجروا،‏ فاختاروا التدرّ‏ ب على<br />

المتال لٌبعدوا ذلن الضجر الماتل،‏ دون أن ‏ٌحسبوا حساباً‏ أن هللا<br />

أوكل البحر للمحافظة على فنابه.‏ جاء دور البحر لٌعالج ما<br />

جرى.‏ اختار أن ‏ٌبتسم ابتسامة فٌها الكثٌر من المعانً‏ لاببلً:‏<br />

هٌا ال ولت لدي لسماع مثل هذه الترّ‏ هات.‏ هٌا انطلموا والحموا<br />

المنتهكٌن والمعتدٌن المستمبلٌٌّن واطردوهم دون تلكّإ خارج<br />

مملكتً.‏<br />

كنت الوحٌد الذي أُلمًَ‏ المبض علٌه تابهاً‏ هلعاً‏ بٌن موجة<br />

وأخرى،‏ وأخذونً‏ إلى الكبٌر ؼٌر مكبلٍ،‏ فهم ‏ٌعرفون أنً‏ من<br />

الممربٌن إلى صاحب ذلن الفناء،‏ دون أن ‏ٌدركوا كٌؾ دخلت<br />

ٔ9ٖ


إلٌه خلسة.‏ لمّا مثلتُ‏ أمامه ضمنً‏ إلٌه موشوشاً:‏ دعن من<br />

الركام والخرابب واألطبلل،‏ ال تكن ؼبٌاً،‏ فهً‏ ؼٌر موجودة إالّ‏<br />

فً‏ ذهنن المشوش.‏ ماذا ‏ٌجري فً‏ عملن هل هنان ‏"فٌروس"‏<br />

تخلّؾ عن اللحاق باألعداء؟!‏ لل لً‏ ماذا تفعل هنا،‏ لمَ‏ لم<br />

تخبرنً‏ أنن آتٍ؟!‏ هل تهت فً‏ الصحراء،‏ أم كنت تتجوّ‏ ل بٌن<br />

النجوم؟!‏ ال تدخلنً‏ من جدٌد فً‏ نفك الملك،‏ فمد سبك لً‏ أن<br />

اطمؤننت وصرتَ‏ طبٌباً‏ للهابمٌن داخل ذواتهم.‏ اخرج من<br />

الداخل ودع كلّ‏ من دخل فً‏ طاعتً‏ ‏ٌخضع إلٌن.‏ لكن اعطه<br />

االطمبنان،‏ علٌن المبول بموت أمّن،‏ فهو حك ونجاة.‏ لمد سبمت<br />

الرتابة األبدٌّة التً‏ تبدو علٌها حٌاتً‏ . لكنً‏ راضٍ‏ بما ‏ٌشاء.‏<br />

ربّما أنا أعٌش عماباً‏ دون أن أدري ماذا فعلت؟!‏ لكنً‏ أعرفه<br />

وأدرن أنه ‏ٌرى ما ال أراه،‏ إنه ‏ٌعدّ‏ العدّة لكل شًء دابماً.‏ ال<br />

‏ٌزال صوته هادباً،‏ دون أٌّة نبرة ؼضب أو فرح أو حزن.‏<br />

أعتمد أن اطمبنانه ال تشوبه شاببة.‏ كما أنً‏ متؤكّد أنه سٌبلؽنً‏<br />

بما علً‏ فعله عندما تحٌن الساعة.‏<br />

استفمت بٌن الخرابب محاوالً‏ تذّكر ما حصل فً‏ تلن اللٌلة<br />

الظلماء.‏ لكن التراب أحد من أهم أصدلابً‏ منً،‏ جعلنً‏ أُبعد ما<br />

كنت أفكّر به مولتاً.‏ فوجبت أنه أرانً‏ بطالتٌن للسفر إلى<br />

بارٌس.‏ بعد أن لرأتُ‏ اسمً‏ على األولى،‏ نظرت إلٌه مبهوتاً‏<br />

وللت:‏ أجُننت؟!‏ كٌؾ ستؤخذنً‏ إلى هنان،‏ أنا وكلّ‏ هذا الركام؟!‏<br />

أال تراه حماً؟!‏ هل صرتُ‏ المجنون الوحٌد هنا؟!‏ ماذا سٌفعل لً‏<br />

لوس النصر فً‏ هذه الظروؾ التً‏ ألؾ فٌها على سحابة أشاهد<br />

منها جباالً‏ تتشمّك وتنهدم أمامً‏ مصدرة أصوتاً‏ متبلحمة مرعبة<br />

مخٌفة تشبه ‏ٌوم المٌامة الذي ‏ٌتحدث عنه اإلنجٌل.‏ سؤبوح لن<br />

بسرٍ‏ ‏ٌا عدنان.‏ كنت أحاول جاهداً‏ أن أنؤى بنفسً‏ عن الجنون<br />

ٔ9ٗ


بعد أن تركَتْنً‏ وحٌداً،‏ أعتمد ‏ٌا عدنان أن اإلنسان فً‏ مثل هذا<br />

الٌوم ‏ٌحب أن ‏ٌموت أٌضاً‏ كما حدث لوالدته.‏ ترى ‏ٌا عدنان هل<br />

سؤستعٌد نفسً‏ ربّما ‏ٌكون ذلن عن طرٌك الرب وال شًء ‏ٌمول<br />

لً‏ أنً‏ لد أستعٌدها عن طرٌك نفسً؟!‏ أتعرؾ ما ‏ٌعنً‏ ذلن؟!‏<br />

دعنً‏ ألول لن:‏ إنن بكل بساطة ستحمل معن إلى بارٌس<br />

مصٌبة حمٌمٌّة ستنؽّص علٌن حٌاتن،‏ سترى أنً‏ سؤستفٌك فجؤة<br />

فً‏ اللٌل البهٌم وأبدأ بالبكاء كاألطفال،‏ ستسؤلنً‏ ماذا بن؟!‏<br />

سترى أنً‏ لن أرد علٌن.‏ أتعتمد أن الطفل ‏ٌمول لن م ‏ّم ‏ٌشكو؟!‏<br />

هل ستفعل ذلن حماً؟!‏<br />

انتظر للٌبلً‏ ‏ٌا عدنان فسؤجٌبن الحماً.‏ إذ إنً‏ سمعت صوت<br />

البحر،‏ فبدا ؼاضباً‏ مزمجراً‏ لم أعرفه هكذا فً‏ حٌاتً.‏ ترى<br />

ماذا حدث سؤهاتفن بعد أن أعرؾ ماذا به.‏ ‏"ازداد صوت البحر<br />

حدّة وهو ‏ٌمول:‏ هل تظنّ‏ أنً‏ حرّ‏ فً‏ ما ألول أو أفعل،‏ دون أن<br />

‏ٌكون إلى جانبً‏ ذلن العمل الكلًّ‏ الذي ‏ٌحوي كلّ‏ شًء،‏<br />

وٌحتوي كل الكون الذي نعرفه أو نسمع عنه،‏ وكذلن كل الذي<br />

ال نعرفه ولم نسمع عنه بعد.‏ حاول أن تشرح لً‏ لمَ‏ تراوغ وممّ‏<br />

تهرب؟!‏ ترى من علّمن أن الفرار من الهزٌمة ‏ٌخفً‏ وجهن<br />

وٌبمً‏ على لفان؟!‏ لمد علّمتن العوم ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ أإكّد لن ‏ٌا حامل<br />

الدكتوراه بامتٌاز،‏ أنن بطرلن هذه لن تصل إلى أيّ‏ مكان لمد<br />

كبرت ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ أال تدرن أعمالن ذلن؟!‏ أرجون ‏ٌامن أحببتن<br />

منذ كنت صؽٌراً،‏ ال تُخِ‏ فنً.‏ لل لً‏ هل ال تزال تشعر بؤنن ما<br />

زلت طفبلً؟!‏ أم إن التمثٌل ال ‏ٌزال ‏ٌستهوٌن إلرضاء ذاتن؟!‏<br />

لو كنتُ‏ مكانن لبصمت على ذاتً.‏<br />

ٔ9٘


لماذا كنت ستفعل ذلن؟!‏<br />

ألنً‏ تولفت عن البكاء،‏ ورأٌتن تنوح على أمً‏ المرٌضة<br />

الهرمة.‏ تفهّم ‏ٌا زٌاد وضع والدتً‏ وأزح ذلن جانباً‏ فستحٌن<br />

ساعتها عندما ‏ٌشاء الربّ‏ . أنا ال أسعى وراء المواهب،‏ بل إنً‏<br />

أهتم بلماء حمٌمًّ‏ برجولتً‏ كً‏ اإكّد علٌها أن تبلزمنً‏ دابماً‏<br />

لٌبلً‏ ونهاراً،‏ فؤنت متعدد المواهب حماً.‏ لكنن ال تعرؾ ماذا ‏ٌرٌد<br />

هللا أن تنتمً‏ منها.‏ ترى أال ‏ٌخٌفن أن تخرج من كلّ‏ هذا صفر<br />

الٌدٌن؟!‏ لل لً‏ ماذا ‏ٌملمن وماذا فعل بن شٌطان الوهم؟!ترى<br />

هل رمان بٌن زبانٌته الذٌن أخافون وهم ‏ٌرممونن بعٌونهم التً‏<br />

‏ٌتطاٌر منها اللهب؟!‏ لمد كدت أن تموت رعباً.‏ وهكذا استسلمت<br />

دون أٌّة مماومة.‏ إنً‏ أُراهن أنن مررت بلحظات تمنٌت فٌها أن<br />

تؤتٌن الرحمة من أيّ‏ مكان وأنت العارؾ أنها ال ‏ٌمكنها أن<br />

تفعل لن شٌباً‏ إالّ‏ إذا أشار به الربّ‏ . إلى من تنحاز ‏ٌا ‏"زٌاد"‏<br />

بكل ما تبدٌه من تنالض؟!‏ أنت تدرن أن أمن ؼادرت هذه<br />

الدنٌا،‏ دون أن تعرؾ ماذا ‏ٌستطٌع ابنها أن ‏ٌفعل فٌها.‏ آه ‏ٌا<br />

خوفً،‏ أتحاول حماً‏ أن تنتمم منها من أجل أبٌن دون أن تعرؾ<br />

شٌباً‏ عمّا حدث فً‏ الماضً؟!‏ أنت تُجرم فً‏ حمنا جمٌعاً.إذ إنن<br />

الوحٌد الذي سٌطٌر بنا نحو المستمبل.‏ ستصٌر ضوءنا ونحن<br />

فً‏ الطرٌك إلٌه.‏ ماذا تفعل أو تحاول أن تمول؟!‏ لن الطاعة إلى<br />

األبد.‏ أنا ال أظنن تعرؾ،‏ إن الكلًّ‏ فكرة انبثمت منها الدنٌا كلّها<br />

جهدت لتضع نفسها فٌن بؤمان،‏ ولكنن لم تكن تملن زمام نفسن،‏<br />

فكٌؾ تدخل إلٌن وهً‏ ال تدخل إلى مكان لم تكن مدعوّ‏ ة إلٌه،‏<br />

بل كٌؾ تكون مطمبنة أنن ستؤخذنا إلى ذلن السطوع الذي لم<br />

نر مثله فً‏ أجمل أٌّام الربٌع نماءً،‏ إنه النورالمختلؾ الذي ال<br />

‏ٌربن العٌون،‏ إلى أبد األبد.‏ دون سؤم أو ملل أو ضجر.‏ لن<br />

ٔ9ٙ


تجوع أو تعطش أنت وصحبن هنان.‏ دعنً‏ أنام حتى تصل بنا<br />

إلى هنان.‏ أتدرن أنن حابز على ثمة الرب؟!‏ ستستنتج ذلن<br />

بنفسن.‏ لم أعهدن ‏ٌوماً‏ مفكّكاً‏ ال تستطٌع لملمة ذاتن وتعٌد إلٌها<br />

تماسكها.‏ أنا ال أجد سبباً‏ لمَ‏ حدث وٌحدث.‏ ألم ألل لن دعن من<br />

الركام وتلن الخرابب؟!‏ ترى ألم تتساءل لمَ‏ شدّدتُ‏ وأنا ألول لن<br />

ذلن؟!ال تكن مثل الذٌن ال ‏ٌدرون ما ‏ٌفعلون.‏ علٌن أن تنتزع<br />

تلن الصورة الؽبٌّة التً‏ ال تزال مرتسمة فً‏ عٌنٌن،‏ وتفهم<br />

بعمك أن الذي سمح لؽٌرن أن ‏ٌرلص فوق األرض<br />

‏"الكومبارسٌتّا"‏ ذلن ‏"التانجو"‏ الفرٌد وهو ‏ٌتبلعب بالسٌؾ حٌناً،‏<br />

وحٌناً‏ آخر ‏ٌشركه فً‏ الرلص الذي إذا لم تكن تعرؾ كٌؾ<br />

تإدٌّه،‏ فإنه سٌسمح لن أن تبرع وأنت ترالصه فً‏ أحبلمن أو<br />

ترالصه على المسرح الخشبً‏ البصلًّ‏ ِ اللون.‏ إنً‏ ال أجد فرلاً‏<br />

إذ إنن ستستفٌك ‏ٌوماً‏ بعد أن صمل براعتن الرب وتذهب إلى<br />

‏"جونٌة"‏ ومسرحها العالمً‏ وترلص هنان ‏"الكومبارسٌتا"‏ مع<br />

السٌؾ ومن تلن اللحظة لن ‏ٌعود أحداً‏ ‏ٌذكر ‏"جٌن كٌلً"‏ إذ لفز<br />

فً‏ اللحظة نفسها رالص آخر ال ‏ٌعرؾ أحد اسمه فسمّوه<br />

‏"األكبر"‏ إنه ذلن اإلنسان الذي لم ‏ٌكن ‏ٌعرؾ شٌباً‏ عن الرلص،‏<br />

فحمله هللا على راحة ‏ٌده الٌسرى وانحنى للٌبلً،‏ تاركاً‏ إٌاه ‏ٌمفز<br />

لفزة صؽٌرة إلى المسرح وٌخطو خطوته األولى فً‏ اللحظة<br />

التارٌخٌّة التً‏ سُمعت فٌها النوتة األولى لذلن التانجو الملن<br />

فرلصه بالسٌؾ كما لم ‏ٌفعل أحد مثله.‏ هٌا لل لعدنان أنن لبلت<br />

دعوته إلى بارٌس.‏ ستُسرّ‏ أمن عندما تعلم أنن هجرت الخرابب<br />

وحتى عطرها،‏ إذ إنن تعرؾ أنها لم تعد تحبه هنان.‏ إذ إن جُ‏ ‏َّل<br />

ما ترٌد منن أن تكافح لتعود إلى نفسن وتضع بصمتن فً‏ هذا<br />

العالم.‏ نعم لل لها إنً‏ هدَّدتن بؤنن إن لم تتحمل مسإولٌاتن<br />

سؤهجر البلذلٌّة وأتركها دون سماء زرلاء بمتناول ‏ٌدٌن تسبح<br />

ٔ97


فٌها،‏ وتتخلّص من بشرتن الكثٌرة البٌاض التً‏ لم تعد تمٌل<br />

إلٌها نساء البلذلٌّة.‏ وأؼض النظر عن الكثٌر من خبثكم المإذي<br />

‏ٌا أهل البلذلٌّة.‏ ال تؤخذوا تهدٌداتً‏ على محمل الجد.‏ لمد كنتُ‏<br />

دابماً‏ هنا،‏ وسؤبمى هنا مدى الدهر.‏ هٌا ‏ٌا زٌاد انمل تحٌاتً‏ إلى<br />

البارٌسٌٌّن ولل لهم أنً‏ سؤزورهم لرٌباً‏ كما سؤزور " نٌس"‏<br />

‏"وكان"‏ أٌضاً.‏ هٌا ‏ٌازٌاد،‏ ال تلتفت إلى أحد وأنت تسٌر فً‏<br />

طرٌك الؽابة المعبّد.‏ أنت تؤخذ روحن مشواراً‏ ترالصها فٌه<br />

أثناء الطرٌك دون أن ‏ٌدري أحد ما تفعبلن.‏<br />

أعتمد أن الكتب تمول بوضوح،‏ أن المستمبل سٌكون ماضٌاً‏<br />

‏ٌوماً،‏ وسٌجلب معه عبالرة المرن الذي مرَّ‏ ودخل إلى التارٌخ<br />

لٌصبح ماضٌاً.‏ الرب لن ‏ٌتولؾ عن إرسال العبالرة إلى هذا<br />

العالم.‏ دون ذلن لن تتطور األفكار والمشاعر وٌجؾ العالم من<br />

اإلبداع.‏ اطمبنّوا فالربّ‏ لن ‏ٌفعل هذا للعالم إذ ال ‏ٌبدو أن خطته<br />

لهذا الكون شارفت على االنتهاء.‏ ربما سٌؤتً‏ ذلن الٌوم حٌث<br />

‏ٌترن للبشر حكَّ‏ كشؾ خطّته بوساطة طفل صؽٌر.‏<br />

*<br />

*<br />

*<br />

كانت رحلة بارٌس ممتعة بمدر كاؾٍ‏ لتثٌر خٌالً‏ بشكل ال<br />

‏ٌوصؾ.‏ نعم دعته للنزول إلى الشارع لٌرى كٌؾ تخرج<br />

إبداعاته وتزول دهشته من نفسه،‏ فؤخذ ‏ٌرسم لوحات رابعة<br />

علّمتها فً‏ أمكنة بارزة من الشوارع الربٌسٌّة،‏ مثل<br />

‏"الشانزالٌزٌه"‏ الذي كان ممتلباً‏ بتلن اللوحات الخبلّ‏ بة.‏ كنتُ‏<br />

ضاحكاً‏ وبانشراح ال ‏ٌمدر بثمن،‏ كؤنً‏ ألود ‏ٌختاً‏ ‏ٌمخر بً‏<br />

البحر،‏ والهواء لم ‏ٌمصّر،‏ فكان ‏ٌداعبنً‏ بشبك كبٌر كؤنه ‏ٌرٌد<br />

ٔ98


اخترالً‏ فؤخذت أضحن وأنا ألول له اهدأ،‏ كفان جنوناً.‏ كنتُ‏<br />

أشعر أنً‏ أفعل كلّ‏ ذلن وحدي.‏ نظرتُ‏ فجؤة إلى عدنان فوجدته<br />

‏ٌنظر إلًّ‏ مبهوتاً،‏ فؤدركت أنه ‏ٌوشن على االعتماد بؤنً‏ أدخل<br />

إلى الجنون الحمٌمً.‏ نظرتُ‏ إلى الناس على جانبً‏ الشارع<br />

المنساب إلى المسلّة المصرٌّة.‏ تفرّ‏ س ‏ُت فً‏ وجوههم،‏ إنهم ال<br />

‏ٌرون لوحاتً‏ و ال ‏ٌعٌرونها أيّ‏ انتباه أو اهتمام.‏ كان األمر لد<br />

بدأ ‏ٌثٌر فً‏ عدنان االضطراب واالستؽراب المختلط مع<br />

الخوؾ ممّا ‏ٌحدث.‏ لكن عدنان لم ‏ٌلبث أن لال بصوت خفٌض:‏<br />

ماذا ‏ٌحدث لن ‏ٌا ‏"زٌاد"،‏ هل جُننت،‏ ماذا تفعل بنفسن؟!‏ هٌا لل<br />

لً،‏ ال أرٌد أن آخذ تفكٌري بعٌداً.هل تخطط لبلنتمام منً؟!ماذا<br />

فعلت حتّى أستحكّ‏ هذا؟!‏ لمد هٌّؤت لن كلّ‏ شًء ألجعلن<br />

مبتهجاً.‏<br />

ماذا تمول؟!هل ظننت فً‏ لحظة ما أنً‏ دخلت فً‏ العته أم إنً‏<br />

أفعل ذلن من أجل االنتمام الوهمً‏ السخٌؾ؟!أنت من ألرب<br />

أصدلابً،‏ دعنً‏ ألول:‏ إنً‏ ببساطة رأٌت خٌالً‏ ‏ٌتخلّص من<br />

أصفاده وٌتركها فً‏ الماع وٌمضً‏ سابحاً‏ للمابً‏ فوق.هنان<br />

تعانمنا وتعاهدنا أالّ‏ نفترق.طلب منً‏ أن نشترن فً‏ رسم لوحات<br />

ال تزال فً‏ ذهنً‏ لتزٌٌن أحٌاء بارٌس وشوارعها.ال تهتم<br />

للبالً،‏ مثل أٌن ستعلّك وكٌؾ؟!ثمّ‏ من سٌتبنى هذه العملٌّة<br />

الكبٌرة وتكالٌفها.ما حدث ‏ٌا عدنان،‏ أنً‏ أرى لوحاتً‏ التً‏<br />

رسمتها فً‏ ذهنً‏ وأعمالً‏ تزٌّن أحٌاء بارٌس الملهمة<br />

وشوارعها.إنً‏ أتمتع بها وأنتشً‏ فعبلً‏ ‏ٌا عدنان،‏ بل أستطٌع<br />

المول:‏ إنً‏ أطٌر فرحاً‏ رؼم أنً‏ الوحٌد الذي أشعر بهذا الفرح<br />

‏ٌتشارن مع صدري فً‏ العناق،‏ وأسمع تلن الموسٌمى التً‏<br />

تخرج من اآلالت النحاسٌّة وهً‏ تعزؾ الجاز المطبوخ فً‏<br />

ٔ99


‏"نٌوأورلٌانز".لم أعرؾ فً‏ حٌاتً‏ ‏ٌا عدنان ‏ٌومٌن مثل هذٌن<br />

الٌومٌن.‏ ‏ٌا إلهً‏ ما أجمل عزؾ تلن الطبول وهً‏ ترافك الفرلة<br />

الموسٌمٌّة،‏ وخاصة عندما تصدح نحاسٌّاتها التً‏ تدعم الطبلة<br />

بطرٌمة مذهلة،‏ وتترن رنٌنها ‏ٌتردّد فً‏ أذنٌن زمناً‏ طوٌبلً.‏ كما<br />

تشارن كلّ‏ طٌور السماء فً‏ وضع أصواتها الرابعة،‏ والحزٌنة<br />

حزن الملون واألباطرة مع ك ‏ّل ‏"كمنجاتها"التً‏ تسحك الملوب.‏<br />

ستبمى ‏ٌا<br />

‏"زٌاد"‏<br />

ؼرٌب األطوار طوال حٌاتن.‏<br />

إنً‏ أشكرن ‏ٌا صدٌمً،‏ فمد أعدت إٌماظ حٌاتً‏ النابمة<br />

وجعلتنً‏ أرى شٌباً‏ ‏ٌلمع فً‏ األفك ربّما ‏ٌكون تحٌّة من بعٌد أو<br />

أمبلً‏ واعداً،‏ أو ربما تكراراً‏ لتؤكٌد رسالة هامة ‏ٌرٌد صاحبها<br />

الملهوؾ أن تصل إلًّ،‏ وأُرسل له ما ‏ٌشٌر إلى أنً‏ تلمٌّتها.‏<br />

شكراً‏ مرّ‏ ة أخرى ‏ٌا عدنان،‏ فمد حرّ‏ كت ما كان كامناً‏ ؼارلاً‏ فً‏<br />

النوم.‏<br />

رجعت مع عدنان من بارٌس،‏ وأنا أشعر بؤنً‏ أفضل ممّا كنت.‏<br />

بارٌس ال تزال رابعة وتستمبل مزٌداً‏ من الؽرباء ‏ٌومٌّاً،‏<br />

منتظرٌن أن ‏ٌؽرفوا من المتع المتاحة كلّ‏ حسب هواه.‏ إن<br />

سحرها ‏ٌبدو أنه لن ‏ٌخبو،‏ وٌبمى ‏ٌتمٌّز عن سحر أٌّة مدٌنة فً‏<br />

العالم.أنا لم أتولّع أن تذهلنً‏ من جدٌد.‏ لمد عانمتنً‏ تلن الساحرة<br />

وأدخلت فمها فً‏ فمً‏ ولم تتركنً‏ إالّ‏ بعد أن فشلت فً‏ ابتبلع<br />

كلّ‏ لعابً.‏ لكنها استمرّ‏ ت فً‏ مماومتً،‏ رامٌة إٌّاي على أرٌكة<br />

لرٌبة وامتطتنً‏ بلمح البصر.‏ الشنّ‏ أنها كانت مضاجعة أكولة<br />

كنت أنا من ‏ٌُمضم أثناء وصولً‏ إلى ذروتً‏ وبعدها..لكنً‏ رؼم<br />

ذلن امتؤلتُ‏ شعوراً‏ بؤنً‏ أصبحت مستعداً‏ لك ‏ّل أنواع الهجمات<br />

ٕٓٓ


والكمابن.‏ أضحكتنً‏ تلن األفكار التً‏ ال ‏ٌنفنّ‏ خٌالً‏ فًَّ‏<br />

استعمالً‏ كمسرح له معوّ‏ ضاً‏ بذلن عن عجزي فً‏ المٌام بتلن<br />

االلتحامات الجرٌبة المجبولة بالكثٌر من الولاحة.‏ لمد عُشتُ‏ فً‏<br />

تلن المدٌنة الرابعة سنة وبضعة شهور،‏ حاولت فٌها أن أمتص<br />

ما أستطٌع من فن الرسم،‏ مصلٌّاً‏ وراجٌاً‏ أن ‏ٌستمر ما دخل إلًَّ‏<br />

فً‏ دمابً.لمد درسته هنان على ‏ٌد أستاذ مشهور.كان ذلن الفن<br />

هواٌتً‏ الحمٌمٌة منذ الصؽر،‏ لكن عندما أدهشنً‏ ‏"فروٌدً‏<br />

وتعلّمت به تعلماً‏ شدٌداً،‏ اتجهتُ‏ إلى الطب النفسً.كنت مجداً‏ فً‏<br />

أثناء دراستً،‏ وعاشماً‏ فً‏ الحمٌمة لهذا العلم الذي ‏ٌعري اإلنسان<br />

متّجهاً‏ إلى إلؽاء فعل اإلثم وإبداله بمرض ‏ٌؽزو النفس البشرٌّة<br />

رؼماً‏ عنها،‏ ومضٌفاً‏ إلى عذاباتها عذاباً‏ جدٌداً.‏<br />

هنان فً‏ بارٌس ‏ٌُسعدن أن تهٌم فً‏ الشوارع ‏.شًء ما ‏ٌشدّن<br />

وٌدفعن لتنفٌذ إرادة تشعرن بؤنها تصاحبن وتمود خطواتن إلى<br />

حٌث ترٌد وترؼب.البد أن تشعر بؽرابة األمر وأنت تشعر بلذة<br />

ما عندما تنتمل من الشوارع إلى عمك األزلة،‏ هنان علٌن أن<br />

تكون مستعداً‏ لتمبل ما لد ‏ٌفاجبن وتتحمّل أن ترى بعٌنٌن عالماً‏<br />

آخر ‏ٌعٌش وفك لواعد أخبللٌة مختلفة لم ‏ٌتربّ‏ علٌها وجدانن،‏<br />

سٌتطلّب منن ذلن اتساعاً‏ فً‏ الخٌال وامتبل ‏ًء بالحب،‏ واستعداداً‏<br />

لمبول اآلخر كما هو،‏ ؼاضاً‏ النظر عمّا تعوّ‏ دت ونشؤت علٌه.‏<br />

هنان ستلمس مجونًاً‏ وعرٌاً‏ علّم الجمٌع كٌفٌّة التخلّص من<br />

الخجل والتفلّت من المؽاالة والدخول إلى عدم الؽرابة.‏ هذه<br />

الطرٌمة فً‏ العٌش استمرّ‏ ت فً‏ وجدان من ‏ٌعٌشون هنان<br />

وطرٌمتهم فً‏ ممارسة حٌاتهم ‏.علٌن أن أتدرن أٌضاً‏ أنً‏<br />

أعطٌن فكرة عامة تحمل فً‏ طٌّاتها إٌجازاً‏ معبراً‏ عن حدود<br />

إمكانٌّاتً‏ فً‏ الدخول إلى أعماق طرق الناس هنان وكٌفٌّة<br />

ٕٓٔ


تداول حٌاتهم،‏ وعمّا ‏ٌمكن أن تصادفه أثناء زٌارتن لذلن العالم<br />

الؽرٌب،‏ حٌث لد تسمع فً‏ زاوٌة ما موسٌمى عربٌّة من<br />

الخمسٌنٌات،‏ فتمترب تدفعن رابحة الوطن الكبٌر الذي لن ‏ٌخٌّب<br />

أملن،‏ إذ إنن ستنشده برإٌة ‏"سامٌة جمال"‏ نفسها ترلص بإبداع<br />

مدهش على أنؽام ‏"فرٌد األطرش".لطالما كنتُ‏ متعطّشاً‏ لمعرفة<br />

مشاعر تلن الرالصة الممٌزة وهً‏ تمزج أحاسٌسها مع براعتها<br />

فتنتج الروعة الصافٌة ‏"الكرٌستالٌّة"،‏ فترى العالم من خبللها<br />

بشكل مختلؾ.‏ أما هً‏ فستبمى فً‏ أذهاننا عالماً‏ متفرّ‏ داً‏ فً‏<br />

الرلص الشرلً‏ المدرّ‏ ب على حركة ألدام أجادت لببلً‏ الرلص<br />

الؽربً.‏ أردتُ‏ بكلّ‏ جوارحً‏ أن ‏ٌكون معً‏ عدنان.‏ لكنه كان<br />

‏ٌزور ابنة عمه المتزوجة من فرنسًّ‏ كان ‏ٌعٌش فً‏ بٌروت<br />

حٌث تعرفت إلٌه.هنان أسرع الحب فضرب بعصا موسى،‏ فتم<br />

كل شًء بسرعة ال نظٌر لها.‏ كانت ساعتً‏ تمول لً:إن<br />

موعدي مع صدٌمً‏ الترب،‏ فاستمللت سٌّارة إجرة وأعطٌت<br />

السابك عنوان ممهىً‏ فً‏ ‏"السان جرمان"حٌث كان بانتظاري<br />

هنان عدنان.لال لمّا جلست أمامه:أران مبتهجاً،‏ لل لً‏ كٌؾ<br />

لضٌت تلن الساعات؟!‏<br />

هل أنت مستعد لبلستماع وعدم مماطعتً؟!أرٌد ما ‏ٌضمن لً‏<br />

ذلن وأالّ‏ تسارع بكٌل االتهامات مثل ؼرابة األطوار والخوؾ<br />

من دخولً‏ إلى الجنون.‏<br />

لن كل ذلن ‏ٌا عزٌزي.‏<br />

لم أزر ‏"نابولٌون"‏ وال متحؾ اللوفر أو معالم بارٌس األثرٌّة<br />

والجمالٌّة،‏ فمد سبمت الحدٌث عن التارٌخ والؽوص فً‏ التفكٌر<br />

ٕٕٓ


فٌه وفً‏ طرٌمة كتابته عن الجمال واالندهاش وإهماله جوانب<br />

متعدّدة من الحٌاة أو المرور بها دون االلتراب منها بما فٌه<br />

الكفاٌة.‏ أبناء األزلّة ‏ٌستعملون عبارات تعبر عن الجمال<br />

بطرٌمة أفضل وٌؽوصون فً‏ التفاصٌل بإثارة متعرّ‏ ‏ٌة من<br />

الخجل كؤن الكلمة نفسها لم تعد موجودة،‏ أو هً‏ فً‏ طرٌمها<br />

لبلندثار.‏ إنهم ‏ٌعطون المشهد الجمٌل جواز سفر ‏ٌحمل فً‏<br />

طٌّاته ما ‏ٌحرّ‏ ضه على الدخول إلى خٌالن،‏ فتسبح فوق الماء<br />

وتحت الماء دون أن تتبلّل أو تتساءل:‏ كٌؾ لً‏ أن أشعر كما لو<br />

إنً‏ فً‏ البحر وال ‏ٌخالجنً‏ إحساساً‏ بمماومته لً‏ وأنا أعبره؟!‏<br />

كؤن مؽناطٌساً‏ ‏ٌتمدّمنً‏ وٌجذبنً‏ وراءه دون أن أشعر بؤنً‏ أبذل<br />

جهداً.‏ نعم زرت تلن األزلة حٌث خٌُل إلً‏ أن سامٌة جمال<br />

نفسها ترلص على سجادة عجمٌّة حافٌة المدمٌن وهً‏ على<br />

مرتفع مُهٌؤ خصٌّصاً‏ للمدهشة التً‏ تُشْده،‏ كان لوامها الملفوؾ<br />

سٌد المولؾ،‏ وهو نفسه من أبرز اإلعجاز ‏ٌتلّوى هو وذلن<br />

الخصر المعجزة.‏ ال أستطٌع أن أصؾ الطرٌمة التً‏ شاهدت<br />

فٌها الناس شاخصٌن إلى جسدها المنحوت على لطعة كبٌرة من<br />

البرونز بٌد أعظم نحات،‏ وهو ‏ٌموم بحركات فٌها من البراعة<br />

ما أعجز عن إعطابه حمه إذا حاولتُ‏ وصفه،‏ متناؼماً‏ مع الحس<br />

المرهؾ لعظامه المدرّ‏ بة تدرٌباً‏ فابماً‏ على الطاعة العمٌاء،‏ إذ<br />

إنها تثك بمدرة المعلمّة الكبٌرة وبراعتها التً‏ لم تظهر على<br />

المسرح مثٌلة لها بعد،‏ إنها تُش ‏ِده وت ‏ْربن دون أيّ‏ شن.‏<br />

ال تزال هذه المدٌنة العظٌمة مصدراً‏ لئللهام.‏ أستطٌع الكتابة<br />

عنها سلسلة مماالت ستكون صادرة عن معرفتً‏ ومشاعري<br />

التً‏ صملتها تلن المدٌنة التً‏ تعطً‏ ما عندها لكلّ‏ طالب<br />

وتجزل العطاء.‏ أعتمد أنً‏ سؤجد الكثٌر من المراء الذٌن<br />

ٕٖٓ


‏ٌعرفونها،‏ وٌتهافتون لشراء تلن الصحٌفة التً‏ ستنشر لً‏ فٌها<br />

مماالتً‏ األسبوعٌّة،‏ التً‏ ستجعل كلماتً‏ المصطفّة باحترام كل<br />

الذٌن عاشروها وعاشوا فٌها مؽامرات مختلفة،‏ شخصاً‏ واحداً‏<br />

أحبته مثل ابنها الوحٌد،‏ وهٌَّؤت له ممابلة نساء لادرات على نمل<br />

الجنس من الؽرؾ المتّسخة إلى أجنحة جدرانها من الزجاج<br />

الذي ‏ٌحجبن وال ‏ٌحجب عنن أي شًء.‏ تحٌط بها ؼٌوم خفٌفة<br />

شفّافة،‏ تخال أنن ترى من خبللها حدٌمة رابعة الجمال تمبع فً‏<br />

وسطها ‏"الشجرة المحرّ‏ مة"‏ ‏ٌتدلّى منها التفاح األحمر المانً.‏<br />

هنان تنتظرن معركة طاحنة علٌن خوضها وأنت تعرؾ مسبماً‏<br />

أنها لن تسفر عن كاسب أو خاسر،‏ إذ سٌكون طرفا المعركة<br />

رابحٌن ربحاً‏ ؼامضاً،‏ ربّما ‏ٌشبه الزببك عندما ‏ٌوضع بٌن<br />

الٌدٌن.وسٌبمى كذلن مهما كرّ‏ را تلن المعركة التً‏ ال وجود<br />

ألسلحة جارحة فٌها.‏ لعلّن تذكر لحظات الوصول إلى ذروة<br />

معركتن الطاحنة،‏ وكٌؾ وجدت أنن بحاجة إلى أن تؽمض<br />

عٌنٌن،‏ لتحاول إعادة رإٌة بعض المشاهد،‏ بانتظار أن ‏ٌهدأ<br />

خفمان للبن.لكنن لم تفلح بإعادة الشرٌط الذي سجّل تلن الولابع،‏<br />

فشعرت بالخٌبة وبعض الؽضب.لكنن انتظرت للٌبلً‏ لترجع<br />

دلات للبن إلى سابك عهدها،‏ وهذا ما حصل بعد دلابك للٌلة.‏<br />

فتحت عٌنٌن ونظرت حولن،‏ فوجدت أنن لم تؽادر الفراش<br />

المذر نفسه،وإلى جانبن تتمدّد امرأة خبلسٌّة رابعة الجمال<br />

عارٌة تماماً،‏ تتابع اجترار نشوتها وهً‏ تبتسم ابتسامة عرٌضة،‏<br />

محرّ‏ كة لسانها كؤنها تكلّم نفسها،‏ أو أنها تمارس عادة ترتاح<br />

إلٌها فً‏ مثل هذه الحاالت.أما أنت فلن تجد شٌباً‏ تفعله سوى<br />

ارتداء ثٌابن والمضًّ‏ ِ مسرعاً‏ إلى خارج المكان،‏ وفً‏ نٌّتن أن<br />

تتمشّى سٌراً‏ على األلدام،‏ متؤمبلً‏ أن تحمل لن الرٌاح فً‏ المرّ‏ ة<br />

المادمة امرأة ألل توحّشاً.‏ بعد فترة للٌلة ربّما تمر فً‏ فكرن ما<br />

ٕٓٗ


‏ٌجعلن تمول:‏ إن المرأة المتوحشة لد توصلن إلى متعة أفضل<br />

بجهد ألل.‏<br />

شكراً‏ لن ‏ٌا عدنان إلصرارن على ذهابً‏ معن إلى مدٌنة الثمافة<br />

المتمٌّزة،‏ ومصنع األنالة المرهفة التً‏ فتحت صدر بارٌس لكل<br />

من ‏ٌشتهً‏ أن ‏ٌؽرؾ ممّا عندها وٌوزّ‏ عه إلى كل أنحاء العالم،‏<br />

لعلّ‏ تلن األنالة المرهفة تدخل إلى العمول فتنمًّ‏ المشاعر<br />

وتهذب الؽرابز،‏ وتنظّؾ هذه الدنٌا من اؼتصاب ما ‏ٌملكه<br />

اآلخرون.‏<br />

دعنً‏ ألول لن ‏ٌا عدنان إن البحر هو الذي دفعنً‏ إلى المبول<br />

بموت أمً،‏ ولال لً:‏ دعن من الخرابب وصدق أن الموت<br />

رحلة أخرى إلى عالم آخر.‏<br />

41 <br />

األحبلم المتراكمة دفعتنً‏ فً‏ الٌوم التالً‏ أن أكون فً‏ الساعة<br />

الحادٌة عشرة أدخل إلى بٌروت،‏ ومن ثم إلى األشرفٌّة مع<br />

سابمً.‏<br />

مضت ثبلثة أٌّام رتٌبة ثمٌلة.كان فٌها لد دخل الصٌؾ<br />

وتمطّى ؼٌر عابا بنهاره الطوٌل وبطء خطاه.‏ كانت نتؾ<br />

السحاب تُجاري ذلن اإلٌماع مستمتعة بالكسل،‏ ناظرة إلً‏ هازّ‏ ة<br />

رأسها،‏ عارفة أنً‏ ؼارق فً‏ تؤمّل عمٌك.‏ نعم كنت بحاجة<br />

ماسّة إلى ذلن،‏ فمد كنت أدرن أنً‏ نملتُ‏ حٌاتً‏ نملة ستم ‏ّس<br />

دون شنّ‏ كٌانً‏ كلّه وتؤخذ ولتها فً‏ إعادة تشكٌله لٌوابم حٌاة<br />

ٕٓ٘


مختلفة تبلبم عصراً‏ جدٌداً،‏ هو نتاج لفزة علمٌّة وتكنولوجٌّة<br />

هابلة وؼٌر مسبولة.‏ لطالما كنت أحدّق لبل الؽروب فً‏<br />

السحب،‏ فتحٌّرنً‏ طرٌمة تؽٌٌر أشكالها.كنت أشعر مع بعض<br />

الرهبة بؤن هٌباتها تمول لً:أنا كتابات إلهٌّة تنمل رسابل ربانٌّة<br />

مكتوبة بلؽة أخرى ؼٌر منطولة،‏ ال ‏ٌستطٌع أحد لراءتها إالّ‏ من<br />

‏ٌعرؾ أنها تعتمد على األشكال ولٌس الحروؾ.لكن علٌنا التنبه<br />

إلى عدم التملٌل من شؤن الكلمة،‏ فهً‏ حٌاة كاملة ال تفنى بموت<br />

لابلها.‏<br />

فً‏ الٌوم التالً‏ أتّصل بً‏ باكراً‏ صدٌك حمٌمً‏ لدٌم وعزٌز.‏ لمد<br />

أصبح بإرادته الحرّ‏ ة راهباً‏ ‏ٌنتمً‏ إلى عضوٌّة دٌر من أدٌرة<br />

لبنان.‏ عندما شعر بؤنً‏ على الخط لال:‏ صباح الخٌر أخبارن<br />

تنتمل بسرعة ؼرٌبة هل أستطٌع أن ألمان بعد ساعتٌن؟<br />

<br />

أنا أفضل أن أران على الؽداء.‏<br />

ال أعتمد أن ذلن سٌنجح،‏ فاألب الربٌس أرسلنً‏ إلى بٌروت<br />

لجلب بعض المإون التً‏ ‏ٌحتاجها الدٌر.‏<br />

األمر بسٌط،‏ دعنً‏ أران بعد أن تشتري كل ما أنت بحاجة<br />

إلٌه،‏ وسترى فً‏ ذلن الولت أنً‏ لد اتفمت مع الربٌس على كلّ‏<br />

شًء.‏<br />

حسناً.‏ أال تزال تملن نفوذاً؟!‏<br />

ٕٓٙ


ألم تدرن حتّى اآلن أن المال ‏ٌا عزٌزي ‏ٌشتري السلطة<br />

الحمٌمٌّة فوق الطاولة وتحتها.‏<br />

بتنا نعٌش عالمٌن مختلفٌن.‏ أنا لم أعد فً‏ ذلن العالم الذي<br />

تتحدث عنه،‏ سؤران لرٌباً‏ رؼم كلّ‏ شًء.‏ لست أدري إلى متى<br />

‏ٌتحمل الرب هذا العالم.‏ لمد كنتُ‏ فً‏ محرابه لبل أن ‏ٌبزغ نور<br />

صباح السبت الماضً،‏ نعم لمد أرانً‏ الحلم وجهه.‏ كان مرهماً‏<br />

وهو ‏ٌنظر إلً‏ مبتسماً،‏ محمّبلً‏ ابتسامته بعض الشرود الذي لم<br />

أرى مثله فً‏ حٌاتً،‏ دون أن ‏ٌبدي أيّ‏ اهتمام بعرًٌ.‏<br />

شعرتُ‏ بؤن علًّ‏ أن ألول شٌباً‏ علّنً‏ أتخلّص من اإلربان الذي<br />

داهمنً‏ فً‏ ولت لم أكن مستعدّاً‏ لتحمل هذه المعاناة.‏ للت له<br />

مستؽٌثاً:‏ لماذا ال تستمٌل من دنٌانا ‏ٌا ر ‏ّب وتتركنا ننشؽل<br />

بسخافاتنا؟!.‏ أال تجد أن األمر كلّه ال جدوى منه؟!‏ اؼفر لنا،‏<br />

فعمولنا ال تستطٌع أن ترى أبعد من ذلن.‏<br />

سنتابع ما تفكر فٌه<br />

إلى نفسن.‏<br />

عدما نلتمً‏ ظهراً،‏ أما اآلن فاهدأ وانتبه<br />

فً‏ الحادٌة عشرة رنَّ‏ جرس الباب،‏ فظننتُ‏ أنه راهبً.‏ لكنً‏<br />

فوجبتُ‏ بسابمً‏ محمّد.‏<br />

اعذرنً‏ على تؤخري،‏ فمد سمعتُ‏ صوت الراهب ‏ٌنادٌنً‏<br />

فاستؽربتُ‏ ، وتساءلت:‏ ماذا جاء به إلى السوق؟!‏ ولكن لم ‏ٌخب<br />

ظنً،‏ إذ لم ألبث أن رأٌته لٌس بعٌداً‏ كثٌراً‏ عنً‏ متعرلاً‏ ‏ٌبدو<br />

علٌه التعب وهو ‏ٌحاول أن ‏ٌشك طرٌمه بٌن تلن الجموع،‏ ولد<br />

بدا التعجّب ظاهراً‏ فً‏ عٌنٌه.‏ عندما التربت منه،‏ فهمت أنه لم<br />

ٕٓ7


‏ٌجد حمّاالً‏ ‏ٌمبل بالمٌام بالمهمة المطلوبة بما عرضه سٌادته من<br />

إجرة.‏ كانت أولى كلماته التً‏ خرجت من فمه:‏ ‏"أصبح<br />

الحمالون ‏ٌطلبون ثمناً‏ لِما ‏ٌمومون به من عمل ‏ٌعادل ما ‏ٌشترٌه<br />

المرء من حاجٌّات".‏<br />

أٌن هو اآلن؟!‏<br />

إنه فً‏ السٌارة ‏ٌمسح عرله وٌنتظر أن ‏ٌعرؾ ماذا أسفرت<br />

مساعٌكم ‏ٌا سٌّدي.‏<br />

أنزل وساعده فً‏ الوصول إلى هنا،‏ واترن مشترٌاته مولتاً‏<br />

حٌث هً.‏<br />

عندما التمى الراهب مع ‏"زٌاد"‏ ولبّبل بعضهما بعضاً‏ باشتٌاق<br />

شدٌد،‏ انحنى األخٌر وطبع لبلة خاطفة على ‏ٌد الراهب لاببلً:‏<br />

لطالما اعتبرتن مثل أبً‏ الذي لم أعرفه،‏ من ‏ٌدري ربّما كان<br />

ذلن تدخبلً‏ من الرب.‏<br />

هل ستبمٌنً‏ والفاً؟!‏<br />

ال طبعاً،‏ هٌا نذهب إلى مكان نستطٌع فٌه التحدّث بٌنما تبث<br />

الجدران موسٌمى خافتة،‏ لكنها لن تُشعرن باالختناق بل<br />

ستجعلن تظنّ‏ أنن تبحر فً‏ سفٌنة فاخرة،‏ وٌمدم إلٌن الطعام فً‏<br />

الصالون الملكً.‏<br />

ٕٓ8


أنت تحٌّرنً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ ففً‏ الولت الذي ألمس أنن ؼٌر مإمن،‏<br />

أشم رابحة البلهوت تتسلّل من أعمالن.‏ إنن تباؼتنً‏ أٌّها<br />

الحبٌب.‏ أرجو أن تبمى ماضٌاً‏ ببطء السلحفاة كما آمل.‏<br />

إذا كان البلهوت ‏ٌعٌد إلى الوطن عفته وأصالته فمرحباً‏ به،‏<br />

وبكلّ‏ من ‏ٌساعد على فتح الطرٌك أمام الشعوب الستعادة<br />

حرّ‏ ‏ٌتها وكرامتها واندفاعاتها اإلنسانٌّة لتعزٌز الحضارة<br />

البشرٌّة أٌنما رأت السبٌل إلى ذلن مشرّ‏ ع األبواب،‏ ‏ٌستمبل ك ‏ّل<br />

جدٌد بالترحاب.‏<br />

لمد جبت إلى بٌروت وطنً‏ الثانً‏ طلباً‏ للمساعدة على طرد<br />

الوحوش الطامعٌن،‏ الذٌن ال ‏ٌشبعهم شًء.‏ ِ صلّ‏ من أجلً‏ ‏ٌا<br />

من كرّ‏ س نفسه لنشر كلمة هللا فً‏ المعمورة،‏ ِ صلّ‏ من أجل أن<br />

‏ٌكون ولع الكلمة ‏ٌستطٌع أن ‏ٌجرؾ من أمامه كلّ‏ لوى الشر.‏<br />

ِ صلّ‏ من أجل أن ‏ٌرتاح هذا العالم من النمٌمة،‏ ونصب الناس<br />

للفخاخ لبعضهم بعضاً،‏ وزرع األلؽام أٌضاً.‏ إذ ‏ٌبدو أن الناس<br />

فً‏ شوق شدٌد إلى المتع برإٌة الدماء.‏ اتفمتُ‏ مع ربٌس الدٌر<br />

أن تمضً‏ هذه اللٌلة عندي وؼداً‏ سٌوصلن األخ دمحم إلى الدٌر.‏<br />

سٌسرّ‏ ذلن العزٌز ‏"دمحم"‏ كثٌراً،‏ فهو ‏ٌحب االستماع إلى حدٌثن<br />

دابماً،‏ وٌرى أنه لو وجد الكثٌر من أمثالن من المسٌحٌٌّن لتؽٌّر<br />

وجه العالم باستمرار نحو األفضل.‏<br />

لمد أحببت هذا الشاب منذ أن رأٌته،‏ ال أذكر متى كان<br />

ذلن؟!سؤروي لن لصة طرٌفة أرجو أن تنملها إلٌه أنت بنفسن،‏<br />

كما لل له أن ‏ٌبتعد عن المبالؽة والحماسة،‏ فسٌؤتً‏ ذلن الٌوم<br />

حٌن تسهم كلّ‏ التجمّعات واألوطان فً‏ إدارة العالم نحو التمدم<br />

ٕٓ9


ٍ<br />

المضطرد.‏ عندما ‏ٌتعلّمون كٌؾ ‏ٌحتفظون بالرب فً‏ للوبهم<br />

دون أن ‏ٌتفاخر أيّ‏ منهم أنه لتل أخاه ألنه خالؾ تعالٌم الخالك<br />

‏.بدأ الراهب ‏ٌوسؾ ‏ٌروي لصته فمال:‏ استفمتُ‏ من دوران<br />

األسبلة فً‏ رأسً،‏ كنت تعباً‏ متعرّ‏ لاً‏ ال أعرؾ كٌؾ أتخلص من<br />

ذلن الجو الحار الخانك.‏ كنت لد لطعتُ‏ مع حماري نصؾ<br />

الطرٌك الموصل إلى المكان المتّجه إلٌه.‏ كان الولت ظهراً‏ وال<br />

أزال محتاراً‏ أبحث عن فًء أسكن إلٌه فً‏ مكان لرٌب.‏ بادر<br />

الحمار بؤخذ زمام المبادرة وؼٌر طرٌمه للٌبلً‏ ثمَّ‏ اتّجه نحو<br />

بعض األشجار المتجمّعة بشكل ملفت،‏ وكنا لد ولفنا تحتها<br />

ساعة الظهٌرة لبل ‏ٌومٌن.‏ أصابنً‏ الذهول لبضع لحظات لم<br />

أدرن فٌها ما جرى ولماذا وكٌؾ؟!‏ تذكرت بعدها أن ذلن كان<br />

حٌنما كنت فً‏ رحلة لاصداً‏ زٌارة المرى المجاورة.‏ تسمّر<br />

الحمار تحت تلن األشجار،‏ وأخذ ‏ٌهزّ‏ أذنٌه بشدة.‏ ذهلتُ‏ مرّ‏ ة<br />

أخرى،‏ بل ربّما طارت أفكاري نحو السماء تسؤل إن كان<br />

الوجود ‏ٌنوي أن ‏ٌنتمل بالحٌاة إلى مسار أخر.‏ لكن األمر لم ‏ٌكن<br />

كذلن،‏ فمد كان ‏ٌنبّهنً‏ دون شن إلى موعد ؼدابه.‏ للت فً‏<br />

نفسً.الحمار ال ‏ٌمكن بحال من األحوال أن ‏ٌكون ؼبٌّاً،‏ لمد<br />

اختار المكان والولت المناسبٌن.‏ إنه صبور بطبعه دون شنّ‏ .<br />

لكنه لال:‏ أال ‏ٌبدو الصبر ؼباءً‏ أحٌاناً،‏ وجبناً‏ أحٌاناً‏ أخرى؟!‏<br />

تبٌّنتُ‏ آخر األمر أنً‏ لضٌتُ‏ عمري أعٌش كحمار حمٌمًّ‏ كان<br />

موجوداً‏ فً‏ الزمن الؽابر.‏<br />

لست أدري فً‏ تلن اللحظات ماذا حدث وأّكّد لً‏ ذهنً‏ لاببلً:‏ إن<br />

صدٌمن مؤزوم وٌكاد أن ‏ٌختنك،‏ ال بد من إنه ‏ٌخفً‏ أمراً.نظرت<br />

بحنان إلى وجهه حسب ما أذكر،‏ فوجدته شاحباً‏ تظهر فٌه<br />

عٌنٌاه مجرّ‏ دتٌن من أٌة حماسة على ؼٌر عادته.‏ للت بصوت<br />

ٕٔٓ


حاولتُ‏ أن أضع فٌه كلّ‏ الحنان المطلوب:‏ ماذا بن أنت<br />

تُملمنً؟!هل لُرعت األجراس هنان بشدّة وأؼرلتن فً‏<br />

التوجّس؟!‏ أٌعنً‏ هذا أنن ال تزال تماتل للتخلّص من ماضٌن؟!‏<br />

أنا صدٌمن ‏ٌا ‏ٌوسؾ،‏ لمَ‏ ال تمول لً‏ ماذا ‏ٌجري فً‏ أعمالن،‏<br />

وهل ال تزال تهاجمن الصور اإلباحٌّة فً‏ اللٌل وترؼمن على<br />

التملّب فً‏ فراشن مانعة النوم من التسلّل إلٌن،‏ راحماً‏ إٌّان من<br />

االستسبلم إلى ضعفن الذي ‏ٌختبا وراء شعرن المملوء<br />

بالشٌب،‏ فتعود ؼصباً‏ إلى تلن الممارسة المراهمة؟!أنا صدٌمن<br />

نفسه وأستطٌع التؤكٌد لن أن هللا ‏ٌرفض أن ‏ٌسجنن فً‏ ثوب ك ‏ّل<br />

شًء فٌه عاهد ربّه برفضه أن ‏ٌرضع من ثديٍ‏ مشربب،‏ مهما<br />

كان سهل المنال.‏<br />

أنا ال أنكر أن بعضاً‏ من هذا ‏ٌحدث أو كلّه ال أدري.‏ ما أعرفه<br />

حماً،‏ إنً‏ أرفع سٌفً‏ وأضرب ‏ٌمنة وٌسرة،‏ ثمَّ‏ ألهمه وتمترب<br />

الدموع،‏ فؤُدرن أنً‏ ألاتل األشباح.‏ منذ أن صرخ ‏ُت فً‏ نفسً‏<br />

لاببلً‏ ‏ٌا لخٌبتن ‏ٌا ‏ٌوسؾ.‏ إذ إنن لم تعد لادراً‏ حتّى على<br />

االنتحار.‏ دعن من هذا ولل لً:‏ هل تذكر ذلن المسكٌن الذي<br />

لٌل إنه شنك نفسه بحبل الجرس؟ لمد شنموه ‏ٌا عزٌزي ورتب<br />

الموضوع بتدخلٍ‏ من ربٌس الجمهورٌّة لمنع انتشار الفضٌحة<br />

فً‏ أوساط األرثوذوكس.‏<br />

إن ما تمول شًء خطٌر.‏<br />

المسكٌنة اختفت.‏ لكنهم لم ‏ٌتمكّنوا بعد من المبض علٌها،‏ للبً‏<br />

‏ٌُحدثنً‏ أنها لم تعد فً‏ لبنان،‏ إن الحمٌمة كلّها معها،‏ وإنها<br />

الوحٌدة التً‏ تستطٌع توضٌح ما حدث.‏ لوال الشكون التً‏<br />

ٕٔٔ


تراودنً‏ لنمتُ‏ مرتاحاً.‏ لكنً‏ أظن فً‏ هذه اللحظات أنها لم تعد<br />

تستطٌع أن تثك بؤحد،‏ وخوفها ‏ٌكاد أن ‏ٌمتلها.‏ هل تستطٌع<br />

المساعدة ببطء وكتمان؟!‏ إن للحٌطان آذاناً،‏ لن أتلفظ بشًء<br />

حول تلن المضٌّة،‏ هل ‏ٌعرؾ ‏"محمّد"اللؽة الفرنسٌّة؟<br />

ال إنه سوري ولم تمكنه ظروفه من اجتٌاز الشهادة الثانوٌّة.‏<br />

كما أنه ال ‏ٌطٌك التفكٌر فً‏ السٌاسة.أنا أعرؾ أنه ‏ٌطفا النور<br />

فً‏ ؼرفته،‏ فبلحظتُ‏ أنه شؽوؾ بمشاهدة األفبلم اإلباحٌة.‏<br />

إنً‏ أشعر بؤنً‏ مرالب،‏ وأبذل جهداً‏ كبٌراً‏ كً‏ أبمى متماسكاً،‏<br />

ما أعانٌه لٌس أمراً‏ بسٌطاً.‏ لمد دخلتُ‏ الدٌر ألهرب من<br />

شٌاطٌنً‏ التً‏ ترلص ساعات متواصلة ‏"دابكة ‏"زاعمة فً‏<br />

داخلً‏ لٌل نهار،‏ أما أولبن الذٌن ‏ٌخرجون من مكامن ال أعرؾ<br />

أٌن هً،‏ فمد جعلونً‏ أظن أنهم ‏ٌتسلّلون من باطن األرض،‏<br />

وٌملكون الموّ‏ ة على التملص بحٌث ‏ٌستطٌعون الخروج من أٌّة<br />

فتحة،‏ ربما من فتحات المجارٌر لستُ‏ أدري،‏ إنهم ‏ٌبتسمون لن<br />

ابتسامة شٌطانٌّة شدٌدة اللإم،‏ وتخرج من عٌونهم إنذارات<br />

تحمل فً‏ طٌّاتها شإماً‏ ‏ٌلتصك بن بطرٌمة تدفعن إلى أن ترتعب<br />

وترتجؾ وٌستحٌل علٌن النوم،‏ كؤنها تُنبإن أن ‏ٌوم الذبح<br />

الترب،‏ وسنمزج دماءن بكمٌّة مناسبة من الكحول بحٌث نصل<br />

إلى ثمالة لم نخُض ؼمارها ‏ٌوماً.‏ كذلن سنستبدل الماء العذب<br />

بشرب دماء الخونة الذٌن ‏ٌتجرّ‏ إون على اختبلق الوشاٌات ضد<br />

أسٌادهم وأولٌاء نِعمهم.‏<br />

إنن تخٌفنً‏ ‏ٌا عزٌزي.هل األمر وصل إلى هذا الحد؟!‏<br />

ٕٕٔ


ألم تبلحظ أن الؽربان تمؤل بٌروت؟!‏ الشٌطان ال ‏ٌستطٌع<br />

التحول إلى حمامة بٌضاء نمٌّة،‏ إنها مخصّصة لتحمل الروح<br />

المدس،‏ وعندما تفعل ذلن تطٌر بطرٌمة مختلفة كً‏ تفهم الناس<br />

أنها تإدّي دوراً‏ خاصاً،‏ وعلى أجنحتها تنمل البشارة،‏ وتحذٌر<br />

أصحاب النواٌا المشكون بؤمرها بالمؽامرة بؤرواح الناس ممابل<br />

بضع دراهم من الفضة.‏<br />

هل ترٌد فعبلً‏ أن أتدخل فً‏ ذلن األمر بطرٌمة ما؟!‏<br />

إن كنت تطلب الحمٌمة ناصعة البٌاض؟!‏ دعنً‏ ألول لن:‏ إنً‏<br />

ال أعرؾ ما أرٌد حماً،‏ وربّما ال أرٌد من أحد أن ‏ٌتدخّل،‏ أنا<br />

ضابع تعب خابؾ مرتعب من أالّ‏ أراها بعد اآلن ‏.عندما عادت<br />

من دمشك كانت مضطربة للمة شاردة الذهن،‏ ولد اختفت<br />

االبتسامة من ثؽرها.‏ كان علً‏ أن أُعطٌها عنوانن.‏ لست أدري<br />

كٌؾ نسٌت ذلن؟!‏<br />

أتمازحنً‏<br />

أٌّها الراهب العتٌك.‏<br />

لمَ‏ تمول ذلن،‏ أتشن فً‏ نٌتً‏ الطٌّبة؟!‏<br />

بلى ‏ٌا عزٌزي.‏ إذ إنً‏ أشمّ‏ رابحة عشك عابمة،‏ وبدأت أخشى<br />

على روحن من النار التً‏ أراها تندلع فٌن،‏ وصار صعباً‏ علٌن<br />

إطفاإها.‏ من تحاول أن تخدع؟!‏ أظن أن العشك أربكن وأخذن<br />

إلى محاولة خداع هللا.‏ علٌن أن تتعرّ‏ ى أمام نفسن وتفكر<br />

بهدوء،‏ حتى تصل إلى معرفة الطرٌك الذي علٌن أن تسلكه.ال<br />

تمنع نفسن بؤنن لست جابعاً،‏ ولم ‏ٌعد فً‏ الدٌر طعام ‏ٌكفً.‏ لٌس<br />

ٕٖٔ


من المفترض أن ‏ٌمدم بٌت الرب ذلن النوع من الطعام.‏ إذ<br />

تستطٌع التؤكّد أن هللا سٌمبل لرارن وسٌساعدن،‏ كما سؤفعل أنا<br />

أٌضاً،‏ بعد الطعام الذي سٌؤتً‏ بعد لحظات،‏ سؤسعى كً‏ أبمٌن<br />

فً‏ ؼرفتن إلى السابعة مستمعاً‏ إلى ‏"فٌفالدي"الذي سٌساعدن<br />

على التفكٌر بروٌّة.‏<br />

لعلّنً‏ لد دخلت لعبة الشٌطان.‏<br />

ما تشاء.‏<br />

اردعنً‏ أرجون،‏<br />

المعنً‏ افعل<br />

لمَ‏ تطلب منً‏ ذلن؟!‏ أترٌد إلناعً‏ أنن انملبت فجؤة إلى إنسان<br />

عاجز عن إدارة حٌاته؟!‏ إن هذه األالعٌب التً‏ ترٌد منها توجٌه<br />

أنظاري إلى مكان آخر ال ‏ٌمكنها أن تنطلً‏ علًّ،‏ هل ترٌد<br />

متابعة ما بدأناه؟!‏ إنه ‏ٌتناول مستمبل حٌاتن،‏ وأنا فً‏ هذه<br />

اللحظات مدرن بكلٌتً‏ بما نفعل سوٌّة.‏ التلوّ‏ ي مثل تلن<br />

الرالصة التً‏ رفعت من سوٌّة الرلص الشرلً‏ مسؤلة ال<br />

أجٌدها،‏ وٌهمنً‏ أن تعتمد أنن كذلن أٌضا.‏ إن كٌانً‏ كلّه ‏ٌُإمن<br />

أن ذهنن مشوش ومرتبن،‏ ولو لم تكن كذلن،‏ لعرفت أن لٌس<br />

باستطاعتً‏ سلبن مسإولٌّتن عن نفسن.‏ إنن مدعو أٌها الصدٌك<br />

العزٌز فً‏ أسرع ولت ممكن إلى التخلًّ‏ عن الرهبنة،‏ وإنً‏<br />

أإمن أٌضاً‏ أن الربّ‏ لم ‏ٌخلمن كً‏ تإذي الكنٌسة وتهٌن ذاتن.‏<br />

أتمنّى أن تبحث فً‏ لاع أعمالن عن هدؾ آخر ‏ٌمكنن أن تجٌد<br />

مرالصته وٌمنحن فً‏ النهاٌة مؽادرة هذه الدنٌا تاركاً‏ بصمتن<br />

فٌها ال ‏ٌؽشوها أيّ‏ ؼموض.‏ أظن أنن ستسارع وتمول لً:‏ أنا<br />

ال أملن هدفاً‏ أعرفه،‏ ولد تتابع وتمول متجاهبلً:‏ من أٌن تؤتً‏<br />

بهذه األفكار،‏ وكٌؾ تعرؾ ما فً‏ داخلً،‏ ترى هل تتجول<br />

هنان؟!‏ ثك أنً‏ ال أدري إن كنت أملن فً‏ داخلً‏ شٌباً‏ ممٌّزاً.‏<br />

ٕٔٗ


ألٌس هذا بعض ما كان ‏ٌجول فً‏ أفكارن؟!‏ ال تجبنً‏ اآلن.‏<br />

امنحنً‏ متعة أن أعتمد أنن ستفكر فً‏ األمر بهدوء،‏ فالسرعة<br />

فً‏ اتّخاذ المرار فً‏ المضاٌا المصٌرٌّة تمود إلى التهلكة.‏ صلّ‏<br />

واطلب منه أن ‏ٌشٌر إلى الطرٌك التً‏ علٌن أن تسلكها.‏ أنتم<br />

الذٌن تنخرطون فً‏ الصلوات والتسابٌح تستدعون الحماسة<br />

وتؽالون فً‏ العبادات حتً‏ تصلون إلى اللٌل فتتسلّلون فً‏<br />

الخفٌة وتسبحون فً‏ نهر الوثنٌة الذي ‏ٌدرن أنكم تزحفون وراء<br />

الؽلو معتمدٌن أن هللا بحاجة إلى أن تركعوا وتصلوا حتّى<br />

الؽٌاب عن الوعً.‏ أنتم تُحزنون الخالك باالبتعاد عن مرامٌه.‏<br />

الرب لٌس سجاناً.لمد خلك اإلنسان وأعطاه حك التحرر منه إن<br />

كان ذلن ‏ٌسعده،‏ إنه ‏ٌنتظر عودتن لجادة الصواب دون أن<br />

‏ٌضع فً‏ وجهن العرالٌل،‏ أصػ إلى الرب وهو سٌهمس فً‏<br />

أذنن ما ‏ٌرتبٌه.‏<br />

ماذا تمول ‏ٌا ‏"زٌاد"؟!أتدعونً‏ لبلنضمام معن إلى<br />

الشٌطان؟!كٌؾ انزلمت وفهمت أنً‏ لد ألبل ذلن؟!‏<br />

إلى أٌن تنوي الوصول أٌّها الماكر؟!‏ متى ستكؾ عن المناورة<br />

دعنا نحتكم إلى هللا ونطلب إلٌه أن ‏ٌشٌر إلٌنا فرادى من هو<br />

الماكر ومن ‏ٌمصد الؽش فً‏ ولت لم ‏ٌعد للؽش أيّ‏ معنى.هٌا<br />

كؾّ‏ عن الهرب،‏ فهو ال ‏ٌلٌك بن،‏ ولن تصل بوساطته إلى أي<br />

مكان.‏ دعنً‏ أنهً‏ هذا الموضوع مإلّتاً‏ بالمول:‏ إن الجسد<br />

حمار ‏ٌركبه العمل.‏ هل ‏ٌعمل أالّ‏ ‏ٌتاح ألسمى نتاج للخالك سوى<br />

بهٌمة لٌمتطٌها؟!هل ‏ٌداخلن الشن بؤنً‏ أحاول االنسحاب من<br />

صدالتنا لسبب ما،‏ ماذا دهان؟!‏<br />

ٕٔ٘


لم أفكر بهذا مطلماً.‏ لمد تحدثنا كثٌراً‏ عن رأًٌ‏ فً‏ هذا<br />

الموضوع،‏ ولد أوضحت لن ما تمول أعمالً‏ فً‏ ذلن الصدد.‏<br />

لمد تبنٌت البتولٌّة ودخلت الرهبنه رؼم معارضة عابلتً‏ كلّها،‏<br />

إذ كانت ترٌدنً‏ أن أصبح طبٌباً.‏ سؤلول لن شٌباً‏ ال تعرفه ولد<br />

تستؽربه:‏ أثناء المنالشات التً‏ خضتها مع أبً‏ دفاعاً‏ عن<br />

رؼبتً‏ فً‏ تسلٌم نفسً‏ للدٌر واالنصراؾ إلى الترهبن تعبٌراً‏<br />

عن اصطفافً‏ مع كل الذٌن ‏ٌسعون إلى خدمة الرب متحلّ‏ ‏ِلٌن<br />

من كل ارتباط.‏ لاطعنً‏ أبً‏ بابتسامته التً‏ ال ‏ٌمكن أن تعرؾ<br />

إن كانت حانٌة أم هازبة ولال:‏ كل العابلة واألصدلاء ‏ٌعرفون<br />

أنن مرؼوب من النساء كما ترؼب بهم وأكثر.‏ هنَّ‏ ال ‏ٌستطعنَ‏<br />

المماومة وأنت ضمناً‏ كذلن،‏ لكنن تُظهر عدم اهتمامن وتبرّ‏ من<br />

وحٌرتن،‏ إنن تملن كبد الحٌلة ومع الولت صار االحتٌال<br />

‏ٌسري مع أنفاسن،‏ وباعتبارن صرت مجبوالً‏ بملب الحمابك<br />

واألبرع فً‏ تمثٌل دور البريء المظلوم،‏ استطعت إلناع الناس<br />

أنن تجهل ما ‏ٌجري فً‏ داخلن وال ذنب لن فٌما ‏ٌحصل.‏ فً‏<br />

المحصّلة ‏ٌصبح مفهوماً‏ لمَ‏ تنجح مع النساء أكثر ممّا تستطٌع<br />

خداع الرجال.‏ من المعروؾ أنن وأنت لم تتجاوز بعد الخامسة<br />

والعشرٌن عاماً‏ عمت شهرتن ‏"الكازانوفٌّة"‏ أرجاء سورٌة<br />

ولبنان ‏.إذا كنت ترٌد تكذٌبً‏ فؤنا جاهز لسماعن؟!‏<br />

‏)ال ‏ٌا أبً،‏ أنا أرؼب فً‏ سماع كل ما ‏ٌهمّن أن تمول.(‏<br />

)‏ إن دخولن فً‏ الرهبنة بما أنت علٌه سٌزٌد من فوحان شبمن.‏<br />

إلى أن ‏ٌتجمّع كلّ‏ من ال تطٌب له تلن الرابحة،‏ فٌمومون بركلن<br />

على لفان بسهولة.(‏<br />

ٕٔٙ


ٗٔ<br />

فً‏ تلن اللٌلة كان اللماء طوٌبلً.‏ لم اضطر إلى الطرق على<br />

باب ؼرفته.‏ إذ كان ‏ٌنتظرنً‏ فً‏ الردهة ‏ٌبلعب مسبحته ‏ٌدخن<br />

شارد الذهن حزٌناً.‏ لم أجلس،‏ لكنً‏ سارعتُ‏ إلى المول مبتسماً:‏<br />

ماذا بن؟!‏ نطمت بتلن األحرؾ الملٌلة بطرٌمة إٌمابٌّة تإكّد أن<br />

الصلة المابمة فٌما بٌننا ال ‏ٌمكن أن ‏ٌزحزحها أحد أو حدث.‏ ع ‏َّل<br />

ذلن ‏ٌخفّؾ بعضاً‏ من لسوتً‏ لبل الطعام وبعده.‏ لم أستطع<br />

االستمتاع بمٌلولتً‏ وأنا أفكر فٌما كان وراء تشدّدي بعد ذلن<br />

باالنمطاع الطوٌل عن عدم اللماء المسري بٌننا،‏ ولمَ‏ دفعته<br />

بفظاظة إلى الطرٌك المسدود،‏ وحشرته فً‏ زاوٌة من الصعب<br />

الخروج منها دون أن ‏ٌزداد وضعه حراجة.‏ فً‏ الحمٌمة كنت<br />

مرتبكاً،‏ فجلست على األرٌكة المرٌبة وللت:‏ لم أسمع جواباً،‏ لمَ‏<br />

أنت حزٌن،‏ أال تنوي المٌام؟!‏<br />

ترى هل سنموم حماً؟!‏ وهل ستموم سورٌّة الحبٌبة من كبوتها؟!‏<br />

وتحاسب الذٌن اضطهدوها من أولبن الذٌن ربّتهم وأطعمتهم<br />

وكستهم ومن الدخبلء والطامعٌن والمندسٌّن؟!‏ لم أستطع أخذ<br />

لٌلولتً‏ بعد ظهر أمس.‏ إذ رأٌت عبر ‏"التلفٌزٌون"‏ أو فً‏ ؼفوة<br />

صؽٌرة لم أشعر بها مدٌنة كبٌرة تدمر بالمدفعٌّة والطابرات،‏<br />

وكانت النٌران تشتعل فً‏ كلّ‏ أنحابها،‏ والؽبار ‏ٌؽطً‏ حمٌمة ما<br />

‏ٌجري.‏ لكن الكهرباء انمطعت فً‏ تلن اللحظة فضاع حمٌمة ما<br />

رأٌت وهل كان حلماً‏ أم م ‏ّر عبر ‏"التلفٌزٌون"‏ ونسٌتُ‏ أننا ال<br />

نملن واحداً‏ فً‏ الدٌر بمٌت فترة أفكر ب ‏"ستالٌنؽراد"‏ ترى هل<br />

عملً‏ الباطن كان ‏ٌرى فلماً‏ عن لصؾ تلن المدٌنة بالمدفعٌّة؟!‏<br />

ٕٔ7


إن ما تموله ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث لكثٌرٌن.‏ لكن لٌس من شؤنن فً‏<br />

هذه اللحظات أن تفكّر فً‏ هذه األمور.‏ إذ سٌبمى علم النفس<br />

ؼٌر ممسن بالزمام فترة زمنٌة ال أستطٌع التكهن بمدتها.‏ ثم إنها<br />

الحرب وهً‏ بطبٌعتها دون شنّ‏ وحشٌّة وال تكسب بالمبل أو<br />

بمبادئ المسٌح.‏ إنن بالتؤكٌد لم تؤ ‏ِت إلى بٌتً‏ ألذبحن،‏ بل<br />

ألعطٌن مزٌداً‏ من الحب والدعم.‏ أعتمد أنه من أجل ذلن وجد<br />

األصدلاء.‏ دعنا ممّا ‏ٌجري حولنا،‏ واسمح لنا بمعالجة مشاكلنا<br />

الخاصة.‏ أترٌد أن أدعمن ضد ‏"البطرن"؟!‏ أنا أفعل ذلن<br />

بالفعل.‏ لمد أطلعنً‏ األسمؾ على مسودة المرار الذي كان<br />

سٌولّعه ‏"البطرن"‏ بعد عودته من زٌارته أل ‏ِمرٌكا،‏ أي بعد ألل<br />

من أسبوعٌن.‏ البطرن كان لد طلب طردن من الدٌر على<br />

الفور،‏ وأن ‏ٌكون فً‏ لرار ربٌس الدٌر الطلب من البطركٌّة<br />

حرمانن من االنتساب إلى أ ‏ّي مكان كنسً‏ تمتدّ‏ إلٌه السلطة<br />

البطركٌّة.‏ دعنا نكمل هذا الحدٌث أثناء العشاء.‏ علٌنا أن<br />

نستعمل اللؽة اإلنكلٌزٌّة كً‏ ال ‏ٌتسرّ‏ ب شٌباً‏ من حدٌثنا إلى<br />

الؽٌر احتراماً‏ للبطركٌّة.‏<br />

الحمٌمة إنً‏ جابع،‏ ولكنً‏ أشعر بؤن علًَّ‏ الرد على الممطع<br />

األخٌر الذي للته هل تملن التراحاً.‏<br />

ال أعتمد ذلن.‏ الشتابم<br />

ممنوعة فً‏ هذا البٌت.‏<br />

حسناً،‏ انتظرنً‏ لحظة.‏<br />

أسرع الراهب إلى ؼرفته وعاد بعد ثوانٍ‏ لاببل:‏ فعلتها.‏<br />

ٕٔ8


هل فتحت النوافذ.‏<br />

ال،‏ لمد نسٌت.‏ <br />

‏ٌبدو أن سكوت العالم كلّه ‏ٌخفً‏ اشتراكاً‏ فً‏ مإامرة عالمٌّة<br />

عن سابك تصور وتصمٌم.‏ ولٌس عجزاً‏ كما جرّ‏ بوا أن ‏ٌمولوا.‏<br />

ما ‏ٌرعبنً‏ أنً‏ ال أعرؾ إلى متى ‏ٌستطٌع هذا الشعب العظٌم<br />

أن ‏ٌصمد؟!‏ فعامل الزمن ربّما كان لادراً‏ على ضخِّ‏ الجرأة فً‏<br />

الصامتٌن وٌكون لهم صوت مسموع.‏<br />

أكنت مزعجاً‏ فً‏ طفولتن؟!‏<br />

سؤحاول أن أجٌبن عن األسبلة التً‏ لم تسؤلها واستبدلتها بهذا<br />

السإال السخٌؾ وال تزال تخشى أالّ‏ تصٌب الهدؾ وٌبعدن عن<br />

مرامٌن.‏ أعتمد أنن ترٌد الهرب بؤيّ‏ ِ طرٌمة،‏ علّن تتجنّب<br />

إعطاء أي جواب مُلزم.‏ الحجارة التً‏ تسببت فً‏ تعثّرن فً‏<br />

ذلن الطرٌك الضٌك لم علٌن اختٌارها كوسٌلة للفرار مهما كان<br />

مإلّتاً،‏ ربّما كان من األفضل علٌن انتماإه للخروج لسراً‏ إلى<br />

النور.‏ البتولٌّة خبلل التارٌخ أثبتت أنها ؼٌر إنسانٌّة.‏ فما وضعه<br />

الرب فً‏ جسد اإلنسان ‏ٌحمل أهدافه معه وبحٌث ‏ٌتوافك مع<br />

خطّة الخالك لهذا الكون.‏ وفً‏ أثناء ذلن كان علٌن أن تتجنّب<br />

إعطاء دروس فً‏ األحاسٌس والمشاعر.‏ وفر هذا الجهد لتوجّه<br />

ناظرٌن إلى للبن وما تعلّمته من الحٌاة.‏ هل علٌن االستمرار<br />

فً‏ عٌش حٌاتٌن،‏ إحداهما فً‏ الكنٌسة واألخرى فً‏ الماخور؟!!‏<br />

أٌن ذكاإن اللماح،‏ أٌن فكرن المستنٌر؟!‏ أٌن تلن الومضات<br />

التً‏ جعلتن مختلفاً؟!نحن أطباء النفس نبحث ونسؤل عن أدق<br />

ٕٔ9


التفاصٌل،‏ علٌنا أن نعرؾ ونلمس إن أمكن،‏ ما تنطوي علٌه<br />

النفس البشرٌّة،‏ وماذا واجه المرٌض فً‏ تلن الحٌاة التً‏ عاشها<br />

ذلن اإلنسان الذي ‏ٌستلمً‏ اآلن أمامنا وهو ال ‏ٌشعر بنا.‏ إن<br />

مهمتنا النبش فً‏ ذاكرته أحٌاناً‏ بطرح أسبلة لد تحٌّره وٌراها<br />

خارج السٌاق،‏ نحن ال ‏ٌهمّنا كٌؾ ‏ٌرى هو األمور.إننا نمول له:‏<br />

أنت لجؤت إلٌنا وعلٌن أن تضع ثمتن كلّها بٌن أٌدٌنا.‏ ‏ٌبمى<br />

سإال من سٌُمنع تلن العمول التً‏ تسخر من ؼٌر المربً؟!‏<br />

دعونا نضع كلّ‏ االعتراضات جانباً‏ ونركز على ذلن المرٌض<br />

الذي ‏ٌعتمد أنه لٌس على ما ‏ٌرام.‏ إننا نطلب منه أن ‏ٌتابع<br />

الحدٌث عن كلّ‏ ما ‏ٌخطر بباله،‏ عن نفسه وما جعلها تشكو،‏<br />

وإذا كان ال ‏ٌعرؾ،‏ علٌه أن ‏ٌحاول المول لنا مما تشكو ومتى<br />

‏ٌحدث ذلن؟!‏ ربما لم ‏ٌنسنا بعد تماماً.‏ لكن بعد فترة ‏ٌكون لد<br />

ؼبنا عن شرٌط ذاكرته وبدأ ‏ٌنتمل من موضوع إلى آخر<br />

بطرٌمة مفكَّكة أكثر وأكثر.‏ سنعٌد أسبلتنا التً‏ فشلنا فً‏ استنباط<br />

شًء منها لٌس علٌنا المبالؽة فً‏ النبش م ‏ّرة بعد مرّ‏ ة.‏ بل علٌَّنا<br />

أن نعمل بعٌداً‏ عن المرٌض،‏ ونستمع إلى الشرٌط الذي سجلنا<br />

به حدٌثه عن نفسه.‏ إذا كان الطبٌب مخلصاً‏ ستكمن مؤساته فً‏<br />

هذا المولؾ،‏ عندما ‏ٌستمع وحده إلى حكاٌات متداخلة من هنا<br />

وهنان،‏ وعلٌه تفكٌكها وإعادة تشكٌل جملها كما ‏ٌرى أنها تمدم<br />

له معانً‏ مترابطة ‏ٌمكنها أن تمول:‏ إنً‏ نتاج تفكٌر مثمؾ ال<br />

‏ٌزال ‏ٌبؽً‏ أن ‏ٌلتؾَّ‏ وٌخفً‏ ما ‏ٌمكنه بٌن األسطر،‏ أو التنالض<br />

بٌن الكلمات.‏ إذ لٌس الكثٌرون من ‏ٌدركون أن التضاد لطالما<br />

كان ؼٌر حمٌمً‏ فً‏ العمك وٌخفً‏ فخاخاً‏ جمّة.‏<br />

سمعاً‏ وطاعةً.‏ ترى ماذا ‏ٌحدث فً‏ حٌاتن،‏ إذ إنً‏ لم أعهدن<br />

ولحاً‏ ال ‏ٌهاب االلتحام.‏<br />

ٕٕٓ


ربّما تكون محماً‏ سامحنً‏ أرجون.‏ لم أكن أنوي الذهاب بعٌداً‏<br />

لكن ما فعلته أنً‏ للتُ‏ لدمحم أن ‏ٌبتعد للٌبلً‏ عن المكان الممصود<br />

كً‏ أنهً‏ ما بدأتُ‏ أشرحه.‏ إنه مطعم جدٌد مؤل األشرفٌة بهجة<br />

وحبوراً.‏ ها لد وصنا إلى حٌث العرق ‏ٌؽلً‏ حٌن نبرّ‏ ده،‏ ث ‏َّم<br />

تظهر أشهى المؤكوالت السورٌّة واللبنانٌّة.‏ إنً‏ ال أرى فرلاً‏ فً‏<br />

الحمٌمة.‏ اآلن لل لً:‏ هل كنتَ‏ تبحث عن طرٌمة لبلنتمام منً‏<br />

ألنً‏ استطعتُ‏ أن أكشفن أمام نفسن.‏ ماذا حدث للراهب الذي<br />

ارتكب كلّ‏ هذه المعاصً‏ وال ‏ٌزال.‏ أعتمد أننا جمٌعاً‏ نعرؾ<br />

أكثرها،‏ وأصبحت جزءاً‏ من ثمافتنا المتداولة ولٌس التً‏ نضعها<br />

موضع التنفٌذ.‏ أما تلن التً‏ ال نعرؾ عنها شٌباً،‏ ‏ٌتداولونها<br />

وٌنفّذونها فً‏ األمكنة السرّ‏ ‏ٌة فهً‏ مخصّصة لكبار رجاالت<br />

الببلد بعد بذل الجهد الكبٌر لحماٌة أمن الببلد والمواطنٌن.‏ ال<br />

‏ٌخلو هذا األمر من كل ببلد العالم.‏ أرجو من الجمٌع أالّ‏ ‏ٌنزهوا<br />

أنفسهم من ارتكاب الموبمات،‏ وٌسخروا من كلّ‏ الذٌن ‏ٌعتمدون<br />

أنه ارتكب الكثٌر منها وٌبحثون عن خٌط ‏ٌوصل إلى دلٌل ‏ٌثبت<br />

ذلن.‏ لن ألول إنه بحوزتً.‏ إذ إنً‏ مهما حدث لن أكون من<br />

‏ٌخرج ذلن الفٌلم اإلباحً‏ وٌعرضه على المؤل.‏ كما أنً‏ أعرؾ<br />

الكثٌر من المبلبكة لم ‏ٌكونوا ‏ٌوماً‏ مبلبكة وال حمامة بٌضاء<br />

تحمل الروح المدس.‏<br />

كان علٌنا أن نجلس بعد أن الحظتُ‏ أن ربٌس الندل ظلّ‏ والفاً‏<br />

مبتسماً‏ دون أن ‏ٌُظهر أٌّة نٌّة بمماطعتنا.‏ فابتسمتُ‏ له لاببلً:‏<br />

أعتمد أن هذه الزاوٌة رابعة.‏ أنجلس هنا أٌها السٌد؟<br />

إذا كنتما مرتاحٌن إلى هذا المكان فهذا سٌسرنً.‏<br />

ٕٕٔ


حٌنما جلسنا متمابلٌن ابتسمتُ‏ وللتُ‏ : دعنً‏ أسؤلن هل تنكر أنن<br />

ألسمت على انضباطن والتزامن بتارٌخ الرهبنة ولوانٌنها<br />

وأسباب نشوبها.‏ ألم تعتمد أن الروح المدس كان حاضراً‏ كلّ‏ هذه<br />

المراسٌم.‏ دعنً‏ أنصفن وألول:‏ إنً‏ أعرؾ صدٌمً‏ جٌّداً‏<br />

وأدرن أنه من أكثر محاربً‏ الشٌطان شراسة،‏ ولكنه لم ‏ٌإمن<br />

‏ٌوماّ‏ أن الجنس خارج الزواج محرّ‏ م إذا حصل بإرادة الطرفٌن.‏<br />

أنا من صمٌمً‏ أُوافمه تماماً‏ على ذلن.‏ ولكن أمام من ‏ٌرٌد أن<br />

‏ٌمؾ وٌمول محاوالً‏ اإللناع أن من حمه رفض البتولٌّة رؼم أنها<br />

إحدى ركابز وأسس تنظٌم الرهبنة وربما تكون من بعض<br />

ؼاٌات نشوبها؟!‏ أربكنً‏ ‏ٌوسؾ عندما خبط بمبضته الطاولة<br />

ولال:‏ لماذا تكون أسباب نشؤة الرهبنة أو ؼاٌة من ؼاٌاتها؟!‏<br />

كٌؾ ‏ٌحشو هللا اإلنسان بالهرمونات وٌمنحه أعضاءً‏ جنسٌة<br />

وٌطالبه بعد كل ذلن بؤن ‏ٌعتنك البتولٌّة؟!‏ هل نتعامل مع<br />

الخرافات هنا ؟!‏ هٌا أجبنً،‏ هٌا لل لً‏ ال أحد ‏ٌعرؾ خطّة<br />

الرب.‏ لمد سمعت ‏ٌوسؾ ‏ٌعترض بشكل سافر على خطّة هللا.‏<br />

إذاً‏ تخلّص من هذه الثٌاب التً‏ لم تعد تخصّن،‏ وخذ ثٌابن<br />

التً‏ ال نزال نحتفظ بها.‏ ال نرٌد أن نطردن،‏ فهذا سٌثٌر الكثٌر<br />

من التموالت التً‏ ستضرّ‏ بالجمٌع،‏ خذ أنت زمام المبادرة<br />

واخرج من باب السجن المفتوح دابماّ.‏ لكن صدّلنً‏ فؤنا أعرؾ<br />

ما ‏ٌدور فً‏ كوالٌس الدٌر.‏ أنا صدٌمن أرجون دعن من<br />

المكابرة والعناد التافه،‏ وانمر على باب ؼرفة الربٌس،‏ وادخل<br />

مبتسماً،‏ ولبل ‏ٌده لاببلً:‏ صلّ‏ من أجلً‏ ‏ٌا أب ‏ِت واعطنً‏ بركتن.‏<br />

هل كنت ستصدّلنً‏ لو أرسلت لن رسالة توضح ما كنت أسمعه<br />

من مكتب الربٌس ومن البطركٌّة فً‏ دمشك.‏ سؤفعل ذلن إن<br />

كن ‏َت ترٌده فعؤلً‏ وأطلب من ربٌس الدٌر أن ‏ٌولع إلى جانبً.‏<br />

سٌكون لن هذا لرٌباً.‏<br />

ٕٕٕ


‏ٌبدو أن أخطابً‏ ساعدت الجمٌع على هزمً،‏ حتّى وصلت<br />

لكمة لوّ‏ ‏ٌة على فكًّ‏ األٌمن وأخرجتنً‏ من الحلبة كلّها،‏ إلى أن<br />

استفمت بٌن أحضان الجمهور مبهوتاً.‏<br />

كفان تملصاً،‏ إذ لٌس علٌن إالّ‏ اتّخاذ المرار المناسب بسرعة.‏<br />

الكبلم الذي ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته معانً‏ مختلفة،‏ وٌتوجه إلى عدة<br />

إتّجاهات،‏ ‏ٌوحً‏ بؤنن ال تزال متشبّث بمكانن وتماطل لتجد<br />

طرٌمة أخرى للبماء.‏ أركان الدٌر أخذوا لرارهم والولت ‏ٌداهمن<br />

خذ بعض الولت فً‏ التفكٌر.‏ ث ‏َّم تصرّ‏ ؾ بما ‏ٌُملٌه ضمٌرن.‏<br />

المماطلة ستمودن إلى خسارة كلّ‏ شًء.‏ إن مصدالٌّتن ستكون<br />

لرٌباً‏ على المحن.‏ لل لً‏ هل أعجبن المكان الذي<br />

اخترته؟!سترى بعد للٌل حسن إعداده للطعام،‏ وطرٌمة تمدٌمه<br />

على المابدة ونظافته البادٌة للعٌان وبعض الزٌنة التً‏ لٌس فٌها<br />

مبالؽة.‏<br />

إنه ‏ٌبدو رابعاً.‏ لكن النادل تؤخر فً‏ جلب العرق الذي أشتهٌه<br />

بكل جوارحً،‏ ولد ‏ٌم ‏ّكننً‏ من رإٌة المولؾ الذي علًّ‏ اتّخاذه.‏<br />

ثمَّ‏ أنً‏ أرى بوضوح أن عبللتن باألرض التً‏ تمؾ علٌها،‏<br />

أصبحت وثٌمة وأكثر إنسانٌّة وصدلاً.كٌؾ وصلت إلى هذا؟!ولمَ‏<br />

اعتمدتَ‏ دابماً‏ أن عبللتن بؤمن كانت كابوساً‏ ‏ٌإرّ‏ ق لٌالٌن<br />

وٌمنعن من التنفس؟!‏ رؼم أن المرٌبٌن والممرّ‏ بٌن كانوا ‏ٌجدونن<br />

ؼارلاً‏ فً‏ الخطؤ والخطٌبة.‏<br />

ألم نبتعد كثٌراً‏ عن الولت المناسب لهذا الحدٌث؟!‏<br />

ٕٕٖ


ربّما،‏ ولكنه موضوع<br />

إعادة فتحه.‏<br />

ال ‏ٌزال فً‏ ؼاٌة األهمٌّة ومن الواجب<br />

فً‏ عٌد مٌبلدي الذي أشار إلى أنً‏ دخلت فً‏ األربعٌن من<br />

عمري احتفلت مع والدتً‏ فً‏ الثامنة صباحاً‏ وشربنا سوٌّة<br />

الشامبانٌا فً‏ ذلن الولت المبكر ؼٌر المؤلوؾ.‏ بعدها تحول<br />

االحتفال إلى جلسة صاخبة،‏ ظهر فٌها ‏"عنترٌات"‏ من الطرفٌن<br />

تعرّ‏ فت فٌها على الملٌل جداً‏ من أخبار أبً‏ التً‏ أفرجت عنها<br />

أمً‏ فً‏ لحظة ؼضب صارخ سبّبتها سخافتً‏ التً‏ أوضحت لً‏<br />

أننً‏ لد ال أخرج من طفولتً‏ ‏ٌوماً.‏ فً‏ األٌام التً‏ تلت ذلن<br />

بدأت أسؤل الذي ‏ٌعرفوننا وبموا أحٌاء،‏ وٌدركون ما لد تسببه<br />

الكَشؾ عن سرٌّة تلن األسبلة ونوعٌّتها التً‏ لد تدمر الكثٌر من<br />

العبللات.‏ لكنً‏ خرجتُ‏ من تلن المعاناة مكتشفاً‏ أنً‏ حظٌ‏ ‏ُت<br />

وكنت أحظى طول الولت بؤم للّ‏ مثٌلها،‏ لم أفاجؤ لكنً‏ امتؤل ‏ُت<br />

خزٌاً‏ وعاراً‏ من كثرة ما أسؤتُ‏ لتلن المرأة العظٌمة التً‏ بذلت<br />

حٌاتها من أجلً‏ بكل ما تحمل تلن الجملة المفٌدة من معنى،‏<br />

وضؽطتْ‏ على كلّ‏ من ‏ٌعرؾ الملٌل حتّى ال تصاب شخصٌتً‏<br />

بؤيّ‏ جرح مهما كان طفٌفاً.‏ أما الكوابٌس التً‏ لرأتم عنها،‏ فكنت<br />

أختلمها كً‏ أحصل على المزٌد من التعاطؾ التً‏ كانت<br />

شخصٌّتً‏ الهشّة بحاجة إلٌه،‏ أظن أنها كانت تبحث عن التماسن<br />

ولم تصل إلٌه.‏ لستُ‏ أدري حماً‏ فً‏ ذلن الحٌن إن كنت أدرن<br />

جٌّداً‏ أٌاً‏ من الشخصٌّتٌن كنت أفضّل؟!‏ ترى هل كنت أرٌدها<br />

أن تكون دابماً‏ بالمرب منً؟!‏ العودة إلى نفسً‏ تمترب من حاجة<br />

المدمن إلى المورفٌن.‏ لكنً‏ مع األسؾ كنت أعتمد أن فً‏<br />

أعمالً‏ لوة لادرة على التخلّص من اإلدمان،‏ الذي ال بد أن ‏ٌجر<br />

اإلنسان إلى وضع تربؤ بنفسن أن ترى عدوّ‏ ن فٌه.‏ كً‏ أنهً‏<br />

ٕٕٗ


هذا الموضوع الممًء ألول:‏ إن كلّ‏ مضاٌماتً‏ المستمرّ‏ ة ألمً‏<br />

كانت مفتعلة إلثبات رجولتً‏ لها.‏ لكن تلن المرأة العظٌمة كانت<br />

تجٌبنً‏ باالبتسام.‏ كانت تعنً‏ أنها ال تزال على لناعتها تاركة<br />

بٌن شفتٌها شٌباً‏ ‏ٌدعونً‏ إلى الصبلة باستمرار من أجل أن ‏ٌشدّ‏<br />

هللا من أزري وٌزٌل طفولتً‏ عن كتفًّ.‏<br />

أعتمد أنن كنت تعرؾ الكثٌر ممّا كنتُ‏ أعانٌه.‏ وهنا ال بدّ‏<br />

من توجٌه الشكر الكبٌر لن،‏ ألنن رفضت دابما التدخ ‏ّل فً‏<br />

شإونً‏ أو توجٌه أٌّة مبلحظة أو نمد مهما كان بسٌطاً.‏ دعنا<br />

نتابع ما كنا نتحدث فٌه وألول:‏ ال تختصر الحٌاة بالمضاجعة،‏<br />

وال فً‏ فتح المجال إلضحان اآلخرٌن أو الهزء منهم.‏ أعتمد أن<br />

بعض ما حدث كان من تراكم الحٌاة الفظ والمتنالض الذي<br />

‏ٌخرج الكثٌرٌن عن صوابهم فً‏ أحٌان عدٌدة.‏ ثم ال تنس أننً‏<br />

عشت ما ‏ٌمارب السنة وأنا أرى الوحوش تهاجم وطننا وتمعن<br />

فً‏ تمزٌمه ونهشه.هل نسٌت أنن من البلذلٌّة أم إنن تفكر فً‏<br />

االنفكان عن وطنن؟!‏ أم إنن دخلت مع فكرن المشوش إلى<br />

وضع ال تحسد علٌه،‏ وال تعرؾ حمٌمة ما تمول رؼباتن<br />

الداخلٌّة؟!‏ أنصحن أن تخلد إلى النوم،‏ وتعزل نفسن عن العالم<br />

الخارجً‏ بضع أٌّام حتّى ال تجد نفسن منخرط فً‏ سفن دم<br />

عابلتن كلّها؟!‏ إنً‏ أممت االنتحار ولكنً‏ فً‏ تلن الساعة<br />

سؤشجّعن كً‏ تبادر إلى فعل ذلن ألنً‏ لست لادراً‏ أن أران<br />

مجنوناً‏ بمٌّة العمر.‏ رؼم معرفتً‏ ببراعتن بالتهكم أو عدم<br />

المباالة وهنا ال تمصد عدم االهتمام أو عدم المباالة بل تمصد<br />

المدٌح المتخفًّ‏ وراء شٌاطٌنن ضامراً‏ أنن ألوى منها وأكثر<br />

خباثة ناسٌاً‏ أنً‏ صدٌمن الوحٌد،‏ وإننا نبحت موضوعاً‏ بالؽاً‏ فً‏<br />

جدٌّته.‏<br />

ٕٕ٘


إنن تتسرع أحٌاناً‏ وتمول بعض األمور دون أن تكون مستنداً‏<br />

إلى معلومات حمٌمٌّة.‏ فً‏ الدٌر ‏ٌا عزٌزي تُطفؤُ‏ األنوار فً‏<br />

التاسعة مساء،‏ ولٌس هنان ‏"تلٌفزٌون ‏"لنجتمع حوله ونرى ما<br />

‏ٌحدث فً‏ هذا العالم.‏ لم تطؤ لدماي بٌروت منذ سنة تماماً‏ كٌؾ<br />

لً‏ أن أعرؾ إلى أٌن آلت األمور؟!‏<br />

<br />

هل كنت ترٌد فً‏ تلن األولات أن تطّلع على ما ‏ٌجري؟!‏<br />

لمَ‏ ال؟!‏ هل تظننً‏ مجنوناً،‏ وال أهتم بالفِكَر التً‏ تتداول فً‏<br />

أرجاء المعمورة؟!‏ ستكون سخٌفاً‏ إذا مرّ‏ فً‏ ذهنن أنً‏ أصبح ‏ُت<br />

أضرب عرض الحابط بك ‏ّل شًء.‏<br />

أنا آسؾ،‏ ربّما ظلمتن.‏<br />

ال لٌس ربّما،‏ لمد ظلمتنً‏ كثٌراً،‏ أنا لم أعد أستطٌع أن أعٌش<br />

فً‏ المدن،‏ أترٌدنً‏ أن أجلس فً‏ المماهً؟!هل سٌعجبن شكلً‏<br />

عندما ترانً‏ أرالب مإخّرات النساء؟!سؤؼلً‏ وأفور هنان،‏ ولد<br />

أُؼرِ‏ ق من حولً‏ بما ال ‏ٌزول بسهولة،‏ وعندبذ ال أحد سٌعرؾ<br />

ماذا سٌحدث وإلى أٌن سٌإول إلٌه مصٌري.ألن تكون مسإوالً‏<br />

بطرٌمة ما،‏ إذا جرى ما لم ‏ٌكن فً‏ الحسبان.ال ألول هذا رداً‏<br />

على ما أوردته من حمابك.‏ لكنً‏ أصبحت فً‏ مؤزق حمٌمً.إذ<br />

إنً‏ لم أعد أستطٌع أن أبمى راهباً،‏ وال أن أمضً‏ ولتً‏ فً‏<br />

التسكع،‏ أو أعمل كتاجر ‏"شنطة".‏ مرة فً‏ بدء شبابً‏ لال لً‏<br />

أبً‏ لمَ‏ ال تنخرط فً‏ تسوٌك منتجاتً‏ الزراعٌّة؟!إن هذا األمر<br />

سٌدر الكثٌر من المال،‏ نعم هكذا دخلنا فً‏ جدل عمٌم<br />

ٕٕٙ


أترٌد أن أصبح تاجراً؟!‏<br />

أرى أنن تمول ذلن مستنكراً!‏<br />

<br />

بل أنا أحتمر ما تعرضه علً‏ ‏ٌا أبً.‏<br />

دعنً‏ أفهم ما تمول،‏ أتحتمر الوسٌلة التً‏ أمّنت لكم العٌش<br />

الكرٌم؟!من أٌن تعلمت كلّ‏ هذه السخافات؟!ترى أتتمرد من أجل<br />

التمرّ‏ د؟!‏ أم إنن تهوى المبالؽة من جملة األمور التً‏ تهواها.‏ أنا<br />

أتؤلم ألن ابنً‏ ال تموده ثمافته،‏ وما دفعته من مال من أجل أن<br />

‏ٌصبح رجبلً‏ حمٌمٌاً‏ ذهب هباء.‏ أنا ال أعبد ربٌن كما نهى<br />

المسٌح،‏ حاشا،‏ لكننً‏ أحزن عندما ال ‏ٌمدر اآلخرون الجهد الذي<br />

بذلته للحصول على المال.‏ لمد حصلت علٌه ألُسخّره لخدمتً‏<br />

والحتٌاجات عابلتً.‏ هٌا أٌها المثمّفون ابت ‏ِدعوا طرٌمة أخرى<br />

نبٌع فٌها منتجاتنا،‏ و نشتري بها أٌضاً‏ منتجات اآلخرٌن.أنت ال<br />

تزال مراهماً‏ ثمافٌّاً،‏ وستبمى كذلن جنسٌّاً.‏ ‏ٌا للخٌبة التً‏ أعٌش<br />

فٌها؟<br />

إنً‏ أعتذر ‏ٌا أبً،‏ صدلنً‏ لمّا ألول لن:إنها مسؤلة لناعة<br />

راسخة تشؽل كٌانً.أنا لست متمرّ‏ داً‏ وال أرٌد أن أخرج عن<br />

طاعتن.‏<br />

لكن ما هذا الكبلم الذي سمعته عن احتمارن لما عرضته<br />

علٌن.‏ هل احتمر المسٌح التجارة والصناعة،‏ فؤنت عندما تصنع<br />

األشٌاء تبٌعها،‏ وتترن لضمٌرن تمدٌر مدى ربحن العادل،‏ دون<br />

هذا التبادل لثمن الجهد لمات مبات المبلٌٌن جوعاً.‏<br />

ٕٕ7


ما تجذّر فً‏ داخلً‏ أصبح صخرة حمٌمٌّة ‏ٌُمكنها المماومة<br />

والبصك على المكر والمكابرٌن.‏ لكن الثمافة ال تنتج<br />

بل أُناس متعدّدي اآلراء متماربٌن أحٌاناً،‏ ومتباعدٌن أحٌاناً‏<br />

أخرى.هذا ما ‏ٌعطً‏ العالم نكهات مختلفة،‏ وتحفٌزاً‏ محموماً‏<br />

للسباق نحو األفضل كً‏ ‏ٌتجدد الوجود وٌعطً‏ األفك أبعاداً‏<br />

أكثر اتساعاً‏ وألواناً‏ تحمل فً‏ طٌّاتها صراخاً‏ ‏ٌنبا بحضارة<br />

تحاول رفع العالم إلى مكان ال ‏ٌخدش العٌنٌن إبهاره وال إلى أي<br />

مكان خُوّ‏ ل ارتماءه.‏ نعم ال بدّ‏ من ضخ الطالة فً‏ آلٌة تؽٌٌر هذا<br />

العالم.‏ أال ترٌد أٌّها الكابن أن ‏ٌتمدم الطب وٌموم بالمعجزات؟!‏<br />

لمد تعلّمت الكثٌر عندما لرأت الكتاب الممدس بعهدٌه المدٌم<br />

والجدٌد لراءة متؤنٌة.ذُهلتُ‏ عندما الحظت أن ثمّة تنالضاً‏ بٌن<br />

الخالك وبٌن مُنشا العالم الجدٌد لم أستطع استٌعابه.‏ وجدت أن<br />

هللا زرع فً‏ اإلنسان جهازاً‏ جنسٌاً‏ ‏ٌعطٌه لذة تشبه الوهم أو<br />

الخطؤ البصري الناتج عن تشابن الرموش.‏ كما ‏ٌعمل على<br />

اإلنجاب،‏ وتنشٌط عملٌّة التكاثر بحٌث تتوزّ‏ ع البشرٌّة بشكل<br />

فاعل فً‏ كل أنحاء الكون.المسٌح حضر عرساً‏ وباركه،‏ وكلّنا<br />

نعرؾ المصّة.األناجٌل األربعة كانت توحً‏ أو تجعلنا نشت ‏ّم أن<br />

االبن ‏ٌعانً‏ من بعض االمتعاض من العملٌّة الجنسٌّة!‏<br />

اإلشارات إلى ذلن موجودة بكثرة بٌن السطور.‏ ال أرٌد أن أثمل<br />

علٌن بالكثٌر من األمثلة،‏ فبحسب ما ورد فً‏ إنجٌل لولا لال<br />

المسٌح ‏"من أراد أن ‏ٌتبعنً،‏ فلٌزهد فً‏ نفسه وٌحمل صلٌبه كلّ‏<br />

‏ٌوم وٌتبعنً‏ ‏)لولا ترى ما معنى هذا ولماذا تجتمع<br />

الحرّ‏ ‏ٌة مع المهر؟!‏ ومن بٌن السطور التً‏ تحدّثتُ‏ عنها ابتدعت<br />

الكنٌسة مإسسة الرهبنة وكذلن نظام تسلسل الكهنة ورتبهم<br />

وطرٌمة عٌشهم.هنان الكثٌر ممّا ‏ٌمكن التحدث عنه،‏ وعمّا لام<br />

به اإلنسان من تشوٌه فً‏ كنٌسة المسٌح الحً.‏ هل هنان من<br />

‏"ربوتات "<br />

ٕٕ8<br />

9: 23)


