You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
ٔ
إلى األحبة، أصدلابً فً الفٌسبون وأٌنما كانوا. الكاتب أٌّها<br />
األحباء ٌدرن دابماً مهما أبعدته الحٌاة عن لاع ذاته، أنه ٌملن<br />
تارٌخاً لبل تعمٌده ككاتب. إذ إنه لم ٌؤتً من العدم، فمد نشؤ فً<br />
بٌبة فنٌّة وامتصّ خٌاله كلّ حكاٌات أمه، وعاد ومشى معها من<br />
جدٌد كل درب اآلالم الذي خاضته، وفهم تماماً ماذا ٌعنً األلم<br />
والتضحٌة فً عٌش الحٌاة، وكم طال انتظار تلن األم حتّى<br />
ٌشبّ ولٌدها وٌخرج إلى النور وٌدخل فً اللعبة الجارٌة تحت<br />
الشمس، متمبّبلً مواجهة العواصؾ والرعد وؼضب البحر.<br />
الؽرٌب أن اشتعال تلن البٌبة التً عاشت فً مكان ما فً الماع<br />
الذي ٌخصنً، ال ٌُظهر لهباً، بل إنه ٌكشؾ عن ارتٌاح فً<br />
البماء تحت الرماد، حٌث تملن ما ٌمكَّنها من وصل ولٌدها شٌباً<br />
فشٌباً باإللهام، وتحدّد له رسالته فً هذا العالم بطرٌمة كان<br />
وحده ٌعرؾ كم شدهته و أنهكته، حتى فهم كٌانه لؽتها والتمط<br />
ما ترٌد له و ما تطلب منه لٌفهم فً آخر األمر أنه حمٌمًّ ولٌس<br />
وهماً.<br />
الرإونً ٌا أعزة بتإدة، حتّى ٌُمكننً اإلدران أن ما<br />
أرٌد المول لد عشتموه مثلً. شكراً لكم أٌها األحباء دون أيّ<br />
استثناء على معاٌدتً.<br />
ٕ
تمل<br />
ٔ<br />
أذكر أنً كن ُت كطابر جرٌح أبحث عن مكان آمن دافا<br />
أحطُ على حوافه، وأعٌش هنان بعٌداً عن الخوؾ أداوي فٌه<br />
جروحً، عندما نَ إلً الرٌح خبراً خرج من كوالٌس<br />
المحكمة الروحٌة، ٌُفٌد أن المضٌّة التً استمطبت الناس أعلنت<br />
نهاٌتها، وتولّؾ التماضً وذهب كلّ طرؾ إلى شؤنه. أكّد هذا<br />
الخبر أن األفكار التً كانت ُمتداولة كشفت دابماً عن تفاإلها<br />
الوالعً وإٌمانها بالحمٌمة الساطعة، وبالربٌع والزهور المتفتّحة<br />
الؽنجة التً لم تخ ِؾ ٌوماً أنها تفضل فً كلّ األولات اشتمام ما<br />
تطرحه من عطر ٌدعون إلى تبادل المبل وٌمول بملء فٌه: إن<br />
الكابن المختار الذي ٌؤمل أن ٌمؤل الكون وٌفتح الطرق فٌه<br />
وخارجه للوصول إلى االرتماء فً خدمة اإلنسان، إنه الكابن<br />
البشري نفسه الملًء باإلٌمان، أدرن أنه علٌه أن ٌموم بما تطلبه<br />
أعماله، متسلّحا باالستعداد التام لتعلٌمنا كٌفٌّة االستمتاع فً<br />
الؽوص وراء متع السماء للذٌن ٌحتاجون إلٌها. كما أنً لم<br />
أتولؾ عن ذلن التوق المزمن إلى الرلص مع الرٌح والفرح<br />
المنتشً الذي أحتفظ بابتسامته دون أن ٌكون مستعداً أن ٌنبس<br />
ببنت شفة، بل كانت عٌناه تنتمبلن إلى كلّ مكان معجبة تملإها<br />
رؼبة بالتصفٌك المختلط بحٌرة ما، أو للٌبل من عدم التصدٌك<br />
بؤن ما ٌجري ٌجري فعبلً وال تشوبه أٌّة شاببة. ظلّت عٌناه<br />
تتحركان كؤن االطمبنان لم ٌكن كافٌاً بعد. نعم أٌها األحبة: إن<br />
ذلن الشعور باإلنصاؾ أخذ ٌملإنً، ووعد من دموع الفرح<br />
ترالصت فً مفلتًّ موحٌة إلًّ أنها ترٌد ؼسلً وتطهٌري<br />
والتهلٌل معً حتى الصباح. لكنً فً الولت نفسه امتؤل ُت<br />
بشعور ٌمول لً: إن روحً عطشى وهً بحاجة ماسة لتخطو<br />
ٖ
بضع خطوات رالصة تشعر فٌها بؤنها ترتفع عن األرض للٌبلً،<br />
رؼم أنً أعرؾ أن المدٌر المحب هو من ٌضبط العام وٌسمح<br />
أحٌانا لصوت النشاز أن ٌسمع فٌه دون أن ندري لماذا؟! ربما<br />
من أجل أولبن الذٌن ال ٌحبون االنسجام بل أضافوا للفوضى<br />
كلمة الخبلّلة. لٌظهروا للعالم كم ٌكرهون اإلٌماع مدّعٌن أنه<br />
مجرّ د إضافة لؤلوهام الكثٌرة التً ترٌد البشرٌّة ان تثبت لنفسها<br />
أن هنان معنّى لوجودها ٌزٌد من خطّة هللا تماسكاً. ال شن أن<br />
الرب سٌبتسم لكنه لم ٌكن ٌنوي أن ٌمول شٌباً. أعتمد أنه جعلنا<br />
ندرن أن حرّ ٌة إطبلق الشعارات ستمودنا إلى الحمابك البسٌطة<br />
التً نرتطم بها كلّ ٌوم، ونرى الحمٌمة الساطعة التً تجهر<br />
بالمول: إن الربّ هو الرهافة ٌعٌنها، من أجل ذلن نرى أنه<br />
ٌرفض التدخّل فً حرّ ٌة اآلخرٌن.<br />
ربما نرى أحٌاناً أن الربّ أخذ ٌحدّ من صراخ الجمال فً هذا<br />
العالم واعتداده الذي ٌخرجه عن اإلٌماع رؼماً عنه، ألن<br />
الؽرور ٌزٌح صاحبه عن الطرٌك الموٌم. ولد ٌؤخذه إلى الجنون<br />
الذي ال شنّ أنه سٌمرّ ؼه فً المرارة وٌتركه خارج الزمن،<br />
ضابعاً وحٌداً ال ٌعرؾ كٌؾ ٌعود إلى السراط وخطة هللا. لمد<br />
نسً بؽتة كلّ شًء وتاه فً صحراء دون نجوم فالداً طلّته<br />
الممتعة وبهتت عٌناه وأصبحتا تنظران دون أن تدركا ما<br />
ترٌانه. اللٌل الذي أتى بعد كلّ ذلن كان ٌحمل معه الخشوع<br />
والسكون. أدرن المسكٌن أن الربّ ٌنزل فٌه المصاص، وفهم<br />
عمله أنه بمدرته اإللهٌة أبعد النجوم، وصار ال ٌراها كما كان<br />
ٌحبّ ، مدركا أن الربّ لم ٌرد أن ٌنخدع أحد وٌظن أنه ٌمكنه<br />
الوصول إلٌها وثباً.<br />
ٗ
أنا أعشك هذا الكبلم ألنه ٌحمل فً طٌاته تثبٌتاً مستمراً<br />
"لدٌمولرطٌّة" هللا بامتٌاز. إنً أرى أنه ال بدّ من االعتراؾ<br />
بخطبً إذ إنً أنصتُّ إلى الذٌن حضّونً على عدم االهتمام<br />
بفن الرلص ألن منه تتنبّع أشٌاء ال تلٌك بؤمثالً. أجد نفسً<br />
اآلن أنً استمتعت بالجهل وهو ٌعطٌنً نصابح رجعٌّة بدابٌّة،<br />
ولبلتُ أن أزٌح عملً جانباً. لمد تعوّ دوا فً ببلدي أن ٌعدّوه شٌباً<br />
مخصصاً للنساء كً ٌسعدن الرجال. بدل أن ٌإمن المرء بؤنه<br />
ٌحًٌ الروح، وٌدفع باإلنسان الطبٌعً أن ٌسعى لبلنفتاح بكلٌّته<br />
إلى نزعات جدٌدة ارتمابٌة. فً تلن اللحظات شعرتُ بؤنً ٌوماً<br />
ما سؤكون مستعدّاً للدخول فً منالشة هذا األمر، وأدحض هذه<br />
الحكاٌات المبتذلة الردٌبة، وأحاول أن أجد الفرصة عند اآلخر<br />
ألدعه ٌفهم بحب: إن الرلص فً حمٌمة األمر ابتهال وطمس<br />
صبلة، ٌكمن إٌماعها فً أعماق كلّ الناس، لكن لٌس كلّهم من<br />
ٌرتطم به وٌفوز بذلن الكنز الدفٌن. إنه بحاجة ككُلّ الفنون إلى<br />
الذٌن ٌؽوصون عمٌماً فً هذا الفن، وٌدركون ممدار االنبهار<br />
الذي ٌؽمر ذلن الفنان من الداخل وٌؤخذه من ضجٌج هذا العالم،<br />
وٌنمٌه رافعاً إٌّاه إلى هللا أثناء انحنابه للمادر ولٌس للجمهور. ال<br />
تسمحوا للجهلة أن ٌضؽطوا علٌكم وعلى بمٌة الناس جاعلٌن<br />
الخشٌة تدخل إلى الملوب، وتمنعهم من أخذ مكانهم على بساط<br />
الرٌح. ارحموا المبدع إنه رسول من لدن هللا. نعم إنه بطرٌمة ما<br />
وربما فً مكان آخر ال أحد ٌعرفه، تمشّى ٌوماً على حافة<br />
الجنون دون أن ٌدري، لكنه كان ٌدرن أن شٌباً ما ٌحدث، فبذل<br />
الجهد لٌبتعد عن المنحدر، ولاوم بالصبلة وبك ّل ما ٌملكه من<br />
لوة وتوازن كً ٌجنّبه هللا هذه الكؤس. ترى هل سٌؤتً زمن<br />
آخر تكون فٌه تصرّ فاتنا فً هذا العصر ؼٌر مفهومة بل<br />
مضحكة ومبتذلة وأحٌاناً تثٌر الؽثٌان؟! لمد مرَّ ت بعض<br />
٘
المجتمعات لدٌماً فً أولات كانت فٌها تمجّد لضٌب الرجل<br />
وتمدم له الطاعة والمرابٌن. ربّما علٌنا فً العمك أن نمتص من<br />
كلّ من ٌحتمر الجسد اإلنسانً وٌعدّه ممتؤل بالعورات. لكن لٌس<br />
بالتعذٌب أو المتل والسحل، بل بما ٌساعد ذلن الذي ال إطبللة له<br />
بٌن داخله وخارجه، وال ٌملن إلماماً بماهٌة عبللة روحه بجسده<br />
أن ٌرى ٌوماً أ ّال عورات فً الجسد اإلنسانًّ. بل إن ك ّل<br />
عضو فً ذلن الجسد ٌملن مهمّة رفٌعة الشؤن تتضافر استعداداً<br />
إلى أن ٌحٌن الولت لترتفع باإلنسان إلى فوق، وتخدم خطّة<br />
الرب فً دفع اإلنسان إلى مرتبة تستحك صدالة من أنتظر<br />
طوٌبلً تلن الصلة التبادلٌة التكاملٌّة. إنً دون شن أخشى من<br />
أفكاري ومن الضٌاع فً متاهة التفاصٌل أو فً بعض سمومها<br />
وربما فخاخها ال أدري؟! من وجِ دَ لتنظٌم إٌماعنا كان ٌعدّنا<br />
للدخول إلى عالم آخر حٌث نصٌر فٌه آلهة، عندما ٌرى المدٌر<br />
أننا بتنا مإهّلٌن للتفلّت من الزمن وأصبحنا جمٌعاً نمتلن زمناً<br />
خاصاً ٌمثّل تمٌّزنا واتحادنا فً الولت نفسه. ذلن الذي تخرج<br />
منه األنا الخاصة من كلّ واحد منّ الذٌن ولدوا من جدٌد والدة<br />
مختلفة. أنا واألسؾ نعرؾ أنً لستُ فً المكان الذي ٌُمكّننً<br />
من شرح ذلن الشعور الذي استجدّ عند الجمٌع، وال إدران<br />
عمك التناؼم الذي وحّد األعداد الهابلة وأعاد كلّ شًء إلى<br />
نصابه، وهزلت الشجرة المحرّ مة وهرمت دون أن ٌمس ثمارها<br />
أحد. لستُ أدري إن أُبمٌت صورتها ماثلة للعٌان؟ أنا أمٌل إلى<br />
هذه الفكرة. إذ إنها ستكون ذكرى لكلّ الماضً حٌث لن ٌطول<br />
انتظارنا حتّى نشم رابحة االختمار ونعرؾ لمَ حدث ما حدث.<br />
نعم أٌها اإلخوة: فً تلن اللحظة صار للكلمة هٌبتها، ودخلنا<br />
كلّنا أفراداً وجماعات متّحدٌن وؼٌر منفصلٌن إلى داخل الكٌان<br />
اإللهً، واختفى الزمن وزالت إمكانٌّة النشاز، وهكذا سنصبح<br />
ٙ
ذلن الكل المتحد وؼٌر المنفصل نملن السلطة على كل<br />
اإلٌماعات التً أوجدها الرب داخل الكون وخارجه. سنكتشؾ<br />
فً تلن اللحظات معنى الحرّ ٌة التً نمتلكها وماذا تستطٌع أن<br />
تفعل، بحٌث ندرن أنه لن ٌكون بإمكاننا الخروج عن مفاهٌمها<br />
التً وضعها الرب. فً تلن اللحظات سنشعر بسر كبٌر ٌبزغ،<br />
فٌتؽٌر النور الذي حولنا روٌداً روٌداً متح ّوالً إلى حزمة أشعة<br />
متداخلة األلوان شدٌدة الوضوح ال تإذي العٌن ستكون هً<br />
المس َكن الجدٌد لذلن االتّحاد اإللهً الذي سٌحول دون اندثارنا<br />
فً العدم. ذلن العدم الذي ٌعنً الموت دون لٌامة.<br />
االنفراج الذي تمَّ كان حدثاً حمٌمٌاً دون شنّ ، وها هً تلن<br />
األبواب المؽلمة بإحكام تنفتح أمامً، وآمل أن تعامل الرٌح<br />
اآلخرٌن كما عاملتنً ناللة إلٌهم الحظ. إذ ال معنى لبلستمتاع<br />
وحدي. شعرتُ أنً أولد من جدٌد عندما أدركت بكلٌّتً أن األلم<br />
الذي كابدته وكاد أن ٌذبحنً أخذ طرٌمه إلى االضمحبلل،<br />
ولٌس أمامً سوى الصبلة كً تزول ذكراه وتفاصٌله التً<br />
أكلت معً فً الطبك نفسه طوال تلن المدّة. كنتُ أسٌراً<br />
لمشكلتً رابطة إٌّاي بها ساعٌة بكل إمكانٌّاتها جاهدة لتفرٌؽً<br />
من إٌمانً وتماسكً، ولذفً إلى صحراء تواجه عاصفة رملٌة<br />
عاتٌة ستؤخذنً دون شن من سراب إلى سراب. ثم هدأ ك ّل<br />
شًء وانمشع ما كان ٌحجب الرإٌة، فظهرت أمامً بضع<br />
أشجار من النخٌل، وعدد ؼرٌب من البلفتات ُكتب على ك ّل<br />
منها ألؽام ألؽام، ألؽام. ترى ماذا ٌعنً ذلن؟! هكذا سؤل ُت نفسً:<br />
ترى هل اجتٌاز هذا الحمل الكبٌر من األلؽام هو شرط أساسً<br />
للنجاح؟! أو للوصول إلى الشعور باألمان أم إن هنان من ٌمول<br />
له جِ د سبٌبلً آخر، وابتعد عن الفخاخ. ترى كم من الولت<br />
7
سٌلزمنً لبلختٌار؟! أم علًّ االنتظار هنا تحت الشمس<br />
المحرلة، إلى أن ٌؤتوا بالصلٌب؟! أو ربما أن كلّ هذا المسرح<br />
المنتصب أمامً هو الصلٌب الممصود؟! كان المولؾ مخٌفاً<br />
وأنا أمتلا إدراكاً أن عملً بدا عاجزاً عن البحث عن مخرج،<br />
ٌستطٌع أن ٌزٌل كلّ هذا الؽموض الذي تخشى الولوج إلٌه حتى<br />
تحمً عملن من مزٌد التشوش الخطر. ابتسمتُ دون أن أدري<br />
لماذا؟! ترى هل ألنً ال أزال مإمناً بؤنهم ال ٌستطٌعون<br />
تركٌعً وإجباري على االستسبلم؟! لرّ رتُ البماء مكانً لٌس<br />
مرؼماً، لكن بسبب إٌمان اجتاحنً بموّ ة ولال: دعن من الخوؾ<br />
وتمسّن باإلٌمان. ابك هنا بانتظار صلٌبن وال تخشَ شٌباً. فهو<br />
لن ٌؤخذن إلى االنتحار بل سٌشدّ على ٌدٌن، وٌربّت على كتفن<br />
وٌبتسم معجباً بإٌمانن وجرأتن وٌحًّ ِ شجاعتن وبعد نظرن.<br />
جلست على األرض، وعمدتُ العزم على البماء حٌث أنا رؼم<br />
شعوري بالعطش الشدٌد. ترى ألٌس أنا وحدي هنا؟! إذاً من<br />
ذكر الصلب والصلٌب، وهل هنان من ٌحرن أفكاري عن بعد<br />
لتبرق فكرة معٌّنة فً ذهنً؟ً! بدأت أسمع حدٌثً مع نفسً، ولم<br />
أعد أرى الصحراء، وال أفكر فً العمول المتحجرة وال فً<br />
الجحٌم. للت لنفسً: من ٌتراجع عن طلب التفرٌك خوفاً من<br />
ممارعة مجتمع بكامله، ٌعنً أنه لبل طوعاً البماء فً الجحٌم،<br />
وستظلّ اللعنة تبلحمه إلى نهاٌة الدهر. ث َّم ألٌس أحد معانً<br />
الصلب هو المٌامة ودحر الموت؟! الرب دون شنّ أمسن بٌد ّي<br />
كطفل صؽٌر وتمشّى معً عبر طرٌك طوٌل، ٌحٌط به<br />
االخضرار من كلّ جانب دون أن أرى جذوع األشجار<br />
وأؼصانها. ثمَّ سلمنً إلى رجل طاعن فً السن أمسن بٌدي هو<br />
اآلخر مبتسماً وأومؤ إلًَّ أن أتبعه إلى بٌت جمٌل مإلّؾ كلّه من<br />
المصب. هنان رحّب بً وأدخلنً إلى ؼرفة داخلٌّة ولال:<br />
8
ستكون هنا آمنا من الوحوش، وبعد بعض الولت ستشعر أنن<br />
فً حالة من النماء لم تؤلفها سابماً. ٌبدو أن الرب ٌطلب منن<br />
الكثٌر. تولّفتُ للٌبلً عن الكتابة وتذكر ُت العظٌم "فروٌد" الذي<br />
لامت على كتفٌه الكثٌر من المدارس النفسٌّة التً بعضها ٌمول:<br />
إن بعض األحبلم تختلط مع الذكرٌات مثلما تختلط األوهام مع<br />
الولابع أحٌاناً.<br />
أعتمد أننا نعٌش تولاً خفٌاً لبناء صرح ٌإكّد االستمرار فً<br />
تطوٌر المصالح المشتركة والمفز فً التفكٌر إلى نواحً ؼٌر<br />
مسبولة بحٌث تكون كلّ عناوٌن األفكار دٌمولراطٌّة حمٌمٌة<br />
تدفع نحو انتمال إلى توحٌد المسرّ ات المشتركة واألعٌاد<br />
الوطنٌة، وبناء فولكلور حمٌمً ٌجمع العرب فً رلصات<br />
معروفة الخطوات عند الصؽٌر والكبٌر. كما ال بدّ من إنشاء<br />
عٌد وطنً واحد موحد األلبسة واأللوان. من ٌدري فمد نتّفك<br />
جمٌعاً على تسمٌة العٌد الجدٌد ممتل "اإلشاعة" بحٌث ٌصبح<br />
"علن" التموالت "مبصمة" األٌام الؽابرة.<br />
صدّلونً عندما ألول: إنً تعبتُ كثٌراً لٌخرج لرار<br />
المحكمة الروحٌّة إلى النور بشكل صحٌح والبك لدر اإلمكان،<br />
ولٌس على أحد أن ٌتولّع أن المحكمة الروحٌّة تختلؾ عن كل<br />
المحاكم التً نعرفها بشكل كبٌر. رؼم وجود الكتاب الممدس<br />
ورجال الدٌن الذٌن نذروا العفّة لٌكون األمر الوحٌد الذي<br />
ٌفعلونه تطبٌك تعالٌم الذي صلب حتى الموت لٌختبر البشر<br />
المحبّة والؽفران. لضٌتُ ستّة شهور كان فٌها الشٌطان ٌهدّدنً<br />
بالجلد فً الساحة العامة. لكنً لم أفكّر فً الخضوع لشخصٌّة<br />
مرزولة مرفوضة من المجتمعات اإلنسانٌّة التً خلمها هللا<br />
9
لترتمً تحت عناٌته وبجهدها باذلة الجهد المستمرّ للعناٌة<br />
بالمتعبٌن فً هذه الدنٌا. عزلت نفسً عن الذٌن ٌس ّخرون<br />
الرذابل لتكون مصدر عٌشهم، وتلهمهم كً ٌنوّ عوا سُبل زٌادة<br />
أرزالهم لٌطوروا تجارتهم وٌصٌرون مصدراً لئلعجاب.<br />
ألسباب مختلفة لررت تملٌص عبللتً االجتماعٌة واالبتعاد عن<br />
منابع األخبار الٌومٌّة الملفّمة، مؽلماً كلّ ما أستطٌع إؼبلله، ولم<br />
أتنفس أو أرى أشعة الشمس، إال من الؽرفة الشرلٌّة التً ال<br />
تظهر إالّ من حدٌمة الجٌران الذٌن هاجروا إلى كندا بعد موت<br />
ذكرهم الوحٌد بطرٌمة ؼامضة ومرٌبة بحٌث جعلت التوشوش<br />
ٌطول إلى تولؾ بعد أن فمد معناه. لمد فعلت كلّ شًء ألحتفظ<br />
بتماسكً وتوازنً. كنت ممتنعاً أن ما أفعله ٌحرّ كه العمل السلٌم<br />
ذاته، ولم ٌكن هنان شٌباً أخر أستطٌع أن أفعله ألحصل على<br />
التوازن فً أعمالً، بعد أن بمٌت طوٌبلً ساحة لتال لؤلشرار<br />
لتصفٌة حساباتهم فٌها. بحثتُ كثٌراً ومررتُ على الماضً وك ّل<br />
التفاصٌل التً التمطّها من شرٌط الذكرٌات، فلم أجد مسوّ ؼاً<br />
للخوؾ من أي شًء كنت لد لرّ رتُ اإللدام علٌه وفعلتُ. لطالما<br />
اللمتنً ذاتً وأنا أراها تعانً بٌنما ألؾ مشدوهاً تتضارب<br />
األفكار فً رأسً وٌؽزو الجدل العمٌم عملً. كانت عٌناي ال<br />
تزاالن تنظران إلى الوراء، إلى ذاتً التً ال تزال مضطربة،<br />
بٌنما أعمالً كانت منشؽلة فً التحضٌر لِما عزمت على فعله<br />
وإخفابه عن األعٌن. كانت انتفاضتً األولى تعلن عن حاجتً<br />
الشدٌدة إلى تذوّ ق طعم الشجاعة، إن جمٌع من التمٌتهم فً<br />
حٌاتً تكلّموا عنها الكثٌر وصوّ روا لً أهمٌّتها كلوحة رسمها<br />
هللا فً ذلن الٌوم الذي ارتاح فٌه بعد خلمنا وخلك كلّ هذه البدابع<br />
التً حولنا، والتً ٌمجّدونها وٌرفعون السٌوؾ احتراماً لها<br />
وتمدٌراً. حدث كلّ هذا فً اللحظة نفسها التً رعدت فٌها<br />
ٔٓ
السماء وبرلت مرسلة نٌرانها التً تختفً فور ظهورها<br />
وتضرب حٌن وصولها إلى الهدؾ. لكن عندما مشٌت بٌن<br />
السٌوؾ المرفوعة تولّفتُ عن الخوؾ من أن أخطا فً<br />
التشخٌص أو أن أتسرّ ع فً أي عمل ٌكون سببه محاولة التفكٌر<br />
الهادئ فً مناخ مشبع بالتوتر إلنتاج مولؾ سلٌم. اعتمدت هذه<br />
الطرٌمة أللول لكل الناس إن أحد األطراؾ الذي صمّمَ على<br />
الطبلق وفً الولت نفسه لم ٌُرد أن ٌجعل من نفسه منبعاً<br />
لؤلخبار، فاتفك مع المحامً على ِ كلّ شًء وسافر بعٌداً بعد أن<br />
أخبر المحكمة الروحٌّة بكلّ ما ترٌد معرفته. أعتمد أن ما بدأ<br />
ٌحدث فً الشهور السابمة وأصبح أمراً والعاً، كان ال بدَّ من<br />
وضع حد لما ٌجري وأنهً هذه العبللة الزوجٌّة البابسة وأعٌد<br />
كلّ شًء إلى نصابه الصحٌح. إنً أعترؾ بكل صراحة أن<br />
األمر كان ٌشبه صاعمة فتكت بؤيّ شًء ولؾ فً طرٌمها. لمد<br />
خرجتُ من للب عاصفة مجنونة أرٌد لها أن تضرب بشدة هنا<br />
وهنان وبطرٌمة عشوابٌّة، فاختارت تلن الصاعمة أن تصٌب<br />
منزلً عامدة لاصدة تحوٌله إلى أطبلل فً دلٌمة واحدة. لكن<br />
هللا على ما ٌبدو لم ٌرد أن ٌخرجنً من تحت الركام سلٌماً<br />
معافى بل إنه لم ٌسمح لتلن الصاعمة أن تحدث أط<strong>بلا</strong>لً إرضاء<br />
ألحد. أما روحً فمد أتعبها االنفجار الذي حدث، كما أربن<br />
أعصابً لمدة ثبلثة أٌام، عاد بعدها كلّ شًء إلى وضعه<br />
الطبٌعً. شكرت األطباء الذٌن توافدوا لبلطمبنان علً وهم<br />
بدورهم أكدوا أنهم مولنون أن ما حدث لن ٌترن أيّ أثر<br />
مستمبلً. أما األضرار البسٌطة التً أصابت منزلً ببع ٍض<br />
منها، كانت اإلشارة إلً أن أبدأ بترمٌم كلّ ما هو بحاجة إلى<br />
ترمٌم فً بٌت جدي "علً فركوح"<br />
ٔٔ
ٕ<br />
ها أنا أعود إلى النور الذي بزغ مع العالم الذي ابتدعه هللا.<br />
سؤبتسم له ألنً أرٌده أن ٌعرؾ أنً ال أخلط بٌنه وبٌن ذلن<br />
الذي ٌصنعه اإلنسان وٌإذي عٌنًَّ إن كان باهتاً أصفر أو<br />
أبٌض باهراً. سؤكون دابماً فً الؽرفة الشرلٌّة الكبٌرة التً ال<br />
أسدل ستابرها فً الصباح. إنها ال تزال تحوي كلّ مكتبتً<br />
الموسٌمٌّة ممّا تحبه روحً وتستكٌن إلٌه. البٌانو األسود الكبٌر<br />
حٌث سؤعٌش وأصلً مع "بٌتهوفن" آمبلً أن تؤخذنً موسٌماه<br />
معها إلى المبة الزرلاء. عندما نسمع معاً سمفونٌّته التاسعة<br />
تعزفها السماء وتصل إلى أسماعنا كؤننا نسمعها عبر عدد ؼٌر<br />
محدود من "البافبلت" المصنوعة بؤٌد ؼٌر بشرٌّة. أنا موعود<br />
أن أسمع فً عزلتً بالطرٌمة نفسها أعمال كلّ الموسٌمٌٌّن<br />
العبالرة العظام أمثال "باخ" الفرٌد "وفاؼنر" و"لٌست" دون أن<br />
ننسى "موتزارت" األعجوبة وشوبان الذي ال ٌزال البعض<br />
تزعجه تنوع مٌوله التً تإثّر على تفرده المدهش الؽرٌب<br />
األطوار التً تحكً عنها موسٌماه طابرة بن وحدن فوق الؽٌوم<br />
مشدوهاً، ثمَّ دون أن تعرؾ، تجد نفسن جالساً بٌن الناس<br />
الصامتٌن فً مسرح ضخم فخم ٌضاهً لصر "فرساي" ٌسع<br />
جمهوراً كبٌراً من الناس وهم ٌسمعون تلن الموسٌمى التً<br />
تُعزؾ ولد بدوا أنهم ٌفهمون ما تموله تلن النوتات. الؽرٌب<br />
الذي حدث أنً شعر ُت أٌضاً بؤنً أصبح ُت روٌداً روٌداً أفهم ما<br />
تعنً تلن النوتات من كلمات، التً كانت أحٌاناً تشدّنً وتثٌرنً<br />
حتّى أكاد أن أصل معها إلى الذروة وأنا أدرن أن مضاجعتً<br />
ٕٔ
للؽٌوم فً طرٌمها لبلنتهاء، لكنها تعود لترٌحنً بمبلة فً<br />
الجانب األٌسر من عنمً المرٌب من الخلؾ، فؤجد لها طعماً لم<br />
أذق مثله فً حٌاتً. ال ٌمكننا أن نذكر كلّ العظام وأعمالهم<br />
السٌّما أننً لم أكن مهتمّاً أن أكون خبٌراً فً هذا المجال. لكن<br />
أولبن العظام كانت موسٌماهم ال تنف ّن تتبلعب بً كما تشاء،<br />
وكنتُ أنا وكٌانً أحب ما تفعله فٌه. هذا ما ٌجعل للبً ٌخطا<br />
ربّما فً ترتٌب أولوٌّاته التً لد تختلؾ بٌن حٌن وآخر مع<br />
أولوٌّاتً. إذ إن للبً لٌس ؼرٌب األطوار أٌضاً مثل نفسً،<br />
ولٌس فٌه جنون ٌمترب من نوعٌّة جنونً. إنه ٌستطٌع أن ٌضع<br />
حداً لجنونه لٌتفرّ غ لمداعبة حنانه والتم ّرغ معه على سجّادة<br />
اإلمبراطور أو على بساط حطّاب فمٌر، إنه لم ٌجد ٌوماً فرلاً.<br />
ربما علً أن أضٌؾ: إن النؽمة كانت تخطفنً منذ زمن بعٌد<br />
وال تزال تتمتّع باختطافً تاركة إٌّاي أعاٌش تلن المتعة التً<br />
تشدّنً وتداعبنً بطرٌمة ؼرٌبة تجعلنً أحذر وأخشى ما لٌس<br />
لً لِبل به. لكنها بعد للٌل من الولت أعطتنً إشارة أنها لن<br />
تحاول عصري وتشرب من ذلن العصٌر الرابع. كما أن<br />
مشاعري استبمت فً كلّ الظروؾ لدرتها على التمتع، والعودة<br />
بً إلى تلن األٌام التً كانت فٌها النؽمة تسرلنً من أفكاري<br />
وترحل بً إلى عوالم مختلفة رلصاً، وال تعود بً إالّ والصباح<br />
ٌحاول أن ٌفتح عٌنٌه الجمٌلتٌن، تاركة إٌّاي أمام بٌتً وحٌداً<br />
بعد أن تمبّلنً مإكّدة وعود البحر لً بؤنً سؤرلص<br />
"الكومبارسٌتا" مع السٌؾ رؼم أنً ال أعرؾ شٌباً ٌُذكر عن<br />
الرلص وال عن السٌوؾ. إن ك ّل أولبن العبالرة العظام جعلوا<br />
من الموسٌمى بلسماً ٌسري فً دمابً، مع الرجاء من الضلٌعٌن<br />
فً لؽتنا العربٌّة إعطاء كلمة "بلسم" بعض الحرٌّة أكثر فً<br />
اختٌار المعانً التً ٌمكن أن تحوٌها. نعم إنً أعود إلى النور<br />
ٖٔ
وبعد فترة سؤتمشّى فً الشمس الساطعة، ولن ٌإثر ذلن<br />
السطوع فً عٌنً.<br />
الؽرفة الشرلٌّة لطالما كانت جمٌلة وتطل على حدٌمة<br />
الجٌران الكبٌرة الذٌن فمدوا ذكرهم الوحٌد، فلم ٌتحمّلوا سموط<br />
نُصب محتمل فهاجروا بعٌداً إلى "كندا" حٌث الثلج ٌؽمر تلن<br />
الببلد بؤسرها. لكن "الفٌلبل" الرابعة بمٌت مؽلمة مهجورة تبن<br />
متنهّدة شاكٌة فمدان الدؾء البشري. إن األنٌن الذي ال نعرؾ<br />
من ٌسمعه ال ٌعبر فمط عن األلم العمٌك وال عن الحزن الدفٌن،<br />
بل إنه أحٌاناً ٌُعده الكثٌرون من مازوخًٌّ هذه األٌام معبّراً عن<br />
فرحهم الخاص وحبّهم وولههم بالشجن، إذا نمص سارع<br />
السراب إلى جذبهم باتجاه آخر لٌرٌهم اختطافاً مختلفاً وبكاء<br />
محجوب الصوت لتكون مآسٌنا خالٌة من النُواح على األلل.<br />
تحدث الكثٌرون عن ذلن األنٌن الذي ٌسمع عندما ٌمر أحد<br />
أو أكثر من لرب تلن "الفٌلبل"، والؽرٌب فً األمر أنه لم<br />
ٌستطع أحد معرفة مصدره على اإلطبلق. لكن عندما ٌتولؾ<br />
فجؤة أحد ما لمحاولة التؤكّد إن كان فً الداخل من ٌتؤلم وٌعٌش<br />
على ذكرى تلن األٌّام الرابعة، وٌبكً تلن الجدران والنوافذ<br />
المؽلمة، وشبه الظبلم الدابم، ولٌس لدٌه ما ٌفعله سوى إٌماؾ<br />
عذاب الوحدة الرهٌب، أو الخوؾ من فمدان الوحدة، إذ إنه ربّما<br />
ٌعرؾ أنه لن ٌكون لدٌه ما ٌفعله، بل سٌزٌد من جلب األصوات<br />
الذي لد تؤخذ الحً كلّه إلى الجنون. فً هذه الحالة تكؾ<br />
الجدران عن تسرٌب أي شًء، وٌصٌب ذلن المرالب المتطفّل<br />
اإلحباط الشدٌد. ٌهمنً أن أضٌؾ أنً لستُ آسفاً من عدم<br />
معرفتً بذلن اإلنسان وال إلى ماذا ٌهدؾ. ال أعتمد أنه كان<br />
ٔٗ
ٌرٌد أن ٌوحً فعبلً عرض المساعدة. بل أؼلب الظن أنه كان<br />
ٌبؽً االشتران فً األنٌن لٌؤخذ كامل لذته المازوخٌّة. بعد فترة<br />
وصلت إلى مسامعً شخصٌّاً أصوات اصطدامات صادرة من<br />
الحٌطان الداخلٌّة لبٌتً. تساءلت: ترى ل َم لم ٌفكر أحد أن<br />
األنٌن الذي ٌسمع من "فٌلبل" الجٌران السابمٌن هً نفسها الذي<br />
تصدره. إنها وحٌدة ال تتكلّم مع أحد، ولم ٌعد الزابرون ٌؤتون<br />
لٌزوروا أصدلاءهم حاملٌن معهم حكاٌات حمٌمٌّة أو ؼٌر<br />
حمٌمٌة، ترى من الذي سٌهتم؟! ألم ٌُمَل أن الذرّ ات ومشتماتها<br />
تشعر بالوحدة والوحشة، وٌتملّكها اإلحساس بالحاجة إلى دؾء<br />
ما دون أن ٌعنً الفرق بٌن الشتاء والصٌؾ شٌباً؟! إنً ال أفهم<br />
لمَ تمٌم بعض الشعوب التماثٌل للعضو الذكري منتصباً شامخاً<br />
معتدّاً، موجهاً نظره إلى حٌث ال ندري تماماً، كؤنه ال ٌرجو من<br />
البشر شٌباً ٌذكر؟! ترى ما سر هذا العضو ولماذا الكلّ ٌحبون<br />
أن ٌجعلوا منه لعبتهم على األلل؟!! ترى هل من ٌنصبون تلن<br />
التماثٌل بفخر ظاهر ٌعبدون ما ٌشتهون؟!<br />
ال شن أن المرحلة التً كنتُ أمر فٌها كانت نفسً تلح على<br />
أن تحظى باالنعزال عن الناس، وتجنٌبً ش ّر شرح ما جرى<br />
وٌجري لؤلصحاب والمعارؾ الكثر. إذ كان األمر صعب<br />
االحتمال أن ترى األلسن تلون ما سمعت من المصص كما<br />
تشاء، وتسرد األلاوٌل بما ٌفسد المٌم التً ٌحترمها المجتمع<br />
وتعمل على صون أخبلله.<br />
المهم أن ذلن المكان كان ٌُخْفٌنً عن األعٌن وٌبعد عنً<br />
األصوات التً لم ٌعد لها دور فً حٌاتً. فً تلن الحمبة التً<br />
عشتها، استعدت براعتً فً العزؾ على البٌانو، وزاد وزنً<br />
ٔ٘
للٌبلً دون أن أخشى شٌباً. مضت شهور كثٌرة وأنا أزداد ظناً<br />
أن العالم كله لد نسٌنً تماماً ولم ٌعد ٌتذكر كٌؾ كانت معالم<br />
وجهً. تساءلت ضاحكاً بصوت حاولت أن أكتمه كؤنً كنت<br />
أنوي البكاء ال الضحن، لكن عبثاً إذ إنً استمررتُ فً الضحن<br />
كما لو إنً كنت بحاجة ماسة إلٌه. فكرتُ للٌبلً دون أن أستطٌع<br />
إجابة نفسً إن كان ضحكً بكا ًء أم إنً مضطر إلى وصؾ ما<br />
كان ٌجري فً والع األمر وألول: إنً ضحكت كما لم أفعل<br />
ذلن فً حٌاتً. ث َّم من أنا حتّى ٌهتمّ أحد بً؟! فؤنا لم أترن<br />
لذلن "األحد" الذي ال أعرفه أٌّة فرصة حتّى ٌتذكّر من أكون أو<br />
أن ٌهتم بالبحث عن أثر لً، فربما أكون لد تركتُ كتاباً ؼٌر<br />
منتهً فٌه بعض األسرار لد تكشؾ الكثٌر عن تلن الحٌاة التً<br />
عشتها. لكن لل لً ل َم حبستَ نفسن ٌا أفضل طبٌب نفسً<br />
تخرج من الدورة التً ضمت عشرٌن طبٌباً، نصفهم من<br />
األجانب وثبلثة منهم من العرب ؼٌر اللبنانٌٌّن، لتعود من جدٌد<br />
للبكاء على األطبلل. علًّ االعتراؾ أنه سإال ذكّرنً بؤمً<br />
التً بذلت جهداً كبٌراً كً تمنع نفسها من العودة لبحث هذا<br />
الموضوع. كانت تدفعنً ألرى طبٌباً نفسٌاً علّه ٌزٌل أشباحً<br />
التً تعوق تماسكً وتمنع تبلحم كٌانً وتشدّنً إلى الوراء،<br />
ناشرة الخوؾ الشدٌد فً أحبلمً وأفكاري بما ٌفوق ما ٌظن<br />
البعض. لمد تخرّ جت من الجامعة كطبٌب نفسً بدرجة "ممتاز"<br />
وأنا أعرؾ أننا فً المجال النفسً حتى ٌومنا الحاضر لم<br />
نستطع أن نجد حبلّ للمشكلة التً نحن بصددها. لمد رفض أهل<br />
العلم كلّ أعذاري لعدم فتح عٌادة تعٌد للشاحب الخابؾ زهوته<br />
لمجرّ د الدخول إلٌها وٌرتشؾ بهدوء فنجان لهوة. كنت أدرن ل َم<br />
ترفض أمً متابعة النماش فً هذ الموضوع، لمد استطاعت لبل<br />
وفاتها منعً من اؼتنام الفرصة ألظهر لها بصوت عا ٍل ؼاض ٍب<br />
ٔٙ
أنً أرفض وصاٌتها رفضاً لاطعاً، مبٌّناً لها أنً أملن العمل<br />
والموة ألمارس حرّ ٌتً وأسٌطر على كل الضوابط إلٌمافها عند<br />
حدّها إذا ما انتابتها رؼبة فً الجنوح. لست أدري ماذا ٌمكن أن<br />
تفكّر حماً؟! ربّما كانت تدرن أنً لم أكن أستطٌع أن أفعل أي<br />
شًء ٌمكّننً من وضع بصماتً فً أي مكان، وال أجرإ على<br />
لعب لعبة الموّ ة. أظن أن أمً كانت تخشى أن تظهر شفمتها علًّ<br />
حتى ال تتفكّن شخصٌتً تماماً وٌحدث االنهٌار الكبٌر الذي لن<br />
ٌستطٌع أحد أن ٌجد حبلً له، سوى التخلّص منً ورمًٌ فً<br />
أحد المصحّات لؤلمراض العملٌّة.<br />
المشكلة أنها كانت لادرة على لراءة أفكاري عند أٌة أزمة<br />
كنت أمر بها، وذلن كان ٌفالم من ارتباكً وعدم تماسكً<br />
وؼضبً من أن التً تعٌش معً تمرإنً كما تمرأ كتب<br />
األطفال، وتعرؾ ما ٌخٌفنً فً العمك وٌمضّ مضجعً .أظنّ<br />
أنها الوحٌدة التً رأت الحزن فً عٌنً لمّا تخرجت بامتٌاز،<br />
وحملنً الرفاق على األعناق حتى باب منزلً، أظن أنها<br />
أحست بؤنً أشعر كمن ولع فً مصٌدة، مدركة أن كٌانً كله<br />
ٌرتجؾ خوفاً من أن أكون أكثر ضعفاً وهُزاال فً العمك من<br />
مرٌضً، لم أحاول الوصول إلى لاع أعمالً وال مرة فً<br />
حٌاتً. أظنّ أنً كنت مرعوباً من أن أستطٌع شفاء مرضاي<br />
وتصٌر حٌاتً مسرحاً ألمراضهم ترتع فٌها وتحٌلنً إلى جحٌم<br />
آخر أشد هوالً. أنا أعرؾ أن حصول هذا أخذ ٌبدو لً احتماالً<br />
ضعٌفاً، لكنً ال أملن المدرة على التعاٌش معه. إذ إنً ربّما ال<br />
أصمد عندب ٍذ، ومعنى هذا أنً سؤؼدو دون أي شنّ مجنوناً<br />
ٌهرب منه الناس دون أن ٌستطٌع الهرب من نفسه. شرحت<br />
ذلن لوالدتً علّها تتفهم سبب عدم إلدامً على فتح عٌادة حدٌثة<br />
ٔ7
تتكلّم عنها دمشمً، وتُفرح أمً وتطمبنها إلى أن المسٌرة بدأت<br />
وكل شًء سٌكون على ما ٌرام. ربّما كان كلّ ما جعلتها تعانٌه<br />
وتكابده فً حٌاتها لد عجّبل فً موتها المبكر؟! إضافة إلى هلعها<br />
وهً ترانً طفبلً ال بدّ أن ٌكبر وتظهر فٌه بعض العٌوب ؼٌر<br />
المحتملة ولكن مع الولت أصبح ُت والعاً ال بد من مواجهته.<br />
أعتمد أنها نالت ما كانت تخشاه تماماً. كان إصرارها على<br />
رفضها البماء فً هذا العالم، ٌمزّ لها كلّ ٌوم فانتشلها الرب منه<br />
لتسترٌح لربه. لمد فضّلت أن تؽٌب لبل رإٌتً أتحوّ ل إلى شبح<br />
إنسان ٌحوم حول البٌوت التً كان ٌرتاح إلى أصحابها، إنها<br />
ستدرن دون شنّ حتّى لو كانت فً المبر أن هذا الهابم كان فً<br />
ٌوم من األٌام ابنها. أستطٌع الجزم أنها كانت ستموت مرّ ة ثانٌة<br />
ؼماً ولهراً. إذ إنً أظن أنها هربت إلى الموت، لكنها لم تتمكن<br />
من نسٌان أبً ومعضبلتً التً لم أستطع حلّها. المشكلة كانت<br />
رؼم حبّها لً لد شعرت أنها منهكة فمرّ رت الولوؾ إلى جانب<br />
نفسها وفضّلت الموت. ربّما كان رفضً لممارسة عملً، لد<br />
حدث بتشجٌع من هللا الذي ٌمنع الحرب األهلٌّة متى ٌشاء،<br />
وٌسمح باشتعالها متى أدرن أنها ستمتل كلّ األفاعً التً كانت<br />
ستعٌث فً مستمبل هذا العالم فساداً.<br />
ٖ<br />
كنت أعرؾ منذ زمن طوٌل أن العٌش حرفة صعبة. ال ٌظنَّنَ<br />
أحد أنً أنوي إعادة ما كتبته عن الجحٌم. إذ إنً أشعر بالسعادة<br />
فً حٌاتً الجدٌدة، فربّما ال ٌبلبمنً اختفاء الظبلل والظبلم<br />
ؼٌر التام الذي ٌسمح لً برإٌة األشٌاء مع بعض الؽموض<br />
المثٌر، والعٌش فً اللٌل على ضوء الشموع الذي ٌتٌح لً<br />
ٔ8
رإٌة أشباح أجمل النساء، وٌمنحنً بعض األوضاع المثلى<br />
للمضاجعة. كان النور ٌمؾ حاببلً دابماً أمام وجهً، وٌمنع<br />
خٌالً من خلك الصور التً أشتهٌها، وٌهدّدنً بفضح رؼباتً<br />
المجنونة وأنا أرى نفسً أنفذها عندما ٌحلّ اللٌل. إنً أفضل<br />
العودة إلى الجحٌم، إذا دُفعتُ لمشاهدة نفسً وحشاً جنسٌّاً<br />
حمٌمٌّاً، ومن فمً ٌتدلّى شًء ممرؾ أكثر كثافة من اللعاب.<br />
لست أدري إن كنت أكذب على نفسً أو أحاول التبجح لكن<br />
على من؟! ربّما كنت أفضل من ٌؤتً منهنَّ إلى خٌالً أكثر من<br />
اللواتً ٌضمهنّ فراشً.<br />
فً أحد األٌام األولى التً تلت ذلن الحدث الذي أعاد إلً<br />
حرّ ٌتً، وانتشلنً من محاولة اؼتصاب روحً، باالحتٌال<br />
الدنًء. فوجبتُ بطٌور السماء تتجمّع وتشكّل دابرة تدور حول<br />
نفسها، ثمَّ تنخفض دون أن تؽٌّر وضعٌّتها، وتطٌر فولً<br />
مزؼردة فرحة، كؤنها تُحًٌ عٌداً، أو تبارن عرساً مإكّدة أنها<br />
تعٌش سعادة عارمة، ألنها لطالما كانت ضدّ الظلم، وستبمى<br />
تعدّه عاراً ٌجرّ ه الشرّ وراءه وتفرح به الؽربان. لكن الطٌور<br />
بعد أن شبعت رلصاً وؼناء انخفضت للٌبلً عمّا كانت علٌه،<br />
وأمطرتنً بحبّات الحنطة بؽزارة، ثمَّ ما لبثت أن طارت باتجاه<br />
السماء لتموم بتشكٌبلتها المعتادة، وهنان أظهرت أنها عالدة<br />
العزم على أن تفعل شٌباً آخر، لتبثُّ رسالة تمول: إن على الحٌاة<br />
أن تعود بٌن فترة وأخرى إلى توضٌح سبب وجودها، كلّ ما<br />
ؼاب ذلن فً ؼٌاهب النسٌان، أو فعل ذلن كلّ من له مصلحة<br />
فً تخرٌب مسٌرة الحٌاة الطبٌعٌّة، ٌكون علٌها التؤكٌد دابماً<br />
وبحزم أن من بٌن أهم مهامها تعمٌم الفرح بٌن الناس ووأد<br />
الحزن إلى األبد. هكذا عادت الطٌور إلى كبد السماء، وكانت<br />
ٔ9
ِ<br />
ىإل<br />
فً أثناء ذلن تُتمّم ما تفعله بمنتهى الروعة والرلة والحب. ث ّم<br />
استدارت وتصعد لتدور فً كبد السماء نصؾ دورة، ثمَّ تعٌد<br />
دورانها بصورة عكسٌّة على إٌماع" السلو فالس" أن ترجع<br />
إلى مكانها منخفضة ومبتعدة عن المبة الزرلاء للٌبلً وهً<br />
ترفرؾ جناحٌها برلة ال تكاد ٌُسمع لها صوت. صفك الناس فً<br />
الشوارع وبعضهم ركع مبتهبلً إلى السماء والدموع تنهمر من<br />
عٌنٌه مشارِ كة الجمٌع فرحهم. انفصل الفرٌمان عن بعضهما<br />
بعضاً، بحٌث ابتعد ك ّل فرٌك عن اآلخر وأخذ ٌفعل ما ٌمكنه<br />
إلخراج ما جهد إلخفابه من إبداعات. ثمَّ تولؾ كلّ شًء فجؤة،<br />
معٌداً كلّ فرٌك اصطفافه على شكل رأس حربة متّجهة إلى<br />
اآلخر كؤن المشهد ٌرٌد أن ٌوحً، أن كلّ منهما ٌتهٌؤ للهجوم<br />
على الفرٌك الذي ٌمابله، بؤسلحة سرّ ٌة ؼٌر بادٌة للعٌان. بدأ<br />
شًء ؼرٌب ٌحصل، وفً الولت نفسه لم تُبلحظ أن هنان نٌّة<br />
إلخفاء جمال ما ٌجري. تابعتُ التفرّ ج منذهبلً حذراً، إذ بدا ما<br />
ٌشبه الزحؾ المتسارع على بعضهما بعضاً ٌمترب من<br />
االستكمال والتحمٌك. لكنهما لمّا التربا كثٌراّ إلى ما ٌشبه<br />
التبلصك والتداخل، أصبح المشهد شدٌد اإلحراج وٌشٌر بؤن<br />
ساعة المواجهة أزفت، ومذبحة ؼرٌبة بٌن الحمام األبٌض<br />
توشن أن تبدأ. المسؤلة بدت أن األمر لن ٌحتاج إالّ إلى دلابك<br />
للٌلة أو ثوانٍ، لكن ما حدث ؼٌّر المشهد تماماً، إذ سارع ك ّل<br />
منهما إلى الدخول فً خطوط اآلخر، وهنان ابتدعا ما أظه َر أن<br />
كلّ فرٌك ٌحاول أن ٌموم بااللتفاؾ على اآلخر، وأن الفرٌمٌن<br />
فً عجلة من أمرهما وٌتسابمان لسرلة اللحظة التً تعطً<br />
أحدهما الوضع الهجومً األنسب للدخول إلى المعركة. بدا<br />
األمر ٌزداد ؼرابة، وظهر الوجوم على وجوه الناس، ولم<br />
ٌعرؾ أحد إذا ما كان الممصود عرضاً فنٌّاً خاصاً، أو إن من<br />
ٕٓ
المبكر االستنتاج فلننتظر إنه الربٌع الذي ٌحبّ رإٌة البهجة تع ّم<br />
الجمٌع. ربّما ٌختلط كلّ ذلن بحوار ٌُجرٌانه مع بعضهما بعضاً<br />
حرصاً على بماء التبلحم صحٌاً بٌن أجمل طٌور السماء. لكن<br />
حتّى بعد مرور ولت كاؾً لم تتضح نٌَّتهما، بل ازدادت إبهاماً،<br />
فما ٌرٌدانه ظلّ ٌتؽلؽل فً الؽموض وبدأ الناس الذٌن تولفوا<br />
لٌروا كٌؾ ستكون نهاٌة األمر ٌتكاثرون وتشتدّ حٌرتهم، وربّما<br />
أٌضاً شؽفهم. إذ إن دلة المولؾ وحراجته أربكت تمدٌر الناس<br />
ولم ٌعودوا ٌدرون ماذا ٌجري وإلى أيّ مشهد ٌؤخذون أنفسهم<br />
وكلّ الحاضرٌن؟! لكن األمر أخذ روٌداً روٌداً ٌُفصح نفسه،<br />
والوالع فً النهاٌة جؤر بالمول: ما كانت تلن الحمامات البٌضاء<br />
تحشد عناصرها للمتال، إذ إن ما جرى لم ٌكن إالّ بداٌة لرلصة<br />
ابتهالٌّة تإدٌّها هذه الطٌور كلّ ستة أشهر، فً أمكنة مختلفة<br />
لتحًٌ فً الناس الروح نفسها التً تشتعل فٌها وتإكّد أنها ال<br />
ٌمكن أن تسمح ٌوماً أن ٌموم بٌن بعضها بعضاً صراع على<br />
مؽنم. استمرّ ا فً الرلص حٌث هما ممتربٌن من بعضهما حتّى<br />
التحما رلصاً وحبّاً، وجعبل دموعً تترالص فً مملتًَّ. لكنهما<br />
بعد أن تملّصا من تلن الروعة التً جهدا البتكارها، تركا<br />
مكانها عبارة مكتوبة أربع مرات على شكل دابرة تمول:<br />
"الموت فعل حٌاة". لست أدري إن كان ما رأٌته رسالة خاصّة،<br />
أم إنها مزٌد من التوضٌح لِما سبك أن لاله البلهوت. هكذا<br />
ارتؤى من أراد التجدٌد فً الصٌاؼة، وما لدّمته تلن الرلصة<br />
من لوحاتٍ رابعات أكثر من ك ّل ما سبك أن رأٌنا أو سمعنا.<br />
ٌبدو أن تلن الطٌور كانت تعرؾ جهلً بالرلص فحملت إلًَّ<br />
رسالة لم أفهم مؽزاها فً ذلن الولت. لكنّها على ما ٌبدو كانت<br />
مصرّ ة على تودٌعً، فهبطت بتإدة حتى خِ لتها تبؽً ممازحتً<br />
لكنها دارت ببراعة مدهشة دورتٌن، وهً تتضاحن متّجهة إلى<br />
،<br />
ٕٔ
المبة الزرلاء. لكن دون أن أدري بمٌت حمامتان على كتفًّ،<br />
لالت إحداهما: خذ نفساً عمٌماّ وام ِش رافعاّ الرأس طارداً ما<br />
خلفّه الماضً من أكاذٌب وما سبّبه من أحماد وإشاعات<br />
مؽرضة. أما جروحن، فؤوصت السماء أن تترن أمرها إلٌها،<br />
فهً منذ األن لم تعد من شؤنن. ال تخش شٌباً أٌها الطبٌب<br />
فستنال المراد.<br />
الشنّ أنً تنفّست الصعداء. لكن المرء فً ظروؾ كهذه،<br />
البد من استعادة لصته مع تلن المؤساة، وخاض حرباً ضروساً<br />
إلخراجها منها وجعلها تبتعد عن المتل وااللتتال. كان لؤلسؾ<br />
صراعاً حمٌماً صعباً ومجحفاً ولٌس مؤلوفاً، كان فاضحاً<br />
ومؤساوٌّاً، شعرتُ فٌه بؤنً كنتُ متروكاً على لارعة الطرٌك،<br />
وأن الكنٌسة المتكتمة لد أظهرت بوضوح أنها اتخذت لراراً<br />
مجحفاً مجافٌاً للمانون لبل أن تبدأ المحاكمة. لكن رؼم كلّ ما<br />
جرى كنتُ أطلب من نفسً الحرص على أن ٌكون انتصاري<br />
نظٌفاً ووفماً للشرابع مهما كان ذلن صعباً وٌتطلّب مضاعفة<br />
الجهد. لن أكتم على الذٌن سٌمرإون كتابً، أن الخوؾ كان<br />
ٌسكننً طوال المدّة التً تطلّبها التماضً. لكنً كنتُ رؼم<br />
كل شًء- لد لرّ رتُ النضال ببل كلل أو ملل، وبكل ما لديّ من<br />
صبر واحتمال ضد حربٌن إحداها معلنة شدٌدة الولاحة<br />
واالعتداد، شنّتها زوجتً التً أصبحت طلٌمتً، وأخرى ؼٌر<br />
معلنة خاضتها أمً ألن المجتمع ٌفضل لبول االستكانة للضٌم<br />
على احتمال لٌام ابن العابلة العرٌمة بتطلٌك زوجته. ها هم<br />
ٌشٌحون بوجوههم إرضاء لزوجاتهم لكن كٌانً كلّه كان لد<br />
تعرّ ؾ عن لرب إلى ماهٌّة المٌامة من الموت ومعنى االلتصاق<br />
وتشابن األنفاس. البلهوت تدخل فً األمر وفتح الباب على<br />
–<br />
ٕٕ
ِ<br />
مصراعٌه أمامً مسمعاً إٌّاي صوته وهو ٌمول ال تخش شٌباً،<br />
وأعطى أماناً حمٌمٌاً لما جرى مشٌراً إلى أن كلمة هللا ظلّلت<br />
المولؾ كلّه، بحٌث تبٌّن أن طرٌمة تصفٌة تلن المشكلة سارت<br />
وفك إرادة السماء، رؼم ما رافمها من كذب واحتٌال وخداع. إن<br />
أمراً مثل هذا كان صعباً تفكٌكه نظراً للتعمٌدات التً تواجه<br />
النفس البشرٌّة فً أثناء عبورها للفخاخ، وتضعها الحٌاة فً<br />
الطرٌك لعرللة الذي ال ٌشبع وال ٌإمن بالحواجز التً تطلب<br />
تخفٌؾ السرعة. تعلّمنا فً الجامعة مواجهة الصعاب كما تبدو<br />
أمامنا وفً النور، وأالّ نختلك األشباح مشبعٌن بالرؼبة فً<br />
المتال لمجرّ د إثارة . كما علٌنا تولّع اختبلق األكاذٌب لذرّ<br />
الرماد فً العٌون، عند التعاطً مع مسؤلة الزواج المعّمدة،<br />
وعدم فهم المرأة لطبٌعة وضعها االجتماعً واألخبللً<br />
والمانونً الجدٌد فً العالم العربً الذي ننتمً إلٌه، رؼم أن<br />
سورٌّة متمدمة فً التعاطً مع المسؤلة الشرعٌة التً تؤخذ فً<br />
االعتبار كل طابفة على حده، منتمٌة الموانٌن التً تبلبم ك ّل<br />
طابفة. أظن أن الولت لد حان لتؽٌٌر كلّ المفاهٌم المتعلّمة<br />
بالمإسسات الدٌنٌة على اختبلفها، وتنظٌمها بحٌث ٌحلّ<br />
الوضوح مكان الفساد المستشري، والمؤسسة الحمٌمٌة عوضاً<br />
عن تلن التً ٌتفشّى فٌها الؽموض وتسمح للمكر أن ٌتسلّل<br />
كٌفما ٌشاء وٌلمً بشباكه هنا وهنان. لمد بان االهتراء والمبح<br />
ٌنفث رابحة النتانة إلى العلن أٌنما حل وعلى من فً سدة<br />
السلطة الكنسٌّة خصوصاً، أن ٌبادروا إلى تؽٌٌر ما هم علٌه<br />
بصدقٍ وإٌمان، تخلّصاً من كل األدران. إن فهم األمر بعمك<br />
وتشربّه بتإدة ٌتطلب جهداً،وؼرلاً فً الطهارة وما ٌرافك ذلن<br />
من تلبّدٍ للؽٌوم وكٌفٌّة مماربتها للتفحم الذي ٌمؤل النفس شعوراً<br />
باالنمباض والتوجّس. المرور بكل هذا التطهر ولسوة الطرٌك<br />
،<br />
ٕٖ
إلٌه، ٌدفع عنً االضطرار إلى حمل المارئ على كتفًَّ،<br />
والدخول سوٌّة فً ذلن النفك نفسه الذي تتخلل عتمته الحالكة<br />
بعض الومضات السرٌعة بٌن ولت وأخر،التً ربما لد تكشؾ<br />
الكثٌر ممّا كان ٌجري فً تلن األٌام التً أسمطت الكهنوت فً<br />
األزلّة النتنة. ال أعتمد أن مسرحة األمر ستشٌر إلى مصدر تلن<br />
الومضات، وال أإمن بؤنها ستسعؾ المتلهّفٌن للوصول إلى<br />
هدفهم، وكذلن لن أستطٌع إعطاء بعض الطمؤنٌنة إلى من ٌشعر<br />
بؤنه من المحشورٌن، أو أن أعده بالوصول فً آخر األمر إلى<br />
نهاٌة ذلن النفك الكرٌه البؽٌض الذي ٌعطً االنطباع أن من هم<br />
فٌه سٌتسالطون الواحد بعد األخر لبل أن ٌروا نهاٌة له، أو إن<br />
كنا سنجد فً مكان ما مفترق طرق عتمته ؼٌر حالكة، وٌا<br />
مرحباً ببعض الؽموض إذا كان ٌسمح لنا أن نرى ما ٌجري.<br />
ربّما سٌختار الموعودون ذلن الطرٌك الوعر الممتلا بالعثرات<br />
واألشوان، حٌث سٌعثرون فٌه على أجوبة شافٌة عن األسبلة<br />
الكثٌرة التً تثمل كاهل كلّ الذٌن لٌس أمامهم سوى أن ٌتابعوا<br />
المضًّ فً ذلن الذي ٌتلمسونه أثناء سٌرهم مهما بلػ منهم<br />
التعب واإلنهان، آملٌن برضًى الوصول إلى نهاٌة ذلن الظبلم<br />
الحالن المدمر لؤلعصاب، الذي ٌشعرن بؤن هنان فً والع<br />
األمر من ٌتمتع بمضم روحن دون أن ٌمول له أحد تولؾ، فإن<br />
ما تفعله ٌعكر السوابل التً تخرج أصبلً مع مخلفات المجارٌر.<br />
إذ إن المعود واالتّكاء على المدمٌن أو أصابعهما ألمر مُضنٍ<br />
ٌَحملن على اإلدران أن لٌمتن اإلنسانٌّة ٌمكن فً أي لحظة أن<br />
تتعرض إلى الهوان. كنت أودّ أن أرى إن كان هنان بصٌص<br />
نور فً أخر ذلن النفك الذي ٌكاد أن ٌمول لن: "ابحث عن<br />
مكان آخر تجلس فٌه وانتظر الموت هنان، فهذا أفضل ما<br />
تفعله". عند ذلن أكتشفتُ أن طول لامتً الذي كان ٌثٌر<br />
ٕٗ
اإلعجاب، أصبح منؽّصاً مربكاً ولٌس هنان ما تفعله وٌجعلن<br />
تمول حسناً. إذ إنه ؼدا ٌعٌك طرٌمً فً إعادة اتصالً بالنور<br />
والمبّة الزرلاء، وبالرٌاح ورلص الترواٌح الرابع لؤلشجار،<br />
وترنٌماتها وابتهاالتها إلى الرب كً ٌترفك بالذٌن ٌسٌرون فً<br />
العتمة الماتلة أٌّاماً أو ربّما سنوات.<br />
ٌبدو أننا سنظل نمرّ من عتمة إلى أخرى تسكنها األشباح،<br />
معاشرٌن االختناق البطًء ومحشورٌن مع الروابح الكرٌهة<br />
مستندٌن إلى الحابط حماٌة لنا لدر اإلمكان من الؽدر الذي<br />
نشعر به حولنا فً تلن العتمة اللبٌمة، أو ربّما نسمع أنفاسنا<br />
واصطكان اضراسنا، ونحسُّ بالرعب ٌعصرنا بٌنما الٌؤس<br />
ٌنتظر أن ٌنهش ما تبمّى منا، منتظرٌن أن نرى رؼماً عنّا ؼباء<br />
نهاٌة حٌاتنا وسخفها. عندبذ لن ٌكون مسموحاً التردّد، وال أن<br />
تنمصنا الجرأة لنرفع رأسنا إلى السماء مطالبٌن دون تلكّإ من<br />
صاحب المُلن أن ٌعتنً بنا نحن أبناءه، مدركٌن أن بعض ما<br />
فٌه هو فٌنا فً الولت نفسه. نحن ال نطلب الكثٌر، بل ندعوه<br />
إلى معاملتنا كما ٌفعل ألزهار الربٌع حٌنما ٌمنحها النسٌمات<br />
التً تشفً العلٌل. انهمرت دموعً بؽزارة رافضة التولّؾ حتّى<br />
توصِ ل ما ترٌد إلى حٌث علٌها أن تفعل. ٌبدو أن تلن اللحظات<br />
كانت حاسمة وفعلت ما ٌإمل منها. كما أوضحت بما ال ٌمبل<br />
الشن أنها ستؤخذ حمّها وشٌباً من حمًّ بدفعً إلى االؼتسال<br />
بدموع الفرح مرّ ة تلو المرة، التً تموم بما ٌفعله السحر دون أن<br />
تكذب مثله. كما أنها أٌضا تزٌل األدران وتعٌد حركة الدماء إلى<br />
نشاطها لبل أن تتدحرج الصخرة عن باب المبر، وتعٌد الجسد<br />
إلى زهوته ونضارته بعد أن كان ماضٌاً إلى األفول لبل الذبول.<br />
عندما لرّ رت الكتابة، تعرضت لحادث ؼرٌب. إذ حٌنما كنت<br />
ٕ٘
أمرّ فً ذلن النفك بالذات، ولبل أن أستلم أوراق حرّ ٌتً.<br />
شعرت فجؤة بما ٌثٌر االنشداه ٌسري فً داخلً، ظننتُ فً ذلن<br />
الولت أننً كنت أدخل بكلٌّّتً ؼموضاً لذٌذاً ال جفلة فٌه،<br />
أدركت فً اللحظة نفسها أنً بادرتُ بالترحٌب به لبل أن<br />
ٌرحب بً. ثمَّ لم ألبث أن شعرتُ أنً امتلا بنور ؼرٌب<br />
ٌسري فً كٌانً بهدوء لكن بتصمٌم الواثك أالّ أحد ٌمكنه<br />
اعتراض طرٌمه، باثاً فًّ حرارة أحسستُ بروعة ملمسها فً<br />
أثناء عٌشً الطوٌل ضمن أتون، بل إنها ذكّرتنً بمبلمسات<br />
كدت أنساها وأنا وسط تلن المعاناة التً ربّما الترب كثٌراً من<br />
تؽٌٌر حٌاتً فً المادم من األٌّام. لكن ما كان ٌجري لم ٌلبث أن<br />
شعرت بؤنه لد تولؾ تماماً، دون أن أعرؾ كٌؾ فهمتُ أن<br />
ذاتً أعطٌت الحك بإنتاج النور، وأن تبثه متى أٌمنت أنه ٌمكنه<br />
أن ٌفتح األبواب المؽلمة أمام الذٌن ٌعتمدون أنه لد انسدَّ ك ّل<br />
شًء فً وجوههم. لم ٌكن التعامل مع ذلن األمر المفاجا<br />
المذهل سهبلً، أو ممكناً فهمه ببساطة. لكنً أدرك ُت بطرٌمة ما<br />
أنً مُنح ُت اإلٌمان بؤن تلن الدلابك الملٌلة التً رأٌت فٌها ذلن<br />
النور المبهر كانت حمٌمٌّة وعلًّ االحتفاظ بها كإشارة من<br />
السماء سٌكون لها شؤن فً حٌاتً المادمة. الوالعة الؽرٌبة التً<br />
روٌتها باتت لدٌمة، إذا أخذنا فً االعتبار عمر اإلنسان. لكن<br />
عندما كان ٌمرّ ذكراها فً داخلً لطالما صرخ فً كٌانً لاببلً:<br />
إٌّان أن تخذل تلن الروح التً جعلتن تواجه تلن الرإٌة وأنت<br />
محتفظ بتوازنن وصفاء ذهنن. عندما لمستُ وفكّر ُت وأٌمن ُت أن<br />
األمر حمٌمً ولٌس شٌباً أشبه بحلم ٌمظة على اإلطبلق. بل إنه<br />
حدثٌ ولع فعبلً، وبرهن عن والعٌته بسماع صوت صدٌك<br />
ٌعتذر منن بعد أسبوع من ممتله فً "أمرٌكا" وٌمول لن أنه<br />
أرسل بمٌّة المبلػ الذي لن بذمته، وٌرجون أن تدعه ٌرلد<br />
،<br />
ٕٙ
بسبلم. كنتَ تعرؾ أالّ أحد ٌعلم بمصّة هذا الدٌن، ومع ذلن<br />
رفضت شهراً كامبلً مجرد االستعبلم ؼٌر المباشر فٌما إذا<br />
أرسل لن أحد من أمرٌكا مبلؽاً من المال. اآلن، وبعد أن لبضت<br />
المبلػ المذكور، لٌس علٌن أن تخشى شٌباً، بل ابتسم فً وجوه<br />
الذٌن ٌُبدون أسفهم للخرؾ الذي أصابن باكراً، أو ربّما عُدّت<br />
كلّ تلن الرواٌة التً أصبحت مجاالً للتندّر، هلوسة كانت نتٌجة<br />
اضطراب عملً أحدثه جرم ارتكبته فٌما مضى من األٌّام ولم<br />
تستطع روحن السكوت عنه، بل لاومت بضراوة ك ّل ما أمكنن<br />
ممارسته من ضؽوط للتستر علٌه.<br />
لم أتردد فً ذكر هذه الظاهرة وأنا أكتب بعد كلّ هذه المدّة<br />
الطوٌلة، وأنا ممتلا بالتصمٌم أن ما بمً من حٌاتً سٌكون<br />
مكرّ ساً للذٌن ال ٌمكنهم مساعدة أنفسهم لسبب ما. كما أنً لن<br />
أجٌب على األسبلة التً تخرج معها رابحة الشٌطان. ٌهمّنً أن<br />
أإكّد للجمٌع أن ما مررتُ به كان بمنتهى المسوة بحٌث ال<br />
ٌمكننً وصفه أو إنً فً الوالع ال أستطٌع أن أنساه. لكنه<br />
ضمّن ما شُدّد بالتركٌز على تعلٌمً إٌّاه إشارة تمول: إن ما<br />
كسبته من تلن المسوة ستكون فً المستمبل دعماً حمٌمٌاً لبمابن<br />
فً الطرٌك الموٌم. لكن ما لم أستطع تفهّمه كان اعتماداً تشبّث<br />
بً وكان ٌكرّ ر المول: إنً لم أكن حٌاً تماماً زمناً طوٌبلً، أو<br />
كنت هابماً فً برّ ٌة ؼرٌبة التضارٌس لم ٌسبك لً أن عرفتها<br />
أو عاٌشتً نسٌمها. أما مسؤلة شعوري بالعري فمد أللمتنً كثٌراً<br />
إذ لم تستطع المرآة إلناعً بصدق إحساسً بؤنً لستُ عرٌاناً.<br />
لم أفكر طبعاً أن مإامرة تحان ضدي تستخدم فٌها مرآة. فكّرتُ<br />
بمنالشة الخبراء ففً مثل هذه األمور علٌنا أن نلجؤ إلٌهم، لكنً<br />
لم ألبث أن تراجعتُ عن كلّ ما تداولته مع أفكاري. إذ ال<br />
ٕ7
ٌمكننً لبول إخضاعً للتنوٌم المؽناطٌسً فلن أستطٌع تحمّل<br />
ما لد ٌخرج من كلّ هذا وألؾ فً مواجهة مع نفسً وأتعرّ ؾ<br />
على ذاتً كما هً ولٌس كما أظنها أو أرٌدها. أعتمد أن كمان<br />
"فٌفالدي" ألنعنً أنً تلمٌّتُ رسالة مجهولة المصدر لم أفهمها<br />
فً حٌنها ولم أرتبن كعادتً، بل أدركتُ فً تلن اللحظة، أن<br />
علًَّ أن أترن للولت مهمّة توضٌح خفاٌاها، أو إن من أرسلها<br />
سٌتدبر أمرها وٌعٌد صٌاؼتها. ترى هل ٌمكن أن تكون هنان<br />
مفاجؤة أخرى؟! عندبذ ال بد من تدخل الطب لٌمرأ ما ٌحدث فً<br />
داخلً وٌموم بتصحٌح األمر بمدر ما ٌمكنه أن ٌفعل. ترى أٌن<br />
أضعتُ ك ّل هذا الولت؟! هل كنت أهٌم فً صحراء لاحلة<br />
وحدي، ولمَ تشدنً الرؼبة فً معاشرة مثل تن األمكنة المؽبرّ ة<br />
التً تعٌش فٌها أرواح الذٌن ال ٌنشدون أٌة صحبة بل مزٌد من<br />
الؽربة والتؽرّ ب؟!أعتمد حسبما أذكر أنً عندما كن ُت فً<br />
الجحٌم، لم ٌكن األمر سهبلً مطلماً وال ممتعاً بالتؤكٌد، بل كان<br />
مثل انتمال من كابوس إلى آخر أشدّ فتكاً وإشعاالً لبلضطراب<br />
فً كٌانً ولد ٌثٌر فً الذٌن ٌستمتعون فً كٌفٌّة تخٌّل المشاهد<br />
بهجة وحماسة ال نظٌر لهما، أو ربّما علًّ أن أعطً األمر<br />
تفسٌراً أكثر حداثة وأشبّهه بتفكٌن لنبلة مإلّتة دون وجود خبٌر،<br />
فتنجح خطّتً وتم ّر دلٌمة واحدة دون أن ٌحدث شًء. ثم ٌخرج<br />
منً صوت انفجار كبٌر، فؤتبدد تبدٌداً هاببلً فً مساحات<br />
واسعة، بحٌث أصبح كؤنً لم أكن. صدلوا أنً فً ذلن الولت<br />
لم أكن أمانع فً أن تنتهً حٌاتً ولكن لٌس ممطع األوصال.<br />
ترى كٌؾ السبٌل إلى التولّؾ عن تحوٌل كلّ تفصٌل فً حٌاتً<br />
إلى حالة تراجٌدٌّة ممسرحة. ترى هل أحاول االستعاضة بما<br />
أفعل، عن الهرب من مٌول انتحارٌّة تستعٌد نفسها فً كٌانً<br />
بٌن فترة وأخرى؟! هل ٌعنً هذا أنً سؤظلُّ أدور فً حلمة<br />
ٕ8
مفرؼة أبحث عن نفسً الضابعة وأتعوّ د على أنً أخرق أحمل<br />
شهادة علٌا ال أعرؾ كٌؾ حصلتُ علٌها وال أدري ماذا أفعل<br />
بها؟!<br />
ٗ<br />
تسلمتُ الوثابك المثبّتة لمرار الكنٌسة ظهر ذلن الٌوم. شعر ُت<br />
بؤنها مجرّ د أوراق لن ٌمرأها سوى المحامً وأنا. بمٌنا دلابك<br />
معدودة دون أن نتكلم. أخٌراً لال: بورن لن، لمد لطعت شوطاً<br />
كبٌراً، وانتهى األمر إلى ما ترٌد.<br />
شكراً لن. لمد كنت معٌناً حمٌمٌاً لً، إنً أشعر برؼبة<br />
فً تمزٌك هذه األوراق وحشوها فً عٌنً الشٌطان.<br />
شدٌدة<br />
ال أنصحن أن تفعل ذلن، إذ ال أحد ٌعرؾ متى<br />
تحتاج إلى إحدى تلن األوراق الموثّمة؟!<br />
ٌمكن أن<br />
هذا صحٌح، شكراً لتنبٌهً.<br />
ضعهم فً ملؾ خاص، وسٌكون من األفضل أن تحفظهم فً<br />
خزنتن. لمد استمرت هذه المحاكمة طوٌبلً، وكل الولت كن ُت<br />
أشعر أن ذلن المطران الذي تبدو عٌناه كعٌنً الشٌطان ٌكرهن<br />
ٕ9
رؼم أنه لم ٌمكث فً البلذلٌّة سوى بضعة شهور، ثم عٌّنوه<br />
لاضٌاً فً محكمة االستبناؾ. لكنه بمً ٌنظر إلٌن بحمد ؼرٌب.<br />
هل أستطٌع أن أعرؾ السبب؟!<br />
حدث ذلن لبل والدتً، وأنا لم ٌسبك لً أن عرفت أبً. إنه<br />
المدر الذي جعله ٌؽادر دون أن ٌرانً.المصة برمّتها أصبحت<br />
لدٌمة. أبً لم ٌكن ٌوماً من أولبن الذٌن ٌهتمون بم ٌحدث فً<br />
الطابفة التً ٌنتمً إلٌها وٌظنّ أن علٌه أن ٌدعو هذا المطران<br />
إلى الؽداء تكرٌماً. كانت أمً رؼم أنها تعرؾ أن هذا المبجّل<br />
لن ٌبمى طوٌبلً فً أبرشٌتنا، تلح على أبً أن ٌدعوه إلى الؽداء.<br />
استؽربتُ كثٌراً لمّا سمعت تلن الحكاٌة من خالً، ولد لصد بها<br />
تسلٌتً. لكن أمً لم تنؾِ ما رواه أخوها رؼم معرفتً أن<br />
كرهها "لئلكلٌروس" ٌفوق ما ٌشعره أبً نحوهم. المصة<br />
مضحكة كثٌراً كما سمعتها.<br />
لبل المطران الدعوة طبعاً، ووصل سٌادته لبل الموعد<br />
المفترض بخمسٌن دلٌمة مما أربن أمً كثٌراً، فلم تجد ما تفعله<br />
سوى أن تعتذر منه مُنبّهة إٌّاه أنه دون شن لم ٌسمع الموعد<br />
الصحٌح للؽداء ثم سارعت إلى إدخاله إلى مكتب والدي وفتحت<br />
له "التلفٌزٌون" لابلة: تستطٌع أٌضاً أن تتفحص الكتب التً<br />
ٌنهل منها زوجً ثمافته. لمد فهمت الحماً أن أبً كان ٌحتفظ فً<br />
مكتبته بكثٌر من الكتب واألفبلم اإلباحٌّة. بعد فترة وجٌزة<br />
وصل أبً وسؤل أمً عمّ إذا حان وصول المطران المبجل؟!<br />
ٌبدو أنه لم ٌسمع منن الموعد المناسب لمجٌبه، ستراه فً<br />
مكتبن، ولد ٌكون أخذ فكرة عن مصادر ثمافتن، ورأى أٌضا ما<br />
ٖٓ
لدٌن من مسابح ثمٌنة. أسرع أبً إلى المكتب ٌتآكله الؽضب.<br />
عندما فتح الباب رأى المطران ٌسرق بعض المسابح مستعجبلً<br />
حٌث كانت معروضة فً واجهة رابعة من الخشب النادر<br />
والزجاج ذي األطراؾ المصمولة. كان نتٌجة ذلن طرد<br />
المطران من البٌت ترافمه اللعنات والشتابم الململمة من كلّ<br />
األزلة المعروفة فً هذا العالم، الذي ٌنكر أنه ٌستمتع بكل أنواع<br />
السباب المستهجن. التفتُّ إلى المحامً ورأٌته ٌتطلّع إلى ساعته<br />
فملت: إن تؤخرت على موعد فلٌس ذنبً، أنت سؤلتنً وأنا لم<br />
أفعل سوى إرواء فضولن. المصّة لم تنته بعد. سؤروي لن<br />
نهاٌتها المضحكة كثٌراً فً ولت آخر.<br />
بعد أن أصبحت وحدي تساءلت: كٌؾ حوكمت حٌاتً<br />
الزوجٌّة دون االعتماد على أٌّة أدلّة ٌمكن االعتماد علٌها، بل<br />
إن الماضً فرش أمامه ما تجمّع لدٌه من تموّ الت وافتراضات،<br />
وحكاٌات النساء البلتً ٌزورهنَّ وٌمؤلن جٌوبه من أفخر أنواع<br />
الشوكواله، ممتنعاً أنه طالما أنها استمرّ ت فً عمله فستكون<br />
حمٌمٌّة حتماً، وإالّ ما معنى هذا التدرج الطوٌل فً سلن<br />
الكهنوت حتى أصبح مطراناً؟! إنه ٌعنً طبعاً أنه أمتلن الحك<br />
أن ٌرمً بالمانون عرض الحابط؟! إلى متى سنظلّ نتراجع<br />
والسنون واألمم تمضً إلى األمام؟! هل سٌبمى هذا الشعب<br />
مخدّراً ال ٌدري ما ٌجري حوله؟! وٌسٌر فً الشوارع<br />
كالمساطٌل؟! بعضهم ال ٌرى شٌباً ٌستحك أن ٌمعن النظر فٌه،<br />
وبعضهم اآلخر ٌرى أحٌاناً أشٌاء جمٌلة، لكنه ٌنظر إلٌها<br />
مبتسماً هازباً. مشكلتً أنً عبثاً أحاول ولؾ هذا التنبع المستمر<br />
من األسبلة وأتابع الؽرق فٌها، دون أن أولؾ كلّ هذا وأمضً<br />
ألفعل شٌباً جدٌّاً ٌفٌد الناس والوطن. ربّما أتخلّص ٌوماً من<br />
ٖٔ
ِ<br />
نظرات أمً المتسابلة الحابرة الملبّدة بؽٌوم حمر تكاد أن تخفً<br />
جمال عٌنٌها حٌناً، وحٌناً آخر تتعمد أن ترد علًّ السبلم وهً<br />
منخفضة الرأس كً ال ترانً، وربما أٌضاً كً ال أرى<br />
دموعها.<br />
أظن أن السماء فً تلن اللحظات كانت تحمل خبراً ٌفٌد أنها<br />
ستمطر فً منتصؾ نٌسان لٌس احتفاالً تتمتع فٌه األرض<br />
باإلٌماع وحركة األلدام، وإنما ؼسبلً لؤلحماد، وحضّاً على<br />
التبلع الدمامل التً تركتها وراءها السنون التً استؽرلتها<br />
حٌرتنا فً اختٌار الطرٌك األسلم لتمدمنا وتإهلنا لنكون من<br />
الشعوب المتمدمة فً هذا العالم. كلّ هذا زاد فً استعصاء<br />
مشاكلً وهمومً وسحبت المنطك الذي كنتً أتسلّح به لتبرٌر<br />
عدم فتح عٌادة باسمً للمٌام بالعمل الذي بذلتُ الكثٌر من السنٌن<br />
ألنال تلن الشهادة بدرجة "ممتاز"<br />
لم ٌكن الرعد والمطر الؽزٌر ضمن برنامجً لذلن الٌوم،<br />
وال فً برنامج دمشمً التً لم تعتد على مثل هذا الشؽب<br />
البؽٌض، وكذلن لم تصل أٌة إشارة من تلن الحمامة التً كانت<br />
تحطّ على نافذتً وتحدق فً عٌنً طوٌبلً، ثمّ ترحل ربّما إلتمام<br />
مهامها الكثٌرة، أو ربّما هً حٌرى مثلً ال ترٌد أن تلتمً بؤحد<br />
فتطٌر هابمة هنا وهنان إلى أن ٌستبدّ بها الضجر. ترى ألٌس<br />
هنان خطراً من أن أصبح مجنوناً من كثرة الثرثرة مع نفسً<br />
التً ال تتولؾ؟! سٌكون هذا إذا حصل كارثٌّاً دون شن، وٌنكس<br />
رإوس كلّ الذٌن ٌفتخرون من عابلتً بإنجازتً. ألٌس من حلّ<br />
ما هنان ٌا ربّ ؟! أخشى أ ّال أسؤم فً النهاٌة، فإن سؤلتنً لماذا؟!<br />
سؤلول لن الحمٌمة: إنً أرى ازدٌاداً فً انجذابً بالحدٌث مع<br />
ٖٕ
نفسً، وبتعلّمً بتلن الحمامة ظناً منً أنها رأت فً مبلمحً ما<br />
ترتاح إلٌه. أو لعلّها بحاجة ماسة إلى من ٌستمع إلٌها، لكنها<br />
تعرؾ أنها ال تستطٌع الكبلم، وتشعر بؤن هنان إلحاحاً ؼرٌباً<br />
فً مكان ما فً داخلها ٌدفعها لنشر أفكارها، لكنها ال ترٌد أن<br />
تٌؤس فتشٌح بوجهها وتطٌر مإجلة كلّ ذلن إلى مرة<br />
أخرى.رفعت رأسً إلى األعالً وصرختُ لاببلً: انمشعً أٌتها<br />
الؽٌوم السوداء، ودعٌنً أشكر السماء إذ إنها دابماً تمنحنً<br />
الهدوء واالطمبنان. للت فً سري مخاطباً الرب: أنا ال الصدن<br />
طبعاً، وال أعنً السماء حٌث ٌمال إن عرشن ٌنتصب هنان.<br />
لطالما عرفتُ أنن ال تتعاطى مع مثل هذه السخافات. إذ إنن<br />
كنت دابماً أكبر من التكبر، وأنبل من النبل، فبل ٌمكن أن ٌكون<br />
لدٌن عرش، ولٌس معموالً أن تكون بحاجة إلٌه. باي مفهوم<br />
ٌحاولون إلصاق كلّ هذا بن؟! ولماذا ٌصرّ ون على أنن بحاجة<br />
إلى صولجان؟! ستكون مضحكاً كالملون عندما تمسن به. كما<br />
ال ٌمكننً االعتماد أنه ٌمكن أن تكون تلن البدع من إبداعاتن.<br />
أظن أن بعض المساوسة شاهدوا ٌديَّ تندّدان بالؽٌوم، وربما<br />
سمعوا أٌضاً صراخً، فؤثناء خروجً من المكان سمعتُ بعض<br />
الضحكات، فعددتُ هذا بداٌة لبلحتفال باسترداد حرّ ٌتً. ترى<br />
هل ما زال أحد ال ٌعرؾ أن من ٌحظى بها ٌملن تاجاً ٌُسمط ك ّل<br />
التٌجان خجبل. الحمٌمة كان فرحً ال ٌمكن وصفه. ماذا أفعل؟!<br />
لمد أسمط فً ٌدي، فما ال أعرؾ كٌؾ أعبر عنه، ال أستطٌع<br />
إعادة مضؽه. كما كان ٌرافمنً شعور ٌرفض أن أمرّ فً معاناة<br />
أخرى. فً تلن اللحظة شعرتُ بممدار األلم الذي ٌجتاح األبكم<br />
عندما تتناطح فً ذهنه األفكار وال ٌستطٌع أن ٌنملها واضحة<br />
إلى من ٌرٌد كما ٌفعل كل الناس. نسٌت لوهلة المؤساة التً<br />
عشتها، والفرح الذي عمَ كٌانً لمّا ظنن ًت أنً استرجعت نفسً<br />
ٖٖ
حماً. لست أدري من وضع األخرس فً طرٌمً، وأشعل عود<br />
الثماب لرب طالتً وتعاٌشً مع األلم. أنا ال أدري لمَ أُدفع دفعاً<br />
نحو االنفجار، ومن ٌمكن أن ٌكون له مصلحة فً ذلن؟! كنت<br />
بؤمسّ الحاجة لبلبتعاد بما فٌه الكفاٌة عن المكان الذي كنت فٌه،<br />
دون أن أحسب حساباً للوجهة التً تدفعنً إلٌها الرٌاح. كنت<br />
فً الحمٌمة أتوق للخروج من الرحم الذي أعٌش فٌه وٌضٌك<br />
علًّ خنالً، وأتحرّ ر من عتمة سجنً. هل أنا محكوم أ ّال أفهم<br />
ما ٌجري فً أعمالً، ومن ٌملن المصلحة فً أن ٌحجب عنً<br />
كلّ هذا ولماذا؟! ترى ل َم ال أزال أسمع كلّ أنواع الطبول التً<br />
تدق هنان بعٌداً بتناؼم مذهل مملك، ثمَّ ٌسكت الطبل الكبٌر وال<br />
نعود نسمع تلن الطبول الصؽٌرة بل ٌعم الصمت للحظات للٌلة،<br />
فتعود تلن األنؽام الشجٌّة التً تخرج من اآلالت الوترٌّة<br />
والنحاسٌّة، وتطلك الحماسة بٌن الجماهٌر لترلص وتدبن فً<br />
خبلٌاي، وربّما لربً أو فً تلن الؽابة هنان، باإلضافة لتلن<br />
األصوات الرابعة التً تهتؾ بعدة طبمات متناؼمة "هالٌلولٌا،<br />
هالٌلولٌا. "لم أكن أرٌد أن أصل إلى البكاء، وال أن تفمدنً عملً<br />
تلن األنؽام الرابعة ٌا رب. لمد بتُّ ال أعرؾ حماً إن كنتُ أعٌش<br />
وهماً أم إنً أحٌا حمٌمة تحت سمفن ٌا إلهً؟! لمَ كل هذا<br />
االضطراب الذي ٌنهش أحشابً وصوتً؟! ألم نتخلص من<br />
الخطٌبة الجدٌّة، ألٌس هذا ما لُلت؟! لمَ ال نزال نتمرّ غ فً<br />
التراب واألوحال والمذارات ونظل نسمع من بعٌد فرح<br />
األعراس بصوت متمطع، لمَ رؼم كل ذلن ال نزال نتمرغ<br />
ونتمرّ غ. ترى هل نتحمل أوزار بعضنا بعضاً؟! كٌؾ ٌكون<br />
هذا معموالً؟! ألم نتع ّمد باسم اآلب واالبن والروح المدس<br />
وؼسلنا أوزارنا بمٌاه النهر هنان؟! فً األردن طبعاً؟! صوت<br />
ٌمول لً: إنن لن تجٌب، فبل ٌزال هنان خطب ما ٌعوق<br />
ٖٗ
نأن<br />
ىإل<br />
وصولنا إلٌن. إلى متى ستظلّ دموعً تنهمر، وتمول لً أمً<br />
ٌبدو لن تكبر ٌا عزٌزي أو ربّما ستفعل ولكنن لن تصٌر<br />
رجبلً. كنتُ أظن حتى اآلن أنً أصبح ُت ذلن اإلنسان الذي<br />
ٌتولون إلٌه الذٌن ٌحٌطون بً. إذ لٌس من زمن طوٌل لٌل لً<br />
لمّا انتهٌت من فعل جنسً: لمد كنتَ رابعاً ٌا زٌاد، ستركض<br />
وراءن النساء دون شن. فكّرتُ كثٌراً وتساءلت:هل أفمدتنً<br />
المعاناة لدرتً على اإلمسان بزمام المبادرة من جدٌد؟! ترى<br />
هل انزلك الصمود من بٌن ٌديَّ؟! إذا لم أكن أُصنع المعانً<br />
كٌؾ لً فهم أن ٌضٌك صدر المرء بالفرح؟! ترى هل هنان ما<br />
أُخفٌه وٌُثٌر الرعب فً األوصال، أم إن بهجتً ال تزال جرٌحة<br />
تتلوّ ى وتنزؾ دون أن أشعر، وفمدتُ الرؼبة فً ارتكاب بعض<br />
الحمالات اللذٌذة؟! أو فً الخروج عن المؤلوؾ بعض الشًء،<br />
وربّما فً اشتهابً الشدٌد للعودة طفولتً، ورؼبتً فً<br />
العودة إلى الشٌطنة دون أن أصل إلى حدٍ أكون فٌه شٌطاناً،<br />
والكؾّ عن السماح لصوتً المبٌح أن ٌؽنًّ مع"نجاة<br />
الرابعة "ما أحلى الرجوع إلٌه". إنها من األؼنٌات التً تصلح<br />
لتلن الصؽٌرة الرابعة وؼنابها الحنون الذي ٌبمى ٌؽرّ د فٌن بعد<br />
أن ٌترن حنجرتها ترى أٌسكن الشٌطان فً الجوار أم إنه ٌمكن<br />
أن ٌكون فً كلّ مكان؟! كاد انحشاري وسط هذه األفكار أن<br />
ٌخرجنً عن طوري. لكن عملً تولّؾ عن استنباط األجوبة<br />
والحلول فتولف ُت للٌبلً ألستعٌد أنفاسً. عمدتُ فوراً إلى دعوة<br />
بعض األصدلاء إلى الؽداء فً الٌوم نفسه. لمّا اجتمع الشمل<br />
الحظ عدنان أن دموعاً تترلرق فً عٌنًَّ. اندهش وبادر إلى<br />
السإال ماذا بن؟! ظننتُ أنن ستكون فرحا؟!<br />
الصؽٌرة "<br />
ٖ٘
دعنً أحاول أن أعبّر عمّا ٌحدث فً داخلً وكٌؾ تطرح<br />
مشاعري أحاسٌس متنالضة ال تزال تُسرُّ عندما تجد الفرصة<br />
للتبلعب بً. ما أصعب أن ٌكون المرء ٌمرّ فً حالتٌن فً<br />
الولت نفسه، فٌشتهً بكلّ كٌانه أن ٌتخلّص مما هو فٌه،<br />
وٌتحوّ ل إلى كابن ٌمتلا بالموّ ة وبالحرّ ٌة وهً تكاد أن تمتلعه<br />
من مكانه وتجعله ٌطٌر من الفرح. بٌنما هو ٌعانً من ؼصّة<br />
مساحتها تشمله كلّه. صدلونً، فؤنا لم أعرؾ ٌوماً كٌؾ ٌنضح<br />
البكاء فرحاً.أردت من دعوتكم أن تفرحوا معً.إذ إنً ال أعرؾ<br />
كٌؾ أمارس ذلن وحدي، إنكم أصدلابً وألول بكلّ وضوح:<br />
إنً أستعٌن بكم. أال تجدون أن هذا من حمً؟! إن رؼبة عارمة<br />
تملإنً أن أطٌر فوق جبال لبنان، وأبمى مدة كافٌة. إن كلمة<br />
كافٌة تعنً هنا "حتى أبدأ بالخوؾ" ثمّ أحطُّ بٌنكم أٌنما تكونون<br />
ونموم بما هو ؼٌر مسبوق. ربّما ٌُبكٌنً ما أشعر بؤنه ٌحدث،<br />
فؤنا ال أرٌد أن أجر الجمٌع كً ٌنحشروا مع مشاعري بنفس<br />
المكان. الحمٌمة أنً لست أدري ماذا ٌحدث لً؟! كما أنً ال<br />
أرٌد محاولة تفسٌر ذلن لذاتً. أنا ال أدري ما ٌدعونً إلى<br />
الكبلم المتواصل؟! إنً أجد نفسً مسطوالً وسط كلّ تلن<br />
المشاعر المحتمنة الملتصمة مع بعضها بعضاً، رافضة االنفكان<br />
تحت أيّ ضؽط أو إؼراء؟! ربما علًّ اإلدران أن الشًء<br />
الممًء جابز فً بعض األحٌان، ولد ٌكون الزماً أٌضاً فً هذه<br />
الدنٌا البابسة، لٌعرؾ المرء الفرق بٌن األمور التً تحدث بٌن<br />
ولت وآخر دون أن ٌضع نفسه طبعاً إلى جانب الفرح والرلص<br />
والعبث والجنون. إذ ٌبدو أالّ بدّ من التضاد فً هذا الكون،<br />
والتضاد ٌعكس تضاداً آخر أكثر إبهاراً ٌذكّرن بروعة مراٌا<br />
لصر "فرساي". أمس رأٌت حلماً جمٌبلً. كان فٌه الجنون<br />
المملَّح ٌرلص وٌعبث كشاب حمٌمً فً "السبع بحرات" وهو ال<br />
ٖٙ
ٌزال متشبّثاً بمراهمته وسط تلن المٌاه البلّورٌّة الرابعة، وهً<br />
خارجة من النوافٌر، صاعدة هابطة تتبادل المبل ؼٌر عاببة<br />
باالحتشام وال بالجموع التً تحٌط بها وهً تحاول أن تدٌر<br />
وجهها لتمول كاذبة أنها خجلة.<br />
إنكم تعلمون أنً ال أعرؾ شٌباً عن الرلص، ولم ٌرنً أحد<br />
أمارسه ٌوماً أو حتّى أن أهمس فً داخلً برؼبتً الشدٌدة فً<br />
إٌجاد طرٌمة لممارسة بضع خطوات على إٌماع صحٌح<br />
تطمبننً أنً لد أستطٌع تطوٌر مشاعري واالنتمال إلى تطوٌع<br />
حركة لدمً فتتعرّ ؾ روٌداً روٌداً إلى الرشالة، وتدرن أنها<br />
ستحب ما أنوي أن أفعل ألنها ستجد جماالً مشعّاً ٌخرج من<br />
اإلبداع الذي ٌتبدى بحركة األلدام المتطابمة مع اإلٌماع وطرٌمة<br />
تبلمس األلدام مع األرض. ترى أال ٌثٌرن هذا التبلمس مهما<br />
بلؽت من عمر؟! المشاهد المتمرّ س تصل إلٌه كلّ هذه المشاعر<br />
باإلضافة إلى ما تفٌض به أحاسٌس الرالص وما ٌنضحه كٌانه<br />
وٌؤمل أن ٌصل إلى كلّ الناس. تراكم البراعة عند الرالص<br />
سٌكون مطلوباً دابماً، إذ إنه مهما كان بخٌبلً ال ٌستطٌع منع<br />
نشوته من أن تخرج منه وتتوزع على كلّ الحاضرٌن. إن من<br />
المهم جدا لكل الذٌن ٌتٌسّر لهم حضور األعمال الفنٌّة أ ّال<br />
ٌخترعوا الحجج للمماطلة فً حضور تلن األعمال مهما كانت<br />
للٌلة، فالثمافة ؼالباً تنمو فً اإلنسان وٌشعر بها بعد ولت ؼٌر<br />
لصٌر. الرلص مثبلً لٌس من السهل اإلحاطة به والدخول إلى<br />
أعماله واإلحساس بمرامٌه. الملٌل الذي رأٌته من حركاته<br />
وإشاراته المبهمة، تدفع بالجسد إلى تؽٌٌر وضعٌته وتحثّه على<br />
التطاول والتحفّز إلى التم ّطط لبلستعداد إلى تنفٌذ أولى مهام<br />
الرلص وهً النجاح فً تٌسٌر اتّصال الرالص بالسماء أو<br />
ٖ7
بالحبٌب الذي ٌشعر أنه ٌطٌر معه. بعد ولت ؼٌر لصٌر أٌضاً<br />
ستجد أن الرلص لؽة تتكلم بها مع كثٌر من األشٌاء المربٌة<br />
وؼٌر المربٌّة. أنت لبل أن تدخل فً هذا الجو ستظن أن أحداً<br />
ما ٌرٌد الهزء منن. ترى ألم تسؤل نفسن: ترى من أٌن أتى<br />
"زٌاد" بهذا الكبلم عندما لال: إنه أجهد نفسه لٌصرح علناً أنه<br />
نادم لِما فاته من هذا الفن الرفٌع الذي ٌمثل لمة الرهافة فً هذا<br />
العالم. نعم ٌا صدٌمً: لرأ ُت عنواناً لممال فً صحٌفة النهار<br />
اللبنانٌّة ٌمول "الرلص ذروة الرهافة" فؤعطٌت النادل عشرة<br />
آالؾ لٌرة وللت له: اذهب بسرعة واتنً بصحٌفة النهار من<br />
عند بابع البٌرة والبٌبسً. نملت إلٌكم بعض ما هو مكتوب مع<br />
رشة بهار منً. الرالص فً مرحلة ما ٌضع نفسه دون أن<br />
ٌدري كمعبّر مساعد لِما ٌرٌد الناس المول. وربّما االشتران فً<br />
صٌاؼة العبارات التً على الرالص إٌصالها إلى الناس على<br />
ولع إٌماع موحّد متناؼم متّفك علٌه مسبماً بٌن األرض والسماء.<br />
فً ذلن الولت كنت محشوّ اً بآراء تإكّد لً بإصرار وإلحاح<br />
ؼرٌبٌن أنً ال أحمل مشاعر تإهّلنً وتدفعنً إلى االلتفات<br />
واشتهاء اإلحساس بملٌل من التبلمس مع هذا الفن العظٌم. كما<br />
أن هذه اآلراء كانت تصر على أنها لم تلحظ ٌوماً أن إٌماعاَ<br />
جمٌبلً ٌصل إلى أسماعً ٌمكنه أن ٌثٌر فًَّ الرؼبة الجامحة أن<br />
أتحرن فً أرٌكتً وفك تلن األنؽام واإلٌماعات التً تجعلنً ال<br />
أخشى أن أنفجر إذ ٌمول لً: إنه مهما حدث لً فإنه لن ٌخٌؾ<br />
أحداً بل ربّما ٌحسدونً على الفرح الذي ٌتنبع من دموعً. إن<br />
أولبن الذٌن اشتركوا فً حشوي باألخبلق الحمٌدة كانوا ٌرون<br />
أن الشعور باإلثارة بكل ما تحمل تلن الكلمة من معا ٍن وأهداؾ<br />
علًَّ أن اإمن بؤنه إثم كبٌر من الصعب ؼفرانه. ها أنا اآلن<br />
أرؼب بكلّ لواي أن أكون ضمن حلمة من الناس أرلص معهم<br />
ٖ8
"الدبكة "بحٌث ألفز كما أشاء، وأجعلهم ٌظنّون أنً أفعل ذلن<br />
لصداً، فتضٌع مسؤلة جهلً بالرلص وسط التضاحن والجلبة.<br />
أو ربّما سٌظنّوننً أفتعل بعض الجنون، من منطك أن العمل<br />
المحشوّ ببعض الجنون ٌمكن أن ٌكون أداة تحفٌز وتطوٌر حتى<br />
للمنطك. إذ إنً ضمت ذرعاً بالرزانة. خاصّة عندما سٌرون<br />
أنً لن أتولؾ عن الضحن لبل أن ألع مؽشٌّاً علً؟! ثمّ من<br />
ٌدري ماذا سٌفعل هزبً من نفسً أمام أصدلابً، فربّما أولظ<br />
فٌهم نفس المشاعر التً دفعتنً إلى التمرّ د على تلن األخبلق<br />
الحمٌدة، ورمٌها بكلّ ما لديَّ من لوة عرض الحابط. لٌس علًَّ<br />
أن أخشى من تطوّ ر األمر، فلتشتعل الحماسة أكثر وٌضع النبٌذ<br />
خٌاله موضع التنفٌذ وٌفعل ما ٌشاء، مثل أن ٌؤمر بؤن ٌرفعوننً<br />
على األكتاؾ وٌتماذفوننً كما ٌلذّ لهم أن ٌفعلوا. ألن ٌكون هذا<br />
ممتعاً؟! حتى لو لم ٌدم طوٌبلً هذا الشعور الذي ٌشبه السعادة،<br />
ولد ٌتجاوزها وٌدفعها بعٌداً. لكنً أعتمد أن أمراً رابعاً ال بدَّ أن<br />
ٌحدث إذ إن أصدلابً لن ٌمكنهم أن ٌخفوا ؼرابة أطوارهم<br />
أٌضاً، حتى الذٌن ٌمٌلون إلى افتعال الولار. صدّلونً أن كل<br />
الناس سٌحسدونهم، وربّما ستصٌب العدوى الجمٌع؟! هل ٌمكن<br />
ألحد أن ٌرسم لنا لوحة تبٌن كٌؾ سٌتبدى كلّ هذا الجنون؟!<br />
أعتمد أنً أكاد أطٌر من الفرح وأنا أرى المشهد ٌمرّ فً خٌالً.<br />
هٌا ماذا بكم؟! ارفعونً على األكتاؾ وهلّلوا، ثموا أنً لن<br />
أصرخ، بل سؤرفع ٌديّ محٌٌّاً الجمٌع .ألن ٌبهجكم ذلن المشهد<br />
الرابع؟!حذارِ أن تنسوا الصبلة إلى الرب والرجاء أالّ ترانً<br />
أمً مرفوعاً بتلن الطرٌمة وٌُتبلعب بً كمخبول حمٌمً أضاع<br />
عمله عندما خرج إلى النور، وشمّ نسٌم الحرّ ٌة المخدّ ِر بعض<br />
الشًء. لست أدري فمد ال تعرؾ أمً إن أُصبتُ ببعض الجنون<br />
المإلّت، إذ ال بؤس بذلن ستكون اللوحة رابعة وربّما ؼٌر<br />
ٖ9
مسبولة ومناسبة لِما ٌحدث حمٌمة فً أعمالً. ها لد أصبحت<br />
رجبلً ٌستطٌع أن ٌفعل ما ٌرٌد. هل ستصدق ذلن أمً؟! سؤكون<br />
"فان ؼوغ" آخر، وسؤرسم عارٌاً تماماً ألن ٌكون هذا حدثاً<br />
بارٌسٌاً بامتٌاز؟! "ترى أال ٌرفع رجل البٌت عمٌرته وٌؽنً<br />
ؼناء أوبرالٌاً" مضحكاً لمجرد كونه فً الحمام ولد ٌظ ّن أن<br />
بإمكانه أن ٌرفع صوته كما ٌشاء وٌتحول إلى "بافاروتً" أو لد<br />
بإمكانه أن بؤمل ٌؤمل بالتحوّ ل فً لحظة ما وٌصبح "كاروزو"<br />
العصر من ٌدري. توخّوا الحذر أرجوكم كرما لٌوم تحرّ ري<br />
من االستعمار واالستبداد األنثوي المتفالم الذي بدأ البحث عن<br />
الطرٌمة لمتل تلن الرؼبة التً أخذت تؽزو المجتمعات، متمنٌّاً<br />
أالّ تسؤلونً عن الماضً، فمد دفنته بعٌداً كؤنً أدفن شٌطاناً<br />
حمٌمٌّاً أرّ ق لٌالًَّ وربّما أٌضاً نجوم السماء التً ال تتولّؾ عن<br />
الصبلة من أجل إبعاد الشرٌر الذي لطالما حام حول مدٌنتنا. إن<br />
بضعة كإوس ستجعلنا نمتنع جمٌعاً بذلن. هٌا ارفعوا األنخاب<br />
ودعونا نشعر برنٌن الكرٌستال، تهٌّإا لذلن فستظنون أن جنٌة<br />
لطٌفة استبدلت الكإوس مرتٌن دون أن ٌشعر أحد فمد عدّت<br />
نفسها مإتمنة على تلن األلداح المدٌمة الرابعة التً ورثتها أمً<br />
عن أبٌها. ألم نمضِ ولتاً ممتعاً؟! ألم ٌصفعكم بعض الجنون<br />
دون أن تتؤلموا؟! ترى ألم تشعروا بؤن بعضكم أراد المزٌد من<br />
الصفعات وخشً أن ٌمال انظروا إلى هذا الشاب فمد حمله<br />
الجنون على كتفٌه حتّى ظن نفسه أنه هو المحتفى به. إن ما م َّر<br />
بكم منحة من هللا لد ال تتكرر إالّ إن حاولتم أن تفعلوا شٌباً لٌس<br />
مؤلوفاً وناصعاً كثلج عٌد المٌبلد. أنسانً كل ذلن بضع ساعات<br />
ممّا كنت لد كابدته كل تلن السنٌن العجاؾ، التً أدركتُ فٌها<br />
أهمٌّة الصدالة المجسّدة باألصدلاء، فمد عوضونً إلى حدٍّ كبٌر<br />
عن األخوة الذٌن لم ترزلهم أمً بسبب وفاة أبً المبكرة. هذا<br />
ٗٓ<br />
"
ما فكّرت به أثناء مؽادرتنا ذلن المطعم الذي ٌتمٌز باألنالة<br />
والبساطة. سارع عدنان إلى ضمًّ إلٌه بٌده الٌسرى ونحن<br />
نهبط السلّم ولال:لمد اخترت المكان المناسب ٌا عزٌزي. ستبمى<br />
دابماً تملن هذا الذوق الرفٌع، وستطوّ ره مع الولت دون أيّ<br />
شنّ .<br />
شكراً ٌا عدنان. لمد ورثت عن أمً كلّ خصالها الحمٌدة<br />
وبعض خصالها ؼٌر الحمٌدة، هذا ال بدّ أن ٌحدث دابماً. لست<br />
أدري لمَ نعود إلى هللا فً كلّ شًء ؼرٌب فٌنا، ونمول: إنه<br />
ٌنتمً من ٌعجبه فً أثناء اشتؽاله بالخلك وٌصبّ فٌه بعض ما<br />
ٌحوٌه من ؼرابب األحوال، الصماً به أفضل ما هو مناسب، ثمَّ<br />
ننسى ما حدث وٌحدث، ونمول عن ذلن المخلوق إنه ؼرٌب<br />
األطوار وٌموم ببعض األمور المُلفته، وٌخلك الطرفة من العدم.<br />
طبعاً أنا ال ألول ذلن عن نفسً.ثمَّ أرجو أن تمول لؤلصدلاء أ ّال<br />
ٌتركونً وحٌداً طوٌبلً، لمد ضم ُت ذرعاً بالشوق إلى كلّ شًء،<br />
فمد كنت أشعر بؤن رؼباتً لد انمرضت بعد أن توارت طفولتً<br />
خلؾ جدر صمّاء، وربّما من جاء وعدَّها فاكهة فمضمها<br />
ومضى ال ٌلوي على شًء.كما أن ما أشتهٌه وأنشد لمسه لبل<br />
لطفه كان ٌبدو بعٌد المنال، وال ٌمكن الوصول إلٌه فً هذا<br />
الزمن. ترى أال تكفً ؼرابة الشهوات لتجل المرء شهٌراً<br />
دعنً أسؤلن سإاالً أرجو أالّ ٌزعجن.<br />
منذ متى تستؤذننً إذا أردت أن تمول شٌباً؟!<br />
ٗٔ
هذا صحٌح.لكن لست أدري لمَ فعلتُ ذلن؟ !المهم أنً كنت<br />
أتساءل لماذا استبعدت "أسعد "من هذه الجلسة الحمٌمة.<br />
"أسعد" الحبٌب نفسه؟! ترى ماذا ٌدور فً رأسن؟! وهل<br />
تركت مخٌّلتن ساحة ٌلعب فٌها الشٌطان؟!هل تعتمد أنً ال أحب<br />
أسعد، وأخفً ذلن كلّ هذا الولت؟! بتُّ ال أستطٌع فهمن، أو إننا<br />
لسبب ما لم نعد نملن نفس اللؽة؟! وربّما تسرّ بت المعانً من<br />
المفردات وضاعت فً الطرلات. كٌؾ ٌمكن أن ٌحدث هذا<br />
ونحن نعٌش سوٌّة منذ الطفولة األولى؟! هل تعتمد أنً أستطٌع<br />
فعل ذلن حتى لو كنت أملن رؼبة مجنونة عصفت بً فً هذا<br />
الٌوم بالذات، ولم تعد ترٌده وال تطٌمه. إن هذه األمور تحدث،<br />
فمد ٌكون مزاجً فً ذلن الولت ال ٌستطٌع تحمل انتماداته<br />
ومبلحظاته وصوته الممًء؟!أال ٌمكننً ٌا ترى رفض وجود<br />
أمً فً جلسة ما، هل سٌعنً ذلن أنً ال أحبها؟! كنت أظن<br />
أنن الوحٌد الذي ٌعرفنً جٌّداً. كان أسعد دابماً وسٌظلّ صدٌماً<br />
عزٌزاً رؼم أن تدخّله فٌما ال ٌعنٌه أخذ ٌزداد، إنه لطالما<br />
أزعجنً وخرّ ب ٌومً. مزاجً ال ٌستطٌع فً كلّ ولت، تحمّل<br />
عٌنٌه الجمٌلتٌن الصارمتٌن دون وجود ما ٌستدعً ذلن. الأ<br />
ٌُمكنن أن تشعر بؤنه ال ٌستطٌع أن ٌكون عفوٌاً؟! ألٌس هذا<br />
مزعجاً؟!أنا ال ٌمكننً لبول وطؤة الرزانة السخٌفة والولار البلٌد<br />
التافه طوٌبلً. إن كل هذه األمور التً ٌظن المرء أنها توصل<br />
إلى التمٌَّز تثٌر أعصابً وتنهكها. أستطٌع تطمٌن الجمٌع بدءاً<br />
من األصدلاء أنه لن ٌنبت فًَّ رٌش طاووس. ترى أكان<br />
سٌسمح بظهور دموعً دون أن ٌنهرنً؟!فً تلن اللحظات ماذا<br />
تظن أنً سؤفعل؟! ال ٌمكنن استبعاد لٌامً بمذفه "بصحن<br />
الحمّص"هذا ال ٌعنً أنً محك. إذ ربّما لدٌه ما ٌسخّؾ آرابً<br />
ٕٗ
وٌدحضها جاعبلً منها ؼٌر صالحة إالّ للرمً فً مزبلة ما. ث َّم<br />
لل لً: لمَ ال تتحمّل االحتفاظ بمبلحظاتن الشخصٌّة مرة واحدة<br />
إلى ولت أكثر رحابة وأكثر انفتاحاً للنماش السخٌؾ؟! أال<br />
ٌفرض الظرؾ االستثنابًّ ذلن؟! لٌس على محبّتن أن تكون<br />
سجّانة، انتبه إلى ذلن فستكون "ثمٌل الدم". أال تعتمد بعد كلّ ما<br />
حدث، أنه تكفٌنً مصٌبة واحدة؟! أال تجد أنً سؤكون صدٌماً<br />
وفٌاً دون أن تحاول إظهار الكثٌر من الحب؟! إن لكلّ شًء<br />
حدوداً، وإن اجتٌازها أحٌاناً ٌمكن أن ٌسبب سوء فهم لد ٌذهب<br />
بعٌداً ٌخرب الحب وٌذهب "زٌاد" بالظن إلى أن ما ٌحدث ال<br />
ٌبؽً الخٌر وٌحدث شروخاً صعبة االندمال بٌن المحبٌّن.<br />
اعذرنً ٌا زٌاد عندما أبدي عدم التناعً بكل مسوّ ؼاتن التً<br />
طرحتها. أنا أعرفن وأدرن أنن تخفً شٌباً، ولكن لٌس<br />
بالضرورة أنن تملن الٌمٌن الذي ٌدلُّ علٌه. جلّ ما أخشاه أن<br />
ٌدرن صدٌك العمر أٌن ٌكمن السبب وراء استبعاده. عندبذ<br />
سٌخرج من كل هذا شر مستطٌر لد ٌخلخل الصدالة التً بٌننا<br />
جمٌعاً. عذراً مرّ ة أخرى، فبمثل هذه األحوال صمتً سٌكون<br />
خٌانة للجمٌع ال أستطٌع احتمالها. على كل حال هذا ٌومن<br />
فرحن وٌمكنن أن تفعل به ما ترٌد. لٌس علًّ سوى مشاركتن<br />
شعورن باالنعتاق، أما واجبً فٌلزمنً المٌام به مادمت أعتبر<br />
نفسً صدٌماً.<br />
أنا أإكّد ٌا عدنان أنً ال أعرؾ سبباً لِما فعلته، فإذا كنت<br />
تدرن ما أخفٌه دون أن ٌكون وعًٌ حاضراً، فاطرح ذلن<br />
أمامً وبٌّن أٌن تكمن حمٌمة ما فعلت، إذ لن ٌكون معموالً أن<br />
أسعى سعٌاً واعٌاً لتخرٌب صدالة عمرها ٌماثل عمر أي<br />
ٖٗ
صدٌك فً مجموعتنا. كما أنً لم أفكر ٌوماً فً استبعاد<br />
الخصال الحمٌدة التً ٌملكها "أسعد".<br />
سؤلول ما بذهنً لكن علٌن أالّ تؽضب وال تمكّن ؼضبن من<br />
أن ٌحفر له مكاناً فٌن وٌمبع هنان.<br />
ٌا حبّذا لو تفعل.<br />
إذ إنن ستكون<br />
"بٌضة المبان."<br />
دابماً.<br />
من المعروؾ أن أسعد ال ٌؽض الطرؾ وال ٌساٌر أحداً، أنا<br />
ألمس مبالؽاته وفً تشدّده وأرابه الماسٌة فً كل على كلّ شًء<br />
ال ٌحلو له، أو ال ٌستسٌؽه كما أنً ال أستطٌع لبول إٌمانه بؤنه<br />
ال توجد هنان ظروؾ خاصة تسمح للفرح أن ٌعصر نفسه<br />
وٌمدم لآلخرٌن ذلن النتاج الذي ٌإجج الملوب وٌؤذن لها<br />
بالخروج عن طورها، وتركه ٌبدع فً إظهار نفسه بطهرها<br />
وأزلّتها. هنا تكمن المشكلة. إذ إنن سعٌت الستبعاد ولاحته عن<br />
محاولتها إبطال فرحن المجنون وتسخٌفه. اآلن عندما أفكر بكلّ<br />
هذا، أمٌل إلى االعتماد إنن تملن الحك فً محاولتن التحرّ ر من<br />
إنتماداته البلذعة التً تفتمر دون شن إلى ظروفها المناسبة.<br />
ربما لو حالفنا اإلخبلص، كان علٌنا جمٌعاً ثنٌه روٌداً روٌداً<br />
عن تشبثه بآراء لم ٌكن الزمن فً أٌام جده ٌعتبرها مناسبة.<br />
أنا أإٌّدن فٌما للت. لكنن بدل توجٌهً إلى الطرٌك الصحٌح<br />
الذي علًّ اتباعه لرّ رت أن تكشفنً ألنً كِلتُ لن االنتمادات<br />
ممّا أثار حفٌظتن ألٌس كذلن؟!<br />
ٗٗ<br />
هذا صحٌح دون شن.
ال أدري متى سؤتمكّن من المول "ألسعد" أن ٌكؾ عن التبجّح<br />
وٌعترؾ أنه ٌكذب مثل اآلخرٌن. لل له ٌا عدنان أنه لن ٌكون<br />
بإمكانه أن ٌصٌر كامبلً مهما بذل من جهد. أعتمد أن الشٌطان<br />
سٌروق له ذلن، وسٌضحن ملء شدلٌه كلّ ما تذكر أمثالنا.<br />
٘<br />
كنتُ أعرؾ أن أمً لٌست فً البٌت، فتخلّصتُ من سترتً<br />
وجلستُ على أرٌكتً المفضّلة، فهً لرٌبة ممّا أحتاج إلٌه. إذ<br />
إن مكتبتً الموسٌمٌّة وكلّ األجهزة التً تإمّن لً استماعاً<br />
رخٌماً نمٌاً خصوصٌاً ٌستفزّ مشاعري كما أهوى، مرتّبة بٌد<br />
خبٌر سخّر عمله من أجل إؼوابً ألطٌر تحت المبة الزرلاء<br />
بعٌداً. دعونً ألول لكم: إنً عندما أدخل فً اإلنصات والتحؾ<br />
به وأشعر بالدؾء المناسب، أتّحد مع أحاسٌسً كلّها، وأدعها<br />
تجتاحنً كما تشاء، فؤدخل فً انتشاء صوفًٍّ ٌسرّ ق روحً<br />
بعض الولت، متمنٌّا أن ٌطول ولت هذا االختطاؾ للٌبلً. لكنه<br />
ال ٌفعل بل ٌعود بها إلًَّ دون أن أعرؾ ماذا فعل بها. ٌزعجنً<br />
أالّ ٌمكننً وصؾ مشاعري عندما ٌحدث ذلن، إنها هً أٌضا<br />
تحتاج إلى بعض الحرٌّة بعٌداً عنً. ربّما ٌبدو األمر كمضاجعة<br />
بٌن روحٌن أعرؾ واحدة منها وأخرى ال أعرؾ عنها شٌباً،<br />
فمد التمطتها روحً ولم أجد مناسباً أن أسؤلها. هذا ٌفسّر لمَ ال<br />
أستطٌع توضٌح ما ٌحدث لمشاعري فهً أٌضاً ال تملن<br />
إجابات، أو إنها ال ترٌد أن تفعل حتّى ال تُتهم بالخٌانة ولو<br />
لبعض الولت. أنا أفهم ذلن الولت الضابع، ولماذا تمرّ الخٌانة<br />
ٗ٘
فً الذهن ومتى تستمرّ فٌه أو تفرُّ لبل ٌلحظها أحد. كما أنً<br />
ألبل أن تكون مشاعري لد أصابها بعض الضجر من شدة<br />
االستدامة فً االلتصاق بً. إن لم تصدّلوا ما ألول، فستثٌرون<br />
فًَّ الشفمة علٌكم. عذراً فؤنا ال أعرؾ ماذا ٌحدث عندما<br />
تنفردون بؤنفسكم، جرّ بوا أن تخرجوا منها فً ذلن الولت،<br />
فربّما تتبادلون الحب مع السماء؟!أو مع أشباح تخترعون<br />
تفاصٌلها بؤنفسكم وتدركون حتى األعماق مدى حمٌمٌة عبللتكم<br />
بذواتكم. ربّما ستشعرون بمبلة لد خطفت ما تذولته من شفاهكم<br />
وتركت فً <strong>أفواه</strong>كم طعماً ؼرٌباً رابعاً. ستشعرون بؤنكم فمدتم<br />
شٌباً مهمّاً بعد أن ٌترككم وٌذهب فً سبٌله.<br />
لبل أن أبدأ بسماع الموسٌمى، رأٌتُ صورة أمً معلّمة على<br />
الجدار الذي إلى ٌساري.كانت تحمل مضرب "التنس" وترتدي<br />
رداءً أبٌض من لطعتٌن كانت الثانٌة "شورت" ٌتجاوز الركبتٌن<br />
للٌبلً. كانت تستحك التطلّع إلٌها ملٌاً. من ٌفعل ذلن سٌجدها<br />
رابعة الجمال، تملن شخصٌّة معتدة. لن أدخل أعمك من ذلن<br />
فً موضوع ال أعتمد أنها تستسٌػ التحدث فٌه فمن حكّ الجمٌع<br />
أن ٌدفعوا بخٌالهم إلى حٌث ٌبؽون، لكن علٌهم أن ٌحسبوا<br />
حساباً للشرّ ٌر وللخٌبة. فكّرتُ بها متساببلً إن كانت ستُظهر ردّ<br />
فعل ما. كنت أعرفها جٌّداً ألكون ممتنعاً أنها لن تفعل، ما<br />
ٌجعلنً أفكّر مستمتعاً بمدرتً على امتبلن الجرأة، وبتُّ أستطٌع<br />
المٌام بما أرٌد، ال بدّ من التوضٌح بؤنً سؤكون بعد الٌوم<br />
مسإوالً عن نفسً، ولٌس على أحد أن ٌظن أنه وصًٌّ علًّ.<br />
أعتمد أنها ستتصرّ ؾ كؤنها لد تخلّت عن وصاٌتها باختٌارها،<br />
موحٌة أن ما أفعله ٌخصّنً وحدي.لٌس هنان تبرٌر لضعفً<br />
وعدم اعترافً أن ذلن لد تمَّ لبل زواجً بولت طوٌل. بعد أن<br />
ٗٙ
ِ<br />
انسابت الموسٌمى مدّة لٌست لصٌرة شعرتُ بؤنً لد خرجت من<br />
الجحٌم للتو، ؾ فٌفالدي "الساحر ٌخرجن ممّا أنت فٌه،<br />
وٌنملن إلى ؼٌمة بٌاضها لٌس ناصعاً، لكنها بدت كؤنها ترٌد<br />
الحدٌث معن. نعم إنها ستسؤلن إلى أ ّي مناخ ترٌد الذهاب، وأ ّي<br />
زهور ترتاح إلٌها؟! أما إن تركت لها حك االختٌار، فستطٌر<br />
بن إلى عشٍ صنعته العصافٌر خصٌصاً لن ُمفعم بروابح<br />
سٌطٌب لن العٌش فً وسطها، بل لد تشعر بؤنها حالت بٌنن<br />
وبٌن التفكٌر فً ذلن اآلخر الذي أساء إلٌن وصلبن حماَ. لكنن<br />
ستبادره بالؽفران، إذ إنن فً تلن اللحظة ستكون ممتؤلَ إحساساً<br />
أنن تدور فً الهواء النمً فاتحاً ذراعٌن الستمبال الحٌاة وما<br />
فٌها من أرواح مُنتشٌة تدور حولن رالصة بطرٌمة لم تراودن<br />
ٌوماً. ستنسى عالمن األرضً، فحٌث لُدّر لن أن تكون ستسمع<br />
وشوشة تمول لن إن الروح المدس هو بنفسه ٌمود االحتفال بن.<br />
أما الكمان فٌمترب منن فتشعر أن للبن ٌرٌد أن ٌلحك بذلن<br />
الكمان لفزاً لٌمكنه أن ٌشعر بؤٌّة مشاعر ٌرٌد أن تضمه ذلن<br />
األنٌن فً تلن الرحلة، فتصدّق أنه سٌفعل فترجوه أالّ ٌنسان<br />
وٌحملن معه. لكنن بعد لحظات ستنسى أنن ستطٌر حماً، إذ إنن<br />
ستسمع صوتاً ٌمول لن: ثك بً فسؤحمّلن على أجنحة ٌسري<br />
فٌها السحر متولّعاً أنن سترى األعاجٌب وستتبلعب بن ألوان<br />
األفك، كما لم ٌحدث لن ذلن فً حٌاتن، ومإكّداً أٌضاً أن<br />
الرحلة المعدّة لن خصٌصاً، ستشدهن إذ ستبدأ بمشاهدة مدابن<br />
تحضنها ؼٌوم وردٌّة تستعرض نفسها أمامن، كلّ واحدة منها<br />
ٌؽلب على وسطها لون واحد مختلؾ عن التً لبلها، وكذلن<br />
سترى اللون نفسه فً محٌط كلّ مكان مُمٌز وحدابمه. كل ما<br />
ستراه فً هذه الرحلة العجاببٌّة ستختفً من ذاكرتن. لكن مع<br />
الولت ستدرن أن تلن الحٌاة التً تعٌشها فً هذا الولت الممتع<br />
ٗ7<br />
"
هً نفسها التً كنت تعرفها، إنها من أفهمتن أن علٌن الدخول<br />
فً صراع مرٌر لتحصل على العدل، ومكَّنتن من اإلدران أن<br />
ذلن العالم لد ٌرمً بن فً اللٌل البهٌم وسط مستنمعات مساحتها<br />
ال تستطٌع عٌنان أن تتلمّس حدودها. هنان لٌس أمامن إلنماذ<br />
نفسن سوى الؽوص والمزٌد منه، لتتجنّب األنوار الكاشفة<br />
للصٌّادٌن الذٌن ٌصطادون كلّ شًء ابتداءً من الحٌوانات<br />
الضالة، ومن ثمَّ أولبن المتعبٌن الهاربٌن من والعهم الذٌن<br />
ضاعوا وسط العتمة، وسمطوا فً تلن المستنمعات الدبمة التً ال<br />
ٌنجو منها إال من كانت ترافمه عٌنا هللا. كمان "فٌفالدي" العجٌب<br />
ٌضًء منارة تمول لن: إن جوانب عدٌدة من الحٌاة لم تتعرّ ؾ<br />
علٌها بعد. إنها مثلن علٌها أن تتعامل مع عواصفها الماسٌة<br />
المفترسة الجارفة، وتخشى دابماً من فمدان السٌطرة ونسٌان ما<br />
تملٌه الرحمة، لكن ال تخ َش العذاب، إنها من سمح لً بإدخال<br />
روحً بٌن أوتار كمانً فصٌّرتها مطٌعة تسعى سعٌاً حثٌثاً كً<br />
تترجم مشاعر معلّمها إلى ألحا ٍن رابع ٍة، أمرَ ها من للّم أوتارها<br />
وللّمت أظافره أن تؤخذنً معها مإكداً لها أن الرب سٌعطً لوة<br />
جاذبة ألوتارها فتدخلنً فٌها جاعلة منً ومن تلن األوتار<br />
<strong>تمتمات</strong> بٌن شفاه تسمعن موسٌمى لم ٌستطع أحد ابداعها، وكٌؾ<br />
سٌستطٌع إذا كان الربّ هو من أبدع ذلن وتمكّنن من رشؾ<br />
منموع هذه الشفاه التً لم ٌخلك منها المدٌر الكثٌر، بل جعلنً<br />
أرى تلن العواصؾ بكل حواسً تستمتع وهً تداعب لعاب<br />
الجمال المنثور بلسانها. ثم تؽٌّر المشهد فمد بدأت برسم وجه<br />
جدٌد آخر لها بكل هدوء حتى ٌمكّنها من أن تتّخذ سحنة شٌطان<br />
أحمر ؼاضب ٌتهٌّؤ لبلنتمام. بدا أنه مستعد للطٌران بسرعة<br />
تفوق سرعة الصوت، منذراً بتحطٌم كلّ شًء لد ٌحاول<br />
مماومته وٌضع الفخاخ فً طرٌمه. لكن األمر كله أدهشنً<br />
ٗ8
وأربكنً حتّى تِخل أنً لم أعد متؤكداً إن كان هللا ٌرٌد فعبلً أن<br />
نرتمً فً هذا العالم؟! ربّما تكون المصة ال تتعدَّى اآلمال أو<br />
األحبلم المختلطة بالكوابٌس. ما أعرفه تماماً أنً عانٌت فً<br />
الجحٌم ك ّل ما ٌمكن أن ٌخطر على بال من خاض ك ّل حروب<br />
الكون المدٌمة، ووجد نفسه ٌدخل من جدٌد فً أتون الحرب<br />
العالمٌّة الثانٌة. وأعطوه بندلٌة ث ّم علّموه كٌفٌّة استخدامها ونسوا<br />
أن ٌمولوا له إلى أ ّي فرٌك ٌنضم!! ال تسؤلونً ماذا فعلت، وهل<br />
أطلمت الرصاص على أحد؟! صدّلونً، فؤنا ال أعلم ما كان<br />
ٌحدث. لكن صوت الرصاص المتفجّر كان ٌكاد أن ٌصمّ<br />
اآلذان. انظروا إلًَّ بعد كل ما حدث. أال ترونً أنً عدت بعد<br />
تلن المحنة سالماً؟! لكن عندما نظرتُ فً المرآة وجدتُ أنً<br />
أصبحت أسمر لاتم اللون بعد أن كنت أملن شعر رأس ٌتدلّى<br />
على شكل خصبلتٍ من الذهب الخالص ال تشوبه أٌّة مادة<br />
دخٌلة. لم أكن مخطباً فٌما ذهب إلٌه ٌمٌنً. إذ إنها أخذت تتملّب<br />
بطرٌمة ؼرٌبة مرعبة، ثمَّ دارت حول نفسها بسرعة متسارعة<br />
مرّ ات وم ّرات ال تحصى، إلى أن أصبحت سهماً انطلك راعداً<br />
مخٌفاً، بدا علٌه أنه لادر على إتمام المهمة التً أرسل من<br />
أجلها. لم ٌدر أحد لماذا اؼتاظ الشٌطان من ذلن الفارس الذي<br />
ٌشع منه النور، وأللمه ذلن السر الؽامض وراء رحلة ذلن<br />
الفارس ؼٌر المسلح الذي كان ال ٌزال ٌمتطً حصانه األسود<br />
محمّبلً إٌّاه ؼٌمة بٌضاء بانتظار أن تطٌر به إلى البر، ومن<br />
هنان سٌبدأ ذلن المؽوار مهمته. لد تفاجبه وهو ماضٍ فً<br />
سبٌله. هنا جُن جنون الشٌطان وأوحى لزبانٌّته أهل جهنّم<br />
بالتصفٌك لها تصفٌماً لم ٌتولّؾ حتى استدار السهم نحوهم ونفخ<br />
فً وجوههم ناراً رابعة األلوان ساطعة وؼٌر مإذٌة لم ٌعرفها<br />
أحد لببلً لاذفة عمبلء الشٌطان إلى حٌث كانوا فً ذلن الوادي<br />
ٗ9
السحٌك الذي حرّ م هللا الشمس اإلطبلل علٌه. من كان ٌرى<br />
المشهد ذهل. لكنه عندما حاول التحدث عن أهل جهنّم لم ٌستطع<br />
تذكر شٌباً ممّا ٌساعده على وصؾ أشكالهم. عشتُ مشاهد<br />
ٌكشؾ فٌها العجب عن نفسه. لكنً لم أتمكّن من مبلحمتها<br />
والدخول فً متاهاتها. بعد ك ّل ذلن وجدت نفسً انتمل إلى لٌلة<br />
كانت فٌها النجوم تتؤلأل، جاعلة إٌّاي ألفز بٌن الواحدة واألخرى<br />
كؤنها تعلمنً الرلص. لست أدري كٌؾ أنتهى األمر وفً<br />
أعمالً إدران أن الذرّ ات والنٌوترونات وكل تفرّ عاتها التً ال<br />
ترى بالعٌن المجرّ دة تحمل مشاعر أرلى ممّا ٌحمله أفضل<br />
البشر. أنا ال أملن مبرّ راً لمناعتً هذه إالّ مشاعري التً لم<br />
تتخلّ عن اإلٌمان ٌوماً حتّى فً الولت الذي كنتُ فٌه فً<br />
الجحٌم تساءلتُ كثٌراً: ترى أنحن فً دوّ امة المدر الذي فمد<br />
االتصال بخطّة هللا؟! أم إننا ندور وندور فً حلمة مفرؼة نإدي<br />
فٌها امتحاناً، لٌل أن النجاح فٌه سٌنمل طبٌعتنا إلى مستوً ى آخر<br />
وخبلٌا تعمل إلنتاج حٌاة أخرى؟! الصبر واإلٌمان هما اللذان<br />
سٌجٌبان عن تلن األسبلة الحابرة، وهما سٌجٌبان أٌضاً إن كان<br />
"فٌفالدي" سٌدخلنً معه إلى تلن ال<strong>تمتمات</strong> التً تسكن بٌن شفاه<br />
أجمل النساء بعد أن خضن كلّ هذا العذاب. لم أكن مخطباً فٌما<br />
ذهب إلٌه ٌمٌنً، إذ إن ذلن السهم أخذ ٌتملّب بطرٌمة ؼرٌبة<br />
وٌدور حول نفسه مرّ ات عدٌدة إلى أن أصبح سهماً كبٌراً متعدد<br />
الحراب كل حربة فٌه تشتعل فٌها النار من الداخل، حتى أخذت<br />
كلّها لون النار الؽاضب انطلك راعداً مخٌفاً بدا لادراً على<br />
تحطٌم كلّ شًء ٌمكن أن ٌمؾ فً طرٌمه حتى أن من كان ٌرى<br />
المشهد تؤكّد أن فً وسعه تفتٌت لمم الجبال لو فاجؤته وسدّت<br />
سبٌله إلى هدفه. لم أكن مخطباً إذ إن المشهد كان ٌإكد للذي<br />
ٌملن عٌنٌن التشوبهما شاببة أالّ شًء ٌمكن إعالته عن<br />
٘ٓ
وال<br />
صول إلى ؼاٌته. إن تابعنا مخطّطه المجهول، نرى أنه عاد<br />
إلى التملّب بسرعة عاللة أحٌاناً ومجنونة أحٌاناً أخرى ال أحد<br />
ٌدري، بحٌث كاد أن ٌختفً من مجال الرإٌة، لكنه انطلك بعد<br />
ذلن، حٌن بان متضخماً ً مخٌفاً لادراً على نشر الرعب فً<br />
نصؾ الكرة األرضٌّة التً تسطع فٌه الشمس حتى الؽروب،<br />
ولادراً أٌضاً على أن ٌفعل الشًء نفسه، عندما تدفا الشمس<br />
النصؾ اآلخر من العالم. حٌنها كان لد دخل عمٌماً فً المبة<br />
الزرلاء ثمَّ مضى ٌساراً وأخذ ٌرسم مجموعة من الملوب بالخ ّط<br />
األبٌض تحملها أشكال تشبه المبلبكة رالصة صاعدة نازلة إلى<br />
أن أختفت هً األخرى فً تلن المبّة التً نركن إلٌها جمٌعاً<br />
مشاهد كثٌرة عشتها ومضؽتها ببطء شدٌد، ال أرٌد التفكٌر<br />
فً وصفها من جدٌد حتى ال أمكنها من العٌش فً داخلً<br />
وجرّ ي إلى العٌش فً جحٌم آخر ال خروج منه. نعم لمد فهمت<br />
من تلن "التراجدٌا" التً عشتها، وبطرٌمة ال لبس فٌها أن<br />
الحٌوانات تشبع أما البشر فإنهم ال ٌشبعون. أنا ال أملن ما ٌبرّ ر<br />
هذه المناعة إالّ أحبلمً وما رأٌته أو ظننتُ أنً شاهدته فً<br />
حٌاتً الطوٌلة التً لم تتخلّ عن هذا اإلٌمان ٌوماً، حتى فً<br />
بعض األولات التً كنت أحاول فٌها التملّص من اإلٌمان.<br />
لكن اختنالاً بطٌباً، انتابنً ولم أستطع معرفة فً أيّ ولت<br />
حدث ذلن أكان فً النهار أم فً اللٌل أو عندما كنت أتعرّ ق وأنا<br />
فً معركة مع األفاعً ضمن أخطر ما عشته فً تلن الفترة<br />
الحالكة، وجعلنً ألمس حمٌمة الذل والمعنى الكامن وراء تهشٌم<br />
كرامة اإلنسان، واللعب على وتر اإلخصاء النفسً، الذي ٌمكن<br />
لمن ٌمر فً كلّ ذلن، أن ٌخسر المدرة على الدفاع عن نفسه<br />
٘ٔ
كلٌّاً، أو ربما ٌنملب المولؾ، فٌستشرس ٌدعمه جنون ال ٌرى<br />
شٌباً سوى إسكات مصدر اإلهانة متحدٌّاً الموت للنزال أمام<br />
"نٌرون" روما التً أفل نجمها، أو ما ٌماثلونه من الدٌكتاتورٌٌّن<br />
المتعطّشٌن إلى االلتٌات بالدماء والتلذّذ برإٌتها تجري فً كل<br />
مكان. لست أدري متى شعرتُ بؤنً سؤترن جسدي هنان،<br />
وأرى روحً تنتمل أمامً إلى الضفّة األخرى حاملة ك ّل<br />
شخصٌّتً وتداعٌات كلّ األولات التً عشتها وما أعطانً هللا<br />
من مواهب، مع بماٌا تلن الخٌوط التً لم أستطع فن عِمدها.ربما<br />
سٌحصل ذلن أو ال من ٌدري؟! بل لعلّها ستبمى من المجاهٌل<br />
التً سؤتؤبّطها طوال حٌاتً.أذكر أنً ابتسمتُ ٍ بتحدّ لم أكن<br />
أعرؾ سبباً له. ربّما كنت أحاول أن ألول لؽرٌمً إنً ولدت<br />
حراً، لكنً لبل كلّ ذلن كنت فً شوق لرإٌة كٌؾ كانت<br />
ابتسامتً بعد كلّ تلن المدّة الطوٌلة من المهر المستمر المستبدّ<br />
المصرّ تلمٌتُ ضربة سٌؾ ظننت أن نصله البلمع متّجه نحو<br />
عُنمً، لكنً صددته بسٌفً الثمٌل ممّا أفمدنً توازنً للٌبلً،<br />
فتراجعت إلى الوراء بعض الشًء، ثمّ بسرعة فاجؤت خصمً<br />
الذي كان ٌحًٌّ الجماهٌر ولطعتُ رأسه بلمح البرق. ال أعرؾ<br />
كٌؾ فعلت ذلن البدَّ أنه كان حلماً جعلنً أصرخ بصوت<br />
رهٌب. ولفت الجماهٌر لدى سماعه تصفك لً. لكنً صرخت<br />
مجدّداً متطلّعاً إلى السماء رافعاً ٌديّ مناشداً المادر على كلّ<br />
شًء لاببلً: هٌا افصلنً عن جسدي ماذا تنتظر؟!أنا لم أعد<br />
أرٌده.هل تستمتع أنت اآلخر بالتعذٌب؟!!هٌا اطرحه بعٌداً، هل<br />
علًَّ أن أرجون لتفعل ذلن؟! ارمه إلى حٌث تشاء، بل لٌكن<br />
ذلن أبعد ممّا ٌستطٌع خٌالً البلوغ.أنا لم أعد أطٌك رابحة اللحم<br />
الذي ٌلبسنً.إنه ٌفرز ما ٌجعلنً ال أطٌمه. ألم ترنً ألتل إنساناً<br />
آخر؟! أنا لم أعد أستحك العٌش.ترى لمَ أوجدتنا وزرعت فٌنا ما<br />
ٕ٘<br />
.
