ملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين
Mektebe -> Arapça Kitablar -> Akide
Mektebe -> Arapça Kitablar -> Akide
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
ملّة إبراھیم<br />
<strong>ودعوة</strong> الأنبیاء والمرسلین<br />
وأسالیب الطغاة في تمییعھا وصرف الدعاة عنھا<br />
أبو محمد عاصم المقدسي<br />
منبر التوحید<br />
والجھاد<br />
* * *<br />
http://www.tawhed.ws<br />
http://www.almaqdese.net<br />
http://www.alsunnah.info<br />
http://www.abu-qatada.com<br />
http://www.mtj.tw
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
براءة<br />
إلى الطواغیت في كل زمان ومكان...<br />
إلى الطواغیت حكاماً وأمراء وقیاصرة وأكاسرة وفراعنة وملوكاً...<br />
إلى سدنتھم وعلمائھم المضلین...<br />
إلى أولیائھم وجیوشھم وشرطتھم وأجھزة مخابراتھم وحرسھم...<br />
إلى ھؤلاء جمیعاً.. نقول<br />
(إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله)<br />
براء من قوانینكم ومناھجكم ودساتیركم ومبادئكم النتنة..<br />
براء من حكوماتكم ومحاكمكم وشعاراتكم وأعلامكم العفنة..<br />
(كفرنا بكم وبدا بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا با<br />
وحده)<br />
لأجاھدن عداك ما أبقیتني<br />
ولأفضحنھم على رؤوس الملا<br />
موتوا بغیظكم فربي عالم<br />
فا ناصر دینھ وكتابھ<br />
والحق ركن لا یقوم لھدّه<br />
ولأجعلن قتالھم دیدا ِن<br />
ولأفرین أیدیمھم بلسا ِن<br />
بسرائر منكم وخبث جنا ِن<br />
ورسولھ بالعلم والسلطا ِن<br />
أحد ولو جمعت لھ الثقلا ِن<br />
(ابن القیم)<br />
(1)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
مقدمة<br />
الحمد ولي المتقین، وخاذل أعداء الدین..<br />
وأطیب الصلاة وأتم التسلیم على نبینا وأسوتنا القائل: (.. إن الله<br />
اتخذني خلیلاً كما اتخذ إبراھیم) (1) .<br />
وبعد فھذا كتابي <strong>ملة</strong> إبراھیم أقدمھ إلى القراء الكرام بحلتھ الجدیدة<br />
ھذه، بعد أن انتشر وطبع وصور مراراً، وتداولھ الشباب في أرجاء<br />
المعمورة، قبل أن أجھزه للطبع، وذلك أني كنت قد أھدیت منھ نسخة بخط<br />
یدي إلى بعض إخواننا الجزائریین في الباكستان، وكان آنذاك فصلاً من<br />
كتاب كنت أعده في (أسالیب الطغاة في الكید للدعوة والدعاة) حال تقلب<br />
الأیام والتنقل بین الدیار دون إتمامھ، فقام أولئك الإخوة بطبع ذلك الفصل<br />
طبعة بحسب إمكاناتھم المتواضعة، ولكنھا كانت أول خروجھ وسبب<br />
انتشاره.<br />
ثم لما فرج الله تعالى بمنھ وكرمھ بادرت إلى إعداده للطبع خصوصاً<br />
بعد أن عاینت طوال مدة اعتقالي وسجني مدى غیظ أعداء الله من ھذا<br />
الكتاب، فقد كانوا كلما اعتقلوا أخاً یسألونھ أول ما یسألونھ عن ھذا الكتاب،<br />
ھل قرأه؟ وھل یعرف مؤلفھ؟<br />
وكان بعضھم یقول لمن یجیب على ذلك بالإیجاب: "یكفي ھذا لیكون<br />
فكرك جھادیاً وتقتني سلاحاً، ما اعتقلنا تنظیماً مسلحاً إلا ووجدنا عنده ھذا<br />
الكتاب".<br />
فالحمد الذي جعلھ شوكة في حلوقھم وغصة في صدورھم وقرحة<br />
في كبودھم وأسأل الله أن یظل لنا سعداً، ومرعاه للطاغوت سعداناً(2) .<br />
ھذا ولقد كنت منذ طبع الكتاب طبعتھ تلك إلى حین كتابة ھذه السطور<br />
أنتظر أن یصلني نصح أو تنبیھ، وأتحرى أن أقع على ملحوظات أو<br />
وقفات؛ من كثیر ممن أطالوا ألسنتھم فینا وفي دعوتنا، وفي ھذا الكتاب،<br />
ورمونا وبھتونا بما لم یصدر عنا في یوم من الأیام.. حتى خطب أحدھم<br />
خطبة جمعة في أحد مساجد الكویت فزعم أني أقول بأني وحدي على <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم في ھذا الزمان، وزعم أننا نكفر الناس جمیعھم ھكذا، ووصفنا<br />
بالخوارج المعاصرین، وغیر ذلك من الافتراءات التي ما عادت تنطلي إلا<br />
على مقلدتھم العمیان..<br />
(1) جزء من حدیث رواه مسلم عن جندب بن عبد الله مرفوعاً.<br />
(2) السعدان: شوك معروف، جاء في الأحادیث أن كلالیب جھنم على صفتھ.<br />
(2)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
-<br />
أما طلبة الحق الذین استنارت بصائرھم بنور الوحي، فإنھم یعرفون<br />
أن حالنا مع ھؤلاء كما قال الشاعر:<br />
وإذا أرادَ اللهُ نشْرَ فضیل ٍة<br />
طُوِیَتْ أتاح لھا لسانَ حسو ِد<br />
فرغم طول المدة التي نشر فیھا الكتاب ورغم كثرة الخصوم<br />
والحساد، ووفرة الطاعنین والشانئین لم یصلني طول ھذه المدة رد أو نقد أو<br />
ملحوظات جادة حول الكتاب، وكل الذي وصلني شقشقات عامة من بعض<br />
المخالفین نقلوھا مشافھة عن شیوخھم ھذا مجملھا:<br />
قالوا إن الله وصف إبراھیم بأنھ أواه حلیم لأنھ كان یجادل عن قوم<br />
لوط الكفار، وھذا مناف لعداوتھم التي ذكرتم أنھا من ثوابت ھذه ال<strong>ملة</strong>.<br />
وقالوا (ویا عجباً لما قالوا): إننا مأمورون باتباع طریقة محمد<br />
صلى الله علیھ وسلم وملتھ..<br />
لنا..<br />
-<br />
-<br />
أما <strong>ملة</strong> إبراھیم فھي من شرع من قبلنا وشرع من قبلنا لیس شرعاً<br />
وقالوا إن آیة الممتحنة المذكورة فیھا <strong>ملة</strong> إبراھیم مدنیة، فھي نزلت<br />
في مرحلة كان للمسلمین فیھا دولة، وقرروا بذلك أن ھذه ال<strong>ملة</strong> العظیمة إنما<br />
تظھر وتتبع فقط عند وجود الدولة..<br />
وقالوا إن حدیث تكسیر الأصنام في مكة حدیث ضعیف، وأوضعوا<br />
بذلك یبغون رد أھم ما جاء في الكتاب بتضعیف ذلك الحدیث.<br />
ولعل القارىء الفطن:<br />
ینتقد علینا تنزّ لنا معھم للرد على مثل ھذه الأقاویل والتي حقیقتھا كما<br />
قال الشاعر:<br />
شبھٌ تھافت كالزجاج تخالُھا<br />
حقّاً وكُل ٌّ كاسرٌ مكسو ُر<br />
ولكنني لا أرى مع ذلك مانعاً من التصدي لھا مخافة أن تنطلي على<br />
البعض أو یتلقفھا بعض الأغرار، خاصة وأنھ لم یصلني غیرھا، فأقول<br />
على وجھ الاختصار..<br />
* أولاً:<br />
أما قولھ تعالى عن إبراھیم: {فلمّا ذھب عن إبراھیمَ الر َّوْ عُ<br />
وجاءتھ البشرى یجادلُنا في قوم لوط * إن إبراھیم لحلیم أواه منیب}<br />
[ھود: 75-74].<br />
(3)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
فلیس فیھ وجھ دلالة یرقع بھ المجادلون باطلھم فقد روى أھل التفسیر<br />
أن جدال إبراھیم عن قوم لوط، إنما كان لأجل لوط ولیس لأجلھم فذكروا<br />
أنھ لما سمع قول الملائكة: {إنا مھلكوا أھل ھذه القریة} [العنكبوت:<br />
قال: أرأیتم إن كان منھم خمسون من المسلمین أتھلكونھم؟<br />
قالوا: لا<br />
قال: فأربعون؟<br />
قالوا: لا<br />
قال: فعشرون؟<br />
قالوا: لا<br />
ثم قال: فعشرة، فخمسة؟<br />
قالوا: لا<br />
قال: فواحد؟<br />
قالوا: لا<br />
.[31<br />
{قال إن فیھا لوطاً. قالوا: نحن أعلم بمن فیھا لننجینھ وأھلھ}<br />
[العنكبوت: 32].. الآیة، وھذا الذي ذكره المفسرون تدل علیھ آیات<br />
الكتاب..<br />
فإن من أولى أنواع التفسیر تفسیر القرآن بالقرآن، فآیة سورة ھود<br />
الأولى تفسرھا آیة العنكبوت المذكورة.. فھي مبینة مفسرة لھا..<br />
قال تعالى: {ولما جاءت رسلنا إبراھیم بالبشرى قالوا إنا مھلكوا<br />
أھل ھذه القریة إن أھلھا كانوا ظالمین * قال إن فیھا لوطاً قالوا نحن أعلم<br />
بمن فیھا لننجینھ وأھلھ إلا امرأتھ كانت من الغابرین} [العنكبوت:<br />
-31<br />
.[32<br />
ثم ھب أن جدال إبراھیم كان عن قوم لوط أنفسھم، أولیس المعرفة<br />
بحقیقة دعوة الأنبیاء؛ وأنھم كانوا أرحم الناس بأقوامھم، تستلزم حمل ذلك<br />
الجدال على الحرص على ھدایتھم قبل إھلاكھم؟<br />
أولیس الفقھ السلیم؛ یقتضي حمل مثل ھذا الجدال المطلق، وفھمھ<br />
على ضوء قول النبي صلى الله علیھ وسلم، لما بعث الله إلیھ مَلَك الجبال<br />
(4)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
لیأمره بما شاء في قومھ، حین ردوا دعوتھ، فقال صلى الله علیھ وسلم: (بل<br />
أرجو أن یخرج الله من أصلابھم من یعبد الله وحده لا یشرك بھ شیئاً)،<br />
والحدیث رواه الشیخان.<br />
أولیس الأدب مع الأنبیاء وحسن الظن بھم یقتضي ھذا الفھم،<br />
ویقتضي تنزیھھم عن تلك الأفھام السقیمة، التي تضرب آیات الكتاب<br />
بعضھا ببعض، وتشوّ ه دعوة الأنبیاء وتزري بھم؛ إذ تجعلھم من المرقّعین<br />
للباطل، المجادلین عن الذین یختانون أنفسھم؟؟<br />
وھم الذین ما بعثوا أصلاً إلاّ للبراءة من الشرك وأھلھ..<br />
لكن ھؤلاء لما لم یجدوا في الأدلة الصریحة ما یرقّع باطلھم صاروا<br />
إلى ما تھواه أنفسھم من النصوص المحت<strong>ملة</strong> (ظنیة الدلالة)، وأوّ لوھا<br />
بأفھامھم السقیمة، لیطعنوا بھا في نحر النصوص المحكمة البینة القطعیة،<br />
كقولھ تعالى في سورة الممتحنة بكل وضوح: {قد كانت لكم أسوة حسنة<br />
في إبراھیم والذین معھ إذ قالوا لقومھم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من<br />
دون الله} [الممتحنة: الآیة وتأمل كیف صدّرھا الله تعالى بأنھا الأسوة<br />
الحسنة لنا.. ثم أتبعھا بالتأكید على ذلك، فقال: {لقد كان لكم فیھم أسوة<br />
حسنة، لمن كان یرجوا الله...} [الممتحنة: 6] فانظر كیف أعرضوا عن<br />
ھذا النص المحكم الواضح الصریح، وحاصوا إلى آیة سورة ھود المتقدمة،<br />
والتي یقول الله في آخرھا: {یا إبراھیم أعرض عن ھذا} فتدبر حال القوم<br />
كیف تلاعبت بھم الشیاطین، واحمد إلھك أن ھداك إلى الحق المبین.<br />
...[4<br />
* ثانیاً:<br />
واجعل لقلبك مقلتین كلاھما<br />
لو شاء ربك كنت أیضاً مثلھم<br />
من خشیة الرحمن باكیتان<br />
فالقلب بین أصابع الرحمن<br />
أما قولھم، إن <strong>ملة</strong> إبراھیم من شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا<br />
لیس بشرع لنا، فھو من العجب العجاب، إذ أین یذھب ھؤلاء بقولھ تعالى<br />
الواضح الصریح: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم والذین معھ إذ<br />
قالوا لقومھم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا<br />
بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا با وحده...} [الممتحنة:<br />
4]، إلى قولھ تعالى: {لقد كان لكم فیھم أسوة حسنة لمن كان یرجو الله<br />
والیوم الآخر ومن یتولّ فإن الله ھو الغني الحمید} [الممتحنة:<br />
.[6<br />
وأین یذھبون بقولھ تعالى: {ومن یرغب عن <strong>ملة</strong> إبراھیم إلا من سفھ<br />
نفسھ} [البقرة:<br />
.[130<br />
وبقولھ عز وجل: {ثم أوحینا إلیك أن اتبع <strong>ملة</strong> إبراھیم حنیفاً وما كان<br />
من المشركین} [النحل: 123]، وكم من حدیث صحیح في السنة، یوصي<br />
بھ النبي صلى الله علیھ وسلم باتباع الحنیفیة السمحة <strong>ملة</strong> أبینا إبراھیم،<br />
فالنصوص كثیرة وصریحة بأن طریقة النبي صلى الله علیھ وسلم وأصل<br />
(5)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
دعوتھ، كانت البراءة من الكفار ومعبوداتھم الزائفة وشرائعھم الباطلة،<br />
وھي عین طریقة إبراھیم علیھ السلام وملتھ..<br />
وفي الحدیث المتفق علیھ: (الأنبیاء أولاد علات) أي أن أصلھم واحد<br />
وإن اختلفت فروعھم، وأعظم ما دندنا حولھ في ھذا الكتاب، إنما ھو أصل<br />
التوحید ولوازمھ من البراءة من الشرك والتندید بأولیائھ.. ومعلوم أن ھذا<br />
الباب لا نسخ فیھ ولا یقال فیھ، إنھ من شرع من قبلنا، لأن شریعة الأنبیاء<br />
جمیعھم في أصل التوحید والبراءة من الشرك وأھلھ واحدة..<br />
قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا<br />
الطاغوت} [النحل: 36]، وقال سبحانھ: وما أرسلنا من قبلك من رسول<br />
إلا نوحي إلیھ أنھ لا إلھ إلا أنا فاعبدون [الأنبیاء: ، وقال عز وجل:<br />
{شرع لكم من الدین ما وصى بھ نوحاً والذي أوحینا إلیك وما وصینا بھ<br />
إبراھیم}... [الشورى:<br />
دولة..<br />
[25<br />
}<br />
{<br />
.[13<br />
* ثالثاً:<br />
أما قولھم إن آیة الممتحنة مدنیة نزلت لما كان للمسلمین<br />
فنقول قد أكمل الله لنا الدین وأتم علینا بذلك نعمتھ، فمن أراد الیوم أن<br />
یفرق بین ما أنزل الله، بحجة أن ھذا مدني وذاك مكي، فلیأت ببرھان من<br />
الشرع على ما یرید، وإلا كان من الكاذبین، قال تعالى: {قل ھاتوا برھانكم<br />
إن كنتم صادقین}.<br />
وفتح ھذا الباب دون ضابط من الشرع أو دلیل یدل علیھ ھو في<br />
الحقیقة فتح باب عظیم من الشر على دین الله، وفیھ تعطیل لكثیر من أدلة<br />
الشریعة، ولو قال قائلھم: إن إظھار ھذه ال<strong>ملة</strong> العظیمة وإعلانھا منوط<br />
بالاستطاعة، لما تعرضنا لھ، لكنھم أرادوا إماتتھا بحجة أنھا مدنیة، نزلت<br />
لما كان للمسلمین دولة.. مع أن إبراھیم والذین معھ عندما قالوھا وصدعوا<br />
بھا، كانوا مستضعفین ولم تكن لھم دولة، ومع ذلك بیّن الله أن لنا فیھم أسوة<br />
حسنة لمن كان یرجو الله والیوم الآخر.. ومعلوم أن النبي صلى الله علیھ<br />
وسلم سار على طریقھم، فكان أھم مھمات دعوتھ طوال حیاتھ سواء المكیة<br />
منھا أو المدنیة، الصدع بالتوحید والبراءة من الشرك والتندید، وما یتعلق<br />
بذلك ویلزم عنھ من عرى الإیمان الوثقى.. وسیرتھ صلوات الله وسلامھ<br />
علیھ شاھدة بذلك وقد ذكرنا لك أمثلة منھا في ھذا الكتاب..<br />
ثم ھب جدلاً أن ما قالوه في آیة الممتحنة المدنیة حقاً.<br />
فھل سورة البراءة من الشرك كذلك؟؟ {قل یا أیھا الكافرون لا أعبد<br />
ما تعبدون} إلى قولھ تعالى: {لكم دینكم ولي دین} [الكافرون:<br />
.[6-1<br />
وھل قولھ تعالى: {تب َّتْ یدا أبي لھب وتب} [المسد: 1].. إلى آخر<br />
الآیات كذلك؟؟ وقولھ تعالى: {أفرأیتم اللات والعزى * ومناة الثالثة<br />
(6)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الأخرى * ألكم الذكر ولھ الأنثى * تلك إذا قسمة ضیزى * إن ھي إلا<br />
أسماء سمیتموھا أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بھا من سلطان} الآیات [النجم:<br />
.[23-19<br />
ومثل ذلك قولھ تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جھنم<br />
أنتم لھا واردون * لو كان ھؤلاء آلھة ما وردوھا وكل فیھا خالدون}<br />
[الأنبیاء: 6].<br />
ونحو ذلك من آیات الكتاب المكیة وھي كثیر..<br />
وقد ذكرنا في ھذا الكتاب قولھ تعالى: واصفاً نبیھ: {وإذا رءاك الذین<br />
كفروا إن یتخذونك إلا ھزواً أھذا الذي یذكر آلھتكم}... [الأنبیاء:<br />
.[36<br />
فقولھ: {یذكر آلھتكم} : أي یبرأ منھا ومن عابدیھا ویكفر بھا<br />
ویسفّھھا.. فھل ھذا كلھ لم یكن إلا في المدینة فقط..؟ كیف والآیات مكیة؟؟<br />
وأمثالھا كثیر..<br />
* رابعاً:<br />
زعم بعضھم أن حدیث تكسیر النبي صلى الله علیھ وسلم<br />
للصنم في مكة ضعیف، وظنوا أنھم بذلك یھدمون أھم ما جاء في الكتاب<br />
من معالم ھذه ال<strong>ملة</strong> العظیمة..<br />
فنقول أولاً: الحدیث ثابت بإسناد حسن وھو مرويّ في مسند الإمام<br />
أحمد (84/1).<br />
قال عبد الله حدثني أبي حدثنا أسباط بن محمد حدثنا نعیم بن حكیم<br />
المدائني عن أبي مریم عن علي رضي الله عنھ قال: "انطلقت أنا والنبي<br />
صلى الله علیھ وسلم حتى أتینا الكعبة، فقال لي رسول الله صلى الله علیھ<br />
وسلم: (اجلس. وصعد على منكبي فذھبت لأنھض بھ، فرأى مني ضعفاً،<br />
فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله علیھ وسلم وقال: اصعد على منكبي،<br />
قال: فصعدت على منكبیھ قال فنھض بي قال: فإنھ یخیل إلي َّ أني لو شئت<br />
لنلت أفق السماء حتى صعدت على البیت وعلیھ تمثال صفر أو نحاس،<br />
فجعلت أزاولھ عن یمینھ وعن شمالھ وبین یدیھ ومن خلفھ، حتى إذا<br />
استمكنت منھ قال لي رسول الله صلى الله علیھ وسلم: "اقذف بھ"، فقذفت<br />
بھ، فتكسّر كما تتكسّر القواریر، ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله صلى<br />
الله علیھ وسلم نستبق حتى توارینا بالبیوت خشیة أن یلقانا أحد من الناس).<br />
قلت: أسباط بن محمد: ثقة، إنما ضعف في الثوري، وھو ھنا لم یروه<br />
عنھ.<br />
ونعیم بن حكیم المدائني:<br />
وثقھ یحیى بن معین والعجلي كما في تاریخ<br />
بغداد (303/13).<br />
(7)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند أیضاً (151/1): حدثني<br />
نصر ابن علي، ثنا عبد الله بن داود، عن نعیم بن حكیم، عن علي رضي الله<br />
عنھ قال: (كان على الكعبة أصنام فذھبت لأحمل النبي صلى الله علیھ وسلم<br />
إلیھا فلم أستطع فحملني فجعلت أقطعھا ولو شئت لنلت السماء).<br />
وأورد الھیثمي الحدیث في مجمع الزوائد (23/6) (باب تكسیره<br />
صلى الله علیھ وسلم الأصنام) وقال عقبة: (رواه أحمد وابنھ أبو یعلى<br />
والبزار، زاد بعد قولھ حتى استترنا بالبیوت: فلم یوضع علیھا بعد؛ یعني<br />
شیئاً من تلك الأصنام) قال: (ورجال الجمیع ثقات).<br />
وقال الخطیب البغدادي في تاریخ بغداد (302/13، 303): حدثنا أبو<br />
نعیم الحافظ إملاء، حدثنا أبو بكر أحمد بن یوسف بن خلاد، حدثنا محمد بن<br />
یونس، حدثنا عبد الله بن داود الخریبي، عن نعیم بن حكیم المدائني، قال<br />
حدثني أبو مریم عن علي ابن أبي طالب، قال: (انطلق بي رسول الله صلى<br />
الله علیھ وسلم إلى الأصنام فقال: (اجلس) فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم على منكبي ثم قال: (انھض بي إلى الصنم)،<br />
فنھضت فلما رأى ضعفي تحتھ قال: اجلس، فجلست وأنزلتھ عني وجلس<br />
لي رسول الله صلى الله علیھ وسلم ثم قال لي: (یا عليّ اصعد على منكبي)<br />
فصعدت على منكبیھ، ثم نھض بي رسول الله صلى الله علیھ وسلم، فلما<br />
نھض خیل إلي أني لو شئت نلت السماء وصعدت على الكعبة، وتنحى<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم، فألقیت صنمھم الأكبر - صنم قریش<br />
وكان من نحاس موتداً بأوتاد من حدید إلى الأرض، فقال لي رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم: (عالجھ) فعالجتھ فما زلت أعالجھ ورسول الله صلى<br />
الله علیھ وسلم یقول: (إیھ، إیھ، إیھ)، فلم أزل أعالجھ حتى استمكنت منھ،<br />
فقال: "دقھ" فدققتھ وكسرتھ، ونزلت<br />
-<br />
.(<br />
قلت: أبو مریم: ھو قیس الثقفي المدائني، یروي عن علي وعنھ نعیم<br />
بن حكیم، ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقھ النسائي، ولكنھ كما قال الحافظ<br />
ابن حجر: (وھم في قولھ أن أبا مریم الحنفي یسمى قیساً، والصواب أن<br />
الذي یسمى قیساً ھو أبو مریم الثقفي.. إلى أن قال: على أن النسخة التي<br />
وقفت علیھا من كتاب التمییز للنسائي إنما فیھ أبو مریم قیس الثقفي نعم<br />
ذكره في التمییز.. وأما أبو مریم الحنفي فلم یذكره النسائي لأنھ لم یذكر إلا<br />
من عرفھ) اھ.<br />
والذین تكلموا في الحدیث خلطوا بین الرجلین.. فتنبھ لھذا.. وقد وثقھ<br />
أیضاً الحافظ الذھبي في الكاشف (376/3) وذكره ابن أبي حاتم في الجرح<br />
والتعدیل، والبخاري في التاریخ الكبیر، ولم یذكر فیھ جرحاً ولا تعدیلاً..<br />
فھو غیر الحنفي وغیر الكوفي أیضاً راجع میزان الاعتدال (573/4).<br />
والحدیث صححھ العلامة أحمد شاكر فقال في ھامش تحقیقھ للمسند<br />
(58/2): "إسناده صحیح، نعیم بن حكیم وثقھ ابن معین وغیره وترجم لھ<br />
(8)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
99/2/4<br />
البخاري في التاریخ الكبیر فلم یذكر فیھ جرحاً، أبو مریم: ھو<br />
الثقفي المدائني، وھو ثقة وترجم لھ البخاري أیضاً (151/1/4) فلم یذكر<br />
فیھ جرحاً... قال: ومن الواضح أن ھذه القصة كانت قبل الھجرة" اھ.<br />
أقول: ومع ھذا فقد قلنا في ھذا الكتاب بعد أن سقنا الحدیث: (ومع ذلك<br />
نقول لو سلمنا جدلاً أنھ لم یصح عن النبي صلى الله علیھ وسلم تحطیم<br />
الأصنام في مكة زمن الاستضعاف، فإنھ صلوات الله وسلامھ علیھ كان<br />
متبعاً ل<strong>ملة</strong> إبراھیم أشد الاتباع آخذاً بھا بقوة، فما داھن الكفار لحظة واحدة<br />
وما سكت عن باطلھم أو عن آلھتھم، بل كان ھمھ وشغلھ الشاغل في تلك<br />
الثلاث عشرة سنة، بل وغیرھا ھو: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}<br />
[النحل: 36]، فلا یعني كونھ جلس بینھا تلك الثلاث عشرة سنة، أنھ مدحھا<br />
أو أثنى علیھا أو أقسم على احترامھا...) إلى قولنا: (بل كان یعلن براءتھ<br />
من المشركین وأعمالھم، ویبدي كفره بآلھتھم رغم استضعافھ واستضعاف<br />
أصحابھ، وقد فصلنا لك ھذا فیما مضى ولو تأملت القرآن المكي لوضح لك<br />
من ذلك الكثیر.. إلخ).<br />
فالمسألة إذن لیست كما یظنھا ھؤلاء القوم، موقوفة على حدیث فرد<br />
یقضى علیھا بتضعیفھ، بل لھا شواھد عظیمة، وبراھین صریحة، وأصول<br />
ثابتة، وقواعد راسیة من أدلة الشرع، لا یقوى على ردھا إلا مكابر جاحد.<br />
فالحق ركنٌ لا یقومُ لھدّه<br />
ولعل في ھذا القدر الكفایة لمن أراد الھدایة.<br />
أحدٌ ولو جمعت لھ الثقلان<br />
وقبل أن أختم ھذه المقدمة أحب أن أضیف إلیھا، بأنني كنت قد<br />
ناظرت في السجن بعض أفراد حزب سیاسي إرجائي معروف، حول<br />
موضوع (الإیمان) ومتعلقاتھ..<br />
وكان فیھم رأس من رؤوسھم، فكان فیما احتجّ بھ ترقیعاً لعساكر<br />
الشرك والقانون، قصة حاطب بن أبي بلتعة، وقصة أبي لبابة الأنصاري،<br />
فزعم أن حاطب تجسس للكفار ووالاھم، وأن أبا لبابة خان الله والرسول،<br />
ومن ثم قاس حرابھ<br />
ومع ذلك لم یكفّرھما رسول الله صلى الله علیھ وسلم (3)<br />
عساكر الشرك والقانون للشریعة وعداوتھم لأھلھا، على فعل ھذین<br />
الصحابیین الجلیلین. وخرج من ذلك بأن أنصار الطواغیت وعساكرھم،<br />
الذین یفنون أعمارھم في حراسة الشرك والقانون، وحفظ عروش<br />
الطواغیت وحرب الشریعة وأھلھا، لا یجوز تكفیرھم، لأن جرائمھم لا<br />
تعدوا فعل حاطب أو فعل أبي لبابة..! بل زاد على ذلك أن استشاط غضباً<br />
لما نقلنا عنھ أنھ لا یكفّر عساكر الشرك والقانون، بل یقول عنھم ظلمة<br />
(3) وقد كتبت رداً على مقالتھم ھذه، في رسالة من رسائل السجن سمیتھا: "الشھاب<br />
الثاقب في الرد على من افترى على الصحابي حاطب".<br />
(9)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
وفجار، فثار لذلك واتھمنا بأننا غیرنا سیاق كلامھ، فھو كما قال لم یصفھم<br />
بأنھم ظلمة وفجار، ھكذا بإطلاق، وإنما قال في سیاق الدفع عن تكفیرھم:<br />
"قد یكون بعضھم ظلمة أو فجاراً" أي بحسب حال آحادھم، لا بسبب طبیعة<br />
عملھم، ونصرتھم للطواغیت وحربھم للشریعة وأھلھا..<br />
فقلت لھم: عجباً لكم تتحرجون من وصف جند الطواغیت وعساكر<br />
الشرك والتندید بالظلم والفجور، ولا تتحرجون من القول عن حاطب: والَى<br />
الكفار وتجسس لھم، وعن أبي لبابة: خان الله والرسول!! وكان ھذا فراق<br />
بیننا وبینھم..<br />
ولما حاول بعض الإسلامیین في السجن أن یجمعوا ویصلحوا بیننا،<br />
جرى بیننا وبینھم بعض الكلام، فوجدناھم على ما كانوا علیھ من المقال،<br />
فقلت لھم: (أنا لست على صحبتكم بحریص، لأنكم لا تتحرجون من الكلام<br />
في بعض أصحاب النبي صلى الله علیھ وسلم ووصفھم بالخیانة، بینما<br />
تتحرجون من وصف أعداء الله وجند الطواغیت بالظلم والفجور.. لذا فلسنا<br />
والله حریصون على صحبتكم وإنما نداریكم ونتجنب الانشغال بكم، لأننا في<br />
وھنا غضب ناطقھم وأخرج ما كان یكنھ في<br />
سجن وبین أعداء الله تعالى (4)<br />
صدره وقال: (أنت أصلاً رجل تدعو إلى <strong>ملة</strong> إبراھیم، والذي یدعو إلى <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم رجل مشبوه سیاسیاً، یدعو إلى الذي یصالح الیھود والنصارى،<br />
الذین ھم من أبناء إبراھیم) أھ وما سقت القصة ھنا إلا لأجل ھذا، وھو<br />
محل الشاھد منھا..<br />
فلا أدري ما أقول في ھذا؟؟<br />
وبأي شيء أردّ على أناس یرومون إقامة الخلافة، وھم لا یمیزون<br />
بین مقولة (أبناء إبراھیم) التي یروج لھا الطواغیت الیوم لیؤاخوا الیھود<br />
ویصالحوھم، وھي مقولة یراد بھا ھدم عرى الإیمان، وتمییع أصل الدین،<br />
ودك قواعد الولاء والبراء.. وقد رد الله تعالى علیھم فقال: {ما كان إبراھیم<br />
یھودیاً ولا نصرانیاً ولكن كان حنیفاً مسلماً وما كان من المشركین} [آل<br />
67]. عمران:<br />
فلا یمیزون بین ھذه المقولة وبین (<strong>ملة</strong> إبراھیم) التي فرقت بین الآباء<br />
والأبناء، إذ ھي الفرقان بین أولیاء الرحمن وأولیاء الشیطان، والتي قال الله<br />
تعالى عنھا في القرآن: {ومن یرغب عن <strong>ملة</strong> إبراھیم إلا من سفھ نفسھ}..<br />
130]. [البقرة:<br />