‏ٌعمل فً‏ التجارة وٌحرص على الربح العادل؟!هذا شرط<br />

وضعه ‏ٌسوع أمام كل تاجر.ولكن السإال ‏ٌتمحور حول من<br />

‏ٌمرر ما هو المكسب العادل؟!هل سلّم هللا ذلن لضمٌر اإلنسان؟!‏<br />

أعتمد أنن كنت تفكر بكل هذا،‏ لكنن لم تجرإ على الكبلم.‏<br />

هذا صحٌح ولكنً‏ ال أزال مصرّ‏ اً‏ على عدم سحب كلمة واحدة<br />

ممّا للته لن.‏ لو لصد المسٌح أن ‏ٌمول لكل الناس أن ‏ٌزهدوا<br />

وٌحملوا صلٌبهم وٌتبعوه النتهى هذا العالم منذ زمن بعٌد.‏ عد<br />

إلى لراءة اإلنجٌل مرة أخرى لراءة متؤنٌة،‏ وأعدن بؤنن ستفهم<br />

الحٌاة بصورة أفضل.‏<br />

لمد ذكرتُ‏ فً‏ أثناء إجابتً‏ أن اإلنسان لٌس ‏"ربوت ‏"بل هو<br />

حر على صورة هللا ومثاله.‏ بورن لن بما أنجزت،‏ وبارن<br />

إرادتً‏ الحرة التً‏ تدفعنً‏ وحدها لتنفٌذ ما وعدت نفسً‏ به.‏<br />

حسناً،‏ إذاً‏ أنت حماً‏ تنشد أن تترهب وتممع شهوات هذه الدنٌا<br />

المتجذرة عمٌما فٌن،‏ وتظن أنن تستطٌع االحتفاظ بتماسكن بعد<br />

أن تخصً‏ رؼبتن الجسدٌّة الجامحة وتمنعها من التحام أحبلمن<br />

وتلعب بن كما ترٌد.‏ هل تدرن فعبلً‏ ما ‏ٌعنً‏ ذلن؟!‏ إنن تحمل<br />

ذاتن مسإولٌّة كبٌرة وربّما هابلة حسبما أعرؾ بالتجربة ولٌس<br />

باألحبلم الوردٌّة ‏ٌا بنًَّ.‏ حسناً،‏ لكن لل لً‏ كم ترٌد من المال<br />

حتى تصل إلى هدفن.‏ إذ إنً‏ سؤعدّن بعد ذلن راهباً‏ تحت<br />

مسإولٌّة الدٌر الذي ستخدم الرب فٌه.‏ ولن ‏ٌحك لن أن تؤخذ<br />

لرشاً‏ واحداً‏ من أمبلكً‏ إن كنت لد تجاوزت شهراً‏ واحداً‏ من<br />

مُكوثن فً‏ الممر الذي ستختاره لتمتل شهواتن وتمدم بتولٌّتن إلى<br />

الخالك وتعلن من خبلل عفّتن رفضاً‏ لكل شهوات العالم التً‏<br />

ٕٕ9


أعطٌت لن لتمتلا فحشاً.‏ إنً‏ أباركن بعد هذا الحوار الذي<br />

جرى بٌننا،‏ مستمدّاً‏ هذه السلطة من خالك السماوات واألرض.‏<br />

زٌاد ‏ٌتدخّل أبون كان عادالً‏ وذكٌاً‏ بطرٌمة الفتة،‏ وتوصّل إلى<br />

فهمن تماماً‏ بالتدرٌج أكثر ممّا تصوّ‏ رتُ‏ ‏ٌوماً.‏ كان حذلاً‏ وحذراً،‏<br />

وربّما فً‏ لحظة ما أراد تبادل األدوار معن.‏ لكن ألم ‏ٌسؤلن عن<br />

التنالض بٌن األلانٌم واألمور األخرى التً‏ ذكرتها.‏ هل كنت<br />

تإمن بما كنت تنطك وما ‏ٌمكن أن ‏ٌخرج من تلن الكلمات من<br />

تداعٌّات؟!‏ أنا ال أجد أن الدٌر لد ؼٌّر فٌن شٌباً.‏ إن الجنون<br />

الكامن فٌن بدأ ‏ٌصرخ وٌعوي.‏ جلّ‏ ما أخشاه أن تصدر فً‏<br />

المستمبل ضجٌجاً‏ حتى حصانن األسود الجمٌل الذي سٌحملن<br />

إلى الحرب لن ‏ٌستطٌع احتماله.‏ كلّنا ندرن ماهٌّة ذلن األتون<br />

الذي لن ‏ٌعرؾ أحد متى ‏ٌخمد،‏ وأٌة حرابك سٌترن خلفه،‏ ومن<br />

سٌبمى لٌتؤمل فً‏ تلن الحكاٌة كلّها،‏ وفً‏ األشبلء التً‏ نشرتها<br />

هنا وهنان،‏ ترى أنت أم الحصان؟!‏<br />

أتظن أنً‏ كنتُ‏ أعرؾ ما ألول؟!‏ مرّ‏ ت الفكرة فً‏ رأسً،‏<br />

واستخدمتها إلرهاب أبً‏ وجعله ‏ٌكؾّ‏ عن منالشتً‏ وٌتحاشى<br />

العودة إلى ذلن.‏ كنت أمٌناً‏ معن فسردتُ‏ ما للته لوالدي دون أن<br />

أؼٌّر حرفاً‏ واحداً‏ ‏.لكنً‏ كنت أفضل إضافة كلمة أخرى إلى ما<br />

سمٌته تنالضاً‏ تعطٌها معنىً‏ محٌراً‏ وؼامضاً‏ بحٌث ‏ٌصبح ما<br />

أرٌد لوله ‏:التنالض المتناؼم.‏<br />

أنا أوافمن الرأي،‏ سؤنملها إلى من ‏ٌهمّه األمر،‏ متجنباً‏ إظهار<br />

المابل ‏ٌحًٌّ‏ الجماهٌر من الشرفة.‏ لكنً‏ لن أخفً‏ تنطّحه<br />

لمنالشة مسؤلة الهوتٌة شدٌدة التعمٌد وشابكة،‏ طالباً‏ منهم<br />

ٕٖٓ


ىإل<br />

إعطاءن فرصة إلبرازها بطرٌمة أفضل،‏ فربما ‏ٌؤتً‏ ذلن الٌوم<br />

الذي تخضع فٌه ما أجرٌته من منالشات فً‏ داخلن للبحث<br />

المعمك فً‏ أرولة أوسع وتملن إمكانٌّات أكثر.‏ الفكرة التً‏<br />

طرحتها أخذتنً‏ بعٌداً.‏ فذكّرتنً‏ بالموسٌمى الؽربٌّة وما تدخله<br />

من إٌماعات مختلفة تعمل بتناؼم ؼرٌب ضد اإلٌماع األساسً‏<br />

وتعطً‏ لتناؼم األضداد جماالّ‏ ‏ٌزٌد من جمال المطعة الموسٌمٌّة<br />

وتضٌؾ إلى أعمالها أعمالاً‏ أخرى تنمل المستمع إلى آفاق<br />

أخرى أكثر استعدادا لبلنتفاض.‏ بحٌث تجعل الكٌان البشري<br />

‏ٌشبه المطعة الموسٌمٌّة،‏ ربّما كً‏ ‏ٌصعب معرفة ؼوره<br />

وؼورها.‏ لستُ‏ أدري لعلّنا نصل ولت تعمل فٌه الموامٌس<br />

على شرح أي كلمة من جمٌع جوانبها وكثرة أو للة احتماالت<br />

المعانً‏ الممكن استعمالها فٌها.‏ أعتمد أن هذا العمل الدلٌك<br />

سٌنمل الكتّاب العرب والمرّ‏ اء إلى مستوً‏ ى آخر.‏<br />

الرب دون ش ‏ٍن ‏ٌتمتع بما ‏ٌبدعه أبناإه من بعض العبمرٌة<br />

التً‏ ‏ٌرشّهم بها بٌن الحٌن واألخر،‏ بحٌث ‏ٌتماهون مع<br />

المستحٌل وٌهدون الخالك لطعة موسٌمٌّة أو أدبٌّة تكونان من<br />

الروابع ‏ٌمتزج فٌها التنالض والتناؼم والحٌرة امتزاجاً‏ تاماً‏ ‏ٌزٌد<br />

كلّ‏ األمور إرباكاً،‏ ترى هل ‏ٌرٌد الرب الوصول إلى هذا<br />

االلتحام.‏ وعلى من سٌرلص أن ‏ٌحضّر لدمٌه لمزٌد من<br />

المشكبلت والعمد التً‏ لن ‏ٌكون حلّها مستحٌبلً‏ بل لد ‏ٌُحدث كل<br />

هذا انفرجاً‏ للؽٌوم وتؽٌّراً‏ فً‏ ألوان العالم ‏ٌنملنا إلى مرحلة<br />

أخرى تداعبنا فٌها السعادة ولتاً‏ أكثر بحٌث تنفتح آفالاً‏ أخرى<br />

أكثر رحابة والعدالة تحمل فً‏ جنباتها تلن المعمولٌّة األفضل<br />

تفهماً.‏<br />

ٕٖٔ


شكراً‏ لن.‏<br />

لكن لل لً‏ هل أعجبن الطعام؟<br />

أتعتمد حماً‏ أنن تستطٌع أن تترن أحداً‏ ‏ٌؤكل،‏ وٌتذوق بشؽؾ<br />

هذا العرق الممتاز؟!‏<br />

لم أدرِ‏ ‏ٌوماً‏ أنً‏ مزعج كما تمول.‏ سؤتولؾ عن طرح األسبلة.‏<br />

هٌا كُلْ‏ كما ترٌد واشرب العرق كما تشاء.‏<br />

هكذا حرّ‏ رته منً‏ دون أن ‏ٌدرن أن ما تذكّره وباح به كان<br />

استرداداً‏ لنفسه الضابعة الحٌرى الجابعة إلى شًء ‏ٌشعر به<br />

لكنه ال ‏ٌمكنه أن ‏ٌمول ما هو ألن حاول جاهداً‏ كً‏ ‏ٌتعرّ‏ ؾ إلٌه<br />

لكنه لم ‏ٌستطع فً‏ تلن اللحظة:‏ عُدْتُ‏ إلى ذلن الولت الذي كنتُ‏<br />

فٌه أدرن أنً‏ لم أكن ‏ٌوماً‏ أمام شخص عاديّ.‏ كان كذلن دابماً.‏<br />

كلّ‏ الذٌن عرفوه أدركوا ما ‏ٌجري داخل هذا الكابن،‏ وؼضّوا<br />

النظر عن الكثٌر من تصرّ‏ فاته التً‏ طالما أثارت اللؽط أحٌاناً،‏<br />

واإلزعاج أحٌاناً‏ أخرى.‏ كان صدٌك العمر والبلعب الذي<br />

استطاع اختراق مرمى كلّ‏ األصدلاء باستمرار حتى حصلنا<br />

على الشهادة الثانوٌة.وذهبنا سوٌّة إلى الجامعة األمرٌكٌة فً‏<br />

بٌروت حٌث أثار إعجابهم وأعطاهم سبباً‏ للجدل حول ؼرابة<br />

أطوار لم ‏ٌؤلفوها،‏ مستشمٌّن فٌها أكثر من بعض الجنون<br />

ورابحة الكآبة،‏ بل ربّما ‏ٌختبا فٌها طلب الصفح من الدنٌا أو<br />

من هللا،‏ لكن ال أحد ‏ٌستطٌع تؤكٌد ذلن دون أن ‏ٌهتم بما ‏ٌحدث<br />

حوله أو فً‏ أيّ‏ شاطا سٌرسو ذلن الجدل.‏ فجؤة دعا بعض<br />

األصدلاء إلى الؽداء وأخبرنا فً‏ نهاٌته بعد أن أنهى كؤسه فجؤة،‏<br />

أنه سٌترن الجامعة ؼداً‏ صباحاً،‏ ففً‏ مكان ما ‏ٌنتظره طرٌك<br />

ممفر بدأ ‏ٌزحؾ علٌه الضباب.‏ كان ‏ٌشٌر أنه اختار السٌر فٌه<br />

ٕٖٕ


إلى نهاٌته.‏ لال ذلن وانسحب مبتسماً‏ وسط دهشة الجمٌع.‏ رفع<br />

أحد الحضور كؤسه لاببلً:‏ فلٌباركه هللا،‏ وال تنسوا أنه تعلّم<br />

اإلنكلٌزٌة جٌداً.‏<br />

فً‏ الٌوم التالً‏ استفمنا على عاصفة تعوي ‏.لكنها لم تلبث أن<br />

سكنت تاركة المجال لهطول المطر الؽزٌر.سمعته ‏ٌمول لبل أن<br />

‏ٌودّعنً:‏ ما أجمل ما تفعله ‏ٌا ربّ‏ . بعد ‏ٌومٌن وصلتنً‏ ورلة<br />

صؽٌرة ال ‏ٌمكننً‏ أن ألول ما جاء فٌها.‏ لكنه لم ‏ٌنبس بعدها<br />

ببنت شفة عمّا حدث فً‏ أعماله ودعاه إلى أخذ ذلن المرار<br />

الثوري العجٌب.‏ أعتمد أن فً‏ أعمالنا شٌباً‏ ‏ٌحول بٌننا وبٌن<br />

اإلدران أن من كان دابماً‏ بٌننا،‏ لطالما كان شخصٌة فرٌدة<br />

‏ٌسكنها طٌؾ مجنون ال ‏ٌنام،‏ وربّما كان ‏ٌخشى أن ‏ٌفعل.‏ لعلّ‏<br />

هذا ‏ٌُعطً‏ بعض التفسٌر لطرٌمة استٌماظ صدٌمً‏ الجفِلة كل<br />

‏ٌوم.‏ أظن أن هذا الطٌؾ لم ‏ٌؽادره حتّى هذه الساعة،‏ وسٌظ ‏ّل<br />

‏ٌدور حوله إلى أن ‏ٌستدعٌه ربه.‏ ألمٌتُ‏ نظرة علٌه وهو ‏ٌؤكل<br />

وٌحتسً‏ الخمرة مبتسماً‏ متطلّعا إلى الطاولة المجاورة،‏ حٌث<br />

كان ‏ٌجلس إلٌها شابان وسٌمان وفتاتان من أجمل ما رأت<br />

عٌناي.‏ الحظ الراهب ‏ٌوسؾ ما ‏ٌحدث،‏ فظهر بعض العبوس<br />

على محٌّاه ثم لال:‏ كؾّ‏ ‏ٌا زٌاد عن النظر إلٌهما دلٌمتٌن،‏<br />

فإحداهما ستموم إلى الحمام بعد لحظات،‏ وسؤلحك بها بالطبع<br />

إلى هنان.‏ ال تخش شٌباً.‏ لمد فعلت ما بوسعها لتجعلنً‏ أعرؾ<br />

ماذا ستكون خطوتها التالٌة.‏<br />

أمجنون أنت؟!‏<br />

ٕٖٖ


خذ منً‏ العمل وأعطنً‏ الكثٌر من الجنون.‏ سؤكون راضٌاً‏<br />

بالتؤكٌد عن هذه المماٌضة.‏ انظر ها هً‏ تموم من مكانها،‏ هٌا<br />

سارع وارسم على ثؽرن ابتسامتن الجمٌلة،‏ ولنر إلى أٌن<br />

سٌإدّي هذا?!‏ أسرع ‏ٌوسؾ وراءها لكن لم ‏ٌلبث أن عاد<br />

أدراجه متجهّماً.جلس ولم ‏ٌمل شٌباً.‏<br />

ماذا حدث؟ّ!‏<br />

لمد صفعتنً‏ بشدة بنت ال.‏ لم أكن أعلم أن النساء لادرات على<br />

فعل ذلن بمثل هذا العنؾ،‏ الشنَّ‏ أنها تتدرّ‏ ب على أمر ما،‏ ربّما<br />

رفع األثمال مثبلً،‏ لست أدري ماذا ‏ٌحصل فً‏ هذه األٌّام،‏ ترى<br />

هل ‏ٌخطّطنَ‏ للمٌام بانمبلب؟!‏<br />

عن أي انمبلب تتحدث؟!‏<br />

ألسنا فً‏ عصر االنمبلبات؟!‏ ما المانع فً‏ أن تفكر النساء<br />

بتجربة حظهنَّ‏ وٌممنَ‏ بما ‏ٌسمّونه ثورة ضد المؽتصبٌن<br />

الرجال؟!‏ ألم ‏ٌحن الولت لتصل إلٌهنَّ‏ وشوشات تتهمنا بؤننا<br />

عملنا جاهدٌن على تزوٌر التارٌخ بما ‏ٌخدم مصالحنا؟!ألٌس من<br />

حمهن أن ‏ٌتساءلن إلى متى سنستمرّ‏ فً‏ ؼٌّنا،‏ بل إلى متى<br />

‏ٌُستدعٌن إلى فراشنا،‏ فٌلملمنَ‏ أسرارهنَّ‏ على عجل وٌسر ‏َن إلٌنا<br />

مُطؤطبات الرإوس وٌفعلنَ‏ ما ‏ٌإمرنَ‏ به مهما كان ممرفاً؟ لمد<br />

سمعتُ‏ أنهن فُمْنَ‏ عشرات اآلالؾ،‏ وبعضهنَّ‏ تمرّ‏ دنَ‏ وانسحبنَ‏<br />

ألنهنَّ‏ الحظنَ‏ أن عضبلتهنَّ‏ لد نمت من كثرة التمارٌن<br />

وأصبحنَ‏ كالرجال دون أن ‏ٌملكنَ‏ ما ‏ٌملكه الرجال.‏ إنهنَّ‏ فً‏<br />

ٕٖٗ


حٌرة من أمرهنَّ‏ وال ‏ٌعرفنَ‏ كٌؾ ‏ٌتصرّ‏ فن!!‏<br />

‏ٌمكنن أن تتدبر أمرهنَّ‏ بطرٌمة أفضل؟!‏<br />

‏ٌا إلهً‏ ألم ‏ٌكن<br />

ما زلت راهباً‏ ‏ٌا عزٌزي ولٌس علٌن أن تدع ؼضبن ‏ٌُعلن<br />

الحرب على النساء.‏ خلتُ‏ أننا اتّفمنا على ضبط ؼرابزن،‏<br />

وتعمل على عدم فسح المجال لها لتلعب ذلن الدور الذي جعلن<br />

تثمل ردحاً‏ من الزمن.‏ دع الجمٌع ‏ٌظنّون أنه كان أكثر من<br />

ال تضع رأسن تحت لدمً‏ الشٌطان.لل لً‏ ماذا ‏ٌجول فً‏<br />

ذهنن؟!‏ أنا مستعد لمبول كل االحتماالت.‏ فً‏ النهاٌة إنها حٌاتن،‏<br />

وال دخل لً‏ فً‏ التخطٌط لها.‏ هٌا لل لً:هل وصلت إلى خطة<br />

متكاملة لِما ستفعله فً‏ المستمبل؟!‏ أنا صدٌمن ومن واجبن ومن<br />

أجل الحب الذي ‏ٌربط بٌننا أن تطلعنً‏ على ما تنوي أن تفعله.‏<br />

كاؾٍ‏ .<br />

عندما أتؤكَّد إلى أٌن سؤسلم مصٌري،‏ سؤكتب إلى الرب وإلٌن<br />

رسالة واحدة.‏ لكنه سٌعرؾ لبلن محتواها،‏ دون أن ‏ٌكون ذلن<br />

ممصدي.‏<br />

متى علٌن أن تؽادر بٌروت ؼداً؟<br />

كؾ عن االهتمام بً،‏ واصبر علًّ‏ واطلب لً‏ ‏"بطحة "<br />

جدٌدة من العرق أظن أنً‏ أحتاج إلٌها ألؼوص فً‏ المجاهٌل<br />

الكثٌرة التً‏ تحٌط بً.‏<br />

حسنا ‏"أنا على كٌفن"‏ هذا ما تمول أم كلثوم التً‏ ال تزال تحلك<br />

فً‏ كٌانً‏ ‏.ماذا ترٌد أٌضاً؟!‏<br />

ٕٖ٘


أرى أنن تدلّلنً‏ هل وراء ذلن حكاٌة أم ماذا؟!‏<br />

علٌن أن تدرن أن ما ‏ٌهمنً‏ هو أن تختار الطرٌك الذي ‏ٌُبلور<br />

شخصٌتن وٌسلّط النور على خصوصٌّتها وٌضعها بتإدة فً‏<br />

مكانها ضمن التارٌخ.‏<br />

إنً‏ أضمن لن أن اسمً‏ سٌدخل إلى بعض صفحاته دون شنّ‏ ،<br />

ولد ‏ٌصبح أسطورة.‏ أعتمد أنً‏ أستحك ذلن.دعنً‏ أشرب كؤساً‏<br />

آخر،‏ فحٌث سؤذهب لٌس من عاداتهم تمدٌم المشروبات<br />

الروحٌّة.‏ ترى هل الجنون ‏ٌختلؾ بٌن شخص وآخر،‏ أم إنه هو<br />

نفسه،‏ لكنه ‏ٌتبدّى بالطرٌمة التً‏ تبلبم من ‏ٌنتمل إلٌه؟!كنت أنتظر<br />

منن أن تبتسم ‏ٌا زٌاد ماذا ‏ٌحدث؟!لست أنت من سٌُمدم على<br />

اتّخاذ لرار خطٌر ربّما سٌؽٌّر حٌاته تماماً.أنا أشعر بانجذاب<br />

إلى بركان كبٌر ‏ٌشتعل ببطء،‏ لكن تؤثٌره المؽناطٌسً‏ ‏ٌحٌط بً‏<br />

إحاطة السوار بالمعصم ‏.إنً‏ أشعر بدابرة ؼٌر مربٌّة تؽلك<br />

نفسها علً‏ وترسل إشارات ال أعرؾ كٌؾ أصفها،‏ لكنها<br />

تجعلنً‏ أحس أن فً‏ نٌّتها ارتكاب الفحشاء معً‏ عند حلول<br />

الظبلم وبالمرب من فم البركان،‏ الذي بدأ ‏ٌفور دافعاً‏ برؼوته<br />

متمهبلً‏ إلى حٌث كانت لد باشرت بنهشً.كنت مستسلماً‏ منتظراً‏<br />

أن ‏ٌهمّ‏ جسدي باالنتفاض مبلحماً‏ متعة تتجنّب االشتبان مع<br />

شرٌن ال أعرؾ نواٌاه.‏ لكنه بعد أن تولؾ عن النظر عبر<br />

النافذة فً‏ تؤمل حزٌن،‏ لال لً‏ سؤدور بن فً‏ مواخٌر أجمل<br />

المدابن فً‏ دلابك معدودة،‏ وأعود بن دون أن تشعر واضعاً‏<br />

إٌّان فً‏ فراش وثٌر،‏ وأتركن كً‏ تستفٌك لبل أن تؽرق الشمس<br />

فً‏ الجانب اآلخر من الدنٌا.‏<br />

ٕٖٙ


لم أستطع أن أنسى تلن المرأة التً‏ صفعتنً،‏ ولن أنام حتّى<br />

أعرؾ لماذا فعلت ذلن؟!‏ أظن أنها فً‏ لحظة ما فوجبت<br />

وأدركت أنً‏ كشفتها أمام نفسها،‏ فكانت المفاجؤة صدمة أنتجت<br />

ردَّ‏ فعل سارع إلى التنفٌذ لبل أن تستطٌع ضبطه ولجمه.‏ ال بد<br />

أنها نادمة فً‏ هذه الهنٌهات دون شن.‏ سؤعالبها بامتناعً‏ عن<br />

النظر إلٌها.‏ ستشعر باالضطهاد والندم الشدٌد ببل رٌب.‏ بعد<br />

ذلن سؤجلدها حتى ‏ٌتشمّك جلدها البض،‏ وتبدأ الدماء تتسرّ‏ ب من<br />

تلن الشموق.‏ طاب اللحس ‏ٌا زٌاد لكنً‏ للمرّ‏ ة األولى تولّفت<br />

خوفاً‏ من الرب.‏ لمد شعرتُ‏ بؤنه لرؾ واشمؤزّ‏ من هذا اإلنتهان<br />

اإلنسانً‏ ؼٌر المبرّ‏ ر.‏ أظن أنً‏ سمعته ‏ٌمول:‏ كٌؾ ‏ٌمدم إنسان<br />

دون وازع على اجتٌاز حرّ‏ ‏ٌته لتعبث بحرّ‏ ‏ٌة اآلخرٌن،‏ بحٌت<br />

مَلّكتَ‏ نفسن سلطة نٌرون"‏ وتطلب من اآلخر باإلكراه تسلٌمن<br />

جسده مانعاً‏ إٌّاه من الدفاع عن نفسه.‏ ال تدع شٌباً‏ ‏ٌزعجن ‏ٌا<br />

زٌاد اهدأ أرجون.‏ سؤروي لن ما لرأته،‏ دون أن أذكر أٌن<br />

ومتى استمتعت بذلن النبش فً‏ النفس البشرٌّة وحمٌمتها المخفٌّة<br />

المتسترة على إثم لٌس معموالً‏ أن ‏ٌكون إثماً‏ إذا أراده كٌانها ولم<br />

‏ٌسفر عن أيّ‏ أذى.‏ أرجو أ ‏ّال تذ ‏ّكرنً‏ بدور الروح المدس الذي<br />

‏ٌخٌفون به تلن النفس التً‏ اشتهت تسلٌم جسدها إلى جسد آخر<br />

ونفس أخرى للدخول فً‏ مضاجعة ملحمٌّة تعٌد اجترارها<br />

ومضؽها عندما تؤتً‏ السنون العجاؾ.‏<br />

ال أزال أذكر تماماً‏ ما لاله الكاتب:‏ " لنتصور لادة العالم<br />

التكنولوجًّ‏ المجرّ‏ د ن من المشاعر اإلنسانٌّة مجتمعٌن<br />

‏ٌتداولون فٌما وصلت إلٌه أرباحهم،‏ وٌنالشون توحٌد شركاتهم<br />

بحٌث ‏ٌكوّ‏ نون مجمّعاً‏ صناعٌاً‏ ضخماً،‏ ‏ٌسمح لهم بالتخلّص من<br />

الكثٌر من الموى العاملة لدٌهم،‏ ضامنٌن رؼم ذلن تنامً‏<br />

ٕٖ7<br />

ٌ


ِ<br />

إنتاجهم.‏ عند انتهاء االجتماع حدث ما ‏ٌشبه االحتفال،‏ إذ صفّموا<br />

وفركوا أٌدٌهم مسرورٌن بما جَنوا،‏ متؤمّلٌن أن ‏ٌُعطٌهم<br />

المستمبل ما ‏ٌفوق التوّ‏ لعات،‏ ممّا سٌمفز بهم لفزة طوٌلة،‏ وٌإمّن<br />

لهم السٌطرة على السوق.‏ لكن وهم ‏ٌهمّون باالنصراؾ لال<br />

أحدهم بصوت عالٍ:‏ لمَ‏ لم ‏ٌتكلّم أحد عن نجاحنا فً‏ استعمار<br />

المرأة ولجم تطلّعاتها التً‏ لم تستند ‏ٌوماً‏ إلى إمكانٌّاتها،‏ ونستم ‏ّر<br />

فً‏ الظهور بمظهر الحوارٌٌّن الصالحٌن المحرّ‏ رٌن؟!‏ ألم<br />

تبلحظوا أن كلّ‏ األمور تجري لصالحنا؟!‏ ها هو المسم األكبر<br />

من النساء لد تمَّ‏ تجمٌده.‏ إنهنَّ‏ ‏ٌعملن وكؤنهنَّ‏ رجل واحد.‏ بل إن<br />

ثمّة ما هو أفضل:‏ إذ إنهنَّ‏ مبتهجات بكونهنَّ‏ أصبحنَ‏ ‏ٌشعرن<br />

باستمبللهنَّ،‏ ووجدنَ‏ الحرّ‏ ‏ٌة وشؽفاً‏ ؼامضاً‏ فً‏ الطاعة لآلالت<br />

بدل اآلدمٌٌّن التً‏ ترالب دخولهنَّ‏ إلى المصانع وخروجهنَّ‏<br />

منها.‏ كما أنهنّ‏ أحببنَ‏ األولات المضبوطة ولدرتهنَّ‏ على التؤللم<br />

مع نظام متّبع ‏ٌعامل الجمٌع على حد سواء بعٌداً‏ عن ردّ‏ فعل<br />

العامل البشري.‏ ‏ٌبدو أن أعمالهنَّ‏ سرّ‏ بت إلٌهنَّ‏ اإلٌحاء أن<br />

مجرّ‏ د كونهنَّ‏ مسجونات ‏ٌُمنحهنَّ‏ الشعور بؤنهنّ‏ راسخات فً‏<br />

الوجود.‏ إذا ما صبرنا للٌبلً،‏ وانتظرنا لنرى كٌؾ تجري<br />

التحوّ‏ الت،‏ فإنّهنَّ‏ سٌعملنَ‏ من أجلنا على أنّهنَّ‏ أٌدٍ‏ عاملة ممتازة<br />

رخٌصة األجور.‏ إنهنَّ‏ لن ‏ٌكنَّ‏ أبداً‏ رجاالً‏ وال نساءً.‏ لكن األمور<br />

رؼم ذلن ستبمى سابرة فً‏ الطرٌك الصحٌح،‏ وعلى أفضل ما<br />

‏ٌرام.‏ لكن إدراكهنَّ‏ البلحك أن المصٌر لن ‏ٌتعدّى أن ‏ٌكون<br />

مراوحة مستمرّ‏ ة فٌما بٌن الجنسٌن،‏ ولن ‏ٌحصلن فً‏ أيّ‏ حال<br />

من األحوال على العضو الذكري المنشود.‏ سٌُبمٌهنَّ‏ هذا<br />

أسٌرات مطلمات الحرّ‏ ‏ٌة،‏ ولكن فً‏ عالم الرجال ورلابتهم.‏<br />

ٕٖ8


‏ٌدعم ‏"فروٌد"‏ هذه النظرٌة فً‏ العمك بموله:‏ ‏"حتى لو إن النساء<br />

العامبلت نجحنَّ‏ مثل الرجال،‏ فإنهنَّ‏ سوؾ ‏ٌستمررنَ‏ فً‏<br />

االعتماد بدونٌّتهنَّ‏ ‏"البٌولوجٌّة"‏ وٌحتفِظنَ‏ فً‏ نفوسهنَّ‏ بانطباع<br />

‏ٌذكّرهنَّ‏ بؤنهنَّ‏ ‏"مخصٌّات"‏ ‏"إذ إن نضالهنَّ‏ ‏ٌواجِه دابماً‏ حابطاً‏<br />

مسدوداً‏ وتوتّراً‏ دابماً،‏ وهنَّ‏ ‏ٌبحثنَ‏ فً‏ الحلم والٌمظة وما بٌنهما<br />

عن وضعٍ‏ لن ‏ٌتٌسر لهنَّ‏ على اإلطبلق."‏<br />

هذا صحٌح من الناحٌة المبدبٌة،‏ ولكن عندما تؤكّدوا أنهم<br />

ترسّخوا فً‏ هذا العالم،‏ تفهّموا ممّا ‏ٌموله العلم الحدٌث:‏ ‏"إن كلّ‏<br />

رجل فٌه بعض األنوثة دون أن تزعجه،‏ بل ربّما ترٌحه وٌسكن<br />

إلٌها.‏ أما المرأة فتساكنها دابماً‏ بعض الرجولة التً‏ تملمها فً‏<br />

العمك وال تعرؾ كٌؾ تتدبّر أمرها معها.‏ هذا ما لم ‏ٌستطع أن<br />

‏ٌكفكؾ دموعهنَّ‏ بشكل ‏ٌملنَ‏ بعد كلّ‏ ما مررْ‏ نَ‏ به:‏ آه وآه لمد<br />

أدركنا فً‏ النهاٌة أن ما هو مُعطى لنا هو عدلن الذي ال ‏ٌخطا.‏<br />

لكن ما ‏ٌهمنً‏ من كل ذلن وٌجعلنً‏ فً‏ حٌرة من أمري،‏ هو أن<br />

صدٌمً‏ ما زال ‏ٌلهث وراء ذلن الكهؾ النتن الذي تعٌش فٌه<br />

العناكب باثّة لعابها فً‏ أرجابه.‏ ما سمعته ‏ٌزٌد من شكوكً‏<br />

وٌملّلُ‏ من مجال الرإٌة أمامً.‏ أنا ال أرؼب فً‏ التعلٌك على ما<br />

أوردته حرصاً‏ على أ ‏ّال أتفوّ‏ ه بما ‏ٌجعلنً‏ مخطباً.‏ من ‏ٌدرس<br />

الطب العام والطب النفسً‏ ‏ٌعرؾ أننا لم نصل إلى أيّ‏ شًء<br />

نهابً‏ ‏ٌستطٌع المول لنا إننا أصبحنا نمتلن ناصٌة ذلن<br />

االختصاص ولم نعد بحاجة إلى المزٌد إالّ‏ ما ‏ٌحتاج إلٌه<br />

التطوّ‏ ر.‏ إذ ال مهرب من استمرار النضال فً‏ هذا العالم.‏ من ال<br />

‏ٌمول ذلن إما جاهل أو دجال.‏ أما الطب النفسً‏ فبل ‏ٌزال فً‏<br />

ربع الطرٌك أو ربّما ألل من ذلن،‏ فهو ‏ٌتعامل مع ؼٌر<br />

المنظور وبعض الحس المبهم الذي ال ‏ٌزال ‏ٌجد نفسه،‏ حتى بعد<br />

ٕٖ9


انطفاء السراج الذي ‏ٌحمله إنه ربّما ‏ٌمؾ وسط عتمة حالكة ال<br />

‏ٌعرؾ فً‏ أي اتّجاه ‏ٌتحرّ‏ ن.‏ لكن رؼم أن ذلن االحساس المبهم<br />

ال ‏ٌفارله،‏ نحن ندرن أن ما نتكلم عنه ال ‏ٌحتاج إلى ضوء أو<br />

أيّ‏ شًء إلثبات وجوده.‏ ما ‏ٌهمنً‏ من كل ذلن فً‏ هذه<br />

اللحظات هو فشلً‏ فً‏ تلمس تخمٌن ‏ٌرشدنً‏ إلى أٌن وصل<br />

تفكٌرن،‏ وهل تمكّن من فتح كوة لد تمكّنن من الخروج إلى<br />

الوضوح،‏ إلى رؼبة حمٌمٌّة فً‏ وضع إمكانٌاتن فً‏ خدمة هدؾ<br />

ممنع ‏ٌدؼدغ كٌانن وٌمثّل عصارة تجاربن الكثٌرة التً‏ تخبّطت<br />

كثٌراً‏ فً‏ الماضً؟!‏ ترى هل نستطٌع االعتماد أنها لملمت نفسها<br />

وأدركت ماهٌّة المرسى الذي سٌدعها تطمبنّ‏ إلٌه دون أن<br />

‏ٌخشى من أٌّة لنبلة مإلّتة نسٌت أنن تحملها معن،‏ ولد تنفجر<br />

فً‏ أيّ‏ ولت؟!‏ أنا أعرؾ أنن لمّا تزل فً‏ العتمة التً‏ عشمتَها<br />

لسبب ظننتُ‏ أنً‏ أعرفه،‏ لكن الخٌبة كانت تنتظرنً‏ فً‏<br />

الطرٌك،‏ ولم أعد متؤكّدا أنً‏ أستطٌع االطمبنان على صدٌمً.‏<br />

أنا فً‏ هذه اللحظات أعرؾ أنن ستذهب مخترلاً‏ العتمة<br />

والمجهول،‏ زارعاً‏ الخوؾ فً‏ للبً،‏ بحٌث صرتُ‏ أخشى أنً‏<br />

لد ال أران ثانٌة.‏ ترى هل فً‏ داخلن إرادة ما ترٌد أن تُفهمنً‏<br />

أنها النهاٌة؟!أظن أن للبً‏ بدأ ‏ٌمول لً‏ إلى أٌن ستذهب وأٌة<br />

ملحمة ستخطّها هنان.‏ هل ترٌد ‏ٌا ترى أن ‏ٌكون دمَن فداء<br />

ألُسطورة؟!‏ ‏ٌعتنمها الٌهود وما ستفعله سٌطٌح بها وتُسبب لهم<br />

ذعراً‏ مدمّراً؟!‏ لن أحاول منعن ألنً‏ ال أعتمد أنً‏ أعرؾ ك ‏ّل<br />

شًء،‏ رؼم أنً‏ أعرؾ ممدار الخوؾ الذي سؤعٌش فٌه وكم<br />

ستكون الخسارة التً‏ سؤمنى بها.‏<br />

أنت على حك.‏ إذ إنن تبحث عن تؽٌٌر الحٌاة،‏ وبالتالً‏<br />

المستمبل وتدعه ‏ٌمدّ‏ رأسه إلى فناء ‏ٌصلح لٌكون أكثر إنسانٌّة.‏<br />

ٕٗٓ


أنا لم أعد أملن األمل وال الرؼبة فً‏ المماومة حتّى أبلػ<br />

الشٌخوخة،‏ فؤنا أعتمد أنً‏ فً‏ ذلن الولت لن أكون لادراً‏ على<br />

تلبٌة طلبات جسدي وهذا ما أممته.‏ ربّما أصبح لديّ‏ خطة<br />

للموت،‏ الموت الخبلّ‏ ق الذي ‏ٌعطً‏ الحٌاة ألولبن الذٌن ‏ٌحبّونها<br />

وٌإمنون أنها فً‏ النهاٌة ستتؽلب على الموت.‏ لٌس بالضرورة<br />

أن ‏ٌكون ذلن على الطرٌمة المسٌحٌّة فً‏ الدٌر ‏ٌنامون<br />

باكراً.‏ ال أعتمد أنً‏ سؤحصل على النوم فً‏ هذه اللٌلة.‏ البحر<br />

سكن فً‏ أعمالً‏ تاركاً‏ أمواجه تتصارع مع بعضها بعضاً‏ فً‏<br />

صراعٍاً‏ محموماً‏ ‏ٌذكّرن باللٌالً‏ المدٌمة لمصور ‏"روما"‏ التً‏<br />

كان ‏ٌدوم فٌها الفحش والفجور حتّى الصباح.‏ لست أدري كٌؾ<br />

رأٌت من خبلل الموج الذي ‏ٌمتطً‏ بعضه بعضاً،‏ النساء ‏ٌعتلٌن<br />

النساء والرجال.‏ لست أدري لمَ‏ استفاق البحر فجؤة،‏ وأوّ‏ ل ما<br />

فعله أنه ربّت على كتفً‏ وابتسم لاببلً:‏ سؤساعدن بكلّ‏ ما أملن<br />

كً‏ أضع لدمٌّن على الطرٌك الصحٌح دون أن أوجه إلٌن<br />

النصابح.‏<br />

هٌا أنا مستعد.‏<br />

، فؤُولبن<br />

‏٘ٔ <br />

استفمت فً‏ صباح الٌوم التالً‏ فً‏ السابعة تماماً.‏ لكنًّ‏ عدت<br />

إلى النوم عامداً،‏ إذ إنً‏ فضّلت عدم تودٌع صدٌمً‏ ‏ٌوسؾ،‏ فمد<br />

أجمعت األحبلم والكوابٌس التً‏ عاشرتها فً‏ تلن اللٌلة،‏ أنً‏ لن<br />

أراه بعد اآلن،‏ ففضّلت أن أؼفو من جدٌد لعلنً‏ أنا الذي ‏ٌؤخذه<br />

الموت أثناء ذلن،‏ وٌعفٌنً‏ ربّ‏ السماوات من مشاهدة كلّ‏<br />

المشاهد المؤساوٌّة التالٌة.‏<br />

ٕٗٔ


فً‏ التاسعة لمت متثالبلً،‏ بعد أن حاربتُ‏ جاهداً‏ ألبمى تحت<br />

سٌطرة النوم ما أمكن.‏ جلستُ‏ على حافة الفراش محاوالً‏ تدلٌن<br />

وجهً‏ وفروة رأسً‏ وبعض من عنمً،‏ إذ ربّما ‏ٌولؾ ذلن<br />

الهجمة الشرسة من الكآبة التً‏ اكتشف ‏ُت أنّنً‏ طالما كنت<br />

أستدعٌها وأسكن إلٌها.‏ لكن فً‏ تلن اللحظة شًء ما أعطانً‏<br />

الموّ‏ ة وولفت لاببلً‏ لنفسً:‏ اركلً‏ تلن الشرّ‏ ‏ٌرة الصؽٌرة على<br />

لفاها،‏ وذهبتُ‏ مباشرة إلى الؽرفة التً‏ نام فٌها ‏ٌوسؾ<br />

الحبٌب.كنت متؤكّداً‏ أنه ترن رسالة ما ‏ٌضمّنها إشارة مبهمة<br />

تشٌر إلى ما ‏ٌنوي اإللدام علٌه فً‏ المستمبل.كنت دابما أعتمد أنه<br />

‏ٌُفاجا نفسه لبل اآلخرٌن.لكن البحث الطوٌل لم ‏ٌسفر عن أ ‏ّي<br />

شًء،‏ عمَّنً‏ ؼمّ‏ وندم شدٌدان،‏ وسؤلتُ‏ نفسً‏ لمَ‏ تمسّكتُ‏ بالعودة<br />

إلى النوم متحجّجاً‏ بخوفً‏ ممّا تبثه األحبلم وتضخّه الكوابٌس؟!‏<br />

‏ٌا لسخافة أنانٌّتن ‏ٌا زٌاد،‏ ترى هل أخذت حمّن من الرضاعة؟!‏<br />

ال أعتمد ذلن وهو سبب لكثٌر من المشاكل.‏ شعرت فجؤة بحاجة<br />

إلى الجلوس.‏ لكن لم ‏ٌكن لربً‏ سوى الفراش الذي استخدمه<br />

‏ٌوسؾ للنوم.كان مسوً‏ ى بشكل فرٌد وأكاد أن ألول:‏ إن المكواة<br />

لعبت دوراً‏ مهمّاً‏ فً‏ ذلن.‏ نظرت حول المكان الذي أجلس فٌه<br />

فرأٌت وراء سلة المهمبلت بضع أوراق مدعوكة لم ‏ٌستطع<br />

تمزٌمها.‏ زٌاد أدرن ما جرى بالضبط،‏ وكٌؾ أن ‏ٌوسؾ لم<br />

‏ٌستطع أن ‏ٌتحرّ‏ ر من حنكته ونسً‏ كم أن صدٌمه أكثر منه<br />

حنكة عندما تتحكّم الظروؾ بذلن.‏ كما أنه لن ‏ٌنسى صدٌك<br />

العمر،‏ ولن ‏ٌفرّ‏ ط فٌه.‏ ‏ٌبدو أن ‏ٌوسؾ لد كتب علٌها أموراً‏ تهمّه<br />

فتردّد للٌبلً‏ ث ‏َّم اكتفى برمٌها بالشكل الذي رأٌته،‏ فلم تمع فً‏<br />

السلّة بل استمرّ‏ ت وراءها.‏ فتحت تلن األوراق وسوٌتها بكل<br />

اإلمكانٌات التً‏ أملكها.‏ لم ‏ُت بالمستحٌل الذي نفى وجوده<br />

نابولٌون.‏ كنتُ‏ أرٌد التمكّن من لراءة كلّ‏ ما خطّه صدٌمً‏ فٌها.‏<br />

ٕٕٗ


ووضع حٌاته بٌن سطورها.‏ رؼم ما بدا أنه كان جالساً‏ فً‏<br />

الفراش عندما كتب كلّ‏ ذلن.‏ أتعبنً‏ األمر كثٌراً‏ لكنه سرّ‏ نً‏ فً‏<br />

النهابة وجعلنً‏ ألمس أن التعب واأللم المكبوت ‏ٌمكنه أحٌاناً‏ أن<br />

‏ٌُحمّل دماءن فرحاً‏ مختلفاً‏ وإٌماعه ‏ٌصرخ صراخاً‏ ‏ٌطربن<br />

طرباً‏ تحب أن تحتفظ به لنفسن.‏ تمسّكتُ‏ بتلن األوراق وها أنا<br />

أنشرها اآلن ألحاول توضٌح األفكار المتزاحمة الساعٌة بدورها<br />

إلى التحام زحام آخر أكثر احتشاداً‏ كان ‏ٌشعر به راهبنا العزٌز.‏<br />

هذا بالطبع ‏ٌشرح تخبطه وحٌرته وربّما ؼضبه الدفٌن الذي لم<br />

‏ٌعد ‏ٌعرؾ أٌن ‏ٌصبّه وكٌؾ ‏ٌتخلّص منه ومن شعوره الشدٌد<br />

باإلحباط ومعاناته لكل أنواع المشاعر التً‏ تخلخل التوازن<br />

الداخلً‏ وتفكّكه.‏ ‏ٌبدو أن هذا الجبار الذي اعتاد على مماومة<br />

العواصؾ المختلفة والمستعصٌة،‏ واجه صاعمة لم تضربه مثلها<br />

فً‏ حٌاته.‏ إذ إن ما كتبه بإمكانه أن ‏ٌُشعر من ‏ٌعرفونه بؤنه<br />

أمضى لٌلة كادت أن تطٌح به.‏ أحسّ‏ بؤنه تعرى تماماً‏ وانكشؾ<br />

أمام الجمٌع.‏ وهذا ما ‏ٌفسر تفضٌله البماء فً‏ العتمة ممتنعاَ‏ عن<br />

إشعال النور فً‏ ذروة معاناته.‏ بذلت جهداً‏ منهكاً‏ بانتماء ما هو<br />

مفهوم ومترابط وٌفسر ما آل إلٌه فً‏ ذلن الولت ولماذا؟!‏<br />

أكتب إلٌنَ‏ ‏ٌا ‏"زٌاد ‏ٌحرّ‏ كنً‏ شعور بؤنً‏ أَدٌن إلٌن بالكثٌر.‏<br />

أنا ال أستطٌع اإلٌفاء بكلّ‏ هذا التراكم الكبٌر ممّا كنتَ‏ تمدمه لً،‏<br />

وهذا منح حٌاتً‏ فخراً‏ بصدالة شارك ‏ُت فً‏ بنابها وأصبحت<br />

أُمثولة.‏ مرحى لكلّ‏ ما حدث،‏ ألنً‏ ال أشعر بؤنً‏ أجر معً‏<br />

أٌنما ذهبت حمبلً‏ ثمٌبلً.‏ الدٌَْن كلمة تحمل معناها فً‏ مجال البٌع<br />

والشراء.‏ لكنً‏ آنؾ أن أتكلم معن عن المال،‏ فؤنا أعرؾ أنن<br />

ستعتبر ذلن إهانة.‏ أنا لستُ‏ أملن المدرة على توجٌه مثل هذه<br />

المذارة إلٌن.‏ ما سؤحاول أن أفعله هو محاولة تفسٌر بعض<br />

ٕٖٗ


طباعً‏ ومشاعري التً‏ أعرؾ بعضها والتً‏ أخمّن أنً‏ لد<br />

المستُ‏ بٌن الحٌن واآلخر بعض خٌوط تلن التً‏ ال أعرفها.‏<br />

أعتمد أنً‏ لد أخلط أثناء الكتابة إلٌن بٌنن وبٌن هللا.‏ ال تخش<br />

شٌباً‏ فؤنت تدرن أنه ال ‏ٌعرؾ الؽضب ولٌس لادراً‏ على فعل<br />

ذلن.‏ إن فكرة أن ‏ٌكون لادراً‏ على كلّ‏ شًء ولٌس لادراً‏ على<br />

الؽضب،‏ تبدو آسرة وعمٌمة وتبرّ‏ ر ألوهٌّته وعصمتها.‏ أكتب<br />

إلٌن ‏ٌا سبب الوجود،‏ بصفتن الرٌاضً‏ األعظم.‏ إذ إنن من<br />

ابتدع األرلام والعبتها كما تشاء فً‏ الماضً‏ والحاضر وستظ ‏ّل<br />

تفعل فً‏ المستمبل،‏ ولد تكرر ما تفعله دابماً.‏ الكون تشكّله<br />

األرلام وتشرحه للنخبة التً‏ سعت وتسعى التّباع خطان<br />

وإدران ما حصل منذ بدء التارٌخ ماضٌة بإصرار إلى محاولة<br />

فهمن ربّما إلى"البلنهاٌة"‏ إن كان لها وجود،‏ أو إنن كخالك<br />

ابتدعت ؼموضها وحشوتها بالمزٌد منه،‏ لتزٌد فً‏ ؼموض<br />

وجودن المحسوس وؼٌر المربً‏ وال الملموس.خِ‏ لت فً‏<br />

الماضً‏ أنً‏ أسٌر فً‏ الدرب الذي ‏ٌمودنً‏ إلٌن،‏ أو إلى فهمن<br />

على األلل.كنت سؤكتفً‏ به،‏ لكن عندما ظننت أنً‏ التربت،‏<br />

تبخّر كل شًء ولم ‏ٌبك فً‏ ‏ٌدي سوى لبضة من رمال<br />

الصحراء الحارلة.‏ تركت بثوراً‏ فً‏ أنحاء كثٌرة من جسدي،‏<br />

شفٌت بعد ولت طوٌل.‏ كنت فً‏ ذلن الولت راكعاً‏ ولد انتهٌت<br />

من الصبلة،‏ متطلّعاً‏ نحو السماء علنً‏ أتلمّى إشارة ما،‏ لكنً‏ لم<br />

أر سوى الشمس الساطعة التً‏ ربّما تبتسم أحٌاناً‏ ولكنها تبدو<br />

أنها تعرؾ أننا عاشمون بالفطرة،‏ فمنعتنا من رإٌاها خوفاً‏ من<br />

األذٌّة التً‏ ستصٌبنا.‏ دعونا نكؾ عن الؽلو فً‏ العشك رؼم<br />

متعته وتعدّد نكهاته عندما تختلؾ األولات،‏ وما لد ‏ٌصٌبنا من<br />

مكروه سٌجعلنا نخشى ما لد ‏ٌكون وراء السكون ممّا ال ‏ٌرٌح.‏<br />

ٕٗٗ


شكراً‏ أٌضاً‏ وأٌضاً‏ ‏ٌا"زٌاد"،‏ فلوالن لَما أدركت أن علً‏<br />

تصحٌح المسار،‏ ولَما عرفتُ‏ الطرٌك إلى حمٌمتً،‏ وكٌؾ كدت<br />

أنسى وأنا فً‏ خضم الفحش أن وطنً‏ سٌكون بحاجة إلًَّ.‏<br />

وطنً‏ هو هإالء الناس البسطاء الذٌن ‏ٌمسحون عرلهم وهم<br />

‏ٌنملون بعض الطُرؾ لبعضهم البعض،‏ وٌتضاحكون حماً‏ كما<br />

‏ٌبدون،‏ رؼم أنهم ‏ٌدركون أالّ‏ طرٌك أمامهم سوى ذلن السبٌل<br />

الذي سٌؤخذهم حمٌمة إلى الموت.‏ ترى هل ‏ٌدرون ما ‏ٌفعلون<br />

تماماً؟!‏ أو إنهم ‏ٌنخرطون فً‏ التمثٌل،‏ علَّ‏ البراعة فً‏ تممص<br />

شخصٌة السعٌد فً‏ حٌاته وتمبّل لدره ‏ٌجعله ‏ٌخلع عنه شخصٌّة<br />

الٌابس والتعٌس الذي ‏ٌمٌل إلى التمشً‏ الهوٌنى فً‏ اللٌل تحت<br />

المطر واألنوار التً‏ تجعل اإلسفلت ‏ٌلمع،‏ وٌؤتً‏ إلى وسط<br />

العتمة مجهول ربّما أو أمر من السماء ‏ٌمدّه بصوت كمان<br />

‏ٌعزؾ لحناً‏ حزٌناً،‏ بٌنما المطر الخفٌؾ مستمرّ‏ فً‏ الهطول،‏<br />

‏ٌحاول إلناعنا أن تممص الشخصٌّة ال ‏ٌمكن للممثل امتبلكها،‏<br />

وٌبمى التمثٌل تمثٌبلً‏ إالّ‏ إذا دخل الجنون إلى اللعبة وأخرج<br />

التعٌس أو الٌابس الذي دخل كلٌّا فً‏ عشك البداٌة أو الختام ال<br />

أحد ‏ٌدري.‏ لكن الستار الذي كان فاصبلً‏ بٌن المسرح وبٌن<br />

الجمهور ‏ٌفتح بمدرة المادر متٌحاً‏ لن اإلدران بؤ ‏ّي والع كن ‏َت<br />

مسجوناً،‏ وكٌؾ كان العٌش فٌه مستحٌبلً،‏ ولن ‏ٌمكنه أن ‏ٌجلب<br />

سوى النهاٌة المشوّ‏ هة،‏ حتّى لو وجدت من ‏ٌعطٌن حبّة وردٌّة<br />

لاببلً:‏ هٌا تناولها وسترى بداٌة أن مشكلة لصر لامتن التً‏<br />

تعانً‏ منها ستختفً‏ تماماً،‏ وسٌؤتً‏ اإلبداع إلٌن صاؼراً.‏ دعن<br />

من التطٌّر،‏ فهو لن ‏ٌمودن سوى إلى الوهم والعٌش فً‏ صحراء<br />

لم تعد موجودة فً‏ هذا العالم.‏ إذا كنت تحمل بٌن حناٌان إٌماناً‏<br />

لوٌاً‏ راسخاً،‏ سترى أن الشٌطان ‏ٌخاؾ من اإلٌمان والمإمنٌن<br />

ولن ‏ٌُمكنه أن ‏ٌرى ما ‏ٌفعله سوى الهرب الع ‏ِرج.‏ ستتؤكد من<br />

ٕٗ٘


ذلن عندما تستطٌع بكلّ‏ عنفوانن أن تنحنً‏ للجمهور بعد أن<br />

‏ٌنتهً‏ فتح الستارة وترى بعٌنٌن ذلن التصفٌك الذي ‏ٌشعرن أنن<br />

ال بدّ‏ أن تصعد وستمابل هللا ال محالة،‏ وتلن االبتسامة التً‏ لم<br />

ولن ترى مثلها فً‏ حٌاتن.‏ فً‏ تلن اللحظة نفسها،‏ تبدأ دون أن<br />

تدري رلصاً‏ إبداعٌّاً‏ ؼٌر مسبوق على مسرح ‏"بروداوي"‏ إذا<br />

سؤلون أٌن تعلّمت كلّ‏ هذا؟!‏ لل لهم:‏ كنت مرّ‏ ة حزٌناً‏ حزناً‏ لم<br />

أعرؾ مثله فٌما عشته حتّى تلن اللحظات،‏ أذكر أنً‏ كنتُ‏<br />

أجلس على صخرة مرتفعة تمتد عمٌماً‏ ضمن البحر الذي كنت<br />

أظنه صدٌمً‏ الوحٌد.‏ لكن لم ‏ٌسبك لً‏ أن تكلّمت معه كلمة<br />

واحدة،‏ رؼم الكثٌر من الخواطر التً‏ كانت محشورة فً‏ ذهنً‏<br />

وتتشابن مع أفكاري وأرؼب فً‏ إخراج بعضها لتخفٌؾ ذلن<br />

الزحام الذي ‏ٌضؽط فً‏ المكان الذي لد ‏ٌحرمنً‏ من معرفة<br />

االتّجاه الصحٌح الذي علًَّ‏ اعتماده.‏ لكن فً‏ تلن اللحظات كنت<br />

لد ضمتُ‏ ذرعاً‏ ولم ‏ٌكن أمامً‏ سوى الصراخ والمزٌد منه،‏ لعل<br />

الموج ‏ٌزٌل ما ‏ٌسدّ‏ بهما أذنٌه وٌسمع ما أرٌد لوله وأخدش به<br />

حٌادٌّته واسترساله بعدم مباالته.‏ للتُ‏ أخٌراً:‏ هل تعتمد أنن<br />

استطعت إٌهام كلّ‏ الذٌن أحبون وأحببتهم وداعبتهم وداعبون<br />

بؤنن استملت من الحٌاة،‏ ولد لُبِلتْ‏ استمالتن بصفتها موكلة بهذه<br />

السلطة.‏ لل لً:‏ هل ضاق صدرن بسماع شكوانا وتنهّداتنا؟!‏<br />

دعنً‏ أتؽابى وأسؤلن:‏ أال تشعر بما ‏ٌعتمل فً‏ داخلً؟!‏ ‏ٌا بحري<br />

العزٌز لمد ضجرتُ‏ من سخؾ حٌاتً،‏ ولم تعد تسع مزٌداً‏ من<br />

الخطاٌا.‏ لٌس علٌن إالّ‏ أن ترجوه أالّ‏ ‏ٌعالبنً‏ أمام الناس<br />

وٌدخلنً‏ إلى الجنون جاعبلً‏ منً‏ عاشماً‏ لِما الترفته.‏ أنا أعرؾ<br />

أن الحٌاة ال تملن السلطة أن تستمٌل وال لبول استمالة أحد.‏ أما<br />

أنت فبل ‏ٌمكنن أن تتخلّى عمّا خلمت من أجله.‏ إذ إنن ستساعد<br />

الرب فً‏ إسدال الستارة عندما ‏ٌمرر أن نهاٌة الدهر لد حانت.‏<br />

ٕٗٙ


لكن فجؤة لفزت سمكة كبٌرة إلى تلن الصخرة ولالت لً:‏ ألست<br />

جابعاً؟ هٌا خذنً‏ إلى بٌتن،‏ فعندما أكون مشوٌّة ستجد أن<br />

طعمً‏ رابع.‏ لكن لمّا التربت منها لم أجدها،‏ كؤن الذي أرسلها<br />

التنع أنً‏ ال أستحمّها.‏ حاولت المٌام من جدٌد وكلً‏ تصمٌم أن<br />

أرمً‏ بنفسً‏ ألكون طعاماً‏ لؤلسمان.‏ صمّمت على ذلن<br />

صدلونً.‏ أما دموعً‏ التً‏ ترونها فؤلول لكم:‏ لست أدري ماذا<br />

حدث وكٌؾ وجدتُ‏ أن الرب ‏ٌعلمنً‏ رلص البالٌه"‏<br />

* * *<br />

‏ٌمكن التؤكٌد دابماً‏ أن النضال الٌومً‏ الذي ال ‏ٌبلحظ،‏ أو ال<br />

‏ٌثٌر االكتراث فٌما لو حرّ‏ ن االنتباه،‏ ‏ٌحمل دابماً‏ بٌن حناٌاه<br />

المدرة على التطوّ‏ ر والتحدّي الواعً‏ المصمّم الصبور الذي<br />

‏ٌتحلّى باإلٌمان بؤن سعٌه الحثٌث السترداد ما أُخذ بالموّ‏ ة،‏ ال بد<br />

من أن ‏ٌمكّنه من انتزاع الحك المؽتصب،‏ والزرع فً‏ صمٌم<br />

المعتدي عندما ‏ٌفشل التلمٌن بسبب الرعونة ذلن الدرس الذي<br />

‏ٌمول:‏ ‏"الرب ‏ٌُمهل وال ‏ٌُهمل،"‏ ولن ‏ٌكون راضٌاً‏ إالّ‏ عندما<br />

‏ٌعود الحك إلى أصحابه.‏ كما أن على الساعً‏ وراء الحك أن<br />

‏ٌفهم بعمك أن اإلٌمان واالستعداد للتضحٌة بالنفس سٌفتح<br />

األبواب أمامه،‏ مانحاً‏ اإللهام للشجاعة التً‏ منحت للذٌن ال<br />

‏ٌخذلونها ممّا ‏ٌعطٌها الحك أن تإهل الذٌن ‏ٌحملونها وٌجلّونها<br />

للتؽلؽل بٌن الجماهٌر،‏ معطٌاً‏ للكفاح ما ‏ٌشعره بؤنه مُلّ‏ ‏ِن لوّ‏ ة<br />

تجعل من األسوار التً‏ تحٌط بالهدؾ تتداعى وٌصبح البعٌد<br />

المنال فً‏ متناول الٌد بالحنكة الكافٌة والحذر من التبجّح.‏ هكذا<br />

بالرؼم من الجو المكفهر الذي ‏ٌحٌط بالمماوم،‏ الذي ‏ٌضع نفسه<br />

فً‏ خدمة الوطن المتطلّع إلى التعاون مع الجٌران لخدمة<br />

ٕٗ7


اإلنسان الذي ‏ٌعٌش فً‏ تلن المنطمة من العالم.‏ هذا المندفع الذي<br />

‏ٌحسب لخطواته أن ترضً‏ الرب،‏ لم ‏ٌكن ‏ٌكؾّ‏ عن االبتسام<br />

فمتعة النضال فً‏ تثبٌت إرادة هللا ما بعدها متعة.‏ فً‏ ذلن<br />

الطرٌك الصعب الوعر،‏ الكفاح ‏ٌكتسب أرضٌّة صلبة تُشعر<br />

الذي ‏ٌستهٌن بالموت،‏ بؤن رابحة السماء تمؤل منخرٌه،‏ وأنه لم<br />

‏ٌعد بحاجة أن ‏ٌحتمً‏ بالضباب،‏ إذ إنه ؼدا واثماً‏ أن األرض<br />

متماسكة بما فٌه الكفاٌة تحت لدمٌه،‏ والطرٌك إلى ممارعة<br />

الؽدر السادي النرجسً،‏ هو فهم أسلوبه فً‏ التفكٌر،‏ وما إذا<br />

كان لصٌر النظر وال ‏ٌملن أٌّة دراٌة بدروس التارٌخ،‏ وٌسعى<br />

وراء الجشع واالحتٌال لٌضمن على ما ‏ٌعتمد أن السرلة ستكلّل<br />

بالنجاح.‏ لكن الشر مهما استشرس سٌجد فً‏ طرٌمه من ‏ٌلوي له<br />

عنمه.‏ لكً‏ نبنً‏ وطناً‏ حمٌمٌاً،‏ حذار،‏ حذار من وأد<br />

‏"الدٌمولراطٌّة"‏ فنجعلها شعاراً‏ نتؽنّى به فً‏ الشوارع،‏ فتضٌع<br />

تلن الصبٌة الرابعة الجمال بؤٌدي من انتظروا طوٌبلً‏ حتّى<br />

تخرج إلى النور من رحم رعاه الرب.‏ علٌنا أن ندرن أنها<br />

لٌست مجرد كلمة،‏ بل هً‏ ثمافة بكلّ‏ ما فً‏ الكلمة من عمك.‏ إن<br />

كنا مخلصٌن سٌكون واجبنا أن نعلّمها ألطفالنا فً‏ البٌوت<br />

والمدارس،‏ إذ إن تفاصٌلها تسع مجلّدات كثٌرة،‏ تمتضً‏ تعباً‏ ال<br />

‏ٌتولؾ وال ‏ٌمهل.‏ إذ إنها والّدة تفتح آفالاً‏ جدٌدة باستمرار حتى<br />

‏ٌبمى الشؽؾ بها مشتعبلً،‏ بحٌث ال ننسى ذلن الكابوس الذي ظ ‏ّل<br />

‏ٌخترق األحبلم وٌبدّدها أكثر من لرن،‏ ‏ٌمكنه أن ‏ٌعود من جدٌد<br />

عند أيّ‏ تهاون،‏ أو طمع فً‏ المزٌد من النوم.‏<br />

ال أزال أملن عشرة دلابك،‏ دعنً‏ ألول فٌها شٌباً‏ جنونٌّاً‏<br />

‏ٌوسّع دابرة معلوماتن عمّا كان ‏ٌجري فً‏ داخلً،‏ وما ‏ٌتجوّ‏ ل<br />

هنان من أفكار تخوض سبالاً‏ مرهماً‏ لتصل إلى خطّ‏ النهاٌة،‏<br />

ٕٗ8


أم"‏<br />

وتتمكن من تؤكٌد أولوٌتها،‏ وتحظى بمكانها فً‏ التطبٌك.‏ أعدن<br />

أٌها الحبٌب أنن لن تصادؾ جنوناً‏ كجنونً‏ فً‏ حٌاتن،‏ دون أن<br />

أخفً‏ علٌن أنً‏ سؤظلّ‏ مسروراً‏ وأنا فً‏ المبر،‏ إذا بمٌتُ‏ مثٌراً‏<br />

للجدل زمناً‏ طوٌبلً.‏ لكنً‏ ال أرٌد أن أصبح أسطورة،‏ فالناس<br />

سٌلصمون لصّتً‏ بحكاٌات بطوالت آبابهم أو أجدادهم،‏ أو<br />

‏ٌُلبسون أحبلمهم لدراتً‏ الجنسٌّة وبراءتً‏ التً‏ لم تصطدم<br />

بالخجل ‏ٌوماً.‏ عندما لرّ‏ رت االنخراط فً‏ الدفاع عن وطنً‏ كان<br />

ما رأٌته وأنا ماضٍ‏ لرمً‏ نفس وسط تلن المعمعة،‏ ضباباً‏<br />

فً‏ الطرٌك إلى الموت،‏ ودخاناً‏ أسود ‏ٌؽطًّ‏ جنون البطل.‏ لس ‏ُت<br />

أدري ماذا كنتُ‏ أفكر عندما كتبتُ‏ عن جنون البطل؟!‏ أنا مجنون<br />

بالتؤكٌد ولكنً‏ ال أحب أن أكون بطبلً‏ فالبطل مهما كان مجنوناً،‏<br />

ال ‏ٌمكن أن ‏ٌصل بجنونه لٌصبح كجنونً.‏ لن آتٌكم بحفنة من<br />

تراب فلسطٌن،‏ إذ إنً‏ أعرؾ أنكم ستسخرون منً.‏ سؤوصً‏<br />

‏"زهرة"‏ بؤن تضعها فً‏ فمً‏ لبل دفنً.‏ إذا اعتمد البطل على<br />

جنونه استطاع اجتراح المعجزات.‏ هنان تعرّ‏ فتُ‏ على نماذج ال<br />

‏ٌمكنن تمدٌر من منهم ‏ٌستحك أن ‏ٌكون األفضل من بٌن أولبن<br />

المجانٌن األبطال.‏ فرحتُ‏ عندما لال سابمن دمحم:‏ ‏"أنا أعتمد بؤنن<br />

ستكون األخٌر فً‏ المابمة متمنٌاً‏ أن أصٌر مجنوناً‏ على<br />

طرٌمتن".وأُشبه أحد الذٌن تعرفهم وتمدر فٌهم تلن اللمعة<br />

الخاصة التً‏ تتمٌز فٌها ‏"عصفورٌّةً"‏ البلذلٌّة.‏ ترى هل ممهى<br />

‏"العصافٌري"‏ الذي تتكلّم عنه دابماً‏ هو فرع خاص من تلن<br />

المسمّاة العصفورٌة؟!‏ إن الكثٌرٌن ‏ٌتسمون بهذا االسم،‏ فما<br />

نتكلم عنه اآلن هو ولٌؾ الراهب ‏ٌوسؾ<br />

"<br />

ألول للذٌن ‏ٌسهبون فً‏ التكلّم عن الٌوؼا"‏ معتبرٌن أنها مفتاح<br />

التحرر من الجسد،‏ وتطوٌع العظام التً‏ كانت تمؾ فً‏ طرٌك<br />

ٕٗ9


كلّ‏ شًء،‏ وتؽلك المنافذ،‏ مانعة الروح من السباحة اإلبداعٌّة،‏<br />

والرلص باستمتاع تحت الماء وفوله،‏ متخلّصٌن ممّا ‏ٌعٌك تبادل<br />

العشك والشبك والنهل من الشهوة،‏ والمداعبة المتدرجة،‏ وصوالً‏<br />

إلى االلتحام والنشوة وتحمٌك المرام،‏ فٌخرج العطر المختبا فً‏<br />

الثناٌا الذي فَرضه االحتشام والعمل المرٌض.‏<br />

فً‏ العماد المسٌحً‏ الذي تموم به الطابفة األرثوذكسٌّة،‏ ‏ٌُطلب<br />

من الحاضرٌن فً‏ مرحلة ما أن ‏ٌردّدوا مع الكاهن العبارة التً‏<br />

تمول:‏ ‏"تفو على الشٌطان"‏ أما أنا فؤرؼب بالمول لكم:‏ ‏"تفو على<br />

االحتشام"،‏ ارلصوا وتمطّوا.‏ الرلص ‏ٌمنحكم حرّ‏ ‏ٌة الخروج من<br />

أجسادكم لبعض الولت حٌث تنمعون أجسادكم بمنموع الفرح<br />

الذي سٌدخل فٌكم عمٌماً‏ عندبذ دون ٍ شنّ‏ .<br />

* * *<br />

لمَ‏ لم ‏ٌعد الكثٌر من العمبلء ‏ٌفهمون المجّانٌة كطرٌمة فً‏<br />

التربٌة وضخ اإلنسانٌّة والتسامح فً‏ ذلن الكابن الذي أُلحم فً‏<br />

الحٌاة منذ بعض الولت،‏ وهو على استعداد لبلرتماء فً‏<br />

أحضانها ظانّاً‏ أنه سٌلمى لدٌها ابتسامة تشبه ابتسامة أمه،‏ وحناناً‏<br />

‏ٌماثل ما وجده بٌن تلن الجدران التً‏ ألؾ ‏ِدفؤها وتعوّ‏ د على<br />

أنفاسها،‏ وإذ به ‏ٌفاجؤ فً‏ أثناء مسٌرته أن ما ‏ٌحدث هو ؼسٌل<br />

فج مدمّر للدماغ،‏ دون سوء نٌّة أحٌاناً،‏ وبكثٌر من سوء الطوٌّة<br />

أحٌاناً‏ أخرى.ألٌس محزناً‏ أن ‏ٌجد بريء نفسه والفاً‏ عند مفترق<br />

طرق حٌث النظافة تُلفت النظر وتُملا الصدر بكلّ‏ أنواع<br />

المشاعر المبهمة أو المدركة المختلطة،‏ ثم تتفاجؤ الرإٌة<br />

بالشوارع الممتدّة إلى الجهات األربع خالٌة تماماً‏ من الناس،‏<br />

ٕ٘ٓ


والبٌوت الجمٌلة ستابرها مُسدلة،‏ بٌنما أصص الزهور المعلمة<br />

على درابزٌن الشرفات مكتظّة بما ‏ٌفرح الملب وٌنعش<br />

الوجدان.لكن كان البد من أن تتسلل الخشٌة من هذا المكان<br />

الفسٌح الذي ‏ٌبدو أن لٌس فٌه بٌوت للفمراء.‏ الحٌرة وبعض<br />

الخوؾ ‏ٌحملهما نسٌم خجول مُنكّس الرأس ال ‏ٌعود إالّ‏ بعد أن<br />

كنتَ‏ لد بدأت تنساه وأخذت تتساءل متمتماً‏ أٌن الناس فً‏ هذا<br />

الصباح الجمٌل،‏ ولماذا تسدل الستابر فً‏ وجه الشمس،‏ ثم من<br />

‏ٌسمً‏ أصص الزهور ‏ٌا ترى؟!‏<br />

* * *<br />

وددت لو كانت حٌاتً‏ كما أعرفها من السهل وصفها.‏<br />

صدّلونً‏ أن األمر استعصى علً.‏ أستطٌع المول كتفسٌر ال<br />

بؤس به:‏ إنها كانت دابماً‏ انتماالً‏ من سراب إلى سراب.‏ كان<br />

‏ٌضحكنً‏ أن ألؾ حابراً‏ وسط المفار دون امرأة منهكة ؼارلة<br />

فً‏ العرق الؽزٌر تداعب نهدٌها،‏ وأنا أنظر إلى ما تفعل دون<br />

أن أودّ‏ المشاركة.‏ ربّما ‏ٌشرح األمر أن ما نشعر به فً‏ هذه<br />

الببلد المشمسة التً‏ ‏ٌتنبع منها الجمال الذي ‏ٌمول عن نفسه:‏ إنه<br />

مولّت وزببمً‏ ‏ٌنعش الملب للحظات.لكن فً‏ ؼمضة عٌن ‏ٌختفً‏<br />

كلّ‏ شًء وراء حجاب ما ؼٌر مربًّ،‏ فالشعور بؤنن ال تزال<br />

محاطاً‏ باألرواح اإلٌجابٌّة التً‏ تجعلن مطمبناً‏ أن لٌس هنان من<br />

‏ٌستطٌع الؽدر فً‏ الولت الحاضر،‏ ‏ٌبمى مبلمساً‏ لن فترة ال بؤس<br />

بها،‏ ثمّ‏ ‏ٌزول دون أن تدري.‏ ثمَّ‏ دون أن تفهم لماذا؟!‏ تبدأ دبكاً‏<br />

جنونٌاً‏ ؼٌر مسبوق.‏ ترى هل خُلك مجنون فً‏ عالم مجنون؟!‏<br />

ٕ٘ٔ


ِ<br />

ترى لمَ‏ الكلّ‏ فً‏ هذه الببلد محجَّبون،‏ أو ‏ٌمٌلون إلى االحتجاب،‏<br />

دون أن تجد فرلاً‏ بٌن رجل وامرأة و طفل؟!‏ لست أدري ما<br />

‏ٌحدث لهذا العالم بحٌث نبدو أننا جمٌعاً‏ عورات وسترها سٌنمذ<br />

العالم من الشرّ‏ ‏ٌر؟!‏ ترى أٌمكن أن نستر عوراتنا حماّ؟!‏<br />

صدّلونً‏ أن كل النساء ‏ٌتحٌّنون الفرصة لٌنظروا من طرؾ<br />

خفً‏ إلى المنطمة األمامٌة الجنسٌّة عند الرجل وهو ‏ٌرتدي ثٌابه<br />

باحتشام.‏ ستظهر أشٌاء هنان ستجعل الخٌال ‏ٌبدأ فً‏<br />

االضطراب والتخبط،‏ ثم ‏ٌؤخذ بالعمل الهادئ اللذٌذ.‏ الناس<br />

‏ٌعرفون وٌدركون ما ‏ٌكمن فً‏ االنتظار هنان.‏ هل ‏ٌمكن أن<br />

‏ٌكون اإلنسان لم ‏ٌستطع أن ‏ٌصدق فً‏ العمك،‏ أن هللا دعاه كً‏<br />

‏ٌصٌر إلهاً؟!‏ فشعر بؤن شكوكه فً‏ محلّها،‏ وأٌمن أن االنتظار<br />

األبله كان عمبلً‏ ؼبٌاً‏ ‏ٌعبر عن سخؾ الحٌاة نفسها،‏ فكان سهبلّ‏<br />

أن ‏ٌمول لنفسه:‏ إن للصبر حدود كما تمول أم كلثوم معلناً‏ أنه<br />

سبم من مسؤلة األخبلق وما تتطلّبه من صرامة فً‏ السلون<br />

ولجم الشهوة وانعدام المنطك الذي ‏ٌدعو إلى ذلن،‏ فً‏ ظلّ‏<br />

حمٌمة تركٌب الجسد اإلنسانً‏ الذي لم ‏ٌفاجبنا حٌن لال:‏ منذ<br />

األٌام األُولى التً‏ كنت فٌها أتعرّ‏ ؾ على الحٌاة أدركت أن<br />

اإلنسان ال ‏ٌُسٌطر على جسده.‏ إذا استمررنا فً‏ اإلٌمان على<br />

الطرٌمة الحالٌّة،‏ فالمصٌر سٌكون الدخول فً‏ نفك الثورة ضد<br />

الدٌن والكنٌسة التً‏ ‏ٌنخرها الفساد،‏ آملٌن حٌن الخروج من<br />

النفك أالّ‏ نضطر إلى البحث عن إله آخر أكثر تناؼماً‏ مع طبٌعة<br />

اإلنسان الفٌزٌولوجٌّة والنفسٌة.‏ عندبذ سنتمكن جمٌعاً‏ من<br />

الخروج من تلن اللعبة العبثٌّة.‏ مشكلة ‏"فروٌد ‏"أنه تصدّى<br />

للتفاصٌل التً‏ تؽرق كلّ‏ الناس فً‏ بحر ال لرار له.‏ لست أدري<br />

كٌؾ تجاوز نفسه والتفاصٌل الكثٌرة التً‏ تعوله،‏ ولفز عندما<br />

تراءى له حبل ‏ٌترجّح من المبة الزرلاء ولٌس علٌه إالّ‏ أن<br />

ٕٕ٘


نإ.‏<br />

‏ٌمبض علٌه فحسب،‏ وهو سٌتولى انتشاله من الطرٌك المسدود<br />

إلى رحاب السماء.‏ لكن ‏"فروٌد ‏"بعد أن لفز وأمسن بالحبل<br />

وترن أدواته فً‏ المكان الذي كان فٌه،‏ لد أدرن هو اآلخر أنه<br />

لم ‏ٌتلكّ‏ دعوة من هللا لمشاركته األلوهة.‏<br />

* * *<br />

لمَ‏ ‏ٌسعى التنالض إلى زرع الخوؾ من الحٌاة،‏ ومن<br />

المختلؾ والمجتمعات المنفصلة،‏ والشعور الدابم بؤننا على وشن<br />

أن نختطؾ أو نؽتصب،‏ وأننا نعٌش هذه الحالة فً‏ هذه<br />

اللحظات التً‏ اختلطت فٌها دماء أبناء الوطن الواحد،‏ صارخة<br />

ماذا نفعل ‏ٌا رب؟!‏ أنمتتل من أجل التفّاحة المحرّ‏ مة بعد أن<br />

حرلنا كلّ‏ مزارع التفاح فً‏ بلدنا؟!‏ جنون الجهل أجفله الممر،‏<br />

فؤخذ ‏ٌؽتصب كلّ‏ شًء،‏ باإلضافة إلى الرجال والنساء<br />

واألطفال واألوطان.‏<br />

بعد أن مرّ‏ ت كلّ‏ تلن األزمنة،‏ وجدنا ذواتنا أمام حمابك<br />

علمٌّة تمول:‏ إننا لسنا أحراراً‏ ألننا خاضعون للمورّ‏ ثات<br />

والجٌنات الموؼلة فً‏ التارٌخ،‏ أي أننا فً‏ والع األمر لم<br />

نتخلص من الخطٌبة الجدٌّة كما لٌل لنا.‏ نحن لسنا نحن تماماً،‏<br />

نحن آباإنا أٌضاً‏ وأجدادنا وتارٌخنا البشري الطوٌل.المسٌح<br />

الذي أتكلّم عنه بٌن السطور،‏ بل من النافذة لً‏ أؼلب األحٌان.‏<br />

هو نفسه الذي لال للجماهٌر من منكم ببل خطٌبة فلٌرمِ‏ تلن<br />

المرأة بحجر،‏ ثم رفع عٌنٌه موجهّا نظره إلى تلن الجرٌحة<br />

ولال:‏ اذهبً‏ ‏ٌا امرأة وال تعودي إلى الخطٌبة."أنا أمٌل إلى<br />

االعتماد بشدة أنه لال:‏ وحاولً‏ أالّ‏ تعودي إلى الخطٌبة"‏<br />

ٕٖ٘


ىعل<br />

دماءنا تؽلً‏ وستظلّ‏ تفعل عبر التارٌخ دون أن نعرؾ من أشعل<br />

النار.‏ المإمنون ‏ٌتنادون وٌصرّ‏ ون أن ‏ٌعرفوا الطرٌك إلى<br />

الحمٌمة.‏ هل ابتعدت كثٌراً‏ أٌها الحك؟!‏<br />

كل الحدٌث عن الحرٌة ولدرتنا على لمع الجسد خرافة.‏ من<br />

أٌن للمخلوق أن ‏ٌكون حراً،‏ دعونا نعترؾ أوالً‏ أن الذٌن هم<br />

ضمن التارٌخ ال ‏ٌمكنهم أن ‏ٌكونوا أحراراً.‏ المادر على الوجود<br />

فً‏ الزمان والمكان وخارجهما فً‏ الولت نفسه هو الحر الوحٌد.‏<br />

نحن نموت من بعوضة،‏ ونعٌش ألن اإلنسان اكتشؾ الترٌاق.‏<br />

نحن تارة ‏"نابولٌون ‏"وتارة ندرن أننا مجرد بعوضة.‏ بٌن<br />

البعوضة و"نابولٌون ‏"لٌس هنان حرّ‏ ‏ٌّة.فً‏ هذا العالم سرٌّ‏ كبٌر<br />

تحٌط به الجبال وتحرسه األعاصٌر والبراكٌن،‏ واإلنسان ‏ٌرجم<br />

بالحجارة ألنه شرب الخمرة،‏ وما شربها المسكٌن إالّ‏ ألنه فشل<br />

فً‏ فهم علة وجوده والهدؾ.‏ ألٌس وجود اإلنسان الضابع بٌن<br />

المصٌر الذي ‏ٌعرفه،‏ وبٌن ذلن الموعود بؤن ‏ٌخرج من الزمن،‏<br />

‏ٌمر المرء فً‏ نفك طوٌل مظلم ‏ٌحدوه أمل بخفض صوته كلّ‏ ما<br />

تمدم إلى األمام حسب ما تنبّؤ األمل نفسه.‏<br />

عندما كنت ؼشٌماً‏ دخلت مع الرب فً‏ عران مرٌر حتّى الشبع.‏<br />

أدركتُ‏ أنً‏ لد سبك لً‏ أن خدعتُ‏ الكثٌرٌن،‏ لكنً‏ لم أستطع<br />

خداع نفسً.‏ للت للرب وأنا أتصبب عرلاً:‏ إلى متى تولعنً‏ فً‏<br />

الؽرام ثم تمؾ فً‏ وجهً‏ مانعاً‏ إٌّايَ‏ من االنطبلق لعناق الحبٌب<br />

تلن الوسادة التً‏ ‏ٌشتهٌها رأسانا معاً،‏ دون أن أفهم لماذا<br />

‏ٌحكّ‏ لً‏ أن أحظى بمن ‏ٌمسّد لً‏ جبٌنً‏ وٌمرر ‏ٌدٌه على شعر<br />

رأسً،‏ وٌستبدل كلّ‏ ذلن بمذفً‏ إلى العتمة فجؤة.ترى لمَ‏ ‏ٌطٌب<br />

لن إذالل مشاعري؟!أم إنن ترٌد تروٌضً‏ عن طرٌمها؟!ما هذه<br />

ٕ٘ٗ


اللذة الجنسٌّة التً‏ منحتنً‏ إٌاها؟!أٌة متعة سخٌفة تلن التً‏<br />

أؼرلتنً‏ فٌها،‏ ثم تخلُ‏ ‏َص إلى اتّهامً‏ بؤننً‏ أصبحتُ‏ أسٌر<br />

إٌحاءات الشٌطان وخططه؟!‏ لمد خلمت منً‏ شٌطاناً‏ حمٌمٌاً،‏<br />

وتمول لنا ابتعدوا عن الشٌطان وتعلّموا كٌؾ ترمونه إلى <strong>أفواه</strong><br />

الخنازٌر.‏ ترى من أفرد للشٌطان مكاناً‏ فً‏ داخلنا؟!أٌطٌب لن<br />

استخدام بعض أعضابً‏ كجبلّ‏ دٌن ‏ٌرفعون فً‏ وجهً‏ السٌاط فً‏<br />

تولٌت ‏ٌلفُّه الؽموض وٌدفعنً‏ نحو الجنون؟!ماذا تبؽً‏ حماً‏ من<br />

هذه االتّهامات المؽلّفة بؤفضل ما ‏ٌحفظ به أفخر أنواع<br />

الشوكواله،‏ لكن ما تحوٌه لٌس إ ‏ّال إجحافاً‏ ال ‏ٌمتّ‏ إلى اإلنسانٌّة<br />

بصلة مضافاً‏ إلٌه لإماً‏ بشعاً؟!‏ هل شاركت أحداً‏ فً‏ تشكٌلً‏<br />

كإنسان؟!هل اطّلعت أحداً‏ على تركٌبً‏ البٌولوجً‏<br />

والسٌكولوجً؟!‏ لمد نجحتَ‏ فً‏ دفعً‏ نحو الماع،‏ ولكن لم<br />

‏ٌتؽٌر شًء،‏ فمد ازددتُّ‏ التناعاً‏ بالتفاهة التً‏ أعٌش فٌها.لماذا<br />

فعلت وتفعل بً‏ كلّ‏ هذا،‏ ولمَ‏ لم تتركنًِ‏ ساذجاً‏ أتمتع بمبلة خفٌفة<br />

مسرولة،‏ ولمسة طرٌّة رطبة؟!‏ لماذا علً‏ أن أمتصّ‏ العسل من<br />

خبلل المذارة،‏ ثمَّ‏ تدفعنً‏ دفعاً‏ إلى أن أبصك على نفسً؟!‏ لمَ‏<br />

علً‏ الخضوع إلى طرلن دون أن ‏ٌتاح لً‏ فهمها؟!‏ أٌة<br />

دكتاتورٌّة هذه التً‏ تتمتع بها؟!أٌطٌب لن تركً‏ أشحذ الحب فً‏<br />

الشوارع واألزلّة النتنة؟!‏ ألست من علّمنً‏ أن ألتحم جسد<br />

الحبٌب كً‏ أنال الراحة،‏ ولمّا فعلتُ‏ ، لم أحصل أبداً‏ على<br />

مبتؽاي،‏ بل بمٌت ولتاً‏ طوٌبلً‏ أشعر بالذنب؟!‏ ‏ٌا رب لمَ‏ ال<br />

تطلعنً‏ على إرادتن فٌما ‏ٌتعلّك بً‏ وتتركنً‏ أواجه آثار ألدام<br />

الوحوش وهً‏ تحوم حول منزلً‏ طوال اللٌل منذ أكثر من<br />

أسبوع؟!‏ إلى متى سؤضطرّ‏ صاؼراً‏ إلى االستماع إلى أنفاسها؟!‏<br />

وتترن ذهنً‏ ‏ٌرى كٌؾ ستكون أشكالها مخٌفة شرهة عدابٌّة.‏<br />

التارٌخ ال ‏ٌستطٌع مماومة تسجٌل األحداث التً‏ تلتمطها<br />

ٕ٘٘


مجسّاته،‏ فهو ‏ٌرالب صفحاته وهً‏ تمتلا،‏ وٌوشوش مرافمٌه<br />

لاببلً:‏ إن من ‏ٌموم بتعذٌب الشرفاء واألطفال والشٌوخ،‏<br />

وٌؽتصب النساء واألطفال ‏ٌنحدر من المجرور نفسه الذي لفظ<br />

إلى هذا العالم ‏"نٌرون"‏ وكلّ‏ الدكتاتورٌٌّن الذٌن عاثوا فً‏ الدنٌا<br />

فساداً‏ وعبثوا بالتارٌخ والحاضر والمستمبل.‏ ك ‏ّل األطفال فً‏ هذا<br />

العالم كشفوا حمٌمة الشٌطان وأهدافه التً‏ أعلنت عن نفسها ولم<br />

توفّر جهداً‏ للِملمتها وإخفابها.‏ أنت تعرؾ أنً‏ ال أكرّ‏ ر ما للته<br />

لن عبثاً،‏ ترى أتعبث بً‏ وحدي،‏ أم تفعل ذلن مع ك ‏ّل<br />

الناس؟!أنا ذاهب إلى حرب من نوع جدٌد حٌث تسكن تلن<br />

األفعى التً‏ أطعمت شذاذ اآلفاق أٌنما كانوا فً‏ أنحاء هذه<br />

المعمورة.‏ أنا ماضٍ‏ إلٌها ألحاول لبل أن أموت الحإول دون<br />

انزالق وطنً‏ العربً‏ كله نحو التفتت.‏ سورٌّتنا ستبمى ضمن<br />

التارٌخ رؼم كل سفلة العالم.‏ سورٌّة لن تسٌر نحو حرب ‏ٌمتتل<br />

فٌها األخوة.‏ كٌؾ ‏ٌمكن أن ‏ٌصح هذا ‏ٌا رب؟!‏ بل كٌؾ ‏ٌكون<br />

ممبوالً‏ أن نرفض الحداثة وكلّ‏ ما ‏ٌمكنها أن تفعله فً‏ تحفٌز<br />

عجلة التطوّ‏ ر وما ‏ٌنتج عنه من إبداعات،‏ ونترن إنسانٌّتنا تعود<br />

صاؼرة إلى العصر الحجري.‏ لم أعد أستطٌع ‏ٌا رب المبول أن<br />

‏ٌنفرط عمد أمتنا السورٌّة بسبب عصبة تاهوا فً‏ جمٌع أنحاء<br />

العالم ‏ٌتراكضون وراء الكثٌر من المال الذي تمكنوا به من<br />

إعادة تجمٌع لواهم وؼزوا ببلدنا وطردوا الذٌن حلّوا محلّهم.‏ أنا<br />

أسعى للموت،‏ وسؤلفز نحوه متى تؤكّدتُ‏ أن وطنً‏ لد تصالح<br />

مع نفسه وهو فً‏ طرٌمه لطرد الؽزاة من جسد األمة،‏ التً‏ ال<br />

‏ٌمكن أن تكون إالّ‏ روحاً‏ واحدة تملن الدافع واالستعداد للدفاع<br />

عن موطا ألدام الرسل،‏ واضعة نفسها لرباناً‏ للرب واجتثاث<br />

الشر أٌنما وجد.‏ أنا ال ‏ٌمكننً‏ متابعة تحمل كلّ‏ هذا اإلزهاق<br />

لؤلرواح بٌن أنٌاب الوحوش.‏ لطالما أردت أن أدفن فً‏ وطنً‏<br />

ٕ٘ٙ


وفً‏ البلذلٌّة بالذات.‏ لكنً‏ أعرؾ أن أمنٌتً‏ لن تتحمك.‏ سؤرسل<br />

لن لرٌباً‏ أصبعً‏ الصؽٌر من ‏ٌدي الٌسرى لتموم بواجب دفنه<br />

هنان فً‏ البلذلٌّة،‏ وضع شاهداً‏ فً‏ المكان واكتب علٌه ما<br />

شبت.‏ السنابل الذهبٌّة ستزٌن أرض سورّ‏ ‏ٌة من جدٌد،‏ والجواد<br />

العربً‏ األصٌل سٌمؤل الصحراء محمّبلً‏ بالمتطوِّعٌن الذٌن<br />

سٌعمرونها من جدٌد،‏ وهً‏ بدورها ستساهم فً‏ إشباع جٌاع<br />

العالم.‏ أرجون ربً‏ أن تؽفر لً‏ وتتفهّمنً‏ وتدعنً‏ أنفذ ما<br />

أحسبه خبلص وطنً.‏ إذ ربّما سترؼمنً‏ األحداث هنان على<br />

أن أصٌر رجبلً‏ أعً‏ ماذا أفعل،‏ ودع موتً‏ ‏ٌشٌر إلى أنً‏<br />

أستحك مواطنتً.‏ أنا ال أشنُّ‏ أن الدماء الذكٌّة ستوصلنا إلى<br />

االنتصار على الؽزاة المتآمرٌن المستمٌتٌن فً‏ الدفاع عن<br />

ممتلكاتهم التً‏ ؼنموها بكلّ‏ الطرق الملتوٌة.‏ أما الذٌن تناسوا<br />

أنهم لادرون على المماومة والكفاح ضد ظلم الظالمٌن،‏<br />

واختاروا الهرب من أمام الؽزاة،‏ فسٌمتص منهم الماضً‏ األكبر<br />

أٌنما كانوا فً‏ ذلن الٌوم الطوٌل.‏<br />

فً‏ ببلدي كُشفت حمٌمة األٌادي المذرة التً‏ تمتدّ‏ فً‏ الخفاء<br />

لتلؽً‏ حمابك التارٌخ وتزور آثار األلدمٌن وما فعلوه للحضارة<br />

اإلنسانٌّة.‏ نعم ‏ٌا زٌاد أنا ذاهب إلى الحرب لمتل األسطورة التً‏<br />

تحتفظ بها ‏"ؼولدا مابٌر"‏ وهً‏ فً‏ لبرها المحروس فً‏<br />

إسرابٌل بجدٌّة لصوى وحرّ‏ اس أشداء من أفراد الموّ‏ ات الخاصة<br />

فً‏ الدولة التً‏ ‏ٌرٌدونها ‏ٌهودٌّة صرفة خالٌة من أٌّة دماء تثٌر<br />

الرٌبة ودخٌلة مندسّة.‏ الوجود لٌس كما لال ‏"دٌكارت "، بل إن<br />

الشعور بالوجود هو عمك اإلحساس بالوحدة مع اآلخر والحمٌمة<br />

التً‏ ال ‏ٌمكن لها أن تفصل بٌن اإللهً‏ والبشري.‏ افرحوا أٌها<br />

المسحولون وتهلّلوا فؤنتم تكملون الخالك.‏ كان سٌبمى وحٌداً‏<br />

ٕ٘7


مجهوالً‏ لو لم تكونوا أو توجدوا.‏ إن بماء البشرٌّة ال ‏ٌتؤتَّى من<br />

نماء الروح ولدرتها أن تنؤى بنفسها بعٌداً‏ عن التلوث.إذ إنها ال<br />

‏ٌمكنها إالّ‏ االستمرار فً‏ بذل هذا الجهد المضنً‏ الذي لن ‏ٌؽٌّر<br />

أي شًء فً‏ تهذٌب الشهوات والرؼبات.‏ أٌها الناس صدلوا<br />

الذاهب إلى الموت باختٌاره،‏ وتظاهروا سلمٌاً‏ أمام عرش هللا،‏<br />

مسبحٌن وطالبٌن بإلحاح أن ‏ٌحرّ‏ ركم من صفة ‏"الكومبارس"‏<br />

وٌعطٌكم الحك أن تكونوا مثله كاملٌن ال تحتاجون إلى تلن<br />

األلبسة المزركشة الكثٌرة األلوان وؼٌر المتناؼمة على<br />

اإلطبلق،‏ إنها تذكر المواطنٌن العادٌٌّن بلصوص الؽجر<br />

وبؽاٌاهم.‏ دعهم ‏ٌظنون حماً‏ ‏ٌا رب أنهم ‏ٌملكون حرّ‏ ‏ٌة اإلبداع<br />

ؼٌر منموصة.‏<br />

‏ٙٔ <br />

سؤختم ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ كلّ‏ هذه الترّ‏ هات وأطلك الحرٌّة لكلماتً‏ أن<br />

تمتطً‏ الرٌح،‏ وتطٌر بها إلى لرب النجوم وتجتاز معها حافة<br />

التارٌخ وتتركه ‏ٌتلمّفها وٌشملها بعناٌته.‏ دعنً‏ أبسط لن ما أعتمد<br />

أنه حمٌمتً‏ وألول ما لم ألله عن نفسً،‏ واعداً‏ إٌّان أنً‏ سؤردده<br />

من جدٌد أمام السماء:‏ أنا الذي ال ‏ٌزال ‏ٌصلً‏ بعد أن ‏ٌنتهً‏ من<br />

فعل العهر والفحشاء وٌشكر هللا بما لسم له من رؼٌؾ الخبز<br />

وتلن السمكات التً‏ ظنّ‏ الجمٌع أنها ال تشبع أحداً.‏ أنا الراهب<br />

الذي لم ‏ٌنم دون أن ‏ٌضاجع امرأة وٌمتطً‏ خٌاله بعد تملّصه<br />

منها،‏ تاركاً‏ إٌّاه ‏ٌمضً‏ به فً‏ رحلة إلى أجمل المدابن وأؼربها،‏<br />

وٌرٌه فتنة البحٌرات وهً‏ تستعرض نفسها بٌن مدٌنة وأخرى<br />

بنرجسٌّة ال تثٌر استنكار أحد،‏ بل تحفز الجمٌع على المفز إلى<br />

المٌاه النمٌّة دافعٌن بها إلى نشر العطر الذي ال ‏ٌتبدّد أٌنما حلّت<br />

ٕ٘8


وذهبت.‏ نعم ‏ٌا زٌاد،‏ فهذا جزء من صمٌم حٌاتً‏ ال أخشى<br />

اإلعبلن عنه،‏ بل ‏ٌسرّ‏ نً‏ أن أفعل ذلن فً‏ أي ولت.‏ كما ال<br />

أتهٌّب من كشؾ كلّ‏ أورالً‏ أمام جمٌع العطاش،‏ إذا كان هذا<br />

‏ٌجعلهم ‏ٌرتوون بما فٌه الكفاٌة.‏ ثمّ‏ دون أن أدري شعرت بخٌالً‏<br />

‏ٌنخفض بً‏ وٌبطا لاصداً‏ أن ‏ٌرٌنً‏ أعشاش العصافٌر،‏ وحنان<br />

األم وهً‏ ترعى فلذات كبدها.‏ ثم ال شن سؤطلب منه أن ‏ٌعرّ‏ ج<br />

إلى ؼابة عرفتنً‏ وعرفتها،‏ متشابكة األشجار كثٌرة<br />

االخضرار،‏ تعبت وهً‏ تنظّفه مختارة ولتاً‏ ‏ٌخبر بمرب حلول<br />

ؼٌاب الشمس حٌث تظهر ؼرابة االخضرار كؤن الٌخضور<br />

أزداد كثافة فبان اللون األخضر مختلفاً‏ وربّما أكثر ولاراً‏ مبتعدا<br />

لدر اإلمكان عن اإلثارة.‏ هنان فً‏ الؽابة حٌث الحٌاة تشبهنً‏<br />

تماماً،‏ ‏ٌرى ذلن الذي ‏ٌمشً‏ الهوٌنى أن عشّاً‏ جمٌبلً‏ منتصباً‏<br />

مإلفاً‏ من المصب الذي تشبكه حبال المنب المصنوعة ‏ٌدوّ‏ ‏ٌاً.‏ كان<br />

المكان ‏ٌحوي فراشاً‏ من المش ‏ٌثٌر جنونً،‏ وٌزٌّن لً‏ ؼامزاً‏<br />

ممارسة المزٌد من فنون الجدل الجسدي.‏ لكن أمراً‏ ؼرٌباً‏<br />

حصل لً‏ وؼٌّر المشهد كلٌّاً‏ ممّا أدخل االضطراب إلى كٌانً.‏<br />

إذ إنً‏ ال أدري من دفعنً‏ ألرى مسرحاً‏ أمامً‏ وسط الضوء،‏<br />

أرضٌّته بصلٌّة اللون مصمولة ومانعة من االنزالق بٌنما كنت<br />

وحدي لابعاً‏ فً‏ عتمة ؼٌر حالكة.‏ الدهشة وؼرابة المولؾ لفزا<br />

بً‏ إلى التساإل بملٌل من الؽضب لاببل فً‏ داخلً،‏ ماذا ‏ٌحدث<br />

هنا؟!‏ وكٌؾ لم أعرؾ بوجود هذه الخلوة الفسٌحة الرابعة فً‏<br />

أحد أطراؾ الدٌر،‏ ولد مضى على حٌاتً‏ هنا بضع سنوات<br />

لٌست للٌلة؟!‏ تولف ‏ُت عن الحركة أرالب ذلن االتساع الؽرٌب<br />

فً‏ ذلن الطرٌك الملفت والمرٌب من الؽابة.‏ بعد أن مرت<br />

دلٌمتان خرج فً‏ نهاٌتها من رحم حمٌمة اإلنسان هٌكبلً‏ بشرٌاً‏ ال<br />

‏ٌستر من جسده ما ‏ٌستحك الذكر،‏ وٌصدر منه ما ‏ٌلمع وٌخطؾ<br />

ٕ٘9


نذل<br />

األبصار.‏ كانت صدمة أو لعنة تودعنً‏ بعد طردي ؼٌر المعلن<br />

من الدٌر لم أد ‏ِر فً‏ ذلن الولت شٌباً؟!‏ بدا البشري ‏ٌشبه<br />

البشر بالتؤكٌد،‏ ولكن ال مثٌل له بٌنهم،‏ وال ‏ٌهتم بمن ‏ٌراه بل<br />

كٌؾ ‏ٌرى جسده هو نفسه وٌرعاه وٌتلمى رضى ذاته مفصحاً‏<br />

عن اللذة التً‏ اجتاحته؟!‏ كانت عٌناه تتحركان بطرٌمة تشً‏ أن<br />

جوعاً‏ ؼرٌباً‏ صارخاً‏ ‏ٌعتمل فٌه،‏ طالباً‏ تحمٌك ما ‏ٌجٌش فً‏ نفسه<br />

من رؼبات دون أن ‏ٌؤبه للخجل أو للعهود،‏ راضخاً‏ ألعماله<br />

المصرة على االنتفاض ضد لهر الكٌان اإلنسانً‏ وإذالله.‏ حاول<br />

أٌّها الصدٌك أن تدعمنً‏ بصلواتن وأنا أترن هذا الدٌر وتلن<br />

اإلطبللة الرابعة التً‏ تضفً‏ البهجة على ذلن االمتداد الهابل<br />

من االخضرار،‏ دون النسٌان أن تتخلّله ألواناً‏ رابعة كثٌرة<br />

التنوّ‏ ع خارجة من زهور وورود ترلص مع النسٌم.‏ ثم تؤتً‏<br />

أسمؾ المرمٌد،‏ التً‏ تبثُّ‏ المتعة للناظر إلٌها وتمٌز بٌوت الجبل<br />

عن تلن البٌوت الشاهمة التً‏ ال تدري إلى أٌن ترٌد الوصول،‏<br />

وما هو العبث السخٌؾ الذي تؤمل أن تلتمطه؟!‏ كنتُ‏ حامبلً‏<br />

معً‏ ؼصة كبٌرة تنخر الملب.‏ لستُ‏ أدري كٌؾ اتّفك أن<br />

اجتمعن كلّ‏ نساء المرى المجاورة،‏ وتنادٌنَ‏ للمٌام بمظاهرة<br />

تحٌط بالدٌر هاتفة:‏ ال تؤخذوا منا الراهب ‏ٌوسؾ.‏ تكرر هذا<br />

الطلب كثٌراً‏ ‏ٌرافمه صراخ تصاعد بشكل رهٌب.‏ لكن عندما لم<br />

‏ٌسمعنَ‏ جواباً،‏ هدّدنَ‏ بالنزول إلى بٌروت فً‏ الحال كً‏ ‏ٌُسمِع ‏َن<br />

كل الناس أنهنَّ‏ طلبنَ‏ من الشٌطان عرللة رحٌل الراهب بك ‏ّل<br />

الطرق الممكنة.‏ أرجو أالّ‏ تهزأ وال تبتسم،‏ إذ إنً‏ أخشى<br />

ابتسامتن كما أنها أحٌاناً‏ تؽضبنً‏ وأخشى أن تسبّب فشلً‏ إن<br />

تذكّرتها لبل المضاجعة الممبلة.‏ ال تفعل ذلن بً‏ أرجون،‏ فؤنا<br />

أعانً‏ فً‏ هذه األولات من إربان عمٌك الجذور وتشوش فً‏<br />

مشاعري ال ترٌد اإلفصاح عنه.‏ تعال وانظر إلى طٌور السماء<br />

ٕٙٓ


وهً‏ بانتظاري لتودٌعً‏ ومرافمتً‏ إلى مُبتؽاي.‏ لكن أمراً‏ ؼرٌباً‏<br />

فاجؤنً‏ إذ إن ما ‏ٌشبه الستارة انزاح من أمامً‏ وإذا بً‏ أرى<br />

ذلن الزمٌل نفسه،‏ والذي لم ‏ٌسبك لً‏ أن عرفته،‏ ‏ٌتعرّ‏ ى بهدوء<br />

مظهراً‏ بما ال ‏ٌدعو إلى الشن تمتّعه الشدٌد بمرأى جسده المذهل<br />

الذي ‏ٌفرط فً‏ جعل الشهوة النابمة تؽلً‏ والنار ال تزال بعٌدة<br />

عنها.‏ تساءلت ماذا ‏ٌرٌد أن ‏ٌفعل،‏ وهل سنشهد مضاجعة ذاتٌة،‏<br />

أم إنساناً‏ تشتعل النار فً‏ داخله،‏ ‏ٌسعى إلى إطفابها بؤن ‏ٌترن<br />

لحبات اللإلإ حك مداعبة جسده بعد منتصؾ اللٌل.‏ ؼٌر مبا ‏ٍل<br />

بمخالفته الصرٌحة للموانٌن واتفاق الناس على أن ما ‏ٌبدو أنه<br />

سٌحدث ‏ٌوحً‏ بؤنه الفجور بعٌنه.‏ كان مؽمض العٌنٌن تارة،‏<br />

وتارة أخرى تراه شاخصاً‏ إلى النجوم كؤنه ‏ٌتبادل معها األسرار<br />

واألحاسٌس الؽرٌبة.‏ ث ‏َّم تولؾ بطرٌمة توحً‏ أنه ‏ٌنصت إلى<br />

شًء ما،‏ فتبٌن بعد لحظات أنه ‏ٌرؼب بتلٌٌن عضبلت عنمه،‏<br />

فؤخفض رأسه وأخذ ‏ٌدور به حول عنمه الذي أبمى على<br />

استمامته.‏ فعل ذلن مرّ‏ ات عدٌدة بٌنما كان الماء ال ‏ٌزال ‏ٌتسالط<br />

دون اعتراض من الطرفٌن على ما ‏ٌبدو.‏ كان بادٌاً‏ على الزمٌل<br />

تمتعه الشدٌد بتلن الحبّات المتسالطة من اللإلإ.‏ بدا األمر ؼرٌباً‏<br />

دون شنّ‏ إذ إنه أنتمل إلى ممارسة ع ‏ٍض لٌس شدٌداً‏ وال خفٌفاً‏<br />

على شفتٌه،‏ مستدعٌاً‏ المزٌد والمزٌد من اللذة كً‏ ته ‏ّب إلٌه<br />

لتلعب معه لعبته،‏ متخلٌّة عن أي شًء لد ‏ٌعولها.‏ كنت أكاد أن<br />

أمتلا شفمة على شفتٌه.‏ لكن هذا الزمٌل الؽرٌب األطوار أظهر<br />

أنه ‏ٌملن برنامجاً‏ خاصاً‏ ‏ٌرؼب بتطبٌمه،‏ مستعٌناً‏ بتارٌخه<br />

كرالص بالٌه على ما بدا.‏ لم ‏ٌطل بً‏ االنتظار حتى بدأ ‏ٌظهر<br />

أنه محترؾ خبٌر بالجسد أخترق الكثٌر من الحُجُب،‏ وفً‏<br />

أعماله رؼبة عارمة كً‏ ‏ٌطٌر رالصاً‏ إلى المبّة الزرلاء مشتهٌاً‏<br />

مبلمستها.‏ لكنه لم ‏ٌكن مستعجبلً‏ بالتؤكٌد،‏ إذ إنه لم ‏ٌحاول مطلماً‏<br />

ٕٙٔ<br />

. ٍ


تحرٌن ‏ٌدٌه للمساعدة بإزالة الصابون الذي تبٌن أنه تركه عمداً‏<br />

‏ٌتراكم على ذلن الجسد العاري المذهل المدمر الذي ‏ٌدور بن<br />

وٌدور مرّ‏ ات ومرّ‏ ات حتّى ‏ٌمرّ‏ بن من الشعور بالؽثٌان.‏ فاجؤنً‏<br />

المدر وأرانً‏ العجب.‏ شعرتُ‏ أنً‏ أعلو ثمَّ‏ أهوي إلى وادٍ‏ عمٌك<br />

ال تتبٌّن فٌه من مصٌرن سوى العتمة التً‏ تراها والصخور<br />

الحادة التً‏ تنتظرن لتسمع أصوات تحطم عظامن وتستمتع<br />

بحرارة دمن الذي بدأ ‏ٌؽمرها بحنانه.‏ لم ‏ٌكن أمامً‏ سوى أن<br />

أشٌح بوجهً‏ عن الخذالن الذي تمرّ‏ غ فً‏ داخلً‏ ونظر إلًّ‏<br />

شزراً‏ ولرِ‏ فاً‏ رافضاً‏ ولوفً‏ متفرّ‏ جاً‏ دون أن أتعرّ‏ ى وأجرّ‏ ب<br />

كٌفٌّة تعامل جسدي مع ما ‏ٌتسرّ‏ ب منً‏ إلى أرضٌّة المسرح.‏<br />

لكنً‏ استفمت من الحلم الذي أخذنً‏ ذلن المشهد إلٌه.‏ لم أجرإ<br />

على فعل أيّ‏ شًء شاعراً‏ بؤن علًّ‏ الولوؾ واالستناد إلى<br />

الحابط خوفاً‏ من الدخول فً‏ فخ التمٌّإ.‏ لست أدري كٌؾ<br />

اختلطت مشاعري ومضت تتبلعب بً‏ موحٌة أن زمٌلً‏ خرج<br />

عن طوره وهو ‏ٌستخدم عٌنٌه لتنوٌم األرواح وجلبها كً‏<br />

تصلبه استكماالً‏ لذروة استمتاعه.‏ لكن لمّا طلبت من خٌالً‏<br />

الحضور وجدته مبعثراً‏ هنا وهنان،‏ عاجزاً‏ ال ‏ٌدري ماذا ‏ٌفعل<br />

إلخفاء خجله.‏ أخذت لراراً‏ سرٌعاً‏ بالبماء خارج مجال الرإٌة،‏<br />

ومتابعة ما لد ‏ٌستجدّ‏ من مشاهد،‏ وأن ما رأٌته وأراه اآلن<br />

أعادنً‏ إلى شبمً‏ واستمتاعً‏ بما ‏ٌجري داخل ذلن الجسد<br />

المرعب،‏ وهو ‏ٌتلمّى تلن الحبّات المتسالطة على ذلن االسمرار<br />

المثٌر الفرٌد المتفجر.‏ تساءلت:‏ لمَ‏ ‏ٌا ترى لم أختبر فً‏ حٌاتً‏<br />

ما أشهده ‏ٌحدث للتو؟!‏ لكن ذلن الزمٌل لم ‏ٌبدُ‏ أنه سٌتولؾ عند<br />

حدٍ‏ ما،‏ فؤخذ ‏ٌموم بحركات رالصة رابعة تتكلم لؽة ؼرٌبة<br />

مستعمبلً‏ ذراعٌه وأصابعه،‏ مشتركة مع بعضها بعضاً‏ وٌحرن<br />

لدمٌه بعض الشًء تارة وتارة أخرى ال ‏ٌفعل وٌمتصر ما ‏ٌموم<br />

ٕٕٙ


به أعلى جسده،‏ أظن أن التركٌز على حركات الٌدٌن واألصابع<br />

الرابعة كان تمجٌداً‏ للخالك وطالبة من األطٌاؾ التً‏ تبدو كؤنها<br />

محٌطة به،‏ المسارعة إلى الحضور لبلشتران فً‏ استحضار<br />

وثنٌة حدٌثة علّها تؽٌر رتابة صبلتنا وبتولٌتها.‏ ثم لمَ‏ ال نترن<br />

لئلبداع أن ‏ٌتنبّع من الصبلة؟!‏ أظن أن ذلن الماكر كان ‏ٌرٌد أن<br />

‏ٌشؽل السخفاء من أمثالً‏ بإزالة جٌّدة لِما ‏ٌمكن أن ‏ٌكون لد بمً‏<br />

من الصابون.‏ لكنً‏ كنت أحفظ هذه الخدع عن ظهر للب.‏ إذ<br />

كان ذلن الماكر ‏ٌخادع ربّه بمداعبة جسده مداعبة مركّبة ؼرٌبة<br />

ال ‏ٌمكن رإٌة تفاصٌلها بوضوح.‏ لكن فجؤة لرّ‏ رت التولؾ<br />

متساببل إن كان ‏ٌمكننً‏ وصؾ ما أراه رلصاً،‏ أو ربما أمٌل إلى<br />

عدّه استعراضاً‏ نرجسٌاً‏ إلنعاش ما ‏ٌمكن إنعاشه من تلن<br />

النرجسٌّة المضمرة فً‏ األعماق؟!‏ لمد كانت بالؽة اإلتمان<br />

ومرعبة فً‏ تمٌزها.‏ كما حوتْ‏ على الكثٌر من التفاصٌل التً‏<br />

كانت تتحرن كما تهوى،‏ ساخرة من األعٌن التً‏ تعبت وفمدت<br />

تركٌزها،‏ من كثرة إصرار تلن التفاصٌل على المبالؽة فً‏<br />

اإلعبلن عن شبمها وتمرّ‏ دها ومجونها األنٌك،‏ مإكّدة أن األنالة<br />

ستبمى متمسّكة بشبمها والبالً‏ ‏"أكسِسوار"‏ متعهّدة أن تجعل من<br />

‏"شهرزاد " تذهب إلى النوم وتسكت نهابٌاً‏ عن الكبلم المباح<br />

وؼٌر المباح.‏ لكنها فجؤة التفتت ورأت وجهً‏ ‏"المسطول"،‏<br />

فبدت كمن لسعتها أفعى،‏ فبادرت للصراخ فً‏ وجهً‏ لابلة:‏<br />

اؼرب من هنا ودعنً‏ بسبلم.‏ إنً‏ ال أصلح ألحبلمن،‏ دعنً‏<br />

للمتعة فؤنا واللإلإ المتسالط والسكون تفاهمنا على كلّ‏ شًء.‏<br />

هٌا اذهب،‏ أنت ضجٌج سولً،‏ ولذارتن تنبِا من أيّ‏ ماخور<br />

انحدرت.‏ هذا ما حدث ‏ٌا زٌاد وجعلنً‏ أفكّر:‏ ترى هل التمى<br />

مسار تفكٌرن بمساري فً‏ نمطة ما؟!‏ لستُ‏ مستعداً‏ أن ألول<br />

شٌباً‏ فً‏ هذه الهنٌهة رؼم أنً‏ متؤكّد أن ذلن الراهب لم ‏ٌكن<br />

ٕٖٙ


‏ٌرانً.‏ لكنً‏ فوجبتُ‏ بعد هنٌهة بزمٌلً‏ المُلتحؾ بمشاعره<br />

الملتهبة ‏ٌتخلّى عن الولوؾ متلمٌّاً‏ حبات اللإلإ بصمت ؼرٌب،‏<br />

واستدار نحو جدار الحمّام والتصك بببلطه بوساطة ذراعٌه<br />

وٌدٌه،‏ واضعاً‏ خده األٌسر علٌه وأؼمض عٌنٌه من جدٌد،‏<br />

إؼماضة توحً‏ بكثٌر من المشاعر التً‏ ترتطم ببعضها بعضاً‏<br />

فً‏ داخله،‏ وهو متسمّر فً‏ مكانه ‏ٌنتظرها أن تهداً‏ وتتماسن<br />

وتموم بما ‏ٌشبه طمساً‏ خاصاً‏ به،‏ ‏ٌخرجه من حالة وٌدخله فً‏<br />

أخرى بحٌث ‏ٌعطٌه المدرة على أن ‏ٌتسلك على ببلط الحمام<br />

صعوداً،‏ ربما لٌمنح لجسده حك عرض نفسه عارٌاً‏ ألكبر عدد<br />

من الناس.‏ أو أنه كان مستسلماً‏ منذ البداٌة إلى حلم ‏ٌمظةً‏ كان<br />

‏ٌؤخذه دابماً‏ إلى هدؾ أعتاد علٌه ورسمته مخٌّلته عمٌماً‏ فً‏<br />

كٌانه طبماً‏ لِما صمّمه وشاء أن ‏ٌؽرسه فً‏ الملوب.‏ إنه من المهم<br />

المول بصوتٍ‏ عالٍ‏ ولندع المسكونة كلّها تسمعه:‏ إنه ادّى ك ‏ّل<br />

ذلن بحركات إٌمابٌّة ممسرحة بامتٌاز تستدعً‏ التصفٌك الطوٌل<br />

الصاخب.‏<br />

لست أدري كٌؾ أخذتنً‏ أفكاري بعٌداً‏ وبعٌداً‏ جداً،‏ حاثّة<br />

الخطى،‏ ربّما لتعطً‏ لكلّ‏ الناس شبماً‏ كشبمً،‏ فبل أبدو مختلفاً‏<br />

عمّا ‏ٌفعلونه فً‏ خلواتهم.‏ أو ‏ٌمكننً‏ الظن أن ذلن الراهب،‏ ربّما<br />

كان ‏ٌستؽفر هللا بطرٌمته،‏ دون ان ‏ٌنكر أن انفراده مع نفسه<br />

دعت مشاعره إلى العصٌان والتؤكٌد أنها سبمت األحبلم وال<br />

بؤس إن كان الماء الساخن ‏ٌجعله ‏ٌتؤوّ‏ ه وٌتؤوه وٌصدر آهات<br />

‏ٌخفك لها الملب أكثر بكثٌر من تلن التً‏ خرجت من فم أم كلثوم<br />

الكبٌر.‏ لم أنتظر طوٌبلً‏ حتى رأٌته ‏ٌدور ببطء نصؾ دورة إلى<br />

أن أصبح لبالتً‏ تمرٌباً‏ فاتحاً‏ ذراعٌه إلى األعلى ناظراّ‏ إلى<br />

السماء،‏ معطٌاً‏ لجسده هٌبة جمالٌة مذهلة ومدمرة وصرخ لاببلً:‏<br />

ٕٙٗ


آه ما أروعن ‏ٌا شٌطان!‏ ‏ٌا لِخبثن وفتنة حبكتن!‏ صدّق ‏ٌا زٌاد<br />

أن فرحاً‏ كبٌراً‏ عمنً‏ وانتهٌت بجفاؾ شدٌد فً‏ الفم.‏ تساءلت<br />

ألعطً‏ نفسً‏ بعض حمها:‏ ترى من تمتّع أكثر بذلن المشهد،‏<br />

الماء؟!‏ أم أنا الذي كنت أرى ما ‏ٌجري فً‏ لحظات<br />

‏"دراماتٌكٌّة"‏ خاصّة تجعل الرزٌن ‏ٌجنّ‏ جنونه؟!‏ أصابنً‏ الكدر<br />

ولم أعرؾ كٌؾ أُفلت من هللا وأبمى بضع دلابك أخرى<br />

كٌؾ ستكون النهاٌة.‏ فكّرتُ‏ بالماء من جدٌد،‏ فإذا بً‏ لد نما فً‏<br />

داخلً‏ شعور مختلؾ.‏ جعلنً‏ أراه مشتركاً‏ بطرٌمة ما بتلن<br />

المضاجعة الذاتٌّة التً‏ تركتها تتمسرح أمامً‏ وتكاد أن تمتلنً‏<br />

كؤنً‏ أطلّ‏ علٌها من عالم آخر.‏ أنا لم ألصد السوء حاشا.‏ فكٌؾ<br />

لً‏ أن أفعل وأنت تعرؾ إلى أٌن أمضً،‏ وما احتفالً‏ الصؽٌر<br />

هذا إالّ‏ آلنً‏ سبك أن للت لن:‏ إنً‏ مصمّم على الذهاب إلى<br />

الموت بإرادتً.‏ ها أنا ال أستعجله كثٌراً.‏ أردت من كلماتً‏<br />

البسٌطة أن أنعش فإادن وأشركن شراكة وثٌمة فً‏ األوبرا التً‏<br />

لدمتها لربً‏ ولٌس فٌها كلمات،‏ وفٌها أٌضاً‏ مضاجعة ملحمٌّة<br />

‏"أوركسترالٌّة"‏ تنتهً‏ ببعض االرتعاش،‏ وجلبة ؼٌر مسموعة<br />

فً‏ ذلن المكان.‏ أوصلنً‏ كل ذلن ‏ٌا شرٌكً‏ زٌاد فً‏ تلن<br />

الصدالة التً‏ منحتها لنا السماء إلى اإلدران أنً‏ والماء مارسنا<br />

سوٌّة شؽفاً‏ محموماً‏ تخلّى عن الوعً‏ للٌبلً،‏ وكان ملٌباً‏<br />

بالؽموض الفتّان.‏ لكن كان علًّ‏ أن أؼادر وانتشل نفسً‏ من هذا<br />

الجنون والعبث الذي اخترق كلّ‏ الحدود،‏ تاركاً‏ التفكٌر بإلامة<br />

عبللة ما مع الماء إلى ولت آخر.‏ ربّما تجرّ‏ ب أنت ‏ٌا زٌاد<br />

وتخبرنً‏ هل أثارن ذلن بطرٌمة ما؟!‏ ألن شراكتن معً‏ كانت<br />

حسبما أشعر أزلٌة،‏ دون أن ‏ٌدرن أحد منا ذلن.‏ دعنً‏ أُولؾ<br />

تدفّك أفكاري فمد رجتنً‏ خبلٌاي بتؤجٌل كل هذا الزحام الخانك<br />

للؽد وألول لمن أكتب إلٌهم:‏ إنً‏ كنت أنا والماء شاهدٌن على<br />

، ألرى<br />

ٕٙ٘


أجمل وأروع مضاجعة ذاتٌّة عاٌشتها بطرٌمة ما حتى هذا<br />

الولت الحرج من حٌاتً.‏ دفعت كٌانً‏ كلّه إلى التخلخل ألكثر<br />

من ولت كاؾ ألفهم كل ما جرى أمامً.‏ كما عمَّتنً‏ ؼٌرة<br />

طفولٌّة من تلن المطرات التً‏ لم تشبع وظلّت متمسّكة بذلن<br />

الجسد تداعبه وتتؽلؽل فً‏ ثناٌاه بنٌّة البماء فً‏ بعض األمكنة<br />

الخاصة ك ‏ّل الولت المتاح.‏ كانت تإدّي تلن المهمّة كؤنها تموم<br />

بها للمرّ‏ ة األولى،‏ ولم تمضِ‏ كلّ‏ حٌاتها فً‏ سماع الكثٌر والكثٌر<br />

من التؤوهات والشهمات واآلهات.‏ عندما عاد الهدوء إلى كٌانً،‏<br />

عصفت بً‏ رابحة تشٌر أن المداسة كانت تزور المكان،‏<br />

فالتصمت بالحابط الحجري خوفاً‏ من الولوع فً‏ شهواتً‏ من<br />

جدٌد مؽشٌاً‏ علً.‏ ستضحن ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ دون رٌب وتمول فً‏<br />

نفسن:‏ وا أسفاه علٌن ‏ٌا ‏ٌوسؾ،‏ أما أنا فملتُ‏ لربًّ‏ وأنا متّجه<br />

إلى حتفً:‏ لمَ‏ تبالػ فً‏ تجمٌل الجمال؟!أال تخشى على الجٌاع؟!‏<br />

لمَ‏ تركتنً‏ أشاهد مثل ذلن الجسد الذي لم أر مثله فً‏ حٌاتً.‏<br />

ترى أكان جسداً‏ حماً؟!‏ أم حلماً‏ لِما سنكون علٌه ‏ٌوماً.‏ ربما كان<br />

لوحة رسمها ‏"فان ؼوغ"‏ ثم مزّ‏ لها إرباً‏ إرباً‏ إذ ربّما خشً‏ أن<br />

تشً‏ به.‏ أنا أعرؾ ما أملن من إمكانٌّات،‏ وأدرن أننً‏ لم أحظ<br />

أبداً‏ بمخٌّلة ‏ٌمكنها أن تبنً‏ مثل روعة ما رأٌت،‏ وال لمست<br />

‏ٌداي مثل تلن التفاصٌل وأنا بعٌد عنها كلّ‏ هذا البعد.‏ " آهٍ‏ آهٍ،‏ ها<br />

أنا أؼادر صومعتً‏ وأرز لبنان وجزءاً‏ كبٌراً‏ من حٌاتً‏<br />

المتؤججة وبعض الدموع التً‏ تسكن فً‏ زاوٌة لصٌّة من للبً‏<br />

رافضة الظهور إلى العلن إمعاناً‏ فً‏ رفض الدموع أن تجعل<br />

من نفسها متعة.‏ مدركاً‏ فً‏ الولت نفسه أنً‏ فمدتُ‏ الحظ بالتمكن<br />

من للب شهوتً‏ رأساً‏ على عمب،‏ وإلناع ذلن الجسد الرابع<br />

بمضاجعتً.‏ لعلّ‏ ذلن ‏ٌتٌح لً‏ التعرؾ على الجانب اآلخر الذي<br />

‏ٌجهله من الحٌاة تماماً."‏<br />

ٕٙٙ


* * *<br />

كتبت تعلٌماً‏ صؽٌراً‏ على كل ما لاله الصدٌك الحبٌب ‏ٌوسؾ<br />

وأنا أشعر أنً‏ لن أراه ثانٌة.‏<br />

لمد للت:‏ لست أدري ما الجدوى من الحب المنهن واألحبلم،‏<br />

وذلن المندٌل المشتعل الذي تتذكّره وٌلمع فً‏ الظلمة الحالكة<br />

التً‏ أنت فٌها.‏ هذا من بعض الكثٌر الذي لم ‏ٌعد ‏ٌبلبمن أن<br />

تحظى به،‏ فً‏ لٌلة تحتاج فٌها إلى النوم،‏ خاصة إذا كانوا<br />

سٌؤخذون منن كلّ‏ شًء وأنت فً‏ ذروة انتشابن،‏ وشعورن<br />

بؤنن توشن على إعطاء ذاتن الهدٌّة التً‏ تبحث عنها منذ أن<br />

وُ‏ جدت؟!‏ ألٌست تلن األفكار التً‏ تستمر فً‏ التشابن والتبلحم<br />

عذابات تتراكم،‏ وتمحو الطرٌك إلى الحمٌمة،‏ وتربن حٌاتن<br />

آخذة إٌّان إلى اإلحباط والٌؤس والعتمة،‏ العتمة التً‏ تمؾ فً‏<br />

طرٌك أيّ‏ ومضة تماتل كً‏ تطلّ‏ برأسها هنا وهنان فً‏ ذلن<br />

الطرٌك الموحش الذي تسمع فٌه بٌن ولت وآخر عواء ‏ٌتخلله<br />

ألم ‏ٌمنع الصوت من أن ‏ٌدل على مولعه.‏ الحرٌّة التً‏ ‏ٌرفعون<br />

علمها فً‏ كلّ‏ مكان،‏ لن تكون ‏ٌوماً‏ بدٌبلً‏ عن السعادة.‏ هذا ما<br />

علٌنا معرفته بعمك.‏ لستُ‏ أدري لمَ‏ ‏ٌوحى إلٌنا أن من ‏ٌحصل<br />

على واحدة منها سٌكسب الثانٌة ال محالة.‏ أعتمد أنه ال ‏ٌجدر بنا<br />

أخذ ذلن على محمل الجد،‏ وندخل فٌما تبمّى لنا من العمر فً‏<br />

حرب ال هوادة فٌها ضد األحبلم واألمل.‏ األمل الذي ‏ٌفتح<br />

الطرٌك الذي ‏ٌنتشر فٌه الضوء وٌعم كلّ‏ أرجابه.‏ لستُ‏ أدري ل ‏َم<br />

ألحّ‏ فًَّ‏ صوت شمل داخلً‏ كلّه ولال:‏ ربّما نحصل على<br />

الصمت الداخلً‏ على األلل،‏ ونكسب إؼفاءة صؽٌرة لٌس من<br />

ٕٙ7


الضروري أن نعرؾ إن كنا<br />

األفضل أالّ‏ ندري؟!‏<br />

سنستفٌك بعدها أم ال.‏ ألٌس من<br />

7ٔ<br />

استفمت ذات ‏ٌوم،‏ بٌنما كانت دمشمً‏ حبً‏ المدٌم تترن الربٌع<br />

لتدخل روٌداً‏ روٌداً‏ فصل الصٌؾ.‏ فً‏ ذلن الولت كنتُ‏ ال أزال<br />

فً‏ الفراش هادباً‏ هدوءاً‏ ؼرٌباً،‏ لم أعرؾ ‏ٌوماً‏ مثله.‏<br />

ترى هل أنا على وشن الولوج إلى عهد جدٌد فً‏ حٌاتً،‏ أم إن<br />

األمر لن ‏ٌكون أكثر من تؽٌٌر طفٌؾ مإلّت فً‏ المزاج؟!‏<br />

أٌمكننً‏ أن أفتح عٌادة نفسٌّة بعد كلّ‏ هذا الولت الضابع،‏ تاركاً‏<br />

نفسً‏ تهرب من تحمّل المسإولٌّة فً‏ الدخول إلى أعماق<br />

اآلخرٌن؟!‏ إذ إنً‏ فً‏ أعمالً‏ كنت أخشى الؽرق هنان.‏ ثمّ‏ ماذا<br />

الكبلم المحمل بالفشل لبل أن نفهم ما ‏ٌرٌد المول!‏ ثمّ‏ ماذا سٌمول<br />

الناس بعد أن تلكّؤ ‏ُت كلّ‏ هذه المدّة الطوٌلة مستولٌاً‏ علًّ‏<br />

الخوؾ،‏ ومشٌحاً‏ بوجهً‏ بعٌداً‏ عن اتّخاذ أيّ‏ لرار.‏ إن ما ‏ٌجري<br />

فً‏ الماع حٌث أسكن أنا الحمٌمً‏ لٌس هنان إ ‏ّال ظبلماً‏ حالكاً‏<br />

مهلكاً‏ مخٌفاً.‏ ال ‏ٌعبر عن شخصٌّة متماسكة على اإلطبلق.‏ كان<br />

علًّ‏ االتفاق مع نفسً‏ منذ زمن بعٌد،‏ فمد كنت متؤكداً‏ أن تبدد<br />

الخوؾ من داخلً‏ سٌجعلنً‏ عاجزاً‏ عن التلذذ بع ‏ْرًٌِ.‏<br />

تساءلتُ‏ :<br />

لكن دعونا ندخل بجدٌّة إلى المشكلة الحمٌمٌّة،‏ ونسؤل:‏ كٌؾ<br />

سؤستطٌع أن اتعامل مع نفسً‏ فٌما لو فتحتُ‏ عٌادة.‏ دعونً‏<br />

ألول لكم إنً‏ لستُ‏ متؤكّداً‏ أن كلّما أوردته من مسوّ‏ ؼات للهرب<br />

من العمل،‏ ‏ٌخبر عن األسباب الحمٌمٌّة التً‏ تمؾ فً‏ طرٌمً،‏<br />

وتمنعنً‏ من فتح عٌادة متخصّصة كل تلن السنٌن.‏ هكذا وجدت<br />

ٕٙ8


نفسً‏ وسط لعبة ال توصل أحداً‏ إلى أٌة نتابج أو مسوّ‏ ؼات،‏ إذا<br />

كنا نرٌد فعبلً‏ أن نتبع الطرٌك الصحٌح لنفهم ما ‏ٌحصل.‏ أنا ألر<br />

بعجزي على شطب الكثٌر من سطور الماضً‏ وأبحث عن<br />

أصدلاء جدد،‏ ‏ٌكونون من الجٌل الجدٌد،‏ وٌحملون على أكتافهم<br />

ما ‏ٌشٌر إلى أنهم لم ‏ٌتجاوزوا بعد الثبلثٌن من العمر.‏ إذ إنهم<br />

ربّما ‏ٌملعون بً‏ بعٌداً‏ عن الكآبة التً‏ بدأت انعكاساتها تظهر<br />

على شخصٌّتً‏ بوضوح ورابحة الدمار تمترب،‏ لعلّ‏ الدماء<br />

الجدٌدة وكذلن الوجوه التً‏ تنضح باألمل،‏ والمواضٌع<br />

واألسالٌب المختلفة للنماشات ترمً‏ الًَّ‏ كلّها طوق النجاة الذي<br />

أدرن أنً‏ أحتاج إلٌه وأشعر بؤنً‏ أتمسّن به.‏ أنا أدرن بالتؤكٌد<br />

أن السٌر بهذا االتجاه سٌؤخذ ولتاً‏ لٌس لصٌراً،‏ لكن مع الكثٌر<br />

من الجهد،‏ ربّما ‏ٌؤخذ بٌدي إلى حٌث أبدأ حٌاة جدٌدة.‏ لكن إلى<br />

متى سٌكون بوسعً‏ االستمرار فً‏ جعل ذاتً‏ حمل تجارب؟ّ!‏<br />

إن هذه الحمٌمة لابعة فً‏ ذهنً‏ شاعراً‏ بخشٌة دابمة ممّا ‏ٌمكنها<br />

أن تفعل.‏<br />

كان فصل الصٌؾ فً‏ ‏"بلودان"‏ رابعاً،‏ وصرت أخرج مع<br />

ابن الثبلثٌن مستمعاً‏ إلٌه وإلى أمثاله بكل فرح وهو ‏ٌحاول أن<br />

‏ٌضع كلّ‏ حٌاته أمامً‏ على الطاولة،‏ بجرأة عجٌبة،‏ ؼٌر خابؾ<br />

من أن أخون ثمته.‏ لبلت بكلّ‏ حماسة الدخول إلى تلن الحٌاة<br />

الجدٌدة التً‏ كانت أحبلمً‏ تستدعٌها دون أعرؾ من أٌن.‏ ربّما<br />

كنت أشم رابحتها من تلن الودٌان العمٌمة البعٌدة التً‏ ‏ٌمال أن<br />

هللا ‏ٌمضً‏ فٌها جزءاً‏ من فصل الشتاء حتّى ‏ٌرتاح من النماء<br />

والجمال الذي لٌس له حدود،‏ كما لد ‏ٌرتاح من عبء هذا العالم<br />

المتمرّ‏ د وؼٌر المطواع والرافض لبلستسبلم إلى اإلٌمان،‏<br />

وانملبت صبلته من شكر الربّ‏ وطلب الؽفران والسكٌنة،‏ إلى<br />

ٕٙ9


االستعجال بالعبور من التؤنس إلى األلوهة.‏ تمول األساطٌر إن<br />

أشجار تلن الودٌان متبلصمة،‏ وٌرتفع جذعها مستمٌماً،‏ حامبلً‏<br />

أؼصانها وما ‏ٌنتمً‏ إلٌها متّجهاً‏ صعوداً‏ نحو السماء،‏ بحٌث ال<br />

‏ٌستطٌع من ‏ٌمؾ تحت مشدوهاً‏ أن ‏ٌرى حدود ذلن المشهد،‏ وما<br />

هً‏ التؽٌّرات التً‏ ‏ٌمكن أن تطرأ علٌه وتزٌد من ؼموضه.‏<br />

بحٌث ‏ٌتمنّى المرء أن ‏ٌكون فً‏ طابرة ‏ٌمكنها االنخفاض كً‏<br />

‏ٌستطٌع أن ‏ٌرى األسلوب الذي ‏ٌكتمل فٌه المشهد من فوق،‏<br />

وٌعاٌن كثافة ذلن االخضرار وجمال ولاحته.‏ ربما ‏ٌتساءل<br />

المرء أٌضاً:‏ ترى هل ‏ٌهوى المادر اإلخراج المسرحً؟!‏ وهل<br />

كلّ‏ حٌاة فً‏ الطبٌعة مهما كانت بكماء أو صمّاء تملن تلن<br />

البوصلة التً‏ تجعلها تشخص نحو األعالً؟!‏ أٌمكن أن ‏ٌكون<br />

أُولبن الذٌن ‏ٌسكنون فً‏ تلن الودٌان إضافة للطبٌعة وأعشاش<br />

العصافٌر ال ‏ٌدرون وال ‏ٌشعرون بؤن الرب ‏ٌسكن بٌنهم كلّما<br />

طاب له ذلن؟!‏ دعونا نسؤل العلماء والباحثٌن عن األسبلة<br />

الكثٌرة التً‏ تتراكم فً‏ الكون،‏ ولماذا ال تجد إجابات تكفً‏<br />

إلشباع الجوع الشدٌد إلى معرفة لمَ‏ نسً‏ المهندس أن ‏ٌلحظ باباً‏<br />

حتّى لو كان مموّ‏ هاً،‏ ‏ٌدخل منه المتلهّفون إلى ذلن المجهول<br />

الذي ‏ٌبدو أنه عماب لن ‏ٌنطك إلى أن ‏ٌنتهً‏ الدهر.‏<br />

فجؤة هبت عاصفة هوجاء عوت عواء شدٌداً‏ متّجهة صوب<br />

األشجار محاولة التبلعها من جذورها.‏ ‏ٌبدو أن الشموخ حتّى<br />

العواصؾ ال تحبه!‏ لكن تلن الودٌان كانت تعرؾ ما علٌها أن<br />

تفعل،‏ فاستدرجتها نحو عمك الؽابة حٌث ‏ٌمكنها أن تؽلك كل<br />

الطرق متى أرادت.هكذا دخلت العاصفة إلى الشَرَ‏ ن،‏ واختنمت<br />

هنان مصدرة حشرجة مخٌفة لبل أن تلفظ أنفاسها األخٌرة.‏<br />

كنت بعٌداً‏ لمّا رأٌت سرباً‏ من الحمام األبٌض ‏ٌخرج من تلن<br />

ٕ7ٓ


الؽابات وٌمترب منً‏ روٌداً‏ روٌداً.‏ كان منظراً‏ خبلّباً‏ عندما<br />

أصبحت فولً‏ تماماً.‏ دارت دورتٌن،‏ وفوجا الشاخصون إلى<br />

ذلن المشهد،‏ بحمامة تترن السرب وتموم بحركات بهلوانٌّة<br />

وتهبط نحوي كؤنها تتْبع نؽم كمان ‏ٌربن الملب،‏ مخرجة حبّة<br />

حنطة من فمها،‏ مولعة إٌاها فً‏ الولت المناسب فً‏ راحة ‏ٌدي<br />

الٌمنى.‏<br />

بعد بعض الولت من دخولً‏ إلى البٌت شعرت بؤن شٌباً‏ لد<br />

أصابنً.‏ لم ‏ٌكن شٌباً‏ مإلماّ،‏ ولكنه أربكنً‏ منذ بداٌة األمر،‏ ث ‏َّم<br />

أخذ ‏ٌتطوّ‏ ر مشٌراً‏ بوضوح أن دخٌبلً‏ إنساناً‏ أو حٌواناً‏ دخل إلى<br />

بٌتً‏ خلسة.‏ هذ ما تهٌؤ لً.‏ ثمَّ‏ لبل أن ألوم من أرٌكتً‏ ألرى ما<br />

‏ٌجري،‏ بدأ شًء ما ‏ٌحدث فً‏ دمشمً.‏ إذ إن صوت أبواق<br />

السٌّارات ارتفع بطرٌمة مرعبة،‏ وهً‏ تسرع هاربة من شًء لم<br />

أستطع أن أتبٌّنه أو أن أفهم ما ‏ٌمكن أن ‏ٌكون.‏ لكن بعد بعض<br />

المحاوالت تمكّنتُ‏ من رإٌة ما ‏ٌحدث.‏ كان شٌباً‏ من الصعب<br />

وصفه وكذلن تصدٌمه.‏ إذ إن وجوه الناس بدأت فجؤة تؤخذ<br />

أشكال الوحوش المختلفة وهم ‏ٌتمشّون وٌتحدّثون دون الفصل<br />

بٌن الكلمات،‏ بحٌث ال ‏ٌمكن أن تعرؾ بؤٌّة لؽة ‏ٌتفاهمون.‏<br />

الرعب كاد أن ‏ٌكون تمساحاً‏ ‏ٌسعى ورابً‏ وٌبؽً‏ لضمً‏<br />

بلممتٌن،‏ لوال تؤكّدي أنً‏ أؼلم ‏ُت الباب ولد أصبحت داخل بٌتً.‏<br />

كنت لد اتخذت لراراً‏ ال رجعة فٌه،‏ أن أنهً‏ حٌاتً‏ إذا ما تبٌّن<br />

لً‏ بعد التطلع إلى المرآة،‏ أنً‏ لد تحولتُ‏ إلى وحش أنا اآلخر<br />

سٌسخّروه لمتل الروح التً‏ ستؽٌر العالم.‏ عندما تؤكدت أن كلّ‏<br />

شًء كان طبٌعٌّاً،‏ مؤل كٌانً‏ الخوؾ،‏ وتساءلت:‏ ترى ماذا<br />

‏ٌُحضّر لً‏ ولمَ‏ استُثنٌتُ‏ ألبمى إنساناً‏ بٌن الوحوش؟!‏ وهل ‏ٌراد<br />

لً‏ أن أعٌش من جدٌد فً‏ جحٌم آخر من نوع مختلؾ؟!‏ أعتمد<br />

أنً‏ أفضل الموت على الخضوع إلى مثل تلن التجربة.‏ إن<br />

ٕ7ٔ


عملً‏ سٌنهار ولن ‏ٌحتمل ذلن.‏ إنها لٌست مسرحٌّة أشاهدها من<br />

ممعدي المرٌح،‏ وأنا لست ممثّبل على اإلطبلق.‏ ربّما علًّ‏ أن<br />

أُالزم بٌتً‏ وأرالب من النافذة ماذا سٌحدث وإلى متى ستمبض<br />

الوحوش و"الدٌناصورات"‏ على خناق المدٌنة ومن ثمّ‏ المدابن<br />

هنا وهنان.‏ كنت أشم رابحة مجزرة لادمة،‏ تحملها رٌح نفخها<br />

الشٌطان ووجّهها كً‏ تجتاح الوطن.‏ عمنً‏ االرتبان بل<br />

أرجو ان ال ‏ٌسؤلنً‏ أحد لمَ‏ تخاؾ من الرعب أال<br />

‏ٌثٌرن؟!.‏ ما نفع الؽضب فً‏ مثل هذه األولات؟!‏ بتُّ‏ ال أعرؾ<br />

ماذا أفعل.‏ درتُ‏ دورةً‏ كاملة حول نفسً،‏ محاوالً‏ فً‏ الحمٌمة<br />

التماط الفكرة التً‏ مرّ‏ ت فً‏ ذهنً‏ وؼابت عن شاشة أفكاري.‏<br />

للتُ‏ لنفسً‏ لن أشتمنِ‏ إذ إن األمر بدأ منذ نعومة أظفاري.‏ لكن<br />

ها أنا أرى األمر ‏ٌستفحل.‏ فجؤة ارتسمت الفكرة من جدٌد على<br />

تلن الشاشة التً‏ أعود إلٌها دابماً.‏ كانت تمول لً:‏ حاول أن<br />

تتذكر المشهد الذي رأٌته منذ أن أحسست أن شٌباً‏ خارجاً‏ عن<br />

المؤلوؾ ‏ٌحدث فً‏ دمشك.‏ ترى ألم تر أحداً‏ ‏ٌهرع خابفاً‏ وٌدخل<br />

إلى متجر ما؟!‏ لٌس معموالً‏ أن تكون أنت الوحٌد الذي تسنّى له<br />

أن ‏ٌشاهد ما شاهدت.‏ ألم تر أحداً‏ ‏ٌركض؟!‏ بدأتُ‏ أتعرق،‏ ولكن<br />

كٌؾ لً‏ أن أعترؾ أمام نفسً‏ أنً‏ رأٌت أناساً‏ مثلً،‏ أعنً‏<br />

‏ٌشبهوننً‏ ‏ٌتراكضون فً‏ أثناء محاولتهم االنتمال من الناصٌة<br />

التً‏ على بعد خطوات من ممهى الروضة إلى الناصٌة التً‏<br />

لبلها وتوصل إلى لبالة ‏"نادي الضباط".‏ لكن كٌؾ ‏ٌمكننً‏<br />

تفسٌر ذلن لنفسً؟!‏ وهل ‏ٌمكننً‏ المول:‏ إن الفزع شوش كٌانً‏<br />

كلّه وجعلنً‏ أرفض استعادة ذلن المشهد؟!‏ كٌؾ لً‏ أن أتابع<br />

التمشً‏ إلى بٌتً‏ وكؤنً‏ ال أرى ما ‏ٌحدث أال ‏ٌعنً‏ ذلن أن ألر<br />

بما كانت أمً‏ تمول:‏ ‏"لمد أفنٌت نفسً‏ وأنا أبذل الجهد كً‏<br />

تصٌر طبٌباً‏ نفسٌاً‏ كما كنت تهوى؟!‏ أنا ال أنكر أنن نجحت<br />

ٕ7ٕ<br />

والرعب.‏ "