ال ٌمكّننا من فهمن وااللتراب منن؟!هل تخشى أن نلمسن مثل<br />
البعض الذٌن ٌعٌشون بٌننا؟!لمد لمّحتنا بالشن وتطلب منا أن نثك<br />
بن ثمة عمٌاء؟! لمَ ال تمول ما سٌكون بعد الحٌاة والموت؟! ل َم<br />
ال تفرج عن خطّتن؟! هل سنلمان ونمعد معن مع تلن الجماهٌر<br />
الؽفٌرة؟!، أم إننا لن نعود إلى سماع صوتن أو نران فً<br />
أحبلمنا، أو ربّما سنخرج من الوجود ونشاهده ٌتبلشى<br />
وٌؽٌب؟!أم إن تزامناً ما سٌحدث فً تلن اللحظة، وٌكون بزوؼاً<br />
جدٌداً لد أطلّ برأسه وعالماً آخر لد بدأ ٌتبدّى من وراء أفك<br />
مختلؾ ٌسبح فً ألوان عشنا حٌاتنا ونحن نعاشرها، وأخرى لم<br />
ٌسبك أن داعبت بصرنا ٌوماً. إن كنّا لد بلؽنا سنّ الرشد لمَ ال<br />
تعطٌنا حك االختٌار؟!ٌبدو أن خطتّن ال تمبل المراجعة وثمتن<br />
فٌنا مترجّحة.لكننً ما زلت متمسّكاً بصبري وإٌمانً الموي<br />
الذي تعرّ ض لهزّ ات كثٌرة ال تموى الجبال على مماومتها،<br />
والثبات فً مكانها، ال تتزحزح لٌد أنملة وكؤن شٌباً لم<br />
ٌكن.أرجون االّ تَخَاؾ على روحً فلم أعد أكره أحداً، وطرد ُت<br />
من داخلً كلّ متآمر ٌمكن أن ٌدفعنً إلى فعل الشر.<br />
ما كنت أتحضر ألبوح به فً مرحلة ما، وأكشؾ عن سلسلة<br />
العذابات التً مررتُ بها، وكانت تفضح اإلنسان وما ٌستطٌع<br />
البؽض الذي نما فٌه وتجبُّر أن ٌفعل لٌذٌك أخاه مختلؾ أنواع<br />
المرارة وصنوؾ المهر، مجرّ داً إٌّاه من أي أمل باستعادة<br />
كرامته أو من المدرة على إزهاق روحه. لمد أُجبرت على<br />
المرور فً نفك طوٌل مظلم ومخٌؾ، ٌُرؼمن على إعادة عٌش<br />
سلسلة المإامرات التً ال تزال تجهل كٌؾ تخطٌتها!!هنان<br />
ستسمع فحٌح األفاعً ٌتلوه دون تولؾ صوت لضم مرعب<br />
صاحبه ٌستمتع باألمر بشراهة، متمنٌّاً أن ٌتمكّن من لضم<br />
ٖ٘
أعضابن التناسلٌّة دون أن ٌمكّنن اإلنهان من التفكٌر فً الدفاع<br />
عن نفسن. ألٌس هذا ما ٌجعلنا نتساءل من بٌن الدموع والعرق<br />
الذي ال ٌتولؾ: هل خلك هللا فً النهاٌة وحشاً حمٌمٌاً ٌسكن ؼابة<br />
مُموّ هة استطاعت أن تخدع الكثٌرٌن فؤطلموا علٌها اسم مدٌنه؟!<br />
ترى ماذا سنفعل عندما تنتهً األسبلة وتخبو نارها فً ذواتنا.<br />
ألن ٌصاحب كلّ ما ٌحدث فحٌح األفاعً وعواء الذباب وبمٌة<br />
األمور، أو ٌدخلن فً حالة ترلّب حٌرى تنضح بالعجز<br />
وٌتبلعب بها الخوؾ، ولد تكون أدهى وأم ّر، فتمودن إلى<br />
تشرذم داخلً، دون أن تستطٌع التمتمة بالصبلة طالباً الرحمة،<br />
إذ إن حنجرتن أضحت عاجزة عن استجداء الصراخ. لكن لبل<br />
أن تؽٌب عن الوعً فكّرتَ بالترحٌب بالجنون، إذا تمكَّن من<br />
إدخالن فً عدم المباالة والسخرٌة من كلّ ما ٌحصل. لكن<br />
الؽٌاب لم ٌطل، فمدرن جعلن تفتح عٌنٌن وتدرن أنن مصلوب<br />
وستظلّ تسمع الصراخ طالما ال تزال معلماً. أمّا ما ٌإلم وٌجعل<br />
من الحٌاة وهماً مإلّتاً عندما ٌملإن إٌحاءٌ ٌكاد أن ٌمول لن:<br />
"إنً أشفك علٌن، فمهما حاولت ال ٌمكن أن تخرج ممّا أنت فٌه<br />
حٌّاَ" .كنت أعدّ هذا الكبلم كً أصؾ آالمً وحمارة بؽضً<br />
الؽبً، وشولً إلى االنتمام أنا أٌضاً. لكن ما كان ٌزٌد من<br />
مذلّتً أنً كنت أعرؾ افتماري إلى الشجاعة، وحاجتً إلى<br />
المساعدة دون االضطّرار إلى طلبها. ألٌس العٌش مع هذه<br />
المعطٌات، هو ما ٌدفع الخسٌس إلى االنتحار؟! لكن تعزٌتً<br />
كانت إٌمانً العمٌك بؤنهم مهما أبدعوا بتشوٌه جسدي ٌناصرهم<br />
الجنون وٌدعمهم بالمزٌد منه على ضجٌج طبول بدابٌّة تشعرن<br />
بؤنها تمؤل الدنٌا، ال تلبث أن ٌستبد بن إحساس بؤنن مترون<br />
عمداً على حافّة الهاوٌة، لتماوم الظلم والمهر من هنان دون أن<br />
تؤمل بؤٌّة مساعدة لد تستطٌع لٌمتن اإلنسانٌّة تمدٌمها إلٌن. رؼم<br />
٘ٗ
ٍ<br />
كل ذلن فإنن تموم رافعاً ٌدٌن صارخاً:لن ٌتمكّنوا مطلماً من<br />
المس بروحً.أنا إلهٌ بطرٌمة ما شبتم أم أبٌتم، اسؤلوه. أعتمد أن<br />
شمشون كان ٌبتسم لً مشجّعاً ولاببلً: أنا لست خابفاً، انظر<br />
إلٌهم، أال ترى أنهم مرعوبون رؼم إدراكهم أنهم بؤٌدهم<br />
ٌمصّون ضفابري. ال تخش شٌباً، فعندما ٌنتهون منً سٌعرفون<br />
معنى الفشل، وسٌهرعون إلٌن راكعٌن تحت لدمٌن مخفضٌن<br />
رإوسهم.ترى هل ستدرن أنً سؤتؤلم كثٌراً عندما أعرؾ أنن لم<br />
تبادر باالنتمام؟!<br />
ٙ <br />
بعد أن أصبحتُ حراً أو هكذا ظننتُ .مضٌت أتدرّ ج فً بٌبة<br />
جدٌدة ملتصماً بً خوؾ مبهم ال أعرؾ إن كان من بماٌا ذلن<br />
الخوؾ المدٌم، أم إنه ذلن الذي ولد معً على ما ٌبدو وتعب<br />
حتى وجد مخرجاً آخر ٌتنبّع منه. إذ إنً كنتُ أدرن بعمك أنً<br />
ال أزال معلّما ومتشبّثاً بكلّ ما أوتٌت من لوة بذلن الؽصن من<br />
الشجرة التً تطل على ذلن الوادي المعتم الذي ٌبدو أ ّال نهاٌة<br />
مربٌّة له. لست أدري ماذا كان ٌجري. أعتمد أنً كنتُ ٌمظاً،<br />
وأخشى من كل شًء لد أصادفه وٌمكنه أن ٌسبب لً مشكلة<br />
سترسلنً إلى الجحٌم دون أيّ شنّ. كنت أرتعب من أيّ حٌوان<br />
أراه فجؤة ٌتفرّ س بً بابتسامة ماكرة، والجوع بادٍ على وجهه،<br />
أظنه كان فً ذلن الولت ذبباً فً طرٌمه لبلبتسام عله ٌستطٌع<br />
رشوتً كً أحاول استعمال الؽصن ألصل إلى الحافة. كِلتُ له<br />
فً سرّ ي الكثٌر من الشتابم التً استعرتها من تلن الصدالات<br />
التً لم تكن ٌوماً مبنٌّة على الصخر، كما للت له إنن لن ٌمكنن<br />
الوصول إلً مهما حاولت. ال تتستر "بٌعموب" إذ إنه مشهور<br />
٘٘
خبلل التارٌخ بؤنه تبلعب بؤبٌه وأخٌه. ال تحاول أن تصعد إلى<br />
الشجرة، فلن ألبل باالنتحار بٌن شدلٌن. فً تلن اللحظات<br />
فكّرت لاببل فً نفسً: ألٌس من المعمول أن ٌكون ما ٌحدث<br />
حلماً من تلن األحبلم اللعٌنة تملٌّت فٌها على نار هادبة؟! ها إن<br />
الذبب اختفى ولم ٌعد له أي أثر. ترى هل ذكرت الكتب أن فً<br />
ببلدي مثل هذا الوادي؟! كفّوا عن التبلعب بً وإالّ سؤصرخ<br />
بكلّ ما أملن من لوة، لعلّ السماء تسمع صوتً وتجعل الٌؤس<br />
ٌفر منً بعٌداً، لم تمضِ بضع ثوانٍ حتى بدأتُ أرى نفسً انتمل<br />
بٌسر إلى ما بعد الحافة، ومتّجهاً نحو مرتفعات "الطابٌّات" ثم<br />
عدت للٌبلً ألرى األفك ٌؽٌر ثٌابه، فهو على ما ٌبدو ٌتحضر<br />
لسهرة طوٌلة داعٌاً له برإٌة ما أمكنه من حِ سان البلذلٌّة. ث َّم<br />
تابعت طرٌمً نزوال إلى ممهى "البطرنً" العتٌك حٌث سؤنضم<br />
إلى الشلّة المدٌمة دون أن أعرؾ أٌن ومتى ٌبدأ العشاء وٌعمبه<br />
الؽناء.<br />
لم تعد األمور تسٌر كما كانت تفعل من لبل. لمد هرب الخوؾ<br />
من الناس، أو هربوا منه لن نعرؾ ذلن تماماً إالّ بعد بعض<br />
الولت، وهو لن ٌكون لصٌراً بالتؤكٌد. لمد عاهد الناس أنفسهم<br />
على التعاضد والتكاتؾ والتضامن مطالبٌن الذٌن ٌحتكرون<br />
الخٌرات إما أن ٌُعطَوا الوسٌلة التً توصلهم إلى العٌش الكرٌم<br />
وتسهٌل أمره الذي ٌسمح إلنسانٌّتهم أن تفرز رابحة بشرٌّة<br />
حمٌمٌّة مثل كلّ أبناء هللا، أو ٌعملوا على طرٌمة تستطٌع أن<br />
ترمً كلّ هذه الجموع وسط المحٌط الهادي أو األطلسً ال<br />
فرق، أو تدبٌر رمً كلّ هإالء الناس الجوعى من رأس ذلن<br />
المنحدر المشرؾ على ذلن الوادي السحٌك المعروؾ أ ّال لعر<br />
له تاركٌنهم ٌتدحرجون على الصخور إلى أن ٌصلوا إلى ما<br />
٘ٙ
شاء ربكم وربّهم. لكن ٌبدو أن الخوؾ العاجز استطاع تدبّر<br />
أمره وانتمل إلى معسكر آخر، فلم ٌحدث أي شًء من تلن<br />
"التراجٌدٌا" المفترضة. كنتُ فً أثناء كلّ ذلن أعلن الحرب<br />
على التوجّس الذي ٌسكننً. الحمٌمة تمول: إن ما من عطب لد<br />
أصاب ذاكرتً، لست أدري بالضبط إن كان ث ّمة خلل ما<br />
اعترى نفسً؟! أعتمد أنً ال أدري تماماً ما كان ٌحدث؟! أو<br />
ربّما كنت فً العمك راضٌاً بطرٌمة ما بالسجن الذي ُحكته<br />
لنفسً ولبعتُ فٌه. لكن لم ٌكن شٌباً مإكّداً فً ذلن الحٌن إالّ أن<br />
الشمس كانت ساطعة وتعطً دفباً مرؼوباً ٌُبمً من ال ٌستطٌع<br />
أن ٌرتدي السمٌن من الثٌاب مرتاحاً، ومن ٌستطٌع أن ٌفعل،<br />
تسمح له بالتخلّص من بعض منها، فٌشعر بمداعبة النسٌم<br />
المنعش، أو من بعض الهواء اللطٌؾ الذي ٌمكنه من مداعبة<br />
شعر الشباب والشابات الطوٌل دون أن ٌشعر أحد بؤن ما تبثه<br />
من متعة ٌختبا فٌها لؽم لد ٌنفجر فً أٌّة لحظة وٌحرق الجلد<br />
الناعم الذي من المهم االحتفاظ به لؤلولات التً أرسمها وأعٌد<br />
ترتٌب تفاصٌلها كلّ ٌوم، استعداداً لظهور حبٌب أفتح له الباب<br />
وأرٌه أي نعٌم أعددت له.<br />
تابعت طرٌمً، أحمل فً نفسً شعور سابح لَبِل النصح<br />
وطار إلى دمشك وكلّه شوق إلى التعرّ ؾ إلٌها. كان ذلن ؼرٌباً<br />
ومُستهجناً وال ٌمكن لبوله ألنه ال ٌمكن فهمه. إذ كٌؾ لً أن<br />
آخذ دور السابح فً مدٌنتً التً عشتُ فٌها أؼلب أولات<br />
عمري؟! ربّما أستطٌع المول: إنً كنت مثل الذي استفاق من<br />
نوم مشوش ولم ٌعرؾ أٌن هو، وال ما هو الٌوم الذي بُوؼت<br />
فٌه بهذا الوضع الؽرٌب، مكتشفاً أنً موجود فً مدٌنتً نفسها،<br />
ورؼم ذلن كنتُ أشعر بانً أكتشفها من جدٌد، "إنه أمر معٌب<br />
٘7
حماً. صدّلونً أرجوكم. لمد أحسستُ بالخجل مدركاً أنً بنٌ ُت<br />
حٌاتً فٌها، لكنً لم أالمس حمٌمتها ٌوماً، وال أعرؾ ماهٌّة<br />
عبللتها بالناس، أو إن كانت تدندن مع نفسها دون أن تُسمع<br />
ألحانها للناس. "لطالما عٌّرتنً أمً لابلة: " إنً أزداد خشٌة<br />
علٌن، فؤنا ال أعرؾ من هو المتشبّث باآلخر األنانٌّة البؽٌضة<br />
أم أنت؟!أنا ال أزال أرى أنها ماضٌة فً لٌادتن إلى الحافّة ٌا<br />
دكتور أال تستطٌع أن تعرؾ من أٌن ٌتنبع هذا االستخفاؾ<br />
العمٌك بكلّ شًء تمرٌباً؟! ٌبدو أنه وصل إلى حد بات ٌثٌر<br />
الشفمة واالستؽراب أو الخوؾ أٌضاً. ترى ما هً وجهة نظرن<br />
فً معنى الحٌاة؟! ترى هل تجد فً جٌناتن شًء مختلؾ<br />
ونادر، أم إن هنان عطب ما فً تربٌتً لن؟! أو إن كلّ هذه<br />
األمور مجتمعة دعتن إلى االستهانة بالحجر األبٌض الجمٌل،<br />
ولم تلحظ أنن عشت فً هذه المدٌنة الرابعة الجمال. أال تجد أنه<br />
صدق من لال إن ذلن الحجر ٌتكلّم بالصدق أكثر من الذٌن<br />
ٌدّعون أن كبلمهم ٌمتصر على لول نعم نعم وال ال. لكن لٌس<br />
علٌنا أن ننتمص من إٌمان الكثٌرٌن بؤن الحجر ٌخبرهم عن<br />
التارٌخ وٌحذّرهم من االستماع إلى الذٌن ٌطلمون الكبلم جزافاً<br />
هنا وهنان وأٌنما حلّوا، بل أن ٌرهفوا السمع دابماً إلى ما تهمس<br />
به أعمالهم وإلى منطمهم الذي نتج عن تراكم ثمافتهم.ال بؤس أن<br />
تعترؾ أنن ال تعرؾ مدٌنتن وال فً أيّ حدٌمة من حدابك الجنّة<br />
كنتَ تعٌش."<br />
لطالما كنت لاسٌة فً أحكامن ٌا أماه. أنا أعرؾ أنه لٌس<br />
سهبلً إٌجاد مثلن. لكنً لطالما أدركتُ أٌضاً أن ال أحد ٌستطٌع<br />
أن ٌموم ممام األب الذي ال أعرفه. أنا لن أنسى أنن بذل ِت جهداً<br />
كبٌراً، ولمتِ بمحاوالت حثٌثة لتكونً االثنٌن معاً، ولكن حتّى<br />
٘8
المستحٌل أشفك علٌن ولال: "تولفً عمّا تفعلٌنه، فؤنتِ ال<br />
ٌمكنن التحامً." نعم ٌا أمً. لمد مررتُ لرب حٌطان أبنٌتها<br />
لكنً لم أر أبداً كٌؾ تبدو عٌناها، وال الحظتُ كٌؾ تبثُ من<br />
خبللهما ألواناً رابعة أجمل ممّا ٌُظهره لوس لزح، أظن أن<br />
عٌنًّ توزّ ع فً هذه اللحظات حباً مختلطاً بكلّ الفرح الذي<br />
ٌنبثك من أرجاء دمشمً وٌملإنً حباً ال لوثةَ فٌه.ال تظنوا بً<br />
الظنون، إن المسؤلة تخص المشاعر، فؤنا أحس بؤمر لم ٌحدث<br />
لً على اإلطبلق، إذ إنً أكاد أن أموت من كثرة ما أمتلا<br />
به.صدّلونً عندما ألول لكم: إن الجفاؾ عمّ كٌانً لمّا كنت<br />
هنان، وفمدت صوتً والمدرة على االستنجاد.كنت ال أدري متى<br />
سؤتخلّص من أصوات نباح الكبلب "البولٌسٌّة"التً ال تزال تمؤل<br />
أذنًّ.ال تسؤلونً كٌؾ انبلج الصبح فجؤة مالباً ؼرفتً بالنور<br />
وللبً بالسكٌنة التً ال أذكر أنً عرفتُ مثلها ٌوماً.إنه شعور<br />
كاد أن ٌخنمنً، وٌحثّنً على الخروج إلى الشارع والرلص<br />
هنان دون أن أعبؤ بؤي شًء وال بخطواتً المتعثّرة بالتؤكٌد.<br />
لكن رحمة الخالك تدخّلت وأفهمته أنً ال أعرؾ شٌباً عن<br />
الرلص.لكنً رؼم ذلن وددت حماً استعطافه والمول له:ٌا لٌتن<br />
تسمح لً بالرلص الحمٌمً مرةً واحدةً، ألست المادر على كلّ<br />
شًء؟!دعنً أطٌر إلٌن.لكن لست أدري إن كنت أجرإ؟!إذ<br />
كٌؾ كنت سؤلبل بالمخاطرة فً تلن الهنٌهات نفسها التً<br />
استرددتُ فٌها حرّ ٌتً؟!ربّما كان ذلن سٌكلّفنً الكثٌر من<br />
المخاطر مثل الدخول إلى مستشفى المجانٌن، وهنان ستؽدو<br />
حٌاتً وكذلن وجودي ال ٌعنٌان شٌباً. لمد لٌل لً إنهم ؼسلوا<br />
لً دمابً. لكنً ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن، وال أٌن كنت فً<br />
ذلن الولت. رؼم ذلن أجد نفسً مكببلً وال أستطع منع داخلً<br />
من الؽضب وٌمول: إن أمن معها كل الحك فً أن تخشى على<br />
٘9
تماسكن العملً والنفسً. إذ كٌؾ ٌمكن أن ٌكون مفهوماً وأنت<br />
طبٌب نفسً، أالّ تعرؾ أؼلب الولت أٌن أنت وماذا ٌحدث<br />
حولن؟!اعترؾ بذلن بٌنن وبٌن نفسن أوّ الً، فستكون لد لطعت<br />
نصؾ الطرٌك إلى إصبلح ما هو ؼٌر مفهوم ومستؽرب وٌثٌر<br />
االستهجان. ما كان ٌشعرنً بالعجز هو إدراكً استحالة وصؾ<br />
كلّ ما كان ٌعتمل فً داخلً فً تلن األولات الحسّاسة من<br />
حٌاتً، وصعوبة تفسٌر مساهمة ذكرٌاتً التً تمتدّ بعٌداً فً<br />
المدم، واختبلط كلّ ذلن بخروجً إلى الهواء الطلك والتمتّع<br />
بالحرّ ٌة وزرلة السماء التً لسمت ذاتها إلى لسمٌن، لرّ ر<br />
أحدهما أن ٌكون مظلّتً الرابعة، والثانً ارتؤى التحوّ ل إلى<br />
حضن دافا. ال شن أنهما سٌسلّمانً بكل الفرح والحب إلى<br />
الكون من جدٌد. دعونا نثك بالخالك وندرن أن المحسوس<br />
ٌخرج وٌتبدّى من ؼٌر المحسوس، وعالم الشعور ٌتكشّؾ من<br />
عالم األعماق التً ال نعرفها دون أن ننسى أن الفِكَر تلد الفِكَر،<br />
واإلنسان هكذا ٌتجدّد، والولٌد لابع فً االنتظار حتى تتحضر<br />
الحٌاة الستمباله لٌسهم بدوره فً التؽٌٌر. رفض الخلك ٌعنً<br />
مراوحة الحٌاة مكانها وتولؾ التمدّم وكؤننا نحكم على المشهد<br />
بالموت السرٌريّ. إن آلة الزمن أرجعتنً إلى طفولتً األولى،<br />
وعندما لم أكن لد تمكنت من الكبلم بعد. لكنً كنت أملن عٌنٌن<br />
واسعتٌن تتعجّبان مما ترٌانه، وتملإهما الدهشة وٌتدفك منهما<br />
الفضول ٌوماً بعد ٌوم.<br />
"ألٌس العالم مثٌراً للعجب والدهشة وٌصعب فهمه؟ أنا أعنً<br />
اإلنسان الذي لم ٌستطع حتى الٌوم، تطوٌر ؼرابزه وأطماعه<br />
وعدم اكتفابه، وحسده المزمن ورفض أعماله الشدٌد للمناعة<br />
ٙٓ
مهما كانت ملكٌّتها واسعة<br />
تحدٌدها."<br />
فً األصل<br />
ولٌس بإمكان النظر<br />
"ألٌس مدهشاً أٌضاً أن ٌمؾ األؼنٌاء والفمراء مكتوفًّ ِ األٌدي ال<br />
ٌدرون ما ٌجري وال ما علٌهم أن ٌفعلوا إزاء أمر رهٌب ٌتمدم<br />
باتجاههم وٌملإهم شعور بؤنه سٌإذٌهم أذ ًى بلٌؽاً؟!"<br />
* * *<br />
بعد ٌوم رهٌب من المتال الشرس الضاري، كان فٌه<br />
المتماتلون بعٌدٌن عن بعضهم بعضاً، ٌتماذفون بمدفعٌّة الدبّابات<br />
البعٌدة المدى وكل المدفعٌة الصالحة للتدمٌر والمادرة على<br />
صنع الرعب والخوؾ، وهكذا كان ال بدّ من أن تشتعل بك ّل ما<br />
فٌها من صالح لبلشتعال إذ ل المذابؾ فتكسّرت وأصبح هبوطها<br />
على األرض المشتعلة طبٌعٌّاً إلٌها فتزٌدها اشتعاالً. هكذا كان<br />
الناظر إلى ما حوله ٌختلط به األمر وٌظن أن السماء أٌضاً<br />
اشتعلت أٌضاً بنٌران متوحّشة أكولة حمراء تختلط بالسواد،<br />
بحٌث ترٌن لون ن الموت وهو ٌؽطًّ بعباءته المسم الذي ٌرٌد<br />
التطاعه من الحٌاة، مظهراً أمام عٌنٌن كٌؾ تكون عتمة المبر،<br />
والشٌاطٌن التً ترلص على الدماء مدّعٌة أن الولت لم ٌسمح<br />
لها بتصفٌؾ شعرها المتمرد تاركة إٌّاه ٌموم بؤلعابه كما ٌحلو<br />
له، فٌُظهر ما ٌحمل فً طٌّاته من كلّ أنواع الشهوات، مبتدباً<br />
بإرواء عطشه لبل كلّ شًء، من الدماء المتدفمة التً لم تصل<br />
بعد إلى األرض، منتشٌاً من صراخ المتماتلٌن وأنٌن الجرحى<br />
الذي ٌكاد أن ٌصم اآلذان، وٌعبث بالمخاوؾ جاعبلً منها أشدّ<br />
فتكاً من النصال. كما كانت األعضاء البشرٌّة تتطاٌر بشكل<br />
ٙٔ
تتمزق فٌها الملوب وهً تصٌح صٌحتها األخٌرة وسط اللهب،<br />
أو تتسالط مع األشجار المحترلة، فتضٌؾ إلى الؽابة ولوداً<br />
جدٌداً فتزٌد من اشتعال الؽابة وصراخ الوحوش، بحٌث تدفع<br />
إلى تسارع امتداد النار إلى كل شًء، وتضاعؾ خوؾ<br />
المتماتلٌن من كبل الطرفٌن، وتدخلهم جمٌعاً إلى الشعور بؤنهم<br />
محشورون ٌؤكلهم الرعب من أن تُح ِكم النار محاصرة الفرٌمٌن<br />
معاً أو تباؼت أحدهما لبل أن ٌهطل المطر الؽزٌر، كانت الؽٌوم<br />
تزداد تلبّدا وتدخل مع النٌران فً سباق واضح ترعاه السماء<br />
كما كان كل المماتلون ٌؤملون لاصدة منع النٌران من أن تسدّ<br />
المنافذ على المتماتلٌن الذٌن ٌدافعون عن وطنهم تظلّلهم البراءة<br />
وحبهم لشعبهم ووطنهم. مجزرة رهٌبة حمٌمٌّة كانت تجري،<br />
وأخرى ٌشاهدها الجمٌع لادمة تثٌر الرعب من أن ٌنتهً نزٌؾ<br />
الدماء بسبب ولوع الجمٌع فً براثن األتون الزاحؾ. الجمٌع<br />
سمعوا لرلعة مفاصلهم. فً تلن اللحظات التً كان فٌها الٌؤس<br />
والخوؾ ٌختلطان، خبا صوت المعركة بؽتة، وحلّ سكون<br />
مخٌؾ ٌحمل فً طٌّاته فً الكثٌر من المفاجآت، التً تجعلن<br />
تخشى أن تشتهً شٌباً لمصلحة الحٌاة. كان ذلن الصمت ٌعنً<br />
ولفة فً الولت الذي ٌؤتً بعدها اإلدران أن تلن المجزرة<br />
الطاحنة تُعلن عن انتهابها. أنت فً الزمن الذي ال ٌسمح لن<br />
بؤي نوع من المشاعر سوى بالذهول. لكن خضوع ساحة<br />
المعركة للصمت طال للٌبلً وبثَّت شعوراً مرهماً بدا خانماً<br />
للجمٌع. لكن فجؤة ارتفعت األعبلم البٌضاء فً طرفً المعركة<br />
المحتدمة التً كانت دون شن شرسة وبعٌدة عن أٌّة أنفاس<br />
إنسانٌّة. كما كانت باإلضافة إلى ما ذكر، شرهة لرإٌة التشوٌه<br />
الهابل الذي حطّ بالروح اإلنسانٌّة ومرغ جمالٌّة الجسد وذلن<br />
التكوٌن المبدع بلعاب الشٌطان، كما أعطاه المبضع حتّى ٌروي<br />
ٕٙ
ؼلٌله برإٌة الدماء المتدفّمة ببل أي حساب. العٌون ابتسمت لكن<br />
الشفاه ظلّت مطبمة. إذ إن األعبلم البٌضاء ربّما كانت تعنً<br />
هدنة مإلّتة ستظهر مدّتها بعد ولت لصٌر، فاألمر لن ٌّحسم ما<br />
لم ٌصل توضٌح شاؾ من المٌادة، ٌبٌّن حمٌمة ما حصل، وما<br />
علٌه أن ٌكون فً المستمبل من انفراج فً الطبٌعة وفً النفوس.<br />
مضت ربّما دلٌمة واحدة، ظهرت فً نهاٌتها حمامة بٌضاء<br />
والفة على ذروة العلم األبٌض المرفوع فً وسط ساحة المعركة<br />
لتعلن أنه آن األوان إلفساح المجال لنور الشمس أن ٌظهر حتى<br />
لو كان خجوالً. الخجل لً بعض األحٌان ٌكون بلسماً بطرٌمة<br />
ما، لكن ال ٌحبّ أحد التكلّم عنه. كانت الجراح النازفة تحتاج<br />
دون شن إلى سطوع نٌسان. لكن ال أحد ٌدري لمَ تؤخّر<br />
خروجها من بٌن الؽٌوم؟! ترى هل كان ٌجري اإلعداد لٌكون<br />
ظهورها فضحاً للشهوة إلى الربح، واالستعداد فً سبٌل ذلن،<br />
للتضحٌة بؤرواح مبلٌٌن األبرٌاء، ورإٌة برٌك الذهب الذي<br />
ٌُسٌّل لعاب األؼنٌاء لبل الفمراء. إنه أمر ؼرٌب دون شنّ ،<br />
وٌفضح أطماع اإلنسان وكذبه على نفسه أوالً، إذ إنه كان ٌدرن<br />
دابماً أنه لم ٌنسها بل تناساها من أجل الزابل، وانشؽل بحفر لبر<br />
أخٌه، متجاهبلً أن ٌتطلّع إلى المبة الزرلاء علّه ٌرى ما ٌعٌد إلٌه<br />
صوابه. خاصة أنه ٌعرؾ وٌدرن أنه لن ٌبمى حٌث هو طوٌبلً.<br />
الجمٌع ٌعرؾ أننا آٌِلون جمٌعاً إلى الموت، إلى نفاد الطالة التً<br />
سلمها هللا لكلّ فرد ٌعٌش فً هذا الكون. دون أن ندري ماذا<br />
ٌرٌد منا أن نتعلّم من هذا العالم لبل مؽادرته والعودة إلى فناء<br />
الرب.<br />
لكن لم ٌلبث صوت مذٌاع كتٌبة عسكرٌّة لرٌبة خرج من رحم<br />
تلن الفكرة عند انبثاق الفجر ٌردّد ما ٌرٌد لوله مرّ تٌن: إن<br />
ٖٙ
الحرب انتهت، ولادة الدول المتحاربة لد ولّعوا على اتفالٌّة<br />
من سمع ذلن أصابه الخرس دلٌمتٌن، عبل بعدها صراخ<br />
متواصل ٌحمل فً طٌّاته جنوناً مخٌفاً، أنفجر بعده ضحن ٌشبه<br />
ضحن السكارى المتخمٌن وهم عابدون إلى بٌوتهم صباحاً بعد<br />
أن فرؼت "الخمارة"ممّا ٌُثمل، وولع صاحبها على األرض ٌتمٌؤ<br />
دون أن ٌساعده أحد.الفرح تؤخر للٌبلً عن الظهور ثمَّ لم ٌلبث<br />
أن مؤل ساحة المعركة كلّها بالرلص بٌن الجثث. أعتمد أن أحداً<br />
ما كان ٌصلًّ طالباً من هللا أن ٌرسل ذلن الوابل وٌكون شدٌد<br />
الهطول. كً ٌزٌل الدماء المخجلة بعد تلن المذبحة<br />
المروعة.المطر كان دعوة للتفكٌر على إٌماع هطوله الرتٌب:<br />
ترى هل ستتاح الفرصة أن ٌُسؤل مُشعلها ومن دَفع إلٌها، لمَ<br />
فعل ذلن ومن هو المستفٌد؟!وهل ساهمت هذه المعركة<br />
الضروس أو ستساهم فً ارتماء البشرٌّة؟!ثمّ ماذا سٌمال للٌتامى<br />
والثكالى؟!هل خلك هللا البشر لٌطحنهم مجنون وٌشرب من<br />
دمابهم؟!لستُ أدري، ربّما سؤل سابل: وما الذي دفع بإنسان إلى<br />
أن ٌصبح مجنوناً؟!<br />
ٙٗ<br />
سبلمٍ .<br />
إنً أرى أمامً اآلن شخصاً بشع الهٌبة، وكنت أعرؾ أنه<br />
جمٌل جداً فً أعماله. ترى أال ٌزال ٌوّ دّ االنتحار، أم ٌعمل بكلّ<br />
ما ٌمكنه من جهد ممكن إلى الوصول إلى رإٌة جمال أعماله<br />
بطرٌمة ما وٌعٌد ابتسامته إلى وجهه.<br />
"الحٌاة لٌست عٌشاً لتفعٌل االستمرار، وال تمرٌناً للصعود<br />
إلى السماء. إذ إن ذلن تملٌل من لٌمتها اإلنسانٌّة، فلوال الوجود<br />
اإلنسانً لَمَا أوجدت. إن كٌنونتها حدث وحضور وصٌرورة.<br />
كما إنها تواصل دابم مع سبب وجودها .عندما بدأت تشعر بؤنها
مؤلت الجمٌع، أدركت ممتلبة ؼبطة، أن هللا تخلّى عن مُرالبة<br />
أدابها وتركها لتشتؽل على تؽٌٌر معنى العٌش وتحصل إلى ما<br />
تصبو إلٌه، لٌكون جزءاً من عطابها وهً تسعى سعٌاً حثٌثاً<br />
للتصدي لعدم إلؽاء الفردٌّة وعبمرٌّتها، والعمل على ضبط<br />
طؽٌانها وتؤثٌره المدمّر على اإلبداع فً كلّ العالم. سٌكون هذا<br />
الهدؾ الجامع كفاحاً ٌخترق المستمبل، مُجمّعاً الموّ ة لهدم<br />
األسوار والمتارٌس أكانت داخلٌّة أو خارجٌّة".<br />
هكذا بدأتُ أشعر مع تمدم الولت بؤن الرب إلى جانبً، ولد<br />
حبانً أن أولد والدة جدٌدة، وأحظى بمثل ذلن المزود محاطاً<br />
بعابلتً كلّها، ومنحنً أٌضاً نعمة النمو بتسارع ٌمكّ ِنُنً من<br />
االلتماء مع ذاتً التً لطالما افتمدتنً، بحٌث نمدر على السٌر<br />
معاً متكاتفٌن ٌُعٌد الحب لحمنا معاً برابط ال ٌمكن تفكٌكه. كما<br />
ٌرشدنا إلى درب ٌحٌط به اخضرار مختلؾ، معطٌاً إٌّانا أول<br />
درس رابع فً الفن التشكٌلً، إذ ٌجعل السماء تدهشنا وهً<br />
تعٌد ترصٌع جسدها بنجوم تؽٌّر ألوانها وموضعها بٌن حٌن<br />
وآخر لتُري أولبن الذٌن ٌمبعون تحت، مشاهد فنٌّة لٌس لها<br />
نظٌر لابلة للتطور، وٌمكنها أن تتبدى بؤشكال متنوّ عة تخطؾ<br />
األبصار وتشدِه من ٌملكون نعمة الرإٌة وتتؤجج فٌهم ملكة<br />
البصٌرة، فٌملكون أن ٌفهموا ذلن التناؼم بٌن كٌنونتهم وكٌنونة<br />
الكون، وٌدركون معنى أن ٌمول سطوع الشمس: أنا أفضل<br />
تعبٌر عن النهار الفرِ ح فً طمس جمٌل ٌمدّ بالدؾء ٌوماً<br />
شتوٌاً.عندبذ سٌمجّد الناس من مؤل السماء واألرض باألعاجٌب،<br />
دون أن ٌندهش أحد كٌؾ فعل وٌفعل كلّ ذلن من العدم .ربّما<br />
؟! ربّما ٌتاح أٌضاً ٌوم لكل بسطاء العالم كً ٌتمكّنوا من<br />
الطٌران وٌكتشفوا سبب ما كان ٌحدث لهم، ولمَ تعذّر علٌهم فهم<br />
ٙ٘
أعمالهم، وممدار الحب والؽفران اللذٌن سٌحظون بهما، عندما<br />
ٌكونون راضٌن بالعودة إلى حٌث كانوا دون تمكّنهم من إزالة<br />
اإلبهام الكبٌر من نفوسهم، الذي لطالما أللمهم وألضّ مضجعهم.<br />
لكن المبول بالوعد الذي حملوه، جعلهم ٌتلمّون منحة فهم العالم<br />
دون استعجال.إذ إن من ٌدٌر الكون ٌعرؾ أن السرعة تعرلل<br />
الهضم، وتربن الفهم المتؤنً المطلوب.<br />
* * *<br />
كان ال بدَّ من العودة إلى الزمن والجسد، أي إلى الوالع الذي<br />
لٌس كله دماء، إلى "كمشة" من التراب، والتمعن فٌها كلّها<br />
طوٌبلً ثمَّ التطلّع إلى السماء مشدوهاً. ترى ماذا ٌنتظرنً<br />
هنان؟! إذا كان "الفالس" الذي ٌروّ ج للدوران وراء لعبة من<br />
لعب هذه الدنٌا التً تمتلا بالخداع. علٌن االنتظار طوٌبلً حتى<br />
تكتشؾ ماذا ترٌد أن توصلن إلٌه!!ربّما علٌنا السعً خلؾ تلن<br />
الرلصة التً استطاعت التخلّص من لمبها اإلمبراطوري<br />
وأصبحت حرّ ة تملن الجرأة والدافع لتحملنا على إطبلق العنان<br />
للطالة الكامنة فً داخلنا، فتدفعنا لنشخص إلى فوق فً اللحظة<br />
نفسها التً تترن ألدامنا ما نمؾ علٌه، صاعدٌن إلى األعالً<br />
لننعم بالسكون ونستمتع بفمدان الجاذبٌّة األرضٌّة، وننصت إلى<br />
ما ترٌد أرواحنا وحمٌمتنا أن تمول. خبلل التارٌخ أُبعدْنا عن<br />
التراب الذي خرجنا منه، وضاعت حمٌمتنا وما تراكم فً<br />
أعمالنا. بدأ التهجٌر الفظ عن داخلنا منذ ذلن الولت أو لبل ذلن<br />
بكثٌر لست أدري تماماً؟! فً مرحلة ما من زمن رفض عمداً<br />
تسجٌل نفسه ضمن التارٌخ، اجتاحتنا الحٌرة وحاصرتنا، بحٌث<br />
حشرتنا ضمن حٌّز تبدو فٌه الحركة خطرة فً لحظات كنا ال<br />
ٙٙ
نملن سوى أن ندور بؤعٌننا هنا وهنان متسابلٌن إن كنا لد<br />
خرجنا أو لمّا نزل ضمن الجاذبٌّة األرضٌّة؟!وماذا جدّ حولنا<br />
بحٌث نشعر باإلربان، ال ندري شٌباً عمّا حدث وإلى أٌن نإخذ،<br />
ولمَ ال نستطٌع أن نطؤ األرض؟!ولمَ لم ٌتبدّ كلّ ما ٌحدث لبل<br />
الدخول إلى ذلن المسلخ المُلح على تجرٌدنا من جلودنا<br />
واؼتصاب أرواحنا دون أن ٌدري أنه لن ٌستطٌع رإٌتها أو<br />
إبطالها؟!إذ إننا تمسّكنا بها متخلٌّن عن كلّ ما لد نخسره،<br />
متؤكّدٌن أننا فً النهاٌة موعودون بالخلود وسنحصل علٌه، دون<br />
أن ٌستطٌع أحد فً اللحظة األخٌرة تؽٌٌر ما جاء فً الكتب.<br />
7<br />
األسبلة والّ دة بطبٌعتها وهً تدرن أنها تشترن فً الخلك<br />
بالتؤكٌد. لمد شملت شرٌطاً طوٌبلً ممّا سُجّل لطرٌمة إدارة الحٌاة<br />
لهذا العالم وكسب مشروعٌته من اإلٌمان والتصمٌم لكن<br />
"التانجو" األنٌك الذي ٌلٌك به التعجرؾ كما بدا أنه لاطع الؽرق<br />
فً التساإل، داعٌاً إٌاه إلى أن ٌشخص إلى المسرح وٌرى ماذا<br />
سٌحدث، فربّما حصل ما ؼٌّر أو تطوّ ر فً المفاهٌم لٌصبح<br />
مُشاهِداً لكثٌر من األسرار التً تظهر وتختفً من خبلل المرآة.<br />
كان الرالص ٌتابع لعبته مستمتعاً باعتداده وٌبهرن بؤنالته<br />
الداخلٌّة، حٌنما تراه وحٌداً ٌدخن بتعالٍ ٍ متحدّ دون أن ٌمصد إذ<br />
إنه ٌموم بتحضٌر نفسه للرلص فً حضور هللا نفسه، ٌملإه<br />
شعور بالعنفوان وتفوح منه رابحة كبرٌاء مختلفة فٌها الكثٌر<br />
من العفوٌّة النرجسٌّة التً ال أظنها تصدم أحداً، فهً تشبه<br />
مبلمحه الدلٌمة وشفتٌه اللتٌن ال تبدوان أكولتٌن. إنها جعلتْ من<br />
،<br />
ٙ7
ٌسعى إلى محاكاتها ٌُركل بعٌداً دون أن ٌعرؾ إذا كان لادراً<br />
على البحث عن جحر ٌختبا فٌه.<br />
تمدم التعجرؾ بكلٌّته نحونا بثمة طاووسٌّة ٌعض الشًءدون<br />
أن ٌدري أحد لمَ لم ٌرد إخفاءها مخفضاً لبّعته للٌبلً. أعتمد أن<br />
خطواته كانت تبلحك إٌماعاً داخلٌاً جعلنا نلمسه دون أن نسمعه.<br />
كان ٌتهادى دون شن بكبرٌاء مُحٌّر، ٌمكننا أن نتابع اعتباره<br />
مجرّ د تجارب ٌجرٌها على بعض خطوات الرلصة مُمعِناً فً<br />
مراجعة دلتها وطرٌمة مبلمستها لؤلرض، فتحسبه ٌمول فً<br />
نفسه وهو ٌرفع رأسه إلى فوق متمتّعاً بؤنالة ما ٌفعل. أظنّه ردّد<br />
لوالً فً نفسه: ال بؤس، أنا ممتلا حماساً، لمد حان ولت<br />
التحدي، ٌا مرحباً به. لنر أٌة امرأة ٌشتعل فٌها ما ٌتفجر<br />
بً؟!ربما ٌكون هذا ولت التجرد من الجسد واشتهاء الروح<br />
وضمّها فً عناق طوٌل، دابراً بها طوٌبلً، جاعبلً من العناق<br />
ٌبثُّ عشماً عذباً ٌمكن أن ٌُفهم منه كلّ معانً الخلود وأسراره<br />
الصؽٌرة الخجلة التً ال تُكشؾ للحبٌب إالّ بعد ولت لد ٌطول<br />
إلى أن ٌتسرّ ب الخجل من الطرفٌن وٌختفً فً شموق األرض.<br />
لكن البعض شعر بالحسرة تؤكله ألن الماضً لم ٌمنحه ذلن<br />
العناق الطوٌل وال ذلن الشعور بالعشك العذب الذي أحسّ به<br />
الجمٌع ولم ٌخالج أحداً ٌعرفونه فً تلن المرحلة فً حٌاته.<br />
ترى ألم ٌشم ذلن الرالص روح الحبٌب وهو ٌزحؾ وٌبلمس<br />
بمدمٌه ذلن الرخام الرابع؟! إنها كانت ضمَّة ابتبلعٌّة دون شنّ<br />
إن ذلن سٌنفخ اإلبداع وٌجعله ٌسري فٌه، لافزاً بالحبٌب وهو<br />
ٌدور معه وبه. لكن ذلن الرالص ابتسم للفرلة الموسٌمٌّة، وأخذ<br />
على الفور ٌبدّل فً حركة لدمٌه ببراعة لل نظٌرها. تابع ما<br />
ٌفعله وازدادت الحركات التً كان ٌموم بها صعوبة إن كانت<br />
. ٍ<br />
ٙ8
بٌدٌه أو بمدمٌه متصنّعاً بعض الحذر، أو موهماً أن كلّ ما نراه<br />
هو فً الوالع خروج عن المخطط الموضوع، لكن روحه<br />
فاضت فً داخله ودفعته لٌرضً نفسه وٌسعد الجمهور. لمد<br />
أظهر ذلن الرالص أنه نرجسًٌّ بامتٌاز. إذ أصرّ على إبماء<br />
عٌنٌه تواجهان الناس دابماً، متؤمّبلً أن ٌؽرق الجمٌع فٌهما.<br />
كانتا تمدحان بالتؤكٌد وتعطٌان إشارات فٌها وضوح عجٌب أو<br />
لٌس فٌها شًء على اإلطبلق، ولد تكون استعاضت بذلن<br />
الؽموض على ترطٌب الصمت المفروض. بمٌت ولاحة ذلن<br />
الرالص مرضٌة للجمهور، أو ربما ظن كلّ واحد أو واحدة فً<br />
تلن الماعة أن عٌنٌه ترممان تلن الجمٌلة الجالسة بالتحدٌد. بمً<br />
ذلن مستمراً بطرق مختلفة متجاوزة االعتداد ومانعة الخفر من<br />
االلتراب، ومفشلة وضوح النٌّة فً االلتحام، إلى حد تعجز عن<br />
إٌجاد كلمة أو كلمات تستطٌع تحدٌد أٌن ٌمكن أن تستمر ولاحة<br />
تلن االبتسامة المُمتطٌة ثمة ال تبدو أنها تمكّنه من وصؾ ما<br />
ٌرضً مشاعره فً تلن الهنٌهات. إذا شعرتَ باإلحباط وأردت<br />
إبداء اإلعجاب بعٌنٌه ؼٌر المكحّلتٌن، فتستطٌع أن تمول: إن<br />
جمالهما ٌعطٌان مصدالٌّة مٌدانٌّة ورونماً أخّاذاً لرجولّة حمٌمٌّة<br />
ٌُعكِرها بعض الؽرور الطفولً اللطٌؾ، ونحول جسد وطوله<br />
المتواضع الذي ٌحمل حمل الرلص الكبلسٌكً المتحمّم بالؽرور<br />
فً ظرؾ ال ٌتاح ألحد أن ٌتمتع بؤكثر ممّا هو فٌه. لكن فجؤة<br />
تؽٌّرَ المشهد، فنرى ذلن الذي كنا نتكلم ّعنه معجبٌن ومشجّعٌن<br />
بكلٌّتنا بما كان ٌظهره االلتحام من ولاحة، لد كؾّ عن ذلن<br />
وأخذ ٌمٌل إلى تؽٌٌر حركة لدمٌه متّجهاً إلى إعطابها مزٌداً من<br />
الرلة واإلحساس فً تعاملها مع المسرح وطرٌمة تموضع<br />
جذعه ومٌبلن رأسه وسعادة عٌنٌه، حٌث أصبحتا تتناؼمان مع<br />
اإلٌماع الجدٌد الذي انتمل إلى مداعبة تلن األرضٌة الخشبٌّة<br />
ٙ9
البصلٌّة اللون حتى أمتصّ منها ما ٌحتاجه من االنتشاء، إلى أن<br />
حذّره التجشّإ بؤنه أصبح على تماس مع الخروج عن ك ّل<br />
المواعد، فلم ٌلبث أن عاد إلى االبتسام واالحساس بؤنه ٌمضػ<br />
جٌّداً ما أعطً له. تؤكّد فً هذه األثناء أنه كان مدرّ باً بامتٌاز،<br />
مدركاً أنه علٌه االكتفاء بما فٌه من نرجسٌّة، إذ بدأ ٌظهر أن<br />
شعوره بجسده أخذ ٌتجلّى بمزٌد من البراعة مظهراً صعوبة<br />
مبلحمة حركة المدمٌن والساعدٌن اللذٌن كانا ٌستمببلن الموسٌمى<br />
كما تستمبل العابلة االبن العابد من الحرب سلٌماً معافى. إذ إنه<br />
لم ٌتؤخر لحظة واحدة عن فتح ساعدٌه وصدره استعداداً لضم<br />
ما ٌؤتٌه من األنؽام إلى كٌانه واالنحناء، هلل ولٌس للجمهور،<br />
داعٌاً إٌاها أن تؤخذ دورها كً ٌدخل ملن الببلد إلى ببلطه، فً<br />
الولت نفسه الذي تصل فٌه الموسٌمى إلى ذروة عطابها زكامل<br />
استعدادها للدخول إلى دماء الحضور التً بدأت تنشر رابحة<br />
استسبلمها دون أن تشعر. كان الراعً لد جلس على العرش<br />
للمباشرة فً إدارة شإون أمته وحماٌتها من األعداء، آمراً<br />
جمٌع الحاضرٌن بالجلوس، واإلفساح للموسٌمى أن ترسم<br />
الهٌكل الذي سٌمجّد الرلص نفسه فٌه. هكذا فعل الرالص كما<br />
فعلت "الكارٌزما" الملكٌّة وسٌطرت على كلّ الخبلٌا العابدة إلى<br />
الرعاٌا نفسها مرسّخة اإلٌحاء بٌن الناس بؤنهم رعٌّته وأنه<br />
الملن األمٌن. لمد تُرن للكمان الذي انتظر طوٌبلً أن ٌسمح لملبه<br />
أن ٌسمع أنٌنه الذي ٌعصر األنفاس كما ٌشاء، متصدّراً المولؾ<br />
معطٌاً المكان الحماً الستمبال الملن ؼٌر المتوج، سامحاً لئلٌماع<br />
أن ٌوحً أن معركة حمٌمٌّة ستحتدم لرٌباً، بٌن جسدٌن كؤنهما<br />
حسامان ٌدوران حول بعضهما البعض، وٌتحضّران لبلشتبان<br />
واالنمضاض حٌنما تحٌن الفرصة. ال أحد ٌدري كٌؾ سٌحدث<br />
ذلن. أعتمد أن التانجو كان ٌرسل رسالتة هو اآلخر وتمول:<br />
7ٓ
"اللحن الذي تملكه خبلٌاي ٌستطٌع أن ٌرالصنً وٌرمٌنً إلى<br />
أحضان المبة الزرلاء متى شاء. لكن السماء طلبت منً<br />
الخضوع إلى إبداع التؤنس حتى ٌمترب المإمن من تفهم لؽة<br />
الرب، وٌتعلّم كٌفٌّة االتصال باألرواح. برلت السماء فً إشارة<br />
منها إلى أن االحتدام لد الترب ولته. النصال لم تكن لد تبلمست<br />
بعد، بانتظار إشارة ما من مخرج ذلن الحفل. ترى ما هً؟!<br />
كنّا نتلهّؾ إلى معرفة ماذا ٌمكن أن تكون؟! لم ٌطل االنتظار،<br />
إذ إن "نوتة"واحدة حرّ رها عازؾ"الكونترباس" لتُعلن عن<br />
الدخول فً جدل عنٌؾ ٌحكمه صوت تبلحم الفوالذ. لكنّن <br />
دون سبب ال تصدق أنه سٌستمرّ طوٌبلً، بل سٌكون مصٌره<br />
التحوّ ل إلى حوار تخؾّ فٌه حدّته وكذلن عدابٌّة النظرات، كما<br />
أن المبلمسات الجسدٌّة السرٌعة الخاطفة تبدّل أهدافها فتُظهر<br />
األنثى حٌاء متماسكاً البماً وحذراً ٌخشى المفاجآت وما تخفً فً<br />
طٌّاتها من نٌّات. كان المشهد مذهبلً ٌفتن بمشاعرنا وٌجٌّشها<br />
بعٌداً عن سٌطرتنا. كنّا نمترب من الذهول والتجرد من إرادتنا،<br />
تمنٌنا من الصمٌم فً هذه األثناء أن ٌستمر ما ٌحدث طوٌبلً.<br />
كان صوت النصال ٌتماطع مع اإلٌماع المسٌطر وٌتناؼم معه<br />
بطرٌمة مذهلة لطعت األنفاس حٌناً، وفتحت له األبواب حٌناً<br />
آخر، بحٌث ذكرنً ذلن بالذٌن ٌسمعون موسٌمى رابعة، وهم<br />
ٌتمشون فً الشارع وسط الضوضاء.كنا مؤخوذٌن تماماً أو لنمل<br />
إننا كنا مسحورٌن مُحلّ ِمٌن تتلفّمنا الموسٌمى وتدفعنا إلى األعالً،<br />
فمد كادت روعة المشهد أنها استطاعت سلب عمولنا وتجرٌدنا<br />
من ثٌابنا. كؤن التعري امتلن فجؤة صوتاً تجرّ أ أن ٌهٌب بنا<br />
االستجابة لندابه. األمر لم ٌكن ٌتعلك بالجنس بل بالحرّ ٌة وفن<br />
األنشوطة عن خنالنا التً كدنا أن ننساها، دون أن نعرؾ من<br />
فعل بنا ذلن. األمر لم ٌنتهِ عند هذا الحدّ، فرأٌنا بذهول كٌؾ<br />
7ٔ
ٌدور خصر الفتاة الرابعة الجمال والتكوٌن حول عنك الرالص،<br />
وهو بدوره ٌدور بجسده وبروحه وبها أٌضاً، بخطوات طوٌلة<br />
تارة، ولصٌرة تارة أخرى. فً أثناء ذلن كان ٌنزل رفٌمته إلى<br />
األرض دون أن ٌحرّ رها، بحٌث ٌجعل الجسدٌن الملتصمٌن<br />
المتماسكٌن ٌتماٌبلن بخفة عجٌبة ٌمنة وٌسرة، مإجّجاً مشاعر<br />
الجماهٌر، ومُشعبلً التصفٌك. وربّما أشٌاء أخرى لد ٌعرؾ<br />
بوجودها ذلن الشاخص إلى المشهد بذهول، أو إنه من الذٌن<br />
ٌتجاهلون ما ٌملكون. لكن الرالص كان ٌبدو مصراً على<br />
تجاهل الجمهور وما ٌفعل، فعاد إلى رفع أنثاه محٌطاً عنمه<br />
بجسدها المطواع إلى حدّ الذهول. بدأ إٌماع الفالس فجؤة خفٌضاً<br />
بطٌباً ٌثٌر فٌن ما تبمّى من عنفوان لدٌم إلى أن أخذت أنؽامه<br />
تتمدّد فوق اإلٌماع بكلّ خفر ولبالة. نجحت "األوركسترا" بنمل<br />
الجمهور إلى تلن اللحظة المبدعة، مدخلة الرالص فً الولت<br />
نفسه، إلى خضم ك ّل ذلن، حٌث أخذ بالدوان حول المسرح<br />
الكبٌر مرّ تٌن بخطوات كبٌرة وببراعة فابمة مظهرة تؽٌر نوعٌّة<br />
الخطوات واتساعها وكٌؾ كانت تتبلعب مع ما تفعله من دوابر<br />
بشكل فاق ك ّل التولعات، لكن ال تظن بنفسن الظنون إن سمعت<br />
فً تلن اللحظات ابتهاالت المبلبكة، وجعلت من ٌختبإون<br />
خلؾ المسرح وٌرالبون، ٌصاب بعضهم باإلؼماء وبعضهم<br />
اآلخر ٌصل إلى ذروة االنتشاء فً اللحظة نفسها التً كان<br />
الرالص ٌتابع الدوران بشكل أسرع ؼٌر شاعر بما أصاب<br />
الجمهور من احتدام الجنون فً داخله، فمد كان فً تلن<br />
الهنٌهات ٌمطؾ نشوته الخاصة وٌرسلها إلى جمٌع أنحاء<br />
جسده.كان فً أثناء ذلن ٌنزل فتاته وٌتركها تخطو خطوتٌن،<br />
متابعاً إٌّاها إلى أن ٌحٌن رفعها إلى حٌث كانت، معٌداً عدة<br />
مرّ ات ما كان ٌفعل. ثمَّ أخذ الرالص ٌبطا دورانه وٌنزل أنثاه<br />
7ٕ
من حول عنمه كما ٌفعل الساحر عندما ٌؤمر األفعى الرلطاء أن<br />
تنزلك من عنمه وتركع تحت لدمٌه. الكمان كان ٌرٌد التصدّي<br />
بنفسه إلنهاء تلن الرلصة التً المست العبمرٌّة بلحن ٌسرق<br />
األلباب. أحسّ الجمهور أن المشهد ٌكاد أن ٌنتهً فشعر<br />
باإلحباط وكاد أن ٌخرج عن طوره. لكن عصا لابد الفرلة<br />
الموسٌمٌّة أرسلت إلٌه رسالة تمول: إن اآلمال ال ٌمكنها تؽٌٌر<br />
طبٌعة الحٌاة واألشٌاء، فلكل شًء نهاٌة كما الرلصة، فبل بدّ لها<br />
أن تنهً ما ترٌد أن تموله وتحسم األمر، دون أن تُعٌر أ ّي<br />
اهتمام لمن ٌؤبى. هكذا مؤلنا شعور بؤنها لاربت هً والموسٌمى<br />
من إكمال تؤدٌة دورهما، فبلحظنا زؼردة الكمان موحٌة للجمٌع<br />
أن هللا ٌستدرج اإلنسان إلى إشراكه فً إبداعاته، لكن اإلنسان<br />
علّمته الحٌاة أن ٌشكّ ِن فً أحبلمه فهو ٌعرؾ طعم الخٌبة، بل<br />
الخٌبات وٌتساءل: كٌؾ له أن ٌُمنح االلتراب من فهم جزء<br />
بسٌط من خ ّطة هللا لهذا العالم؟! هكذا آن األوان أن نصل إلى ما<br />
لبل االنتمال إلى الممطع األخٌر، حٌث كانت الذكورة تتحضّر<br />
لترسم فً الجولة األخٌرة شكبلً لنهاٌة علٌها أن تربن العٌون<br />
وتُإجّج النفوس جاعلة التصفٌك ٌحتدم فترة ٌطالب بها الجمٌع<br />
على أن تكون ؼٌر لصٌرة. كما فهمت األُنوثة ما هو واجبها<br />
تجاه ما هو شرعً وأخبللً فً ما ٌتوخاه الحضور وما تتطلّبه<br />
العادات السخٌفة التً ال تزال سارٌة وتعتبر من األخبلق<br />
الحمٌدة. كان المشهد األخٌر رابعاً إذ عندما حانت اللحظات<br />
األخٌرة لتولؾ عزؾ ذلن "التانجو المتعالً" المدهش الذي بدا<br />
أنه نجح فً سحك نفسه لبل أن ٌسحك الملوب. خرّ ت األنثى<br />
ببطء وهً تنزل ٌدٌها اعتباراً من خصري الرالص، راكعة<br />
بطرٌمة فنٌّة سٌنمابٌّة مادة أحد فخذٌها عارٌاً ممسكة بمنتصؾ<br />
أسفل سالً الرجل الذي اتّخذ مَظهر المتؽطرس الذي لم ٌعجبه<br />
7ٖ
أن فتاته أخفت عنه خروجها عن طاعته بعض الولت بحجة<br />
اعتمادها أن ما فعلته فً ذلن الولت الضابع كان أصوب. هنا<br />
كان رأي الذكر، إذ اختلط تؽطرسه وامتعاضه ببعض المرؾ،<br />
فبدا أنه لم ٌكن راضٌاً عن أدابه تماماً، وأن ث ّمة خطباً ما ساهم<br />
فً التملٌل من إعجابه بنفسه. بٌنما كانت األنثى ترسم صورة<br />
المتضرعة المنكَّسة األعبلم، معلنة خضوعها وهً تحاول أالّ<br />
ٌراها أحد تمسح دموعها، لكن الجمهور سارع إلى التصفٌك<br />
الشدٌد طوٌبلً، موحٌاً أنه لم ٌصدق ما ظهر على الرالص من<br />
بعض االمتعاض، إذ إنه عدّه جزءاً من المشهد األخٌر.<br />
إن سِرّ ذلن الحوار الجذّاب، هو عنفه الذي ال ٌخلّؾ<br />
جروحاً، ووعده أن فً الطرٌك متعاً كثٌرة تجعل اللٌل فراشاً<br />
وثٌراً، لكنه سٌفمد لٌمته إذا خصّص للنوم. إذ إن طرفً تلن<br />
المماحكة الفرٌدة ٌُخفٌان العدٌد من الكمابن المصنوعة بٌد خبٌر<br />
بحٌث ال تُولع على األرض، لكنّها تحدث بعض التعثّر<br />
واالرتبان اللذٌن ٌوافمان اإلٌماع وٌدعوان الرؼبة إلى االلتحام<br />
وتحدٌك العٌون فً بعضها بعضاً لٌس إ ّال. ألٌست الحٌاة انزاللاً<br />
مصطنعاً ٌؤخذنا إلى حٌث ٌصبح االشتبان البدّ منه، فٌصٌر<br />
مرؼوباً بشدة رؼم جفاؾ الفم تؤخٌر سموط األجساد بعض<br />
الولت، حتى ٌصبح سموطاً ناعماً هادباً على األرض، وهً<br />
مدّعٌة اإلنهان جاهدة لبللتصاق على الببلط المدفّؤ، بوساطة<br />
الحداثة التً أؼنت كلّ شًء، وخلمت مشاكل تحتاج إلى حلول<br />
مستمرّ ة، لكن الولت الذي رفض أن ٌساعد الصبر دفع<br />
بالجسدٌن المتلهّفٌن إلنهاء ما ال ٌوصل إلى شًء، متؤملٌن<br />
بجدل مختلؾ ٌحتدم ضمن مكان حمٌمًّ، فً ظلّ إضاءة خافتة<br />
ودؾء إنسانًّ صٌفاً وشتا ًء، مإجّبلً إلى أولات أخرى ما تبمى<br />
7ٗ
من فصول مثٌرة كثٌرة ال شنّ أنها لادمة، وفٌها ٌؽوص<br />
اإلنسان بعٌداً فً أعماله حٌث ٌتؤكّد من وجود الكثٌر من<br />
ؼرابب الرؼبات، كما ٌدرن أن االستمتاع سٌكون دابماً متاحاً<br />
للجمٌع إلى ألصى ما تستطٌع الموى التحمل فً أجواء ٌظلّلها<br />
الحب وتتنفس فٌها الحرٌة بعٌداً عن السوق والتسوق. رؼم ما<br />
لوّ لوه للدٌن علٌنا أن ندرن ولٌس ربما أن الجسد البشري<br />
ٌتمتع بالحرّ ٌة المطلمة على أالّ ٌكون خاضعاً لتبادل البٌع<br />
والشراء، بعد تفهّم المسإولٌة التً ال بدّ أن تطاله إذا ترتب على<br />
األفعال نتابج لم تكن فً الحسبان.<br />
لست أدري ما حدث لً ودفعنً إلى التمدّم من الرالص<br />
وولفتُ أمامه حاببلً بٌنه وبٌن التحرن إلى أي مكان ٌمكن أن<br />
ٌتّجه إلٌه. شًء ما أشعرنً أنه ٌتحرّ ن فً داخلً وٌسمعنً<br />
وشوشة تمول لً: إنه استَمْتَع بولاحتً ولال لً فً تلن<br />
اللحظات: مرحى، ودون أن أحسب ما ٌمكن أن ٌترتب على<br />
حماستً المفرطة من مشكبلت، أو أن أفكّر فً االحتماالت<br />
الكثٌرة الممكن أن تنفجر فً وجهً وتدخلنً فً إحراج أنا فً<br />
ؼنىً عنه. ٌبدو أنً نسٌت نفسً وعدت إلى طفولتً دفعة<br />
واحدة متمسكاً بالهدؾ الذي أسعى وراءه. سمعته ٌمول بصوت<br />
هادئ خالٍ من أيّ ؼضب أو ارتبان: هل أعرفن، أم إنً نسٌت<br />
تلن المصادفة التً جمعتنا؟!<br />
ال أعتمد أنن نسٌت شٌباً. دعنً أخبرن أننا لم نلتكِ ال على<br />
األرض وال فً السماء. أعذرنً فإنن بذلن تساعدنً على<br />
تفسٌر ما حدث. أنا ؼرٌب عن هذا الفن الذي ٌفتح األعٌن عمّا<br />
ٌمكنه الجانب اإلنسانً من اإلنسان أن ٌفعل لبلرتماء بالبشرٌّة<br />
7٘
إن إعجابً الشدٌد بما رأٌت، جمّع أحاسٌسً كلّها، مضٌفاً إلٌها<br />
شعوري المُحبِط بجهلً ؼٌر الممبول وال المفهوم بهذا الفن<br />
العظٌم وأطلمها كطالة تتوق إلى التعوٌض عمّا فاتها علّها<br />
تُسكت هذا االستنكار الذي ٌعمّ نفسً اآلن مختلطا بالذهول<br />
والدهشة واإلعجاب. من ٌدري ما ٌمكن لهذا الخلٌط العجٌب أن<br />
ٌفعل؟! إذ ربّما ٌكون لنبلة مإلّتة لد تنفجر فً أٌّة لحظة. أعتذر<br />
مرّ ة أخري، راجٌاً تفهّم مشاعري وتمصٌرى الذي ٌتهمنً فً<br />
العمك أنً أهملت فناً أكّد إنسانٌّة اإلنسان منذ اللحظة التً<br />
عرؾ فٌها أنه مختلؾ. كلّ ما للته حمٌمً وٌنبع من داخلً. أنا<br />
أإمن اآلن أنه ٌُعطٌنً الحك بالتعرؾ إلٌن، وفهم مشاعرن<br />
وأنت تحاول الخروج من جسدن وتحرّ ره من التراب الذي ٌشدّه<br />
إلى العٌش مع دودة األرض، وتجعله ٌطٌر بن أو تطٌر به إلى<br />
النجوم، ومن بعدها لست أدري إلى أٌن ستمضً. إنً صادق<br />
فٌما ألول. هل ٌمكننً معرفة وجهتن، وإلى أٌن ترٌد أن<br />
تصل؟! إن ما رأٌته جعل إحساسً بالؽربة ٌتّسع فً داخلً<br />
وفضولً ٌسعى لٌفهم أٌضاً إن كانت مشاعرن تهمس فً أذنن<br />
لابلة: تروَّ ى ول ّسم طموحن إلى عدة مراحل، فمد ال تعرؾ ماذا<br />
سٌصادفن فً نهاٌة النهر.<br />
ماذا تمصد؟!<br />
أرجو التؤكّد أنً فمدت السٌطرة على إرادتً. اًنا فً هذه<br />
اللحظات مُنساق بكلٌّتً وراء مشاعري، وال ألصد ممّا للته<br />
شٌباً محدّداً.ربّما جعلنً ما رأٌت أدخل فً عتمة ؼٌر حالكة:<br />
إنً أعرؾ الحٌاة وتؤملتُ طوٌبلً فً السماء والنجوم، محاوالً<br />
اكتشاؾ بعض المستور أو المختفً لبعض الولت. كما انً<br />
7ٙ
عاٌشتُ الموت عن لرب، لكنً وأنا أشرب كؤساً مضاعفاً من<br />
الوٌسكً على سطح سفٌنة ترلص "السلو" مع البحر مرٌحة<br />
خدها على خده وهً لٌست بعٌدة عن "كرٌت" وال عن روح<br />
"نٌكوس كازانتزاكٌس" ذلن الكاتب العظٌم الملتصك بؤرضه<br />
وشعبه، والتعاٌش مع فطور الصباح الذي ال ٌخلو من الزٌتون<br />
األخضر وزٌته الفاخر ورابحة البصل والثوم، كان ذلن الكاتب<br />
االستثنابً ٌمتلا بالرٌبة من جدوى لصة الخلك ورمزٌّتها التً<br />
تزٌد الؽموض ؼموضاً، وتطرح مزٌداً من األسبلة التً لم<br />
ٌتطوّ ر المنطك اإلنسانً لٌجد أجوبة لها. كلّ هذا الؽموض الذي<br />
ٌحٌط بالخلك وٌمؤل هذه الدنٌا جعلنً دون أن أدري أشعر<br />
بخوؾ عمٌك علٌن وأنت وسط هذا العالم الذي ٌزداد تعمٌداً. لمَ<br />
أنت باقٍ ها هنا؟! هٌا لملم نفسن وأفكارن وطر إلى السماء. إنً<br />
أإكّد لن أنن ستصل إلٌها بتلن األجنحة ؼٌر المربٌّة التً وهبها<br />
لن هللا.<br />
إنن تدهشنً.<br />
تعلم ذلن؟!<br />
إذ إنً أرى أمامً<br />
فناناً حمٌمٌاً.<br />
ترى هل حماً ال<br />
أنا آسؾ، فؤنا أعرؾ أن الفنان وهو ٌعانك اإلبداع ٌكون<br />
ممتلباً بالشعور بما ٌفعل وماذا ٌرٌد أن ٌمول لهذا الكون. أما<br />
أنا، فما ٌخرج منً ال أتحكم به، وال أدري ماذا ٌرٌد أن ٌمول<br />
إالّ عندما أسمع ما أنطك به. دعنً أتابع التحدث للٌبلً عن<br />
"نٌكوس". اعذرنً، فالمشكلة تتكرر معً دابماً، إذ عندما أفكر<br />
فٌه أو ٌكون موضوعاً أل ّي حدٌث ٌهرب منً الخوؾ بالطرٌمة<br />
نفسها التً ٌهرب منها الشٌطان من الكنٌسة فور بدء الصبلة.<br />
77
خذ راحتن ودع مشاعرن تهدأ.<br />
أنا أصؽً إلٌن بكل جوارحً.<br />
عندما ٌمر ذكره بحضوري، أو ٌزورنً طٌفه بطرٌمة ما تعود<br />
مشاعري فتفٌض حتى تكاد أن تخنمنً، فؤمتلا بؤحاسٌس<br />
تدفعنً إلى أن أزٌد من توضٌح ما ٌعنً نٌكوس لً. اًعتمد أن<br />
"كرٌت" مرّ ت فً حدٌثً، فمد فوجبتُ واًنا بالمرب منها<br />
باضطراب السماء، واصطراع الؽٌوم السوداء مع بعضها<br />
بعضاً، وشعرتُ بالخوؾ من الؽضب الصاعك للبحر، وانسكاب<br />
ذلن الكؤس المعتك على ثٌابً الجدٌدة، وصراخ ٌزٌح الملب<br />
بمسوة من مكانه، آتٍ من الجهة األخرى من السفٌنة، تبٌن أنه<br />
استنجاد أخٌر لبحار فً العشرٌن من عمره سمط من علوٍ<br />
وابتلعه البحر فً بضع لحظات.الكرٌتٌّون هم أبناء أرض<br />
الزٌتون والتٌن كما هم أبناء البحر والصخور، وكذلن األسمان<br />
الطازجة واألخطبوط المشوي بزٌت الزٌتون والثوم. هكذا<br />
عندما تبدأ بمراءة أحد كتب ذلن الكاتب العظٌم، فإنن ستشم بموة<br />
رابحة أرض كرٌت الممٌزة التً تحمل فً طٌّاتها كل المجون<br />
والشبك الذي كانت منخرطة فٌه اآللهة المدٌمة. لمد أمضى<br />
نٌكوس جزءاً كبٌراً من حٌاته وهو فً صراع مع هللا. ربّما كان<br />
صراع المدلّل مع األب الذي ٌهٌم بابنه، من ٌدري؟! لكن المهم<br />
أن ذلن الكاتب المجبول مع تراب وطنه لم ٌستطع التحرّ ر من<br />
الؽرق فً شم رابحة ربّه. لكن أٌمكن أن تمول لً: ما الذي<br />
دعان إلى تحذٌري من التلهؾ والسرعة فً التناص المُمتَنَع،<br />
ثمَّ من أنت بالضبط؟!<br />
إنً أرى أمامً بكلّ صراحة شخصاً خاصاً ٌروق لً<br />
وٌخٌفنً فً الولت نفسه. إنن استولفتنً بهذا االلتحام المفاجا<br />
78
وجعلتنً أخشى أن تتسلّل إلى روحً وتنبش فٌها. لمد وجدت<br />
أننً كلّ ما بذلت الجهد لبللتراب منها، أرى أنها ال تزال<br />
متمتعة وهً ضمن الضباب حٌث تسكن. ترى هل كلّ األرواح<br />
تتستر بالضباب عوضاً عن النُمُب؟! لست أدري إن كنت<br />
سؤتمكّن من النوم هذه اللٌلة؟!<br />
لم ألصد أن أذهب بعٌداً كما أوحى الٌن كبلمً. أعتذر مرة<br />
أُخرى أو مرات. إن نٌكوس وكتبه هم الشعلة التً أرجو االّ<br />
تنطفا وهً ترافمنً فً كل حٌاتً. أنا طبٌب نفسً لم ٌمرّ ر أن<br />
ٌفتح عٌادة بعد. عندما بدأتَ بالرلص شعرتُ بؤنً أُلاد إلى عالم<br />
جدٌد وأدخل إلى مناخ ٌمتلا برابحة الثمالة ٌؽرٌن بارتكاب<br />
الفحش لرب مولد ٌشتعل فٌه خشب السندٌان الذي لطالما كان<br />
ٌإكد أنه مختلؾ برابحته عن كلّ شًء عرفته فً عالمً.<br />
حسدتن كثٌراً بعض الولت، لكن لم ألبث أن عمنً إدران أن<br />
الولت لد فات على الدخول فً سباق من أجل اللحاق بن<br />
والسفر إلى المجهول، فمد كفانً كل تلن المجاهٌل التً تساكننً<br />
وتحٌط بً. تساءلت هنٌهة: لمَ ال تنتظر عربة "إٌلٌّا النبً"<br />
فربّما تعجبه طلّتن مهما كان مستعجبلً فٌتولؾ لٌؤخذن معه<br />
إلى السماء هذا ما مرّ فً خاطري، وفرشته أمامن بكلّ بساطة،<br />
لست أدري لمَ فعلت ذلن وال أنوي أن أعرؾ. لكنً أشحت<br />
بوجهً تاركاً أفكاري تعالج نفسها بنفسها، دون أن أكون ممتنعاً<br />
أنها تستطٌع تدبٌر أمرها. هكذا لم ٌكن أمامً سوى االستمتاع<br />
بالؽرق فً بحر اإلبداع الذي أراه ٌتجسد لبالة ناظري. أظن<br />
أنً سؤرى نفسً فً أحبلمً المستمبلٌّة أرلص مثلن، وأعدن<br />
إن حدث ذلن فلن أتروّ ى.<br />
79
إنن إنسان ؼرٌب حماً.كنت أود متابعة هذا الحدٌث الشٌك،<br />
فؤنت كما تبدو عن لرب تملن ما ٌجعلن مختلفاً عن اآلخرٌن<br />
وتدفع الذٌن ٌتعرّ فون إلٌن للتولّؾ أمام محرابن، لٌس بعض<br />
الولت بل طوٌبلً جداً. إن محاولة التعرؾ عن لرب إلى طبٌعة<br />
شخصٌّتن التً تبث الفضول حولها، هو من سٌتكفل بجعل<br />
الناس ٌحٌطون بن. إن أمثالن نادرون فً هذه األٌّام، كما أنً<br />
أستطٌع المول:إنً لم ألابل أحداً ٌتحدث بهذه الطرٌمة الممتعة<br />
اآلسرة. أنت ترالص الكلمات دون أن تدري أو ربّما تدري وأنا<br />
ال أعلم إذ إنً لم ٌتسن لً معاشرة الفطنة عن لرب. إنً<br />
أخشاها وتروق لً. لكنً رؼم كلّ ما ٌشدنً إلى االستماع<br />
إلٌن، أجد أنً مجبر على االعتذار، فؤنا مضطر إلى االلتحاق<br />
بخطٌبتً. إذا لدّر لن أن تراها وتسمع األلحان الجمٌلة التً<br />
تخرج من صوتها وهً تتحدّث، ستحسدنً كثٌراً. أظن أنها<br />
ستؽضب منً ومنن، إذ إنً كما أعرفها ترفض أن ٌُهملها أحد<br />
أما إذا حكٌتُ لها سبب تؤ ّخري، فسٌكون ذلن عل ما أعتمد أكثر<br />
ممّا تستطٌع تحمل مسإولٌّة ال أعتمد أنن ترٌد تحمّل مسإولٌّة<br />
ذلن، وال أن تُحمّ ِل ذاكرتها ؼضباً منن سٌكون مسوؼاً تماماً<br />
أنا أتولع أنه لن ٌطول األمر حتّى تجد نفسن لد دخلت معركة<br />
لست متحضّراً لها. كما ستدرن خبلل لحظات أنه لن ٌُسمح لن<br />
بولت لبلرتبان، ولن تلبث أن تفهم أنن خسرت المعركة لبل أن<br />
تبدأ. كفى أن تعرؾ كم حاول ُت أن أجد مسوّ ؼاً للحوار معن<br />
واالستفادة ممّا صادفته من المؽاور وما اكتشفته فٌها. إنها أكثر<br />
أهمٌّة من تلن الحكاٌة التً تتحدث عن "علً بابا"<br />
.<br />
إنً ال أعرؾ كٌؾ أشكرن على هذه الفسحة التً منحتها<br />
لً.لكن باهلل لل لً هل أنت مرتبط حماً؟!! أنا ال ٌمكننً تصدٌك<br />
8ٓ
ما تمول ٌا من تنتمل بٌن النجوم، ترى هل ٌمكن لجنونٍ سخٌ ٍؾ<br />
كهذا أن ٌصٌبن، بل وٌكاد أن ٌُمزق رسالتن وٌرمٌها إلى<br />
الجحٌم؟! ٌبدو أن الهرب من الوالع لن ٌمكّن أحداً من الوصول<br />
إلى مبتؽاه.إذ إنً أزداد اعتماداً ٌمول: إن من وظابؾ الحٌاة أن<br />
تمفل كلّ ثؽر أعتاد على االبتسام.<br />
كان الرالص لد أخفض رأسه للٌبلً، ثمَّ أعاده إلى طبٌعته وشفتاه<br />
تفرجان عن ابتسامة مبهمة ولال: لمَ أنت محبط ومستؽرب كلّ<br />
هذا االستؽراب؟!هل فً كبلمً ما ٌدفع مبلمحن إلى هذا<br />
االنمبلب المؤساوي؟!<br />
اعذرنً مرّ ة أخرى أٌضاً، إذ لم ٌكن علًّ إظهار ذلن، فٌمكن<br />
أن ٌبدو ما ألول تدخّبلً فً شإون ال ٌجدر بً حشر نفسً<br />
فٌها.كما أنً أخشى حماً أن ٌظهرنً كلّ ما حدث كمعتوه أبله<br />
ٌسرُّ ه كثٌراً أالّ ٌعرؾ طرٌمه أو ماذا ٌرٌد!! سامحنً أرجون.<br />
لمد كنت كرٌماً وصبوراً بتجنّبن إحراجً وإرباكً وربّما<br />
إظهار جنونً أمام الناس، أنا الدكتور "زٌاد عبد النور" شكراً<br />
من الملب، هذه بطالتً، أكرر اعتذاري وأعلن عن أسفً الشدٌد<br />
على ولتن الذي ضاع.<br />
ال تذهب أرجون. جعلتنً أشعر بالذنب، المصّة كلّها لم تكن<br />
أكثر من مزحة لم أتصوّ ر أنها ٌمكن أن تنفجر وتجعل الجسر<br />
الذي بنٌناه بٌننا ٌنهار وٌحدث خراباً ودماراً لكلّ أعشاش<br />
الطٌور التً أحبت عشرتنا. لم أعتد على معاشرة الشٌطان.لكن<br />
ٌبدو أنه ترن كلّ شًء وامتطى مزاجً مخرباً وجهن الذي<br />
تتنبع منه طٌبة ال ٌبلبمها إالّ االبتسام. ثمَّ إنً لصدتُ إخافتن<br />
8ٔ
للٌبلً، وتنبٌهن إلى أن الدنٌا ال تإخذ ؼبلباً .أنا ال أفكّر حالٌِاً فً<br />
الزواج، بل إنه لم ٌخطر على بالً مطلماً. أنا أدرن تماماً كٌؾ<br />
هو ذلن الدرب الضٌك الملًء بالعثرات الذي علً اجتٌازه،<br />
وعلًّ أن أشرن معً كلّ خبلٌاي المفعمة بالحٌاة ٌا عزٌزي<br />
الدكتور، لبل أن ٌمكننً اعتبار نفسً رالصاً ٌعرؾ خارطة<br />
الطرٌك الوعر الذي علًّ اجتٌازه.هذا األمر هو جزء من إٌمانً<br />
بخالك الوجود. ربما سؤواجه أمراً آخر إذا وصلت إلى هدفً،<br />
وهو أالّ أتشبث سوى بهذا الحلم وأنسى لصة الزواج إلى األبد،<br />
إذ ال ٌمكن إلنسان مخلص أن ٌعٌش حٌاتٌن. دعنً ألول لن<br />
إنً أكرّ س حٌاتً بكل ما تحمل كلماتً من معانٍ، للوصول إلى<br />
ما أصبو إلٌه، دون أن أعبؤ بالتسلّك إلى الممّة.الممّة الحلم لٌست<br />
شهادة تصدرها هٌبة محكًمٌن، إنها مسؤلة شعور.الذي ولؾ<br />
وسٌمؾ علٌها ٌوماً سٌفهم بعمك ما ألول وٌحاول أن ٌتصالح مع<br />
أعماله.أنا أعرؾ وأرجو من الجمٌع التؤكّد أنه وحده من ٌعرؾ<br />
إن كان ٌستحك أن ٌستنشك الهواء فوق أم ال. سؤشفك علٌه كابناً<br />
من كان أو سٌكون. سٌإرّ له ذلن حتّى ٌلفظ أنفاسه األخٌرة.<br />
لكنً ما زلتُ أرؼب فً معرفة لمَ ما للتُ عن ارتباطً لد أثار<br />
فٌن كلّ ذلن االنزعاج واإلحباط، رؼم أنه حدث طبٌعً ال<br />
ؼرابة فٌه. ترى هل ستجٌبنً؟! إنً انتظر ما ستمول، إذ إنً<br />
أشعر منذ فترة بؤن روحاً تتبعنً وهً التً وضعتن فً طرٌمً<br />
دون أن تدري، فؤنا أدرن أن اعتراض طرٌمً هو عمل لم<br />
ٌسبك لن أن لمت بمثله مع أي كان، دعنً ألول لن:إنً<br />
مسرور ألنن فعلت ذلن،<br />
المرء لٌس آلة تملن حك التفكٌر الحر المتوازن. من أجل هذا<br />
لٌس علٌن تولّع إجابة ال تستند إالّ على العمل. إذ إن اإلنسان<br />
8ٕ
متشابن المشاعر واألهداؾ، وهو معرّ ض إلى أن تتدخل فً<br />
أسس منطمه عوامل كثٌرة، لد تكون متنالضة. الذي ٌإلمنً حماً<br />
أالّ ٌنتظرن فٌه إالّ السخافة لتعاشرها. عنصر المفاجؤة الذي<br />
أخذنً على حٌن ؼرة، صفعنً بعنؾ لذا كان رد فعلً السرٌع<br />
هو االستنكار الشدٌد، فور سماعً أنن لد تسلّم نفسن إلى ذلن<br />
السجن الرهٌب والسخٌؾ فً الولت نفسه، فهزّ نً ذلن وخرج<br />
من فمً كبلم عكس حمٌمة ما جرى فً أعمالً دون أن<br />
ٌتعرّ ض للتشذٌب. لو كان بٌن ٌدٌنا ممٌاس للزالزل لسجّل ما<br />
حدث تماماً. رؼم أننً لم أفكر لحظة أنن لد تكون بحاجة ماسة<br />
إلى االنتحار، ٌا من ٌتكوّ ن فً داخله ما ٌعٌد الجماهٌر إلى<br />
الحب والتؤمل فً الوجود والتمسن برضى الخالك. لمد رأٌتن<br />
ترلص مؽلّفاً بهالة من األلوان الهادبة تربط بٌنها حٌاكة تتؤلّؾ<br />
خٌوطها من الفرح الذي سمح الرب أن ٌتجسد وٌخدمن خدمة<br />
إضافٌّة بعض الولت وٌرالبن بحنان وأنت ترلص. اعذرنً فؤنا<br />
لررت منذ زمن بعٌد بعض الشًء، الحذر من الؽوص إلى<br />
داخل النفس البشرٌّة، وما تردّدي فً فتح العٌادة سوى انعكاس<br />
لهذا المرار الضمنً. دعنً أضع ما أرٌد لوله فً إطار مازح،<br />
وهكذا أستطٌع أن ألمح إلى وجود ضفادع فضابٌّة لن تَمُسّ َن<br />
بسوء لكنن دون أن تدري ستؤخذن معها إلى عالم تؤسرن فٌه<br />
التفاهة ولٌس المضبان.<br />
أرى أن لدٌن أجوبة لكل شًء .على كلّ حال أنت محك ففً<br />
هذه المرحلة من حٌاتً، أنا أحتاج إلى حرّ ٌتً وأحبلمً. ألن<br />
تبوح لً ماذا كنت ترٌد أن تمول أو تسؤل عندما تعمّدت بتصمٌم<br />
ؼرٌب الولوؾ فً طرٌمً؟!أنت فً منتصؾ العمر، وال تبدو<br />
أنن تمصد أموراً تباؼت العمل. أأستطٌع معرفة ماذا تبؽً؟!لكن<br />
8ٖ
لبل أن تجٌبنً أعتمد أنه علٌنا أن نجلس فمن ؼٌر المعمول أن<br />
نظلّ نتحدث ونحن والفون.ما رأٌن فً ذلن الركن الهادئ؟!<br />
نستطٌع بسهولة االبتعاد عن النافذة، إذ إنها لد تشؽلنا عن<br />
الكبلم، فهً تطل على ؼابة صؽٌرة من األشجار الجمٌلة.<br />
ال بؤس بل أنا أشكرن.جعلتنً أنسى الهدؾ من هذا اللماء. أنت<br />
تجٌد إدارة الحدٌث وتستحك الشكر مرّ ات عدٌدة على ذلن، فلو<br />
نسٌت أن أسؤلن ما كان ٌشؽلنً، أللضّ ذلن مضجعً ربّما<br />
لفترة لٌست لصٌرة. أظن أنً للت لن أن خبرتً فً الرلص<br />
تمارب الصفر، فلمّا شاهدتن تحاول أن تصعد إلى السماء<br />
أصابنً الذهول وكان ذلن شدٌد التؤثٌر على كٌانً، إذ إنه جمع<br />
بٌن الصدمة التً تلمٌتها وبٌن إعجابً الشدٌد بما كان ٌجري<br />
أمامً، لست أدري أٌن كنت كلّ حٌاتً ولم أنتبه إلى أن هللا<br />
سمح للبشر أن ٌؤخذوا من الحٌاة والشوارع واألزلّة حركات<br />
وكلمات وجعلوا منها معجزات، فما رأٌته كان اإلعجاز نفسه<br />
ٌتمدّم واثماً مخفٌاً الجرأة واالعتداد. أجفلنً ذلن كثٌراً، ث َّم عمّنً<br />
حَسدٌ زرع فًّ االضطراب، إذ إنً لم أعتد على مثل تلن<br />
المشاعر التً تحطّ من مكانة المرء. ثمَّ لم ألبث أن هدأتُ ،<br />
واجتزتُ الصدمة تماماً، ولم أعدؼاضباً من نفسً. إذ إن المرء<br />
ٌؽٌب عن باله أنه فً آخر األمر ل س سوى إنساناً تختلط فٌه<br />
المشاعر واألهداؾ والؽرابز، وأشٌاء كثٌرة ربّما ال ٌعرفها<br />
أحد، أو لم ٌجدوا لها حتّى اآلن مسمٌّات. إن اإلنسان نفسه الذي<br />
ال ٌزال متروكاً، لد ٌواجه فخاخاً هو من وضعها بنفسه ونسً<br />
األمر كلّه، حتى أنه لم ٌعد ٌتذكر أنه مرّ من هذا المكان أو ذان<br />
ٌوماً. دعنً أخبرن شٌباً وألول: كثٌرة هً األشجار المحرّ مة<br />
فً طرٌك اإلنسان، دعنا نعترؾ بذلن ونكؾ عن جلد أنفسنا.<br />
ٌ<br />
8ٗ
الخالك لٌس سادٌّاً ولم ٌمصد ٌوماً تعذٌب اإلنسان.حٌن احتجتُ<br />
إلٌه لم ٌتركنً حانماً مرتبكاً، فتدخّل مربتاً على كتفً. شعرت<br />
للتو بؤن أحداً كان ٌمؾ لربً، فلم ٌلبث أن أدخل ٌده إلى<br />
صدري وانتزع شٌطانً من هنان ثم اختفى. أحسستُ بارتٌاح<br />
شدٌد ومٌلٍ أكثر وطؤة إلى فهم ماذا ٌفعل بن الرلص حتى تبدو<br />
كؤنن تحلم حلماً رفٌع المستوى تحٌط بن الؽٌوم وتمدمن إلى<br />
العالم كمث ٍل فً منتهى الروعة ِلما ٌهٌا لهم الرب فً نهاٌة<br />
المطاؾ. إن المدٌر ٌدهشنا بٌن الحٌن واآلخر حتى ال ننسى<br />
ونمنط من رحمة هللا. هنان فوق ستؽٌّر كلّ شًء بدءاً من إبطال<br />
عمل الجاذبٌة األرضٌّة، رافعاً إٌّان إلى األعالً لترى جمال<br />
الطبٌعة من فوق وتخفؾ من ؼلوابن. لكن لل لً هل تشعر<br />
وأنت فً تلن النشوة الذاتٌّة الخاصة، بالمنذهلٌن الذٌن ٌرالبون<br />
خطواتن التً تبلمس األرض بطرٌمة فٌها من المداعبة الرلٌمة<br />
الشًء الكثٌر؟! ترى ماذا تستطٌع أن تفعل ٌدان؟! ربّما علٌن<br />
أن تخشى النساء بجدٌّة، فمد ٌخطفنن وال أحد ٌمكنه أن ٌعرؾ<br />
إلى أٌن سٌإدّي هذا؟! صدلنً إنه أمر مخٌؾ. ماذا لو أُصبنَ<br />
بحالة هستٌرٌّة هل تدرن ماذا ٌمكن أن ٌحدث؟!<br />
هل تعنً أن<br />
أكون أكثر حذراً؟!<br />
لل لً ماذا أفعل؟!<br />
هل تصادؾ أحد الفنّانٌٌن ٌتمشى وحده فً الشارع؟! ستمول<br />
لً: ال. إنهم ٌخشون ٌا سٌدي أن ٌصبح التمبٌل عضاً أو نهشاً.<br />
فلو مشت مارلٌن مونرو فً الشارع وحدها، لنهشوا جمٌع<br />
أعضابها ببل استثناء، ولن ٌعرفوا الفعل الشنٌع الذي لاموا به<br />
إالّ بعد بعض الولت. ال تجبنِ بل فكّر فً األمر. دعنً أتابع<br />
أرجون. كنت أرالب حركة عٌنٌن على المسرح فبدا لً كؤنن<br />
8٘
ترى شبحاً، وتعرؾ أنه ٌبلحمن فً كلّ مكان، وٌفعل تماماً كما<br />
تفعل؟! لل لً هل هنان عبللة كهربٌّة بٌنن وبٌنه؟!<br />
ما الذي جعلن تسؤل هذا السإال، وكٌؾ تركّب فً ذهنن؟!هل<br />
تشرح لً أنت ذلن؟ !ثمَّ لل لً: هل أرأٌت الشبح أم طٌفه؟ّ!<br />
إنن تذهلنً ٌا سٌّدي!<br />
لست أدري بالضبط، ربّما رأٌت شٌباً ما، لكنً بالتؤكٌد ال<br />
أستطٌع تحدٌد ما هو، دعنً أفكر للٌبلً، ال أظن أنه كان طٌفاً،<br />
بل ربما كان ألرب إلى الشبح. كنت أشعر به طول الولت الذي<br />
كنت ترلص فٌه، وأران تبتسم له لٌس كشبح، بل ربّما كإنسان<br />
ممرب منن ال تستطٌع االنفكان عنه، كٌؾ لً أن أدري تماماً<br />
فً تلن اللحظات؟! إذ كنت فً وعًٍ لٌس كالوعً الذي أعرفه.<br />
فكرتُ بعمك بما رأٌته أمامً، وأنا أخشى التلفّظ بتفسٌر لِما<br />
وصلتُ إلٌه.<br />
أنا ال أعرؾ بل ال أستطٌع أن أفهم، كٌؾ تجرإ أن تتحدث<br />
بؤُمور ال ٌمكن أن ٌصدلها أحد، ولد تعدّ بسببها مجنوناً؟!دعنً<br />
ألول:إنن ربّما أبصرت بطرٌمة ما جزءاً من طٌفً. إنه أمر<br />
أكاد أن أُجن حتى أتمكّن من شرحه.لكنً أدرن أنً ال أملن أن<br />
أضع الكلمات المناسبة التً ٌمكنها الدخول إلى فهم اآلخرٌن<br />
وتمنعهم بما ألول وال تربن شكوكهم. أرجو أن تصدق وتتفهم<br />
أنً ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن وال ٌزال ٌحدث. لمد أخافنً<br />
األمر فً البداٌة وأعاق للٌبلً سبلسة رلصً، وخفتُ أن ٌبلحظ<br />
ما ٌحدث بعض الخبراء، فاضطررت لمنالشة األمر مع معلمً<br />
وأستاذي الملهم. كنت مرعوباً وأنا أنتظر أن ٌدلً برأٌه. لكنه<br />
8ٙ
فاجؤنً باكتفابه بضحن مكتوم، ولمّا تؽلّب على نفسه أجابنً<br />
بحنان ؼرٌب:علٌن أن تفرح وتهلل وتدخل الفرح إلى وجدانن<br />
كصدٌك، وتعتبر أن ما تسمٌه طٌفن هو منحة من هللا. إن كنت<br />
ال تفهم ذلن، فعلٌن اإلٌمان بؤن الرب ٌرعان وٌهتم ألمرن. ألم<br />
نكن نجري الكثٌر والكثٌر من التمرٌنات أمام المرآة؟! ألم أكن<br />
أرلص أمامها كً تشاهدون كلّكم كٌؾ كنت ألوم بالحركات<br />
المطلوبة؟! ها أنت الٌوم ترى نفسن ترلص، وتدرن أن من<br />
ترلص معن تعطٌن الفرصة إلصبلح بعض األخطاء الصؽٌرة<br />
التً لد ال ٌشعر بها حتى أهل االختصاص.ستعتاد على األمر<br />
ولد تصبحان أصدلاء.عندما ٌؤتً ذلن الٌوم وترلص دون أن<br />
تنظر إلى طٌفن، عندبذ ٌكون الرب لد تدخل بحكمته وأزاله من<br />
الوجود. ستدرن بعد حٌن أنه اكتفى برضان عن نفسن وتمبل<br />
تسلٌم لٌادتها إلٌن مطمبنّاً أنن ستكون عند حسن ظنّه. الرب<br />
مهتم بكلّ ما ٌجري بالتؤكٌد.<br />
إن معلّمن لد اجترح تفسٌراً وحبلً ممنعٌن لد ٌصعبان على أهم<br />
األطباء النفسٌٌّن.<br />
دعنا نكمل ما نحن بصدده.<br />
أنا أشعر بؤنً أستحك عماباً على إهمالً فناً أساسٌاً من الفنون<br />
نسبها هللا إلى البشر إلعبلء شؤنهم. أنا أإمن بما ألول وال أرٌد<br />
أن أضٌؾ شٌباً آخر.إن ما أثارنً وملن حواسً هو أنً لم<br />
أستطع مبلحمة وفهم ماذا تفعل لتتمكّن من أن تتزحلك على<br />
السحاب دون أن تشعره بؤنن تبلمسه. كما لم أدرن كٌؾ<br />
تتبلعب بمدمٌن بحٌث ال تدع أحداً ٌستطٌع أن ٌتابعن وٌتعلّم<br />
87
كٌؾ تفعل ذلن وتبمً سٌطرتن على الؽٌمات آمراً إٌّاها<br />
بااللتراب من بعضها البعض، متنمبلً بٌن البنت وأمها وثباً أم<br />
طٌراناً لست أدري، دون أن ٌكون هنان من هو لادر على أن<br />
ٌنبس ببنت شفة. لكن ذاتً اعترضت ولم تمبلْ أّسلوبً فً لجم<br />
حمها فً التفكٌر وفهم الطرٌمة التً تفعل فٌها ذلن. حتى لو<br />
أردت الهرب لَما استطعتُ ، هكذا اشتركتُ مع ذاتً فً مرالبتن<br />
بدلة؟! التفكٌر كان ٌحشرنً فً الزاوٌة وٌجبرنً على التساإل:<br />
ترى من ذلن الذي مَلّكن عبمرٌّة الجسد العَبِمَة بالروح، وعلّمّن<br />
كلّ هذا وجعلن تدخل فً خٌمة اإلبداع السرّ ٌة، واستطاع ضخَّ<br />
كلّ ما لدٌه فٌن من تشكٌبلت لبلت السماء أن تعٌره إٌّاها دون<br />
شن ورحل فً النهاٌة بناء على استدعاء الرب.<br />
ماذا تمول؟! ترى كٌؾ عرفت ذلن، هل علّمون لراءة<br />
األفكار؟ّ! إنن أرجعتنً لسراً إلى المؤساة.<br />
عذراً، إنً لم أتولع أن ما خطر ببالً سٌصٌب كَبِدِ الحمٌمة.<br />
أنا شدٌد األسؾ.<br />
ال بؤس، لكن لٌس سهبلً التحدث عن أستاذي. لمد كان شٌباً ال<br />
ٌمكن الحدٌث عنه دون أن تصلًّ وتبتهل إلى السماء. إنه فنّان<br />
مذهل نادر، وإنسان عظٌم متواضع دون تصنّع. كان ٌإّكّد أن<br />
كلّ ما كان ٌعرفه عن الرلص هو من لدن هللا. كنت أعرؾ<br />
دابماً أنه ٌضع نفسه تحت تصرّ فه، ولم ٌمم بؤي حركة لبل أن<br />
ٌتؤكّد أنه راضٍ عنه. لو كان مسموحاً لً بالكبلم ألسمٌته "<br />
المدٌّس" لكنه ؼادر مسرح الحٌاة فجؤة دون أن ٌرى نتٌجة<br />
إخبلصه فً تعلٌمً وتعلٌم الذٌن مرّ وا لبلً وأنا أعرؾ أنهم<br />
88
جمٌعاً ٌرلصون بنجاح فً جمٌع أنحاء العالم. هذا ما آلمنً<br />
وترن جرحاً عمٌماً فً نفسً سٌكون من الصعب اندماله، أظن<br />
أنه فً لحظة ما شعر بؤن ولت الرحٌل لد دنا. إذ إنه فً<br />
األسبوع األخٌر لد أنهن نفسه وأنهكنً، فتمدّدنا فً نهاٌة<br />
التمارٌن على األرض الخشبٌّة العارٌة بعٌدٌن عن بعضنا بعضاً<br />
متعرّ لٌن بشكل مُلفت.أذكر أنً ؼفوتُ، وعندما استفمت وجدته<br />
ال ٌزال نابماً، ولم أجد أي شًء ؼرٌب فً وجهه، بل أستطٌع<br />
المول إنه كان ٌحاول االبتسام لكنً فوجبت رؼم ّما لمتُ به من<br />
جهد أنه لم ٌستفك ولم ٌمم بؤي حركة. فهمت ماذا حدث، لكنً لم<br />
ألبل ذلن فصرتُ أضرب األرض بمدمًَّ إلى أن جاء الطبٌب<br />
وأعلمنً بعد دلٌمة واحدة، أنه ؼادر هذا العالم فور استلمابه<br />
على األرض الخشبٌّة. الؽرٌب فٌما حدث أنً لم أشعر بحاجة<br />
إلى البكاء. كان أبً الحمٌمً إذ إن سبب وجودي ال أعرفه فمد<br />
توفً بعد سنة من والدتً. لمد كرّ س المعلّم نفسه البنه وأعطاه<br />
كلّ ما ٌعرفه. لمد استطاع السٌطرة على أحاسٌسً دون أن<br />
ٌستؽلها. بل كان ٌُفهمنً متى شعر بؤن هنان فرصة لذلن أنه<br />
فخور بها مبتعداً بحذالة من أن ٌبدو كبلمه ٌبطن مدٌحاً بنفسه.<br />
مرّ ة لال لً: إن الرهافة التً تمؤل كٌانن هً التً ستهتم أن<br />
تكون الروح تسري فً كلّ إبداعاتن، فتعطٌها ما ٌُشعر<br />
الجمهور أن روحاً وصلت من لدن الربّ وسكنت فً هذا<br />
الرالص الفذ لتإكّد أن ما تشاهدونه من إبداعات ترضً الرب<br />
وتمول لكم إن على الجمٌع أن ٌبحثوا فً داخلهم عن بذرة<br />
اإلبداع التً وضعها المدٌر فً كلّ واحد منكم. الش َّن أٌّها<br />
الحبٌب أنن ستشعر ٌوماً بؤنن ترالص روحن.ال ترتبن إذ إنن<br />
ستسكر دون أن تشرب لطرة واحدة من الكحول. لكن الثمالة<br />
ستطٌر بن فوق أجمل جبال العالم، وستدعن تدعس على ك ّل<br />
89
الممم الصخرٌّة التً ٌصعب الوصول إلٌها لترى العالم من<br />
فوق. ساعتها لن تكون بحاجة أن تصل إلى أٌّة لمّة. ما أبدع ما<br />
وصلت إلٌه أٌها الحبٌب. أذكر ما للته لً ٌوماً عن الخطوة<br />
الرالصة وكٌؾ أنها تشعر بؤنها تموم بتدلٌن سحري بنفسها<br />
ألخمص لدمٌها كؤنها تهٌإها للصعود إلى فوق، لٌس إلى مكان<br />
معٌن لكن مروراً بالتؤكٌد فً رحاب المبلبكة إلى حٌث تستفٌك<br />
على وسادة ال تستطٌع أن تتلمّسها، بل تجعلها تعود إلى<br />
االستٌماظ على وسادتها نفسها ؼارلة فً عطر ال تعرؾ من<br />
أٌن جاء ومن جعله ٌستولً على منخرٌها. الحمٌمة أنً ال أذكر<br />
أنً للت هذا الكبلم لكنً فضّلتُ السكوت خوفاً من أجرحه<br />
بطرٌمة ما. بعد موته بفترة وجٌزة شعرتُ بؤنً صرتُ أملن<br />
السٌطرة على نفسً وجسدي، وبعد بعض الولت تمكّنت من<br />
تملٌن حزنً وألمً لجسدي، وتركتُ له الحرّ ٌة إلعادة<br />
صٌاؼتهما ومزجهما بالعبمرٌّة المعطاة من لدن الرب، مجسّدة<br />
فرحه وتوق البشرٌّة فً اإلعبلن عن تلن "األوبرا" التً<br />
سٌفتتحها من سٌفرش األرض الجدٌدة بالحب. دعنً ألول لن:<br />
إنً مرّ ة انتفضّت فً مكانً حٌث كن ُت أجلس فً حالة خاصة<br />
ؼارلاً فً تؤملً ال أدري فً ذلن الحٌن ماذا ٌحدث فً أعمالً،<br />
وإلى أٌن تمودنً مشاعري؟! رأٌتُ نفسً فجؤة أحتضن صورة<br />
معلّمً وأُشبعها تمبٌبلً. إذ إنه لم ٌعطنً أٌة فرصة ولو مرّ ة<br />
واحدة ألإكّد له امتنانً على منحً كلّ ما ٌملكه من خبرة<br />
ألرلص وأبدع وأحلّك. لمد رلصت فً أمرٌكا منذ شهرٌن، لمّا<br />
أتممت ما علً فعله نسٌت أن أحًّ ِ الجمهور إذ كنت أبحث عنه<br />
بٌنهم. مضت بضع ثوانً لبل أن أراه ٌصفك لً بحماسة<br />
شدٌدة. ثم رأٌته ٌختفً ببطء مبتسماً. نعم ٌا سٌّدي لمد مات أبً<br />
ومعلّمً من أجلً مرتٌن. لست أدري كٌؾ حدث ذلن. لكنً<br />
9ٓ
كنت أعرؾ عندما رأٌته ٌدفن أمامً، أنً سؤراه ٌموت مرة<br />
أخرى. لكنه لبل أن ٌؽٌب ثانٌةً كان ٌصفك لً مبتسماً. ما للته<br />
كان ٌجب أن تعرفه لتفهم ما هو الرلص، ولتفهم أٌضاً لمَ أعشمه<br />
وماهٌة هذا العشك فً العمك، وكم ٌؤمل كٌانً كلّه أن أسمع<br />
تصفٌك الرب كما فعل أبً. الرلص الرالً ٌجعل الرب ٌتتبعه<br />
منفرداً وهو ٌصلً من أجل أبنابه، بٌنما الحمامة البٌضاء تحوم<br />
حوله، وتهبط لتتنمل بٌن كتفً الرالص وهو ٌدور لافزاً مُنتشٌاً<br />
مستمعاً لصوت الخالك وهو ٌرتّل بصوت ال ٌمكن وصفه<br />
"هاللولٌا هاللولٌا" بطرٌمة توحً أنه كان مشتالاً إلى صوته<br />
وأسمعنً إٌّاه لٌمول لً شكراً. ترى ماذا كان علًّ أن أفعل أٌها<br />
السٌّد كً ال ألع مؽشٌاً علً؟!<br />
دعنً أتابع وألول بؤن ما أُوحً إلً وال ٌجوز البوح به. إذ لم<br />
ٌكن واضحاً ما شعرتُ به، لكن كلّ أحاسٌسً كانت تمول دون<br />
أيّ تواضع أن رابحة ال أعتمد أن بإمكانً وصفها مؤلت<br />
منخري دون أن ٌكون هنان سبب لوجودها. أنا ال أطلب منن<br />
أن تصدّلنً أكثر ممّا أصدق نفسً. أنت ؼابص فً آراء<br />
المدارس النفسٌّة المختلفة المتعدّدة. حاول تحلٌل ما للت، لكن<br />
أرجون ال تمل لً شٌباً ممّا لد تصل إلٌه. أنا أعرؾ تماماً ماذا<br />
وهبنً الرلص، وما ٌحدثه من تصعٌد فً داخلً ٌفتح صدري<br />
الستمبال الدنٌا كلّها فً خبلٌاي وأعصابً. عندما أرلص أشعر<br />
باحتشاد ؼرٌب ٌمبض على كٌانً كلّه، لكنه ال ٌمترب من<br />
خنمً، بل ٌُشعرنً بؤنه هكذا ٌفتح الطرٌك لكل الذٌن انعجنوا<br />
معه، أن ٌبدإوا بتلمّس تلن األحاسٌس التً ٌصعب لمسها، أو<br />
حتى الشعور بها لدى امرئ لم تعطه إمكانٌّاته حك الؽوص<br />
والوصول إلى االلتراب من لاع األعماق. إن ما ٌجعلنً أدخل<br />
9ٔ
إلى ذلن العالم السحري، هً حركاتً التً كنتُ ألوم بها م ّما<br />
تعلمته فً حٌاتً، وتلن التً لم أكن أعرؾ عنها شٌباً وأخرجها<br />
المدٌر، لتطوؾ بً وأطوؾ معها حتى أتمّم شربها وتشرّ بها،<br />
فٌتوزع انتشابً فً كلّ كٌانً. آه ما أرلان ٌا رلص. كن ُت<br />
أشعر أن كلّ الحضور لمسوا ما ٌحدث فً أعمالً فشدهوا<br />
صامتٌن إذ إن الممطع لم ٌكن ٌتحمّل تصفٌماً أو استحساناً ؼٌر<br />
مكتوم. فً الولت نفسه كنتُ ألول لنفسً: إنً متؤكّد أنها رابحة<br />
السماء دون شنّ لكن ما كان ٌملمنً دابماً هو ضعؾ لدرتً<br />
على صٌاؼة ذلن بكلمات وبعبارات ؼٌر مفكّكة ومفهومة. إن<br />
مسؤلة شرح مشاعري أمر صعب دون أن أملن لؽة طٌّعة<br />
وجسداً خالٌاً من العظام مثل ما تحظى به سامٌة جمال تلن<br />
الرالصة المصرٌة الفذة، الذي ٌجعلن تعتمد لو إن تلن الحظوة<br />
متوفرة، فٌعنً هذا أن المرء ٌستطٌع أن ٌنام فً لندٌل بسٌط،<br />
وٌموم من نومه آخذاً جسده الملفوؾ نحو إبداع لم ٌُخطّط له.<br />
كما استطاعت تلن المبدعة تؽٌٌر النظرة الؽربٌّة السطحٌّة<br />
السولٌّة حٌال رلصنا، وأرجعت للؽرٌزة الجنسٌّة لٌمتها<br />
اإلنسانٌّة.<br />
9ٕ<br />
. ٍ<br />
دعنً ألول إنً ال أطلب منن أن تإمن بما سٌخرج اآلن<br />
من أعمالً. لكنً أرجون أن تصدق أن الكلمات التً ستسمعها<br />
تعبر عن مشاعري وأحاسٌسً الحمٌمٌّة، كما أرجو أن تتذ ّكر<br />
فً كلّ الولت أنه لوال جنون وهلوسات الفنّانٌن لجؾّ العالم من<br />
األحبلم واإلبداع، وألصبح الجنون إجراماً لمجرّ د اإلجرام. أما<br />
المتسكّعون وجلساء الحدابك، ربّما أصابهم الخرؾ المبكر،<br />
ونسوا أنهم ٌعٌشون، ولد ال ٌتذكّرون كٌؾ ٌعودون إلى بٌوتهم،<br />
إذا كان هنان ثمّة بٌوت!! الرلص ٌا سٌدي سفٌر فوق العادة
مُرسل من الروح المدس إلى كل البشرٌّة فرداً فرداً، ولكً أكون<br />
أكثر تحدٌداً ألول:إنه مرسل إلى كلّ من ٌشعر بؤنه إنسان. إنه ٌا<br />
سٌّدي ٌُعطً كلّ ما لدٌه. أما إذا بدا أنه أخذ من المبدعٌن فً<br />
لحظات نشوتهم، فإنه ٌعٌده إلٌهم مصموالً لبلصطفاؾ مكانه فً<br />
مناهج المستمبل، لٌتسنى لئلبداع البماء مرافماً للعصر وما<br />
تتطلّبه الحداثة من االستدامة.<br />
أنا ال أرلص إالّ إن كان شًء ما نابعاً من أعمالً ٌدفعنً دفعاً<br />
كً أهٌّا جناحً للطٌران لاببلً:"هٌا ٌا طابر السماء أرنا إلى<br />
أٌن استطعت الوثب، وإلى أٌن تؤمل فً الوصول.<br />
دع التواضع جانبا وضخ فً شراٌٌنن الطموح لتلتمً بالرب<br />
دون المرور بالموت. رؼم أنً أخشى علٌن فإنن محكوم<br />
باالستمرار فً عشك ما أنت علٌه. رؼم أنً ال أعرؾ بالضبط<br />
إن كنت تخاطر، أو إنن تدرن أالّ سمؾ هنان ٌستطٌع إٌمافن<br />
عند حدّ ما، وال حتّى أنت لادر على تؽٌٌر مسارن، ولٌس هنان<br />
من ٌنتظرن لٌهنّبن لاببلً:"إنن وصلت إلى الممّة ولن تجد بعدها<br />
أي شً"<br />
هنا ٌا سٌدي نحتاج دون شنّ ، إلى ولفة هادبة متؤمّلٌن فً<br />
األفك باحثٌن عن إشارة ما.أنا ال أعرؾ إن كان ٌهمّن األمر.أمّا<br />
أنا، فؤطلب منها أن تهدٌنً إلى الطرٌك الذي اختُرتُ من أجله،<br />
وهذا ما حدث.لمد تعوّ دت ٌا سٌدي اإلنصات إلى أعمالً، إنها<br />
رٌاضتً الروحٌّة الٌومٌّة.مرة سمعتُ صوتها هامساً ومعتذراً<br />
ٌمول: "علٌن فتح كل نوافذن، إذ ربّما ترى ما ال ٌراه اآلخرون<br />
وتفهم أن جسدن أصبح مستعدّاً لتسلٌم ذاته عاشماً لئلبداع، فهو<br />
9ٖ
بحاجة إلٌه لٌستمدّ منه ذلن الترٌاق الذي ٌشك بوساطته الطرٌك<br />
إلى تطوّ ره، وإدخاله فً استمرارٌّة تؤخذ طالتها من كلّ الذٌن<br />
ٌدركون أن تسارعها هو الذي سٌبمٌها مدى الدهر. عندما ٌحٌن<br />
ذلن الولت، سٌعنً هذا أن معنى الحٌاة لد استنفد بحٌث سنكون<br />
فً تلن اللحظة مدعوّ ٌن إلى وجود آخر مختلؾ". أستطٌع ٌا<br />
سٌّدي جمع الكلمات التً أعرفها أللول: ٌبدو أالّ أحدَ ٌولد إالّ<br />
وتنتظره مهمّة علٌه إتمامها.المشكلة تكمن فً الجانب الحٌوانً<br />
من حٌاتً الذي أهملته تماماً، أو نسٌته لست أدري. إلى متى<br />
أستطٌع تركه جانباً وال أخشى أن ٌنفجر فً وجهً فً لحظة<br />
ؼٌر مناسبة على اإلطبلق؟! الذٌن احترفوا الرلص ٌشعرون<br />
بالمشاعر االرتمابٌّة الملهمة نفسها وبالتواصل مع المبة الزرلاء.<br />
الفرق كبٌر بٌن أن ٌإخذ ما نفعله كمهنة من واجبنا تؤدٌتها<br />
بإتمان، وبٌن أن تتكوّ ن فٌنا عبللة حب ووله بٌننا وبٌن الطرٌك<br />
الذي اخترناه، ال شنّ أننا تشرّ بناهما دابماً مع عرلنا الؽزٌر. من<br />
العشك ٌا سٌّدي ٌتنبع اإللهام. ألصد من الذٌن تولد فٌهم تلن<br />
العبللة التً ٌتجلّى فٌها الحب الخالص النمً الذي ٌستدعٌن إلى<br />
السجود له، ولكنن ال تفعل الن الرب ٌرفض ذلن، فهو ال<br />
ٌنمصه رتبة السلطان العثمانً، وال رتبة البابا الكاثولٌكً، وال<br />
ٌهتم بمن ٌرٌد من أولبن البسطاء من الناس أن ٌركعوا<br />
لؤلٌمونات كٌفما اتّفك إذ إنهم ٌعتبرونها ممدّسة ألنها تحمل<br />
لداستها فً ذاتها بؤٌة طرٌمة كان وجودها. ال بؤس انحنوا لها<br />
احتراماً وال تزٌدوا الجلبة كثٌراً فهً مستنكرة فً بٌوت العبادة.<br />
دعوا الصمّ ٌسمعون الهدوء فهو صبلتهم للرب. هكذا ٌدرن<br />
المتفهّمون لمثل دلابك هذه األمو أن العبمرٌّة ال تكون هً نفسها<br />
إالّ إن استطاعت إخراجها من ذاتها، ومرشوشة أٌضاً بملٌل من<br />
"بهار" الجنون. حٌث ٌكون ذلن الجنون جزءأً من خلطة توضّح<br />
9ٗ
العبمرٌّة وتعطً لها أبهى صورة وهً تتنمّل مشعّة بٌن الناس.<br />
فً تلن الساعة ٌنحنً لها الجمهور المنذهل معتبراً إن السماء<br />
ذكّتها لتكون األفضل من بٌن كل العبمرٌّات التً أنتجها الشعب.<br />
مثل هإالء ٌطوّ رون الرلص وٌمنحونه أجنحة جدٌدة تمكّنه من<br />
الطٌران إلى مستوً ى آخر، وهكذا دوالٌن. إن الرلص ٌا سٌّدي<br />
ٌمنحن متعة ال تضاهٌها متعة أخرى، وخاصة عندما ٌشعر<br />
الرالص أن الرلص ٌعمل كدافع ٌدفعه إلى األعلى متابعاً<br />
الصعود إلى أن ٌجد المنتشً الصاعد نفسه ُمرحّباً به،<br />
وموشوشاً له بالمول: لٌس علٌن سوى االنتظار لترى أن الرب<br />
مشتاق إلٌن أكثر بكثٌر ممّا تعرؾ عن االشتٌاق والشعور<br />
باللهفة. ربّما أن مشكلتنا العمٌمة هً اللؽة التً نتفاهم بوساطتها<br />
وإمكانٌاتها البشرٌّة فً التعبٌر. نحن فً الحمٌمة نبحث عن لؽة<br />
أخرى منتجة من لدرة ما فوق البشرٌّة، تتم ّكن أن تشرح<br />
للبسطاء ما ٌحدث فً ما ٌشتعل فٌنا وٌكاد أن ٌفتن بنا. إنها<br />
تجرإ أن تطلب منا االستعداد لنكون مصدر نور هذا العالم. فً<br />
الولت نفسه ال تكؾ عن زجرنا وتحذٌرنا من أن ننسى حاجات<br />
أجسادنا. فً اللٌل أبذل جهداً كبٌراً ال ٌطاق كً أتمكن من جعل<br />
الشٌطان ٌمتنع أن ظبلم ؼرفتً ٌرفضه بشدّة وٌشمبز منه طالباً<br />
منه الرحٌل دون محاولة العودة، وٌنتهً بالمول هل تفهمنً أم<br />
أعٌد ما للته؟!<br />
ال أحد ٌطلب منن جلد روحن. ستجد حاجتن فً الصدالة بٌن<br />
الجنسٌن واإلخبلص بٌنهما دون أن تشعر بؤنن تظلم أحداً.<br />
فكثٌرون ٌرفضون فكرة الزواج والمإسّسة الناتجة عنها، وال<br />
ٌمتربون من الذٌن ٌوافمون أن ٌضعوه شرطاً إللامة العبللات.<br />
9٘
أنت مصٌب دون شن، لمد فتحت أمامً أفماً لم أره مشرّ ع<br />
األبواب بهذه الطرٌمة. دعنً أتابع ما كنتً أخوض فٌه.<br />
أتمنى أن تدرن أنن فً الطرٌك السلٌم ولست فً خصام مع<br />
هللا أو مع نفسن، كن صدٌماً لنٌّاتن وداخلن وللحٌاة. خذ راحتن<br />
وتابع رحلتن االرتمابٌّة رعان هللا.<br />
إن من ٌملن كلّ شًء، ٌمنحن بعض الولت شٌباً ممّا ٌملكه<br />
لٌُحًٌ فً الرلص ما ٌمكّنن بثه للذٌن ٌملكون أن ٌلتمطوا اإللهام<br />
وٌإمنون بمدرته على االنعتاق وانتزاع الحرّ ٌة من السماء،<br />
والوصول إلى تلن النورانٌة التً نسمع عنها وال نعرفها، ولكننا<br />
بٌن الحٌن واآلخر ٌمكننا أن نشعر بها. كما ٌمكن ألحد من<br />
أولبن الممٌّزٌن الذٌن تجاوزوا اإلبداع استعمال كل لواه<br />
الداخلٌّة والخارجٌّة وما ٌملكه من التوازن والمدرة على ضبط<br />
وزنه وحركاته من االلتراب من اشتمام الذات اإللهٌّة التً تظلّل<br />
العالم. كل ذلن ال ٌمكن الوصول إلٌه إذا لم ٌتم اختٌارهم من<br />
الذٌن جرى معاٌنة وجدانهم واختبر إٌمانهم ولدرتهم على<br />
الصمود فً النماء الذي ٌضع مفاهٌمه من ٌملن الحك فً وضع<br />
مشٌبته موضع التنفٌذ.<br />
علًّ أن أُكمل ترجمة مشاعري وأعدن ٌا سٌدي بؤنً لن أُطٌل<br />
علٌن.<br />
أرجون تابع، أنا ال أشكو. بل اعتبر نفسً مؽبوطاً<br />
9ٙ
الرلص ٌا سٌدي ٌشعرن بؤنه ٌتابعن حتّى إلى مكان عملن،<br />
فٌعطل أٌّة لوىً سلبٌة ؼٌر مربٌّة التحمت المكان الذي لد تكون<br />
فٌه وتبؽً أذٌّتن. فتحس دون سبب مفهوم بصفاء ذهنن،<br />
والحب ٌمؤل كٌانن. أنا ال أتحدث عن المؽناطٌس بل عن أرواح<br />
تهٌم ساعٌة وراء من ٌساعدها على التخلّص من لعنة ما تجرّ ها<br />
إلى العمل بطرٌمة ال تعكس ما تسعى وتصبو إلٌه. كما أشٌر<br />
إلى أرواح تعرؾ طرٌمها ومداخله ومخارجه، فتنفث السمّ حٌث<br />
علٌها أن تفعل. لكنها تواجه جنوداً ٌبدون كؤن شٌباً من ذلن<br />
الفجر العجٌب ٌبزغ من عٌونهم. إنهم ال ٌخفون هوٌّاتهم وال<br />
ٌخافون كلّ خباٌا الشٌطان وتعدد ألنعته هو وعمبلبه. ربّما لن<br />
تدري أبداً ماذا حدث. لكن من المإكّد أن معركة حمٌمٌّة سرٌعة<br />
لد ولعت، وحالت دون أن تشعر بشًء. ثمَّ تمَّ بلحظات كنس كلّ<br />
آثارها.هل تعتمد أننً أوصلت لن مشاعري وكوابٌسً أحٌاناً؟!<br />
أرجو أن تتعامل معها على أنها حمٌمٌّة، وتعزلنً كثٌراً عن<br />
الوحوش التً ال تزال تفتن باألوطان والجماهٌر الؽفٌرة التً<br />
تنشد الحرٌة.أرجو أن تفهم وتدرن أنً أعٌش فً عالمٌن<br />
مختلفٌن. سٌبدو هذا صعباً فهمه، ولكن دعنً أُخبرن أنً ال<br />
أعرؾ االنتشاء والتوق الجٌّاش إلى المجهول إالّ فً عالمً.<br />
الرلص ٌا سٌّدي ٌنتشلن من هذا العالم دون أن تعرؾ كٌؾ<br />
حدث هذا، أو تشعر بؤيّ ألم. إنه ٌدور بن وٌستمر ٌدور وٌدور<br />
على إٌماع الفالس اإلمبراطوري. ثمَّ ٌحطّ بن فً عالم مختلؾ<br />
سبك أن صنعته بنفسن دون أن تدري. إن كنت تفهم الرلص<br />
على هذه الطرٌمة فمعنى ذلن أنن انضممت إلى رهبنة خاصة<br />
ال أحد ٌعرفها أو ٌفهم مهامها ؼٌر أعضابها المخلصٌن لراعً<br />
هذا العالم<br />
97
8<br />
فً تلن األٌام كانت أمً ال تزال شدٌدة المراس فابمة الجمال<br />
معتدّة مابلة للٌبلً إلى المسوة. أنا ال أعرؾ حتى اآلن إن كانت<br />
تلن المسوة حاجة دفاعٌّة صنعتها بنفسها وصملتها األٌام، أم هً<br />
أصٌلة موروثة هجومٌّة فً أساسها ومظاهرها. كانت ٌدها<br />
تداعب ممبض السٌؾ دابماً. من ٌدري؟! ربّما كان ك ّل ذلن<br />
بسبب شعور مبهم ٌتمشى الهوٌنى فً أعمالها، ال شن أن<br />
والدي الذي ال أعرفه ساعد فً اإلحساس أن هنان من ٌتربّص<br />
بها وبعابلتها بؽٌة أذٌّتهم. كان صوت الوحش المادم ال ٌفارلها.<br />
ثم هجم العمر لاببلً: أنا لستُ نابماً. إن الذٌن ال ٌشعرون<br />
بوجودي وٌحسبون لً حساباً سؤسحك عظامهم. بتُّ أعتمد أن<br />
العمر هو الذي أخذ ٌُفمدها بعض تماسكها وٌحمُنها بمزٌد من<br />
الشراسة ناتجة من الضؽوط التً راكمتها األٌّام فً نفسها، ومن<br />
الهزال النفسً الذي أخذ ٌخبط على باب ؼرفة نومها. تولف ُت<br />
عندما فهمت ل َم لم تعد تمٌّز متى علٌها أن تكون امرأة ومتى<br />
تمبل الخضوع لنداء ال شنّ أنه آتٍ من لاع األعماق، فتمرر أن<br />
تصبح رجبلً حمٌمٌّاً ٌملن اإلرادة الفاعلة البتداع ما تملٌه علٌه<br />
الظروؾ للدفاع عن مولعه ومولفه. لكن الزمن سجّاننا السادي،<br />
جعلنً أتخلّى عن حٌرتً المزمنة، وأإمن أن الجانب األساسً<br />
من شخصٌّتها بعٌداً عن تلن االضطرابات التً أرؼمتها على<br />
المبول بالمتال من مكان وضعها فٌه ذلن السادي لكنه لم<br />
ٌستطع أن ٌُنسٌها تولها إلى عطش روحها إلى عفتها التً كانت<br />
تدرن أنها من ستمكنّها من استبدال الحب بالمحبة والؽفران،<br />
طالبة من الربّ أالّ تكون لراراتها وتحرّ كاتها ومشاعرها بعٌدة<br />
عن إشرافه. كانت ال تزال تشتعل فٌها الحٌاة تستمع إلى كلّ<br />
98
النداءات والهمسات الصادرة من وراء مشاعرها، جاهزة لتلبٌة<br />
حاجتها الروحٌّة التً كانت تلحّ كً تضع لضٌّة المحبة كمحرّ ن<br />
أساسً لذاتها ولِما كانت تصبو إلٌه فً كلّ حركة من تفاصٌل<br />
حٌاتها. كان تحرّ رها النسبً منً والمزٌد من النضج ٌدفعانها<br />
نحو االلتراب من اآلخرٌن. الجرأة كانت ملكاً عزٌزاً استطاعت<br />
ضبطها وتشذٌبها، وفك المٌم الحضارٌة التً تسود فً عالمنا<br />
المتمدّم الٌوم. هكذا دون أن تشعر أحداً أنها تمتحم خصوصٌّاته.<br />
كانت تشرح للجمٌع ما ٌحدث حولهم، مهدّبة هواجسهم ومالبة<br />
للوبهم بالسكٌنة. لمد تحولت بعد وفاة أبً بمدرة المادر إلى<br />
امرأة تعرؾ كٌؾ تتحرّ ن بؤنوثة ومتى تستدعً الرجولة لتجعل<br />
لرارتها أكثر عدالة وإنسانٌّة. كنتُ أحسدها عندما تمتطً<br />
حصانها األسود وفً كٌانها تشتعل رؼبة عارمة أن ٌطٌر بها<br />
وسط الحمول ضاحكة ورالصة، منحنٌة بٌن الحٌن واآلخر تمبل<br />
عنمه، ُممرّ رة كفّها الناعم مداعبة رأسه، مظهرة للجمٌع كم هً<br />
مؽرمة به، وكم ٌدفعها كلّ ذلن إلى متابعة رابحة اعتمدت دابما<br />
أنها آتٌة بؤمر من المبّة الزرلاء. كان كلّ ذلن ٌشبه سرّ ها الدفٌن<br />
الذي تعطٌه كلّ حنانها. لمد حدّثتنً نفسً مرّ ة لابلة: لو كان هذا<br />
الحصان لادراً على الكبلم ألحبته أكثر من الجمٌع.<br />
كنت أرالبها دون أن أستطٌع الوصول إلى ما ٌجري فً<br />
داخلها، وما إذا كانت تجاهد الستبدال أبً بهذا الحصان. أعتمد<br />
أن صراعها المكتوم مع والدي، علّمها كٌؾ تحٌط نفسها بجدار<br />
كاتم للصوت منع منعاً باتاً خروج أسرارها إلى العلن. لم ٌعرؾ<br />
أحد ؼٌري كم احتمرت زوجها وأبً الذي ال أعرفه. كانت<br />
تصلًّ إلى هللا كً ٌجعلها تنسى ما حدث، وتبالػ فً مساعدة<br />
الفمراء خوفاً من الخطٌبة التً تخشى أن تكون ارتكبتها وال<br />
99
تزال ترتكبها. لكن هذا لم ٌُبعدها دلٌمة واحدة عن رعاٌتً بكل<br />
ما تستطٌع إعطاءه من حنان وتنفٌذ طلباتً التً لم تكن تتولؾ.<br />
لكن الخوؾ كان ٌبلحمها دابماً من أن ٌكون الوحش الذي كان<br />
ٌسٌطر على أبً الٌزال حٌاً ٌرزق وٌنمو فً داخلً. فً تلن<br />
المرحلة من حٌاتً، ورؼم عبللتً المتذبذبة معها، كنت أكاد أن<br />
أجزم أنها تموم بكلّ شًء وفك خطة أعدّتها بإتمان وتموم<br />
بتنفٌذها بإصرار ٌحكمه إٌمان كبٌر ٌنشر السبلم فً لاع<br />
أعمالها. كان هذا ٌمكّنها من تمدٌم المساعدة للذٌن فاجؤتهم<br />
مشكلة أربكتهم، وأولعتهم بٌن براثن أحرؾٍ لم ٌتمكّنوا من فكّها<br />
والدخول إلى معانٌها، دون أن تحاول فً أثناء ذلن عرض<br />
عضبلتها الثمافٌّة.<br />
كنتُ لبل أن أضعها أمام األمر الوالع، لد اعتزمت الذهاب<br />
إلى بٌروت والتسكّع فً األشرفٌّة، إن ذلن كان ٌمنحنً ؼوصاً<br />
فً جمال أخّاذ ال ٌرٌد أن ٌإذي أحداً. لطالما ذكرتنً األشرفٌّة<br />
ببارٌس، تلن المدٌنة المذهلة المتمسّكة بؤنالتها وعرالتها، التً<br />
ال ٌعرؾ الكثٌرون أنها تحرص على أ ّال تؽطً عوراتها وال<br />
تخفً جنونها الكامن ومحرّ ن عبمرٌّتها، بل تبرز كلّ ذلن<br />
باستمرار بؤلوان مختلفة تصٌب المدهوش بالدوّ ار مظهرة<br />
براعتها الفتّاكة فً إضفاء التناؼم العجٌب والسحر الؽامض<br />
الذي ٌسري فٌها وفً كل زابر لها، كاشفة عن ذوق ٌخر له<br />
الجمٌع وهم فً ذروة المتعة. إن رهافة بارٌس تخبرن عن ذلن<br />
الفنان الذي كان ٌعرق وٌنهكه التعب فً تلن السنٌن المؽرلة فً<br />
المدم، حٌث لم تكن هنان وسابل تساعد الجهاد فً البحث عن<br />
مزٌج من األتربة التً ٌؤمل أن تعطٌه ألواناً ٌرتاح إلٌها. لكنه<br />
كان ٌستمر فً الحفر بؤظافره، إذ إن ما ٌملب التراب رأساً على<br />
ٔٓٓ
عمب، سٌزٌد األمر تعمٌداً ولن ٌوصل إلى أيّ شًء. لكنه كان<br />
أن األرض لطالما كانت<br />
فً أعماله وٌدرن ٌمتلا بالحب معطاء.<br />
عندما أتحدث عن األشرفٌّة، ألصد من خبللها بٌروت كلّها<br />
وحُرفٌتّها المدهشة التً تخرج الجمال الكامن فً األعماق<br />
منشداً أؼنٌة ٌرددها الجمٌع تتحدث عن انبثاق اإلبداع من<br />
اختبلط المشاعر بالشهوات والؽرابز المجبولة بالتناؼم السلس<br />
واألصالة وملكة االبتكار، مع االحتفاظ دابما بوجود اإلٌماع فً<br />
كلّ شًء. كنت آمل الوصول بهدوء إلى المرار الذي أثك أنه<br />
سٌؽٌّر حٌاتً إلى األفضل. لم ٌكن األمر سهبلً، رؼم محاوالتً<br />
المستمرّ ة إلنجاح إخفاء ما كان ٌجري فً داخلً.<br />
كانت الوالدة تعرؾ أننً أخطّط لشًء ما، فمد تعوّ دتُ أن ألرأ<br />
كثٌراً من األمور التً كانت تتصارع فً داخلها وتخرج من<br />
عٌنٌها. ربّما لسبب ال أعرفه امتلكتْ حدساً ؼرٌباً ال ٌحمله معه<br />
أي سٌاق. كان هو نفسه الذي مؤلها إحساساً بؤنً اتّخذت<br />
لراري النهابً وأنا أماطل عمداً فً إخبارها به. إنها دون ش ّن<br />
تملن ذكاءً نوعٌاً خاصاً أنت ال تحب وجوده عند أحد من<br />
المحٌطٌن بن. إذ إنها فاجؤتنً مرّ ة وأنا جالس أمام<br />
مستمتعاً، فولفت أمامه مبتسمة لاصدة منعً من متابعة ما أراه<br />
ٌنبثك من ذلن االختراع الكبٌر، كنت متؤكداً أن ؼضباً شدٌداً<br />
ٌعتمل فً داخلها. بمٌتْ دلٌمة كاملة تنظر إلً وهً تحاول<br />
إعادة صٌاؼة الكلمات األولى التً ستخرج من فمها، إلى أن<br />
شعرتُ بجهوزٌتً وأنً امتلكتُ الزمام وعلى أتم االستعداد لبدء<br />
الصراع، لكنها فً النهاٌة أفلتت من الطوق، ولالت بلهجة<br />
"التلفٌزٌون "<br />
ٔٓٔ
هادبة لكنها كانت تحمل فً ثناٌاها صرامة واضحة:علٌن أن<br />
تدرن أنً لن أكون راضٌة عن اعتزامن الطبلق ما دمت حٌّة.<br />
رسمتُ على وجهً استخفافاً أزعجها، إذ كان منطمها ٌنطلك من<br />
أن مثل هذا الحدث ال ٌمكن أن ٌنال رضى العابلة.أجبتها ببرود<br />
لاببلً: أنا الذي أختار وعلًّ تمع مسإولٌّة ما أنوي فعله.لكنها فً<br />
الولت الضابع بٌنً وبٌنها، وجدت طرٌمة تخفّؾ فٌها ما كان<br />
ٌدور فً داخلً من رفض للعبث فً شإونً، وإن هذا إذا<br />
تكرر سٌدفع بً إلى مكان ال أحبّه، وبّما ٌسبب شرخاً حمٌمٌاً<br />
بٌننا لد ٌربن مكانتنا فً العاصمة، ومن ٌدري؟! فمد ٌتوسّع<br />
وٌصبح صعب الترمٌم. لذلن لم تؽادر لبل أن تبتسم وتبدي<br />
بعض اللٌونة إذ لالت: أنا أرى بوضوح إصراراً على المضًّ ِ<br />
فً طرٌمن. تستطٌع التؤكّد أنً لن ألؾ فً وجهن. لمد سبمتُ<br />
ذلن حمّاً. لكن سٌكون واجبن الحرص الشدٌد على إدارة<br />
المعركة دون أن تترن فً أرضها أٌّة أشبلء. "دبلوماسٌّتها"<br />
الرفٌعة المنبت لالت ذلن رؼم معرفتها بطبٌعة زوجتً الفظة<br />
اللبٌمة. ونظرتها العرجاء لؤلخبلق وتمرّ سها بالكذب الشدٌد<br />
دون كلل أو ملل حتى نسٌتْ كٌؾ ٌكون الصدق، وٌبمى دلٌل<br />
ٌفضحها باستمرار، هو عبللتها المرٌبة برجال سبك لهم أن<br />
عملوا تحت إمرة والدها وكانت صناعتهم الكذب واالحتٌال<br />
بامتٌاز.كما أن أمً كانت تدرن لزوجة أرضٌة مناخ زوجتً<br />
األخبللً والمزاجً واستعدادها للتبلعب المكشوؾ لبلستٌبلء<br />
على مزٌد من المال دابماً. هكذا كان الركض وراء المال هو<br />
الهدؾ ؼٌر المعلن بما فٌه الزواج الذي لم تستطع إخفاءه. إذ<br />
إنها بمٌت تُولع نفسها فً اللحظة ذاتها التً كانت تظن أنها تمؾ<br />
فً مكان ال ٌمكن أن ٌعرّ ضها لبلنزالق. لكن كلّ هذا تخطّته<br />
أحداث وأفعال جسام ال تؽتفر. لمد انتمل كلّ ذلن إلى زمن<br />
ٕٔٓ
مختلؾ، وؼاب عن أمً ما كان ال بدَّ أن ٌحدث. إذ إن األطفال<br />
ٌصبحون رجاالً، فتجتاحهم رؼبة إلى تؤكٌدها وممارستها فً<br />
الملعب الذي تلعب فٌه. هذا ما حدث مع أمً عندما استفالت<br />
ووجدت أن األولات التً كانت تحظى فٌها بطاعتً لد ولّت،<br />
ولم أعد ذلن الولد الذي ٌُهمّه أن ٌسعى لٌنال رضى والدته عن<br />
لراراته. بل ربما كانت لراراته تهمه أكثر من حسن ولعها أو<br />
فابدتها المستمبلٌّة. هكذا ورؼم المشهد المُتمن، كان علً أن أرد<br />
موجها إلٌها صدمة صؽٌرة، فمد سبمت تؽطرسها المدٌم<br />
والجدٌد، فملت: أتعانٌن شٌباً ما فً الرإٌة؟! بارتبان كبٌر<br />
أجابت ال، ال من أٌن أتٌت بهذه المعلومة؟! هذا ما أراه بوضوح<br />
ٌا أمً، فؤنت حتى اآلن ال ترٌن أنً كبرت، ولد أنهٌت دراستً<br />
وتزوجت!! وها أنا أرٌد الطبلق ولن أسمح بتدخّل أحد فً<br />
أموري الشخصٌّة.<br />
ماذا ٌعنً ذلن؟!<br />
إنه ٌعنً ٌا أمً أن الولت لد حان لتفهمً أن علٌن االبتعاد<br />
عن االهتمام بشإونً الخاصة. أال ترٌن أنً ممتلا بالثمة، وها<br />
أنا ماضٍ إلى خبلصً متخلٌّاً عن ؼضبً مرتدٌاً ردابً<br />
األبٌض ال"سبور"موضّحاً للجمٌع أنً ؼسلت للبً من أدرانه.<br />
حسناً هذا حمّن، فمد كان علًّ االنسحاب من تلن المهمّة،<br />
وأُرٌح كتفًّ منها منذ زمن طوٌل. أنت وحٌدي، وأنا امرأة، إن<br />
ما تطلبه أكثر تعمٌداً ممّا تظن. إنن تجعلنً أعتمد أنن لم تدرس<br />
علم النفس، ولم تتخرّ ج طبٌباً فً هذا المجال. أعاهدن من هذه<br />
ٖٔٓ
اللحظة أن أضع إرادتن موضع التنفٌذ، مإ ّكدة لن أن رابحتً<br />
ستعٌش معن إلى أن ٌستدعٌن الربّ إلٌه.<br />
شكراً لن ٌا أمً أنت رابعة، وكنت أعرؾ أنن لن تؽضبً.<br />
لطالما كنت ألول للذٌن حولً إن والدتً لٌس لها نظٌر.<br />
9<br />
التسكع دواء ناجع لمُتعَبً النفوس. إنه ٌنتشلن من النمطٌة التً<br />
تكاد أن تكتم أنفاسن، وٌؤخذن إلى مناخات لم ٌسبك لن أن<br />
عرفتها وألوان مختلفة لم تر مثلها ٌوماً. لٌس علٌن أن تستخؾ<br />
بؤمر ٌفتح وٌملإه بالهواء النظٌؾ، فؤنا أعدن أنن سترى نفسن<br />
تجترح العجابب، إذ إنن لن تلبث أن تب َّث عطر الورود<br />
واألزهار المختلفة األلوان. أما إن لم تصدّق ما ٌجري، أنظر<br />
إلى السماء متنمبلً فٌها واؼمض عٌنٌن للٌبلً فتجد أنن أنت من<br />
نشر هذا التداخل اللونً المتناؼم الملًء بالسحر العجٌب. إن<br />
تلن األلوان المتداخلة المتناؼمة تخرج منها موسٌمى لم ٌتُح لن<br />
اإلنصات إلى مثلها ٌوماً، ومن ٌدري فمد تتذكّر "فٌفالدي"<br />
فتمارن بٌن موسٌماه وبٌن تلن التً سمعتها للتو مدركاً أن هنان<br />
أولات ال تجوز فٌها الممارنة. اسمع نصٌحتً وتم ّشى فً<br />
شوارع األشرفٌّة الهوٌنى عندما ٌتاح لن ذلن؟! ال تخش شٌباً<br />
فً تلن الطرلات النظٌفة. إذ إنً أإكّد لن أن عٌنٌن ستتعب ممّا<br />
ٔٓٗ
ستراه من الجمال المنثور هنان. إنً ألر وأعترؾ دون أن<br />
ٌُخالجنً أيّ شنّ أن عشك بٌروت كلّها ٌجتاح كٌانً وآمل أن<br />
ٌتاح لً مضاجعتها مجتمعة حتى لو ؼافلنً الشٌطان ومكّننً<br />
من فعل ذلن والعٌاً، بؽٌة اإلٌماع بً وبٌن دمشمً الحبٌبة.<br />
سؤؼض الطرؾ وأُبمً المتآمرٌن إلى حٌن تحت طابلة<br />
المصاص. إنً أرى دمشمً فً هذه اللحظات نفسها تتجوّ ل بٌن<br />
أفكاري حانمة عاتبة ترٌد االنمضاض علً وضربً ضرباً<br />
مبرحاً. كنت جاهزاً للدفاع عن نفسً، فلم ٌمت ِض منً ذلن إالّ<br />
ترتٌب أفكاري ولول الحمٌمة ناصعة لمن أحببتها دابماً وال<br />
أزال."إنً أحبن ٌا دمشمً حباً عمٌماً ٌسكن كلّ كٌانً، وال<br />
وسٌلة هنان النتزاعه من داخلً. لكنً لم أعد أستطٌع<br />
مضاجعتن.إذ إن جسدٌنا فمدا تلن الطالة الكهربٌّة التً كانت<br />
تسري بٌننا عند تبلمسنا، وتنفنّ عنا عندما ٌنتهً الوصال،<br />
وٌختفً فً جحره ما أنتجه فً جسدٌنا.<br />
طال بً التسكع والتمتع بالنظر إلى واجهات المتاجر<br />
األنٌمة، حتّى استبدّ بً التعب مرؼماً إٌّاي على اختٌار أحد<br />
الممهٌٌن المرٌبٌن المتجاورٌن للمكان فً ساحة "ساسٌن" لمد<br />
اخترت الممهى الذي ٌمول لن: إن إطبللتً أكبر، وأملن أن<br />
أعطً الجالس عندي شعوراً أنه ٌشترن فً ملكٌة هذا المكان<br />
المتمدّن. إنها ساحة "ساسٌن" الكبٌرة واألنٌمة التً ال تزال<br />
تصر على أالّ ٌكون تبرّ جها ولحاً ٌسًء إلى بساطة جمالها<br />
ونظافته. كان لديَّ الولت الكافً أللرأ ما تٌسر من صحٌفتً<br />
"النهار" و"السفٌر". إنهما متنالضتان فً االتّجاهات، وتإكّدان<br />
ما هو مإكّد وٌمول: إن التنالض سمة الحٌاة فً هذه الدنٌا. إننا<br />
نتلمسه فً كلّ مكان فً كوننا الذي نطلك علٌه اسم األرض. إن<br />
ٔٓ٘
ٍ<br />
تماسن هذا التنالض ووحدته وصبلبته ٌزٌد فً إربان من<br />
ٌحاول فهم ماهٌّة الحٌاة وما إن كان ٌحرّ كها هدؾ أو أهداؾ؟!<br />
أو إن المرام ٌختفً فً عباءتها نفسها. لم أستطع متابعة المراءة<br />
إذ كان مكانً مشرفاً على تحرّ كات الناس التً تستطٌع تمكٌنً<br />
من دراسة مختلؾ تحرّ كاتهم وانفعاالتهم من حٌث ال ٌدرون.<br />
للت لنفسً وأنا أشعر ببداٌة تؽلّؽل الحماسة فً كٌانً: إن حظً<br />
بالحصول على هذا المكان ٌشبه تلن الؽبطة التً كنت أشعر بها<br />
بعد سرلتً لبعض حبات "الشوكوال" التً تكون موجودة عادة<br />
فً حمٌبة أمًّ. إن ممارستً لهذا النوع من السرلة التً لطالما<br />
ظننتُ أنها استطاعت تضلٌل أمً، ال أخفً كم كانت ممتعة<br />
وتشبع الكثٌر من الرؼبات التً تمكّنت من االختباء وتوزٌع<br />
نفسها فً كٌانً كلّه.كنتُ مسروراً حماً، وآمبلً بمرور الجمال<br />
األخّاذ فً تلن المنطمة كما المُعتاد دابماً.لكنً بمٌتُ صامداً ولتاً<br />
ؼٌر لصٌر، إلى أن عرفتُ أن بٌروت الجدٌدة تعشك الهداٌا<br />
مهما كان ثمنها بخساً. إذ إن الهدٌّة تعنً لها الكثٌر. من هنا<br />
نفهم أن الؽرابة ستبمى تطلّ من النفس البشرٌّة، وأن بعض<br />
الطفولة سٌظلّ متشبّثاً باإلنسان، والنمص فً الحب الذي ٌتلمّاه<br />
اإلنسان من بعض المحٌطٌن به سٌظلّ ٌشكّل كارثة ستبمى<br />
تداعٌّاتها كامنة بانتظار أن ٌنفجر فجؤة لؽم فً وجه بٌروت<br />
ٌسًء إلى مكانتها فً األشرفٌّة وأوساطها. ابتسمت فً سرّ ي<br />
فمد كان ثمن تلن المعلومة ٌساوي أضعاؾ ما دفعته للعمة سلٌلة<br />
الحسب والنسب. كانت العودة إلى بٌروت فً هذا الولت بالذات<br />
تحمل فً طٌاتها لٌمتها ومعناها. إذ إنً ابتعدت عن الوحوش<br />
التً تعبث فً وطنً الحمٌمً وتملمه على مستمبله ومستمبل<br />
أطفاله. لكن لم تمضِ بضع ساعات حتّى تلمٌت دعوة للعشاء فً<br />
بٌت بٌروت الجدٌد فً األشرفٌّة الذي ٌمع لرب بٌتً إلى حدّ<br />
ٔٓٙ
ٌمكّننً من أن أرى ما ٌحدث فً داخله. أعتمد أنها ستبٌعه حتماً<br />
إلى أحد األؼنٌاء الجدد، فهً تملن أسلوبها الخاص فً استؽبلل<br />
نماط الضعؾ عند اآلخرٌن، وتحوٌلها إلى مصدر تموٌل بحٌث<br />
ٌنملب إلى ببر "بترول" ٌنتج النفط الخفٌؾ.<br />
مرّ ت عبللتً ببٌروت السٌدة الً تحسن بٌع المتعة للذٌن<br />
نسوا كٌؾ تمتلا جٌوبهم بالمال. أنا ال أدري كٌؾ تمكّنت مت<br />
الحصول على اسم تلن المدٌنة العرٌمة الفاتنة، وكٌؾ صعدت<br />
إلى أعلى مراتب النجومٌّة، لكنها لم تلبث أن بدأت تركب<br />
األخطاء ممّا جعل من ألمها ٌخبو للٌبلً، وكبرٌابها أخذ ٌنتفخ<br />
وٌرفض التحذٌرات الكثٌرة التً كانت تتلمّاها من المخلصٌن.<br />
المرٌبون من بٌروت والمحنّكون الذٌن ٌملكون عبللات لدٌمة<br />
معها، ٌفسّرون ذلن بؤن ما ٌحدث هو من صلب خطتها لتكون<br />
محظٌة الشرق األوسط ببل منازع. كانت تملن نفوذاً سٌاسٌاً ال<br />
تستعمله بإفراط. إن مظهرها المطمبن ال ٌعكس حمٌمتها. إذ إنها<br />
تعٌش حذرا وللماً دابمٌن بسبب المنافسة الشدٌدة على مولعها<br />
الربحً والسلطوي.<br />
مرّ ة كنت فً حالة ٌرثى لها وعبللتً بها تدخل حالة عدم<br />
المباالة. كتبت لها رسالة صؽٌرة أنادٌها وأؼازلها وفٌها ما<br />
ٌؽرٌها بإٌماؾ ما تموم به متعمّدة والتخلًّ عن عدم مباالتها<br />
المصطنعة ؼٌر المبرّ رة. لمد وصل بها األمر أن استطاعت<br />
إرهاب عاببلت بٌروت مع الولت، فإن تكلّمت نساإها بالسوء<br />
عنها، كانت تؽري أحد شبابها وتجعله طوع بنانها بحٌث تفعل<br />
به ما تشاء أمام الناس. كتبتُ لها لاببلً: عندما تصلن رسالتً<br />
ستسمعٌن همساً فً أذنٌنِ تمول فٌه إحدى الكلمات إنً أحبّنِ ،<br />
ٔٓ7
والثانٌة ستإكّد لن مرّ تٌن: إلى األبد ٌا حبٌبتً. وعندما أصل<br />
إلى بٌروت سؤعٌد لراءة تلن الرسالة الٌتٌمة فً تلن الحدٌمة<br />
نفسها والممعد المزدوج نفسه الذي كنا نجلس فٌه، وتحت تلن<br />
األشجار التً كانت تخفٌنا عن العٌون الجابعة. تؤكّدي أنً<br />
سؤفعل ذلن بصوتٍ عالً. لكنن ستكذبٌن وتمولٌن إنً لم أسمع<br />
شٌباً فمد كنت شاردة أتمتع بهذه الحدٌمة الرابعة. سؤلول لنِ وا<br />
حسرتاه.<br />
كانت لٌلة بزّ ت كل اللٌالً. ترى هل الذٌن استمعوا إلى<br />
"شهرزاد" ٌستطٌعون أن ٌبٌحوا ألنفسهم محاولة تشبٌهها<br />
بإحدى لٌالً ألؾ لٌلة ولٌلة الفرٌدة؟! أم إنها ستظلّ متفرّ دة ال<br />
مثٌل لها منذ ذلن التارٌخ البعٌد حتى ولتنا الحاضر. الحاضر<br />
الذي احتضن هذا الشعور المثمل الذي ٌرمٌن بٌن الحسان<br />
اللواتً ٌؽتسلن من أجل "نٌرون" بالحلٌب واألخرٌات اللواتً<br />
ٌتعطرن بالبخور من اجل "نٌرون" أٌضاً ومدعوّ ٌه. ترى هل<br />
نسٌتِ تلن الرإٌة المتناؼمة األلوان، الرابعة فً تدرّ جها<br />
العجٌب ونحن ننظر فً األفك مبهوتٌن. أظنّ أن كبلّ ً منا صلّى<br />
فً ذلن الولت صبلته الخاصة. أتذكرٌن كٌؾ فصلت بٌننا<br />
العواصؾ واألعاصٌر؟! لمد أخافنً صراخن لمّا بدأ عواء<br />
الؽابات الذي أرعبن وظلّ ٌعلو كلّ شًء ٌمكننا أن نسمعه.<br />
نستطٌع أن نسمًّ ذلن الٌوم، ٌوم المتعطشٌن إلى المؽامرات،<br />
أو الٌوم الذي تنعمد فٌه محكمة الوحوش، وكٌؾ ٌموم العدل<br />
بإحماق الحك. آه ٌا بٌروت، ٌبدو أن الخوؾ أخذ ٌتملّكنِ . لولً<br />
لً لماذا تهربٌن؟! ستبمى ذكرانِ كما أنفاسن التً لم ولن تكؾّ<br />
عن مداعبة وجهً بكلّ تفاصٌله بٌن حٌن وآخر، وأكاد ألول فً<br />
كلّ حٌن. لمّا تزالٌن كما أنت. إذ ٌزعجن أن تري امرءاً فرحاً<br />
ٔٓ8
بسبب شًء فعلتٌه، دون أن تدركً أن ذلن سٌفرح إنساناً ما لن<br />
ٌكون ؼرٌباً إن جمٌع الحضور ٌمكنهم أن ٌتولّعوا ماذا سٌحدث<br />
إالّ ذلن اللبنانً الذي ذهب صؽٌراً إلى جنوب أفرٌمٌا وكوّ ن<br />
ثروة هنان ولم ٌعتد بعد على فخاخ سٌّدة لبنان فً اللٌل. لكنً<br />
كنت أكره الؽدر وامتصاص جهد الناس وتعبهم وإرسالهم إلى<br />
الماع من جدٌد. كانت أجهزة التصوٌر مجهّزة اللتماط ما ٌحدث<br />
وتسجٌله. لم تمض دلٌمتان حتى بدأتُ تنفٌذ خطتً مما أدّى إلى<br />
إعتذار الرجل عن البماء فً الحفل نظراً لعارض صحً أصاب<br />
أمه. استملّ سٌّارته ورحل ملوحاً لنا بٌده تحٌّة شكر. ستمولٌن<br />
إنها لصّة لدٌمة وبدت على ؼٌر حمٌمتها ال بؤس. لماذا ال تزالٌن<br />
تتصنعٌن الخفر ككل النساء وتتمنعٌن عندما ترٌن أن ذلن<br />
سٌكون مناسباً. لكنن نسٌتِ أننِ للت مرّ ات "عدٌدة" إن تماحن<br />
األجساد تناسبه الولاحة. ال تتدبري سبباً للتمنّع، وال تنتمً ثٌاباً<br />
تزٌدنِ ؼموضاً. هٌا انزعً خمارن السخٌؾ، وكونً ذببة فً<br />
الفراش جابعة وٌُصعب إشباعها. طوّ ري نفسنِ ، وعندبذ ربّما<br />
تصٌرٌن فرٌدة ال تتصنعٌن الولاحة وال التمنع أوالؽموض.<br />
دعً كلّ ذلن ٌتنبع من خبلٌان دون أن تُستدعى. أشعر أن علًَّ<br />
االعتراؾ أنً سؤظلّ أإمن أن لعابن سٌحمل معه دابماً طعم<br />
العسل. هٌا افعلً شٌباً كً ترٌنً إن كنتِ تستطٌعٌن إشعاري<br />
أن بإمكاننِ التجول فً أنحاء جسدي وتتولفٌن بعض الولت<br />
حٌث ٌطٌب لن؟! أتدركٌن أننا نكاد أن نُنهً حٌاكة لحن حبنا<br />
الخالد متبادلٌن "النوتات" عبر األثٌر وربّما ستحملها الفتة<br />
كبٌرة الحجم تحوي اللحن كامبلً مطبوعاً، ومفهوماً لكل من<br />
درس الموسٌمى بعمله وللبه. سٌحدث أمر عظٌم إن تمكّنا من<br />
تعلٌمها وسط منطادٌن مخطّط لهما أن ٌتجوّ ال بها فً أنحاء<br />
العالم. لمَ ال تفكرٌن باهتمامات أخرى وتمترحٌن على وزارة<br />
ٔٓ9
الثمافة أن تمٌم عٌداً ٌتبارى فٌه الموسٌمٌّون كلّ سنتٌن مثبلً،<br />
وٌكون الرابح من ٌضع فً لحنه عصارة مشاعره وأحبلمه<br />
ورإآه؟! ترى ماذا فً أعمالنِ ٌا بٌروت هل بعد هذه<br />
االنتصارات والجوالت والصوالت على مسرح الشبك، ال تزال<br />
األضواء تتآكلنِ وال تملكٌن المدرة على االنفكان عنها؟! مسكٌنة<br />
أنت ٌا بٌروت، فؤنتِ ممبلة على خوض حرب أهلٌّة مع نفسن،<br />
وا أسفاه تباً للحسد. إذ إنً أرى أنه ال ٌزال ٌشؽلن وٌمنع النوم<br />
من االستٌبلء علٌن فً الفراش فهنان تُحٌكٌن المإامرات<br />
وتهٌّ ِبٌن الفخاخ للتً ستخلفن لرٌباً.<br />
دعٌنً أروي لن حكاٌة صؽٌرة توضّح لن أن فً بٌروت<br />
أموراً كثٌرة تجري وأحبلماً ومشاعر تطرح وشماء ٌُنهن آماالَ<br />
ال تعرؾ لٌالٌنِ شٌباً عنها. إن الكثٌرٌن ٌرٌدون لبٌروت صورة<br />
أخرى، وصٌرورة مختلفة، وتحوّ الت بناءة.<br />
كان "نبٌل" شاباً مراهماً حالماً ٌحب اللٌل والظلمة ؼٌر<br />
الحالكة. فً تلن العتمة التً حاكها بنفسه وعمّرها كما ٌحلو له،<br />
أعاد صنع أحبلمه متذكراً المحبب إلٌه منها. ابتسم ابتسامة<br />
عرٌضة أدخلت إلٌه من خبللها فرحاً لم ٌعرفه ٌوماً فً حٌاته.<br />
لمد أراد أن ٌمفز وٌطٌر. إذ عرؾ أنه أستطاع منح أزلة مدٌنته<br />
لوناً أزرق ٌشبه السماء التً لطالما تشبّث بالنظر إلٌها، وتبادل<br />
معها األحادٌث طالباً منها أن تكون واسطة بٌنه وبٌن أمه التً<br />
تعامله معاملة سٌّبة وتضٌك علٌه الخناق. تولؾ للٌبلً بسبب<br />
عودة شعوره باإلحباط بعد لٌلة أمس التً أدرن فٌها أن الصدام<br />
بٌن آماله وأحبلمه بدأ باكراً ممّا أخذ ذلن ٌُضنٌه دون أن ٌدري<br />
كٌؾ ٌتخلّص من هذا المؤزق الكبٌر. لكن فجؤة أحسّ بنسٌم<br />
ٔٔٓ
مختلؾ آتٍ من مكان بعٌد ٌلفح روحه وٌمول له: إن البٌت ال<br />
ٌزال بعٌداً وعلٌه أن ٌمشً الهوٌنى وال ٌخشى شٌباً. أخذ ٌبتسم<br />
وهو ٌتباطؤ فً سٌره. المصادفة دفعته إلى االتجاه إلى أمام باب<br />
الحبلّ ق وٌمؾ هنان فاؼراً فاه. لكنه لم ٌستطع البماء طوٌبلً<br />
مذهوالً بعد أن تؤكّد أن ذلن الصوت المذهل الذي تسرّ ب إلٌه<br />
ٌنبعث من ذلن الدكّان نفسه. ترى ماذا لو دخلتُ وسمع ُت عن<br />
لرب ذلن الصوت المذهل الذي أنتشل لارب أحبلمً من<br />
الؽرق. ترى ماذا سٌحدث؟! شعرتُ بؤنً تجاوزتُ حدودي،<br />
ولٌس علًّ أن أفكر بهذه الطرٌمة. لكن ما الضٌر إذا دخلت،<br />
فؤنا ألبس أجمل ثٌابً؟! لم ٌستمر هذا "المنولوج" الذاتً طوٌبلً،<br />
فدخلتُ والتربتُ للٌبلً ثمّ تولفتُ . لست أدري كٌؾ شعرتُ بؤنً<br />
أالمس هذا الصوت المذهل وصاحبته دون أن تعترض. لمد<br />
هزّ ته شخصٌّة الصوت وكٌؾ ٌنساب من تلن الحنجرة الذهبٌّة<br />
بعنفوان وكبرٌاء ملفتان، كما أدهشتنً طرٌمة انطبلله وتمشٌّه<br />
فً هذه الدنٌا معتداً ؼٌر آبه بشًء. لكنه لم ٌلبث أن أدرن أنه<br />
أخطؤ بالفصل بٌن المؽنٌّة وشخصٌّة صوتها. إذ إن لٌس هنان<br />
سوى ذات واحدة تؽنً بصوت ٌسحك الملوب، وٌعبر عن ملكته<br />
المتوّ جة خٌر تعبٌر. ظلّ الفتى ٌستمع، لكنه فجؤة سؤل الحبلّ ق<br />
بصوت خفٌض مرتجؾ: إذا ما كان ٌمكنه أن ٌعرؾ من تكون<br />
صاحبة هذا الصوت األعجوبة؟!<br />
لماذا ٌهمّن األمر أٌها الصؽٌر؟!<br />
أنا أحبّ الموسٌمى والؽناء كثٌراً، وها أنا أشعر بؤن أعجوبة<br />
تتكون أمامً وتشدهنً. أنا ال أرٌد أن أكون متطفبلً، بل<br />
وأخشى أن أزعج أحداً. ترى هل انجررتُ إلى ذلن دون أن<br />
ٔٔٔ
أدري؟! أنا فً الحمٌمة ال أعرؾ كٌؾ انجرؾ كٌانً كله ساعٌاً<br />
كً ٌعرؾ من تكون تلن المعجزة؟! أنا مرتبن جدّاً أٌها السٌّد<br />
لبول اعتذاري<br />
أرجون بالدخول إلى دكّانن دون استبذان. الشدٌد.<br />
ال موجب لكلّ هذا. إذ إنً سررت بالتعرّ ؾ إلٌن. أنا أرى<br />
مبلمح شاب واعد أتمنى أن ٌخرج منه الكثٌر. إن من سمعتها<br />
تؽنً هً النجمة الساطعة "إٌدٌت بٌاؾ" إنها المنبلة التً فتحت<br />
فمها، فانفجرت وأصبحت شظاٌاها بلسماً ٌداوي الجراح وٌسمً<br />
العطاش إلى عطاٌا الخالك. ال تنس أن ترمً علًّ السبلم عندما<br />
تمرّ من هنا. كنتُ أتوجّس شراً وانا أتّجه إلى إلى البٌت. فً<br />
الطرٌك إلٌه لم أستطع إالّ التفكٌر بؤمً. من خبلل ذلن تذكر ُت<br />
الطبٌب الذي عالجنً بعد سنوات عدٌدة من هذا السٌاق الذي أنا<br />
بصدده اآلن. تذكرتُ أنً سؤلته إثر محاولتً الٌتٌمة لبلنتحار.<br />
للت: هل لمراهك جرى إلناعه منذ طفولته وبعد أعوام من<br />
مراهمته إن ما حدث وما ٌحدث فً اللٌل كان ٌعنً عكس ما<br />
اعتمد! بل كان إعبلناً صرٌحاً ٌحمل معه إلرار بٌولوجًّ<br />
بالدخول إلى مرحلة الرجولة، التً ال بدَّ أن تتؤخر بعض<br />
الولت. أما أنا، فكنتُ فً تلن اآلونة أرٌد الهرب فحسب. إذ إن<br />
شعوري بالندم كان ٌستبدّ بً أكثر ممّا اعتادت أمً أن تفعل فً<br />
األولات لكن شٌباً ؼرٌباً أثار انتباهً ودفعنً إلى التساإل عن<br />
مصدر تلن الجرأة المفاجبة التً أشعلت لً كٌانً شجاعة لم<br />
أحلم أن أحظى بها ٌوماً. إذ إن األمر كان مثل تلن العبارة لتً<br />
لٌلت على لسان المدٌر" كن فكان". هكذا دخلت إلى ذلن الدكان<br />
حامبلّ معً شجاعتً، دون أن ٌكون لً أٌّة عبللة به ال من<br />
لرٌب أو من بعٌد. لكن سإاالً آخر مرعباً أطلّ برأسه وبمً<br />
ٕٔٔ
ٌتردّد فً داخلً، وفٌه أسؤل ربًّ كٌؾ أختفً من وجه أمً وما<br />
ٌمكن أن تبٌّته لً؟! إذ إنها تعرفنً جٌداً ولم ٌكن لدٌها أيّ شًء<br />
تفعله سوى مرالبتً طوال تلن السنوات التً أبادت عٌناها<br />
الواسعتان الكثٌر من أحبلمً وتطلّعاتً. كنا نحن االثنان نعرؾ<br />
بعضنا بعضاً جٌّداً. لم أنتظر طوٌبلً، إذ كاد هجوم االختناق أن<br />
ٌمضً علًّ، فسارعتُ إلى المول لم ٌحدث ما ٌستحك الذكر ٌا<br />
أماه، فعندما دخلت إلى ذلن المكان لم ٌكن فً رأسً سوى<br />
رؼبة طفولٌّة شدٌدة فً سماع ذلن الصوت الذي اعتبرته ٌوجه<br />
كلماته ورنٌنه العجٌب إلًّ وحدي، فاعتبرته بكلٌّتً أنه<br />
اكتشافً. إذ كان فٌه كلّ ما أحلم به: من العنفوان والحب،<br />
وكذلن النضال الحمٌمً المستمٌت فً سبٌل انتشال الممهورٌن<br />
من محنتهم وشعورهم الدابم بالمهانة. لمد كدت أن أطٌر ٌملإنً<br />
الفخر محاوالً رفع ذاتً عن األرض ألحلّك بعٌداً، لست أدري<br />
ٌا أماه؟! ربّما كان ٌبؽً أن ٌرسلنً إلى السماء إلٌصال رسالة<br />
ما. كما أنً كنت أسمع صوتاً آخر ٌرافك صوتها الذي ٌمتلا<br />
بالثورة والثوّ ار، ٌحملون األعبلم وترافمهم األناشٌد والموسٌمى<br />
الخارجة هً والبهجة من اآلالت النحاسٌّة الرابعة، مسرعٌن<br />
الخطى، تملإهم الحماسة كؤنهم على موعد لرٌب مع التحام<br />
"الباستٌل". كان ذلن الصوت اآلخر ٌشبه صوتها، لكنه كان آتٌاً<br />
من بعٌد خفٌضاً. أظن أنً الوحٌد الذي كنتُ أسمعه. أدركت<br />
ذلن ألنً لم ألحظ أن أحداً استؽرب من وجود ذلن الصوت<br />
المرافك. كان فٌه بعض من نحٌب واسترحام ٌمول لً: أنا<br />
أحتضر ٌا "نبٌل". أرجو أن تطلب من الرب أن ٌسارع إلى مد<br />
ٌده وٌرفعنً إلٌه. لمد كان فً ذلن الصوت نب ٌل لٌس من دنٌانا،<br />
لكن بعد بعض الولت انتبه البعض إلٌه وأدركوا أنه ٌملن<br />
مخارج حروؾ لادرة على التحدث إلى كلّ أنواع المشاعر<br />
ٖٔٔ
وتجعلها تنصت إلٌه وتنتشلها من الظلمة والظلم. إذ كانت تضع<br />
فً كلّ رسالة لصٌرة ترسلها إلى أيّ إنسان لطعة صؽٌرة من<br />
للبها المتهاوي. لستُ أدري كٌؾ فهمتُ أنها رأت صعوبة فً<br />
إفهام الموجودٌن فً دكان الحبلق ما ترٌد المول. لكنها أعادت<br />
ؼناء األؼنٌة نفسها بطرٌمة مختلفة بحٌث وضعت لكل حرؾ<br />
من حروفها نوتة مختلفة، فكان فتحاً جدٌداً فً التخاطر. نبٌل<br />
كان ٌكرّ ر ألمه: كنتُ أسمعه بوضوح ٌمول: هل تسمعنً ٌا<br />
نبٌل؟! ال تنسنً أرجون. هذا كلّ ما حدث ٌا أماه.<br />
هل تحاول استؽباء أمّن ٌا ولد؟! هٌا لل لً من أٌن أخذت تلن<br />
الجرأة لتدخل إلى ملكٌّة الؽٌر لمجرد سماع أؼنٌة؟! من تظن<br />
نفسن؟! ثمَّ منذ متى تفهم فً األؼانً وموسٌماها ومعانٌها، وفً<br />
الثورة والثوّ ار؟! آه منن ٌا ولد. ٌبدو أنً لد أضعتن. لل لً من<br />
تعاشر دون علمً؟! ثمَّ لماذا ترتجؾ من االرتبان، هل لمت<br />
بحمالة ما هنان؟! ترى هل صفّمت لتلن المنحطّة داخل الدكان.<br />
أظن أن علً طردن من البٌت كما طردتُ أبان.<br />
كنت أرتجؾ من الخوؾ ٌا أمً، ومرتبكاً كثٌراً ألن ذكورتً<br />
استفالت هنان فً وضح النهار ٌا أمً. العهد المدٌم مضى<br />
وانطفؤت نجومه، لمد أصبح اسمه العهد الؽابر، أنا لم أعد<br />
أخشان. هل تفهمٌن ما ألول؟! كما أنً أعرؾ ما حدث تماماً ٌا<br />
أمً، وأنن ال تجرُ بٌن على ما تدعٌه. ألم ٌكفنِ ما حدث؟! أنا<br />
أعرؾ ما جرى تماماً وأدرن أنن تكذبٌن. لكنن كنتِ ؼشٌمة،<br />
إذ إن أبً كان فرحاً عندما ترن لنِ كلّ شًء ورحل. لمد<br />
تخلّص منن بإرادتن. هذا ما فعله تماماً ٌا أمً. أنتِ لم تطردي<br />
أبً ٌا أماه وال تستطٌعٌن طردي فؤنا أملن فً منزل أبً أكثر<br />
ٔٔٗ
ممّا تملكٌن. ال ٌزال البٌت باسمه، إننً ألترب من الدخول إلى<br />
الخامسة عشرة، إنها بضعة أٌام وأدخل إلى مرحلة الرجولة<br />
دون أن أعرؾ عن أبً شٌباً، وال أٌن هو. أنت وحد ِن التً تعلم<br />
علم الٌمٌن أنه حًّ وال ٌزال ٌرسل لن المال إلعالتً؟!<br />
هل تحاكمنً ٌا نبٌل؟!<br />
حاشا ٌا أماه. لكنً لد أفعل إن تمادٌت فً إذاللً وجرح<br />
كرامتً. لمد بصمت علٌنِ عمتً وهً تحذّرنً مننِ لبل وفاتها<br />
بعدّة أٌّام. افهمٌنً جٌّداً: منذ هذه اللحظة لن أسمح لنِ بالصراخ<br />
فً وجهً، أنا لم أرتكب أي خطؤ، حاولً أن تتذكّري منذ اآلن<br />
أنً لن أدع صوتن ٌرعب البلد وٌحطم زجاج النوافذ فً ك ّل<br />
مكان. لمد سمعتُهم ٌتوشوشون وهم ٌتحدّثون همساً عن صوتن<br />
الشٌطانً الكرٌه. سؤعلّمهم أالّ ٌخشونن بعد الٌوم. الحبلّ ق كان<br />
لطٌفاً معً وٌملن ما ٌسمع به االسطوانات ولكنه أكثر حداثة<br />
من ذلن الذي نملكه وأرسلته إلى المبو المبر الذي ٌموت فٌه ك ّل<br />
شًء. أنا لن ألبل بعد الٌوم أن ترفعً صوتن فً وجهً مهما<br />
كان السبب. لم تعد السلطة فً ٌدن، بل عادت إلى الشعب الذي<br />
أصبحتُ أمثّله سؤلاومن بكل الطرق الممكنة حذار. لن أهرب<br />
من البٌت مثل والدي الذي فرَّ من طؽٌانن فً اللٌل البهٌم. هذا<br />
بٌتً ووطنً. إٌّانِ أن تحولً بٌنً وبٌن ما أرٌده لمستمبلً.<br />
ماذا سٌكون ردّ فعل الجٌران؟!<br />
ٔٔ٘
أحماً ال تعرفٌن أالّ أحد ٌطٌك وجودن. إن كنت ال تدركٌن ذلن<br />
علٌنِ أن تستمٌلً من تسلّطن الفج الذي ال ٌحتمل، ودعٌنا نعٌش<br />
ككلّ الناس ونتخلّص من صوتن المبٌح.<br />
ٌا لولاحتن البؽٌضة. هل أتٌت بكلّ هذا من دكّان الحبلّق؟!<br />
سٌسرُّ لو عرؾ ما تمولٌن. الحبلّق ٌعرؾ كٌؾ ٌتكلّم بتهذٌب<br />
