36069074
36069074
36069074
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
إلى ولدي<br />
وكنتُ أعرف صديقًا، رحمه الله، ملأه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان وطنيٍّا<br />
مخلصً ا ومحبٍّا للعلم مخلصً ا، يفرغ من عمله فيكمل نفسه بحضور الدروس على الشيخ<br />
محمد عبده رحمه الله، ثم على الشيخ محمد رشيد رضا وغريهما من العلماء، ويستفهم<br />
عما لا يفهم، ويعلم من يجهل، وضم إلى العلم الوطنية، وكانت وطنيته أرفع من أن<br />
تنغمس في حزب فكان فوق الأحزاب. وكان يعمل أكثر مما يقول، ويتبع قول املرحوم<br />
قاسم بك أمني: «إن الوطنية الصادقة تعمل في صمت». وجد َّ في تربية زوجه وأولاده على<br />
مبادئه، فكان يصلي بهم الفجر حاضرً ا، ويلزمهم الصدق في كل ما يقولون والعدل في<br />
كل ما يفعلون، سواء عليه في ذلك بنته أو ابنه، فعوضه الله عن مجهوده بصلاح أبنائه<br />
وبناته ونجاحهم جميعًا في الحياة. كان إذا عُذ ِّب أو أُهني احتمل ذلك في ثبات، ومن<br />
الأسف أن استقامته أغضبت كثريًا من إخوانه ورؤسائه فكانوا ينقلونه من القاهرة إلى<br />
أقصى الصعيد، ولكنه مع ذلك يحتمل ويحتمل، ويصلح ما فسد في أي مكان رحل إليه،<br />
فيزيدهم ذلك غيظًا وهو لا يبالي، حتى مات، رحمه الله، راضيًا عن نفسه مطيعًا ربه،<br />
ومثل ذلك قليل. فاعمل لتكون مثلَه، وفقك الله وأي َّدك وأمد َّك بروح منه والسلام.<br />
حاشية: أتذكر فلانًا صديقك؟ إنه كان يعمل في كلية الهندسة في مصر فأدار آلة<br />
ميكانيكية كبرية ولم يحتط الاحتياط الكافي، ولم يلتفت إلى الآلة الالتفات الضروري،<br />
فمس سلكًا كهربائيٍّا فيها فصعق ومات، رحمه الله، وإني لا أقص عليك هذه القصة<br />
لأزعجك ولكن لأحذ ِّرك، فاتقِ شر ما عمل، وأعط كل عقلك وانتباهك إلى العمل الذي<br />
تعمله، وكن جادٍّا كل الجد في أوقات الجد، ولا بأس أن تكون هازلاً بعد في أوقات الهزل.<br />
وقد ذكرت لي في إحدى خطاباتك أن آلة مكهربة كاد يمسها تلميذك والعامل عندك، وهو<br />
إذا مسها صعق لكثرة ما فيها من شحنة كهربائية، فصرخت في وجهه صرخة قوية،<br />
وظلت أسبوعً ا لا تجد أعصابك، فحمدت لك ذلك، وأردت أن أنبهك على غلطة زميلك،<br />
والسلام عليك من والد يريد الخري لك دائمًا.<br />
62