بامتٌاز.‏ لكنن عُدتَ‏ بً‏ إلى نمطة الصفر.‏ إذ إنن رفضت أن<br />

تفتح عٌادة متحجّجاً‏ بحجج واهٌة،‏ دعنً‏ ألول:‏ إنً‏ ألرؾ من<br />

إعادة تعدادها على مسامعن.‏ إنن تُثبت لً‏ لبل مؽادرتً‏ لهذه<br />

الدنٌا السخٌفة،‏ أن مخاوفً‏ التً‏ نهشتنً‏ كلّ‏ تلن السنٌن كانت<br />

حمٌمٌّة وتمول:‏ إنن ال تزال طفبلً‏ ‏ٌا وحٌدي.‏ ما سٌعذبنً‏ طوال<br />

تلن الفترة التً‏ سؤلضٌها بانتظار ذلن االنتمال،‏ هو ‏ٌمٌنً‏ أنن<br />

ستكتب وتلمً‏ المحاضرات،‏ ولد تعود إلى لصّة الرسم،‏ لكنن<br />

فً‏ لرارة نفسن ستعرؾ دابماً‏ أنن ما زلت طفبلً".‏ اعترافً‏<br />

لذاتً‏ أن أمً‏ أحبتنً‏ كثٌراً‏ كانت مُصٌبة تماماً‏ فً‏ ما لالته.‏<br />

تولّعتُ‏ الخجل من هذا االعتراؾ.‏ ما أرٌد أن ألول اآلن وأنا<br />

أكتب هذا الكتاب:‏ إنً‏ لم أشعر فً‏ حٌاتً‏ بمثل ذلن الفرح الذي<br />

أصرّ‏ على أن ‏ٌمول لً:‏ مرحى،‏ إنن بما فعلت سترسل رسالة<br />

جدٌدة لكلّ‏ الذٌن ‏ٌحبونن وتحبّهم تمنعهم أن ‏ٌحتفلوا بخطوتن<br />

األولى نحو استعادة رجولتن.‏<br />

تولفت عن الكتابة لبعض الولت،‏ لكن لم أدرِ‏ كٌؾ هاجمنً‏<br />

الماضً‏ بطرٌمة عشوابٌّة؟!‏ بداٌة،‏ لم تتّضح نٌّته إالّ‏ بعد أن<br />

تركنً‏ أؼرق فٌه،‏ إلى أن خرجتُ‏ من كلّ‏ هذا وأنا أشعر<br />

باإلرهاق،‏ ورؼبة فً‏ االنتفال السهل إلى الفراش.‏ تساءلت:‏<br />

ترى هل أذهب أنا وكتابً‏ إلى فرنسا وأختار بٌتاً‏ صؽٌراً‏ فً‏<br />

أحد الشوارع المرٌبة من ‏"الشانزالٌزٌه"؟!‏ وأصرُّ‏ هذه المرّ‏ ة أ ‏ّال<br />

أزور أحداً‏ من الذٌن ‏ٌسعون إلى التحوّ‏ ل إلى آلهة.‏ أال تراهم ‏ٌا<br />

رب؟!‏ ترى أتشفك علٌهم ‏ٌا أب ‏ِت وال تشفك علٌنا منهم؟!‏ لم أعد<br />

أشعر أنً‏ لادر على فعل أيّ‏ شًء.‏ لكن لو وجدت لنبلة حمٌمٌّة<br />

تتدحرج على األرض،‏ ثم تولفت من تلماء نفسها ولم تنفجر بعد<br />

انتظار ورعب،‏ النحنٌت والتمطها بعد تحرّ‏ ري من الخوؾ<br />

ٕ7ٖ


ولذفتها فً‏ وجوههم الصفراء الشمعٌّة الممرفة.‏ ترى من ‏ٌدعم<br />

األمٌّة الممنعة التً‏ تتزاٌد لوة وثروة وٌُخشى بعد بعض الولت<br />

أن نجد أنفسنا ‏ٌوماً‏ نواجه نمصاً‏ كبٌراً‏ فً‏ المتعلّمٌن الحمٌمٌٌّن<br />

كً‏ ندفع بهم إلى تعلٌم أجٌالنا الجدٌدة.‏ هذا أضعؾ اإلٌمان<br />

طبعاً.‏ الخوؾ الحمٌمً‏ أن ‏ٌتحول أولبن األنصاؾ المتعلمٌن إلى<br />

الرعاع الذٌن ‏ٌعٌنون الحاكمٌن،‏ أو تؽرٌهم السلطة كً‏ ‏ٌتولّوا<br />

الحكم بؤنفسهم.‏ أظن أن مجتمعاتنا اكتفت من أولبن الجهلة الذٌن<br />

لم ‏ٌتوصلوا بعد إلى فهم ما ‏ٌمرإون،‏ ومضوا إلى تعلم كٌؾ<br />

‏ٌتجاهلون عمولهم والتؤللم مع سمة العصر الجدٌدة،‏ وهً‏ األلنعة<br />

المستحدثة التً‏ تعطً‏ المجرمٌن واللصوص وجوهاً‏ مختلفة<br />

وتؽٌّب وجوههم الحمٌمٌّة.‏ إلى أٌن ‏ٌذهب العلم ‏ٌا ترى وٌؤخذ<br />

العالم معه بابتكاراته والتٌسٌر للمجرمٌن الحمٌمٌٌّن إبعاد الشبهة<br />

عنهم،‏ وإلصالها باألبرٌاء الفمراء؟!‏ ماذا نفعل إن كان أوباما<br />

دفن ‏"لٌنكولن"‏ مرة ثانٌة ودفن معه المبادئ اإلنسانٌّة التً‏<br />

رفعت من شؤن الدٌمولراطٌّة األمرٌكٌّة؟!‏ إن العمد الثانً‏ من<br />

األلفٌّة الثالثة جاء بؤوباما ربٌساً‏ أللوى دولة فً‏ العالم لٌكذب<br />

على كل من ‏ٌهمه األمر لٌخفً‏ إنجازاته الحمٌمٌّة،‏ وهً‏<br />

مضاعفة الموة األمرٌكٌّة لبلستمرار فً‏ تركٌع بمٌّة الموى<br />

العالمٌّة إلى أجل ؼٌر مسمى،‏ مع الوعد بؤن أمرٌكا ستضاعؾ<br />

من إنتاج ‏)عظم الركبة االصطناعٌّة(.‏<br />

‎8‎‏ٔ <br />

لرّ‏ رت االبتعاد عن محرلتً‏ الذاتٌّة ومحاولة العودة<br />

بؤعصابً‏ إلى وضعها الطبٌعً‏ رحمة بها وبً.‏ كما أنً‏ مص ‏ّر<br />

على استعادة نفسً.‏ كلّ‏ الدالبل تمول:‏ إنً‏ فمدت السٌطرة<br />

ٕ7ٗ


علٌها،‏ وهذا ما كان علًَّ‏ تجنبه بؤي ثمن.‏ لٌس علًَّ‏ أن أخاؾ<br />

من أي شًء،‏ إذا لم أكن أرٌد العمل كطبٌب نفسً‏ معالج،‏ فبل<br />

بؤس،‏ لكن من أجل الكٌان السوي علًَّ‏ التولّؾ عن اختبلق<br />

األعذار.‏ تولؾ عن المول إنً‏ أخشى،‏ فالخشٌة هنا لد تعنً‏<br />

هرباً‏ من نفسن كمن ‏ٌعتمد أنه فاحش الثراء وٌعرؾ أن كلّ‏ ماله<br />

مسروق،‏ كما أنّن تعترؾ ضمناً‏ بولعن باألوهام وتركتها<br />

تسٌطر علٌن تدفعن رؼبة دفٌنة وتمودن بمساعدة الكسل ربّما،‏<br />

أو تهرّ‏ باً‏ من مسإولٌتن كرجل ال ‏ٌرٌد من أيّ‏ شًء أن ‏ٌجبره<br />

على تملٌص حرّ‏ ‏ٌته حتّى لو تمَّ‏ تكرٌسه كمابد أساسً‏ من لادة<br />

المجتمع الذي ‏ٌعٌش فٌه.‏ نعم ستُحاسب وٌضٌّك علٌن الخناق<br />

من كلّ‏ هإالء وأُولبن إذا حاولت الفرار ممّا عُهد به إلٌن.‏ ربما<br />

تمول أن ما ‏ٌحدث ‏ٌداٌة تمرّ‏ د.‏ ثم تتابع وتحاول كطبٌب نفسً‏<br />

أن تصدر أحكاماً‏ تمول:‏ ‏"لٌس مسبولاً‏ أن تستطٌع النفس أن<br />

تهرب من صاحبها.‏ ربّما ‏ٌمكنها التمولع فً‏ مكان ما،‏ ورفض<br />

األوامر الصادرة عن الرأس المدبر المفترض.‏ هنا المشكلة<br />

تزداد حمماً‏ وخطورة.‏ إذ سٌكونان مجبرٌن على االتّحاد ضد<br />

ؼزو الجنون المادم ال محالة.‏ هنا تتولؾ للٌبلً‏ وتمول:‏ أنا فً‏<br />

الحمٌمة ال أبؽً‏ أن أنشر الٌؤس حولً‏ فؤتحول إلى العمل ضدّ‏<br />

ببلدي ومكوناتها،‏ وهذا سٌكون من المستحٌل أن أرمً‏ إلٌه<br />

‏ٌوماً".‏ أال تجد تنالضاً‏ فٌما تمول أٌها الطبٌب النفسً؟!‏ ك ‏ّل<br />

محبٌن الذٌن ‏ٌطلبون منن اإلرشاد،‏ ‏ٌصرون أن تتولؾ عن<br />

خداع نفسن وأن تختار خطاً‏ واضحاً‏ ال لبس فٌه،‏ إذ إن الكثٌرٌن<br />

‏ٌمفون فً‏ صؾٍ‏ طوٌل ‏ٌطلبون منن اإللهام.‏ إكراماً‏ للوالدة أو<br />

للعابلة العرٌمة.‏ نعم إن هذا سٌجمع أعداءن المبعثرٌن،‏ فً‏ ك ‏ّل<br />

ناصٌة تمرّ‏ بها إلٌماعن فً‏ فخ الكذب والخداع واالحتٌال.‏ ال<br />

ٕ7٘


ٍ<br />

تجزع وباشر أوّ‏ الً‏ بوضع حٌاتن بٌن ‏ٌدٌن.‏ وال بؤس بالرحٌل<br />

بعٌداً‏ لفترة ثمّ‏ تعود مرتدٌا رداء الصمود والرجولة.‏<br />

كان من الطبٌعً‏ أن أفكّر فً‏ الرحٌل إلى بارٌس حٌث فٌها ما<br />

‏ٌشتهً‏ الفكر والجسد،‏ وتحتاج إلٌه النفس.‏ حرصتُ‏ على عدم<br />

تلفّظً‏ بمثل هذا الكبلم حتّى انتهت تلن الثبلثة شهور السابمة.‏<br />

ألن جسدي كان مُمبلً‏ فً‏ طلباته إذا لارنته بالذٌن ‏ٌدورون حولً‏<br />

وأدور حولهم.‏ تلف ‏ُّت كمن ‏ٌبحث عن شًء أو أحد،‏ وفً‏ داخلً‏<br />

إحساس ؼرٌب نملنً‏ إلى المول لنفسً:‏ ماذا بن؟!‏ أنت لم تعد<br />

بحاجة إلى استشارة أحد.‏ فرأسن الماكر كما كانت تإكّد أمّن،‏<br />

‏ٌعرؾ بارٌس وٌدرن جٌّداً‏ ما ‏ٌرٌده منها.‏ كما أنه ‏ٌستطٌع أن<br />

‏ٌؽرؾ ممّا تستطٌع تمدٌمه من لذابذ مختلفة،‏ ومشاهد خبلّ‏ بة كما<br />

‏ٌشاء وكما ‏ٌمكنه االحتمال.‏ اتجهتُ‏ إلى المطار مثل كل الذٌن<br />

‏ٌنوون السفر إلى أمكنة بعٌدة.‏ ال أعرؾ كٌؾ وجدت نفسً‏ أمام<br />

صبٌّة جمٌلة ال أملن المفردات التً‏ تم ‏ّكننً‏ من االعتزاز<br />

بمصدالٌّتها وتصلح إلعبلن براءتً‏ المسبمة.‏ لكن تلن الفاتنة<br />

كانت على ما ‏ٌبدو معتادة على التعامل مع أي زبون دون أن<br />

‏ٌبدو على وجهها أيَّ‏ تموج لونً‏ ‏ٌشٌر إلى أن شٌباً‏ ما ‏ٌحصل<br />

فً‏ داخلها.‏ لمّا ولفتُ‏ أمامها كانت تبتسم ابتسامة ساحرة،‏<br />

مسارعة إلى المول:‏ إلى أٌن ترٌد الذهاب أٌها السٌّد؟!أرى<br />

عٌنٌن تموالن إنن فً‏ عجلة من أمرن وتتمنّى الوصول إلى<br />

بارٌس بعد محادثتن معً‏ مباشرة،‏ ألٌس كذلن؟!‏ أجبتها مبتسماً:‏<br />

إن كبلمنِ‏ سٌكون صحٌحاً‏ دون شنّ‏ إذا كنا نعرؾ متى ‏ٌمكننا<br />

أن ننهً‏ حدٌثنا.‏ إذ إن فً‏ جعبتً‏ الكثٌر من األسبلة.‏ ابتسمت،‏<br />

وضمن ابتسامتها كان ما ‏ٌشٌر إلى إنها فهمت إلى أٌن أرٌد أن<br />

أصل.‏ لكنها لالت بكل بساطة:‏ هٌا باشر لٌس هنان اآلن أحد<br />

ٕ7ٙ


‏ٌنتظر دوره.‏ ال تبدو أنن من النوع الذي ‏ٌمكن االستهانة به.‏<br />

أظنّ‏ أن وجهن ال ‏ٌم ‏ّكن أحد من التعرؾ إلى خفاٌان.‏ لمد بدأت<br />

تواً‏ استجمع لواي.‏<br />

حسناً‏ متً‏ تملع طابرة بارٌس؟<br />

لم ‏ٌخبو بعد تؤثٌرها على الناس.‏<br />

للت ذلن باللؽة الفرنسٌّة التً‏<br />

<br />

امتمع لون وجهها للٌبلً‏ ولالت:‏ بعد ساعتٌن تمرٌباً.‏<br />

تمصدٌن فً‏ الواحدة بعد الظهر،‏ وهل ال تزال فٌها<br />

شاؼرة؟!‏<br />

أمكنة<br />

أعتمد ذلن.‏<br />

هل ‏ٌمكننً‏ الحصول على بطالة فً‏ الدرجة األولى.‏<br />

نظرت فً‏ عٌنًّ‏ بضع لحظات ولالت حسناً،‏ ترى هل معن<br />

الكثٌر من المال للتبدٌد.‏<br />

المال لم ‏ٌكن ‏ٌوماً‏ للتبدٌد إالّ‏ عند السذج أو اللصوص؟!‏ ث ‏ّم<br />

أسرع ‏ُت ومددتُّ‏ ‏ٌدي إلى جٌب سترتً،‏ مخرجاً‏ حبّة ‏"شوكوال"‏<br />

ممدّماً‏ إٌّاها إلى تلن اآلنسة المعتدّة بجمالها.‏<br />

لكن كان جوابها فجاً‏ ولحاً‏ إذ رمتها على األرض وراءها،‏<br />

فؤصابت على ما ‏ٌبدو أحد المسإولٌن فً‏ المطار الذي كان ‏ٌموم<br />

بجولته الٌومٌّة لمرالبة سٌر العمل.‏ فؤسرع والتمطها من األرض<br />

ٕ77


لاببلً‏ بحدّة:‏ ‏"جاكلٌن":‏ هل صرت ترمٌن حبات الشوكوال<br />

الفاخرة على األرض؟َ!‏ ثمّ‏ فتحها ولضمها بشهوة ؼرٌبة ولال:‏<br />

ال تعودي إلى هذا الخطؤ اللعٌن.‏ لكن العموبة ستصل إلٌن<br />

عاجبلً.‏<br />

أعٌد وأكرّ‏ ر أن المال ؼٌر المسروق متوفر وٌمنحه الرب<br />

لمستحمٌه،‏ ولكنه لٌس للرمً‏ على لارعة الطرٌك.‏ كلّ‏ ما فً‏<br />

األمر أنً‏ ال أطٌك الجلوس أربع ساعات إلى جانب شخ ‏ٍص لد<br />

‏ٌرى فرصة للتكلّم من أجل التكلّم وٌختار أ ‏ّال ‏ٌسكت طوال مدّة<br />

الرحلة.‏ ربّما أٌضاً‏ لد ‏ٌكون من أولبن األؼنٌاء الجدد،‏ فٌستهٌن<br />

بً‏ وٌتدخل فً‏ شإونً‏ الخاصة.‏ أنا ال أحب صدّ‏ الناس،‏ وال أن<br />

أضطرّ‏ إلى ذلن.‏<br />

هل أنت محامٍ‏ ؟!‏<br />

ال أنا طبٌب نفسً،‏ ولكنً‏ لم ألرر بعد ما إذا كنت سؤفتح<br />

عٌادة أو ال.‏<br />

حسناً،‏ أعطنً‏ جواز سفرن،‏ وتكلفة البطالة التً‏ تبلػ<br />

خمسمابة دوالر،‏ هٌا أسرع فإن مسافراً‏ آخر ‏ٌكاد أن ‏ٌمؾ<br />

وراءن وٌولؾ هدرن لولتً‏ وولت األخرٌن.‏<br />

متى ستؽادرٌن مكانن؟<br />

كانت تبتسم عندما كانت تسلّمنً‏ ما علًّ‏<br />

األسؾ سٌكون ذلن بعد مؽادرتن.‏<br />

أن<br />

أسترجعه لابلة:‏<br />

مع<br />

ٕ78


إن عبارتن أنعشت ؼروري،‏ ولن أكون حزٌناً‏ مكتبباً‏ فً‏<br />

ممعدي.‏ شكراً‏ لن وإلى اللماء فً‏ العودة.‏<br />

استمبلتنا بارٌس وهً‏ ال تزال تسبح فً‏ الشمس،‏ فً‏ ولت<br />

تحلو السباحة فٌها.‏ ‏ٌبدو أنها تبطا عامدة فً‏ الهبوط إلى<br />

الجانب اآلخر من العالم،‏ للتمتع ببارٌس أطول مدّة ممكنة.‏ كن ‏ُت<br />

لد أخذتُ‏ حمّامً‏ الصباحً‏ فً‏ بٌتً،‏ ممرّ‏ راً‏ سلفاً‏ أننً‏ لن أكون<br />

بحاجة إلى حمامٍ‏ عند وصولً،‏ مإجبلً‏ ذلن إلى العاشرة من<br />

صباح الٌوم التالً.‏ كان فندلً‏ لرٌباً‏ من ‏"الشانزلٌزٌه"‏<br />

فانخرطتُ‏ فً‏ لعبة التسكع حتّى وصلت إلى المتجر الذي كنتُ‏<br />

ألصده.‏ كان كبٌراً‏ بما فٌه الكفاٌة،‏ وٌبٌع كلّ‏ أصناؾ الشوكواله.‏<br />

كنتُ‏ أحب هذا المنتج حباً‏ جماً‏ وأستطٌب الصنؾ المر.‏ إنها لذة<br />

كبٌرة تلن التً‏ تشعر بها عندما تتمهل وتتركه ‏ٌذوب فً‏ فمن.‏<br />

ال أزال أذكر طعم ذلن الفم وهو ‏ٌحاول أن ‏ٌنهشنً.‏ كنتُ‏<br />

خجوالً‏ ؼبٌاً‏ وأنا فً‏ الثامنة عشرة من عمري.‏ الكثٌر من الشبان<br />

فً‏ مثل هذه األعمار ‏ٌفعلون ذلن.‏ شعرتُ‏ بالندم وبعض<br />

الؽضب من نفسً‏ مدّة طوٌلة،‏ لكن تلن الحادثة العابرة كانت<br />

فٌها تلن الفتاة تمصد أن تعلّمنً‏ أهمٌّة التناص لبلة من الشفتٌن<br />

أو من العنك من أنثى ال ترٌدن أن تنتظر لترى ردّ‏ فعلها.‏ إنها<br />

ستفتعل الؽضب وستشتمن،‏ إن ذلن تتمنه أٌة فتاة فً‏ الخامسة<br />

عشرة من عمرها.‏ إنهنَّ‏ أكبر من الشبان إجماالً‏ بؤكثر من ثبلث<br />

سنوات.‏ تولفت للٌبلً‏ أبحث عن كشنٍ‏ ‏ٌبٌع الصحؾ وبعض<br />

أنواع المجبلت التً‏ تتعاطى فً‏ السٌاسة الٌومٌّة.‏ عندما وجد ‏ُت<br />

ما أطلبه لفلتُ‏ راجعاً‏ إلى فندلً‏ لتكملة سهرتً.‏ هنان فً‏ الفندق<br />

جلستُ‏ أفكر فٌما مرّ‏ فً‏ ذهنً‏ من أفكار بدءاً‏ من وصولً‏ إلى<br />

بارٌس ثم اشتهابً‏ ‏"للشوكواله"‏ وعودتً‏ إلى الفندق.‏ الحظت<br />

ٕ79


ِ<br />

أنً‏ ال أتولؾ عن الثرثرة على اإلطبلق،‏ فإن لم أجد أحداً‏<br />

‏ٌستمع إلً،‏ فذهنً‏ منفتح ولم ‏ٌعترض ‏ٌوماً‏ على استطراداتً‏<br />

الكثٌرة.‏<br />

كان الولت ظهراً‏ فً‏ الٌوم التالً،‏ وكنت أرتدي أجمل ما<br />

عندي،‏ فً‏ بداٌة صٌؾ بارٌس.‏ كان ‏ٌوماً‏ ربٌعٌاً‏ دمشمٌاً‏ لست<br />

أدري ما كان ‏ٌحدث فً‏ داخلً،‏ إذ لم أكن أمشً،‏ بل كنتُ‏ أطٌر<br />

دون أيّ‏ شنّ‏ فً‏ ذلن.‏ ال تسؤلونً‏ كٌؾ؟!‏ إذ لٌس لديَّ‏ جواباً‏<br />

ممنعاً‏ إالّ‏ أن ألول:‏ إنً‏ لم أؼلك ‏ٌوماً‏ باب ؼرفة نومً‏ فً‏ وجه<br />

مشاعري.‏ أعذرنً‏ أٌها المارئ،‏ فؤنا ال أكون ذاتً‏ عندما أطلك<br />

ألفكاري العنان،‏ وهذا ما أفعله كلّ‏ ما كنت وحٌدا تحٌط بً‏<br />

الجدران.‏ وجدت نفسً‏ فً‏ ذلن الٌوم وسط ممهىً‏ صٌفً‏ جمٌل<br />

‏ٌملن رونماً‏ خاصاً،‏ آخذاً‏ من الرصٌؾ لسماً‏ ال بؤس به،‏ بحٌث<br />

‏ٌطلّ‏ من زاوٌة على شارع ‏"الشانزالٌزٌه"‏ إطبللة جمٌلة ملٌبة<br />

بالناس وهم ‏ٌحركون شفاههم بسرعة ؼرٌبة دون أن أفهم ما<br />

‏ٌمولون،‏ ومن زاوٌة أخرى ترى بارٌس عارٌة كما ولدتها أُمها<br />

‏"ولوس النصر"‏ ‏ٌكاد ‏ٌجثو خشوعاً.‏ طبعاً‏ أنا ال أدري إن كانت<br />

بارٌس ‏ٌثٌرها الخشوع؟!‏ إذ ربما تكشؾ عن جنونها دفعة<br />

واحدة.‏ لكن صوتاً‏ فً‏ داخلً‏ لال لً:‏ اهتم بنفسن وافهم ممّا<br />

ترى أالّ‏ مكان لن هنا الٌوم فً‏ هذا الممهى الرابع.‏ كان علًَّ‏ أن<br />

أفعل شٌباً‏ لعلَّنً‏ أنسى الخذالن الذي شعر ‏ُت بؤنً‏ أواجهه،‏ بشمّ‏<br />

روابح العطور المنبعثة من النساء الجمٌبلت اللواتً‏ ‏ٌمؤلن لسماً‏<br />

ال بؤس به من ذلن المكان الرابع.‏ عاهدت نفسً‏ أ ‏ّال أجلس فً‏<br />

هذا الولت فً‏ أ ‏ّي مكان حتى لو وجدتُ‏ آخر أجمل ممّا أراه فً‏<br />

هذه اللحظات،‏ بل سؤحاول التمشًّ‏ إلى أن أشعر بالجوع<br />

فؤدخل إلى المكان المناسب وأتناول وجبة العشاء.‏ كانت المشاهد<br />

ٕ8ٓ


تتؽٌر وبعض الضحكات الصادرة من الملب،‏ ممزوجة بما تبثّه<br />

من شهوة صادرة عن رجال للٌلًّ‏ الخبرة ‏ٌرون أمامهم نساء<br />

‏ٌكشفون عن الكثٌر ممّا لم ‏ٌعتادوا أن ‏ٌرونه إالّ‏ فً‏ الؽرؾ<br />

المؽلمة.‏ لذلن كان الكثٌر من الجوع الحٌوانً‏ مرتسماً‏ على<br />

بعض الوجوه،‏ وكذلن كانت األلسن تلحس شفاهها دون أن<br />

تدري.‏ لكن من هو معتاد على هذه اللوحات اإلباحٌة عند<br />

النفوس البدابٌّة والتعاطً‏ جنسٌّاً‏ بجوع حٌوانً،‏ تمؾ فً‏ وجهه<br />

األرستولراطٌّة الملكٌة بؽضّ‏ النظر عن المشاعر المكبوتة التً‏<br />

لد تنفجر ‏ٌوماً‏ وترسل المستجٌب إلى رؼبات صاحبة التاج إلى<br />

البرج للتؤكد من عدم البوح بما فعلت األنٌاب واألسنان إضافة<br />

إلى األضراس الملكٌّة باألعضاء التناسلٌة لذلن الرجل الوسٌم<br />

والجسد المتناسك الذي نُهش تماماً‏ على حٌن ؼرّ‏ ة.‏ لكن تلن<br />

المرأة التً‏ تنتظر جلوسً‏ دون حمرة شفتٌن أو كحل ‏ٌبرز<br />

العٌنٌن.‏ رفعت رأسها ونظرت فً‏ عٌنًّ‏ مبتسمة ثمَّ‏ لالت:‏ لمَ‏ ال<br />

تجلس،‏ ألم تكن تبحث عن مكان تتؤمل منه المارّ‏ ‏ٌن فً‏ هذا<br />

الشارع الجمٌل؟!‏ أنا أنتظر النادل،‏ لبل أن أذهب فً‏ طرٌمً.‏<br />

لمد للت لن ذلن مرتٌن ولم تسمعنً‏ على ما ‏ٌظهر.‏<br />

ها أنا أجلس ‏ٌا سٌّدتً،‏ واعذرٌنً‏ على ارتباكً.‏ إذ إنً‏ لم<br />

أتولع أن تمومً‏ بدعوتً‏ إلى أخذ مكانن.‏ اللطؾ هزّ‏ نً‏ وصرت<br />

أسٌر وفك أوامره.‏ لمد كانت زٌارتً‏ لبارٌس فً‏ المرّ‏ ة األولى<br />

خاطفة،‏ فلم تكؾِ‏ تلن األربعة أٌّام إالّ‏ لزٌارة بعض األماكن<br />

الهامة التً‏ تمكّن من لام بها،‏ التبجّح أمام أصدلابه أنه زار<br />

عاصمة الثمافة والجمال،‏ دون أن ‏ٌنسى ذكر ‏"اللوفر"‏ ذلن<br />

الصرح العالمً‏ الكبٌر الذي مؤل أسماع الدنٌا كلّها.‏ أنا أدعو هللا<br />

اآلن كً‏ ‏ٌإخّر النادل لدر اإلمكان.‏ إذ إنن تتنبّعٌن لطفاً‏ وكٌاسة<br />

ٕ8ٔ


من كل مكان أستطٌع رإٌته فٌنِ‏ من مولعً‏ الجانبً.‏ ماذا لو<br />

كان مكانً‏ ‏ٌُرٌنً‏ أبرز الموالع وال ألول كلّها،‏ فالطمع مرزول.‏<br />

ضحن الجمال األخّاذ ولال:‏ أرى أن االرتبان أفسح فً‏<br />

المجال أن تستعٌد براعتن،‏ وتمتلن المدرة على إٌصال ما تتوق<br />

إٌصاله لآلخر،‏ مُضٌفاً‏ إلٌه خبرتن فً‏ مكنونات لؽة من أصعب<br />

وأجمل اللّؽات الممروءة والمحكٌّة.‏ ترى كٌؾ حدث هذا؟!‏ هل<br />

أنت لبنانً‏ من الذٌن ال ‏ٌستطٌع أن ‏ٌُؽرلهم أيّ‏ بحر؟!‏<br />

ابتسم زٌاد ابتسامة فٌها من الفرح والشوق،‏ إلى أن ‏ٌضم وٌشم<br />

رابحة كلّ‏ الذٌن ‏ٌحبهم فً‏ هذا العالم ولال:‏ دعٌنً‏ أستسمح ‏ِن<br />

وأسؤلن:‏ هل أنت مضطرّ‏ ة للذهاب أكثر من تولً‏ إلى نسٌان ما<br />

أنا فٌه،‏ ترى لمَ‏ تسرق منّا الحٌاة فرصنا للعودة إلى تنفّسنا<br />

الطبٌعً؟!‏ كنت آمل عندما رأٌت وجهنِ‏ المشع،‏ أنه ربّما ‏ٌسمح<br />

لً‏ أن أتشرب بعضاً‏ ممّا ‏ٌمكن أن ‏ٌبثه من إشعاع ‏ٌعٌد األمل<br />

إلى حٌاتً،‏ باحثاً‏ عن جرأتً‏ الجابعة الضابعة.‏ أنا لست لبنانٌاً،‏<br />

لكنً‏ درست اللؽة الفرنسٌة فً‏ دمشك عاصمة بلدي سورٌّة<br />

وتخرجت من الجامعة األمرٌكٌّة فً‏ بٌروت كطبٌب فً‏ علم<br />

النفس.‏ أخذت تلن الشهادة بامتٌاز،‏ لكن ظروفاً‏ ربّما أكون<br />

خالمها ونسبتها إلى الحٌاة،‏ أشعر بؤنها هً‏ التً‏ حالت بٌنً‏ وبٌن<br />

فتح عٌادة فً‏ دمشك أخدم فٌها أبناء وطنً.‏ إذ لٌس فً‏ دمشك<br />

عدداً‏ كافٌاً‏ من هذا النوع من األطبّاء.‏ اإلعالة التً‏ أواجهها<br />

وتمنعنً‏ من فتح عٌادتً‏ واستمبال المرض هنان،‏ لٌست مادٌّة<br />

بل تتعلك بما استجد من خوؾ مؤل كٌانً،‏ ربّما نما فً‏ أحشابً‏<br />

منذ طفولتً‏ األولى وأخذ ‏ٌتفشّى فً‏ أعمالً،‏ إلى أن سٌطر<br />

على المناخ السابد هنان،‏ طارداً‏ كلّ‏ عناصر مناعتً‏ التً‏ لطالما<br />

ٕ8ٕ


كانت مصدر فخري ولوّ‏ تً‏ التً‏ ال شنّ‏ أنً‏ كنت أتنفس منها<br />

كلّ‏ شًء،‏ وخاصّة المعنى الكامن فً‏ حٌاتً‏ وٌرفض حتى اآلن<br />

أن ‏ٌمول أي شًء عمَّا ‏ٌحول بٌنً‏ وبٌن أن أعرؾ ما ‏ٌدور<br />

حولً‏ أو فً‏ السماء.‏ ماذا كان على أعمالً‏ أن تفعل لتعٌدنً‏<br />

إلى ضرب األرض التً‏ ألؾ علٌها وأصرخ بكلّ‏ ما ‏ٌمكننً‏ من<br />

لوّ‏ ة ماذا ‏ٌجري؟!‏ بل من ‏ٌمنع حٌاتً‏ من أن تساهم فً‏ إؼناء<br />

الحٌاة وإفهام الناس ما ترٌد السماء؟!‏ ألٌس من أجل هذا أُعطٌنا<br />

الموهبة وحُجبت عن اآلخرٌن؟!‏ هل ما ‏ٌزال زمننا زمن<br />

الخوؾ؟!‏ لمَ‏ نخاؾ ومن ماذا؟!‏ هكذا صرت أمتلا إحساساً‏ بؤنً‏<br />

لن أستطٌع منع نفسً‏ من الؽرق فً‏ ما ‏ٌجري فً‏ لاع مرضاي<br />

المفترضٌن ربّما بداٌة سؤمضػ معهم متعة اكتشاؾ ماهٌّة ما<br />

كان ‏ٌحدث فً‏ أعمالهم.‏ لكن هل سٌمكننً‏ أن استم ‏ّر فً‏<br />

الؽوص هنان دون الخشٌة من أن أعلك فً‏ مصٌدة ملٌبة بدِبك<br />

العصافٌر؟!‏ وبعد ذلن ماذا سٌحدث ‏ٌا سٌدتً؟ّ!‏ ألن أتعاطؾ مع<br />

خوفهم وأنشد سماع موسٌماه وإٌماعاته،‏ ألن أعانك شرٌكتً‏ فً‏<br />

الرلص حتّى الموت،‏ إن ساد االلتجاء إلى اآلخر كطرٌمة<br />

للوحدة فً‏ ِ صدّ‏ الهجوم المتولع ربّما فً‏ مرحلة أخرى.‏ عذراً‏ ‏ٌا<br />

سٌدتً،‏ فؤنتِ‏ لم تكونً‏ تتولعٌن مثل جوابً.‏<br />

هذا صحٌح.‏ من أٌن لً‏ أن أحسب حساباً‏ لمثل هذا الجواب<br />

المفاجا.‏ كنت أسمع ما ‏ٌحدث فً‏ ببلدكم،‏ لكنً‏ لم أنتظر أن<br />

‏ٌتطور حتى ‏ٌُنذر بحرب أهلٌّة ستخرب البلد وتطٌح بكل<br />

إنجازاتكم.‏ وأنا هنا ال أشعر بؤنً‏ مخوّ‏ لة أن أنالش مخاوفن التً‏<br />

تمنعن من ممارسة مهنة سٌكون لها شؤن كبٌر فً‏ مستمبل<br />

اإلنسانٌّة.‏<br />

ٕ8ٖ


نحن بالطبع سنحاول جاهدٌن االّ‏ ‏ٌحدث هذا،‏ الجمٌع ‏ٌعرؾ أن<br />

أٌّة حرب بٌن أبناء الوطن الواحد ستكون كارثة لد تطٌح<br />

بالوطن كلّه وتمتل نصؾ أبنابه على األلل.‏ وأنا أدرن أننا ال<br />

نستحك ما ‏ٌحدث وال ما ‏ٌمكن لتطوّ‏ ره أن ‏ٌفعل بالوطن.‏ جب ‏ُت<br />

إلى هنا ألتخلّص من سماع األنٌن.‏ نعم ‏ٌا سٌّدتً‏ إن زنوبٌا تبن<br />

وجعلت التارٌخ كلّه ‏ٌجمّع لواه كلّها لٌُسمع العالم كلّ‏ الموهوبٌن<br />

فً‏ العزؾ على آلة ‏)الترومبٌت(‏ ‏ٌعزفون لحناً‏ حزٌناً‏ فً‏ ‏ٌوم<br />

الخمٌس من كل أًسبوع لعل صبلة العالم كله ستكون لادرة على<br />

إنزال سورٌّة من صلٌبها الذي ال تزال مصلوبة علٌه.‏ نظر<br />

زٌاد إلى السٌّدة الجالسة لبالته ورأى دموعها تنهمر وهً‏ تطلّع<br />

إلٌه صامتة مبهوتة ولال:‏ أنا شدٌد األسؾ.‏ لمد نسٌتُ‏ تماماً‏ أٌن<br />

أنا.‏ أرى أنن مكثتِ‏ وضحٌ‏ ‏ِت من ولتن من أجلً.‏ هذا ما<br />

سٌنعشنً‏ كثٌراً.‏ ماذا تشربٌن معً؟ أعتمد أن شٌباً‏ بارداً‏ سٌكون<br />

لطٌفاً.‏<br />

لم أعد أستطٌع أن<br />

أبتلع أيّ‏ شًء.‏ ستؤخذ لهوة ألٌس كذلن؟<br />

هٌا اطلبها ودعنا نواصل تعارفنا.‏ أعتمد أنهم أصبحوا ‏ٌمدّمون<br />

المهوة اللبنانٌة.‏ إنن آتٍ‏ من الشرق،‏ والكلّ‏ ‏ٌعرؾ أن من هنان<br />

تتنبّع األسرار.‏ لم ‏ٌسبك لً‏ أن جلستُ‏ أتجاذب أطراؾ الحدٌث<br />

مع شرلً‏ من سورٌا ‏"أوؼارٌت"‏ و"زنوبٌا"‏ ولبلعها<br />

األسطورٌة التً‏ دكّت بعضها المنابل.‏ أظن أن فً‏ ببلدكم أناس<br />

‏ٌحمدون على الحجر.‏ هل شططتُ‏ للٌبلً؟!‏<br />

لست أدري.‏ إذ إنً‏ لم أعرؾ أبً‏ ‏ٌوماً،‏ وعشتُ‏ مع أمً‏<br />

الرابعة الجمال،‏ دون أن أعرؾ ما تخفٌه،‏ أو حمٌمة ما ‏ٌتجوّ‏ ل<br />

ٕ8ٗ


فً‏ ذهنها من فِكَر.‏ لطالما كانت تعتنً‏ بً‏ دون تذمر.‏ لكنها<br />

تعتمد أنً‏ لد كبرتُ‏ ولم أحصل بعد على تلن الرجولة التً‏<br />

‏ٌمكنها اتّخاذ لرار ‏ٌحسم ما أنا فٌه من تبعثر ‏ٌشمل كلّ‏ شًء<br />

ابتداء من الفِكَرِ‏ . إن ما ‏ٌحدث فً‏ ببلدي أدى إلى لتل الكثٌرٌن<br />

وأعطب أكثر وجرح كلّ‏ السورٌٌّن إن كان فً‏ األجساد أو فً‏<br />

النفوس.‏ أعتمد أننا جمٌعاً‏ أٌنما رحلنا موجودون فً‏ لفص واحد<br />

نشم رابحة الدماء.‏<br />

إن النادل وراءن،‏ اطلب منه ما ترٌد.‏<br />

استدرتُ‏ إلٌه،‏ ولكن لبل أن ألول شٌباً‏ لال بالعربٌة:‏ لمد سجّل ‏ُت<br />

طلبن ممترحاً‏ المهوة اللبنانٌّة الخالٌة من السكّر.‏ أنا من الجزابر<br />

وعشت بضع سنوات فً‏ دمشك أدرس األدب العربً.‏<br />

إن هذا مذهل،‏ لمد فاجؤتنً.‏ لكنن أضفت إلى ‏ٌومً‏ متعة<br />

أبحرت بً‏ بعٌداً‏ دون أشرعة.‏ رؼم أنً‏ أمٌل إلى األشرعة،‏<br />

وأتوق أن أؼفو واترن لها العنان ألرى عندما أستفٌك إلى أٌن<br />

أخذتنً.‏<br />

ابتسم لً‏ بحب،‏ ثّم ذهب إلى عمله.‏ لكنً‏ لم أستطع أن أتحرّ‏ ن<br />

من مكانً،‏ فتابعته إلى أن اختفى.‏ ها أنا أتولؾ عن الكتابة<br />

محاوالً‏ تذكّر لمَ‏ فعلتُ‏ ذلن؟!‏ ترى هل مررتُ‏ بنفس مشاعره أم<br />

تجاوزتها ألتساءل:‏ ترى هل ‏ٌدرن الشعب األمرٌكً‏ أن<br />

رفاهٌّته التً‏ تحسده علٌها كلّ‏ شعوب هذه األرض،‏ متؤتٌة من<br />

سرلة حكومته لجمٌع أمم هذا العالم؟!‏<br />

ٕ8٘


لمّا عدتُ‏ إلى مضٌفتً‏ ذهنٌاً‏ بدت مدهوشة،‏ وبادرتنً‏ بالسإال:‏<br />

ماذا حدث لن؟!‏ هل لال النادل شٌباً‏ أزعجن؟!‏<br />

ال لم ‏ٌحدث ذلن على اإلطبلق.‏ إنه دون أن ‏ٌمصد فتح لً‏<br />

جرحاً‏ ال أعرؾ إذا كان سٌندمل ‏ٌوماً‏ ما.‏ ‏ٌبدو أن العالم ‏ٌضٌك<br />

بنا كلّ‏ ‏ٌوم وال سبٌل إلى ردّ‏ ما سٌحدث.‏ سٌّدتً‏ فً‏ لٌلة متؤللبة<br />

بالنجوم شربت فٌها بضع كإوس من ‏"الفودكا"‏ السوٌدٌّة،‏<br />

لرّ‏ رت الرحٌل إلى بارٌس لمضاء شهرٌن أو أكثر بعٌداً‏ عن<br />

ببلدي وما ‏ٌحدث فٌها.‏ إن هذه الجلسة التً‏ تضمّنً‏ معن ال شنّ‏<br />

أنها مهداة من الربّ‏ . لذلن ال أرى أنه ‏ٌمكن تخصٌصها للحدٌث<br />

عن الجرابم التً‏ ترتكب هنان،‏ وال عن تلن الوحوش التً‏<br />

نشرت داء الكلب وسط تلن البٌبة الطٌبة السمحة التً‏ عرفتها<br />

منذ طفولتً‏ األولى،‏ ثم فجؤة دبَّ‏ فٌها سعار مخٌؾ ؼٌّر معالم<br />

الوجوه ونشر رابحة الطمع الفاسدة فؤصبح كلّ‏ شًء ال ‏ٌطاق،‏<br />

واحتماله سٌكون دون شن على حساب خفمان الملوب فٌؤخذ من<br />

عمرها الكثٌر.‏ لمد كلّمنً‏ هذا النادل باللؽة العربٌَّة،‏ ولال إنه من<br />

الجزابر.‏ إنً‏ مدهوش وفً‏ حٌرة من أمري ‏ٌا سٌّدتً‏ حتى هذه<br />

اللحظة.‏ فوجبت ‏ٌا أمٌرتً‏ بالكٌفٌّة التً‏ استطاع فٌها ذلن<br />

اإلنسان أن ‏ٌدخل إلى الشؽاؾ وٌدرن أنً‏ أفضل المهوة خالٌة<br />

من السكر.‏ إنها بضع كلمات فمط كان لها ولع كبٌر هزّ‏ أعمالً‏<br />

وجعلتنً‏ أتساءل:‏ هل ‏ٌدرن الشعب األمرٌكً‏ أن حكومته تجر<br />

شعوب هذا العالم إلى الفوضى مضٌفة إلٌها كلمة الخبللة بكل<br />

ما فً‏ هذا الكون من ولاحة،‏ لترشو شعبها الطٌب وتؽرٌه بؤن<br />

‏ٌزدرد ما شاء من ‏"البوظة"‏ حتى ‏ٌمال أن الكمٌّات التً‏ تستهلن<br />

فً‏ أمرٌكا تفوق ما ‏ٌدخل منها إلى أحشاء سكّان هذه المعمورة.‏<br />

ٕ8ٙ


ضحكت رفٌمتً‏ كثٌراً‏ ولالت:‏ أنا لم ألابل فً‏ حٌاتً‏ من<br />

‏ٌحسن السرد واستعمال الكلمات المناسبة لِما ‏ٌمال هنا وهنان<br />

بطرٌمة تشبه ما لمسته الٌوم،‏ إنن بارع فوق العادة فً‏ وضع<br />

الكلمات المناسبة فً‏ مكانها تماماً‏ وتملن جحافل من المفردات<br />

تجري وراءن.‏ صدّلنً‏ عندما ألول:‏ إنً‏ أسمع ولع ألدامها<br />

عندما تحتنّ‏ باألرض،‏ وأصوات هتافاتها المشجّعة تمؤل أذنً.‏<br />

هل أنت فرنسٌّة أم بلجٌكٌة وتعٌشٌن فً‏ فرنسا؟!‏ ‏ٌبدو أنً‏<br />

فمدتُ‏ موهبتً‏ فً‏ التعرّ‏ ؾ على اللهجات؟!‏<br />

ال أظن أنن فمدت شٌباً.‏ إذ إنً‏ بلجٌكٌّة من أب ‏ٌونانً‏ كثٌراً‏<br />

ابتدأ ‏ٌتعاطى الخمرة وهو فً‏ رحم جدتً‏ التً‏ لم تكن تعرؾ<br />

طعمها.‏ لكن أمً‏ اعتمدت طوٌبلً‏ أن الثورة الفرنسٌّة ارتكبت<br />

جرما بمتل ‏"ماري أنطوانٌت"‏ الملكة النرجسٌّة بامتٌاز.‏ إذ إنها<br />

لم تستطع أن تفهم أن الثورة حذفت كلمة ‏"الرلّة"‏ من لاموسها<br />

وتلن الحاجات التً‏ ال ‏ٌزال ‏ٌطلبها من وصل إلى كلّ‏ شًء.‏ أنا<br />

أسكن فً‏ شمة مستؤجرة لطٌفة،‏ لكنها ال تعجب عمتً.‏ إنها بعد<br />

أن أصبحت أرملة تفضل أن أبمى متمسّكة بحرّ‏ ‏ٌتً،‏ لكنها<br />

تشجعنً‏ على امتبلن شمة ألرب إلٌها وأكبر،‏ بحٌث أحصل<br />

على ؼرفة ثانٌة للنوم ومطبخ أكبر.‏ إنها تستمر فً‏ إؼرابً‏<br />

دون كلل أو ملل.‏ لمد أبدت استعدادها أن تدفع ثلثً‏ تمنها<br />

باإلضافة إلى أجور النمل.‏ فً‏ الوالع سؤنتمل ؼداً‏ ظهراً‏ إلى<br />

شمتً‏ الجدٌدة،‏ أال تدعو لً‏ أن أرلص ‏"السِرتاكً"‏ فً‏ ؼرفة<br />

االستمبال المتّسعة الملٌبة بالنور بشكل مفرط للٌبلً؟!‏<br />

ٕ87


أرجونِ‏ تكلّمً‏ لولً‏ أي شًء،‏ فكلماتن ترلص السٌرتاكً‏<br />

بشكل مختلؾ عمّا ‏ٌمارسونه فً‏ أثٌنا.‏<br />

من الطبٌعً‏ أن أرث بعض خصال أمً‏ البارٌسٌة،‏ فمد<br />

اختطفها جنون والدي من الفرلة األولى التً‏ ترلص البالٌه فً‏<br />

بارٌس وفً‏ أنحاء فرنسا وفً‏ بعض ‏"أوروبّا".‏ وهكذا أنا<br />

أرلص السٌرتاكً‏ على الطرٌمة الكرٌتٌّة مؽطّسة إٌّاه ؼطستٌن<br />

فً‏ إناء فٌه بعض الماء الذي ‏ٌحمل صلواتً‏ وأدعٌتً‏ كً‏ ‏ٌمكّ‏ ‏ِنه<br />

من االحتفاظ دابماً‏ بما تبثه أنالة بارٌس.‏<br />

من أنتِ‏ ‏ٌا تُرى،‏ وأٌن تمارسٌن المشً؟!‏ هل ‏ٌمكنن أن<br />

تؤمري السحاب أن ‏ٌرفعن إلٌه؟!‏ صلًّ‏ معً‏ كً‏ أكون محظوظاً‏<br />

وأحظى بمبولن لدعوتً‏ إلى العشاء فً‏ السبت المادم،‏ فمد نتمكن<br />

من أن نصبح صدٌمٌن.‏ لستُ‏ متهوراً‏ أرجو أن تتخلًّ‏ عن<br />

شكوكنِ‏ إن كنتِ‏ تفعلٌن.‏ إننِ‏ بذلن تلؽً‏ كلّ‏ مشاعري التً‏<br />

تجٌش فً‏ داخلً‏ وتمارس ضؽطها على خنالً.‏ دعٌنا نإجل<br />

تنفٌذ الحكم الذي تتمسن به العادات والتمالٌد.‏<br />

إن المناخ الذي ‏ٌحٌط بً‏ لابل لبلشتعال فً‏ أٌة لحظة،‏ وٌد<br />

األمٌر تمسن بٌدي وتؤخذنً‏ إلى ؼرفة بعٌدة فً‏ المصر أكثر<br />

حمٌمٌّة،‏ تجعل من الشهمات موسٌمى ال بدّ‏ منها لتمرٌر اللذة إلى<br />

كلّ‏ أنحابن،‏ وانتظار الذروة بلهفة مجنونة.‏<br />

أنت مدهشة ‏ٌا كاترٌن،‏ فمد أدخلتنً‏ فً‏ حالة من االستؽراب<br />

حٌّرتنً‏ ودفعتنً‏ لطرح سإال أرجو أالّ‏ تعتبرٌنه التحاماً‏ من أي<br />

نوع كان.‏ ترى هل هذه المراءات نتاج ثمافة منطمتنا،‏ ونستطٌع<br />

ٕ88


اعتبارها مٌل فردي للخروج عن المؤلوؾ،‏ أم إنها اندفاع<br />

أوروبً‏ اللتهام ‏ٌنابٌع ثمافتنا لفهم الكٌفٌّة التً‏ علٌكم بوساطتها<br />

التعامل معها؟!‏ ترى هل فوجبتم بتملص العالم،‏ وبفمرابنا<br />

‏ٌمتحمون أبوابكم وأنتم على طاولة الؽداء.‏<br />

أنا أوافك على كل ما للته.‏ إن دراسة أعماق المشكلة المابمة<br />

بٌن الشمال والجنوب فً‏ هذا العالم،‏ كان علٌها أن تبدأ منذ ولت<br />

طوٌل.‏ إن إهمالنا وفً‏ العمك عدم مباالتنا،‏ كانا السبب فً‏ موت<br />

الكثٌرٌن،‏ وهم فً‏ الطرٌك ‏ٌنتملون من بلدانهم على متن لوارب<br />

مهتربة،‏ ‏ٌدرن من ‏ٌراها وٌعرؾ البحر أنها لن تتحمل طوٌبلً،‏<br />

وهً‏ تشكّ‏ طرٌمها متململة وسط الموج الذي ما أن مرّ‏ ت<br />

العاصفة فوله وحاولت أن تداعب مٌاهه،‏ فإنها لم تستطع إالّ‏ أن<br />

تصرخ وتولول معلنة أن هذا فوق طالتها وال ‏ٌمكنها الصمود<br />

واسكات ردود أفعاله وهٌاجه.‏ عندبذ كان الثمن دون شنّ‏ ابتبلع<br />

تلن الموارب وما تحمله من أنفس كانت تجاهد لتنمذ نفسها من<br />

الموت البطًء.‏ أولبن المساكٌن جرّ‏ بوا كلّ‏ شًء كاستجداء<br />

الرحمة من الرب ومن كل األمم المتخمة وعادوا بخفً‏ حنٌن.‏<br />

أما تلن الموارب المكتظّة فكانت تؤخذهم إلى االنتحار الذي ال<br />

‏ٌرٌدونه رؼم أنهم ‏ٌفضلونه عن العٌون التً‏ تتفرج علٌهم وهم<br />

ال ‏ٌموون على ترن أرواحهم تخرج بسبلم.‏ إن ما لد ‏ٌفسر هذا<br />

االصرار الشدٌد على الموت الجماعً،‏ هم الذٌن استطاعوا<br />

اختراق الطرٌك المسدود وارتموا على شواطا العالم المتمدن<br />

وهم ال ‏ٌزال فٌهم رمك.‏ كان هذا هو األمل،‏ أما الذٌن ؼرلوا<br />

وأصبح أؼلبهم طعاماّ‏ لؤلسمان،‏ وما تبكّ‏ منهم انتشلوا جثثاً‏<br />

هامدة،‏ لم ‏ٌدركوا أنهم حظوا بالدفن.‏ إن هذا كشؾ صعب تفهّمه<br />

لبلمباالة واالستهتار بالنفس البشرٌّة الذي أصاب العالم وعدّ‏ ك ‏ّل<br />

ٕ89


ما حدث عماباً‏ للكسل واالنتظار السخٌؾ حتّى تمطر السماء<br />

المن والسلوى.‏ لكن أهل الشمال تناسوا سبب المشكلة وهً‏<br />

المساعدة اللبٌمة لدٌكتاتورٌّات العالم الثالث على ترسٌخ بمابهم<br />

فً‏ السلطة بوساطة التسلٌح الؽالً‏ الثمن بحٌث أصبحوا شركاء<br />

مطٌعٌن فً‏ سرلة فمراء هذا العالم ومنع تطوّ‏ رهم.‏ لكن أٌن<br />

الحل ‏ٌا ترى؟!‏ المنتحرون ‏ٌهدّدون ضمناً‏ أن دماءهم ستبمى<br />

تلوث موابد الشمال العامرة.‏ كما أنهم سٌظلون ‏ٌصرخون من<br />

المبور لابلٌن:‏ أال تكتفوا برمٌنا كعبٌد وسط حٌاة جدٌدة ال نعرؾ<br />

أبجدٌتها وال إٌماعها الؽرٌب الذي سٌستمرّ‏ ‏ٌمطع أنفاسنا إلى<br />

ولت طوٌل،‏ ألم تكتفوا بالتفرّ‏ ج علٌنا كؤشباه للبشر ونحن نتمرّ‏ غ<br />

بؤوحال المجارٌر؟!‏ سنجعل موتنا ‏ٌذ ‏ّكر من سٌخوض التجربة<br />

بعدَنا،‏ ضرورة االلتراب من الشاطا حتى لو كان عن طرٌك<br />

السباحة كً‏ ‏ٌجد اإلٌطالٌّون وكل الذٌن ‏ٌمتلكون شواطا على<br />

البحر المتوسط مبات الجثث من أبناء آدم مرمٌّة على شواطبهم،‏<br />

والمسإول عن ذلن هم ناخبو حكومات الشمال كلّها التً‏ تتشدق<br />

بالمول لٌل نهار إنها تإمن بحموق اإلنسان التً‏ تهدرها فً‏ ك ‏ّل<br />

دلٌمة حكومات الدول المارلة.‏<br />

‏ٌبدو أنن ستظلٌّن تدهشٌننً‏ بعض الولت.‏ لست أدري إن كن ‏ُت<br />

أٌنما أذهب هرباً‏ من المآسً‏ أُفاجؤ بعٌش مؤساة أخرى ‏ٌُصلب<br />

فٌها إنسان آخر أتاحوا له حك االعتراض،‏ والمٌام بالمظاهرات.‏<br />

‏ٌبدوا أننا لن نموم فً‏ هذا العالم.‏ ألم ‏ٌمل من لام:‏ أنا لستُ‏ من<br />

هذا العالم؟!‏ ‏ٌبدو أن الجحٌم تعلّم كٌؾ ‏ٌؽٌّر ألوانه وٌمنحها<br />

المدرة على اإلؼراء،‏ وتولٌت انتمالها من مكان حٌث تبزغ هنان<br />

وتعٌد التمسرح مع تبدٌل أللوان األلبسة فؤضٌع فً‏ شعابها من<br />

جدٌد،‏ وٌعود الٌؤس إلى التسرّ‏ ب من حٌث ال أدري،‏ صابؽاً‏<br />

ٕ9ٓ


األلوان التً‏ كانت تسطع فٌها الشمس،‏ لالبة إٌاها رأساً‏ على<br />

عمب بحٌث ‏ٌظهر لون الموت فاجراً‏ فظاً‏ ‏ٌشتهً‏ المزٌد من<br />

الدماء واألرواح البرٌبة.‏ أنا الطبٌب النفسً‏ الذي نجح بدرجة<br />

‏"ممتاز"‏ أعترؾ أمامن بؤنً‏ ال أدري حماً‏ إن كنت أفتعل ك ‏ّل<br />

هذا االنفعال سعٌاً‏ وراء حنان ال أعرؾ عنه شٌباً،‏ وال تمكُّنً‏<br />

من الرسم أرانً‏ كٌؾ أرسم ما لم أره ‏ٌوماً،‏ وال أشٌر إلٌه بؤٌّة<br />

طرٌمة ممكنة.‏ ربّما وجدت فٌنِ‏ لوة العزٌمة والمدرة على<br />

فضحً‏ وتعرٌتً‏ كما خلمتنً‏ أمً.‏ الدلابك التً‏ أمضٌتها معن<br />

جعلتنً‏ ال أخشى أن أبدو بصحبة عاهاتً.‏ هذه الجلسة لن تتَّسع<br />

لِما أرٌد أن ألول.‏ أنا أحتاج بطرٌمة ما أن أخرج من ذاتً،‏ ربّما<br />

إلى رحاب الحٌاة الحمٌمٌّة،‏ بل إنً‏ فً‏ أحٌان كثٌرة أجد نفسً‏<br />

أعٌش تولاً‏ إلى الضجٌج،‏ أو أن أبدأ حواراً‏ مع شخوص خاضت<br />

حرباً‏ شرسة وارتكبت فظاعات ‏ٌندى لها الجبٌن،‏ وخرجت منها<br />

مشرببّة للمفز إلى لطار مسرع ‏ٌحمل أعبلم السبلم خفّالة ال<br />

تخشى عنؾ الرٌح الذي ‏ٌؤخذها إلى وسط السهول الخضراء<br />

المحاطة بشاطا طوٌل مدٌد ‏ٌتلمّى مداعبات البحر بكل ما ‏ٌملن<br />

من حنان وضرب خفٌؾ على مإخّرة الحبٌب.‏ أما فً‏ الجانب<br />

اآلخر البعٌد فتربض سلسلة من الجبال الصخرٌّة الملساء التً‏<br />

بإمكانها أن تعكس أشعة الشمس،‏ فتزٌد نشر الضٌاء فً‏ كلّ‏<br />

مكان.‏ أعتمد أنن بالتعاون مع بارٌس ستحرّ‏ رانً‏ من عفونة<br />

السجن الذي ألبع فٌه.‏ ربما تكمن الصعوبة فً‏ كلّ‏ ذلن أنً‏ مع<br />

الولت صرت مدمناً‏ على رابحة العفونة.‏<br />

هل ستبمى متمنّعاً‏ عن إعبلمً‏ باسمن؟!‏<br />

ٕ9ٔ


أعذرٌنً،‏ إذ إن فرحً‏ بن كاد أن ‏ٌنسٌنً‏ كلّ‏ ما كابدته فً‏<br />

حٌاتً.‏ وخلت بعض الولت أنً‏ لد تخلّصتُ‏ من تشتّتً‏ المنفلش.‏<br />

ترى هل عدتُ‏ إلى لٌادتها؟!‏ إنً‏ أشن بذلن ‏ٌا كاترٌن.‏ إن اسمً‏<br />

‏"زٌاد عبد النور"‏ أبً‏ من دمشك وأمً‏ من البلذلٌّة.‏ إنها مدٌنة<br />

ساحلٌّة بامتٌاز رلٌمة وجمٌلة وعصبٌّة المزاج،‏ وتحسن استمبال<br />

الؽرباء.‏ فً‏ هذا العشّ‏ الفرٌد العجٌب ‏ٌكتسب الؽرٌب حمه فً‏<br />

المواطنة بعد للٌل من الحوار،‏ وٌُعجب بكلّ‏ مجانٌنها وآلهتها.‏<br />

لكن حذار،‏ حذار من أن ‏ٌمترب منها أحد وٌلعب مع أوتارها<br />

وأنؽامها.‏ إذ إن انتفاضتها ستملب الدنٌا رأساً‏ على عمب،‏<br />

وصوت زبٌر البحر سٌتعاظم وٌصل إلى كلّ‏ الدنٌا.‏<br />

ما أعمك وصفن لمن تحب،‏ فهو ‏ٌشعر المرء بؤنه الترب من<br />

أعتاب محراب الرب.‏ إنن تعطً‏ اإلٌمان لمن ‏ٌستمع إلٌن بؤنه<br />

فً‏ ولت لرٌب ستمكّنه من الرلص حتى الصباح.‏ لمد دفعتنً‏<br />

إلى الٌمٌن بؤن مدٌنتكم تمتلن مٌزات خاصة بحٌث توزع عشمها<br />

على كلّ‏ فرد بشكل مختلؾ وتمؤل صدره برحٌك ممٌز طبخ<br />

على نار هادبة كً‏ ‏ٌجعل لٌالٌه كما ‏ٌحبها هو.‏ إن عابلتً‏ هً‏<br />

من ‏"كرٌت".‏ تلن الجزٌرة الشهٌرة التً‏ لطالما اعتبرت نفسها<br />

من أصول تفوق الٌونان عرالة.‏ إن جديّ‏ وجدّ‏ ‏"نٌكوس<br />

كازانتزاكٌس"‏ الكاتب العظٌم هما إخوة وهما لم ‏ٌكونا على<br />

عبللة طٌبة،‏ وٌمال إن الخبلؾ كان على لطعة أرض.‏ ربّما<br />

تكون هذه المشكلة هً‏ السبب فً‏ انتمال جدّي للعٌش فً‏ ‏"أثٌنا"‏<br />

ما أعرفه جٌّداً‏ أن أبً‏ لم ‏ٌلتكِ‏ بنٌكوس إالّ‏ لِماماً.‏ على كلّ‏ حال<br />

علّمتنً‏ عمّتً‏ االّ‏ أهتم ‏ٌوماً‏ بمذارة العابلة.‏ بل أن أسعى جاهدة<br />

إلى تنمٌة بذور االرتماء الكامنة فٌها.‏ أنا ال أعرؾ ماذا حدث<br />

تماماً‏ بٌن العابلتٌن،‏ إذ إن جدي ترن كرٌت ولرّ‏ رَ‏ السكن فً‏<br />

ٕ9ٕ


ىإل<br />

‏"أثٌنا"،‏ وكان فً‏ حالة خصام مع أخٌه األكبر والد نٌكوس.‏<br />

حسبما أعرؾ أن أمر ذلن الخبلؾ دام طوٌبلً‏ وبمً‏ الكثٌر ممّا<br />

جري طًّ‏ الكتمان.‏ أظن أنن ترى أنً‏ أعملتُ‏ فكري حتى<br />

وصلتُ‏ صلة المربى الحمٌمٌّة الدلٌمة.‏ أذكر أن أبً‏ لمّا الحظ<br />

اهتمامً‏ بكتب عمً‏ نٌكوس،‏ دون أن أعرؾ أن ذلن الكاتب<br />

الكبٌر هو عمً‏ ودماإه تجري فً‏ الولت نفسه مع دمابً‏<br />

الٌونانٌّة الفرنسٌّة.‏ لال لً‏ أبً‏ فجؤة فً‏ أحد األٌّام،‏ بٌنما كنا<br />

نسبح سوٌّة فً‏ كرٌت للمرة األولى:‏ إنً‏ أرى أنن لد كبرت ‏ٌا<br />

كاترٌنا.‏ ما رأٌن أن نتناول طعام الؽداء سوٌّة كعاشمٌن؟!‏<br />

سؤدعن تتذولٌن ‏"األوزو"‏ إنً‏ أعرؾ مكاناً‏ لطٌفاً‏ فً‏<br />

‏"األومونٌا".‏ هنان سٌطٌب لنا التحدث عن نٌكوس وصعوبة<br />

العٌش بٌن والدي ووالده.‏ كنتُ‏ حٌنبذ لد التربتُ‏ من تجاوز<br />

الرابعة عشرة من عمري.‏ تدبر أبً‏ األمر مع أمً‏ لاببلً‏ لها أنه<br />

سمح البنته بالذهاب مع بعض أصدلابها للؽداء فً‏ ‏"ؼلٌفادا"‏ فً‏<br />

مكان لرٌب من البحر بحٌث تصل أٌدٌهنَّ‏ الصؽٌرة إلى المٌاه<br />

المالحة،‏ فتتمكنَّ‏ من مداعبة البحر العجوز الذي ال ‏ٌبدو أنه<br />

سٌؽدو عاجزاً‏ ‏ٌوماً.‏ أما هو فتدبر لنفسه عذراً‏ بمنتهى السهولة.‏<br />

لم ‏ٌكن كل ذلن لطٌفاً‏ لً‏ فً‏ تلن األٌام.‏ إذ إنً‏ رجعت إلى<br />

ذاكرتً‏ وعرفت أن سهرات أبً‏ الكثٌرة منفرداً‏ التً‏ أذكرها<br />

اآلن تماماً‏ كانت بؤعذار مختلمة مركّبة بحذالة،‏ كالعذرٌن اللذٌن<br />

اختلمهما لً‏ وله.‏<br />

كان المطعم الذي دخلناه جمٌبلً‏ هادباً،‏ ال صخب فٌه وال سكون<br />

مخٌؾ ‏ٌدفعن إلى الهرب من مكانن والخروج إلى الشارع<br />

لتستنشك هواءً‏ ال ‏ٌشبه هواء المبور وال تلن الؽٌمات السود التً‏<br />

تحوم فولها.‏ سمعنا فً‏ ذلن المطعم وشوشات موحٌة كؤن<br />

ٕ9ٖ


أصحابها ‏ٌتحدّثون وفك إٌماع متفك علٌه مسبماً،‏ كؤنهم ال<br />

‏ٌرٌدون أن ‏ٌسمع أحد ما ‏ٌمولون لبعضهم بعضاً،‏ سؤلت أبً‏<br />

لماذا ‏ٌتحدّثون بهذه الطرٌمة،‏ ترى هل ‏ٌتؽازلون؟!‏ عجباً‏ إنً‏<br />

أرى أؼلبهم كبار فً‏ السن،‏ وعندما أتمعّن فً‏ وجوههم،‏ أرى<br />

أن الرجل الكبٌر ال تزال روح الشباب تسكنه،‏ أما المرأة فلم ‏ٌعد<br />

فً‏ عٌنها شًء ‏ٌلمع.‏<br />

هل ترٌن فً‏ طرٌمة حدٌثهم ما هو مستؽرب؟!‏<br />

ألم تبلحظ أنهم تارة ‏ٌتهامسون وأخرى ‏ٌتوشوشون؟!‏ لل لً‏<br />

ألٌس هذا ما ‏ٌثٌر االستؽراب إن لم نمل االستهجان؟!‏ لست<br />

أدري ماذا سٌفعلون لرٌباً؟!‏<br />

إنهم ‏ٌبالؽون فً‏ التهذٌب،‏ وربّما فٌه دون شنّ‏ بعض الؽرابة.‏<br />

ال بؤس فلنطلب بعض ‏"األوزو"‏ وللٌل من الطعام.‏ ربّما علًّ‏<br />

مرالبة ما تمربٌن لبل أن تنامً.‏<br />

أعتمد <br />

أنن ستكون موجوداً،‏ هل تسمح لً‏ بالؽناء.‏<br />

ماذا تمولٌن؟!‏ أن ‏ِت تفاجبٌنً‏ ماذا تبؽٌن من وراء ك ‏ّل ذلن،‏ هل<br />

تنوٌن أن تدفعً‏ بالزبابن للهرب من المطعم وتُهٌنٌن عابلتنا<br />

وذكرى نٌكوس؟!‏ أنا ال أدري ما ‏ٌعتمل فً‏ داخلن؟!‏ أنت<br />

تظهرٌن أطواراً‏ لم أعهدن تمتلكٌنها،‏ من أٌن لن كل هذا؟!‏ هل<br />

تعتمدٌن حماً‏ أنن لادرة على األداء الممنع الجٌّد؟!‏ إن كنتِ‏ واثمة<br />

دعً‏ أبون ‏ٌسمع ما سٌفخر به طوال حٌاته.‏<br />

ٕ9ٗ


بكل تؤكٌد،‏ لطالما لالت أمً‏ أنً‏ ورثت كلّ‏ شًء منن.‏<br />

الصوت الجمٌل الممنع وؼرابة األطوار المملمة.‏<br />

حسناً،‏<br />

هٌا لومً‏ بما ترٌدٌن،‏ ولكن لمن ستؽنٌّن؟!‏<br />

سترى.‏<br />

عندما ولفت الفتاة وشرعت بالؽناء وهً‏ لم تتجاوز بعد الرابعة<br />

عشرة من العمر،‏ فؤبدعت وأدهشت الجمهور وهزّ‏ ته بعنؾ<br />

شدٌد،‏ لم ‏ٌتولع أحد ما سمع وشاهد فصفك لها كثٌراً‏ بحماسة<br />

وإعجاب.‏ لكن الجمٌع أعادوا التصفٌك مرتٌن مطالبٌن بالمزٌد<br />

ترتسم على وجوههم الدهشة،‏ ومعتبرٌن أنفسهم محظوظٌن،‏ إذ<br />

إن الرب ال بد أن ‏ٌكون هو الذي دعاهم فً‏ هذا الٌوم لمبلمسة<br />

األُعجوبة والعٌش بعض الولت مع هذا اإلعجاز الكبٌر.‏<br />

الجمهور ولؾ من جدٌد وبدأ ‏ٌرسل إلٌها المببلت الطابرة،‏ ولم<br />

‏ٌتولؾ عن التصفٌك داعٌاً‏ إٌّاها إلعادة الكرّ‏ ة.‏ إذ إنه كاد أن<br />

‏ٌُصدق أن ‏"إدٌت بٌاؾ"‏ بُعثت حٌّة من جدٌد،‏ ودخل للبها<br />

الجرٌح بمدرة المادر إلى أحشاء تلن الطفلة وأخذت تؽنً‏ كمؽنٌّة<br />

متمرّ‏ سة محرّ‏ ضة المشاعر اإلنسانٌة وجعلتها تستفٌك من<br />

ؼفوتها الستعادة ثورتها ضد سارلً‏ الحموق واستعباد الجٌاع<br />

الذٌن تمام على جثثهم األوطان.‏ الشرطة فً‏ لحظة خاطفة مؤلت<br />

المكان،‏ إذ لم ‏ٌعتادوا أن تصدر منه تلن الضجة ؼٌر المسبولة.‏<br />

لكنه لم ‏ٌلبث أن هدأ وعاد إلى سابك عهده.‏ سارع لابدهم إلى<br />

التصفٌك من جدٌد بعد أن فهم ما حدث تماماً،‏ وداعٌاً‏ تلن الفتاة<br />

الصؽٌرة لاببل":‏ أال نستؤهل نحن الذٌن نسهر على أمنكم<br />

وراحتكم أن تؽنً‏ لنا ‏"إدٌت بٌاؾ"‏ الٌونانٌّة؟!‏ لكن كاترٌن<br />

ٕ9٘


ولفت ولالت أنا كاترٌنا الكرٌتٌّة.‏ أثارت تلن الكلمة المتحدٌّة من<br />

تلن الفتاة الصؽٌرة الجمهور،‏ فصفّك مستحسناً‏ وبعضهم<br />

انهمرت دموعه،‏ ثمَّ‏ تجوّ‏ لت بنظرها فً‏ أنحاء المطعم ولالت:‏<br />

‏"كاترٌن الكرٌتٌّة"‏ ستؽنًّ‏ مرّ‏ ة ثانٌة لنرى جمٌعاً‏ ماذا ستمول<br />

وكٌؾ".‏ نطمت بكلّ‏ ذلن بتحد وعنفوان ؼرٌبٌن أثارا الكثٌر<br />

من اإلعجاب والدهشة،‏ فتخال أنن ال ترى مراهمة ال تزال فً‏<br />

بداٌة انتمالها من سن الطفولة وهً‏ فً‏ طرٌمها الطوٌل لتصبح<br />

امرأة حمٌمٌّة عركتها الحٌاة.‏ بدأت كاترٌنا تشدو أؼنٌة تتدلى<br />

منها عنالٌد عِنب من أجمل ما رآه الجمهور فً‏ حٌاته،‏ كلّ‏ حبّة<br />

منها كانت تشترن مع أخواتها فً‏ الرجاء من آلهة الٌونان<br />

المدٌمة أن تنفخ فً‏ رجال هذه األٌّام الخصب والموة فً‏<br />

المعاشرة علّهم ‏ٌُخرجون إلى العالم أطفاالً‏ ‏ٌعٌدون إحٌاء ذكرى<br />

‏"السبارطٌٌّن"‏ المدماء الذٌن كانوا ‏ٌدفنون صؽارهم داخل الثلج<br />

بضعة أٌام دون أن ‏ٌمطعوا عنهم التنفس طبعاً،‏ فمن ‏ٌموت ‏ٌعود<br />

إلى ربّه،‏ أما من ‏ٌعٌش فٌصبح محارباً‏ ‏ٌصعب إزاحته عن<br />

الطرٌك.‏ كانت األؼنٌة ‏"لصوفٌّا فِمبو"‏ تلن المؽنٌّة<br />

ذات الصوت الرجولً‏ المعجون مع دخان السجابر والشهوات<br />

المختلفة التً‏ تتوق إلى لضم كلّ‏ رإوس األفاعً‏ لبل أن تبلل<br />

بلعابها كلّ‏ بمعة مهما كان مولعها من أي جسد جمٌل.‏ ثم تبدأ<br />

المضاجعات الملحمٌّة بٌن أعمدة األكربول مهداة إلى اآللهة<br />

المدٌمة.‏ المؽنٌّة الطفلة تصدّت لتحاكً‏ طرٌمة ‏"صوفٌّا"‏ فً‏<br />

إخراج الحروؾ من أحشابها وهً‏ تنزؾ لابلة:‏ ‏"أثٌنا أنت<br />

ترولٌن لً"‏ كانت صؽٌرة السن وعدٌمة الخبرة فً‏ الوصول<br />

إلى خطؾ تلن المشاعر من أنثى جفّت أعضاءها التناسلٌة،‏<br />

وبمً‏ زبٌرها ‏ٌخرج من فمها ومنخرٌها ومن أظافر ‏ٌدٌها ‏ٌنادي<br />

ذكراً‏ ظلّ‏ طوٌبلً‏ ‏ٌبحث عن ضالته ‏ٌجد فً‏ الؽابة فلم ‏ٌجدها.‏<br />

ٕ9ٙ


كان مدعواً‏ إلى حلبة الصراع فٌها حتّى الموت وٌتداخل فٌه ك ‏ّل<br />

شًء فً‏ كلّ‏ شًء،‏ حتى ‏ٌحٌن الولت حٌث تسمع الصنوج<br />

الكبٌرة تدق فٌه دلات ثبلث ‏ٌسمح بعدها لكل شًء أن ‏ٌحدث<br />

حتّى االلتهام.‏ الذٌن أستطاعت تلن الفتاة إدخالهم إلى اإلصؽاء،‏<br />

أسرتهم بضع دلابك حشٌشٌّة أدركوا من خبللها أن هنان<br />

مضاجعة حمٌمٌة تحدث أمام أعٌنهم،‏ دون أن ‏ٌعرؾ أحد من<br />

‏ٌضاجع من.‏ لكن الكلّ‏ كان ‏ٌشعر بؤن هنان امرأة خبٌرة فً‏<br />

تمطٌع أوصال حبٌبها عندما ‏ٌنتهً‏ األمر،‏ وصوت لادر على<br />

مضػ األحرؾ كلّ‏ على حده،‏ ‏ٌستطٌع أن ‏ٌُسمع الجالس هنان<br />

فً‏ الزاوٌة البعٌدة أنّاتٍ‏ لكلّ‏ حرؾ تحكً‏ له لصّة تلن المماحكة<br />

الجنسٌّة الرهٌبة التً‏ عبرت التارٌخ الهٌلٌنً‏ وال ‏ٌبدو أن ذلن<br />

‏"الفنار"‏ البعٌد ‏ٌملن نهاٌة لصّة ذلن االلتحام الذي ‏ٌجري فً‏<br />

زاوٌة ال تتسع لٌتتطور إلى معركة تسٌل فٌها الدماء أنهاراً.‏ ك ‏ّل<br />

من كان فً‏ المطبخ خرج إلى لاعة الطعام مدهوشاً‏ وهو ‏ٌسمع<br />

إلى جانب ذلن الصوت الذي اعتبروه معجزة ما ‏ٌُخرج من تلن<br />

األؼنٌة من إشارات تمول أن المضاجعة ستبمى لابمة فً‏ العمول<br />

إلى ما بعد األؼنٌة بولت طوٌل.‏ كانت كاترٌن تلن الطفلة تدرن<br />

ما تمول ‏"صوفٌا"‏ فؽنّت األؼنٌة بطرٌمة أبطؤ لٌُمكّنها ذلن من<br />

إرسال اإلٌحاءات التً‏ كانت تبثها ‏"صوفٌا"‏ من خبلل صوتها.‏<br />

عندما أنهت كاترٌن ؼناءها ضجّ‏ المطعم بالتصفٌك وهرع<br />

رجال الشرطة لئلحاطة بالمؽنٌّة الصؽٌرة لحماٌتها من هٌاج<br />

الجمهور الذي زاد كثٌراً‏ بسبب تدفّك المارة إلى الداخل.‏ مضى<br />

بعض الولت إلى أن عاد المطعم إلى طبٌعته.‏ لال لً‏ أبً‏ كٌؾ<br />

لم أسعمن تؽنٌن فً‏ حٌاتً؟!‏<br />

<br />

كنتَ‏ مشؽوالً‏ فً‏ انتماء الجمٌبلت.‏<br />

ٕ97


كٌؾ تتجرّ‏ بٌن على الهزء<br />

منً.‏<br />

إنً‏ ال أهزأ من أحد.‏ ألم تمل ألمً‏ أنهم انتمون عن المحاربٌن<br />

المدماء إلنتماء جمٌبلت أثٌنا من أجل مسابمة ملكة جمال<br />

الٌونان؟!‏<br />

وبدوري سؤعٌّنن كاتمة ألسراري.‏<br />

‏"الذي كتب عن ؼنابً‏ صحفً‏ كبٌر كان جالساً‏ وحٌداً‏ حزٌناً‏<br />

بسبب خبلؾ مع مالن الصحٌفة،‏ فؤعاده ذلن الممال إلى منصب<br />

ربٌس تحرٌر الصحٌفة."‏<br />

أخٌراً‏ وصل الطعام،‏ وكان األمر بالنسبة إلى كاترٌنا حفلة<br />

خاصة ألٌمت على شرفها،‏ ولد تعلّمت ‏"باألوزو"‏ منذ ذلن<br />

الولت.‏ هنان فهمت من والدها أن نٌكوس اتهم طوٌبلً‏ باإللحاد،‏<br />

وهذا ما سبّب له فً‏ المرٌة بعض االزعاجات،‏ لطالما سمع عند<br />

مروره لرب المماهً‏ الصؽٌرة العتٌمة،‏ ‏"ٌبدو أن العلم ‏ٌرفض<br />

وجود هللا،‏ تباً‏ للعلم والمتعلّمٌن"‏ لكن رفض الكثٌرٌن الصاق<br />

تهمة اإللحاد بالكاتب الكبٌر ساعد على بماء المرٌة وفٌة له وتكن<br />

له االحترام والتمدٌر وٌشتعل فٌها فخر الكرٌتٌٌّن بابن كرٌت<br />

البار.‏ رؼم أن األحادٌث المنخفضة الصوت بمٌت مستمرة<br />

وظلّت تجري فً‏ الشوارع الضٌمة التً‏ تحتوي على مماهٍ‏<br />

ترتادها الطبمات العمالٌة وبعض الفبلّ‏ حٌن لبل أن ‏ٌصبح دخول<br />

المدارس متاحاّ‏ للجمٌع.‏ لكن عمً‏ نٌكوس لم ‏ٌكن ‏ٌؤبه لكلّ‏ ما<br />

‏ٌجري كما كان أبً‏ ‏ٌإكّد دابماً.‏ بل استمرّ‏ فً‏ أمله بؤن هذا<br />

الصنؾ من الناس ال بدّ‏ أن ‏ٌؤتً‏ ذلن الٌوم وٌمرأ كتبه وٌدركوا<br />

ٕ98


عمك عبمرٌّته.‏ عندبذ سٌذهبون إلى الكنٌسة لٌطلبوا الرحمة<br />

لروحه وٌؤملوا من الرب أن ‏ٌؽفر لهم عماهم المولّت.‏ كان عمً‏<br />

‏ٌعتمد بموة أن من كان فً‏ تارٌخه ‏"سمراط"‏ ‏"وأرسطو"‏<br />

‏"وأفبلطون"‏ ال ‏ٌمكن إالّ‏ أن ‏ٌموم من سباته وٌؤخذ حمه من<br />

العلم.‏ إن لم ‏ٌستطع فعل ذلن بسبب العمر،‏ فؤوالده سٌملإون<br />

المدارس مع جمٌع ألرانهم.‏<br />

زٌاد إن مسؤلة اإلٌمان شخصٌة تتعلّك بصاحبها وال عبللة<br />

ألحد بها.‏ لٌس هنان أحد ‏ٌمكنه أن ‏ٌعرؾ الخفاٌا التً‏ تتحكم فً‏<br />

كثٌر من األمور التً‏ تجري فً‏ أعماق الشخص نفسه دون أن<br />

‏ٌعلم بها وال الهدؾ الذي تسعى وراءه.‏ فمد ‏ٌكون الملحد مإمناّ‏<br />

دون أن ‏ٌدري،‏ إذ إن ما ‏ٌجري فً‏ األعماق لٌس من السهولة<br />

لراءته حتّى ألصحاب االختصاص.‏ إذ إن من ‏ٌؽوص فً‏<br />

أجواء ملبّدة رؼم لوة المصابٌح التً‏ بحوذته،‏ ال ‏ٌملن التفاإل<br />

الطبٌعً‏ الذي ‏ٌمول:‏ إن معرفته عمّا ‏ٌبحث عنه ستزداد بازدٌاد<br />

تمدّمه باتّجاه الهدؾ.‏ آالؾ السنٌن م ‏ّرت والعلماء ‏ٌتساءلون عن<br />

اللؽز الكبٌر وماهٌّة الوجود،‏ والهدؾ الذي ‏ٌكمن وراء الكٌان<br />

اإلنسانً‏ المخلوق الذي ‏ٌمكن اعتباره أعجوبة من بداٌاته وأثناء<br />

تطوّ‏ ره.‏ إذ إنه سلسلة من األعاجٌب التً‏ ال تزال تُحٌر العلماء<br />

حتى ولتنا الحاضر.‏ إن هذه األعجوبة التً‏ تراها كلّ‏ ‏ٌوم تعلّمن<br />

أنها لد تؤخذ منن الحٌاة فً‏ أٌّة لحظة،‏ وتكتشؾ مع الولت إن<br />

الحٌاة التً‏ تحرّ‏ ن هذا الكٌان المفكر الذي مؤل الدنٌا<br />

باالختراعات بمختلؾ الحمول تُسحب الحٌاة من حٌاته فجؤة<br />

فٌنهار كله أثناء إلمابه لمحاضرة لٌّمة عن زرع أعضاء<br />

ببلستٌكٌّة بدل األعضاء المهتربة.‏ ‏"هذه كانت آخر كلمة لالها<br />

كٌان علمً‏ جبار ثمَّ‏ تهاوى أمام الجمهور لٌصبح جثّة هامدة.‏ ال<br />

ٕ99


أحد ‏ٌعرؾ ماذا سٌمّدم لنا هذا المرن وٌصبح حمٌمة تعٌش بٌننا<br />

كل ‏ٌوم.‏ ربّما لد ‏ٌتكرر هذا المشهد أمامن مرّ‏ ات عدٌدة.‏ إنن<br />

دون أن تمول شٌباً‏ ألحد ستصلً‏ إلى الرب أن ‏ٌرحمن وأن<br />

‏ٌدعن تموت أثناء نومن.‏ الملحد ظل ‏ٌسخر من المإمنٌن وٌهزأ<br />

منهم لاببلً:‏ إنهم هم أنفسهم الذٌن كانوا ‏ٌإمنون بالحجر،‏ فانتملوا<br />

لٌإمنوا بؽٌر المربً‏ وال المحسوس وبالتؤكٌد ؼٌر الملموس.‏<br />

إلى أن جاء العلم لٌإكّد أ ‏ّال جماد فً‏ الكون.‏ الذرّ‏ ات وتفرّ‏ عاتها<br />

دابمة الحركة،‏ وأن بإمكانها أن تحدث انفجاراً‏ ‏ٌطٌح بمدن<br />

بكاملها.‏ تراجع الملحد وانحشر بالزاوٌة مستبدالً‏ ‏ٌمٌنه بعبارة:‏<br />

لست أدري؟!‏ وعندما سبل هل ‏ٌمكن لئلنسان أن ‏ٌصل به<br />

السخؾ لدرجة ‏ٌصبح فٌها شؽوفاً‏ باالعتراض من أجل<br />

االعتراض؟!‏ أجاب لست أدري.‏ طبعاً‏ إن هذ الكبلم ال ‏ٌصدر<br />

إالّ‏ من عالل ال ‏ٌرٌد أن ‏ٌتورّ‏ ط فً‏ سلسلة من األخطاء،‏<br />

وخاصة عندما ‏ٌبلحظ أن التطور ‏ٌزداد تسارعاً‏ وٌتناول ك ‏ّل<br />

شًء،‏ واألعاجٌب تزداد والجمال الصاعك ‏ٌخبو والعٌون التً‏<br />

كانت تتكلم وتوشوش صمتت وتعلّمت احترام الصمت أمام تمدم<br />

العلم.‏ سٌكون هذا إنماذاً‏ من الؽرق فً‏ الؽباء والتخبط أمام<br />

تسارع عجلة التارٌخ.‏ دع العلم للعلماء رؼم أنن ال تستطٌع<br />

االبتعاد عن األحداث،‏ وال إٌجاد طرٌمة إلٌماؾ التفكٌر<br />

بالمستمبل أو التخلص من الخوؾ المتربص فً‏ داخلن.‏ فً‏ هذه<br />

اللحظات ألٌس من األفضل أن ‏ٌؤتً‏ إلٌن اإلٌمان وٌدق بابن<br />

راجٌاً‏ أن تفتح له.‏ ترى هل ستفتح له الباب وتتركه ‏ٌدخل،‏ أم<br />

أنن ستظلّ‏ متمسّكاً‏ بعنادن وتفضل االعتراض من أجل<br />

االعتراض؟!‏<br />

ٖٓٓ


كانت جلسة رابعة ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ الرابع أثبت نفسه بؤن دعانً‏ إلى<br />

التعرّ‏ ؾ إلٌن.‏ إن عمتً‏ تسكن بالمرب من هنا،‏ إنها وراء لوس<br />

النصر مباشرة،‏ سؤسٌر إلٌها لتحرٌن لدمًَّ‏ للٌبلً.‏ رؼم أنً‏<br />

أدرن أنها ستفتح لً‏ الباب عابسة،‏ مضت ثبلثة أٌام دون أن<br />

أمر ألشرب الشاي معها.‏ أنا أعرؾ كٌؾ أتعامل مع الكبار<br />

رؼم أنهم ‏ٌنحون ‏ٌوماّ‏ بعد آخر إلى االستحواذ.‏ األحد سنلتمً‏<br />

هنا فً‏ المكان نفسه ظهراً،‏ ثمَّ‏ سنتمشّى الهوٌنى إلى مكان جمٌل<br />

إذا كان الطمس مناسباً.‏ هنان ستشعر أن ثمّة شًء ‏ٌبلّلن برابحة<br />

الٌاسمٌن دون أن تتبلّل.‏ لكنن ستدرن أن عطر الٌاسمٌن<br />

‏ٌؽمرن.‏ الترب منً‏ فؤنت تستؤهل لبلة على شفتٌن المكتنزتٌن.‏<br />

ال تخش شٌباً‏ فؤنا مدرّ‏ بة على االنزالق إلى مولع آخر عندما<br />

أجد أن الشدّ‏ اجتاز المبتؽى وتجرّ‏ د من معناه وفمد طعمه الذي<br />

‏ٌسعى إلٌه الطرفان.‏ إلى اللماء.‏<br />

رالبتها تمطع الشارع برشالة ملفتة،‏ ‏ٌمكنن أن تعٌد شرٌط<br />

تلن الخطوات،‏ إذا فعلتَ‏ لن تكون مخطباً.‏ إذ إن المشهد عندما<br />

تراه مرّ‏ ة ثانٌة بوساطة الشرٌط المصوّ‏ ر،‏ أو إن استطعت<br />

تخٌّله فستراه أشبه بالرلص ‏ٌحدث فً‏ الشارع صاحبته تمصد<br />

أن تحٌّر المارة وتجعلهم ‏ٌرالبونها وٌتفحّصون جسدها الفتان،‏<br />

وحركة لدمٌها وفخذٌها.‏ ثمّة بضع نساء كنَّ‏ ‏ٌجلسن على طاولة<br />

لربً‏ سمعتُ‏ إحداه ‏َّن تحاول أن تعطً‏ تفسٌراً‏ لِما كانت تفعله<br />

كاترٌن فمالت ببراءة:‏ ال شنَّ‏ أن هذه المرأة كانت مرتبكة وهً‏<br />

تمطع الشارع المزدحم،‏ فخطر لها أن تُدندن،‏ فربما انشؽالها<br />

بشً‏ آخر ‏ٌبعد هذا االرتبان المزعج؟!‏ ثمَّ‏ شعرت أن ما تفعله<br />

كان مولّعاً‏ بشكل ملفت ومثٌر،‏ لكنها نسٌت أنها ال تزال فً‏<br />

الشارع وتتبّعت ذلن اإلٌماع الذي سرى فً‏ جسدها،‏ فجعلها ذلن<br />

ٖٓٔ


تؽٌب عمّا حولها،‏ وترلص البالٌه وثباً‏ كما أوحى لها ذلن الذي<br />

‏ٌسري فً‏ جسدها.‏ سمعتُ‏ بوضوح كلّ‏ ما لالته جارتً‏ ولل ‏ُت<br />

لنفسً:‏ ربّما ‏ٌكون هذا التحلٌل صحٌحاً،‏ ولكنً‏ فكّر ‏ُت وأنا<br />

جالس مكانً‏ أتفرّ‏ ج على صدٌمتً‏ الجدٌدة الرابعة وللت فً‏<br />

نفسً:‏ كٌؾ سٌمكننً‏ ‏ٌوماً‏ أن أنمل سالًَّ‏ ولدمًَّ‏ بمثل هذه<br />

األنالة التً‏ لٌس لها نظٌر؟!‏ ترى ماذا كان ‏ٌجري فً‏ كٌان<br />

‏"جٌن كٌلً"‏ وهو ‏ٌرلص تحت المطر تجتاحه تلن المتعة التً‏<br />

لٌس علٌنا أن نصفها فنحن بذلن نشوّ‏ هها،‏ إذ إننا ال نملن أن<br />

ننمل فً‏ تلن اللحظات مشاعر كاترٌن ونضعها على الورق.‏ إذ<br />

ال ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث ذلن إال إذا تولّت هً‏ نفسها محاولة تحمٌك<br />

ذلن بحٌث ربّما لد تستطٌع ترجمة أحاسٌسها بشكل صحٌح،‏ أو<br />

‏ٌمكنه ذلن من درّ‏ ب عظامها على فعل العجابب لستُ‏ أدري ما<br />

حدث وفكّرتُ‏ باآللة التً‏ خرجت منها تلن اإلٌماعات،‏ أعتمد<br />

على ما أذكر أنها تشبه طاولة فارؼة من األعلى مصطفّة علٌها<br />

مستطٌبلت نحاسٌّة مصنوعة من نوع خاص ‏ٌستطٌع إصدار ما<br />

هو مطلوب من نؽمات.‏ تضرب هذه المستطٌبلت النحاسٌّة<br />

بعودٌن من خشب ممٌّز صلب وٌحمل فً‏ داخله المرونة<br />

المطلوبة،‏ وملفوؾ رأسهما بمماش عالً‏ الجودة مدروس جٌّداً‏<br />

‏ٌجعل الصوت الخارج من اآللة رخٌماً،‏ بدل أن ‏ٌكون حاداً‏<br />

مزعجاً.‏ كما أنه ‏ٌوحً‏ له باالهتزاز بحٌث ‏ٌتناؼم مع ذلن<br />

اإلٌماع الؽرٌب.‏ ترى هل بدأ الرلص هكذا؟!‏ ‏"وهل جعل<br />

اإلٌماع ذلن الشخص الذي كان ‏ٌتمشّى فً‏ اللٌل البهٌم ‏ٌهتز<br />

وٌعٌش نشوة لم ‏ٌستطع تفسٌرها فً‏ حٌنها"‏ ؟!‏ آه ‏ٌا صؽٌرتً‏ ما<br />

أجملنِ‏ . للت هذا بصوتٍ‏ مسموع بعد أن ؼابت كاترٌن عن<br />

نظري،‏ وأنا أشعر بمشاعر مختلفة متشابكة،‏ لو أمكنها أن<br />

تتحمَّكَ‏ لعشت طرِ‏ باً‏ حمٌمٌاً‏ ما تبمى من عمري.‏<br />

ٖٕٓ


للت لنفسً:‏ لمَ‏ ال أتناول طعام الؽداء هنا إذا كان لدٌهم ما<br />

‏ٌمدّمونه؟!‏ عندما سؤلتُ‏ النادل،‏ ابتسم فرحاً‏ ولال:‏ عندنا كل ما لذَّ‏<br />

وطاب،‏ وسؤعتنً‏ بن عناٌة خاصة.‏ أنا لم ألابل سورٌاً‏ ‏ٌتكلّم<br />

الفرنسٌّة كؤنه ‏ٌؽنٌّها وٌدعها تخرج من للبه منزلمة تشعره<br />

باالرتٌاح،‏ مادة له ‏ٌدها الٌمنى،‏ لتبلمس اصابعها شفتٌه،‏ فٌؽٌب<br />

عن صوابه لفترة،‏ مبتدعاً‏ أسلوباً‏ جدٌداً‏ للؽناء.‏<br />

إنن تبالػ ‏ٌا عزٌزي.‏ سؤلول لن اسمً‏ أوالً‏ وهو ‏"زٌاد عبد<br />

النور"‏<br />

إنه اسم جمٌل أهبلً‏ بن فً‏ ‏"بارٌس"‏ أما اسمً‏ فهو ‏"أحمد<br />

البدوي".‏ كان لً‏ صدٌمة اسمها مٌشٌل لم تخبرنً‏ ‏ٌوماً‏ عن<br />

كنٌتها،‏ وأنا لم ألح فً‏ طلب ذلن.‏ كان ‏ٌهمنً‏ فً‏ ذلن الولت أنً‏<br />

كنتُ‏ أحمل للبها بٌن ‏ٌديَّ‏ وأشعر بدلاته تسري فً‏ كٌانً‏ كلّه.‏<br />

عاش الحب إلى أبد األبد.‏ ثم فاجؤنً‏ بؤن أجهش بالبكاء بشكل<br />

جعلنً‏ أرتجؾ من أخمص لدمًَّ‏ حتى جلدة رأسً.‏<br />

ماذا حدث لها هل سافرت بعٌداً،‏ أم حدث لها مكروه ال سمح<br />

هللا؟!‏ لٌس من الضروري أن تمول أي شًء اآلن،‏ وأنت ضمن<br />

هذا الجٌشان العاطفً.‏ اهدأ سؤران الحماً‏ مرّ‏ ات عدٌدة.‏<br />

ال،‏ ال،‏ لم ‏ٌحدث شٌباً‏ من ذلن.‏ لمد تركتنً‏ بكل بساطة بعد<br />

حب جامح من الطرفٌن دام أكثر من سنتٌن.‏ عندما سحبت ‏ٌدها<br />

من بٌن ‏ٌديَّ‏ إٌذاناً‏ أن ما كان لد أنتهى إلى ؼٌر رجعة،‏ شعرتُ‏<br />

كؤن روحً‏ تبصك علًَّ،‏ وتؽادرنً‏ هً‏ األخرى من خبلل<br />

أصابعً‏ ؼاضبة ألن عملً‏ لم ‏ٌجد حبلّ‏ ً لتلن السخافة التً‏<br />

ٖٖٓ


أطاحت بحبٍ‏ كنتُ‏ أراه مباركاً‏ من كلّ‏ أعمالً،‏ لم أشن ‏ٌوماً‏<br />

أنها ستطٌر فجؤة وأرى أحبلمً‏ تذرؾ الدموع لدلٌمتٌن ث ‏َّم<br />

تختفً‏ بعد ذلن.‏ فً‏ الولت نفسه كاد دوّ‏ ار أن ‏ٌطٌح برأسً‏<br />

بعٌداً.‏ لكن أحد الزبابن أدرن ما ‏ٌحدث فبادر إلى المٌام من<br />

مكانه،‏ ولم ‏ٌترن رأسً‏ وال جسدي ‏ٌصطدمان باألرض<br />

المبلّطة،‏ فؤنمذنً‏ من ٍ شرّ‏ كبٌر كان ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث.‏<br />

ما حدث كان أمراً‏ ؼرٌباً‏ حماً،‏ وال بدّ‏ من سبب كبٌر لٌحصل<br />

ما حصل.‏ أٌحرجن أن تفسر سبب هذه المؤساة التً‏ لطعت تلن<br />

الوحدة ما بٌن ‏"رومٌو وجولٌت"‏ فً‏ المرن الواحد والعشرٌن<br />

فً‏ وسط هذا الشارع البدٌع؟!‏<br />

عندما التمٌنا شعرتُ‏ أنها مرتبكة للٌبلً.‏ فً‏ تلن اللحظات م ‏ّر<br />

سرب من الطٌور كان ‏ٌبدو فرحاً‏ ومنخفضاً‏ عمّا نراه عادة،‏<br />

فتطلعت إلى السماء لترالب ما ‏ٌجري،‏ فملتُ‏ لها ما رأٌن أن<br />

ندعو تلن الطٌور الجمٌلة إلى عرسنا.‏<br />

ال أعتمد أن هذا الحفل سٌتمّ،‏ إننً‏ من عابلة كاثولٌكٌّة وعابلتً‏<br />

تعارض هذا الزواج معارضة شدٌدة.‏ أصابنً‏ الخرس للحظات<br />

ثمَّ‏ شملنً‏ كلٌّاً‏ فؤصبح جسدي كلّه بما فٌه من أعضاء أبكم<br />

وأعمى.‏ صدّلونً‏ أنً‏ أجهل حتى اآلن كم بمٌتُ‏ آلة معطّلة.‏<br />

طارت الثوانً‏ التً‏ كانت متاحة لً‏ للكبلم.‏ إذ إنها صعدت إلى<br />

سٌّارة سوداء أنٌمة،‏ واختفت كؤن شٌباً‏ لم ‏ٌكن.‏<br />

ألم تمل لها شٌباً‏ عن دٌنن؟!‏<br />

ٖٓٗ


ال أذكر ‏ٌا سٌّدي،‏ لمد مضت على عبللتنا أكثر من سنتٌن.‏<br />

ولكنها تعرؾ اسمً‏ كامبلً.‏ ألٌس كافٌاً‏ اسم ‏"أحمد"‏ حتّى تعرؾ<br />

دٌانتً.‏<br />

أعتمد أنه فً‏ بعض األحٌان ‏ٌكون كافٌاً،‏ وفً‏ بعضها لد ال<br />

‏ٌكون كذلن.‏ إذ إن الكثٌرٌن هنا ‏ٌؽٌّرون دٌنهم متى شاإوا،‏ لك ‏ّن<br />

لٌس كلّهم ‏ٌؽٌرون أسماءهم.‏ ألم تسؤلن عن دٌانتن طوال المدة<br />

التً‏ لضٌتماها معاً.‏<br />

ال لم ‏ٌحدث ذلن مطلماً.‏<br />

ال أرٌد أن أؼوص أكثر فً‏ نفس ال أعرفها.‏ إنً‏ ال أجد هذا<br />

علمٌاً‏ وال منطمٌّاً.‏ كما أنً‏ أخشى أن أجد نفسً‏ وسط الحرج.‏<br />

لذلن سؤختم ما أعرفه عن هذه األمور وألول على كل حال،‏ لد<br />

‏ٌكون هنان سبب آخر لهذا الفراق الفجابً،‏ إذ إن ضؽط األهل<br />

لد ‏ٌإثر كثٌراً‏ فً‏ مثل هذه األمور،‏ وخاصة فً‏ العاببلت<br />

المحافظة،‏ وعندما تكون ما ‏ٌُفترض أنها صاحبة المرار،‏ هً‏<br />

من الضعؾ بحٌث ال ‏ٌمكنها أن تمفز مجتازة رأس العابلة.‏ لكن<br />

هل رأى أحد ما حدث لجولٌت؟!‏<br />

ألم ألل لن ‏ٌا سٌّدي إنها اختفت فً‏ تلن السٌّارة السوداء؟!‏<br />

تجمّدتُ‏ فً‏ مكانً‏ مكسور الجناح أمام تلن المسؤلة الكبٌرة،‏ بل<br />

فً‏ مواجهة تلن الصخرة الصمّاء.‏ لطالما تكرّ‏ ر ما ‏ٌشبه ذلن<br />

المشهد منذ أن كن ‏ُت فً‏ بداٌة الشباب،‏ ‏"دافعة بً‏ إلى تكثٌؾ<br />

لراءآتً‏ الدٌنٌّة وتعمٌك فهمً‏ للكثٌر من التفاصٌل،‏ التً‏ ربّما<br />

ٖٓ٘


تكون المسإولة عن ‏"بسٌكولوجٌّة"‏ الناس فً‏ المجموعات التً‏<br />

تعٌش فً‏ األرٌاؾ.‏ ‏"ربّما علٌنا أٌضا أن نتولؾ متسابلٌن عن<br />

مفهوم كٌنونة اإلنسان فً‏ الدٌن الذي ‏ٌإمن به".‏ هكذا خرجتُ‏<br />

عن طوري للٌبلً‏ أو كثٌراً‏ ال أدري.‏ لكنً‏ أعرؾ أنً‏ سارعت<br />

وللت للخالك ناسٌاً‏ تماماً‏ وجود ‏"أحمد":‏ عذراً‏ ‏ٌا ربًّ‏ إنً‏ لم<br />

أعد أفهمن!‏ هل خَلمت كلّ‏ شًء كما نهوى،‏ أم كما ترى أن<br />

‏ٌكون؟!‏ أال تكفٌنا المعضبلت التً‏ تواجهنا؟!‏ ورؼم ذلن كلّه،‏<br />

تّفاجبنا بسماع لهاثن وسط وسابدنا؟!‏ بت ال أفهم إلى متى<br />

سٌستمر هذا التعذٌب المُمنهج،‏ الناس بدأت تهٌم بالشوارع وال<br />

تجد سبباً‏ لِما ‏ٌجري.‏ إنه ‏ٌبدو أنه لن ‏ٌنتهً.‏ هل تنوي أن تعلّمنا<br />

كٌؾ نتمبل العٌش فً‏ ؼٌر المعمول،‏ هل علٌنا أن نُج ‏ُّن حتى<br />

نستطٌع أن نعٌش فً‏ هذه الدنٌا دون أن تمول ماذا تبؽً‏ من<br />

وراء ك ‏ّل هذا؟!‏ هل هنان فابدة ‏ٌا ترى من هرب الناس من<br />

التفكٌر فً‏ علّة وجودهم؟!‏ لمَ‏ ال تضع وشماً‏ ممٌّزاً‏ على جبٌن<br />

كلّ‏ شٌطان،‏ وأنا سؤعدن بؤنً‏ لن أكتفً‏ بمتلهم،‏ بل ربّما أمضػ<br />

للوبهم إذ إنً‏ ربّما أصبح لرباناً‏ أو ضحٌّة تمحو دماءها الحمد<br />

والسخؾ من هذا العالم،‏ ولٌسُد فٌه الحب والؽفران إلى األبد.‏<br />

حتّام علٌنا االنتظار إلى أن تتعمّل بشرٌتنا،‏ ونشعر بملوبنا<br />

تنبض بوضوح إشارة منها أن الحب الذي ‏ٌمؤل حٌاتنا هو الذي<br />

‏ٌمود خطواتنا؟!‏ لست أدري لماذا ‏ٌجري التبلعب بؤحبلمنا.‏ ترى<br />

هل علٌنا أن نستفٌك من حلم كنا نرى فٌه األوصال تمطع<br />

والبطون تُبمر والرإوس تطٌر نحو الوادي السحٌك،‏ رأٌت أحمد<br />

أمامً‏ فؤشرت إلٌه لاببلً:‏ اذهب إلٌهم فً‏ المطبخ فهم ‏ٌحتاجونن<br />

هنان على أجنحة المبلبكة.‏<br />

سؤعود إلٌهم،‏ لكنً‏ سؤصلًّ‏ لٌؽفر لن الرب انتماداتن له.‏<br />

ٖٓٙ


أرجون ‏ٌا أحمّد ال تفعل،‏ اترن األمر لً‏ فالنماش بٌنً‏ وبٌنه<br />

مستمر منذ زمن طوٌل.‏ ‏ٌبدو أنه لن ‏ٌنتهً‏ لبل أن ‏ٌؤخذنً‏ إلٌه.‏<br />

المشكلة ‏ٌا عزٌزي أنه ال ‏ٌسؤم واالبتسامة ال تفارق ثؽره.‏<br />

حسناً،‏ لكن دعنً‏ أتمنّى علٌن أالّ‏ تفعل ذلن أمامً‏ مرّ‏ ة ثانٌة.‏<br />

‏ٌبدو أن ‏"أحمد"‏ ؼضب ؼضباً‏ شدٌداً،‏ ربّما لن تعود الرحمة إلى<br />

السكن فً‏ للبه إالّ‏ بعد ولت طوٌل.‏ المشكلة أن ما ‏ٌحدث ال<br />

‏ٌتعلّك بؤحمد بل إنه فً‏ الوالع من إنتاج الحٌاة.‏ ترى هل أعٌد<br />

السإال على نفسً‏ وأصرخ فً‏ وجهها لاببلً:‏ أأعود إلى مدرسة<br />

األمرٌكان فً‏ البلذلٌّة حٌث لٌل أن هنان ؼرفة ‏ٌمال أن فٌها<br />

‏ٌحرق هللا األوالد الذٌن ال ‏ٌإدّون واجباتهم المدرسٌّة.‏ سؤجٌب<br />

ال لن أعود إلى الخوؾ من هللا،‏ فهذا سٌملب كلّ‏ معتمداتً‏ رأًساً‏<br />

على عمب،‏ وأدخل إلى التفاهة وألبع فٌها إلى األبد وسٌصبح<br />

عندبذ كلّ‏ شًء ‏ٌدور حولً‏ أو أدور حوله تافهاً‏ ‏ٌبدأ من الحٌاة<br />

نفسها.‏ مشكلتن أنن ال بدّ‏ أن تتابع المسٌر وأنت تبصك ‏ٌمٌناً‏<br />

وٌساراً،‏ إذ إن كل ما ‏ٌحٌط بن سٌظلّ‏ ملوثاً،‏ ولن تستطٌع أن<br />

تتجنّب مبلمسته وال االضطرار إلى فعل ذلن.‏ استفمت إلى<br />

نفسً،‏ ناسٌاً‏ أن ثبلثة أٌام تفصلنً‏ عن موعدي الثانً‏ مع<br />

كاترٌن.‏ إنه ولت طوٌل ألضٌه وحدي.‏ ترى ماذا ‏ٌمكن أن أفعل<br />

وحٌداً؟!‏ هل أشتري عدة الرسم وأذهب إلى ‏"مونمارت"‏ وأختبر<br />

نفسً‏ هنان وأرى إن بمًَ‏ شًء مما تعلمته من تلن البمعة<br />

الجمٌلة.‏ تذكرت الطعام الذي لم ‏ٌؤ ‏ِت،‏ وأمل ‏ُت أن ‏ٌكون أحمد لد<br />

نسً‏ ولم ‏ٌتناس.‏ لكن األمر طال ولم ‏ٌخرج أحمد لٌعتذر وٌمول<br />

أي شًء عن مشكلة حدثت فً‏ المطبخ وأعاق تحضٌر ؼدابً‏<br />

ٖٓ7


ِ<br />

للت لنفسً:‏ هٌا ‏ٌا زٌاد لم واشترِ‏<br />

الؽد جاهزاً‏ لبلنطبلق.‏<br />

عدة الرسم،‏ وستكون صباح<br />

‎9‎‏ٔ <br />

كان ذلن الصباح ‏ٌوماً‏ مشهوداً‏ فً‏ حٌاتً،‏ فالطمس الرابع<br />

مؤلنً‏ حبوراً.‏ كما أن ‏"مونمارت"‏ كانت تمرّ‏ بحالة ممٌّزة.‏ إذ<br />

إن مجموعة كبٌرة من السوّ‏ اح اإلٌطالٌٌّن الؽالبٌّة منهم من<br />

النساء الجمٌبلت،‏ كنَّ‏ ‏ٌتشاورنَ‏ إن كان من األفضل لهنَّ‏ أن<br />

‏ٌبمٌن حٌث هنَّ،‏ فً‏ هذا المكان الفسٌح أم ‏ٌحاولن صعود السلم<br />

والتفرج على ما ‏ٌجري فوق فً‏ أعلى الدرج.‏ لاطعت هذه<br />

المشاورات مجموعتان من اللبنانٌٌّن والبلؽارٌٌّن وصلتا للتو<br />

مشكّلتٌن حلمتٌن لرلص الدبكة.‏ اللبنانٌّون بدأوا الؽناء مختارٌن<br />

أؼنٌة إٌماعها سرٌع للمطربة أعجب بها البلؽارٌّون،‏<br />

فانضمّوا إلى اللبنانٌٌّن وبدأوا جمٌعاً‏ الرلص منسجمٌن فرحٌن<br />

جاعلٌن بمٌّة الموجودٌن ‏ٌصفمون حسب اإلٌماع بشكل رابع فٌه<br />

من دلّة التوافك مع الرلصة ما هو عجٌب وؼرٌب.‏ فً‏ هذه<br />

األثناء كان اثنان من الرسامٌن ‏ٌرسمان بسرعة كبٌرة لوحة<br />

كبٌرة تمثل الحلمتٌن وهما ترلصان بحماسة بعضهم من بان<br />

مبتسماً،‏ وبعضهم اآلخر من كان ضاحكاً.‏ استمر الرلص نصؾ<br />

ساعة تمرٌباً،‏ تناوبت فٌه األؼنٌات اللبنانٌّة والبلؽارٌّة مع<br />

اختبلؾ فً‏ اإلٌماع لٌس كبٌراً،‏ سارع اللبنانٌّون إلى التماطه<br />

ووضعوه موضع التنفٌذ على الفور.‏ امتؤل الجمٌع فرحاً‏ وبهجة<br />

أؼناهما ذلن اإلتمان للرلص،‏ الذي كان حدثاً‏ ملفتاً،‏ وخاصة ذلن<br />

االنسجام العفوي الذي جمع مجتمعٌن مختلفٌن،‏ مظهراً‏ أن<br />

المرى البلمانٌّة ال تختلؾ كثٌراً‏ عن لرانا اللبنانٌّة والسورٌّة.‏ أما<br />

" صباح"‏<br />

ٖٓ8


أنا باإلضافة إلى الفرح الذي عمّنً‏ بدأتُ‏ أشعر بدوار خفٌؾ<br />

أعتمد أنه كان من عمل البهجة التً‏ سرت فً‏ الجمٌع وفعلت<br />

فعلها فً‏ مشاعرهم.‏ كما أنً‏ لم أكن معتاداً‏ على شم هذا الكم<br />

الكبٌر من أنواع العطور،‏ وال على رإٌة هذا العدد الكبٌر من<br />

النساء اإلٌطالٌات الرابعات الجمال،‏ اللواتً‏ فوجبنَ‏ بهذا الحفل<br />

المفاجا الذي سٌتحدّثون عنه عندما ‏ٌعودون إلى مجتمعاتهم.‏<br />

أنا اآلن فً‏ ‏ٌوم السبت صباحاً،‏ أي أن علًّ‏ االنتظار ‏ٌوماً‏<br />

كامبلً‏ بنهاره ولٌله،‏ وكذلن بضع ساعات أخرى حتّى ‏ٌحٌن<br />

موعدي مع تلن المرأة الساحرة.‏ لن ألول لكم سراً،‏ عندما<br />

أكشؾ لكم كم أنً‏ مشتاق إلى مواجهتها وجهاً‏ لوجه،‏ كحبٌبة<br />

سكنت وجدانً‏ وللبً‏ وإنً‏ مؽتبط ألنً‏ أشعر بها تسرح وتمرح<br />

هنان كما تشاء.‏ لو تدركون كم راجعتُ‏ ورتّبتُ‏ بٌنً‏ وبٌن<br />

نفسً،‏ ما أرٌد أن ألول لها.‏ هنان الكثٌر الذي ‏ٌمكننا أن نفعله<br />

معاً‏ من أجلنا ومن أجل الذٌن ‏ٌحٌطون بنا وإعادة نشر كتب<br />

نٌكوس بترجمة أكثر عمماً‏ توضّح ما كان نٌكوس ‏ٌرٌد أن ‏ٌمول<br />

دون لبس.‏ لستُ‏ أدري كٌؾ أختار الحظ هذا التولٌت لٌمؾ<br />

أمامً‏ وٌخاطبنً‏ لاببلً:‏ لمد م ‏ّر زمن طوٌل وأنت تندب وتشكو<br />

من انحٌازي وابتعادي عنن لصداً‏ ولإماً.‏ ألٌس ما كنت تفعله<br />

وال تزال ‏ٌكمن فٌه الشرّ‏ واإلجحاؾ؟!‏ كٌؾ كنت تواصل ما<br />

ثابرت على فعله زمناً‏ طوٌبلً،‏ دون أن تحمل سبلحاً‏ تدافع به<br />

عن نفسن؟!‏ أال تدري فً‏ أي زمن تعٌش وتمول ما ترٌد؟!‏ ال<br />

تخفؾ من أهمٌّتن فً‏ هذه المرحلة التً‏ نمرّ‏ فٌها.‏<br />

من أعطان الحك بالشنّ‏ بؤنً‏ لد أحمل سبلحاً.‏<br />

دون أن أدري؟!‏<br />

هل تنبش ثٌابً‏<br />

ٖٓ9


ال تتشاطر وتظن أنن بإمكانن استؽبابً،‏ ألم تفهم بعد ك ‏ّل تلن<br />

السنوات التً‏ أمضٌتها فً‏ الدراسة أن ما كنت ألصده هو<br />

المسوّ‏ غ أو التبرٌر.‏ هذا هو السبلح الذي كنتُ‏ أرجو أن تتمنطك<br />

به وهو الذي ‏ٌستطٌع إنماذن فً‏ المُلمات.‏ أرجو أالّ‏ تظن أنن<br />

تستطٌع الهرب من الوحوش.‏ عندما كنتُ‏ أتفرّ‏ س فً‏ وجهن<br />

البريء كنت أدرن فً‏ الحال أنن ال تعرؾ أٌن تعٌش.‏ لطالما<br />

رأٌت الوحش ‏ٌمرّ‏ لربن وٌمؾ للٌبلً‏ ثمَّ‏ ‏ٌتابع طرٌمه أظن أنه<br />

‏ٌإجّلن فهو ‏ٌرٌد فً‏ هذه اللحظات أن ‏ٌمضػ من ‏ٌماومه.‏ إن<br />

المبرر تستطٌع أن تسوّ‏ له بسبلسة،‏ وهو الذي ‏ٌستطٌع إنماذن<br />

وتحوٌل التهم الموجّهة إلٌن إلى تهم باطلة تفتمر إلى المصدالٌّة،‏<br />

بحٌث ‏ٌمكنن التباهً‏ بؤنن ال تستطٌع ارتكاب الشر حتّى لو<br />

حاولت جاهداً‏ أن تحمل السٌؾ،‏ فً‏ محاولة للذهاب إلى عدوّ‏ ن<br />

ولطع رأسه بسٌفن البتّار.‏ ال تزال طفبلً‏ برٌباً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ رؼم أنن<br />