بٌنما أنتِ ال تعرفٌن شٌباً عن اللبالة وكٌؾ على اإلنسان أن<br />
ٌحترم اآلخر.<br />
عاملٌنً بلطؾ،<br />
إلى رشدن.<br />
إذ إن هذا سٌكون إشارة للجمٌع على<br />
عودتن<br />
هل تمٌلنً من مهامً كؤم؟!<br />
اسؤلً نفسن: هل عرفتِ ٌوماً مهامن كزوجة، وترٌدٌن أن<br />
أتعامى عن كلّ شًء وأصدّق أن بإمكانن أن تصبحً أماً فً<br />
لحظات؟!<br />
أنتهى زٌاد من حدٌثه عندما كانت بٌروت تبتسم ساخرة لابلة:<br />
ماذا ٌحدث لن ٌا زٌاد لماذا رمٌتنً وسط الحٌرة، فؤنا لم أعهدن<br />
تهتم بمثل هذه المصص الساذجة السخٌفة، ترى هل بدأت تبشّر<br />
بجنس مختلؾ؟!<br />
لم تصٌبً الهدؾ ٌا بٌروت مثل حالنِ فً هذه األٌام. إذ إن<br />
هذه المصّة فٌها الكثٌر ممّا خفً عنن. لمد نشرت فً المدرسة<br />
ٔٔٙ
األمرٌكٌّة لتوحٌد المناهج. وأنا ألصد منها الؽمز من لناتن<br />
والتؤكٌد أن "إٌدٌت" األشهر بٌن الفنّانات الفرنسٌّات لد نملها<br />
المدٌر من دنٌانا بعد شهر واحد من نشر لصّة "نبٌل" وأسكنها<br />
لربه لٌرٌحها من معاناتها فً تلن الحٌاة الفانٌة. لن تفٌدن<br />
ادّعاءاتنِ ٌا بٌروت فالمصة أخذت مكانها فً التارٌخ، وٌكاد<br />
الحبلّق أن ٌُجنّ وهو ال ٌزال ٌبحث عن الشاب لٌفهم منه كلّ ما<br />
فهمه من ذلن الصوت الذي كان ٌرافك صوت المؽنٌّة الشهٌرة.<br />
رؼم كلّ شًء، كان ال بدّ من متابعة ما كنت أكتبه عنن ٌا<br />
بٌروت متجاهبلً ولاحتن وافتمارن للوفاء. إنً آسؾ لما آلت<br />
إلٌه أُمورن وأنت تلجٌن إلى نهاٌتن الممجوجة والخالٌة حتّى<br />
من شفمة الذٌن كانوا من الممرّ بٌن. ٌإلمنً أن أران تخسرٌن<br />
كلّ شًء حتّى لٌل إنن تظنٌّن وستفاجبٌن الجمٌع أنن مستثناء<br />
من الموت. ارحمً نفسن وال تدخلً إلى الضٌاع أرجو ِن إذ ال<br />
أحد بإمكانه استثناء نفسه من الموت إ ّال تلن التً بدأت فً<br />
إضاعة توازنها والطرٌك التً تلتمً فٌها بمناعتها. سٌؤتً ذلن<br />
الٌوم الذي ستذرفٌن فٌه الكثٌر من الدموع ٌا بٌروت عندما<br />
تعلمٌن أنً وسط المعاناة صرتُ أفمد االهتمام بنفسً وأتحول<br />
شٌباً فشٌباً إلى رماد ٌنتظر الرٌح كً تؤخذه إلى مدفؤتنِ . إذ ربّما<br />
تعٌد إلًَّ تلن النار بالذات بعض الروح، وأسمعنِ تدمدمٌن ثمَّ ال<br />
تلبثٌن أن ٌعجبنِ األمر وتبدبٌن بؽناء ذلن الممطع الذي تمول فٌه<br />
أم كلثوم" ما بٌن لربن وشولً إلٌن، وبٌن بعدن وخوفً علٌن<br />
دلٌلً أحتار وحٌّرنً". لكنً أحذّرنِ من االتكال على جبنً،<br />
فمد ٌعطٌنً الذل بعض الموّ ة لملٌل من الولت فؤلتلنِ . إذا لم<br />
ٌحدث هذا ثمً بؤنً سؤخرج من أسرنِ ٌوماً، ممتلباً بالجراح،<br />
ثمَّ ال ألبث أن الرع بابن فً ٌوم آخر عندما تاتٌنً وشوشة من<br />
الخونة الذٌن ٌُحٌطون بنِ تمول: إنن ؼارلة فً حزن عمٌك بعد<br />
ٔٔ7
أن مرّ العمر، دون أن تعرفً كٌؾ تعطٌن لكلّ طارق على<br />
بابنِ ما ٌطلبه من الحب. سؤلول لنِ بكلّ ما عندي ممّا ٌتدفك<br />
من ذلن الملب وٌروي الروح: طوبى للذي أعطانا للباً ومؤله<br />
باإلحساس المرهؾ. من ذلن الملب نفسه ألول لنِ : إن عهدن<br />
ماضٍ بخطىً متسارعة إلى األفول. إذ إنً أمتلا إدراكاً أنً لن<br />
أران مجدّداً مشعّة مضٌبة. اسمحً لً أن ألرأ لن ممطعاً من<br />
نبوءة النبً أشعٌاء.<br />
"تسمعون سمعاً فبل تفهمون<br />
وتنظرون نظراً فبل تبصرون<br />
لمد ؼلظ للب هذا الشؽب<br />
فؤصمّوا آذانهم عن السماع<br />
وأؼمضوا عٌونهم لببل ٌبصروا بعٌونهم<br />
وٌسمعوا بآذانهم وٌفهموا بملوبهم<br />
وٌتوبوا فؤشفٌهم<br />
أنا أنوي فً نهاٌة المطاؾ أن أعٌش حٌث تعٌشٌن وسترٌن<br />
أنً ال أطلب شٌباً لنفسً. لكن وجودي سٌكون وجوداً فاعبلً<br />
ٔٔ8
بالتؤكٌد. أي أنً رؼم شعوري بؤن أنفاسنِ ال تزال تلفح وجهً،<br />
سؤشارن فً بناء الهوت جدٌد مستؽفراً العلً لبل أن ألول إنه<br />
ٌُتعب أبناءه وهو الذي ال حدود لحبه، فٌتسللون فً اللٌل البهٌم<br />
لٌسبحوا فً نهر الوثنٌة، معانمٌن األصنام الواسعة العٌون. إن<br />
حٌاتً بعد هذا التارٌخ لن ٌعنٌها التفرّ ج على األشٌاء أو<br />
الظواهر الؽرٌبة، أو المٌام ببعض المماببلت المسلٌّة ومعرفة<br />
بعض ما ٌحدث بٌن حبٌبٌن، فؤنا أعرؾ أن المرأة هً المرأة<br />
دابماً، أما الرجل فٌبمى ٌتوق إلى طفولته، وربّما إلى ذلن الرحم<br />
الذي جاء منه.<br />
ماذا حدث ٌا بٌروت وجعلن عاجزة عن طرد الشٌطان الذي<br />
دخل إلى حٌاتن وأخذ ٌتبلعب بها. هل الدهر ًجعلنِ تضعفٌن<br />
وٌسري فً جسدنِ الوهن، وٌتسلّل إلٌن خوؾ عمٌك ال ٌمكن<br />
تبرٌره؟! هٌا دعٌنً أسمع إن كان هنان ما تخفٌه؟! هل هذا من<br />
شٌمنِ ٌا بٌروت؟! ماذا حدث ٌا لعبتً التً تعلّمت كٌؾ تلوي<br />
األذرع ؟! لمد كنت تستطٌعٌن حشد المبلٌٌن وراءن وتدفعٌنهم<br />
إلى رفع شعاراتن، مطالبٌن بإلحاح ما تلحٌّن فً طلبه. لولً لً<br />
ماذا ٌحدث حماً فً داخلن، ترى هل ٌهدّدن أحد بؤن ٌكشؾ<br />
المستور؟! ألستِ من ٌحجب المعلومات التً ٌملكها عن<br />
الجمٌع؟! مطلوب مننِ ٌا بٌروت بعد أن طال الممام، إما إظهار<br />
الموّ ة وحسم هذا الذي ٌدور حولن وحول صمتنِ المرٌب، أو أن<br />
توضّبً حاجٌّاتنِ وأسرارن وترحلٌن إلى مكان ترتاحٌن إلٌه<br />
صٌفاً وشتاءً. باشري باستشاراتن فتضعٌن مصدالٌتن فً أٌدي<br />
من ٌهمهم األمر. دعٌنً أذكّرنِ ٌا بٌروت أن الطفل ٌولد وٌنمو<br />
بشكل هادئ طبٌعً. لكن ما هو ممتع حماً، التفرغ له بعض<br />
الولت ٌومٌّاً، لمرالبته وهو ٌتؽٌّر مع األٌّام. إن مثل هذا األمر<br />
ٔٔ9
ٌجعل تموٌم بعض االنحرافات سهل المنال. بعد حٌن ستفاجبٌن<br />
عندما تجدٌن عمبلً ٌفهم وٌمٌّز وٌدرن، وتظهر عٌناه تعجّباً مما<br />
ٌراه. بعد بعض الولت سٌسؤلنِ وٌحاججنِ دون خجل. فً تلن<br />
اللحظات ستدركٌن أن الحٌاة وجدت بإرادة من أوجدها، لكن<br />
لٌس لمجرّ د الوجود. لمد كلّفها الخالك بمهام عدٌدة كما رأٌنا<br />
ولرأنا وعشنا واختبرنا. سنشاركها كتابة التارٌخ بالتؤكٌد كما<br />
فعل الذٌن سبمونا.<br />
اإلرادة الحٌّة ؼٌر المابلة للفناء تضع نفسها دابماً، فً خدمة<br />
الذٌن ٌرٌدون تحمٌك خطة الرب باالرتماء بالحٌاة وبؤنفسهم.<br />
طرٌمهم إلى ذلن ٌعرفونه وهو االتصال بؤعمالهم والتواصل<br />
معها باستمرار، من أجل تحفٌز براعتهم وتولهم إلى تكوٌن<br />
الجمال وإظهاره بؤفضل الصور، ثمَّ العمل على نشره فً ك ّل<br />
مكان. هكذا ٌصبح الوجود وجوداً فاعبل متحرّ كاً ارتمابٌّاً ملكٌّته<br />
اشتراكٌّة تشمل جمٌع البشر. هكذا نؤمل أن تكون ثمافة النصؾ<br />
الثانً من المرن الواحد والعشرٌن، الذي سٌمع على عاتمه حمل<br />
المشعل إلٌصال اإلنسان إلى التفاهم مع روحه، وإلؽاء التنالض<br />
بٌنهما إلدامة عملٌة االرتماء واستبصال الٌؤس من أحشاء<br />
التارٌخ.<br />
أنتِ تدركٌن لمَ لم أعد أضاجعنِ ٌا بٌروت فؤنتِ ال تزالٌن<br />
تستمتعٌن باالفتراس، بل إنه أصبح الشكل الذي ٌناسبن من<br />
المضاجعة. أنا أتؽٌر مع األٌّام ٌا بٌروت إذ إنً أسعى فً ربٌع<br />
كهذا لٌتوحّد كٌانً مع شجرة زٌتون، وٌؽوص إلى جذورها<br />
العمٌمة، متوؼّبلً إلى حٌث أجد بعضاً منها لد جرى التخلً عنها<br />
ألنها لم تعد تجدي نفعاً، فً الولت نفسه الذي ٌتناثر بعض<br />
ٕٔٓ
أورالها من كلّ مكان تعتز به. كؤنها تؽٌّر ثٌابها لتحدث تؽٌٌراً<br />
فً طلّتها إضافة إلى ألمها. الشجرة فهمت هذه الحالة الؽرٌبة<br />
التً أسعى لتحمٌمها، فؤسرعت باالستجابة، مستسلمة لمضاجعة<br />
لٌس فٌها ؼبن، بحٌث جعلت فكرة الؽلبة تتخلّى عن جوهرها إذ<br />
إنها فمدت معناها. هكذا تخرج المساواة من الماع فً اللحظة<br />
نفسها التً ندخل سوٌّة فً استمتاع شدٌد، ٌتبعه انتشاء ٌطول<br />
حتى نصل إلى الدخول فً النوم العمٌك معاً. لست أدري كٌؾ<br />
نمتُ وسط هذا االحتشاد العاطفً وتلن األوركسترا التً ظلّت<br />
تعزؾ طول اللٌل؟! وبذلت جهداً كبٌراً لتخفٌض ما أمكن من<br />
صوت الموسٌمى لتساعد الذٌن أعٌاهم التعب ووصل بهم األمر<br />
إلى أن تُجر أعصابهم مع أجسادهم إلى الفراش. لكنً عندما<br />
استفمتُ كنتُ سعٌداً ٌملإنً شعور بؤنً أرؼب فً معانمة<br />
الصباح. لكن رؼم أنً امتؤلت إدراكاً بما حدث، فمد اكتشف ُت<br />
أنً كنتُ وحٌداً فً اللٌلة الفابتة ولم ٌشاركنً أحد فً فراشً.<br />
ضحكت من أعماق للبً، فلو كان الحلم من لحم ودم لملتُ له:<br />
مرحى لمد انطلت علًَّ لعبتن وانجزت مهمّتن تماماً، إذ إنً ال<br />
أزال أمضػ تفاصٌلها. بعد أن اؼتسلتُ انتمٌت ثٌاباً للخروج،<br />
لبل أن ألرّ ر أٌن ستكون وجهتً. تولفتُ برهة هنان مملّباً فكرة<br />
راودتنً بالذهاب إلى تفمّد عمّتً. لكنً للتُ لنفسً: أنا أعرؾ<br />
فً أي شارع ٌمع بٌتها، لكن أنا ال أعرفها وكذلن هً، فمد<br />
حدث أنها لم تمم بزٌارتنا منذ والدتً سوى مرّ ة واحدة، وبعد<br />
ذلن انفجرت الحرب العالمٌة الثالثة بٌن اللبوتٌن اللتٌن تمثّبلن<br />
أُمً وعمتً، وانمطعت العبللات بٌنهما. ث َّم بعد ذلن لم ٌمترب<br />
أحد من هذ الموضوع على ما أعتمد؟! ألٌس معموالً أن أجد<br />
أمامً امرأة خرفة، أو ربّما رأى الخالك أن الولت لد حان،<br />
فؤرسل فً طلبها دون أن ٌترن لها المجال لتوصل أيَّ خبر.<br />
ٕٔٔ
للتُ فً نفسً: ترى هل ٌدرن الناس فً بعض األحٌان أنهم<br />
سخفاء، كما أدرن أنً كذلن فً أؼلب األحٌان؟!<br />
ترى هل سؤستطٌع االنفكان عنن ٌا بٌروت رؼم أن أجواءنِ<br />
ملبّدة بالؽٌوم؟! إنً أستؽرب لمَ تتجاهلٌن عمداً ما أنت فٌه. إنً<br />
لم أرنِ ٌوماَ ترتكبٌن مثل هذه الحمالات وأنتِ فً ذروة لوّ تنِ ،<br />
فكٌؾ تفعلٌن إزاء ما ٌكشؾ وجهنِ لبل أن تستري عٌوبه<br />
وتظهرٌن كامرأة كان علٌها أن تتماعد منذ سنوات. هل تعرفٌن<br />
أن األلسن بدأت تجهر علنا، مطالبة بمعالبة من أطلك علٌنِ<br />
اسم بٌروت وهو اسم مدٌنة تشترن مع المبلبل اللواتً مثلها فً<br />
تنوٌر العالم، وفً الولت نفسه جاء من منح هذا االسم الطاهر<br />
المرأة خرفة ال تحمل فً ذاتها شٌباً من العفّة والطهر؟! هل<br />
تسمعٌن ما تمول اإلشاعات ٌا بٌروت؟! لمد أصبحوا ٌشٌرون<br />
إلٌن باألصبع لابلٌن: إننِ أبمٌت بعض اإلسرابٌلٌٌّن فً لبنان<br />
ولمتِ بإجراء بعد العملٌّات التجمٌلٌّة لهم، بحٌث أختفت األنوؾ<br />
الٌهودٌة والوشوم البارزة فً بعض األماكن الحسّاسة، وكذلن<br />
أمرت بإزالة بعض األمور السطحٌّة التً ٌمكنها أن تزرع<br />
الشنَّ فً للب األم إذا جاء ابنها لزٌارتها بعد إتمام مهمته فً<br />
لبنان. ألم تشبعً ٌا بٌروت بعد؟! أهكذا تعاملٌن ببلدن التً<br />
حضنتنِ ؟! لمد أعطونِ أسم بٌروت تٌمّناً بمدٌنة بٌروت العظٌمة<br />
التً ألٌمت فٌها فً المرن الثالث المٌبلدي مدرسة للحموق<br />
نافست مدرستً أثٌنا واإلسكندرٌّة. ترى من ٌساعدنِ فً حماٌة<br />
أولبن اإلسرابٌلٌٌّن؟! ومن ٌستبدل بعضهم كلّ مدّة وفك هذا<br />
المخطط الجهنّمً الذي ٌمر بإسرابٌل بعد واشنطن لٌنال بركتها<br />
ورضاها، وهنا تنمطع معلوماتً. إذ إن شهرزاد لالت لً:<br />
سٌزٌلونً من التارٌخ إذا واصلتُ إذاعة األسرار المذهلة ومن<br />
ٕٕٔ
ٌدفع المال البلزم لكل ما ٌجري ولمَ تزداد أعداد فمراء العرب؟!<br />
ترى أال ٌزال اإلسرابٌلٌّون ٌؽدلون علٌنِ المال والمجوهرات<br />
لتمولً لهم ما تسمعٌن وتشاهدٌن؟!! ال بدّ من أن أتمكَّن من<br />
هجرنِ ال محالة ٌا حبً المدٌم، وسؤحرمن من أن تكونً فً<br />
كلّ مكان. دمشمً تماوم األفاعً ٌا بٌروت بشراسة الذي ٌرفض<br />
أن ٌبٌع كلّ شًء، أما أنتِ، فبل تزالٌن تستمربٌن الرلص معها<br />
تارة، وتارة أخرى تطلبٌن منها أن تسترخً وترٌح أعصابها<br />
وتتفرّ ج علٌن كٌؾ ترلصٌن لها رلصة الهوانم. ارسلً إلى<br />
دمشمً السمّ الذي تحسنً صنعه ٌا بٌروت إنها جارتنِ ، ومن<br />
واجبنِ مساعدتِها على الفتن بهم وببٌوضهم. إٌان واللإم ٌا<br />
بٌروت، فدمشمً لم تإذن ٌوماً، فمن فعلوا ذلن هم الوحوش<br />
الذٌن فً ؼفلة عنها لاموا ببٌعها إلى الؽجر الذٌن عاثوا فٌها<br />
فساداً. كٌؾ نسٌتِ أن "جبران" و"شارل مالن" وكثٌرٌن ؼٌرهم<br />
من الذٌن خرجوا من أحشابنِ وتفخرٌن أننِ لمّا تزالٌن تتجوّ لٌن<br />
مع أرواحهم، وعلّمونِ كٌؾ تصبحٌن لادرة على أن تماومً<br />
شٌاطٌن اللٌل البهٌم، وتطردٌهم من فنابن. ٌبدو أنن ٌا بٌروت<br />
بدأتِ تشٌخٌن ونسٌت مشهد أولبن الشٌاطٌن وطرٌمتهم فً<br />
مسابمة الرٌح وهم ٌلوذون بالفرار تبلحمهم النار التً لٌست<br />
مثل أي نار ٌحملونها فرادى.<br />
آه ٌا بٌروت كم كذبتُ حتى أصٌر مثل عماربنِ ، أعٌش بٌنهم<br />
وأتعلّم أٌن تخفٌن خططنِ وكٌؾ تبتكرٌن مراوؼاتن وحٌلن؟!<br />
ترى هل تعرفٌن أٌن تخببٌن كنوزن وخزابن أموالن؟! أال<br />
تمربٌن ما ٌتوشوشون به أبناإن؟! مثل ذلن الكبٌر "شارل<br />
مالن" الذي كتب ٌمول: " أٌن نحن لوال إنجازات لمم الروح فً<br />
التارٌخ؟! أٌن نحن لوال فن الٌونانٌٌّن األلدمٌن وفكرهم؟! أٌن<br />
ٕٖٔ
نحن لوال المانون الرومانً؟! أٌن نحن لوال التراث العبرانً<br />
المدوّ ن فً العهد المدٌم؟! أٌن نحن لوال التراث البٌزنطً الذي<br />
فعل فعبل خبلّلاً فً الشرق األوسط وفً الؽرب ولدى المسلمٌن<br />
وفً ببلد الروس وأوروبّا؟! أٌن نحن لوال أثر العرب<br />
والمسلمٌن فً شتّى جوانب الحضارة التً أسهمت مساهمة<br />
فعّالة فً هذا التراكم الحضاري الذي نتعامل معه فً هذا<br />
المرن؟! أٌن نحن لوال الفن اإلٌطالً والدٌمولراطٌّة اإلنكلٌزٌّة،<br />
والفكر والتنظٌم األلمانٌّان، والروح اإلنسانٌّة الفرنسٌّة، واألدب<br />
الروسً العظٌم فً المرن التاسع عشر، والنزعة الروسٌّة<br />
الحدٌثة إلى العدالة االلتصادٌة، وأثر الوالٌات المتحدة<br />
األمرٌكٌة الحضاري والمادي فً العالم كلّه، ال سٌّما فٌنا نحن<br />
بوساطة فعلها المباشر ونشاط المؽتربٌن فٌها.<br />
كلّ ما أعرفه أن الرٌح التً أخذتنً إلى "زنوبٌا" ملكة<br />
الصحراء داعبتنً، لبل أن أرى ملكة عربٌّة تتمشى وسط تلن<br />
األعمدة الشامخة الرابعة الجمال، المصطفّة لرب بعضها<br />
بعضاً، مشكّلة الروعة التً نظن أننا لد نعرؾ الكثٌر من<br />
صورها، وتلن التً لن نعاٌن بهاءها ونحن ال نزال ضمن<br />
الزمن. سننشدُّ بكلٌّتنا إلى ذلن الجمال الذي اشرأب ضمن<br />
الصحراء لٌعكس لنا ماذا ٌحدث فً األفك وكٌؾ ٌخلط الرب<br />
األلوان وٌإلّؾ منها ذلن التناؼم والسحر العجٌب الذي ٌمول<br />
لن: إن الخالك بدأ الرسم الحدٌث لبل التارٌخ، منتظراً تطوّ ر<br />
البشرٌّة لتدرن أهمٌّة ما ٌحدث فً األفك، وهو الذي أعطانا<br />
اللؽة لئلسراع فً تخطًّ الزمن ولكننا تلكؤنا، وأظن أننا كنا<br />
لصٌريّ النظر ووجدنا أن الجدل السفسطابً سٌكون مسلٌّاً<br />
أكثر.<br />
ٕٔٗ
كان المؽٌب ٌتحضر لٌرالص ألوانه التً ٌؽدق بها الربّ ببل<br />
حساب، رؼم معرفتها أن من ٌرسلها إلٌه سٌسمط مؽشٌّاً علٌه<br />
عندما ٌحٌن ولت مؽادرتها إلى شؤنها دون أن تُرسل له لبلة<br />
طابرة. التفتُّ ٌمنة وٌسرة أبحث عن تلن التً ترفل بؤلبستها<br />
الملكٌّة، وٌكسو وجهها اإلباء وتتنبّع منها أصالة تشع بإشعاع<br />
هادئ ٌثر العجب وٌترن وراءه وشوشة تبمى فً رأسن تعٌد<br />
نفسها حتّى تزول عندما تفهمها. سمعتُ صوتا رجولٌاً كؤنه آتٍ<br />
من بعٌد وتعٌد تردٌد صداه تلن األعمدة التً تشهد للتارٌخ وإلى<br />
أهمٌّّة الماضً فً تكوٌن اإلنسان. كان ذلن الصوت ٌخرج فً<br />
الولت نفسه من كلّ تلن الصروح لاببل: إن كنت تبحث عن<br />
ملكة الملون، فهً تمضً ولتها هابمة فً سورٌّة الحبٌبة كلّها،<br />
تذرؾ الدموع حزٌنة الملب، تصلًّ إلى هللا أن ٌعفٌها من ذلن<br />
المشهد ألذي ٌختلط فٌه ذبح األطفال والنساء وتمطّع فٌه أوصال<br />
الرجال والشٌوخ، وٌُمثّل بجثثهم بؤبشع ما ٌملكه العدو فً<br />
مخٌّلته من صور تعود وتؽرٌه أن ٌفعل المزٌد.<br />
هل أستطٌع التكلّم معها؟<br />
ٌإسفنً إخبارن أنه ال ٌمكنن ذلن، فحٌث هً تتمشٌن خٌط<br />
الحرٌر ٌتم التواصل بٌنها وبٌن الؽٌر بالفِكر والمشاعر<br />
واألحاسٌس مهما كانت مبهمة. كما لٌس مطلوباً كً ٌفعّل<br />
الحوار، أن تكون المسافة بٌن الطرفٌن لصٌرة. إذ مهما كان<br />
البعد بٌن من ٌبؽون التحدّث فً أمر، فسٌحصل ذلن على النحو<br />
نفسه. هنان ٌا سٌّدي ال حاجة للسمع أو النظر. لكن الخالك على<br />
ما ٌبدو ترن العٌنٌن واألذنٌن حرصاً ؼلى الناحٌة الجمالٌّة.<br />
أظنّ ٌا سٌّدي أن ما ترٌد لوله للملكة السابمة لد وصل إلٌها<br />
ٕٔ٘
بدون أي شنّ . شكراً للرب، فمد أعاد إلٌها إعتبارها، بعد أن<br />
حرّ رها الموت من سجّانٌها. إنها ترجو أن تسؤلن فً أمر: ترى<br />
ألم تصل بعد كلمة هللا إلى أولبن العطاش إلى الدماء؟!<br />
كان علًَّ أن أعود ألُفسح المجال لفلٌسوفنا الكبٌر "شارل<br />
مالن" أن ٌتابع ما كان لد بدأه بناء على طلبً لاببلً: ال شًء فً<br />
الحاضر ما عدا العلم والتكنولوجٌا ٌمترب نوعاً وكٌفاً وخطورة،<br />
من إنجازات التارٌخ. ال شًء فً الحاضر ٌمرب إلى<br />
"سوفوكلٌس" "وأرسطو" وخبرة وحكمة تبلمٌذ المسٌح<br />
وأوؼوسطٌنوس ودانته وباخ وبٌتهوفن وموزارت وكانتْ<br />
ودوستوٌفسكً" ترى من دفع فلٌسوفنا الكبٌر لٌعٌد تذكٌرنا<br />
ببرٌك تلن الجواهر؟! أهً الزهرة المختفٌة فٌنِ ٌا بٌروت، أم<br />
الشوكة التً سبك أن وضعتِها فً متناول ٌدن، لتسرعً فً<br />
استعمالها متى تعكّر مزاجن ولم ٌكفنِ برٌك الذهب الذي وصل<br />
إلٌنِ فً اللٌلة الفابتة، لماء المتعة التً مضؽها حتّى الشبع ذلن<br />
األمٌر العربً. تلن الشوكة أذالت مرّ ها ووجعها للكثٌرٌن من<br />
أصماع الدنٌا حسب ما علمتُ من الذٌن خبرون ٌا بٌروت!!<br />
أعتمد أنه ألمر صحً أن نكؾّ عن الخوؾ من العظام. إنهم<br />
ال ٌسعون وراء الذهب، وال عن الممم لٌجلسوا علٌها منفوخٌن<br />
ٌتجشإون. إنهم ٌتولون فمط لٌكونوا عظاماً فً ضمٌر أمتهم<br />
وذواتهم على أالّ ٌفصحوا عن ذلن. أما إن أعطى الرب أكثر<br />
فاألمر سٌثلج صدورهم، لكن الرب لم ٌكن لدٌه بالتؤكٌد أيّ مانع<br />
من أن ٌصبحوا فً ضمٌر العالم كلّه. عندبذ سٌكونون دون ش ّن<br />
مصدراً لئللهام ٌدعو كلّ من لدٌه اإلمكانٌّة للمساعدة أن ٌنخرط<br />
فً حمل العملٌة االرتمابٌّة والصعود بها باتّجاه األعلى، حٌث<br />
ٕٔٙ
ٌسكن التواضع وال ٌعود للتبجح صوت. إن كلّ هذا سٌساهم فً<br />
إذكاء رابحة اإلنسانٌّة وهً تمتحم التارٌخ. علٌنا أن ندرن أننا<br />
لن نحظى بالمستمبل الذي نشتهٌه، ما لم نستوعب تلن التحلٌمات<br />
الروحٌّة التً مضت، وتركت وراءها وعٌاً روحٌاً عمٌماً، ٌح ُّث<br />
من ٌسعون وراء التمدم وتشجٌع اإلٌمان بالتارٌخ الذي ٌضم<br />
الماضً والحاضر وبعض المستمبل. علٌنا اإلدران دابماً أننا<br />
عندما نتطلّع إلى الماضً، فذلن ألنه ٌعضدنا وٌشدُّ من أزرنا،<br />
دون أن ندعه ٌستعبدنا. كما أننا ال نل ّوح للماضً من أجل<br />
المبوع فً عشّنا نعزؾ لحناً حزٌناً، بل نفعل ذلن من أجل<br />
شراكة الروح والعمل عبر التارٌخ.<br />
الفرح آت ال محالة، فبل تدعوا أحداً ٌخدعكم. سٌروا باتّجاه<br />
ذلن السراج وسترون أنكم ستصلون إلى المراد، وستحصلون<br />
على ما تصبون إلٌه، إذا بمٌتم مإمنٌن أن كرامتكم عطٌّة من<br />
عطاٌا هللا، علٌكم استردادها من أعدابكم ألن أولبن ٌنتظرون<br />
لحظات ضعفكم لٌمرؼوها فً مزٌد من األوحال التً ٌصنعون<br />
منها الكثٌر أٌنما ٌحلّون.<br />
هكذا أعود إلى بٌروت التً كنت أكتب عنها كما لو أنً<br />
أعٌش معها، بٌنما كان الوالع ٌرٌد أن ٌُسمح له بالصراخ لاببلً:<br />
"إنها هً التً كانت تعاشره أمام أنظار دمشمه بكل ما تملن<br />
المحبة من ولاحة". مرّ ة اشتهٌت أن آخذ زمام المبادرة،<br />
وأسحبها إلى لربً فً الفراش. كنت فً ذلن الولت أمتلا<br />
بالشهوة إلى ذلن الجسد الذي ٌجسّد أنالة التفاصٌل، والرابحة<br />
الذكٌّة. لم تتمنّع بل التربت كما كنتُ أتمنّى تماماً. سارعتُ إلى<br />
إحاطة رأسها بذراعً األٌمن، وشددتُها إلًَّ آخذاً شفتٌها بٌن<br />
ٕٔ7
شفتًَّ فً لبلة طوٌلة، استمدتُّ منها الكثٌر من الشجاعة واإللدام<br />
المختلط بالولاحة. ظننتُ أن علًَّ التولّؾ هنٌهة لبل أن أتابع.<br />
كان هذا ؼباء منً وسوء تمدٌر، إذ كنت عارٌاً تماماً وهً بٌن<br />
ٌديَّ طابعة. لكنها رفضت إعطابً أٌّة فرصة، وبادرت إلى<br />
اعتبلبً لبل أن أستوعب المفاجؤة. هكذا بدأت معركة شرسة<br />
كنتُ فً أثنابها ممتلباً ثمة بؤنً تجاوزتُ المفاجؤة، فتمكّنتُ منذ<br />
البداٌة من إثبات استطاعتً على المٌام بدوري كرجل ٌمكنه<br />
فرض إٌماعه، وٌتلذّذ بمضػ المِتع الذي ٌحصل علٌها وهو<br />
ماضٍ فً طرٌمه دون أن ٌخشى شٌباً، مستخدماً كلّ لواه فً<br />
التولٌت المناسب لتلن المرأة الخبٌرة اللعوب. كان الولت ٌم ّر<br />
وأنا أزداد سٌطرة على المولؾ معتبراً أن التً فً أحضانً لن<br />
تستطٌع التملّص من بٌن ٌديَّ إالّ عندما أشعر بؤنً آخذ الرشفة<br />
األخٌرة. عندما اجتزنا خط النهاٌة جلست فً الفراش عارٌاً<br />
أدخن سٌجارة. عندما نظرتُ إلٌها عرفتُ أنها تعبة ومستمتعة.<br />
إذ إنها لم تحاول أن تستر عرٌها. بل بمٌت كما هً، تتنفس<br />
ببطء مؽمضة العٌنٌن.<br />
عندما ؼادر االنتشاء بٌروت بادرت لابلة: ها لد صرتَ<br />
رجبلّ ٌعرؾ كلّ فنون المضاجعة وكٌفٌّة السٌطرة على اإلٌماع<br />
الذي تحتاجه وٌرتاح إلٌه الشرٌن. ألم تتساءل أٌّها العزٌز كٌؾ<br />
حدث ذلن؟! لمد علّمتن من كلّ للبً أن الجنس ٌتوق بكلّ لواه<br />
إلى الولاحة. "لمد بادرتُ إلى انتزاع كلمة توق من خصوصٌتها<br />
ومرؼتها للٌبلً بما ٌنضح به الجنس حتّى ال تنسى وصٌتً<br />
وتعتاد تلن اللفظة الخلولة على ما هً ممبلة علٌه وال تصبّ<br />
علٌنا جام ؼضبها بعد أن تدرن أن الحٌاة كانت دابماً هكذا ولم<br />
تكن برٌبة ٌوماً". لهذا حذّرتن أالّ أن تكون ناعماً وأنت تخوض<br />
ٕٔ8
ٍ<br />
احتداماً جنسٌاً مراعاة للمرأة، فهً فً ذلن المولؾ تكون<br />
متلهّفة إلى الخشونة، وإذا مضٌتَ فً ؼٌر ذلن فسٌكون هذا<br />
ممتلن. إذ ستدفعن عنها مولعة إٌان على األرض، مبادرة<br />
بسرعة إلى البصك على وجهن مشمبزّ ة. ثمَّ بعد أن ترتدي ما<br />
ٌسترها ستركل عضون ضاحكة من صراخن ولابلة: ٌاله من<br />
عضو مهذب. عندبذ سٌنتابها ضحن هستٌري ٌتداخل مع شتابم<br />
لم تسمع بها فً حٌاتن، تصبّها تلن المرأة المحبطة على العابلة<br />
السخٌفة التً خرجتَ منها. كؾّ عن هذا العبث أرجون. ألم ألل<br />
لن فً ذلن الولت، إنن عندما تتمشى فً شوارعً، ستؤكلن<br />
الشهوة إلى مضاجعتً. حٌنبذ سؤكون فً فراشً مع أحد الذٌن<br />
تعلّموا جٌداً كٌؾ ٌكونون ولحٌن هجومٌن عندما ٌلجون. أما<br />
عندما ٌصلون إلى الذروة وٌبدإون بمؽادرة الممّة، فلٌعدّوا ما<br />
فعلوه صبلة.<br />
لمد أهدرتُ الكثٌر من الولت حتّى وصلتُ إلى المناعة بؤن<br />
علًّ الخروج بكلّ ما تملن إرادتً من وسابل الموّ ة والتصمٌم<br />
من دابرة الخوؾ التً أصبحت تظلّل حٌاتً، وترؼمنً على<br />
معاٌشته طول عمري على ما ٌبدو. تساءلت كٌؾ لً أن أكسر<br />
هذه الحلمة التً تكبّلنً، إذ كنتُ أشعر بالزمن ٌداهمنً وٌنذرنً<br />
باستحالة العٌش وضخ بعض المعنى فً وجودي حتّى ٌُمكّن<br />
حٌاتً من اإلحساس بالمتعة الضرورٌّة لبلستمرار فً حب<br />
العٌش، وإنً كابن لم ٌخلمه الربّ عبثاً، وسٌشعر لرٌباً<br />
بالتماسن ٌوشوش كٌانه، وإعطابً الفرصة لتشكٌل بضعة<br />
أهداؾ أصبو إلٌها وال أجد السبٌل أللبض علٌهم بٌديًّ االثنتٌن،<br />
فؤتمكّن من مساعدة رب العابلة، هذا الهابم الذي ال أظنه ٌرى<br />
أحداً فً طرٌمه. كنتُ أشعر عندما أراه بودّ، وأتوق إلى<br />
ٕٔ9
مساعدته على اجتٌاز المصاعب التً كن ُت أظن أنه ٌتخبط فٌها.<br />
كنتُ أراه فً ذهابه وإٌابه دامع العٌنٌن ال ٌؤبه لِما ٌحدث<br />
بجانبٌه وأتوق إلى حمله على التماط الطرٌك التً ٌمكنها أن<br />
تخطو بعابلته إلى مستمبل مشرق، وفهم معنى االنتماء للجنس<br />
البشري.<br />
فً تلن اللحظات بٌنما كنت أفكّر بما ٌتطلّبه منً تجمٌعً<br />
لمواي وإعادة التآخً واللحمة إلى وطنً، سمعتُ من ٌنادي<br />
باسمً، فرفعتُ ٌدي مشٌراً إلى مكانً. عندما تسلّمتُ الهاتؾ<br />
من النادل كان كٌانً ٌماوم لشعرٌرة تؽزو كٌانً، فوجبتُ أن<br />
خالً هو من ٌكلّمنً من دمشك. كان صوته رلٌماً مضبوطاً<br />
عندما سارع إلى المول ال تجزع أنا لستُ خابفاً. لمد مرّ ت أمّن<br />
بؤزمة خفٌفة الظل أمس فً منتصؾ اللٌل بٌنما كنتُ أهمّ<br />
بالمؽادرة، لمد طلب منها الطبٌب أن تبمى فً المستشفى لٌلة<br />
أمس. وهً اآلن فً البٌت مستؽرلة فً النوم بعد أن أعطاها<br />
مهدباً. لكن لبل أن تؽفو طلبت منً أالّ أنسى معاٌدتن، والطلب<br />
منن عدم االستعجال فً المجًء. لكنها تؤمل أن تران بعد ؼ ٍد<br />
على الؽداء. األزمة مرّ ت بسبلم صدلنً، وهً تنتظر أن تران<br />
بفارغ الصبر.<br />
شكراّ أٌها الخال العزٌز. سؤتصل بدمحم وسؤؼادر بٌروت<br />
اللعٌنة فوراّ. أنا فً الممهى وسط الناس، وال ٌمكننً لول شًء<br />
سوى الشكر هلل. أعذرنً أرجون، أنا آمل أن أران فً البٌت<br />
عندما أصل أٌّها الخال، إلى اللماء.<br />
ٖٔٓ
دهشتُ لمّا أبلؽونً أن "محمّد" ٌنتظر خارجاً، إذ إن الولت لم<br />
ٌكن كافٌاً لوصوله. لكنً لرّ رت تجاهل هذا الموضوع. للت<br />
بسرعة فور جلوسً إلى جانب "محمّد": إن أمً نامت فً<br />
المستشفى أمس. ال تطر بً، بل اهدأ وانتبه إلى الطرٌك. لس ُت<br />
مضطرباً كما هو المتولع، لكنً ال أدري ل َم كان هنان اعتماد<br />
ٌمؤل أنفاسً وٌوشوشنً لاببل: إن خالً كان صادلاً فً كلّ ما<br />
لاله، وإن أمً ستكون مشرلة كما تركتها. لمد أظهر حبه دون<br />
تحفظ باثاً حنٌناً وشولاً ؼرٌبٌن، أو رؼبة فً الدوران بمصد ش ّم<br />
ما ٌفوح من عطرها فً المكان الذي ٌتكلّم منه. كانت أخته وأمه<br />
وجدّته وأكاد أن ألول: أهم ما ٌساكن حٌاته فً لاع أعماله. كان<br />
عطرها ٌخبرها عن الماضً أشٌاء ال ترٌد تذكرها، وتركته<br />
ٌهرب من حٌاتها دون أن تبتسم فً سرّ ها. والحٌاة التً كانت<br />
تبثّها ال ٌمكن أن تفضً إالّ إلى الخٌر. كان حزٌناً فً أعماله<br />
أما عٌنٌه فاستطاع ضبتهما ولم ٌبثان إالّ نظرات اإلعجاب.<br />
أخذتُ مرّ ة عمّاالً إلجراء بعض التصلٌحات فً المنزل الذي<br />
ورثته أمً عن أبٌها. كنت لد بدأتُ أشعر بالودّ واالحترام لجدّي<br />
الذي رحل دون أن تسمح لً الظروؾ أن أتعرّ ؾ إلٌه وأكون<br />
لرٌباً منه. لن أنسى أن ما أظهرته الماهرة من تعظٌم لذلن الجدّ<br />
كان السبب الربٌسًّ النشؽال أحبلمً به مدة طوٌلة. لمد جعلوا<br />
منه أحد عظماء العرب فً المرن الماضً.<br />
فتحت باب بٌت "صلنفة" المصٌؾ الذي كنتُ ال أزال أعشمه.<br />
جلستُ على أرٌكة هنان أنتظر العمّال الذٌن ال شنَّ أنهم لد<br />
تولّفوا فً الحفّة لجلب بعض الحاجٌّات معهم. أظن أنه من<br />
الصعب تصدٌمً إذا للتُ إنً شممتُ عطرها فور شعوري بؤن<br />
ٖٔٔ
جسدي لد عمّه ارتٌاح الشنَّ أن سببه كان ذلن االنزالق اللذٌذ<br />
الذي هٌّؤته تلن األرٌكة له. ال تسؤم من نرجسٌّتً أٌها المارئ<br />
العزٌز، فؤنا أتمنّى لن أن تحظى بمثلها عندما تكون وحٌداً بٌن<br />
جدران أربعة تنتظر مثلً. لكن بعد بعض التفكٌر فً الشمّ<br />
واالستشمام، لم أصدق نفسً واجتهدتُ فً اختبلق الكثٌر من<br />
األعذار العلمٌّة وؼٌر العلمٌّة ال أللول إنً كاذب، بل أللول<br />
إنً ربّما كنت أتخٌل ذلن، أو إنً كنتُ ممتلباً بالرؼبة فً أن<br />
ٌحصل ذلن. لعلنً أستطٌع المول فً ختام هذا الموضوع، إنً<br />
عشتُ ندماً حمٌمٌّاً ألن حبً للمناكفة وضعؾ شخصٌتً وربما<br />
احتمابً بالخوؾ، أستطٌع عدّها صفات ساهمت فً نمو<br />
معاملتً السٌّبة لمن أتى بً إلى هذه الدنٌا وأعطانً كلّ شًء.<br />
كنت عالاً فً ٌوم ما من مسٌرة حٌاتً. نعم أظن أن ذلن كان<br />
محاولة الوهم أن ٌتستّر على ضعفً.<br />
بدأ العمّال ٌدخلون المنزل، ثمَّ وصل الرٌّس. سلّم وجلس<br />
لربً لاببلً: اشتمت إلى هذا البٌت من كلّ للبً. ها إنً أشم<br />
رابحة العطر الذي تستعمله. البد أن نشرب كؤسها أثناء الؽداء.<br />
أتسمح لً ٌا دكتور بؤن أسؤلن سإاالً؟<br />
طبعاً الحرٌّة مكفولة هنا.<br />
ألم تشم عطر المرحومة الوالدة؟! أم إن ذلن ال ٌتفك مع العلم،<br />
وال ترٌد تورٌط نفسن فً االسترسال فً الوهم؟!<br />
أعتمد أنن محك.<br />
ٖٕٔ
أنتم المثمّفون تصعبون الحٌاة، وتطلبون منا نحن البسطاء أن<br />
نكذّب مشاعرنا، إنكم تمتلوننا ببطء. ترى هل ٌمكن أن نسمًّ ما<br />
ٌجري مإامرة أمرٌكٌة إسرابٌلٌّة؟!<br />
لم ٌكن أمامً إلٌماؾ ما ٌحصل، سوى أن ألول: إنن دابماً على<br />
حك ٌا "مصطفى"، وأعدن أننا لن ننسى أن نشرب نخبها عندما<br />
نبدأ الطعام، وأنا أعتمد أنها ستسرّ بذلن.<br />
ٓٔ<br />
بعد أن خرجنا من بٌروت وأصبح الطرٌك إلى دمشك هادباً<br />
رحباً، خٌُّل إلً أنً أسمع صوتاً ٌتحدّث إلًّ عبر ذهنً لاببلً:<br />
أمس كنتَ تإكّد لنفسن أن ما ٌحدث لوطنن سٌبمى همّن األول.<br />
كل ما أرٌد المول أٌها الطبٌب النفسً الحابز على شهادته برتبة<br />
ممتاز، أما كان من األفضل أن تمول: ستبمى لضاٌا وطنً تمثل<br />
مشكلة أساسٌة من مشاكلً الكثٌرة العالمة؟! ألٌس هذا أفضل من<br />
اتّهامن بؤنن ترمً الكبلم جزافاً؟! دعنً أساعدن ٌا عزٌزي<br />
وأطرح علٌن عدّة أسبلة: أال تجد أن الكوالٌس فً بعض<br />
األحٌان تنضمّ إلى المسرح وتتحوّ ل إلى جزء منه، بحٌث ٌصبح<br />
أتّساع المسرح الفجابً أكثر إثارة وؼموضاً واستفزازاً؟! ثمَّ ما<br />
رأٌن باألبواب الكثٌرة التً تجدها فجؤة أمامن مشرّ عة أل ّي<br />
راؼب فً الدخول، والتفرّ ج دون اهتمام ملحوظ، وربّما ٌرافك<br />
ذلن سخرٌة مرتسمة على وجوه الناس وهم ٌتمشّون بٌن الذٌن<br />
دفعوا أثمان تذاكرهم لٌروا تمثٌبلً بارعاً ولصّة محبوكة، أو<br />
ٌسمعوا ؼناءً ٌنشرح له الملب. تُرى ماذا ستمول وأنت تعٌش<br />
ضمن كلّ هذا المشهد البانورامً؟! ألن ٌذكّرن ذلن بالحٌاة<br />
ٖٖٔ
نفسها التً كنتَ تخشاها؟! أال تعتمد أن الولت لد حان التّباع<br />
وصٌة أمن واستشارة الطبٌب؟! ال مبرّ ر للخجل فؤنت من<br />
العابلة الضٌّمة نفسها، ترى هل تشن فً هذا العلم الجدٌد،<br />
وسعٌه لتحطٌم الجدر المسدودة واألبواب المؽلمة بإحكام؟! إن<br />
استشارة الطبٌب والجدر المسدودة أخذانً إلى لب المشكلة<br />
بٌنً وبٌن أمً، إلى ذلن الجدل الصاخب الذي حدث بٌننا نحن<br />
االثنٌن، الذي كاد أن ٌطٌح بعبللتً معها تلن التً ال أعرؾ<br />
ؼٌرها فً حٌاتً. أذكر أنً استفمت باكراً فً صباح جمٌل<br />
صادؾ أنه كان ٌعٌد تؤرٌخ ٌوم مٌبلدي. كانت الساعة تشٌر إلى<br />
الثامنة صباحاً. لررت النمر على باب ؼرفتها ودعوتها إلى<br />
فطور على شرفة ؼرفتً بهذه المناسبة. بعد أن هٌَّؤت ما علًّ<br />
تهٌبته توجّهتُ إلى محرابها، ووجدتُ أن الباب مفتوح، ث َّم<br />
سمعت صوتها ٌمول: إن ولع ألدامن ٌكشفن وٌشٌر إلى أنن<br />
ترٌد تفاجا أمن، بتذكٌرها للمرّ ة األولى أن هذا الٌوم الربٌعً<br />
المبتسم هو ٌوم مٌبلدن. ترى ما الذي جعلن تعتمد أنً ربّما<br />
أكون لد نسٌت؟! لماذا ال تدخل وتفتح أوسط خزانتً وترى<br />
تلن الساعة الرابعة التً انتمٌتها لن بهذه المناسبة. أمّا<br />
"األومٌؽا" التً تضعها فً ٌدن فاألفضل أن تهدٌها لفاطمتنا، إذ<br />
إن ساعتها لفظت أنفاسها األخٌرة أمس. أرجو أالّ تنسى<br />
"الشامبانٌا" فبل ٌزال المبو ٌحوي منها الكثٌر.<br />
عندما جلست أمً إلى المابدة تطلّعت حولها ملٌّاً، وسمعتُ<br />
صدرها ٌصدر تنهّداً جعلها تشعر بؤنها تطٌر إعجاباً بنماوة ذلن<br />
الصباح وبنسٌمه اللطٌؾ المنعش الذي ٌدفع المإمن بؤن ٌشكر<br />
السماء. عندما كانت فً السابعة عشرة، المعجبون كانوا<br />
ٌرمونها بالزهور، وٌسمونها" الحدٌمة الصؽٌرة التً لٌس فٌها<br />
ٖٔٗ
ىإل<br />
مكان ألحد." للت لها ها هم الفمراء ٌُنعشون حٌاة األؼنٌاء من<br />
حٌث ال ٌدرون، وٌُخرجونهم من الظلمة إلى النور، أال ترٌن<br />
كٌؾ زرعوا الزهور فً تلن األراضً الصؽٌرة الجرداء التً<br />
كانت حولهم؟! ألٌس هذا كبد الحمٌمة ٌا أمً؟! دعٌنً ألترح<br />
علٌن استضافة صوت فٌروز الرابع فً هذه الساعة الحمٌمة<br />
ألن ٌكون ذلن تؽٌٌراً ناعماً للدٌكور ٌبلبم صوت فٌروز الذي<br />
ٌنعش الصباح وٌطرده اللٌل ألنه ٌخرب على الفحش خططه.<br />
عفواً ٌا عزٌزي ،أنا ال أرٌد موسٌمى اآلن، إذ إنً أشتهً<br />
بموّ ة أن أعاشر الهدوء كما لم أفعل ٌوماً، وأرؼب أن أؼرؾ منه<br />
حتّى أكتفً.ولكن لبل ذلن لن أنسى صفع مكرن السخٌؾ وألول<br />
له أن ٌخرج من كٌانن لبل أن ٌجعله أُضحوكة. سؤُجٌبن عن<br />
البسطاء والفمراء الذٌن تتحدّث عنهم. إنن تظلمنً ٌا بنً كما<br />
فعلت دابماً. إذ إنً عضو فاعل فً هذه الدنٌا مثلن ومثل ك ّل<br />
الناس. إذا لم أتبجح فهذا ال ٌعنً مُطلماً أنً ال أعتبر نفسً<br />
مسإولة عن ك ّل متؤلم محبط أو جابع اختار التس ّول كؤسهل<br />
طرٌك للوصول إلى المبتؽى. أنا لم أصل بعد الرضى عن<br />
نفسً واعتمد إن هذا شبه مستحٌل عند المإمن!!<br />
ترى لمن الدور<br />
اآلن للعمل أم للملب؟!<br />
أرى أنن تبالػ، فتحاول أن تمتحننً. البسطاء ٌا بنً أعطوا<br />
الملب عمبلً ال ٌملكه. لست أدري من أوحى إلٌهم بذلن ولماذا؟!<br />
ربما كان تفسٌر ما حدت هو نتٌجة لول لابل: إن الحكمة تعتمد<br />
على البصٌرة، أي المدرة على الؽوص إلى األعماق وهً فً<br />
والع األمر من مِنحِ التؤمل لمن ٌستؤهله وٌحتاج إلٌه. التؤمل<br />
ٖٔ٘
ا"<br />
ٌعنً من ضمن المعانً التً ٌحتوٌها، إشارة إلى محاولة الذات<br />
لبلسترخاء والتخلص من ِ شدّ األعصاب. حٌنبذ ٌكون المرء<br />
مستعدّاً لتلمًّ ما ترٌده السماء، أو ٌوحً لمن ٌرٌد أن ٌعرؾ،<br />
أنه جاهز لمجابهة ما ٌسعى إلٌه الشٌطان. عندما تمع المجابهة<br />
وٌرى نفسه محشوراً ومحتاراً كٌؾ بإمكانه ردّ الضربات لم<br />
ٌجد طرٌمة للنجاة من الموت أو من الخذالن على األلل سوى<br />
الفرار كذبب بشع حمٌر أمام أسد الؽابة.<br />
التخلص من شدّ منحنا المدرة على التحلٌك مثل<br />
الطٌور بٌن المبة الزرلاء واالخضرار الذي ال حدود له بالنسبة<br />
إلى الشخصٌة البشرٌّة، ثم الوصول إلى مرتفع شاهك حٌث<br />
ٌجلس هنان طاوٌاً فخذٌه مستمٌم الجذع ناظراً إلى ما وراء<br />
الجبال، حٌث المشاهد الخبلّبة متحضّرة لتنمله من فكرة إلى<br />
فكرة أخرى أكثر عمماً وتطوّ راً مش ّجعة إٌّاه أن ٌمتطً خٌاله<br />
ومشاعره بعد أن تكون لد تملّصت من الجسد الثمٌل الظل.<br />
فٌرى دون أيّ استؽراب هبوط الشمس من علوّ ها لتلتحك<br />
بالجانب اآلخر من الكرة األرضٌّة التً أخذ سكّانها ٌستفٌمون<br />
لٌنعموا هم أٌضاً بذلن السطوع الرابع. كان تعمٌم هذه الرٌّاضة<br />
الروحٌّة هبة من هبات هللا الكثٌرة، أكثر عمماً ممّا ٌمال عن<br />
لٌوؼا" فً بعض وجوهها وٌجهلها الكثٌرون، بٌنما تمارسها<br />
بعض األدٌان األسٌوٌّة كوسٌلة للتمرّ ب من تلن الطالة التً ال<br />
تمتلن إمكانٌّة إفناء ذاتها. إن التؤمل فً أعاجٌب المدٌر ٌنمًّ<br />
النفوس من الشهوات وٌهدّئ األجساد التً تؽلً دون أن ٌكون<br />
هنان ما ٌحضر للنضج، دافعاً إٌّاها للسعً وراء التطهّر.<br />
األدٌان ال تبخس حك العمل. بل إنها تشٌر إلى هبات الرب<br />
الكثٌرة التً مَنحت الناس الفرصة كً ٌتخلصوا من االنضواء<br />
ِ األعصاب ٌ<br />
ٖٔٙ
ٖٔ7<br />
تحت<br />
ءاول<br />
ةٌّروتاتكٌد<br />
لمعلا<br />
،ةٌّركسعلا<br />
ًتلا<br />
ًؽبت<br />
لامتعا<br />
انتدارإ<br />
لٌبكتو<br />
ةمٌرط<br />
انشٌع<br />
.انتاٌحل<br />
اهنإ<br />
عامٌإ علو ىلع انب رٌست<br />
لمم بٌتر<br />
امك<br />
اهنأ<br />
لواحت<br />
ءاؽلإ<br />
انتٌّوفع<br />
لوصولل<br />
ىلإ<br />
انعانلإ<br />
رذحلاب<br />
نم<br />
ةٌّفٌك<br />
انتسرامم<br />
.انتٌ ّرحل<br />
اذكه<br />
اٌ<br />
"داٌز"<br />
ّد<strong>بلا</strong><br />
نم<br />
نأ<br />
ًملن<br />
ةٌحتلا<br />
ىلع<br />
ةرٌص<strong>بلا</strong><br />
نردنو<br />
هنأ<br />
نم<br />
لجأ<br />
ّلاأ<br />
حجنت<br />
ةرماإملا<br />
وزؽلاو<br />
جمربملا<br />
،لومعلل<br />
موامٌ<br />
ءرملا<br />
لصٌو<br />
ىلإ<br />
راٌتخا<br />
برحلا<br />
وهو<br />
ؾرعٌ<br />
هنأ<br />
دل<br />
مدمٌ<br />
هتاٌح<br />
،ًانابرل<br />
ًف<br />
لٌبس<br />
دادرتسا<br />
هتٌّوفع<br />
هتٌ ّرحو<br />
نم<br />
.نٌبصتؽملا<br />
باحصأ<br />
لومعلا<br />
ةٌّمٌمحلا<br />
نوكردٌ<br />
مهنأ<br />
نو ّوعدم<br />
ًامباد<br />
ىلإ<br />
رذحلا<br />
نم<br />
لاّ أ<br />
نوكٌ<br />
لمعلا<br />
يذلا<br />
هنولمحٌ<br />
ًاءزج<br />
لا<br />
أزجتٌ<br />
نم<br />
"ًنومراهلا"<br />
ًتلا<br />
نكست<br />
ًف<br />
مهتاوذ<br />
مّظنتو<br />
شٌع<br />
مهتٌرح<br />
مهو<br />
ًف<br />
مهمٌرط<br />
ىلإ<br />
ءلبعإ<br />
نؤش<br />
،مهتٌناسنإ<br />
امهمف<br />
تراتخا<br />
مهلامعأ<br />
تمصلا<br />
امدنع<br />
مهرصاحت<br />
ؾصاوعلا<br />
رأزتو<br />
ًف<br />
،مههوجو<br />
لبف<br />
دب<br />
نأ<br />
ًتؤت<br />
ةظحللا<br />
ًتلا<br />
لمحت<br />
اهعم<br />
"نلت<br />
"ةتونلا<br />
ةرٌخلأا<br />
ًتلا<br />
رٌشت<br />
ةماركلل<br />
ةنماكلا<br />
ًف<br />
ةمتعلا<br />
داكتو<br />
نأ<br />
،كنتخت<br />
<br />
ضافتنلااب<br />
عافدنلااو<br />
لّ كب<br />
اهت ّول<br />
ًهو<br />
كناعت<br />
اهتٌّناسنإ<br />
ةمشتمم<br />
ماسحلا<br />
ةدّدهم<br />
يزاؽلا<br />
بصتؽملا<br />
هتلزترمو<br />
لّ كو<br />
"سرابموكلا"<br />
نٌج ّرهملا<br />
نٌمفانملا<br />
نٌمفارملا<br />
<br />
مهٌلع نٌذلا<br />
نأ<br />
اورفحٌ<br />
مهروبل<br />
،مهسفنؤب<br />
وأ<br />
اولبمٌ<br />
ةناهم<br />
شٌعلا<br />
نٌد ّرجم<br />
نم<br />
مهتٌّناسنإ<br />
لثم<br />
دٌبع<br />
نامزلا<br />
.رباؽلا<br />
ام<br />
جاتحت<br />
هٌلإ<br />
،ةماعلا<br />
امبر<br />
جاتحٌ<br />
هٌلإ<br />
ءاملعلا<br />
.رثكأ<br />
لثم<br />
ضعب<br />
نونجلا<br />
ِ<br />
،هّكنُملا<br />
قاٌتشلااو<br />
ةدوعلل<br />
ىلإ<br />
ةلوفطلا<br />
بعللاو<br />
" ةجحلاب"<br />
،ًلبثم<br />
ثح<strong>بلا</strong>و<br />
نع<br />
ةجاذسلا<br />
،ةعباضلا<br />
رٌثكلاو<br />
نم<br />
روملأا<br />
ًتلا<br />
لا<br />
لومت<br />
ىتم<br />
،رهظتس<br />
ىّدبتت دمف<br />
ةؤجف<br />
دعب<br />
سؤك<br />
نم<br />
"ًكسٌولا"<br />
.دٌجلا<br />
لمعلا<br />
اٌ<br />
يدٌحو<br />
لا<br />
ؾرعٌ<br />
،نانحلا<br />
وهف<br />
مل<br />
هلؽشٌ<br />
،ًاموٌ
إلى أن أخرج علم النفس رأسه من بٌن التراب، ورأى<br />
االخضرار وتساءل: لمَ ٌشعر اإلنسان هنا بالسمم؟! ولال بجرأة<br />
إن الكثٌر من أمراض اإلنسان تؤتى من التزاحم على عطاءات<br />
األرض التً بُ ّح صوتها وضاع ضمن السعار وهً تُردّد لابلة:<br />
ما أُخرجه من أحشابً ٌكفً الجمٌع فبل تتداعسوا. ٌمول علم<br />
النفس ٌا بنً إن دواء اإلنسان ال تصنعه الشركات، فما ٌحتاجه<br />
أعظم المخلولات لٌبرأ من أسمام النفس لٌس سوى بضع لطرات<br />
من الحب والكؾ عن التساإل فٌما ال جدوى منه، اتركوا األمل<br />
الممموع ٌماتل فً سبٌل إنماذ نفسه من الذٌن لهم مصلحة فً<br />
اجتثاثه، ألٌس هو من ٌُعرّ اإلبداع إلى من ٌحتاج إلٌه. هل<br />
ٌُخشى على من ٌملن مثل تلن الموهبة من أن ٌحرّ ر نفسه فً<br />
سبٌل من ٌحتاجون إلٌه وٌحتاجهم؟!<br />
ٖٔ8<br />
ِ ؾ<br />
أكاد أن أبلػ األربعٌن من عمري، دون أن أعرؾ شٌباً عن<br />
أبً، وكٌؾ كان ٌبدو محٌّاه، وهل عٌناه كانتا مفتاحاً لداخله؟!<br />
ثمَّ ما الذي أدّى إلى موته؟! ترى أال ٌحك لً أن أعرؾ؟!<br />
أتذكرٌن أننا جلسنا ٌوماً مثل هذه الجلسة العابلٌّة الحمٌمة؟! أال<br />
تجدٌن أن ما أصبح ماضٌاً ٌمول: إن حٌاتنا شابها خلل ما؟!<br />
ل َم ترٌد تخرٌبها باستحضار الماضً؟! هل ترى أن هنان<br />
فابدة من ذلن؟! أبون كان ٌهوى تحطٌم األشٌاء أو تمزٌمها، إنا<br />
لم أستطع تحدٌد بؤٌّهما ٌتمتّع أكثر بالتحطٌم أم بالتمزٌك أو<br />
بالتخرٌب بشكل عام. لم ٌكن ٌفعل ذلن كاألطفال الذٌن ال<br />
ٌدركون إلى ماذا ٌمكن أن تإول نواٌاهم، وما إذا باستطاعة<br />
والدٌهم اإلتٌان من جدٌد بمثلها أو بؤفضل؟! كان ما ٌفعله ؼرٌباً<br />
بالتؤكٌد، ممّا كان ٌجعلنً أُزٌح شعور الكراهٌة التً صُر ُت
أمتلا بها تجاهه، وأفكر بصوت تحطّم األشٌاء الذي كان ٌطربه<br />
على ما ٌبدو عندما ترتطم بالحابط أو باألرض. كانت حماسة<br />
أبٌن بكل الفوضى التً ٌثٌرها تدهشنً، لبل أن أفكّر بما لو<br />
كنتُ أستطٌع أن ألذفه هو نحو الحابط أو على األرض إذا كنا<br />
نسكن فً شمة مولعها فً الطابك األخٌر من بناء مرتفع. كنتُ<br />
أكاد أن أختنك عندما كنتُ أراه وسط الفوضى التً أحدثها، ٌفتح<br />
ذراعٌه مستمببلً شهواته كلّها. أمّا تبعثر الحطام، فكان ٌعنً أنه<br />
فً الطرٌك الصحٌح للوصول إلى لمّة اإلثارة والتمتّع<br />
باالستمناء. نعم االستمناء. تلن العملٌّة الؽبٌّة التً ٌمرؾ منها<br />
المراهمون. أما هو فكان ٌجمع ما ٌخرج من تلن المادة، وٌدهن<br />
بها وجهه ثمَّ ٌنتظر بعض الولت وٌرسم حاجبٌه بها. لم أكن<br />
أفهم ما ٌحدث فً كٌانه؟! إذ إن بعد ذلن ٌنتفخ وٌبدأ بتمثٌل<br />
الؽضب والشروع بانتماء ما ٌرٌد تحطٌمه من األوانً الجمٌلة،<br />
ورإٌته الندثار جمالٌّتها. كان ٌموم بك ّل ذلن بمتعة ال ٌمكن<br />
وصفها وال فابدة من محاولة أحد أن ٌُتعب ذهنه فً الوصول<br />
إلى ما وراء ذلن، لكن األمر كان ٌؤخذنً رؼماً عنً إلى<br />
ارتجاؾ كٌانً كلّه، وخوؾ عمٌك ٌفترش حٌاتً معه كلّها،<br />
وأعٌش تفاصٌلها وأنا أشم ما هو أبشع من النتانة وال ٌرضً<br />
أيّ منحرؾ فً هذه الدنٌا البابسة. إن الشعور المضنً باستحالة<br />
الحٌاة مع شرٌن ولد حٌواناً على شكل إنسان، كان لد بدأ ٌنهش<br />
حٌاتً وٌحٌلها إلى خراب وفوضى. كان ٌتعطّر بإفراط بعد<br />
انتهاء المشهد الذي وصفته بالتضاب، ث َّم ٌخرج من المنزل دون<br />
أن ٌعود لبل طلوع الفجر. لكن رابحته لم ٌكن بإمكانً تحمّلها.<br />
إلى أن أوصلنً ذلن إلى تلن اللٌلة التً لرّ رت فٌها أن الكٌل لد<br />
طفح فؤعدد ُت ؼرفة أخرى وصر ُت أنام فٌها حتى الٌوم، مانعة<br />
إٌّاه من الدخول إلٌها مهما كانت الظروؾ.<br />
ٖٔ9
ىإل<br />
من لال لنِ إن األطفال ال ٌرٌحهم تحطٌم األشٌاء. ال بدّ أنن<br />
نسٌتِ ما كان ٌفعل ابنن، وها هو ولد أصبح طبٌباً نفسٌاً أخذ<br />
شهادته بدرجة "ممتاز"<br />
ال لم أنس بل ظننت أنن أنت الذي نسٌت. وجّه أنظارن إلى<br />
لاع أعمالن، وابحث هنان ولل لً هل ترى فً تلن البمعة<br />
المظلمة، تشابهاً بٌنن وبٌن أبٌن؟! فإذا للت لً نعم، سؤجٌبن<br />
أنً أتمنّى الموت اآلن.<br />
شٌباً؟! منه أرث ألم أبً، عن ماذا الكثٌر. عنً تكتمٌن أنت إذاً <br />
إن كنت تمصد المال، عد إلى أورالن التً تحفظها فً خزنته<br />
سترى أنً رفض ُت أن أُلوّ ث نفسً بمرش واحد منه. لذا<br />
أعطٌتن ك ّل ما ٌملكه. سترى ذلن واضحاً إذا راجعت ما تملكه<br />
من مستندات؟!<br />
هل ٌعمل أن ٌبمى ك ّل شًء عنه مكتوماً؟! لمَ فعلتِ وتفعلٌن<br />
ذلن بً؟! علٌن مصارحتً وتمومً بواجبن الطبٌعً على<br />
األلل. هل ما أطلبه ٌمكن أن ٌعدّ جرٌمة؟! كلّ ما فً األمر أنً<br />
أردت الجلوس مع أمً، ل َم تتّجهٌن تحوٌل ك ّل شًء إلى<br />
"تراجٌدٌا"؟! لولً لً ل َم تُبعدٌننً عنن؟! ألست طِفلن الوحٌد،<br />
أم إنً طفل من امرأة أخرى، كان علٌن أن تتحملً تربٌتً<br />
كابنن تماماً خوفاً من الؽول الكبٌر الذي اسمه المجتمع. إذا لم<br />
تمولً الحمٌمة سؤترن وطنً وأختار وطناً آخر ٌصلح البن<br />
زنى. صدّلٌنً فلٌس أمامً أن أسلن سوى هذا الطرٌك. هل<br />
تحاولٌن أن تفمدٌنً عملً وتدسٌّن الس ّم فً عرولً<br />
ٔٗٓ
ومشاعري؟!<br />
خسبت، أنت الذي أفرؼتنً من دمابً. إذ كنتُ أخشى وأنت<br />
تكبر فً حضنً أن ٌخرج منن سافبلً حمٌراً مثل أبٌن ٌتمتّع<br />
باألذى. لو رأٌت وجهه مرّ ة وهو ٌمطر متعة عندما أنهى<br />
عشاءه بعد كؤسٌن من الوٌسكً. نظر إلى بطرٌمة المجنون الذي<br />
لالت له أفكاره: ال تفوّ ت الفرصة، بعد هذٌن الكاسٌن أال ٌحلو<br />
لن ارتكاب جرٌمة تكتب عنها صحؾ العالم؟! فمام لتوّ ه وحرق<br />
بسرعة البرق أطروحتً لنٌل الدكتوراه فً الفلسفة مفتّتاً معها<br />
سجادة عجمٌّة أبدٌت مرّ ة إعجابً بها أمامه. لو كنت حاضراً<br />
فً ذلن الولت لفهمت الكثٌر بل لل الكثٌر جداً ممّا كان ٌجري<br />
فً أعماله. هل سُرر َت بهذا الخبر بعد ك ّل تلن السنٌن؟! ماذا<br />
أضافت لن معرفتن أن أبان كان ٌملن كل الصفات السٌّبة فً<br />
هذا العالم المترامً األطراؾ؟! ما فعله والدن كان "تراجٌدٌا"<br />
حمٌمٌة ٌشبه ما كان ٌحدث فً المرون الوسطى من مذابح ال<br />
تحمل فً طٌاتها أيَّ تبرٌر. إذ كان دون شن مرٌضاً نفسٌّاً<br />
بامتٌاز. لوالن لرفضت أن أحمل اسمه، وعد ُت إلى البلذلٌّة<br />
دون أن آخذ معً بالتؤكٌد ابن السالطة التً تتحدث عنها،<br />
مصرّ ة أالّ أؼادرها فً حٌاتً. لكنن كنت طفبلً والتعلٌم األفضل<br />
كان متاحاً دابماً فً دمشك أكثر من أ ّي مكان آخر. كنت<br />
عصفورة جمٌلة هنان حٌث تمتّعت ببناء عشًّ وحدي، هذا ما<br />
أردت وما حصل بالفعل .أُحطت بالحنان من الجمٌع، وكان<br />
لديّ متّسع من الولت ألصبح عازفة "للبٌانو" من الدرجة<br />
األولى. أزعجت حٌاتً الشٌطان، فجاء والدن وانتزعنً منها،<br />
كان ذلن إعبلناً أنه مكتوب منذ األزل، إنً اعتباراً من تلن<br />
اللحظات سؤبدأ السٌر فً درب اآلالم.<br />
ٔٗٔ
مرّ ت دلٌمتان ساد فٌهما الصمت الذي ٌشبه ذلن الذي ٌحدث<br />
عند الموت. للتُ بعد ذلن: كٌؾ لً أن أتصوّ ر ما حدث لنِ ، أما<br />
كان األجدر أن أعرؾ األمر بتإدة وشٌباً فشٌباً؟! اعذرٌنً فمد<br />
خربتُ ٌومن وٌومً سنتحدث فً األمر الحماً. أمً لم تستطع<br />
تحمل تلن الطرٌمة فً الكبلم والرؼبة فً إنهاء المحادثة إلى<br />
ولت الحك، فصرخت فً وجهً صراخاً أجفلنً بل أرعبنً<br />
بعد الولت. كان زبٌراً حمٌمٌاً ٌكشّر عن أنٌابه وٌمول: إنا<br />
مستعدّة للمتال دفاعاً عن نفسً بذلن التصمٌم المرعب فً<br />
دالالته ثمّ أردفت بصوت مبحوح خرج من حنجرتها كما لو أن<br />
هنان من كان ٌخضعها للذبح. لم ٌكن ٌمكنها السماح البنها أن<br />
ٌعٌد المشهد نفسه الذي كان ٌستمتع به أبوه. ثم عادت للزبٌر<br />
وهً تمول: إٌّان أن تعد نفسن ذكراً تبٌح له الذكورة أن ٌذبح<br />
أنثاه بؤمر من المجتمع األبوي. ث َّم عادت للزبٌر مرّ ات وهً<br />
تردّد المول: األنثى ممدّسة كما الرجل إذا استجابا للخطّة المعدّة<br />
لهذ العالم من ربّ السموات. ترى هل فعل الرسول العربً ما<br />
ٌُبٌحه له المجتمع؟! ففً الصحراء ولبل بدء الدعوة خدم ذلن<br />
اإلنسان األبً زوجته حتّى لفظت أنفاسها األخٌرة. ثمّ بعد أن<br />
أصبح نبًّ األمة العربٌّة عامل زوجاته بكلّ الحبّ واالحترام.<br />
هذه المصّة ٌا بنًّ لم ٌتولؾ عندها إ ّال الملّة، رؼم ما فٌها من<br />
عبر ومعانً ودروس لجمٌع األمم لن أؼوص عمٌماً فً هذا<br />
الموضوع فلٌس من اختصاصً الخوض فٌه. لكن عطفاً على<br />
كلّ المعانً التً ٌحملها حدٌثً معن أعتمد أنه ٌحك لً الملك<br />
"فؤنا ال أعرؾ كٌؾ أصبحت طبٌباً نفسٌّاً وأنت تتجاهل أن<br />
الذكر لد ٌكون أنثى فً لرارة نفسه. هذا ما دعانً بعد موت<br />
أبٌن أالّ ألارع إالّ الرجولة بكل معانٌها، والرجال األلحاح بعد<br />
أن ٌكونوا لد نضجوا وأصبحوا صالحٌن للمضم".<br />
ٕٔٗ
ٍ<br />
لكنها لم تكت ِؾ بذلن فمالت ساخرة مزمجرة ضاحكة ضحكة<br />
ؼرٌبة تظهر فٌها مختلؾ أنواع اآلالم التً مرّ ت بها، وما عانته<br />
فً حٌاةٍ كانت تمتلا بمشاعر فٌها كلّ االحتمار والممْت والمرؾ<br />
تجاه زوجها ٌرافك ذلن نفور وشعور بالؽثٌان كلّما جاء ذكره<br />
على لسان ما، أو بؤٌة طرٌمة تشعرها بؤن وراء ك ّل ما ٌحدث<br />
هو الشٌطان نفسه دون أن ٌشرن أحداً من أعوانه معه. ثمَّ<br />
تابعت متسابلة بصوت فٌه من المرارة والؽضب الشًء الكثٌر:<br />
"هل تظن أنً أنتظر رأٌن، أو حكمن على ما جرى بٌنً<br />
وبٌنه؟! لل لً من تظن نفسن؟! ما أنت إالّ طفل مدلّل تشعرنً<br />
دابماً بؤنن وسّخ َت نفسن. فً ذلن الزمن لم تكن تفوح منن<br />
رابحة مزعجة. أما اآلن فعلًّ أن أبحث عنن فً أمكنة عدٌدة،<br />
أللوم بتنظٌفن حتى ال ٌمال عنً إننً مدلّلة مثلن ولم أتعلّم كٌؾ<br />
أعتنً باألطفال. الفرق كبٌر بٌن الماضً والحاضر. إذ إنً فً<br />
هذه األٌّام أبحث عن طرٌمة لسدّ أنفً. ما أسخؾ التدلٌل وكم<br />
ٌحطّ من لٌمة الرجل، بل كم هو ضار فً بناء بسٌكولوجٌّة<br />
الذكورة وٌشوهها "بحٌث تعجز عن التفرٌك بٌنه وبٌن األنثى.<br />
إنً ولد لاربت على الرحٌل، كن ُت أعود إلى الماضً وكلّما<br />
فعلته من أجلن كان ٌظهر على شاشة أفكاري "بانورامٌّاً "وكم<br />
ضحٌت بحزمً وواجبً الحمٌمً تجاهن وأعطٌتن ك ّل حبً فً<br />
ولت ؼٌر مناسب وطرٌمة ؼٌر مبلبمة. لمد كنت طفبلً أفسدتن<br />
تلن الجرعة الكبٌرة من الحب. أخطؤتُ خطؤً كبٌراً بإعطابن ما<br />
ورثته من الحب الذي كان ٌحمله أبً طول حٌاته. الح ّب دون<br />
شنّ دواء لكثٌر من األمراض. لكن الجرعة التً تتجاوز الحدود<br />
تكون ضارة فً أؼلب األحوال والظروؾ. إذا سؤلتنً سؤعترؾ<br />
لن أنً فؤنا أٌضاً كنت بحاجة ماسة إلخراج بعض منه<br />
من أعمالً، فمد أصبح مع الولت ٌعٌك تنفّسً. أنا لن ألول شٌباً<br />
ٖٔٗ<br />
أخطؤتُ ،
بعد اآلن كً ال أهٌن ذاتً. لمد للت لن بوضوح إن أبان كان<br />
سافبلً حمٌراً، ماذا ٌمكنن أن تتحمل أكثر من ذلن؟! ألم تكت ِؾ<br />
حماً؟! أم إنن فً العمك ترٌد أن تسمع تفاصٌل ما جرى وتدع<br />
دماءن ٌجري فٌها االستمتاع إلى حد الثمالة؟! لمد جعلتنً أندم<br />
حماً، وأسفاه، هل أنت فالد ألبسط األحاسٌس اإلنسانٌّة؟! ألم تفهم<br />
أنً كنت أحاول حماٌتن من االنحراؾ والجنون معاً؟! دعنً<br />
ألول لن: إنً كنت أمٌرة حمٌمٌّة فً بٌت أبً، أرفل فً أجمل<br />
الثٌاب وأبسطها. أما أبون فكاد أن ٌحولنً إلى جارٌة من سباٌا<br />
ؼزوات المؽول، لو بحثنا هنا وهنان لربّما وجدنا "هوالكو"<br />
آخر جُنّ جنونه فؤرسلوه إلى مصح لؤلمراض العملٌّة. أستطٌع<br />
التؤكٌد أن هوالكو اآلخر الذي أنت فً شوق للتعرّ ؾ إلٌه ٌفوق<br />
"هوالكو" الساكن فً المصح جنوناً وسفالة. إنً ال أزال أطلب<br />
له الرحمة من ربّ السموات. رؼم أنً أعرؾ أن جرابمه<br />
وحده، فالت كل الذٌن التحموا ببلد الرافدٌن وذبحوا ما ال ٌمكن<br />
إحصاءه من الناس ونهبوا كنوز العراق المشهورة، ورموا<br />
بالثمٌن من الكتب وأهمها فً نهر دجلة، فجرفها معه حتى<br />
أصبحا ٌضٌك بهما المرء ذرعاً، حتى أمسى كلّ شًء فً<br />
العراق ملوثاً ولٌس له مثٌل. كما جرّ وا النساء إلى مخادعه َّن<br />
حٌث ذبحوهنّ بعد االحتفال باؼتصابهنَّ. لكن المخطوفة أمن<br />
استطاعت الولوؾ فً وجه الوحش الذي ٌستمتع بلحس أنٌابه،<br />
التً لم تك ّؾ عن االستمرار فً اللعب بدماء ضحاٌاه، التً<br />
كانت ال تزال تمؤل فمه وتنحدر بعضها من شفتٌه ملوثة لحٌته.<br />
إنً أراه فً أحبلمً حتى الٌوم ٌتمتّع بذلن، إٌان أن تذكره<br />
أمامً بعد الٌوم.<br />
ٔٗٗ
أنا ال أعرؾ أبً حتّى أتمكّن من الحكم علٌه. هل تعتمدٌن أنه<br />
علًّ تصدٌمن بكل بساطة وربّما بكل خفّة؟! هل تدركٌن أنً<br />
بحاجة إلى الضحن بعد تلن المحاضرة الشٌّمة؟! أنا أشفك علٌ ِن<br />
حماً، ألٌس لدٌن ما تفعلٌنه سوى انتمادي؟! ربّما نسٌ ِت أنً لم<br />
أعد طفبلً، بل أنا اآلن طبٌب اختصاصًّ فً علم النفس،<br />
وخرٌج الجامعة األمرٌكٌّة شبت أم أبٌ ِت.<br />
عندما تفتح عٌادة البمة وتداوم فٌها كما ٌفعل ك ّل األطباء،<br />
سؤعتبرن طبٌباً. إن ؼٌر هذا ٌبمً شًء فٌن ٌنادي طفولتن،<br />
وٌبعد براعتن وٌخفً شهادتن التً حصلتَ علٌها بامتٌاز. أما<br />
فً الولت الحاضر أنا ال أرى سوى طفل صؽٌر مازال ٌحبو.<br />
على ك ّل حال ال أحد ٌنوي منعن من أن تفعل كما تشاء، لمد<br />
ضمتُ ذرعاً حماً بملّة ثمتن بنفسن. أنت كتلة من الولاحة النتنة<br />
كؤبٌن تماماً. لكنن ال تمتلن خصاالً كثٌرة سٌّبة من تلن التً<br />
كان ٌمتلا بها، وهذا ما ٌعزّ ٌنً بعض الشًء وٌؽرٌنً أن أنسى<br />
ما ٌزعجنً وأنظر إلٌن بحنان عندما تكون بعٌداً تستمع إلى<br />
الموسٌمى.<br />
أتحاولٌن<br />
إهانتً؟ّ!<br />
إنن تضحكنً أما زلت تحاول نسٌان كل ما حدث فً حٌاتن؟!<br />
لكنن لن تفلح بذلن. ما ٌجري فً األعماق سجّل بالحفر فً<br />
الماع بإزمٌل جٌّد وٌد نحّات خبٌر، بحٌث ال ٌمكن أن تمحوه<br />
ممحاة. لمد نصحتن باستشارة طبٌب نفسً، فإذا لم ٌرق لن ما<br />
هو موجود فً دمشك من أطباء، فبٌروت ال تبعد عن دمشك إ ّال<br />
نزهة فً السٌارة تموم بها كل ٌوم. أتخجل من ذلن؟! هل تخشى<br />
ٔٗ٘
أن تكتشؾ ذاتن وتمؾ وجهاً لوجه أمامها؟! أنا أرٌد لن<br />
األفضل، وأن ترى مثبلً أٌن ٌكمن الشٌطان فً أعمالن. أتخشى<br />
أن تطرده من كٌانن حتّى ال تتورّ ط فً حرب معه؟! أتخاؾ<br />
اختراق الحدود والدخول فً لتال حمٌمً، كما تفعل األمم عندما<br />
تنتهن أراضٌها؟! ٌا لن من ضعٌؾ تافه. أنا أمّن إنن تخجلنً<br />
حتى لاع أعمالً بحٌث ال ٌمكننً الهرب إلى أي مكان. لكنً<br />
أرؼب فً تسجٌل نفسً فً خانة اللواتً لم ٌحسنوا تربٌة<br />
أوالدهم. أنا ال ٌمكننً أن أشفك علٌن. رؼم أنً أعتبر نفسً<br />
مسإولة عمّا أنت علٌه. رجابً من الرب أن ٌإازرنً وٌموّ ي<br />
أملً فً أن تبرأ من أسمامن وتتمكّن من حمل السٌؾ، لتمنع<br />
الشر من الدخول إلٌن عبر باب نسٌت أن تؽلمه لبل أن تنام كما<br />
تفعل دابماً ولٌس فً كثٌر من األحٌان. هذا البٌت الذي بُنٌت<br />
جدرانه من الصمٌع الذي ٌستم ّر صٌفاً وشتا ًء على ٌبدو ونسً<br />
ذلن البنّاء الجاهل أن الروح ال ٌمكنها أن تطٌل البماء فً مكان<br />
إالّ وهً محاطة بحرارة جسد اإلنسان الطبٌعٌّة. دفنتُ مشاعري<br />
حتى ال أزعج شرلٌّتن السخٌفة وعبادتن لؤلصنام المدٌمة. كان<br />
أبون ٌضاجع الجنسٌن معاً، لم أكن أرٌد أن أبوح بما رأٌته<br />
بعٌنًّ االثنتٌن. نعم كان ٌلتمط مراهمٌٌن وشباناً من الشوارع،<br />
فمراء متّسخٌن صامتٌن صمت المبور ٌخرج من وجوههم األلم،<br />
وعندما ٌنتهً من أحدهم ٌحوّ له إلى صنم إلى بانتظار ؼٌره. لم<br />
ٌكن ٌكفٌه ذلن فٌؤتً برجال مفتولً العضبلت وأحٌاناً ٌحظى<br />
بإفرٌمٌٌّن، فكان ٌطلب منهم كلّهم أن ٌفعلوا به ما فعله بؤمثالهم<br />
الصؽار. كان ٌؽري الجمٌع بالمال والكحول. صدلنً ٌا بنً<br />
أنً لم أكن أعرؾ من أٌن ٌؤتً بكلّ هذا المال، وال أدري أي<br />
عمل كان ٌمارسه. بمٌت فترة طوٌلة مرعوبة ال أعرؾ من أ ّي<br />
طٌن خرج زوجً إلى النور وبمً ٌتلذّذ بالتمرّ غ باألوحال؟!<br />
ٔٗٙ
مرّ ة كنت والفة أمام المرآة أسرح شعري، فولؾ خلفً ٌرالبنً.<br />
خفتُ خوؾ الذٌن ٌنامون فً الممابر ألوّ ل مرّ ة. كنتُ أخشى فً<br />
أثناء ذلن أن ألوم بؤٌة حركة تنبّهه إلى أنً رأٌ ُت شبحاً مفزعاً<br />
بشعاً ممزّ زاً. كؤن الشٌطان نفسه ٌرتسم على وجه أبٌن وٌمول<br />
لً: إلى أٌن ستذهبٌن؟! الفرار لن ٌنفعن بؤيّ شًء، ستبمٌن<br />
محاطة بروحً حتى نهاٌة الدهر. كنت آمل أن أتلمّى تحذٌراً<br />
بطرٌمة ما، ربّما من روح هابمة تبحث عن وحٌدها الذي لتله<br />
الوحش وهو عابد من الحمل بعد الؽروب. لست أدري ل َم أتذكّر<br />
دابماً ذلن الحلم وتلن المرأة التً تركض وسط الرٌح محلولة<br />
الضفابر تصرخ بكلّ ما لدٌها من لوّ ة ترٌد ابنها المخطوؾ،<br />
وٌحدّثها للبها لاببلً: اسرعً لربّما أن الوحوش تتبلعب به كٌفما<br />
تشاء ومتى طاب لها ذلن. لمد اعتد ُت أن أرى وجه أبٌن الذي<br />
لم ٌعد ٌستطٌع أن ٌمول إنه إنسان. كنتُ أعرؾ أنه ٌدرن أن<br />
األوان فات وهربت منه إنسانٌّته وترن الذبب ٌحتل داخله،<br />
وزرع فمه مكان فم أبٌن. كان ذلن ٌظهر بوضوح عندما كنت<br />
أمرّ فً بعض األزمات التً ال أدري لها سبباً. لكن تلن األم لم<br />
تلبث أن همست فً أذنً لابلة: ال تخشً شٌبا الزمً الصمت<br />
وتابعً ما تفعلٌن وبعد دلٌمتٌن تحرّ كً بسرعة ولوذي بالفرار.<br />
ودعٌه ٌعرؾ أن هنان من جاء وأثبت لن بالبرهان الماطع من<br />
هو هذا الزوج وإلى فبة ٌنتمً. الرب المادر على ك ّل شًء لن<br />
ٌجعلن ترٌنه بعد هل زا َرن فً أحبلمن؟!<br />
ٔٗ7<br />
اآلن .<br />
لمَ تهوٌن تعذٌبً؟!<br />
ألم تبك زمناً طوٌبلً تلحّ طالباً الحمٌمة؟! ثمَّ تتجرّ أ باتهامً بؤنً<br />
أهوى تعذٌبن؟! أال تخجل ممّا تمول؟! لمد تحمّلت ؼرابة
أطوارن كل تلن السنٌن حتى تبلّدت وجفّت أحاسٌسن<br />
ومشاعرن. كٌؾ تتركه ٌا رب ٌعذبنً بهذه الولاحة التً لٌس<br />
لها نظٌر؟!<br />
دعنً أؼٌر الموضوع وأتمم ماكنت أنوي أن ألول: لبلتُ أن<br />
أمتنع عن شرب كؤس من الوٌسكً، موافمة على الخضوع إلى<br />
لواعد السكارى التً تمول: إن كؤساً واحدة لد تجر إلى العدٌد<br />
من الكإوس. إنه صباح جمٌل، وأنت ال تتورع أن تذبحه<br />
أمامً. كم من الشهور مرّ ت وأنا ال أرى ابنً الوحٌد حتّى على<br />
مابدة الطعام؟! كلّ ذلن جعلنً أرضخ وألول كلمتٌن لن أضٌؾ<br />
إلٌهما أ ّي شًء. أنت ال تعرؾ كٌؾ خرجت تلن الكلمات<br />
الماسٌة من مكمنها. لمد ذبحتنً مرّ ات عدٌدة دون أن تدري، أم<br />
إنن تعرؾ وتؤبى االعتراؾ، هل ألول الحمٌمة أم ال؟! لطالما<br />
تمنٌت الموت. لكن هللا الٌزال ٌرفض تلبٌة طلبً. ركعتُ<br />
وصلٌّتُ وتضرعت، لكن عبثاً، إنً تعبة وأشعر بؤنً لرٌبة<br />
جدّاً من الموت، لكنه ٌبدو أنه تلمّى أمراً بتؤجٌل ذلن، رؼم أن<br />
أُوكسٌجِ ٌن األرض كلّه لم ٌعد ٌستطٌع إنماذي، والحٌاة تعرؾ<br />
أنه لم تعد تعنً لً شٌباً. أظن أن العودة إلى الفراش، ربّما<br />
ٌكون ذلن عبلجاً ناجعاً، وربّما أذوب فً أثناء النوم، وعند ذلن<br />
سؤكون شاكرة إذا أولؾ الرب للبً عن الخفمان.<br />
حضور ِن. فً ربًّ من السماح طلب إذ علًّ للٌبلً. معً ابمً <br />
ال أعتمد أنن ترٌد ذلن. لكن لٌس علً االدعاء أنً أعرؾ ك ّل<br />
تفصٌل فٌن، فربّما تحتاج إلى ذلن فعبل. إن كنت مصراً على<br />
الصبلة، فسؤبمى. أشعر بؤنه سٌكون مشهداً إنسانٌّاً ترتفع فٌه إلى<br />
ٔٗ8
السماء وأنت ترلص البالٌه، بحٌث ترى وجهه. سٌكون رابعاً<br />
أن أرى ابنً ٌستؽفر هللا. أتدرن ٌا ترى كم أنت بحاجة إلى هذه<br />
المحادثة معه. أنا لم أرن تصلًّ ٌوماً، ال فً الكنٌسة وال لبل<br />
النوم. أراد كٌانً كلّه أن تكون إنساناً طبٌعٌّاً، تتعامل مع الحٌاة<br />
ككلّ الناس. كنت تعرؾ ما أرجوه من حٌاتً الجافة، وتضرب<br />
عامداً بكل ذلن عرض الحابط. لمد خذلتنً ٌا "زٌاد" وأحلت<br />
حٌاتً إلى حزن دفٌن مختلط مع الٌؤس والخٌبة. أضعتُ سبٌلً<br />
إلى تماسكً، وكنت أرزح تحت رعب خروجن إلى العلن ٌوماً<br />
نسخة متطابمة عن أبٌن. لكن هللا رحمنً وأدخل تعدٌبل أكثر<br />
للٌبلً من أن نسمٌه طفٌفاً. أدخل إلًّ الفرح بادئ األمر، لكن<br />
بماءن فً حضن طفولتن أعادنً مع أحزانً وٌؤسً إلى نمطة<br />
الصفر.<br />
أجهشت أمً المسكٌنة بالبكاء، وأشاحت بوجهها عنً. كنت<br />
أعرؾ أنها تتعذب فً تلن اللحظات، وتمنٌّ ُت من ك ّل للبً وما<br />
أحمله من إخبلص وحب، لو لم أتسبّب بما حدث، ولم أعد بها<br />
إلى ذلن الزمن الرديء الذي ربّما عاشته حماً مع أبً. بدأتُ<br />
أدرن أن فً داخلً أحمل ضؽٌنة ما ضد أمً. وإالّ ما معنى<br />
لكلّ هذه التصرفات الرعناء التً لمتُ بها وال أزال؟! أنا ال<br />
أفهم ما ٌحدث ولمَ أحمل تلن المشاعر ضد أمً التً كانت تمتل<br />
نفسها كلّ ٌوم من أجل إنماذي ممّا أنا فٌه. ترى هل أكره النساء<br />
ألسباب جٌنٌّة؟! عندما هدأت للٌبلً للت لها: أٌزعجن أن أذهب<br />
إلى بٌروت بضعة أٌّام؟! لم تردّ فً بادئ األمر. لكنً أعدت<br />
السإال بصٌؽة أخرى لاببلً: ماذا تمترحٌن؟!<br />
ٔٗ9
كنت سؤطلب منن الٌوم تفمد بٌت البلذلٌّة إذ إنً أرؼب فً<br />
لضاء الصٌؾ هنان. إنً مشتالة إلى صدٌماتً وإلى البحر،<br />
ربّما نسٌنً لست أدري؟! إذ إنً همست فً أذنه ولم ٌجب،<br />
ترى هل ٌعنً هذا أنه لم ٌعد أحد ٌجد نكهة خاصة فً دمابً.؟!<br />
لل للبحر أرجون أن ٌؤخذنً بعٌداً وٌرمٌنً فً فم الحوت.<br />
سٌكون هذا أفضل لً من أن ٌمؤل عٌنًّ التراب.<br />
لن أُعلك ٌا أماه على كل ما للتِه، بل إنً أشعر بؤنً أخطؤت<br />
بإثارة هذا الموضوع الذي لم أكن أدرن تماماً مدى حساسٌته<br />
وما تثٌر فٌن العودة إلى الماضً من مشاعر بؽٌضة. لكن ؼداً<br />
سؤتناول طعام الؽداء فً البلذلٌّة. ترى أترسلٌن فاطمتنا معً؟!<br />
إذ إن البٌت هنان لد ٌلزمه أكثر من شهر كً ٌكون جاهزاً<br />
الستمبالن<br />
تشاء. كما حسنا<br />
سؤذهب اآلن إلى شارع العابد ألنتمً<br />
ترافمٌننً؟! إذ إن مهمّتً لن تستؽرق<br />
سآخدنِ بعدها لنشرب "الكابوتشٌنو"<br />
لفبلً لباب<br />
أكثر من<br />
ؼرفتً. لمَ ال<br />
دلابك . خمس<br />
ٌبدو أنن التزال تصلًّ. إذ إن دعوتن لً لمرافمتن تستطٌع<br />
عدّها صبلة إلى الرب. لن ألاطعن ٌا بنً طالما تفعل ذلن.<br />
سؤرافمن إلى حٌث ترٌد ٌا "زٌاد"، إنن تحمل اسم جدن ألبٌن،<br />
وحبٌب هو اسم جدن ألمّن هٌا ننطلك.<br />
ٔ٘ٓ
ل َم لم تذكري شٌباً عن طفولتن وعابلتن؟! عذراً ألٌس ؼرٌباً<br />
أالّ أعرؾ شٌباً عن تارٌخ ِن الشخصً؟! كما أنن لم تتحدثً<br />
مطلماً عن شبابن وجمالن اللذٌن ال ٌزاالن ٌُظهران عرالتن<br />
وأنالتن األصٌلة حتى الٌوم؟!<br />
لست أدري ٌا بنً؟! ربما أردت دفن الماضً ّكل الماضً ٌا<br />
"زٌاد" بل لعلّنً أردت منذ زمن طوٌل نسٌان كٌؾ كان أبً<br />
ٌبلعبنً وٌضحن من ك ّل للبه. فً الحمٌمة أن عملً تشوش<br />
أثناء األحداث التً مرر ُت بها، أو الصراع الذي خضته ضدّ<br />
كل من كان ٌرٌد إبطال تماسكً وسحك شخصٌّتً. ال أعرؾ<br />
تماماً كٌؾ كان ٌحدث ذلن وال كٌؾ لاومته أو من أٌن أخذ ُت<br />
الموة لمجابهة زوجً الذي كان ٌجعل البٌت ٌبثّ رابحة ال<br />
تطاق. لست أدري إن كن ُت لد خف ُت ممّا تملن تلن الربّما من<br />
احتماالت وما ٌمكنها أن تنبش. صدّلنً، أنت ال تحتاج إلى<br />
معرفة الماضً. لكن دعنً ألول: إن الربّما لد تنمذ من الموت.<br />
دعنً أموت وأنا مطمبنّة إلى أنً تخلّص ُت منه ودفنته منذ ولت<br />
طوٌل، وبات ذلن الدٌناصور الذي أشعل ُت فٌه النار ورالبته<br />
وهو ٌحترق وٌذوي وأنا بعٌدة بما فٌه الكفاٌة، محاولة إلناع<br />
نفسً أنه لم ٌعد ٌستطٌع فعل أي شًء، وأصرر ُت أالّ تملن<br />
ذكرٌات تؤخذن إلٌه رؼماً عنن. امنحنً ذلن أرجون. عندما<br />
سؤذهب إلى البلذلٌّة سؤجلب معً ك ّل ما لد ّي من أوراق<br />
تخصنً، وسٌكون فٌها تنازل عن كل أمبلكً وأموالً التً<br />
ورثتها من أبً. فعلت ذلن بعد أن تشاور ُت مع أخً الذي ال<br />
تحبه، فوافك دون تردد لاببلً: أنا ال أشن بؤخبلق "زٌاد" وال<br />
أعرؾ سبباً لعدم محبّته لً.<br />
ٔ٘ٔ
-ٔٔ<br />
)كانت حماستً فً االنطبلق إلى البلذلٌّة ال ٌضاهٌها أ ّي شًء<br />
أذكره. كنت فً الوالع أرؼب أن أموت حٌث ولد ُت. لمد لضٌ ُت<br />
فً ربوعها الكثٌر من طفولتً، وترسخ شبابً هنان، ولمّا<br />
حملونً إلى النافذة لٌرونً البحر، ابتدأت أول عبللة عاطفٌّة<br />
لً، فعلت فًَّ مع الولت األعاجٌب. ثمَّ كان البدَّ من االنتمال إلى<br />
دمشك بسبب نمو مصالحً هنان والحاجة إلى رعاٌتها رعاٌة<br />
مستمرّ ة. لكنً حرص ُت على المٌام بالعدٌد من الزٌارات<br />
الصٌفٌّة الطوٌلة الرابعة، والحوار الطوٌل الذي لم ٌنمطع مع<br />
نفسً وأنا مسترخٌة لرب البحر المتفهم المتمٌز، واستمرارٌّة<br />
رابحته فً مصاٌفها الرابعة، كما تعبّر بصدق الصور التً<br />
التمطناها هنان والتزال تذكّرنا جمٌعاً بالفرح الذي كنا نشعر به<br />
سواء أكان ذلن على البحر أم فً"صلنفة" و"كسب"،وهما من<br />
أجمل مصاٌؾ سورٌّتنا ومن أجمل المرى التً رفضت الدٌكور<br />
تعالوا معً إلى سوق كسب الضٌمة، أنا لن أتحدث عن التوت<br />
الرومً، بل عن العجابز اللواتً بحاجة إلى رسام استثنابً كً<br />
ٌرس وجوههم وما تمول تلن الخطوط السوداء المحفورة فً<br />
الوجوه التً ربّما هً التً رفضت الدٌكور وأخافها ذلن<br />
التشوٌه الذي ربّما كان أٌضاً متعمّداً.( هذا ما كتبته والدتً فً<br />
دفتر ٌومٌّاتها.<br />
لضٌت مع "خولة" أمً الحبٌبة وجدّتً لرابة الشهرٌن فً<br />
البلذلٌّة. لطالما عددت اسم أمً الؽرٌب الطرٌؾ مصدر فخري<br />
الدابم. كان والدها الذي لم ٌتس ّن لً معرفته، ٌحمل شهادتً<br />
دكتوراه فً التارٌخ العربً المدٌم والحدٌث من جامعة<br />
ٕٔ٘
ٖٔ٘<br />
"نوبروسلا"<br />
امك<br />
ناك<br />
ًاملم<br />
لب<br />
ًاممعتم<br />
ًف<br />
همفلا<br />
ًملبسلإا<br />
نود<br />
نأ<br />
نوكٌ<br />
ًاكلام<br />
يّ لأ<br />
ةجرد<br />
."ةٌّمٌداكأ"<br />
امدنع<br />
تنك<br />
ًف<br />
ةنماثلا<br />
ةرشع<br />
نم<br />
يرمع<br />
تٌعُد<br />
ًمأ<br />
انأو<br />
ىلإ<br />
ةرهاملا<br />
مٌركتل<br />
.يدج<br />
مل<br />
مهفن<br />
ًف<br />
ءد<strong>بلا</strong><br />
ىنعملا<br />
نماكلا<br />
ءارو<br />
ردصم<br />
ةوعدلا<br />
لاو<br />
ةبسانملا<br />
ًتلا<br />
ؾّلؽت<br />
.عوضوملا<br />
ناك<br />
رملأا<br />
ًامخض ًلاافتحا<br />
يَ ِدون<br />
هٌف<br />
ىلع<br />
ءامسأ<br />
ةرٌبك<br />
ًف<br />
ملاع<br />
ةفامثلا<br />
مدمتلل<br />
ىلإ<br />
نوفوركٌملا<br />
تثّدحتو<br />
هربع<br />
نازوأ<br />
ةرٌبك<br />
ًف<br />
ملاع<br />
ركفلا<br />
نود<br />
نأ<br />
ىسنن<br />
نأ<br />
ةرهاملا<br />
لازتلا<br />
لثمت<br />
ربكأ<br />
ةرانم<br />
ءًضت<br />
لٌل<br />
راهن<br />
:ةلبال<br />
ُّلظؤس<br />
حفاكأ<br />
دوعتل<br />
ىلإ<br />
ةؽللا<br />
ةٌّبرعلا<br />
اهتناكم<br />
اهملأو<br />
ًف<br />
اذه<br />
.ملاعلا<br />
اه<br />
ًه<br />
ةرازو<br />
ةفامثلا<br />
انفحتُت<br />
ءانبب<br />
دٌدج<br />
ةرازولل<br />
ًتلا<br />
مّدمتتس<br />
ملاعلا<br />
،ًبرعلا<br />
نلعتو<br />
اهرخف<br />
ملاعلل<br />
ضرلأا ًصالأ ىلإ دتمٌ يذلا<br />
نلذ ىلإ ةرٌشم<br />
ءان<strong>بلا</strong><br />
دٌدجلا<br />
يذلا<br />
يوحٌ<br />
ةثٌدحلا ةزهجلأا نم<br />
لضفأ ًهاضٌ امب<br />
حراسم<br />
ملاعلا<br />
..رضحتملا<br />
عبات<br />
ثدحتملا<br />
مساب<br />
ةرازو<br />
ةفامثلا<br />
ةٌّرصملا<br />
:ًلببال<br />
نإ<br />
رصم<br />
ذإ<br />
ركشت<br />
لّ ك<br />
نٌذلا<br />
اورضح<br />
ًاروضح<br />
ًالداص<br />
ًؽبٌ<br />
راوحلا<br />
ؾداهلا<br />
عم<br />
بوعشلا<br />
تاعامجلاو<br />
نم<br />
لّ ك<br />
ءاحنأ<br />
،ملاعلا<br />
نم<br />
لجأ<br />
لبمتسم<br />
لضفأ<br />
،ةٌّرشبلل<br />
اننوكراشٌل<br />
ًلاوأ<br />
ًف<br />
اذه<br />
لافتحلاا<br />
اوعمسٌو<br />
:اّنم<br />
اننإ<br />
لفتحن<br />
ًاضٌأ<br />
مٍ لاعب<br />
يروس<br />
،ًحٌسم<br />
ربتعٌُ<br />
ًف<br />
ملاعلا<br />
،ًملبسلإا<br />
عجرم<br />
رٌبك<br />
همفب<br />
نلذ<br />
نٌدلا<br />
ؾٌنحلا<br />
يذلا<br />
نمإت<br />
هب<br />
ةٌّرثكأ<br />
ًنطاوم<br />
ملاعلا<br />
،ًبرعلا<br />
ناكو<br />
اننٌد<br />
ردصم<br />
اهرخف<br />
.مبادلا<br />
مل<br />
هعمسن<br />
ًاموٌ<br />
ثدحتٌ<br />
نع<br />
نٌتداهشلا<br />
نٌتللا<br />
زاح<br />
امهٌلع<br />
نم<br />
ةعماج<br />
"نوبروسلا"<br />
ًف<br />
ةؽللا<br />
ةٌّبرعلا<br />
رٌثؤتو<br />
اهتفامث<br />
ىلع<br />
.ملاعلا<br />
هنكل<br />
نع بتك<br />
كشاعلا ةمٌرطب ملبسلإا<br />
.هِلاولا<br />
ملستتس<br />
هتنبا<br />
ةدوجوملا<br />
اننٌب<br />
ةزباج<br />
سٌبر<br />
دلب<strong>بلا</strong><br />
،ًلاوأ<br />
نم<br />
ببان<br />
سٌبرلا<br />
مَّ ث<br />
مومٌس<br />
رٌزو<br />
ةفامثلا<br />
اهمٌلستب<br />
ةداهش<br />
مٌركتلا<br />
ةٌدهو<br />
ةٌّراكذت<br />
دّجمت<br />
هذه<br />
ةبسانملا<br />
.ةٌّخٌراتلا
خبت<br />
دعٌت والدتً لتلمً كلمة عن أبٌها لعلّها تضٌؾ شٌباً جدٌداً إلى<br />
حكاٌة صؽٌرة لد تكون ملفتة وتعطً نكهة جدٌدة لحٌاة أبٌها<br />
المناضلة المكافحة من أجل الوطن العربً كلّه.<br />
لالت أمً وهً تمؾ أمام المٌكوفون: لمد دعٌتُ إلى موطا<br />
لدم األزهر الشرٌؾ دون أن أعرؾ لمَ كانت الدعوة ولماذا كان<br />
أبً موضوعها؟! عندما ولدتُ سمّانً أبً "خولة". أثار ذلن<br />
لؽطاً كبٌراً فً البٌت وبعض االستهجان المتخفًّ. جابهه أبً<br />
فٌض رأسه حٌث كان ٌجلس، ووضعه بٌن ٌدٌه. استرعى<br />
ذلن انتباه أخً الكبٌر، فاتّجه إلى حٌث ٌجلس أبً ولال له: ماذا<br />
علًّ أن أفعل؟! رفع أبً نظره ببطء إلى ابنه وزفر بموّ ة لاببلً:<br />
أفهمهم أن ما خرج من فمً أصبح لانوناً على الجمٌع تطبٌمه<br />
بما فٌهم شخصً. سؤمنحهم خمس دلابك، ثم سؤرفع رأسً<br />
وأرٌد االستمتاع بالصمت التام. ثمَّ بعد ذلن سؤلول بضع<br />
كلمات.<br />
سمعاً وطاعة ٌا أبً.<br />
بعد أن انتهى الولت الذي منحه، رفع رأسه وانتظر بضع<br />
لحظات ولال: ٌإسفنً أنكم نسٌتم إنً علً حبٌب فركوح من<br />
"حمص". سمٌّتُ ابنتً "خولة". ستكبر هذه االبنة الحبٌبة، ولن<br />
ألبل بمحاولة تؽٌٌر اسمها بتصؽٌره، أو بالتبلعب به من لبل<br />
نساء عابلتً، وسترون أنها ستنصّب ٌوماً ملكة لجمال العالم.<br />
فً ذلن الولت تؤكّدوا أنً سؤكون ممتنّاً فً لبري. هذا كلّ ما<br />
لالته أمً فً هذه المناسبة التً لم تكن متحضرة لها. لكنها تلمت<br />
تصفٌماً لم تشهد مثله تلن الماعة. لكنه لم ٌكن أكثر من دموعها.<br />
ٔ٘ٗ
عندما نزلت من المنصّة توالى المتحدّثون من كبار الشخصٌّات<br />
المرمولة التً جاءت لترى كٌؾ تفكّر الماهرة وإلى أٌن ٌمتدّ<br />
نظرها ومتى ٌمكِننا أن نرى ذلن اإلشعاع الذي ٌرشدنا إلى أٌن<br />
ٌتجه مستمبل األمة العربٌّة، وأٌة أهداؾ نستطٌع أن نطلب منه<br />
تحمٌمها.<br />
فجؤة تذكرت أٌن أنا، وأيّ حمبة مإلمة من تارٌخ حٌاتً كن ُت<br />
أستعٌد، كان فٌها من الشجن الشًء الكثٌر. كنت أعرؾ أن<br />
بضع لطرات من الدموع ٌمكنها أن تنتشلنً من الحمبة الحزٌنة<br />
بامتٌاز عندما شعرت أن "محمّد" أولؾ السٌّارة على جانب<br />
الطرٌك وسؤلنً والملك ممزوج باالرتبان لد ؼزٌا وجهه بشكل<br />
أخافنً لبل أن ٌمول مصفرّ الوجه: ماذا ٌجري ٌا سٌّدي؟!<br />
ماذا تمصد ٌا "محمّد"<br />
هل فكّرت بالمزاح معً ٌا سٌّدي؟!<br />
ماذا حصل ٌا دمحم؟! وعن أي مزاح تتكلّم؟! أسرع ولل لً ماذا<br />
جرى، إنن أثرت فًّ خوؾ كبٌر، كٌؾ خطر لن أن تتكلم معً<br />
بهذه اللهجة التً أرفض بشدة سماعها منن، سٌدي أنا آسؾ، بل<br />
وشدٌد األسؾ، فمد كنت تصرخ تارة وتحرن ٌدٌن تارة أخرى<br />
كؤن أحداً ما ٌنهال علٌن بالضرب المبرح وأنت تحاول الدفاع<br />
عن نفسن. أنا آسؾ ٌا سٌّدي، فؤنا لم أرن تمر لببلً بمثل ما<br />
رأٌت. دعنً أردد ٌا سٌدي إنً آسؾ. إذ إن هذا ما رأٌته<br />
وأرعبنً كثٌراً<br />
ٔ٘٘
هل تركتهم ٌكٌلون لً اللكمات لً كثٌراً؟!<br />
ال أحد ٌمكنه فعل ذلن بوجودي ٌا سٌدي.<br />
أنا ال أدري ماذا حدث وكٌؾ؟! ربما كان هذا حلم ٌمظة دفعه<br />
بفظاظة خبر مرض أمً رؼم أنً أصدق خالً أنه كان مسؤلة<br />
عابرة مضت فً سبٌلها. إنً أعتذر ٌا "محمّد". ٌبدو أنً لم أعد<br />
أستطٌع تحمّل الصدمات. سؤلول لن ببضع كلمات ما حدث<br />
بالضبط: المشكلة أن أمً تلتمط ما أرٌد أن ألول لبل أن أنطك<br />
به، إذ إن ما تعرفه عن جبروتً ٌصبح أمام أمً كإطار إحدى<br />
السٌّارات، فمسمار صؽٌر ٌمكنه إفراؼه من الهواء وٌجعله فجؤة<br />
ؼٌر لادر على العمل أو لد ٌُحوّ له إلى مصدر لخطر داهم. هكذا<br />
تسمط كلّ الخطوط الدفاعٌّة التً بناها الدكتور "زٌاد" لبل أي<br />
حدٌث جديّ ٌجرٌه مع أمه. إن لٌادتن الرابعة للسٌارة أخذتنً<br />
إلى حدٌث سابك مع الوالدة كنتً فٌه الخاسر بامتٌاز. ٌبدو أن<br />
المرء مهما كان مهذباً ال بدَّ له من االستعانة أحٌاناً بمخزونه<br />
الخفًّ ِ من الشتابم عندما ٌمر فً حلم عاديّ ٍ أو فً حلم ٌمظة لد<br />
ٌحمله أحدهما على بساط الرٌح وٌضعه فً مواجهه لضٌة<br />
صعبة خسرها أو سٌخسرها بسبب أخطابه. اعذرنً ٌا دمحم<br />
وحاول أن تنسى ما سمعته. هٌا لنمضِ ، فإن عدتُ إلى ما كنتً<br />
أفعل تولؾ فً مكانٍ ٌمكننً فٌه أن أؼسل وجهً.<br />
حسناً سٌّدي.<br />
ألمٌتُ نظرة خاطفة إلى "محمّد" بعد دلابك معدودة، ورأٌتُ أن<br />
مبلمحه عادت إلى وضعٍ بان فٌها االرتٌاح، ولد سرّ نً ذلن<br />
ٔ٘ٙ
كثٌراً. حاولتُ أن أبتعد عمّا حدث وأنظر إلى ما نمرّ به من<br />
بٌوت صؽٌرة جمٌلة تشتهٌها لنفسن، تربض على جانبً<br />
الطرٌك تفتح ذراعٌها الستمبالن. أذكر أنً فجؤة رأٌت على<br />
الٌمٌن مطعماً كبٌراً اعتمدتُ أننا نستطٌع فٌه احتساء بعض<br />
المهوة، ولد ٌمكننً من ؼسل وجهً وأعٌد بعض النشاط إلى<br />
هذا الكٌان الذي فوجا بخبر أشاع فٌه االضطراب وأفمده<br />
السٌطرة على ذاته. ترى كٌؾ لً أن أصٌر رجبلً حمٌمٌاً علٌه<br />
أن ٌتولع الحلو والمر ٌمتحمانه دون استبذان؟! ألست مثل بمٌّة<br />
الناس أملن أن أعتاد على التعوّ د وأصبح ال أخشى من التعامل<br />
مع كلّ منهما بالطرٌمة المناسبة؟! ترى ماذا حدث لً، هل فمدت<br />
شٌباً لم أعد أستطٌع استرجاعه؟! كان "محمّد" ٌدرن ماهٌّة<br />
الصراع الذي ٌحدث فً داخلً وكم بتُّ أخجل من نفسً. لم<br />
ٌتركنً وحٌداً، بل أسرع ولبض على زمام المبادرة، ولاد<br />
السٌارة إلى ذلن المكان ممترحاً الترجّل والدخول إلى ذلن<br />
المطعم األنٌك فً ذلن المكان ونؤخذ استراحة لصٌرة، بحٌث<br />
ٌستطٌع سٌّدي أن ٌؽسل وجهه، وربّما ٌشرب كؤساً من البٌرة،<br />
ضاق بها المكان الموجودة فٌه. مإكّداً فً الولت نفسه أننا لن<br />
نتؤخر عن تحمٌك رؼبة ربّ العابلة والوصول فً التولٌت الذي<br />
طلبه.<br />
عندما جلسنا طلب منً الدكتور أن أطلب له البٌرة وأطلب<br />
لنفسً ما أرؼب به.<br />
عندما فعلت ذلن بادرت بالمول: أنا ٌا سٌّدي ال أذكر أبً وال<br />
أخً الكبٌر. لكن لمّا ذهبت معن إلى بٌروت فً المرّ ة األولى<br />
ٔ٘7
شعرتُ أنً لم أعد ٌتٌماً، وتمنٌتُ أن أبمى معن العمر كلّه. إنن<br />
ٌا سٌّدي تعٌد تربٌتً من جدٌد.<br />
إنها فكرة لطٌفة رؼم أنً أرى فٌها بعض المبالؽة. ربّما<br />
سنتحدث فٌها الحماً.<br />
هل ٌمكننً أن ألول بضع كلمات خارجة من وجدانً؟!<br />
لل ما ترٌد، لكن دع عواطفن جانباً.<br />
منذ مدّة وأنا أحاول طرح هذا الموضوع، ولكننً لم أستطع<br />
فعل ذلن خوفاً من الجواب نفسه الذي بادرتنً به للتو. إنً<br />
أمتلا بالكثٌر من األشٌاء التً ال أستطٌع أن أخرجها من ذاتً،<br />
وأنا ال أعرؾ أٌن هً بالضبط هذه الذات وال تلن األمور التً<br />
أودّ إخراجها. إنً أتوق أن أوصل إلٌن مشاعري الحمٌمٌّة<br />
وتطلعاتً وأضعها عارٌة أمامن على تلن الطاولة التً<br />
تستعملها لكتابة مماالتن. أنا لن أعفٌن من التحدث فً هذا األمر<br />
الحماً. ها لد وصلنا.<br />
ال تمؾ اآلن،<br />
بل استمر فً السٌر دلٌمتٌن ثمّ عدْ ٌا محمّد.<br />
ما أحلى دموعن ٌا سٌّدي. إذ إنها تعنً أننً أوصلت إلٌن<br />
المبتؽى.<br />
ٔ٘8
ال، ال دعن من الرجوع إلى البٌت ٌا محمّد، إذ إنً لم أعد إلى<br />
حالتً الطبٌعٌة بعد. خذنً بعٌداً للٌبلً حتى أعود إلى ما كن ُت<br />
علٌه.<br />
حسناً، ال تخشَ<br />
شٌباً ٌا سٌّدي، فالدموع دواء.<br />
هل علً أن أحفظ ذلن عن ظهر للب؟!<br />
ضحن محمّد كثٌراً ولال: لمد لبضت علًّ بالجرم المشهود. هل<br />
أعود؟<br />
حسناً.<br />
لكن ابطا.<br />
كما ترٌد ٌا سٌّدي.<br />
فتحت فاطمتنا الباب لبل أن نصل إلٌه لاذفة نفسها إلًّ<br />
وأشبعتنً تمبٌبلً وبعد ذلن لالت: إن أمّن فً أحسن حال. كانت<br />
أزمة خفٌفة مرّ ت بٌسر ولم تترن أثراً. لمد استفالت للٌبلً<br />
وابتسمت لً دون أن تمول شٌباً. لكن الطبٌب لال لً بعد أن<br />
أضاؾ نصؾ حمنة إلى "السٌِروم" سندعها تنام ولتاً إضافٌاً.<br />
إذ إن ما حدث لٌس من األمراض التً ال تترن أثراً وراءها<br />
أرجو أن تبعدٌها ما أمكنن عن الضجٌج. أتولع من الدكتور<br />
زٌاد إذا وصل أن أسمع صوته عبر الهاتؾ. هل ال ٌزال أخوها<br />
نابماً؟<br />
ٔ٘9
لست أدري ٌا سٌّدي. لكنً أعرؾ أنه لم ٌنم مطلماً فً اللٌلة<br />
الفابتة.<br />
لال زٌاد مرّ ري أناملن الناعمة على باب ؼرفته، فإذا كان<br />
مستٌمظاً سٌعرؾ أنً وصلت، وسٌعطٌنِ إشارة ما.<br />
حسناً سؤفعل.<br />
بعد عشرة دلابك رن الجرس ورأٌت فاطمة تركض إلى ؼرفة<br />
أمً. تؤخّرت بعض الولت هنان، لكن ذلن لم ٌملمنً. لهذا لم<br />
أُفاجؤ عندما رأٌت أمً تخرج من ؼرفتها ووراءها ظهرت تلن<br />
المخلصة المُحبة. تحرّ كتُ باتّجاه أمً وكان عنالاً بخفر بٌن<br />
حبٌبٌن لم ٌرٌا بعضهما بعضاً منذ زمن طوٌل. كم كنت أرٌد أن<br />
أنمل أفكاري بعٌداً عن سمع أمًّ. هكذا لم ٌكن سوى خالً<br />
أمامً. فتمدّمت إلٌه وأخذته على حٌن ؼرة ولبلت ٌده دون أن<br />
ٌسمح له الولت بسحبها فابتسم ولبلنً من جبٌنً فملتُ له: هل<br />
فً عابلتنا شروط لتبادل العواطؾ؟ّ! فمال: أعتمد ذلن، ولطالما<br />
كانت أمن مصرة على تطبٌك آراء أبٌها. كانت تعشمه بشكل<br />
ؼرٌب. أما هو فكان ٌمدسها، المرحوم خالن األصؽر كان ضد<br />
خطّة أبٌه وٌعتبرها بعٌدة عن المسٌحٌّة وؼارلة فً الرجعٌة<br />
وكان ٌمول ذلن أمام أمه وأمن. كان جدن تصل إلٌه هذا<br />
األلوال وال ٌمول شٌباً إذ إنه كان ٌخشى من أن تنمطع شعرة<br />
معاوٌة بٌنه وبٌن ابنه. لكنه عندما ألترح علًَّ اللحاق بؤمً مسح<br />
عٌنٌه الممتلبتٌن بالدموع. أما الخصام المجهول السبب بٌنً<br />
وبٌن خالً أثبت خصمً السابك أنه كان دابماً ٌحمل للباً كبٌراً<br />
بٌن حناٌاه.<br />
ٔٙٓ
ٕٔ<br />
عندما بدأنا نجلس على مابدة الطعام، أطلت فاطمتنا لابلة<br />
ستنتظرون خمس دلابك أخرى، وسٌكون كلّ شًء كؤنه وصل<br />
من بارٌس وأوصلته طابرة خاصة منذ دلٌمتٌن. رفع زٌاد كؤسه<br />
ولال: نخب الخال الذي سامحنً على أخطابً كلّ تلن السنٌن<br />
رؼم رعوتنً وخروجً عن تمالٌد العابلة. لست أنا من ٌمول<br />
هذا بل إن جدران بٌتنا كانت تتوشوش فٌما بٌنها حول ما ٌمال<br />
عمّا تشوب عبللتً بخالً من فمدانً للمشاعر التً من الطبٌعً<br />
أن تسود بٌنً وبٌنه، بالرؼم من إنً ال أملن ما ٌسوغ رفضً<br />
الؽرٌزي لصلة المربى التً كانت وستظل تربطنً به شبتُ أم<br />
أبٌت. أظن أن هذا الشعور لد بدأ ٌنمو منذ النصؾ الثانً من<br />
سنًّ مراهمتً. لمد سؤلتُ نفسً كلّ ذلن الولت ترى ماذا حدث<br />
حتّى بتُّ ال أطٌك أن أجلس مع خالً؟! أكنت فً العمك أنتمم<br />
متهرّ باً من أمً التً ال أجرإ على مجابهتها، بالتنكٌل بخالً<br />
كلّما الحت فرصة لذلن؟! ترى كٌؾ ولدت تلن العدابٌّة الفجة<br />
التً أصبحت تخجلنً دون وجود أيَّ مسوغ ممنع؟!ها أنا أمتلا<br />
شعوراً بالشوق لرإٌة خالً الوسٌم. ٌا ربّ ساعدنً ولل لً<br />
ماذا ٌحدث، وكٌؾ نما وتمكّن من خنالً هذا الكره البؽٌض؟!<br />
لمد سؤلتنً أمً مبات المرّ ات، ماذا لدٌن ضد خالن ٌا زٌاد، أال<br />
تشعر أن بعضاً من دمابه تجري فً شراٌٌنن، ألم ٌهمس لن<br />
ذلن بؤيّ شًء مرّ ة واحدة كلّ تلن السنٌن؟! إنه أخً ٌا "زٌاد"؟!<br />
أذكر أنً حاولتُ الطلب من أمً أن تتولؾ عن جلدي<br />
وترحمنً، فإن الكلمات كانت تهرب منً كؤنً شٌطان رجٌم.<br />
ٔٙٔ
لمد بتُّ أعتمد أنً ال أزال حماً سجٌن طفولتً. أشعرنً ذلن<br />
فجؤة بؤن كل األبواب تؽلك فً وجهً بعنؾ الواحد بعد اآلخر.<br />
كنتُ أكاد أن أُجنُّ، فمد خٌّل إلًَّ فجؤة أنً أدور فً مكان فارغ،<br />
سمفه منخفض وحولً الكثٌر من األبواب المؽلمة، وال أعرؾ<br />
إلى أٌن ٌمكن أن ٌؤخذنً كلّ منها. شعرت بزجر عنٌؾ تتخلّله<br />
كلمات فاضحة ولحة وأصوات تصرخ فً كٌانً بشتابم سولٌّة<br />
ال لِبل لً بها. كنتُ على ما ٌبدو مستمرّ اً فً الدوران. بُؽتة<br />
أدركت أن هنان من أمسن بً ولذفنً بعٌداً إلى لحظاتٍ وجدتُ<br />
نفسً فٌها ألوم من وسط الشارع، وأبادر إلى نفض الؽبار عن<br />
ثٌابً، وفً الولت نفسه كنتُ أحاول أن أعرؾ إذا ما أصاب<br />
جسدي ضرر ما أعتمد أن الولت كان لبل الؽروب بملٌل، وال<br />
أحد هنان فً ذلن االمتداد الطوٌل من األشجار الوارفة على<br />
الطرفٌن.<br />
"كنت بالتؤكٌد شجاعاً لمّا نشرت هذا الممطع من ٌومٌّاتً فً<br />
الٌوم التالً فً صحٌفة النهار دون أن أعرؾ من أٌن استمدٌّت<br />
ذلن.<br />
ٕٔٙ<br />
"<br />
لستُ أدري كٌؾ هبط اللٌل فجؤة، فؤربكنً ودفعنً إلى<br />
التساإل: إذا كنتُ ال أزال مكانً حماً، ولمَ أخذتُ لراراً بعدم<br />
العودة إلى البٌت فً ذلن الٌوم، رؼم أنً كنتُ أعرؾ ماذا<br />
ٌمكن أن ٌثٌر ذلن من ردود فعل، لد تشعل ما سٌصعب إطفاءه.<br />
أذكر فً ذلن الولت أنً رأٌت وسط عاصفة عاتٌة تعوي<br />
حرٌماً ٌندلع، ٌؽذي نفسه بنفسه وٌلتهم كلّ شًء فً طرٌمه<br />
محوالً إٌّاه إلى رماد، ترى فٌه رٌاح الموت تمتطً عاصفة<br />
أخرى أشّد عنفاً ولدرة على تخرٌب ما هو معمّر. كان ال ٌزال
كامناً فً وعًٌ أن رعباً امتلن كٌانً معتمداً أن كلّ تارٌخنا<br />
أصبح أسود ٌنفث دخاناً مؤل جانباً من السماء بذلن اللون<br />
الممٌت. لست أدري كٌؾ اختلطت األمور وشعرت بالعتمة<br />
تخطفنً من مكانً وتولعنً أرضاً دون أن أعرؾ أٌن<br />
أصبحتُ . لكن صوت تحطم صحنً وتناثر الطعام وأدواته بعٌداً<br />
منتشراً اعتباراً من ثٌابً، ومن ثمّ إلى أيّ مكان ٌمكنه الوصول<br />
إلٌه. أرانً "بانورامٌاً" كٌؾ جرت األمور ولماذا حصل ما<br />
حصل؟! لام خالً وانتزعنً من حٌث كنت، ووضعنً فً<br />
مكانً. لم تستطع أمً التحمل وهً وسط المشهد الممًء،<br />
فؤجهشت بالبكاء بطرٌمة كان فٌها ٌمزلنً تمزٌماً بشعاً دون أن<br />
أستطٌع الردّ على العدوان. لمت من مكانً محاوالً االعتذار<br />
وتهدبة الخواطر، لكنً لم أستطع أن أخطو خطوة واحدة<br />
باتّجاهها. وددتُّ لو حصل شًء ما وحال بٌنً وبٌن الوجود فً<br />
ذلن المكان، بحٌث لم ٌتركَّب هذا المشهد المذل الفاضح. تملّكنً<br />
رعب من رؼبتً الشدٌدة بتمبٌل أمً وطلب ؼفرانها ألن الطفل<br />
الذي ربّته ٌخشى العتمة وال ٌزال ٌبول فً فراشه لٌبلً. كنت لد<br />
عدتّ للجلوس فً مكانً ودخلتُ فً الصمت. إذ إنً خلته<br />
سٌكون أفضل من انفجار أمً، وعالبة ما ٌمكن أن ٌحدث لنا<br />
جمٌعاً. لكن أمً كانت لد اتخذت لراراً سٌمكنه أن ٌعٌد كل<br />
شًء إلى نصابه باالتكال على بعض الولت. إذ طلبت من<br />
فاطمتنا التً كانت لرٌبة أن تساعدها فً العودة إلى فراشها،<br />
راجٌة من الجمٌع أن ٌعذروها وٌتابعوا طعامهم. التفت خالً<br />
إلى زوجته ولال لها: بٌتنا لرٌب، هل ترؼبٌن فً التوجّه إلٌه<br />
سٌراً أم تفضّلٌن أن أطلب لن سٌّارة إجرة؟ إذ إنً سؤذهب مع<br />
زٌاد لنسوّ ي لضٌّة عالمة.<br />
ٖٔٙ
أرجون ال تهتم أنا أفضل السٌر على األلدام، فالطرٌك إلى<br />
هنان جمٌل وأنٌك. أنا ال أزال عاشمة لؤلنالة. كلّ ما أرٌده هو<br />
أن أبمى كذلن ، وأنا ألفظ أنفاسً األخٌرة.<br />
الخال أنا ٌا "زٌاد" أفهمن، وأعتمد أن األٌام وطرٌمة تربٌة<br />
أمن جعلتنً أدرن ما ٌحدث ولماذا حدث. كٌانً كلّه ٌصرخ فً<br />
وجهً وٌمول لً: هذا ابن أختن وعلٌن أن تتحدّث معه، فهو<br />
ؼٌر مسإول عمّا جرى. كان على أختن وهً المتعمّمة فً<br />
الفلسفة أن تداري األمور بطرٌمة مختلفة. أنا ال ألوم أحداً. إذ<br />
حتى أصحاب العمول النادرة لد تمودهم الظروؾ إلى الطرٌك<br />
الخطؤ. الربُّ ٌبدو أنه أراد المول لئلنسان: إنً لم أعهد بؤخٌن<br />
إلٌن فؤنت لست لوّ ام على أحد. لن أن تدلً بنصٌحتن وال<br />
تخرج بوصة واحدة عن الحدود. دعنا نذهب ونؤخذ حمّنا من<br />
الطعام والشراب ونتحدث كصدٌمٌن. أنا ٌشرّ فنً أن تكون<br />
صدٌمً ماذا تمول؟! وأنا كذلن.<br />
إذاً هٌا نذهب باتّجاه أبو رمانه ثمَّ مركز الموى الجوّ ٌة فهنان<br />
مطعم ظرٌؾ أعتمد أن اسمه فرساي. أو ما لولن بالذهاب إلى<br />
باب توما ونجلس لرب تلن البركة التً ستذكّرنا بذلن الزمن<br />
الؽابر.<br />
نعم االختٌار ٌا خالً، فلنذهب إلى هنان، ولكن أرجو أن<br />
تنتظرنً دلٌمتٌن رٌثما ألول بضع كلمات إلى فاطمة.<br />
ٔٙٗ
عندما جلستُ بجانب خالً فً السٌّارة. وجّهت الكبلم إلٌه<br />
لاببلً: لمد طلبت منها انتماء بعض الثٌاب لرحلتً ؼداً إلى<br />
بٌروت.<br />
هل أستطٌع أن أعرؾ ماذا ستفعل هنان؟! إذا كان ٌحرجن<br />
المول اصمت وال تمل شٌباً.<br />
بالتؤكٌد ال ٌحرجنً أي شًء. سؤعرض نفسً على أحد<br />
أساتذتً من األطباء النفسٌٌّن وأطلب منه تمرٌراً عن حالتً<br />
الراهنة، وما إذا كنت بحاجة إلى عبلج ما. سؤكون مرٌضاً<br />
عادٌّا ولن أتدخل فً األمر. سؤرجوه أن ٌكون التمرٌر سرّ ٌاً،<br />
وموجّها إلى أمً. أنا ال أستطٌع إكمال حٌاتً والخبلؾ كما<br />
تعرؾ لد أحتدم منذ مدة طوٌلة، وازداد اشتعاالً وال ٌزال ٌتؽذى<br />
بالولود دون أعرؾ من أٌن وال كٌؾ. لمد كنت أظن دابماً أنها<br />
تعٌش رعباً تعرؾ أسبابه ولكنها ترفض الخوض فٌه وإعطاء<br />
الحٌاة لتفاصٌله. لمد تحملتً الكثٌر ٌا خالً إنها تخشى لٌل نهار<br />
أن ٌتبدّى فًّ وحش أبً فً لحظة ما. لكن الشًء الذي كان<br />
ٌؽٌب عن أمً دون أن تدري، أنً كنتُ أكبر وأنا ال أعرؾ<br />
شٌباً عن كل ما حدث بٌن أمً وأبً. كان ما ترٌده الوالدة هو<br />
أن أتصرّ ؾ وكؤنً وثٌك الصلة بما حدث فً ذلن الماضً<br />
البؽٌض. إذاً إن ما للته كان صحٌحاً تماماً، علٌنا أن نحٌل أمً<br />
للمعالجة ولٌس أنا. على كل حال إذا رأى الطبٌب أنً بحاجة<br />
إلى عبلج معٌّن فسؤضع نفسً تحت تصرّ ؾ أ ّي معالج ٌؤمر<br />
به.<br />
ٔٙ٘
فاجؤتنً لمد كنت أحضّر نفسً لنماش طوٌل، لبل أن أدخل هذا<br />
الموضوع.<br />
كنت أنتظر أن ٌكون موضوع عرض نفسً على طبٌب هو<br />
بٌت المصٌد فً هذا الؽداء الماضٌن إلٌه. وأحلؾ لن باآللهة<br />
المدٌمة التً أسهمت دون ٍ شنّ بوضعنا بمواجهة مع إلهنا الواحد<br />
األحد الذي لدم نفسه إلٌنا كؤب راعٍ ٌضبط كلّ ما ٌجري فً هذا<br />
الكون. ألول أمامه أنً لم أكرهن ٌوماً، كما لم أرؼب بوجودن<br />
معً ٌوماً فً الولت نفسه. كلّ تلن المدّة التً مضت لم أعرؾ<br />
شٌباً عمّا ٌحصل. عندما كلمتنً هاتفٌاً لتخبرنً بمرض أمً<br />
شعرت فجؤة بشوق عارم إلٌن. كان شعوراً لم أختبره البتة<br />
معن. ربّما ما كان ٌجري ٌُعدُّ اختبلفاً متنافراً فً الطالة<br />
الموجودة فً ٍ كلّ منا وتلن األخرى التً تحٌط بنا أو تنوجد بٌننا<br />
عندما نكون لرٌبٌن من بعضنا بعضاً. ال بؤس إن للت عنً أنً<br />
مجنون ال ٌمكن الشن بجنونه. تؤكد أن مزاجً الحالً سٌبمى<br />
كما هو، وسؤظلُّ أناشدن أن تحبنً كخالٍ لً. أعتمد أننا وصلنا<br />
وعلٌن أن تركن سٌارتن هنا فً هذه الساحة واترن لً تدبّر<br />
أمر هذا الشرطً.<br />
لم ٌكن المكان مزدحماً، لكن البركة الموجودة فً الوسط<br />
كانت محاطة تمرٌباً بالناس. لكن النادل الذي ساعدته مرة فً<br />
إدخال زوجته إلى مشفى الجامعة بشكل طارئ. تمدّم من الخلؾ<br />
وولؾ ورابً موشوشاً إٌّاي بؤن بعضهم دفع ما علٌه<br />
وسٌتركون طاولتهم بعد دلابك معدودة، إنها طاولة كبٌرة تمتلن<br />
حك الزعامة هنا. التفتُ إلٌه مبتسماً وسؤلته عن أحوال زوجته.<br />
عندبذ تدفّمت دموعه ولال: ٌبدو أننا لو تؤخرنا لكنت خسرتُ<br />
ٔٙٙ
زوجتً وأم أطفالً. إنها تصلً ٌومٌاً من اجلن وأصرّ ت على<br />
تسمٌة طفلنا باسمن وهً تنادٌه كل ٌوم "دكتور زٌاد" إنه االسم<br />
الذي اختارته. لطالما كنت أثك بعملها، وهذا األمر ال ٌرتبط<br />
بالحب بل بالتجارب التً عشتها معها.<br />
هل ترٌد أن تجعله دكتوراً بالموة؟!<br />
عندما للت لها ال ٌجوز اإلجبار من ناحٌة المبدأ، فكٌؾ<br />
تمحمٌنه فً هذا الموضوع الخاص، والحسّاس إلى أبعد الحدود.<br />
كان جوابها ال تتدخّل سؤجعله ٌعشك مهنته أكثر من حٌاته،<br />
سٌبمى مسلماً، لكنه سٌعٌش وٌتصرّ ؾ كراهب مسٌحً أفضل<br />
من كثٌر من رهبان هذه األٌّام. الطاولة أصبحت جاهزة ٌا<br />
دكتور.<br />
التفتُّ إلى خالً وأشرتُ إلٌه بما ٌعنً أنً ال أستطٌع أن أفعل<br />
شٌباً. شكرتُ النادل ودعوتُ خالً للجلوس.<br />
أال تجد أن بعض اإللهام ٌخرج من هذه المرأة؟!<br />
تستطٌع أن تمول ذلن. لكن األمر ٌتعلك بحٌاة إنسان لد ٌتم<br />
تخرٌبها. إن التربٌة أٌها الخال أمر معمد، وال ٌمكن االستهانة<br />
فً األمر على اإلطبلق. إن وضع التربٌة فً ٌد المرأة أمر<br />
خطٌر. فً كثٌر من الحاالت لد ٌكون الطفل ضحٌّة التجاذبات<br />
التً تحدث بٌن األب واألم. فً بعض النواحً لد أكون مثبل.<br />
أناال أملن حٌاتً وال أعرؾ عن أبً إالّ ما ٌعرفه كبلنا. أمً<br />
تعرؾ كٌؾ عشت حٌاتً أكثر ممّا أعرفها أنا. صحٌح أنً أنا<br />
ٔٙ7
الذي عشت أما هً فكانت تعرؾ التفاصٌل، وعاشت الكثٌر<br />
منها، وٌمكنها ربطها ببعضها بعضاً لنفهم جمٌعاً مجرٌات ما<br />
حدث. المشكلة أن أمً مسٌطرة على ذاتها بمدر ما ٌستطٌع<br />
اإلنسان أن ٌفعل ذلن. أما أنا فبل أشعر بؤنً أسٌطر على شًء،<br />
باإلضافة إلى أنً عنٌد مثلها. لكنً ال أملن أرضٌّة لهذا العناد<br />
مثلما تملن هً.<br />
أنت رابع ٌا<br />
تماماً.<br />
زٌاد، فمد وضعت المشكلة فً إطارها الصحٌح<br />
رؼم ذلن أنً ماضٍ الستشارة طبٌب نفسً ألرٌحها. لمد<br />
عشت وحٌداً تحت رلابة مشدّدة لكن بعٌدة عن الزجر فً الولت<br />
نفسه. أي إنً كنت أفعل ما أرٌد، أو كنت هكذا أظن على<br />
األلل. الخٌوط كانت تحرّ كها أمً، لكن من أٌن لً أن أعرؾ<br />
ذلن؟! لنمل أنً كنتُ فً العاشرة، كٌؾ لً أن أخترق ذلن<br />
الؽبلؾ العنكبوتً ؼٌر المربً الذي حاكته امرأة مثمّفة تملن<br />
ذكاء حاداً عاشت مع أب ذي تارٌخ عظٌم، ولد كنتً موجوداً<br />
عندما كرّ موه فً الماهرة لمّا عملوا منه مؤذنة تملن ارتفاعاً<br />
شاهماً ٌطل على الماهرة كلّها. كان المصد أن ٌكون رمزاً من<br />
رموز اللؽة العربٌّة، مثل الماهرة التً تعتبر رمز عظمة األمة<br />
العربٌّة الموحدة.<br />
هل تتابعنً ٌا خالً؟!<br />
لمد أخذتنً من ٌدي وأدخلتنً إلى التارٌخ على حٌن ؼرّ ة،<br />
ولكن أٌن النبٌذ أٌها الحبٌب؟!<br />
ٔٙ8
إنه على ٌمٌنن ضمن<br />
سطل الثلج ٌا خالً.<br />
<br />
ترى هل أصبح النبٌذ األحمر ٌبرد فً هذه األٌام؟!<br />
هذا هو شكل من أشكال الصراع الخفً بٌن الفرنسٌٌّن<br />
واألمرٌكٌٌّن. لمد أدرن البارٌسٌّون أن نبٌذهم األحمر أصبح من<br />
الصعب تمبّله صٌفاً. لهذا لرّ روا أن الحاجة تمتضً التؽٌٌر، ال<br />
سٌّما أن منافسه ٌمكنه تحمل الثلج صٌفاً وشتاءً وهكذا أصبح<br />
تبرٌده فً الصٌؾ لٌس خرلاً للماعدة، وصار بإمكان الفرنسٌٌّن<br />
أن ٌفاخروا بمدرتهم على المنافسة أمام الكثٌر من المشروبات<br />
الروحٌّة األجنبٌة التً ٌمكن تبرٌدها مثل البٌرة البلجٌكٌة<br />
والتشٌكٌّة واأللمانٌّة المبرّ دة. لكن هذا الصراع ال ٌعنً أن<br />
معظم المتابعٌن ٌرون فرلاً تكنولوجٌّا بٌن أمرٌكا وفرسا لصالح<br />
األمرٌكٌٌّن. أمّا الفرق الحضاري فبل تزال تمتلكه بارٌس<br />
وأوروبّا إجماالً.<br />
إنن دون شن تمتلن ناصٌة الكبلم.<br />
دعنً أعترؾ ٌا خال أنً كنتُ محاطاً بكثٌر من المببلت فً<br />
طفولتً، وبكثٌر من الدؾء اإلنسانً الذي أضعفنً أمام<br />
المصاعب، وٌمكن أن ٌكون لد لوى عنمً وأصبحتُ أكثر لابلٌّة<br />
لئلخضاع، وربّما صرت أخشى تبادل الصدالة مع الزمن، كما<br />
أنً لم أعد أجد أحداً ٌؤبه فً العمك ألي شًء، وأن اإلنسان<br />
الذي عرفته أٌام شبابً تؽٌّر ولم ٌعد نمٌاً كما كان، فتضخّمت<br />
أنانٌّته وؼلُظت ولاحته، وبدا أكثر خشونة فً التعامل، فكان ال<br />
بدّ من الدفاع عن نفسً فً وجه هذه الشراسة الزاحفة فازدد ُت<br />
ٔٙ9
مٌبلً للتمسّن بخصوصٌّتً، وبدأتُ عبللة حب مع الجدران التً<br />
تحٌط بً. هكذا وجدتُ أن االبتعاد عن اآلخرٌن ما أمكن<br />
سٌكون أفضل. تستطٌع المول أٌّها الخال العزٌز: إنً ؼرٌب<br />
األطوار أعٌش وحٌداً وفوجبتُ أنً أتمتّع بذلن. كما صارت<br />
الموسٌمى وهً تسري فً دمابً تشعرنً بؤن علًّ إطفاء<br />
الضوء إذ إنه ٌزعج الرب وهو ٌؤمل أن ٌسمع معن "لٌست"<br />
ٌعزؾ "لفاؼنر" أنا محبوب بٌن أصدلابً. لكن فً كثٌر من<br />
األحٌان أسعى للهرب من هذا الحب الذي لم ٌعطنً ٌوماً<br />
االطمبنان. أنا أعرؾ أن المشكلة الحمٌمٌّة تكمن فً داخلً،<br />
ولست متؤكّدا أن الطب النفسً بإمكانٌاته الحمٌمٌّة لادراً على<br />
انتزاعها من لاع أعمالً. أنا كما أبدو رجل بسٌط. لكنً أعانً<br />
من تعمٌدات تخشى أن تحاول فكها. أعتمد أن الزواج بؤنثى<br />
ؼرٌبة عن هذا المحٌط، متفهّمة وال تختبا وراء اللإم، لد<br />
ٌختصر الطرٌك إلى إعادتً إلى مواجهة نفسً والصلح معها.<br />
هذا ال ٌعنً أنً سؤرى نفسً مختلفاً ولكنن سترى حتماً أنً لم<br />
أعد كما كنت. أنا أعرؾ الكثٌر عن عمك المشكلة، وكم هً<br />
بالؽة التعمٌد وتمتضً صبراً طوٌبلً لٌس من السهل احتماله،<br />
أعتمد أن ما من طبٌب سٌمبل الدخول فً هذه المؽارة الصعبة<br />
المسالن، والتً لد ال تخلو من المفاجآت التً لد تكون خطٌرة.<br />
لن ٌجدوا فٌن شٌباً ٌا زٌاد، فؽرابة األطوار ورابحة الجنون<br />
التً تنبعث منن ربّما ٌستطٌعان معاً أن ٌتحمّبل جنوناً حمٌمٌّاً<br />
فاعبلً ٌؽرلهما سوٌّة حٌث هو ؼارق متمتّعاً أو مزمجراً. لكنن<br />
ٌا زٌاد ارتكبت خطؤً فادحاً بعدم شرح األمر لها كما تراه حمٌمٌة<br />
فً المشرحة حٌث تكون الحمابك مفروشة على الطاولة، ولكن<br />
كصدٌك ولٌس كؽرٌم.<br />
ٔ7ٓ
ماذا ستؤكل ٌا<br />
خالً؟!<br />
للٌبلً من "الكباب" مع البصل المشوي.<br />
حسناً، سؤطلب ما ٌكفً. أعتمد أنهم عرٌمون فً تمدٌمه هنا<br />
وٌفعلون ذلن بحرفٌّة مدهشة بادٌة على وجوههم. إنً مطمب ّن<br />
اآلن أننً سؤستسلم للنوم فور وصولً إلى البٌت.<br />
هذا طبٌعً، ال تنسى أن السفر مرهك حتّى لؤلطفال.<br />
متى سترى أمً مرّ ة ثانٌة؟!<br />
أعتمد أنً سؤفعل ذلن بعد ؼدٍ.<br />
شكراً ٌا خالً. هل تواجه زحمة فً العمل؟!<br />
أعتمد أن النُعاس<br />
الحمٌمً<br />
بدأ ٌهاجم السوق.<br />
حسناً، دعنا نذهب سوٌّة إلى بٌروت فمد نكون نحن االثنٌن<br />
بحاجة إلى ذلن دون أن ندري.<br />
أنت بارع ٌا زٌاد فً عرض ما ترٌد.<br />
لد ٌكون هذا صحٌحاً؟ إذ إنً أكون مع اآلخر هادباً واملن ك ّل<br />
لواي. أما عندما أكون مع أمً أعود طفبلً ٌنظر إلى أمه من<br />
األسفل إلى األعلى.<br />
ٔ7ٔ
ضحن الخال ولال حسناً: سؤذهب معن إلى بٌروت ولكن لن<br />
نؽٌب سوى ٌومٌن. كما ٌمكن التساهل بٌوم آخر.<br />
سنتحرن ؼدا فً الثامنة والنصؾ صباحاً. هل ٌزعجن هذا<br />
التولٌت؟!<br />
ال أبداً. لمد تعودت االلتجاء إلى الفراش لبل منتصؾ اللٌل،<br />
وأكون فً طرٌمً إلى السوق فً السابعة صباحاً. لم أعد استمل<br />
السٌّارة فً الصباح. إذ إنً أعتبر الذهاب إلى العمل والعودة<br />
منه رٌاضة ضرورٌّة، صرت أشعر بؤنها تُعطٌنً طالة جدٌدة<br />
لبمٌّة الٌوم.<br />
كان صباح الٌوم التالً صافٌا مثٌراً للحماسة والشهٌّة.<br />
اختار الخال أن ٌجلس وحٌداً فً الخلؾ كً ٌتمكّن بٌن الحٌن<br />
واآلخر أن ٌرٌح سالٌه.<br />
بادرتُ خالً بالمول: ألم تبلحظ الطرٌمة االنسٌابٌّة التً ٌمود<br />
بها دمحم السٌارة كؤنه ٌرالصها "السلو فالس" إنه ٌرلص مثلً<br />
فً داخله ثمَّ ٌنتمل إلى "الفالس األمبراطوري" دون أن ٌعرؾ<br />
شٌباً عن الرلص. إنه ٌتجاوزنً فٌتابع الرلص مع السٌّارة كما<br />
ٌهوى وتهوى.<br />
ٌبدو أنن تنسى ذنوبن بسهولة، فؽاب عنن أنً لستُ معتاداً<br />
على طرٌمة العزٌز دمحم فً المٌادة.<br />
ٔ7ٕ
هذا صحٌح أٌها الخال الحبٌب. لكنً أعرؾ أٌضاً أن هذه<br />
الذنوب رؼم كثرتها ال تصل إلى مستوى الخطاٌا. الرب ٌعرؾ<br />
ذلن ألنه ٌحب أن ٌرانً طفبلً فً داخلً. بدأتُ أصدق األمر ٌا<br />
خالً وأتمتّع به. لكن ما لم أؼفره لنفسً ٌوماً هو الجرم الذي<br />
ارتكبته بحمّن دون أن أجد ما ٌبرّ ر تصرفاتً الرعناء. حاول<br />
خالً مماطعتً لكن بحركة من ٌدي أعلنتُ رفضً لؤلمر<br />
وتابعتُ لاببلً: كان مرض أمً المفاجا والعرضً الحمد هلل،<br />
جزءاً من خطّة هللا لؽفران كل ما فعلته طفولتً، وألجتاز سن<br />
األربعٌن وأنا رجل مسإول كبالً الرجال، وربما هو من أوحى<br />
إلً بؤن ألبل ٌدن طالبا ؼفرانن. لمد تعلّمتُ الكثٌر ببضع<br />
ساعات، وأنا أحسدن ٌا خالً الحبٌب ألن من ٌستطٌع أن ٌؽفر<br />
خطٌبة ارتكبت بحمه عن سابك تصور وتصمٌم وبدون أي<br />
مبرّ ر ٌكون شخصاً عظٌماً ٌحك له التمتع بهذا االختبار. أكرر<br />
إنً أحسدن أٌها الخال الحبٌب.<br />
أجهش الخال بالبكاء، وٌبدو أنه كان بحاجة إلى ذلن. إذ إنه لم<br />
ٌتولؾ إالّ عندما أشرتُ إلى دمحم أن ٌولؾ السٌّارة إلى جانب<br />
الطرٌك. سارعتُ إلى سُإاله: إن كان ٌملن بعض "السجابر"،<br />
فمدم إلًّ علبته ولال: لم أشرب منها إال واحدة أمس لٌبلً. إذ إنً<br />
ال أُعتبر من المدخّنٌن.<br />
إنً أعرؾ ذلن، ولكن من ٌدري فمد ٌصبح المرء بٌن لٌلة<br />
وأخرى من المُدخّنٌن الكبار. أنا أعتذر على كلّ حال من الخال<br />
ومنن ألنً تناولتُ موضوعاً عابلٌاً حسّاساً جداً، لم ٌكن علًّ<br />
الخوض فً متاهاته، فً الولت نفسه الذي نمضً فٌه فً رحلة<br />
استجمام. هٌا ٌا دمحم تابع طرٌمن وخذ هذٌن العجوزٌن وأرٌهم<br />
ٔ7ٖ
صندوق الفرجة، والمرد الصؽٌر الذي ٌتنمّل بٌن كتفً صاحبه.<br />
حاول دمحم أن ٌدٌر وجهه لٌخفً دموعه التً ال أظنّ أن لها<br />
عبللة لها بشكل مباشر بالحدٌث الذي كان ٌدور. إذ إنً لم أجد<br />
بعد الولت الكافً لبلنتباه إلى عواطفه التً لم ٌعد ٌسعها<br />
صدره، ولم ٌجد لها مكاناً تسكن إلٌه فً خضم تلن الفوضى<br />
العاطفٌة المتصارعة حباً فً تلن العابلة التً انتمى إلٌها حدٌثاً،<br />
ولم ٌدرن عمك ما ٌجري فٌها من تجاذبات، ورؼم كلّ ذلن<br />
ؼرق فً عشمها دون أن ٌبدر منه صراخاً عالٌاً طالباً النجدة<br />
وإنماذه من الؽرق. أدرن "زٌاد" إن ما ٌحدث لٌس علٌه أن<br />
ٌستمر، ففجؤة انتمل دمحم من الشعور بؤن أحداً ٌحبه فرأى نفسه<br />
ٌسمط بالمظلّة فً صحراء لٌس فٌها حٌاة. كؤنها أرض تركها<br />
هللا لتٌبس وٌلبسها ظل الموت. مدَّ "زٌاد" ٌده ولعب بفروة رأس<br />
دمحم تحبباً ثم دلّن له عنمه من الخلؾ، فشعر دمحم بؤنه ال ٌزال<br />
ٌحظى بمحبة معلّمه وعناٌته. سعى زٌاد طوٌبلً وراء شاب<br />
بهًَّ الطلعة نظٌفاً كً ٌكون مساعداً له فً حٌاته. كان ٌفكر<br />
بطرٌمة تزوٌجه بشرط أن ٌحظى كلّ الموضوع برضى دمحم<br />
ولبوله باألمر دون أن ٌضع فً اعتباره أن معلّمه أٌضاً راضٌاً<br />
عن كل ما ٌجري. هنا كانت المعضلة التً تإرّ ق زٌاد فلم ٌكن<br />
ٌرٌد لرأٌه أن ٌكون مإّثراً سلباً أو إٌجاباً. لم ٌنتبه أحد على ما<br />
ٌبدو إلى ممدار الذكاء الذي ٌملكه دمحم ورهافة مشاعره. كان هو<br />
أٌضاً ٌبحث عن عمل مثل زٌاد، ٌمكنه ٌوماً أن ٌصارحه وٌمول<br />
لن أنت أخً الكبٌر، وسؤلاتل لمنعن من الهرب من مسإولٌّاتن<br />
أنا أحتاج إلى عواطفن ولٌس إلى مالن. إن كنت ترفض ما<br />
أبؽً الوصول إلٌه فمل لً وسؤترن عرسً الحمٌمً وأهاجر<br />
إلى بلد آخر ٌتكلّم لؽة أخرى. كنت صادلاً معن دابماً وسؤبمى<br />
كذلن حتى الموت. ثم لماذا أتزوج اآلن؟! لمَ ألبر حٌاتً وأنا فً<br />
ٔ7ٗ
اٌ<br />
هذا العمر الصؽٌر؟! واألهم من كلّ ذلن هو إنً ال أعرؾ إن<br />
كنتُ أرٌد أن أتزوّ ج أم ال ألٌست هذه حٌاتً. كان هذا حواراً<br />
سابماً بٌن المعلّم ومساعده.<br />
الخال، رفع صوته لاببلً: ها نحن ندخل بٌروت ما هً<br />
مخطّطاتن ٌا زٌاد.<br />
سٌاخذنا الحبٌب دمحم إلى "الروشه" حٌث سنشرب العرق مع<br />
الفطور كما شربتً الشامبانٌا مع أمً على الفطور أٌضاً. لكن<br />
ذلن الذي كان على شرفة ؼرفتً بدأ فً الثامنة صباحاً. ثم<br />
سنتؽدّى سمكة كبٌرة طرٌّة ٌسمونها فً البلذلٌّة "لمّس"<br />
إن خولة عندما تمول إنن ماكر كبٌر، فؤنا أمٌل إلى تؤٌٌدها.<br />
أنا ال أنكر ذلن. لكن تصرفً الٌوم لٌس فٌه مكر على<br />
اإلطبلق. خالً أنا الداعً ومن حمً أن أهٌّا األمر على<br />
طرٌمتً.<br />
أفحمتنً ٌا زٌاد، ولكنً سررت باعترافن أنن ماكر كبٌر.<br />
أولؾ دمحم السٌّارة ولال ها لد وصلنا إلى تلن الصخرة<br />
المشهورة. أٌن ترٌد الجلوس ٌا دكتورنا الحبٌب ؟!<br />
إنن تفاجإنً<br />
وانتهى األمر<br />
ٌا دمحم. لكن المسإول عن المكان هو الذي اختار<br />
ٔ7٘
أعتمد أن المسإول عن المكان هو الذي أختار وانتهى األمر.<br />
أظن أن ذلن المكان الذي بجانب البحر، مهٌؤ على ما ٌبدو<br />
للبدء بالطعام فور جهوزه. "المٌتر" وصل معتذراً عن تمصٌره<br />
فً إعداد كلّ شًء فً الولت المحدد، ثمَّ التفت نحو الجمٌع<br />
مسلّماً مرحّباً ولال: أنا ال أذٌع سراً إن للتُ إن الدكتور ؼنًّ<br />
عن التعرٌؾ والمدٌح، فهو معروؾ فً لبنان وٌعتبره وطنه<br />
الثانً. كما أنه شرفنا ولَبِل مع طبٌب صدٌك له أن ٌكونا شركاء<br />
فً استثمار هذا المطعم الرابع، سٌكونان دابماً ضماناً على<br />
حسن إدارتنا للمطعم. جلس الخال، لكن الدكتور زٌاد كان<br />
منشؽبلً على ما ٌبدو بالحدٌث مع "المٌتر" وإلى جانبه كان دمحم<br />
مساعده مُطؤطباً الرأ َس خجبلً. ال أحداً عرؾ فحوى الحدٌث<br />
الذي جرى، وال سبب خجل دمحم. ما هً سوى لحظات حتّى<br />
اكتملت الجلسة وكان أول المتكلمٌن الخال العزٌز إذ لال: ٌبدو<br />
أن هذا المطعم أعاد تجدٌد نفسه كلٌّاً واصبح جمٌبلً مشهّ ٌِاً. لمد<br />
ذلتُ بعض الحمّص المدلوق فكان رابعاً. هل نصفك ألحد<br />
الشركاء؟! لم ٌنتظر الخال أن ٌساٌره أحد فبادر بفعل ما أراد<br />
وتبعه دمحم. زٌاد لم ٌمل شٌباً بل بدا مبتسماً ولال: ماذا ستشرب<br />
ٌا خالً.<br />
سؤشرب العرق دون شن.<br />
هل ستشرب البٌرة ٌا دمحم؟!<br />
ٔ7ٙ
ال ٌا سٌدي سؤبدأ بتعلم شرب العرق بوساطتكما، أنتما خٌر<br />
من ٌعلّمنً ذلن، إن الدكتور ٌؤخذنً معه دابماً، وال بؤس إن<br />
شربتُ كؤساً واحدة فً أٌّة جلسة أكون.<br />
لال الخال: حسناً تفعل ٌا دمحم، الجمٌع فً البٌت ٌحبن<br />
وٌحترمن وابن أختً زٌاد لام باختٌار األفضل كما ٌفعل دابماً.<br />
فً الولت الذي كان الخال ٌتكلّم، كان زٌاد ٌهٌا كؤًساً معتدالً<br />
من العرق. ولال مبتسماً: لل لً ٌا دمحم على من كنت تتمرد<br />
عند اختٌارن لشرب العرق بهذا التصمٌم؟! هزّ دمحم رأسه ولال<br />
بهدوء: على العادات السخٌفة ٌا سٌّدي. إذ ال سمح هللا، إذاً ل َم<br />
أمنع من شرب العرق، لمَ ال أفعل طالما أن ألملٌل منه لد<br />
ٌخرجنً من الكآبة وٌضعنً وسط البهجة التً لم أمارسها كما<br />
تمارسونها. بحٌث ٌبمى األدب سابداً، وال نسبّب أيّ إزعاج<br />
للناس الذٌن حولنا وٌبؽون إٌجاد الراحة بعٌداً عن المدٌنة<br />
المكتظّة.<br />
زٌاد. ماذا ٌحصل ٌا دمحم؟! ها أنت تكاد أن تتفوّ ق علًّ بحسن<br />
انتمابن للكلمات. مرحى لن، لل لً ماذا تفعل عندما ال أكون<br />
بحاجة إلٌن؟!<br />
أؼرق فً الضجر ٌا<br />
مرتٌن.<br />
سٌّدي. لمد لرأتُ "األخوة األعداء"<br />
لمَ لم تطلب ؼٌره؟!<br />
لم تُعلّمنً بعد على عدم الخجل.<br />
ٔ77
ضحن الجمٌع واسترسلوا فً ذلن طوٌبلً<br />
ما رأٌن أن تدرس التارٌخ والكومٌوتر فً الجامعة اللبنانٌّة.<br />
نِعم االلتراح ٌا<br />
سٌّدي.<br />
سنباشر ؼداً صباحاً لبل أن ٌستفٌك الخال. ما رأٌن أٌها<br />
الخال؟<br />
إنن تدهشنً ٌا زٌاد؟!<br />
لماذا أال تسري فً شراٌٌنً دماء جدي "علً فركوح" ؟!<br />
ٌا حبذا ٌا زٌاد لو تعطً الملٌل من ولتن وتجمع كلّ ما كتبه<br />
وتعٌد طبعه وتهدٌه إلى جامعة دمشك.<br />
دمحم: أال تصلح جامعة تشرٌن لذلن.<br />
بصراحة ٌا أخ دمحم إن جامعة دمشك هً األفضل واأللدم<br />
خبرة وتملن كلّ ما ٌلزم من الخبراء العاشمٌن للكتب ومتابعة<br />
العناٌة بها. دون أن ٌكون المرء عاشماً لمهنته لن ٌمتلن السعً<br />
إلى األفضل ذلن البرٌك العجٌب. العشك هو الذي ٌفعل ذلن.<br />
أعتمد أنن تستطٌع أن تفهم ما ألول من عشمن لزٌاد.<br />
لن أرتبن ٌا أٌّها الخال نعم أنا محظوظ بسٌّدي وال أحد لو كان<br />
محلً إال وستفاجبه الظروؾ وترؼمه على عشك معلمه وهو<br />
ٔ78
ٌمضػ الطعام أو لبل أن ٌؽفو على وسادته. وهنان الكثٌر من<br />
األشٌاء األخرى. الحظ أٌها الخال وانظر إلى معلّمً، فخجله<br />
ٌكاد أن ٌتمنّى االّ ٌكون حاضراً فً هذه الجلسة. إنً آسؾ وأنا<br />
لن أعود لتردٌد تلن الكلمة التً ال ٌُحبها، ولكن صدلونً فهً<br />
الوحٌدة التً تستطٌع التعبٌر عمّا ٌجتلج فً أعمالً.<br />
صفك الخال لوحده ألل من دلٌمة، بٌنما كانت الدموع تسرح<br />
على وجنتٌه وتنحدر هنا وهنان. ثمَّ بصوت متعب لال: بورن<br />
فٌن ٌا دمحم، أرجون رافمه كل حٌاته ٌا أٌها العزٌز على للوبنا<br />
كلّنا، فلن ٌخلص له أحد ؼٌرن.<br />
أرجو أن تمول للجمٌع أن ٌطمبنوا، فؤنا لن أكون استحوازٌاً.<br />
إذ إنً سؤكتفً بؤن أجلس بعٌداً وأشاهده ٌرلص التانجو كرالص<br />
حمٌمً. زٌاد ضحن أو بكى ال أحد ٌعرؾ. لكن باعتباري أنا<br />
هو نفسه الذي ٌكتب ألول: إنً كنت أضحن وأبكً فً الولت<br />
نفسه. هٌا لنمم فالخال علٌه أن ٌرتاح للٌبلً لبل أن ٌحل اللٌل.<br />
عندما اطمؤننتُ على الجمٌع، دخلت ؼرفتً وارتدٌت لباس<br />
النوم وحاولت إنهاء كتابة ما كان محشوراً فً ذهنً، ووضعته<br />
على الورق بؽٌة عدم ضٌاعه فً ؼٌاهب النسٌان. عندما<br />
انتهٌت من ذلن الحظت أن "سٌلفادور دالً" ٌبتسم لً ابتسامة<br />
عرٌضة من خبلل صورته المعلّمة على الجدار أمامً. كنتُ<br />
أفكر بؤمً وبالمرأة بشكل عام. رؼم ذلن ابتسمتُ أٌضاً ابتسامة<br />
خفٌفة. لكنً عدتُ إلى التطلع إلى وجهه، فكان ما زال ٌبتسم.<br />
ابتدأ ٌدخل إلًّ بعض الخوؾ، إذ إن الحدٌث عن جنونه كثر فً<br />
المدّة األخٌرة، لكن مع ذلن أخذتُ ألاوم ما ٌجري فً داخلً<br />
ٔ79
وأفكر بالفنّان الكبٌر الذي حٌّر عصره وجعل الكثٌرٌن<br />
ٌتساءلون: هل دخل ذلن الرسّام "السورٌالً" الشهٌر إلى<br />
الجنون وعاش فً تلن البٌبة، التً ترى األشٌاء من منظار<br />
مختلؾ، وتتلمى إٌحاءات مختلفة. ترى هل من هنان كان ٌستمدّ<br />
إلهامه وؼراببه، أم إنه ال ٌكتفً باألخذ بل ٌخمره بذهنه<br />
وٌتفحّصه وٌمرأ بشكل ٌرفع من شؤن جنونه باحثاً عن جبال<br />
وودٌان وحٌوانات ال توجد فً الطبٌعة، أو على األلل فً أٌامنا<br />
هذه. ترى هل علٌنا أن ننساق وراء ما ٌموله بعض النماد عن<br />
إن ذلن الفنان ٌفتعل الجنون افتعاالً. لٌظهر ؼرابة مظهره<br />
مستعٌناً بالكحل وبمختلؾ األلوان التً تثٌر الناس وتجعلهم<br />
ٌعجبون بؤي فنان ؼرٌب األطوار، وما تنتجه عمول المبدعٌن<br />
ممّا ٌذهل من إبداعات ٌعتمد المرء فً النهاٌة أنها تمول شٌباً<br />
مختلفاً، ٌمنعن أن اإلبداع ٌمر عن طرٌك الجنون المفروش<br />
بالورود وبالمبّعات المختلفة األلوان والمزٌّنة برٌش ألوانه<br />
صارخة زاعمة. كان علًّ إٌماؾ هذا "المنولوج "الذي بتُّ أشعر<br />
أنه سٌمودنً أنا اآلخر إلى االلتراب من تلن الحافة اللزجة<br />
الخطرة.سمحتُ لنفسً باالتّكاء على ذاتها بحٌث ٌمكنها أن<br />
تكون بعض الولت بعٌدة عن رلابتً، فربّما تكتشؾ شٌباً ٌجعلها<br />
تلتمط طرؾ لصة لد تذهل العالم، لعلَّ األفك ٌفتح كلّ أبوابه<br />
وتظهر ألوانه الصارخة المختلفة التً ال تنتمً لشًء عرفته أو<br />
ألفته ٌوماً. ربّما كان السبب أنن كنت محروماً من األنوار<br />
المبهرة، ومن رإٌة تلن التؽٌٌرات التً لطالما ٌجرٌها هللا على<br />
الكون. إنه المساهم األكبر فً تنمٌة المفاهٌم وتصحٌح التكتٌكات<br />
للوصول إلى إبداعات ال تشبه ما سبمها، وتتخذ من سٌالات<br />
مؽاٌرة طرٌماً إلى األسواق العتٌمة، لترى لطعة بهرتن ودفعت<br />
فٌها ثمناً باهظاً كنت لد أكتشفتها للتو. لم ٌمضِ الكثٌر من<br />
ٔ8ٓ
الولت وأنا وسط التؤمل والصمت حتى خٌّل إلًّ أنً سمع ُت<br />
صوتاً ٌمول: ال تخؾ إنه تراكم اإلربان الذي مؤل حٌاتن<br />
فشوّ شها ولم ٌدعن تشعر بما كان ٌجري حولن.اهدأ فالراعً<br />
ٌهتم برعٌّته وسٌعطٌن فرصة ثانٌة تكون فٌها ألوى، وٌدعن<br />
تشعر بالسبلم والرٌح الطٌّبة، لعلّهما ٌمنعان مزاجن بالمبول<br />
بؤُبوّ ته والرجوع إلى السكن تحت جناحٌه. ترى هل تعرؾ أمً<br />
ما ٌحدث لً؟! أخشى أن تكون عالمة بكل ما ٌجري وخابفة<br />
علً أكثر ممّا أشعر بالخوؾ على نفسً. ترى هل سؤرى<br />
سراجاً فً آخر النفك؟! لم أعد أدري لمَ تركت نفسً وحٌداً؟!<br />
لبل أن تتولؾ شكوكً عن النمو، لكن دون وجود فرصة لحسم<br />
األسبلة المطروحة. دعنً أسؤلن هل جاءن مبلن الموت ولال<br />
لن ؼدا أو بعد ؼدٍ ستنتهً حٌاتن هنا ولن تشهد األفك بعد الٌوم.<br />
هل تستطٌع اإلجابة على ذلن؟! ستمول لً انتظر فمد تؤتً<br />
األجوبة من حٌث ال تدري. دعنً أرجون. ابتعد عنً، إذ ال بدّ<br />
لً من فتح ذلن "المونولوج" فربّما أتعثر بشًء جدٌد لم ٌحصل<br />
ألحد من لبل وتكون فٌه كل األسبلة واألجوبة معاً.<br />
ٌبدو أن الرب تدخّل ورحمنً آخذا إٌّاي إلى جنّة النوم.<br />
حرصاً منه على منحً بعض الراحة والسكٌنة، وربّما<br />
االطمبنان أٌضاً. لكن ما خضته كان إؼفاءة لصٌرة عدتُ بعدها<br />
إلى مبلحمة كوابٌسً محاوالً إدران ما وراء ذلن الهجوم<br />
الشرس الؽاضب اللبٌم. ٌبدو أنً استطعت استرجاع حلم تمكّن<br />
أن ٌُبعد نفسه عن كل تلن الكوابٌس اللعٌنة التً كانت تتسابك<br />
كً تضع بصمتها فً هوٌّتً النفسٌّة بعنؾ وفظاظة لم أجد<br />
لهما تبرٌراً. لكن لمّا استعدته تماماً بدا مسالماً وال ٌسعى إلى<br />
إشعاري بالخوؾ وال أن ٌسرق مكانة له فً حٌاتً. دعانً<br />
ٔ8ٔ
بابتسامة لطٌفة إلى الجلوس على بساط الرٌح، وطار بً دون<br />
أن أشعر بؤنً أطٌر. ٌبدو أنه كان ٌعرؾ كم عانٌت فً تلن<br />
اللٌلة اللعٌنة، فسارع لٌرٌنً مشهداً ال ٌمكن تولُّعَه، إذ كان ٌمام<br />
عرض"لتراجٌدٌا" ؼرٌبة مبتكرة لم تسبب لً أيَّ إربان، رؼم<br />
أن األصوات كانت تحلّ محلّ الممثلٌن والمشاهد، نملتنً إلى<br />
األفبلم األمرٌكٌّة المدٌمة واألحصنة التً ال سروج لها، معٌدة<br />
إلى أسماعً ذلن الصراخ الؽرٌب الذي كان الهنود ٌفتعلونه<br />
.<br />
كان موعدي مع أحد زمبلبً األطباء الذٌن ٌعملون على<br />
اكتشاؾ جاهلٌّة النفس البشرٌّة وبطء تطوّ رها بحٌث أصبحت<br />
"الشٌزوفرِ ٌنٌا" التً تنتجها تواجه صعوبة فً التخلًّ عن<br />
الموروث واالنطبلق متحررة من الكوابح التً ورثتها األجٌال<br />
المتعالبة. لكن أسبلة كثٌرة ال بدّ أن تطرح فً هذه المرحلة،<br />
ومنها، ترى من هو المتؤكد أنه ٌُمكنه أن ٌضمن العودة إلى ما<br />
كان علٌه إذا تعذّر علٌه السٌر فً طرٌك ال ٌعرؾ عنها شٌباً<br />
وال تشبه أيّ طرٌك آخر كان ٌعرفه. ثمَّ من ٌدري إن كان<br />
ٌستطٌع إعطاء إجابة واضحة أكٌدة أنه كان دابما لادراً على<br />
التملّص من أي مولؾ لد ٌجد نفسه فٌه ولم ٌعرؾ كٌفٌة<br />
استعمال ما ٌملن لٌخطو خطوة واحدة محاوالً العودة إلى تلن<br />
الحالة التً كان فٌها. ثم ماذا لو كان تؤثٌر المخدر لمّا ٌزل بالٌاً،<br />
لكنه فمد تؤثٌره المباشر ألن ٌطؽى علٌن االرتبان وٌتعذر علٌن<br />
االختٌار؟! كً أنهً هذا الممطع علً االعتراؾ أنً أملن<br />
طبٌعة تخشى التؽٌٌر واالنفكان عن الجذور، ورؼم ذلن عُدِدتُ<br />
معاشراً للجنون منذ صباي، وما رفضً الفتتاح عٌادة إالّ منعاً<br />
لتطوّ ر هذ األمر ورفضاً النفكاكً فً مرحلة ما عن جذوري.<br />
ٔ8ٕ
كانت األٌام التً لضٌناها فً بٌروت عودة إلى االصطفاؾ<br />
مع عابلتً واسترجاعاً لعبللات طبٌعٌّة مع خالً، كما أرسل ْت<br />
االطمبنان إلى للب دمحم مإمناً بؤنه فهم أن سرعة ارتباطه بً<br />
أخافنً للٌبلً إذ إن االستعجال فً هذه األمور ال ٌمكن أن ٌكون<br />
صحٌّاً. ختمت ما للته له: بؤنً سؤبمى أعٌش معه كما أفعل<br />
اآلن، ومتى رأى هو أن الولت حان لٌمول لً ما وصل إلٌه<br />
سؤكون جاهزاً لمنالشة األمر بكل ما لدي من حب له.<br />
فً طرٌك العودة تؽدٌنا فً "برمّانا" لدى مطعم "منٌر".<br />
كانت جلسة شهٌّة منعشة فً هذا الطمس الجمٌل، وكان فٌها ما<br />
لذّ وطاب. أنا لم أعتد على تنوٌع الطعام واإلكثار منه إلظهار<br />
حسن الضٌافة وأحٌاناً الكرم. لكن ما دفعنً حماً إلى بعض البذخ<br />
هو وجود خالً بضٌافتً بعد خصام طوٌل، أنا افتعلته<br />
واستمررت أهرب من تبرٌره بكل الطرق الممكنة والسخٌفة<br />