(4) مع العلم أنھم كانوا في السجن سلْماً على أعداء الله حرباً على دعوة التوحید بل<br />
ویصلون خلف عساكر الشرك والقانون دونما إكراه، فنحن نقیم الجمعة والجماعة<br />
وحدنا ویصلي معنا سجناء آخرین، أما ھؤلاء فیصلون خلف أھل الشرك والتندید،<br />
ویبادرونھم بالسلام والإكرام وبعضھم یقبلھم ویھنئھم بالمناسبات والأعیاد، بل رأینا<br />
ممن ینتسبون للدعوة إلى الإسلام من یھنئھم على رتبھم الطاغوتیة الكفریة.<br />
(10)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وقد فصلناھا لك في ھذا الكتاب.. فتأملھا ولا تلتفت إلى شغب<br />
المخالفین..<br />
وھكذا أخا التوحید.. وللأسف الشدید فإنني طوال المدة السابقة من<br />
طباعة الكتاب لم یصلني من المخالفین المجادلین الطاعنین فینا وفي دعوتنا<br />
إلا أمثال ھذه المھاترات التي ما كان ینبغي لنا أن نتنزل معھم في الرد<br />
علیھا.. لولا معرفتنا لأحوال أھل زماننا، واندراس أعلام ومعالم ھذه ال<strong>ملة</strong><br />
العظیمة بینھم، وأن فیھم سماعون لأھل الزیغ الذین وصفھم الله تعالى في<br />
مطلع سورة آل عمران..<br />
فأسألھ تعالى أن ینصر دینھ ویكبت أعدائھ..<br />
وأن یستعملنا ما حیینا في نصرة ھذه ال<strong>ملة</strong>، ویجعلنا من جندھا<br />
وعساكرھا ویتقبل منا ویختم لنا بالشھادة في سبیلھ.. إنھ جواد كریم.<br />
وصلى الله على نبیھ محمد وعلى آلھ وصحبھ أجمعین..<br />
أبو محمد<br />
(11)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بسم الله وھو حسبي ونعم الوكیل<br />
فصل<br />
في بیان <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
یقول تعالى عن <strong>ملة</strong> إبراھیم: {ومن یرغب عن <strong>ملة</strong> إبراھیم إلا من<br />
سفھ نفسھ} [سورة البقرة:<br />
.[130<br />
ویقول أیضاً مخاطباً نبیھ محمد صلى الله علیھ وسلم: {ثم أوحینا إلیك<br />
أن اتبع <strong>ملة</strong> إبراھیم حنیفاً وما كان من المشركین} [سورة النحل:<br />
.[123<br />
بھذه النصاعة، وبھذا الوضوح بین الله تعالى لنا المنھاج والطریق...<br />
فالطریق الصحیح والمنھاج القویم.. ھو <strong>ملة</strong> إبراھیم... لا غموض في ذلك<br />
ولا التباس، ومن یرغب عن ھذه الطریق بحجة مصلحة الدعوة أو أن<br />
سلوكھا یجر فتناً وویلات على المسلمین، أو غیر ذلك من المزاعم<br />
الجوفاء.. التي یلقیھا الشیطان في نفوس ضعفاء الإیمان فھو سفیھ،<br />
مغرور یظن نفسھ أعلم بأسلوب الدعوة من إبراھیم علیھ الصلاة والسلام<br />
الذي زكاه الله فقال: {ولقد آتینا إبراھیم رشده} [الأنبیاء:<br />
{ولقد اصطفیناه في الدنیا وإنھ في الآخرة لمن الصالحین} [البقرة:<br />
130]، وزكى دعوتھ لنا وأمر خاتم الأنبیاء والمرسلین باتباعھا، وجعل<br />
السفاھة وصفاً لكل من رغب عن طریقھ ومنھجھ. و<strong>ملة</strong> إبراھیم ھي:<br />
51]، وقال:<br />
-<br />
* إخلاص العبادة وحده، بكل ما تحویھ كلمة العبادة من معان (5) .<br />
(5) ولن یستطیع العبد مواجھة الشرك وأھلھ ولن یقوى على التبرؤ منھم وإظھار<br />
العداوة لباطلھم إلا بعبادة الله حق عبادتھ، ولقد أمر الله عز وجل نبیھ محمداً صلى الله<br />
علیھ وسلم بتلاوة القرآن وقیام اللیل في مكة وأعلمھ بأن ذلك ھو الزاد الذي یعینھ على<br />
تحمل أعباء الدعوة الثقیلة وذلك قبل قولھ: {إنا سنلقي علیك قولاً ثقیلاً} [المزمل:<br />
فقال: {یا أیھا المزمل قم اللیل إلا قلیلا، نصفھ أو انقص منھ قلیلاً أو زد علیھ ورتل<br />
القرآن ترتیلاً} [المزمل: 4-1]، فقام صلوات الله وسلامھ علیھ وقام معھ أصحابھ حتى<br />
تفطرت أقدامھم.. إلى أن أنزل سبحانھ التخفیف في آخر الآیات.<br />
وإن ھذا القیام بتلاوة آیات الله عز وجل وتدبر كلامھ.. لخیر زاد ومعین للداعي، یثبتھ<br />
ویعینھ على مشاق الدعوة وعقباتھا.. وإن الذین یظنون أنفسھم قادرین على تحمل<br />
الدعوة العظیمة بأعبائھا الثقیلة بدون إخلاص العبادة عز وجل وبدون إطالة ذكره<br />
وتسبیحھ لمخطئون وواھمون.. وإن ساروا خطوات، فلن یستطیعوا مواصلة الطریق<br />
الصحیح المستقیم بغیر زاد.. وإن خیر الزاد التقوى..<br />
،[5<br />
(12)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
* والبراءة من الشرك وأھلھ.<br />
یقول الإمام الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله تعالى: "أصل<br />
دین الإسلام وقاعدتھ أمران:<br />
الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شریك لھ والتحریض على ذلك<br />
والموالاة فیھ وتكفیر من تركھ.<br />
الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغلیظ في ذلك والمعاداة<br />
فیھ وتكفیر من فعلھ"اھ.<br />
وھذا ھو التوحید الذي دعا إلیھ الرسل صلوات الله وسلامھ علیھم<br />
أجمعین.. وھو معنى لا إلھ إلا الله. إخلاص وتوحید وإفراد عز وجل في<br />
العبادة والولاء لدینھ ولأولیائھ، وكفر وبراءة من كل معبود سواه ومعاداة<br />
أعدائھ..<br />
فھو توحید اعتقادي وعملي في آن واحد.. فسورة الإخلاص دلیل على<br />
الاعتقادي منھ وسورة الكافرون دلیل على العملي، وكان النبي صلوات الله<br />
وسلامھ علیھ یكثر من القراءة بھاتین السورتین ویداوم علیھما في سنة<br />
الفجر وغیرھا.. لأھمیتھما البالغة.<br />
تنبیھ لا بد منھ: وقد یظن ظان أن <strong>ملة</strong> إبراھیم ھذه تتحقق في زماننا<br />
ھذا بدراسة التوحید، ومعرفة أقسامھ وأنواعھ الثلاثة معرفة نظریة<br />
وحسب.. مع السكوت عن أھل الباطل وعدم إعلان وإظھار البراءة من<br />
باطلھم.<br />
فلمثل ھؤلاء نقول: لو أن <strong>ملة</strong> إبراھیم كانت ھكذا لما ألقاه قومھ من<br />
أجلھا في النار، بل ربما لو أنھ داھنھم وسكت عن بعض باطلھم ولم یسفھ<br />
آلھتھم ولا أعلن العداوة لھم واكتفى بتوحید نظري یتدارسھ مع أتباعھ<br />
تدارساً لا یخرج إلى الواقع العملي متمثلاً بالولاء والبراء والحب والبغض<br />
والمعاداة والھجران في الله. ربما لو أنھ فعل ذلك لفتحوا لھ جمیع الأبواب،<br />
بل ربما أسسوا لھ مدارس ومعاھد كما في زماننا یدرس فیھا ھذا التوحید<br />
النظري.. ولربما وضعوا علیھا لافتات ضخمة وسموھا: مدرسة أو معھد<br />
التوحید، وكلیة الدعوة وأصول الدین.. وما إلى ذلك.. فھذا كلھ لا یضرھم،<br />
ولقد وصف الله عز وجل أصحاب ھذه الدعوة والذین أمر نبیھ صلوات الله وسلامھ<br />
علیھ أن یصبر نفسھ معھم بأنھم یدعون ربھم بالغداة والعشي یریدون وجھھ، وبأنھم<br />
قلیلاً من اللیل ما یھجعون.. وتتجافى جنوبھم عن المضاجع یدعون ربھم خوفاً<br />
وطمعاً.. ویخافون من ربھم یوماً عبوساً قمطریراً.. وغیر ذلك من الصفات التي لا<br />
یصلح لھذه الدعوة وتحمل أعبائھا إلا من اتصف بھا، جعلنا الله تعالى وإیاك منھم،<br />
فتنبھ!!<br />
(13)<br />
منبر التوحید والجھاد
لا(<br />
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
ولا یؤثر فیھم ما دام لا یخرج إلى الواقع والتطبیق.. ولو خرجت لھم ھذه<br />
الجامعات والمدارس والكلیات آلاف الأطروحات ورسائل الماجستیر<br />
والدكتوراه في الإخلاص والتوحید والدعوة.. لما أنكروا ذلك علیھا، بل<br />
لباركوھا ومنحوا أصحابھا جوائز وشھادات وألقاباً ضخمة، ما دامت لا<br />
تتعرض لباطلھم وحالھم وواقعھم وما دامت على ذلك الحال الممسوخ.<br />
* یقول الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن في الدرر السنیة:<br />
یُتصور أن -أحداً- یعرف التوحید ویعمل بھ ولا یعادي المشركین ومن لم<br />
یعادھم لا یقال لھ عرف التوحید وعمل بھ) أھ. جزء الجھاد ص167.<br />
وكذلك رسول الله صلى الله علیھ وسلم لو أنھ سكت في بادىء الأمر<br />
عن تسفیھ أحلام قریش والتعرض لآلھتھم وعیبھا ولو أنھ "حاشاه" كتم<br />
الآیات التي فیھا تسفیھ لمعبوداتھم كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى..<br />
والآیات التي تتعرض لأبي لھب والولید وغیرھما.. وكذا آیات البراءة منھم<br />
ومن دینھم ومعبوداتھم وما أكثرھا كسورة (الكافرون) وغیرھا.. لو فعل<br />
ذلك.. وحاشاه من ذلك.. لجالسوه ولأكرموه وقرّ بوه.. ولما وضعوا على<br />
رأسھ سلى الجزور وھو ساجد، ولما حصل لھ ما حصل من أذاھم مما ھو<br />
مبسوط ومذكور في الثابت من السیرة.. ولما احتاج إلى ھجرة وتعب<br />
ونصب وعناء.. ولجلس ھو وأصحابھ في دیارھم وأوطانھم آمنین.. فقضیة<br />
موالاة دین الله وأھلھ ومعاداة الباطل وأھلھ فُرضت على المسلمین في فجر<br />
دعوتھم قبل فرض الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومن أجلھا لا لغیرھا<br />
حصل العذاب والأذى والابتلاء.<br />
* یقول الشیخ حمد بن عتیق في رسالة لھ في الدرر السنیة: (فلیتأمل<br />
العاقل ولیبحث الناصح لنفسھ عن السبب الحامل لقریش على إخراج رسول<br />
الله صلى الله علیھ وسلم وأصحابھ من مكة وھي أشرف البقاع، فإن المعلوم<br />
أنھم ما أخرجوھم إلا بعدما صرحوا لھم بعیب دینھم وضلال آبائھم،<br />
فأرادوا منھ صلى الله علیھ وسلم الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابھ<br />
بالإخراج، وشكا إلیھ أصحابھ شدة أذى المشركین لھم، فأمرھم بالصبر<br />
والتأسي بمن كان قبلھم ممن أوذي، ولم یقل لھم اتركوا عیب دین المشركین<br />
وتسفیھ أحلامھم، فاختار الخروج بأصحابھ ومفارقة الأوطان مع أنھا<br />
أشرف بقعة على وجھ الأرض {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة<br />
لمن كان یرجو الله والیوم الآخر وذكر الله كثیراً} أھ. من جزء الجھاد<br />
ص199.<br />
وھكذا فإن الطواغیت في كل زمان ومكان لا یظھرون الرضا عن<br />
الإسلام<br />
أو یھادنونھ ویقیمون لھ المؤتمرات وینشرونھ في الكتب والمجلات<br />
ویؤسسون لھ المعاھد والجامعات إلا إذا كان دیناً أعور أعرج مقصوص<br />
الجناحین بعیداً عن واقعھم وعن موالاة المؤمنین والبراءة من أعداء الدین<br />
وإظھار العداوة لھم ولمعبوداتھم ومناھجھم الباطلة.<br />
(14)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وإننا لنشاھد ھذا واضحاً في الدولة المسماة "السعودیة" فإنھا تغر<br />
الناس بتشجیعھا للتوحید وكتب التوحید، وبسماحھا بل وحثھا للعلماء على<br />
محاربة القبور والصوفیة وشرك التمائم والتولھ والأشجار والأحجار..<br />
وغیر ذلك مما لا تخشاه ولا یضرھا أو یؤثر في سیاساتھا الخارجیة<br />
والداخلیة.. وما دام ھذا التوحید المجزأ الناقص بعیداً عن السلاطین<br />
وعروشھم الكافرة فإنھ یتلقى منھم الدعم والمساندة والتشجیع... وإلا فأین<br />
كتابات جھیمان وأمثالھ رحمھ الله تعالى التي تمتلىء وتزخر بالتوحید؟ لماذا<br />
لم تدعمھا الحكومة وتشجعھا؟؟ رغم أنھ لم یكن یكفرھا في تلك الكتابات..<br />
أم أنھ توحید یخالف أمزجة (الطغاة) وأھواءھم ویتكلم بالسیاسة ویتعرض<br />
للولاء والبراء والبیعة والإمارة. وراجع كلامھ في مختصر رسالة الأمر<br />
بالمعروف والنھي عن المنكر من ص108 إلى من الرسائل السبع،<br />
فقد وجدتھ متبصراً في ھذه القضیة رحمھ الله تعالى.<br />
110<br />
یقول الشیخ العلامة حمد بن عتیق رحمھ الله في كتابھ سبیل النجاة<br />
والفكاك من موالاة المرتدین وأھل الإشراك: (إن كثیراً من الناس قد یظن<br />
أنھ إذا قدر على أن یتلفظ بالشھادتین وأن یصلي الصلوات الخمس، ولا یرد<br />
عن المسجد فقد أظھر دینھ وإن كان مع ذلك بین المشركین أو في أماكن<br />
المرتدین، وقد غلطوا في ذلك أقبح الغلط.<br />
واعلم أن الكفر لھ أنواع وأقسام بتعدد المكفرات وكل طائفة من<br />
طوائف الكفر قد اشتھر عندھا نوع منھ، ولا یكون المسلم مظھراً لدینھ حتى<br />
یخالف كل طائفة بما اشتھر عندھا ویصرح لھا بعداوتھ، والبراءة منھ..)<br />
أھ.<br />
ویقول أیضاً في الدرر السنیة: (وإظھار الدین: تكفیرھم وعیب دینھم<br />
والطعن علیھم والبراءة منھم والتحفظ من موادتھم والركون إلیھم<br />
واعتزالھم، ولیس فعل الصلوات فقط إظھاراً للدین) أھ. من جزء الجھاد<br />
ص196.<br />
ویقول الشیخ سلیمان بن سحمان في دیوان عقود الجواھر المنضدة<br />
الحسان ص76،<br />
- :77<br />
إظھار ھذا الدین تصریح لھم<br />
وعداوة تبدو وبغض ظاھر<br />
ھذا ولیس القلب كاف بغضھ<br />
لكنما المعیار أن تأتي بھ<br />
بالكفر إذْ◌ْ ھم معشر كفار<br />
یا للعقول أما لكم أفكار<br />
والحب منھ وما ھو المعیار<br />
جھراً وتصریحاً لھم وجھار<br />
ویقول الشیخ إسحاق بن عبد الرحمن في جزء الجھاد من الدرر<br />
السنیة ص141: (ودعوى من أعمى الله بصیرتھ وزعم أن إظھار الدین ھو<br />
(15)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
عدم منعھم من یتعبد أو یدرس دعوى باطلة، فزعمھ مردود عقلاً وشرعاً،<br />
وليَ◌َ هْ◌ْ نَ◌َ من كان في بلاد النصارى والمجوس والھند ذلك الحكم<br />
الباطل، لأن الصلاة والآذان والتدریس موجود في بلدانھم..) أھ.<br />
ورحم الله من قال:<br />
یظنون أن الدین لبیك في الفلاوفعل صلاة والسكوت عن الملا<br />
وسالم وخالط من لذا الدین قد قلا<br />
والولا<br />
كذاك البرا من كل غاوٍ وآثمِ<br />
وما الدین إلا الحب والبغض<br />
* ویقول أبو الوفاء بن عقیل رحمھ الله تعالى: (إذا أردت أن تعرف<br />
محل الإسلام من أھل الزمان، فلا تنظر إلى ازدحامھم في أبواب المساجد<br />
ولا في ضجیجھم بلبیك ولكن انظر إلى مواطأتھم لأعداء الشریعة، فاللجا<br />
اللجا إلى حصن الدین والاعتصام بحبل الله المتین، والانحیاز إلى أولیائھ<br />
المؤمنین، والحذر الحذر من أعدائھ المخالفین، فأفضل القرب إلى الله<br />
تعالى، مقت من حاد الله ورسولھ وجھاده بالید واللسان والجنان بقدر<br />
الإمكان) أھ من الدرر السنیة - جزء الجھاد ص238.<br />
تنبیھ ثان: وفي مقابل ھذه البراءة من الشرك وأھلھ.. ھناك أیضاً:<br />
(موالاة دین الله وأولیائھ ونصرتھم ومؤازرتھم والنصح لھم وإبداء ذلك<br />
وإظھاره) حتى تتآلف القلوب وتتراص الصفوف، ومھما عنّفنا إخواننا<br />
الموحدین المنحرفین عن جادة الصواب ومھما شدّدنا في النصح لھم ونقد<br />
طرائقھم المخالفة لطریق الأنبیاء.. فالمسلم للمسلم كما یقول شیخ الإسلام<br />
كالیدین تغسل إحداھما الأخرى، وربما احتاج إزالة الوسخ أحیاناً إلى شيء<br />
من الشدة التي تُحمد عاقبتھا، لأن المقصود من ورائھا الإبقاء على سلامة<br />
الیدین ونظافتھما.. ولا نستجیز بحال من الأحوال التبرؤ منھم بالكلیة، لأن<br />
للمسلم على أخیھ حق الموالاة التي لا تنقطع إلا بالردة والخروج من دائرة<br />
الإسلام.. وقد عظّم الله سبحانھ من شأن ھذا الحق فقال: {إلا تفعلوه تكن<br />
فتنة في الأرض وفساد كبیر} [الأنفال: 73]. والمسلم المنحرف إنما یتبرأ<br />
من باطلھ أو بدعتھ وانحرافھ مع بقاء أصل الموالاة.. ألم تر أن أحكام قتال<br />
البغاة وأمثالھم.. تختلف مثلاً عن أحكام قتال المرتدین... ولا نقر أعین<br />
الطغاة ونفرحھم بعكس ذلك أبداً، كما یفعل كثیر من المنتسبین إلى الإسلام<br />
ممن اختل لدیھم میزان الولاء والبراء في ھذا الزمان، فبالغوا في البراءة<br />
والشماتة من مخالفیھم الموحدین والتحذیر منھم بل ومن كثیر من الحق<br />
الذي عندھم وربما على صفحات الجرائد النتنة المعادیة للإسلام والمسلمین<br />
ناھیك عن إغراء السفھاء والحكام بھم وبدعواتھم.. حتى لیُشارك كثیر من<br />
ھؤلاء الدعاة أولئك الحكام بالقضاء علیھم وعلى دعواتھم بإلصاق التھم<br />
الباطلة بھم أو ترقیع الفتاوى للطواغیت لقمعھم، كأن یقولوا عنھم: بغاة أو<br />
خوارج أو أخطر على الإسلام من الیھود والنصارى، إلى غیر ذلك..<br />
(16)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
-<br />
-<br />
.[4<br />
وأعرف كثیراً ممن یفرح بوقوع من یخالفھم من المسلمین بأیدي الطغاة،<br />
ویقولون: (یستاھل) أو (زین یسوون فیھ) إلى غیر ذلك من الكلمات التي<br />
ربما تھوي بأحدھم في جھنم سبعین خریفاً من حیث لا یدري وھو لا یُلقي<br />
لھا بالاً.<br />
واعلم أن من أخص خصائص <strong>ملة</strong> إبراھیم ومن أھم مھماتھا التي<br />
نرى غالبیة دعاة زماننا مقصرین فیھا تقصیراً عظیماً بل أكثرھم ھجرھا<br />
وأماتھا: -<br />
إظھار البراءة من المشركین ومعبوداتھم الباطلة.<br />
وإعلان الكفر بھم وبآلھتھم ومناھجھم وقوانینھم وشرائعھم الشركیة.<br />
وإبداء العداوة والبغضاء لھم ولأوضاعھم ولأحوالھم الكفریة حتى<br />
یرجعوا إلى الله، ویتركوا ذلك كلھ ویبرأوا منھ ویكفروا بھ.<br />
قال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم والذین معھ إذ<br />
قالوا لقومھم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا<br />
بیننا وبینكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا با وحده} [الممتحنة:<br />
* یقول العلامة ابن القیم: (لما نھى الله تعالى المؤمنین عن موالاة<br />
الكفار اقتضى ذلك معاداتھم والبراءة منھم ومجاھرتھم بالعدوان في كل<br />
حال) أھ. من بدائع الفوائد (69/3).<br />
* ویقول الشیخ حمد بن عتیق رحمھ الله تعالى: (فقولھ: {وبدا} أي<br />
ظھر وبان، وتأمل تقدیم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أھم من الثانیة،<br />
فإن الإنسان قد یبغض المشركین ولا یعادیھم فلا یكون آتیاً بالواجب علیھ<br />
حتى تحصل منھ العداوة والبغضاء، ولا بد أیضاً من أن تكون العداوة<br />
والبغضاء بادیتین ظاھرتین بیّنتین. واعلم أنھ وإن كانت البغضاء متعلقة<br />
بالقلب، فإنھا لا تنفعھ حتى تظھر آثارھا وتتبین علاماتھا، ولا تكون كذلك<br />
حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحینئذ تكون العداوة والبغضاء ظاھرتین)<br />
أھ. "من سبیل النجاة والفكاك من موالاة المرتدین وأھل الإشراك".<br />
* ویقول الشیخ إسحاق بن عبد الرحمن: (ولا یكفي بغضھم بالقلب،<br />
بل لا بد من إظھار العداوة والبغضاء وذكر آیة الممتحنة السابقة ثم قال-<br />
فانظر إلى ھذا البیان الذي لیس بعده بیان، حیث قال: {بدا بیننا} أي ظھر،<br />
ھذا ھو إظھار الدین فلا بد من التصریح بالعداوة وتكفیرھم جھاراً<br />
والمفارقة بالبدن، ومعنى العداوة أن تكون في عَ◌َ دْ◌ْ وَ ة والضدّ في<br />
عَ◌َ ◌ْ دْوَ ة أخرى كما أن أصل البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدن،<br />
وقلب المؤمن لا یخلو من عداوة الكافر، وإنما النزاع في إظھار العداوة...)<br />
أھ. من الدرر ص141 جزء الجھاد.<br />
-<br />
(17)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
–<br />
* ویقول الشیخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد<br />
الوھاب (صاحب كتاب فتح المجید) حول آیة الممتحنة السابقة: (فمن تدبر<br />
ھذه الآیات عرف التوحید الذي بعث الله بھ رسلھ وأنزل بھ كتبھ وعرف<br />
حال المخالفین لما علیھ الرسل وأتباعھم من الجھلة المغرورین الأخسرین<br />
قال شیخنا الإمام رحمھ الله یعني جده محمد بن عبد الوھاب في سیاق<br />
دعوة النبي صلى الله علیھ وسلم قریشاً إلى التوحید وما جرى منھم عند<br />
ذكر آلھتھم بأنھم لا ینفعون ولا یضرون أنھم جعلوا ذلك شتماً، "فإذا عرفت<br />
ھذا عرفت أن الإنسان لا یستقیم لھ إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا<br />
والتصریح لھم بالعداوة والبغضاء كما قال تعالى: {لا<br />
بعداوة المشركین (6)<br />
تجد قوماً یؤمنون با والیوم الآخر یوادون من حادّ الله ورسولھ...}<br />
[المجادلة: 22] الآیة، فإذا فھمت ھذا فھماً جیداً عرفت أن كثیراً ممن یدعي<br />
الدین لا یعرفھ، وإلا فما الذي حمل المسلمین على الصبر على ذلك العذاب<br />
والأسر والھجرة إلى الحبشة مع أنھ أرحم الناس ولو وجد لھم رخصة<br />
أرخص لھم، كیف وقد أنزل الله علیھ: ومن الناس من یقول آمنا با فإذا<br />
أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله [العنكبوت: 10] فإذا كانت ھذه<br />
الآیة فیمن وافق بلسانھ فكیف بغیر ذلك"؛ یعني من وافقھم بالقول والفعل<br />
بلا أذى فظاھرھم وأعانھم وذب عنھم وعن من وافقھم وأنكر على من<br />
خالفھم كما ھو الواقع" الدرر - جزء الجھاد ص93 وأنا أقول لھم: <br />
درك كأنك تتكلم في زماننا...<br />
-<br />
{<br />
}<br />
-<br />
* ویقول الشیخ محمد بن عبد اللطیف في الدرر السنیة: اعلم وفقنا الله<br />
وإیاك لما یحب ویرضى أنھ لا یستقیم للعبد إسلام ولا دین إلا بمعاداة أعداء<br />
الله ورسولھ (7) ، وموالاة أولیاء الله ورسولھ قال تعالى: {یا أیھا الذین آمنوا<br />
لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولیاء إن استحبوا الكفر على الإیمان} [التوبة:<br />
23] أھ. من جزء الجھاد ص208.<br />
وھذا ھو دین جمیع المرسلین.. وھذه ھي دعوتھم وطریقتھم كما تدل<br />
علیھ عموم آیات القرآن وأخبار النبي صلى الله علیھ وسلم.. وكذلك قولھ<br />
تعالى في آیة الممتحنة ھذه {والذین معھ} أي المرسلین الذین على دینھ<br />
وملتھ.. قالھ غیر واحد من المفسرین.<br />
-<br />
(6) انظر الھامش التالي.<br />
(7) إن أرید أصل العداوة فالكلام على إطلاقھ، وإن أرید عموم العداوة؛ إظھارھا<br />
وتفاصیلھا والصدع بھا، فالكلام في استقامة الإسلام لا في زوال أصلھ، وللشیخ عبد<br />
اللطیف في كتابھ "مصباح الظلام" تفصیل حول ھذا الموضوع، فلیراجعھ من شاء،<br />
وفیھ قولھ: (فالذي یفھم تكفیر من لم یصرح بالعداوة من كلام الشیخ فھمھ باطل ورأیھ<br />
ضال..) أھ. وسیأتي تفصیل كلامھ لاحقا في ھذه الأوراق، ونحن إنما أوردنا مقولاتھم<br />
في ھذا الفصل لبیان أھمیة ھذا الأصل الذي طمست معالمھ عند أكثر دعاة ھذا الزمان.<br />
ثم ألحقنا ھذه التوضیحات رغم وضوح الكلام لنسد الطریق على من یحاولون<br />
الصید في الماء العكر؛ فیبحثون عن عمومات وأشیاء ترقّع لھم رمَینا بعقیدة الخوارج.<br />
-<br />
(18)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* ویقول الشیخ محمد بن عبد اللطیف بن عبد الرحمن: (وھذا ھو<br />
إظھار الدین لا كما یظن الجھلة من أنھ إذا تركھ الكفار وخلوا بینھ وبین أن<br />
یصلي ویقرأ القرآن ویشتغل بما شاء من النوافل أنھ یصیر مظھراً لدینھ ھذا<br />
غلط فاحش فإن من یصرح بالعداوة للمشركین والبراءة منھم لا یتركونھ<br />
بین أظھرھم بل إما قتلوه وإما أخرجوه إن وجدوا إلى ذلك سبیلاً كما ذكره<br />
الله عن الكفار قال تعالى: {وقال الذین كفروا لرسلھم لنخرجنكم من أرضنا<br />
أو لتعودن في ملتنا} [إبراھیم: 13] الآیة. وقال إخباراً عن قوم شعیب:<br />
{لنخرجنك یا شعیب والذین آمنوا معك من قریتنا أو لتعودن في ملتنا}<br />
[الأعراف: 88] الآیة. وذكر عن أھل الكھف أنھم قالوا: {إنھم إن یظھروا<br />
علیكم یرجموكم أو یعیدوكم في ملتھم ولن تفلحوا إذاً أبدا} [الكھف:<br />
وھل اشتدت العداوة بین الرسل وقومھم إلا بعد التصریح بمسبة دینھم<br />
وتسفیھ أحلامھم وعیب آلھتھم) أھ. الدرر - جزء الجھاد ص207.<br />
[20<br />
-<br />
* ویقول الشیخ سلیمان بن سحمان عند آیة الممتحنة أیضاً: (فھذه ھي<br />
<strong>ملة</strong> إبراھیم التي قال الله فیھا: {ومن یرغب عن <strong>ملة</strong> إبراھیم إلا من سفھ<br />
نفسھ} [البقرة: 130]، فعلى المسلم أن یعادي أعداء الله ویظھر عداوتھم<br />
ویتباعد عنھم كل التباعد وأن لا یوالیھم ولا یعاشرھم ولا یخالطھم...) أھ<br />
ص221، جزء الجھاد الدرر السنیة.<br />
وأخبر الله تعالى عن إبراھیم علیھ السلام في موضع آخر: {قال<br />
أفرأیتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنھم عدو لي إلا رب<br />
العالمین} [الشعراء:<br />
.[76-75<br />
وفي موضع ثالث یقول سبحانھ: {وإذ قال إبراھیم لأبیھ وقومھ إنني<br />
براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنھ سیھدین} [الزخرف:<br />
.[27<br />
-<br />
* یقول الشیخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد بن عبد<br />
الوھاب: (وقد افترض الله تعالى البراءة من الشرك والمشركین والكفر بھم<br />
وعداوتھم وبغضھم وجھادھم: {فبدّل الذین ظلموا قولاً غیر الذي قیل لھم}<br />
[البقرة: 59]، فوالوھم وأعانوھم وظاھروھم، واستنصروا بھم على<br />
المؤمنین وأبغضوھم وسبوھم من أجل ذلك، وكل ھذه الأمور تناقض<br />
الإسلام كما دل علیھ الكتاب والسنة في مواضع).<br />
وھاھنا شبھة یطرحھا كثیر من المتسرعین، وھي قولھم إن <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم ھذه إنما ھي مرحلة أخیرة من مراحل الدعوة، یسبقھا البلاغ<br />
بالحكمة والجدال بالتي ھي أحسن، ولا یلجأ الداعیة إلى <strong>ملة</strong> إبراھیم ھذه من<br />