تزداد لمعاناً‏ فً‏ عالمن،‏ الذي رؼم التهم بؤنن تشتهً‏ أن تصبح<br />

خٌّاالً‏ دون أن تخاؾ من أن ‏ٌولعن الحصان على األرض<br />

باستهزاء.‏ لمد أبدٌت للجامعة األ ‏ِمرٌكٌّة أنن الوحٌد الذي ال<br />

‏ٌزال ‏ٌزورها،‏ من الذٌن تزوّ‏ دوا بالعلم فٌها،‏ ممدّماً‏ لها الدراسات<br />

لكل ما ‏ٌصل إلٌن من جدٌد فً‏ هذا العلم،‏ الذي أفهم المتلهؾ أن<br />

علٌه أن ‏ٌدق باب هللا باحترام شدٌد وٌعرؾ ذلن الطالب الجدٌد<br />

إن هللا ‏ٌعتنً‏ بؤبنابه فهو الذي مكّنن من االلتحاق بؤفضل جامعة<br />

فً‏ الشرق األوسط.‏ كما علٌن أن تدرن أنن عندما تتخرّ‏ ج<br />

ستكون رجبلً‏ مختلفاً.‏ ستظل تسهر اللٌالً‏ إذا كنت ترٌد<br />

الوصول ‏ٌوماً‏ ما إلى الممة.‏<br />

ترى هل لدٌن تبرٌراً‏<br />

بها؟!‏<br />

للهجة الصارمة الفولٌّة التً‏ تكلّم ‏َت<br />

ٖٔٓ


ال،‏ ال،‏ إنً‏ آسؾ إذ إن فً‏ جعبتً‏ التبرٌر الذي تطلبه،‏ فبل<br />

أحمل معً‏ دابما سوى الحب.‏ لمد جاءنً‏ األمر اآلن باالنسحاب<br />

من هذه المماحكة ؼٌر المجدٌة واالعتذار لن.‏ دعنا نتفك أنً‏<br />

هٌّؤتُ‏ لن فرصة نادرة بؤن تستخلص من صدٌمتن الجدٌدة<br />

معلومات ؼٌر معروفة عن الكاتب الكبٌر"نٌكوس<br />

كازانتزاكٌس"‏ من ابنة عمه.‏ إنها ستكون ذخراً‏ جدٌداً‏ مضافاً‏<br />

إلى التارٌخ.‏ أي أنن ‏ٌمكنن بهدوء أن تكتب مماالً‏ عن نٌكوس لم<br />

‏ٌستطع أحد أن ‏ٌعرؾ بما ‏ٌمكن أن ‏ٌحوٌه.‏ كما أن لدٌن<br />

المصدر الذي ال ‏ٌمكن دحضه أو التشكٌن فً‏ معلوماته.‏ إذ إنه<br />

‏ٌملن الوثابك التً‏ تإكّد أنها االبنة الوحٌدة البن عم الكاتب<br />

الكبٌر دون أي شنّ‏ . لذلن ال توفر شٌباً‏ من حظّن،‏ الذي أتى<br />

إلٌن وحاول أن ‏ٌطلب األذن بالتكلّم إلٌن،‏ ولكنّن رفضت،‏<br />

وعندما ألح ركلته بعٌداً.‏<br />

‏ٕٓ <br />

عندما تتحوّ‏ ل بارٌس كلّها مع أحٌابها وأزلتها إلى جزء ال ‏ٌتجزأ<br />

من المسرح،‏ ‏ٌصبح االتّساع المفاجا للمكان الذي تجري فٌه<br />

العروض أكثر ؼموضاً‏ وإثارة.‏ المهم فً‏ تلن اللحظات من<br />

‏ٌملن الفطنة والسرعة الؼتنام الفرصة واإلمسان بفكرة<br />

المسرحٌة،‏ التً‏ لبلت بارٌس كلّها أن تصبح مسرحها.‏ بحٌث<br />

تتهٌؤ أحٌاء بارٌس وأزلّتها وتصبح مسرحاً‏ حمٌمٌاً‏ تجري فٌها<br />

كلّ‏ األحداث،‏ وال ‏ٌكون أحدٌ‏ فً‏ الشوارع ؼٌر الممثلٌن.‏ ال<br />

‏ٌسؤلنً‏ أحد كٌؾ لبل كل الناس هنان بهذا المنع للتجوّ‏ ل<br />

ٖٔٔ


الطوعً.‏ سؤلول له:‏ اإلثارة أصبحت ‏ٌا عزٌزي مُر ‏ّكباً‏ جاهزاً‏<br />

للبٌع بمختلؾ األلوان وفً‏ كلّ‏ مكان.‏ إنه ‏ٌشبه حبوب األدوٌة<br />

العادٌّة،‏ التً‏ ‏ٌمدّمها الناس لبعضهم بعضاً‏ علّ‏ البعض منهم<br />

‏ٌصبحون ‏)كومبارساً(‏ فً‏ تلن المسرحٌّة التً‏ سٌصار إلى<br />

تصوٌرها سنٌمابٌاً.‏ أما إن سؤلنً‏ أحد كٌؾ سٌجري التصوٌر،‏<br />

لٌرى كل سكان بارٌس ما جرى فً‏ ذلن الٌوم الذي لبلت فٌه<br />

المعامل وكذلن الدكاكٌن والمحبلّ‏ ت التجارٌّة أن تؽلك أبوابها.‏<br />

ألول:‏ هل نسٌتم الخدع السنٌمابٌّة وهل كنتم تصدلون ما ترونه<br />

فً‏ األفبلم من اصطدام سٌارتٌن أو ثبلث،‏ ثم بسبب سرعة<br />

السٌر،‏ تتوالى تلن االصطدامات إلى أن ‏ٌصبح المشهد حوالً‏<br />

خمسٌن سٌارة محطمة تحطٌماً‏ كامبلً.‏ ولد ‏ٌمكن للناس أن<br />

‏ٌشاهدوا بعض ما ‏ٌحدث هنا وهنان بالتناوب.‏ كما أنهم<br />

‏ٌستطٌعون أن ‏ٌروا عبر النوافذ المؽلمة عشر طابرات<br />

‏"هٌلوكوبتر"‏ تحلّك فً‏ أجواء بارٌس كلّها إلجراء التصوٌر<br />

الفنً‏ البلزم.‏ عابدات هذا الفٌلم الذي سٌدور فً‏ أنحاء العالم<br />

سٌكون رٌعه لبناء الحدابك لؤلطفال فً‏ أحٌاء الفمراء.‏ كما<br />

سٌكون كل لرش ‏ٌدفع آتٌاً‏ من العدٌد من المصادر.‏<br />

تستطٌع فً‏ هذه المدٌنة الؽرٌبة األطوار التجول صباحاً‏ بٌن<br />

الرسّامٌن،‏ الذٌن ‏ٌمكنن أن تراهم أٌنما أتّجهت.‏ إذ ‏ٌمكنن أن<br />

تشاهدهم مزروعٌن فً‏ كل مكان كؤصص الزهور.‏ بعضهم<br />

منكبٌّ‏ على خلط ألوانه والنظر هنا وهنان علّه ‏ٌرى مشهداً‏<br />

‏ٌستحك تمرٌػ فرشاته فً‏ تلن األلوان النصؾ ناضجة،‏<br />

وبعضهم اآلخر ‏ٌعطً‏ تعلٌماته لفتاة جمٌلة ولذرة بكٌفٌّة<br />

الجلوس واإلبتسام.‏ ‏ٌبدو أنها أعجبت أحدهم ورالت له ضحكتها<br />

التً‏ تروي الكثٌر من الحكاٌات الؽرٌبة رؼم ما ‏ٌبدو علٌها من<br />

ٖٕٔ


فمر لد ‏ٌثٌر المرؾ عند البعض وٌمكن أن ‏ٌكون مشروعاً،‏ أو<br />

نكاٌة،‏ وعند البعض اآلخر لد تخرج الشفمة من للوبهم،‏ وتنزل<br />

إلى الشارع،‏ فهنان ‏ٌحتاجون إلٌها أكثر . لكن بعٌداً‏ عن كلّ‏ ذلن<br />

‏ٌذهب من ‏ٌهمه األمر بعد الؽروب لٌستمتع بسماع ‏"أوركسترا<br />

الؽرفة"‏ حٌث تعزؾ عدّة لطع موسٌمٌّة ستكون هذا األسبوع<br />

إحداها ‏"لباخ"‏ وأخرى لبٌتهوفن أما الثالثة ولد تكون هنان<br />

رابعة لم أسمع بمن ألّفها عذراً‏ فؤنا لد نسٌت أسماءهم.‏<br />

لمد بمٌتُ‏ فً‏ بارٌس عاماً‏ ونصؾ،‏ أحاول جاهداً‏ أن أنهل<br />

من ِ فنّ‏ الرسم وجنونه ممّا أذهلنً‏ حماً‏ . ثمَّ‏ مع الولت بدأ ‏ُت<br />

أعاٌش فً‏ العمك شطحات الفنانٌن التً‏ ‏ٌصنفونها فً‏ ببلدي<br />

أنصاؾ المتعلّمٌن ‏"بالمسٌبة للفن"‏ تظهر هذه الشطحات أهمٌة<br />

الخٌال فً‏ تكوٌن الفنانٌن وإلى أيّ‏ عالم ‏ٌمكن أن ‏ٌؤخذهم،‏ وأٌة<br />

لمم ‏ٌرٌدهم أن ‏ٌحلموا بها.‏ عندما ‏ٌرتاحون،‏ ‏ٌذهبون إلى زاوٌة<br />

ما ‏ٌدخنون وٌحتسون المهوة.‏ ربّما تجد من ‏ٌمترب منن وٌمول:‏<br />

إذا لم تستطع أن تعٌد تشكٌل العالم وتعطٌه شكبلً‏ جدٌداً‏<br />

ومضموناً‏ مختلفاً‏ فكؾّ‏ عن تضٌٌع ولتن فً‏ شًء سٌؽٌبن بدل<br />

أن ‏ٌظهرن علماً‏ جدٌداً‏ خفّالاً‏ فً‏ العالم الجدٌد.‏ ثك أن هذه هً‏<br />

مهمّة الفنان،‏ وإالً‏ ستجعل من نفسن كٌاناً‏ سخٌفاً‏ ‏ٌثٌر الشفمة<br />

خارجاً‏ من ‏"نوتردام"‏ مطؤطا الرأس.‏<br />

أٌّها األحبة،‏ لمد عانمتنً‏ بارٌس عنالا شدٌداً‏ لم أكن أتولعه،‏<br />

وأصرت أ ‏ّال تتركنً‏ إال بعد أن أدخلت فمها فً‏ فمً،‏ وأخرجت<br />

كلّ‏ دخان سٌجارتها وأودعتها بهدوء فً‏ صدري.‏ رأٌت أن هذا<br />

نداء واضح ذلن ‏ٌستدعٌنً‏ إلى مضاجعة فنٌّة مشهٌّة وراء<br />

الباب،‏ لم أرتبن كما ‏ٌحصل فً‏ العادة،‏ بل بادرتُ‏ إلى حشرها<br />

ٖٖٔ


فً‏ تلن الزاوٌّة حٌث كان االشتبان طبٌعٌاً‏ متناؼماً‏ جعلنً‏ أفكر<br />

بانعدام المعنى فً‏ انتظار دور تلن الفاجرة المتعرّ‏ ‏ٌة التً‏ فً‏<br />

أجندتها الكثٌر من الجنوح والجنون.‏ بعد انتهاء تلن المماحكة<br />

اللطٌفة التً‏ تشبهنً،‏ واستطاعت أن تملإنً‏ شعوراً‏ بؤنً‏ زٌر<br />

نساء حمٌمً‏ دون أن أعرؾ إن كان هنان سبباً‏ حمٌمٌاً‏ ‏ٌمؾ وراء<br />

ذلن.‏ أضحكتنً‏ تلن األفكار التً‏ ال تنفن تزور خٌالً،‏ ربّما<br />

تبؽً‏ أن تزٌل شعوري بالعجز عن المٌام بتلن االلتحامات<br />

المجبولة بولاحة رجولٌّة بادٌة.‏ ترى هل كلّ‏ من ‏ٌحٌط بً‏<br />

أصبح ‏ٌعرؾ ما ‏ٌجري فً‏ داخلً؟!‏ حاولت فً‏ تلن المدٌنة<br />

التً‏ ‏ٌتنبع منها الجمال كلّ‏ ‏ٌوم وٌجعلن ترى أشكاالً‏ رابعة ال<br />

تخال أنه ‏ٌمكن أن تكون موجودة،‏ تبهرن ألوانها واألٌدي التً‏<br />

أبدعتها.‏ بذلت كلّ‏ ما أستطٌع من جهد كً‏ أمتص ما لدّرتُ‏ أن<br />

بوسع روحً‏ أن تسعه من فنّ‏ الرسم وكل ما ‏ٌدخل فً‏ عالمه،‏<br />

مصلٌّاً‏ راجٌاً‏ أن ‏ٌستمر فً‏ وجدانً‏ ودمابً‏ كلّ‏ ما دخل إلًَّ‏ من<br />

هذا الفن الذي سعٌتُ‏ وراءه منذ صؽري.‏ لمد درست فً‏ بارٌس<br />

على ‏ٌد أستاذ مشهور تعبتُ‏ حتّى حظٌت بالتعرّ‏ ؾ إلٌه،‏ أفهمنً‏<br />

منذ اللحظة األولى لاببلً:‏ أنا لستُ‏ حنوناً‏ وال رلٌك الملب.‏<br />

خبرتً‏ فً‏ هذا العالم الذي حولن التزال تمول لً‏ أن أُبعد<br />

مشاعري عن عملً‏ واالّ‏ أجعلها تختلط به،‏ أو بمن ‏ٌهمها أمره.‏<br />

إنً‏ أٌها السٌد المادم من الشرق ورأٌت تلن األعمدة المصطفة<br />

فً‏ ‏"تدمر" تنتظر أن ترى ‏"زنوبٌا"‏ تلن الملكة التً‏ تحمل كل<br />

عنفوان أمتها تختال بٌنها وتوصٌها بؤن ال تسمح لؤلعداء<br />

باجتٌازها.‏ كنت صامتاً‏ احتراماً‏ لؤلستاذ الكبٌر.‏ لكنه لرّ‏ ر أن<br />

‏ٌتولؾ عن الحدٌث فجؤة وٌمؤل ربتٌه من دخّان ؼلٌونه وٌنظر<br />

ملٌّاً‏ إلى الشارع عبر زجاج النافذة،‏ ثمَّ‏ التفت إلًَّ‏ ولال:‏ لنعد إلى<br />

ما كنا فٌه.‏ أنا آخذ أتعابً‏ كلّها اعتباراً‏ من الدرس األول،‏ أعتمد<br />

ٖٔٗ


أنن ستبمى معً‏ لرابة السنة ونصؾ.‏ إن كنت جاهزاً‏ لذلن نبدأ<br />

ؼداً‏ فً‏ العاشرة صباحاً.‏ سؤدعون اآلن لجلسة لٌست طوٌلة فً‏<br />

مكان لرٌب من هنا،‏ وفً‏ منتصؾ ‏"السان جرمٌن"‏ هكذا أبدأ<br />

عملً‏ بفنجان المهوة على حسابً‏ الخاص،‏ إن جاء طالب العلم<br />

فً‏ الٌوم الثانً‏ أو لم ‏ٌفعل،‏ إنً‏ أنسى األمر فوراً،‏ وأُري ذلن<br />

الطالب الجانب الحسن من شخصٌتً‏ الشدٌدة التعمٌد.‏ أتوافك<br />

على خطتً‏ أم ال؟<br />

بكل سرور،‏ إنن ‏ٌا سٌّدي زدتنً‏ حماساً‏ الحتساء المهوة معن.‏<br />

نِعمَ‏ الرفمة،‏ أنت وسٌم ‏ٌا سٌّد ‏"زٌاد".‏ ‏ٌبدو أن هللا ‏ٌحبن أال<br />

تشعر بذلن؟!‏<br />

ال ‏ٌا سٌد ‏"برنار"‏ ولكنً‏ فً‏ الولت نفسه ال أظن أنه ‏ٌكرهنً.‏<br />

لمد فكّرت باألمر كثٌراً،‏ أعتمد أنه ‏ٌعرؾ ما ‏ٌحدث دابماً.‏ رؼم<br />

ذلن،‏ لست أدري لماذا ‏ٌرٌد الظهور أنه ال ‏ٌؤبه وترن المسؤلة<br />

معلّمة دون أن ‏ٌعطً‏ أٌّة إجابة؟!‏ هل ترى أنه ‏ٌهدؾ إلى شًء<br />

آخر؟!‏<br />

المشكلة ‏ٌا سٌد زٌاد أننا بحاجة إلى اإلٌمان بؤن هللا ‏ٌهتم<br />

بالكون والكون هو أنت أو ربما أنا أٌضاً.‏ ‏ٌا إلهً‏ ما أسخؾ هذا<br />

العالم إذا كان ال ‏ٌحوي سوى أنت وأنا!!‏ دعنً‏ ألول:‏ لٌس علٌنا<br />

التفكٌر بمثل هذه األمور،‏ فهذا سٌؤخذنا إلى صحراء لاحلة<br />

مخٌفة فً‏ اتّساعها ال ماء هنان وال طعام إالّ‏ أنا وأنت.‏<br />

بصراحة ألول:‏ إن جسدن األبٌض ؼٌر المتعرّ‏ ق ال ‏ٌؽرٌنً،‏<br />

وإذا لتلتن سؤتمٌّؤ،‏ لمَ‏ أوصلتنً‏ إلى وضع جعلتنً‏ فٌه أنطك<br />

ٖٔ٘


بكبلم ال ‏ٌموله إالّ‏ من عاش فً‏ الجحٌم زمناً‏ طوٌبلً؟!‏ اترن هللا<br />

وشؤنه،‏ إنه فطن ال ‏ٌمكن ألحد أن ‏ٌعرؾ كٌؾ ‏ٌفكر.‏ لكن ل ‏َم<br />

تهتم باألمر كلّ‏ هذا االهتمام؟!‏ لا ‏ِطعه كما ‏ٌبدو أنه لاطعن،‏<br />

نصٌحتً‏ االّ‏ تفكر فٌه على اإلطبلق،‏ فؤنت تجلب إلٌن السمم.‏ أال<br />

‏ٌمال عند المسلمٌن ‏"العٌن بالعٌن والسن بالسن"‏ هٌا بنا نمضً‏<br />

ودعن من كلّ‏ هذا.‏<br />

أدركت بعد محاضرة لصٌرة الماها على تلمٌذه الجدٌد أثناء<br />

احتساء المهوة،‏ أنً‏ أمام مجنون حمٌمًّ،‏ وفنان ‏ٌحٌط بدلة<br />

وشمولٌّة بما ‏ٌعرفه من هذا الفن الرفٌع.‏ إنه حرٌص بكل تؤكٌد<br />

على عدم تشتٌت لدراته،‏ وهو مخلص عندما ‏ٌمول:‏ ‏"إنً‏ ال أبٌع<br />

وهما"‏ لكنه مجنون أكثر منً،‏ وٌظن أنه ‏ٌنحدر من كونت<br />

معروؾ كان موجوداً‏ دابماً‏ فً‏ ببلط الملن لوٌس السادس عشر.‏<br />

‏ٌبدو أنه كان ‏ٌشبهه شبها ؼرٌباً،‏ فعندما ‏ٌضجر لوٌس السادس<br />

عشر ‏ٌجمع الحاشٌة،‏ وٌطلب من لرٌبً‏ أن ‏ٌعتلً‏ العرش<br />

شارحاً‏ له ماذا علٌه أن ‏ٌفعل لٌبتدع مسرحٌة ‏ٌموم فٌها بدور<br />

ملن ؼرٌب األطوار.‏ هل تدري ماذا حدث لمرٌبً‏ بعد سنة.‏<br />

كٌؾ لً‏ أن أعرؾ.‏<br />

لمد خاؾ الملن من حسن تمثٌل لرٌبً‏ للدور،‏ فمام بشنمه بتهمة<br />

اإلعداد لمإامرة كبرى.‏<br />

حسناً‏ فعل.‏<br />

‏ٌبدو أنن لم تصدق تلن المصة.‏<br />

ٖٔٙ


ال أعتمد أنه ‏ٌمكننا تصدٌك كلّ‏ ما جاء فً‏ التارٌخ من لصص.‏<br />

كنت أشعر بالفرح وأنا ألمس أن األستاذ الكبٌر مسرو ‏ٌر وهو<br />

‏ٌرانً‏ أتمدّم فً‏ فن الرسم،‏ والتمط بسرعة تلن المبلحظات<br />

الدلٌمة التً‏ كان ‏ٌوجهها إلًّ.‏ مرّ‏ ة تؤخّرت عشرٌن دلٌمة بسبب<br />

ازدحام ؼٌر مسبوق فً‏ الطرٌك.‏ السابك لال لً:‏ ‏ٌبدو أن فبة<br />

‏"سنؽالٌّة"‏ كانت تحاول اؼتٌال ربٌس ببلدها فً‏ هذا التماطع.‏<br />

أظن أن بعض المواطنٌن لد أصٌبوا دون أن ‏ٌعرؾ أحد مدى<br />

تلن اإلصابات.‏ نرجو من هللا أن ‏ٌشملهم برحمته.‏ لست أدري<br />

ماذا ‏ٌرٌدون أولبن السنؽالٌٌّن؟!‏ لاتلوا فً‏ سبٌل االستمبلل<br />

وأخذوه،‏ لكن تبٌن أنهم ال ‏ٌعرفون كٌؾ ‏ٌحكمون أنفسهم.‏<br />

المشكلة أن أمثالهم الذٌن سبموا ببلدهم كثر.‏ ترى ماذا برأٌن<br />

علٌنا أن نفعل؟!‏<br />

أال ترى أنهم ‏ٌتدفّمون علٌنا،‏ وٌنشرون<br />

الدعارة<br />

فً‏ شوارعنا؟!‏<br />

كان األمر بالنسبة لً‏ ‏ٌشبه اجتٌاز عملٌّة جراحٌّة دون تخدٌر.‏<br />

أرجو االّ‏ ‏ٌسؤلنً‏ أحد عن مولع العملٌّة التً‏ أجرٌت لً.‏ المهم<br />

أنً‏ التمٌت بؤستاذي وجهاً‏ لوجه،‏ فبادرنً‏ بصوت مرعب لم<br />

أسمع مثله فً‏ حٌاتً.‏ لكنً‏ تمالكت نفسً‏ وولفت صامتاً.‏ كان<br />

تصرّ‏ فً‏ كمن ‏ٌولع النار فً‏ المرسم الصؽٌر الذي نحن فٌه،‏ فلم<br />

‏ٌبك كرسٌاً‏ إالّ‏ وركله بعٌداً‏ كبلعب متمكّن لدٌم.‏ كنت صامتاً‏<br />

لفترة لمّا سؤلنً:‏ هل تستطٌع تبرٌر تؤخرن الذي ‏ٌعبر عن<br />

الكثٌر من للّة التهذٌب؟!‏<br />

ٖٔ7


كدنا نعلك وسط اشتبان بالرصاص الحً،‏ ممصود به اؼتٌال<br />

الربٌس السنؽالً‏ الذي ‏ٌزور الببلد حالٌاً،‏ لكن السابك اختار أن<br />

‏ٌدخل فً‏ دكان صؽٌر ممّا اضطرّ‏ ه إلى تحطٌم كرسٌٌّن وبعض<br />

األشٌاء البسٌطة.‏ لل لً‏ ‏ٌا أستاذ إلى أٌن ‏ٌمكن أن نمذؾ<br />

عبارتن عن للّة التهذٌب المزعومة؟!‏<br />

لٌس علٌن إالّ‏ أن تمذفها فً‏ وجهً.‏<br />

أنا لن أفعل ألنً‏ مهذب من عابلة أوهمتنً‏ أن كلّ‏ الناس<br />

مهذّبون.‏ أنا مسرور اآلن ألنً‏ أمتلا شعوراً‏ بؤنً‏ حطّمت<br />

جبروتن المزٌؾ.‏<br />

لم أعتمد ‏ٌوماً‏ أن بشرتن الناعمة تسح لن<br />

لمد كنت أعتمد أنن مجرّ‏ د منحرؾ أخرق.‏<br />

بمجابهتً‏ بهذه الموّ‏ ة.‏<br />

من ‏ٌوجه هذا الكبلم لطبٌب تخرّ‏ ج من الجامعة األمرٌكٌّة فً‏<br />

بٌروت،‏ ‏ٌمكنه أن ‏ٌعتبر نفسه أخرق كبٌراً‏ ال حلّ‏ له فً‏ األفك<br />

المنظور.‏<br />

كفى أرجون،‏<br />

المحطّمٌن.‏<br />

‏ٌإسفنً‏ ما حدث.‏ لكن من دفع ثمن الكرسٌٌّن<br />

أنا طبعاً‏ لمد أنمذنا نحن االثنٌن من موت محتم.‏ المسكٌن<br />

شكرنً‏ لبل أن ‏ٌذهب فً‏ سبٌله.‏ لكنً‏ أعطٌته بعض المال<br />

لٌصلح ما حدث لسٌّارته.‏<br />

ٖٔ8


ما رأٌن أن نلؽً‏ درس الٌوم ونإجّله للؽد.‏ إذ لم ‏ٌعد لديَّ‏ أٌّة<br />

حماسة لتحفٌز فكري للعمل.‏ هل تدعونً‏ إلى بعض البٌرة<br />

المثلّجة؟!‏<br />

ال بؤس.‏ هٌا نذهب ودعنا نؤمل بؤننا سننسى ذلن الحدٌث<br />

الممًء.‏<br />

من جهتً‏ أإكّد أنً‏ سؤنساه.‏<br />

حسناً.‏<br />

فً‏ نهاٌة السنة والنصؾ التً‏ أمضٌتُ‏ معظمها مع السٌّد<br />

‏"برنار"‏ بان الدمع ‏ٌترلك فً‏ مملتٌه وهو ‏ٌودعنً‏ لاببلً:‏ اذهب<br />

واصنع إبداعن بنفسن الربّ‏ ‏ٌرعان.‏ كنتُ‏ فً‏ أثناء الشهور<br />

الثبلثة األولى من تلن المدّة،‏ لد بدأتُ‏ أالزم ؼرفتً‏ وأؼرق فً‏<br />

عشك ‏"فروٌد"‏ لراءة وتؤمبلً.‏ وهكذا عندما انتهٌت من تعلّم<br />

الرسم اتّجهتُ‏ إلى بٌروت مصمماً‏ على االختصاص فً‏ الطب<br />

النفسً،‏ رؼم تحذٌر الكثٌرٌن من الذٌن ‏ٌعرفوننً‏ باالبتعاد عن<br />

هذا المطب.‏ إذ إنه مدخل مؽارة ال ‏ٌمكنن أن تعتاد على مسالكها<br />

الملٌبة باألشباح التً‏ أظفارها أطول من أٌدٌها.‏ إنها تظهر لربن<br />

أو أمامن وتختفً‏ دون أن تدري ماذا تنوي أن تفعل ومتى؟!‏<br />

لكنً‏ كنت متؤكّداً‏ أنه من المستحٌل إزاحتً‏ عن إصراري على<br />

إشباع أعمالً،‏ التً‏ انشؽلت بهذا العلم الذي ‏ٌعرّ‏ ي اإلنسان،‏<br />

وٌكشؾ أسرار ما ‏ٌجري داخل النفس البشرٌّة متّجهاً‏ فً‏ العمك<br />

إلى رفض فعل اإلثم الذي كان وال ‏ٌزال ‏ٌهدد وٌربن الذات<br />

اإلنسانٌّة.‏ ترى هل ‏ٌمكن للبشر أن ‏ٌؽزوا أنفسهم وٌتمكّنوا من<br />

ٖٔ9


النبش عن المستور حماً،‏ أم إن األمر أعمد من ذلن وٌتعلّك<br />

باألسرار المحظورة التً‏ تخص الخلك ذاته؟!‏ كما أنً‏ لم أكن<br />

أدري أن الهلع سٌصٌب كٌانً،‏ وترتعد أوصالً‏ من بركة<br />

صؽٌرة ال تكفً‏ الؼتسالً‏ حتّى لو مؤلتها بالماء.‏<br />

نعود ‏ٌا عزٌزي المارئ إلى بارٌس،‏ حٌث سٌسعدن أن تهٌم<br />

فً‏ شوارعها،‏ وٌبدأ إحساس ما بدفعن لتنفٌذ إرادة توحً‏ لن<br />

بؤنها تصاحبن وتمود خطان إلى حٌث ترٌد وترؼب.‏ ال بد أن<br />

‏ٌتحرن فٌن إدران وجرس ‏ٌدق ‏ٌنبهن أن ؼرابة ما ترافمن.‏ ثمَّ‏<br />

دون أن تختار أو تشعر بؤٌة ضؽوط ، أو محاوالت للترؼٌب<br />

تجد نفسن لد انتملت إلى عمك األزلّة رؼم الرابحة ؼٌر<br />

المستحبة التً‏ تفوح من تلن األمكنة.‏ هنان على عٌنٌن أن<br />

تنفتحا أكثر من عادتهما ألنهما سترٌان عالماً‏ آخر ‏ٌعٌش وفك<br />

لواعد أخبللٌّة مختلفة ابتداء من الجذور.‏ ستستؽرب،‏ لكن<br />

لماذا؟!‏ ألن وجدانن ‏ٌا عزٌزي لم ‏ٌتربّ‏ على تلن المواعد،‏ أمّا<br />

وجدان الناس الذٌن ‏ٌعٌشون فً‏ تلن البٌبة،‏ فمد كانوا أحراراً‏ فً‏<br />

خلك المواعد التً‏ تنسجم مع عشمهم للعٌش كما ‏ٌرتاح كٌانهم<br />

الشبه موحّد.‏ وهكذا ربّوا أبناءهم علٌها.‏ أنت ال ترى هنا أحداً‏<br />

من الناس الذٌن ابتدعوا تلن المواعد.‏ إذ إنهم فً‏ المبور منذ<br />

زمن بعٌد.‏ من الطبٌعً‏ من أجل محاولة تفهّم ما ترى أن ‏ٌتطلّب<br />

منن األمر اتساعاً‏ فً‏ الخٌال والتفكٌر الهادئ،‏ ربّما كنت<br />

ستتمنى لو ولدت فً‏ تلن األزلة نفسها،‏ بل لعلن تعلمت على<br />

األلل أن تؽض النظر بعض الشًء من اآلن وصاعداً،‏ وتنسى<br />

مإلّتاً‏ ما تعوّ‏ دت علٌه.‏ هنان ستلمس مجوناً‏ ‏ٌمضً‏ بن إلى<br />

الماع،‏ وعرٌاً‏ علّم الناس نسٌان الخجل،‏ حتى أن الكلمة نفسها<br />

ٖٕٓ


تكاد تندثر.‏ آخر األمر ‏ٌمكننا المول لماذا ‏ٌكون الشًء إذا لم<br />

نكن بحاجة إلٌه.‏<br />

لمد خلك هللا البشر وأوجد فٌهم وفً‏ الدنٌا كلّ‏ ما لد ‏ٌحتاجونه<br />

لتعمٌر دنٌاهم وذواتهم فً‏ الحاضر والمستمبل.‏ ثمَّ‏ ال بدَّ‏ أن<br />

اآلتً‏ سٌمرأ لهم ماضٌهم فً‏ ‏ٌوم ما ‏ٌختاره الرب.‏ الماضً‏<br />

الذي سٌخبرهم عن جشعهم،‏ ولمَ‏ نولد من خبلل األلم ونعٌش لذة<br />

زببمٌّة تنزلك كؤنها لم تكن،‏ وما معنى أن تكون بهذه الطرٌمة<br />

االحتٌالٌّة المهٌنة.‏ ثمَّ‏ ال نلبث أن نعود إلى التراب الذي جبنا<br />

منه.‏ الناس تعلّموا أن ‏ٌكونوا ‏"براؼماتٌٌّن"‏ وٌطلبوا من<br />

المستمبل ما لم ‏ٌحصلوا علٌه من الماضً،‏ لمد علمتهم الدماء<br />

التً‏ سالت خبلل التارٌخ،‏ أن ‏ٌبدإوا التؽٌٌر بدءاً‏ من ذواتهم<br />

ومن طبٌعة الحٌاة التً‏ ‏ٌعٌشون،‏ وٌتركوا المبادئ األخبللٌّة<br />

للفبلسفة والمفكّرٌن.‏ دخلت مرّ‏ ة إلى ‏"مٌنً‏ ماركت"‏ وفوجبت<br />

بصوت أمرأة ؼاضبة تم ‏ّرع صاحب المكان على ما ‏ٌبدو لابلة:‏<br />

سؤشكر هللا للمرّ‏ ة األولى فً‏ حٌاتً‏ ألنه لم ‏ٌُظهر ذاته اإللهٌّة.‏ إذ<br />

إنه كان ‏ٌدرن أن إظهارها سٌسبب له لٌام الكثٌر من<br />

المظاهرات المعادٌة.‏<br />

صعوبة ذلن العالم الذي نتكلّم عنه ‏ٌإكّد لكم وجوده،‏ لاببلً‏ لكم:‏<br />

إنً‏ حمٌمً‏ ألنكم لم تستطٌعوا إهمال محاولة فهمً‏ رؼم<br />

الصعوبة التً‏ التزال وستبمى ترافك ذلن،‏ ورؼم حاجتكم<br />

للوصول إلى األبجدٌّة الخاصة بذلن العالم،‏ التً‏ ربّما ستكون<br />

األبجدٌة الموحدة لبنً‏ البشر الذٌن سٌدخلون إلٌه بؤلدام ولعها<br />

على األرض ‏ٌنتج موسٌمى ال أحد ‏ٌعرؾ من أٌّة آالت تخرج،‏<br />

ٖٕٔ


وماذا تمول إذا كانت فعبلً‏ ترٌد أن تمول شٌباً،‏ إذ ربما سنفهم<br />

هنان أنه فُ‏ ‏ِمد أيّ‏ معنى ألبجدٌّة تشبه أبجدٌّتنا.‏<br />

ٕٔ<br />

فً‏ الٌوم التالً،‏ كان هو موعد اللماء الثانً‏ بٌنً‏ وبٌن<br />

كاترٌنا حٌث كنا سنلتمً‏ فً‏ ‏"الكافٌتٌرٌا"‏ نفسها التً‏ تعارفنا<br />

فٌها فً‏ المرّ‏ ة السابمة.‏ أذكر أنها لالت أن المكان الذي سنذهب<br />

إلٌه جمٌل،‏ وال ‏ٌبعد كثٌراً‏ عن سابمه.‏ سنمضً‏ إلٌه سٌراً‏ على<br />

األلدام.‏ فواجهات المتاجر التً‏ سنمر بها سنلمس فٌها األنالة<br />

نفسها تمرٌباً،‏ كما جمال المعروضات وؼرابتها.‏ أعتمد انن<br />

ستعشك بساطة الدٌكور وانالته الملفتة.‏ جلست أنتظر لدومها،‏<br />

مبلحظاً‏ أنً‏ لم أشترِ‏ صحٌفتً‏ المعهودة ‏"الفٌؽارو".‏ كن ‏ًت<br />

معجباً‏ بالمكان الذي اخترته،‏ لذلن لم أفكّر بالذهاب بنفسً‏<br />

لشراء تلن الصحٌفة.‏ بعد دلٌمتٌن مرّ‏ أحد الندل فطلبت منه ما<br />

أرٌد فوافك بابتسامة عرٌضة أفهمتنً‏ أنه ‏ٌتولع أن أجزل له<br />

العطاء،‏ وهذا ما حصل بالضبط.‏ ‏ٌبدو أن بضعة ثوانً‏ مرت،‏<br />

ثمَّ‏ لم ألبث أن رأٌت ابتسامتها تطل.‏ كان فرحً‏ كبٌراً،‏ كنتُ‏ آمل<br />

أن تبطا فً‏ مشٌتها للٌبلً‏ حتّى أعطً‏ لنفسً‏ ولتاً‏ معموالً‏ كً‏<br />

‏ٌتاح لكٌانً‏ كلّه أن ‏ٌتؤملها أكثر وٌبلحظ تفاصٌلها بدلة.‏ كانت<br />

لد التربت ورمت نفسها علً‏ دون أن تعطٌنً‏ الفرصة كً‏ أبدأ<br />

بتمبٌلها ولما اكتفت لالت:‏ إن كرٌت هً‏ التً‏ كانت تمبّلن،‏ واآلن<br />

دعنً‏ أشبع اشتٌالً‏ وضع لبلة شدٌدة وطوٌلة على وجهً،‏<br />

ولكن لبل لحظات من انتهابها صفك الجمهور الجالس فً‏ ذلن<br />

المكان بحماسة شدٌدة مستؽرلاً‏ فً‏ ذلن بعض الولت.‏ فوجبت<br />

كاترٌن بضع ثوانً،‏ ثمَّ‏ استعادت ابتسامتها ورمت ما تحمله من<br />

ٖٕٕ


زهور فً‏ ‏ٌدها الٌسرى إلى الجمهور لابلة.‏ فلتعش كرٌت إلى<br />

األبد وستظل ترسل لكم لببلتها،‏ وعظٌم فرحها عبر البحر<br />

العظٌم.‏ إنه الصدٌك الفعلً‏ للكرٌتٌٌّن والٌونانٌٌّن.‏ ثُمَّ‏ أمسكت<br />

بٌدي الٌسرى مستدٌرة كً‏ نذهب سوٌة إلى مكان آخر.‏ فوجبنا<br />

أن أحمد ‏ٌسد علٌنا الطرٌك وٌمترب ممبّبلً‏ إٌّايَ‏ لاببل:‏ سامحنً‏<br />

أرجون.‏<br />

لٌس فً‏ للبً‏ أيّ‏ شًء ‏ٌا أحمد سوى الحب.‏<br />

الترب أحمد من كاترٌن<br />

أرجونِ‏ إنه كنز حمٌمً.‏<br />

أٌضاً‏<br />

ولبّل ‏ٌدها ثمَّ‏ لال:‏ اعتنً‏ به<br />

عرفت ذلن منذ اللحظة األولى.‏<br />

فلٌرافمكما الرب.‏<br />

أعددت لن ؼداءً‏ ‏"كرٌتٌاً"‏ فً‏ بٌتً‏ الجدٌد.‏ إنه لٌس بعٌداً‏<br />

سنمشً‏ إلٌه سٌراً‏ على األلدام علّن تبلحظ جماله وطرٌمة<br />

اصطفاؾ بٌوته وعبللاتها الحمٌمة مع عضها بعضاً.‏<br />

عندما وصلنا إلى بٌت كاترٌن الجدٌد،‏ تبٌن أنه أكبر ممّا كانت<br />

تطلب صاحبته الجدٌدة،‏ وكان معداً‏ بشكل جٌّد كما ‏ٌمكن أن<br />

‏ٌشتهً‏ طالب بٌت لئلٌجار،‏ أعجب العمة إعجاباً‏ كبٌراً،‏ ألسباب<br />

تشرح للب من ‏ٌرٌد أن ‏ٌرتاح فً‏ بٌت ‏ٌشع حناناً.‏ الدخول إلٌه<br />

ال ‏ٌتطلّب سوى صعود ثبلث درجات ثبلثتها ألل من االرتفاع<br />

المعتاد.‏ لكن كاترٌنا لم تكن تملن أن تدفع حصتها من ثمنه<br />

ٖٕٖ


المرتفع.‏ إذ إنه ‏ٌضم إلٌه حدٌمة متّسعة خلفٌة،‏ وفً‏ أحد جانبٌها<br />

ستجد أنه كان مزروعاً‏ بالزهور،‏ أما الجانب اآلخر كان<br />

سٌؽرٌن بما فٌه من بمدونس ونعناع وبندورة إلخ.‏ ‏ٌمال إنه<br />

لعابلة لبنانٌّة أجرت فٌه الكثٌر من التحسٌنات،‏ مثل المسم المبلّط<br />

من الحدٌمة الخلفٌة الذي تُمكّن صاحبها من استعمالها للؽداء أو<br />

العشاء إذا كان الطمس مناسباً‏ للجلوس فً‏ الهواء الطلك.‏ بعد أن<br />

تفحصت البٌت بالتفصٌل أدركتُ‏ أنه ‏ٌستحكّ‏ أكثر من ذلن الثمن<br />

الذي دفع.‏ كانت العمة تعرؾ ماذا تفعل،‏ إذ تولّت دفع كلّ‏ المبلػ<br />

بسرعة ولالت لكاترٌن:‏ اعتبري هذا البٌت إرثن منً.‏ أما<br />

عندما أؼادر هذه الدنٌا فسؤترن ما لدي للكنٌسة الٌونانٌّة فً‏<br />

بارٌس ستولعً‏ كشاهدة على رجاحة عملً‏ حٌن لررتُ‏ ذلن.‏ ال<br />

أرٌد أحداً‏ من العابلة أن ‏ٌشوش على ما فعلته.‏<br />

لالت كاترٌن أثناء الؽداء:‏ لبلت أن تدفع العمة كل المبلػ،‏ ألنً‏<br />

أدرن أن والدي دخل فً‏ الموت البطًء منذ ثبلثة شهور،‏ وهو<br />

سٌفرح حٌن ‏ٌعلم ما حدث.‏ إذ إن المتال اندلع بٌن األخت وأخٌها<br />

لبل مجٌبً‏ إلى هذه الدنٌا بكثٌر من السنوات.‏ كانت العمة<br />

راجحة العمل دون شنّ‏ ، أما أبً‏ فكان ‏ٌسعى وراء النساء منذ<br />

الرابعة عشرة من عمره.‏ المتداول فً‏ كرٌت أنه لم ‏ٌكن زوجاً‏<br />

مخلصاً‏ سوى أسبوع واحد.‏ كانت عمتً‏ تمول له:‏ إن ابن عمن<br />

من أهم رجال العالم.‏ أمّا أنت فإنن كرٌتً‏ سكٌر وطرٌؾ بل<br />

أسفل ظرفاء كرٌت ومجانٌنها،‏ أتعرؾ ‏ٌا زٌاد لمد نسٌت أنً‏ ال<br />

أعرفن إالّ‏ منذ بضعة أٌّام.‏ هل تدري إنً‏ دعوتن إلى بٌتً‏<br />

الجدٌد دون أن أعرؾ ماذا ‏ٌكمن وراء هذه الدعوة؟!‏ ترى هل<br />

أنا مولعة بن لدرجة كنت أنوي جرّ‏ ن لبلنخراط فً‏ عابلتً‏<br />

وتتعرؾ على مجانٌها ومنحرفٌها،‏ وكم منهم من ‏ٌإلّؾ لصّة<br />

ٖٕٗ


فٌها من الطرافة الشًء الكثٌر،‏ والوصؾ الدلٌك لكثٌر من<br />

األمور الصؽٌرة والكبٌرة وعندما ‏ٌنتهً‏ سرد المصة المخترعة<br />

بحنكة،‏ ستجد أنها كانت ممتلبة بالخٌال العجٌب الؽرٌب.‏ ها لد<br />

أرٌتن جانباً‏ هاماً‏ من تكوٌنً‏ الروحً‏ والنفسً.‏ أنا رٌفٌّة<br />

األصول،‏ ولكن كرٌت ال أعرفها إالّ‏ كبٌوت تمترب كثٌراً‏ من<br />

البحر وكجبال تمرض الشعر كعاشمة شبمة إلى رابحة األجساد.‏<br />

‏ٌمال إن عمًّ‏ نٌكوس تعٌش أنفاسه فى هوابها،‏ كما تلعب دوراً‏<br />

فعّاالً‏ فً‏ تهدبة عواصفها.‏ ترى هل تزال متعلّماً‏ بً‏ كما كنتَ‏<br />

منذ ثبلثة أٌام؟!‏ إذا كنت تنوي طلب الزواج بً،‏ فسؤرفض ذلن<br />

ألنً‏ ال أرٌد أن أران تؽوص فً‏ مثل هكذا عابلة.‏<br />

أٌمكننً‏<br />

أن أتكلّم ‏ٌا<br />

كاترٌن؟!‏<br />

لٌس من حمّن الكبلم ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ أال ‏ٌمول أحد شعرابكم،‏ الٌوم<br />

خمرٌ‏ وؼداً‏ أمر.‏<br />

هذا صحٌح لكن الكبلم لم ‏ٌكن فً‏ مثل هذا السٌاق.‏ أنا ال<br />

أدري من أٌن أستمٌتِ‏ هذا المول؟!‏ أعتمد إنه ورد فً‏ لصٌدة<br />

للشاعر الكبٌر أحمد شولً‏ وؼنّاها ملن الؽناء فً‏ تلن األٌّام.‏<br />

‏"دمحم عبد الوهاب".‏ على كلّ‏ حال أنا بحاجة إلى كؤس ثالث من<br />

النبٌذ.‏ ودعٌنا نإجل ذلن إلى بعد ؼدٍ‏ ألم تمولً‏ أنن مدعوة فً‏<br />

الؽد إلى حفلة عشاء رسمٌة.‏<br />

هذا صحٌح،‏ وأنا مضطرّ‏ ة إلى حضورها ألن عمتً‏ ستكون<br />

على رأسها،‏ فالجالٌة الٌونانٌّة ستمٌمها بذكرى وفاة نٌكوس<br />

‏"الخمسٌن"‏ إذ إنه على ما أذكر عاش منذ ‎88ٖ‎‏ٔ<br />

.ٔ9٘7<br />

ٖٕ٘


أحببتُ‏ كلّ‏ كتبه وما لاله عبرها ومن خبلل أشعاره.‏ كان أشبه<br />

برسول لم ترسله السماء،‏ بل أدرن وحده أهمٌّة الرسالة التً‏<br />

‏ٌحملها ولمَ‏ علٌها أن تكون شفّافة تظهر الصدق النمً.‏ عندما<br />

كنتُ‏ ألرأ له ‏ٌجعلنً‏ أعبر التارٌخ أللمس ذلن الذي ارتضى أن<br />

‏ٌكون إنساناً‏ حمٌمٌاً‏ نمٌاً‏ ومربٌاً،‏ ‏ٌجوع وٌعطش لكن أُعجوبته<br />

تبدّت بؤنه خالٍ‏ من األطماع،‏ ولم ‏ٌتوانى عن تنظٌؾ كنٌسة تلن<br />

األٌام من سماسرة التجار والبابعٌن لكل شًء إضافة للمرابٌن،‏<br />

مستعمبلً‏ الصوت فً‏ طردهم من بٌت هللا.‏ لرأت عن رحلته إلى<br />

االتحاد السوفٌِتً‏ ‏ٌا كاترٌن،‏ وصراحته هنان التً‏ بدت أنها لم<br />

‏ٌكن لها نظٌر فً‏ إظهار امتعاضه الشدٌد أمام المادة السوفٌت<br />

من الظلم واإلجحاؾ فً‏ معاملة المواطنٌن هنان بحٌت أظهروا<br />

أنهم أسوأ من المٌاصرة،‏ وعندما أعترض أحد المادة الكبار<br />

مظهراً‏ اشمبزازه من ألوال نٌكوس التً‏ صرح بها علناً،‏<br />

وردّدها أكثر من مرة فً‏ الؽرؾ المؽلمة.‏ لمد لٌل فً‏ ذلن الولت<br />

أن نٌكوس لاطع ذلن المسإول الكبٌر لاببلً‏ بؽضب ظاهر:‏ أنتم<br />

تصلبون المسٌح كلّ‏ ‏ٌوم،‏ لكنه كان ‏ٌموم بعد ثبلثة أٌام لٌمول<br />

لكم:‏ سٌتمٌّؤكم شعبكم عمّا لرٌب.‏ هذا ما حصل تماماً‏ وتدحرج<br />

الحجر فً‏ آخر مرّ‏ ة معلناً‏ لٌامة الشعب الذي أطاح بالنظام<br />

المدٌم،‏ مفكّ‏ ‏ِكاً‏ االتّحاد السوفٌِتً‏ ومنصّباً‏ االتّحاد الروسً‏ مكانه.‏<br />

لكن على ما ‏ٌبدو أن هذا الشعب كتب له أن ‏ٌنتظر سنٌن أخرى<br />

لٌشهد تطوراً‏ ‏ٌؤخذه لٌعٌش فً‏ ظل دٌمولراطٌّة تحاكً‏ بمٌّة<br />

دٌمولراطٌّات العالم.‏<br />

أال تبلحظ ‏ٌا نٌكوس أنن ال تؤكل بل تتذوّ‏ ق الطعام فمط؟!‏ ألم<br />

‏ٌعجبن طعامً؟!‏<br />

ٖٕٙ


هل ستسمٌنه نٌكوس فٌما لو حصلنا على ابن كثمرة لزواجنا<br />

الممبل؟!‏<br />

أجهشت كاترٌن بالبكاء مؽطٌّة وجهها بٌدٌها،‏ ولم تمسح دموعها<br />

وتكشؾ عن مبلمحها الؽارلة فً‏ الدموع رؼم كلّ‏ ما فعلت<br />

لتزٌل آثارها ولالت:‏ كم كنتُ‏ ؼبٌّة،‏ كٌؾ لً‏ أن أرفض الزواج<br />

بن وأنا ؼارلة فً‏ بحٌرتن الجمٌلة التً‏ تصطؾّ‏ حولها أشجار<br />

النخٌل الرابعة التً‏ تكاد أن تمول لً:‏ إنن تسبحٌن فً‏ لطعة من<br />

الجنة ‏ٌا عزٌزتً.‏ إن زنوبٌا سبحت هنا ولكنها لم تستطع أن<br />

تفهم كٌؾ تتعامل مع هذا العالم ومنطمه.‏ كونً‏ عاللة أرجون<br />

والتمطً‏ ذلن اإلنسان الذي ‏ٌنتظر خروجن من بحٌرتنا لٌجفّؾ<br />

جسدن الجمٌل فتتمتّعان معاً‏ وتنجبان ما ‏ٌمنحه الرب لهذا<br />

العالم.‏ إلى متى ستستمران فً‏ هذا الؽداء،‏ هل ال تزاالن<br />

تشربان األوزو؟!‏ أم أنكما تشعران بالخدر ‏ٌسري فً‏ أوصالكما<br />

دون أن تدركا أن الخمر علٌه أن ‏ٌتولؾ،‏ وتذهبا إلى النوم لتُتِمّا<br />

ما كنتما تتبادالنه من أفكار،‏ وتؽطسان فً‏ بعضكما بعضاً‏ بحٌث<br />

لن تصبل إلى ما تبؽٌان بل ستنامان جزءاً‏ من اللٌل عارٌٌن<br />

ملتصمٌن سؤصلً‏ لكما أن تبمٌا ؼافٌٌن هكذا حتى الصباح.‏ إالّ‏<br />

إن كنتُ‏ ال أعرؾ أحد الطرفٌن جٌداً،‏ حٌنبذ سٌتؽٌر المشهد<br />

ربّما فً‏ الثالثة صباحاً.‏<br />

استفمت فً‏ السادسة والنصؾ صباحاً،‏ بعد لحظات أدركتُ‏<br />

أنً‏ لستُ‏ وحدي فً‏ الفراش.‏ كانت كاترٌن ال تزال ؼافٌة<br />

تسلّلت عارٌاً‏ تماماً‏ فملت فً‏ نفسً:‏ كٌؾ شربنا ما شربناه،‏ أذكر<br />

أنً‏ للت لها أمس:‏ علٌنا أن نولؾ احتساء الخمر فهذا سٌُلحك<br />

بنا ضرَ‏ راً‏ نحن االثنٌن ضحكت ولالت:‏ مزٌدا من الحذر سٌدفع<br />

ٖٕ7


بالسعادة إذا كانت تتجوّ‏ ل فً‏ المكان أن تهرب بعٌداً.‏ أرجون أنا<br />

سعٌدة التشوش سعادتً.‏<br />

ستستفٌمٌن مرٌضة ولن تتمكنً‏ من حضور حفلة تكرٌم<br />

الكاتب الكبٌر فخر كرٌت.‏<br />

حسناً،‏ هل تمول لً‏ إنن لن تضاجع امرأة ثملة<br />

هل أنت جادة فٌما تمولٌن؟!‏<br />

نعم ‏ٌا حبٌبً،‏ ولكن ترى هل من األفضل أن نبدأ األمر اآلن،‏<br />

أم أُنهً‏ كؤسً‏ ثم أحاول أن أؼفو وأستفٌك فً‏ الثالثة صباحاً‏<br />

وأبدأ بمضاجعتن وأنت ؼافٌاً.‏ ما رأٌن فً‏ هذا؟!‏<br />

أرى أنن تثبتٌن دابماً‏ أنن من تلن العابلة العبمرٌّة الؽرٌبة<br />

األطوار<br />

‏. هل تسخر منً‏ ‏ٌا زٌاد؟!‏<br />

حاشا،‏ بل أنا أتوق إلى تلن اللحظة التً‏ ستضاجعٌننً‏ فٌها،‏<br />

وجابع ألرى ماذا ستخرجٌن من بدابع؟!‏ وما إذا كنت ستسمحٌن<br />

لً‏ بالدخول إلى عالمن السحري.‏<br />

لامت من مكانها ولبّلتنً‏ لبلة طوٌلة،‏ ثمّ‏ لالت اسبمنً‏ إلى<br />

الفراش وال تنس أن تتعرّ‏ ى.‏ لمد فعلت ذلن بكلّ‏ بساطة،‏ وهذا ما<br />

جعلنً‏ متؤكّداً‏ أنً‏ كنتُ‏ ثمبلً‏ مثلها أو أكثر.‏ إذ إنً‏ سارع ‏ُت<br />

ٖٕ8


ولمتُ‏ بما شاءت.‏ إنه تصرؾ ما كان ‏ٌمكننً‏ اإللدام علٌه حتى<br />

لو كنتُ‏ سؤنام مع ‏"مارلٌن مونرو".‏ كانت دون شن لٌلة حمٌمٌّة<br />

وعرفت أنً‏ أمام امرأة لٌست ككلّ‏ النساء،‏ ولم أصادؾ مثلها<br />

حتى فً‏ خٌالً،‏ إذ إنها من خبلل االبتسامات والضحكات<br />

تعرؾ كٌؾ تدٌر اللعبة وتحرص أن ‏ٌؤخذ اآلخر حمه من<br />

المتعة.‏ لما سؤلتها لمَ‏ تحرصٌن على حك الشرٌن كلّ‏ هذا<br />

الحرص لالت:‏ إن لم أفعل ذلن فلن ‏ٌصل إلًَّ‏ حمً‏ كامبلً.‏ لمد<br />

أردتن ألنً‏ أستطٌع أن أخرج ما ‏ٌكمن فً‏ أعمالن وال تعرفه.‏<br />

سنعٌش عراة معاً،‏ وأُإمّن لن كل الفرص الممكنة للدخول إلى<br />

عالمً‏ السحري كما سمٌّته.‏<br />

ٕٕ<br />

تسلّل ‏ُت من بٌت كاترٌن صباح الٌوم التالً‏ وتركتها نابمة.‏<br />

تمنٌّتُ‏ فً‏ ذلن الولت لو كان معً‏ آلة للتصوٌر.‏ ترى لو<br />

صودؾ أن تلن اآللة كانت معً‏ حٌنها،‏ هل سؤصور ذلن<br />

المشهد الرابع،‏ أم أنً‏ لن أجرإ،‏ إذ ربّما كانت ستؽضب ولن<br />

تحب أن ‏ٌلتمط أحد صورة لها خلسة،‏ بل لعلها ستعتبر ذلن ‏ٌشبه<br />

السرلة.‏ من ‏ٌدري؟!‏<br />

عندما أصبحت فً‏ الطرٌك وحٌداً‏ تساءلت:‏ كٌؾ ‏ٌمكننً‏ أن<br />

أجلب بعض المال من بٌروت؟!‏ ثمَّ‏ تذكرت صدٌماً‏ لدٌماً‏ ‏ٌعمل<br />

ٖٕ9


فً‏ مكتب كبٌر للمحاماة ‏ٌدٌره محام لدٌر مخضرم،‏ ‏ٌساعده<br />

خمسة محامٌن،‏ صدٌمً‏ كان أحد المساعدٌن الممتازٌن وأظنّ‏<br />

أنه بدأ ‏ٌؤخذ حمّه وأصبح مشهوراً‏ فً‏ عالم المحاماة.‏ لكن كن ‏ُت<br />

لد نسٌتُ‏ اسم الشارع الذي ‏ٌمع فٌه ذلن المكتب،‏ أي أنً‏ فً‏<br />

مشكلة حمٌمٌّة،‏ إذ لن أصل إلٌه بدونه.‏ بحثتُ‏ حولً‏ وفً‏<br />

األعلى،‏ علّنً‏ أجد مكتب محام،‏ فؤسارع إلى سإاله.‏ لكنً‏ رأٌت<br />

شاباً‏ وأنا أدور باحثاً،‏ كان ‏ٌتطلّع إلًَّ‏ مشفماً،‏ كؤنه فهم أنً‏<br />

أبحث عن شًء ما وفشلتُ‏ فً‏ إٌجاده.‏ إذ إنه بادر وتمدّم نحوي<br />

لاببلً:‏ هل أستطٌع مساعدتن بشًء؟!‏<br />

شكرته وللت مبتسماً:‏ سؤحاول أن أشرح لن ما أنا بحاجة<br />

ماسة إلٌه.‏ ترى هل ال تزال تدرس أم إنن تعمل؟!‏<br />

كنتُ‏ أعمل وأدرس،‏ لكن منذ بضعة أشهر طردتُ‏ من عملً‏<br />

بسبب بعض األخطاء اإلمبلبٌّة،‏ هكذا لٌل لً.‏ ث ‏ّم جاإوا بآخر<br />

‏ٌبدو أنه ال ‏ٌخطا وهو متخصص بعض الشًء بالطباعة.‏<br />

<br />

هل أكون مخطباً‏ إن اعتمدتُ‏ أنن لبنانً؟!‏<br />

لمد أصبت كبد الحمٌمة.‏<br />

إذاً‏ دعنا نتمشى للٌبلً‏ ونتكلّم اللؽة العربٌّة،‏ إنً‏ أتفاءل<br />

بالمصادفات التً‏ تفرح الملب.‏ أنا من دمشك ومن موالٌد<br />

البلذلٌّة تلن العروس التً‏ ال أعرؾ من تنتظر؟ تخرجتُ‏ من<br />

الجامعة األمرٌكٌّة كطٌب نفسً‏ ‏ٌرفض أن ‏ٌفتح عٌادة.‏ شرحت<br />

ٖٖٓ


له لصتً‏ مع تلن المهنة باختصار،‏ فرأٌته ‏ٌبتسم.‏ فملت له<br />

بابتسامة أٌضاً:‏ هل ترى أنً‏ ؼرٌب األطوار؟!‏<br />

لم أذهب بعٌداً‏ إلى هذا الحد.‏ لكن لصتن مع الطب النفسً‏ فٌها<br />

ما ‏ٌدهش فابتسمت رؼم أنً‏ لم أكن راؼباً‏ بذلن.‏ أظن أنن<br />

استطعت مفاجؤتً.‏<br />

أظن،‏ ربما أنن رأٌتنً‏ أدور حول نفسً‏ وأتطلّع إلى األعلى،‏<br />

لمد كنت أبحث عن لوحة محام ما ألسؤله عن محام آخر صدٌك<br />

ومشهور.‏ لمد زرته مرّ‏ ة فً‏ مكتبه لكنً‏ نسٌت كلّ‏ شًء ‏ٌتعلّك<br />

بالعنوان هكذا رأٌتنً‏ محتاراً‏ ال أدري ماذا أفعل.‏ إنه دون شن<br />

لبنانً‏ ولن أستؽرب إذا كان لد امتلن الجنسٌّة الفرنسٌّة.‏<br />

إن هذا األستاذ الذي تبحث عنه أصبح أستاذاً‏ لبضع ساعات فً‏<br />

األسبوع فً‏ الجامعة التً‏ أدرس فٌها.‏ وهو مرهوب الجانب،‏<br />

كما أنه هو نفسه الذي ‏ٌمؾ فً‏ طرٌمً‏ مانعاً‏ إٌّايَ‏ من الولوج<br />

إلى السنة الرابعة.‏ أال ترى من خبلل تلن المصادفات أن هللا<br />

عندما ‏ٌمول لؤلمر كن فٌكون؟!‏ إنً‏ أعرؾ اسم الشارع<br />

الشاب من جٌبه دفتراً‏ صؽٌراً‏ وللماً‏ وكتب اسم الشارع ورلم<br />

البناء(‏ لكنه لال إن الساعة لم تتجاوز التاسعة صباحاً،‏ علٌن<br />

االنتظار حتى الساعة الحادٌة عشرة وهذا ألل تمدٌر ممكن.‏ إنً‏<br />

أعرفه جٌّداً،‏ فهو سادي الطبٌعة ومؽرم بممارسة تلن الخصلة<br />

السافلة التً‏ تسمح له استدعاء كل اللذابذ المتاحة،‏ واالشتران<br />

مع بعضها بعضاً‏ فً‏ توفٌر لٌلة لم تستطع روما تهٌبتها<br />

لحكامها.‏ إنً‏ أعتذر منن ولكن ما للته للٌل.‏<br />

( أخذ<br />

ٖٖٔ


هل معن بعض الولت؟!‏<br />

إنً‏ متوفر تماماً.‏<br />

‏ٌا للحظ الرابع!‏<br />

هٌا امضِ‏ بنا إلى مكان جمٌل ودعنا نتناول طعام الفطور<br />

سوٌّة.‏ هكذا تزداد معرفتً‏ لهذه الشخصٌّة الشابة الممتحمة التً‏<br />

أمامً‏ ولم أعهدها فً‏ اللبنانٌٌّن الذٌن دخلوا فً‏ لعبة التمٌة<br />

بامتٌاز،‏ وؼدوت ال أفهم ما ‏ٌرٌدون أن ‏ٌمولوا.‏<br />

نستطٌع أن نذهب إلٌه مشٌاً‏ على األلدام،‏ ونتابع حدٌثنا عن<br />

هذه المبلحظة التً‏ أثرتها.‏ أتعتمد حماً‏ أن التمٌّة تسربت إلى ثمافة<br />

الشعب اللبنانً؟!‏<br />

أنا أإمن أنها وبسبب الجو المبلبم تسربت إلى كل شعوب<br />

المنطمة،‏ وربّما أصبحت جزءاً‏ ال ‏ٌتجزأ من المناهج السٌاسٌّة<br />

المستعملة فً‏ كلّ‏ العالم الحالً.‏<br />

هل ‏ٌمكننً‏ أن أفهم ماذا تمصد بالجو المبلبم؟!‏<br />

أنت تدرن طبعاً‏ أن العالم الؽربً‏ ‏ٌتشدق لٌل نهار وٌمول<br />

للعالم أنه وحده من ‏ٌحمً‏ الدٌمولراطٌّة فً‏ هذا العالم وٌدافع<br />

عنها.‏ لمد آلٌت على نفسً‏ االبتعاد لدر اإلمكان عن الحدٌث فً‏<br />

السٌاسة أو فً‏ الطابفٌة السٌاسٌّة.‏ إن ما نسمعه كلّ‏ ‏ٌوم ونراه<br />

‏ٌمكننا اعتباره مجرد دجل ونفاق بل إنً‏ أعتمد أنه مرض<br />

ٖٖٕ


عضال ‏ٌنتمل عن طرٌك العدوى.‏ هل هذه الكافٌترٌا التً‏ على<br />

الناصٌة هً‏ مبتؽانا؟!‏<br />

<br />

‏ٌبدو أنها هً‏ دون شن،‏ فلندخل.‏<br />

عندما دخلنا تولّفتُ‏ للٌبلً‏ ألرى ماذا ‏ٌحٌط بً؟!‏ المنظر الذي<br />

شاهدته ذكرنً‏ بمول سمعته عندما كنتُ‏ فً‏ السادسة عشرة من<br />

عمري وٌمول:‏ البساطة تكوّ‏ ن الجمال.‏ جلسنا على طاولة تطل<br />

على الطرٌك الذي كان أنٌماً‏ بامتٌاز هو ومتاجره.‏ انشؽلتُ‏ فً‏<br />

البدء فً‏ التفرّ‏ س ملٌاً‏ فً‏ ذلن الشاب الجالس أمامً.‏ فوجبتُ‏ به<br />

تماماً،‏ كنتُ‏ كما لو أنً‏ رأٌته ابتداء من هذه اللحظات.‏ كان<br />

وسٌماً‏ بشكل ملحوظ وهادباً‏ إلى ٍ حدّ‏ دفعنً‏ إلى أن أسؤله:‏ كم<br />

تبلػ من العمر ‏ٌا من تإدّي لً‏ خدمة حمٌمٌة.‏ لمد بدوت لً‏ أكبر<br />

ممّا هو مفترض أن تكون.‏<br />

إنً‏ بعد شهرٌن من اآلن سؤكمل الخامسة والعشرٌن من<br />

عمري.‏ لماذا تسؤل:‏ هل رأٌتُ‏ أنً‏ مفتمر إلى الحماس الذي<br />

‏ٌكون ال ‏ٌزال ‏ٌؽلً‏ فً‏ هذا العمر؟!‏<br />

ربما ‏ٌكون ما تمول هو السبب،‏ أو إن الكفاح فً‏ سبٌل البماء<br />

فً‏ هذه العاصمة الرابعة سبب آخر.‏ إنن تعب على ما ‏ٌبدو<br />

ألٌس كذلن؟!‏<br />

أعتمد أنن محك كثٌراً.‏<br />

ٖٖٖ


لمد استخدمتَ‏ فً‏ حدٌثن كلمة أجفلتنً‏ فً‏ البداٌة.‏ ثمّ‏ للت فً‏<br />

نفسً،‏ لد تكون تلن الكلمة مستخدمة فً‏ األوساط الشبابٌّة<br />

الطبلّ‏ بٌّة.‏ الكلمة هً‏ إنً‏ ‏)متوفّر تماماً(‏<br />

أعذرنً،‏ فؤنا ال أرٌد التدخّل فً‏ أمورن الشخصٌّة،‏ ولكنً‏<br />

أرؼب أن أضٌؾ توضٌحاً‏ أتسمح لً؟!‏ لكن رجاءً‏ أال تعتبره<br />

تشجٌعاً‏ لهذه المُمارسة التً‏ تشجبها دٌانتً.‏<br />

‏ٌُشرّ‏ فنً‏ ذلن.‏<br />

شكراً.‏ إن ما تفعله لٌس مرضاً‏ بالتؤكٌد،‏ والطب النفسً‏<br />

‏ٌرفض البحث فً‏ مثل هذا الموضوع،‏ بعد أن تؤكد ذلن الطب<br />

أن المسؤلة تتعلّك بالجٌنات وبمن ربطنا بها.‏ أي أنه فً‏ تسعٌن<br />

بالمبة من الحاالت ‏ٌعود األمر إلى إرثنا من التارٌخ اإلنسانً‏<br />

كله.‏ لٌس معنى هذا أنً‏ أإٌّدن فٌما تفعل،‏ بل أنا آمل وأطلب<br />

من المجتمع أن ‏ٌحترم حرّ‏ ‏ٌّتن وٌدافع عنها بالرؼم من اختبلؾ<br />

اآلراء التً‏ ‏ٌتداولها المجتمع،‏ كما أرجو من السماء أن تساعدن<br />

على تصحٌح مسارن وتمكّنن من الخروج من ذلن النفك<br />

المسدود،‏ أعتمد أن إصراري على كلمة ‏)مسدود(ممصود<br />

وٌخترق المعنى الذي أرٌد الوصول إلٌه.‏ لكنً‏ فً‏ الولت نفسه<br />

ال أستطٌع إبداء أٌة مبلحظات على اختٌاراتن الشخصٌّة،‏ أو أن<br />

أحط من لدرن أو من لٌمتن اإلنسانٌّة.‏ كما أنً‏ ال ‏ٌمكننً‏<br />

التخمٌن إلى أٌن سترسو الدراسات التً‏ ال تزال تتوؼل فً‏<br />

النفس البشرٌّة التً‏ حتى اآلن تنفً‏ أن المثلٌّة الجنسٌّة مرضاً.‏<br />

أرجو من الرب فً‏ لرارة نفسً‏ أن ‏ٌبمٌن راضٌاً‏ عن نفسن،‏<br />

وأ ‏ّال تكون فً‏ ولت من األولات مبشراً‏ آلرابن بانتظار مزٌد<br />

ٖٖٗ


من الحسم أو سحب ما لالته منظّمة الصحّة العالمٌّة.‏ إنً‏ أإمن<br />

أنن فً‏ هذا العالم ستظل مسإوالً‏ عن نفسن طالما ال تفكر بؤذٌّة<br />

أحد.‏ إذا لم تحترم ما أسلف ‏ُت بالمول:‏ سترانً‏ ألؾ ضدّن متّهماً‏<br />

إٌّان بؤنن عمٌل للشٌطان.‏ إنً‏ أدعو إلى الرب وسؤظلّ‏ أفعل أن<br />

‏ٌمنحن التفكٌر الهادئ وٌرشدن إلى ما ‏ٌرى أنه الصواب.‏ هذا<br />

ما أردتُ‏ لوله.‏ أال تعتمد أنه حان الولت لنطلب الطعام؟!‏<br />

حسناً،‏ لمد تمَّ‏ ذلن.‏<br />

هل تمازحنً؟!‏<br />

طبعاً‏ ال،‏ ولكنً‏ أعطٌتهم إشارة وهم فهموا المطلوب.‏<br />

هل تعلم أنً‏ ال أعرؾ اسمن حتّى اآلن،‏ إنن ال تعرؾ سوى<br />

أنً‏ طبٌب نفسً،‏ واسمً‏ الذي لم أذكره هو ‏"زٌاد عبد النور".‏<br />

الطعام لادم،‏<br />

أما اسمً‏ فهو<br />

فرانسوا<br />

جعٌتانً.‏<br />

إنه اسم جمٌل.‏<br />

لكن ألربابً‏ ‏ٌكرهونه وٌحمدون على أمً‏ المسٌحٌّة ألنها<br />

الترحته.‏<br />

نحن فً‏ الشرق لم نعتد بعد على حرٌّة التفكٌر.‏ كما لٌس<br />

ممبوال بعد أن ‏ٌختار الشاب طرٌمه إلى المستمبل.‏ هٌا باشر<br />

بتناول الطعام إذ ‏ٌبدو أنهم هنا ‏ٌحسنون إعداده.‏<br />

ٖٖ٘


لماذا رفضت متابعة الحدٌث فً‏ مشكلتً.‏<br />

ما هً‏ مشكلتن،‏ أنا لم أفهم ماذا تمصد؟!‏<br />

أنا أعنً‏ المثلٌّة الجنسٌّة.‏<br />

لمد اكتف ت بتعلٌمً‏ عن الموضوع الذي طرحته.‏ أنا طبٌب<br />

نفسً‏ وأعرؾ أنً‏ ال أملن ما أعالج به أمراً‏ ‏ٌجزم الطب<br />

النفسً‏ أنه لٌس مرضاً.‏ إنه من المشاكل التً‏ روّ‏ عتنً‏ من<br />

الداخل ودعتنً‏ إلى االمتناع عن فتح عٌادة البمة أعمل فٌها<br />

ككلّ‏ الناس.‏ نحن فً‏ هذه األٌام نتحاور باألسلحة الفتّاكة.‏ أنت<br />

شاب مثمؾ وعلٌن أن تدرن نوعٌّة النفاق الذي تتعامل به<br />

مجتمعاتنا.‏ أعتمد أنه ‏ٌلزمنا ولت طوٌل حتى نمول:‏ إننا نمترب<br />

بمشٌبة هللا من االنتماء إلى مجتمعات متحضرة تملن ك ‏ّل<br />

االستعداد لمواكبة التطور دون خوؾ.‏ سؤستمر فً‏ البحث مع<br />

ؼٌري عن أمل أو بصٌص ضوء.‏ إنً‏ أعدن أنً‏ متى رأٌت ما<br />

أبحث عنه،‏ ستكون تلن الساعة فرحتً‏ الكبرى،‏ وسؤدعون إلى<br />

سهرة تكون النجوم إكلٌلها.‏ اسمع ما ‏ٌمول للبن وانتظر معً‏<br />

حتى تنضج مجتمعاتنا،‏ فؤنا لن أتخلّى عن اإلٌمان بؤنن ستجد<br />

‏ٌوماً‏ ذلن الطرٌك الذي ‏ٌجزل لن العطاء لتعطً‏ أنت بدورن<br />

لآلخرٌن.‏ المشكلة العصٌّة على فهم بعض الناس أنهم ال<br />

‏ٌدركون أن ثمة مبالؽة فً‏ تمدٌر المنطك واالعتماد علٌه.‏ إذ إن<br />

للمنطك تطوّ‏ ره الخاص أٌضاً،‏ وأنا أرى أ ‏ّال بدّ‏ لكلّ‏ المجتمعات<br />

أن ترضخ إلى ما سٌصار إلٌه،‏ أو بتعبٌر آخر البد للمجتمعات<br />

من االطمبنان إلى أن السفٌنة رست فً‏ مٌناء ‏ٌؤمن إلٌه الجمٌع.‏<br />

أنت تعٌش فً‏ مجتمع متحضر تستطٌع التعامل معه كما تؤمل<br />

ٖٖٙ<br />

ٌ


إن حافظت على أمان اآلخرٌن.‏ نحن فً‏ هذه اللحظات علٌنا<br />

البحث فً‏ هذا الموضوع وندرن أن علٌنا اعتباره شؤناً‏ ذاتٌّاً‏ ال<br />

عبللة ألحد به.‏<br />

شكراً‏ واحتراماً‏ من الملب.‏ أرى إنن انتهٌت من طعامن هل<br />

تشرب المهوة؟!‏ لمّا ‏ٌزل أمامن ولت كاؾٍ‏ للوصول إلى ممابلة<br />

صدٌمن األستاذ.‏<br />

ال بؤس،‏ ولتكن لهوتً‏ ببل سكر.‏<br />

أنا أشربها مثلن أٌضاً.‏<br />

عندما أصبحنا خارجاً‏ سؤلت إن كان ‏ٌملن هاتفاً،‏ فؤجابنً:‏ مع<br />

األسؾ أنا ال ‏ٌمكننً‏ شراءه وال أملن دفع تكالٌفه.‏<br />

ال بؤس،‏ لل لً‏ هل تملن عنواناً‏ ما ‏ٌمكّ‏ ‏ِننً‏ من مراسلتن؟!‏ أو<br />

إٌصال أي شًء إلٌن؟!‏ فكر باألمر ودعنا نلتمً‏ فً‏ السادسة فً‏<br />

ال " جورج ‎5‎‏"هل ‏ٌوافمن هذا الموعد؟!‏<br />

سؤكون هنان فً‏ الولت المحدد.‏<br />

حسناً،‏ إلى أٌن ترٌد الذهاب؟!‏<br />

تستطٌع إٌصالً‏ إلى بٌت صدٌك وأنت فً‏ طرٌمن إلى<br />

موعدن.‏<br />

ٖٖ7


هذا رابع.‏ هل ‏ٌمكنن اعتباري خارج المإسّسة الدٌنٌّة وفً‏<br />

الولت نفسه أإمن بالعمٌدة التً‏ طرحها المسٌح إٌماناً‏ كامبلً‏ ؼٌر<br />

منموص.‏<br />

لمد الحظتُ‏ ذلن وأحسست بن أخاً‏ حمٌمٌاً.‏<br />

هذا رابع،‏ إلى اللماء.‏<br />

ٖٕ<br />

هكذا مضٌتُ‏ إلى صدٌمً‏ الذي تضّخم على ما ‏ٌبدو.‏<br />

أصدلابً‏ الخلّص كانوا أخوتً‏ الذٌن لم أحصل علٌهم من أمً.‏<br />

أخذت أصلًّ‏ لكلًّّ‏ الرحمة علّه ‏ٌرحمنً‏ وال ‏ٌدعنً‏ أخسر هذا<br />

الصدٌك المدٌم بسبب حفنة من المال.‏ لكنً‏ كنتُ‏ فً‏ وضع ال<br />

‏ٌسمح لكرامتً‏ أن تتعالى وترفض االستدانة ولو لٌومٌن.‏ لمّا<br />

تولؾ السابك أشار إلى المكان الذي فٌه المكتب،‏ محدّداً‏ مولعه<br />

فً‏ الطابك الرابع.‏ لست أدري لمَ‏ شعرتُ‏ بالخوؾ وبؤنً‏ لن أنال<br />

سوى الخٌبة.‏ تمنٌت لو أُلفل وأرجع المهمرى إلى خارج هذا<br />

المكان،‏ ومن هنان إلى الفندق،‏ وأنا أشكر هللا ألنه تدخّل<br />

وأنمذنً‏ ممّا ‏ٌمكن أن ‏ٌكون.‏ كنتُ‏ أنتظر المصعد عندما تطلّعتُ‏<br />

إلى ساعتً،‏ وكانت تشٌر إلى الحادٌة عشرة تماماّ.‏ عمنً‏<br />

اضطراب كان سببه دون شن سإال ‏ٌمول بصوت خافت أأصعد<br />

أم أعود أدراجً؟!‏ لم أكد أنتهً‏ من تساإلً‏ حتى عبل صوت<br />

جهوري لاببلً‏ منذ متى أنت هنا ‏ٌا زٌاد؟!‏ عرفتُ‏ الصوت<br />

والتفت ألرى األستاذ ‏"عمر معتوق".‏ لبل أن أفكر بؤي شًء<br />

كان ‏ٌعانمنً‏ عنالاً‏ حاراً‏ لم أعهد مثله من لبل.‏ فً‏ تلن اللحظة<br />

ٖٖ8


توارد إلى ذهنً‏ سإال فحواه:‏ ترى أعمر مشتاق إلً‏ أم<br />

للوطن؟!‏ ابتسمتُ‏ عندما وصل المصعد فمال صدٌمً:‏ هٌا بنا<br />

إلى المكتب.‏ شعرتُ‏ أنه ‏ٌدفعنً‏ إلٌه دفعاً‏ فملتُ‏ ماذا بن تمهل؟!‏<br />

فمال عذراً‏ إنً‏ ال أصدق عٌنً‏ وأنا أران أمامً.‏ هٌا ادخل<br />

ودعنً‏ أتمتّع برإٌان وأدع عٌنًًّ‏ تحسُّ‏ بتفاصٌل وجهن بعٌنًّ.‏<br />

سنٌن طوٌلة مرّ‏ ت وأنا ال أشعر بؤنً‏ حً،‏ إنً‏ ال أملن الولت<br />

ألشتري لمٌصاً.‏ اضحٌتُ‏ آلة تضخ المال لً‏ ولؽٌري.‏ استفمتُ‏<br />

ذات صباح وأكتشفتُ‏ أنً‏ ال أعٌش،‏ بل إنً‏ حٌوان حمٌمً‏ عبد<br />

للمال أنا عمر معتوق أملن المال ولكن أٌن هم البنون؟!‏ ال ولت<br />

عندي للزواج،‏ ثمَّ‏ من هً‏ تلن المرأة التً‏ لد تمبلنً‏ زوجاً‏ وأنا<br />

ال أملن الولت كً‏ أبول،‏ وإذا لبلت سؤجد نفسً‏ مجبراً‏ على<br />

الهرب من تلن المجنونة الحمٌمٌّة لبل أن ‏ٌُكتب الكتاب.‏ هل<br />

‏ٌتعبن سماع شكواي؟!‏ أرى أنن تبتسم،‏ لستُ‏ أدري ربّما كنت<br />

أنتظرن بفارغ الصبر ألطلك العنان لمشاعري المسجونة التً‏<br />

لم ‏ٌسؤلها أحد ماذا ترٌدٌن عفواً‏ لمد نسٌنان.‏ لوال وجودن هنا ‏ٌا<br />

زٌاد لبصمت فً‏ جهً‏ لابلة:‏ لماذا أنت هنا ‏ٌا ابن المحبة أما كان<br />

األفضل لن أن تدٌر ماخوراً‏ من أن تصبح عضواً‏ فً‏ مإسّسة<br />

تنمذ المجرمٌن ومصّاصًّ‏ الدماء؟!‏ إن سكان المواخٌر ال<br />

‏ٌكذبون مثلكم وكثٌرات منهنَّ‏ ‏ٌمدمن على االنتحار ألنهنّ‏ لم<br />

‏ٌعدن ‏ٌحتملنَ‏ احتمار أنفسهنَّ‏ لٌل نهار.‏<br />

تولؾ ‏ٌا عمر أرجون.‏<br />

علٌن أن تسمعنً‏ للٌبلً‏ ‏ٌا زٌاد،‏ دعنً‏ أنوح على نفسً،‏ ربما<br />

بعض الدموع تعود بً‏ إلى برمانا أو تطٌر بً‏ إلى دمشك.‏<br />

ٖٖ9


كفى ‏ٌا عمر أرجون.‏ لٌس من حمن أن تجلد نفسن،‏ وال من<br />

حك اآلخرٌن أن ‏ٌجلدون.‏ هللا هو الوحٌد الذي ‏ٌمكنه أن ‏ٌنزل<br />

باآلخرٌن المصاص العادل.‏ وبرأي المتواضع أنه لن ‏ٌفعل،‏<br />

الرب ‏ٌعرؾ كلّ‏ شًء ورؼم ذلن تراه ‏ٌستمر فً‏ معاملتنا<br />

كؤطفاله الصؽار.‏ انظر إلى شٌوخنا وتمعّن فستراهم ال ‏ٌزالون<br />

أطفاالً.‏<br />

سمعاً‏ وطاعة،‏ ولكن افسح لً‏ المجال كً‏ أؼسل وجهً.‏<br />

عندما عاد عانمنً‏ من جدٌد ولال أعتذر ‏ٌا زٌاد على هذا<br />

االستمبال،‏ الذي وضعتُ‏ فٌه همومً‏ ومشاكلً‏ أمامن دفعة<br />

واحدة.‏ أكرر اعتذاري ‏ٌا صدٌمً‏ الحبٌب،‏ وأرجو أن تنسى ما<br />

حدث.‏<br />

أنا ال أعتبر ما حدث مشكلة كبٌرة،‏ لكنً‏ كنتُ‏ أرٌد منن أن<br />

تهدأ.‏ إذ ‏ٌبدو أن الحٌاة هنا ضؽطت بعنؾ على أنفاسن ظناً‏ منها<br />

أن أللَّ‏ من هذا لن ‏ٌكون كافٌاً‏ لٌحدث تؽٌٌراً‏ ما فً‏ الذي ‏ٌحدث.‏<br />

ال تنس أنن لست فرنسٌّاً‏ حمٌمٌاً،‏ فهنان اختبلفات ربّما كنت<br />

تعاٌشها،‏ ولكنن إن لم تعشها فً‏ العمك ستبمى تشعر بالتعب<br />

وأنت تملّدهم بمهارة.‏ سٌبتسمون وٌمولون فً‏ داخلهم ‏"برافو"‏<br />

عندبذ سٌعنً‏ المدٌح أنن بالتؤكٌد لست منهم.‏ ترى أكنت تملن<br />

الولت النتماء بعض األصدلاء؟!‏ أو صدٌك واحد تستطٌع أن<br />

تبوح له بمشاعرن؟!‏ لو كنت تملن بعض الولت لما وصل بن<br />

األمر إلى حدّ‏ االختناق الحمٌمً؟!‏ لم ألصد مباؼتتن وأنا أدرن<br />

أن زمنا طوٌبلً‏ مرّ‏ دون أن نلتمً.‏ لكن المصادفة أرسلتنً‏ إلٌن<br />

دون أن تدري.‏ هل سٌؤتً‏ ذلن الٌوم وتمول لعدنان أنن سرلتنً‏<br />

منه؟!‏ من كلّ‏ للبً‏ ‏ٌا عمر أرٌد لن الخٌر وأتمنّى أن تطلب من<br />

ٖٗٓ


السماء أن ترسل لن صدٌماّ‏ تذهب معه مرّ‏ تٌن فً‏ األسبوع<br />

لصٌد السمن وتجلسان لرب بعضكما بعضاً‏ على الصخور دون<br />

أن تتحدثا بل تتبادالن االبتسامات بٌن ولت وآخر حتّى ‏ٌبدأ<br />

انسدال اللٌل فتمول له:‏ لن أؼٌب طوٌبلً،‏ فتمضً‏ إلى تلن<br />

الزاوٌة وتبول هنان وانت تمول طظ على المال.‏ إذا استطعت<br />

لول ذلن ستكون لد وصلت إلى لمة ‏"أفرست"‏ ِ صلّ‏ ‏ٌا عمر<br />

بصوت عالٍ،‏ فإنن ستدهش كٌانن وسٌعمل على مرالبتن وما<br />

إذا كنت ستعٌد الكرّ‏ ة،‏ فٌطمبن للبه إذ كان هو اآلخر ‏ٌتوق إلى<br />

الصبلة.‏ علٌن مماومة هذا االنهٌار الذي استبد بتهدٌده حتىّ‏<br />

أخافن.‏ أنا ال أعتمد أنن كنت مستعدّاً‏ أن ترانً‏ فجؤة أمامن.‏<br />

هذا صحٌح،‏ ولكن ال تكمل فكلّ‏ ما للته كان رابعاً‏ وكنت أرٌد<br />

أن أسمعه ‏ٌخرج من فمن.‏ أنا لم أعد أخشى لسانن السلٌط.‏ ربّما<br />

فً‏ جعبتن الكثٌر لتموله هٌا افعل.‏ هل تصدّق إنً‏ سؤكون فً‏<br />

لبنان اعتباراً‏ من بداٌة الخرٌؾ المادم،‏ أي بعد شهرٌن.‏ سؤمضً‏<br />

هنان ثبلثة أشهر وربّما سٌؤتً‏ معً‏ صدٌك.‏<br />

اختر صدٌماً‏ ‏ٌحبن وال ‏ٌسٌر على هوان.‏ لمد فوجبت أن<br />

مشاعرن حطّمت أؼبللها وخرجت عن طوعن،‏ وطرحت ذلن<br />

‏"المونولوج"‏ الصادق الجريء والؽرٌب.‏ أعتمد أنه كان علٌن<br />

أن تفعل ما فعلته،‏ أي أنن تعمّدت عدم تشذٌبه لبل زمن من<br />

خروجه عارٌاً‏ دون أن ‏ٌستحم.‏ كما لصدت عدم صمل ذلن<br />

‏"المنولوج"‏ الذي ال ‏ٌشبهن أٌّها الدٌبلوماسً‏ العرٌك وتركته<br />

‏ٌنطلك من داخلن بهذا المضمون ال ‏ِهستٌري ال ‏ُم ‏َمسرح بامتٌاز.‏<br />

إن هذه الؽلطة التً‏ ارتكبتها لم تكن دون أن تدري،‏ ترى أهو<br />

فخ نصبته لنفسن؟!‏ أم إن الرب تركن تلعب لعبتن،‏ وتمطرنً‏<br />

ٖٗٔ


ٍ<br />

بذلن الوابل الذي فاجؤنً،‏ واحتجتُ‏ لبعض الولت كً‏ أستعٌد<br />

نفسً،‏ وأجد الطرٌمة الفضلى لتهدِبتن وتؤخذن إلى نسٌان تلن<br />

الكلمات الٌابسة التً‏ كنت ستمولها الحماً.‏ أظنّ‏ أنها اختارت<br />

اإلنصات إلٌن ببرود.‏ عندبذ كان ال بدَّ‏ من اضمحبلل لوان<br />

روٌداً‏ روٌداً‏ وتنهار على ألرب أرٌكة متعرّ‏ لاً‏ بشدة وعٌنان<br />

تترلرلان عرلاً‏ ولٌس دموعاً.‏ أعود للتؤكٌد أن هذا المونولوج<br />

المختلط بتلن الهستٌرٌا الفظّة المماتلة،‏ هً‏ الطرٌك المثلى لتطلّ‏<br />

على المتلمًّ‏ لاسٌة متبرّ‏ مة مظهرة الؽضب على وجهها<br />

ممسرحاً‏ دون اتّمان.‏ بل كان فً‏ العمك تدفّماً‏ لحماسة ؼٌر متولّع<br />

لها اختراق الجدر المسدودة.‏ أنا لن أنكر أنن حاكمت نفسن<br />

ضمناً.‏ لكن المرء ال ‏ٌستطٌع االنمبلب على نفسه بٌن ‏ٌوم ولٌلة.‏<br />

إذا هزّ‏ الناس رإوسهم فهذا ال ‏ٌعنً‏ أنهم صدّلون.‏ على ك ‏ّل<br />

حال إنهم سٌبمون أحراراً‏ حتّى لو تمبّلوا جلدهم بعض الولت.‏ إذا<br />

لم تكن تحتال على نفسن،‏ على من تفعل؟!‏ دعنا نفتح صفحة<br />

جدٌدة معاً‏ ونمرأ ما كتب هنان،‏ أعتمد أننا سنجد معاً‏ إنً‏ لم أكن<br />

المبتؽى من أجلن فً‏ هذه الظروؾ،‏ وال وصل ‏ُت عندما اكتملت<br />

كٌمٌابٌّة االنفجار وكان ال ‏ٌحتاج إالّ‏ ثانٌة أو ثانٌتٌن إالّ‏ ونسمع<br />

دوٌّاً‏ هاببلً‏ ‏ٌمٌم الدنٌا وال ‏ٌمعدها.‏ ‏ٌبدو أن الرب لام بتحضٌري<br />

لمثل هذه اللحظات،‏ وكان دون شن تحضٌراً‏ متمناً،‏ فتبٌن أنً‏ لم<br />

أكن بحاجة إلى أيّ‏ اعتذار من أي صدٌك،‏ فؤنا لم أكن ‏ٌوماً‏ إ ‏ّال<br />

صدٌماً‏ حمٌمٌاً.‏ إذ إنن تملن الحك ؼٌر منموص فً‏ أن تبوح<br />

لصدٌك ترتاح إلٌه،‏ ما ‏ٌعتمل فً‏ داخلن وسبب لن هذا الضؽط<br />

الشدٌد على أعصابن الذي أظهر بوضوح أنه ربّما كان<br />

سٌمضً‏ علٌن.‏ كان علٌن زٌارة الدكتور بكل ما أمكنن من<br />

سرعة.‏ كبلمً‏ الذي استخدمته أحٌاناً‏ بصٌؽة الماضً‏ علٌن أن<br />

تحوله إلى صٌؽة المستمبل وتطبّمه حرفٌاً،‏ متتّبعاً‏ إرشادات<br />

ٖٕٗ


الدكتور بدلّة.‏ أرجو من صمٌم للبً‏ أن تفعل ذلن.‏ ثم حاول أن<br />

تزور أعمالن بعد فترة وتنبش هنان عن الحمٌمة الضابعة.‏ ربّما<br />

تجد أن براعتن فً‏ للب الكذب إلى حمٌمة ترفع أعبلمها أمامن<br />

معتدّة محٌٌّة،‏ وكذلن لامت براعتن بتشوٌه الحمٌمة وتحوٌلها<br />

إلى تجدٌؾ ذاتً‏ تعوّ‏ دت على تصدٌمه،‏ وهو الذي ألام لن تمثاالً‏<br />

فً‏ عالم المحاماة.‏ البراعة ضخت فٌن الكثٌر من النشوة بحٌث<br />

وصلت إلى حدّها األلصى.‏ كان ال بدّ‏ من هذا االنفجار أن<br />

‏ٌحدث فً‏ تولٌت أختاره الخالك لٌكون عندبذ ترٌالاً‏ لنا جمٌعاً،‏<br />

الرب ‏ٌُظهر محبّته فً‏ ولت مناسب وؼرٌب.‏ لن أكذب علٌن،‏<br />

كنتُ‏ سؤزورن بعد ثبلثة أٌام.‏ لكن حدث ما لرَّ‏ ب زٌارتً‏ إلٌن<br />

مضطرّ‏ اً.‏ هل تملن اتصاالت مع مصرؾ فرع ساسٌن<br />

أرٌد منهم ‎7٘‎ألؾ دوالر من حسابً‏ الخاص.‏ على أن ‏ٌصلوا<br />

لبل الخامسة من بعد ظهر هذا الٌوم،‏ وإذا لم تتمكن من ذلن هل<br />

‏ٌمكنن المٌام باتصاالتن لٌرسلوا المطلوب ؼداً‏ وتمبضه أنت<br />

وتسلّمنً‏ ما أحتاج أنا إلٌه فً‏ هذا الٌوم التارٌخً.‏<br />

SGBL<br />

ال أدري لمَ‏ ساد الصمت فجؤة،‏ فعدتُ‏ لنفسً‏ مدركاً‏ أن شٌباً‏ ما<br />

أخرجنً‏ من نفسً‏ وأخذت أجلد صدٌمً‏ بمسوة لم أستطع<br />

تبرٌرها،‏ فرأٌتُ‏ هٌكل أبً‏ وهو ‏ٌرمً‏ بكؤس الوٌسكً‏ بعٌداً‏<br />

وٌكتفً‏ باالبتسام.‏ ثمَّ‏ ‏ٌموم متّجهاً‏ إلى أطروحة أمً‏ لنٌل<br />

الدكتوراه فً‏ الفلسفة وٌحرلها ضاحكاً‏ ضحكة هستٌرٌّة<br />

تساءلت:‏ هل استفاق شًء ما فً‏ داخلً‏ وأخذ ‏ٌبطش بصدٌمً؟!‏<br />

لكن حواري مع نفسً‏ لم ‏ٌستمر إذ سمعت صوت صدٌمً‏ عمر<br />

‏ٌمول:‏ سنعرؾ الحماً‏ لماذا سمٌته ‏ٌوماً‏ تارٌخٌاً،‏ ولكنً‏ سؤحاول<br />

فوراً‏ تحمٌك الخطّة األولى،‏ تكرم ‏ٌا أحلى زٌاد،‏ سؤتّصل<br />

بمحامٌهم،‏ واآلن أخرج من الؽرفة وكن لطٌفاً.‏ لم ‏ٌستؽرق<br />

ٖٖٗ


األمر سوى دلابك حتى خرج عمر من الؽرفة مبتسماً‏ ولال:‏ لمد<br />

سوّ‏ ي األمر وسٌصل المبلػ فً‏ الرابعة بعد ظهر الٌوم.‏ اآلن هم<br />

بحاجة إلى فاكس منن تطلب هذا المبلػ وكذلن تسلٌمه لؤلستاذ<br />

عمر.‏ سؤنتظر حتى تكتب الفاكس وننتهً‏ من األمر.‏ بعد دلٌمتٌن<br />

ولعته ثمَّ‏ أرسله عمر حاالً.‏ الشنَّ‏ أنً‏ سررتُ‏ كثٌراً‏ وعبر ‏ُت<br />

عن شكري وامتنانً‏ له.‏ واآلن لست أدري كٌؾ فهمتُ‏ أن<br />

لٌدٌن طلباً‏ آخر.‏<br />

هذا صحٌح.‏ هل ‏ٌمكنن أن تؤخذ إجازة لمدة ساعتٌن نتناول<br />

فٌهما طعام الؽداء سوٌّة.‏<br />

من أجلن استطٌع فعل<br />

كل شًء.‏<br />

هٌا بنا.‏ إذاً‏<br />

بعد عشرة دلابك كنا نجلس معاً‏ فً‏ مطعم صؽٌر بمنتهى<br />

الروعة،‏ ‏"دٌكوره"‏ مستمد من المرون الماضٌة الفرنسٌة ومُنفذ<br />

بطرٌمة فنٌّة مذهلة.‏ كنت تعباً‏ لكن عندما جلس ‏ُت شعرتُ‏ أن<br />

مإخرتً‏ لالت آه مُتذكرة أحضان أمً.‏<br />

لال عمر ماذا ترٌد أن تؤكل؟!‏ أمن نكهة الشرق أم من الفتنة<br />

الؽربٌّة أنا ‏ٌا عزٌزي زٌاد الجابع إلى ببلدي والمتؤلّم ‏ِلما ‏ٌحدث<br />

فٌها من مآسً‏ سؤشرب كاساً‏ أو أكثر من العرق وأتؽدّى<br />

الملوخٌّة على الطرٌمة المصرٌّة.‏<br />

ٖٗٗ


أعتمد لو أنن مثّلت الببلد سٌاسٌاً‏ فً‏ الخارج لكنت افدت<br />

سورٌّة فابدة كبٌرة،‏ فلتحٌا سورٌّة متآخٌة،‏ ولتعش الملوخٌة<br />

المومٌّة أبداً،‏ إذ ربّما تذكّرنا االّ‏ حلَّ‏ هنان ؼٌر األمّة الواحدة.‏<br />

رؼم صعوبة الوصول إلٌها إلى حدّ‏ أتعرؾ إنً‏<br />

أشتهً‏ أن أجلس لرب السبع بحرات وأرالب األوالد وهم<br />

‏ٌتراشمون بالماء بعد أن أبعد كرسًّ‏ ِ وأنا أشرب فنجان المهوة<br />

المخلوط بالهال رؼماً‏ عنً‏ ألنً‏ نسٌت أن ألول:‏ ال تضعوا<br />

الهال فً‏ لهوتً.‏<br />

ِ االستحالة.‏<br />

أرى أنن متمكن بشكل ممتاز من ثبلثة لؽّات وهذا ‏ٌُشكّ‏ ‏ِل<br />

حضوراً‏ متؤلّماً.‏<br />

لمد واجهتُ‏ صعوبة فً‏ الوصول إلٌن عندما احتجتُ‏ أن أران<br />

فً‏ هذا الٌوم بالذات.‏ كنت أحاول تذ ‏ّكر بعض معالم المكان،‏<br />

ولكنً‏ اكتشفتُ‏ أنً‏ ال أعرؾ اسم الشارع وال رلم البناء.‏ كان<br />

اسم الشارع هو األهم أما البناء ورلم الطابك فٌفترض أن ‏ٌشار<br />

إلٌهما ببلفتة كتب علٌها كلّ‏ ذلن بوضوح.‏ كنت فً‏ تلن<br />

اللحظات لرٌباً‏ من لوس النصر فتمدّمتُ‏ منه ورفعت نظري إلٌه<br />

متهٌباً،‏ كؤن إلهاً‏ إؼرٌمٌاً‏ ‏ٌجلس فً‏ هذا المكان ‏ٌشم رابحة<br />

الجنس التً‏ تعبك وتؤتً‏ إلٌه من كل نواحً‏ بارٌس.‏ الفرنسٌّون<br />

لطالما كانوا مهرة فً‏ صناعة الجمال وإبرازه بؤنالة ملفتة.‏<br />

عندما أفكر فً‏ األمر ‏ٌنتصب هللا أمامً‏ وألول له والحماسة<br />

تكاد تمتلنً:‏ أنت اإلعجاز الذي ال ‏ٌمكن أن ‏ٌصل إلٌه أي<br />

إعجاز،‏ أنت الحب الصافً‏ الخالً‏ من األنانٌّة.‏ كٌؾ تدبرت هذا<br />

االختبلط األممً،‏ كٌؾ ل ‏ّربت المسافات وجعلت الناس<br />

‏ٌتزاورون من ألاصً‏ األرض إلى ألاصٌها فبعثرت األنانٌات<br />

ٖٗ٘


ونملت كلّ‏ الفنون إلى أنحاء المعمورة.‏ الكثٌرون استفادوا<br />

وطوّ‏ روا والملة اعتبروا ذلن صندوق الفرجة فتفرّ‏ جوا.‏ عفواً‏ ‏ٌا<br />

ربّ‏ إنً‏ لم ألصد مدحن.‏ بل كنتُ‏ أسعى أن أتعلم منن كٌؾ<br />

أتخلص من الحسد المجنون واألنانٌّة التً‏ تعرّ‏ ي اإلنسان من<br />

إنسانٌّته مهٌّبة إٌاه لٌصٌر ذبباً‏ عاشماً‏ لمكرِ‏ ه وما ‏ٌستطٌع أن<br />

‏ٌفعله من مكروه.‏ عفواً‏ ‏ٌا عمر لمد استرسلتُ‏ فً‏ وعظ نفسً.‏<br />

كنتُ‏ فً‏ منتهى الثمالة وأنت تتكلم،‏ أنت رابع<br />

من ذلن.‏<br />

بل أكثر ‏ٌا زٌاد<br />

كنت أحاول أن أوصل إلٌن طلبً‏ الثانً،‏ فشردتُ‏ وذهبت<br />

باتّجاه هللا علنً‏ أشم رابحته.‏ لكن بالتاّكٌد شعر بً‏ وبما ‏ٌعتمل<br />

فً‏ داخلً.‏ ولفت على ناصٌة أحد الشوارع المرٌبة من لوس<br />

النصر وأخذتُ‏ أدور حول نفسً‏ ناظراً‏ إلى األعلى علنً‏ أرى<br />

الفتة محام ربما ‏ٌعرفن وٌعرؾ أٌن ‏ٌمكن أن ألمان.‏ فً‏ أثناء<br />

ذلن رأٌت شابا ‏ٌتطلّع إلً‏ مستؽرباً‏ أو متساببلً‏ لستُ‏ أدري.‏<br />

لكنً‏ شعرت بدوّ‏ ار خفٌؾ أظنه كان من كثرة الدوران حول<br />

نفسً،‏ وأنا أبحث عن الفتة مكتوب علٌها اسم أحد المحامٌن،‏<br />

فربّما أجد عنده المبتؽى.‏ ولكنً‏ لم أجد ما أبحث عنه.‏ كان علً‏<br />

أن أتولؾ وأحاول أن أجد طرٌمة أخرى.‏ انتظرت للٌبلً‏ حتى<br />

‏ٌزول ذلن الدوّ‏ ار الخفٌؾ وهذا ما حصل.‏ عند ذلن الحظتُ‏ أن<br />

الشاب الذي كان ‏ٌرالبنً‏ ‏ٌمترب منً‏ بإصرار وببطء.‏ كان<br />

وسٌماً‏ بشكل ملفت وٌحسن العناٌة بهندامه البسٌط الذي ‏ٌنم عن<br />

ذوق رفٌع،‏ لكن األحوال ال تسٌر كما تشتهً‏ السفن.‏ لمّا أصبح<br />

أمامً‏ انحنى انحناءة بسٌطة لكنها بطرٌمة من الطرق كانت<br />

ممسرحة دون أن ‏ٌحمّل ذلن لصداً‏ ؼٌر مشروع.‏ أؼلب الظن<br />

ٖٗٙ


أنه تعلمها من مكان ما أو من ‏"السنٌما".‏ لماذا تتركونً‏ أتكلم<br />

واستطرد وأعود إلى الموضوع وأتكلم وأحلل وأخرج عن<br />

السٌاق وال ‏ٌعترض أحد منكم ‏ٌا أصدلابً‏ ألٌس هذا حراماً؟!‏<br />

لبلختصار ألول أن ذلن الشاب عرض خدماته.‏ من جهتً‏<br />

نجحت فً‏ وصؾ المكان الذي ‏ٌمع فٌه مكتبن،‏ ولمحة بسٌطة<br />

عن وسامتن ومظهرن الرٌاضً‏<br />

أفهم من هذا أنن فضحتنً.‏<br />

ال،‏ إنن تبالػ إذ إنً‏ ال أملن ما أفضحن فٌه.‏ دعنً‏ أكمل<br />

فاألمر ‏ٌهمنً.‏ أجابنً‏ الشاب أنه ‏ٌعرؾ الشارع الذي ‏ٌعمل فٌه<br />

صدٌمً‏ ولعجابب الصدؾ إنه أصبح ‏ٌعطً‏ دروساً‏ فً‏ الجامعة<br />

التً‏ أدرس فٌها،‏ وأعتمد أن اسمه األستاذ معتوق.‏<br />

<br />

هذا صحٌح تماماً،‏<br />

وماذا تدرس أٌها الشاب.‏<br />

الحموق المهدورة ‏ٌا سٌّدي.‏<br />

وماذا تعنً‏ بهذا الكبلم؟!‏<br />

اعذرنً‏ أنا ال أملن الحك بؤن أسخر من الجامعة.‏ لكن ال ‏ٌمكنن<br />

الذهاب إلى حٌث تلمى صدٌمن فً‏ هذه الساعة إذ لن ‏ٌكون فً‏<br />

المكتب لبل الحادٌة عشرة.‏<br />

طلبتُ‏ منه إن كان بإمكانه تناول الفطور معً‏ وأخذي إلى مكان<br />

لطٌؾ.‏ شخصٌاً‏ تمتعتُ‏ بهذا الفطور والحدٌث مع ذلن الشاب<br />

ٖٗ7


الؽامض والكثٌر التهذٌب.‏ ثم نظر ‏ُت بهدوء ال صنعة فٌه إلى<br />

عمر متؤمبلً‏ وجهه وما إذا كان سٌعرؾ أنً‏ أُخفً‏ شٌباً،‏ لكنه لم<br />

‏ٌتحمل ذلن طوٌبلً،‏ إذ بدأت تماطٌعه تمور بحٌث أخذتنً‏ إلى<br />

االعتماد أنه تنبّه إلى أن وراء األكمة ما ورابها<br />

هل تستطٌع وصؾَ‏<br />

هذا الشاب.‏<br />

طبعاً‏ ‏ٌا عزٌزي " للتها بطرٌمة أفهمته فٌها إنً‏ منزعج من<br />

طرٌمته الفظّة المتحدٌّة فً‏ الكبلم".‏ أطرلتُ‏ للٌبلً‏ محاوالً‏ إبعاد<br />

األفكار التً‏ داهمتنً‏ وكانت شدٌدة الخطورة.‏ لكن فً‏ النهاٌة<br />

وبعصبٌّة ملفتة لال:‏ ألم ‏ٌمل لن إنه مثلً‏ الجنس؟!‏<br />

أبدٌتُ‏ استؽرابً‏ مبتسماً‏ ابتسامة لرفة مختلطة بالسخرٌة.‏ ثمَّ‏<br />

للت:‏ لرّ‏ رت االّ‏ أطلب منن شٌباً،‏ أرجون فمط أن تصدلنً‏<br />

المول:‏ وبعد ذلن سنؽٌّر الموضوع ونؤكل بهدوء.‏ ترى هل أخ ‏َّل<br />

هذا الشاب بطرٌمة ما بمواعد السلون؟!‏ وهل هو كسول وال<br />

‏ٌحضر الحصص المتوجب حضورها،‏ أو ‏ٌُظهر عٌوباً‏ مفاجبة<br />

‏ٌصعب تحملها؟!‏ إنه ‏ٌمترب من الخامسة والعشرٌن ولد رأٌته<br />

جاداً‏ فً‏ كبلمه ‏ٌتحلّى بالمنطك،‏ وٌُرٌد فً‏ النهاٌة أن ‏ٌعٌش دون<br />

‏ٌُشار إلٌه باألُصبع.‏ هل تستطٌع أن تدحض ما للته؟!‏<br />

إن كلّ‏ ما للته صحٌح،‏ وإنً‏ لد أكون مخطباً‏ بحك هذا الشاب.‏<br />

سنكتفً‏ بهذا،‏ فؤنا لست مصلحاً‏ اجتماعٌاً.‏ شكراً‏ لن هٌا اطلب<br />

العرق لن واألوزو لً‏ مع بعض ‏"المازوات"‏ وال تكثر.‏<br />

ٖٗ8


حسناً،‏ ولكنن لست راضٌاً‏ ماذا ترٌد أن أفعل لن؟!‏ ماذا ‏ٌمدم<br />

لن عدنان وأنا ال أستطٌع تمدٌمه.‏<br />

هل سمعت منً‏ أيّ‏ لول فٌه ما ‏ٌجرح أو ما ‏ٌصدم؟!‏ أم إن فً‏<br />

كبلمً‏ بعض الفظاظة؟!‏ ثم لمَ‏ تُكثرون الحدٌث عن عدنان؟!‏ إنه<br />

الصدٌك الذي ‏ٌصرخ فً‏ وجهً‏ متى علٌه أن ‏ٌفعل ذلن.‏ ثمَّ‏ إن<br />

عٌنًَّ‏ تعوّ‏ دتا على رإٌاه منذ الصؽر.‏<br />

أنت لم تمم بؤيّ‏ شًء خاطا،‏ ولكن عٌنٌن ال تصدّلان أنً‏<br />

ألول الحمٌمة.‏<br />

أنا لم أعد أرٌد تناول أيّ‏ طعام أو شراب،‏ دعنا نتمشّى،‏ فلن<br />

‏ٌكون فً‏ الشوارع الكثٌر من الناس فً‏ مثل هذه الساعة،‏ فربّما<br />

ترسل لنا السماء موضوعاً‏ آخر ‏ٌشؽلنا لبل أن نعود إلى المكتب<br />

ونحصل على ما ‏ٌرد من بٌروت.‏ ث ‏َّم إنً‏ ملتزم باستمبال طبٌب<br />

سوري فً‏ الفندق،‏ فمد وعدت أمه األرملة أن أحمل معً‏ فً‏<br />

طرٌك العودة ما لد ‏ٌرسله إلى والدته.‏<br />

أنا آسؾ لِكل ما بدر منً،‏ نحن أصدلاء وعلٌنا أن نتمبّل<br />

أخطاء بعضنا البعض.‏ إنً‏ مرهك صدّلنً‏ سؤترن العمل فً‏<br />

الجامعة،‏ وأستبدل ساعات العمل هنان بالترٌّض والعودة إلى<br />

عبللتً‏ االجتماعٌّة وفرح الحٌاة.‏ امنحنً‏ دلٌمتٌن أرجون.‏<br />

خذ خمس دلابك.‏<br />

حسناً.‏ لن أتركن وحدن طوٌبلً.‏<br />

ٖٗ9


كان علًَّ‏ االبتعاد عن أفكاري إذ إنها ال تحوي فً‏ طٌّاتها ما<br />

‏ٌسندها وٌعطٌها أٌة مصدالٌة.‏ ترى هل فً‏ داخلً‏ ما ‏ٌدفعنً‏<br />

إلى تدمٌر صدٌمً‏ لتعمٌر الثمة بنفسً؟!‏ هل ‏ٌمكننا االدّعاء أننا<br />

نكاد أن نصل إلى مبلمسة خطة هللا؟!‏ حاشا،‏ إننا دون شنّ‏ نُماد<br />

إلى الدخول فً‏ لعبة الشٌطان.‏ لم ألبث أن رأٌت المعتوق عمر<br />

‏ٌعود مبتسماً.‏ أفرحنً‏ ذلن،‏ فاعتدلتُ‏ فً‏ جلستً.‏ لمّا جلس<br />

أمامً‏ كانت مبلمحه مختلفة كؤنه استفاق من كابوس ‏ٌركله<br />

وٌستمرّ‏ فً‏ ركله حتّى إٌصاله إلى المنحدر الذي بعده الجحٌم<br />

مباشرة.‏<br />

لمد استملتُ‏ من الجامعة،‏ وعلٌن أن تصدّلنً‏ عندما ألول:‏ لمد<br />

أنزاح عن كتفً‏ حمبلً‏ ثمٌبلً‏ كاد أن ‏ٌدمّر حٌاتً‏ تدمٌراً‏ كامبلً‏<br />

وٌجعلنً‏ ال أستحك صدالة الممٌّزٌن.‏<br />

كٌؾ فعلت ذلن؟!‏<br />

األمر كان سهبلً‏ إذ إنً‏ أرسلت ‏"فاكس"‏ إلى اإلدارة أعتذر عن<br />

المتابعة ألسباب مرضٌّة كنت سابماً‏ لد تكلمتُ‏ مع ربٌس مجلس<br />

اإلدارة عن الموضوع نفسه.‏ ثمَّ‏ طلبت من المسإول اإلداري<br />

عن المكتب االحتفاظ بالمال الذي سٌصل بإسمً‏ حتى انتهابنا<br />

من الؽداء.‏<br />

بعد ثوان أخذت ‏ٌد بارعة ترتّب أطباق الطعام ونادل آخر<br />

‏ٌسكب لً‏ الملٌل من األوزو،‏ ولؤلستاذ عمر بعض العرق.‏ لكنه<br />

لم ‏ٌلبث أن لال:‏ هل ‏ٌرضٌن هذا؟!‏ أعتمد أن عٌنٌن ال تزاالن<br />

ٖ٘ٓ


ؼٌر راضٌتٌن لمد كنتُ‏ ألرأ ما تمول<br />

بٌروت.‏ ماذا حدث لؤلب ‏ٌوسؾ؟!‏<br />

عٌنان منذ أن كنا فً‏<br />

ال أدري تماماً،‏ لكنه استطاع بطرٌمة ما إلى التسلّل إل لبر<br />

‏"ؼولدا مابٌر"‏ وتمكّن من انتزاع ‏"عضمة آدم"‏ التً‏ خلك منها<br />

هللا المرأة لتكون معٌناً‏ للرجل فً‏ السرّ‏ اء والضرّ‏ اء كما جاء فً‏<br />

التوراة وكل األساطٌر المدٌمة.‏ ترى ألم ‏ٌنشر الخبر فً‏<br />

بٌروت؟!‏<br />

إنً‏ ألرأ النهار ‏ٌومٌاً‏ ولم أالحظ مثل هكذا خبر لد ‏ٌهز<br />

إسرابٌل والمنطمة كلّها.‏ إذا كنت متؤكّداً‏ من معلوماتن،‏ فهذا<br />

‏ٌعنً‏ أن األمر حمٌمً‏ ولكن األوامر تمضً‏ بالتعتٌم علٌه.‏<br />

لمد فكّرتُ‏ أن هذا ما سٌحصل،‏ لكن ‏ٌبدو أن الخبر لم ‏ٌُذع فً‏<br />

إسرابٌل نفسها،‏ وإالّ‏ لكانت التمطته وسابل اإلعبلم العالمٌة<br />

والعربٌة.‏ كما أنً‏ لم ألرأ رسالته بعد وما فٌها من تفاصٌل.‏ لمد<br />

كنتُ‏ مشؽوالً‏ وال أزال فً‏ تدبٌر حٌاتً‏ التً‏ لم ‏ٌبك لدٌها الكثٌر<br />

للتبلشً‏ فً‏ ؼبار الكون.‏ المشكلة لد تتفالم وكرة الثلج ستكبر.‏<br />

الطابفة الٌهودٌّة فً‏ هذا الشرق ابتدعت لوانٌن ولالت:‏ إن هللا<br />

أرسلها وأمر أن تؤخذ سرعتها فً‏ التطبٌك.‏ وهً‏ تمول:‏ إن<br />

الشعب الٌهودي عاش ‏ٌإمن أن الطفل المولود ال ‏ٌكون ‏ٌهودٌاً‏<br />

ما لم تكن والدته ‏ٌهودٌّة المولد لكن ما حدث ‏ٌملب األمور كلها<br />

رأساً‏ على عمب،‏ طالما أن عضمة ‏"ؼولدا مابٌر"‏ فُمدت اآلن<br />

فإن الٌهودٌّة فً‏ هذا العالم ستعٌش مؤزلاّ‏ تارٌخٌاً‏ حمٌمٌاً‏ سٌهز<br />

أركان تلن الدولة بعد ضٌاع ‏"عضمة ؼولدا مابٌر"‏ وتعود إلى<br />

ضٌاع آخر أشدّ‏ هوالً،‏ ‏ٌجعلها تستفٌك جفلة صارخة فزعة<br />

.<br />

ٖ٘ٔ


ترتجؾ وهً‏ تعود ذهنٌاً‏ إلى ما كان ‏ٌحدث أٌّام التشرد،‏ ممّا<br />

‏ٌعنً‏ العودة بهم جمٌعاً‏ إلى ذلن الهرب المتواصل المذل،‏<br />

ولرؾ الناس من رإٌتهم التً‏ ال تطاق.‏ ما تعانً‏ منه إسرابٌل<br />

فً‏ هذه األٌام ستكون تداعٌاته خطٌرة ولد تإذي المنطمة كلّها<br />

ما لم ‏ٌكذب هذا الخبر جملة وتفصٌبلً.‏ لكنً‏ أعتمد أن الخبر<br />

سٌتسرّ‏ ب بطرٌمة ما.‏ خاصة بعد أن سمعتُ‏ خبراً‏ وارداً‏ من<br />

إذاعة العاصمة المبرصٌّة ‏ٌمول:‏ إن طابرة إسرابٌلٌّة بدون طٌّار<br />

دمرت ‏ٌختاً‏ لرب السواحل المبرصٌّة،‏ ولم ‏ٌذع شٌباً‏ عن عدد<br />

اإلصابات التً‏ أحدثتها ونوعٌّتها.‏ لستُ‏ أدري ما الذي دعان<br />

إلى السإال عن األب ‏ٌوسؾ سٌكون مشكلتً‏ المادمة إذ استمرّ‏<br />

التعتٌم على ما حدث حمٌمة.‏ دعونا نعٌش دون الحاجة إلى<br />

استجداء العالم،‏ ونسٌر فً‏ طرٌمنا لادرٌن على إطعام أجسادنا<br />

ألن هذا سٌبمى حمنا فً‏ العٌش.‏ أمّا إذا كان هللا ‏ٌحتاج إلى<br />

إصبلح هذا العالم الذي خلمه.‏ فلٌفعل ذلن متى ‏ٌشاء وٌرسم لنا<br />

خطانا من جدٌد،‏ علنا نتخلّص من أن تدعس أحذٌتنا على<br />

المذارة التً‏ أصبحت تمؤل دروبنا وتمودنا إلى أحبابنا وأعمالنا<br />

ومصادر عٌشنا.‏<br />

دعنً‏ أعترؾ أنً‏ مثلً‏ الجنس مثل ذلن الشاب.‏ كما أنً‏<br />

الحمته واشتهٌته بشكل كاد أن ‏ٌخرّ‏ ب عملً‏ تماماً،‏ وٌإدي بً‏<br />

إلى متاهات،‏ هللا وحده ‏ٌعلم كٌؾ ستكون وإلى أيَّ‏ مجرور<br />

سترمٌنً؟!‏ مررتُ‏ فً‏ أولات اعتمدتُ‏ فٌها أنً‏ أخفته وال ‏ٌلبث<br />

أن ‏ٌهرول إلًَّ‏ إلبداء طاعته.‏ لكنً‏ كنتُ‏ مخطباً،‏ إذ إنه اشت ‏َّم فً‏<br />

أثناء ذلن رابحة االستحواذ،‏ فنفر بشدة،‏ رافضاً‏ أن ‏ٌكون ‏ٌوماً‏<br />

لعبتً،‏ وأعلن بكل الطرق التً‏ ‏ٌجٌدها احتماره لً‏ واشمبزازه<br />

الشدٌد.‏ انحدرتً‏ إلى مثل عمر ذلن الشاب،‏ وؼضبتُ‏ بشدّة ممّا<br />

ٖٕ٘


دفعنً‏ إلى ارتكاب جرٌمة خطٌرة اخرى كانت من تداعٌّات<br />

العمى المولّت الذي أصابنً.‏ إن ما فعلته ال ‏ٌزال ‏ٌإرّ‏ لنً‏<br />

وٌخطّ‏ فً‏ نفسً‏ جروحاً‏ من الصعب اندمالها.‏ هكذا ازداد ثمل<br />

الحمل الذي أحمله على كاهلً،‏ إذ كنت حٌنها فً‏ لبضة<br />

الشٌطان مطبماً‏ على خنالً‏ وٌعرؾ أنً‏ أملن الوسٌلة لبلنتمام،‏<br />

فممت بتحرٌض البعض كً‏ ‏ٌمنعوا عنه لممة العٌش.‏ وها أنت<br />

هنا الٌوم بعد كلّ‏ تلن السنٌن التً‏ باعدتنا عن بعضنا بعضاً،‏<br />

تسمع اعترافً‏ وانتمامً‏ من نفسً.‏<br />

ماذا دهان حتى تمذفنً‏ بمثل هذا الحجر الكبٌر؟!‏ هذا أمر ال<br />

‏ٌمكن أن أنالشن فٌه.‏ إذ ‏ٌبمى األمر محصور بحمّن أن تكون<br />

مثلٌاً.‏ إنه لم ‏ٌعد جرٌمة بالتؤكٌد.‏ لكن أال ترى أنه ‏ٌحطّ‏ بالمٌمة<br />

اإلنسانٌّة؟!‏ أنا ال أدري إلى أٌن سٌمودنا هذا؟!‏ إن ما هو فٌن<br />

‏ٌخصّ‏ طبٌعتن الجنسٌّة التً‏ لن أحسدن علٌها ‏ٌوماً‏ وال أستطٌع<br />

إعطاء نفسً‏ حكَّ‏ منالشتن فٌها ولٌس ألحد الحك أٌضاً‏ فً‏ ذلن،‏<br />

أو التوجّه إلٌن بؤٌة اتّهامات.‏ كما لن أن تشتهً‏ من ترٌد وتسؤله<br />

إن كان ‏ٌمبل أن ‏ٌعاشرن.‏ فإذا رفض،‏ علٌن االنسحاب من<br />

المولؾ كلّه وتركه ‏ٌذهب فً‏ سبٌله.‏ كل ما تفعله بعد ذلن بح ‏ّك<br />

ذلن اإلنسان الذي لم ‏ٌمبل عرضن،‏ ستبلحك من أجله ولم ‏ٌكن<br />

‏ٌجب أن ‏ٌحصل،‏ وال أن ‏ٌبدر من رجل مثلن.‏ أما أن تحرض<br />

اآلخرٌن أن ‏ٌمنعوا عنه لممة العٌش،‏ فهذا ال ‏ٌمكن المبول به<br />

على اإلطبلق،‏ فإذا كان هذا صعب إثباته أمام المضاء،‏ فاهلل<br />

‏ٌعرؾ ما جرى تماماً‏ وما ‏ٌجري بدلّة فً‏ هذا العالم.‏ ولم ‏ٌكن<br />

لٌفعله رجل فً‏ مثل مركزن االجتماعً‏ والمضابً.‏ الدنٌا ال<br />

تإخذ ؼبلباً‏ كما تمول ‏"أم كلثوم"‏ ث ‏َّم إنن لم تكن بحاجة إلى هذا<br />

االعتراؾ فمد كنت تستطٌع أن تصلح كلّ‏ شًء ببساطة ودون<br />

ٖٖ٘


أن تربن نفسن بهذا التصرٌح المزعج،‏ دعنا ندعوا هللا أن ‏ٌكون<br />

اعترافن مفٌداً‏ لن،‏ وٌعطٌه سبباً‏ لٌؽفر لن هذا العدوان الذي ال<br />

سبب له.‏<br />

هل تمصد أنن ال تمانع فً‏ أن ‏ٌكون أحد من أصدلابن<br />

منحرفاً؟!‏<br />

من أٌن لً‏ حك الممانعة؟!‏ األطبّاء ال ‏ٌسمون هذا انحرافاَ.‏ هل<br />

ترى أنً‏ من العامة؟!‏ لمد سبك لمنظمة الصحّة العالمٌّة أن<br />

اعتبرته لٌس مرضاً،‏ ورفعته من البحة األمراض المعروفة.‏ إن<br />

هذا الكم الهابل من البشر المنضوٌن تحت هذه الفبة من الناس<br />

أجبروا العلم،‏ على المزٌد من البحث إلى أن تؤكّد إلى اآلن أن<br />

هذا لٌس مرضاً،‏ بل إن هذا االكتشاؾ أظهر للجمٌع الكم الكبٌر<br />

جداً‏ من الناس الذٌن كانوا ‏ٌختببون وراء أصبعهم خوفاً‏ من<br />

الفضٌحة.‏ إنهم فً‏ النتٌجة كوّ‏ نوا فً‏ كلّ‏ أنحاء العالم ‏"لوبٌات"‏<br />

لوٌّة لعبت وتستطٌع أن تلعب دوراً‏ هاماً‏ فً‏ إسماط أو إنجاح<br />

مُرشح ما هنا وهنان.‏ إنهم ماضون فً‏ هذا الطرٌك،‏ وٌزدادون<br />

لوة والخوؾ كبٌر من هذا التمدد الذي أراه طبٌعٌاً،‏ من أن ‏ٌضم<br />

إلٌه من لٌس لدٌهم هذه المٌول وإنما دخلوا إلى هذ المضمار<br />

للتجربة والفرجة أو بسبب الحاجة الماسة إلى المال.‏ وهذا لد<br />

‏ٌخلط لفترة الكثٌر من األمور،‏ وٌُحدث إرباكات اجتماعٌّة<br />

ضخمة ال أحد ‏ٌعرؾ إلى أٌن لد تمتد خطورتها،‏ وماذا سٌُحدث<br />

للسماح للمثلٌٌّن بتبنً‏ األطفال،‏ بحٌث سٌرى العالم نفسه ‏ٌوماً‏<br />

ملًء بالذكور واإلناث الذٌن تربوا فً‏ بٌوت ‏ٌدٌرها مثلٌّون؟!‏ ال<br />

أستطٌع إ ‏ّال أن ألول حذا ‏ِر إن هنان كارثة هابلة تنتظرنا<br />

على الطرٌك إلى المستمبل،‏ لم ‏ٌشهد العالم مثٌل لها مطلماً.‏<br />

حذارِ‏ ،<br />

ٖ٘ٗ


أرجو من المدٌر أن ‏ٌساعدنا الجتٌاز ذلن اله ‏ّم الكبٌر.‏ دعنا ننهً‏<br />

هذا الموضوع الممٌت أرجون،‏ دعنً‏ أصلًّ‏ لن وألول)‏ أنت<br />

عمر الصدٌك الذي شؽل فرنسا كلّها كمحامٍ‏ المع ربح الكثٌر من<br />

المضاٌا المستعصٌة،‏ وهو ‏ٌرتدي عباءته الفرنسٌة إن الرب لن<br />

‏ٌسمح لتولن بتحمٌك ما ‏ٌصبو إلٌه وتعود طفبلً‏ آمبلً‏ أن ‏ٌنمو<br />

من جدٌد وهو خالٍ‏ من ذلن االنحراؾ الممٌت(‏ إنً‏ أشعر<br />

باألسؾ الشدٌد لتحمٌلً‏ ثمل اعترافاتن،‏ وكنتُ‏ أفضل كبدٌل أن<br />

تهبنً‏ بعضاً‏ من شجاعتن.‏ أنا لم أعد أطٌك سماع أٌّة اعترافات<br />

جدٌدة.‏ إن كنتَ‏ تخطّط للمتابعة لل لً‏ أللوم وأؼادر مكانً‏<br />

وكلًّ‏ أمل أن ننسى تعاٌشنا الطوٌل كشخصٌن تجمعهما المحبة<br />

التً‏ تفرزها الصدالة الحمٌمٌّة.‏ لستُ‏ أدري ماذا للتُ‏ وكٌؾ<br />

أعبّر عن مشاعري فً‏ هذه اللحظات؟!‏ أرجو أن تؽفر لً‏ حدّتً‏<br />

فمد صدمتُ‏ بكثٌر من المفاجآت التً‏ لم أكن أتولعها ولم أستطع<br />

تحمّل ضؽطها الماسً‏ علًّ.‏ أرجو أن تشكر هللا ألنً‏ سؤبذل ما<br />

فً‏ وسعً‏ لترتٌب تداعٌّات اإلساءة التً‏ لحمت بها الشاب.‏ أنت<br />

صدٌمً‏ وستبمى كذلن اؼفر لً.‏ إنً‏ آسؾ أٌضاً‏ ألنً‏ لم أنهِ‏ بعد<br />

طلباتً.‏ دعنً‏ أسؤلن:‏ هل تملن دالة على أحد الصاؼة<br />

المعروفٌن؟!‏ إذ إنً‏ أنوي شراء خاتم ‏ٌحمل ألماسة معتبرة<br />

تظهر جمالها متصنّعة الخجل،‏ أو تسحب ‏ٌدها من تضعه فً‏<br />

أصبعها خوفاً‏ من العٌن الحسود.‏<br />

نعم أٌها الحب ب ربحتُ‏ منذ أشهر مضت دعوى مهمة جداً‏<br />

ألحد من الصاؼة الكبار كانت ستؤخذه إلى اإلفبلس تماماً‏ فٌما<br />

لو خسرها.‏ المال الذي ‏ٌخصن لد وصل ولم ‏ٌعد أمامنا سوى<br />

الذهاب إلى مكان لٌس بعٌداً.‏ هٌا بنا.‏ هل تعلم أنن أبرع من<br />

صاغ الجملة المنطولة باللؽة العربٌه.‏ لرأتُ‏ لن مماالً‏ فً‏<br />

ٖ٘٘<br />

ٌ


صحٌفة النهار لرأه كلّ‏ الفرٌك الذي ‏ٌعمل معنا،‏ وكل من زار<br />

المكتب لمدة شهر.‏ أشعر بؤن لٌس علًّ‏ االكتفاء بهذا اللماء فمط.‏<br />

أرجو أن تفسح فً‏ المجال للماء آخر لبل رجوعن إلى بٌروت.‏<br />

سؤسعى بكلّ‏ لواي لٌكون اجتماعنا أطول حٌث ‏ٌمكن أن<br />

تطرح فٌه موضوعات أشمل،‏ وتتعلّك بما ستمدّمه لنا األٌام تباعاً‏<br />

فً‏ المستمبل.‏<br />

لالوا لً‏ فً‏ الفندق أن العابدي هو فً‏ دمشك،‏ هذا ممّا ‏ٌجعلنً‏<br />

آمل بلمٌاه ألعطٌه فكرة عن تدهور فندله نتٌجة لفمره على ما<br />

‏ٌبدو.‏ ضحكنا كثٌراً،‏ ومن ناحٌتً‏ فعلتُ‏ ذلن من كل للبً.‏ كنتً‏<br />

بحاحة لذلن بمدر ما شعرت بؤن الجلسة مع عمر كانت محمونة<br />

بتوتر لم أشعر به وأنا أجالس صدٌماً‏ ‏ٌوماً.‏<br />

لمد ؼبت عنً‏ للٌبلً‏ ترى أٌن كنت؟!‏<br />

زارنً‏ طٌؾ أمً‏ ووشوشنً‏ بضع كلمات فً‏ أذنً‏ الٌمنى،‏<br />

فاضطررت إلى االستدارة للٌبلً.‏ إنً‏ أشعر بؤنها تكون إلى<br />

جانبً‏ كلّ‏ ما تحرّ‏ ن الشر فً‏ محٌطً.‏ لمد لاطعتنً‏ عندما كنتُ‏<br />

أفكر بؤمر آخر كان ‏ٌشؽلنً‏ لابلة:‏ عذراً،‏ إن ما جبتُ‏ من أجله<br />

ال ‏ٌمكننً‏ إهماله.‏ الرب لال لً:‏ تابعً‏ ما تفعلٌنه ابننا بحاجة<br />

إلى حماٌة.‏ هذا ‏ٌملمنً‏ بعض الشًء ‏ٌا عمر.‏<br />

ال بؤس ‏ٌا زٌاد.‏ لمد ذهبت أمً‏ إلى خالمها،‏ وفً‏ الٌوم الثالث<br />

توفًّ‏ أبً‏ وهو ‏ٌستمبل المعزّ‏ ‏ٌن.‏ بعد شهرٌن انتبهت وأنا جالس<br />

أمام الت ‏ِلفٌزٌون"‏ أستمع لؤلخبار،‏ إنً‏ أعٌش وحٌداً‏ ال أخ وال<br />

ٖ٘ٙ<br />

"