أحٌاناً. فً الجامعة كنتُ من أوابل المنبرٌن للتصدّي للمنالشة،<br />
وفً خارجها كان شؽلً الشاؼل تدبٌر الممالب والفخاخ<br />
لؤلصدلاء، ثمَّ أتدبر أمر رشوتهم بلبالة حتى ال أصبح مكروها<br />
أو طفبلً مزعجاً. لمد بحثتُ عن األسباب التً كانت تمؾ وراء<br />
تصرّ فاتً، فكان منها أنً لم أُلمع عندما كان من الضروري<br />
فِعل ذلن. كما أنً كنتُ فً السنة األولى الجامعٌّة أصؽر<br />
ألرانً على مستوى سورٌا ولبنان كلٌهما. كما أنً أنهٌتُ سنتً<br />
األولى معلناً أنً األوّ ل بٌن كل رفالً فً الصؾ. الؽرٌب إنً<br />
لم أحظ من أمً وأهلً وألربابً بؤي كلمة تشجٌع، أو أسمع<br />
تصفٌماً فً البٌت تدلٌبلً على أن شٌباً ما حسن لد حصل فً<br />
المنزل. صدمنً ما لمسته ولم أجد أحداً أعترض على هذا<br />
اإلهمال. لمد أثار ذلن المولؾ حٌرتً فً البداٌة ثمَّ ؼضبً.<br />
ٔ8ٖ
مررتُ من دكان الخٌاط الذي ٌخٌط ثٌابً عادة وطرحتُ علٌه<br />
السبلم فمام من مكانه متثالبلً والدموع تترلرق فً عٌنٌه ولال:<br />
لمد أجتزت مرحلة الثانوٌّة وفً الشهر المادم ستدخل مرحلة<br />
الرجولة حٌث ستتخرج طبٌباً تفخر به دمشك كلّها. ال تنس أن<br />
تجلب لً بسرعة المماش البلزم لتدخل الجامعة األ ِمرٌكٌّة بهً<br />
الطلعة، وتتركهم ٌتساءلون من هذا األمٌر المادم؟! أنا ال أستطٌع<br />
أن أنسى حنانن علً وعلى عابلتً. فً الٌوم التالً أتٌت إلٌه<br />
حامبلً ألمشة كثٌرة جدٌدة حسب إرادة الوالدة النها تخطط<br />
للتبرّ ع بجمٌع ألبستً الموجودة حالٌاً للفمراء. لكنً فوجبت أنً<br />
وجدتُ الدكان كان مؽلماً. بادرت إلى سإال جاره الذي نموم<br />
بكًّ ِ الثٌاب عنده وسؤلته مستؽرباً عن الخٌّاط إن كان مسافراً أو<br />
مرٌضاً؟!<br />
ال، المسكٌن توفًّ أمس لٌبلً. ووري الثرى منذ بعض الولت.<br />
كان طٌّباً خدوماً ربّى عابلة تخاؾ هللا. كان كل ذلن صحٌحاً<br />
حتى أنً لفلت راجعاً ودموعً تنهمر بشدة. عندما فتحت<br />
فاطمتنا الباب اندهشت. لما فهمت ماذا حدث انهمرت دموعها،<br />
وأوصتنً أمً بإلحاح أالّ أنسى بالمٌام بواجب التعزٌة مساء<br />
الٌوم نفسه.<br />
ٖٔ<br />
منذ زمن طوٌل وطرٌك العودة من السفر، مهما كان لصٌراً<br />
أخصّصه للتؤمل، وها أنا أعود إلى ما كنت علٌه دابماً، مضٌفاً<br />
إلٌه رؼبتً فً الؽناء الذي لم أجرّ به ٌوماً. تساءلت من أٌن أتى<br />
هذا الشوق الكبٌر إلخراج صوتً الممًء من حنجرتً، فلو<br />
ٔ8ٗ
كنتُ أملن صوتاً جمٌبلً لكنتُ مؤلتُ به حنجرتً وأطلمته إلى<br />
كلّ مكان منذ طفولتً. أؼلب الظن أنً ال أملن مثل هذا<br />
الصوت، بل كنت ربّما أشعر برؼبة شدٌدة للتعبٌر عن بهجة<br />
كبٌرة تجتاحنً وال أدري لماذا؟! ترى هل ٌكون فرحاً ما زال<br />
ٌتكوّ ن وٌرٌد مساعدة ما كً ٌفصح عن نفسه؟! أم إن إضافة<br />
الؽناء إلى الرلص كان فً الوالع تعبٌراً عن شعور بالنمص ال<br />
ٌزال ٌحتجّ فً أعمالً آسفاً على إهمالً فناً أساسٌاً من الفنون<br />
التً تتعامل معها كل الشعوب وتمارسها باحترام وتمدٌر. ال<br />
شنَّ أنً عدت من بٌروت متجدّداً متصالحاً مع نفسً. أظن أه<br />
كان ٌصعب نسٌان ذلن االنسجام الحمٌمً الذي شعرت به مع<br />
ذاتً فً الٌومٌن اللذٌن تسلَّبل من حٌاتً، لكن ذكراهما لن<br />
ٌمحوهما الزمن. أردنا سوٌّة تحمٌك تلن الرلصة الحلم. لكن<br />
أظن أننا نسٌنا األمر من كثرة االبتهاالت إلى السماء، حتى<br />
وصلنا إلى دمشك فً السابعة مساء، فكان ال بدّ من المرور<br />
إلى بٌت الخال أوّ الً حٌث دعانا بإلحاح إلى الدخول وشرب<br />
المهوة. بدا األمر لطٌفاً جداً، لكنً رجوت السماح لنا بالعودة<br />
إلى البٌت، فسٌكون هذا أفضل للجمٌع، ثمّ ال تنسى أن أمً<br />
تنتظر. عندما كنت مع دمحم فً طرٌمنا إلى البٌت المرٌب سمعت<br />
صوت دمحم ٌمول: ألستُ مصٌباً، أن ٌكون بدا لً أن جلّ فرحن<br />
من رحلة بٌروت كان إرضاء خالن ونجاحن فً إلناعه بمحبّتن<br />
الحمٌمٌة له، وكل اللوم ٌمع فً الحمٌمة على االضطرابات التً<br />
تبعثرها المراهمة فً كلّ مكان عندما تؽزو جسم اإلنسان<br />
وروحه وتوهِمه أنه أصبح رجبلً ٌحك له المبض على الزمام.<br />
أنت رابع ٌا دمحم ولكن إذا أضفت الملٌل من اللوم على لسط<br />
أمً من المسؤلة برمتّها التً كانت تؽٌظ أمً كثٌراً باعتبارها<br />
ٔ8٘
تإمن أنها لطالما كانت تموم بواجباتها خٌر لٌام. وكان تمكّنً<br />
من الرد وإعطاء البرهان الدامػ على أن النسٌان المتعمد ألعٌاد<br />
مٌبلدي وكل نجاحاتً، نجح فً إنعاش شكوكً بؤنً لستُ<br />
سوى طفل متبنىّ. لمد سرلت من رحمها كلّ ما عندها من ذكاء<br />
وصنعت منه نسخة طبك األصل. وعنما حان خروجً من ذلن<br />
المكان األصٌل كانت النسخة معً وعملتُ على هضمها بتإدة<br />
عندما شارفت على الحادٌة عشرة من عمري.<br />
بعد بعض الولت للتُ لدمحم: بدأتُ أللك فلٌس من عادة أمً<br />
أن تتؤخر خارج البٌت حتى هذه الساعة، لمد بدأت تتجاوز<br />
الثامنة والنصؾ. أرجون انظر فً المكان الذي تضع فٌه<br />
رسابلها، فهً تتولع أن نصل الٌوم من بٌروت، عندما ٌبدأ اللٌل<br />
فً الهبوط. لم ألبث أن سمعت صوت دمحم أن لال: نعم تمدٌرن<br />
فً محلّه كما هً العادة. لمد وجدتُ رسالة من أمن إلٌن تفضل<br />
ها هً. لمّا لرأت ما جاء فٌها للت لدمحم إنها ستحضر عرساً<br />
نسابٌاً صرفاً خالٌاً من الرجال إالّ العرٌس المسكٌن نفسه. أعتمد<br />
أنه سٌبدأ بعد للٌل من الولت، ستتزوّ ج فٌه ابنة ربٌسة االتحاد<br />
النسابً فً البلذلٌة من ابن أحد المسإولٌن الكبار فً دمشك.<br />
وأنهت رسالتها لابلة: سؤنتظرن ؼداً فً البلذلٌّة، على العشاء<br />
مع دمحم.<br />
لم أر فً بٌتنا مثل هذه المابدة منذ مدة طوٌلة. أعتمد أن أمً<br />
احتفلت بعرس أخٌها الكبٌر فً ذلن الولت. لست أدري كم كان<br />
عمري؟! أذكر أنهم تحدثوا عن الصؽٌر بؤنه كان توأم أمً ولم<br />
ٌنج من حادث سٌّارة فً الطرٌك بٌن بٌروت والبلذلٌّة.<br />
ٔ8ٙ
عندما أنهٌنا العشاء الفخم الذي كان ممتازاً تسوده روح<br />
مرحة خارجة من للب أمً الذي كان ملٌباً على ما ٌبدو بعاطفة<br />
جٌاشة، لم أعهدها ٌوماً أن بإمكانها وضعها على الطاولة<br />
مكشوفة أمام الجمٌع ببل أيّ تحفّظ. لم أستطع إخفاء إلحاح<br />
فضولً، فسؤلتها وأنا أُبدي حٌرتً: ما سبب هذا العشاء الفخم،<br />
وتلن المابدة المرصّعة بجواهر التاج البرٌطانً ٌا أمً<br />
الحبٌبة؟!<br />
لمد خفت أالّ تسؤلنً ولكنً تذكرتُ فضولن الؽرٌب عندما<br />
كنت صؽٌراً. كما أنً ال أذكر من لال لً ٌوماً إلى اعتنً بهذا<br />
الصؽٌر، فسٌخرج منه نابؽة حمٌمً. ترى هل سؤنتظر كثٌراً<br />
ألرى ما لاله ذلن الصدٌك؟!<br />
للت ضاحكاً<br />
فرحاً: ال،ال لن<br />
ٌكون هذا بعٌداً<br />
كثٌراً.<br />
ترى أٌناسبكم أن نتحرّ ن إلى دمشك فً العاشرة والنصؾ؟!<br />
إنه تولٌت مرٌح وممتاز ٌا أمً.<br />
اسمحوا لً أن استلمً فً فراشً وأُتابع لراءة طرٌمة نزار<br />
لبانً فً رسم المرأة شعراً. بالمناسبة لماذا تبتسم ٌا دمحم؟!<br />
أعتذر ٌا سٌّدتً، فؤنا عندما أسمعه ٌمول شعراً عن المرأة<br />
أشعر أن فمه ملٌباً باللعاب، فؤشعر بالؽثٌان.<br />
ٔ87
صفمنا لدمحم جمٌعاً ولالت أمً: لم أسمع نمداً لهذا الشاعر كما<br />
سمعت الٌوم. كنتً أظنن خجوالً، ولكن ٌبدو أنن عندما ترٌد،<br />
تصبح جرٌباً ممداماً. ال تخش شٌباً طالما أنت ال تُخرج منن إ ّال<br />
مشاعرن الحمٌمٌّة الصادلة، لمد أصبت المرمى تماماً ٌا دمحم. إلى<br />
اللماء ؼدا. لم أشعر بمثل هذا االرتٌاح كما أشعر به اآلن.<br />
ترى أٌمكننً أن<br />
أسؤلن سإاالً لبل أن تؽادري إلى ؼرفتن؟!<br />
تفضّل ٌا دمحم.<br />
أرؼب فً سإالن عن فاطمة وكٌؾ التصمت بهذا البٌت<br />
وصارت ببضع سنوات أنثى مختلفة تماما مصلحتها متداخلة مع<br />
مصلحة هذا البٌت. ولد تخلّت فً سبٌل ذلن عن أمور أساسٌّة<br />
فً حٌاة كلّ إنسان.<br />
أخشى أالّ أعطٌن ما ٌروي عطشن. ثك تماماّ أنً سؤنمل إلٌن<br />
جوابها كما لالته تماماً. فاطمة كانت صؽٌرة وكنتُ أوشن على<br />
والدة زٌاد لذلن لم انتبه إلٌها فً تلن الفترة األولى. ثمّ بعد<br />
بعض الولت بدأتُ أرى فً هذه البنت الشدٌدة السمرة مشروع<br />
امرأة حمٌمٌّة فاتنة لكن بعد بضع سنوات كبُرت فجؤة وأصبحت<br />
امرأة حمٌمٌّة مدمّرة، توافد الكثٌرون إلى طلب ٌدها. وكانت<br />
تجٌب أنا امرأة مسلمة وسؤبمى كذلن، ولكن إذا تسنّى لً الزواج<br />
أرٌد إنساناً أجنبٌاً أبٌض مثمفاً. كان ٌخالجنً شعور بؤن فاطمتنا<br />
كانت فً لرارة نفسها تفضل دابماً أن تموت فً هذا البٌت.<br />
كان كلّ هذا ٌعنً أن بماءها لربً ولرب زٌاد ٌعنً لها الكثٌر.<br />
ٔ88
هذا كان رأٌها مراراً وتكراراً وأمام كل الذٌن طلبوها منً.<br />
تصبحوا على خٌر جمٌعاً، وإلى اللماء على الفطور.<br />
فً التاسعة صباحاً كنت ألرأ أول صحٌفة تردنا وهً "السفٌر"<br />
اللبنانٌّة. رأٌتُ من مولعً فاطمتنا تمرع باب ؼرفة نوم أمً<br />
بؽٌة إٌماظها استعدادا للعودة إلى دمشك، ثمَّ رأٌتها تدخل الؽرفة<br />
بعد دلٌمة تمرٌباً، سمعتُ صراخاً صادراً من هنان. لم ُت<br />
بسرعة إلى ؼرفة أمً، حٌث كانت فاطمتنا بحالة ٌرثى لها<br />
وأمً متمدّدة ال تتحرن. وعندما تمدمتُ إلى لربها أدركتُ ما<br />
حدث. ولكنً أسرعتُ باالتصال بالطبٌب، راجٌاً من فاطمتنا<br />
الخروج من الؽرفة، وأردفتُ لاببلً: لمد لضً األمر، فمد رحلت<br />
الوالدة. تماسكً أرجو ِن إذ علٌنِ الكثٌر لتفعلٌه ومن واجبن فً<br />
هذه اللحظات الصمود. "ال تنسً أنن المرأة الوحٌدة فً البٌت.<br />
سؤترن لخالً أن ٌمرر من ٌتمبل العزاء أوالً. أرجو أن تتفهّمً<br />
األمر لتمر هذه األزمة بسبلم وبشكل حضاري. سؤفعل ما ترٌد<br />
ٌا زٌاد.<br />
بعد للٌل وصل الطبٌب ولرر بعد أن تمعن فً عٌنٌها أن الوفاة<br />
حصلت فً السادسة صباحاً ولال: أؼلب الذٌن ٌشكون من للب<br />
متضخم ٌموتون بهذه الطرٌمة. لن تعزٌتً بوفاة امرأة مختلفة<br />
ناضلت وربحت معركتها الخاصّة. سؤمر ظهراً ومعً التمرٌر.<br />
بعد ذهاب الطبٌب انهارت بعض دفاعاتً وانهمرت دموعً<br />
مدراراً وبدأتُ أؼٌب عمّا حولً وأعٌش فً داخلً، شاعراً أنً<br />
سؤكون ضعٌفاً أمام من سٌتهمنً بؤنً عجّلت فً وفاة أمً.<br />
الحمٌمة المرة تمول: إن الحدث األهم فً حٌاتً لم ٌكن فً<br />
دمشك إذ إن أمً توفٌت فً البلذلٌّة فجؤة. ؼابت العروس فً<br />
ٔ89
أرض إحدى عرابس البحر األبٌض المتوسّط فً لحظة ؼفلتُ<br />
فٌها، كؤنها لم ترد أن تودّعنً. أظن أنها كانت تمول لً: إنً<br />
أؼادر هذه الدنٌا ؼٌر آسفة على أيّ شًء. أحدث ذلن زلزاالً<br />
كبٌراً فً أعمالً. ال أعرؾ كم بمٌت أتنمّلُ بٌن األنماض<br />
والخرابب دون أن أعرؾ ماذا أفعل؟! أو كنت فً الوالع أهٌم<br />
دون أن أعرؾ على أي رمال كنت أسٌر على ؼٌر هدى؟!<br />
ترى هل على رمال شاطا "البسٌّط" إذ ال أدري من أٌن كان<br />
ٌلفح وجهً رذاذ البحر؟! أم إننً ضعتُ فً صحراء الجزابر<br />
ورأٌت ذلن فً الحلم لمّا لبٌّت دعوة صدٌك من األمازٌػ ٌسكن<br />
فً المدٌنة التً تحمل اسم تلن الصحراء؟! لست أدري تماماً؟!<br />
لكن ما أعرفه أنه لد مرّ ولت طوٌل لبل أن أتحرّ ر من ولع<br />
الصدمة التً أعطت لصفعتها صوتاً مدوٌاً. أظن أن علً<br />
المضًّ ِ بتسجٌل ما عاٌشته فً تلن اآلونة وبمً فً جعبتً حتى<br />
هذا الولت. أعتمد أنً كنت مصراً على معاشرة تلن الخرابب،<br />
التً كانت تفوح منها رابحة العطر الذي كانت تستعمله لبل أن<br />
ٌنهً اللٌل انسداله. لمد مؤلنً اعتماد أن أمً توحً إلً<br />
بالحضور إلى ذلن المكان لتتكلّم من خبلله. ال أحد ٌدري ما<br />
الجدٌد الذي ٌمكن أن تموله لً، لم أفاجؤ عندما أصبح الحزن<br />
شٌباً أحبه وآن ُس إلٌه. كنت أشعر به لربً دابماً كصدٌك ٌنصت<br />
شاخصاً إلً دون أن ٌعترض على شًء. أدركتُ بعد مدة أن<br />
كلّ األمكنة التً كانت أمً تزورها فً البلذلٌّة وتحب ذكرٌاتها<br />
فً زواٌاها، كان كل ما فٌها ٌظهر حبه لً دون تحفظ. أخذت<br />
مرّ ة عمّاالً إلجراء بعض التصلٌحات فً المنزل الذي ورثته<br />
أمًّ عن أبٌها. كنت لد بدأتُ أشعر بالود واالحترام لهذا الرجل<br />
الذي أظهرته الماهرة كؤحد عظماء العرب فً المرن الماضً.<br />
تتدفّك العمال إلى المنزل، ثمَّ وصل الرٌّس. سلّم وجلس لربً<br />
ٔ9ٓ
لاببل: اشتمت إلى هذا البٌت من كلّ ها إنً أشم العطر<br />
الذي كانت المرحومة تستعمله ال بد أن نشرب كؤسها أثناء<br />
الؽداء.<br />
سنفعل ٌا مصطفى، شكراً لن.<br />
ِ للبً .<br />
الشكر لن ٌا سٌّدي. أستطٌع أن أإكّد لن أننً لن أنسى<br />
أفضالها ما حٌٌت. سٌّدي أشعر بؤن من واجبً أن أتكلم ع ّما<br />
فعلته أمن مع عابلتً رافضة أن تسمع منً كلمة شكر واحدة.<br />
مرّ ة كنا ندهن بٌت البلذلٌّة فدخلت فجؤة لترى كٌؾ اللون فً<br />
نور الصباح. تولؾ العمال عن العمل حٌث كان كل واحد منهم<br />
ضحكت الوالدة طوٌبل. ٌبدو أن المنظر ذكرها بشًء إذ طلبت<br />
من اللذٌن كانا على السبللم أن ٌنزلوا كما فعلت الشًء نفسه مع<br />
الذٌن كانوا ٌفكّون األبوجورات. ولالت ال أستطٌع أن أراكم مرّ ة<br />
ثانٌة معلّمٌن فً األعالً، هذا المنظر لد ٌولعنً على األرض<br />
مؽشٌة علً. ثم انتبهت إلى ابنتً الصؽٌرة الشمراء ولالت:<br />
لماذا أنتِ خارج المدرسة؟! فارتبكت الصؽٌرة ولم تجب. التفتت<br />
الوالدة إلًّ ولالت: ٌبدو أنً أحرجت الصؽٌرة هٌا أجبنً أنت.<br />
تمدّم مصطفى إلٌها وطلب منها التحرّ ن إلى األمام للٌبلً بحٌث<br />
ال ٌسمع أحد ماذا سٌمول: كان محرجاً هو اآلخر دون أن<br />
ٌتحرّ ن من مكانه، أو ٌدري ماذا سٌمول. لم ٌبك أمام أمً إالّ أن<br />
تخفض رأسها وتستدٌر عابدة. دعنً أن ألول ٌا دكتور زٌاد:<br />
إن ابنتً توصّلت أن تؤخذ الشهادة الثانوٌة دون أن تكلّفنً لٌرة<br />
واحدة حتى على ثٌابها. اإلنسان ال ٌتحرن من تلماء نفسه لكن<br />
عندما ٌدفعه الخالك إلى عمل ما فإنه ٌستجٌب.<br />
ٔ9ٔ
أترٌد من أمً أالّ تستجٌب؟!<br />
* * *<br />
إن ما بدأ ٌخٌفنً وٌنؽص علًّ عٌشً، الظهور الواضح<br />
المتزاٌد للذٌن ٌدورون حولً، متجمّعٌن من دمشك وبٌروت<br />
ولبرص. الؽرٌب فً األمر أنً لم أفلح فً إٌماؾ تساإالت<br />
ذهنً المحرجة، الذي ما انفنَّ عن الصراخ فً داخلً ومؤل<br />
أذنًَّ لاببلً: من أٌن لن أن تعرؾ كلّ هإالء الناس؟! ترى<br />
أتتذكّر أسماءهم؟!! فما كان منً إال أن رجوته بالكؾّ عن<br />
أسبلته وتؤجٌلها إلى ولت آخر رأفة بً وبه. أما أنا فلم أر إالّ أن<br />
أهزّ رأسً موافماً مع ابتسامة مرحبة، لكلّ من ٌملكون فٌضاً<br />
من النصابح. واالستعداد إلعطابها مجّاناً إلى صدٌك جعلته<br />
الصدمة ٌترنّح وٌسمط فً بحر أضاعه إلى حٌن، فً الولت<br />
نفسه الذي كانت فٌه أمواجه بحاجة ماسة إلى التحرّ ر والدخول<br />
فً أٌة معركة تُشٌر إلى اشتعالها المصادفة، كان الموج على ما<br />
ٌبدو ٌشعر بالملل ضَجِ راً من مٌل الناس إلى السبلم بدل<br />
االستعداد للؽزو واحتبلل تلن المساحة الهابلة التً تمخرها<br />
البواخر التجارٌّة المحملة بما ؼبل ثمنه، وٌنتظره السوق بفارغ<br />
الصبر. كان الموج توالاً للسلطة وٌشعر بؤن البحر ٌمبض علٌها<br />
بشكل لٌس بممدور أحد انتزاعها منه. كان تجمع المتمرّ دٌن<br />
ٌشعر بؤن الولت ؼٌر مناسب اآلن النتزاع السلطة من بٌن ٌدي<br />
الزعٌم. كانت الحكمة تمضً بتجربة صورة مصؽّرة عن تلن<br />
التً ٌنوي البعض إتمامها عندما ٌتهٌؤ لهم الجو والعدد الكافً<br />
للهجوم المفاجا. هكذا بدأت تمثٌلٌّة تجرٌبٌّة لبللتحام والتطوٌك.<br />
سارعوا إلى االشتبان فً لتال ضار مع بعضهم بعضاً بعد أن<br />
ٔ9ٕ
تؤكّدوا من نوم المابد. كان صوت المعركة أشدّ لوّ ة ممّا ٌستطٌع<br />
البحر تجاهله، فمد كان تعباً بعد أن كَثُر رعاٌاه وازدادت<br />
طلباتهم وكثر صٌاحهم، فما كان منه إالّ أن أنصت وفهم أن فً<br />
األمر خطّة جهنّمٌة لٌد اإلعداد والتدرٌب. لم ٌكن أمامه سوى<br />
أن ٌسارع إلى دقّ نالوس الخطر، صارخاً فً المتماتلٌن وداعٌاً<br />
إٌّاهم إلى تؤدٌب المندسٌّن المموّ هٌن الذٌن حاولوا الدخول إلى<br />
فنابه الممدّس خلسة. لكن ملن البحار لم ٌكن نابماً، فصرخ فٌهم<br />
بما ٌستطٌع أن ٌملً على لوّ ته. انصاع الجمٌع أمام هذا الجبار<br />
التً وثمت فٌه السماء. كان الرعب ال ٌزال ٌتملّكهم، ثمَ أدركوا<br />
أنهم مؽفلون. فً ذلن الولت فهموا أن علٌهم إعادة لراءة العهد<br />
المدٌم لٌفهموا أن اللعب كما ٌشتهون، لن ٌتوفّر لهم مكاناً هنان<br />
لفعل ذلن. إن الرب سك له أن أعلن تحرٌماً لبلستخفاؾ من<br />
الدخول إلى فنابه بهذه الخفة والمٌام بؤلعاب ال ٌطٌمها الروح<br />
المدس. إن الذٌن اخترعوا تلن اللعبة الوهمٌّة أدركوا الضبلل<br />
الذي دخلوا فٌه، عرفوا متؤخّرٌن أنهم لم ٌفهموا ٌوماً خطّة هللا<br />
على ما ٌبدو. أما ادعاءهم أنهم ضجروا، فاختاروا التدرّ ب على<br />
المتال لٌبعدوا ذلن الضجر الماتل، دون أن ٌحسبوا حساباً أن هللا<br />
أوكل البحر للمحافظة على فنابه. جاء دور البحر لٌعالج ما<br />
جرى. اختار أن ٌبتسم ابتسامة فٌها الكثٌر من المعانً لاببلً:<br />
هٌا ال ولت لدي لسماع مثل هذه الترّ هات. هٌا انطلموا والحموا<br />
المنتهكٌن والمعتدٌن المستمبلٌٌّن واطردوهم دون تلكّإ خارج<br />
مملكتً.<br />
كنت الوحٌد الذي أُلمًَ المبض علٌه تابهاً هلعاً بٌن موجة<br />
وأخرى، وأخذونً إلى الكبٌر ؼٌر مكبلٍ، فهم ٌعرفون أنً من<br />
الممربٌن إلى صاحب ذلن الفناء، دون أن ٌدركوا كٌؾ دخلت<br />
ٔ9ٖ
إلٌه خلسة. لمّا مثلتُ أمامه ضمنً إلٌه موشوشاً: دعن من<br />
الركام والخرابب واألطبلل، ال تكن ؼبٌاً، فهً ؼٌر موجودة إالّ<br />
فً ذهنن المشوش. ماذا ٌجري فً عملن هل هنان "فٌروس"<br />
تخلّؾ عن اللحاق باألعداء؟! لل لً ماذا تفعل هنا، لمَ لم<br />
تخبرنً أنن آتٍ؟! هل تهت فً الصحراء، أم كنت تتجوّ ل بٌن<br />
النجوم؟! ال تدخلنً من جدٌد فً نفك الملك، فمد سبك لً أن<br />
اطمؤننت وصرتَ طبٌباً للهابمٌن داخل ذواتهم. اخرج من<br />
الداخل ودع كلّ من دخل فً طاعتً ٌخضع إلٌن. لكن اعطه<br />
االطمبنان، علٌن المبول بموت أمّن، فهو حك ونجاة. لمد سبمت<br />
الرتابة األبدٌّة التً تبدو علٌها حٌاتً . لكنً راضٍ بما ٌشاء.<br />
ربّما أنا أعٌش عماباً دون أن أدري ماذا فعلت؟! لكنً أعرفه<br />
وأدرن أنه ٌرى ما ال أراه، إنه ٌعدّ العدّة لكل شًء دابماً. ال<br />
ٌزال صوته هادباً، دون أٌّة نبرة ؼضب أو فرح أو حزن.<br />
أعتمد أن اطمبنانه ال تشوبه شاببة. كما أنً متؤكّد أنه سٌبلؽنً<br />
بما علً فعله عندما تحٌن الساعة.<br />
استفمت بٌن الخرابب محاوالً تذّكر ما حصل فً تلن اللٌلة<br />
الظلماء. لكن التراب أحد من أهم أصدلابً منً، جعلنً أُبعد ما<br />
كنت أفكّر به مولتاً. فوجبت أنه أرانً بطالتٌن للسفر إلى<br />
بارٌس. بعد أن لرأتُ اسمً على األولى، نظرت إلٌه مبهوتاً<br />
وللت: أجُننت؟! كٌؾ ستؤخذنً إلى هنان، أنا وكلّ هذا الركام؟!<br />
أال تراه حماً؟! هل صرتُ المجنون الوحٌد هنا؟! ماذا سٌفعل لً<br />
لوس النصر فً هذه الظروؾ التً ألؾ فٌها على سحابة أشاهد<br />
منها جباالً تتشمّك وتنهدم أمامً مصدرة أصوتاً متبلحمة مرعبة<br />
مخٌفة تشبه ٌوم المٌامة الذي ٌتحدث عنه اإلنجٌل. سؤبوح لن<br />
بسرٍ ٌا عدنان. كنت أحاول جاهداً أن أنؤى بنفسً عن الجنون<br />
ٔ9ٗ
بعد أن تركَتْنً وحٌداً، أعتمد ٌا عدنان أن اإلنسان فً مثل هذا<br />
الٌوم ٌحب أن ٌموت أٌضاً كما حدث لوالدته. ترى ٌا عدنان هل<br />
سؤستعٌد نفسً ربّما ٌكون ذلن عن طرٌك الرب وال شًء ٌمول<br />
لً أنً لد أستعٌدها عن طرٌك نفسً؟! أتعرؾ ما ٌعنً ذلن؟!<br />
دعنً ألول لن: إنن بكل بساطة ستحمل معن إلى بارٌس<br />
مصٌبة حمٌمٌّة ستنؽّص علٌن حٌاتن، سترى أنً سؤستفٌك فجؤة<br />
فً اللٌل البهٌم وأبدأ بالبكاء كاألطفال، ستسؤلنً ماذا بن؟!<br />
سترى أنً لن أرد علٌن. أتعتمد أن الطفل ٌمول لن م ّم ٌشكو؟!<br />
هل ستفعل ذلن حماً؟!<br />
انتظر للٌبلً ٌا عدنان فسؤجٌبن الحماً. إذ إنً سمعت صوت<br />
البحر، فبدا ؼاضباً مزمجراً لم أعرفه هكذا فً حٌاتً. ترى<br />
ماذا حدث سؤهاتفن بعد أن أعرؾ ماذا به. "ازداد صوت البحر<br />
حدّة وهو ٌمول: هل تظنّ أنً حرّ فً ما ألول أو أفعل، دون أن<br />
ٌكون إلى جانبً ذلن العمل الكلًّ الذي ٌحوي كلّ شًء،<br />
وٌحتوي كل الكون الذي نعرفه أو نسمع عنه، وكذلن كل الذي<br />
ال نعرفه ولم نسمع عنه بعد. حاول أن تشرح لً لمَ تراوغ وممّ<br />
تهرب؟! ترى من علّمن أن الفرار من الهزٌمة ٌخفً وجهن<br />
وٌبمً على لفان؟! لمد علّمتن العوم ٌا "زٌاد" أإكّد لن ٌا حامل<br />
الدكتوراه بامتٌاز، أنن بطرلن هذه لن تصل إلى أيّ مكان لمد<br />
كبرت ٌا "زٌاد" أال تدرن أعمالن ذلن؟! أرجون ٌامن أحببتن<br />
منذ كنت صؽٌراً، ال تُخِ فنً. لل لً هل ال تزال تشعر بؤنن ما<br />
زلت طفبلً؟! أم إن التمثٌل ال ٌزال ٌستهوٌن إلرضاء ذاتن؟!<br />
لو كنتُ مكانن لبصمت على ذاتً.<br />
ٔ9٘
لماذا كنت ستفعل ذلن؟!<br />
ألنً تولفت عن البكاء، ورأٌتن تنوح على أمً المرٌضة<br />
الهرمة. تفهّم ٌا زٌاد وضع والدتً وأزح ذلن جانباً فستحٌن<br />
ساعتها عندما ٌشاء الربّ . أنا ال أسعى وراء المواهب، بل إنً<br />
أهتم بلماء حمٌمًّ برجولتً كً اإكّد علٌها أن تبلزمنً دابماً<br />
لٌبلً ونهاراً، فؤنت متعدد المواهب حماً. لكنن ال تعرؾ ماذا ٌرٌد<br />
هللا أن تنتمً منها. ترى أال ٌخٌفن أن تخرج من كلّ هذا صفر<br />
الٌدٌن؟! لل لً ماذا ٌملمن وماذا فعل بن شٌطان الوهم؟!ترى<br />
هل رمان بٌن زبانٌته الذٌن أخافون وهم ٌرممونن بعٌونهم التً<br />
ٌتطاٌر منها اللهب؟! لمد كدت أن تموت رعباً. وهكذا استسلمت<br />
دون أٌّة مماومة. إنً أُراهن أنن مررت بلحظات تمنٌت فٌها أن<br />
تؤتٌن الرحمة من أيّ مكان وأنت العارؾ أنها ال ٌمكنها أن<br />
تفعل لن شٌباً إالّ إذا أشار به الربّ . إلى من تنحاز ٌا "زٌاد"<br />
بكل ما تبدٌه من تنالض؟! أنت تدرن أن أمن ؼادرت هذه<br />
الدنٌا، دون أن تعرؾ ماذا ٌستطٌع ابنها أن ٌفعل فٌها. آه ٌا<br />
خوفً، أتحاول حماً أن تنتمم منها من أجل أبٌن دون أن تعرؾ<br />
شٌباً عمّا حدث فً الماضً؟! أنت تُجرم فً حمنا جمٌعاً.إذ إنن<br />
الوحٌد الذي سٌطٌر بنا نحو المستمبل. ستصٌر ضوءنا ونحن<br />
فً الطرٌك إلٌه. ماذا تفعل أو تحاول أن تمول؟! لن الطاعة إلى<br />
األبد. أنا ال أظنن تعرؾ، إن الكلًّ فكرة انبثمت منها الدنٌا كلّها<br />
جهدت لتضع نفسها فٌن بؤمان، ولكنن لم تكن تملن زمام نفسن،<br />
فكٌؾ تدخل إلٌن وهً ال تدخل إلى مكان لم تكن مدعوّ ة إلٌه،<br />
بل كٌؾ تكون مطمبنة أنن ستؤخذنا إلى ذلن السطوع الذي لم<br />
نر مثله فً أجمل أٌّام الربٌع نماءً، إنه النورالمختلؾ الذي ال<br />
ٌربن العٌون، إلى أبد األبد. دون سؤم أو ملل أو ضجر. لن<br />
ٔ9ٙ
تجوع أو تعطش أنت وصحبن هنان. دعنً أنام حتى تصل بنا<br />
إلى هنان. أتدرن أنن حابز على ثمة الرب؟! ستستنتج ذلن<br />
بنفسن. لم أعهدن ٌوماً مفكّكاً ال تستطٌع لملمة ذاتن وتعٌد إلٌها<br />
تماسكها. أنا ال أجد سبباً لمَ حدث وٌحدث. ألم ألل لن دعن من<br />
الركام وتلن الخرابب؟! ترى ألم تتساءل لمَ شدّدتُ وأنا ألول لن<br />
ذلن؟!ال تكن مثل الذٌن ال ٌدرون ما ٌفعلون. علٌن أن تنتزع<br />
تلن الصورة الؽبٌّة التً ال تزال مرتسمة فً عٌنٌن، وتفهم<br />
بعمك أن الذي سمح لؽٌرن أن ٌرلص فوق األرض<br />
"الكومبارسٌتّا" ذلن "التانجو" الفرٌد وهو ٌتبلعب بالسٌؾ حٌناً،<br />
وحٌناً آخر ٌشركه فً الرلص الذي إذا لم تكن تعرؾ كٌؾ<br />
تإدٌّه، فإنه سٌسمح لن أن تبرع وأنت ترالصه فً أحبلمن أو<br />
ترالصه على المسرح الخشبً البصلًّ ِ اللون. إنً ال أجد فرلاً<br />
إذ إنن ستستفٌك ٌوماً بعد أن صمل براعتن الرب وتذهب إلى<br />
"جونٌة" ومسرحها العالمً وترلص هنان "الكومبارسٌتا" مع<br />
السٌؾ ومن تلن اللحظة لن ٌعود أحداً ٌذكر "جٌن كٌلً" إذ لفز<br />
فً اللحظة نفسها رالص آخر ال ٌعرؾ أحد اسمه فسمّوه<br />
"األكبر" إنه ذلن اإلنسان الذي لم ٌكن ٌعرؾ شٌباً عن الرلص،<br />
فحمله هللا على راحة ٌده الٌسرى وانحنى للٌبلً، تاركاً إٌاه ٌمفز<br />
لفزة صؽٌرة إلى المسرح وٌخطو خطوته األولى فً اللحظة<br />
التارٌخٌّة التً سُمعت فٌها النوتة األولى لذلن التانجو الملن<br />
فرلصه بالسٌؾ كما لم ٌفعل أحد مثله. هٌا لل لعدنان أنن لبلت<br />
دعوته إلى بارٌس. ستُسرّ أمن عندما تعلم أنن هجرت الخرابب<br />
وحتى عطرها، إذ إنن تعرؾ أنها لم تعد تحبه هنان. إذ إن جُ َّل<br />
ما ترٌد منن أن تكافح لتعود إلى نفسن وتضع بصمتن فً هذا<br />
العالم. نعم لل لها إنً هدَّدتن بؤنن إن لم تتحمل مسإولٌاتن<br />
سؤهجر البلذلٌّة وأتركها دون سماء زرلاء بمتناول ٌدٌن تسبح<br />
ٔ97
فٌها، وتتخلّص من بشرتن الكثٌرة البٌاض التً لم تعد تمٌل<br />
إلٌها نساء البلذلٌّة. وأؼض النظر عن الكثٌر من خبثكم المإذي<br />
ٌا أهل البلذلٌّة. ال تؤخذوا تهدٌداتً على محمل الجد. لمد كنتُ<br />
دابماً هنا، وسؤبمى هنا مدى الدهر. هٌا ٌا زٌاد انمل تحٌاتً إلى<br />
البارٌسٌٌّن ولل لهم أنً سؤزورهم لرٌباً كما سؤزور " نٌس"<br />
"وكان" أٌضاً. هٌا ٌازٌاد، ال تلتفت إلى أحد وأنت تسٌر فً<br />
طرٌك الؽابة المعبّد. أنت تؤخذ روحن مشواراً ترالصها فٌه<br />
أثناء الطرٌك دون أن ٌدري أحد ما تفعبلن.<br />
أعتمد أن الكتب تمول بوضوح، أن المستمبل سٌكون ماضٌاً<br />
ٌوماً، وسٌجلب معه عبالرة المرن الذي مرَّ ودخل إلى التارٌخ<br />
لٌصبح ماضٌاً. الرب لن ٌتولؾ عن إرسال العبالرة إلى هذا<br />
العالم. دون ذلن لن تتطور األفكار والمشاعر وٌجؾ العالم من<br />
اإلبداع. اطمبنّوا فالربّ لن ٌفعل هذا للعالم إذ ال ٌبدو أن خطته<br />
لهذا الكون شارفت على االنتهاء. ربما سٌؤتً ذلن الٌوم حٌث<br />
ٌترن للبشر حكَّ كشؾ خطّته بوساطة طفل صؽٌر.<br />
*<br />
*<br />
*<br />
كانت رحلة بارٌس ممتعة بمدر كاؾٍ لتثٌر خٌالً بشكل ال<br />
ٌوصؾ. نعم دعته للنزول إلى الشارع لٌرى كٌؾ تخرج<br />
إبداعاته وتزول دهشته من نفسه، فؤخذ ٌرسم لوحات رابعة<br />
علّمتها فً أمكنة بارزة من الشوارع الربٌسٌّة، مثل<br />
"الشانزالٌزٌه" الذي كان ممتلباً بتلن اللوحات الخبلّ بة. كنتُ<br />
ضاحكاً وبانشراح ال ٌمدر بثمن، كؤنً ألود ٌختاً ٌمخر بً<br />
البحر، والهواء لم ٌمصّر، فكان ٌداعبنً بشبك كبٌر كؤنه ٌرٌد<br />
ٔ98
اخترالً فؤخذت أضحن وأنا ألول له اهدأ، كفان جنوناً. كنتُ<br />
أشعر أنً أفعل كلّ ذلن وحدي. نظرتُ فجؤة إلى عدنان فوجدته<br />
ٌنظر إلًّ مبهوتاً، فؤدركت أنه ٌوشن على االعتماد بؤنً أدخل<br />
إلى الجنون الحمٌمً. نظرتُ إلى الناس على جانبً الشارع<br />
المنساب إلى المسلّة المصرٌّة. تفرّ س ُت فً وجوههم، إنهم ال<br />
ٌرون لوحاتً و ال ٌعٌرونها أيّ انتباه أو اهتمام. كان األمر لد<br />
بدأ ٌثٌر فً عدنان االضطراب واالستؽراب المختلط مع<br />
الخوؾ ممّا ٌحدث. لكن عدنان لم ٌلبث أن لال بصوت خفٌض:<br />
ماذا ٌحدث لن ٌا "زٌاد"، هل جُننت، ماذا تفعل بنفسن؟! هٌا لل<br />
لً، ال أرٌد أن آخذ تفكٌري بعٌداً.هل تخطط لبلنتمام منً؟!ماذا<br />
فعلت حتّى أستحكّ هذا؟! لمد هٌّؤت لن كلّ شًء ألجعلن<br />
مبتهجاً.<br />
ماذا تمول؟!هل ظننت فً لحظة ما أنً دخلت فً العته أم إنً<br />
أفعل ذلن من أجل االنتمام الوهمً السخٌؾ؟!أنت من ألرب<br />
أصدلابً، دعنً ألول: إنً ببساطة رأٌت خٌالً ٌتخلّص من<br />
أصفاده وٌتركها فً الماع وٌمضً سابحاً للمابً فوق.هنان<br />
تعانمنا وتعاهدنا أالّ نفترق.طلب منً أن نشترن فً رسم لوحات<br />
ال تزال فً ذهنً لتزٌٌن أحٌاء بارٌس وشوارعها.ال تهتم<br />
للبالً، مثل أٌن ستعلّك وكٌؾ؟!ثمّ من سٌتبنى هذه العملٌّة<br />
الكبٌرة وتكالٌفها.ما حدث ٌا عدنان، أنً أرى لوحاتً التً<br />
رسمتها فً ذهنً وأعمالً تزٌّن أحٌاء بارٌس الملهمة<br />
وشوارعها.إنً أتمتع بها وأنتشً فعبلً ٌا عدنان، بل أستطٌع<br />
المول: إنً أطٌر فرحاً رؼم أنً الوحٌد الذي أشعر بهذا الفرح<br />
ٌتشارن مع صدري فً العناق، وأسمع تلن الموسٌمى التً<br />
تخرج من اآلالت النحاسٌّة وهً تعزؾ الجاز المطبوخ فً<br />
ٔ99
"نٌوأورلٌانز".لم أعرؾ فً حٌاتً ٌا عدنان ٌومٌن مثل هذٌن<br />
الٌومٌن. ٌا إلهً ما أجمل عزؾ تلن الطبول وهً ترافك الفرلة<br />
الموسٌمٌّة، وخاصة عندما تصدح نحاسٌّاتها التً تدعم الطبلة<br />
بطرٌمة مذهلة، وتترن رنٌنها ٌتردّد فً أذنٌن زمناً طوٌبلً. كما<br />
تشارن كلّ طٌور السماء فً وضع أصواتها الرابعة، والحزٌنة<br />
حزن الملون واألباطرة مع ك ّل "كمنجاتها"التً تسحك الملوب.<br />
ستبمى ٌا<br />
"زٌاد"<br />
ؼرٌب األطوار طوال حٌاتن.<br />
إنً أشكرن ٌا صدٌمً، فمد أعدت إٌماظ حٌاتً النابمة<br />
وجعلتنً أرى شٌباً ٌلمع فً األفك ربّما ٌكون تحٌّة من بعٌد أو<br />
أمبلً واعداً، أو ربما تكراراً لتؤكٌد رسالة هامة ٌرٌد صاحبها<br />
الملهوؾ أن تصل إلًّ، وأُرسل له ما ٌشٌر إلى أنً تلمٌّتها.<br />
شكراً مرّ ة أخرى ٌا عدنان، فمد حرّ كت ما كان كامناً ؼارلاً فً<br />
النوم.<br />
رجعت مع عدنان من بارٌس، وأنا أشعر بؤنً أفضل ممّا كنت.<br />
بارٌس ال تزال رابعة وتستمبل مزٌداً من الؽرباء ٌومٌّاً،<br />
منتظرٌن أن ٌؽرفوا من المتع المتاحة كلّ حسب هواه. إن<br />
سحرها ٌبدو أنه لن ٌخبو، وٌبمى ٌتمٌّز عن سحر أٌّة مدٌنة فً<br />
العالم.أنا لم أتولّع أن تذهلنً من جدٌد. لمد عانمتنً تلن الساحرة<br />
وأدخلت فمها فً فمً ولم تتركنً إالّ بعد أن فشلت فً ابتبلع<br />
كلّ لعابً. لكنها استمرّ ت فً مماومتً، رامٌة إٌّاي على أرٌكة<br />
لرٌبة وامتطتنً بلمح البصر. الشنّ أنها كانت مضاجعة أكولة<br />
كنت أنا من ٌُمضم أثناء وصولً إلى ذروتً وبعدها..لكنً رؼم<br />
ذلن امتؤلتُ شعوراً بؤنً أصبحت مستعداً لك ّل أنواع الهجمات<br />
ٕٓٓ
والكمابن. أضحكتنً تلن األفكار التً ال ٌنفنّ خٌالً فًَّ<br />
استعمالً كمسرح له معوّ ضاً بذلن عن عجزي فً المٌام بتلن<br />
االلتحامات الجرٌبة المجبولة بالكثٌر من الولاحة. لمد عُشتُ فً<br />
تلن المدٌنة الرابعة سنة وبضعة شهور، حاولت فٌها أن أمتص<br />
ما أستطٌع من فن الرسم، مصلٌّاً وراجٌاً أن ٌستمر ما دخل إلًَّ<br />
فً دمابً.لمد درسته هنان على ٌد أستاذ مشهور.كان ذلن الفن<br />
هواٌتً الحمٌمٌة منذ الصؽر، لكن عندما أدهشنً "فروٌدً<br />
وتعلّمت به تعلماً شدٌداً، اتجهتُ إلى الطب النفسً.كنت مجداً فً<br />
أثناء دراستً، وعاشماً فً الحمٌمة لهذا العلم الذي ٌعري اإلنسان<br />
متّجهاً إلى إلؽاء فعل اإلثم وإبداله بمرض ٌؽزو النفس البشرٌّة<br />
رؼماً عنها، ومضٌفاً إلى عذاباتها عذاباً جدٌداً.<br />
هنان فً بارٌس ٌُسعدن أن تهٌم فً الشوارع .شًء ما ٌشدّن<br />
وٌدفعن لتنفٌذ إرادة تشعرن بؤنها تصاحبن وتمود خطواتن إلى<br />
حٌث ترٌد وترؼب.البد أن تشعر بؽرابة األمر وأنت تشعر بلذة<br />
ما عندما تنتمل من الشوارع إلى عمك األزلة، هنان علٌن أن<br />
تكون مستعداً لتمبل ما لد ٌفاجبن وتتحمّل أن ترى بعٌنٌن عالماً<br />
آخر ٌعٌش وفك لواعد أخبللٌة مختلفة لم ٌتربّ علٌها وجدانن،<br />
سٌتطلّب منن ذلن اتساعاً فً الخٌال وامتبل ًء بالحب، واستعداداً<br />
لمبول اآلخر كما هو، ؼاضاً النظر عمّا تعوّ دت ونشؤت علٌه.<br />
هنان ستلمس مجونًاً وعرٌاً علّم الجمٌع كٌفٌّة التخلّص من<br />
الخجل والتفلّت من المؽاالة والدخول إلى عدم الؽرابة. هذه<br />
الطرٌمة فً العٌش استمرّ ت فً وجدان من ٌعٌشون هنان<br />
وطرٌمتهم فً ممارسة حٌاتهم .علٌن أن أتدرن أٌضاً أنً<br />
أعطٌن فكرة عامة تحمل فً طٌّاتها إٌجازاً معبراً عن حدود<br />
إمكانٌّاتً فً الدخول إلى أعماق طرق الناس هنان وكٌفٌّة<br />
ٕٓٔ
تداول حٌاتهم، وعمّا ٌمكن أن تصادفه أثناء زٌارتن لذلن العالم<br />
الؽرٌب، حٌث لد تسمع فً زاوٌة ما موسٌمى عربٌّة من<br />
الخمسٌنٌات، فتمترب تدفعن رابحة الوطن الكبٌر الذي لن ٌخٌّب<br />
أملن، إذ إنن ستنشده برإٌة "سامٌة جمال" نفسها ترلص بإبداع<br />
مدهش على أنؽام "فرٌد األطرش".لطالما كنتُ متعطّشاً لمعرفة<br />
مشاعر تلن الرالصة الممٌزة وهً تمزج أحاسٌسها مع براعتها<br />
فتنتج الروعة الصافٌة "الكرٌستالٌّة"، فترى العالم من خبللها<br />
بشكل مختلؾ. أما هً فستبمى فً أذهاننا عالماً متفرّ داً فً<br />
الرلص الشرلً المدرّ ب على حركة ألدام أجادت لببلً الرلص<br />
الؽربً. أردتُ بكلّ جوارحً أن ٌكون معً عدنان. لكنه كان<br />
ٌزور ابنة عمه المتزوجة من فرنسًّ كان ٌعٌش فً بٌروت<br />
حٌث تعرفت إلٌه.هنان أسرع الحب فضرب بعصا موسى، فتم<br />
كل شًء بسرعة ال نظٌر لها. كانت ساعتً تمول لً:إن<br />
موعدي مع صدٌمً الترب، فاستمللت سٌّارة إجرة وأعطٌت<br />
السابك عنوان ممهىً فً "السان جرمان"حٌث كان بانتظاري<br />
هنان عدنان.لال لمّا جلست أمامه:أران مبتهجاً، لل لً كٌؾ<br />
لضٌت تلن الساعات؟!<br />
هل أنت مستعد لبلستماع وعدم مماطعتً؟!أرٌد ما ٌضمن لً<br />
ذلن وأالّ تسارع بكٌل االتهامات مثل ؼرابة األطوار والخوؾ<br />
من دخولً إلى الجنون.<br />
لن كل ذلن ٌا عزٌزي.<br />
لم أزر "نابولٌون" وال متحؾ اللوفر أو معالم بارٌس األثرٌّة<br />
والجمالٌّة، فمد سبمت الحدٌث عن التارٌخ والؽوص فً التفكٌر<br />
ٕٕٓ
فٌه وفً طرٌمة كتابته عن الجمال واالندهاش وإهماله جوانب<br />
متعدّدة من الحٌاة أو المرور بها دون االلتراب منها بما فٌه<br />
الكفاٌة. أبناء األزلّة ٌستعملون عبارات تعبر عن الجمال<br />
بطرٌمة أفضل وٌؽوصون فً التفاصٌل بإثارة متعرّ ٌة من<br />
الخجل كؤن الكلمة نفسها لم تعد موجودة، أو هً فً طرٌمها<br />
لبلندثار. إنهم ٌعطون المشهد الجمٌل جواز سفر ٌحمل فً<br />
طٌّاته ما ٌحرّ ضه على الدخول إلى خٌالن، فتسبح فوق الماء<br />
وتحت الماء دون أن تتبلّل أو تتساءل: كٌؾ لً أن أشعر كما لو<br />
إنً فً البحر وال ٌخالجنً إحساساً بمماومته لً وأنا أعبره؟!<br />
كؤن مؽناطٌساً ٌتمدّمنً وٌجذبنً وراءه دون أن أشعر بؤنً أبذل<br />
جهداً. نعم زرت تلن األزلة حٌث خٌُل إلً أن سامٌة جمال<br />
نفسها ترلص على سجادة عجمٌّة حافٌة المدمٌن وهً على<br />
مرتفع مُهٌؤ خصٌّصاً للمدهشة التً تُشْده، كان لوامها الملفوؾ<br />
سٌد المولؾ، وهو نفسه من أبرز اإلعجاز ٌتلّوى هو وذلن<br />
الخصر المعجزة. ال أستطٌع أن أصؾ الطرٌمة التً شاهدت<br />
فٌها الناس شاخصٌن إلى جسدها المنحوت على لطعة كبٌرة من<br />
البرونز بٌد أعظم نحات، وهو ٌموم بحركات فٌها من البراعة<br />
ما أعجز عن إعطابه حمه إذا حاولتُ وصفه، متناؼماً مع الحس<br />
المرهؾ لعظامه المدرّ بة تدرٌباً فابماً على الطاعة العمٌاء، إذ<br />
إنها تثك بمدرة المعلمّة الكبٌرة وبراعتها التً لم تظهر على<br />
المسرح مثٌلة لها بعد، إنها تُش ِده وت ْربن دون أيّ شن.<br />
ال تزال هذه المدٌنة العظٌمة مصدراً لئللهام. أستطٌع الكتابة<br />
عنها سلسلة مماالت ستكون صادرة عن معرفتً ومشاعري<br />
التً صملتها تلن المدٌنة التً تعطً ما عندها لكلّ طالب<br />
وتجزل العطاء. أعتمد أنً سؤجد الكثٌر من المراء الذٌن<br />
ٕٖٓ
ٌعرفونها، وٌتهافتون لشراء تلن الصحٌفة التً ستنشر لً فٌها<br />
مماالتً األسبوعٌّة، التً ستجعل كلماتً المصطفّة باحترام كل<br />
الذٌن عاشروها وعاشوا فٌها مؽامرات مختلفة، شخصاً واحداً<br />
أحبته مثل ابنها الوحٌد، وهٌَّؤت له ممابلة نساء لادرات على نمل<br />
الجنس من الؽرؾ المتّسخة إلى أجنحة جدرانها من الزجاج<br />
الذي ٌحجبن وال ٌحجب عنن أي شًء. تحٌط بها ؼٌوم خفٌفة<br />
شفّافة، تخال أنن ترى من خبللها حدٌمة رابعة الجمال تمبع فً<br />
وسطها "الشجرة المحرّ مة" ٌتدلّى منها التفاح األحمر المانً.<br />
هنان تنتظرن معركة طاحنة علٌن خوضها وأنت تعرؾ مسبماً<br />
أنها لن تسفر عن كاسب أو خاسر، إذ سٌكون طرفا المعركة<br />
رابحٌن ربحاً ؼامضاً، ربّما ٌشبه الزببك عندما ٌوضع بٌن<br />
الٌدٌن.وسٌبمى كذلن مهما كرّ را تلن المعركة التً ال وجود<br />
ألسلحة جارحة فٌها. لعلّن تذكر لحظات الوصول إلى ذروة<br />
معركتن الطاحنة، وكٌؾ وجدت أنن بحاجة إلى أن تؽمض<br />
عٌنٌن، لتحاول إعادة رإٌة بعض المشاهد، بانتظار أن ٌهدأ<br />
خفمان للبن.لكنن لم تفلح بإعادة الشرٌط الذي سجّل تلن الولابع،<br />
فشعرت بالخٌبة وبعض الؽضب.لكنن انتظرت للٌبلً لترجع<br />
دلات للبن إلى سابك عهدها، وهذا ما حصل بعد دلابك للٌلة.<br />
فتحت عٌنٌن ونظرت حولن، فوجدت أنن لم تؽادر الفراش<br />
المذر نفسه،وإلى جانبن تتمدّد امرأة خبلسٌّة رابعة الجمال<br />
عارٌة تماماً، تتابع اجترار نشوتها وهً تبتسم ابتسامة عرٌضة،<br />
محرّ كة لسانها كؤنها تكلّم نفسها، أو أنها تمارس عادة ترتاح<br />
إلٌها فً مثل هذه الحاالت.أما أنت فلن تجد شٌباً تفعله سوى<br />
ارتداء ثٌابن والمضًّ ِ مسرعاً إلى خارج المكان، وفً نٌّتن أن<br />
تتمشّى سٌراً على األلدام، متؤمبلً أن تحمل لن الرٌاح فً المرّ ة<br />
المادمة امرأة ألل توحّشاً. بعد فترة للٌلة ربّما تمر فً فكرن ما<br />
ٕٓٗ
ٌجعلن تمول: إن المرأة المتوحشة لد توصلن إلى متعة أفضل<br />
بجهد ألل.<br />
شكراً لن ٌا عدنان إلصرارن على ذهابً معن إلى مدٌنة الثمافة<br />
المتمٌّزة، ومصنع األنالة المرهفة التً فتحت صدر بارٌس لكل<br />
من ٌشتهً أن ٌؽرؾ ممّا عندها وٌوزّ عه إلى كل أنحاء العالم،<br />
لعلّ تلن األنالة المرهفة تدخل إلى العمول فتنمًّ المشاعر<br />
وتهذب الؽرابز، وتنظّؾ هذه الدنٌا من اؼتصاب ما ٌملكه<br />
اآلخرون.<br />
دعنً ألول لن ٌا عدنان إن البحر هو الذي دفعنً إلى المبول<br />
بموت أمً، ولال لً: دعن من الخرابب وصدق أن الموت<br />
رحلة أخرى إلى عالم آخر.<br />
41 <br />
األحبلم المتراكمة دفعتنً فً الٌوم التالً أن أكون فً الساعة<br />
الحادٌة عشرة أدخل إلى بٌروت، ومن ثم إلى األشرفٌّة مع<br />
سابمً.<br />
مضت ثبلثة أٌّام رتٌبة ثمٌلة.كان فٌها لد دخل الصٌؾ<br />
وتمطّى ؼٌر عابا بنهاره الطوٌل وبطء خطاه. كانت نتؾ<br />
السحاب تُجاري ذلن اإلٌماع مستمتعة بالكسل، ناظرة إلً هازّ ة<br />
رأسها، عارفة أنً ؼارق فً تؤمّل عمٌك. نعم كنت بحاجة<br />
ماسّة إلى ذلن، فمد كنت أدرن أنً نملتُ حٌاتً نملة ستم ّس<br />
دون شنّ كٌانً كلّه وتؤخذ ولتها فً إعادة تشكٌله لٌوابم حٌاة<br />
ٕٓ٘
مختلفة تبلبم عصراً جدٌداً، هو نتاج لفزة علمٌّة وتكنولوجٌّة<br />
هابلة وؼٌر مسبولة. لطالما كنت أحدّق لبل الؽروب فً<br />
السحب، فتحٌّرنً طرٌمة تؽٌٌر أشكالها.كنت أشعر مع بعض<br />
الرهبة بؤن هٌباتها تمول لً:أنا كتابات إلهٌّة تنمل رسابل ربانٌّة<br />
مكتوبة بلؽة أخرى ؼٌر منطولة، ال ٌستطٌع أحد لراءتها إالّ من<br />
ٌعرؾ أنها تعتمد على األشكال ولٌس الحروؾ.لكن علٌنا التنبه<br />
إلى عدم التملٌل من شؤن الكلمة، فهً حٌاة كاملة ال تفنى بموت<br />
لابلها.<br />
فً الٌوم التالً أتّصل بً باكراً صدٌك حمٌمً لدٌم وعزٌز. لمد<br />
أصبح بإرادته الحرّ ة راهباً ٌنتمً إلى عضوٌّة دٌر من أدٌرة<br />
لبنان. عندما شعر بؤنً على الخط لال: صباح الخٌر أخبارن<br />
تنتمل بسرعة ؼرٌبة هل أستطٌع أن ألمان بعد ساعتٌن؟<br />
<br />
أنا أفضل أن أران على الؽداء.<br />
ال أعتمد أن ذلن سٌنجح، فاألب الربٌس أرسلنً إلى بٌروت<br />
لجلب بعض المإون التً ٌحتاجها الدٌر.<br />
األمر بسٌط، دعنً أران بعد أن تشتري كل ما أنت بحاجة<br />
إلٌه، وسترى فً ذلن الولت أنً لد اتفمت مع الربٌس على كلّ<br />
شًء.<br />
حسناً. أال تزال تملن نفوذاً؟!<br />
ٕٓٙ
ألم تدرن حتّى اآلن أن المال ٌا عزٌزي ٌشتري السلطة<br />
الحمٌمٌّة فوق الطاولة وتحتها.<br />
بتنا نعٌش عالمٌن مختلفٌن. أنا لم أعد فً ذلن العالم الذي<br />
تتحدث عنه، سؤران لرٌباً رؼم كلّ شًء. لست أدري إلى متى<br />
ٌتحمل الرب هذا العالم. لمد كنتُ فً محرابه لبل أن ٌبزغ نور<br />
صباح السبت الماضً، نعم لمد أرانً الحلم وجهه. كان مرهماً<br />
وهو ٌنظر إلً مبتسماً، محمّبلً ابتسامته بعض الشرود الذي لم<br />
أرى مثله فً حٌاتً، دون أن ٌبدي أيّ اهتمام بعرًٌ.<br />
شعرتُ بؤن علًّ أن ألول شٌباً علّنً أتخلّص من اإلربان الذي<br />
داهمنً فً ولت لم أكن مستعدّاً لتحمل هذه المعاناة. للت له<br />
مستؽٌثاً: لماذا ال تستمٌل من دنٌانا ٌا ر ّب وتتركنا ننشؽل<br />
بسخافاتنا؟!. أال تجد أن األمر كلّه ال جدوى منه؟! اؼفر لنا،<br />
فعمولنا ال تستطٌع أن ترى أبعد من ذلن.<br />
سنتابع ما تفكر فٌه<br />
إلى نفسن.<br />
عدما نلتمً ظهراً، أما اآلن فاهدأ وانتبه<br />
فً الحادٌة عشرة رنَّ جرس الباب، فظننتُ أنه راهبً. لكنً<br />
فوجبتُ بسابمً محمّد.<br />
اعذرنً على تؤخري، فمد سمعتُ صوت الراهب ٌنادٌنً<br />
فاستؽربتُ ، وتساءلت: ماذا جاء به إلى السوق؟! ولكن لم ٌخب<br />
ظنً، إذ لم ألبث أن رأٌته لٌس بعٌداً كثٌراً عنً متعرلاً ٌبدو<br />
علٌه التعب وهو ٌحاول أن ٌشك طرٌمه بٌن تلن الجموع، ولد<br />
بدا التعجّب ظاهراً فً عٌنٌه. عندما التربت منه، فهمت أنه لم<br />
ٕٓ7
ٌجد حمّاالً ٌمبل بالمٌام بالمهمة المطلوبة بما عرضه سٌادته من<br />
إجرة. كانت أولى كلماته التً خرجت من فمه: "أصبح<br />
الحمالون ٌطلبون ثمناً لِما ٌمومون به من عمل ٌعادل ما ٌشترٌه<br />
المرء من حاجٌّات".<br />
أٌن هو اآلن؟!<br />
إنه فً السٌارة ٌمسح عرله وٌنتظر أن ٌعرؾ ماذا أسفرت<br />
مساعٌكم ٌا سٌّدي.<br />
أنزل وساعده فً الوصول إلى هنا، واترن مشترٌاته مولتاً<br />
حٌث هً.<br />
عندما التمى الراهب مع "زٌاد" ولبّبل بعضهما بعضاً باشتٌاق<br />
شدٌد، انحنى األخٌر وطبع لبلة خاطفة على ٌد الراهب لاببلً:<br />
لطالما اعتبرتن مثل أبً الذي لم أعرفه، من ٌدري ربّما كان<br />
ذلن تدخبلً من الرب.<br />
هل ستبمٌنً والفاً؟!<br />
ال طبعاً، هٌا نذهب إلى مكان نستطٌع فٌه التحدّث بٌنما تبث<br />
الجدران موسٌمى خافتة، لكنها لن تُشعرن باالختناق بل<br />
ستجعلن تظنّ أنن تبحر فً سفٌنة فاخرة، وٌمدم إلٌن الطعام فً<br />
الصالون الملكً.<br />
ٕٓ8
أنت تحٌّرنً ٌا زٌاد، ففً الولت الذي ألمس أنن ؼٌر مإمن،<br />
أشم رابحة البلهوت تتسلّل من أعمالن. إنن تباؼتنً أٌّها<br />
الحبٌب. أرجو أن تبمى ماضٌاً ببطء السلحفاة كما آمل.<br />
إذا كان البلهوت ٌعٌد إلى الوطن عفته وأصالته فمرحباً به،<br />
وبكلّ من ٌساعد على فتح الطرٌك أمام الشعوب الستعادة<br />
حرّ ٌتها وكرامتها واندفاعاتها اإلنسانٌّة لتعزٌز الحضارة<br />
البشرٌّة أٌنما رأت السبٌل إلى ذلن مشرّ ع األبواب، ٌستمبل ك ّل<br />
جدٌد بالترحاب.<br />
لمد جبت إلى بٌروت وطنً الثانً طلباً للمساعدة على طرد<br />
الوحوش الطامعٌن، الذٌن ال ٌشبعهم شًء. ِ صلّ من أجلً ٌا<br />
من كرّ س نفسه لنشر كلمة هللا فً المعمورة، ِ صلّ من أجل أن<br />
ٌكون ولع الكلمة ٌستطٌع أن ٌجرؾ من أمامه كلّ لوى الشر.<br />
ِ صلّ من أجل أن ٌرتاح هذا العالم من النمٌمة، ونصب الناس<br />
للفخاخ لبعضهم بعضاً، وزرع األلؽام أٌضاً. إذ ٌبدو أن الناس<br />
فً شوق شدٌد إلى المتع برإٌة الدماء. اتفمتُ مع ربٌس الدٌر<br />
أن تمضً هذه اللٌلة عندي وؼداً سٌوصلن األخ دمحم إلى الدٌر.<br />
سٌسرّ ذلن العزٌز "دمحم" كثٌراً، فهو ٌحب االستماع إلى حدٌثن<br />
دابماً، وٌرى أنه لو وجد الكثٌر من أمثالن من المسٌحٌٌّن لتؽٌّر<br />
وجه العالم باستمرار نحو األفضل.<br />
لمد أحببت هذا الشاب منذ أن رأٌته، ال أذكر متى كان<br />
ذلن؟!سؤروي لن لصة طرٌفة أرجو أن تنملها إلٌه أنت بنفسن،<br />
كما لل له أن ٌبتعد عن المبالؽة والحماسة، فسٌؤتً ذلن الٌوم<br />
حٌن تسهم كلّ التجمّعات واألوطان فً إدارة العالم نحو التمدم<br />
ٕٓ9
ٍ<br />
المضطرد. عندما ٌتعلّمون كٌؾ ٌحتفظون بالرب فً للوبهم<br />
دون أن ٌتفاخر أيّ منهم أنه لتل أخاه ألنه خالؾ تعالٌم الخالك<br />
.بدأ الراهب ٌوسؾ ٌروي لصته فمال: استفمتُ من دوران<br />
األسبلة فً رأسً، كنت تعباً متعرّ لاً ال أعرؾ كٌؾ أتخلص من<br />
ذلن الجو الحار الخانك. كنت لد لطعتُ مع حماري نصؾ<br />
الطرٌك الموصل إلى المكان المتّجه إلٌه. كان الولت ظهراً وال<br />
أزال محتاراً أبحث عن فًء أسكن إلٌه فً مكان لرٌب. بادر<br />
الحمار بؤخذ زمام المبادرة وؼٌر طرٌمه للٌبلً ثمَّ اتّجه نحو<br />
بعض األشجار المتجمّعة بشكل ملفت، وكنا لد ولفنا تحتها<br />
ساعة الظهٌرة لبل ٌومٌن. أصابنً الذهول لبضع لحظات لم<br />
أدرن فٌها ما جرى ولماذا وكٌؾ؟! تذكرت بعدها أن ذلن كان<br />
حٌنما كنت فً رحلة لاصداً زٌارة المرى المجاورة. تسمّر<br />
الحمار تحت تلن األشجار، وأخذ ٌهزّ أذنٌه بشدة. ذهلتُ مرّ ة<br />
أخرى، بل ربّما طارت أفكاري نحو السماء تسؤل إن كان<br />
الوجود ٌنوي أن ٌنتمل بالحٌاة إلى مسار أخر. لكن األمر لم ٌكن<br />
كذلن، فمد كان ٌنبّهنً دون شن إلى موعد ؼدابه. للت فً<br />
نفسً.الحمار ال ٌمكن بحال من األحوال أن ٌكون ؼبٌّاً، لمد<br />
اختار المكان والولت المناسبٌن. إنه صبور بطبعه دون شنّ .<br />
لكنه لال: أال ٌبدو الصبر ؼباءً أحٌاناً، وجبناً أحٌاناً أخرى؟!<br />
تبٌّنتُ آخر األمر أنً لضٌتُ عمري أعٌش كحمار حمٌمًّ كان<br />
موجوداً فً الزمن الؽابر.<br />
لست أدري فً تلن اللحظات ماذا حدث وأّكّد لً ذهنً لاببلً: إن<br />
صدٌمن مؤزوم وٌكاد أن ٌختنك، ال بد من إنه ٌخفً أمراً.نظرت<br />
بحنان إلى وجهه حسب ما أذكر، فوجدته شاحباً تظهر فٌه<br />
عٌنٌاه مجرّ دتٌن من أٌة حماسة على ؼٌر عادته. للت بصوت<br />
ٕٔٓ
حاولتُ أن أضع فٌه كلّ الحنان المطلوب: ماذا بن أنت<br />
تُملمنً؟!هل لُرعت األجراس هنان بشدّة وأؼرلتن فً<br />
التوجّس؟! أٌعنً هذا أنن ال تزال تماتل للتخلّص من ماضٌن؟!<br />
أنا صدٌمن ٌا ٌوسؾ، لمَ ال تمول لً ماذا ٌجري فً أعمالن،<br />
وهل ال تزال تهاجمن الصور اإلباحٌّة فً اللٌل وترؼمن على<br />
التملّب فً فراشن مانعة النوم من التسلّل إلٌن، راحماً إٌّان من<br />
االستسبلم إلى ضعفن الذي ٌختبا وراء شعرن المملوء<br />
بالشٌب، فتعود ؼصباً إلى تلن الممارسة المراهمة؟!أنا صدٌمن<br />
نفسه وأستطٌع التؤكٌد لن أن هللا ٌرفض أن ٌسجنن فً ثوب ك ّل<br />
شًء فٌه عاهد ربّه برفضه أن ٌرضع من ثديٍ مشربب، مهما<br />
كان سهل المنال.<br />
أنا ال أنكر أن بعضاً من هذا ٌحدث أو كلّه ال أدري. ما أعرفه<br />
حماً، إنً أرفع سٌفً وأضرب ٌمنة وٌسرة، ثمَّ ألهمه وتمترب<br />
الدموع، فؤُدرن أنً ألاتل األشباح. منذ أن صرخ ُت فً نفسً<br />
لاببلً ٌا لخٌبتن ٌا ٌوسؾ. إذ إنن لم تعد لادراً حتّى على<br />
االنتحار. دعن من هذا ولل لً: هل تذكر ذلن المسكٌن الذي<br />
لٌل إنه شنك نفسه بحبل الجرس؟ لمد شنموه ٌا عزٌزي ورتب<br />
الموضوع بتدخلٍ من ربٌس الجمهورٌّة لمنع انتشار الفضٌحة<br />
فً أوساط األرثوذوكس.<br />
إن ما تمول شًء خطٌر.<br />
المسكٌنة اختفت. لكنهم لم ٌتمكّنوا بعد من المبض علٌها، للبً<br />
ٌُحدثنً أنها لم تعد فً لبنان، إن الحمٌمة كلّها معها، وإنها<br />
الوحٌدة التً تستطٌع توضٌح ما حدث. لوال الشكون التً<br />
ٕٔٔ
تراودنً لنمتُ مرتاحاً. لكنً أظن فً هذه اللحظات أنها لم تعد<br />
تستطٌع أن تثك بؤحد، وخوفها ٌكاد أن ٌمتلها. هل تستطٌع<br />
المساعدة ببطء وكتمان؟! إن للحٌطان آذاناً، لن أتلفظ بشًء<br />
حول تلن المضٌّة، هل ٌعرؾ "محمّد"اللؽة الفرنسٌّة؟<br />
ال إنه سوري ولم تمكنه ظروفه من اجتٌاز الشهادة الثانوٌّة.<br />
كما أنه ال ٌطٌك التفكٌر فً السٌاسة.أنا أعرؾ أنه ٌطفا النور<br />
فً ؼرفته، فبلحظتُ أنه شؽوؾ بمشاهدة األفبلم اإلباحٌة.<br />
إنً أشعر بؤنً مرالب، وأبذل جهداً كبٌراً كً أبمى متماسكاً،<br />
ما أعانٌه لٌس أمراً بسٌطاً. لمد دخلتُ الدٌر ألهرب من<br />
شٌاطٌنً التً ترلص ساعات متواصلة "دابكة "زاعمة فً<br />
داخلً لٌل نهار، أما أولبن الذٌن ٌخرجون من مكامن ال أعرؾ<br />
أٌن هً، فمد جعلونً أظن أنهم ٌتسلّلون من باطن األرض،<br />
وٌملكون الموّ ة على التملص بحٌث ٌستطٌعون الخروج من أٌّة<br />
فتحة، ربما من فتحات المجارٌر لستُ أدري، إنهم ٌبتسمون لن<br />
ابتسامة شٌطانٌّة شدٌدة اللإم، وتخرج من عٌونهم إنذارات<br />
تحمل فً طٌّاتها شإماً ٌلتصك بن بطرٌمة تدفعن إلى أن ترتعب<br />
وترتجؾ وٌستحٌل علٌن النوم، كؤنها تُنبإن أن ٌوم الذبح<br />
الترب، وسنمزج دماءن بكمٌّة مناسبة من الكحول بحٌث نصل<br />
إلى ثمالة لم نخُض ؼمارها ٌوماً. كذلن سنستبدل الماء العذب<br />
بشرب دماء الخونة الذٌن ٌتجرّ إون على اختبلق الوشاٌات ضد<br />
أسٌادهم وأولٌاء نِعمهم.<br />
إنن تخٌفنً ٌا عزٌزي.هل األمر وصل إلى هذا الحد؟!<br />
ٕٕٔ
ألم تبلحظ أن الؽربان تمؤل بٌروت؟! الشٌطان ال ٌستطٌع<br />
التحول إلى حمامة بٌضاء نمٌّة، إنها مخصّصة لتحمل الروح<br />
المدس، وعندما تفعل ذلن تطٌر بطرٌمة مختلفة كً تفهم الناس<br />
أنها تإدّي دوراً خاصاً، وعلى أجنحتها تنمل البشارة، وتحذٌر<br />
أصحاب النواٌا المشكون بؤمرها بالمؽامرة بؤرواح الناس ممابل<br />
بضع دراهم من الفضة.<br />
هل ترٌد فعبلً أن أتدخل فً ذلن األمر بطرٌمة ما؟!<br />
إن كنت تطلب الحمٌمة ناصعة البٌاض؟! دعنً ألول لن: إنً<br />
ال أعرؾ ما أرٌد حماً، وربّما ال أرٌد من أحد أن ٌتدخّل، أنا<br />
ضابع تعب خابؾ مرتعب من أالّ أراها بعد اآلن .عندما عادت<br />
من دمشك كانت مضطربة للمة شاردة الذهن، ولد اختفت<br />
االبتسامة من ثؽرها. كان علً أن أُعطٌها عنوانن. لست أدري<br />
كٌؾ نسٌت ذلن؟!<br />
أتمازحنً<br />
أٌّها الراهب العتٌك.<br />
لمَ تمول ذلن، أتشن فً نٌتً الطٌّبة؟!<br />
بلى ٌا عزٌزي. إذ إنً أشمّ رابحة عشك عابمة، وبدأت أخشى<br />
على روحن من النار التً أراها تندلع فٌن، وصار صعباً علٌن<br />
إطفاإها. من تحاول أن تخدع؟! أظن أن العشك أربكن وأخذن<br />
إلى محاولة خداع هللا. علٌن أن تتعرّ ى أمام نفسن وتفكر<br />
بهدوء، حتى تصل إلى معرفة الطرٌك الذي علٌن أن تسلكه.ال<br />
تمنع نفسن بؤنن لست جابعاً، ولم ٌعد فً الدٌر طعام ٌكفً. لٌس<br />
ٕٖٔ
من المفترض أن ٌمدم بٌت الرب ذلن النوع من الطعام. إذ<br />
تستطٌع التؤكّد أن هللا سٌمبل لرارن وسٌساعدن، كما سؤفعل أنا<br />
أٌضاً، بعد الطعام الذي سٌؤتً بعد لحظات، سؤسعى كً أبمٌن<br />
فً ؼرفتن إلى السابعة مستمعاً إلى "فٌفالدي"الذي سٌساعدن<br />
على التفكٌر بروٌّة.<br />
لعلّنً لد دخلت لعبة الشٌطان.<br />
ما تشاء.<br />
اردعنً أرجون،<br />
المعنً افعل<br />
لمَ تطلب منً ذلن؟! أترٌد إلناعً أنن انملبت فجؤة إلى إنسان<br />
عاجز عن إدارة حٌاته؟! إن هذه األالعٌب التً ترٌد منها توجٌه<br />
أنظاري إلى مكان آخر ال ٌمكنها أن تنطلً علًّ، هل ترٌد<br />
متابعة ما بدأناه؟! إنه ٌتناول مستمبل حٌاتن، وأنا فً هذه<br />
اللحظات مدرن بكلٌتً بما نفعل سوٌّة. التلوّ ي مثل تلن<br />
الرالصة التً رفعت من سوٌّة الرلص الشرلً مسؤلة ال<br />
أجٌدها، وٌهمنً أن تعتمد أنن كذلن أٌضا. إن كٌانً كلّه ٌُإمن<br />
أن ذهنن مشوش ومرتبن، ولو لم تكن كذلن، لعرفت أن لٌس<br />
باستطاعتً سلبن مسإولٌّتن عن نفسن. إنن مدعو أٌها الصدٌك<br />
العزٌز فً أسرع ولت ممكن إلى التخلًّ عن الرهبنة، وإنً<br />
أإمن أٌضاً أن الربّ لم ٌخلمن كً تإذي الكنٌسة وتهٌن ذاتن.<br />
أتمنّى أن تبحث فً لاع أعمالن عن هدؾ آخر ٌمكنن أن تجٌد<br />
مرالصته وٌمنحن فً النهاٌة مؽادرة هذه الدنٌا تاركاً بصمتن<br />
فٌها ال ٌؽشوها أيّ ؼموض. أظن أنن ستسارع وتمول لً: أنا<br />
ال أملن هدفاً أعرفه، ولد تتابع وتمول متجاهبلً: من أٌن تؤتً<br />
بهذه األفكار، وكٌؾ تعرؾ ما فً داخلً، ترى هل تتجول<br />
هنان؟! ثك أنً ال أدري إن كنت أملن فً داخلً شٌباً ممٌّزاً.<br />
ٕٔٗ
ألٌس هذا بعض ما كان ٌجول فً أفكارن؟! ال تجبنً اآلن.<br />
امنحنً متعة أن أعتمد أنن ستفكر فً األمر بهدوء، فالسرعة<br />
فً اتّخاذ المرار فً المضاٌا المصٌرٌّة تمود إلى التهلكة. صلّ<br />
واطلب منه أن ٌشٌر إلى الطرٌك التً علٌن أن تسلكها. أنتم<br />
الذٌن تنخرطون فً الصلوات والتسابٌح تستدعون الحماسة<br />
وتؽالون فً العبادات حتً تصلون إلى اللٌل فتتسلّلون فً<br />
الخفٌة وتسبحون فً نهر الوثنٌة الذي ٌدرن أنكم تزحفون وراء<br />
الؽلو معتمدٌن أن هللا بحاجة إلى أن تركعوا وتصلوا حتّى<br />
الؽٌاب عن الوعً. أنتم تُحزنون الخالك باالبتعاد عن مرامٌه.<br />
الرب لٌس سجاناً.لمد خلك اإلنسان وأعطاه حك التحرر منه إن<br />
كان ذلن ٌسعده، إنه ٌنتظر عودتن لجادة الصواب دون أن<br />
ٌضع فً وجهن العرالٌل، أصػ إلى الرب وهو سٌهمس فً<br />
أذنن ما ٌرتبٌه.<br />
ماذا تمول ٌا "زٌاد"؟!أتدعونً لبلنضمام معن إلى<br />
الشٌطان؟!كٌؾ انزلمت وفهمت أنً لد ألبل ذلن؟!<br />
إلى أٌن تنوي الوصول أٌّها الماكر؟! متى ستكؾ عن المناورة<br />
دعنا نحتكم إلى هللا ونطلب إلٌه أن ٌشٌر إلٌنا فرادى من هو<br />
الماكر ومن ٌمصد الؽش فً ولت لم ٌعد للؽش أيّ معنى.هٌا<br />
كؾّ عن الهرب، فهو ال ٌلٌك بن، ولن تصل بوساطته إلى أي<br />
مكان. دعنً أنهً هذا الموضوع مإلّتاً بالمول: إن الجسد<br />
حمار ٌركبه العمل. هل ٌعمل أالّ ٌتاح ألسمى نتاج للخالك سوى<br />
بهٌمة لٌمتطٌها؟!هل ٌداخلن الشن بؤنً أحاول االنسحاب من<br />
صدالتنا لسبب ما، ماذا دهان؟!<br />
ٕٔ٘
لم أفكر بهذا مطلماً. لمد تحدثنا كثٌراً عن رأًٌ فً هذا<br />
الموضوع، ولد أوضحت لن ما تمول أعمالً فً ذلن الصدد.<br />
لمد تبنٌت البتولٌّة ودخلت الرهبنه رؼم معارضة عابلتً كلّها،<br />
إذ كانت ترٌدنً أن أصبح طبٌباً. سؤلول لن شٌباً ال تعرفه ولد<br />
تستؽربه: أثناء المنالشات التً خضتها مع أبً دفاعاً عن<br />
رؼبتً فً تسلٌم نفسً للدٌر واالنصراؾ إلى الترهبن تعبٌراً<br />
عن اصطفافً مع كل الذٌن ٌسعون إلى خدمة الرب متحلّ ِلٌن<br />
من كل ارتباط. لاطعنً أبً بابتسامته التً ال ٌمكن أن تعرؾ<br />
إن كانت حانٌة أم هازبة ولال: كل العابلة واألصدلاء ٌعرفون<br />
أنن مرؼوب من النساء كما ترؼب بهم وأكثر. هنَّ ال ٌستطعنَ<br />
المماومة وأنت ضمناً كذلن، لكنن تُظهر عدم اهتمامن وتبرّ من<br />
وحٌرتن، إنن تملن كبد الحٌلة ومع الولت صار االحتٌال<br />
ٌسري مع أنفاسن، وباعتبارن صرت مجبوالً بملب الحمابك<br />
واألبرع فً تمثٌل دور البريء المظلوم، استطعت إلناع الناس<br />
أنن تجهل ما ٌجري فً داخلن وال ذنب لن فٌما ٌحصل. فً<br />
المحصّلة ٌصبح مفهوماً لمَ تنجح مع النساء أكثر ممّا تستطٌع<br />
خداع الرجال. من المعروؾ أنن وأنت لم تتجاوز بعد الخامسة<br />
والعشرٌن عاماً عمت شهرتن "الكازانوفٌّة" أرجاء سورٌة<br />
ولبنان .إذا كنت ترٌد تكذٌبً فؤنا جاهز لسماعن؟!<br />
)ال ٌا أبً، أنا أرؼب فً سماع كل ما ٌهمّن أن تمول.(<br />
) إن دخولن فً الرهبنة بما أنت علٌه سٌزٌد من فوحان شبمن.<br />
إلى أن ٌتجمّع كلّ من ال تطٌب له تلن الرابحة، فٌمومون بركلن<br />
على لفان بسهولة.(<br />
ٕٔٙ
ٗٔ<br />
فً تلن اللٌلة كان اللماء طوٌبلً. لم اضطر إلى الطرق على<br />
باب ؼرفته. إذ كان ٌنتظرنً فً الردهة ٌبلعب مسبحته ٌدخن<br />
شارد الذهن حزٌناً. لم أجلس، لكنً سارعتُ إلى المول مبتسماً:<br />
ماذا بن؟! نطمت بتلن األحرؾ الملٌلة بطرٌمة إٌمابٌّة تإكّد أن<br />
الصلة المابمة فٌما بٌننا ال ٌمكن أن ٌزحزحها أحد أو حدث. ع َّل<br />
ذلن ٌخفّؾ بعضاً من لسوتً لبل الطعام وبعده. لم أستطع<br />
االستمتاع بمٌلولتً وأنا أفكر فٌما كان وراء تشدّدي بعد ذلن<br />
باالنمطاع الطوٌل عن عدم اللماء المسري بٌننا، ولمَ دفعته<br />
بفظاظة إلى الطرٌك المسدود، وحشرته فً زاوٌة من الصعب<br />
الخروج منها دون أن ٌزداد وضعه حراجة. فً الحمٌمة كنت<br />
مرتبكاً، فجلست على األرٌكة المرٌبة وللت: لم أسمع جواباً، لمَ<br />
أنت حزٌن، أال تنوي المٌام؟!<br />
ترى هل سنموم حماً؟! وهل ستموم سورٌّة الحبٌبة من كبوتها؟!<br />
وتحاسب الذٌن اضطهدوها من أولبن الذٌن ربّتهم وأطعمتهم<br />
وكستهم ومن الدخبلء والطامعٌن والمندسٌّن؟! لم أستطع أخذ<br />
لٌلولتً بعد ظهر أمس. إذ رأٌت عبر "التلفٌزٌون" أو فً ؼفوة<br />
صؽٌرة لم أشعر بها مدٌنة كبٌرة تدمر بالمدفعٌّة والطابرات،<br />
وكانت النٌران تشتعل فً كلّ أنحابها، والؽبار ٌؽطً حمٌمة ما<br />
ٌجري. لكن الكهرباء انمطعت فً تلن اللحظة فضاع حمٌمة ما<br />
رأٌت وهل كان حلماً أم م ّر عبر "التلفٌزٌون" ونسٌتُ أننا ال<br />
نملن واحداً فً الدٌر بمٌت فترة أفكر ب "ستالٌنؽراد" ترى هل<br />
عملً الباطن كان ٌرى فلماً عن لصؾ تلن المدٌنة بالمدفعٌّة؟!<br />
ٕٔ7
إن ما تموله ٌمكن أن ٌحدث لكثٌرٌن. لكن لٌس من شؤنن فً<br />
هذه اللحظات أن تفكّر فً هذه األمور. إذ سٌبمى علم النفس<br />
ؼٌر ممسن بالزمام فترة زمنٌة ال أستطٌع التكهن بمدتها. ثم إنها<br />
الحرب وهً بطبٌعتها دون شنّ وحشٌّة وال تكسب بالمبل أو<br />
بمبادئ المسٌح. إنن بالتؤكٌد لم تؤ ِت إلى بٌتً ألذبحن، بل<br />
ألعطٌن مزٌداً من الحب والدعم. أعتمد أنه من أجل ذلن وجد<br />
األصدلاء. دعنا ممّا ٌجري حولنا، واسمح لنا بمعالجة مشاكلنا<br />
الخاصة. أترٌد أن أدعمن ضد "البطرن"؟! أنا أفعل ذلن<br />
بالفعل. لمد أطلعنً األسمؾ على مسودة المرار الذي كان<br />
سٌولّعه "البطرن" بعد عودته من زٌارته أل ِمرٌكا، أي بعد ألل<br />
من أسبوعٌن. البطرن كان لد طلب طردن من الدٌر على<br />
الفور، وأن ٌكون فً لرار ربٌس الدٌر الطلب من البطركٌّة<br />
حرمانن من االنتساب إلى أ ّي مكان كنسً تمتدّ إلٌه السلطة<br />
البطركٌّة. دعنا نكمل هذا الحدٌث أثناء العشاء. علٌنا أن<br />
نستعمل اللؽة اإلنكلٌزٌّة كً ال ٌتسرّ ب شٌباً من حدٌثنا إلى<br />
الؽٌر احتراماً للبطركٌّة.<br />
الحمٌمة إنً جابع، ولكنً أشعر بؤن علًَّ الرد على الممطع<br />
األخٌر الذي للته هل تملن التراحاً.<br />
ال أعتمد ذلن. الشتابم<br />
ممنوعة فً هذا البٌت.<br />
حسناً، انتظرنً لحظة.<br />
أسرع الراهب إلى ؼرفته وعاد بعد ثوانٍ لاببل: فعلتها.<br />
ٕٔ8
هل فتحت النوافذ.<br />
ال، لمد نسٌت. <br />
ٌبدو أن سكوت العالم كلّه ٌخفً اشتراكاً فً مإامرة عالمٌّة<br />
عن سابك تصور وتصمٌم. ولٌس عجزاً كما جرّ بوا أن ٌمولوا.<br />
ما ٌرعبنً أنً ال أعرؾ إلى متى ٌستطٌع هذا الشعب العظٌم<br />
أن ٌصمد؟! فعامل الزمن ربّما كان لادراً على ضخِّ الجرأة فً<br />
الصامتٌن وٌكون لهم صوت مسموع.<br />
أكنت مزعجاً فً طفولتن؟!<br />
سؤحاول أن أجٌبن عن األسبلة التً لم تسؤلها واستبدلتها بهذا<br />
السإال السخٌؾ وال تزال تخشى أالّ تصٌب الهدؾ وٌبعدن عن<br />
مرامٌن. أعتمد أنن ترٌد الهرب بؤيّ ِ طرٌمة، علّن تتجنّب<br />
إعطاء أي جواب مُلزم. الحجارة التً تسببت فً تعثّرن فً<br />
ذلن الطرٌك الضٌك لم علٌن اختٌارها كوسٌلة للفرار مهما كان<br />
مإلّتاً، ربّما كان من األفضل علٌن انتماإه للخروج لسراً إلى<br />
النور. البتولٌّة خبلل التارٌخ أثبتت أنها ؼٌر إنسانٌّة. فما وضعه<br />
الرب فً جسد اإلنسان ٌحمل أهدافه معه وبحٌث ٌتوافك مع<br />
خطّة الخالك لهذا الكون. وفً أثناء ذلن كان علٌن أن تتجنّب<br />
إعطاء دروس فً األحاسٌس والمشاعر. وفر هذا الجهد لتوجّه<br />
ناظرٌن إلى للبن وما تعلّمته من الحٌاة. هل علٌن االستمرار<br />
فً عٌش حٌاتٌن، إحداهما فً الكنٌسة واألخرى فً الماخور؟!!<br />
أٌن ذكاإن اللماح، أٌن فكرن المستنٌر؟! أٌن تلن الومضات<br />
التً جعلتن مختلفاً؟!نحن أطباء النفس نبحث ونسؤل عن أدق<br />
ٕٔ9
التفاصٌل، علٌنا أن نعرؾ ونلمس إن أمكن، ما تنطوي علٌه<br />
النفس البشرٌّة، وماذا واجه المرٌض فً تلن الحٌاة التً عاشها<br />
ذلن اإلنسان الذي ٌستلمً اآلن أمامنا وهو ال ٌشعر بنا. إن<br />
مهمتنا النبش فً ذاكرته أحٌاناً بطرح أسبلة لد تحٌّره وٌراها<br />
خارج السٌاق، نحن ال ٌهمّنا كٌؾ ٌرى هو األمور.إننا نمول له:<br />
أنت لجؤت إلٌنا وعلٌن أن تضع ثمتن كلّها بٌن أٌدٌنا. ٌبمى<br />
سإال من سٌُمنع تلن العمول التً تسخر من ؼٌر المربً؟!<br />
دعونا نضع كلّ االعتراضات جانباً ونركز على ذلن المرٌض<br />
الذي ٌعتمد أنه لٌس على ما ٌرام. إننا نطلب منه أن ٌتابع<br />
الحدٌث عن كلّ ما ٌخطر بباله، عن نفسه وما جعلها تشكو،<br />
وإذا كان ال ٌعرؾ، علٌه أن ٌحاول المول لنا مما تشكو ومتى<br />
ٌحدث ذلن؟! ربما لم ٌنسنا بعد تماماً. لكن بعد فترة ٌكون لد<br />
ؼبنا عن شرٌط ذاكرته وبدأ ٌنتمل من موضوع إلى آخر<br />
بطرٌمة مفكَّكة أكثر وأكثر. سنعٌد أسبلتنا التً فشلنا فً استنباط<br />
شًء منها لٌس علٌنا المبالؽة فً النبش م ّرة بعد مرّ ة. بل علٌَّنا<br />
أن نعمل بعٌداً عن المرٌض، ونستمع إلى الشرٌط الذي سجلنا<br />
به حدٌثه عن نفسه. إذا كان الطبٌب مخلصاً ستكمن مؤساته فً<br />
هذا المولؾ، عندما ٌستمع وحده إلى حكاٌات متداخلة من هنا<br />
وهنان، وعلٌه تفكٌكها وإعادة تشكٌل جملها كما ٌرى أنها تمدم<br />
له معانً مترابطة ٌمكنها أن تمول: إنً نتاج تفكٌر مثمؾ ال<br />
ٌزال ٌبؽً أن ٌلتؾَّ وٌخفً ما ٌمكنه بٌن األسطر، أو التنالض<br />
بٌن الكلمات. إذ لٌس الكثٌرون من ٌدركون أن التضاد لطالما<br />
كان ؼٌر حمٌمً فً العمك وٌخفً فخاخاً جمّة.<br />
سمعاً وطاعةً. ترى ماذا ٌحدث فً حٌاتن، إذ إنً لم أعهدن<br />
ولحاً ال ٌهاب االلتحام.<br />
ٕٕٓ
ربّما تكون محماً سامحنً أرجون. لم أكن أنوي الذهاب بعٌداً<br />
لكن ما فعلته أنً للتُ لدمحم أن ٌبتعد للٌبلً عن المكان الممصود<br />
كً أنهً ما بدأتُ أشرحه. إنه مطعم جدٌد مؤل األشرفٌة بهجة<br />
وحبوراً. ها لد وصنا إلى حٌث العرق ٌؽلً حٌن نبرّ ده، ث َّم<br />
تظهر أشهى المؤكوالت السورٌّة واللبنانٌّة. إنً ال أرى فرلاً فً<br />
الحمٌمة. اآلن لل لً: هل كنتَ تبحث عن طرٌمة لبلنتمام منً<br />
ألنً استطعتُ أن أكشفن أمام نفسن. ماذا حدث للراهب الذي<br />
ارتكب كلّ هذه المعاصً وال ٌزال. أعتمد أننا جمٌعاً نعرؾ<br />
أكثرها، وأصبحت جزءاً من ثمافتنا المتداولة ولٌس التً نضعها<br />
موضع التنفٌذ. أما تلن التً ال نعرؾ عنها شٌباً، ٌتداولونها<br />
وٌنفّذونها فً األمكنة السرّ ٌة فهً مخصّصة لكبار رجاالت<br />
الببلد بعد بذل الجهد الكبٌر لحماٌة أمن الببلد والمواطنٌن. ال<br />
ٌخلو هذا األمر من كل ببلد العالم. أرجو من الجمٌع أالّ ٌنزهوا<br />
أنفسهم من ارتكاب الموبمات، وٌسخروا من كلّ الذٌن ٌعتمدون<br />
أنه ارتكب الكثٌر منها وٌبحثون عن خٌط ٌوصل إلى دلٌل ٌثبت<br />
ذلن. لن ألول إنه بحوزتً. إذ إنً مهما حدث لن أكون من<br />
ٌخرج ذلن الفٌلم اإلباحً وٌعرضه على المؤل. كما أنً أعرؾ<br />
الكثٌر من المبلبكة لم ٌكونوا ٌوماً مبلبكة وال حمامة بٌضاء<br />
تحمل الروح المدس.<br />
كان علٌنا أن نجلس بعد أن الحظتُ أن ربٌس الندل ظلّ والفاً<br />
مبتسماً دون أن ٌُظهر أٌّة نٌّة بمماطعتنا. فابتسمتُ له لاببلً:<br />
أعتمد أن هذه الزاوٌة رابعة. أنجلس هنا أٌها السٌد؟<br />
إذا كنتما مرتاحٌن إلى هذا المكان فهذا سٌسرنً.<br />
ٕٕٔ
حٌنما جلسنا متمابلٌن ابتسمتُ وللتُ : دعنً أسؤلن هل تنكر أنن<br />
ألسمت على انضباطن والتزامن بتارٌخ الرهبنة ولوانٌنها<br />
وأسباب نشوبها. ألم تعتمد أن الروح المدس كان حاضراً كلّ هذه<br />
المراسٌم. دعنً أنصفن وألول: إنً أعرؾ صدٌمً جٌّداً<br />
وأدرن أنه من أكثر محاربً الشٌطان شراسة، ولكنه لم ٌإمن<br />
ٌوماّ أن الجنس خارج الزواج محرّ م إذا حصل بإرادة الطرفٌن.<br />
أنا من صمٌمً أُوافمه تماماً على ذلن. ولكن أمام من ٌرٌد أن<br />
ٌمؾ وٌمول محاوالً اإللناع أن من حمه رفض البتولٌّة رؼم أنها<br />
إحدى ركابز وأسس تنظٌم الرهبنة وربما تكون من بعض<br />
ؼاٌات نشوبها؟! أربكنً ٌوسؾ عندما خبط بمبضته الطاولة<br />
ولال: لماذا تكون أسباب نشؤة الرهبنة أو ؼاٌة من ؼاٌاتها؟!<br />
كٌؾ ٌحشو هللا اإلنسان بالهرمونات وٌمنحه أعضاءً جنسٌة<br />
وٌطالبه بعد كل ذلن بؤن ٌعتنك البتولٌّة؟! هل نتعامل مع<br />
الخرافات هنا ؟! هٌا أجبنً، هٌا لل لً ال أحد ٌعرؾ خطّة<br />
الرب. لمد سمعت ٌوسؾ ٌعترض بشكل سافر على خطّة هللا.<br />
إذاً تخلّص من هذه الثٌاب التً لم تعد تخصّن، وخذ ثٌابن<br />
التً ال نزال نحتفظ بها. ال نرٌد أن نطردن، فهذا سٌثٌر الكثٌر<br />
من التموالت التً ستضرّ بالجمٌع، خذ أنت زمام المبادرة<br />
واخرج من باب السجن المفتوح دابماّ. لكن صدّلنً فؤنا أعرؾ<br />
ما ٌدور فً كوالٌس الدٌر. أنا صدٌمن أرجون دعن من<br />
المكابرة والعناد التافه، وانمر على باب ؼرفة الربٌس، وادخل<br />
مبتسماً، ولبل ٌده لاببلً: صلّ من أجلً ٌا أب ِت واعطنً بركتن.<br />
هل كنت ستصدّلنً لو أرسلت لن رسالة توضح ما كنت أسمعه<br />
من مكتب الربٌس ومن البطركٌّة فً دمشك. سؤفعل ذلن إن<br />
كن َت ترٌده فعؤلً وأطلب من ربٌس الدٌر أن ٌولع إلى جانبً.<br />
سٌكون لن هذا لرٌباً.<br />
ٕٕٕ
ٌبدو أن أخطابً ساعدت الجمٌع على هزمً، حتّى وصلت<br />
لكمة لوّ ٌة على فكًّ األٌمن وأخرجتنً من الحلبة كلّها، إلى أن<br />
استفمت بٌن أحضان الجمهور مبهوتاً.<br />
كفان تملصاً، إذ لٌس علٌن إالّ اتّخاذ المرار المناسب بسرعة.<br />
الكبلم الذي ٌحمل فً طٌّاته معانً مختلفة، وٌتوجه إلى عدة<br />
إتّجاهات، ٌوحً بؤنن ال تزال متشبّث بمكانن وتماطل لتجد<br />
طرٌمة أخرى للبماء. أركان الدٌر أخذوا لرارهم والولت ٌداهمن<br />
خذ بعض الولت فً التفكٌر. ث َّم تصرّ ؾ بما ٌُملٌه ضمٌرن.<br />
المماطلة ستمودن إلى خسارة كلّ شًء. إن مصدالٌّتن ستكون<br />
لرٌباً على المحن. لل لً هل أعجبن المكان الذي<br />
اخترته؟!سترى بعد للٌل حسن إعداده للطعام، وطرٌمة تمدٌمه<br />
على المابدة ونظافته البادٌة للعٌان وبعض الزٌنة التً لٌس فٌها<br />
مبالؽة.<br />
إنه ٌبدو رابعاً. لكن النادل تؤخر فً جلب العرق الذي أشتهٌه<br />
بكل جوارحً، ولد ٌم ّكننً من رإٌة المولؾ الذي علًّ اتّخاذه.<br />
ثمَّ أنً أرى بوضوح أن عبللتن باألرض التً تمؾ علٌها،<br />
أصبحت وثٌمة وأكثر إنسانٌّة وصدلاً.كٌؾ وصلت إلى هذا؟!ولمَ<br />
اعتمدتَ دابماً أن عبللتن بؤمن كانت كابوساً ٌإرّ ق لٌالٌن<br />
وٌمنعن من التنفس؟! رؼم أن المرٌبٌن والممرّ بٌن كانوا ٌجدونن<br />
ؼارلاً فً الخطؤ والخطٌبة.<br />
ألم نبتعد كثٌراً عن الولت المناسب لهذا الحدٌث؟!<br />
ٕٕٖ
ربّما، ولكنه موضوع<br />
إعادة فتحه.<br />
ال ٌزال فً ؼاٌة األهمٌّة ومن الواجب<br />
فً عٌد مٌبلدي الذي أشار إلى أنً دخلت فً األربعٌن من<br />
عمري احتفلت مع والدتً فً الثامنة صباحاً وشربنا سوٌّة<br />
الشامبانٌا فً ذلن الولت المبكر ؼٌر المؤلوؾ. بعدها تحول<br />
االحتفال إلى جلسة صاخبة، ظهر فٌها "عنترٌات" من الطرفٌن<br />
تعرّ فت فٌها على الملٌل جداً من أخبار أبً التً أفرجت عنها<br />
أمً فً لحظة ؼضب صارخ سبّبتها سخافتً التً أوضحت لً<br />
أننً لد ال أخرج من طفولتً ٌوماً. فً األٌام التً تلت ذلن<br />
بدأت أسؤل الذي ٌعرفوننا وبموا أحٌاء، وٌدركون ما لد تسببه<br />
الكَشؾ عن سرٌّة تلن األسبلة ونوعٌّتها التً لد تدمر الكثٌر من<br />
العبللات. لكنً خرجتُ من تلن المعاناة مكتشفاً أنً حظٌ ُت<br />
وكنت أحظى طول الولت بؤم للّ مثٌلها، لم أفاجؤ لكنً امتؤل ُت<br />
خزٌاً وعاراً من كثرة ما أسؤتُ لتلن المرأة العظٌمة التً بذلت<br />
حٌاتها من أجلً بكل ما تحمل تلن الجملة المفٌدة من معنى،<br />
وضؽطتْ على كلّ من ٌعرؾ الملٌل حتّى ال تصاب شخصٌتً<br />
بؤيّ جرح مهما كان طفٌفاً. أما الكوابٌس التً لرأتم عنها، فكنت<br />
أختلمها كً أحصل على المزٌد من التعاطؾ التً كانت<br />
شخصٌّتً الهشّة بحاجة إلٌه، أظن أنها كانت تبحث عن التماسن<br />
ولم تصل إلٌه. لستُ أدري حماً فً ذلن الحٌن إن كنت أدرن<br />
جٌّداً أٌاً من الشخصٌّتٌن كنت أفضّل؟! ترى هل كنت أرٌدها<br />
أن تكون دابماً بالمرب منً؟! العودة إلى نفسً تمترب من حاجة<br />
المدمن إلى المورفٌن. لكنً مع األسؾ كنت أعتمد أن فً<br />
أعمالً لوة لادرة على التخلّص من اإلدمان، الذي ال بد أن ٌجر<br />
اإلنسان إلى وضع تربؤ بنفسن أن ترى عدوّ ن فٌه. كً أنهً<br />
ٕٕٗ
هذا الموضوع الممًء ألول: إن كلّ مضاٌماتً المستمرّ ة ألمً<br />
كانت مفتعلة إلثبات رجولتً لها. لكن تلن المرأة العظٌمة كانت<br />
تجٌبنً باالبتسام. كانت تعنً أنها ال تزال على لناعتها تاركة<br />
بٌن شفتٌها شٌباً ٌدعونً إلى الصبلة باستمرار من أجل أن ٌشدّ<br />
هللا من أزري وٌزٌل طفولتً عن كتفًّ.<br />
أعتمد أنن كنت تعرؾ الكثٌر ممّا كنتُ أعانٌه. وهنا ال بدّ<br />
من توجٌه الشكر الكبٌر لن، ألنن رفضت دابما التدخ ّل فً<br />
شإونً أو توجٌه أٌّة مبلحظة أو نمد مهما كان بسٌطاً. دعنا<br />
نتابع ما كنا نتحدث فٌه وألول: ال تختصر الحٌاة بالمضاجعة،<br />
وال فً فتح المجال إلضحان اآلخرٌن أو الهزء منهم. أعتمد أن<br />
بعض ما حدث كان من تراكم الحٌاة الفظ والمتنالض الذي<br />
ٌخرج الكثٌرٌن عن صوابهم فً أحٌان عدٌدة. ثم ال تنس أننً<br />
عشت ما ٌمارب السنة وأنا أرى الوحوش تهاجم وطننا وتمعن<br />
فً تمزٌمه ونهشه.هل نسٌت أنن من البلذلٌّة أم إنن تفكر فً<br />
االنفكان عن وطنن؟! أم إنن دخلت مع فكرن المشوش إلى<br />
وضع ال تحسد علٌه، وال تعرؾ حمٌمة ما تمول رؼباتن<br />
الداخلٌّة؟! أنصحن أن تخلد إلى النوم، وتعزل نفسن عن العالم<br />
الخارجً بضع أٌّام حتّى ال تجد نفسن منخرط فً سفن دم<br />
عابلتن كلّها؟! إنً أممت االنتحار ولكنً فً تلن الساعة<br />
سؤشجّعن كً تبادر إلى فعل ذلن ألنً لست لادراً أن أران<br />
مجنوناً بمٌّة العمر. رؼم معرفتً ببراعتن بالتهكم أو عدم<br />
المباالة وهنا ال تمصد عدم االهتمام أو عدم المباالة بل تمصد<br />
المدٌح المتخفًّ وراء شٌاطٌنن ضامراً أنن ألوى منها وأكثر<br />
خباثة ناسٌاً أنً صدٌمن الوحٌد، وإننا نبحت موضوعاً بالؽاً فً<br />
جدٌّته.<br />
ٕٕ٘
إنن تتسرع أحٌاناً وتمول بعض األمور دون أن تكون مستنداً<br />
إلى معلومات حمٌمٌّة. فً الدٌر ٌا عزٌزي تُطفؤُ األنوار فً<br />
التاسعة مساء، ولٌس هنان "تلٌفزٌون "لنجتمع حوله ونرى ما<br />
ٌحدث فً هذا العالم. لم تطؤ لدماي بٌروت منذ سنة تماماً كٌؾ<br />
لً أن أعرؾ إلى أٌن آلت األمور؟!<br />
<br />
هل كنت ترٌد فً تلن األولات أن تطّلع على ما ٌجري؟!<br />
لمَ ال؟! هل تظننً مجنوناً، وال أهتم بالفِكَر التً تتداول فً<br />
أرجاء المعمورة؟! ستكون سخٌفاً إذا مرّ فً ذهنن أنً أصبح ُت<br />
أضرب عرض الحابط بك ّل شًء.<br />
أنا آسؾ، ربّما ظلمتن.<br />
ال لٌس ربّما، لمد ظلمتنً كثٌراً، أنا لم أعد أستطٌع أن أعٌش<br />
فً المدن، أترٌدنً أن أجلس فً المماهً؟!هل سٌعجبن شكلً<br />
عندما ترانً أرالب مإخّرات النساء؟!سؤؼلً وأفور هنان، ولد<br />
أُؼرِ ق من حولً بما ال ٌزول بسهولة، وعندبذ ال أحد سٌعرؾ<br />
ماذا سٌحدث وإلى أٌن سٌإول إلٌه مصٌري.ألن تكون مسإوالً<br />
بطرٌمة ما، إذا جرى ما لم ٌكن فً الحسبان.ال ألول هذا رداً<br />
على ما أوردته من حمابك. لكنً أصبحت فً مؤزق حمٌمً.إذ<br />
إنً لم أعد أستطٌع أن أبمى راهباً، وال أن أمضً ولتً فً<br />
التسكع، أو أعمل كتاجر "شنطة". مرة فً بدء شبابً لال لً<br />
أبً لمَ ال تنخرط فً تسوٌك منتجاتً الزراعٌّة؟!إن هذا األمر<br />
سٌدر الكثٌر من المال، نعم هكذا دخلنا فً جدل عمٌم<br />
ٕٕٙ
أترٌد أن أصبح تاجراً؟!<br />
أرى أنن تمول ذلن مستنكراً!<br />
<br />
بل أنا أحتمر ما تعرضه علً ٌا أبً.<br />
دعنً أفهم ما تمول، أتحتمر الوسٌلة التً أمّنت لكم العٌش<br />
الكرٌم؟!من أٌن تعلمت كلّ هذه السخافات؟!ترى أتتمرد من أجل<br />
التمرّ د؟! أم إنن تهوى المبالؽة من جملة األمور التً تهواها. أنا<br />
أتؤلم ألن ابنً ال تموده ثمافته، وما دفعته من مال من أجل أن<br />
ٌصبح رجبلً حمٌمٌاً ذهب هباء. أنا ال أعبد ربٌن كما نهى<br />
المسٌح، حاشا، لكننً أحزن عندما ال ٌمدر اآلخرون الجهد الذي<br />
بذلته للحصول على المال. لمد حصلت علٌه ألُسخّره لخدمتً<br />
والحتٌاجات عابلتً. هٌا أٌها المثمّفون ابت ِدعوا طرٌمة أخرى<br />
نبٌع فٌها منتجاتنا، و نشتري بها أٌضاً منتجات اآلخرٌن.أنت ال<br />
تزال مراهماً ثمافٌّاً، وستبمى كذلن جنسٌّاً. ٌا للخٌبة التً أعٌش<br />
فٌها؟<br />
إنً أعتذر ٌا أبً، صدلنً لمّا ألول لن:إنها مسؤلة لناعة<br />
راسخة تشؽل كٌانً.أنا لست متمرّ داً وال أرٌد أن أخرج عن<br />
طاعتن.<br />
لكن ما هذا الكبلم الذي سمعته عن احتمارن لما عرضته<br />
علٌن. هل احتمر المسٌح التجارة والصناعة، فؤنت عندما تصنع<br />
األشٌاء تبٌعها، وتترن لضمٌرن تمدٌر مدى ربحن العادل، دون<br />
هذا التبادل لثمن الجهد لمات مبات المبلٌٌن جوعاً.<br />
ٕٕ7
ما تجذّر فً داخلً أصبح صخرة حمٌمٌّة ٌُمكنها المماومة<br />
والبصك على المكر والمكابرٌن. لكن الثمافة ال تنتج<br />
بل أُناس متعدّدي اآلراء متماربٌن أحٌاناً، ومتباعدٌن أحٌاناً<br />
أخرى.هذا ما ٌعطً العالم نكهات مختلفة، وتحفٌزاً محموماً<br />
للسباق نحو األفضل كً ٌتجدد الوجود وٌعطً األفك أبعاداً<br />
أكثر اتساعاً وألواناً تحمل فً طٌّاتها صراخاً ٌنبا بحضارة<br />
تحاول رفع العالم إلى مكان ال ٌخدش العٌنٌن إبهاره وال إلى أي<br />
مكان خُوّ ل ارتماءه. نعم ال بدّ من ضخ الطالة فً آلٌة تؽٌٌر هذا<br />
العالم. أال ترٌد أٌّها الكابن أن ٌتمدم الطب وٌموم بالمعجزات؟!<br />
لمد تعلّمت الكثٌر عندما لرأت الكتاب الممدس بعهدٌه المدٌم<br />
والجدٌد لراءة متؤنٌة.ذُهلتُ عندما الحظت أن ثمّة تنالضاً بٌن<br />
الخالك وبٌن مُنشا العالم الجدٌد لم أستطع استٌعابه. وجدت أن<br />
هللا زرع فً اإلنسان جهازاً جنسٌاً ٌعطٌه لذة تشبه الوهم أو<br />
الخطؤ البصري الناتج عن تشابن الرموش. كما ٌعمل على<br />
اإلنجاب، وتنشٌط عملٌّة التكاثر بحٌث تتوزّ ع البشرٌّة بشكل<br />
فاعل فً كل أنحاء الكون.المسٌح حضر عرساً وباركه، وكلّنا<br />
نعرؾ المصّة.األناجٌل األربعة كانت توحً أو تجعلنا نشت ّم أن<br />
االبن ٌعانً من بعض االمتعاض من العملٌّة الجنسٌّة!<br />
اإلشارات إلى ذلن موجودة بكثرة بٌن السطور. ال أرٌد أن أثمل<br />
علٌن بالكثٌر من األمثلة، فبحسب ما ورد فً إنجٌل لولا لال<br />
المسٌح "من أراد أن ٌتبعنً، فلٌزهد فً نفسه وٌحمل صلٌبه كلّ<br />
ٌوم وٌتبعنً )لولا ترى ما معنى هذا ولماذا تجتمع<br />
الحرّ ٌة مع المهر؟! ومن بٌن السطور التً تحدّثتُ عنها ابتدعت<br />
الكنٌسة مإسسة الرهبنة وكذلن نظام تسلسل الكهنة ورتبهم<br />
وطرٌمة عٌشهم.هنان الكثٌر ممّا ٌمكن التحدث عنه، وعمّا لام<br />
به اإلنسان من تشوٌه فً كنٌسة المسٌح الحً. هل هنان من<br />
"ربوتات "<br />
ٕٕ8<br />
9: 23)
ٌعمل فً التجارة وٌحرص على الربح العادل؟!هذا شرط<br />
وضعه ٌسوع أمام كل تاجر.ولكن السإال ٌتمحور حول من<br />
ٌمرر ما هو المكسب العادل؟!هل سلّم هللا ذلن لضمٌر اإلنسان؟!<br />
أعتمد أنن كنت تفكر بكل هذا، لكنن لم تجرإ على الكبلم.<br />
هذا صحٌح ولكنً ال أزال مصرّ اً على عدم سحب كلمة واحدة<br />
ممّا للته لن. لو لصد المسٌح أن ٌمول لكل الناس أن ٌزهدوا<br />
وٌحملوا صلٌبهم وٌتبعوه النتهى هذا العالم منذ زمن بعٌد. عد<br />
إلى لراءة اإلنجٌل مرة أخرى لراءة متؤنٌة، وأعدن بؤنن ستفهم<br />
الحٌاة بصورة أفضل.<br />
لمد ذكرتُ فً أثناء إجابتً أن اإلنسان لٌس "ربوت "بل هو<br />
حر على صورة هللا ومثاله. بورن لن بما أنجزت، وبارن<br />
إرادتً الحرة التً تدفعنً وحدها لتنفٌذ ما وعدت نفسً به.<br />
حسناً، إذاً أنت حماً تنشد أن تترهب وتممع شهوات هذه الدنٌا<br />
المتجذرة عمٌما فٌن، وتظن أنن تستطٌع االحتفاظ بتماسكن بعد<br />
أن تخصً رؼبتن الجسدٌّة الجامحة وتمنعها من التحام أحبلمن<br />
وتلعب بن كما ترٌد. هل تدرن فعبلً ما ٌعنً ذلن؟! إنن تحمل<br />
ذاتن مسإولٌّة كبٌرة وربّما هابلة حسبما أعرؾ بالتجربة ولٌس<br />
باألحبلم الوردٌّة ٌا بنًَّ. حسناً، لكن لل لً كم ترٌد من المال<br />
حتى تصل إلى هدفن. إذ إنً سؤعدّن بعد ذلن راهباً تحت<br />
مسإولٌّة الدٌر الذي ستخدم الرب فٌه. ولن ٌحك لن أن تؤخذ<br />
لرشاً واحداً من أمبلكً إن كنت لد تجاوزت شهراً واحداً من<br />
مُكوثن فً الممر الذي ستختاره لتمتل شهواتن وتمدم بتولٌّتن إلى<br />
الخالك وتعلن من خبلل عفّتن رفضاً لكل شهوات العالم التً<br />
ٕٕ9
أعطٌت لن لتمتلا فحشاً. إنً أباركن بعد هذا الحوار الذي<br />
جرى بٌننا، مستمدّاً هذه السلطة من خالك السماوات واألرض.<br />
زٌاد ٌتدخّل أبون كان عادالً وذكٌاً بطرٌمة الفتة، وتوصّل إلى<br />
فهمن تماماً بالتدرٌج أكثر ممّا تصوّ رتُ ٌوماً. كان حذلاً وحذراً،<br />
وربّما فً لحظة ما أراد تبادل األدوار معن. لكن ألم ٌسؤلن عن<br />
التنالض بٌن األلانٌم واألمور األخرى التً ذكرتها. هل كنت<br />
تإمن بما كنت تنطك وما ٌمكن أن ٌخرج من تلن الكلمات من<br />
تداعٌّات؟! أنا ال أجد أن الدٌر لد ؼٌّر فٌن شٌباً. إن الجنون<br />
الكامن فٌن بدأ ٌصرخ وٌعوي. جلّ ما أخشاه أن تصدر فً<br />
المستمبل ضجٌجاً حتى حصانن األسود الجمٌل الذي سٌحملن<br />
إلى الحرب لن ٌستطٌع احتماله. كلّنا ندرن ماهٌّة ذلن األتون<br />
الذي لن ٌعرؾ أحد متى ٌخمد، وأٌة حرابك سٌترن خلفه، ومن<br />
سٌبمى لٌتؤمل فً تلن الحكاٌة كلّها، وفً األشبلء التً نشرتها<br />
هنا وهنان، ترى أنت أم الحصان؟!<br />
أتظن أنً كنتُ أعرؾ ما ألول؟! مرّ ت الفكرة فً رأسً،<br />
واستخدمتها إلرهاب أبً وجعله ٌكؾّ عن منالشتً وٌتحاشى<br />
العودة إلى ذلن. كنت أمٌناً معن فسردتُ ما للته لوالدي دون أن<br />
أؼٌّر حرفاً واحداً .لكنً كنت أفضل إضافة كلمة أخرى إلى ما<br />
سمٌته تنالضاً تعطٌها معنىً محٌراً وؼامضاً بحٌث ٌصبح ما<br />
أرٌد لوله :التنالض المتناؼم.<br />
أنا أوافمن الرأي، سؤنملها إلى من ٌهمّه األمر، متجنباً إظهار<br />
المابل ٌحًٌّ الجماهٌر من الشرفة. لكنً لن أخفً تنطّحه<br />
لمنالشة مسؤلة الهوتٌة شدٌدة التعمٌد وشابكة، طالباً منهم<br />
ٕٖٓ
ىإل<br />
إعطاءن فرصة إلبرازها بطرٌمة أفضل، فربما ٌؤتً ذلن الٌوم<br />
الذي تخضع فٌه ما أجرٌته من منالشات فً داخلن للبحث<br />
المعمك فً أرولة أوسع وتملن إمكانٌّات أكثر. الفكرة التً<br />
طرحتها أخذتنً بعٌداً. فذكّرتنً بالموسٌمى الؽربٌّة وما تدخله<br />
من إٌماعات مختلفة تعمل بتناؼم ؼرٌب ضد اإلٌماع األساسً<br />
وتعطً لتناؼم األضداد جماالّ ٌزٌد من جمال المطعة الموسٌمٌّة<br />
وتضٌؾ إلى أعمالها أعمالاً أخرى تنمل المستمع إلى آفاق<br />
أخرى أكثر استعدادا لبلنتفاض. بحٌث تجعل الكٌان البشري<br />
ٌشبه المطعة الموسٌمٌّة، ربّما كً ٌصعب معرفة ؼوره<br />
وؼورها. لستُ أدري لعلّنا نصل ولت تعمل فٌه الموامٌس<br />
على شرح أي كلمة من جمٌع جوانبها وكثرة أو للة احتماالت<br />
المعانً الممكن استعمالها فٌها. أعتمد أن هذا العمل الدلٌك<br />
سٌنمل الكتّاب العرب والمرّ اء إلى مستوً ى آخر.<br />
الرب دون ش ٍن ٌتمتع بما ٌبدعه أبناإه من بعض العبمرٌة<br />
التً ٌرشّهم بها بٌن الحٌن واألخر، بحٌث ٌتماهون مع<br />
المستحٌل وٌهدون الخالك لطعة موسٌمٌّة أو أدبٌّة تكونان من<br />
الروابع ٌمتزج فٌها التنالض والتناؼم والحٌرة امتزاجاً تاماً ٌزٌد<br />
كلّ األمور إرباكاً، ترى هل ٌرٌد الرب الوصول إلى هذا<br />
االلتحام. وعلى من سٌرلص أن ٌحضّر لدمٌه لمزٌد من<br />
المشكبلت والعمد التً لن ٌكون حلّها مستحٌبلً بل لد ٌُحدث كل<br />
هذا انفرجاً للؽٌوم وتؽٌّراً فً ألوان العالم ٌنملنا إلى مرحلة<br />
أخرى تداعبنا فٌها السعادة ولتاً أكثر بحٌث تنفتح آفالاً أخرى<br />
أكثر رحابة والعدالة تحمل فً جنباتها تلن المعمولٌّة األفضل<br />
تفهماً.<br />
ٕٖٔ
شكراً لن.<br />
لكن لل لً هل أعجبن الطعام؟<br />
أتعتمد حماً أنن تستطٌع أن تترن أحداً ٌؤكل، وٌتذوق بشؽؾ<br />
هذا العرق الممتاز؟!<br />
لم أدرِ ٌوماً أنً مزعج كما تمول. سؤتولؾ عن طرح األسبلة.<br />
هٌا كُلْ كما ترٌد واشرب العرق كما تشاء.<br />
هكذا حرّ رته منً دون أن ٌدرن أن ما تذكّره وباح به كان<br />
استرداداً لنفسه الضابعة الحٌرى الجابعة إلى شًء ٌشعر به<br />
لكنه ال ٌمكنه أن ٌمول ما هو ألن حاول جاهداً كً ٌتعرّ ؾ إلٌه<br />
لكنه لم ٌستطع فً تلن اللحظة: عُدْتُ إلى ذلن الولت الذي كنتُ<br />
فٌه أدرن أنً لم أكن ٌوماً أمام شخص عاديّ. كان كذلن دابماً.<br />
كلّ الذٌن عرفوه أدركوا ما ٌجري داخل هذا الكابن، وؼضّوا<br />
النظر عن الكثٌر من تصرّ فاته التً طالما أثارت اللؽط أحٌاناً،<br />
واإلزعاج أحٌاناً أخرى. كان صدٌك العمر والبلعب الذي<br />
استطاع اختراق مرمى كلّ األصدلاء باستمرار حتى حصلنا<br />
على الشهادة الثانوٌة.وذهبنا سوٌّة إلى الجامعة األمرٌكٌة فً<br />
بٌروت حٌث أثار إعجابهم وأعطاهم سبباً للجدل حول ؼرابة<br />
أطوار لم ٌؤلفوها، مستشمٌّن فٌها أكثر من بعض الجنون<br />
ورابحة الكآبة، بل ربّما ٌختبا فٌها طلب الصفح من الدنٌا أو<br />
من هللا، لكن ال أحد ٌستطٌع تؤكٌد ذلن دون أن ٌهتم بما ٌحدث<br />
حوله أو فً أيّ شاطا سٌرسو ذلن الجدل. فجؤة دعا بعض<br />
األصدلاء إلى الؽداء وأخبرنا فً نهاٌته بعد أن أنهى كؤسه فجؤة،<br />
أنه سٌترن الجامعة ؼداً صباحاً، ففً مكان ما ٌنتظره طرٌك<br />
ممفر بدأ ٌزحؾ علٌه الضباب. كان ٌشٌر أنه اختار السٌر فٌه<br />
ٕٖٕ
إلى نهاٌته. لال ذلن وانسحب مبتسماً وسط دهشة الجمٌع. رفع<br />
أحد الحضور كؤسه لاببلً: فلٌباركه هللا، وال تنسوا أنه تعلّم<br />
اإلنكلٌزٌة جٌداً.<br />
فً الٌوم التالً استفمنا على عاصفة تعوي .لكنها لم تلبث أن<br />
سكنت تاركة المجال لهطول المطر الؽزٌر.سمعته ٌمول لبل أن<br />
ٌودّعنً: ما أجمل ما تفعله ٌا ربّ . بعد ٌومٌن وصلتنً ورلة<br />
صؽٌرة ال ٌمكننً أن ألول ما جاء فٌها. لكنه لم ٌنبس بعدها<br />
ببنت شفة عمّا حدث فً أعماله ودعاه إلى أخذ ذلن المرار<br />
الثوري العجٌب. أعتمد أن فً أعمالنا شٌباً ٌحول بٌننا وبٌن<br />
اإلدران أن من كان دابماً بٌننا، لطالما كان شخصٌة فرٌدة<br />
ٌسكنها طٌؾ مجنون ال ٌنام، وربّما كان ٌخشى أن ٌفعل. لعلّ<br />
هذا ٌُعطً بعض التفسٌر لطرٌمة استٌماظ صدٌمً الجفِلة كل<br />
ٌوم. أظن أن هذا الطٌؾ لم ٌؽادره حتّى هذه الساعة، وسٌظ ّل<br />
ٌدور حوله إلى أن ٌستدعٌه ربه. ألمٌتُ نظرة علٌه وهو ٌؤكل<br />
وٌحتسً الخمرة مبتسماً متطلّعا إلى الطاولة المجاورة، حٌث<br />
كان ٌجلس إلٌها شابان وسٌمان وفتاتان من أجمل ما رأت<br />
عٌناي. الحظ الراهب ٌوسؾ ما ٌحدث، فظهر بعض العبوس<br />
على محٌّاه ثم لال: كؾّ ٌا زٌاد عن النظر إلٌهما دلٌمتٌن،<br />
فإحداهما ستموم إلى الحمام بعد لحظات، وسؤلحك بها بالطبع<br />
إلى هنان. ال تخش شٌباً. لمد فعلت ما بوسعها لتجعلنً أعرؾ<br />
ماذا ستكون خطوتها التالٌة.<br />
أمجنون أنت؟!<br />
ٕٖٖ
خذ منً العمل وأعطنً الكثٌر من الجنون. سؤكون راضٌاً<br />
بالتؤكٌد عن هذه المماٌضة. انظر ها هً تموم من مكانها، هٌا<br />
سارع وارسم على ثؽرن ابتسامتن الجمٌلة، ولنر إلى أٌن<br />
سٌإدّي هذا?! أسرع ٌوسؾ وراءها لكن لم ٌلبث أن عاد<br />
أدراجه متجهّماً.جلس ولم ٌمل شٌباً.<br />
ماذا حدث؟ّ!<br />
لمد صفعتنً بشدة بنت ال. لم أكن أعلم أن النساء لادرات على<br />
فعل ذلن بمثل هذا العنؾ، الشنَّ أنها تتدرّ ب على أمر ما، ربّما<br />
رفع األثمال مثبلً، لست أدري ماذا ٌحصل فً هذه األٌّام، ترى<br />
هل ٌخطّطنَ للمٌام بانمبلب؟!<br />
عن أي انمبلب تتحدث؟!<br />
ألسنا فً عصر االنمبلبات؟! ما المانع فً أن تفكر النساء<br />
بتجربة حظهنَّ وٌممنَ بما ٌسمّونه ثورة ضد المؽتصبٌن<br />
الرجال؟! ألم ٌحن الولت لتصل إلٌهنَّ وشوشات تتهمنا بؤننا<br />
عملنا جاهدٌن على تزوٌر التارٌخ بما ٌخدم مصالحنا؟!ألٌس من<br />
حمهن أن ٌتساءلن إلى متى سنستمرّ فً ؼٌّنا، بل إلى متى<br />
ٌُستدعٌن إلى فراشنا، فٌلملمنَ أسرارهنَّ على عجل وٌسر َن إلٌنا<br />
مُطؤطبات الرإوس وٌفعلنَ ما ٌإمرنَ به مهما كان ممرفاً؟ لمد<br />
سمعتُ أنهن فُمْنَ عشرات اآلالؾ، وبعضهنَّ تمرّ دنَ وانسحبنَ<br />
ألنهنَّ الحظنَ أن عضبلتهنَّ لد نمت من كثرة التمارٌن<br />
وأصبحنَ كالرجال دون أن ٌملكنَ ما ٌملكه الرجال. إنهنَّ فً<br />
ٕٖٗ
حٌرة من أمرهنَّ وال ٌعرفنَ كٌؾ ٌتصرّ فن!!<br />
ٌمكنن أن تتدبر أمرهنَّ بطرٌمة أفضل؟!<br />
ٌا إلهً ألم ٌكن<br />
ما زلت راهباً ٌا عزٌزي ولٌس علٌن أن تدع ؼضبن ٌُعلن<br />
الحرب على النساء. خلتُ أننا اتّفمنا على ضبط ؼرابزن،<br />
وتعمل على عدم فسح المجال لها لتلعب ذلن الدور الذي جعلن<br />
تثمل ردحاً من الزمن. دع الجمٌع ٌظنّون أنه كان أكثر من<br />
ال تضع رأسن تحت لدمً الشٌطان.لل لً ماذا ٌجول فً<br />
ذهنن؟! أنا مستعد لمبول كل االحتماالت. فً النهاٌة إنها حٌاتن،<br />
وال دخل لً فً التخطٌط لها. هٌا لل لً:هل وصلت إلى خطة<br />
متكاملة لِما ستفعله فً المستمبل؟! أنا صدٌمن ومن واجبن ومن<br />
أجل الحب الذي ٌربط بٌننا أن تطلعنً على ما تنوي أن تفعله.<br />
كاؾٍ .<br />
عندما أتؤكَّد إلى أٌن سؤسلم مصٌري، سؤكتب إلى الرب وإلٌن<br />
رسالة واحدة. لكنه سٌعرؾ لبلن محتواها، دون أن ٌكون ذلن<br />
ممصدي.<br />
متى علٌن أن تؽادر بٌروت ؼداً؟<br />
كؾ عن االهتمام بً، واصبر علًّ واطلب لً "بطحة "<br />
جدٌدة من العرق أظن أنً أحتاج إلٌها ألؼوص فً المجاهٌل<br />
الكثٌرة التً تحٌط بً.<br />
حسنا "أنا على كٌفن" هذا ما تمول أم كلثوم التً ال تزال تحلك<br />
فً كٌانً .ماذا ترٌد أٌضاً؟!<br />
ٕٖ٘
أرى أنن تدلّلنً هل وراء ذلن حكاٌة أم ماذا؟!<br />
علٌن أن تدرن أن ما ٌهمنً هو أن تختار الطرٌك الذي ٌُبلور<br />
شخصٌتن وٌسلّط النور على خصوصٌّتها وٌضعها بتإدة فً<br />
مكانها ضمن التارٌخ.<br />
إنً أضمن لن أن اسمً سٌدخل إلى بعض صفحاته دون شنّ ،<br />
ولد ٌصبح أسطورة. أعتمد أنً أستحك ذلن.دعنً أشرب كؤساً<br />
آخر، فحٌث سؤذهب لٌس من عاداتهم تمدٌم المشروبات<br />
الروحٌّة. ترى هل الجنون ٌختلؾ بٌن شخص وآخر، أم إنه هو<br />
نفسه، لكنه ٌتبدّى بالطرٌمة التً تبلبم من ٌنتمل إلٌه؟!كنت أنتظر<br />
منن أن تبتسم ٌا زٌاد ماذا ٌحدث؟!لست أنت من سٌُمدم على<br />
اتّخاذ لرار خطٌر ربّما سٌؽٌّر حٌاته تماماً.أنا أشعر بانجذاب<br />
إلى بركان كبٌر ٌشتعل ببطء، لكن تؤثٌره المؽناطٌسً ٌحٌط بً<br />
إحاطة السوار بالمعصم .إنً أشعر بدابرة ؼٌر مربٌّة تؽلك<br />
نفسها علً وترسل إشارات ال أعرؾ كٌؾ أصفها، لكنها<br />
تجعلنً أحس أن فً نٌّتها ارتكاب الفحشاء معً عند حلول<br />
الظبلم وبالمرب من فم البركان، الذي بدأ ٌفور دافعاً برؼوته<br />
متمهبلً إلى حٌث كانت لد باشرت بنهشً.كنت مستسلماً منتظراً<br />
أن ٌهمّ جسدي باالنتفاض مبلحماً متعة تتجنّب االشتبان مع<br />
شرٌن ال أعرؾ نواٌاه. لكنه بعد أن تولؾ عن النظر عبر<br />
النافذة فً تؤمل حزٌن، لال لً سؤدور بن فً مواخٌر أجمل<br />
المدابن فً دلابك معدودة، وأعود بن دون أن تشعر واضعاً<br />
إٌّان فً فراش وثٌر، وأتركن كً تستفٌك لبل أن تؽرق الشمس<br />
فً الجانب اآلخر من الدنٌا.<br />
ٕٖٙ
لم أستطع أن أنسى تلن المرأة التً صفعتنً، ولن أنام حتّى<br />
أعرؾ لماذا فعلت ذلن؟! أظن أنها فً لحظة ما فوجبت<br />
وأدركت أنً كشفتها أمام نفسها، فكانت المفاجؤة صدمة أنتجت<br />
ردَّ فعل سارع إلى التنفٌذ لبل أن تستطٌع ضبطه ولجمه. ال بد<br />
أنها نادمة فً هذه الهنٌهات دون شن. سؤعالبها بامتناعً عن<br />
النظر إلٌها. ستشعر باالضطهاد والندم الشدٌد ببل رٌب. بعد<br />
ذلن سؤجلدها حتى ٌتشمّك جلدها البض، وتبدأ الدماء تتسرّ ب من<br />
تلن الشموق. طاب اللحس ٌا زٌاد لكنً للمرّ ة األولى تولّفت<br />
خوفاً من الرب. لمد شعرتُ بؤنه لرؾ واشمؤزّ من هذا اإلنتهان<br />
اإلنسانً ؼٌر المبرّ ر. أظن أنً سمعته ٌمول: كٌؾ ٌمدم إنسان<br />
دون وازع على اجتٌاز حرّ ٌته لتعبث بحرّ ٌة اآلخرٌن، بحٌت<br />
مَلّكتَ نفسن سلطة نٌرون" وتطلب من اآلخر باإلكراه تسلٌمن<br />
جسده مانعاً إٌّاه من الدفاع عن نفسه. ال تدع شٌباً ٌزعجن ٌا<br />
زٌاد اهدأ أرجون. سؤروي لن ما لرأته، دون أن أذكر أٌن<br />
ومتى استمتعت بذلن النبش فً النفس البشرٌّة وحمٌمتها المخفٌّة<br />
المتسترة على إثم لٌس معموالً أن ٌكون إثماً إذا أراده كٌانها ولم<br />
ٌسفر عن أيّ أذى. أرجو أ ّال تذ ّكرنً بدور الروح المدس الذي<br />
ٌخٌفون به تلن النفس التً اشتهت تسلٌم جسدها إلى جسد آخر<br />
ونفس أخرى للدخول فً مضاجعة ملحمٌّة تعٌد اجترارها<br />
ومضؽها عندما تؤتً السنون العجاؾ.<br />
ال أزال أذكر تماماً ما لاله الكاتب: " لنتصور لادة العالم<br />
التكنولوجًّ المجرّ د ن من المشاعر اإلنسانٌّة مجتمعٌن<br />
ٌتداولون فٌما وصلت إلٌه أرباحهم، وٌنالشون توحٌد شركاتهم<br />
بحٌث ٌكوّ نون مجمّعاً صناعٌاً ضخماً، ٌسمح لهم بالتخلّص من<br />
الكثٌر من الموى العاملة لدٌهم، ضامنٌن رؼم ذلن تنامً<br />
ٕٖ7<br />
ٌ
ِ<br />
إنتاجهم. عند انتهاء االجتماع حدث ما ٌشبه االحتفال، إذ صفّموا<br />
وفركوا أٌدٌهم مسرورٌن بما جَنوا، متؤمّلٌن أن ٌُعطٌهم<br />
المستمبل ما ٌفوق التوّ لعات، ممّا سٌمفز بهم لفزة طوٌلة، وٌإمّن<br />
لهم السٌطرة على السوق. لكن وهم ٌهمّون باالنصراؾ لال<br />
أحدهم بصوت عالٍ: لمَ لم ٌتكلّم أحد عن نجاحنا فً استعمار<br />
المرأة ولجم تطلّعاتها التً لم تستند ٌوماً إلى إمكانٌّاتها، ونستم ّر<br />
فً الظهور بمظهر الحوارٌٌّن الصالحٌن المحرّ رٌن؟! ألم<br />
تبلحظوا أن كلّ األمور تجري لصالحنا؟! ها هو المسم األكبر<br />
من النساء لد تمَّ تجمٌده. إنهنَّ ٌعملن وكؤنهنَّ رجل واحد. بل إن<br />
ثمّة ما هو أفضل: إذ إنهنَّ مبتهجات بكونهنَّ أصبحنَ ٌشعرن<br />
باستمبللهنَّ، ووجدنَ الحرّ ٌة وشؽفاً ؼامضاً فً الطاعة لآلالت<br />
بدل اآلدمٌٌّن التً ترالب دخولهنَّ إلى المصانع وخروجهنَّ<br />
منها. كما أنهنّ أحببنَ األولات المضبوطة ولدرتهنَّ على التؤللم<br />
مع نظام متّبع ٌعامل الجمٌع على حد سواء بعٌداً عن ردّ فعل<br />
العامل البشري. ٌبدو أن أعمالهنَّ سرّ بت إلٌهنَّ اإلٌحاء أن<br />
مجرّ د كونهنَّ مسجونات ٌُمنحهنَّ الشعور بؤنهنّ راسخات فً<br />
الوجود. إذا ما صبرنا للٌبلً، وانتظرنا لنرى كٌؾ تجري<br />
التحوّ الت، فإنّهنَّ سٌعملنَ من أجلنا على أنّهنَّ أٌدٍ عاملة ممتازة<br />
رخٌصة األجور. إنهنَّ لن ٌكنَّ أبداً رجاالً وال نساءً. لكن األمور<br />
رؼم ذلن ستبمى سابرة فً الطرٌك الصحٌح، وعلى أفضل ما<br />
ٌرام. لكن إدراكهنَّ البلحك أن المصٌر لن ٌتعدّى أن ٌكون<br />
مراوحة مستمرّ ة فٌما بٌن الجنسٌن، ولن ٌحصلن فً أيّ حال<br />
من األحوال على العضو الذكري المنشود. سٌُبمٌهنَّ هذا<br />
أسٌرات مطلمات الحرّ ٌة، ولكن فً عالم الرجال ورلابتهم.<br />
ٕٖ8
ٌدعم "فروٌد" هذه النظرٌة فً العمك بموله: "حتى لو إن النساء<br />
العامبلت نجحنَّ مثل الرجال، فإنهنَّ سوؾ ٌستمررنَ فً<br />
االعتماد بدونٌّتهنَّ "البٌولوجٌّة" وٌحتفِظنَ فً نفوسهنَّ بانطباع<br />
ٌذكّرهنَّ بؤنهنَّ "مخصٌّات" "إذ إن نضالهنَّ ٌواجِه دابماً حابطاً<br />
مسدوداً وتوتّراً دابماً، وهنَّ ٌبحثنَ فً الحلم والٌمظة وما بٌنهما<br />
عن وضعٍ لن ٌتٌسر لهنَّ على اإلطبلق."<br />
هذا صحٌح من الناحٌة المبدبٌة، ولكن عندما تؤكّدوا أنهم<br />
ترسّخوا فً هذا العالم، تفهّموا ممّا ٌموله العلم الحدٌث: "إن كلّ<br />
رجل فٌه بعض األنوثة دون أن تزعجه، بل ربّما ترٌحه وٌسكن<br />
إلٌها. أما المرأة فتساكنها دابماً بعض الرجولة التً تملمها فً<br />
العمك وال تعرؾ كٌؾ تتدبّر أمرها معها. هذا ما لم ٌستطع أن<br />
ٌكفكؾ دموعهنَّ بشكل ٌملنَ بعد كلّ ما مررْ نَ به: آه وآه لمد<br />
أدركنا فً النهاٌة أن ما هو مُعطى لنا هو عدلن الذي ال ٌخطا.<br />
لكن ما ٌهمنً من كل ذلن وٌجعلنً فً حٌرة من أمري، هو أن<br />
صدٌمً ما زال ٌلهث وراء ذلن الكهؾ النتن الذي تعٌش فٌه<br />
العناكب باثّة لعابها فً أرجابه. ما سمعته ٌزٌد من شكوكً<br />
وٌملّلُ من مجال الرإٌة أمامً. أنا ال أرؼب فً التعلٌك على ما<br />
أوردته حرصاً على أ ّال أتفوّ ه بما ٌجعلنً مخطباً. من ٌدرس<br />
الطب العام والطب النفسً ٌعرؾ أننا لم نصل إلى أيّ شًء<br />
نهابً ٌستطٌع المول لنا إننا أصبحنا نمتلن ناصٌة ذلن<br />
االختصاص ولم نعد بحاجة إلى المزٌد إالّ ما ٌحتاج إلٌه<br />
التطوّ ر. إذ ال مهرب من استمرار النضال فً هذا العالم. من ال<br />
ٌمول ذلن إما جاهل أو دجال. أما الطب النفسً فبل ٌزال فً<br />
ربع الطرٌك أو ربّما ألل من ذلن، فهو ٌتعامل مع ؼٌر<br />
المنظور وبعض الحس المبهم الذي ال ٌزال ٌجد نفسه، حتى بعد<br />
ٕٖ9
انطفاء السراج الذي ٌحمله إنه ربّما ٌمؾ وسط عتمة حالكة ال<br />
ٌعرؾ فً أي اتّجاه ٌتحرّ ن. لكن رؼم أن ذلن االحساس المبهم<br />
ال ٌفارله، نحن ندرن أن ما نتكلم عنه ال ٌحتاج إلى ضوء أو<br />
أيّ شًء إلثبات وجوده. ما ٌهمنً من كل ذلن فً هذه<br />
اللحظات هو فشلً فً تلمس تخمٌن ٌرشدنً إلى أٌن وصل<br />
تفكٌرن، وهل تمكّن من فتح كوة لد تمكّنن من الخروج إلى<br />
الوضوح، إلى رؼبة حمٌمٌّة فً وضع إمكانٌاتن فً خدمة هدؾ<br />
ممنع ٌدؼدغ كٌانن وٌمثّل عصارة تجاربن الكثٌرة التً تخبّطت<br />
كثٌراً فً الماضً؟! ترى هل نستطٌع االعتماد أنها لملمت نفسها<br />
وأدركت ماهٌّة المرسى الذي سٌدعها تطمبنّ إلٌه دون أن<br />
ٌخشى من أٌّة لنبلة مإلّتة نسٌت أنن تحملها معن، ولد تنفجر<br />
فً أيّ ولت؟! أنا أعرؾ أنن لمّا تزل فً العتمة التً عشمتَها<br />
لسبب ظننتُ أنً أعرفه، لكن الخٌبة كانت تنتظرنً فً<br />
الطرٌك، ولم أعد متؤكّدا أنً أستطٌع االطمبنان على صدٌمً.<br />
أنا فً هذه اللحظات أعرؾ أنن ستذهب مخترلاً العتمة<br />
والمجهول، زارعاً الخوؾ فً للبً، بحٌث صرتُ أخشى أنً<br />
لد ال أران ثانٌة. ترى هل فً داخلن إرادة ما ترٌد أن تُفهمنً<br />
أنها النهاٌة؟!أظن أن للبً بدأ ٌمول لً إلى أٌن ستذهب وأٌة<br />
ملحمة ستخطّها هنان. هل ترٌد ٌا ترى أن ٌكون دمَن فداء<br />
ألُسطورة؟! ٌعتنمها الٌهود وما ستفعله سٌطٌح بها وتُسبب لهم<br />
ذعراً مدمّراً؟! لن أحاول منعن ألنً ال أعتمد أنً أعرؾ ك ّل<br />
شًء، رؼم أنً أعرؾ ممدار الخوؾ الذي سؤعٌش فٌه وكم<br />
ستكون الخسارة التً سؤمنى بها.<br />
أنت على حك. إذ إنن تبحث عن تؽٌٌر الحٌاة، وبالتالً<br />
المستمبل وتدعه ٌمدّ رأسه إلى فناء ٌصلح لٌكون أكثر إنسانٌّة.<br />
ٕٗٓ
أنا لم أعد أملن األمل وال الرؼبة فً المماومة حتّى أبلػ<br />
الشٌخوخة، فؤنا أعتمد أنً فً ذلن الولت لن أكون لادراً على<br />
تلبٌة طلبات جسدي وهذا ما أممته. ربّما أصبح لديّ خطة<br />
للموت، الموت الخبلّ ق الذي ٌعطً الحٌاة ألولبن الذٌن ٌحبّونها<br />
وٌإمنون أنها فً النهاٌة ستتؽلب على الموت. لٌس بالضرورة<br />
أن ٌكون ذلن على الطرٌمة المسٌحٌّة فً الدٌر ٌنامون<br />
باكراً. ال أعتمد أنً سؤحصل على النوم فً هذه اللٌلة. البحر<br />
سكن فً أعمالً تاركاً أمواجه تتصارع مع بعضها بعضاً فً<br />
صراعٍاً محموماً ٌذكّرن باللٌالً المدٌمة لمصور "روما" التً<br />
كان ٌدوم فٌها الفحش والفجور حتّى الصباح. لست أدري كٌؾ<br />
رأٌت من خبلل الموج الذي ٌمتطً بعضه بعضاً، النساء ٌعتلٌن<br />
النساء والرجال. لست أدري لمَ استفاق البحر فجؤة، وأوّ ل ما<br />
فعله أنه ربّت على كتفً وابتسم لاببلً: سؤساعدن بكلّ ما أملن<br />
كً أضع لدمٌّن على الطرٌك الصحٌح دون أن أوجه إلٌن<br />
النصابح.<br />
هٌا أنا مستعد.<br />
، فؤُولبن<br />
٘ٔ <br />
استفمت فً صباح الٌوم التالً فً السابعة تماماً. لكنًّ عدت<br />
إلى النوم عامداً، إذ إنً فضّلت عدم تودٌع صدٌمً ٌوسؾ، فمد<br />
أجمعت األحبلم والكوابٌس التً عاشرتها فً تلن اللٌلة، أنً لن<br />
أراه بعد اآلن، ففضّلت أن أؼفو من جدٌد لعلنً أنا الذي ٌؤخذه<br />
الموت أثناء ذلن، وٌعفٌنً ربّ السماوات من مشاهدة كلّ<br />
المشاهد المؤساوٌّة التالٌة.<br />
ٕٗٔ
فً التاسعة لمت متثالبلً، بعد أن حاربتُ جاهداً ألبمى تحت<br />
سٌطرة النوم ما أمكن. جلستُ على حافة الفراش محاوالً تدلٌن<br />
وجهً وفروة رأسً وبعض من عنمً، إذ ربّما ٌولؾ ذلن<br />
الهجمة الشرسة من الكآبة التً اكتشف ُت أنّنً طالما كنت<br />
أستدعٌها وأسكن إلٌها. لكن فً تلن اللحظة شًء ما أعطانً<br />
الموّ ة وولفت لاببلً لنفسً: اركلً تلن الشرّ ٌرة الصؽٌرة على<br />
لفاها، وذهبتُ مباشرة إلى الؽرفة التً نام فٌها ٌوسؾ<br />
الحبٌب.كنت متؤكّداً أنه ترن رسالة ما ٌضمّنها إشارة مبهمة<br />
تشٌر إلى ما ٌنوي اإللدام علٌه فً المستمبل.كنت دابما أعتمد أنه<br />
ٌُفاجا نفسه لبل اآلخرٌن.لكن البحث الطوٌل لم ٌسفر عن أ ّي<br />
شًء، عمَّنً ؼمّ وندم شدٌدان، وسؤلتُ نفسً لمَ تمسّكتُ بالعودة<br />
إلى النوم متحجّجاً بخوفً ممّا تبثه األحبلم وتضخّه الكوابٌس؟!<br />
ٌا لسخافة أنانٌّتن ٌا زٌاد، ترى هل أخذت حمّن من الرضاعة؟!<br />
ال أعتمد ذلن وهو سبب لكثٌر من المشاكل. شعرت فجؤة بحاجة<br />
إلى الجلوس. لكن لم ٌكن لربً سوى الفراش الذي استخدمه<br />
ٌوسؾ للنوم.كان مسوً ى بشكل فرٌد وأكاد أن ألول: إن المكواة<br />
لعبت دوراً مهمّاً فً ذلن. نظرت حول المكان الذي أجلس فٌه<br />
فرأٌت وراء سلة المهمبلت بضع أوراق مدعوكة لم ٌستطع<br />
تمزٌمها. زٌاد أدرن ما جرى بالضبط، وكٌؾ أن ٌوسؾ لم<br />
ٌستطع أن ٌتحرّ ر من حنكته ونسً كم أن صدٌمه أكثر منه<br />
حنكة عندما تتحكّم الظروؾ بذلن. كما أنه لن ٌنسى صدٌك<br />
العمر، ولن ٌفرّ ط فٌه. ٌبدو أن ٌوسؾ لد كتب علٌها أموراً تهمّه<br />
فتردّد للٌبلً ث َّم اكتفى برمٌها بالشكل الذي رأٌته، فلم تمع فً<br />
السلّة بل استمرّ ت وراءها. فتحت تلن األوراق وسوٌتها بكل<br />
اإلمكانٌات التً أملكها. لم ُت بالمستحٌل الذي نفى وجوده<br />
نابولٌون. كنتُ أرٌد التمكّن من لراءة كلّ ما خطّه صدٌمً فٌها.<br />
ٕٕٗ
ووضع حٌاته بٌن سطورها. رؼم ما بدا أنه كان جالساً فً<br />
الفراش عندما كتب كلّ ذلن. أتعبنً األمر كثٌراً لكنه سرّ نً فً<br />
النهابة وجعلنً ألمس أن التعب واأللم المكبوت ٌمكنه أحٌاناً أن<br />
ٌُحمّل دماءن فرحاً مختلفاً وإٌماعه ٌصرخ صراخاً ٌطربن<br />
طرباً تحب أن تحتفظ به لنفسن. تمسّكتُ بتلن األوراق وها أنا<br />
أنشرها اآلن ألحاول توضٌح األفكار المتزاحمة الساعٌة بدورها<br />
إلى التحام زحام آخر أكثر احتشاداً كان ٌشعر به راهبنا العزٌز.<br />
هذا بالطبع ٌشرح تخبطه وحٌرته وربّما ؼضبه الدفٌن الذي لم<br />
ٌعد ٌعرؾ أٌن ٌصبّه وكٌؾ ٌتخلّص منه ومن شعوره الشدٌد<br />
باإلحباط ومعاناته لكل أنواع المشاعر التً تخلخل التوازن<br />
الداخلً وتفكّكه. ٌبدو أن هذا الجبار الذي اعتاد على مماومة<br />
العواصؾ المختلفة والمستعصٌة، واجه صاعمة لم تضربه مثلها<br />
فً حٌاته. إذ إن ما كتبه بإمكانه أن ٌُشعر من ٌعرفونه بؤنه<br />
أمضى لٌلة كادت أن تطٌح به. أحسّ بؤنه تعرى تماماً وانكشؾ<br />
أمام الجمٌع. وهذا ما ٌفسر تفضٌله البماء فً العتمة ممتنعاَ عن<br />
إشعال النور فً ذروة معاناته. بذلت جهداً منهكاً بانتماء ما هو<br />
مفهوم ومترابط وٌفسر ما آل إلٌه فً ذلن الولت ولماذا؟!<br />
أكتب إلٌنَ ٌا "زٌاد ٌحرّ كنً شعور بؤنً أَدٌن إلٌن بالكثٌر.<br />
أنا ال أستطٌع اإلٌفاء بكلّ هذا التراكم الكبٌر ممّا كنتَ تمدمه لً،<br />
وهذا منح حٌاتً فخراً بصدالة شارك ُت فً بنابها وأصبحت<br />
أُمثولة. مرحى لكلّ ما حدث، ألنً ال أشعر بؤنً أجر معً<br />
أٌنما ذهبت حمبلً ثمٌبلً. الدٌَْن كلمة تحمل معناها فً مجال البٌع<br />
والشراء. لكنً آنؾ أن أتكلم معن عن المال، فؤنا أعرؾ أنن<br />
ستعتبر ذلن إهانة. أنا لستُ أملن المدرة على توجٌه مثل هذه<br />
المذارة إلٌن. ما سؤحاول أن أفعله هو محاولة تفسٌر بعض<br />
ٕٖٗ
طباعً ومشاعري التً أعرؾ بعضها والتً أخمّن أنً لد<br />
المستُ بٌن الحٌن واآلخر بعض خٌوط تلن التً ال أعرفها.<br />
أعتمد أنً لد أخلط أثناء الكتابة إلٌن بٌنن وبٌن هللا. ال تخش<br />
شٌباً فؤنت تدرن أنه ال ٌعرؾ الؽضب ولٌس لادراً على فعل<br />
ذلن. إن فكرة أن ٌكون لادراً على كلّ شًء ولٌس لادراً على<br />
الؽضب، تبدو آسرة وعمٌمة وتبرّ ر ألوهٌّته وعصمتها. أكتب<br />
إلٌن ٌا سبب الوجود، بصفتن الرٌاضً األعظم. إذ إنن من<br />
ابتدع األرلام والعبتها كما تشاء فً الماضً والحاضر وستظ ّل<br />
تفعل فً المستمبل، ولد تكرر ما تفعله دابماً. الكون تشكّله<br />
األرلام وتشرحه للنخبة التً سعت وتسعى التّباع خطان<br />
وإدران ما حصل منذ بدء التارٌخ ماضٌة بإصرار إلى محاولة<br />
فهمن ربّما إلى"البلنهاٌة" إن كان لها وجود، أو إنن كخالك<br />
ابتدعت ؼموضها وحشوتها بالمزٌد منه، لتزٌد فً ؼموض<br />
وجودن المحسوس وؼٌر المربً وال الملموس.خِ لت فً<br />
الماضً أنً أسٌر فً الدرب الذي ٌمودنً إلٌن، أو إلى فهمن<br />
على األلل.كنت سؤكتفً به، لكن عندما ظننت أنً التربت،<br />
تبخّر كل شًء ولم ٌبك فً ٌدي سوى لبضة من رمال<br />
الصحراء الحارلة. تركت بثوراً فً أنحاء كثٌرة من جسدي،<br />
شفٌت بعد ولت طوٌل. كنت فً ذلن الولت راكعاً ولد انتهٌت<br />
من الصبلة، متطلّعاً نحو السماء علنً أتلمّى إشارة ما، لكنً لم<br />
أر سوى الشمس الساطعة التً ربّما تبتسم أحٌاناً ولكنها تبدو<br />
أنها تعرؾ أننا عاشمون بالفطرة، فمنعتنا من رإٌاها خوفاً من<br />
األذٌّة التً ستصٌبنا. دعونا نكؾ عن الؽلو فً العشك رؼم<br />
متعته وتعدّد نكهاته عندما تختلؾ األولات، وما لد ٌصٌبنا من<br />
مكروه سٌجعلنا نخشى ما لد ٌكون وراء السكون ممّا ال ٌرٌح.<br />
ٕٗٗ
شكراً أٌضاً وأٌضاً ٌا"زٌاد"، فلوالن لَما أدركت أن علً<br />
تصحٌح المسار، ولَما عرفتُ الطرٌك إلى حمٌمتً، وكٌؾ كدت<br />
أنسى وأنا فً خضم الفحش أن وطنً سٌكون بحاجة إلًَّ.<br />
وطنً هو هإالء الناس البسطاء الذٌن ٌمسحون عرلهم وهم<br />
ٌنملون بعض الطُرؾ لبعضهم البعض، وٌتضاحكون حماً كما<br />
ٌبدون، رؼم أنهم ٌدركون أالّ طرٌك أمامهم سوى ذلن السبٌل<br />
الذي سٌؤخذهم حمٌمة إلى الموت. ترى هل ٌدرون ما ٌفعلون<br />
تماماً؟! أو إنهم ٌنخرطون فً التمثٌل، علَّ البراعة فً تممص<br />
شخصٌة السعٌد فً حٌاته وتمبّل لدره ٌجعله ٌخلع عنه شخصٌّة<br />
الٌابس والتعٌس الذي ٌمٌل إلى التمشً الهوٌنى فً اللٌل تحت<br />
المطر واألنوار التً تجعل اإلسفلت ٌلمع، وٌؤتً إلى وسط<br />
العتمة مجهول ربّما أو أمر من السماء ٌمدّه بصوت كمان<br />
ٌعزؾ لحناً حزٌناً، بٌنما المطر الخفٌؾ مستمرّ فً الهطول،<br />
ٌحاول إلناعنا أن تممص الشخصٌّة ال ٌمكن للممثل امتبلكها،<br />
وٌبمى التمثٌل تمثٌبلً إالّ إذا دخل الجنون إلى اللعبة وأخرج<br />
التعٌس أو الٌابس الذي دخل كلٌّا فً عشك البداٌة أو الختام ال<br />
أحد ٌدري. لكن الستار الذي كان فاصبلً بٌن المسرح وبٌن<br />
الجمهور ٌفتح بمدرة المادر متٌحاً لن اإلدران بؤ ّي والع كن َت<br />
مسجوناً، وكٌؾ كان العٌش فٌه مستحٌبلً، ولن ٌمكنه أن ٌجلب<br />
سوى النهاٌة المشوّ هة، حتّى لو وجدت من ٌعطٌن حبّة وردٌّة<br />
لاببلً: هٌا تناولها وسترى بداٌة أن مشكلة لصر لامتن التً<br />
تعانً منها ستختفً تماماً، وسٌؤتً اإلبداع إلٌن صاؼراً. دعن<br />
من التطٌّر، فهو لن ٌمودن سوى إلى الوهم والعٌش فً صحراء<br />
لم تعد موجودة فً هذا العالم. إذا كنت تحمل بٌن حناٌان إٌماناً<br />
لوٌاً راسخاً، سترى أن الشٌطان ٌخاؾ من اإلٌمان والمإمنٌن<br />
ولن ٌُمكنه أن ٌرى ما ٌفعله سوى الهرب الع ِرج. ستتؤكد من<br />
ٕٗ٘
ذلن عندما تستطٌع بكلّ عنفوانن أن تنحنً للجمهور بعد أن<br />
ٌنتهً فتح الستارة وترى بعٌنٌن ذلن التصفٌك الذي ٌشعرن أنن<br />
ال بدّ أن تصعد وستمابل هللا ال محالة، وتلن االبتسامة التً لم<br />
ولن ترى مثلها فً حٌاتن. فً تلن اللحظة نفسها، تبدأ دون أن<br />
تدري رلصاً إبداعٌّاً ؼٌر مسبوق على مسرح "بروداوي" إذا<br />
سؤلون أٌن تعلّمت كلّ هذا؟! لل لهم: كنت مرّ ة حزٌناً حزناً لم<br />
أعرؾ مثله فٌما عشته حتّى تلن اللحظات، أذكر أنً كنتُ<br />
أجلس على صخرة مرتفعة تمتد عمٌماً ضمن البحر الذي كنت<br />
أظنه صدٌمً الوحٌد. لكن لم ٌسبك لً أن تكلّمت معه كلمة<br />
واحدة، رؼم الكثٌر من الخواطر التً كانت محشورة فً ذهنً<br />
وتتشابن مع أفكاري وأرؼب فً إخراج بعضها لتخفٌؾ ذلن<br />
الزحام الذي ٌضؽط فً المكان الذي لد ٌحرمنً من معرفة<br />
االتّجاه الصحٌح الذي علًَّ اعتماده. لكن فً تلن اللحظات كنت<br />
لد ضمتُ ذرعاً ولم ٌكن أمامً سوى الصراخ والمزٌد منه، لعل<br />
الموج ٌزٌل ما ٌسدّ بهما أذنٌه وٌسمع ما أرٌد لوله وأخدش به<br />
حٌادٌّته واسترساله بعدم مباالته. للتُ أخٌراً: هل تعتمد أنن<br />
استطعت إٌهام كلّ الذٌن أحبون وأحببتهم وداعبتهم وداعبون<br />
بؤنن استملت من الحٌاة، ولد لُبِلتْ استمالتن بصفتها موكلة بهذه<br />
السلطة. لل لً: هل ضاق صدرن بسماع شكوانا وتنهّداتنا؟!<br />
دعنً أتؽابى وأسؤلن: أال تشعر بما ٌعتمل فً داخلً؟! ٌا بحري<br />
العزٌز لمد ضجرتُ من سخؾ حٌاتً، ولم تعد تسع مزٌداً من<br />
الخطاٌا. لٌس علٌن إالّ أن ترجوه أالّ ٌعالبنً أمام الناس<br />
وٌدخلنً إلى الجنون جاعبلً منً عاشماً لِما الترفته. أنا أعرؾ<br />
أن الحٌاة ال تملن السلطة أن تستمٌل وال لبول استمالة أحد. أما<br />
أنت فبل ٌمكنن أن تتخلّى عمّا خلمت من أجله. إذ إنن ستساعد<br />
الرب فً إسدال الستارة عندما ٌمرر أن نهاٌة الدهر لد حانت.<br />
ٕٗٙ
لكن فجؤة لفزت سمكة كبٌرة إلى تلن الصخرة ولالت لً: ألست<br />
جابعاً؟ هٌا خذنً إلى بٌتن، فعندما أكون مشوٌّة ستجد أن<br />
طعمً رابع. لكن لمّا التربت منها لم أجدها، كؤن الذي أرسلها<br />
التنع أنً ال أستحمّها. حاولت المٌام من جدٌد وكلً تصمٌم أن<br />
أرمً بنفسً ألكون طعاماً لؤلسمان. صمّمت على ذلن<br />
صدلونً. أما دموعً التً ترونها فؤلول لكم: لست أدري ماذا<br />
حدث وكٌؾ وجدتُ أن الرب ٌعلمنً رلص البالٌه"<br />
* * *<br />
ٌمكن التؤكٌد دابماً أن النضال الٌومً الذي ال ٌبلحظ، أو ال<br />
ٌثٌر االكتراث فٌما لو حرّ ن االنتباه، ٌحمل دابماً بٌن حناٌاه<br />
المدرة على التطوّ ر والتحدّي الواعً المصمّم الصبور الذي<br />
ٌتحلّى باإلٌمان بؤن سعٌه الحثٌث السترداد ما أُخذ بالموّ ة، ال بد<br />
من أن ٌمكّنه من انتزاع الحك المؽتصب، والزرع فً صمٌم<br />
المعتدي عندما ٌفشل التلمٌن بسبب الرعونة ذلن الدرس الذي<br />
ٌمول: "الرب ٌُمهل وال ٌُهمل،" ولن ٌكون راضٌاً إالّ عندما<br />
ٌعود الحك إلى أصحابه. كما أن على الساعً وراء الحك أن<br />
ٌفهم بعمك أن اإلٌمان واالستعداد للتضحٌة بالنفس سٌفتح<br />
األبواب أمامه، مانحاً اإللهام للشجاعة التً منحت للذٌن ال<br />
ٌخذلونها ممّا ٌعطٌها الحك أن تإهل الذٌن ٌحملونها وٌجلّونها<br />
للتؽلؽل بٌن الجماهٌر، معطٌاً للكفاح ما ٌشعره بؤنه مُلّ ِن لوّ ة<br />
تجعل من األسوار التً تحٌط بالهدؾ تتداعى وٌصبح البعٌد<br />
المنال فً متناول الٌد بالحنكة الكافٌة والحذر من التبجّح. هكذا<br />
بالرؼم من الجو المكفهر الذي ٌحٌط بالمماوم، الذي ٌضع نفسه<br />
فً خدمة الوطن المتطلّع إلى التعاون مع الجٌران لخدمة<br />
ٕٗ7
اإلنسان الذي ٌعٌش فً تلن المنطمة من العالم. هذا المندفع الذي<br />
ٌحسب لخطواته أن ترضً الرب، لم ٌكن ٌكؾّ عن االبتسام<br />
فمتعة النضال فً تثبٌت إرادة هللا ما بعدها متعة. فً ذلن<br />
الطرٌك الصعب الوعر، الكفاح ٌكتسب أرضٌّة صلبة تُشعر<br />
الذي ٌستهٌن بالموت، بؤن رابحة السماء تمؤل منخرٌه، وأنه لم<br />
ٌعد بحاجة أن ٌحتمً بالضباب، إذ إنه ؼدا واثماً أن األرض<br />
متماسكة بما فٌه الكفاٌة تحت لدمٌه، والطرٌك إلى ممارعة<br />
الؽدر السادي النرجسً، هو فهم أسلوبه فً التفكٌر، وما إذا<br />
كان لصٌر النظر وال ٌملن أٌّة دراٌة بدروس التارٌخ، وٌسعى<br />
وراء الجشع واالحتٌال لٌضمن على ما ٌعتمد أن السرلة ستكلّل<br />
بالنجاح. لكن الشر مهما استشرس سٌجد فً طرٌمه من ٌلوي له<br />
عنمه. لكً نبنً وطناً حمٌمٌاً، حذار، حذار من وأد<br />
"الدٌمولراطٌّة" فنجعلها شعاراً نتؽنّى به فً الشوارع، فتضٌع<br />
تلن الصبٌة الرابعة الجمال بؤٌدي من انتظروا طوٌبلً حتّى<br />
تخرج إلى النور من رحم رعاه الرب. علٌنا أن ندرن أنها<br />
لٌست مجرد كلمة، بل هً ثمافة بكلّ ما فً الكلمة من عمك. إن<br />
كنا مخلصٌن سٌكون واجبنا أن نعلّمها ألطفالنا فً البٌوت<br />
والمدارس، إذ إن تفاصٌلها تسع مجلّدات كثٌرة، تمتضً تعباً ال<br />
ٌتولؾ وال ٌمهل. إذ إنها والّدة تفتح آفالاً جدٌدة باستمرار حتى<br />
ٌبمى الشؽؾ بها مشتعبلً، بحٌث ال ننسى ذلن الكابوس الذي ظ ّل<br />
ٌخترق األحبلم وٌبدّدها أكثر من لرن، ٌمكنه أن ٌعود من جدٌد<br />
عند أيّ تهاون، أو طمع فً المزٌد من النوم.<br />
ال أزال أملن عشرة دلابك، دعنً ألول فٌها شٌباً جنونٌّاً<br />
ٌوسّع دابرة معلوماتن عمّا كان ٌجري فً داخلً، وما ٌتجوّ ل<br />
هنان من أفكار تخوض سبالاً مرهماً لتصل إلى خطّ النهاٌة،<br />
ٕٗ8
أم"<br />
وتتمكن من تؤكٌد أولوٌتها، وتحظى بمكانها فً التطبٌك. أعدن<br />
أٌها الحبٌب أنن لن تصادؾ جنوناً كجنونً فً حٌاتن، دون أن<br />
أخفً علٌن أنً سؤظلّ مسروراً وأنا فً المبر، إذا بمٌتُ مثٌراً<br />
للجدل زمناً طوٌبلً. لكنً ال أرٌد أن أصبح أسطورة، فالناس<br />
سٌلصمون لصّتً بحكاٌات بطوالت آبابهم أو أجدادهم، أو<br />
ٌُلبسون أحبلمهم لدراتً الجنسٌّة وبراءتً التً لم تصطدم<br />
بالخجل ٌوماً. عندما لرّ رت االنخراط فً الدفاع عن وطنً كان<br />
ما رأٌته وأنا ماضٍ لرمً نفس وسط تلن المعمعة، ضباباً<br />
فً الطرٌك إلى الموت، ودخاناً أسود ٌؽطًّ جنون البطل. لس ُت<br />
أدري ماذا كنتُ أفكر عندما كتبتُ عن جنون البطل؟! أنا مجنون<br />
بالتؤكٌد ولكنً ال أحب أن أكون بطبلً فالبطل مهما كان مجنوناً،<br />
ال ٌمكن أن ٌصل بجنونه لٌصبح كجنونً. لن آتٌكم بحفنة من<br />
تراب فلسطٌن، إذ إنً أعرؾ أنكم ستسخرون منً. سؤوصً<br />
"زهرة" بؤن تضعها فً فمً لبل دفنً. إذا اعتمد البطل على<br />
جنونه استطاع اجتراح المعجزات. هنان تعرّ فتُ على نماذج ال<br />
ٌمكنن تمدٌر من منهم ٌستحك أن ٌكون األفضل من بٌن أولبن<br />
المجانٌن األبطال. فرحتُ عندما لال سابمن دمحم: "أنا أعتمد بؤنن<br />
ستكون األخٌر فً المابمة متمنٌاً أن أصٌر مجنوناً على<br />
طرٌمتن".وأُشبه أحد الذٌن تعرفهم وتمدر فٌهم تلن اللمعة<br />
الخاصة التً تتمٌز فٌها "عصفورٌّةً" البلذلٌّة. ترى هل ممهى<br />
"العصافٌري" الذي تتكلّم عنه دابماً هو فرع خاص من تلن<br />
المسمّاة العصفورٌة؟! إن الكثٌرٌن ٌتسمون بهذا االسم، فما<br />
نتكلم عنه اآلن هو ولٌؾ الراهب ٌوسؾ<br />
"<br />
ألول للذٌن ٌسهبون فً التكلّم عن الٌوؼا" معتبرٌن أنها مفتاح<br />
التحرر من الجسد، وتطوٌع العظام التً كانت تمؾ فً طرٌك<br />
ٕٗ9
كلّ شًء، وتؽلك المنافذ، مانعة الروح من السباحة اإلبداعٌّة،<br />
والرلص باستمتاع تحت الماء وفوله، متخلّصٌن ممّا ٌعٌك تبادل<br />
العشك والشبك والنهل من الشهوة، والمداعبة المتدرجة، وصوالً<br />
إلى االلتحام والنشوة وتحمٌك المرام، فٌخرج العطر المختبا فً<br />
الثناٌا الذي فَرضه االحتشام والعمل المرٌض.<br />
فً العماد المسٌحً الذي تموم به الطابفة األرثوذكسٌّة، ٌُطلب<br />
من الحاضرٌن فً مرحلة ما أن ٌردّدوا مع الكاهن العبارة التً<br />
تمول: "تفو على الشٌطان" أما أنا فؤرؼب بالمول لكم: "تفو على<br />
االحتشام"، ارلصوا وتمطّوا. الرلص ٌمنحكم حرّ ٌة الخروج من<br />
أجسادكم لبعض الولت حٌث تنمعون أجسادكم بمنموع الفرح<br />
الذي سٌدخل فٌكم عمٌماً عندبذ دون ٍ شنّ .<br />
* * *<br />
لمَ لم ٌعد الكثٌر من العمبلء ٌفهمون المجّانٌة كطرٌمة فً<br />
التربٌة وضخ اإلنسانٌّة والتسامح فً ذلن الكابن الذي أُلحم فً<br />
الحٌاة منذ بعض الولت، وهو على استعداد لبلرتماء فً<br />
أحضانها ظانّاً أنه سٌلمى لدٌها ابتسامة تشبه ابتسامة أمه، وحناناً<br />
ٌماثل ما وجده بٌن تلن الجدران التً ألؾ ِدفؤها وتعوّ د على<br />
أنفاسها، وإذ به ٌفاجؤ فً أثناء مسٌرته أن ما ٌحدث هو ؼسٌل<br />