البراءة من أعداء الله ومعبوداتھم والكفر بھا وإظھار العداوة والبغضاء لھم<br />
إلا بعد استنفاذ جمیع أسالیب اللین والحكمة.. فنقول وبا التوفیق: إن ھذا<br />
الإشكال إنما حصل بسبب عدم وضوح <strong>ملة</strong> إبراھیم لدى ھؤلاء الناس،<br />
وبسبب الخلط بین طریقة الدعوة للكفار ابتداء وطریقتھا مع المعاندین<br />
منھم.. وأیضاً الفرق بین ذلك كلھ وبین موقف المسلم من معبودات ومناھج<br />
(19)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
وشرائع الكفار الباطلة نفسھا.. ف<strong>ملة</strong> إبراھیم من حیث أنھا إخلاص للعبادة <br />
وحده وكفر بكل معبود سواه لا یصح أن تؤخر أو تؤجل.. بل ینبغي أن لا<br />
یبدأ إلا بھا، لأن ذلك ھو تماماً ما تحویھ كلمة لا إلھ إلا الله من النفي<br />
والإثبات وھو أصل الدین وقطب الرحى في دعوة الأنبیاء والمرسلین،<br />
ولأجل أن یزول عنك، كل إشكال فھاھنا قضیتان:<br />
* الأولى:<br />
وھي البراءة من الطواغیت والآلھة التي تعبد من دون الله<br />
عز وجل والكفر بھا، فھذه لا تؤخر ولا تؤجل.. بل ینبغي أن تظھر وتعلن<br />
منذ أول الطریق.<br />
* الثانیة:<br />
البراءة من الأقوام المشركین ھم أنفسھم إن أصروا على<br />
باطلھم. وإلیك التفصیل والبیان:<br />
القضیة الأولى: وھي الكفر بالطواغیت التي تعبد من دون الله عز<br />
وجل، سواء اكانت ھذه الطواغیت أصناماً من حجر، أو شمساً أو قمراً، أو<br />
قبراً أو شجراً، أو تشریعات وقوانین من وضع البشر.. ف<strong>ملة</strong> إبراھیم <strong>ودعوة</strong><br />
الأنبیاء والمرسلین تستلزم إظھار الكفر بھذه المعبودات كلھا وإبداء العداوة<br />
والبغضاء لھا، وتسفیھ قدرھا والحط من قیمتھا وشأنھا وإظھار زیفھا<br />
ونقائصھا وعیوبھا منذ أول الطریق. وھكذا كان حال الأنبیاء حین كانوا<br />
یبدأون دعوتھم لأقوامھم بقولھم: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:<br />
36]، ومن ھذا قول الله تعالى عن الحنیف إبراھیم علیھ السلام: {قال<br />
أفرأیتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنھم عدو لي إلا رب<br />
العالمین} [الشعراء:<br />
.[75<br />
وقولھ في الأنعام: {قال یا قوم إني بريء مما تشركون} [الأنعام:<br />
{إذا قال إبراھیم لأبیھ وقومھ إنني براء مما تعبدون إلا الذي<br />
فطرني فإنھ سیھدین}.. [الزخرف:<br />
.[27<br />
78]، وقولھ:<br />
وكذا قولھ سبحانھ عن قوم إبراھیم: {قالوا من فعل ھذا بآلھتنا إنھ<br />
لمن الظالمین قالوا سمعنا فتى یذكرھم یقال لھ إبراھیم} [الأنبیاء:<br />
قال المفسرون: {یذكرھم} أي یعیبھم ویستھزىء بھم ویتنقصھم. والكتاب<br />
والسنة یمتلئان بالأدلة على ذلك.. ویكفینا من ذلك ھدي النبي صلى الله علیھ<br />
وسلم بمكة، وكیف كان یسفھ آلھة قریش ویظھر البراءة منھا والكفر بھا<br />
حتى كانوا یلقبونھ بالصابئ.<br />
.[60<br />
وإن شئت أن تتأكد من ذلك وتتیقنھ فارجع وتدبر القرآن المكي، الذي<br />
ما كانت تتنزل على النبي صلى الله علیھ وسلم منھ بضع آیات حتى تضرب<br />
بھا أكباد المطي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وتتناقلھا الألسنة في الأسواق<br />
والمجالس والنوادي.. وكانت ھذه الآیات تخاطب العرب بلغتھم العربیة<br />
المفھومة.. بكل وضوح وجلاء تسفھ آلھتھم وعلى رأسھا اللات والعزى<br />
ومناة الثالثة الأخرى، أعظم الآلھة عند القوم في ذلك الزمان، وتعلن البراءة<br />
(20)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
منھا وعدم الالتقاء معھا أو الرضى بھا وما كان النبي صلى الله علیھ وسلم<br />
لیكتم شیئاً من ذلك.. إن ھو إلا نذیر.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
فالذین یصدّرون أنفسھم للدعوة في ھذا الزمان بحاجة إلى تدبر ھذا<br />
الأمر جیداً ومحاسبة أنفسھم علیھ كثیراً، لأن دعوة تسعى لنصرة دین الله ثم<br />
تلقي بھذا الأصل الأصیل وراءھا ظھریاً لا یمكن أن تكون على منھج<br />
الأنبیاء والمرسلین.. وھا نحن نعایش في ھذا الزمان انتشار شرك التحاكم<br />
إلى الدساتیر والقوانین الوضعیة بین ظھرانینا، فیلزم ھذه الدعوات ولا بد،<br />
التأسي بنبیھا في اتباع <strong>ملة</strong> إبراھیم بتسفیھ قدر ھذه الدساتیر وتلك القوانین<br />
وذكر نقائصھا للناس وإبداء الكفر بھا وإظھار وإعلان العداوة لھا <strong>ودعوة</strong><br />
الناس إلى ذلك.. وبیان تلبیس الحكومات وضحكھا على الناس.. وإلا فمتى<br />
یظھر الحق، وكیف یعرف الناس دینھم حق المعرفة، ویمیزون الحق من<br />
الباطل والعدو من الولي.. ولعل الغالبیة یتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة..<br />
وأي فتنة أعظم من كتمان التوحید والتلبیس على الناس في دینھم، وأي<br />
مصلحة أعظم من إقامة <strong>ملة</strong> إبراھیم وإظھار الموالاة لدین الله والمعاداة<br />
للطواغیت التي تعبد ویدان لھا من دون الله، وإذا لم یبتل المسلمون لأجل<br />
ذلك وإذا لم تقدم التضحیات في سبیلھ فلأي شيء إذاً یكون البلاء.. فالكفر<br />
بالطواغیت كلھا واجب على كل مسلم بشطر شھادة الإسلام.. وإعلان ذلك<br />
وإبداؤه وإظھاره واجب عظیم أیضاً لا بد وأن تصدع بھ جماعات المسلمین<br />
أو طائفة من كل جماعة منھم على الأقل، حتى یشتھر وینتشر ویكون ھو<br />
الشعار والصفة الممیزة لھذه الدعوات كما كان حال النبي صلى الله علیھ<br />
وسلم، لیس في زمن التمكین وحسب بل وفي زمن الاستضعاف، حیث كان<br />
یشار إلیھ بالأصابع ویحذر منھ ویوصف بعداوة الآلھة وغیر ذلك.. وإننا<br />
لنعجب أي دعوة ھذه التي یتباكى أولئك الدعاة على مصلحتھا وأي دین ھذا<br />
الذي یریدون إقامتھ وإظھاره وأكثرھم یلھج بمدح القانون الوضعي ویا<br />
للمصیبة وبعضھم یثني علیھ ویشھد بنزاھتھ وكثیر منھم یقسم على<br />
احترامھ والالتزام ببنوده وحدوده، عكساً للقضیة والطریق فبدلاً من إظھار<br />
وإبداء العداوة لھ والكفر بھ، یظھرون الولاء لھ والرضى عنھ، فھل مثل<br />
ھؤلاء ینشرون توحیداً أو یقیمون دیناً؟! إلى الله المشتكى..<br />
وإبداء ھذا الأمر وإظھاره لیس لھ علاقة بتكفیر الحاكم أو إصراره<br />
على الحكم بغیر شریعة الرحمن.. لأنھ متعلق بالدستور أو التشریع أو<br />
القانون القائم المحترم المطبق المبجل المحكم بین الناس.<br />
القضیة الثانیة: وھي البراءة من المشركین والكفر بھم وإظھار<br />
العداوة والبغضاء لھم ھم أنفسھم.<br />
* یقول العلامة ابن القیم رحمھ الله تعالى في إغاثة اللھفان: (وما نجا<br />
من شرك ھذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحیده وعادى المشركین في<br />
الله وتقرب بمقتھم إلى الله) أھ. وینسب لشیخ الإسلام وھذه القضیة أي<br />
البراءة من المشركین أھم من الأولى أعني (البراءة من معبوداتھم).<br />
-<br />
-<br />
(21)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
:[4<br />
48<br />
* یقول الشیخ حمد بن عتیق رحمھ الله تعالى في "سبیل النجاة<br />
والفكاك" عند قولھ تعالى: {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}<br />
[الممتحنة: (وھاھنا نكتة بدیعة وھي أن الله تعالى قدّم البراءة من<br />
المشركین العابدین غیر الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله<br />
لأن الأول أھم من الثاني، فإنھ إن تبرأ من الأوثان ولم یتبرأ ممن عبدھا لا<br />
یكون آتیاً بالواجب علیھ. وأما إذا تبرأ من المشركین فإن ھذا یستلزم البراءة<br />
من معبوداتھم، وكذا قولھ: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله} [مریم:<br />
[ الآیة. فقدّم اعتزالھم على اعتزال ما یدعون من دون الله. وكذا قولھ:<br />
وإذ<br />
{فلما اعتزلھم وما یعبدون من دون الله} [مریم:<br />
اعتزلتموھم وما یعبدون من دون الله [الكھف: 16]، فعلیك بھذه النكتة<br />
فإنھا تفتح لك باباً إلى عداوة أعداء الله. فكم من إنسان لا یقع منھ الشرك<br />
ولكنھ لا یعادي أھلھ فلا یكون مسلماً بذلك إذ ترك دین جمیع المرسلین) (8)<br />
أھ.<br />
،[49 وقولھ: }<br />
{<br />
* ویقول الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن في رسالة لھ في الدرر<br />
السنیة: (والمرء قد ینجو من الشرك ویحب التوحید، ولكنھ یأتیھ الخلل من<br />
جھة عدم البراءة من أھل الشرك وترك موالاة أھل التوحید ونصرتھم.<br />
فیكون متبعاً لھواه داخلاً من الشرك في شعب تھدم دینھ وما بناه، تاركاً من<br />
التوحید أصولاً وشعباً لا یستقیم معھا إیمانھ الذي ارتضاه فلا یحب ولا<br />
یبغض ولا یعادي ولا یوالي لجلال من أنشأه وسوّ اه، وكل ھذا یؤخذ من<br />
شھادة أن لا إلھ إلا الله) أھ من جزء الجھاد ص681.<br />
* ویقول أیضاً في رسالة أخرى لھ من الكتاب نفسھ ص842:<br />
(وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائھ المشركین وبغضھم وعداوتھم<br />
وجھادھم وبھذا ینجو العبد من تولیھم من دون المؤمنین، وإن لم یفعل ذلك<br />
فلھ من ولایتھم بحسب ما أخل بھ وتركھ من ذلك، فالحذر الحذر مما یھدم<br />
الإسلام ویقلع أساسھ) أھ.<br />
* ویقول سلیمان بن سحمان:<br />
فمن لم یعاد المشركین ولم<br />
فلیس على منھاج سنة أحمد<br />
یوال ولم یبغض ولم یتجنب<br />
ولیس على نھج قویم معرب<br />
* وقول الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله: (لا بد للمسلم من<br />
التصریح بأنھ من ھذه الطائفة المؤمنة، حتى یقویھا وتقوى بھ ویفزع<br />
(8) مقصود الشیخ ھنا والله أعلم أن لا یعادیھم ولا یبغضھم ج<strong>ملة</strong> وتفصیلاً حتى في<br />
قلبھ، بل یضمر لھم بدلاً من ذلك الود والمحبة فھذا لا شك قد نقض إیمانھ وترك دین<br />
جمیع المرسلین، قال تعالى: {لا تجد قوماً یؤمنون با والیوم الآخر یوادون من حاد<br />
الله ورسولھ}.<br />
(22)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الطواغیت، الذین لا یبلغون الغایة في العداوة حتى یصرح لھم أنھ من ھذه<br />
الطائفة المحاربة لھم). أھ من مجموعة التوحید.<br />
* وسئل الشیخ حسین والشیخ عبد الله ابنا الشیخ محمد بن عبد<br />
الوھاب عن رجل دخل ھذا الدین وأحبھ وأحب أھلھ، ولكن لا یعادي<br />
المشركین أو عاداھم ولم یكفرھم؟ فكان مما أجابا بھ: (من قال لا أعادي<br />
المشركین، أو عاداھم ولم یكفرھم؟ فھو غیر مسلم؟ وھو ممن قال الله تعالى<br />
فیھم: {ویقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ویریدون أن یتخذوا بین ذلك<br />
سبیلا، أولئك ھم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرین عذاباً مھیناً} [النساء:<br />
151]. أھ. من الدرر (9) .<br />
* یقول سلیمان بن سحمان:<br />
فعاد الذي عادى لدین محمد<br />
وأحبب لحب الله من كان مؤمناً<br />
أھل التمرد<br />
وما الدین إلا الحب والبغض والولا<br />
غاو ومعتد<br />
* ویقول أیضاً:<br />
نعم لو صدقت الله فیما زعمتھ<br />
ووالیت أھل الحق سراً وجھرة<br />
تنصر<br />
فما كل من قد قال ما قلت مسلم<br />
مباینة الكفار في كل موطن<br />
المقرر<br />
وتكفیرھم جھراً وتسفیھ رأیھم<br />
وتصدع بالتوحید بین ظھورھم<br />
وتجھر<br />
فھذا ھو الدین الحنیفي والھدى<br />
ووال الذي والاه من كل مھتد<br />
وأبغض لبغض الله<br />
كذاك البرا من كل<br />
لعادیت من باللھ ویحك یكفر<br />
ولما تھاجیھم وللكفر<br />
ولكن بأشراط ھنالك تذكر<br />
بذا جاءنا النص الصحیح<br />
وتضلیلھم فیما أتوه وأظھروا<br />
وتدعوھموا سراً لذاك<br />
و<strong>ملة</strong> إبراھیم لو كنت تشعر<br />
(9) انظر الھامش السابق.<br />
(23)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بالطبع لا نقول إن إظھار مثل ھذه البراءة والعداوة شا<strong>ملة</strong> حتى<br />
للمؤلفة قلوبھم، أو من یظھرون التقبل ولا یظھرون العداوة لدین الله، وإن<br />
كان الواجب وجودھا في القلب لكل مشرك، حتى یتطھر من شركھ، ولكن<br />
الكلام على الإظھار والإعلان والمجاھرة والإبداء، فھؤلاء وحتى<br />
المتجبرین والظالمین یُدعون إلى طاعة الله بالحكمة والموعظة الحسنة<br />
ابتداء فإن استجابوا فھم إخواننا نحبھم بقدر طاعتھم ولھم ما لنا، وعلیھم ما<br />
علینا. وإن أبوا مع وضوح الحجة واستكبروا وأصروا على ما ھم علیھ من<br />
الباطل والشرك ووقفوا في الصف المعادي لدین الله، فلا مجا<strong>ملة</strong> معھم ولا<br />
مداھنة.. بل یجب إظھار وإبداء البراءة منھم عند ذلك.. وینبغي التفریق ھنا<br />
بین الحرص على ھدایة المشركین والكفار وكسب أنصار للدین واللین في<br />
البلاغ والحكمة والموعظة الحسنة وبین قضیة الحب والبغض والموالاة<br />
والمعاداة في دین الله، لأن كثیراً من الناس یخلط في ذلك فتستشكل علیھم<br />
كثیر من النصوص مثل: "اللھم اھدِ قومي فإنھم لا یعلمون" وما إلى ذلك.<br />
وقد تبرأ إبراھیم من أقرب الناس إلیھ، لما تبین لھ أنھ مصرّ على<br />
شركھ وكفره، قال تعالى عنھ: {فلما تبین لھ أنھ عدو تبرأ منھ} [التوبة:<br />
114].. ذلك بعد أن دعاه بالحكمة والموعظة الحسنة، فتجده یخاطبھ بقولھ:<br />
{یا أبت إني قد جاءني من العلم} [مریم: {یا أبت إني أخاف أن<br />
یمسك عذاب من الرحمن} [مریم: 45].. وھكذا موسى مع فرعون.. بعد<br />
أن أرسلھ الله إلیھ وقال: {فقولا لھ قولاً لیّنا لعلھ یتذكر أو یخشى} [طھ:<br />
44].. فقد بدأ معھ بالقول اللین استجابة لأمر الله فقال: {ھل لك إلى أن<br />
تزكّى وأھدیك إلى ربك فتخشى} وأراه الآیات والبینات.. فلما أظھر فرعون<br />
التكذیب والعناد والإصرار على الباطل، قال لھ موسى كما أخبر تعالى:<br />
{لقد علمت ما أنزل ھؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني أظنك<br />
یا فرعون مثبورا} [الإسراء: 102]. بل ویدعو علیھم قائلاً: {ربنا إنك<br />
آتیت فرعون وملأه زینة وأموالاً في الحیاة الدنیا ربنا لیضلوا عن سبیلك<br />
ربنا اطمس على أموالھم واشدد على قلوبھم فلا یؤمنوا حتى یروا العذاب<br />
الألیم} [یونس: 88]، فالذین یدندنون على نصوص الرفق واللین والتیسیر<br />
على إطلاقھا ویحملونھا على غیر محملھا، ویضعونھا في غیر موضعھا،<br />
ینبغي لھم أن یقفوا عند ھذه القضیة طویلاً، ویتدبروھا ویفھموھا فھماً<br />
جیداً.. إن كانوا مخلصین..<br />
..[43<br />
ولیعلموا بعد ذلك جیداً، أن من كُلم بشتى الأسالیب وأغلبھا من<br />
أسالیب الرفق واللین، سواء عن طریق الرسائل والكتب أو مباشرة<br />
ومواجھة عن طریق كثیر من الدعاة، وبُیّن لھ أن الحكم بغیر ما أنزل الله<br />
كفر.. وعلم بأنھ لا یجوز لھ الحكم بغیر شریعة الله.. ولكنھ برغم ذلك یصر<br />
ویستكبر.. وإن كان في ظاھره في كثیر من المناسبات یضحك على أذقان<br />
المساكین بوعوده الفارغة الكاذبة وكلماتھ المعسولة وحججھ الواھیة<br />
الزائفة.. ولسان حالھ یكذب مقالھ. وذلك بإقراره وسكوتھ عن ازدیاد الكفر<br />
والفساد في البلاد والعباد یوماً بعد یوم.. وتشدیده على الدعاة والمؤمنین،<br />
وتضییقھ على المصلحین ورصده لھم بأجھزة مخابراتھ وشرطتھ..<br />
(24)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وتوسیعھ في الوقت ذاتھ على كل محارب لدین الله، وتسھیل وسائل الفساد<br />
والإفساد لأعداء الله بل وتسخیر وسائل الإعلام لھم ولفسادھم ولإلحادھم..<br />
وإصدار القوانین واللوائح التي تعاقب كل من تھجم على یاسقھ العصري<br />
الوضعي الشركي أو أعلن الكفر والبراءة منھ أو تنقصھ أو بیّن باطلھ<br />
للناس.. وإصراره على إبقائھ الحاكم الذي یفصل بین العباد في دمائھم<br />
وأموالھم وفروجھم، رغم ما ھو مشحون بھ من الكفر البواح.. وعدم<br />
استسلامھ لشرع الله وتحكیمھ مع علمھ بوجوب ذلك ومطالبة المصلحین<br />
بھ.. فمثل ھذا لا تجوز مداھنتھ أو مھادنتھ أو مجاملتھ أو تبجیلھ بألقابھ أو<br />
تھنئتھ بالأعیاد والمناسبات أو إظھار الولاء لھ أو لحكومتھ.. بل لا یقال لھ<br />
إلا كما قال إبراھیم والذین معھ لقومھم: إنا برءاء منك ومن دستورك<br />
وقوانینك الشركیة وحكومتك الكفریة.. كفرنا بكم.. وبدا بیننا وبینكم العداوة<br />
والبغضاء أبداً حتى ترجعوا إلى الله وتستسلموا وتنقادوا لشرعھ وحده..<br />
ویدخل في ذلك أیضاً التحذیر من موالاتھم ومن الدخول في طاعتھم<br />
والاطمئنان إلیھم والمشي في ركابھم وتكثیر سوادھم عن طریق الوظائف<br />
التي تعینھم على باطلھم أو تثبت حكوماتھم وتحفظ أو تنفذ قوانینھم الباطلة<br />
كالجیش والشرطة والمباحث وغیر ذلك..<br />
-<br />
ولقد كانت مواقف السلف مع أمراء زمانھم الذین لا تصح بحال من<br />
الأحوال مقارنتھم بھذا الطاغوت وأمثالھ مواقف حازمة واضحة نظیفة..<br />
وأین مواقف كثیر من أصحاب الدعوات في زماننا ھذا منھا.. مع شھرة<br />
ھؤلاء وتصفیق أتباعھم لھم.. ومع أن أولئك السلف ما تخرجوا من كلیات<br />
العلوم السیاسیة أو الحقوق، ولا كانوا یقرأون الجرائد أو المجلات النتنة<br />
بحجة التبصر بمكاید الأعداء.. مع ذلك كانوا یفرون من السلطان وأبوابھ<br />
والسلطان یطلبھم ویغریھم بالأموال وغیرھا.. أما المنتسبون إلیھم الیوم<br />
ممن لعب الشیطان بدینھم فیطلبون صلاح دنیاھم بفساد دینھم؛ فیأتون<br />
ویطلبون أبواب السلطان والسلطان یذلھم ویعرض عنھم.. وكان السلف<br />
رضوان الله علیھم ینھون عن الدخول على أمراء الجور، حتى لمن أراد<br />
أمرھم بالمعروف أو نھیھم عن المنكر، مخافة أن یفتتن بھم فیداھنھم أو<br />
یجاملھم لإكرامھم أو یسكت عن بعض باطلھم ویقره، ویرون أن البعد عنھم<br />
واعتزالھم خیر براءة وإنكار لأحوالھم.. واستمع إلى سفیان الثوري وھو<br />
یكتب إلى عباد بن عباد فیقول في كتابھ: (إیاك والأمراء أن تدنو منھم أو<br />
تخالطھم في شيء من الأشیاء، وإیاك ویقال لك لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو<br />
ترد مظلمة فإن ذلك خدیعة إبلیس.. وإنما اتخذھا فجار القراء سلماً..) اھ.<br />
من سیر أعلام النبلاء (586/13) وجامع بیان العلم وفضلھ (179/1)<br />
فانظر إلى سفیان رحمھ الله تعالى وھو یسمي ما یصفھ دعاة الیوم بمصلحة<br />
الدعوة: "خدیعة إبلیس".. ولم یقل لصاحبھ كما یفعل كثیر من دعاة ھذا<br />
الزمان الذین یضیعون أعمارھم في طلب مصلحة الدعوة ونصر الدین عند<br />
أعدائھ ومحاربیھ: (لا یا أخي!! اثبت وجودك وتقرب إلیھم لعلك تحصل<br />
على منصب أو كرسي في مجلس الوزراء أو مجلس الأمة، ولعلك تقلل من<br />
الظلم أو تنفع إخوانك. ولا تترك ھذا المنصب للعصاة والفجرة لیستغلوه..<br />
و... و..) بل وصف ذلك بأنھ سلم للدنیا عند فجار القراء وإذا كان ھذا في<br />
-<br />
(25)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
.<br />
-<br />
-<br />
-<br />
زمانھ فكیف في زماننا. نسأل الله العافیة، ونعوذ با من شر أھل ھذا<br />
الزمان وشر تلبیساتھم.. ورحم الله من قال:<br />
قوم تراھم مھطعین لمجلس<br />
بل فیھ قانون النصارى حاكماً<br />
القرآن<br />
تبّاً لكم من معشر قد أشربوا<br />
فیھ الشقاء وكل كفر دان<br />
من دون نص جاء في<br />
حب الخلاف ورشوة السلطان<br />
* وھذا شیخ الإسلام محمد بن عبد الوھاب یكرر كثیراً ما جاء عن<br />
سفیان الثوري من قولھ: (من جالس صاحب بدعة لم یسلم من إحدى ثلاث:<br />
إما أن یكون فتنة لغیره بالجلوس معھ، وقد ورد في الحدیث: (من<br />
سن في الإسلام سنّة حسنة فلھ أجرھا وأجر من عمل بھا بعده، من غیر أن<br />
ینقص من أجورھم شيء ومن سن في الإسلام سنة سیئة كان علیھ وزرھا<br />
ووزر من عمل بھا من بعده من غیر أن ینقص من أوزارھم شيء) رواه<br />
مسلم.<br />
أن یقع في قلبھ شيء من الاستحسان، فیزل بھ فیدخلھ الله النار<br />
بسبب ذلك.<br />
أن یقول: (والله ما أبالي بما تكلموا وإني واثق من نفسي فمن أمن<br />
الله على دینھ طرفة عین سلبھ الله إیاه) اھ. من الدرر السنیة وغیرھا.<br />
فإذا كانت ھذه أقوالھم في مجالسة أھل البدع وإن كانت بدعھم غیر<br />
مكفرة كما ھو معلوم في مواضع كثیرة من كلامھم.. فكیف بمجالسة<br />
المرتدین من عبید القانون وغیرھم من المشركین.. وتأمل قولھ في الثالثة:<br />
(إني واثق من نفسي) وكم سقط بسببھا وبمثلھا كثیر من دعاة زماننا،<br />
فالسلامة.. السلامة.<br />
وعلى كل حال فقد أبطل الله تعالى جمیع ھذه الطرق المعوجة التي<br />
یحلم أصحابھا أن وراءھا نصراً للدین.. فبین جل وعلا أن لا نصر یرتجى<br />
ولا مصلحة دینیة أبداً في التقرب إلى الظلمة.. فقال سبحانھ في سورة ھود<br />
التي شی َّبَت النبي صلى الله علیھ وسلم: {ولا تركنوا إلى الذین ظلموا<br />
فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولیاء ثم لا تنصرون<br />
]، فلیس وراء ھذه المداھنات والسبل الملتویة نصراً لدین الله ولا<br />
مصلحة وإن توھم ذلك المتوھمون.. اللھم إلا أن یكون مسیس النار عندھم<br />
مصلحة للدعوة.. فأفق من نومك، ولا تغتر بكل ناعق وزاعق..<br />
{ [ھود:<br />
113<br />
* وقد قال المفسرون في قولھ تعالى: {ولا تركنوا} الركون ھو المیل<br />
الیسیر.<br />
(26)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
)<br />
* وقال أبو العالیة: لا تمیلوا إلیھم كل المیل في المحبة ولین الكلام.<br />
* وقال سفیان الثوري: من لاق لھم دواة أو برى لھم قلماً أو ناولھم<br />
قرطاساً دخل في ذلك.<br />
* قال الشیخ حمد بن عتیق: فتوعد سبحانھ بمسیس النار من ركن إلى<br />
أعدائھ ولو بلین الكلام.<br />
* وقال الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن -وھو من أئمة الدعوة<br />
النجدیة السلفیة أیضاً- بعد أن ذكر بعض أقوال المفسرین السابقة في معنى<br />
الركون: وذلك لأن ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله بھ على اختلاف<br />
رتبھ، فكیف إذا انضاف إلیھ ما ھو أفحش، من الاستھزاء بآیات الله وعزل<br />
أحكامھ وأوامره وتسمیة ما ضاده وخالفھ بالعدالة، والله یعلم ورسولھ<br />
والمؤمنون أنھا الكفر والجھل والضلالة، ومن لھ أدنى أنفة وفي قلبھ<br />
نصیب من الحیاة یغار ورسولھ وكتابھ ودینھ ویشتد إنكاره وبراءتھ في<br />
كل محفل، وكل مجلس، وھذا من الجھاد الذي لا یحصل جھاد العدو إلا بھ،<br />
فاغتنم إظھار دین الله والمذاكرة بھ وذم ما خالفھ والبراءة منھ ومن أھلھ،<br />
وتأمل الوسائل المفضیة إلى ھذه المفسدة الكبرى وتأمل نصوص الشارع<br />
في قطع الوسائل والذرائع، وأكثر الناس ولو تبرأ من ھذا ومن أھلھ، فھو<br />
جند لمن تولاھم وأنس بھم وأقام بحماھم والله المستعان) اھ من الدرر،<br />
جزء الجھاد ص161. فللھ دره كأنّھ یتكلم عن زماننا.<br />
* یقول الشیخ محمد بن عبد الوھاب: (فا الله یا إخواني تمسكوا<br />
بأصل دینكم، وأوّ لھ وأُسّھ ورأسھ، شھادة أن لا إلھ إلا الله، واعرفوا معناھا<br />
وأحبوھا، وأحبوا أھلھا، واجعلوھم إخوانكم، ولو كانوا بعیدین منكم نسباً<br />
واكفروا بالطواغیت وعادوھم وأبغضوھم، وأبغضوا من أحبھم. أو جادل<br />
عنھم أو لم یكفرھم، أو قال ما عليّ منھم، أو قال ما كلفني الله بھم، فقد كذب<br />
ھذا على الله وافترى إثماً مبیناً، فقد كلّف الله كل مسلم ببغض الكفار،<br />
وافترض علیھ عداوتھم، وتكفیرھم والبراءة منھم، ولو كانوا آبائھم أو<br />
أبنائھم أو إخوانھم، فا الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون بھ<br />
شیئاً) أھ. من مجموعة التوحید.<br />
*تنبیھ: واعلم بعد ذلك كلھ، أن لا تنافي بین القیام ب<strong>ملة</strong> إبراھیم والأخذ<br />
بأسباب السریة والكتمان في العمل الجاد لنصرة الدین.. وكلامنا ھذا كلھ لا<br />
یرد ھذا السبب العظیم الذي كان یأخذ بھ النبي صلى الله علیھ وسلم والأدلة<br />
علیھ من سیرتھ أكثر من أن تحصى.. ولكن الذي یقال: إن ھذه السریة یجب<br />
أن توضع في مكانھا الحقیقي.. وھي سریة التخطیط والإعداد، اما <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم والكفر بالطواغیت ومناھجھم وآلھتھم الباطلة فھذه لا تدخل في<br />
السریة بل من علنیة الدعوة فینبغي إعلانھا منذ أول الطریق كما بینا سابقاً،<br />
وعلى ذلك یُحمل قول النبي صلى الله علیھ وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي<br />
ظاھرین على الحق).. الحدیث. رواه مسلم وغیره.. أما إخفاؤھا وكتمھا<br />
(27)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
مداھنة للطواغیت، وتغلغلاً في صفوفھم وارتقاء في مناصبھم.. فلیس من<br />
ھدي نبینا محمد ε.. بل ھو من ھدي وسریة أصحاب التنظیمات الأرضیة<br />