أخت.‏ أذكر إنها كانت الساعة العاشرة مساءً.‏ كان الهاتؾ لربً‏<br />

حاولت مرّ‏ تٌن رفع السماعة،‏ ولكنً‏ كنتُ‏ أفشل فً‏ االحتفاظ بها<br />

مرفوعة.‏ لكن أخٌراً‏ أوصلنً‏ الهاتؾ إلى المطار حٌث طلبت<br />

الخطوط الجوّ‏ ‏ٌة الفرنسٌة.‏ فً‏ الٌوم الثانً‏ كنتُ‏ أنزل بوساطة<br />

سلّم الطابرة إلى أرض مطار ‏"أورلً".‏ لمد أصبحت مواطناً‏<br />

فرنسٌاً،‏ لكنً‏ ال أزال وحٌداً‏ ؼٌر محبوب على ما أشعر،‏ وال<br />

تزورنً‏ األطٌاؾ.‏ ها لد وصلنا إلى الذي سنشتري منه الخاتم<br />

آمل أن ‏ٌعجبن.‏<br />

أرجون.‏ دعنً‏ أمسح دموعً‏ وأُرتّب نفسً.‏ سؤران حتماً‏ لبل<br />

عودتً‏ إلى بٌروت.‏ لكن ال تؤتِ‏ وفً‏ جعبتن ما ‏ٌُدمً‏ الملب،‏<br />

بمٌنا فً‏ الداخل نصؾ ساعة،‏ وخرجنا وبرٌك الجواهر ال ‏ٌزال<br />

فً‏ عٌوننا.‏<br />

للت لن سؤران وأنا أوفً‏ بوعودي<br />

مضطر أن أصل إلى فندلً‏ بسرعة.‏<br />

دابماً،‏ عذراً‏ وشكراً‏ لكنً‏<br />

إنه لرٌب من هنا.‏<br />

أنا<br />

أحتاج للولت وعلً‏ أن أطلب سٌّارة أُجرة.‏<br />

ٕٗ<br />

كنت أدخل إلى الفندق فً‏ الساعة السادسة والنصؾ.‏ ورأٌت<br />

فرانسوا ‏ٌسؤل عنً‏ فً‏ ؼرفة االستمبال.‏ اتّجهتُ‏ صوبه وعندما<br />

أصبحت وراءه ربتُ‏ على كتفه وللت له:‏ أهبل بن هٌا بنا نجلس<br />

ٖ٘7


فً‏ ذلن الركن حٌث ‏ٌمكننا أن نتبادل الحدٌث بهدوء.‏ ابتسم<br />

ولال:‏ سمعاً‏ وطاعة.‏ لمّا أخذنا أمكنتنا رأٌت فً‏ مبلمحه شٌباً‏<br />

ما،‏ دعانً‏ إلى تدلٌك النظر فً‏ عٌنٌه دون االنتباه لِما أفعل،‏<br />

فرأٌت دمعة تتكوّ‏ ن وما لبثت أن سمطت على خدّه األٌسر،‏<br />

سارعتُ‏ إلى إدارة وجهً‏ إلى مكان آخر كؤنً‏ أبحث عن نادل.‏<br />

عندما نظرت إلٌه مرّ‏ ة أخرى كان وجهه ملٌباً‏ بالدموع ‏ُشده ‏ُت،‏<br />

إذ إنً‏ لم ‏ٌكن لد رأٌت إ ‏ّال لماماً‏ حزناً‏ مشابهاً‏ فً‏ مثل هذه<br />

األعمار.‏ هذا ما حرّ‏ ن مشاعري وأربكها بطرٌمة مُستفزة،‏<br />

وهكذا لم أستطع أن أتؽاضى عمّا لمس ‏ُت وكؤن شٌباً‏ لم ‏ٌكن،‏<br />

وأحسب نفسً‏ أعمى أبكم.‏ مرت أمورّ‏ كثٌرة كانت كلها ممكنة<br />

الحدوث لشاب ال ‏ٌعمل ولٌس لدٌه أيَّ‏ مورد آخر ‏ٌمٌه من<br />

الجوع.‏ لن أسؤله عن أي شًء لد ‏ٌوجه إلٌه ربّما إساءة ضمنٌة.‏<br />

لكن لم أرد االستمرار فً‏ هذا ‏"المونولوج"‏ وأدع الصمت هو<br />

الذي ‏ٌتكلم دون أن أعرؾ ما ‏ٌمكن أن ‏ٌمول؟!‏ لكنً‏ كنت متؤكداً‏<br />

أن شعوري بالمسإولٌّة عن هذا الكابن الذي أمامً‏ أراحنً‏<br />

كثٌراً.‏ لذلن سارعتُ‏ إلى المول:‏ لمد أرهمنً‏ الٌوم أستاذن.‏ إذ إن<br />

النماش وصل بٌننا إلى نمطة كان التحرّ‏ ن منها إلى ؼٌرها<br />

صعباً،‏ وٌمتضً‏ منً‏ كشؾ أورالً‏ ممّا لد ‏ٌؤخذنا ذلن إلى<br />

تخرٌب صدالتنا من أجل لضٌّة ربّما كنت سؤلوم نفسً‏ طوٌبلً‏<br />

لتدخّلً‏ فٌها.‏<br />

<br />

هل تمزح ‏ٌا دكتور.‏<br />

ال أبداً‏ نحن بشر،‏ وال أحد ‏ٌعرؾ كٌؾ تنزلك األمور من<br />

األٌدي وتإدّي إلى الدخول فً‏ متاهات ال تحمد عمباها.‏ مدد ‏ُت<br />

ٖ٘8


‏ٌدي إلى سترتً‏ وأخرجت محرمتً‏<br />

وراءن اذهب إلٌه وعد كما كنت.‏<br />

النظٌفة وللت له:‏ الحمّام<br />

لمد أسرع فً‏ إعادة هٌبته إلى ما كانت علٌه.‏ لكنه ما أن جلس<br />

لربً‏ حتى وضع ‏ٌدي بٌن راحتٌه ولبلها بسرعة ولال:‏ لماذا<br />

تربكنً‏ وأنا لم أفعل لن شٌباً؟!‏ عذراً‏ ‏ٌا سٌّدي فما أرٌد لوله<br />

تماماً‏ هو أننا صباحاً‏ عندما كنا على الفطور،‏ وفً‏ لحظة ما<br />

تمنٌت أن تكون أبً.‏ إنً‏ آسؾ ‏ِلما حصل من اربان كنتُ‏ سببه.‏<br />

إذ إنً‏ ال أدري فعبلً‏ لمَ‏ اندفعتُ‏ وتحدّثتُ‏ عن اإلشكال الذي<br />

حدث بٌنً‏ وبٌن األستاذ عمر.‏ كان كشفً‏ لؤلمر تسرّ‏ عاً‏ ؼٌر<br />

ممبول.‏ أنا آسؾ وأعتذر ألن ما للته فً‏ نهاٌة األمر لم ‏ٌكن<br />

‏ٌمثل حمٌمة مشاعري.‏ لكن الحمٌمة تمول:‏ أنن تملن جاذباً‏ إنسانٌاً‏<br />

جعلنً‏ أستعٌد شرٌط حٌاتً‏ كلّها،‏ مما أنسانً‏ أنن لست أبً‏<br />

وال ‏ٌمكن أن تكون هو.‏<br />

ال تؤسؾ على شًء.‏ إنً‏ المذنب الوحٌد فٌما حدث.‏ الحمٌمة<br />

أنً‏ ال أعرؾ تماماً‏ من أو ماذا دفعنً‏ إلى الدخول فً‏ هذا<br />

الجدل الحاد الذي تصاعد وانخفض توتّره حتى ارتؤى األستاذ<br />

إلى الكشؾ بنفسه على ما أزعجنً‏ وأربكنً‏ استمراءه.‏ ل ‏َم<br />

وضعتنً‏ فً‏ هذا المولؾ؟!‏ فلو للت الحمٌمة كما هً،‏ وكشفت<br />

عن أفكارن تماماً،‏ فربما كانت األحداث لد أخذت مساراً‏ آخر<br />

ألل تكلفة.‏ ربما ‏ٌكون صعباً‏ فً‏ مولؾ كهذا أن نعرؾ كٌؾ<br />

جرت األمور.‏ لكن بعد أن م ‏ّرت حدّة المولؾ بسبلم أجد نفسً‏<br />

ال أزال أص ‏ّر أنً‏ أنا المبلم.‏ لست أدري كٌؾ أنملب كلّ‏ شًء<br />

راساً‏ على عمب ودفعت صدٌمً‏ بطرٌمة ما إلى االعتراؾ بؤنه<br />

مثلًّ‏ الجنس،‏ وهو لطالما اشتهان وربّما فهمتُ‏ أٌضاً‏ أنن<br />

ٖ٘9


خطفت منه من كان ‏ٌؤمل أن ‏ٌنمذه ممّا هو فٌه.‏ لمد حاولت<br />

الهرب واالختفاء عن األنظار،‏ إذ إنً‏ أدركت أن الطرٌمة التً‏<br />

اتّبعتها إلٌصال صدٌمً‏ إلى ما وصل إلٌه،‏ لم تكن إنسانٌّة على<br />

اإلطبلق.‏ لمد رجانً‏ أالّ‏ أنسحب من الؽداء وذهب للٌبلً‏ إلى<br />

ؼرفة االستمبال،‏ ومن هنان أرسل بوساطة الفاكس ما ‏ٌفٌد أنه<br />

استمال من عمله فً‏ الجامعة ألسباب صحٌّة.‏<br />

ماذا علًّ‏ أن أفعل الستعادة رضان.‏<br />

أرجو أ ‏ّال تشعر بالذنب على االطبلق.‏ إذ إنن لم ‏ٌكن بإمكانن<br />

تولع ماذا سٌحدث،‏ وربّما لم ‏ٌكن ‏ٌمكنن أن تمول الحمٌمة كما<br />

هً.‏ لكن ‏ٌبدو أن هللا كان حلٌفن وحلٌفه فً‏ الولت نفسه،‏<br />

وأؼلمت تلن المضٌّة بسبلم.‏ أرجو أن تساعدنً‏ فً‏ خطتً‏<br />

لحٌاتن لمدة سنتٌن،‏ حٌث من المفترض أن أعود صدٌماً‏ لن<br />

ولٌس مسإوالً‏ عنن.‏ أنا ال أستطٌع عدّن محتاالً‏ مثل الكثٌرٌن<br />

الذٌن نراهم فً‏ هذه األٌام.‏ لذلن أشعر وأنا حرّ‏ اإلرادة بؤن هللا<br />

وضعن فً‏ وطرٌمً‏ ولال لً:‏ تصرّ‏ ؾ اعتبره أخان الصؽٌر.‏<br />

نعم هذا ما جرى فً‏ أعمالً‏ وأرجون لبول مساعدتً‏ حتى<br />

تخرّ‏ جن من الجامعة.‏<br />

أنا أشكرن من كلّ‏ للبً،‏ لكنً‏ ال أستطٌع لبول ما تمترحه.‏<br />

رؼم أن الولت المصٌر الذي لضٌته معن،‏ لكننً‏ لن أستطٌع<br />

محوه من ذاكرتً.‏<br />

ولؾ<br />

فرانسوا ولال أرجو أن تسمح لً‏ بالذهاب فً‏ سبٌلً.‏<br />

ٖٙٓ


أنا ال أستطٌع أن أولفن عن الرحٌل متى شبت.‏ لكنن إذا<br />

أصررت ستإذٌنً‏ فً‏ الصمٌم،‏ أنا ال أدري كٌؾ انتملت فجؤة<br />

إلى مكان بعٌد كثٌراً‏ عنً‏ وأصبحنا نتكلّم عبر الهاتؾ.‏ أرجو أ ‏ّال<br />

ترتكب هذا الخطؤ.‏ انحنى فرانسوا ولبل جبٌن زٌاد ثمّ‏ ذهب<br />

دون أن ‏ٌمول شٌباً.‏ لكن زٌاد أٌضاً‏ ترن الشاب ‏ٌؽادر دون أن<br />

‏ٌنبس ببنت شفة،‏ ولم ‏ٌلتفت إلى خطواته المصمّمة على نسٌان<br />

ذلن النهار الذي أوشن على المضًّ‏ ِ. لكن زٌاد لم ‏ٌتحمّل ما<br />

‏ٌحدث فً‏ داخله طوٌبلً‏ وترن دموعه تنهمر مدراراَ،‏ إلى أن<br />

تولفت وأخذته إلى الماضً‏ الذي اختلط فٌه مسرح األحداث<br />

بالمرٌب منها مع المؽرق فً‏ البعد.‏ لالت له تلن األٌّام:‏ ما أنت<br />

‏ٌا من تملن المال الكثٌر إالّ‏ إنسان فاشل بشكل مرٌع.‏ إن كاترٌنا<br />

لمّا فتحت عٌنٌها فً‏ ذلن الصباح ولم ترن لربها صرخت لابلة:‏<br />

أنا لم أعد أرٌد الزواج منن.‏ لمد بتُّ‏ أعتمد أنن ال تصلح<br />

للزواج.‏ اسمع ما ألول فهذا سٌنمذن من العودة إلى الجحٌم.‏ تمتع<br />

فً‏ هذه الدنٌا كما ترٌد،‏ ولكن ابتعد عن الزواج وارحم نفسن.‏<br />

مرّ‏ النادل من أمامه وتولؾ للٌبلً‏ لاببلً:‏ أنا أحمد ‏"أترٌد شٌباً‏ ‏ٌا<br />

سٌّدي؟!‏ إنً‏ مستعد أن أذهب معن إلى بٌروت ولكن بعٌداً‏ عن<br />

أهلً.‏ إذ إنً‏ أعرؾ كلّ‏ ما ‏ٌتعلّك بالبٌت،‏ كما أنً‏ أجٌد الطبخ<br />

وألدم طعاماً‏ شهٌاً‏ مدهشاً.‏<br />

ؼداً‏ فً‏ الثامنة صباحاً‏ أحمل معن طعام الفطور وسنتكلم فً‏<br />

هذا."‏ الممطع األخٌر كان فٌه ‏"زٌاد"‏ فً‏ مولؾ مربن آخر،‏ إذ<br />

إن زٌاد ظن أن النادل الذي ‏ٌكلمه هو أحمد نفسه الذي تركته<br />

خطٌبته الختبلؾ الدٌن،‏ وهو لم ‏ٌكن ‏ٌوماً‏ نادالً‏ فً‏ ال ‏"جورج<br />

"5<br />

ٖٙٔ


‏ٕ٘ <br />

وصلت إلى تلن الكافتٌرٌا التً‏ كنتُ‏ أراها تزداد جماالً‏<br />

وتؤلّماً.‏ انتمٌت مكاناً‏ مبلصماً‏ للذي جلسنا فٌه أول مرة.‏ كان ال بدّ‏<br />

من أستعٌد تلن اللحظة التً‏ بدأ فٌها حبنا ‏ٌنمو كمتوالٌة هندسٌة.‏<br />

شعرتُ‏ فً‏ تلن اللحظات أن ‏"شكسبٌر"‏ ‏ٌمبع على تلن الطاولة<br />

على هٌبة حمامة بٌضاء شامخة معتدة ملٌبة بالعنفوان.‏ ابتسم ‏ُت<br />

وأشحت بوجهً‏ وللتُ‏ فً‏ نفسً:‏ إلى متى ‏ٌؤخذنً‏ خٌالً‏ إلى<br />

‏"زنوبٌا"‏ وشكسبٌر ‏"وفان ؼوغ"‏ والكثٌر ؼٌرهم،‏ ترى ‏ٌا ر ‏ّب<br />

هل هذا معٌباً‏ أو نمصاً‏ فً‏ شخصٌّتنا نستخدمه استجارة؟!‏ أال<br />

‏ٌستطٌع ‏"شكسبٌر"‏ أن ‏ٌعٌد كتابة رابعته ‏"رومٌو و جولٌت"‏<br />

دون أن ‏ٌحشو فٌها تلن الدراما الفاجعة،‏ حٌث العشٌك ‏ٌمتل<br />

نفسه،‏ ثم ال تلبث تلن العاشمة الرابعة الجمال ذات الشفتٌن<br />

المرمزٌّتٌن،‏ أن تمتل نفسها عندما رأت حبٌبها مُمدّداً‏ على<br />

األرض جثّة هامدة،‏ فشربت السم دون تردّد لتلحك بحبٌبها إلى<br />

جنّة الخلد.‏ من جهتً‏ أنا ال ألوى على ذلن وأرفض الفكرة<br />

جملة وتفصٌبلً.‏ كما أنً‏ أرفض التفكٌر فٌما لد تفعله كاترٌن.‏<br />

لل لً‏ ‏"ٌا شكسبٌر"‏ العزٌز:‏ أال ‏ٌمكن أن ‏ٌتفتّك ذهنن عن نهاٌة<br />

أخرى ‏ٌموت فٌها ‏"زٌاد"‏ فً‏ األربع والثمانٌن،‏ وتموت كاترٌن<br />

صوماً‏ عن الطعام بعد أن رأت أنه لم ‏ٌعد للحٌاة أٌّة معنى طالما<br />

أنً‏ رحلتُ‏ بعٌداً‏ ولم أعد لادراً‏ أن أمسن بٌدها تارة وألبّل<br />

راحتً‏ ‏ٌدٌها تارة أخرى؟!!‏ لكنً‏ انتبه ‏ُت فجؤة أن نصؾ ساعة<br />

مرت ولم تظهر كاترٌن ممّا جعل لشعرٌرة تنتابنً،‏ وتدفعنً‏<br />

إلى الدخول فً‏ للك وتوتّر عمٌمٌن،‏ فؤخذ للبً‏ ‏ٌسرع فً‏ دلاته<br />

متؤبطاً‏ بً،‏ وآخذاً‏ إٌّايَ‏ إلى عدّة احتماالت فٌها الكثٌر من<br />

المبالؽات التً‏ أمعنت فً‏ إثارتً‏ فً‏ كرسًّ‏ ِ المرٌح وأجبرتنً‏<br />

ٖٕٙ


على الولوؾ وأنا أدٌر رأسً‏ ‏ٌمنة وٌسرة دون أن أدري ماذا<br />

أبؽً‏ من كلّ‏ هذا.‏ جلستُ‏ دون أن أنظر حولً‏ خوفاً‏ من أن أرى<br />

الدهشة ترتسم على الوجوه.‏ بدأتُ‏ بمحاولة المراءة فً‏ إحدى<br />

الصحؾ،‏ ولكن عبثاً.‏ إذ إنً‏ اكتشفت فً‏ تلن اللحظة أنً‏ ال<br />

أستطٌع أن أهتم عملٌاً‏ بشٌبٌن مختلفٌن.‏ ترى ماذا علًَّ‏ أن أفعل،‏<br />

فؤنا ال أعرؾ أٌن ‏ٌمع منزلها فلم أكن أنا من كان ‏ٌمشً‏ مع<br />

كاترٌن عندما تناولنا الؽداء فً‏ بٌتها الجدٌد.‏ إذ كنت مشؽوالً‏ فً‏<br />

التمتع بالنظر إلى أعماق عٌنٌها وتركتها تمودنً‏ كما تشاء،‏<br />

ربّما كانت روحً‏ هً‏ التً‏ كانت تنفخ فً‏ شعرها األحمر<br />

الداكن المم ‏ّوج ببعض السواد.‏ وتتفرّ‏ ج كٌؾ كان ‏ٌتطاٌر<br />

وٌرلص بتلن الروعة التً‏ ال نظٌر لها.‏ طال االنتظار بحٌث<br />

للتُ‏ لنفسً‏ ربّما نسٌتْ‏ ، أو مرض ‏ْت مرضاً‏ شدٌداً‏ للت لنفسً:‏<br />

أنا ال أذهب بعٌداً‏ فما أفترضه معمول الحدوث أليّ‏ إنسان.‏ فً‏<br />

هذه اللحظة ولؾ أحمد أمامً.‏ نظرتُ‏ إلٌه كاألبله األبكم وفً‏<br />

الولت نفسه كنتُ‏ أحاول استعادته إلى ذاكرتً.‏ لمد نسٌته تماماً‏<br />

ثم بدأت صورته تتضح وٌعود إلى ذهنً‏ كلّ‏ ما حدث بٌنً‏<br />

وبٌنه.‏ ال بدّ‏ أن للّة نومً‏ فً‏ هذه األٌام شوّ‏ شت عملً.‏ أو ما<br />

حدث مع فرنسوا ال شن أنه هزّ‏ نً‏ بعنؾ وأعتمد أنً‏ لن أنسى<br />

هذا المولؾ الذي وجدتُ‏ نفسً‏ فٌه.‏ لم أفهم لمَ‏ رحّب بً‏ أحمد<br />

بوجه مكفهر ولال بطرٌمة ممسرحة،‏ لكنها كانت جافة فٌها<br />

الكثٌر من الحركات العصبٌّة التً‏ لم تستطع الٌدان التولؾ عن<br />

المٌام بها ولال:‏ هل أنت على موعد مع السٌّدة كاترٌن؟!‏ أجبته<br />

باإلٌجاب.‏ فؤطرق حزٌناً‏ حابراً‏ ‏ٌنظر ‏ٌمٌناً‏ وٌساراً‏ وربما ‏ٌكاد<br />

أن ‏ٌفمد توازنه،‏ أو إنه فمد فعبلً‏ المدرة على صٌاؼة ما ‏ٌرٌد أن<br />

‏ٌمول.‏ ثم رجانً‏ أن أتمشً‏ معه إلى لوس النصر.‏ فً‏ تلن<br />

ٖٖٙ


نأن<br />

اللحظات ابتسم بطرٌمة لم أستطع فهمها.‏ للت ال بد أنن تعرؾ<br />

شٌباً‏ وترٌد أن تحدثنً‏ عنه بطرٌمة هادبة ال تُصدر أصواتاً.‏<br />

هذا صحٌح تماماً.‏<br />

‏ٌبدو أنً‏ لن أعود إلى مكانً.‏ ماذا علً‏<br />

مال؟!‏<br />

أن أترن للممهى من<br />

لمد تدبرت األمر ال تخش شٌباً.‏ كما أنً‏ أخذت إجازة ‏ٌومٌن.‏<br />

سؤرافمن فٌها إلى أي مكان ترٌد الذهاب إلٌه.‏<br />

فً‏ تلن اللحظة أدركتُ‏ أن أمراً‏ خطٌراً‏ لد حدث ولم ‏ٌعد الهرب<br />

ممكناً.‏ بعد بضع دلابك كنا لد وصلنا إلى شارع من الشوارع<br />

ؼٌر المُتّسعة.‏ كان أحمد إلى ‏ٌساري فمال:‏ لندخل إلى الٌسار،‏ إذ<br />

إن الكثٌر من الطرلات حول الشانزلٌزٌه ستجدها تشبه هذا الذي<br />

نسٌر فٌه.‏ على الٌمٌن سترى ممهىً‏ صؽٌراً‏ نستطٌع فٌه أن<br />

نشرب شٌباً‏ ونتابع الحدٌث.‏<br />

حسناً،‏ ‏ٌبدو أنن تنوي أن تسمٌنً‏ الكؤس المرّ‏ ة على دفعات.‏ إذ<br />

أعتمد درستنً‏ جٌّداً‏ واستنتج ‏َت أنً‏ لد ال أملن الموّ‏ ة الكافٌة<br />

للمماومة فً‏ الملمّات،‏ أعتمد أنن مخطا،‏ لكن لن ‏ٌضٌرن أن<br />

تشبه أمً.‏ إذ إنها أٌضاً‏ لم تكن تإمن بؤنً‏ على عكس ما ‏ٌُظ ‏ّن<br />

سؤبدو لوٌاً‏ عندما أشمُّ‏ رابحة المصٌبة.‏<br />

ٖٙٗ


لم ‏ٌجب أحمد،‏ لكنه هزّ‏ رأسه موافماً‏ ولال:‏ وصلنا إلى الممهى<br />

الصؽٌر،‏ تفضل لندخل إلٌه.‏ لال ذلن أحمد ولد بدا أنه سٌمول ما<br />

عنده.‏<br />

لمّا جلسنا عاد إلى استبلم الزمام عبر سعال بسٌط ولال:‏ كانت<br />

كاترٌن تدخل إلى هذا الشارع الذي فً‏ نهاٌته ‏ٌمع بٌت عمّتها،‏<br />

عندما ‏َسمع ‏ْت صوت سٌّارة مسرعة تحاول أن تدخل إلٌه<br />

محاولة الهرب من سٌّارة شرطة تبلحمها.‏ أسرعت كاترٌن إلى<br />

الرصٌؾ لبل أن تدخل السٌّارة الهاربة تماماً‏ إلى الشارع.‏ إذ<br />

إنها كانت فً‏ مرحلة االلتفاؾ،‏ ووراءها سٌّارة الشرطة تحاول<br />

الدخول.‏ لكن سابك السٌّارة األولى فمد توازن سٌارته وأصاب<br />

بعض الخلل كوابحها،‏ فاندفعت بسرعة إلى الرصٌؾ لتؤخذ<br />

معها كاترٌنتنا وتحطّم بساطة هذا الجمال الرابع وتمضً‏ فً‏<br />

دلابك للٌلة على حٌاتها التً‏ كانت تمؤل الحٌاة حٌاةً.‏ لكن وهً‏<br />

تلفظ أنفاسها األخٌرة اتسع لها الولت لتلفظ اسمن على ما أعتمد،‏<br />

وربّما لالت شٌباً‏ أخر اعذرنً‏ لم أعد أذكر ما لٌل لً.‏ ث ‏ّم<br />

أردؾ:‏ حدث كلّ‏ ما للته لن أمس مساءً.‏ أعتدل ‏"أحمد"‏ فً‏<br />

جلسته منتظراً‏ ماذا سٌمول ‏"زٌاد"‏ لكنه لم ‏ٌمل شٌباً،‏ بل تحول<br />

إلى تمثال من الشمع ال شًء فٌه ‏ٌتحرّ‏ ن.‏ لكن ‏"أحمد"‏ كان<br />

‏ٌخشى ممّا ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث بعد حٌن،‏ فؤسرع إلى المول:‏ أال<br />

تشعر بؤن من الواجب زٌارة العمة لتعزٌتها؟!‏ كنت ستخطبها<br />

الٌوم ألٌس كذلن؟!‏ نظر زٌاد نظرة ؼرٌبة إلى أحمد تحمل فٌها<br />

من الدهشة واالستهجان الشًء الكثٌر ثمَّ‏ لال بهدوء عجٌب وهو<br />

‏ٌحرّ‏ ن ذراعٌه إلى األعلى:‏ اسرح بخٌالن ‏ٌا أحمد ودع عٌنٌن<br />

تمتحمان الؽٌوم لترى النجوم.‏ ثمَّ‏ جرب أن تضعنً‏ فً‏ المولؾ<br />

الذي علًَّ‏ أن أكون فٌه.‏ الٌوم فً‏ الرابعة صباحاً‏ زارنً‏ طٌؾ<br />

ٖٙ٘


المسٌح ورسم إشارة الصلٌب بالزٌت الممدّس على جبٌنً‏ دون<br />

أن ‏ٌنبس ببنت شفة.‏ نعم ‏ٌا أحمد هذا ما حدث،‏ بمٌت صامتاً‏ فترة<br />

ال ألوى على الكبلم.‏ لكنه التفت إلً‏ بعٌنٌن لم أر مثل صفابهما<br />

فً‏ حٌاتً‏ ولال:‏ أرنً‏ أٌها الحبٌب هدوءن فً‏ هذا الٌوم<br />

الصاخب.‏ كنت سؤطلب ‏ٌدها هذا المساء.‏ أنت ال تعرؾ أهمٌّة<br />

تلن اللحظات لتوازنً‏ فً‏ المستمبل المرٌب والبعٌد.‏ إن حاجتً‏<br />

إلٌها أكثر مما أحتاج إلى نفسً.‏ لم ‏ٌتعدّ‏ األمر سوى ثبلث<br />

جلسات التمٌنا فٌها سوٌّة،‏ حٌث تماربت فٌها روحانا وربّما<br />

امتزجتا ببساطة ؼرٌبة.‏ أنا زٌاد الخجول الذي ‏ٌربكه أيّ‏ شًء،‏<br />

أخشى أن أتعثّر بذاتً‏ فً‏ مولؾ كهذا.‏ أنا زٌاد الذي تحرّ‏ ر من<br />

شعوره بالؽربة بعد لمابنا األول بعدة دلابك للٌلة،‏ وبعد ذلن<br />

شًء ما من خارجنا أو من داخلنا لست أدري،‏ لكنه تمكّن من<br />

رفع الكلفة بٌننا ورماها على لارعة الطرٌك.‏ ث ‏َّم أطلمنا لنلعب<br />

فً‏ برّ‏ ‏ٌتنا المشتركة المفعمة برابحة الزهور.‏ كنا أحراراً‏ ‏ٌا<br />

أحمد وتكاد الحرّ‏ ‏ٌة أن تطٌر بنا إلى السماء،‏ كما لو كانت<br />

عشرتنا لد ابتدأت لبل خروجنا من رحم هذه الدنٌا بولت طوٌل.‏<br />

ترى من اختطفها منً؟!‏ أيّ‏ شٌطان فعل ذلن؟!‏ لن أرفع صوتً‏<br />

ألن السماء ال تحب ذلن.‏ ثمَّ‏ إنً‏ لم أعد خابفاً‏ من الوحوش،‏<br />

فلتمزلنً‏ كما ترٌد.‏ إنً‏ أعٌش لحظات خاصة اآلن.‏ نعم ‏ٌا أحمد<br />

أنا أشعر باإلدران ‏ٌملإنً‏ معرفة فً‏ هذه اللحظات وتمول لً:‏<br />

إنها لن تطال روحً‏ مهما حاول ‏ُت.‏ ترى هل ‏ُخلم ‏ُت ألُري<br />

اآلخرٌن كٌؾ ‏ٌعٌش المحروم من السعادة؟!‏ لكن هل سٌحرمنً‏<br />

أٌضاً‏ من الدموع ذلن اللبٌم الهابم فً‏ البراري؟!‏ أنا أشعر<br />

بكاترٌنا اآلن تمسّدُ‏ لً‏ عٌنً‏ وتمول لهما:‏ دعوه ‏ٌبكً‏ ‏ٌا<br />

أصدلابً،‏ فإنكم بحرمانه من دموعه ستفجّرونه إلى أشبلء.‏<br />

أهكذا تعاملون األحبة؟!‏ أنا ال أدري وال أعرؾ ماذا ‏ٌعنً‏ هذا<br />

ٖٙٙ


التفصٌل الصؽٌر ولماذا سمح الرب بحدوثه،‏ ثمَّ‏ ؼضَّ‏ الطرؾ<br />

وترن العمد ‏ٌنفرط وتختفً‏ حبّاته هنا وهنان،‏ وانتهى كلّ‏ شًء.‏<br />

ترى هل كان الرب ‏ٌتفرج ولم ‏ٌشترن فً‏ ما جرى؟!‏ ال،ال<br />

وألؾ ال،‏ هللا أكبر كما تمولون أنتم المسلمٌن.‏ طبعاً‏ ‏ٌا أحمد،‏ هللا<br />

أكبر.‏ إنه لم ‏ٌكن حلماً‏ بالتؤكٌد وال جحٌماً‏ على اإلطبلق.‏ هللا<br />

أكبر بالتؤكٌد ‏ٌا أحمد.‏ كن ‏ُت خجوالً‏ جداً‏ مع النساء واستم ‏َّر هذا<br />

طول حٌاتً.‏ سح ‏ٌر ما تدخّل وطرد خجلً‏ منذ اللحظة األولى.‏<br />

أذكر أنً‏ شعرتُ‏ كؤن حٌاتً‏ الحمٌمٌّة لد بدأت فً‏ تلن اللحظات.‏<br />

لكن الرب لسبب ال أعرفه لم ‏ٌرد ذلن،‏ فؤخذها إلٌه مبمٌاً‏ إٌّاي<br />

هنا وحٌداً،‏ أنا وجمال بارٌس أبكمان ال ‏ٌستطٌعان أن ‏ٌدخبل فً‏<br />

أيّ‏ حوار.‏ أخذتنً‏ الصدمة معها وأرتنً‏ صورتً‏ وأنا ال أرى<br />

شٌباً‏ أمامً‏ سوى تكثّؾ الؽموض وخرٌؾ دابم ببل اخضرار،‏<br />

وتؽلّب اللون الرمادي على كلّ‏ األلوان.‏ هنان من ‏ٌلحُّ‏ بالمول فً‏<br />

داخلً:‏ علٌن أن تإمن ‏ٌا زٌاد أن الرب ‏ٌعرؾ كٌؾ ‏ٌدٌر<br />

رعاٌاه،‏ وأيّ‏ طرٌك علٌهم أن ‏ٌسلكوا،‏ هل ذان الممهّد الذي إلى<br />

جانبً‏ األٌمن هنان،‏ أم هذا المرٌب الملًء بالحجارة؟!‏ ترى أٌن<br />

أمً‏ اآلن؟!‏ هل هً‏ فً‏ إحدى المؽاور وٌسد باب لبرها حجر<br />

كبٌر سٌتدحرج وأنا أتكلم معن ‏ٌا أحمد.‏ إن بضع كلمات ‏ٌحملها<br />

منطاد كبٌر تمول:‏ ال تخافوا إذا رأٌتم الجبلد ‏ٌختبا فً‏ الزاوٌة<br />

المرٌبة إنه فؤل حسن.‏ ستبمى عٌناها ‏ٌا أحمد مكاناً‏ أسبح فٌه<br />

طٌلة حٌاتً.‏ ماذا لو أتٌح لً‏ الؽرق فعبلً‏ فً‏ عٌنٌها؟!‏ ما أألمن<br />

‏ٌا شٌطان،‏ ألم تكت ‏ِؾ بما فعلته بحٌاتً،‏ لمد كنتَ‏ لبٌماً‏ وال تزال<br />

فمد مؤلتها بعواصؾ مجنونة متبلحمة متماربة مصرّ‏ ة أ ‏ّال أنعم<br />

بالهدوء دلابك معدودة.‏ اآلن أشعر بؤن هٌكبلً‏ ما ال ‏ٌشبه ذلن<br />

الهٌكل لد أنهدم فً‏ حٌاتً،‏ بل لماذا ال ألول على حٌاتً‏ أٌضاً‏<br />

وبعثرها معٌداً‏ إٌاها إلى نمطة الصفر.‏ إنً‏ أشعر بؤنً‏ مذبوح<br />

ٖٙ7


ٍ<br />

تماما وملمىً‏ فً‏ البرّ‏ ‏ٌة.‏ إنً‏ أرى دون شنّ‏ الشٌطان محبطاَ‏ ال<br />

‏ٌستطٌع أن ‏ٌرتشؾ لطرة واحدة من دمابً.‏ أترٌدنً‏ حماً‏ ‏ٌا<br />

أحمد أن أُخرج ‏"مسرحٌة"‏ البطل فٌها ‏ٌملن صوتاً‏ ‏ٌلبسه رنٌناً‏<br />

خاصاً‏ ‏ٌؽش السامع للوهلة األولى أما عندما تفهم ما ‏ٌمول لٌس<br />

أمامن سوى الصراخ لاببلً:‏ اهربوا إنه الشٌطان أتى مسرعاً‏<br />

لٌرى كاترٌنا،‏ لولوا له:‏ عُد إلى الجحٌم الذي تشبهه ألم ‏ٌكفن<br />

اسوداد للبن؟!‏ الرب لن ‏ٌُبمٌه مع األلوان طوٌبلً‏ كما تتمنّى.‏ ‏ٌبدو<br />

أن كاترٌنا تعلّمت كٌؾ تمٌّز رابحته من بٌن كلّ‏ الروابح النتنة،‏<br />

فؤسرعت ولبّت دعوة المبلبكة ورحلوا بها إلى األعالً.‏ طمبنوا<br />

زٌاد،‏ فعمتً‏ ستسمح لملبها بالفرح عندما تراه رؼم كل التنالض<br />

الذي سٌفجّره.‏ لمد أحبّت عمّتً‏ من استولى على للبً‏ منذ<br />

اللحظة األولى،‏ وتفاعل حبها معها كما لم تفعل منذ ولت طوٌل.‏<br />

لبل ‏ٌدها وأنت تودّعها ‏ٌا زٌاد ولل لها أالّ‏ تنسى تذكٌري بؤن<br />

أوصل سبلمن إلى الكاتب الكبٌر نٌكوس.‏ ال تنس أنت أٌضاً‏ ‏ٌا<br />

زٌاد أن عمّتً‏ عاشت ورأت نٌكوس ‏ٌضع شعلته فً‏ وسط<br />

العالم.‏ أكتب أٌها الحبٌب فً‏ ‏"الفٌؽارو"‏ عن لسانً‏ هذا الممطع<br />

‏)"أنا كاترٌنا كازانتزاكٌس"‏ دعوا عمتً‏ ترلد فً‏ فراشها<br />

وابحثوا عن طرٌمة تعزّ‏ وا فٌها الدكتور زٌاد وحفّزوه لٌإمن أن<br />

الحٌاة ال تكرّ‏ س نفسها إال بالموت"‏ أنتِ‏ دابماً‏ تمولٌن الحمٌمة ‏ٌا<br />

كاترٌنا.‏ ال تنسوا أن تدعوا الشٌطان ‏ٌعٌش أبداً‏ وهو ‏ٌشم رابحة<br />

جسده النتنة.‏ هل سمع ‏َت ماذا لالت كاترٌنا ‏ٌا أحمد؟!‏ إنً‏ أعتذر<br />

منن وأنا أخبرن أن حٌاتً‏ هً‏ مجموعة مآسً‏ حٌكت بمطب<br />

مختلفة وكان ما ‏ٌجمعها هو التناؼم بٌن المطب والوان الصوؾ<br />

المستعمل وجودته كانت أمً‏ لبل أن تموت لد رسمت ما تنوي<br />

حٌاكته واختارت تنوع لطبها واشترت كل الصوؾ بؤلوانه<br />

المختلفة الرابعة البلزم لها،‏ دون أن تعرؾ من لصّة<br />

ٖٙ8


‏"كازانتزاكٌس"‏ سوى أنها معجبة هً‏ وابنها بهذا الكاتب الكبٌر<br />

وإٌمانه باألرض التً‏ انتجته،‏ وعشمه لتنوع األراضً‏ الٌونانٌة<br />

والكرٌتٌّة و"األوزو"‏ والجنون الخاص الذي ‏ٌجمع ببٌن الشعبٌن<br />

الكرٌتً‏ والٌونانً.‏ لبل أن ‏ٌكون نٌكوس عشٌماً‏ لثمار التٌن<br />

والزٌتون وكل منتجات تلن األرض الخٌّرة المعطاء.‏ كان<br />

الٌونانٌّون والكرٌتٌّون ‏ٌتمشّون مساء األحد ممابل البرلمان،‏<br />

وٌتولّفون هنان عدّة دلابك ‏ٌنحنون فٌها احتراماً‏ ثمَّ‏ ‏ٌرفعون<br />

رإوسهم نحو السماء هادفٌن أن ‏ٌمتلإوا من استنشاق عنفوانهم.‏<br />

نعم ‏ٌا أحمد.‏ لمد حرمت وسؤظل محروماً‏ من العشك.‏<br />

كم كنت ؼبٌاّ‏ حٌن ؼضبتُ‏ منن وتد ‏ّخلت بٌنن وبٌن هللا.‏ إذ<br />

بادرتنً‏ وأفهمتنً‏ ‏ٌا سٌّد زٌاد أن العبللة بٌن كلّ‏ إنسان وهللا<br />

ربّما تكون متشابهة ولكنها لٌست متماثلة بالتؤكٌد.‏ مثل ما نرى<br />

أن البشر ؼٌر متشابهٌن،‏ لكن حتى التوابم الحمٌمٌٌّن لٌسوا<br />

متماثلٌن.‏ إذ روعً‏ على أن ‏ٌكون هنان اختبلفات شكلٌة<br />

وموضوعٌّة بٌن البشر كً‏ تكون عبللتهم بالرب محض<br />

شخصٌّة.‏ أي أن الخالك ‏ٌهتم بكلّ‏ الناس فرداً‏ فرداً،‏ والذات<br />

اإلنسانٌّة لٌمة بحد ذاتها.‏ الرب فً‏ كل حمبة من حمبات التارٌخ،‏<br />

كان ‏ٌتصل بالناس بطرق مختلفة،‏ وٌمدم لهم رأٌه فً‏ ما على<br />

حٌاتهم أن تكون،‏ مشدّداً‏ على التآخً‏ الواجب بٌن البشر،‏<br />

واجتٌاز المرحلة البشرٌّة بالتعاضد الدابم،‏ ومساعدة أبناء هللا<br />

لبعضهم بعضاً‏ فً‏ المصاعب التً‏ تواجههم أثناء الطرٌك إلى<br />

خبلصنا من أجسادنا التً‏ هً‏ سبب األطماع والحروب وك ‏ّل<br />

شًء رديء.‏<br />

ٖٙ9


لمد أدهشتنً‏ ‏ٌا أحمد.‏ هل كنت تؤخذ دروساً‏ فً‏ أثناء وجودن<br />

فً‏ فرنسا؟!‏<br />

نعم كنتُ‏ آخذ دروساً‏ لٌلٌّة فً‏ الفلسفة ثبلث مرّ‏ ات فً‏<br />

األسبوع.‏<br />

إنً‏ أرى بعد كل هذا الكبلم الذي أرجو من السماء تمبلّه،‏ أن<br />

نموم بالواجب الذي الترحته،‏ إذ على ما ‏ٌبدو أن االحتكان<br />

االجتماعً‏ ‏ٌحمل فً‏ طٌاته الكثٌر من التعزٌة.‏ لكن هل العمة<br />

بحالة جٌّدة لتمبل وجودي فً‏ بٌتها فً‏ هذه الظروؾ؟!‏<br />

نعم وستستؽرب إن لم تمم بزٌارتها.‏ من ‏ٌدري فمد تكون<br />

بحاجة إلٌن.‏ إن كاترٌن تلفظت بؤشٌاء أخرى ترٌدن أن تعرفها،‏<br />

من ‏ٌدري؟!‏<br />

أجهش ‏"زٌاد"‏ فً‏ تلن اللحظة فً‏ البكاء وؼرق فً‏ األمر دون<br />

أن ‏ٌدري أو أتدخل أنا إلٌماؾ ما ‏ٌجري.‏ إن شٌباً‏ فً‏ داخلً‏ كان<br />

‏ٌشدّنً‏ إلى الخلؾ وٌمول لً‏ دعه ‏ٌبن إنه بحاجة إلى ذلن.‏<br />

كنت دابماً‏ أشجع المرء على البكاء،‏ فإما أن تؽسلن الدموع،‏ أو<br />

تفتح لن طرٌماً‏ جدٌداً‏ للتفكٌر وتملٌب األمر على كلّ‏ وجوهه<br />

فربّما تر ن مدخبلً‏ جدٌداً‏ لحلّ‏ المؤزق الذي أنت فٌه بالشكل<br />

األسلم.‏<br />

ٖ7ٓ<br />

ٌ<br />

التفت زٌاد إلى أحمد ولال:‏ إذا كان ال بد من زٌارة العمة،‏ فهٌا<br />

بنا لننهً‏ هذه المضٌّة المستعصٌة.‏ إن تمبٌل شخص ال أعرفه،‏<br />

ومبلمسة وجه كبٌر فً‏ السن ‏ٌذكّرنً‏ بمرٌب لً‏ امتدّت حٌاته


طوٌبلً،‏ وكان ‏ٌشعر بؤنه ‏ُمه ‏َمل وٌشكو من الضجر فبدأ ‏ٌلعب<br />

بخصٌتٌه المتهالكتٌن كلما كان وحٌداً.‏ أحمد حاول أن ‏ٌمبض<br />

على نفسه وٌمنعها من الضحن،‏ بل بدا كؤنه ‏ٌشدُّ‏ على أعصابه<br />

محاوالً‏ تجاوز ما سمع،‏ المولؾ كلّه لم ‏ٌؤخذ إالّ‏ بضع ثوانً،‏<br />

انفجر بعدها أحمد بالضحن الشدٌد،‏ تداخل مع نحٌب أدهشنً،‏<br />

وحاول أن ‏ٌكتمه دون نجاح ‏ٌذكر.‏ كان وضعاً‏ مفاجباً‏ جمّدنً‏<br />

وأثار فً‏ داخلً‏ اضطراباً‏ وارتجافاً‏ شدٌداً‏ شمل كٌانً‏ كلّه،‏<br />

وأخذنً‏ بعٌداً‏ حٌث كانت تنتظرنً‏ ظلمة حالكة واحتكان<br />

بالموت المرٌب.‏ خِ‏ لتُ‏ فً‏ ذلن الولت أن دراسة علم النفس كان<br />

علٌها أن تمتد عشرة سنوات أخرى لنتمكّن من الولوج إلى<br />

اإلنسان اآلخر ونمرأ ببطء شدٌد تلن اللؽة المكتوبة فً‏ لاع لٌس<br />

فٌه ظبلل.‏ كان منمذي من هذا المولؾ انهمار دموعً‏ مدراراً.‏<br />

عندما تولفت أدركت أموراً‏ كنتُ‏ بعٌداً‏ عن تلمّسها،‏ وفهمتُ‏ أن<br />

خوفً‏ الشدٌد كان رفضً‏ الخفً‏ أن أكون فً‏ بارٌس وخشٌتً‏<br />

من اللحاق بها الذي أرعبنً‏ بشدّة،‏ وهذا لم أكن أرٌده البتّة.‏<br />

كنت أدرن على ما ‏ٌبدو أن كٌانً‏ لم ‏ٌبلمس ‏ٌوماً‏ حماسة<br />

لبلنتحار وال االشتهاء إلى إلؽاء نفسً.‏ التفتُّ‏ إلى أحمد الذي<br />

كان ‏ٌنظر إلً‏ بذهول،‏ فملت له ماذا بن؟!‏ فلم ‏ٌجبنً‏ بل أطرق<br />

مختاراً‏ الصمت.‏ كرّ‏ رتُ‏ السإال لاببلً:‏ لماذا ال تمول لً‏ ماذا<br />

بن؟!‏ فرفع رأسه وبدا أنه فوجا،‏ كمن شعر أنه فً‏ تلن اللحظة<br />

لم ‏ٌكن موجوداً‏ فً‏ المكان نفسه،‏ لكنه عندما خرج من شروده<br />

وأدرن أنه كان فً‏ الردهة نفسها وال مجال هنان للفرار.‏ كان<br />

علٌه أن ‏ٌمول شٌباً،‏ لكنه لم ‏ٌستطع إخفاء تلعثمه أثناء بحثه عن<br />

اللفظة المناسبة ثم ولال بصوت مرتبن:‏ لمد خِ‏ لتُ‏ أنن فً‏<br />

طرٌمن إلى الموت.‏<br />

ٖ7ٔ


أنا ال أعتمد ذلن ‏ٌا أحمد أنن مخطا كثٌراً.‏ دع هذا الحدٌث<br />

وراءنا فمد شبعت صفعاً.‏ علًّ‏ الدخول إلى الحمام وؼسل<br />

وجهً‏ وترتٌب شعري فالنساء الكبار فً‏ السن شبمات<br />

وٌستعملن طرلاً‏ مخٌفة للوصول إلى أهدافه ‏َّن،‏ خاصة إذا تبمَّى<br />

لدٌهنَّ‏ بعض األسنان واألضراس السلٌمة فً‏ <strong>أفواه</strong>ه ‏َّن،‏<br />

فسٌكون علٌن أن تخشاهنَّ‏ إذ إنهنَّ‏ إذا انفردنا بن لد ‏ٌم ‏ّزلنن<br />

إرباً‏ إرباً.‏ اسمح لً‏ بخمس دلابك ال أكثر.‏ لم أتل ‏ّك أيّ‏ جواب من<br />

أحمد.‏ فاستؽربت األمر،‏ فالتفتُّ‏ إلى الخلؾ فوجدت أن أحمد<br />

‏ٌضحن ضحكاً‏ مكتوماً‏ ودموعه تنهمر على وجنتٌه.‏ فملتً‏ له<br />

مدهوشاً:‏ ماذا ‏ٌحدث ‏ٌا أحمد؟؟!‏ أهو ضحن أم بكاء،‏ أما االثنٌن<br />

معاً؟!‏ أعتمد أنن تتعاٌش مع للب مشحون بعواطؾ متنالضة<br />

مشتبكة مع بعضها بعضاً‏ اشتباكاً‏ شدٌد التعمٌد.‏<br />

لمد فوجبت بما للته،‏ وخاصة أنً‏ لم أكن أنوي مطلماً‏<br />

التضاحن مع أحمد إذ إن األلم والشعور بالفشل الذرٌع كادا أن<br />

‏ٌدمّ‏ ‏ِرا روحً.‏ ربما لن أعرؾ أبدا لمَ‏ تدخل خٌالً‏ وأرانً‏<br />

صورة المولؾ كما وهو ‏ٌحدث تماماً.‏ كما أنً‏ لم أعرؾ فً‏<br />

حٌاتً‏ كباراً‏ فً‏ السن ‏ٌحملن فً‏ <strong>أفواه</strong>هنَّ‏ الملٌل من األسنان<br />

واألضراس صالحة للمضم.‏ سارع ‏ُت بالدخول إلى الحمام<br />

إلسكات دموعً.‏ ثم بعد أن انتهٌتُ‏ من ذلن تذكرتُ‏ بصعوبة<br />

السبب الحمٌمً‏ لدخولً‏ إلى الحمام.‏ هنان آمنتُ‏ من جدٌد أن<br />

لراري بعدم فتح عٌادة كان حكٌماً‏ وأنعش حدسً‏ لبضع ثوانٍ.‏<br />

فعلتُ‏ فً‏ الداخل كلّ‏ ما علًَّ‏ أن أفعله،‏ وخرجتُ‏ إلى العالم<br />

الحمٌمً‏ الذي علٌن أن تكون صادلاً‏ فٌه،‏ وتمول من أنت فعبلً،‏<br />

مرفماً‏ بإثباتات بعٌدة عن الزٌؾ.‏ هٌا أٌّها الصدٌك لنمم بهذه<br />

الزٌارة التارٌخٌّة على األلل بالنسبة لً.‏ ال تنس أبدا أنن زرتَ‏<br />

ٖ7ٕ


معً‏ العمة الكازانتزكٌّسٌّة بامتٌاز.‏ للبً‏ ‏ٌحدّثنً‏ أنها شخصٌّة<br />

خاصة تمسن بٌدها عصاً‏ لتضرب لفا كلّ‏ من تراه ‏ٌتصرؾ<br />

بشكل ؼٌر البك وهً‏ تسٌر فً‏ الطرٌك.‏ بتُّ‏ أعتمد أن الكرٌتٌٌّن<br />

‏ٌحترمونها وٌخشونها.‏ ربما بسبب الطاعة لها واالحترام<br />

الظاهرٌن على األلل من أؼلبهم.‏<br />

لما وصلنا إلى البٌت تولّى أحمد لرع الجرس بالطرٌمة التً‏<br />

كانت سابدة فً‏ تلن األٌّام.‏ ثم بانتظار فتح الباب نظر أحمد إلً‏<br />

من طرؾ عٌنٌه ورأى أنً‏ لست على ما ‏ٌرام،‏ فمال بصوت<br />

خافت:‏ تماسن أرجون.‏ لم ‏ٌطل المولؾ كثٌراً‏ حتى فُتح الباب<br />

ورأٌناها تسد المدخل ووجهها مكسو بالتجهم.‏ ثم بدأت بالتفرس<br />

بالدكتور زٌاد الذي طرح نفسه لٌكون شرٌكاً‏ لهم فً‏ طعامهم،‏<br />

ومُشاركة ابنتهم فً‏ فراشها.‏ بدت بعد لحظات متمسكة بمكانها<br />

محاولة إخفاء ذهولها.‏ ثم تراجعت للٌبلً‏ عن الباب ولالت<br />

بالٌونانٌّة:‏ الحما بً.‏ كان الدكتور فً‏ أثناء ذلن ‏ٌفكر باالستدارة<br />

والمضًّ‏ ِ فً‏ سبٌله وهو ‏ٌتساءل:‏ ترى ما مضمون هذا<br />

التصرّ‏ ؾ؟!‏ أهو احتمار،‏ أم أهبلً‏ مع حذؾ ‏"السهبلً"،‏ كً‏ ‏ٌتحوّ‏ ل<br />

هذا االستمبال إلى مجرد لبول بالممابلة دون تضمٌنها أٌة<br />

عواطؾ.‏ أظننً‏ بدأت أتحضر لتفجٌر لنبلة نووٌّة تطٌح بكرٌت<br />

كلّها.‏ عندما جلسنا لالت لً:‏ أنا آسفة جداً،‏ إذ لم أكن أعرؾ<br />

شٌباً.‏ لكن لل لً‏ كٌؾ أحببتها وأعطٌتها كلّ‏ هذا الحب؟!‏ أنا<br />

أعرؾ نٌكوس عن ظهر للب وربٌتُ‏ كاترٌنا وهً‏ لٌست ابنة<br />

أبٌها.‏ إنه ‏ٌضحكن لبعض الولت،‏ إنه ماجن وال شًء آخر.‏<br />

نحن لسنا فرنسٌٌّن أطلب منكم إن كنتم تحترمون حبنا ألرضنا<br />

واحترامنا الكبٌر لها أن تلفظوا اسمها ‏"كاترٌنا"‏ فهً‏ ال تعرؾ<br />

نٌكوس،‏ كما أنها تفوله ذكاء وسرعة فً‏ رفض ما ال ترٌده<br />

ٖ7ٖ


وبطؤً‏ فً‏ لبول ما تشتهٌه.‏ لمد مات نٌكوس الحبٌب لبل أن تولد<br />

بسنوات عدٌدة.‏ سؤلول لكم شٌباً‏ من الصعب فهمه.‏ إنها لم تكن<br />

‏ٌوماً‏ ولحة لكنها تصبح مخٌفة عندما تعدّ‏ نفسها لمعركة.‏ مرّ‏ ة<br />

لالت لربها:‏ لل لً‏ أرجون إن حاق بن الضجر كونن إلهاً‏ فؤنا<br />

أفهمن،‏ لمَ‏ ال تفهمنً‏ عندما أؼضب؟!‏ فهذا ‏ٌسلٌّنً‏ لماذا ال<br />

تؽضب أنت؟!‏ كما أ ‏ّال أحد ‏ٌمكنه أن ‏ٌُثنٌها عمّا لرّ‏ رت أن تفعله.‏<br />

ورؼم كل هذا تبمى عاشمة بامتٌاز ‏"تعلن"‏ عشمها،‏ منذ أن تُعلن<br />

الشمس عن بزوؼها،‏ وتمول للناس ماذا حلّ‏ بكم؟!‏ ترى هل<br />

تتآمر الحٌاة مع الشٌطان لتجفٌفكم من عواطفكم وتجرّ‏ دكم من<br />

عشمكم للتمرّ‏ غ بً‏ كلّ‏ صباح.‏ فً‏ أٌام الشتاء حٌث تتدخل<br />

الؽٌوم لحجبً‏ عنكم.‏ الؽٌرة لاتلة ‏ٌا أحبّتً.‏ لكن ك ‏ّل محاوالت<br />

الشٌطان إلدخال تلن األفعى إلى أحشابً،‏ بؽٌة تخرٌبً‏ من<br />

الداخل لد باءت بالفشل.‏ إن هذا اللبٌم لو عرؾ من هو هللا،‏ لَما<br />

تمرّ‏ د علٌه،‏ وخسر إمكانٌّته فً‏ استعادة حبه وتوزٌعه إلى<br />

اآلخرٌن عند حاجتهم إلٌه.‏ لمد أدرن أن فمدانه البتسامة للبه<br />

وعٌنٌه لد جعله أبشع مخلولات هللا وسٌبمى وحٌداً‏ بانتظار أن<br />

‏ٌحترق مع عالم اإلنسان الذي لم ‏ٌعد ثمة مكان ‏ٌذهب إلٌه.‏ إن<br />

كاترٌنا لبل أسبوع من وفاتها ظلّت تلح علًّ‏ كً‏ أعطٌن خاتم<br />

نٌكوس إذا حدث لها أي مكروه.‏ لمد لدّمه لها أبوها لاببلً:‏<br />

أوصانً‏ نٌكوس أن أعطٌه ألحد الذٌن ورثوا طباعه وذكاءه<br />

وفهم فً‏ العمك تمٌّز كرٌت الحبٌبة.‏ ودّعتنا بٌنما كانت تنهمر<br />

دموعها.‏ ثمَّ‏ بعد بضع ثوان صرخت من الداخل لابلة:‏ ال تذهبا<br />

أنا لن أتؤخر.‏ كانت هذه المرأة لد تجاوزت الثمانٌن،‏ ورؼم ذلن<br />

وصلت إلٌنا راكضة ولالت لمد نسٌت أن أعطٌن شٌباً‏ ‏ٌخصّنً‏<br />

شخصٌاً.‏ إنه صلٌب من الذهب الخالص ‏)ٕٗ(لٌراط.‏ صنع أحد<br />

أهم الصٌّاغ فً‏ ذلن الزمن ولدمه هدٌة إلى والد نٌكوس عرفاناً‏<br />

ٖ7ٗ


بالجمٌل.‏ كان الصابػ ‏ٌتعشى وٌشرب ‏"األوزو"‏ ‏ٌومٌّاً‏ مع<br />

صدٌمه ‏"الكازانتزاكٌس".‏ ولمّا رحل والد نٌكوس انمطع صدٌمه<br />

عن الشرب ومات بصمت بعد شهرٌن.‏<br />

الصدالة تعبر عن نفسها أحٌاناً‏<br />

بالموت للحاق بالحبٌب.‏<br />

أذهب ‏ٌا زٌاد وال تدعنً‏ أران أبداً،‏ أنا ال أستطٌع تحمل ذلن<br />

بعد اآلن.‏<br />

ألم تر ‏ٌا أحمد أن العمة ترٌد التخلّص من أيّ‏ أثر لد ‏ٌذكّرها<br />

بكاترٌنا مهما كان صؽٌراً.‏ ‏ٌبدو أن الرب ما زال ‏ٌصعب علًّ‏<br />

األمر.‏<br />

لكنن لست ممّن تمصده،‏ إذا لم تسؤل عنها عبر الهاتؾ<br />

وتدعوها إلى دمشك أو بٌروت ستشتاط ؼضباً.‏ كما أنن إذا<br />

تؤخرت أكثر ستمفل الهاتؾ فً‏ وجهن.‏<br />

إنن تلمً‏ على كاهلً‏ مسإولٌّة كبٌرة.‏<br />

هذا صحٌح ولكنً‏ لستُ‏ أنا من كان ممببلً‏ على مصاهرة عابلة<br />

‏"كرٌتٌّة"‏ تملن ‏"بروتوكولها"‏ الخاص المتمٌّز.‏ لمد جمعنً‏ معن<br />

إعجابً‏ الشدٌد بن،‏ ثمَّ‏ ربطنً‏ معن الرب اإلله كما تسمٌه<br />

كاترٌنا برباط الحب الروحً‏ النمً‏ الذي ال انفكان فٌه.‏ لما<br />

رأٌتن تنتظر كاترٌنا فً‏ ‏"الكافٌتٌرٌا"،‏ كان اعتذاري منن<br />

واجب حسب تمالٌد عابلتً.‏ إذ إنن بمثابة أخً‏ الكبٌر،‏ وعلى<br />

هذا األساس كنت مرؼماً‏ على الركوع أمام لدمٌن فً‏ الشارع،‏<br />

ٖ7٘


وتمبٌل ‏ٌدٌن االثنتٌن.‏ لمد أخذت لراراّ‏ أإمن به فً‏ داخلً.‏ إنً‏<br />

‏ٌا أستاذي الكبٌر سؤتزوج فرنسٌّة وسؤعمل المستحٌل لتحمٌك<br />

ذلن وسؤطلب منن منذ اآلن أن تحضر نفسن لتكون إشبٌنً.‏<br />

سنتكلّم الحماً‏ بذلن،‏ وإذا أصررت فسٌكون لً‏ هذا الشرؾ<br />

دون ٍ شنّ‏ . أعتمد أنً‏ اآلن سؤطلب منن أن تؤخذنً‏ إلى مطعم<br />

صٌنً.‏ أما إذا لم تكن تحب الوجبة الصٌنٌّة فخذنً‏ إلى أي<br />

مطعم آخر ‏ٌمكن أن ‏ٌمدّم لنا وجبة شهٌّة.‏<br />

سمعاً‏ وطاعةً‏ أٌها الصدٌك،‏ متى ترٌد الذهاب؟!‏<br />

<br />

اآلن ألم تتعب من المشً؟!‏<br />

تعبتُ‏ كثٌراً‏ ولكنً‏ خجلتُ‏ أن أبادر وألول<br />

عند تلن الناصٌة المرٌبة.‏<br />

ذلن.‏<br />

دعنا نتولؾ<br />

أرجو ‏ٌا أحمد أن تجد لنا سٌّارة وتمول للسابك إن كان بإمكانه<br />

أن ‏ٌتولؾ لرب أٌة كنٌسة لمدة دلابك للٌلة،‏ فؤنا لن أتؤخر أكثر<br />

من ذلن.‏<br />

حسناً‏ سؤفعل.‏<br />

تمدم أحمد إلى الٌمٌن بضعة خطوات حٌث كانت سٌّارة متولفة<br />

لرب صٌدلٌة فتولؾ هنان،‏ ثم لم ‏ٌلبث أن تكلم على ما ‏ٌظهر<br />

مع السابك للٌبلً‏ وأشار إلً‏ أن أتمدم صوبهما.‏<br />

ٖ7ٙ


عندما أخذت مكانً‏ فً‏ السٌارة شعرت باالرتٌاح،‏<br />

كان ذلن بسبب البساطة التً‏ تمَّ‏ بها كل شًء.‏<br />

أنه أعتمد<br />

لبل أن نتحرن لال السابك:‏ سؤلؾ لرٌباً‏ من تجمهر هإالء<br />

الناس،‏ فهنان كنٌسة أورثوذكسٌّة أعتمد أنها تبلبم السٌّد.‏ لمّا<br />

وصلت إلى ذلن التجمهر ولف ‏ُت مذهوالّ،‏ إذ إنً‏ لم أصدق ما<br />

رأٌت؟!‏ حدث ذلن للحظات تؤكّدتُ‏ فٌها ممّا ولع نظري علٌه.‏<br />

لكن دموعً‏ عرفت الحمٌمة كلّها،‏ فانهمرت بطرٌمة تدٌننً‏<br />

ضمنٌاً.‏ تمدّمتُ‏ بسرعة وسط الجموع وسحبت فرانسوا من ‏ٌده<br />

التً‏ كان ‏ٌتسول بوساطتها،‏ وخرجنا معاً‏ من ذلن الجو الخانك،‏<br />

وأنا خابؾ من أن ال أعثر على ما ألول وٌكون لٌس جارحاً.‏<br />

عندما استطعتُ‏ النطك للت له:‏ ال تنبس ببنت شفة ألك التحٌة<br />

وعد إلى الصمت أرجون.‏ ال أرٌد أٌّة فضٌحة فً‏ هذا الولت ال<br />

تملك،‏ وهكذا لم ‏ٌستؽرق األمر سوى دلابك للٌلة أجلسته فٌها<br />

لرب أحمد وعدت إلى مكانً‏ لرب السابك.‏ كان على ما ‏ٌبدو<br />

‏ٌنتظر أن ألح علٌه أكثر كً‏ ‏ٌبدي المبول بما عرضته علٌه.‏ بعد<br />

عشرة دلابك تولفنا أمام ممهى لٌلً،‏ التفتُّ‏ نحو أحمد وللت له<br />

أأنت متؤكد من أن المكان ‏ٌناسبنا.‏<br />

طبعاً‏ ‏ٌا دكتور،‏ خذ ‏ٌا أحمد وأدفع للسابك مع تمدٌم الشكر له.‏<br />

ترجلتً‏ من السٌارة وفتحت بابها الخلفً‏ بسرعة لكً‏ ‏ٌخرج<br />

فرانسوا.‏ ثمَّ‏ أدخلته معً‏ إلى المكان حٌث انتظرنا سوٌة أحمد<br />

لبل مدخل الصالة التً‏ تَستمبل فٌها من لدم للعشاء والشراب.‏<br />

للت له ال تخش شٌباً،‏ كن طبٌعٌاً‏ ونفذ الٌوم ما ألول،‏ أنا لن<br />

أجبرن على شًء ال ‏ٌناسبن أو ‏ٌسبّب لنَ‏ إحراجاً.‏ كما أنً‏ ال<br />

أنتمً‏ إلى صنفن حتّى تفكّر أن ما وراء عرضً‏ ما وراءه.‏ لمّا<br />

ٖ77


وصل أحمد للت له انتك الطاولة المناسبة،‏ ثمَّ‏ خذ العزٌز<br />

فرانسوا لٌؽتسل للٌبلَ.‏ رجوت من هللا فً‏ أثناء ذلن أن ‏ٌساعدنً‏<br />

فً‏ تدبٌر أمر هذا الشاب.‏ وٌمنح ذهنً‏ بعض الهدوء.‏ كن ‏ُت<br />

أُصلًّ‏ كً‏ ال ‏ٌتدخل أحمد بؤي شكل من األشكال.‏ لست أدري<br />

ماذا حدث لً‏ أثناء ؼٌابهما،‏ إذ انهمرت دموعً‏ فجؤة،‏ وبجهد<br />

كبٌر استطعت أن لجمها لدر المستطاع.‏ عندما عادا كنت ال<br />

أزال أحاول إٌماؾ هذا السٌل الجارؾ لكنً‏ لم أستطع إٌماؾ<br />

دموعً‏ عن االنهمار المتكرر،‏ فاستؤذنتُ‏ للذهاب إلى الحمام كً‏<br />

أؼسل وجهً‏ من آثار الدموع التً‏ لوثت وجهً‏ بؤصباغ ؼٌر<br />

واضحة المعالم.‏ فً‏ طرٌك العودة كانا ‏ٌرالبانً‏ مستؽربٌن<br />

وخابفٌن بعض الشًء من انفبلت الزمام من أحد فً‏ منتصؾ<br />

العمر حتى شارؾ على االنهٌار تماماً.‏ سؤلنً‏ أحمد:‏ هل مرّ‏ ت<br />

األزمة ‏ٌا أٌّها العزٌز؟!‏ أعتمد ذلن ‏ٌا أحمد.‏ أظن بؤنً‏ سؤكون<br />

جاهزاً‏ للعودة إلى دمشك بعد خمسة أٌام،‏ سؤشتاق إلٌكما كثٌراً‏<br />

إالّ‏ إن تزوّ‏ جتَ‏ ‏ٌا أحمد فسؤكون إشبٌنن.‏<br />

فرانسوا<br />

هل المسلمون<br />

أدخلوا إلى عاداتهم مسؤلة<br />

اإلشبٌن؟!‏<br />

ال ولكن أحمد ‏ٌرى أنه إن أُؼرم بمسٌحٌّة فبل ‏ٌمانع بإرضاء<br />

حبٌبته والتحول إلى الدٌانة المسٌحٌّة ألن هللا هو لجمٌع الناس.‏<br />

أما أنا ‏ٌا فمد صمّمتُ‏ على عدم الخوض فً‏ هذه المسابل الدٌنٌّة<br />

الشخصٌّة الشابكة.‏ عندما لابلتنً‏ أمس كنتُ‏ لد أنهٌتُ‏ معركة<br />

حامٌة الوطٌس جرت ولابعها بٌنً‏ وبٌن األستاذ عمر وكانت<br />

ساحتها أحد المطاعم الفخمة التً‏ لادنً‏ إلٌها صدٌمً.‏ لست<br />

أدري كٌؾ حصل الخطؤ واشتعلت طاولتنا،‏ ولم أعرؾ من أٌن<br />

خرج ‏"عود الثماب"‏ المهم أنه أُحرج وأربكنً.‏ خرجتُ‏ منتصراً‏<br />

ٖ78


حةسبّ‏<br />

لكنً‏ خسرت احترامً‏ لنفسً.‏ إذ إنً‏ حشرتُ‏ ذاتً‏ كلّها فً‏ هذا<br />

المتال الشرس وضؽطُّ‏ فً‏ لحظة حرجة على المكان الذي ‏ٌُخفً‏<br />

فٌه صدٌمً‏ أسراره،‏ فارتكبت عمبلً‏ سافبلً،‏ بٌنما كانت إجابة<br />

صدٌمً‏ حضارٌّة فٌها اعتراؾ بتلن الصدالة العمٌمة التً‏ تجمع<br />

بٌننا.‏ فً‏ ذلن الولت كنتُ‏ مُؽتاظاً‏ من نفسً،‏ وال أستطٌع الكبلم.‏<br />

لم ‏ٌكن أمامً‏ إالّ‏ أن ألول لن:‏ ‏"ستإذٌنً‏ كثٌراً"‏ لستُ‏ أدري<br />

ماذا دهان؟!‏<br />

لمد أخطؤتُ‏ خطؤً‏ كبٌراً،‏ لكن سخفً‏ الشدٌد منعنً‏ من أن<br />

أستدٌر وأعود إلٌن.‏ لمد فعلت الكثٌر من أجلً‏ وكنتَ‏ ستفعل<br />

أكثر.‏<br />

هل تظن أن اإلنسانٌة حلٌفة هللا دُحرت ودمّرت ولذفوا بها إلى<br />

البحر لتبتلعها الحٌتان.‏ ولم ‏ٌعد أحد ‏ٌسرح وٌمرح ؼٌر شذّاذ<br />

اآلفاق والمجرمٌن والمتلة واللصوص؟!‏ أنت مخطا ‏ٌا عزٌزي،‏<br />

فعشاق هللا ‏ٌتزاٌدون فً‏ هذه الدنٌا ولكنّهم ال ‏ٌطبّلون وال<br />

‏ٌزمرون إالّ‏ فً‏ اللٌالً‏ الصافٌة حٌث ‏ٌؤملون أن ترلص<br />

المبلبكة وترتل م الخالك وهو ‏ٌبحث فً‏ الصحراء عن<br />

النفوس التابهة المرٌضة التً‏ ال تزال تعشك الظلمة.‏<br />

كان فراسوا ‏ُمنخفض الرأس خجبلً،‏ لكنه رفع رأسه بعنفوان<br />

ؼرٌب ولال:‏ أنا أعرؾ أنن لم ترد منً‏ شٌباً،‏ كما أن نظرتن<br />

إلى الوجوه تسبر ما فً‏ الداخل فؤدركت فوراً‏ ماذا ‏ٌجري.‏ لكنن<br />

لم توجّه أيّ‏ لوم،‏ بل وجّهت بضع نصابح،‏ ولمت بؤُعجوبة<br />

هنان جعلت من األستاذ ‏ٌستمٌل.‏ ترى كٌؾ عرفت ما ‏ٌجري،‏<br />

وكٌؾ أدركت أن األستاذ ‏ٌحاول بكل الطرق الدنٌبة أن ‏ٌستؽل<br />

ٖ79


تلمٌذه.‏ سؤكون طوع بنانن وسؤبذل جهدي ألكون إنساناً‏ محترماً‏<br />

كما ترٌد أن أكون.‏<br />

شكراً‏ لن ‏ٌا فراسوا.‏ إذ احتجت لشً‏ طارئ أطلب من العزٌز<br />

أحمد،‏ وٌوم أعود آمل أن أران رجبلً.‏ ترى ‏ٌا أحمد هل ‏ٌملكون<br />

هنا هاتفاً‏ نمّاالً؟!‏<br />

لست أدري نستطٌع أن نسؤل.‏<br />

حسنا افعل ذلن.‏<br />

لام أحمد وؼاب بضع دلابك ثمَّ‏ عاد ومعه الهاتؾ.‏ ابتعدت به<br />

للٌبلّ‏ وهاتفتُ‏ الفندق:‏ سؤلتهم إن كان بإمكانهم أن ‏ٌنملوا<br />

أؼراضً‏ إلى جناح آخر فٌه ؼرفتٌن للنوم إحداها تحوي<br />

سرٌرٌن،‏ وإذا كان باإلمكان تدبٌر ‏"بٌجامتٌن"‏ نظٌفتٌن للنوم.؟!‏<br />

تكرم ‏ٌا<br />

أستاذ زٌاد.‏<br />

شكراً‏ لكم.‏<br />

بدافع الفضول المزعج الكاوي هل أستطٌع أن أعرؾ لماذا<br />

اعتمدت السرٌّة عند استخدام الهاتؾ رؼم إحساسً‏ بؤن األمر<br />

لم ‏ٌكن ‏ٌمتضً‏ ذلن؟!‏<br />

ضحن الدكتور للٌبلً‏ ولال:‏ رؼم أنً‏ لستُ‏ فً‏ مزاج ‏ٌسمح لً‏<br />

بالضحن ولكنً‏ لم أستطع إالّ‏ أن أفعل نظراً‏ لهذه الثمة بالنفس<br />

ٖ8ٓ


نذٌ‏<br />

التً‏ واجهتنً‏ فٌها.‏ أعتمد بؤنن تملن إمكانٌّة التمدٌر،‏ ولكنن إذا<br />

كنتَ‏ تعتمد أنن لد توصّلت إلى معرفة بمن اتصلتُ‏ وماذا طلب ‏ُت<br />

فً‏ اتّصالً‏ سؤعدّن عالِماً‏ بالفطرة فً‏ العلم الجدٌد الذي ‏ٌسمّى<br />

‏"بالتخاطر".‏ هل تجازؾ؟!‏ إذ إن للٌبلً‏ من الضحن لن ‏ٌكون<br />

مضراً،‏ حتّى لو كنتُ‏ موضوعه.‏<br />

لمد<br />

أربكتنً‏ وأنا لن ألبل أن أثٌر ضحن فرانسوا<br />

هذا الملٌل<br />

الكبلم .<br />

حسناً،‏ أعتمد أننا جمٌعاً‏ جوعى،‏ هٌا ‏ٌا صاحب الحدس أنجدنا<br />

بما لذَّ‏ من الطعام.‏ الجلسة معكما تثٌر فًَّ‏ النشوة البرٌبة.‏<br />

وتعٌدنً‏ إلى شٌطنتً‏ وعبثً‏ الل كانا ال ‏ٌتولفّان فً‏ تلن<br />

السن التً‏ أنتم تمرّ‏ ون بها اآلن أو لنمل أنكم تعٌشونها.‏<br />

صفك أحمد استحسانا لِما لاله ‏"زٌاد".‏ لكن مع بعض الدموع<br />

لال زٌاد انتبهوا أن كاترٌنا ال تحب الضوضاء.‏ كما أعتمد أنها<br />

لم تنم بعد أٌضاً.‏ صلّوا معً‏ لكاترٌنا أرجوكم وطمبنوها أنكم<br />

ستكونون معً‏ حتى أصل إلٌها.‏ افعلوا ذلن لبل أن تمتدّ‏ أٌدٌنا<br />

جمٌعاً‏ إلى الطعام.‏<br />

ٕٙ<br />

ذهنً‏ ذهب بعٌداً‏ عندما رأٌتُ‏ زوج وزوجة ‏ٌمتربان لٌجلسا<br />

لرب طاولتنا.‏ لم أكن فً‏ ذلن الولت لد رأٌتُ‏ أن الزوج ‏ٌحمل<br />

طفله الوحٌد على ما ‏ٌظهر وراء ظهره تسنده حمالة خاصة.‏<br />

جلسوا بهدوء،‏ وٌبدو أن الطفل لم ‏ٌعجبه البماء مع أبٌه واراد<br />

ٖ8ٔ


الجلوس فً‏ حضن أمه.‏ حمله أبوه إلى والدته وهو ‏ٌجرب أن<br />

‏ٌضاحكه.‏ تجاوب الولد مع حركات أبٌه بضحن متسلسل<br />

‏ٌخالطه بعض التمطع الخفٌؾ كؤن السبب فً‏ ذلن ضعؾ ما فً‏<br />

جهاز التنفس.‏ تولف ‏ُت عن الطعام والشراب وأنا أحاول أن أفهم<br />

اللؽة التً‏ كانوا ‏ٌتكلمون بها،‏ وما وراء هذه اإلشرالة المدهشة،‏<br />

التً‏ ‏ٌتمتع بها هذا الصؽٌر،‏ وكٌؾ تَخرج تباعاً‏ من وجهه<br />

الهادئ المتمبل لحالته ابتسامات مختلفة المعانً‏ انطبعت على<br />

وجه ذلن الطفل وتعبر عن المشاعر المتعدّدة التً‏ كان ‏ٌمر بها<br />

ذلن الرضٌع.‏ لكن تلن االبتسامات أو ربّما كانت ضحكات دون<br />

أن تخرج أصواتاً.‏ مهما كان األمر،‏ فإنها أخذتنً‏ معها فً‏ نزهة<br />

تمشٌّت فٌها بٌن الزهور متمتعاَ‏ أنا وحزنً.‏ فجؤة لام األب<br />

وحمل طفله ممترباً‏ منً‏ لاببلً:‏ عفواّ‏ ‏ٌا أستاذ إن الصؽٌر أعجب<br />

بن على ما ‏ٌظهر،‏ هل ‏ٌمكنن أن تحمله دلٌمتٌن؟!‏<br />

بكل سرور،‏ لمتُ‏ وأنا ألول دعنً‏ أحمله برفك.‏ ‏ٌبدو أن الرب<br />

لد أعطاكما شٌباً‏ من للبه كً‏ تعنوا به.‏ هللا وحده ‏ٌعرؾ ماذا<br />

سٌخرج من هذا الصؽٌر فً‏ المستمبل.‏ عندما لرّ‏ بته منً‏ لبلنً‏<br />

من خدي األٌسر ثمّ‏ من عنمً.‏ لكنه لم ‏ٌلبث أن التفت إلى أبٌه<br />

إٌذاناً‏ منه بؤنه اكتفى منً.‏ مرّ‏ ت مدة طوٌلة وأنا أفكر بمعنى ما<br />

فعله الرب بً.‏ ترى أكان األمر محض مصادفة،‏ أم إن المسؤلة<br />

رسالة من السماء سؤلتمطها فً‏ الولت المناسب.‏ لم أشعر بؤن<br />

أحمد وفرانسوا تولّفا عن الحدٌث الذي كان ‏ٌجري بٌنهما<br />

واتّجها إلى مرالبة ذلن المشهد المذهل.‏ بعد ولت لصٌر فهمت<br />

من النادل أن األب واألم هما من الجزابر ومن منطمة المبابل.‏<br />

هذا الطفل انؽرس فً‏ وجدانً‏ مدة طوٌلة وأنا أتساءل عن<br />

صحّته،‏ وهل أصبح أفضل أم تؽٌّر األمر إلى األسوأ.‏ مدد ‏ّت<br />

ٖ8ٕ


‏ٌدي آلخذ رشفة من النبٌذ من كؤسً،‏ رأٌت أحمد وفرانسوا<br />

مذهولٌن ممّا رأٌاه من تصرّ‏ فات الصبً‏ معً.‏ حاسبت نفسً‏<br />

بسبب امتعاضً‏ من المولؾ البلمبالً‏ الذي لدّرتُ‏ أنهما<br />

مارساه.‏ كنت مخطباً‏ إذ كان ‏ٌمكننً‏ االلتفات للحظات وأرى ما<br />

‏ٌفعبلن فً‏ أثناء تشكل هذا المشهد العمٌك المعبّر المذهل.‏<br />

عندما كنا راجعٌن للفندق وصلنا إلى مفترق طرق لال أحمد<br />

بسرعة أنزلنً‏ هنا أٌّها السابك فبٌتً‏ لرٌب من هنا.‏ للت للسابك<br />

ال ترد على هذا الكبلم فصدٌمً‏ ثمل ولم ‏ٌعد ‏ٌعرؾ أٌن بٌته.‏<br />

ضحن بطرٌمة شبه هستٌرٌّة أضحكت الجمٌع بمن فٌهم أحمد.‏<br />

بعد هذا لم ‏ٌنبس أحمد ببنت شفة.‏ فالتفتُ‏ إلٌه بعد بعض الولت<br />

وسؤلته:‏ ترى ألم أكن محماً‏ عندما لم أُسمع أحداً‏ ما كنت ألول<br />

وأنا أتحدّث بالهاتؾ؟!‏<br />

الؽبً‏ <br />

هو من ‏ٌحاول مؽالبة<br />

دكتور<br />

فً‏ علم النفس.‏<br />

استمبلنً‏ النادل الذي كلّمته عن تؽٌٌر ؼرفتً‏ ولال:‏ كلّ‏ شًء<br />

جاهز ‏ٌا سٌّدي،‏ سٌروق لن الجناح كثٌراً،‏ فإطبللته خبلّبة،‏<br />

وسٌُم ‏ِكنن عند استٌماظن من النوم من فتح الستارة وأنت تجلس<br />

فً‏ فراشن مرتاحاً.‏ سترى أمامن دون ش ‏ّن جانباً‏ جمٌبلً‏ من<br />

بارٌس،‏ كلوحة حٌّة تموم بتحٌّتن فً‏ الصباح واًنت تشرب<br />

المهوة.‏ كما أن هذا الجناح مزوّ‏ د بحمّامٌن رابعٌن منفصلٌن.‏<br />

هذا ذوق رفٌع<br />

أٌضاً‏<br />

حماً‏ ‏ٌا نجٌب،‏ ال تنس أنً‏ سؤبمى فٌه<br />

لٌلة الؽد<br />

ٖ8ٖ


هذا من دواعً‏ سروري.‏<br />

شكراً‏ ‏ٌا نجٌب.‏<br />

التفتُّ‏ إلى أحمد ، و وأشرت لهما أن ‏ٌلتحما بً،‏ وهكذا دخلنا<br />

جمٌعاً‏ إلى ردهة الجناح الرابعة،‏ وهنان بعد أن تمتّعنا بجمالها<br />

وبشاشتها.‏ لرّ‏ رنا أن نبدأ بشرب إحدى زجاجتً‏ الوٌسكً‏<br />

المعتّمتٌن المتاحتٌن التً‏ سمعتُ‏ باسم إحداها ولكنً‏ لم أذلها لط.‏<br />

تركتُ‏ ألحمد مهمّة فتح الزجاجة كً‏ ال أعمك عند الؽٌر شولً‏<br />

المستمر لمُمارساتً‏ الطفولٌة،‏ التً‏ ازدادت إلحاحاً‏ ورؼبة فً‏<br />

الظهور أمام أصدلابً‏ فً‏ كل مناسبة.‏ فً‏ الحمٌمة كنت أعشك<br />

كلّ‏ ما ‏ٌعٌدنً‏ إلى حٌاتً‏ المدٌمة وطفولتً‏ البرٌبة الخالٌة من<br />

الهموم.‏ كنت أهتم بؤالّ‏ ‏ٌزعجها أحد أو ‏ٌعٌك حركتها ومٌلها إلى<br />

إظهار نفسها وتمتّعها بااللتصاق بً‏ أٌنما ذهب ‏ُت.‏ أظن أنً‏<br />

اكتشفت منذ فترة أن هذا بدأ ‏ٌحرجنً،‏ وسٌبدو مزعجاً‏<br />

لآلخرٌن إن لم أضع حداً‏ له،‏ وثمٌل الدم بشكل ؼٌر ممبول،‏<br />

بحٌث ال بدَّ‏ من انعكاسه على الممرّ‏ بٌن،‏ والذٌن ‏ٌعدّون أنفسهم<br />

أنهم كذلن.‏<br />

اعتذر أحمد لاببل:‏ أشعر بؤن علًّ‏ االستحمام،‏ لن آخذ ولتاً‏<br />

طوٌبلً‏ إذ إنً‏ متلهّ‏ ‏ِؾ إلى العودة ألسمع ما ‏ٌمول األستاذ أثناء<br />

أحادٌثه العادٌّة.‏ إنً‏ أعده بحمله إلى فراشه لبل دخوله إلى النوم<br />

ببضع ثوانٍ.‏ إلى اللماء.‏<br />

لمد ألتمٌنا مصادفة ‏ٌا فرانسوا ولد رأٌت أنن لطٌؾ منذ<br />

اللحظة وكان ما كان وافترلنا دون أن تتزحزح من داخلً،‏<br />

تلن<br />

إلى<br />

ٖ8ٗ


أن تمابلنا مرّ‏ ة أخرى وفً‏ ‏ٌدي إنجاز ‏ٌستحك أن نشرب كؤسه.‏<br />

بعض األشخاص عندما ‏ٌإمنون أنهم فً‏ مولؾ لوي لد<br />

‏ٌصبحون وحوشاً‏ إذا الضعٌؾ تمنع ولم ‏ٌعطهم ما ‏ٌرٌدون.‏<br />

الشبك إذا تفالم لد ‏ٌثٌر الجُنون،‏ الجُنون حتّى لو كان مإلّتا لد<br />

‏ٌإذي كل الذٌن حوله.‏ لم أكن أعرؾ شٌباً‏ عن وضع أستاذن<br />

وصدٌمً،‏ لكنً‏ كطبٌب نفسً‏ اشتممت بعد الثبلث دلابك األولى<br />

أنه مثلً‏ الجنس.‏ إلى أن شعر ذلن الصدٌك بؤنً‏ صرتُ‏ أعرؾ<br />

عنه كلّ‏ شًء،‏ فتصرّ‏ ؾ بذكاء عجٌب مدركاً‏ بسرعة أنً‏ فهمت<br />

كلّ‏ شًء فسارع للعمل واستؤذن لٌؽٌب دلابك معدودة،‏ ث ‏َّم عاد<br />

مبتسماً‏ منشرحاً،‏ واعترؾ أمامً‏ بما ال أستطٌع معالجته.‏ أنا ال<br />

أرٌد أن أعرؾ شٌباً‏ عن طرٌمن،‏ ولكنً‏ فهمت أنن منذ تسعة<br />

أٌام لم تحضر محاضراته.‏ لمد استمال وانتهى األمر بالتؤكٌد.‏<br />

سنبمى ؼدا سوٌّة إن كان ‏ٌمكنن ذلن.‏ وبعد ذلن سوؾ نودع<br />

بعضنا على أمل اللماء إما هنا أو فً‏ بٌروت.‏ هل تستطٌع أن<br />

تكون صرٌحاً‏ معً؟!‏<br />

بالتؤكٌد سؤفعل.‏<br />

كم ‏ٌلزمن كً‏ تعٌش كطالب عادي لٌس متمشّفاً‏ وال مرفّهاً‏<br />

ولٌكن معلوماً‏ إنً‏ أرٌدن أن تسكن وحٌداً.‏ احسب ولل لً:‏<br />

‏ٌورو.‏ خذ اآلن دوالر سٌكفٌن هذا المبلػ<br />

لشهرٌن مع شراء بعض األشٌاء الضرورٌّة جداً‏ وإذا حدث أي<br />

طارئ ستكون أرلامً‏ كلّها معن وكذلن رلم الموباٌل.‏ كل ما<br />

أطلبه منن هو أن تجدَّ‏ فً‏ الدراسة.‏ إنً‏ أنتظر منن النجاح فً‏<br />

السنتٌن المادمتٌن.‏ عندما ستؤتً‏ إلى خلواتً‏ مع نفسً،‏ سؤكون<br />

منتظراً‏ هذا األمل والعودة إلى تماسُكن كرجل ‏ٌعرؾ ماذا ‏ٌرٌد<br />

7٘ٓٓ<br />

ٖ8٘<br />

ٔ٘ٓٓ


من المستمبل.‏ هذه الحمٌبة الموضوعة هنان فٌها بعض األلبسة<br />

الداخلٌة لن كما فٌها الموباٌل الخاص بن اذهب وأوصله<br />

بالكهرباء.‏ ثم تولّى خدمتنا وآتنا باأللداح لنشرب معاً‏ نحن<br />

الثبلثة بعض الوٌسكً.‏<br />

أعتمد أنً‏ سؤحتاج لكثٌر من الدموع بعد مؽادرتن،‏ إذ إنن<br />

الوحٌد الذي المس روحً‏ وألنعها باالطمبنان إلى مستمبلً‏ إنها<br />

ستصلًّ‏ إلى الرب لٌؽفر لنا جمٌعاً‏ خطاٌانا،‏ وٌترن نوره معنا<br />

لٌضًء كل خطانا.‏<br />

شكراً‏ لن ‏ٌا عزٌزي سؤصلًّ‏ أنا أٌضاً‏ من أجل كاترٌنا،‏<br />

ولتكن ‏ٌا فانسوا نمٌّاً‏ فً‏ كلّ‏ ما تفعله.‏ ها هو أحمد ‏ٌطل علٌنا<br />

بعد أن انتهى من الحمام،‏ بعد للٌل من انضمام أحمد إلٌنا،‏ نظر<br />

إلًَّ‏ بتمعّن ولال:‏ ألٌس لدٌن ‏ٌا أستاذنا الكبٌر وطبٌبنا المتعمك<br />

فً‏ النفس البشرٌّة،‏ ما تُرشدنا به فً‏ هذه اللٌلة بالذات،‏ حٌث<br />

تستمع كاترٌنا إلى أدق تفاصٌل حدٌثنا.‏ أرجون لل شٌباً‏ لعلّن<br />

تولؾ هذا االضطراب الذي ‏ٌكاد أن ‏ٌحرق هذه النفس الفتٌّة<br />

الجالسة لربن وتستجٌر بن لتحمٌها من هذا الملك المدمر<br />

المشتت فً‏ صحراء تطفا العٌون العطشى إلى ذلن النور الذي<br />

‏ٌبدد الخوؾ وٌعٌد الثمة إلى الذات؟!‏ كان لكلمات أحمد ولعها<br />

الفوري المفاجا والؽرٌب،‏ فانهمرت دموع ‏"فراسوا"‏ حتّى بان<br />

من خبللها كٌانه كلّه عرٌاناً.‏ لكنه أبتسم رؼم ذلن،‏ وظهر وجهه<br />

مشرلاً‏ من خبلل الدموع،‏ وبدا أنه لن ‏ٌخشى بعد الٌوم هذا<br />

الوابل الذي سمط من مملتٌه ولم ‏ٌعرؾ مثله ‏ٌوماً،‏ وال أدرن إ ‏ّال<br />

فً‏ هذه اللحظة من حٌاته لمَ‏ هو عرٌانا مبلّبلً‏ بكامله وال ‏ٌشعر<br />

بالبرد وال بالخجل الذي كان ‏ٌرافك دابماً‏ كلّ‏ ذلن.‏ لكن لم ‏ٌلبث<br />

ٖ8ٙ<br />

.


ضخا<br />

فراسوا أن لال:‏ أدركت اآلن ماذا فعل بً‏ الدكتور زٌاد.‏ لمد<br />

شمّر عن ساعدٌه ورفعنً‏ من الببر النتن الذي ولعت فٌه،‏<br />

وجعلنً‏ ألمس لٌمة اإلنسان الذي فً‏ داخلً.‏ ما لاله أحمد هو<br />

زبدة الحمٌمة والوالع الذي أنا فٌه.‏ لكن لوال الدكتور لَما رأى<br />

كٌانً‏ كلّه أن الحب ‏ٌملن فً‏ داخله ما ‏ٌمكّنه من تؽٌٌر الكثٌر<br />

من األمور بدءاً‏ من أعمالها.‏<br />

صفك زٌاد بسرعة مانعاً‏ دموعه بنجاح من االنهمار.‏<br />

كان وجه ‏"زٌاد"‏ محلِّما عندما بدأ حدٌثه لاببلً:‏ سؤسرد لكم بعض<br />

ما لاله بعض النمّاد والمتعممون فً‏ الفلسفة عن ‏"دوستوٌفسكً"‏<br />

الذي سمّوه ظاهرة فرٌدة تملن خصوصٌتها لبل ك ‏ّل شًء.‏ كان<br />

ممتحماً‏ وٌرٌد أن ‏ٌإجج التارٌخ وٌدفع مساره إلى الطرٌك<br />

الصحٌح.‏ إن ذلن الكاتب الروسً‏ الفذ،‏ الذي ‏ٌُمرأُ‏ وٌُعاشُ‏<br />

وٌُشارنُ‏ وال ‏ٌُحكى عنه كما لال ‏"شارل مالن".‏ إن من لم ‏ٌمرأه<br />

ولم ‏ٌعشه لد فاته أعظم وأهمّ‏ بُعد كٌانًّ‏ ‏ٌستطٌع اإلنسان أن<br />

‏ٌؽوص فٌه وٌتركه ‏ٌتعشّك أعماله أكثر من لراءة أيّ‏ أدب.‏ من<br />

محاولة السباحة فً‏ البحٌرة البلّورٌّة النمٌّة لذلن الكاتب<br />

الكبٌر وصوالً‏ إلى أعمالها البلّورٌّة،‏ ‏ٌستطٌع أن ‏ٌرى شخوصه<br />

وهً‏ تتحرّ‏ ن على المسرح مظهرة أعمك مشاعرها ونواببها<br />

وهً‏ تشتعل دون أن تحرق شٌباً‏ ‏ٌخلّ‏ بالحٌاة وال بالوجود أو<br />

التواجد بحدّ‏ ذاته.‏ رؼم أنن لم تمرّ‏ بؽرابب المشاكل التً‏<br />

واجهتها تلن الشخوص،‏ حتّى أنن ال ‏ٌمكنن التصور أنن ستمرُّ‏<br />

بما مرّ‏ ت به ‏ٌوماً،‏ إالّ‏ أنن ال تستطٌع االبتعاد عنها،‏ وتعمل<br />

جاهداً‏ كً‏ تتوحّد معها دون أن تدري من ‏ٌرؼمن على لبول<br />

ذلن االؼتصاب الذي ترتاح إلٌه وٌُشعرن بالؽبطة،‏ مُشعراً‏ إٌان<br />

ٖ87


بؤنن اتّصلت بؤدقِّ‏ التفاصٌل كؤنن عشتها دابماً‏ وستستمرّ‏ فً‏<br />

عٌشها بطرٌمتن الخاصة.‏ لٌس بالضرورة بطرٌمة تشبه أيّ‏ آخر<br />

عاشها،‏ بل بطرٌمتن الخاصّة ومن الزاوٌة التً‏ تسكن إلٌها.‏ إنن<br />

ربما تؤمل أن تختارن لتركّب معن حلماً‏ خاصاً‏ تبتدعانه<br />

وتعٌشانه بمدر ما تستطٌعان محاربة الشٌطان الذي ‏ٌعشعش<br />

فٌكما.‏ إن تلن األحبلم ال ‏ٌمكن أن تتكوّ‏ ن من فراغ،‏ بل إنها<br />

متؤتٌة من إمكانٌّات إنسانٌّة أصٌلة متجذّرة فٌن وفٌها وترٌان<br />

نفسٌكما متعلمتٌن ببعضهما بعضاً‏ وال تستطٌعان االنفكان عن<br />

منطمة التجذّر.‏ هكذا ‏ٌفتح دوستوٌفسكً‏ أمام البعض الذٌن<br />

اعتادوا على العٌش وسط الؽٌوم عالم الكٌان اإلنسانً‏ على<br />

مصراعٌه،‏ إنه عالم الوالع والممكن الذي نتوق إلٌه وٌتابع<br />

تطوّ‏ رنا،‏ وهو كذلن المستؽ ‏ِرب والمتواصل مع المرٌب<br />

المؤلوؾ.‏ إنها كلّها من نفس الطٌنة البشرٌّة،‏ لذلن تتفهمها وتجد<br />

نفسن تؽوص فٌها وتتمثلها كؤنن كنتها وعشتها أنت بالذات،‏<br />

وتعرؾ وأنت ال تزال ؼابص هنان أن باستطاعتن أن تكونها.‏<br />

الحٌاة فً‏ كتابات دوستوٌفسكً‏ تجري أمامن وال تخفً‏ عنن أ ‏ّي<br />

شًء وتتكلّم معن ومع اآلخر بكل بساطة.‏ لال شارل مالن:‏ ‏"لمد<br />

سُحرتُ‏ بشكسبٌر وؼوته،‏ واختُطِفت معهما إلى عالم تنمّى فٌه<br />

كٌانً‏ وتصفّى،‏ لكنً‏ لم أذرؾ دمعة واحدة بمرابتً‏ شكسبٌر أو<br />

ؼوته.‏ أما مع ‏"دوستوٌفسكً"،‏ فبكٌت مرّ‏ ات عدٌدة وأحسس ‏ُت<br />

دابماً‏ بالمسٌح وراء ما ‏ٌُصوّ‏ ر وٌسرد وٌصؾ.‏ كنتُ‏ أشعر<br />

باألمل الحً‏ مهما كان الظلم ظالماً،‏ ومهما كان البإس ؼارلاً‏<br />

فً‏ ‏ٌؤسه،‏ أو مهما كانت النهاٌة مؤساوٌّة.‏ أما مع ؼوته<br />

وشكسبٌر أصعد إلى جبل ‏"أولمبوس"حٌث اآللهة ‏ٌتبارون،‏<br />

وكلّنا نعرؾ أن آلهة أولمبوس ال ‏ٌبكون.‏ أما دوستوٌفسكً‏<br />

فٌمودنً‏ إلى الجلجلة عند لدمً‏ الصلٌب حٌث ب ‏َكٌ‏ ‏َن النساء،‏<br />

ٖ88


وكما بالمرب من ذلن المكان بكى رجل بكاءً‏ مرّ‏ اً‏<br />

السابك."‏<br />

فً‏ الٌوم<br />

تصور أٌها األخ العزٌز حلمات صاخبة متحمسة جدٌّة<br />

مواظبة،‏ تجتمع بانتظام مرّ‏ ة كلّ‏ شهر،‏ من أجل لراءة شكسبٌر<br />

وتمثٌله فٌما بٌنها،‏ لبلستمتاع بشعره وفنه ومعانٌه،‏ وباألشخاص<br />

الذٌن ‏ٌخلكُ،‏ والمآسً‏ التً‏ ‏ٌصوّ‏ ر وٌُبدع،‏ والفكاهة الخارلة<br />

التً‏ ‏ٌستنبط،‏ والفرح الذي ‏ٌلهم.‏ إن حلمات كهذه،‏ أو حلمة واحدة<br />

فمط مكرّ‏ سة لشكسبٌر ال ؼٌر،‏ ومستمرّ‏ ة فً‏ الوجود فً‏ لبنان<br />

لرناً‏ كامبلً‏ بدون انمطاع،‏ لكفٌلة بؤن تُسهم إسهاماً‏ فعّاالً‏ فً‏<br />

إخراجنا من تعاسة وجودنا على هامش الوجود الحمٌمً‏ البنّاء<br />

المتوهّج الذي ‏ٌُبعدنا عن الظلمة التً‏ تعبث بؤرواحنا وٌُنٌر<br />

دربنا،‏ وٌمؾ حاببلً‏ دون الؽرق فً‏ الندب والبكاء على األطبلل،‏<br />

حٌث العٌش فً‏ الماضً‏ هرباً‏ من عُمم حاضرنا وسخفه وجدبه،‏<br />

حٌث المبوع فً‏ الهزٌمة والخنوع،‏ أو حٌث االكتفاء بالبماء<br />

لمجرّ‏ د البماء،‏ أو حٌث العٌش لمجرّ‏ د العٌش،‏ ال نعنً‏ شٌباً‏<br />

ألحد،‏ وحٌث أٌضا ال أثر للطموح أو المجد أو البطولة.‏ أعود<br />

فؤلول إن حلمة واحدة مثل تلن التً‏ تكلّمنا عنها ستسهم فً‏<br />

إخراجنا من المبور إلى مؤدبة الوجود وفرح الوجود.‏<br />

صوّ‏ ر ‏"دوستوٌفسكً"‏ النواحً‏ المؤساوٌّة فً‏ حٌاة اإلنسان<br />

تصوٌراً‏ رابعاً،‏ ونفذ إلى أشد زواٌا النفس البشرٌّة تعمٌداً‏<br />

وظبلماً‏ وخِ‏ فٌة وسرّ‏ ‏ٌة.‏ ‏ٌُدهشن أنه استطاع لراءة نفسن دون أن<br />

‏ٌعرفن،‏ وأحكم لبضَه علٌن فً‏ سِرّ‏ أسرارن الدفٌن.‏ هنان<br />

الكثٌر لٌمال عن دوستوٌفسكً‏ مثل نمده لِما وصلت إلٌه الدول<br />

الؽربٌّة من انحطاط أو لتلن البرجوازٌّة الرخوة التً‏ تعبد المال<br />

ٖ89


ةٌّ‏<br />

والمال فً‏ أعمك معانٌه ‏ٌُلؽً‏ إنسانٌّة اإلنسان وٌجعلن مكتفٌاً‏<br />

باللذة اآلنٌّة السخٌفة،‏ والتخطٌط األنانً‏ الفردي ولٌس<br />

المجتمعً.‏ كما أن األنانٌّة الحال مٌالة إلى المبوع فً‏ المومٌّات<br />

الضٌّمة،‏ وال تتطلّع إ ‏ّال إلى اآلفاق اإلنسانٌّة المنفتحة المتّسعة<br />

والبعٌدة،‏ التً‏ ال ترتاح إالّ‏ بعد االطمبنان أن كلّ‏ مخلوق بشر ‏ّي<br />

‏ٌملن أسباب العٌش الطبٌعٌّة.‏ كما أظن أن الواجب ‏ٌفرض علًَّ‏<br />

اإلشارة إلى خطابه الشهٌر فً‏ حفلة رفع الستار عن نصب<br />

بوشكٌن فً‏ موسكو،‏ وتنبّؤ فٌه أن المصٌر األخٌر لروسٌا<br />

والكنٌسة األرثوذكسٌّة هو لٌادة أوروبّا والعالم أجمع إلى طرٌك<br />

البر.‏ إن حمٌمة الحمابك ‏ٌا إخوتً‏ هً‏ طبٌعة اإلنسان وما فٌها<br />

من طلب للحرٌّة،‏ وحك االختٌار،‏ والتمرٌر،‏ والشخصانٌّة،‏<br />

والفردٌّة،‏ والملك.‏ على اإلنسان إذاً‏ أن ‏ٌكون نفسه تماماً،‏ شخصاً‏<br />

حرّ‏ اً‏ ممرّ‏ راً،‏ وأن ‏ٌكون ممداماً‏ شجاعاً‏ فً‏ أتخاذ لراراته،‏ وأن<br />

‏ٌتحمّل مسإولٌتها،‏ وٌمبل فرِ‏ حاً،‏ بؤيّ‏ ذنب لد ‏ٌمترفه باتّخاذها.‏<br />

إن المبول بالذنب بفرح ‏ٌعتبر من أساسٌّات إنسانٌّته،‏ وهذا ‏ٌعنً‏<br />

فً‏ العمك أن لرار اإلنسان ال ‏ٌستطٌع أحد فً‏ الوجود كلّه<br />

التدخل فٌه بما فً‏ ذلن الرب نفسه،‏ وإالّ‏ ما كان ‏ٌوماً‏ إنساناً.‏<br />

هكذا إذا أردنا أن نكمل ما بدأناه علٌنا أن نتحدث عن حٌاة<br />

الحس واللذة فمد خبرها الكثٌرون ووصفوها بؤنها حٌاة الهرب<br />

التً‏ ال تشفً‏ ؼلٌبلً،‏ وتإول من خٌبة إلى خٌبة.‏ كما أن الحٌاة<br />

األخبللٌّة المكبّلة بالشرابع والموانٌن،‏ تلؽً‏ الحرّ‏ ‏ٌة والخٌار<br />

والمسإولٌّة،‏ وتجعل من اإلنسان مجرد آلة وأداة وتحولّه إلى<br />

عاهر ملوث تتعطل إنسانٌته وتصبح حٌاته فارؼة عمٌمة ال<br />

عٌش فٌها وال نور وال إلهام،‏ وتموت الرؼبة فً‏ االنعتاق.‏ ال<br />

تكونوا منؽلمٌن أٌها اإلخوة بل ابذلوا الجهد لتكونوا اآلخر،‏ فإن<br />

لم تستطٌعوا أن تكونوه وبمً‏ اآلخر آخر فمن ستكونون أنتم.‏<br />

ٖ9ٓ


هذا ما أردتُ‏ لوله وأمكننً‏ أن ألوله.‏ ‏"ربما علًَّ‏ أن أتساءل<br />

وأنا ماض إلى االهتراء من الداخل أكثر من الخارج:‏ هل أنا<br />

ذاهب إلى الموت،‏ ومن المفترض أن أكون واثماً‏ أن هنان<br />

‏ٌنتظرنً‏ وعد موثّك شفهً‏ أنً‏ سؤدحر الموت وأعود إلى الحٌاة<br />

من جدٌد والشاهد على ذلن هو حٌاتً‏ كلها ووجودي وبصمتً‏<br />

التً‏ أتركها بعد ؼٌابً."‏<br />

فرانسوا إنن المبدع والخبلّ‏ ق أٌضاً‏ ‏ٌا أخً‏ الكبٌر.‏ لمد اخترت<br />

من الكثٌر الذي لٌل من زبدة عبالرة العالم م ‏ّما ‏ٌضع هذا الكاتب<br />

فً‏ المراتب األولى بٌن الذٌن أثروا الحٌاة اإلنسانٌّة.‏ فً‏ السنة<br />

الماضٌة ألمى أحد األساتذة فً‏ كلٌّة اآلداب محاضرة عن الكاتب<br />

نفسه.‏ أعدّها المحاضر بتإدة لكنها لم تترن انطباعاً‏ جٌداً،‏<br />

وهوجمت من لبل أساتذة كثٌرٌن.‏ أما أنت فكنت تعصر ذاكرتن<br />

لتمدم لنا ما ‏ٌؽذي الوجدان والروح.‏ شكراً‏ لن على كلّ‏ شًء،‏<br />

لمد فهمتُ‏ ما أردت أن ‏ٌصل إلى وجدانً،‏ متمنٌّاً‏ من ملن<br />

السماء مدَّ‏ ‏ٌد المساعدة لً‏ كً‏ أكون فً‏ المادم من األٌام عند<br />

حسن ظنه وظنن.‏ أنت ال تعرؾ كٌؾ أرلص اآلن ولد تخلّت<br />

عنً‏ جراحً‏ وتولفت دمابً‏ من بثِّ‏ رابحتها البؽٌضة وبدأت<br />

أؼنًّ‏ أنا وفٌروز.‏ وٌنن،‏ وٌنن ، أنا فً‏ ؼمرة الشبك والنشوة<br />

أٌها الحبٌب ولد التحمت شموق جراحاتً‏ وأعتمد أن منخر ‏ّي<br />

لاال لها ال تدعً‏ تلن الرابحة الممٌبة تمترب من هنا.‏ وسؤكون<br />

ممتنّاً‏ لن طول حٌاتً.‏ دعونا نسمع كلمة أحمد لمد كشؾ لنا<br />

فراسوا للبه الذي كان مؽلماً‏ بإحكام،‏ وهذا شًء كثٌر مفاجا.‏<br />

أظنّ‏ أن ذلن كان نتٌجة إلفساح المجال له الستعادة ثمته بنفسه.‏<br />

ماذا نفهم من كلّ‏ هذا وإلى ماذا ‏ٌشٌر؟!‏ أنا أعتمد أنه ‏ٌإشر إلى<br />

الممع البؽٌض الذي ‏ٌؽلك أبواب السجن وٌمنع النور من<br />

ٖ9ٔ


الدخول.‏ دعنً‏ أكرر شكره لن وأنا متؤكّد أن ما للته ‏ٌمثل<br />

إرادته،‏ كما أنً‏ واثك أن األٌّام ستعطٌه ما ‏ٌخصه.‏ إذ إنه أخذ<br />

حصته من اآلالم مبكّراً.‏ وفً‏ الختام أدعو لن بالنوم العمٌك<br />

وألول بالفم المآلن إنن أٌّها الكبٌر لم تفاجبنً.‏ هٌا ‏ٌا فرنسوا<br />

لٌؽط كلّ‏ منا فً‏ نوم عمٌك،‏ أعتمد أننا بؤمس الحاجة إلٌه.‏<br />

فً‏ الصباح عندما اجتمع الجمٌع،‏ على طاولة الفطور فً‏<br />

الفندق.‏ ظهر جلٌّاً‏ الحبور والبهجة على الكل.‏ كؤنّهم التموا فً‏<br />

هذه اللحظات دون أن ‏ٌكونوا مرتبطٌن بؤيّ‏ موعد.‏ كان زٌاد<br />

أول الواصلٌن وٌمرأ صحٌفة الصباح.‏ ثمَّ‏ توالى وصول أحمد،‏<br />

ثم بعد بضع ثوانٍ‏ أط ‏َّل فرانسوا حاول ‏"زٌاد أن ‏ٌُظهر فرحه<br />

الشدٌد بلماء هإالء الشباب الذي ‏ٌشعر بؤنه مسإوالً‏ عنهم،‏ لكن<br />

أحمد الحظ أن دمعة أخٌرة أخذت تتسرب من إحدى مملتً‏<br />

‏"زٌاد"‏ فسؤله ماذا بن ‏ٌا أستاذي؟!‏ لمد تلمٌت رسالة تمول:‏ أن<br />

الراهب ‏ٌوسؾ ‏ٌمكن أن ‏ٌكون لتل فً‏ لبرص أو على شواطبها<br />

فً‏ البحر لرب لبرص تماماً.‏ فً‏ العشاء سؤتكلم عن األسطورة<br />

التً‏ وهب الراهب ‏ٌوسؾ حٌاته من أجل إظهار سخفها.‏ لبل أن<br />

‏ٌستطٌع المول مرّ‏ ة ثانٌة بضعة كلمات إلى زهرة عشٌمته<br />

المفضّلة كان من أهمها أن ترسل ولٌدها إلًّ‏ إن كان ذكراً‏ أم<br />

أنثى.‏ دعونا نفطر اآلن ثم نجتمع هنا لٌبلً‏ ونذهب إلى مكان آخر<br />

حٌث أستطٌع أن أشرب العرق كرما لصدٌك العمر الراهب<br />

الؽرٌب األطوار ‏ٌوسؾ.‏<br />

أخشى أنً‏ ال أستطٌع ‏ٌا سٌّدي.‏<br />

.<br />

ٖ9ٕ


ٍ<br />

ستؤتً‏ ‏ٌا أحمد مهما كان الوضع،‏ ‏ٌمكنن أن ترحل لبل نهاٌة<br />

السهرة بملٌل ال تخذلنً‏ فً‏ آخر أٌامً‏ هنا ‏ٌا أحمد الحبٌب.‏ أما<br />

فراسوا فسٌتركنً‏ فً‏ صباح الؽد بعد الفطور.‏ أأنتما موافمان؟!‏<br />

أنت طبٌبنا الكبٌر ‏ٌا زٌاد،‏ ال أنا وال<br />

عن االنتماء إلٌن.‏<br />

الجعٌتانً‏<br />

نستطٌع التخلًّ‏<br />

إذاً‏ اطلب لنا ‏ٌا الفطور ‏ٌا أحمد،‏ صدّلونً‏ أنً‏ لم ‏ٌمر علًّ‏<br />

فطور واحد مع أمً‏ إالّ‏ وولع فً‏ أثنابه شجار عنٌؾ.‏ كانت<br />

تمرأ أفكاري ولم أستطع تهرٌب واحدة منها دون أن تلتمط ما<br />

ألصده منها.‏ عندما شعرت بؤنها تفولنً‏ ذكاءً‏ استسلمت،‏ ولم<br />

تعد تجدي مسؤلة االنتمام من طفولتً‏ التً‏ أصبحت ببل أ ‏ّي<br />

معنى،‏ كما كنتُ‏ ادّعً‏ وادّعى الكثٌرون،‏ هكذا عدت إلى<br />

ؼرفتً‏ بعد انتهاء الفطور ألتابع الرسالة الطوٌلة التً‏ وصلتنً‏<br />

من الراهب ‏ٌوسؾ.‏<br />

ٕٙ<br />

كتب ‏ٌوسؾ الراهب الذي ؼدا أسطورة دون شنّ‏ لاببل:‏ وجد ‏ُت<br />

بعد بضع ساعات من وصولً‏ إلى ‏"تل أبٌب" وهً‏ من أهم<br />

مدن ببلد األعداء أن وجودي هنان هو جنون حمٌمً‏ ملفت<br />

كلًّ‏ الؽرابة وفً‏ أعلى مستوٌاته.‏ إن ما جبت أُنفّذه أمر شدٌد<br />

الخطورة فً‏ بلد فٌه الواحد ‏ٌرالب الكل والجمٌع ‏ٌرالبون<br />

الواحد.‏ المسؤلة لد تبدو من الخارج كؤنها طرفة ركبها أحدهم<br />

ٖ9ٖ


فً‏ ذهنه وطرحها على الطاولة مثلما ‏ٌطرح الزهْر من العب<br />

النرد،‏ ولكنن إذا أتٌح لن بعض اإلطبللة إلى داخل ما ‏ٌجري<br />

فً‏ الوالع،‏ ستجد أن األمر بالػ التعمٌد وبعٌد عن أن ‏ٌكون<br />

جزءاً‏ من مزاح ثمٌل الدم.‏ كما أنن ستدرن بسرعة أن الرجوع<br />

عن األمر لم ‏ٌعد متاحاً،‏ إذ إن بضع ساعات ستكون كافٌة<br />

لكشؾ وجودن المرٌب مع جمٌع معاونٌن.‏ إنن طوال الولت<br />

ستظل تمتلا بالشعور أ ‏ّال سبٌل أمامن للهرب،‏ فؤنت ؼٌر مكبل<br />

باألصفاد،‏ لكنن فً‏ لبضتهم فعبلً‏ وهم ال ‏ٌنوون أن ‏ٌفعلوا شٌباً‏<br />

فً‏ الولت الحاضر.‏ إذ إنهم ‏ٌرالبونن لحظة تلو اللحظة،‏<br />

وٌرٌدون أن ‏ٌعرفوا ماذا تبؽً‏ وما هً‏ مهمّتن بالضبط،‏ وٌمكن<br />

أن ‏ٌكونوا أدركوا أن هنان فً‏ الداخل من ‏ٌساعدن؟!‏ إنهم<br />

‏ٌتساءلون كٌؾ دخلت بهذه السرٌّة وهل وراءن مخابرات<br />

أجنبٌّة؟!‏ ومن هم أولبن الخونة الذٌن تجرّ‏ إا لٌلعبوا هذه اللعبة<br />

الخطٌرة؟!‏ إنهم شٌاطٌن ‏ٌا زٌاد ونحن ‏ُسذّج.‏ لمد أزالوا رابحتنا<br />

من فلسطٌن.‏ لو كنت هنا معً‏ ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ النهمرت دموعن<br />

وسبّبت لً‏ إرباكاً‏ انضم إلى إرباكً.‏ أنا ال أعرؾ فلسطٌن،‏<br />

وكنتُ‏ أودّ‏ لو كان أبً‏ معً،‏ فهو ‏ٌعرؾ ما سؤلول:‏ لمد ؼٌّروا<br />

معالمها ولم ‏ٌتركوا فٌها ؼٌر ‏"الفبلفل"‏ إنهم وحوش أصبحوا<br />

مدجّجٌن بكل أنواع األسلحة الفتاكة التً‏ ‏ٌظنّون أنها تستطٌع أن<br />

تجرؾ من أمامها كلّ‏ األعداء المحتملٌن.‏ لمد أمسوا تجّار أسلحة<br />

باإلضافة إلى تجارة األلماس.‏ على أمتنا أن تتحضر لمتال<br />

شرس البدّ‏ منه.‏<br />

لم أجتز الرعب الذي كنتُ‏ فٌه إ ‏ّال عندما نجحت االتصاالت بٌن<br />

الخبلٌا النابمة التً‏ استمبلتنً‏ وأخفتنً‏ بلحظات ملفتة وبٌن<br />

الٌهود الذٌن لطالما رفضوا الصهٌونٌّة والتمٌٌز العنصري<br />

ٖ9ٗ


كتفكٌر فاشً‏ وعنصري بامتٌاز.‏ إن تعذّر العٌش فً‏ إسرابٌل<br />

كوطن،‏ ‏ٌكمن فً‏ إنه سٌبمى محاطاً‏ بطبلّ‏ ب الحك مهما طال<br />

الزمن وهم عشرات أضعاؾ المبلٌٌن الذٌن ‏ٌسكنون فً‏<br />

إسرابٌل أو الموجودٌن فً‏ أرجاء العالم كلّه.‏ لمد بلػ الصلؾ<br />

والؽباء فً‏ الصهٌونٌّة العالمٌة بحٌث ‏ٌرفضون كلّ‏ ما ‏ٌموله<br />

العمل العالمً‏ الذي ‏ٌدرن بعمك أن الظالم سٌخطؾ ‏ٌوماً‏ وٌُؤخذ<br />

إلى الؽابة وٌؤكل من لِبل وحش مثله لكنه ال ‏ٌملن عمبلً‏ بشرٌاً‏<br />

‏ٌرشده إلى الطرٌك الموٌم.‏ ال بدّ‏ أن ‏ٌؤتً‏ الٌوم حٌث سٌصبح<br />

الظلم هماّ‏ عالمٌاً‏ مملماً‏ إلى ِ حدّ‏ الرعب،‏ وٌنملب العالم كلّه إلى<br />

مسرح ‏ٌمتتل فٌه الناس دون أن ‏ٌتذ ‏ّكروا لمَ‏ هم وسط المذبحة.‏<br />

هكذا على الجمٌع أن ‏ٌتّموا هللا وٌتؤمّلوا فً‏ السماء الصافٌة<br />

والنجوم دون أن ‏ٌنسوا الممر.‏ إن هذه المعادلة الصعبة الحل،‏<br />

تحاول للة من الٌهود فن عمدها وإٌجاد طرٌك ما لتسوٌتها<br />

بشكل ‏ٌرضً‏ الجمٌع.‏ إذ إن بماء األمر على ما هو علٌه سٌشعل<br />

حرباً‏ لد ال تتولّؾ لمرن آخر أو أكثر من الزمن.‏ إن هذه الملّة<br />

ترى أن صالح إسرابٌل ‏ٌكون فً‏ االنفتاح على شعوب المنطمة<br />

والتفاهم معها على العٌش المشترن،‏ بما ‏ٌُرضً‏ كلّ‏ الذٌن<br />

‏ٌفهمون أن العٌش ال ‏ٌصح إن لم ‏ٌظلّله األمان.‏ أما األكثرٌة فهم<br />

من أولبن الذٌن جاإوا من كل مكان لٌتّخذوا من فلسطٌن<br />

المؽتصبة وطناّ‏ بدٌبلً‏ لهم،‏ عوضاً‏ عن كلّ‏ األوطان التً‏ لفظتهم<br />

ورأتهم بعوضاً‏ ‏ٌسمم كل المجتمعات المتحضرة،‏ رؼم أنهم<br />

بمختلؾ الطرق استطاعوا االدّعاء أنهم أصبحوا ‏ٌعدّون من<br />

الدول المتمدّمة.‏ إن الٌهود الذٌن الٌزالون مصرّ‏ ‏ٌن أن دولتهم<br />

المتحضّرة تواجه حولها أعداء ‏ٌعتبرون أن إسرابٌل اؼتصبت<br />

أرضهم الممدّسة،‏ وال مجال هنان للعٌش المشترن مع األعداء.‏<br />

نعود إلى الملّة من الشعب اإلسرابٌلً،‏ فمد نجحوا فً‏ إلناع<br />

ٖ9٘


ِ<br />

بعض مجتمعاتهم أن التمٌٌز العنصري وطرد العرب من بٌوتهم<br />

لن ‏ٌولؾ سٌل الدماء،‏ بل سٌزٌد من تدفّمها وسٌصل من ‏ٌستمر<br />

فً‏ فعل ذلن إلى الطرٌك المسدود نفسه الذي وصلت إلٌه جنوب<br />

أفرٌمٌة،‏ وٌدركون أن الجرابم التً‏ ‏ٌرتكبونها ستصعّب<br />

الوصول إلى مستمبل أفضل،‏ وتحول دون تنفٌذ المراحل<br />

البلزمة للوصول إلى الحل السلٌم الذي ‏ٌمنع األكثرٌة الحماً‏ أنها<br />

ال تستطٌع االستمرار فً‏ ؼٌها.‏ أولبن المختلفٌن فً‏ النظر إلى<br />

الكٌان الصهٌونً‏ ‏ٌذ ‏ّكرون مواطنٌهم دابماً‏ أنهم من أوابل الذٌن<br />

حاربوا الكٌانات الفاشٌّة التً‏ تعبد أساطٌرها،‏ واعتبروها لعنة<br />

الشٌطان فً‏ التارٌخ الحدٌث.‏<br />

إن الوطنٌٌّن الٌهود جلبوا إلًّ‏ المتفجرات الضرورٌّة للمٌام<br />

بالعملٌّة،‏ رؼم أن الخطّة األساسٌّة لم تكن بحاجة إلى مثل هذه<br />

األمور.‏ لمد طلبوا تفسٌراً‏ حمٌمٌاً‏ عن مماصدنا واهدافنا ممّا<br />

سنفعله للت لهم ضاحكاً:‏ أنتم تعٌشون أسطورة تمول:‏ إن<br />

الٌهودي الذي ‏ٌبذر بذرته فً‏ رحم ‏ٌهودٌة وحصل التلمٌح ‏ٌكون<br />

ابنه ‏ٌهودٌاً‏ حمٌمٌاً‏ ‏ٌتمتع بكلّ‏ ما تمنحه الدولة الٌهودٌّة الصرفة<br />

ألبنابها من الٌهود المإتمنٌن على وطنهم.‏ أما إذا كان الرحم<br />

لٌس ‏ٌهودٌاّ‏ فلن ‏ٌكون المولود ‏ٌهودٌاً‏ بل ربّما ‏ٌُعتبر مخلولاً‏<br />

‏ٌحك له اكتساب الجنسٌّة اإلسرابٌلٌّة.‏ ‏ٌبدو واضحاً‏ أن الفرق<br />

كبٌر بٌن أن تكون ‏ٌهودٌاّ‏ وإسرابٌلٌاً‏ فً‏ الولت نفسه،‏ أو أن<br />

تكون إسرابٌلٌّاً‏ فمط.‏ إن هذا ‏ٌشٌر إلى عمك باطنٌة العٌش فً‏<br />

المجتمعات التً‏ تشكل دولة إسرابٌل.‏ إن هذا ‏ٌعنً‏ أنه سٌكون<br />

لدى هذه الدوٌلة شكبلً‏ ؼرٌباً،‏ إذ سٌكون علٌها ابتداع اسم ما<br />

ألولبن المواطنٌن االسرابٌلٌٌّن فمط.‏ سٌربن هذا تلن الدولة التً‏<br />

ألحمت نفسها فً‏ اؼتصاب ممتلكات شعب آخر بالسٌؾ وجعلت<br />

ٖ9ٙ


الدماء تسٌل حتى تمكّنت أن توجد لها مكاناً‏ دخٌبلً‏ مرفوضاً‏ بٌن<br />

مجموعة الدول العربٌّة.‏ سٌبمى هذا الكٌان ال ‏ٌشبه أحداً‏ من<br />

محٌطه،‏ وال ‏ٌمكن العٌش معه دون أن تشعر بؤنن معرّ‏ ض<br />

للؽدر فً‏ أٌّة لحظة.‏<br />

كنت أعرؾ عندما استلمتُ‏ المتفجّرات الخاصة بهذه العملٌة،‏<br />

أنً‏ فً‏ البدء علًّ‏ أن أزٌح من طرٌمً‏ عمٌد فً‏ الجٌش<br />

وممدمٌن ورابد،‏ كلّ‏ هإالء كانوا مكلفٌن بحراسة ذلن المبر<br />

الذي ‏ٌكمن فٌه سر إسرابٌل.‏ لمد سموا ‏"العظْمة"‏ التً‏ أخذها<br />

الرب من من خصر آدم ‏"عضمة"‏ ‏"ؼولدا مابٌر."‏ إن هذه<br />

األللٌّة التً‏ تشكل دولة إسرابٌل تترن انطباعاً‏ أن شعبها ال ‏ٌرٌد<br />

من شعوب العالم اعتباره ‏ٌشبه بمٌّة البشر الذٌن ‏ٌعٌشون فً‏ هذه<br />

األرض.‏ إن تلن ‏"العضمة"‏ التً‏ ستزول عمّا لرٌب ستُظهر<br />

عمك السخؾ الفاشً‏ لتلن الدولة العنصرٌّة.‏ إن فً‏ أحشاء تلن<br />

األُسطورة تكمن هزالتها إذ إن فمدان هذه ‏"العضمة"‏ سٌفمد نساء<br />

إسرابٌل الٌهودٌّات إمكانٌّة إعطاء أوالدهم الكٌان الٌهودي<br />

النمً.‏ وٌصبحون كبمٌة شباب هذا العالم بشراً‏ ‏ٌملكون إنسانٌتهم<br />

التً‏ طالبهم الرب أن ‏ٌرتموا بها لٌستحموا ما سٌإول إلٌهم ‏ٌوم<br />

‏ٌمرر ذلن.‏ ترى هل سٌعطٌنً‏ الرب شرؾ تمزٌك هذه<br />

األسطورة من صفحات التارٌخ المزور من لبل عمل خرؾ؟!‏<br />

كنتُ‏ أعرؾ جمٌع المحاوالت الحثٌثة لتنجٌتً‏ من الموت.‏ لكن<br />

إحساسً‏ ورؼبتً‏ كانا ‏ٌشٌران إلى أنً‏ سؤموت بتدمٌري بمنبلة<br />

تنطلك من طابرة دون طٌّار.‏ الخطة التً‏ كانت مرسومة مسبماً،‏<br />

تمضً‏ بتخدٌر الضباط األربعة أثناء تناولهم للعشاء.‏ ثمَّ‏ نملهم<br />

إلى مخادعهم.‏ لمد تمَّ‏ كل شًء حسبما رسم بٌسر ؼرٌب،‏<br />

وانتزعت تلن ‏"العضمة"‏ اللعٌنة.‏ بعد ساعتٌن نُمل ‏ًت بالسٌّارة<br />

ٖ97


إلى جهة مجهولة ‏ٌؽمرها سكون لم أعش فً‏ أجوابه ‏ٌوماً.‏ ث ‏َّم<br />

بعد بضعة أٌّام صعدنا أنا واثنٌن لم أكن أعرفهما مسبماً‏ إلى ما<br />

‏ٌشبه الٌخت،‏ واتجهنا نحو لبرص،‏ وٌبدو أننا كنا سنصلها لبل<br />

انببلج الصبح بسبب السرعة الكبٌرة التً‏ كان ‏ٌشك بها مركبنا<br />

مٌاه البحر األبٌض المتوسط.‏ هنان فً‏ لبرص تمّت مراسم<br />

إحراق تلن األُسطورة وخُلطت بماٌاها مع التراب.‏<br />

أنت تعرؾ ‏ٌا صدٌمً‏ العزٌز أنه لم ‏ٌبك لً‏ ؼٌرن فً‏ هذه<br />

الدنٌا.‏ ألول ذلن ألن مضطر لتحمٌلن تبِعات ماذا سٌحصل،‏<br />

فؤنت الصدٌك الذي ‏ٌعرؾ كل شًء عنًّ،‏ والمادر على تلبٌة<br />

طلبً‏ األخٌر.‏ إذ إنً‏ أدرن أالّ‏ سبٌل للنجاة من هذه العملٌّة.‏<br />

المولود الذي ستلده زهرة بعد اكتمال حملها،‏ سٌكون من نصٌبن<br />

أن تربٌّه وتعده لٌحمل اسمً‏ وكٌؾ ‏ٌصبح رجبلً‏ حمٌمٌاً‏ أو<br />

امرأة صالحة.‏ أرجو أن تعذرنً‏ فبل طرٌك أمامً‏ إال أنت<br />

لتتسلّمه ثم تموم بدورن وتؤخذه أو تؤخذها إلى مسلن البرّ‏ . لكن<br />

ال تنس أن تزرع فً‏ ذلن المولود مهما كان جنسه أن أباه ‏َملَ‏ ‏َن<br />

دابماً‏ للباً‏ صالحاً.‏<br />

لطالما اعتمدتُ‏ أن الرب ‏ٌعرؾ أسلوبً‏ فً‏ التفكٌر،‏ وٌتفهم<br />

خطاٌاي.‏ كما أرجو أن ترانً‏ فً‏ حلم ما أدق بابن كمرٌض أنا<br />

الراهب الصدٌك نفسه وألول لن:‏ سؤموت بٌن لٌلة وضحاها<br />

اسمع لصتً‏ أرجون.‏ أنا ال أستطٌع فهم ما جرى.‏ لكنً‏ أمٌل<br />

إلى استبدال كلمة المصادفة التً‏ ‏ٌطلمها البعض لوصؾ ما<br />

حدث،‏ برضى الرب بطرٌمة من الطرق عن كلّ‏ لصّة حٌاتً‏<br />

والنهاٌة التً‏ عشتها وكذلن الموت الذي أنتظره.‏<br />

ٖ98


كنتُ‏ فً‏ بٌروت ذات ‏ٌوم أبحث عن سٌّارة تملّنً‏ إلى الدٌر.‏<br />

أعتمد أنً‏ لم أكن أرٌد أن أجد طلبً‏ بالتؤكٌد،‏ إذ كانت حاجتً‏<br />

إلى جسد آخر فً‏ ذلن الٌوم ملحّة إلحاحاً‏ شدٌداً.‏ كانت تلن التً‏<br />

كنتُ‏ أحلم بها وأعلّك صورتها فً‏ ذهنً‏ تملن جسداً‏ رابعاً‏ لم<br />

‏ٌكؾّ‏ طوال أسبوع عن الهمس فً‏ أذنً‏ طالباً‏ من لعابً‏ ترطٌبه<br />

وأالّ‏ أنسى تخصٌص ولتاً‏ خاصاً‏ ‏ِلما وراء أذنٌّها مضٌفاً:‏ ‏"أنا<br />

أبحث عن رجل مثلن خبٌر فً‏ عالم الجسد ومتطلّباته.‏ إن<br />

شهرتن عمت جبل لبنان كله وأخشى االّ‏ أران إالّ‏ بعد أن تنزل<br />

إلى بٌروت."‏ طال االنتظار وكان ال بد من أن أعود إلى الدٌر.‏<br />

‏)أنت تعرؾ لصتً‏ مع الدٌر(‏ لكن إحساسً‏ لم ‏ٌحاول أن<br />

‏ٌؽشنً‏ ‏ٌوماً،‏ إذ برزت فً‏ آخر الشارع،‏ فً‏ ‏ٌومٍ‏ ربٌعًٍ‏ آخر<br />

بمامتها المشدودة وجسدها الملفوؾ الذي كاد أن ‏ٌتفجر وٌطٌح<br />

بكل الذٌن ‏ٌتحرّ‏ كون فٌه جٌبة وذهاباً.‏ لكنها كانت فً‏ ذلن الولت<br />

تجر عربة مخصّصة للمرضى تحمل رجبلً‏ متهالكاً‏ ‏ٌمول<br />

للموت كفان لإماً‏ هٌا خذنً،‏ وارحم هذه المسكٌنة التً‏ ال تزال<br />

عذراء.‏<br />

كنتُ‏ ألؾ مذهوالً‏ وأنا أراها هذا عارٌة تماماً.‏ هٌُّ‏ ‏ِا لً‏ ذلن<br />

دون شن،‏ فتطلّعتُ‏ إلى السماء مبتسماً‏ فرحاً.‏ ‏ٌمكنن أن تضحن<br />

كما تشاء ‏ٌا زٌاد،‏ وسٌسرّ‏ نً‏ ذلن.‏ عدّنً‏ واهماً‏ لكن تؤكّد ‏ٌا<br />

عزٌزي أنً‏ لم أعد أفرق بٌن الوهم وما تراه العٌن دون<br />

‏"رُ‏ توش"‏ المهم أٌّها الحبٌب أنها التربت كثٌراً‏ منً.‏ لكن فً‏<br />

تلن اللحظات أطل الشٌطان لاببل:‏ اسؤلها أٌها الراهب إن كانت<br />

تمبل أن تصبح خلٌلتً‏ وأعدها أالّ‏ أجعلها تخدم نسابً،‏ وال<br />

أسمح ألٌّة واحدة منهنَّ‏ بمسها فً‏ ؼٌابً.‏ إنً‏ أٌّها الراهب<br />

أشتهً‏ جسدها المجنون.‏ للت فً‏ للبً:‏ هٌا ام ‏ِض أٌها الكلب<br />

ٖ99


المسعور واترن إنسانٌتنا تتماحن،‏ ودعنً‏ أرى المرمر<br />

المستور فمد رأٌت ؼٌر المستور.‏ إن عنمها ‏ٌمجّد الخالك كل<br />

لحظة،‏ هٌا اذهب وؼب عن ناظري أٌها المرذول فٌديّ‏ خٌر من<br />

مسح عنمها ووجهها فً‏ هذا الحر ؼٌر المنصؾ لً‏ ولها.‏<br />

تمدّمت إلٌها موشوشاً‏ بعد أن الحظ ‏ُت أن الرجل الذي تجرّ‏ ه كان<br />

نابماً‏ أو مٌّتاً.‏ للت لها:‏ نحن االثنان عشمنا الوصال مع بعضنا<br />

بعضاً‏ ونعرؾ أٌضا أن النظرات ال تنفع شٌباً‏ بل تزٌد األمر<br />

اشتعاالً‏ خذي هذا الزوج المتهالن وتعاال اسكنا لربنا فً‏ إحدى<br />

الضٌع المرٌبة من دٌرنا الجمٌل،‏ والنعٌه أن الهواء هنان<br />

سٌجعله شاباً‏ ‏ٌمتحم الوؼى دون خوؾ أو وجل فوعدتنً‏ خٌراً.‏<br />

بعد أسبوع من هذا اللماء العابر دعٌتُ‏ لجنازة زوجها الفاحش<br />

الثراء.‏ وبعد انتهاء الحداد الذي دام ثبلثة أٌّام.‏ دعتنً‏ للعشاء<br />

فً‏ بٌتها الذي ال ‏ٌوجد له مثٌبلً‏ فً‏ تلن األصماع.‏<br />

7ٕ<br />

تؤخّرتُ‏ فً‏ الوصول إلى منزل زهرة حتى العاشرة والنصؾ<br />

لٌبلً.‏ كانت تؽلً‏ من الؽضب،‏ وتتمشّى فً‏ الصالون بعصبٌّة<br />

جٌبة وذهاباً.‏ كان ‏ٌظهر ذلن من خبلل الفرجات التً‏ تتركها<br />

الستابر.‏ ذكّرنً‏ ذلن بطفولتً،‏ فبوساطتها تدرّ‏ ج الشبك فً‏<br />

داخلً‏ وتدرّ‏ جتُ‏ فٌه بٌسر حتى ولجتُ‏ مراهمتً‏ وأوّ‏ ل مهبل فً‏<br />

حٌاتً.‏ كان ؼضب المرأة ‏ٌثٌرنً‏ وٌحفزّ‏ نً.‏ كنت أتعامل معه<br />

فً‏ كلّ‏ مرّ‏ ة بطرٌمة مختلفة،‏ فاتّخذت فً‏ هذا الٌوم وضعٌّة<br />

الساخر ؼٌر المبالً،‏ وكً‏ أكون صادلاً‏ ألول:‏ إنً‏ كنت ؼٌر<br />

ٗٓٓ


مبالٍ‏ فعبلً،‏ ولد صمّمتُ‏ فٌما لو أخرجت ولاحتها ان أستدٌر<br />

وأصفك الباب ورابً‏ بشدّة متمنٌّاً‏ أن ‏ٌتحطّم وأسمع صوت<br />

أجزابه تمع على األرض.‏ هذا ما كنت أفكر فٌه وأنا أصعد تلن<br />

الدرجات الملٌلة التً‏ توصلنً‏ إلى الباب.‏ فتحته دون أن أنمر<br />

تلن النمرات المتفك علٌها.‏ لكنً‏ فً‏ هذا المضمار كنت أملن<br />

فطرٌّاً‏ سرعة االحتشاد والمبادرة للمبض على السلطة بحزم ال<br />

‏ٌمبل المنالشة أما إذا لم أحمّك النجاح،‏ فؤعتمد الخطّة ‏"ب ‏"وهً‏<br />

تمضً‏ بالتجهّم واالستنكار الشدٌد،‏ المستعد لئلطاحة بما حوله،‏<br />

ثمّ‏ المبادرة إلى تحطٌم إناء أو إنابٌن من الزجاج العادي بعنؾ<br />

‏ٌعبّر عن االنفعال الشدٌد،‏ الذي ‏ٌوحً‏ بؤنه سبم طرٌمة فهم<br />

المرأة البدابٌّة لِما ‏ٌجري حولها،‏ وهو سٌباشر دون تردّد إلى<br />

تحطٌم كلّ‏ خزانة ‏"الصمدٌّات"‏ الفخمة المرٌبة منه،‏ التً‏ تحوي<br />

أعتك أوانً‏ الكرٌستال المطبوخ فً‏ ‏"فٌنّا"‏ التً‏ تش ‏ّع بالجمال<br />

واألسرار.‏ أعتمد أنه لم ‏ٌبك من المشهد سوى االستدارة شبه<br />

العسكرٌّة والخروج من المكان،‏ وعدم االلتفات إلى صراخ<br />

االستنكار تارة أو االستنجاد باالعتذار تارة أخرى.‏ هكذا<br />

وبتصمٌم شدٌد ‏ٌُرسل اإلٌحاء رسالة تمول:‏ إنه من العبث<br />

محاولة الولوؾ فً‏ وجه مثل هكذا إنسان،‏ طالما ‏ٌحمٌه منطك<br />

‏ٌمول:‏ ‏"إن مصلحة المرأة أ ‏ّال ‏ٌمنحها الرجل أٌّة فرصة<br />

لبلنتصار"،‏ متحدٌّاً‏ مكرَ‏ ها الشدٌد فً‏ محاولة إخفاء ما تبٌّته من<br />

نٌّات.‏<br />

تمدّمتُ‏ بسرعة وعٌناي مثبّتتان فً‏ عٌنٌها،‏ تاركاً‏ شبح<br />

ابتسامة مرسوماً‏ بٌن شفتًَّ‏ تحوي ظ<strong>بلا</strong>لً‏ من االستخفاؾ،‏<br />

متناوالً‏ بكلتا ‏ٌديَّ‏ رأسها كلّه وشعرها األشمر المتمرّ‏ د ومُؽرلاً‏<br />

شفتٌها بلعابً.‏ أخذت الولت الكافً‏ حتى استسلمت هً‏ وكلّ‏<br />

ٗٓٔ


العضبلت التً‏ استدعتها للولوؾ فً‏ وجه هذا االؼتصاب<br />

السلمً،‏ مدركة أن لٌس علٌها محاولة التلفّظ أو التصرّ‏ ؾ بؤٌَّة<br />

حمالة.عندما تولفتُ‏ عن االسترسال فً‏ هذا المشهد لبل أن<br />

‏ٌصبح ممجوجاً‏ وسخٌفاً.‏ رفعتُ‏ أصبعً‏ فً‏ وجهها مهدّداً‏<br />

ولاببلً:‏ ال شًء ‏ٌتمدم على الوطن.‏ إن ما أخطّط له سٌحدّد<br />

مصٌر شعبنا أمام زحؾ الصهاٌنة والوحوش الذٌن ‏ٌستطٌبون<br />

أكل اللحم النٌّا.‏ فً‏ تلن اللحظة شعرت ببعض الكآبة التً‏ لم<br />

أستطع االعتٌاد علٌها،‏ فطلبتُ‏ من ربًّ‏ أن ‏ٌمنحنً‏ عودة فكرٌّة<br />

إلى أٌام الشباب ألستمدّ‏ بعض الموّ‏ ة التً‏ كانت فً‏ أوجها.‏<br />

وأتذ ‏ّكر تلن األٌّام لعلّنً‏ أستعٌد نزواتً‏ التً‏ نسٌت الكثٌر منها.‏<br />

ولم ‏ٌكن ‏ٌستعصً‏ علً‏ تروٌض أمثال تلن المرأة كتحمٌة لبل<br />

الدخول إلى الحلبة ألخضع تلن األحصنة التً‏ تحاول التمرّ‏ د<br />

ورفض اإلخضاع،‏ للت فً‏ نفسً:‏ لمَ‏ تفعل ذلن؟!‏ ترى هل<br />

بعضها ‏ٌتمتّع بخصال اإلنسان وتمتلا مثله بالكرامة والعنفوان،‏<br />

وترفض بشدّة أن ‏ٌمتطٌها أحد؟!‏ اسمعً‏ ماذا سؤلول:‏ من بٌن<br />

خمسٌن حصاناً‏ لم ‏ٌستطع وال واحد منهم أن ‏ٌولعنً‏ أرضاً.‏ هل<br />

فهمتِ‏ ما للت تماماً؟!ال ولت لديّ‏ لمحاولة إصبلح عمل أحد.‏<br />

خاصة معكنّ‏ أنتنّ‏ النساء.‏ لمد سلّمتً‏ كٌانً‏ كلّه منذ اللحظة<br />

األولى ملٌباً‏ باإلٌمان إلى الثورة،‏ ضدّ‏ الؽزاة المؽول الجدد<br />

المتوحّشٌن.‏ الربّ‏ وحده ‏ٌعرؾ كم أممت إرالة الدماء،‏ ال أدري<br />

ما ‏ٌحدث لشباب هذه األٌام ‏ٌبدو أن األفبلم ‏"األمرٌكٌّة"‏ علّمتهم<br />

باسم الحرٌّة كٌؾ ‏ٌجلسون وٌضعون أحذٌتهم فً‏ وجوه آبابهم.‏<br />

بتّ‏ ال أفهم ماذا ‏ٌدفع اإلنسان إلى درب سٌحوله إلى حٌوان؟!‏<br />

ماذا ‏ٌحدث للعمل حتى ‏ٌنخرط فً‏ التوحّش وٌستبدل الحب<br />

بإرالة الدماء؟!‏ شكراً‏ هلل لسماحه لً‏ بالرحٌل من هذه الدنٌا التً‏<br />

تفوح منها رابحة الؽدر.‏ كانت ابتسامتً‏ باهتة عندما للت لها:‏<br />

ٕٗٓ


هٌا إلى الفراش ‏ٌا حبٌبتً‏ لنرَ‏ إن كنت سؤتم ‏ًكن من أن أجعلن<br />

تنسٌن ذلن الشٌخ المسكٌن الذي صدّلن،‏ ووضع بٌن ‏ٌدٌن ماله<br />

وثمته بؤن تتمتعً‏ بما تركه بٌن أحضانن بطرٌمة انتمابٌّة خالٌة<br />

من االبتذال ألٌس هذا ما أوصان به أٌضا؟!‏<br />

طبعاً.‏<br />

ٖٗٓ<br />

.<br />

لم أعد أرٌد الفراش،‏ دعٌنا نموم بشًء ممٌّز.‏ ماذا لو اخترنا<br />

هذه السجادة العجمٌّة كحلبة للكرّ‏ والفرّ‏ كتحْمٌة لجسدٌنا لبل<br />

االلتحام.‏ إن الحرارة التً‏ تتدفّك فً‏ األجساد عامل أساسًّ‏ فً‏<br />

إثارة الرؼبة وااللتراب من مبلمسة العري لتحفٌز التٌّار<br />

الكهربً‏ على االستٌماظ،‏ والمستعد دابماً‏ الجتراح األعاجٌب.‏<br />

هل أنت جاد؟ّ!‏<br />

لمَ‏ ال؟!‏ إنه تؽٌٌر فً‏ الدٌكور لد ‏ٌضرب الشهوة على لفاها<br />

فتموم من النوم وتجعل الحماسة تؽلً‏ فً‏ الدورة الدموٌّة،‏ فتدفع<br />

بالدم إلى األماكن التً‏ ال ‏ٌندفع إلٌها إالّ‏ عند الطلب،‏ فٌوحً‏ أن<br />

معركة ستندلع لرب النهر تختلؾ عن كلّ‏ المعارن،‏ والمٌام<br />

بدور فٌها واجب إلعادة روح الشباب إلى الطبٌعة برمّتها،‏<br />

ونمكّن األشجار من االنتصاب بعد ركود وبرود طال بها<br />

الزمن،‏ وسبّبته رابحة الموت التً‏ تفوح من تلن األنهار<br />

المختلطة بدماء األبرٌاء الذٌن استشهدوا وهم ‏ٌدافعون عن<br />

كرامة الوطن الذي مرّ‏ ؼه السفلة فً‏ األوحال وسرلوا الجمال<br />

من حضارته محطمٌن النصب التً‏ ألامها األجداد لتذكٌر<br />

األحفاد لِما علٌهم أن ‏ٌفعلوه لنبمى لبلة الرب إلى هذا العالم


بحٌث سنجعل العودة إلى الحٌاة احتفاالً‏ شعبٌاً‏ تعزؾ فٌه أهم<br />

الفرق الموسٌمٌّة العسكرٌّة،‏ أجمل األناشٌد المحلٌّة والعالمٌّة.‏<br />

ستشاهدٌننً‏ ‏ٌا زهرة أمتطً‏ حصانً‏ األسود لاطعاً‏ به النهر،‏<br />

شاهراً‏ سٌفً‏ إرثً‏ الوحٌد من أبً‏ وكلًّ‏ ‏ٌمٌن أنن ستكونٌن<br />

بانتظاري فً‏ الضفّة األخرى.‏<br />

كما ترٌد.‏ بٌروت كلّها تتحدث كٌؾ جعلت من شبمن ‏ٌبلمس<br />

العبمرٌّة،‏ تكرّ‏ ر سماعً‏ لمثل هذا الكبلم عدة مرّ‏ ات ولم أفهم<br />

شٌباً‏ ممّا ‏ٌعنون.‏<br />

أذكر أن لدٌنِ‏ الكثٌر من الوسابد،‏ أجلبً‏ ما تستطٌعٌن منها،‏<br />

على أن تكون متعدّدة األلوان.‏<br />

<br />

لديَّ‏ الكثٌر منها.‏<br />

سؤجلبها لن سمعاً‏ وطاعة.‏<br />

دعٌنً‏ أضعها بالترتٌب الذي أرٌد.‏<br />

أخذ ‏ٌرتّبها على ذوله الخاص وضحكة عرٌضة ترتسم على<br />

ثؽره.‏ لم ‏ٌعجب زهرة ما ‏ٌفعل الراهب،‏ لكن ‏ٌوسؾ صرخ فً‏<br />

وجهها لاببل:‏ لمد تعودتُ‏ دابماً‏ أن أفعل ما أرٌد.‏ إذا لم ‏ٌعجبن ما<br />

‏ٌفعل عشٌمن،‏ هٌا لومً‏ ‏ٌا زهرة واصرخً‏ فً‏ وجهه واطردٌه<br />

نعم اطردٌه وخلصٌنا.‏ هٌا افعلً‏ وإال سؤخرج بنفسً‏ من هذا<br />

البٌت الممرؾ.‏ رمت زهرة نفسها على لدمً‏ الراهب،‏ لكنه<br />

تركها تمبل لدمٌه ولال:‏ هٌا اذهبً‏ واؼتسلً‏ وال تفكّري ‏ٌوماً‏<br />

فً‏ معارضتً.‏ المرّ‏ ة الممبلة إذا لم أمت وتكرّ‏ ر ما حدث سؤلطع<br />

رأسن بكل تؤكٌد.‏<br />

ٗٓٗ


افعل ما ترٌد ولكن لل لً‏ هل هً‏ دخلتن األولى؟!‏<br />

ال إنها دخلتً‏ األخٌرة،‏ تستطٌعٌن أن تسمٌّها وأنتِ‏ متؤكّدة<br />

أنها احتفال بكل حٌاتً‏ الماضٌة التً‏ لم أندم فٌها على أي شًء<br />

فعلته.‏ إنها تحٌّة لكل النساء اللواتً‏ شممتهنَّ‏ بعِفّة لذٌذة سرح<br />

فٌها خٌالً‏ واخذته الرٌح داعٌة إٌاه للفرجة على كلّ‏ الدنٌا،‏ لبل<br />

أن ‏ٌَعمُب ذلن امتشاق الحسام متحسساً‏ به األحشاء.‏ تنهدتُ‏<br />

حان الولت ‏ٌا زهرة لتتخلًّ‏ عن ثٌابن ببطء.‏ ستكون<br />

رإٌتن وأنت تفعلٌن ذلن متعة مختلفة والتحلٌة األخٌرة التً‏<br />

سؤتناولها.‏ ألسمً‏ لً‏ ‏ٌا زهرة أنن ستنملٌن كلّ‏ ما ‏ٌمكنن ممّا<br />

للته أثناء عبللتً‏ الحمٌمة معن إلى اآلخرٌن.‏ لولً‏ لهم إن<br />

مإخّرتن كانت تعٌدنً‏ إلى طفولتً،‏ وإنها كانت ‏"صندوق<br />

الفرجة"‏ الذي أملن مفتاحه وحدي.‏ كما أنً‏ أشدد على ما<br />

سؤنطك به اآلن:‏ إنً‏ لبل أن أؼادر هذه الدنٌا السخٌفة أعلن على<br />

المؤل أنً‏ بطرٌمة ما ال أزال راهباً.‏ لولً‏ لهم أٌضاً:‏ إنً‏ عندما<br />

أدخل إلى فراشً‏ أعدّه محرابً‏ وٌعطٌنً‏ بٌن ولت وآخر إشارة<br />

كً‏ أذهب إلى الكنٌسة فً‏ الثالثة صباحاً‏ حٌث أتطهّر هنان<br />

وأُعطً‏ عضوي اللعٌن إجازة روحٌّة تسمح له بالتؤمل واالنفراد<br />

مع نفسه،‏ سؤكون دون شنّ‏ متسامحاً‏ وأعطٌه ما ‏ٌرٌد ألنه كان<br />

دابماً‏ مطٌعاً،‏ ولم ‏ٌعصَ‏ أوامري ‏ٌوماً.‏ أنا لديّ‏ كنٌسة صؽٌرة<br />

فً‏ كل مكان وأستطٌع أن أبنً‏ واحدة فً‏ الصحراء فً‏ ظرؾ<br />

ساعة واحدة.‏ أنا أجسد اآلن فً‏ إحدى تلن الكنابس،‏ وأنظر إلى<br />

المسٌح وهو معلّك على الصلٌب وعٌناي تنهمران بالدموع.‏ ال<br />

أستطٌع المول لكم أٌّها األحبة ما كان ‏ٌجري من حدٌث بٌنً‏<br />

وبٌنه.‏ لكن شعوراً‏ مؤلنً‏ فً‏ تلن اللحظات ولال لً‏ الرب بؤنه<br />

سٌوشوشنً‏ بشًء ما لبل أن ألفظ أنفاسً‏ أألخٌرة.‏<br />

ٗٓ٘<br />

وللتُ‏ :


