22.07.2020 Views

ماكو فضاء حر للابداع - العدد 01

ماكو فضاء حر للابداع MAKOU free space for creativity ماكو مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ

ماكو فضاء حر للابداع
MAKOU free space for creativity
ماكو
مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل
من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة
بهذا التاريخ

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

فاضل العكريف : بداهة وال بداهة

من حوار معه عن منفاه.‏

الببغاوات

بعد تخرجه من معهد الفنون اجلمیلة ببغداد،‏

صار فاضال واحدا من عدد كبیر من اخلریجنی

احلاملنی باخلروج من العراق،‏ یومها،‏ تأخر حتقیق

حلمه،‏ بسبب شحة املال،‏ لكنه يف وقت الحق،‏ دبر

ما یسد مصاریف سفره الى ایطالیا التي وصلها

یوم 20 من شهر اغسطس عام 1977، نزل فاضل

يف فندق بالقرب من محطة روما،‏ ويف الیوم التالي،‏

خرج للتجوال والتعرف على املدینة،‏ لم یكن قد تعلم

من اإلیطالیة سوى بضع كلمات،‏ كان مبهورا بالعمائر

والكنائس العظیمة،‏ ذلك الیوم،‏ وقف فاضل دون

ان ینتبه يف مكان انتظار سیارات االجرة،‏ وسرعان

ما اوقف سائق سیارته بقربه،‏ واشار له ان یصعد،‏

فامتنع فاضل،‏ اخرج السائق راسه من الشباك

قائال:‏ ولكنك واقف يف مكان سیارات األجرة؟ ثم

اردف قائال:‏

ماذا تفعل يف روما؟ فأجاب فاضل:‏ انني هنا لدراسة

الفن.‏ - ترید اذن ان تكون فنانا؟ ثم اعقب:‏ هل تعلم

انني قابلت راكبا ذي شخصیة غریبة،‏ یّدعي بانه

فنان،‏ كان مبعیته ببغاء حي،‏ یحمله على یده،‏ وطلب

مني ان اوصله الى متحف الفن يف روما.‏ ثم عاد

السائق لیسأل فاضل ان كان راغبا يف ان یوصله الى

املتحف الذي اوصل الیه ذلك الفنان،‏ رفض فاضل

اول األمر،‏ بسبب عدم امكانه دفع األجرة،‏ لكن

السائق بادره بالقول،‏ انه سیوصله الى هناك مجانا.‏

وصل فاضل الى املتحف الذي لم یكن بعیدا،‏ فدخل

وعرف بعد حنی،‏ ان املتحف یقیم معرضا عن الفن

املعاصر،‏ سأل املنظمنی عن الفنان صاحب الببغاء؟

فظهر انه الفنان الیوناني/‏ االیطالي ‏)یانیس كونیلیس

) املولود يف الیونان عام 1936 واملتويف عام 2016،

الذي مر يف البدء،‏ بفترة عرض رسم فقط،‏ اال انه

حتول الى مزاوجة الرسم والنحت واألداء،‏ ومنذ عام

1963، قدم احلیوانات احلیة والنار واألرض واكیاس

اخلیش ومادة الذهب.‏ راى فاضل يف املتحف عمل

كونیلیس،‏ وكان عبارة عن ببغاء حي،‏ جاورته قنینة

غاز یخرج منها الدخان األسود وسخامه.‏ يف تلك

الفترة،‏ كان الفن املعاصر ینتهي بالنسبة لفاضل

مع الفنان االنكلیزي فرانسیس بیكون،‏ لم یكن لدیه

اطالع معريف اكثر سعة من ذلك،‏ اال ان هذا العمل

الذي صدمه ورسخ يف ذاكرته بشدة كما یصف

فاضل ذلك افضى به الى تأسیس بوادر معرفته

االولى بالفن املعاصر.‏ ویؤكد لي فاضل ان:‏ ‏"كل

حیوانات كونیلیس التي استخدمها كانت حیة"،‏ فقلت

له:‏ ان استعمال ببغاء حي یعني انه لم یفعل كما

فعل األمریكي راوشنبرك،‏ بجلب حیوانات محنطة،‏

بل وضعه كما هو،‏ هي اذن حیوات ماثلة امامنا بال

ایهام،‏ ولیست مرسومة او ممثلة بشيء اخر من غیر

طبیعتها العینیة احلقة،‏ فهي هي ذاتها،‏ بحرارتها

وهوائها الذي تتنفسه.‏ صمت فاضل قلیال،‏ ثم بادر

بالضحك،‏ لقد تذكر احداث فیلم وثائقي له صلة

بسیاق حدیثنا:‏ ‏"عرض الفیلم تفاصیل حادث واقعي،‏

وهو زیارة رجل مبعیة زوجته الى بینالي فینیسیا يف

عام 1978، دخل الزوجان يف صالة كبیرة وفارغة،‏ ثم

بعد برهة من تسریح الزوج نظره يف ارجاء الصالة،‏

قال لزوجته:‏ انظري نحن االیطالیون نتقاعس وال

نكمل اعمالنا،‏ الحظي يف نهایة هذه القاعة،‏ الزال

