36069074

رسالة إلى ولدي
على أكتاف الشبان،‏ أمثال فتية أهل الكهف،‏ وأمثال عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد
وأمثالهما،‏ لأنه لهم من املرونة ما يجعلهم يقبلون الدعوة الجديدة،‏ بينما كان أمثال
دريد بن الصمة الشيخ،‏ والأعشى الشيخ أيضً‏ ا وأمثالهما لا يألفون الإسلام لأنهم شبوا
على غريه.‏ قال جان جاك روسو:‏ ‏«يولد الإنسان ويموت وهو مسترق مستعبد،‏ يشد عليه
القماط يوم يولد والكفن يوم يموت.»‏ وهو يقصد بذلك إلى تقيده بالعادات من يوم أن
يولد إلى يوم أن يموت،‏ فهو من حني كان في بطن أمه مقيد بعادات موروثة من أبويه،‏
ثم بعادات تعو َّدها مدى الحياة منذ أن كان طفلاً‏ إلى أن صار شيخً‏ ا.‏
ومن نعم الله عليك وعلى أمثالك أن كانت العادة سهلة التغيري،‏ فيمكنك تغيري
العادات السيئة التي ورثتها عن آبائك وبيئتك في مصر إلى عادات أحسن منها وجدتها في
إنجلترا؛ فيجب لذلك اتباع القواعد الآتية التي وضعها الأستاذان بني وجيمس وهي:‏
(١) اعزم عزمًا قويٍّا لا يشوبه تردد،‏ وضع نفسك في املواضع التي لا تلائم العادة
القديمة،‏ وارتبط ارتباطات كثرية منافية لها،‏ وإذا رأيت أن إعلان عزمك على تركها مما
يبعدك عن العودة إليها،‏ فافعل.‏ فمثلاً‏ إذا أحببت أن تترك التدخني فتعمد جلوسك مع
أصحاب لا يدخنون واعلن بني أصدقائك أنك تركت التدخني،‏ فهذا مما يعينك عليه.‏
(٢) لا تسمح لنفسك بمخالفة العادة الجديدة،‏ إلا بعد أن تتمكن جذورها من نفسك
وحياتك،‏ فإنك إذا سمحت لنفسك ولو مرة بالتدخني انفلت العيار،‏ كالبكرة تلف خيطًا
عليها،‏ فإذا سقطت البكرة ولو مرة واحدة انحل َّ من الخيط ما يحتاج لإعادة طيه إلى
عشرات من اللفات؛ ولذلك كان العزم على ترك العادة السيئة مرة واحدة خريًا من تركها
بالتدريج،‏ لأن التدريج يشوقك إليها باستمرار.‏
(٣) انتهز أول فرصة لتنفيذ ما عزمت عليه،‏ فإن الصعوبة ليست في العزم،‏ وإنما
هي في تنفيذه.‏
(٤) حافظ على قوات املقاومة واحفظها حية في نفسك،‏ وذلك بأن تتبرع كل يوم بعمل
صغري لا تقصد منه إلا مخالفة نفسك وآرائك؛ لأن هذا يعينك على مقاومة املصائب إذا
حان حينها،‏ وأرجو الله لك التوفيق دائمًا.‏
حاشية:‏ مرضت أمك مرضً‏ ا شديدًا،‏ ألزمها الفراش،‏ وارتفاع الحرارة،‏ وألححت
عليها استدعاء الطبيب فلم تقبل بحجتني:‏
الأولى:‏ الاعتقاد في القدر،‏ وأن ما كتب على الجبني تراه العيون،‏ وما قدر على الإنسان فلا
بد أن يراه.‏
49