سمعاً‏ وطاعة ‏ٌا رجلً.‏<br />

لمّا انتهت زهرة من هذا ‏"السترٌبتٌز"‏ الذي أبدعت فً‏ إخراجه،‏<br />

ولفت ولفة سٌنمابٌّة.‏ وبدأت ترلص على أنؽام ‏"رلصة<br />

الهوانم".اسمحوا لً‏ أن أحكم على رلصها حسب خبرتً‏<br />

المتواضعة جداً،‏ فؤلول إنه كان رلصاً‏ إبداعٌّاً‏ مختلفاً‏ بعض<br />

الشًء.‏ لكن ما شوّ‏ ه متعتً‏ الفنٌّة،‏ هو انشؽالً‏ بالتطلّع إلى ذلن<br />

الذي ‏ٌبرز من بٌن فخذٌها الملفوفٌن ساخراً‏ منً‏ بوضوح.‏ كؤنه<br />

‏ٌمول:‏ إنه الوحٌد المدهون بمادة مرمرٌّة ال تخفً‏ الحركة<br />

الداخلًٌة لعضبلت الفخذٌن المثٌرة.‏<br />

أران مندهشاً‏ ألم ترنً‏ عارٌة من لبل،‏ ثم لماذا كنت تنظر إلى<br />

ذلن المكان باستؽراب شدٌد كؤنن لم تره فً‏ حٌاتن.‏<br />

لست أدري،‏ فؤلوّ‏ ل مرّ‏ ة أراه هكذا.‏ أعتمد أننا لو التمطنا له<br />

صورة لبرز أكثر وظهر كؤنه ثبلثًّ‏ األبعاد.‏ التربً‏ ‏ٌا حبٌبتً،‏<br />

فما أن فعلت حتى بطحتها على تلن الوسابد ثم أدرتها بحٌث<br />

نصبح متمابلً‏ الوجهٌن،‏ وشرعت فً‏ تمبٌلها اعتباراً‏ من جبٌنها<br />

وأنفها ومن وراء أذنٌها ثم شفتٌها نزوالً.‏ كان شٌباً‏ رابعاً‏ ملهماً‏<br />

لً،‏ ربّما لٌس بالضرورة أن ‏ٌُعطً‏ االنشراح نفسه لآلخرٌن.‏<br />

لكنً‏ لم البث أن شعرتُ‏ بؤنً‏ أنزلك أنا اآلخر حتى أصبح المسم<br />

األكبر من جسدي على األرض،‏ فتولفتُ‏ للٌبلً‏ ونظرتُ‏ إلى<br />

ذلن الجسد الشهً‏ ‏ٌمول دون أن ‏ٌستعمل الكلمات:‏ هٌا الضمنً‏<br />

من أيّ‏ مكان ‏ٌحلو لن.‏ انظر إلًّ‏ ‏ٌا ‏ٌوسؾ أنا مستعدّة كً‏<br />

أنصاع إلى ك ‏ّل ما تشتهٌه فً‏ هذه اللٌلة ‏ٌا حبٌبً.‏ كنت فً‏ ذلن<br />

الولت أسٌطر على خصرها ووركٌها.‏ ابتسمتُ‏ ابتسامة<br />

ٗٓٙ


عرٌضة،‏ وشكرتُ‏ هللا على هذه الوجبة الشهٌّة لبل أن ‏ٌرفعنً‏<br />

إلٌه.‏ نظرتُ‏ إلى السماء وسارعتُ‏ إلى خفض رأسً،‏ وأخذتُ‏ ما<br />

بٌن فخذٌها وؼصتُ‏ فً‏ تلن الفتحة بحثاً‏ عن آللا نادرة،‏<br />

تتكون من ألوان مختلفة.‏ ال ‏ٌمكن أن تخرج إالّ‏ عندما ‏ٌجذبها<br />

نوع معٌن من اللعاب،‏ ‏ٌحوي على مواد دبمة،‏ وال ‏ٌوجد إالّ‏ عند<br />

الخاصة.‏<br />

دعونا نعود إلى ذلن البحّار الذي ال ‏ٌزال ‏ٌؽوص بحثاً‏ عن<br />

الآللا ونرى ماذا جرى،‏ وإذا ما كان لد نجح فً‏ اصطٌاد<br />

النفٌس منها؟!‏ كانت المرأة تتلوّ‏ ى وتتؤوه وتتصبب عرلاً،‏ وهً‏<br />

منكبّة على لحس عرلها بلذة ؼرٌبة ال أعتمد أن من الممكن<br />

فهمها لط،‏ كؤن هنان من ‏ٌمبع متخفٌّاً‏ ‏ٌصبّ‏ بعض النبٌذ الفاخر<br />

بٌن ثدٌٌها آخذاً‏ طرٌمه إلى حٌث ‏ٌتجمع فً‏ صرّ‏ تها.‏ من هنان<br />

‏ٌؤخذ الراهب بعضه وٌؽسل به ما بٌن فخذٌها وٌعود إلى<br />

الؽوص بحثاً‏ عن الآللا.‏ ثمَّ‏ ما لبثت أن بدأت تنتفض بشدة بما<br />

‏ٌشبه بعض أشكال الموت عندما ‏ٌؤتً.‏ لكن الخبٌر فً‏<br />

المضاجعة كان مطمبنّاً‏ تماماً‏ لِما ‏ٌجري.‏ ما أؼربن أٌها اإلنسان<br />

وكم أن أنان ممزّ‏ زة أحٌاناً.‏<br />

تمدّد ذلن المضاجع فً‏ مكانه.‏ فمد شعر بؤنه بحاجة إلى بضع<br />

دلابك للراحة.‏ كانت تلن الدلابك التً‏ مرّ‏ ت مُحبطة وتفتح<br />

الطرٌك لتسلل بعض الرؼبات إلى كٌانن،‏ مطالبة باالكتفاء بما<br />

جرى.‏ لكنه رؼم إدراكه أن ك ‏ّل ما مرَّ‏ من أحاسٌس أثناء<br />

المماحكة التً‏ جرت فً‏ هذه اللٌلة لد اختبره كثٌراً‏ سابماً،‏ لكنه<br />

كان ال ‏ٌزال ‏ٌؤمل فً‏ مشاعر جدٌدة لبل أن ‏ٌسلّم روحه لمن<br />

أعطاها له.‏ هكذا ألبل من جدٌد كؤنه ‏ٌمول:‏ الشبع ما زال بعٌداً،‏<br />

ٗٓ7


والرؼبة فً‏ كٌانً‏ ال تزال تصرخ هٌا ال تجعل ظنً‏ ب ‏ِن ‏ٌخٌب<br />

تابعً،‏ فهذه اللٌلة هً‏ لٌلتن األخٌرة،‏ هٌا أكمل ما بدأته،‏<br />

فاالحتفال مطروب وٌزداد اشتعاالً‏ وهو ‏ٌنتج عسبلً‏ مختلفاً‏ فً‏<br />

النصؾ الثانً‏ من الطرٌك إلى النهاٌة.‏ ربّما كان السبب فً‏<br />

ازدٌاد زحام مشاعره فً‏ تلن اللحظات تلمٌّه وشوشة تمول:‏ هٌا<br />

اؼرؾ فلم ‏ٌبك لن فً‏ هذه الدنٌا سوى الملٌل.‏ طرد الراهب تلن<br />

األفكار والتفت إلى تلن المستلمٌة البلهثة لربه وهو ‏ٌداعب<br />

ثدٌٌها ولال:‏ أما زلت تعبة حماً؟!‏ الحب ما زال عطشاناً.‏<br />

إنً‏ على ما ‏ٌرام.‏ لكنً‏ رؼم عدم اكتفابً،‏ لم أرد أن أضؽط<br />

علٌن،‏ فؤنا أعرؾ كم تستهلن من طالة ‏ٌومٌاً‏ إضافة إلى<br />

واجباتن فً‏ كلّ‏ المرى المجاورة وسهرن على حماٌة أرزاق<br />

اآلخرٌن،‏ من هذا األتون الشرس الذي تدفعه الموى الؽاشمة<br />

لتحرق فً‏ طرٌمها األخضر والٌابس،‏ ومن ‏ٌعملون منهما ستاراً‏<br />

‏ٌخفٌهم عن العٌون،‏ إلى أن تؤتً‏ الفرصة المناسبة لبلنمضاض.‏<br />

وإرجاع الببلد إلى عهد الممالٌن.‏<br />

من أٌن تعلّمتِ‏ هذا الكبلم؟!‏ إنه لن ‏ٌُفٌدنِ‏ بشًء.‏ سؤعطٌن ما<br />

سٌبمى طعمه تحت لسانن،‏ فتتذكرٌننً‏ وتعضٌّن لسانن وهذا لن<br />

‏ٌضٌؾ إلى ما تعرفٌنه شٌباً‏ أٌضاً،‏ اذهبً‏ واحرلً‏ البخور من<br />

أجل أن ‏ٌؽفر لً‏ الرب زالّ‏ تً‏ الكثٌرة.‏ ثم وبدون إنذار استدار<br />

وامتطاها مسرجاً‏ السرج جٌّداً‏ ولابضاً‏ على الزمام دون أن<br />

‏ٌترن فرصة أليّ‏ إؼراء داخلً‏ أو خارجً‏ كً‏ ‏ٌدفعه أن ‏ٌدعها<br />

تُفلت من بٌن ‏ٌدٌه.‏ فً‏ البداٌة لم تمل شٌباً،‏ بل صدر عنها بضع<br />

تؤوّ‏ هات وبعض الحركات ‏َكم ‏ْن ‏ٌؽري الشرٌن بؤكل الطعم كلّه<br />

وٌزٌد من حصاره فً‏ موضعه.‏ بورن له استبثاره بالطٌّبات.‏<br />

ٗٓ8


مرّ‏ ت لحظة سكون إلى أن صرخت وحاولت التفلّت للٌبلً‏ لتنهش<br />

شرٌكها وتداعبه بخشونة،‏ لكن زهرة جُنَّ‏ جُنونها إذ إنها لم<br />

تستطع،‏ أن تفعل شٌباً‏ من شدة إحكام ربطها به:‏ لكنها عاودت<br />

الصراخ ولالت:‏ هٌا اعصرنً‏ وشدّ‏ وثالً‏ إلٌن ثم انطلك وأنت<br />

متّحد بً.‏ فعل ما لد علّمها إٌّاه سنٌن طوٌلة،‏ لكن هذا الذي له<br />

باع عمٌك فً‏ الجسد اإلنسانً،‏ لام بمرصها لبل أن تمول شٌباً‏<br />

آخر فً‏ ؼٌر المكان الذي اعتادت علٌه فصرخت لابلة:‏ أٌها<br />

المجنون الذي لم أر مثله فً‏ حٌاتً،‏ أنت تركب على حصان<br />

جُن للتو ولم ‏ٌبك لدٌه متّسع ألي شًء فاحذر.‏ إذ إنً‏ سؤطٌر بن<br />

إلى كلّ‏ المدابن،‏ وأنخفض بن للٌبلً‏ عندما أمرُّ‏ بؤيّ‏ ماخور لعلن<br />

اشتمت إلى تلن الروابح المختلفة عمّا اعتدت علٌه.‏ لكنً‏ لن<br />

أدعن تحلّ‏ وثالً‏ فالمرء ال ‏ٌظلّ‏ متٌمّظاً‏ دابماً‏ فمد ربطُّتن بً‏<br />

دون أن تشعر إذ إنً‏ لم أعد تلن الؽشٌمة التً‏ كنت تعرفها.‏<br />

ال بؤس،‏ لكنً‏ أرؼب أن تفردي جناحٌن أكثر وتدعٌهما<br />

‏ٌحلّ‏ ‏ِمان بنا نحو األفك نفسً‏ تتوق لرإٌة تلن األلوان التً‏ ال<br />

تستطٌع العٌون مبلحمتها وهً‏ تؽٌّر ثٌابها وترتدي أخرى تثٌر<br />

الجنون فً‏ الؽٌوم،‏ عند تلن اللحظة أبؽً‏ الوصول إلى الذروة.‏<br />

آه ما أحلى جنون الؽٌوم ‏ٌا رب.‏ كٌؾ لً‏ أن أعرؾ ما أشتهً‏<br />

‏ٌا إلهً‏ أرٌد أن أكون لادراً‏ على تمٌٌز األلوان التً‏ اشتركت<br />

فً‏ صٌاؼتها وبدت للذي تلحّ‏ عٌناه على االلتراب منها،‏ إن<br />

كلمة روعة ال تكفً‏ للتعبٌر عن عجز تلن المشاعر عن<br />

اإلفصاح عن نفسها شاكٌة من نمصٍ‏ ربّما فً‏ المفردات التً‏<br />

تثٌرها تلن التفاصٌل وتلحّ‏ فً‏ طلبها.‏ إنها هً‏ نفسها التً‏ تصنع<br />

هذا اإلعجاز كلّ‏ ‏ٌوم.‏ لٌس لديَّ‏ الولت ‏ٌا زهرة إلٌجاد كلمات<br />

تفً‏ بالؽرض،‏ فؤنا ؼٌر آبه بالذٌن ‏ٌؽطوّ‏ ن فً‏ النوم.‏<br />

ٗٓ9<br />

.


لمد أسكرتنً‏ ‏ٌا ‏ٌوسؾ،‏ ال تنس أننً‏ جدٌدة على الجنون<br />

والجنوح،‏ ما زلت ذلن الحصان المبتدئ المعتدّ‏ بنفسه،‏ لكنه ال<br />

‏ٌعرؾ ممدار براءته التً‏ لد تودي بن وبً.‏<br />

لم أضحن هكذا فً‏ حٌاتً‏ ‏ٌا زٌاد.‏ لست أدري كٌؾ جرإت<br />

على لول مثل ذلن الكبلم ببساطة عجٌبة.‏ لكنً‏ عندما تولّف ‏ُت<br />

عن الضحن،‏ أتبعت ذلن بمبلمستها فً‏ األمكنة الحساسة وللت:‏<br />

لمَ‏ ال تستجٌبٌن أتخافٌن من شًء ال أعرفه،‏ أو إن األمر لم ‏ٌرق<br />

لن؟!‏<br />

لٌس األمر كما تفكّر،‏ إنً‏ دخلتُ‏ فً‏ إنهان لم أصادؾ مثله<br />

لببلً،‏ لذلن ال أستطٌع أن أفعل ذلن،‏ فسؤكون مسإولة عمّا<br />

سٌحدث.‏ إذ إنً‏ ربّما أحمل ابنن.‏<br />

ماذا تمولٌن هل جُنِن ‏ِت،‏ لولً‏ لً‏ بسرعة إنن تكذبٌن وال<br />

تزالٌن تشتهٌننً‏ وتفضّلٌن أن تموتً‏ لربً؟!‏ أما مسؤلة الحبل<br />

وما ‏ٌتلوها فبل تدعً‏ لسانن ‏ٌمترب منها.‏<br />

ماذا أفعل إن كنت ال تمبل إالّ‏ أن تُفرغ فًّ‏ كلّ‏ شًء دابماً،‏ وال<br />

تترن شٌباً‏ فً‏ الماع إالّ‏ وتلوّ‏ ثه؟!‏<br />

لمَ‏ لم تفعلً‏ شٌباً،‏ هل كنتِ‏ تظنٌّن أن األمر سٌجري كما<br />

تشتهٌن وألبل أن تكونً‏ والدة ولدي؟!أنا ال ‏ٌمكننً‏ أن أسمح<br />

ألحد أن ‏ٌمول فً‏ مجمع:‏ انظروا ها لد جاء ابن المحبة.اسمعً‏<br />

جٌّداً‏ كلّ‏ كلمة ممّا سؤلول:‏ وإ ‏ّال سٌكون رأسن ثمناً‏ أليَّ‏ ؼلطة لد<br />

تمترفٌنها.‏ ستسلّمٌنه فور والدته إلى الدكتور ‏"زٌاد"‏ وإالّ‏<br />

ٗٔٓ


ستمبرٌن دون رأس فهنان فرلة كاملة فٌها الكثٌر من دمحم وأحمد<br />

ومصطفى وعبد المادر وأمثالهم،‏ سٌفعلون ما سؤوصٌهم به<br />

بطٌبة خاطر.‏ حاذري أن تخطبً‏ وتفكّري كما ذلن الذي ‏ٌظنُّ‏<br />

أنه الشاطر.‏ هٌا اذهبً‏ واؼتسلً،‏ وسٌكون االؼتسال األخٌر.‏<br />

لكنها وهً‏ تؽادر لالت لنفسها:‏ ترى لماذا لم ‏ٌسؤل ماذا لو كان<br />

الولٌد بنتاً؟!عندما عادت بدت كؤنها لٌست على ما ‏ٌرام.‏ نظر<br />

إلٌها ‏ٌوسؾ طوٌبلً‏ ولال:‏ اجلسً،‏ ماذا بن،‏ لمَ‏ تتنفسٌن بهذه<br />

الطرٌمة؟!‏<br />

ال تخش شٌباً.‏ سؤعود إلى طبٌعتً‏ بعد دلابك للٌلة،‏ لمد انهكتنً‏<br />

‏ٌا رجل.‏ ترى من أعطان هذه الموّ‏ ة اللعٌنة؟!‏ دعنا من هذا<br />

الحدٌث ولل لً:‏ لمَ‏ تحتمر النساء فً‏ أعمالن وممَّ‏ تشتكً؟!‏<br />

أنا لم أحتمر أ ‏ّي بشري حتى انتهكت ببلدي تلن العصابات<br />

المستوردة من الخارج التً‏ سعت إلى إلحاق األذى بوطنً‏ إنها<br />

تملن السبلح المتطور وتنتمً‏ إلى جنسٌّات مختلفة أوروبٌّة<br />

وآسٌوٌّة ترى ما هً‏ الجهّة أو الجهّات التً‏ تشترٌهم بؽٌة لتلنا<br />

أو تهجٌرنا من بٌوتنا.‏ إذ إن إفراغ البلد من سكانه وسرلة<br />

كنوزه لد ‏ٌكون هدفاً‏ أهم من المتل،‏ نعم إن هإالء المرتزلة بشر<br />

أنتجتهم بٌبة حمٌرة ال تعرؾ للوجدان مكاناً‏ فً‏ كٌانها.‏ ألول لهم<br />

ستندحرون كما اندحر ؼٌركم.‏<br />

السٌاسة<br />

لم تجلب لنا سوى الخراب.لل لً‏ ألم أمتّعن؟!‏<br />

هل ترٌدٌن الحمٌمة حمّاً.‏<br />

ٗٔٔ


وهل لديَّ‏ الخٌار؟!‏<br />

عندي اعتراؾ سؤفضً‏ به أمامن.أنا عادةً‏ أممتُ‏ أن أفعل ذلن.‏<br />

لمد سبمتُ‏ ‏ٌا امرأة من تكرار الدخول فً‏ ذلن النفك المظلم،‏<br />

وكنتُ‏ أدرن فً‏ كلّ‏ مرة ألوم بذلن أنه ‏ٌتسع باستمرار،‏ مهما<br />

كانت جمٌلة التً‏ تملكه.‏ حتى أن عضوي بدأ ‏ٌشكو من البرد<br />

وهو ‏ٌؽوص هنان عكس ما كان ‏ٌؤمل.‏<br />

اذهب من هنا ‏ٌا عدٌم اإلحساس والحٌاء،‏ وال تدعنً‏ أران<br />

مطلماً.‏<br />

سؤفعل ما ترٌدٌن بكل الرضى الذي أحمله فً‏ كٌانً.‏ أنا<br />

الترب من الموت ‏ٌا"زهرة".‏ لوافل من الناس ستساق إلى الذبح<br />

لبل األوان.‏ أما أنا ‏ٌا صاحبة الجسد المدمر الذي ‏ٌؤخذ كلّ‏ من<br />

‏ٌراه إلى الخطٌبة،‏ كٌانً‏ كلّه ‏ٌرلص بانتظار أن ‏ٌمنحنً‏ الربّ‏<br />

أن أكون أول المستشهدٌن،‏ ولد وعدنً‏ أن ‏ٌؽفر لكلّ‏ الذٌن<br />

أخذتهم معً‏ إلى الخطٌبة وهم ال ‏ٌدرون،‏ وأن تصعد روحً‏<br />

على الفور إلى من أطلمها فً‏ هذا العالم،‏ وهً‏ ترفرؾ<br />

كالعصافٌر.‏ فً‏ ذلن الٌوم ‏ٌا ‏ٌوسؾ الحبٌب لن أدع طٌراً‏<br />

‏ٌصاب بجرحٍ،‏ ولن أسمح لطٌر أن ‏ٌعلك بؽصن مدهون بالدبك.‏<br />

انا لم أفكّر بالحمامة ‏ٌا ‏"زٌاد"،‏ إذ إنً‏ على ما ‏ٌبدو ال أستحمّها.‏<br />

لكنً‏ لبل أن أستؤهل ذلن كلّه،‏ علًَّ‏ أن أصل إلى ذلن العمٌد<br />

الذي ‏ٌحرس ‏"عضمة ؼولدا مابٌر"‏ أنا لن أعطٌه متعة عدم<br />

إكمال تلن العملٌّة،‏ ستهتز أعمدة الهٌكل فً‏ إسرابٌل من جدٌد.‏<br />

ها هً‏ أرض فلسطٌن تنذر بنً‏ إسرابٌل بؤنها ستطردهم إلى<br />

حٌث تسمح لهم بالعودة إلى حالة التشرد ألنهم لم ‏ٌتعلّموا من<br />

ٕٗٔ


التارٌخ وعاثوا فً‏ الدنٌا فساداً.‏ دعنِ‏ من الؽضب ‏ٌا ‏"زهرة"،‏<br />

فؤنت تعرفٌننً‏ جٌداً،‏ وتدركٌن أن المزاح الزنخ الذي ‏ٌعمّنً‏<br />

وال ‏ٌزال لابضاً‏ على ‏"هورموناتً"‏ كلّها،‏ ما هو سوى لرع<br />

للطبول ‏ٌسبك االحتفال بالتعرّ‏ ي،‏ ‏ٌعمبه تؽٌّر المشاهد والدخول<br />

إلى طمس جدٌد تماماً،‏ ‏ٌعبر عنه مسرح كبٌر ‏ٌتوسّطه فراش<br />

واسع مرحّب ؼنً‏ ‏"بالزركشات"‏ المنمنمة كؤنها زؼارٌد تهلّل<br />

لبدء االلتحام والدم المتدفك عندما تصبح األنثى امرأة.‏ لولً‏ لك ‏ّل<br />

الناس إن كنت لد أسمطّتُ‏ شٌباً‏ ممّا كنت أفعله لبل كلّ‏ احتفال<br />

بلٌلة الدخلة.‏ أرجونِ‏ ‏ٌا ‏"زهرة"‏ أالّ‏ تنسً‏ ألوالً‏ األخٌرة فهً‏<br />

كلّ‏ ما لديَّ‏ ألنثره فً‏ هذا العالم الذي عبثتُ‏ به وعبث بً.‏ اآلن<br />

سؤترن كلّ‏ هذا المجون والجنون الذي مارسته،‏ وتكونٌن مطٌعة<br />

للتارٌخ الذي شاركنا فً‏ كتابته معاً،‏ وتذهبٌن إلى أرض<br />

المعركة عندما تبدأ رابحة الموت ممزوجة برابحة الدخّان<br />

الممٌت.‏ اذهبً‏ إلى هنان واحضنً‏ جثّتً‏ التً‏ ‏ٌمكن أن تكون لد<br />

اخترلتها رصاصات كثٌرة أو مزلها صاروخ وحوّ‏ لها إلى<br />

أشبلء.‏ إذا استعملوا الصاروخ لملمً‏ تلن األشبلء واؼسلٌها من<br />

الدماء المذرة،‏ ودعٌها تحترق أمامن لبل أن تمطر.‏ ثمَّ‏ انثري ما<br />

تبمّى منً‏ فً‏ البحر وهو سٌدبّر لها مسكناً‏ مبلبماً‏ فً‏ الماع.‏ إن<br />

السماء لالت لً‏ أنها ستمطر بعد أن تصل روحً‏ إلى ربّها.‏<br />

أُذكري هذا ‏ٌا زهرة وزوري البلذلٌة وصلًّ‏ عن روحً‏ فً‏<br />

كنٌسة السٌدة أمام تلن األٌمونات الرابعة.‏ إذا فعلت كل ذلن<br />

ستفاجبٌن عندما سترٌن ابتسامتً‏ ملٌبة بالفرح.‏ أرجون ‏ٌا<br />

‏"زهرة"‏ افعلً‏ ما طلبته بدلّة،‏ فؤنا ذاهب إلى الدٌار.‏<br />

أنا ال أعرؾ مكاناً‏ تلجؤ إلٌه،‏ عن أٌة دٌار تتحدث؟!‏<br />

ٖٗٔ


لمد استدعانً‏ هللا إلٌه.هل ‏ٌمكن لً‏ أن أجد دٌاراً‏ أفضل؟!‏<br />

سؤذكرن ‏ٌا ‏"زهرة"‏ هنان.‏ أتدركٌن أنً‏ لم أحب ‏ٌوماً‏ الضوء<br />

فً‏ هذه الدنٌا؟ّ!‏ كان ‏ٌجعل عٌنًّ‏ تحتمنان كؤنّهما ستنفجران<br />

وتطٌحان بما كنت أستمدّ‏ منهما نصؾ لوّ‏ تً‏ التً‏ تعطٌنً‏<br />

السٌطرة على أٌّة مضاجعة كنت ألوم بها.‏ سؤفكر فٌنِ‏ حٌث<br />

سٌمول الضوء لنفسه أنا البهاء،‏ أنا النور المختلؾ الذي ‏ٌؽٌر<br />

ألوانه كما تشاء ودون أن تشعر به.‏ لكنن فً‏ العمك لٌس لدٌن<br />

رؼبة فً‏ أن تراه ‏ٌؤتٌن من خارج نفسن.‏ اؼفري لً‏ ‏ٌا<br />

‏"زهرة"،‏ فؤنت تمثّلٌن بعض اللواتً‏ رؼم شؽفهنَّ‏ بً،‏ لم<br />

‏ٌتحملنَ‏ أو ‏ٌمبلن جنونً‏ وجنوحً‏ وال ما ‏ٌفاجبنً‏ من رؼباتً.‏<br />

صلًّ‏ من أجلً‏ فربَّما ‏ٌمبل هللا صبلتن أنتِ‏ بالذات.‏ لست أدري<br />

لمَ‏ أنا مولن ‏ٌا عزٌزتً‏ أن ذلن الٌوم سٌؤتً،‏ حٌث ستصبحٌن<br />

أنتِ‏ ومرٌم المجدلٌة صدٌمتٌن،‏ دون أن تستطٌع نٌران الؽٌرة<br />

أن تشتعل بٌنكما،‏ أو تؽتبط الشٌاطٌن التً‏ ‏ٌدفعها ؼلٌان شؽفها<br />

إلى االصطٌاد فً‏ الماء العكر،‏ مفترضة أن ما ‏ٌحدث على<br />

األرض ال بدّ‏ أن ‏ٌنتمل إلى السماء.‏<br />

ال تذهب ‏ٌا ‏ٌوسؾ أرجون فالصباح رباح.‏ ربّما ستجد فً‏<br />

الؽد وجهاً‏ صبوحاً‏ آخر.‏ ‏ٌفتح لن نافذة تطلّ‏ على آفاق أخرى<br />

أكثر روعة.‏<br />

ابتسم الراهب ابتسامة اشترن كلّ‏ كٌانه فً‏ رسمها على<br />

ثؽره ولال:‏ أنتِ‏ ال تعرفٌن ما ‏ٌجري فً‏ داخلً‏ منذ زمن كاؾ<br />

كً‏ ‏ٌدمّرنً.‏ لمد انتظرت هذه اللحظات طوٌبلً‏ حتى خِ‏ لتها أكثر<br />

من دهر سٌستمر فً‏ الدوران بً‏ ولن ‏ٌنتهً.‏ هل ترٌدٌن أن<br />

أخذل السماء بعد أن لبلت استجارتً؟!‏ كلّ‏ اإلشارات التً‏<br />

ٗٔٗ


ألتمطها تإكّد لً‏ ‏ٌا زهرة أن معركتً‏ ستنتهً‏ خبلل ‏ٌومٌن أو<br />

ثبلثة.‏ إنه ولت ال نستطٌع أن نعتبره شٌباً‏ ‏ٌُذكر.‏ لكن الحماسة<br />

تكاد أن تخنمنً،‏ وأشعر أن وزنً‏ ‏ٌخؾ.‏ أنا لستُ‏ مُ‏ ‏ِعداً‏ ألصلح<br />

للطٌران،‏ وال كً‏ تجرفنً‏ العواطؾ.‏ لولً‏ لها:‏ إنها ال تستطٌع<br />

اجتٌاحً‏ بكلّ‏ بساطة.‏ أنا لستُ‏ مجبوالً‏ كً‏ أصٌر حالماً.‏ ربّما<br />

سؤكون كذلن فً‏ السماء،‏ ولكن لن ‏ٌصحَّ‏ ذلن لبل أن أنهً‏<br />

مهمتً‏ األخٌرة وألتل ذلن العمٌد ورفاله،‏ وآخذ ‏"العضمة"‏<br />

رؼماً‏ عنهم.‏ التارٌخ مهما حاول ال ‏ٌستطٌع أن ‏ٌلتمط كلّ‏ شًء<br />

‏ٌحدث فً‏ هذا العالم.‏ احداث صؽٌرة هنا وهنان لد تعطً‏<br />

دروساً‏ أهم ممّا كتب فً‏ كل صفحات التارٌخ.‏ ترى من هً‏<br />

مرٌم العذراء؟!‏ إنها امرأة بسٌطة وجلة ولدت طفبلً‏ فً‏ مكان<br />

مخصّص للحٌوانات.‏ لستُ‏ أدري كٌؾ استطاعت أن تصنع من<br />

المش مذوداً‏ أو فراشاً‏ البنها.‏ لو لم ‏ٌكن هو المنتظر،‏ ترى هل<br />

كان سٌجد له مكاناً‏ خاصاً‏ جداً‏ فً‏ صفحات التارٌخ هذا<br />

الهارب المطلوب للذبح آلنه ‏ٌشكل تهدٌداً‏ للمجتمع الٌهودي<br />

آنذان.‏<br />

8ٕ<br />

‏"تسٌبنً‏ لٌفنً"‏ إحدى وزراء الخارجٌة اإلسرابٌلٌّة فً‏<br />

عهدي بنٌامٌن نتِنٌاهو وأربٌل شارون.‏ رفضت أن ‏ٌطلك علٌها<br />

اسم ‏"ؼولدا مابٌر"‏ الثانٌة ولالت:‏ أنا ‏"تسٌبنً‏ لٌفنً"‏ األولى.‏<br />

ولدت لٌفنً‏ فً‏ تل أبٌب سنة ‎9٘8‎‏ٔ.عندما كانت شابة انضمّت<br />

إلى حركة ‏"بتار"‏ الٌمٌنٌّة المتطرّ‏ فة،‏ وشاركت فً‏ المظاهرات<br />

التً‏ لامت ضد اتّفالٌّة فن االشتبان بٌن إسرابٌل وكل من مصر<br />

ٗٔ٘


وسورٌا.‏ كان ‏"كسٌنجر"‏ وزٌر خارجٌة الوالٌات المتحدة<br />

األمرٌكٌة مهندس هذا االتّفاق.‏ عملت لٌفنً‏ مع الموساد<br />

اإلسرابٌلً‏ إلٌماع شخصٌّات مهمّة فً‏ لضاٌا جنسٌّة لذرة.‏ كما<br />

عملت خادمة تحت اسم مستعار فً‏ بٌت عالم ذرّ‏ ة عرالً،‏<br />

ولامت باؼتٌاله بالسم فً‏ فرنسا.‏ استطاعت لٌفنً‏ ولؾ<br />

مبلحمتها بعد أن نجح اللوبً‏ اإلسرابٌلً‏ فً‏ فرنسا تدبٌر األمر.‏<br />

أكملت لٌفنً‏ دراستها للحموق وأصبحت محامٌة مستملّة.‏ ث ‏َّم فً‏<br />

عام‎8ٖ‎ تزوجت من المحامً‏ السٌاسً‏ ‏"نفالً‏ سٌستر"‏ أصبح<br />

لدٌها ابنان ‏)عمري وبوال(‏ تمكّنت بسرعة من الصعود على<br />

سلّم السٌاسة بمساعدة الثمة التً‏ منحها إٌّاها أربٌل شارون<br />

اعتباراً‏ من سنة وفً‏ عامٕٔٓٓ‏ عٌُّنت وزٌرة فً‏ الحكومة<br />

التاسعة والعشرٌن،‏ تمّ‏ فً‏ حكومة الثبلثٌن أسندت إلٌها وزارة<br />

الخارجٌّة.‏<br />

9ٙ<br />

نادانً‏ كبٌر الرفاق الوطنٌٌن الذٌن ساعدونً‏ فً‏ لتل الضباط<br />

الذٌن كانوا ‏ٌحرسون ‏"عضمة ؼولدا مابٌر.‏ ولال:‏ الرأ ‏ٌا<br />

‏ٌوسؾ هذه النبذة عن حٌاة الوزٌرة تسٌبنً‏ لٌفنً.‏ مخطط<br />

منزلها واسم الشارع ورلم البٌت موجود معنا هل تستطٌع لتلها<br />

باالشتران مع موسى؟!‏ نحن لن نستطٌع أن ندع موسى ‏ٌشترن<br />

معن مباشرة فً‏ لتلها إذ إننا بهذا نكشؾ كل منظمتنا،‏ وسٌإول<br />

مصٌرنا إلى التشتّت والضٌاع.‏ إنه سٌساعدن من بعٌد ولن<br />

‏ٌدعن تبتعد عن هدفن.‏<br />

أنا جاهز.‏ لكن ما ‏ٌزعجنً‏<br />

سؤنجح فً‏ ذلن.‏<br />

أنً‏ سؤلتل امرأة.‏ ال أعتمد أنً‏<br />

ٗٔٙ


كبٌر الرفاق هل ‏ٌخٌفن ذلن؟!‏<br />

حاشا،‏ دعنً‏ أظن أنن تمازحنً،‏ وأوضح لن أنً‏ لم ألم فً‏<br />

حٌاتً‏ بؤي عمل إالّ‏ بعد التؤكّد أن أعمالً‏ راضٌة عمّا أنوي<br />

فعله.‏ إنها تشتعل وهً‏ تمول لً:‏ مبارن أنت فً‏ األرض<br />

والسماء.‏ صدلونً‏ أنا مفتمر للحماسة ومن دونها ال أصلح<br />

لشًء.‏ المرأة لٌست للمتل بل للمضاجعة،‏ إنها مسكٌنتً‏<br />

وعشٌمتً‏ وحبٌبتً.‏ أنا مستعد للموت منذ زمن بعٌد،‏ بل كنت<br />

أشتهٌه وال أزال،‏ لكن لن أرمً‏ نفسً‏ للموت عن طرٌك امرأة.‏<br />

جرى إطبلق للنار من مسدّسٌن فً‏ الولت نفسه،‏ أحدهما كان<br />

لموسى واآلخر لكبٌر الموم،‏ فسمط االثنان لتٌلٌن.‏ لكن األمر لم<br />

‏ٌنتهِ،‏ إذ فور إطبلق النار كان أحد الوطنٌٌّن الٌهود لد أصبح<br />

جاهزاً‏ إلطبلق النار ففعل وأصاب ‏ٌوسؾ فً‏ ممتل.‏ البالون<br />

زحفوا لٌروا كٌؾ ‏ٌسلم الراهب ‏ٌوسؾ روحه فوجدوه ‏ٌبتسم<br />

بانشراح ؼرٌب ‏ٌعلن الموت كما لو كان ‏ٌمضم لالباً‏ من<br />

الشوكوال الجٌدة.‏ جلس االثنان المتبمٌّان متمابلٌن حٌرانٌن ال<br />

‏ٌعرفان ماذا ‏ٌفعبلن.‏ لكنهما لرّ‏ را فً‏ النهاٌة أن ‏ٌتركا هذا<br />

المكان وٌختفٌان عاماً‏ كامبلً‏ على ألل تمدٌر.‏ عندما ابتعدا<br />

والتربا من الطرٌك العام لال الذي لتل ‏ٌوسؾ:‏ لمد كنتُ‏ ؼبٌاً‏<br />

لمّا نفذّتُ‏ أمر الكبٌر.‏ إن ‏ٌوسؾ ما كان لٌإذٌنا،‏ بل كان<br />

سٌرشدنا إلى مخرج ما،‏ إنه سرٌع الفهم وٌعرؾ متى ‏ٌلتمط<br />

زمام المبادرة.‏<br />

ٗٔ7


إن ما تموله صحٌح،‏ لكن الولت ال ‏ٌنتظر أحداً،‏ فلٌرحمه<br />

الرب.‏ أظن أن علٌنا االنفصال واالختفاء،‏ فهذا أفضل لنا<br />

وللمنظمة.‏<br />

حسناً،‏ لنفترق من هنا.‏ لبّبل بعضهما بعضاً‏ وؼاصا فً‏ الظبلم<br />

وهما ‏ٌتباعدان.‏<br />

الذي لتل ‏ٌوسؾ هو من كتب األسطر التً‏ تروي ماذا حدث<br />

بعد ممتله.‏ . أظن أنً‏ سؤلد بعد ثبلثة شهور.‏<br />

زهرة<br />

ٗٔ8<br />

(<br />

<br />

أنا ال أعرؾ من أٌن أتٌت بهذه األُلصوصة؟!‏ ربّما كانت<br />

حلماً‏ جرى فً‏ اللٌل والنهار،‏ تركّب فً‏ ذهنً‏ بعد تكرّ‏ رت<br />

حوادثها وتداخلها مع بعضها بعضاً‏ مرّ‏ ات عدٌدة لستُ‏ أدري؟!‏<br />

لكن ما أذكره تماماً‏ أنها نشرت الملك فً‏ كٌانً‏ بعض الولت.‏ إذ<br />

إن تواجدها فً‏ داخلً‏ استمر طوٌبلً‏ مع بعض االنمطاعات،‏<br />

حتى ظنن ‏ُت أننً‏ ربّما كنت عبد الحمٌد فً‏ حٌاة أخرى،‏ ابتسمت<br />

كثٌراً‏ لهذا االحتمال،(‏ دعكم من هذا،‏ وألرإوها علّكم تجدون<br />

تشابها ما مع بعض ما كتبته عن لصّة حٌاتً،‏ أو لنرى ماذا<br />

سٌمول الراهب ‏ٌوسؾ حول هذا الموضوع إذا أتٌح له أن ‏ٌمرأ<br />

ما كتب عنه.‏<br />


9ٕ<br />

عبد الحمٌد كان ‏ٌحاول لراءة وجه أمه الحجري الشكل،‏ كلّ‏<br />

مساء أثناء العشاء.‏ لمد بدأ ‏ٌرى األمور التً‏ ‏ٌعاٌشها بمنظار<br />

مختلؾ أخذ ‏ٌتآكله،‏ وٌشعر بؤنه ‏ٌمترب من الرجولة وٌدرن أن<br />

األمر سٌكون معمّداً‏ والطرٌك إلٌه لن ‏ٌكون سهبلً.‏ إذ كانت أمه<br />

شدٌدة المسوة صعبة المراس وولع كلماتها كانت دابماً‏ كسٌاط<br />

كثٌرة متبلحمة تمع بموّ‏ ة على ظهرن دون رحمة.‏ الحٌرة واأللم<br />

والتفكٌر المضنً‏ والوحدة الذاتٌّة وسط المفار تعاٌش معهم<br />

ودخل عمٌماً‏ فٌها وهو فً‏ الرابعة عشرة من العمر.‏ فَ‏ ‏ِهم فً‏ تلن<br />

اللٌلة أن علٌه التهٌإ لمؽالبة أمه وإجبارها على االستمالة من<br />

تسلّطها.‏ إذ أصبح البٌت ال ‏ٌطاق،‏ ووجودها فٌه ‏ٌحتمل أن<br />

‏ٌكون بحاجة إلى بتر عضو أساسًّ‏ فٌه،‏ لٌستمٌم العٌش بٌن<br />

جدرانه.‏ إنها لم تكن تتكلّم تمرٌباً،‏ لكنها عندما تؽضب تتنفس<br />

الؽضب وتزفره على كلّ‏ الكابنات التً‏ تشعر بوجود ربها<br />

وتهلّل له كان صوتها حشرجات متواصلة توزع صوت<br />

الموت فً‏ أرجاء ذلن المنزل الذي ‏ٌمبع فً‏ أطراؾ المدٌنة،‏<br />

حتى ‏ٌُتمّم اللٌل انسداله.‏ لم ‏ٌعد عبد الحمٌد ‏ٌستطٌع إبعاد شبح<br />

التشاإم عن التسلل فً‏ اللٌل البهٌم إلى فراش كلّ‏ واحد من<br />

إخوته والتنع أن األمر تفالم وعلٌه مماومة تداعٌّات ذلن النهش<br />

الذي سٌجتاح تلن األنفس البرٌبة.‏ هكذا ملَّ‏ االنتظار دون أن<br />

‏ٌلمى أجوبة على أسبلته الكثٌرة التً‏ لطالما شؽلته وأنهكته<br />

وسرلت النوم من عٌنٌه.‏ كان فً‏ السماء ما ‏ٌثٌر فً‏ نفسه<br />

التوجس.‏ إذ رأى أمس تلن الؽمامة السوداء نفسها تسٌر باتّجاه<br />

بٌتهم.‏ ‏ٌبدو أنها ال تزال مصرّ‏ ة أن تربض إلى الٌسار من مولع<br />

جلوسه لرب النافذة.‏ من ‏ٌدري،‏ فربما تنوي البماء فوق منزلهم<br />

ٗٔ9


بمصد حرمانه ربما من مرالبتها.‏ كانت دون شن تزداد تكثّفاً‏<br />

وسواداً‏ وإٌحاءً‏ بؤن الشر المستطٌر لادم ال محالة.‏ لطالما خشً‏<br />

أن تكون مشاعر أمه وأحاسٌسها لد تكلّست ودخلت فً‏ طور<br />

خاص ؼامض لم ‏ٌستطع أن ‏ٌفهم ما وراءه إالّ‏ الش ‏ّر،‏ الش ‏ّر<br />

المتؽطرس وهو ‏ٌمتطً‏ حصان ‏"هوالكو"‏ إذ إنها انؽلمت على<br />

نفسها وأصبحت صماء بكماء،‏ وشُلَّ‏ دورها المحوري فً‏ تفعٌل<br />

إنسانٌّتها ولم تعد تدري ما ‏ٌرٌد من خلمها من وجه لٌس فٌه ما<br />

‏ٌدلُّ‏ على حٌاة تُحًٌ‏ جسد إنسان ‏ٌملن ما ‏ٌعٌش من أجله.‏ إنها<br />

لم تعد تعرؾ كٌؾ تطبخ ما تبمّى من ‏"برؼل"‏ فً‏ ذلن البٌت،‏<br />

أو أيّ‏ شًء ‏ٌمول من تذوّ‏ له:‏ هذا طعام لذٌذ الطعم لم أحظَ‏ بمثله<br />

فً‏ أفخر المطاعم.‏ مشكلة عبد الحمٌد كانت أنه ‏ٌعرؾ منذ زمن<br />

ال ‏ٌمكنه أن ‏ٌنسى كم تعذّب فٌه أن أمه تتراجع جسدٌاً‏<br />

ونفسٌاً،‏ حتّى أنه لطالما كان ‏ٌمول فً‏ سرّ‏ ه:‏ لن ‏ٌسرنً‏ بالتؤكٌد<br />

أن أن أصارح أحداً‏ أنً‏ ال أدري كٌؾ تفكّر أمً،‏ وما هو<br />

السبب فً‏ بدء انحدارها فً‏ هذا الوادي المخٌؾ الذي ‏ٌخفً‏ ك ‏ّل<br />

من ‏ٌصل إلى نهاٌته بضباب كثٌؾ ؼابت فٌه الكثٌر من الجثث<br />

كما ‏ٌمال؟!‏ ربما ‏ٌكون أحد األسباب أنها لم تجد ‏ٌوماً‏ رجبل ً<br />

حمٌمٌاً‏ ‏ٌمؾ إلى جانبها وٌدرن كٌؾ ‏ٌشعر اإلنسان المخذول.‏<br />

نعم إنً‏ أصرخ فً‏ داخلً‏ من ‏ٌدري؟!‏ لكنً‏ اآلن أعرؾ أنه لم<br />

‏ٌتبكّ‏ من مشاعرها سوى كره الذٌن حولها وخاصة أنا ابنها عبد<br />

الحمٌد،‏ فمد كانت تدرن أنه ‏ٌرالبها وٌعرؾ أن من المستحٌل<br />

عودتها إلى ما كانت علٌه،‏ إنه فمد حماً‏ أٌة مشاعر إٌجابٌّة<br />

نحوها.‏ إذ أصبح فت ‏ًى ‏ٌركض وراء عمره والعمر ‏ٌركض<br />

بطرٌمة أسرع.‏ ها هو ‏ٌترن الثامنة عشرة منذ ألل من شهر،‏<br />

وظلّ‏ مدة طوٌلة ‏ٌتساءل:‏ ترى كٌؾ له أن ‏ٌمتحم الجدر<br />

الفوالذٌّة التً‏ أؼلمت كلّ‏ المنافذ على ذلن السرّ‏ الرهٌب الذي<br />

ٕٗٓ


جعل أمّه تفمد لدرتها على إعطاء الح ‏ّب لآلخرٌن،‏ بل وعلى<br />

طلب الحب من أي مصدر ‏ٌعرضه.‏ حتّى وصل بها األمر إلى<br />

االصرار على إنكار ذاتها وأوالدها وكره وجودها الممًء دون<br />

أي سبب واضح وممنع.‏ إنه ال ‏ٌزال ‏ٌرى تلن الؽمامة رابضة<br />

إلى ‏ٌسار منزله حٌن ‏ٌَصف ‏ْك الشتاء الباب فجؤة وتلمع السماء<br />

وتمول:‏ لمد أنذرتُ،‏ كان عبد الحمٌد تُجفله ك ‏ّل األشٌاء الؽرٌبة<br />

المفاجبة.‏ أثاره مثبلً‏ عدم تحرّ‏ ن تلن الؽمامة وأللمه األمر بشكل<br />

عمٌك وتساءل:‏ ل ‏َم ترالبنً‏ تلن الؽمامة السوداء بلإم ؼرٌب ك ‏ّل<br />

هذا الزمن الطوٌل؟!‏ ثمَّ‏ لمَ‏ تخفً‏ عٌنٌها؟!‏ أتخشى أن أتعرّ‏ ؾ<br />

إلٌها من بٌن الكثٌرات؟!‏ لكن هذه المرّ‏ ة تبدو مختلفة،‏ ولد<br />

صمّمت على البماء ولن تتحرّ‏ ن من هنا إالّ‏ لبل بزوغ أول<br />

ضوء.‏ تفالم خوؾ عبد الحمٌد،‏ مدركاً‏ أالّ‏ أحد من أهله لربه،‏<br />

فمد مضوا إلى النوم باكراً،‏ إذ ‏ٌبدو إنهم ‏ٌهزإون من التؤمل<br />

والمتؤملٌن.‏ لكن بعد بعض الولت بدأت تلن الؽمامة بالتحرن<br />

‏ٌمنة وٌسرى،‏ مكرّ‏ رة ذلن مرتٌن.‏ ثمَّ‏ عادت لتتمدّد لبالة بٌتهم<br />

دون أن تفصح عن نٌتها وتنمذ لٌلة عبد الحمٌد من األرق.‏ شعر<br />

ذلن الشاب ببعض الراحة فجؤة،‏ مبلحظاً‏ أنه لم ‏ٌحظ ‏ٌوماً‏<br />

بالتمتع بوحدته والتؤمل فً‏ المصٌر وكٌؾ ستكون الرحلة إلٌه؟!‏<br />

وهل سٌبادر الرب إلى تصحٌح ما ‏ٌحدث فً‏ كٌان أمه،‏ أم إن له<br />

رأٌاً‏ آخر؟!‏ منذ متى ‏ٌا شٌطان تستمٌل الؽٌوم وتؽرٌها لتصبح<br />

من عمٌبلتن؟!‏ إننا نعرؾ أنن لستَ‏ معرضاَ‏ للموت بسبب<br />

حاجة فً‏ نفس ‏ٌعموب نفسه.‏ أنا ال أرٌد التحرّ‏ ش بالحٌاة وال<br />

بن.‏ لمد كنت معجباً‏ بلعبن،‏ ألصد بطرافتها أحٌاناً،‏ لكنً‏ بعد<br />

بعض الولت سبمتُ‏ التطلّع إلى تفرد خبثن.‏ أعود ألكرّ‏ ر أنً‏<br />

أإمن بدٌمومتن إلى نهاٌة الدهر آسفاً‏ عنً‏ وعن ؼٌري.‏ لكن ال<br />

تنس أنن لستَ‏ محصناً‏ ضد الخرؾ.‏ الولت ‏ٌمرّ‏ ‏ٌا شٌطان لمد<br />

ٕٗٔ


كبرتً‏ ‏ٌا ‏"بلدٌّاتً"‏ شٌطانً‏ حذرنً‏ لاببلً:‏ اتركه لحاله،‏ فربما<br />

‏ٌتملّى فً‏ الندم والخجل وٌطلب الرحمة من ربه.‏<br />

عبد الحمٌد خشً‏ اإلشارة إلى تلن الؽمامة خوفاً‏ من سوء<br />

تصرؾ إخوته عندما ‏ٌشعر كلّ‏ منهما بؤنه ‏ٌواجه شٌباً‏ ما ال<br />

‏ٌعرؾ إلى أي حدٍ‏ ‏ٌمكن أن ‏ٌإذي.‏ كما أنه ال ‏ٌدري ماذا ستظن<br />

تلن المشار إلٌها باألُصبع؟!‏ ألٌس ممكناً‏ أن تعتبر ذلن تحرّ‏ شاً‏<br />

واعتدا ‏ًء على حرّ‏ ‏ٌتها؟!‏ بدت مصرّ‏ ة على البماء فً‏ مكانها كؤنها<br />

تمول لهم:‏ أظن أنكم لن تتناولوا العشاء الٌوم.‏ ها لد مرّ‏ ت نصؾ<br />

ساعة،‏ ترى ماذا تفعل أمّكم،‏ أال تزال تكنس المطبخ؟!‏ استاء<br />

عبد الحمٌد وتؤكّد أنها تنوي شراً،‏ لكنه تولؾ للٌبلً‏ وبدا كؤن<br />

فكرة ما دلّت باب ذهنه بصوت ‏ٌُّجفل النٌام لٌبلً‏ آخذاً‏ إٌّاه إلى<br />

ِ الشنّ‏ بؤن أمراً‏ ما ‏ٌُحان.‏ جرّ‏ ه كلّ‏ ذلن إلى التساإل:‏ ترى هل<br />

أمه متحالفة مع تلن الؽمامة السوداء،‏ والمصرّ‏ ة على التواجد<br />

فوق بٌتهم؟!‏ بدا ازدٌاد اسودادها ‏ٌوحً‏ بؤن الشرّ‏ لادم ال محالة،‏<br />

وإن ‏"هوالكو"‏ استفاق ظهراً‏ وركب النار التً‏ ‏ٌحملها الشر<br />

المستطٌر.‏ كان لادماً‏ لممابلة أمه ‏ٌحمّل خطواته تسارعاً،‏ ربّما<br />

كان تبرٌره سماعه المسبك أنها تمرأ المستمبل بدخولها إلى أ ‏ّي<br />

أمرئ من خبلل عٌنٌه ثمّ‏ تختفً‏ هنان ما طاب لها ذلن،‏ وعندما<br />

تمترب من الخروج من مكانها تعم الظلمة فً‏ الكون ساعتٌن<br />

من الزمن،‏ تهطل فٌهما األمطار وترعد السماء وباطن األرض،‏<br />

وٌخٌل إلٌن أن الدنٌا كلّها تلمع وترتجؾ كؤنها تتحضّر<br />

لتستوعب صوت الصواعك الرهٌب،‏ وهو ‏ٌخرج من كل مكان،‏<br />

وأنت ترى األطفال ‏ٌركضون فً‏ الشوارع شبه عراة،‏ والرجال<br />

‏ٌهربون لبل النساء،‏ وٌهنؤ الشٌوخ بالموت فً‏ فراشهم،‏ والجنون<br />

‏ٌخرج من العٌون ‏ٌرالصها على طرٌمته،‏ وٌخاطبن المشهد<br />

ٕٕٗ


متساببل:‏ لولوا لً‏ من المجنون أكثر؟!‏ وصوت أمً‏ تضحن<br />

ألول مرة فً‏ حٌاتها أو إنً‏ لم أسمعها تفعل ذلن سوى هذه<br />

المرة.‏ ول ‏ّما هدأت لالت:‏ ‏"ٌا رب ل ‏َم جعلت من كٌانً‏ مكاناً‏<br />

‏ٌنطلك منه الشٌطان لٌعذب ما ‏ٌحلو له من أبنابن،‏ أستتركنً‏<br />

مسرحاً‏ له ‏ٌحضر فٌه إبداعاته وٌرسم على الوجوه كلّ‏ أنواع<br />

الخوؾ الممكنة؟!‏ لل لً‏ ‏ٌا رب لمَ‏ كل الناس تحب الزهور وأنا<br />

ال أطٌمها؟!‏ ‏ٌا رب ل ‏َم ال ‏ٌمترب منً‏ الشٌطان؟!‏ لل له على<br />

األلل:‏ أن ‏ٌحضر لً‏ لبراً‏ رخامٌاً‏ أملساً‏ ولٌس كوجهً."‏ عندما<br />

رأى عبد الحمٌد أمه فً‏ الصباح،‏ خشً‏ أن تكون لد دخلت فً‏<br />

طور خاص ؼامض لم ‏ٌستطع أن ‏ٌفهم ما وراءه إالّ‏ عندما أخذ<br />

اللٌل ‏ٌنتشر بطرٌمته المعهودة.‏ لكن ما فاجؤ الجمٌع،‏ كان صوت<br />

زبٌر عاصفة لادمة من الؽرب وانتشار الظلمة الحالكة وهجوم<br />

البحر هجوماً‏ صاعماً‏ على الشاطا،‏ وفً‏ الولت نفسه بدأت<br />

السماء ترعد وترسل الصواعك منطلمة من كل مكان،‏ بحٌث<br />

تضًء المدٌنة لثوا ‏ٍن وتخٌفها خوفاً‏ حمٌمٌاً.‏ أما أمً‏ فمد ازداد<br />

تجهّمها وأؼلمت الباب على نفسها،‏ حتّى أن أبً‏ لضى لٌلته فً‏<br />

الردهة دون أي ؼطاء.‏ عندما خرجت من ؼرفتها لم تكلّم أحداً،‏<br />

ونظرت إلى أبً‏ بطرٌمة توحً‏ أنها تتساءل:‏ من هذا الدخٌل؟!‏<br />

ال حظنا جمٌعاً‏ ذلن دون أن ‏ٌمول أحد شٌباً.‏ بعد بعض الولت<br />

تبٌن أنها فمدت الكثٌر ممّا تعرفه.‏ إذ إنها حرلت طبخة البرؼل<br />

ألنها نسٌت أن تضع الماء مع البرؼل؟!‏ سؤلت أبً:‏ ماذا ‏ٌعنً‏<br />

كلّ‏ ذلن؟!‏ أتظنّ‏ إنها نسٌت أم إنها لرّ‏ رت االستمرار فً‏<br />

االحتٌال؟!‏ نظر أبً‏ إلًَّ‏ بببلهة كؤنه لم ‏ٌسمع شٌباً.‏<br />

معضلة عبد الحمٌد كانت مشاعره التً‏ لم تعرؾ االستمرار<br />

‏ٌوماً‏ وتنتمل إلى الحضٌض فجؤة دون أن تخشى ماذا سٌحدث<br />

ٕٖٗ


ألعماق هذا الٌافع.‏ كان ‏ٌعرؾ منذ زمن سبك أن أنهكه تماماً،‏<br />

أن أمه تتراجع وتؽوص عمٌماً‏ إلى حٌث ال ‏ٌمكنها أن تكون<br />

فاعلة فً‏ الحٌاة مسبّبة للذٌن حولها إعالة حمٌمٌّة نحو التمدم<br />

والعٌش بشكل طبٌعًّ‏ ٍ. نعم لمد وصل بها األمر إلى االصرار<br />

على التخلص من أوالدها الواحد بعد اآلخر.‏ لكنها فً‏ تلن اللٌلة<br />

لم تستطع أن تؽفو وفكرة إبعاد فلذات كبدها بؤي طرٌمة كانت ال<br />

تزال تسكن فٌها رؼم أنها لد رفضتها،‏ مصرة على أنها ال تزل<br />

مإمنة رؼم تمسكها باعتمادها أن الرب ‏ٌحمد علٌها وٌسعً‏<br />

لبلنتمام منها.‏ كانت متؤكّدة من ذلن،‏ وال مجال إلعادة منالشة<br />

نفسها فً‏ موضوع لمسه كٌانها كلّه،‏ فمد تركت لؽضبها أن<br />

‏ٌسود فً‏ كٌانها،‏ بعد أن فشلت فً‏ محاوالتها المتكرّ‏ رة سنٌن<br />

طوٌلة التحدث مع هللا وجها لوجه.‏ هكذا أوصلها ؼضبها إلى<br />

نكران أوالدها مدّعٌة أن الشٌطان ضاجعها بعد أن لبس بطرله<br />

الخاصة هٌبة الرسول ‏"بولس".‏ كان عبد الحمٌد رؼم طفولته<br />

البابسة،‏ ومراهمته الكبٌبة التً‏ كانت ملٌبة بالكوابٌس،‏ ‏ٌحدوه<br />

األمل مختلطاً‏ بالٌؤس أن ‏ٌتمكّن من التعرّ‏ ؾ إلى ماهٌة ما ‏ٌجري<br />

فً‏ داخلها،‏ وطبٌعة األفكار التً‏ تتجول هنان؟!‏ أو إن ثمة مكان<br />

لً‏ ذلن الكٌان ‏ٌصلح للتجول؟!‏ ترى هل وصلت إلى التزاحم<br />

واالرتطام بشدة فٌما بٌنها؟!‏ وهل تراكمت بعد ذلن إلى حدٍ‏ كبٌر<br />

فؤخذها إلى التحجر وبالتالً‏ لم تعد تستطٌع أن تفهم تطور<br />

محٌطها فكان ال بد من حدوث صدام كبٌر داخل عملها فٌسٌر<br />

إلى الؽربة ومن ثمَّ‏ إلى الجنون حٌث ال مكان فً‏ ببلدنا لتفكٌن<br />

تلن األزمة التً‏ دخلت فً‏ التحجر،‏ آخذاً‏ إٌّاها ربما إلى خارج<br />

اإلنسانٌة وحٌدة ‏ٌتآكلها الخوؾ والضٌاع فً‏ العتمة الحالكة.‏ كما<br />

تبٌن مع الولت أنها أصبحت تكثر من االصطدام بكلّ‏ شًء،‏<br />

إلى أن أصبحت ترى كلّ‏ محٌطها عدواً‏ لبٌماً‏ متمرّ‏ داً‏ دفعه<br />

ٕٗٗ


الشٌطان إلى عدم طاعتها.‏ عبد الحمٌد كبُر وكان ال بد أن ‏ٌمول<br />

فً‏ نفسه:‏ إن ما ‏ٌحدث ال ‏ٌدعو إلى شًء ما من االطمبنان<br />

وعلًَّ‏ إٌماؾ أمً‏ عند حدّها.‏ عبد الحمٌد تملّكه اعتماد أن ما<br />

‏ٌجري لٌس تطوّ‏ راً‏ تموده السماء،‏ بل الشٌطان الساكن فٌها منذ<br />

خروجها إلى هذه الدنٌا.‏ كان ‏ٌتجه بتصمٌم إلى وضع حدّ‏<br />

الشر التً‏ تجري..‏ لمد صرتُ‏ أرى الجرٌمة تخرج من عٌنٌها،‏<br />

والجنون ‏ٌكاد أن ‏ٌمفز من كٌانها وكلًّ‏ اعتماد أنه كان ‏ٌهرب<br />

منها؟!‏ ثمَّ‏ لماذا تتجول فً‏ البٌت وسكٌّن المطبخ فً‏ ‏ٌدها كؤنها<br />

تبحث عن دجاجة تذبحها،‏ وهً‏ فً‏ الوالع ال وجود لها منذ<br />

زمن بعٌد؟!‏ من ‏ٌدري متى ‏ٌصبح الشٌطان وأعوانه فً‏ وسطنا<br />

وحول عنمه ملتفّة حٌّة رلطاء مستعدة أن تلسع من ‏ٌشٌر إلٌه<br />

معلّمها؟!‏ ألم تشعر وأنت ؼاؾٍ‏ فً‏ تلن اللٌلة بؤن هنان من تجرّ‏ أ<br />

وحاول خنمن،‏ وفً‏ أثناء الدفاع عن نفسن شممت رابحتها؟!‏<br />

‏"استفاق عبد الحمٌد وذهب بسرعة إلى المرآة ورأى عبلمات<br />

على عنمه تشبه أصابع الٌد بل الٌدٌن معاً،‏ وجرح صؽٌر حدٌث<br />

إلى ‏ٌسار تلن العبلمات.‏ ربّما لن ‏ٌعرؾ أحد إن كانت لد<br />

خرجت من رحم طبٌعً؟!‏ ث ‏َّم هل بإمكاننا أن نعرؾ فً‏ أي بٌبة<br />

كَبُرت أمً‏ واستطاعت الدخول إلى هذا العالم وتزوّ‏ جت من<br />

أبً؟!‏ ال أعتمد إن كان أحداً‏ سٌجٌب ‏ٌوماً‏ على تلن األسبلة.‏ لمد<br />

تؤكّد أنها افتعلت وتفتعل أموراً‏ كثٌرة،‏ هادفة إلى إلؽاء دور<br />

الجمٌع،‏ كً‏ تؤخذهم معها إلى عالمها حٌث ‏ٌعٌشون هنان وفك<br />

اإلٌماع الذي ترٌد.‏ بُ‏ ‏ُّت أإمن أنها تنوي أن تجعلهم ‏ٌعتادون على<br />

الظلمة الماتلة،‏ ثمَّ‏ ‏ٌُحبّونها أكثر م ‏ّما تحبها هً.‏ لمد أصبحت<br />

تعتمد أنها الطرٌمة الوحٌدة التً‏ تم ‏ّكنها من االبتسام بعض الولت<br />

فً‏ وجوه اآلخرٌن.‏ هذا بالطبع ‏ٌتنالض مع االدعاء أنها فمدت<br />

الرؼبة فً‏ التخطٌط للمستمبل؟!‏ ربما أٌضاً‏ تشتعل فٌها رؼبة<br />

ٍ للعبة<br />

ٕٗ٘


بؤخذنا إلى فظابع ال تشبع تهتّكاً،‏ إذ ال شن أنها تملن الدافع وما<br />

فٌه من شرارات ال نعرؾ إلى أٌن ‏ٌمكّنها ذلن من بعثرتنا؟!‏ إذ<br />

ال أحد منا ‏ٌستطٌع االدعاء أنه بارع فً‏ تحلٌل الجنون ومتى<br />

تحٌن تلن الساعة التً‏ سٌرمٌنا فٌها وسط المفار الموحشة<br />

وصوت ضحكتها الخشنة الممٌبة ‏ٌضج فً‏ آذاننا.‏ ربّما سٌدرن<br />

الجمٌع أن جنونها انحاز كلٌّاً‏ إلى التوحش الذي ‏ٌملن فً‏ أحشابه<br />

بذرة التطور إلى األسوأ.‏ لمد تراءى لً‏ أنا عبد الحمٌد أنً‏ أط ‏ُّل<br />

على هذه الدنٌا إطبللة مختلفة أكّدتها األٌام الملٌلة الماضٌة لابلة:‏<br />

إن الشر المستطٌر أصبح البلعب األول فً‏ جرها إلى مستنمع<br />

اللإم وإعطاء جنونها أبعاداً‏ أخرى بحٌث ‏ٌزداد انحدارها سرعة<br />

وانحرافاً.‏ تذكّر عبد الحمٌد فً‏ خضمّ‏ ما هو فٌه أن والده التفت<br />

إلٌه مرّ‏ ة ولال:‏ أظنّ‏ إن العٌش مع والدتن أصبح مستحٌبلً.‏ ال،‏<br />

ال لستُ‏ أظنّ‏ بل إنً‏ مولن بؤنها أصبحت ال تطاق،‏ وخوفً‏ أ ‏ّال<br />

‏ٌكون أصلها بشرٌاً.‏ لمد بدأت تؤخذ لرارات سرّ‏ ‏ٌة بٌنها وبٌن<br />

نفسها،‏ وتجاهر باالدعاء أنها ستكون صارمة،‏ ودون شنّ‏<br />

ستطبّك على الجمٌع.‏ إنً‏ ذاهب ‏ٌا عبد الحمٌد إلى الحدٌمة<br />

الخلفٌّة ألجلس وحدي،‏ فإذا سؤلتن عنً‏ لل لها أرجون أنن لم<br />

ترنِ‏ لطّ.‏ أنا لم أعد لادراً‏ بالتؤكٌد على إٌماؾ جنون كهذا الذي<br />

‏ٌعٌش فً‏ كٌان أمن.‏ إنً‏ أراه ‏ٌمترب من تفجٌر بٌتنا من<br />

الداخل،‏ بل بدا أن وراء ذلن مخطّطاً‏ موضوعاً‏ لٌد التنفٌذ<br />

للسماح لعملها المرٌض أن ‏ٌنفلت من عماله وٌعمل كما ‏ٌرٌد<br />

هواه.‏ أعتمد أنه سٌنكّل بالعابلة كما ‏ٌشاء،‏ ‏ٌدفعه جنون متوحّش<br />

ؼدا مسٌطراً‏ علٌها سٌطرة تامة أو هً‏ التً‏ تحرّ‏ كه فً‏ والع<br />

األمر،‏ مجبرة إٌّاه على عدم االبتعاد عنها عندما ‏ٌبدأ بتمزٌمن<br />

إلى أشبلء تحت شعار ‏ٌمول:‏ إنً‏ ال ألبل رإٌة مثل تلن الوسامة<br />

بادٌة على هذا المدعو عبد الحمٌد.‏ تساءل االبن:‏ ترى لماذا ‏ٌا<br />

ٕٗٙ


أبً؟!‏ هل ما ‏ٌجري فً‏ بٌتنا هو انفبلت شامل لجنون ‏"فٌرو<br />

سً"‏ المنشؤ ‏ٌتعذر ضبطه ومبلحمته لمنعه من التوسع والتمدّد<br />

بإمكانٌّات الوطن الضبٌلة؟!‏ أم إن ما نراه وال نفهمه لٌس سوى<br />

كابوس سرى فً‏ أحبلم الكثٌرٌن كالنار فً‏ الهشٌم وأٌمظ فٌهم<br />

المكبوت والمستور واألفاعً‏ المرلّطة العطشى لبثِّ‏ سمومها<br />

ِ ومصّ‏ الدماء والتهام األلفال،‏ والرلص على صراخ المتؤملٌن<br />

منتشٌن من حشرجات المحتضرٌن؟!‏ أال تستطٌع أن تفعل شٌباً‏<br />

‏ٌا أبً؟!‏<br />

إن ما ‏ٌمكنها أن تفعله هً‏ ال أستطٌع أن أفعله أنا.‏ أعتمد أن<br />

المشكلة بدأت عندما حمنتنً‏ تلن الحمنة ولالت إنها تشفً‏ من<br />

‏"األنفلوانزا."‏ فً‏ الٌوم التالً‏ استفمتُ‏ مع شعور بؤن الحمّى<br />

ؼادرتنً.‏ لكن بعد ذلن عشتُ‏ شكاً‏ مستداماً‏ بؤنً‏ لستُ‏ الشخص<br />

نفسه الذي كنته لبل تلن الحمنة اللعٌنة.‏<br />

لل لً‏ الحمٌمة ‏ٌا أبً،‏ هل أنت كما ‏ٌمولون؟!‏<br />

وماذا ‏ٌمولون؟!‏<br />

ال أرٌد إؼضابن ‏ٌا أبً.‏<br />

أنت ابنً‏ الحبٌب ‏ٌا عبد الحمٌد.‏ ثمَّ‏ أنً‏ ال ‏ٌمكن<br />

منن لمجرد سماعن لكبلم الناس.‏<br />

أن أؼضب<br />

إنهم ‏ٌمولون إنن لاصر وال تستطٌع أن تخالؾ لها أمراً.‏<br />

ٕٗ7


للمرّ‏ ة األخٌرة ألول لن:‏ إنها مجنونة ولادرة على المتل.‏ أظن<br />

أنها تعشك رإٌة الدماء.‏ أنا أدرن أنن لادر أن تفهم ما ‏ٌعنً‏<br />

هذا؟!‏ ال تنس أن تؤخذ الزمام بٌدٌن،‏ وال تنخدع بما تمول أمن.‏<br />

لمد ؼٌّرتُ‏ رأًٌ.‏ إذ إنً‏ ما ‏ًض للتمشًّ‏ على شاطا البحر،‏ إنه<br />

بطرٌمة ما ‏ٌجعل أفكاري تحذو حذوي وتصمت مستمعة إلى<br />

موجه وهو ‏ٌداعب نفسه متملّباً‏ مرتطماً‏ بالصخور ‏ٌتضاحن تارة<br />

وتارة أخرى ‏ٌنذرها بؤنه سٌمتطٌها بعد بضع هنٌهات آخذاً‏ منها<br />

وطره.‏ لستُ‏ أدري إذ ربما سٌستنبط حبلً‏ لً.‏<br />

كان عبد الحمٌد مؽمض العٌنٌن عندما كان والده ‏ٌتكلّم.‏ لكن<br />

لمّا ساد الصمت،‏ شعر الفتى أن الحمّى بدأت تجتاحه.‏ ثم أخذ<br />

‏ٌرتجؾ بطرٌمة لم ‏ٌذكر أنه مرّ‏ بمثلها،‏ كؤن هنان من ‏ٌحاول<br />

تثبٌته وهو مُمد على فراش من لوالب الثلج المعتادة فً‏ تلن<br />

األٌّام وال ‏ٌمكّ‏ ‏ِنه من تدبٌر أمر تلن المشعرٌرة التً‏ لاربت أن<br />

تفتن به على حٌن ؼرّ‏ ة،‏ حاول الصراخ فلم ‏ٌفلح بسبب<br />

اصطكان أضراسه بطرٌمة ألنعته بؤنه مشرؾ على الموت وال<br />

فابدة من أيّ‏ شًء ‏ٌؤتً‏ بعد ذلن.‏ لم ‏ٌذكر عبد الحمٌد شٌباً‏ م ‏ّما<br />

حدث بعد تلن الوالعة.‏ لكنه أستفاق مبلّبلً‏ منهكاً‏ ومربكاً‏ من<br />

رابحة جسده النتنة.‏ ثمَّ‏ كمن لدؼته أفعى سعى فً‏ العتمة إلعادة<br />

وضعه إلى ما كان علٌه.‏ ثمّ‏ لال فً‏ نفسه ال بؤس،‏ فالمرض<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌصٌب الجمٌع.‏ عبد الحمٌد تخٌل أو سمع همساً‏ ‏ٌمول<br />

له:‏ ال تفكر كثٌراً‏ بل ابحث عن طرٌمة تخلًص فٌها بٌتن أوّ‏ الً‏<br />

من هذا المرض العضال الذي ‏ٌكاد أن ‏ٌمتلكم الواحد بعد<br />

اآلخر؟!‏<br />

ٕٗ8


ابتسم الشاب فً‏ سرّ‏ ه ولال فً‏ نفسه:‏ لٌس من تفسٌر لِما<br />

‏ٌحدث إ ‏ّال أنً‏ كنتُ‏ مماداً‏ إلٌه بعد معاناة طوٌلة.‏ االبن البكر<br />

لتلن العابلة وصل بعد تفكٌر طوٌل،‏ أنه ال بدَّ‏ من أن تتكوّ‏ ن<br />

إرادة جدٌدة فً‏ هذا البٌت،‏ وعلٌنا إٌماؾ هذا االستسبلم إلى<br />

الشٌطان.‏ وما كان أمس ال ‏ٌمكن أن ‏ٌبمى على حاله ونتركه<br />

‏ٌتفالم كلّ‏ ‏ٌوم.‏ لم ‏ٌكن عبد الحمٌد ‏ٌستطٌع نكران ما ‏ٌشاهده كلّ‏<br />

‏ٌوم وٌوحً‏ إلٌه:‏ نإ"‏ المؽول ‏ٌتحضّرون لمذؾ هذه العابلة مع<br />

كلّ‏ الماطنٌن فً‏ هذا الحً‏ النتن إلى ذلن الوادي الذي ال لرار<br />

له.‏ هنان من ‏ٌطلك إشاعة تمول:‏ إن الناس ‏ٌتداولون اعتماد أن<br />

أمّكم مٌّتة وأنتم تحتفظون بجثّتها.‏ أال ترون أن وجهها ‏ٌمتلا<br />

بدماء زرلاء تشٌر إلى أن موتها حدث منذ عدة أٌام؟!‏ ألم<br />

تبلحظوا أن تماطٌعه خرساء تماماً،‏ وترفض بعنؾ الدخول فً‏<br />

أي نماش أو السماح ألٌّة كلمة أن من الخروج عبر شفتٌها<br />

المطبمتٌن.‏ هل ‏ٌعرؾ أحد منكم كٌؾ حدث هذا التحوّ‏ ل فً‏<br />

عمولكم؟!‏ وماذا دهاكم لتفمدوا مشاعركم اإلنسانٌّة وكؤنها لم تكن<br />

‏ٌوماً‏ موجودة أصبلً؟!"‏<br />

سنمول للجمٌع إننا لم نفمد اإلٌمان بعد وال األمل.‏ لن نتبلشى<br />

ونحن نمتلا بحمنا بالمواجهة.‏<br />

إن جزءاً‏ من مشاكل ذلن الشاب المولع بالرسم منذ طفولته،‏ أنه<br />

ال ‏ٌذكر متى شكّل وجه أمه مشروع خوؾ وأسبلة تملمه وٌخشى<br />

أنها لن تنتهً.‏ ترى هل ولدت وهً‏ تحمل هذا الوجه المنحوت<br />

بٌد نحات بدابًّ‏ لم ‏ٌعلّمه أحد على ما ‏ٌبدو،‏ أن المنحوتة فً‏<br />

نهاٌة األمر بحاجة إلى تشذٌب وصمل حتى ال تظهر كؤنها ملٌبة<br />

ٕٗ9


بالبثور والسحجات،‏ أو إن البحر لد لفظها وضاق بها ذرعاً‏ بعد<br />

أن بمٌت فٌه مدّة طوٌلة تخٌؾ كلّ‏ من حولها.‏<br />

ٖٓ<br />

أنا لم أرتح ‏ٌوماً‏ إلى هذا المدعو عبد الحمٌد.‏ لست أدري<br />

من ألبسنً‏ هذا االسم؟!‏ أنا ال أكرهه بالطبع،‏ ولكنً‏ لم أشعر<br />

‏ٌوماً‏ أنه ‏ٌشبهنً‏ أو ‏ٌستحك أن ‏ٌحمل مشاعري.‏ ما أعرفه تماماً‏<br />

أن جدي ألبً‏ لم ‏ٌكن ‏ٌتمتع باالسم الذي لم ‏ٌعطنً‏ أحد حك<br />

االشتران فً‏ التراحه.‏ ترى من أطلك علً‏ ذلن االسم الذي ال<br />

أجد أيّ‏ صلة لً‏ به.‏ هل سٌبمى ملتصماً‏ بً‏ طول العمر؟!‏ ال<br />

شن أنه سٌظل جاثماً‏ على صدري ما دمت حٌاً.‏ ربما علً‏ أن<br />

أتمدم بطلب إلى المسإولٌن فً‏ وطنً‏ أرجوهم فٌه تعٌٌن لاضٍ‏<br />

فً‏ المحاكم ‏ٌنظر فً‏ طلبات الذٌن ال ‏ٌتمتّعون بالموسٌمى التً‏<br />

تصدرها أسماإهم عند لفظها،‏ وأالّ‏ ‏ٌكلّؾ ذلن أكثر ممّا هو لادر<br />

علٌه من تجاوز الثامنة عشرة بملٌل.‏ بعد أن لرأتُ‏ الممطع<br />

األخٌر تؤثرتُ‏ كثٌراً‏ ولرّ‏ رتُ‏ أن أكتب بضع كلمات أتخلّى فٌها<br />

عن مشاعري السلبٌّة تجاهه واحًٌّ‏ عبد الحمٌد ذلن الذي ال<br />

أعرفه،‏ مضٌفاً‏ بعض الكلمات العاطفٌة ثم سؤشدّ‏ على ‏ٌده<br />

مصافحاً‏ ربما تزول تلن الؽٌمة السوداء التً‏ كانت تذكرنً‏<br />

بالشتاء الكرٌه دابماً‏ ‏)علٌن أن تكون موجوداً‏ وجوداً‏ حمٌمٌاً‏ لتنال<br />

حمولن والمزٌد منها إن كان ثمة شعور بالؽبن ‏ٌعٌش معن<br />

وٌنؽص لن حٌاتن.‏ االنطباع الذي ‏ٌتركه اآلخذ وراءه ‏ٌعكس<br />

تهماً‏ ممزّ‏ زة وتمركزاً‏ حول الذات مستهجناً.‏ كما ال بدَّ‏ أن تفهم<br />

وتتعلّم أن ما تناله علٌن دفع ثمنه لماء ما أصبح مُلكن،‏ لٌحصل<br />

التوازن فً‏ عالم البشر.‏ مرحى لتكرٌس المواطنة كمٌمة ترسخ<br />

ٖٗٓ


المساواة بٌن المواطنٌن.‏ نعم لمراءة جدٌدة لتارٌخنا لنرى جمٌعاً‏<br />

كٌؾ عبثوا به.‏ ما أرٌد أن أتؤكد منه،‏ إن كان عبد الحمٌد ‏ٌعرؾ<br />

أن حرباً‏ حمٌمٌّة تجري فً‏ سورٌّتنا؟!(‏ ‏ٌبدو أنً‏ لن أعرؾ شٌباً‏<br />

عن عبد الحمٌد وال إن كانت أمً‏ تعرفه لبل أن تتزوج.‏ تعرّ‏ ف ‏ُت<br />

بعد مدة من البحث عن صدٌك ألبً‏ ألفهم منه بعض الحمابك<br />

عن عابلتً‏ فتوصلت إلى صدٌك لدٌم كان ‏ٌعرؾ أبً‏ جٌداً.‏<br />

عندما جلسنا بادر إلى المول هل تعدنً‏ أ ‏ّال تسؤلنً‏ إالّ‏ عن<br />

أبٌن؟!‏ إذ إنً‏ لستُ‏ مستعداً‏ لحدٌث آخر.‏ تحدث طوٌبلً‏ عن أبً‏<br />

ولم ‏ٌعطنً‏ جدٌداً.‏ عندما انتهى تمعّن فً‏ وجهً‏ ولال هل<br />

سمعت ‏"بهوالكو"‏ فؤجبته بالتؤكٌد:‏ إنه هو الذي لتل أبً‏ ألم تمل<br />

ألبً‏ أن أمً‏ هً‏ هوالكو الحمٌمً.‏<br />

أدركت منذ أن بدأتُ‏ أعً‏ وجودي أن الطرٌك التً‏ و ‏ِضعت فٌها<br />

تعنً‏ المعاناة.‏ صر ‏ُت أخشى النور وأفضّل العٌش فً‏ الظبلم.‏<br />

وشبح جنون أمً‏ كان ‏ٌدور حولً‏ دابكاً،‏ كؤن فً‏ نٌّته إدخالً‏<br />

معها إلى تلن الحلبة نفسها.انملب كلّ‏ شًء فً‏ حٌاتً‏ رأساً‏ على<br />

عمب،‏ ووصل بً‏ األمر إلى وضع لم أعد فٌه لادراً‏ على التطلّع<br />

إلى وجهها دون أن أستدعً‏ ما أعرفه من شتابم كانت تنخر<br />

للبً‏ نخراً،‏ وبلػ بً‏ ذلن حداً‏ كان إذا حدث أن التمت نظراتنا<br />

مصادفة ‏ٌملإنً‏ إحساس بؤنها ستتمٌّؤ علًَّ‏ دون شنّ‏ حتى أنً‏<br />

كنت أبادر إلى التراجع إلى الوراء خوفاً‏ من أن ‏ٌصبح هذا<br />

والعاً‏ لد تحبُّ‏ تكراره.‏ كانت تعرؾ ما ‏ٌحدث دون أن تبالً.‏ لمد<br />

أخافنً‏ أن تصل أمً‏ إلى ذلن المفترق،‏ وبدا لً‏ األمر رهٌباً‏<br />

وخطٌراً،‏ ولكن ذلن الوالع البؽٌض أخذ ‏ٌتبدّل وبدأ شعور<br />

‏ٌستولً‏ على كٌانً‏ وٌوضح لً‏ بهدوء أنن فً‏ طرٌمن إلى<br />

فمدان حبن ألمّن.‏ كان استٌعاب األمر فً‏ األٌام الثبلثة التً‏ تلت<br />

. ٍ<br />

ٖٗٔ


ذلن لٌس سهبلً.‏ لكن فجؤة حدث ذلن االنهدام الخطٌر الذي<br />

أرعبنً‏ وبدأتُ‏ أدخل فً‏ حالة تخلخل فٌها كٌانً،‏ مدركاً‏ أن ما<br />

كنتُ‏ أحمله ألمً‏ من كل أنواع العواطؾ تسرّ‏ ب معظمه أو كلّه<br />

لستُ‏ أدري.‏ أمّا ما بدأ ‏ٌنهشنً‏ من الداخل هو فمدانً‏ ألصدلابً‏<br />

الواحد بعد اآلخر.‏ كٌؾ ألحد أن ‏ٌحسدنً‏ وأنا فً‏ هذا الوضع<br />

المزري؟!‏ ثمّ‏ إنً‏ ال أدري كٌؾ وصلتُ‏ إلى هذه المدٌنة<br />

الممفرة،‏ وكٌؾ اختفى ذلن الذي رسّخوه فً‏ أعمالً‏ عن<br />

الوالدٌن وطاعتهما.‏ لمد لالوا لً‏ دابماً‏ إنه أمر ممدس.‏ أٌن ؼاب<br />

هذا اإلٌمان العمٌك الذي كنت أظن أن تراكمه كاد أن ‏ٌضٌك<br />

على أنفاسً‏ وٌشعرنً‏ باالختناق.‏ أعتمد أنً‏ نجحتُ‏ فً‏ أن<br />

أكون فً‏ مدٌنة هجرها أهلها بسبب اجتٌاحها من مرض<br />

‏"الكولٌرا"‏ سرنً‏ أن أموت بهذا المرض اللعٌن.‏ ترى هل ما<br />

أراه حمٌمٌّاً،‏ أم إن كلّ‏ هذا لٌس إالّ‏ أضؽاث أحبلم.‏ ترى هل<br />

الجنون وراثً‏ وأنا أسٌر فً‏ المسار نفسه الذي مشته أمً؟!‏<br />

صرخت بكل ما استطعتُ‏ من لوة لاببلً:‏ فلٌنمذنً‏ أحد،‏ لمد بلػ<br />

السٌل الزبى وضمتُ‏ ذرعا بكل ما ‏ٌحٌط بً؟!‏ لكن،‏ ودون أن<br />

أدري ماذا ‏ٌكمن وراء ذلن لرّ‏ رت أمً‏ فجؤة اجتراح مسرحٌّة<br />

من بنات أفكارها المؽرلة فً‏ المرض تمترح:‏ أن نجلس جمٌعاً‏<br />

على المابدة ولت العشاء،‏ حتّى لو لم ‏ٌكن هنان أي طعام.‏ إذ إننا<br />

فً‏ والع األمر لم نعد نملن أن نشتري أيّ‏ شًء على اإلطبلق،‏<br />

ورفض أي بابع من الذٌن بجوارنا متابعة إلراضنا منذ مدّة.‏<br />

استمرت هذه التمثٌلٌّة بالجلوس متمابلٌن عدّة أٌّام مدّعٌن أننا<br />

نتناول طعام العشاء.‏ ال أعرؾ كم كرهت نفسً‏ هذه المسرحٌة<br />

ذات الفصل الواحد،‏ والممثّلٌن الذٌن لٌس لدٌهم أٌّة خبرة فً‏<br />

التمثٌل.‏ ‏ٌبدو أن أمًّ‏ تعمّدت زجًّ‏ فٌها دون أن أتؤكّد إن كانت<br />

تنتمم من وجودي كوجود أو إنها ترسل رسالة إلى هللا تعبّر فٌها<br />

ٖٕٗ


عن ؼضبها واستٌابها من الوضع الذي حشرها فٌه،‏ أو إنها فً‏<br />

الوالع تختبر خٌالً‏ ولدرتً‏ على المماومة،‏ وتحسب جٌّداً‏ إن<br />

كنتُ‏ لادراً‏ فً‏ المستمبل أن أشكل تهدٌداً‏ علٌها الملك بشؤنه.‏<br />

ولفت أمً‏ لتعلن بنفسها نهاٌة المسرحٌّة لابلة بصوت عا ‏ٍل<br />

‏ٌحمل ؼضباً‏ ممزوجاً‏ بصراخ مكتوم لم تنجح فً‏ إخفابه،‏ إذ<br />

كان ‏ٌشبه شٌباً‏ أفلت من عماله مبعثراً‏ كل ما ‏ٌضمره وعجز عن<br />

لملمته ثم لم ‏ٌجد طرٌمة إ ‏ّال أن ‏ٌصٌح وهو ‏ٌكاد أن ‏ٌختنك:‏ لمد<br />

أال ترون إنً‏ والفة؟!‏ ألم تشبع أنت أٌضاً‏ ‏ٌا عبد<br />

الحمٌد؟ّ!‏ عندما سمعتُ‏ ما لالته كد ‏ُت أن أخرج عن طوري.‏ كان<br />

ذلن الممطع من المسرحٌّة لبٌماً‏ صادراً‏ عن وحشٌّة كامنة<br />

وعدابٌة شاملة للكون.‏ أخذنً‏ األمر إلى التؤكّد من شنّ‏ كان ‏ٌنمو<br />

فً‏ داخلً‏ وٌمول إن أمً‏ تسٌر بسرعة إلى فمدان عملها،‏ إن لم<br />

‏ٌكن لد حدث ذلن فعبلً‏ منذ زمن ‏ٌا عبد الحمٌد.‏ إنه دون شن<br />

‏"انفلوانزا جنون الخنازٌر".‏ لمد سبمتُ‏ إؼرالً‏ فً‏ سخافة لد<br />

تإدّي بنا جمٌعاً‏ نحو هلوسة تشبه الفحٌح.‏ كانت تلن النهاٌة أمراً‏<br />

مرعباً‏ حماً‏ ومن الصعب تصوّ‏ رها.‏ لكن اختبلفها عن نهاٌات<br />

األفبلم العربٌّة ‏ٌبمى معزّ‏ ‏ٌاً.‏ فكّرتُ‏ كثٌراً‏ فٌما أدّى إلى ذلن؟!‏<br />

رجعتُ‏ إلى طفولتً‏ محاوالً‏ التماط طٌؾ أبً‏ ترى هل حماً‏<br />

مات؟!‏ لمَ‏ لٌس فً‏ ذاكرتً‏ شًء عن موته رؼم أنً‏ رأٌته حٌن<br />

توفٌّت عمتً،‏ لكن لٌس بالوضوح الذي كنت أتمناه.‏ لست أدري<br />

كٌؾ اخترلتُ‏ هذه العتمة وانبثك نور لم ‏ٌكن كافٌاً‏ ألتعرؾ على<br />

أبً‏ وهو ‏ٌنحنً‏ وٌمبل جبٌن أخته.‏ استعدتُ‏ صورته لبل أن<br />

‏ٌتركنً‏ وٌتّجه إلى البحر.‏ المعضلة التً‏ علًّ‏ تفكٌكها هً‏ أن<br />

الجمٌع ‏ٌجمعون أن عمتً‏ توفٌّت لبل أبً،‏ ولم ‏ٌعد هنان من<br />

استنجد به لمعرفة الحمٌمة.‏ ترى هل مات الوالد فعبلً؟!‏ أم إنه<br />

هرب من ذلن الوجه الصخريّ‏ الذي أصبح مستنبتاً‏ تنمو فٌه<br />

ٖٖٗ<br />

شبعتُ‏ ،


الطحالب بصعوبة بالؽة وتبدو كؤنها لن ‏ٌمكنها الولوؾ على<br />

لدمٌها؟!‏ لكن ؼضبً‏ وولوع الملعمة التً‏ كنت أتبلعب بها<br />

بعصبٌّة،‏ أولفنً‏ عن متابعة ما كنتُ‏ أفكّر فٌه.‏ لكنً‏ لم أنس أن<br />

ألرّ‏ ر أننً‏ سؤلاوم بكلّ‏ ما أملن من لوة كً‏ أنهً‏ هذه المسرحٌّة<br />

بصورة درامٌّة وإعدام إمكانٌّة اجتراح ؼٌرها فً‏ المستمبل.‏<br />

كان ال بد من التصدي لها حتى ال تصدق أن عملها ‏ٌمكنه أن<br />

‏ٌؤخذها إلى حٌث تشاء وتنتمم ممّن ترٌد.‏ علًّ‏ أن أخٌفها<br />

وأجعلها تخشى ؼضبً.‏ هدوء عجٌب شملنً‏ كلٌّاً‏ وأرجعنً‏ إلى<br />

تماسكً‏ مسارعاً‏ إلى امتبلن الزمام وكلًّ‏ إٌمان بؤنه لم ‏ٌعد<br />

‏ٌستطٌع اإلفبلت منً.‏ ثمَّ‏ وأنا ال أزال جالساً‏ صرخت فً‏ وجه<br />

أمً:‏ من شبع فلٌمم وٌؤخذ صحنه إلى المطبخ،‏ وهذا ‏ٌسري<br />

علٌنِ‏ أٌضاً.‏ ث ‏ّم تابعت بحزم لاببلً:‏ عندما أُنهً‏ عشابً‏ سؤعلن<br />

عن ذلن بنفسً،‏ ومن سٌتخلّؾ عن التنفٌذ سؤكسر له عظمة من<br />

عظامه.‏ للت ذلن وأنا أنظر عبر النافذة أرالب جمال هطول<br />

ذلن الوابل.‏ لكن صوتها الملًء بالؽضب المكبوت عرلل<br />

متابعتً‏ لذلن اإلٌماع الرابع.‏ لكنً‏ اعتزمتُ‏ عدم السكوت وللت<br />

بصوت مرتفع وحاد ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته جحافل من الؽضب:‏ ألم<br />