الذین یجب أن یقال لھم أیضاً: {لكم دینكم ولي دین}.. وخلاصة الأمر أنھا:<br />
سریة في الإعداد والتخطیط علنیة في الدعوة والتبلیغ.<br />
* وإنما قلنا ذلك لأن كثیراً من الناس سواء من المرجفین أو ممن لم<br />
یفھموا دعوة الأنبیاء حق الفھم، یقولون عن جھل منھم إن ھذه الطریق التي<br />
تدعون إلیھا تكشفنا وتفضح تخطیطاتنا وتعجّل بالقضاء على الدعوة<br />
وثمراتھا..<br />
فیقال لھم أولاً: إن ھذه الثمرات المزعومة لن تینع ولن یبدو صلاحھا<br />
حتى یكون الغراس على منھاج النبوة، وواقع ھذه الدعوات العصریة أكبر<br />
دلیل وشاھد على ذلك بعد الأدلة الشرعیة المتقدمة من ملّة إبراھیم <strong>ودعوة</strong><br />
الأنبیاء والمرسلین صلوات الله وسلامھ علیھم أجمعین.. حیث إن ما نعانیھ<br />
الیوم من جھل أبناء المسلمین والتباس الحق علیھم بالباطل، وعدم وضوح<br />
مواقف الولاء والبراء، إنما ھو من سكوت وكتمان العلماء والدعاة لھذا<br />
الحق ولو أنھم صرحوا وصدعوا بھ وابتلوا كما ھو حال الأنبیاء لظھر<br />
وبان للناس جمیعاً، ولتمحص وتمیز بذلك أھل الحق من أھل الباطل<br />
ولبلغت رسالات الله ولزال التلبیس الحاصل على الناس خاصة في الأمور<br />
المھمة والخطیرة في ھذا الزمان، وكما قیل: (إذا تكلم العالم تقیة والجاھل<br />
بجھلھ فمتى یظھر الحق). وإذا لم یظھر دین الله وتوحیده العملي<br />
والاعتقادي للناس.. فأي ثمار تلك التي ینتظرھا ویرجوھا ھؤلاء الدعاة.؟<br />
أھي (الدولة الإسلامیة)؟ إن إظھار توحید الله الحق للناس وإخراجھم<br />
من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحید ھي الغایة العظمى والمقصود الأھم<br />
وإن نكّل بالدعوات وإن ابتلي الدعاة..<br />
وھل یظھر الدین إلا بالمدافعة والبلاء: {ولولا دفع الله الناس بعضھم<br />
ببعض لفسدت الأرض} [البقرة: 251]، فبذلك یكون إعلاء دین الله وإنقاذ<br />
الناس وإخراجھم من الشرك باختلاف صوره، وھذه ھي الغایة التي یكون<br />
من أجلھا البلاء وتنحر على عتباتھا التضحیات.. وما الدولة الإسلامیة<br />
أصلاً إلا وسیلة من وسائل ھذه الغایة العظمى.. وفي قصة أصحاب<br />
الأخدود عبرة لأولي الألباب فإن ذلك الغلام الداعیة الصادق ما أقام دولة<br />
ولا صولة ولكنّھ أظھر توحید الله أیما إظھار، ونصر الدین الحق نصراً<br />
مؤزراً ونال الشھادة، وما قیمة الحیاة بعد ذلك، وما وزن القتل والحرق<br />
والتعذیب إذا فاز الداعیة بالفوز الأكبر.. كانت الدولة أم لم تكن.. وإن حُرّ<br />
المؤمنین وإن خُد َّت لھم الأخادید فإنھم منتصرون لأن كلمة الله ھي الظاھرة<br />
والعلیا.. أضف إلى ذلك أن الشھادة طریقھم والجنة نزلھم.. فأنعم بذلك<br />
أنعم..<br />
ِ ق<br />
(28)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* وبھذا تعلم أن قول أولئك الجھّال: (إن ھذه الطریق تقضي على<br />
الدعوة وتعجل ببوار ثمراتھا) جھل وإرجاف، لأن ھذه الدعوة ھي دین الله<br />
الذي وعد الله عز وجل بأن یظھره على الدین كلھ ولو كره المشركون،<br />
وذلك كائن لا ریب فیھ، ونصرة دین الله وإعلاؤه لیست متعلقة بأشخاص<br />
ھؤلاء المرجفین، تذھب بذھابھم أو تھلك بھلاكھم أو تولیھم.. قال تعالى:<br />
{وإن تتولوا یستبدل قوماً غیركم ثم لا یكونوا أمثالكم} [محمد:<br />
{یا أیھا الذین آمنوا من یرتد منكم عن دینھ فسوف یأتي الله بقوم<br />
یحبھم ویحبونھ أذلة على المؤمنین أعزة على الكافرین یجاھدون في<br />
سبیل الله ولا یخافون لومة لائم ذلك فضل الله یؤتیھ من یشاء والله واسع<br />
علیم} [المائدة: 54]، وقال سبحانھ: {ومن یتول فإن الله ھو الغني الحمید}<br />
[الحدید: 24]، وھا ھي دعوات الرسل والأنبیاء وأتباعھم خیر شاھد في<br />
شعاب الزمان.. وقد كانوا أشد الناس بلاءً وامتحاناً وما أثّر ذلك البلاء في<br />
نور دعواتھم، بل ما زادھا إلا ظھوراً واشتھاراً وتغلغلاً في قلوب الناس<br />
وبین صفوفھم، وھا ھي إلى الیوم ما زالت نوراً یھتدي بھ السائرون في<br />
طریق الدعوة إلى الله، وھذا ھو الحق الذي لا مریة فیھ.<br />
.[ 38<br />
وقال:<br />
* ثم ومع ذلك كلّھ فلا بد من معرفة قضیة أخیرة ھنا.. وھي أن ھذا<br />
الصدع بإظھار العداوة والبراءة من الكفّار المعاندین وإبداء الكفر<br />
بمعبوداتھم وباطلھم المتنوع في كل زمان، وإن كان ھو الأصل في حال<br />
الداعیة المسلم.. وھو صفة الأنبیاء وطریق دعوتھم المستقیم الواضح.. ولن<br />
تفلح ھذه الدعوات ولن یصلح مرادھا وحالھا ولن یظھر دین الله ولن یعرف<br />
الناس الحق إلا بالتزام ذلك واتباعھ، مع ذلك یقال بأنّھ إذا صدعت بھ طائفة<br />
من أھل الحق سقط عن الآخرین والمستضعفین منھم من باب أولى، وذلكم<br />
الصدع بھ، أما ھو بحد ذاتھ فإنّھ واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان<br />
لأنّھ كما أسلفنا من لا إلھ إلا الله التي لا یصح إسلام امرىء إلا بھا، أما أن<br />
یھمل ویلغى الصدع بھ كلیة من حساب الدعوات مع أنّھ أصل أصیل في<br />
دعوات الأنبیاء، فأمر غریب محدث لیس من دین الإسلام في شيء، بل<br />
دخل على ھؤلاء الدعاة الذین یدعون بغیر ھدي النبي صلى الله علیھ وسلم<br />
بتقلیدھم ومحاكاتھم للأحزاب الأرضیة وطرائقھا التي تدین بالتقیة في كل<br />
أحوالھا ولا تبالي بالمداھنة أو تتحرج من النفاق..<br />
* واستثناؤنا<br />
ھذا غیر نابع من الھوى والتكتیكات العقلیة بل من<br />
النصوص الشرعیة النقلیة الكثیرة.. والمتأمل لسیرة النبي صلى الله علیھ<br />
وسلم في عھد الاستضعاف یتجلى لھ ذلك واضحاً.. وانظر على سبیل<br />
المثال لا الحصر.. قصة إسلام عمرو بن عبسة السلمي في صحیح مسلم<br />
ومحل الشاھد منھا قولھ، قلت: (إني متبعك). قال: (إنك لا تستطیع ذلك<br />
یومك ھذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أھلك فإذا سمعت بي<br />
قد ظھرت فأتني.. الحدیث) قال النووي: (معناه قلت لھ إني متبعك على<br />
إظھار الإسلام ھنا وإقامتي معك. فقال: لا تستطیع ذلك لضعف شوكة<br />
المسلمین ونخاف علیك من أذى كفار قریش ولكن قد حصل أجرك فابق<br />
على إسلامك وارجع إلى قومك واستمر على الإسلام في موضعك حتى<br />
(29)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ε<br />
تعلمني ظھرت فأتني...) أھ. فھذا واحد قد أذن لھ النبي صلى الله علیھ<br />
وسلم في عدم إعلان وإظھار الدین.. لأن دین الله <strong>ودعوة</strong> النبي صلى الله<br />
علیھ وسلم كانت مشتھرة معروفة ظاھرة في ذلك الوقت ویدلك على ذلك<br />
قولھ صلى الله علیھ وسلم في الحدیث نفسھ: (ألا ترى حالي وحال الناس).<br />
وقصة إسلام أبي ذر في البخاري أیضاً، ومحل الشاھد منھا قولھ<br />
صلى الله علیھ وسلم لھ: (یا أبا ذر أكتم ھذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا<br />
بلغك ظھورنا فأقبل...) الحدیث ومع ھذا فقد صدع بھ أبو ذر بین ظھراني<br />
الكفّار متابعة منھ لھدي النبي صلى الله علیھ وسلم وطریقتھ في ذلك، ومع<br />
أنھم ضربوه لیموت كما جاء في الحدیث، ومع تكراره لذلك الصدع، فإن<br />
النبي صلى الله علیھ وسلم لم ینكر علیھ فعلھ ذلك، ولا خذّلھ ولا قال لھ كما<br />
یقول دعاة زماننا إنّك بفعلك ھذا ستبلبل الدعوة وستثیر فتنة، وتضر<br />
مصلحة الدعوة أو أخرت الدعوة مائة سنة.. حاشاه من أن یقول مثل ذلك..<br />
فھو قدوة الناس كافة وأسوتھم إلى یوم القیامة في ھذا الطریق.. فاستخفاء<br />
بعض المستضعفین من اتباع الدعوة شيء وظھور الدین وإعلانھ شيء<br />
آخر، <strong>ودعوة</strong> النبي صلى الله علیھ وسلم كانت ظاھرة معروفة مشتھرة،<br />
والكل یعرف أن أصلھا وقطب رحاھا الكفر بطواغیت ذلك الزمان وتوحید<br />
العبادة بكل أنواعھا عز وجل.. حتى أنّھ لیحذر منھا وتحارب بشتى<br />
الوسائل.. وما احتاج أتباعھ المستضعفین أصلاً للاستخفاء والھجرة وما<br />
حصل لھم من الأذى والاستضعاف ما حصل إلا بسبب وضوح الدعوة<br />
واشتھار أصلھا، ولو كان عندھم من المداھنة قلیلاً مما عند أھل زماننا لما<br />
حصل لھم ذلك كلھ.<br />
* وبمعرفتك لھذه النكتة تتضح لك فائدة أخرى مھمة: وھي جواز<br />
مخادعة الكفّار وتخفي بعض المسلمین بین صفوفھم أثناء المواجھة والقتال<br />
إذا ما كان الدین ظاھراً وأصل الدعوة مشتھراً.. ففي ھذه الأحوال یصح<br />
الاستشھاد بحادثة قتل كعب بن الأشرف وأمثالھا.. أما أن یضیع كثیر من<br />
الدعاة أعمارھم في جیوش الطواغیت موالین مداھنین یحیون ویموتون<br />
وھم في خدمتھم وخدمة مؤسساتھم الخبیثة بحجة الدعوة ونصر الدین..<br />
فیلبسوا على الناس دینھم ویقبروا التوحید.. فھذه السبل في المغرب <strong>ودعوة</strong><br />
النبي وھدیھ عنھا في أقاصي المشرق.<br />
سارت مشرقةً وسرت مغرّ باً<br />
شتّان بین ِ مشرّ قٍ ِ ومغرّ<br />
ِب<br />
ف<strong>ملة</strong> إبراھیم إذاً ھي طریق الدعوة الصحیحة.. التي فیھا مفارقة<br />
الأحباب وقطع الرقاب.. أما غیرھا من الطرائق والمناھج الملتویة والسبل<br />
المعوجة المنحرفة تلك التي یرید أصحابھا إقامة دین الله دون أن یستغنوا<br />
عن المراكز والمناصب، ودون أن یغضبوا أصحاب السلطان.. أو یفقدوا<br />
القصور والنسوان والسعادة في الأھل والبیوت والأوطان، فلیست من <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم في شيء. وإن ادعى أصحاب ھذه الدعوات أنھم على منھج السلف<br />
<strong>ودعوة</strong> الأنبیاء والمرسلین.. فوالله لقد رأیناھم.. رأیناھم كیف یبشون في<br />
(30)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وجوه المنافقین والظالمین بل والكفّار المحادین ورسولھ لا لدعوتھم<br />
ورجاء ھدایتھم، بل یجالسونھم مداھنةً وإقراراً لباطلھم ویصفقون لھم<br />
ویقومون لھم إكراماً یبجلونھم ویدعونھم بألقابھم.. نحو: صاحب الجلالة<br />
والملك المعظم والرئیس المؤمن وصاحب السمو بل وإمام المسلمین وأمیر<br />
المؤمنین مع أنھم حرب على الإسلام والمسلمین (10) .. نعم والله لقد رأیناھم<br />
یغدو أحدھم ویروح.. یبیع دینھ بأقل من جناح بعوضة.. یمسي مؤمناً یدرس<br />
ا لتوحید وربما درّ سھ ویصبح یقسم على احترام الدستور بقوانینھ الكفریة،<br />
ویشھد بنزاھة القانون الوضعي.. ویكثر سواد الظالمین ویلقاھم بوجھ<br />
منبسط ولسان عذب.. مع أنّھم یمرون بآیات الله اللیل والنھار تنھاھم عن<br />
الركون للظالمین أو طاعتھم والرضى عن بعض باطلھم.. فھم یقرأون ھذه<br />
الآیات، كقولھ تعالى: {ولا تركنوا إلى الذین ظلموا فتمسكم النار} [ھود:<br />
113]، وقولھ عز وجل: {وقد نزل علیكم في الكتاب أن إذا سمعتم آیات<br />
الله یكفر بھا ویستھزأ بھا فلا تقعدوا معھم حتى یخوضوا في حدیث غیره<br />
إنكم إذاً مثلھم...} الآیة [النساء:<br />
.[140<br />
(10) فائدة مھمة تفضح علماء الحكومات: اعلم عافانا الله وإیاك من تلبیس الملبسین أن<br />
ما یفعلھ كثیر من الجھال وإن لقبوا بالمشایخ وتمسّحوا بالسلفیة من تلقیب كثیر من<br />
طغاة ھذا الزمان بلقب أمیر المؤمنین أو إمام المسلمین.. إنما ینھجون بذلك نھج<br />
الخوارج والمعتزلة في عدم اعتبار شرط القرشیة في الإمام.. راجع في ذلك صحیح<br />
البخاري: كتاب الأحكام (باب: الأمراء من قریش)، وغیره من كتب السنة والفقھ<br />
والأحكام السلطانیة فإنھ أمر معروف لن تجد عناء في مراجعتھ.. ونقل الحافظ ابن<br />
حجر في الفتح عن القاضي عیاض قولھ: اشتراط كون الإمام قرشیاً مذھب العلماء<br />
كافة وقد عدوھا في مسائل الإجماع، ولم ینقل عن أحد من السلف فیھ خلاف وكذلك<br />
من بعدھم في جمیع الأمصار. قال: ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقھم في<br />
المعتزلة" اھ (91/31).<br />
* ثم رأیت الشیخ عبد الله أبا بطین وھو من علماء الدعوة النجدیة یرد على بعض<br />
المعارضین المنكرین لتلقیب الشیخ محمد بن عبد الوھاب وعبد العزیز بن محمد بن<br />
سعود بلقب الإمام وھما غیر قرشیین.. یقول: (ومحمد بن عبد الوھاب رحمھ الله ما<br />
ادعى إمامة الأمة، وإنما ھو عالم دعا إلى الھدى وقاتل علیھ ولم یلقب في حیاتھ بالإمام<br />
ولا عبد العزیز بن محمد بن سعود ما كان أحد في حیاتھ منھم یسمى إماماً، وإنما حدث<br />
تسمیة من تولى إماماً بعد موتھما) أھ. انظر الدرر جزء الجھاد ص240، فانظر إلى<br />
ھذا العالم الرباني كیف یتبرأ من ذلك وینكره رغم أن المذكورین كانا من دعاة الھدى،<br />
ولا یكابر مكابرة كثیر من مشایخ الحكومات في ھذا الزمان الذین یصرون على تسمیة<br />
طواغیتھم بالإمام وأمیر المؤمنین.. فبشراھم بأنھم على نھج الخوارج سائرون.. ذلك<br />
الوصف الذي طالما رموا بھ طلبة العلم ودعاة الحق الذین ینابذون طواغیتھم..<br />
أولى لیدفع عنھ فعل الجاني<br />
ورموھمُ بغیاً بما الرامي بھ<br />
یرمي البريء بما جناه مباھتاً ولذاك عند الغرّ یشتبھان<br />
وھذا كلھ بالنسبة لشرط القرشیة، فكیف إذا انضم إلى ذلك انعدام العدالة والعلم<br />
والحكمة وغیر ذلك من شروط الإمامة؟ وكیف إذا عُدم الإسلام والإیمان؟ كیف، كیف؟<br />
(31)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* یقول الشیخ سلیمان بن عبد الله بن الشیخ محمد بن عبد الوھاب في<br />
معنى قولھ تبارك وتعالى: {إنكم إذاً مثلھم}، (الآیة على ظاھرھا وھو أن<br />
الرجل إذا سمع آیات الله یكفر بھا ویستھزأ بھا فجلس عند الكافرین<br />
المستھزئین من غیر إكراه ولا إنكار ولا قیام عنھم حتى یخوضوا في<br />
حدیث غیره فھو كافر مثلھم وإن لم یفعل فعلھم..) اھ من الدرر جزء<br />
الجھاد ص79.<br />
وقولھ عز وجل: {وإذا رأیت الذین یخوضون في آیاتنا فأعرض<br />
عنھم حتى یخوضوا في حدیث غیره} [الأنعام:<br />
.[68<br />
* قال الحسن البصري: لا یجوز لھ القعود معھم خاضوا أو لم<br />
یخوضوا لقولھ تعالى: {وإمّا ینسینك الشیطان فلا تقعد بعد الذكرى مع<br />
القوم الظالمین} [الأنعام: 68]، وكذا قولھ تعالى: {ولولا أن ثبّتناك لقد<br />
كدت تركن إلیھم شیئاً قلیلاً إذاً لأذقناك ضعف الحیاة وضعف الممات ثم لا<br />
تجد لك علینا نصیراً} [الإسراء:<br />
.[74<br />
* یقول الشیخ سلیمان بن عبد الله: (فإذا كان ھذا الخطاب لأشرف<br />
مخلوق صلوات الله وسلامھ علیھ فكیف بغیره) اھ. من الدرر جزء الجھاد<br />
ص47.<br />
ویقرأون قولھ تعالى واصفاً المؤمنین: {والذین ھم عن اللغو<br />
معرضون} [المؤمنون: {والذین لا یشھدون الزور وإذا مرّوا<br />
باللغو مَر ُّوا كِراماً} [الفرقان:<br />
3]، وقولھ:<br />
.[72<br />
ویزعمون أنھم على منھج السلف، والسلف كانوا یفرون من أبواب<br />
السلاطین ومناصبھم في عھد أرباب الشریعة والھدى لا في عھود الجور<br />
والظلمات.. ووالله ما وضع السیف على رقابھم ولا علقوا من أرجلھم وما<br />
أجبروا على ذلك.. بل فعلوه مختارین ومنحوا علیھ الأموال الطائلة..<br />
والحصانات الدبلوماسیة.. فنعوذ با من ھوى النفوس وطمس البصائر..<br />
ولیتھم أعلنوھا وقالوا: فعلناھا حرصاً على الدنیا.. بل یقولون مصلحة<br />
الدعوة ونصر الدین.. فعلى من تضحكون یا مساكین.. أعلینا نحن<br />
الضعفاء؟؟ فإننا وأمثالنا لا نملك لكم ضراً ولا نفعاً... أم على جبار<br />
السموات والأرضین، الذي لا تخفى علیھ خافیة، ویعلم سركم ونجواكم..<br />
ولقد سمعناھم یرمون من خالفھم أو انكر علیھم ذلك، بضحالة الفكر<br />
وقلة الخبرة وأنھم لیس عندھم حكمة في الدعوة ولا صبر في اقتطاف الثمر<br />
أو بصیرة في الواقع والسنن الكونیة.. وأنھم ینقصھم علم بالسیاسة وعندھم<br />
قصور في التصورات.. وما درى ھؤلاء المساكین.. أنھم لا یرمون بذلك<br />
أشخاصاً محددین، وإنما یرمون بذلك دین جمیع المرسلین و<strong>ملة</strong> إبراھیم..<br />
التي من أھم مھماتھا إبداء البراءة من أعداء الله والكفر بھم وبطرائقھم<br />
المعوجة وإظھار العداوة والبغضاء لمناھجھم الكافرة.. وما دروا أن كلامھم<br />
ذلك یقتضي أن إبراھیم والذین معھ لم یكن عندھم حكمة بالدعوة ولا درایة<br />
(32)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بالواقع.. وأنھم كانوا متطرفین متسرعین.. مع أن الله عز وجل قد زكاھم<br />
وأمرنا بالتأسي بھم.. فقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم والذین<br />
معھ} [الممتحنة: 4]، وقال سبحانھ: {ومن أحسن دیناً ممن أسلم <br />
}[النساء:<br />
وھو محسن واتبع <strong>ملة</strong> إبراھیم حنیفاً واتخذ الله إبراھیم خلیلاًوجھھ<br />
125]، ونزه سبحانھ إبراھیم من السفھ فوصفھ بالرشد فقال: {ولقد آتینا<br />
إبراھیم رشده من قبل وكنا بھ عالمین} [الأنبیاء: 51]، ثم ذكر دعوتھ، بل<br />
بیّن سبحانھ كما قدمنا أن <strong>ملة</strong> إبراھیم لا یرغب عنھا إلا السفیھ.. وأنى<br />
للسفیھ حكمة الدعوة ووضوح التصورات وصحة المنھج واستقامة الطریق<br />
المزعومة..؟؟<br />
(33)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
فصل<br />
واعلم ثبّتنا الله وإیّاك على صراطھ المستقیم أن ھذه البراءة والعداوة<br />
التي تقتضي <strong>ملة</strong> إبراھیم إعلانھا وإبداءھا لأھل الكفر ومعبوداتھم، تكلف<br />
الكثیر الكثیر..<br />
فلا یظن ظان أن ھذه الطریق مفروشة بالورد والریاحین أو محفوفة<br />
بالراحة والدعة، بل ھي والله محفوفة بالمكاره والابتلاءات.. ولكن ختامھا<br />
مسك وروح وریحان ورب غیر غضبان.. ونحن لا نتمنى البلاء لأنفسنا<br />
ولا للمسلمین، ولكن البلاء ھو سنة الله عز وجل في ھذه الطریق، لیمیز بھ<br />
الخبیث من الطیب، فھي الطریق التي لا ترضي أصحاب الھوى والسلطان<br />
لأنھا مصادمة صریحة لواقعھم، وبراءة واضحة من معبوداتھم<br />
وشركیاتھم.. أما غیر ھذه الطریق، فإنك تجد أصحابھا في الغالب مترفین<br />
وللدنیا راكنین، لا یبدو علیھم أثر البلاء، لأن المرء إنما یبتلى على قدر<br />
دینھ، فأشد الناس بلاء الأنبیاء ثم الأمثل فالأمثل.. وأتباع <strong>ملة</strong> إبراھیم من<br />
أشد الناس بلاء لأنھم یتبعون منھج الأنبیاء في الدعوة إلى الله.. كما قال<br />
ورقة بن نوفل للنبي صلى الله علیھ وسلم: (لم یأت رجل قط بمثل ما جئت<br />
بھ إلا عودي..) رواه البخاري.. فإن رأیت في زماننا من یزعم أنھ یدعو<br />
لمثل ما كان یدعو إلیھ النبي صلى الله علیھ وسلم وبمثل طریقتھ، ویدعي<br />
أنھ على منھجھ، ولا یعادى من أھل الباطل والسلطان، بل ھو مطمئن<br />
مرتاح بین ظھرانیھم.. فانظر في حالھ.. إما أن یكون ضالاً عن الطریق..<br />
لم یأت بمثل ما جاء بھ النبي صلى الله علیھ وسلم واتخذ سبلاً معوجة.. أو<br />
یكون كاذباً في دعواه یتزیا بما لیس ھو أھلاً أن یتزیّا بھ، إما لھوى مطاع<br />
وإعجاب كل ذي رأي برأیھ.. أو لدنیا یصیبھا كأن یكون جاسوساً وعیناً<br />
لأصحاب السلطان على أھل الدین.. وھذا الذي قالھ ورقة للنبي صلى الله<br />
علیھ وسلم ھو الذي كان مقرراً في نفوس الصحابة عندما بایعوا النبي<br />
صلى الله علیھ وسلم ، حیث وقف أسعد بن زرارة یذكرھم ویقول: (رویداً یا<br />
أھل یثرب، إن إخراجھ الیوم مفارقة للعرب كافة، أو قتل خیاركم وأن<br />
تعضكم السیوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على<br />
الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خیفة فذروه، فبینوا ذلك فھو أعذر لكم<br />
عند الله) رواه الإمام أحمد والبیھقي.<br />
فتأمل ھذا جیداً فإننا في أمس الحاجة إلیھ في ھذه الأیام التي تلبس<br />
فیھا كل من ھبّ ودبّ بلباس الدعوة والدعاة.. فارجع إلى نفسك وزنھا،<br />
واعرض علیھا ھذا الطریق وحاسبھا على تقصیرھا في ذلك، فإما أن تكون<br />
من قوم یصبرون على ذلك فخذھا بحقھا واسأل الله عز وجل أن یثبتك على<br />
ما یعقبھا من بلاء.. أو إنك من قوم یخافون من أنفسھم خیفة ولا ترى من<br />
نفسك القدرة على القیام والصدع بھذه ال<strong>ملة</strong> فذر عنك التزیي بزي الدعاة<br />
وأغلق علیك بیتك وأقبل على خاصة أمرك ودع عنك أمر العامة.. أو<br />
اعتزل في شعب من الشعاب بغنیمات لك.. فإنھ والله كما قال أسعد بن<br />
زرارة أعذر لك عند الله، نعم إن ذلك أعذر لك عند الله من أن تضحك على<br />
(34)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
نفسك وعلى الناس إذ لا تقوى على القیام ب<strong>ملة</strong> إبراھیم فتتصدر للدعوة<br />
بطرق معوجة وتھتدي بغیر ھدي النبي صلى الله علیھ وسلم مجاملاً مداھناً<br />
للطواغیت كاتماً غیر مظھر للعداوة لھم، ولا لباطلھم.. فوالله ثم والله، إن<br />
الذي یعتزل في شعب من الشعاب بغنیمات لھو خیر وأھدى سبیلاً منك<br />
ساعتئذ.. وصدق من قال:<br />
الصمت أفضل من كلام مداھن<br />
عرف الحقیقة ثم حاد إلى الذي<br />
نجس السریرة طیب الكلمات<br />
یرضي ویعجب كل طاغ عات<br />
لا تعجبوا یا قوم ممن أخصبوافي ھذه الأیام بالكلمات<br />
وعلوا المنابر والصحائف سودوا<br />
والله ما قالوا الحقیقة والھدى<br />
أنى یشیر إلى الحقیقة راغب<br />
أو طالباً للجاه في عصریة<br />
فنصیحتي یا قوم ألا تطمعوا<br />
عیشوا لدین الله لا لحضارة<br />
وتقدموا في سائر الحفلات<br />
كلا ولا كشفوا عن الھلكات<br />
في وصل أھل الظلم والشھوات<br />
التقدیر للمشھور بالنزوات<br />
في عصرنا بتوفر الرغبات<br />
محفوفة بالریب والشبھات<br />
ولقد رأیناھم كثیراً یسخرون ممن تبینت لھم انحرافاتھم وسبلھم<br />
المعوجة، فاعرضوا عنھم وعن دعواتھم تلك التي على غیر منھاج النبوة..<br />
رأیناھم یسخرون منھم لاعتزالھم.. ویلمزونھم بالقعود والركون إلى الدنیا<br />
والتقصیر في الدعوة إلى الله... وإذا كان الأمر كذلك، فأیة دعوة ھذه التي<br />
قصر فیھا ھؤلاء؟ دعوتكم ھذه التي تلجون بھا الجیش والشرطة، ومجالس<br />
الأمة والبرلمانات الشركیة وغیر ذلك من الوظائف التي تكثر سواد<br />
الظالمین، أم تلك التي تدخلون بھا مجالس الفاحشة من الجامعات المختلطة<br />
والمعاھد والمدارس الفاسدة وغیرھا بحجة مصلحة الدعوة فلا تظھرون<br />
دینكم الحق وتدعون فیھا بغیر ھدي النبي صلى الله علیھ وسلم... أم أنھم<br />
قصروا في الدعوة الحقّة التي قصر فیھا الفریقان وھي (<strong>ملة</strong> إبراھیم)،<br />
ویحتجون بقول النبي صلى الله علیھ وسلم فیما رواه الإمام أحمد والترمذي<br />
وغیرھما: "المؤمن الذي یخالط الناس ویصبر على أذاھم أفضل من<br />
المؤمن الذي لا یخالط الناس ولا یصبر على أذاھم" ونحن نقول إن ھذا<br />
الحدیث في الشرق وأنتم عنھ في الغرب، حیث إن المخالطة یجب أن تكون<br />
على ھدي النبي صلى الله علیھ وسلم ولیس تبعاً لآرائكم وأھوائكم وأسالیب<br />
دعوتكم البدعیة.. فإن كانت كذلك أي على ھدیھ صلى الله علیھ وسلم حصل<br />
الأذى والأجر معاً.. وإلا فأي أجر ھذا الذي ینتظره من لا یدعو بھدي النبي<br />
صلى الله علیھ وسلم وقد أھمل شرطاً عظیماً من شروط قبول العمل وھو<br />
(35)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
...(<br />
...<br />
(الاتباع)، وأي أذى ذلك الذي سیلاقیھ من لا یظھر العداوة لأھل الفسق<br />
والفجور والعصیان، ولا یعلن البراءة من شركیاتھم وطرائقھم المعوجة..<br />
بل یجالسھم ویقر باطلھم ویبش في وجوھھم، ولا یتمعر أو یغضب <br />
طرفة عین إذا انتھكوا حرمات الله، بحجة اللین والحكمة والموعظة<br />
الحسنة، وعدم تنفیر الناس عن الدین، ومصلحة الدعوة وغیر ذلك، ویھدم<br />
الدین عروة عروة بمعاول لینھم وحكمتھم البدعیة.<br />
یقول الشیخ عبد اللطیف بن عبد الرحمن في رسالة لھ في الدرر<br />
السنیة وھو یتكلم عن الصدع بالدین والأمر بالمعروف والنھي عن المنكر:<br />
(وترك ذلك على سبیل المداھنة والمعاشرة ونحو ذلك مما یفعلھ بعض<br />
الجاھلین أعظم ضرراً وأكبر إثماً من تركھ لمجرد الجھالة فإن ھذا الصنف<br />
رأوا أن نیل المعیشة لا یحصل إلا بذلك فخالفوا الرسل وأتباعھم وخرجوا<br />
عن سبیلھم ومنھاجھم، لأنھم یرون العقل إرضاء الناس على طبقاتھم<br />
ویسالمونھم ویستجلبون مودتھم ومحبتھم، وھذا مع أنھ لا سبیل إلیھ فھو<br />
إیثار للحظوظ النفسانیة والدعة ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله<br />
وتحمل الأذى في ذاتھ وھذا في الحقیقة ھو الھلكة في الآجلة، فما ذاق طعم<br />
الإیمان من لم یوال في الله ویعاد فیھ، والعقل كل العقل ما أوصل إلى<br />
رضى الله ورسولھ، وھذا إنما یحصل بمراغمة أعداء الله وإیثار مرضاتھ،<br />
والغضب إذا انتھكت محارمھ. والغضب ینشأ من حیاة القلب وغیرتھ<br />
وتعظیمھ وإذا عدم الحیاة والغیرة والتعظیم وعدم الغضب والاشمئزاز،<br />
وسوى بین الخبیث والطیب في معاملتھ وموالاتھ ومعاداتھ فأي خیر یبقى<br />