اجلدار مهدما ولم یتم ترمیمه،‏ لكنه،‏ لم ینتبه الى

قطعة الكرتون األبیض املعلقة على جدار الصالة

بقرب الثغرة احلادثة فیه،‏ والتي ‏ُكِ‏ تب علیها اسم

الفنان كالرك ماتا ( Matta ،)Clark واملعروف عنه

ولعه بالهدم،‏ فقد احدث ثغرة يف اجلدار لكي نطل

من خاللها على مشهد منظر طبیعي لبحیرة يف

مدینة البندقیة.‏

قوة الفن

لم یعد العمل الفني بالنسبة لفاضل،‏ مشروطا بأن

یكون رسما،‏ كما كان احلال يف ماضیه،‏ بل اخلطاب

ذي الفاعلیة النافذة،‏ هو هدفه،‏ ولم یعد ایضا

یقتصر على مسرب بعینه،‏ اال مبقدار قوة البث

فیه،‏ ولیس لكینونة الشخصیة الفردیة من حظوة

يف اعماله،‏ اال يف حال اتصالها العضوي واملفاهیمي

بالزمان الذي تعیشه.‏ اخلطاب هو األهم،‏ قبل ان

یأخذ شكله،‏ وهاهو یظهر يف صورة فوتوغرافیة

یلتقطها او یقتطعها من صحیفة،‏ يف حجارة الشارع،‏

او شریحة فیلمیة،‏ او لقیة،‏ اواي شيء اخر یوقد يف

مخیلته جذوة العمل،‏ فاجلمال لوحده لیس بهدف

للفن،‏ انه قوة الفن ذاتها،‏ وهي يف اشد ضراوتها

التعبیریة،‏ انه ‏ُجّ‏ ماع قلقه ووساوسه القهریة،‏ امله وهو

یرى العالم من حوله میشي مترنحا بسبب ما اعترى

روحه من جروح.‏ لقد اختار فنانو احلداثة األولى ان

ینشغلوا بتحویر شكل العالم،‏ لكن یبدو منذ زمن غیر

بعید،‏ ان هناك نزعات حتاول ان ترجعه الینا بال

حتویر،‏ ارجاع العالم ووجه اإلنسان كما هو،‏ ارجاع

كینونة اإلنسان وهي تصنع ذاتها بحریة،‏ وكینونة

العالم وهو ماثل امامنا بحشرجته وارتعاشات قلبه

النابض.‏ ال مناص له من مواجهة مواضعات من دم

وحلم جدیدین،‏ فمنذ حركة دادا لم یعد الفن كما

كان،‏ اذ توسعت مساحة مرفوضاته،‏ حتى انه لم یعد

یقبل بأي محاولة لتثبیت جوهر محدد له...‏ ولكن،‏

ما الغرابة يف األمر؟ الیس الفن متردا دائما على ما

هو قائم؟ متردا على التقالید و األعراف الثابتة؟.‏

تقنية احملو

كان فاضال یتلذذ بطمس بعض مالمح اعماله،‏ لعله

بذلك،‏ كان یطمح الى ان یحاور الروح الدارسة وهي

تتلبس االشیاء،‏ افلیس اإلندراس جننی العدم الذي

یحیطنا من كل صوب وحدب؟ رمبا سیجلب له هذا

الطمس بتغضناته واخادیده ومتزقاته،‏ رسوما تشي

له مبا یحیله الى جللجة ستنطوي على سر حجبته

طبقات الواقع املعیش،‏ هل كان فاضال یا ترى،‏

منخرطا يف محاولة لتهیئة مناخ لتفعیل الهلوسة

البصریة؟ ام كان ذلك انغماسا يف فعالیة من نوع

باریدولیا :Paredolia ظاهرة حتفیز الصور للمخ

لقراءتها بوجوه اخرى؟ فما زال یتذكر اشجار العنب

التي وجدها على سطح احد اجلبال االیطالیة،‏

وصیرها جزءا من صوره الفوتوغرافیة التي التقطها

لذلك املكان،‏ كانت تنوء بوطء عدمها اخلریفي،‏

فاذكى فاضل هذا العدم بامعانه يف طمس معالم

صورتها.‏ قال لي:‏ ‏"اشجار العنب هذه،‏ مت قطف

عناقیدها فبدت بعد ذلك عاریة متاما...‏ انتبهت الى

شكل توزیعها وهي راسخة يف األرض،‏ لقد بدت اشبه

بالطوابیر البشریة،‏ املصطفة،‏ معصوبة العیون تنتظر

تنفیذ حكم باملوت".‏ هو اذن مشهد اراد له ان یكون

درامیا،‏ مشهد كما لو كانت تفاصیله جمیعها تنبيء

بحدث جلل...‏ لكن،‏ لو اكتفینا بالقلیل من املخیلة

املتشائمة،‏ سنستطیع القول وبال وجل:‏ هي يف حال

ترقب قلق لنهایة االعتدال املناخي،‏ حیث نشعر،‏ كما

لو ان اللیل سیفترس بقایا النهار دون ان یلفظها،‏

بل سیبتلعها ابتالعا.‏ نائت هذه األشجار بثقل

اغصانها،‏ فمالت ذات الیمنی وذات الیسار،‏ يف حنی

وشي حلائها لون االحتراق األصفر املمزوج بسواد

الدخان.‏ هل هي یاترى سیمیاء قیامة متخیلة؟ وهذه

السیقان املوزعة على االرض،‏ اهي اشباه ألجساد

75

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!