فج مدمّر للدماغ، دون سوء نٌّة أحٌاناً، وبكثٌر من سوء الطوٌّة<br />
أحٌاناً أخرى.ألٌس محزناً أن ٌجد بريء نفسه والفاً عند مفترق<br />
طرق حٌث النظافة تُلفت النظر وتُملا الصدر بكلّ أنواع<br />
المشاعر المبهمة أو المدركة المختلطة، ثم تتفاجؤ الرإٌة<br />
بالشوارع الممتدّة إلى الجهات األربع خالٌة تماماً من الناس،<br />
ٕ٘ٓ
والبٌوت الجمٌلة ستابرها مُسدلة، بٌنما أصص الزهور المعلمة<br />
على درابزٌن الشرفات مكتظّة بما ٌفرح الملب وٌنعش<br />
الوجدان.لكن كان البد من أن تتسلل الخشٌة من هذا المكان<br />
الفسٌح الذي ٌبدو أن لٌس فٌه بٌوت للفمراء. الحٌرة وبعض<br />
الخوؾ ٌحملهما نسٌم خجول مُنكّس الرأس ال ٌعود إالّ بعد أن<br />
كنتَ لد بدأت تنساه وأخذت تتساءل متمتماً أٌن الناس فً هذا<br />
الصباح الجمٌل، ولماذا تسدل الستابر فً وجه الشمس، ثم من<br />
ٌسمً أصص الزهور ٌا ترى؟!<br />
* * *<br />
وددت لو كانت حٌاتً كما أعرفها من السهل وصفها.<br />
صدّلونً أن األمر استعصى علً. أستطٌع المول كتفسٌر ال<br />
بؤس به: إنها كانت دابماً انتماالً من سراب إلى سراب. كان<br />
ٌضحكنً أن ألؾ حابراً وسط المفار دون امرأة منهكة ؼارلة<br />
فً العرق الؽزٌر تداعب نهدٌها، وأنا أنظر إلى ما تفعل دون<br />
أن أودّ المشاركة. ربّما ٌشرح األمر أن ما نشعر به فً هذه<br />
الببلد المشمسة التً ٌتنبع منها الجمال الذي ٌمول عن نفسه: إنه<br />
مولّت وزببمً ٌنعش الملب للحظات.لكن فً ؼمضة عٌن ٌختفً<br />
كلّ شًء وراء حجاب ما ؼٌر مربًّ، فالشعور بؤنن ال تزال<br />
محاطاً باألرواح اإلٌجابٌّة التً تجعلن مطمبناً أن لٌس هنان من<br />
ٌستطٌع الؽدر فً الولت الحاضر، ٌبمى مبلمساً لن فترة ال بؤس<br />
بها، ثمّ ٌزول دون أن تدري. ثمَّ دون أن تفهم لماذا؟! تبدأ دبكاً<br />
جنونٌاً ؼٌر مسبوق. ترى هل خُلك مجنون فً عالم مجنون؟!<br />
ٕ٘ٔ
ِ<br />
ترى لمَ الكلّ فً هذه الببلد محجَّبون، أو ٌمٌلون إلى االحتجاب،<br />
دون أن تجد فرلاً بٌن رجل وامرأة و طفل؟! لست أدري ما<br />
ٌحدث لهذا العالم بحٌث نبدو أننا جمٌعاً عورات وسترها سٌنمذ<br />
العالم من الشرّ ٌر؟! ترى أٌمكن أن نستر عوراتنا حماّ؟!<br />
صدّلونً أن كل النساء ٌتحٌّنون الفرصة لٌنظروا من طرؾ<br />
خفً إلى المنطمة األمامٌة الجنسٌّة عند الرجل وهو ٌرتدي ثٌابه<br />
باحتشام. ستظهر أشٌاء هنان ستجعل الخٌال ٌبدأ فً<br />
االضطراب والتخبط، ثم ٌؤخذ بالعمل الهادئ اللذٌذ. الناس<br />
ٌعرفون وٌدركون ما ٌكمن فً االنتظار هنان. هل ٌمكن أن<br />
ٌكون اإلنسان لم ٌستطع أن ٌصدق فً العمك، أن هللا دعاه كً<br />
ٌصٌر إلهاً؟! فشعر بؤن شكوكه فً محلّها، وأٌمن أن االنتظار<br />
األبله كان عمبلً ؼبٌاً ٌعبر عن سخؾ الحٌاة نفسها، فكان سهبلّ<br />
أن ٌمول لنفسه: إن للصبر حدود كما تمول أم كلثوم معلناً أنه<br />
سبم من مسؤلة األخبلق وما تتطلّبه من صرامة فً السلون<br />
ولجم الشهوة وانعدام المنطك الذي ٌدعو إلى ذلن، فً ظلّ<br />
حمٌمة تركٌب الجسد اإلنسانً الذي لم ٌفاجبنا حٌن لال: منذ<br />
األٌام األُولى التً كنت فٌها أتعرّ ؾ على الحٌاة أدركت أن<br />
اإلنسان ال ٌُسٌطر على جسده. إذا استمررنا فً اإلٌمان على<br />
الطرٌمة الحالٌّة، فالمصٌر سٌكون الدخول فً نفك الثورة ضد<br />
الدٌن والكنٌسة التً ٌنخرها الفساد، آملٌن حٌن الخروج من<br />
النفك أالّ نضطر إلى البحث عن إله آخر أكثر تناؼماً مع طبٌعة<br />
اإلنسان الفٌزٌولوجٌّة والنفسٌة. عندبذ سنتمكن جمٌعاً من<br />
الخروج من تلن اللعبة العبثٌّة. مشكلة "فروٌد "أنه تصدّى<br />
للتفاصٌل التً تؽرق كلّ الناس فً بحر ال لرار له. لست أدري<br />
كٌؾ تجاوز نفسه والتفاصٌل الكثٌرة التً تعوله، ولفز عندما<br />
تراءى له حبل ٌترجّح من المبة الزرلاء ولٌس علٌه إالّ أن<br />
ٕٕ٘
نإ.<br />
ٌمبض علٌه فحسب، وهو سٌتولى انتشاله من الطرٌك المسدود<br />
إلى رحاب السماء. لكن "فروٌد "بعد أن لفز وأمسن بالحبل<br />
وترن أدواته فً المكان الذي كان فٌه، لد أدرن هو اآلخر أنه<br />
لم ٌتلكّ دعوة من هللا لمشاركته األلوهة.<br />
* * *<br />
لمَ ٌسعى التنالض إلى زرع الخوؾ من الحٌاة، ومن<br />
المختلؾ والمجتمعات المنفصلة، والشعور الدابم بؤننا على وشن<br />
أن نختطؾ أو نؽتصب، وأننا نعٌش هذه الحالة فً هذه<br />
اللحظات التً اختلطت فٌها دماء أبناء الوطن الواحد، صارخة<br />
ماذا نفعل ٌا رب؟! أنمتتل من أجل التفّاحة المحرّ مة بعد أن<br />
حرلنا كلّ مزارع التفاح فً بلدنا؟! جنون الجهل أجفله الممر،<br />
فؤخذ ٌؽتصب كلّ شًء، باإلضافة إلى الرجال والنساء<br />
واألطفال واألوطان.<br />
بعد أن مرّ ت كلّ تلن األزمنة، وجدنا ذواتنا أمام حمابك<br />
علمٌّة تمول: إننا لسنا أحراراً ألننا خاضعون للمورّ ثات<br />
والجٌنات الموؼلة فً التارٌخ، أي أننا فً والع األمر لم<br />
نتخلص من الخطٌبة الجدٌّة كما لٌل لنا. نحن لسنا نحن تماماً،<br />
نحن آباإنا أٌضاً وأجدادنا وتارٌخنا البشري الطوٌل.المسٌح<br />
الذي أتكلّم عنه بٌن السطور، بل من النافذة لً أؼلب األحٌان.<br />
هو نفسه الذي لال للجماهٌر من منكم ببل خطٌبة فلٌرمِ تلن<br />
المرأة بحجر، ثم رفع عٌنٌه موجهّا نظره إلى تلن الجرٌحة<br />
ولال: اذهبً ٌا امرأة وال تعودي إلى الخطٌبة."أنا أمٌل إلى<br />
االعتماد بشدة أنه لال: وحاولً أالّ تعودي إلى الخطٌبة"<br />
ٕٖ٘
ىعل<br />
دماءنا تؽلً وستظلّ تفعل عبر التارٌخ دون أن نعرؾ من أشعل<br />
النار. المإمنون ٌتنادون وٌصرّ ون أن ٌعرفوا الطرٌك إلى<br />
الحمٌمة. هل ابتعدت كثٌراً أٌها الحك؟!<br />
كل الحدٌث عن الحرٌة ولدرتنا على لمع الجسد خرافة. من<br />
أٌن للمخلوق أن ٌكون حراً، دعونا نعترؾ أوالً أن الذٌن هم<br />
ضمن التارٌخ ال ٌمكنهم أن ٌكونوا أحراراً. المادر على الوجود<br />
فً الزمان والمكان وخارجهما فً الولت نفسه هو الحر الوحٌد.<br />
نحن نموت من بعوضة، ونعٌش ألن اإلنسان اكتشؾ الترٌاق.<br />
نحن تارة "نابولٌون "وتارة ندرن أننا مجرد بعوضة. بٌن<br />
البعوضة و"نابولٌون "لٌس هنان حرّ ٌّة.فً هذا العالم سرٌّ كبٌر<br />
تحٌط به الجبال وتحرسه األعاصٌر والبراكٌن، واإلنسان ٌرجم<br />
بالحجارة ألنه شرب الخمرة، وما شربها المسكٌن إالّ ألنه فشل<br />
فً فهم علة وجوده والهدؾ. ألٌس وجود اإلنسان الضابع بٌن<br />
المصٌر الذي ٌعرفه، وبٌن ذلن الموعود بؤن ٌخرج من الزمن،<br />
ٌمر المرء فً نفك طوٌل مظلم ٌحدوه أمل بخفض صوته كلّ ما<br />
تمدم إلى األمام حسب ما تنبّؤ األمل نفسه.<br />
عندما كنت ؼشٌماً دخلت مع الرب فً عران مرٌر حتّى الشبع.<br />
أدركتُ أنً لد سبك لً أن خدعتُ الكثٌرٌن، لكنً لم أستطع<br />
خداع نفسً. للت للرب وأنا أتصبب عرلاً: إلى متى تولعنً فً<br />
الؽرام ثم تمؾ فً وجهً مانعاً إٌّايَ من االنطبلق لعناق الحبٌب<br />
تلن الوسادة التً ٌشتهٌها رأسانا معاً، دون أن أفهم لماذا<br />
ٌحكّ لً أن أحظى بمن ٌمسّد لً جبٌنً وٌمرر ٌدٌه على شعر<br />
رأسً، وٌستبدل كلّ ذلن بمذفً إلى العتمة فجؤة.ترى لمَ ٌطٌب<br />
لن إذالل مشاعري؟!أم إنن ترٌد تروٌضً عن طرٌمها؟!ما هذه<br />
ٕ٘ٗ
اللذة الجنسٌّة التً منحتنً إٌاها؟!أٌة متعة سخٌفة تلن التً<br />
أؼرلتنً فٌها، ثم تخلُ َص إلى اتّهامً بؤننً أصبحتُ أسٌر<br />
إٌحاءات الشٌطان وخططه؟! لمد خلمت منً شٌطاناً حمٌمٌاً،<br />
وتمول لنا ابتعدوا عن الشٌطان وتعلّموا كٌؾ ترمونه إلى <strong>أفواه</strong><br />
الخنازٌر. ترى من أفرد للشٌطان مكاناً فً داخلنا؟!أٌطٌب لن<br />
استخدام بعض أعضابً كجبلّ دٌن ٌرفعون فً وجهً السٌاط فً<br />
تولٌت ٌلفُّه الؽموض وٌدفعنً نحو الجنون؟!ماذا تبؽً حماً من<br />
هذه االتّهامات المؽلّفة بؤفضل ما ٌحفظ به أفخر أنواع<br />
الشوكواله، لكن ما تحوٌه لٌس إ ّال إجحافاً ال ٌمتّ إلى اإلنسانٌّة<br />
بصلة مضافاً إلٌه لإماً بشعاً؟! هل شاركت أحداً فً تشكٌلً<br />
كإنسان؟!هل اطّلعت أحداً على تركٌبً البٌولوجً<br />
والسٌكولوجً؟! لمد نجحتَ فً دفعً نحو الماع، ولكن لم<br />
ٌتؽٌر شًء، فمد ازددتُّ التناعاً بالتفاهة التً أعٌش فٌها.لماذا<br />
فعلت وتفعل بً كلّ هذا، ولمَ لم تتركنًِ ساذجاً أتمتع بمبلة خفٌفة<br />
مسرولة، ولمسة طرٌّة رطبة؟! لماذا علً أن أمتصّ العسل من<br />
خبلل المذارة، ثمَّ تدفعنً دفعاً إلى أن أبصك على نفسً؟! لمَ<br />
علً الخضوع إلى طرلن دون أن ٌتاح لً فهمها؟! أٌة<br />
دكتاتورٌّة هذه التً تتمتع بها؟!أٌطٌب لن تركً أشحذ الحب فً<br />
الشوارع واألزلّة النتنة؟! ألست من علّمنً أن ألتحم جسد<br />
الحبٌب كً أنال الراحة، ولمّا فعلتُ ، لم أحصل أبداً على<br />
مبتؽاي، بل بمٌت ولتاً طوٌبلً أشعر بالذنب؟! ٌا رب لمَ ال<br />
تطلعنً على إرادتن فٌما ٌتعلّك بً وتتركنً أواجه آثار ألدام<br />
الوحوش وهً تحوم حول منزلً طوال اللٌل منذ أكثر من<br />
أسبوع؟! إلى متى سؤضطرّ صاؼراً إلى االستماع إلى أنفاسها؟!<br />
وتترن ذهنً ٌرى كٌؾ ستكون أشكالها مخٌفة شرهة عدابٌّة.<br />
التارٌخ ال ٌستطٌع مماومة تسجٌل األحداث التً تلتمطها<br />
ٕ٘٘
مجسّاته، فهو ٌرالب صفحاته وهً تمتلا، وٌوشوش مرافمٌه<br />
لاببلً: إن من ٌموم بتعذٌب الشرفاء واألطفال والشٌوخ،<br />
وٌؽتصب النساء واألطفال ٌنحدر من المجرور نفسه الذي لفظ<br />
إلى هذا العالم "نٌرون" وكلّ الدكتاتورٌٌّن الذٌن عاثوا فً الدنٌا<br />
فساداً وعبثوا بالتارٌخ والحاضر والمستمبل. ك ّل األطفال فً هذا<br />
العالم كشفوا حمٌمة الشٌطان وأهدافه التً أعلنت عن نفسها ولم<br />
توفّر جهداً للِملمتها وإخفابها. أنت تعرؾ أنً ال أكرّ ر ما للته<br />
لن عبثاً، ترى أتعبث بً وحدي، أم تفعل ذلن مع ك ّل<br />
الناس؟!أنا ذاهب إلى حرب من نوع جدٌد حٌث تسكن تلن<br />
األفعى التً أطعمت شذاذ اآلفاق أٌنما كانوا فً أنحاء هذه<br />
المعمورة. أنا ماضٍ إلٌها ألحاول لبل أن أموت الحإول دون<br />
انزالق وطنً العربً كله نحو التفتت. سورٌّتنا ستبمى ضمن<br />
التارٌخ رؼم كل سفلة العالم. سورٌّة لن تسٌر نحو حرب ٌمتتل<br />
فٌها األخوة. كٌؾ ٌمكن أن ٌصح هذا ٌا رب؟! بل كٌؾ ٌكون<br />
ممبوالً أن نرفض الحداثة وكلّ ما ٌمكنها أن تفعله فً تحفٌز<br />
عجلة التطوّ ر وما ٌنتج عنه من إبداعات، ونترن إنسانٌّتنا تعود<br />
صاؼرة إلى العصر الحجري. لم أعد أستطٌع ٌا رب المبول أن<br />
ٌنفرط عمد أمتنا السورٌّة بسبب عصبة تاهوا فً جمٌع أنحاء<br />
العالم ٌتراكضون وراء الكثٌر من المال الذي تمكنوا به من<br />
إعادة تجمٌع لواهم وؼزوا ببلدنا وطردوا الذٌن حلّوا محلّهم. أنا<br />
أسعى للموت، وسؤلفز نحوه متى تؤكّدتُ أن وطنً لد تصالح<br />
مع نفسه وهو فً طرٌمه لطرد الؽزاة من جسد األمة، التً ال<br />
ٌمكن أن تكون إالّ روحاً واحدة تملن الدافع واالستعداد للدفاع<br />
عن موطا ألدام الرسل، واضعة نفسها لرباناً للرب واجتثاث<br />
الشر أٌنما وجد. أنا ال ٌمكننً متابعة تحمل كلّ هذا اإلزهاق<br />
لؤلرواح بٌن أنٌاب الوحوش. لطالما أردت أن أدفن فً وطنً<br />
ٕ٘ٙ
وفً البلذلٌّة بالذات. لكنً أعرؾ أن أمنٌتً لن تتحمك. سؤرسل<br />
لن لرٌباً أصبعً الصؽٌر من ٌدي الٌسرى لتموم بواجب دفنه<br />
هنان فً البلذلٌّة، وضع شاهداً فً المكان واكتب علٌه ما<br />
شبت. السنابل الذهبٌّة ستزٌن أرض سورّ ٌة من جدٌد، والجواد<br />
العربً األصٌل سٌمؤل الصحراء محمّبلً بالمتطوِّعٌن الذٌن<br />
سٌعمرونها من جدٌد، وهً بدورها ستساهم فً إشباع جٌاع<br />
العالم. أرجون ربً أن تؽفر لً وتتفهّمنً وتدعنً أنفذ ما<br />
أحسبه خبلص وطنً. إذ ربّما سترؼمنً األحداث هنان على<br />
أن أصٌر رجبلً أعً ماذا أفعل، ودع موتً ٌشٌر إلى أنً<br />
أستحك مواطنتً. أنا ال أشنُّ أن الدماء الذكٌّة ستوصلنا إلى<br />
االنتصار على الؽزاة المتآمرٌن المستمٌتٌن فً الدفاع عن<br />
ممتلكاتهم التً ؼنموها بكلّ الطرق الملتوٌة. أما الذٌن تناسوا<br />
أنهم لادرون على المماومة والكفاح ضد ظلم الظالمٌن،<br />
واختاروا الهرب من أمام الؽزاة، فسٌمتص منهم الماضً األكبر<br />
أٌنما كانوا فً ذلن الٌوم الطوٌل.<br />
فً ببلدي كُشفت حمٌمة األٌادي المذرة التً تمتدّ فً الخفاء<br />
لتلؽً حمابك التارٌخ وتزور آثار األلدمٌن وما فعلوه للحضارة<br />
اإلنسانٌّة. نعم ٌا زٌاد أنا ذاهب إلى الحرب لمتل األسطورة التً<br />
تحتفظ بها "ؼولدا مابٌر" وهً فً لبرها المحروس فً<br />
إسرابٌل بجدٌّة لصوى وحرّ اس أشداء من أفراد الموّ ات الخاصة<br />
فً الدولة التً ٌرٌدونها ٌهودٌّة صرفة خالٌة من أٌّة دماء تثٌر<br />
الرٌبة ودخٌلة مندسّة. الوجود لٌس كما لال "دٌكارت "، بل إن<br />
الشعور بالوجود هو عمك اإلحساس بالوحدة مع اآلخر والحمٌمة<br />
التً ال ٌمكن لها أن تفصل بٌن اإللهً والبشري. افرحوا أٌها<br />
المسحولون وتهلّلوا فؤنتم تكملون الخالك. كان سٌبمى وحٌداً<br />
ٕ٘7
مجهوالً لو لم تكونوا أو توجدوا. إن بماء البشرٌّة ال ٌتؤتَّى من<br />
نماء الروح ولدرتها أن تنؤى بنفسها بعٌداً عن التلوث.إذ إنها ال<br />
ٌمكنها إالّ االستمرار فً بذل هذا الجهد المضنً الذي لن ٌؽٌّر<br />
أي شًء فً تهذٌب الشهوات والرؼبات. أٌها الناس صدلوا<br />
الذاهب إلى الموت باختٌاره، وتظاهروا سلمٌاً أمام عرش هللا،<br />
مسبحٌن وطالبٌن بإلحاح أن ٌحرّ ركم من صفة "الكومبارس"<br />
وٌعطٌكم الحك أن تكونوا مثله كاملٌن ال تحتاجون إلى تلن<br />
األلبسة المزركشة الكثٌرة األلوان وؼٌر المتناؼمة على<br />
اإلطبلق، إنها تذكر المواطنٌن العادٌٌّن بلصوص الؽجر<br />
وبؽاٌاهم. دعهم ٌظنون حماً ٌا رب أنهم ٌملكون حرّ ٌة اإلبداع<br />
ؼٌر منموصة.<br />
ٙٔ <br />
سؤختم ٌا "زٌاد" كلّ هذه الترّ هات وأطلك الحرٌّة لكلماتً أن<br />
تمتطً الرٌح، وتطٌر بها إلى لرب النجوم وتجتاز معها حافة<br />
التارٌخ وتتركه ٌتلمّفها وٌشملها بعناٌته. دعنً أبسط لن ما أعتمد<br />
أنه حمٌمتً وألول ما لم ألله عن نفسً، واعداً إٌّان أنً سؤردده<br />
من جدٌد أمام السماء: أنا الذي ال ٌزال ٌصلً بعد أن ٌنتهً من<br />
فعل العهر والفحشاء وٌشكر هللا بما لسم له من رؼٌؾ الخبز<br />
وتلن السمكات التً ظنّ الجمٌع أنها ال تشبع أحداً. أنا الراهب<br />
الذي لم ٌنم دون أن ٌضاجع امرأة وٌمتطً خٌاله بعد تملّصه<br />
منها، تاركاً إٌّاه ٌمضً به فً رحلة إلى أجمل المدابن وأؼربها،<br />
وٌرٌه فتنة البحٌرات وهً تستعرض نفسها بٌن مدٌنة وأخرى<br />
بنرجسٌّة ال تثٌر استنكار أحد، بل تحفز الجمٌع على المفز إلى<br />
المٌاه النمٌّة دافعٌن بها إلى نشر العطر الذي ال ٌتبدّد أٌنما حلّت<br />
ٕ٘8
وذهبت. نعم ٌا زٌاد، فهذا جزء من صمٌم حٌاتً ال أخشى<br />
اإلعبلن عنه، بل ٌسرّ نً أن أفعل ذلن فً أي ولت. كما ال<br />
أتهٌّب من كشؾ كلّ أورالً أمام جمٌع العطاش، إذا كان هذا<br />
ٌجعلهم ٌرتوون بما فٌه الكفاٌة. ثمّ دون أن أدري شعرت بخٌالً<br />
ٌنخفض بً وٌبطا لاصداً أن ٌرٌنً أعشاش العصافٌر، وحنان<br />
األم وهً ترعى فلذات كبدها. ثم ال شن سؤطلب منه أن ٌعرّ ج<br />
إلى ؼابة عرفتنً وعرفتها، متشابكة األشجار كثٌرة<br />
االخضرار، تعبت وهً تنظّفه مختارة ولتاً ٌخبر بمرب حلول<br />
ؼٌاب الشمس حٌث تظهر ؼرابة االخضرار كؤن الٌخضور<br />
أزداد كثافة فبان اللون األخضر مختلفاً وربّما أكثر ولاراً مبتعدا<br />
لدر اإلمكان عن اإلثارة. هنان فً الؽابة حٌث الحٌاة تشبهنً<br />
تماماً، ٌرى ذلن الذي ٌمشً الهوٌنى أن عشّاً جمٌبلً منتصباً<br />
مإلفاً من المصب الذي تشبكه حبال المنب المصنوعة ٌدوّ ٌاً. كان<br />
المكان ٌحوي فراشاً من المش ٌثٌر جنونً، وٌزٌّن لً ؼامزاً<br />
ممارسة المزٌد من فنون الجدل الجسدي. لكن أمراً ؼرٌباً<br />
حصل لً وؼٌّر المشهد كلٌّاً ممّا أدخل االضطراب إلى كٌانً.<br />
إذ إنً ال أدري من دفعنً ألرى مسرحاً أمامً وسط الضوء،<br />
أرضٌّته بصلٌّة اللون مصمولة ومانعة من االنزالق بٌنما كنت<br />
وحدي لابعاً فً عتمة ؼٌر حالكة. الدهشة وؼرابة المولؾ لفزا<br />
بً إلى التساإل بملٌل من الؽضب لاببل فً داخلً، ماذا ٌحدث<br />
هنا؟! وكٌؾ لم أعرؾ بوجود هذه الخلوة الفسٌحة الرابعة فً<br />
أحد أطراؾ الدٌر، ولد مضى على حٌاتً هنا بضع سنوات<br />
لٌست للٌلة؟! تولف ُت عن الحركة أرالب ذلن االتساع الؽرٌب<br />
فً ذلن الطرٌك الملفت والمرٌب من الؽابة. بعد أن مرت<br />
دلٌمتان خرج فً نهاٌتها من رحم حمٌمة اإلنسان هٌكبلً بشرٌاً ال<br />
ٌستر من جسده ما ٌستحك الذكر، وٌصدر منه ما ٌلمع وٌخطؾ<br />
ٕ٘9
نذل<br />
األبصار. كانت صدمة أو لعنة تودعنً بعد طردي ؼٌر المعلن<br />
من الدٌر لم أد ِر فً ذلن الولت شٌباً؟! بدا البشري ٌشبه<br />
البشر بالتؤكٌد، ولكن ال مثٌل له بٌنهم، وال ٌهتم بمن ٌراه بل<br />
كٌؾ ٌرى جسده هو نفسه وٌرعاه وٌتلمى رضى ذاته مفصحاً<br />
عن اللذة التً اجتاحته؟! كانت عٌناه تتحركان بطرٌمة تشً أن<br />
جوعاً ؼرٌباً صارخاً ٌعتمل فٌه، طالباً تحمٌك ما ٌجٌش فً نفسه<br />
من رؼبات دون أن ٌؤبه للخجل أو للعهود، راضخاً ألعماله<br />
المصرة على االنتفاض ضد لهر الكٌان اإلنسانً وإذالله. حاول<br />
أٌّها الصدٌك أن تدعمنً بصلواتن وأنا أترن هذا الدٌر وتلن<br />
اإلطبللة الرابعة التً تضفً البهجة على ذلن االمتداد الهابل<br />
من االخضرار، دون النسٌان أن تتخلّله ألواناً رابعة كثٌرة<br />
التنوّ ع خارجة من زهور وورود ترلص مع النسٌم. ثم تؤتً<br />
أسمؾ المرمٌد، التً تبثُّ المتعة للناظر إلٌها وتمٌز بٌوت الجبل<br />
عن تلن البٌوت الشاهمة التً ال تدري إلى أٌن ترٌد الوصول،<br />
وما هو العبث السخٌؾ الذي تؤمل أن تلتمطه؟! كنتُ حامبلً<br />
معً ؼصة كبٌرة تنخر الملب. لستُ أدري كٌؾ اتّفك أن<br />
اجتمعن كلّ نساء المرى المجاورة، وتنادٌنَ للمٌام بمظاهرة<br />
تحٌط بالدٌر هاتفة: ال تؤخذوا منا الراهب ٌوسؾ. تكرر هذا<br />
الطلب كثٌراً ٌرافمه صراخ تصاعد بشكل رهٌب. لكن عندما لم<br />
ٌسمعنَ جواباً، هدّدنَ بالنزول إلى بٌروت فً الحال كً ٌُسمِع َن<br />
كل الناس أنهنَّ طلبنَ من الشٌطان عرللة رحٌل الراهب بك ّل<br />
الطرق الممكنة. أرجو أالّ تهزأ وال تبتسم، إذ إنً أخشى<br />
ابتسامتن كما أنها أحٌاناً تؽضبنً وأخشى أن تسبّب فشلً إن<br />
تذكّرتها لبل المضاجعة الممبلة. ال تفعل ذلن بً أرجون، فؤنا<br />
أعانً فً هذه األولات من إربان عمٌك الجذور وتشوش فً<br />
مشاعري ال ترٌد اإلفصاح عنه. تعال وانظر إلى طٌور السماء<br />
ٕٙٓ
وهً بانتظاري لتودٌعً ومرافمتً إلى مُبتؽاي. لكن أمراً ؼرٌباً<br />
فاجؤنً إذ إن ما ٌشبه الستارة انزاح من أمامً وإذا بً أرى<br />
ذلن الزمٌل نفسه، والذي لم ٌسبك لً أن عرفته، ٌتعرّ ى بهدوء<br />
مظهراً بما ال ٌدعو إلى الشن تمتّعه الشدٌد بمرأى جسده المذهل<br />
الذي ٌفرط فً جعل الشهوة النابمة تؽلً والنار ال تزال بعٌدة<br />
عنها. تساءلت ماذا ٌرٌد أن ٌفعل، وهل سنشهد مضاجعة ذاتٌة،<br />
أم إنساناً تشتعل النار فً داخله، ٌسعى إلى إطفابها بؤن ٌترن<br />
لحبات اللإلإ حك مداعبة جسده بعد منتصؾ اللٌل. ؼٌر مبا ٍل<br />
بمخالفته الصرٌحة للموانٌن واتفاق الناس على أن ما ٌبدو أنه<br />
سٌحدث ٌوحً بؤنه الفجور بعٌنه. كان مؽمض العٌنٌن تارة،<br />
وتارة أخرى تراه شاخصاً إلى النجوم كؤنه ٌتبادل معها األسرار<br />
واألحاسٌس الؽرٌبة. ث َّم تولؾ بطرٌمة توحً أنه ٌنصت إلى<br />
شًء ما، فتبٌن بعد لحظات أنه ٌرؼب بتلٌٌن عضبلت عنمه،<br />
فؤخفض رأسه وأخذ ٌدور به حول عنمه الذي أبمى على<br />
استمامته. فعل ذلن مرّ ات عدٌدة بٌنما كان الماء ال ٌزال ٌتسالط<br />
دون اعتراض من الطرفٌن على ما ٌبدو. كان بادٌاً على الزمٌل<br />
تمتعه الشدٌد بتلن الحبّات المتسالطة من اللإلإ. بدا األمر ؼرٌباً<br />
دون شنّ إذ إنه أنتمل إلى ممارسة ع ٍض لٌس شدٌداً وال خفٌفاً<br />
على شفتٌه، مستدعٌاً المزٌد والمزٌد من اللذة كً ته ّب إلٌه<br />
لتلعب معه لعبته، متخلٌّة عن أي شًء لد ٌعولها. كنت أكاد أن<br />
أمتلا شفمة على شفتٌه. لكن هذا الزمٌل الؽرٌب األطوار أظهر<br />
أنه ٌملن برنامجاً خاصاً ٌرؼب بتطبٌمه، مستعٌناً بتارٌخه<br />
كرالص بالٌه على ما بدا. لم ٌطل بً االنتظار حتى بدأ ٌظهر<br />
أنه محترؾ خبٌر بالجسد أخترق الكثٌر من الحُجُب، وفً<br />
أعماله رؼبة عارمة كً ٌطٌر رالصاً إلى المبّة الزرلاء مشتهٌاً<br />
مبلمستها. لكنه لم ٌكن مستعجبلً بالتؤكٌد، إذ إنه لم ٌحاول مطلماً<br />
ٕٙٔ<br />
. ٍ
تحرٌن ٌدٌه للمساعدة بإزالة الصابون الذي تبٌن أنه تركه عمداً<br />
ٌتراكم على ذلن الجسد العاري المذهل المدمر الذي ٌدور بن<br />
وٌدور مرّ ات ومرّ ات حتّى ٌمرّ بن من الشعور بالؽثٌان. فاجؤنً<br />
المدر وأرانً العجب. شعرتُ أنً أعلو ثمَّ أهوي إلى وادٍ عمٌك<br />
ال تتبٌّن فٌه من مصٌرن سوى العتمة التً تراها والصخور<br />
الحادة التً تنتظرن لتسمع أصوات تحطم عظامن وتستمتع<br />
بحرارة دمن الذي بدأ ٌؽمرها بحنانه. لم ٌكن أمامً سوى أن<br />
أشٌح بوجهً عن الخذالن الذي تمرّ غ فً داخلً ونظر إلًّ<br />
شزراً ولرِ فاً رافضاً ولوفً متفرّ جاً دون أن أتعرّ ى وأجرّ ب<br />
كٌفٌّة تعامل جسدي مع ما ٌتسرّ ب منً إلى أرضٌّة المسرح.<br />
لكنً استفمت من الحلم الذي أخذنً ذلن المشهد إلٌه. لم أجرإ<br />
على فعل أيّ شًء شاعراً بؤن علًّ الولوؾ واالستناد إلى<br />
الحابط خوفاً من الدخول فً فخ التمٌّإ. لست أدري كٌؾ<br />
اختلطت مشاعري ومضت تتبلعب بً موحٌة أن زمٌلً خرج<br />
عن طوره وهو ٌستخدم عٌنٌه لتنوٌم األرواح وجلبها كً<br />
تصلبه استكماالً لذروة استمتاعه. لكن لمّا طلبت من خٌالً<br />
الحضور وجدته مبعثراً هنا وهنان، عاجزاً ال ٌدري ماذا ٌفعل<br />
إلخفاء خجله. أخذت لراراً سرٌعاً بالبماء خارج مجال الرإٌة،<br />
ومتابعة ما لد ٌستجدّ من مشاهد، وأن ما رأٌته وأراه اآلن<br />
أعادنً إلى شبمً واستمتاعً بما ٌجري داخل ذلن الجسد<br />
المرعب، وهو ٌتلمّى تلن الحبّات المتسالطة على ذلن االسمرار<br />
المثٌر الفرٌد المتفجر. تساءلت: لمَ ٌا ترى لم أختبر فً حٌاتً<br />
ما أشهده ٌحدث للتو؟! لكن ذلن الزمٌل لم ٌبدُ أنه سٌتولؾ عند<br />
حدٍ ما، فؤخذ ٌموم بحركات رالصة رابعة تتكلم لؽة ؼرٌبة<br />
مستعمبلً ذراعٌه وأصابعه، مشتركة مع بعضها بعضاً وٌحرن<br />
لدمٌه بعض الشًء تارة وتارة أخرى ال ٌفعل وٌمتصر ما ٌموم<br />
ٕٕٙ
به أعلى جسده، أظن أن التركٌز على حركات الٌدٌن واألصابع<br />
الرابعة كان تمجٌداً للخالك وطالبة من األطٌاؾ التً تبدو كؤنها<br />
محٌطة به، المسارعة إلى الحضور لبلشتران فً استحضار<br />
وثنٌة حدٌثة علّها تؽٌر رتابة صبلتنا وبتولٌتها. ثم لمَ ال نترن<br />
لئلبداع أن ٌتنبّع من الصبلة؟! أظن أن ذلن الماكر كان ٌرٌد أن<br />
ٌشؽل السخفاء من أمثالً بإزالة جٌّدة لِما ٌمكن أن ٌكون لد بمً<br />
من الصابون. لكنً كنت أحفظ هذه الخدع عن ظهر للب. إذ<br />
كان ذلن الماكر ٌخادع ربّه بمداعبة جسده مداعبة مركّبة ؼرٌبة<br />
ال ٌمكن رإٌة تفاصٌلها بوضوح. لكن فجؤة لرّ رت التولؾ<br />
متساببل إن كان ٌمكننً وصؾ ما أراه رلصاً، أو ربما أمٌل إلى<br />
عدّه استعراضاً نرجسٌاً إلنعاش ما ٌمكن إنعاشه من تلن<br />
النرجسٌّة المضمرة فً األعماق؟! لمد كانت بالؽة اإلتمان<br />
ومرعبة فً تمٌزها. كما حوتْ على الكثٌر من التفاصٌل التً<br />
كانت تتحرن كما تهوى، ساخرة من األعٌن التً تعبت وفمدت<br />
تركٌزها، من كثرة إصرار تلن التفاصٌل على المبالؽة فً<br />
اإلعبلن عن شبمها وتمرّ دها ومجونها األنٌك، مإكّدة أن األنالة<br />
ستبمى متمسّكة بشبمها والبالً "أكسِسوار" متعهّدة أن تجعل من<br />
"شهرزاد " تذهب إلى النوم وتسكت نهابٌاً عن الكبلم المباح<br />
وؼٌر المباح. لكنها فجؤة التفتت ورأت وجهً "المسطول"،<br />
فبدت كمن لسعتها أفعى، فبادرت للصراخ فً وجهً لابلة:<br />
اؼرب من هنا ودعنً بسبلم. إنً ال أصلح ألحبلمن، دعنً<br />
للمتعة فؤنا واللإلإ المتسالط والسكون تفاهمنا على كلّ شًء.<br />
هٌا اذهب، أنت ضجٌج سولً، ولذارتن تنبِا من أيّ ماخور<br />
انحدرت. هذا ما حدث ٌا زٌاد وجعلنً أفكّر: ترى هل التمى<br />
مسار تفكٌرن بمساري فً نمطة ما؟! لستُ مستعداً أن ألول<br />
شٌباً فً هذه الهنٌهة رؼم أنً متؤكّد أن ذلن الراهب لم ٌكن<br />
ٕٖٙ
ٌرانً. لكنً فوجبتُ بعد هنٌهة بزمٌلً المُلتحؾ بمشاعره<br />
الملتهبة ٌتخلّى عن الولوؾ متلمٌّاً حبات اللإلإ بصمت ؼرٌب،<br />
واستدار نحو جدار الحمّام والتصك بببلطه بوساطة ذراعٌه<br />
وٌدٌه، واضعاً خده األٌسر علٌه وأؼمض عٌنٌه من جدٌد،<br />
إؼماضة توحً بكثٌر من المشاعر التً ترتطم ببعضها بعضاً<br />
فً داخله، وهو متسمّر فً مكانه ٌنتظرها أن تهداً وتتماسن<br />
وتموم بما ٌشبه طمساً خاصاً به، ٌخرجه من حالة وٌدخله فً<br />
أخرى بحٌث ٌعطٌه المدرة على أن ٌتسلك على ببلط الحمام<br />
صعوداً، ربما لٌمنح لجسده حك عرض نفسه عارٌاً ألكبر عدد<br />
من الناس. أو أنه كان مستسلماً منذ البداٌة إلى حلم ٌمظةً كان<br />
ٌؤخذه دابماً إلى هدؾ أعتاد علٌه ورسمته مخٌّلته عمٌماً فً<br />
كٌانه طبماً لِما صمّمه وشاء أن ٌؽرسه فً الملوب. إنه من المهم<br />
المول بصوتٍ عالٍ ولندع المسكونة كلّها تسمعه: إنه ادّى ك ّل<br />
ذلن بحركات إٌمابٌّة ممسرحة بامتٌاز تستدعً التصفٌك الطوٌل<br />
الصاخب.<br />
لست أدري كٌؾ أخذتنً أفكاري بعٌداً وبعٌداً جداً، حاثّة<br />
الخطى، ربّما لتعطً لكلّ الناس شبماً كشبمً، فبل أبدو مختلفاً<br />
عمّا ٌفعلونه فً خلواتهم. أو ٌمكننً الظن أن ذلن الراهب، ربّما<br />
كان ٌستؽفر هللا بطرٌمته، دون ان ٌنكر أن انفراده مع نفسه<br />
دعت مشاعره إلى العصٌان والتؤكٌد أنها سبمت األحبلم وال<br />
بؤس إن كان الماء الساخن ٌجعله ٌتؤوّ ه وٌتؤوه وٌصدر آهات<br />
ٌخفك لها الملب أكثر بكثٌر من تلن التً خرجت من فم أم كلثوم<br />
الكبٌر. لم أنتظر طوٌبلً حتى رأٌته ٌدور ببطء نصؾ دورة إلى<br />
أن أصبح لبالتً تمرٌباً فاتحاً ذراعٌه إلى األعلى ناظراّ إلى<br />
السماء، معطٌاً لجسده هٌبة جمالٌة مذهلة ومدمرة وصرخ لاببلً:<br />
ٕٙٗ
آه ما أروعن ٌا شٌطان! ٌا لِخبثن وفتنة حبكتن! صدّق ٌا زٌاد<br />
أن فرحاً كبٌراً عمنً وانتهٌت بجفاؾ شدٌد فً الفم. تساءلت<br />
ألعطً نفسً بعض حمها: ترى من تمتّع أكثر بذلن المشهد،<br />
الماء؟! أم أنا الذي كنت أرى ما ٌجري فً لحظات<br />
"دراماتٌكٌّة" خاصّة تجعل الرزٌن ٌجنّ جنونه؟! أصابنً الكدر<br />
ولم أعرؾ كٌؾ أُفلت من هللا وأبمى بضع دلابك أخرى<br />
كٌؾ ستكون النهاٌة. فكّرتُ بالماء من جدٌد، فإذا بً لد نما فً<br />
داخلً شعور مختلؾ. جعلنً أراه مشتركاً بطرٌمة ما بتلن<br />
المضاجعة الذاتٌّة التً تركتها تتمسرح أمامً وتكاد أن تمتلنً<br />
كؤنً أطلّ علٌها من عالم آخر. أنا لم ألصد السوء حاشا. فكٌؾ<br />
لً أن أفعل وأنت تعرؾ إلى أٌن أمضً، وما احتفالً الصؽٌر<br />
هذا إالّ آلنً سبك أن للت لن: إنً مصمّم على الذهاب إلى<br />
الموت بإرادتً. ها أنا ال أستعجله كثٌراً. أردت من كلماتً<br />
البسٌطة أن أنعش فإادن وأشركن شراكة وثٌمة فً األوبرا التً<br />
لدمتها لربً ولٌس فٌها كلمات، وفٌها أٌضاً مضاجعة ملحمٌّة<br />
"أوركسترالٌّة" تنتهً ببعض االرتعاش، وجلبة ؼٌر مسموعة<br />
فً ذلن المكان. أوصلنً كل ذلن ٌا شرٌكً زٌاد فً تلن<br />
الصدالة التً منحتها لنا السماء إلى اإلدران أنً والماء مارسنا<br />
سوٌّة شؽفاً محموماً تخلّى عن الوعً للٌبلً، وكان ملٌباً<br />
بالؽموض الفتّان. لكن كان علًّ أن أؼادر وانتشل نفسً من هذا<br />
الجنون والعبث الذي اخترق كلّ الحدود، تاركاً التفكٌر بإلامة<br />
عبللة ما مع الماء إلى ولت آخر. ربّما تجرّ ب أنت ٌا زٌاد<br />
وتخبرنً هل أثارن ذلن بطرٌمة ما؟! ألن شراكتن معً كانت<br />
حسبما أشعر أزلٌة، دون أن ٌدرن أحد منا ذلن. دعنً أُولؾ<br />
تدفّك أفكاري فمد رجتنً خبلٌاي بتؤجٌل كل هذا الزحام الخانك<br />
للؽد وألول لمن أكتب إلٌهم: إنً كنت أنا والماء شاهدٌن على<br />
، ألرى<br />
ٕٙ٘
أجمل وأروع مضاجعة ذاتٌّة عاٌشتها بطرٌمة ما حتى هذا<br />
الولت الحرج من حٌاتً. دفعت كٌانً كلّه إلى التخلخل ألكثر<br />
من ولت كاؾ ألفهم كل ما جرى أمامً. كما عمَّتنً ؼٌرة<br />
طفولٌّة من تلن المطرات التً لم تشبع وظلّت متمسّكة بذلن<br />
الجسد تداعبه وتتؽلؽل فً ثناٌاه بنٌّة البماء فً بعض األمكنة<br />
الخاصة ك ّل الولت المتاح. كانت تإدّي تلن المهمّة كؤنها تموم<br />
بها للمرّ ة األولى، ولم تمضِ كلّ حٌاتها فً سماع الكثٌر والكثٌر<br />
من التؤوهات والشهمات واآلهات. عندما عاد الهدوء إلى كٌانً،<br />
عصفت بً رابحة تشٌر أن المداسة كانت تزور المكان،<br />
فالتصمت بالحابط الحجري خوفاً من الولوع فً شهواتً من<br />
جدٌد مؽشٌاً علً. ستضحن ٌا "زٌاد" دون رٌب وتمول فً<br />
نفسن: وا أسفاه علٌن ٌا ٌوسؾ، أما أنا فملتُ لربًّ وأنا متّجه<br />
إلى حتفً: لمَ تبالػ فً تجمٌل الجمال؟!أال تخشى على الجٌاع؟!<br />
لمَ تركتنً أشاهد مثل ذلن الجسد الذي لم أر مثله فً حٌاتً.<br />
ترى أكان جسداً حماً؟! أم حلماً لِما سنكون علٌه ٌوماً. ربما كان<br />
لوحة رسمها "فان ؼوغ" ثم مزّ لها إرباً إرباً إذ ربّما خشً أن<br />
تشً به. أنا أعرؾ ما أملن من إمكانٌّات، وأدرن أننً لم أحظ<br />
أبداً بمخٌّلة ٌمكنها أن تبنً مثل روعة ما رأٌت، وال لمست<br />
ٌداي مثل تلن التفاصٌل وأنا بعٌد عنها كلّ هذا البعد. " آهٍ آهٍ، ها<br />
أنا أؼادر صومعتً وأرز لبنان وجزءاً كبٌراً من حٌاتً<br />
المتؤججة وبعض الدموع التً تسكن فً زاوٌة لصٌّة من للبً<br />
رافضة الظهور إلى العلن إمعاناً فً رفض الدموع أن تجعل<br />
من نفسها متعة. مدركاً فً الولت نفسه أنً فمدتُ الحظ بالتمكن<br />
من للب شهوتً رأساً على عمب، وإلناع ذلن الجسد الرابع<br />
بمضاجعتً. لعلّ ذلن ٌتٌح لً التعرؾ على الجانب اآلخر الذي<br />
ٌجهله من الحٌاة تماماً."<br />
ٕٙٙ
* * *<br />
كتبت تعلٌماً صؽٌراً على كل ما لاله الصدٌك الحبٌب ٌوسؾ<br />
وأنا أشعر أنً لن أراه ثانٌة.<br />
لمد للت: لست أدري ما الجدوى من الحب المنهن واألحبلم،<br />
وذلن المندٌل المشتعل الذي تتذكّره وٌلمع فً الظلمة الحالكة<br />
التً أنت فٌها. هذا من بعض الكثٌر الذي لم ٌعد ٌبلبمن أن<br />
تحظى به، فً لٌلة تحتاج فٌها إلى النوم، خاصة إذا كانوا<br />
سٌؤخذون منن كلّ شًء وأنت فً ذروة انتشابن، وشعورن<br />
بؤنن توشن على إعطاء ذاتن الهدٌّة التً تبحث عنها منذ أن<br />
وُ جدت؟! ألٌست تلن األفكار التً تستمر فً التشابن والتبلحم<br />
عذابات تتراكم، وتمحو الطرٌك إلى الحمٌمة، وتربن حٌاتن<br />
آخذة إٌّان إلى اإلحباط والٌؤس والعتمة، العتمة التً تمؾ فً<br />
طرٌك أيّ ومضة تماتل كً تطلّ برأسها هنا وهنان فً ذلن<br />
الطرٌك الموحش الذي تسمع فٌه بٌن ولت وآخر عواء ٌتخلله<br />
ألم ٌمنع الصوت من أن ٌدل على مولعه. الحرٌّة التً ٌرفعون<br />
علمها فً كلّ مكان، لن تكون ٌوماً بدٌبلً عن السعادة. هذا ما<br />
علٌنا معرفته بعمك. لستُ أدري لمَ ٌوحى إلٌنا أن من ٌحصل<br />
على واحدة منها سٌكسب الثانٌة ال محالة. أعتمد أنه ال ٌجدر بنا<br />
أخذ ذلن على محمل الجد، وندخل فٌما تبمّى لنا من العمر فً<br />
حرب ال هوادة فٌها ضد األحبلم واألمل. األمل الذي ٌفتح<br />
الطرٌك الذي ٌنتشر فٌه الضوء وٌعم كلّ أرجابه. لستُ أدري ل َم<br />
ألحّ فًَّ صوت شمل داخلً كلّه ولال: ربّما نحصل على<br />
الصمت الداخلً على األلل، ونكسب إؼفاءة صؽٌرة لٌس من<br />
ٕٙ7
الضروري أن نعرؾ إن كنا<br />
األفضل أالّ ندري؟!<br />
سنستفٌك بعدها أم ال. ألٌس من<br />
7ٔ<br />
استفمت ذات ٌوم، بٌنما كانت دمشمً حبً المدٌم تترن الربٌع<br />
لتدخل روٌداً روٌداً فصل الصٌؾ. فً ذلن الولت كنتُ ال أزال<br />
فً الفراش هادباً هدوءاً ؼرٌباً، لم أعرؾ ٌوماً مثله.<br />
ترى هل أنا على وشن الولوج إلى عهد جدٌد فً حٌاتً، أم إن<br />
األمر لن ٌكون أكثر من تؽٌٌر طفٌؾ مإلّت فً المزاج؟!<br />
أٌمكننً أن أفتح عٌادة نفسٌّة بعد كلّ هذا الولت الضابع، تاركاً<br />
نفسً تهرب من تحمّل المسإولٌّة فً الدخول إلى أعماق<br />
اآلخرٌن؟! إذ إنً فً أعمالً كنت أخشى الؽرق هنان. ثمّ ماذا<br />
الكبلم المحمل بالفشل لبل أن نفهم ما ٌرٌد المول! ثمّ ماذا سٌمول<br />
الناس بعد أن تلكّؤ ُت كلّ هذه المدّة الطوٌلة مستولٌاً علًّ<br />
الخوؾ، ومشٌحاً بوجهً بعٌداً عن اتّخاذ أيّ لرار. إن ما ٌجري<br />
فً الماع حٌث أسكن أنا الحمٌمً لٌس هنان إ ّال ظبلماً حالكاً<br />
مهلكاً مخٌفاً. ال ٌعبر عن شخصٌّة متماسكة على اإلطبلق. كان<br />
علًّ االتفاق مع نفسً منذ زمن بعٌد، فمد كنت متؤكداً أن تبدد<br />
الخوؾ من داخلً سٌجعلنً عاجزاً عن التلذذ بع ْرًٌِ.<br />
تساءلتُ :<br />
لكن دعونا ندخل بجدٌّة إلى المشكلة الحمٌمٌّة، ونسؤل: كٌؾ<br />
سؤستطٌع أن اتعامل مع نفسً فٌما لو فتحتُ عٌادة. دعونً<br />
ألول لكم إنً لستُ متؤكّداً أن كلّما أوردته من مسوّ ؼات للهرب<br />
من العمل، ٌخبر عن األسباب الحمٌمٌّة التً تمؾ فً طرٌمً،<br />
وتمنعنً من فتح عٌادة متخصّصة كل تلن السنٌن. هكذا وجدت<br />
ٕٙ8
نفسً وسط لعبة ال توصل أحداً إلى أٌة نتابج أو مسوّ ؼات، إذا<br />
كنا نرٌد فعبلً أن نتبع الطرٌك الصحٌح لنفهم ما ٌحصل. أنا ألر<br />
بعجزي على شطب الكثٌر من سطور الماضً وأبحث عن<br />
أصدلاء جدد، ٌكونون من الجٌل الجدٌد، وٌحملون على أكتافهم<br />
ما ٌشٌر إلى أنهم لم ٌتجاوزوا بعد الثبلثٌن من العمر. إذ إنهم<br />
ربّما ٌملعون بً بعٌداً عن الكآبة التً بدأت انعكاساتها تظهر<br />
على شخصٌّتً بوضوح ورابحة الدمار تمترب، لعلّ الدماء<br />
الجدٌدة وكذلن الوجوه التً تنضح باألمل، والمواضٌع<br />
واألسالٌب المختلفة للنماشات ترمً الًَّ كلّها طوق النجاة الذي<br />
أدرن أنً أحتاج إلٌه وأشعر بؤنً أتمسّن به. أنا أدرن بالتؤكٌد<br />
أن السٌر بهذا االتجاه سٌؤخذ ولتاً لٌس لصٌراً، لكن مع الكثٌر<br />
من الجهد، ربّما ٌؤخذ بٌدي إلى حٌث أبدأ حٌاة جدٌدة. لكن إلى<br />
متى سٌكون بوسعً االستمرار فً جعل ذاتً حمل تجارب؟ّ!<br />
إن هذه الحمٌمة لابعة فً ذهنً شاعراً بخشٌة دابمة ممّا ٌمكنها<br />
أن تفعل.<br />
كان فصل الصٌؾ فً "بلودان" رابعاً، وصرت أخرج مع<br />
ابن الثبلثٌن مستمعاً إلٌه وإلى أمثاله بكل فرح وهو ٌحاول أن<br />
ٌضع كلّ حٌاته أمامً على الطاولة، بجرأة عجٌبة، ؼٌر خابؾ<br />
من أن أخون ثمته. لبلت بكلّ حماسة الدخول إلى تلن الحٌاة<br />
الجدٌدة التً كانت أحبلمً تستدعٌها دون أعرؾ من أٌن. ربّما<br />
كنت أشم رابحتها من تلن الودٌان العمٌمة البعٌدة التً ٌمال أن<br />
هللا ٌمضً فٌها جزءاً من فصل الشتاء حتّى ٌرتاح من النماء<br />
والجمال الذي لٌس له حدود، كما لد ٌرتاح من عبء هذا العالم<br />
المتمرّ د وؼٌر المطواع والرافض لبلستسبلم إلى اإلٌمان،<br />
وانملبت صبلته من شكر الربّ وطلب الؽفران والسكٌنة، إلى<br />
ٕٙ9
االستعجال بالعبور من التؤنس إلى األلوهة. تمول األساطٌر إن<br />
أشجار تلن الودٌان متبلصمة، وٌرتفع جذعها مستمٌماً، حامبلً<br />
أؼصانها وما ٌنتمً إلٌها متّجهاً صعوداً نحو السماء، بحٌث ال<br />
ٌستطٌع من ٌمؾ تحت مشدوهاً أن ٌرى حدود ذلن المشهد، وما<br />
هً التؽٌّرات التً ٌمكن أن تطرأ علٌه وتزٌد من ؼموضه.<br />
بحٌث ٌتمنّى المرء أن ٌكون فً طابرة ٌمكنها االنخفاض كً<br />
ٌستطٌع أن ٌرى األسلوب الذي ٌكتمل فٌه المشهد من فوق،<br />
وٌعاٌن كثافة ذلن االخضرار وجمال ولاحته. ربما ٌتساءل<br />
المرء أٌضاً: ترى هل ٌهوى المادر اإلخراج المسرحً؟! وهل<br />
كلّ حٌاة فً الطبٌعة مهما كانت بكماء أو صمّاء تملن تلن<br />
البوصلة التً تجعلها تشخص نحو األعالً؟! أٌمكن أن ٌكون<br />
أُولبن الذٌن ٌسكنون فً تلن الودٌان إضافة للطبٌعة وأعشاش<br />
العصافٌر ال ٌدرون وال ٌشعرون بؤن الرب ٌسكن بٌنهم كلّما<br />
طاب له ذلن؟! دعونا نسؤل العلماء والباحثٌن عن األسبلة<br />
الكثٌرة التً تتراكم فً الكون، ولماذا ال تجد إجابات تكفً<br />
إلشباع الجوع الشدٌد إلى معرفة لمَ نسً المهندس أن ٌلحظ باباً<br />
حتّى لو كان مموّ هاً، ٌدخل منه المتلهّفون إلى ذلن المجهول<br />
الذي ٌبدو أنه عماب لن ٌنطك إلى أن ٌنتهً الدهر.<br />
فجؤة هبت عاصفة هوجاء عوت عواء شدٌداً متّجهة صوب<br />
األشجار محاولة التبلعها من جذورها. ٌبدو أن الشموخ حتّى<br />
العواصؾ ال تحبه! لكن تلن الودٌان كانت تعرؾ ما علٌها أن<br />
تفعل، فاستدرجتها نحو عمك الؽابة حٌث ٌمكنها أن تؽلك كل<br />
الطرق متى أرادت.هكذا دخلت العاصفة إلى الشَرَ ن، واختنمت<br />
هنان مصدرة حشرجة مخٌفة لبل أن تلفظ أنفاسها األخٌرة.<br />
كنت بعٌداً لمّا رأٌت سرباً من الحمام األبٌض ٌخرج من تلن<br />
ٕ7ٓ
الؽابات وٌمترب منً روٌداً روٌداً. كان منظراً خبلّباً عندما<br />
أصبحت فولً تماماً. دارت دورتٌن، وفوجا الشاخصون إلى<br />
ذلن المشهد، بحمامة تترن السرب وتموم بحركات بهلوانٌّة<br />
وتهبط نحوي كؤنها تتْبع نؽم كمان ٌربن الملب، مخرجة حبّة<br />
حنطة من فمها، مولعة إٌاها فً الولت المناسب فً راحة ٌدي<br />
الٌمنى.<br />
بعد بعض الولت من دخولً إلى البٌت شعرت بؤن شٌباً لد<br />
أصابنً. لم ٌكن شٌباً مإلماّ، ولكنه أربكنً منذ بداٌة األمر، ث َّم<br />
أخذ ٌتطوّ ر مشٌراً بوضوح أن دخٌبلً إنساناً أو حٌواناً دخل إلى<br />
بٌتً خلسة. هذ ما تهٌؤ لً. ثمَّ لبل أن ألوم من أرٌكتً ألرى ما<br />
ٌجري، بدأ شًء ما ٌحدث فً دمشمً. إذ إن صوت أبواق<br />
السٌّارات ارتفع بطرٌمة مرعبة، وهً تسرع هاربة من شًء لم<br />
أستطع أن أتبٌّنه أو أن أفهم ما ٌمكن أن ٌكون. لكن بعد بعض<br />
المحاوالت تمكّنتُ من رإٌة ما ٌحدث. كان شٌباً من الصعب<br />
وصفه وكذلن تصدٌمه. إذ إن وجوه الناس بدأت فجؤة تؤخذ<br />
أشكال الوحوش المختلفة وهم ٌتمشّون وٌتحدّثون دون الفصل<br />
بٌن الكلمات، بحٌث ال ٌمكن أن تعرؾ بؤٌّة لؽة ٌتفاهمون.<br />
الرعب كاد أن ٌكون تمساحاً ٌسعى ورابً وٌبؽً لضمً<br />
بلممتٌن، لوال تؤكّدي أنً أؼلم ُت الباب ولد أصبحت داخل بٌتً.<br />
كنت لد اتخذت لراراً ال رجعة فٌه، أن أنهً حٌاتً إذا ما تبٌّن<br />
لً بعد التطلع إلى المرآة، أنً لد تحولتُ إلى وحش أنا اآلخر<br />
سٌسخّروه لمتل الروح التً ستؽٌر العالم. عندما تؤكدت أن كلّ<br />
شًء كان طبٌعٌّاً، مؤل كٌانً الخوؾ، وتساءلت: ترى ماذا<br />
ٌُحضّر لً ولمَ استُثنٌتُ ألبمى إنساناً بٌن الوحوش؟! وهل ٌراد<br />
لً أن أعٌش من جدٌد فً جحٌم آخر من نوع مختلؾ؟! أعتمد<br />
أنً أفضل الموت على الخضوع إلى مثل تلن التجربة. إن<br />
ٕ7ٔ
عملً سٌنهار ولن ٌحتمل ذلن. إنها لٌست مسرحٌّة أشاهدها من<br />
ممعدي المرٌح، وأنا لست ممثّبل على اإلطبلق. ربّما علًّ أن<br />
أُالزم بٌتً وأرالب من النافذة ماذا سٌحدث وإلى متى ستمبض<br />
الوحوش و"الدٌناصورات" على خناق المدٌنة ومن ثمّ المدابن<br />
هنا وهنان. كنت أشم رابحة مجزرة لادمة، تحملها رٌح نفخها<br />
الشٌطان ووجّهها كً تجتاح الوطن. عمنً االرتبان بل<br />
أرجو ان ال ٌسؤلنً أحد لمَ تخاؾ من الرعب أال<br />
ٌثٌرن؟!. ما نفع الؽضب فً مثل هذه األولات؟! بتُّ ال أعرؾ<br />
ماذا أفعل. درتُ دورةً كاملة حول نفسً، محاوالً فً الحمٌمة<br />
التماط الفكرة التً مرّ ت فً ذهنً وؼابت عن شاشة أفكاري.<br />
للتُ لنفسً لن أشتمنِ إذ إن األمر بدأ منذ نعومة أظفاري. لكن<br />
ها أنا أرى األمر ٌستفحل. فجؤة ارتسمت الفكرة من جدٌد على<br />
تلن الشاشة التً أعود إلٌها دابماً. كانت تمول لً: حاول أن<br />
تتذكر المشهد الذي رأٌته منذ أن أحسست أن شٌباً خارجاً عن<br />
المؤلوؾ ٌحدث فً دمشك. ترى ألم تر أحداً ٌهرع خابفاً وٌدخل<br />
إلى متجر ما؟! لٌس معموالً أن تكون أنت الوحٌد الذي تسنّى له<br />
أن ٌشاهد ما شاهدت. ألم تر أحداً ٌركض؟! بدأتُ أتعرق، ولكن<br />
كٌؾ لً أن أعترؾ أمام نفسً أنً رأٌت أناساً مثلً، أعنً<br />
ٌشبهوننً ٌتراكضون فً أثناء محاولتهم االنتمال من الناصٌة<br />
التً على بعد خطوات من ممهى الروضة إلى الناصٌة التً<br />
لبلها وتوصل إلى لبالة "نادي الضباط". لكن كٌؾ ٌمكننً<br />
تفسٌر ذلن لنفسً؟! وهل ٌمكننً المول: إن الفزع شوش كٌانً<br />
كلّه وجعلنً أرفض استعادة ذلن المشهد؟! كٌؾ لً أن أتابع<br />
التمشً إلى بٌتً وكؤنً ال أرى ما ٌحدث أال ٌعنً ذلن أن ألر<br />
بما كانت أمً تمول: "لمد أفنٌت نفسً وأنا أبذل الجهد كً<br />
تصٌر طبٌباً نفسٌاً كما كنت تهوى؟! أنا ال أنكر أنن نجحت<br />
ٕ7ٕ<br />
والرعب. "
بامتٌاز. لكنن عُدتَ بً إلى نمطة الصفر. إذ إنن رفضت أن<br />
تفتح عٌادة متحجّجاً بحجج واهٌة، دعنً ألول: إنً ألرؾ من<br />
إعادة تعدادها على مسامعن. إنن تُثبت لً لبل مؽادرتً لهذه<br />
الدنٌا السخٌفة، أن مخاوفً التً نهشتنً كلّ تلن السنٌن كانت<br />
حمٌمٌّة وتمول: إنن ال تزال طفبلً ٌا وحٌدي. ما سٌعذبنً طوال<br />
تلن الفترة التً سؤلضٌها بانتظار ذلن االنتمال، هو ٌمٌنً أنن<br />
ستكتب وتلمً المحاضرات، ولد تعود إلى لصّة الرسم، لكنن<br />
فً لرارة نفسن ستعرؾ دابماً أنن ما زلت طفبلً". اعترافً<br />
لذاتً أن أمً أحبتنً كثٌراً كانت مُصٌبة تماماً فً ما لالته.<br />
تولّعتُ الخجل من هذا االعتراؾ. ما أرٌد أن ألول اآلن وأنا<br />
أكتب هذا الكتاب: إنً لم أشعر فً حٌاتً بمثل ذلن الفرح الذي<br />
أصرّ على أن ٌمول لً: مرحى، إنن بما فعلت سترسل رسالة<br />
جدٌدة لكلّ الذٌن ٌحبونن وتحبّهم تمنعهم أن ٌحتفلوا بخطوتن<br />
األولى نحو استعادة رجولتن.<br />
تولفت عن الكتابة لبعض الولت، لكن لم أدرِ كٌؾ هاجمنً<br />
الماضً بطرٌمة عشوابٌّة؟! بداٌة، لم تتّضح نٌّته إالّ بعد أن<br />
تركنً أؼرق فٌه، إلى أن خرجتُ من كلّ هذا وأنا أشعر<br />
باإلرهاق، ورؼبة فً االنتفال السهل إلى الفراش. تساءلت:<br />
ترى هل أذهب أنا وكتابً إلى فرنسا وأختار بٌتاً صؽٌراً فً<br />
أحد الشوارع المرٌبة من "الشانزالٌزٌه"؟! وأصرُّ هذه المرّ ة أ ّال<br />
أزور أحداً من الذٌن ٌسعون إلى التحوّ ل إلى آلهة. أال تراهم ٌا<br />
رب؟! ترى أتشفك علٌهم ٌا أب ِت وال تشفك علٌنا منهم؟! لم أعد<br />
أشعر أنً لادر على فعل أيّ شًء. لكن لو وجدت لنبلة حمٌمٌّة<br />
تتدحرج على األرض، ثم تولفت من تلماء نفسها ولم تنفجر بعد<br />
انتظار ورعب، النحنٌت والتمطها بعد تحرّ ري من الخوؾ<br />
ٕ7ٖ
ولذفتها فً وجوههم الصفراء الشمعٌّة الممرفة. ترى من ٌدعم<br />
األمٌّة الممنعة التً تتزاٌد لوة وثروة وٌُخشى بعد بعض الولت<br />
أن نجد أنفسنا ٌوماً نواجه نمصاً كبٌراً فً المتعلّمٌن الحمٌمٌٌّن<br />
كً ندفع بهم إلى تعلٌم أجٌالنا الجدٌدة. هذا أضعؾ اإلٌمان<br />
طبعاً. الخوؾ الحمٌمً أن ٌتحول أولبن األنصاؾ المتعلمٌن إلى<br />
الرعاع الذٌن ٌعٌنون الحاكمٌن، أو تؽرٌهم السلطة كً ٌتولّوا<br />
الحكم بؤنفسهم. أظن أن مجتمعاتنا اكتفت من أولبن الجهلة الذٌن<br />
لم ٌتوصلوا بعد إلى فهم ما ٌمرإون، ومضوا إلى تعلم كٌؾ<br />
ٌتجاهلون عمولهم والتؤللم مع سمة العصر الجدٌدة، وهً األلنعة<br />
المستحدثة التً تعطً المجرمٌن واللصوص وجوهاً مختلفة<br />
وتؽٌّب وجوههم الحمٌمٌّة. إلى أٌن ٌذهب العلم ٌا ترى وٌؤخذ<br />
العالم معه بابتكاراته والتٌسٌر للمجرمٌن الحمٌمٌٌّن إبعاد الشبهة<br />
عنهم، وإلصالها باألبرٌاء الفمراء؟! ماذا نفعل إن كان أوباما<br />
دفن "لٌنكولن" مرة ثانٌة ودفن معه المبادئ اإلنسانٌّة التً<br />
رفعت من شؤن الدٌمولراطٌّة األمرٌكٌّة؟! إن العمد الثانً من<br />
األلفٌّة الثالثة جاء بؤوباما ربٌساً أللوى دولة فً العالم لٌكذب<br />
على كل من ٌهمه األمر لٌخفً إنجازاته الحمٌمٌّة، وهً<br />
مضاعفة الموة األمرٌكٌّة لبلستمرار فً تركٌع بمٌّة الموى<br />
العالمٌّة إلى أجل ؼٌر مسمى، مع الوعد بؤن أمرٌكا ستضاعؾ<br />
من إنتاج )عظم الركبة االصطناعٌّة(.<br />
8ٔ <br />
لرّ رت االبتعاد عن محرلتً الذاتٌّة ومحاولة العودة<br />
بؤعصابً إلى وضعها الطبٌعً رحمة بها وبً. كما أنً مص ّر<br />
على استعادة نفسً. كلّ الدالبل تمول: إنً فمدت السٌطرة<br />
ٕ7ٗ
علٌها، وهذا ما كان علًَّ تجنبه بؤي ثمن. لٌس علًَّ أن أخاؾ<br />
من أي شًء، إذا لم أكن أرٌد العمل كطبٌب نفسً معالج، فبل<br />
بؤس، لكن من أجل الكٌان السوي علًَّ التولّؾ عن اختبلق<br />
األعذار. تولؾ عن المول إنً أخشى، فالخشٌة هنا لد تعنً<br />
هرباً من نفسن كمن ٌعتمد أنه فاحش الثراء وٌعرؾ أن كلّ ماله<br />
مسروق، كما أنّن تعترؾ ضمناً بولعن باألوهام وتركتها<br />
تسٌطر علٌن تدفعن رؼبة دفٌنة وتمودن بمساعدة الكسل ربّما،<br />
أو تهرّ باً من مسإولٌتن كرجل ال ٌرٌد من أيّ شًء أن ٌجبره<br />
على تملٌص حرّ ٌته حتّى لو تمَّ تكرٌسه كمابد أساسً من لادة<br />
المجتمع الذي ٌعٌش فٌه. نعم ستُحاسب وٌضٌّك علٌن الخناق<br />
من كلّ هإالء وأُولبن إذا حاولت الفرار ممّا عُهد به إلٌن. ربما<br />
تمول أن ما ٌحدث ٌداٌة تمرّ د. ثم تتابع وتحاول كطبٌب نفسً<br />
أن تصدر أحكاماً تمول: "لٌس مسبولاً أن تستطٌع النفس أن<br />
تهرب من صاحبها. ربّما ٌمكنها التمولع فً مكان ما، ورفض<br />
األوامر الصادرة عن الرأس المدبر المفترض. هنا المشكلة<br />
تزداد حمماً وخطورة. إذ سٌكونان مجبرٌن على االتّحاد ضد<br />
ؼزو الجنون المادم ال محالة. هنا تتولؾ للٌبلً وتمول: أنا فً<br />
الحمٌمة ال أبؽً أن أنشر الٌؤس حولً فؤتحول إلى العمل ضدّ<br />
ببلدي ومكوناتها، وهذا سٌكون من المستحٌل أن أرمً إلٌه<br />
ٌوماً". أال تجد تنالضاً فٌما تمول أٌها الطبٌب النفسً؟! ك ّل<br />
محبٌن الذٌن ٌطلبون منن اإلرشاد، ٌصرون أن تتولؾ عن<br />
خداع نفسن وأن تختار خطاً واضحاً ال لبس فٌه، إذ إن الكثٌرٌن<br />
ٌمفون فً صؾٍ طوٌل ٌطلبون منن اإللهام. إكراماً للوالدة أو<br />
للعابلة العرٌمة. نعم إن هذا سٌجمع أعداءن المبعثرٌن، فً ك ّل<br />
ناصٌة تمرّ بها إلٌماعن فً فخ الكذب والخداع واالحتٌال. ال<br />
ٕ7٘
ٍ<br />
تجزع وباشر أوّ الً بوضع حٌاتن بٌن ٌدٌن. وال بؤس بالرحٌل<br />
بعٌداً لفترة ثمّ تعود مرتدٌا رداء الصمود والرجولة.<br />
كان من الطبٌعً أن أفكّر فً الرحٌل إلى بارٌس حٌث فٌها ما<br />
ٌشتهً الفكر والجسد، وتحتاج إلٌه النفس. حرصتُ على عدم<br />
تلفّظً بمثل هذا الكبلم حتّى انتهت تلن الثبلثة شهور السابمة.<br />
ألن جسدي كان مُمبلً فً طلباته إذا لارنته بالذٌن ٌدورون حولً<br />
وأدور حولهم. تلف ُّت كمن ٌبحث عن شًء أو أحد، وفً داخلً<br />
إحساس ؼرٌب نملنً إلى المول لنفسً: ماذا بن؟! أنت لم تعد<br />
بحاجة إلى استشارة أحد. فرأسن الماكر كما كانت تإكّد أمّن،<br />
ٌعرؾ بارٌس وٌدرن جٌّداً ما ٌرٌده منها. كما أنه ٌستطٌع أن<br />
ٌؽرؾ ممّا تستطٌع تمدٌمه من لذابذ مختلفة، ومشاهد خبلّ بة كما<br />
ٌشاء وكما ٌمكنه االحتمال. اتجهتُ إلى المطار مثل كل الذٌن<br />
ٌنوون السفر إلى أمكنة بعٌدة. ال أعرؾ كٌؾ وجدت نفسً أمام<br />
صبٌّة جمٌلة ال أملن المفردات التً تم ّكننً من االعتزاز<br />
بمصدالٌّتها وتصلح إلعبلن براءتً المسبمة. لكن تلن الفاتنة<br />
كانت على ما ٌبدو معتادة على التعامل مع أي زبون دون أن<br />
ٌبدو على وجهها أيَّ تموج لونً ٌشٌر إلى أن شٌباً ما ٌحصل<br />
فً داخلها. لمّا ولفتُ أمامها كانت تبتسم ابتسامة ساحرة،<br />
مسارعة إلى المول: إلى أٌن ترٌد الذهاب أٌها السٌّد؟!أرى<br />
عٌنٌن تموالن إنن فً عجلة من أمرن وتتمنّى الوصول إلى<br />
بارٌس بعد محادثتن معً مباشرة، ألٌس كذلن؟! أجبتها مبتسماً:<br />
إن كبلمنِ سٌكون صحٌحاً دون شنّ إذا كنا نعرؾ متى ٌمكننا<br />
أن ننهً حدٌثنا. إذ إن فً جعبتً الكثٌر من األسبلة. ابتسمت،<br />
وضمن ابتسامتها كان ما ٌشٌر إلى إنها فهمت إلى أٌن أرٌد أن<br />
أصل. لكنها لالت بكل بساطة: هٌا باشر لٌس هنان اآلن أحد<br />
ٕ7ٙ
ٌنتظر دوره. ال تبدو أنن من النوع الذي ٌمكن االستهانة به.<br />
أظنّ أن وجهن ال ٌم ّكن أحد من التعرؾ إلى خفاٌان. لمد بدأت<br />
تواً استجمع لواي.<br />
حسناً متً تملع طابرة بارٌس؟<br />
لم ٌخبو بعد تؤثٌرها على الناس.<br />
للت ذلن باللؽة الفرنسٌّة التً<br />
<br />
امتمع لون وجهها للٌبلً ولالت: بعد ساعتٌن تمرٌباً.<br />
تمصدٌن فً الواحدة بعد الظهر، وهل ال تزال فٌها<br />
شاؼرة؟!<br />
أمكنة<br />
أعتمد ذلن.<br />
هل ٌمكننً الحصول على بطالة فً الدرجة األولى.<br />
نظرت فً عٌنًّ بضع لحظات ولالت حسناً، ترى هل معن<br />
الكثٌر من المال للتبدٌد.<br />
المال لم ٌكن ٌوماً للتبدٌد إالّ عند السذج أو اللصوص؟! ث ّم<br />
أسرع ُت ومددتُّ ٌدي إلى جٌب سترتً، مخرجاً حبّة "شوكوال"<br />
ممدّماً إٌّاها إلى تلن اآلنسة المعتدّة بجمالها.<br />
لكن كان جوابها فجاً ولحاً إذ رمتها على األرض وراءها،<br />
فؤصابت على ما ٌبدو أحد المسإولٌن فً المطار الذي كان ٌموم<br />
بجولته الٌومٌّة لمرالبة سٌر العمل. فؤسرع والتمطها من األرض<br />
ٕ77
لاببلً بحدّة: "جاكلٌن": هل صرت ترمٌن حبات الشوكوال<br />
الفاخرة على األرض؟َ! ثمّ فتحها ولضمها بشهوة ؼرٌبة ولال:<br />
ال تعودي إلى هذا الخطؤ اللعٌن. لكن العموبة ستصل إلٌن<br />
عاجبلً.<br />
أعٌد وأكرّ ر أن المال ؼٌر المسروق متوفر وٌمنحه الرب<br />
لمستحمٌه، ولكنه لٌس للرمً على لارعة الطرٌك. كلّ ما فً<br />
األمر أنً ال أطٌك الجلوس أربع ساعات إلى جانب شخ ٍص لد<br />
ٌرى فرصة للتكلّم من أجل التكلّم وٌختار أ ّال ٌسكت طوال مدّة<br />
الرحلة. ربّما أٌضاً لد ٌكون من أولبن األؼنٌاء الجدد، فٌستهٌن<br />
بً وٌتدخل فً شإونً الخاصة. أنا ال أحب صدّ الناس، وال أن<br />
أضطرّ إلى ذلن.<br />
هل أنت محامٍ ؟!<br />
ال أنا طبٌب نفسً، ولكنً لم ألرر بعد ما إذا كنت سؤفتح<br />
عٌادة أو ال.<br />
حسناً، أعطنً جواز سفرن، وتكلفة البطالة التً تبلػ<br />
خمسمابة دوالر، هٌا أسرع فإن مسافراً آخر ٌكاد أن ٌمؾ<br />
وراءن وٌولؾ هدرن لولتً وولت األخرٌن.<br />
متى ستؽادرٌن مكانن؟<br />
كانت تبتسم عندما كانت تسلّمنً ما علًّ<br />
األسؾ سٌكون ذلن بعد مؽادرتن.<br />
أن<br />
أسترجعه لابلة:<br />
مع<br />
ٕ78
إن عبارتن أنعشت ؼروري، ولن أكون حزٌناً مكتبباً فً<br />
ممعدي. شكراً لن وإلى اللماء فً العودة.<br />
استمبلتنا بارٌس وهً ال تزال تسبح فً الشمس، فً ولت<br />
تحلو السباحة فٌها. ٌبدو أنها تبطا عامدة فً الهبوط إلى<br />
الجانب اآلخر من العالم، للتمتع ببارٌس أطول مدّة ممكنة. كن ُت<br />
لد أخذتُ حمّامً الصباحً فً بٌتً، ممرّ راً سلفاً أننً لن أكون<br />
بحاجة إلى حمامٍ عند وصولً، مإجبلً ذلن إلى العاشرة من<br />
صباح الٌوم التالً. كان فندلً لرٌباً من "الشانزلٌزٌه"<br />
فانخرطتُ فً لعبة التسكع حتّى وصلت إلى المتجر الذي كنتُ<br />
ألصده. كان كبٌراً بما فٌه الكفاٌة، وٌبٌع كلّ أصناؾ الشوكواله.<br />
كنتُ أحب هذا المنتج حباً جماً وأستطٌب الصنؾ المر. إنها لذة<br />
كبٌرة تلن التً تشعر بها عندما تتمهل وتتركه ٌذوب فً فمن.<br />
ال أزال أذكر طعم ذلن الفم وهو ٌحاول أن ٌنهشنً. كنتُ<br />
خجوالً ؼبٌاً وأنا فً الثامنة عشرة من عمري. الكثٌر من الشبان<br />
فً مثل هذه األعمار ٌفعلون ذلن. شعرتُ بالندم وبعض<br />
الؽضب من نفسً مدّة طوٌلة، لكن تلن الحادثة العابرة كانت<br />
فٌها تلن الفتاة تمصد أن تعلّمنً أهمٌّة التناص لبلة من الشفتٌن<br />
أو من العنك من أنثى ال ترٌدن أن تنتظر لترى ردّ فعلها. إنها<br />
ستفتعل الؽضب وستشتمن، إن ذلن تتمنه أٌة فتاة فً الخامسة<br />
عشرة من عمرها. إنهنَّ أكبر من الشبان إجماالً بؤكثر من ثبلث<br />
سنوات. تولفت للٌبلً أبحث عن كشنٍ ٌبٌع الصحؾ وبعض<br />
أنواع المجبلت التً تتعاطى فً السٌاسة الٌومٌّة. عندما وجد ُت<br />
ما أطلبه لفلتُ راجعاً إلى فندلً لتكملة سهرتً. هنان فً الفندق<br />
جلستُ أفكر فٌما مرّ فً ذهنً من أفكار بدءاً من وصولً إلى<br />
بارٌس ثم اشتهابً "للشوكواله" وعودتً إلى الفندق. الحظت<br />
ٕ79
ِ<br />
أنً ال أتولؾ عن الثرثرة على اإلطبلق، فإن لم أجد أحداً<br />
ٌستمع إلً، فذهنً منفتح ولم ٌعترض ٌوماً على استطراداتً<br />
الكثٌرة.<br />
كان الولت ظهراً فً الٌوم التالً، وكنت أرتدي أجمل ما<br />
عندي، فً بداٌة صٌؾ بارٌس. كان ٌوماً ربٌعٌاً دمشمٌاً لست<br />
أدري ما كان ٌحدث فً داخلً، إذ لم أكن أمشً، بل كنتُ أطٌر<br />
دون أيّ شنّ فً ذلن. ال تسؤلونً كٌؾ؟! إذ لٌس لديَّ جواباً<br />
ممنعاً إالّ أن ألول: إنً لم أؼلك ٌوماً باب ؼرفة نومً فً وجه<br />
مشاعري. أعذرنً أٌها المارئ، فؤنا ال أكون ذاتً عندما أطلك<br />
ألفكاري العنان، وهذا ما أفعله كلّ ما كنت وحٌدا تحٌط بً<br />
الجدران. وجدت نفسً فً ذلن الٌوم وسط ممهىً صٌفً جمٌل<br />
ٌملن رونماً خاصاً، آخذاً من الرصٌؾ لسماً ال بؤس به، بحٌث<br />
ٌطلّ من زاوٌة على شارع "الشانزالٌزٌه" إطبللة جمٌلة ملٌبة<br />
بالناس وهم ٌحركون شفاههم بسرعة ؼرٌبة دون أن أفهم ما<br />
ٌمولون، ومن زاوٌة أخرى ترى بارٌس عارٌة كما ولدتها أُمها<br />
"ولوس النصر" ٌكاد ٌجثو خشوعاً. طبعاً أنا ال أدري إن كانت<br />
بارٌس ٌثٌرها الخشوع؟! إذ ربما تكشؾ عن جنونها دفعة<br />
واحدة. لكن صوتاً فً داخلً لال لً: اهتم بنفسن وافهم ممّا<br />
ترى أالّ مكان لن هنا الٌوم فً هذا الممهى الرابع. كان علًَّ أن<br />
أفعل شٌباً لعلَّنً أنسى الخذالن الذي شعر ُت بؤنً أواجهه، بشمّ<br />
روابح العطور المنبعثة من النساء الجمٌبلت اللواتً ٌمؤلن لسماً<br />
ال بؤس به من ذلن المكان الرابع. عاهدت نفسً أ ّال أجلس فً<br />
هذا الولت فً أ ّي مكان حتى لو وجدتُ آخر أجمل ممّا أراه فً<br />
هذه اللحظات، بل سؤحاول التمشًّ إلى أن أشعر بالجوع<br />
فؤدخل إلى المكان المناسب وأتناول وجبة العشاء. كانت المشاهد<br />
ٕ8ٓ
تتؽٌر وبعض الضحكات الصادرة من الملب، ممزوجة بما تبثّه<br />
من شهوة صادرة عن رجال للٌلًّ الخبرة ٌرون أمامهم نساء<br />
ٌكشفون عن الكثٌر ممّا لم ٌعتادوا أن ٌرونه إالّ فً الؽرؾ<br />
المؽلمة. لذلن كان الكثٌر من الجوع الحٌوانً مرتسماً على<br />
بعض الوجوه، وكذلن كانت األلسن تلحس شفاهها دون أن<br />
تدري. لكن من هو معتاد على هذه اللوحات اإلباحٌة عند<br />
النفوس البدابٌّة والتعاطً جنسٌّاً بجوع حٌوانً، تمؾ فً وجهه<br />
األرستولراطٌّة الملكٌة بؽضّ النظر عن المشاعر المكبوتة التً<br />
لد تنفجر ٌوماً وترسل المستجٌب إلى رؼبات صاحبة التاج إلى<br />
البرج للتؤكد من عدم البوح بما فعلت األنٌاب واألسنان إضافة<br />
إلى األضراس الملكٌّة باألعضاء التناسلٌة لذلن الرجل الوسٌم<br />
والجسد المتناسك الذي نُهش تماماً على حٌن ؼرّ ة. لكن تلن<br />
المرأة التً تنتظر جلوسً دون حمرة شفتٌن أو كحل ٌبرز<br />
العٌنٌن. رفعت رأسها ونظرت فً عٌنًّ مبتسمة ثمَّ لالت: لمَ ال<br />
تجلس، ألم تكن تبحث عن مكان تتؤمل منه المارّ ٌن فً هذا<br />
الشارع الجمٌل؟! أنا أنتظر النادل، لبل أن أذهب فً طرٌمً.<br />
لمد للت لن ذلن مرتٌن ولم تسمعنً على ما ٌظهر.<br />
ها أنا أجلس ٌا سٌّدتً، واعذرٌنً على ارتباكً. إذ إنً لم<br />
أتولع أن تمومً بدعوتً إلى أخذ مكانن. اللطؾ هزّ نً وصرت<br />
أسٌر وفك أوامره. لمد كانت زٌارتً لبارٌس فً المرّ ة األولى<br />
خاطفة، فلم تكؾِ تلن األربعة أٌّام إالّ لزٌارة بعض األماكن<br />
الهامة التً تمكّن من لام بها، التبجّح أمام أصدلابه أنه زار<br />
عاصمة الثمافة والجمال، دون أن ٌنسى ذكر "اللوفر" ذلن<br />
الصرح العالمً الكبٌر الذي مؤل أسماع الدنٌا كلّها. أنا أدعو هللا<br />
اآلن كً ٌإخّر النادل لدر اإلمكان. إذ إنن تتنبّعٌن لطفاً وكٌاسة<br />
ٕ8ٔ
من كل مكان أستطٌع رإٌته فٌنِ من مولعً الجانبً. ماذا لو<br />
كان مكانً ٌُرٌنً أبرز الموالع وال ألول كلّها، فالطمع مرزول.<br />
ضحن الجمال األخّاذ ولال: أرى أن االرتبان أفسح فً<br />
المجال أن تستعٌد براعتن، وتمتلن المدرة على إٌصال ما تتوق<br />
إٌصاله لآلخر، مُضٌفاً إلٌه خبرتن فً مكنونات لؽة من أصعب<br />
وأجمل اللّؽات الممروءة والمحكٌّة. ترى كٌؾ حدث هذا؟! هل<br />
أنت لبنانً من الذٌن ال ٌستطٌع أن ٌُؽرلهم أيّ بحر؟!<br />
ابتسم زٌاد ابتسامة فٌها من الفرح والشوق، إلى أن ٌضم وٌشم<br />
رابحة كلّ الذٌن ٌحبهم فً هذا العالم ولال: دعٌنً أستسمح ِن<br />
وأسؤلن: هل أنت مضطرّ ة للذهاب أكثر من تولً إلى نسٌان ما<br />
أنا فٌه، ترى لمَ تسرق منّا الحٌاة فرصنا للعودة إلى تنفّسنا<br />
الطبٌعً؟! كنت آمل عندما رأٌت وجهنِ المشع، أنه ربّما ٌسمح<br />
لً أن أتشرب بعضاً ممّا ٌمكن أن ٌبثه من إشعاع ٌعٌد األمل<br />
إلى حٌاتً، باحثاً عن جرأتً الجابعة الضابعة. أنا لست لبنانٌاً،<br />
لكنً درست اللؽة الفرنسٌة فً دمشك عاصمة بلدي سورٌّة<br />
وتخرجت من الجامعة األمرٌكٌّة فً بٌروت كطبٌب فً علم<br />
النفس. أخذت تلن الشهادة بامتٌاز، لكن ظروفاً ربّما أكون<br />
خالمها ونسبتها إلى الحٌاة، أشعر بؤنها هً التً حالت بٌنً وبٌن<br />
فتح عٌادة فً دمشك أخدم فٌها أبناء وطنً. إذ لٌس فً دمشك<br />
عدداً كافٌاً من هذا النوع من األطبّاء. اإلعالة التً أواجهها<br />
وتمنعنً من فتح عٌادتً واستمبال المرض هنان، لٌست مادٌّة<br />
بل تتعلك بما استجد من خوؾ مؤل كٌانً، ربّما نما فً أحشابً<br />
منذ طفولتً األولى وأخذ ٌتفشّى فً أعمالً، إلى أن سٌطر<br />
على المناخ السابد هنان، طارداً كلّ عناصر مناعتً التً لطالما<br />
ٕ8ٕ
كانت مصدر فخري ولوّ تً التً ال شنّ أنً كنت أتنفس منها<br />
كلّ شًء، وخاصّة المعنى الكامن فً حٌاتً وٌرفض حتى اآلن<br />
أن ٌمول أي شًء عمَّا ٌحول بٌنً وبٌن أن أعرؾ ما ٌدور<br />
حولً أو فً السماء. ماذا كان على أعمالً أن تفعل لتعٌدنً<br />
إلى ضرب األرض التً ألؾ علٌها وأصرخ بكلّ ما ٌمكننً من<br />
لوّ ة ماذا ٌجري؟! بل من ٌمنع حٌاتً من أن تساهم فً إؼناء<br />
الحٌاة وإفهام الناس ما ترٌد السماء؟! ألٌس من أجل هذا أُعطٌنا<br />
الموهبة وحُجبت عن اآلخرٌن؟! هل ما ٌزال زمننا زمن<br />
الخوؾ؟! لمَ نخاؾ ومن ماذا؟! هكذا صرت أمتلا إحساساً بؤنً<br />
لن أستطٌع منع نفسً من الؽرق فً ما ٌجري فً لاع مرضاي<br />
المفترضٌن ربّما بداٌة سؤمضػ معهم متعة اكتشاؾ ماهٌّة ما<br />
كان ٌحدث فً أعمالهم. لكن هل سٌمكننً أن استم ّر فً<br />
الؽوص هنان دون الخشٌة من أن أعلك فً مصٌدة ملٌبة بدِبك<br />
العصافٌر؟! وبعد ذلن ماذا سٌحدث ٌا سٌدتً؟ّ! ألن أتعاطؾ مع<br />
خوفهم وأنشد سماع موسٌماه وإٌماعاته، ألن أعانك شرٌكتً فً<br />
الرلص حتّى الموت، إن ساد االلتجاء إلى اآلخر كطرٌمة<br />
للوحدة فً ِ صدّ الهجوم المتولع ربّما فً مرحلة أخرى. عذراً ٌا<br />
سٌدتً، فؤنتِ لم تكونً تتولعٌن مثل جوابً.<br />
هذا صحٌح. من أٌن لً أن أحسب حساباً لمثل هذا الجواب<br />
المفاجا. كنت أسمع ما ٌحدث فً ببلدكم، لكنً لم أنتظر أن<br />
ٌتطور حتى ٌُنذر بحرب أهلٌّة ستخرب البلد وتطٌح بكل<br />
إنجازاتكم. وأنا هنا ال أشعر بؤنً مخوّ لة أن أنالش مخاوفن التً<br />
تمنعن من ممارسة مهنة سٌكون لها شؤن كبٌر فً مستمبل<br />
اإلنسانٌّة.<br />
ٕ8ٖ
نحن بالطبع سنحاول جاهدٌن االّ ٌحدث هذا، الجمٌع ٌعرؾ أن<br />
أٌّة حرب بٌن أبناء الوطن الواحد ستكون كارثة لد تطٌح<br />
بالوطن كلّه وتمتل نصؾ أبنابه على األلل. وأنا أدرن أننا ال<br />
نستحك ما ٌحدث وال ما ٌمكن لتطوّ ره أن ٌفعل بالوطن. جب ُت<br />
إلى هنا ألتخلّص من سماع األنٌن. نعم ٌا سٌّدتً إن زنوبٌا تبن<br />
وجعلت التارٌخ كلّه ٌجمّع لواه كلّها لٌُسمع العالم كلّ الموهوبٌن<br />
فً العزؾ على آلة )الترومبٌت( ٌعزفون لحناً حزٌناً فً ٌوم<br />
الخمٌس من كل أًسبوع لعل صبلة العالم كله ستكون لادرة على<br />
إنزال سورٌّة من صلٌبها الذي ال تزال مصلوبة علٌه. نظر<br />
زٌاد إلى السٌّدة الجالسة لبالته ورأى دموعها تنهمر وهً تطلّع<br />
إلٌه صامتة مبهوتة ولال: أنا شدٌد األسؾ. لمد نسٌتُ تماماً أٌن<br />
أنا. أرى أنن مكثتِ وضحٌ ِت من ولتن من أجلً. هذا ما<br />
سٌنعشنً كثٌراً. ماذا تشربٌن معً؟ أعتمد أن شٌباً بارداً سٌكون<br />
لطٌفاً.<br />
لم أعد أستطٌع أن<br />
أبتلع أيّ شًء. ستؤخذ لهوة ألٌس كذلن؟<br />
هٌا اطلبها ودعنا نواصل تعارفنا. أعتمد أنهم أصبحوا ٌمدّمون<br />
المهوة اللبنانٌة. إنن آتٍ من الشرق، والكلّ ٌعرؾ أن من هنان<br />
تتنبّع األسرار. لم ٌسبك لً أن جلستُ أتجاذب أطراؾ الحدٌث<br />
مع شرلً من سورٌا "أوؼارٌت" و"زنوبٌا" ولبلعها<br />
األسطورٌة التً دكّت بعضها المنابل. أظن أن فً ببلدكم أناس<br />
ٌحمدون على الحجر. هل شططتُ للٌبلً؟!<br />
لست أدري. إذ إنً لم أعرؾ أبً ٌوماً، وعشتُ مع أمً<br />
الرابعة الجمال، دون أن أعرؾ ما تخفٌه، أو حمٌمة ما ٌتجوّ ل<br />
ٕ8ٗ
فً ذهنها من فِكَر. لطالما كانت تعتنً بً دون تذمر. لكنها<br />
تعتمد أنً لد كبرتُ ولم أحصل بعد على تلن الرجولة التً<br />
ٌمكنها اتّخاذ لرار ٌحسم ما أنا فٌه من تبعثر ٌشمل كلّ شًء<br />
ابتداء من الفِكَرِ . إن ما ٌحدث فً ببلدي أدى إلى لتل الكثٌرٌن<br />
وأعطب أكثر وجرح كلّ السورٌٌّن إن كان فً األجساد أو فً<br />
النفوس. أعتمد أننا جمٌعاً أٌنما رحلنا موجودون فً لفص واحد<br />
نشم رابحة الدماء.<br />
إن النادل وراءن، اطلب منه ما ترٌد.<br />
استدرتُ إلٌه، ولكن لبل أن ألول شٌباً لال بالعربٌة: لمد سجّل ُت<br />
طلبن ممترحاً المهوة اللبنانٌّة الخالٌة من السكّر. أنا من الجزابر<br />
وعشت بضع سنوات فً دمشك أدرس األدب العربً.<br />
إن هذا مذهل، لمد فاجؤتنً. لكنن أضفت إلى ٌومً متعة<br />
أبحرت بً بعٌداً دون أشرعة. رؼم أنً أمٌل إلى األشرعة،<br />
وأتوق أن أؼفو واترن لها العنان ألرى عندما أستفٌك إلى أٌن<br />
أخذتنً.<br />
ابتسم لً بحب، ثّم ذهب إلى عمله. لكنً لم أستطع أن أتحرّ ن<br />
من مكانً، فتابعته إلى أن اختفى. ها أنا أتولؾ عن الكتابة<br />
محاوالً تذكّر لمَ فعلتُ ذلن؟! ترى هل مررتُ بنفس مشاعره أم<br />
تجاوزتها ألتساءل: ترى هل ٌدرن الشعب األمرٌكً أن<br />
رفاهٌّته التً تحسده علٌها كلّ شعوب هذه األرض، متؤتٌة من<br />
سرلة حكومته لجمٌع أمم هذا العالم؟!<br />
ٕ8٘
لمّا عدتُ إلى مضٌفتً ذهنٌاً بدت مدهوشة، وبادرتنً بالسإال:<br />
ماذا حدث لن؟! هل لال النادل شٌباً أزعجن؟!<br />
ال لم ٌحدث ذلن على اإلطبلق. إنه دون أن ٌمصد فتح لً<br />
جرحاً ال أعرؾ إذا كان سٌندمل ٌوماً ما. ٌبدو أن العالم ٌضٌك<br />
بنا كلّ ٌوم وال سبٌل إلى ردّ ما سٌحدث. سٌّدتً فً لٌلة متؤللبة<br />
بالنجوم شربت فٌها بضع كإوس من "الفودكا" السوٌدٌّة،<br />
لرّ رت الرحٌل إلى بارٌس لمضاء شهرٌن أو أكثر بعٌداً عن<br />
ببلدي وما ٌحدث فٌها. إن هذه الجلسة التً تضمّنً معن ال شنّ<br />
أنها مهداة من الربّ . لذلن ال أرى أنه ٌمكن تخصٌصها للحدٌث<br />
عن الجرابم التً ترتكب هنان، وال عن تلن الوحوش التً<br />
نشرت داء الكلب وسط تلن البٌبة الطٌبة السمحة التً عرفتها<br />
منذ طفولتً األولى، ثم فجؤة دبَّ فٌها سعار مخٌؾ ؼٌّر معالم<br />
الوجوه ونشر رابحة الطمع الفاسدة فؤصبح كلّ شًء ال ٌطاق،<br />
واحتماله سٌكون دون شن على حساب خفمان الملوب فٌؤخذ من<br />
عمرها الكثٌر. لمد كلّمنً هذا النادل باللؽة العربٌَّة، ولال إنه من<br />
الجزابر. إنً مدهوش وفً حٌرة من أمري ٌا سٌّدتً حتى هذه<br />
اللحظة. فوجبت ٌا أمٌرتً بالكٌفٌّة التً استطاع فٌها ذلن<br />
اإلنسان أن ٌدخل إلى الشؽاؾ وٌدرن أنً أفضل المهوة خالٌة<br />
من السكر. إنها بضع كلمات فمط كان لها ولع كبٌر هزّ أعمالً<br />
وجعلتنً أتساءل: هل ٌدرن الشعب األمرٌكً أن حكومته تجر<br />
شعوب هذا العالم إلى الفوضى مضٌفة إلٌها كلمة الخبللة بكل<br />
ما فً هذا الكون من ولاحة، لترشو شعبها الطٌب وتؽرٌه بؤن<br />
ٌزدرد ما شاء من "البوظة" حتى ٌمال أن الكمٌّات التً تستهلن<br />
فً أمرٌكا تفوق ما ٌدخل منها إلى أحشاء سكّان هذه المعمورة.<br />
ٕ8ٙ
ضحكت رفٌمتً كثٌراً ولالت: أنا لم ألابل فً حٌاتً من<br />
ٌحسن السرد واستعمال الكلمات المناسبة لِما ٌمال هنا وهنان<br />
بطرٌمة تشبه ما لمسته الٌوم، إنن بارع فوق العادة فً وضع<br />
الكلمات المناسبة فً مكانها تماماً وتملن جحافل من المفردات<br />
تجري وراءن. صدّلنً عندما ألول: إنً أسمع ولع ألدامها<br />
عندما تحتنّ باألرض، وأصوات هتافاتها المشجّعة تمؤل أذنً.<br />
هل أنت فرنسٌّة أم بلجٌكٌة وتعٌشٌن فً فرنسا؟! ٌبدو أنً<br />
فمدتُ موهبتً فً التعرّ ؾ على اللهجات؟!<br />
ال أظن أنن فمدت شٌباً. إذ إنً بلجٌكٌّة من أب ٌونانً كثٌراً<br />
ابتدأ ٌتعاطى الخمرة وهو فً رحم جدتً التً لم تكن تعرؾ<br />
طعمها. لكن أمً اعتمدت طوٌبلً أن الثورة الفرنسٌّة ارتكبت<br />
جرما بمتل "ماري أنطوانٌت" الملكة النرجسٌّة بامتٌاز. إذ إنها<br />
لم تستطع أن تفهم أن الثورة حذفت كلمة "الرلّة" من لاموسها<br />
وتلن الحاجات التً ال ٌزال ٌطلبها من وصل إلى كلّ شًء. أنا<br />
أسكن فً شمة مستؤجرة لطٌفة، لكنها ال تعجب عمتً. إنها بعد<br />
أن أصبحت أرملة تفضل أن أبمى متمسّكة بحرّ ٌتً، لكنها<br />
تشجعنً على امتبلن شمة ألرب إلٌها وأكبر، بحٌث أحصل<br />
على ؼرفة ثانٌة للنوم ومطبخ أكبر. إنها تستمر فً إؼرابً<br />
دون كلل أو ملل. لمد أبدت استعدادها أن تدفع ثلثً تمنها<br />
باإلضافة إلى أجور النمل. فً الوالع سؤنتمل ؼداً ظهراً إلى<br />
شمتً الجدٌدة، أال تدعو لً أن أرلص "السِرتاكً" فً ؼرفة<br />
االستمبال المتّسعة الملٌبة بالنور بشكل مفرط للٌبلً؟!<br />
ٕ87
أرجونِ تكلّمً لولً أي شًء، فكلماتن ترلص السٌرتاكً<br />
بشكل مختلؾ عمّا ٌمارسونه فً أثٌنا.<br />
من الطبٌعً أن أرث بعض خصال أمً البارٌسٌة، فمد<br />
اختطفها جنون والدي من الفرلة األولى التً ترلص البالٌه فً<br />
بارٌس وفً أنحاء فرنسا وفً بعض "أوروبّا". وهكذا أنا<br />
أرلص السٌرتاكً على الطرٌمة الكرٌتٌّة مؽطّسة إٌّاه ؼطستٌن<br />
فً إناء فٌه بعض الماء الذي ٌحمل صلواتً وأدعٌتً كً ٌمكّ ِنه<br />
من االحتفاظ دابماً بما تبثه أنالة بارٌس.<br />
من أنتِ ٌا تُرى، وأٌن تمارسٌن المشً؟! هل ٌمكنن أن<br />
تؤمري السحاب أن ٌرفعن إلٌه؟! صلًّ معً كً أكون محظوظاً<br />
وأحظى بمبولن لدعوتً إلى العشاء فً السبت المادم، فمد نتمكن<br />
من أن نصبح صدٌمٌن. لستُ متهوراً أرجو أن تتخلًّ عن<br />
شكوكنِ إن كنتِ تفعلٌن. إننِ بذلن تلؽً كلّ مشاعري التً<br />
تجٌش فً داخلً وتمارس ضؽطها على خنالً. دعٌنا نإجل<br />
تنفٌذ الحكم الذي تتمسن به العادات والتمالٌد.<br />
إن المناخ الذي ٌحٌط بً لابل لبلشتعال فً أٌة لحظة، وٌد<br />
األمٌر تمسن بٌدي وتؤخذنً إلى ؼرفة بعٌدة فً المصر أكثر<br />
حمٌمٌّة، تجعل من الشهمات موسٌمى ال بدّ منها لتمرٌر اللذة إلى<br />
كلّ أنحابن، وانتظار الذروة بلهفة مجنونة.<br />
أنت مدهشة ٌا كاترٌن، فمد أدخلتنً فً حالة من االستؽراب<br />
حٌّرتنً ودفعتنً لطرح سإال أرجو أالّ تعتبرٌنه التحاماً من أي<br />
نوع كان. ترى هل هذه المراءات نتاج ثمافة منطمتنا، ونستطٌع<br />
ٕ88
اعتبارها مٌل فردي للخروج عن المؤلوؾ، أم إنها اندفاع<br />
أوروبً اللتهام ٌنابٌع ثمافتنا لفهم الكٌفٌّة التً علٌكم بوساطتها<br />
التعامل معها؟! ترى هل فوجبتم بتملص العالم، وبفمرابنا<br />
ٌمتحمون أبوابكم وأنتم على طاولة الؽداء.<br />
أنا أوافك على كل ما للته. إن دراسة أعماق المشكلة المابمة<br />
بٌن الشمال والجنوب فً هذا العالم، كان علٌها أن تبدأ منذ ولت<br />
طوٌل. إن إهمالنا وفً العمك عدم مباالتنا، كانا السبب فً موت<br />
الكثٌرٌن، وهم فً الطرٌك ٌنتملون من بلدانهم على متن لوارب<br />
مهتربة، ٌدرن من ٌراها وٌعرؾ البحر أنها لن تتحمل طوٌبلً،<br />
وهً تشكّ طرٌمها متململة وسط الموج الذي ما أن مرّ ت<br />
العاصفة فوله وحاولت أن تداعب مٌاهه، فإنها لم تستطع إالّ أن<br />
تصرخ وتولول معلنة أن هذا فوق طالتها وال ٌمكنها الصمود<br />
واسكات ردود أفعاله وهٌاجه. عندبذ كان الثمن دون شنّ ابتبلع<br />
تلن الموارب وما تحمله من أنفس كانت تجاهد لتنمذ نفسها من<br />
الموت البطًء. أولبن المساكٌن جرّ بوا كلّ شًء كاستجداء<br />
الرحمة من الرب ومن كل األمم المتخمة وعادوا بخفً حنٌن.<br />
أما تلن الموارب المكتظّة فكانت تؤخذهم إلى االنتحار الذي ال<br />
ٌرٌدونه رؼم أنهم ٌفضلونه عن العٌون التً تتفرج علٌهم وهم<br />
ال ٌموون على ترن أرواحهم تخرج بسبلم. إن ما لد ٌفسر هذا<br />
االصرار الشدٌد على الموت الجماعً، هم الذٌن استطاعوا<br />
اختراق الطرٌك المسدود وارتموا على شواطا العالم المتمدن<br />
وهم ال ٌزال فٌهم رمك. كان هذا هو األمل، أما الذٌن ؼرلوا<br />
وأصبح أؼلبهم طعاماّ لؤلسمان، وما تبكّ منهم انتشلوا جثثاً<br />
هامدة، لم ٌدركوا أنهم حظوا بالدفن. إن هذا كشؾ صعب تفهّمه<br />
لبلمباالة واالستهتار بالنفس البشرٌّة الذي أصاب العالم وعدّ ك ّل<br />
ٕ89
ما حدث عماباً للكسل واالنتظار السخٌؾ حتّى تمطر السماء<br />
المن والسلوى. لكن أهل الشمال تناسوا سبب المشكلة وهً<br />
المساعدة اللبٌمة لدٌكتاتورٌّات العالم الثالث على ترسٌخ بمابهم<br />
فً السلطة بوساطة التسلٌح الؽالً الثمن بحٌث أصبحوا شركاء<br />
مطٌعٌن فً سرلة فمراء هذا العالم ومنع تطوّ رهم. لكن أٌن<br />
الحل ٌا ترى؟! المنتحرون ٌهدّدون ضمناً أن دماءهم ستبمى<br />
تلوث موابد الشمال العامرة. كما أنهم سٌظلون ٌصرخون من<br />
المبور لابلٌن: أال تكتفوا برمٌنا كعبٌد وسط حٌاة جدٌدة ال نعرؾ<br />
أبجدٌتها وال إٌماعها الؽرٌب الذي سٌستمرّ ٌمطع أنفاسنا إلى<br />
ولت طوٌل، ألم تكتفوا بالتفرّ ج علٌنا كؤشباه للبشر ونحن نتمرّ غ<br />
بؤوحال المجارٌر؟! سنجعل موتنا ٌذ ّكر من سٌخوض التجربة<br />
بعدَنا، ضرورة االلتراب من الشاطا حتى لو كان عن طرٌك<br />
السباحة كً ٌجد اإلٌطالٌّون وكل الذٌن ٌمتلكون شواطا على<br />
البحر المتوسط مبات الجثث من أبناء آدم مرمٌّة على شواطبهم،<br />
والمسإول عن ذلن هم ناخبو حكومات الشمال كلّها التً تتشدق<br />
بالمول لٌل نهار إنها تإمن بحموق اإلنسان التً تهدرها فً ك ّل<br />
دلٌمة حكومات الدول المارلة.<br />
ٌبدو أنن ستظلٌّن تدهشٌننً بعض الولت. لست أدري إن كن ُت<br />
أٌنما أذهب هرباً من المآسً أُفاجؤ بعٌش مؤساة أخرى ٌُصلب<br />
فٌها إنسان آخر أتاحوا له حك االعتراض، والمٌام بالمظاهرات.<br />
ٌبدوا أننا لن نموم فً هذا العالم. ألم ٌمل من لام: أنا لستُ من<br />
هذا العالم؟! ٌبدو أن الجحٌم تعلّم كٌؾ ٌؽٌّر ألوانه وٌمنحها<br />
المدرة على اإلؼراء، وتولٌت انتمالها من مكان حٌث تبزغ هنان<br />
وتعٌد التمسرح مع تبدٌل أللوان األلبسة فؤضٌع فً شعابها من<br />
جدٌد، وٌعود الٌؤس إلى التسرّ ب من حٌث ال أدري، صابؽاً<br />
ٕ9ٓ
األلوان التً كانت تسطع فٌها الشمس، لالبة إٌاها رأساً على<br />
عمب بحٌث ٌظهر لون الموت فاجراً فظاً ٌشتهً المزٌد من<br />
الدماء واألرواح البرٌبة. أنا الطبٌب النفسً الذي نجح بدرجة<br />
"ممتاز" أعترؾ أمامن بؤنً ال أدري حماً إن كنت أفتعل ك ّل<br />
هذا االنفعال سعٌاً وراء حنان ال أعرؾ عنه شٌباً، وال تمكُّنً<br />
من الرسم أرانً كٌؾ أرسم ما لم أره ٌوماً، وال أشٌر إلٌه بؤٌّة<br />
طرٌمة ممكنة. ربّما وجدت فٌنِ لوة العزٌمة والمدرة على<br />
فضحً وتعرٌتً كما خلمتنً أمً. الدلابك التً أمضٌتها معن<br />
جعلتنً ال أخشى أن أبدو بصحبة عاهاتً. هذه الجلسة لن تتَّسع<br />
لِما أرٌد أن ألول. أنا أحتاج بطرٌمة ما أن أخرج من ذاتً، ربّما<br />
إلى رحاب الحٌاة الحمٌمٌّة، بل إنً فً أحٌان كثٌرة أجد نفسً<br />
أعٌش تولاً إلى الضجٌج، أو أن أبدأ حواراً مع شخوص خاضت<br />
حرباً شرسة وارتكبت فظاعات ٌندى لها الجبٌن، وخرجت منها<br />
مشرببّة للمفز إلى لطار مسرع ٌحمل أعبلم السبلم خفّالة ال<br />
تخشى عنؾ الرٌح الذي ٌؤخذها إلى وسط السهول الخضراء<br />
المحاطة بشاطا طوٌل مدٌد ٌتلمّى مداعبات البحر بكل ما ٌملن<br />
من حنان وضرب خفٌؾ على مإخّرة الحبٌب. أما فً الجانب<br />
اآلخر البعٌد فتربض سلسلة من الجبال الصخرٌّة الملساء التً<br />
بإمكانها أن تعكس أشعة الشمس، فتزٌد نشر الضٌاء فً كلّ<br />
مكان. أعتمد أنن بالتعاون مع بارٌس ستحرّ رانً من عفونة<br />
السجن الذي ألبع فٌه. ربما تكمن الصعوبة فً كلّ ذلن أنً مع<br />
الولت صرت مدمناً على رابحة العفونة.<br />
هل ستبمى متمنّعاً عن إعبلمً باسمن؟!<br />
ٕ9ٔ
أعذرٌنً، إذ إن فرحً بن كاد أن ٌنسٌنً كلّ ما كابدته فً<br />
حٌاتً. وخلت بعض الولت أنً لد تخلّصتُ من تشتّتً المنفلش.<br />
ترى هل عدتُ إلى لٌادتها؟! إنً أشن بذلن ٌا كاترٌن. إن اسمً<br />
"زٌاد عبد النور" أبً من دمشك وأمً من البلذلٌّة. إنها مدٌنة<br />
ساحلٌّة بامتٌاز رلٌمة وجمٌلة وعصبٌّة المزاج، وتحسن استمبال<br />
الؽرباء. فً هذا العشّ الفرٌد العجٌب ٌكتسب الؽرٌب حمه فً<br />
المواطنة بعد للٌل من الحوار، وٌُعجب بكلّ مجانٌنها وآلهتها.<br />
لكن حذار، حذار من أن ٌمترب منها أحد وٌلعب مع أوتارها<br />
وأنؽامها. إذ إن انتفاضتها ستملب الدنٌا رأساً على عمب،<br />
وصوت زبٌر البحر سٌتعاظم وٌصل إلى كلّ الدنٌا.<br />
ما أعمك وصفن لمن تحب، فهو ٌشعر المرء بؤنه الترب من<br />
أعتاب محراب الرب. إنن تعطً اإلٌمان لمن ٌستمع إلٌن بؤنه<br />
فً ولت لرٌب ستمكّنه من الرلص حتى الصباح. لمد دفعتنً<br />
إلى الٌمٌن بؤن مدٌنتكم تمتلن مٌزات خاصة بحٌث توزع عشمها<br />
على كلّ فرد بشكل مختلؾ وتمؤل صدره برحٌك ممٌز طبخ<br />
على نار هادبة كً ٌجعل لٌالٌه كما ٌحبها هو. إن عابلتً هً<br />
من "كرٌت". تلن الجزٌرة الشهٌرة التً لطالما اعتبرت نفسها<br />
من أصول تفوق الٌونان عرالة. إن جديّ وجدّ "نٌكوس<br />
كازانتزاكٌس" الكاتب العظٌم هما إخوة وهما لم ٌكونا على<br />
عبللة طٌبة، وٌمال إن الخبلؾ كان على لطعة أرض. ربّما<br />
تكون هذه المشكلة هً السبب فً انتمال جدّي للعٌش فً "أثٌنا"<br />
ما أعرفه جٌّداً أن أبً لم ٌلتكِ بنٌكوس إالّ لِماماً. على كلّ حال<br />
علّمتنً عمّتً االّ أهتم ٌوماً بمذارة العابلة. بل أن أسعى جاهدة<br />
إلى تنمٌة بذور االرتماء الكامنة فٌها. أنا ال أعرؾ ماذا حدث<br />
تماماً بٌن العابلتٌن، إذ إن جدي ترن كرٌت ولرّ رَ السكن فً<br />
ٕ9ٕ
ىإل<br />
"أثٌنا"، وكان فً حالة خصام مع أخٌه األكبر والد نٌكوس.<br />
حسبما أعرؾ أن أمر ذلن الخبلؾ دام طوٌبلً وبمً الكثٌر ممّا<br />
جري طًّ الكتمان. أظن أنن ترى أنً أعملتُ فكري حتى<br />
وصلتُ صلة المربى الحمٌمٌّة الدلٌمة. أذكر أن أبً لمّا الحظ<br />
اهتمامً بكتب عمً نٌكوس، دون أن أعرؾ أن ذلن الكاتب<br />
الكبٌر هو عمً ودماإه تجري فً الولت نفسه مع دمابً<br />
الٌونانٌّة الفرنسٌّة. لال لً أبً فجؤة فً أحد األٌّام، بٌنما كنا<br />
نسبح سوٌّة فً كرٌت للمرة األولى: إنً أرى أنن لد كبرت ٌا<br />
كاترٌنا. ما رأٌن أن نتناول طعام الؽداء سوٌّة كعاشمٌن؟!<br />
سؤدعن تتذولٌن "األوزو" إنً أعرؾ مكاناً لطٌفاً فً<br />
"األومونٌا". هنان سٌطٌب لنا التحدث عن نٌكوس وصعوبة<br />
العٌش بٌن والدي ووالده. كنتُ حٌنبذ لد التربتُ من تجاوز<br />
الرابعة عشرة من عمري. تدبر أبً األمر مع أمً لاببلً لها أنه<br />
سمح البنته بالذهاب مع بعض أصدلابها للؽداء فً "ؼلٌفادا" فً<br />
مكان لرٌب من البحر بحٌث تصل أٌدٌهنَّ الصؽٌرة إلى المٌاه<br />
المالحة، فتتمكنَّ من مداعبة البحر العجوز الذي ال ٌبدو أنه<br />
سٌؽدو عاجزاً ٌوماً. أما هو فتدبر لنفسه عذراً بمنتهى السهولة.<br />
لم ٌكن كل ذلن لطٌفاً لً فً تلن األٌام. إذ إنً رجعت إلى<br />
ذاكرتً وعرفت أن سهرات أبً الكثٌرة منفرداً التً أذكرها<br />
اآلن تماماً كانت بؤعذار مختلمة مركّبة بحذالة، كالعذرٌن اللذٌن<br />
اختلمهما لً وله.<br />
كان المطعم الذي دخلناه جمٌبلً هادباً، ال صخب فٌه وال سكون<br />
مخٌؾ ٌدفعن إلى الهرب من مكانن والخروج إلى الشارع<br />
لتستنشك هواءً ال ٌشبه هواء المبور وال تلن الؽٌمات السود التً<br />
تحوم فولها. سمعنا فً ذلن المطعم وشوشات موحٌة كؤن<br />
ٕ9ٖ
أصحابها ٌتحدّثون وفك إٌماع متفك علٌه مسبماً، كؤنهم ال<br />
ٌرٌدون أن ٌسمع أحد ما ٌمولون لبعضهم بعضاً، سؤلت أبً<br />
لماذا ٌتحدّثون بهذه الطرٌمة، ترى هل ٌتؽازلون؟! عجباً إنً<br />
أرى أؼلبهم كبار فً السن، وعندما أتمعّن فً وجوههم، أرى<br />
أن الرجل الكبٌر ال تزال روح الشباب تسكنه، أما المرأة فلم ٌعد<br />
فً عٌنها شًء ٌلمع.<br />
هل ترٌن فً طرٌمة حدٌثهم ما هو مستؽرب؟!<br />
ألم تبلحظ أنهم تارة ٌتهامسون وأخرى ٌتوشوشون؟! لل لً<br />
ألٌس هذا ما ٌثٌر االستؽراب إن لم نمل االستهجان؟! لست<br />
أدري ماذا سٌفعلون لرٌباً؟!<br />
إنهم ٌبالؽون فً التهذٌب، وربّما فٌه دون شنّ بعض الؽرابة.<br />
ال بؤس فلنطلب بعض "األوزو" وللٌل من الطعام. ربّما علًّ<br />
مرالبة ما تمربٌن لبل أن تنامً.<br />
أعتمد <br />
أنن ستكون موجوداً، هل تسمح لً بالؽناء.<br />
ماذا تمولٌن؟! أن ِت تفاجبٌنً ماذا تبؽٌن من وراء ك ّل ذلن، هل<br />
تنوٌن أن تدفعً بالزبابن للهرب من المطعم وتُهٌنٌن عابلتنا<br />
وذكرى نٌكوس؟! أنا ال أدري ما ٌعتمل فً داخلن؟! أنت<br />
تظهرٌن أطواراً لم أعهدن تمتلكٌنها، من أٌن لن كل هذا؟! هل<br />
تعتمدٌن حماً أنن لادرة على األداء الممنع الجٌّد؟! إن كنتِ واثمة<br />
دعً أبون ٌسمع ما سٌفخر به طوال حٌاته.<br />
ٕ9ٗ
بكل تؤكٌد، لطالما لالت أمً أنً ورثت كلّ شًء منن.<br />
الصوت الجمٌل الممنع وؼرابة األطوار المملمة.<br />
حسناً،<br />
هٌا لومً بما ترٌدٌن، ولكن لمن ستؽنٌّن؟!<br />
سترى.<br />
عندما ولفت الفتاة وشرعت بالؽناء وهً لم تتجاوز بعد الرابعة<br />
عشرة من العمر، فؤبدعت وأدهشت الجمهور وهزّ ته بعنؾ<br />
شدٌد، لم ٌتولع أحد ما سمع وشاهد فصفك لها كثٌراً بحماسة<br />
وإعجاب. لكن الجمٌع أعادوا التصفٌك مرتٌن مطالبٌن بالمزٌد<br />
ترتسم على وجوههم الدهشة، ومعتبرٌن أنفسهم محظوظٌن، إذ<br />
إن الرب ال بد أن ٌكون هو الذي دعاهم فً هذا الٌوم لمبلمسة<br />
األُعجوبة والعٌش بعض الولت مع هذا اإلعجاز الكبٌر.<br />
الجمهور ولؾ من جدٌد وبدأ ٌرسل إلٌها المببلت الطابرة، ولم<br />
ٌتولؾ عن التصفٌك داعٌاً إٌّاها إلعادة الكرّ ة. إذ إنه كاد أن<br />
ٌُصدق أن "إدٌت بٌاؾ" بُعثت حٌّة من جدٌد، ودخل للبها<br />
الجرٌح بمدرة المادر إلى أحشاء تلن الطفلة وأخذت تؽنً كمؽنٌّة<br />
متمرّ سة محرّ ضة المشاعر اإلنسانٌة وجعلتها تستفٌك من<br />
ؼفوتها الستعادة ثورتها ضد سارلً الحموق واستعباد الجٌاع<br />
الذٌن تمام على جثثهم األوطان. الشرطة فً لحظة خاطفة مؤلت<br />
المكان، إذ لم ٌعتادوا أن تصدر منه تلن الضجة ؼٌر المسبولة.<br />
لكنه لم ٌلبث أن هدأ وعاد إلى سابك عهده. سارع لابدهم إلى<br />
التصفٌك من جدٌد بعد أن فهم ما حدث تماماً، وداعٌاً تلن الفتاة<br />
الصؽٌرة لاببل": أال نستؤهل نحن الذٌن نسهر على أمنكم<br />
وراحتكم أن تؽنً لنا "إدٌت بٌاؾ" الٌونانٌّة؟! لكن كاترٌن<br />
ٕ9٘
ولفت ولالت أنا كاترٌنا الكرٌتٌّة. أثارت تلن الكلمة المتحدٌّة من<br />
تلن الفتاة الصؽٌرة الجمهور، فصفّك مستحسناً وبعضهم<br />
انهمرت دموعه، ثمَّ تجوّ لت بنظرها فً أنحاء المطعم ولالت:<br />
"كاترٌن الكرٌتٌّة" ستؽنًّ مرّ ة ثانٌة لنرى جمٌعاً ماذا ستمول<br />
وكٌؾ". نطمت بكلّ ذلن بتحد وعنفوان ؼرٌبٌن أثارا الكثٌر<br />
من اإلعجاب والدهشة، فتخال أنن ال ترى مراهمة ال تزال فً<br />
بداٌة انتمالها من سن الطفولة وهً فً طرٌمها الطوٌل لتصبح<br />
امرأة حمٌمٌّة عركتها الحٌاة. بدأت كاترٌنا تشدو أؼنٌة تتدلى<br />
منها عنالٌد عِنب من أجمل ما رآه الجمهور فً حٌاته، كلّ حبّة<br />
منها كانت تشترن مع أخواتها فً الرجاء من آلهة الٌونان<br />
المدٌمة أن تنفخ فً رجال هذه األٌّام الخصب والموة فً<br />
المعاشرة علّهم ٌُخرجون إلى العالم أطفاالً ٌعٌدون إحٌاء ذكرى<br />
"السبارطٌٌّن" المدماء الذٌن كانوا ٌدفنون صؽارهم داخل الثلج<br />
بضعة أٌام دون أن ٌمطعوا عنهم التنفس طبعاً، فمن ٌموت ٌعود<br />
إلى ربّه، أما من ٌعٌش فٌصبح محارباً ٌصعب إزاحته عن<br />
الطرٌك. كانت األؼنٌة "لصوفٌّا فِمبو" تلن المؽنٌّة<br />
ذات الصوت الرجولً المعجون مع دخان السجابر والشهوات<br />
المختلفة التً تتوق إلى لضم كلّ رإوس األفاعً لبل أن تبلل<br />
بلعابها كلّ بمعة مهما كان مولعها من أي جسد جمٌل. ثم تبدأ<br />
المضاجعات الملحمٌّة بٌن أعمدة األكربول مهداة إلى اآللهة<br />
المدٌمة. المؽنٌّة الطفلة تصدّت لتحاكً طرٌمة "صوفٌّا" فً<br />
إخراج الحروؾ من أحشابها وهً تنزؾ لابلة: "أثٌنا أنت<br />
ترولٌن لً" كانت صؽٌرة السن وعدٌمة الخبرة فً الوصول<br />
إلى خطؾ تلن المشاعر من أنثى جفّت أعضاءها التناسلٌة،<br />
وبمً زبٌرها ٌخرج من فمها ومنخرٌها ومن أظافر ٌدٌها ٌنادي<br />
ذكراً ظلّ طوٌبلً ٌبحث عن ضالته ٌجد فً الؽابة فلم ٌجدها.<br />
ٕ9ٙ
كان مدعواً إلى حلبة الصراع فٌها حتّى الموت وٌتداخل فٌه ك ّل<br />
شًء فً كلّ شًء، حتى ٌحٌن الولت حٌث تسمع الصنوج<br />
الكبٌرة تدق فٌه دلات ثبلث ٌسمح بعدها لكل شًء أن ٌحدث<br />
حتّى االلتهام. الذٌن أستطاعت تلن الفتاة إدخالهم إلى اإلصؽاء،<br />
أسرتهم بضع دلابك حشٌشٌّة أدركوا من خبللها أن هنان<br />
مضاجعة حمٌمٌة تحدث أمام أعٌنهم، دون أن ٌعرؾ أحد من<br />
ٌضاجع من. لكن الكلّ كان ٌشعر بؤن هنان امرأة خبٌرة فً<br />
تمطٌع أوصال حبٌبها عندما ٌنتهً األمر، وصوت لادر على<br />
مضػ األحرؾ كلّ على حده، ٌستطٌع أن ٌُسمع الجالس هنان<br />
فً الزاوٌة البعٌدة أنّاتٍ لكلّ حرؾ تحكً له لصّة تلن المماحكة<br />
الجنسٌّة الرهٌبة التً عبرت التارٌخ الهٌلٌنً وال ٌبدو أن ذلن<br />
"الفنار" البعٌد ٌملن نهاٌة لصّة ذلن االلتحام الذي ٌجري فً<br />
زاوٌة ال تتسع لٌتتطور إلى معركة تسٌل فٌها الدماء أنهاراً. ك ّل<br />
من كان فً المطبخ خرج إلى لاعة الطعام مدهوشاً وهو ٌسمع<br />
إلى جانب ذلن الصوت الذي اعتبروه معجزة ما ٌُخرج من تلن<br />
األؼنٌة من إشارات تمول أن المضاجعة ستبمى لابمة فً العمول<br />
إلى ما بعد األؼنٌة بولت طوٌل. كانت كاترٌن تلن الطفلة تدرن<br />
ما تمول "صوفٌا" فؽنّت األؼنٌة بطرٌمة أبطؤ لٌُمكّنها ذلن من<br />
إرسال اإلٌحاءات التً كانت تبثها "صوفٌا" من خبلل صوتها.<br />
عندما أنهت كاترٌن ؼناءها ضجّ المطعم بالتصفٌك وهرع<br />
رجال الشرطة لئلحاطة بالمؽنٌّة الصؽٌرة لحماٌتها من هٌاج<br />
الجمهور الذي زاد كثٌراً بسبب تدفّك المارة إلى الداخل. مضى<br />
بعض الولت إلى أن عاد المطعم إلى طبٌعته. لال لً أبً كٌؾ<br />
لم أسعمن تؽنٌن فً حٌاتً؟!<br />
<br />
كنتَ مشؽوالً فً انتماء الجمٌبلت.<br />
ٕ97
كٌؾ تتجرّ بٌن على الهزء<br />
منً.<br />
إنً ال أهزأ من أحد. ألم تمل ألمً أنهم انتمون عن المحاربٌن<br />
المدماء إلنتماء جمٌبلت أثٌنا من أجل مسابمة ملكة جمال<br />
الٌونان؟!<br />
وبدوري سؤعٌّنن كاتمة ألسراري.<br />
"الذي كتب عن ؼنابً صحفً كبٌر كان جالساً وحٌداً حزٌناً<br />
بسبب خبلؾ مع مالن الصحٌفة، فؤعاده ذلن الممال إلى منصب<br />
ربٌس تحرٌر الصحٌفة."<br />
أخٌراً وصل الطعام، وكان األمر بالنسبة إلى كاترٌنا حفلة<br />
خاصة ألٌمت على شرفها، ولد تعلّمت "باألوزو" منذ ذلن<br />
الولت. هنان فهمت من والدها أن نٌكوس اتهم طوٌبلً باإللحاد،<br />
وهذا ما سبّب له فً المرٌة بعض االزعاجات، لطالما سمع عند<br />
مروره لرب المماهً الصؽٌرة العتٌمة، "ٌبدو أن العلم ٌرفض<br />
وجود هللا، تباً للعلم والمتعلّمٌن" لكن رفض الكثٌرٌن الصاق<br />
تهمة اإللحاد بالكاتب الكبٌر ساعد على بماء المرٌة وفٌة له وتكن<br />
له االحترام والتمدٌر وٌشتعل فٌها فخر الكرٌتٌٌّن بابن كرٌت<br />
البار. رؼم أن األحادٌث المنخفضة الصوت بمٌت مستمرة<br />
وظلّت تجري فً الشوارع الضٌمة التً تحتوي على مماهٍ<br />
ترتادها الطبمات العمالٌة وبعض الفبلّ حٌن لبل أن ٌصبح دخول<br />
المدارس متاحاّ للجمٌع. لكن عمً نٌكوس لم ٌكن ٌؤبه لكلّ ما<br />
ٌجري كما كان أبً ٌإكّد دابماً. بل استمرّ فً أمله بؤن هذا<br />
الصنؾ من الناس ال بدّ أن ٌؤتً ذلن الٌوم وٌمرأ كتبه وٌدركوا<br />
ٕ98
عمك عبمرٌّته. عندبذ سٌذهبون إلى الكنٌسة لٌطلبوا الرحمة<br />
لروحه وٌؤملوا من الرب أن ٌؽفر لهم عماهم المولّت. كان عمً<br />
ٌعتمد بموة أن من كان فً تارٌخه "سمراط" "وأرسطو"<br />
"وأفبلطون" ال ٌمكن إالّ أن ٌموم من سباته وٌؤخذ حمه من<br />
العلم. إن لم ٌستطع فعل ذلن بسبب العمر، فؤوالده سٌملإون<br />
المدارس مع جمٌع ألرانهم.<br />
زٌاد إن مسؤلة اإلٌمان شخصٌة تتعلّك بصاحبها وال عبللة<br />
ألحد بها. لٌس هنان أحد ٌمكنه أن ٌعرؾ الخفاٌا التً تتحكم فً<br />
كثٌر من األمور التً تجري فً أعماق الشخص نفسه دون أن<br />
ٌعلم بها وال الهدؾ الذي تسعى وراءه. فمد ٌكون الملحد مإمناّ<br />
دون أن ٌدري، إذ إن ما ٌجري فً األعماق لٌس من السهولة<br />
لراءته حتّى ألصحاب االختصاص. إذ إن من ٌؽوص فً<br />
أجواء ملبّدة رؼم لوة المصابٌح التً بحوذته، ال ٌملن التفاإل<br />
الطبٌعً الذي ٌمول: إن معرفته عمّا ٌبحث عنه ستزداد بازدٌاد<br />
تمدّمه باتّجاه الهدؾ. آالؾ السنٌن م ّرت والعلماء ٌتساءلون عن<br />
اللؽز الكبٌر وماهٌّة الوجود، والهدؾ الذي ٌكمن وراء الكٌان<br />
اإلنسانً المخلوق الذي ٌمكن اعتباره أعجوبة من بداٌاته وأثناء<br />
تطوّ ره. إذ إنه سلسلة من األعاجٌب التً ال تزال تُحٌر العلماء<br />
حتى ولتنا الحاضر. إن هذه األعجوبة التً تراها كلّ ٌوم تعلّمن<br />
أنها لد تؤخذ منن الحٌاة فً أٌّة لحظة، وتكتشؾ مع الولت إن<br />
الحٌاة التً تحرّ ن هذا الكٌان المفكر الذي مؤل الدنٌا<br />
باالختراعات بمختلؾ الحمول تُسحب الحٌاة من حٌاته فجؤة<br />
فٌنهار كله أثناء إلمابه لمحاضرة لٌّمة عن زرع أعضاء<br />
ببلستٌكٌّة بدل األعضاء المهتربة. "هذه كانت آخر كلمة لالها<br />
كٌان علمً جبار ثمَّ تهاوى أمام الجمهور لٌصبح جثّة هامدة. ال<br />
ٕ99
أحد ٌعرؾ ماذا سٌمّدم لنا هذا المرن وٌصبح حمٌمة تعٌش بٌننا<br />
كل ٌوم. ربّما لد ٌتكرر هذا المشهد أمامن مرّ ات عدٌدة. إنن<br />
دون أن تمول شٌباً ألحد ستصلً إلى الرب أن ٌرحمن وأن<br />
ٌدعن تموت أثناء نومن. الملحد ظل ٌسخر من المإمنٌن وٌهزأ<br />
منهم لاببلً: إنهم هم أنفسهم الذٌن كانوا ٌإمنون بالحجر، فانتملوا<br />
لٌإمنوا بؽٌر المربً وال المحسوس وبالتؤكٌد ؼٌر الملموس.<br />
إلى أن جاء العلم لٌإكّد أ ّال جماد فً الكون. الذرّ ات وتفرّ عاتها<br />
دابمة الحركة، وأن بإمكانها أن تحدث انفجاراً ٌطٌح بمدن<br />
بكاملها. تراجع الملحد وانحشر بالزاوٌة مستبدالً ٌمٌنه بعبارة:<br />
لست أدري؟! وعندما سبل هل ٌمكن لئلنسان أن ٌصل به<br />
السخؾ لدرجة ٌصبح فٌها شؽوفاً باالعتراض من أجل<br />
االعتراض؟! أجاب لست أدري. طبعاً إن هذ الكبلم ال ٌصدر<br />
إالّ من عالل ال ٌرٌد أن ٌتورّ ط فً سلسلة من األخطاء،<br />
وخاصة عندما ٌبلحظ أن التطور ٌزداد تسارعاً وٌتناول ك ّل<br />
شًء، واألعاجٌب تزداد والجمال الصاعك ٌخبو والعٌون التً<br />
كانت تتكلم وتوشوش صمتت وتعلّمت احترام الصمت أمام تمدم<br />
العلم. سٌكون هذا إنماذاً من الؽرق فً الؽباء والتخبط أمام<br />
تسارع عجلة التارٌخ. دع العلم للعلماء رؼم أنن ال تستطٌع<br />
االبتعاد عن األحداث، وال إٌجاد طرٌمة إلٌماؾ التفكٌر<br />
بالمستمبل أو التخلص من الخوؾ المتربص فً داخلن. فً هذه<br />
اللحظات ألٌس من األفضل أن ٌؤتً إلٌن اإلٌمان وٌدق بابن<br />
راجٌاً أن تفتح له. ترى هل ستفتح له الباب وتتركه ٌدخل، أم<br />
أنن ستظلّ متمسّكاً بعنادن وتفضل االعتراض من أجل<br />
االعتراض؟!<br />
ٖٓٓ
كانت جلسة رابعة ٌا "زٌاد" الرابع أثبت نفسه بؤن دعانً إلى<br />
التعرّ ؾ إلٌن. إن عمتً تسكن بالمرب من هنا، إنها وراء لوس<br />
النصر مباشرة، سؤسٌر إلٌها لتحرٌن لدمًَّ للٌبلً. رؼم أنً<br />
أدرن أنها ستفتح لً الباب عابسة، مضت ثبلثة أٌام دون أن<br />
أمر ألشرب الشاي معها. أنا أعرؾ كٌؾ أتعامل مع الكبار<br />
رؼم أنهم ٌنحون ٌوماّ بعد آخر إلى االستحواذ. األحد سنلتمً<br />
هنا فً المكان نفسه ظهراً، ثمَّ سنتمشّى الهوٌنى إلى مكان جمٌل<br />
إذا كان الطمس مناسباً. هنان ستشعر أن ثمّة شًء ٌبلّلن برابحة<br />
الٌاسمٌن دون أن تتبلّل. لكنن ستدرن أن عطر الٌاسمٌن<br />
ٌؽمرن. الترب منً فؤنت تستؤهل لبلة على شفتٌن المكتنزتٌن.<br />
ال تخش شٌباً فؤنا مدرّ بة على االنزالق إلى مولع آخر عندما<br />
أجد أن الشدّ اجتاز المبتؽى وتجرّ د من معناه وفمد طعمه الذي<br />
ٌسعى إلٌه الطرفان. إلى اللماء.<br />
رالبتها تمطع الشارع برشالة ملفتة، ٌمكنن أن تعٌد شرٌط<br />
تلن الخطوات، إذا فعلتَ لن تكون مخطباً. إذ إن المشهد عندما<br />
تراه مرّ ة ثانٌة بوساطة الشرٌط المصوّ ر، أو إن استطعت<br />
تخٌّله فستراه أشبه بالرلص ٌحدث فً الشارع صاحبته تمصد<br />
أن تحٌّر المارة وتجعلهم ٌرالبونها وٌتفحّصون جسدها الفتان،<br />
وحركة لدمٌها وفخذٌها. ثمّة بضع نساء كنَّ ٌجلسن على طاولة<br />
لربً سمعتُ إحداه َّن تحاول أن تعطً تفسٌراً لِما كانت تفعله<br />
كاترٌن فمالت ببراءة: ال شنَّ أن هذه المرأة كانت مرتبكة وهً<br />
تمطع الشارع المزدحم، فخطر لها أن تُدندن، فربما انشؽالها<br />
بشً آخر ٌبعد هذا االرتبان المزعج؟! ثمَّ شعرت أن ما تفعله<br />
كان مولّعاً بشكل ملفت ومثٌر، لكنها نسٌت أنها ال تزال فً<br />
الشارع وتتبّعت ذلن اإلٌماع الذي سرى فً جسدها، فجعلها ذلن<br />
ٖٓٔ
تؽٌب عمّا حولها، وترلص البالٌه وثباً كما أوحى لها ذلن الذي<br />
ٌسري فً جسدها. سمعتُ بوضوح كلّ ما لالته جارتً ولل ُت<br />
لنفسً: ربّما ٌكون هذا التحلٌل صحٌحاً، ولكنً فكّر ُت وأنا<br />
جالس مكانً أتفرّ ج على صدٌمتً الجدٌدة الرابعة وللت فً<br />
نفسً: كٌؾ سٌمكننً ٌوماً أن أنمل سالًَّ ولدمًَّ بمثل هذه<br />
األنالة التً لٌس لها نظٌر؟! ترى ماذا كان ٌجري فً كٌان<br />
"جٌن كٌلً" وهو ٌرلص تحت المطر تجتاحه تلن المتعة التً<br />
لٌس علٌنا أن نصفها فنحن بذلن نشوّ هها، إذ إننا ال نملن أن<br />
ننمل فً تلن اللحظات مشاعر كاترٌن ونضعها على الورق. إذ<br />
ال ٌمكن أن ٌحدث ذلن إال إذا تولّت هً نفسها محاولة تحمٌك<br />
ذلن بحٌث ربّما لد تستطٌع ترجمة أحاسٌسها بشكل صحٌح، أو<br />
ٌمكنه ذلن من درّ ب عظامها على فعل العجابب لستُ أدري ما<br />
حدث وفكّرتُ باآللة التً خرجت منها تلن اإلٌماعات، أعتمد<br />
على ما أذكر أنها تشبه طاولة فارؼة من األعلى مصطفّة علٌها<br />
مستطٌبلت نحاسٌّة مصنوعة من نوع خاص ٌستطٌع إصدار ما<br />
هو مطلوب من نؽمات. تضرب هذه المستطٌبلت النحاسٌّة<br />
بعودٌن من خشب ممٌّز صلب وٌحمل فً داخله المرونة<br />
المطلوبة، وملفوؾ رأسهما بمماش عالً الجودة مدروس جٌّداً<br />
ٌجعل الصوت الخارج من اآللة رخٌماً، بدل أن ٌكون حاداً<br />
مزعجاً. كما أنه ٌوحً له باالهتزاز بحٌث ٌتناؼم مع ذلن<br />
اإلٌماع الؽرٌب. ترى هل بدأ الرلص هكذا؟! "وهل جعل<br />
اإلٌماع ذلن الشخص الذي كان ٌتمشّى فً اللٌل البهٌم ٌهتز<br />
وٌعٌش نشوة لم ٌستطع تفسٌرها فً حٌنها" ؟! آه ٌا صؽٌرتً ما<br />
أجملنِ . للت هذا بصوتٍ مسموع بعد أن ؼابت كاترٌن عن<br />
نظري، وأنا أشعر بمشاعر مختلفة متشابكة، لو أمكنها أن<br />
تتحمَّكَ لعشت طرِ باً حمٌمٌاً ما تبمى من عمري.<br />
ٖٕٓ
للت لنفسً: لمَ ال أتناول طعام الؽداء هنا إذا كان لدٌهم ما<br />
ٌمدّمونه؟! عندما سؤلتُ النادل، ابتسم فرحاً ولال: عندنا كل ما لذَّ<br />
وطاب، وسؤعتنً بن عناٌة خاصة. أنا لم ألابل سورٌاً ٌتكلّم<br />
الفرنسٌّة كؤنه ٌؽنٌّها وٌدعها تخرج من للبه منزلمة تشعره<br />
باالرتٌاح، مادة له ٌدها الٌمنى، لتبلمس اصابعها شفتٌه، فٌؽٌب<br />
عن صوابه لفترة، مبتدعاً أسلوباً جدٌداً للؽناء.<br />
إنن تبالػ ٌا عزٌزي. سؤلول لن اسمً أوالً وهو "زٌاد عبد<br />
النور"<br />
إنه اسم جمٌل أهبلً بن فً "بارٌس" أما اسمً فهو "أحمد<br />
البدوي". كان لً صدٌمة اسمها مٌشٌل لم تخبرنً ٌوماً عن<br />
كنٌتها، وأنا لم ألح فً طلب ذلن. كان ٌهمنً فً ذلن الولت أنً<br />
كنتُ أحمل للبها بٌن ٌديَّ وأشعر بدلاته تسري فً كٌانً كلّه.<br />
عاش الحب إلى أبد األبد. ثم فاجؤنً بؤن أجهش بالبكاء بشكل<br />
جعلنً أرتجؾ من أخمص لدمًَّ حتى جلدة رأسً.<br />
ماذا حدث لها هل سافرت بعٌداً، أم حدث لها مكروه ال سمح<br />
هللا؟! لٌس من الضروري أن تمول أي شًء اآلن، وأنت ضمن<br />
هذا الجٌشان العاطفً. اهدأ سؤران الحماً مرّ ات عدٌدة.<br />
ال، ال، لم ٌحدث شٌباً من ذلن. لمد تركتنً بكل بساطة بعد<br />
حب جامح من الطرفٌن دام أكثر من سنتٌن. عندما سحبت ٌدها<br />
من بٌن ٌديَّ إٌذاناً أن ما كان لد أنتهى إلى ؼٌر رجعة، شعرتُ<br />
كؤن روحً تبصك علًَّ، وتؽادرنً هً األخرى من خبلل<br />
أصابعً ؼاضبة ألن عملً لم ٌجد حبلّ ً لتلن السخافة التً<br />
ٖٖٓ
أطاحت بحبٍ كنتُ أراه مباركاً من كلّ أعمالً، لم أشن ٌوماً<br />
أنها ستطٌر فجؤة وأرى أحبلمً تذرؾ الدموع لدلٌمتٌن ث َّم<br />
تختفً بعد ذلن. فً الولت نفسه كاد دوّ ار أن ٌطٌح برأسً<br />
بعٌداً. لكن أحد الزبابن أدرن ما ٌحدث فبادر إلى المٌام من<br />
مكانه، ولم ٌترن رأسً وال جسدي ٌصطدمان باألرض<br />
المبلّطة، فؤنمذنً من ٍ شرّ كبٌر كان ٌمكن أن ٌحدث.<br />
ما حدث كان أمراً ؼرٌباً حماً، وال بدّ من سبب كبٌر لٌحصل<br />
ما حصل. أٌحرجن أن تفسر سبب هذه المؤساة التً لطعت تلن<br />
الوحدة ما بٌن "رومٌو وجولٌت" فً المرن الواحد والعشرٌن<br />
فً وسط هذا الشارع البدٌع؟!<br />
عندما التمٌنا شعرتُ أنها مرتبكة للٌبلً. فً تلن اللحظات م ّر<br />
سرب من الطٌور كان ٌبدو فرحاً ومنخفضاً عمّا نراه عادة،<br />
فتطلعت إلى السماء لترالب ما ٌجري، فملتُ لها ما رأٌن أن<br />
ندعو تلن الطٌور الجمٌلة إلى عرسنا.<br />
ال أعتمد أن هذا الحفل سٌتمّ، إننً من عابلة كاثولٌكٌّة وعابلتً<br />
تعارض هذا الزواج معارضة شدٌدة. أصابنً الخرس للحظات<br />
ثمَّ شملنً كلٌّاً فؤصبح جسدي كلّه بما فٌه من أعضاء أبكم<br />
وأعمى. صدّلونً أنً أجهل حتى اآلن كم بمٌتُ آلة معطّلة.<br />
طارت الثوانً التً كانت متاحة لً للكبلم. إذ إنها صعدت إلى<br />
سٌّارة سوداء أنٌمة، واختفت كؤن شٌباً لم ٌكن.<br />
ألم تمل لها شٌباً عن دٌنن؟!<br />
ٖٓٗ
ال أذكر ٌا سٌّدي، لمد مضت على عبللتنا أكثر من سنتٌن.<br />
ولكنها تعرؾ اسمً كامبلً. ألٌس كافٌاً اسم "أحمد" حتّى تعرؾ<br />
دٌانتً.<br />
أعتمد أنه فً بعض األحٌان ٌكون كافٌاً، وفً بعضها لد ال<br />
ٌكون كذلن. إذ إن الكثٌرٌن هنا ٌؽٌّرون دٌنهم متى شاإوا، لك ّن<br />
لٌس كلّهم ٌؽٌرون أسماءهم. ألم تسؤلن عن دٌانتن طوال المدة<br />
التً لضٌتماها معاً.<br />
ال لم ٌحدث ذلن مطلماً.<br />
ال أرٌد أن أؼوص أكثر فً نفس ال أعرفها. إنً ال أجد هذا<br />
علمٌاً وال منطمٌّاً. كما أنً أخشى أن أجد نفسً وسط الحرج.<br />
لذلن سؤختم ما أعرفه عن هذه األمور وألول على كل حال، لد<br />
ٌكون هنان سبب آخر لهذا الفراق الفجابً، إذ إن ضؽط األهل<br />
لد ٌإثر كثٌراً فً مثل هذه األمور، وخاصة فً العاببلت<br />
المحافظة، وعندما تكون ما ٌُفترض أنها صاحبة المرار، هً<br />
من الضعؾ بحٌث ال ٌمكنها أن تمفز مجتازة رأس العابلة. لكن<br />
هل رأى أحد ما حدث لجولٌت؟!<br />
ألم ألل لن ٌا سٌّدي إنها اختفت فً تلن السٌّارة السوداء؟!<br />
تجمّدتُ فً مكانً مكسور الجناح أمام تلن المسؤلة الكبٌرة، بل<br />
فً مواجهة تلن الصخرة الصمّاء. لطالما تكرّ ر ما ٌشبه ذلن<br />
المشهد منذ أن كن ُت فً بداٌة الشباب، "دافعة بً إلى تكثٌؾ<br />
لراءآتً الدٌنٌّة وتعمٌك فهمً للكثٌر من التفاصٌل، التً ربّما<br />
ٖٓ٘
تكون المسإولة عن "بسٌكولوجٌّة" الناس فً المجموعات التً<br />
تعٌش فً األرٌاؾ. "ربّما علٌنا أٌضا أن نتولؾ متسابلٌن عن<br />
مفهوم كٌنونة اإلنسان فً الدٌن الذي ٌإمن به". هكذا خرجتُ<br />
عن طوري للٌبلً أو كثٌراً ال أدري. لكنً أعرؾ أنً سارعت<br />
وللت للخالك ناسٌاً تماماً وجود "أحمد": عذراً ٌا ربًّ إنً لم<br />
أعد أفهمن! هل خَلمت كلّ شًء كما نهوى، أم كما ترى أن<br />
ٌكون؟! أال تكفٌنا المعضبلت التً تواجهنا؟! ورؼم ذلن كلّه،<br />
تّفاجبنا بسماع لهاثن وسط وسابدنا؟! بت ال أفهم إلى متى<br />
سٌستمر هذا التعذٌب المُمنهج، الناس بدأت تهٌم بالشوارع وال<br />
تجد سبباً لِما ٌجري. إنه ٌبدو أنه لن ٌنتهً. هل تنوي أن تعلّمنا<br />
كٌؾ نتمبل العٌش فً ؼٌر المعمول، هل علٌنا أن نُج ُّن حتى<br />
نستطٌع أن نعٌش فً هذه الدنٌا دون أن تمول ماذا تبؽً من<br />
وراء ك ّل هذا؟! هل هنان فابدة ٌا ترى من هرب الناس من<br />
التفكٌر فً علّة وجودهم؟! لمَ ال تضع وشماً ممٌّزاً على جبٌن<br />
كلّ شٌطان، وأنا سؤعدن بؤنً لن أكتفً بمتلهم، بل ربّما أمضػ<br />
للوبهم إذ إنً ربّما أصبح لرباناً أو ضحٌّة تمحو دماءها الحمد<br />
والسخؾ من هذا العالم، ولٌسُد فٌه الحب والؽفران إلى األبد.<br />
حتّام علٌنا االنتظار إلى أن تتعمّل بشرٌتنا، ونشعر بملوبنا<br />
تنبض بوضوح إشارة منها أن الحب الذي ٌمؤل حٌاتنا هو الذي<br />
ٌمود خطواتنا؟! لست أدري لماذا ٌجري التبلعب بؤحبلمنا. ترى<br />
هل علٌنا أن نستفٌك من حلم كنا نرى فٌه األوصال تمطع<br />
والبطون تُبمر والرإوس تطٌر نحو الوادي السحٌك، رأٌت أحمد<br />
أمامً فؤشرت إلٌه لاببلً: اذهب إلٌهم فً المطبخ فهم ٌحتاجونن<br />
هنان على أجنحة المبلبكة.<br />
سؤعود إلٌهم، لكنً سؤصلًّ لٌؽفر لن الرب انتماداتن له.<br />
ٖٓٙ
أرجون ٌا أحمّد ال تفعل، اترن األمر لً فالنماش بٌنً وبٌنه<br />
مستمر منذ زمن طوٌل. ٌبدو أنه لن ٌنتهً لبل أن ٌؤخذنً إلٌه.<br />
المشكلة ٌا عزٌزي أنه ال ٌسؤم واالبتسامة ال تفارق ثؽره.<br />
حسناً، لكن دعنً أتمنّى علٌن أالّ تفعل ذلن أمامً مرّ ة ثانٌة.<br />
ٌبدو أن "أحمد" ؼضب ؼضباً شدٌداً، ربّما لن تعود الرحمة إلى<br />
السكن فً للبه إالّ بعد ولت طوٌل. المشكلة أن ما ٌحدث ال<br />
ٌتعلّك بؤحمد بل إنه فً الوالع من إنتاج الحٌاة. ترى هل أعٌد<br />
السإال على نفسً وأصرخ فً وجهها لاببلً: أأعود إلى مدرسة<br />
األمرٌكان فً البلذلٌّة حٌث لٌل أن هنان ؼرفة ٌمال أن فٌها<br />
ٌحرق هللا األوالد الذٌن ال ٌإدّون واجباتهم المدرسٌّة. سؤجٌب<br />
ال لن أعود إلى الخوؾ من هللا، فهذا سٌملب كلّ معتمداتً رأًساً<br />
على عمب، وأدخل إلى التفاهة وألبع فٌها إلى األبد وسٌصبح<br />
عندبذ كلّ شًء ٌدور حولً أو أدور حوله تافهاً ٌبدأ من الحٌاة<br />
نفسها. مشكلتن أنن ال بدّ أن تتابع المسٌر وأنت تبصك ٌمٌناً<br />
وٌساراً، إذ إن كل ما ٌحٌط بن سٌظلّ ملوثاً، ولن تستطٌع أن<br />
تتجنّب مبلمسته وال االضطرار إلى فعل ذلن. استفمت إلى<br />
نفسً، ناسٌاً أن ثبلثة أٌام تفصلنً عن موعدي الثانً مع<br />
كاترٌن. إنه ولت طوٌل ألضٌه وحدي. ترى ماذا ٌمكن أن أفعل<br />
وحٌداً؟! هل أشتري عدة الرسم وأذهب إلى "مونمارت" وأختبر<br />
نفسً هنان وأرى إن بمًَ شًء مما تعلمته من تلن البمعة<br />
الجمٌلة. تذكرت الطعام الذي لم ٌؤ ِت، وأمل ُت أن ٌكون أحمد لد<br />
نسً ولم ٌتناس. لكن األمر طال ولم ٌخرج أحمد لٌعتذر وٌمول<br />
أي شًء عن مشكلة حدثت فً المطبخ وأعاق تحضٌر ؼدابً<br />
ٖٓ7
ِ<br />
للت لنفسً: هٌا ٌا زٌاد لم واشترِ<br />
الؽد جاهزاً لبلنطبلق.<br />
عدة الرسم، وستكون صباح<br />
9ٔ <br />
كان ذلن الصباح ٌوماً مشهوداً فً حٌاتً، فالطمس الرابع<br />
مؤلنً حبوراً. كما أن "مونمارت" كانت تمرّ بحالة ممٌّزة. إذ<br />
إن مجموعة كبٌرة من السوّ اح اإلٌطالٌٌّن الؽالبٌّة منهم من<br />
النساء الجمٌبلت، كنَّ ٌتشاورنَ إن كان من األفضل لهنَّ أن<br />
ٌبمٌن حٌث هنَّ، فً هذا المكان الفسٌح أم ٌحاولن صعود السلم<br />
والتفرج على ما ٌجري فوق فً أعلى الدرج. لاطعت هذه<br />
المشاورات مجموعتان من اللبنانٌٌّن والبلؽارٌٌّن وصلتا للتو<br />
مشكّلتٌن حلمتٌن لرلص الدبكة. اللبنانٌّون بدأوا الؽناء مختارٌن<br />
أؼنٌة إٌماعها سرٌع للمطربة أعجب بها البلؽارٌّون،<br />
فانضمّوا إلى اللبنانٌٌّن وبدأوا جمٌعاً الرلص منسجمٌن فرحٌن<br />
جاعلٌن بمٌّة الموجودٌن ٌصفمون حسب اإلٌماع بشكل رابع فٌه<br />
من دلّة التوافك مع الرلصة ما هو عجٌب وؼرٌب. فً هذه<br />
األثناء كان اثنان من الرسامٌن ٌرسمان بسرعة كبٌرة لوحة<br />
كبٌرة تمثل الحلمتٌن وهما ترلصان بحماسة بعضهم من بان<br />
مبتسماً، وبعضهم اآلخر من كان ضاحكاً. استمر الرلص نصؾ<br />
ساعة تمرٌباً، تناوبت فٌه األؼنٌات اللبنانٌّة والبلؽارٌّة مع<br />
اختبلؾ فً اإلٌماع لٌس كبٌراً، سارع اللبنانٌّون إلى التماطه<br />
ووضعوه موضع التنفٌذ على الفور. امتؤل الجمٌع فرحاً وبهجة<br />
أؼناهما ذلن اإلتمان للرلص، الذي كان حدثاً ملفتاً، وخاصة ذلن<br />
االنسجام العفوي الذي جمع مجتمعٌن مختلفٌن، مظهراً أن<br />
المرى البلمانٌّة ال تختلؾ كثٌراً عن لرانا اللبنانٌّة والسورٌّة. أما<br />
" صباح"<br />
ٖٓ8
أنا باإلضافة إلى الفرح الذي عمّنً بدأتُ أشعر بدوار خفٌؾ<br />
أعتمد أنه كان من عمل البهجة التً سرت فً الجمٌع وفعلت<br />
فعلها فً مشاعرهم. كما أنً لم أكن معتاداً على شم هذا الكم<br />
الكبٌر من أنواع العطور، وال على رإٌة هذا العدد الكبٌر من<br />
النساء اإلٌطالٌات الرابعات الجمال، اللواتً فوجبنَ بهذا الحفل<br />
المفاجا الذي سٌتحدّثون عنه عندما ٌعودون إلى مجتمعاتهم.<br />
أنا اآلن فً ٌوم السبت صباحاً، أي أن علًّ االنتظار ٌوماً<br />
كامبلً بنهاره ولٌله، وكذلن بضع ساعات أخرى حتّى ٌحٌن<br />
موعدي مع تلن المرأة الساحرة. لن ألول لكم سراً، عندما<br />
أكشؾ لكم كم أنً مشتاق إلى مواجهتها وجهاً لوجه، كحبٌبة<br />
سكنت وجدانً وللبً وإنً مؽتبط ألنً أشعر بها تسرح وتمرح<br />
هنان كما تشاء. لو تدركون كم راجعتُ ورتّبتُ بٌنً وبٌن<br />
نفسً، ما أرٌد أن ألول لها. هنان الكثٌر الذي ٌمكننا أن نفعله<br />
معاً من أجلنا ومن أجل الذٌن ٌحٌطون بنا وإعادة نشر كتب<br />
نٌكوس بترجمة أكثر عمماً توضّح ما كان نٌكوس ٌرٌد أن ٌمول<br />
دون لبس. لستُ أدري كٌؾ أختار الحظ هذا التولٌت لٌمؾ<br />
أمامً وٌخاطبنً لاببلً: لمد م ّر زمن طوٌل وأنت تندب وتشكو<br />
من انحٌازي وابتعادي عنن لصداً ولإماً. ألٌس ما كنت تفعله<br />
وال تزال ٌكمن فٌه الشرّ واإلجحاؾ؟! كٌؾ كنت تواصل ما<br />
ثابرت على فعله زمناً طوٌبلً، دون أن تحمل سبلحاً تدافع به<br />
عن نفسن؟! أال تدري فً أي زمن تعٌش وتمول ما ترٌد؟! ال<br />
تخفؾ من أهمٌّتن فً هذه المرحلة التً نمرّ فٌها.<br />
من أعطان الحك بالشنّ بؤنً لد أحمل سبلحاً.<br />
دون أن أدري؟!<br />
هل تنبش ثٌابً<br />
ٖٓ9
ال تتشاطر وتظن أنن بإمكانن استؽبابً، ألم تفهم بعد ك ّل تلن<br />
السنوات التً أمضٌتها فً الدراسة أن ما كنت ألصده هو<br />
المسوّ غ أو التبرٌر. هذا هو السبلح الذي كنتُ أرجو أن تتمنطك<br />
به وهو الذي ٌستطٌع إنماذن فً المُلمات. أرجو أالّ تظن أنن<br />
تستطٌع الهرب من الوحوش. عندما كنتُ أتفرّ س فً وجهن<br />
البريء كنت أدرن فً الحال أنن ال تعرؾ أٌن تعٌش. لطالما<br />
رأٌت الوحش ٌمرّ لربن وٌمؾ للٌبلً ثمَّ ٌتابع طرٌمه أظن أنه<br />
ٌإجّلن فهو ٌرٌد فً هذه اللحظات أن ٌمضػ من ٌماومه. إن<br />
المبرر تستطٌع أن تسوّ له بسبلسة، وهو الذي ٌستطٌع إنماذن<br />
وتحوٌل التهم الموجّهة إلٌن إلى تهم باطلة تفتمر إلى المصدالٌّة،<br />
بحٌث ٌمكنن التباهً بؤنن ال تستطٌع ارتكاب الشر حتّى لو<br />
حاولت جاهداً أن تحمل السٌؾ، فً محاولة للذهاب إلى عدوّ ن<br />
ولطع رأسه بسٌفن البتّار. ال تزال طفبلً برٌباً ٌا زٌاد، رؼم أنن<br />
تزداد لمعاناً فً عالمن، الذي رؼم التهم بؤنن تشتهً أن تصبح<br />
خٌّاالً دون أن تخاؾ من أن ٌولعن الحصان على األرض<br />
باستهزاء. لمد أبدٌت للجامعة األ ِمرٌكٌّة أنن الوحٌد الذي ال<br />
ٌزال ٌزورها، من الذٌن تزوّ دوا بالعلم فٌها، ممدّماً لها الدراسات<br />
لكل ما ٌصل إلٌن من جدٌد فً هذا العلم، الذي أفهم المتلهؾ أن<br />
علٌه أن ٌدق باب هللا باحترام شدٌد وٌعرؾ ذلن الطالب الجدٌد<br />
إن هللا ٌعتنً بؤبنابه فهو الذي مكّنن من االلتحاق بؤفضل جامعة<br />
فً الشرق األوسط. كما علٌن أن تدرن أنن عندما تتخرّ ج<br />
ستكون رجبلً مختلفاً. ستظل تسهر اللٌالً إذا كنت ترٌد<br />
الوصول ٌوماً ما إلى الممة.<br />
ترى هل لدٌن تبرٌراً<br />
بها؟!<br />
للهجة الصارمة الفولٌّة التً تكلّم َت<br />
ٖٔٓ
ال، ال، إنً آسؾ إذ إن فً جعبتً التبرٌر الذي تطلبه، فبل<br />
أحمل معً دابما سوى الحب. لمد جاءنً األمر اآلن باالنسحاب<br />
من هذه المماحكة ؼٌر المجدٌة واالعتذار لن. دعنا نتفك أنً<br />
هٌّؤتُ لن فرصة نادرة بؤن تستخلص من صدٌمتن الجدٌدة<br />
معلومات ؼٌر معروفة عن الكاتب الكبٌر"نٌكوس<br />
كازانتزاكٌس" من ابنة عمه. إنها ستكون ذخراً جدٌداً مضافاً<br />
إلى التارٌخ. أي أنن ٌمكنن بهدوء أن تكتب مماالً عن نٌكوس لم<br />
ٌستطع أحد أن ٌعرؾ بما ٌمكن أن ٌحوٌه. كما أن لدٌن<br />
المصدر الذي ال ٌمكن دحضه أو التشكٌن فً معلوماته. إذ إنه<br />
ٌملن الوثابك التً تإكّد أنها االبنة الوحٌدة البن عم الكاتب<br />
الكبٌر دون أي شنّ . لذلن ال توفر شٌباً من حظّن، الذي أتى<br />
إلٌن وحاول أن ٌطلب األذن بالتكلّم إلٌن، ولكنّن رفضت،<br />
وعندما ألح ركلته بعٌداً.<br />
ٕٓ <br />
عندما تتحوّ ل بارٌس كلّها مع أحٌابها وأزلتها إلى جزء ال ٌتجزأ<br />
من المسرح، ٌصبح االتّساع المفاجا للمكان الذي تجري فٌه<br />
العروض أكثر ؼموضاً وإثارة. المهم فً تلن اللحظات من<br />
ٌملن الفطنة والسرعة الؼتنام الفرصة واإلمسان بفكرة<br />
المسرحٌة، التً لبلت بارٌس كلّها أن تصبح مسرحها. بحٌث<br />
تتهٌؤ أحٌاء بارٌس وأزلّتها وتصبح مسرحاً حمٌمٌاً تجري فٌها<br />
كلّ األحداث، وال ٌكون أحدٌ فً الشوارع ؼٌر الممثلٌن. ال<br />
ٌسؤلنً أحد كٌؾ لبل كل الناس هنان بهذا المنع للتجوّ ل<br />
ٖٔٔ
الطوعً. سؤلول له: اإلثارة أصبحت ٌا عزٌزي مُر ّكباً جاهزاً<br />
للبٌع بمختلؾ األلوان وفً كلّ مكان. إنه ٌشبه حبوب األدوٌة<br />
العادٌّة، التً ٌمدّمها الناس لبعضهم بعضاً علّ البعض منهم<br />
ٌصبحون )كومبارساً( فً تلن المسرحٌّة التً سٌصار إلى<br />
تصوٌرها سنٌمابٌاً. أما إن سؤلنً أحد كٌؾ سٌجري التصوٌر،<br />
لٌرى كل سكان بارٌس ما جرى فً ذلن الٌوم الذي لبلت فٌه<br />
المعامل وكذلن الدكاكٌن والمحبلّ ت التجارٌّة أن تؽلك أبوابها.<br />
ألول: هل نسٌتم الخدع السنٌمابٌّة وهل كنتم تصدلون ما ترونه<br />
فً األفبلم من اصطدام سٌارتٌن أو ثبلث، ثم بسبب سرعة<br />
السٌر، تتوالى تلن االصطدامات إلى أن ٌصبح المشهد حوالً<br />
خمسٌن سٌارة محطمة تحطٌماً كامبلً. ولد ٌمكن للناس أن<br />
ٌشاهدوا بعض ما ٌحدث هنا وهنان بالتناوب. كما أنهم<br />
ٌستطٌعون أن ٌروا عبر النوافذ المؽلمة عشر طابرات<br />
"هٌلوكوبتر" تحلّك فً أجواء بارٌس كلّها إلجراء التصوٌر<br />
الفنً البلزم. عابدات هذا الفٌلم الذي سٌدور فً أنحاء العالم<br />
سٌكون رٌعه لبناء الحدابك لؤلطفال فً أحٌاء الفمراء. كما<br />
سٌكون كل لرش ٌدفع آتٌاً من العدٌد من المصادر.<br />
تستطٌع فً هذه المدٌنة الؽرٌبة األطوار التجول صباحاً بٌن<br />
الرسّامٌن، الذٌن ٌمكنن أن تراهم أٌنما أتّجهت. إذ ٌمكنن أن<br />
تشاهدهم مزروعٌن فً كل مكان كؤصص الزهور. بعضهم<br />
منكبٌّ على خلط ألوانه والنظر هنا وهنان علّه ٌرى مشهداً<br />
ٌستحك تمرٌػ فرشاته فً تلن األلوان النصؾ ناضجة،<br />
وبعضهم اآلخر ٌعطً تعلٌماته لفتاة جمٌلة ولذرة بكٌفٌّة<br />
الجلوس واإلبتسام. ٌبدو أنها أعجبت أحدهم ورالت له ضحكتها<br />
التً تروي الكثٌر من الحكاٌات الؽرٌبة رؼم ما ٌبدو علٌها من<br />
ٖٕٔ
فمر لد ٌثٌر المرؾ عند البعض وٌمكن أن ٌكون مشروعاً، أو<br />
نكاٌة، وعند البعض اآلخر لد تخرج الشفمة من للوبهم، وتنزل<br />
إلى الشارع، فهنان ٌحتاجون إلٌها أكثر . لكن بعٌداً عن كلّ ذلن<br />
ٌذهب من ٌهمه األمر بعد الؽروب لٌستمتع بسماع "أوركسترا<br />
الؽرفة" حٌث تعزؾ عدّة لطع موسٌمٌّة ستكون هذا األسبوع<br />
إحداها "لباخ" وأخرى لبٌتهوفن أما الثالثة ولد تكون هنان<br />
رابعة لم أسمع بمن ألّفها عذراً فؤنا لد نسٌت أسماءهم.<br />
لمد بمٌتُ فً بارٌس عاماً ونصؾ، أحاول جاهداً أن أنهل<br />
من ِ فنّ الرسم وجنونه ممّا أذهلنً حماً . ثمَّ مع الولت بدأ ُت<br />
أعاٌش فً العمك شطحات الفنانٌن التً ٌصنفونها فً ببلدي<br />
أنصاؾ المتعلّمٌن "بالمسٌبة للفن" تظهر هذه الشطحات أهمٌة<br />
الخٌال فً تكوٌن الفنانٌن وإلى أيّ عالم ٌمكن أن ٌؤخذهم، وأٌة<br />
لمم ٌرٌدهم أن ٌحلموا بها. عندما ٌرتاحون، ٌذهبون إلى زاوٌة<br />
ما ٌدخنون وٌحتسون المهوة. ربّما تجد من ٌمترب منن وٌمول:<br />
إذا لم تستطع أن تعٌد تشكٌل العالم وتعطٌه شكبلً جدٌداً<br />
ومضموناً مختلفاً فكؾّ عن تضٌٌع ولتن فً شًء سٌؽٌبن بدل<br />
أن ٌظهرن علماً جدٌداً خفّالاً فً العالم الجدٌد. ثك أن هذه هً<br />
مهمّة الفنان، وإالً ستجعل من نفسن كٌاناً سخٌفاً ٌثٌر الشفمة<br />
خارجاً من "نوتردام" مطؤطا الرأس.<br />
أٌّها األحبة، لمد عانمتنً بارٌس عنالا شدٌداً لم أكن أتولعه،<br />
وأصرت أ ّال تتركنً إال بعد أن أدخلت فمها فً فمً، وأخرجت<br />
كلّ دخان سٌجارتها وأودعتها بهدوء فً صدري. رأٌت أن هذا<br />
نداء واضح ذلن ٌستدعٌنً إلى مضاجعة فنٌّة مشهٌّة وراء<br />
الباب، لم أرتبن كما ٌحصل فً العادة، بل بادرتُ إلى حشرها<br />
ٖٖٔ
فً تلن الزاوٌّة حٌث كان االشتبان طبٌعٌاً متناؼماً جعلنً أفكر<br />
بانعدام المعنى فً انتظار دور تلن الفاجرة المتعرّ ٌة التً فً<br />
أجندتها الكثٌر من الجنوح والجنون. بعد انتهاء تلن المماحكة<br />
اللطٌفة التً تشبهنً، واستطاعت أن تملإنً شعوراً بؤنً زٌر<br />
نساء حمٌمً دون أن أعرؾ إن كان هنان سبباً حمٌمٌاً ٌمؾ وراء<br />
ذلن. أضحكتنً تلن األفكار التً ال تنفن تزور خٌالً، ربّما<br />
تبؽً أن تزٌل شعوري بالعجز عن المٌام بتلن االلتحامات<br />
المجبولة بولاحة رجولٌّة بادٌة. ترى هل كلّ من ٌحٌط بً<br />
أصبح ٌعرؾ ما ٌجري فً داخلً؟! حاولت فً تلن المدٌنة<br />
التً ٌتنبع منها الجمال كلّ ٌوم وٌجعلن ترى أشكاالً رابعة ال<br />
تخال أنه ٌمكن أن تكون موجودة، تبهرن ألوانها واألٌدي التً<br />
أبدعتها. بذلت كلّ ما أستطٌع من جهد كً أمتص ما لدّرتُ أن<br />
بوسع روحً أن تسعه من فنّ الرسم وكل ما ٌدخل فً عالمه،<br />
مصلٌّاً راجٌاً أن ٌستمر فً وجدانً ودمابً كلّ ما دخل إلًَّ من<br />
هذا الفن الذي سعٌتُ وراءه منذ صؽري. لمد درست فً بارٌس<br />
على ٌد أستاذ مشهور تعبتُ حتّى حظٌت بالتعرّ ؾ إلٌه، أفهمنً<br />
منذ اللحظة األولى لاببلً: أنا لستُ حنوناً وال رلٌك الملب.<br />
خبرتً فً هذا العالم الذي حولن التزال تمول لً أن أُبعد<br />
مشاعري عن عملً واالّ أجعلها تختلط به، أو بمن ٌهمها أمره.<br />
إنً أٌها السٌد المادم من الشرق ورأٌت تلن األعمدة المصطفة<br />
فً "تدمر" تنتظر أن ترى "زنوبٌا" تلن الملكة التً تحمل كل<br />
عنفوان أمتها تختال بٌنها وتوصٌها بؤن ال تسمح لؤلعداء<br />
باجتٌازها. كنت صامتاً احتراماً لؤلستاذ الكبٌر. لكنه لرّ ر أن<br />
ٌتولؾ عن الحدٌث فجؤة وٌمؤل ربتٌه من دخّان ؼلٌونه وٌنظر<br />
ملٌّاً إلى الشارع عبر زجاج النافذة، ثمَّ التفت إلًَّ ولال: لنعد إلى<br />
ما كنا فٌه. أنا آخذ أتعابً كلّها اعتباراً من الدرس األول، أعتمد<br />
ٖٔٗ
أنن ستبمى معً لرابة السنة ونصؾ. إن كنت جاهزاً لذلن نبدأ<br />
ؼداً فً العاشرة صباحاً. سؤدعون اآلن لجلسة لٌست طوٌلة فً<br />
مكان لرٌب من هنا، وفً منتصؾ "السان جرمٌن" هكذا أبدأ<br />
عملً بفنجان المهوة على حسابً الخاص، إن جاء طالب العلم<br />
فً الٌوم الثانً أو لم ٌفعل، إنً أنسى األمر فوراً، وأُري ذلن<br />
