36069074
36069074
36069074
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
رسالة إلى ولدي<br />
العصر أو لا تناسبه؟ ونحو ذلك … وإن أخاك أثناء هذا الحديث كله، لم يستطع أن<br />
ينبس بكلمة ولا أن يشارك في هذا الحديث بأي رأي؛ لأنه لم يسمع قبل هذا املجلس عن<br />
عمر الخيام، ولم يعرف عنه شيئًا، وأنه خجل من نفسه وخجل من ثقافته.<br />
وأنت الآن تدرس الهندسة كأخيك، وأخشى أن تكون أيضً ا لم تسمع بعمر الخيام<br />
وأمثاله … وربما لم يسمع عنه أيضً ا كل إخوانك في كلية الهندسة، وكل زملائك في كلية<br />
الطب والزراعة والتجارة، وبعبارة أخرى كل املتخصصني في الدراسات العلمية والفنية.<br />
وهذا عيب شنيع ألفت إليه نظرك ونظر زملائك، وأريد أن تتبرأوا منه جميعًا. إنكم<br />
تظنون أن واجبكم يحتم عليكم دراسة فنكم والتوسع فيه ما أمكن وكفى، فإن كان<br />
عليكم واجب ثقافي آخر فقراءة جريدة سياسية أو مجلة خفيفة، تقرأونها عند تنقلكم في<br />
الترام أو القطار، أو للتسلية قبل النوم، فإن تم هذا كله ظننتم أنكم أديتم واجبكم نحو<br />
عقلكم … ولا بأس بعد ذلك أن تجهلوا عمر الخيام وأمثال عمر الخيام، وأن تجهلوا ما<br />
يجري في العالم من شئون اجتماعية وثقافية عامة أدبية، وفي هذا من الخطأ ما يجب أن<br />
تتحرر منه أنت وأمثالك.<br />
إنك إنسان قبل أن تكون مهندسً ا أو طبيبًا أو تاجرًا أو نحو ذلك، وإنك إنسان<br />
ذو عقل، كما إنك إنسان ذو معدة، وكما يجب عليك تغذية معدتك يجب عليك تغذية<br />
عقلك، وليست الهندسة أو الطب أو نحو ذلك، تغذي عقلك إلا في ناحية محدودة ضيقة.<br />
إن الهندسة تغذي مجموعة صغرية من الغدد في املخ، أما سائر الغدد فلا تجد غذاءها<br />
في الهندسة ولا الطب … إنما تجد غذاءها في املعلومات العامة والثقافة العامة؛ ولذلك<br />
كثريًا ما تجد مهندسني أو أطباء أو نحوهم، وهم مع معرفتهم الواسعة بمهنتهم عوام<br />
أو أشباه عوام … فيما عدا فنهم الذي تخصصوا فيه. تسمع جدالهم أو آراءهم في غري<br />
فنهم، فيضحكك حديثهم كما يضحكك حديث من لم يتثقفوا، وليست الجرائد واملجلات<br />
الرخيصة كافية للغذاء الجيد الناضج في شيء، بل إن كثريًا من هذه املجلات الرخيصة<br />
تضر أكثر مما تنفع … عمادها إثارة الغرائز الجنسية بحديثها وقصصها ومناظرها،<br />
فهي تعالجها — وتعالجها وحدها — كأن ليس في الوجود شيء غري هذه الغريزة،<br />
فأعيذك باهلل من أن يكون أفقك في الحياة هذا الأفق الضيق املحدود.<br />
أي بني!<br />
إن أخاك هذا ذكر لي بعد ذلك أنه انتقل من إنجلترا إلى السويد ليتمرن في مصانعها<br />
الهندسية، وأنه صحب مهندسً ا سويديٍّا يحب القراءة في الكتب الأدبية وفي كتب النفس<br />
33