تسمعً‏ ما للت؟!‏ هٌا لولً‏ ماذا استعصى علٌن فهمه،‏ وماذا<br />

تبؽٌن فً‏ الحمٌمة؟!‏<br />

هل تمصد أنن لم تسمع ما للتُ‏ ؟ّ!‏<br />

لم تصٌبً‏ ‏ٌوماً‏ كبد الحمٌمة.‏ لمد ضمتُ‏ ذرعاً.‏ أنا لم أعد أرٌد<br />

سماع صوتن ‏"صرتُ‏ أممته وأمنّى أن ‏ٌمنعه عابك ما من<br />

الخروج من حنجرتن."‏ إنه صوت ممجوج لمًء ‏ٌؤخذنً‏ إلى<br />

االلٌاء.‏ الجملة األخٌرة ألنعتها أنً‏ كبرت والتربتُ‏ من انفجار<br />

ٖٗٗ


لد ‏ٌطٌح بكل شًء ، كما بدا لها أنً‏ أنوي متابعة التحدّي ولن<br />

استسلم مهما حدث"‏ فاستدارت ومضت خطوتٌن كؤنها ترٌد<br />

الخروج من الؽرفة.‏<br />

حسناً،‏ ماذا تمترح؟!‏<br />

استمٌلً‏ من مهامن<br />

فوراً‏<br />

وأعهدي باألمر<br />

إلًّ.‏ كله<br />

لن ما تطلب بطٌبة خاطر.‏ أنت تظن أن األمر سهل.‏ لمَ‏ ال<br />

تلعب لعبة استدعاء األرواح وتسؤل أبٌن ماذا فعل فً‏ أمر تدبٌر<br />

أمر العابلة.‏<br />

هل تملكٌن شٌباً‏ ‏ٌثبت وفاة أبً،‏ وأٌن حدث ذلن؟!‏ أنا متؤكّد أنه<br />

لٌس بحوزتنِ‏ أي دلٌل على مكان وفاته المزعومة.‏ لمد بالؽتِ‏<br />

فً‏ منعنا عن الكبلم فً‏ هذا الموضوع وجعل ‏ِت األمر محرماً.‏<br />

أنا لست مستعداً‏ منذ هذه اللحظة أن أسمعنِ‏ تمولٌن كلمة واحدة<br />

عن أبً‏ بعد اآلن،‏ ‏ٌبدو أنه هرب،‏ ولم ‏ٌعد بإمكانه النوم لربن.‏<br />

نعم لمد فرَّ‏ آخر األمر من الصمٌع الفظٌع الذي عاش فٌه ولم ‏ٌعد<br />

‏ٌستطع احتماله.‏ إنه فمد األمل أن الشتاء الرهٌب سٌنتهً‏ ‏ٌوماً‏<br />

بل إنه سٌزداد سوءاً‏ واستشراساً‏ مع مرور الول ‏ًت.‏ إن<br />

االستمرار فً‏ الكذب لٌس لعبة،‏ فسرعان ما تجدٌن نفسن وحٌدة<br />

ممصٌة إلى الحدٌمة الخلفٌّة التً‏ أهملتِها وتركتِها تمتلا<br />

باألشوان.‏ لن أنسى مدى الحٌاة أنً‏ أخذت بعض الحنان من<br />

والدي كلّما سنحت له الظروؾ أو ‏ٌصدؾ أنن لم تمارسً‏ جلده<br />

مصادفة فً‏ ذلن الٌوم.‏ أمّا أنتِ‏ ‏ٌا أمًّ‏ فلم أشعر بحرارة شفتٌن<br />

تبلمس خدي أو جبٌنً‏ مرّ‏ ة واحدة.‏ إن ‏"عبد الحمٌد"‏ الذي<br />

ٖٗ٘


تعرفٌنه تعرّ‏ ى من االسم الذي أطلمتٌه علٌه باسم آخر أعجبه<br />

وثبّته فً‏ المحكمة وصار اسمه ‏"حازم".‏ حاذري أن تنادٌنً‏<br />

باالسم المدٌم.‏ كما ال تنسًْ‏ أن تظلًّ‏ بعٌدة عنً،‏ فلن تكونً‏<br />

مسرورة إذا حاولتِ‏ االلتراب.‏ إنً‏ أحذّرن فلم ‏ٌعد من مجال<br />

لعودتً‏ إلى بٌت الطاعة.‏ لمد ؼٌّرتُ‏ اسمً‏ وعلٌن أن تتذكّري<br />

ذلن دابماً؟!‏ أنا لم أعد عبد الحمٌد،‏ فإذا كان اسم أبٌن فؽلّ‏ ‏ِفٌه بما<br />

تٌسر وخذٌه إلٌه دون شكر.‏<br />

شعرتُ‏ بؤنً‏ لفزتُ‏ فجؤة أنا وكٌانً‏ كلّه من وسط هذه الدنٌا<br />

التً‏ ال ترحم سوى األلوٌاء إلى ؼٌمة بٌضاء تتخلّل حدودها<br />

العلٌا بعض االحمرار لٌس بسبب حبها لهم،‏ بل ألنها تخشاهم<br />

بالطبع.‏ هكذا وجدت نفسً‏ ضمن لعبة مخصّصة للكبار وال<br />

محل هنان لصعلون مثلً‏ لم ‏ٌتعرؾ إلٌها جٌّداً،‏ ولم ‏ٌكن ‏ٌملن<br />

الولت الكافً‏ لٌتعلّم كٌؾ تدار األلعاب فٌها،‏ وال أسلوب التودّد<br />

إلٌها ونٌل رضاها.‏ إنها تدرن أنً‏ ما زلت ؼرّ‏ اً‏ ال ‏ٌدري ماذا<br />

‏ٌفعل وإلناع من ‏ٌُمسكون بالزمام لتعدٌل المسار إن أمكن.‏ فجؤة<br />

امتؤل حازم إدراكاً‏ أن من المبكر الدخول فً‏ هذا المعترن،‏<br />

ولٌس علٌه فً‏ هذه الظروؾ التً‏ هو فٌها إالّ‏ أن ‏ٌبدي االلتناع<br />

أن من ‏ٌدٌرون هذا العالم المتوحش هم األبرع واألفضل أٌضاً‏<br />

فً‏ توزٌع الرحمة على مستحمٌّها،‏ كً‏ ‏ٌبمى العالم ‏ٌعٌش<br />

محتفظاً‏ بالتوازن وما أمكن من االنضباط.‏ إذ إن الخوض فً‏<br />

إدارة المال والجوع معاً‏ لضٌّة معمّدة تشبه االضطرار إلى<br />

اجتٌاز حمول ملٌبة باأللؽام للوصول إلى المٌاه الصالحة<br />

للشرب.‏ حذارِ‏ من أن ‏ٌمع االنفجار،‏ فٌعمّ‏ االضطراب وٌتشوّ‏ ش<br />

المشهد كلّه،‏ وتسنح الفرصة لمن كانوا ‏ٌسمّون بالمساكٌن<br />

لبلنمضاض واالستٌبلء على إدارة العالم بعد أن ‏ٌتحوّ‏ لوا إلى<br />

ٖٗٙ


وحوش أكثر وحشٌّة من الذٌن سبموهم وجرفهم معه الزلزال<br />

الذي حدث،‏ دون أن ‏ٌعرؾ أحد أٌن ‏ٌمكن أن تكون لد استمرّ‏ ت<br />

لبورهم،‏ وأٌن تهٌم أرواحهم،‏ وما إذا كانت هنان دمعة عٌن<br />

تطلب الرأفة بهم من السماء.‏<br />

لرّ‏ ر حازم الخروج من البٌت.‏ كان فً‏ الحمٌمة ‏ٌمصد المفز<br />

إلى العالم الذي جُنّ‏ جُنونه وأخذ ‏ٌرلص دون تولّؾ وال ‏ٌك ‏ّؾ<br />

عن لرع الطبول منحنٌاً‏ إلى جانبه األٌمن وٌترن رأسه ‏ٌهتز<br />

كما ‏ٌرٌد اإلٌماع أن ‏ٌفعل.‏ عندما شعر بؤنه فعل ذلن على أكمل<br />

وجه،‏ أدرن أنه ال ‏ٌبدو كمن فمد اإلتمان.‏ لكن ذلن لم ‏ٌشعره<br />

باالكتفاء إذ إن فً‏ داخله تصفٌك ‏ٌحثّه على المٌام برحلة إلى بلد<br />

مختلؾ.‏ تهٌَّب األمر وتولؾ للٌبلً‏ عابداً‏ إلى نفسه.‏ ثمّ‏ ابتسم<br />

ابتسامة عرٌضة ولال:‏ ‏ٌالٌتنً‏ أرحل فعبلً‏ إلى أيّ‏ مكان حٌث ال<br />

‏ٌعرفنً‏ هنان أحد،‏ فربّما أحظى بعابلة تحضننً‏ وتساعدنً‏<br />

على إكمال دراستً،‏ وأشعر بوساطتها بالدؾء وبعض الحنان.‏<br />

من ‏ٌدري فمد التمً‏ هنان بؤخٍ‏ من عمري أو إخوة أصؽر منً‏<br />

‏ٌعرفون متى ‏ٌضحكون وٌجعلون من الضحن حفلة عابلٌّة<br />

صاخبة ‏ٌتخلّلها الرلص دون االهتمام بالمواعد أو اإلٌماع.‏ لكنه<br />

لم ‏ٌلبث أن شعر بالكدر وعادت مبلمحه إلى الوجوم.‏ لمد تسلّل<br />

إلٌه إدران أن علٌه التخلّص من الؽرق الؽامض فً‏ األحبلم،‏ إذ<br />

من ‏ٌدري إلى أٌن ‏ٌمكن أن ‏ٌموده هذا الهرب من الوالع الذي<br />

‏ٌرٌن سحر الجمال وٌعود إلى إرباكن بالبشاعة فً‏ الولت<br />

نفسه؟!‏ ثمّ‏ ألٌس ممكناً‏ أن تجره تلن الجرعة الزابدة من الجرأة<br />

للتخلّص من الماضً‏ دفعة واحدة،‏ وطرد الكوابٌس التً‏<br />

تحاصره إلى ما ال تحمد عمباه؟!‏ ثمَّ‏ ألن ‏ٌكون تهوّ‏ راً‏ زج نفسه<br />

فً‏ وضع جدٌد سٌموده ربّما إلى فمدان رضى هللا؟!‏ لمد حلم أنه<br />

ٖٗ7


‏ٌرتكب هذا الفعل عدة مرّ‏ ات،‏ وكان أمراً‏ مخٌفاً‏ أن ‏ٌجد نفسه<br />

‏ٌُدفع إلى ولت ‏ٌتخلّى عنه الوعً‏ وٌرتكب تلن المعصٌةّ‏<br />

الرهٌبة.‏ ركع ولال:‏ ‏"ٌارب أنا أضعؾ من أن تجرّ‏ بنً.‏ اشملنً‏<br />

برحمتن ورعاٌتن ودعنً‏ أكمل ما خلمتنً‏ من أجله.‏ اسمح لً‏<br />

بالتسكع لرب البحر،‏ فلطالما اعتمدتُ‏ أنه سٌرسل إلً‏ لبلة تعبّر<br />

عمّا ‏ٌكنّه لً‏ من حب.‏ أنا واثك أنه لن ‏ٌمسنً‏ بسوء عندما<br />

ألترب منه.‏ بل سٌشدّ‏ من أزري وٌعٌد إلًّ‏ هدوبً‏ وتماسكً".‏<br />

أخذ حازم نفساً‏ عمٌماً‏ واتّجه صوب الذي ‏ٌسكن إلٌه،‏ رؼم أن<br />

السماء كانت ملبّدة بالؽٌوم،‏ وتنذر بمدوم عاصفة ربّما تكون<br />

هوجاء عاتٌة مجنونة لكنه رؼم خوفه من الؽٌوم السوداء<br />

المحتشدة والعواصؾ التً‏ تمتلع األشجار وأحٌاناً‏ تصل إلى<br />

التبلع بعض البٌوت الهرمة،‏ كتب فً‏ ‏ٌومٌاته أنه كان ‏ٌشعر<br />

بالتفاإل.‏ إذ إن رؼبة ؼرٌبة مؤلته وجعلته ‏ٌعتمد أن الصراع مع<br />

العاصفة سٌمكّنه من الحصول على عضوٌّة الحٌاة كعضو فاعل<br />

‏ٌملن حك المرالبة بشكل منتج ‏ٌحظى باحترام متنام مفتوح،‏<br />

ومن ثمَّ‏ سٌستطٌع اإلصرار رؼم نحول جسده على المطالبة<br />

بحك عابلته فً‏ استعادة كلّ‏ ما سرق منها من لِبل أولبن الذٌن<br />

كان ‏ٌظنهم جٌرانه وتماسموا مع عابلته الطعام والشراب،‏ حٌنما<br />

كانوا ‏ٌمرّ‏ ون فً‏ أولات صعبة.‏ رافمته تلن األفكار وهو ‏ٌمضى<br />

مبتسماً‏ متفاببلً،‏ ولفصه الصدري متّجهاً‏ نحو البحر ‏ٌشمه وفً‏<br />

كٌانه تولاً‏ إلى االتحاد به دون أن ‏ٌعرؾ ماذا ‏ٌشتهً‏ لٌرضً‏<br />

ما ‏ٌشعر به.‏ أدار وجهه إلى جهة أخرى،‏ وفً‏ نفسه كانت لد<br />

نضجت حاجته إلى أن ‏ٌطلب من الهدٌر أن ‏ٌزأر فً‏ وجه الذٌن<br />

سلبوا من عابلته أربعٌن ‏"دونماً"‏ مزروعة بؤفضل أنواع أشجار<br />

الزٌتون.‏ عندما وصل إلى حٌث ‏ٌبؽً،‏ وبدأ رذاذ البحر ‏ٌصل<br />

إلى وجهه وشعر بتلن المداعبة الناعمة،‏ هدأت نفسه للٌبلً،‏ لكن<br />

ٖٗ8


لم تلبث أن انتفضت فً‏ داخله مشاعر كثٌرة كان ‏ٌظن أن<br />

الٌباس لد أصابها،‏ ولن ‏ٌمكنها العودة إلى سابك عهدها.‏ لكنها<br />

فاجؤته والتحمت به حباً‏ مذكّرة إٌّاه بؤحبلمه وكٌؾ كان ‏ٌستفٌك<br />

محتضناً‏ وسادته،‏ آمبلً‏ فً‏ الرحٌل ‏ٌوماً‏ إلى ما وراء األفك باحثاً‏<br />

عن لوّ‏ ة من نبع آخر مختلؾ،‏ والتمكّن من تعمٌر ما تهدم فً‏<br />

النفوس وتخرّ‏ ب من أسباب العٌش.‏ دام ذلن الجٌََشان العاطفً‏<br />

الولت الكافً‏ إلعادة ارتباطه الوثٌك باإلٌمان بؤنه سٌستطٌع<br />

‏ٌوماً‏ ترن بصمته وراءه لبل أن ‏ٌؽادر هذا العالم.‏ شعّ‏ وجهه<br />

فجؤة وبانت على ثؽره ابتسامة رابعة تحكً‏ كم كان بحاجة إلى<br />

ذلن العناق مع نفسه،‏ وكم أمسى راضٌاً‏ وشاكراً‏ ذلن التمدٌد<br />

للولت.‏ لكن ما ‏ٌعتمل فً‏ داخله لم ‏ٌنتظر طوٌبلً،‏ فانهمرت<br />

دموعه وبدأ نحٌباً‏ خافت الصوت،‏ فهو لم ‏ٌكن ‏ٌمٌل إلى إسماع<br />

الؽٌر ما تمول دموعه.‏ تذكّر الماضً‏ كلّه تاركاً‏ شرٌط حٌاته<br />

كلّها ‏ٌنساب بهدوء وكرم ؼرٌبٌن،‏ وكٌؾ عاش عمراً‏ طوٌبلً‏ فً‏<br />

صمٌع ال ‏ٌرحم.‏ أولؾ هذا الرجوع األلٌم إلى الماضً‏ هجوم<br />

الموج إلى حٌث كان ‏ٌمؾ،‏ أعجبه ذلن وتمتع بتبلطمه مع<br />

الصخور،‏ ووصول بعض الرذاذ إلٌه.‏ كان ذلن متعة أكثر من<br />

التمتع،‏ وربما استطاع العناق مع الذروة.‏ عندما فهم ماذا حدث<br />

تماماَ‏ ركع مرّ‏ ة أخرى حٌث هو طالباً‏ من هللا مساندته فً‏ اآلتً‏<br />

من األٌّام،‏ وأن ‏ٌعطٌه المدرة كً‏ ‏ٌثبت للجمٌع أن بإمكانه<br />

ممارعة الحٌاة وصوالً‏ إلى الرلص مع النجوم،‏ ملؽٌاً‏ بذلن أمّ‏ ‏ٌِته<br />

ألفنٌّة،‏ وطالباً‏ من شرٌكته فً‏ الرلص مشاركته الفعّالة فً‏ جعل<br />

للب الربّ‏ ‏ٌخفك بالرضى عن أبنابه.‏<br />

تذكّر كل ذلن ومسح عٌنٌه بٌدٌه واستدار نحو الموج وأخذ<br />

‏ٌؽنً‏ بصوتٍ‏ أخاذ حزٌن ‏ٌحمل كلّ‏ أحزان الفمراء واألؼنٌاء،‏<br />

ٖٗ9


الذٌن حلّ‏ بهم إدران بذلن الشعور بالبساطة وهم ‏ٌشاهدون<br />

الفمراء ‏ٌتطلّعون إلى وجه هللا من خبلل دموعهم.‏ شعر فً‏ تلن<br />

اللحظات بؤن شجونه باتت تشمل كل الذٌن ‏ٌعانون فً‏ هذا العالم<br />

المابم على التماٌض.‏ تساءل:‏ ترى هل ‏ٌُشترى الحب؟!‏ كان<br />

‏ٌعرؾ أن مشاعره وأحبلمه لم تكن ولن تكون ‏ٌوماً‏ تحمل<br />

ذاتها ما ‏ٌمكّن من تثمٌنها فً‏ السوق.‏ حازم اضطرب ولم ‏ٌتؤكّد<br />

من أنه فهم بالضبط ما حدث وماذا ‏ٌعنً‏ ذلن الذي انتصب<br />

هازباً‏ فً‏ وجهه فجؤة.‏ تساءل بؽضب شدٌد:‏ هل كلّ‏ أحبلمه<br />

وأحاسٌسه كانت مجرّ‏ د أوهام وتداعً‏ الحكاٌات التً‏ كانت<br />

تروٌها له أمه فً‏ طفولته؟!‏<br />

لم ‏ٌدرِ‏ ما جعله ‏ٌبتسم عندما استنتج أن ذلن ‏ٌعنً‏ أنه كبر<br />

وعلٌه أن ‏ٌفهم أن السوق هو الذي ‏ٌملن الحمٌمة وعلى أساسها<br />

علٌه أن ‏ٌبدأ بفهم الوالع الذي أنشؤته وفرضته.‏ هكذا بدا حازم<br />

كؤنه لد فهم الكثٌر من أمور هذه الدنٌا،‏ وامتؤل شعوراً‏ بؤن شٌباً‏<br />

فً‏ عٌنٌه لد تؽٌّر،‏ مظهراً‏ ابتسامة مرحّبة بهطول المطر<br />

الؽزٌر.‏ أظنّ‏ أنه لم ‏ٌتفاجؤ إذ ما كان ‏ٌراه عادة وهو فً‏ المكان<br />

نفسه،‏ أظهر ذاته بشكل آخر،‏ فما كان جامداً‏ ال ‏ٌتحرّ‏ ن،‏ بدا كؤنه<br />

‏ٌنبض بالحٌاة،‏ وٌنتظر تلن اللحظة أن تدفعه الرٌح كً‏ ‏ٌمطع<br />

الشارع عارٌاً‏ كما خلمته أمه لٌتمً‏ بؤُنثاه التً‏ خرجت من<br />

الشجرة الممابلة فً‏ اللحظة المناسبة وأصبحت تزٌّن الرصٌؾ<br />

الممابل فما أن ارتمت بٌن أحضانه،‏ وشعر بؤن األرض ملساء<br />

تحت لدمٌه حنّى بدأ بالرلص على إٌماعات كان لد ابتدعها منذ<br />

لرون.‏ لمد أنتظر طوٌبلً‏ دون أن ‏ٌشتكً،‏ إلى أن حان ولت<br />

الفرح وشِكر البحر.‏ كان لد أبمى حبٌبته أسٌرة أحضانه،‏ وشرع<br />

بالطٌران الرالص موشوشاً‏ إٌاها لاببلً:‏ لن أدع لدمٌن تمسّان<br />

ٗٗٓ


األرض،‏ لولً‏ لً:‏ أال تشعرٌن بؤن جسدن ‏ٌستجٌب إلى ما<br />

‏ٌموله جسدي؟!‏ لمَ‏ ال تنطمٌن وتعترفٌن بؤنن ترلصٌن وتتمتّعٌن<br />

كما لم تفعلً‏ ‏ٌوماً؟!‏ ‏ٌبدو أننِ‏ بلؽتِ‏ حداً‏ من االنتشاء بحٌث<br />

خرج جزء منن من بٌن أحضانً‏ وراق له أن ‏ٌرلص بعٌداً‏<br />

بعض الولت.‏ مرحى لن،‏ فعندما ‏ٌعود وٌتجمّع شملن ستجدٌن<br />

أنً‏ كبرت عشرة سنوات وصرت أهبلً‏ لخوض ؼمار هذا<br />

العالم.‏<br />

استفاق حازم من حلم الٌمظة الجمٌل دون أن ‏ٌشعر بؤنه ال ‏ٌزال<br />

‏ٌتلمّى ذلن الوابل وال ‏ٌتسلّل إلٌه أيّ‏ إحساس إال ذلن اإلٌماع<br />

الذي جعله أسٌراً‏ له،‏ مفرؼاً‏ إٌاه من أٌة ذكرٌات أو مشاعر لد<br />

تبعده عن تعلّمه بهذا االحتجاز االختٌاريّ.‏ تولّؾ المطر وبدأ<br />

‏ٌفكّر بؤمه وبشعورها فً‏ هذه اللحظات،‏ وماذا ستكون ردود<br />

أفعالها عندما ‏ٌلتمٌان من جدٌد.‏ الشنّ‏ أنها ستكون حانمة.‏ لكنها<br />

لطالما كانت بارعة فً‏ إسكات مشاعرها وكٌؾ تضؽط على<br />

ردود أفعالها عندما تحتاج إلى ذلن بحٌث تجعلها تصمتُ‏<br />

بطرٌمة تشبه صمت المبور البشع.‏<br />

لم أرد ‏ٌوماً‏ أن أكون مثلها.‏ لستُ‏ أدري من كان من إخوتً‏<br />

‏ٌحظى برضاها وأعطته بعضاً‏ من ثمتها.‏ كنت أمتلا شعوراً‏<br />

بؤنها تعدّنً‏ خصمها ولم تنفن عن تعٌٌري بمولها:‏ إنن تشبه<br />

جدَّتن ولن تتخلّص من وجودها فً‏ داخلن ما حٌٌت.‏ لطالما<br />

تمنٌت أن أعرؾ إلى أٌن تنوي الذهاب وأي روح ستتعشّك<br />

وتنفث فٌها سمومها؟!‏ كنتُ‏ ال أعٌر ذلن أٌّة أهمٌّة،‏ وأعتبر أن<br />

ما زُ‏ رع فً‏ داخل أمً،‏ فً‏ أثناء تسلسل الوجود واالندثار فً‏<br />

تلن العابلة المعمدة التً‏ ‏ٌبدو أنها عانت من تشابن للمشاعر لم<br />

ٗٗٔ


‏ٌتسن ألحد تفكٌكها.‏ حتى تجمّع كلّ‏ ذلن التداخل للمشاعر<br />

المتوارثة فً‏ ذلن الجسد النحٌل الذي أنجبنً.‏ كانت تلن<br />

األحاسٌس المتفرّ‏ لة المتعادٌة السجٌنة فً‏ ذلن العران الذي<br />

تطوّ‏ ر حتى أوصل من سكن فٌه فً‏ نهاٌة األمر إلى فمدان<br />

إمكانٌة تبادل الحب والحنان.‏ تكرّ‏ رَ‏ تعٌٌري بجدتً‏ مرّ‏ ات<br />

عدٌدة،‏ وكنت أفضل الصمت واالبتعاد عن مشاهدة البؽض<br />

األسود،‏ وانمسامه إلى أفاعٍ‏ تسرح وتلسع كلّ‏ من تصادفه فً‏<br />

طرٌمها.‏ استجمعتُ‏ شجاعتً‏ مرّ‏ ة وسؤلتها عندما ؼزت مبلمحً‏<br />

لسوة حمٌمٌّة ‏ٌشوبها استنكار ‏ٌجعل المرء ‏ٌضرب عرض<br />

الحابط بكلّ‏ شًء وٌمرر الرحٌل:‏ أٌّة جدّة تمصدٌن ‏ٌا ترى؟!‏<br />

إنها أمً‏ أٌها الؽبً‏ البريء.‏ بُتُّ‏ أعتمد ‏ٌا بنًَّ‏ أن البراءة فً‏<br />

نهاٌة األمر تشبه التفاهة حٌناً‏ والولاحة أحٌاناً‏ أُخرى.‏ األولى<br />

تحاول أن تُخفً‏ أمراً‏ لٌس ظاهراً‏ للعٌان تماماً‏ واألخرى ال<br />

تفعل ألن كلّ‏ شًء بادٍ‏ وصادم وٌثٌر فً‏ البعض األسؾ.‏<br />

صدمنً‏ األمر جداً‏ وتساءلت بصوت عالٍ:‏ ترى هل نساء<br />

عابلتن هنَّ‏ فمط اللواتً‏ ِ ‏ٌورّ‏ ثن أفاعٌهنَّ‏ إلى بعضهنَّ‏ بعضاً؟<br />

كنت لد ابتعدت عنها وأنا أضحن فً‏ سرّ‏ ي وألول:‏ إنً‏ لم أعتمد<br />

‏ٌوماً‏ أن أحداً‏ ‏ٌمكن أن ‏ٌصفنً‏ بالبراءة،‏ ففً‏ السنتٌن الماضٌتٌن<br />

لطالما استمتعتُ‏ بنصب الفخاخ لرفالً.‏ كما أنً‏ ال أطلع<br />

اآلخرٌن عن مكنوناتً‏ فلم أشعر حتّى اآلن بؤن هنان من بٌن<br />

رفالً‏ من ‏ٌستحك ذلن.‏ كنت أشعر بؤنً‏ وحٌد،‏ ولطالما<br />

استمتعتُ‏ بذلن.‏ ربما كان هذا سبباً‏ لعدم احتٌاجً‏ فً‏ ذلن الولت<br />

لصدٌك حمٌمً‏ أعطٌه ثمتً،‏ وٌدفع مشاعري إلى التصدٌك أنها<br />

تستطٌع بكلّ‏ الحرّ‏ ‏ٌّة والسذاجة الممتعة أن تتحدث عن نفسها<br />

وتعطً‏ لذاتها حك االسترسال.‏<br />

!<br />

ٕٗٗ


إنً‏ أفكّر بؤمً‏ فً‏ هذه اللحظات دون أن ‏ٌتسرّ‏ ب من مشاعري<br />

بعض الحب أو للٌل من الشفمة.‏ لبل أن أخرج من البٌت منذ<br />

بضع ساعات نظرتُ‏ إلٌها ملٌاً،‏ بٌنما كنتُ‏ أفكر متساببلً:‏ ترى<br />

كم عانى أبً‏ من هذا العمل المختلط بكلّ‏ هذه الترّ‏ هات؟!‏ للت<br />

بعد برهة لنفسً:‏ حسناً،‏ ماذا سٌفٌد الكبلم بعد اآلن؟!‏ أظن أن<br />

الملٌل من االنتظار هو الحلّ.‏ أدركتُ‏ فً‏ تلن اللحظات أن<br />

جداراً‏ صخرٌاً‏ سمكه نادر انتصب بٌننا.‏ أخذنً‏ ذلن بعٌداً،‏<br />

وهنان فً‏ عالم التفكٌر،‏ صمّمتُ‏ أن تكون لً‏ عابلتً‏ وعدم<br />

تكرار تلن الفترة التً‏ أذكرها من حٌاتً.‏ ‏"أرجون ‏ٌا رب ال<br />

تبتعد كثٌراً‏ وامنحنً‏ الحك أن أضٌؾ شٌباً‏ لهذا العالم."‏<br />

* * *<br />

شكرا ‏ٌا ‏ٌوسؾ فمد كتبت هذا األُلصوصة من أجلن.‏ إذ إنً‏<br />

أعرؾ بعد مضًّ‏ ِ كل هذه السنٌن،‏ أنن ستفهم تلن السطور وما<br />

تحمله بٌن حناٌاها.‏ دعنً‏ أخبرن أنً‏ لستُ‏ حزٌنؤ،‏ صوت من<br />

السماء لال لً:‏ إن ‏ٌوسؾ رفع من شؤن الشموخ،‏ إذ لم ‏ٌعد<br />

مسموحاً‏ بالتباهً‏ إن لم ‏ٌكن وراءه حدث مهم ‏ٌؽٌّر شٌباً‏ ما فً‏<br />

هذا العالم.‏ لمد رفعت رأسً‏ عالٌاً،‏ وجعلتنً‏ أدرن أن الشهداء<br />

ال ‏ٌموتون بل ‏ٌعبرون إلى حٌث لم ‏ٌعد هنان عمل للزمن.‏ نعم<br />

ربما لن نفهم تماماً‏ ماذا ‏ٌعنً‏ هذا،‏ لكن بعد أن تحرّ‏ رت من<br />

الزمن ستدعنا نتحضّر لندرن كٌؾ سٌكون هذا.‏ كما أننا<br />

سنتواصل دابماً‏ وأران من خبلل ‏"سورٌة".‏ إذ إن صمودها<br />

أبرز للعالم إعجاز مزّ‏ ق الكثٌر من أوراق التارٌخ،‏ وكتب ‏ٌمول<br />

للعرب:‏ إن الذي ال ‏ٌزال ‏ٌمعن فً‏ التنكر للدٌمولراطٌّة التً‏<br />

تشبه اإلنسان وتعطٌه الكثٌر من حموله هنا على األرض لبل<br />

ٖٗٗ


الصعود،‏ هً‏ ال تزال تعمل بجدٌّة مراعٌة تبدل وجهات النظر،‏<br />

وتنوع األفكار بٌن المواطنٌن.‏ إذ إن تنوع االختبلفات ‏ٌمكننا<br />

فهمه من خبلل طرٌمة عمل الدٌمولراطٌّة التً‏ تبؽً‏ إؼناء<br />

البلد،‏ وتوسٌع اآلفاق وتحفّز الناس الكتشاؾ أٌن هو الصواب<br />

وأٌن ‏ٌكمن الخطؤ دٌمولراطٌّاً.‏<br />

عبد النور.‏ زٌاد<br />

نشر هذا التعلٌك فً‏ صحٌفة النهار بعد أسبوع من االنتهاء من<br />

نشر كلّ‏ ما ورد إلًّ‏ من الصدٌك الراهب،‏ وأخٌراً‏ خبر وفاته،‏<br />

مع إضافاتً‏ ومحاولتً‏ استؽبلل ك ‏ّل ما أعرفه كطبٌب نفسً،‏<br />

واختصاصً‏ فً‏ التحلٌل النفسً‏ أٌضاً.‏<br />

ٖٔ<br />

مضت تلن الشهور الستّة من حٌاتً‏ بعد أن رفع الرب روحها<br />

إلٌه معلناً‏ إرادته وطالباً‏ منا المبول بما فعله واإلدران أن<br />

مصلحتنا المشتركة التضت ذلن،‏ وأشارت أٌضا بنسٌان الكثٌر<br />

مما تموله المشاعر صراخاً‏ أو همساً.‏ ما أكتبه ‏ٌخص التارٌخ<br />

وال ‏ٌمكن أن ‏ٌكون اعتراضا على حكمة الرب.‏ نعم كان اختفاء<br />

ٗٗٗ


‏"كاترٌنا كازانتزاكٌس"‏ الفجابً‏ من حٌاتً،‏ كارثة حمٌمٌة كادت<br />

أن تدمّر كل شًء بنٌته،‏ أو حاولت تعمٌره بتإدة،‏ وتخرّ‏ ب ك ‏ّل<br />

الذكرٌات التً‏ عشتها والتصمت بً‏ ولم تتركنً‏ وحٌداً‏ مع<br />

الرٌح التً‏ ال تزال تعصؾ زاعمة مإكّدة لً‏ بؤنها لن تسمح<br />

بعودتً‏ إلى الجحٌم مرّ‏ ة أخرى.‏ أنا فً‏ هذه اللحظات أعٌش<br />

إدراكاً‏ أنً‏ سجنت نفسً‏ طوعاً‏ طمعاً‏ فً‏ رضى الناس الذٌن<br />

‏ٌعٌشون فً‏ المرن الواحد والعشرٌن،‏ لكنهم فً‏ أعمالهم<br />

‏ٌشعرون باألسؾ ألن الحٌاة باتت تسٌر بسرعة لتظلّ‏ مواكبة<br />

لزمن هذه األٌام التً‏ لم تعد تكترث للتمالٌد وذلن الماضً‏<br />

الجمٌل وطرٌمة عٌش األجداد.‏ نعم كان ما فعلته مشٌناً‏ فً‏ حك<br />

نفسً،‏ إذ لم ‏ٌكن علًّ‏ أن أكون مسإوالً‏ عن إظهار حزنً‏<br />

الشدٌد أمام كلّ‏ الناس.‏ ال أدري لمَ‏ كنتُ‏ سخٌفاً‏ طوال تلن<br />

المدة؟!‏ لمد ضم ‏ُت ذرعاً‏ وأنا أجرَّ‏ ورابً‏ طفبلً‏ صؽٌراً‏ معجباً‏<br />

بعٌنٌه الجمٌلتٌن وفً‏ داخله توق واعٍ‏ إلظهارهما لكل الناس.‏<br />

ترى هل من المعمول أن أمسرح كلّ‏ حدث ‏ٌمر فً‏ حٌاتً‏ مهما<br />

كان عادٌاً‏ وال ‏ٌرلى إلى أٌة لٌمة ممنعة بطرٌمة ما؟!‏ ل ‏َم<br />

اصطحب عاري معً‏ وأنا أدرن أنه ‏ٌهزأ بً.‏ أما حان الولت<br />

أن تتناؼم تصرفاتً‏ مع عمري،‏ ووضعً‏ االجتماعً‏ والعلمً؟!‏<br />

ربّما علًَّ‏ أن أصرخ آه بصوت عالٍ:‏ ترى لمَ‏ فكّرت بالموت<br />

ورمً‏ نفسً‏ فً‏ فم تمساح لوي الفكٌن وأتؤ ‏ّكد من تهشٌم<br />

عظامً‏ فً‏ لحظات؟!‏ هل ألنً‏ ال ‏ٌمكننً‏ أن أتحمل األلم مدة<br />

طوٌلة أم إنً‏ سؤكون لد سجلت طرٌمة مبتكرة للموت،‏ لكن لم<br />

تكن تصلح ‏"لجولٌت"‏ إطبللاً؟!‏ إذ ال ‏ٌمكن استعادة تلن<br />

التراجٌدٌا،‏ كما أالّ‏ أحد فً‏ هذه األٌّام سٌصفك للحبٌب الذي<br />

‏ٌرمً‏ نفسه فً‏ لبر حبٌبته.‏ الزمن ‏ٌمضً‏ وأنا ال أعرؾ كٌؾ<br />

ألنع نفسً‏ أن طفولتً‏ أصبحت حماً‏ من الماضً؟!‏ أبعد عنً‏<br />

ٗٗ٘


صورة أمً‏ أٌها الشٌطان الخبٌث،‏ أال ‏ٌكفٌن ما فعلت بؤبً؟!‏<br />

ترى ماذا تمصد أو تُل ‏ّمح؟!‏ هل أرٌتنً‏ صورتها لتتساءل لمَ‏ لم<br />

أرم نفسً‏ إلى لبرها عندما كانوا ‏ٌهٌلون علٌها التراب؟!‏ ‏ٌبدو<br />

أنً‏ ال أزال بعٌداً‏ عن اإلدران ممّ‏ أخاؾ،‏ وال أدري كم من<br />

الحٌوات عشتُ‏ وال أزال أعٌش؟!‏ البدّ‏ أن أسعى وراء عٌش<br />

إدران أنً‏ أخسر سمعتً‏ العطرة وأنا ال أدري.‏ ‏)هنا انفصلت<br />

ذات الكاتب عن نفسه وأخذت تمرّ‏ عه(‏<br />

‏"ال شن أن المؤساة فعلت فِعلها فً‏ البداٌة ‏ٌا عزٌزي،‏ وأن<br />

كلّ‏ ما حدث شكبلً‏ ‏ٌعدّ‏ ممبوالً‏ وطبٌعٌاً.‏ إذ إن الصدمة التً‏<br />

حدثت ال ‏ٌمكنها التواري إال بعد مرور بعض الولت،‏ واألٌام ال<br />

بد لها أن تجتاز الحاضر إلى المستمبل دون أن تكون مسإولة<br />

عمّا حدث،‏ أو ‏ٌعنٌها أن تعرؾ لماذا صار ما حدث حدثاً؟!‏ إذاً‏<br />

ال بد من دفع ثمن ما جرى،‏ والكٌفٌة التً‏ ت ‏ّم إخراجه بها.‏ كذلن<br />

كان ال بدَّ‏ ممّا مررتَ‏ به من مشاكل الدخول فً‏ النوم ثمَّ‏<br />

االستٌماظ الذي ال معنى له كما سمٌّتَه،‏ وتلن اللٌلة الرهٌبة<br />

أٌضاً،‏ التً‏ استفمت فٌها جفبلً‏ فً‏ الثانٌة صباحاً‏ دون أن تفهم<br />

ماذا ‏ٌجري ولمَ‏ تتبعن العواصؾ والبراكٌن،‏ وتوضع لن الفِخاخ<br />

هنا وهنان؟!‏ ال شن أنن اجتزت لٌالً‏ صعبة وربّما ‏ٌمكنن<br />

تسمٌتها بالرهٌبة،‏ كن ‏َت تحارب فٌها األشباح من كل ما أبتدعه<br />

الشٌطان من أنواع.‏ لكن ما أجفلنً‏ شخصٌاً،‏ وزرع الخوؾ فً‏<br />

أعمالً‏ هو تصمٌمن على ركوب لطار ‏"التراجٌدٌا"‏ الممسرحة<br />

لبل ذلن بكثٌر.‏ لل لً‏ ممّا تحمً‏ طفولتن؟!‏ أمن لم تعد ترالبن<br />

وربما هللا لد سبم منن أٌضاً.‏ علّن ستظل تؤمل أن تكون أنت<br />

الساحر الذي ‏ٌخرج كلّ‏ شًء من المممم؟!‏ علٌن بالحذر من ذلن<br />

الذي ‏ٌسعى إلى دفعن كً‏ تدور معه طوٌبلً‏ فً‏ حلمة مفرؼة.‏ إذ<br />

ٗٗٙ


إنه ال ‏ٌخشى الدوران وما ‏ٌحدثه.‏ علٌن التؤكد أنه عندما ‏ٌرى<br />

عٌنٌن لد خرجتا من مجال الرإٌة،‏ سٌرمٌن فً‏ الشاحنة التً‏<br />

تنمل الممامة إلى حٌث تدفن أو تحرق فً‏ مكان ما،‏ إذ إننا لم<br />

نتعلّم بعد كٌؾ نستفٌد منها.‏ هل تعود إلٌن بٌن حٌن وآخر<br />

رابحة أمن وؼٌرتن منها؟!‏ ال تخؾ من الخوؾ،‏ إن كنت<br />

تكرهه فهو العب ال بدّ‏ منه،‏ كما ال بؤس من بعض الولت أن<br />

تكون فً‏ حالة حردٍ‏ من هللا.‏ إن صدره ‏ٌتسع ألكثر من ذلن<br />

بكثٌر.‏ لكنه صبور ولن ‏ٌمبل منالشتن فً‏ ولت كنت فٌه محباً‏<br />

للمناكفة،‏ لم تكن ولحاً‏ إلى حدٍ‏ ؼٌر ممبول إالّ‏ مع أمن.‏ ألم تفكر<br />

فٌما تفعله؟!‏ لكنه محب فً‏ ولت ال تستطٌع أن تنسى نفسن.‏ لل<br />

لً‏ متى ستكبر؟!‏ فً‏ لحظة ما أران ابتسامته التً‏ ألنعتن أنها<br />

خصّصت من أجلن.‏ ماذا ترٌد بعد كل هذا؟!‏ هل ترٌد البكاء<br />

والعوٌل كما فعلت جدتن عندما وافت المنٌّة ‏"علً‏ فركوح"‏<br />

جدن الذي كان ‏ٌجعلها تصمت وال تنطك بايّ‏ ِ كلمة هً‏<br />

‏"والتلفٌزٌون"‏ إالّ‏ متى أراد ذلن،‏ ‏"إن جدّتن لم تستطع أن تفهم<br />

لمَ‏ ال ‏ٌطٌك سماعه؟!‏ إذ كان علٌه أن ‏ٌبمى ممفبلً‏ إلى أن ‏ٌفرغ<br />

من المراءة،‏ وٌذهب إلى النوم!‏ أنا أوافك أنن كنتَ‏ تسمع حماً‏<br />

دلّات للبن تدّق بموّ‏ ة لم تعهدها من لبل،‏ وظننتها فً‏ مرّ‏ ات<br />

عدٌدة طبوالً‏ تمرع من بعٌد وسط الظبلم والنٌران المشتعلة،‏<br />

التً‏ كنتُ‏ أعتمد أن أنفاسن تختلط برابحتها وهً‏ آتٌة على ظهر<br />

الرٌح،‏ وكنتَ‏ تعدّ‏ ذلن نذٌراً‏ بمدوم الشر المستطٌر.‏ ال بؤس لمد<br />

أعجبتن الطبول والرٌح اآلتٌة على ظهر االعاصفة التً‏ ال تنوي<br />

شرّ‏ اً.‏ ‏ٌبدو إنن تحب المسرح وما ‏ٌستعٌر من أصواتٍ‏ تمترب<br />

من أن تكون حمٌمٌّة وتشعر بها تداعب أعمالن،‏ ال بؤس أٌضاً."‏<br />

ٗٗ7


كلّ‏ هذا جعلنً‏ ألوم من فراشً‏ وأتمشى إلى حٌث ‏ٌمكن ل<br />

‏"فٌفالدي"‏ أن ‏ٌرٌحنً‏ مدركاً‏ أن الصباح لم ‏ٌعد بعٌداً.‏ فوجبتُ‏<br />

بما ‏ٌحدث فً‏ داخلً.‏ كانت ستة شهور لد مضت وأنا أشعر<br />

بالؽثٌان عندما كن ‏ُت أسمع بعض الجمل الموسٌمٌّة وأنا فً‏<br />

انتظار المذٌاع وهو ‏ٌؤمرنا بالجلوس وتلمًّ‏ األخبار الٌومٌّة.‏<br />

تساءلتُ‏ وأنا أُدٌر رأسً‏ ‏ٌمنة وٌسرة ث ‏َّم صرخ ‏ُت بصو ‏ٍت عا ‏ٍل<br />

البماً‏ نفسً‏ على استمرارها فً‏ محاولة رفضها أن تسمع<br />

‏"فٌفالدي":‏ أٌمكننً‏ حماً‏ أن أسمع ‏"فٌفالدي"‏ وكاترٌنا فً‏ المبر ال<br />

تسمع شًء؟!‏ لكن اعذرونً‏ أنا ال أرٌد الؽوص فً‏ شرح ماذا<br />

‏ٌعنً‏ ذلن لً.‏ إذ إنه سٌكشؾ ما ال أبؽً‏ نشره على حبال<br />

‏"الؽسٌل"،‏ وال على األرٌكة الطوٌلة التً‏ ‏ٌستعملها الطبٌب<br />

النفسً‏ الستدراج المرٌض إلى التحدث عن نفسه وٌجعله<br />

‏ٌمارس لذة فضح ذاته أمام مشاعره كلّها.‏ النمد الذاتً‏ ‏ٌشبه<br />

بطرٌمة ما،‏ ذلن الجهد الذي ‏ٌبذله الطبٌب المولّد داخل الرحم<br />

الذي ‏ٌكون عادة ‏ٌعلم مسبماً‏ أن الطفل هو بوضع مملوب،‏ فما<br />

على الطبٌب المتمرسّ‏ سوى إعادة تصحٌح هذا الوضع الشاذ<br />

المربن واالطمبنان إلى أنه أصبح فً‏ الوضع المبلبم الطبٌعً‏<br />

تمهٌداً‏ إلخراجه إلى النور بسبلم وسماع صراخه الرخٌم.‏ أمّا ما<br />

‏ٌفعله المعالج النفسًّ‏ فهو أعمد وأخطر من ذلن بكثٌر،‏ إذ علٌه<br />

أن ‏ٌؤخذ جانب الحذر،‏ فالطرٌك التً‏ سٌسلكها لد تنتظره فٌها<br />

الكثٌر من الفخاخ،‏ ولد تزور أحبلم مرٌضه وحوش ؼرٌبة<br />

األشكال لٌست معروفة فً‏ هذا العالم.‏ ربّما تكون من البشر<br />

الذٌن صادفهم ذلن اإلنسان فً‏ حٌاته وجرحوا بفظاظة مشاعره<br />

فً‏ ولت لم ‏ٌكن لد اكتمل فٌه تماسكه،‏ وأعاد عمله الباطن<br />

تشكٌلهم الحماً‏ على صورة وحوش ممرفة مخٌفة تحاول أن تبتلع<br />

ما تبمّى فً‏ فمها من دماء ضحاٌاها.‏ لٌس علٌنا التؽاضً‏ وال<br />

ٗٗ8


النسٌان أن الطبٌب الذي ‏ٌعً‏ مهمته،‏ ‏ٌرزح تحت ضؽط<br />

مسإولٌّة أخبللٌّّة تحضه باستمرار على السعً‏ الحثٌث لٌعٌد<br />

لذلن اإلنسان إنسانٌّته التً‏ تزعزعت وتفكّكت روابطها<br />

وأصبحت آٌلة للسموط فً‏ وادٍ‏ ال لرار له،‏ أو ربّما إلى الجحٌم،‏<br />

أو إلى ذلن العالم الذي خرج منه تابهاً‏ خابفاً‏ ‏ٌسكنه التوجس،‏<br />

ولم ‏ٌعد ‏ٌعرؾ من هو،‏ وال أٌن ذلن البٌت الذي ‏ٌعطٌه ذلن<br />

الدؾء الخاص صٌفاً‏ وشتاء ‏ٌرافمه صوت ‏"الماندولٌن"‏ من<br />

بعٌد.‏ على ذلن الطبٌب أن ‏ٌموم بحذر شدٌد بإزالة كل األسباب<br />

التً‏ ربما اختبؤت طوٌبلً‏ فً‏ الماع،‏ ماسكة ؼصن شجرة زٌتون،‏<br />

لاصدة أن تخٌؾ به ذبب جابع كان ‏ٌتؤهب لبلنمضاض علٌها.‏<br />

لكنه اختفى بمدرة المادر سامحاً‏ لها بالخروج إلى السطح،‏<br />

لاشطة فً‏ طرٌمها كل األدران التً‏ لد تعطً‏ األزمة أمبلً‏ فً‏<br />

العودة ‏ٌوماً‏ ما،‏ مستمراً‏ فً‏ تنظٌؾ كلّ‏ شًء من حوله،‏ إلى أن<br />

‏ٌؽدو المرٌض مستعداً‏ لتمبل نفسه إنساناً‏ جدٌداً،‏ وعضواً‏ ‏ٌتّكا<br />

على محبٌه إلعادة الثمة إلى كٌانه بحٌث ‏ٌمكنه فً‏ نهاٌة<br />

المطاؾ أن ‏ٌعود عضواً‏ فاعبلً‏ لادراً‏ على االشتران مع الجماعة<br />

فً‏ إعبلء شؤن المجتمع الذي ما زال ‏ٌعٌش فٌه.‏ نعم،‏ نعم،‏ كان<br />

الدخول إلى ؼرفة أحبابً‏ الموسٌمٌٌّن العالمٌٌّن العبالرة مشكلة<br />

حمٌمٌة،‏ فمد مضت نصؾ سنة حرّ‏ متُ‏ فٌها على نفسً‏ سماع<br />

الموسٌمى.‏ كان ما فعلته فضٌحة كبٌرة وسخؾ ممجوج سمح ‏ُت<br />

لنفسً‏ البماء فٌه طوال تلن المدّة.‏ أعتمد أن ‏"ثرٌّات"‏ بٌوت<br />

دمشك العرٌمة اهتزّ‏ ت لثوا ‏ٍن دون ش ‏ٍن احتجاجاً‏ على تفاهة<br />

تصرّ‏ فً‏ الذي كان ‏ٌمبع فً‏ جاهلٌّة ما منذ لرون لٌست للٌلة.‏ أنا<br />

بالتؤكٌد لم أخل نفسً‏ ساذجاً‏ وسخٌفاً‏ إلى هذا الحد،‏ بحٌث ظنن ‏ُت<br />

أن الموسٌمى التً‏ هً‏ ؼذاء الروح،‏ ‏ٌمكن أن تخرق الحداد على<br />

الحبٌبة كاترٌنا.‏ إذ إن الحداد كان من واجبً‏ اعتباره تمسكاً‏ بهذا<br />

ٗٗ9


الحب العفوي البريء الذي سٌظلّ‏ ‏ٌشتعل فً‏ داخلً‏ إلى أن<br />

تلفظنً‏ هذه الدنٌا.‏ حٌنبذ سٌكون األمر مختلفاً‏ إن كان إلى فوق،‏<br />

أو إلى أيّ‏ مكان آخر.‏ أعتمد أنً‏ للت فً‏ نفسً‏ حٌنها:‏ هٌا ‏ٌا<br />

‏"زٌاد"‏ ال تخش شٌباً‏ إذ سٌكون أبله من ‏ٌعتمد أن تداخل عمله مع<br />

مشاعره ال ‏ٌحمل فً‏ طٌّاته لدراً‏ ما من السخافة.‏ إنً‏ أناشد<br />

الجمٌع عدم المزج بٌن السخافة ومٌل بعض الراشدٌن والكبار<br />

فً‏ السن إلى التمرّ‏ غ فً‏ الطفولة أحٌاناً.‏ شًء ما كان ‏ٌحدث فً‏<br />

داخلً‏ ولال لً‏ فً‏ تلن اللحظات:‏ إن مرضاً‏ ما كان ‏ٌنام فً‏<br />

داخلً‏ وبدأ ‏ٌستفٌك.‏ الحمٌمة أنً‏ كنت أشعر بذلن ورأٌت أنه<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌكون عرضٌاً‏ وٌزول بعد للٌل.‏ إذ إنً‏ لم أكن مستعداً‏<br />

للمبول بهذه المماطعة لهذه السهرة اللطٌفة مع نفسً،‏ فمد كنت<br />

أشعر بؤنً‏ أستحمها . لكنً‏ رؼم ذلن لرّ‏ رت متابعة تدخٌن تلن<br />

السٌجارة وثبلث أخرى.‏ فجؤة لمتُ‏ بتصرؾ طفولًّ‏ آخر،‏ إذ<br />

ألمٌت بمنفضة السجابر الكرٌستال إلى األرض بموّ‏ ة عامداً‏<br />

وشاعراً‏ بفرح ال ‏ٌوصؾ وهً‏ تتحطم أمامً‏ مطلمة صوتاً‏<br />

رهٌباً‏ دفعنً‏ إلى الضحن الشدٌد مختلطاً‏ بفرحٍ‏ عارم وما ‏ٌشبه<br />

الطرب الحمٌمً‏ ‏ٌدؼدغ لاع أعمالً،‏ إذ كان المشهد رابعاً‏ وأنا<br />

أشاهد لطعها تتناثر رالصة هنا وهنان وإلى أبعد للٌبلً.‏ تولفت<br />

عن الضحن فجؤة مرتعباً‏ ممّا فعل ‏ُت وتساءل ‏ُت بؽضب لاببلً:‏<br />

ماذا ‏ٌحصل لً،‏ هل عاد أبً‏ إلى الحٌاة وبدأ ‏ٌتلذّذ بالتحطٌم؟!‏<br />

ترى أتوؼّلتُ‏ فً‏ جنونً‏ حتّى أعود إلى التدخٌن؟!‏ متى سؤتمكّن<br />

من إٌماؾ هذا العبث السخٌؾ؟!‏ لست أدري كٌؾ لً‏ أن أفهم<br />

الناس،‏ إذا لم أكن أستطٌع فهم نفسً؟!‏ أعتمد أنه لد حان الولت<br />

ألطلب الطبٌب.‏ إذ إنً‏ بدأتُ‏ أشعر بؤن ألماً‏ فً‏ معدتً‏ بدأ<br />

‏ٌصرخ كطفل صؽٌر،‏ فملتُ‏ فً‏ نفسً:‏ أما كانت أمً‏ تمول:‏<br />

‏"كفان تبجّحاً،‏ فلم تصبح رجبلً‏ بعد،‏ أال ترى أن التوق إلى<br />

ٗ٘ٓ


الدالل ‏ٌمؤل كٌانن؟!‏ ‏ٌبدو أنً‏ أخطؤتُ‏ فً‏ تربٌتن ‏ٌا بنًَّ."‏ كان<br />

كمان ‏"فٌفالدي"‏ ال ‏ٌزال ‏ٌحاول أن ‏ٌنتشلنً‏ من هذا األلم<br />

المفاجا،‏ كاد أن ‏ٌنجح إذ إن األلم أخذ ‏ٌخؾ ممّا أتاح لً‏<br />

الرحٌل إلى الماضً،‏ وإلى ذلن الطبٌب المادم الذي لطالما كنا<br />

أصدلاء الطفولة،‏ وهو الذي أشرؾ على أمً‏ فً‏ كل وعكاتها<br />

الخفٌفة التً‏ لم تبمها فً‏ الفراش طوٌبل.‏ ربما كان أطول منً‏<br />

للٌبلً‏ وربما أٌضاً‏ أكثر وسامة.‏ لكن الؽرٌب فً‏ األمر أنه لم<br />

‏ٌسبك ألحد أن رآه ‏ٌضحن بملء شدلٌه،‏ وال رأى أحد عٌنٌه<br />

تفرحان وتشتركان مع مبلمح وجهه فً‏ إبداء اللهفة فً‏ مولؾ<br />

ما.‏ كان ‏ٌبتسم للطرفة كؤنه ‏ٌسخر من الذي نطك بها بالمصادفة<br />

أو لصداً‏ ال فرق.‏ لطالما فاجؤنً‏ هذا المولؾ وأزعجنً،‏ تاركاً‏<br />

فً‏ نفسً‏ رفضاً‏ ولرفاً‏ حمٌمٌاً‏ من هذه الرزانة المثٌرة<br />

لبلستهزاء.‏ كان أصؽر منً‏ سناً‏ ببضعة شهور أو بسنة لست<br />

أدري تماماً؟!‏ سؤلته مرة عندما كنا فً‏ أواخر العشرٌنٌّات من<br />

عمرٌنا أال ‏ٌجعلن مولِؾ ما تمهمه.‏<br />

أجابنً‏ مندهشاً:‏ لم أشعر بالحاجة إلى ذلن مطلماً.‏ أتجد ذلن<br />

ؼرٌباً‏ كطبٌب نفسً؟!‏<br />

لم أكن ألسؤلن لوال استؽرابً‏ الشدٌد!‏ ألم تندهش عندما رأٌنا<br />

سوٌةً‏ زوجتن مستؽرلة فً‏ ضحن شدٌد.‏<br />

أعتمد أنً‏ رأٌتها مرة مندهشة،‏ فاستؽربتُ‏ األمر.‏ لكنً‏ سؤلتها<br />

ماذا ‏ٌحدث؟!‏ فكان جوابها:‏ لمد سمعت أحدهم ‏ٌمول شٌباً‏ عادٌاً‏<br />

فً‏ ‏"التلفٌزٌون"،‏ فؤضحكنً‏ كثٌراً.‏ أما أنا فلم أ ‏َر أنً‏ بحاجة إلى<br />

التعلٌك.‏<br />

ٗ٘ٔ


أعتمد أن الولورٌن ‏ٌضحكون،‏ ولكنهم ‏ٌبذلون جهداً‏ كً‏<br />

‏ٌستطٌعوا كبح علّوُ‏ أصواتهم إذا فاجؤهم ما ‏ٌضحن.‏<br />

أال ترٌد أن أفحصن.‏<br />

أرسلت فً‏ طلبن من أجل وجعٍ‏ فً‏ معدتً.‏ لست أدري كٌؾ<br />

زال كلٌّاً.‏<br />

إذاً‏ علٌنا أن نشرب المهوة سوٌة.‏<br />

سؤلدمها لن بكل سرور.‏<br />

*<br />

*<br />

*<br />

فوجبت ظهراً‏ برنٌن جرس الباب،‏ كان هذا ؼرٌباً،‏ إذ إن<br />

الجمٌع ‏ٌعرفون أنه لن ‏ٌُفتح إذا كنت فً‏ البٌت أم لم أكن.‏ عاد<br />

الجرس إلى الرنٌن مرّ‏ ةً‏ ثانٌة،‏ فابتسمت ساخراً‏ مصرّ‏ اً‏ على<br />

مولفً‏ الذي ‏ٌرفض أن أتح ‏ّرن،‏ ثم تحوّ‏ ل الرنٌن إلى خبطٍ‏ مصرّ‏<br />

على الباب ‏ٌتزاٌد عنفه كلّما تطوّ‏ ر ؼضب صاحب الحاجة،‏ كان<br />

واضحاً‏ وٌمول إن الطارق لٌس ؼرٌباً.‏ لكنً‏ حاولت الضؽط<br />

على نفسً‏ آمبلً‏ أن ‏ٌٌؤس ذلن المُل ‏ّح،‏ وٌنهار ذلن العناد الؽرٌب.‏<br />

لكنه لم ‏ٌتولؾ حتى خِ‏ لتُ‏ أن المصرّ‏ الوالؾ فً‏ الجانب اآلخر<br />

‏ٌمول لً:‏ إذا اضطررت سؤحطّم كلّ‏ ما أجد فً‏ طرٌمً‏ من<br />

عوابك ولٌحدث ما ‏ٌشاء الرب.‏ اتجهت راكضاً‏ إلى هنان<br />

وفعلتُ‏ ما علًَّ‏ فعله،‏ ففوجبتُ‏ بعدنان صدٌمً‏ والفاً‏ أمامً‏<br />

‏ٌلهث،‏ وٌشعر باستعداد إلى ترن نفسه وجسده وربما مشاعره<br />

ٕٗ٘


تسمط كتلة واحدة على األرض دون انفصال وال انمسام.‏ الحٌاة<br />

بوحدتها سمطت أمام ‏"زٌاد"‏ الوالؾ كالمخبول دون أن ‏ٌُبدي أٌّة<br />

حركة،‏ فؤخذ ‏ٌصرخ بطرٌمة هستٌرٌّة دون أن ‏ٌعرؾ إلى أٌن<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌصل صوته،‏ فمد كان ‏ٌدرن منذ ولت طوٌل أن أمه لم<br />

تكن صماء،‏ لكن المشكلة كانت تكمن فً‏ صوته الضعٌؾ<br />

والمصٌر المدى.‏ ربّما أٌضاً‏ اشتران أعصابه المستنفرة<br />

والمكبوتة،‏ التً‏ تسبب عدم لدرته على إعطاء الحرؾ الولت<br />

البلزم لٌخرج من فمه متماسكاً‏ مفهوماً.‏ لكن عدنان لم ‏ٌستطع<br />

االستمرار طوٌبلً‏ فً‏ لعبته،‏ فمال وهو ‏ٌحاول المٌام من األرض:‏<br />

كؾّ‏ عن الصراخ ودعنً‏ أدخل،‏ فؤنا بحاجة إلى الحوار معن،‏<br />

رؼم أنً‏ أعرؾ أنن طوال هذا الؽٌاب المجنون كنتَ‏ تهرب من<br />

المنالشة مع اآلخرٌن ومع نفسن.‏ إنن تذكّرنً‏ بؤٌّام الصؽر،‏<br />

عندما كنت تصل إلى المرمى وحٌداً‏ وتبدأ بمداعبة الدفاع حتى<br />

تجعله ‏ٌرمً‏ بنفسه فً‏ االتجاه الذي تمصده بحٌث تستؤثر<br />

بالمرمى وحدن فتترن الطابة لبل خطّ‏ الدخول وتعود من حٌث<br />

أتٌت متحمّبلً‏ شتابم الجمهور كؤنن لم تدر ماذا جرى.‏ ال تمل<br />

شٌباً‏ ‏ٌنفً‏ ذلن،‏ كنت تمؾ مسطوالً‏ تماماً.‏ لكنن فً‏ الداخل كان<br />

الطرب ‏ٌداعبن كما ترؼب.‏ لل لً‏ ‏ٌا طبٌب النفس،‏ هل ‏ٌمكننً‏<br />

ضم ذلن اللإم الخفٌؾ الذي ‏ٌسكن أعمالن إلى بمٌّة االنحرافات<br />

الجنسٌّة؟!‏ أنت تعرؾ أنن ال تملن إجابة ممنعة.‏ أنا الصدٌك<br />

الذي لم أعد ‏ٌتحمّل هربن السخٌؾ كلّ‏ ذلن الولت الذي مضى.‏<br />

إن الذي ‏ٌظنّ‏ أنه ‏ٌعرفن سؤباشر بالمول له:‏ إن ظنونن بؤنن<br />

تعرفه جٌداً‏ تبدو ؼبٌّة جداً.‏ أجبنً‏ هل أنا محك؟!‏ دعنا نجلس<br />

ونرتاح للٌبلً.هل ما ‏ٌزال لدٌن بعض الوٌسكً‏ الفاخر؟!‏ إذ إنً‏<br />

حرٌص على عدم الخروج بخفً‏ حنٌن.‏<br />

ٖٗ٘


تفضّل،‏ دعنً‏ أإكّد لن أنً‏ سؤتابع ما تناولته مزاحاً‏ عن اللإم<br />

وعبللة بعضه باالنحرافات الجنسٌّة.‏ نعم إنه أمر ملفت وٌستحك<br />

النبش حوله وفٌه.‏ لكن أنت لم تتؽٌّر،‏ فبل تزال تتفوّ‏ ه بكلمات لم<br />

‏ٌعد لها مكاناً‏ فً‏ مثل صدالتنا.‏ هل جبتَ‏ طالباً‏ لشًء أملكه<br />

وفً‏ داخلن ‏ٌلعب تولّع أن أردّن خابباً؟!‏<br />

دعنا نجلس أوالً،‏ ثمّ‏ نتبادل الحدٌث.‏ ماذا بن هل نسٌت عدنان<br />

بعدما أن تعمّدت االبتعاد عنه طوٌبلً؟!‏ ال تمل لً‏ أنً‏ لست<br />

الصدٌك األلرب إلٌن،‏ وعندما وجدتنً‏ بعد تلن المدة رأٌت أنه<br />

لد أصبح مزعجاً‏ مضجراً،‏ لل لً‏ لمَ‏ كنت تتعمد أالّ‏ ترد على<br />

اتصاالتً‏ الهاتفٌّة؟!‏ ترى هل أنا الصدٌك الذي تمرّ‏ به متى شبت،‏<br />

وتبعده متى أردت ألنن لم تعد تطٌك أن ترى أحداً‏ من<br />

أصدلابن؟!!‏ هل أنت طبٌعً‏ أم إنن ملًء باالنحرافات؟!‏ ماذا<br />

حدث لمشاعرن،‏ هل تجمّدت ولم تعد تعبؤ بما ‏ٌحدث حولن؟!‏ ث ‏َّم<br />

هل لست عواطفن وسهّلت علٌن تنفٌذ مآربن الجنونٌّة<br />

الحمماء؟!‏ ألٌس جنوناً‏ عدم االنتباه إلى مشاعر أصدلابن وكؤنها<br />

ؼٌر موجودة،‏ وإن وجدت فهى ال تملن معنى ‏ٌمٌزها وتستؤهل<br />

االلتفات إلٌها.‏ ماذا ‏ٌحدث لن؟!هل تعلّمت الجنون من الكتب؟!‏<br />

الممثلون ‏ٌتعلّمون ذلن من الكتب فهم ‏ٌحتاجون أن ‏ٌتمنوا دور<br />

المجنون ألنّهم سٌمومون بتمثٌله على المسرح أو فً‏ السنٌما.‏<br />

على كل حال أهنّبن،‏ فمد نجحت فً‏ تمثٌل ذلن الدور الصعب<br />

اطمبن،‏ فسٌنادونن بالدكتور باعتبارن استحمّمت اللمب مثلن مثل<br />

زمبلبن المجانٌن ؼٌر الحممى.‏ حسناَ،‏ ألن تخرج لتلتمً‏ بالناس<br />

والشمس،‏ ترى ممّ‏ ‏ٌعانً‏ البحر؟!‏ إن كنت ال تزال ترفض ذلن،‏<br />

هل تملن إجابة ممنعة؟!‏ أم إنن ستمؾ مسطوالً‏ ال تملن ما تبرّ‏ ر<br />

به ذلن االنعزال التافه وتولّفن الممجوج عن الكتابة؟!‏ الموت<br />

ٗ٘ٗ


سٌلحك بالجمٌع هذه هً‏ الحٌاة.‏ هل نلحك بالصدٌك الذي دعاه<br />

إنهم من بنوا ألدم<br />

اختلط بالناس وابتسم فً‏ وجوهم ربّه؟!‏ فً‏ العالم.‏<br />

مدٌنة ألم تشعر بؤنن كدت أن تحطم الباب؟!‏ أمّا مسؤلة االتصاالت<br />

الهاتفٌّة،‏ فمد أخبرتن مسبماً‏ أنً‏ بحاجة إلى االعتكاؾ فً‏<br />

منزلً،‏ وآمل أن ‏ٌكون من الممكن أن أخلد إلى التؤمل ضمن<br />

نفسً‏ على أرٌكة ما هنا مستسلماً‏ إلى السباحة فً‏ لاع أفكاري،‏<br />

ودراسة ما أتذكّره فً‏ الصباح من تفاصٌل أحبلمً.هل<br />

الدٌكتاتورٌّة أصبحت لدراً‏ علٌنا أن نمبلها خوفاً‏ من جحٌم<br />

سٌنتظرنا أكثر لسوة ممّا ‏ٌعرفه أيّ‏ مخلوق.‏<br />

إن كلّ‏ ما للته صحٌح.‏ لكن اصدلنً‏ المول:هل كنت ستجعلنً‏<br />

أدخل إن لم تكن لد خشٌت فعبلً‏ أن أصل إلٌن عبر العنؾ<br />

والتحام ذلن العابك السخٌؾ.‏ لمد ضؽطتُ‏ على الجرس مرّ‏ ات<br />

عدٌدة ولم تتحرن من مكانن.‏ لل لً‏ هل تنوي أن تحجز نفسن<br />

فً‏ البٌت كً‏ تتجنب وحوش و"دٌناصورات"‏ هذا العالم؟!‏ هٌا<br />

أزح ستارة النافذة وتفرّ‏ ج على الذٌن ‏ٌماتلون الوحوش بضراوة<br />

وٌمعون لتلى فً‏ الشوارع دفاعاً‏ عن وطننا وعاببلتنا وعنن<br />

شخصٌاً‏ دون أن تحرن ساكناً؟!‏ هٌا افعل لل لً:‏ ألم تجد أن<br />

الوحوش ‏ٌتنبّعون من الشوارع ولٌس من تلن الؽابة التً‏ تط ‏ّل<br />

على مدٌنتنا؟!‏ كفى دالالً‏ كفى ‏ٌا زٌاد.‏ ترى هل إطفاء األنوار<br />

‏ٌمنع الوحوش الكاسرة من الوصول إلٌن.‏ إنً‏ أحذرن وألول ‏ٌا<br />

صدٌمً‏ العزٌز:‏ إن لم تنزل إلى الشارع وتحارب من ‏ٌحاول<br />

ابتبلعنا،‏ مستحماً‏ مواطنتن،‏ فستعَدُّ‏ من الذٌن ‏ٌتمتّعون بلحس<br />

عرلنا ونهب تعبنا ولوت أوالدنا.‏ أظن أنً‏ أعرؾ لماذا لم<br />

ٗ٘٘


تمارس عملن،‏ رؼم الجهد الذي بذلته للوصول فً‏ نهاٌة األمر<br />

إلى ما علّمته على الحابط.‏ جبت إلٌن حتى أرؼمن على الظهور<br />

فً‏ المجتمعات بٌن الحٌن واآلخر،‏ وأرجون أٌها الطبٌب النفسً‏<br />

أن تعرض نفسن على أحد زمبلبن وتحضه على لطع ما تبمّى<br />

عالماً‏ بن من ذلن الحبل السرّ‏ ي.‏ أإكّد لن أنن سترتاح وترٌح<br />

والدتن فً‏ لبرها.‏ لن أستطٌع نسٌان تلن المرأة النبٌلة التً‏ لم<br />

تتمكن من فهمها،‏ ولم تحمل نفسن الجهد الكافً‏ فً‏ سبٌل<br />

الوصول إلى ذلن.‏ بل جعلت مماومتن لها تمدّم البرهان على<br />

رجولتن.‏ لو كنت نبٌبلً‏ حماً‏ لمدستها وللت لها مرةً‏ واحدة كم<br />

أنت رابعة ‏ٌا أماه.‏ أنا أشعر ‏ٌا ‏"زٌاد"‏ منذ زمن طوٌل بؤن أحداً‏<br />

ما اختار جسدن لسبب ما لٌسكن فً‏ داخلن،‏ لطالما ظننت<br />

عندما تتكلّم أحٌاناً‏ أن ما أسمعه لٌس صوتن وال أنت من ‏ٌنطك<br />

ذلن الكبلم.‏ أنا صدٌمن حماً‏ لل لً‏ ماذا ‏ٌحدث،‏ ماذا تشعر حماً‏<br />

وماذا تنوي؟!‏<br />

اسمع ‏ٌا عدنان ‏.األمر جدي وخطٌر.‏<br />

صادلاً‏ وال ‏ٌخالط ما للته أي مزاح؟!‏<br />

هل أستطٌع أن أعدّن<br />

بالتؤكٌد وأنت تعرؾ أنً‏ الكبٌر فً‏ البٌت ألم لم تنجب سوى<br />

أختٌن تعٌشان مع زوجٌهما مطمبنتٌن.‏ لمد للت ذلن ألسعد<br />

بوضوح بعد أن حسمتُ‏ أمري وتخلّصتُ‏ من تردّدي وخوفً.‏<br />

ها أنا ألسم لن وألول:‏ إنً‏ أحب الجمٌع،‏ ولكن أنت معدن آخر<br />

‏ٌرن فً‏ أذنً‏ رنٌناً‏ مختلفاً‏ ‏ٌطرب له كٌانً،‏ وأنا للك علٌن دون<br />

أن تدري.‏ خوفً‏ كبٌر من أن ‏ٌصٌبن مكروه ما مثل الخرؾ<br />

المبكر.‏ ال ألول ذلن كً‏ أُخٌفن،‏ لكن أمراً‏ ما ‏ٌفاجبنً‏ بٌن الحٌن<br />

واآلخر،‏ إنه شًء ألتمطه،‏ إذ إنً‏ لست متؤكّداً‏ ممّا أعرؾ<br />

ٗ٘ٙ


بالضبط؟!‏ إنه شًء ما ‏ٌظهر وٌحذرنً،‏ ثمَّ‏ ‏ٌسارع إلى<br />

االختفاء.‏ كؤنه ‏ٌركب أول رٌح لادمة.‏ دعنً‏ أصنّفه مجرّ‏ د<br />

شعور أو أكثر من ذلن،‏ هكذا ‏ٌتحرّ‏ ن اإلحساس فً‏ داخلً‏<br />

وٌشعل الضوء للتؤكّد من إٌماظً،‏ ولكنً‏ فشلتُ‏ فً‏ تلمّسه.‏ لل<br />

لً‏ أال تتبول لبل أن تنام؟!‏<br />

كلّ‏ الناس ‏ٌفعلون ذلن ماذا فً‏ األمر؟!‏ هل أسعد ‏ٌرٌد أن<br />

‏ٌصبح طبٌباً؟!‏ رافك هذه الفكرة التً‏ دخلت إلى ذهنً‏ فجؤة<br />

ضحن شدٌد،‏ مفكراً‏ بذلن الماكر الذي بدأ ‏ٌفشل فً‏ تجدٌد<br />

أسالٌب مكره وسخرٌته وأالعٌبه.‏ لكنً‏ للت لصدٌمً‏ سنعود<br />

حتماً‏ إلى هذا الحدٌث مرّ‏ ة أخرى.‏ أعتمد أنن نسٌت ما جبت<br />

لتمول.‏<br />

هل تسخر منً‏ ‏ٌا زٌاد؟!‏<br />

هل فعلت ذلن لببلً؟!ّ‏<br />

حسناً‏ كل األصدلاء مصرّ‏ ون على أن تكون معنا على العشاء<br />

ؼداً‏ فً‏ نادي الشرق.‏ ال تتلكّؤ إذ إننا لن نبدأ إالّ‏ عندما نران<br />

بٌننا.كما سنكون مدعوّ‏ ‏ٌن إلى المطار حٌث سنشاهد ‏"فٌفً‏<br />

عبدو"‏ ترلص لبل أن تعتزل الرلص.‏ كلّ‏ األحباء متلهّفون إلى<br />

حضورن فبل تخذلهم،‏ سؤمر علٌن بسٌّارتً‏ لبل نصؾ ساعة<br />

من الموعد ‏.أرجو أالّ‏ تعود إلى افتعال الحٌل.‏<br />

حسناً،‏ ثك أنً‏ سؤكون باالنتظار،‏ وأو<br />

كل األصدلاء.‏<br />

‏ّكد لن أنً‏ اشتمت إلى<br />

ٗ٘7


ٕٖ<br />

علًّ‏ االعتراؾ أن السهرة كانت بمجملها مسلٌّة وفٌها عودة<br />

لبعض الذكرٌات المكتنزة حباً،‏ وال ‏ٌمكن ألحد أن ‏ٌعترض على<br />

كلّ‏ تفاصٌلها.‏ إنها أعطتنً‏ من الصخب ما ‏ٌكفٌنً‏ بضعة<br />

شهور.‏ كما أننا عدنا فً‏ ذلن اللماء إلى الماضً‏ ونبشناه نبشاً‏<br />

حمٌمٌّاً‏ وبتإدة،‏ ورأٌنا بؤذهاننا تلن الحوادث التً‏ مرّ‏ ت وتلن<br />

الممالب الطرٌفة التً‏ أشبعتنا ضحكاً،‏ ربما أكثر ممّا أكلنا أو<br />

شربنا،‏ أستطٌع المول أننا كنّا نرى شرٌط الذكرٌات كؤننا نراه<br />

بالعٌن المجرّ‏ دة.‏ المبالؽة هنا طفٌفة.‏ إذ أجرٌنا تصوٌتاً‏ نتساءل<br />

فٌه:‏ ترى ما هو أجمل حماً:‏ أعٌش تلن الذكرٌات فً‏ أرض<br />

الوالع،‏ أم إعادة عٌشها مجتمعٌن جمٌعاً‏ عندما أصبحنا نملن<br />

وعٌاً‏ مختلفاً.‏ كانت نتٌجة التصوٌت فً‏ صالح إعادة شرٌط<br />

الذكرٌات وإعطابها طفولٌّتها وعفوٌّتها بٌنما كنّا نشاهد سخافاتنا<br />

مملوءة حباً‏ وعفوٌّة وبعض الؽٌرة التً‏ دعتنا إلى النظر نحو<br />

بعضنا بعضاً‏ ونعود إلى الضحن الشدٌد.‏ ثمَّ‏ تبٌّنا أن أكثر<br />

‏"الفبركات"‏ التً‏ حُضّرت بعناٌة كانت من صنعً،‏ كان البد أن<br />

تحدث تلن الممارنة بٌن ماضًِّ‏ وحاضري.‏ هنا صرت مادّة<br />

دسمة للتهكم البريء،‏ فازداد الضحن وأصبحت السهرة مضافة<br />

إلى الماضً‏ وذكرٌاته.‏ لكنً‏ كنتُ‏ أفضل أالّ‏ ترلص فٌفً‏ عبدو<br />

وهً‏ محمّلة بذلن الكم الهابل من اللحم والشحم المترجرج،‏<br />

الذي ال ‏ٌمكنه أن ‏ٌطاوعها أثناء الرلص،‏ فبدون لصد بدا علٌه<br />

بوضوح،‏ أنه ال ‏ٌستطٌع حتى محاولة مجاراتها وهً‏ ترلص<br />

كما تمول لها مشاعرها.‏ أمّا تلن الكتل الدهنٌّة المترجرجة<br />

فوجدت نفسها فً‏ وضع ؼٌر لادرة على االنفعال و كما تشتهً‏<br />

‏"المعلّمة"‏ أظنّ‏ ان المسكٌنة أدركت أنه لم ‏ٌعد ‏ٌمكنها الخضوع<br />

ٗ٘8


إلى اإلٌماع،‏ فتؤلّمت وهً‏ تهتز خارجه فٌنمل ذلن إلى من ‏ٌملن<br />

اإلحساس المرهؾ الذي كان ‏ٌتولع الدخول فً‏ حالة من الشؽؾ<br />

والنشوة المختلطة بالشهوة،‏ لكنه وجد نفسه ‏ٌنتمل بدالً‏ عن ضابع<br />

إلى حالة من المرؾ الشدٌد وخروج فٌفً‏ من المسارح نهابٌاً.‏<br />

‏ٌالٌت"فٌفً"‏ تولفت عندما كان علٌها ذلن حفاظاً‏ على تارٌخها.‏<br />

كانت تمارس الرلص باتّمان ولرّ‏ رت االعتزال عندما فهمت<br />

أنها لم تعد تملن شٌباً‏ لتعطٌه.‏ لو اكتفت بالتمثٌل الذي تجٌده<br />

حماً،‏ لَما أخطؤت فرشاة الرسم وانزلمت للٌبلً‏ دون أن ‏ٌنتبه<br />

الرسّام ووضعت لوناً‏ أسود فً‏ موضع شوّ‏ ه اللوحة كلٌاً،‏<br />

والتضت من الفنّان البدء من جدٌد،‏ كؤن شٌبا لم ‏ٌكن.‏ لمد<br />

مسحت تلن الرالصة من اللوحة بشكل معٌب،‏ وكان من<br />

األفضل أن تعلن تنحٌّها عن ممارسة هذا الفن بسبب العمر.‏<br />

طلبت من عدنان التولؾ عند جسر ‏"فٌكتورٌا"‏ فالبٌت لم ‏ٌعد<br />

بعٌداً،‏ وأنا أشعر بحاجة إلى التمشًّ،‏ فً‏ هذه اللٌلة المُمطرة<br />

التً‏ انمشعت ؼٌومها وبانت النجوم ضاحكة وموحٌة باالستبشار<br />

بالمستمبل.‏ لبّى عدنان الطلب بسرور لاببلً:‏ الترٌض بادرة طٌبة<br />

لم أتولعها لمد كنتَ‏ رابعا ‏ٌا ‏"زٌاد".‏ كانت ساعتً‏ تشٌر إلى<br />

الثانٌة صباحاً‏ وخمس دلابك.‏ تطلّعتُ‏ باتّجاه ممهى ‏"الهافانا"‏<br />

وإلى فوله بملٌل أو إلى حٌث ‏ٌستطٌع نظري أن ‏ٌمتدّ‏ فلم أر<br />

أحدا ‏ٌعود إلى بٌته فً‏ مثل هذه الساعة.‏ اللٌل والمتاجر المؽلمة<br />

جعلونً‏ أشعر كم هً‏ مدٌنتً‏ جمٌلة،‏ وتتنبّع منها عرالة بدأ<br />

أؼلب سكّانها ‏ٌفمدونها منذ زمن لم ‏ٌعد لصٌراً‏ بالتؤكٌد.‏ من حٌث<br />

كنت ألؾ شعرت بؤنً‏ أستطٌع ضمّ‏ كلّ‏ دمشمً‏ التً‏ كنت<br />

أستكٌن للنوم على صدرها.‏ كما كنت مإمناً‏ إٌماناً‏ عمٌماً‏ بؤنً‏<br />

كنت أتبادل معها الحب منذ طفولتً.‏ الحب شًء رابع حتى لو<br />

ٗ٘9


كان من طرؾ واحد أحٌاناً.‏ إذ إنه ‏ٌنجًّ‏ أحد الطرفٌن<br />

المفترضٌن من جحٌم الطباع المختلفة،‏ أو من الطرؾ الذي ال<br />

‏ٌعرؾ ماذا ‏ٌرٌد،‏ وال ‏ٌدري إن كان ‏ٌحب نفسه وٌطلب من<br />

اآلخر أن ‏ٌشاركه فٌما ‏ٌفعل،‏ ال أعتمد أن أحداً‏ منهما سٌصل إلى<br />

فهم الطرٌمة التً‏ سٌخرج بها نفسه واآلخر العالك معه فً‏<br />

مصعد تولؾ فً‏ منتصؾ الطرٌك،‏ ولٌس لدٌهما وسٌلة<br />

لبلتصال بؤحد ‏ٌمكنه انتشالهما من ذلن السجن االنفرادي لبل أن<br />

‏ٌكتشفا معاً‏ أنهما مصابان ‏"بفوبٌا ‏"األمكنة الضٌمة دون أن<br />

‏ٌعرفا ذلن.‏ إنً‏ أمٌل إلى االعتماد أالّ‏ أحد ‏ٌملن بذل الجهد<br />

الكافً‏ بحٌث ‏ٌمكنه من االتصال بمشاعره والحوار معها بهدوء<br />

والخروج من ذلن اللماء باتّفاق ‏ٌرٌان من خبلله بوضوح ما<br />

‏ٌطلبان من المستمبل.‏ الحب من طرؾ واحد ‏ٌمنحن متعة<br />

العذاب،‏ وٌُعفٌن من الصراع ؼٌر المجدي،‏ وال ‏ٌإدّي بن إالّ‏<br />

إلى الطرٌك المسدود واإلحباط الماتل.‏ أنا ال ألدم ألحد بطالة<br />

دعوة إلى هذا النوع من الحب المنهن المُرضً‏ فً‏ الولت<br />

نفسه.‏ لكنً‏ أعطً‏ من ‏ٌرٌد خٌاراً‏ آخر لد ‏ٌبعده عن الدخول فً‏<br />

متاعب ال حصر لها،‏ تشعره بؤن الموت ‏ٌتؤبط ذراعه أٌنما تمنّى<br />

الذهاب كً‏ ‏ٌخلو بنفسه،‏ وٌتنفّس تنفّساً‏ طبٌعٌاً،‏ ‏ٌسمح له بالتؤمل.‏<br />

إذ ربّما ‏ٌُبصر فً‏ نهاٌة الطرٌك بصٌص نور لد ‏ٌُرٌه حبلً‏ ما،‏<br />

أو تفتح له السماء نافذة لم ‏ٌكن ‏ٌدري بوجودها،‏ ‏ٌشاهد منها<br />

طرلاً‏ مختلفة لٌعود حراً‏ كالطٌور.‏ لكن هل هنان من ‏ٌمول لً:‏<br />

إنه سمع ‏ٌوماً‏ أن السماء تدخّلت وفتحت لمن ‏ٌرٌد باب السجن<br />

وتركته مفتوحاً؟!‏<br />

مشٌت باتجاه الصالحٌّة منشرح الملب بعض الشًء.‏ كن ‏ُت<br />

مكتفٌاً‏ وأنا أشعر بذلن.‏ ثم لم ألبث أن مؤلنً‏ الشن بما الترحته<br />

ٗٙٓ


سابماً‏ عن مسؤلة الحب من طرؾ واحد،‏ فلٌس من المعمول أالّ‏<br />

‏ٌواجه المرء بعد بعض الولت نمصاً‏ فً‏ اإلنصاؾ فً‏ مكان ما.‏<br />

الكآبة التً‏ شعرت بها استطعتُ‏ التؽلب علٌها وطردها من<br />

مشاعري،‏ ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن هذه المرة،‏ فمن عادتً‏ أن<br />

أرحب بها إذا حطّت بها الرحال فً‏ داخلً،‏ كما كنت أخرج<br />

منها فً‏ كثٌر من األحٌان بشعور ‏ٌمازحنً‏ لاببلً:‏ أرى أنها<br />

أصبحت تسلٌتن ألٌس كذلن؟!‏ لست أدري لمَ‏ لم أتحمل ذلن فً‏<br />

تلن اللٌلة المممرة؟!‏ ‏ٌبدو أالّ‏ مفرّ‏ من مواجهة الحمٌمة.‏ للتُ‏ فً‏<br />

فً‏ نفسً:‏ إن األمر لم ‏ٌكن ‏ٌوماً‏ كما أفسّره.‏ بل كان ‏ٌبطن<br />

سخرٌة مُهٌنة ال أعرؾ لمَ‏ كنت أتجاهلها؟!‏ ترى أٌمكن أن أكون<br />

مصاباً‏ بازدواج للشخصٌّة؟!‏ أم إنً‏ جبان ‏ٌفضل الهرب.‏ الهرب<br />

السرٌع بكل بساطة،‏ مستؽرباً‏ كٌؾ أن مشاعري كانت ترفض<br />

وجودها معً‏ فً‏ سجن واحد،‏ مفضّلة النؤي بنفسها عن<br />

مشاركتً‏ زالّ‏ تً‏ وخطاٌا ‏َي حرصاً‏ منها على عدم البماء وسط<br />

هذه الفوضى مُمثلة لحمٌمتً.‏<br />

عندما كانت أمً‏ على لٌد الحٌاة لطالما حذرتنً‏ بالتضاب<br />

من البماء طوٌبلً‏ لصٌماً‏ بنفسً.‏ كانت تمول:‏ علٌن الخروج من<br />

عباءتها أٌها الحبٌب.‏ إذ إن ذلن سٌلحك بن عاجبلً‏ أم آجبلً‏<br />

ضرراً‏ بالؽاً.‏ كنت أرى ذلن وأخشى ثورتن ضد محاوالتً‏<br />

المزعومة للسٌطرة،‏ ورسم طرٌمة حٌاتن.‏ بدأتُ‏ بالظن ثمَّ‏<br />

تؤكدّت أنً‏ أسمع منالشاتن معها وأشعر بٌن الحٌن واآلخر كٌؾ<br />

تتولؾ وتشاورها عندما تصل تؤمّبلتن إلى مولؾ ما،‏ فؤحسُّ‏<br />

باألسؾ وهو ‏ٌمول لً:‏ ال فابدة ترجى من محاوالتِن،‏ ‏"إنها تكاد<br />

أن تكون تكراراً‏ سفسطابٌّاً‏ ‏ٌفسر فلسفته فً‏ االبتعاد عن الناس<br />

وعشمه المرضً‏ لبلنفراد بنفسه".‏ إن نكران ما ‏ٌجري حولن<br />

ٗٙٔ


‏ٌخٌفنً‏ وٌتركن سجٌناً‏ فً‏ محرابن ‏ُممنعاً‏ ذاتن أن عالم الحٌاة<br />

وحٌاة العالم شرٌ‏ مستطٌر من األفضل االبتعاد عنه وعدم الولوع<br />

فً‏ حبابله.‏ أال ‏ٌمال حتى اآلن إن ما أكتبه ‏ٌبدو صعباً؟!‏ ها أنا<br />

أفسّر ما للت بمولً:‏ العالم هو الحٌاة وال حٌاة دون العالم.‏ أنت<br />

عالِم ‏ٌا بنً.‏ هل من المعمول أالّ‏ تكون بحاجة إلى تبادل وجهات<br />

النظر بٌنن وبٌن زمبلبن،‏ لٌس فً‏ اختصاصن فمط،‏ بل علٌن<br />

أن تتعرّ‏ ؾ على طرٌمة تفكٌرهم وتبسط أمامهم أسلوبن فً‏<br />

التفكٌر؟!أال تؤمل بتمدٌم أفكارن لآلخرٌن التً‏ تتحدّث عن<br />

جوعن وعطشن إلى السبلم والحب،‏ نعم إٌّان أن تنسى ذلن<br />

البحر الكبٌر من االخضرار والزهور وتلن الشجرة الوالؾ<br />

لربها التً‏ أصبحت تنوء بؤحمالها وتنتظر بفارغ الصبر أن تلد<br />

ما تطعمن من أفخر التفّاح األحمر المانً.‏ العالم ‏ٌتؽٌر وسٌبمى<br />

‏ٌفعل ذلن،‏ أال تستمتع باشتراكن فً‏ تصوٌب هذا التؽٌٌر وشحنه<br />

بالحب،‏ الحبّ‏ الذي ‏ٌفتح الطرلات وٌمؤلها بالنور وبالزهور<br />

على الجانبٌن،‏ وٌحث الجمٌع على المشاركة بتلن السمكات<br />

الملٌلة وبضع أرؼفة من الخبز.‏ أال تسعى تملإن الحماسة<br />

للتعاضد مع إخوة ‏ٌشاركونن شعورن بؤولوٌّة اجتثاث الفمر<br />

والجوع من هذا العالم ونمل اإلنسان إلى مستوىً‏ آخر وحضارة<br />

أرلى ترفعن أكثر وترى النجوم متؤللبة بطرٌمة أفضل وأكثر<br />

متعة؟!‏ أال تحبّ‏ أن ‏ٌكون إنتاج أرض أمتنا األساسً‏ لمحاً‏ ‏ٌكفً‏<br />

شعبنا كلّه وٌبعد الفمراء عن الجوع؟!‏ أال ترٌده أن ‏ٌكون عمبلنٌاً‏<br />

‏ٌمكّن شعبه من امتبلن الموة الكافٌة لردع كلّ‏ من ‏ٌحاول ؼزونا<br />

مباشرة أو ؼزوا جٌراننا بؽٌة االستٌبلء على وطنهم كخطوة<br />

أولى للتمدّد الحماً‏ إلى بمٌّة األوطان الؽنٌّة الهانبة.‏ على أمثالن<br />

‏ٌا بنًّ‏ العمل الدابم على أالّ‏ تزداد الهوّ‏ ة بٌن األؼنٌاء والفمراء؟!‏<br />

بل ربّما نزٌل كلمة الفمر من وطننا.‏ رجابً‏ وأملً‏ أن تستعٌد<br />

ٕٗٙ


نفسن،‏ وابحث فً‏ أعمالن عن الهدؾ الذي تتوق إلى تحمٌمه،‏<br />

وسِر وراءه دون خوؾ حتّى تلفظ أنفاسن األخٌرة.‏ أعد اتّصالن<br />

باهلل وأنا أعدن بعدم عودتن إلى الشعور بؤنن نحٌلٌ،‏ بالرؼم من<br />

أنن تشكو من بعض السمنة.‏<br />

‏ٌبدو أن من هو مثلً‏ ال ‏ٌدرن أن الرحٌل أمر صعب.‏ إذ إنً‏<br />

لن أحتاج إالّ‏ التّخاذ المرار وارتداء سترتً‏ المعلّمة،‏ ولفل الباب<br />

ورابً‏ واجتٌاز تلن الدرجات الملٌلة،‏ ثمَّ‏ أصبح فً‏ الشارع تحت<br />

المبّة الزرلاء.‏ ‏ٌخالجن شعور فً‏ تلن اللحظات،‏ أنن تلتحؾ<br />

السماء وأنت مدرن أنها ؼٌر معادٌة.‏ البحر ؼٌر بعٌد،‏ والشمس<br />

تستعد للمؽٌب.‏ فً‏ أثناء ذلن تتحسّسُ‏ جٌب سروالن وتتؤكد أن<br />

ما فٌه ‏ٌكفٌن لتحمٌك المرام.‏ هنان حٌث كنت تسعى للوصول<br />

تكتشؾ أن أٌدي الناس باردة وابتساماتهم باهتة،‏ وال ‏ٌملكون<br />

الولت للحدٌث معن،‏ وٌبدون مستؽربٌن وٌكادون أن ‏ٌمولوا<br />

لن:‏ ماذا تظن أنن تستطٌع أن تفعل هنا؟!‏<br />

بعد أن تؤكّدتُ‏ أنً‏ لن أجد من أعانمه فً‏ هذه الببلد التً‏ تدهشن<br />

نظافتها،‏ وحرفٌّة كلّ‏ ما تنتجه،‏ عدت إلى ببلدي مستعداً‏ ألضع<br />

‏ٌدي فً‏ أٌدي كلّ‏ الشرفاء فً‏ دمشمً‏ لنطرد معاً‏ كلّ‏ الوحوش<br />

التً‏ عاثت فساداً‏ وافتراساً.‏ ربّما سنجعلهم ‏ٌفرّ‏ ون إلى مؽاور<br />

الجلٌل،‏ أو نؽرلهم فً‏ النهر المسروق،‏ فتفسد المٌاه التً‏ تروي<br />

عطش األعداء الذٌن ‏ٌسعون إلى سرلة االخضرار الذي ‏ٌساكننا<br />

وٌُملا الهواء الذي نستنشمه ‏"باألكسجٌن"‏ إكسٌر الحٌاة.‏ إنهم<br />

‏ٌسرلوننا وٌرٌدون أن ‏ٌبعدوننا،‏ بإرسال الوحوش إلٌنا لجعل<br />

وطننا ‏ٌستحٌل العٌش فٌه.‏<br />

ٖٗٙ


تولّفتُ‏ عند مدخل الصالحٌّة،‏ متمتّعاً‏ بذلن االمتداد الجمٌل اللمّاع<br />

الذي ‏ٌناشدن لاببلً:‏ هٌّا افرشنً‏ بالزهور وال تبخل.‏ أنا أستحكّ‏<br />

ذلن.‏ ماذا حدث لكم ‏ٌا أهل دمشك،‏ لمَ‏ تولّفتم عن العناٌة بً؟!‏<br />

هل نسٌتم أنً‏ عاصمة الببلد،‏ وفً‏ أرجابً‏ ترسّخت دولة<br />

العرب الكبرى؟!‏ هل أخمد الصهاٌنة شعلة الكرامة المتؤججة<br />

فٌكم؟!‏ هل نسٌتم أنً‏ أنرت الصحراء،‏ وأرسلتُ‏ خبلٌاي إلى كل<br />

لطرة دمٍ‏ فٌكم،‏ وبذلن أنتمل من جٌل إلى جٌل،‏ فاتحة لكم<br />

الطرٌك إلى المدابن،‏ ومؤلتُ‏ صحارٌكم بالماء وال أزال أرافمكم<br />

إلى كلّ‏ األلطار.‏ ألم أؼدُ‏ درّ‏ ة الشرق؟!‏ لمَ‏ لم ‏ٌعد فٌكم ما ‏ٌحرّ‏ ن<br />

تلن الدماء التً‏ اختٌرت بعناٌة،‏ وباركتها السماء لتعٌد إلى<br />

الشرق بهاءه وتُبمً‏ أرضه موطباً‏ أللدام الرسل؟!‏ أتخافون تلن<br />

الوحوش التً‏ ‏ٌسعدها التمرّ‏ غ فً‏ المذارة مع لمطاء الصهاٌنة؟!‏<br />

أنا دمشمكم أتتركوننً‏ أذوي؟!‏ أنا كرامتكم أتهجروننً‏ دون أن<br />

تدركوا أنّكم تسلّمون ذواتكم إلى الضٌاع واالندثار؟!‏ كٌؾ ‏ٌمكن<br />

أن ‏ٌصح هذا وٌكتب فً‏ الكتب؟!‏ أال تفهمون ما الممكن أن ‏ٌعنً‏<br />

أو ‏ٌشٌر،‏ أم إنكم تتجاهلون وتكذبون على الشعب متعمدٌن<br />

مرّ‏ ة واثنتٌن وثبلث مرّ‏ ات،‏ ظانٌّن أن ما حدث فً‏ الماضً‏<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌحدث اآلن،‏ فشعبنا الطٌب ‏ٌنسى ونستطٌع المول له<br />

لٌس من الحكمة اجتثاث االؼتصاب والمؽتصبٌن بفظاظة،‏ إذ<br />

من الحكمة تؤجٌل ذلن إلى ولت تجرّ‏ ب فٌه الحكومة استخدام<br />

السٌاسة للوصول إلى المبتؽى،‏ إن الملٌل من الولت سٌكون<br />

بالتؤكٌد أفضل من أن تجري الدماء وٌكون علٌنا فً‏ سبٌل منع<br />

ذلن أن نؽٌّر فً‏ األولوٌّات فنستردّ‏ ما نهب من لوت األمة<br />

ونُدخل الفاعلٌن والمشتركٌن إلى السجون حٌث علٌهم أن<br />

‏ٌكونوا،‏ فنظهر بذلن عرالة األمة وتجذر تعاملها الحضاري مع<br />

اإلنسان أٌنما وجد.‏ ‏ٌبدو أنكم تبؽون وسط الحرب االنتمال بكل<br />

ٗٙٗ


بساطة من الحرب على االؼتصاب والمؽتصبٌن التً‏ ال هوادة<br />

فٌها إلى السٌاسة وأالعٌبها وترٌدون أن ننسى تارٌخاً‏ كامبلً‏ من<br />

الخٌبات باللجوء إلى إخفاء الجرٌمة والمجرمٌن.‏ كفوا عن<br />

الخداع وتابعوا تنفٌذ األوامر التً‏ أتفك علٌها وولعت من<br />

المراجع العلٌا.‏ ترى من هً‏ تلن األٌدي الخفٌّة التً‏ تدخلت<br />

اآلن وترٌد أن تتربع على رأس الحكمة وهً‏ لم تستطع النجاح<br />

فً‏ االنتخابات؟!‏ ترى هل النعتم أحداً‏ بما فشلتم به مرّ‏ ات ولم<br />

تخجلوا من الهزابم الكثٌرة التً‏ فتحت األوراق التً‏ تبٌن كم<br />

ربحت السٌاسة من المال من بٌع الببلد،‏ أم إنّكم استمرأتم<br />

الخنوع وأشحتم وجوهكم عمداً‏ كً‏ ‏ٌمكّنكم ذلن أن تنسوا<br />

الماضً‏ الذي تعلّمتم فٌه اإلباء والشموخ وشجاعة اإللدام.)ترى<br />

أٌن إرث اآلباء الذي ضخّ‏ فً‏ دمابكم رابحة الحرٌّة الذكٌّة،‏<br />

وعلّمكم الطرب الرالً‏ عندما تتمارع النصال،‏ وكٌؾ تتحملون<br />

بفرح أعباء الدفاع عن تراب الوطن،‏ وتسري فً‏ دمابكم العزّ‏ ة<br />

وأنتم ترون علم ببلدكم ‏ٌرفرؾ فً‏ كلّ‏ األصماع.(‏ ما وضع بٌن<br />

لوسٌن علٌنا أن نكتبه فً‏ أحد أعبلمنا وتفسٌره للكبٌر<br />

والصؽٌر،‏ ودعونا ننتشل أنفسنا من البٌع الخسٌس للوطن.‏<br />

واصلتُ‏ المسٌر منتشٌاً‏ ببرودة تلن النسٌمات التً‏ تداعب وجهن<br />

وتدخل إلى شعرن محتفظة بمظهره الذي ‏ٌدلّ‏ على استمرار<br />

عناٌتن به.‏ لم ألبث أن الترب ‏ُت من سٌنما األمٌر،‏ فتمدّم إلًّ‏ رجل<br />

عجوز كان مُتّكباً‏ على الحابط لرب المكان وٌتنفس بصعوبة.‏<br />

كان ‏ٌنظر إلًّ‏ مباشرة كؤنه واثماً‏ أن حاجته موجودة لديّ‏ أو إن<br />

باستطاعتً‏ تؤمٌنها له.‏ بادرنً‏ بالمول:‏ أرجون أنا بحاجة إلى<br />

بعض الكحول،‏ ال تظن أنً‏ ولح ولد تعودتُ‏ على ذلن من<br />

التسول!!‏ حٌاتً‏ مرّ‏ ت بصعاب كثٌرة حتى ؼدوت ال أستطٌع<br />

ٗٙ٘


العزؾ على الكمان.‏ ابن المحبة ‏ٌساعدنً‏ على النوم،‏ وٌعٌد إلًّ‏<br />

بعض أحبلم الصبا واألنؽام التً‏ تسحمنً‏ كلّ‏ ‏ٌوم وتمتّ‏ ‏ِعنً‏<br />

مانحة إٌّاي نزهة رابعة وأنا أطٌر على بساط الرٌح والطٌور<br />

ترافمنً‏ مؽنٌّة كؤننً‏ عرٌساً‏ تحمله إلى الهٌكل لٌنتظر هنان<br />

عروسه.‏ نعم ‏ٌا أستاذ ال تزال تلن األحبلم تراودنً‏ وما أبلعه<br />

من الكحول ‏ٌجعلنً‏ أنام دون أن أشعر بهذا البرد المارس.‏<br />

صدلنً‏ ‏ٌا أٌها األخ الكرٌم،‏ لوال ذلن الذي ‏ٌجعلن تخال كؤنن<br />

تعانك ‏"مارلٌن مونرو"‏ لكنت منذ زمن بعٌد تحت التراب<br />

محروماً‏ من هذا الوجه الذي أمامً،‏ والنور العجٌب الذي<br />

‏ٌخرج منه.‏ أال ترٌدنً‏ التجوّ‏ ل مع كمانً‏ أبثُّ‏ ألحان أٌام الزمن<br />

الؽابر التً‏ تمول للسامعٌن مرحى لكم أٌها المطروبون،‏<br />

ومرحى لذلن العازؾ على الكمان الذي ‏ٌمكنه من أن ‏ٌطلك<br />

لمشاعره العنان،‏ وهً‏ تشجّعه عل التجوّ‏ ل فً‏ جسده وتتبادل<br />

المُبل مع روحه.‏<br />

حسناً،‏ ‏ٌبدو أنن تملن تارٌخاً‏ لم تعرؾ كٌؾ تحافظ علٌه،‏<br />

وتركته ‏ٌتسرب من بٌن ‏ٌدٌن؟ لل لً‏ من أٌن ستشتري الكحول<br />

فً‏ مثل هذه الساعة؟!‏<br />

هنان عند الزاوٌة التً‏ تمع فً‏ آخر الطرٌك ‏ٌكمن رجل ‏ٌملن<br />

زجاجة كاملة سرلها من نابم ما فً‏ زاوٌة ما.‏ وهللا العظٌم ال<br />

أعرؾ أٌن هً‏ وال من هو المسروق.‏<br />

أنت ترٌد نصفها بالتؤكٌد.‏<br />

هذه هً‏ الحمٌمة تماماً‏ ‏ٌا سٌّدي.‏<br />

ٗٙٙ


هل تمول لً‏ من أنت وماذا كنت تعمل؟!‏<br />

لمَ‏ ال؟!‏ كل الذٌن ‏ٌعٌشون بعد الثانٌة عشرة لٌبلً‏ ‏ٌعلمون من<br />

أكون.‏ كنت من أشهر عازفً‏ الكمان فً‏ لبنان.‏ كمانً‏ جعل<br />

العشاق الذٌن ابتعدوا عن بعضهم بعضاً،‏ ألنهم أضاعوا اللؽة<br />

المشتركة التً‏ جمعتهم،‏ ‏ٌعودون إلى العناق مصمّمٌن على بذل<br />

الجهد لتنمٌة ذلن الحب الذي طالما كان بٌنهم،‏ ولم ‏ٌعرفوا كٌؾ<br />

‏ٌتمسّكون به،‏ رافعٌن علمه إلى األعلى ماضٌن به بعٌداً‏ عن<br />

سوق النخّاسٌن.‏ كمانً‏ أعاد أؼلب أولبن إلى ما ‏ٌتطلّبه ذلن<br />

الهدؾ الدابم وهو االرتماء باإلنسان وتمسّكه بإنسانٌّته.‏ لتل ‏ُت<br />

زوجتً‏ ‏ٌا سٌّدي عندما رأٌتها فً‏ الفراش مع أحد جامعً‏<br />

الممامة فً‏ حٌنا.‏ هربتُ‏ إلى أمرٌكا التً‏ ‏ٌمال إنها أم الدنٌا فلم<br />

أفلح بالوصول إلى أيّ‏ مكان.‏ بل زاد األمر سوءاً‏ حتّى حشرتُ‏<br />

فً‏ تلن الزاوٌة التً‏ ‏ٌفضل المرء أن ‏ٌفعل المستحٌل فً‏ سبٌل<br />

التخلص منها.‏ هكذا التمٌت بمن همس فً‏ أذنً‏ لاببلً:‏ ألم تعلّمن<br />

الحٌاة التمثٌل؟!‏<br />

بلى.‏<br />

‏"إنن تبدو أمٌراً‏ أصٌبلً.‏ تممّص شخصٌّة المعتوه وأتمنها،‏ ثمّ‏<br />

عش متسوّ‏ الً‏ ‏ٌروي الحكاٌات عن الماضً،‏ وعن المصر<br />

الرخامً‏ الذي خسره والدن فً‏ الممار.‏ إلى أن خطفن<br />

اللصوص بمصد المتاجرة بن.‏ لكنن فً‏ الٌوم التالً‏ مرضت<br />

مرضاً‏ شدٌداً،‏ فؤخذون إلى زلاق معتم ورمون هنان.‏ علٌن أن<br />

تبدع فً‏ اختبلق الرواٌات وأعدن أنن ستصبح ؼنٌّاً."‏<br />

ٗٙ7


كان الزلاق أجمل من ذلن المصر.‏ هنان شعرتُ‏ بؤنً‏ أعٌش<br />

وبدأتُ‏ أنظر إلى توالً‏ المشاهد من الناحٌة الفلسفٌّة.‏ مرّ‏ ة كنتُ‏<br />

أتمشّى فً‏ الزلاق،‏ فرأٌتُ‏ شاباً‏ ‏ٌرمً‏ بحجر أحد األضواء التً‏<br />

تنٌر المكان فؤصبح الزلاق ‏ٌستعٌد اإلثارة التً‏ تجعله مختلفاً.‏<br />

كان الشاب لد أصبح لربً‏ تماماً‏ فوشوشنً‏ لاببلً:‏ ألن تكون<br />

المضاجعة فً‏ تلن الزاوٌة هنان أكثر متعة؟!‏ ابتسمتُ‏ له<br />

وواصلت سٌري.‏ لكن من طبع الحٌاة أن تستدعً‏ المفاجآت<br />

متى شاءت ذلن.‏ إذ إنً‏ استفمت جفبلً‏ فً‏ مخدعً‏ المرٌح،‏<br />

وفوجبت أن زنجٌاً‏ ضخماً‏ ‏ٌحاول الشروع باؼتصابً‏ وفً‏ ‏ٌده<br />

‏ٌحمل سكٌنا كانت تلمع فً‏ الظبلم بشكل مخٌؾ.‏ تذكّرتُ‏ فً‏<br />

تلن اللحظة أن فً‏ جٌبً‏ طمم أسنانً،‏ فؤسرعتُ‏ وحشوت فمه<br />

بالطمم العلوي،‏ فكاد أن ‏ٌختنك تماماً.‏ هكذا تخلصت منه،‏<br />

وأدركتُ‏ أنً‏ لن أجد إالّ‏ سورٌّة مبلذاً.‏ هنا كبرت وعشتُ‏ بؤمان<br />

ولم أصادؾ أحداً‏ ‏ٌنوي أن ‏ٌُلحك بً‏ شراً.‏<br />

حسناً.خذ هذا المبلػ واشترِ‏ الزجاجة كلّها،‏ ثمّ‏ اسؤله أٌن ‏ٌنام<br />

ذلن الذي سرق منه الزجاجة،‏ وابحث عنه من أجلً‏ وأعطه<br />

بعض الشراب.‏ ألٌس هذا عادالً؟!‏ عدنً‏ أنن ستفعل ذلن.‏<br />

<br />

باسم الرب أعدن،‏ وسٌجٌبن الخبر الٌمٌن عن طرٌك الرب.‏<br />

بعد ثوان من اختفاء ذلن الرجل فً‏ العتمة سمعتُ‏ جلبة<br />

وصراخاً‏ وشتابم.‏ فً‏ تفاصٌلها مفردات مبتكرة طرافتها سولٌّة<br />

وذكٌّة.‏ صدّلونً‏ إن للت لكم:‏ إنً‏ لم أسمع بمثلها أبداً.‏ بدا لً‏<br />

أنه خصام بٌن مراهمٌن من أبناء الشوارع من الجنسٌن.أسرعت<br />

بااللتراب من المكان الذي ‏ٌفاجا الؽرٌب أنه بداٌة السلّم الذي<br />

ٗٙ8


‏ٌوصلن إلى عدة متاجر تصطؾّ‏ حوالٌه،‏ وهً‏ بدورها تشٌر<br />

إلى تلن السٌنما.‏<br />

كانت ظنونً‏ فً‏ محلها.‏ إذ رأٌت فتىً‏ ‏ٌصطرع مع فتاة فً‏ مثل<br />

سنّه وحولهما الكثٌر من المراهمٌن من الجنسٌن أٌضاً،‏ ولد<br />

‏ٌكونون مثلهم فً‏ العمر أو أصؽر للٌبلً،‏ شؽلتنً‏ براعة الفتاة<br />

فً‏ المتال وإتمانها المفز بخفّة من مكان إلى آخر بسرعة مُدهشة،‏<br />

كما لفتنً‏ جمالها الؽرٌب وطرٌمة تحرّ‏ كها الؽبلمٌة.‏ استمرر ‏ُت<br />

بمرالبتً‏ للفتاة مُدّة ال بؤس بها،‏ ثمَّ‏ انتبهتُ‏ إلى نفسً‏ معاتباً،‏<br />

فصرختُ‏ بكل ما أملن من لوة نازال تلن الدرجات بسرعة وأنا<br />

فً‏ أوج ؼضبً.‏ لم أستؽرق الكثٌر من الولت فً‏ التفرٌك بٌنهم<br />

جمٌعاً،‏ وأنا أدور فً‏ وسطهم لافزاً‏ هنا وهنان ضارباً‏ بعضهم<br />

ضربات خفٌفة ال توجع وأنا أحاول التفرٌك بٌنهم،‏ مستجمعاً‏<br />

شجاعة أشنُّ‏ كثٌراً‏ فً‏ مصدرها وال أخال أنً‏ أملكها،‏ صارخاً‏<br />

كؤنً‏ خلمتُ‏ ألكون رجل أمن.‏ أنا الممدم ‏"علً‏ إبراهٌم".‏ أذكر<br />

كم كان صوتً‏ مخٌفاً‏ هل ترٌدون أن تناموا فً‏ السجن؟!‏<br />

ستنامون مع الكبار إذاً،‏ افرحوا وتهلّلوا،‏ إذ إنكم ال تدرون ماذا<br />

‏ٌمكن أن ‏ٌحلّ‏ بكم وسط أولبن الزعر؟!‏ سٌستعملونكم للتسلٌة<br />

أوّ‏ الً،‏ إنكم فاكهة لاربت على النضج.‏ إنهم ضجرون فعبلً‏<br />

وٌنتظرون حتى ‏ٌحٌن ولت الطعام.‏ عندبذ سٌشوونكم وٌؤكلونكم<br />

كما ‏ٌفعلون مع العصافٌر بكل بساطة.‏ هل ستتساءلون ماذا<br />

سٌحلّ‏ بعظامكم؟!‏ سؤلول لكم:‏ إنهم سٌرمونها فً‏ منتصؾ باحة<br />

السجن حٌث ‏ٌخرج المساجٌن فً‏ الصباح للترٌض بعض<br />

الولت.‏ أإكّد لكم أالّ‏ أحدَ‏ سٌهتم كٌؾ وصلت تلن العظام إلى<br />

ذلن المكان،‏ وإلى من تعود؟!‏ ستُرمى باستخفاؾ ودون تردّد<br />

فً‏ النفاٌات التً‏ تُنمل ‏ٌومٌّاً‏ من السجن.‏<br />

ٗٙ9


لست أدري ما الذي حدث حتى شردتُ‏ لثوانٍ‏ ؼبتُ‏ فٌها عمّا<br />

كان ‏ٌجري.‏ ربّما أنً‏ عندما رأٌت الجمٌع لد انحشروا فً‏ نفك<br />

الخوؾ خفتُ‏ أنا أٌضاً،‏ ووجدتُ‏ نفسً‏ وسط فوضى عارمة.‏ لم<br />

‏ٌكن األمر بسٌطاً.‏ إذ إنً‏ لم أعتد ‏ٌوماً‏ أن أكون فً‏ ؼٌر مكانً،‏<br />

ولم أرتدِ‏ ثٌاباً‏ إالّ‏ التً‏ تلٌك بً.‏ أنا أورثوذكسً‏ رفض جدّي أن<br />

‏ٌسكن فً‏ ‏"المصّاع"‏ وبنى بٌتاً‏ على بعد خطوات من مشفى<br />

‏"الطلٌانً"‏ باتّجاه ‏"المهاجرٌن"‏ لم أعد أعرؾ كٌؾ سمحتُ‏<br />

لنفسً‏ باالنزالق إلى فخ ‏ٌعٌش فٌه لصار مشردون.‏ ماذا لو<br />

ضبُطتُ‏ وسط هإالء الذٌن ‏ٌرتدون األسمال،‏ وماذا سؤلول إنً‏<br />

كنتُ‏ أفعل مع كلّ‏ هإالء المشرّ‏ دٌن؟!‏ وكٌؾ جُننتُ‏ ولمتُ‏<br />

بانتحال صفة ضابط برتبة ممدّم?!‏ لست أدري كٌؾ حدث كلّ‏<br />

ذلن،‏ ولمَ‏ رمٌت نفسً‏ بكلّ‏ بساطة فً‏ وكر األفاعً؟!‏ بمٌت<br />

برهة أحاول أن أتذكّر ما الذي دفعنً‏ إلى هنا بالضبط،‏ وماذا<br />

كنتُ‏ أرٌد أن أثبت؟!‏ كان هذا ؼرٌباً‏ دون أن أجد ما ‏ٌبرّ‏ ره ث ‏َّم<br />

من أٌن لً‏ أن أترن تفكٌري ‏ٌؤخذنً‏ كً‏ أصبح مصلحاً‏<br />

اجتماعٌّاً؟!‏ إن األمر ال ‏ٌمكن فهمه.‏ اإلنسان الذي ‏ٌبدو أنه<br />

‏ٌعرؾ الكثٌر،‏ ‏ٌظهر فجؤة أنه ال ‏ٌعرؾ شٌباً‏ وال ‏ٌدري ماذا<br />

‏ٌنتظره عند الناصٌة التً‏ ال تبعد عن المكان سوى بضعة أمتار.‏<br />

لكنه ‏ٌدرن فً‏ نهاٌة األمر أنه لم ‏ٌفهم كلّ‏ ما جرى له فً‏ حٌاته<br />

التً‏ ال تزال تتمدم إلى األمام وما الهدؾ فً‏ النهاٌة.‏ ‏ٌبدو أن<br />

أمً‏ كانت على حك لمّا لالت إن نضجً‏ ال ‏ٌسٌر بالتوازي مع<br />

ذكابً‏ وثمافتً.‏ إن طرح األسبلة لم ‏ٌعد ‏ٌجدي ولن ‏ٌوصلنً‏ إلى<br />

أيّ‏ شًء.‏ أدركت فجؤة أنً‏ وضعت نفسً‏ فً‏ مولؾ خطٌر،‏<br />

علًّ‏ االنسحاب منه بسرعة،‏ وإالّ‏ ستزداد فرص ولوعً‏ فً‏<br />

مصٌدة ستطٌح بسمعتً‏ فً‏ دمشمً‏ كلّها دون أن أملن سبباً‏<br />

‏ٌمكّننً‏ من الدفاع عن نفسً.‏ ‏ٌا لسذاجتً!!‏<br />

ٗ7ٓ


للت بحزم ألولبن المراهمٌن،‏ هٌا عودوا إلى النوم،‏ وحاذروا<br />

تكرار ما حدث،‏ فلن أكون موجوداً‏ ألُنمذكم من ذلن المؤزق<br />

الذي كنتم ستمعون فٌه.‏ أسرعتُ‏ فً‏ الخروج من المكان محاوالً‏<br />

التمشًّ‏ بتإدة كؤنً‏ امرإٌ‏ مصاب بلوثة ‏ٌتنزّ‏ ه فً‏ الثالثة صباحاً.‏<br />

ثابرتُ‏ على خطّتً‏ بعض الولت،‏ ثمّ‏ بدأتُ‏ أسرع الخطى ألصل<br />

إلى بٌتً‏ المرٌب وأؼلك الباب ورابً.‏ نعم ألولها لكلّ‏ من<br />

سٌمرإونً.‏ كنت بحاجة بشدّة أن أؼلك باب بٌتً‏ بموة واتنفس<br />

الصعداء.‏ أدرك ‏ُت فً‏ ذلن الحٌن أهمٌّة أن ‏ٌكون لدى كل إنسان<br />

بٌت،‏ ‏ٌدخل إلٌه فً‏ اللحظة المناسبة وٌؽلك الباب وراءه إنه<br />

شًء كثٌر األهمٌّة.‏ بعد للٌل من الولت سمعتُ‏ صوتاً‏ مزعجاً‏<br />

‏ٌبلحمنً،‏ فشعرتُ‏ بالخوؾ مختلطاً‏ باالمتعاض الشدٌد،‏ وتملّكنً‏<br />

احساس لوي ‏ٌتبرّ‏ م من طبٌب نفسً‏ رفض أن ‏ٌفتح عٌادة،‏<br />

ممدّماً‏ الكثٌر من الذرابع،‏ لكنها لم تستطع أن تخفً‏ خوفه من أن<br />

‏ٌصبح مثل مرضاه،‏ أو أن ‏ٌصبح مسإوالً‏ عنهم.‏ علٌه االنتباه<br />

إلٌهم وٌتحمل عنهم بعض هواجسهم وآالمهم أو الكثٌر منها.‏ لم<br />

ولن تنجح الخدعة فً‏ أن ‏ٌنبري لمعالجة الناس على لارعة<br />

الطرٌك!!‏ وٌعتبر نفسه لد أدّى لسطه لمحٌطه ولمن ‏ٌلتمٌه<br />

مصادفة.‏ ماذا ‏ٌحدث فً‏ هذا العالم الممًء؟!‏ لل لً‏ هل<br />

أرسلون إلى الجامعة األمرٌكٌّة لتتخرّ‏ ج مجنوناً؟!‏ أتفكّر حماً‏ فً‏<br />

إزالة الفوضى من هذا العالم؟!‏ لم أستطع متابعة السٌر،‏ وعملً‏<br />

‏ٌمؾ وظهري ‏ٌستند على الحابط دون أن ‏ٌمكّ‏ ‏ِنه من صدّ‏ اللكمات<br />

التً‏ تتهاوى على أفكاره.‏ لكنً‏ صمّمتُ‏ بداٌة أن أعرؾ من<br />

ذلن العنٌد الذي ‏ٌتبعنً،‏ دون أن ‏ٌكل أو ‏ٌمل،‏ لاصداً‏ زٌادة<br />

الضؽط على ذلن الشًء الذي ‏ٌنتعله هادفاً‏ للوصول إلى الفتن<br />

بؤعصابً?!‏ ترى من أٌن ورثتُ‏ هذا الضعؾ كلّه واللجوء إلى<br />

تحاشً‏ المتال.‏ ولكنً‏ كنت أدرن أنً‏ ال أزال بعٌداً‏<br />

ٗ7ٔ<br />

تساءلتُ‏ :