في قلب ھذا...) اھ. من جزء الجھاد ص35.<br />
وتجد بعضھم یضحكون على أتباعھم من الشباب ویحاربون العزلة<br />
على الإطلاق ویردّون النصوص الثابتة في ذلك.. ویتغنّون بشعر ابن<br />
المبارك رحمھ الله تعالى حین أرسل إلى الفضیل یقول:<br />
یا عابد الحرمین لو أبصرتنا<br />
من كان یخضب جیده بدموعھ<br />
إلى آخر الأبیات.<br />
لعلمت أنّك بالعبادة تلعب<br />
فنحورنا بدمائنا تتخضب<br />
ولو أبصرھم عابد الحرمین وأبصر دعواتھم ھذه المعوجة فلعلھ<br />
یقول: (الحمد الذي عافاني مما ابتلاكم بھ وفضلني على كثیر ممن خلق<br />
تفضیلاً<br />
وأنا أقول: شتان بین دعواتكم وطرائقكم ھذه وبین جھاد ابن المبارك<br />
وأولئك الصالحین، حتى تنافسوا بھا عبادة الصالحین.. بل وربما لو أبصر<br />
ابن المبارك دعواتھم ھذه لأرسل للفضیل یقول:<br />
یا عابد الحرمین لو أبصرتھم<br />
لحمدت أنك بالعبادة غائب<br />
(36)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
من كان لا یدعو بھدي نبیھ<br />
فھو الجھول بدینھ یتلاعب<br />
(37)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
فصل<br />
نعم.. إن <strong>ملة</strong> إبراھیم تكلف الكثیر.. ولكن بھا یتعلق نصر الله والفوز<br />
الكبیر.. وبھا یتمیز الناس إلى فریقین.. فریق إیمان، وفریق كفر وفسوق<br />
وعصیان.. وبھا یتضح أولیاء الرحمن من أولیاء الشیطان.. وھكذا كانت<br />
دعوة الأنبیاء والمرسلین.. لم تكن عندھم ھذه الأوضاع المرضیة التي<br />
نعیشھا الیوم من اختلاط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، ومداھنة<br />
ومجالسة أھل اللحى لأھل الفسق والفجور وإكرامھم وتقدیرھم وتقدیمھم<br />
على أھل التقى والصلاح.. رغم إظھار أولئك بغض الدین وعداوتھ بصور<br />
شتى وتربصھم بأھلھ الدوائر.. بل كانت دعواتھم براءة واضحة من أقوامھم<br />
المعرضین عن شرع الله، وعداوة ظاھرة لمعبوداتھم الباطلة، لا التقاء في<br />
وسط الطریق ولا مداھنة ولا مجا<strong>ملة</strong> في تبلیغ شرع الله...<br />
* واستمع إلى نوح في عمق الزمان، وھو یخاطب قومھ وحیداً لا<br />
یخشى سلطانھم ولا طغیانھم.. یقول: {یا قوم إن كان كبر علیكم مقامي<br />
وتذكیري بآیات الله فعلى الله توكلت، فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا یكن<br />
أمركم علیكم غمة ثم أقضوا إلي ولا تنظرون} [یونس:<br />
.[71<br />
وھل یقول مثل ذلك رجل مداھن لقومھ... إنھ كما یقول سید قطب<br />
رحمھ الله: (التحدي الصریح المثیر، الذي لا یقولھ القائل إلا وھو مالىء<br />
یدیھ من قوتھ، واثق كل الوثوق من عدتھ، حتى لیُغري خصومھ بنفسھ،<br />
ویحرضھم بمثیرات القول على أن یھاجموه، فماذا كان وراء نوح من القوة<br />
والعدة؟...) اھ. كان معھ الله، وكفى با ھادیاً ونصیرا... وقد أمر الله تعالى<br />
نبیھ محمداً صلى الله علیھ وسلم في مطلع ھذه الآیات أن یتلو ذلك على<br />
قومھ، فقال: {واتل علیھم نبأ نوح إذ قال لقومھ...} [یونس:<br />
.[71<br />
* وانظر إلى ھود صلى الله علیھ وسلم وھو یواجھ قومھ الذین كانوا<br />
أشد الناس قوة وأعتاھم بطشاً، یواجھھم وحده.. ولكن بثبات كثبات الجبال<br />
أو أشد.. استمع إلیھ وھو یعلن براءتھ واضحة جلیة من شركیاتھم ویسمعھم<br />
كلماتھ الخالدة: {إني أشھد الله واشھدوا أني بريء مما تشركون، من<br />
دونھ، فكیدون جمیعاً ثم لا تنظرون} [ھود: 55]. یقول لھم ذلك وھو رجل<br />
واحد... كیدوني بعددكم وجیشكم وآلھتكم الباطلة.. {إني توكلت على الله<br />
ربي وربكم ما من دابة إلا ھو آخذ بناصیتھا إن ربي على صراط مستقیم}<br />
[ھود: 56].<br />
وإلى الذین یتشدقون بكثیر من كلام سید رحمھ الله تعالى، في الوقت<br />
الذي یحرصون بل یتسابقون فیھ على استجداء الطواغیت المعرضین عن<br />
شرع الله من أجل أن یحكموا شرع الله في بعض القضایا، أو كي یمنحوھم<br />
إذناً للدعوة إلى الله أو من أجل الحصول على مقاعد في مجالس الشرك<br />
والفسوق والعصیان... إلى ھؤلاء نسوق كلام سید حول ھذه الآیات.. حیث<br />
یقول: (إنھا انتفاضة التبرّ ؤ من القوم وقد كان منھم وكان أخاھم وانتفاضة<br />
(38)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الخوف من البقاء فیھم وقد اتخذوا غیر طریق الله طریقاً.. وانتفاضة<br />
المفاصلة بین حزبین لا یلتقیان.. وھو یشھد الله ربھ على براءتھ من قومھ<br />
الضالین وانعزالھ عنھم وانفصالھ منھم. ویشھدھم ھم أنفسھم على ھذه<br />
البراءة منھم في وجوھھم، كي لا تبقى في أنفسھم شبھة من نفوره وخوفھ<br />
أن یكون منھم!<br />
وإن الإنسان لیدھش لرجل یواجھ ھؤلاء القوم الواثقین بآلھتھم<br />
المفتراة ھذه الثقة، فیسفّھ عقیدتھم ویقرعھم علیھا، ثم یھیج ضراوتھم<br />
بالتحدي، لا یطلب مھلة لیستعد استعدادھم، ولا یدعھم یتریّثون فیفثأ<br />
غضبھم. إن أصحاب الدعوة إلى الله في كل مكان وزمان بحاجة إلى أن<br />
یقفوا طویلاً أمام ھذا (الموقف) الباھر.. رجل واحد، لم یؤمن معھ إلا<br />
القلیل، یواجھ أعتى أھل الأرض وأغنى أھل الأرض وأكثر أھل الأرض<br />
حضارة مادیة في زمانھم.. فھم العتاة الجبارون الذین یبطشون بلا رحمة،<br />
والذین أبطرتھم النعمة، والذین یقیمون المصانع یرجون من ورائھا الامتداد<br />
والخلود... إنھ الإیمان والثقة والاطمئنان.. الإیمان با، والثقة بوعده،<br />
والاطمئنان إلى نصره.. {إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا<br />
ھو آخذ بناصیتھا، إن ربي على صراط مستقیم} [ھود:<br />
الغلاظ الأشداء من قومھ إن ھم إلا دواب من تلك الدواب التي یأخذ ربھ<br />
بناصیتھا ویقھرھا بقوتھ قھراً.. فما خوفھ من ھذه الدواب وما احتفالھ بھا؟<br />
وھي لا تسلط علیھ إن سلطت إلا بإذن ربھ؟ وما بقاؤه فیھا وقد اختلف<br />
طریقھا عن طریقھ؟) أھ مختصراً من الظلال.<br />
56].. وھؤلاء<br />
ھكذا كانت أحوال الرسل صلوات الله وسلامھ علیھم، مع أقوامھم<br />
المعاندین.. وھكذا كانت دعوتھم، صراع دائم مع الباطل، ووضوح في<br />
الدعوة، وإعلان للعداوة والبراءة.. ولم تعرف دعواتھم المداھنة أو الرضى<br />
عن بعض الباطل أو الالتقاء معھ في وسط الطریق.<br />
فمعاداة أھل الحق للباطل وأھلھ ومفارقتھم لھم قضیة قدیمة جداً<br />
افترضھا الله منذ أن أھبط آدم صلى الله علیھ وسلم إلى ھذه الأرض..<br />
وشاءھا الله قدراً وشرعاً لیتمیز أولیاؤه من أعدائھ وحزبھ من حربھ<br />
والخبیث من الطیّب ویتخذ من المؤمنمین شھداء.. فقال جلّ وعلا: {اھبطوا<br />
بعضكم لبعض عدو} [الأعراف: 24]، وعلى ھذا مضت وسارت قافلة<br />
الرسل جمیعاً وھذا ھو دینھم كما عرفت، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل<br />
نبي عدواً شیاطین الإنس والجن} [الأنعام: 112]، وقال سبحانھ: {وكذلك<br />
جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمین} [الفرقان: 31]، فمنھم من قص الله<br />
علینا قصصھم مع أعدائھم ومنھم من لم یقصص... ویؤید ھذا أیضاً حدیث<br />
أبي ھریرة المتفق علیھ أن النبي صلى الله علیھ وسلم قال: والأنبیاء<br />
أولاد علاّت..) والعلة ھي الضرة مأخوذة من العلل وھي الشربة الثانیة بعد<br />
الأولى: وكأن الزوج قد علّ منھا بعد ما كان ناھلاً من الأخرى. وأولاد<br />
العلات أولاد الضرات من رجل واحد.. یؤید أن الأنبیاء أصل دینھم<br />
ودعوتھم وطریقھم واحد وفروعھم مختلفة.<br />
...)<br />
(39)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* وھكذا كان خاتم الأنبیاء والمرسلین صلوات الله وسلامھ علیھ وھو<br />
الذي جاء في وصفھ أنھ "فرق بین الناس" رواه البخاري، وفي روایة:<br />
"فرّ ق بین الناس". فقد استجاب لأمر الله تعالى باتباع <strong>ملة</strong> إبراھیم علیھ<br />
السلام، فما سكت عن الشرك وأھلھ أو داھنھم أو جاملھم أو غیر ذلك.. بل<br />
كان في مكة على قلة اتباعھ. واستضعافھم یعلن براءتھ من الكفار<br />
ومعبوداتھم الباطلة.. ویسفھھا ویقول كما أمره الله تعالى أن یقول متبرءاً<br />
من الشرك ومصرحاً بكفر أھلھ وبراءتھم من دینھ وبراءة دینھ منھم:<br />
{قل یا أیّھا الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد.<br />
ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دینكم ولي دین}<br />
[الكافرون: 6-1]. ویصرح لھم بأنھ ثابت على طریقتھ ھذه بريء ممن<br />
خالفھا وأنھ من المؤمنین الذین ھم أعداء لھم ولدینھم: قل یا أیّھا الناس إن<br />
كنتم في شك من دیني فلا أعبد الذین تدعون من دون الله ولكن أعبد الله<br />
الذي یتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنین [یونس: 104]. ویقول تعالى<br />
مخاطباً لھ: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بریئون مما أعمل<br />
وأنا بريء مما تعملون} ویقول سبحانھ معلماً المؤمنین أن یقولوا: {الله<br />
ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} [الشورى:<br />
}<br />
.[51<br />
{<br />
جاء في الحدیث الصحیح الذي رواه أبو داود وغیره أن رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم قال لأحد أصحابھ: (إقرأ {قل یا أیّھا الكافرون}، ثم نم<br />
على خاتمتھا فإنھا براءة من الشرك). وجاء في "رسالة أسباب نجاة<br />
السؤول من السیف المسلول" ما ملخصھ: "إن كلمة الإخلاص (لا إلھ إلا<br />
الله) قُیّدت بقیود ثقال فإمام الحنفاء صلى الله علیھ وسلم لم یكتف بمجرد<br />
قولھا ولم تتم لھ المحبة والموالاة وھو إمام المحبین إلا بالمعاداة. كما یخبر<br />
تعالى عنھ: {أفرأیتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنھم عدو لي<br />
إلا رب العالمین} [الشعراء: 77]، وھذا ھو معنى قول (لا إلھ إلا الله) كما<br />
قال تعالى: {وإذ قال إبراھیم لأبیھ وقومھ إنني براء مما تعبدون إلا الذي<br />
فطرني فإنھ سیھدین وجعلھا كلمة باقیة في عقبھ لعلھم یرجعون}<br />
[الزخرف: 28]، فأورثھا إمام الحنفاء صلى الله علیھ وسلم لأتباعھ یتوارثھا<br />
الأنبیاء بعضھم عن بعض فلما بعث نبینا محمد صلى الله علیھ وسلم أمره<br />
الله بقولھا كما قالھا أبونا إبراھیم فأنزل الله عز وجل بھا سورة كا<strong>ملة</strong> ھي<br />
سورة الكافرون" اھ. من مجموعة التوحید.<br />
وقد صدع بھا النبي صلى الله علیھ وسلم وأعلنھا وما كتمھا، وتحمل<br />
ھو وأصحابھ ما نالھم من أذى على ذلك وما داھنھم لأجل ذلك، وحاشاه من<br />
أن یداھنھم، وإنما كان یثبت أولئك المؤمنون ویذكرھم بوعد الله تعالى<br />
وجنتھ، وبمواقف أھل الثبات ممن كانوا قبلھم، كقولھ: (صبراً آل یاسر فإن<br />
موعدكم الجنة) رواه الحاكم وغیره.<br />
وقولھ لخباب: (قد كان من قبلكم یؤخذ الرجل فیحفر لھ في الأرض<br />
فیجعل فیھا، ثم یؤتى بالمنشار فیوضع على رأسھ فیجعل نصفین، ویمشط<br />
(40)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بأمشاط الحدید ما دون لحمھ وعظمھ ما یصدّه ذلك عن دینھ، والله لیتمن الله<br />
تعالى ھذا الأمر حتى یسیر الرّ اكب من صنعاء إلى حضرموت فلا یخاف<br />
إلا الله والذئب على غنمھ، ولكنكم تستعجلون) (11) .<br />
یقول لأصحابھ ذلك.. وفي الوقت نفسھ یقول لقریش كما أمره الله<br />
تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم یوحى إلي أنما إلھكم إلھ واحد فاستقیموا<br />
إلیھ واستغفروه وویل للمشركین} [فصلت: 6] والآیات مكیة. ویقول: قل<br />
ادعوا شركاءكم ثم كیدون فلا تنظرون * إن ولي الله الذي نزل الكتا ب<br />
وھو یتولى الصالحین * والذین تدعون من دونھ لا یستطیعون نصرك م<br />
ولا أنفسھم ینصرون} [الأعراف: 197] والآیات مكیة.<br />
}<br />
-195<br />
لذلك كلھ ولأجل أن دعوتھ كانت كذلك فإن الظالمین ما رضوا عنھ<br />
یوماً ما، ولا طابت أنفسھم أو قرت أعینھم بدعوتھ.. بل ثارت ثائرتھم<br />
وقامت قیامتھم.. وكم ساوموه.. ولكنھ وقف شامخاً ینظر إلى باطلھم<br />
وجموعھم التي یكیدونھ بھا، ویترفع مع حرصھ على ھدایتھم عن الالتقاء<br />
معھم على الباطل في منتصف الطریق أو اتباع قلیل من بعض ما یھوونھ<br />
أو یحبونھ من باطلھم.. بل كان یقول لھم بعد ذلك ودائماً كما أمره ربّھ أن<br />
یقول: {قل للذین كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جھنم وبئس المھاد} [آل<br />
12]. عمران:<br />
یقول الشیخ عبد الرحمن بن حسن بعدما ذكر بعض مواقف الصدع<br />
والثبات لأصحاب النبي صلى الله علیھ: "فھذه حال أصحاب رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم وما لقوا من المشركین من شدة الأذى، فأین ھذا من<br />
حال ھؤلاء المفتونین الذین سارعوا إلى الباطل وأوضعوا فیھ وأقبلوا<br />
وأدبروا وتوددوا وداھنوا وركنوا وعظموا ومدحوا؟ فكانوا أشبھ بما قال الله<br />
تعالى: {ولو دخلت علیھم من أقطارھا ثم سئلوا الفتنة لأتوھا وما تلبثوا<br />
بھا إلا یسیراً} [الأحزاب: 14]، نسأل الله تعالى الثبات على الإسلام،<br />
ونعوذ بھ من مضلات الفتن ما ظھر منھا وما بطن، ومن المعلوم أن الذین<br />
أسلموا وآمنوا بالنبي صلى الله علیھ وسلم وبما جاء بھ لولا أنھم تبرؤوا من<br />
الشرك وأھلھ وبادروا المشركین بسب دینھم وعیب آلھتھم لما تصدوا لھم<br />
بأنواع الأذى...) أھ. من الدرر - جزء الجھاد ص(124).<br />
(11) رواه البخاري وغیره، وھكذا كان صلوات الله وسلامھ علیھ، یثبت أصحابھ<br />
ویذكرھم دوماً بأخبار أھل الثبات، حتى إذا ما ابتلي أحدھم في الله بلاء شدیداً، لا<br />
یطیقھ، ووقع فیما وقع فیھ عمار رضي الله عنھ، ذكر لھ عفو الله عن ذلك وترخیصھ<br />
فیھ... لا كأحوال كثیر من دعاة زماننا، یدندنون على أحادیث الرخص والإكراه<br />
والضرورات طوال حیاتھم، وكل أیامھم في غیر مقامھا، ویلجون بحجتھا في كل<br />
باطل، ویكثرون سواد حكومات الكفر والإشراك، دونما إكراه أو اضطرار<br />
حقیقین...فمتى یظھرون الدین؟؟<br />
(41)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* یقول الشیخ حمد بن عتیق عند كلامھ على سورة (البراءة من<br />
الشرك): "فأمر الله رسولھ صلى الله علیھ وسلم أن یقول للكفار: دینكم الذي<br />
أنتم علیھ أنا بريء منھ ودیني الذي أنا علیھ أنتم براء منھ، والمراد<br />
التصریح لھم بأنھم على الكفر، وإنھ بريء منھم ومن دینھم، فعلى من كان<br />
متبعاً للنبي صلى الله علیھ وسلم أن یقول ذلك، ولا یكون مظھراً لدینھ إلا<br />
بذلك، ولھذا لما علم الصحابة بذلك، وآذاھم المشركون، أمرھم "بالھجرة<br />
إلى الحبشة ولو وجد لھم رخصة في السكوت عن المشركین لما أمرھم<br />
بالھجرة إلى بلد الغربة" اھ. من سبیل النجاة والفكاك. ص(67).<br />
وھنا شبھة یرددھا أكثر ما یرددھا من لم یفقھ <strong>ملة</strong> إبراھیم علیھ السلام<br />
ولم یعرف مضمونھا وذلك قول كثیر من الجھال إن <strong>ملة</strong> إبراھیم منسوخة<br />
في حقنا، ویستدلون على ذلك بالأصنام التي كانت حول الكعبة والتي لم<br />
یكسرھا صلى الله علیھ وسلم بزعمھم طوال مكوثھ في مكة عھد<br />
الاستضعاف.. حتى أنني سمعت أحد ھؤلاء وھو من المشایخ المعروفین<br />
وقد ملأت كتبھ الأسواق، سمعتھ في محاضرة مسجلة لھ، یتبجح ویقول ما<br />
مجملھ: (إن الرسول صلى الله علیھ وسلم أول من أعرض عن <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ھذه التي تریدونھا إذ جلس في مكة ثلاث عشرة سنة بین تلك الأصنام لم<br />
یحطمھا...) فنقول لھ ولأمثالھ: إن الذي صدكم عن فھم <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ومعرفتھا ھو انكماش أفھامكم وضیق أفق أذھانكم بحصركم لھا في تكسیر<br />
الأصنام، وظنكم أن <strong>ملة</strong> إبراھیم التي نقصدھا مستوحاة فقط من فعلھ صلى<br />
الله علیھ وسلم حین راغ على أصنام قومھ ضرباً بالیمین، فجعلھم جذاذاً إلا<br />
كبیراً لھم لعلھم إلیھ یرجعون.. ولما لم یثبت عندكم أن رسول الله صلى الله<br />
علیھ وسلم فعل ذلك مع أصنام قومھ.. أمست ھذه ال<strong>ملة</strong> في أنظاركم الضیقة<br />
منسوخة في حقنا كلھا، ولا تتناولنا في شيء من الأشیاء، وبالتالي فلازم<br />
قولكم ھذا أن كل ما جاء من الآیات المتقدمة الذكر في الحث على اتباع <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم والتحذیر من الإعراض عنھا وتفصیل دعوة إبراھیم صلى الله علیھ<br />
وسلم والذین آمنوا معھ، وموقفھم من أقوامھم ومواقف الأنبیاء وغیرھم مع<br />
أقوامھم.. كل ذلك عبث وزیادة لا طائل تحتھا ولا فائدة من ورائھا في كتاب<br />
الله، سبحانك ربنا ھذا بھتان عظیم.. ورحم الله ابن القیم إذ یقول:<br />
من كان ھذا القدر مبلغ علمھ<br />
فلیستتر بالصمت والكتمان<br />
وتنزه الله وتعالى عن العبث وعن أن یكون في كتابھ جل وعلا ما لا<br />
فائدة من ذكره.. ومثل ھذه الأغالیط لیست من الشبھات التي تستحق طول<br />
الرد والتفصیل وما ھي إلا تناقضات في أذھان أصحابھا حالت دون فھمھم<br />
لھذه ال<strong>ملة</strong> العظیمة بتفاصیلھا.. خاصة وقد علمت فیما تقدم <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وفھمت مضمونھا وما یراد بھا.. فعلمت أنھا أصل الإسلام ومعنى لا إلھ إلا<br />
الله وأن فیھا ما حوتھ ھذه الكلمة من النفي والإثبات وھما التبرؤ من الشرك<br />
وأھلھ وإظھار العداوة لھم، وإخلاص العبادة وحده وموالاة أولیائھ،<br />
وعلمت أن ھذا أصل الدین فھو شرع محكم لو اجتمع على دفعھ من<br />
بأقطارھا من عالم وجاھل لما قدروا على رده بحجة أصلاً، وبیّنا لك أن الله<br />
(42)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
تعالى ذكر لنا حال إبراھیم صلى الله علیھ وسلم ومن معھ من المؤمنین مع<br />
قومھم، وكیف تبرؤوا منھم وأظھروا لھم العداوة والبغضاء.. وأنھ سبحانھ<br />
قال قبل ذكر موقفھم ھذا مباشرة: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم<br />
والذین معھ} [الممتحنة: 4]، وقال سبحانھ بعد ذلك أیضاً: {لقد كان لكم<br />
فیھم أسوة حسنة لمن كان یرجو الله والیوم الآخر} [الممتحنة: قال<br />
سبحانھ.. وتنبھ لما قال: {ومن یتول فإن الله ھو الغني الحمید} [الممتحنة:<br />
6]، وعلمت أیضاً أن ھذا ھو أصل <strong>ملة</strong> إبراھیم التي نقصدھا وندعو إلیھا<br />
ونرى أكثر أھل الأرض مقصرین فیھا.. وعلمت أنھا الطریق الذي فیھ<br />
نصر الله عز وجل وإعزاز دینھ وتحطیم الشرك وأھلھ.. وإذا كان الأمر<br />
كذلك.. فالرد على ھذه الطریق إذاً یكون بأن یصحح ذلك الشیخ عبارتھ<br />
المذكورة فیقول: (إن النبي صلى الله علیھ وسلم مكث ثلاث عشرة سنة في<br />
مكة بین تلك الأصنام لا یتبرأ منھا ولا یظھر الكفر بھا والعداوة لھا) لیقال<br />
لھ بعدھا؛ عد نفسك نصرانیاً أو یھودیاً أو مجوسیاً، أو ما شئت، أما <strong>ملة</strong><br />
الإسلام فقل لھا علیك السلام...<br />
6]، ثم<br />
ونقول: أما تحطیم الأصنام حقیقة وحسیاً كما فعل إبراھیم فقد صح<br />
عن النبي صلى الله علیھ وسلم أنھ فعل شیئاً منھ حینما تمكن من ذلك وقدر<br />
علیھ في غفلة من كفار قریش، ولا أعني بعد الفتح بل في مكة في عھد<br />
الاستضعاف، كما روى الإمام أحمد وأبو یعلى والبزار بإسناد حسن عن<br />
علي بن أبي طالب رضي الله عنھ قال: (انطلقت أنا والنبي صلى الله علیھ<br />
وسلم حتى أتینا الكعبة، فقال لي رسول الله صلى الله علیھ وسلم اجلس<br />
وصعد على منكبي فذھبت لأنھض بھ فرأى مني ضعفاً فنزل وجلس لي<br />
نبي الله صلى الله علیھ وسلم وقال: اصعد على منكبي. قال فصعدت على<br />
منكبیھ، قال فنھض بي قال فإنھ یخیل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء<br />
حتى صعدت على البیت وعلیھ تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاولھ عن<br />
یمینھ وشمالھ وبین یدیھ ومن خلفھ، حتى إذا استمكنت منھ قال لي رسول<br />
الله صلى الله علیھ وسلم: اقذف بھ فقذفت بھ فتكسر كما تتكسر القواریر، ثم<br />
نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله علیھ وسلم نستبق حتى توارینا<br />
بالبیوت خشیة أن یلقانا أحد من الناس) وبوّ ب لھ الھیثمي في مجمع الزوائد:<br />
(باب تكسیره صلى الله علیھ وسلم الأصنام) وذكر روایة (كان على الكعبة<br />
أصنام فذھبت أحمل رسول الله صلى الله علیھ وسلم فلم أستطع فحملني<br />
فجعلت أقطعھا...) وفي روایة زاد (فلم یوضع علیھا بعد، یعني شیئاً من<br />
تلك الأصنام) قال: ورجال الجمیع ثقات.. وذكره أبو جعفر الطبري في<br />
(تھذیب الآثار) وتكلم على بعض الفوائد الفقھیة فیھ، أنظر ص236 إلى<br />
ص243 من مسند علي فیھ..<br />
لذلك فنحن لا نتحرج أبداً من القول بأن ذلك مطلوب منا أیضاً حال<br />
القدرة علیھ في عھد الاستضعاف وغیره.. سواء كان ذلك الصنم تمثالاً أو<br />
قبراً أو طاغوتاً أو نظاماً.. أو غیره، حسب تنوع الصور واختلافھا في كل<br />
زمان ومكان.. وأقصد بذلك الجھاد والقتال وھو أعلى مراتب إظھار العداوة<br />
والبغضاء لأعداء الله...<br />
(43)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ε<br />
ومع ذلك نقول لو سلمنا جدلاً أنھ لم یصح عن النبي تحطیم الأصنام<br />
في مكة زمن الاستضعاف.. فإنھ صلوات الله وسلامھ علیھ كان متبعاً ل<strong>ملة</strong><br />
إبراھیم أشد الاتباع آخذاً بھا بقوة.. فما داھن الكفار لحظة واحدة وما سكت<br />
عن باطلھم أو عن آلھتھم.. بل كان ھمھ وشغلھ الشاغل في تلك الثلاث<br />
عشرة سنة بل وغیرھا ھو {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:<br />
.[36<br />
فلا یعني كونھ جلس بینھا تلك الثلاث عشرة سنة أنھ مدحھا أو أثنى<br />
علیھا أو أقسم على احترامھا كما یفعل كثیر من الجھال المنتسبین إلى<br />
الدعوة مع الیاسق العصري في ھذا الزمان.. بل كان یعلن براءتھ من<br />
المشركین وأعمالھم، ویبدي كفره بآلھتھم رغم استضعافھ واستضعاف<br />
أصحابھ.. وقد فصّلنا لك ھذا فیما مضى ولو تأملت القرآن المكي، لوضح<br />
لك مثل ذلك الكثیر.. منھ على سبیل المثال، قولھ تعالى واصفاً حال نبیھ<br />
في مكة مع الكفار: {وإذا رآك الذین كفروا إن یتخذونك إلا ھزوا. أھذا<br />
الذي یذكر آلھتكم وھم بذكر الرحمن ھم كافرون} [الأنبیاء: 36]، قال ابن<br />
كثیر: (یعنون أھذا الذي یسب آلھتكم ویسفھ أحلامكم.. إلى غیر ذلك).<br />
ε<br />
وإلیك أیضاً ما جاء في مسند الإمام أحمد وغیره بإسناد صحیح في<br />
صفتھ وحالھ صلى الله علیھ وسلم في مكة زمن الاستضعاف.. تأمّلھ وتدبّره<br />
وانظر كیف یصف الكفار نبینا صلى الله علیھ وسلم بسب آلھتھم وتسفیھ<br />
أحلامھم وو.. وانظر إلیھم وھو یحیطون بھ وحیداً فریداً یقررونھ بما یقول<br />
ویقولون لھ: (أنت الذي تقول كذا وكذا؟؟) فیرد علیھم دون مداھنة أو مھابة<br />
أو خوف أو وجل، بل بكل صلابة وثبات ووضوح: (نعم، أنا الذي أقول<br />
ذلك).<br />
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال یعقوب: حدثنا أبي عن<br />
ابن إسحاق قال: وحدثني یحیى بن عروة بن الزبیر عن أبیھ عروة عن عبد<br />
الله ابن عمرو بن العاص، قال: قلت لھ: ما أكثر ما رأیت قریشاً أصابت من<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم، فیما كانت تظھر من عداوتھ؟ قال:<br />
حضرتھم وقد اجتمع أشرافھم یوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله<br />
علیھ وسلم، فقالوا: ما رأینا مثل ما صبرنا علیھ من ھذا الرجل قط سفّھ<br />
أحلامنا. وشتم آبائنا، وعاب دیننا، وفرق جماعتنا، وسب آلھتنا، لقد صبرنا<br />
منھ على أمر عظیم، أو كما قالوا، قال: فبینما ھم كذلك، إذ طلع علیھم<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم، فأقبل یمشي، حتى استلم الركن، ثم مر بھم<br />
طائفاً بالبیت، فلما أن مر بھم، غمزوه ببعض ما یقول، قال: فعرفت ذلك في<br />
وجھھ، ثم مضى، فمر بھم الثانیة، فغمزوه بمثلھا، فعرفت ذلك في وجھھ،<br />
ثم مضى، ثم مر بھم الثالثة، فغمزوه بمثلھا، فقال: (تسمعون یا معشر<br />
قریش، أما والذي نفس محمد بیده، لقد جئتكم بالذبح) فأخذت القوم كلمتھ،<br />
حتى ما منھم رجل إلا كأنما على رأسھ طائر واقع، حتى إن أشدھم فیھ<br />
وصاه قبل ذلك لیرفؤه بأحسن ما یجد من القول حتى إنھ لیقول: انصرف یا<br />
أبا القاسم، انصرف راشداً، فوالله ما كنت جھولاً، قال: فانصرف رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم، حتى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معھم،<br />
(44)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