الطالب الجانب الحسن من شخصٌتً الشدٌدة التعمٌد. أتوافك<br />
على خطتً أم ال؟<br />
بكل سرور، إنن ٌا سٌّدي زدتنً حماساً الحتساء المهوة معن.<br />
نِعمَ الرفمة، أنت وسٌم ٌا سٌّد "زٌاد". ٌبدو أن هللا ٌحبن أال<br />
تشعر بذلن؟!<br />
ال ٌا سٌد "برنار" ولكنً فً الولت نفسه ال أظن أنه ٌكرهنً.<br />
لمد فكّرت باألمر كثٌراً، أعتمد أنه ٌعرؾ ما ٌحدث دابماً. رؼم<br />
ذلن، لست أدري لماذا ٌرٌد الظهور أنه ال ٌؤبه وترن المسؤلة<br />
معلّمة دون أن ٌعطً أٌّة إجابة؟! هل ترى أنه ٌهدؾ إلى شًء<br />
آخر؟!<br />
المشكلة ٌا سٌد زٌاد أننا بحاجة إلى اإلٌمان بؤن هللا ٌهتم<br />
بالكون والكون هو أنت أو ربما أنا أٌضاً. ٌا إلهً ما أسخؾ هذا<br />
العالم إذا كان ال ٌحوي سوى أنت وأنا!! دعنً ألول: لٌس علٌنا<br />
التفكٌر بمثل هذه األمور، فهذا سٌؤخذنا إلى صحراء لاحلة<br />
مخٌفة فً اتّساعها ال ماء هنان وال طعام إالّ أنا وأنت.<br />
بصراحة ألول: إن جسدن األبٌض ؼٌر المتعرّ ق ال ٌؽرٌنً،<br />
وإذا لتلتن سؤتمٌّؤ، لمَ أوصلتنً إلى وضع جعلتنً فٌه أنطك<br />
ٖٔ٘
بكبلم ال ٌموله إالّ من عاش فً الجحٌم زمناً طوٌبلً؟! اترن هللا<br />
وشؤنه، إنه فطن ال ٌمكن ألحد أن ٌعرؾ كٌؾ ٌفكر. لكن ل َم<br />
تهتم باألمر كلّ هذا االهتمام؟! لا ِطعه كما ٌبدو أنه لاطعن،<br />
نصٌحتً االّ تفكر فٌه على اإلطبلق، فؤنت تجلب إلٌن السمم. أال<br />
ٌمال عند المسلمٌن "العٌن بالعٌن والسن بالسن" هٌا بنا نمضً<br />
ودعن من كلّ هذا.<br />
أدركت بعد محاضرة لصٌرة الماها على تلمٌذه الجدٌد أثناء<br />
احتساء المهوة، أنً أمام مجنون حمٌمًّ، وفنان ٌحٌط بدلة<br />
وشمولٌّة بما ٌعرفه من هذا الفن الرفٌع. إنه حرٌص بكل تؤكٌد<br />
على عدم تشتٌت لدراته، وهو مخلص عندما ٌمول: "إنً ال أبٌع<br />
وهما" لكنه مجنون أكثر منً، وٌظن أنه ٌنحدر من كونت<br />
معروؾ كان موجوداً دابماً فً ببلط الملن لوٌس السادس عشر.<br />
ٌبدو أنه كان ٌشبهه شبها ؼرٌباً، فعندما ٌضجر لوٌس السادس<br />
عشر ٌجمع الحاشٌة، وٌطلب من لرٌبً أن ٌعتلً العرش<br />
شارحاً له ماذا علٌه أن ٌفعل لٌبتدع مسرحٌة ٌموم فٌها بدور<br />
ملن ؼرٌب األطوار. هل تدري ماذا حدث لمرٌبً بعد سنة.<br />
كٌؾ لً أن أعرؾ.<br />
لمد خاؾ الملن من حسن تمثٌل لرٌبً للدور، فمام بشنمه بتهمة<br />
اإلعداد لمإامرة كبرى.<br />
حسناً فعل.<br />
ٌبدو أنن لم تصدق تلن المصة.<br />
ٖٔٙ
ال أعتمد أنه ٌمكننا تصدٌك كلّ ما جاء فً التارٌخ من لصص.<br />
كنت أشعر بالفرح وأنا ألمس أن األستاذ الكبٌر مسرو ٌر وهو<br />
ٌرانً أتمدّم فً فن الرسم، والتمط بسرعة تلن المبلحظات<br />
الدلٌمة التً كان ٌوجهها إلًّ. مرّ ة تؤخّرت عشرٌن دلٌمة بسبب<br />
ازدحام ؼٌر مسبوق فً الطرٌك. السابك لال لً: ٌبدو أن فبة<br />
"سنؽالٌّة" كانت تحاول اؼتٌال ربٌس ببلدها فً هذا التماطع.<br />
أظن أن بعض المواطنٌن لد أصٌبوا دون أن ٌعرؾ أحد مدى<br />
تلن اإلصابات. نرجو من هللا أن ٌشملهم برحمته. لست أدري<br />
ماذا ٌرٌدون أولبن السنؽالٌٌّن؟! لاتلوا فً سبٌل االستمبلل<br />
وأخذوه، لكن تبٌن أنهم ال ٌعرفون كٌؾ ٌحكمون أنفسهم.<br />
المشكلة أن أمثالهم الذٌن سبموا ببلدهم كثر. ترى ماذا برأٌن<br />
علٌنا أن نفعل؟!<br />
أال ترى أنهم ٌتدفّمون علٌنا، وٌنشرون<br />
الدعارة<br />
فً شوارعنا؟!<br />
كان األمر بالنسبة لً ٌشبه اجتٌاز عملٌّة جراحٌّة دون تخدٌر.<br />
أرجو االّ ٌسؤلنً أحد عن مولع العملٌّة التً أجرٌت لً. المهم<br />
أنً التمٌت بؤستاذي وجهاً لوجه، فبادرنً بصوت مرعب لم<br />
أسمع مثله فً حٌاتً. لكنً تمالكت نفسً وولفت صامتاً. كان<br />
تصرّ فً كمن ٌولع النار فً المرسم الصؽٌر الذي نحن فٌه، فلم<br />
ٌبك كرسٌاً إالّ وركله بعٌداً كبلعب متمكّن لدٌم. كنت صامتاً<br />
لفترة لمّا سؤلنً: هل تستطٌع تبرٌر تؤخرن الذي ٌعبر عن<br />
الكثٌر من للّة التهذٌب؟!<br />
ٖٔ7
كدنا نعلك وسط اشتبان بالرصاص الحً، ممصود به اؼتٌال<br />
الربٌس السنؽالً الذي ٌزور الببلد حالٌاً، لكن السابك اختار أن<br />
ٌدخل فً دكان صؽٌر ممّا اضطرّ ه إلى تحطٌم كرسٌٌّن وبعض<br />
األشٌاء البسٌطة. لل لً ٌا أستاذ إلى أٌن ٌمكن أن نمذؾ<br />
عبارتن عن للّة التهذٌب المزعومة؟!<br />
لٌس علٌن إالّ أن تمذفها فً وجهً.<br />
أنا لن أفعل ألنً مهذب من عابلة أوهمتنً أن كلّ الناس<br />
مهذّبون. أنا مسرور اآلن ألنً أمتلا شعوراً بؤنً حطّمت<br />
جبروتن المزٌؾ.<br />
لم أعتمد ٌوماً أن بشرتن الناعمة تسح لن<br />
لمد كنت أعتمد أنن مجرّ د منحرؾ أخرق.<br />
بمجابهتً بهذه الموّ ة.<br />
من ٌوجه هذا الكبلم لطبٌب تخرّ ج من الجامعة األمرٌكٌّة فً<br />
بٌروت، ٌمكنه أن ٌعتبر نفسه أخرق كبٌراً ال حلّ له فً األفك<br />
المنظور.<br />
كفى أرجون،<br />
المحطّمٌن.<br />
ٌإسفنً ما حدث. لكن من دفع ثمن الكرسٌٌّن<br />
أنا طبعاً لمد أنمذنا نحن االثنٌن من موت محتم. المسكٌن<br />
شكرنً لبل أن ٌذهب فً سبٌله. لكنً أعطٌته بعض المال<br />
لٌصلح ما حدث لسٌّارته.<br />
ٖٔ8
ما رأٌن أن نلؽً درس الٌوم ونإجّله للؽد. إذ لم ٌعد لديَّ أٌّة<br />
حماسة لتحفٌز فكري للعمل. هل تدعونً إلى بعض البٌرة<br />
المثلّجة؟!<br />
ال بؤس. هٌا نذهب ودعنا نؤمل بؤننا سننسى ذلن الحدٌث<br />
الممًء.<br />
من جهتً أإكّد أنً سؤنساه.<br />
حسناً.<br />
فً نهاٌة السنة والنصؾ التً أمضٌتُ معظمها مع السٌّد<br />
"برنار" بان الدمع ٌترلك فً مملتٌه وهو ٌودعنً لاببلً: اذهب<br />
واصنع إبداعن بنفسن الربّ ٌرعان. كنتُ فً أثناء الشهور<br />
الثبلثة األولى من تلن المدّة، لد بدأتُ أالزم ؼرفتً وأؼرق فً<br />
عشك "فروٌد" لراءة وتؤمبلً. وهكذا عندما انتهٌت من تعلّم<br />
الرسم اتّجهتُ إلى بٌروت مصمماً على االختصاص فً الطب<br />
النفسً، رؼم تحذٌر الكثٌرٌن من الذٌن ٌعرفوننً باالبتعاد عن<br />
هذا المطب. إذ إنه مدخل مؽارة ال ٌمكنن أن تعتاد على مسالكها<br />
الملٌبة باألشباح التً أظفارها أطول من أٌدٌها. إنها تظهر لربن<br />
أو أمامن وتختفً دون أن تدري ماذا تنوي أن تفعل ومتى؟!<br />
لكنً كنت متؤكّداً أنه من المستحٌل إزاحتً عن إصراري على<br />
إشباع أعمالً، التً انشؽلت بهذا العلم الذي ٌعرّ ي اإلنسان،<br />
وٌكشؾ أسرار ما ٌجري داخل النفس البشرٌّة متّجهاً فً العمك<br />
إلى رفض فعل اإلثم الذي كان وال ٌزال ٌهدد وٌربن الذات<br />
اإلنسانٌّة. ترى هل ٌمكن للبشر أن ٌؽزوا أنفسهم وٌتمكّنوا من<br />
ٖٔ9
النبش عن المستور حماً، أم إن األمر أعمد من ذلن وٌتعلّك<br />
باألسرار المحظورة التً تخص الخلك ذاته؟! كما أنً لم أكن<br />
أدري أن الهلع سٌصٌب كٌانً، وترتعد أوصالً من بركة<br />
صؽٌرة ال تكفً الؼتسالً حتّى لو مؤلتها بالماء.<br />
نعود ٌا عزٌزي المارئ إلى بارٌس، حٌث سٌسعدن أن تهٌم<br />
فً شوارعها، وٌبدأ إحساس ما بدفعن لتنفٌذ إرادة توحً لن<br />
بؤنها تصاحبن وتمود خطان إلى حٌث ترٌد وترؼب. ال بد أن<br />
ٌتحرن فٌن إدران وجرس ٌدق ٌنبهن أن ؼرابة ما ترافمن. ثمَّ<br />
دون أن تختار أو تشعر بؤٌة ضؽوط ، أو محاوالت للترؼٌب<br />
تجد نفسن لد انتملت إلى عمك األزلّة رؼم الرابحة ؼٌر<br />
المستحبة التً تفوح من تلن األمكنة. هنان على عٌنٌن أن<br />
تنفتحا أكثر من عادتهما ألنهما سترٌان عالماً آخر ٌعٌش وفك<br />
لواعد أخبللٌّة مختلفة ابتداء من الجذور. ستستؽرب، لكن<br />
لماذا؟! ألن وجدانن ٌا عزٌزي لم ٌتربّ على تلن المواعد، أمّا<br />
وجدان الناس الذٌن ٌعٌشون فً تلن البٌبة، فمد كانوا أحراراً فً<br />
خلك المواعد التً تنسجم مع عشمهم للعٌش كما ٌرتاح كٌانهم<br />
الشبه موحّد. وهكذا ربّوا أبناءهم علٌها. أنت ال ترى هنا أحداً<br />
من الناس الذٌن ابتدعوا تلن المواعد. إذ إنهم فً المبور منذ<br />
زمن بعٌد. من الطبٌعً من أجل محاولة تفهّم ما ترى أن ٌتطلّب<br />
منن األمر اتساعاً فً الخٌال والتفكٌر الهادئ، ربّما كنت<br />
ستتمنى لو ولدت فً تلن األزلة نفسها، بل لعلن تعلمت على<br />
األلل أن تؽض النظر بعض الشًء من اآلن وصاعداً، وتنسى<br />
مإلّتاً ما تعوّ دت علٌه. هنان ستلمس مجوناً ٌمضً بن إلى<br />
الماع، وعرٌاً علّم الناس نسٌان الخجل، حتى أن الكلمة نفسها<br />
ٖٕٓ
تكاد تندثر. آخر األمر ٌمكننا المول لماذا ٌكون الشًء إذا لم<br />
نكن بحاجة إلٌه.<br />
لمد خلك هللا البشر وأوجد فٌهم وفً الدنٌا كلّ ما لد ٌحتاجونه<br />
لتعمٌر دنٌاهم وذواتهم فً الحاضر والمستمبل. ثمَّ ال بدَّ أن<br />
اآلتً سٌمرأ لهم ماضٌهم فً ٌوم ما ٌختاره الرب. الماضً<br />
الذي سٌخبرهم عن جشعهم، ولمَ نولد من خبلل األلم ونعٌش لذة<br />
زببمٌّة تنزلك كؤنها لم تكن، وما معنى أن تكون بهذه الطرٌمة<br />
االحتٌالٌّة المهٌنة. ثمَّ ال نلبث أن نعود إلى التراب الذي جبنا<br />
منه. الناس تعلّموا أن ٌكونوا "براؼماتٌٌّن" وٌطلبوا من<br />
المستمبل ما لم ٌحصلوا علٌه من الماضً، لمد علمتهم الدماء<br />
التً سالت خبلل التارٌخ، أن ٌبدإوا التؽٌٌر بدءاً من ذواتهم<br />
ومن طبٌعة الحٌاة التً ٌعٌشون، وٌتركوا المبادئ األخبللٌّة<br />
للفبلسفة والمفكّرٌن. دخلت مرّ ة إلى "مٌنً ماركت" وفوجبت<br />
بصوت أمرأة ؼاضبة تم ّرع صاحب المكان على ما ٌبدو لابلة:<br />
سؤشكر هللا للمرّ ة األولى فً حٌاتً ألنه لم ٌُظهر ذاته اإللهٌّة. إذ<br />
إنه كان ٌدرن أن إظهارها سٌسبب له لٌام الكثٌر من<br />
المظاهرات المعادٌة.<br />
صعوبة ذلن العالم الذي نتكلّم عنه ٌإكّد لكم وجوده، لاببلً لكم:<br />
إنً حمٌمً ألنكم لم تستطٌعوا إهمال محاولة فهمً رؼم<br />
الصعوبة التً التزال وستبمى ترافك ذلن، ورؼم حاجتكم<br />
للوصول إلى األبجدٌّة الخاصة بذلن العالم، التً ربّما ستكون<br />
األبجدٌة الموحدة لبنً البشر الذٌن سٌدخلون إلٌه بؤلدام ولعها<br />
على األرض ٌنتج موسٌمى ال أحد ٌعرؾ من أٌّة آالت تخرج،<br />
ٖٕٔ
وماذا تمول إذا كانت فعبلً ترٌد أن تمول شٌباً، إذ ربما سنفهم<br />
هنان أنه فُ ِمد أيّ معنى ألبجدٌّة تشبه أبجدٌّتنا.<br />
ٕٔ<br />
فً الٌوم التالً، كان هو موعد اللماء الثانً بٌنً وبٌن<br />
كاترٌنا حٌث كنا سنلتمً فً "الكافٌتٌرٌا" نفسها التً تعارفنا<br />
فٌها فً المرّ ة السابمة. أذكر أنها لالت أن المكان الذي سنذهب<br />
إلٌه جمٌل، وال ٌبعد كثٌراً عن سابمه. سنمضً إلٌه سٌراً على<br />
األلدام. فواجهات المتاجر التً سنمر بها سنلمس فٌها األنالة<br />
نفسها تمرٌباً، كما جمال المعروضات وؼرابتها. أعتمد انن<br />
ستعشك بساطة الدٌكور وانالته الملفتة. جلست أنتظر لدومها،<br />
مبلحظاً أنً لم أشترِ صحٌفتً المعهودة "الفٌؽارو". كن ًت<br />
معجباً بالمكان الذي اخترته، لذلن لم أفكّر بالذهاب بنفسً<br />
لشراء تلن الصحٌفة. بعد دلٌمتٌن مرّ أحد الندل فطلبت منه ما<br />
أرٌد فوافك بابتسامة عرٌضة أفهمتنً أنه ٌتولع أن أجزل له<br />
العطاء، وهذا ما حصل بالضبط. ٌبدو أن بضعة ثوانً مرت،<br />
ثمَّ لم ألبث أن رأٌت ابتسامتها تطل. كان فرحً كبٌراً، كنتُ آمل<br />
أن تبطا فً مشٌتها للٌبلً حتّى أعطً لنفسً ولتاً معموالً كً<br />
ٌتاح لكٌانً كلّه أن ٌتؤملها أكثر وٌبلحظ تفاصٌلها بدلة. كانت<br />
لد التربت ورمت نفسها علً دون أن تعطٌنً الفرصة كً أبدأ<br />
بتمبٌلها ولما اكتفت لالت: إن كرٌت هً التً كانت تمبّلن، واآلن<br />
دعنً أشبع اشتٌالً وضع لبلة شدٌدة وطوٌلة على وجهً،<br />
ولكن لبل لحظات من انتهابها صفك الجمهور الجالس فً ذلن<br />
المكان بحماسة شدٌدة مستؽرلاً فً ذلن بعض الولت. فوجبت<br />
كاترٌن بضع ثوانً، ثمَّ استعادت ابتسامتها ورمت ما تحمله من<br />
ٖٕٕ
زهور فً ٌدها الٌسرى إلى الجمهور لابلة. فلتعش كرٌت إلى<br />
األبد وستظل ترسل لكم لببلتها، وعظٌم فرحها عبر البحر<br />
العظٌم. إنه الصدٌك الفعلً للكرٌتٌٌّن والٌونانٌٌّن. ثُمَّ أمسكت<br />
بٌدي الٌسرى مستدٌرة كً نذهب سوٌة إلى مكان آخر. فوجبنا<br />
أن أحمد ٌسد علٌنا الطرٌك وٌمترب ممبّبلً إٌّايَ لاببل: سامحنً<br />
أرجون.<br />
لٌس فً للبً أيّ شًء ٌا أحمد سوى الحب.<br />
الترب أحمد من كاترٌن<br />
أرجونِ إنه كنز حمٌمً.<br />
أٌضاً<br />
ولبّل ٌدها ثمَّ لال: اعتنً به<br />
عرفت ذلن منذ اللحظة األولى.<br />
فلٌرافمكما الرب.<br />
أعددت لن ؼداءً "كرٌتٌاً" فً بٌتً الجدٌد. إنه لٌس بعٌداً<br />
سنمشً إلٌه سٌراً على األلدام علّن تبلحظ جماله وطرٌمة<br />
اصطفاؾ بٌوته وعبللاتها الحمٌمة مع عضها بعضاً.<br />
عندما وصلنا إلى بٌت كاترٌن الجدٌد، تبٌن أنه أكبر ممّا كانت<br />
تطلب صاحبته الجدٌدة، وكان معداً بشكل جٌّد كما ٌمكن أن<br />
ٌشتهً طالب بٌت لئلٌجار، أعجب العمة إعجاباً كبٌراً، ألسباب<br />
تشرح للب من ٌرٌد أن ٌرتاح فً بٌت ٌشع حناناً. الدخول إلٌه<br />
ال ٌتطلّب سوى صعود ثبلث درجات ثبلثتها ألل من االرتفاع<br />
المعتاد. لكن كاترٌنا لم تكن تملن أن تدفع حصتها من ثمنه<br />
ٖٕٖ
المرتفع. إذ إنه ٌضم إلٌه حدٌمة متّسعة خلفٌة، وفً أحد جانبٌها<br />
ستجد أنه كان مزروعاً بالزهور، أما الجانب اآلخر كان<br />
سٌؽرٌن بما فٌه من بمدونس ونعناع وبندورة إلخ. ٌمال إنه<br />
لعابلة لبنانٌّة أجرت فٌه الكثٌر من التحسٌنات، مثل المسم المبلّط<br />
من الحدٌمة الخلفٌة الذي تُمكّن صاحبها من استعمالها للؽداء أو<br />
العشاء إذا كان الطمس مناسباً للجلوس فً الهواء الطلك. بعد أن<br />
تفحصت البٌت بالتفصٌل أدركتُ أنه ٌستحكّ أكثر من ذلن الثمن<br />
الذي دفع. كانت العمة تعرؾ ماذا تفعل، إذ تولّت دفع كلّ المبلػ<br />
بسرعة ولالت لكاترٌن: اعتبري هذا البٌت إرثن منً. أما<br />
عندما أؼادر هذه الدنٌا فسؤترن ما لدي للكنٌسة الٌونانٌّة فً<br />
بارٌس ستولعً كشاهدة على رجاحة عملً حٌن لررتُ ذلن. ال<br />
أرٌد أحداً من العابلة أن ٌشوش على ما فعلته.<br />
لالت كاترٌن أثناء الؽداء: لبلت أن تدفع العمة كل المبلػ، ألنً<br />
أدرن أن والدي دخل فً الموت البطًء منذ ثبلثة شهور، وهو<br />
سٌفرح حٌن ٌعلم ما حدث. إذ إن المتال اندلع بٌن األخت وأخٌها<br />
لبل مجٌبً إلى هذه الدنٌا بكثٌر من السنوات. كانت العمة<br />
راجحة العمل دون شنّ ، أما أبً فكان ٌسعى وراء النساء منذ<br />
الرابعة عشرة من عمره. المتداول فً كرٌت أنه لم ٌكن زوجاً<br />
مخلصاً سوى أسبوع واحد. كانت عمتً تمول له: إن ابن عمن<br />
من أهم رجال العالم. أمّا أنت فإنن كرٌتً سكٌر وطرٌؾ بل<br />
أسفل ظرفاء كرٌت ومجانٌنها، أتعرؾ ٌا زٌاد لمد نسٌت أنً ال<br />
أعرفن إالّ منذ بضعة أٌّام. هل تدري إنً دعوتن إلى بٌتً<br />
الجدٌد دون أن أعرؾ ماذا ٌكمن وراء هذه الدعوة؟! ترى هل<br />
أنا مولعة بن لدرجة كنت أنوي جرّ ن لبلنخراط فً عابلتً<br />
وتتعرؾ على مجانٌها ومنحرفٌها، وكم منهم من ٌإلّؾ لصّة<br />
ٖٕٗ
فٌها من الطرافة الشًء الكثٌر، والوصؾ الدلٌك لكثٌر من<br />
األمور الصؽٌرة والكبٌرة وعندما ٌنتهً سرد المصة المخترعة<br />
بحنكة، ستجد أنها كانت ممتلبة بالخٌال العجٌب الؽرٌب. ها لد<br />
أرٌتن جانباً هاماً من تكوٌنً الروحً والنفسً. أنا رٌفٌّة<br />
األصول، ولكن كرٌت ال أعرفها إالّ كبٌوت تمترب كثٌراً من<br />
البحر وكجبال تمرض الشعر كعاشمة شبمة إلى رابحة األجساد.<br />
ٌمال إن عمًّ نٌكوس تعٌش أنفاسه فى هوابها، كما تلعب دوراً<br />
فعّاالً فً تهدبة عواصفها. ترى هل تزال متعلّماً بً كما كنتَ<br />
منذ ثبلثة أٌام؟! إذا كنت تنوي طلب الزواج بً، فسؤرفض ذلن<br />
ألنً ال أرٌد أن أران تؽوص فً مثل هكذا عابلة.<br />
أٌمكننً<br />
أن أتكلّم ٌا<br />
كاترٌن؟!<br />
لٌس من حمّن الكبلم ٌا "زٌاد" أال ٌمول أحد شعرابكم، الٌوم<br />
خمرٌ وؼداً أمر.<br />
هذا صحٌح لكن الكبلم لم ٌكن فً مثل هذا السٌاق. أنا ال<br />
أدري من أٌن أستمٌتِ هذا المول؟! أعتمد إنه ورد فً لصٌدة<br />
للشاعر الكبٌر أحمد شولً وؼنّاها ملن الؽناء فً تلن األٌّام.<br />
"دمحم عبد الوهاب". على كلّ حال أنا بحاجة إلى كؤس ثالث من<br />
النبٌذ. ودعٌنا نإجل ذلن إلى بعد ؼدٍ ألم تمولً أنن مدعوة فً<br />
الؽد إلى حفلة عشاء رسمٌة.<br />
هذا صحٌح، وأنا مضطرّ ة إلى حضورها ألن عمتً ستكون<br />
على رأسها، فالجالٌة الٌونانٌّة ستمٌمها بذكرى وفاة نٌكوس<br />
"الخمسٌن" إذ إنه على ما أذكر عاش منذ 88ٖٔ<br />
.ٔ9٘7<br />
ٖٕ٘
أحببتُ كلّ كتبه وما لاله عبرها ومن خبلل أشعاره. كان أشبه<br />
برسول لم ترسله السماء، بل أدرن وحده أهمٌّة الرسالة التً<br />
ٌحملها ولمَ علٌها أن تكون شفّافة تظهر الصدق النمً. عندما<br />
كنتُ ألرأ له ٌجعلنً أعبر التارٌخ أللمس ذلن الذي ارتضى أن<br />
ٌكون إنساناً حمٌمٌاً نمٌاً ومربٌاً، ٌجوع وٌعطش لكن أُعجوبته<br />
تبدّت بؤنه خالٍ من األطماع، ولم ٌتوانى عن تنظٌؾ كنٌسة تلن<br />
األٌام من سماسرة التجار والبابعٌن لكل شًء إضافة للمرابٌن،<br />
مستعمبلً الصوت فً طردهم من بٌت هللا. لرأت عن رحلته إلى<br />
االتحاد السوفٌِتً ٌا كاترٌن، وصراحته هنان التً بدت أنها لم<br />
ٌكن لها نظٌر فً إظهار امتعاضه الشدٌد أمام المادة السوفٌت<br />
من الظلم واإلجحاؾ فً معاملة المواطنٌن هنان بحٌت أظهروا<br />
أنهم أسوأ من المٌاصرة، وعندما أعترض أحد المادة الكبار<br />
مظهراً اشمبزازه من ألوال نٌكوس التً صرح بها علناً،<br />
وردّدها أكثر من مرة فً الؽرؾ المؽلمة. لمد لٌل فً ذلن الولت<br />
أن نٌكوس لاطع ذلن المسإول الكبٌر لاببلً بؽضب ظاهر: أنتم<br />
تصلبون المسٌح كلّ ٌوم، لكنه كان ٌموم بعد ثبلثة أٌام لٌمول<br />
لكم: سٌتمٌّؤكم شعبكم عمّا لرٌب. هذا ما حصل تماماً وتدحرج<br />
الحجر فً آخر مرّ ة معلناً لٌامة الشعب الذي أطاح بالنظام<br />
المدٌم، مفكّ ِكاً االتّحاد السوفٌِتً ومنصّباً االتّحاد الروسً مكانه.<br />
لكن على ما ٌبدو أن هذا الشعب كتب له أن ٌنتظر سنٌن أخرى<br />
لٌشهد تطوراً ٌؤخذه لٌعٌش فً ظل دٌمولراطٌّة تحاكً بمٌّة<br />
دٌمولراطٌّات العالم.<br />
أال تبلحظ ٌا نٌكوس أنن ال تؤكل بل تتذوّ ق الطعام فمط؟! ألم<br />
ٌعجبن طعامً؟!<br />
ٖٕٙ
هل ستسمٌنه نٌكوس فٌما لو حصلنا على ابن كثمرة لزواجنا<br />
الممبل؟!<br />
أجهشت كاترٌن بالبكاء مؽطٌّة وجهها بٌدٌها، ولم تمسح دموعها<br />
وتكشؾ عن مبلمحها الؽارلة فً الدموع رؼم كلّ ما فعلت<br />
لتزٌل آثارها ولالت: كم كنتُ ؼبٌّة، كٌؾ لً أن أرفض الزواج<br />
بن وأنا ؼارلة فً بحٌرتن الجمٌلة التً تصطؾّ حولها أشجار<br />
النخٌل الرابعة التً تكاد أن تمول لً: إنن تسبحٌن فً لطعة من<br />
الجنة ٌا عزٌزتً. إن زنوبٌا سبحت هنا ولكنها لم تستطع أن<br />
تفهم كٌؾ تتعامل مع هذا العالم ومنطمه. كونً عاللة أرجون<br />
والتمطً ذلن اإلنسان الذي ٌنتظر خروجن من بحٌرتنا لٌجفّؾ<br />
جسدن الجمٌل فتتمتّعان معاً وتنجبان ما ٌمنحه الرب لهذا<br />
العالم. إلى متى ستستمران فً هذا الؽداء، هل ال تزاالن<br />
تشربان األوزو؟! أم أنكما تشعران بالخدر ٌسري فً أوصالكما<br />
دون أن تدركا أن الخمر علٌه أن ٌتولؾ، وتذهبا إلى النوم لتُتِمّا<br />
ما كنتما تتبادالنه من أفكار، وتؽطسان فً بعضكما بعضاً بحٌث<br />
لن تصبل إلى ما تبؽٌان بل ستنامان جزءاً من اللٌل عارٌٌن<br />
ملتصمٌن سؤصلً لكما أن تبمٌا ؼافٌٌن هكذا حتى الصباح. إالّ<br />
إن كنتُ ال أعرؾ أحد الطرفٌن جٌداً، حٌنبذ سٌتؽٌر المشهد<br />
ربّما فً الثالثة صباحاً.<br />
استفمت فً السادسة والنصؾ صباحاً، بعد لحظات أدركتُ<br />
أنً لستُ وحدي فً الفراش. كانت كاترٌن ال تزال ؼافٌة<br />
تسلّلت عارٌاً تماماً فملت فً نفسً: كٌؾ شربنا ما شربناه، أذكر<br />
أنً للت لها أمس: علٌنا أن نولؾ احتساء الخمر فهذا سٌُلحك<br />
بنا ضرَ راً نحن االثنٌن ضحكت ولالت: مزٌدا من الحذر سٌدفع<br />
ٖٕ7
بالسعادة إذا كانت تتجوّ ل فً المكان أن تهرب بعٌداً. أرجون أنا<br />
سعٌدة التشوش سعادتً.<br />
ستستفٌمٌن مرٌضة ولن تتمكنً من حضور حفلة تكرٌم<br />
الكاتب الكبٌر فخر كرٌت.<br />
حسناً، هل تمول لً إنن لن تضاجع امرأة ثملة<br />
هل أنت جادة فٌما تمولٌن؟!<br />
نعم ٌا حبٌبً، ولكن ترى هل من األفضل أن نبدأ األمر اآلن،<br />
أم أُنهً كؤسً ثم أحاول أن أؼفو وأستفٌك فً الثالثة صباحاً<br />
وأبدأ بمضاجعتن وأنت ؼافٌاً. ما رأٌن فً هذا؟!<br />
أرى أنن تثبتٌن دابماً أنن من تلن العابلة العبمرٌّة الؽرٌبة<br />
األطوار<br />
. هل تسخر منً ٌا زٌاد؟!<br />
حاشا، بل أنا أتوق إلى تلن اللحظة التً ستضاجعٌننً فٌها،<br />
وجابع ألرى ماذا ستخرجٌن من بدابع؟! وما إذا كنت ستسمحٌن<br />
لً بالدخول إلى عالمن السحري.<br />
لامت من مكانها ولبّلتنً لبلة طوٌلة، ثمّ لالت اسبمنً إلى<br />
الفراش وال تنس أن تتعرّ ى. لمد فعلت ذلن بكلّ بساطة، وهذا ما<br />
جعلنً متؤكّداً أنً كنتُ ثمبلً مثلها أو أكثر. إذ إنً سارع ُت<br />
ٖٕ8
ولمتُ بما شاءت. إنه تصرؾ ما كان ٌمكننً اإللدام علٌه حتى<br />
لو كنتُ سؤنام مع "مارلٌن مونرو". كانت دون شن لٌلة حمٌمٌّة<br />
وعرفت أنً أمام امرأة لٌست ككلّ النساء، ولم أصادؾ مثلها<br />
حتى فً خٌالً، إذ إنها من خبلل االبتسامات والضحكات<br />
تعرؾ كٌؾ تدٌر اللعبة وتحرص أن ٌؤخذ اآلخر حمه من<br />
المتعة. لما سؤلتها لمَ تحرصٌن على حك الشرٌن كلّ هذا<br />
الحرص لالت: إن لم أفعل ذلن فلن ٌصل إلًَّ حمً كامبلً. لمد<br />
أردتن ألنً أستطٌع أن أخرج ما ٌكمن فً أعمالن وال تعرفه.<br />
سنعٌش عراة معاً، وأُإمّن لن كل الفرص الممكنة للدخول إلى<br />
عالمً السحري كما سمٌّته.<br />
ٕٕ<br />
تسلّل ُت من بٌت كاترٌن صباح الٌوم التالً وتركتها نابمة.<br />
تمنٌّتُ فً ذلن الولت لو كان معً آلة للتصوٌر. ترى لو<br />
صودؾ أن تلن اآللة كانت معً حٌنها، هل سؤصور ذلن<br />
المشهد الرابع، أم أنً لن أجرإ، إذ ربّما كانت ستؽضب ولن<br />
تحب أن ٌلتمط أحد صورة لها خلسة، بل لعلها ستعتبر ذلن ٌشبه<br />
السرلة. من ٌدري؟!<br />
عندما أصبحت فً الطرٌك وحٌداً تساءلت: كٌؾ ٌمكننً أن<br />
أجلب بعض المال من بٌروت؟! ثمَّ تذكرت صدٌماً لدٌماً ٌعمل<br />
ٖٕ9
فً مكتب كبٌر للمحاماة ٌدٌره محام لدٌر مخضرم، ٌساعده<br />
خمسة محامٌن، صدٌمً كان أحد المساعدٌن الممتازٌن وأظنّ<br />
أنه بدأ ٌؤخذ حمّه وأصبح مشهوراً فً عالم المحاماة. لكن كن ُت<br />
لد نسٌتُ اسم الشارع الذي ٌمع فٌه ذلن المكتب، أي أنً فً<br />
مشكلة حمٌمٌّة، إذ لن أصل إلٌه بدونه. بحثتُ حولً وفً<br />
األعلى، علّنً أجد مكتب محام، فؤسارع إلى سإاله. لكنً رأٌت<br />
شاباً وأنا أدور باحثاً، كان ٌتطلّع إلًَّ مشفماً، كؤنه فهم أنً<br />
أبحث عن شًء ما وفشلتُ فً إٌجاده. إذ إنه بادر وتمدّم نحوي<br />
لاببلً: هل أستطٌع مساعدتن بشًء؟!<br />
شكرته وللت مبتسماً: سؤحاول أن أشرح لن ما أنا بحاجة<br />
ماسة إلٌه. ترى هل ال تزال تدرس أم إنن تعمل؟!<br />
كنتُ أعمل وأدرس، لكن منذ بضعة أشهر طردتُ من عملً<br />
بسبب بعض األخطاء اإلمبلبٌّة، هكذا لٌل لً. ث ّم جاإوا بآخر<br />
ٌبدو أنه ال ٌخطا وهو متخصص بعض الشًء بالطباعة.<br />
<br />
هل أكون مخطباً إن اعتمدتُ أنن لبنانً؟!<br />
لمد أصبت كبد الحمٌمة.<br />
إذاً دعنا نتمشى للٌبلً ونتكلّم اللؽة العربٌّة، إنً أتفاءل<br />
بالمصادفات التً تفرح الملب. أنا من دمشك ومن موالٌد<br />
البلذلٌّة تلن العروس التً ال أعرؾ من تنتظر؟ تخرجتُ من<br />
الجامعة األمرٌكٌّة كطٌب نفسً ٌرفض أن ٌفتح عٌادة. شرحت<br />
ٖٖٓ
له لصتً مع تلن المهنة باختصار، فرأٌته ٌبتسم. فملت له<br />
بابتسامة أٌضاً: هل ترى أنً ؼرٌب األطوار؟!<br />
لم أذهب بعٌداً إلى هذا الحد. لكن لصتن مع الطب النفسً فٌها<br />
ما ٌدهش فابتسمت رؼم أنً لم أكن راؼباً بذلن. أظن أنن<br />
استطعت مفاجؤتً.<br />
أظن، ربما أنن رأٌتنً أدور حول نفسً وأتطلّع إلى األعلى،<br />
لمد كنت أبحث عن لوحة محام ما ألسؤله عن محام آخر صدٌك<br />
ومشهور. لمد زرته مرّ ة فً مكتبه لكنً نسٌت كلّ شًء ٌتعلّك<br />
بالعنوان هكذا رأٌتنً محتاراً ال أدري ماذا أفعل. إنه دون شن<br />
لبنانً ولن أستؽرب إذا كان لد امتلن الجنسٌّة الفرنسٌّة.<br />
إن هذا األستاذ الذي تبحث عنه أصبح أستاذاً لبضع ساعات فً<br />
األسبوع فً الجامعة التً أدرس فٌها. وهو مرهوب الجانب،<br />
كما أنه هو نفسه الذي ٌمؾ فً طرٌمً مانعاً إٌّايَ من الولوج<br />
إلى السنة الرابعة. أال ترى من خبلل تلن المصادفات أن هللا<br />
عندما ٌمول لؤلمر كن فٌكون؟! إنً أعرؾ اسم الشارع<br />
الشاب من جٌبه دفتراً صؽٌراً وللماً وكتب اسم الشارع ورلم<br />
البناء( لكنه لال إن الساعة لم تتجاوز التاسعة صباحاً، علٌن<br />
االنتظار حتى الساعة الحادٌة عشرة وهذا ألل تمدٌر ممكن. إنً<br />
أعرفه جٌّداً، فهو سادي الطبٌعة ومؽرم بممارسة تلن الخصلة<br />
السافلة التً تسمح له استدعاء كل اللذابذ المتاحة، واالشتران<br />
مع بعضها بعضاً فً توفٌر لٌلة لم تستطع روما تهٌبتها<br />
لحكامها. إنً أعتذر منن ولكن ما للته للٌل.<br />
( أخذ<br />
ٖٖٔ
هل معن بعض الولت؟!<br />
إنً متوفر تماماً.<br />
ٌا للحظ الرابع!<br />
هٌا امضِ بنا إلى مكان جمٌل ودعنا نتناول طعام الفطور<br />
سوٌّة. هكذا تزداد معرفتً لهذه الشخصٌّة الشابة الممتحمة التً<br />
أمامً ولم أعهدها فً اللبنانٌٌّن الذٌن دخلوا فً لعبة التمٌة<br />
بامتٌاز، وؼدوت ال أفهم ما ٌرٌدون أن ٌمولوا.<br />
نستطٌع أن نذهب إلٌه مشٌاً على األلدام، ونتابع حدٌثنا عن<br />
هذه المبلحظة التً أثرتها. أتعتمد حماً أن التمٌّة تسربت إلى ثمافة<br />
الشعب اللبنانً؟!<br />
أنا أإمن أنها وبسبب الجو المبلبم تسربت إلى كل شعوب<br />
المنطمة، وربّما أصبحت جزءاً ال ٌتجزأ من المناهج السٌاسٌّة<br />
المستعملة فً كلّ العالم الحالً.<br />
هل ٌمكننً أن أفهم ماذا تمصد بالجو المبلبم؟!<br />
أنت تدرن طبعاً أن العالم الؽربً ٌتشدق لٌل نهار وٌمول<br />
للعالم أنه وحده من ٌحمً الدٌمولراطٌّة فً هذا العالم وٌدافع<br />
عنها. لمد آلٌت على نفسً االبتعاد لدر اإلمكان عن الحدٌث فً<br />
السٌاسة أو فً الطابفٌة السٌاسٌّة. إن ما نسمعه كلّ ٌوم ونراه<br />
ٌمكننا اعتباره مجرد دجل ونفاق بل إنً أعتمد أنه مرض<br />
ٖٖٕ
عضال ٌنتمل عن طرٌك العدوى. هل هذه الكافٌترٌا التً على<br />
الناصٌة هً مبتؽانا؟!<br />
<br />
ٌبدو أنها هً دون شن، فلندخل.<br />
عندما دخلنا تولّفتُ للٌبلً ألرى ماذا ٌحٌط بً؟! المنظر الذي<br />
شاهدته ذكرنً بمول سمعته عندما كنتُ فً السادسة عشرة من<br />
عمري وٌمول: البساطة تكوّ ن الجمال. جلسنا على طاولة تطل<br />
على الطرٌك الذي كان أنٌماً بامتٌاز هو ومتاجره. انشؽلتُ فً<br />
البدء فً التفرّ س ملٌاً فً ذلن الشاب الجالس أمامً. فوجبتُ به<br />
تماماً، كنتُ كما لو أنً رأٌته ابتداء من هذه اللحظات. كان<br />
وسٌماً بشكل ملحوظ وهادباً إلى ٍ حدّ دفعنً إلى أن أسؤله: كم<br />
تبلػ من العمر ٌا من تإدّي لً خدمة حمٌمٌة. لمد بدوت لً أكبر<br />
ممّا هو مفترض أن تكون.<br />
إنً بعد شهرٌن من اآلن سؤكمل الخامسة والعشرٌن من<br />
عمري. لماذا تسؤل: هل رأٌتُ أنً مفتمر إلى الحماس الذي<br />
ٌكون ال ٌزال ٌؽلً فً هذا العمر؟!<br />
ربما ٌكون ما تمول هو السبب، أو إن الكفاح فً سبٌل البماء<br />
فً هذه العاصمة الرابعة سبب آخر. إنن تعب على ما ٌبدو<br />
ألٌس كذلن؟!<br />
أعتمد أنن محك كثٌراً.<br />
ٖٖٖ
لمد استخدمتَ فً حدٌثن كلمة أجفلتنً فً البداٌة. ثمّ للت فً<br />
نفسً، لد تكون تلن الكلمة مستخدمة فً األوساط الشبابٌّة<br />
الطبلّ بٌّة. الكلمة هً إنً )متوفّر تماماً(<br />
أعذرنً، فؤنا ال أرٌد التدخّل فً أمورن الشخصٌّة، ولكنً<br />
أرؼب أن أضٌؾ توضٌحاً أتسمح لً؟! لكن رجاءً أال تعتبره<br />
تشجٌعاً لهذه المُمارسة التً تشجبها دٌانتً.<br />
ٌُشرّ فنً ذلن.<br />
شكراً. إن ما تفعله لٌس مرضاً بالتؤكٌد، والطب النفسً<br />
ٌرفض البحث فً مثل هذا الموضوع، بعد أن تؤكد ذلن الطب<br />
أن المسؤلة تتعلّك بالجٌنات وبمن ربطنا بها. أي أنه فً تسعٌن<br />
بالمبة من الحاالت ٌعود األمر إلى إرثنا من التارٌخ اإلنسانً<br />
كله. لٌس معنى هذا أنً أإٌّدن فٌما تفعل، بل أنا آمل وأطلب<br />
من المجتمع أن ٌحترم حرّ ٌّتن وٌدافع عنها بالرؼم من اختبلؾ<br />
اآلراء التً ٌتداولها المجتمع، كما أرجو من السماء أن تساعدن<br />
على تصحٌح مسارن وتمكّنن من الخروج من ذلن النفك<br />
المسدود، أعتمد أن إصراري على كلمة )مسدود(ممصود<br />
وٌخترق المعنى الذي أرٌد الوصول إلٌه. لكنً فً الولت نفسه<br />
ال أستطٌع إبداء أٌة مبلحظات على اختٌاراتن الشخصٌّة، أو أن<br />
أحط من لدرن أو من لٌمتن اإلنسانٌّة. كما أنً ال ٌمكننً<br />
التخمٌن إلى أٌن سترسو الدراسات التً ال تزال تتوؼل فً<br />
النفس البشرٌّة التً حتى اآلن تنفً أن المثلٌّة الجنسٌّة مرضاً.<br />
أرجو من الرب فً لرارة نفسً أن ٌبمٌن راضٌاً عن نفسن،<br />
وأ ّال تكون فً ولت من األولات مبشراً آلرابن بانتظار مزٌد<br />
ٖٖٗ
من الحسم أو سحب ما لالته منظّمة الصحّة العالمٌّة. إنً أإمن<br />
أنن فً هذا العالم ستظل مسإوالً عن نفسن طالما ال تفكر بؤذٌّة<br />
أحد. إذا لم تحترم ما أسلف ُت بالمول: سترانً ألؾ ضدّن متّهماً<br />
إٌّان بؤنن عمٌل للشٌطان. إنً أدعو إلى الرب وسؤظلّ أفعل أن<br />
ٌمنحن التفكٌر الهادئ وٌرشدن إلى ما ٌرى أنه الصواب. هذا<br />
ما أردتُ لوله. أال تعتمد أنه حان الولت لنطلب الطعام؟!<br />
حسناً، لمد تمَّ ذلن.<br />
هل تمازحنً؟!<br />
طبعاً ال، ولكنً أعطٌتهم إشارة وهم فهموا المطلوب.<br />
هل تعلم أنً ال أعرؾ اسمن حتّى اآلن، إنن ال تعرؾ سوى<br />
أنً طبٌب نفسً، واسمً الذي لم أذكره هو "زٌاد عبد النور".<br />
الطعام لادم،<br />
أما اسمً فهو<br />
فرانسوا<br />
جعٌتانً.<br />
إنه اسم جمٌل.<br />
لكن ألربابً ٌكرهونه وٌحمدون على أمً المسٌحٌّة ألنها<br />
الترحته.<br />
نحن فً الشرق لم نعتد بعد على حرٌّة التفكٌر. كما لٌس<br />
ممبوال بعد أن ٌختار الشاب طرٌمه إلى المستمبل. هٌا باشر<br />
بتناول الطعام إذ ٌبدو أنهم هنا ٌحسنون إعداده.<br />
ٖٖ٘
لماذا رفضت متابعة الحدٌث فً مشكلتً.<br />
ما هً مشكلتن، أنا لم أفهم ماذا تمصد؟!<br />
أنا أعنً المثلٌّة الجنسٌّة.<br />
لمد اكتف ت بتعلٌمً عن الموضوع الذي طرحته. أنا طبٌب<br />
نفسً وأعرؾ أنً ال أملن ما أعالج به أمراً ٌجزم الطب<br />
النفسً أنه لٌس مرضاً. إنه من المشاكل التً روّ عتنً من<br />
الداخل ودعتنً إلى االمتناع عن فتح عٌادة البمة أعمل فٌها<br />
ككلّ الناس. نحن فً هذه األٌام نتحاور باألسلحة الفتّاكة. أنت<br />
شاب مثمؾ وعلٌن أن تدرن نوعٌّة النفاق الذي تتعامل به<br />
مجتمعاتنا. أعتمد أنه ٌلزمنا ولت طوٌل حتى نمول: إننا نمترب<br />
بمشٌبة هللا من االنتماء إلى مجتمعات متحضرة تملن ك ّل<br />
االستعداد لمواكبة التطور دون خوؾ. سؤستمر فً البحث مع<br />
ؼٌري عن أمل أو بصٌص ضوء. إنً أعدن أنً متى رأٌت ما<br />
أبحث عنه، ستكون تلن الساعة فرحتً الكبرى، وسؤدعون إلى<br />
سهرة تكون النجوم إكلٌلها. اسمع ما ٌمول للبن وانتظر معً<br />
حتى تنضج مجتمعاتنا، فؤنا لن أتخلّى عن اإلٌمان بؤنن ستجد<br />
ٌوماً ذلن الطرٌك الذي ٌجزل لن العطاء لتعطً أنت بدورن<br />
لآلخرٌن. المشكلة العصٌّة على فهم بعض الناس أنهم ال<br />
ٌدركون أن ثمة مبالؽة فً تمدٌر المنطك واالعتماد علٌه. إذ إن<br />
للمنطك تطوّ ره الخاص أٌضاً، وأنا أرى أ ّال بدّ لكلّ المجتمعات<br />
أن ترضخ إلى ما سٌصار إلٌه، أو بتعبٌر آخر البد للمجتمعات<br />
من االطمبنان إلى أن السفٌنة رست فً مٌناء ٌؤمن إلٌه الجمٌع.<br />
أنت تعٌش فً مجتمع متحضر تستطٌع التعامل معه كما تؤمل<br />
ٖٖٙ<br />
ٌ
إن حافظت على أمان اآلخرٌن. نحن فً هذه اللحظات علٌنا<br />
البحث فً هذا الموضوع وندرن أن علٌنا اعتباره شؤناً ذاتٌّاً ال<br />
عبللة ألحد به.<br />
شكراً واحتراماً من الملب. أرى إنن انتهٌت من طعامن هل<br />
تشرب المهوة؟! لمّا ٌزل أمامن ولت كاؾٍ للوصول إلى ممابلة<br />
صدٌمن األستاذ.<br />
ال بؤس، ولتكن لهوتً ببل سكر.<br />
أنا أشربها مثلن أٌضاً.<br />
عندما أصبحنا خارجاً سؤلت إن كان ٌملن هاتفاً، فؤجابنً: مع<br />
األسؾ أنا ال ٌمكننً شراءه وال أملن دفع تكالٌفه.<br />
ال بؤس، لل لً هل تملن عنواناً ما ٌمكّ ِننً من مراسلتن؟! أو<br />
إٌصال أي شًء إلٌن؟! فكر باألمر ودعنا نلتمً فً السادسة فً<br />
ال " جورج 5"هل ٌوافمن هذا الموعد؟!<br />
سؤكون هنان فً الولت المحدد.<br />
حسناً، إلى أٌن ترٌد الذهاب؟!<br />
تستطٌع إٌصالً إلى بٌت صدٌك وأنت فً طرٌمن إلى<br />
موعدن.<br />
ٖٖ7
هذا رابع. هل ٌمكنن اعتباري خارج المإسّسة الدٌنٌّة وفً<br />
الولت نفسه أإمن بالعمٌدة التً طرحها المسٌح إٌماناً كامبلً ؼٌر<br />
منموص.<br />
لمد الحظتُ ذلن وأحسست بن أخاً حمٌمٌاً.<br />
هذا رابع، إلى اللماء.<br />
ٖٕ<br />
هكذا مضٌتُ إلى صدٌمً الذي تضّخم على ما ٌبدو.<br />
أصدلابً الخلّص كانوا أخوتً الذٌن لم أحصل علٌهم من أمً.<br />
أخذت أصلًّ لكلًّّ الرحمة علّه ٌرحمنً وال ٌدعنً أخسر هذا<br />
الصدٌك المدٌم بسبب حفنة من المال. لكنً كنتُ فً وضع ال<br />
ٌسمح لكرامتً أن تتعالى وترفض االستدانة ولو لٌومٌن. لمّا<br />
تولؾ السابك أشار إلى المكان الذي فٌه المكتب، محدّداً مولعه<br />
فً الطابك الرابع. لست أدري لمَ شعرتُ بالخوؾ وبؤنً لن أنال<br />
سوى الخٌبة. تمنٌت لو أُلفل وأرجع المهمرى إلى خارج هذا<br />
المكان، ومن هنان إلى الفندق، وأنا أشكر هللا ألنه تدخّل<br />
وأنمذنً ممّا ٌمكن أن ٌكون. كنتُ أنتظر المصعد عندما تطلّعتُ<br />
إلى ساعتً، وكانت تشٌر إلى الحادٌة عشرة تماماّ. عمنً<br />
اضطراب كان سببه دون شن سإال ٌمول بصوت خافت أأصعد<br />
أم أعود أدراجً؟! لم أكد أنتهً من تساإلً حتى عبل صوت<br />
جهوري لاببلً منذ متى أنت هنا ٌا زٌاد؟! عرفتُ الصوت<br />
والتفت ألرى األستاذ "عمر معتوق". لبل أن أفكر بؤي شًء<br />
كان ٌعانمنً عنالاً حاراً لم أعهد مثله من لبل. فً تلن اللحظة<br />
ٖٖ8
توارد إلى ذهنً سإال فحواه: ترى أعمر مشتاق إلً أم<br />
للوطن؟! ابتسمتُ عندما وصل المصعد فمال صدٌمً: هٌا بنا<br />
إلى المكتب. شعرتُ أنه ٌدفعنً إلٌه دفعاً فملتُ ماذا بن تمهل؟!<br />
فمال عذراً إنً ال أصدق عٌنً وأنا أران أمامً. هٌا ادخل<br />
ودعنً أتمتّع برإٌان وأدع عٌنًًّ تحسُّ بتفاصٌل وجهن بعٌنًّ.<br />
سنٌن طوٌلة مرّ ت وأنا ال أشعر بؤنً حً، إنً ال أملن الولت<br />
ألشتري لمٌصاً. اضحٌتُ آلة تضخ المال لً ولؽٌري. استفمتُ<br />
ذات صباح وأكتشفتُ أنً ال أعٌش، بل إنً حٌوان حمٌمً عبد<br />
للمال أنا عمر معتوق أملن المال ولكن أٌن هم البنون؟! ال ولت<br />
عندي للزواج، ثمَّ من هً تلن المرأة التً لد تمبلنً زوجاً وأنا<br />
ال أملن الولت كً أبول، وإذا لبلت سؤجد نفسً مجبراً على<br />
الهرب من تلن المجنونة الحمٌمٌّة لبل أن ٌُكتب الكتاب. هل<br />
ٌتعبن سماع شكواي؟! أرى أنن تبتسم، لستُ أدري ربّما كنت<br />
أنتظرن بفارغ الصبر ألطلك العنان لمشاعري المسجونة التً<br />
لم ٌسؤلها أحد ماذا ترٌدٌن عفواً لمد نسٌنان. لوال وجودن هنا ٌا<br />
زٌاد لبصمت فً جهً لابلة: لماذا أنت هنا ٌا ابن المحبة أما كان<br />
األفضل لن أن تدٌر ماخوراً من أن تصبح عضواً فً مإسّسة<br />
تنمذ المجرمٌن ومصّاصًّ الدماء؟! إن سكان المواخٌر ال<br />
ٌكذبون مثلكم وكثٌرات منهنَّ ٌمدمن على االنتحار ألنهنّ لم<br />
ٌعدن ٌحتملنَ احتمار أنفسهنَّ لٌل نهار.<br />
تولؾ ٌا عمر أرجون.<br />
علٌن أن تسمعنً للٌبلً ٌا زٌاد، دعنً أنوح على نفسً، ربما<br />
بعض الدموع تعود بً إلى برمانا أو تطٌر بً إلى دمشك.<br />
ٖٖ9
كفى ٌا عمر أرجون. لٌس من حمن أن تجلد نفسن، وال من<br />
حك اآلخرٌن أن ٌجلدون. هللا هو الوحٌد الذي ٌمكنه أن ٌنزل<br />
باآلخرٌن المصاص العادل. وبرأي المتواضع أنه لن ٌفعل،<br />
الرب ٌعرؾ كلّ شًء ورؼم ذلن تراه ٌستمر فً معاملتنا<br />
كؤطفاله الصؽار. انظر إلى شٌوخنا وتمعّن فستراهم ال ٌزالون<br />
أطفاالً.<br />
سمعاً وطاعة، ولكن افسح لً المجال كً أؼسل وجهً.<br />
عندما عاد عانمنً من جدٌد ولال أعتذر ٌا زٌاد على هذا<br />
االستمبال، الذي وضعتُ فٌه همومً ومشاكلً أمامن دفعة<br />
واحدة. أكرر اعتذاري ٌا صدٌمً الحبٌب، وأرجو أن تنسى ما<br />
حدث.<br />
أنا ال أعتبر ما حدث مشكلة كبٌرة، لكنً كنتُ أرٌد منن أن<br />
تهدأ. إذ ٌبدو أن الحٌاة هنا ضؽطت بعنؾ على أنفاسن ظناً منها<br />
أن أللَّ من هذا لن ٌكون كافٌاً لٌحدث تؽٌٌراً ما فً الذي ٌحدث.<br />
ال تنس أنن لست فرنسٌّاً حمٌمٌاً، فهنان اختبلفات ربّما كنت<br />
تعاٌشها، ولكنن إن لم تعشها فً العمك ستبمى تشعر بالتعب<br />
وأنت تملّدهم بمهارة. سٌبتسمون وٌمولون فً داخلهم "برافو"<br />
عندبذ سٌعنً المدٌح أنن بالتؤكٌد لست منهم. ترى أكنت تملن<br />
الولت النتماء بعض األصدلاء؟! أو صدٌك واحد تستطٌع أن<br />
تبوح له بمشاعرن؟! لو كنت تملن بعض الولت لما وصل بن<br />
األمر إلى حدّ االختناق الحمٌمً؟! لم ألصد مباؼتتن وأنا أدرن<br />
أن زمنا طوٌبلً مرّ دون أن نلتمً. لكن المصادفة أرسلتنً إلٌن<br />
دون أن تدري. هل سٌؤتً ذلن الٌوم وتمول لعدنان أنن سرلتنً<br />
منه؟! من كلّ للبً ٌا عمر أرٌد لن الخٌر وأتمنّى أن تطلب من<br />
ٖٗٓ
السماء أن ترسل لن صدٌماّ تذهب معه مرّ تٌن فً األسبوع<br />
لصٌد السمن وتجلسان لرب بعضكما بعضاً على الصخور دون<br />
أن تتحدثا بل تتبادالن االبتسامات بٌن ولت وآخر حتّى ٌبدأ<br />
انسدال اللٌل فتمول له: لن أؼٌب طوٌبلً، فتمضً إلى تلن<br />
الزاوٌة وتبول هنان وانت تمول طظ على المال. إذا استطعت<br />
لول ذلن ستكون لد وصلت إلى لمة "أفرست" ِ صلّ ٌا عمر<br />
بصوت عالٍ، فإنن ستدهش كٌانن وسٌعمل على مرالبتن وما<br />
إذا كنت ستعٌد الكرّ ة، فٌطمبن للبه إذ كان هو اآلخر ٌتوق إلى<br />
الصبلة. علٌن مماومة هذا االنهٌار الذي استبد بتهدٌده حتىّ<br />
أخافن. أنا ال أعتمد أنن كنت مستعدّاً أن ترانً فجؤة أمامن.<br />
هذا صحٌح، ولكن ال تكمل فكلّ ما للته كان رابعاً وكنت أرٌد<br />
أن أسمعه ٌخرج من فمن. أنا لم أعد أخشى لسانن السلٌط. ربّما<br />
فً جعبتن الكثٌر لتموله هٌا افعل. هل تصدّق إنً سؤكون فً<br />
لبنان اعتباراً من بداٌة الخرٌؾ المادم، أي بعد شهرٌن. سؤمضً<br />
هنان ثبلثة أشهر وربّما سٌؤتً معً صدٌك.<br />
اختر صدٌماً ٌحبن وال ٌسٌر على هوان. لمد فوجبت أن<br />
مشاعرن حطّمت أؼبللها وخرجت عن طوعن، وطرحت ذلن<br />
"المونولوج" الصادق الجريء والؽرٌب. أعتمد أنه كان علٌن<br />
أن تفعل ما فعلته، أي أنن تعمّدت عدم تشذٌبه لبل زمن من<br />
خروجه عارٌاً دون أن ٌستحم. كما لصدت عدم صمل ذلن<br />
"المنولوج" الذي ال ٌشبهن أٌّها الدٌبلوماسً العرٌك وتركته<br />
ٌنطلك من داخلن بهذا المضمون ال ِهستٌري ال ُم َمسرح بامتٌاز.<br />
إن هذه الؽلطة التً ارتكبتها لم تكن دون أن تدري، ترى أهو<br />
فخ نصبته لنفسن؟! أم إن الرب تركن تلعب لعبتن، وتمطرنً<br />
ٖٗٔ
ٍ<br />
بذلن الوابل الذي فاجؤنً، واحتجتُ لبعض الولت كً أستعٌد<br />
نفسً، وأجد الطرٌمة الفضلى لتهدِبتن وتؤخذن إلى نسٌان تلن<br />
الكلمات الٌابسة التً كنت ستمولها الحماً. أظنّ أنها اختارت<br />
اإلنصات إلٌن ببرود. عندبذ كان ال بدَّ من اضمحبلل لوان<br />
روٌداً روٌداً وتنهار على ألرب أرٌكة متعرّ لاً بشدة وعٌنان<br />
تترلرلان عرلاً ولٌس دموعاً. أعود للتؤكٌد أن هذا المونولوج<br />
المختلط بتلن الهستٌرٌا الفظّة المماتلة، هً الطرٌك المثلى لتطلّ<br />
على المتلمًّ لاسٌة متبرّ مة مظهرة الؽضب على وجهها<br />
ممسرحاً دون اتّمان. بل كان فً العمك تدفّماً لحماسة ؼٌر متولّع<br />
لها اختراق الجدر المسدودة. أنا لن أنكر أنن حاكمت نفسن<br />
ضمناً. لكن المرء ال ٌستطٌع االنمبلب على نفسه بٌن ٌوم ولٌلة.<br />
إذا هزّ الناس رإوسهم فهذا ال ٌعنً أنهم صدّلون. على ك ّل<br />
حال إنهم سٌبمون أحراراً حتّى لو تمبّلوا جلدهم بعض الولت. إذا<br />
لم تكن تحتال على نفسن، على من تفعل؟! دعنا نفتح صفحة<br />
جدٌدة معاً ونمرأ ما كتب هنان، أعتمد أننا سنجد معاً إنً لم أكن<br />
المبتؽى من أجلن فً هذه الظروؾ، وال وصل ُت عندما اكتملت<br />
كٌمٌابٌّة االنفجار وكان ال ٌحتاج إالّ ثانٌة أو ثانٌتٌن إالّ ونسمع<br />
دوٌّاً هاببلً ٌمٌم الدنٌا وال ٌمعدها. ٌبدو أن الرب لام بتحضٌري<br />
لمثل هذه اللحظات، وكان دون شن تحضٌراً متمناً، فتبٌن أنً لم<br />
أكن بحاجة إلى أيّ اعتذار من أي صدٌك، فؤنا لم أكن ٌوماً إ ّال<br />
صدٌماً حمٌمٌاً. إذ إنن تملن الحك ؼٌر منموص فً أن تبوح<br />
لصدٌك ترتاح إلٌه، ما ٌعتمل فً داخلن وسبب لن هذا الضؽط<br />
الشدٌد على أعصابن الذي أظهر بوضوح أنه ربّما كان<br />
سٌمضً علٌن. كان علٌن زٌارة الدكتور بكل ما أمكنن من<br />
سرعة. كبلمً الذي استخدمته أحٌاناً بصٌؽة الماضً علٌن أن<br />
تحوله إلى صٌؽة المستمبل وتطبّمه حرفٌاً، متتّبعاً إرشادات<br />
ٖٕٗ
الدكتور بدلّة. أرجو من صمٌم للبً أن تفعل ذلن. ثم حاول أن<br />
تزور أعمالن بعد فترة وتنبش هنان عن الحمٌمة الضابعة. ربّما<br />
تجد أن براعتن فً للب الكذب إلى حمٌمة ترفع أعبلمها أمامن<br />
معتدّة محٌٌّة، وكذلن لامت براعتن بتشوٌه الحمٌمة وتحوٌلها<br />
إلى تجدٌؾ ذاتً تعوّ دت على تصدٌمه، وهو الذي ألام لن تمثاالً<br />
فً عالم المحاماة. البراعة ضخت فٌن الكثٌر من النشوة بحٌث<br />
وصلت إلى حدّها األلصى. كان ال بدّ من هذا االنفجار أن<br />
ٌحدث فً تولٌت أختاره الخالك لٌكون عندبذ ترٌالاً لنا جمٌعاً،<br />
الرب ٌُظهر محبّته فً ولت مناسب وؼرٌب. لن أكذب علٌن،<br />
كنتُ سؤزورن بعد ثبلثة أٌام. لكن حدث ما لرَّ ب زٌارتً إلٌن<br />
مضطرّ اً. هل تملن اتصاالت مع مصرؾ فرع ساسٌن<br />
أرٌد منهم 7٘ألؾ دوالر من حسابً الخاص. على أن ٌصلوا<br />
لبل الخامسة من بعد ظهر هذا الٌوم، وإذا لم تتمكن من ذلن هل<br />
ٌمكنن المٌام باتصاالتن لٌرسلوا المطلوب ؼداً وتمبضه أنت<br />
وتسلّمنً ما أحتاج أنا إلٌه فً هذا الٌوم التارٌخً.<br />
SGBL<br />
ال أدري لمَ ساد الصمت فجؤة، فعدتُ لنفسً مدركاً أن شٌباً ما<br />
أخرجنً من نفسً وأخذت أجلد صدٌمً بمسوة لم أستطع<br />
تبرٌرها، فرأٌتُ هٌكل أبً وهو ٌرمً بكؤس الوٌسكً بعٌداً<br />
وٌكتفً باالبتسام. ثمَّ ٌموم متّجهاً إلى أطروحة أمً لنٌل<br />
الدكتوراه فً الفلسفة وٌحرلها ضاحكاً ضحكة هستٌرٌّة<br />
تساءلت: هل استفاق شًء ما فً داخلً وأخذ ٌبطش بصدٌمً؟!<br />
لكن حواري مع نفسً لم ٌستمر إذ سمعت صوت صدٌمً عمر<br />
ٌمول: سنعرؾ الحماً لماذا سمٌته ٌوماً تارٌخٌاً، ولكنً سؤحاول<br />
فوراً تحمٌك الخطّة األولى، تكرم ٌا أحلى زٌاد، سؤتّصل<br />
بمحامٌهم، واآلن أخرج من الؽرفة وكن لطٌفاً. لم ٌستؽرق<br />
ٖٖٗ
األمر سوى دلابك حتى خرج عمر من الؽرفة مبتسماً ولال: لمد<br />
سوّ ي األمر وسٌصل المبلػ فً الرابعة بعد ظهر الٌوم. اآلن هم<br />
بحاجة إلى فاكس منن تطلب هذا المبلػ وكذلن تسلٌمه لؤلستاذ<br />
عمر. سؤنتظر حتى تكتب الفاكس وننتهً من األمر. بعد دلٌمتٌن<br />
ولعته ثمَّ أرسله عمر حاالً. الشنَّ أنً سررتُ كثٌراً وعبر ُت<br />
عن شكري وامتنانً له. واآلن لست أدري كٌؾ فهمتُ أن<br />
لٌدٌن طلباً آخر.<br />
هذا صحٌح. هل ٌمكنن أن تؤخذ إجازة لمدة ساعتٌن نتناول<br />
فٌهما طعام الؽداء سوٌّة.<br />
من أجلن استطٌع فعل<br />
كل شًء.<br />
هٌا بنا. إذاً<br />
بعد عشرة دلابك كنا نجلس معاً فً مطعم صؽٌر بمنتهى<br />
الروعة، "دٌكوره" مستمد من المرون الماضٌة الفرنسٌة ومُنفذ<br />
بطرٌمة فنٌّة مذهلة. كنت تعباً لكن عندما جلس ُت شعرتُ أن<br />
مإخرتً لالت آه مُتذكرة أحضان أمً.<br />
لال عمر ماذا ترٌد أن تؤكل؟! أمن نكهة الشرق أم من الفتنة<br />
الؽربٌّة أنا ٌا عزٌزي زٌاد الجابع إلى ببلدي والمتؤلّم ِلما ٌحدث<br />
فٌها من مآسً سؤشرب كاساً أو أكثر من العرق وأتؽدّى<br />
الملوخٌّة على الطرٌمة المصرٌّة.<br />
ٖٗٗ
أعتمد لو أنن مثّلت الببلد سٌاسٌاً فً الخارج لكنت افدت<br />
سورٌّة فابدة كبٌرة، فلتحٌا سورٌّة متآخٌة، ولتعش الملوخٌة<br />
المومٌّة أبداً، إذ ربّما تذكّرنا االّ حلَّ هنان ؼٌر األمّة الواحدة.<br />
رؼم صعوبة الوصول إلٌها إلى حدّ أتعرؾ إنً<br />
أشتهً أن أجلس لرب السبع بحرات وأرالب األوالد وهم<br />
ٌتراشمون بالماء بعد أن أبعد كرسًّ ِ وأنا أشرب فنجان المهوة<br />
المخلوط بالهال رؼماً عنً ألنً نسٌت أن ألول: ال تضعوا<br />
الهال فً لهوتً.<br />
ِ االستحالة.<br />
أرى أنن متمكن بشكل ممتاز من ثبلثة لؽّات وهذا ٌُشكّ ِل<br />
حضوراً متؤلّماً.<br />
لمد واجهتُ صعوبة فً الوصول إلٌن عندما احتجتُ أن أران<br />
فً هذا الٌوم بالذات. كنت أحاول تذ ّكر بعض معالم المكان،<br />
ولكنً اكتشفتُ أنً ال أعرؾ اسم الشارع وال رلم البناء. كان<br />
اسم الشارع هو األهم أما البناء ورلم الطابك فٌفترض أن ٌشار<br />
إلٌهما ببلفتة كتب علٌها كلّ ذلن بوضوح. كنت فً تلن<br />
اللحظات لرٌباً من لوس النصر فتمدّمتُ منه ورفعت نظري إلٌه<br />
متهٌباً، كؤن إلهاً إؼرٌمٌاً ٌجلس فً هذا المكان ٌشم رابحة<br />
الجنس التً تعبك وتؤتً إلٌه من كل نواحً بارٌس. الفرنسٌّون<br />
لطالما كانوا مهرة فً صناعة الجمال وإبرازه بؤنالة ملفتة.<br />
عندما أفكر فً األمر ٌنتصب هللا أمامً وألول له والحماسة<br />
تكاد تمتلنً: أنت اإلعجاز الذي ال ٌمكن أن ٌصل إلٌه أي<br />
إعجاز، أنت الحب الصافً الخالً من األنانٌّة. كٌؾ تدبرت هذا<br />
االختبلط األممً، كٌؾ ل ّربت المسافات وجعلت الناس<br />
ٌتزاورون من ألاصً األرض إلى ألاصٌها فبعثرت األنانٌات<br />
ٖٗ٘
ونملت كلّ الفنون إلى أنحاء المعمورة. الكثٌرون استفادوا<br />
وطوّ روا والملة اعتبروا ذلن صندوق الفرجة فتفرّ جوا. عفواً ٌا<br />
ربّ إنً لم ألصد مدحن. بل كنتُ أسعى أن أتعلم منن كٌؾ<br />
أتخلص من الحسد المجنون واألنانٌّة التً تعرّ ي اإلنسان من<br />
إنسانٌّته مهٌّبة إٌاه لٌصٌر ذبباً عاشماً لمكرِ ه وما ٌستطٌع أن<br />
ٌفعله من مكروه. عفواً ٌا عمر لمد استرسلتُ فً وعظ نفسً.<br />
كنتُ فً منتهى الثمالة وأنت تتكلم، أنت رابع<br />
من ذلن.<br />
بل أكثر ٌا زٌاد<br />
كنت أحاول أن أوصل إلٌن طلبً الثانً، فشردتُ وذهبت<br />
باتّجاه هللا علنً أشم رابحته. لكن بالتاّكٌد شعر بً وبما ٌعتمل<br />
فً داخلً. ولفت على ناصٌة أحد الشوارع المرٌبة من لوس<br />
النصر وأخذتُ أدور حول نفسً ناظراً إلى األعلى علنً أرى<br />
الفتة محام ربما ٌعرفن وٌعرؾ أٌن ٌمكن أن ألمان. فً أثناء<br />
ذلن رأٌت شابا ٌتطلّع إلً مستؽرباً أو متساببلً لستُ أدري.<br />
لكنً شعرت بدوّ ار خفٌؾ أظنه كان من كثرة الدوران حول<br />
نفسً، وأنا أبحث عن الفتة مكتوب علٌها اسم أحد المحامٌن،<br />
فربّما أجد عنده المبتؽى. ولكنً لم أجد ما أبحث عنه. كان علً<br />
أن أتولؾ وأحاول أن أجد طرٌمة أخرى. انتظرت للٌبلً حتى<br />
ٌزول ذلن الدوّ ار الخفٌؾ وهذا ما حصل. عند ذلن الحظتُ أن<br />
الشاب الذي كان ٌرالبنً ٌمترب منً بإصرار وببطء. كان<br />
وسٌماً بشكل ملفت وٌحسن العناٌة بهندامه البسٌط الذي ٌنم عن<br />
ذوق رفٌع، لكن األحوال ال تسٌر كما تشتهً السفن. لمّا أصبح<br />
أمامً انحنى انحناءة بسٌطة لكنها بطرٌمة من الطرق كانت<br />
ممسرحة دون أن ٌحمّل ذلن لصداً ؼٌر مشروع. أؼلب الظن<br />
ٖٗٙ
أنه تعلمها من مكان ما أو من "السنٌما". لماذا تتركونً أتكلم<br />
واستطرد وأعود إلى الموضوع وأتكلم وأحلل وأخرج عن<br />
السٌاق وال ٌعترض أحد منكم ٌا أصدلابً ألٌس هذا حراماً؟!<br />
لبلختصار ألول أن ذلن الشاب عرض خدماته. من جهتً<br />
نجحت فً وصؾ المكان الذي ٌمع فٌه مكتبن، ولمحة بسٌطة<br />
عن وسامتن ومظهرن الرٌاضً<br />
أفهم من هذا أنن فضحتنً.<br />
ال، إنن تبالػ إذ إنً ال أملن ما أفضحن فٌه. دعنً أكمل<br />
فاألمر ٌهمنً. أجابنً الشاب أنه ٌعرؾ الشارع الذي ٌعمل فٌه<br />
صدٌمً ولعجابب الصدؾ إنه أصبح ٌعطً دروساً فً الجامعة<br />
التً أدرس فٌها، وأعتمد أن اسمه األستاذ معتوق.<br />
<br />
هذا صحٌح تماماً،<br />
وماذا تدرس أٌها الشاب.<br />
الحموق المهدورة ٌا سٌّدي.<br />
وماذا تعنً بهذا الكبلم؟!<br />
اعذرنً أنا ال أملن الحك بؤن أسخر من الجامعة. لكن ال ٌمكنن<br />
الذهاب إلى حٌث تلمى صدٌمن فً هذه الساعة إذ لن ٌكون فً<br />
المكتب لبل الحادٌة عشرة.<br />
طلبتُ منه إن كان بإمكانه تناول الفطور معً وأخذي إلى مكان<br />
لطٌؾ. شخصٌاً تمتعتُ بهذا الفطور والحدٌث مع ذلن الشاب<br />
ٖٗ7
الؽامض والكثٌر التهذٌب. ثم نظر ُت بهدوء ال صنعة فٌه إلى<br />
عمر متؤمبلً وجهه وما إذا كان سٌعرؾ أنً أُخفً شٌباً، لكنه لم<br />
ٌتحمل ذلن طوٌبلً، إذ بدأت تماطٌعه تمور بحٌث أخذتنً إلى<br />
االعتماد أنه تنبّه إلى أن وراء األكمة ما ورابها<br />
هل تستطٌع وصؾَ<br />
هذا الشاب.<br />
طبعاً ٌا عزٌزي " للتها بطرٌمة أفهمته فٌها إنً منزعج من<br />
طرٌمته الفظّة المتحدٌّة فً الكبلم". أطرلتُ للٌبلً محاوالً إبعاد<br />
األفكار التً داهمتنً وكانت شدٌدة الخطورة. لكن فً النهاٌة<br />
وبعصبٌّة ملفتة لال: ألم ٌمل لن إنه مثلً الجنس؟!<br />
أبدٌتُ استؽرابً مبتسماً ابتسامة لرفة مختلطة بالسخرٌة. ثمَّ<br />
للت: لرّ رت االّ أطلب منن شٌباً، أرجون فمط أن تصدلنً<br />
المول: وبعد ذلن سنؽٌّر الموضوع ونؤكل بهدوء. ترى هل أخ َّل<br />
هذا الشاب بطرٌمة ما بمواعد السلون؟! وهل هو كسول وال<br />
ٌحضر الحصص المتوجب حضورها، أو ٌُظهر عٌوباً مفاجبة<br />
ٌصعب تحملها؟! إنه ٌمترب من الخامسة والعشرٌن ولد رأٌته<br />
جاداً فً كبلمه ٌتحلّى بالمنطك، وٌُرٌد فً النهاٌة أن ٌعٌش دون<br />
ٌُشار إلٌه باألُصبع. هل تستطٌع أن تدحض ما للته؟!<br />
إن كلّ ما للته صحٌح، وإنً لد أكون مخطباً بحك هذا الشاب.<br />
سنكتفً بهذا، فؤنا لست مصلحاً اجتماعٌاً. شكراً لن هٌا اطلب<br />
العرق لن واألوزو لً مع بعض "المازوات" وال تكثر.<br />
ٖٗ8
حسناً، ولكنن لست راضٌاً ماذا ترٌد أن أفعل لن؟! ماذا ٌمدم<br />
لن عدنان وأنا ال أستطٌع تمدٌمه.<br />
هل سمعت منً أيّ لول فٌه ما ٌجرح أو ما ٌصدم؟! أم إن فً<br />
كبلمً بعض الفظاظة؟! ثم لمَ تُكثرون الحدٌث عن عدنان؟! إنه<br />
الصدٌك الذي ٌصرخ فً وجهً متى علٌه أن ٌفعل ذلن. ثمَّ إن<br />
عٌنًَّ تعوّ دتا على رإٌاه منذ الصؽر.<br />
أنت لم تمم بؤيّ شًء خاطا، ولكن عٌنٌن ال تصدّلان أنً<br />
ألول الحمٌمة.<br />
أنا لم أعد أرٌد تناول أيّ طعام أو شراب، دعنا نتمشّى، فلن<br />
ٌكون فً الشوارع الكثٌر من الناس فً مثل هذه الساعة، فربّما<br />
ترسل لنا السماء موضوعاً آخر ٌشؽلنا لبل أن نعود إلى المكتب<br />
ونحصل على ما ٌرد من بٌروت. ث َّم إنً ملتزم باستمبال طبٌب<br />
سوري فً الفندق، فمد وعدت أمه األرملة أن أحمل معً فً<br />
طرٌك العودة ما لد ٌرسله إلى والدته.<br />
أنا آسؾ لِكل ما بدر منً، نحن أصدلاء وعلٌنا أن نتمبّل<br />
أخطاء بعضنا البعض. إنً مرهك صدّلنً سؤترن العمل فً<br />
الجامعة، وأستبدل ساعات العمل هنان بالترٌّض والعودة إلى<br />
عبللتً االجتماعٌّة وفرح الحٌاة. امنحنً دلٌمتٌن أرجون.<br />
خذ خمس دلابك.<br />
حسناً. لن أتركن وحدن طوٌبلً.<br />
ٖٗ9
كان علًَّ االبتعاد عن أفكاري إذ إنها ال تحوي فً طٌّاتها ما<br />
ٌسندها وٌعطٌها أٌة مصدالٌة. ترى هل فً داخلً ما ٌدفعنً<br />
إلى تدمٌر صدٌمً لتعمٌر الثمة بنفسً؟! هل ٌمكننا االدّعاء أننا<br />
نكاد أن نصل إلى مبلمسة خطة هللا؟! حاشا، إننا دون شنّ نُماد<br />
إلى الدخول فً لعبة الشٌطان. لم ألبث أن رأٌت المعتوق عمر<br />
ٌعود مبتسماً. أفرحنً ذلن، فاعتدلتُ فً جلستً. لمّا جلس<br />
أمامً كانت مبلمحه مختلفة كؤنه استفاق من كابوس ٌركله<br />
وٌستمرّ فً ركله حتّى إٌصاله إلى المنحدر الذي بعده الجحٌم<br />
مباشرة.<br />
لمد استملتُ من الجامعة، وعلٌن أن تصدّلنً عندما ألول: لمد<br />
أنزاح عن كتفً حمبلً ثمٌبلً كاد أن ٌدمّر حٌاتً تدمٌراً كامبلً<br />
وٌجعلنً ال أستحك صدالة الممٌّزٌن.<br />
كٌؾ فعلت ذلن؟!<br />
األمر كان سهبلً إذ إنً أرسلت "فاكس" إلى اإلدارة أعتذر عن<br />
المتابعة ألسباب مرضٌّة كنت سابماً لد تكلمتُ مع ربٌس مجلس<br />
اإلدارة عن الموضوع نفسه. ثمَّ طلبت من المسإول اإلداري<br />
عن المكتب االحتفاظ بالمال الذي سٌصل بإسمً حتى انتهابنا<br />
من الؽداء.<br />
بعد ثوان أخذت ٌد بارعة ترتّب أطباق الطعام ونادل آخر<br />
ٌسكب لً الملٌل من األوزو، ولؤلستاذ عمر بعض العرق. لكنه<br />
لم ٌلبث أن لال: هل ٌرضٌن هذا؟! أعتمد أن عٌنٌن ال تزاالن<br />
ٖ٘ٓ
ؼٌر راضٌتٌن لمد كنتُ ألرأ ما تمول<br />
بٌروت. ماذا حدث لؤلب ٌوسؾ؟!<br />
عٌنان منذ أن كنا فً<br />
ال أدري تماماً، لكنه استطاع بطرٌمة ما إلى التسلّل إل لبر<br />
"ؼولدا مابٌر" وتمكّن من انتزاع "عضمة آدم" التً خلك منها<br />
هللا المرأة لتكون معٌناً للرجل فً السرّ اء والضرّ اء كما جاء فً<br />
التوراة وكل األساطٌر المدٌمة. ترى ألم ٌنشر الخبر فً<br />
بٌروت؟!<br />
إنً ألرأ النهار ٌومٌاً ولم أالحظ مثل هكذا خبر لد ٌهز<br />
إسرابٌل والمنطمة كلّها. إذا كنت متؤكّداً من معلوماتن، فهذا<br />
ٌعنً أن األمر حمٌمً ولكن األوامر تمضً بالتعتٌم علٌه.<br />
لمد فكّرتُ أن هذا ما سٌحصل، لكن ٌبدو أن الخبر لم ٌُذع فً<br />
إسرابٌل نفسها، وإالّ لكانت التمطته وسابل اإلعبلم العالمٌة<br />
والعربٌة. كما أنً لم ألرأ رسالته بعد وما فٌها من تفاصٌل. لمد<br />
كنتُ مشؽوالً وال أزال فً تدبٌر حٌاتً التً لم ٌبك لدٌها الكثٌر<br />
للتبلشً فً ؼبار الكون. المشكلة لد تتفالم وكرة الثلج ستكبر.<br />
الطابفة الٌهودٌّة فً هذا الشرق ابتدعت لوانٌن ولالت: إن هللا<br />
أرسلها وأمر أن تؤخذ سرعتها فً التطبٌك. وهً تمول: إن<br />
الشعب الٌهودي عاش ٌإمن أن الطفل المولود ال ٌكون ٌهودٌاً<br />
ما لم تكن والدته ٌهودٌّة المولد لكن ما حدث ٌملب األمور كلها<br />
رأساً على عمب، طالما أن عضمة "ؼولدا مابٌر" فُمدت اآلن<br />
فإن الٌهودٌّة فً هذا العالم ستعٌش مؤزلاّ تارٌخٌاً حمٌمٌاً سٌهز<br />
أركان تلن الدولة بعد ضٌاع "عضمة ؼولدا مابٌر" وتعود إلى<br />
ضٌاع آخر أشدّ هوالً، ٌجعلها تستفٌك جفلة صارخة فزعة<br />
.<br />
ٖ٘ٔ
ترتجؾ وهً تعود ذهنٌاً إلى ما كان ٌحدث أٌّام التشرد، ممّا<br />
ٌعنً العودة بهم جمٌعاً إلى ذلن الهرب المتواصل المذل،<br />
ولرؾ الناس من رإٌتهم التً ال تطاق. ما تعانً منه إسرابٌل<br />
فً هذه األٌام ستكون تداعٌاته خطٌرة ولد تإذي المنطمة كلّها<br />
ما لم ٌكذب هذا الخبر جملة وتفصٌبلً. لكنً أعتمد أن الخبر<br />
سٌتسرّ ب بطرٌمة ما. خاصة بعد أن سمعتُ خبراً وارداً من<br />
إذاعة العاصمة المبرصٌّة ٌمول: إن طابرة إسرابٌلٌّة بدون طٌّار<br />
دمرت ٌختاً لرب السواحل المبرصٌّة، ولم ٌذع شٌباً عن عدد<br />
اإلصابات التً أحدثتها ونوعٌّتها. لستُ أدري ما الذي دعان<br />
إلى السإال عن األب ٌوسؾ سٌكون مشكلتً المادمة إذ استمرّ<br />
التعتٌم على ما حدث حمٌمة. دعونا نعٌش دون الحاجة إلى<br />
استجداء العالم، ونسٌر فً طرٌمنا لادرٌن على إطعام أجسادنا<br />
ألن هذا سٌبمى حمنا فً العٌش. أمّا إذا كان هللا ٌحتاج إلى<br />
إصبلح هذا العالم الذي خلمه. فلٌفعل ذلن متى ٌشاء وٌرسم لنا<br />
خطانا من جدٌد، علنا نتخلّص من أن تدعس أحذٌتنا على<br />
المذارة التً أصبحت تمؤل دروبنا وتمودنا إلى أحبابنا وأعمالنا<br />
ومصادر عٌشنا.<br />
دعنً أعترؾ أنً مثلً الجنس مثل ذلن الشاب. كما أنً<br />
الحمته واشتهٌته بشكل كاد أن ٌخرّ ب عملً تماماً، وٌإدي بً<br />
إلى متاهات، هللا وحده ٌعلم كٌؾ ستكون وإلى أيَّ مجرور<br />
سترمٌنً؟! مررتُ فً أولات اعتمدتُ فٌها أنً أخفته وال ٌلبث<br />
أن ٌهرول إلًَّ إلبداء طاعته. لكنً كنتُ مخطباً، إذ إنه اشت َّم فً<br />
أثناء ذلن رابحة االستحواذ، فنفر بشدة، رافضاً أن ٌكون ٌوماً<br />
لعبتً، وأعلن بكل الطرق التً ٌجٌدها احتماره لً واشمبزازه<br />
الشدٌد. انحدرتً إلى مثل عمر ذلن الشاب، وؼضبتُ بشدّة ممّا<br />
ٖٕ٘
دفعنً إلى ارتكاب جرٌمة خطٌرة اخرى كانت من تداعٌّات<br />
العمى المولّت الذي أصابنً. إن ما فعلته ال ٌزال ٌإرّ لنً<br />
وٌخطّ فً نفسً جروحاً من الصعب اندمالها. هكذا ازداد ثمل<br />
الحمل الذي أحمله على كاهلً، إذ كنت حٌنها فً لبضة<br />
الشٌطان مطبماً على خنالً وٌعرؾ أنً أملن الوسٌلة لبلنتمام،<br />
فممت بتحرٌض البعض كً ٌمنعوا عنه لممة العٌش. وها أنت<br />
هنا الٌوم بعد كلّ تلن السنٌن التً باعدتنا عن بعضنا بعضاً،<br />
تسمع اعترافً وانتمامً من نفسً.<br />
ماذا دهان حتى تمذفنً بمثل هذا الحجر الكبٌر؟! هذا أمر ال<br />
ٌمكن أن أنالشن فٌه. إذ ٌبمى األمر محصور بحمّن أن تكون<br />
مثلٌاً. إنه لم ٌعد جرٌمة بالتؤكٌد. لكن أال ترى أنه ٌحطّ بالمٌمة<br />
اإلنسانٌّة؟! أنا ال أدري إلى أٌن سٌمودنا هذا؟! إن ما هو فٌن<br />
ٌخصّ طبٌعتن الجنسٌّة التً لن أحسدن علٌها ٌوماً وال أستطٌع<br />
إعطاء نفسً حكَّ منالشتن فٌها ولٌس ألحد الحك أٌضاً فً ذلن،<br />
أو التوجّه إلٌن بؤٌة اتّهامات. كما لن أن تشتهً من ترٌد وتسؤله<br />
إن كان ٌمبل أن ٌعاشرن. فإذا رفض، علٌن االنسحاب من<br />
المولؾ كلّه وتركه ٌذهب فً سبٌله. كل ما تفعله بعد ذلن بح ّك<br />
ذلن اإلنسان الذي لم ٌمبل عرضن، ستبلحك من أجله ولم ٌكن<br />
ٌجب أن ٌحصل، وال أن ٌبدر من رجل مثلن. أما أن تحرض<br />
اآلخرٌن أن ٌمنعوا عنه لممة العٌش، فهذا ال ٌمكن المبول به<br />
على اإلطبلق، فإذا كان هذا صعب إثباته أمام المضاء، فاهلل<br />
ٌعرؾ ما جرى تماماً وما ٌجري بدلّة فً هذا العالم. ولم ٌكن<br />
لٌفعله رجل فً مثل مركزن االجتماعً والمضابً. الدنٌا ال<br />
تإخذ ؼبلباً كما تمول "أم كلثوم" ث َّم إنن لم تكن بحاجة إلى هذا<br />
االعتراؾ فمد كنت تستطٌع أن تصلح كلّ شًء ببساطة ودون<br />
ٖٖ٘
أن تربن نفسن بهذا التصرٌح المزعج، دعنا ندعوا هللا أن ٌكون<br />
اعترافن مفٌداً لن، وٌعطٌه سبباً لٌؽفر لن هذا العدوان الذي ال<br />
سبب له.<br />
هل تمصد أنن ال تمانع فً أن ٌكون أحد من أصدلابن<br />
منحرفاً؟!<br />
من أٌن لً حك الممانعة؟! األطبّاء ال ٌسمون هذا انحرافاَ. هل<br />
ترى أنً من العامة؟! لمد سبك لمنظمة الصحّة العالمٌّة أن<br />
اعتبرته لٌس مرضاً، ورفعته من البحة األمراض المعروفة. إن<br />
هذا الكم الهابل من البشر المنضوٌن تحت هذه الفبة من الناس<br />
أجبروا العلم، على المزٌد من البحث إلى أن تؤكّد إلى اآلن أن<br />
هذا لٌس مرضاً، بل إن هذا االكتشاؾ أظهر للجمٌع الكم الكبٌر<br />
جداً من الناس الذٌن كانوا ٌختببون وراء أصبعهم خوفاً من<br />
الفضٌحة. إنهم فً النتٌجة كوّ نوا فً كلّ أنحاء العالم "لوبٌات"<br />
لوٌّة لعبت وتستطٌع أن تلعب دوراً هاماً فً إسماط أو إنجاح<br />
مُرشح ما هنا وهنان. إنهم ماضون فً هذا الطرٌك، وٌزدادون<br />
لوة والخوؾ كبٌر من هذا التمدد الذي أراه طبٌعٌاً، من أن ٌضم<br />
إلٌه من لٌس لدٌهم هذه المٌول وإنما دخلوا إلى هذ المضمار<br />
للتجربة والفرجة أو بسبب الحاجة الماسة إلى المال. وهذا لد<br />
ٌخلط لفترة الكثٌر من األمور، وٌُحدث إرباكات اجتماعٌّة<br />
ضخمة ال أحد ٌعرؾ إلى أٌن لد تمتد خطورتها، وماذا سٌُحدث<br />
للسماح للمثلٌٌّن بتبنً األطفال، بحٌث سٌرى العالم نفسه ٌوماً<br />
ملًء بالذكور واإلناث الذٌن تربوا فً بٌوت ٌدٌرها مثلٌّون؟! ال<br />
أستطٌع إ ّال أن ألول حذا ِر إن هنان كارثة هابلة تنتظرنا<br />
على الطرٌك إلى المستمبل، لم ٌشهد العالم مثٌل لها مطلماً.<br />
حذارِ ،<br />
ٖ٘ٗ
أرجو من المدٌر أن ٌساعدنا الجتٌاز ذلن اله ّم الكبٌر. دعنا ننهً<br />
هذا الموضوع الممٌت أرجون، دعنً أصلًّ لن وألول) أنت<br />
عمر الصدٌك الذي شؽل فرنسا كلّها كمحامٍ المع ربح الكثٌر من<br />
المضاٌا المستعصٌة، وهو ٌرتدي عباءته الفرنسٌة إن الرب لن<br />
ٌسمح لتولن بتحمٌك ما ٌصبو إلٌه وتعود طفبلً آمبلً أن ٌنمو<br />
من جدٌد وهو خالٍ من ذلن االنحراؾ الممٌت( إنً أشعر<br />
باألسؾ الشدٌد لتحمٌلً ثمل اعترافاتن، وكنتُ أفضل كبدٌل أن<br />
تهبنً بعضاً من شجاعتن. أنا لم أعد أطٌك سماع أٌّة اعترافات<br />
جدٌدة. إن كنتَ تخطّط للمتابعة لل لً أللوم وأؼادر مكانً<br />
وكلًّ أمل أن ننسى تعاٌشنا الطوٌل كشخصٌن تجمعهما المحبة<br />
التً تفرزها الصدالة الحمٌمٌّة. لستُ أدري ماذا للتُ وكٌؾ<br />
أعبّر عن مشاعري فً هذه اللحظات؟! أرجو أن تؽفر لً حدّتً<br />
فمد صدمتُ بكثٌر من المفاجآت التً لم أكن أتولعها ولم أستطع<br />
تحمّل ضؽطها الماسً علًّ. أرجو أن تشكر هللا ألنً سؤبذل ما<br />
فً وسعً لترتٌب تداعٌّات اإلساءة التً لحمت بها الشاب. أنت<br />
صدٌمً وستبمى كذلن اؼفر لً. إنً آسؾ أٌضاً ألنً لم أنهِ بعد<br />
طلباتً. دعنً أسؤلن: هل تملن دالة على أحد الصاؼة<br />
المعروفٌن؟! إذ إنً أنوي شراء خاتم ٌحمل ألماسة معتبرة<br />
تظهر جمالها متصنّعة الخجل، أو تسحب ٌدها من تضعه فً<br />
أصبعها خوفاً من العٌن الحسود.<br />
نعم أٌها الحب ب ربحتُ منذ أشهر مضت دعوى مهمة جداً<br />
ألحد من الصاؼة الكبار كانت ستؤخذه إلى اإلفبلس تماماً فٌما<br />
لو خسرها. المال الذي ٌخصن لد وصل ولم ٌعد أمامنا سوى<br />
الذهاب إلى مكان لٌس بعٌداً. هٌا بنا. هل تعلم أنن أبرع من<br />
صاغ الجملة المنطولة باللؽة العربٌه. لرأتُ لن مماالً فً<br />
ٖ٘٘<br />
ٌ
صحٌفة النهار لرأه كلّ الفرٌك الذي ٌعمل معنا، وكل من زار<br />
المكتب لمدة شهر. أشعر بؤن لٌس علًّ االكتفاء بهذا اللماء فمط.<br />
أرجو أن تفسح فً المجال للماء آخر لبل رجوعن إلى بٌروت.<br />
سؤسعى بكلّ لواي لٌكون اجتماعنا أطول حٌث ٌمكن أن<br />
تطرح فٌه موضوعات أشمل، وتتعلّك بما ستمدّمه لنا األٌام تباعاً<br />
فً المستمبل.<br />
لالوا لً فً الفندق أن العابدي هو فً دمشك، هذا ممّا ٌجعلنً<br />
آمل بلمٌاه ألعطٌه فكرة عن تدهور فندله نتٌجة لفمره على ما<br />
ٌبدو. ضحكنا كثٌراً، ومن ناحٌتً فعلتُ ذلن من كل للبً. كنتً<br />
بحاحة لذلن بمدر ما شعرت بؤن الجلسة مع عمر كانت محمونة<br />
بتوتر لم أشعر به وأنا أجالس صدٌماً ٌوماً.<br />
لمد ؼبت عنً للٌبلً ترى أٌن كنت؟!<br />
زارنً طٌؾ أمً ووشوشنً بضع كلمات فً أذنً الٌمنى،<br />
فاضطررت إلى االستدارة للٌبلً. إنً أشعر بؤنها تكون إلى<br />
جانبً كلّ ما تحرّ ن الشر فً محٌطً. لمد لاطعتنً عندما كنتُ<br />
أفكر بؤمر آخر كان ٌشؽلنً لابلة: عذراً، إن ما جبتُ من أجله<br />
ال ٌمكننً إهماله. الرب لال لً: تابعً ما تفعلٌنه ابننا بحاجة<br />
إلى حماٌة. هذا ٌملمنً بعض الشًء ٌا عمر.<br />
ال بؤس ٌا زٌاد. لمد ذهبت أمً إلى خالمها، وفً الٌوم الثالث<br />
توفًّ أبً وهو ٌستمبل المعزّ ٌن. بعد شهرٌن انتبهت وأنا جالس<br />
أمام الت ِلفٌزٌون" أستمع لؤلخبار، إنً أعٌش وحٌداً ال أخ وال<br />
ٖ٘ٙ<br />
"
أخت. أذكر إنها كانت الساعة العاشرة مساءً. كان الهاتؾ لربً<br />
حاولت مرّ تٌن رفع السماعة، ولكنً كنتُ أفشل فً االحتفاظ بها<br />
مرفوعة. لكن أخٌراً أوصلنً الهاتؾ إلى المطار حٌث طلبت<br />
الخطوط الجوّ ٌة الفرنسٌة. فً الٌوم الثانً كنتُ أنزل بوساطة<br />
سلّم الطابرة إلى أرض مطار "أورلً". لمد أصبحت مواطناً<br />
فرنسٌاً، لكنً ال أزال وحٌداً ؼٌر محبوب على ما أشعر، وال<br />
تزورنً األطٌاؾ. ها لد وصلنا إلى الذي سنشتري منه الخاتم<br />
آمل أن ٌعجبن.<br />
أرجون. دعنً أمسح دموعً وأُرتّب نفسً. سؤران حتماً لبل<br />
عودتً إلى بٌروت. لكن ال تؤتِ وفً جعبتن ما ٌُدمً الملب،<br />
بمٌنا فً الداخل نصؾ ساعة، وخرجنا وبرٌك الجواهر ال ٌزال<br />
فً عٌوننا.<br />
للت لن سؤران وأنا أوفً بوعودي<br />
مضطر أن أصل إلى فندلً بسرعة.<br />
دابماً، عذراً وشكراً لكنً<br />
إنه لرٌب من هنا.<br />
أنا<br />
أحتاج للولت وعلً أن أطلب سٌّارة أُجرة.<br />
ٕٗ<br />
كنت أدخل إلى الفندق فً الساعة السادسة والنصؾ. ورأٌت<br />
فرانسوا ٌسؤل عنً فً ؼرفة االستمبال. اتّجهتُ صوبه وعندما<br />
أصبحت وراءه ربتُ على كتفه وللت له: أهبل بن هٌا بنا نجلس<br />
ٖ٘7
فً ذلن الركن حٌث ٌمكننا أن نتبادل الحدٌث بهدوء. ابتسم<br />
ولال: سمعاً وطاعة. لمّا أخذنا أمكنتنا رأٌت فً مبلمحه شٌباً<br />
ما، دعانً إلى تدلٌك النظر فً عٌنٌه دون االنتباه لِما أفعل،<br />
فرأٌت دمعة تتكوّ ن وما لبثت أن سمطت على خدّه األٌسر،<br />
سارعتُ إلى إدارة وجهً إلى مكان آخر كؤنً أبحث عن نادل.<br />
عندما نظرت إلٌه مرّ ة أخرى كان وجهه ملٌباً بالدموع ُشده ُت،<br />
إذ إنً لم ٌكن لد رأٌت إ ّال لماماً حزناً مشابهاً فً مثل هذه<br />
األعمار. هذا ما حرّ ن مشاعري وأربكها بطرٌمة مُستفزة،<br />
وهكذا لم أستطع أن أتؽاضى عمّا لمس ُت وكؤن شٌباً لم ٌكن،<br />
وأحسب نفسً أعمى أبكم. مرت أمورّ كثٌرة كانت كلها ممكنة<br />
الحدوث لشاب ال ٌعمل ولٌس لدٌه أيَّ مورد آخر ٌمٌه من<br />
الجوع. لن أسؤله عن أي شًء لد ٌوجه إلٌه ربّما إساءة ضمنٌة.<br />
لكن لم أرد االستمرار فً هذا "المونولوج" وأدع الصمت هو<br />
الذي ٌتكلم دون أن أعرؾ ما ٌمكن أن ٌمول؟! لكنً كنت متؤكداً<br />
أن شعوري بالمسإولٌّة عن هذا الكابن الذي أمامً أراحنً<br />
كثٌراً. لذلن سارعتُ إلى المول: لمد أرهمنً الٌوم أستاذن. إذ إن<br />
النماش وصل بٌننا إلى نمطة كان التحرّ ن منها إلى ؼٌرها<br />
صعباً، وٌمتضً منً كشؾ أورالً ممّا لد ٌؤخذنا ذلن إلى<br />
تخرٌب صدالتنا من أجل لضٌّة ربّما كنت سؤلوم نفسً طوٌبلً<br />
لتدخّلً فٌها.<br />
<br />
هل تمزح ٌا دكتور.<br />
ال أبداً نحن بشر، وال أحد ٌعرؾ كٌؾ تنزلك األمور من<br />
األٌدي وتإدّي إلى الدخول فً متاهات ال تحمد عمباها. مدد ُت<br />
ٖ٘8
ٌدي إلى سترتً وأخرجت محرمتً<br />
وراءن اذهب إلٌه وعد كما كنت.<br />
النظٌفة وللت له: الحمّام<br />
لمد أسرع فً إعادة هٌبته إلى ما كانت علٌه. لكنه ما أن جلس<br />
لربً حتى وضع ٌدي بٌن راحتٌه ولبلها بسرعة ولال: لماذا<br />
تربكنً وأنا لم أفعل لن شٌباً؟! عذراً ٌا سٌّدي فما أرٌد لوله<br />
تماماً هو أننا صباحاً عندما كنا على الفطور، وفً لحظة ما<br />
تمنٌت أن تكون أبً. إنً آسؾ ِلما حصل من اربان كنتُ سببه.<br />
إذ إنً ال أدري فعبلً لمَ اندفعتُ وتحدّثتُ عن اإلشكال الذي<br />
حدث بٌنً وبٌن األستاذ عمر. كان كشفً لؤلمر تسرّ عاً ؼٌر<br />
ممبول. أنا آسؾ وأعتذر ألن ما للته فً نهاٌة األمر لم ٌكن<br />
ٌمثل حمٌمة مشاعري. لكن الحمٌمة تمول: أنن تملن جاذباً إنسانٌاً<br />
جعلنً أستعٌد شرٌط حٌاتً كلّها، مما أنسانً أنن لست أبً<br />
وال ٌمكن أن تكون هو.<br />
ال تؤسؾ على شًء. إنً المذنب الوحٌد فٌما حدث. الحمٌمة<br />
أنً ال أعرؾ تماماً من أو ماذا دفعنً إلى الدخول فً هذا<br />
الجدل الحاد الذي تصاعد وانخفض توتّره حتى ارتؤى األستاذ<br />
إلى الكشؾ بنفسه على ما أزعجنً وأربكنً استمراءه. ل َم<br />
وضعتنً فً هذا المولؾ؟! فلو للت الحمٌمة كما هً، وكشفت<br />
عن أفكارن تماماً، فربما كانت األحداث لد أخذت مساراً آخر<br />
ألل تكلفة. ربما ٌكون صعباً فً مولؾ كهذا أن نعرؾ كٌؾ<br />
جرت األمور. لكن بعد أن م ّرت حدّة المولؾ بسبلم أجد نفسً<br />
ال أزال أص ّر أنً أنا المبلم. لست أدري كٌؾ أنملب كلّ شًء<br />
راساً على عمب ودفعت صدٌمً بطرٌمة ما إلى االعتراؾ بؤنه<br />
مثلًّ الجنس، وهو لطالما اشتهان وربّما فهمتُ أٌضاً أنن<br />
ٖ٘9
خطفت منه من كان ٌؤمل أن ٌنمذه ممّا هو فٌه. لمد حاولت<br />
الهرب واالختفاء عن األنظار، إذ إنً أدركت أن الطرٌمة التً<br />
اتّبعتها إلٌصال صدٌمً إلى ما وصل إلٌه، لم تكن إنسانٌّة على<br />
اإلطبلق. لمد رجانً أالّ أنسحب من الؽداء وذهب للٌبلً إلى<br />
ؼرفة االستمبال، ومن هنان أرسل بوساطة الفاكس ما ٌفٌد أنه<br />
استمال من عمله فً الجامعة ألسباب صحٌّة.<br />
ماذا علًّ أن أفعل الستعادة رضان.<br />
أرجو أ ّال تشعر بالذنب على االطبلق. إذ إنن لم ٌكن بإمكانن<br />
تولع ماذا سٌحدث، وربّما لم ٌكن ٌمكنن أن تمول الحمٌمة كما<br />
هً. لكن ٌبدو أن هللا كان حلٌفن وحلٌفه فً الولت نفسه،<br />
وأؼلمت تلن المضٌّة بسبلم. أرجو أن تساعدنً فً خطتً<br />
لحٌاتن لمدة سنتٌن، حٌث من المفترض أن أعود صدٌماً لن<br />
ولٌس مسإوالً عنن. أنا ال أستطٌع عدّن محتاالً مثل الكثٌرٌن<br />
الذٌن نراهم فً هذه األٌام. لذلن أشعر وأنا حرّ اإلرادة بؤن هللا<br />
وضعن فً وطرٌمً ولال لً: تصرّ ؾ اعتبره أخان الصؽٌر.<br />
نعم هذا ما جرى فً أعمالً وأرجون لبول مساعدتً حتى<br />
تخرّ جن من الجامعة.<br />
أنا أشكرن من كلّ للبً، لكنً ال أستطٌع لبول ما تمترحه.<br />
رؼم أن الولت المصٌر الذي لضٌته معن، لكننً لن أستطٌع<br />
محوه من ذاكرتً.<br />
ولؾ<br />
فرانسوا ولال أرجو أن تسمح لً بالذهاب فً سبٌلً.<br />
ٖٙٓ
أنا ال أستطٌع أن أولفن عن الرحٌل متى شبت. لكنن إذا<br />
أصررت ستإذٌنً فً الصمٌم، أنا ال أدري كٌؾ انتملت فجؤة<br />
إلى مكان بعٌد كثٌراً عنً وأصبحنا نتكلّم عبر الهاتؾ. أرجو أ ّال<br />
ترتكب هذا الخطؤ. انحنى فرانسوا ولبل جبٌن زٌاد ثمّ ذهب<br />
دون أن ٌمول شٌباً. لكن زٌاد أٌضاً ترن الشاب ٌؽادر دون أن<br />
ٌنبس ببنت شفة، ولم ٌلتفت إلى خطواته المصمّمة على نسٌان<br />
ذلن النهار الذي أوشن على المضًّ ِ. لكن زٌاد لم ٌتحمّل ما<br />
ٌحدث فً داخله طوٌبلً وترن دموعه تنهمر مدراراَ، إلى أن<br />
تولفت وأخذته إلى الماضً الذي اختلط فٌه مسرح األحداث<br />
بالمرٌب منها مع المؽرق فً البعد. لالت له تلن األٌّام: ما أنت<br />
ٌا من تملن المال الكثٌر إالّ إنسان فاشل بشكل مرٌع. إن كاترٌنا<br />
لمّا فتحت عٌنٌها فً ذلن الصباح ولم ترن لربها صرخت لابلة:<br />
أنا لم أعد أرٌد الزواج منن. لمد بتُّ أعتمد أنن ال تصلح<br />
للزواج. اسمع ما ألول فهذا سٌنمذن من العودة إلى الجحٌم. تمتع<br />
فً هذه الدنٌا كما ترٌد، ولكن ابتعد عن الزواج وارحم نفسن.<br />
مرّ النادل من أمامه وتولؾ للٌبلً لاببلً: أنا أحمد "أترٌد شٌباً ٌا<br />
سٌّدي؟! إنً مستعد أن أذهب معن إلى بٌروت ولكن بعٌداً عن<br />
أهلً. إذ إنً أعرؾ كلّ ما ٌتعلّك بالبٌت، كما أنً أجٌد الطبخ<br />
وألدم طعاماً شهٌاً مدهشاً.<br />
ؼداً فً الثامنة صباحاً أحمل معن طعام الفطور وسنتكلم فً<br />
هذا." الممطع األخٌر كان فٌه "زٌاد" فً مولؾ مربن آخر، إذ<br />
إن زٌاد ظن أن النادل الذي ٌكلمه هو أحمد نفسه الذي تركته<br />
خطٌبته الختبلؾ الدٌن، وهو لم ٌكن ٌوماً نادالً فً ال "جورج<br />
"5<br />
ٖٙٔ
ٕ٘ <br />
وصلت إلى تلن الكافتٌرٌا التً كنتُ أراها تزداد جماالً<br />
وتؤلّماً. انتمٌت مكاناً مبلصماً للذي جلسنا فٌه أول مرة. كان ال بدّ<br />
من أستعٌد تلن اللحظة التً بدأ فٌها حبنا ٌنمو كمتوالٌة هندسٌة.<br />
شعرتُ فً تلن اللحظات أن "شكسبٌر" ٌمبع على تلن الطاولة<br />
على هٌبة حمامة بٌضاء شامخة معتدة ملٌبة بالعنفوان. ابتسم ُت<br />
وأشحت بوجهً وللتُ فً نفسً: إلى متى ٌؤخذنً خٌالً إلى<br />
"زنوبٌا" وشكسبٌر "وفان ؼوغ" والكثٌر ؼٌرهم، ترى ٌا ر ّب<br />
هل هذا معٌباً أو نمصاً فً شخصٌّتنا نستخدمه استجارة؟! أال<br />
ٌستطٌع "شكسبٌر" أن ٌعٌد كتابة رابعته "رومٌو و جولٌت"<br />
دون أن ٌحشو فٌها تلن الدراما الفاجعة، حٌث العشٌك ٌمتل<br />
نفسه، ثم ال تلبث تلن العاشمة الرابعة الجمال ذات الشفتٌن<br />
المرمزٌّتٌن، أن تمتل نفسها عندما رأت حبٌبها مُمدّداً على<br />
األرض جثّة هامدة، فشربت السم دون تردّد لتلحك بحبٌبها إلى<br />
جنّة الخلد. من جهتً أنا ال ألوى على ذلن وأرفض الفكرة<br />
جملة وتفصٌبلً. كما أنً أرفض التفكٌر فٌما لد تفعله كاترٌن.<br />
لل لً "ٌا شكسبٌر" العزٌز: أال ٌمكن أن ٌتفتّك ذهنن عن نهاٌة<br />
أخرى ٌموت فٌها "زٌاد" فً األربع والثمانٌن، وتموت كاترٌن<br />
صوماً عن الطعام بعد أن رأت أنه لم ٌعد للحٌاة أٌّة معنى طالما<br />
أنً رحلتُ بعٌداً ولم أعد لادراً أن أمسن بٌدها تارة وألبّل<br />
راحتً ٌدٌها تارة أخرى؟!! لكنً انتبه ُت فجؤة أن نصؾ ساعة<br />
مرت ولم تظهر كاترٌن ممّا جعل لشعرٌرة تنتابنً، وتدفعنً<br />
إلى الدخول فً للك وتوتّر عمٌمٌن، فؤخذ للبً ٌسرع فً دلاته<br />
متؤبطاً بً، وآخذاً إٌّايَ إلى عدّة احتماالت فٌها الكثٌر من<br />
المبالؽات التً أمعنت فً إثارتً فً كرسًّ ِ المرٌح وأجبرتنً<br />
ٖٕٙ
على الولوؾ وأنا أدٌر رأسً ٌمنة وٌسرة دون أن أدري ماذا<br />
أبؽً من كلّ هذا. جلستُ دون أن أنظر حولً خوفاً من أن أرى<br />
الدهشة ترتسم على الوجوه. بدأتُ بمحاولة المراءة فً إحدى<br />
الصحؾ، ولكن عبثاً. إذ إنً اكتشفت فً تلن اللحظة أنً ال<br />
أستطٌع أن أهتم عملٌاً بشٌبٌن مختلفٌن. ترى ماذا علًَّ أن أفعل،<br />
فؤنا ال أعرؾ أٌن ٌمع منزلها فلم أكن أنا من كان ٌمشً مع<br />
كاترٌن عندما تناولنا الؽداء فً بٌتها الجدٌد. إذ كنت مشؽوالً فً<br />
التمتع بالنظر إلى أعماق عٌنٌها وتركتها تمودنً كما تشاء،<br />
ربّما كانت روحً هً التً كانت تنفخ فً شعرها األحمر<br />
الداكن المم ّوج ببعض السواد. وتتفرّ ج كٌؾ كان ٌتطاٌر<br />
وٌرلص بتلن الروعة التً ال نظٌر لها. طال االنتظار بحٌث<br />
للتُ لنفسً ربّما نسٌتْ ، أو مرض ْت مرضاً شدٌداً للت لنفسً:<br />
أنا ال أذهب بعٌداً فما أفترضه معمول الحدوث أليّ إنسان. فً<br />
هذه اللحظة ولؾ أحمد أمامً. نظرتُ إلٌه كاألبله األبكم وفً<br />
الولت نفسه كنتُ أحاول استعادته إلى ذاكرتً. لمد نسٌته تماماً<br />
ثم بدأت صورته تتضح وٌعود إلى ذهنً كلّ ما حدث بٌنً<br />
وبٌنه. ال بدّ أن للّة نومً فً هذه األٌام شوّ شت عملً. أو ما<br />
حدث مع فرنسوا ال شن أنه هزّ نً بعنؾ وأعتمد أنً لن أنسى<br />
هذا المولؾ الذي وجدتُ نفسً فٌه. لم أفهم لمَ رحّب بً أحمد<br />
بوجه مكفهر ولال بطرٌمة ممسرحة، لكنها كانت جافة فٌها<br />
الكثٌر من الحركات العصبٌّة التً لم تستطع الٌدان التولؾ عن<br />
المٌام بها ولال: هل أنت على موعد مع السٌّدة كاترٌن؟! أجبته<br />
باإلٌجاب. فؤطرق حزٌناً حابراً ٌنظر ٌمٌناً وٌساراً وربما ٌكاد<br />
أن ٌفمد توازنه، أو إنه فمد فعبلً المدرة على صٌاؼة ما ٌرٌد أن<br />
ٌمول. ثم رجانً أن أتمشً معه إلى لوس النصر. فً تلن<br />
ٖٖٙ
نأن<br />
اللحظات ابتسم بطرٌمة لم أستطع فهمها. للت ال بد أنن تعرؾ<br />
شٌباً وترٌد أن تحدثنً عنه بطرٌمة هادبة ال تُصدر أصواتاً.<br />
هذا صحٌح تماماً.<br />
ٌبدو أنً لن أعود إلى مكانً. ماذا علً<br />
مال؟!<br />
أن أترن للممهى من<br />
لمد تدبرت األمر ال تخش شٌباً. كما أنً أخذت إجازة ٌومٌن.<br />
سؤرافمن فٌها إلى أي مكان ترٌد الذهاب إلٌه.<br />
فً تلن اللحظة أدركتُ أن أمراً خطٌراً لد حدث ولم ٌعد الهرب<br />
ممكناً. بعد بضع دلابك كنا لد وصلنا إلى شارع من الشوارع<br />
ؼٌر المُتّسعة. كان أحمد إلى ٌساري فمال: لندخل إلى الٌسار، إذ<br />
إن الكثٌر من الطرلات حول الشانزلٌزٌه ستجدها تشبه هذا الذي<br />
نسٌر فٌه. على الٌمٌن سترى ممهىً صؽٌراً نستطٌع فٌه أن<br />
نشرب شٌباً ونتابع الحدٌث.<br />
حسناً، ٌبدو أنن تنوي أن تسمٌنً الكؤس المرّ ة على دفعات. إذ<br />
أعتمد درستنً جٌّداً واستنتج َت أنً لد ال أملن الموّ ة الكافٌة<br />
للمماومة فً الملمّات، أعتمد أنن مخطا، لكن لن ٌضٌرن أن<br />
تشبه أمً. إذ إنها أٌضاً لم تكن تإمن بؤنً على عكس ما ٌُظ ّن<br />
سؤبدو لوٌاً عندما أشمُّ رابحة المصٌبة.<br />
ٖٙٗ
لم ٌجب أحمد، لكنه هزّ رأسه موافماً ولال: وصلنا إلى الممهى<br />
الصؽٌر، تفضل لندخل إلٌه. لال ذلن أحمد ولد بدا أنه سٌمول ما<br />
عنده.<br />
لمّا جلسنا عاد إلى استبلم الزمام عبر سعال بسٌط ولال: كانت<br />
كاترٌن تدخل إلى هذا الشارع الذي فً نهاٌته ٌمع بٌت عمّتها،<br />
عندما َسمع ْت صوت سٌّارة مسرعة تحاول أن تدخل إلٌه<br />
محاولة الهرب من سٌّارة شرطة تبلحمها. أسرعت كاترٌن إلى<br />
الرصٌؾ لبل أن تدخل السٌّارة الهاربة تماماً إلى الشارع. إذ<br />
إنها كانت فً مرحلة االلتفاؾ، ووراءها سٌّارة الشرطة تحاول<br />
الدخول. لكن سابك السٌّارة األولى فمد توازن سٌارته وأصاب<br />
بعض الخلل كوابحها، فاندفعت بسرعة إلى الرصٌؾ لتؤخذ<br />
معها كاترٌنتنا وتحطّم بساطة هذا الجمال الرابع وتمضً فً<br />
دلابك للٌلة على حٌاتها التً كانت تمؤل الحٌاة حٌاةً. لكن وهً<br />
تلفظ أنفاسها األخٌرة اتسع لها الولت لتلفظ اسمن على ما أعتمد،<br />
وربّما لالت شٌباً أخر اعذرنً لم أعد أذكر ما لٌل لً. ث ّم<br />
أردؾ: حدث كلّ ما للته لن أمس مساءً. أعتدل "أحمد" فً<br />
جلسته منتظراً ماذا سٌمول "زٌاد" لكنه لم ٌمل شٌباً، بل تحول<br />
إلى تمثال من الشمع ال شًء فٌه ٌتحرّ ن. لكن "أحمد" كان<br />
ٌخشى ممّا ٌمكن أن ٌحدث بعد حٌن، فؤسرع إلى المول: أال<br />
تشعر بؤن من الواجب زٌارة العمة لتعزٌتها؟! كنت ستخطبها<br />
الٌوم ألٌس كذلن؟! نظر زٌاد نظرة ؼرٌبة إلى أحمد تحمل فٌها<br />
من الدهشة واالستهجان الشًء الكثٌر ثمَّ لال بهدوء عجٌب وهو<br />
ٌحرّ ن ذراعٌه إلى األعلى: اسرح بخٌالن ٌا أحمد ودع عٌنٌن<br />
تمتحمان الؽٌوم لترى النجوم. ثمَّ جرب أن تضعنً فً المولؾ<br />
الذي علًَّ أن أكون فٌه. الٌوم فً الرابعة صباحاً زارنً طٌؾ<br />
ٖٙ٘
المسٌح ورسم إشارة الصلٌب بالزٌت الممدّس على جبٌنً دون<br />
أن ٌنبس ببنت شفة. نعم ٌا أحمد هذا ما حدث، بمٌت صامتاً فترة<br />
ال ألوى على الكبلم. لكنه التفت إلً بعٌنٌن لم أر مثل صفابهما<br />
فً حٌاتً ولال: أرنً أٌها الحبٌب هدوءن فً هذا الٌوم<br />
الصاخب. كنت سؤطلب ٌدها هذا المساء. أنت ال تعرؾ أهمٌّة<br />
تلن اللحظات لتوازنً فً المستمبل المرٌب والبعٌد. إن حاجتً<br />
إلٌها أكثر مما أحتاج إلى نفسً. لم ٌتعدّ األمر سوى ثبلث<br />
جلسات التمٌنا فٌها سوٌّة، حٌث تماربت فٌها روحانا وربّما<br />
امتزجتا ببساطة ؼرٌبة. أنا زٌاد الخجول الذي ٌربكه أيّ شًء،<br />
أخشى أن أتعثّر بذاتً فً مولؾ كهذا. أنا زٌاد الذي تحرّ ر من<br />
شعوره بالؽربة بعد لمابنا األول بعدة دلابك للٌلة، وبعد ذلن<br />
شًء ما من خارجنا أو من داخلنا لست أدري، لكنه تمكّن من<br />
رفع الكلفة بٌننا ورماها على لارعة الطرٌك. ث َّم أطلمنا لنلعب<br />
فً برّ ٌتنا المشتركة المفعمة برابحة الزهور. كنا أحراراً ٌا<br />
أحمد وتكاد الحرّ ٌة أن تطٌر بنا إلى السماء، كما لو كانت<br />
عشرتنا لد ابتدأت لبل خروجنا من رحم هذه الدنٌا بولت طوٌل.<br />
ترى من اختطفها منً؟! أيّ شٌطان فعل ذلن؟! لن أرفع صوتً<br />
ألن السماء ال تحب ذلن. ثمَّ إنً لم أعد خابفاً من الوحوش،<br />
فلتمزلنً كما ترٌد. إنً أعٌش لحظات خاصة اآلن. نعم ٌا أحمد<br />
أنا أشعر باإلدران ٌملإنً معرفة فً هذه اللحظات وتمول لً:<br />
إنها لن تطال روحً مهما حاول ُت. ترى هل ُخلم ُت ألُري<br />
اآلخرٌن كٌؾ ٌعٌش المحروم من السعادة؟! لكن هل سٌحرمنً<br />
أٌضاً من الدموع ذلن اللبٌم الهابم فً البراري؟! أنا أشعر<br />
بكاترٌنا اآلن تمسّدُ لً عٌنً وتمول لهما: دعوه ٌبكً ٌا<br />
أصدلابً، فإنكم بحرمانه من دموعه ستفجّرونه إلى أشبلء.<br />
أهكذا تعاملون األحبة؟! أنا ال أدري وال أعرؾ ماذا ٌعنً هذا<br />
ٖٙٙ
التفصٌل الصؽٌر ولماذا سمح الرب بحدوثه، ثمَّ ؼضَّ الطرؾ<br />
وترن العمد ٌنفرط وتختفً حبّاته هنا وهنان، وانتهى كلّ شًء.<br />
ترى هل كان الرب ٌتفرج ولم ٌشترن فً ما جرى؟! ال،ال<br />
وألؾ ال، هللا أكبر كما تمولون أنتم المسلمٌن. طبعاً ٌا أحمد، هللا<br />
أكبر. إنه لم ٌكن حلماً بالتؤكٌد وال جحٌماً على اإلطبلق. هللا<br />
أكبر بالتؤكٌد ٌا أحمد. كن ُت خجوالً جداً مع النساء واستم َّر هذا<br />
طول حٌاتً. سح ٌر ما تدخّل وطرد خجلً منذ اللحظة األولى.<br />
أذكر أنً شعرتُ كؤن حٌاتً الحمٌمٌّة لد بدأت فً تلن اللحظات.<br />
لكن الرب لسبب ال أعرفه لم ٌرد ذلن، فؤخذها إلٌه مبمٌاً إٌّاي<br />
هنا وحٌداً، أنا وجمال بارٌس أبكمان ال ٌستطٌعان أن ٌدخبل فً<br />
أيّ حوار. أخذتنً الصدمة معها وأرتنً صورتً وأنا ال أرى<br />
شٌباً أمامً سوى تكثّؾ الؽموض وخرٌؾ دابم ببل اخضرار،<br />
وتؽلّب اللون الرمادي على كلّ األلوان. هنان من ٌلحُّ بالمول فً<br />
داخلً: علٌن أن تإمن ٌا زٌاد أن الرب ٌعرؾ كٌؾ ٌدٌر<br />
رعاٌاه، وأيّ طرٌك علٌهم أن ٌسلكوا، هل ذان الممهّد الذي إلى<br />
جانبً األٌمن هنان، أم هذا المرٌب الملًء بالحجارة؟! ترى أٌن<br />
أمً اآلن؟! هل هً فً إحدى المؽاور وٌسد باب لبرها حجر<br />
كبٌر سٌتدحرج وأنا أتكلم معن ٌا أحمد. إن بضع كلمات ٌحملها<br />
منطاد كبٌر تمول: ال تخافوا إذا رأٌتم الجبلد ٌختبا فً الزاوٌة<br />
المرٌبة إنه فؤل حسن. ستبمى عٌناها ٌا أحمد مكاناً أسبح فٌه<br />
طٌلة حٌاتً. ماذا لو أتٌح لً الؽرق فعبلً فً عٌنٌها؟! ما أألمن<br />
ٌا شٌطان، ألم تكت ِؾ بما فعلته بحٌاتً، لمد كنتَ لبٌماً وال تزال<br />
فمد مؤلتها بعواصؾ مجنونة متبلحمة متماربة مصرّ ة أ ّال أنعم<br />
بالهدوء دلابك معدودة. اآلن أشعر بؤن هٌكبلً ما ال ٌشبه ذلن<br />
الهٌكل لد أنهدم فً حٌاتً، بل لماذا ال ألول على حٌاتً أٌضاً<br />
وبعثرها معٌداً إٌاها إلى نمطة الصفر. إنً أشعر بؤنً مذبوح<br />
ٖٙ7
ٍ<br />
تماما وملمىً فً البرّ ٌة. إنً أرى دون شنّ الشٌطان محبطاَ ال<br />
ٌستطٌع أن ٌرتشؾ لطرة واحدة من دمابً. أترٌدنً حماً ٌا<br />
أحمد أن أُخرج "مسرحٌة" البطل فٌها ٌملن صوتاً ٌلبسه رنٌناً<br />
خاصاً ٌؽش السامع للوهلة األولى أما عندما تفهم ما ٌمول لٌس<br />
أمامن سوى الصراخ لاببلً: اهربوا إنه الشٌطان أتى مسرعاً<br />
لٌرى كاترٌنا، لولوا له: عُد إلى الجحٌم الذي تشبهه ألم ٌكفن<br />
اسوداد للبن؟! الرب لن ٌُبمٌه مع األلوان طوٌبلً كما تتمنّى. ٌبدو<br />
أن كاترٌنا تعلّمت كٌؾ تمٌّز رابحته من بٌن كلّ الروابح النتنة،<br />
فؤسرعت ولبّت دعوة المبلبكة ورحلوا بها إلى األعالً. طمبنوا<br />
زٌاد، فعمتً ستسمح لملبها بالفرح عندما تراه رؼم كل التنالض<br />
الذي سٌفجّره. لمد أحبّت عمّتً من استولى على للبً منذ<br />
اللحظة األولى، وتفاعل حبها معها كما لم تفعل منذ ولت طوٌل.<br />
لبل ٌدها وأنت تودّعها ٌا زٌاد ولل لها أالّ تنسى تذكٌري بؤن<br />
أوصل سبلمن إلى الكاتب الكبٌر نٌكوس. ال تنس أنت أٌضاً ٌا<br />
زٌاد أن عمّتً عاشت ورأت نٌكوس ٌضع شعلته فً وسط<br />
العالم. أكتب أٌها الحبٌب فً "الفٌؽارو" عن لسانً هذا الممطع<br />
)"أنا كاترٌنا كازانتزاكٌس" دعوا عمتً ترلد فً فراشها<br />
وابحثوا عن طرٌمة تعزّ وا فٌها الدكتور زٌاد وحفّزوه لٌإمن أن<br />
الحٌاة ال تكرّ س نفسها إال بالموت" أنتِ دابماً تمولٌن الحمٌمة ٌا<br />
كاترٌنا. ال تنسوا أن تدعوا الشٌطان ٌعٌش أبداً وهو ٌشم رابحة<br />
جسده النتنة. هل سمع َت ماذا لالت كاترٌنا ٌا أحمد؟! إنً أعتذر<br />
منن وأنا أخبرن أن حٌاتً هً مجموعة مآسً حٌكت بمطب<br />
مختلفة وكان ما ٌجمعها هو التناؼم بٌن المطب والوان الصوؾ<br />
المستعمل وجودته كانت أمً لبل أن تموت لد رسمت ما تنوي<br />
حٌاكته واختارت تنوع لطبها واشترت كل الصوؾ بؤلوانه<br />
المختلفة الرابعة البلزم لها، دون أن تعرؾ من لصّة<br />
ٖٙ8
"كازانتزاكٌس" سوى أنها معجبة هً وابنها بهذا الكاتب الكبٌر<br />
وإٌمانه باألرض التً انتجته، وعشمه لتنوع األراضً الٌونانٌة<br />
والكرٌتٌّة و"األوزو" والجنون الخاص الذي ٌجمع ببٌن الشعبٌن<br />
الكرٌتً والٌونانً. لبل أن ٌكون نٌكوس عشٌماً لثمار التٌن<br />
والزٌتون وكل منتجات تلن األرض الخٌّرة المعطاء. كان<br />
الٌونانٌّون والكرٌتٌّون ٌتمشّون مساء األحد ممابل البرلمان،<br />
وٌتولّفون هنان عدّة دلابك ٌنحنون فٌها احتراماً ثمَّ ٌرفعون<br />
رإوسهم نحو السماء هادفٌن أن ٌمتلإوا من استنشاق عنفوانهم.<br />
نعم ٌا أحمد. لمد حرمت وسؤظل محروماً من العشك.<br />
كم كنت ؼبٌاّ حٌن ؼضبتُ منن وتد ّخلت بٌنن وبٌن هللا. إذ<br />
بادرتنً وأفهمتنً ٌا سٌّد زٌاد أن العبللة بٌن كلّ إنسان وهللا<br />
ربّما تكون متشابهة ولكنها لٌست متماثلة بالتؤكٌد. مثل ما نرى<br />
أن البشر ؼٌر متشابهٌن، لكن حتى التوابم الحمٌمٌٌّن لٌسوا<br />
متماثلٌن. إذ روعً على أن ٌكون هنان اختبلفات شكلٌة<br />
وموضوعٌّة بٌن البشر كً تكون عبللتهم بالرب محض<br />
شخصٌّة. أي أن الخالك ٌهتم بكلّ الناس فرداً فرداً، والذات<br />
اإلنسانٌّة لٌمة بحد ذاتها. الرب فً كل حمبة من حمبات التارٌخ،<br />
كان ٌتصل بالناس بطرق مختلفة، وٌمدم لهم رأٌه فً ما على<br />
حٌاتهم أن تكون، مشدّداً على التآخً الواجب بٌن البشر،<br />
واجتٌاز المرحلة البشرٌّة بالتعاضد الدابم، ومساعدة أبناء هللا<br />
لبعضهم بعضاً فً المصاعب التً تواجههم أثناء الطرٌك إلى<br />
خبلصنا من أجسادنا التً هً سبب األطماع والحروب وك ّل<br />
شًء رديء.<br />
ٖٙ9
لمد أدهشتنً ٌا أحمد. هل كنت تؤخذ دروساً فً أثناء وجودن<br />
فً فرنسا؟!<br />
نعم كنتُ آخذ دروساً لٌلٌّة فً الفلسفة ثبلث مرّ ات فً<br />
األسبوع.<br />
إنً أرى بعد كل هذا الكبلم الذي أرجو من السماء تمبلّه، أن<br />
نموم بالواجب الذي الترحته، إذ على ما ٌبدو أن االحتكان<br />
االجتماعً ٌحمل فً طٌاته الكثٌر من التعزٌة. لكن هل العمة<br />
بحالة جٌّدة لتمبل وجودي فً بٌتها فً هذه الظروؾ؟!<br />
نعم وستستؽرب إن لم تمم بزٌارتها. من ٌدري فمد تكون<br />
بحاجة إلٌن. إن كاترٌن تلفظت بؤشٌاء أخرى ترٌدن أن تعرفها،<br />
من ٌدري؟!<br />
أجهش "زٌاد" فً تلن اللحظة فً البكاء وؼرق فً األمر دون<br />
أن ٌدري أو أتدخل أنا إلٌماؾ ما ٌجري. إن شٌباً فً داخلً كان<br />
ٌشدّنً إلى الخلؾ وٌمول لً دعه ٌبن إنه بحاجة إلى ذلن.<br />
كنت دابماً أشجع المرء على البكاء، فإما أن تؽسلن الدموع، أو<br />
تفتح لن طرٌماً جدٌداً للتفكٌر وتملٌب األمر على كلّ وجوهه<br />
فربّما تر ن مدخبلً جدٌداً لحلّ المؤزق الذي أنت فٌه بالشكل<br />
األسلم.<br />
ٖ7ٓ<br />
ٌ<br />
التفت زٌاد إلى أحمد ولال: إذا كان ال بد من زٌارة العمة، فهٌا<br />
بنا لننهً هذه المضٌّة المستعصٌة. إن تمبٌل شخص ال أعرفه،<br />
ومبلمسة وجه كبٌر فً السن ٌذكّرنً بمرٌب لً امتدّت حٌاته
طوٌبلً، وكان ٌشعر بؤنه ُمه َمل وٌشكو من الضجر فبدأ ٌلعب<br />
بخصٌتٌه المتهالكتٌن كلما كان وحٌداً. أحمد حاول أن ٌمبض<br />
على نفسه وٌمنعها من الضحن، بل بدا كؤنه ٌشدُّ على أعصابه<br />
محاوالً تجاوز ما سمع، المولؾ كلّه لم ٌؤخذ إالّ بضع ثوانً،<br />
انفجر بعدها أحمد بالضحن الشدٌد، تداخل مع نحٌب أدهشنً،<br />
وحاول أن ٌكتمه دون نجاح ٌذكر. كان وضعاً مفاجباً جمّدنً<br />
وأثار فً داخلً اضطراباً وارتجافاً شدٌداً شمل كٌانً كلّه،<br />
وأخذنً بعٌداً حٌث كانت تنتظرنً ظلمة حالكة واحتكان<br />
بالموت المرٌب. خِ لتُ فً ذلن الولت أن دراسة علم النفس كان<br />
علٌها أن تمتد عشرة سنوات أخرى لنتمكّن من الولوج إلى<br />
اإلنسان اآلخر ونمرأ ببطء شدٌد تلن اللؽة المكتوبة فً لاع لٌس<br />
فٌه ظبلل. كان منمذي من هذا المولؾ انهمار دموعً مدراراً.<br />
عندما تولفت أدركت أموراً كنتُ بعٌداً عن تلمّسها، وفهمتُ أن<br />
خوفً الشدٌد كان رفضً الخفً أن أكون فً بارٌس وخشٌتً<br />
من اللحاق بها الذي أرعبنً بشدّة، وهذا لم أكن أرٌده البتّة.<br />
كنت أدرن على ما ٌبدو أن كٌانً لم ٌبلمس ٌوماً حماسة<br />
لبلنتحار وال االشتهاء إلى إلؽاء نفسً. التفتُّ إلى أحمد الذي<br />
كان ٌنظر إلً بذهول، فملت له ماذا بن؟! فلم ٌجبنً بل أطرق<br />
مختاراً الصمت. كرّ رتُ السإال لاببلً: لماذا ال تمول لً ماذا<br />
بن؟! فرفع رأسه وبدا أنه فوجا، كمن شعر أنه فً تلن اللحظة<br />
لم ٌكن موجوداً فً المكان نفسه، لكنه عندما خرج من شروده<br />
وأدرن أنه كان فً الردهة نفسها وال مجال هنان للفرار. كان<br />
علٌه أن ٌمول شٌباً، لكنه لم ٌستطع إخفاء تلعثمه أثناء بحثه عن<br />
اللفظة المناسبة ثم ولال بصوت مرتبن: لمد خِ لتُ أنن فً<br />
طرٌمن إلى الموت.<br />
ٖ7ٔ
أنا ال أعتمد ذلن ٌا أحمد أنن مخطا كثٌراً. دع هذا الحدٌث<br />
وراءنا فمد شبعت صفعاً. علًّ الدخول إلى الحمام وؼسل<br />
وجهً وترتٌب شعري فالنساء الكبار فً السن شبمات<br />
وٌستعملن طرلاً مخٌفة للوصول إلى أهدافه َّن، خاصة إذا تبمَّى<br />
لدٌهنَّ بعض األسنان واألضراس السلٌمة فً <strong>أفواه</strong>ه َّن،<br />
فسٌكون علٌن أن تخشاهنَّ إذ إنهنَّ إذا انفردنا بن لد ٌم ّزلنن<br />
إرباً إرباً. اسمح لً بخمس دلابك ال أكثر. لم أتل ّك أيّ جواب من<br />
أحمد. فاستؽربت األمر، فالتفتُّ إلى الخلؾ فوجدت أن أحمد<br />
ٌضحن ضحكاً مكتوماً ودموعه تنهمر على وجنتٌه. فملتً له<br />
مدهوشاً: ماذا ٌحدث ٌا أحمد؟؟! أهو ضحن أم بكاء، أما االثنٌن<br />
معاً؟! أعتمد أنن تتعاٌش مع للب مشحون بعواطؾ متنالضة<br />
مشتبكة مع بعضها بعضاً اشتباكاً شدٌد التعمٌد.<br />
لمد فوجبت بما للته، وخاصة أنً لم أكن أنوي مطلماً<br />
التضاحن مع أحمد إذ إن األلم والشعور بالفشل الذرٌع كادا أن<br />
ٌدمّ ِرا روحً. ربما لن أعرؾ أبدا لمَ تدخل خٌالً وأرانً<br />
صورة المولؾ كما وهو ٌحدث تماماً. كما أنً لم أعرؾ فً<br />
حٌاتً كباراً فً السن ٌحملن فً <strong>أفواه</strong>هنَّ الملٌل من األسنان<br />
واألضراس صالحة للمضم. سارع ُت بالدخول إلى الحمام<br />
إلسكات دموعً. ثم بعد أن انتهٌتُ من ذلن تذكرتُ بصعوبة<br />
السبب الحمٌمً لدخولً إلى الحمام. هنان آمنتُ من جدٌد أن<br />
لراري بعدم فتح عٌادة كان حكٌماً وأنعش حدسً لبضع ثوانٍ.<br />
فعلتُ فً الداخل كلّ ما علًَّ أن أفعله، وخرجتُ إلى العالم<br />
الحمٌمً الذي علٌن أن تكون صادلاً فٌه، وتمول من أنت فعبلً،<br />
مرفماً بإثباتات بعٌدة عن الزٌؾ. هٌا أٌّها الصدٌك لنمم بهذه<br />
الزٌارة التارٌخٌّة على األلل بالنسبة لً. ال تنس أبدا أنن زرتَ<br />
ٖ7ٕ
معً العمة الكازانتزكٌّسٌّة بامتٌاز. للبً ٌحدّثنً أنها شخصٌّة<br />
خاصة تمسن بٌدها عصاً لتضرب لفا كلّ من تراه ٌتصرؾ<br />
بشكل ؼٌر البك وهً تسٌر فً الطرٌك. بتُّ أعتمد أن الكرٌتٌٌّن<br />
ٌحترمونها وٌخشونها. ربما بسبب الطاعة لها واالحترام<br />
الظاهرٌن على األلل من أؼلبهم.<br />
لما وصلنا إلى البٌت تولّى أحمد لرع الجرس بالطرٌمة التً<br />
كانت سابدة فً تلن األٌّام. ثم بانتظار فتح الباب نظر أحمد إلً<br />
من طرؾ عٌنٌه ورأى أنً لست على ما ٌرام، فمال بصوت<br />
خافت: تماسن أرجون. لم ٌطل المولؾ كثٌراً حتى فُتح الباب<br />
ورأٌناها تسد المدخل ووجهها مكسو بالتجهم. ثم بدأت بالتفرس<br />
بالدكتور زٌاد الذي طرح نفسه لٌكون شرٌكاً لهم فً طعامهم،<br />
ومُشاركة ابنتهم فً فراشها. بدت بعد لحظات متمسكة بمكانها<br />
محاولة إخفاء ذهولها. ثم تراجعت للٌبلً عن الباب ولالت<br />
بالٌونانٌّة: الحما بً. كان الدكتور فً أثناء ذلن ٌفكر باالستدارة<br />
والمضًّ ِ فً سبٌله وهو ٌتساءل: ترى ما مضمون هذا<br />
التصرّ ؾ؟! أهو احتمار، أم أهبلً مع حذؾ "السهبلً"، كً ٌتحوّ ل<br />
هذا االستمبال إلى مجرد لبول بالممابلة دون تضمٌنها أٌة<br />
عواطؾ. أظننً بدأت أتحضر لتفجٌر لنبلة نووٌّة تطٌح بكرٌت<br />
كلّها. عندما جلسنا لالت لً: أنا آسفة جداً، إذ لم أكن أعرؾ<br />
شٌباً. لكن لل لً كٌؾ أحببتها وأعطٌتها كلّ هذا الحب؟! أنا<br />
أعرؾ نٌكوس عن ظهر للب وربٌتُ كاترٌنا وهً لٌست ابنة<br />
أبٌها. إنه ٌضحكن لبعض الولت، إنه ماجن وال شًء آخر.<br />
نحن لسنا فرنسٌٌّن أطلب منكم إن كنتم تحترمون حبنا ألرضنا<br />
واحترامنا الكبٌر لها أن تلفظوا اسمها "كاترٌنا" فهً ال تعرؾ<br />
نٌكوس، كما أنها تفوله ذكاء وسرعة فً رفض ما ال ترٌده<br />
ٖ7ٖ
وبطؤً فً لبول ما تشتهٌه. لمد مات نٌكوس الحبٌب لبل أن تولد<br />
بسنوات عدٌدة. سؤلول لكم شٌباً من الصعب فهمه. إنها لم تكن<br />
ٌوماً ولحة لكنها تصبح مخٌفة عندما تعدّ نفسها لمعركة. مرّ ة<br />
لالت لربها: لل لً أرجون إن حاق بن الضجر كونن إلهاً فؤنا<br />
أفهمن، لمَ ال تفهمنً عندما أؼضب؟! فهذا ٌسلٌّنً لماذا ال<br />
تؽضب أنت؟! كما أ ّال أحد ٌمكنه أن ٌُثنٌها عمّا لرّ رت أن تفعله.<br />
ورؼم كل هذا تبمى عاشمة بامتٌاز "تعلن" عشمها، منذ أن تُعلن<br />
الشمس عن بزوؼها، وتمول للناس ماذا حلّ بكم؟! ترى هل<br />
تتآمر الحٌاة مع الشٌطان لتجفٌفكم من عواطفكم وتجرّ دكم من<br />
عشمكم للتمرّ غ بً كلّ صباح. فً أٌام الشتاء حٌث تتدخل<br />
الؽٌوم لحجبً عنكم. الؽٌرة لاتلة ٌا أحبّتً. لكن ك ّل محاوالت<br />
الشٌطان إلدخال تلن األفعى إلى أحشابً، بؽٌة تخرٌبً من<br />
الداخل لد باءت بالفشل. إن هذا اللبٌم لو عرؾ من هو هللا، لَما<br />
تمرّ د علٌه، وخسر إمكانٌّته فً استعادة حبه وتوزٌعه إلى<br />
اآلخرٌن عند حاجتهم إلٌه. لمد أدرن أن فمدانه البتسامة للبه<br />
وعٌنٌه لد جعله أبشع مخلولات هللا وسٌبمى وحٌداً بانتظار أن<br />
ٌحترق مع عالم اإلنسان الذي لم ٌعد ثمة مكان ٌذهب إلٌه. إن<br />
كاترٌنا لبل أسبوع من وفاتها ظلّت تلح علًّ كً أعطٌن خاتم<br />
نٌكوس إذا حدث لها أي مكروه. لمد لدّمه لها أبوها لاببلً:<br />
أوصانً نٌكوس أن أعطٌه ألحد الذٌن ورثوا طباعه وذكاءه<br />
وفهم فً العمك تمٌّز كرٌت الحبٌبة. ودّعتنا بٌنما كانت تنهمر<br />
دموعها. ثمَّ بعد بضع ثوان صرخت من الداخل لابلة: ال تذهبا<br />
أنا لن أتؤخر. كانت هذه المرأة لد تجاوزت الثمانٌن، ورؼم ذلن<br />
وصلت إلٌنا راكضة ولالت لمد نسٌت أن أعطٌن شٌباً ٌخصّنً<br />
شخصٌاً. إنه صلٌب من الذهب الخالص )ٕٗ(لٌراط. صنع أحد<br />
أهم الصٌّاغ فً ذلن الزمن ولدمه هدٌة إلى والد نٌكوس عرفاناً<br />
ٖ7ٗ
بالجمٌل. كان الصابػ ٌتعشى وٌشرب "األوزو" ٌومٌّاً مع<br />
صدٌمه "الكازانتزاكٌس". ولمّا رحل والد نٌكوس انمطع صدٌمه<br />
عن الشرب ومات بصمت بعد شهرٌن.<br />
الصدالة تعبر عن نفسها أحٌاناً<br />
بالموت للحاق بالحبٌب.<br />
أذهب ٌا زٌاد وال تدعنً أران أبداً، أنا ال أستطٌع تحمل ذلن<br />
بعد اآلن.<br />
ألم تر ٌا أحمد أن العمة ترٌد التخلّص من أيّ أثر لد ٌذكّرها<br />
بكاترٌنا مهما كان صؽٌراً. ٌبدو أن الرب ما زال ٌصعب علًّ<br />
األمر.<br />
لكنن لست ممّن تمصده، إذا لم تسؤل عنها عبر الهاتؾ<br />
وتدعوها إلى دمشك أو بٌروت ستشتاط ؼضباً. كما أنن إذا<br />
تؤخرت أكثر ستمفل الهاتؾ فً وجهن.<br />
إنن تلمً على كاهلً مسإولٌّة كبٌرة.<br />
هذا صحٌح ولكنً لستُ أنا من كان ممببلً على مصاهرة عابلة<br />
"كرٌتٌّة" تملن "بروتوكولها" الخاص المتمٌّز. لمد جمعنً معن<br />
إعجابً الشدٌد بن، ثمَّ ربطنً معن الرب اإلله كما تسمٌه<br />
كاترٌنا برباط الحب الروحً النمً الذي ال انفكان فٌه. لما<br />
رأٌتن تنتظر كاترٌنا فً "الكافٌتٌرٌا"، كان اعتذاري منن<br />
واجب حسب تمالٌد عابلتً. إذ إنن بمثابة أخً الكبٌر، وعلى<br />
هذا األساس كنت مرؼماً على الركوع أمام لدمٌن فً الشارع،<br />
ٖ7٘
وتمبٌل ٌدٌن االثنتٌن. لمد أخذت لراراّ أإمن به فً داخلً. إنً<br />
ٌا أستاذي الكبٌر سؤتزوج فرنسٌّة وسؤعمل المستحٌل لتحمٌك<br />
ذلن وسؤطلب منن منذ اآلن أن تحضر نفسن لتكون إشبٌنً.<br />
سنتكلّم الحماً بذلن، وإذا أصررت فسٌكون لً هذا الشرؾ<br />
دون ٍ شنّ . أعتمد أنً اآلن سؤطلب منن أن تؤخذنً إلى مطعم<br />
صٌنً. أما إذا لم تكن تحب الوجبة الصٌنٌّة فخذنً إلى أي<br />
مطعم آخر ٌمكن أن ٌمدّم لنا وجبة شهٌّة.<br />
سمعاً وطاعةً أٌها الصدٌك، متى ترٌد الذهاب؟!<br />
<br />
اآلن ألم تتعب من المشً؟!<br />
تعبتُ كثٌراً ولكنً خجلتُ أن أبادر وألول<br />
عند تلن الناصٌة المرٌبة.<br />
ذلن.<br />
دعنا نتولؾ<br />
أرجو ٌا أحمد أن تجد لنا سٌّارة وتمول للسابك إن كان بإمكانه<br />
أن ٌتولؾ لرب أٌة كنٌسة لمدة دلابك للٌلة، فؤنا لن أتؤخر أكثر<br />
من ذلن.<br />
حسناً سؤفعل.<br />
تمدم أحمد إلى الٌمٌن بضعة خطوات حٌث كانت سٌّارة متولفة<br />
لرب صٌدلٌة فتولؾ هنان، ثم لم ٌلبث أن تكلم على ما ٌظهر<br />
مع السابك للٌبلً وأشار إلً أن أتمدم صوبهما.<br />
ٖ7ٙ
عندما أخذت مكانً فً السٌارة شعرت باالرتٌاح،<br />
كان ذلن بسبب البساطة التً تمَّ بها كل شًء.<br />
أنه أعتمد<br />
لبل أن نتحرن لال السابك: سؤلؾ لرٌباً من تجمهر هإالء<br />
الناس، فهنان كنٌسة أورثوذكسٌّة أعتمد أنها تبلبم السٌّد. لمّا<br />
وصلت إلى ذلن التجمهر ولف ُت مذهوالّ، إذ إنً لم أصدق ما<br />
رأٌت؟! حدث ذلن للحظات تؤكّدتُ فٌها ممّا ولع نظري علٌه.<br />
لكن دموعً عرفت الحمٌمة كلّها، فانهمرت بطرٌمة تدٌننً<br />
ضمنٌاً. تمدّمتُ بسرعة وسط الجموع وسحبت فرانسوا من ٌده<br />
التً كان ٌتسول بوساطتها، وخرجنا معاً من ذلن الجو الخانك،<br />
وأنا خابؾ من أن ال أعثر على ما ألول وٌكون لٌس جارحاً.<br />
عندما استطعتُ النطك للت له: ال تنبس ببنت شفة ألك التحٌة<br />
وعد إلى الصمت أرجون. ال أرٌد أٌّة فضٌحة فً هذا الولت ال<br />
تملك، وهكذا لم ٌستؽرق األمر سوى دلابك للٌلة أجلسته فٌها<br />
لرب أحمد وعدت إلى مكانً لرب السابك. كان على ما ٌبدو<br />
ٌنتظر أن ألح علٌه أكثر كً ٌبدي المبول بما عرضته علٌه. بعد<br />
عشرة دلابك تولفنا أمام ممهى لٌلً، التفتُّ نحو أحمد وللت له<br />
أأنت متؤكد من أن المكان ٌناسبنا.<br />
طبعاً ٌا دكتور، خذ ٌا أحمد وأدفع للسابك مع تمدٌم الشكر له.<br />
ترجلتً من السٌارة وفتحت بابها الخلفً بسرعة لكً ٌخرج<br />
فرانسوا. ثمَّ أدخلته معً إلى المكان حٌث انتظرنا سوٌة أحمد<br />
لبل مدخل الصالة التً تَستمبل فٌها من لدم للعشاء والشراب.<br />
للت له ال تخش شٌباً، كن طبٌعٌاً ونفذ الٌوم ما ألول، أنا لن<br />
أجبرن على شًء ال ٌناسبن أو ٌسبّب لنَ إحراجاً. كما أنً ال<br />
أنتمً إلى صنفن حتّى تفكّر أن ما وراء عرضً ما وراءه. لمّا<br />
ٖ77
وصل أحمد للت له انتك الطاولة المناسبة، ثمَّ خذ العزٌز<br />
فرانسوا لٌؽتسل للٌبلَ. رجوت من هللا فً أثناء ذلن أن ٌساعدنً<br />
فً تدبٌر أمر هذا الشاب. وٌمنح ذهنً بعض الهدوء. كن ُت<br />
أُصلًّ كً ال ٌتدخل أحمد بؤي شكل من األشكال. لست أدري<br />
ماذا حدث لً أثناء ؼٌابهما، إذ انهمرت دموعً فجؤة، وبجهد<br />
كبٌر استطعت أن لجمها لدر المستطاع. عندما عادا كنت ال<br />
أزال أحاول إٌماؾ هذا السٌل الجارؾ لكنً لم أستطع إٌماؾ<br />
دموعً عن االنهمار المتكرر، فاستؤذنتُ للذهاب إلى الحمام كً<br />
أؼسل وجهً من آثار الدموع التً لوثت وجهً بؤصباغ ؼٌر<br />
واضحة المعالم. فً طرٌك العودة كانا ٌرالبانً مستؽربٌن<br />
وخابفٌن بعض الشًء من انفبلت الزمام من أحد فً منتصؾ<br />
العمر حتى شارؾ على االنهٌار تماماً. سؤلنً أحمد: هل مرّ ت<br />
األزمة ٌا أٌّها العزٌز؟! أعتمد ذلن ٌا أحمد. أظن بؤنً سؤكون<br />
جاهزاً للعودة إلى دمشك بعد خمسة أٌام، سؤشتاق إلٌكما كثٌراً<br />
إالّ إن تزوّ جتَ ٌا أحمد فسؤكون إشبٌنن.<br />
فرانسوا<br />
هل المسلمون<br />
أدخلوا إلى عاداتهم مسؤلة<br />
اإلشبٌن؟!<br />
ال ولكن أحمد ٌرى أنه إن أُؼرم بمسٌحٌّة فبل ٌمانع بإرضاء<br />
حبٌبته والتحول إلى الدٌانة المسٌحٌّة ألن هللا هو لجمٌع الناس.<br />
أما أنا ٌا فمد صمّمتُ على عدم الخوض فً هذه المسابل الدٌنٌّة<br />
الشخصٌّة الشابكة. عندما لابلتنً أمس كنتُ لد أنهٌتُ معركة<br />
حامٌة الوطٌس جرت ولابعها بٌنً وبٌن األستاذ عمر وكانت<br />
ساحتها أحد المطاعم الفخمة التً لادنً إلٌها صدٌمً. لست<br />
أدري كٌؾ حصل الخطؤ واشتعلت طاولتنا، ولم أعرؾ من أٌن<br />
خرج "عود الثماب" المهم أنه أُحرج وأربكنً. خرجتُ منتصراً<br />
ٖ78
حةسبّ<br />
لكنً خسرت احترامً لنفسً. إذ إنً حشرتُ ذاتً كلّها فً هذا<br />
المتال الشرس وضؽطُّ فً لحظة حرجة على المكان الذي ٌُخفً<br />
فٌه صدٌمً أسراره، فارتكبت عمبلً سافبلً، بٌنما كانت إجابة<br />
صدٌمً حضارٌّة فٌها اعتراؾ بتلن الصدالة العمٌمة التً تجمع<br />
بٌننا. فً ذلن الولت كنتُ مُؽتاظاً من نفسً، وال أستطٌع الكبلم.<br />
لم ٌكن أمامً إالّ أن ألول لن: "ستإذٌنً كثٌراً" لستُ أدري<br />
ماذا دهان؟!<br />
لمد أخطؤتُ خطؤً كبٌراً، لكن سخفً الشدٌد منعنً من أن<br />
أستدٌر وأعود إلٌن. لمد فعلت الكثٌر من أجلً وكنتَ ستفعل<br />
أكثر.<br />
هل تظن أن اإلنسانٌة حلٌفة هللا دُحرت ودمّرت ولذفوا بها إلى<br />
البحر لتبتلعها الحٌتان. ولم ٌعد أحد ٌسرح وٌمرح ؼٌر شذّاذ<br />
اآلفاق والمجرمٌن والمتلة واللصوص؟! أنت مخطا ٌا عزٌزي،<br />
فعشاق هللا ٌتزاٌدون فً هذه الدنٌا ولكنّهم ال ٌطبّلون وال<br />
ٌزمرون إالّ فً اللٌالً الصافٌة حٌث ٌؤملون أن ترلص<br />
المبلبكة وترتل م الخالك وهو ٌبحث فً الصحراء عن<br />
النفوس التابهة المرٌضة التً ال تزال تعشك الظلمة.<br />
كان فراسوا ُمنخفض الرأس خجبلً، لكنه رفع رأسه بعنفوان<br />
ؼرٌب ولال: أنا أعرؾ أنن لم ترد منً شٌباً، كما أن نظرتن<br />
إلى الوجوه تسبر ما فً الداخل فؤدركت فوراً ماذا ٌجري. لكنن<br />
لم توجّه أيّ لوم، بل وجّهت بضع نصابح، ولمت بؤُعجوبة<br />
هنان جعلت من األستاذ ٌستمٌل. ترى كٌؾ عرفت ما ٌجري،<br />
وكٌؾ أدركت أن األستاذ ٌحاول بكل الطرق الدنٌبة أن ٌستؽل<br />
ٖ79
تلمٌذه. سؤكون طوع بنانن وسؤبذل جهدي ألكون إنساناً محترماً<br />
كما ترٌد أن أكون.<br />
شكراً لن ٌا فراسوا. إذ احتجت لشً طارئ أطلب من العزٌز<br />
أحمد، وٌوم أعود آمل أن أران رجبلً. ترى ٌا أحمد هل ٌملكون<br />
هنا هاتفاً نمّاالً؟!<br />
لست أدري نستطٌع أن نسؤل.<br />
حسنا افعل ذلن.<br />
لام أحمد وؼاب بضع دلابك ثمَّ عاد ومعه الهاتؾ. ابتعدت به<br />
للٌبلّ وهاتفتُ الفندق: سؤلتهم إن كان بإمكانهم أن ٌنملوا<br />
أؼراضً إلى جناح آخر فٌه ؼرفتٌن للنوم إحداها تحوي<br />
سرٌرٌن، وإذا كان باإلمكان تدبٌر "بٌجامتٌن" نظٌفتٌن للنوم.؟!<br />
تكرم ٌا<br />
أستاذ زٌاد.<br />
شكراً لكم.<br />
بدافع الفضول المزعج الكاوي هل أستطٌع أن أعرؾ لماذا<br />
اعتمدت السرٌّة عند استخدام الهاتؾ رؼم إحساسً بؤن األمر<br />
لم ٌكن ٌمتضً ذلن؟!<br />
ضحن الدكتور للٌبلً ولال: رؼم أنً لستُ فً مزاج ٌسمح لً<br />
بالضحن ولكنً لم أستطع إالّ أن أفعل نظراً لهذه الثمة بالنفس<br />
ٖ8ٓ
نذٌ<br />
التً واجهتنً فٌها. أعتمد بؤنن تملن إمكانٌّة التمدٌر، ولكنن إذا<br />
كنتَ تعتمد أنن لد توصّلت إلى معرفة بمن اتصلتُ وماذا طلب ُت<br />
فً اتّصالً سؤعدّن عالِماً بالفطرة فً العلم الجدٌد الذي ٌسمّى<br />
"بالتخاطر". هل تجازؾ؟! إذ إن للٌبلً من الضحن لن ٌكون<br />
مضراً، حتّى لو كنتُ موضوعه.<br />
لمد<br />
أربكتنً وأنا لن ألبل أن أثٌر ضحن فرانسوا<br />
هذا الملٌل<br />
الكبلم .<br />
حسناً، أعتمد أننا جمٌعاً جوعى، هٌا ٌا صاحب الحدس أنجدنا<br />
بما لذَّ من الطعام. الجلسة معكما تثٌر فًَّ النشوة البرٌبة.<br />
وتعٌدنً إلى شٌطنتً وعبثً الل كانا ال ٌتولفّان فً تلن<br />
السن التً أنتم تمرّ ون بها اآلن أو لنمل أنكم تعٌشونها.<br />
صفك أحمد استحسانا لِما لاله "زٌاد". لكن مع بعض الدموع<br />
لال زٌاد انتبهوا أن كاترٌنا ال تحب الضوضاء. كما أعتمد أنها<br />
لم تنم بعد أٌضاً. صلّوا معً لكاترٌنا أرجوكم وطمبنوها أنكم<br />
ستكونون معً حتى أصل إلٌها. افعلوا ذلن لبل أن تمتدّ أٌدٌنا<br />
جمٌعاً إلى الطعام.<br />
ٕٙ<br />
ذهنً ذهب بعٌداً عندما رأٌتُ زوج وزوجة ٌمتربان لٌجلسا<br />
لرب طاولتنا. لم أكن فً ذلن الولت لد رأٌتُ أن الزوج ٌحمل<br />
طفله الوحٌد على ما ٌظهر وراء ظهره تسنده حمالة خاصة.<br />
جلسوا بهدوء، وٌبدو أن الطفل لم ٌعجبه البماء مع أبٌه واراد<br />
ٖ8ٔ
الجلوس فً حضن أمه. حمله أبوه إلى والدته وهو ٌجرب أن<br />
ٌضاحكه. تجاوب الولد مع حركات أبٌه بضحن متسلسل<br />
ٌخالطه بعض التمطع الخفٌؾ كؤن السبب فً ذلن ضعؾ ما فً<br />
جهاز التنفس. تولف ُت عن الطعام والشراب وأنا أحاول أن أفهم<br />
اللؽة التً كانوا ٌتكلمون بها، وما وراء هذه اإلشرالة المدهشة،<br />
التً ٌتمتع بها هذا الصؽٌر، وكٌؾ تَخرج تباعاً من وجهه<br />
الهادئ المتمبل لحالته ابتسامات مختلفة المعانً انطبعت على<br />
وجه ذلن الطفل وتعبر عن المشاعر المتعدّدة التً كان ٌمر بها<br />
ذلن الرضٌع. لكن تلن االبتسامات أو ربّما كانت ضحكات دون<br />
أن تخرج أصواتاً. مهما كان األمر، فإنها أخذتنً معها فً نزهة<br />
تمشٌّت فٌها بٌن الزهور متمتعاَ أنا وحزنً. فجؤة لام األب<br />
وحمل طفله ممترباً منً لاببلً: عفواّ ٌا أستاذ إن الصؽٌر أعجب<br />
بن على ما ٌظهر، هل ٌمكنن أن تحمله دلٌمتٌن؟!<br />
بكل سرور، لمتُ وأنا ألول دعنً أحمله برفك. ٌبدو أن الرب<br />
لد أعطاكما شٌباً من للبه كً تعنوا به. هللا وحده ٌعرؾ ماذا<br />
سٌخرج من هذا الصؽٌر فً المستمبل. عندما لرّ بته منً لبلنً<br />
من خدي األٌسر ثمّ من عنمً. لكنه لم ٌلبث أن التفت إلى أبٌه<br />
إٌذاناً منه بؤنه اكتفى منً. مرّ ت مدة طوٌلة وأنا أفكر بمعنى ما<br />
فعله الرب بً. ترى أكان األمر محض مصادفة، أم إن المسؤلة<br />
رسالة من السماء سؤلتمطها فً الولت المناسب. لم أشعر بؤن<br />
أحمد وفرانسوا تولّفا عن الحدٌث الذي كان ٌجري بٌنهما<br />
واتّجها إلى مرالبة ذلن المشهد المذهل. بعد ولت لصٌر فهمت<br />
من النادل أن األب واألم هما من الجزابر ومن منطمة المبابل.<br />
هذا الطفل انؽرس فً وجدانً مدة طوٌلة وأنا أتساءل عن<br />
صحّته، وهل أصبح أفضل أم تؽٌّر األمر إلى األسوأ. مدد ّت<br />
ٖ8ٕ
ٌدي آلخذ رشفة من النبٌذ من كؤسً، رأٌت أحمد وفرانسوا<br />
مذهولٌن ممّا رأٌاه من تصرّ فات الصبً معً. حاسبت نفسً<br />
بسبب امتعاضً من المولؾ البلمبالً الذي لدّرتُ أنهما<br />
مارساه. كنت مخطباً إذ كان ٌمكننً االلتفات للحظات وأرى ما<br />
ٌفعبلن فً أثناء تشكل هذا المشهد العمٌك المعبّر المذهل.<br />
عندما كنا راجعٌن للفندق وصلنا إلى مفترق طرق لال أحمد<br />
بسرعة أنزلنً هنا أٌّها السابك فبٌتً لرٌب من هنا. للت للسابك<br />
ال ترد على هذا الكبلم فصدٌمً ثمل ولم ٌعد ٌعرؾ أٌن بٌته.<br />
ضحن بطرٌمة شبه هستٌرٌّة أضحكت الجمٌع بمن فٌهم أحمد.<br />
بعد هذا لم ٌنبس أحمد ببنت شفة. فالتفتُ إلٌه بعد بعض الولت<br />
وسؤلته: ترى ألم أكن محماً عندما لم أُسمع أحداً ما كنت ألول<br />
وأنا أتحدّث بالهاتؾ؟!<br />
الؽبً <br />
هو من ٌحاول مؽالبة<br />
دكتور<br />
فً علم النفس.<br />
استمبلنً النادل الذي كلّمته عن تؽٌٌر ؼرفتً ولال: كلّ شًء<br />
جاهز ٌا سٌّدي، سٌروق لن الجناح كثٌراً، فإطبللته خبلّبة،<br />
وسٌُم ِكنن عند استٌماظن من النوم من فتح الستارة وأنت تجلس<br />
فً فراشن مرتاحاً. سترى أمامن دون ش ّن جانباً جمٌبلً من<br />
بارٌس، كلوحة حٌّة تموم بتحٌّتن فً الصباح واًنت تشرب<br />
المهوة. كما أن هذا الجناح مزوّ د بحمّامٌن رابعٌن منفصلٌن.<br />
هذا ذوق رفٌع<br />
أٌضاً<br />
حماً ٌا نجٌب، ال تنس أنً سؤبمى فٌه<br />
لٌلة الؽد<br />
ٖ8ٖ
هذا من دواعً سروري.<br />
شكراً ٌا نجٌب.<br />
التفتُّ إلى أحمد ، و وأشرت لهما أن ٌلتحما بً، وهكذا دخلنا<br />
جمٌعاً إلى ردهة الجناح الرابعة، وهنان بعد أن تمتّعنا بجمالها<br />
وبشاشتها. لرّ رنا أن نبدأ بشرب إحدى زجاجتً الوٌسكً<br />
المعتّمتٌن المتاحتٌن التً سمعتُ باسم إحداها ولكنً لم أذلها لط.<br />
تركتُ ألحمد مهمّة فتح الزجاجة كً ال أعمك عند الؽٌر شولً<br />
المستمر لمُمارساتً الطفولٌة، التً ازدادت إلحاحاً ورؼبة فً<br />
الظهور أمام أصدلابً فً كل مناسبة. فً الحمٌمة كنت أعشك<br />
كلّ ما ٌعٌدنً إلى حٌاتً المدٌمة وطفولتً البرٌبة الخالٌة من<br />
الهموم. كنت أهتم بؤالّ ٌزعجها أحد أو ٌعٌك حركتها ومٌلها إلى<br />
إظهار نفسها وتمتّعها بااللتصاق بً أٌنما ذهب ُت. أظن أنً<br />
اكتشفت منذ فترة أن هذا بدأ ٌحرجنً، وسٌبدو مزعجاً<br />
لآلخرٌن إن لم أضع حداً له، وثمٌل الدم بشكل ؼٌر ممبول،<br />
بحٌث ال بدَّ من انعكاسه على الممرّ بٌن، والذٌن ٌعدّون أنفسهم<br />
أنهم كذلن.<br />
اعتذر أحمد لاببل: أشعر بؤن علًّ االستحمام، لن آخذ ولتاً<br />
طوٌبلً إذ إنً متلهّ ِؾ إلى العودة ألسمع ما ٌمول األستاذ أثناء<br />
أحادٌثه العادٌّة. إنً أعده بحمله إلى فراشه لبل دخوله إلى النوم<br />
ببضع ثوانٍ. إلى اللماء.<br />
لمد ألتمٌنا مصادفة ٌا فرانسوا ولد رأٌت أنن لطٌؾ منذ<br />
اللحظة وكان ما كان وافترلنا دون أن تتزحزح من داخلً،<br />
تلن<br />
إلى<br />
ٖ8ٗ
أن تمابلنا مرّ ة أخرى وفً ٌدي إنجاز ٌستحك أن نشرب كؤسه.<br />
بعض األشخاص عندما ٌإمنون أنهم فً مولؾ لوي لد<br />
ٌصبحون وحوشاً إذا الضعٌؾ تمنع ولم ٌعطهم ما ٌرٌدون.<br />
الشبك إذا تفالم لد ٌثٌر الجُنون، الجُنون حتّى لو كان مإلّتا لد<br />
ٌإذي كل الذٌن حوله. لم أكن أعرؾ شٌباً عن وضع أستاذن<br />
وصدٌمً، لكنً كطبٌب نفسً اشتممت بعد الثبلث دلابك األولى<br />
أنه مثلً الجنس. إلى أن شعر ذلن الصدٌك بؤنً صرتُ أعرؾ<br />
عنه كلّ شًء، فتصرّ ؾ بذكاء عجٌب مدركاً بسرعة أنً فهمت<br />
كلّ شًء فسارع للعمل واستؤذن لٌؽٌب دلابك معدودة، ث َّم عاد<br />
مبتسماً منشرحاً، واعترؾ أمامً بما ال أستطٌع معالجته. أنا ال<br />
أرٌد أن أعرؾ شٌباً عن طرٌمن، ولكنً فهمت أنن منذ تسعة<br />
أٌام لم تحضر محاضراته. لمد استمال وانتهى األمر بالتؤكٌد.<br />
سنبمى ؼدا سوٌّة إن كان ٌمكنن ذلن. وبعد ذلن سوؾ نودع<br />
بعضنا على أمل اللماء إما هنا أو فً بٌروت. هل تستطٌع أن<br />
تكون صرٌحاً معً؟!<br />
بالتؤكٌد سؤفعل.<br />
كم ٌلزمن كً تعٌش كطالب عادي لٌس متمشّفاً وال مرفّهاً<br />
ولٌكن معلوماً إنً أرٌدن أن تسكن وحٌداً. احسب ولل لً:<br />
ٌورو. خذ اآلن دوالر سٌكفٌن هذا المبلػ<br />
لشهرٌن مع شراء بعض األشٌاء الضرورٌّة جداً وإذا حدث أي<br />
طارئ ستكون أرلامً كلّها معن وكذلن رلم الموباٌل. كل ما<br />
أطلبه منن هو أن تجدَّ فً الدراسة. إنً أنتظر منن النجاح فً<br />
السنتٌن المادمتٌن. عندما ستؤتً إلى خلواتً مع نفسً، سؤكون<br />
منتظراً هذا األمل والعودة إلى تماسُكن كرجل ٌعرؾ ماذا ٌرٌد<br />
7٘ٓٓ<br />
ٖ8٘<br />
ٔ٘ٓٓ
من المستمبل. هذه الحمٌبة الموضوعة هنان فٌها بعض األلبسة<br />
الداخلٌة لن كما فٌها الموباٌل الخاص بن اذهب وأوصله<br />
بالكهرباء. ثم تولّى خدمتنا وآتنا باأللداح لنشرب معاً نحن<br />
الثبلثة بعض الوٌسكً.<br />
أعتمد أنً سؤحتاج لكثٌر من الدموع بعد مؽادرتن، إذ إنن<br />
الوحٌد الذي المس روحً وألنعها باالطمبنان إلى مستمبلً إنها<br />
ستصلًّ إلى الرب لٌؽفر لنا جمٌعاً خطاٌانا، وٌترن نوره معنا<br />
لٌضًء كل خطانا.<br />
شكراً لن ٌا عزٌزي سؤصلًّ أنا أٌضاً من أجل كاترٌنا،<br />
ولتكن ٌا فانسوا نمٌّاً فً كلّ ما تفعله. ها هو أحمد ٌطل علٌنا<br />
بعد أن انتهى من الحمام، بعد للٌل من انضمام أحمد إلٌنا، نظر<br />
إلًَّ بتمعّن ولال: ألٌس لدٌن ٌا أستاذنا الكبٌر وطبٌبنا المتعمك<br />
فً النفس البشرٌّة، ما تُرشدنا به فً هذه اللٌلة بالذات، حٌث<br />
تستمع كاترٌنا إلى أدق تفاصٌل حدٌثنا. أرجون لل شٌباً لعلّن<br />
تولؾ هذا االضطراب الذي ٌكاد أن ٌحرق هذه النفس الفتٌّة<br />
الجالسة لربن وتستجٌر بن لتحمٌها من هذا الملك المدمر<br />
المشتت فً صحراء تطفا العٌون العطشى إلى ذلن النور الذي<br />
ٌبدد الخوؾ وٌعٌد الثمة إلى الذات؟! كان لكلمات أحمد ولعها<br />
الفوري المفاجا والؽرٌب، فانهمرت دموع "فراسوا" حتّى بان<br />
من خبللها كٌانه كلّه عرٌاناً. لكنه أبتسم رؼم ذلن، وظهر وجهه<br />
مشرلاً من خبلل الدموع، وبدا أنه لن ٌخشى بعد الٌوم هذا<br />
الوابل الذي سمط من مملتٌه ولم ٌعرؾ مثله ٌوماً، وال أدرن إ ّال<br />
فً هذه اللحظة من حٌاته لمَ هو عرٌانا مبلّبلً بكامله وال ٌشعر<br />
بالبرد وال بالخجل الذي كان ٌرافك دابماً كلّ ذلن. لكن لم ٌلبث<br />
ٖ8ٙ<br />
.