:<br />

عن حصولً‏ على أي جواب.‏ استدرتُ‏ فجؤة بعد أن عٌل<br />

صبري ألرى الفتاة نفسها التً‏ لفتت نظري وكانت مع أولبن<br />

الحُثاالت،‏ مصمّمة على االلتراب منً‏ إلى أن أصبحت بجانبً‏<br />

دون أن تُظهر أيّ‏ ارتبان.‏ لم تلبث أن لالت برأس مرفوع<br />

مستخؾّ‏ لمد انطلت حٌلتن وصدلوا أنن تملن رتبة ممدم فً‏<br />

األمن.‏ أبناء المحبات لم ‏ٌبلحظوا ارتباكن وال ضرباتن الناعمة<br />

ال شنّ‏ أنه ‏ٌلزمهم بعض الولت لٌتمكّنوا من إدارة اللعبة فً‏<br />

الشوارع.‏ ابتسمتُ‏ لاببلً:‏ حسناً،‏ سؤصفك لن بالمدر الذي ترٌدٌن<br />

الحماً،‏ أمّا اآلن فؤفضل ما تفعلٌنه هو أن تعودي إلى حٌث كنتِ،‏<br />

فهنان لد تبرعٌن وتدخلٌن ‏ٌدٌنِ‏ إلى الجٌوب وتسحبٌن منها كلّ‏<br />

ما تحوٌه.‏ إٌّانِ‏ أن أرانِ‏ تبلحمٌننً،‏ فؤنا ال أإكل بسهولة،‏ ولادر<br />

على االلتصاص منن بشدة.‏ ال تعتمدي على للبً،‏ فإنه مراوغ<br />

ال ‏ٌإتمن كصاحبه.‏ اذهبً‏ فً‏ سبٌلن.‏ إذ إنً‏ ال أرؼب فً‏ أذٌّة<br />

أحد.‏ ال ترؼمٌنً‏ على الخروج عن طوري،‏ فسٌحدث ذلن إن<br />

لم تفرنمعً‏ وتؽٌبً‏ بسرعة من هنا.‏ أنا ال أحب الفتٌات<br />

الحسناوات أمثالن اللواتً‏ اعتدنَ‏ أن ‏ٌنمْنَ‏ فً‏ األزلّة ومداخل<br />

البٌوت.‏ أنا أخشاهنَّ،‏ وال أطمبنّ‏ إلٌهن إذ هنَّ‏ ماكرات لبٌمات،‏<br />

وشرّ‏ هنَّ‏ ‏ٌرتسم على وجوههنَّ،‏ وأعتمد أنهنَّ‏ تعوّ‏ دن على<br />

رابحتهنَّ‏ النتنة.‏<br />

ال تهدّدنً.‏ أنا أعرؾ أن طبمتن المخملٌّة تحسن الكبلم وتجٌد<br />

التبلعب به حسب ما ‏ٌمتضٌه الحال.‏ لكنّها ال تملن حسم أيَّ‏<br />

أمر.‏ سؤنام عندن،‏ فلٌس لدٌن زوجة تعتنً‏ بن.‏<br />

ٗ7ٕ<br />

ألتفتُّ‏ إلٌها متعجباً‏ ولل ‏ُت:‏<br />

أزال أجاهد حتّى أنساها؟!‏<br />

كٌؾ تعرفٌن<br />

هذه الحمٌمة التً‏ ال


المتزوج ال ‏ٌرتكب عمبلً‏ متهوّ‏ راً‏ أحمك كما فعلت.‏ لو رأى<br />

أحد الذٌن تنتظره امرأته،‏ تلن العصبة من المشرّ‏ دٌن،‏ ربما<br />

رممنا بنظرة لد تعنً‏ الكثٌر لست أدري،‏ أو لعلّه ابتسم أو هز<br />

رأسه كؤنه ‏ٌمتلا باألسؾ لوجود أولبن المشرّ‏ دٌن فً‏ تلن<br />

الساعة.‏ لكنه بالتؤكٌد لن ‏ٌتولؾ إالّ‏ بضع ثوانً،‏ ث ‏ّم سٌتابع<br />

طرٌمه دون أن ‏ٌلتفت إلى الوراء.‏ ربّما أٌضا سٌكون خابفاً‏ أن<br />

تكون امرأته بانتظاره ولم تنم بعد،‏ وهو ‏ٌعرؾ أن الحًَّ‏ كلّه<br />

سٌكون بانتظار مشاهدة فصل من فصول تلن التراجٌدٌا التً‏<br />

تتكرر دابماً‏ وال أحد ‏ٌعرؾ متى ستنتهً؟!‏ هل أدركت أنن<br />

‏ٌلزمن الكثٌر لتستطٌع فهم هذه الدنٌا؟!‏<br />

عندما نصل إلى البٌت<br />

لن.‏<br />

سؤطلب الشرطة.‏<br />

ولن ‏ٌهمنً‏ ما ‏ٌحصل<br />

أإكد لن أنن لن تستطٌع فعل أي شًء.‏ أعتمد جازمة أنن ال<br />

تزال تفكر بما ألحمت نفسن فٌه.‏ لمد أصبحت أٌها الوسٌم<br />

النظٌؾ عاجزاً‏ تماماً‏ عن التفكٌر.‏ لمَ‏ ال تتمهل وتزن لدراتن<br />

تماماً‏ وتكتشؾ أن علٌن االمتناع عن محاولة تجاوزها.‏ إذا لم<br />

تنتبه إلى نفسن فستإدّي بها إلى التهلكة.‏ دعنً‏ ألول لن:‏ إن<br />

أصؽر ولد من أولبن المشرّ‏ دٌن ‏ٌزن أموره بطرٌمة أفضل.‏ إنن<br />

تجعل للبً‏ ‏ٌنفطر للماً‏ علٌن.‏ ألٌس من طرٌمة تعٌدن إلى<br />

الصراط المستمٌم؟!‏ إنً‏ أعرؾ أنن بحاجة إلًَّ‏ بطرٌمة ما،‏ فؤنا<br />

خجولة فً‏ أعمالً‏ رؼم عٌشً‏ وسط مشرّ‏ دٌن ال أشعر باالنتماء<br />

إلٌهم.‏ آمن مرةً‏ واحدة بؤنً‏ ألول الحمٌمة دون أن أعً‏ معنى<br />

الكلمات التً‏ أتلفّظ بها.‏ أنا آسفة إذ إنن لن ترانً‏ طوٌبلً،‏ وهذا<br />

ما ‏ٌجعلنً‏ أعٌش بالمدر الذي ‏ٌُسمح لً‏ بالعٌش،‏ مضطربة<br />

ٗ7ٖ


أتساءل عن أحوالن،‏ وهل ال تزال ساذجاً‏ كما كنت دابماً؟!‏ تؤكّد<br />

إن هذا سٌمزّ‏ لنً،‏ بل سٌمتلنً،‏ هل تستطٌع أن تفهم ذلن؟!أم إن<br />

الجامعة األمرٌكٌّة ال تمبل ذلن علمٌّا.‏ دعنً‏ ألول لن:‏ طظ على<br />

الجامعة األمرٌكٌّة،‏ إن جنابنها جمٌلة،‏ وماذا بعد ذلن؟!‏ لمد<br />

تخرّ‏ جت بامتٌاز من إحدى أفضل جامعات العالم.‏ لل ماذا<br />

تساوي اآلن؟!‏ وكم تزن أردافن المترهلة هٌا لم بتلن العملٌّة<br />

الحسابٌّة،‏ فؤنا ال أعرؾ الطرٌك إلٌها،‏ ودعنا نرى ماذا فعلت<br />

بحٌاتن.‏ لمد جعلت والدتن تتمنّى الموت لتتخلص من جحٌمٌن.‏<br />

من أنتِ‏ لولً‏ لً:‏ هل أرسلن الشٌطان لتعٌدٌنً‏ إلى ما كنت<br />

فٌه؟!‏ أنا لم أعد أعرؾ إلى ماذا تهدفٌن وأٌّة نهاٌة تبؽٌن؟!‏ هل<br />

ترٌدٌن أن أمزق شهادتً‏ الجامعٌّة؟!‏ ماذا تدبرٌن ‏ٌا ابنة<br />

الشٌطان،‏ من أرسلنِ‏ حماً‏ وما الذي ‏ٌدعونِ‏ لبلهتمام بؤمري؟!‏<br />

أهنان من أؼدق علٌن المال لتعملً‏ على تخرٌب حٌاتً؟!‏ ألٌس<br />

هو نفسه من أعطانِ‏ المعلومات وكل التفاصٌل من أجل أن<br />

توظّفٌها فً‏ إخافتً‏ وزرع االضطراب فً‏ نفسً؟!‏<br />

أنا ال أدبر شٌباً،‏ وصدّلنً‏ أنً‏ ال أعرؾ لمَ‏ أهتم بن.‏ ال تخؾ<br />

سؤعلّمن كلّ‏ ما ‏ٌلزمن لتعٌش دون أن ‏ٌستطٌع أحد أن ‏ٌسلبن<br />

عملن بعض الولت،‏ وٌفعل بن ما ‏ٌشاء.‏<br />

حسناً،‏ دعٌنا نتابع المشً‏ الهوٌنى،‏ فربّما أعرؾ شٌباً‏ عن<br />

ماضٌنِ‏ ، رؼم أنن تثٌرٌن المرؾ فً‏ نفسً.‏<br />

كٌؾ تتكلم مثل العارؾ بكل شًء؟!‏ ثمَّ‏ من أٌن لن أن تتؽلؽل<br />

فً‏ ماضٍ‏ أنا ال أعرؾ عنه شٌباً؟!‏ أترٌد أن تعرؾ شٌباً‏ عن<br />

ٗ7ٗ


أبً‏ وأمً؟!‏ صدّلنً‏ إذا للت لن:‏ إنً‏ لم أر حتى خٌالهما فً‏<br />

أحبلمً‏ مرّ‏ ة واحدة.‏ إن أمرن عجٌب حماً،‏ انا ال أدري من<br />

ربّان وأفسدن بهذا الشكل؟!‏ ؼرٌب أمر هذه الدنٌا.‏ ترى هل<br />

تفهمها أنت؟!‏ أٌهمّن أن تعرؾ ماذا حدث لً؟!‏ لمد استفمتُ‏ مرةً‏<br />

فً‏ أحد المستشفٌات وأنا أعانً‏ من ألم رهٌب فً‏ رأسً‏<br />

المؽطّى بالضمّادات.‏ سمعتهم ‏ٌتحدثون عن فمدان ذاكرتً.‏ مرَّ‏<br />

ولت حتّى فهمت ما تعنً‏ تلن الكلمات.‏ كنت أعرؾ أنً‏ مشرّ‏ دة<br />

منذ طفولتً.‏<br />

ال أعتمد ذلن.‏ إذ البدّ‏ أنن عشتِ‏ مع أمن وحدها على األلل أو<br />

مع االثنٌن معاً‏ بعض الولت ثم لرّ‏ را عدم استرجاعن من<br />

المستشفى لسبب ال أعرفه.‏ لد ‏ٌكون الفمر أو رعونتن أو<br />

مشاكساتن التً‏ ال تطاق.‏<br />

ال أملن ما ‏ٌدفعنً‏ إلى االعتراض على آرابن،‏ فؤنا لٌس فً‏<br />

ذاكرتً‏ أو فً‏ جٌبً‏ ما أردَّ‏ به على ما تعلّمته فً‏ الجامعة التً‏<br />

ال ‏ٌذهب إلٌها إ ‏ّال األؼنٌاء.‏ أعتمد أن األطباء الذٌن عالجونً‏<br />

أؼبٌاء ‏ٌشبهون أولبن الذٌن ‏ٌتخرجون من الببلد األوروبٌّّة<br />

الشرلٌّة التً‏ ‏ٌمال إن الثلج ‏ٌخفٌها عن األنظار طول الشتاء،‏<br />

ترى هل ‏ٌمكننً‏ الرحٌل ‏ٌوماً‏ إلى هنان؟!‏ ربّما ‏ٌتحمك هذا الحلم<br />

وأعٌش وحدي فً‏ ؼابة صؽٌرة،‏ هٌا اضحن ولل لً:‏ إن المدر<br />

ال ‏ٌهتم بؤمثالً،‏ وربّما ‏ٌتساءل أٌضاً:‏ ترى ما هدؾ الخالك من<br />

وجود هذه األصناؾ من البشر فً‏ هذا العالم.‏ أال تعتمد أن أألمر<br />

ؼٌر مفهوم؟!‏ أنا أُإٌد كل من ‏ٌسؤل الرب هذا السإال.‏ أنت ؼنً‏<br />

ومتعلّم،‏ صلّ‏ واطلب منه أن ‏ٌستجٌب لتلن األمة التً‏ ال<br />

تعرؾ شٌباً‏ عن نفسها،‏ فإنه دون شنٍ‏ ‏ٌستمع ألمثالن.‏ أنا لست<br />

ٗ7٘<br />

ِ إلٌه


ؼبٌّة ولكنً‏ دون ٍ شنّ‏ لستُ‏ متعلّمة،‏ فؤنا أخشى التحدث معه كما<br />

إنً‏ ال أملن الكلمات ألدخل معه فً‏ حدٌث ‏ٌشفً‏ ؼلٌلً،‏ هنان<br />

حٌث ال أعرؾ أٌن تماماً،‏ ربّما فً‏ داخلً؟!‏ تكمن الكثٌر من<br />

األسبلة التً‏ أستطٌع توجٌهها له على شرط أن تكون موجوداً‏<br />

لتشرح له لؽتً‏ السولٌّة وتإكّد له أنً‏ لستُ‏ مسإولة عنها.‏ إذ<br />

من أٌن له أن ‏ٌفهم ما ألول؟!‏<br />

ضحن ‏"زٌاد"‏ من كلّ‏ للبه.‏ لكنه لفترة ثوانٍ‏ عاشها صامتاً‏<br />

شعر أنه فً‏ حضرة هللا ثم ألتفت إلى تلن المراهمة ولال:‏ ال<br />

تخشًْ‏ شٌباً.‏ إن الخالك ‏ٌفهم ما تمولٌن وما تعتزمٌن لوله.‏ ثم من<br />

لال لن أنن تستطٌعٌن أن ترٌه وتتباسطٌن معه فً‏ الحدٌث؟!‏<br />

إلٌن نصٌحتً:‏ لبل أن تنامٌن تحدثً‏ معه بلؽتن وال تخش شٌباً.‏<br />

ال تظنًّ‏ أنه لن ‏ٌلتفت إلٌنِ‏ لولً‏ له ما تشابٌن بكل العف ‏ّوٌة التً‏<br />

تملكٌنها.‏ تؤكّدي أنه سٌجٌبن عندما ‏ٌرى أن الولت أصبح مناسباً‏<br />

اطمبنًّ‏ أن هذا ما سٌحصل بالتؤكٌد وستنالٌن مرادن وستتؽٌرٌن<br />

ولد تتولفٌن عن معاشرة أولبن الزعر والسولٌٌّن.‏ لكن علٌنِ‏ أن<br />

تإمنً‏ أنه سٌرشدنِ‏ إلى أٌن تذهبٌن وماذا ستفعلٌن هنان.‏<br />

إذا حدث ما تمول:‏ إنً‏ لن أخشى التؽٌٌر.‏<br />

لمَ‏ ال تمولٌن من أنت،‏ هل فً‏ األمر سرّ‏ خطٌر أو مخٌؾ؟!‏ إذا<br />

كنت ال تعرفٌن شٌباً‏ عن نفسن كما تدّعٌن،‏ من أٌن لنِ‏ أن<br />

تعرفً‏ كلّ‏ هذه األمور؟!‏ إننِ‏ تدهشٌننً‏ وتنهكٌن أعصابً،‏ هل<br />

تُخطّ‏ ‏ِطٌن لشًء ما،‏ أو طاب لن الهزء منً؟!‏ لمَ‏ ال تمولً‏ إن<br />

فعلت ما ‏ٌلحك بنِ‏ األذى،‏ وتسعٌن وراء االنتمام؟!‏ إن كان ذلن<br />

صحٌحاً،‏ فٌلزمنِ‏ بعض الولت للتخطٌط والتنفٌذ.‏ إننِ‏ من هذه<br />

ٗ7ٙ


األرض التً‏ ‏ٌعرفها الجمٌع،‏ ولستِ‏ من كوكبٍ‏ آخر وتملكٌن<br />

أسلحة فتاكة ال نعرؾ عنها شٌباً.‏ ترى هل هنان من ألنعن<br />

بمبلحمتً‏ لتتعرّ‏ فً‏ إلى ما ال ‏ٌعرفونه عنا بعد؟!‏ إذا كان هذا ما<br />

تبؽٌن فؤنا ال أعرؾ شٌباً‏ عن األمور العسكرٌّة والشإون<br />

الدفاعٌّة.‏<br />

من ‏ٌملن الجرأة وال ‏ٌعانً‏ للبه من الخوؾ،‏ ‏ٌستطٌع أن ‏ٌتعلّم<br />

كل شًء من الشارع.‏ الشارع مدرسة كبٌرة لكنها ال تخرّ‏ ج<br />

سوى الرجال،‏ أما النساء اللواتً‏ ‏ٌتخرجن منها فتحوّ‏ لهنّ‏ إلى<br />

رجال.‏ لكن لل لً:‏ من أٌن لن أن تعرؾ الكثٌر عن الشارع ‏ٌا<br />

من تتستّر وراء الوداعة،‏ أتعرؾ إنه ‏ٌحوي الفبلسفة والفنّانٌن،‏<br />

وأولبن الذٌن كانوا ‏ٌعٌشون فً‏ المصور والذوا بالفرار من<br />

برودة جدرانها وللوب ساكنٌها المتحجّرة،‏ مفضّلٌن حٌاة<br />

التشرّ‏ د،‏ وتذوق نكهة الجنون والتؤمل طوٌبلً‏ فً‏ الفراغ علّهم<br />

‏ٌجدون ‏ٌداً‏ تخرج منه طالبة منهم التمسّن بها،‏ عندما كنت أراهم<br />

‏ٌضحكون والبراءة تخرج من بٌن أسنانهم وترتسم فوراً‏ على<br />

شفاههم،‏ كنتُ‏ أدرن وأشعر فً‏ الولت نفسه أنهم ‏ٌفهموننً‏<br />

وٌرٌدون أن ‏ٌسمعوا لصّتً،‏ إنه لشًء رابع أن تدرن أنهم<br />

لٌسوا جابعٌن وال طامعٌن فً‏ أيّ‏ شًء.‏ أعدن أن تعرؾ إذا<br />

تمعّنت فً‏ وجوههم ستصل بطرٌمة ما إلى لناعة تمول لن:‏<br />

إنهم ‏ٌعٌشون فً‏ عالم آخر،‏ ولدٌهم ألراناً‏ ‏ٌتعاٌشون معهم فً‏<br />

ذلن العالم المجهول الذي ‏ٌستفٌك على دلّات الطبول الخفٌفة<br />

وطعم العسل.‏ دعنً‏ ألول لن:‏ إنً‏ أحسدهم،‏ وأتوق للعٌش<br />

معهم.‏ إن ذلن العالم ‏ٌجلب إلٌهم دون شن أفكاراً‏ تؤخذهم فً‏<br />

سٌاحة فوق كلّ‏ أنهر العالم وترٌهم تفاصٌل أحبلمهم تلن التً‏<br />

مرّ‏ ت فً‏ بعض لٌالٌهم الفابتة،‏ وتدعهم ‏ٌرون كٌؾ كانوا<br />

ٗ77


‏ٌرلصون دون أن ‏ٌعرفوا شٌباً‏ عن الرلص.‏ ستدعهم ‏ٌشاهدون<br />

كٌؾ كانوا ‏ٌعٌدون فعل ذلن حول مركبتهم الطابرة.‏ أتحاول أن<br />

تفهم لصدي،‏ أم إنن اآلن تمول فً‏ سرّ‏ ن انظروا أٌها الناس لهذه<br />

المشرّ‏ دة التً‏ تدسّ‏ أسبلتها هادفة أن تُسمطنً‏ فً‏ االمتحان الذي<br />

وضعت لواعده بنفسها.‏ ألٌست أكثر من جرٌبة وأكثر من ولحة<br />

وجاهلة.‏ لست أدري،‏ ربما ‏ٌُمرفن وجودن هنان بٌن أُولبن<br />

الناس؟!‏ ترى أتفضل أن تتسكّع فً‏ اللٌل؟!‏ أنا ال أعرؾ حماً‏ لمَ‏<br />

‏ٌتملّكنً‏ اعتماد أن النور ‏ٌثٌر فٌن التوجس،‏ وٌمؤل لاع أعمالن<br />

بالخوؾ الدفٌن والرعشة بٌن ولت وآخر؟!‏ ‏ٌا لن من مسكٌن<br />

‏ٌعٌش وحدة لاتلة.‏<br />

‏ٌبدو أن الكٌل لد طفح،‏ وعلًّ‏ أن أتصرؾ بعٌداً‏ عمّا تجٌزه<br />

طبٌعتً‏ وأسلوب تربٌتً.‏ هذا ما لاله وفعل ما فعله بطرٌمة ال<br />

أزال معجباً‏ بها حتّى اآلن.‏ إذ إنه استدار دورة كاملة وصفعها<br />

صفعة جعلتها تترنًح وتمع أرضاً،‏ دون أن ‏ٌهتم بها.‏ فوجبت<br />

الفتاة بعد أن استفالت من شدة الصفعة،‏ وتراجعت زاحفة إلى<br />

الوراء.‏ لكنها لامت بسرعة ومسحت دموعها،‏ والتربت منه<br />

مرتجفة الشفتٌن وانحنت ممبّلة ‏ٌده دون أن ‏ٌدري كٌؾ حدث<br />

ذلن.‏ األمر كان ؼرٌباً،‏ إذ إنً‏ ال أزال أذكر كلّ‏ شًء،‏ وتمرّ‏<br />

بً‏ نفس المشاعر وأنا أخطّ‏ هذا الكبلم،‏ رؼم أنً‏ لست فً‏<br />

المولؾ الذي كنت فٌه.‏ كان األمر أشبه بعملٌّة نشل بارعة لم<br />

تستؽرق أكثر من لمح البصر.‏<br />

حاذري أن تتكلّمً‏ معً‏ مرّ‏ ة ثانٌة بمثل تلن اللهجة السولٌّة<br />

التً‏ تمنح أؼلب المراهمٌن الشعور بؤنهم رجال المرحلة<br />

الراهنة والمادمة دون ش ‏ِن،‏ وهم ال ‏ٌحتاجون إلى مراعاة الذٌن<br />

ٗ78


خرجوا منها ودخلوا إلى رحاب الحٌاة وتراكم التجارب،‏<br />

ومواجهة الوالع الجدٌد الذي ‏ٌحمل معه اإللحاح ببذل الجهد<br />

والؽرق فً‏ تنمٌة الثمٌن من الؽث.‏ كما ‏ٌُخٌّل إلٌهم أن التمرّ‏ د<br />

‏ٌعنً‏ إزاحة الكهول والشٌوخ من المشاركة فً‏ بناء المجتمع<br />

وترشٌده.‏ كماعلٌنِ‏ االنتباه إلى عدم تمبٌل ‏ٌد أحد،‏ فتستطٌعٌن<br />

إبداء االحترام لمن ترٌدٌن بطرق أخرى تُظهرٌن فٌها أٌضاً‏<br />

تمدٌرن لنفسن واعتزازن بها.‏<br />

لمد للتَ‏ الكثٌر ووجه ‏َت إلًَّ‏ تهماً‏ باطلة.‏ إنً‏ ال أسعى وراء<br />

أيّ‏ هدؾ على االطبلق.‏ حاول تصدٌّمً‏ أرجون،‏ وتفهّم أنً‏<br />

حٌرى حماً‏ وداخلً‏ مربن بشدّة.‏ إذ إنً‏ أرى الكثٌر من األمور،‏<br />

ثمَّ‏ ال تلبث أن تختفً.‏ لكن لٌس طوٌبلً‏ إذ إنها تعود إلى الظهور<br />

من جدٌد فً‏ وجهً‏ بعٌنٌن لاسٌتٌن وربّما حالدتٌن،‏ ثمّ‏ ال تلبث<br />

أن تختفً.‏ كٌؾ ترٌدنً‏ أن أفهم نفسً‏ وأكتشؾ ما ‏ٌجري فً‏<br />

أعمالً‏ واألمور تجري وفك ما شرحتُ‏ لن؟!‏ ما ألوله حمٌمً‏<br />

وعلٌن تصدٌمً.‏ لستُ‏ إالّ‏ فتاة عادٌّة أعٌش مع المشرّ‏ دٌن وال<br />

أعرؾ أي شًء عن ماضًّ‏ ِ. إن كٌانً‏ كلّه ‏ٌؽضب وأنا أراهم<br />

‏ٌكذبون أمامً‏ دون أن ‏ٌرؾّ‏ لهم جفن.‏ أرجون افهمنً،‏ فؤنا ال<br />

أعرؾ ماذا ‏ٌحدث فً‏ داخلً؟!‏ كما أعرؾ أنً‏ ال أسٌطر على<br />

شًء.‏ إن ما تراه من ؼرابة،‏ بدأ ‏ٌشوش كٌانً،‏ وٌكاد أن<br />

‏ٌدعونً‏ إلى الهرب،‏ ولكنً‏ أتساءل إلى أٌن؟!‏ ‏ٌا طبٌب النفس<br />

ساعدنً‏ إذ إنً‏ لست أدري ماذا أفعل؟!‏ الكلمات المناسبة ال<br />

تسعفنً‏ فحٌث أعٌش لٌس لها مكان بٌنهم،‏ وإذا احتاجوا لها،‏<br />

فإنهم ‏ٌؤنفون استعمالها.‏ إنً‏ أتمزق وال أجد أحداً‏ ‏ٌصدّلنً،‏ إنً‏<br />

أشعر بؤن ؼرٌبٌْن ال أرى وجهٌهما ‏ٌتربّصان فً‏ داخلً‏<br />

والشرر ‏ٌخرج من عٌونهما،‏ ثمَّ‏ ال ‏ٌلبثان أن ‏ٌخرجا ‏ِخنجرٌهما<br />

ٗ79


وٌبدآن فً‏ لتال عنٌؾ على شًء ال أعرفه.‏<br />

هذه المعركة البلهاء كلّ‏ ‏ٌوم.‏<br />

أتصدق أنً‏<br />

أحضر<br />

المشكلة أنً‏ أرى ما تتفوهٌن به وتحشرٌن بٌنه وبٌن ما<br />

تفكرٌن بعد ذلن،‏ تنالضات تثٌر السخرٌة أحٌاناً‏ والخوؾ فً‏<br />

أولات أخرى،‏ وتظهر لً‏ أشبه بالطبلسم التً‏ ألؾ أمامها<br />

عاجزاً‏ عن حلّها.‏ أنا ال أستطٌع أن افترض إالّ‏ أنن تخلطٌن بٌن<br />

الملٌل الذي ‏ٌراه خٌالن،‏ وبٌن ذلن الذي نسٌتِه وٌزورن فً‏<br />

أحبلمن بٌن ولت وآخر.‏ سنتحدث فً‏ األمر الحماً،‏ فربّما ألتمط<br />

شٌباً‏ ‏ٌجعلنً‏ أرى ضوء كوخ خافت بعٌد.‏ أعدنِ‏ أنً‏ سؤتشبث<br />

به حتّى أتبٌن بداٌة الطرٌك.‏ ها لد وصلنا.‏ ما ترٌنه أمامنِ‏ هو<br />

مدخل البٌت تفضّلً‏ وال تخجلً.‏ هٌا اصعدي الدرج.‏<br />

لكن الفتاة جفِلت واصفرّ‏ محٌاها،‏ ولم تتمدّم خطوة واحدة،‏ بل<br />

إنها تسمّرت فً‏ مكانها مركّزة عٌنٌها على المدخل الذي<br />

شاهدت فٌه ما بهرها على ما ‏ٌبدو،‏ وأعادها إلى ماضٍ‏ أعتمد<br />

أنه أبعد من عمرها،‏ ‏ٌسكن فً‏ الظلمة وال ‏ٌرٌد رإٌة أحد،‏ أو<br />

إنه كان حلماً‏ تكرّ‏ ر بعض الولت،‏ منذ زمن مؽرق فً‏ البعد.‏<br />

ربّما أٌضاً‏ فوجبت وارتبكت عندما أدركت أنها أمام ذوق رفٌع<br />

عرٌك لم ‏ٌحدث أن رأت مثله ‏ٌوماً،‏ وبهرها كما فعل هذا الذي<br />

رأته اآلن.‏ ال شنَّ‏ أنً‏ دهشتُ‏ من تؽٌّر مبلمحها المفاجا جاعلة<br />

إٌّاي فً‏ حٌرة من أمري.‏ لم أستطع عدّه تمثٌبلً‏ على اإلطبلق.‏<br />

إلى أن الحظتُ‏ أنها تحملك فً‏ وجهً‏ متنمّلة بٌن تفاصٌله،‏ ثمّ‏<br />

ركّزت عٌنٌها فً‏ عٌنً‏ دون أن ‏ٌرؾّ‏ لها جفن.‏ لكنها لم تلبث<br />

أن تولّفتْ‏ عن ذلن وعادت إلى النظر نحو المدخل بنظرة فٌها<br />

من الحنان الؽرٌب الشًء الكثٌر.‏ ترى هل ‏ٌمكن لفتاة مثل هذه<br />

ٗ8ٓ


أن تصطنع ك ‏ّل هذا الؽموض وتثٌر شكوكاً‏ وأسبلة لٌس بإمكانها<br />

أن تفتح أيّ‏ طرٌك؟!‏ كٌؾ لً‏ أن أستطٌع وصؾ الطرٌمة التً‏<br />

داعبت فٌها انحناء الدرابزٌن الصاعد وال ‏ٌمكننً‏ أن ألول:‏ إن<br />

‏ٌدٌها كانتا تتحركان بؤنالة مذهلة،‏ تجعلن تنسى أظافر ‏ٌدٌها<br />

المتّسخة.‏ علٌن أن تعترؾ عندبذ أن إحساسها بالجمال النادر<br />

هو األصٌل والؽرٌب فٌها،‏ أما أظافر ‏ٌدٌها المتسخة فهً‏ األمر<br />

الطارئ الذي سببه تشرّ‏ دها وأسلوب عٌشها.‏ لكنها لم تلبث أن<br />

استدارت ولالت:‏ ترى من ذلن العمل الذي رسم فً‏ ذهنه تلن<br />

االنحناءات وثبلثة أرباع الدوابر،‏ والكثٌر من التفاصٌل<br />

الصؽٌرة والكبٌرة الرابعة،‏ ووضعها الش ‏ّن على الورق،‏ ث ‏َّم<br />

بٌدٌه االثنتٌن جعل الحدٌد فرلة بالٌه كاملة تموم بتشكٌبلت<br />

رابعة دون أن ‏ٌنطك الحدٌد وٌمول كلمات لٌست كالكلمات.‏<br />

ترى متى تمدّر أنه تمَّ‏ ذلن؟!‏<br />

هل تمصدٌن الدرابزٌن؟!‏<br />

أظن ذلن.‏<br />

أتظنٌّن؟!‏ ألست متؤكدة ممّا تمصدٌن؟!‏ أنا ال أفهم كٌؾ<br />

تفكّرٌن؟ّ!‏ أال تزالٌن تتبلعبٌن وتعودٌن للعٌش مع األفاعً؟!‏<br />

حاذري أن تثٌري ؼضبً‏ أكثر.‏ إذ إنً‏ عند ذلن سؤلوم بهدم<br />

الهٌكل على من فٌه.‏ ولن ‏ٌكون أمامن سوى السحك وتتحوّ‏ لٌن<br />

إلى أبشع من األشبلء.‏<br />

ما الذي ‏ٌدعون أن تعتمد أنن شمشون الذي ‏ٌتحدّثون عنه؟!‏ أنا<br />

ال أرى فً‏ رأسن شعراً‏ ‏ٌُنبا أنن ذلن الجبار المادر على<br />

ٗ8ٔ


.<br />

إحداث ذلن الزلزال الرهٌب.‏ دعن من مظهر البطولة الذي<br />

تسعى إلى تممّصه،‏ واحتفظ بوجهن الطفولً‏ المحبب.‏ أنت ؼنً‏<br />

وتلمٌت تربٌة خاصة ناعمة،‏ انصحن أ ‏ّال تتممص دور شمشون<br />

بذلتُ‏ كلّ‏ ما فً‏ وسعً‏ من أجل دفعن إلى تصدٌمً.‏ ماذا ترٌد<br />

أن أفعل أكثر من ذلن؟!‏ علٌن بالوثوق أنً‏ ألول الحمٌمة.‏ أنا ال<br />

أستطٌع أن أزن ما ألول دابماً.‏<br />

حسناً.‏ ألم تبلحظً‏ أن فً‏ هذا المدخل الكثٌر من النموش<br />

المدهشة التً‏ كلًفت الكثٌر من العرق والخبرة،‏ وهً‏ دون شن<br />

استُمدّت من اإلخبلص وحب الوطن واالستماتة فً‏ سبٌل إعبلء<br />

شؤنه؟!‏ أعتمد أن ما تشاهدٌنه من روابع،‏ لد ‏ٌكون عمره لرن<br />

ونصؾ أو أكثر للٌبلً.‏ أال ‏ٌدهشنِ‏ ذلن؟!‏<br />

لست أدري حماً‏ ماذا ‏ٌحدث لً‏ فً‏ هذه اللحظات؟!‏ سامحنً.‏<br />

إنً‏ أشعر بؤلم شدٌد فً‏ الرأس،‏ ربّما هو السبب فً‏ تشتّت ذهنً‏<br />

وإحساسً‏ بالضٌاع وبهذا الضجٌج الذي لم أعهده حتى مع<br />

رفالً؟!‏ أنا لم أحظ بالتعلّم فً‏ المدارس والجامعات.‏ لطالما<br />

حسدتُ‏ الذٌن ‏ٌشاهدون ‏"التلِفٌزٌون"‏ وٌنصتون دون أن ‏ٌعوا<br />

أنهم محاطون بؤُناس ال ‏ٌفمهون شٌباً‏ ممّا ‏ٌحدث،‏ وٌرٌدون أن<br />

‏ٌصبحوا مثل ألرانهم،‏ بحٌث ‏ٌفهمون ما ‏ٌمال،‏ متسابلٌن كٌؾ<br />

‏ٌُسمح لهم أن ‏ٌشاهدوا التمبٌل ؼٌر البريء ‏ٌحدث أمامهم،‏ دون<br />

أن ‏ٌتحرّ‏ ن أحد وٌبعدهم عن المكان منعاً‏ من أن ‏ٌروا مشاهد<br />

أخرى مماثلة.‏ دعنً‏ ألول لن شٌباً.‏ لمد بحثت كثٌراً‏ عن تسمٌة<br />

تلن النموش الرابعة،‏ إلى أن خرجت تلن الكلمة من فمن منذ<br />

ألل من دلٌمة ‏.هل تعرؾ عمّا أتحدث؟!‏<br />

ٗ8ٕ


ال إنً‏ ال أذكر ما للتُ.‏<br />

كنت ال أعرؾ أن تلن التفاصٌل الصؽٌرة تعبر عنها كلمة<br />

نموش.‏<br />

حسناً.علٌن أن تحذري وتملّلً‏ من التصرٌح بما تعرفٌنه فمد<br />

‏ٌإذٌنِ‏ فً‏ المستمبل.‏ هٌا اصعدي.‏ لمد تؤخر الولت كثٌراً.‏ أال<br />

تمدّرٌن ماذا سٌحدث إن رآنا أحد نمؾ هنا معاً‏ فً‏ مثل هذه<br />

الساعة؟!‏ ألم تتعلّمً‏ هذه األمور من الشارع؟!‏<br />

إنً‏ أعتذر.‏ لكن أرجون دعنً‏ هنا للٌبلً.‏ لمَ‏ ال تصعد أنت<br />

وتسمح لً‏ باالنفراد بنفسً‏ للٌبلً؟!‏ وأنا أإكّد لن أنً‏ سؤلحك بن<br />

بعد دلٌمتٌن أو ثبلث.‏<br />

ال،‏ ال.‏ لست أرى سبباً‏ لوجودنِ‏ هنا وحدنِ‏ أنا ال أفهمن .<br />

وصرتُ‏ أشن حماً‏ فً‏ مماصد ‏ِن.‏ لمَ‏ ترٌدٌن إٌذابً‏ أنا لم أإذِ‏<br />

أحداً‏ فً‏ حٌاتً،‏ وال أرٌد أن أفعل ما ‏ٌزعج أيّ‏ شخص.‏ ال<br />

تدعٌنً‏ استدعً‏ الشرطة،‏ فؤنا لم أعد أتحمّل نزوعن إلى شًء<br />

ؼرٌب فً‏ داخلن تتعاضدٌن معه،‏ أو تجدٌن فٌه سنداً‏ سبك أن<br />

لمتِ‏ بالتحالؾ معه أو ربّما بالتوحّد بٌن أهدافكما حتّى ال ألول<br />

امتزاج روحٌكما ممّا ‏ٌنفً‏ أٌّة ضؽوط من أي جانب.‏<br />

‏ٌبدو أنه ‏ٌتعذّر إفهامن أي شًء.‏ أترٌدنً‏ أن ألوم بافتعال<br />

فضٌحة ستجعلنَ‏ تندم ندماً‏ شدٌداً،‏ وتجعل عٌنٌن تمطر دماً‏ بدل<br />

الدموع.‏ عندبذ ستكون لد خسرت الكثٌر وتحطمت سمعتن على<br />

صخور لٌست ملساء،‏ دون أن تنتهً‏ حٌاتن.‏ أمثالنا من<br />

ٗ8ٖ


الممموعٌن ‏ٌستمتعون عندما ‏ٌمع بعض من علٌّة الموم فً‏ لبضة<br />

الشرطة،‏ وٌدعونهم ‏ٌنامون فً‏ السجن على األرض المذرة،‏ بٌن<br />

أنماط من الناس ال ‏ٌمكن أن تعاشرها فً‏ أحبلمن حتى لو<br />

عشت فترة فً‏ الجحٌم،‏ وخشٌت على نفسن من<br />

االؼتصاب.سؤلول لرجال األمن وأنا أصرخ زاجرة إٌّاهم على<br />

تؤخرهم فً‏ المدوم:‏ إنن وعدتنً‏ بإعطابً‏ المال شفمة وإحساناً.‏<br />

لكنن كنت وحشاً‏ جابعاً‏ ‏ٌرٌد منً‏ أن أكون ولٌمته وحده،‏<br />

فسارعتَ‏ إلى مداعبة مُإخرتً‏ لبل أن ندخل بٌتن،‏ كاشفاً‏ عن<br />

نواٌان الحمٌمٌّة المذرة وكدت أن تنجح فً‏ اؼتصابً،‏ لوال<br />

استشراسً‏ فً‏ الدفاع عن عفتً‏ ولٌمتً‏ اإلنسانٌّة.‏ هل ترٌد أن<br />

تجرب تلن اللمطة ‏"التلِفٌزٌونٌة"؟لل لً‏ رجاءً‏ بعٌداً‏ عن المشهد<br />

الذي رسمته لنَ‏ لبل لحظات:‏ أال تشتهً‏ مداعبتً‏ فً‏ لرارة<br />

نفسن؟!‏ أعتمد أن أألمر داعب أفكارن دون شنٍ‏ بل ربما فتّشت<br />

عن طرٌمة تدفعنً‏ بها إلى االؼتسال بؤفخر أنواع الصابون<br />

الذي تجلبه من بٌروت؟!‏ لرأتُ‏ ذلن فً‏ عٌنٌن مثلما تفعل لاربة<br />

الفنجان.‏ ترى هل أنت منحرؾ بطرٌمة ما؟!‏ لل لً‏ باسم ربِّن:‏<br />

منذ متى لم تضاجع امرأة وترمً‏ إلٌها بعض المال؟!‏ ألم تشعر<br />

‏ٌوماً‏ وأنت تفعل ذلن بؤنن تعٌد انتهاكها مرّ‏ ة أخرى،‏ مكرّ‏ راً‏<br />

الوصول إلى الذروة وسط تصفٌك جمهور المشاهدٌن المحٌطٌن<br />

بالمسرح على شكل دابرة؟!‏ لل لً‏ أرجون:‏ ألم تشعر باالرتٌاح<br />

عندما ألفلت الباب وراءها بعد أن أخذت حاجتن كاملة،‏ مإجبلً‏<br />

االؼتسال إلى ولت آخر كالنساء؟ّ!‏ أرى وجهن ‏ٌمطر منه<br />

الخوؾ.‏ إنن ال تستطٌع فهم كم أودّ‏ أن أضحن بصوت عالٍ،‏<br />

وأترن نفسً‏ تسترسل فً‏ الضحن حتّى ‏ٌستفٌك كلّ‏ الجٌران.‏<br />

أال تجد أن ذلن سٌكون مُمتعاً؟!‏ لكن رؼم مٌلً‏ إلى العران على<br />

حافة الهاوٌة،‏ علٌن أن تصدّق أنً‏ أحببتن ‏ٌا طفلً‏ العزٌز،‏ بل<br />

ٗ8ٗ


ربّما لن أستطٌع طردن من وجدانً‏ ‏ٌوماً.‏ إذا كانت السماء<br />

موجودة حماً،‏ أرٌد من كل للبً‏ أن نلتمً‏ ‏ٌوماً‏ هنان.‏ فربما<br />

‏ٌكون لديَّ‏ ما أوضحه للطبٌب النفسً‏ ما استعصى علًَّ‏ شرحه<br />

اآلن.‏ إذ أعتمد حماً‏ أن عامل اللؽة لن ‏ٌتبمّى له وجود هنان.‏<br />

ال تتمادي،‏ إن كبلمن ‏ٌطرح بنفسه الكثٌر من الشبهات.‏ الحب<br />

وعدم االحترام ال ‏ٌتعاٌشان ‏ٌا طفلتً‏ الؽشٌمة.‏ أال تعرفٌن ذلن؟!‏<br />

هل تستطٌع أن تشرح األمر ببطء وإٌجاز؟!‏<br />

ال بؤس سؤحاول.لنفترض أنن ال تعرفٌن ؼٌر أمّن.‏ أما أبونِ‏<br />

فمد لرر أن ‏ٌؽادر البٌت وال ‏ٌعود مطلماً.‏ رعتن أمن حتى بلؽت<br />

الخامسة عشرة من العمر أو أللّ‏ من ذلن.‏ فً‏ تلن األولات<br />

اكتشفتِ‏ أنن وإخوتن الصؽار كنتم تعٌشون من المال الذي<br />

تكسبه والدتن من الدعارة.‏ أنت تحبٌن أمن كثٌراً،‏ ماذا<br />

ستفعلٌن؟!‏ لمد تلمٌّت صفعة زلزلت كٌانن دون شن.‏ إذ إن أمن<br />

كانت تعٌش تنالضاً‏ مرٌعاً،‏ فمن جهة علّمتكم المبادئ السابدة فً‏<br />

المجتمع بل كانت تشدد على تطبٌمها ومراعاتها ومن جهّة<br />

أخرى كانت تُبٌح لنفسها التصرّ‏ ؾ كما تمتضً‏ الظروؾ.‏ ماذا<br />

ستمولٌن أو تفعلٌن؟!ربّما أخذن التفكٌر إلى ضرورة مواجهتها<br />

وإٌماؾ كلّ‏ شًء عند هذا الحد.‏ لكنن لم تتمكّنً‏ من اإللدام على<br />

ذلن،‏ إذ ربّما وأنتِ‏ تركضٌن وراء أفكارنِ‏ المشوّ‏ شة تعثّرتِ‏ بما<br />

اعتبرته عذراً‏ ‏ٌمكنه إنماذن وإنماذها ترى هل سٌبمى حبّن لها<br />

كما كان تماماً؟!‏ أم ‏ٌبدأ الصراع فً‏ أعمالن الذي ‏ٌمكنه أن<br />

‏ٌؤخذن إلى أي شًء لتنتممً‏ من ذلن الخداع الذي عشتِ‏ فٌه مع<br />

إخوتن الصؽار،‏ ولم تكتشفٌه إالّ‏ مصادفة.‏ عندبذ لد تفعلٌن أ ‏ّي<br />

ٗ8٘


شًء،‏ اعتباراً‏ من إزهاق الروح،‏ أو الهرب من تلن المدٌنة<br />

التً‏ تحتمركم ظناً‏ منها أنكم كنتتم تعرفون جمٌعاً‏ كل ما كان<br />

‏ٌحدث،‏ ولكنكم فضّلتم السكوت وإؼماض عٌونكم فمد كنتم<br />

صؽاراً‏ ال حول لكم وال لوة لتردوا هذه اإلهانة عن أرواحكم أما<br />

اآلن ولد اكتشفتم ما كان ‏ٌحدث ماذا ستفعلٌن؟!إن تدبٌر لممة<br />

العٌش ال ‏ٌعدّها الرب عذراً‏ لبٌع الجسد وال لفمدان الكرامة<br />

اإلنسانٌّة.‏ أما إن فكّرتِ‏ ملٌاً،‏ ربما ستفضلٌن أن تكونً‏<br />

انتهازٌّة،‏ وتمرّ‏ رٌن التؽاضً‏ عن األمر والصمت،‏ عندبذ<br />

ستخسران أنت وأمن.‏ إذ إنها ستفمد حبن واحترامن،‏ وأنت<br />

ستكرهٌن نفسن وتبتعدٌن عنها.‏ ترى ألن تفكّري إلى ماذا<br />

سٌإول مصٌر إخوتنِ‏ ؟!‏<br />

إنن بارع ‏ٌا أٌها الطبٌب الكبٌر.‏ دعنً‏ أًتابع ما كنت ألول:‏ نعم<br />

أشعر كمن مشى أكثر من نصؾ الطرٌك للوصول إلى ذلن<br />

الحب الذي ال ‏ٌمكن االنفكان عنه.‏ أنت بالتؤكٌد ال ‏ٌمكنن<br />

تصدٌك ذلن،‏ افعل كما تشاء.‏ لكن دعنً‏ أسؤلن:‏ هل كانت أمّن<br />

ملكة على الجان والجنٌّات من أيّ‏ صنؾ كانوا؟!‏ ثمّ‏ سبمتْ‏ ،<br />

فخلعت الثٌاب الملكٌّة الثمٌلة حتّى تعرّ‏ ت على مسرح ‏ٌؽشوه<br />

الضباب،‏ كً‏ ال ‏ٌظهر منها سوى لدمٌها وحلمتً‏ ثدٌٌها؟!‏ ترى<br />

هل صحٌح أنها رلصت عارٌة وسط الضباب،‏ على مسرح<br />

مرتفع للٌبلً‏ ‏ٌطل على جمهور دُعً‏ لمشاهدة فصل ؼرٌب،‏<br />

ربّما سٌتبدى فٌه الجنون واإلبداع أو ما ‏ٌخلطهما معاً؟!‏ إن لم<br />

تكن حاضراً‏ فسٌكون لد فاتن الحضور اإللهً.‏ أرجون لل لً:‏<br />

هل كانت فعبلً‏ ال تحب الرجال،‏ وأنت ولدت من ؼبار الطلع؟!‏<br />

ألم تسمع أنه لد لٌل:‏ إنن المسٌح الكذّاب؟!‏ ترى هل صرختَ‏<br />

فً‏ لطٌع من الخنازٌر،‏ فؤجفلتها دافعاً‏ إٌّاها إلى التراكض كؤن<br />

ٗ8ٙ


أفاعً‏ لد لسعتها،‏ بحٌث لم تنتبه إلى المنحدر،‏ فتجاوزته وهوت<br />

إلى وادٍ‏ ال لرار له تاركة المدٌنة فً‏ حٌرة من أمرها من هذه<br />

األصوات المرعبة وهً‏ تتملّب فً‏ ذلن المنحدر متّجهة إلى<br />

حتفها؟!‏<br />

ال شن أنن جنٌّة لبٌمة ‏ٌسكن الشٌطان نفسه فً‏ كٌانن كلّه<br />

وٌتبلعب بنِ‏ كما ‏ٌشاء.‏<br />

ال تعرض نفسن للسخرٌة أرجون.‏ تولؾ عن الكبلم<br />

واسمعنً،‏ فلن ‏ٌتاح لن تلمّس هذا المشهد بعد الٌوم.‏ ال تجعلنً‏<br />

أتلذذ فً‏ االستمرار بتملٌل احترامن.‏ ألم ت ‏َر أنً‏ أعٌش وأنام<br />

وسط الشٌاطٌن؟!‏ لمَ‏ ال تفهم أنً‏ أستطٌع بصفٌر معٌّن أن<br />

أجعلهم ‏ٌتظاهرون أمام بٌتن هاتفٌن بهتافات ستجعلن تهرب إلى<br />

ألاصً‏ المعمورة؟!‏ هل ترٌد دفعً‏ إلى الظن أن حاجزاً‏ ما<br />

‏ٌنتصب فجؤة بٌنن وبٌن عملن؟!‏ اجلس على الدرج أرجون،‏<br />

ودعنً‏ أبحث عن معبدٍ‏ ضابع فً‏ أعمالً‏ لعلّنً‏ أهتدي وأصلًّ‏<br />

فٌه.‏ إنه لٌس كمعبد الٌهود الذي هدم بٌسر،‏ أما معبدي فهو<br />

عصًّ‏ على الهدم،‏ فمد لال هللا نفسه ذلن.‏ أنا لست شرّ‏ ‏ٌرة كما<br />

تظن.‏ افتح صدري وسترى أالّ‏ أصنام فً‏ معبدي،‏ إنه ‏ٌشٌر إلى<br />

الطرٌك السلٌم الذي علًّ‏ اتّباعه،‏ دون النظر إلى الوراء.‏ حاول<br />

أن تفهم هذه الدنٌا،‏ وتدرن أنن ستتحمّل أخطاء مشاعرن،‏ أو<br />

مسإولٌّة رإٌة ضوء سراج موؼل فً‏ البعد،‏ ‏ٌظهر بٌن حٌن<br />

وآخر فً‏ نهاٌة الطرٌك.‏ من ‏ٌدري؟!‏ فربّما ‏ٌكون سراباً‏ ‏ٌتبدّى<br />

فً‏ اللٌل،‏ فٌلمً‏ بالرعب فً‏ للوب من ‏ٌعاٌنونه.‏ لهذا بمً‏<br />

مكتوماً‏ دون أن ‏ٌعرؾ عنه أحد شٌباً،‏ أو لعلّه شهاب أسمطه<br />

صحن طابر لٌستكشؾ عمّ‏ إذا كنا ما نزال نحتفظ بؤسرار.‏ إنهم<br />

ٗ87


‏ٌحتاجون أن ‏ٌعرفوا كل شًء عن كوكبنا،‏ وما فً‏ رإوسنا من<br />

أالعٌب لم تلتمطها بعد مجسَّاتهم.‏ لكن ماذا لو كان ذلن النور<br />

البعٌد أراده هللا كنداءٍ‏ لبلستؽاثة؟!‏<br />

تمدّمت الصبٌة ببطء وسط انشداه ‏"زٌاد"‏ وربما خوفه أٌضاً،‏<br />

وولفتْ‏ عند مطلع الدرج تداعب الدرابزٌن المإلّؾ من الحدٌد<br />

المشؽول ببراعة وذوق رفٌع مرهؾ ومدهش.‏ كانت الفتاة تفعل<br />

ذلن بطرٌمة محترفة،‏ وهً‏ مؤخوذة بكلٌّتها تماماً‏ بما تراه أو<br />

تشعر به.‏ بل ربّما تركت شبحها حٌث كانت وذهبت هً‏ إلى<br />

مكان آخر.‏ ذهلتُ‏ ودخلتُ‏ عمٌماً‏ فً‏ هذا االنخطاؾ الذي طار<br />

بً‏ إلى وسط ؼابة ‏ٌداعبها الضباب،‏ ولٌس فٌها من ‏ٌمرض<br />

الشعر سوى العصافٌر.‏ كنت حماً‏ ال أدري كٌؾ ‏ٌمكن أن ‏ٌحدث<br />

كلّ‏ ذلن؟!‏ لكن األمر بدأ بالتطوّ‏ ر وأخذ وجهها ‏ٌمور وتتؽٌّر<br />

المعانً‏ التً‏ تُخرجها تماطٌعه لحظة بعد لحظة،‏ ثمّ‏ تسودها<br />

لثوانٍ‏ حٌرة تختلط بؤلم عمٌك.‏ ثمّ‏ تسكن مبلمحها وٌلوح شبه<br />

ابتسامة تنضح حزناً،‏ ‏ٌجعلن تتوق لمشاركتها ما ‏ٌعتمل فً‏<br />

أعمالها حتى لو كان حزنؤً‏ دفٌناً‏ استفاق فجؤة وطلب من ك ‏ّل<br />

الؽرباء التً‏ تسكن تلن األعماق أن تخلً‏ المكان لٌمكنه وحده<br />

التمتع بهذه الفسحة الموحشة لٌس طوٌبلً.‏ إنن تندفع باحثاً‏ عن<br />

مخرج ‏ٌتٌح لن مماومة الطارئ الذي ظننت أنن كنسته منذ زمن<br />

ال ‏ٌمكن أن ‏ٌعدّ‏ أنه كان لصٌراً.‏ الشٌطان زعك وولّى األدبار.‏<br />

صدّلونً‏ إن للت لكم:‏ إن من كنت أرالبها وأترلّب كلّ‏ ما<br />

تحاول استخبلصه من أعمالها وتخرجه إلى النور،‏ لم أعد أراها<br />

رؼم أنً‏ التفتُّ‏ إلى كل مكان.‏ إذ انتصبت امرأة حمٌمٌّة تتنبّع<br />

منها الشهوة،‏ تماتل وتتعرّ‏ ق وهً‏ تناضل بشراسة لم أر لها<br />

نظٌراً‏ من أجل أالّ‏ ‏ٌنتهن كرامتها أحد،‏ ساعٌة وراء هدؾ شدٌد<br />

ٗ88


الؽموض،‏ وكلّ‏ ما تعرفه عنه أنه ‏ٌسكن بعٌداً‏ جداً،‏ أنا بالطبع ال<br />

أعرؾ أٌن وفً‏ أي اتجاه ‏ٌمكن أن ‏ٌكون؟!‏ ولكن ربّما مع<br />

الولت أصبح صعب المنال،‏ أو تبلشى من الوجود تماماً‏ أو<br />

جرى احتبلله من بعض الفمراء وجعلوه مسكناً‏ لهم من<br />

‏ٌدري؟!أنا ال أستطٌع وصؾ وجهها عندما كانت تبحث عن<br />

ذكرٌاتها،‏ كما أنً‏ لست متؤكّداً‏ إن كان لدٌها ذكرٌات.‏ إنه أمر<br />

بالػ التعمٌد وٌكاد ‏ٌسلخ جلدي ببطء متلذّذاً.‏ لكن األسبلة كانت ال<br />

تزال تتجاوزنً،‏ كؤنها لنابل ضد الؽوّ‏ اصات كانت تهز<br />

األعماق،‏ وتخٌؾ األسمان الصؽٌر والكبٌرة وتناشدنً‏<br />

الكتشاؾ ما تعانٌه رجولتً‏ بٌن ولت وآخر،‏ وترفض هذا<br />

االستهتار بذكورتً.‏ أعتمد أنً‏ كنت أٌضاً‏ عالماً‏ فً‏ شِبان بالػ<br />

التعمٌد مختلؾ،‏ أحاول التخلّص من ذلن العنكبوت العجٌب الذي<br />

‏ٌستطٌع المفز بسهولة إلى أي مكان فً‏ حصنه،‏ محاوالً‏ ترتٌب<br />

سجنً‏ بشكل البك.‏ لست أدري كٌؾ تؽاضٌتُ‏ عمّا كان ‏ٌحدث،‏<br />

تاركاً‏ المٌادة لتفكٌري الذي كان ‏ٌشدّنً‏ إلى مكان آخر،‏ حٌث<br />

وجِ‏ دتُ‏ نفسً‏ مع تلن المرأة الرابعة الجمال التً‏ عاٌنتُ‏<br />

شراستها للتو،‏ ولوّ‏ ة تصمٌمها على تنفٌذ ما ترٌد.‏ ذهب خٌالً‏<br />

بً‏ إلى حٌث تكمن رؼباتً‏ الدفٌنة،‏ منتمٌاً‏ شٌباً‏ ما ممّا تحبّه،‏<br />

مفترضاً‏ أن اللماء تمّ‏ فً‏ مكان أنٌك ‏ٌمكن لجم األنوار فٌه،‏<br />

وٌجعل خجلها ‏ٌخلك إثارة مختلفة تكاد أن تعلن عن أنها ال<br />

تشعر بمعنى وجودها فً‏ ذلن االحتفال.‏ ال أعرؾ من أٌن<br />

استمدّدتُ‏ تلن الجرأة.‏ ربّما كنّا فً‏ تلن اللٌلة منتشٌن سلفاً،‏<br />

نتحدّث عن الموسٌمى وما تثٌره من أفكار وأحبلم ‏ٌمظة ممتزجة<br />

بمختلؾ الرؼبات التً‏ نعرفها والتً‏ ال نعرؾ عنها شٌباً،‏ كان<br />

حدٌثاً‏ دون جدوى.‏ أنا ال أستطٌع أن أنكر أنه كان ممتعاً.‏ كما لم<br />

‏ٌكن من الممكن أن أؼفل عن ذكر أننا كنا نبتلع بتإدة أفخر<br />

ٗ89


أنواع الوٌسكً.‏ فجؤة رأٌت الجمال كلّه ‏ٌزحؾ إلً‏ دون عجلة<br />

أو بطء.‏ كان ‏ٌفعل كلّ‏ ما بوسعه لٌظهر أنه ‏ٌمصد التودّد،‏ ولٌس<br />

شٌباً‏ آخر.‏ لكن ذلن كان ‏ٌحدث بطرٌمة ترفض أن ‏ٌكون للحٌاء<br />

وجود،‏ التربتْ‏ كثٌراً‏ مإ ‏ّكدة مرةً‏ أخرى أن الخجل خجِ‏ ل وخرج<br />

من التارٌخ منذ ولت طوٌل.‏ جفلتُ‏ ونجحتُ‏ فً‏ إخفاء ذلن.‏<br />

الحمٌمة أنً‏ لم أحسب لهذا االحتمال حساباً،‏ مستؽرباً‏ كٌؾ فاتنً‏<br />

أن التارٌخ كان دابماً‏ انتهازٌاً،‏ ولد سارع إلى التمرّ‏ ن على<br />

الركض بٌنما كان ‏ٌممته.‏ لكن الولاحة أصرّ‏ ت على مرافمة<br />

تطور المشهد بحٌث أخذت المرأة لبلة طوٌلة من أسفل عنمً.‏<br />

فً‏ تلن اللحظة ال أستطٌع أن أنكر أنً‏ استمتعتُ‏ بذلن إلى حدٍ‏<br />

ال ‏ٌمكن نكرانه.‏ لكنً‏ فجؤة دون أن أدري كٌؾ،‏ رأٌت نفسً‏<br />

ألع على األرض،‏ وترتمً‏ فولً‏ تلن المرأة وتبدأ بفن أزرار<br />

لمٌصً‏ بتإدة.‏ لم أرد فً‏ أول األمر تصدٌك ما ‏ٌحدث وإلى أٌن<br />

سٌإول األمر،‏ رؼم أن ذلن أثّر فً‏ كٌانً‏ وأخذتُ‏ أتصبّبُ‏ عرلاً‏<br />

وأنا أحاول التملص منها برفك،‏ لكنها فجؤة لبضت على عضوي<br />

بٌنما كنت أزحؾ على ظهري ‏ٌمنة وٌسرة،‏ فتولفت عن الزحؾ<br />

مظهراً‏ لها أنها ال تستطٌع العمل بهذه الطرٌمة ومن واجبً‏<br />

تنبٌهها بؤنها ستإذٌنً‏ أذ ‏ًى حمٌمٌاً.‏ للت ذلن بحزم لم أعهده فً‏<br />

نفسً،‏ بل إنً‏ فً‏ الحمٌمة أردتُ‏ إظهار رفضً‏ لهذه الطرٌمة<br />

فً‏ جرّ‏ ي إلى مضاجعة سولٌّة خالٌّة من التوق وملٌبة باندفاع<br />

حٌوانً‏ لجر فرٌسته إلى مكان مبلبم للنهش واالستمتاع الذاتً‏<br />

البؽٌض.‏ لطالما أدرك ‏ُت إن مشاعري رفضت دابماً‏ تسلٌم مفتاح<br />

أعمالها إلى اآلخرٌن.‏ بان علًَّ‏ المرؾ وامتؤلت مبلمحها<br />

بالؽضب.‏ فتركتنً‏ ممتعضة ‏ٌملإها شعور بالمهانة والذل من<br />

رفض الشهوة لبللتحام إ ‏ّال بطرٌمتها،‏ وولفت محاولة إصبلح<br />

هندامها وإزالة ما علك على ثٌابها من السجّاد الفاخر.‏ عندما<br />

ٗ9ٓ


انتملت إلى هذا المولؾ وشعرت بؤنها أصبحت وسط الحرج،‏<br />

ولٌس علٌها أن تبمى فً‏ هذا المكان حتّى ال تزٌد الوضع سوءاً.‏<br />

لكن ما كان ‏ٌضبط أعصابها أخذ ‏ٌتفكّن،‏ فخرجت األفاعً‏<br />

من أوكارها،‏ وسرحت مستمتعة بالحرّ‏ ‏ٌة التً‏ حصل علٌها<br />

مزاجها وبان عري أعماق تلن المرأة وظهر فشل نٌّتها فً‏<br />

اؼتصابً،‏ وبدوت فً‏ داخلً‏ كمن ‏ٌعانً‏ من مشكلة حمٌمٌّة<br />

جنسٌّة ال ‏ٌُعرؾ مصدرها الحمٌمً،‏ وعلً‏ متابعة هذا الموضوع<br />

ومبلحمته بجدٌّة،‏ فإذا كنت أعانً‏ من مشكلة فٌزٌولوجٌّة أو<br />

نفسٌّة ال بدّ‏ من خضوعً‏ للعبلج.‏ إنه أمر ال ‏ٌجوز التهاون فٌه.‏<br />

كنت فً‏ ذلن الولت ال أزال فً‏ مكانً‏ أفكر فً‏ أمور كثٌرة،‏<br />

ومنها أن أمً‏ لم تتولّؾ عن مبلحمتً‏ من داخل لبرها.‏<br />

الترب ‏"زٌاد"‏ من الفتاة وهو ‏ٌفكر بؽرابة ما ‏ٌحدث أمامه<br />

وٌتساءل:‏ ترى هل ‏ٌُمكن أن تملن هذه الفتاة تارٌخاً‏ نسٌته بسبب<br />

حادث ما،‏ أو إنها واجهت أمراً‏ صدمها بشدّة وجعلها تتنصّل<br />

وترفض كلّ‏ ذكرٌاتها،‏ معتبرة إٌّاها شٌطاناً‏ رجٌماً‏ سٌحوّ‏ لها إلى<br />

شبح ‏ٌهٌم فً‏ كلّ‏ مكان دون أن ‏ٌعرؾ وجهته!!‏ ثمَّ‏ هل ‏ٌستطٌع<br />

عمرها أن ‏ٌكوّ‏ ن تراكماً،‏ بٌنما لد أكّدت منذ ولت لصٌر أنها<br />

لطالما كانت مشرّ‏ دة،‏ كما أنها ال تذكر شٌباً‏ عن أمّها أو أبٌها<br />

حسب لولها؟!‏ المشكلة أنه كان متؤكّداً‏ أن ما كان ‏ٌراه أمامه لم<br />

‏ٌكن تمثٌبلً.‏ بل إنه شاهد الصبٌّة تدخل فً‏ تحوّ‏ الت تتناولها من<br />

الداخل إلى الخارج،‏ وتعود لتعكس مسٌرتها بدءاً‏ من الخارج<br />

إلى الداخل.‏ كما أنها لم تتلفّظ بكلمة واحدة تشٌر إلى ما أحدثه<br />

المدخل وجمال الدرابزٌن وأنالته المُمٌزة فً‏ أعمالها،‏ كؤن ما<br />

جرى هنان سرٌّ‏ شخصًّ‏ ال ‏ٌمكن التفرٌط به وال الكشؾ عنه<br />

مطلماً.‏ أفضل الظن أنها أدركت للتو أنها بدأت فً‏ التحوّ‏ ل إلى<br />

ٗ9ٔ


امرأة.‏ لكن كلّ‏ ذلن لم ‏ٌستطع إلؽاء السإال الذي ‏ٌمول:‏ من أٌن<br />

لتلن الفتاة األمٌّة حسب ما تمول،‏ أن تملن المدرة على االنتباه<br />

إلى أن ما تشاهده ‏ٌنطوي على لٌمة مختلفة ال ‏ٌستطٌع تمدٌرها<br />

إالّ‏ المتمٌّزون الذٌن خبروا العمل االحترافً‏ وأدركوا لٌمته<br />

الفنٌّة والتارٌخٌّة.‏ ثمّ‏ لمَ‏ جعلها ذلن تضطرب ك ‏ّل ذلن<br />

االضطراب وتتؽٌر مبلمحها وتنسى تماماً‏ أنً‏ لربها وأرى ك ‏ّل<br />

ما كان ‏ٌجري؟!‏ ثم تركع رافعة ‏ٌدٌها إلى األعلى كؤنها تتضرّ‏ ع<br />

وتبتهل،‏ راجٌة شٌباً‏ من الرب.‏ ترى ماذا تعرؾ تلن المشرّ‏ دة<br />

عن هللا ومن حدّثها عنه حدٌثا مستفٌضاً؟!‏ أثار كلّ‏ ذلن<br />

تساإالت جمّة تناولت عمله ونشرت فٌه إرباكاً‏ جعله ‏ٌضٌّع<br />

السبٌل الذي علٌه اتّخاذه لفهم تلن الحالة التً‏ تتمسرح أمامه<br />

دون أن ‏ٌستطٌع فنّ‏ ألؽازها.‏ كما نبشت كل الشكون التً‏ كانت<br />

نابمة فً‏ أعماله وبعثرتها هنا وهنان حتى لارب الٌؤس فً‏<br />

محاولة لملمتها.‏ بل إن كل ما جرى انعكس وعاد لٌشعل أسبلة<br />

جدٌدة ال أجوبة لها فً‏ ما درسه وما ‏ٌزال ‏ٌطالعه وٌتمحّصه<br />

بتإدة.‏ لكن فجؤة تراجعت الفتاة إلى الخلؾ كمن لسعتها أفعى<br />

ولالت:‏ عذراً‏ أٌها السٌّد،‏ ‏ٌبدو أنً‏ تمادٌت،‏ وما اعتمدتُ‏ أنً‏<br />

لمحته أو لمسته مشاعري تبخر وانمشع تاركاً‏ إٌّاي وسط عتمة<br />

حالكة.‏ اؼفر لً‏ سذاجتً،‏ فؤنا لم أعد أستطٌع متابعة إزعاجن،‏<br />

أرجو أن ‏ٌتّسع للبن لمسامحتً،‏ إذ إنً‏ لم أعد أستطٌع تفسٌر ما<br />

سبّبته لن من اضطراب.‏ كما أنً‏ ربما أكون فمدت التحكم فً‏<br />

تصرّ‏ فاتً.‏ أنا كما أعرؾ نفسً،‏ ال أستطٌع أن أخرج من<br />

داخلً‏ سوى الترّ‏ هات.‏ كنت أشعر منذ فترة بؤن روحاً‏ تدور<br />

حولً‏ كؤنها ترٌد إخباري بشًء،‏ أو إنها كانت تهٌم وتبحث<br />

ربّما عن بداٌة طرٌك أضاعته.‏ عندما رأٌت هذا المدخل الجمٌل<br />

أحسستُ‏ باالرتبان،‏ لكنها دفعتنً‏ بخشونة آمرة إٌّاي أن ألمس<br />

ٗ9ٕ


الدرابزٌن بنعومة وأترن مشاعري تنساب كما تشاء.‏ لم أعهد<br />

أن روحاً‏ أطلمها الربّ‏ ‏ٌمكن أن ‏ٌصدر عنها أمر محشو<br />

بالعنؾ؟!‏ بل كٌؾ ‏ٌحصل لروح أرسلها الخالك لضبط الحٌاة<br />

ولجمها عن الجنوح واالنحراؾ إلى خارج السكّة التً‏ توصل<br />

إلى الهدؾ،‏ أن تتمرد وتحاول معاكسة االتجاه الذي وجّهت<br />

إلٌه؟!‏ أما ما حدث لمشاعري فكان ازدٌاداً‏ فً‏ اإلبهام الذي<br />

عاٌشته وشربت مُ‏ ‏ّره.‏<br />

أرجون أرٌد العودة إلى المكان الذي جبتُ‏ منه،‏ فهنان<br />

أصدلابً‏ الذٌن نشؤت بٌنهم واعتدت على سماع شتابمهم كؤنها<br />

أؼانٍ‏ تتكلّم من الملب إلى الملب.عذراً‏ من جدٌد مع الرجاء أالّ‏<br />

تمسو علًَّ‏ فً‏ أفكارن.‏ جُلّ‏ ما أطلبه أن تطلمها لترتفع فوق<br />

السحب وتفتش معً‏ بكل ما تعرفه عن األطٌاؾ أو تلن األمور<br />

الخفٌة التً‏ تعٌش معنا ونشعر بها دون أن نراها.‏ أرجو منها أن<br />

تساعدنً‏ فً‏ التعرّ‏ ؾ إلى من طرحنً‏ فً‏ هذه الدنٌا دون أن<br />

‏ٌترن أثراً.‏ لل لً‏ أرجون كٌؾ رأٌت بارٌس،‏ وكٌؾ أحببتَ‏<br />

كاترٌنا واحبتن فً‏ الخمس الدلابك األولى،‏ إنً‏ ال أزال أراها<br />

فً‏ أحبلمً‏ ؼافٌة وسط الزهور.‏ ضربت هذه الكلمات ‏"زٌاد"‏<br />

كالصاعمة وجعلته ‏ٌتدحرج على الدرجات األربع األخٌرة من<br />

السلّم حٌث كان جالساً.‏ لكن عندما استمر فً‏ نهاٌته كان مؽمض<br />

العٌنٌن أصفر الوجه كؤن الدماء ؼادرته إلى ؼٌر رجعة.‏ ثمّ‏ أخذ<br />

‏ٌرتجؾ وتخرج من فمه كلمات ال معنى لها.‏<br />

لالت له:‏ ماذا تفعل لم ‏ٌعد أحد من األطفال ‏ٌلعب هذه اللعب<br />

التً‏ تعود إلى الطفولة األولى.‏ هٌا لم فؤنا سؤعود من حٌث<br />

أتٌت،‏ فمد تبٌن لً‏ أنً‏ ال أستطٌع االبتعاد عن أصدلابً‏ كلّ‏ هذه<br />

ٗ9ٖ


الفترة.‏ لمد اشتمت إلى فراشً‏ ؼٌر الوثٌر.‏ لكنها فجؤة أمعنت<br />

النظر إلى ‏"زٌاد"‏ ورأت فٌه ما أخافها،‏ فصرخت ثمّ‏ وضعت<br />

‏ٌدٌها على فمها فً‏ محاولة لؽلمه كما تفعل النساء عادة.‏ فكّرت<br />

لحظات ثمَّ‏ صفعته على الخدٌن لٌس بموّ‏ ة ‏ٌُخشى منها.‏ عندما<br />

فتح عٌنٌه رآها جالسة على بطنه:‏ صرخ جفبلً‏ ماذا تفعلٌن هنا،‏<br />

ومن أشار إلٌن أننً‏ لد ألبل بهذا؟!‏<br />

كنتُ‏ أحاول إرؼامن على االستٌماظ من ؼفوتن المفاجبة.‏ هٌا<br />

بنا نصعد إلى فوق.‏<br />

هل لُلتِ‏ ؼفوة؟!‏ عن أٌّة ؼفوة تتحدّثٌن؟!‏ هل تعنٌن أنً‏ فمد ‏ُت<br />

وعًٌ؟!‏<br />

ال طبعاً.‏ لمد نزلت إلى أسفل الدرج وأؼمضتَ‏ عٌنٌن<br />

واحدة ثمَّ‏ فتحتهما.‏ هل ‏ٌعنً‏ ذلن أنن فمدت وعٌن؟!‏<br />

دلٌمة<br />

ماذا كنتِ‏ تمصدٌن عندما تحدثتِ‏ عن بارٌس<br />

الحبٌبة؟!‏<br />

وكاترٌنا<br />

من أٌن لً‏ أن اتحدّث عن بارٌس؟!‏ إنً‏ ال أراها فً‏ أحبلمً‏<br />

كما إنً‏ ال أعرؾ بنتاً‏ أو امرأة اسمها كاترٌنا.‏ هل تُنتج دلٌمة<br />

واحدة حلماً؟!‏<br />

نعم،‏ الدلٌمة ولت طوٌل.‏<br />

ٗ9ٗ


احتارت تلن الفتاة وأدركت أنها ارتكبت خطؤً‏ عندما تركت<br />

نفسها تنزلك وتتابع لعبتها إلى أن أصبحت لؽزاً.‏ فمد أدركت<br />

أنها ستترن وراءها مشكلة كبٌرة.‏ هكذا بذلت كلّ‏ الجهد الممكن<br />

كً‏ تخفً‏ ما لالته عن بارٌس وكاترٌنا،‏ إنها ال تزال ال تدرن<br />

كٌؾ رأتهما فً‏ الفراش معاً،‏ وكذلن كانت ال ترٌد أن ‏ٌشعر<br />

أحد بؤن ما تفعله تموم به مرؼمة،‏ ومدركة أنها تطلب الرجوع<br />

لتنام وسط عصبة لم تتفك ‏ٌوماً‏ معها رافضة الدخول إلى حٌاة<br />

مختلفة محترمة.‏ إذ كٌؾ تكذب على نفسها وعلى الطبٌب<br />

وتوحً‏ بؤنها لم تسارع إلى اؼتنام الفرصة عندما الحت وتبعت<br />

الرجل الذي أعطاها الشعور باألمان،‏ رؼم أنها تعلّمت من<br />

الشارع الحذر الشدٌد.‏ المرء فً‏ مثل ظروؾ تلن الفتاة،‏ ال<br />

تمهله خٌاراته وال ‏ٌتبٌّن ما ‏ٌختار منها.‏ ربّما ‏ٌكون لدٌه بضع<br />

ثوانٍ‏ لٌمرر ماذا ‏ٌفعل.‏ إذ إن األمر خطٌر،‏ فمد ‏ٌماد إلى زٌادة<br />

التخبط،‏ أو ‏ٌإدّي إلى انفراج لد ‏ٌمكّ‏ ‏ِنه من دفع حٌاته إلى السكةّ‏<br />

الصحٌحة.‏<br />

ترى ماذا حدث واخترق ذهن تلن الصبٌّة الجمٌلة المراهمة<br />

همس ونشر فً‏ كٌانها كلّ‏ هذا االضطراب؟!‏ هل أخافها النعٌم<br />

الذي أشار إلٌه ذلن الدرابزٌن بوضوح كبٌر؟!‏ أم إنها ماكرة بما<br />

فٌه الكفاٌة وأفزعها ما ‏ٌنطوي علٌه األمر،‏ مدركة أنها لٌست<br />

مإهلة لتفهم كنه ما حدث وما سٌحدث لها فً‏ ذلن المستمبل<br />

المجهول الذي كانت تجر سالٌها بحثاً‏ عنه.‏ ثمَّ‏ ارتؤت اإلٌحاء<br />

مُتعمّدة بمدر ما تستطٌع أن تكون ممنعة محاولة اإلٌهام أنها<br />

ستكون مرتاحة،‏ رؼم إدراكها أن المكان الذي ستعود إلٌه<br />

سٌزٌد من تشوش أفكارها وتخبط أعمالها.‏ كانت تدرن أن السٌد<br />

سٌستمع إلٌها،‏ لكنه لن ‏ٌمبل بؤيّ‏ عذر لدّمته أو ستمدّمه.‏ وهً‏ لن<br />

ٗ9٘


‏ٌمكنها البماء فً‏ الؽموض إذ إنه ‏ٌشبه الفخ إن لم ‏ٌكن أشدّ‏ لسوة<br />

وخطراً.‏ كان همّها فً‏ تلن اللحظة أخذ فرصة ما لتفهم حمٌمة<br />

ما حدث لها،‏ وأثار شكوكها فً‏ شخصٌّتها وكٌانها.‏ ثمّ‏ إنها كانت<br />

تعرؾ أن طبٌب النفس الوالؾ أمامها وصل إلى حابط مسدود<br />

وأسبلة ال أجوبة لها.‏ لمد تعذّر علٌه تفسٌر ما رآه ‏ٌحدث أمامه،‏<br />

وتحدّثت عٌناه عن عجزه عن إحداث اختراق ما لكلّ‏ هذا<br />

الؽموض.‏ إذ إن فً‏ النهاٌة لٌس معموالً‏ على شخصٌّة مشهوره<br />

بعلمها واطّبلعها أن تعتمد على التكهن.‏ ال شنّ‏ أن الدكتور<br />

بعلمه وثمافته أصبح ‏ٌستطٌع الجزم أنه ال ‏ٌُمكنه تصدٌك الفتاة<br />

وال عدّها تتذكّر بعض األمور وتخفٌها عمداً.‏<br />

زٌاد ال ‏ٌمكننً‏ أن أنكر أنً‏ فكّر ‏ُت بالتممص.‏ لكن بعد الؽرق<br />

الطوٌل فً‏ األمر لم أجد لطعاً‏ ما ‏ٌربطها به.‏ أستطٌع المول<br />

ألشرن المارئ بما استمرّ‏ ت علٌه مشاعري ووصل إلٌه تفكٌري<br />

لذلن ألول:‏ إن الؽموض ال ‏ٌمكنه البماء طوٌبلً‏ سٌّد المولؾ.‏ كما<br />

أن ممّا ال شنّ‏ فٌه أن تلن الفتاة عاشت حٌاة ؼٌر طبٌعٌّة ولّدَت<br />

فٌها رفضاً‏ وخوفاً‏ عمٌمٌن،‏ فاشتاط فً‏ داخلها ؼضب عارم<br />

مؤلها اشمبزازاً‏ استمرّ‏ مع استمرار كلّ‏ ما حدث.‏ كان هذا<br />

طبٌعٌاً‏ وهو ‏ٌلمس ماا ‏ٌنتابها من رؼبات دفٌنة كثٌرة تنتابها،‏<br />

مدخلة إٌّاها بحرب ال هوادة فٌها للتخلّص ممّا كانت محشورة<br />

فٌه وٌكاد أن ‏ٌطبك على أنفاسها.‏ إن البماء مشتعبلً‏ أمر صعب<br />

احتماله،‏ فكان النسٌان التام ‏ِلما عاٌشته من إبهام حبلً‏ طبٌعٌاً‏<br />

تبدّى بخروج صارخ عن المؤلوؾ ‏ٌحمل تؤوٌبلت تُد ‏ِخل إلى<br />

ؼموض فتّان مُعتم لد ‏ٌتراءى لنا وجه من وجوهه ‏ٌظهر فٌه<br />

احتراش جنسً‏ من ألرب الناس إلٌها،‏ كلّ‏ ذلن أدخلها تحت<br />

وطؤة شعور باالضطهاد والعنؾ الشدٌد ‏ٌتخلل كل ذلن رابحة<br />

ٗ9ٙ


فم ‏ٌمضػ الثوم الملطخ بعفونة ؼرٌبة بمٌا لابعٌن فً‏ منخرٌها.‏<br />

هذا الوضع الرهٌب حفّز الضرورة إلى االنتباه والتفكٌر الهادئ<br />

ما أمكن،‏ حتّى الوصول إلى اإلدران أن الفتاة تملن منذ الصؽر<br />

شخصٌّة متمٌّزة،‏ عاشت فً‏ بٌبة ال تملن مشاعر إنسانٌّة حٌّة،‏<br />

أدَّت بها إلى إنضاج طبخة مؤلت كٌانها،‏ تبٌن أن مكوّ‏ ناتها<br />

التمرد والرفض اللذٌن شكّبل بالتؤكٌد خشبة الخبلص بحٌث<br />

تمخّض كل ذلن عن انبثاق دافع ‏ٌملن الموّ‏ ة والتصمٌم على<br />

المماومة الشرسة،‏ وعدم المبول بما جرى وٌجري.‏ ‏ٌختلط ك ‏ّل<br />

ذلن مع تنامً‏ رؼبة شدٌدة فً‏ مٌبلد حالة تإكّد باستمرار<br />

ألعماق تلن الفتاة المناضلة أن ما لٌل أنه حصل لم ‏ٌكن ‏ٌوماً‏<br />

لادراً‏ على الوجود.‏ هكذا كان ال بد من الهرب والتنصّل من ك ‏ّل<br />

الماضً‏ الذي عاٌشته والشخوص الذٌن كانوا محور حٌاتها،‏ ث ‏َّم<br />

الرحٌل بؤٌّة طرٌمة ممكنة إلى أيّ‏ مكان بعٌد.‏ حٌث ‏ٌتم هنان<br />

إبعاد تلن الؽٌمة السوداء التً‏ ربضت طوٌبلً‏ فوق البراءة<br />

وكادت أن تحولها إلى بإرة لبلنتمام من أيّ‏ امرئ ‏ٌوزّ‏ ع الكبلم<br />

المعسول ‏ٌمنة وٌسرة.‏ كلّ‏ هذا والكثٌر ممّا ال نعرفه أو ‏ٌمكن أن<br />

نعرفه الحماً،‏ ‏ٌعطً‏ تفسٌراً‏ إضافٌاً‏ للرعب الذي ‏ٌختبا فً‏<br />

أعماقٍ‏ من الصعب الوصول إلٌها،‏ وٌشدد على إؼبللها ذلن<br />

التصمٌم الذي تعمّر فً‏ تلن الفتاة بتإدة.‏ أنا ال أُدافع عن<br />

انشداهً‏ وال عن اهتمامً‏ وال على ما جعلنً‏ فً‏ حٌرة من<br />

أمري.‏ لكنً‏ ال أزال أفضل االبتعاد تدرٌجٌاً‏ عن هذه المسؤلة<br />

الشابكة بامتٌاز،‏ حرصاً‏ على أالّ‏ ‏ٌمودنً‏ ما عاٌشته إلى الطلب<br />

من العلم أن ‏ٌعٌد تنشٌط تلن األبحاث التً‏ لهثت طوٌبلً‏ وراء<br />

حلٍ‏ أو جواب عن اإلشكالٌة التً‏ تطرحها مسؤلة ‏"التممص."‏<br />

المشكلة أنً‏ كنت طول الولت أشاهد ما ‏ٌشبه مماطع ؼٌر<br />

مترابطة من فٌلم سٌنمابً‏ آلة عرضه فٌها خلل ما ال ‏ٌمكّنها من<br />

ٗ97


ضبط السرعة المطلوبة لحركة الشرٌط وٌعود بها إلى الصراط.‏<br />

ربّما لو أعطً‏ هذا اللماء الهادئ مدة كافٌة مرٌحة،‏ وخالٌة من<br />

العصبٌّة واالنحشار الخانك،‏ واألسبلة الكثٌرة المطروحة،‏<br />

وكذلن االستعجال الملح فً‏ طلب األجوبة،‏ ألول لربّما اختلفت<br />

النتابج بشكل كبٌر.‏<br />

علٌنا أن نفهم لمَ‏ تشعر تلن الصبٌّة بٌن حٌن وآخر بؤنها<br />

مخطوفة من لوً‏ ى ؼٌر مربٌّة دون أن تستطٌع التمٌٌز إن كانت<br />

شرّ‏ ‏ٌرة وتمصد األذى،‏ أم إنها خٌّرة تبؽً‏ الوصول بها إلى<br />

شاطا رملً‏ ؼٌر بعٌد إالّ‏ بضعة أمتار عن األشجار الكثٌفة<br />

التً‏ تستطٌع حماٌتها من الشمس الحارلة.‏ ترى هل تستطٌع تلن<br />

الفتاة تحمل هذه المؽامرة ؼٌر المحسوبة التً‏ ربّما دَفعنا إلٌها<br />

الفتاة عن حسن نٌّة.‏ أظن أن األفكار الكثٌرة التً‏ ال لِبل لها<br />

على احتمالها،‏ تماذفتها دون رحمة فً‏ تلن الهنٌهات التً‏ وجدت<br />

فٌها نفسها فً‏ مكان ال تعرفه،‏ وذكّرها بحلم بؽٌض رأت فٌه<br />

نفسها وسط عاصفة أضناها الصفٌر والزعٌك والعواء المنبعث<br />

منها،‏ كان العواء فٌها ‏ٌتردّد صداه فً‏ كلّ‏ الجهّات وٌزداد تكثًّفاً،‏<br />

ما ‏ٌإشّر إلى أنه لن ‏ٌهدأ لرٌباً،‏ آخذاً‏ بالتصاعد وٌكاد أن ‏ٌصمّ‏<br />

اآلذان.‏ أظن أن ذلن نشر الرعب فً‏ أعمالها،‏ وجعلها تخشى<br />

أن ‏ٌكون محمّبلً‏ بإنذار كان ‏ٌشعر به كٌانها منذ ولت طوٌل.‏<br />

لكن العاصفة لم تبك طوٌبلً‏ تاركة لرٌة جمٌلة تحترق وتتهاوى<br />

أمام الفتاة الوالفة مدهوشة وسط الخرابب التً‏ خلّفتها وراءها<br />

الرٌاح التً‏ جُنّت بؽتة،‏ وهدّأها ذلن االنمشاع السرٌع المذهل<br />

للؽٌوم ‏.الصبٌّة بمٌت مكانها فترة بعد أن أصبحت المرٌة أط<strong>بلا</strong>لً.‏<br />

وهالها أن تدرن أن هنان أنفساً‏ كثٌرة ال بدّ‏ أن تكون مدفونة<br />

تحت التراب،‏ كان المكان ممفراً‏ وهً‏ ال تستطٌع أن تفعل شٌباً،‏<br />

ٗ98


ال للذٌن ال ‏ٌزال فٌهم رمك،‏ وال ألولبن الذٌن لفظوا أنفاسهم<br />

األخٌرة.‏ لست أدري كٌؾ استمدت بعض الراحة من هنان،‏<br />

دون أن ‏ٌزٌل ذلن مُعظم توجّسها وخوفها.‏ فً‏ تلن اللحظة<br />

عادت إلى األرض التً‏ كانت تمؾ علٌها.‏ إذ إن السٌد أمسن<br />

بمعصمها ومنعها من التحرن لاببلً:‏ ألم تكتؾ بما حمّلتٌننً‏ من<br />

مسإولٌّة وتطلبٌن اآلن أن أترن أنثى ؼٌر راشدة تسٌر وحدها<br />

فً‏ هذا اللٌل البهٌم؟!‏ ماذا سٌمولون عنً‏ إذا حدث أيّ‏ شًء<br />

بؽٌض؟!بل بماذا سٌتهموننً؟!!‏ أرجون أن تكونً‏ عاللة،‏ انا<br />

ؼٌر مطمبن.‏ هٌا اصعدي،‏ وستستطٌعٌن ؼداً‏ أن تمرّ‏ ري البماء<br />

أو تعودي إلى أصدلابن بعد أن تتناولً‏ معً‏ طعام الفطور،‏<br />

ولبل أن تؤتً‏ ‏"فاطمة"‏ مدبّرة منزلً‏ وطبّاختً‏ المفضّلة.‏<br />

هل تسخر من أصدلابً؟!‏<br />

ما الذي دعانِ‏ إلى لول ذلن؟!‏<br />

لست أدري إذ إن هذا ما شعرت به عندما<br />

التً‏ تشٌر إلٌهم.‏<br />

تلفّظت بتلن الكلمة<br />

هل تُصْدلٌننً‏ المول إذا سؤلتنِ‏ سإاالً؟!‏<br />

بالتؤكٌد.‏<br />

أتشعرٌن بؤنهم أصدلاإن فعبلً؟!‏<br />

ولالت:‏ ال.‏<br />

فكّرت الصبٌّة بضع لحظات<br />

ٗ99


إذاً‏ كفانا كبلماً‏ ودعٌنا نصعد.‏ لمد حلّ‏ ولت النوم ‏.ألم تشعري<br />

بؤنن بحاجة إلى الراحة؟!‏ ألستِ‏ من هذا العالم وتتعبٌن كما<br />

‏ٌتعب كلّ‏ الناس؟!‏<br />

أظن أن ما تعلّمته فً‏ الجامعة األمرٌكٌّة فعل شٌباً‏ فً‏ عملن لم<br />

‏ٌكن إٌجابٌاً.‏ لل لً‏ أٌن سؤنام؟!‏ أعتمد أنن لن ‏ٌُمكننَ‏ تشكٌل<br />

الصورة التً‏ تعبر عن الفراش الذي تعبت أحبلمً‏ وهً‏ ترسمه<br />

طوال تلن السنٌن.‏ ترى هل ستتحمل عظامً‏ هذا الؽوص فً‏<br />

مخدع أمٌرة تتوق أن ‏ٌكون بجانبها رجل حمٌمً‏ عارٍ‏ كما خلمته<br />

أمّه؟!‏ ترى هل ‏ٌُمكننً‏ أن آمر بمتله فً‏ الصباح،‏ كما تفعل<br />

األمٌرات كً‏ ال ‏ٌبمى شاهداً‏ على تلن اللٌلة التً‏ أمدت أحبلمً‏<br />

بالعنبر زمناً‏ طوٌبلً؟!‏<br />

من أٌن جبتِ‏ بهذا الكبلم الذي ‏ٌتجاوز ك ‏ّل الحدود؟!‏ لم أعد<br />

‏ٌمكننً‏ أن أعرؾ من أنتِ.‏ نحن أهل العلم ال نإمن بالسحر وال<br />

بالذي ‏ٌستدعٌه،‏ لكنن سلبتِ‏ منً‏ تركٌزي وتبلعبتِ‏ بكٌمٌابٌة<br />

دماؼً.‏ ‏ٌبدو أنن أكثر من ساحرة وربّما أكثر من شٌطان<br />

أٌضاً.‏ تابعً‏ الصعود،‏ أنا ال أدري من درّ‏ بن على ك ‏ّل هذا؟!‏ أال<br />

‏ٌمكنن البوح عمّن ‏ٌسعى ورابً،‏ وماذا سٌستفٌد من رجل مسالم<br />

مثلً؟!‏<br />

أنا لم أفهم وال أعرؾ شٌباً‏ ممّا تمول.‏ تستطٌع أن تصدلنً‏ أو<br />

ترمً‏ بنفسن عرض الحابط.‏ إنً‏ أعترؾ بخطبً‏ عندما<br />

الحمتن.‏ األفضل لن أن تدرن أنً‏ ال أعرؾ لمَ‏ انجذبتُ‏ إلٌن؟!‏<br />

كما أنن ال تزال ‏"المؽناطٌس"‏ الذي ألتصك به بمتعة.‏ ربّما<br />

رأٌتن عدة مرّ‏ ات فً‏ أحبلمً.‏ رؼم أنً‏ لست متؤكدة حماً‏ ممّا<br />

٘ٓٓ


ألول.‏ لكن رابحة ذلن الذي كان ‏ٌزورنً‏ لبل الفجر،‏ تشبه<br />

الرابحة التً‏ أشمّها اآلن.‏ إن كنت تنوي البحث عن الحمٌمة<br />

علٌن البدء بتصدٌمً.‏<br />

ال بؤس،‏ أتركً‏ ذلن لؤلٌام،‏ فؤنا عدتُ‏ إلى نبش دماؼً‏<br />

ألتعرّ‏ ؾ على ما زال ‏ٌختبا فً‏ تبلفٌفه،‏ ربّما أستطٌع الوصول<br />

إلى شًء.‏ ستنامٌن فً‏ ؼرفة أمً،‏ وفً‏ فراشها.‏ هنان<br />

ستتعرفٌن على عطرها وستنامٌن لرٌرة العٌنٌن تحت مظلّة<br />

رابحتها.‏ انتنَّ‏ الجنٌّات مثلٌات الجنس ألٌس كذلن؟!‏ إنً‏ أعرؾ<br />

كٌؾ تراوؼٌن لتبعدي الشن عنن،‏ فؤنت دون شن ستشتهٌنها،‏<br />

ولكنن لن تجدي سوى وسادتها كً‏ تنهشٌنها،‏ لكن مرادن لن<br />

تنالٌنه أبداً.‏ إنها تسكن اآلن حٌث تظلّ‏ تسابٌح المبلبكة تصل<br />

إلى أسماعها.‏ ماذا بنِ‏ لمَ‏ تمتنعٌن عن الكبلم؟!‏ ألم ‏ٌرق لن أن<br />

أران تتمشٌن فً‏ الؽابة عارٌة كما خلمتن أمن،‏ تبحثٌن عن<br />

صٌد ثمٌن،‏ ولد ؼٌّرتِ‏ هٌؤتن وانملبتِ‏ إلى امرأة سمراء فابمة<br />

الجمال تداعب شجرة النخٌل كؤنها تشبه لضٌب إله من اآللهة<br />

المدٌمة!!‏ لن نعرؾ ما هً‏ ردود أفعال تلن الشجرة وما إذا<br />

انثارت وبدأت ثمار التمر تخرج من مكمنها لبل موعدها وترٌد<br />

أن تلحك بذلن الشهر الذي سمته تلن الشجرة التً‏ تلمت<br />

مداعبتن الحذلة شهر شهٌك الجنس.‏<br />

ٖٖ<br />

فً‏ الٌوم التالً‏ استفاق سٌّد البٌت،‏ واؼتسل دون أن ‏ٌنسى<br />

التعطر دون مبالؽة،‏ ماضٌاً‏ إلى ؼرفة الطعام،‏ كما ‏ٌفعل كل<br />

صباح.كانت المابدة معدّة واألطباق مرتّبة ترتٌباً‏ ‏ٌثٌر<br />

٘ٓٔ


االستؽراب والحٌرة،‏ وٌطرح أسبلة جدٌدة تزٌد ثمل الحٌرة<br />

والتشرّ‏ د التً‏ تمخّضتْ‏ عن اللٌلة الماضٌة وتجعل منهما أحجٌة<br />

حمٌمٌّة.‏ أنا ال أعرؾ أٌن كانت صحون ‏"اللٌموج"؟!‏ كما أنً‏ ال<br />

أعتمد أن أمًّ‏ استعملتها أكثر من مرة واحدة.‏ لكننً‏ بمٌتُ‏<br />

مصمّماً‏ على رفض المبول بما تشٌر إلٌه تلن الؽرابب التً‏<br />

عاٌشتها.‏ كما أعترؾ أن الحابط المسدود الذي ألؾ أمامه،‏ لد<br />

‏ٌخفً‏ وراءه حمابك لد ‏ٌمكنها خلخلة كٌانً‏ وتدمٌر شخصٌّتً،‏<br />

ولن ‏ٌمكننً‏ التصدّي لهذا األمر وحدي.‏ الظروؾ التً‏ تمر فٌها<br />

المنطمة العربٌة ال تسمح لها االنشؽال بمسؤلة فرعٌّة،‏ بٌنما<br />

الناس ‏ٌموتون فً‏ سبٌل رفع ؼدر األعداء عنهم،‏ والدفاع عن<br />

مستمبل أوالدهم الذي ‏ٌمثل الجٌل الجدٌد لسورٌة.‏ لكنً‏ على<br />

الصعٌد الشخصً‏ تعلّمت من اللٌلة الفابتة التً‏ كان نومً‏ فٌها<br />

للماً،‏ أن البحث عن الحمٌمة ‏ٌمتضً‏ الصبر وربّما المزٌد منه،‏<br />

واألفضل أن تحاول التمتع به أثناء بحثن المضنً‏<br />

الطب النفسً‏ ال ‏ٌزال ‏ٌواجه الصعاب للوصول إلى أعماق<br />

النفس البشرٌّة وٌبدو أن األمر سٌطول،‏ إن النفس مكان ؼامض<br />

لد ال ‏ٌمكن توجٌه النور إلٌه،‏ إذ إنن لد تهز أركانه وتجعله<br />

‏ٌناور مستدعٌاً‏ الظلمة لٌختفً‏ من جدٌد.‏ األمر ‏ٌحتاج إلى<br />

الهدوء وفهم عمٌك لحساسٌة األمر.‏ الصبر لد ‏ٌعنً‏ أن الرب لم<br />

‏ٌمرر بعد الكشؾ عن األسرار الكٌمٌابٌّة للطبٌعة النفسٌّة<br />

البشرٌّة ولد ال ‏ٌفعل ذلن إلى أن ‏ٌزول الزمن فً‏ اللحظة نفسها<br />

التً‏ ‏ٌحدث فٌها االنتمال.‏ إننا خاضعون لكل التفاصٌل مهما<br />

كانت متناهٌّة فً‏ الصؽر إلى أكبرها التً‏ سمح لها الرب أن<br />

تلعب دوراً‏ فً‏ وجودنا كله.‏ األمر بالػ التعمٌد ولكن بالرؼم من<br />

ذلن علٌنا أن نمضً‏ لدماً.‏<br />

ٕ٘ٓ


الصعاب التً‏ تنتظر العلم الجدٌد جبال عامودٌّة مرتفعة<br />

شاهمة ملساء مرعبة،‏ فلتطوٌعها وجعلها مُمكنة االجتٌاز،‏ على<br />

المدارس النفسٌّة المختلفة فً‏ كلّ‏ أنحاء العالم،‏ أن تتكاتؾ<br />

وتتبادل المعلومات من فوق الطاولة،‏ ألننا جمٌعاً‏ فً‏ عالم<br />

واحد،‏ ونحن بحاجة ماسة لهذا العلم الجدٌد وتطوٌره لبل أن<br />

تؤكل الكآبة العالم وتموت الزهور وٌجؾّ‏ الجمال فً‏ هذا<br />

الكون.‏ نحن نعرؾ أننا نتمدم ضمن إٌماع محدّد ال ‏ٌمكن حتى<br />

اآلن تجاوزه.‏ لنعمل على دفع األلوال عن التضامن واالجتماع<br />

على موابد المحبة والتكاتؾ حٌث نرحو من الرب أن ‏ٌدٌر<br />

وجهه صوبنا وتصٌر األلوال أفعاالً.‏<br />

إن لاموس العلم الجدٌد ‏ٌمبل مشاركة الجسد للروح،‏ وٌإمن أنه<br />

سٌتاح لهما أن ‏ٌنفصبل ‏ٌوماً‏ عن بعضهما بعضاً،‏ فٌذهب ما مآله<br />

إلى النتانة والفناء للدفن تحت التراب،‏ وتبمى الشخصٌّة<br />

اإلنسانٌّة الفذّة لترتّل ‏"هالٌلولٌا"‏ وتعً‏ كٌؾ كان مجدها دابماً‏<br />

مرتبطاً‏ بمجد هللا وتعبٌراً‏ عن الحرّ‏ ‏ٌة التً‏ ‏ٌتداخل معناها مع كلّ‏<br />

المعانً‏ السامٌّة،‏ وكٌؾ سٌكون ذلن الٌوم ممرّ‏ اً‏ احتفالٌّاً‏<br />

لمشاركة الرب أُلوهٌّته.‏ ربّما تتبلشى فً‏ ذلن الولت مؽناطٌسٌّة<br />

الكون،‏ وٌزول ما تبمّى من أجراس األعماق.‏ فً‏ ومضة<br />

سٌشعر بها كلّ‏ من فً‏ المبور أو خارجها،‏ معلنا العلًّ‏ بوساطتها<br />

إتمام خطّته،‏ وإعبلء شؤن الدٌممراطٌّة لتصبح لانوناً‏ إلهٌاً‏ ‏ٌحكم<br />

بٌن اآللهة دون وجودٍ‏ للحك بالنمض أو إمكانٌّة الؽضب والتفكٌر<br />

فً‏ االعتراض.‏ فً‏ تلن الهنٌهات سٌهرول الحاكم المذهول<br />

لٌمبِّل سجٌناً‏ خرج من السجن للتو وٌمول له:‏ إنً‏ آسؾ أرجون<br />

أن تمبل اعتذاري.‏ فمد كنتُ‏ بطرٌمة ما محكوماً‏ أٌضاً.‏<br />

ٖ٘ٓ


لبل أن ‏ٌجلس ذلن المحتار إلى المابدة الصباحٌّة،‏ كانت<br />

األطباق تحكً‏ بصوت مسموع هادئ أن فٌها كلّ‏ ما لذَّ‏ وطاب،‏<br />

وما ‏ٌشتهٌه من ‏ٌرٌد البدء بٌوم جدٌد.‏ الشمس فٌه تُظهر<br />

ابتسامتها العرٌضة،‏ وال أثر فً‏ المبّة الزرلاء للؽٌوم.‏ سارع<br />

زٌاد إلى إلى التكلّم بواسطة ‏"األنترفون"‏ بؽرفة المرحومة أمه<br />

لٌطلب من ‏"سارة"‏ المجًء.‏ لكن ما من مجٌب.‏ بمً‏ فً‏ مكانه<br />

ولم ‏ٌرد أن ‏ٌذهب بنفسه لٌنمر على باب ؼرفتها،‏ لكنه لم ‏ٌلبث<br />

أن وجد ورلة صؽٌرة ممتطعة من شًء مطبوع كانت فً‏<br />

منتصؾ المابدة كتب علٌها بخط رديء"‏ شكراً‏ أنا آسفة ألنً‏<br />

رمٌتُ‏ بكل كوابٌسً‏ إلى أحضانن.‏ لكن أشفك على نفسن وكؾّ‏<br />

عن التلذّذ بكونن ضحٌة."‏ ثم كتب ‏)األفعال البسٌطة التً‏ ‏ٌفعلها<br />

الناس العادٌون كلّ‏ ‏ٌوم،‏ هً‏ ما تجعل العالم رطباً‏ باستمرار،‏<br />

وؼٌر لابل للفناء.(‏ بعد أن لرأ زٌاد تلن المصاصة التً‏ تركتها<br />

الفتاة على فراش أمه،‏ فهم أنها كانت مستعدّة للمفز حتّى من<br />

الطابرة،‏ شرط أن تعود إلى الؽابة،‏ فهنان طعم مختلؾ للحرّ‏ ‏ٌة.‏<br />

لمد جعلتها اللٌلة الماضٌة تدرن أن المدٌنة ملٌبة باألرواح<br />

الهابمة التً‏ أُجبرت على ترن أحبابها،‏ والبحث عنها دون<br />

جدوى.المدٌنة تحمل فً‏ طٌَّّاتها الكذب والشن والحسد واالحتٌال<br />

وكلّ‏ المفردات التً‏ تجبر اإلنسان على العٌش فً‏ حذر وحرب<br />

مستعرة لتدرأ عنه ما ‏ٌرٌد اآلخرون أن ‏ٌسلبوه منه،‏ ‏"أو لتحتفظ<br />

بما سلبته من اآلخرٌن أٌّها األخرق"‏ ‏ٌبدو أن تلن التعبة من<br />

مبلحمة روابح األجساد،‏ لم تعطَ‏ بعد كلّ‏ األحاسٌس البلزمة<br />

لتعٌش فً‏ ذلن العالم الموعود،‏ وال المدرة الكامنة لكلّ‏ منها.‏ أما<br />

حَمَلة األجساد فنعرؾ جمٌعاً‏ ما ‏ٌحظون به من ملكات لتعٌنهم<br />

على العٌش ألَجَلٍ.‏<br />

٘ٓٗ


كنتُ‏ حزٌناً‏ عندما رمٌت نفسً‏ على فراش أمً‏ الذي من<br />

المإكّد أنه لم ‏ٌتم استعماله من أحد،‏ وفضلت تلن المراهمة البماء<br />

ساهرة حتى بزوغ نور الصباح فتسلّلت حافٌة وفتحت الباب،‏ ث ‏َّم<br />

خرجت ببطء على ما أعتمد وتمتعت مرة أخٌرة بذلن الدرابزٌن<br />

الرابع الجمال.‏ لُمتُ‏ نفسً‏ كثٌراً‏ على ما حدث فً‏ اللٌلة السابمة.‏<br />

كان تهوراً‏ منً‏ عندما دعوتها للصعود إلى بٌتً‏ والححت كً‏<br />

تفعل رؼم علمً‏ بكلّ‏ المخاطر التً‏ ‏ٌمكن أن تنتج عن ذلن.‏<br />

لٌس من تفسٌر ممبول ‏ٌمكن أن ‏ٌبرر هذا التصرّ‏ ؾ الطفولً‏<br />

الذي ‏ٌعبر ربما عن حاجة لتلن األٌام التً‏ لم ‏ٌكن هنان أي ثمل<br />

موجع للشعور بالمسإولٌّة.‏ رؼم إدراكً‏ أنً‏ ال أمتلن أ ‏ّي<br />

توضٌح عن سبب وجود تلن المراهمة فً‏ بٌتً‏ بعد الثانٌة<br />

صباحاً،‏ وثمتً‏ أٌضاً‏ أالّ‏ مستمبل لبمابها عندي.‏ كما أعرؾ دون<br />

أيَّ‏ شن أن مكوثها معً‏ ستجعل األلسن تُدخلنً‏ من جدٌد إلى<br />

حكاٌاتها اللبٌمة.‏ بتُّ‏ أظن أن تلن الفتاة كانت ستظلّ‏ تكذب<br />

وتمول له:‏ إنه خرِ‏ ؾ ‏ٌهلوس،‏ إذ كٌؾ لها أن تسمع ‏ٌوماً‏<br />

ببارٌس،‏ أو بكاترٌنا،‏ الرحمة لها أٌنما كانت،‏ كما لن ‏ٌمكنه<br />

أٌضاً‏ فً‏ أحسن األحوال إلناع نفسه أنها لن تختلك الكثٌر من<br />

الفخاخ والمشاكل التً‏ ستهدد سمعته بالتؤكٌد،‏ وستنتزع منه<br />

حمه بسجن نفسه،‏ وتجعله سجٌن الدولة بتهمة إؼواء الماصرات.‏<br />

ثم ما أدراه أنها لم تمع سابماً‏ فً‏ كمابن الوحوش ودُرّ‏ بت هنان<br />

على االندساس وسط أمثاله من الذٌن ‏ٌجرون وراء الدؾء<br />

العاطفً‏ وهم ‏ٌخشون عدم تمكّنهم من دفع ثمن أعبابه.‏ ترى ألم<br />

‏ٌفكر أنها تستطٌع وبمنتهى السهولة،‏ متى أوحً‏ إلٌها دون أن<br />

‏ٌعً‏ إلى أٌن ‏ٌماد أن تجد ذلن فرصة سانحة لتدبٌر مكٌدة<br />

تكون نتٌجتها تهمة تشً‏ باالنحراؾ الجنسً‏ الذي سٌعصؾ به<br />

وٌملب حٌاته رأساً‏ على عمب،‏ وسٌسمح لكلّ‏ من ‏ٌملن الخٌال<br />

٘ٓ٘


بالمول:‏ إن مٌله الشدٌد إلى مداعبة الماصرات،‏ جعله ‏ٌبمى على<br />

ؼٌّه فسخّر ماله للؽوص فٌما ‏ٌنهً‏ عنه هللا،‏ فالتمط لاصرة من<br />

الشارع فً‏ اللٌل البهٌم وأسكنها فً‏ بٌته مستؽبلً‏ فمرها مثبتاً‏ أن<br />

المال ‏ٌجلب معه روح الشٌطان.‏<br />

لكن رؼم خوفً‏ الشدٌد كنتُ‏ أإمن أن حذري أعطاه الزمن<br />

اعتداداً‏ لن ‏ٌدعه عرضة لؤلهواء تاركاً‏ إٌّاها تتبلعب به،‏<br />

وسٌدرن عاجبلً‏ أن هللا كان معه دابماً‏ ونجّاه من كل أنواع<br />

الفخاخ،‏ والمشرّ‏ دات ؼٌر الراشدات اللواتً‏ ‏ٌُثرنَ‏ الشفمة<br />

مستخدمات ببراعة ضعفات الذٌن ال ‏ٌدرون ما ‏ٌفعلون.‏ أنا لم<br />

أحاول تصحٌح ما كتبه ذلن الذي كنته دابماً،‏ بل كنت أساعده<br />

أن ‏ٌكتب بعٌداً‏ عن كل ما ‏ٌمكن إرباكه،‏ عندما كان ‏ٌتاح لً‏<br />

التمكن من النؤي عنه.‏<br />

ٖٗ<br />

فً‏ الفترة التً‏ اعتزلتُ‏ فٌها العالم،‏ كنتُ‏ أعٌش بٌن<br />

الجدران والصمت،‏ وطٌؾ أمً‏ ‏ٌنتمل بٌن الحٌن واآلخر بٌن<br />

ؼرفة نومها والمطبخ،‏ حاملة أثناء عودتها فنجان الشاي<br />

المعهود ماشٌة كملكة حافٌة المدمٌن تطٌر كما عهدتها فوق<br />

الببلط األبٌض الموشّح للٌبلً‏ باألزرق الفاتح.‏ كان ذلن ‏ٌثٌر فًّ‏<br />

االضطراب بحٌث ‏ٌنمل الماضً‏ كلّه إلى فراشً.‏ صدّلوا أنً‏<br />

تخلٌّتُ‏ عن فهم كٌؾ كان ‏ٌحدث ذلن،‏ ولم أعد أخشى أن أنسى<br />

نفسً‏ وألوم كً‏ أالحمها وأسؤلها كٌؾ تفعلٌن ذلن وأٌن تعٌشٌن<br />

اآلن وهل تشتالٌن إلً؟!‏ إذ كنت أدرن أنها ستستدٌر نصؾ<br />

استدارة وتبتسم هازبة دون أن تجٌب.‏ حاولت أن ألص تلن<br />

٘ٓٙ


المصّة على بعض الناس لكنً‏ لم أفعل.‏ لم ‏ٌكن أمامً‏ فً‏ ذلن<br />

الولت سوى أن ألٌم عبللة حمٌمة مع الموسٌمى والمراءة انتهاء<br />

بالتؤمل.‏ التؤمل الذي ألصده كان رحلة حمٌمٌّة إلى عالم مختلؾ،‏<br />

لٌس لن فٌه عدوّ‏ متربص أو حاسد ‏ٌمؾ على الناصٌة المرٌبة،‏<br />

لٌتلذّذ بشتمن وتكاد ؼٌرته أن تنفجر فً‏ داخله إذا مررتَ‏ لربه.‏<br />

هنان فً‏ ذلن العالم كنت أرى الصور التً‏ ‏ٌمرّ‏ رها الشرٌط<br />

أمامً‏ بشكل أنمى،‏ وال تحتاج إلى وضوح أكثر من ذلن.‏ ال بدّ‏<br />

من االستعانة أحٌاناً‏ بالملوب النمٌّة لٌتاح الوصول إلى ذلن<br />

الدؾء الذي ‏ٌبمٌن منشرحاً‏ متمبّبلً‏ ما تبثه لن النجوم وأولبن<br />

الذٌن ‏ٌتولون أن ‏ٌتحدّثوا إلٌن وٌشرحوا لن كٌؾ تصل بوساطة<br />

االستسبلم الداخلً‏ الستمبال األرواح المسافرة عبر الزمن<br />

اللتماط من هو مثلن لرأ رسالة،‏ وال ‏ٌعرؾ كٌؾ وصلت إلٌه.‏<br />

كانت تمول:‏ إنن تستطٌع بالصبر واإلٌمان االستماع إلى إبداع<br />

ألحانن الخاصة المنبعثة من أعماق ذاتن.‏ لكن كلّ‏ ذلن لم<br />

‏ٌستطع إزالة شعوري بؤنً‏ أعٌش فً‏ حٌّز ضٌك لم ‏ٌتعدَّ‏ إال<br />

ذاتً‏ والذكرٌات التً‏ تدفعن إلى التمولع حتّى لو آمنت أنن بذلن<br />

تسجن نفسن بنفسن؟!‏ األٌام التً‏ نعٌشها ‏ٌروق لها إسدال ستابر<br />

البٌت والتمتع بانفرادن مع ذاتن.‏ ال تلتفت لِما ‏ٌموله الناس أو<br />

ماذا ‏ٌفكّرون به.‏ الكثٌر منهم ال ‏ٌحملون نٌّة سٌّبة فً‏ للوبهم.‏<br />

لكن لم ‏ٌكن باستطاعتهم أن ‏ٌفهموا أنن فً‏ النهاٌة ماذا ترٌد<br />

المول؟!‏ وكٌؾ ستجعلهم ‏ٌفهمون أنن بٌن الحٌن واآلخر تنص ‏ُت<br />

إلى أجراس أعمالن لتسمع ماذا ترٌد أن تمول أو تمترح.‏ لمد<br />

تعوّ‏ دتُ‏ اإلنصات إلٌها فهً‏ ال تجرح أذنً‏ وال تنمل إلًَّ‏ ما لرّ‏ ره<br />

هللا،‏ فبل فابدة ترجى من ذلن،‏ فإرادة الرب لٌست بحاجة لمن<br />

‏ٌوصلها إلى من ‏ٌرٌد.‏ إذ علٌنا المبول بها ألنها ال تحتاج إلى<br />

نماش،‏ فستكون لمصلحة الجمٌع حتماً.‏ جاءنً‏ صدٌك حزٌن<br />

٘ٓ7


مرّ‏ ة،‏ وولؾ أمامً‏ ال ‏ٌعرؾ ما ‏ٌمول.‏ أشرت إلٌه أن ‏ٌجلس<br />

وٌستعٌد أنفاسه.‏ لكنه أسرع فمال:‏ لمد تعبت من االستؽاثة،‏ ولم<br />

‏ٌكن أمامً‏ سوى ترن كلّ‏ شًء،‏ ممرراً‏ تسلٌم األمر للزمن<br />

ولؤلم الحزٌنة.‏ ابتسمتُ‏ ولل ‏ُت:‏ أنت لست بحاجة لبلستؽاثة<br />

صدّلنً‏ أنت تتوق إلى الصبلة دون أن تدري.‏<br />

* * *<br />

أناشدن ‏ٌارب أن تمول لٌس هامساً:‏ إنن تفضل أن تعود<br />

طفبلً‏ من جدٌد؟!‏ ألن تسؤل ذاتن اإللهٌّة عن الطرٌمة التً‏ ‏ٌمكنن<br />

بها التخلًّ‏ عن شًء ال ‏ٌمكن االنفكان عنه؟!‏ سٌسعدنً‏ وأنت<br />

المادر على كل شًء أن أران لد وصلت إلى طرٌك مسدود.‏<br />

إلٌن التراحً.‏ لماذا ال تحلّ‏ نفسن من ارتباطن بهذا العالم وتعٌد<br />

إنتاج عالماً‏ آخر ‏ٌكون خالٌاً‏ تماماً‏ من الدماء والجثث الممطّعة<br />

األوصال،‏ أما نحن فبل تهتم بنا كثٌراً‏ إذ ‏ٌمكنن االكتفاء بإبمابنا<br />

تحت التراب إلى حٌن.‏ هكذا تستطٌع استعادتنا متى شبت.‏ ألٌس<br />

من ذلن التراب نفسه خلمتنا؟!‏ لست أدري لمَ‏ أعطٌتنا الحٌاة،‏<br />

وأخذتنا فً‏ رحلة لبل الؽروب وأرٌتنا تلن األلوان الرابعة التً‏<br />

تتمرّ‏ غ هً‏ واألفك تحت ناظرٌن،‏ ثمَّ‏ فجؤة وبدون أي إنذار<br />

هبطتّ‏ بنا إلى األرض وللت لنا:‏ هذه هً‏ الدنٌا والحٌاة.‏<br />

فوجبنا ‏ٌا أبتاه أننا لم نجد سوى السراب.‏ السراب الجمٌل الذي<br />

‏ٌؽشى العٌون،‏ لكنه فً‏ والع األمر ‏ٌماثل ك ‏ّل ما ‏ٌجري فً‏ هذا<br />

العالم لباحة ولإماً.‏ لمد سبمنا ‏ٌا إلهً‏ من رابحة ذلن السابل<br />

األحمر المانً‏ الذي سخر منا ممهمهاً‏ ولال:‏ ال كرامة لئلنسان<br />

فً‏ هذا العالم.‏ كفى ما جرى وٌجري ‏ٌا إلهً‏ لمَ‏ ال تسمح لنا أن<br />

٘ٓ8


نرمً‏ بؤنفسنا جمٌعاً‏ إلى ذلن الوادي الذي ال لرار له.‏ لكنً‏ فً‏<br />

النهاٌة ‏ٌا رب أدرن بكلٌتً‏ وبكامل أهلٌتً‏ أننً‏ ال ‏ٌمكننً‏<br />

التفكٌر فً‏ االعتراض على حكمتن.‏<br />

ٖ٘<br />

‏ٌبدو أن الشعب األمرٌكً‏ نسً‏ المبادئ التً‏ وضعها كدستور<br />

للببلد وتعهّد بتطبٌمها.‏ لكن فً‏ الطرٌك إلى االستمرار وتحمٌك<br />

الدٌمولراطٌّة أحد العناوٌن األساسٌّة فً‏ الدستور،‏ وكذلن إنماذ<br />

العالم من الفاشٌّة والدٌكتاتورٌّة والشٌوعٌّة.‏ كلّفه ذلن حرباً‏<br />

طاحنة وأنهاراً‏ من الدماء ذاق مرها وتداعٌّاتها الشعب<br />

األمرٌكً.‏ هكذا جاء الولت بعد حٌن كً‏ ‏ٌهلّل الشعب األ ‏ِمرٌكً‏<br />

وٌعتبر نفسه منمذ العالم،‏ ‏ٌوم فشل االتّحاد السوفٌتً‏ فً‏ لٌادة<br />

البشر إلى مسٌحٌّة جدٌدة دون المسٌح.‏ المسٌح تنصّل أصبلً‏ من<br />

هذه المسإولٌّة عندما لال منذ أكثر من ألفً‏ سنة:‏ ‏"إنً‏ لستُ‏<br />

من هذا العالم"‏ لٌس معنى ذلن أنه فكّر ‏ٌوماً‏ أن ‏ٌنسحب منه،‏ بل<br />

أكد دابماً‏ أنه سٌظلّ‏ مع البشر وساكناً‏ فٌهم،‏ وجالساً‏ معهم على<br />

المابدة ‏ٌتناول الطعام معهم،‏ كإخوة عاش لصٌماً‏ بهم وسٌبمى<br />

كذلن فً‏ هذه الحٌاة وما بعدها،‏ وفً‏ كل لحظة كان وسٌكون<br />

موجوداً‏ حٌن ‏ٌلتفتون باحثٌن عن معٌن.‏ إن العالم كما نعرفه<br />

تكوّ‏ ن وتطوّ‏ ر من أجل اإلنسان الذي ‏ٌعٌش فٌه،‏ وهو لم ‏ٌستطع<br />

حتى الٌوم أن ‏ٌدخل إلى أحبلمه الفكرة التً‏ تمول أنه مدعو<br />

لمشاركة هللا فً‏ أُلوهٌته،‏ رؼم أنه عاٌن تؤنس هللا،‏ ولمس فمره<br />

وتمشفه،‏ واكتملت المصة عندما تحمك ما جاء فً‏ الكتب فتدحرج<br />

الحجر ولام ابن اإلنسان لٌعود إلى ما كان علٌه لرب اآلب.‏<br />

االبن الشاطر استطاع تجاوز احتجاج أخٌه الكبٌر متناسٌاً‏ ؼرله<br />

٘ٓ9


السابك فً‏ الموبمات،‏ وعناله المزمن مع كلّ‏ الخطاٌا الكبٌرة<br />

والصؽٌرة.‏ ترى ماذا لو لم ‏ٌفهم هذا الشاب المدلل ذا األب<br />

الثري حمٌمة المسؤلة التً‏ أدت إلى الترحٌب به من جدٌد فً‏<br />

بٌت العابلة،‏ فعاد إلى ؼٌّه ولم ‏ٌحترم حموق أخٌه المؽتصبة وال<br />

كرامة أبٌه االبن البار هلل؟!‏ أوباما كذلن لم ‏ٌفهم فً‏ العمك معنى<br />

اختٌار الشعب األمٌركً‏ لرجل أسود لٌحكم ألوى وأهم دولة<br />

فً‏ العالم الحدٌث لفترتٌن انتخابٌّتٌن.‏ التارٌخ أرانا السود فً‏<br />

أفرٌمٌا ‏ٌسالون بالسبلسل الحدٌدٌّة وٌمادون لٌصبحوا عبٌداً‏<br />

‏ٌباعون بؤبخس األثمان،‏ ثمَ‏ شاهدنا بؤم العٌن األسود ‏ٌطلّ‏ من<br />

المصر األبٌض الناصع البٌاض ‏ٌلمً‏ خطاباً‏ من الشرفة شارحاً‏<br />

لؤلمّة األمِرٌكٌّة كٌؾ سٌحكم الببلد ابتداء من نهاٌة خطابه<br />

األول.‏ هكذا تعود المصّة من جدٌد وٌعود الوالد إلى رحمته<br />

شاكراً،‏ ومستمببلً‏ أبنه أحسن استمبال إذ إنه هو نفسه الذي كان<br />

ضابعاً‏ فوجد.‏ هكذا أعطى الشعب ‏"األمرٌكً"‏ ذلن األسود الثمة<br />

مرّ‏ ة ثانٌة،‏ فلم ‏ٌستطع كبح جماح نفسه،‏ فرمى الكرة بك ‏ّل لوته<br />

فاستمرّ‏ ت فً‏ شبان فرٌمه.‏ عمّت الدهشة واالستنكار ك ‏ّل<br />

الجمهور معتبرٌن ما حدث إهانة لرٌاضة عشموا دابماً‏<br />

مشاهدتها فً‏ آخر أسبوع من العمل الجاد المنتج.‏ امتنع كل<br />

األمرٌكٌٌّن الذٌن شاهدوا المباراة عن تناول البوظة عشرة أٌام<br />

معبّرٌن عن احتجاجهم الضمنً.‏<br />

فً‏ الٌوم الثانً‏ نشرت أحدى الصحؾ األمِرٌكٌّة المشهورة<br />

صورة أوباما مبتسماً‏ بعد المباراة ولالت:‏ إن طفبل عمره سبع<br />

سنوات أرسلها لهم لٌبلً‏ لاببلً:‏ ‏)ال تخطبوا مرّ‏ ة ثالثة أرجوكم(‏ إذاً‏<br />

فشل أوباما مرّ‏ تٌن فً‏ فهم أهمٌّة الحدث الكبٌر الذي تم فً‏ ؼفلة<br />

من الزمن والملٌارات من البشر التً‏ تعٌش فً‏ هذا العالم،‏<br />

٘ٔٓ


وأصبح الناس ‏ٌدركون أنهم تؽٌروا وأمسوا ‏ٌتؽٌّرون بتسارع<br />

أكبر.‏ السنوات األربع األولى من الحكم.‏ شاهد العالم حاكم<br />

البٌت األبٌض ‏ٌرلص وهو ‏ٌنزل السلّم المتعرّ‏ ج داخل األبٌض<br />

الذي ‏ٌوصل إلى بٌته العابلً.‏ أو عندما كان ‏ٌعٌد الكرّ‏ ة لٌصل<br />

إلى زوجته وٌرى ذلن الفستان الذي سترتدٌه تلن اللٌلة،‏ وٌتؤكد<br />

أن مماسه مبلبم لجسدها المثٌر،‏ ثمَّ‏ ‏ٌعود إلى مكتبه بخطوات<br />

متسارعة لٌشارن فرٌمه بتنفٌذ الفوضى الخبلّلة بدءاً‏ من مصر<br />

وهً‏ من أهم الدول العربٌة وأكثرها تجانساً.‏ ثم لٌبٌا وتلٌهما<br />

سورٌّة والعراق إلى أن وصل األمر إلى الٌمن السعٌد؟!!‏ ترى<br />

سٌطر الؽوماذا ستفعل الفوضى الخبللة التً‏ التهمت نصؾ<br />

المتماتلٌن حتّى اآلن؟!‏ إن كلّ‏ هذا ‏ٌلفت النظر بؤن شٌباً‏ مرٌباً‏<br />

‏ٌجري.‏ لٌل كثٌراً‏ أن عدد الدول المتحالفة لطرد ‏"داعش"‏ من<br />

العراق وسورٌّة بلػ سبعٌن دولة وعلى رأسهم جمٌعاً‏ الدولة<br />

العظمى الوحٌدة فً‏ العالم.‏ ألٌس هذا ممّا ‏ٌثٌر الشن فً‏ كل ما<br />

‏ٌحدث فً‏ هذه المسرحٌّة الطعم؟!‏ ثم نرى أن داعش تمدّدت<br />

وأصبحت تسٌطر على نصؾ العراق وأخذت تدمر كل الرلة<br />

ودٌر الزور وجزءاً‏ من حلب وأوباما ال ‏ٌتحرّ‏ ن بل ‏ٌدرب<br />

الجنود وٌمول:‏ ال بد أن ننتصر فً‏ النهاٌة تلن الكلمة التً‏ تحمل<br />

فً‏ طٌّاتها الكثٌر من المعانً.‏ ترى عن أٌّة نهاٌة ‏ٌتحدث؟!‏<br />

وكلّنا نعرؾ أن تخلٌه عن الحكم حسب الدستور األمٌركً‏<br />

مسؤلة شهور.‏ هل بلػ االستهتار بؤوباما أن ‏ٌضع السٌاسة<br />

األمٌركٌّة الخارجٌّة فً‏ األفواه المذرة تعلكها ببطء ثمَّ‏ تبصمها<br />

على الممامة التً‏ لن ‏ٌكنسها الع ‏ّمال من الطرلات لبل أن ‏ٌبزغ<br />

الصباح؟ّ!‏ هل تخلى ربٌس الوالٌات المتحدة عن الخجل أو إنه<br />

تخلّى عن ألبسته كلّها وفضّل الركض إلى الؽابة المرٌبة وٌنام<br />

لرٌر العٌن مع المرود هو والروابح التً‏ ترٌحه،‏ واستمرأ<br />

٘ٔٔ


الكذب المستمر مستهتراً‏ بآالؾ األرواح التً‏ زهمت من أجل<br />

لعبة ‏"بوكر"؟!من الصعب الفهم وربّما األصعب توجٌه التهم.‏<br />

كٌؾ لنا أن نفهم الؽاٌة من جمع كلمة الفوضى مع كلمة الخبلّ‏ لة<br />

فً‏ ظل ذلن المتال الضاري؟!‏ هل ‏ٌعنً‏ ذلن لتل الناس<br />

وتهجٌرهم إلى أن ‏ٌصبح العراق وسورٌّة أراضً‏ جرداء خالٌة<br />

من السكان،‏ فٌستوردون سكاناً‏ جدداً‏ ونصبح ألرب إلى فهم ما<br />

‏ٌعنون بالفوضى الخبلّ‏ لة؟!!‏ ترى لمَ‏ تجنّبوا إبعاد التسمٌة<br />

الحمٌمٌّة للموضوع وإبماء الفتنة تشتعل للسماح للؽموض أن<br />

‏ٌبتلع الحمٌمة وٌخفٌها عن العٌون سنوات طوٌلة حتى نعرؾ فً‏<br />

نهاٌة المطاؾ أن التسمٌة البسٌطة لتلن الفكرة،‏ أو تلن الدراسة<br />

التً‏ لصدوا منها أن تملب العالم رأساً‏ على عمب،‏ كان علٌها أن<br />

تكون ‏"الجرٌمة الخبلّ‏ لة"‏ أن تلن الفوضى الخبللة تملن أن<br />

تطور نفسها بنفسها؟!‏ طبعاً‏ لٌس من المفروض أن ‏ٌعتمد أحد أن<br />

أمرٌكا أرادت ؼٌر ذلن.‏ إذاً‏ ماذا فعلت لابدة التحالؾ الدولً‏<br />

وهً‏ ترى إعدام األبرٌاء ‏ٌت ‏ّم بمطع الرإوس؟!‏ هل أتت بؤوباما<br />

لٌحكم ألنه ‏ٌمكنه أن ‏ٌكذب وهو ‏ٌبتسم ابتسامة عرٌضة تُظهره<br />

كالحمل الودٌع،‏ ثمَّ‏ ‏ٌعود إلى الكذب المتمرّ‏ س مستمراً‏ فً‏ ذلن<br />

أٌضاً‏ وأٌضاً‏ وهو ‏ٌتابع االبتسام دون كلل أو ملل،‏ فٌبدأ<br />

التصفٌك من جهة تجمع النساء السود فتصرخ إحداهنَّ:‏ أنظر ‏َن<br />

إلى هنان الٌست ابتسامة الربٌس المتواضع رابعة؟!‏ وٌزداد<br />

الصراخ من الجهة األخرى المُمتلبة بالنساء أٌضاً‏ فتنبري<br />

إحداهنَّ‏ للمول:‏ هٌا أسرعوا بها إلى المستشفى إذ إنً‏ رأٌت<br />

بنفسً‏ الولد ‏ٌخرج للٌبلً‏ من هنان دون طبٌب،‏ وهتفنَ‏ جمٌعهنَّ:‏<br />

إنه أوباما،‏ إنه أوباما الساحر،‏ ‏ٌخلك أمٌركا جدٌدة.‏ هل هنان<br />

أحد ‏ٌستطٌع أن ‏ٌتجسس على كلّ‏ زعماء العالم حتى وهم<br />

‏ٌتكلّمون مع عشٌماتهم وربّما زوجاتهم أٌضاً.‏ دموعً‏ لٌست<br />

ٕ٘ٔ


جاهزة لتبكً‏ على أمرٌكا تلن الدولة التً‏ خرّ‏ بوها أطباء<br />

التجمٌل إذ إنهم ألنعوا الشعب األمرٌكً‏ أن ‏ٌستمرئ مضاجعة<br />

الببلستٌن وألبسوه وهماً‏ سٌطر على مشاعره حتى صار ‏ٌعتمد<br />

أنه لن ‏ٌصل إلى الذروة إالّ‏ هو والببلستٌن معاً.‏ ما أعرفه<br />

بالتؤكٌد أن األمرٌكً‏ ‏ٌمتلا بالحبور متى ‏ٌرٌد وتشاء أمرٌكا،‏<br />

ونسً‏ تلن االنتفاضة وتلن اللذة التً‏ ال ‏ٌمكن وصفها.‏ أنا أجدن<br />

‏ٌا أوباما لبٌماً‏ وسافبلً‏ وجافاً‏ فً‏ أحسن األحوال،‏ كؤن الدماء التً‏<br />

تجري فً‏ عرولن تجمّدت ولم تعد تعنً‏ لن شٌباً.‏ أظن أنها لم<br />

تعد تحبن،‏ فمد فمدت إحساسها بوجودن،‏ وتولّفت عن الشعور<br />

أنها فً‏ بٌتها وفً‏ دٌارها.‏ إلى متى ستظل تصلب وطنً‏ ‏ٌا<br />

أوباما وتتمتع وأنت تتفرّ‏ ج علٌه ‏ٌُد ‏َّمر وتؽتصب نساإه<br />

وأطفاله؟!‏ هل فهمتَ‏ حماً‏ أن من سكن أمٌركا من المشرّ‏ دٌن<br />

الٌزالون ‏ٌتذكّرون أمواتهم وهم فً‏ المبور؟!‏ لمد نملتهم سفناً‏<br />

تشبه تلن التً‏ أوصلت ؼرلانا إلى لرب الشواطا الؽنٌّة ولكنهم<br />

لم ‏ٌتمكَّنوا أن ‏ٌتشبّثوا بالصخور أو لم ‏ٌعودوا لادرٌن أن ‏ٌتمدّموا<br />

بضع خطوات كً‏ ‏ٌستطٌعوا أن ‏ٌبلمسوا الماع الرملً‏ الذي<br />

‏ٌسمح أللدامهم أن تمؾ بعض الولت علٌه آملٌن بالتنفّس<br />

البطًء فربّما كان بإمكانهم الخلود إلى النوم على رمال<br />

الشاطا.‏<br />

لال كٌسنجر ساخراً‏ من أوباما:‏ إ"‏ ن من المثٌر لبلستؽراب أن<br />

‏ٌعامل األمٌركٌّون تفوق ببلدهم ببل مباالة وهم الذٌن دفعوا<br />

الكثٌر لتكتسب هذه المناعة.‏ انتبه إلى نفسن ‏ٌا أوباما فهم لم<br />

‏ٌعودوا ‏ٌرٌدون أن تتماسم محبتهم مع البوظة إذ إنهم ‏ٌفضلون<br />

أن ‏ٌضاعفوا ما ‏ٌتناولونه من تلن التً‏ تثلج صدورهم طالما أنها<br />

تُنسٌهم خطؤهم الفادح.‏ إنهم استطاعوا أن ‏ٌجعلوا أعضاء<br />

ٖ٘ٔ


الكونؽرس ال ‏ٌكترثون بإطبلق التصرٌحات عن المضاٌا<br />

الخارجٌّة بل ‏ٌهتمّون وٌظهرون بوضوح ما ‏ٌهم الرأي العام<br />

األمرٌكً‏ وما ‏ٌحدث حمٌمة داخل الببلد،‏ وٌُشؽل الفِكَر التً‏<br />

تحتل هموم كل المواطنٌن مثل ارتفاع نسبة البطالة أو<br />

إنخفاضها،‏ وارتفاع أسعار اللحوم وانخفاضها.‏ إن اهتمام<br />

المواطن األمٌركً‏ ‏ٌشمل كلّ‏ هذه التفاصٌل الصؽٌرة والكبٌرة<br />

التً‏ على األسرة مرالبتها بانتظام إن لم ترد الولوع فً‏<br />

المحظور.‏ كلّ‏ ذلن ‏ٌهم الرأي العام األمٌركً‏ أكثر من اآلالؾ<br />

الذٌن لتلوا فً‏ الٌمن وسٌُمتلون الحماً.‏ ترى من ‏ٌإلّؾ الرأي<br />

العام ألٌست أكاذٌبكم وتزٌٌفكم للحمابك؟!‏ الذهاب إلى الكنابس<br />

لمن ‏ٌؽوص فً‏ الشؤن السٌاسً،‏ أصبح مجرّ‏ د نزهة للتروٌح<br />

عن النفس نهار األحد.‏ ثمَّ‏ بعدها تذهبون إلى حدابك بٌوتكم لٌبدأ<br />

شواء اللحوم وإعداد الطعام والشراب.‏ أما كٌؾ تسرلون حٌاة<br />

اآلخرٌن فهذا كان أمس،‏ وأمس وما حدث فٌه لم ‏ٌعد ‏ٌهمّكم.‏ إن<br />

استمالة ثبلثة من وزراء الدفاع لبل إنتهاء عهدكم المٌمون ‏ٌا<br />

سٌد أوباما ‏ٌعنً‏ هذا أن هنان تخبطاً‏ ؼٌر ممبول،‏ ولٌس محموداً‏<br />

عند المرالبٌن الذٌن ‏ٌتابعون طرٌمة تفكٌر الساسة الذٌن<br />

‏ٌوجّهون السٌاسة العامة للببلد.‏ كما ‏ٌتابع كٌسنجر سخرٌّته<br />

فٌمول رداً‏ على سإال آخر:‏ إن اهتمام الرأي العام بالشإون<br />

الخارجٌة متدنٍ‏ دابماً‏ لمد جعلتوه ‏ٌا سادة حكّام البٌت األبٌض<br />

‏ٌهتم ‏"بالبوظة"‏ التً‏ سوّ‏ لت فً‏ السوق مإخراً،‏ وممدار النمو<br />

المتولع فً‏ السنة المادمة،‏ أكثر من عشرات اآلالؾ الذٌن لتلوا<br />

فً‏ الٌمن والعراق وسورٌّة ولٌبٌا وشوّ‏ هت جثثهم فً‏ الشهر<br />

نفسه،‏ الذي أكل الشعب فٌه تلن البوظة بشراهة بصورة لٌس<br />

لها نظٌراً.‏ إن الشراهة أصبحت عموماً‏ تعم جمٌع األمٌركٌٌّن.‏<br />

هذا ‏ٌعود بنا المهمرى لٌإثر سلباً‏ على صناع السٌاسة هنان<br />

٘ٔٗ


وتجعلهم ألل حساسٌة للتؤثٌر السٌاسً‏ والثمافً‏ ؼٌر المستحبٌن<br />

إجماالً‏ للتحوالت الواسعة التً‏ أحدثتها الخطوات الواثمة لمجمل<br />

تسارع إنتاج التكنولوجٌا األمٌركٌّة.‏ إن تعمد إخفاء الكثٌر من<br />

األمور على الرأي العام األمٌركً‏ ‏ٌشبه الفوضى التً‏ ‏ٌمكن أن<br />

تحدث فً‏ إحدى المآدب األمرٌكٌة حٌث تمدّم لهم التحلٌة بوظة<br />

مشكّلة من الشكواله مع المشطة المحشوة بالكثٌر من المكسَّرات.‏<br />

ال أدري من لال لً‏ إنهم ربما سٌباشرون بحشوها ببعض<br />

الخردل لرٌباً؟!‏ بالطبع سٌزٌد هذا من نسبة البدانة فً‏ الببلد،‏<br />

وٌشعل الكراهٌّة التً‏ أخذت تتطوّ‏ ر بشكل سٌعود على ك ‏ّل<br />

العالم بؤخطار كبٌرة وسٌفالم هذه األخطار بؤن ‏ٌجعل ما هو<br />

ؼٌر منطمً‏ منها منطمٌاً‏ جداً.‏ هل ‏ٌا ترى تستطٌع الوالٌات<br />

المتّحدة األمٌركٌّة حماٌة حدودوها البالؽة االتّساع والكبر من<br />

حملة األحزمة الناسفة،‏ المرشّحة لتكبر األعداد الحاملة لها؟!‏ إن<br />

أوباما أصبح متّهماً‏ بالكذب والمخادعة واالستهتار والعنجهٌّة<br />

مضافاً‏ إلٌها الكثٌر من السذاجة ولصر النظر الواضح والتكبر<br />

السخٌؾ،‏ رؼم االبتسامات المحبّبة التً‏ ‏ٌطبعها على ثؽره بكثرة<br />

مظهرة األسنان البٌضاء النظٌفة للسٌّد الربٌس.‏ الذي ‏ٌمال عنه:‏<br />

إنه أسوأ ربٌس جعل أمٌركا تتلمّى من كل فرد من خارجها ومن<br />

الكثٌرٌن الذي ‏ٌعٌشون فٌها ملٌارات كثٌرة من الشتابم ‏ٌومٌاً.‏ لمد<br />

للّلتُ‏ األسلحة النووٌّة من احتماالت الحروب بٌن الدول التً‏<br />

تمتلكها،‏ رؼم أن هذه الممولة ال ‏ٌمكنها أن تصمد إذا استم ‏ّر<br />

ازدٌاد عدد الدول النووٌّة وتمادي ذلن فً‏ االنتشار وتبعثر<br />

االستمطاب هنا وهنان واتّساع هوة الخبلفات بٌن هذه<br />

االستمطابات،‏ والخوؾ من تحرّ‏ ن عوامل كثٌرة مثل المإامرات<br />

وسرٌّة االصطفافات.‏ كل هذا لد ‏ٌجلب تدمٌراً‏ مفاجباً‏ هاببلً‏<br />

ولاتبلً‏ لئلنسانٌة لد تإدّي عوامله الكارثٌة إلى توسّع الفاجعة<br />

٘ٔ٘


وازٌاد مشاكل الخروج منها.‏ ال أخفً‏ على أحد أن خفة أوباما<br />

باختٌار سٌاساته لد ضخم المشاكل التً‏ تواجه البشرٌّة ورمى<br />

مزٌداً‏ كبٌراً‏ من الفخاخ بٌن العدد الملٌل من الحلول المطروحة.‏<br />

لست من الذٌن ‏ٌسعون إلى تكبٌر رإوسهم بحشوها بمزٌد من<br />

المش،‏ كما أنً‏ أخشى من االستهانة بؤي إنسان ‏ٌرٌد أن ‏ٌدلً‏<br />

برأٌه.‏ لكنً‏ رؼم اهتمامً‏ الكبٌر بالعالم الذي أعٌش،‏ ال أخفً‏<br />

أن عوامل شخصٌّة تدفعنً‏ أن أدس أنفً‏ وسط كل األفكار<br />

المطروحة فً‏ عالم الٌوم والمستمبل،‏ إذ إنً‏ ال أجد ضٌراً‏ فً‏<br />

ذلن وال حشرٌّة ممجوجة.‏ من الطبٌعً‏ أ ‏ّال أدري كم بمً‏ لً‏ من<br />

العمر؟!‏ لكنً‏ أودّ‏ المول أن ازٌاد المولؾ الدولً‏ تعمٌداً‏ ودخول<br />

أوباما الذي ‏ٌحكمه التردد كمابد فرٌك أساسً‏ ‏ٌخشى االعتماد<br />

على مستشارٌه،‏ مفضبل العودة إلى نفسه المُربكة،‏ ربما لٌصب<br />

الزٌت على النار بؽٌة إطفاء الحرٌك ال إشعاله.‏ حٌنبذ لد تكون<br />

اآللة الضخمة التً‏ تسٌر الحكم فً‏ أمٌركا لد ناءت بحملها،‏<br />

وتحتاج إلى التخفٌؾ من العوامل التً‏ تولفها وال تدعها تتابع<br />

طرٌمها إال بعد ولت طوٌل من معرفة أٌن ‏ٌتموضع مصدر<br />

الخلل.‏ إنً‏ كمن ‏ٌربت برلة على كتؾ أحد المشتركٌن فً‏<br />

االصبلح وٌوشوشه بتلن الفكرة.‏ إن حدود فتحة األفك ألي فرد<br />

‏ٌكتب ستظل ضبٌلة بالنسبة إلى المدرات الهابلة التً‏ باستطاعة<br />

الوالٌات المتّحدة تحرٌكها لتستجلب كمٌة كبٌرة من المعلومات<br />

‏ٌومٌّاً‏ تفوق أٌة لدرات ألٌة دولة.‏ تإكّد أمٌركا دابماً‏ أن أهدافها<br />

تجنح نحو السبلم والدفاع عن حموق اإلنسان وتتناؼم مرامٌها<br />

مع مصلحة البشرٌّة ككل،‏ ومن الطبٌعً‏ أالّ‏ تلتفت الوالٌات<br />

المتّحدة إلى الذٌن ‏ٌسخرون وٌمولون أنها تإمن بؤنها العالم<br />

الحمٌمً،‏ وما تبمى فهم مجرّ‏ د شراذم لد ‏ٌجري تطوٌعها لتكون<br />

جزءاً‏ من هذا العالم وبالتالً‏ جزءاً‏ من أمٌركا طبعاً.‏ لكن<br />

٘ٔٙ


بؽض النظر عن السخرٌة الواضحة فً‏ هذا الكبلم،‏ فإن<br />

اإلصرار األمرٌكً‏ الموي على التفوق سوؾ ‏ٌوحّد بالتدرٌج<br />

دول العالم ضد الجبروت األمٌركً‏ ممّا سٌجعلها فً‏ النهاٌة<br />

معزولة ومستنزفة ‏ٌمكن لتداعٌّات ذلن أن تُخٌؾ كلّ‏ العالم.‏ هذا<br />

ما تتخوؾ منه الكثٌر من اآلراء األمٌركٌّة التملٌدٌة منضمّاً‏ إلٌها<br />

وزٌر الخارجٌة األسبك السٌد كٌسنجر.‏ إنها نفسها تإكد إن<br />

زعامة العالم لد خسرت الكثٌر من مصدالٌتها فً‏ هذه السنوات<br />

العجاؾ وكشفت بوضوح نفالها وتدنًّ‏ أخبللٌتها واحترامها<br />

لحموق اإلنسان،‏ الذي بمً‏ زمناً‏ طوٌبل من أهم الصناعات<br />

األمٌركٌّة المُصَدرة للعالم.‏<br />

ٖٙ<br />

السإال التارٌخً‏ الذي ‏ٌطرح نفسه:‏ هو كٌؾ نضع حداً‏ لِما<br />

حدث وٌحدث،‏ آملٌن أالّ‏ تخوض الببلد مجزرة حرب أهلٌّة<br />

طاحنة ال ‏ٌمكن دفع ثمنها،‏ ولن ‏ٌكون لها أيّ‏ معنى.‏ أرجو فً‏<br />

الولت نفسه من كل األطٌاؾ السورٌة إٌجاد رإٌة موحدة<br />

للشعب السوري.‏ وترن الحرّ‏ ‏ٌة للتنظٌمات اإلسبلمٌّة أن تعمل<br />

فوق األرض،‏ وتتحضر بجدٌّة ال مراوؼة فٌها لتذهب بنا إلى<br />

األمام بسرعة طبٌعٌّة نستطٌع هضمها.‏ دعونً‏ أسؤلهم:‏ هل<br />

تعتمدون أنكم ستتمكّنون من اختراق النصوص واللحاق بالتارٌخ<br />

وبالصناعة واألبحاث التً‏ تتمدم بالمجتمع والبلد؟!‏ ال شًء ‏ٌبدو<br />

مستحٌبلً‏ كما لال ‏"نابولٌون"‏ رؼم أن هذا المول ‏ٌبمى وجهة<br />

نظر نتمنّى أن ‏ٌحمّمها اإلنسان خبلل التارٌخ الذي ال ‏ٌتولؾ عن<br />

٘ٔ7


الجري وراء اآلراء المتنالضة.‏ لكننا ال نسعى وراء المستحٌل<br />

إذ إن معنى الكلمة ‏ٌبمى ملتبساً‏ إذا ما لارناه بالمعجزة.‏ بلى إننا<br />

كً‏ نلتحك بالتارٌخ نحتاج إلى معجزة تتحمّك دون طبول<br />

وخشاخش وال أدوات موسٌمٌّة نحاسٌة،‏ وال تلن الصنوج<br />

الصؽٌرة التً‏ ‏ٌمكن أن تثٌر فٌنا الرؼبة فً‏ الرلص االسبانً.‏<br />

دعونا من اإلثارة الجسدٌّة،‏ ونلتفت إلى محاولة التفرٌك الواعً‏<br />

بٌن اإلسبلم السٌاسً‏ الذي ‏ٌعنً‏ الحكم بٌن الناس وإعطاء ك ‏ّل<br />

ذي حك مسلوب حمه.‏ ونسعى إلى تؤمٌن مكان البك لئلسبلم<br />

الدٌنً‏ ضمن التارٌخ الذي ‏ٌحكم العبللة الروحٌّة بٌن اإلنسان<br />

وربه بعٌداً‏ عن الجانب السٌاسً،‏ الذي ‏ٌتعلك بإدارة الحكم<br />

والعدل بٌن الناس،‏ والعمل على تجنّب طؽٌان االحتٌال على<br />

الحمٌمة التً‏ ال أحد ‏ٌدافع عنها إالّ‏ المضاء العادل.‏ فكلنا<br />

صدّلونً‏ بحاجة إلى ذلن اإلسبلم المتّحد وفً‏ الولت نفسه ؼٌر<br />

منفصل متى احتاج أحدهما لآلخر الذي ‏ٌكملّه.‏ إننا بذلن نعٌد<br />

التوازن إلى مركب ‏"نوح"‏ الذي ‏ٌمخر بنا البحر،‏ لٌزرع فً‏<br />

العالم نُخباً‏ جدٌدة.‏ لكننا هذه المرّ‏ ة نؤمل أنه لن ‏ٌتولّؾ بنا على<br />

أعلى لمّة من جبل ‏"أرارات".‏<br />

‏ٌا حبذا لو تتخلّى األمة العربٌة عن نرجسٌتها،‏ إذ ال أحد<br />

‏ٌدعم أو ‏ٌماتل من أجل مثل هذه الرفاهٌة الوهمٌّة التً‏ تثٌر<br />

الؽثٌان،‏ ولٌس هنان من ‏ٌساند مرضاً‏ ‏ٌُخرج اإلنسان عن مساره<br />

المنطمً‏ لٌدعم أوهاماً‏ تسرّ‏ بت إلٌه عبر تارٌخه المدٌم فً‏ ولت<br />

نسً‏ العرب أن األمم تعمل بجدٌّة دون كلل أو ملل الجتٌاز<br />

المراحل مع شعوبها.‏ ترى لمَ‏ سبع سكان هذا العالم أو أكثر ال<br />

‏ٌزال ‏ٌشلّه العجز وانعدام البصر والبصٌرة؟!‏ ترى ل ‏َم ما ‏ٌزال<br />

ال ‏ٌعرؾ ما ‏ٌرٌد،‏ أم إنه ‏ٌفضل االدّعاء برؼبته بمزٌد من<br />

٘ٔ8


التفكّر والروٌّة لبل الدخول فً‏ اللعبة الكبٌرة التً‏ ال أحد ‏ٌمكنه<br />

أن ‏ٌدافع فٌها عن نفسه إالّ‏ بنفسه؟!‏ المال ماكر وؼدّار،‏ وهو<br />

عندما ‏ٌتحرّ‏ ن وٌعوي ‏ٌملن أن ‏ٌبعثر الناس الذٌن كانوا حوله.‏<br />

عندبذ ‏ٌتحتم على الفرد المحافظة على فردٌّته،‏ وٌبحث عن<br />

فضابه الخاص.‏ أظن أن هذا بعض ما فعلته النرجسٌة فً‏ هذه<br />

األمة.‏ فمن أجل للب هذه المعادلة السمجة الممٌبة،‏ على اإلنسان<br />

أن ‏ٌفهم سبب وجوده الذي ‏ٌدعوه فً‏ الحمٌمة إلى المساعدة على<br />

نشر اإلبداع فً‏ الكون وتحفٌزه على المساهمة فً‏ إعطاء<br />

صورته وهدؾ صٌرورته.‏ عندها ال بد أن تتضافر األمة لتدفع<br />

بالبلد إلى األمام،‏ وبؤمواله إلى التكاثر.‏ بحٌث سٌكون على<br />

الجمٌع أن ‏ٌدركوا أن األمر ‏ٌتعلّك بامتداد النشاط إلى كلّ‏<br />

مواطن سوري أٌنما وجد،‏ بحٌث ‏ٌظهر فً‏ الجرٌدة الرسمٌّة<br />

مرسوم ‏ٌجبر من ‏ٌستطٌع العمل أن ‏ٌمدم على ذلن،‏ وإذا لم ‏ٌجد<br />

مكاناً‏ لمزاولة ما ‏ٌبرع فٌه،‏ سٌكون على السلطات المختصّة<br />

إٌجاد اآللٌّة المناسبة لوضع الخبرة الحمٌمٌّة الفاعلة فً‏ المكان<br />

المناسب.‏ ومن سٌتمنع دون سبب ممنع سٌكون تحت طابلة<br />

العماب الرادع العادل.‏ على المواطن أٌاً‏ كان مولعه أن ‏ٌدفع<br />

ثمن الهواء النظٌؾ الذي تإمنه السلطات المنتخبة.‏ األمر لٌس<br />

سهبلً،‏ ولكننا استؽرلنا فً‏ النوم طوٌبلً‏ على أمل أن الوعود<br />

ستحمك.‏ ربّما فات الولت للحاق بالتارٌخ،‏ أو لم ‏ٌفت لست<br />

أدري.‏ علٌنا أن نرسل علماءنا وخبراءنا إلى العالم المتحضر<br />

وننؽمس فً‏ البحث عن الطرٌك لمحو األمٌّة وتفعٌل النمو مع<br />

ما ‏ٌمتضٌه ذلن من جهد ومثابرة،‏ ولطع الطرٌك على التسوّ‏ ل<br />

كمرض مُعدٍ‏ خطٌر ولاتل.‏ إنه مفترق طرق جدٌد سُمح لنا به.‏<br />

إنه ولت ممتطع للتفكٌر الواعً‏ ببل أٌة نرجسٌة أو مازوخٌّة أو<br />

سادٌّة.‏ دعونا ندرن أن الوطن لن ‏ٌعٌش من النحٌب.‏ أنا أإمن<br />

٘ٔ9


بؤن علٌنا رفع األكمام والعمل على إخراج شعبنا بجمٌع طوابفه<br />

من دابرة االنتمام وندخل به إلى رحاب الحب ووحدة المصٌر.‏<br />

االنتمام ال ‏ٌإدّي إالّ‏ إلى المتل،‏ والمتل الذي ‏ٌجر إلى المتل فً‏<br />

الممابل.‏ سٌكون علٌنا أٌضاً‏ أن ندع الصبلة والؽفران ‏ٌتشاركان<br />

مع تنفّسنا دون أن ‏ٌنسٌنا ذلن الهدؾ والعمل الدإوب لتحمٌك<br />

المرام،‏ والعمل على دمج الثمافة األ ‏ِمرٌكٌّة مع كلّ‏ ثمافات العالم،‏<br />

بحٌث تصبح األرضٌّة الثمافٌّة لك ‏ّل الذٌن ‏ٌسعون إلى التمدم<br />

واالزدهار.‏<br />

لتحمٌك المرام،‏ علٌنا تجنّب إعطاء التارٌخ سبباً‏ كً‏ ‏ٌفرغ جعبته<br />

منا،‏ وٌكنسنا بحٌث نسمط جمٌعاً‏ فً‏ مزبلته.‏ ال تنسوا أنه ‏ٌعرؾ<br />

كم تمتعنا بالبكاء وتركناه ‏ٌستولً‏ على ؼنابنا حتى أننا عندما<br />

وصلنا إلى االنتشاء وأصابنا الخدر،‏ فً‏ تلن اللحظات استبدلنا<br />

الصبلة بالبكاء المؽنّى،‏ وأصبحت أؼنٌة"‏ أكلِن مِنٌن ‏ٌا بطة<br />

أكلِن مِنٌن؟!"‏ للمؽنٌّة الممٌّزة صباح ‏ٌنوحون بها فً‏ المآتم.‏<br />

أرجو أن ال ‏ٌسًء فهمً‏ أحد وٌظنّ‏ أنً‏ ابتعدت عن الجدٌّة فً‏<br />

الممطع األخٌر.‏ إذ إن ابتعادنا عن الحفاظ على تراث األجداد<br />

هبط بكل شًء إلى الدرن،‏ وٌكاد أن ‏ٌطٌح بآخر لبلعنا التً‏ ال<br />

تزال شامخة،‏ وهنا أعنً‏ لؽتنا العربٌّة التً‏ تملن إمكانٌّات إذا<br />

ما استُخدمت وفك متطلّبات العصر وفردت فٌه ذراعٌها،‏<br />

ألمكنها االصطفاؾ إلى جانب اللؽّات العالمٌّة التً‏ تحمل فً‏<br />

حناٌاها المدرة على التطوّ‏ ر والتؽلؽل إلى كلّ‏ مكان وزمان.‏<br />

اسرعوا إلى إنماذها وإنماذ األمة من االضمحبلل واالندثار،‏<br />

وثموا أننا سنستعٌد كلّ‏ شًء كنا لد أضعناه بدءاً‏ من كرامتنا.‏<br />

الحب ‏ٌنعش الملب والروح والجسد.‏ أما تراكم العداء،‏<br />

فٌرمٌن وسط الظلمة الحالكة ورعد اللٌالً‏ وعواء العواصؾ،‏<br />

ٕ٘ٓ


واالفتمار إلى السكٌنة وشبع النوم واألحبلم الوردٌّة،‏ والسحب<br />

الخفٌفة التً‏ تتولؾ للٌبلً،‏ وتعرض علٌن أن تتحول إلى بساط<br />

الرٌح ‏ٌجول بن بٌن المدابن الجمٌلة،‏ والمآذن الرابعة،‏ دون أن<br />

‏ٌنسى تلن المبب الجمٌلة.‏ ترى هل هنان أروع من المبّة<br />

الزرلاء؟!‏ دعونا نتّمد حباً‏ لبعضنا بعضاً،‏ ونمتلا نوراً‏ بالؽفران<br />

الخبلّ‏ ق.‏<br />

ٕ٘ٔ

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!