فقال بعضھم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنھ، حتى إذا بادأكم بما<br />
تكرھون تركتموه! فبینما ھم في ذلك، إذ طلع [علیھم] رسول الله صلى الله<br />
علیھ وسلم فوثبوا إلیھ وثبة رجل واحد، فأحاطوا بھ، یقولون لھ: أنت الذي<br />
تقول كذا وكذا، لما كان یبلغھم عنھ من عیب آلھتھم ودینھم، قال: فیقول<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم: نعم، أنا الذي أقول كذا، قال: فلقد رأیت<br />
رجلاً منھم أخذ بمجمع ردائھ، قال: وقام أبو بكر الصدیق رضي الله عنھ،<br />
دونھ یقول وھو یبكي: (أتقتلون رجلاً أن یقول ربي الله؟). ثم انصرفوا عنھ<br />
فإن ذلك لأشد ما رأیت قریشاً بلغت منھ قط" اھ. (7036 من المسند تحقیق<br />
أحمد شاكر وقال: إسناده صحیح) وھو كما قال. وفي روایة أخرى في<br />
المسند أیضاً (204/2) أن النبي صلى الله علیھ وسلم كان في المرة الثانیة<br />
في صلاة عند الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معیط فأخذ بمنكب النبي صلى<br />
الله علیھ وسلم ولوى ثوبھ في عنقھ، فخنقھ بھ خنقاً شدیداً، فأقبل أبو بكر<br />
رضي الله عنھ فأخذ بمنكبھ ودفعھ عن رسول الله صلى الله علیھ وسلم<br />
وقال: (أتقتلون رجلاً أن یقول ربي الله وقد جاءكم بالبینات من ربكم).<br />
فتأمّل حال النبي صلى الله علیھ وسلم الذي وصفتھ الملائكة كما في<br />
صحیح البخاري: (أنھ صلى الله علیھ وسلم فرّ ق بین الناس) تأمل حالھ ھذه<br />
مع كفار زمانھ وكیف أنھا عداوة ظاھرة لكل من عادى الدین، وافتراق<br />
طریق، وبراءة واضحة.. ولیس كأوضاع أھل زماننا الشاذة من ركون أھل<br />
الدین لأھل الباطل.. داھنوھم وجاملوھم بل وآزروھم وناصروھم ولم تعد<br />
القضیة قضیة عداوة ولا براءة، بل تعاون وتكاتف لصالح الوطن والمجتمع<br />
وجلسوا في أحضانھم ورضعوا من ألبانھم.. فا المستعان.<br />
* یقول الشیخ عبد الرحمن بن حسن وھو یتكلم عن أمثال ھؤلاء:<br />
(خاضوا في غمرات الافتتان واطمأنت قلوبھم إلى أھل الظلم والعدوان،<br />
وأكثروا التردد علیھم والمسیر إلیھم طوعاً واختیاراً وتعرضوا لما في<br />
أیدیھم من حطام الدنیا سراً وجھاراً، فأین القلب المطمئن بالإیمان إذا كان<br />
مدعیھ یجري مع الھوى في كل میدان، فما أشبھ حال ھذا وأمثالھ بالضرب<br />
الذین ذكرھم العلامة ابن القیم رحمھ الله وھم الذین لھم أوفر نصیب من<br />
قولھ تعالى: {ولا تحسبن الذین یفرحون بما أتوا ویحبون أن یحمدوا بما<br />
لم یفعلوا فلا تحسبنھم بمفازة من العذاب ولھم عذاب ألیم} [آل عمران:<br />
188]، یفرحون بما أتوا من البدعة والضلالة، ویحبون أن یحمدوا باتباع<br />
السنة والإخلاص، وھذا یكثر فیمن انحرف من المنتسبین إلى العلم والعبادة<br />
عن الصراط المستقیم) اھ الدرر - جزء الجھاد ص127.<br />
* وھا ھنا مسألة قد یرد فیھا إشكال على البعض، وھي كیفیة الجمع<br />
بین عیبھ صلى الله علیھ وسلم آلھتھم ودینھم كما في ھذا الحدیث وغیره،<br />
وبین قولھ تعالى: {ولا تسبوا الذین یدعون من دون الله فیسبوا الله عدواً<br />
بغیر علم} [الأنعام: 108]، فنقول وبا التوفیق: أن كل ما ذكرناه مما تقدم<br />
في تفصیل <strong>ملة</strong> إبراھیم من عیب الآلھة الباطلة وتسفیھھا والحطّ من قدرھا<br />
(45)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
{<br />
وإن سمّاه البعض سباً.. فإنھ لیس سباً مجرداً وإنما أصل المقصود بھ بیان<br />
التوحید للناس وذلك..<br />
* بإبطال ألوھیة ھذه الأرباب المتفرقة المزعومة والكفر بھا وبیان<br />
زیفھا للخلق: كقولھ تعالى: {إن الذین تدعون من دون الله عباد أمثالكم<br />
فادعوھم فلیستجیبوا لكم إن كنتم صادقین * ألھم أرجل یمشون بھا أم لھم<br />
أید یبطشون بھا أم لھم أعین یبصرون بھا أم لھم آذان یسمعون بھا قل<br />
ادعوا شركاءكم ثم كیدون فلا تنظرون * إن ولیي الله الذي نزل الكتاب<br />
وھو یتولى الصالحین * والذین تدعون من دونھ لا یستطیعون نصركم<br />
ولا أنفسھم ینصرون [الأعراف: ]، وقول إبراھیم علیھ<br />
السلام: {یا أبت لم تعبد ما لا یسمع ولا یبصر ولا یغني عنك شیئاً} [مریم:<br />
42]، وقولھ تعالى في سورة النجم: {أفرأیتم اللات والعزى * ومناة الثالثة<br />
الأخرى * ألكم الذكر ولھ الأنثى تلك إذا قسمة ضیزى * إن ھي إلا أسماء<br />
سمیتموھا أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بھا من سلطان إن یتبعون إلا الظن<br />
وما تھوى الأنفس وقد جاءكم من ربكم الھدى} [النجم: 22-19]. وكذا كل<br />
ما جاء في وصف ھذه الآلھة كبیان أنھا لا تستحق العبادة أو تسمیتھا<br />
بالطاغوت أو جعل عبادتھا طاعة للشیطان وإنھا وإیاھم حصب جھنم..<br />
وغیر ذلك.<br />
197-194<br />
* وكذلك القیام بھذا التوحید عملیاً بإظھار عداوتھا وبغضھا والبراءة<br />
منھا والكفر بھا، كقولھ تعالى عن إبراھیم: {قال أفرأیتم ما كنتم تعبدون *<br />
أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنھم عدو لي إلا رب العالمین} [الشعراء:<br />
{قال یا قوم إني بريء مما تعبدون..} [الأنعام:<br />
تضمنتھ سورة البراءة من الشرك من معانٍ وغیر ذلك مما قدمناه.. فذلك<br />
كلھ لا یدخل في السب المجرد الذي نھت عنھ الآیة المذكورة، والذي من<br />
طبیعتھ أن یستثیر الخصم ویھینھ ویعیره فقط دون فائدة أو بیان، فیسب الله<br />
عز وجل عدواً وجھلاً وربما دون قصد، خاصة فیمن یعتقد بالربوبیة ككفار<br />
قریش، وكذلك الحال بالنسبة لعبید الیاسق.. فإن <strong>ملة</strong> إبراھیم تقتضي أن<br />
یحذر من یاسقھم ویعادى ویبغض ویُدعى الناس إلى الكفر بھ والبراءة منھ<br />
ومن أولیائھ وعبیده المصرّ ین على تحكیمھ، بذكر فضائحھ وكشف زیوفھ<br />
وبطلان أحكامھ ومصادمتھا الصریحة لدین الله بإباحتھا للردة والربا<br />
وتسھیلھا للفاحشة والفجور وتعطیلھا لحدود الله كحد الزنا والقذف والسرقة<br />
وشرب الخمر واستبدال القوانین الفاجرة الكافرة بھذه الحدود العظیمة.. وما<br />
إلى ذلك وھو كثیر جداً.. فھذا كلھ لا یدخل فیما نھت عنھ الآیة وإن سماه<br />
عبید الیاسق وسدنتھم سبا.. أو إطالة لسان بل الواجب كما عرفت مما تقدم<br />
أن یظھره الدعاة ویصدعوا بھ.. أما سبھم وسب حكوماتھم وحكامھم<br />
ودساتیرھم سباً مجرداً ھكذا للإستثارة المجردة.. فھو المنھي عنھ لما یترتب<br />
علیھ من سب أولئك الجھال للساب ولدینھ وطریقتھ وإن كانوا ینتسبون إلى<br />
الإسلام زوراً وبھتاناً.. ویشھدون بربوبیة الله وربما یوحدونھ ببعض أنواع<br />
ألوھیتھ دون الحكم والتشریع.. كما ذكر المفسرون: {فیسبوا الله} أي<br />
فیسبوا آمركم بسبّھا فیعود ذلك على الله جھلاً وعدواً بغیر علم، كما قد یسب<br />
-75<br />
78]، وما<br />
77]. وقولھ:<br />
(46)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الرجل أبا الرجل فیسب أباه، وربما كانا أخوین لأب واحد، فالغیظ والغضب<br />
والاستثارة المجرّ دة تعمي الخصم عن التفكیر والتدبر وتستسبھ؛ أي تحملھ<br />
على السب.. قال محمد رشید رضا في تفسیره: (الباعث على العمل ھنا ھو<br />
إرادة السب التي یُقصد بھا إھانة المسبوب، فإن ھذا الساب لا یتوجھ قصده<br />
إلا إلى إھانة مخاطبھ الذي سبھ)اھ. بخلاف تدخیل العقل، والدعوة إلى<br />
إعمالھ ومخاطبتھ ولفت انتباھھ إلى زیف ھذه الآلھة وكونھا لا تسمع ولا<br />
تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تقرب ولا تشفع ولا تغني عن أنفسھا وأتباعھا<br />
شیئاً.. وتأمل قصة إبراھیم مع قومھ وكیف یلفت فیھا انتباھھم إلى زیف تلك<br />
الآلھة المزعومة، ویستشیرھم لا لمجرد الاستثارة أو الإھانة بل لیفكروا<br />
ویتصادموا مع عقولھم في ذلك.. وتأمل كیف یفتضح أمرھم بذلك وینتكسوا<br />
ویتناقضوا ویتخبطوا.. فیقول لھم عند ذلك معنّفاً: {أفٍ لكم ولما تعبدون من<br />
دون الله أفلا تعقلون} [الأنبیاء:<br />
.[67<br />
ولو تأملت قول عبد الله بن عمرو راوي الحدیث السابق حین ذكر<br />
قول قریش للنبي صلى الله علیھ وسلم (أنت الذي تقول كذا كذا) قال مفسراً<br />
لذلك: (لما بلغھم عنھ من عیب آلھتھم ودینھم). والعیب عند العرب سب أو<br />
كالسب وقد عده ابن تیمیة رحمھ الله تعالى كذلك في كتابھ الصارم المسلول<br />
على شاتم الرسول في (بیان أقسام السب) ص528 وغیرھا.. ولكنھ في ھذا<br />
الموضع لیس سباً مجرداً كما عرفت.. فالنبي صلى الله علیھ وسلم كان قائماً<br />
بدعوة التوحید التي أرسلھ الله بھا وب<strong>ملة</strong> إبراھیم التي أمره سبحانھ باتباعھا.<br />
وھذا كلھ سب عند أولئك المشركین، لأنّھ إبطال لدینھم وتنقص لآلھتھم<br />
المزعومة بتجریدھا من صفات الألوھیة التي ینعتونھا بھا.. وھذا ھو عیب<br />
آلھتھم الذي ذكروه.. وكذلك وصف آبائھم بالضلال لیس استثارة مجردة<br />
لذاتھا، بل لزجرھم عن تقلیدھم ونھیھم عن متابعتھم على ضلالھم.. نقل<br />
القاسمي في تفسیره عن الرازي قولھ: (وفي الآیة تأدیب لمن یدعو إلى<br />
الدین، لئلا یتشاغل بما لا فائدة لھ في المطلوب، لأن وصف الأوثان بأنھا<br />
جمادات لا تضر ولا تنفع، یكفي في القدح في إلھیتھا فلا حاجة مع ذلك إلى<br />
شتمھا) اھ... ولكن ذلك أیضاً لا یرضي الكفار ولا یعجبھم وإن لم یكن سباً<br />
مجرداً، فھو نسف لآلھتھم وكفر بھا.. لذا سموه سباً، كما سمّوا وصف<br />
آبائھم بالضلال، شتما حیث قالوا: (سف َّھ أحلامنا وشتم آباءنا وعاب دیننا<br />
وفرق جماعتنا وسب آلھتنا...).<br />
یقول الشیخ محمد بن عبد الوھاب في الموضع الثاني من المواضع<br />
الستة التي ذكرھا في السیرة عن النبي صلى الله علیھ وسلم أنھ لما صرح<br />
بسب دینھم وتجھیل علمائھم فحینئذ شمروا لھ ولأصحابھ عن ساق العداوة<br />
وقالوا: سفھ أحلامنا وعاب دیننا وشتم آلھتنا، ومعلوم أنھ صلى الله علیھ<br />
وسلم لم یشتم عیسى وأمھ ولا الملائكة ولا الصالحین ولكن لما ذكر انھم لا<br />
یدعون ولا ینفعون ولا یضرون جعلوا ذلك شتماً) أھ.<br />
والخلاصة أن ذلك كلھ لا یدخل في السب المجرد الذي نھى الله عنھ<br />
في الآیة، ولا ھو مقصود بھا، حتى ولو ترتب على مثلھ أن یسب الكافر الله<br />
(47)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
أو الدین عدوا، فلیس للمسلم أن یترك لأجلھ ما أوجب الله علیھ من الصدع<br />
بالتوحید وإظھار الدین فالسب ھنا لا یكون إلا عدواً بعلم، لورود الحجة<br />
والبیان، وإلا لو حسبنا حساباً لمثل ذلك، لتركنا دیننا كلھ وتنازلنا عنھ لسواد<br />
عیون الكفار.. لأنھ كلھ قائم على أصل الإیمان با والكفر بكل طاغوت...<br />
فتنبّھ.. وقس على ذلك ما یقال في ھذه الطواغیت العصریة.. من دساتیر<br />
ومناھج وقوانین وحكام وغیرھم.. ولا تقصر المعنى على الأصنام<br />
الحجریة، فتُحجّر واسعاً..<br />
* فھذه القاعدة إذاً إنما تكون صواباً في المباحات والمستحبات لا في<br />
الواجبات فلا یُترك واجب من واجبات الدین كبیان التوحید وإبطال دین<br />
المشركین سداً لھذه الذریعة. كما قد یفھم البعض.. ولو توسعنا في ذلك<br />
لأضعنا جُلّ دیننا.. لذا قال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن، ص<br />
(المسألة الثانیة): (ھذا یدل على أن للمحق أن یكف عن حق یكون لھ إذا<br />
أدى ذلك إلى ضرر یكون في الدین، وھذا فیھ نظر طویل، اختصاره أن<br />
الحق إن كان واجباً فیؤخذ بكل حال، وإن كان جائزاً ففیھ یكون ھذا القول<br />
والله أعلم) اھ. ویقول محمد رشید رضا: {ومنھا} ما نُقل عن أبي<br />
منصور قال: كیف نھانا الله تعالى عن سب من یستحق السب لئلا یسب من<br />
لا یستحقھ، وقد أمرنا بقتالھم وإذا قاتلناھم قاتلونا، وقتل المؤمن بغیر حق<br />
منكر؟ وكذا أمر النبي صلى الله علیھ وسلم بالتبلیغ والتلاوة علیھم وإن كانوا<br />
یكذبونھ... وأجاب عنھ: بأن سب الآلھة مباح غیر مفروض، وقتالھم فرض<br />
وكذا التبلیغ، وما كان مباحاً ینھى عما یتولد منھ ویحدث، وما كان فرضاً لا<br />
ینھى عما یتولد عنھ..) أھ. وبمثل ذلك یُردّ على من احتج لإبطال ما ذكرناه<br />
من وجوب إظھار الدین، بما رواه البخاري في صحیحھ، أن قولھ تعالى:<br />
{ولا تجھر بصلاتك ولا تخافت بھا} [الإسراء: ]. أنزلت ورسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم متوار بمكة. فكان إذا رفع صوتھ سمع المشركون<br />
فسبوا القرآن ومن أنزلھ ومن جاء بھ، وقال الله تعالى: {ولا تجھر بصلاتك<br />
ولا تخافت بھا} [الإسراء: 110]، لا تجھر بصلاتك حتى یسمع<br />
المشركون. ولا تخافت بھا عن أصحابك فلا تُسمعھم، وابتغ بین ذلك سبیلاً.<br />
:473<br />
110<br />
)<br />
فالدعوة إلى الله قائمة ودین المسلمین ظاھر ودعوتھم لنبذ الأوثان<br />
معلومة لكل أحد في مكة وبراءتھم منھا بیّنة بادیة، وإذا كان الأمر كذلك<br />
فترك الجھر بقراءة القرآن عند تلاوتھ، لدفع ھذه المفسدة لا یطفىء نور<br />
الدعوة ولا یؤثر فیھا تأثیراً سلبیاً أبداً.. فالقرآن ینتشر في كل مكان رغم<br />
أنوف المشركین.. و<strong>ملة</strong> إبراھیم معلنة لدرجة أن كل من یعلن إسلامھ یسمى<br />
بالصابىء، أي الكافر بدینھم وبأوثانھم، والأمر في غایة الوضوح لا لبس<br />
فیھ ولا إشكال.. أضف إلى ذلك أن رفع الصوت بالقراءة في الصلاة<br />
لیسمعھ غیر المصلین لیس واجباً من واجبات الصلاة، فجاز تركھ سداً لھذه<br />
الذریعة، طبقاً لقاعدتھا المذكورة الخاصة بترك المباحات والمستحبات دون<br />
الواجبات، فلیس ھذا تركاً لواجب بل یكفي في ذلك أن یسمع الإمام من<br />
یصلي خلفھ وھو ما أمر الله تعالى بھ رسولھ في قولھ: {ولا تخافت بھا} أي<br />
عن أصحابك.<br />
(48)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* وھناك شبھة أخرى قد یحتج بھا البعض.. وھي إیواء أبي طالب<br />
للنبي الذي امتن الله عز وجل بھ علیھ فقال: {ألم یجدك یتیماً فآوى<br />
قصة جوار وأمان الكافر للمسلم وأمثلتھ كثیرة، من<br />
ذلك ما رواه البخاري في صحیحھ عن جوار ابن الدغنة لأبي بكر في مكة..<br />
وكذا النجاشي وإیوائھ للمسلمین وھو على نصرانیتھ قبل إسلامھ... وما<br />
شابھھ... وخلاصة ھذه الشبھة: (كیف یرضى المسلم في مثل ھذه الأحوال<br />
بإیواء وحمایة وجوار الكافر المخالف لھ في عقیدتھ ومنھجھ؟؟ أفلا یتنافى<br />
ھذا مع <strong>ملة</strong> إبراھیم في البراءة من المشركین...؟).<br />
{ ε<br />
[الضحى: 6]، وكذا<br />
)<br />
(<br />
فنقول وبا التوفیق: أن لا تعارض في ھذه الأمثلة المذكورة مع <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم، <strong>ودعوة</strong> الأنبیاء والمرسلین وذلك لأن الأمر كما قدمنا لك من قبل<br />
قسمان:<br />
الأول: البراءة من آلھتھم الباطلة والكفر بطواغیتھم التي تعبد من دون<br />
الله عز وجل.<br />
الثاني: عداوة المشركین المعاندین المصرّ ین على باطلھم.. وقدمنا<br />
أیضاً أن الأول مطلوب من المسلم منذ أول خطوة في الطریق دون توان أو<br />
تأخیر، بل یجب أن یعلن ویظھر ویبدى من قبل طائفة من المسلمین كي<br />
یعرف الناس بھ أصل الدعوة، ویشتھر حتى یصبح بدھیة یوصف بھا كل<br />
من یدخل في ھذا الدین..<br />
أما الثاني، فلا یبدى أو یعلن، إلا بعد الإصرار على الباطل وعداوة<br />
الحق وأھلھ. فأبو طالب مثلاً.. على الرغم من بقائھ على الكفر لم یكن<br />
مظھراً العداوة والبغضاء للحق وأھلھ، بل على العكس من ذلك فقد كان<br />
ردءاً مدافعاً عن صاحب الحق ورسولھ صلى الله علیھ وسلم كما وصفھ<br />
العباس رضي الله عنھ في حدیث البخاري حیث قال للنبي صلى الله علیھ<br />
وسلم: ما أغنیت عن عمك فإنھ كان یحوطك وینصرك ویغضب لك...<br />
الحدیث وإن كان ذلك في عصبیة ولروابط نسبیة وراجع في ذلك ما ذكره<br />
العلامة الشنقیطي في أضواء البیان المجلد الثالث (ص<br />
407) في تأیید الدین بالرجل الفاجر وبالروابط العصبیة والأواصر النسبیة<br />
مع بطلان ھذه الروابط وبطلان الود على أساسھا وحدھا... والشاھد من<br />
ذلك أن مثل ھذا النصیر أو المجیر.. یبقى الأمل وارداً في ھدایتھ واتباعھ<br />
للحق إلى آخر لحظة ما دام لا یقف مع الصف المعادي المحارب لھ بل<br />
یقف مدافعاً عن بعض أتباعھ... فكیف إذا أضیف إلى ذلك كونھ من خاصة<br />
الداعیة وقرابتھ الذین یتعلقون بھ... ولذلك فإن النبي صلى الله علیھ وسلم لم<br />
ییأس من دعوة عمھ الذي كان یقول:<br />
والله لن یصلوا إلیك بجمعھم<br />
فاصدع بأمرك ما علیك<br />
،406 ،43 ،41<br />
حتى أوسد في التراب دفینا<br />
أبشر بذاك وقر منھ عیونا<br />
(49)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
وقبل ذلك كلھ، ھناك أمر آخر... وھي النقطة الأولى والمھمة في<br />
الموضوع.. أن النبي صلى الله علیھ وسلم مع موقف عمھ المدافع ھذا، لم<br />
یكن لیداھنھ على حساب دعوتھ ودینھ، بل كان عمھ یعرف بدعوتھ صلى<br />
الله علیھ وسلم ویسمع بعداوتھ وبعیبھ لآلھتھم الباطلة، وقد حاولت قریش<br />
معھ للضغط على النبي صلى الله علیھ وسلم لیكفّ عن دعوتھ وعن عیب<br />
آلھتھم وتسفیھ أحلامھم، وعندما حاول أبو طالب السعي لمثل ذلك، ما داھنھ<br />
صلوات الله وسلامھ علیھ ولا تنازل عن شيء من أمر دینھ تطییباً لخاطر<br />
عمّھ الذي كان یحمیھ وینصره ویؤویھ، بل قال قولتھ المعروفة: (والله ما أنا<br />
بأقدر أن أدع ما بُعثت بھ، من أن یشعل أحد من ھذه الشمس شعلة من نار)<br />
كما في الطبراني وغیره. وھو صلى الله علیھ وسلم كذلك أولاً وآخراً لم<br />
یكن لیربطھ بعمھ الكافر ود ولا حب كیف وھو صلى الله علیھ وسلم قدوتنا<br />
ومثلنا الأعلى في قولھ تعالى: {لا تجد قوماً یؤمنون با والیوم الآخر<br />
یوادون من حاد الله ورسولھ ولو كانوا آباءھم...} الآیة، مع حرصھ على<br />
ھدایتھ... فذلك شيء والحب والود شيء آخر... وما كان النبي رغم إیواء<br />
عمھ وحمایتھ لھ ودفاعھ عنھ لیصلي علیھ یوم أن مات... بل نھاه الله عز<br />
وجل عن مجرد الاستغفار لھ یوم أنزل علیھ: {ما كان للنبي والذین آمنوا<br />
أن یستغفروا للمشركین..} [التوبة: 113] الآیة، وما كان منھ صلوات الله<br />
وسلامھ علیھ عندما جاءه علي رضي الله عنھ فقال لھ: (إن عمك الشیخ<br />
الضال قد مات فمن یواریھ؟...) غیر أن یقول لھ: (اذھب فواره) رواه<br />
الإمام أحمد والنسائي وغیرھما.<br />
ε<br />
ومثل ذلك أیضاً یُقال في رھط شعیب الذین كانوا مانعاً دونھ والكفار،<br />
قال تعالى مخبراً عن أعداء نبیھ: {ولولا رھطك لرجمناك} [ھود:<br />
كانوا كفاراً... وكذا نبي الله صالح علیھ السلام وولیھ الذي كان الكفار<br />
یحاذرونھ {قالوا تقاسموا با لنبیتنھ وأھلھ ثم لنقولن لولیّھ ما شھدنا<br />
مھلك أھلھ وإنا لصادقون} [النمل:<br />
91]. وقد<br />
.[49<br />
* أضف إلى ذلك أن ھناك فرقاً واضحاً یجب أن یُلاحظ ویعتبر بین<br />
أن یُعین الكافر مسلماً أو یجیره وینصره ویحمیھ ویأویھ بنفسھ دون أن یلجأ<br />
المسلم إلیھ أو یذل نفسھ لھ أو یتودّد، وإنما یفعل الكافر ذلك من تلقاء نفسھ<br />
بدافع القبلیة أو العصبیة أو القرابة وغیرھا... وبین أن یطلب المسلم ذلك<br />
منھ ویكون في طلبھ نوع ذل ومھانة ومداھنة أو إقرار وسكوت عن باطلھ<br />
أو رضىً بشركھ.. لا شك أن الفرق بین الحالتین واضح بین لا یخفى على<br />
البصیر، ولو تأملت ھذه الأمثلة لرأیتھا من الجنس الأول.. ولأبي جعفر<br />
الطحاوي كلاماً لطیفاً یشبھ ھذا في مشكل الآثار (3/239) فرّ ق فیھ بین<br />
الاستعانة بالمشركین في القتال وكون ذلك مما نھى الله تعالى عنھ في قولھ:<br />
{یا أیّھا الذین آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا یألونكم خبالا..} [آل<br />
عمران: 118] الآیة، وبین قتالھم بأنفسھم ضد أعداء المسلمین دون طلب<br />
واستعانة من المسلمین أنفسھم، فراجعھ فإنھ مفید في ھذا الباب.. وكذا جوار<br />
ابن الدغنة لأبي بكر... فكلھ من ھذا القبیل..<br />
(50)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ومن ذلك أیضاً صلة الوالدین المشركین ومصاحبتھما بالمعروف<br />
وتألّف قلبیھما، لأن أمل التأثر بابنھما واتباع الحق الذي یدعو إلیھ وارد باقٍ<br />
ما داما متعلقین بالولد.. حتى وإن جاھداه على أن یشرك با... ما لم یقفا<br />
في الصف المحارب المعادي الصاد عن سبیل الله... فإن فعلا ذلك تبرأ<br />
منھما علانیة كما فعل إبراھیم مع أبیھ لما تبین لھ أنھ عدو .. بل ویعادیھما<br />
ویقاتلھما كما فعل أبو عبیدة وغیره من الصحابة في بدر.. فإبراھیم علیھ<br />
السلام كما قدمنا كان یتألف قلب أبیھ ویدعوه بالحسنى واللین ویظھر<br />
حرصھ على ھدایتھ وخوفھ علیھ من عذاب الله لأولیاء الشیطان.. ولكنھ تبرأ<br />
منھ واعتزلھ عندما تبین لھ عداوتھ الصریحة ... واستثنى سبحانھ مما<br />
دعانا للتأسي فیھ بإبراھیم والذین معھ في سورة الممتحنة؛ استغفاره لأبیھ،<br />
ونھى المؤمنین في سورة التوبة عن الاستغفار للمشركین ولو كانوا أولي<br />
قربى ثم قال عن إبراھیم: {فلما تبین لھ أنھ عدو تبرأ منھ. إن إبراھیم<br />
لأواه حلیم}.<br />
ومنھ قولھ تعالى: {ولا تجادلوا أھل الكتاب إلا بالتي ھي أحسن} ثم<br />
استثنى سبحانھ: {إلا الذین ظلموا منھم...} [العنكبوت:<br />
.[64<br />
وكذا أمان النجاشي للمھاجرین.. وارجع إلى قصة جعفر وموقفھ<br />
رضي الله عنھ في الصدع بدینھ ومعتقده في عیسى علیھ السلام الذي<br />
یخالف فیھ دین من ھو بین ظھرانیھم، رغم استضعافھ ومن معھ، ورغم<br />
دخولھم في أمانھم.. بل إن النجاشي بكى لما سمع كلام الله یُتلى، وأظھر<br />
التأیید والقبول وأعطاھم الأمان فأظھروا دینھم ومعتقدھم لكل أحد، فكان<br />
إسلام النجاشي ومن أسلم من أھل الحبشة بتوفیق الله تعالى ثم بسبب<br />
إظھارھم لدینھم رضي الله تعالى عنھم.. وراجع في رد ھذه الشبھة وإبطالھا<br />
رسالة (المورد العذب الزلال) للشیخ عبد الرحمن بن حسن بن الشیخ محمد<br />
بن عبد الوھاب رحمھم الله أجمعین في الدرر السنیة جزء مختصرات<br />
الردود ص124 وكذا ص197 من الجزء نفسھ فإنھ مھم في رد ھذه الشبھة<br />
وشبھة أخرى وھي احتجاجھم (بمؤمن آل فرعون) وكذا ص212.<br />
* وخلاصة القول في ذلك كلھ... أن معاداة أھل الباطل وإظھار<br />
البراءة منھم ومن آلھتھم الزائفة وأدیانھم الباطلة وقوانینھم العفنة.. أصل<br />
عظیم، وركن وثیق في دعوة الأنبیاء والمرسلین.. وھو كما عرفت شرع<br />
محكم یرتكز على أصل دین الإسلام وقاعدتھ.. فلو اجتمع أھل الأرض<br />
جمیعاً لأجل رده وإبطالھ لما استطاعوا إلى ذلك سبیلا.. والمخالفون فیھ لا<br />
یستدلون كما رأیت إلا بأمثال ھذه القضایا العینیة الخاصة التي لا عموم لھا<br />
عند جماھیر الأصولیین والنظار، بل ھي نفسھا مطروحة على التقیید<br />
والتخصیص.. وإذا تقرر أن ھذه الطریق أصل عظیم محكم... فقد أمست<br />
ھذه الأدلة الجزئیة وغیرھا مما یتوھمھ المخالفون معارضاً... متشابھاً یجب<br />
رده إلى المحكم، لا أن یضرب كتاب الله بعضھ ببعض ولا سنة المصطفى<br />
كذلك.. فتنبّھ ولا تغتر بشبھ الملبسین..<br />
(51)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
"وھكذا فلا بد أن یقف أصحاب الدعوة من قومھم موقف المفاصلة<br />
الكا<strong>ملة</strong>.. ویوم تتم ھذه المفاصلة یتحقق وعد الله بالنصر لأولیائھ والتدمیر<br />
على أعدائھ.. ففي تاریخ الدعوة إلى الله على مدار التاریخ، لم یفصل الله<br />
بین أولیائھ وأعدائھ إلا بعد أن فاصل أولیاؤه أعداءه على أساس العقیدة،<br />
فاختاروا الله وحده.. وأصحاب الدعوة إلى الله لھم أسوة حسنة في رسل<br />
الله... وإنھ لینبغي لھم أن تمتلىء قلوبھم بالثقة حتى تفیض.. وإن لھم أن<br />
یتوكلوا على الله وحده في وجھ الطاغوت أیاً كان.. ولن یضرھم الطاغوت<br />
إلا أذى.. ابتلاء من الله لا عجزاً منھ سبحانھ عن نصرة أولیائھ، ولا تركاً<br />
لھم لیسلمھم إلى أعدائھ، ولكنھ الابتلاء الذي یمحص القلوب والصفوف.. ثم<br />
تعود الكرّ ة للمؤمنین.. ویحق وعد الله لھم بالنصر والتمكین..." اھ. من<br />
الظلال بتصرف.<br />
* ولتعلم أخیراً أن الناس مع ھذا الحق أقسام:<br />
* رجل ثابت صادع ب<strong>ملة</strong> إبراھیم وبدین جمیع المرسلین على النحو<br />
الذي تقدم لا یخاف في الله لومة لائم، فھذا من الطائفة الظاھرة المنصورة<br />
وھو الداعي إلى الحق الذي یخالط الناس ویصبر على أذاھم، وھو الذي<br />
یفوز بكرامة الدارین، والذي یقول تعالى فیھ: {ومن أحسن قولاً ممّن دعا<br />
إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمین} [فصّلت:<br />
المعنيّ بحدیث: (المؤمن الذي یخالط الناس ویصبر على أذاھم خیر...)؟<br />
33]، وھو<br />