ضخا<br />
فراسوا أن لال: أدركت اآلن ماذا فعل بً الدكتور زٌاد. لمد<br />
شمّر عن ساعدٌه ورفعنً من الببر النتن الذي ولعت فٌه،<br />
وجعلنً ألمس لٌمة اإلنسان الذي فً داخلً. ما لاله أحمد هو<br />
زبدة الحمٌمة والوالع الذي أنا فٌه. لكن لوال الدكتور لَما رأى<br />
كٌانً كلّه أن الحب ٌملن فً داخله ما ٌمكّنه من تؽٌٌر الكثٌر<br />
من األمور بدءاً من أعمالها.<br />
صفك زٌاد بسرعة مانعاً دموعه بنجاح من االنهمار.<br />
كان وجه "زٌاد" محلِّما عندما بدأ حدٌثه لاببلً: سؤسرد لكم بعض<br />
ما لاله بعض النمّاد والمتعممون فً الفلسفة عن "دوستوٌفسكً"<br />
الذي سمّوه ظاهرة فرٌدة تملن خصوصٌتها لبل ك ّل شًء. كان<br />
ممتحماً وٌرٌد أن ٌإجج التارٌخ وٌدفع مساره إلى الطرٌك<br />
الصحٌح. إن ذلن الكاتب الروسً الفذ، الذي ٌُمرأُ وٌُعاشُ<br />
وٌُشارنُ وال ٌُحكى عنه كما لال "شارل مالن". إن من لم ٌمرأه<br />
ولم ٌعشه لد فاته أعظم وأهمّ بُعد كٌانًّ ٌستطٌع اإلنسان أن<br />
ٌؽوص فٌه وٌتركه ٌتعشّك أعماله أكثر من لراءة أيّ أدب. من<br />
محاولة السباحة فً البحٌرة البلّورٌّة النمٌّة لذلن الكاتب<br />
الكبٌر وصوالً إلى أعمالها البلّورٌّة، ٌستطٌع أن ٌرى شخوصه<br />
وهً تتحرّ ن على المسرح مظهرة أعمك مشاعرها ونواببها<br />
وهً تشتعل دون أن تحرق شٌباً ٌخلّ بالحٌاة وال بالوجود أو<br />
التواجد بحدّ ذاته. رؼم أنن لم تمرّ بؽرابب المشاكل التً<br />
واجهتها تلن الشخوص، حتّى أنن ال ٌمكنن التصور أنن ستمرُّ<br />
بما مرّ ت به ٌوماً، إالّ أنن ال تستطٌع االبتعاد عنها، وتعمل<br />
جاهداً كً تتوحّد معها دون أن تدري من ٌرؼمن على لبول<br />
ذلن االؼتصاب الذي ترتاح إلٌه وٌُشعرن بالؽبطة، مُشعراً إٌان<br />
ٖ87
بؤنن اتّصلت بؤدقِّ التفاصٌل كؤنن عشتها دابماً وستستمرّ فً<br />
عٌشها بطرٌمتن الخاصة. لٌس بالضرورة بطرٌمة تشبه أيّ آخر<br />
عاشها، بل بطرٌمتن الخاصّة ومن الزاوٌة التً تسكن إلٌها. إنن<br />
ربما تؤمل أن تختارن لتركّب معن حلماً خاصاً تبتدعانه<br />
وتعٌشانه بمدر ما تستطٌعان محاربة الشٌطان الذي ٌعشعش<br />
فٌكما. إن تلن األحبلم ال ٌمكن أن تتكوّ ن من فراغ، بل إنها<br />
متؤتٌة من إمكانٌّات إنسانٌّة أصٌلة متجذّرة فٌن وفٌها وترٌان<br />
نفسٌكما متعلمتٌن ببعضهما بعضاً وال تستطٌعان االنفكان عن<br />
منطمة التجذّر. هكذا ٌفتح دوستوٌفسكً أمام البعض الذٌن<br />
اعتادوا على العٌش وسط الؽٌوم عالم الكٌان اإلنسانً على<br />
مصراعٌه، إنه عالم الوالع والممكن الذي نتوق إلٌه وٌتابع<br />
تطوّ رنا، وهو كذلن المستؽ ِرب والمتواصل مع المرٌب<br />
المؤلوؾ. إنها كلّها من نفس الطٌنة البشرٌّة، لذلن تتفهمها وتجد<br />
نفسن تؽوص فٌها وتتمثلها كؤنن كنتها وعشتها أنت بالذات،<br />
وتعرؾ وأنت ال تزال ؼابص هنان أن باستطاعتن أن تكونها.<br />
الحٌاة فً كتابات دوستوٌفسكً تجري أمامن وال تخفً عنن أ ّي<br />
شًء وتتكلّم معن ومع اآلخر بكل بساطة. لال شارل مالن: "لمد<br />
سُحرتُ بشكسبٌر وؼوته، واختُطِفت معهما إلى عالم تنمّى فٌه<br />
كٌانً وتصفّى، لكنً لم أذرؾ دمعة واحدة بمرابتً شكسبٌر أو<br />
ؼوته. أما مع "دوستوٌفسكً"، فبكٌت مرّ ات عدٌدة وأحسس ُت<br />
دابماً بالمسٌح وراء ما ٌُصوّ ر وٌسرد وٌصؾ. كنتُ أشعر<br />
باألمل الحً مهما كان الظلم ظالماً، ومهما كان البإس ؼارلاً<br />
فً ٌؤسه، أو مهما كانت النهاٌة مؤساوٌّة. أما مع ؼوته<br />
وشكسبٌر أصعد إلى جبل "أولمبوس"حٌث اآللهة ٌتبارون،<br />
وكلّنا نعرؾ أن آلهة أولمبوس ال ٌبكون. أما دوستوٌفسكً<br />
فٌمودنً إلى الجلجلة عند لدمً الصلٌب حٌث ب َكٌ َن النساء،<br />
ٖ88
وكما بالمرب من ذلن المكان بكى رجل بكاءً مرّ اً<br />
السابك."<br />
فً الٌوم<br />
تصور أٌها األخ العزٌز حلمات صاخبة متحمسة جدٌّة<br />
مواظبة، تجتمع بانتظام مرّ ة كلّ شهر، من أجل لراءة شكسبٌر<br />
وتمثٌله فٌما بٌنها، لبلستمتاع بشعره وفنه ومعانٌه، وباألشخاص<br />
الذٌن ٌخلكُ، والمآسً التً ٌصوّ ر وٌُبدع، والفكاهة الخارلة<br />
التً ٌستنبط، والفرح الذي ٌلهم. إن حلمات كهذه، أو حلمة واحدة<br />
فمط مكرّ سة لشكسبٌر ال ؼٌر، ومستمرّ ة فً الوجود فً لبنان<br />
لرناً كامبلً بدون انمطاع، لكفٌلة بؤن تُسهم إسهاماً فعّاالً فً<br />
إخراجنا من تعاسة وجودنا على هامش الوجود الحمٌمً البنّاء<br />
المتوهّج الذي ٌُبعدنا عن الظلمة التً تعبث بؤرواحنا وٌُنٌر<br />
دربنا، وٌمؾ حاببلً دون الؽرق فً الندب والبكاء على األطبلل،<br />
حٌث العٌش فً الماضً هرباً من عُمم حاضرنا وسخفه وجدبه،<br />
حٌث المبوع فً الهزٌمة والخنوع، أو حٌث االكتفاء بالبماء<br />
لمجرّ د البماء، أو حٌث العٌش لمجرّ د العٌش، ال نعنً شٌباً<br />
ألحد، وحٌث أٌضا ال أثر للطموح أو المجد أو البطولة. أعود<br />
فؤلول إن حلمة واحدة مثل تلن التً تكلّمنا عنها ستسهم فً<br />
إخراجنا من المبور إلى مؤدبة الوجود وفرح الوجود.<br />
صوّ ر "دوستوٌفسكً" النواحً المؤساوٌّة فً حٌاة اإلنسان<br />
تصوٌراً رابعاً، ونفذ إلى أشد زواٌا النفس البشرٌّة تعمٌداً<br />
وظبلماً وخِ فٌة وسرّ ٌة. ٌُدهشن أنه استطاع لراءة نفسن دون أن<br />
ٌعرفن، وأحكم لبضَه علٌن فً سِرّ أسرارن الدفٌن. هنان<br />
الكثٌر لٌمال عن دوستوٌفسكً مثل نمده لِما وصلت إلٌه الدول<br />
الؽربٌّة من انحطاط أو لتلن البرجوازٌّة الرخوة التً تعبد المال<br />
ٖ89
ةٌّ<br />
والمال فً أعمك معانٌه ٌُلؽً إنسانٌّة اإلنسان وٌجعلن مكتفٌاً<br />
باللذة اآلنٌّة السخٌفة، والتخطٌط األنانً الفردي ولٌس<br />
المجتمعً. كما أن األنانٌّة الحال مٌالة إلى المبوع فً المومٌّات<br />
الضٌّمة، وال تتطلّع إ ّال إلى اآلفاق اإلنسانٌّة المنفتحة المتّسعة<br />
والبعٌدة، التً ال ترتاح إالّ بعد االطمبنان أن كلّ مخلوق بشر ّي<br />
ٌملن أسباب العٌش الطبٌعٌّة. كما أظن أن الواجب ٌفرض علًَّ<br />
اإلشارة إلى خطابه الشهٌر فً حفلة رفع الستار عن نصب<br />
بوشكٌن فً موسكو، وتنبّؤ فٌه أن المصٌر األخٌر لروسٌا<br />
والكنٌسة األرثوذكسٌّة هو لٌادة أوروبّا والعالم أجمع إلى طرٌك<br />
البر. إن حمٌمة الحمابك ٌا إخوتً هً طبٌعة اإلنسان وما فٌها<br />
من طلب للحرٌّة، وحك االختٌار، والتمرٌر، والشخصانٌّة،<br />
والفردٌّة، والملك. على اإلنسان إذاً أن ٌكون نفسه تماماً، شخصاً<br />
حرّ اً ممرّ راً، وأن ٌكون ممداماً شجاعاً فً أتخاذ لراراته، وأن<br />
ٌتحمّل مسإولٌتها، وٌمبل فرِ حاً، بؤيّ ذنب لد ٌمترفه باتّخاذها.<br />
إن المبول بالذنب بفرح ٌعتبر من أساسٌّات إنسانٌّته، وهذا ٌعنً<br />
فً العمك أن لرار اإلنسان ال ٌستطٌع أحد فً الوجود كلّه<br />
التدخل فٌه بما فً ذلن الرب نفسه، وإالّ ما كان ٌوماً إنساناً.<br />
هكذا إذا أردنا أن نكمل ما بدأناه علٌنا أن نتحدث عن حٌاة<br />
الحس واللذة فمد خبرها الكثٌرون ووصفوها بؤنها حٌاة الهرب<br />
التً ال تشفً ؼلٌبلً، وتإول من خٌبة إلى خٌبة. كما أن الحٌاة<br />
األخبللٌّة المكبّلة بالشرابع والموانٌن، تلؽً الحرّ ٌة والخٌار<br />
والمسإولٌّة، وتجعل من اإلنسان مجرد آلة وأداة وتحولّه إلى<br />
عاهر ملوث تتعطل إنسانٌته وتصبح حٌاته فارؼة عمٌمة ال<br />
عٌش فٌها وال نور وال إلهام، وتموت الرؼبة فً االنعتاق. ال<br />
تكونوا منؽلمٌن أٌها اإلخوة بل ابذلوا الجهد لتكونوا اآلخر، فإن<br />
لم تستطٌعوا أن تكونوه وبمً اآلخر آخر فمن ستكونون أنتم.<br />
ٖ9ٓ
هذا ما أردتُ لوله وأمكننً أن ألوله. "ربما علًَّ أن أتساءل<br />
وأنا ماض إلى االهتراء من الداخل أكثر من الخارج: هل أنا<br />
ذاهب إلى الموت، ومن المفترض أن أكون واثماً أن هنان<br />
ٌنتظرنً وعد موثّك شفهً أنً سؤدحر الموت وأعود إلى الحٌاة<br />
من جدٌد والشاهد على ذلن هو حٌاتً كلها ووجودي وبصمتً<br />
التً أتركها بعد ؼٌابً."<br />
فرانسوا إنن المبدع والخبلّ ق أٌضاً ٌا أخً الكبٌر. لمد اخترت<br />
من الكثٌر الذي لٌل من زبدة عبالرة العالم م ّما ٌضع هذا الكاتب<br />
فً المراتب األولى بٌن الذٌن أثروا الحٌاة اإلنسانٌّة. فً السنة<br />
الماضٌة ألمى أحد األساتذة فً كلٌّة اآلداب محاضرة عن الكاتب<br />
نفسه. أعدّها المحاضر بتإدة لكنها لم تترن انطباعاً جٌداً،<br />
وهوجمت من لبل أساتذة كثٌرٌن. أما أنت فكنت تعصر ذاكرتن<br />
لتمدم لنا ما ٌؽذي الوجدان والروح. شكراً لن على كلّ شًء،<br />
لمد فهمتُ ما أردت أن ٌصل إلى وجدانً، متمنٌّاً من ملن<br />
السماء مدَّ ٌد المساعدة لً كً أكون فً المادم من األٌام عند<br />
حسن ظنه وظنن. أنت ال تعرؾ كٌؾ أرلص اآلن ولد تخلّت<br />
عنً جراحً وتولفت دمابً من بثِّ رابحتها البؽٌضة وبدأت<br />
أؼنًّ أنا وفٌروز. وٌنن، وٌنن ، أنا فً ؼمرة الشبك والنشوة<br />
أٌها الحبٌب ولد التحمت شموق جراحاتً وأعتمد أن منخر ّي<br />
لاال لها ال تدعً تلن الرابحة الممٌبة تمترب من هنا. وسؤكون<br />
ممتنّاً لن طول حٌاتً. دعونا نسمع كلمة أحمد لمد كشؾ لنا<br />
فراسوا للبه الذي كان مؽلماً بإحكام، وهذا شًء كثٌر مفاجا.<br />
أظنّ أن ذلن كان نتٌجة إلفساح المجال له الستعادة ثمته بنفسه.<br />
ماذا نفهم من كلّ هذا وإلى ماذا ٌشٌر؟! أنا أعتمد أنه ٌإشر إلى<br />
الممع البؽٌض الذي ٌؽلك أبواب السجن وٌمنع النور من<br />
ٖ9ٔ
الدخول. دعنً أكرر شكره لن وأنا متؤكّد أن ما للته ٌمثل<br />
إرادته، كما أنً واثك أن األٌّام ستعطٌه ما ٌخصه. إذ إنه أخذ<br />
حصته من اآلالم مبكّراً. وفً الختام أدعو لن بالنوم العمٌك<br />
وألول بالفم المآلن إنن أٌّها الكبٌر لم تفاجبنً. هٌا ٌا فرنسوا<br />
لٌؽط كلّ منا فً نوم عمٌك، أعتمد أننا بؤمس الحاجة إلٌه.<br />
فً الصباح عندما اجتمع الجمٌع، على طاولة الفطور فً<br />
الفندق. ظهر جلٌّاً الحبور والبهجة على الكل. كؤنّهم التموا فً<br />
هذه اللحظات دون أن ٌكونوا مرتبطٌن بؤيّ موعد. كان زٌاد<br />
أول الواصلٌن وٌمرأ صحٌفة الصباح. ثمَّ توالى وصول أحمد،<br />
ثم بعد بضع ثوانٍ أط َّل فرانسوا حاول "زٌاد أن ٌُظهر فرحه<br />
الشدٌد بلماء هإالء الشباب الذي ٌشعر بؤنه مسإوالً عنهم، لكن<br />
أحمد الحظ أن دمعة أخٌرة أخذت تتسرب من إحدى مملتً<br />
"زٌاد" فسؤله ماذا بن ٌا أستاذي؟! لمد تلمٌت رسالة تمول: أن<br />
الراهب ٌوسؾ ٌمكن أن ٌكون لتل فً لبرص أو على شواطبها<br />
فً البحر لرب لبرص تماماً. فً العشاء سؤتكلم عن األسطورة<br />
التً وهب الراهب ٌوسؾ حٌاته من أجل إظهار سخفها. لبل أن<br />
ٌستطٌع المول مرّ ة ثانٌة بضعة كلمات إلى زهرة عشٌمته<br />
المفضّلة كان من أهمها أن ترسل ولٌدها إلًّ إن كان ذكراً أم<br />
أنثى. دعونا نفطر اآلن ثم نجتمع هنا لٌبلً ونذهب إلى مكان آخر<br />
حٌث أستطٌع أن أشرب العرق كرما لصدٌك العمر الراهب<br />
الؽرٌب األطوار ٌوسؾ.<br />
أخشى أنً ال أستطٌع ٌا سٌّدي.<br />
.<br />
ٖ9ٕ
ٍ<br />
ستؤتً ٌا أحمد مهما كان الوضع، ٌمكنن أن ترحل لبل نهاٌة<br />
السهرة بملٌل ال تخذلنً فً آخر أٌامً هنا ٌا أحمد الحبٌب. أما<br />
فراسوا فسٌتركنً فً صباح الؽد بعد الفطور. أأنتما موافمان؟!<br />
أنت طبٌبنا الكبٌر ٌا زٌاد، ال أنا وال<br />
عن االنتماء إلٌن.<br />
الجعٌتانً<br />
نستطٌع التخلًّ<br />
إذاً اطلب لنا ٌا الفطور ٌا أحمد، صدّلونً أنً لم ٌمر علًّ<br />
فطور واحد مع أمً إالّ وولع فً أثنابه شجار عنٌؾ. كانت<br />
تمرأ أفكاري ولم أستطع تهرٌب واحدة منها دون أن تلتمط ما<br />
ألصده منها. عندما شعرت بؤنها تفولنً ذكاءً استسلمت، ولم<br />
تعد تجدي مسؤلة االنتمام من طفولتً التً أصبحت ببل أ ّي<br />
معنى، كما كنتُ ادّعً وادّعى الكثٌرون، هكذا عدت إلى<br />
ؼرفتً بعد انتهاء الفطور ألتابع الرسالة الطوٌلة التً وصلتنً<br />
من الراهب ٌوسؾ.<br />
ٕٙ<br />
كتب ٌوسؾ الراهب الذي ؼدا أسطورة دون شنّ لاببل: وجد ُت<br />
بعد بضع ساعات من وصولً إلى "تل أبٌب" وهً من أهم<br />
مدن ببلد األعداء أن وجودي هنان هو جنون حمٌمً ملفت<br />
كلًّ الؽرابة وفً أعلى مستوٌاته. إن ما جبت أُنفّذه أمر شدٌد<br />
الخطورة فً بلد فٌه الواحد ٌرالب الكل والجمٌع ٌرالبون<br />
الواحد. المسؤلة لد تبدو من الخارج كؤنها طرفة ركبها أحدهم<br />
ٖ9ٖ
فً ذهنه وطرحها على الطاولة مثلما ٌطرح الزهْر من العب<br />
النرد، ولكنن إذا أتٌح لن بعض اإلطبللة إلى داخل ما ٌجري<br />
فً الوالع، ستجد أن األمر بالػ التعمٌد وبعٌد عن أن ٌكون<br />
جزءاً من مزاح ثمٌل الدم. كما أنن ستدرن بسرعة أن الرجوع<br />
عن األمر لم ٌعد متاحاً، إذ إن بضع ساعات ستكون كافٌة<br />
لكشؾ وجودن المرٌب مع جمٌع معاونٌن. إنن طوال الولت<br />
ستظل تمتلا بالشعور أ ّال سبٌل أمامن للهرب، فؤنت ؼٌر مكبل<br />
باألصفاد، لكنن فً لبضتهم فعبلً وهم ال ٌنوون أن ٌفعلوا شٌباً<br />
فً الولت الحاضر. إذ إنهم ٌرالبونن لحظة تلو اللحظة،<br />
وٌرٌدون أن ٌعرفوا ماذا تبؽً وما هً مهمّتن بالضبط، وٌمكن<br />
أن ٌكونوا أدركوا أن هنان فً الداخل من ٌساعدن؟! إنهم<br />
ٌتساءلون كٌؾ دخلت بهذه السرٌّة وهل وراءن مخابرات<br />
أجنبٌّة؟! ومن هم أولبن الخونة الذٌن تجرّ إا لٌلعبوا هذه اللعبة<br />
الخطٌرة؟! إنهم شٌاطٌن ٌا زٌاد ونحن ُسذّج. لمد أزالوا رابحتنا<br />
من فلسطٌن. لو كنت هنا معً ٌا "زٌاد" النهمرت دموعن<br />
وسبّبت لً إرباكاً انضم إلى إرباكً. أنا ال أعرؾ فلسطٌن،<br />
وكنتُ أودّ لو كان أبً معً، فهو ٌعرؾ ما سؤلول: لمد ؼٌّروا<br />
معالمها ولم ٌتركوا فٌها ؼٌر "الفبلفل" إنهم وحوش أصبحوا<br />
مدجّجٌن بكل أنواع األسلحة الفتاكة التً ٌظنّون أنها تستطٌع أن<br />
تجرؾ من أمامها كلّ األعداء المحتملٌن. لمد أمسوا تجّار أسلحة<br />
باإلضافة إلى تجارة األلماس. على أمتنا أن تتحضر لمتال<br />
شرس البدّ منه.<br />
لم أجتز الرعب الذي كنتُ فٌه إ ّال عندما نجحت االتصاالت بٌن<br />
الخبلٌا النابمة التً استمبلتنً وأخفتنً بلحظات ملفتة وبٌن<br />
الٌهود الذٌن لطالما رفضوا الصهٌونٌّة والتمٌٌز العنصري<br />
ٖ9ٗ
كتفكٌر فاشً وعنصري بامتٌاز. إن تعذّر العٌش فً إسرابٌل<br />
كوطن، ٌكمن فً إنه سٌبمى محاطاً بطبلّ ب الحك مهما طال<br />
الزمن وهم عشرات أضعاؾ المبلٌٌن الذٌن ٌسكنون فً<br />
إسرابٌل أو الموجودٌن فً أرجاء العالم كلّه. لمد بلػ الصلؾ<br />
والؽباء فً الصهٌونٌّة العالمٌة بحٌث ٌرفضون كلّ ما ٌموله<br />
العمل العالمً الذي ٌدرن بعمك أن الظالم سٌخطؾ ٌوماً وٌُؤخذ<br />
إلى الؽابة وٌؤكل من لِبل وحش مثله لكنه ال ٌملن عمبلً بشرٌاً<br />
ٌرشده إلى الطرٌك الموٌم. ال بدّ أن ٌؤتً الٌوم حٌث سٌصبح<br />
الظلم هماّ عالمٌاً مملماً إلى ِ حدّ الرعب، وٌنملب العالم كلّه إلى<br />
مسرح ٌمتتل فٌه الناس دون أن ٌتذ ّكروا لمَ هم وسط المذبحة.<br />
هكذا على الجمٌع أن ٌتّموا هللا وٌتؤمّلوا فً السماء الصافٌة<br />
والنجوم دون أن ٌنسوا الممر. إن هذه المعادلة الصعبة الحل،<br />
تحاول للة من الٌهود فن عمدها وإٌجاد طرٌك ما لتسوٌتها<br />
بشكل ٌرضً الجمٌع. إذ إن بماء األمر على ما هو علٌه سٌشعل<br />
حرباً لد ال تتولّؾ لمرن آخر أو أكثر من الزمن. إن هذه الملّة<br />
ترى أن صالح إسرابٌل ٌكون فً االنفتاح على شعوب المنطمة<br />
والتفاهم معها على العٌش المشترن، بما ٌُرضً كلّ الذٌن<br />
ٌفهمون أن العٌش ال ٌصح إن لم ٌظلّله األمان. أما األكثرٌة فهم<br />
من أولبن الذٌن جاإوا من كل مكان لٌتّخذوا من فلسطٌن<br />
المؽتصبة وطناّ بدٌبلً لهم، عوضاً عن كلّ األوطان التً لفظتهم<br />
ورأتهم بعوضاً ٌسمم كل المجتمعات المتحضرة، رؼم أنهم<br />
بمختلؾ الطرق استطاعوا االدّعاء أنهم أصبحوا ٌعدّون من<br />
الدول المتمدّمة. إن الٌهود الذٌن الٌزالون مصرّ ٌن أن دولتهم<br />
المتحضّرة تواجه حولها أعداء ٌعتبرون أن إسرابٌل اؼتصبت<br />
أرضهم الممدّسة، وال مجال هنان للعٌش المشترن مع األعداء.<br />
نعود إلى الملّة من الشعب اإلسرابٌلً، فمد نجحوا فً إلناع<br />
ٖ9٘
ِ<br />
بعض مجتمعاتهم أن التمٌٌز العنصري وطرد العرب من بٌوتهم<br />
لن ٌولؾ سٌل الدماء، بل سٌزٌد من تدفّمها وسٌصل من ٌستمر<br />
فً فعل ذلن إلى الطرٌك المسدود نفسه الذي وصلت إلٌه جنوب<br />
أفرٌمٌة، وٌدركون أن الجرابم التً ٌرتكبونها ستصعّب<br />
الوصول إلى مستمبل أفضل، وتحول دون تنفٌذ المراحل<br />
البلزمة للوصول إلى الحل السلٌم الذي ٌمنع األكثرٌة الحماً أنها<br />
ال تستطٌع االستمرار فً ؼٌها. أولبن المختلفٌن فً النظر إلى<br />
الكٌان الصهٌونً ٌذ ّكرون مواطنٌهم دابماً أنهم من أوابل الذٌن<br />
حاربوا الكٌانات الفاشٌّة التً تعبد أساطٌرها، واعتبروها لعنة<br />
الشٌطان فً التارٌخ الحدٌث.<br />
إن الوطنٌٌّن الٌهود جلبوا إلًّ المتفجرات الضرورٌّة للمٌام<br />
بالعملٌّة، رؼم أن الخطّة األساسٌّة لم تكن بحاجة إلى مثل هذه<br />
األمور. لمد طلبوا تفسٌراً حمٌمٌاً عن مماصدنا واهدافنا ممّا<br />
سنفعله للت لهم ضاحكاً: أنتم تعٌشون أسطورة تمول: إن<br />
الٌهودي الذي ٌبذر بذرته فً رحم ٌهودٌة وحصل التلمٌح ٌكون<br />
ابنه ٌهودٌاً حمٌمٌاً ٌتمتع بكلّ ما تمنحه الدولة الٌهودٌّة الصرفة<br />
ألبنابها من الٌهود المإتمنٌن على وطنهم. أما إذا كان الرحم<br />
لٌس ٌهودٌاّ فلن ٌكون المولود ٌهودٌاً بل ربّما ٌُعتبر مخلولاً<br />
ٌحك له اكتساب الجنسٌّة اإلسرابٌلٌّة. ٌبدو واضحاً أن الفرق<br />
كبٌر بٌن أن تكون ٌهودٌاّ وإسرابٌلٌاً فً الولت نفسه، أو أن<br />
تكون إسرابٌلٌّاً فمط. إن هذا ٌشٌر إلى عمك باطنٌة العٌش فً<br />
المجتمعات التً تشكل دولة إسرابٌل. إن هذا ٌعنً أنه سٌكون<br />
لدى هذه الدوٌلة شكبلً ؼرٌباً، إذ سٌكون علٌها ابتداع اسم ما<br />
ألولبن المواطنٌن االسرابٌلٌٌّن فمط. سٌربن هذا تلن الدولة التً<br />
ألحمت نفسها فً اؼتصاب ممتلكات شعب آخر بالسٌؾ وجعلت<br />
ٖ9ٙ
الدماء تسٌل حتى تمكّنت أن توجد لها مكاناً دخٌبلً مرفوضاً بٌن<br />
مجموعة الدول العربٌّة. سٌبمى هذا الكٌان ال ٌشبه أحداً من<br />
محٌطه، وال ٌمكن العٌش معه دون أن تشعر بؤنن معرّ ض<br />
للؽدر فً أٌّة لحظة.<br />
كنت أعرؾ عندما استلمتُ المتفجّرات الخاصة بهذه العملٌة،<br />
أنً فً البدء علًّ أن أزٌح من طرٌمً عمٌد فً الجٌش<br />
وممدمٌن ورابد، كلّ هإالء كانوا مكلفٌن بحراسة ذلن المبر<br />
الذي ٌكمن فٌه سر إسرابٌل. لمد سموا "العظْمة" التً أخذها<br />
الرب من من خصر آدم "عضمة" "ؼولدا مابٌر." إن هذه<br />
األللٌّة التً تشكل دولة إسرابٌل تترن انطباعاً أن شعبها ال ٌرٌد<br />
من شعوب العالم اعتباره ٌشبه بمٌّة البشر الذٌن ٌعٌشون فً هذه<br />
األرض. إن تلن "العضمة" التً ستزول عمّا لرٌب ستُظهر<br />
عمك السخؾ الفاشً لتلن الدولة العنصرٌّة. إن فً أحشاء تلن<br />
األُسطورة تكمن هزالتها إذ إن فمدان هذه "العضمة" سٌفمد نساء<br />
إسرابٌل الٌهودٌّات إمكانٌّة إعطاء أوالدهم الكٌان الٌهودي<br />
النمً. وٌصبحون كبمٌة شباب هذا العالم بشراً ٌملكون إنسانٌتهم<br />
التً طالبهم الرب أن ٌرتموا بها لٌستحموا ما سٌإول إلٌهم ٌوم<br />
ٌمرر ذلن. ترى هل سٌعطٌنً الرب شرؾ تمزٌك هذه<br />
األسطورة من صفحات التارٌخ المزور من لبل عمل خرؾ؟!<br />
كنتُ أعرؾ جمٌع المحاوالت الحثٌثة لتنجٌتً من الموت. لكن<br />
إحساسً ورؼبتً كانا ٌشٌران إلى أنً سؤموت بتدمٌري بمنبلة<br />
تنطلك من طابرة دون طٌّار. الخطة التً كانت مرسومة مسبماً،<br />
تمضً بتخدٌر الضباط األربعة أثناء تناولهم للعشاء. ثمَّ نملهم<br />
إلى مخادعهم. لمد تمَّ كل شًء حسبما رسم بٌسر ؼرٌب،<br />
وانتزعت تلن "العضمة" اللعٌنة. بعد ساعتٌن نُمل ًت بالسٌّارة<br />
ٖ97
إلى جهة مجهولة ٌؽمرها سكون لم أعش فً أجوابه ٌوماً. ث َّم<br />
بعد بضعة أٌّام صعدنا أنا واثنٌن لم أكن أعرفهما مسبماً إلى ما<br />
ٌشبه الٌخت، واتجهنا نحو لبرص، وٌبدو أننا كنا سنصلها لبل<br />
انببلج الصبح بسبب السرعة الكبٌرة التً كان ٌشك بها مركبنا<br />
مٌاه البحر األبٌض المتوسط. هنان فً لبرص تمّت مراسم<br />
إحراق تلن األُسطورة وخُلطت بماٌاها مع التراب.<br />
أنت تعرؾ ٌا صدٌمً العزٌز أنه لم ٌبك لً ؼٌرن فً هذه<br />
الدنٌا. ألول ذلن ألن مضطر لتحمٌلن تبِعات ماذا سٌحصل،<br />
فؤنت الصدٌك الذي ٌعرؾ كل شًء عنًّ، والمادر على تلبٌة<br />
طلبً األخٌر. إذ إنً أدرن أالّ سبٌل للنجاة من هذه العملٌّة.<br />
المولود الذي ستلده زهرة بعد اكتمال حملها، سٌكون من نصٌبن<br />
أن تربٌّه وتعده لٌحمل اسمً وكٌؾ ٌصبح رجبلً حمٌمٌاً أو<br />
امرأة صالحة. أرجو أن تعذرنً فبل طرٌك أمامً إال أنت<br />
لتتسلّمه ثم تموم بدورن وتؤخذه أو تؤخذها إلى مسلن البرّ . لكن<br />
ال تنس أن تزرع فً ذلن المولود مهما كان جنسه أن أباه َملَ َن<br />
دابماً للباً صالحاً.<br />
لطالما اعتمدتُ أن الرب ٌعرؾ أسلوبً فً التفكٌر، وٌتفهم<br />
خطاٌاي. كما أرجو أن ترانً فً حلم ما أدق بابن كمرٌض أنا<br />
الراهب الصدٌك نفسه وألول لن: سؤموت بٌن لٌلة وضحاها<br />
اسمع لصتً أرجون. أنا ال أستطٌع فهم ما جرى. لكنً أمٌل<br />
إلى استبدال كلمة المصادفة التً ٌطلمها البعض لوصؾ ما<br />
حدث، برضى الرب بطرٌمة من الطرق عن كلّ لصّة حٌاتً<br />
والنهاٌة التً عشتها وكذلن الموت الذي أنتظره.<br />
ٖ98
كنتُ فً بٌروت ذات ٌوم أبحث عن سٌّارة تملّنً إلى الدٌر.<br />
أعتمد أنً لم أكن أرٌد أن أجد طلبً بالتؤكٌد، إذ كانت حاجتً<br />
إلى جسد آخر فً ذلن الٌوم ملحّة إلحاحاً شدٌداً. كانت تلن التً<br />
كنتُ أحلم بها وأعلّك صورتها فً ذهنً تملن جسداً رابعاً لم<br />
ٌكؾّ طوال أسبوع عن الهمس فً أذنً طالباً من لعابً ترطٌبه<br />
وأالّ أنسى تخصٌص ولتاً خاصاً ِلما وراء أذنٌّها مضٌفاً: "أنا<br />
أبحث عن رجل مثلن خبٌر فً عالم الجسد ومتطلّباته. إن<br />
شهرتن عمت جبل لبنان كله وأخشى االّ أران إالّ بعد أن تنزل<br />
إلى بٌروت." طال االنتظار وكان ال بد من أن أعود إلى الدٌر.<br />
)أنت تعرؾ لصتً مع الدٌر( لكن إحساسً لم ٌحاول أن<br />
ٌؽشنً ٌوماً، إذ برزت فً آخر الشارع، فً ٌومٍ ربٌعًٍ آخر<br />
بمامتها المشدودة وجسدها الملفوؾ الذي كاد أن ٌتفجر وٌطٌح<br />
بكل الذٌن ٌتحرّ كون فٌه جٌبة وذهاباً. لكنها كانت فً ذلن الولت<br />
تجر عربة مخصّصة للمرضى تحمل رجبلً متهالكاً ٌمول<br />
للموت كفان لإماً هٌا خذنً، وارحم هذه المسكٌنة التً ال تزال<br />
عذراء.<br />
كنتُ ألؾ مذهوالً وأنا أراها هذا عارٌة تماماً. هٌُّ ِا لً ذلن<br />
دون شن، فتطلّعتُ إلى السماء مبتسماً فرحاً. ٌمكنن أن تضحن<br />
كما تشاء ٌا زٌاد، وسٌسرّ نً ذلن. عدّنً واهماً لكن تؤكّد ٌا<br />
عزٌزي أنً لم أعد أفرق بٌن الوهم وما تراه العٌن دون<br />
"رُ توش" المهم أٌّها الحبٌب أنها التربت كثٌراً منً. لكن فً<br />
تلن اللحظات أطل الشٌطان لاببل: اسؤلها أٌها الراهب إن كانت<br />
تمبل أن تصبح خلٌلتً وأعدها أالّ أجعلها تخدم نسابً، وال<br />
أسمح ألٌّة واحدة منهنَّ بمسها فً ؼٌابً. إنً أٌّها الراهب<br />
أشتهً جسدها المجنون. للت فً للبً: هٌا ام ِض أٌها الكلب<br />
ٖ99
المسعور واترن إنسانٌتنا تتماحن، ودعنً أرى المرمر<br />
المستور فمد رأٌت ؼٌر المستور. إن عنمها ٌمجّد الخالك كل<br />
لحظة، هٌا اذهب وؼب عن ناظري أٌها المرذول فٌديّ خٌر من<br />
مسح عنمها ووجهها فً هذا الحر ؼٌر المنصؾ لً ولها.<br />
تمدّمت إلٌها موشوشاً بعد أن الحظ ُت أن الرجل الذي تجرّ ه كان<br />
نابماً أو مٌّتاً. للت لها: نحن االثنان عشمنا الوصال مع بعضنا<br />
بعضاً ونعرؾ أٌضا أن النظرات ال تنفع شٌباً بل تزٌد األمر<br />
اشتعاالً خذي هذا الزوج المتهالن وتعاال اسكنا لربنا فً إحدى<br />
الضٌع المرٌبة من دٌرنا الجمٌل، والنعٌه أن الهواء هنان<br />
سٌجعله شاباً ٌمتحم الوؼى دون خوؾ أو وجل فوعدتنً خٌراً.<br />
بعد أسبوع من هذا اللماء العابر دعٌتُ لجنازة زوجها الفاحش<br />
الثراء. وبعد انتهاء الحداد الذي دام ثبلثة أٌّام. دعتنً للعشاء<br />
فً بٌتها الذي ال ٌوجد له مثٌبلً فً تلن األصماع.<br />
7ٕ<br />
تؤخّرتُ فً الوصول إلى منزل زهرة حتى العاشرة والنصؾ<br />
لٌبلً. كانت تؽلً من الؽضب، وتتمشّى فً الصالون بعصبٌّة<br />
جٌبة وذهاباً. كان ٌظهر ذلن من خبلل الفرجات التً تتركها<br />
الستابر. ذكّرنً ذلن بطفولتً، فبوساطتها تدرّ ج الشبك فً<br />
داخلً وتدرّ جتُ فٌه بٌسر حتى ولجتُ مراهمتً وأوّ ل مهبل فً<br />
حٌاتً. كان ؼضب المرأة ٌثٌرنً وٌحفزّ نً. كنت أتعامل معه<br />
فً كلّ مرّ ة بطرٌمة مختلفة، فاتّخذت فً هذا الٌوم وضعٌّة<br />
الساخر ؼٌر المبالً، وكً أكون صادلاً ألول: إنً كنت ؼٌر<br />
ٗٓٓ
مبالٍ فعبلً، ولد صمّمتُ فٌما لو أخرجت ولاحتها ان أستدٌر<br />
وأصفك الباب ورابً بشدّة متمنٌّاً أن ٌتحطّم وأسمع صوت<br />
أجزابه تمع على األرض. هذا ما كنت أفكر فٌه وأنا أصعد تلن<br />
الدرجات الملٌلة التً توصلنً إلى الباب. فتحته دون أن أنمر<br />
تلن النمرات المتفك علٌها. لكنً فً هذا المضمار كنت أملن<br />
فطرٌّاً سرعة االحتشاد والمبادرة للمبض على السلطة بحزم ال<br />
ٌمبل المنالشة أما إذا لم أحمّك النجاح، فؤعتمد الخطّة "ب "وهً<br />
تمضً بالتجهّم واالستنكار الشدٌد، المستعد لئلطاحة بما حوله،<br />
ثمّ المبادرة إلى تحطٌم إناء أو إنابٌن من الزجاج العادي بعنؾ<br />
ٌعبّر عن االنفعال الشدٌد، الذي ٌوحً بؤنه سبم طرٌمة فهم<br />
المرأة البدابٌّة لِما ٌجري حولها، وهو سٌباشر دون تردّد إلى<br />
تحطٌم كلّ خزانة "الصمدٌّات" الفخمة المرٌبة منه، التً تحوي<br />
أعتك أوانً الكرٌستال المطبوخ فً "فٌنّا" التً تش ّع بالجمال<br />
واألسرار. أعتمد أنه لم ٌبك من المشهد سوى االستدارة شبه<br />
العسكرٌّة والخروج من المكان، وعدم االلتفات إلى صراخ<br />
االستنكار تارة أو االستنجاد باالعتذار تارة أخرى. هكذا<br />
وبتصمٌم شدٌد ٌُرسل اإلٌحاء رسالة تمول: إنه من العبث<br />
محاولة الولوؾ فً وجه مثل هكذا إنسان، طالما ٌحمٌه منطك<br />
ٌمول: "إن مصلحة المرأة أ ّال ٌمنحها الرجل أٌّة فرصة<br />
لبلنتصار"، متحدٌّاً مكرَ ها الشدٌد فً محاولة إخفاء ما تبٌّته من<br />
نٌّات.<br />
تمدّمتُ بسرعة وعٌناي مثبّتتان فً عٌنٌها، تاركاً شبح<br />
ابتسامة مرسوماً بٌن شفتًَّ تحوي ظ<strong>بلا</strong>لً من االستخفاؾ،<br />
متناوالً بكلتا ٌديَّ رأسها كلّه وشعرها األشمر المتمرّ د ومُؽرلاً<br />
شفتٌها بلعابً. أخذت الولت الكافً حتى استسلمت هً وكلّ<br />
ٗٓٔ
العضبلت التً استدعتها للولوؾ فً وجه هذا االؼتصاب<br />
السلمً، مدركة أن لٌس علٌها محاولة التلفّظ أو التصرّ ؾ بؤٌَّة<br />
حمالة.عندما تولفتُ عن االسترسال فً هذا المشهد لبل أن<br />
ٌصبح ممجوجاً وسخٌفاً. رفعتُ أصبعً فً وجهها مهدّداً<br />
ولاببلً: ال شًء ٌتمدم على الوطن. إن ما أخطّط له سٌحدّد<br />
مصٌر شعبنا أمام زحؾ الصهاٌنة والوحوش الذٌن ٌستطٌبون<br />
أكل اللحم النٌّا. فً تلن اللحظة شعرت ببعض الكآبة التً لم<br />
أستطع االعتٌاد علٌها، فطلبتُ من ربًّ أن ٌمنحنً عودة فكرٌّة<br />
إلى أٌام الشباب ألستمدّ بعض الموّ ة التً كانت فً أوجها.<br />
وأتذ ّكر تلن األٌّام لعلّنً أستعٌد نزواتً التً نسٌت الكثٌر منها.<br />
ولم ٌكن ٌستعصً علً تروٌض أمثال تلن المرأة كتحمٌة لبل<br />
الدخول إلى الحلبة ألخضع تلن األحصنة التً تحاول التمرّ د<br />
ورفض اإلخضاع، للت فً نفسً: لمَ تفعل ذلن؟! ترى هل<br />
بعضها ٌتمتّع بخصال اإلنسان وتمتلا مثله بالكرامة والعنفوان،<br />
وترفض بشدّة أن ٌمتطٌها أحد؟! اسمعً ماذا سؤلول: من بٌن<br />
خمسٌن حصاناً لم ٌستطع وال واحد منهم أن ٌولعنً أرضاً. هل<br />
فهمتِ ما للت تماماً؟!ال ولت لديّ لمحاولة إصبلح عمل أحد.<br />
خاصة معكنّ أنتنّ النساء. لمد سلّمتً كٌانً كلّه منذ اللحظة<br />
األولى ملٌباً باإلٌمان إلى الثورة، ضدّ الؽزاة المؽول الجدد<br />
المتوحّشٌن. الربّ وحده ٌعرؾ كم أممت إرالة الدماء، ال أدري<br />
ما ٌحدث لشباب هذه األٌام ٌبدو أن األفبلم "األمرٌكٌّة" علّمتهم<br />
باسم الحرٌّة كٌؾ ٌجلسون وٌضعون أحذٌتهم فً وجوه آبابهم.<br />
بتّ ال أفهم ماذا ٌدفع اإلنسان إلى درب سٌحوله إلى حٌوان؟!<br />
ماذا ٌحدث للعمل حتى ٌنخرط فً التوحّش وٌستبدل الحب<br />
بإرالة الدماء؟! شكراً هلل لسماحه لً بالرحٌل من هذه الدنٌا التً<br />
تفوح منها رابحة الؽدر. كانت ابتسامتً باهتة عندما للت لها:<br />
ٕٗٓ
هٌا إلى الفراش ٌا حبٌبتً لنرَ إن كنت سؤتم ًكن من أن أجعلن<br />
تنسٌن ذلن الشٌخ المسكٌن الذي صدّلن، ووضع بٌن ٌدٌن ماله<br />
وثمته بؤن تتمتعً بما تركه بٌن أحضانن بطرٌمة انتمابٌّة خالٌة<br />
من االبتذال ألٌس هذا ما أوصان به أٌضا؟!<br />
طبعاً.<br />
ٖٗٓ<br />
.<br />
لم أعد أرٌد الفراش، دعٌنا نموم بشًء ممٌّز. ماذا لو اخترنا<br />
هذه السجادة العجمٌّة كحلبة للكرّ والفرّ كتحْمٌة لجسدٌنا لبل<br />
االلتحام. إن الحرارة التً تتدفّك فً األجساد عامل أساسًّ فً<br />
إثارة الرؼبة وااللتراب من مبلمسة العري لتحفٌز التٌّار<br />
الكهربً على االستٌماظ، والمستعد دابماً الجتراح األعاجٌب.<br />
هل أنت جاد؟ّ!<br />
لمَ ال؟! إنه تؽٌٌر فً الدٌكور لد ٌضرب الشهوة على لفاها<br />
فتموم من النوم وتجعل الحماسة تؽلً فً الدورة الدموٌّة، فتدفع<br />
بالدم إلى األماكن التً ال ٌندفع إلٌها إالّ عند الطلب، فٌوحً أن<br />
معركة ستندلع لرب النهر تختلؾ عن كلّ المعارن، والمٌام<br />
بدور فٌها واجب إلعادة روح الشباب إلى الطبٌعة برمّتها،<br />
ونمكّن األشجار من االنتصاب بعد ركود وبرود طال بها<br />
الزمن، وسبّبته رابحة الموت التً تفوح من تلن األنهار<br />
المختلطة بدماء األبرٌاء الذٌن استشهدوا وهم ٌدافعون عن<br />
كرامة الوطن الذي مرّ ؼه السفلة فً األوحال وسرلوا الجمال<br />
من حضارته محطمٌن النصب التً ألامها األجداد لتذكٌر<br />
األحفاد لِما علٌهم أن ٌفعلوه لنبمى لبلة الرب إلى هذا العالم
بحٌث سنجعل العودة إلى الحٌاة احتفاالً شعبٌاً تعزؾ فٌه أهم<br />
الفرق الموسٌمٌّة العسكرٌّة، أجمل األناشٌد المحلٌّة والعالمٌّة.<br />
ستشاهدٌننً ٌا زهرة أمتطً حصانً األسود لاطعاً به النهر،<br />
شاهراً سٌفً إرثً الوحٌد من أبً وكلًّ ٌمٌن أنن ستكونٌن<br />
بانتظاري فً الضفّة األخرى.<br />
كما ترٌد. بٌروت كلّها تتحدث كٌؾ جعلت من شبمن ٌبلمس<br />
العبمرٌّة، تكرّ ر سماعً لمثل هذا الكبلم عدة مرّ ات ولم أفهم<br />
شٌباً ممّا ٌعنون.<br />
أذكر أن لدٌنِ الكثٌر من الوسابد، أجلبً ما تستطٌعٌن منها،<br />
على أن تكون متعدّدة األلوان.<br />
<br />
لديَّ الكثٌر منها.<br />
سؤجلبها لن سمعاً وطاعة.<br />
دعٌنً أضعها بالترتٌب الذي أرٌد.<br />
أخذ ٌرتّبها على ذوله الخاص وضحكة عرٌضة ترتسم على<br />
ثؽره. لم ٌعجب زهرة ما ٌفعل الراهب، لكن ٌوسؾ صرخ فً<br />
وجهها لاببل: لمد تعودتُ دابماً أن أفعل ما أرٌد. إذا لم ٌعجبن ما<br />
ٌفعل عشٌمن، هٌا لومً ٌا زهرة واصرخً فً وجهه واطردٌه<br />
نعم اطردٌه وخلصٌنا. هٌا افعلً وإال سؤخرج بنفسً من هذا<br />
البٌت الممرؾ. رمت زهرة نفسها على لدمً الراهب، لكنه<br />
تركها تمبل لدمٌه ولال: هٌا اذهبً واؼتسلً وال تفكّري ٌوماً<br />
فً معارضتً. المرّ ة الممبلة إذا لم أمت وتكرّ ر ما حدث سؤلطع<br />
رأسن بكل تؤكٌد.<br />
ٗٓٗ
افعل ما ترٌد ولكن لل لً هل هً دخلتن األولى؟!<br />
ال إنها دخلتً األخٌرة، تستطٌعٌن أن تسمٌّها وأنتِ متؤكّدة<br />
أنها احتفال بكل حٌاتً الماضٌة التً لم أندم فٌها على أي شًء<br />
فعلته. إنها تحٌّة لكل النساء اللواتً شممتهنَّ بعِفّة لذٌذة سرح<br />
فٌها خٌالً واخذته الرٌح داعٌة إٌاه للفرجة على كلّ الدنٌا، لبل<br />
أن ٌَعمُب ذلن امتشاق الحسام متحسساً به األحشاء. تنهدتُ<br />
حان الولت ٌا زهرة لتتخلًّ عن ثٌابن ببطء. ستكون<br />
رإٌتن وأنت تفعلٌن ذلن متعة مختلفة والتحلٌة األخٌرة التً<br />
سؤتناولها. ألسمً لً ٌا زهرة أنن ستنملٌن كلّ ما ٌمكنن ممّا<br />
للته أثناء عبللتً الحمٌمة معن إلى اآلخرٌن. لولً لهم إن<br />
مإخّرتن كانت تعٌدنً إلى طفولتً، وإنها كانت "صندوق<br />
الفرجة" الذي أملن مفتاحه وحدي. كما أنً أشدد على ما<br />
سؤنطك به اآلن: إنً لبل أن أؼادر هذه الدنٌا السخٌفة أعلن على<br />
المؤل أنً بطرٌمة ما ال أزال راهباً. لولً لهم أٌضاً: إنً عندما<br />
أدخل إلى فراشً أعدّه محرابً وٌعطٌنً بٌن ولت وآخر إشارة<br />
كً أذهب إلى الكنٌسة فً الثالثة صباحاً حٌث أتطهّر هنان<br />
وأُعطً عضوي اللعٌن إجازة روحٌّة تسمح له بالتؤمل واالنفراد<br />
مع نفسه، سؤكون دون شنّ متسامحاً وأعطٌه ما ٌرٌد ألنه كان<br />
دابماً مطٌعاً، ولم ٌعصَ أوامري ٌوماً. أنا لديّ كنٌسة صؽٌرة<br />
فً كل مكان وأستطٌع أن أبنً واحدة فً الصحراء فً ظرؾ<br />
ساعة واحدة. أنا أجسد اآلن فً إحدى تلن الكنابس، وأنظر إلى<br />
المسٌح وهو معلّك على الصلٌب وعٌناي تنهمران بالدموع. ال<br />
أستطٌع المول لكم أٌّها األحبة ما كان ٌجري من حدٌث بٌنً<br />
وبٌنه. لكن شعوراً مؤلنً فً تلن اللحظات ولال لً الرب بؤنه<br />
سٌوشوشنً بشًء ما لبل أن ألفظ أنفاسً أألخٌرة.<br />
ٗٓ٘<br />
وللتُ :
سمعاً وطاعة ٌا رجلً.<br />
لمّا انتهت زهرة من هذا "السترٌبتٌز" الذي أبدعت فً إخراجه،<br />
ولفت ولفة سٌنمابٌّة. وبدأت ترلص على أنؽام "رلصة<br />
الهوانم".اسمحوا لً أن أحكم على رلصها حسب خبرتً<br />
المتواضعة جداً، فؤلول إنه كان رلصاً إبداعٌّاً مختلفاً بعض<br />
الشًء. لكن ما شوّ ه متعتً الفنٌّة، هو انشؽالً بالتطلّع إلى ذلن<br />
الذي ٌبرز من بٌن فخذٌها الملفوفٌن ساخراً منً بوضوح. كؤنه<br />
ٌمول: إنه الوحٌد المدهون بمادة مرمرٌّة ال تخفً الحركة<br />
الداخلًٌة لعضبلت الفخذٌن المثٌرة.<br />
أران مندهشاً ألم ترنً عارٌة من لبل، ثم لماذا كنت تنظر إلى<br />
ذلن المكان باستؽراب شدٌد كؤنن لم تره فً حٌاتن.<br />
لست أدري، فؤلوّ ل مرّ ة أراه هكذا. أعتمد أننا لو التمطنا له<br />
صورة لبرز أكثر وظهر كؤنه ثبلثًّ األبعاد. التربً ٌا حبٌبتً،<br />
فما أن فعلت حتى بطحتها على تلن الوسابد ثم أدرتها بحٌث<br />
نصبح متمابلً الوجهٌن، وشرعت فً تمبٌلها اعتباراً من جبٌنها<br />
وأنفها ومن وراء أذنٌها ثم شفتٌها نزوالً. كان شٌباً رابعاً ملهماً<br />
لً، ربّما لٌس بالضرورة أن ٌُعطً االنشراح نفسه لآلخرٌن.<br />
لكنً لم البث أن شعرتُ بؤنً أنزلك أنا اآلخر حتى أصبح المسم<br />
األكبر من جسدي على األرض، فتولفتُ للٌبلً ونظرتُ إلى<br />
ذلن الجسد الشهً ٌمول دون أن ٌستعمل الكلمات: هٌا الضمنً<br />
من أيّ مكان ٌحلو لن. انظر إلًّ ٌا ٌوسؾ أنا مستعدّة كً<br />
أنصاع إلى ك ّل ما تشتهٌه فً هذه اللٌلة ٌا حبٌبً. كنت فً ذلن<br />
الولت أسٌطر على خصرها ووركٌها. ابتسمتُ ابتسامة<br />
ٗٓٙ
عرٌضة، وشكرتُ هللا على هذه الوجبة الشهٌّة لبل أن ٌرفعنً<br />
إلٌه. نظرتُ إلى السماء وسارعتُ إلى خفض رأسً، وأخذتُ ما<br />
بٌن فخذٌها وؼصتُ فً تلن الفتحة بحثاً عن آللا نادرة،<br />
تتكون من ألوان مختلفة. ال ٌمكن أن تخرج إالّ عندما ٌجذبها<br />
نوع معٌن من اللعاب، ٌحوي على مواد دبمة، وال ٌوجد إالّ عند<br />
الخاصة.<br />
دعونا نعود إلى ذلن البحّار الذي ال ٌزال ٌؽوص بحثاً عن<br />
الآللا ونرى ماذا جرى، وإذا ما كان لد نجح فً اصطٌاد<br />
النفٌس منها؟! كانت المرأة تتلوّ ى وتتؤوه وتتصبب عرلاً، وهً<br />
منكبّة على لحس عرلها بلذة ؼرٌبة ال أعتمد أن من الممكن<br />
فهمها لط، كؤن هنان من ٌمبع متخفٌّاً ٌصبّ بعض النبٌذ الفاخر<br />
بٌن ثدٌٌها آخذاً طرٌمه إلى حٌث ٌتجمع فً صرّ تها. من هنان<br />
ٌؤخذ الراهب بعضه وٌؽسل به ما بٌن فخذٌها وٌعود إلى<br />
الؽوص بحثاً عن الآللا. ثمَّ ما لبثت أن بدأت تنتفض بشدة بما<br />
ٌشبه بعض أشكال الموت عندما ٌؤتً. لكن الخبٌر فً<br />
المضاجعة كان مطمبنّاً تماماً لِما ٌجري. ما أؼربن أٌها اإلنسان<br />
وكم أن أنان ممزّ زة أحٌاناً.<br />
تمدّد ذلن المضاجع فً مكانه. فمد شعر بؤنه بحاجة إلى بضع<br />
دلابك للراحة. كانت تلن الدلابك التً مرّ ت مُحبطة وتفتح<br />
الطرٌك لتسلل بعض الرؼبات إلى كٌانن، مطالبة باالكتفاء بما<br />
جرى. لكنه رؼم إدراكه أن ك ّل ما مرَّ من أحاسٌس أثناء<br />
المماحكة التً جرت فً هذه اللٌلة لد اختبره كثٌراً سابماً، لكنه<br />
كان ال ٌزال ٌؤمل فً مشاعر جدٌدة لبل أن ٌسلّم روحه لمن<br />
أعطاها له. هكذا ألبل من جدٌد كؤنه ٌمول: الشبع ما زال بعٌداً،<br />
ٗٓ7
والرؼبة فً كٌانً ال تزال تصرخ هٌا ال تجعل ظنً ب ِن ٌخٌب<br />
تابعً، فهذه اللٌلة هً لٌلتن األخٌرة، هٌا أكمل ما بدأته،<br />
فاالحتفال مطروب وٌزداد اشتعاالً وهو ٌنتج عسبلً مختلفاً فً<br />
النصؾ الثانً من الطرٌك إلى النهاٌة. ربّما كان السبب فً<br />
ازدٌاد زحام مشاعره فً تلن اللحظات تلمٌّه وشوشة تمول: هٌا<br />
اؼرؾ فلم ٌبك لن فً هذه الدنٌا سوى الملٌل. طرد الراهب تلن<br />
األفكار والتفت إلى تلن المستلمٌة البلهثة لربه وهو ٌداعب<br />
ثدٌٌها ولال: أما زلت تعبة حماً؟! الحب ما زال عطشاناً.<br />
إنً على ما ٌرام. لكنً رؼم عدم اكتفابً، لم أرد أن أضؽط<br />
علٌن، فؤنا أعرؾ كم تستهلن من طالة ٌومٌاً إضافة إلى<br />
واجباتن فً كلّ المرى المجاورة وسهرن على حماٌة أرزاق<br />
اآلخرٌن، من هذا األتون الشرس الذي تدفعه الموى الؽاشمة<br />
لتحرق فً طرٌمها األخضر والٌابس، ومن ٌعملون منهما ستاراً<br />
ٌخفٌهم عن العٌون، إلى أن تؤتً الفرصة المناسبة لبلنمضاض.<br />
وإرجاع الببلد إلى عهد الممالٌن.<br />
من أٌن تعلّمتِ هذا الكبلم؟! إنه لن ٌُفٌدنِ بشًء. سؤعطٌن ما<br />
سٌبمى طعمه تحت لسانن، فتتذكرٌننً وتعضٌّن لسانن وهذا لن<br />
ٌضٌؾ إلى ما تعرفٌنه شٌباً أٌضاً، اذهبً واحرلً البخور من<br />
أجل أن ٌؽفر لً الرب زالّ تً الكثٌرة. ثم وبدون إنذار استدار<br />
وامتطاها مسرجاً السرج جٌّداً ولابضاً على الزمام دون أن<br />
ٌترن فرصة أليّ إؼراء داخلً أو خارجً كً ٌدفعه أن ٌدعها<br />
تُفلت من بٌن ٌدٌه. فً البداٌة لم تمل شٌباً، بل صدر عنها بضع<br />
تؤوّ هات وبعض الحركات َكم ْن ٌؽري الشرٌن بؤكل الطعم كلّه<br />
وٌزٌد من حصاره فً موضعه. بورن له استبثاره بالطٌّبات.<br />
ٗٓ8
مرّ ت لحظة سكون إلى أن صرخت وحاولت التفلّت للٌبلً لتنهش<br />
شرٌكها وتداعبه بخشونة، لكن زهرة جُنَّ جُنونها إذ إنها لم<br />
تستطع، أن تفعل شٌباً من شدة إحكام ربطها به: لكنها عاودت<br />
الصراخ ولالت: هٌا اعصرنً وشدّ وثالً إلٌن ثم انطلك وأنت<br />
متّحد بً. فعل ما لد علّمها إٌّاه سنٌن طوٌلة، لكن هذا الذي له<br />
باع عمٌك فً الجسد اإلنسانً، لام بمرصها لبل أن تمول شٌباً<br />
آخر فً ؼٌر المكان الذي اعتادت علٌه فصرخت لابلة: أٌها<br />
المجنون الذي لم أر مثله فً حٌاتً، أنت تركب على حصان<br />
جُن للتو ولم ٌبك لدٌه متّسع ألي شًء فاحذر. إذ إنً سؤطٌر بن<br />
إلى كلّ المدابن، وأنخفض بن للٌبلً عندما أمرُّ بؤيّ ماخور لعلن<br />
اشتمت إلى تلن الروابح المختلفة عمّا اعتدت علٌه. لكنً لن<br />
أدعن تحلّ وثالً فالمرء ال ٌظلّ متٌمّظاً دابماً فمد ربطُّتن بً<br />
دون أن تشعر إذ إنً لم أعد تلن الؽشٌمة التً كنت تعرفها.<br />
ال بؤس، لكنً أرؼب أن تفردي جناحٌن أكثر وتدعٌهما<br />
ٌحلّ ِمان بنا نحو األفك نفسً تتوق لرإٌة تلن األلوان التً ال<br />
تستطٌع العٌون مبلحمتها وهً تؽٌّر ثٌابها وترتدي أخرى تثٌر<br />
الجنون فً الؽٌوم، عند تلن اللحظة أبؽً الوصول إلى الذروة.<br />
آه ما أحلى جنون الؽٌوم ٌا رب. كٌؾ لً أن أعرؾ ما أشتهً<br />
ٌا إلهً أرٌد أن أكون لادراً على تمٌٌز األلوان التً اشتركت<br />
فً صٌاؼتها وبدت للذي تلحّ عٌناه على االلتراب منها، إن<br />
كلمة روعة ال تكفً للتعبٌر عن عجز تلن المشاعر عن<br />
اإلفصاح عن نفسها شاكٌة من نمصٍ ربّما فً المفردات التً<br />
تثٌرها تلن التفاصٌل وتلحّ فً طلبها. إنها هً نفسها التً تصنع<br />
هذا اإلعجاز كلّ ٌوم. لٌس لديَّ الولت ٌا زهرة إلٌجاد كلمات<br />
تفً بالؽرض، فؤنا ؼٌر آبه بالذٌن ٌؽطوّ ن فً النوم.<br />
ٗٓ9<br />
.
لمد أسكرتنً ٌا ٌوسؾ، ال تنس أننً جدٌدة على الجنون<br />
والجنوح، ما زلت ذلن الحصان المبتدئ المعتدّ بنفسه، لكنه ال<br />
ٌعرؾ ممدار براءته التً لد تودي بن وبً.<br />
لم أضحن هكذا فً حٌاتً ٌا زٌاد. لست أدري كٌؾ جرإت<br />
على لول مثل ذلن الكبلم ببساطة عجٌبة. لكنً عندما تولّف ُت<br />
عن الضحن، أتبعت ذلن بمبلمستها فً األمكنة الحساسة وللت:<br />
لمَ ال تستجٌبٌن أتخافٌن من شًء ال أعرفه، أو إن األمر لم ٌرق<br />
لن؟!<br />
لٌس األمر كما تفكّر، إنً دخلتُ فً إنهان لم أصادؾ مثله<br />
لببلً، لذلن ال أستطٌع أن أفعل ذلن، فسؤكون مسإولة عمّا<br />
سٌحدث. إذ إنً ربّما أحمل ابنن.<br />
ماذا تمولٌن هل جُنِن ِت، لولً لً بسرعة إنن تكذبٌن وال<br />
تزالٌن تشتهٌننً وتفضّلٌن أن تموتً لربً؟! أما مسؤلة الحبل<br />
وما ٌتلوها فبل تدعً لسانن ٌمترب منها.<br />
ماذا أفعل إن كنت ال تمبل إالّ أن تُفرغ فًّ كلّ شًء دابماً، وال<br />
تترن شٌباً فً الماع إالّ وتلوّ ثه؟!<br />
لمَ لم تفعلً شٌباً، هل كنتِ تظنٌّن أن األمر سٌجري كما<br />
تشتهٌن وألبل أن تكونً والدة ولدي؟!أنا ال ٌمكننً أن أسمح<br />
ألحد أن ٌمول فً مجمع: انظروا ها لد جاء ابن المحبة.اسمعً<br />
جٌّداً كلّ كلمة ممّا سؤلول: وإ ّال سٌكون رأسن ثمناً أليَّ ؼلطة لد<br />
تمترفٌنها. ستسلّمٌنه فور والدته إلى الدكتور "زٌاد" وإالّ<br />
ٗٔٓ
ستمبرٌن دون رأس فهنان فرلة كاملة فٌها الكثٌر من دمحم وأحمد<br />
ومصطفى وعبد المادر وأمثالهم، سٌفعلون ما سؤوصٌهم به<br />
بطٌبة خاطر. حاذري أن تخطبً وتفكّري كما ذلن الذي ٌظنُّ<br />
أنه الشاطر. هٌا اذهبً واؼتسلً، وسٌكون االؼتسال األخٌر.<br />
لكنها وهً تؽادر لالت لنفسها: ترى لماذا لم ٌسؤل ماذا لو كان<br />
الولٌد بنتاً؟!عندما عادت بدت كؤنها لٌست على ما ٌرام. نظر<br />
إلٌها ٌوسؾ طوٌبلً ولال: اجلسً، ماذا بن، لمَ تتنفسٌن بهذه<br />
الطرٌمة؟!<br />
ال تخش شٌباً. سؤعود إلى طبٌعتً بعد دلابك للٌلة، لمد انهكتنً<br />
ٌا رجل. ترى من أعطان هذه الموّ ة اللعٌنة؟! دعنا من هذا<br />
الحدٌث ولل لً: لمَ تحتمر النساء فً أعمالن وممَّ تشتكً؟!<br />
أنا لم أحتمر أ ّي بشري حتى انتهكت ببلدي تلن العصابات<br />
المستوردة من الخارج التً سعت إلى إلحاق األذى بوطنً إنها<br />
تملن السبلح المتطور وتنتمً إلى جنسٌّات مختلفة أوروبٌّة<br />
وآسٌوٌّة ترى ما هً الجهّة أو الجهّات التً تشترٌهم بؽٌة لتلنا<br />
أو تهجٌرنا من بٌوتنا. إذ إن إفراغ البلد من سكانه وسرلة<br />
كنوزه لد ٌكون هدفاً أهم من المتل، نعم إن هإالء المرتزلة بشر<br />
أنتجتهم بٌبة حمٌرة ال تعرؾ للوجدان مكاناً فً كٌانها. ألول لهم<br />
ستندحرون كما اندحر ؼٌركم.<br />
السٌاسة<br />
لم تجلب لنا سوى الخراب.لل لً ألم أمتّعن؟!<br />
هل ترٌدٌن الحمٌمة حمّاً.<br />
ٗٔٔ
وهل لديَّ الخٌار؟!<br />
عندي اعتراؾ سؤفضً به أمامن.أنا عادةً أممتُ أن أفعل ذلن.<br />
لمد سبمتُ ٌا امرأة من تكرار الدخول فً ذلن النفك المظلم،<br />
وكنتُ أدرن فً كلّ مرة ألوم بذلن أنه ٌتسع باستمرار، مهما<br />
كانت جمٌلة التً تملكه. حتى أن عضوي بدأ ٌشكو من البرد<br />
وهو ٌؽوص هنان عكس ما كان ٌؤمل.<br />
اذهب من هنا ٌا عدٌم اإلحساس والحٌاء، وال تدعنً أران<br />
مطلماً.<br />
سؤفعل ما ترٌدٌن بكل الرضى الذي أحمله فً كٌانً. أنا<br />
الترب من الموت ٌا"زهرة". لوافل من الناس ستساق إلى الذبح<br />
لبل األوان. أما أنا ٌا صاحبة الجسد المدمر الذي ٌؤخذ كلّ من<br />
ٌراه إلى الخطٌبة، كٌانً كلّه ٌرلص بانتظار أن ٌمنحنً الربّ<br />
أن أكون أول المستشهدٌن، ولد وعدنً أن ٌؽفر لكلّ الذٌن<br />
أخذتهم معً إلى الخطٌبة وهم ال ٌدرون، وأن تصعد روحً<br />
على الفور إلى من أطلمها فً هذا العالم، وهً ترفرؾ<br />
كالعصافٌر. فً ذلن الٌوم ٌا ٌوسؾ الحبٌب لن أدع طٌراً<br />
ٌصاب بجرحٍ، ولن أسمح لطٌر أن ٌعلك بؽصن مدهون بالدبك.<br />
انا لم أفكّر بالحمامة ٌا "زٌاد"، إذ إنً على ما ٌبدو ال أستحمّها.<br />
لكنً لبل أن أستؤهل ذلن كلّه، علًَّ أن أصل إلى ذلن العمٌد<br />
الذي ٌحرس "عضمة ؼولدا مابٌر" أنا لن أعطٌه متعة عدم<br />
إكمال تلن العملٌّة، ستهتز أعمدة الهٌكل فً إسرابٌل من جدٌد.<br />
ها هً أرض فلسطٌن تنذر بنً إسرابٌل بؤنها ستطردهم إلى<br />
حٌث تسمح لهم بالعودة إلى حالة التشرد ألنهم لم ٌتعلّموا من<br />
ٕٗٔ
التارٌخ وعاثوا فً الدنٌا فساداً. دعنِ من الؽضب ٌا "زهرة"،<br />
فؤنت تعرفٌننً جٌداً، وتدركٌن أن المزاح الزنخ الذي ٌعمّنً<br />
وال ٌزال لابضاً على "هورموناتً" كلّها، ما هو سوى لرع<br />
للطبول ٌسبك االحتفال بالتعرّ ي، ٌعمبه تؽٌّر المشاهد والدخول<br />
إلى طمس جدٌد تماماً، ٌعبر عنه مسرح كبٌر ٌتوسّطه فراش<br />
واسع مرحّب ؼنً "بالزركشات" المنمنمة كؤنها زؼارٌد تهلّل<br />
لبدء االلتحام والدم المتدفك عندما تصبح األنثى امرأة. لولً لك ّل<br />
الناس إن كنت لد أسمطّتُ شٌباً ممّا كنت أفعله لبل كلّ احتفال<br />
بلٌلة الدخلة. أرجونِ ٌا "زهرة" أالّ تنسً ألوالً األخٌرة فهً<br />
كلّ ما لديَّ ألنثره فً هذا العالم الذي عبثتُ به وعبث بً. اآلن<br />
سؤترن كلّ هذا المجون والجنون الذي مارسته، وتكونٌن مطٌعة<br />
للتارٌخ الذي شاركنا فً كتابته معاً، وتذهبٌن إلى أرض<br />
المعركة عندما تبدأ رابحة الموت ممزوجة برابحة الدخّان<br />
الممٌت. اذهبً إلى هنان واحضنً جثّتً التً ٌمكن أن تكون لد<br />
اخترلتها رصاصات كثٌرة أو مزلها صاروخ وحوّ لها إلى<br />
أشبلء. إذا استعملوا الصاروخ لملمً تلن األشبلء واؼسلٌها من<br />
الدماء المذرة، ودعٌها تحترق أمامن لبل أن تمطر. ثمَّ انثري ما<br />
تبمّى منً فً البحر وهو سٌدبّر لها مسكناً مبلبماً فً الماع. إن<br />
السماء لالت لً أنها ستمطر بعد أن تصل روحً إلى ربّها.<br />
أُذكري هذا ٌا زهرة وزوري البلذلٌة وصلًّ عن روحً فً<br />
كنٌسة السٌدة أمام تلن األٌمونات الرابعة. إذا فعلت كل ذلن<br />
ستفاجبٌن عندما سترٌن ابتسامتً ملٌبة بالفرح. أرجون ٌا<br />
"زهرة" افعلً ما طلبته بدلّة، فؤنا ذاهب إلى الدٌار.<br />
أنا ال أعرؾ مكاناً تلجؤ إلٌه، عن أٌة دٌار تتحدث؟!<br />
ٖٗٔ
لمد استدعانً هللا إلٌه.هل ٌمكن لً أن أجد دٌاراً أفضل؟!<br />
سؤذكرن ٌا "زهرة" هنان. أتدركٌن أنً لم أحب ٌوماً الضوء<br />
فً هذه الدنٌا؟ّ! كان ٌجعل عٌنًّ تحتمنان كؤنّهما ستنفجران<br />
وتطٌحان بما كنت أستمدّ منهما نصؾ لوّ تً التً تعطٌنً<br />
السٌطرة على أٌّة مضاجعة كنت ألوم بها. سؤفكر فٌنِ حٌث<br />
سٌمول الضوء لنفسه أنا البهاء، أنا النور المختلؾ الذي ٌؽٌر<br />
ألوانه كما تشاء ودون أن تشعر به. لكنن فً العمك لٌس لدٌن<br />
رؼبة فً أن تراه ٌؤتٌن من خارج نفسن. اؼفري لً ٌا<br />
"زهرة"، فؤنت تمثّلٌن بعض اللواتً رؼم شؽفهنَّ بً، لم<br />
ٌتحملنَ أو ٌمبلن جنونً وجنوحً وال ما ٌفاجبنً من رؼباتً.<br />
صلًّ من أجلً فربَّما ٌمبل هللا صبلتن أنتِ بالذات. لست أدري<br />
لمَ أنا مولن ٌا عزٌزتً أن ذلن الٌوم سٌؤتً، حٌث ستصبحٌن<br />
أنتِ ومرٌم المجدلٌة صدٌمتٌن، دون أن تستطٌع نٌران الؽٌرة<br />
أن تشتعل بٌنكما، أو تؽتبط الشٌاطٌن التً ٌدفعها ؼلٌان شؽفها<br />
إلى االصطٌاد فً الماء العكر، مفترضة أن ما ٌحدث على<br />
األرض ال بدّ أن ٌنتمل إلى السماء.<br />
ال تذهب ٌا ٌوسؾ أرجون فالصباح رباح. ربّما ستجد فً<br />
الؽد وجهاً صبوحاً آخر. ٌفتح لن نافذة تطلّ على آفاق أخرى<br />
أكثر روعة.<br />
ابتسم الراهب ابتسامة اشترن كلّ كٌانه فً رسمها على<br />
ثؽره ولال: أنتِ ال تعرفٌن ما ٌجري فً داخلً منذ زمن كاؾ<br />
كً ٌدمّرنً. لمد انتظرت هذه اللحظات طوٌبلً حتى خِ لتها أكثر<br />
من دهر سٌستمر فً الدوران بً ولن ٌنتهً. هل ترٌدٌن أن<br />
أخذل السماء بعد أن لبلت استجارتً؟! كلّ اإلشارات التً<br />
ٗٔٗ
ألتمطها تإكّد لً ٌا زهرة أن معركتً ستنتهً خبلل ٌومٌن أو<br />
ثبلثة. إنه ولت ال نستطٌع أن نعتبره شٌباً ٌُذكر. لكن الحماسة<br />
تكاد أن تخنمنً، وأشعر أن وزنً ٌخؾ. أنا لستُ مُ ِعداً ألصلح<br />
للطٌران، وال كً تجرفنً العواطؾ. لولً لها: إنها ال تستطٌع<br />
اجتٌاحً بكلّ بساطة. أنا لستُ مجبوالً كً أصٌر حالماً. ربّما<br />
سؤكون كذلن فً السماء، ولكن لن ٌصحَّ ذلن لبل أن أنهً<br />
مهمتً األخٌرة وألتل ذلن العمٌد ورفاله، وآخذ "العضمة"<br />
رؼماً عنهم. التارٌخ مهما حاول ال ٌستطٌع أن ٌلتمط كلّ شًء<br />
ٌحدث فً هذا العالم. احداث صؽٌرة هنا وهنان لد تعطً<br />
دروساً أهم ممّا كتب فً كل صفحات التارٌخ. ترى من هً<br />
مرٌم العذراء؟! إنها امرأة بسٌطة وجلة ولدت طفبلً فً مكان<br />
مخصّص للحٌوانات. لستُ أدري كٌؾ استطاعت أن تصنع من<br />
المش مذوداً أو فراشاً البنها. لو لم ٌكن هو المنتظر، ترى هل<br />
كان سٌجد له مكاناً خاصاً جداً فً صفحات التارٌخ هذا<br />
الهارب المطلوب للذبح آلنه ٌشكل تهدٌداً للمجتمع الٌهودي<br />
آنذان.<br />
8ٕ<br />
"تسٌبنً لٌفنً" إحدى وزراء الخارجٌة اإلسرابٌلٌّة فً<br />
عهدي بنٌامٌن نتِنٌاهو وأربٌل شارون. رفضت أن ٌطلك علٌها<br />
اسم "ؼولدا مابٌر" الثانٌة ولالت: أنا "تسٌبنً لٌفنً" األولى.<br />
ولدت لٌفنً فً تل أبٌب سنة 9٘8ٔ.عندما كانت شابة انضمّت<br />
إلى حركة "بتار" الٌمٌنٌّة المتطرّ فة، وشاركت فً المظاهرات<br />
التً لامت ضد اتّفالٌّة فن االشتبان بٌن إسرابٌل وكل من مصر<br />
ٗٔ٘
وسورٌا. كان "كسٌنجر" وزٌر خارجٌة الوالٌات المتحدة<br />
األمرٌكٌة مهندس هذا االتّفاق. عملت لٌفنً مع الموساد<br />
اإلسرابٌلً إلٌماع شخصٌّات مهمّة فً لضاٌا جنسٌّة لذرة. كما<br />
عملت خادمة تحت اسم مستعار فً بٌت عالم ذرّ ة عرالً،<br />
ولامت باؼتٌاله بالسم فً فرنسا. استطاعت لٌفنً ولؾ<br />
مبلحمتها بعد أن نجح اللوبً اإلسرابٌلً فً فرنسا تدبٌر األمر.<br />
أكملت لٌفنً دراستها للحموق وأصبحت محامٌة مستملّة. ث َّم فً<br />
عام8ٖ تزوجت من المحامً السٌاسً "نفالً سٌستر" أصبح<br />
لدٌها ابنان )عمري وبوال( تمكّنت بسرعة من الصعود على<br />
سلّم السٌاسة بمساعدة الثمة التً منحها إٌّاها أربٌل شارون<br />
اعتباراً من سنة وفً عامٕٔٓٓ عٌُّنت وزٌرة فً الحكومة<br />
التاسعة والعشرٌن، تمّ فً حكومة الثبلثٌن أسندت إلٌها وزارة<br />
الخارجٌّة.<br />
9ٙ<br />
نادانً كبٌر الرفاق الوطنٌٌن الذٌن ساعدونً فً لتل الضباط<br />
الذٌن كانوا ٌحرسون "عضمة ؼولدا مابٌر. ولال: الرأ ٌا<br />
ٌوسؾ هذه النبذة عن حٌاة الوزٌرة تسٌبنً لٌفنً. مخطط<br />
منزلها واسم الشارع ورلم البٌت موجود معنا هل تستطٌع لتلها<br />
باالشتران مع موسى؟! نحن لن نستطٌع أن ندع موسى ٌشترن<br />
معن مباشرة فً لتلها إذ إننا بهذا نكشؾ كل منظمتنا، وسٌإول<br />
مصٌرنا إلى التشتّت والضٌاع. إنه سٌساعدن من بعٌد ولن<br />
ٌدعن تبتعد عن هدفن.<br />
أنا جاهز. لكن ما ٌزعجنً<br />
سؤنجح فً ذلن.<br />
أنً سؤلتل امرأة. ال أعتمد أنً<br />
ٗٔٙ
كبٌر الرفاق هل ٌخٌفن ذلن؟!<br />
حاشا، دعنً أظن أنن تمازحنً، وأوضح لن أنً لم ألم فً<br />
حٌاتً بؤي عمل إالّ بعد التؤكّد أن أعمالً راضٌة عمّا أنوي<br />
فعله. إنها تشتعل وهً تمول لً: مبارن أنت فً األرض<br />
والسماء. صدلونً أنا مفتمر للحماسة ومن دونها ال أصلح<br />
لشًء. المرأة لٌست للمتل بل للمضاجعة، إنها مسكٌنتً<br />
وعشٌمتً وحبٌبتً. أنا مستعد للموت منذ زمن بعٌد، بل كنت<br />
أشتهٌه وال أزال، لكن لن أرمً نفسً للموت عن طرٌك امرأة.<br />
جرى إطبلق للنار من مسدّسٌن فً الولت نفسه، أحدهما كان<br />
لموسى واآلخر لكبٌر الموم، فسمط االثنان لتٌلٌن. لكن األمر لم<br />
ٌنتهِ، إذ فور إطبلق النار كان أحد الوطنٌٌّن الٌهود لد أصبح<br />
جاهزاً إلطبلق النار ففعل وأصاب ٌوسؾ فً ممتل. البالون<br />
زحفوا لٌروا كٌؾ ٌسلم الراهب ٌوسؾ روحه فوجدوه ٌبتسم<br />
بانشراح ؼرٌب ٌعلن الموت كما لو كان ٌمضم لالباً من<br />
الشوكوال الجٌدة. جلس االثنان المتبمٌّان متمابلٌن حٌرانٌن ال<br />
ٌعرفان ماذا ٌفعبلن. لكنهما لرّ را فً النهاٌة أن ٌتركا هذا<br />
المكان وٌختفٌان عاماً كامبلً على ألل تمدٌر. عندما ابتعدا<br />
والتربا من الطرٌك العام لال الذي لتل ٌوسؾ: لمد كنتُ ؼبٌاً<br />
لمّا نفذّتُ أمر الكبٌر. إن ٌوسؾ ما كان لٌإذٌنا، بل كان<br />
سٌرشدنا إلى مخرج ما، إنه سرٌع الفهم وٌعرؾ متى ٌلتمط<br />
زمام المبادرة.<br />
ٗٔ7
إن ما تموله صحٌح، لكن الولت ال ٌنتظر أحداً، فلٌرحمه<br />
الرب. أظن أن علٌنا االنفصال واالختفاء، فهذا أفضل لنا<br />
وللمنظمة.<br />
حسناً، لنفترق من هنا. لبّبل بعضهما بعضاً وؼاصا فً الظبلم<br />
وهما ٌتباعدان.<br />
الذي لتل ٌوسؾ هو من كتب األسطر التً تروي ماذا حدث<br />
بعد ممتله. . أظن أنً سؤلد بعد ثبلثة شهور.<br />
زهرة<br />
ٗٔ8<br />
(<br />
<br />
أنا ال أعرؾ من أٌن أتٌت بهذه األُلصوصة؟! ربّما كانت<br />
حلماً جرى فً اللٌل والنهار، تركّب فً ذهنً بعد تكرّ رت<br />
حوادثها وتداخلها مع بعضها بعضاً مرّ ات عدٌدة لستُ أدري؟!<br />
لكن ما أذكره تماماً أنها نشرت الملك فً كٌانً بعض الولت. إذ<br />
إن تواجدها فً داخلً استمر طوٌبلً مع بعض االنمطاعات،<br />
حتى ظنن ُت أننً ربّما كنت عبد الحمٌد فً حٌاة أخرى، ابتسمت<br />
كثٌراً لهذا االحتمال،( دعكم من هذا، وألرإوها علّكم تجدون<br />
تشابها ما مع بعض ما كتبته عن لصّة حٌاتً، أو لنرى ماذا<br />
سٌمول الراهب ٌوسؾ حول هذا الموضوع إذا أتٌح له أن ٌمرأ<br />
ما كتب عنه.<br />
9ٕ
9ٕ<br />
عبد الحمٌد كان ٌحاول لراءة وجه أمه الحجري الشكل، كلّ<br />
مساء أثناء العشاء. لمد بدأ ٌرى األمور التً ٌعاٌشها بمنظار<br />
مختلؾ أخذ ٌتآكله، وٌشعر بؤنه ٌمترب من الرجولة وٌدرن أن<br />
األمر سٌكون معمّداً والطرٌك إلٌه لن ٌكون سهبلً. إذ كانت أمه<br />
شدٌدة المسوة صعبة المراس وولع كلماتها كانت دابماً كسٌاط<br />
كثٌرة متبلحمة تمع بموّ ة على ظهرن دون رحمة. الحٌرة واأللم<br />
والتفكٌر المضنً والوحدة الذاتٌّة وسط المفار تعاٌش معهم<br />
ودخل عمٌماً فٌها وهو فً الرابعة عشرة من العمر. فَ ِهم فً تلن<br />
اللٌلة أن علٌه التهٌإ لمؽالبة أمه وإجبارها على االستمالة من<br />
تسلّطها. إذ أصبح البٌت ال ٌطاق، ووجودها فٌه ٌحتمل أن<br />
ٌكون بحاجة إلى بتر عضو أساسًّ فٌه، لٌستمٌم العٌش بٌن<br />
جدرانه. إنها لم تكن تتكلّم تمرٌباً، لكنها عندما تؽضب تتنفس<br />
الؽضب وتزفره على كلّ الكابنات التً تشعر بوجود ربها<br />
وتهلّل له كان صوتها حشرجات متواصلة توزع صوت<br />
الموت فً أرجاء ذلن المنزل الذي ٌمبع فً أطراؾ المدٌنة،<br />
حتى ٌُتمّم اللٌل انسداله. لم ٌعد عبد الحمٌد ٌستطٌع إبعاد شبح<br />
التشاإم عن التسلل فً اللٌل البهٌم إلى فراش كلّ واحد من<br />
إخوته والتنع أن األمر تفالم وعلٌه مماومة تداعٌّات ذلن النهش<br />
الذي سٌجتاح تلن األنفس البرٌبة. هكذا ملَّ االنتظار دون أن<br />
ٌلمى أجوبة على أسبلته الكثٌرة التً لطالما شؽلته وأنهكته<br />
وسرلت النوم من عٌنٌه. كان فً السماء ما ٌثٌر فً نفسه<br />
التوجس. إذ رأى أمس تلن الؽمامة السوداء نفسها تسٌر باتّجاه<br />
بٌتهم. ٌبدو أنها ال تزال مصرّ ة أن تربض إلى الٌسار من مولع<br />
جلوسه لرب النافذة. من ٌدري، فربما تنوي البماء فوق منزلهم<br />
ٗٔ9
بمصد حرمانه ربما من مرالبتها. كانت دون شن تزداد تكثّفاً<br />
وسواداً وإٌحاءً بؤن الشر المستطٌر لادم ال محالة. لطالما خشً<br />
أن تكون مشاعر أمه وأحاسٌسها لد تكلّست ودخلت فً طور<br />
خاص ؼامض لم ٌستطع أن ٌفهم ما وراءه إالّ الش ّر، الش ّر<br />
المتؽطرس وهو ٌمتطً حصان "هوالكو" إذ إنها انؽلمت على<br />
نفسها وأصبحت صماء بكماء، وشُلَّ دورها المحوري فً تفعٌل<br />
إنسانٌّتها ولم تعد تدري ما ٌرٌد من خلمها من وجه لٌس فٌه ما<br />
ٌدلُّ على حٌاة تُحًٌ جسد إنسان ٌملن ما ٌعٌش من أجله. إنها<br />
لم تعد تعرؾ كٌؾ تطبخ ما تبمّى من "برؼل" فً ذلن البٌت،<br />
أو أيّ شًء ٌمول من تذوّ له: هذا طعام لذٌذ الطعم لم أحظَ بمثله<br />
فً أفخر المطاعم. مشكلة عبد الحمٌد كانت أنه ٌعرؾ منذ زمن<br />
ال ٌمكنه أن ٌنسى كم تعذّب فٌه أن أمه تتراجع جسدٌاً<br />
ونفسٌاً، حتّى أنه لطالما كان ٌمول فً سرّ ه: لن ٌسرنً بالتؤكٌد<br />
أن أن أصارح أحداً أنً ال أدري كٌؾ تفكّر أمً، وما هو<br />
السبب فً بدء انحدارها فً هذا الوادي المخٌؾ الذي ٌخفً ك ّل<br />
من ٌصل إلى نهاٌته بضباب كثٌؾ ؼابت فٌه الكثٌر من الجثث<br />
كما ٌمال؟! ربما ٌكون أحد األسباب أنها لم تجد ٌوماً رجبل ً<br />
حمٌمٌاً ٌمؾ إلى جانبها وٌدرن كٌؾ ٌشعر اإلنسان المخذول.<br />
نعم إنً أصرخ فً داخلً من ٌدري؟! لكنً اآلن أعرؾ أنه لم<br />
ٌتبكّ من مشاعرها سوى كره الذٌن حولها وخاصة أنا ابنها عبد<br />
الحمٌد، فمد كانت تدرن أنه ٌرالبها وٌعرؾ أن من المستحٌل<br />
عودتها إلى ما كانت علٌه، إنه فمد حماً أٌة مشاعر إٌجابٌّة<br />
نحوها. إذ أصبح فت ًى ٌركض وراء عمره والعمر ٌركض<br />
بطرٌمة أسرع. ها هو ٌترن الثامنة عشرة منذ ألل من شهر،<br />
وظلّ مدة طوٌلة ٌتساءل: ترى كٌؾ له أن ٌمتحم الجدر<br />
الفوالذٌّة التً أؼلمت كلّ المنافذ على ذلن السرّ الرهٌب الذي<br />
ٕٗٓ
جعل أمّه تفمد لدرتها على إعطاء الح ّب لآلخرٌن، بل وعلى<br />
طلب الحب من أي مصدر ٌعرضه. حتّى وصل بها األمر إلى<br />
االصرار على إنكار ذاتها وأوالدها وكره وجودها الممًء دون<br />
أي سبب واضح وممنع. إنه ال ٌزال ٌرى تلن الؽمامة رابضة<br />
إلى ٌسار منزله حٌن ٌَصف ْك الشتاء الباب فجؤة وتلمع السماء<br />
وتمول: لمد أنذرتُ، كان عبد الحمٌد تُجفله ك ّل األشٌاء الؽرٌبة<br />
المفاجبة. أثاره مثبلً عدم تحرّ ن تلن الؽمامة وأللمه األمر بشكل<br />
عمٌك وتساءل: ل َم ترالبنً تلن الؽمامة السوداء بلإم ؼرٌب ك ّل<br />
هذا الزمن الطوٌل؟! ثمَّ لمَ تخفً عٌنٌها؟! أتخشى أن أتعرّ ؾ<br />
إلٌها من بٌن الكثٌرات؟! لكن هذه المرّ ة تبدو مختلفة، ولد<br />
صمّمت على البماء ولن تتحرّ ن من هنا إالّ لبل بزوغ أول<br />
ضوء. تفالم خوؾ عبد الحمٌد، مدركاً أالّ أحد من أهله لربه،<br />
فمد مضوا إلى النوم باكراً، إذ ٌبدو إنهم ٌهزإون من التؤمل<br />
والمتؤملٌن. لكن بعد بعض الولت بدأت تلن الؽمامة بالتحرن<br />
ٌمنة وٌسرى، مكرّ رة ذلن مرتٌن. ثمَّ عادت لتتمدّد لبالة بٌتهم<br />
دون أن تفصح عن نٌتها وتنمذ لٌلة عبد الحمٌد من األرق. شعر<br />
ذلن الشاب ببعض الراحة فجؤة، مبلحظاً أنه لم ٌحظ ٌوماً<br />
بالتمتع بوحدته والتؤمل فً المصٌر وكٌؾ ستكون الرحلة إلٌه؟!<br />
وهل سٌبادر الرب إلى تصحٌح ما ٌحدث فً كٌان أمه، أم إن له<br />
رأٌاً آخر؟! منذ متى ٌا شٌطان تستمٌل الؽٌوم وتؽرٌها لتصبح<br />
من عمٌبلتن؟! إننا نعرؾ أنن لستَ معرضاَ للموت بسبب<br />
حاجة فً نفس ٌعموب نفسه. أنا ال أرٌد التحرّ ش بالحٌاة وال<br />
بن. لمد كنت معجباً بلعبن، ألصد بطرافتها أحٌاناً، لكنً بعد<br />
بعض الولت سبمتُ التطلّع إلى تفرد خبثن. أعود ألكرّ ر أنً<br />
أإمن بدٌمومتن إلى نهاٌة الدهر آسفاً عنً وعن ؼٌري. لكن ال<br />
تنس أنن لستَ محصناً ضد الخرؾ. الولت ٌمرّ ٌا شٌطان لمد<br />
ٕٗٔ
كبرتً ٌا "بلدٌّاتً" شٌطانً حذرنً لاببلً: اتركه لحاله، فربما<br />
ٌتملّى فً الندم والخجل وٌطلب الرحمة من ربه.<br />
عبد الحمٌد خشً اإلشارة إلى تلن الؽمامة خوفاً من سوء<br />
تصرؾ إخوته عندما ٌشعر كلّ منهما بؤنه ٌواجه شٌباً ما ال<br />
ٌعرؾ إلى أي حدٍ ٌمكن أن ٌإذي. كما أنه ال ٌدري ماذا ستظن<br />
تلن المشار إلٌها باألُصبع؟! ألٌس ممكناً أن تعتبر ذلن تحرّ شاً<br />
واعتدا ًء على حرّ ٌتها؟! بدت مصرّ ة على البماء فً مكانها كؤنها<br />
تمول لهم: أظن أنكم لن تتناولوا العشاء الٌوم. ها لد مرّ ت نصؾ<br />
ساعة، ترى ماذا تفعل أمّكم، أال تزال تكنس المطبخ؟! استاء<br />
عبد الحمٌد وتؤكّد أنها تنوي شراً، لكنه تولؾ للٌبلً وبدا كؤن<br />
فكرة ما دلّت باب ذهنه بصوت ٌُّجفل النٌام لٌبلً آخذاً إٌّاه إلى<br />
ِ الشنّ بؤن أمراً ما ٌُحان. جرّ ه كلّ ذلن إلى التساإل: ترى هل<br />
أمه متحالفة مع تلن الؽمامة السوداء، والمصرّ ة على التواجد<br />
فوق بٌتهم؟! بدا ازدٌاد اسودادها ٌوحً بؤن الشرّ لادم ال محالة،<br />
وإن "هوالكو" استفاق ظهراً وركب النار التً ٌحملها الشر<br />
المستطٌر. كان لادماً لممابلة أمه ٌحمّل خطواته تسارعاً، ربّما<br />
كان تبرٌره سماعه المسبك أنها تمرأ المستمبل بدخولها إلى أ ّي<br />
أمرئ من خبلل عٌنٌه ثمّ تختفً هنان ما طاب لها ذلن، وعندما<br />
تمترب من الخروج من مكانها تعم الظلمة فً الكون ساعتٌن<br />
من الزمن، تهطل فٌهما األمطار وترعد السماء وباطن األرض،<br />
وٌخٌل إلٌن أن الدنٌا كلّها تلمع وترتجؾ كؤنها تتحضّر<br />
لتستوعب صوت الصواعك الرهٌب، وهو ٌخرج من كل مكان،<br />
وأنت ترى األطفال ٌركضون فً الشوارع شبه عراة، والرجال<br />
ٌهربون لبل النساء، وٌهنؤ الشٌوخ بالموت فً فراشهم، والجنون<br />
ٌخرج من العٌون ٌرالصها على طرٌمته، وٌخاطبن المشهد<br />
ٕٕٗ
متساببل: لولوا لً من المجنون أكثر؟! وصوت أمً تضحن<br />
ألول مرة فً حٌاتها أو إنً لم أسمعها تفعل ذلن سوى هذه<br />
المرة. ول ّما هدأت لالت: "ٌا رب ل َم جعلت من كٌانً مكاناً<br />
ٌنطلك منه الشٌطان لٌعذب ما ٌحلو له من أبنابن، أستتركنً<br />
مسرحاً له ٌحضر فٌه إبداعاته وٌرسم على الوجوه كلّ أنواع<br />
الخوؾ الممكنة؟! لل لً ٌا رب لمَ كل الناس تحب الزهور وأنا<br />
ال أطٌمها؟! ٌا رب ل َم ال ٌمترب منً الشٌطان؟! لل له على<br />
األلل: أن ٌحضر لً لبراً رخامٌاً أملساً ولٌس كوجهً." عندما<br />
رأى عبد الحمٌد أمه فً الصباح، خشً أن تكون لد دخلت فً<br />
طور خاص ؼامض لم ٌستطع أن ٌفهم ما وراءه إالّ عندما أخذ<br />
اللٌل ٌنتشر بطرٌمته المعهودة. لكن ما فاجؤ الجمٌع، كان صوت<br />
زبٌر عاصفة لادمة من الؽرب وانتشار الظلمة الحالكة وهجوم<br />
البحر هجوماً صاعماً على الشاطا، وفً الولت نفسه بدأت<br />
السماء ترعد وترسل الصواعك منطلمة من كل مكان، بحٌث<br />
تضًء المدٌنة لثوا ٍن وتخٌفها خوفاً حمٌمٌاً. أما أمً فمد ازداد<br />
تجهّمها وأؼلمت الباب على نفسها، حتّى أن أبً لضى لٌلته فً<br />
الردهة دون أي ؼطاء. عندما خرجت من ؼرفتها لم تكلّم أحداً،<br />
ونظرت إلى أبً بطرٌمة توحً أنها تتساءل: من هذا الدخٌل؟!<br />
ال حظنا جمٌعاً ذلن دون أن ٌمول أحد شٌباً. بعد بعض الولت<br />
تبٌن أنها فمدت الكثٌر ممّا تعرفه. إذ إنها حرلت طبخة البرؼل<br />
ألنها نسٌت أن تضع الماء مع البرؼل؟! سؤلت أبً: ماذا ٌعنً<br />
كلّ ذلن؟! أتظنّ إنها نسٌت أم إنها لرّ رت االستمرار فً<br />
االحتٌال؟! نظر أبً إلًَّ بببلهة كؤنه لم ٌسمع شٌباً.<br />
معضلة عبد الحمٌد كانت مشاعره التً لم تعرؾ االستمرار<br />
ٌوماً وتنتمل إلى الحضٌض فجؤة دون أن تخشى ماذا سٌحدث<br />
ٕٖٗ
ألعماق هذا الٌافع. كان ٌعرؾ منذ زمن سبك أن أنهكه تماماً،<br />
أن أمه تتراجع وتؽوص عمٌماً إلى حٌث ال ٌمكنها أن تكون<br />
فاعلة فً الحٌاة مسبّبة للذٌن حولها إعالة حمٌمٌّة نحو التمدم<br />
والعٌش بشكل طبٌعًّ ٍ. نعم لمد وصل بها األمر إلى االصرار<br />
على التخلص من أوالدها الواحد بعد اآلخر. لكنها فً تلن اللٌلة<br />
لم تستطع أن تؽفو وفكرة إبعاد فلذات كبدها بؤي طرٌمة كانت ال<br />
تزال تسكن فٌها رؼم أنها لد رفضتها، مصرة على أنها ال تزل<br />
مإمنة رؼم تمسكها باعتمادها أن الرب ٌحمد علٌها وٌسعً<br />
لبلنتمام منها. كانت متؤكّدة من ذلن، وال مجال إلعادة منالشة<br />
نفسها فً موضوع لمسه كٌانها كلّه، فمد تركت لؽضبها أن<br />
ٌسود فً كٌانها، بعد أن فشلت فً محاوالتها المتكرّ رة سنٌن<br />
طوٌلة التحدث مع هللا وجها لوجه. هكذا أوصلها ؼضبها إلى<br />
نكران أوالدها مدّعٌة أن الشٌطان ضاجعها بعد أن لبس بطرله<br />
الخاصة هٌبة الرسول "بولس". كان عبد الحمٌد رؼم طفولته<br />
البابسة، ومراهمته الكبٌبة التً كانت ملٌبة بالكوابٌس، ٌحدوه<br />
األمل مختلطاً بالٌؤس أن ٌتمكّن من التعرّ ؾ إلى ماهٌة ما ٌجري<br />
فً داخلها، وطبٌعة األفكار التً تتجول هنان؟! أو إن ثمة مكان<br />
لً ذلن الكٌان ٌصلح للتجول؟! ترى هل وصلت إلى التزاحم<br />
واالرتطام بشدة فٌما بٌنها؟! وهل تراكمت بعد ذلن إلى حدٍ كبٌر<br />
فؤخذها إلى التحجر وبالتالً لم تعد تستطٌع أن تفهم تطور<br />
محٌطها فكان ال بد من حدوث صدام كبٌر داخل عملها فٌسٌر<br />
إلى الؽربة ومن ثمَّ إلى الجنون حٌث ال مكان فً ببلدنا لتفكٌن<br />
تلن األزمة التً دخلت فً التحجر، آخذاً إٌّاها ربما إلى خارج<br />
اإلنسانٌة وحٌدة ٌتآكلها الخوؾ والضٌاع فً العتمة الحالكة. كما<br />
تبٌن مع الولت أنها أصبحت تكثر من االصطدام بكلّ شًء،<br />
إلى أن أصبحت ترى كلّ محٌطها عدواً لبٌماً متمرّ داً دفعه<br />
ٕٗٗ
الشٌطان إلى عدم طاعتها. عبد الحمٌد كبُر وكان ال بد أن ٌمول<br />
فً نفسه: إن ما ٌحدث ال ٌدعو إلى شًء ما من االطمبنان<br />
وعلًَّ إٌماؾ أمً عند حدّها. عبد الحمٌد تملّكه اعتماد أن ما<br />
ٌجري لٌس تطوّ راً تموده السماء، بل الشٌطان الساكن فٌها منذ<br />
خروجها إلى هذه الدنٌا. كان ٌتجه بتصمٌم إلى وضع حدّ<br />
الشر التً تجري.. لمد صرتُ أرى الجرٌمة تخرج من عٌنٌها،<br />
والجنون ٌكاد أن ٌمفز من كٌانها وكلًّ اعتماد أنه كان ٌهرب<br />
منها؟! ثمَّ لماذا تتجول فً البٌت وسكٌّن المطبخ فً ٌدها كؤنها<br />
تبحث عن دجاجة تذبحها، وهً فً الوالع ال وجود لها منذ<br />
زمن بعٌد؟! من ٌدري متى ٌصبح الشٌطان وأعوانه فً وسطنا<br />
وحول عنمه ملتفّة حٌّة رلطاء مستعدة أن تلسع من ٌشٌر إلٌه<br />
معلّمها؟! ألم تشعر وأنت ؼاؾٍ فً تلن اللٌلة بؤن هنان من تجرّ أ<br />
وحاول خنمن، وفً أثناء الدفاع عن نفسن شممت رابحتها؟!<br />
"استفاق عبد الحمٌد وذهب بسرعة إلى المرآة ورأى عبلمات<br />
على عنمه تشبه أصابع الٌد بل الٌدٌن معاً، وجرح صؽٌر حدٌث<br />
إلى ٌسار تلن العبلمات. ربّما لن ٌعرؾ أحد إن كانت لد<br />
خرجت من رحم طبٌعً؟! ث َّم هل بإمكاننا أن نعرؾ فً أي بٌبة<br />
كَبُرت أمً واستطاعت الدخول إلى هذا العالم وتزوّ جت من<br />
أبً؟! ال أعتمد إن كان أحداً سٌجٌب ٌوماً على تلن األسبلة. لمد<br />
تؤكّد أنها افتعلت وتفتعل أموراً كثٌرة، هادفة إلى إلؽاء دور<br />
الجمٌع، كً تؤخذهم معها إلى عالمها حٌث ٌعٌشون هنان وفك<br />
اإلٌماع الذي ترٌد. بُ ُّت أإمن أنها تنوي أن تجعلهم ٌعتادون على<br />
الظلمة الماتلة، ثمَّ ٌُحبّونها أكثر م ّما تحبها هً. لمد أصبحت<br />
تعتمد أنها الطرٌمة الوحٌدة التً تم ّكنها من االبتسام بعض الولت<br />
فً وجوه اآلخرٌن. هذا بالطبع ٌتنالض مع االدعاء أنها فمدت<br />
الرؼبة فً التخطٌط للمستمبل؟! ربما أٌضاً تشتعل فٌها رؼبة<br />
ٍ للعبة<br />
ٕٗ٘
بؤخذنا إلى فظابع ال تشبع تهتّكاً، إذ ال شن أنها تملن الدافع وما<br />
فٌه من شرارات ال نعرؾ إلى أٌن ٌمكّنها ذلن من بعثرتنا؟! إذ<br />
ال أحد منا ٌستطٌع االدعاء أنه بارع فً تحلٌل الجنون ومتى<br />
تحٌن تلن الساعة التً سٌرمٌنا فٌها وسط المفار الموحشة<br />
وصوت ضحكتها الخشنة الممٌبة ٌضج فً آذاننا. ربّما سٌدرن<br />
الجمٌع أن جنونها انحاز كلٌّاً إلى التوحش الذي ٌملن فً أحشابه<br />
بذرة التطور إلى األسوأ. لمد تراءى لً أنا عبد الحمٌد أنً أط ُّل<br />
على هذه الدنٌا إطبللة مختلفة أكّدتها األٌام الملٌلة الماضٌة لابلة:<br />
إن الشر المستطٌر أصبح البلعب األول فً جرها إلى مستنمع<br />
اللإم وإعطاء جنونها أبعاداً أخرى بحٌث ٌزداد انحدارها سرعة<br />
وانحرافاً. تذكّر عبد الحمٌد فً خضمّ ما هو فٌه أن والده التفت<br />
إلٌه مرّ ة ولال: أظنّ إن العٌش مع والدتن أصبح مستحٌبلً. ال،<br />
ال لستُ أظنّ بل إنً مولن بؤنها أصبحت ال تطاق، وخوفً أ ّال<br />
ٌكون أصلها بشرٌاً. لمد بدأت تؤخذ لرارات سرّ ٌة بٌنها وبٌن<br />
نفسها، وتجاهر باالدعاء أنها ستكون صارمة، ودون شنّ<br />
ستطبّك على الجمٌع. إنً ذاهب ٌا عبد الحمٌد إلى الحدٌمة<br />
الخلفٌّة ألجلس وحدي، فإذا سؤلتن عنً لل لها أرجون أنن لم<br />
ترنِ لطّ. أنا لم أعد لادراً بالتؤكٌد على إٌماؾ جنون كهذا الذي<br />
ٌعٌش فً كٌان أمن. إنً أراه ٌمترب من تفجٌر بٌتنا من<br />
الداخل، بل بدا أن وراء ذلن مخطّطاً موضوعاً لٌد التنفٌذ<br />
للسماح لعملها المرٌض أن ٌنفلت من عماله وٌعمل كما ٌرٌد<br />
هواه. أعتمد أنه سٌنكّل بالعابلة كما ٌشاء، ٌدفعه جنون متوحّش<br />
ؼدا مسٌطراً علٌها سٌطرة تامة أو هً التً تحرّ كه فً والع<br />
األمر، مجبرة إٌّاه على عدم االبتعاد عنها عندما ٌبدأ بتمزٌمن<br />
إلى أشبلء تحت شعار ٌمول: إنً ال ألبل رإٌة مثل تلن الوسامة<br />
بادٌة على هذا المدعو عبد الحمٌد. تساءل االبن: ترى لماذا ٌا<br />
ٕٗٙ
أبً؟! هل ما ٌجري فً بٌتنا هو انفبلت شامل لجنون "فٌرو<br />
سً" المنشؤ ٌتعذر ضبطه ومبلحمته لمنعه من التوسع والتمدّد<br />
بإمكانٌّات الوطن الضبٌلة؟! أم إن ما نراه وال نفهمه لٌس سوى<br />
كابوس سرى فً أحبلم الكثٌرٌن كالنار فً الهشٌم وأٌمظ فٌهم<br />
المكبوت والمستور واألفاعً المرلّطة العطشى لبثِّ سمومها<br />
ِ ومصّ الدماء والتهام األلفال، والرلص على صراخ المتؤملٌن<br />
منتشٌن من حشرجات المحتضرٌن؟! أال تستطٌع أن تفعل شٌباً<br />
ٌا أبً؟!<br />
إن ما ٌمكنها أن تفعله هً ال أستطٌع أن أفعله أنا. أعتمد أن<br />
المشكلة بدأت عندما حمنتنً تلن الحمنة ولالت إنها تشفً من<br />
"األنفلوانزا." فً الٌوم التالً استفمتُ مع شعور بؤن الحمّى<br />
ؼادرتنً. لكن بعد ذلن عشتُ شكاً مستداماً بؤنً لستُ الشخص<br />
نفسه الذي كنته لبل تلن الحمنة اللعٌنة.<br />
لل لً الحمٌمة ٌا أبً، هل أنت كما ٌمولون؟!<br />
وماذا ٌمولون؟!<br />
ال أرٌد إؼضابن ٌا أبً.<br />
أنت ابنً الحبٌب ٌا عبد الحمٌد. ثمَّ أنً ال ٌمكن<br />
منن لمجرد سماعن لكبلم الناس.<br />
أن أؼضب<br />
إنهم ٌمولون إنن لاصر وال تستطٌع أن تخالؾ لها أمراً.<br />
ٕٗ7
للمرّ ة األخٌرة ألول لن: إنها مجنونة ولادرة على المتل. أظن<br />
أنها تعشك رإٌة الدماء. أنا أدرن أنن لادر أن تفهم ما ٌعنً<br />
هذا؟! ال تنس أن تؤخذ الزمام بٌدٌن، وال تنخدع بما تمول أمن.<br />
لمد ؼٌّرتُ رأًٌ. إذ إنً ما ًض للتمشًّ على شاطا البحر، إنه<br />
بطرٌمة ما ٌجعل أفكاري تحذو حذوي وتصمت مستمعة إلى<br />
موجه وهو ٌداعب نفسه متملّباً مرتطماً بالصخور ٌتضاحن تارة<br />
وتارة أخرى ٌنذرها بؤنه سٌمتطٌها بعد بضع هنٌهات آخذاً منها<br />
وطره. لستُ أدري إذ ربما سٌستنبط حبلً لً.<br />
كان عبد الحمٌد مؽمض العٌنٌن عندما كان والده ٌتكلّم. لكن<br />
لمّا ساد الصمت، شعر الفتى أن الحمّى بدأت تجتاحه. ثم أخذ<br />
ٌرتجؾ بطرٌمة لم ٌذكر أنه مرّ بمثلها، كؤن هنان من ٌحاول<br />
تثبٌته وهو مُمد على فراش من لوالب الثلج المعتادة فً تلن<br />
األٌّام وال ٌمكّ ِنه من تدبٌر أمر تلن المشعرٌرة التً لاربت أن<br />
تفتن به على حٌن ؼرّ ة، حاول الصراخ فلم ٌفلح بسبب<br />
اصطكان أضراسه بطرٌمة ألنعته بؤنه مشرؾ على الموت وال<br />
فابدة من أيّ شًء ٌؤتً بعد ذلن. لم ٌذكر عبد الحمٌد شٌباً م ّما<br />
حدث بعد تلن الوالعة. لكنه أستفاق مبلّبلً منهكاً ومربكاً من<br />
رابحة جسده النتنة. ثمَّ كمن لدؼته أفعى سعى فً العتمة إلعادة<br />
وضعه إلى ما كان علٌه. ثمّ لال فً نفسه ال بؤس، فالمرض<br />
ٌمكن أن ٌصٌب الجمٌع. عبد الحمٌد تخٌل أو سمع همساً ٌمول<br />
له: ال تفكر كثٌراً بل ابحث عن طرٌمة تخلًص فٌها بٌتن أوّ الً<br />
من هذا المرض العضال الذي ٌكاد أن ٌمتلكم الواحد بعد<br />
اآلخر؟!<br />
ٕٗ8
ابتسم الشاب فً سرّ ه ولال فً نفسه: لٌس من تفسٌر لِما<br />
ٌحدث إ ّال أنً كنتُ مماداً إلٌه بعد معاناة طوٌلة. االبن البكر<br />
لتلن العابلة وصل بعد تفكٌر طوٌل، أنه ال بدَّ من أن تتكوّ ن<br />
إرادة جدٌدة فً هذا البٌت، وعلٌنا إٌماؾ هذا االستسبلم إلى<br />
الشٌطان. وما كان أمس ال ٌمكن أن ٌبمى على حاله ونتركه<br />
ٌتفالم كلّ ٌوم. لم ٌكن عبد الحمٌد ٌستطٌع نكران ما ٌشاهده كلّ<br />
ٌوم وٌوحً إلٌه: نإ" المؽول ٌتحضّرون لمذؾ هذه العابلة مع<br />
كلّ الماطنٌن فً هذا الحً النتن إلى ذلن الوادي الذي ال لرار<br />
له. هنان من ٌطلك إشاعة تمول: إن الناس ٌتداولون اعتماد أن<br />
أمّكم مٌّتة وأنتم تحتفظون بجثّتها. أال ترون أن وجهها ٌمتلا<br />
بدماء زرلاء تشٌر إلى أن موتها حدث منذ عدة أٌام؟! ألم<br />
تبلحظوا أن تماطٌعه خرساء تماماً، وترفض بعنؾ الدخول فً<br />
أي نماش أو السماح ألٌّة كلمة أن من الخروج عبر شفتٌها<br />
المطبمتٌن. هل ٌعرؾ أحد منكم كٌؾ حدث هذا التحوّ ل فً<br />
عمولكم؟! وماذا دهاكم لتفمدوا مشاعركم اإلنسانٌّة وكؤنها لم تكن<br />
ٌوماً موجودة أصبلً؟!"<br />
سنمول للجمٌع إننا لم نفمد اإلٌمان بعد وال األمل. لن نتبلشى<br />
ونحن نمتلا بحمنا بالمواجهة.<br />
إن جزءاً من مشاكل ذلن الشاب المولع بالرسم منذ طفولته، أنه<br />
ال ٌذكر متى شكّل وجه أمه مشروع خوؾ وأسبلة تملمه وٌخشى<br />
أنها لن تنتهً. ترى هل ولدت وهً تحمل هذا الوجه المنحوت<br />
بٌد نحات بدابًّ لم ٌعلّمه أحد على ما ٌبدو، أن المنحوتة فً<br />
نهاٌة األمر بحاجة إلى تشذٌب وصمل حتى ال تظهر كؤنها ملٌبة<br />
ٕٗ9
بالبثور والسحجات، أو إن البحر لد لفظها وضاق بها ذرعاً بعد<br />
أن بمٌت فٌه مدّة طوٌلة تخٌؾ كلّ من حولها.<br />
ٖٓ<br />
أنا لم أرتح ٌوماً إلى هذا المدعو عبد الحمٌد. لست أدري<br />
من ألبسنً هذا االسم؟! أنا ال أكرهه بالطبع، ولكنً لم أشعر<br />
ٌوماً أنه ٌشبهنً أو ٌستحك أن ٌحمل مشاعري. ما أعرفه تماماً<br />
أن جدي ألبً لم ٌكن ٌتمتع باالسم الذي لم ٌعطنً أحد حك<br />
االشتران فً التراحه. ترى من أطلك علً ذلن االسم الذي ال<br />
أجد أيّ صلة لً به. هل سٌبمى ملتصماً بً طول العمر؟! ال<br />
شن أنه سٌظل جاثماً على صدري ما دمت حٌاً. ربما علً أن<br />
أتمدم بطلب إلى المسإولٌن فً وطنً أرجوهم فٌه تعٌٌن لاضٍ<br />
فً المحاكم ٌنظر فً طلبات الذٌن ال ٌتمتّعون بالموسٌمى التً<br />
تصدرها أسماإهم عند لفظها، وأالّ ٌكلّؾ ذلن أكثر ممّا هو لادر<br />
علٌه من تجاوز الثامنة عشرة بملٌل. بعد أن لرأتُ الممطع<br />
األخٌر تؤثرتُ كثٌراً ولرّ رتُ أن أكتب بضع كلمات أتخلّى فٌها<br />
عن مشاعري السلبٌّة تجاهه واحًٌّ عبد الحمٌد ذلن الذي ال<br />
أعرفه، مضٌفاً بعض الكلمات العاطفٌة ثم سؤشدّ على ٌده<br />
مصافحاً ربما تزول تلن الؽٌمة السوداء التً كانت تذكرنً<br />
بالشتاء الكرٌه دابماً )علٌن أن تكون موجوداً وجوداً حمٌمٌاً لتنال<br />
حمولن والمزٌد منها إن كان ثمة شعور بالؽبن ٌعٌش معن<br />
وٌنؽص لن حٌاتن. االنطباع الذي ٌتركه اآلخذ وراءه ٌعكس<br />
تهماً ممزّ زة وتمركزاً حول الذات مستهجناً. كما ال بدَّ أن تفهم<br />
وتتعلّم أن ما تناله علٌن دفع ثمنه لماء ما أصبح مُلكن، لٌحصل<br />
التوازن فً عالم البشر. مرحى لتكرٌس المواطنة كمٌمة ترسخ<br />
ٖٗٓ
المساواة بٌن المواطنٌن. نعم لمراءة جدٌدة لتارٌخنا لنرى جمٌعاً<br />
كٌؾ عبثوا به. ما أرٌد أن أتؤكد منه، إن كان عبد الحمٌد ٌعرؾ<br />
أن حرباً حمٌمٌّة تجري فً سورٌّتنا؟!( ٌبدو أنً لن أعرؾ شٌباً<br />
عن عبد الحمٌد وال إن كانت أمً تعرفه لبل أن تتزوج. تعرّ ف ُت<br />
بعد مدة من البحث عن صدٌك ألبً ألفهم منه بعض الحمابك<br />
عن عابلتً فتوصلت إلى صدٌك لدٌم كان ٌعرؾ أبً جٌداً.<br />
عندما جلسنا بادر إلى المول هل تعدنً أ ّال تسؤلنً إالّ عن<br />
أبٌن؟! إذ إنً لستُ مستعداً لحدٌث آخر. تحدث طوٌبلً عن أبً<br />
ولم ٌعطنً جدٌداً. عندما انتهى تمعّن فً وجهً ولال هل<br />
سمعت "بهوالكو" فؤجبته بالتؤكٌد: إنه هو الذي لتل أبً ألم تمل<br />
ألبً أن أمً هً هوالكو الحمٌمً.<br />
أدركت منذ أن بدأتُ أعً وجودي أن الطرٌك التً و ِضعت فٌها<br />
تعنً المعاناة. صر ُت أخشى النور وأفضّل العٌش فً الظبلم.<br />
وشبح جنون أمً كان ٌدور حولً دابكاً، كؤن فً نٌّته إدخالً<br />
معها إلى تلن الحلبة نفسها.انملب كلّ شًء فً حٌاتً رأساً على<br />
عمب، ووصل بً األمر إلى وضع لم أعد فٌه لادراً على التطلّع<br />
إلى وجهها دون أن أستدعً ما أعرفه من شتابم كانت تنخر<br />
للبً نخراً، وبلػ بً ذلن حداً كان إذا حدث أن التمت نظراتنا<br />
مصادفة ٌملإنً إحساس بؤنها ستتمٌّؤ علًَّ دون شنّ حتى أنً<br />
كنت أبادر إلى التراجع إلى الوراء خوفاً من أن ٌصبح هذا<br />
والعاً لد تحبُّ تكراره. كانت تعرؾ ما ٌحدث دون أن تبالً. لمد<br />
أخافنً أن تصل أمً إلى ذلن المفترق، وبدا لً األمر رهٌباً<br />
وخطٌراً، ولكن ذلن الوالع البؽٌض أخذ ٌتبدّل وبدأ شعور<br />
ٌستولً على كٌانً وٌوضح لً بهدوء أنن فً طرٌمن إلى<br />
فمدان حبن ألمّن. كان استٌعاب األمر فً األٌام الثبلثة التً تلت<br />
. ٍ<br />
ٖٗٔ
ذلن لٌس سهبلً. لكن فجؤة حدث ذلن االنهدام الخطٌر الذي<br />
أرعبنً وبدأتُ أدخل فً حالة تخلخل فٌها كٌانً، مدركاً أن ما<br />
كنتُ أحمله ألمً من كل أنواع العواطؾ تسرّ ب معظمه أو كلّه<br />
لستُ أدري. أمّا ما بدأ ٌنهشنً من الداخل هو فمدانً ألصدلابً<br />
الواحد بعد اآلخر. كٌؾ ألحد أن ٌحسدنً وأنا فً هذا الوضع<br />
المزري؟! ثمّ إنً ال أدري كٌؾ وصلتُ إلى هذه المدٌنة<br />
الممفرة، وكٌؾ اختفى ذلن الذي رسّخوه فً أعمالً عن<br />
الوالدٌن وطاعتهما. لمد لالوا لً دابماً إنه أمر ممدس. أٌن ؼاب<br />
هذا اإلٌمان العمٌك الذي كنت أظن أن تراكمه كاد أن ٌضٌك<br />
على أنفاسً وٌشعرنً باالختناق. أعتمد أنً نجحتُ فً أن<br />
أكون فً مدٌنة هجرها أهلها بسبب اجتٌاحها من مرض<br />
"الكولٌرا" سرنً أن أموت بهذا المرض اللعٌن. ترى هل ما<br />
أراه حمٌمٌّاً، أم إن كلّ هذا لٌس إالّ أضؽاث أحبلم. ترى هل<br />
الجنون وراثً وأنا أسٌر فً المسار نفسه الذي مشته أمً؟!<br />
صرخت بكل ما استطعتُ من لوة لاببلً: فلٌنمذنً أحد، لمد بلػ<br />
السٌل الزبى وضمتُ ذرعا بكل ما ٌحٌط بً؟! لكن، ودون أن<br />
أدري ماذا ٌكمن وراء ذلن لرّ رت أمً فجؤة اجتراح مسرحٌّة<br />
من بنات أفكارها المؽرلة فً المرض تمترح: أن نجلس جمٌعاً<br />
على المابدة ولت العشاء، حتّى لو لم ٌكن هنان أي طعام. إذ إننا<br />
فً والع األمر لم نعد نملن أن نشتري أيّ شًء على اإلطبلق،<br />
ورفض أي بابع من الذٌن بجوارنا متابعة إلراضنا منذ مدّة.<br />
استمرت هذه التمثٌلٌّة بالجلوس متمابلٌن عدّة أٌّام مدّعٌن أننا<br />
نتناول طعام العشاء. ال أعرؾ كم كرهت نفسً هذه المسرحٌة<br />
ذات الفصل الواحد، والممثّلٌن الذٌن لٌس لدٌهم أٌّة خبرة فً<br />
التمثٌل. ٌبدو أن أمًّ تعمّدت زجًّ فٌها دون أن أتؤكّد إن كانت<br />
تنتمم من وجودي كوجود أو إنها ترسل رسالة إلى هللا تعبّر فٌها<br />
ٖٕٗ
عن ؼضبها واستٌابها من الوضع الذي حشرها فٌه، أو إنها فً<br />
الوالع تختبر خٌالً ولدرتً على المماومة، وتحسب جٌّداً إن<br />
كنتُ لادراً فً المستمبل أن أشكل تهدٌداً علٌها الملك بشؤنه.<br />
ولفت أمً لتعلن بنفسها نهاٌة المسرحٌّة لابلة بصوت عا ٍل<br />
ٌحمل ؼضباً ممزوجاً بصراخ مكتوم لم تنجح فً إخفابه، إذ<br />
كان ٌشبه شٌباً أفلت من عماله مبعثراً كل ما ٌضمره وعجز عن<br />
لملمته ثم لم ٌجد طرٌمة إ ّال أن ٌصٌح وهو ٌكاد أن ٌختنك: لمد<br />
أال ترون إنً والفة؟! ألم تشبع أنت أٌضاً ٌا عبد<br />
الحمٌد؟ّ! عندما سمعتُ ما لالته كد ُت أن أخرج عن طوري. كان<br />
ذلن الممطع من المسرحٌّة لبٌماً صادراً عن وحشٌّة كامنة<br />
وعدابٌة شاملة للكون. أخذنً األمر إلى التؤكّد من شنّ كان ٌنمو<br />
فً داخلً وٌمول إن أمً تسٌر بسرعة إلى فمدان عملها، إن لم<br />
ٌكن لد حدث ذلن فعبلً منذ زمن ٌا عبد الحمٌد. إنه دون شن<br />
"انفلوانزا جنون الخنازٌر". لمد سبمتُ إؼرالً فً سخافة لد<br />
تإدّي بنا جمٌعاً نحو هلوسة تشبه الفحٌح. كانت تلن النهاٌة أمراً<br />
مرعباً حماً ومن الصعب تصوّ رها. لكن اختبلفها عن نهاٌات<br />
األفبلم العربٌّة ٌبمى معزّ ٌاً. فكّرتُ كثٌراً فٌما أدّى إلى ذلن؟!<br />
رجعتُ إلى طفولتً محاوالً التماط طٌؾ أبً ترى هل حماً<br />
مات؟! لمَ لٌس فً ذاكرتً شًء عن موته رؼم أنً رأٌته حٌن<br />
توفٌّت عمتً، لكن لٌس بالوضوح الذي كنت أتمناه. لست أدري<br />
كٌؾ اخترلتُ هذه العتمة وانبثك نور لم ٌكن كافٌاً ألتعرؾ على<br />
أبً وهو ٌنحنً وٌمبل جبٌن أخته. استعدتُ صورته لبل أن<br />
ٌتركنً وٌتّجه إلى البحر. المعضلة التً علًّ تفكٌكها هً أن<br />
الجمٌع ٌجمعون أن عمتً توفٌّت لبل أبً، ولم ٌعد هنان من<br />
استنجد به لمعرفة الحمٌمة. ترى هل مات الوالد فعبلً؟! أم إنه<br />
هرب من ذلن الوجه الصخريّ الذي أصبح مستنبتاً تنمو فٌه<br />
ٖٖٗ<br />
شبعتُ ،
الطحالب بصعوبة بالؽة وتبدو كؤنها لن ٌمكنها الولوؾ على<br />
لدمٌها؟! لكن ؼضبً وولوع الملعمة التً كنت أتبلعب بها<br />
بعصبٌّة، أولفنً عن متابعة ما كنتُ أفكّر فٌه. لكنً لم أنس أن<br />
ألرّ ر أننً سؤلاوم بكلّ ما أملن من لوة كً أنهً هذه المسرحٌّة<br />
بصورة درامٌّة وإعدام إمكانٌّة اجتراح ؼٌرها فً المستمبل.<br />
كان ال بد من التصدي لها حتى ال تصدق أن عملها ٌمكنه أن<br />
ٌؤخذها إلى حٌث تشاء وتنتمم ممّن ترٌد. علًّ أن أخٌفها<br />
وأجعلها تخشى ؼضبً. هدوء عجٌب شملنً كلٌّاً وأرجعنً إلى<br />
تماسكً مسارعاً إلى امتبلن الزمام وكلًّ إٌمان بؤنه لم ٌعد<br />
ٌستطٌع اإلفبلت منً. ثمَّ وأنا ال أزال جالساً صرخت فً وجه<br />
أمً: من شبع فلٌمم وٌؤخذ صحنه إلى المطبخ، وهذا ٌسري<br />
علٌنِ أٌضاً. ث ّم تابعت بحزم لاببلً: عندما أُنهً عشابً سؤعلن<br />
عن ذلن بنفسً، ومن سٌتخلّؾ عن التنفٌذ سؤكسر له عظمة من<br />
عظامه. للت ذلن وأنا أنظر عبر النافذة أرالب جمال هطول<br />
ذلن الوابل. لكن صوتها الملًء بالؽضب المكبوت عرلل<br />
متابعتً لذلن اإلٌماع الرابع. لكنً اعتزمتُ عدم السكوت وللت<br />
بصوت مرتفع وحاد ٌحمل فً طٌّاته جحافل من الؽضب: ألم<br />
تسمعً ما للت؟! هٌا لولً ماذا استعصى علٌن فهمه، وماذا<br />
تبؽٌن فً الحمٌمة؟!<br />
هل تمصد أنن لم تسمع ما للتُ ؟ّ!<br />
لم تصٌبً ٌوماً كبد الحمٌمة. لمد ضمتُ ذرعاً. أنا لم أعد أرٌد<br />
سماع صوتن "صرتُ أممته وأمنّى أن ٌمنعه عابك ما من<br />
الخروج من حنجرتن." إنه صوت ممجوج لمًء ٌؤخذنً إلى<br />
االلٌاء. الجملة األخٌرة ألنعتها أنً كبرت والتربتُ من انفجار<br />
ٖٗٗ
لد ٌطٌح بكل شًء ، كما بدا لها أنً أنوي متابعة التحدّي ولن<br />
استسلم مهما حدث" فاستدارت ومضت خطوتٌن كؤنها ترٌد<br />
الخروج من الؽرفة.<br />
حسناً، ماذا تمترح؟!<br />
استمٌلً من مهامن<br />
فوراً<br />
وأعهدي باألمر<br />
إلًّ. كله<br />
لن ما تطلب بطٌبة خاطر. أنت تظن أن األمر سهل. لمَ ال<br />
تلعب لعبة استدعاء األرواح وتسؤل أبٌن ماذا فعل فً أمر تدبٌر<br />
أمر العابلة.<br />
هل تملكٌن شٌباً ٌثبت وفاة أبً، وأٌن حدث ذلن؟! أنا متؤكّد أنه<br />
لٌس بحوزتنِ أي دلٌل على مكان وفاته المزعومة. لمد بالؽتِ<br />
فً منعنا عن الكبلم فً هذا الموضوع وجعل ِت األمر محرماً.<br />
أنا لست مستعداً منذ هذه اللحظة أن أسمعنِ تمولٌن كلمة واحدة<br />
عن أبً بعد اآلن، ٌبدو أنه هرب، ولم ٌعد بإمكانه النوم لربن.<br />
نعم لمد فرَّ آخر األمر من الصمٌع الفظٌع الذي عاش فٌه ولم ٌعد<br />
ٌستطع احتماله. إنه فمد األمل أن الشتاء الرهٌب سٌنتهً ٌوماً<br />
بل إنه سٌزداد سوءاً واستشراساً مع مرور الول ًت. إن<br />
االستمرار فً الكذب لٌس لعبة، فسرعان ما تجدٌن نفسن وحٌدة<br />
ممصٌة إلى الحدٌمة الخلفٌّة التً أهملتِها وتركتِها تمتلا<br />
باألشوان. لن أنسى مدى الحٌاة أنً أخذت بعض الحنان من<br />
والدي كلّما سنحت له الظروؾ أو ٌصدؾ أنن لم تمارسً جلده<br />
مصادفة فً ذلن الٌوم. أمّا أنتِ ٌا أمًّ فلم أشعر بحرارة شفتٌن<br />
تبلمس خدي أو جبٌنً مرّ ة واحدة. إن "عبد الحمٌد" الذي<br />
ٖٗ٘
تعرفٌنه تعرّ ى من االسم الذي أطلمتٌه علٌه باسم آخر أعجبه<br />
وثبّته فً المحكمة وصار اسمه "حازم". حاذري أن تنادٌنً<br />
باالسم المدٌم. كما ال تنسًْ أن تظلًّ بعٌدة عنً، فلن تكونً<br />
مسرورة إذا حاولتِ االلتراب. إنً أحذّرن فلم ٌعد من مجال<br />
لعودتً إلى بٌت الطاعة. لمد ؼٌّرتُ اسمً وعلٌن أن تتذكّري<br />
ذلن دابماً؟! أنا لم أعد عبد الحمٌد، فإذا كان اسم أبٌن فؽلّ ِفٌه بما<br />
تٌسر وخذٌه إلٌه دون شكر.<br />
شعرتُ بؤنً لفزتُ فجؤة أنا وكٌانً كلّه من وسط هذه الدنٌا<br />
التً ال ترحم سوى األلوٌاء إلى ؼٌمة بٌضاء تتخلّل حدودها<br />
العلٌا بعض االحمرار لٌس بسبب حبها لهم، بل ألنها تخشاهم<br />
بالطبع. هكذا وجدت نفسً ضمن لعبة مخصّصة للكبار وال<br />
محل هنان لصعلون مثلً لم ٌتعرؾ إلٌها جٌّداً، ولم ٌكن ٌملن<br />
الولت الكافً لٌتعلّم كٌؾ تدار األلعاب فٌها، وال أسلوب التودّد<br />
إلٌها ونٌل رضاها. إنها تدرن أنً ما زلت ؼرّ اً ال ٌدري ماذا<br />
ٌفعل وإلناع من ٌُمسكون بالزمام لتعدٌل المسار إن أمكن. فجؤة<br />
امتؤل حازم إدراكاً أن من المبكر الدخول فً هذا المعترن،<br />
ولٌس علٌه فً هذه الظروؾ التً هو فٌها إالّ أن ٌبدي االلتناع<br />
أن من ٌدٌرون هذا العالم المتوحش هم األبرع واألفضل أٌضاً<br />
فً توزٌع الرحمة على مستحمٌّها، كً ٌبمى العالم ٌعٌش<br />
محتفظاً بالتوازن وما أمكن من االنضباط. إذ إن الخوض فً<br />
إدارة المال والجوع معاً لضٌّة معمّدة تشبه االضطرار إلى<br />
اجتٌاز حمول ملٌبة باأللؽام للوصول إلى المٌاه الصالحة<br />
للشرب. حذارِ من أن ٌمع االنفجار، فٌعمّ االضطراب وٌتشوّ ش<br />
المشهد كلّه، وتسنح الفرصة لمن كانوا ٌسمّون بالمساكٌن<br />
لبلنمضاض واالستٌبلء على إدارة العالم بعد أن ٌتحوّ لوا إلى<br />
ٖٗٙ
وحوش أكثر وحشٌّة من الذٌن سبموهم وجرفهم معه الزلزال<br />
الذي حدث، دون أن ٌعرؾ أحد أٌن ٌمكن أن تكون لد استمرّ ت<br />
لبورهم، وأٌن تهٌم أرواحهم، وما إذا كانت هنان دمعة عٌن<br />
تطلب الرأفة بهم من السماء.<br />
لرّ ر حازم الخروج من البٌت. كان فً الحمٌمة ٌمصد المفز<br />
إلى العالم الذي جُنّ جُنونه وأخذ ٌرلص دون تولّؾ وال ٌك ّؾ<br />
عن لرع الطبول منحنٌاً إلى جانبه األٌمن وٌترن رأسه ٌهتز<br />
كما ٌرٌد اإلٌماع أن ٌفعل. عندما شعر بؤنه فعل ذلن على أكمل<br />
وجه، أدرن أنه ال ٌبدو كمن فمد اإلتمان. لكن ذلن لم ٌشعره<br />
باالكتفاء إذ إن فً داخله تصفٌك ٌحثّه على المٌام برحلة إلى بلد<br />
مختلؾ. تهٌَّب األمر وتولؾ للٌبلً عابداً إلى نفسه. ثمّ ابتسم<br />
ابتسامة عرٌضة ولال: ٌالٌتنً أرحل فعبلً إلى أيّ مكان حٌث ال<br />
ٌعرفنً هنان أحد، فربّما أحظى بعابلة تحضننً وتساعدنً<br />
على إكمال دراستً، وأشعر بوساطتها بالدؾء وبعض الحنان.<br />
من ٌدري فمد التمً هنان بؤخٍ من عمري أو إخوة أصؽر منً<br />
ٌعرفون متى ٌضحكون وٌجعلون من الضحن حفلة عابلٌّة<br />
صاخبة ٌتخلّلها الرلص دون االهتمام بالمواعد أو اإلٌماع. لكنه<br />
لم ٌلبث أن شعر بالكدر وعادت مبلمحه إلى الوجوم. لمد تسلّل<br />
إلٌه إدران أن علٌه التخلّص من الؽرق الؽامض فً األحبلم، إذ<br />
من ٌدري إلى أٌن ٌمكن أن ٌموده هذا الهرب من الوالع الذي<br />
ٌرٌن سحر الجمال وٌعود إلى إرباكن بالبشاعة فً الولت<br />
نفسه؟! ثمّ ألٌس ممكناً أن تجره تلن الجرعة الزابدة من الجرأة<br />
للتخلّص من الماضً دفعة واحدة، وطرد الكوابٌس التً<br />
تحاصره إلى ما ال تحمد عمباه؟! ثمَّ ألن ٌكون تهوّ راً زج نفسه<br />
فً وضع جدٌد سٌموده ربّما إلى فمدان رضى هللا؟! لمد حلم أنه<br />
ٖٗ7
ٌرتكب هذا الفعل عدة مرّ ات، وكان أمراً مخٌفاً أن ٌجد نفسه<br />
ٌُدفع إلى ولت ٌتخلّى عنه الوعً وٌرتكب تلن المعصٌةّ<br />
الرهٌبة. ركع ولال: "ٌارب أنا أضعؾ من أن تجرّ بنً. اشملنً<br />
برحمتن ورعاٌتن ودعنً أكمل ما خلمتنً من أجله. اسمح لً<br />
بالتسكع لرب البحر، فلطالما اعتمدتُ أنه سٌرسل إلً لبلة تعبّر<br />
عمّا ٌكنّه لً من حب. أنا واثك أنه لن ٌمسنً بسوء عندما<br />
ألترب منه. بل سٌشدّ من أزري وٌعٌد إلًّ هدوبً وتماسكً".<br />
أخذ حازم نفساً عمٌماً واتّجه صوب الذي ٌسكن إلٌه، رؼم أن<br />
السماء كانت ملبّدة بالؽٌوم، وتنذر بمدوم عاصفة ربّما تكون<br />
هوجاء عاتٌة مجنونة لكنه رؼم خوفه من الؽٌوم السوداء<br />
المحتشدة والعواصؾ التً تمتلع األشجار وأحٌاناً تصل إلى<br />
التبلع بعض البٌوت الهرمة، كتب فً ٌومٌاته أنه كان ٌشعر<br />
بالتفاإل. إذ إن رؼبة ؼرٌبة مؤلته وجعلته ٌعتمد أن الصراع مع<br />
العاصفة سٌمكّنه من الحصول على عضوٌّة الحٌاة كعضو فاعل<br />
ٌملن حك المرالبة بشكل منتج ٌحظى باحترام متنام مفتوح،<br />
ومن ثمَّ سٌستطٌع اإلصرار رؼم نحول جسده على المطالبة<br />
بحك عابلته فً استعادة كلّ ما سرق منها من لِبل أولبن الذٌن<br />
كان ٌظنهم جٌرانه وتماسموا مع عابلته الطعام والشراب، حٌنما<br />
كانوا ٌمرّ ون فً أولات صعبة. رافمته تلن األفكار وهو ٌمضى<br />
مبتسماً متفاببلً، ولفصه الصدري متّجهاً نحو البحر ٌشمه وفً<br />
كٌانه تولاً إلى االتحاد به دون أن ٌعرؾ ماذا ٌشتهً لٌرضً<br />
ما ٌشعر به. أدار وجهه إلى جهة أخرى، وفً نفسه كانت لد<br />
نضجت حاجته إلى أن ٌطلب من الهدٌر أن ٌزأر فً وجه الذٌن<br />
سلبوا من عابلته أربعٌن "دونماً" مزروعة بؤفضل أنواع أشجار<br />
الزٌتون. عندما وصل إلى حٌث ٌبؽً، وبدأ رذاذ البحر ٌصل<br />
إلى وجهه وشعر بتلن المداعبة الناعمة، هدأت نفسه للٌبلً، لكن<br />
ٖٗ8
لم تلبث أن انتفضت فً داخله مشاعر كثٌرة كان ٌظن أن<br />
الٌباس لد أصابها، ولن ٌمكنها العودة إلى سابك عهدها. لكنها<br />
فاجؤته والتحمت به حباً مذكّرة إٌّاه بؤحبلمه وكٌؾ كان ٌستفٌك<br />
محتضناً وسادته، آمبلً فً الرحٌل ٌوماً إلى ما وراء األفك باحثاً<br />
عن لوّ ة من نبع آخر مختلؾ، والتمكّن من تعمٌر ما تهدم فً<br />
النفوس وتخرّ ب من أسباب العٌش. دام ذلن الجٌََشان العاطفً<br />
الولت الكافً إلعادة ارتباطه الوثٌك باإلٌمان بؤنه سٌستطٌع<br />
ٌوماً ترن بصمته وراءه لبل أن ٌؽادر هذا العالم. شعّ وجهه<br />
فجؤة وبانت على ثؽره ابتسامة رابعة تحكً كم كان بحاجة إلى<br />
ذلن العناق مع نفسه، وكم أمسى راضٌاً وشاكراً ذلن التمدٌد<br />
للولت. لكن ما ٌعتمل فً داخله لم ٌنتظر طوٌبلً، فانهمرت<br />
دموعه وبدأ نحٌباً خافت الصوت، فهو لم ٌكن ٌمٌل إلى إسماع<br />
الؽٌر ما تمول دموعه. تذكّر الماضً كلّه تاركاً شرٌط حٌاته<br />
كلّها ٌنساب بهدوء وكرم ؼرٌبٌن، وكٌؾ عاش عمراً طوٌبلً فً<br />
صمٌع ال ٌرحم. أولؾ هذا الرجوع األلٌم إلى الماضً هجوم<br />
الموج إلى حٌث كان ٌمؾ، أعجبه ذلن وتمتع بتبلطمه مع<br />
الصخور، ووصول بعض الرذاذ إلٌه. كان ذلن متعة أكثر من<br />
التمتع، وربما استطاع العناق مع الذروة. عندما فهم ماذا حدث<br />
تماماَ ركع مرّ ة أخرى حٌث هو طالباً من هللا مساندته فً اآلتً<br />
من األٌّام، وأن ٌعطٌه المدرة كً ٌثبت للجمٌع أن بإمكانه<br />
ممارعة الحٌاة وصوالً إلى الرلص مع النجوم، ملؽٌاً بذلن أمّ ٌِته<br />
ألفنٌّة، وطالباً من شرٌكته فً الرلص مشاركته الفعّالة فً جعل<br />
للب الربّ ٌخفك بالرضى عن أبنابه.<br />
تذكّر كل ذلن ومسح عٌنٌه بٌدٌه واستدار نحو الموج وأخذ<br />
ٌؽنً بصوتٍ أخاذ حزٌن ٌحمل كلّ أحزان الفمراء واألؼنٌاء،<br />
ٖٗ9
الذٌن حلّ بهم إدران بذلن الشعور بالبساطة وهم ٌشاهدون<br />
الفمراء ٌتطلّعون إلى وجه هللا من خبلل دموعهم. شعر فً تلن<br />
اللحظات بؤن شجونه باتت تشمل كل الذٌن ٌعانون فً هذا العالم<br />
المابم على التماٌض. تساءل: ترى هل ٌُشترى الحب؟! كان<br />
ٌعرؾ أن مشاعره وأحبلمه لم تكن ولن تكون ٌوماً تحمل<br />
ذاتها ما ٌمكّن من تثمٌنها فً السوق. حازم اضطرب ولم ٌتؤكّد<br />
من أنه فهم بالضبط ما حدث وماذا ٌعنً ذلن الذي انتصب<br />
هازباً فً وجهه فجؤة. تساءل بؽضب شدٌد: هل كلّ أحبلمه<br />
وأحاسٌسه كانت مجرّ د أوهام وتداعً الحكاٌات التً كانت<br />
تروٌها له أمه فً طفولته؟!<br />
لم ٌدرِ ما جعله ٌبتسم عندما استنتج أن ذلن ٌعنً أنه كبر<br />
وعلٌه أن ٌفهم أن السوق هو الذي ٌملن الحمٌمة وعلى أساسها<br />
علٌه أن ٌبدأ بفهم الوالع الذي أنشؤته وفرضته. هكذا بدا حازم<br />
كؤنه لد فهم الكثٌر من أمور هذه الدنٌا، وامتؤل شعوراً بؤن شٌباً<br />
فً عٌنٌه لد تؽٌّر، مظهراً ابتسامة مرحّبة بهطول المطر<br />
الؽزٌر. أظنّ أنه لم ٌتفاجؤ إذ ما كان ٌراه عادة وهو فً المكان<br />
نفسه، أظهر ذاته بشكل آخر، فما كان جامداً ال ٌتحرّ ن، بدا كؤنه<br />
ٌنبض بالحٌاة، وٌنتظر تلن اللحظة أن تدفعه الرٌح كً ٌمطع<br />
الشارع عارٌاً كما خلمته أمه لٌتمً بؤُنثاه التً خرجت من<br />
الشجرة الممابلة فً اللحظة المناسبة وأصبحت تزٌّن الرصٌؾ<br />
الممابل فما أن ارتمت بٌن أحضانه، وشعر بؤن األرض ملساء<br />
تحت لدمٌه حنّى بدأ بالرلص على إٌماعات كان لد ابتدعها منذ<br />
لرون. لمد أنتظر طوٌبلً دون أن ٌشتكً، إلى أن حان ولت<br />
الفرح وشِكر البحر. كان لد أبمى حبٌبته أسٌرة أحضانه، وشرع<br />
بالطٌران الرالص موشوشاً إٌاها لاببلً: لن أدع لدمٌن تمسّان<br />
ٗٗٓ
األرض، لولً لً: أال تشعرٌن بؤن جسدن ٌستجٌب إلى ما<br />
ٌموله جسدي؟! لمَ ال تنطمٌن وتعترفٌن بؤنن ترلصٌن وتتمتّعٌن<br />
كما لم تفعلً ٌوماً؟! ٌبدو أننِ بلؽتِ حداً من االنتشاء بحٌث<br />
خرج جزء منن من بٌن أحضانً وراق له أن ٌرلص بعٌداً<br />
بعض الولت. مرحى لن، فعندما ٌعود وٌتجمّع شملن ستجدٌن<br />
أنً كبرت عشرة سنوات وصرت أهبلً لخوض ؼمار هذا<br />
العالم.<br />
استفاق حازم من حلم الٌمظة الجمٌل دون أن ٌشعر بؤنه ال ٌزال<br />
ٌتلمّى ذلن الوابل وال ٌتسلّل إلٌه أيّ إحساس إال ذلن اإلٌماع<br />
الذي جعله أسٌراً له، مفرؼاً إٌاه من أٌة ذكرٌات أو مشاعر لد<br />
تبعده عن تعلّمه بهذا االحتجاز االختٌاريّ. تولّؾ المطر وبدأ<br />
ٌفكّر بؤمه وبشعورها فً هذه اللحظات، وماذا ستكون ردود<br />
أفعالها عندما ٌلتمٌان من جدٌد. الشنّ أنها ستكون حانمة. لكنها<br />
لطالما كانت بارعة فً إسكات مشاعرها وكٌؾ تضؽط على<br />
ردود أفعالها عندما تحتاج إلى ذلن بحٌث تجعلها تصمتُ<br />
بطرٌمة تشبه صمت المبور البشع.<br />
لم أرد ٌوماً أن أكون مثلها. لستُ أدري من كان من إخوتً<br />
ٌحظى برضاها وأعطته بعضاً من ثمتها. كنت أمتلا شعوراً<br />
بؤنها تعدّنً خصمها ولم تنفن عن تعٌٌري بمولها: إنن تشبه<br />
جدَّتن ولن تتخلّص من وجودها فً داخلن ما حٌٌت. لطالما<br />
تمنٌت أن أعرؾ إلى أٌن تنوي الذهاب وأي روح ستتعشّك<br />
وتنفث فٌها سمومها؟! كنتُ ال أعٌر ذلن أٌّة أهمٌّة، وأعتبر أن<br />
ما زُ رع فً داخل أمً، فً أثناء تسلسل الوجود واالندثار فً<br />
تلن العابلة المعمدة التً ٌبدو أنها عانت من تشابن للمشاعر لم<br />
ٗٗٔ
ٌتسن ألحد تفكٌكها. حتى تجمّع كلّ ذلن التداخل للمشاعر<br />
المتوارثة فً ذلن الجسد النحٌل الذي أنجبنً. كانت تلن<br />
األحاسٌس المتفرّ لة المتعادٌة السجٌنة فً ذلن العران الذي<br />
تطوّ ر حتى أوصل من سكن فٌه فً نهاٌة األمر إلى فمدان<br />
إمكانٌة تبادل الحب والحنان. تكرّ رَ تعٌٌري بجدتً مرّ ات<br />
عدٌدة، وكنت أفضل الصمت واالبتعاد عن مشاهدة البؽض<br />
األسود، وانمسامه إلى أفاعٍ تسرح وتلسع كلّ من تصادفه فً<br />
طرٌمها. استجمعتُ شجاعتً مرّ ة وسؤلتها عندما ؼزت مبلمحً<br />
لسوة حمٌمٌّة ٌشوبها استنكار ٌجعل المرء ٌضرب عرض<br />
الحابط بكلّ شًء وٌمرر الرحٌل: أٌّة جدّة تمصدٌن ٌا ترى؟!<br />
إنها أمً أٌها الؽبً البريء. بُتُّ أعتمد ٌا بنًَّ أن البراءة فً<br />
نهاٌة األمر تشبه التفاهة حٌناً والولاحة أحٌاناً أُخرى. األولى<br />
تحاول أن تُخفً أمراً لٌس ظاهراً للعٌان تماماً واألخرى ال<br />
تفعل ألن كلّ شًء بادٍ وصادم وٌثٌر فً البعض األسؾ.<br />
صدمنً األمر جداً وتساءلت بصوت عالٍ: ترى هل نساء<br />
عابلتن هنَّ فمط اللواتً ِ ٌورّ ثن أفاعٌهنَّ إلى بعضهنَّ بعضاً؟<br />
كنت لد ابتعدت عنها وأنا أضحن فً سرّ ي وألول: إنً لم أعتمد<br />
ٌوماً أن أحداً ٌمكن أن ٌصفنً بالبراءة، ففً السنتٌن الماضٌتٌن<br />
لطالما استمتعتُ بنصب الفخاخ لرفالً. كما أنً ال أطلع<br />
اآلخرٌن عن مكنوناتً فلم أشعر حتّى اآلن بؤن هنان من بٌن<br />
رفالً من ٌستحك ذلن. كنت أشعر بؤنً وحٌد، ولطالما<br />
استمتعتُ بذلن. ربما كان هذا سبباً لعدم احتٌاجً فً ذلن الولت<br />
لصدٌك حمٌمً أعطٌه ثمتً، وٌدفع مشاعري إلى التصدٌك أنها<br />
تستطٌع بكلّ الحرّ ٌّة والسذاجة الممتعة أن تتحدث عن نفسها<br />
وتعطً لذاتها حك االسترسال.<br />
!<br />
ٕٗٗ
إنً أفكّر بؤمً فً هذه اللحظات دون أن ٌتسرّ ب من مشاعري<br />
بعض الحب أو للٌل من الشفمة. لبل أن أخرج من البٌت منذ<br />
بضع ساعات نظرتُ إلٌها ملٌاً، بٌنما كنتُ أفكر متساببلً: ترى<br />
كم عانى أبً من هذا العمل المختلط بكلّ هذه الترّ هات؟! للت<br />
بعد برهة لنفسً: حسناً، ماذا سٌفٌد الكبلم بعد اآلن؟! أظن أن<br />
الملٌل من االنتظار هو الحلّ. أدركتُ فً تلن اللحظات أن<br />
جداراً صخرٌاً سمكه نادر انتصب بٌننا. أخذنً ذلن بعٌداً،<br />
وهنان فً عالم التفكٌر، صمّمتُ أن تكون لً عابلتً وعدم<br />
تكرار تلن الفترة التً أذكرها من حٌاتً. "أرجون ٌا رب ال<br />
تبتعد كثٌراً وامنحنً الحك أن أضٌؾ شٌباً لهذا العالم."<br />
* * *<br />
شكرا ٌا ٌوسؾ فمد كتبت هذا األُلصوصة من أجلن. إذ إنً<br />
أعرؾ بعد مضًّ ِ كل هذه السنٌن، أنن ستفهم تلن السطور وما<br />
تحمله بٌن حناٌاها. دعنً أخبرن أنً لستُ حزٌنؤ، صوت من<br />
السماء لال لً: إن ٌوسؾ رفع من شؤن الشموخ، إذ لم ٌعد<br />
مسموحاً بالتباهً إن لم ٌكن وراءه حدث مهم ٌؽٌّر شٌباً ما فً<br />
هذا العالم. لمد رفعت رأسً عالٌاً، وجعلتنً أدرن أن الشهداء<br />
ال ٌموتون بل ٌعبرون إلى حٌث لم ٌعد هنان عمل للزمن. نعم<br />
ربما لن نفهم تماماً ماذا ٌعنً هذا، لكن بعد أن تحرّ رت من<br />
الزمن ستدعنا نتحضّر لندرن كٌؾ سٌكون هذا. كما أننا<br />
سنتواصل دابماً وأران من خبلل "سورٌة". إذ إن صمودها<br />
أبرز للعالم إعجاز مزّ ق الكثٌر من أوراق التارٌخ، وكتب ٌمول<br />
للعرب: إن الذي ال ٌزال ٌمعن فً التنكر للدٌمولراطٌّة التً<br />
تشبه اإلنسان وتعطٌه الكثٌر من حموله هنا على األرض لبل<br />
ٖٗٗ
الصعود، هً ال تزال تعمل بجدٌّة مراعٌة تبدل وجهات النظر،<br />
وتنوع األفكار بٌن المواطنٌن. إذ إن تنوع االختبلفات ٌمكننا<br />
فهمه من خبلل طرٌمة عمل الدٌمولراطٌّة التً تبؽً إؼناء<br />
البلد، وتوسٌع اآلفاق وتحفّز الناس الكتشاؾ أٌن هو الصواب<br />
وأٌن ٌكمن الخطؤ دٌمولراطٌّاً.<br />
عبد النور. زٌاد<br />
نشر هذا التعلٌك فً صحٌفة النهار بعد أسبوع من االنتهاء من<br />
نشر كلّ ما ورد إلًّ من الصدٌك الراهب، وأخٌراً خبر وفاته،<br />
مع إضافاتً ومحاولتً استؽبلل ك ّل ما أعرفه كطبٌب نفسً،<br />
واختصاصً فً التحلٌل النفسً أٌضاً.<br />
ٖٔ<br />
مضت تلن الشهور الستّة من حٌاتً بعد أن رفع الرب روحها<br />
إلٌه معلناً إرادته وطالباً منا المبول بما فعله واإلدران أن<br />
مصلحتنا المشتركة التضت ذلن، وأشارت أٌضا بنسٌان الكثٌر<br />
مما تموله المشاعر صراخاً أو همساً. ما أكتبه ٌخص التارٌخ<br />
وال ٌمكن أن ٌكون اعتراضا على حكمة الرب. نعم كان اختفاء<br />
ٗٗٗ
"كاترٌنا كازانتزاكٌس" الفجابً من حٌاتً، كارثة حمٌمٌة كادت<br />
أن تدمّر كل شًء بنٌته، أو حاولت تعمٌره بتإدة، وتخرّ ب ك ّل<br />
الذكرٌات التً عشتها والتصمت بً ولم تتركنً وحٌداً مع<br />
الرٌح التً ال تزال تعصؾ زاعمة مإكّدة لً بؤنها لن تسمح<br />
بعودتً إلى الجحٌم مرّ ة أخرى. أنا فً هذه اللحظات أعٌش<br />
إدراكاً أنً سجنت نفسً طوعاً طمعاً فً رضى الناس الذٌن<br />
ٌعٌشون فً المرن الواحد والعشرٌن، لكنهم فً أعمالهم<br />
ٌشعرون باألسؾ ألن الحٌاة باتت تسٌر بسرعة لتظلّ مواكبة<br />
لزمن هذه األٌام التً لم تعد تكترث للتمالٌد وذلن الماضً<br />
الجمٌل وطرٌمة عٌش األجداد. نعم كان ما فعلته مشٌناً فً حك<br />
نفسً، إذ لم ٌكن علًّ أن أكون مسإوالً عن إظهار حزنً<br />
الشدٌد أمام كلّ الناس. ال أدري لمَ كنتُ سخٌفاً طوال تلن<br />
المدة؟! لمد ضم ُت ذرعاً وأنا أجرَّ ورابً طفبلً صؽٌراً معجباً<br />
بعٌنٌه الجمٌلتٌن وفً داخله توق واعٍ إلظهارهما لكل الناس.<br />
ترى هل من المعمول أن أمسرح كلّ حدث ٌمر فً حٌاتً مهما<br />
كان عادٌاً وال ٌرلى إلى أٌة لٌمة ممنعة بطرٌمة ما؟! ل َم<br />
اصطحب عاري معً وأنا أدرن أنه ٌهزأ بً. أما حان الولت<br />
أن تتناؼم تصرفاتً مع عمري، ووضعً االجتماعً والعلمً؟!<br />
ربّما علًَّ أن أصرخ آه بصوت عالٍ: ترى لمَ فكّرت بالموت<br />
ورمً نفسً فً فم تمساح لوي الفكٌن وأتؤ ّكد من تهشٌم<br />
عظامً فً لحظات؟! هل ألنً ال ٌمكننً أن أتحمل األلم مدة<br />
طوٌلة أم إنً سؤكون لد سجلت طرٌمة مبتكرة للموت، لكن لم<br />
تكن تصلح "لجولٌت" إطبللاً؟! إذ ال ٌمكن استعادة تلن<br />
التراجٌدٌا، كما أالّ أحد فً هذه األٌّام سٌصفك للحبٌب الذي<br />
ٌرمً نفسه فً لبر حبٌبته. الزمن ٌمضً وأنا ال أعرؾ كٌؾ<br />
ألنع نفسً أن طفولتً أصبحت حماً من الماضً؟! أبعد عنً<br />
ٗٗ٘
صورة أمً أٌها الشٌطان الخبٌث، أال ٌكفٌن ما فعلت بؤبً؟!<br />
ترى ماذا تمصد أو تُل ّمح؟! هل أرٌتنً صورتها لتتساءل لمَ لم<br />
أرم نفسً إلى لبرها عندما كانوا ٌهٌلون علٌها التراب؟! ٌبدو<br />
أنً ال أزال بعٌداً عن اإلدران ممّ أخاؾ، وال أدري كم من<br />
الحٌوات عشتُ وال أزال أعٌش؟! البدّ أن أسعى وراء عٌش<br />
إدران أنً أخسر سمعتً العطرة وأنا ال أدري. )هنا انفصلت<br />
ذات الكاتب عن نفسه وأخذت تمرّ عه(<br />
"ال شن أن المؤساة فعلت فِعلها فً البداٌة ٌا عزٌزي، وأن<br />
كلّ ما حدث شكبلً ٌعدّ ممبوالً وطبٌعٌاً. إذ إن الصدمة التً<br />
حدثت ال ٌمكنها التواري إال بعد مرور بعض الولت، واألٌام ال<br />
بد لها أن تجتاز الحاضر إلى المستمبل دون أن تكون مسإولة<br />
عمّا حدث، أو ٌعنٌها أن تعرؾ لماذا صار ما حدث حدثاً؟! إذاً<br />
ال بد من دفع ثمن ما جرى، والكٌفٌة التً ت ّم إخراجه بها. كذلن<br />
كان ال بدَّ ممّا مررتَ به من مشاكل الدخول فً النوم ثمَّ<br />
االستٌماظ الذي ال معنى له كما سمٌّتَه، وتلن اللٌلة الرهٌبة<br />
أٌضاً، التً استفمت فٌها جفبلً فً الثانٌة صباحاً دون أن تفهم<br />
ماذا ٌجري ولمَ تتبعن العواصؾ والبراكٌن، وتوضع لن الفِخاخ<br />
هنا وهنان؟! ال شن أنن اجتزت لٌالً صعبة وربّما ٌمكنن<br />
تسمٌتها بالرهٌبة، كن َت تحارب فٌها األشباح من كل ما أبتدعه<br />
الشٌطان من أنواع. لكن ما أجفلنً شخصٌاً، وزرع الخوؾ فً<br />
أعمالً هو تصمٌمن على ركوب لطار "التراجٌدٌا" الممسرحة<br />
لبل ذلن بكثٌر. لل لً ممّا تحمً طفولتن؟! أمن لم تعد ترالبن<br />
وربما هللا لد سبم منن أٌضاً. علّن ستظل تؤمل أن تكون أنت<br />
الساحر الذي ٌخرج كلّ شًء من المممم؟! علٌن بالحذر من ذلن<br />
الذي ٌسعى إلى دفعن كً تدور معه طوٌبلً فً حلمة مفرؼة. إذ<br />
ٗٗٙ
إنه ال ٌخشى الدوران وما ٌحدثه. علٌن التؤكد أنه عندما ٌرى<br />
عٌنٌن لد خرجتا من مجال الرإٌة، سٌرمٌن فً الشاحنة التً<br />
تنمل الممامة إلى حٌث تدفن أو تحرق فً مكان ما، إذ إننا لم<br />
نتعلّم بعد كٌؾ نستفٌد منها. هل تعود إلٌن بٌن حٌن وآخر<br />
رابحة أمن وؼٌرتن منها؟! ال تخؾ من الخوؾ، إن كنت<br />
تكرهه فهو العب ال بدّ منه، كما ال بؤس من بعض الولت أن<br />
تكون فً حالة حردٍ من هللا. إن صدره ٌتسع ألكثر من ذلن<br />
بكثٌر. لكنه صبور ولن ٌمبل منالشتن فً ولت كنت فٌه محباً<br />
للمناكفة، لم تكن ولحاً إلى حدٍ ؼٌر ممبول إالّ مع أمن. ألم تفكر<br />
فٌما تفعله؟! لكنه محب فً ولت ال تستطٌع أن تنسى نفسن. لل<br />
لً متى ستكبر؟! فً لحظة ما أران ابتسامته التً ألنعتن أنها<br />
خصّصت من أجلن. ماذا ترٌد بعد كل هذا؟! هل ترٌد البكاء<br />
والعوٌل كما فعلت جدتن عندما وافت المنٌّة "علً فركوح"<br />
جدن الذي كان ٌجعلها تصمت وال تنطك بايّ ِ كلمة هً<br />
"والتلفٌزٌون" إالّ متى أراد ذلن، "إن جدّتن لم تستطع أن تفهم<br />
لمَ ال ٌطٌك سماعه؟! إذ كان علٌه أن ٌبمى ممفبلً إلى أن ٌفرغ<br />
من المراءة، وٌذهب إلى النوم! أنا أوافك أنن كنتَ تسمع حماً<br />
دلّات للبن تدّق بموّ ة لم تعهدها من لبل، وظننتها فً مرّ ات<br />
عدٌدة طبوالً تمرع من بعٌد وسط الظبلم والنٌران المشتعلة،<br />
التً كنتُ أعتمد أن أنفاسن تختلط برابحتها وهً آتٌة على ظهر<br />
الرٌح، وكنتَ تعدّ ذلن نذٌراً بمدوم الشر المستطٌر. ال بؤس لمد<br />
أعجبتن الطبول والرٌح اآلتٌة على ظهر االعاصفة التً ال تنوي<br />
شرّ اً. ٌبدو إنن تحب المسرح وما ٌستعٌر من أصواتٍ تمترب<br />
من أن تكون حمٌمٌّة وتشعر بها تداعب أعمالن، ال بؤس أٌضاً."<br />
ٗٗ7
كلّ هذا جعلنً ألوم من فراشً وأتمشى إلى حٌث ٌمكن ل<br />
"فٌفالدي" أن ٌرٌحنً مدركاً أن الصباح لم ٌعد بعٌداً. فوجبتُ<br />
بما ٌحدث فً داخلً. كانت ستة شهور لد مضت وأنا أشعر<br />
بالؽثٌان عندما كن ُت أسمع بعض الجمل الموسٌمٌّة وأنا فً<br />
انتظار المذٌاع وهو ٌؤمرنا بالجلوس وتلمًّ األخبار الٌومٌّة.<br />
تساءلتُ وأنا أُدٌر رأسً ٌمنة وٌسرة ث َّم صرخ ُت بصو ٍت عا ٍل<br />
البماً نفسً على استمرارها فً محاولة رفضها أن تسمع<br />
"فٌفالدي": أٌمكننً حماً أن أسمع "فٌفالدي" وكاترٌنا فً المبر ال<br />
تسمع شًء؟! لكن اعذرونً أنا ال أرٌد الؽوص فً شرح ماذا<br />
ٌعنً ذلن لً. إذ إنه سٌكشؾ ما ال أبؽً نشره على حبال<br />
"الؽسٌل"، وال على األرٌكة الطوٌلة التً ٌستعملها الطبٌب<br />
النفسً الستدراج المرٌض إلى التحدث عن نفسه وٌجعله<br />
ٌمارس لذة فضح ذاته أمام مشاعره كلّها. النمد الذاتً ٌشبه<br />
بطرٌمة ما، ذلن الجهد الذي ٌبذله الطبٌب المولّد داخل الرحم<br />
الذي ٌكون عادة ٌعلم مسبماً أن الطفل هو بوضع مملوب، فما<br />
على الطبٌب المتمرسّ سوى إعادة تصحٌح هذا الوضع الشاذ<br />
المربن واالطمبنان إلى أنه أصبح فً الوضع المبلبم الطبٌعً<br />
تمهٌداً إلخراجه إلى النور بسبلم وسماع صراخه الرخٌم. أمّا ما<br />
ٌفعله المعالج النفسًّ فهو أعمد وأخطر من ذلن بكثٌر، إذ علٌه<br />
أن ٌؤخذ جانب الحذر، فالطرٌك التً سٌسلكها لد تنتظره فٌها<br />
الكثٌر من الفخاخ، ولد تزور أحبلم مرٌضه وحوش ؼرٌبة<br />
األشكال لٌست معروفة فً هذا العالم. ربّما تكون من البشر<br />
الذٌن صادفهم ذلن اإلنسان فً حٌاته وجرحوا بفظاظة مشاعره<br />
فً ولت لم ٌكن لد اكتمل فٌه تماسكه، وأعاد عمله الباطن<br />
تشكٌلهم الحماً على صورة وحوش ممرفة مخٌفة تحاول أن تبتلع<br />
ما تبمّى فً فمها من دماء ضحاٌاها. لٌس علٌنا التؽاضً وال<br />
ٗٗ8
النسٌان أن الطبٌب الذي ٌعً مهمته، ٌرزح تحت ضؽط<br />
مسإولٌّة أخبللٌّّة تحضه باستمرار على السعً الحثٌث لٌعٌد<br />
لذلن اإلنسان إنسانٌّته التً تزعزعت وتفكّكت روابطها<br />
وأصبحت آٌلة للسموط فً وادٍ ال لرار له، أو ربّما إلى الجحٌم،<br />
أو إلى ذلن العالم الذي خرج منه تابهاً خابفاً ٌسكنه التوجس،<br />
ولم ٌعد ٌعرؾ من هو، وال أٌن ذلن البٌت الذي ٌعطٌه ذلن<br />
الدؾء الخاص صٌفاً وشتاء ٌرافمه صوت "الماندولٌن" من<br />
بعٌد. على ذلن الطبٌب أن ٌموم بحذر شدٌد بإزالة كل األسباب<br />
التً ربما اختبؤت طوٌبلً فً الماع، ماسكة ؼصن شجرة زٌتون،<br />
لاصدة أن تخٌؾ به ذبب جابع كان ٌتؤهب لبلنمضاض علٌها.<br />
لكنه اختفى بمدرة المادر سامحاً لها بالخروج إلى السطح،<br />
لاشطة فً طرٌمها كل األدران التً لد تعطً األزمة أمبلً فً<br />
العودة ٌوماً ما، مستمراً فً تنظٌؾ كلّ شًء من حوله، إلى أن<br />
ٌؽدو المرٌض مستعداً لتمبل نفسه إنساناً جدٌداً، وعضواً ٌتّكا<br />
على محبٌه إلعادة الثمة إلى كٌانه بحٌث ٌمكنه فً نهاٌة<br />
المطاؾ أن ٌعود عضواً فاعبلً لادراً على االشتران مع الجماعة<br />
فً إعبلء شؤن المجتمع الذي ما زال ٌعٌش فٌه. نعم، نعم، كان<br />
الدخول إلى ؼرفة أحبابً الموسٌمٌٌّن العالمٌٌّن العبالرة مشكلة<br />
حمٌمٌة، فمد مضت نصؾ سنة حرّ متُ فٌها على نفسً سماع<br />
الموسٌمى. كان ما فعلته فضٌحة كبٌرة وسخؾ ممجوج سمح ُت<br />
لنفسً البماء فٌه طوال تلن المدّة. أعتمد أن "ثرٌّات" بٌوت<br />
دمشك العرٌمة اهتزّ ت لثوا ٍن دون ش ٍن احتجاجاً على تفاهة<br />
تصرّ فً الذي كان ٌمبع فً جاهلٌّة ما منذ لرون لٌست للٌلة. أنا<br />
بالتؤكٌد لم أخل نفسً ساذجاً وسخٌفاً إلى هذا الحد، بحٌث ظنن ُت<br />
أن الموسٌمى التً هً ؼذاء الروح، ٌمكن أن تخرق الحداد على<br />
الحبٌبة كاترٌنا. إذ إن الحداد كان من واجبً اعتباره تمسكاً بهذا<br />
ٗٗ9
الحب العفوي البريء الذي سٌظلّ ٌشتعل فً داخلً إلى أن<br />
تلفظنً هذه الدنٌا. حٌنبذ سٌكون األمر مختلفاً إن كان إلى فوق،<br />
أو إلى أيّ مكان آخر. أعتمد أنً للت فً نفسً حٌنها: هٌا ٌا<br />
"زٌاد" ال تخش شٌباً إذ سٌكون أبله من ٌعتمد أن تداخل عمله مع<br />
مشاعره ال ٌحمل فً طٌّاته لدراً ما من السخافة. إنً أناشد<br />
الجمٌع عدم المزج بٌن السخافة ومٌل بعض الراشدٌن والكبار<br />
فً السن إلى التمرّ غ فً الطفولة أحٌاناً. شًء ما كان ٌحدث فً<br />
داخلً ولال لً فً تلن اللحظات: إن مرضاً ما كان ٌنام فً<br />
داخلً وبدأ ٌستفٌك. الحمٌمة أنً كنت أشعر بذلن ورأٌت أنه<br />
ٌمكن أن ٌكون عرضٌاً وٌزول بعد للٌل. إذ إنً لم أكن مستعداً<br />
للمبول بهذه المماطعة لهذه السهرة اللطٌفة مع نفسً، فمد كنت<br />
أشعر بؤنً أستحمها . لكنً رؼم ذلن لرّ رت متابعة تدخٌن تلن<br />
السٌجارة وثبلث أخرى. فجؤة لمتُ بتصرؾ طفولًّ آخر، إذ<br />
ألمٌت بمنفضة السجابر الكرٌستال إلى األرض بموّ ة عامداً<br />
وشاعراً بفرح ال ٌوصؾ وهً تتحطم أمامً مطلمة صوتاً<br />
رهٌباً دفعنً إلى الضحن الشدٌد مختلطاً بفرحٍ عارم وما ٌشبه<br />
الطرب الحمٌمً ٌدؼدغ لاع أعمالً، إذ كان المشهد رابعاً وأنا<br />
أشاهد لطعها تتناثر رالصة هنا وهنان وإلى أبعد للٌبلً. تولفت<br />
عن الضحن فجؤة مرتعباً ممّا فعل ُت وتساءل ُت بؽضب لاببلً:<br />
ماذا ٌحصل لً، هل عاد أبً إلى الحٌاة وبدأ ٌتلذّذ بالتحطٌم؟!<br />
ترى أتوؼّلتُ فً جنونً حتّى أعود إلى التدخٌن؟! متى سؤتمكّن<br />
من إٌماؾ هذا العبث السخٌؾ؟! لست أدري كٌؾ لً أن أفهم<br />
الناس، إذا لم أكن أستطٌع فهم نفسً؟! أعتمد أنه لد حان الولت<br />
ألطلب الطبٌب. إذ إنً بدأتُ أشعر بؤن ألماً فً معدتً بدأ<br />
ٌصرخ كطفل صؽٌر، فملتُ فً نفسً: أما كانت أمً تمول:<br />
"كفان تبجّحاً، فلم تصبح رجبلً بعد، أال ترى أن التوق إلى<br />
ٗ٘ٓ
الدالل ٌمؤل كٌانن؟! ٌبدو أنً أخطؤتُ فً تربٌتن ٌا بنًَّ." كان<br />
كمان "فٌفالدي" ال ٌزال ٌحاول أن ٌنتشلنً من هذا األلم<br />
المفاجا، كاد أن ٌنجح إذ إن األلم أخذ ٌخؾ ممّا أتاح لً<br />
الرحٌل إلى الماضً، وإلى ذلن الطبٌب المادم الذي لطالما كنا<br />
أصدلاء الطفولة، وهو الذي أشرؾ على أمً فً كل وعكاتها<br />
الخفٌفة التً لم تبمها فً الفراش طوٌبل. ربما كان أطول منً<br />
للٌبلً وربما أٌضاً أكثر وسامة. لكن الؽرٌب فً األمر أنه لم<br />
ٌسبك ألحد أن رآه ٌضحن بملء شدلٌه، وال رأى أحد عٌنٌه<br />
تفرحان وتشتركان مع مبلمح وجهه فً إبداء اللهفة فً مولؾ<br />
ما. كان ٌبتسم للطرفة كؤنه ٌسخر من الذي نطك بها بالمصادفة<br />
أو لصداً ال فرق. لطالما فاجؤنً هذا المولؾ وأزعجنً، تاركاً<br />
فً نفسً رفضاً ولرفاً حمٌمٌاً من هذه الرزانة المثٌرة<br />
لبلستهزاء. كان أصؽر منً سناً ببضعة شهور أو بسنة لست<br />
أدري تماماً؟! سؤلته مرة عندما كنا فً أواخر العشرٌنٌّات من<br />
عمرٌنا أال ٌجعلن مولِؾ ما تمهمه.<br />
أجابنً مندهشاً: لم أشعر بالحاجة إلى ذلن مطلماً. أتجد ذلن<br />
ؼرٌباً كطبٌب نفسً؟!<br />
لم أكن ألسؤلن لوال استؽرابً الشدٌد! ألم تندهش عندما رأٌنا<br />
سوٌةً زوجتن مستؽرلة فً ضحن شدٌد.<br />
أعتمد أنً رأٌتها مرة مندهشة، فاستؽربتُ األمر. لكنً سؤلتها<br />
ماذا ٌحدث؟! فكان جوابها: لمد سمعت أحدهم ٌمول شٌباً عادٌاً<br />
فً "التلفٌزٌون"، فؤضحكنً كثٌراً. أما أنا فلم أ َر أنً بحاجة إلى<br />
التعلٌك.<br />
ٗ٘ٔ
أعتمد أن الولورٌن ٌضحكون، ولكنهم ٌبذلون جهداً كً<br />
ٌستطٌعوا كبح علّوُ أصواتهم إذا فاجؤهم ما ٌضحن.<br />
أال ترٌد أن أفحصن.<br />
أرسلت فً طلبن من أجل وجعٍ فً معدتً. لست أدري كٌؾ<br />
زال كلٌّاً.<br />
إذاً علٌنا أن نشرب المهوة سوٌة.<br />
سؤلدمها لن بكل سرور.<br />
*<br />
*<br />
*<br />
فوجبت ظهراً برنٌن جرس الباب، كان هذا ؼرٌباً، إذ إن<br />
الجمٌع ٌعرفون أنه لن ٌُفتح إذا كنت فً البٌت أم لم أكن. عاد<br />
الجرس إلى الرنٌن مرّ ةً ثانٌة، فابتسمت ساخراً مصرّ اً على<br />
مولفً الذي ٌرفض أن أتح ّرن، ثم تحوّ ل الرنٌن إلى خبطٍ مصرّ<br />
على الباب ٌتزاٌد عنفه كلّما تطوّ ر ؼضب صاحب الحاجة، كان<br />
واضحاً وٌمول إن الطارق لٌس ؼرٌباً. لكنً حاولت الضؽط<br />
على نفسً آمبلً أن ٌٌؤس ذلن المُل ّح، وٌنهار ذلن العناد الؽرٌب.<br />
لكنه لم ٌتولؾ حتى خِ لتُ أن المصرّ الوالؾ فً الجانب اآلخر<br />
ٌمول لً: إذا اضطررت سؤحطّم كلّ ما أجد فً طرٌمً من<br />
عوابك ولٌحدث ما ٌشاء الرب. اتجهت راكضاً إلى هنان<br />
وفعلتُ ما علًَّ فعله، ففوجبتُ بعدنان صدٌمً والفاً أمامً<br />
ٌلهث، وٌشعر باستعداد إلى ترن نفسه وجسده وربما مشاعره<br />
ٕٗ٘
تسمط كتلة واحدة على األرض دون انفصال وال انمسام. الحٌاة<br />
بوحدتها سمطت أمام "زٌاد" الوالؾ كالمخبول دون أن ٌُبدي أٌّة<br />
حركة، فؤخذ ٌصرخ بطرٌمة هستٌرٌّة دون أن ٌعرؾ إلى أٌن<br />
ٌمكن أن ٌصل صوته، فمد كان ٌدرن منذ ولت طوٌل أن أمه لم<br />
تكن صماء، لكن المشكلة كانت تكمن فً صوته الضعٌؾ<br />
والمصٌر المدى. ربّما أٌضاً اشتران أعصابه المستنفرة<br />
والمكبوتة، التً تسبب عدم لدرته على إعطاء الحرؾ الولت<br />
البلزم لٌخرج من فمه متماسكاً مفهوماً. لكن عدنان لم ٌستطع<br />
االستمرار طوٌبلً فً لعبته، فمال وهو ٌحاول المٌام من األرض:<br />
كؾّ عن الصراخ ودعنً أدخل، فؤنا بحاجة إلى الحوار معن،<br />
رؼم أنً أعرؾ أنن طوال هذا الؽٌاب المجنون كنتَ تهرب من<br />
المنالشة مع اآلخرٌن ومع نفسن. إنن تذكّرنً بؤٌّام الصؽر،<br />
عندما كنت تصل إلى المرمى وحٌداً وتبدأ بمداعبة الدفاع حتى<br />
تجعله ٌرمً بنفسه فً االتجاه الذي تمصده بحٌث تستؤثر<br />
بالمرمى وحدن فتترن الطابة لبل خطّ الدخول وتعود من حٌث<br />
أتٌت متحمّبلً شتابم الجمهور كؤنن لم تدر ماذا جرى. ال تمل<br />
شٌباً ٌنفً ذلن، كنت تمؾ مسطوالً تماماً. لكنن فً الداخل كان<br />
الطرب ٌداعبن كما ترؼب. لل لً ٌا طبٌب النفس، هل ٌمكننً<br />
ضم ذلن اللإم الخفٌؾ الذي ٌسكن أعمالن إلى بمٌّة االنحرافات<br />
الجنسٌّة؟! أنت تعرؾ أنن ال تملن إجابة ممنعة. أنا الصدٌك<br />
الذي لم أعد ٌتحمّل هربن السخٌؾ كلّ ذلن الولت الذي مضى.<br />
إن الذي ٌظنّ أنه ٌعرفن سؤباشر بالمول له: إن ظنونن بؤنن<br />
تعرفه جٌداً تبدو ؼبٌّة جداً. أجبنً هل أنا محك؟! دعنا نجلس<br />
ونرتاح للٌبلً.هل ما ٌزال لدٌن بعض الوٌسكً الفاخر؟! إذ إنً<br />
حرٌص على عدم الخروج بخفً حنٌن.<br />
ٖٗ٘
تفضّل، دعنً أإكّد لن أنً سؤتابع ما تناولته مزاحاً عن اللإم<br />
وعبللة بعضه باالنحرافات الجنسٌّة. نعم إنه أمر ملفت وٌستحك<br />
النبش حوله وفٌه. لكن أنت لم تتؽٌّر، فبل تزال تتفوّ ه بكلمات لم<br />
ٌعد لها مكاناً فً مثل صدالتنا. هل جبتَ طالباً لشًء أملكه<br />
وفً داخلن ٌلعب تولّع أن أردّن خابباً؟!<br />
دعنا نجلس أوالً، ثمّ نتبادل الحدٌث. ماذا بن هل نسٌت عدنان<br />
بعدما أن تعمّدت االبتعاد عنه طوٌبلً؟! ال تمل لً أنً لست<br />
الصدٌك األلرب إلٌن، وعندما وجدتنً بعد تلن المدة رأٌت أنه<br />
لد أصبح مزعجاً مضجراً، لل لً لمَ كنت تتعمد أالّ ترد على<br />
اتصاالتً الهاتفٌّة؟! ترى هل أنا الصدٌك الذي تمرّ به متى شبت،<br />
وتبعده متى أردت ألنن لم تعد تطٌك أن ترى أحداً من<br />
أصدلابن؟!! هل أنت طبٌعً أم إنن ملًء باالنحرافات؟! ماذا<br />
حدث لمشاعرن، هل تجمّدت ولم تعد تعبؤ بما ٌحدث حولن؟! ث َّم<br />
هل لست عواطفن وسهّلت علٌن تنفٌذ مآربن الجنونٌّة<br />
الحمماء؟! ألٌس جنوناً عدم االنتباه إلى مشاعر أصدلابن وكؤنها<br />