وإنما حصل لھ الأذى لأنھ جاء بمثل ما جاء بھ المرسلون.. لا یداھن<br />
أھل الباطل ولا یركن إلیھم أو یرضى بباطلھم بل یتبرأ منھم ویظھر العداوة<br />
لھم ویھجر كل ما یعینھم على باطلھم من منصب ووظیفة أو عمل أو<br />
طریق، ومن كانت ھذه حالھ لا یأثم بإقامتھ في مجتمعاتھم ودیارھم ولا<br />
تجب علیھ الھجرة من أي بلد كان. یقول الشیخ حمد بن عتیق في الدرر<br />
السنیة عند كلامھ على قولھ تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراھیم<br />
والذین معھ…} [الممتحنة: 4] الآیة، ومعنى قولھ: {بدا} أي ظھر وبان<br />
والمراد التصریح باستمرار العداوة والبغضاء لمن یوحد ربّھ، فمن حقق<br />
ذلك علماً وعملاً وصرح بھ حتى یعلمھ منھ أھل بلده لم تجب علیھ الھجرة<br />
من أي بلد كان، وأما من لم یكن كذلك بل ظن أنھ إذا تُرك یصلي ویصوم<br />
ویحج سقطت عنھ الھجرة، فھذا من الجھل بالدین وغفول عن زبدة رسالة<br />
المرسلین…) اھ. ص199 من جزء الجھاد وھذا القسم من الناس إذا<br />
صدع بالحق وھُدّد بالقتل والتعذیب ولیس ثَمّ بلد یھاجر إلیھا فلھ أسوة حسنة<br />
في أھل الكھف الذین شحّوا بدینھم وفرّ وا بھ إلى الجبال.. وأسوة أخرى<br />
بأصحاب الأخدود الذین حرقوا في سبیل عقیدتھم وتوحیدھم وما وھنوا وما<br />
استكانوا.. وأسوة بأصحاب النبي الذین ھاجروا وجاھدوا وقاتلوا وقتلوا<br />
وكفى بربك ھادیاً ونصیراً.<br />
ولولاھم كادت تمید بأھلھا<br />
ولكن رواسیھا وأوتادھا ھم<br />
(52)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ولولاھم كانت ظلاماً بأھلھا<br />
ولكن ھم فیھا بدورٌ وأنجم<br />
* أو رجل أقل منزلة من الأول لا یقدر على ھذه الطریق المحفوفة<br />
بالمكاره، ویخاف على دینھ ولا یطیق الصدع بذلك.. فھو یعتزل بغنیمات لھ<br />
یتبع بھن مواقع القطر وشعب الجبال یعبد الله ویفر بدینھ من الفتن..<br />
* أو رجل مستضعف مغلق علیھ بیتھ مقبل على خاصة أمره یسعى<br />
في نجاتھم ووقایتھم من الشرك وأھلھ ومن نار وقودھا الناس والحجارة..<br />
یتجنب الكفار ویعرض عنھم، ولا یظھر الرضى عن باطلھم ولا یؤیده بأي<br />
صورة من الصور.. ولا بد لھذا من أجل سلامة توحیده. أن یبقى قلبھ<br />
مطمئناً بالعداوة والبغضاء للشرك والمشركین ینتظر زوال المانع.. ویتحین<br />
الفرص للفرار بدینھ والھجرة إلى بلد أھون شراً.. یظھر بھا دینھ، كھجرة<br />
المھاجرین إلى الحبشة.<br />
* أو آخر مظھر للرضى عن أھل الباطل مداھن لإفكھم وضلالھم<br />
فھذا لھ ثلاث حالات ذكرھا الشیخ ابن عتیق في سبیل النجاة والفكاك<br />
ص62 فقال:<br />
"الحالة الأولى: أن یوافقھم في الظاھر والباطن فھذا كافر خارج من<br />
الإسلام. سواء أكان مكرھاً أم غیر مكره، فھو ممن قال الله فیھ: ولكن من<br />
شرح بالكفر صدراً فعلیھم غضب من الله ولھم عذاب عظیم<br />
}<br />
{ [النحل:<br />
.[ 106<br />
الحالة الثانیة: أن یوافقھم ویمیل إلیھم في الباطن، مع مخالفتھم في<br />
الظاھر، فھذا ً كافر أیضاً، وھم المنافقون.<br />
الحالة الثالثة أن یوافقھم في الظاھر مع مخالفتھ لھم في الباطن وھو<br />
على وجھین: أحدھما: أن یفعل ذلك لكونھ في سلطانھم مع ضربھم وتقییدھم<br />
لھ وتھدیده بالقتل، فإنھ والحالة ھذه یجوز لھ موافقتھم في الظاھر مع كون<br />
قلبھ مطمئناً بالإیمان كما جرى لعمّار قال تعالى: {إلا من أُكره وقلبھ<br />
مطمئنٌ بالإیمان} [النحل:<br />
."[106<br />
قلت: وینبغي لمثل ھذا كما قدمنا أن یسعى دوماً مثل المستضعفین من<br />
أصحاب النبي صلى الله علیھ وسلم للفرار بدینھ ویدعو دوماً: {ربنا أخرجنا<br />
من ھذه القریة الظالم أھلھا واجعل لنا من لدنك ولیاً واجعل لنا من لدنك<br />
نصیراً} [النساء:<br />
.[75<br />
ثم قال: (الوجھ الثاني: أن یوافقھم في الظاھر مع مخالفتھ لھم في<br />
الباطن، وھو لیس في سلطانھم، وإنما حملھ على ذلك إما طمع في رئاسة أو<br />
مال أو مشحة بوطن أو عیال أو خوف مما یحدث في المال فإنھ في ھذه<br />
ال حالة یكون مرتداً ولا ینفعھ كراھتھ لھم في الباطن وھو ممن قال الله فیھم:<br />
{ذلك بأنھم استحبوا الحیاة الدنیا على الآخرة وإن الله لا یھدي القوم<br />
(53)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
-<br />
-<br />
الكافرین} [النحل: 107]، فأخبر أنھ لم یحملھم على الكفر الجھل أو بغضھ،<br />
ولا محبة الباطل، وإنما ھو أن لھم حظاً من حظوظ الدنیا آثروه على الدین..<br />
قال: وھذا معنى كلام شیخ الإسلام محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله تعالى).<br />
* قلت: معنى كلام الشیخ محمد بن عبد الوھاب الذي أشار إلیھ ابن<br />
عتیق موجود في مواضع كثیرة من كتبھ ورسائلھ، من ذلك على سبیل<br />
المثال قولھ ص42 في مجموعة الرسائل النجدیة: (اعلم أن الأدلة على<br />
تكفیر المسلم الصالح إذا أشرك با أو صار مع المشركین على الموحدین<br />
ولم یشرك، أكثر من أن تحصى من كلام الله وكلام رسولھ وكلام العلماء.<br />
وأنا أذكر لك آیة من كلام الله أجمع أھل العلم على تفسیرھا وأنھا في<br />
المسلمین وأن الرجل إذا قال ذلك فھو كافر في أي زمان كان، قال الله<br />
تعالى: {من كفر با من بعد إیمانھ إلا من أكره وقلبھ مطمئن بالإیمان}<br />
[النحل: 106] الآیة، وفیھا ذكر أنھم استحبوا الحیاة الدنیا على الآخرة، فإذا<br />
كان العلماء ذكروا أنھا نزلت في الصحابة لما فتنھم أھل مكة وذكروا أن<br />
الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانھ مع بغضھ لذلك وعداوة أھلھ لكن<br />
خوفاً منھم فھو كافر بعد إیمانھ).<br />
وھو مطابق لكلام الشیخ ابن عتیق السابق وكلام الشیخ سلیمان الآتي<br />
بعده.. وھو كلام خطیر، أعلم علم الیقین بأنھ لو كان من كلامنا ولیس من<br />
كلام ھؤلاء الأئمة الأعلام لقیل: خوارج وتكفیر.. مع أن الآیة نص واضح<br />
علیھ.. وھذه القضیة تختلف عن قضیة الإكراه على كلمة الكفر التي یُعذر<br />
صاحبھا، فنحن ھاھنا مع أناس لم یُكرھوا ولم یُضربوا ولم یُعذبوا وإنما<br />
حملھم على إظھار الموافقة والولاء للمشركین، حب الدنیا والخوف علیھا<br />
والطمع بالمال والمشحة بالمسكن (والأرض والقرض كما یقولون) فھو<br />
استحباب للحیاة الدنیا على الآخرة واشتراء لمتاعھا الزائل ببذل الدین<br />
والتوحید والعقیدة.. ربما تستروا مع ذلك بالإكراه وادعوا الضرورات<br />
ولیسوا في الحقیقة من أھلھا، لذا قال تعالى في سورة آل عمران بعدما نھى<br />
عن موالاة أعدائھ وأباح التقیة للمكره الحقیقي، قال محذّراً: {ویُحذّركم الله<br />
نفسھ وإلى الله المصیر * قل إن تخفوا ما صدوركم أو تبدوه یعلمھ الله...}<br />
[آل عمران: 29-28]، وقال في الآیة التي تلتھا مباشرة: {یوم تجد كل<br />
نفس ما عملت من خیر محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بینھا<br />
وبینھ أمداً بعیداً ویُحذركم الله نفسھ..} [آل عمران: 30]، وھذا من أعظم<br />
الوعید والتھدید لمن تدبّر كتاب الله وعقلھ.. ولكن من یُرد الله فتنتھ فلن تملك<br />
لھ من الله شیئاً.. ذلك أن كثیراً ممن لاخلاق لھم یتعذّرون بالإكراه ولیسوا<br />
من أھلھ.. وقد ذكر العلماء شروطاً لصحة الإكراه منھا:<br />
أن یكون المكره (بكسر الراء) قادراً على إیقاع ما یُھدد بھ،<br />
والمأمور المكرهَ عاجزاً عن الدفع ولو بالفرار..<br />
أن یغلب على ظنّھ أنھ إذا امتنع أوقع بھ ذلك.<br />
(54)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
{<br />
}<br />
-<br />
-<br />
أن یكون ما ھُدّد بھ فوریاً، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غداً، لا<br />
یعد مكرھاً.<br />
أن لا یظھر من المأم ور ما یدل على تمادیھ بأن یعمل زیادة على ما<br />
یمكن أن یزول بھ عنھ البلاء.<br />
* كما فرّ قوا فیما یُھدّد بھ المكره ویُخوّ ف بین الإكراه على المعاصي،<br />
وبین الإكراه على قول كلمة الكفر أو موالاة الكفار وأمثالھ، فلم یُجوّ زوا<br />
الثاني إلا لمن عُذّب عذاباً لا طاقة لھ بھ، وذكروا القتل والتحریق بالنار<br />
وقطع الأعضاء والتخلید في السجن وأمثال ذلك، وعمار رضي الله عنھ ھو<br />
الذي نزلت بسببھ آیات التقیة، ومعروف أنھ لم یقل ما قال إلا بعدما رأى<br />
مقتل أمھ وأبیھ، وبعدما ذاق من العذاب ألواناً، فكسرت ضلوعھ وأوذي في<br />
الله أذىً شدیداً.. وأكثر ھؤلاء المتعذّرین بالتقیة ممن أوضعوا في الفتنة<br />
وغرقوا في الباطل والشرك لم ینلھم عشر معشار ما نالھ.. ولكن كما قلنا<br />
سابقاً؛ من یُرد الله فتنتھ فلن تملك لھ من الله شیئاً..<br />
أضف إلى ھذا أن أھل العلم یذكرون مع ذلك في أبواب الإكراه على<br />
كلمة الكفر؛ أن الأخذ بالعزیمة والصبر على الأذى واحتساب الأجر عند<br />
الله تعالى أعظم وأفضل، وھذه مواقف الصحابة وتابعیھم والأئمة شاھدة<br />
بذلك فبأمثال ھذه المواقف یكون إظھار الدین وإعزازه، وانظر صحیح<br />
البخاري باب (من اختار الضرب والقتل والھوان على الكفر) والشواھد في<br />
ذلك كثیرة وكذا مواقف الأئمة أ كثر من أن تحصى كموقف الإمام أحمد في<br />
فتنة خلق القرآن وغیرھا كثیر...<br />
ویذكرون قولھ تعالى: ومن الناس من یقول آمنا با فإذا أوذي في<br />
الله جعل فتنة الناس كعذاب الله [العنكبوت:<br />
.[10<br />
كما یذكرون أن التخییر ینافي الإكراه وذلك كحال شعیب علیھ السلام<br />
مع قومھ إذ خیّروه بین العودة إلى الكفر أو الخروج من قریتھم، ولم<br />
یجوّ زوا لذلك الاستجابة وإظھار الكفر في ھذه الحالة. وإنما سردنا ھذا كلھ<br />
لیعلم من وھبھ الله نعمة العقل والتوحید غربة ھذا الدین في زماننا وغربة<br />
دعاتھ وأھلھ الذین یعرفونھ حق المعرفة... وأن أكثر الناس الیوم قد دخلوا<br />
في دین الحكومات ودین الطواغیت مختارین بلا إكراه حقیقي، وإنما<br />
استحباباً للحیاة الدنیا ومساكنھا وأموالھا ومتاعھا ومناصبھا على دین الله،<br />
وبذلوه وباعوه بأبخس الأثمان، فإیاك أن تكون منھم فتصبح من النادمین..<br />
* وبھذا وأمثالھ یزول ما قد یستغربھ ویستھجنھ كثیر من الناس من<br />
قول الشیخ ابن عتیق ھذا فیمن وافق المشركین في الظاھر مع مخالفتھ لھم<br />
في الباطن وھو لیس في سلطانھم وإنما حملھ على ذلك ما ذكر من الدنیا<br />
ولیس الإكراه.. وقولھ: "مع مخالفتھ لھم في الباطن" یقصد بھ والله أعلم:<br />
(بحسب زعمھ) وإلا فكیف نعلم ونطلع على حقیقة باطنھ في حالھ تلك، إلا<br />
عن طریق الوحي كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة.. والله عز وجل لم<br />
(55)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
)<br />
یكلفنا بالبواطن بل نحكم بالظاھر.. فكما أننا نكف سیوفنا عمّن أبطن النفاق<br />
وأبدى موالاة الإسلام وأظھر شعائره، فكذلك نُعملھا في ھامِ من أظھر<br />
موالاة الكفار وشایعھم وانحاز لھم، وإن زعم أنھ یبطن الإسلام.. فا عز<br />
وجل تعبّدنا في أحكام الدنیا بالظواھر وھو وحده سبحانھ الذي یتولى<br />
السرائر ویعلم الصادق من الكاذب، فیحاسب الناس على أعمالھم ویبعثھم<br />
على نیاتھم كما في حدیث أم المؤمنین المتفق علیھ في الجیش الذي یُخسف<br />
بھ وفیھ المستبصر والمجبور، فیھلكھم الله جمیعاً في الدنیا ویبعثھم على<br />
نیاتھم یوم القیامة... وھذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنھ كما<br />
في صحیح البخاري: إن أناساً كانوا یؤخذون بالوحي في عھد رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم فمن أظھر لنا خیراً أمّنّاه وقربناه ولیس إلینا من<br />
سریرتھ شيء الله یحاسب سریرتھ. ومن أظھر لنا سوءاً لم نأمنْھ ولم نُصدّقھ<br />
وإن قال إن سریرتھ حسنة).<br />
وھكذا كان أمر النبي صلى الله علیھ وسلم في تعاملاتھ مع الناس في<br />
الحروب وغیرھا، فھا ھو العباس بن عبد المطلب وقد كان یدّعي الإسلام<br />
وینتسب إلیھ، انظر على سبیل المثال (88 و89 و6/91) من مجمع<br />
الزوائد، و(ص4/246-242) من مشكل الآثار وغیره.. ولكنھ بقي في مكة<br />
وھي دار كفر آنذاك ولم یھاجر إلى دار الإسلام وخرج مع المشركین یوم<br />
بدر، فأسره المسلمون وعاملوه على ظاھره لا بما زعمھ وادعاه من إبطان<br />
الإسلام، لأنھ خرج في صفوف المشركین یكثر سوادھم، وروي أنھ زعم<br />
أنھ كان مكرھاً في الخروج معھم كما في بعض الآثار المشار إلیھا آنفاً،<br />
وفي بعضھا أن النبي صلى الله علیھ وسلم قال لھ عندما رآه یتعذّر بالإكراه<br />
ویدعي الإسلام: (الله أعلم بشأنك إن یك ما تدعي حقاً فا یجزیك بذلك،<br />
فأما ظاھر أمرك فقد كان علینا فافد نفسك..) رواه الإمام أحمد ورجالھ<br />
ثقات، إلا أن فیھ راوٍ لم یُسم، وعلى كل حال یكفینا في ھذا ما ھو ثابت في<br />
صحیح البخاري وغیره، من أن النبي صلى الله علیھ وسلم عاملھ بظاھر<br />
أمره ولم یطلقھ إلا بعدما فدى نفسھ كبقیة الأسرى المشركین.. ولعل من ھذا<br />
الباب أیضاً ما جاء في صحیح مسلم من حدیث عمران بن حصین في قصة<br />
الرجل من بني عقیل الذي كان من حلفاء ثقیف أسر ولم یطلقھ النبي رغم<br />
ادعائھ الإسلام، انظره في مختصر المنذري تحت رقم (1008)..<br />
ε<br />
فعلم من ھذا كلھ أننا مكلفون في معاملاتنا وأحكامنا في الدنیا بالظاھر<br />
دون الباطن، وھذا من فضل الله عز وجل علینا وإلا لأمسى الإسلام وأھلھ<br />
ألعوبة وأضحوكة لكل جاسوس وخبیث وزندیق. ومن ھذا الباب قصة<br />
حاطب وما كان من صنیعھ عام الفتح.. فالأصل أن یُحكم على ظاھر من<br />
عمل مثل عملھ بالكفر وأن یجري المسلمون علیھ ما یستوجب ظاھره من<br />
الأحكام في الدنیا كالقتل والأسر، ومن طالع حال المرتدین وأقسامھم<br />
وبعض حججھم وتأویلاتھم، وحجج من خُدع منھم بشھود الرجال على نبوة<br />
مسیلمة وقصة ثمامة والیشكري وما إلى ذلك.. وكیف أن الصدیق عاملھم<br />
جمیعاً بالظاھر. فأعمل فیھم القتل والأسر.. وأن ھذا كان من أعظم فضائلھ<br />
ومناقبھ وحسناتھ؛ عرف صحة ما نقصده ونرمي إلیھ، ویراجع في ذلك<br />
(56)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
كلام الشیخ محمد بن عبد الوھاب رحمھ الله تعالى فھو كثیر في ھذا الباب..<br />
انظر على سبیل المثال المواضیع الستة التي ذكرھا في مقدمة السیرة<br />
وغیرھا كثیر.. وھذا ھو تماماً ما فھمھ عمر رضي الله عنھ في قصة<br />
حاطب وصرّ ح بھ في حضرة النبي صلى الله علیھ وسلم، ومعلوم أن النبي<br />
صلى الله علیھ وسلم لم ینكر على عمر ھذا الفھم، ولا قال لھ صلى الله علیھ<br />
وسلم في ذلك المقام: (إذا قال الرجل لأخیھ یا كافر فقد باء بھ أحدھما)، بل<br />
أقر حكمھ ولم ینكره فیمن لیس لھ مانع كمانع حاطب، وزكى لنا باطن<br />
حاطب بقولھ: (وما یدریك لعل الله قد اطّلع على أھل بدر..) إلخ، وقد قال<br />
حاطب رضي الله عنھ كما جاء في البخاري وغیره: (ما فعلت ذلك كفراً<br />
ولا ارتداداً ولا رضى بالكفر بعد الإسلام) فقال صلى الله علیھ وسلم مزكیاً<br />
لھ: (قد صدقكم).. والمبادرة إلى ھذا القول منھ رضي الله عنھ من أظھر<br />
الأدلة على أن الصحابة قد كان مستقراً في نفوسھم أن الأصل في ظاھر<br />
ھذا العمل أن یكون ردّة وكفراً.. وفي روایة أبي یعلى وأحمد قال: (أما إني<br />
لم أفعلھ غشاً لرسول الله صلى الله علیھ وسلم ولا نفاقاً، قد علمت أن الله<br />
مظھر رسولھ ومتم لھ نوره) وفي روایة أخرى لھما أیضاً: (أما والله یا<br />
رسول الله ما تغیّر الإیمان من قلبي..) انظر مجمع الزوائد (9/306) وتأمل<br />
قول النبي صلى الله علیھ وسلم في روایة البخاري: (قد صدقكم) فھذا<br />
الصحابي البدري قد استثناه النبي صلى الله علیھ وسلم وزكّاه وشھد بصدق<br />
سریرتھ وباطنھ وأنھ لم یفعل ذلك ردة وكفراً بل كانت منھ كبیرة من كبائر<br />
الذنوب اغتفرت في مقابل كونھ بدریاً.. فھل في المھوّ نین من شأن موالاة<br />
الكفار المتنطعین بقصة حاطب ھل فیھم الیوم على وجھ الأرض بدریاً اطلع<br />
الله على قلبھ، لیجعلوا ھذا الفعل كبیرة على الإطلاق ویتھاونوا فیھ<br />
ویتساقطوا تساقطاً..؟؟<br />
ولا نسأل ھذا السؤال إلا بعد أن نعلم صدق سرائرھم وأنھم ما فعلوه<br />
ردةً ولا كفراً.. ودون ذلك خرط القتاد.. فمن أین لنا أن نعلم بعد انقطاع<br />
الوحي صدق سرائرھم وبواطنھم ومن یزكیھم ویشھد لنا بعد رسول الله<br />
صلى الله علیھ وسلم بذلك. فھذا مانع من موانع الكفر الباطنة غیر الظاھرة،<br />
ولا نكلف بھ بعد انقطاع الوحي، لأجل ذلك كان الأصل فیمن أظھر الركون<br />
إلى الكفار وموافقتھم وموالاتھم أن نحكم علیھ بظاھره كما تقدم والله یتولى<br />
السرائر إن كان على غیر ذلك، ویُبعث على نیتھ إن قتلھ المسلمون في<br />
صفوف الكفار، وإن أسر تجري علیھ أحكام الكفار كما تقدم، والمسلمون<br />
معذورون في قتل من أظھر مثل ھذا وإن ادعى وزعم أنھ یبطن الإسلام<br />
وموالاة أھلھ، وانظر في ھذا كلام شیخ الإسلام ابن تیمیة رحمھ الله تعالى<br />
حول الجیش الذي یغزو الكعبة فیخسف بھ، وقصة أسر العباس یوم بدر<br />
وادعائھ الإسلام.. في مجموع الفتاوى (28/537) وكذا كلام تلمیذه العلامة<br />
ابن القیم في الزاد (3/422 ( وغیرھما من العلماء المحققین.. وتأمل كذلك<br />
سبب نزول قولھ تعالى: {إن الذین توفاھم الملائكة ظالمي أنفسھم<br />
97] ارجع إلیھ في صحیح البخاري وغیره فإنھ مفید في ھذا الباب<br />
أیضاً.. انشط وتأمل ذلك كلھ وانفض غبار النوم عن عینیك ولا تكن مع<br />
الكسالى المقلدین..<br />
{<br />
[النساء:<br />
(57)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* وأخیراً فقد ذكر الحافظ في الفتح (7/521) عن بعض أھل<br />
المغازي قال وھو في (تفسیر یحیى بن سلام) أن لفظ كتاب حاطب كان:<br />
(أما بعد یا معشر قریش، فإن رسول الله قد جاءكم بجیش كاللیل یسیر<br />
كالسیل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز لھ وعده، فانظروا لأنفسكم<br />
والسلام) وكذا حكاه السھیلي.<br />
ε<br />
قلت: فلو تأمل العاقل كتاب حاطب ھذا وما فیھ من ثقتھ بنصر الله<br />
لنبیھ صلى الله علیھ وسلم وتعظیمھ من شأنھ، ومع ذلك فقد أنزل الله تعالى<br />
بسبب فعلتھ ھذه آیات عظیمات تقشعر منھا جلود الذین آمنوا فقال: {یا أیھا<br />
الذین آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولیاء تلقون إلیھم بالمودة وقد<br />
كفروا بما جاءكم من الحق یخرجون الرسول وإیاكم أن تؤمنوا با ربكم<br />
إن كنتم خرجتم جھاداً في سبیلي وابتغاء مرضاتي تسرون إلیھم بالمودة<br />
وأنا أعلم بما أخفیتم وما أعلنتم ومن یفعلھ منكم فقد ضلّ سواء السبیل}<br />
[الممتحنة: 1]، فلو تأملت ھذا ھداك الله، وكیف شدّد الله تعالى فیھ وجعلھ<br />
من موالاة ومودة أعدائھ.. ثم نظرت في أحوال كثیر من المنتسبین للدعوة<br />
والإسلام في ھذا الزمان، وما یقع منھم من مباركة ومداھنة بل ومناصرة<br />
ومؤازرة عبید القانون وأذناب الفرنجة وأعداء الشریعة والتوحید، وما<br />
یظھروه من موالاة دساتیرھم وحكوماتھم والقسم على احترام قوانینھم؛<br />
لعرفت غربة الدین الحقیقة، وغربة أھلھ العارفین لھ حق المعرفة وندرتھم<br />
فإیاك والتفریط بالدین، إیاك.. إیاك.<br />
قال الشیخ حمد بن عتیق: (وأمّا ما یعتقده كثیر من الناس عذراً، فإنھ<br />
من تزیین الشیطان وتسویلھ وذلك أن بعضھم إذا خوّ فھ أولیاء الشیطان<br />
خوفاً لا حقیقة لھ ظنّ أنھ یجوز لھ إظھار الموافقة للمشركین والانقیاد لھم..<br />
إلخ). ثم ذكر كلاماً لشیخ الإسلام ابن تیمیة في صفة الإكراه على كلمة<br />
الكفر وأنھ لا یكون إلا بالضرب والتعذیب والقتل لا بمجرد الكلام ولا<br />
بالتخویف بالحیلولة دونھ ودون زوجتھ أو مالھ أو أھلھ... ثم قال رحمھ الله<br />
تعالى: (فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثیر من الناس تبین لك قول<br />
النبي صلى الله علیھ وسلم: (بدأ الإسلام غریباً وسیعود غریباً كما بدأ) وقد<br />
عاد غریباً، وأغرب منھ من یعرفھ على الحقیقة، وبا التوفیق) اھ من<br />
"سبیل النجاة" الموضع نفسھ.<br />
* ویقول الشیخ سلیمان بن عبد الله بن الشیخ محمد بن عبد الوھاب<br />
(صاحب كتاب تیسیر العزیز الحمید) في مقدمة رسالة (حكم موالاة أھل<br />
الإشراك): (اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظھر للمشركین الموافقة على<br />
دینھم خوفاً منھم، ومداراة لھم، ومداھنة لدفع شرھم، فإنھ كافر مثلھم وإن<br />
كان یكره دینھم ویبغضھم ویحب الإسلام والمسلمین...).<br />
ثم ذكر ما ھو أشد من ذلك من مناصرة المشركین بالمال وموالاتھم<br />
وقطع موالاة المسلمین.. إلى أن قال: (ولا یُستثنى من ذلك إلا المكره وھو<br />
الذي یستولي علیھ المشركون، فیقولون لھ: اكفر، أو افعل كذا، وإلا فعلنا<br />
(58)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بك وقتلناك، أو یأخذونھ فیعذبونھ حتى یوافقھم، فیجوز لھ الموافقة باللسان<br />
مع طمأنینة القلب بالإیمان. وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر<br />
ھازلاً، أنھ یكفر، فكیف بمن أظھر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنیا؟!) اھ. ثم<br />
أخذ بسرد أكثر من عشرین دلیلاً على ذلك.. ولذلك اشتھر كتابھ باسم<br />
(الدلائل)… فلیتأمل ذلك كلھ المنتسبون إلى الدعوة ممن یظھرون موالاة<br />
عبید الیاسق وموافقتھم وینافحون عنھم وعن قوانینھم وحكوماتھم<br />
وجیوشھم.. ولیتدبروه.. فإنھ یھمھم جداً، خصوصاً، إذا علموا أنھ كلھ<br />
مُنصبٌ على عساكر الدولة المصریة حینما دخلوا نجداً في عھد الشیخ حمد<br />
بن عتیق والشیخ سلیمان رحمھما الله، حیث صنفا كتاب (سبیل النجاة<br />
والفكاك) وكتاب (الدلائل) في ذلك الوقت لتحذیر الناس من موالاة أولئك<br />
العساكر الذین كانوا یتشبثون بكثیر من البدع والخرافات وشركیات القبور،<br />
انظر ص309 وغیرھا من جزء الجھاد من كتاب الدرر السنیة.. ومن<br />
المعلوم عن علماء نجد المشاھیر من أولاد الشیخ محمد بن عبد الوھاب<br />
وأتباعھ في ذلك الزمان أنھم كانوا یكفرون الدولة المصریة وعساكرھا<br />
التابعین للدولة التركیة كما ھو مشھور في كثیر من رسائلھم، بل یكفرون<br />
كل من والاھم أو دخل في طاعتھم ورضي عنھم واتخذھم ولیجة من دون<br />
المؤمنین.. والسؤال الذي یطرح نفسھ بإلحاح الآن: إذا كان ھذا حكم أولئك<br />
الأئمة الأعلام في العساكر التابعین للدولة التي یتباكى علیھا وعلى أیامھا<br />
أكثر مسلمي ھذا الزمان.. وإذا كانت ھذه مصنفاتھم فیمن والاھا وأحبھا أو<br />
أحب ظھورھا.. فماذا تراه یكون قولھم في عبید الیاسق العصري؟؟<br />
وبماذا كانوا سیحكمون على من أظھر الولاء لھم ولجیوشھم<br />
وشرطتھم خوفاً من الحرمان من المساكن والقسائم أو الوظائف أو غیر ذلك<br />
من قشور الدنیا ومتاعھا؟؟ وبماذا كانوا سیحكمون على من أقسم على<br />
الإخلاص لھم أو على احترام قوانینھم.. لو أنھم أدركوا ھذا الزمان؟؟؟<br />
"فالحذر الحذر أیھا العاقلون والتوبة التوبة أیھا الغافلون فإن الفتنة<br />
حصلت في أصل الدین لا في فروعھ، ولا في الدنیا، فیجب أن تكون<br />
العشیرة والأزواج والأموال والتجارة والمساكن وقایة للدین وفداءً عنھ، ولا<br />
یُجعل الدین فداءً عنھا ووقایة لھا قال تعالى: {قل إن كان آباؤكُم وأبناؤُكم<br />
وإخوانكم وأزواجكم وعشیرتكم وأموال اقترفتموھا وتجارة تخشون<br />
كسادھا ومساكن ترضونھا أحب إلیكم من الله ورسولھ وجھاد في سبیلھ<br />
فتربصوا حتى یأتي الله بأمره والله لا یھدي القوم الفاسقین} [التوبة:<br />
فتفطن لھا وتأملھا فإن الله أوجب أن یكون الله ورسولھ والجھاد أحب من<br />
تلك الثمانیة كلھا، فضلاً عن واحدة منھا أو أكثر، أو شيء دونھا مما ھو<br />
أحقر، فلیكن الدین عندك أغلى الأشیاء وأعلاھا..." اھ. من الدرر<br />
ص127 جزء الجھاد.<br />
،[24<br />
(59)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
فصل<br />
من أسالیب الطغاة لتمییع <strong>ملة</strong> إبراھیم وقتلھا<br />
في نفوس الدعاة<br />
وبعد.. فإذا كنت قد فھمت <strong>ملة</strong> إبراھیم فھماً جیداً.. وعلمت أنھا منھج<br />
الرسل وأتباعھم.. وأنھا طریق النصر والفوز والسعادة في الدارین.. فلتعلم<br />
بعد ذلك علم الیقین أن الطغاة في كل زمان لا یرضون عنھا، بل یخافون<br />
ھذه الملّة العظیمة ویخشونھا.. ویحرصون كل الحرص على قتلھا ونزعھا<br />
من نفوس الدّعاة بشتى الحیل والأسالیب..<br />
كما أخبر تعالى بذلك عنھم منذ القدیم فقال في سورة القلم وھي مكیة:<br />
{ودّوا لو تدھن فیدھنون} [القلم: 9]. فھم یتمنّون أن یسلك الدّعاة غیره من<br />