ؼٌر موجودة، وإن وجدت فهى ال تملن معنى ٌمٌزها وتستؤهل<br />
االلتفات إلٌها. ماذا ٌحدث لن؟!هل تعلّمت الجنون من الكتب؟!<br />
الممثلون ٌتعلّمون ذلن من الكتب فهم ٌحتاجون أن ٌتمنوا دور<br />
المجنون ألنّهم سٌمومون بتمثٌله على المسرح أو فً السنٌما.<br />
على كل حال أهنّبن، فمد نجحت فً تمثٌل ذلن الدور الصعب<br />
اطمبن، فسٌنادونن بالدكتور باعتبارن استحمّمت اللمب مثلن مثل<br />
زمبلبن المجانٌن ؼٌر الحممى. حسناَ، ألن تخرج لتلتمً بالناس<br />
والشمس، ترى ممّ ٌعانً البحر؟! إن كنت ال تزال ترفض ذلن،<br />
هل تملن إجابة ممنعة؟! أم إنن ستمؾ مسطوالً ال تملن ما تبرّ ر<br />
به ذلن االنعزال التافه وتولّفن الممجوج عن الكتابة؟! الموت<br />
ٗ٘ٗ
سٌلحك بالجمٌع هذه هً الحٌاة. هل نلحك بالصدٌك الذي دعاه<br />
إنهم من بنوا ألدم<br />
اختلط بالناس وابتسم فً وجوهم ربّه؟! فً العالم.<br />
مدٌنة ألم تشعر بؤنن كدت أن تحطم الباب؟! أمّا مسؤلة االتصاالت<br />
الهاتفٌّة، فمد أخبرتن مسبماً أنً بحاجة إلى االعتكاؾ فً<br />
منزلً، وآمل أن ٌكون من الممكن أن أخلد إلى التؤمل ضمن<br />
نفسً على أرٌكة ما هنا مستسلماً إلى السباحة فً لاع أفكاري،<br />
ودراسة ما أتذكّره فً الصباح من تفاصٌل أحبلمً.هل<br />
الدٌكتاتورٌّة أصبحت لدراً علٌنا أن نمبلها خوفاً من جحٌم<br />
سٌنتظرنا أكثر لسوة ممّا ٌعرفه أيّ مخلوق.<br />
إن كلّ ما للته صحٌح. لكن اصدلنً المول:هل كنت ستجعلنً<br />
أدخل إن لم تكن لد خشٌت فعبلً أن أصل إلٌن عبر العنؾ<br />
والتحام ذلن العابك السخٌؾ. لمد ضؽطتُ على الجرس مرّ ات<br />
عدٌدة ولم تتحرن من مكانن. لل لً هل تنوي أن تحجز نفسن<br />
فً البٌت كً تتجنب وحوش و"دٌناصورات" هذا العالم؟! هٌا<br />
أزح ستارة النافذة وتفرّ ج على الذٌن ٌماتلون الوحوش بضراوة<br />
وٌمعون لتلى فً الشوارع دفاعاً عن وطننا وعاببلتنا وعنن<br />
شخصٌاً دون أن تحرن ساكناً؟! هٌا افعل لل لً: ألم تجد أن<br />
الوحوش ٌتنبّعون من الشوارع ولٌس من تلن الؽابة التً تط ّل<br />
على مدٌنتنا؟! كفى دالالً كفى ٌا زٌاد. ترى هل إطفاء األنوار<br />
ٌمنع الوحوش الكاسرة من الوصول إلٌن. إنً أحذرن وألول ٌا<br />
صدٌمً العزٌز: إن لم تنزل إلى الشارع وتحارب من ٌحاول<br />
ابتبلعنا، مستحماً مواطنتن، فستعَدُّ من الذٌن ٌتمتّعون بلحس<br />
عرلنا ونهب تعبنا ولوت أوالدنا. أظن أنً أعرؾ لماذا لم<br />
ٗ٘٘
تمارس عملن، رؼم الجهد الذي بذلته للوصول فً نهاٌة األمر<br />
إلى ما علّمته على الحابط. جبت إلٌن حتى أرؼمن على الظهور<br />
فً المجتمعات بٌن الحٌن واآلخر، وأرجون أٌها الطبٌب النفسً<br />
أن تعرض نفسن على أحد زمبلبن وتحضه على لطع ما تبمّى<br />
عالماً بن من ذلن الحبل السرّ ي. أإكّد لن أنن سترتاح وترٌح<br />
والدتن فً لبرها. لن أستطٌع نسٌان تلن المرأة النبٌلة التً لم<br />
تتمكن من فهمها، ولم تحمل نفسن الجهد الكافً فً سبٌل<br />
الوصول إلى ذلن. بل جعلت مماومتن لها تمدّم البرهان على<br />
رجولتن. لو كنت نبٌبلً حماً لمدستها وللت لها مرةً واحدة كم<br />
أنت رابعة ٌا أماه. أنا أشعر ٌا "زٌاد" منذ زمن طوٌل بؤن أحداً<br />
ما اختار جسدن لسبب ما لٌسكن فً داخلن، لطالما ظننت<br />
عندما تتكلّم أحٌاناً أن ما أسمعه لٌس صوتن وال أنت من ٌنطك<br />
ذلن الكبلم. أنا صدٌمن حماً لل لً ماذا ٌحدث، ماذا تشعر حماً<br />
وماذا تنوي؟!<br />
اسمع ٌا عدنان .األمر جدي وخطٌر.<br />
صادلاً وال ٌخالط ما للته أي مزاح؟!<br />
هل أستطٌع أن أعدّن<br />
بالتؤكٌد وأنت تعرؾ أنً الكبٌر فً البٌت ألم لم تنجب سوى<br />
أختٌن تعٌشان مع زوجٌهما مطمبنتٌن. لمد للت ذلن ألسعد<br />
بوضوح بعد أن حسمتُ أمري وتخلّصتُ من تردّدي وخوفً.<br />
ها أنا ألسم لن وألول: إنً أحب الجمٌع، ولكن أنت معدن آخر<br />
ٌرن فً أذنً رنٌناً مختلفاً ٌطرب له كٌانً، وأنا للك علٌن دون<br />
أن تدري. خوفً كبٌر من أن ٌصٌبن مكروه ما مثل الخرؾ<br />
المبكر. ال ألول ذلن كً أُخٌفن، لكن أمراً ما ٌفاجبنً بٌن الحٌن<br />
واآلخر، إنه شًء ألتمطه، إذ إنً لست متؤكّداً ممّا أعرؾ<br />
ٗ٘ٙ
بالضبط؟! إنه شًء ما ٌظهر وٌحذرنً، ثمَّ ٌسارع إلى<br />
االختفاء. كؤنه ٌركب أول رٌح لادمة. دعنً أصنّفه مجرّ د<br />
شعور أو أكثر من ذلن، هكذا ٌتحرّ ن اإلحساس فً داخلً<br />
وٌشعل الضوء للتؤكّد من إٌماظً، ولكنً فشلتُ فً تلمّسه. لل<br />
لً أال تتبول لبل أن تنام؟!<br />
كلّ الناس ٌفعلون ذلن ماذا فً األمر؟! هل أسعد ٌرٌد أن<br />
ٌصبح طبٌباً؟! رافك هذه الفكرة التً دخلت إلى ذهنً فجؤة<br />
ضحن شدٌد، مفكراً بذلن الماكر الذي بدأ ٌفشل فً تجدٌد<br />
أسالٌب مكره وسخرٌته وأالعٌبه. لكنً للت لصدٌمً سنعود<br />
حتماً إلى هذا الحدٌث مرّ ة أخرى. أعتمد أنن نسٌت ما جبت<br />
لتمول.<br />
هل تسخر منً ٌا زٌاد؟!<br />
هل فعلت ذلن لببلً؟!ّ<br />
حسناً كل األصدلاء مصرّ ون على أن تكون معنا على العشاء<br />
ؼداً فً نادي الشرق. ال تتلكّؤ إذ إننا لن نبدأ إالّ عندما نران<br />
بٌننا.كما سنكون مدعوّ ٌن إلى المطار حٌث سنشاهد "فٌفً<br />
عبدو" ترلص لبل أن تعتزل الرلص. كلّ األحباء متلهّفون إلى<br />
حضورن فبل تخذلهم، سؤمر علٌن بسٌّارتً لبل نصؾ ساعة<br />
من الموعد .أرجو أالّ تعود إلى افتعال الحٌل.<br />
حسناً، ثك أنً سؤكون باالنتظار، وأو<br />
كل األصدلاء.<br />
ّكد لن أنً اشتمت إلى<br />
ٗ٘7
ٕٖ<br />
علًّ االعتراؾ أن السهرة كانت بمجملها مسلٌّة وفٌها عودة<br />
لبعض الذكرٌات المكتنزة حباً، وال ٌمكن ألحد أن ٌعترض على<br />
كلّ تفاصٌلها. إنها أعطتنً من الصخب ما ٌكفٌنً بضعة<br />
شهور. كما أننا عدنا فً ذلن اللماء إلى الماضً ونبشناه نبشاً<br />
حمٌمٌّاً وبتإدة، ورأٌنا بؤذهاننا تلن الحوادث التً مرّ ت وتلن<br />
الممالب الطرٌفة التً أشبعتنا ضحكاً، ربما أكثر ممّا أكلنا أو<br />
شربنا، أستطٌع المول أننا كنّا نرى شرٌط الذكرٌات كؤننا نراه<br />
بالعٌن المجرّ دة. المبالؽة هنا طفٌفة. إذ أجرٌنا تصوٌتاً نتساءل<br />
فٌه: ترى ما هو أجمل حماً: أعٌش تلن الذكرٌات فً أرض<br />
الوالع، أم إعادة عٌشها مجتمعٌن جمٌعاً عندما أصبحنا نملن<br />
وعٌاً مختلفاً. كانت نتٌجة التصوٌت فً صالح إعادة شرٌط<br />
الذكرٌات وإعطابها طفولٌّتها وعفوٌّتها بٌنما كنّا نشاهد سخافاتنا<br />
مملوءة حباً وعفوٌّة وبعض الؽٌرة التً دعتنا إلى النظر نحو<br />
بعضنا بعضاً ونعود إلى الضحن الشدٌد. ثمَّ تبٌّنا أن أكثر<br />
"الفبركات" التً حُضّرت بعناٌة كانت من صنعً، كان البد أن<br />
تحدث تلن الممارنة بٌن ماضًِّ وحاضري. هنا صرت مادّة<br />
دسمة للتهكم البريء، فازداد الضحن وأصبحت السهرة مضافة<br />
إلى الماضً وذكرٌاته. لكنً كنتُ أفضل أالّ ترلص فٌفً عبدو<br />
وهً محمّلة بذلن الكم الهابل من اللحم والشحم المترجرج،<br />
الذي ال ٌمكنه أن ٌطاوعها أثناء الرلص، فبدون لصد بدا علٌه<br />
بوضوح، أنه ال ٌستطٌع حتى محاولة مجاراتها وهً ترلص<br />
كما تمول لها مشاعرها. أمّا تلن الكتل الدهنٌّة المترجرجة<br />
فوجدت نفسها فً وضع ؼٌر لادرة على االنفعال و كما تشتهً<br />
"المعلّمة" أظنّ ان المسكٌنة أدركت أنه لم ٌعد ٌمكنها الخضوع<br />
ٗ٘8
إلى اإلٌماع، فتؤلّمت وهً تهتز خارجه فٌنمل ذلن إلى من ٌملن<br />
اإلحساس المرهؾ الذي كان ٌتولع الدخول فً حالة من الشؽؾ<br />
والنشوة المختلطة بالشهوة، لكنه وجد نفسه ٌنتمل بدالً عن ضابع<br />
إلى حالة من المرؾ الشدٌد وخروج فٌفً من المسارح نهابٌاً.<br />
ٌالٌت"فٌفً" تولفت عندما كان علٌها ذلن حفاظاً على تارٌخها.<br />
كانت تمارس الرلص باتّمان ولرّ رت االعتزال عندما فهمت<br />
أنها لم تعد تملن شٌباً لتعطٌه. لو اكتفت بالتمثٌل الذي تجٌده<br />
حماً، لَما أخطؤت فرشاة الرسم وانزلمت للٌبلً دون أن ٌنتبه<br />
الرسّام ووضعت لوناً أسود فً موضع شوّ ه اللوحة كلٌاً،<br />
والتضت من الفنّان البدء من جدٌد، كؤن شٌبا لم ٌكن. لمد<br />
مسحت تلن الرالصة من اللوحة بشكل معٌب، وكان من<br />
األفضل أن تعلن تنحٌّها عن ممارسة هذا الفن بسبب العمر.<br />
طلبت من عدنان التولؾ عند جسر "فٌكتورٌا" فالبٌت لم ٌعد<br />
بعٌداً، وأنا أشعر بحاجة إلى التمشًّ، فً هذه اللٌلة المُمطرة<br />
التً انمشعت ؼٌومها وبانت النجوم ضاحكة وموحٌة باالستبشار<br />
بالمستمبل. لبّى عدنان الطلب بسرور لاببلً: الترٌض بادرة طٌبة<br />
لم أتولعها لمد كنتَ رابعا ٌا "زٌاد". كانت ساعتً تشٌر إلى<br />
الثانٌة صباحاً وخمس دلابك. تطلّعتُ باتّجاه ممهى "الهافانا"<br />
وإلى فوله بملٌل أو إلى حٌث ٌستطٌع نظري أن ٌمتدّ فلم أر<br />
أحدا ٌعود إلى بٌته فً مثل هذه الساعة. اللٌل والمتاجر المؽلمة<br />
جعلونً أشعر كم هً مدٌنتً جمٌلة، وتتنبّع منها عرالة بدأ<br />
أؼلب سكّانها ٌفمدونها منذ زمن لم ٌعد لصٌراً بالتؤكٌد. من حٌث<br />
كنت ألؾ شعرت بؤنً أستطٌع ضمّ كلّ دمشمً التً كنت<br />
أستكٌن للنوم على صدرها. كما كنت مإمناً إٌماناً عمٌماً بؤنً<br />
كنت أتبادل معها الحب منذ طفولتً. الحب شًء رابع حتى لو<br />
ٗ٘9
كان من طرؾ واحد أحٌاناً. إذ إنه ٌنجًّ أحد الطرفٌن<br />
المفترضٌن من جحٌم الطباع المختلفة، أو من الطرؾ الذي ال<br />
ٌعرؾ ماذا ٌرٌد، وال ٌدري إن كان ٌحب نفسه وٌطلب من<br />
اآلخر أن ٌشاركه فٌما ٌفعل، ال أعتمد أن أحداً منهما سٌصل إلى<br />
فهم الطرٌمة التً سٌخرج بها نفسه واآلخر العالك معه فً<br />
مصعد تولؾ فً منتصؾ الطرٌك، ولٌس لدٌهما وسٌلة<br />
لبلتصال بؤحد ٌمكنه انتشالهما من ذلن السجن االنفرادي لبل أن<br />
ٌكتشفا معاً أنهما مصابان "بفوبٌا "األمكنة الضٌمة دون أن<br />
ٌعرفا ذلن. إنً أمٌل إلى االعتماد أالّ أحد ٌملن بذل الجهد<br />
الكافً بحٌث ٌمكنه من االتصال بمشاعره والحوار معها بهدوء<br />
والخروج من ذلن اللماء باتّفاق ٌرٌان من خبلله بوضوح ما<br />
ٌطلبان من المستمبل. الحب من طرؾ واحد ٌمنحن متعة<br />
العذاب، وٌُعفٌن من الصراع ؼٌر المجدي، وال ٌإدّي بن إالّ<br />
إلى الطرٌك المسدود واإلحباط الماتل. أنا ال ألدم ألحد بطالة<br />
دعوة إلى هذا النوع من الحب المنهن المُرضً فً الولت<br />
نفسه. لكنً أعطً من ٌرٌد خٌاراً آخر لد ٌبعده عن الدخول فً<br />
متاعب ال حصر لها، تشعره بؤن الموت ٌتؤبط ذراعه أٌنما تمنّى<br />
الذهاب كً ٌخلو بنفسه، وٌتنفّس تنفّساً طبٌعٌاً، ٌسمح له بالتؤمل.<br />
إذ ربّما ٌُبصر فً نهاٌة الطرٌك بصٌص نور لد ٌُرٌه حبلً ما،<br />
أو تفتح له السماء نافذة لم ٌكن ٌدري بوجودها، ٌشاهد منها<br />
طرلاً مختلفة لٌعود حراً كالطٌور. لكن هل هنان من ٌمول لً:<br />
إنه سمع ٌوماً أن السماء تدخّلت وفتحت لمن ٌرٌد باب السجن<br />
وتركته مفتوحاً؟!<br />
مشٌت باتجاه الصالحٌّة منشرح الملب بعض الشًء. كن ُت<br />
مكتفٌاً وأنا أشعر بذلن. ثم لم ألبث أن مؤلنً الشن بما الترحته<br />
ٗٙٓ
سابماً عن مسؤلة الحب من طرؾ واحد، فلٌس من المعمول أالّ<br />
ٌواجه المرء بعد بعض الولت نمصاً فً اإلنصاؾ فً مكان ما.<br />
الكآبة التً شعرت بها استطعتُ التؽلب علٌها وطردها من<br />
مشاعري، ال أعرؾ كٌؾ حدث ذلن هذه المرة، فمن عادتً أن<br />
أرحب بها إذا حطّت بها الرحال فً داخلً، كما كنت أخرج<br />
منها فً كثٌر من األحٌان بشعور ٌمازحنً لاببلً: أرى أنها<br />
أصبحت تسلٌتن ألٌس كذلن؟! لست أدري لمَ لم أتحمل ذلن فً<br />
تلن اللٌلة المممرة؟! ٌبدو أالّ مفرّ من مواجهة الحمٌمة. للتُ فً<br />
فً نفسً: إن األمر لم ٌكن ٌوماً كما أفسّره. بل كان ٌبطن<br />
سخرٌة مُهٌنة ال أعرؾ لمَ كنت أتجاهلها؟! ترى أٌمكن أن أكون<br />
مصاباً بازدواج للشخصٌّة؟! أم إنً جبان ٌفضل الهرب. الهرب<br />
السرٌع بكل بساطة، مستؽرباً كٌؾ أن مشاعري كانت ترفض<br />
وجودها معً فً سجن واحد، مفضّلة النؤي بنفسها عن<br />
مشاركتً زالّ تً وخطاٌا َي حرصاً منها على عدم البماء وسط<br />
هذه الفوضى مُمثلة لحمٌمتً.<br />
عندما كانت أمً على لٌد الحٌاة لطالما حذرتنً بالتضاب<br />
من البماء طوٌبلً لصٌماً بنفسً. كانت تمول: علٌن الخروج من<br />
عباءتها أٌها الحبٌب. إذ إن ذلن سٌلحك بن عاجبلً أم آجبلً<br />
ضرراً بالؽاً. كنت أرى ذلن وأخشى ثورتن ضد محاوالتً<br />
المزعومة للسٌطرة، ورسم طرٌمة حٌاتن. بدأتُ بالظن ثمَّ<br />
تؤكدّت أنً أسمع منالشاتن معها وأشعر بٌن الحٌن واآلخر كٌؾ<br />
تتولؾ وتشاورها عندما تصل تؤمّبلتن إلى مولؾ ما، فؤحسُّ<br />
باألسؾ وهو ٌمول لً: ال فابدة ترجى من محاوالتِن، "إنها تكاد<br />
أن تكون تكراراً سفسطابٌّاً ٌفسر فلسفته فً االبتعاد عن الناس<br />
وعشمه المرضً لبلنفراد بنفسه". إن نكران ما ٌجري حولن<br />
ٗٙٔ
ٌخٌفنً وٌتركن سجٌناً فً محرابن ُممنعاً ذاتن أن عالم الحٌاة<br />
وحٌاة العالم شرٌ مستطٌر من األفضل االبتعاد عنه وعدم الولوع<br />
فً حبابله. أال ٌمال حتى اآلن إن ما أكتبه ٌبدو صعباً؟! ها أنا<br />
أفسّر ما للت بمولً: العالم هو الحٌاة وال حٌاة دون العالم. أنت<br />
عالِم ٌا بنً. هل من المعمول أالّ تكون بحاجة إلى تبادل وجهات<br />
النظر بٌنن وبٌن زمبلبن، لٌس فً اختصاصن فمط، بل علٌن<br />
أن تتعرّ ؾ على طرٌمة تفكٌرهم وتبسط أمامهم أسلوبن فً<br />
التفكٌر؟!أال تؤمل بتمدٌم أفكارن لآلخرٌن التً تتحدّث عن<br />
جوعن وعطشن إلى السبلم والحب، نعم إٌّان أن تنسى ذلن<br />
البحر الكبٌر من االخضرار والزهور وتلن الشجرة الوالؾ<br />
لربها التً أصبحت تنوء بؤحمالها وتنتظر بفارغ الصبر أن تلد<br />
ما تطعمن من أفخر التفّاح األحمر المانً. العالم ٌتؽٌر وسٌبمى<br />
ٌفعل ذلن، أال تستمتع باشتراكن فً تصوٌب هذا التؽٌٌر وشحنه<br />
بالحب، الحبّ الذي ٌفتح الطرلات وٌمؤلها بالنور وبالزهور<br />
على الجانبٌن، وٌحث الجمٌع على المشاركة بتلن السمكات<br />
الملٌلة وبضع أرؼفة من الخبز. أال تسعى تملإن الحماسة<br />
للتعاضد مع إخوة ٌشاركونن شعورن بؤولوٌّة اجتثاث الفمر<br />
والجوع من هذا العالم ونمل اإلنسان إلى مستوىً آخر وحضارة<br />
أرلى ترفعن أكثر وترى النجوم متؤللبة بطرٌمة أفضل وأكثر<br />
متعة؟! أال تحبّ أن ٌكون إنتاج أرض أمتنا األساسً لمحاً ٌكفً<br />
شعبنا كلّه وٌبعد الفمراء عن الجوع؟! أال ترٌده أن ٌكون عمبلنٌاً<br />
ٌمكّن شعبه من امتبلن الموة الكافٌة لردع كلّ من ٌحاول ؼزونا<br />
مباشرة أو ؼزوا جٌراننا بؽٌة االستٌبلء على وطنهم كخطوة<br />
أولى للتمدّد الحماً إلى بمٌّة األوطان الؽنٌّة الهانبة. على أمثالن<br />
ٌا بنًّ العمل الدابم على أالّ تزداد الهوّ ة بٌن األؼنٌاء والفمراء؟!<br />
بل ربّما نزٌل كلمة الفمر من وطننا. رجابً وأملً أن تستعٌد<br />
ٕٗٙ
نفسن، وابحث فً أعمالن عن الهدؾ الذي تتوق إلى تحمٌمه،<br />
وسِر وراءه دون خوؾ حتّى تلفظ أنفاسن األخٌرة. أعد اتّصالن<br />
باهلل وأنا أعدن بعدم عودتن إلى الشعور بؤنن نحٌلٌ، بالرؼم من<br />
أنن تشكو من بعض السمنة.<br />
ٌبدو أن من هو مثلً ال ٌدرن أن الرحٌل أمر صعب. إذ إنً<br />
لن أحتاج إالّ التّخاذ المرار وارتداء سترتً المعلّمة، ولفل الباب<br />
ورابً واجتٌاز تلن الدرجات الملٌلة، ثمَّ أصبح فً الشارع تحت<br />
المبّة الزرلاء. ٌخالجن شعور فً تلن اللحظات، أنن تلتحؾ<br />
السماء وأنت مدرن أنها ؼٌر معادٌة. البحر ؼٌر بعٌد، والشمس<br />
تستعد للمؽٌب. فً أثناء ذلن تتحسّسُ جٌب سروالن وتتؤكد أن<br />
ما فٌه ٌكفٌن لتحمٌك المرام. هنان حٌث كنت تسعى للوصول<br />
تكتشؾ أن أٌدي الناس باردة وابتساماتهم باهتة، وال ٌملكون<br />
الولت للحدٌث معن، وٌبدون مستؽربٌن وٌكادون أن ٌمولوا<br />
لن: ماذا تظن أنن تستطٌع أن تفعل هنا؟!<br />
بعد أن تؤكّدتُ أنً لن أجد من أعانمه فً هذه الببلد التً تدهشن<br />
نظافتها، وحرفٌّة كلّ ما تنتجه، عدت إلى ببلدي مستعداً ألضع<br />
ٌدي فً أٌدي كلّ الشرفاء فً دمشمً لنطرد معاً كلّ الوحوش<br />
التً عاثت فساداً وافتراساً. ربّما سنجعلهم ٌفرّ ون إلى مؽاور<br />
الجلٌل، أو نؽرلهم فً النهر المسروق، فتفسد المٌاه التً تروي<br />
عطش األعداء الذٌن ٌسعون إلى سرلة االخضرار الذي ٌساكننا<br />
وٌُملا الهواء الذي نستنشمه "باألكسجٌن" إكسٌر الحٌاة. إنهم<br />
ٌسرلوننا وٌرٌدون أن ٌبعدوننا، بإرسال الوحوش إلٌنا لجعل<br />
وطننا ٌستحٌل العٌش فٌه.<br />
ٖٗٙ
تولّفتُ عند مدخل الصالحٌّة، متمتّعاً بذلن االمتداد الجمٌل اللمّاع<br />
الذي ٌناشدن لاببلً: هٌّا افرشنً بالزهور وال تبخل. أنا أستحكّ<br />
ذلن. ماذا حدث لكم ٌا أهل دمشك، لمَ تولّفتم عن العناٌة بً؟!<br />
هل نسٌتم أنً عاصمة الببلد، وفً أرجابً ترسّخت دولة<br />
العرب الكبرى؟! هل أخمد الصهاٌنة شعلة الكرامة المتؤججة<br />
فٌكم؟! هل نسٌتم أنً أنرت الصحراء، وأرسلتُ خبلٌاي إلى كل<br />
لطرة دمٍ فٌكم، وبذلن أنتمل من جٌل إلى جٌل، فاتحة لكم<br />
الطرٌك إلى المدابن، ومؤلتُ صحارٌكم بالماء وال أزال أرافمكم<br />
إلى كلّ األلطار. ألم أؼدُ درّ ة الشرق؟! لمَ لم ٌعد فٌكم ما ٌحرّ ن<br />
تلن الدماء التً اختٌرت بعناٌة، وباركتها السماء لتعٌد إلى<br />
الشرق بهاءه وتُبمً أرضه موطباً أللدام الرسل؟! أتخافون تلن<br />
الوحوش التً ٌسعدها التمرّ غ فً المذارة مع لمطاء الصهاٌنة؟!<br />
أنا دمشمكم أتتركوننً أذوي؟! أنا كرامتكم أتهجروننً دون أن<br />
تدركوا أنّكم تسلّمون ذواتكم إلى الضٌاع واالندثار؟! كٌؾ ٌمكن<br />
أن ٌصح هذا وٌكتب فً الكتب؟! أال تفهمون ما الممكن أن ٌعنً<br />
أو ٌشٌر، أم إنكم تتجاهلون وتكذبون على الشعب متعمدٌن<br />
مرّ ة واثنتٌن وثبلث مرّ ات، ظانٌّن أن ما حدث فً الماضً<br />
ٌمكن أن ٌحدث اآلن، فشعبنا الطٌب ٌنسى ونستطٌع المول له<br />
لٌس من الحكمة اجتثاث االؼتصاب والمؽتصبٌن بفظاظة، إذ<br />
من الحكمة تؤجٌل ذلن إلى ولت تجرّ ب فٌه الحكومة استخدام<br />
السٌاسة للوصول إلى المبتؽى، إن الملٌل من الولت سٌكون<br />
بالتؤكٌد أفضل من أن تجري الدماء وٌكون علٌنا فً سبٌل منع<br />
ذلن أن نؽٌّر فً األولوٌّات فنستردّ ما نهب من لوت األمة<br />
ونُدخل الفاعلٌن والمشتركٌن إلى السجون حٌث علٌهم أن<br />
ٌكونوا، فنظهر بذلن عرالة األمة وتجذر تعاملها الحضاري مع<br />
اإلنسان أٌنما وجد. ٌبدو أنكم تبؽون وسط الحرب االنتمال بكل<br />
ٗٙٗ
بساطة من الحرب على االؼتصاب والمؽتصبٌن التً ال هوادة<br />
فٌها إلى السٌاسة وأالعٌبها وترٌدون أن ننسى تارٌخاً كامبلً من<br />
الخٌبات باللجوء إلى إخفاء الجرٌمة والمجرمٌن. كفوا عن<br />
الخداع وتابعوا تنفٌذ األوامر التً أتفك علٌها وولعت من<br />
المراجع العلٌا. ترى من هً تلن األٌدي الخفٌّة التً تدخلت<br />
اآلن وترٌد أن تتربع على رأس الحكمة وهً لم تستطع النجاح<br />
فً االنتخابات؟! ترى هل النعتم أحداً بما فشلتم به مرّ ات ولم<br />
تخجلوا من الهزابم الكثٌرة التً فتحت األوراق التً تبٌن كم<br />
ربحت السٌاسة من المال من بٌع الببلد، أم إنّكم استمرأتم<br />
الخنوع وأشحتم وجوهكم عمداً كً ٌمكّنكم ذلن أن تنسوا<br />
الماضً الذي تعلّمتم فٌه اإلباء والشموخ وشجاعة اإللدام.)ترى<br />
أٌن إرث اآلباء الذي ضخّ فً دمابكم رابحة الحرٌّة الذكٌّة،<br />
وعلّمكم الطرب الرالً عندما تتمارع النصال، وكٌؾ تتحملون<br />
بفرح أعباء الدفاع عن تراب الوطن، وتسري فً دمابكم العزّ ة<br />
وأنتم ترون علم ببلدكم ٌرفرؾ فً كلّ األصماع.( ما وضع بٌن<br />
لوسٌن علٌنا أن نكتبه فً أحد أعبلمنا وتفسٌره للكبٌر<br />
والصؽٌر، ودعونا ننتشل أنفسنا من البٌع الخسٌس للوطن.<br />
واصلتُ المسٌر منتشٌاً ببرودة تلن النسٌمات التً تداعب وجهن<br />
وتدخل إلى شعرن محتفظة بمظهره الذي ٌدلّ على استمرار<br />
عناٌتن به. لم ألبث أن الترب ُت من سٌنما األمٌر، فتمدّم إلًّ رجل<br />
عجوز كان مُتّكباً على الحابط لرب المكان وٌتنفس بصعوبة.<br />
كان ٌنظر إلًّ مباشرة كؤنه واثماً أن حاجته موجودة لديّ أو إن<br />
باستطاعتً تؤمٌنها له. بادرنً بالمول: أرجون أنا بحاجة إلى<br />
بعض الكحول، ال تظن أنً ولح ولد تعودتُ على ذلن من<br />
التسول!! حٌاتً مرّ ت بصعاب كثٌرة حتى ؼدوت ال أستطٌع<br />
ٗٙ٘
العزؾ على الكمان. ابن المحبة ٌساعدنً على النوم، وٌعٌد إلًّ<br />
بعض أحبلم الصبا واألنؽام التً تسحمنً كلّ ٌوم وتمتّ ِعنً<br />
مانحة إٌّاي نزهة رابعة وأنا أطٌر على بساط الرٌح والطٌور<br />
ترافمنً مؽنٌّة كؤننً عرٌساً تحمله إلى الهٌكل لٌنتظر هنان<br />
عروسه. نعم ٌا أستاذ ال تزال تلن األحبلم تراودنً وما أبلعه<br />
من الكحول ٌجعلنً أنام دون أن أشعر بهذا البرد المارس.<br />
صدلنً ٌا أٌها األخ الكرٌم، لوال ذلن الذي ٌجعلن تخال كؤنن<br />
تعانك "مارلٌن مونرو" لكنت منذ زمن بعٌد تحت التراب<br />
محروماً من هذا الوجه الذي أمامً، والنور العجٌب الذي<br />
ٌخرج منه. أال ترٌدنً التجوّ ل مع كمانً أبثُّ ألحان أٌام الزمن<br />
الؽابر التً تمول للسامعٌن مرحى لكم أٌها المطروبون،<br />
ومرحى لذلن العازؾ على الكمان الذي ٌمكنه من أن ٌطلك<br />
لمشاعره العنان، وهً تشجّعه عل التجوّ ل فً جسده وتتبادل<br />
المُبل مع روحه.<br />
حسناً، ٌبدو أنن تملن تارٌخاً لم تعرؾ كٌؾ تحافظ علٌه،<br />
وتركته ٌتسرب من بٌن ٌدٌن؟ لل لً من أٌن ستشتري الكحول<br />
فً مثل هذه الساعة؟!<br />
هنان عند الزاوٌة التً تمع فً آخر الطرٌك ٌكمن رجل ٌملن<br />
زجاجة كاملة سرلها من نابم ما فً زاوٌة ما. وهللا العظٌم ال<br />
أعرؾ أٌن هً وال من هو المسروق.<br />
أنت ترٌد نصفها بالتؤكٌد.<br />
هذه هً الحمٌمة تماماً ٌا سٌّدي.<br />
ٗٙٙ
هل تمول لً من أنت وماذا كنت تعمل؟!<br />
لمَ ال؟! كل الذٌن ٌعٌشون بعد الثانٌة عشرة لٌبلً ٌعلمون من<br />
أكون. كنت من أشهر عازفً الكمان فً لبنان. كمانً جعل<br />
العشاق الذٌن ابتعدوا عن بعضهم بعضاً، ألنهم أضاعوا اللؽة<br />
المشتركة التً جمعتهم، ٌعودون إلى العناق مصمّمٌن على بذل<br />
الجهد لتنمٌة ذلن الحب الذي طالما كان بٌنهم، ولم ٌعرفوا كٌؾ<br />
ٌتمسّكون به، رافعٌن علمه إلى األعلى ماضٌن به بعٌداً عن<br />
سوق النخّاسٌن. كمانً أعاد أؼلب أولبن إلى ما ٌتطلّبه ذلن<br />
الهدؾ الدابم وهو االرتماء باإلنسان وتمسّكه بإنسانٌّته. لتل ُت<br />
زوجتً ٌا سٌّدي عندما رأٌتها فً الفراش مع أحد جامعً<br />
الممامة فً حٌنا. هربتُ إلى أمرٌكا التً ٌمال إنها أم الدنٌا فلم<br />
أفلح بالوصول إلى أيّ مكان. بل زاد األمر سوءاً حتّى حشرتُ<br />
فً تلن الزاوٌة التً ٌفضل المرء أن ٌفعل المستحٌل فً سبٌل<br />
التخلص منها. هكذا التمٌت بمن همس فً أذنً لاببلً: ألم تعلّمن<br />
الحٌاة التمثٌل؟!<br />
بلى.<br />
"إنن تبدو أمٌراً أصٌبلً. تممّص شخصٌّة المعتوه وأتمنها، ثمّ<br />
عش متسوّ الً ٌروي الحكاٌات عن الماضً، وعن المصر<br />
الرخامً الذي خسره والدن فً الممار. إلى أن خطفن<br />
اللصوص بمصد المتاجرة بن. لكنن فً الٌوم التالً مرضت<br />
مرضاً شدٌداً، فؤخذون إلى زلاق معتم ورمون هنان. علٌن أن<br />
تبدع فً اختبلق الرواٌات وأعدن أنن ستصبح ؼنٌّاً."<br />
ٗٙ7
كان الزلاق أجمل من ذلن المصر. هنان شعرتُ بؤنً أعٌش<br />
وبدأتُ أنظر إلى توالً المشاهد من الناحٌة الفلسفٌّة. مرّ ة كنتُ<br />
أتمشّى فً الزلاق، فرأٌتُ شاباً ٌرمً بحجر أحد األضواء التً<br />
تنٌر المكان فؤصبح الزلاق ٌستعٌد اإلثارة التً تجعله مختلفاً.<br />
كان الشاب لد أصبح لربً تماماً فوشوشنً لاببلً: ألن تكون<br />
المضاجعة فً تلن الزاوٌة هنان أكثر متعة؟! ابتسمتُ له<br />
وواصلت سٌري. لكن من طبع الحٌاة أن تستدعً المفاجآت<br />
متى شاءت ذلن. إذ إنً استفمت جفبلً فً مخدعً المرٌح،<br />
وفوجبت أن زنجٌاً ضخماً ٌحاول الشروع باؼتصابً وفً ٌده<br />
ٌحمل سكٌنا كانت تلمع فً الظبلم بشكل مخٌؾ. تذكّرتُ فً<br />
تلن اللحظة أن فً جٌبً طمم أسنانً، فؤسرعتُ وحشوت فمه<br />
بالطمم العلوي، فكاد أن ٌختنك تماماً. هكذا تخلصت منه،<br />
وأدركتُ أنً لن أجد إالّ سورٌّة مبلذاً. هنا كبرت وعشتُ بؤمان<br />
ولم أصادؾ أحداً ٌنوي أن ٌُلحك بً شراً.<br />
حسناً.خذ هذا المبلػ واشترِ الزجاجة كلّها، ثمّ اسؤله أٌن ٌنام<br />
ذلن الذي سرق منه الزجاجة، وابحث عنه من أجلً وأعطه<br />
بعض الشراب. ألٌس هذا عادالً؟! عدنً أنن ستفعل ذلن.<br />
<br />
باسم الرب أعدن، وسٌجٌبن الخبر الٌمٌن عن طرٌك الرب.<br />
بعد ثوان من اختفاء ذلن الرجل فً العتمة سمعتُ جلبة<br />
وصراخاً وشتابم. فً تفاصٌلها مفردات مبتكرة طرافتها سولٌّة<br />
وذكٌّة. صدّلونً إن للت لكم: إنً لم أسمع بمثلها أبداً. بدا لً<br />
أنه خصام بٌن مراهمٌن من أبناء الشوارع من الجنسٌن.أسرعت<br />
بااللتراب من المكان الذي ٌفاجا الؽرٌب أنه بداٌة السلّم الذي<br />
ٗٙ8
ٌوصلن إلى عدة متاجر تصطؾّ حوالٌه، وهً بدورها تشٌر<br />
إلى تلن السٌنما.<br />
كانت ظنونً فً محلها. إذ رأٌت فتىً ٌصطرع مع فتاة فً مثل<br />
سنّه وحولهما الكثٌر من المراهمٌن من الجنسٌن أٌضاً، ولد<br />
ٌكونون مثلهم فً العمر أو أصؽر للٌبلً، شؽلتنً براعة الفتاة<br />
فً المتال وإتمانها المفز بخفّة من مكان إلى آخر بسرعة مُدهشة،<br />
كما لفتنً جمالها الؽرٌب وطرٌمة تحرّ كها الؽبلمٌة. استمرر ُت<br />
بمرالبتً للفتاة مُدّة ال بؤس بها، ثمَّ انتبهتُ إلى نفسً معاتباً،<br />
فصرختُ بكل ما أملن من لوة نازال تلن الدرجات بسرعة وأنا<br />
فً أوج ؼضبً. لم أستؽرق الكثٌر من الولت فً التفرٌك بٌنهم<br />
جمٌعاً، وأنا أدور فً وسطهم لافزاً هنا وهنان ضارباً بعضهم<br />
ضربات خفٌفة ال توجع وأنا أحاول التفرٌك بٌنهم، مستجمعاً<br />
شجاعة أشنُّ كثٌراً فً مصدرها وال أخال أنً أملكها، صارخاً<br />
كؤنً خلمتُ ألكون رجل أمن. أنا الممدم "علً إبراهٌم". أذكر<br />
كم كان صوتً مخٌفاً هل ترٌدون أن تناموا فً السجن؟!<br />
ستنامون مع الكبار إذاً، افرحوا وتهلّلوا، إذ إنكم ال تدرون ماذا<br />
ٌمكن أن ٌحلّ بكم وسط أولبن الزعر؟! سٌستعملونكم للتسلٌة<br />
أوّ الً، إنكم فاكهة لاربت على النضج. إنهم ضجرون فعبلً<br />
وٌنتظرون حتى ٌحٌن ولت الطعام. عندبذ سٌشوونكم وٌؤكلونكم<br />
كما ٌفعلون مع العصافٌر بكل بساطة. هل ستتساءلون ماذا<br />
سٌحلّ بعظامكم؟! سؤلول لكم: إنهم سٌرمونها فً منتصؾ باحة<br />
السجن حٌث ٌخرج المساجٌن فً الصباح للترٌض بعض<br />
الولت. أإكّد لكم أالّ أحدَ سٌهتم كٌؾ وصلت تلن العظام إلى<br />
ذلن المكان، وإلى من تعود؟! ستُرمى باستخفاؾ ودون تردّد<br />
فً النفاٌات التً تُنمل ٌومٌّاً من السجن.<br />
ٗٙ9
لست أدري ما الذي حدث حتى شردتُ لثوانٍ ؼبتُ فٌها عمّا<br />
كان ٌجري. ربّما أنً عندما رأٌت الجمٌع لد انحشروا فً نفك<br />
الخوؾ خفتُ أنا أٌضاً، ووجدتُ نفسً وسط فوضى عارمة. لم<br />
ٌكن األمر بسٌطاً. إذ إنً لم أعتد ٌوماً أن أكون فً ؼٌر مكانً،<br />
ولم أرتدِ ثٌاباً إالّ التً تلٌك بً. أنا أورثوذكسً رفض جدّي أن<br />
ٌسكن فً "المصّاع" وبنى بٌتاً على بعد خطوات من مشفى<br />
"الطلٌانً" باتّجاه "المهاجرٌن" لم أعد أعرؾ كٌؾ سمحتُ<br />
لنفسً باالنزالق إلى فخ ٌعٌش فٌه لصار مشردون. ماذا لو<br />
ضبُطتُ وسط هإالء الذٌن ٌرتدون األسمال، وماذا سؤلول إنً<br />
كنتُ أفعل مع كلّ هإالء المشرّ دٌن؟! وكٌؾ جُننتُ ولمتُ<br />
بانتحال صفة ضابط برتبة ممدّم?! لست أدري كٌؾ حدث كلّ<br />
ذلن، ولمَ رمٌت نفسً بكلّ بساطة فً وكر األفاعً؟! بمٌت<br />
برهة أحاول أن أتذكّر ما الذي دفعنً إلى هنا بالضبط، وماذا<br />
كنتُ أرٌد أن أثبت؟! كان هذا ؼرٌباً دون أن أجد ما ٌبرّ ره ث َّم<br />
من أٌن لً أن أترن تفكٌري ٌؤخذنً كً أصبح مصلحاً<br />
اجتماعٌّاً؟! إن األمر ال ٌمكن فهمه. اإلنسان الذي ٌبدو أنه<br />
ٌعرؾ الكثٌر، ٌظهر فجؤة أنه ال ٌعرؾ شٌباً وال ٌدري ماذا<br />
ٌنتظره عند الناصٌة التً ال تبعد عن المكان سوى بضعة أمتار.<br />
لكنه ٌدرن فً نهاٌة األمر أنه لم ٌفهم كلّ ما جرى له فً حٌاته<br />
التً ال تزال تتمدم إلى األمام وما الهدؾ فً النهاٌة. ٌبدو أن<br />
أمً كانت على حك لمّا لالت إن نضجً ال ٌسٌر بالتوازي مع<br />
ذكابً وثمافتً. إن طرح األسبلة لم ٌعد ٌجدي ولن ٌوصلنً إلى<br />
أيّ شًء. أدركت فجؤة أنً وضعت نفسً فً مولؾ خطٌر،<br />
علًّ االنسحاب منه بسرعة، وإالّ ستزداد فرص ولوعً فً<br />
مصٌدة ستطٌح بسمعتً فً دمشمً كلّها دون أن أملن سبباً<br />
ٌمكّننً من الدفاع عن نفسً. ٌا لسذاجتً!!<br />
ٗ7ٓ
للت بحزم ألولبن المراهمٌن، هٌا عودوا إلى النوم، وحاذروا<br />
تكرار ما حدث، فلن أكون موجوداً ألُنمذكم من ذلن المؤزق<br />
الذي كنتم ستمعون فٌه. أسرعتُ فً الخروج من المكان محاوالً<br />
التمشًّ بتإدة كؤنً امرإٌ مصاب بلوثة ٌتنزّ ه فً الثالثة صباحاً.<br />
ثابرتُ على خطّتً بعض الولت، ثمّ بدأتُ أسرع الخطى ألصل<br />
إلى بٌتً المرٌب وأؼلك الباب ورابً. نعم ألولها لكلّ من<br />
سٌمرإونً. كنت بحاجة بشدّة أن أؼلك باب بٌتً بموة واتنفس<br />
الصعداء. أدرك ُت فً ذلن الحٌن أهمٌّة أن ٌكون لدى كل إنسان<br />
بٌت، ٌدخل إلٌه فً اللحظة المناسبة وٌؽلك الباب وراءه إنه<br />
شًء كثٌر األهمٌّة. بعد للٌل من الولت سمعتُ صوتاً مزعجاً<br />
ٌبلحمنً، فشعرتُ بالخوؾ مختلطاً باالمتعاض الشدٌد، وتملّكنً<br />
احساس لوي ٌتبرّ م من طبٌب نفسً رفض أن ٌفتح عٌادة،<br />
ممدّماً الكثٌر من الذرابع، لكنها لم تستطع أن تخفً خوفه من أن<br />
ٌصبح مثل مرضاه، أو أن ٌصبح مسإوالً عنهم. علٌه االنتباه<br />
إلٌهم وٌتحمل عنهم بعض هواجسهم وآالمهم أو الكثٌر منها. لم<br />
ولن تنجح الخدعة فً أن ٌنبري لمعالجة الناس على لارعة<br />
الطرٌك!! وٌعتبر نفسه لد أدّى لسطه لمحٌطه ولمن ٌلتمٌه<br />
مصادفة. ماذا ٌحدث فً هذا العالم الممًء؟! لل لً هل<br />
أرسلون إلى الجامعة األمرٌكٌّة لتتخرّ ج مجنوناً؟! أتفكّر حماً فً<br />
إزالة الفوضى من هذا العالم؟! لم أستطع متابعة السٌر، وعملً<br />
ٌمؾ وظهري ٌستند على الحابط دون أن ٌمكّ ِنه من صدّ اللكمات<br />
التً تتهاوى على أفكاره. لكنً صمّمتُ بداٌة أن أعرؾ من<br />
ذلن العنٌد الذي ٌتبعنً، دون أن ٌكل أو ٌمل، لاصداً زٌادة<br />
الضؽط على ذلن الشًء الذي ٌنتعله هادفاً للوصول إلى الفتن<br />
بؤعصابً?! ترى من أٌن ورثتُ هذا الضعؾ كلّه واللجوء إلى<br />
تحاشً المتال. ولكنً كنت أدرن أنً ال أزال بعٌداً<br />
ٗ7ٔ<br />
تساءلتُ :
:<br />
عن حصولً على أي جواب. استدرتُ فجؤة بعد أن عٌل<br />
صبري ألرى الفتاة نفسها التً لفتت نظري وكانت مع أولبن<br />
الحُثاالت، مصمّمة على االلتراب منً إلى أن أصبحت بجانبً<br />
دون أن تُظهر أيّ ارتبان. لم تلبث أن لالت برأس مرفوع<br />
مستخؾّ لمد انطلت حٌلتن وصدلوا أنن تملن رتبة ممدم فً<br />
األمن. أبناء المحبات لم ٌبلحظوا ارتباكن وال ضرباتن الناعمة<br />
ال شنّ أنه ٌلزمهم بعض الولت لٌتمكّنوا من إدارة اللعبة فً<br />
الشوارع. ابتسمتُ لاببلً: حسناً، سؤصفك لن بالمدر الذي ترٌدٌن<br />
الحماً، أمّا اآلن فؤفضل ما تفعلٌنه هو أن تعودي إلى حٌث كنتِ،<br />
فهنان لد تبرعٌن وتدخلٌن ٌدٌنِ إلى الجٌوب وتسحبٌن منها كلّ<br />
ما تحوٌه. إٌّانِ أن أرانِ تبلحمٌننً، فؤنا ال أإكل بسهولة، ولادر<br />
على االلتصاص منن بشدة. ال تعتمدي على للبً، فإنه مراوغ<br />
ال ٌإتمن كصاحبه. اذهبً فً سبٌلن. إذ إنً ال أرؼب فً أذٌّة<br />
أحد. ال ترؼمٌنً على الخروج عن طوري، فسٌحدث ذلن إن<br />
لم تفرنمعً وتؽٌبً بسرعة من هنا. أنا ال أحب الفتٌات<br />
الحسناوات أمثالن اللواتً اعتدنَ أن ٌنمْنَ فً األزلّة ومداخل<br />
البٌوت. أنا أخشاهنَّ، وال أطمبنّ إلٌهن إذ هنَّ ماكرات لبٌمات،<br />
وشرّ هنَّ ٌرتسم على وجوههنَّ، وأعتمد أنهنَّ تعوّ دن على<br />
رابحتهنَّ النتنة.<br />
ال تهدّدنً. أنا أعرؾ أن طبمتن المخملٌّة تحسن الكبلم وتجٌد<br />
التبلعب به حسب ما ٌمتضٌه الحال. لكنّها ال تملن حسم أيَّ<br />
أمر. سؤنام عندن، فلٌس لدٌن زوجة تعتنً بن.<br />
ٗ7ٕ<br />
ألتفتُّ إلٌها متعجباً ولل ُت:<br />
أزال أجاهد حتّى أنساها؟!<br />
كٌؾ تعرفٌن<br />
هذه الحمٌمة التً ال
المتزوج ال ٌرتكب عمبلً متهوّ راً أحمك كما فعلت. لو رأى<br />
أحد الذٌن تنتظره امرأته، تلن العصبة من المشرّ دٌن، ربما<br />
رممنا بنظرة لد تعنً الكثٌر لست أدري، أو لعلّه ابتسم أو هز<br />
رأسه كؤنه ٌمتلا باألسؾ لوجود أولبن المشرّ دٌن فً تلن<br />
الساعة. لكنه بالتؤكٌد لن ٌتولؾ إالّ بضع ثوانً، ث ّم سٌتابع<br />
طرٌمه دون أن ٌلتفت إلى الوراء. ربّما أٌضا سٌكون خابفاً أن<br />
تكون امرأته بانتظاره ولم تنم بعد، وهو ٌعرؾ أن الحًَّ كلّه<br />
سٌكون بانتظار مشاهدة فصل من فصول تلن التراجٌدٌا التً<br />
تتكرر دابماً وال أحد ٌعرؾ متى ستنتهً؟! هل أدركت أنن<br />
ٌلزمن الكثٌر لتستطٌع فهم هذه الدنٌا؟!<br />
عندما نصل إلى البٌت<br />
لن.<br />
سؤطلب الشرطة.<br />
ولن ٌهمنً ما ٌحصل<br />
أإكد لن أنن لن تستطٌع فعل أي شًء. أعتمد جازمة أنن ال<br />
تزال تفكر بما ألحمت نفسن فٌه. لمد أصبحت أٌها الوسٌم<br />
النظٌؾ عاجزاً تماماً عن التفكٌر. لمَ ال تتمهل وتزن لدراتن<br />
تماماً وتكتشؾ أن علٌن االمتناع عن محاولة تجاوزها. إذا لم<br />
تنتبه إلى نفسن فستإدّي بها إلى التهلكة. دعنً ألول لن: إن<br />
أصؽر ولد من أولبن المشرّ دٌن ٌزن أموره بطرٌمة أفضل. إنن<br />
تجعل للبً ٌنفطر للماً علٌن. ألٌس من طرٌمة تعٌدن إلى<br />
الصراط المستمٌم؟! إنً أعرؾ أنن بحاجة إلًَّ بطرٌمة ما، فؤنا<br />
خجولة فً أعمالً رؼم عٌشً وسط مشرّ دٌن ال أشعر باالنتماء<br />
إلٌهم. آمن مرةً واحدة بؤنً ألول الحمٌمة دون أن أعً معنى<br />
الكلمات التً أتلفّظ بها. أنا آسفة إذ إنن لن ترانً طوٌبلً، وهذا<br />
ما ٌجعلنً أعٌش بالمدر الذي ٌُسمح لً بالعٌش، مضطربة<br />
ٗ7ٖ
أتساءل عن أحوالن، وهل ال تزال ساذجاً كما كنت دابماً؟! تؤكّد<br />
إن هذا سٌمزّ لنً، بل سٌمتلنً، هل تستطٌع أن تفهم ذلن؟!أم إن<br />
الجامعة األمرٌكٌّة ال تمبل ذلن علمٌّا. دعنً ألول لن: طظ على<br />
الجامعة األمرٌكٌّة، إن جنابنها جمٌلة، وماذا بعد ذلن؟! لمد<br />
تخرّ جت بامتٌاز من إحدى أفضل جامعات العالم. لل ماذا<br />
تساوي اآلن؟! وكم تزن أردافن المترهلة هٌا لم بتلن العملٌّة<br />
الحسابٌّة، فؤنا ال أعرؾ الطرٌك إلٌها، ودعنا نرى ماذا فعلت<br />
بحٌاتن. لمد جعلت والدتن تتمنّى الموت لتتخلص من جحٌمٌن.<br />
من أنتِ لولً لً: هل أرسلن الشٌطان لتعٌدٌنً إلى ما كنت<br />
فٌه؟! أنا لم أعد أعرؾ إلى ماذا تهدفٌن وأٌّة نهاٌة تبؽٌن؟! هل<br />
ترٌدٌن أن أمزق شهادتً الجامعٌّة؟! ماذا تدبرٌن ٌا ابنة<br />
الشٌطان، من أرسلنِ حماً وما الذي ٌدعونِ لبلهتمام بؤمري؟!<br />
أهنان من أؼدق علٌن المال لتعملً على تخرٌب حٌاتً؟! ألٌس<br />
هو نفسه من أعطانِ المعلومات وكل التفاصٌل من أجل أن<br />
توظّفٌها فً إخافتً وزرع االضطراب فً نفسً؟!<br />
أنا ال أدبر شٌباً، وصدّلنً أنً ال أعرؾ لمَ أهتم بن. ال تخؾ<br />
سؤعلّمن كلّ ما ٌلزمن لتعٌش دون أن ٌستطٌع أحد أن ٌسلبن<br />
عملن بعض الولت، وٌفعل بن ما ٌشاء.<br />
حسناً، دعٌنا نتابع المشً الهوٌنى، فربّما أعرؾ شٌباً عن<br />
ماضٌنِ ، رؼم أنن تثٌرٌن المرؾ فً نفسً.<br />
كٌؾ تتكلم مثل العارؾ بكل شًء؟! ثمَّ من أٌن لن أن تتؽلؽل<br />
فً ماضٍ أنا ال أعرؾ عنه شٌباً؟! أترٌد أن تعرؾ شٌباً عن<br />
ٗ7ٗ
أبً وأمً؟! صدّلنً إذا للت لن: إنً لم أر حتى خٌالهما فً<br />
أحبلمً مرّ ة واحدة. إن أمرن عجٌب حماً، انا ال أدري من<br />
ربّان وأفسدن بهذا الشكل؟! ؼرٌب أمر هذه الدنٌا. ترى هل<br />
تفهمها أنت؟! أٌهمّن أن تعرؾ ماذا حدث لً؟! لمد استفمتُ مرةً<br />
فً أحد المستشفٌات وأنا أعانً من ألم رهٌب فً رأسً<br />
المؽطّى بالضمّادات. سمعتهم ٌتحدثون عن فمدان ذاكرتً. مرَّ<br />
ولت حتّى فهمت ما تعنً تلن الكلمات. كنت أعرؾ أنً مشرّ دة<br />
منذ طفولتً.<br />
ال أعتمد ذلن. إذ البدّ أنن عشتِ مع أمن وحدها على األلل أو<br />
مع االثنٌن معاً بعض الولت ثم لرّ را عدم استرجاعن من<br />
المستشفى لسبب ال أعرفه. لد ٌكون الفمر أو رعونتن أو<br />
مشاكساتن التً ال تطاق.<br />
ال أملن ما ٌدفعنً إلى االعتراض على آرابن، فؤنا لٌس فً<br />
ذاكرتً أو فً جٌبً ما أردَّ به على ما تعلّمته فً الجامعة التً<br />
ال ٌذهب إلٌها إ ّال األؼنٌاء. أعتمد أن األطباء الذٌن عالجونً<br />
أؼبٌاء ٌشبهون أولبن الذٌن ٌتخرجون من الببلد األوروبٌّّة<br />
الشرلٌّة التً ٌمال إن الثلج ٌخفٌها عن األنظار طول الشتاء،<br />
ترى هل ٌمكننً الرحٌل ٌوماً إلى هنان؟! ربّما ٌتحمك هذا الحلم<br />
وأعٌش وحدي فً ؼابة صؽٌرة، هٌا اضحن ولل لً: إن المدر<br />
ال ٌهتم بؤمثالً، وربّما ٌتساءل أٌضاً: ترى ما هدؾ الخالك من<br />
وجود هذه األصناؾ من البشر فً هذا العالم. أال تعتمد أن أألمر<br />
ؼٌر مفهوم؟! أنا أُإٌد كل من ٌسؤل الرب هذا السإال. أنت ؼنً<br />
ومتعلّم، صلّ واطلب منه أن ٌستجٌب لتلن األمة التً ال<br />
تعرؾ شٌباً عن نفسها، فإنه دون شنٍ ٌستمع ألمثالن. أنا لست<br />
ٗ7٘<br />
ِ إلٌه
ؼبٌّة ولكنً دون ٍ شنّ لستُ متعلّمة، فؤنا أخشى التحدث معه كما<br />
إنً ال أملن الكلمات ألدخل معه فً حدٌث ٌشفً ؼلٌلً، هنان<br />
حٌث ال أعرؾ أٌن تماماً، ربّما فً داخلً؟! تكمن الكثٌر من<br />
األسبلة التً أستطٌع توجٌهها له على شرط أن تكون موجوداً<br />
لتشرح له لؽتً السولٌّة وتإكّد له أنً لستُ مسإولة عنها. إذ<br />
من أٌن له أن ٌفهم ما ألول؟!<br />
ضحن "زٌاد" من كلّ للبه. لكنه لفترة ثوانٍ عاشها صامتاً<br />
شعر أنه فً حضرة هللا ثم ألتفت إلى تلن المراهمة ولال: ال<br />
تخشًْ شٌباً. إن الخالك ٌفهم ما تمولٌن وما تعتزمٌن لوله. ثم من<br />
لال لن أنن تستطٌعٌن أن ترٌه وتتباسطٌن معه فً الحدٌث؟!<br />
إلٌن نصٌحتً: لبل أن تنامٌن تحدثً معه بلؽتن وال تخش شٌباً.<br />
ال تظنًّ أنه لن ٌلتفت إلٌنِ لولً له ما تشابٌن بكل العف ّوٌة التً<br />
تملكٌنها. تؤكّدي أنه سٌجٌبن عندما ٌرى أن الولت أصبح مناسباً<br />
اطمبنًّ أن هذا ما سٌحصل بالتؤكٌد وستنالٌن مرادن وستتؽٌرٌن<br />
ولد تتولفٌن عن معاشرة أولبن الزعر والسولٌٌّن. لكن علٌنِ أن<br />
تإمنً أنه سٌرشدنِ إلى أٌن تذهبٌن وماذا ستفعلٌن هنان.<br />
إذا حدث ما تمول: إنً لن أخشى التؽٌٌر.<br />
لمَ ال تمولٌن من أنت، هل فً األمر سرّ خطٌر أو مخٌؾ؟! إذا<br />
كنت ال تعرفٌن شٌباً عن نفسن كما تدّعٌن، من أٌن لنِ أن<br />
تعرفً كلّ هذه األمور؟! إننِ تدهشٌننً وتنهكٌن أعصابً، هل<br />
تُخطّ ِطٌن لشًء ما، أو طاب لن الهزء منً؟! لمَ ال تمولً إن<br />
فعلت ما ٌلحك بنِ األذى، وتسعٌن وراء االنتمام؟! إن كان ذلن<br />
صحٌحاً، فٌلزمنِ بعض الولت للتخطٌط والتنفٌذ. إننِ من هذه<br />
ٗ7ٙ
األرض التً ٌعرفها الجمٌع، ولستِ من كوكبٍ آخر وتملكٌن<br />
أسلحة فتاكة ال نعرؾ عنها شٌباً. ترى هل هنان من ألنعن<br />
بمبلحمتً لتتعرّ فً إلى ما ال ٌعرفونه عنا بعد؟! إذا كان هذا ما<br />
تبؽٌن فؤنا ال أعرؾ شٌباً عن األمور العسكرٌّة والشإون<br />
الدفاعٌّة.<br />
من ٌملن الجرأة وال ٌعانً للبه من الخوؾ، ٌستطٌع أن ٌتعلّم<br />
كل شًء من الشارع. الشارع مدرسة كبٌرة لكنها ال تخرّ ج<br />
سوى الرجال، أما النساء اللواتً ٌتخرجن منها فتحوّ لهنّ إلى<br />
رجال. لكن لل لً: من أٌن لن أن تعرؾ الكثٌر عن الشارع ٌا<br />
من تتستّر وراء الوداعة، أتعرؾ إنه ٌحوي الفبلسفة والفنّانٌن،<br />
وأولبن الذٌن كانوا ٌعٌشون فً المصور والذوا بالفرار من<br />
برودة جدرانها وللوب ساكنٌها المتحجّرة، مفضّلٌن حٌاة<br />
التشرّ د، وتذوق نكهة الجنون والتؤمل طوٌبلً فً الفراغ علّهم<br />
ٌجدون ٌداً تخرج منه طالبة منهم التمسّن بها، عندما كنت أراهم<br />
ٌضحكون والبراءة تخرج من بٌن أسنانهم وترتسم فوراً على<br />
شفاههم، كنتُ أدرن وأشعر فً الولت نفسه أنهم ٌفهموننً<br />
وٌرٌدون أن ٌسمعوا لصّتً، إنه لشًء رابع أن تدرن أنهم<br />
لٌسوا جابعٌن وال طامعٌن فً أيّ شًء. أعدن أن تعرؾ إذا<br />
تمعّنت فً وجوههم ستصل بطرٌمة ما إلى لناعة تمول لن:<br />
إنهم ٌعٌشون فً عالم آخر، ولدٌهم ألراناً ٌتعاٌشون معهم فً<br />
ذلن العالم المجهول الذي ٌستفٌك على دلّات الطبول الخفٌفة<br />
وطعم العسل. دعنً ألول لن: إنً أحسدهم، وأتوق للعٌش<br />
معهم. إن ذلن العالم ٌجلب إلٌهم دون شن أفكاراً تؤخذهم فً<br />
سٌاحة فوق كلّ أنهر العالم وترٌهم تفاصٌل أحبلمهم تلن التً<br />
مرّ ت فً بعض لٌالٌهم الفابتة، وتدعهم ٌرون كٌؾ كانوا<br />
ٗ77
ٌرلصون دون أن ٌعرفوا شٌباً عن الرلص. ستدعهم ٌشاهدون<br />
كٌؾ كانوا ٌعٌدون فعل ذلن حول مركبتهم الطابرة. أتحاول أن<br />
تفهم لصدي، أم إنن اآلن تمول فً سرّ ن انظروا أٌها الناس لهذه<br />
المشرّ دة التً تدسّ أسبلتها هادفة أن تُسمطنً فً االمتحان الذي<br />
وضعت لواعده بنفسها. ألٌست أكثر من جرٌبة وأكثر من ولحة<br />
وجاهلة. لست أدري، ربما ٌُمرفن وجودن هنان بٌن أُولبن<br />
الناس؟! ترى أتفضل أن تتسكّع فً اللٌل؟! أنا ال أعرؾ حماً لمَ<br />
ٌتملّكنً اعتماد أن النور ٌثٌر فٌن التوجس، وٌمؤل لاع أعمالن<br />
بالخوؾ الدفٌن والرعشة بٌن ولت وآخر؟! ٌا لن من مسكٌن<br />
ٌعٌش وحدة لاتلة.<br />
ٌبدو أن الكٌل لد طفح، وعلًّ أن أتصرؾ بعٌداً عمّا تجٌزه<br />
طبٌعتً وأسلوب تربٌتً. هذا ما لاله وفعل ما فعله بطرٌمة ال<br />
أزال معجباً بها حتّى اآلن. إذ إنه استدار دورة كاملة وصفعها<br />
صفعة جعلتها تترنًح وتمع أرضاً، دون أن ٌهتم بها. فوجبت<br />
الفتاة بعد أن استفالت من شدة الصفعة، وتراجعت زاحفة إلى<br />
الوراء. لكنها لامت بسرعة ومسحت دموعها، والتربت منه<br />
مرتجفة الشفتٌن وانحنت ممبّلة ٌده دون أن ٌدري كٌؾ حدث<br />
ذلن. األمر كان ؼرٌباً، إذ إنً ال أزال أذكر كلّ شًء، وتمرّ<br />
بً نفس المشاعر وأنا أخطّ هذا الكبلم، رؼم أنً لست فً<br />
المولؾ الذي كنت فٌه. كان األمر أشبه بعملٌّة نشل بارعة لم<br />
تستؽرق أكثر من لمح البصر.<br />
حاذري أن تتكلّمً معً مرّ ة ثانٌة بمثل تلن اللهجة السولٌّة<br />
التً تمنح أؼلب المراهمٌن الشعور بؤنهم رجال المرحلة<br />
الراهنة والمادمة دون ش ِن، وهم ال ٌحتاجون إلى مراعاة الذٌن<br />
ٗ78
خرجوا منها ودخلوا إلى رحاب الحٌاة وتراكم التجارب،<br />
ومواجهة الوالع الجدٌد الذي ٌحمل معه اإللحاح ببذل الجهد<br />
والؽرق فً تنمٌة الثمٌن من الؽث. كما ٌُخٌّل إلٌهم أن التمرّ د<br />
ٌعنً إزاحة الكهول والشٌوخ من المشاركة فً بناء المجتمع<br />
وترشٌده. كماعلٌنِ االنتباه إلى عدم تمبٌل ٌد أحد، فتستطٌعٌن<br />
إبداء االحترام لمن ترٌدٌن بطرق أخرى تُظهرٌن فٌها أٌضاً<br />
تمدٌرن لنفسن واعتزازن بها.<br />
لمد للتَ الكثٌر ووجه َت إلًَّ تهماً باطلة. إنً ال أسعى وراء<br />
أيّ هدؾ على االطبلق. حاول تصدٌّمً أرجون، وتفهّم أنً<br />
حٌرى حماً وداخلً مربن بشدّة. إذ إنً أرى الكثٌر من األمور،<br />
ثمَّ ال تلبث أن تختفً. لكن لٌس طوٌبلً إذ إنها تعود إلى الظهور<br />
من جدٌد فً وجهً بعٌنٌن لاسٌتٌن وربّما حالدتٌن، ثمّ ال تلبث<br />
أن تختفً. كٌؾ ترٌدنً أن أفهم نفسً وأكتشؾ ما ٌجري فً<br />
أعمالً واألمور تجري وفك ما شرحتُ لن؟! ما ألوله حمٌمً<br />
وعلٌن تصدٌمً. لستُ إالّ فتاة عادٌّة أعٌش مع المشرّ دٌن وال<br />
أعرؾ أي شًء عن ماضًّ ِ. إن كٌانً كلّه ٌؽضب وأنا أراهم<br />
ٌكذبون أمامً دون أن ٌرؾّ لهم جفن. أرجون افهمنً، فؤنا ال<br />
أعرؾ ماذا ٌحدث فً داخلً؟! كما أعرؾ أنً ال أسٌطر على<br />
شًء. إن ما تراه من ؼرابة، بدأ ٌشوش كٌانً، وٌكاد أن<br />
ٌدعونً إلى الهرب، ولكنً أتساءل إلى أٌن؟! ٌا طبٌب النفس<br />
ساعدنً إذ إنً لست أدري ماذا أفعل؟! الكلمات المناسبة ال<br />
تسعفنً فحٌث أعٌش لٌس لها مكان بٌنهم، وإذا احتاجوا لها،<br />
فإنهم ٌؤنفون استعمالها. إنً أتمزق وال أجد أحداً ٌصدّلنً، إنً<br />
أشعر بؤن ؼرٌبٌْن ال أرى وجهٌهما ٌتربّصان فً داخلً<br />
والشرر ٌخرج من عٌونهما، ثمَّ ال ٌلبثان أن ٌخرجا ِخنجرٌهما<br />
ٗ79
وٌبدآن فً لتال عنٌؾ على شًء ال أعرفه.<br />
هذه المعركة البلهاء كلّ ٌوم.<br />
أتصدق أنً<br />
أحضر<br />
المشكلة أنً أرى ما تتفوهٌن به وتحشرٌن بٌنه وبٌن ما<br />
تفكرٌن بعد ذلن، تنالضات تثٌر السخرٌة أحٌاناً والخوؾ فً<br />
أولات أخرى، وتظهر لً أشبه بالطبلسم التً ألؾ أمامها<br />
عاجزاً عن حلّها. أنا ال أستطٌع أن افترض إالّ أنن تخلطٌن بٌن<br />
الملٌل الذي ٌراه خٌالن، وبٌن ذلن الذي نسٌتِه وٌزورن فً<br />
أحبلمن بٌن ولت وآخر. سنتحدث فً األمر الحماً، فربّما ألتمط<br />
شٌباً ٌجعلنً أرى ضوء كوخ خافت بعٌد. أعدنِ أنً سؤتشبث<br />
به حتّى أتبٌن بداٌة الطرٌك. ها لد وصلنا. ما ترٌنه أمامنِ هو<br />
مدخل البٌت تفضّلً وال تخجلً. هٌا اصعدي الدرج.<br />
لكن الفتاة جفِلت واصفرّ محٌاها، ولم تتمدّم خطوة واحدة، بل<br />
إنها تسمّرت فً مكانها مركّزة عٌنٌها على المدخل الذي<br />
شاهدت فٌه ما بهرها على ما ٌبدو، وأعادها إلى ماضٍ أعتمد<br />
أنه أبعد من عمرها، ٌسكن فً الظلمة وال ٌرٌد رإٌة أحد، أو<br />
إنه كان حلماً تكرّ ر بعض الولت، منذ زمن مؽرق فً البعد.<br />
ربّما أٌضاً فوجبت وارتبكت عندما أدركت أنها أمام ذوق رفٌع<br />
عرٌك لم ٌحدث أن رأت مثله ٌوماً، وبهرها كما فعل هذا الذي<br />
رأته اآلن. ال شنَّ أنً دهشتُ من تؽٌّر مبلمحها المفاجا جاعلة<br />
إٌّاي فً حٌرة من أمري. لم أستطع عدّه تمثٌبلً على اإلطبلق.<br />
إلى أن الحظتُ أنها تحملك فً وجهً متنمّلة بٌن تفاصٌله، ثمّ<br />
ركّزت عٌنٌها فً عٌنً دون أن ٌرؾّ لها جفن. لكنها لم تلبث<br />
أن تولّفتْ عن ذلن وعادت إلى النظر نحو المدخل بنظرة فٌها<br />
من الحنان الؽرٌب الشًء الكثٌر. ترى هل ٌمكن لفتاة مثل هذه<br />
ٗ8ٓ
أن تصطنع ك ّل هذا الؽموض وتثٌر شكوكاً وأسبلة لٌس بإمكانها<br />
أن تفتح أيّ طرٌك؟! كٌؾ لً أن أستطٌع وصؾ الطرٌمة التً<br />
داعبت فٌها انحناء الدرابزٌن الصاعد وال ٌمكننً أن ألول: إن<br />
ٌدٌها كانتا تتحركان بؤنالة مذهلة، تجعلن تنسى أظافر ٌدٌها<br />
المتّسخة. علٌن أن تعترؾ عندبذ أن إحساسها بالجمال النادر<br />
هو األصٌل والؽرٌب فٌها، أما أظافر ٌدٌها المتسخة فهً األمر<br />
الطارئ الذي سببه تشرّ دها وأسلوب عٌشها. لكنها لم تلبث أن<br />
استدارت ولالت: ترى من ذلن العمل الذي رسم فً ذهنه تلن<br />
االنحناءات وثبلثة أرباع الدوابر، والكثٌر من التفاصٌل<br />
الصؽٌرة والكبٌرة الرابعة، ووضعها الش ّن على الورق، ث َّم<br />
بٌدٌه االثنتٌن جعل الحدٌد فرلة بالٌه كاملة تموم بتشكٌبلت<br />
رابعة دون أن ٌنطك الحدٌد وٌمول كلمات لٌست كالكلمات.<br />
ترى متى تمدّر أنه تمَّ ذلن؟!<br />
هل تمصدٌن الدرابزٌن؟!<br />
أظن ذلن.<br />
أتظنٌّن؟! ألست متؤكدة ممّا تمصدٌن؟! أنا ال أفهم كٌؾ<br />
تفكّرٌن؟ّ! أال تزالٌن تتبلعبٌن وتعودٌن للعٌش مع األفاعً؟!<br />
حاذري أن تثٌري ؼضبً أكثر. إذ إنً عند ذلن سؤلوم بهدم<br />
الهٌكل على من فٌه. ولن ٌكون أمامن سوى السحك وتتحوّ لٌن<br />
إلى أبشع من األشبلء.<br />
ما الذي ٌدعون أن تعتمد أنن شمشون الذي ٌتحدّثون عنه؟! أنا<br />
ال أرى فً رأسن شعراً ٌُنبا أنن ذلن الجبار المادر على<br />
ٗ8ٔ
.<br />
إحداث ذلن الزلزال الرهٌب. دعن من مظهر البطولة الذي<br />
تسعى إلى تممّصه، واحتفظ بوجهن الطفولً المحبب. أنت ؼنً<br />
وتلمٌت تربٌة خاصة ناعمة، انصحن أ ّال تتممص دور شمشون<br />
بذلتُ كلّ ما فً وسعً من أجل دفعن إلى تصدٌمً. ماذا ترٌد<br />
أن أفعل أكثر من ذلن؟! علٌن بالوثوق أنً ألول الحمٌمة. أنا ال<br />
أستطٌع أن أزن ما ألول دابماً.<br />
حسناً. ألم تبلحظً أن فً هذا المدخل الكثٌر من النموش<br />
المدهشة التً كلًفت الكثٌر من العرق والخبرة، وهً دون شن<br />
استُمدّت من اإلخبلص وحب الوطن واالستماتة فً سبٌل إعبلء<br />
شؤنه؟! أعتمد أن ما تشاهدٌنه من روابع، لد ٌكون عمره لرن<br />
ونصؾ أو أكثر للٌبلً. أال ٌدهشنِ ذلن؟!<br />
لست أدري حماً ماذا ٌحدث لً فً هذه اللحظات؟! سامحنً.<br />
إنً أشعر بؤلم شدٌد فً الرأس، ربّما هو السبب فً تشتّت ذهنً<br />
وإحساسً بالضٌاع وبهذا الضجٌج الذي لم أعهده حتى مع<br />
رفالً؟! أنا لم أحظ بالتعلّم فً المدارس والجامعات. لطالما<br />
حسدتُ الذٌن ٌشاهدون "التلِفٌزٌون" وٌنصتون دون أن ٌعوا<br />
أنهم محاطون بؤُناس ال ٌفمهون شٌباً ممّا ٌحدث، وٌرٌدون أن<br />
ٌصبحوا مثل ألرانهم، بحٌث ٌفهمون ما ٌمال، متسابلٌن كٌؾ<br />
ٌُسمح لهم أن ٌشاهدوا التمبٌل ؼٌر البريء ٌحدث أمامهم، دون<br />
أن ٌتحرّ ن أحد وٌبعدهم عن المكان منعاً من أن ٌروا مشاهد<br />
أخرى مماثلة. دعنً ألول لن شٌباً. لمد بحثت كثٌراً عن تسمٌة<br />
تلن النموش الرابعة، إلى أن خرجت تلن الكلمة من فمن منذ<br />
ألل من دلٌمة .هل تعرؾ عمّا أتحدث؟!<br />
ٗ8ٕ
ال إنً ال أذكر ما للتُ.<br />
كنت ال أعرؾ أن تلن التفاصٌل الصؽٌرة تعبر عنها كلمة<br />
نموش.<br />
حسناً.علٌن أن تحذري وتملّلً من التصرٌح بما تعرفٌنه فمد<br />
ٌإذٌنِ فً المستمبل. هٌا اصعدي. لمد تؤخر الولت كثٌراً. أال<br />
تمدّرٌن ماذا سٌحدث إن رآنا أحد نمؾ هنا معاً فً مثل هذه<br />
الساعة؟! ألم تتعلّمً هذه األمور من الشارع؟!<br />
إنً أعتذر. لكن أرجون دعنً هنا للٌبلً. لمَ ال تصعد أنت<br />
وتسمح لً باالنفراد بنفسً للٌبلً؟! وأنا أإكّد لن أنً سؤلحك بن<br />
بعد دلٌمتٌن أو ثبلث.<br />
ال، ال. لست أرى سبباً لوجودنِ هنا وحدنِ أنا ال أفهمن .<br />
وصرتُ أشن حماً فً مماصد ِن. لمَ ترٌدٌن إٌذابً أنا لم أإذِ<br />
أحداً فً حٌاتً، وال أرٌد أن أفعل ما ٌزعج أيّ شخص. ال<br />
تدعٌنً استدعً الشرطة، فؤنا لم أعد أتحمّل نزوعن إلى شًء<br />
ؼرٌب فً داخلن تتعاضدٌن معه، أو تجدٌن فٌه سنداً سبك أن<br />
لمتِ بالتحالؾ معه أو ربّما بالتوحّد بٌن أهدافكما حتّى ال ألول<br />
امتزاج روحٌكما ممّا ٌنفً أٌّة ضؽوط من أي جانب.<br />
ٌبدو أنه ٌتعذّر إفهامن أي شًء. أترٌدنً أن ألوم بافتعال<br />
فضٌحة ستجعلنَ تندم ندماً شدٌداً، وتجعل عٌنٌن تمطر دماً بدل<br />
الدموع. عندبذ ستكون لد خسرت الكثٌر وتحطمت سمعتن على<br />
صخور لٌست ملساء، دون أن تنتهً حٌاتن. أمثالنا من<br />
ٗ8ٖ
الممموعٌن ٌستمتعون عندما ٌمع بعض من علٌّة الموم فً لبضة<br />
الشرطة، وٌدعونهم ٌنامون فً السجن على األرض المذرة، بٌن<br />
أنماط من الناس ال ٌمكن أن تعاشرها فً أحبلمن حتى لو<br />
عشت فترة فً الجحٌم، وخشٌت على نفسن من<br />
االؼتصاب.سؤلول لرجال األمن وأنا أصرخ زاجرة إٌّاهم على<br />
تؤخرهم فً المدوم: إنن وعدتنً بإعطابً المال شفمة وإحساناً.<br />
لكنن كنت وحشاً جابعاً ٌرٌد منً أن أكون ولٌمته وحده،<br />
فسارعتَ إلى مداعبة مُإخرتً لبل أن ندخل بٌتن، كاشفاً عن<br />
نواٌان الحمٌمٌّة المذرة وكدت أن تنجح فً اؼتصابً، لوال<br />
استشراسً فً الدفاع عن عفتً ولٌمتً اإلنسانٌّة. هل ترٌد أن<br />
تجرب تلن اللمطة "التلِفٌزٌونٌة"؟لل لً رجاءً بعٌداً عن المشهد<br />
الذي رسمته لنَ لبل لحظات: أال تشتهً مداعبتً فً لرارة<br />
نفسن؟! أعتمد أن أألمر داعب أفكارن دون شنٍ بل ربما فتّشت<br />
عن طرٌمة تدفعنً بها إلى االؼتسال بؤفخر أنواع الصابون<br />
الذي تجلبه من بٌروت؟! لرأتُ ذلن فً عٌنٌن مثلما تفعل لاربة<br />
الفنجان. ترى هل أنت منحرؾ بطرٌمة ما؟! لل لً باسم ربِّن:<br />
منذ متى لم تضاجع امرأة وترمً إلٌها بعض المال؟! ألم تشعر<br />
ٌوماً وأنت تفعل ذلن بؤنن تعٌد انتهاكها مرّ ة أخرى، مكرّ راً<br />
الوصول إلى الذروة وسط تصفٌك جمهور المشاهدٌن المحٌطٌن<br />
بالمسرح على شكل دابرة؟! لل لً أرجون: ألم تشعر باالرتٌاح<br />
عندما ألفلت الباب وراءها بعد أن أخذت حاجتن كاملة، مإجبلً<br />
االؼتسال إلى ولت آخر كالنساء؟ّ! أرى وجهن ٌمطر منه<br />
الخوؾ. إنن ال تستطٌع فهم كم أودّ أن أضحن بصوت عالٍ،<br />
وأترن نفسً تسترسل فً الضحن حتّى ٌستفٌك كلّ الجٌران.<br />
أال تجد أن ذلن سٌكون مُمتعاً؟! لكن رؼم مٌلً إلى العران على<br />
حافة الهاوٌة، علٌن أن تصدّق أنً أحببتن ٌا طفلً العزٌز، بل<br />
ٗ8ٗ
ربّما لن أستطٌع طردن من وجدانً ٌوماً. إذا كانت السماء<br />
موجودة حماً، أرٌد من كل للبً أن نلتمً ٌوماً هنان. فربما<br />
ٌكون لديَّ ما أوضحه للطبٌب النفسً ما استعصى علًَّ شرحه<br />
اآلن. إذ أعتمد حماً أن عامل اللؽة لن ٌتبمّى له وجود هنان.<br />
ال تتمادي، إن كبلمن ٌطرح بنفسه الكثٌر من الشبهات. الحب<br />
وعدم االحترام ال ٌتعاٌشان ٌا طفلتً الؽشٌمة. أال تعرفٌن ذلن؟!<br />
هل تستطٌع أن تشرح األمر ببطء وإٌجاز؟!<br />
ال بؤس سؤحاول.لنفترض أنن ال تعرفٌن ؼٌر أمّن. أما أبونِ<br />
فمد لرر أن ٌؽادر البٌت وال ٌعود مطلماً. رعتن أمن حتى بلؽت<br />
الخامسة عشرة من العمر أو أللّ من ذلن. فً تلن األولات<br />
اكتشفتِ أنن وإخوتن الصؽار كنتم تعٌشون من المال الذي<br />
تكسبه والدتن من الدعارة. أنت تحبٌن أمن كثٌراً، ماذا<br />
ستفعلٌن؟! لمد تلمٌّت صفعة زلزلت كٌانن دون شن. إذ إن أمن<br />
كانت تعٌش تنالضاً مرٌعاً، فمن جهة علّمتكم المبادئ السابدة فً<br />
المجتمع بل كانت تشدد على تطبٌمها ومراعاتها ومن جهّة<br />
أخرى كانت تُبٌح لنفسها التصرّ ؾ كما تمتضً الظروؾ. ماذا<br />
ستمولٌن أو تفعلٌن؟!ربّما أخذن التفكٌر إلى ضرورة مواجهتها<br />
وإٌماؾ كلّ شًء عند هذا الحد. لكنن لم تتمكّنً من اإللدام على<br />
ذلن، إذ ربّما وأنتِ تركضٌن وراء أفكارنِ المشوّ شة تعثّرتِ بما<br />
اعتبرته عذراً ٌمكنه إنماذن وإنماذها ترى هل سٌبمى حبّن لها<br />
كما كان تماماً؟! أم ٌبدأ الصراع فً أعمالن الذي ٌمكنه أن<br />
ٌؤخذن إلى أي شًء لتنتممً من ذلن الخداع الذي عشتِ فٌه مع<br />
إخوتن الصؽار، ولم تكتشفٌه إالّ مصادفة. عندبذ لد تفعلٌن أ ّي<br />
ٗ8٘
شًء، اعتباراً من إزهاق الروح، أو الهرب من تلن المدٌنة<br />
التً تحتمركم ظناً منها أنكم كنتتم تعرفون جمٌعاً كل ما كان<br />
ٌحدث، ولكنكم فضّلتم السكوت وإؼماض عٌونكم فمد كنتم<br />
صؽاراً ال حول لكم وال لوة لتردوا هذه اإلهانة عن أرواحكم أما<br />
اآلن ولد اكتشفتم ما كان ٌحدث ماذا ستفعلٌن؟!إن تدبٌر لممة<br />
العٌش ال ٌعدّها الرب عذراً لبٌع الجسد وال لفمدان الكرامة<br />
اإلنسانٌّة. أما إن فكّرتِ ملٌاً، ربما ستفضلٌن أن تكونً<br />
انتهازٌّة، وتمرّ رٌن التؽاضً عن األمر والصمت، عندبذ<br />
ستخسران أنت وأمن. إذ إنها ستفمد حبن واحترامن، وأنت<br />
ستكرهٌن نفسن وتبتعدٌن عنها. ترى ألن تفكّري إلى ماذا<br />
سٌإول مصٌر إخوتنِ ؟!<br />
إنن بارع ٌا أٌها الطبٌب الكبٌر. دعنً أًتابع ما كنت ألول: نعم<br />
أشعر كمن مشى أكثر من نصؾ الطرٌك للوصول إلى ذلن<br />
الحب الذي ال ٌمكن االنفكان عنه. أنت بالتؤكٌد ال ٌمكنن<br />
تصدٌك ذلن، افعل كما تشاء. لكن دعنً أسؤلن: هل كانت أمّن<br />
ملكة على الجان والجنٌّات من أيّ صنؾ كانوا؟! ثمّ سبمتْ ،<br />
فخلعت الثٌاب الملكٌّة الثمٌلة حتّى تعرّ ت على مسرح ٌؽشوه<br />
الضباب، كً ال ٌظهر منها سوى لدمٌها وحلمتً ثدٌٌها؟! ترى<br />
هل صحٌح أنها رلصت عارٌة وسط الضباب، على مسرح<br />
مرتفع للٌبلً ٌطل على جمهور دُعً لمشاهدة فصل ؼرٌب،<br />
ربّما سٌتبدى فٌه الجنون واإلبداع أو ما ٌخلطهما معاً؟! إن لم<br />
تكن حاضراً فسٌكون لد فاتن الحضور اإللهً. أرجون لل لً:<br />
هل كانت فعبلً ال تحب الرجال، وأنت ولدت من ؼبار الطلع؟!<br />
ألم تسمع أنه لد لٌل: إنن المسٌح الكذّاب؟! ترى هل صرختَ<br />
فً لطٌع من الخنازٌر، فؤجفلتها دافعاً إٌّاها إلى التراكض كؤن<br />
ٗ8ٙ
أفاعً لد لسعتها، بحٌث لم تنتبه إلى المنحدر، فتجاوزته وهوت<br />
إلى وادٍ ال لرار له تاركة المدٌنة فً حٌرة من أمرها من هذه<br />
األصوات المرعبة وهً تتملّب فً ذلن المنحدر متّجهة إلى<br />
حتفها؟!<br />
ال شن أنن جنٌّة لبٌمة ٌسكن الشٌطان نفسه فً كٌانن كلّه<br />
وٌتبلعب بنِ كما ٌشاء.<br />
ال تعرض نفسن للسخرٌة أرجون. تولؾ عن الكبلم<br />
واسمعنً، فلن ٌتاح لن تلمّس هذا المشهد بعد الٌوم. ال تجعلنً<br />
أتلذذ فً االستمرار بتملٌل احترامن. ألم ت َر أنً أعٌش وأنام<br />
وسط الشٌاطٌن؟! لمَ ال تفهم أنً أستطٌع بصفٌر معٌّن أن<br />
أجعلهم ٌتظاهرون أمام بٌتن هاتفٌن بهتافات ستجعلن تهرب إلى<br />
ألاصً المعمورة؟! هل ترٌد دفعً إلى الظن أن حاجزاً ما<br />
ٌنتصب فجؤة بٌنن وبٌن عملن؟! اجلس على الدرج أرجون،<br />
ودعنً أبحث عن معبدٍ ضابع فً أعمالً لعلّنً أهتدي وأصلًّ<br />
فٌه. إنه لٌس كمعبد الٌهود الذي هدم بٌسر، أما معبدي فهو<br />
عصًّ على الهدم، فمد لال هللا نفسه ذلن. أنا لست شرّ ٌرة كما<br />
تظن. افتح صدري وسترى أالّ أصنام فً معبدي، إنه ٌشٌر إلى<br />
الطرٌك السلٌم الذي علًّ اتّباعه، دون النظر إلى الوراء. حاول<br />
أن تفهم هذه الدنٌا، وتدرن أنن ستتحمّل أخطاء مشاعرن، أو<br />
مسإولٌّة رإٌة ضوء سراج موؼل فً البعد، ٌظهر بٌن حٌن<br />
وآخر فً نهاٌة الطرٌك. من ٌدري؟! فربّما ٌكون سراباً ٌتبدّى<br />
فً اللٌل، فٌلمً بالرعب فً للوب من ٌعاٌنونه. لهذا بمً<br />
مكتوماً دون أن ٌعرؾ عنه أحد شٌباً، أو لعلّه شهاب أسمطه<br />
صحن طابر لٌستكشؾ عمّ إذا كنا ما نزال نحتفظ بؤسرار. إنهم<br />
ٗ87
ٌحتاجون أن ٌعرفوا كل شًء عن كوكبنا، وما فً رإوسنا من<br />
أالعٌب لم تلتمطها بعد مجسَّاتهم. لكن ماذا لو كان ذلن النور<br />
البعٌد أراده هللا كنداءٍ لبلستؽاثة؟!<br />
تمدّمت الصبٌة ببطء وسط انشداه "زٌاد" وربما خوفه أٌضاً،<br />
وولفتْ عند مطلع الدرج تداعب الدرابزٌن المإلّؾ من الحدٌد<br />
المشؽول ببراعة وذوق رفٌع مرهؾ ومدهش. كانت الفتاة تفعل<br />
ذلن بطرٌمة محترفة، وهً مؤخوذة بكلٌّتها تماماً بما تراه أو<br />
تشعر به. بل ربّما تركت شبحها حٌث كانت وذهبت هً إلى<br />
مكان آخر. ذهلتُ ودخلتُ عمٌماً فً هذا االنخطاؾ الذي طار<br />
بً إلى وسط ؼابة ٌداعبها الضباب، ولٌس فٌها من ٌمرض<br />
الشعر سوى العصافٌر. كنت حماً ال أدري كٌؾ ٌمكن أن ٌحدث<br />
كلّ ذلن؟! لكن األمر بدأ بالتطوّ ر وأخذ وجهها ٌمور وتتؽٌّر<br />
المعانً التً تُخرجها تماطٌعه لحظة بعد لحظة، ثمّ تسودها<br />
لثوانٍ حٌرة تختلط بؤلم عمٌك. ثمّ تسكن مبلمحها وٌلوح شبه<br />
ابتسامة تنضح حزناً، ٌجعلن تتوق لمشاركتها ما ٌعتمل فً<br />
أعمالها حتى لو كان حزنؤً دفٌناً استفاق فجؤة وطلب من ك ّل<br />
الؽرباء التً تسكن تلن األعماق أن تخلً المكان لٌمكنه وحده<br />
التمتع بهذه الفسحة الموحشة لٌس طوٌبلً. إنن تندفع باحثاً عن<br />
مخرج ٌتٌح لن مماومة الطارئ الذي ظننت أنن كنسته منذ زمن<br />
ال ٌمكن أن ٌعدّ أنه كان لصٌراً. الشٌطان زعك وولّى األدبار.<br />
صدّلونً إن للت لكم: إن من كنت أرالبها وأترلّب كلّ ما<br />
تحاول استخبلصه من أعمالها وتخرجه إلى النور، لم أعد أراها<br />
رؼم أنً التفتُّ إلى كل مكان. إذ انتصبت امرأة حمٌمٌّة تتنبّع<br />
منها الشهوة، تماتل وتتعرّ ق وهً تناضل بشراسة لم أر لها<br />
نظٌراً من أجل أالّ ٌنتهن كرامتها أحد، ساعٌة وراء هدؾ شدٌد<br />
ٗ88
الؽموض، وكلّ ما تعرفه عنه أنه ٌسكن بعٌداً جداً، أنا بالطبع ال<br />
أعرؾ أٌن وفً أي اتجاه ٌمكن أن ٌكون؟! ولكن ربّما مع<br />
الولت أصبح صعب المنال، أو تبلشى من الوجود تماماً أو<br />
جرى احتبلله من بعض الفمراء وجعلوه مسكناً لهم من<br />
ٌدري؟!أنا ال أستطٌع وصؾ وجهها عندما كانت تبحث عن<br />
ذكرٌاتها، كما أنً لست متؤكّداً إن كان لدٌها ذكرٌات. إنه أمر<br />
بالػ التعمٌد وٌكاد ٌسلخ جلدي ببطء متلذّذاً. لكن األسبلة كانت ال<br />
تزال تتجاوزنً، كؤنها لنابل ضد الؽوّ اصات كانت تهز<br />
األعماق، وتخٌؾ األسمان الصؽٌر والكبٌرة وتناشدنً<br />
الكتشاؾ ما تعانٌه رجولتً بٌن ولت وآخر، وترفض هذا<br />
االستهتار بذكورتً. أعتمد أنً كنت أٌضاً عالماً فً شِبان بالػ<br />
التعمٌد مختلؾ، أحاول التخلّص من ذلن العنكبوت العجٌب الذي<br />
ٌستطٌع المفز بسهولة إلى أي مكان فً حصنه، محاوالً ترتٌب<br />
سجنً بشكل البك. لست أدري كٌؾ تؽاضٌتُ عمّا كان ٌحدث،<br />
تاركاً المٌادة لتفكٌري الذي كان ٌشدّنً إلى مكان آخر، حٌث<br />
وجِ دتُ نفسً مع تلن المرأة الرابعة الجمال التً عاٌنتُ<br />
شراستها للتو، ولوّ ة تصمٌمها على تنفٌذ ما ترٌد. ذهب خٌالً<br />
بً إلى حٌث تكمن رؼباتً الدفٌنة، منتمٌاً شٌباً ما ممّا تحبّه،<br />
مفترضاً أن اللماء تمّ فً مكان أنٌك ٌمكن لجم األنوار فٌه،<br />
وٌجعل خجلها ٌخلك إثارة مختلفة تكاد أن تعلن عن أنها ال<br />
تشعر بمعنى وجودها فً ذلن االحتفال. ال أعرؾ من أٌن<br />
استمدّدتُ تلن الجرأة. ربّما كنّا فً تلن اللٌلة منتشٌن سلفاً،<br />
نتحدّث عن الموسٌمى وما تثٌره من أفكار وأحبلم ٌمظة ممتزجة<br />
بمختلؾ الرؼبات التً نعرفها والتً ال نعرؾ عنها شٌباً، كان<br />
حدٌثاً دون جدوى. أنا ال أستطٌع أن أنكر أنه كان ممتعاً. كما لم<br />
ٌكن من الممكن أن أؼفل عن ذكر أننا كنا نبتلع بتإدة أفخر<br />
ٗ89
أنواع الوٌسكً. فجؤة رأٌت الجمال كلّه ٌزحؾ إلً دون عجلة<br />
أو بطء. كان ٌفعل كلّ ما بوسعه لٌظهر أنه ٌمصد التودّد، ولٌس<br />
شٌباً آخر. لكن ذلن كان ٌحدث بطرٌمة ترفض أن ٌكون للحٌاء<br />
وجود، التربتْ كثٌراً مإ ّكدة مرةً أخرى أن الخجل خجِ ل وخرج<br />
من التارٌخ منذ ولت طوٌل. جفلتُ ونجحتُ فً إخفاء ذلن.<br />
الحمٌمة أنً لم أحسب لهذا االحتمال حساباً، مستؽرباً كٌؾ فاتنً<br />
أن التارٌخ كان دابماً انتهازٌاً، ولد سارع إلى التمرّ ن على<br />
الركض بٌنما كان ٌممته. لكن الولاحة أصرّ ت على مرافمة<br />
تطور المشهد بحٌث أخذت المرأة لبلة طوٌلة من أسفل عنمً.<br />
فً تلن اللحظة ال أستطٌع أن أنكر أنً استمتعتُ بذلن إلى حدٍ<br />
ال ٌمكن نكرانه. لكنً فجؤة دون أن أدري كٌؾ، رأٌت نفسً<br />
ألع على األرض، وترتمً فولً تلن المرأة وتبدأ بفن أزرار<br />
لمٌصً بتإدة. لم أرد فً أول األمر تصدٌك ما ٌحدث وإلى أٌن<br />
سٌإول األمر، رؼم أن ذلن أثّر فً كٌانً وأخذتُ أتصبّبُ عرلاً<br />
وأنا أحاول التملص منها برفك، لكنها فجؤة لبضت على عضوي<br />
بٌنما كنت أزحؾ على ظهري ٌمنة وٌسرة، فتولفت عن الزحؾ<br />
مظهراً لها أنها ال تستطٌع العمل بهذه الطرٌمة ومن واجبً<br />
تنبٌهها بؤنها ستإذٌنً أذ ًى حمٌمٌاً. للت ذلن بحزم لم أعهده فً<br />
نفسً، بل إنً فً الحمٌمة أردتُ إظهار رفضً لهذه الطرٌمة<br />
فً جرّ ي إلى مضاجعة سولٌّة خالٌّة من التوق وملٌبة باندفاع<br />
حٌوانً لجر فرٌسته إلى مكان مبلبم للنهش واالستمتاع الذاتً<br />
البؽٌض. لطالما أدرك ُت إن مشاعري رفضت دابماً تسلٌم مفتاح<br />
أعمالها إلى اآلخرٌن. بان علًَّ المرؾ وامتؤلت مبلمحها<br />
بالؽضب. فتركتنً ممتعضة ٌملإها شعور بالمهانة والذل من<br />
رفض الشهوة لبللتحام إ ّال بطرٌمتها، وولفت محاولة إصبلح<br />
هندامها وإزالة ما علك على ثٌابها من السجّاد الفاخر. عندما<br />
ٗ9ٓ
انتملت إلى هذا المولؾ وشعرت بؤنها أصبحت وسط الحرج،<br />
ولٌس علٌها أن تبمى فً هذا المكان حتّى ال تزٌد الوضع سوءاً.<br />
لكن ما كان ٌضبط أعصابها أخذ ٌتفكّن، فخرجت األفاعً<br />
من أوكارها، وسرحت مستمتعة بالحرّ ٌة التً حصل علٌها<br />
مزاجها وبان عري أعماق تلن المرأة وظهر فشل نٌّتها فً<br />
اؼتصابً، وبدوت فً داخلً كمن ٌعانً من مشكلة حمٌمٌّة<br />
جنسٌّة ال ٌُعرؾ مصدرها الحمٌمً، وعلً متابعة هذا الموضوع<br />
ومبلحمته بجدٌّة، فإذا كنت أعانً من مشكلة فٌزٌولوجٌّة أو<br />
نفسٌّة ال بدّ من خضوعً للعبلج. إنه أمر ال ٌجوز التهاون فٌه.<br />
كنت فً ذلن الولت ال أزال فً مكانً أفكر فً أمور كثٌرة،<br />
ومنها أن أمً لم تتولّؾ عن مبلحمتً من داخل لبرها.<br />
الترب "زٌاد" من الفتاة وهو ٌفكر بؽرابة ما ٌحدث أمامه<br />
وٌتساءل: ترى هل ٌُمكن أن تملن هذه الفتاة تارٌخاً نسٌته بسبب<br />
حادث ما، أو إنها واجهت أمراً صدمها بشدّة وجعلها تتنصّل<br />
وترفض كلّ ذكرٌاتها، معتبرة إٌّاها شٌطاناً رجٌماً سٌحوّ لها إلى<br />
شبح ٌهٌم فً كلّ مكان دون أن ٌعرؾ وجهته!! ثمَّ هل ٌستطٌع<br />
عمرها أن ٌكوّ ن تراكماً، بٌنما لد أكّدت منذ ولت لصٌر أنها<br />
لطالما كانت مشرّ دة، كما أنها ال تذكر شٌباً عن أمّها أو أبٌها<br />
حسب لولها؟! المشكلة أنه كان متؤكّداً أن ما كان ٌراه أمامه لم<br />
ٌكن تمثٌبلً. بل إنه شاهد الصبٌّة تدخل فً تحوّ الت تتناولها من<br />
الداخل إلى الخارج، وتعود لتعكس مسٌرتها بدءاً من الخارج<br />
إلى الداخل. كما أنها لم تتلفّظ بكلمة واحدة تشٌر إلى ما أحدثه<br />
المدخل وجمال الدرابزٌن وأنالته المُمٌزة فً أعمالها، كؤن ما<br />
جرى هنان سرٌّ شخصًّ ال ٌمكن التفرٌط به وال الكشؾ عنه<br />
مطلماً. أفضل الظن أنها أدركت للتو أنها بدأت فً التحوّ ل إلى<br />
ٗ9ٔ
امرأة. لكن كلّ ذلن لم ٌستطع إلؽاء السإال الذي ٌمول: من أٌن<br />
لتلن الفتاة األمٌّة حسب ما تمول، أن تملن المدرة على االنتباه<br />
إلى أن ما تشاهده ٌنطوي على لٌمة مختلفة ال ٌستطٌع تمدٌرها<br />
إالّ المتمٌّزون الذٌن خبروا العمل االحترافً وأدركوا لٌمته<br />
الفنٌّة والتارٌخٌّة. ثمّ لمَ جعلها ذلن تضطرب ك ّل ذلن<br />
االضطراب وتتؽٌر مبلمحها وتنسى تماماً أنً لربها وأرى ك ّل<br />
ما كان ٌجري؟! ثم تركع رافعة ٌدٌها إلى األعلى كؤنها تتضرّ ع<br />
وتبتهل، راجٌة شٌباً من الرب. ترى ماذا تعرؾ تلن المشرّ دة<br />
عن هللا ومن حدّثها عنه حدٌثا مستفٌضاً؟! أثار كلّ ذلن<br />
تساإالت جمّة تناولت عمله ونشرت فٌه إرباكاً جعله ٌضٌّع<br />
السبٌل الذي علٌه اتّخاذه لفهم تلن الحالة التً تتمسرح أمامه<br />
دون أن ٌستطٌع فنّ ألؽازها. كما نبشت كل الشكون التً كانت<br />
نابمة فً أعماله وبعثرتها هنا وهنان حتى لارب الٌؤس فً<br />
محاولة لملمتها. بل إن كل ما جرى انعكس وعاد لٌشعل أسبلة<br />
جدٌدة ال أجوبة لها فً ما درسه وما ٌزال ٌطالعه وٌتمحّصه<br />
بتإدة. لكن فجؤة تراجعت الفتاة إلى الخلؾ كمن لسعتها أفعى<br />
ولالت: عذراً أٌها السٌّد، ٌبدو أنً تمادٌت، وما اعتمدتُ أنً<br />
لمحته أو لمسته مشاعري تبخر وانمشع تاركاً إٌّاي وسط عتمة<br />
حالكة. اؼفر لً سذاجتً، فؤنا لم أعد أستطٌع متابعة إزعاجن،<br />
أرجو أن ٌتّسع للبن لمسامحتً، إذ إنً لم أعد أستطٌع تفسٌر ما<br />
سبّبته لن من اضطراب. كما أنً ربما أكون فمدت التحكم فً<br />
تصرّ فاتً. أنا كما أعرؾ نفسً، ال أستطٌع أن أخرج من<br />
داخلً سوى الترّ هات. كنت أشعر منذ فترة بؤن روحاً تدور<br />
حولً كؤنها ترٌد إخباري بشًء، أو إنها كانت تهٌم وتبحث<br />
ربّما عن بداٌة طرٌك أضاعته. عندما رأٌت هذا المدخل الجمٌل<br />
أحسستُ باالرتبان، لكنها دفعتنً بخشونة آمرة إٌّاي أن ألمس<br />
ٗ9ٕ
الدرابزٌن بنعومة وأترن مشاعري تنساب كما تشاء. لم أعهد<br />
أن روحاً أطلمها الربّ ٌمكن أن ٌصدر عنها أمر محشو<br />
بالعنؾ؟! بل كٌؾ ٌحصل لروح أرسلها الخالك لضبط الحٌاة<br />
ولجمها عن الجنوح واالنحراؾ إلى خارج السكّة التً توصل<br />
إلى الهدؾ، أن تتمرد وتحاول معاكسة االتجاه الذي وجّهت<br />
إلٌه؟! أما ما حدث لمشاعري فكان ازدٌاداً فً اإلبهام الذي<br />
عاٌشته وشربت مُ ّره.<br />
أرجون أرٌد العودة إلى المكان الذي جبتُ منه، فهنان<br />
أصدلابً الذٌن نشؤت بٌنهم واعتدت على سماع شتابمهم كؤنها<br />
أؼانٍ تتكلّم من الملب إلى الملب.عذراً من جدٌد مع الرجاء أالّ<br />
تمسو علًَّ فً أفكارن. جُلّ ما أطلبه أن تطلمها لترتفع فوق<br />
السحب وتفتش معً بكل ما تعرفه عن األطٌاؾ أو تلن األمور<br />
الخفٌة التً تعٌش معنا ونشعر بها دون أن نراها. أرجو منها أن<br />
تساعدنً فً التعرّ ؾ إلى من طرحنً فً هذه الدنٌا دون أن<br />
ٌترن أثراً. لل لً أرجون كٌؾ رأٌت بارٌس، وكٌؾ أحببتَ<br />
كاترٌنا واحبتن فً الخمس الدلابك األولى، إنً ال أزال أراها<br />
فً أحبلمً ؼافٌة وسط الزهور. ضربت هذه الكلمات "زٌاد"<br />
كالصاعمة وجعلته ٌتدحرج على الدرجات األربع األخٌرة من<br />
السلّم حٌث كان جالساً. لكن عندما استمر فً نهاٌته كان مؽمض<br />
العٌنٌن أصفر الوجه كؤن الدماء ؼادرته إلى ؼٌر رجعة. ثمّ أخذ<br />
ٌرتجؾ وتخرج من فمه كلمات ال معنى لها.<br />
لالت له: ماذا تفعل لم ٌعد أحد من األطفال ٌلعب هذه اللعب<br />
التً تعود إلى الطفولة األولى. هٌا لم فؤنا سؤعود من حٌث<br />
أتٌت، فمد تبٌن لً أنً ال أستطٌع االبتعاد عن أصدلابً كلّ هذه<br />
ٗ9ٖ
الفترة. لمد اشتمت إلى فراشً ؼٌر الوثٌر. لكنها فجؤة أمعنت<br />
النظر إلى "زٌاد" ورأت فٌه ما أخافها، فصرخت ثمّ وضعت<br />
ٌدٌها على فمها فً محاولة لؽلمه كما تفعل النساء عادة. فكّرت<br />
لحظات ثمَّ صفعته على الخدٌن لٌس بموّ ة ٌُخشى منها. عندما<br />
فتح عٌنٌه رآها جالسة على بطنه: صرخ جفبلً ماذا تفعلٌن هنا،<br />
ومن أشار إلٌن أننً لد ألبل بهذا؟!<br />
كنتُ أحاول إرؼامن على االستٌماظ من ؼفوتن المفاجبة. هٌا<br />
بنا نصعد إلى فوق.<br />
هل لُلتِ ؼفوة؟! عن أٌّة ؼفوة تتحدّثٌن؟! هل تعنٌن أنً فمد ُت<br />
وعًٌ؟!<br />
ال طبعاً. لمد نزلت إلى أسفل الدرج وأؼمضتَ عٌنٌن<br />
واحدة ثمَّ فتحتهما. هل ٌعنً ذلن أنن فمدت وعٌن؟!<br />
دلٌمة<br />
ماذا كنتِ تمصدٌن عندما تحدثتِ عن بارٌس<br />
الحبٌبة؟!<br />
وكاترٌنا<br />
من أٌن لً أن اتحدّث عن بارٌس؟! إنً ال أراها فً أحبلمً<br />
كما إنً ال أعرؾ بنتاً أو امرأة اسمها كاترٌنا. هل تُنتج دلٌمة<br />
واحدة حلماً؟!<br />
نعم، الدلٌمة ولت طوٌل.<br />
ٗ9ٗ
احتارت تلن الفتاة وأدركت أنها ارتكبت خطؤً عندما تركت<br />
نفسها تنزلك وتتابع لعبتها إلى أن أصبحت لؽزاً. فمد أدركت<br />
أنها ستترن وراءها مشكلة كبٌرة. هكذا بذلت كلّ الجهد الممكن<br />
كً تخفً ما لالته عن بارٌس وكاترٌنا، إنها ال تزال ال تدرن<br />
كٌؾ رأتهما فً الفراش معاً، وكذلن كانت ال ترٌد أن ٌشعر<br />
أحد بؤن ما تفعله تموم به مرؼمة، ومدركة أنها تطلب الرجوع<br />
لتنام وسط عصبة لم تتفك ٌوماً معها رافضة الدخول إلى حٌاة<br />
مختلفة محترمة. إذ كٌؾ تكذب على نفسها وعلى الطبٌب<br />
وتوحً بؤنها لم تسارع إلى اؼتنام الفرصة عندما الحت وتبعت<br />
الرجل الذي أعطاها الشعور باألمان، رؼم أنها تعلّمت من<br />
الشارع الحذر الشدٌد. المرء فً مثل ظروؾ تلن الفتاة، ال<br />
تمهله خٌاراته وال ٌتبٌّن ما ٌختار منها. ربّما ٌكون لدٌه بضع<br />
ثوانٍ لٌمرر ماذا ٌفعل. إذ إن األمر خطٌر، فمد ٌماد إلى زٌادة<br />
التخبط، أو ٌإدّي إلى انفراج لد ٌمكّ ِنه من دفع حٌاته إلى السكةّ<br />
الصحٌحة.<br />
ترى ماذا حدث واخترق ذهن تلن الصبٌّة الجمٌلة المراهمة<br />
همس ونشر فً كٌانها كلّ هذا االضطراب؟! هل أخافها النعٌم<br />
الذي أشار إلٌه ذلن الدرابزٌن بوضوح كبٌر؟! أم إنها ماكرة بما<br />
فٌه الكفاٌة وأفزعها ما ٌنطوي علٌه األمر، مدركة أنها لٌست<br />
مإهلة لتفهم كنه ما حدث وما سٌحدث لها فً ذلن المستمبل<br />
المجهول الذي كانت تجر سالٌها بحثاً عنه. ثمَّ ارتؤت اإلٌحاء<br />
مُتعمّدة بمدر ما تستطٌع أن تكون ممنعة محاولة اإلٌهام أنها<br />
ستكون مرتاحة، رؼم إدراكها أن المكان الذي ستعود إلٌه<br />
سٌزٌد من تشوش أفكارها وتخبط أعمالها. كانت تدرن أن السٌد<br />
سٌستمع إلٌها، لكنه لن ٌمبل بؤيّ عذر لدّمته أو ستمدّمه. وهً لن<br />
ٗ9٘
ٌمكنها البماء فً الؽموض إذ إنه ٌشبه الفخ إن لم ٌكن أشدّ لسوة<br />
وخطراً. كان همّها فً تلن اللحظة أخذ فرصة ما لتفهم حمٌمة<br />
ما حدث لها، وأثار شكوكها فً شخصٌّتها وكٌانها. ثمّ إنها كانت<br />
تعرؾ أن طبٌب النفس الوالؾ أمامها وصل إلى حابط مسدود<br />
وأسبلة ال أجوبة لها. لمد تعذّر علٌه تفسٌر ما رآه ٌحدث أمامه،<br />
وتحدّثت عٌناه عن عجزه عن إحداث اختراق ما لكلّ هذا<br />
الؽموض. إذ إن فً النهاٌة لٌس معموالً على شخصٌّة مشهوره<br />
بعلمها واطّبلعها أن تعتمد على التكهن. ال شنّ أن الدكتور<br />
بعلمه وثمافته أصبح ٌستطٌع الجزم أنه ال ٌُمكنه تصدٌك الفتاة<br />
وال عدّها تتذكّر بعض األمور وتخفٌها عمداً.<br />
زٌاد ال ٌمكننً أن أنكر أنً فكّر ُت بالتممص. لكن بعد الؽرق<br />
الطوٌل فً األمر لم أجد لطعاً ما ٌربطها به. أستطٌع المول<br />
ألشرن المارئ بما استمرّ ت علٌه مشاعري ووصل إلٌه تفكٌري<br />
لذلن ألول: إن الؽموض ال ٌمكنه البماء طوٌبلً سٌّد المولؾ. كما<br />
أن ممّا ال شنّ فٌه أن تلن الفتاة عاشت حٌاة ؼٌر طبٌعٌّة ولّدَت<br />
فٌها رفضاً وخوفاً عمٌمٌن، فاشتاط فً داخلها ؼضب عارم<br />
مؤلها اشمبزازاً استمرّ مع استمرار كلّ ما حدث. كان هذا<br />
طبٌعٌاً وهو ٌلمس ماا ٌنتابها من رؼبات دفٌنة كثٌرة تنتابها،<br />
مدخلة إٌّاها بحرب ال هوادة فٌها للتخلّص ممّا كانت محشورة<br />
فٌه وٌكاد أن ٌطبك على أنفاسها. إن البماء مشتعبلً أمر صعب<br />
احتماله، فكان النسٌان التام ِلما عاٌشته من إبهام حبلً طبٌعٌاً<br />
تبدّى بخروج صارخ عن المؤلوؾ ٌحمل تؤوٌبلت تُد ِخل إلى<br />
ؼموض فتّان مُعتم لد ٌتراءى لنا وجه من وجوهه ٌظهر فٌه<br />
احتراش جنسً من ألرب الناس إلٌها، كلّ ذلن أدخلها تحت<br />
وطؤة شعور باالضطهاد والعنؾ الشدٌد ٌتخلل كل ذلن رابحة<br />
ٗ9ٙ
فم ٌمضػ الثوم الملطخ بعفونة ؼرٌبة بمٌا لابعٌن فً منخرٌها.<br />
هذا الوضع الرهٌب حفّز الضرورة إلى االنتباه والتفكٌر الهادئ<br />
ما أمكن، حتّى الوصول إلى اإلدران أن الفتاة تملن منذ الصؽر<br />
شخصٌّة متمٌّزة، عاشت فً بٌبة ال تملن مشاعر إنسانٌّة حٌّة،<br />
أدَّت بها إلى إنضاج طبخة مؤلت كٌانها، تبٌن أن مكوّ ناتها<br />
التمرد والرفض اللذٌن شكّبل بالتؤكٌد خشبة الخبلص بحٌث<br />
تمخّض كل ذلن عن انبثاق دافع ٌملن الموّ ة والتصمٌم على<br />
المماومة الشرسة، وعدم المبول بما جرى وٌجري. ٌختلط ك ّل<br />
ذلن مع تنامً رؼبة شدٌدة فً مٌبلد حالة تإكّد باستمرار<br />
ألعماق تلن الفتاة المناضلة أن ما لٌل أنه حصل لم ٌكن ٌوماً<br />
لادراً على الوجود. هكذا كان ال بد من الهرب والتنصّل من ك ّل<br />
الماضً الذي عاٌشته والشخوص الذٌن كانوا محور حٌاتها، ث َّم<br />
الرحٌل بؤٌّة طرٌمة ممكنة إلى أيّ مكان بعٌد. حٌث ٌتم هنان<br />
إبعاد تلن الؽٌمة السوداء التً ربضت طوٌبلً فوق البراءة<br />
وكادت أن تحولها إلى بإرة لبلنتمام من أيّ امرئ ٌوزّ ع الكبلم<br />
المعسول ٌمنة وٌسرة. كلّ هذا والكثٌر ممّا ال نعرفه أو ٌمكن أن<br />
نعرفه الحماً، ٌعطً تفسٌراً إضافٌاً للرعب الذي ٌختبا فً<br />
أعماقٍ من الصعب الوصول إلٌها، وٌشدد على إؼبللها ذلن<br />
التصمٌم الذي تعمّر فً تلن الفتاة بتإدة. أنا ال أُدافع عن<br />
انشداهً وال عن اهتمامً وال على ما جعلنً فً حٌرة من<br />
أمري. لكنً ال أزال أفضل االبتعاد تدرٌجٌاً عن هذه المسؤلة<br />
الشابكة بامتٌاز، حرصاً على أالّ ٌمودنً ما عاٌشته إلى الطلب<br />
من العلم أن ٌعٌد تنشٌط تلن األبحاث التً لهثت طوٌبلً وراء<br />
حلٍ أو جواب عن اإلشكالٌة التً تطرحها مسؤلة "التممص."<br />
المشكلة أنً كنت طول الولت أشاهد ما ٌشبه مماطع ؼٌر<br />
مترابطة من فٌلم سٌنمابً آلة عرضه فٌها خلل ما ال ٌمكّنها من<br />
ٗ97
ضبط السرعة المطلوبة لحركة الشرٌط وٌعود بها إلى الصراط.<br />
ربّما لو أعطً هذا اللماء الهادئ مدة كافٌة مرٌحة، وخالٌة من<br />
العصبٌّة واالنحشار الخانك، واألسبلة الكثٌرة المطروحة،<br />
وكذلن االستعجال الملح فً طلب األجوبة، ألول لربّما اختلفت<br />
النتابج بشكل كبٌر.<br />
علٌنا أن نفهم لمَ تشعر تلن الصبٌّة بٌن حٌن وآخر بؤنها<br />
مخطوفة من لوً ى ؼٌر مربٌّة دون أن تستطٌع التمٌٌز إن كانت<br />
شرّ ٌرة وتمصد األذى، أم إنها خٌّرة تبؽً الوصول بها إلى<br />
شاطا رملً ؼٌر بعٌد إالّ بضعة أمتار عن األشجار الكثٌفة<br />
التً تستطٌع حماٌتها من الشمس الحارلة. ترى هل تستطٌع تلن<br />
الفتاة تحمل هذه المؽامرة ؼٌر المحسوبة التً ربّما دَفعنا إلٌها<br />
الفتاة عن حسن نٌّة. أظن أن األفكار الكثٌرة التً ال لِبل لها<br />
على احتمالها، تماذفتها دون رحمة فً تلن الهنٌهات التً وجدت<br />
فٌها نفسها فً مكان ال تعرفه، وذكّرها بحلم بؽٌض رأت فٌه<br />
نفسها وسط عاصفة أضناها الصفٌر والزعٌك والعواء المنبعث<br />
منها، كان العواء فٌها ٌتردّد صداه فً كلّ الجهّات وٌزداد تكثًّفاً،<br />
ما ٌإشّر إلى أنه لن ٌهدأ لرٌباً، آخذاً بالتصاعد وٌكاد أن ٌصمّ<br />
اآلذان. أظن أن ذلن نشر الرعب فً أعمالها، وجعلها تخشى<br />
أن ٌكون محمّبلً بإنذار كان ٌشعر به كٌانها منذ ولت طوٌل.<br />
لكن العاصفة لم تبك طوٌبلً تاركة لرٌة جمٌلة تحترق وتتهاوى<br />
أمام الفتاة الوالفة مدهوشة وسط الخرابب التً خلّفتها وراءها<br />
الرٌاح التً جُنّت بؽتة، وهدّأها ذلن االنمشاع السرٌع المذهل<br />
للؽٌوم .الصبٌّة بمٌت مكانها فترة بعد أن أصبحت المرٌة أط<strong>بلا</strong>لً.<br />
وهالها أن تدرن أن هنان أنفساً كثٌرة ال بدّ أن تكون مدفونة<br />
تحت التراب، كان المكان ممفراً وهً ال تستطٌع أن تفعل شٌباً،<br />
ٗ98
ال للذٌن ال ٌزال فٌهم رمك، وال ألولبن الذٌن لفظوا أنفاسهم<br />
األخٌرة. لست أدري كٌؾ استمدت بعض الراحة من هنان،<br />
دون أن ٌزٌل ذلن مُعظم توجّسها وخوفها. فً تلن اللحظة<br />
عادت إلى األرض التً كانت تمؾ علٌها. إذ إن السٌد أمسن<br />
بمعصمها ومنعها من التحرن لاببلً: ألم تكتؾ بما حمّلتٌننً من<br />
مسإولٌّة وتطلبٌن اآلن أن أترن أنثى ؼٌر راشدة تسٌر وحدها<br />
فً هذا اللٌل البهٌم؟! ماذا سٌمولون عنً إذا حدث أيّ شًء<br />
بؽٌض؟!بل بماذا سٌتهموننً؟!! أرجون أن تكونً عاللة، انا<br />
ؼٌر مطمبن. هٌا اصعدي، وستستطٌعٌن ؼداً أن تمرّ ري البماء<br />
أو تعودي إلى أصدلابن بعد أن تتناولً معً طعام الفطور،<br />
ولبل أن تؤتً "فاطمة" مدبّرة منزلً وطبّاختً المفضّلة.<br />
هل تسخر من أصدلابً؟!<br />
ما الذي دعانِ إلى لول ذلن؟!<br />
لست أدري إذ إن هذا ما شعرت به عندما<br />
التً تشٌر إلٌهم.<br />
تلفّظت بتلن الكلمة<br />
هل تُصْدلٌننً المول إذا سؤلتنِ سإاالً؟!<br />
بالتؤكٌد.<br />
أتشعرٌن بؤنهم أصدلاإن فعبلً؟!<br />
ولالت: ال.<br />
فكّرت الصبٌّة بضع لحظات<br />
ٗ99
إذاً كفانا كبلماً ودعٌنا نصعد. لمد حلّ ولت النوم .ألم تشعري<br />
بؤنن بحاجة إلى الراحة؟! ألستِ من هذا العالم وتتعبٌن كما<br />
ٌتعب كلّ الناس؟!<br />
أظن أن ما تعلّمته فً الجامعة األمرٌكٌّة فعل شٌباً فً عملن لم<br />
ٌكن إٌجابٌاً. لل لً أٌن سؤنام؟! أعتمد أنن لن ٌُمكننَ تشكٌل<br />
الصورة التً تعبر عن الفراش الذي تعبت أحبلمً وهً ترسمه<br />
طوال تلن السنٌن. ترى هل ستتحمل عظامً هذا الؽوص فً<br />
مخدع أمٌرة تتوق أن ٌكون بجانبها رجل حمٌمً عارٍ كما خلمته<br />
أمّه؟! ترى هل ٌُمكننً أن آمر بمتله فً الصباح، كما تفعل<br />
األمٌرات كً ال ٌبمى شاهداً على تلن اللٌلة التً أمدت أحبلمً<br />
بالعنبر زمناً طوٌبلً؟!<br />
من أٌن جبتِ بهذا الكبلم الذي ٌتجاوز ك ّل الحدود؟! لم أعد<br />
ٌمكننً أن أعرؾ من أنتِ. نحن أهل العلم ال نإمن بالسحر وال<br />
بالذي ٌستدعٌه، لكنن سلبتِ منً تركٌزي وتبلعبتِ بكٌمٌابٌة<br />
دماؼً. ٌبدو أنن أكثر من ساحرة وربّما أكثر من شٌطان<br />
أٌضاً. تابعً الصعود، أنا ال أدري من درّ بن على ك ّل هذا؟! أال<br />
ٌمكنن البوح عمّن ٌسعى ورابً، وماذا سٌستفٌد من رجل مسالم<br />
مثلً؟!<br />
أنا لم أفهم وال أعرؾ شٌباً ممّا تمول. تستطٌع أن تصدلنً أو<br />
ترمً بنفسن عرض الحابط. إنً أعترؾ بخطبً عندما<br />
الحمتن. األفضل لن أن تدرن أنً ال أعرؾ لمَ انجذبتُ إلٌن؟!<br />
كما أنن ال تزال "المؽناطٌس" الذي ألتصك به بمتعة. ربّما<br />
رأٌتن عدة مرّ ات فً أحبلمً. رؼم أنً لست متؤكدة حماً ممّا<br />
٘ٓٓ
ألول. لكن رابحة ذلن الذي كان ٌزورنً لبل الفجر، تشبه<br />
الرابحة التً أشمّها اآلن. إن كنت تنوي البحث عن الحمٌمة<br />
علٌن البدء بتصدٌمً.<br />
ال بؤس، أتركً ذلن لؤلٌام، فؤنا عدتُ إلى نبش دماؼً<br />
ألتعرّ ؾ على ما زال ٌختبا فً تبلفٌفه، ربّما أستطٌع الوصول<br />
إلى شًء. ستنامٌن فً ؼرفة أمً، وفً فراشها. هنان<br />
ستتعرفٌن على عطرها وستنامٌن لرٌرة العٌنٌن تحت مظلّة<br />
رابحتها. انتنَّ الجنٌّات مثلٌات الجنس ألٌس كذلن؟! إنً أعرؾ<br />
كٌؾ تراوؼٌن لتبعدي الشن عنن، فؤنت دون شن ستشتهٌنها،<br />
ولكنن لن تجدي سوى وسادتها كً تنهشٌنها، لكن مرادن لن<br />
تنالٌنه أبداً. إنها تسكن اآلن حٌث تظلّ تسابٌح المبلبكة تصل<br />
إلى أسماعها. ماذا بنِ لمَ تمتنعٌن عن الكبلم؟! ألم ٌرق لن أن<br />
أران تتمشٌن فً الؽابة عارٌة كما خلمتن أمن، تبحثٌن عن<br />
صٌد ثمٌن، ولد ؼٌّرتِ هٌؤتن وانملبتِ إلى امرأة سمراء فابمة<br />
الجمال تداعب شجرة النخٌل كؤنها تشبه لضٌب إله من اآللهة<br />
المدٌمة!! لن نعرؾ ما هً ردود أفعال تلن الشجرة وما إذا<br />
انثارت وبدأت ثمار التمر تخرج من مكمنها لبل موعدها وترٌد<br />
أن تلحك بذلن الشهر الذي سمته تلن الشجرة التً تلمت<br />
مداعبتن الحذلة شهر شهٌك الجنس.<br />
ٖٖ<br />
فً الٌوم التالً استفاق سٌّد البٌت، واؼتسل دون أن ٌنسى<br />
التعطر دون مبالؽة، ماضٌاً إلى ؼرفة الطعام، كما ٌفعل كل<br />
صباح.كانت المابدة معدّة واألطباق مرتّبة ترتٌباً ٌثٌر<br />
٘ٓٔ
االستؽراب والحٌرة، وٌطرح أسبلة جدٌدة تزٌد ثمل الحٌرة<br />
والتشرّ د التً تمخّضتْ عن اللٌلة الماضٌة وتجعل منهما أحجٌة<br />
حمٌمٌّة. أنا ال أعرؾ أٌن كانت صحون "اللٌموج"؟! كما أنً ال<br />
أعتمد أن أمًّ استعملتها أكثر من مرة واحدة. لكننً بمٌتُ<br />
مصمّماً على رفض المبول بما تشٌر إلٌه تلن الؽرابب التً<br />
عاٌشتها. كما أعترؾ أن الحابط المسدود الذي ألؾ أمامه، لد<br />
ٌخفً وراءه حمابك لد ٌمكنها خلخلة كٌانً وتدمٌر شخصٌّتً،<br />
ولن ٌمكننً التصدّي لهذا األمر وحدي. الظروؾ التً تمر فٌها<br />
المنطمة العربٌة ال تسمح لها االنشؽال بمسؤلة فرعٌّة، بٌنما<br />
الناس ٌموتون فً سبٌل رفع ؼدر األعداء عنهم، والدفاع عن<br />
مستمبل أوالدهم الذي ٌمثل الجٌل الجدٌد لسورٌة. لكنً على<br />
الصعٌد الشخصً تعلّمت من اللٌلة الفابتة التً كان نومً فٌها<br />
للماً، أن البحث عن الحمٌمة ٌمتضً الصبر وربّما المزٌد منه،<br />
واألفضل أن تحاول التمتع به أثناء بحثن المضنً<br />
الطب النفسً ال ٌزال ٌواجه الصعاب للوصول إلى أعماق<br />
النفس البشرٌّة وٌبدو أن األمر سٌطول، إن النفس مكان ؼامض<br />
لد ال ٌمكن توجٌه النور إلٌه، إذ إنن لد تهز أركانه وتجعله<br />
ٌناور مستدعٌاً الظلمة لٌختفً من جدٌد. األمر ٌحتاج إلى<br />
الهدوء وفهم عمٌك لحساسٌة األمر. الصبر لد ٌعنً أن الرب لم<br />
ٌمرر بعد الكشؾ عن األسرار الكٌمٌابٌّة للطبٌعة النفسٌّة<br />
البشرٌّة ولد ال ٌفعل ذلن إلى أن ٌزول الزمن فً اللحظة نفسها<br />
التً ٌحدث فٌها االنتمال. إننا خاضعون لكل التفاصٌل مهما<br />
كانت متناهٌّة فً الصؽر إلى أكبرها التً سمح لها الرب أن<br />
تلعب دوراً فً وجودنا كله. األمر بالػ التعمٌد ولكن بالرؼم من<br />
ذلن علٌنا أن نمضً لدماً.<br />
ٕ٘ٓ
الصعاب التً تنتظر العلم الجدٌد جبال عامودٌّة مرتفعة<br />
شاهمة ملساء مرعبة، فلتطوٌعها وجعلها مُمكنة االجتٌاز، على<br />
المدارس النفسٌّة المختلفة فً كلّ أنحاء العالم، أن تتكاتؾ<br />
وتتبادل المعلومات من فوق الطاولة، ألننا جمٌعاً فً عالم<br />
واحد، ونحن بحاجة ماسة لهذا العلم الجدٌد وتطوٌره لبل أن<br />
تؤكل الكآبة العالم وتموت الزهور وٌجؾّ الجمال فً هذا<br />
الكون. نحن نعرؾ أننا نتمدم ضمن إٌماع محدّد ال ٌمكن حتى<br />
اآلن تجاوزه. لنعمل على دفع األلوال عن التضامن واالجتماع<br />
على موابد المحبة والتكاتؾ حٌث نرحو من الرب أن ٌدٌر<br />
وجهه صوبنا وتصٌر األلوال أفعاالً.<br />
إن لاموس العلم الجدٌد ٌمبل مشاركة الجسد للروح، وٌإمن أنه<br />
سٌتاح لهما أن ٌنفصبل ٌوماً عن بعضهما بعضاً، فٌذهب ما مآله<br />
إلى النتانة والفناء للدفن تحت التراب، وتبمى الشخصٌّة<br />
اإلنسانٌّة الفذّة لترتّل "هالٌلولٌا" وتعً كٌؾ كان مجدها دابماً<br />
مرتبطاً بمجد هللا وتعبٌراً عن الحرّ ٌة التً ٌتداخل معناها مع كلّ<br />
المعانً السامٌّة، وكٌؾ سٌكون ذلن الٌوم ممرّ اً احتفالٌّاً<br />
لمشاركة الرب أُلوهٌّته. ربّما تتبلشى فً ذلن الولت مؽناطٌسٌّة<br />
الكون، وٌزول ما تبمّى من أجراس األعماق. فً ومضة<br />
سٌشعر بها كلّ من فً المبور أو خارجها، معلنا العلًّ بوساطتها<br />
إتمام خطّته، وإعبلء شؤن الدٌممراطٌّة لتصبح لانوناً إلهٌاً ٌحكم<br />
بٌن اآللهة دون وجودٍ للحك بالنمض أو إمكانٌّة الؽضب والتفكٌر<br />
فً االعتراض. فً تلن الهنٌهات سٌهرول الحاكم المذهول<br />
لٌمبِّل سجٌناً خرج من السجن للتو وٌمول له: إنً آسؾ أرجون<br />
أن تمبل اعتذاري. فمد كنتُ بطرٌمة ما محكوماً أٌضاً.<br />
ٖ٘ٓ
لبل أن ٌجلس ذلن المحتار إلى المابدة الصباحٌّة، كانت<br />
األطباق تحكً بصوت مسموع هادئ أن فٌها كلّ ما لذَّ وطاب،<br />
وما ٌشتهٌه من ٌرٌد البدء بٌوم جدٌد. الشمس فٌه تُظهر<br />
ابتسامتها العرٌضة، وال أثر فً المبّة الزرلاء للؽٌوم. سارع<br />
زٌاد إلى إلى التكلّم بواسطة "األنترفون" بؽرفة المرحومة أمه<br />
لٌطلب من "سارة" المجًء. لكن ما من مجٌب. بمً فً مكانه<br />
ولم ٌرد أن ٌذهب بنفسه لٌنمر على باب ؼرفتها، لكنه لم ٌلبث<br />
أن وجد ورلة صؽٌرة ممتطعة من شًء مطبوع كانت فً<br />
منتصؾ المابدة كتب علٌها بخط رديء" شكراً أنا آسفة ألنً<br />
رمٌتُ بكل كوابٌسً إلى أحضانن. لكن أشفك على نفسن وكؾّ<br />
عن التلذّذ بكونن ضحٌة." ثم كتب )األفعال البسٌطة التً ٌفعلها<br />
الناس العادٌون كلّ ٌوم، هً ما تجعل العالم رطباً باستمرار،<br />
وؼٌر لابل للفناء.( بعد أن لرأ زٌاد تلن المصاصة التً تركتها<br />
الفتاة على فراش أمه، فهم أنها كانت مستعدّة للمفز حتّى من<br />
الطابرة، شرط أن تعود إلى الؽابة، فهنان طعم مختلؾ للحرّ ٌة.<br />
لمد جعلتها اللٌلة الماضٌة تدرن أن المدٌنة ملٌبة باألرواح<br />
الهابمة التً أُجبرت على ترن أحبابها، والبحث عنها دون<br />
جدوى.المدٌنة تحمل فً طٌَّّاتها الكذب والشن والحسد واالحتٌال<br />
وكلّ المفردات التً تجبر اإلنسان على العٌش فً حذر وحرب<br />
مستعرة لتدرأ عنه ما ٌرٌد اآلخرون أن ٌسلبوه منه، "أو لتحتفظ<br />
بما سلبته من اآلخرٌن أٌّها األخرق" ٌبدو أن تلن التعبة من<br />
مبلحمة روابح األجساد، لم تعطَ بعد كلّ األحاسٌس البلزمة<br />
لتعٌش فً ذلن العالم الموعود، وال المدرة الكامنة لكلّ منها. أما<br />
حَمَلة األجساد فنعرؾ جمٌعاً ما ٌحظون به من ملكات لتعٌنهم<br />
على العٌش ألَجَلٍ.<br />
٘ٓٗ
كنتُ حزٌناً عندما رمٌت نفسً على فراش أمً الذي من<br />
المإكّد أنه لم ٌتم استعماله من أحد، وفضلت تلن المراهمة البماء<br />
ساهرة حتى بزوغ نور الصباح فتسلّلت حافٌة وفتحت الباب، ث َّم<br />
خرجت ببطء على ما أعتمد وتمتعت مرة أخٌرة بذلن الدرابزٌن<br />
الرابع الجمال. لُمتُ نفسً كثٌراً على ما حدث فً اللٌلة السابمة.<br />
كان تهوراً منً عندما دعوتها للصعود إلى بٌتً والححت كً<br />
تفعل رؼم علمً بكلّ المخاطر التً ٌمكن أن تنتج عن ذلن.<br />
لٌس من تفسٌر ممبول ٌمكن أن ٌبرر هذا التصرّ ؾ الطفولً<br />
الذي ٌعبر ربما عن حاجة لتلن األٌام التً لم ٌكن هنان أي ثمل<br />
موجع للشعور بالمسإولٌّة. رؼم إدراكً أنً ال أمتلن أ ّي<br />
توضٌح عن سبب وجود تلن المراهمة فً بٌتً بعد الثانٌة<br />
صباحاً، وثمتً أٌضاً أالّ مستمبل لبمابها عندي. كما أعرؾ دون<br />
أيَّ شن أن مكوثها معً ستجعل األلسن تُدخلنً من جدٌد إلى<br />
حكاٌاتها اللبٌمة. بتُّ أظن أن تلن الفتاة كانت ستظلّ تكذب<br />
وتمول له: إنه خرِ ؾ ٌهلوس، إذ كٌؾ لها أن تسمع ٌوماً<br />
ببارٌس، أو بكاترٌنا، الرحمة لها أٌنما كانت، كما لن ٌمكنه<br />
أٌضاً فً أحسن األحوال إلناع نفسه أنها لن تختلك الكثٌر من<br />
الفخاخ والمشاكل التً ستهدد سمعته بالتؤكٌد، وستنتزع منه<br />
حمه بسجن نفسه، وتجعله سجٌن الدولة بتهمة إؼواء الماصرات.<br />
ثم ما أدراه أنها لم تمع سابماً فً كمابن الوحوش ودُرّ بت هنان<br />
على االندساس وسط أمثاله من الذٌن ٌجرون وراء الدؾء<br />
العاطفً وهم ٌخشون عدم تمكّنهم من دفع ثمن أعبابه. ترى ألم<br />
ٌفكر أنها تستطٌع وبمنتهى السهولة، متى أوحً إلٌها دون أن<br />
ٌعً إلى أٌن ٌماد أن تجد ذلن فرصة سانحة لتدبٌر مكٌدة<br />
تكون نتٌجتها تهمة تشً باالنحراؾ الجنسً الذي سٌعصؾ به<br />
وٌملب حٌاته رأساً على عمب، وسٌسمح لكلّ من ٌملن الخٌال<br />
٘ٓ٘
بالمول: إن مٌله الشدٌد إلى مداعبة الماصرات، جعله ٌبمى على<br />
ؼٌّه فسخّر ماله للؽوص فٌما ٌنهً عنه هللا، فالتمط لاصرة من<br />
الشارع فً اللٌل البهٌم وأسكنها فً بٌته مستؽبلً فمرها مثبتاً أن<br />
المال ٌجلب معه روح الشٌطان.<br />
لكن رؼم خوفً الشدٌد كنتُ أإمن أن حذري أعطاه الزمن<br />
اعتداداً لن ٌدعه عرضة لؤلهواء تاركاً إٌّاها تتبلعب به،<br />
وسٌدرن عاجبلً أن هللا كان معه دابماً ونجّاه من كل أنواع<br />
الفخاخ، والمشرّ دات ؼٌر الراشدات اللواتً ٌُثرنَ الشفمة<br />
مستخدمات ببراعة ضعفات الذٌن ال ٌدرون ما ٌفعلون. أنا لم<br />
أحاول تصحٌح ما كتبه ذلن الذي كنته دابماً، بل كنت أساعده<br />
أن ٌكتب بعٌداً عن كل ما ٌمكن إرباكه، عندما كان ٌتاح لً<br />
التمكن من النؤي عنه.<br />
ٖٗ<br />
فً الفترة التً اعتزلتُ فٌها العالم، كنتُ أعٌش بٌن<br />
الجدران والصمت، وطٌؾ أمً ٌنتمل بٌن الحٌن واآلخر بٌن<br />
ؼرفة نومها والمطبخ، حاملة أثناء عودتها فنجان الشاي<br />
المعهود ماشٌة كملكة حافٌة المدمٌن تطٌر كما عهدتها فوق<br />
الببلط األبٌض الموشّح للٌبلً باألزرق الفاتح. كان ذلن ٌثٌر فًّ<br />
االضطراب بحٌث ٌنمل الماضً كلّه إلى فراشً. صدّلوا أنً<br />
تخلٌّتُ عن فهم كٌؾ كان ٌحدث ذلن، ولم أعد أخشى أن أنسى<br />
نفسً وألوم كً أالحمها وأسؤلها كٌؾ تفعلٌن ذلن وأٌن تعٌشٌن<br />
اآلن وهل تشتالٌن إلً؟! إذ كنت أدرن أنها ستستدٌر نصؾ<br />
استدارة وتبتسم هازبة دون أن تجٌب. حاولت أن ألص تلن<br />
٘ٓٙ
المصّة على بعض الناس لكنً لم أفعل. لم ٌكن أمامً فً ذلن<br />
الولت سوى أن ألٌم عبللة حمٌمة مع الموسٌمى والمراءة انتهاء<br />
بالتؤمل. التؤمل الذي ألصده كان رحلة حمٌمٌّة إلى عالم مختلؾ،<br />
لٌس لن فٌه عدوّ متربص أو حاسد ٌمؾ على الناصٌة المرٌبة،<br />
لٌتلذّذ بشتمن وتكاد ؼٌرته أن تنفجر فً داخله إذا مررتَ لربه.<br />
هنان فً ذلن العالم كنت أرى الصور التً ٌمرّ رها الشرٌط<br />
أمامً بشكل أنمى، وال تحتاج إلى وضوح أكثر من ذلن. ال بدّ<br />
من االستعانة أحٌاناً بالملوب النمٌّة لٌتاح الوصول إلى ذلن<br />
الدؾء الذي ٌبمٌن منشرحاً متمبّبلً ما تبثه لن النجوم وأولبن<br />
الذٌن ٌتولون أن ٌتحدّثوا إلٌن وٌشرحوا لن كٌؾ تصل بوساطة<br />
االستسبلم الداخلً الستمبال األرواح المسافرة عبر الزمن<br />
اللتماط من هو مثلن لرأ رسالة، وال ٌعرؾ كٌؾ وصلت إلٌه.<br />
كانت تمول: إنن تستطٌع بالصبر واإلٌمان االستماع إلى إبداع<br />
ألحانن الخاصة المنبعثة من أعماق ذاتن. لكن كلّ ذلن لم<br />
ٌستطع إزالة شعوري بؤنً أعٌش فً حٌّز ضٌك لم ٌتعدَّ إال<br />
ذاتً والذكرٌات التً تدفعن إلى التمولع حتّى لو آمنت أنن بذلن<br />
تسجن نفسن بنفسن؟! األٌام التً نعٌشها ٌروق لها إسدال ستابر<br />
البٌت والتمتع بانفرادن مع ذاتن. ال تلتفت لِما ٌموله الناس أو<br />
ماذا ٌفكّرون به. الكثٌر منهم ال ٌحملون نٌّة سٌّبة فً للوبهم.<br />
لكن لم ٌكن باستطاعتهم أن ٌفهموا أنن فً النهاٌة ماذا ترٌد<br />
المول؟! وكٌؾ ستجعلهم ٌفهمون أنن بٌن الحٌن واآلخر تنص ُت<br />
إلى أجراس أعمالن لتسمع ماذا ترٌد أن تمول أو تمترح. لمد<br />
تعوّ دتُ اإلنصات إلٌها فهً ال تجرح أذنً وال تنمل إلًَّ ما لرّ ره<br />
هللا، فبل فابدة ترجى من ذلن، فإرادة الرب لٌست بحاجة لمن<br />
ٌوصلها إلى من ٌرٌد. إذ علٌنا المبول بها ألنها ال تحتاج إلى<br />
نماش، فستكون لمصلحة الجمٌع حتماً. جاءنً صدٌك حزٌن<br />
٘ٓ7
مرّ ة، وولؾ أمامً ال ٌعرؾ ما ٌمول. أشرت إلٌه أن ٌجلس<br />
وٌستعٌد أنفاسه. لكنه أسرع فمال: لمد تعبت من االستؽاثة، ولم<br />
ٌكن أمامً سوى ترن كلّ شًء، ممرراً تسلٌم األمر للزمن<br />
ولؤلم الحزٌنة. ابتسمتُ ولل ُت: أنت لست بحاجة لبلستؽاثة<br />
صدّلنً أنت تتوق إلى الصبلة دون أن تدري.<br />
* * *<br />
أناشدن ٌارب أن تمول لٌس هامساً: إنن تفضل أن تعود<br />
طفبلً من جدٌد؟! ألن تسؤل ذاتن اإللهٌّة عن الطرٌمة التً ٌمكنن<br />
بها التخلًّ عن شًء ال ٌمكن االنفكان عنه؟! سٌسعدنً وأنت<br />
المادر على كل شًء أن أران لد وصلت إلى طرٌك مسدود.<br />
إلٌن التراحً. لماذا ال تحلّ نفسن من ارتباطن بهذا العالم وتعٌد<br />
إنتاج عالماً آخر ٌكون خالٌاً تماماً من الدماء والجثث الممطّعة<br />
األوصال، أما نحن فبل تهتم بنا كثٌراً إذ ٌمكنن االكتفاء بإبمابنا<br />
تحت التراب إلى حٌن. هكذا تستطٌع استعادتنا متى شبت. ألٌس<br />
من ذلن التراب نفسه خلمتنا؟! لست أدري لمَ أعطٌتنا الحٌاة،<br />
وأخذتنا فً رحلة لبل الؽروب وأرٌتنا تلن األلوان الرابعة التً<br />
تتمرّ غ هً واألفك تحت ناظرٌن، ثمَّ فجؤة وبدون أي إنذار<br />
هبطتّ بنا إلى األرض وللت لنا: هذه هً الدنٌا والحٌاة.<br />
فوجبنا ٌا أبتاه أننا لم نجد سوى السراب. السراب الجمٌل الذي<br />
ٌؽشى العٌون، لكنه فً والع األمر ٌماثل ك ّل ما ٌجري فً هذا<br />
العالم لباحة ولإماً. لمد سبمنا ٌا إلهً من رابحة ذلن السابل<br />
األحمر المانً الذي سخر منا ممهمهاً ولال: ال كرامة لئلنسان<br />
فً هذا العالم. كفى ما جرى وٌجري ٌا إلهً لمَ ال تسمح لنا أن<br />
٘ٓ8
نرمً بؤنفسنا جمٌعاً إلى ذلن الوادي الذي ال لرار له. لكنً فً<br />
النهاٌة ٌا رب أدرن بكلٌتً وبكامل أهلٌتً أننً ال ٌمكننً<br />
التفكٌر فً االعتراض على حكمتن.<br />
ٖ٘<br />
ٌبدو أن الشعب األمرٌكً نسً المبادئ التً وضعها كدستور<br />
للببلد وتعهّد بتطبٌمها. لكن فً الطرٌك إلى االستمرار وتحمٌك<br />
الدٌمولراطٌّة أحد العناوٌن األساسٌّة فً الدستور، وكذلن إنماذ<br />
العالم من الفاشٌّة والدٌكتاتورٌّة والشٌوعٌّة. كلّفه ذلن حرباً<br />
طاحنة وأنهاراً من الدماء ذاق مرها وتداعٌّاتها الشعب<br />
األمرٌكً. هكذا جاء الولت بعد حٌن كً ٌهلّل الشعب األ ِمرٌكً<br />
وٌعتبر نفسه منمذ العالم، ٌوم فشل االتّحاد السوفٌتً فً لٌادة<br />
البشر إلى مسٌحٌّة جدٌدة دون المسٌح. المسٌح تنصّل أصبلً من<br />
هذه المسإولٌّة عندما لال منذ أكثر من ألفً سنة: "إنً لستُ<br />
من هذا العالم" لٌس معنى ذلن أنه فكّر ٌوماً أن ٌنسحب منه، بل<br />
أكد دابماً أنه سٌظلّ مع البشر وساكناً فٌهم، وجالساً معهم على<br />
المابدة ٌتناول الطعام معهم، كإخوة عاش لصٌماً بهم وسٌبمى<br />
كذلن فً هذه الحٌاة وما بعدها، وفً كل لحظة كان وسٌكون<br />
موجوداً حٌن ٌلتفتون باحثٌن عن معٌن. إن العالم كما نعرفه<br />
تكوّ ن وتطوّ ر من أجل اإلنسان الذي ٌعٌش فٌه، وهو لم ٌستطع<br />
حتى الٌوم أن ٌدخل إلى أحبلمه الفكرة التً تمول أنه مدعو<br />
لمشاركة هللا فً أُلوهٌته، رؼم أنه عاٌن تؤنس هللا، ولمس فمره<br />
وتمشفه، واكتملت المصة عندما تحمك ما جاء فً الكتب فتدحرج<br />
الحجر ولام ابن اإلنسان لٌعود إلى ما كان علٌه لرب اآلب.<br />
االبن الشاطر استطاع تجاوز احتجاج أخٌه الكبٌر متناسٌاً ؼرله<br />
٘ٓ9
السابك فً الموبمات، وعناله المزمن مع كلّ الخطاٌا الكبٌرة<br />
والصؽٌرة. ترى ماذا لو لم ٌفهم هذا الشاب المدلل ذا األب<br />
الثري حمٌمة المسؤلة التً أدت إلى الترحٌب به من جدٌد فً<br />
بٌت العابلة، فعاد إلى ؼٌّه ولم ٌحترم حموق أخٌه المؽتصبة وال<br />
كرامة أبٌه االبن البار هلل؟! أوباما كذلن لم ٌفهم فً العمك معنى<br />
اختٌار الشعب األمٌركً لرجل أسود لٌحكم ألوى وأهم دولة<br />
فً العالم الحدٌث لفترتٌن انتخابٌّتٌن. التارٌخ أرانا السود فً<br />
أفرٌمٌا ٌسالون بالسبلسل الحدٌدٌّة وٌمادون لٌصبحوا عبٌداً<br />
ٌباعون بؤبخس األثمان، ثمَ شاهدنا بؤم العٌن األسود ٌطلّ من<br />
المصر األبٌض الناصع البٌاض ٌلمً خطاباً من الشرفة شارحاً<br />
لؤلمّة األمِرٌكٌّة كٌؾ سٌحكم الببلد ابتداء من نهاٌة خطابه<br />
األول. هكذا تعود المصّة من جدٌد وٌعود الوالد إلى رحمته<br />
شاكراً، ومستمببلً أبنه أحسن استمبال إذ إنه هو نفسه الذي كان<br />
ضابعاً فوجد. هكذا أعطى الشعب "األمرٌكً" ذلن األسود الثمة<br />
مرّ ة ثانٌة، فلم ٌستطع كبح جماح نفسه، فرمى الكرة بك ّل لوته<br />
فاستمرّ ت فً شبان فرٌمه. عمّت الدهشة واالستنكار ك ّل<br />
الجمهور معتبرٌن ما حدث إهانة لرٌاضة عشموا دابماً<br />
مشاهدتها فً آخر أسبوع من العمل الجاد المنتج. امتنع كل<br />
األمرٌكٌٌّن الذٌن شاهدوا المباراة عن تناول البوظة عشرة أٌام<br />
معبّرٌن عن احتجاجهم الضمنً.<br />
فً الٌوم الثانً نشرت أحدى الصحؾ األمِرٌكٌّة المشهورة<br />
صورة أوباما مبتسماً بعد المباراة ولالت: إن طفبل عمره سبع<br />
سنوات أرسلها لهم لٌبلً لاببلً: )ال تخطبوا مرّ ة ثالثة أرجوكم( إذاً<br />
فشل أوباما مرّ تٌن فً فهم أهمٌّة الحدث الكبٌر الذي تم فً ؼفلة<br />
من الزمن والملٌارات من البشر التً تعٌش فً هذا العالم،<br />
٘ٔٓ
وأصبح الناس ٌدركون أنهم تؽٌروا وأمسوا ٌتؽٌّرون بتسارع<br />
أكبر. السنوات األربع األولى من الحكم. شاهد العالم حاكم<br />
البٌت األبٌض ٌرلص وهو ٌنزل السلّم المتعرّ ج داخل األبٌض<br />
الذي ٌوصل إلى بٌته العابلً. أو عندما كان ٌعٌد الكرّ ة لٌصل<br />
إلى زوجته وٌرى ذلن الفستان الذي سترتدٌه تلن اللٌلة، وٌتؤكد<br />
أن مماسه مبلبم لجسدها المثٌر، ثمَّ ٌعود إلى مكتبه بخطوات<br />
متسارعة لٌشارن فرٌمه بتنفٌذ الفوضى الخبلّلة بدءاً من مصر<br />
وهً من أهم الدول العربٌة وأكثرها تجانساً. ثم لٌبٌا وتلٌهما<br />
سورٌّة والعراق إلى أن وصل األمر إلى الٌمن السعٌد؟!! ترى<br />
سٌطر الؽوماذا ستفعل الفوضى الخبللة التً التهمت نصؾ<br />
المتماتلٌن حتّى اآلن؟! إن كلّ هذا ٌلفت النظر بؤن شٌباً مرٌباً<br />
ٌجري. لٌل كثٌراً أن عدد الدول المتحالفة لطرد "داعش" من<br />
العراق وسورٌّة بلػ سبعٌن دولة وعلى رأسهم جمٌعاً الدولة<br />
العظمى الوحٌدة فً العالم. ألٌس هذا ممّا ٌثٌر الشن فً كل ما<br />
ٌحدث فً هذه المسرحٌّة الطعم؟! ثم نرى أن داعش تمدّدت<br />
وأصبحت تسٌطر على نصؾ العراق وأخذت تدمر كل الرلة<br />
ودٌر الزور وجزءاً من حلب وأوباما ال ٌتحرّ ن بل ٌدرب<br />
الجنود وٌمول: ال بد أن ننتصر فً النهاٌة تلن الكلمة التً تحمل<br />
فً طٌّاتها الكثٌر من المعانً. ترى عن أٌّة نهاٌة ٌتحدث؟!<br />
وكلّنا نعرؾ أن تخلٌه عن الحكم حسب الدستور األمٌركً<br />
مسؤلة شهور. هل بلػ االستهتار بؤوباما أن ٌضع السٌاسة<br />
األمٌركٌّة الخارجٌّة فً األفواه المذرة تعلكها ببطء ثمَّ تبصمها<br />
على الممامة التً لن ٌكنسها الع ّمال من الطرلات لبل أن ٌبزغ<br />
الصباح؟ّ! هل تخلى ربٌس الوالٌات المتحدة عن الخجل أو إنه<br />
تخلّى عن ألبسته كلّها وفضّل الركض إلى الؽابة المرٌبة وٌنام<br />
لرٌر العٌن مع المرود هو والروابح التً ترٌحه، واستمرأ<br />
٘ٔٔ
الكذب المستمر مستهتراً بآالؾ األرواح التً زهمت من أجل<br />
لعبة "بوكر"؟!من الصعب الفهم وربّما األصعب توجٌه التهم.<br />
كٌؾ لنا أن نفهم الؽاٌة من جمع كلمة الفوضى مع كلمة الخبلّ لة<br />
فً ظل ذلن المتال الضاري؟! هل ٌعنً ذلن لتل الناس<br />
وتهجٌرهم إلى أن ٌصبح العراق وسورٌّة أراضً جرداء خالٌة<br />
من السكان، فٌستوردون سكاناً جدداً ونصبح ألرب إلى فهم ما<br />
ٌعنون بالفوضى الخبلّ لة؟!! ترى لمَ تجنّبوا إبعاد التسمٌة<br />
الحمٌمٌّة للموضوع وإبماء الفتنة تشتعل للسماح للؽموض أن<br />
ٌبتلع الحمٌمة وٌخفٌها عن العٌون سنوات طوٌلة حتى نعرؾ فً<br />
نهاٌة المطاؾ أن التسمٌة البسٌطة لتلن الفكرة، أو تلن الدراسة<br />
التً لصدوا منها أن تملب العالم رأساً على عمب، كان علٌها أن<br />
تكون "الجرٌمة الخبلّ لة" أن تلن الفوضى الخبللة تملن أن<br />
تطور نفسها بنفسها؟! طبعاً لٌس من المفروض أن ٌعتمد أحد أن<br />
أمرٌكا أرادت ؼٌر ذلن. إذاً ماذا فعلت لابدة التحالؾ الدولً<br />
وهً ترى إعدام األبرٌاء ٌت ّم بمطع الرإوس؟! هل أتت بؤوباما<br />
لٌحكم ألنه ٌمكنه أن ٌكذب وهو ٌبتسم ابتسامة عرٌضة تُظهره<br />
كالحمل الودٌع، ثمَّ ٌعود إلى الكذب المتمرّ س مستمراً فً ذلن<br />
أٌضاً وأٌضاً وهو ٌتابع االبتسام دون كلل أو ملل، فٌبدأ<br />
التصفٌك من جهة تجمع النساء السود فتصرخ إحداهنَّ: أنظر َن<br />
إلى هنان الٌست ابتسامة الربٌس المتواضع رابعة؟! وٌزداد<br />
الصراخ من الجهة األخرى المُمتلبة بالنساء أٌضاً فتنبري<br />
إحداهنَّ للمول: هٌا أسرعوا بها إلى المستشفى إذ إنً رأٌت<br />
بنفسً الولد ٌخرج للٌبلً من هنان دون طبٌب، وهتفنَ جمٌعهنَّ:<br />
إنه أوباما، إنه أوباما الساحر، ٌخلك أمٌركا جدٌدة. هل هنان<br />
أحد ٌستطٌع أن ٌتجسس على كلّ زعماء العالم حتى وهم<br />
ٌتكلّمون مع عشٌماتهم وربّما زوجاتهم أٌضاً. دموعً لٌست<br />
ٕ٘ٔ
جاهزة لتبكً على أمرٌكا تلن الدولة التً خرّ بوها أطباء<br />
التجمٌل إذ إنهم ألنعوا الشعب األمرٌكً أن ٌستمرئ مضاجعة<br />
الببلستٌن وألبسوه وهماً سٌطر على مشاعره حتى صار ٌعتمد<br />
أنه لن ٌصل إلى الذروة إالّ هو والببلستٌن معاً. ما أعرفه<br />
بالتؤكٌد أن األمرٌكً ٌمتلا بالحبور متى ٌرٌد وتشاء أمرٌكا،<br />
ونسً تلن االنتفاضة وتلن اللذة التً ال ٌمكن وصفها. أنا أجدن<br />
ٌا أوباما لبٌماً وسافبلً وجافاً فً أحسن األحوال، كؤن الدماء التً<br />
تجري فً عرولن تجمّدت ولم تعد تعنً لن شٌباً. أظن أنها لم<br />
تعد تحبن، فمد فمدت إحساسها بوجودن، وتولّفت عن الشعور<br />
أنها فً بٌتها وفً دٌارها. إلى متى ستظل تصلب وطنً ٌا<br />
أوباما وتتمتع وأنت تتفرّ ج علٌه ٌُد َّمر وتؽتصب نساإه<br />
وأطفاله؟! هل فهمتَ حماً أن من سكن أمٌركا من المشرّ دٌن<br />
الٌزالون ٌتذكّرون أمواتهم وهم فً المبور؟! لمد نملتهم سفناً<br />
تشبه تلن التً أوصلت ؼرلانا إلى لرب الشواطا الؽنٌّة ولكنهم<br />
لم ٌتمكَّنوا أن ٌتشبّثوا بالصخور أو لم ٌعودوا لادرٌن أن ٌتمدّموا<br />
بضع خطوات كً ٌستطٌعوا أن ٌبلمسوا الماع الرملً الذي<br />
ٌسمح أللدامهم أن تمؾ بعض الولت علٌه آملٌن بالتنفّس<br />
البطًء فربّما كان بإمكانهم الخلود إلى النوم على رمال<br />
الشاطا.<br />
لال كٌسنجر ساخراً من أوباما: إ" ن من المثٌر لبلستؽراب أن<br />
ٌعامل األمٌركٌّون تفوق ببلدهم ببل مباالة وهم الذٌن دفعوا<br />
الكثٌر لتكتسب هذه المناعة. انتبه إلى نفسن ٌا أوباما فهم لم<br />
ٌعودوا ٌرٌدون أن تتماسم محبتهم مع البوظة إذ إنهم ٌفضلون<br />
أن ٌضاعفوا ما ٌتناولونه من تلن التً تثلج صدورهم طالما أنها<br />
تُنسٌهم خطؤهم الفادح. إنهم استطاعوا أن ٌجعلوا أعضاء<br />
ٖ٘ٔ
الكونؽرس ال ٌكترثون بإطبلق التصرٌحات عن المضاٌا<br />
الخارجٌّة بل ٌهتمّون وٌظهرون بوضوح ما ٌهم الرأي العام<br />
األمرٌكً وما ٌحدث حمٌمة داخل الببلد، وٌُشؽل الفِكَر التً<br />
تحتل هموم كل المواطنٌن مثل ارتفاع نسبة البطالة أو<br />
إنخفاضها، وارتفاع أسعار اللحوم وانخفاضها. إن اهتمام<br />
المواطن األمٌركً ٌشمل كلّ هذه التفاصٌل الصؽٌرة والكبٌرة<br />
التً على األسرة مرالبتها بانتظام إن لم ترد الولوع فً<br />
المحظور. كلّ ذلن ٌهم الرأي العام األمٌركً أكثر من اآلالؾ<br />
الذٌن لتلوا فً الٌمن وسٌُمتلون الحماً. ترى من ٌإلّؾ الرأي<br />
العام ألٌست أكاذٌبكم وتزٌٌفكم للحمابك؟! الذهاب إلى الكنابس<br />
لمن ٌؽوص فً الشؤن السٌاسً، أصبح مجرّ د نزهة للتروٌح<br />
عن النفس نهار األحد. ثمَّ بعدها تذهبون إلى حدابك بٌوتكم لٌبدأ<br />
شواء اللحوم وإعداد الطعام والشراب. أما كٌؾ تسرلون حٌاة<br />
اآلخرٌن فهذا كان أمس، وأمس وما حدث فٌه لم ٌعد ٌهمّكم. إن<br />
استمالة ثبلثة من وزراء الدفاع لبل إنتهاء عهدكم المٌمون ٌا<br />
سٌد أوباما ٌعنً هذا أن هنان تخبطاً ؼٌر ممبول، ولٌس محموداً<br />
عند المرالبٌن الذٌن ٌتابعون طرٌمة تفكٌر الساسة الذٌن<br />
ٌوجّهون السٌاسة العامة للببلد. كما ٌتابع كٌسنجر سخرٌّته<br />
فٌمول رداً على سإال آخر: إن اهتمام الرأي العام بالشإون<br />
الخارجٌة متدنٍ دابماً لمد جعلتوه ٌا سادة حكّام البٌت األبٌض<br />
ٌهتم "بالبوظة" التً سوّ لت فً السوق مإخراً، وممدار النمو<br />
المتولع فً السنة المادمة، أكثر من عشرات اآلالؾ الذٌن لتلوا<br />
فً الٌمن والعراق وسورٌّة ولٌبٌا وشوّ هت جثثهم فً الشهر<br />
نفسه، الذي أكل الشعب فٌه تلن البوظة بشراهة بصورة لٌس<br />
لها نظٌراً. إن الشراهة أصبحت عموماً تعم جمٌع األمٌركٌٌّن.<br />
هذا ٌعود بنا المهمرى لٌإثر سلباً على صناع السٌاسة هنان<br />
٘ٔٗ
وتجعلهم ألل حساسٌة للتؤثٌر السٌاسً والثمافً ؼٌر المستحبٌن<br />
إجماالً للتحوالت الواسعة التً أحدثتها الخطوات الواثمة لمجمل<br />
تسارع إنتاج التكنولوجٌا األمٌركٌّة. إن تعمد إخفاء الكثٌر من<br />
األمور على الرأي العام األمٌركً ٌشبه الفوضى التً ٌمكن أن<br />
تحدث فً إحدى المآدب األمرٌكٌة حٌث تمدّم لهم التحلٌة بوظة<br />
مشكّلة من الشكواله مع المشطة المحشوة بالكثٌر من المكسَّرات.<br />
ال أدري من لال لً إنهم ربما سٌباشرون بحشوها ببعض<br />
الخردل لرٌباً؟! بالطبع سٌزٌد هذا من نسبة البدانة فً الببلد،<br />
وٌشعل الكراهٌّة التً أخذت تتطوّ ر بشكل سٌعود على ك ّل<br />
العالم بؤخطار كبٌرة وسٌفالم هذه األخطار بؤن ٌجعل ما هو<br />
ؼٌر منطمً منها منطمٌاً جداً. هل ٌا ترى تستطٌع الوالٌات<br />
المتّحدة األمٌركٌّة حماٌة حدودوها البالؽة االتّساع والكبر من<br />
حملة األحزمة الناسفة، المرشّحة لتكبر األعداد الحاملة لها؟! إن<br />
أوباما أصبح متّهماً بالكذب والمخادعة واالستهتار والعنجهٌّة<br />
مضافاً إلٌها الكثٌر من السذاجة ولصر النظر الواضح والتكبر<br />
السخٌؾ، رؼم االبتسامات المحبّبة التً ٌطبعها على ثؽره بكثرة<br />
مظهرة األسنان البٌضاء النظٌفة للسٌّد الربٌس. الذي ٌمال عنه:<br />
إنه أسوأ ربٌس جعل أمٌركا تتلمّى من كل فرد من خارجها ومن<br />
الكثٌرٌن الذي ٌعٌشون فٌها ملٌارات كثٌرة من الشتابم ٌومٌاً. لمد<br />
للّلتُ األسلحة النووٌّة من احتماالت الحروب بٌن الدول التً<br />
تمتلكها، رؼم أن هذه الممولة ال ٌمكنها أن تصمد إذا استم ّر<br />
ازدٌاد عدد الدول النووٌّة وتمادي ذلن فً االنتشار وتبعثر<br />
االستمطاب هنا وهنان واتّساع هوة الخبلفات بٌن هذه<br />
االستمطابات، والخوؾ من تحرّ ن عوامل كثٌرة مثل المإامرات<br />
وسرٌّة االصطفافات. كل هذا لد ٌجلب تدمٌراً مفاجباً هاببلً<br />
ولاتبلً لئلنسانٌة لد تإدّي عوامله الكارثٌة إلى توسّع الفاجعة<br />
٘ٔ٘
وازٌاد مشاكل الخروج منها. ال أخفً على أحد أن خفة أوباما<br />
باختٌار سٌاساته لد ضخم المشاكل التً تواجه البشرٌّة ورمى<br />
مزٌداً كبٌراً من الفخاخ بٌن العدد الملٌل من الحلول المطروحة.<br />
لست من الذٌن ٌسعون إلى تكبٌر رإوسهم بحشوها بمزٌد من<br />
المش، كما أنً أخشى من االستهانة بؤي إنسان ٌرٌد أن ٌدلً<br />
برأٌه. لكنً رؼم اهتمامً الكبٌر بالعالم الذي أعٌش، ال أخفً<br />
أن عوامل شخصٌّة تدفعنً أن أدس أنفً وسط كل األفكار<br />
المطروحة فً عالم الٌوم والمستمبل، إذ إنً ال أجد ضٌراً فً<br />
ذلن وال حشرٌّة ممجوجة. من الطبٌعً أ ّال أدري كم بمً لً من<br />
العمر؟! لكنً أودّ المول أن ازٌاد المولؾ الدولً تعمٌداً ودخول<br />
أوباما الذي ٌحكمه التردد كمابد فرٌك أساسً ٌخشى االعتماد<br />
على مستشارٌه، مفضبل العودة إلى نفسه المُربكة، ربما لٌصب<br />
الزٌت على النار بؽٌة إطفاء الحرٌك ال إشعاله. حٌنبذ لد تكون<br />
اآللة الضخمة التً تسٌر الحكم فً أمٌركا لد ناءت بحملها،<br />
وتحتاج إلى التخفٌؾ من العوامل التً تولفها وال تدعها تتابع<br />
طرٌمها إال بعد ولت طوٌل من معرفة أٌن ٌتموضع مصدر<br />
الخلل. إنً كمن ٌربت برلة على كتؾ أحد المشتركٌن فً<br />
االصبلح وٌوشوشه بتلن الفكرة. إن حدود فتحة األفك ألي فرد<br />
ٌكتب ستظل ضبٌلة بالنسبة إلى المدرات الهابلة التً باستطاعة<br />
الوالٌات المتّحدة تحرٌكها لتستجلب كمٌة كبٌرة من المعلومات<br />
ٌومٌّاً تفوق أٌة لدرات ألٌة دولة. تإكّد أمٌركا دابماً أن أهدافها<br />
تجنح نحو السبلم والدفاع عن حموق اإلنسان وتتناؼم مرامٌها<br />
مع مصلحة البشرٌّة ككل، ومن الطبٌعً أالّ تلتفت الوالٌات<br />
المتّحدة إلى الذٌن ٌسخرون وٌمولون أنها تإمن بؤنها العالم<br />
الحمٌمً، وما تبمى فهم مجرّ د شراذم لد ٌجري تطوٌعها لتكون<br />
جزءاً من هذا العالم وبالتالً جزءاً من أمٌركا طبعاً. لكن<br />
٘ٔٙ
بؽض النظر عن السخرٌة الواضحة فً هذا الكبلم، فإن<br />
اإلصرار األمرٌكً الموي على التفوق سوؾ ٌوحّد بالتدرٌج<br />
دول العالم ضد الجبروت األمٌركً ممّا سٌجعلها فً النهاٌة<br />
معزولة ومستنزفة ٌمكن لتداعٌّات ذلن أن تُخٌؾ كلّ العالم. هذا<br />
ما تتخوؾ منه الكثٌر من اآلراء األمٌركٌّة التملٌدٌة منضمّاً إلٌها<br />
وزٌر الخارجٌة األسبك السٌد كٌسنجر. إنها نفسها تإكد إن<br />
زعامة العالم لد خسرت الكثٌر من مصدالٌتها فً هذه السنوات<br />
العجاؾ وكشفت بوضوح نفالها وتدنًّ أخبللٌتها واحترامها<br />
لحموق اإلنسان، الذي بمً زمناً طوٌبل من أهم الصناعات<br />
األمٌركٌّة المُصَدرة للعالم.<br />
ٖٙ<br />
السإال التارٌخً الذي ٌطرح نفسه: هو كٌؾ نضع حداً لِما<br />
حدث وٌحدث، آملٌن أالّ تخوض الببلد مجزرة حرب أهلٌّة<br />
طاحنة ال ٌمكن دفع ثمنها، ولن ٌكون لها أيّ معنى. أرجو فً<br />
الولت نفسه من كل األطٌاؾ السورٌة إٌجاد رإٌة موحدة<br />
للشعب السوري. وترن الحرّ ٌة للتنظٌمات اإلسبلمٌّة أن تعمل<br />
فوق األرض، وتتحضر بجدٌّة ال مراوؼة فٌها لتذهب بنا إلى<br />
األمام بسرعة طبٌعٌّة نستطٌع هضمها. دعونً أسؤلهم: هل<br />
تعتمدون أنكم ستتمكّنون من اختراق النصوص واللحاق بالتارٌخ<br />
وبالصناعة واألبحاث التً تتمدم بالمجتمع والبلد؟! ال شًء ٌبدو<br />
مستحٌبلً كما لال "نابولٌون" رؼم أن هذا المول ٌبمى وجهة<br />
نظر نتمنّى أن ٌحمّمها اإلنسان خبلل التارٌخ الذي ال ٌتولؾ عن<br />
٘ٔ7
الجري وراء اآلراء المتنالضة. لكننا ال نسعى وراء المستحٌل<br />
إذ إن معنى الكلمة ٌبمى ملتبساً إذا ما لارناه بالمعجزة. بلى إننا<br />
كً نلتحك بالتارٌخ نحتاج إلى معجزة تتحمّك دون طبول<br />
وخشاخش وال أدوات موسٌمٌّة نحاسٌة، وال تلن الصنوج<br />
الصؽٌرة التً ٌمكن أن تثٌر فٌنا الرؼبة فً الرلص االسبانً.<br />
دعونا من اإلثارة الجسدٌّة، ونلتفت إلى محاولة التفرٌك الواعً<br />
بٌن اإلسبلم السٌاسً الذي ٌعنً الحكم بٌن الناس وإعطاء ك ّل<br />
ذي حك مسلوب حمه. ونسعى إلى تؤمٌن مكان البك لئلسبلم<br />
الدٌنً ضمن التارٌخ الذي ٌحكم العبللة الروحٌّة بٌن اإلنسان<br />
وربه بعٌداً عن الجانب السٌاسً، الذي ٌتعلك بإدارة الحكم<br />
والعدل بٌن الناس، والعمل على تجنّب طؽٌان االحتٌال على<br />
الحمٌمة التً ال أحد ٌدافع عنها إالّ المضاء العادل. فكلنا<br />
صدّلونً بحاجة إلى ذلن اإلسبلم المتّحد وفً الولت نفسه ؼٌر<br />
منفصل متى احتاج أحدهما لآلخر الذي ٌكملّه. إننا بذلن نعٌد<br />
التوازن إلى مركب "نوح" الذي ٌمخر بنا البحر، لٌزرع فً<br />
العالم نُخباً جدٌدة. لكننا هذه المرّ ة نؤمل أنه لن ٌتولّؾ بنا على<br />
أعلى لمّة من جبل "أرارات".<br />
ٌا حبذا لو تتخلّى األمة العربٌة عن نرجسٌتها، إذ ال أحد<br />
ٌدعم أو ٌماتل من أجل مثل هذه الرفاهٌة الوهمٌّة التً تثٌر<br />
الؽثٌان، ولٌس هنان من ٌساند مرضاً ٌُخرج اإلنسان عن مساره<br />
المنطمً لٌدعم أوهاماً تسرّ بت إلٌه عبر تارٌخه المدٌم فً ولت<br />
نسً العرب أن األمم تعمل بجدٌّة دون كلل أو ملل الجتٌاز<br />
المراحل مع شعوبها. ترى لمَ سبع سكان هذا العالم أو أكثر ال<br />
ٌزال ٌشلّه العجز وانعدام البصر والبصٌرة؟! ترى ل َم ما ٌزال<br />
ال ٌعرؾ ما ٌرٌد، أم إنه ٌفضل االدّعاء برؼبته بمزٌد من<br />
٘ٔ8
التفكّر والروٌّة لبل الدخول فً اللعبة الكبٌرة التً ال أحد ٌمكنه<br />
أن ٌدافع فٌها عن نفسه إالّ بنفسه؟! المال ماكر وؼدّار، وهو<br />
عندما ٌتحرّ ن وٌعوي ٌملن أن ٌبعثر الناس الذٌن كانوا حوله.<br />
عندبذ ٌتحتم على الفرد المحافظة على فردٌّته، وٌبحث عن<br />
فضابه الخاص. أظن أن هذا بعض ما فعلته النرجسٌة فً هذه<br />
األمة. فمن أجل للب هذه المعادلة السمجة الممٌبة، على اإلنسان<br />
أن ٌفهم سبب وجوده الذي ٌدعوه فً الحمٌمة إلى المساعدة على<br />
نشر اإلبداع فً الكون وتحفٌزه على المساهمة فً إعطاء<br />
صورته وهدؾ صٌرورته. عندها ال بد أن تتضافر األمة لتدفع<br />
بالبلد إلى األمام، وبؤمواله إلى التكاثر. بحٌث سٌكون على<br />
الجمٌع أن ٌدركوا أن األمر ٌتعلّك بامتداد النشاط إلى كلّ<br />
مواطن سوري أٌنما وجد، بحٌث ٌظهر فً الجرٌدة الرسمٌّة<br />
مرسوم ٌجبر من ٌستطٌع العمل أن ٌمدم على ذلن، وإذا لم ٌجد<br />
مكاناً لمزاولة ما ٌبرع فٌه، سٌكون على السلطات المختصّة<br />
إٌجاد اآللٌّة المناسبة لوضع الخبرة الحمٌمٌّة الفاعلة فً المكان<br />
المناسب. ومن سٌتمنع دون سبب ممنع سٌكون تحت طابلة<br />
العماب الرادع العادل. على المواطن أٌاً كان مولعه أن ٌدفع<br />
ثمن الهواء النظٌؾ الذي تإمنه السلطات المنتخبة. األمر لٌس<br />
سهبلً، ولكننا استؽرلنا فً النوم طوٌبلً على أمل أن الوعود<br />
ستحمك. ربّما فات الولت للحاق بالتارٌخ، أو لم ٌفت لست<br />
أدري. علٌنا أن نرسل علماءنا وخبراءنا إلى العالم المتحضر<br />
وننؽمس فً البحث عن الطرٌك لمحو األمٌّة وتفعٌل النمو مع<br />
ما ٌمتضٌه ذلن من جهد ومثابرة، ولطع الطرٌك على التسوّ ل<br />
كمرض مُعدٍ خطٌر ولاتل. إنه مفترق طرق جدٌد سُمح لنا به.<br />
إنه ولت ممتطع للتفكٌر الواعً ببل أٌة نرجسٌة أو مازوخٌّة أو<br />
سادٌّة. دعونا ندرن أن الوطن لن ٌعٌش من النحٌب. أنا أإمن<br />
٘ٔ9
بؤن علٌنا رفع األكمام والعمل على إخراج شعبنا بجمٌع طوابفه<br />
من دابرة االنتمام وندخل به إلى رحاب الحب ووحدة المصٌر.<br />
االنتمام ال ٌإدّي إالّ إلى المتل، والمتل الذي ٌجر إلى المتل فً<br />
الممابل. سٌكون علٌنا أٌضاً أن ندع الصبلة والؽفران ٌتشاركان<br />
مع تنفّسنا دون أن ٌنسٌنا ذلن الهدؾ والعمل الدإوب لتحمٌك<br />
المرام، والعمل على دمج الثمافة األ ِمرٌكٌّة مع كلّ ثمافات العالم،<br />
بحٌث تصبح األرضٌّة الثمافٌّة لك ّل الذٌن ٌسعون إلى التمدم<br />
واالزدهار.<br />
لتحمٌك المرام، علٌنا تجنّب إعطاء التارٌخ سبباً كً ٌفرغ جعبته<br />
منا، وٌكنسنا بحٌث نسمط جمٌعاً فً مزبلته. ال تنسوا أنه ٌعرؾ<br />
كم تمتعنا بالبكاء وتركناه ٌستولً على ؼنابنا حتى أننا عندما<br />
وصلنا إلى االنتشاء وأصابنا الخدر، فً تلن اللحظات استبدلنا<br />
الصبلة بالبكاء المؽنّى، وأصبحت أؼنٌة" أكلِن مِنٌن ٌا بطة<br />
أكلِن مِنٌن؟!" للمؽنٌّة الممٌّزة صباح ٌنوحون بها فً المآتم.<br />
أرجو أن ال ٌسًء فهمً أحد وٌظنّ أنً ابتعدت عن الجدٌّة فً<br />
الممطع األخٌر. إذ إن ابتعادنا عن الحفاظ على تراث األجداد<br />
هبط بكل شًء إلى الدرن، وٌكاد أن ٌطٌح بآخر لبلعنا التً ال<br />
تزال شامخة، وهنا أعنً لؽتنا العربٌّة التً تملن إمكانٌّات إذا<br />
ما استُخدمت وفك متطلّبات العصر وفردت فٌه ذراعٌها،<br />
ألمكنها االصطفاؾ إلى جانب اللؽّات العالمٌّة التً تحمل فً<br />
حناٌاها المدرة على التطوّ ر والتؽلؽل إلى كلّ مكان وزمان.<br />
اسرعوا إلى إنماذها وإنماذ األمة من االضمحبلل واالندثار،<br />
وثموا أننا سنستعٌد كلّ شًء كنا لد أضعناه بدءاً من كرامتنا.<br />
الحب ٌنعش الملب والروح والجسد. أما تراكم العداء،<br />
فٌرمٌن وسط الظلمة الحالكة ورعد اللٌالً وعواء العواصؾ،<br />
ٕ٘ٓ
واالفتمار إلى السكٌنة وشبع النوم واألحبلم الوردٌّة، والسحب<br />
الخفٌفة التً تتولؾ للٌبلً، وتعرض علٌن أن تتحول إلى بساط<br />
الرٌح ٌجول بن بٌن المدابن الجمٌلة، والمآذن الرابعة، دون أن<br />
ٌنسى تلن المبب الجمٌلة. ترى هل هنان أروع من المبّة<br />
الزرلاء؟! دعونا نتّمد حباً لبعضنا بعضاً، ونمتلا نوراً بالؽفران<br />
الخبلّ ق.<br />
ٕ٘ٔ