السبل المعوجّة وینحرفوا عن دعوة الأنبیاء الصلبة المستقیمة.. ولا یزالون<br />
یخطّطون لأجل حرف الدعاة عن ھذا الصراط المستقیم.. إلى سبل فیھا<br />
سكوت عن كثیر من باطلھم، تُرضي خواطرھم.. أو تلتقي معھم في بعض<br />
أمورھم.. ھكذا.. حتى تموت الدعوة وتتمیع قضیتھا وینحرف دعاتھا عن<br />
خطھا الواضح البیّن المستقیم فالطّغاة یعلمون أن أول التقھقر خطوة إلى<br />
الوراء.. ثم تعقب ھذه الخطوة، خطوات وخطوات.. ینسى معھا الدعاة<br />
منھج الدعوة الأصیل.. ویحصل یقیناً من ھذا الانحراف.. التقاء مع أھل<br />
الباطل في كثیر من باطلھم أو بعضھ.. وذلك غایة ما یتمنونھ ابتداء.. لذلك<br />
فإنھم إن یروا من ھؤلاء الدعاة تنازلاً أو تقھقراً.. أظھروا لھم الرضى عنھم<br />
وعن دعواتھم، وقربوھم وأثنوا على جھودھم وأظھروا لھم الود والحب..<br />
قال تعالى: {وإن كادوا لیفتنونك عن الذي أوحینا إلیك لتفتري علینا غیره<br />
وإذاً لاتخذوك خلیلا} [الإسراء:<br />
.[73<br />
یقول سید قطب رحمھ الله تعالى عند ھذه الآیة بعد أن ذكر محاولات<br />
المشركین لمساومة الرسول صلى الله علیھ وسلم على كثیر من أمور دینھ<br />
ودعوتھ ومن ذلك: ترك التندید بآلھتھم وما كان علیھ آباؤھم إلى غیر ذلك..<br />
یقول: "ھذه المحاولات التي عصم الله منھا رسولھ، وھي محاولات<br />
أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً، محاولة إغرائھم لینحرفوا<br />
ولو قلیلاً عن استقامة الدعوة وصلابتھا. ویرضوا بالحلول الوسط التي<br />
یغرونھم بھا في مقابل مغانم كثیر. ومن ح<strong>ملة</strong> الدعوات من یفتن بھذا عن<br />
دعوتھ لأنھ یرى الأمر ھیناً. فأصحاب السلطان لا یطلبون إلیھ أن یترك<br />
دعوتھ كلیة، إنما ھم یطلبون تعدیلات طفیفة لیلتقي الطرفان في منتصف<br />
الطریق. وقد یدخل الشیطان على حامل الدعوة من ھذه الثغرة، فیتصور أن<br />
خیر الدعوة في كسب أصحاب السلطان إلیھا ولو بالتنازل عن جانب منھا!<br />
ولكن الانحراف الطفیف في أول الطریق ینتھي إلى الانحراف الكامل في<br />
نھایة الطریق، وصاحب الدعوة الذي یقبل التسلیم في جزء منھا ولو یسیر،<br />
وفي إغفال طرف منھا ولو بضئیل، لا یملك أن یقف عند ما سلم بھ أول<br />
(60)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
مرة.. لأن استعداده للتسلیم یتزاید كلما رجع خطوة إلى الوراء! وأصحاب<br />
السلطان یستدرجون أصحاب الدعوات، فإذا سلموا في الجزء، فقدوا ھیبتھم<br />
وحصانتھم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر<br />
ینتھیان لكسب أصحاب السلطان إلى صفھا، ھو ھزیمة روحیة بالاعتماد<br />
على أصحاب السلطان في نصر الدعوة. والله وحده ھو الذي یعتمد علیھ<br />
المؤمنون بدعوتھم.. ومتى دبّت الھزیمة في أعماق السریرة، فلن تنقلب<br />
الھزیمة نصراً!" اھ.<br />
نعم.. وإننا لنرى كثیراً من دعاة الیوم قد اتخذھم الطغاة أخلاّء، فھم لا<br />
یضرونھم أو یعادونھم.. لأن أولئك الدعاة قد أظھروا الرضى عن كثیر من<br />
باطلھم فالتقوا معھم في منتصف الطریق.. وجالسوھم في الندوات<br />
والحفلات والھلكات.<br />
ومن أمثلة ھذه الأسالیب في واقعنا المعاصر.. :<br />
* ما أشرنا إلیھ مما یؤسسھ كثیر من الطواغیت من برلمانات<br />
ومجالس أمة وأشباھھا.. لیجمعوا فیھا خصومھم من الدعاة وغیرھم<br />
فیجالسونھم فیھا ویقاعدونھم ویختلطون بھم حتى یمیعوا القضیة بینھم، فلا<br />
تعود المسألة مسألة براءة منھم أو كفر بقوانینھم ودساتیرھم أو انخلاع من<br />
باطلھم كلھ.. بل تعاون وتآزر ومناصحة وجلوس على طاولة الحوار لأجل<br />
صالح البلاد واقتصادھا وأمنھا و... و... و... لأجل الوطن الذي یتحكم بھ<br />
الطاغوت ویحكمھ بأھوائھ وكفریاتھ.. ، وھذه مزلة عایشنا أھلھا ورأینا<br />
أكثرھم ممن ینتسبون إلى منھج السلف أو یتمسحون بكلام سید قطب<br />
وأمثالھ.. ومع ذلك أمسوا بعد سقوطھم في ھذه المزلة یصفقون للطواغیت<br />
ویقومون لھم إجلالاً واحتراماً ویخاطبونھم بألقابھم بل وینادون بالولاء<br />
لحكوماتھم وجیوشھم وأمنھم.. ویقسمون على احترام دساتیرھم وقوانینھم..<br />
وغیر ذلك.. فماذا أبقوا لدعواتھم؟ نعوذ با من الضلال..<br />
* ومن ذلك أیضاً ما یلجأ إلیھ كثیر من ھؤلاء الطواغیت من تجنید<br />
العلماء وشغل أوقاتھم لصالحھم في محاربة خصومھم ومن یخافونھم على<br />
أنظمتھم وحكوماتھم كالشیوعیین مثلاً أو الشیعة أو غیرھم ممن یھددونھم<br />
ویھددون حكمھم.. فیلجأ الطاغوت إلى بعض ھؤلاء العلماء المتحمسین<br />
المبغضین لتلك الاتجاھات الضالة.. فیعینھم على أولئك الأعداء المشتركین<br />
ویخادع ھؤلاء العلماء بإظھار حرصھ على الدین وعلى أھلھ وتخوفھ من<br />
أولئك على حرمات المسلمین، ویمدھم بالعون والدعم المادي والمعنون<br />
لمحاربة أولئك.. فیسقط ھؤلاء المساكین بحبائلھ ویضیعون أعمارھم<br />
وأوقاتھم ودعواتھم في نصرة عدو على عدو.. بل یصل الحال بكثیر منھم<br />
بأن یلغوا عداوتھم للطاغوت القریب ویصادقونھ بل ربما أصبحوا في یوم<br />
من الأیام جنداً وأعواناً مخلصین لھ ولحكومتھ.. یكرسون حیاتھم في خدمتھ<br />
وتثبیت عرشھ وحكمھ ودولتھ.. شعروا أو من حیث لا یشعرون.. ولیتھم<br />
عقلوا قولة العبد الصالح: {رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظھیراً<br />
(61)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
.<br />
للمجرمین} [القصص: 17]، فقد نقل القرطبي في ھذه الآیة عن بعض<br />
الروایات "أن الإسرائیلي الذي استنصر موسى كان كافراً وإنما قیل لھ من<br />
شیعتھ لأنھ كان إسرائیلیاً ولم یُرد الموافقة في الدین.. فعلى ھذا ندم لأنھ<br />
أعان كافراً على كافر، فقال: "لا أكون بعدھا ظھیراً للكافرین" وظھیراً: أي<br />
معیناً. ولیتھم عقلوا قولھ تعالى: {یا أیّھا الذین آمنوا قاتلوا الذین یلونكم من<br />
الكفار ولیجدوا فیكم غلظة..} [التوبة: 123]. إذاً لما وقعوا فیما وقعوا فیھ..<br />
فإن أولئك الشیوعیین أو غیرھم وإن كانوا أعداء للإسلام وأھلھ.. وعداوتھم<br />
والبراءة منھم والكفر بباطلھم مطلوبة أیضاً.. إلا أن البدء بالأھم فالأھم<br />
والأقرب فالأقرب أمر مقرر ومعروف في سیرة نبینا محمد صلى الله علیھ<br />
وسلم، بل وتأبى العقول السلیمة خلافھ، ذلك لأن خطر الأقرب المباشر<br />
وتأثیره وفساده وفتنتھ أعظم وأشد من البعید، أو القریب غیر المباشر، ولذا<br />
كانت مجاھدة النفس والشیطان قبل مجاھدة الأعداء عموماً.. وما كان<br />
رسول الله صلى الله علیھ وسلم لیبدأ أول ما بدأ بفارس والروم أو بالیھود،<br />
ویتغافل عمن ھو بین ظھرانیھم<br />
* بل ربما استغل كثیر من الطواغیت ھذا المزلق الخطیر.. وسخروا<br />
كثیراً من ھؤلاء العلماء الجھلاء.. في الصد عن كثیر من الدعاة والتنفیر<br />
من جماعاتھم الإسلامیة ممن ھم خصوم لأولئك العلماء في الدعوة إلى الله<br />
أو في المذھب أو المنھج.. أو غیر ذلك... بل ربما استخلصوا منھم الفتاوى<br />
لقمعھم والقضاء علیھم وعلى دعواتھم بحجة أنھم من الخوارج أو البغاة<br />
المارقین المفسدین في الأرض.. {ألا إنھم ھم المفسدون} وھم یعلمون<br />
ویشعرون.. ولقد شاھدنا ھذه المزلة كثیراً في أھل زماننا وإلى الله<br />
المشتكى.. وما درى أولئك العلماء المساكین أو إخوانھم الدعاة مھما بلغوا<br />
من الانحراف.. فإنھ انحراف عن جھل أو تأویل.. بل حتى لو كان عن علم<br />
وإصرار، فلن یبلغ مبلغ انحراف الطواغیت ومحادتھم ولدینھ..<br />
* ومن ذلك أیضاً إغراء المؤمنین والدعاة بالمناصب والمراكز<br />
والوظائف والألقاب.. ومنحھم الامتیازات والأموال والمساكن، والإغداق<br />
علیھم بالخیرات وغیر ذلك. حتى یقیدوھم ویثقلوھم ویقفلوا أفواھھم بھا..<br />
ویحققوا معھم قول قائلھم: (الثدي الذي یرضعك لا تعضھ) وھكذا إلى أن<br />
یفتتن بھم ھؤلاء الدعاة أو أولئك العلماء ویفتنون بحكوماتھم، حتى یصل<br />
بھم الحال إلى أن یرقعوا باطل أولئك الطغاة بفتاویھم المختلفة.. وبتردیدھم<br />
لأفضالھم وتسبیحھم بحمدھم لیل نھار...<br />
یقول ابن الجوزي في تلبیس إبلیس ص121: (ومن تلبیس إبلیس على<br />
الفقھاء، مخالطتھم الأمراء والسلاطین ومداھنتھم وترك الإنكار علیھم مع<br />
القدرة على ذلك). وقال ص122: (وفي الج<strong>ملة</strong>، فالدخول على السلاطین<br />
خطر عظیم لأن النیة قد تحسن في أول الدخول ثم تتغیر بإكرامھم وإنعامھم<br />
أو بالطمع فیھم، ولا یتماسك عن مداھنتھم وترك الإنكار علیھم، وقد كان<br />
سفیان الثوري رضي الله عنھ یقول: "ما أخاف من إھانتھم لي، إنما أخاف<br />
من إكرامھم فیمیل قلبي إلیھم) اھ.<br />
(62)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ولو تفكر العاقل في أولئك الذین كان یخاف سفیان أن یمیل قلبھ إلیھم..<br />
لوجد البون بینھم وبین طغاة زماننا واسعاً شاسعاً.. فا المستعان.. ورحم<br />
الله من قال:<br />
لا شيء أخسر صفقة من عالم<br />
فغدا یفرق دینھ أید سبا<br />
من لا یراقب ربھ ویخاھ<br />
لعبت بھ الدنیا مع الجھال<br />
ویزیلھ حرصاً لجمع المال<br />
تبت یداه ومالھ وا ِل<br />
* ومنھ أیضاً إظھار بعض ھؤلاء الطواغیت حرصھم على جوانب<br />
وفروع من الدین والدعوة إلیھا لیستقطبوا بذلك كثیراً من الدعاة والعلماء<br />
الذین یخافون من إخلاصھم، وحب الناس لھم، فیؤسسون لھم معاھد ودوراً<br />
وإذاعات ویشغلونھم بوزارات الأوقاف ومشاریعھا وموسوعاتھا وغیر ذلك<br />
مما لا یمس طغیان ھؤلاء الطواغیت وفسادھم..<br />
ومن قبیل ذلك أیضاً روابط ومؤسسات الضرار التي یؤسسھا ھؤلاء<br />
الطواغیت.. كرابطة العالم الإسلامي التي انخدع بھا كثیر من علمائنا<br />
المساكین رغم خطھا المكشوف الأسود المداھن لكثیر من الحكومات<br />
الفاسدة عموماً، وللحكومة السعودیة وطواغیتھا خصوصاً.. حتى لقلما تخلو<br />
نشرة أو كتاب من مطبوعاتھم إلا ویطفح بالتملق والنفاق لتلك الدولة..<br />
ناھیك عن علاقاتھا وعلاقات مسؤولیھا المشبوھة مع طواغیت الدول<br />
المختلفة الأخرى... وخلافھا وانتقادھا لبعض تلك الدول إنما یكون تبعاً<br />
لأھواء دولتھا الأم.. فإذا كانت الأمور بین الطواغیت على ما یرام فھي<br />
كذلك عندھا.. وإذا ھاجم طاغوت كالقذافي مثلاً دولتھا أو طواغیتھا<br />
وسیاستھم فإن الفتاوى والاستنكارات تتابع وتنھال.. ثم إذا رجعت الأمور<br />
إلى حالھا الأول بین الطواغیت، ھدأت وخرست تلك الفتاوى وما عدنا<br />
نسمع لھا حساً.. مع أن الطاغوت ھو ھو.. ما تغیر وما تبدل بل ربما<br />
أصبحت حالھ أشد وأنكى مما مضى... ولو رأوه بأعینھم یطوف بالبیت<br />
بنجسھ وطغیانھ.. لما حركوا ساكناً.. فإلى الله المشتكى.. وعلى كل حال<br />
فھذه المؤسسة وأمثالھا لن تعدو كونھا مؤسسة حكومیة ولقد اعتدنا ألا نثق<br />
بما یأتي من الحكومات.. ونعمت العادة.<br />
* ومنھ أیضاً ما یمنحونھ لكثیر من الدعاة من أذون وتراخیص<br />
للدعوة والخطابة وما ینشئونھ من (ھیئات الأمر بالمعروف والنھي عن<br />
المنكر) التي تعمل على استیعاب واحتواء الدعاة المتحمسین وصدھم عن<br />
منكرات الحكومة وسیاساتھا وباطلھا وفساد طواغیتھا الكبیر.. بشغلھم<br />
ببعض منكرات العامة.. خلاصة تلك المنكرات التي قد تھدد أمن الدولة<br />
واستقرار حكم الطواغیت.. ولن یتعدوھا إلى مستویات أعلى وأعظم ما<br />
داموا قد ربطوا أنفسھم بتلك الھیئات أو ذلك الإذن الذي یتحكم فیھم وفي<br />
دعواتھم.. ویشدھم شداً..<br />
(63)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
* ومن ذلك أیضاً تدمیرھم وتحطیمھم وقتلھم لھذه ال<strong>ملة</strong> في نفوس<br />
النشىء من ذراري المؤمنین.. عن طریق مدارسھم ومعاھدھم وأجھزة<br />
إعلامھم ومؤسساتھم الطاغوتیة المختلفة.. فحیث أن ھؤلاء الطواغیت أشد<br />
خبثاً وأعظم مكراً من فرعون.. فھم لا یلجأوون إلى أسلوبھ في تقتیل<br />
الأبناء، إلا في آخر الأمر حین تعجز أسالیبھم الخبیثة الأخرى، فیحاولون<br />
جاھدین قبل ذلك أن یقتلوا ھذه ال<strong>ملة</strong> في نفوسھم، فبدلاً من أن یھلكوا<br />
الأجیال حسیاً كما فعل فرعون، یقتلون فیھم ھذه ال<strong>ملة</strong> فیھلكونھم أیّما<br />
إھلاك، وذلك بتربیتھم على حبھم والولاء لھم ولقوانینھم وحكوماتھم عبر<br />
مدارسھم الفاسدة ھذه، ووسائل إعلامھم الأخرى التي یدخلھا وینقلھا كثیر<br />
من جھال المسلمین إلى بیوتھم.. فبدلاً من أن یثیر ھؤلاء الطواغیت الناس<br />
باستعجال القتل الحقیقي... یتبعون ھذه السیاسة الخبیثة لیسبح الناس بحمدھم<br />
وبأفضالھم على أنھم ماسحوا الأمیة وناشروا العلم والحضارة.. وفوق ذلك<br />
كلھ وتحت ھذا الغطاء یربون من ذراري المسلمین أتباعاً أوفیاء وخدماً<br />
مخلصین لحكوماتھم ولقوانینھم وأسرھم الحاكمة.. أو على أقل الأحوال<br />
یربون جیلاً مائعاً جاھلاً منحرفاً، راغباً عن ھذه الدعوة الصلبة وال<strong>ملة</strong><br />
القویمة.. مداھناً لأھل الباطل.. لا یقوى بل ولا یصلح لمواجھتھم أو یفكر<br />
فیھا.. وقد فصّلنا ھذا الأمر وكشفنا أسلوبھم الخبیث ھذا في رسالتنا المسماة:<br />
(إعداد القادة الفوارس بھجر فساد المدارس).<br />
وكم یسقط ویھبط الداعیة إذا زلّ بشيء من ھذه المزلات، فما ھذه<br />
الحال التي نعایشھا الیوم من انعدام ثقة الناس بالقیادات الإسلامیة وبالعلماء<br />
إلا واحدة من ثمرات ھذه المزلة.. وكم یصغر في أعین الطغاة أنفسھم<br />
وتنتزع ھیبتھ من قلوبھم، فلا یخافونھ ولا یخشون دعوتھ.. ولا یحسبون لھ<br />
عند ذلك أي حساب.. أما إذا رأوا منھ صلابة وثباتاً كثبات الجبال، وبراءة<br />
وإباء وترفعاً عن الالتقاء بھم في أي نقطة من نقاط طرائقھم المخالفة لمنھج<br />
الدعوة القویم فعند ذلك یحسبون لھ ألف حساب ویلقي الله الرعب المھابة في<br />
قلوب الطغاة.. كما كانت ھیبة النبي صلى الله علیھ وسلم في نفوس الكفار..<br />
وكما كان یُنصر بالرعب من مسیرة شھر.. فالحذر من ھذه المنزلقات..<br />
والحذر من السقوط في ألاعیب الطغاة..<br />
أخیراً.. فقد بیّن الله عز وجل لنا ھذه المخطّطات، وكشف لنا تلك<br />
الألاعیب، وحذّرنا منھا.. وأعطانا الحل والعلاج.. وأرشدنا إلى الطریق<br />
الصحیح، فقال مباشرة قبل قولھ: {ودوا لو تدھن فیدھنون} [القلم:<br />
قال: {فلا تطعْ المكذّبین} [القلم:<br />
،[9<br />
.[8<br />
لا تطعھم.. ولا تركن إلیھم، ولا تقبل أنصاف حلولھم.. فإن ربك قد<br />
أعطاك الدین الحق، ودلّك على الصراط المستقیم، وھداك إلى <strong>ملة</strong> إبراھیم..<br />
* ومثل ذلك تماماً، قولھ تعالى في سورة الإنسان وھي مكیة أیضاً:<br />
{إنا نحن نزّلنا علیك القرآن تنزیلاً فاصبر لحكم ربّك ولا تطع منھم آثماً أو<br />
كفوراً} [الإنسان: 24]، وفي ذكر القرآن وامتنان الله عز وجل على نبیھ<br />
(64)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بتنزیلھ علیھ، قبل النھي عن طاعة الكفار الآثمین، بیان لطریق الدعوة<br />
الصحیح.. فإن ھذه الطریق لا یختارھا الدعاة من عند أنفسھم، ولیس لھم أن<br />
یرسموھا أو یحددوا معالمھا كما یھوون أو یتخیرون.. وإنما ھي <strong>ملة</strong><br />
إبراھیم <strong>ودعوة</strong> الأنبیاء والمرسلین المذكورة المفصلة في ھذا القرآن.<br />
* ومثل ذلك أیضاً قولھ تعالى في سورة الفرقان وھي مكیة أیضاً:<br />
{فلا تطع الكافرین وجاھدھم بھ جھاداً كبیراً} [الفرقان: {وجاھدھم<br />
بھ} أي بالقرآن الكریم.. فلا تعدل لمنھج وأسلوب وطریق للدعوة سوى<br />
الطریق التي أمرت بھا في القرآن.. وأنذرھم بھذا القرآن ولا تتبع غیره من<br />
الطرائق المعوجة الملتویة التي فیھا طاعة للكفار، أو سكوت عن بعض<br />
باطلھم..<br />
،[52<br />
* ومثلھ أیضاً قولھ لنبیھ صلى الله علیھ وسلم بعد أمره بتلاوة<br />
بقلیل: {ولا تطع من أغفلنا قلبھ عن ذكرنا واتبع ھواه وكان أمره<br />
فرطا * وقل الحق من ربكم فمن شاء فلیؤمن ومن شاء فلیكفر..}<br />
[الكھف: 29-28] والآیات مكیة.<br />
كتابھ (12)<br />
* ومثلھ قولھ تعالى في سورة الشورى وھي أیضاً مكیة، بعدما ذكر<br />
ما شرعھ لنا وللنبیین من قبل، نوح وإبراھیم وموسى وعیسى.. : {فلذلك<br />
فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أھواءھم..} [الشورى:<br />
سبحانھ لنبیھ بعد ذلك بقلیل أن یقول للكافرین: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم}<br />
[الشورى: 15].. براءة واضحة منھم ومن أھوائھم ومناھجھم وطرائقھم<br />
المنحرفة..<br />
15]، وأمره<br />
ومثلھ قولھ تعالى لنبیھ صلى الله علیھ وسلم في سورة الجاثیة<br />
وھي مكیة أیضاً: {ثم جعلناك على شریعة من الأمر فاتبعھا ولا تتبع أھواء<br />
الذین لا یعلمون * إنھم لن یغنوا عنك من الله شیئاً وإن الظالمین بعضھم<br />
أولیاء بعض والله ولي المتقین} [الجاثیة:<br />
.[19-18<br />
وھكذا فلو تتبعنا آیات القرآن، لوجدنا عشرات بل مئات الآیات الدالة<br />
على ھذه المعاني المھمة.. فا عز وجل لم یخلق عباده عبثاً.. ولم یتركھم<br />
ھملاً.. أفلا یكفي الدعاة وضوح ھذا المنھج واستقامتھ.. ؟؟ أوَ لا یسعھم ما<br />
وسع رسول الله صلى الله علیھ وسلم والنبیین من قبلھ..؟؟ أما آن لھم أن<br />
یستیقظوا من الغفلات؟؟ ویقوّ موا الإنحرافات.. أوَ ما كفاھم سقوطاً في<br />
(12) ومن معاني التلاوة: الاتباع، من تلا الشيء، أي تبعھ..<br />
ولا شك أن تلاوة كتاب الله عز وجل، بقراءتھ وتعلمھ والتمسك بھ واتباع أوامره من<br />
أعظم أسباب الثبات على ھذه الطریق كما تقدم، ویلتحق بذلك دوام ذكر الله عز وجل<br />
ومراقبتھ وقیام اللیل.. كما قال تعالى بعد الآیة المتقدمة من سورة الإنسان مباشرة:<br />
{واذكر اسم ربك بكرة وأصیلا ومن اللیل فاسجد لھ وسبحھ لیلاً طویلاً} [الإنسان:<br />
.[25<br />
(65)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
ألاعیب الطغاة.. وكتماناً للحق.. وتلبیساً على الناس.. ومضْیعة للجھود<br />
والأعمار..؟؟ فإنھ والله اختیار واحد..<br />
"إما شریعة الله، وإما أھواء الذین لا یعلمون...<br />
ولیس ھناك من فرض ثالث، ولا طریق وسط بین الشریعة<br />
المستقیمة، والأھواء المتقلبة..<br />
وإن ھذه الآیات لتعیّن سبیل صاحب الدعوة وتحدده، وتغني في ھذا<br />
عن كل قول وعن كل تعلیق أو تفصیل.. إنھا شریعة واحدة ھي التي<br />
تستحق ھذا الوصف، وما عداھا أھواء منبعھا الجھل.. وعلى صاحب<br />
الدعوة أن یتّبع الشریعة وحدھا، ویدع الأھواء كلھا.. وعلیھ ألا ینحرف عن<br />
شيء من الشریعة إلى شيء من الأھواء.. فأصحاب ھذه الأھواء یتساندون<br />
فیما بینھم ضد صاحب الشریعة.. فلا یجوز أن یأمل في بعضھم نصرة لھ..<br />
فھم إلب علیھ، بعضھم ولي لبعض.. ولكنھم مع ذلك أضعف من أن<br />
یضروه.. ولن یضروه إلا أذى، فا ولیھ وناصره، وأین ولایة من ولایة؟<br />
وأین ضعاف جھال مھازیل یتولى بعضھم بعضاً من صاحب شریعة یتولاه<br />
(13) ، الله..." {والله ولي المتقین}.<br />
ھذا ھو الطریق.. فھل من رجال؟؟<br />
أبو محمد<br />
سنة خمس وأربعمائة وألف<br />
من ھجرة المصطفى<br />
(66)<br />
(13) من الظلال بتصرف.<br />
منبر التوحید<br />
والجھاد<br />
* * *<br />
http://www.tawhed.ws<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
براءة<br />
مقدمة<br />
في بیان <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الفھرس<br />
عبادة الله حق العبادة مما یعین على القیام بھذه ال<strong>ملة</strong> العظیمة<br />
<strong>ملة</strong> إبراھیم لیست توحیداً نظریاً قولیاً وحسب<br />
معاداة الشرك وأھلھ من أصول <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الطغاة لا یرضون عن الدین إلا إذا كان بعیداً عن عدواة باطلھم<br />
معنى الصدع بالحق وإظھار الدین<br />
موالاة دین الله ونصرة أولیائھ من أصول <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
إبداء العداوة للمشركین ومعبوداتھم وإظھارھا وإعلانھا من أھم<br />
معاني <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
شبھة: حول إظھار العداوة للشرك وأھلھ<br />
بیان أن البراءة والعداوة في <strong>ملة</strong> إبراھیم على قسمین<br />
القسم الأول: عداوة الطواغیت والأوثان المعبودة<br />
القسم الثاني: عداوة المشركین أنفسھم<br />
الموقف من حكام ھذا الزمان وطواغیتھم القانونیة<br />
الموقف من حكام ھذا الزمان وطواغیتھم القانونیة<br />
موقف السلف مع أمراء الجور في أزمنة الشریعة والفتوحات<br />
ھاویة مصلحة الدعوة أو خدیعة ابلیس<br />
من معاني الركون إلى الظالمین<br />
شبھة: أن <strong>ملة</strong> إبراھیم ھذه تفضح الدعوة وتنافي السریة<br />
(67)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
أعظم نصر للدین إعلان <strong>ملة</strong> إبراھیم ولو لم تقم الدولة وأبید الدعاة<br />
جمیعاً فما الدولة الاسلامیة إلا وسیلة لإعلاء ھذه ال<strong>ملة</strong> وإعلانھا<br />
إذا صدع بعض الدعاة بھذه ال<strong>ملة</strong> وأعلنوھا، رُ خص لغیرھم ترك<br />
الصدع بھا<br />
الفرق بین مخادعة الكفار أثناء المواجھة لنصر الدین وبین<br />
انحرافات كثیر من الدعاة<br />
<strong>ملة</strong> ابراھیم مصادمة صریحة لأصحاب السلطان في ھذا الزمان<br />
من لقب غیر القرشي بإمام المسلمین أو أمیر المؤمنین فقد سلك<br />
مسلك الخوارج<br />
انحراف كثیر من الدعاة في ھذا الرمان عن <strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
الإبتلاء ھو سنة الله مع من صدع ب<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
عداوة الناس ومفارقتھم من صفات ھذه الطریق<br />
العزلة خیر وأفضل من الدعوة المنحرفة عن طریق المرسلین<br />
الصمت خیر من المداھنة<br />
العابد المعتزل خیر من الداعیة المداھن الملبس<br />
<strong>ملة</strong> إبراھیم ھي طریق النصر وھي دعوة الانبیاء والمرسلین<br />
إلى المنحرفین عن دعوة لمرسلین ممن یتشدقون بكلام سید قطب<br />
دعوة النبي صلى الله علیھ وسلم اتباعٌ ل<strong>ملة</strong> إبراھیم وصدعٌ بھا<br />
شبھة: الأصنام التي كانت حول الكعبة ودعوى أن النبي صلى الله<br />
علیھ وسلم كان ساكتاً عنھا<br />
النبي صلى الله علیھ وسلم یُكسر الأصنام في مكة زمن الاستضعاف<br />
أصل دعوة النبي صلى الله علیھ وسلم كانت إعلان البراءة من<br />
المشركین وأصنامھم زمن الاستضعاف وزمن التمكین<br />
بیان مشكل ما جاء في عیب الآلھة مع نھي الله تعالى عن سبھم في<br />
محكم التنزیل<br />
(68)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
بیان إشكال معاداة المشركین مع إیواء أبي طالب لنبي صلى الله<br />
علیھ وسلم<br />
وصلة الوالدین المشركین، وجوار ابن الدغنة لأبي بكر،<br />
النجاشي، وأمثالھ<br />
وإیواء<br />
الفرق بین الاستعانة بالمشركین، وبین إعانة المشرك للمسلم بنفسھ<br />
بدافع العصبیة أو غیرھا، دون لجوء من المسلم لو ركون<br />
أقسام الناس مع <strong>ملة</strong> ابراھیم<br />
الركون للمشركین وإظھار موالاتھم خوفاً على حظوظ الدنیا بلا<br />
إكراه، عمل ظاھره الكفر<br />
شروط صحة الإكراه والتفریق بین الإكراه على المعاصي والإكراه<br />
على الكفر<br />
أحكام الدنیا تجرى على الظواھر والله یتول السرائر<br />
قصة حاطب بن أبي بلتعة<br />
دعوى الإكراه عند كثیر من الناس وبیان المكره الحقیقي<br />
تكفیر علماء نجد لعساكر الدولة التركیّة ومن والاھم<br />
الطغاة یتمنون أن ینحرف الدعاة عن <strong>ملة</strong> ابراھیم إلى المداھنة<br />
محاولات الطغاة لحرف الدعاة عن ھذه الطریق<br />
أسالیب الطغاة لتمییع <strong>ملة</strong> إبراھیم في ھذا الزمان<br />
البرلمانات ومجالس الأمة الشركیة وجر الدعاة إلیھا<br />
استغلال كثیر من العلماء والدعاة واستغفالھم وتجنیدھم لمحاربة<br />
أعداء الطواغیت<br />
واستغلالھم في محاربة إخوانھم المسلمین أیضاً<br />
إغراءھم بالمناصب والمراكز والألقاب<br />
(69)<br />
منبر التوحید والجھاد
<strong>ملة</strong> إبراھیم<br />
إشغالھم في مؤسسات الضرار الحكومیة كرابطة العالم الإسلامي<br />
ووزارات الاوقاف والمعاھد والإذاعات وھبئات الأمر بالمعروف<br />
واستغلال ذلك لصالح الطغاة وحكوماتھم<br />
تربیة أجیال موالیة لھم تسبح بحمدھم وأفضالھم عن طریق<br />
المدارس<br />
الحل والعلاج والمخرج من الفتنة ھو (<strong>ملة</strong> إبراھیم)<br />
متى یصحوا الدعاة؟؟؟ ومتى تنتھي الغفلات؟؟؟<br />
ھذه<br />
(70)<br />
منبر التوحید والجھاد